

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب
العالمين وأفضل صلواته واكمل تحياته على اشرف الخلائق محمد وآله الطيبين الطاهرين
لا سيما بقية الله في الأرضيين أرواح من سواه فداه.
وبعد فهذا هو
الجزء السادس من كتابنا زبدة الأصول من الطبعة الثانية وفقنا لنشره واخراجه إلى
عالم الظهور والمرجو من الله تعالى المزيد من التوفيق لنشر معالم الدين وما فيه
خدمة المسلمين.
خاتمة : حول اعتبار بقاء الموضوع
ثم ان خاتمة
الكلام في الاستصحاب إنما هي بذكر أمور :
الامر الأول : لا
خلاف ولا اشكال في انه يعتبر في جريان الاستصحاب بقاء الموضوع ، وتوضيح البحث فيه
وتنقيح المرام ببيان أمور :
منها : في الدليل
على ذلك ، وقد استدل له الشيخ الأعظم ، بان بقاء المستصحب لا في موضوع محال ، وكذا في موضوع آخر
اما لاستحالة انتقال العرض ، واما لان المتيقن سابقا وجوده في الموضوع السابق
والحكم بعدم ثبوته لهذا الموضوع الجديد ليس نقضا للمتيقن السابق.
وأورد عليه المحقق
الخراساني بان استحالته حقيقة غير مستلزم لاستحالته تعبدا والالتزام
بآثاره شرعا.
ورد هذا الإيراد ،
بأنه كما يستحيل انتقال العرض الخارجي من محل إلى محل آخر كبقائه بلا محل كذلك
يستحيل انتقال الوجوب وغيره من الأحكام الشرعية ، وان شئت قلت ان الوجوب متقوم في
النفس بموضوع خاص ، وعليه فانشاء ذلك الربط الخاص لغير موضوعه ، يستلزم انتقال
العرض من محل إلى محل آخر.
ولكن يمكن توجيه
ما أفاده بان المحال انتقال العرض ، واما بيان الحكم
__________________
بلسان انتقال
العرض فلا محذور فيه ، والاستصحاب في اللب والواقع يكون دائما جعلا للحكم ، وبيان
ذلك بلسان إلا بقاء لا محذور فيه.
ويمكن توجيه كلام
الشيخ (ره) بنحو لا يرد عليه هذا الإيراد انه مع عدم بقاء الموضوع لا يجري الأصل
للشك في استعداد العرض المتقوم بالموضوع للبقاء لامتناع بقاء العرض بلا محل ،
وانتقاله من محل إلى محل آخر ، ومع الشك في الاستعداد لا يجري الاستصحاب ، وهذا
على مبناه تام ، ولكن قد مر ضعف المبنى.
فالصحيح ان يستدل
له : بأنه مع عدم بقاء الموضوع لا محالة لا تكون القضية المتيقنة متحدة مع القضية
المشكوك فيها ، ومع عدم اتحاد القضية المتيقنة مع القضية المشكوك فيها ، لا يصدق
الابقاء على العمل على طبق الحالة السابقة ، والنقض على عدم العمل على طبقها ـ مثلا
ـ من كان عالما بعدالة زيد وشك في عدالة ابنه ، لا يصدق على ترتيب آثار العدالة
على ابنه إبقاء اليقين ، وعلى عدم ترتيبها النقض ، وهذا من الوضوح بمكان.
ومنها : بيان
المراد من بقاء الموضوع ، لا اشكال في انه ليس المراد بقاء الموضوع خارجا : إذ لا
ريب في جريان الاستصحاب لو كان الشك في ثبوت شيء وبقائه ، فان الموضوع حينئذ نفس
الماهية وحيث لا ثبوت لها ولا تقرر فلا يكون لها الحدوث والبقاء.
بل المراد منه كون
القضيتين بنحو يكون متعلق الشك بعينه متعلق اليقين ، وهذا كما يصدق في الشك في
العارض والمحمول من جهة الشك في طرو المانع مع اليقين بوجود معروضه ، كذلك يصدق
عند الشك فيه من جهة
الشك في بقاء
معروضه.
ويتضح ذلك بذكر
وجوه الشك في البقاء ، وبيان ما هو الحق فيها.
ونخبة القول في
المقام : ان الشك تارة يكون في المحمولات الأولية من الوجود والعدم ، وأخرى ، يكون
في المحمولات المترتبة ، كالقيام والقعود والعدالة ونحوها من المحمولات التي لا
تترتب على الشيء إلا بعد وجوده.
فان كان الشك في
المحمول الأولى ، يجري الاستصحاب ، والموضوع في القضيتين هي الماهية المجردة عن
الوجود والعدم ، وهي واحدة في القضيتين ، وان شئت قلت : انه لتمامية أركان
الاستصحاب من اليقين السابق والشك اللاحق ، وصدق الإبقاء على العمل على طبق اليقين
السابق ، والنقض على رفع اليد عنه يجري الاستصحاب : إذ لا يعتبر فيه سوى ما ذكر
شيء.
جريان الاستصحاب في المحمولات الثانوية
وان كان المحمول
من المحمولات الثانوية :
فقد يكون الشك في
البقاء ، بعد إحراز ذات الموضوع كما لو علم بحياة زيد ، وشك في بقاء عدالته.
وقد يكون مع الشك
في بقائه أيضاً.
لا اشكال في جريان
الاستصحاب في القسم الأول.
واما القسم الثاني
: فقد يكون الشك في بقاء المحمول مسببا عن الشك في
بقاء الموضوع بحيث
لو أحرز الموضوع كان المحمول المترتب محرزا أيضاً ، كما إذا شك في بقاء مطهرية
الماء للشك في بقاء اطلاقه.
وقد لا يكون مسببا
عنه ، بل كان كل منهما متعلقا للشك مستقلا كما لو شك في حياة زيد لاحتمال موته ،
وشك في عدالته على فرض حياته لاحتمال فسقه.
اما القسم الأول :
فتارة يكون ذلك بعد العلم بحقيقة الموضوع وحدوده.
وأخرى : يكون
لإجمال الموضوع وعدم تبينه :
اما في الصورة
الأولى : فان كان المحمول المترتب من الأحكام الشرعية يجري الاستصحاب في الموضوع
ويترتب عليه المحمول ، ولا يجري في ذلك المحمول ، وان كان من غيرها ، فاستصحاب
بقاء الموضوع لا يكفى لعدم كون الترتب شرعيا فلا يترتب عليه ثبوت المحمول المشكوك
ثبوته.
فما أفاده المحقق
النائيني (ره) من انه لا اشكال في ان جريان الأصل في الموضوع يغنى عن
جريانه في المحمول المترتب لأنه رافع لموضوعه.
غير تام : لعدم
كونه رافعا له في غير الأحكام الشرعية.
ولكن يجري
الاستصحاب في نفس المحمول الثانوي ويحكم ببقائه : لان هذا الموجود الخاص ، كعدالة
زيد ، متيقن سابقا ، ومشكوك فيه لاحقا ، فالقضية المشكوك فيها بعينها هي القضية
المتيقنة فيجرى الاستصحاب فيها : إذ لا دليل
__________________
على اعتبار إحراز
بقاء الموضوع في جريانه من غير جهة الاتحاد المحرز في المقام.
نعم ، بعض الآثار
في نفسه يلزم في ترتبه إحراز الموضوع كالإنفاق ، وهذا امر غير مربوط بالاستصحاب ،
بل يعتبر إحراز الموضوع من جهة احتياج ترتب ذلك الأثر على إحرازه ، هذا بناءً على
المختار من جريان الاستصحاب في موارد الشك في المقتضى.
واما على مختار
الشيخ الأعظم (ره) والمحقق النائيني (ره) من عدم جريانه فيها ، فالظاهر عدم جريان هذا الأصل للشك في
استعداد العرض المتقوم بالموضوع للبقاء لامتناع بقاء العرض بلا محل وانتقاله من
محل إلى آخر ، ومع الشك في الاستعداد لا يجري الاستصحاب.
ولعله إلى هذا نظر
الشيخ الأعظم (ره) في الاستدلال بالدليل العقلي لاعتبار بقاء الموضوع المتقدم
كما مر وهو على مسلكه تام.
والغريب ان المحقق
النائيني (ره) مع اختياره هذا المسلك ، أورد على الشيخ الأعظم (ره) بان
الاستدلال بهذا الدليل تبعيد للمسافة.
هذا كله إذا كان
موضوع الأثر ثبوت المحمول الثانوي.
واما ان كان هو
وجود الموضوع وثبوت المحمول له ، فلا يجري الاستصحاب
__________________
إذ استصحاب بقاء
الموضوع ، وان كان يجري إلا انه لا يترتب عليه المحمول الثانوي لكونه من لوازمه
غير الشرعية ، ولا يجري في المحمول الثانوي لعدم الشك فيه على تقدير بقاء الموضوع
، ولا يكون هو محرزا بالوجدان.
وعليه ، فلا يجري
الاستصحاب في هذا الفرض.
واما في الصورة
الثانية : وهي ما إذا كان الموضوع مجملا ، كما لو شك في بقاء نجاسة الكلب الذي صار
ملحا ، من جهة الشك في ان الموضوع للنجاسة ومعروضها ، هو ذات الكلب بما له من
المادة الهيولائية المحفوظة في جميع التبدلات ، والانقلابات حتى في حال انقلابه
ملحا ، أم يكون الموضوع الكلب بصورته النوعية الزائلة عند انقلابه ملحا.
فلا يجري
الاستصحاب لا حكما ولا موضوعا.
اما الحكمي فلعدم
إحراز اتحاد القضية المتيقنة ، مع المشكوك فيها ، الذي يدور مدار صدق نقض اليقين
بالشك ، ومع عدم الإحراز ، يكون التمسك بعموم ما دل على حرمة النقض من باب التمسك
بالعام في الشبهات المصداقية.
اما الاستصحاب
الموضوعي فلعدم معلوميته وتردده بين ما هو مقطوع البقاء ومقطوع الارتفاع ، واما
استصحاب بقاء موضوعية الموضوع ، فهو عبارة أخرى عن استصحاب الحكم.
واما استصحاب بقاء
موضوع الحكم الذي هو عنوان عرضي ، فلا يجري لعدم ترتب الأثر عليه.
واما القسم الثاني
: وهو ما لو كان الشك في كل منهما مسببا عن غير سبب الآخر ، كما لو شك في عدالة
زيد لاحتمال فسقه مع الشك في حياته أيضاً.
فقد ذهب الشيخ
الأعظم (ره) وتبعه المحقق النائيني (ره) إلى جريان استصحابين ، أحدهما في الموضوع ، والآخر في
المحمول ، وبضم أحدهما إلى الآخر ، يحرز الموضوع ويترتب عليه حكمه ، إذا كان الأثر
مترتبا على مجموعهما ، وقد التزم في الاستصحاب الجاري في المحمول كالعدالة في
المثال بإجرائه فيها على تقدير الحياة ، نظرا إلى انه لو كان المستصحب العدالة
نفسها كان ذلك من الاستصحاب في الشك في المقتضى إذ بعد ما لم يكن الموضوع لها هو
الشخص اعم من كونه حيا ، أو ميتا ، بل الحي خاصة ، لو شك في الحياة يشك في الموضوع
، ومع الشك فيه ، بمقتضى البرهان المتقدم يكون من الشك في المقتضى ، فلا يجري
الاستصحاب ، وهذا بخلاف ما لو أجرينا الأصل في العدالة على تقدير الحياة ، فانه
على هذا التقدير يكون استعداد المستصحب للبقاء محرزا ، ويكون الشك في الرافع ،
فإذا اجرينا الأصل في ذلك ، وضممنا إلى ذلك الأصل الجاري في الحياة ، المثبت لذلك
التقدير ، فقد احرزنا الموضوع للأثر ، ويترتب الأثر.
ولكن يرد عليهما
ان استعداد المستصحب للبقاء إنما يكون محرزا ، فيما إذا
__________________
كان المستصحب
العدالة على تقدير الحياة واقعا ، لا على تقديرها ولو ظاهرا ، إذ الأصل الجاري في
ذلك التقدير لا يصلح لاثبات كون المحمول مما له استعداد البقاء إلا على القول
بالأصل المثبت ولا نقول به ، وعليه فذلك التقدير لا يحرز بالاستصحاب الجاري في
الموضوع.
نعم بناءً على
المختار من جريان الاستصحاب في الشك في المقتضى يجري الاصلان المشار اليهما ، بل
لا يحتاج في ترتب الأثر إلى إجراء الأصل في العدالة على تقدير الحياة ، بل في
العدالة التي هي موجودة خاصة في نفسها وبضم احد الاصلين بالآخر يتم الموضوع ويترتب
عليه الأثر.
ملاك اتحاد القضية المتيقنة والقضية المشكوك فيها
ومنها : بيان ملاك
اتحاد القضية المتيقنة والقضية المشكوك فيها.
وبعبارة أخرى :
ملاك بقاء الموضوع : هل هو نظر العقل فلا يجري مع تغير أي خصوصية فرضت.
أم يكون الملاك
نظر العرف ، فيكفي الاتحاد العرفي في جريانه ، وان لم يكن متحدا في نظر العقل
الفلسفي.
أم يكون الملاك
الاتحاد بحسب الدليل المثبت للحكم؟
والكلام في هذا
الأمر في موارد :
١ ـ في صحة هذا
الترديد.
٢ ـ في انه يختلف
الحكم باختلاف الانظار ، وبيان النسبة بينها.
٣ ـ في تعيين ما
هو الملاك.
اما المورد الأول
: فقد ذكر هذا الترديد الشيخ الأعظم .
وأورد عليه
بإيرادات :
أحدها : ان الرجوع
إلى العقل إنما يصح في المستقلات العقلية ، ولا معنى للرجوع إليه في الموضوعات
الشرعية ، لأنه لا سبيل له إليها ، لعدم كون مناطات الأحكام الشرعية بيده فما معنى
الرجوع إلى العقل.
ثانيها : ان الشيخ
قال ان اخذ الموضوع من العقل لزم البناء على عدم حجية الاستصحاب في الأحكام
الشرعية إلا فيما إذا كان الشك في بقاء الحكم ناشئا من احتمال وجود الرافع ، أو
الغاية ، وهذا بخلاف ما إذا كان الملاك نظر العرف ، أو الدليل المثبت للحكم فانه
لا ينحصر جريانه حينئذ بما ذكر ، مع ان بناء الشيخ على عدم جريان الاستصحاب عند
الشك في المقتضى مطلقا ، فكيف جعل ذلك من ثمرات هذا الترديد.
ثالثها : انه ما
معنى المقابلة بين ما اخذ في الدليل موضوعا ، وبين ما يراه العرف موضوعا ، فانه ان
أريد من الثاني ما يراه العرف موضوعا بحسب نظره :
__________________
فيرد عليه انه ليس
مشرعا ، وان أريد به ما يتسامح فيه العرف ويراه من مصاديق موضوع الدليل ، مع عدم
كونه منها حقيقة ، فيرد عليه ، ان المسامحات العرفية في تشخيص المصاديق تضرب على
الجدار ، بل لا بدَّ من إحراز صدق المفهوم على المصداق ، وان أريد به الرجوع إلى
العرف في تعيين مفهوم اللفظ وتشخيصه فهو وان كان صحيحا ، إلا ان المراد من موضوع
الدليل أيضاً ذلك إذ لا عبرة بالظهور التصوري ، ولا بالظهور التصديقي البدوي
الزائل ، بعد ملاحظة القرائن قطعا.
وفي الجميع نظر :
اما الأول فلأنه
يمكن دفعه بان المراد من الاتحاد بنظر العقل ليس تعيين الموضوع بنظر العقل ، بل
المراد اتحاد الموضوع في القضيتين بالدقة العقلية ، كما لو علم بوجود زيد وشك في
بقائه فان معروض الوجود بعينه موضوع القضية المشكوك فيها.
واما الثاني :
فلإمكان ان ينتصر للشيخ (ره) بان المتيقن قد يكون بحيث لا يبقى في عمود الزمان
بنفسه مع قطع النظر عن حدوث شيء أو ارتفاعه ، فلو شك في ذلك يكون ذلك من الشك في
المقتضى ، وقد يكون بنفسه باقيا ما لم يرفعه رافع ، كالنجاسة ، ولو شك في الرافع
يكون ذلك من الشك في الرافع الذي بنى الشيخ (ره) على جريان الاستصحاب فيه ، وهو
على قسمين إذ ربما يكون الرافع حدوث امر معدوم وقد يكون انعدام امر موجود ، فلو
قلنا بان المتبع في الاتحاد نظر العرف كان الاستصحاب جاريا في القسمين ، ولو قلنا
بان المتبع هو العقل لزم جريانه في خصوص القسم الأول.
وبذلك يرتفع التنافي
بين كلمات الشيخ (ره).
كما ان به يظهر ان
مراده من الرافع هو خصوص القسم الأول فتدبر.
كما انه بذلك يظهر
عدم تمامية ما أفاده المحقق الخراساني من انه لو كان المناط نظر العقل لما كان سبيل إلى جريان
الاستصحاب في الأحكام الشرعية ، وكان جاريا في الموضوعات :
فانه في الأحكام
إذا كان منشأ الشك حدوث امر معدوم كالشك في بقاء الطهارة من جهة خروج المذي ، كان
الاستصحاب جاريا حتى على هذا المسلك ، كما انه في الموضوعات إذا شك فيها لأجل
نقصها مما كانت عليه كالكر المأخوذ منه مقدار من الماء ، لا يجري الاستصحاب على
ذلك.
واما الثالث :
فلامكان الجواب عنه بان للعرف نظرين :
أحدهما بما هو من
أهل فهم الكلام.
ثانيهما بما ارتكز
في ذهنه من المناسبات بين الأحكام والموضوعات ، على خلاف ما هو متفاهم الكلام ، ما
لم يكن بحد يعد من القرائن الحافة بالكلام الموجبة لصرف الظهور.
مثلا : إذا ورد ان
الماء المتغير نجس فاهل العرف بالنظر البدوي يرون ان الموضوع هو الماء بوصف التغير
فلو زال تغيره وشك في بقاء النجاسة للماء ، تكون القضية المشكوك فيها غير القضية
المتيقنة موضوعا ، ولكنه بالنظر الثانوي
__________________
بعد ملاحظة مناسبة
الحكم والموضوع يرون ان الموضوع هو ذات الماء لما ارتكز في أذهانهم ، من ان
النجاسة من عوارض الماء لا هو مع التغير.
وعلى هذا فمنشأ
الشك في نجاسة الماء بعد زوال التغير هو احتمال ان يكون التغير واسطة في ثبوت
النجاسة للماء حدوثا وبقاءً.
فالمتحصّل ان
المراد من اعتبار الاتحاد بحسب الدليل المثبت للحكم ، ليس هو الظهور التصوري ولا
الظهور التصديقي البدوي الزائل بعد ملاحظة المناسبة المذكورة كما اختاره المحقق
النائيني (ره) .
كما ظهر ان المراد
من اعتبار الاتحاد بلحاظ الموضوع العرفي ، ليس هو التسامح في صدق الاتحاد ، والنقض
والبقاء مع الموضوع الدليلي ، حتى يقال ان المسامحات العرفية تضرب على الجدار.
بل المراد هو
اتحاد موضوع القضية المشكوك فيها ، مع موضوع القضية المتيقنة ، الذي يراه العرف
موضوعا بحسب المناسبات المذكورة ، فالاتحاد حقيقي على كل حال.
واما المورد
الثاني : فالنسبة بين نظر العقل وغيره واضح.
واما النسبة بين
نظر العرف ولسان الدليل فعموم من وجه : لأنه قد يكون الموضوع باقيا بنظرهما ، كما
إذا ورد الماء إذا تغير ينجس ، فتغير ماء ثم زال تغيره من قبل نفسه ، فانه يشك في
بقاء النجاسة ، والموضوع باق بالنظرين.
__________________
وقد يكون الموضوع
باقيا بحسب لسان الدليل دون نظر العرف كما إذا ورد ، ان الرجل إذا صار مجتهدا يجوز
تقليده ، فصار زيد مجتهدا ثم زال اجتهاده لمرض ، فشك في بقاء جواز تقليده ، فان
الموضوع بنظر العرف هو المجتهد وبزوال اجتهاده ، يكون الموضوع متبدلا ، بخلافه
بحسب لسان الدليل.
وقد يكون الأمر
بالعكس ، كما إذا ورد الماء المتغير ينجس ، فتغير ماء ثم زال تغيره من قبل نفسه.
واما المورد
الثالث : فالظاهر ان المتبع هو نظر العرف.
وتنقيح القول فيه
: ان المعاني : ربما تكون حقيقية لا تتفاوت بالقياس إلى موجود آخر ، كجملة من
الجواهر والاعراض.
وقد تكون اضافية
تختلف بالقياس إلى شيء دون آخر ، ومن هذا القبيل ، الوحدة والاتحاد والنقض والبقاء
، فان الشيء الواحد في فرض الشك ان لوحظ بالقياس إلى الموضوع العقلي ربما يكون غير
متحد معه ، ولكن يكون متحدا مع الموضوع العرفي ، أو الدليلي ، كما انه ربما لا
يكون متحدا مع الموضوع الدليلي ويكون متحدا مع الموضوع العرفي.
والظاهر من
الخطابات الشرعية منها خطاب لا تنقض كون المناط هو الموضوع العرفي لا العقلي ولا
الدليلي ، حتى وان أمكن إطلاق الدليل بالإضافة إلى جميع مراتب الموضوع من العقلي
والدليلي والعرفي ، وامكن الجمع بين الانظار وكان هناك جامع مفهومي.
لا من جهة ان
الموضوع هو النقض ، فيرجع إلى العرف في تحديد هذا
المفهوم ، لان هذا
المفهوم ، مبين من جميع الجهات لا اجمال فيه.
ولا من جهة الرجوع
إلى العرف في تطبيقه على مصداقه ، فانه لا عبرة بالمسامحة العرفية في تطبيق
المفهوم على المصداق.
بل من جهة : انه
إذا كان للمفهوم مصاديق حقيقية باعتبار أخذ الموضوع الثابت له الحكم في دليل
المتيقن من العرف ، أو الدليل ، أو العقل ، يكون الظاهر من خطاب الشارع مع العرف
الذي بنائه على مخاطبته معهم كأحد منهم ، والمفاهمة معهم بالطريقة المألوفة بين
أهل المحاورة والعرف ، إرادة ما هو مصداق عرفي فان إرادة غيره منهم تحتاج إلى نصب
ما يدل على تعينه دون ما هو متعين عندهم.
وبالجملة كما ان حجية
الظاهر تستفاد من كون الشارع في مقام افهام مراداته يخاطب العرف كأنه أحدهم ، كذلك
إذا كان للظاهر مصاديق متباينة ، كلها من أفراد الظاهر حقيقة ، وكان بعض مصاديقه
وافراده مصداقا له بنظر العرف ، دون الآخر ، يستفاد كون الملاك نظر العرف.
وبما ذكرناه يظهر
ضعف ما قيل ، من ان صدور خطاب لا تنقض من الشارع ، يقتضي ارادة تحريم
نقض اليقين بما هو امر شرعي.
كما انه يظهر
اندفاع ، دعوى الإطلاق ، من حيث العقلية ، والعرفية ، والدليلية ، إذ ذلك يصح مع
عدم القرينة المعينة لأحد الاعتبارات ، وقد عرفت وجودها.
__________________
ويظهر أيضاً مما
ذكرناه ، ان مراد صاحب الكفاية من الإطلاق ، في قوله : ان قضية إطلاق خطاب لا تنقض ، هو
ان يكون بلحاظ الموضوع ، هو الإطلاق المقامي ، دون اللفظي.
وجه تقدم الأمارات على الاستصحاب
الأمر الثاني :
يعتبر في الاستصحاب ان يكون المستصحب مشكوك البقاء ، فلو أحرز بقائه أو ارتفاعه لا
يجري الاستصحاب ، ولا فرق في ذلك بين الإحراز الوجداني أو التعبدي.
وعليه فلا يجري
الاستصحاب مع قيام الطريق على بقاء المستصحب أو ارتفاعه ، وهذا في الجملة مما لا
كلام فيه ، إلا ما يظهر من بعض الفقهاء من البناء على اعمال التعارض بين الأمارات
والأصول ، وهو ظاهر البطلان مما ذكرناه.
إنما الكلام في
وجه تقدم الأمارات على الأصول ، وانه الورود ، أو الحكومة ، وقبل التعرض له لا
بدَّ من تقديم مقدمة.
وهي ، الإشارة
الاجمالية إلى بيان معنى ، الورود ، والحكومة وبيان الفرق بينهما وبين التخصيص ،
والتخصص ، والتوفيق العرفي ، فهنا خمسة أمور :
__________________
أحدها : الورود
وهو عبارة عن كون احد الدليلين بعد ورود التعبد به رافعا لموضوع دليل الآخر وجدانا
وحقيقة ، كما في الأمارات بالاضافة إلى البراءة العقلية ، فان موضوعها عدم البيان
، وهذا يرتفع حقيقة بالتعبد بامارة جارية في موردها.
ثانيها : الحكومة
وهي عبارة عن كون احد الدليلين ناظرا إلى الآخر أو صالحا لذلك :
اما بالتصرف في
موضوعه سعة ، كقوله (ع) الفقاع خمرة استصغرها الناس ، أو ضيقا ، كما في قوله (ع) " لا شك لكثير
الشك" .
أو بالتصرف في
محموله بان بلونه بلون ويدل على ثبوت الحكم في بعض الحالات والموارد.
__________________
أو بالتصرف في
متعلقة سعة كقولنا الضيافة من الإكرام ، أو ضيقا.
ثالثها : التخصيص
، وهو عبارة عن إخراج بعض أفراد العام عن تحت الحكم من دون ان يتصرف في عقد الوضع
أو عقد الحمل.
رابعها : التخصص
وهو ما إذا كان خروج المورد عن تحت دليل الآخر ذاتيا كخروج الجاهل عن عموم اكرم
العلماء.
خامسها : التوفيق
العرفي ، وسيأتي بيانه كبيان وجه تقدم دليل الحاكم والوارد في أول مبحث التعادل
والترجيح إنشاء الله تعالى.
إذا عرفت هذه
المقدمة فاعلم انه قد استدل على ان تقدم الأمارة على الاستصحاب يكون بالورود بوجوه
:
الأول : ما أفاده
المحقق الخراساني في الكفاية ، والتعليقة : وحاصله على ما في التعليقة ، ان الشك وان كان باقيا بعد
قيام الأمارة ، لكنه ليس أفراد العام هاهنا أي الاستصحاب هو أفراد الشك واليقين ،
بل أفراد نقض اليقين بالشك ، وهو المتعلق للنهي ، والدليل المعتبر ، وان لم يكن
مزيلا للشك ، إلا انه يكون موجبا لئلا يكون النقض بالشك ، بل بالدليل.
ثم أورد على نفسه
بان مقتضى قوله (ع) لكن تنقضه بيقين آخر ، هو النهي عن النقض بغير اليقين ،
والدليل المعتبر غير موجب لليقين مطلقا.
__________________
وأجاب عنه بان
الدليل موجب لليقين ، لا محالة ، غاية الأمر لا بالعناوين الأولية للأشياء بل
بعناوينها الطارئة الثانوية مثل كونه قام على وجوبه خبر العدل أو قامت البينة على
ملكيته إلى غير ذلك من العناوين الانتزاعية.
وفي الكفاية أشار
في صدر عبارته إلى الوجه الثاني ، وفي ذيل عبارته في الجواب عن وجه ورود الأمارة
الموافقة أشار إلى الوجه الأول.
ولكن يرد على
الوجه الأول مضافا إلى ما أورده هو على نفسه ، ان المنهي عنه ليس هو نقض اليقين
بداعي الشك ، وإلا لزم جواز نقضه باستدعاء المؤمن مثلا ، بل هو النقض به وفي حال
الشك.
وبعبارة أخرى : ان
المراد بنقض اليقين بالشك ليس إلا رفع اليد عن الحالة السابقة في حال الشك ، وبعد
قيام الأمارة لا يخرج المورد عن تحت هذا العنوان غايته كونه نقضا لليقين بالشك
بواسطة الدليل.
ويرد على الوجه
الثاني : أولا ان المجعول في باب الأمارات عنده ليس هو جعل الحكم المماثل بل
المنجزية والمعذرية ، فلا يقين بالحكم بعنوان قيام الأمارة.
وثانيا انه لا
ينفع في الأمارة القائمة على الموضوع الخارجي كموت زيد ، فالعمل بها نقض لحياته
سابقا بغير اليقين ، بالخلاف.
وثالثا ان الظاهر
من الأخبار كون اليقين الناقض هو ما تعلق بما تعلق به السابق وهو الحكم الواقعي
الأولى ، دون الظاهري الثابت له بالعنوان الثانوي.
الثالث : ما أفاده
المحقق اليزدي في درره ، وحاصله ، ان العلم المأخوذ في الموضوع ، قد يؤخذ على وجه
الطريقية ، والمراد به ان المعتبر هو الجامع بينه وبين سائر الطرق المعتبرة ، وقد
يؤخذ على نحو الصفتية ، أي يلاحظ خصوصيته المختصة به دون سائر الطرق ، وهو الكشف
التام المانع عن النقيض ، وكذلك الشك هنا قد يلاحظ بمعنى انه عدم الطريق ، وقد
يلاحظ بمعنى صفة التردد القائمة بالنفس ، إذ الشك بمعنى عدم العلم ، فان لوحظ
العلم طريقا ، فمعنى الشك الذي في قباله ، هو عدم الطريق ، وان لوحظ صفة فكذلك ،
وحيث ان ظاهر أدلة الاستصحاب وسائر الأصول كون العلم مأخوذا فيها طريقا فمفاد قوله
(ع) لا تنقض اليقين بالشك ، انه في صورة عدم الطريق إلى الواقع يجب إبقاء ما كان
ثابتا بطريق ، وإذا دلَّ دليل على حجية أمارة ، يرتفع موضوع الحكم الذي كان معلقا
على عدم الطريق.
وفيه : ان الظاهر
من اخذ العلم في الموضوع كونه طريقا تاما لا يحتمل الخلاف ، وحمله على ارادة
الجامع بين الطرق المختلفة بحسب المراتب ، خلاف الظاهر لا يصار إليه إلا بقرينة
مفقودة في المقام ، بل ظاهر قوله بل ينقضه بيقين آخر ، حصر الناقض في خصوص ذلك
الطريق الذي هو أقوى الطرق لا كل طريق.
وبذلك يظهر اندفاع
الوجه الرابع : وهو ان الظاهر من اليقين وان كان هو الإحراز التام إلا انه اخذ في
الموضوع ، بما انه احد أفراد الكلي ، ويكون من
__________________
قبيل إعطاء الحكم
الكلي بالمثال فتمام الموضوع هو الطريق فتقدم الأمارة ، يكون بالورود لأنه طريق.
كما انه مما ذكرناه
في سابقه يظهر ضعف ما قيل ان نقض اليقين بالأمارة ليس نقضا له بالشك ، بل نقض له
بيقين مثله ، وذلك لان حجية الأمارة إنما تثبت بدليل قطعي وإلا لم تكن حجة ضرورة
ان حجية كل ظن لا بد وان تثبت بدليل قطعي ، وإلا لا يكون حجة :
فانه قد عرفت ان
الظاهر من الأخبار حصر الناقض في اليقين المتعلق بما تعلق به اليقين الأول.
فالمتحصّل مما
ذكرناه ان الورود لا مورد له في المقام.
والحق ان تقدمها
عليه إنما يكون بالحكومة فانه على ما مر في مبحث الظن يكون المجعول في باب
الأمارات هو الطريقية التامة ، فهي بمئونة دليل اعتبارها تكون علما تعبديا ، فيوسع
دليل الأمارة دائرة موضوع ولكن تنقضه بيقين آخر ، ويضيق دائرة الشك الذي نهى عن
نقض اليقين به ، وليست الحكومة إلا ذلك.
فان قيل انه بناءً
على كون الموضوع في الأمارات هو الشاك إذ العالم لا تكون الأمارة حجة عليه ، وبناء
على كون الاستصحاب أيضاً من الأمارات ، كما تكون الأمارة حاكمة على الاستصحاب ،
كذلك الاستصحاب يكون حاكما عليها ، إذ كل منهما يصلح رافعا لموضوع الآخر ، فلا وجه
لتقدم أحدهما على الآخر.
قلنا انه مضافا
إلى انه لا يتم مبنى أمارية الاستصحاب : ان الموضوع في الأمارة هو المكلف من حيث
هو ، غاية الأمر : ان العالم وجدانا بالواقع يكون خارجا عن تحت دليل الاعتبار بحكم
العقل ، لا بمقيد شرعي ، فان العقل يرى قبح حجية الأمارة لمن هو عالم بالواقع ،
ومن الواضح ان القبيح هو التعبد في فرض العلم الوجداني ، دون التعبدي ، واما
الموضوع في الاستصحاب فهو مقيد بالشك ، وعدم العلم إنما يستفاد من الدليل الشرعي ،
وعليه فالتعبد بكون الأمارة علما رافع لموضوع الاستصحاب ، واما التعبد بعلمية
الاستصحاب ، فلا يصلح رافعا لموضوع الأمارة ، فانه مقيد بعدم العلم وجدانا الثابت
حتى مع الاستصحاب.
فان قلت ان ذلك
بناءً على كون المجعول في باب الأمارات هو العلمية ، ويكون دليل حجيتها متعرضا
لحكم الشك ، واما على القول بعدم دلالة دليل الحجية إلا على جعل مدلول الخبر واقعا
وإيجاب معاملة الواقع معه ، فلا وجه للحكومة كما أفاده المحقق صاحب الدرر (ره) .
قلنا انه لو سلم
ذلك يمكن تقرير الحكومة بأنه بما ان لسان دليلها ان المؤدى هو الواقع ، فوصوله
بالذات ، وصول للواقع بالعرض ، فيكون دليل الأمارة دالا على وصول الواقع بالخبر.
وان شئت قلت انه
بالالتزام يدل على وساطة الخبر لاثبات الواقع عنوانا.
وبعبارة ثالثة ان
الموضوع في دليل الاستصحاب هو الشك في الواقع ، وهذا
__________________
المركب كما يرتفع
بجعل العلم كذلك يرتفع بجعل المؤدى واقعا فانه معه لا شك في الواقع فتدبر فانه
دقيق.
نعم ، بناءً على
مسلك المحقق الخراساني (ره) في جعل الحجية من ان المجعول هو المنجزية والمعذرية ،
لاوجه لحكومة الأمارات على الاستصحاب ، بدون التصرف في ظاهر اليقين والشك
المأخوذين موضوعا في الاستصحاب ، ولتمام الكلام محل آخر.
ثم ان المحقق
الخراساني أورد على الحكومة بإيرادين :
أحدهما : انه لا
نظر لدليل الأمارة إلى مدلول دليل الاستصحاب إثباتا ، وان كان لازم التعبد
بالأمارة ثبوتا إلغاءه لمنافاة لزوم العمل بها مع العلم به لو كان على خلافها ،
كما ان قضية دليله إلغاؤها كذلك ، فان كلا من الدليلين بصدد بيان ما هو الوظيفة
للجاهل فيطرد كل منهما الآخر مع المخالفة.
وفيه : ان المراد
بلزوم كون دليل الحاكم ناظرا إلى دليل المحكوم.
ان كان لزوم كونه
مفسرا له ، أو انه بدون دليل المحكوم ، يكون دليل الحاكم لغوا.
فيرده انه لا
اختصاص للحكومة بهذين الموردين ، بل هي شاملة لما إذا كان دليل الحاكم متعرضا
لبيان الحكم بلسان بيان الموضوع المأخوذ في دليل المحكوم توسعة أو تضييقا كما في
المقام على ما عرفت.
__________________
وان كان المراد
انه لا تعرض لدليل الأمارة إلى موضوع دليل الاستصحاب.
فيرد عليه انه يتم
على مسلكه في جعل الأمارات دون مسلك الشيخ الأعظم وما هو الحق كما مر تفصيله آنفا.
ثانيهما : ان مرجع
الحكومة إلى إلغاء احتمال الخلاف ولا احتمال للخلاف في صورة موافقة الأمارة للأصل
، ولا يحتمل التزام القائل بالحكومة باختصاصها بصورة المخالفة.
وفيه : ان مرجع
الحكومة إلى إلغاء الاحتمال مطلقا دون خصوص احتمال الخلاف.
فالمتحصّل ان تقدم
الأمارات على الاستصحاب وسائر الأصول الشرعية إنما هو من باب الحكومة.
ثم انه على فرض
التنزل وتسليم عدم الحكومة يمكن تقرير تقدمها عليه وعلى سائر الأصول : بأنه قل
مورد يوجد من موارد الأمارات يكون خاليا عن اصل من الأصول ، ولا اقل من أصالة
البراءة سيما على مسلك الحق من صحة جريان استصحاب عدم الجعل ، فيدور الأمر بين رفع
اليد عن أدلة الأمارات وطرحها رأسا ، وبين رفع اليد عن أدلة الأصول في خصوص مادة
الاجتماع ، ومن الضروري ان الثاني أولى فتقدم الأمارة وتخصص بدليلها أدلة الأصول.
فالمتحصّل انه لا
اشكال في تقديم الأمارات على الأصول منها الاستصحاب.
وجه تقدم الاستصحاب على سائر الأصول
الأمر الثالث :
المشهور بين الأصحاب ، ان الاستصحاب وان كان مدرك حجيته الأخبار وكان من الأصول
العملية ، يكون مقدما على سائر الأصول العملية ، من البراءة ، والتخيير ،
والاحتياط ، عقليها ، ونقليها ، وعلل ذلك بأنه من الأصول المحرزة ، والأصل المحرز
مقدم على غير المحرز ولكن يبقى السؤال عن وجه تقدم المحرز على غير المحرز ، وان
تقديمه عليها ، للورود ، أو الحكومة ، أو التخصيص حيث ان فيه وجوها وأقوالا :
وتنقيح القول ،
بالبحث أولا : في وجه تقديمه على الأصول العقلية ، ثم : في وجه تقديمه على الأصول
العملية الشرعية.
اما تقديمه على
الأصول العقلية فوجهه الورود ، لان موضوعاتها عدم البيان والتحير ، وعدم وجود
المؤمن عن احتمال العقاب ، والاستصحاب بعد ورود الدليل على حجيته بيان شرعي ،
ومؤمن ، ورافع للتحير.
واما تقدمه على
الأصل الشرعي كالبراءة الشرعية الثابتة بمثل قوله كل شيء مطلق حتى يرد فيه نهي ـ فقد استدل له بوجوه.
الأول : ما أفاده
الشيخ الأعظم (ره) ، وحاصله ، ان دليل الاستصحاب
__________________
يوجب تعميم النهي
السابق المعلوم بالاضافة إلى زمان الشك ، وحيث ان الرخصة تكون مغيّاة بورود النهي
، ودليل الاستصحاب ، موجب لتعميمه ودوامه ، فيكون حاكما عليه.
وبعبارة أخرى : مجموع
الدليلين يدلان على ان كل شيء مطلق حتى يرد فيه نهي ، وكل نهي وارد في زمان ، فهو
باق في زمان احتمال بقائه ، فتكون الرخصة في الشيء واطلاقه مغياة بورود النهي
المحكوم عليه بالدوام ، فيكون مفاد الاستصحاب نفي ما يقتضيه الأصل الآخر ، في مورد
الشك ، لو لا النهي وهذا معنى الحكومة.
وفيه : ان دلالة
مثل قوله (ع) كل شيء مطلق حتى يرد فيه نهي تتوقف على ارادة الوصول من الورود كما مر في محله.
وعليه فمعنى
الحديث ان ما لم يعلم حرمته فهو مرخص فيه وبواسطة الاستصحاب لا يعلم بالحرمة ،
لعدم كونه حاكيا عن عموم التحريم بحسب الواقع ، بل مفاده كون حكم الشك من سنخ ما
كان موجودا في السابق ، وهو التحريم مثلا ، فيعارض مع دليل البراءة الدال على ان
ما لم يعلم حرمته الواقعية حكمه الترخيص.
فان قيل ان مورد
البراءة ، ما لم يعلم حكمه الواقعي والظاهري ، فلو علم
__________________
حكمه الظاهري
بالاستصحاب لا يبقى له مورد.
قلت مضافا إلى انه
حينئذ يكون واردا عليها لا حاكما ، انه يجري هذا البيان في الاستصحاب إذ موضوعه
الشك من جميع الجهات حتى من ناحية الحكم الظاهري ، فلو علم ذلك بدليل البراءة لا
يبقى له مورد.
الثاني : ما أشار
إليه المحقق الخراساني في الكفاية واوضحه في الحاشية ، وهو ان موضوع الأصول غير التنزيلية
المشكوك فيه من جميع الجهات ، وغايتها العلم ولو بوجه وعنوان ، وعليه فإذا علم حكم
المشكوك فيه بعنوان نقض اليقين بالشك المنطبق عليه ، فيما كان له حالة سابقة كان
معلوم الحكم بوجه فلا مورد لها.
وفيه : ان المأخوذ
في دليل الاستصحاب أيضاً هو الشك ، فأي فارق بينه ، وبين ما اخذ في موضوع سائر
الأصول.
وعليه فيقال ان
موضوع الاستصحاب المشكوك فيه من جميع الجهات ، وغايته اليقين ولو بوجه ، فما شك في
حليته وحرمته مع كون حالته السابقة هي الحرمة ، مقتضى أصالة البراءة وقاعدة الحل
العلم بحليته بوجه ، فلا شك من جميع الجهات ، فلا يجري الاستصحاب فكل منهما على
هذا يصلح لرفع موضوع الآخر ، فيقع التنافي بينهما.
الثالث : ما ذكره
المحقق النائيني (ره) وهو ان المجعول في الاستصحاب هو
__________________
البناء على احد
طرفي الشك ، على انه هو الواقع وإلغاء الطرف الآخر في عالم التشريع فيرتفع الشك
الذي هو الموضوع لسائر الأصول.
وفيه : انه لا نظر
للاستصحاب إلى إلغاء احتمال الخلاف ، وإلا لكان من الأمارات فمع فرض اخذ الشك في
موضوعه لا يعقل كونه معدما للشك وإلا لزم من وجوده عدمه.
الرابع : ان
المأخوذ غاية في أدلة الأصول وان كان هو العلم ، إلا ان المراد به مطلق الحجة ،
والاستصحاب من أفراد الحجة فيكون واردا على أدلة الأصول.
وفيه : ان حمل
العلم على ارادة الحجة خلاف الظاهر لا يصار إليه إلا مع القرينة المفقودة في
المقام.
الخامس : ما نسب
إلى المحقق العراقي (ره) وهو الالتزام بالتخصيص على تقدير كون دليل الاستصحاب ناظرا
إلى المتيقن بإثبات كونه هو الواقع ولو بتوسط اليقين بجعله في القضية مرآة إليه.
وفيه : ان النسبة
بينه وبينها عموم من وجه لجريانه في موارد كما لو علم بملكية شيء أو زوجية امرأة ،
أو شبه ذلك ، وشك في بقائها ، ولا مورد للأصول فيها ، فلا وجه للالتزام بالتخصيص.
فالصحيح ان يقال
انه بناءً على كون المجعول في باب الاستصحاب بقاء
__________________
اليقين السابق
بالتقريب المتقدم يكون دليل الاستصحاب حاكما على أدلة الأصول غير التنزيلية : فان
لسان الاستصحاب بما انه إبقاء اليقين وعدم الاعتناء بالشك.
وبعبارة أخرى :
لزوم معاملة اليقين ، مع هذا الشك ، فيكون موضوع سائر الأصول مرتفعا بجريانه تعبدا
وليس معنى الحكومة إلا ذلك ، وأما بناءً على كون المجعول هو الحكم المماثل أو
التنجيز والتعذير أو غيرهما فلا وجه للتقديم أصلاً.
تعارض الاستصحابين
الأمر الرابع : في
تعارض الاستصحابين ، وتمييز موارد تقديم أحدهما على الآخر عن غيرها ، وتنقيح القول
فيه بالبحث في مقامين :
الأول : في بيان
أقسام التنافي بين الاستصحابين.
الثاني : في بيان
حكم كل قسم منها.
اما الأول :
فالتنافي بينهما ، قد يكون لأجل عدم إمكان العمل بهما معا من دون ان يعلم بانتقاض
الحالة السابقة ، كما في استصحاب وجوب أمرين ، لا يتمكن المكلف في زمان الشك من
العمل بهما.
وقد يكون من جهة
العلم بانتقاض الحالة السابقة في أحدهما.
والثاني على قسمين
: إذ ربما يكون الشك في أحدهما مسببا عن الشك في الآخر ، ويكون المشكوك فيه في
أحدهما من آثار المشكوك فيه في الآخر.
وربما يكون الشك
في كل منهما مسببا عن امر ثالث وهو العلم الإجمالي الموجود في البين ، ولا ثالث
لهما.
وما توهم من انه
يمكن ان يكون الشك في كل منهما مسببا عن الشك في الآخر كما في العامين من وجه ،
فان الشك في ارادة العموم من كل منهما مسبب عن الشك في ارادة الآخر.
فاسد فان علة
الشيء لا يعقل ان تكون معلولة له ، وبعبارة أخرى : الشك في ارادة العموم من كل
منهما مسبب عن العلم بعدم ارادة العموم في أحدهما.
وعلى الأول : قد
يكون ترتب المشكوك فيه في أحدهما على المشكوك فيه في الآخر عقليا ، وبعبارة أخرى :
تكون السببية عقلية كترتب بقاء الكلي على بقاء الفرد.
وقد يكون شرعيا
كترتب طهارة الثوب ، على طهارة الماء المغسول به.
والثاني : له
أقسام : إذ تارة يلزم من العمل بهما مخالفة عملية للتكليف الإلزامي المعلوم ،
وأخرى لا يلزم.
وعلى الثاني :
ربما يقوم دليل من الخارج على عدم إمكان الجمع بين المستصحبين كتتميم الماء النجس
كرا بطاهر حيث قام الإجماع على اتحاد حكم الماءين المجتمعين ، وربما لا يقوم دليل
على ذلك.
وعلى الثاني : قد
يكون لبقاء كل من المستصحبين اثر شرعي كما في الوضوء بالمائع المردد بين النجس
والطاهر.
وقد يكون لاحدهما
الأثر دون الآخر ، كما في دعوى الموكل التوكيل في شراء العبد ، ودعوى الوكيل ،
التوكيل في شراء الجارية.
اما القسم الأول :
وهو ما إذا كان التنافي لعدم إمكان العمل بهما ، فحيث انه لا تعارض بينهما ، ولا
تكاذب ، وإنما لا يجريان معا لعدم قدرة المكلف على امتثالهما ، فلا مناص عن الرجوع
إلى مرجحات باب التزاحم ، فان علم أهمية أحدهما أو احتمل ذلك ، يقدم ، وإلا فيتخير
بينهما.
فان قيل ان الدليل
الواحد كيف يكون احد مصاديقه اهم من الآخر ، والأهمية إنما تكون في المتيقن لا في
المستصحب.
وبعبارة أخرى :
عنوان نقض اليقين بالشك عنوان واحد له ملاك واحد فلا يحتمل الاهمية.
قلنا : ان
الاستصحاب تابع للمتيقن ، فكل ما كان المتيقن عليه يستصحب ، ويكون باقيا بعينه ،
ولذا لو كان مستحبا يستصحب استحبابه ، ولا يحكم بالوجوب ، وكذا العكس.
وان شئت قلت : ان
حكم الاستصحاب حكم طريقي ، لا نفسي منبعث عن مصلحة في نفس هذا العنوان.
واما القسم الثاني
: فان كان أحدهما مسببا عن الآخر مع كون السببية غير شرعية ، فلا يقدم أحدهما على
الآخر ، ويلحقه ما سنذكره في القسم الثالث.
حول الأصل السببي والمسببي
وان كانت السببية
شرعية ، فلا كلام بينهم في تقديم الأصل السببي على الأصل المسببي.
وقد ذكر المحقق
النائيني (ره) للتقديم شرطا ، وهو ان يكون الأصل الجاري في السبب رافعا
لموضوع الأصل المسببي ، فلو لم يكن رافعا له ـ كما إذا شك في جواز الصلاة في وبر
حيوان شك في كونه محلل الأكل : فان أصالة الإباحة في ذلك الحيوان لا ترفع الشك في
جواز الصلاة فانه رتب في الأدلة على العناوين الخاصة كالغنم ، والبقر ، وما شاكل
في قبال العناوين المحرمة كالأرنب وما شابه ، وأصالة الإباحة لا تثبت العنوان
المحلل ـ يكون خارجا عن محل الكلام.
وفيه : ان جواز
الصلاة لو كان مترتبا على ما يحل أكله فعلا فيترتب على أصالة الإباحة ، ولا اشكال
فيه ، ولو كان مترتبا على العناوين الخاصة المحللة ، لا الحلال الفعلي لا يكون
هناك ترتب شرعي بين جواز الصلاة والحلية وعليه فهذا ليس قيدا زائدا على اعتبار كون
الترتب شرعيا ، وكيف كان فقد استدل لتقديم الأصل السببي بوجوه :
الأول : الإجماع
على ذلك في موارد لا تحصى فانه لا يحتمل الخلاف في تقديم الاستصحابات في الملزومات
الشرعية ، كالطهارة من الحدث والخبث ،
__________________
وكرية الماء ،
واطلاقه ، وحياة المفقود ، وما شابه ذلك ، على استصحاب عدم لوازمها الشرعية.
وفيه : ان مدرك
المجمعين معلوم ، فلا يكون إجماعا تعبديا ، فلا يستند إليه ، أضف إليه مخالفة
جماعة في ذلك كالشيخ ، والمحقق ، والعلامة في بعض كتبه .
الثاني : انه لو
لم يلتزم بتقديم الأصل السببي على الأصل المسببي كان الاستصحاب قليل الفائدة ، إذ المقصود
منه غالبا ترتيب الآثار الثابتة للمستصحب وتلك الآثار ان كانت موجودة سابقا أغنى
استصحابها عن استصحاب ملزومها ، فتنحصر الفائدة في الآثار التي كانت معدومة فإذا
فرض معارضة الاستصحاب في الملزوم ، باستصحاب عدم تلك اللوازم والمعاملة معهما
معاملة المتعارضين لغى الاستصحاب في الملزوم.
وفيه : أولا ان
الاستصحاب لو فرضنا جريانه في تلك الآثار الموجودة سابقا
__________________
كفى ذلك في فائدة
الاستصحاب.
وثانيا : ان إجراء
الاستصحاب فيها لا يغنى عن استصحاب ملزومها لتوقفه على إحراز الموضوع لها ، وهو
مشكوك فيه ، فلا بدَّ من استصحاب الموضوع لذلك فتأمل.
الثالث : ما ذكره
الشيخ الأعظم (ره) وهو ان المستفاد من الأخبار ذلك حيث انه (ع) في صحيح زرارة
، علل وجوب البناء على الوضوء السابق المستلزم لجواز الدخول في الصلاة بمجرد
الاستصحاب ، ومن المعلوم ان مقتضى استصحاب الاشتغال بالصلاة عدم براءة الذمة بهذه
الصلاة ولو لا تقدم الاستصحاب الأول وانحصار الاستصحاب في المقام باستصحاب الطهارة
لما صح تعليل المضي على الطهارة بنفس الاستصحاب.
وفيه : ان هذا
المثال غير مربوط بالشك السببي والمسببي ، إذ الاشتغال بالصلاة ، والامر بها ليس
وراء الأمر بالاجزاء والشرائط شيء ، فإذا ثبت احد الاجزاء والشرائط بالاستصحاب ،
والبقية بالوجدان فبضم الوجدان إلى الأصل يحرز وجود المأمور به في الخارج ، فلا
مورد للاستصحاب ، نعم : لو كانت الصلاة المأمور بها لها وجود حاصل من هذه الاجزاء
والشرائط كان ما ذكره متينا.
بل الصحيح ينافى
ما بنوا عليه من تقديم الأصل السببي على المسببي مطلقا ، حتى فيما إذا توافقا لان
الشك في بقاء الطهارة في الفرض مسبب عن
__________________
الشك في تحقق
النوم ، فلو كان الأصل السببي مقدما وحاكما على الأصل المسببي ، كان المتعين
التعليل باستصحاب عدم النوم.
الرابع : ما أفاده
المحقق النائيني تبعا للشيخ الأعظم وهو ان ارتفاع نجاسة الثوب المغسول بالماء المستصحب
الطهارة ، من آثار طهارة الماء شرعا فالتعبد بطهارة الماء بنفسه يقتضي التعبد
بطهارة الثوب إذ لا معنى لطهارة الماء إلا كونه مزيلا للحدث والخبث فيرتفع الشك في
المسبب وهو نجاسة الثوب ومع ارتفاع الشك في المسبب لا مجال لإجراء الأصل فيه إذ
الحكم لا يعقل ان يكون متكفلا لوجود موضوعه ، واما الأصل الجاري في المسبب كنجاسة
الثوب فحيث انه لا يترتب عليه السبب وهو نجاسة الماء لعدم كونها من آثارها فهو لا
يصلح لرفع موضوع الأصل السببي.
وفيه : ان مجرد
ترتب أحدهما على الآخر وعدمه ، لا يوجب حكومته عليه التي مناطها ارتفاع موضوع
المحكوم تعبدا.
نعم ، لازم ذلك
تعارض المدلول المطابقي للأصل المسببي ، وهو استصحاب نجاسة الثوب مع المدلول
الالتزامي للأصل السببي ، وهو استصحاب طهارة الماء الذي لازمه طهارة الثوب ، ولا
يكون الأصل السببي من هذه الجهة نافيا لموضوع الأصل المسببي حتى يكون حاكما عليه
__________________
وان شئت قلت ان
الاستصحاب لا يكون أمارة كي يكون رافعا لموضوع الأصل المسببي ، وهو الشك ، بل
المجعول فيه تطبيق العمل على احد طرفي الشك فلا وجه لدعوى حكومته عليه برفع
موضوعه.
الخامس : ما ذكره
المحقق صاحب الدرر (ره) وهو ان الشك المسببي ، معلول للشك السببي ففي رتبة وجود
الثاني ، لا يكون الأول موجودا ، وإنما هو في رتبة الحكم المترتب على الأول ،
فالأول في مرتبة وجوده ، ليس له معارض أصلاً ، فيحرز الحكم من دون معارض ، وإذا
ثبت الحكم للأول لا يبقى للثاني موضوع.
وفيه : ان فعلية
الأحكام تتوقف على وجود موضوعاتها خارجا ولا تكون مترتبة على الرتبة ، بل هي أحكام
للزمان كما هو واضح ، مع : انه قد تقدم تعارض الاصلين في التدريجيات أيضاً فراجع.
والصحيح ان يقال
في وجه تقدم الأصل السببي أمران :
أحدهما : حكومة
الأصل السببي على الأصل المسببي بالحكومة الحكمية لا بالحكومة الموضوعية وكونه
رافعا لموضوعه.
توضيح ذلك انه
سيأتي في أول مبحث التعادل والترجيح انه لا تختص الحكومة بما إذا كان احد الدليلين
ناظرا إلى موضوع دليل الآخر ، بل لو كان ناظرا إلى حكمه وموجبا لتلونه بلون خاص
كما في دليل لا ضرر بالنسبة إلى أدلة الأحكام الأولية ، حيث يكون مبينا للمراد من
تلك الأدلة ويكون قرينة
__________________
عليها ، يكون
حاكما عليه.
وفي المقام كذلك ،
حيث ان الأصل الجاري في السبب كقاعدة الطهارة الجارية في الماء المتعبد بطهارته ،
بضميمة ما دل على ان اثر طهارة الماء إزالة الخبث ، والنجاسة عن المغسول به ، يكون
ناظرا إلى الحكم في الأصل المسببي ويدل على زوال نجاسته بغسله بهذا الماء ، فيكون
مقدما عليه بالحكومة الحكمية.
الثاني : انه مع
الإغماض عما ذكرناه وتسليم عدم الحكومة ، انه بعد تعارضهما وعدم إمكان جريانهما
معا ، شمول دليل الاستصحاب للشك المسببي دوري لتوقفه ، على عدم جريان الأصل في
السبب ، المتوقف على جريانه في المسبب إذ لا مانع عنه سوى ذلك ، وهذا بخلاف شموله
للشك السببي ، فان موضوعه غير متوقف على شيء بل يشمله على كل تقدير ، وعليه ، فلا
يجري في المسبب ، لان ما يلزم منه المحال محال.
نعم ، إذا توافقا
يجريان مع عدم التنافي بين شمول الدليل للسببي والمسببي معا كما لا يخفى.
وبذلك يندفع
الإشكال عن الصحيح الذي أوردناه في ذيل الجواب عن الوجه الثالث ، من ان الحديث
ينافى مع ما بنوا عليه من تقديم الأصل السببي على المسببي.
جريان الاستصحاب في أطراف العلم الإجمالي
واما القسم الثالث
: فان لزم من جريانهما معا مخالفة قطعية عملية لا يجري
شيء منهما لما مر
في مبحث الاشتغال مفصلا من عدم جريان الأصول في أطراف العلم الإجمالي ان لزم منه
مخالفة قطعية.
وإلا فان دل دليل
من الخارج على عدم جريانهما ، لا يجريان معا.
وهل يجري
الاستصحاب في أحدهما ، أم لا؟ وجهان :
المشهور انه لا
يجري لان جريانه في أحدهما المعين دون الآخر ترجيح بلا مرجح ، واحدهما لا بعينه
ليس فردا ثالثا ، فلا يجري الاستصحاب في شيء منهما.
ولكن الأظهر هو
جريانه في أحدهما تخييرا ، ويظهر ذلك مما ذكرناه مفصلا في أول مبحث الاشتغال.
واجماله : ان
مقتضى القاعدة في تعارض الأصول هو القول بالتخيير من جهة ان لكل دليل من الأدلة ،
عموم افرادي ، واطلاق أحوالي ، فإذا دل الدليل على تخصيص العموم الأفرادي وانهما
لا يجريان معا ، ودار الأمر بين تقييد الإطلاق الاحوالي لكل منهما بان لا يجري مع
جريان الآخر ، وبين عدم العمل بالاطلاقين رأسا ، يكون الأول مقدما لان الضرورات
تتقدر بقدرها.
وقد مر تفصيل
القول في ذلك ، وسيجيء في مبحث التعادل والترجيح من ان مقتضى القاعدة في تعارض
الأمارات أيضاً هو القول بالتخيير ، وعليه فالمتعين هو البناء على التخيير.
وان لم يلزم من
جريانهما معا مخالفة عملية ، ولم يدل دليل على عدم جريانهما معا ، فان ترتب الأثر
على أحدهما ، دون الآخر جرى ذلك خاصة ،
وإذا ترتب الأثر
عليهما ، كما في الماءين المعلوم نجاستهما سابقا إذا علم طهارة أحدهما ، واشتبه
أحدهما بالآخر ، فان مقتضى الاستصحاب البناء على نجاسة كل منهما ، ولا يلزم من
جريانهما مخالفة عملية قطعية يجريان معا لما مر في مبحث الاشتغال من ان المانع من
جريان الأصول في اطراف العلم الإجمالي لزوم المخالفة القطعية العملية ، ومع عدمه
لا مانع من جريان الأصول فيها.
وقد استدل لعدم
جريان الاستصحاب بالخصوص وان لم يلزم المخالفة العملية بوجهين :
أحدهما : ما أفاده
الشيخ الأعظم (ره) وهو ان جملة من أخبار الاستصحاب مذيلة بقوله (ع) ولكن انقضه
بيقين آخر ، وعليه ، فبما ان مورد العلم الإجمالي ، مشمول للصدر والذيل ، ومقتضى
الصدر جريانه في كل من الطرفين للشك في بقاء الحالة السابقة فيه ، ومقتضى الذيل
وجوب نقض اليقين باحدهما ، فلا يمكن إبقاء كل منهما تحت عمومه لمحذور المناقضة ،
ولا إبقاء أحدهما المعين للزوم الترجيح بلا مرجح ، ولا أحدهما المخير لعدم كونه
فردا ثالثا فلا مناص عن البناء على عدم جريانه فيهما.
وفيه : أولا : ان
أدلة الاستصحاب لا تنحصر بما هو مذيل بما ذكر ، بل هناك مطلقات غير مذيلة ، فعلى
فرض اجمال ما هو مذيل بما ذكر ، يرجع إلى إطلاق غيره.
وثانيا : ان
الظاهر من الأخبار هو عدم نقض اليقين بالشك المتعلق به ،
__________________
ونقضه بيقين آخر
متعلق بما تعلق به اليقين السابق ، وفي المفروض في المقام يكون اليقين السابق
متعلقا بكل واحد بالخصوص واليقين الإجمالي متعلقا باحدهما غير المعين فلا يكون ذلك
ناقضا.
ثانيهما : ما
أفاده المحقق النائيني (ره) وهو ان المجعول في باب الاستصحاب هو الجري العملي على طبق
الحالة السابقة والأخذ بأحد طرفي الشك على انه هو الواقع ، فيمتنع جعل ذلك في
مجموع الطرفين ، لعدم معقولية التنزيل على خلاف العلم الوجداني.
وفيه : انه لا
يجري استصحاب واحد في مجموع الطرفين ، كما انه لا يثبت بالاستصحاب الجاري في كل
طرف لازمه ، وهو كون المعلوم بالإجمال في الطرف الآخر ، بل يجري في كل طرف اصل
واحد ، ولا يثبت به لازمه ، وعليه فجريانه في كل طرف لا محذور فيه ، فغاية ما يلزم
من جريانهما مخالفة التزامية ، وقد مر في مبحث الاشتغال انه لا يكون مانعا عن
جريان الأصول في اطراف العلم.
ثم ان الأصحاب مع
تسالمهم على تقدم جملة من القواعد على الاستصحاب اختلفوا في وجه التقديم :
منها : قاعدة
الفراغ والتجاوز.
ومنها : أصالة
الصحة.
__________________
ومنها قاعدة اليد.
وحيث أني كتبت سابقا
رسالة مستقلة في تلك القواعد الثلاث وطبعت ، وقد استقصيت فيها جهات البحث في تلك
القواعد فلذلك أدرجها في المقام تعميما للنفع وتتميما للبحث.
وأيضا من القواعد
التي قدَّموها على الاستصحاب القرعة ، وقد كتبت رسالة فيها سابقا ، واذكرها بعد
القواعد الثلاث.
* * *
الكلام حول قاعدة الفراغ والتجاوز
من القواعد التي
لا بدَّ لنا من البحث فيها ، قاعدة الفراغ والتجاوز ، وتنقيح القول فيها يقتضي
البحث في أمور.
الامر الأول : ان
هذه القاعدة ليست من المسائل الأصولية ، وإنما هي من القواعد الفقهية ، لان
المسألة الأصولية هي ما تقع نتيجة البحث فيها في طريق إثبات واستنباط الأحكام
الكلية الشرعية.
وبعبارة أخرى : هي
ما لو جعلت نتيجة البحث كبرى للقياس ، تكون النتيجة الحكم الكلي المجعول الشرعي.
وهذه القاعدة ليست
منها لوجوه :
١ ـ ان المستنتج
من القياس الذي جعلت القاعدة نفيا أو إثباتا كبرى له ليس حكما كليا ، بل إنما هي
صحة عمل خاص مثلا ، ولذا تكون النتيجة بنفسها قابلة للإلقاء إلى المقلدين.
٢ ـ أنها متكفلة
لحكم الشك في الامتثال بعد الفراغ عن ثبوت الأحكام لموضوعاتها في مرحلة الجعل
والتشريع من دون تعرض لثبوت حكم أو نفيه.
٣ ـ ان استفادة
الحكم منها من باب انطباق مضمونها على مصداقه ، لا من باب إثبات شيء بها.
وقد يقال انه لا
تكون القاعدة من القواعد الفقهية المصطلحة ، وهي ما تكون نتيجة البحث حكما كليا
تكليفيا أو وضعيا : فانه لا يثبت بها حكم ،
وإنما هي تعبد
بتحقق الامتثال.
فان قيل ان
المجعول فيها هي الصحة ، وهي من الأحكام الوضعية.
توجه عليه ان
الصحة ليست حكما مجعولا بل هي تنتزع من مطابقة المأتي به للمأمور به فالمتعبد به
فيها هي المطابقة وهي ليست من الأحكام الشرعية.
ولكن يمكن ان يقال
ان القاعدة الفقهية هي ما يعين وظيفة المكلف اثباتا أو نفيا فتشمل مثل هذه
القاعدة.
ما يثبت به هذه القاعدة
الامر الثاني : في
بيان الدليل على هذه القاعدة وما تثبت به ، ويشهد بها مضافا إلى انها قاعدة
عقلائية وعليها بناء العقلاء ، فانهم يرون المشكوك فيه في موارد جريان القاعدة
واقعا في ظرفه ، ولا يعتنون باحتمال عدم الإتيان به ، والشارع الأقدس أمضى هذا
البناء :
جملة من النصوص
وهي كثيرة ، إلا ان ما يستفاد منها العموم وعدم الاختصاص بباب روايات.
منها : صحيح زرارة
قلت لأبي عبد الله (ع) رجل شك في الأذان وقد دخل في الإقامة قال (ع) يمضى قلت رجل
شك في الأذان والإقامة وقد كبر قال (ع) يمضى إلى ان قال في آخره بعنوان الضابط ،
يا زرارة إذا خرجت من شيء
ثم دخلت في غيره
فشكك ليس بشيء .
ومنها : صحيح
إسماعيل بن جابر عن مولانا الصادق (ع) في حديث ان شك في الركوع بعد ما سجد فليمض
وان شك في السجود بعد ما قام فليمض ، كل شيء شك فيه مما قد جاوزه ودخل في غيره
فليمض عليه .
ومنها : موثق محمد
بن مسلم عن سيدنا الباقر (ع) كل ما شككت فيه مما قد مضى فامضه كما هو .
ومنها : موثق ابن
أبي يعفور عن إمامنا الصادق (ع) إنما الشك إذا كنت في شيء لم تجزه فانه بمفهوم الحصر يدل على المطلوب.
ومنها : موثق بكير
بن أعين ، قلت له الرجل يشك بعد ما يتوضأ قال (ع) هو حين يتوضأ أذكر منه حين يشك ، فانه بعموم العلة يدل على ثبوت القاعدة بنحو الإطلاق.
__________________
ومنها : صحيح محمد
بن مسلم عن الإمام الصادق (ع) ان شك الرجل بعد ما صلى فلم يدر أثلاثا صلى أم اربعا
وكان يقينه حين انصرف انه كان قد أتم ، لم يعد الصلاة وكان حين انصرف اقرب إلى
الحق منه بعد ذلك .
وتقريب الاستدلال
به ما في سابقه.
هذه هي النصوص
التي يستفاد منها الكبرى الكلية غير المختصة بباب.
ويؤيد المطلوب
النصوص المستفيضة الواردة في موارد خاصة ، فاصل ثبوت القاعدة مما لا ريب فيه.
قاعدة الفراغ والتجاوز من الأمارات
الامر الثالث : في
بيان ان هذه القاعدة هل تكون من الأمارات المثبتة لوقوع المشكوك فيه ، أم من
الأصول العملية ، وقبل بيان ما هو الحق لا بد من بيان ما به يمتاز الأمارة عن الأصل
العملي.
وملخص القول فيه
ان الأمارة تتقوم بأمرين :
أحدهما : كون
الشيء كاشفا عن الواقع كشفا ناقصا ـ وبعبارة أخرى ـ ثبوت ملاك الطريقية في مقام
الثبوت.
__________________
ثانيهما : إمضاء
الشارع إياه بما هو كذلك بتتميم جهة كشفه ، وان شئت قلت مساعدة الدليل على ذلك في
مقام الإثبات ، والأصل عبارة عن الحجة الشرعية الفاقدة لأحد هذين القيدين ، أو هما
معا.
ولو شك في كون شيء
أمارة أو أصلاً تكون النتيجة مع كونه أصلاً ، فان الأصل والأمارة يشتركان في
الحجية بالنسبة إلى المدلول المطابقي.
ويمتاز الأصل بعدم
حجيته في اللوازم والملزومات والملازمات ، والأمارة بحجيتها فيها ، فما علم كونه
أمارة أو أصلاً يعلم بحجيته في المدلول المطابقي ويشك في حجيته بالنسبة إلى غيره ،
وحيث ان الأصل فيما شك في حجيته البناء على عدم الحجية فيبنى عليه فيختص حجيته
بالمدلول المطابقي.
إذا عرفت ذلك
فاعلم ان الظاهر كون القاعدة من الأمارات لثبوت كلا الامرين فيها.
اما الأول : فلان
المريد لامتثال الأمر بالمركب لا يترك الجزء أو الشرط عمدا فلو تركه لا محالة يكون
عن غفلة ونسيان ، وحيث ان الإرادة المتعلقة بمركب ارادة كلية ينبعث منها ارادات
جزئية تدريجية متعلقة بكل جزء وشرط متدرجا ، ولا يتصور الغفلة بعد تلك الارادات
الجزئية التي هي الاسباب لتحقق الفعل الخارجي : لانها متقومة بالالتفات والجزء الاخير
للعلة التامة غير المتصور انفكاكها عن الفعل ، وإنما المتصور عروض الغفلة بعد تلك
الارادة الكلية وقبل الارادة الجزئية ، وهو إنما يكون على خلاف العادة فان تلك
الارادة الكلية تلازم عادة الارادات الجزئية ، فلذا يظن عادة بفعل الجزء المشكوك
فيه بارادته المنبعثة عن تلك الارادة ، فيكون لها الطريقية.
وعلى الجملة
المريد لعمل مركب إذا كان بصدد الإتيان به ، طبعه الأولي ، وارادته المتعلقة به
أولا يقتضي إتيان كل جزء في محله ، واحتمال الترك العمدي ، مخالف لتعلق ارادته
المتعلقة به أولا يقتضي إتيان كل جزء في محله ، واحتمال الترك العمدي ، مخالف
لتعلق ارادته بالامتثال ، واحتمال الغفلة مناف لظهور الحال والغلبة فملاك الطريقية
موجود.
وان شئت قلت ان
الغالب ان من اشتغل بمركب يكون التفاته إلى الخصوصيات والاتيان بكل شيء في محله
ولو بالالتفات والقصد الإجمالي الارتكازي أقوى من بعد ذلك والفراغ من عمله ، فمن
لم يتعمد الترك واراد الامتثال حيث انه على الفرض ملتفت إلى جميع الاجزاء والشرائط
ومقتضى الطبع والعادة بقائه على ذكره والتفاته إلى آخر العمل فعروض الغفلة على
خلاف الطبع والعادة.
وإلى ما ذكرناه
أشار (ع) بقوله : (هو حين يتوضأ أذكر منه حين يشك) وبقوله (هو حين ينصرف اقرب إلى الحق من بعد ذلك)
وقد ظهر مما
ذكرناه اندفاع ما قيل من عدم الطريقية لان الشك ليس له الطريقية والمرآتية.
__________________
وجه الاندفاع ان
المدعى انه لحال المكلف حين العمل الطريقية والامارية ، فلو كانت القاعدة مجعولة
بلحاظ حال العمل يكون لها الامارية والطريقية.
واما الأمر الثاني
: وهو مساعدة الدليل على الطريقية فالظاهر هو ذلك : إذ الظاهر ان بناء العقلاء على
تحقق المشكوك فيه إنما هو من جهة الطريقية والكاشفية ، لا ادعى انه لا يعقل البناء
من العقلاء إلا من جهة الكاشفية : فان ذلك فاسد كما سيأتي تحقيقه في قاعدة اليد :
بل ادعى ان الظاهر ان هذا البناء إنما هو للطريقية والكاشفية نظير البناء على
العمل بخبر الثقة : إذ ليس شيء آخر يصلح ان يكون ملاكا لهذا البناء.
مضافا إلى دلالة
بعض النصوص عليه مثل قوله (ع) في صحيح محمد بن مسلم ، وكان حين انصرف اقرب إلى
الحق منه بعد ذلك .
وقوله (ع) في موثق
بكير هو حين يتوضأ أذكر منه حين يشك .
وقوله (ع) في صحيح
الفضيل فيمن شك في الركوع بعد الانتصاب بلى قد ركعت فامض في صلاتك . وقوله (ع) في مصحح عبد الرحمن في رجل
__________________
اهوى إلى السجود
ولم يدر ركع أم لم يركع ، قد ركع .
فان الأخبار عن
تحقق الركوع ظاهر في الامارية.
وقد يقال كما عن
المحقق العراقي ان المستفاد من الأخبار المأخوذ في موضوعها الشك كقوله (ع)
إذا خرجت من شيء ودخلت في غيره فشكك ليس بشيء ، خلاف ذلك ، بل هي تدل على إلغاء
جهة الكشف المزبور لظهورها في عدم جعل الشك الموجود مانعا عن المضي في العمل ، لا في
إلغاء الشك وتتميم كشفها ، ثم قال فما ورد من التعليل بالاذكرية في بعض النصوص
حينئذ محمول على بيان حكمة التشريع والجعل لمكان اظهرية تلك النصوص.
وفيه : أولا : فرق
بين ترتيب الأثر والحكم على الشك كما في الأصل وبين الحكم بعدم الاعتناء بالشك
بقوله فشكك ليس بشيء ، وما يدل على إلغاء جهة الكشف هو الأول والموجود في الأخبار
هو الثاني ، بل يمكن ان يقال ان قوله فشكك ليس بشيء ، إنما ينفى الشيئية والشكية
عن الشك وهذا عين جعل الأمارة.
وثانيا : ان ظهور
ما في بعض النصوص المتضمن للتعليل بالاذكرية أقوى من ظهور ما أشار إليه : لأنه من
قبيل القرينة وظهور القرينة مقدم على ظهور
__________________
ذي القرينة.
وثالثا : انه لو
قدم ما ظاهره ترتب الحكم على الشك لزم منه طرح ما هو من قبيل التعليل لا حمله على
حكمة الجعل فان الحكمة عبارة عما هو موجود في بعض الموارد دون جميعها ، والحكم
يكون ثابتا في جميع الموارد وغير دائر مدارها ، واما في مثل المقام مما لا يكون
ذلك ولو في مورد فلا معنى لحمله على الحكمة فتدبر فانه دقيق.
فالمتحصّل ان
قاعدة الفراغ والتجاوز من الأمارات لا من الأصول العملية.
عدم حجية القاعدة في المثبتات
فان قلت انه بناءً
على ذلك لا بدَّ من الالتزام بحجية القاعدة في مثبتاتها كما هو شأن كل أمارة فلو
شك في ايقاع صلاة الظهر مع الطهارة وجرت القاعدة وحكم بوقوعها معها واقترانها بها
، لا بدَّ من البناء على صحة الإتيان بالعصر مع هذه الحال وعدم لزوم تجديد الطهارة
مع انه لم يلتزم بذلك احد من الأصحاب فيستكشف من ذلك عدم كونها من الأمارات.
قلت انه لم يدل
دليل عقلي أو نقلى على حجية الأمارات في مثبتاتها ، وإنما نلتزم بذلك مع وجود
قيدين :
أحدهما كون ذلك
الأمر كاشفا عن اللوازم والملزومات والملازمات ككشفه عن ذلك الشيء نفسه ، نظير
الخبر الحاكى عن امر واقعى كشرب زيد ما في
الكاس المعين
الخارجي ، فانه كاشف عن شربه بالمطابقة ، وعن موته إذا كان ذلك في الواقع سما بالالتزام.
ثانيهما : ثبوت
الإطلاق لدليل اعتباره من جميع الجهات كما في أدلة حجية الخبر الواحد على ما حقق
في محله.
ومع فقد احد
القيدين أو كليهما لا يكون ذلك الأمر حجة في مثبتاته.
وفي الأصول يكون
القيد الأول مفقودا مطلقا فلذا لا تكون حجة في مثبتاتها.
وفي بعض الأمارات
يكون القيد الثاني مفقودا كما في الظن بالقبلة حيث انه حجة من باب الطريقية ومع
ذلك لا يكون حجة في مثبتاته ولا يثبت به لازمه وهو دخول الوقت ، فان قوله (ع) في
صحيح زرارة : " يجزئ التحري ابداً إذا لم يعلم أين وجه القبلة" لا يدل على ازيد من حجية الظن الحاصل بالاجتهاد في القبلة
خاصة كما هو واضح.
وتمام الكلام في
ذلك وفي عدم تمامية ما ذكره المحققان الخراساني والنائيني (ره) في وجه الفرق بين
الأمارات والأصول وانه لم لا تكون الأصول حجة في مثبتاتها والامارات حجة فيها
موكول إلى محله ، وقد اشبعنا الكلام في ذلك في تنبيهات الاستصحاب.
وعلى ذلك فقاعدة
الفراغ والتجاوز وان كانت من الأمارات إلا انها
__________________
ليست حجة في
مثبتاتها لعدم الإطلاق لادلتها كما لا يخفى على من تدبر فيها.
وجه تقدمها على الأصول
الامر الرابع : في
وجه تقدمها على الاستصحاب ، بناءً على ما اخترناه من كونها من الأمارات يكون وجه
تقدمها عليه ، هي الحكومة كما هو الوجه في تقدم سائر الأمارات عليه.
واما بناءً على
كونها من الأصول فإنما تقدم على الاستصحاب لاخصية دليلها عن دليله كما هو واضح.
وعن الشيخ الأعظم (ره)
حكومة القاعدة على الاستصحاب حتى بناءً على كونها من الأصول العملية.
وقد قرب الحكومة
بوجوه :
١ ـ ما وجهها
المحقق النائيني (ره) وهو ان موضوع الاستصحاب إنما هو الشك في بقاء الحالة
السابقة وهو إنما يكون مسببا عن الشك في حدوث ما يوجب رفع الحالة السابقة ، وقاعدة
الفراغ والتجاوز إنما يكون مؤداها حدوث ما يوجب رفع الحالة السابقة فتكون رافعة
لموضوع الاستصحاب.
__________________
وبعبارة أخرى :
القاعدة تجرى في الشك السببي ، والاستصحاب يجري في الشك المسببي فلا محالة تكون
حاكمة عليه.
وفيه : ان الشك
قوامه بالطرفين وفي المقام شك واحد احد طرفيه رفع الحالة السابقة والآخر بقائها ،
لا ان هناك شكين أحدهما مسبب عن الآخر.
٢ ـ ما في تقريرات
الأستاذ الأعظم ناسبا إياه إلى المحقق النائيني ، وحاصله ان دليل القاعدة
ناظر إلى إثبات حكم مخالف للحالة السابقة بنفسها ، فهو ناظر إلى سقوط الاستصحاب
وعدم بقاء الحالة السابقة واما الاستصحاب فهو غير ناظر إلى سقوط القاعدة إلا
بالملازمة ، إذ الحكم ببقاء الحالة السابقة في مورد القاعدة تلازم عقلا عدم جريان
القاعدة ، والاستصحاب مع قطع النظر عن عدم إثباته للّوازم في حد نفسه يكون محكوما
للقاعدة إذ إثباته للّوازم فرع إثباته لملزومها والقاعدة مانعة عنه باثبات خلافه ،
ففي المرتبة التي تكون القاعدة مانعة عن جريان الاستصحاب لا يكون الاستصحاب مانعا
عنها ، فلا محالة تكون هي حاكمة عليه.
وفيه : ان المتعبد
به ، في القاعدة ، وفي الاستصحاب من النقيضين المحفوظين في مرتبة واحدة وكل منهما
بنفسه يطارد الآخر بلا تفاوت بينهما فتقدم مرتبة أحدهما على الآخر لاوجه له.
٣ ـ ان القاعدة
إنما تنفى الشك وانه ليس بشيء لاحظ صحيح زرارة
__________________
المتقدم (إذا خرجت
من شيء ثم دخلت في غيره فشكك ليس بشيء) ومن المعلوم ان الدليل النافي لموضوع الآخر يكون حاكما
عليه كما حقق في محله ، وهذا هو الحق.
قاعدة الفراغ والتجاوز قاعدة واحدة
الأمر الخامس : في
بيان ان قاعدة الفراغ ، هل هي غير قاعدة التجاوز ، أم هما قاعدة واحدة ، وان
المجعول الشرعي شيء واحد.
وقد اختلفت
كلماتهم في ذلك ، فعن الشيخ الأعظم اختيار الثاني وتبعه جمع من الاساطين ، وعن المحقق الخراساني استظهار الأول وتبعه المحقق الهمداني وجماعة .
__________________
والكلام يقع في
موردين ، الأول : في مقام الثبوت.
الثاني : في مقام
الإثبات.
اما المورد الأول
: فقد استدل لامتناع كونهما قاعدة واحدة بوجوه :
منها : ان متعلق
الشك في قاعدة الفراغ إنما هو صحة الموجود بعد مفروغية اصل الوجود ، وهي المتعبد
بها ، فالتعبد فيها إنما هو بمفاد كان الناقصة ، ومتعلق الشك في قاعدة التجاوز اصل
الوجود ، وهو المتعبد به ، ويكون التعبد فيها بمفاد كان التامة ولا جامع بينهما
ولا يعقل اندراجهما في كبرى واحدة : إذ كيف يمكن ان يكون الوجود مفروغا عنه في
دليل مع فرض تعلق التعبد به.
وافاد المحقق
الأصفهاني (ره) انه ليس المحذور كون التعبد في مورد قاعدة التجاوز بنحو
مفاد كان الناقصة ، وفي مورد قاعدة الفراغ بنحو مفاد كان التامة : فانه يمكن ان
يقال انه في مورد قاعدة التجاوز المتعبد به صحة العمل بنحو مفاد كان التامة ، بل
المحذور ان المتعبد به في مورد قاعدة التجاوز هو صحة العمل ، فاصل وجوده مفروغ عنه
ومفروض الوجود ، وفي مورد قاعدة الفراغ المتعبد به اصل الوجود ، وهما امران
متغايران لا يجمعهما شيء واحد.
وفيه : ان وجود
العرض في نفسه وجود في الغير وعين وجوده لموضوعه ، وعليه فان اخذ وجود العرض في
الموضوع بما هو شيء في نفسه ولم يلاحظ
__________________
كونه في الغير
ووصفا له ، يلزم الالتزام بترتب الأثر وان كان العرض موجودا في غير هذا الموضوع
وهو خلف الفرض ، وان اخذ بما هو قائم بالذات وعرض فلا محالة يعتبر العرض نعتا ،
ففي ترتب الحكم لا بدَّ من إحراز اتصاف الموضوع بالعرض زائدا على إحراز وجود
الموضوع والعرض.
وعلى الجملة :
الصحة التي يترتب عليها الأثر هي صحة الموجود لا مطلق الصحة ، فالشك في صحة العمل
بعد كونها من الاوصاف ووجودها في نفسها عين وجودها في غيرها لا محالة يكون هو الشك
في كون العمل صحيحا الذي هو مفاد كان الناقصة.
وأجاب : عن اصل
الإشكال الشيخ الأعظم (ره) بقوله ، السادس ان الشك في صحة الشيء المأتي به حكمه حكم
الشك في الإتيان ، بل هو هو : لان مرجعه إلى الشك في وجود الشيء الصحيح.
وأورد عليه
المحققان ، الخراساني ، والنائيني ، بان المتعبد به في قاعدة الفراغ ليس هو الوجود الصحيح بل
صحة الموجود.
وذلك : لان قاعدة
الفراغ لا تختص بباب التكاليف حتى يقال ان هم العقل هو الخروج عن التكليف بوجود
متعلقه خارجا فلا حاجة إلى إحراز
__________________
صحة الموجود
الخارجي بل تعم الوضعيات والمهم فيها إثبات صحة الموجود : إذ الأثر مترتب على صحة
العقد الصادر من المتعاقدين ولا اثر لوجود العقد الصحيح بمفاد كان التامة ، واثبات
صحة الموجود الخارجي بوجود الصحيح يكون من الأصل المثبت.
ويرد عليهما ،
أولا : انا وان بنينا على عدم حجية القاعدة في مثبتاتها حتى على الامارية ، إلا ان
هذا المقدار من اللوازم ، كصحة الموجود الملازمة لوجود الصحيح ، لا ينفك في التعبد
عن التعبد بملزومه عرفا ، ألا ترى انه لا يشك احد في ان التعبد بوجود التكبيرة لو
شك فيها بعد الدخول في القراءة ، مستلزم للتعبد بصحة الصلاة الخارجية التي بيده ،
مع ان انطباق المأمور بها عليها مشكوك فيه ، وليس ذلك إلا من جهة الملازمة بين
التعبدين عرفا وعدم انفكاك أحدهما عن الآخر ، وعلى ذلك فيكفى في الحكم بصحة
الموجود الخارجي التعبد بوجود الصحيح.
وثانيا : ان الأثر
في باب الوضعيات أيضاً مترتب على الوجود الصحيح في الخارج فإذا حكم الشارع بتحقق بيع
صحيح خارجا ، فلا محالة يحكم بتحقق النقل والانتقال بلا حاجة إلى إثبات صحة
الموجود الخارجي.
ولكن الذي يرد على
الشيخ ، ان العمل الذي يتعبد به حيث لا يعقل فيه الإهمال ، فمن حيث وصف الصحة.
اما ان يؤخذ بنحو
اللابشرط القسمي ومطلقا ، الذي هو بمعنى رفض القيود ، فلا تعبد بالصحة فتختص
القاعدة بموارد قاعدة التجاوز.
أو يؤخذ بنحو بشرط
شيء ، أي العمل بوصف الصحة فتختص بمورد
قاعدة الفراغ ،
والاعتبارات متقابلة لا يعقل الجمع بينها.
وقد يجاب عنه بان
الظاهر من النصوص كقوله (ع) ما مضى من صلاتك وطهورك فامضه كما هو ، ونحوه غيره هو التعبد بصحة الموجود الخارجي ، لا التعبد
بوجود الصحيح فارجاع التعبد بوجود الصحيح ولو باعتبار منشأ انتزاع وصف الصحة خلاف
ظاهر النصوص.
وهذا الجواب وان
كان تاما ، إلا انه يناسب المورد الثاني لا هذا المورد.
والحق في الجواب
عن هذا الوجه :
أولا : النقض بالخبر
فانه ، قد يكون المخبر به وصف الصحة ، وقد يكون أصلاً الوجود ، فلازم هذا الوجه
عدم إمكان الجمع بينهما في دليل واحد.
وثانيا : بالحل ،
وهو ان المتعبد به في الدليل ليس إلا تحقق ما شك فيه وقد مضى وتجاوز المكلف عنه ،
وكون مصداق ذلك ، تارة أصل الوجود ، وأخرى وصف الصحة ، لا يوجب تعدد المتعبد به بل
هذا الاختلاف إنما هو من جهة اختلاف متعلق الشك خارجا ، وحيث ان الإطلاق عبارة عن
رفض القيود لا الجمع بين القيود فلا يعتبر في المتعبد به شيء من الخصوصيتين بل هو
الجامع بينهما ، ولم يلاحظ فيه مفروغية الوجود ولا عدم مفروغيته ويكون ذلك باعتبار
خصوصية الموارد.
مع ان المراد
بالصحة ليس هو ترتب الأثر ، ولا هذا الوصف الانتزاعي.
__________________
بل المراد بها
استجماع العمل للأجزاء والشرائط وعليه فالشك في موارد الشك في الصحة بعينه الشك في
وجود العمل بتمامه.
وبعبارة أخرى : هو
بعينه الشك في تحقق امر وجودي أو عدمي اعتبر في المأمور به ، وإلا فلا معنى للشك
في الصحة والفساد ، فلو شك في صحة الصلاة التي أتى بها ، من جهة احتمال ترك الركوع
مثلا ، أو عدم اقترانها بالطهارة فالشك في الحقيقة متعلق بوجود ذلك الركن أو
الاقتران المزبور ، ففي الحقيقة ترجع قاعدة الفراغ في جميع مواردها إلى قاعدة
التجاوز والمشكوك فيه دائما إنما هو وجود الشيء.
فان قلت ان لازم
ذلك ان لو شك في صحة الصلاة من جهة الشك في الاقتران بالطهارة هو الحكم بتحقق
الطهارة لأنها المتعبد بها على هذا الوجه فلا يحتاج إلى تجديد الطهارة للصلوات
الآتية وقد مر عدم التزام الأصحاب بذلك.
قلت : ان المشكوك
فيه المتعبد بتحققه ليس هو وجود الطهارة حتى يكون التعبد به كافيا للأعمال اللاحقة
أيضاً ، بل اقتران الصلاة بها وبديهي انه لا يترتب على الحكم بالاقتران المزبور
تحقق الطهارة إلا على القول بحجيتها في المثبتات.
وان شئت قلت ان
الطهارة المستمرة إلى حصول الرافع ، الشرط منها لصلاة الظهر هي الحصة التوأمة
المقارنة لها ، والشرط لصلاة العصر الحصة الأخرى منها لا تلك الحصة ، وحيث ان
الحصة الأولى تجاوز المكلف عنها دون الثانية فيحكم بتحقق الأولى دون الثانية ،
والحصتان وان كانتا متلازمتين وجودا
إلا ان التعبد
باحدهما لا يكفى لاثبات الأخرى إلا على القول بالمثبت.
وبذلك ظهر الجواب
عن وجهين آخرين لعدم الاتحاد :
أحدهما ان ظاهر
الشك في الشيء هو تعلق الشك بالوجود وإرادة الشك في الصحة من الشك في الشيء يحتاج
إلى العناية.
ثانيهما ان ظاهر
الدليل أي دليل قاعدة التجاوز هو التجاوز عن نفس المشكوك فيه مع انه لا معنى
للتجاوز عن وصف الصحة كما هو واضح.
ومنها : ان متعلق
الشك في قاعدة الفراغ والملحوظ في مقام الجعل إنما هو المركب بما له من الوحدة
الاعتبارية ويكون لحاظ الاجزاء تبعيا لاندكاك شيئية الجزء في شيئية الكل ، ومتعلق
الشك في قاعدة التجاوز والملحوظ إنما هو أجزاء المركب بما هي أشياء مستقلة ، ومن
الواضح استحالة الجمع بين اللحاظين في دليل واحد ففي مرتبة لحاظ الكل شيئا كيف
يمكن لحاظ الجزء شيئا آخر مستقلا.
وبعبارة أخرى :
لحاظ الجزء في نفسه سابق في الرتبة على لحاظ المركب منه ومن غيره من الاجزاء فكيف
يمكن الجمع بين الشيئين الذين هما في مرتبتين في عرض واحد والحكم عليهما في دليل
واحد.
ويرد عليه أمور :
الأول : ان هذا
الإشكال مشترك الورود ولا اختصاص له بالقائلين بوحدة القاعدتين وذلك لان قاعدة
الفراغ لا تختص بالمركبات بل تجرى في الاجزاء أيضاً : فإنها إنما تجرى في موارد
الشك في الصحة كان المشكوك صحته من المركبات أم من الاجزاء ، فكما تجرى لو شك في
صحة الصلاة ، كذلك تجرى لو
شك في صحة الركوع
من غير فرق بينهما أصلاً.
الثاني : ما تقدم
آنفا من ان الملحوظ في قاعدة الفراغ أيضاً إنما هو الاجزاء والشرائط وعدم الموانع
المعتبرة في المأمور به دون المركبات كما تقدم تفصيله.
الثالث : انه لو
سلم كون قاعدة الفراغ مختصة بالمركبات وقاعدة التجاوز بالاجزاء ، نقول انه لا مانع
من جمع المتقدم والمتأخر في دليل واحد ولحاظهما في عرض واحد بجامع ينطبق عليهما
وكون أحدهما سابقا في الرتبة على الآخر وكون لحاظه مندكا في لحاظه لا ينافى الجمع
بينهما في لحاظ آخر.
وان شئت قلت ان
اللحاظ الآخر هو لحاظ الطبيعة الجامعة بينهما المعراة عن جميع الخصوصيات واندكاك
لحاظ الجزء في لحاظ الكل إنما هو فيما إذا لوحظت الخصوصية كما هو واضح لمن راجع
نظائر المقام.
ألا ترى ان قولنا
كل عمل اختياري فهو مسبوق بالإرادة يشمل المركبات واجزائها في عرض واحد ، وكذلك كل
ممكن يحتاج في وجوده إلى العلة إلى غير ذلك من الموارد.
ومنها : ان
التجاوز في قاعدة التجاوز إنما يكون بالتجاوز عن محل الجزء المشكوك فيه ، وفي
قاعدة الفراغ إنما يكون بالتجاوز عن نفس المركب لا عن محله.
وفيه : انه بعد ما
عرفت من إرجاع قاعدة الفراغ إلى قاعدة التجاوز ، وان المشكوك فيه دائما هو بعض ما
يعتبر في المأمور به ، يظهران التجاوز في جميع الموارد لوحظ بالقياس إلى المحل ولم
يلاحظ في قاعدة الفراغ بالقياس إلى
المركب ، إذ
الظاهر من الأدلة مضى المشكوك فيه ـ وبعبارة أخرى ـ تجاوز المكلف عما شك فيه ففي
مورد قاعدة الفراغ العمل وان كان ماضيا ، إلا ان إجراء القاعدة إنما هو لأجل مضى
المشكوك فيه المتحقق بمضي محله فتدبر.
ويمكن ان يجاب عنه
بوجوه أخر :
١ ـ ان التجاوز في
جميع الموارد إنما يلاحظ بالاضافة إلى نفس المشكوك فيه ، بتنزيل التجاوز عن المحل
منزلة التجاوز عن نفسه فاضيف التجاوز إلى الجزء حقيقة.
٢ ـ ما عن المحقق
اليزدي وهو ان المراد في الجميع هو التجاوز عن المحل فان من تجاوز
عن الشيء فقد تجاوز عن محله أيضاً.
٣ ـ ما عن المحقق
الأصفهاني بإرادة التجاوز بالمعنى الأعم مما ، هو تجاوز بالحقيقة ،
وما هو تجاوز بالعناية : فان التجاوز عن محل ما يتعين وقوعه فيه كأنه تجاوز عما
يقع فيه ، فما يضاف إليه التجاوز امر واحد ، وهو وجود الشيء ، إلا ان الإسناد
يتفاوت حاله بالحقيقة وبالتوسع والعناية.
والإيراد عليه ،
بأنه في مورد الشك في الصحة ، إسناد التجاوز إلى الشيء إسناد إلى ما هو له وفي
مورد الشك في الوجود إسناد إلى غير ما هو له ، ولا جامع بين الإسنادين.
__________________
يندفع ، بان
التجاوز إنما استند إلى وجود الشيء ، وكون ذلك ، في بعض الموارد بالحقيقة ، وفي
بعضها بالعناية من خصوصيات الفرد غير الدخيلة في موضوع الحكم فتدبر فانه دقيق.
ومنها : لزوم
التدافع في مدلول الأدلة بناءً على الوحدة وعدم لزومه بناءً على التعدد ، وتقريب
التهافت على ما يظهر من كلمات الشيخ الأعظم في الموضع الرابع ، وغيره من الأساطين : انه لو شك في القراءة وهو في الركوع
مثلا ، فمقتضى قاعدة التجاوز عدم الاعتناء بشكه للتجاوز عن المشكوك فيه ، ومقتضى
مفهوم قاعدة الفراغ الاعتناء به : لعدم التجاوز عن الصلاة : لأنه بعد في الأثناء ـ
وعلى ذلك ـ فان كانتا قاعدتين تكون قاعدة التجاوز حاكمة على قاعدة الفراغ ومعممة
لها ، فلا يعتنى بهذا الشك وهذا بخلاف ما إذا كانتا قاعدة واحدة ، إذ الشيء لا
يعقل ان يكون حاكما على نفسه.
وفيه ، أولا : انه
بناءً على وحدة القاعدتين يكون عكس القاعدة لزوم الاعتناء بالشك مع عدم التجاوز عن
الشيء وعن ابعاضه فلا مورد له في المثال.
وثانيا : ان الشك
في صحة الصلاة وفسادها ـ وبعبارة أخرى ـ الشك في انطباق المأمور به على المأتي به
لو انضم إليه سائر الاجزاء ، مسبب عن الشك في إتيان ذلك الجزء فإذا جرت قاعدة
التجاوز وحكم بالإتيان به ، يرتفع هذا الشك فلا مورد لقاعدة الفراغ.
لا يقال ان قد بين
سابقا عدم حجية القاعدة في مثبتاتها ، فكيف يحكم
__________________
بترتب صحة الصلاة
على الحكم بإتيان ذلك الجزء.
فانه يقال هذا غير
مربوط بالمثبت : إذ الصحة عبارة عن الاستجماع للأجزاء والشرائط فمع التعبد بالإتيان
ببعض الاجزاء ، وضمه إلى إتيان غيره وجدانا لا يشك في الاستجماع.
فتحصل انه لا
محذور ثبوتا في الالتزام بوحدة القاعدتين.
واما المورد
الثاني : وهو بيان ما يستفاد من الأخبار ، فقد ذهب جماعة منهم الشيخ الأعظم والمحقق النائيني إلى ان المستفاد من الأخبار قاعدة واحدة ، وهي عدم
الاعتناء بالشك بعد التجاوز أو الفراغ ، وآخرون إلى تعددها منهم المحقق الخراساني ، والهمداني ، والخوئي ، والعراقي ، ثم ان الاولين ، ارجع بعضهم قاعدة التجاوز إلى قاعدة
الفراغ كالمحقق النائيني ، وارجع جماعة منهم قاعدة الفراغ إلى قاعدة التجاوز
كالشيخ ، والقائلون بالتعدد طوائف :
__________________
١ ـ من اختار عموم
كلتا القاعدتين لجميع الأبواب من العبادات والمعاملات كالمحقق الخوئي .
٢ ـ من ذهب إلى
عموم قاعدة الفراغ لجميع الأبواب واختصاص قاعدة التجاوز بباب الصلاة كالمحقق
الخراساني والهمداني
٣ ـ من قال ان
قاعدة التجاوز عامة وقاعدة الفراغ تختص بباب الوضوء والصلاة.
وتنقيح القول في
المقام بالبحث في جهات :
الأولى في استفاده
الوحدة من الأخبار أو التعدد.
الثانية في انه
على فرض الوحدة ، هل قاعدة التجاوز ترجع إلى قاعدة الفراغ ، أو العكس.
__________________
الثالثة في عموم
القاعدة أو القاعدتين لجميع الأبواب وعدمه.
اما الجهة الأولى
: فالعناوين المأخوذة في الأدلة قيدا هي ، التجاوز ، والمضي ، والخروج ، والفراغ ،
والانصراف ، وتدل الأخبار على ان الشك مع احد هذه العناوين لا يعتنى به ، وحيث
عرفت ان المشكوك فيه في جميع الموارد وجود قيد في المأمور به فهذه العناوين متحد
المضمون.
وان شئت قلت ان
العناوين الثلاثة الأول متحدة المضمون وكذلك الاخيرتين غايته كونهما أخص منها ولا
يحمل المطلق على المقيد في المثبتين.
فالمستفاد من
الأخبار قاعدة واحدة بلا اشكال.
وافاد المحقق
الخراساني في تعليقته على الرسائل ما ملخصه ، ان مقتضى التأمل في الروايات انها مفيدة لقاعدتين ،
احداهما : القاعدة المضروبة للشك في وجود الشيء بعد التجاوز عن محله مطلقا ، أو في
خصوص أجزاء الصلاة وما بحكمها كالأذان والإقامة ، ثانيتهما : قاعدة مضروبة للشك في
صحة الشيء لأجل الشك في الإخلال ببعض ما اعتبر بعد الفراغ عنه.
ثم جعل صحيح زرارة
المتقدم ، إذا خرجت من شيء ثم دخلت في غيره فشكك ليس بشيء . وصحيح إسماعيل ، كل شيء شك فيه مما قد جاوزه ودخل
__________________
في غيره فليمض
عليه . ظاهرين في القاعدة الأولى وموثق محمد بن مسلم المتقدم ، كل ما شككت فيه مما
قد مضى فامضه كما هو . مضافا إلى مؤيدات أخر ظاهرا في القاعدة الثانية ، ثم قال
ان إرجاع إحدى الطائفتين إلى الأخرى بحسب المفاد ، وارجاعهما إلى ما يعمهما أو ما
يعم القاعدتين من كل منهما لا يخلو من تكلف وتعسف بلا وجه موجب له أصلاً.
وفيه : ان مضمون
الموثق متحد مع مضمون الصحيحين ، والكبرى المجعولة في الجميع شيء واحد ـ وهو ـ عدم
الاعتناء بالشك في الشيء بعد مضيه والخروج عنه ، فالمجعول قاعدة واحدة ، وهي قاعدة
التجاوز عن الشيء المتحقق بالتجاوز عن محله سواء أكان ذلك بعد الفراغ عن العمل أو
قبله.
فان قلت ، ان موثق
ابن أبي يعفور المتقدم إذا شككت في شيء من الوضوء وقد دخلت في غيره فليس شكك بشيء يدل على ان عدم الاعتناء بالشك مختص بخصوص الفراغ عن العمل
: إذ الضمير في" غيره" يرجع إلى الوضوء لا إلى الشيء : للإجماع والنصوص
الدالة على عدم جريان القاعدة في الوضوء إذا كان الشك في الأثناء.
__________________
قلت : أولا : انه
قد دلت النصوص على جريان القاعدة وان كان الشك في الأثناء لاحظ النصوص الواردة في
باب الصلاة .
وثانيا : ان
الظاهر من الموثق رجوع الضمير إلى الشيء لا إلى الوضوء ، لأنه متبوع ، وجهة
التابعية أولى بالملاحظة ، ومجرد العلم الخارجي بعدم جريان قاعدة التجاوز في
الوضوء ، إذا كان الشك في الأثناء لا يصلح قرينة لصرف هذا الظهور غاية الأمر
صيرورته معارضا مع ما دل على عدم الجريان.
وافاد الأستاذ
الأعظم في وجه ما اختاره من تعدد القاعدتين : بان الروايات
المطلقة غير المصدرة بالأمثلة الخاصة كموثق محمد بن مسلم المتقدم كل ما شككت فيه
مما قد مضى فامضه كما هو ، وغيره لا تنطبق إلا على مورد قاعدة الفراغ ضرورة ان
الشيء لم يمض بعد في مورد قاعدة التجاوز وإنما هو محتمل المضي وإسناد المضي
والتجاوز إليه باعتبار مضى محله خلاف الظاهر لا يصار إليه إلا بدليل فلا دليل على
كون المجعول في تلك الروايات شاملا لمورد كلتا القاعدتين.
ولكن صحيح زرارة ،
وصحيح إسماعيل المتقدمين دلانا على عدم الاعتناء بالشك في الشيء في مورد الشك في
مضى محل الشيء أيضاً : لان الإمام (ع) بين هذا الحكم الكلي بعد حكمه في صدر
الخبرين بعدم الاعتناء بالشك في
__________________
وجود الاجزاء ،
وهو قرينة على عدم ارادة التجاوز والخروج عن نفس الشيء فيهما بل اسند إليه باعتبار
مضي محله.
وقيام القرينة على
ارادة خلاف الظاهر في هذه الطائفة ، لا يوجب رفع اليد عن ظهور الطائفة الأولى
فتفترق القاعدتان ، وتكون احداهما في مورد الشك في الوجود ، والأخرى في مورد الشك
في الصحة.
وفيه : انه دام
ظله اعترف في البحث عن إمكان وحدة القاعدتين ، بان المشكوك فيه في مورد قاعدة الفراغ
أيضاً وجود الشيء إذ لا معنى للشك في الصحة غير الشك في استجماع المأتي به للقيود
المعتبرة وعدمه ، وحيث ان المضي إنما هو باعتبار المشكوك فيه واسند إليه ، فلا
محالة يكون المراد منه هو مضى محله ، لا نفسه : لفرض الشك في وجوده فهذه قرينة
قطعية على إسناد المضي إليه باعتبار مضى محله.
فالمتحصّل ، ان
قاعدة الفراغ والتجاوز قاعدة واحدة بحسب النصوص.
واما الجهة
الثانية : فقد ظهر مما ذكرناه ، رجوع قاعدة الفراغ إلى قاعدة التجاوز وافاد المحقق
النائيني (ره) في وجه رجوع الثانية إلى الأولى ـ
بعد بنائه على
أمرين ، أحدهما : ان لفظ الشيء في الأخبار ، كقوله إنما الشك إذا كنت في شيء لم
تجزه ، لا يمكن ان يعم الكل والجزء في مرتبة واحدة بلحاظ واحد على ما مر في البحث
عن عدم إمكان كونهما قاعدة واحدة ثبوتا ، ثانيهما : ان الظاهر من الأخبار كون
المجعول قاعدة واحدة ، وان الظاهر ان
__________________
الملحوظ هو المركب
من حيث هو ـ
انه لو لم يكن في
الأخبار صحيح زرارة ، وخبر إسماعيل ، لقلنا بان المجعول هو عدم الاعتناء بالشك في
خصوص مورد قاعدة الفراغ ولكن بملاحظة ورودهما يعلم ان الشارع الأقدس نزل الشك في
الجزء في خصوص باب الصلاة ، منزلة الشك في الكل فيكون للشيء المأخوذ موضوعا في
الأخبار ، فردان : أحدهما وجداني تكويني ، والآخر تعبدي تنزيلي وعليه فلا قاعدة
سوى قاعدة الفراغ وإنما تجري قاعدة التجاوز في خصوص باب الصلاة تنزيلا لها منزلة
قاعدة الفراغ.
ويرد عليه ما مر
من ان لفظ الشيء عام شامل للجزء والكل في عرض واحد بلا لزوم محذور من ذلك.
القاعدة غير مختصة بباب الصلاة
واما الجهة
الثالثة : فقد يقال انه على فرض وحدة القاعدتين ، تكون القاعدة مختصة بباب الصلاة.
اما على فرض رجوع
قاعدة التجاوز إلى قاعدة الفراغ كما اختاره المحقق النائيني ، فلما مر في توجيه
كلامه مع نقده.
واما على فرض
العكس ، ورجوع قاعدة الفراغ إلى قاعدة التجاوز ، فاستدل له : بان قوله (ع) في ذيل
موثق ابن أبي يعفور المتقدم (إنما الشك إذا
كنت في شيء لم
تجزه) تعليلا لما في صدره من قوله (ع) (إذا شككت في شيء من الوضوء وقد دخلت في
غيره) بعد فرض رجوع الضمير في غيره إلى الوضوء. اما لكونه اقرب ، أو انه من جهة
الأخبار الأخر والإجماع على انه لا تجرى القاعدة في أثناء الوضوء.
لا يمكن إرجاع
الضمير إلى الشيء ، فمفاد الصدر انه ان شك في جزء من الوضوء وكان في الأثناء يعتني
بشكه ، وان كان بعد الفراغ منه لا يعتني به.
يقتضي اختصاص
القاعدة بما إذا كان الشك بعد تمام العمل والفراغ منه : فان الظاهر منه كونه في
مقام ان الحكم في الوضوء نفيا وإثباتا ، لا يكون خارجا عن القاعدة الكلية نفيا
وإثباتا ولذا قيل ان مفهوم الذيل علة لمنطوق الصدر ، ومنطوقه علة لمفهومه.
ولكن صحيح زرارة
وصحيح إسماعيل المتقدمين ، دالان على إجراء القاعدة في خصوص أجزاء الصلاة ، وبهما
يقيد إطلاق منطوق القاعدة الكلية.
فالمتحصّل من ذلك
عدم إجراء القاعدة في أثناء المركب غير باب الصلاة ، وتختص القاعدة الكلية بما بعد
الفراغ.
وفيه ، أولا :
سيأتي في مبحث عدم جريان القاعدة في باب الوضوء ، ان الظاهر من الموثق رجوع الضمير
إلى الشيء لا إلى الوضوء ، والإجماع على عدم جريان القاعدة في الأثناء ، والأخبار
الدالة على ذلك لا يصلحان قرينة لإرجاع الضمير إلى الوضوء بل غاية ما هناك طرح الموثق
للمعارض الأقوى وعليه فيسقط هذا الوجه.
وثانيا : ان صدر
الموثق لا مفهوم له ، وإنما المراد منطوقه ، وهو عدم الاعتناء بالشك بعد الفراغ من
الوضوء : لان الشرط سيق لبيان تحقق الموضوع ، وهو احد مصاديق مفهوم ما في الذيل ،
فلا يلزم منه شمول المفهوم له فيلزم المحذور المذكور فتدبر فانه دقيق.
قاعدة التجاوز غير مختصة بباب الصلاة على فرض التعدد
واما على فرض تعدد
القاعدتين ، فقد وقع الخلاف في اختصاص قاعدة التجاوز بباب الصلاة وعمومها لاجزاء
غير الصلاة من العبادات والمعاملات ، بعد التسالم على عموم قاعدة الفراغ لجميع الأبواب
لعموم ادلتها.
وقد اختار
الاختصاص جمع من المحققين ، كالمحقق الخراساني ، والمحقق النائيني .
مقتضى إطلاق قوله (ع)
في صحيح زرارة إذا خرجت من شيء
الخ ، وعموم قوله
في صحيح إسماعيل كل شيء شك الخ هو عدم الاختصاص.
__________________
وقد استدل المحقق
الخراساني (ره) للاختصاص بان الصحيحين لو لم يكونا ظاهرين في خصوص أجزاء
الصلاة بقرينة السؤال عن الشك فيها فلا اقل من الإجمال وعدم الظهور في العموم :
فان تكرار السؤال عن خصوص أفعال الصلاة يمنع من إطلاق الشيء لغيرها.
ثم أورد على نفسه
بأنه لو تم ذلك فإنما هو في صحيح زرارة الذي يكون العموم فيه بالإطلاق ، دون صحيح
إسماعيل الذي يكون العموم فيه بالوضع.
وأجاب عنه ، بان
لفظ الشيء الواقع عقيب الكل لو لم يكن مطلقا بمقدمات الحكمة لما دل لفظ الكل على
استيعاب تمام أفراده ، وعرفت ان المتيقن من مدخوله في المقام خصوص أفعال الصلاة.
وفي كلامه موضعان
للنظر :
الأول في منعه
الإطلاق ، لان منشأ المنع من الإطلاق ، هو وجود القدر المتيقن في مقام التخاطب ،
وهو ارادة خصوص أجزاء الصلاة من المطلق فانه يمنع من انعقاد الإطلاق بدعوى ان عدم
وجود القدر المتيقن في مقام التخاطب من مقدمات الحكمة.
ولكن يرد عليه ما
حققناه في محله من هذا الشرح من ان وجود القدر المتيقن في مقام التخاطب كوجود
القدر المتيقن في غير ذلك المقام لا يمنع عن الإطلاق ، إذ بعد فرض عدم معقولية
الإهمال في مقام الثبوت من الملتفت إلى انقسام الموضوع إلى قسمين أو أقسام ، وانه
لا بدَّ من الإطلاق أو التقييد ،
__________________
وتعليق الحكم في
مقام الإثبات على المطلق وعدم ذكر القيد مع كونه في مقام البيان يستكشف ثبوت الحكم
للمطلق.
واحتمال الاختصاص
بالمقيد.
يندفع بالإطلاق ،
وضروري ان كون حصة خاصة قدرا متيقنا لا يوجب الظهور في الاختصاص فيبقى الظهور
الاطلاقي بلا مزاحم.
فمقتضى إطلاق صحيح
زرارة هو العموم.
الثاني : ان ما
ذكره ـ من احتياج استفادة العموم من أداته إلى إجراء مقدمات الحكمة في مدخولها ـ غير
تام في مثل كلمة" كل" و" أي".
بل هي موضوعة
لإفادة استيعاب ما يصلح مدخولها ان ينطبق عليه من الأفراد ـ لاما أريد من مدخولها
ـ إذ لو جرت مقدمات الحكمة لما احتجنا في استفادة العموم إلى اداته فيلزم لغويتها
، وتمام الكلام في ذلك موكول إلى محله.
فعلى فرض تسليم
منع وجود القدر المتيقن في مقام التخاطب ، يكفينا في الحكم بالعموم صحيح إسماعيل.
وأما دعوى ان ذكر
اجزاء الصلاة في صدر الصحيحين من قبيل احتفاف الكلام بما يصلح للقرينية الموجب
للإجمال.
فمن الغرائب ، إذ
ليس ذكر المورد منافيا لظهور الكبرى في العموم بحسب فهم العرف ، ألا ترى ، انه لو
قال المولى ، يجب إكرام كل عالم ، بعد حكمه بوجوب إكرام زيد النحوي ، لا يتوهم احد
اختصاص هذا الحكم بالنحويين وهذا من الوضوح بمكان.
أضف إلى ذلك كله
ما تقدم من ان هذه القاعدة قاعدة عقلائية ولا ريب في عدم اختصاص بناء العقلاء بباب
دون باب.
فالأقوى هو العموم
حتى بناءً على تعدد القاعدتين.
حكم الشك في الطهارة قبل الفراغ منها
ثم انه لا خلاف في
عدم جريان قاعدة التجاوز في الوضوء لو شك في شيء من أفعاله وهو في أثناء الوضوء ،
وعن غير واحد دعوى الإجماع عليه.
ويشهد له صحيح
زرارة عن الإمام الباقر (ع) إذا كنت قاعدا على وضوئك فلم تدر أغسلت ذراعيك أم لا؟
فاعد عليهما وعلى جميع ما شككت فيه انك لم تغسله أو تمسحه مما سمى الله تعالى ما
دمت في حال الوضوء الحديث.
ولا يعارضه موثق
ابن أبي يعفور عن إمامنا الصادق (ع) إذا شككت في شيء من الوضوء وقد دخلت في غيره
فليس شكك بشيء إنما الشك إذا كنت في شيء لم تجزه .
لا لما قيل من انه
من جهة الإجماع على عدم جريان القاعدة في الوضوء إذا
__________________
شك في أثنائه
يلتزم برجوع الضمير في (غيره) إلى الوضوء.
فانه لاوجه لذلك
أصلاً : لان الظاهر منه رجوعه إلى الشيء لأنه متبوعه وجهة التابعية أولى بالملاحظة
من جهة القرب ، فإذا كان مقتضى العربية ذلك لا يصلح الخبر الآخر المنفصل عنه قرينة
لإرجاع الضمير إلى الوضوء.
فان شئت لاحظ
نظائر المقام فلو قال احد رأيت أسدا كان ظاهر ذلك رؤية الحيوان المفترس فبعد ساعة
قال ان ذلك الاسد كان يرمي ، فهل يرى أهل العرف قوله الثاني قرينة على الأول ، أم
يرونهما متنافيين.
بل لتعين طرح
الموثق للشهرة التي هي أول المرجحات في تعارض الخبرين.
وما في الجواهر ـ من عدم تسليم ظهور الموثق في رجوع الضمير إلى الشيء ـ غير
تام.
كما ان ما أفاده
الشيخ الأعظم (ره) في كتاب الطهارة من انه بعد تعارض الخبرين يرجع إلى
الأخبار الأخر العامة لو لا الترجيح بالشهرة والإجماع.
غير تام : فانه في
تعارض الخبرين لا يحكم بالتساقط والرجوع إلى الدليل الآخر ، بل لا بدَّ من ملاحظة
التراجيح المذكورة في الأخبار ومع فقدها فالتخيير ، وفي المقام أول المرجحات يقتضي
تقديم الصحيح فلا اشكال في الحكم.
__________________
إنما الكلام في
موردين :
الأول : في انه هل
يختص ذلك بالوضوء ، أم يكون حكم الغسل والتيمم أيضاً كذلك؟.
الثاني : في انه ،
هل يلحق الشك في صحة الجزء وفساده بالشك في الوجود فلا تجرى فيه قاعدة التجاوز ،
أم لا؟ فتجرى.
اما المورد الأول
: فقد نسب الشيخ الأعظم (ره) القول بعدم جريان القاعدة فيهما أيضاً إلى المشهور ، وقد
صرح جماعة بجريانها فيهما.
وقد استدل للأول
بوجوه :
أحدها : ما ذكره
المحقق النائيني (ره) وغيره ، وهو ان دليل قاعدة التجاوز مختص بباب الصلاة وغير
شامل لغيرها. وبعبارة أخرى مختص بأجزاء الصلاة ولا تجري القاعدة في غيرها فيكون
الإلحاق على القاعدة.
وفيه : ما عرفت من
عدم الاختصاص حتى بناءً على تعدد القاعدتين.
ثانيها : ان
المستفاد من موثق ابن أبي يعفور المتقدم بعد إرجاع الضمير في" غيره" إلى
الوضوء للإجماع على عدم جريان قاعدة التجاوز لو شك في أثناء الوضوء ، لأجل إدخال
الشك في شيء من أفعال الوضوء قبل الخروج عنه ، ولو
__________________
كان بعد الدخول في
الجزء المترتب كالشك في غسل الوجه بعد الدخول في غسل اليد اليسرى في الشك في المحل
كما يشهد له ذكر الكبرى الكلية في ذيله :
ان الوضوء بتمامه
اعتبر شيئا واحدا ، وإلا لم ينطبق عليه تلك الكبرى الكلية ، ولاوجه لذلك سوى ترتب
اثر واحد أو انطباق عنوان واحد عليه على اختلاف المسلكين وهي الطهارة ، وعليه
فيلحق به الغسل والتيمم.
وبهذا البيان يظهر
عدم صحة ما أورد على هذا الوجه بأنه تخرص بالغيب من دون شاهد.
وأورد عليه المحقق
الخراساني (ره) بان لازم ذلك عدم جريان قاعدة التجاوز في شيء من العبادات
حتى الصلاة لترتب اثر واحد على كل واحدة منها.
وفيه : انه فرق
واضح بين المسببات التوليدية وما شابهها كالطهارة على المختار التي تكون مأمورا
بها وهي متعلقات التكاليف دون محصلاتها ، أو ما تنطبق عليه ، وبين غيرها مما لا
يكون كذلك كسائر العبادات.
وحاصله ان نظر
المستدل إلى ان المأمور به بالأصالة هو الأمر الواحد البسيط المتحصل من الغسلات
والمسحات ، فالامر بها امر تبعي مقدمي ، فهو تابع للأمر بذي المقدمة ، فحيث انه
واحد فكذا ما يحصله.
وعليه فلا يرد
عليه النقض بسائر العبادات فانه فيها لا يكون المصلحة
__________________
الداعية إلى الأمر
مأمورا بها والامر متعلق بالعبادة.
وبذلك يظهر اندفاع
ما أجاب به الأستاذ الأعظم من ان المستفاد من الأدلة كون الغسلتين والمسحتين مأمورا
بها لا انها مقدمة للمأمور به ، وعلى فرض تسليم كونها مقدمة فإنما هي مقدمة شرعية
وليست عقلية كما لو وجب قتل احد وشك في تحقق بعض مقدماته كي لا يجري فيها القاعدة
، وتكون مورد القاعدة الاحتياط ، حيث ان الشك يرجع إلى الشك في المحصل.
إذ قد عرفت ان نظر
المستدل إلى كون العمل مع تعدد اجزائه واحد ، فالشك في بعض اجزائه ما لم يتم العمل
شك في المحل لا بعد التجاوز.
فالصحيح ان يورد
على هذا الوجه انه على فرض حجية الموثق وعدم طرحه للاعراض لأجل ان الظاهر رجوع
الضمير إلى الشيء لا إلى الوضوء ، وتسليم ان الوجه في ادخال الشك في شيء من الوضوء
وهو فيه في الشك في المحل ترتب اثر واحد أو انطباقه عليه ، مع ان للمنع عنهما
مجالا واسعا ، انه لاوجه للالحاق لان ذلك ليس علة منصوصة بل هو من قبيل حكمة
التشريع التي لا يتعدى عنها فلا وجه للالحاق.
الثالث : وهو مختص
بالتيمم ، وهو دليل البدلية ، فانه لا ريب في عدم جريانها في الوضوء فكذلك فيما هو
بدل عنه.
وفيه : مضافا إلى
انه أخص من المدعى ، ما حققناه في الجزء الثالث من فقه
__________________
الصادق من عدم
عموم يدل على بدلية التيمم عن الطهارة المائية في جميع الخصوصيات والأحكام ،
فالأظهر جريان قاعدة التجاوز فيهما لإطلاق الأدلة وعدم المقيد.
واما المورد
الثاني : فالأظهر ما هو المشهور على ما نسب إليهم الشيخ الأعظم من الإلحاق : لإطلاق صحيح زرارة المتقدم لا سيما بناءً على
ما هو الحق من رجوع الشك في الصحة إلى الشك في الوجود.
واما الاستدلال له
بموثق ابن أبي يعفور المتقدم بعد إرجاع الضمير في" غيره" إلى الوضوء
بالتقريب المتقدم ، بدعوى : انه يدل على لزوم الاعتناء بالشك في الوضوء سواء أكان
الشك في وجود جزء أو صحته إذا كان ذلك في الاجزاء.
فغير تام إذ مضافا
إلى ما تقدم من عدم حجيته للاعراض أو طرحه لمعارضته مع ما هو اشهر منه.
يرد عليه ان
دلالته على لزوم الاعتناء بالشك في صحة الجزء إذا كان في الأثناء وان كان بعد
تجاوز محله ، إنما تكون بالإطلاق ، فيعارض مع عموم ما دل على لزوم إلغاء الشك بعد
التجاوز والمضي عن المشكوك فيه ، وحيث ان دلالة معارضه إنما تكون بالعموم فيقدم
عليه ، ويحمل الموثق على الشك في المحل أو
__________________
الشك في وجود
الاجزاء المعلوم خروجه عن العموم فيكون الشك في الصحة مشمولا لعموم الدليل فتأمل.
ولكن يمكن ان يقال
ان الدليل المخرج للوضوء عن تحت القاعدة الكلية من عدم الاعتناء بالشك بعد تجاوز المحل
، إنما هو صحيح زرارة ، وهو مختص بالاجزاء التي سماها الله تعالى ، وهي الغسلات ،
والمسحات ، وكون ما يتوضأ به ماء : فان الآية الكريمة الآمرة بالوضوء بقرينة ما في
ذيلها (وان لم تجدوا ماء) دالة على اعتبار كونه ماء ، واما سائر ما يعتبر في
الوضوء كما لو شك في الغسل من الأعلى ، أو الأسفل ، أو الترتيب ، أو الموالاة ، أو
المسح ببلة اليمنى دون الماء الخارج ، وما شاكل فمما لم يسم الله تعالى ، فالصحيح
لا يشملها ، وحيث يحتمل اختصاص الحكم بما فرضه الله تعالى كما في الشك في الركعات
فلا علم بعدم الخصوصية فلا وجه للتعدي فيبقى تحت عموم القاعدة ، ولعله إلى ذلك نظر
من ذهب إلى جريان القاعدة عند الشك في الصحة فتدبر فانه حقيق به.
فالأظهر هو
الاختصاص في الموردين.
اعتبار الدخول في الغير في جريان القاعدة
الامر السادس : في
بيان انه ، هل يعتبر الدخول في الغير في إجراء القاعدة ، أم لا؟ وعلى الأول ، فهل
يعتبر الدخول في الغير الخاص ، أم يكفى الدخول في مطلق الغير؟
الأقوى انه في
موارد الشك في الوجود كما لو شك في وجود الركوع مثلا
يعتبر الدخول في
الغير المترتب الشرعي ، لا لأخذ ذلك في دليلها ، بل لان التجاوز المعتبر في
جريانها ولو بناءً على المختار من وحدة القاعدتين لا يتحقق في تلك الموارد إلا
بالدخول في الغير ، وإلا فلا يصدق التجاوز عنه بعد كون الشك في اصل الوجود ، ففي
موارد الشك في اصل الوجود يعتبر الدخول في الغير المترتب الشرعي ، ولازم ذلك هو
اعتبار التجاوز عن المحل الذي جعل محلا للشيء شرعا وعدم كفاية التجاوز عما صار
محلا للشيء بمقتضى العادة النوعية أو الشخصية.
ولكن في رسائل
الشيخ الأعظم (ره) في الموضع الثاني ان المراد بمحل الفعل المشكوك في وجوده
هي المرتبة المقررة له بحكم العقل أو بوضع الشارع أو غيره ولو كان نفس المكلف من
جهة اعتياده بإتيان ذلك المشكوك في ذلك المحل. ثم قال : هذا كله مما لا اشكال فيه.
إلا الأخير فانه
ربما يتخيل انصراف إطلاق الأخبار إلى غيره مع ان فتح هذا الباب بالنسبة إلى العادة
يوجب مخالفة اطلاقات كثيرة فمن اعتاد الصلاة في أول وقتها أو مع الجماعة فشك في
فعلها بعد ذلك فلا يجب عليه الفعل ، وكذا من اعتاد فعل شيء بعد الفراغ من الصلاة
فرأى نفسه فيه وشك في فعل الصلاة وكذا من اعتاد الوضوء بعد الحدث بلا فصل يعتد به
أو قبل دخول الوقت للتهيؤ فشك بعد ذلك في الوضوء إلى غير ذلك من الفروع التي يبعد
التزام الفقيه بها.
__________________
واشكل عليه المحقق
اليزدي في درره : بان الأمثلة المذكورة جلها من قبيل العادة الشخصية ،
والمراد من محل الشيء ما صار محلا له شرعا أو بمقتضى العادة النوعية ، واما ما صار
محلا له بمقتضى العادة الشخصية فلا يشمله لفظ محل الشيء : إذ إضافة المحل إلى
الشيء بقول مطلق لا تصح بمجرد تحقق العادة لشخص خاص بخلاف ما لو كانت العادة بحسب
النوع.
واما ما أفاده من
المخالفة للاطلاقات فيرد عليه انها لا تدل إلى على وجوب إتيان الفعل واما لو شك في
انه وجد أم لا فلا تدل على عدم الإيجاد.
نعم قاعدة الاشتغال
تقتضي وجوب الإتيان ما لم يقطع بالامتثال ، وكذلك استصحاب عدم الإتيان ، وعلى فرض
تمامية نصوص الباب تكون قاعدة التجاوز مقدمة عليهما.
ويتجه على الشيخ
الأعظم (ره) ان الأخبار لا تشمل في أنفسها موارد التجاوز عن المحل العادي حتى
نلتجئ في إخراجها إلى ما أفاده من مخالفة الإطلاقات إذ ليس الموضوع في شيء من
الأخبار التجاوز عن محل الشيء حتى يقال بشموله لذلك.
بل الموضوع فيها
هو التجاوز عن الشيء ومضيه والخروج عنه ولكن حيث انه في مورد الشك في اصل الوجود
لا معنى لذلك فنلتزم بان المراد التجاوز عن محله.
وبعبارة أخرى : يكون
بحيث لو أريد الإتيان به لوقع على غير الوجه المأمور
__________________
به ولا ريب ان ذلك
يتوقف على التجاوز عن المحل الشرعي فقط.
وبهذا يظهر ان ما
استدل به المحقق اليزدي لما اختاره من كفاية التجاوز عن المحل العادي بحسب النوع
من انه ليس في الأدلة ما يدل على التقييد بخصوص المحل الشرعي وان إضافة المحل إلى
الشيء بقول مطلق ، تصح مع تحقق العادة النوعية ، ينبغي ان يعد من غرائب الكلام.
واما ما أورده على
الشيخ الأعظم ، حيث ذكر ان إجراء القاعدة في الموارد المذكورة مستلزم للمخالفة
للاطلاقات الكثيرة ، بان اجرائها مستلزم للمخالفة لقاعدة الاشتغال والاستصحاب لا
للاطلاقات.
فيرد عليه ان
الظاهر ان مراد الشيخ من هذه الجملة ان الالتزام بكفاية التجاوز عن المحل العادي
في جريانها يستلزم تأسيس فقه جديد ، ويوجب الالتزام بمسائل خلاف الإجماع والضرورة
، فلا وجه لدعوى عدم المحذور في جريانها.
فتحصل ان الأظهر
اعتبار التجاوز عن المحل الشرعي ، في مورد الشك في اصل الوجود.
واما في مورد الشك
في الصحة ، فقد أفاد الشيخ الأعظم (ره) ان مقتضى صحيحي زرارة ، وابن جابر اعتبار الدخول في الغير
ومقتضى إطلاق موثق محمد بن مسلم وما شابهه ، كفاية المضي والتجاوز وان لم يدخل في
الغير ، فيدور الأمر ، بين حمل المطلق على المقيد ، وبين حمل القيد على الغالب.
__________________
ويقرب الأول ، ان
الظاهر من الغير في صحيح ابن جابر بعد قوله ان شك في الركوع بعد ما سجد وان شك في
السجود بعد ما قام فليمض ، بملاحظة كونه في مقام التحديد والتوطئة للقاعدة المقررة
بقوله بعد ذلك (كل شيء شك فيه مما قد جاوزه ودخل في غيره فليمض) كون ، السجود ، والقيام حدا للغير الذي يعتبر الدخول فيه ،
وانه لا غير اقرب من الأول بالنسبة إلى الركوع ، ومن الثاني بالنسبة إلى السجود ،
إذ لو كان الهوي أو النهوض كافيا قبح في مقام التوطئة للقاعدة التحديد بالسجود
والقيام.
ويقرب الثاني ،
التعليل المستفاد من قوله (ع) في موثق بكير المتقدم هو حين يتوضأ أذكر منه حين يشك
إذ لا فرق فيه بين الدخول في الغير وعدمه ، وكذلك المستفاد من قوله إنما الشك إذا
كنت في شيء لم تجزه ، وقوله كل ما مضى من صلاتك وطهورك الخبر.
وأورد عليه بأنه
على فرض كون النسبة بين الطائفتين عموما مطلقا لا ترديد في حمل المطلق على المقيد
، وما أفاده من المقربات لحمل القيد على الغالب ، غريب : إذ غاية ما هناك كون تلك
الروايات أيضاً مطلقة وتعدد المطلق لا يمنع من حمله على المقيد.
وفيه : انه يمكن
ان يكون نظر الشيخ (ره) إلى ان الصحيحين إنما هما في مورد الشك في الوجود والدخول
في الغير المعتبر في ذلك المورد يمكن ان يكون
__________________
من جهة انه لا
يصدق التجاوز عن المحل المصحح لصدق عنوان التجاوز المأخوذ موضوعا للقاعدة بدونه ،
لا لخصوصية فيه فيكون من قبيل عطف تفسير ، على الخروج والتجاوز المأخوذين فيهما ،
وعليه ، فلا يدلان على دخل القيد كي يكونان أخص من المطلقات ، ففي الحقيقة تردد
الشيخ يكون من جهة الصغرى فتدبر فانه دقيق.
مضافا إلى ما يشير
إليه في آخر كلامه من ان المضي والتجاوز حتى في مورد الشك في الصحة ملازم للدخول
في مطلق الغير أي الحالة التي هي غير حالة الاشتغال بالعمل لا الغير الوجودي.
وتنقيح القول في
المقام انه حيث يكون التجاوز عن المشكوك فيه ملازما للدخول في مطلق الغير ، فيكون
مقتضى إطلاق جملة من الروايات منها موثق محمد بن مسلم المعلق للحكم على عنوان
التجاوز والمضي كفاية مطلق الغير ولو كان هو السكوت وعدم اعتبار قيد فيه عقلي أو شرعي فمن
يدعى اعتبار قيد فيه لا بد وان يذكر له دليل.
وقد يقال ان
النصوص لا إطلاق لها والقدر المتيقن منها ذلك وذكروا في توجيه ذلك امورا.
منها : ان صدق الطبيعة المأخوذة في الدليل على أفرادها إذا كان
بنحو
__________________
التشكيك ويكون
بالقياس إلى بعضها بالظهور وبالقياس إلى الآخر بالخفاء لا يثبت الحكم إلا للأفراد
الظاهرة ، ألا ترى ان صدق الحيوان على الإنسان إنما يكون بحسب المتفاهم العرفي
بالخفاء ، ولذلك التزمنا بانصراف ما دل على عدم جواز الصلاة في شيء من اجزاء
الحيوان الذي لا يؤكل لحمه عن اجزاء الإنسان.
وحيث ان صدق
التجاوز والمضي والفراغ بعد الدخول في الغير الوجودي ظاهر بالقياس إلى ما لم يدخل
فيه فلا محالة ينصرف الدليل إليه.
وفيه : ان ما ذكر
من الضابط إنما يتم بالنسبة إلى الأفراد التي يكون صدق الماهية عليها بالخفاء بحيث
لا يراها العرف من مصاديقها وضروري ان الأمر في المقام ليس كذلك غاية الأمر صدق
التجاوز مع الدخول في الغير الوجودي اظهر ولكن الاظهرية ليست ملاك الانصراف.
ومنها : ان القدر المتيقن في مقام التخاطب في الأدلة هو خصوص ما
إذا تحقق هناك دخول في الغير الوجودي فلا يصح التمسك بالإطلاق مع وجوده.
وفيه أولا : ان
القدر المتيقن لو سلم مانعيته عن التمسك بالاطلاق فإنما هو فيما إذا كان القدر
المتيقن في مقام التخاطب لا مطلقه ، وفي المقام ليس كذلك غاية الأمر وجود القدر
المتيقن من الخارج.
وثانيا : ما
حققناه في محله واشرنا إلى وجهه في هذه الرسالة سابقا وهو ان
__________________
القدر المتيقن في
مقام التخاطب أيضاً لا يكون مانعا عن التمسك بالإطلاق.
وثالثا : ان
الأدلة لا تنحصر في المطلقات بل فيها العمومات وقد تقدم ان أداة العموم ما كان
منها من قبيل" كل" و" أي" بأنفسها متكفلة لتسرية الحكم إلى
جميع أفراد ما يصلح ان ينطبق عليه مدخولها من دون حاجة إلى إجراء مقدمات الحكمة في
المدخول.
ومنها : ان غلبة وجود الشك في الصحة في خصوص ما إذا كان داخلا في
الغير الوجودي تمنع عن التمسك بالإطلاق في غيره.
وفيه : أولا : ان
الغلبة لا توجب الانصراف.
وثانيا : لا ينحصر
الدليل بالمطلقات.
فتحصل ان المطلقات
والعمومات تقتضي عدم اعتبار هذا القيد.
وعن المحقق
النائيني (ره) اعتبار الدخول في الغير الوجودي وانه لا يكتفى بالسكوت
المجرد ، واستدل له : بان مقتضى إطلاق الروايات وان كان عدم اعتبار الدخول في
الغير إلا ان ظاهر جملة من النصوص ، كموثق ابن أبي يعفور وغيره هو اعتبار الدخول
في الغير لان الظاهر من قوله (ع) " وقد صرت في حالة أخرى" ، وقوله (ع)
" دخلت في غيره" ونحو ذلك مما ورد في الأخبار هو الاشتغال بأمر وجودي
مغاير لحال الاشتغال بالمركب فلا بدَّ من حمل المطلق على المقيد.
__________________
ويرد عليه ان غاية
ما يستفاد من المقيدات اعتبار الدخول في مطلق الغير الذي عرفت انه ملازم لصدق
عنوان التجاوز ، والمضي ، والفراغ وظهورها في اعتبار الدخول في امر وجودي ممنوع ،
فإذاً لا تنافي بين المطلقات والمقيدات ، ومفاد الجميع واحد ، وهو كفاية الدخول في
مطلق الغير.
وبذلك ظهر انه لا
تنافي بين صدر موثق ابن أبي يعفور الدال على اعتبار الدخول في الغير وبين ذيله
المقتصر على مجرد التجاوز : لتلازم العنوانين.
ثم انه قد استدل
بوجوه أخر ، تارة لهذا القول وأخرى للقول باعتبار الدخول في الغير الذي يكون
مستقلا بالتبويب كالسجود والركوع والقيام وما شاكل.
الوجه الأول :
قوله (ع) في صحيح زرارة ، فإذا قمت من الوضوء وفرغت منه وقد صرت في حال أخرى في
الصلاة أو غيرها : فانه يدل على اعتبار الدخول في عبادة مترتبة على الوضوء مثل
الصلاة وغيرها.
وفيه : أولا ان
الصحيح مختص بالوضوء والتعدي يحتاج إلى دليل ، وعدم الفصل غير ثابت لا سيما بعد
ملاحظة عدم جريان القاعدة في أثنائه وجريانها في أثناء غيره.
وثانيا : ان هذه
الشرطية معارضة مع الشرطية الأولى المذكورة في صدره وهي قوله (ع): " إذا كنت
قاعدا على وضوئك فلم تدر أغسلت ذراعيك أم لا
__________________
فاعد عليهما"
إلى ان قال" ما دمت في حال الوضوء" ، والظاهر ولا اقل من المحتمل كون
الثانية تصريحا بمفهوم الأولى.
وبعبارة أخرى : في
صدر الصحيح علق الاعتناء بالشك على الاشتغال بالوضوء : فإما يؤخذ بمفهوم الصدر إذ
التصرف في الذيل أولى من التصرف في الصدر. أو يتعارضان فيحكم بالإجمال والرجوع إلى
العمومات والمطلقات.
وثالثا : ان قوله (ع)
" في حال أخرى" أريد به بحسب الظاهر مطلق غير حال الوضوء ، ويؤيده قوله (ع)
" من الصلاة أو غيرها" إذ لو كان المراد هو الحال المخصوصة ، كان الأولى
ان يقال أو نحوها بدل أو غيرها.
الوجه الثاني : وقوع التعليق على الدخول في الغير في صحيحي إسماعيل وزرارة
المتقدمتين والمنساق إلى الذهن من الغير في أمثال المقام ارادة فعل آخر من أفعال
الصلاة مما له استقلال بالملاحظة لا مطلق الغير.
ويؤيد ذلك وقوع
التمثيل في صدر الصحيح بالشك في الركوع بعد ما سجد وفي السجود بعد ما قام ، فلو
كان الهوي إلى السجود والنهوض إلى القيام كافيين ، لكانا أولى بالتمثيل ، فيستكشف
من ذلك ان المراد بالغير المذكور في الذيل ليس مطلقه بل ما كان من هذا القبيل.
وفيه : انه لاوجه
لدعوى الانسباق المزبور إلا احد أمرين :
__________________
أحدهما : انصراف
لفظ الشيء في قوله كل شيء شك فيه في بادئ النظر إلى ما يكون له عنوان مستقل فينسبق
إلى الذهن من لفظ الغير بقرينة المقابلة ما يماثله.
ثانيهما : التمثيل
بالسجود والقيام ، وشيء منهما لا يصلح لذلك.
اما الأول : فلأنه
انصراف بدوي يزول بعد الالتفات إلى عدم قصور لفظ الشيء عن الشمول لأبعاض الاجزاء ،
وبالجملة مقتضى عموم لفظ الغير شموله لمطلق ما يغاير المشكوك فيه ، ودعوى الانصراف
لا تسمع.
واما الثاني :
فلان التمثيل بهما وعدم التمثيل بالهوي والنهوض ، إنما يكون لأجل عدم كونهما من
اجزاء الصلاة ، واعتبار الدخول في الغير المترتب الشرعي في مورد الشك في اصل
الوجود كما تقدم ، أو لأجل ان الغالب حصول الشك في هذه الحال وهذا لا يوجب تقييد
إطلاق ما في ذيلهما من الضابطة الكلية.
الوجه الثالث : وقوع العطف ب" ثم" الظاهرة في التراخي ، في صحيح
زرارة" إذا خرجت من شيء ثم دخلت في غيره" إذ لو كان الدخول في مطلق
الغير كافيا لكان ذلك من لوازم الخروج فلم يكن العطف ب" ثم" مناسبا.
وفيه : انه ان
أريد بذلك ان العطف ب" ثم" ظاهر في ارادة قسم خاص من الغير وهو ما يكون
منفصلا عن المشكوك فيه.
__________________
فيرد عليه : انه
لا فاصل بين التكبيرة والقراءة اللتين وقع التصريح بهما في صدر الصحيح.
وان أريد به
اعتبار المباينة الذاتية وهذا كما يشمل الغير الذي له عنوان مستقل كذلك يشمل غيره
كما لا يخفى.
والظاهر كونه عطف
تفسير ولعله المتبادر إلى الذهن بعد الالتفات إلى ان الدخول في الغير من مقومات
صدق مضى المشكوك فيه.
فتحصل انه ليس شيء
يدل على اعتبار امر زائد على صدق عنوان التجاوز وهو في موارد الشك في الوجود لا
يصدق إلا بعد الدخول في الغير المترتب الشرعي وفي موارد الشك في الصحة يصدق
بالدخول في مطلق الغير وهذا الاختلاف إنما نشأ من اختلاف المصاديق وإلا فالمفهوم
المعلق عليه الحكم واحد.
ومن ذلك يظهر
جريان قاعدة الفراغ في مورد الشك في صحة الجزء أيضاً ولا يختص بمورد الشك في صحة
المركب على ما هو صريح المحقق النائيني (ره) ، فلو شك في صحة التكبيرة بعد الفراغ
منها وقبل الدخول في القراءة تجرى القاعدة فيها ولا يتوقف جريانها على الدخول في
القراءة.
هل تجرى القاعدة لو دخل في جزء مستحب
الامر السابع : هل
يعتبر في الغير الذي لا بدَّ من الدخول فيه في عدم الاعتناء بالشك عند الشك في
الوجود ، ان يكون من الاجزاء الواجبة ، أم هو
اعم منها ومن
الاجزاء المستحبة كالقنوت ، وعلى الأول فهل يعتبر ان يكون جزءا مستقلا ، أم يشمل
جزء الجزء ، فلو شك في الحمد وهو في السورة لا يعتنى بشكه على الثاني دون الأول)
فالكلام في مقامين.
المقام الأول : في
كفاية الدخول في الجزء المستحب وعدمه ، فلو شك في القراءة وهو في القنوت أو شك في
التكبيرة وهو في الاستعاذة ، أو في التسبيحات الأربع وهو مستغفر فهل تجرى القاعدة
ولا يعتنى بشكه كما هو المنسوب إلى المشهور ، أم لا تجرى ويجب الاعتناء به كما عن الشهيدين والأستاذ المحقق الخوئي وجهان : يشهد للأول إطلاق الأدلة.
واستدل الشهيد
الثاني (ره) للثاني : بمفهوم قوله (ع) في صحيح زرارة المتقدم (قلت شك
في القراءة وقد ركع قال (ع) يمضى) فان مفهومه انه لو لم يكن ركع يعود فيدخل فيه ،
لو كان قانتا.
وبخبر عبد الرحمن
الآتي : فان العود إلى الفعل مع الشروع في واجب وهو
__________________
النهوض وان لم يكن
مقصودا بالذات قد يقتضي العود مع الشروع في المندوب بطريق أولى.
وبان القنوت ليس
من أفعال الصلاة المعهودة فلا يدخل في الأخبار.
وفيه : ان صحيح
زرارة لا مفهوم له من جهة عدم الشرط مع انه لو كان بنحو القضية الشرطية لما كان
دالا على المفهوم لكون الشرط مسوقا لبيان تحقق الموضوع ، أضف إليه كونه في كلام
السائل لا الإمام (ع) والأولوية ممنوعة فان القنوت مما امر به الشارع والنهوض غير
مأمور به ، وعدم كون القنوت من أفعال الصلاة المعهودة لا يوجب الانصراف فإذاً لا
مقيد لإطلاق الروايات.
واستدل الأستاذ
الأعظم لما اختاره ، بعد بيان ان الجزء المستحب ، هو ما يوجب
زيادة فضيلة من دون ان يكون دخيلا في ماهية الواجب :
بان الدخول فيه لا
يوجب مضى محل الجزء فانه إنما يتحقق إذا كان ترتب المدخول فيه معتبرا في صحة الجزء
، ومن الظاهر ان ترتب الجزء المستحب غير معتبر في صحة الاجزاء السابقة عليه ،
ضرورة ان القراءة تصح وان لم يتعقبها قنوت أصلاً.
وفيه : ان مضى
المحل إنما يتحقق بإتيان ما امر به الشارع مترتبا على المشكوك فيه ، الذي لو أتى
به قبل المشكوك فيه كان على غير الوجه المأمور به كان الأمر به استحبابياً أو
وجوبيا ، ومن الضروري ان الجزء المستحب كذلك.
__________________
وان شئت فقل ان
الأمر به وان كان استحبابيا إلا ان المكلف ليس مختارا في محله بل ملزم بالإتيان به
بعد القراءة مثلا ، وهذا يوجب صدق عنوان مضى محل ما شك فيه.
فالأظهر جريان
قاعدة التجاوز بالدخول فيه.
حول جريان القاعدة في الاجزاء غير المستقلة
المقام الثاني :
في كفاية الدخول في جزء الجزء لإجراء القاعدة في الجزء السابق كما لو شك في الحمد
وهو في السورة ، وعدمها ، فالمنسوب إلى المشهور عدم الاكتفاء به فيعتني بشكه ويأتي بالحمد.
وعن الشيخ المفيد ، والحلي ، والمحقق ، والفاضل الخراساني ، والمحقق
__________________
الأردبيلي ، وجماعة من المحققين من متأخري المتأخرين ، جريان القاعدة وانه لا يعتني بشكه.
مدرك القول الثاني
: إطلاق الأدلة ضرورة انه يصدق الخروج عن الجزء السابق والدخول في الجزء اللاحق
الذي هو غيره.
وبذلك يظهر جريان
القاعدة في الشك في آية بعد الدخول في الآية اللاحقة كما صرح به المحقق الأردبيلي
، والفاضل الخراساني ، ونفى عنه البعد المجلسي واختاره جمع من محققي متأخري المتأخرين.
واستدل لما هو
المشهور بوجوه :
١ ـ ان القراءة
الشاملة لكل من الفاتحة والسورة امر واحد.
وقيل في توجيهه انه يستفاد ذلك من تعلق الأمر الواحد بها الكاشف
ذلك عن لحاظ مجموعها شيئا واحدا فلا يصدق المضي مع عدم تماميتها.
وفيه : ان كون
اجزاء الجزء الواحد التي هي متعددة في الوجود التكويني ، وكل واحد منها مغاير مع
الآخر بالذات عملا واحدا ، يتوقف على اعتبار
__________________
الشارع إياها كذلك
ومجرد امر ضمني متعلق بها لا يصلح لذلك ، وإلا كانت الصلاة مثلا عملا واحدا وحيث
انه لا دليل على ذلك الاعتبار ، فلا وجه لدعوى عدم صدق المضي.
٢ ـ مفهوم قوله (ع)
في صحيح زرارة" شك في القراءة وقد ركع" فانه بمفهومه يدل على عدم المضي
لو شك في القراءة الشاملة للحمد ما لم يركع ، وان كان دخل في السورة.
وفيه : ان صحيح
زرارة لا مفهوم له لعدم كونه متضمنا لقضية شرطية ، والقيد لا مفهوم له ، أضف إليه
انه لو كان بنحو القضية الشرطية لم يكن له مفهوم لكون الشرط على فرض وجوده مسوقا
لبيان تحقق الموضوع مع انه في كلام السائل دون الإمام.
٣ ـ ان ذكر
الأفعال المعدودة في صدر الخبر توطئة لبيان الضابطة الكلية في ذيله ، دال على ان
الغير الذي يجب المضي بالدخول فيه ما كان من قبيل الاجزاء المستقلة بالتبويب ولا
يشمل جزء الجزء.
وفيه : ان ما ذكر
في صدر الخبر إنما هو الأسئلة الخاصة ولم يذكرها الإمام (ع) ابتداءً كي يجري فيه
ما ذكر ، مع انه لو كان ذلك في كلامه (ع) لما كان ما أفيد تاما ، لان ذكر المورد
لا يكون منافيا لظهور الكبرى في العموم كما مر.
٤ ـ ما استدل
المحقق النائيني (ره) له بان قاعدة التجاوز مختصة بباب الصلاة إذ إطلاق الأدلة
وعمومها بعد ما لم يمكن شمولهما للأجزاء وللمركبات
__________________
في عرض واحد ،
وإلا لزم الجمع بين لحاظ المتأخر والمتقدم في لحاظ واحد وهو ممتنع كما تقدم.
واختصاصهما بالمركبات ، فدخول الاجزاء في عموم الشيء في عرض دخول الكل لا يمكن إلا
بعناية التعبد والتنزيل ، وحينئذٍ لا بدَّ من الاقتصار على مورد التنزيل ،
والمقدار الذي قام الدليل عليه هي الاجزاء المستقلة بالتبويب إذ الدليل عليه ليس
إلا صحيحا زرارة وإسماعيل ، المختص صدرهما بالاجزاء المستقلة الموجب ذلك لتضييق
مصب عموم الشيء واطلاق الغير المذكورين في الذيل.
ويرد عليه ، أولا
ما تقدم من عدم المانع من شمول الأدلة للمركبات واجزائها في عرض واحد ، بل هذا هو
الظاهر منها.
وثانيا : انه لو
تم ذلك لما كان وجه لدعوى اختصاص الصحيحين بالاجزاء المستقلة. إذ الأمثلة المذكورة
في صدرهما وان كانت من هذا القبيل إلا ان العبرة باطلاق الدليل وعمومه ، وقد تقدم
انه لا قصور في شمول ذيلهما لإجزاء الأجزاء أيضاً.
ولذا ترى انه لا
يتوقف احد في إجراء القاعدة لو شك في الحمد وهو في السورة مع ان المذكور في الصحيح
هو القراءة ، بل مقتضى إطلاق الدليل وعمومه جريان القاعدة في الشك في صدر الآية
بعد الدخول في ذيلها المخالف له مفهوما ، كما قد يتفق ذلك في الآيات الطوال.
نعم شمولها لاجزاء
الكلمة الواحدة أو الكلام الواحد العرفي كالمبتدإ والخبر مشكل إذ لا يبعد دعوى ان
أهل العرف يرون ذلك من الشك قبل التجاوز لا بعده فتدبر.
لا يكفي الدخول في الهوي والنهوض في جريان القاعدة
الأمر الثامن : هل
يكفى الدخول في الهوي إلى السجود في عدم الاعتناء بالشك في الركوع ، والدخول في
النهوض إلى القيام في جريان القاعدة في الشك في السجود ، أم لا؟ أم يفصل بين
الفرعين ، فيكفى الأول دون الثاني وجوه وأقوال :
يقع الكلام تارة
فيما تقتضيه القواعد.
وأخرى فيما يقتضيه
النص الخاص.
اما من حيث
القواعد فكفاية الدخول فيهما وعدمها مبنيان على ، كون الهوي والنهوض من اجزاء
الصلاة ، وكونهما من مقدماتها ، وعلى كفاية التجاوز عن المحل العادي في جريان
القاعدة ، وعدمها :
إذ على فرض كونهما
من اجزاء الصلاة تجرى القاعدة بعد الدخول فيهما ، لما مر من عدم اعتبار شيء في جريانها
سوى الدخول في الغير المترتب الشرعي ، كما انه على القول بكفاية التجاوز عن المحل
العادي تجرى القاعدة في الفرض.
واما على القول
بعدم كونهما من الاجزاء وعدم كفاية التجاوز عن المحل العادي فلا تجرى : لما تقدم
من اعتبار الدخول في الغير المترتب الشرعي في موارد الشك في الوجود.
نعم ، إذا شك في
صحة الركوع ، والسجود وهو في الهوي إلى السجود ،
والنهوض إلى
القيام ، تجرى القاعدة لما عرفت من عدم اعتبار الدخول في الغير الخاص في جريان
القاعدة في الشك في الصحة ، لكن ذلك خارج عن فرض المسألة ، لان محل الكلام الشك في
اصل الوجود.
وحيث ان المختار
عدم كونهما من اجزاء الصلاة لعدم الدليل عليه ، بل قد يقال ان لابدية الإتيان بهما
لتوقف السجود والقيام عليهما تمنع من تعلق الأمر الشرعي بهما ، فانه يكون من الطلب
اللغو غير المحتاج إليه.
وأيضا المختار عدم
كفاية التجاوز عن المحل العادي ، فالأقوى عدم كفاية الدخول فيهما ، لعدم الاعتناء
بالشك في الركوع والسجود.
وقد يقال كما عن
المحدث الكاشاني بان القاعدة تقتضي التفصيل بين الفرعين ، فان الهوي للسجود
مستلزم للانتصاب الذي أهوى منه إليه ، والانتصاب فعل آخر غير الركوع فيصدق الدخول
في الغير ، بخلاف النهوض إلى القيام ، فانه ما لم يستتم قائما لا يكون داخلا في
فعل آخر.
وفيه : ان
الانتصاب المأمور به الذي هو من الاجزاء وفعل آخر ، هو ما يكون بعد الركوع فهو
أيضاً غير محرز ومشكوك فيه.
فالمتحصّل ان
القاعدة تقتضي عدم جريان القاعدة في الفرعين.
واما من حيث النص
الخاص ، فعن سيد المدارك ان مصحح عبد الرحمن بن أبي عبد الله قلت لأبي عبد الله (ع)
رجل أهوى إلى السجود فلم يدر أركع
__________________
أم لم يركع قال (ع)
قد ركع وصحيحه الآخر عنه في حديث ، قلت فرجل نهض من سجوده فشك قبل
ان يستوي قائما فلم يدر أسجد أم لم يسجده قال (ع) يسجد .
يدلان على التفصيل
بين الفرعين ، وانه يكفى الدخول في الهوي في عدم الاعتناء بالشك في الركوع ، ولا
يكفى الدخول في النهوض في عدم الاعتناء بالشك في السجود.
وأورد عليه أمران
:
١ ـ ما أفاده صاحب
الحدائق ، وهو ان الالتزام بالتفصيل جمع بين المتناقضين ، لانهما
ان كانا من الاجزاء تجري القاعدة فيهما ، وإلا فلا تجري فيهما.
وفيه : ان لم يدل
دليل عقلي ولا شرعي على الملازمة بين الفرعين ، كي يرفع اليد به عن النص ، وما
أفاده وان كان بحسب القاعدة متينا لا ريب فيه ، إلا انه مع ورود النص بالتفصيل
وعدم الدليل على الملازمة بين الفرعين ، لا مناص عن الالتزام به ، ومن الغريب طرحه
(قدِّس سره) الخبر الصحيح لمخالفته
__________________
للقاعدة المستفادة
من المطلقات والعمومات.
٢ ـ ما عن المحقق
النائيني وهو ان دلالة المصحح على كفاية الدخول في الهوي غير
المنتهي إلى السجود إنما تكون بالإطلاق وهو يقيد ، بصحيح إسماعيل بن جابر عنه (ع)
ان شك في الركوع بعد ما سجد فليمض ، وان شك في السجود بعد ما قام فليمض كل شيء شك
فيه مما قد جاوزه ودخل في غيره فليمض عليه الذي هو كالصريح في عدم كفاية الدخول في الهوي غير المنتهى
إلى السجود إذ تحديد جريان القاعدة بما إذا تحقق الدخول في السجود مع كونه متأخرا
عن الهوي ، يدل على عدم الاعتبار بالدخول في الهوي.
وفيه : ما عرفت من
ان العبرة بعموم الجواب واطلاقه ، لا بخصوص الأمثلة الواردة في الخبر قبل إعطاء
الضابطة ، لا سيما في مثل هذه الأمثلة الواقعة في سؤال الراوي لا جواب الإمام (ع).
وعليه فجوابه (ع)
وان كان لا يشمل الهوي كما تقدم إلا انه غير مناف لثبوت عدم الاعتناء فيه أيضاً
بدليل آخر.
وبالجملة خبر
إسماعيل لا يدل على عدم كفاية الدخول في الهوي كي يوجب تقييد المصحح.
والصحيح في الجواب
عن المدارك ، ان يقال ان الظاهر من المصحح فرض
__________________
السؤال في الشك في
الركوع بعد الدخول في السجود : وذلك للتعبير بالفعل الماضي الظاهر في التحقق
والمضي ، وتعدية ب" إلى السجود" ، لا ب" من القيام" فان ذلك
يوجب ظهور الكلام في تحقق الهوي المنتهى إلى السجود ومضيه الملازم ذلك للدخول في
السجود.
نعم ، لو كان
المذكور في المصحح ، يهوي بصيغة المضارع أو كان ، أهوى من قيامه بالتعدي ب"
من" كان الخبر ظاهرا فيما ذكره (ره) لكنه ليس كذلك.
ولو تنزلنا عن ذلك
فلا اقل من اجمال الرواية وعدم ظهورها في خلاف ما تقتضيه القاعدة الأولية من وجوب
الاعتناء ما لم يدخل في السجود.
فتحصل ان الأظهر
عدم كفاية ، الدخول في الهوي ، والنهوض في عدم الاعتناء بالشك في الركوع ،
والسجود.
الشك في الركوع بعد الانتصاب
بقي في المقام فرع
مناسب لهذه المسألة ـ وهو انه ـ لو شك المصلي في الركوع بعد انتصابه من الانحناء
بان شك في انه وصل إلى حد الركوع فقام أم لم يصل إليه ، فهل تجري القاعدة فيه ، أم
لا؟
وجهان أقواهما
الأول :
وذلك لان الانتصاب
من الاجزاء الواجبة للصلاة بعد الركوع فيكون الشك المزبور شكا في الركوع بعد
الدخول في الغير المترتب الشرعي فتجرى القاعدة فيه ، مضافا إلى انه يدل عليه ،
صحيح الفضيل قلت : لأبي عبد الله (ع)
استتم قائما فلا
أدري أركعت أم لا قال (ع) بلى قد ركعت فامض في صلاتك وإنما ذلك من الشيطان .
فما عن الحدائق من وجوب الاعتناء بهذا الشك ولزوم الإتيان بالركوع في
الفرض نصا وفتوى.
اشتباه منه (قدِّس
سره) وخلط بين هذا الفرع وفرع آخر ، وهو ما إذا شك في الركوع وهو قائم مع عدم
إحراز الانحناء أصلاً فان المفتى به في هذا الفرع وجوب الركوع وهو مطابق للقاعدة
والنص ، لكنه أجنبي عن محل الكلام.
حكم الشك في الجزء الأخير
الامر التاسع :
إذا كان المشكوك فيه هو الجزء الأخير فقد يقال بعدم جريان القاعدة في العمل المركب
منه ومن غيره للشك في تحقق الفراغ منه.
تحقيق القول في
المقام ان الشك فيه :
تارة يكون قبل
الإتيان بالمنافي العمدي والسهوي.
وأخرى يكون بعد
الإتيان بالمنافي العمدي والسهوي.
__________________
وثالثة يكون بعد
الإتيان بالمنافي العمدي.
وعلى الأول : فقد
يكون ذلك بعد الدخول في امر مترتب على المشكوك فيه شرعا كما لو شك في التسليم وهو
مشغول بالتعقيب ونحوه ، وقد يكون قبله.
اما في الصورة
الأولى : وهي ما لو شك فيه بعد الدخول في امر مترتب شرعي فلا ينبغي التأمل في
جريان قاعدة التجاوز في خصوص الجزء الأخير : إذ الشك إنما يكون فيما تجاوز ومضى
باعتبار مضى محله وتجاوزه.
هذا بناءً على
وحدة القاعدتين أو تعددهما مع كون قاعدة التجاوز عامة لجميع الأبواب.
واما بناءً على
التعدد واختصاصها بباب الصلاة فقد يتوهم عدم جريان القاعدة فيه إذا كان المشكوك
فيه غير الصلاة ، كما لو شك في الجزء الأخير للوضوء ، اما عدم جريان قاعدة التجاوز
فواضح ، واما عدم جريان قاعدة الفراغ وان اعتقد الفراغ ولو آنا ما ، فلان إثبات
الفراغ باليقين الزائل غير ظاهر الوجه ونفس اليقين الزائل لا يكون حجة ، وبالجملة
الفراغ مشكوك فيه فلا تجري.
لكنه توهم فاسد إذ
المراد من الفراغ هو الفراغ البنائي إذ ارادة الفراغ الحقيقي تستلزم عدم حجية
القاعدة رأسا لأنه مع عدم احرازه لا مورد لجريانها ومع احرازه لا شك فيه ، هذا
فيما إذا اعتقد الفراغ ولو آنا ما ، واما إذا لم يحرز ذلك فحيث ان المأخوذ في
ادلتها هو الانصراف والمضي وهما يصدقان في الفرض فتجري القاعدة فيه.
واما في الصورة
الثانية : وهي ما لو شك فيه ولم يدخل في الغير المترتب ولم يأت بالمنافي حتى
السكوت الطويل :
فان اعتقد الفراغ
ولو آنا ما تجري القاعدة فيه كما اختاره صاحب الجواهر (ره) إذ المراد من الفراغ هو الفراغ البنائي لا الحقيقي كما
تقدم آنفا ، فإنكار الشيخ الأعظم (ره) ذلك ، في غير محله.
وان لم يعتقد
الفراغ ولو آنا ما لا تجري القاعدة لعدم صدق التجاوز والمضي.
واما في الصورة
الثالثة : وهي ما لو شك فيه بعد الإتيان بما يوجب مطلق وجوده البطلان كما لو شك في
التسليم بعد الاستدبار.
فقد يقال انه لا
تجرى القاعدة حينئذ لاختصاصها بما إذا دخل في الأمر المترتب الشرعي ولا يكون
المنافي مترتبا على الجزء الأخير شرعا.
لكنه غير تام إذ
لم يرد دليل دال على اعتبار الدخول في الأمر المترتب الشرعي وإنما التزمنا به من
جهة انه لا يصدق التجاوز بدونه ، وحيث : انه مع الإتيان بالمنافي المزبور يصدق
التجاوز ، إذ لو أريد الإتيان به لوقع على خلاف الوجه المأمور به شرعا ، فتجرى
القاعدة فيه.
واما في الصورة
الرابعة : وهي ما لو شك فيه بعد الإتيان بالمنافي العمدي دون السهوي كما لو شك في
التسليم بعد التكلم.
__________________
فالأظهر عدم جريان
القاعدة لعدم صدق التجاوز والمضي ، إذ لو أتى به لوقع على الوجه المأمور به
الشرعي.
ودعوى : ان محل
التسليم قبل فعل المنافي العمدي أيضاً فبعد الإتيان به يصدق التجاوز.
مندفعة : بعدم
كونه كذلك إذ لو تكلم قبله سهوا لا تبطل الصلاة.
فما عن المحقق النائيني
(ره) من جريان القاعدة في هذه الصورة في غير محله.
حكم الشك في الشيء مع إحراز الغفلة
الأمر العاشر :
إذا شك بعد الفراغ من العمل في صحته وفساده :
فقد يكون محرزا
لغفلته حال العمل عن رعاية المشكوك فيه.
وقد يكون محرزا
للغفلة قبل ترقب الإتيان بالمشكوك فيه مع احتمال التذكر حينه.
وقد يكون غير محرز
لذلك أيضاً.
اما الفرض الأول
فالأظهر ـ خلافا لجمع بين الأساطين كالمحقق النائيني (ره)
__________________
اما الفرض الأول
فالأظهر ـ خلافا لجمع بين الأساطين كالمحقق النائيني (ره) والمحقق اليزدي صاحب الدرر وغيرهما وتبعا لجمع من المحققين ـ عدم جريان القاعدة فيه.
وذلك لان القاعدة
كما عرفت ليست من الأصول التعبدية ، بل هي من الأمارات النوعية لوقوع المشكوك فيه
، كما هو المستفاد من التعليل بالاذكرية. وعليه فحيث لا امارية في الفرض ولا تحتمل
الاذكرية فلا تجري القاعدة.
فان قلت : ان
مقتضى عموم قوله : " كل شيء شك فيه وقد جاوزه الخ" وغيره من النصوص
جريانها في الفرض.
قلت : انه يخصص
بالعلة المنصوصة ، مع ان مقام الإثبات تابع لمقام الثبوت فإذا لم يكن هناك ملاك
الطريقية لا يعقل الحكم بالمضي بعنوان تتميم الكشف وامضاء الطريق.
وليت شعري ان من
التزم بكونها من الأمارات كالمحقق النائيني (ره) ، كيف بنى على جريانها في الفرض ، وحمل التعليل بالاذكرية
على الحكمة دون العلة.
__________________
وقد استدل المحقق
صاحب الدرر تبعا لصاحب الجواهر (ره) على ان قوله هو حين يتوضأ أذكر الخ ليس من قبيل العلة بل
يكون من قبيل حكمة التشريع فلا مقيد لإطلاق الأدلة ، بأمرين :
الأول : خلو سائر
الأخبار المطلقة مع كونها في مقام البيان عن ذكر تلك العلة.
الثاني : ما رواه
ثقة الإسلام عن العدة عن احمد بن محمد عن على بن الحكم عن الحسين بن أبي العلاء
قال سألت أبا عبد الله (ع) عن الخاتم إذا اغتسلت قال (ع) حوله من مكانه وقال في
الوضوء تديره ، فان نسيت حتى تقوم في الصلاة فلا آمرك ان تعيد الصلاة وتبعهما في الوجه الثاني بعض المعاصرين.
وفيه : ـ مضافا
إلى ما تقدم آنفا من كونها من الأمارات ومعه لا يعقل شمول الأدلة للفرض : ـ انه
يرد على الوجه الأول ان ذكر ما يوجب تقييد إطلاق الأدلة في دليل منفصل غير عزيز في
الفقه بل غالب المقيدات مذكورة في دليل منفصل ، مع كون المطلقات في مقام البيان ،
وإلا لما انعقد الإطلاق.
ويرد على الوجه
الثاني : أمران :
__________________
الأول ، ان الظاهر
كون السؤال والجواب واردين على الخاتم الوسيع الذي يصل الماء تحته قطعا ويكون الجواب
دالا على استحباب التحول والادارة في الفرض كما هو المشهور بين الأصحاب بل عن
المعتبر هو مذهب فقهائنا رضوان الله عليهم ولو أبيت عن ظهور
الرواية في ذلك فلا اقل من الإجمال.
الثاني : انه لو
سلم ورودهما في مورد الشك في وصول الماء تحت الخاتم ، ان الخبر لا يدل على صحة
الوضوء والغسل وإنما يدل على صحة الصلاة وعدم وجوب اعادتها ، فتكون الرواية دالة
على ان الاخلال في الصلاة بالطهارة نسيانا كالاخلال بالقراءة ونحوها لا يوجب
البطلان ، فتكون معارضة لحديث" لا تعاد" المقدم عليها لوجوه لا تخفى ، والعلم بان الصلاة تعاد من
ناحية الطهارة ، لا يوجب ظهور الرواية في ارادة صحة الوضوء كما لا يخفى.
واما في الفرض
الثاني : فالأقوى هو الجريان إذ ملاك الطريقية موجود فيه إذ المريد لمركب يكون
غالبا غافلا عن كثير من الأجزاء والشرائط تفصيلا قبل العمل ، ولكن الالتفات
الإجمالي الارتكازي يوجب الإتيان بكل جزء في محله ، فالغالب عند تعلق الارادة
بإتيان المركب هو الإتيان بالاجزاء في محلها وان لم يلتفت إليها تفصيلا قبل العمل
، والعمومات والمطلقات تشمله ، والتعليل بالاذكرية أيضاً شامل له ، إذ لاوجه
لتخصيصه بالذكر التفصيلي في أول
__________________
العمل ، بل يشمل
الذكر الإجمالي الارتكازي الموجب لإتيان الجزء في محله ، فملاك الطريقية موجود ،
والأدلة في مقام الإثبات تشمله ـ فتجري القاعدة فيه ـ.
إذا كانت صورة العمل محفوظة
واما الفرض الثالث
: ففيه صورتان :
الأولى : ما إذا
لم تكن صورة العمل محفوظة ، ولاجله شك في انطباق المأمور به على المأتي به ، وهذه
الصورة هي القدر المتيقن من موارد القاعدة ، من غير فرق بين كون الشبهة موضوعية ،
كما لو شك بعد الصلاة في انه ركع فيها أم لا وبين كونها حكمية ، كما إذا علم بأنه
صلى بلا سورة واحتمل ان يكون ذلك لأجل تقليده من يفتي بعدم وجوب السورة ، فانه
تجري القاعدة ويحكم بصحة الصلاة لاحتمال استنادها إلى حكم ظاهري الموجب ذلك لعدم
وجوب الإعادة والقضاء وان انكشف الخلاف.
ومن هذا القبيل ما
إذا صلى بلا تقليد واجتهاد ثم شك في صحة ما أتى به من الصلوات من جهة احتمال رعاية
الاحتياط ، والإتيان بكل ما يحتمل وجوبه من الاجزاء والشرائط : فإنه تجري القاعدة
فيها إذ لا يعتبر في جريانها معلومية الحكم الواقعي أو الظاهري بعينه ، بل الميزان
هو احتمال الإتيان بما هو وظيفته ، وهو متحقق في الفرض لاحتماله رعاية الاحتياط.
واما الصورة الثانية
: وهي ما إذا كانت صورة العمل محفوظة ، كما لو علم انه صلى إلى جهة معينة واحتمل
كونها هي القبلة أو علم انه توضأ بمائع خاص ، إلا انه شك في كونه ماء أو غيره.
فالأظهر عدم جريان
القاعدة إذ لا امارية في هذه الصورة.
وبعبارة أخرى :
انه مع معلومية المأتي به والشك في موضوع واقعي وانه يكون منطبقا على المأتي به أم
لا ، لا طريقية للمطابقة ، ولكونه على وفق المأتي به.
وعليه فالأدلة لا
تشمل هذه الصورة : إذ مضافا إلى ان التعليل بالاذكرية موجب لتقييد اطلاقها الشامل
في نفسه للمقام انه لأجل عدم الكاشفية الناقصة لا يعقل الحكم بالمضي بعنوان
الكاشفية وامضاء الطريق لتبعية مقام الإثبات لمقام الثبوت.
ونظير ذلك في
الشبهات الحكمية ما إذا توضأ بماء الورد ثم شك في صحة الوضوء به ، فاللازم حينئذ
اما إعادة الوضوء أو الفحص عن حكم المسألة ثم العمل بما يقتضيه تكليفه.
وبالجملة الميزان
في جريان القاعدة هو كون الشك في الانطباق ناشئا عن الجهل بكيفية المأتي به.
واما مع انحفاظ
صورة العمل وكون الشك في سراية الأمر إلى هذا المأتي به الخارجي ، فلا تجري
القاعدة من غير فرق بين الشبهات الموضوعية والحكمية.
حكم الشك في الشرائط
الأمر الحادي عشر
: لا ريب ولا كلام في جريان القاعدة لو شك في صحة العمل وفساده لأجل احتمال
الاخلال بشرط من الشروط بعد الفراغ من
العمل ، كما لو شك
بعد الصلاة في انه كان متطهرا أم لا.
إنما الكلام فيما
إذا حدث الشك في الأثناء.
وملخص القول فيه
ان للشروط أقساما :
القسم الأول : ما
يكون بوجوده المتقدم على العمل شرطا لصحته ـ كالأذان والإقامة ـ بالقياس إلى
الصلاة على القول باشتراط صحة الصلاة بهما ، أو بخصوص الإقامة ، وفي مثل ذلك تجرى
قاعدة التجاوز في نفس الشرط للتجاوز عنه بمضي محله ، ويحكم بتحققه فلو كان شرطا
لصحة عمل آخر له الإتيان به من دون إعادة الشرط.
ودعوى ان المتعبد
به وجود الشرط لما بيده لا مطلق وجوده.
فيها : ان المتعبد
به لو كان وجدان المشروط لشرطه لتم ما ذكر ، ولكن إذا كان نفس وجود الشرط فلا يتم
كما لا يخفى.
فان قلت انه بناءً
على ما بنيتم عليه من ان الشرط في الصلاة وغيرها من العبادات المشروطة بالطهارة هو
نفس الوضوء لا الأمر الحاصل منه ، لازم ما ذكر في المقام ، انه لو شك وهو في
الصلاة في الوضوء قبلها جريان القاعدة فيه ، فله إتمام الصلاة وإتيان سائر ما
يشترط بالطهارة من دون ان يعيد وضوئه ، وحيث انه لم يفت احد بذلك فيستكشف فساد احد
المبنيين.
قلت انا لم نلتزم
بان الشرط هي الغسلات والمسحات بوجودها الآني الحقيقي المنصرم ، بل التزمنا بان
الشارع الأقدس اعتبر بقاء تلك الأفعال وان كانت منعدمة حقيقة ما دام لم يتحقق
الناقض لمصلحة تدعو إلى اعتباره.
وعليه فشرط كل
عبادة هي حصة خاصة من ذلك الأمر الاعتباري المستمر الملازمة لها والتوأمة معها ،
فيخرج الشك في الطهارة في أثناء الصلاة عن الشك في وجود الشرط المتقدم ، ويدخل في
الصورة الثانية ، وسيأتي حكمها إنشاء الله تعالى.
فان قلت : انه من
هذا القبيل ما لو شك في الإتيان بصلاة الظهر ، وهو في أثناء العصر ، فمقتضى قاعدة
التجاوز هو البناء على تحققها وعدم لزوم شيء عليه سوى إتمام ما بيده.
قلت : ان تقدم
صلاة الظهر على صلاة العصر إنما يكون شرطا ذكريا لا واقعيا ، وعليه فلا يحرز
التجاوز عنها بالدخول في العصر لبقاء محلها الشرعي ، فمقتضى القاعدة لزوم الإبطال
وإتيان الظهر ثم العصر بعدها لو لا أخبار العدول.
نعم : بناءً على
كفاية التجاوز عن المحل العادي في إجراء القاعدة جرت في المقام لكن قد عرفت انها
بمراحل عن الواقع.
القسم الثاني : ما
إذا كان الشيء بوجوده المستمر المقارن للعمل شرطا له ، مع كون المشروط هو نفس
المركب بما له من الاجزاء والآنات المتخللة بينها كالطهارة ، والاستقبال وما
شابههما ، بالقياس إلى الصلاة.
وفي هذا القسم لا
مجال لجريان القاعدة لا بالقياس إلى نفس الشرط ولا بالقياس إلى المشروط :
اما بالقياس إلى
الشرط فلان ما هو شرط بالنسبة إلى الآن الذي هو فيه وما
بعده ليس هو وجوده
المتقدم ، بل وجوده المقارن فهو لم يتجاوز محله.
واما بالقياس إلى
المشروط فلعدم تجاوزه لفرض كونه مشغولا به وفي الأثناء ، ولا يتوهم في المقام انه
تجرى القاعدة بالنسبة إلى الاجزاء السابقة ، فإذا أحرز اللاحقة وضم الوجدان إلى
القاعدة فقد أحرز تحقق المأمور به ، فان المفروض شرطيته في جميع الآنات ومنها حال
الشك ، وفي تلك الحال لم يحرز الشرط لا وجدانا ولا تعبدا.
فان قلت ان ذلك
يتم بالقياس إلى الاستقبال ونحوه ، ولا يتم في الطهارة وشبهها مما لها أسباب شرعية
كالوضوء مثلا الذي لا بدَّ وان يكون متقدما على الصلاة ، فإذا شك في تحققه قبلها
وهو في الأثناء تجرى القاعدة في الوضوء لفرض التجاوز عن محله ، فإذا جرت واحرز
تحقق السبب في ظرفه المقرر له شرعا يرتفع الشك في بقاء الطهارة.
قلت ان ذلك يتم لو
شك في صحة الوضوء وفساده مع إحراز اصل وجوده ، لما تقدم من عدم اعتبار شيء في جريان
القاعدة في مورد الشك في اصل الوجود سوى الفراغ منه والدخول في حالة مغايرة
للمشكوك فيه.
ولا يتم في مورد
الشك في اصل الوجود الذي هو المفروض في هذا الأمر ، لما تقدم من اعتبار التجاوز عن
المحل الشرعي : إذ محل الوضوء شرعا ليس قبل الصلاة بل هو محله العقلي من جهة
اعتبار مقارنة الصلاة للطهارة إذ حينئذ لا مناص عقلا إلا من تقديم الوضوء ، وإلا
ففي كل مورد وقع الوضوء فقد وقع في محله.
نعم : بناءً على
كفاية التجاوز عن المحل العادي في جريانها تجرى القاعدة في
الوضوء ويحكم
بتحققه ، لكن عرفت انها بمراحل عن الواقع.
القسم الثالث : ما
إذا كان الشيء شرطا مقارنا للأجزاء من دون دخله في الآنات المتخللة كاعتبار اقتران
القراءة بالاستقرار.
وفي مثل ذلك تجرى
القاعدة في المشروط المأتي به لفرض الشك في صحته وفساده.
وقد مر انه في هذا
المورد لا يعتبر في جريان القاعدة الدخول في الغير المترتب ، فيحكم بصحته ،
فبالنسبة إلى الاجزاء اللاحقة إذا أحرز تحقق الشرط يتم عمله.
نعم إذا كان
مشغولا بجزء فشك لا تجري القاعدة فيه ، لكونه من الشك في المحل فلا بدَّ من
اعادته.
بقي الكلام فيما
إذا شك في تحقق النية ، والشك في تحقق الموالاة :
اما النية ، فان
أريد بها قصد القربة ، فلا يعتنى بهذا الشك سواء كان في الأثناء أو بعد الفراغ
وتجرى القاعدة في المشروط بها لكون الشك فيه شكا في الصحة بعد إحراز اصل الوجود ،
الذي لا يعتبر في جريان القاعدة فيه سوى كون الشاك في حالة مغايرة لحال المشكوك
فيه.
وان أريد بها
القصد الذي يدور عليه تحقق ذات المأمور به في الخارج كما إذا شك في انه صلى بقصد
الصلاة أم بقصد التعليم.
فان كان الشك بعد
الفراغ لا تجري القاعدة فيها لكون الشك في اصل المأمور به لا في صحته وفساده ،
وحيث انه لم يدخل في الغير المترتب فلا تجري القاعدة.
وان كان في
الأثناء ، فان كان رأى نفسه في حال الشك قاصدا للصلاة تجرى القاعدة في الاجزاء
السابقة : لفرض كون الشك في الوجود مع الدخول في الغير المترتب الشرعي ، وإلا فلا
تجرى لأنه بالنسبة إلى ما بيده شك في المحل ، وبالنسبة إلى الاجزاء السابقة لم
يحرز الدخول في الغير المترتب الشرعي ، وبما ذكرناه ظهر حكم ما إذا أريد بها
الاختيار فتدبر.
واما الموالاة ،
فهي على قسمين :
الأول ما يكون
معتبرا في اجزاء الصلاة المستقلة كالتكبيرة والقراءة والركوع ونحوها ، وفي هذا
القسم تجرى القاعدة في المشروط بها إذا كان الشك بعد الفراغ منه سواء كان ذلك تمام
العمل أم بعضها.
نعم إذا شك في
تحققها بين ما تقدم وبين ما هو مشغول به لا تجرى القاعدة لكون الشك في المحل إلا
انه يمكن إحراز الصحة بإجراء استصحاب بقاء الموالاة وعدم تحقق الفصل الموجب
للبطلان.
الثاني : ما يكون
معتبرا بين اجزاء الكلمة الواحدة واعتبار هذا القسم عقلي ومن جهة عدم تحقق ذات
المأمور به ، بخلاف القسم الأول الذي يكون اعتباره شرعيا.
وفي هذا القسم لا
تجري القاعدة إلا فيما إذا دخل في الغير المترتب الشرعي لرجوع الشك فيه إلى الشك
في اصل الوجود ، فلو كان هذا الشك في الجزء الأخير يلحقه ما تقدم فيما إذا شك في
الجزء الأخير من الأحكام باختلاف الصور فراجع.
حكم الشك في الاخلال العمدي
الأمر الثاني عشر
: إذا شك في صحة العمل السابق وفساده من جهة احتمال الاخلال العمدي ، فهل تجرى فيه
قاعدة الفراغ ، أم لا؟
وجهان بل قولان :
مقتضى إطلاق
الأدلة جريانها فيه ، إلا ان التعليل بالاذكرية يوجب اختصاص الأدلة بصورة احتمال
الترك عن غفلة.
ودعوى ان في قوله (ع)
" هو حين يتوضأ أذكر" ، كبرى كلية مطوية وهي ان الأذكر لا يترك ويكون
القياس بصغراه وكبراه تعبدا بعدم الترك العمدي والسهوي جميعا.
مندفعة : بأنه
يمكن ان يكون عدم الترك العمدي مفروغا عنه فاراد (ع) بذلك سد احتمال الترك السهوي.
والغريب ان المحقق
النائيني (ره) مع التزامه بكون الاذكرية المذكورة علة للحكم من قبيل حكمة
التشريع لا العلة ، التزم بعدم جريان القاعدة في مورد احتمال الترك العمدي مستندا
إلى التعليل في بعض النصوص بالاذكرية.
فان قلت ان
المستفاد من مجموع الأدلة بعد ضم بعضها إلى بعض هو التعبد بما يقتضيه طبع كل احد
قصد إتيان فعل مركب وكان في مقام الامتثال ،
__________________
وهو كما يقتضي عدم
الترك السهوي ، كذلك يقتضي عدم الترك العمدي فتجرى القاعدة عند احتمال الترك
العمدي كما تجرى عند احتمال الترك السهوي.
قلت ان هذا ، ان
كان استدلالا بالنصوص : فيرد عليه ما تقدم آنفا.
وان كان استدلالا
ببناء العقلاء.
فيرد عليه : انه
لم يثبت بنائهم على ذلك فتأمل.
وان كان استدلالا بظهور
حال المسلم.
فيرد عليه انه لا
دليل على حجيته في المقام.
فالأظهر عدم جريان
القاعدة في المقام ، إلا انه بناءً على ما ستعرف في المقام الثاني من جريان أصالة
الصحة في عمل الشخص نفسه تجري تلك في المقام ويحكم بالصحة.
هذا تمام الكلام
فيما يرجع إلى قاعدة الفراغ والتجاوز.
* * *
أصالة الصحة
من تلكم القواعد
أصالة الصحة.
وتنقيح القول فيها
إنما يكون ببيان أمور :
الأمر الأول : في
بيان مدركها ، وقد استدل لها بالأدلة الأربعة.
فمن الكتاب بجملة
من الآيات :
منها : قوله تعالى
(وَقُولُواْ لِلنَّاسِ
حُسْناً) بناءً على تفسيره بما عن الكافي من قوله (ع): " لا
تقولوا إلا خيرا حتى تعلموا ما هو" .
وتقريب الاستدلال
به ان المراد من القول الظن والاعتقاد ، وحيث ان الاعتقاد من الأمور غير
الاختيارية فلا محالة يكون متعلق التكليف ترتيب الآثار ، فيكون مفاده حينئذ انه
يجب ان يعامل مع الناس في أفعالهم معاملة الأفعال الصحيحة.
ودعوى ان الاعتقاد
قد يحصل بمقدمات اختيارية.
مندفعة بأنه حيث
يكون غالبا بغير الاختيار فلا يصح جعله متعلقا للتكليف بنحو الإطلاق.
__________________
وفيه : أولا انه
حيث يكون صدر الآية الشريفة إخبارا عما جعل على بني إسرائيل فيحتمل ان يكون المراد
قلنا لهم قولوا الخ وقد قيل في معناه ذلك فتدبر.
وثانيا : ان حسن
الظن والاعتقاد إنما يكون من آثار صفاء النفس وتزكيتها ، فيمكن ان يكون المراد
الأمر بالسبب وهو اختياري.
وثالثا : انه لو
سلم انه عدول من الأخبار إلى الخطاب ، وسلم عدم صحة تعلق التكليف بالظن والاعتقاد
وبسببهما ، لا يصح الاستدلال به أيضاً ، إذ فسرت الآية الشريفة بتفسير آخر ، فعن
جابر عن سيدنا أبي جعفر (ع) في قوله تعالى (وَقُولُواْ لِلنَّاسِ
حُسْناً) قال : قولوا للناس احسن ما تحبون ان يقال لكم .
ورابعا : انه لو
سلم هذا التفسير فغاية ما يدل عليه مطلوبية مواجهة الناس بقول حسن لين جميل وخلق
كريم ولا ربط له بترتيب آثار الصحة ، ويؤيد ذلك ما عن المجمع عن الإمام الصادق (ع) ان الآية وان كانت عامة
__________________
للمؤمن والكافر
إلا انها منسوخة بآية السيف وبقوله قاتلوهم حتى يقولوا لا إله إلا الله أو يقروا
بالجزية.
ومنها : قوله
تعالى (يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ
إِثْمٌ).
وتقريب الاستدلال
به ان ما امر بالاجتناب عنه إنما هو ظن السوء لا مطلق الظن إذ ظن الخير ليس إثما قطعا
وعليه فحيث مر عدم قابلية نفس الظن للخطاب فلا مناص عن ارادة الاجتناب عن ترتيب
آثار السوء ، وحيث انه لا واسطة بين السوء والحسن والصحة والفساد ، فيكون المراد
لزوم ترتيب آثار الحسن والصحة.
وفيه ، أولا : ما
تقدم من قابلية الظن لتعلق الخطاب به باعتبار سببه ومنشئه.
وثانيا ان سوء
الظن الذي امرنا بالاجتناب عنه لعله أريد به عقد القلب وحكمه عليه بالسوء من غير
يقين الذي هو فعل من أفعال النفس.
وثالثا : ان نفي
الواسطة بين الحسن والسوء ، والصحة والفساد ، لا يلازم نفي الواسطة بين حرمة ترتيب
آثار السوء ، ووجوب ترتيب آثار الحسن.
ومنها : قوله
تعالى (يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ).
__________________
وتقريب الاستدلال
به وجهان :
الأول ان المستفاد
منه اقتضاء كل عقد للصحة وترتيب الأثر ، وقد جعل الشارع الأقدس بعض الأمور كعدم
إذن المرتهن مانعا عنه ولا يشترط العلم بانتفائه لتأثير المقتضى فمع الشك يجب
ترتيب آثار الصحة.
الثاني : ان مقتضى
عمومه إمضاء كل عقد وصحته وقد خصص هذا العموم وقيد بقيود وشرائط فإذا شك في مصداق
الخاص يتمسك بالعموم.
وفيهما : نظر ،
اما الأول : فلعدم حجية قاعدة المقتضي والمانع.
واما الثاني :
فلان الأظهر عدم جواز التمسك بالعام في الشبهات المصداقية كما حقق في محله مع ان
هذا الوجه أخص من المدعى لاختصاصه بالعقود.
واما السنة فقد
استدل لها بجملة من النصوص :
منها ما في الكافي
وهو خبر الحسين بن المختار عن الإمام الصادق (ع) عن الإمام على (ع) ضع امر أخيك
على أحسنه حتى يأتيك ما يعنيك منه ولا تظنن بكلمة خرجت من أخيك سوءا وأنت تجد لها
في الخير محملا .
وفيه : أولا انه
ضعيف السند لكونه مرسلا.
وثانيا : ان الحسن
والقبح غير الصحة والفساد : إذ ربما يكون العقد الصادر المردد بين الصحيح والفاسد
صادرا لا على وجه قبيح ، بل هو كذلك غالبا ،
__________________
وعليه فالخبر
أجنبي عما هو محل الكلام.
وثالثا : انه لو
سلم تلازم الحسن لترتيب الأثر ، إلا ان الظاهر بقرينة قوله : " ولا تظنن
الخ" ولا اقل من المحتمل ان المراد البناء على الحسن بمعنى عقد القلب عليه ،
وحكمه عليه بذلك لا بالسوء ، ولا ربط له بترتيب الأثر خارجا.
ومنها : خبر محمد
بن الفضل عن الإمام الصادق (ع) يا محمد كذب سمعك وبصرك عن أخيك فان شهد عندك خمسون
قسامة انه قال وقال لم اقله فصدقه وكذبهم .
وفيه : ان الظاهر
ورود الخبر في مقام بيان حكم أخلاقي ويكون مختصا بموارد عدم ترتب الأثر الشرعي على
ما شهد به القسامة ، وإلا لما كان وجه لتقديم قول الواحد على قول الخمسين.
وبعبارة أخرى :
المراد من التصديق ليس هو التصديق العملي ، بل المراد التصديق في مقام المعاشرة
والمعاملة بينك وبينه.
وبما ذكرناه ظهر
ما في الاستدلال ، بالمستفيضة المتضمنة ان المؤمن لا يتهم أخاه وانه إذا اتهم أخاه
إنماث الإيمان في قلبه كانمياث الملح في الماء وان من اتهم أخاه فلا حرمة بينهما .
__________________
واما العقل فقد
قيل انه مستقل حاكم بأنه لو لم يبن على هذا الأصل لزم اختلال نظام المعاد والمعاش.
وفيه : ان لزوم
اختلال النظام من عدم جريانها في غير موارد ، وجود اليد ، وسوق المسلمين ، وغير
موارد قاعدة الفراغ والتجاوز ، محل نظر بل منع.
وبما ذكرناه ظهر
ما في استدلال الشيخ الأعظم (ره) ، بفحوى قوله (ع) في موثق حفص بعد الحكم بان اليد حجة على
الملكية وجواز الشهادة بالملكية مستندا إلى اليد (انه لو لم يجز هذا لم يقم
للمسلمين سوق) بل بدلالته بظاهر اللفظ حيث ان الظاهر ان كل ما لولاه لزم
الاختلال فهو حق ، لان الاختلال باطل والمستلزم للباطل باطل فنقيضه حق ، وهو
اعتبار أصالة الصحة : إذ قد عرفت عدم لزوم الاختلال من عدم اعتبارها.
كما انه ظهر عدم
صحة الاستدلال لها بما ورد من نفي الحرج وتوسعة الدين ، مع انه يرد على الاستدلال به ان دليل نفي
الحرج لا يصلح لاثبات حجية أصالة الصحة لا سيما في غير موارد الحرج الشخصي.
__________________
واما الاجماع فقد
قيل : انه مستفاد من تتبع فتاوى الفقهاء في موارد كثيرة.
ولكن يرد عليه انه
ليس إجماعا تعبديا لاحتمال استناد المجمعين إلى ما تقدم ، مع انه يرد عليه ما ذكره
المحقق النراقي في عوائده ، من انا لم نقف من غير بعضهم التصريح بكلية حمل جميع
أفعال المسلمين وأقوالهم على الصحة والصدق ، وكلام الاكثرين غير طائفة من
المتأخرين خال عن ذكر هذه القاعدة.
فالأولى : ان
يستدل لها ، ببناء العقلاء على ذلك ، والسيرة المستمرة غير المختصة بالمسلمين بل
من كل ذي دين ، بضميمة عدم الردع ، وهذا هو العمدة في المقام.
أصالة الصحة ليست من الأمارات
الامر الثاني : في
بيان انها من الأمارات ، أو الأصول التعبدية وفيه وجهان :
وقد قيل في تقريب
وجود ملاك الطريقية فيها ، ان احتمال الفساد : اما ان يكون لأجل احتمال تعمد
الاخلال بقيد من قيود الصحة. أو يكون لأجل احتمال الغفلة عنه. أو يكون لاحتمال
الجهل به.
اما احتمال الغفلة
فهو مناف لظهور الحال في عدم تعلق الغفلة حال العمل.
__________________
واما احتمال الترك
العمدي ، فهو مناف لظهور حال المسلم فان الظاهر من تصديه لفعل وتعلق إرادته
بإتيانه عدم الإخلال بقيد عمدا.
واما احتمال الجهل
بالحكم فهو أيضاً مناف لظهور حال المسلم المتصدي للفعل.
ولكن الإنصاف انه
مع احتمال الفساد من جهة احتمال جهل العامل بالحكم عن قصور لا عن تقصير من جهة
أداء اجتهاده إلى خلاف الواقع ، لا ملاك للطريقية والمرآتية بل المعروف جريانها في
موارد العلم بالجهل ، وعدم ملاك الطريقية في تلك الموارد واضح.
فالأظهر عدم وجود
ملاك الطريقية فيها ، وعليه فمع عدم وجود ملاكها لا يعقل الحكم بعنوان تتميم الكشف
وامضاء الطريقية ، مع انه على فرض وجود ملاكها فيها ، لا دليل على الطريقية في
مقام الإثبات : إذ بناء العقلاء كما يمكن ان يكون من جهة الطريقية يمكن ان يكون
لمصلحة أخرى كحفظ نظام المعاشرة ونحوه.
ودعوى انه لا يعقل
التعبد في بناء العقلاء ، سيأتي الجواب عنها في قاعدة اليد فانتظر ، فالأظهر كونها
من الأصول التعبدية.
ثم انه رتب الشيخ
الأعظم (ره) على ذلك ، انه لا يثبت بأصالة الصحة إلا الآثار الشرعية
المترتبة عليها ، اما ما يتوقف عليه الصحة أو يلازمها مطلقا ، أو ما يلزمها فلا
تثبت بها ، وقال ، فلو شك في ان الشراء الصادر من الغير كان
__________________
بما لا يملك
كالخمر والخنزير ، أو بعين من أعيان ماله فلا يحكم بخروج تلك العين من تركته بل
يحكم بصحة الشراء وعدم انتقال شيء من تركته إلى البائع لأصالة عدمه.
ومحصل ذلك : ان
أصالة الصحة في العقد إنما تثبت انتقال المبيع المعين المعلوم إلى المشترى لأنه من
آثار صحة العقد ، ولا تثبت انتقال ما يملك من أمواله الذي هو طرف للعلم بكونه ثمنا
أو ما لا يملك وان كانت صحة العقد ملازمة لذلك واقعا.
والحق : أن ما
ذكره (ره) من عدم إثبات اللوازم والملزومات والملازمات بها بناءً على كونها من
الأصول حق لا ريب فيه.
إلا انا نقول انها
لا تثبت بها حتى بناءً على الأمارية ، لما حققناه في محله من هذا الكتاب واشرنا
إليه في أول قاعدة الفراغ والتجاوز ، من عدم الدليل على حجية الأمارات في مثبتاتها
، وإنما تكون كذلك مع وجود قيدين فيها : أحدهما : كون ذلك الشيء كاشفا عن اللوازم
والملزومات والملازمات ككشفه عن ذلك المؤدى نفسه نظير الخبر الحاكي. ثانيهما :
ثبوت الإطلاق لدليل اعتباره من جميع الجهات ومع فقدهما أو أحدهما لا يكون ذلك حجة
في المثبتات.
وفي أصالة الصحة
كلا الركنين مختلان كما لا يخفى فلا يثبت بها اللوازم والملزومات والملازمات ، حتى
بناءً على أماريتها.
واما ما ذكره من
المثال ، فمن حيث عدم تعين المبيع بأصالة الصحة لا كلام فيه ، ولكن ليس للورثة
التصرف في مجموع المال للعلم الإجمالي بعدم كون المجموع ملكا للمورث.
ثم انه نقل الشيخ
الأعظم (ره) انتصارا لما اختاره من عدم حجية أصالة الصحة في مثبتاتها
ما ذكره العلامة (ره) من الفرعين :
أحدهما : ما لو
قال آجرتك كل شهر بدرهم ، وقال المستأجر بل سنة بدينار قال ففي تقديم قول المستأجر
نظر فان قدمنا قول المالك فالأقوى صحة العقد في الشهر الأول :
وجه دلالة ذلك على
ان مبناه عدم حجيتها في مثبتاتها.
ما ذكره المحقق
الثاني (ره) في جامع المقاصد من ان وجه النظر : ان المستأجر لما كان يدعي صحة الإجارة
لان بناء العلامة على بطلان إجارة كل شهر بدرهم فيكون قوله موافقا لأصالة الصحة ،
وحيث انه لا يثبت بها وقوع الإجارة على السنة لعدم كونه من اللوازم الشرعية
المترتبة على صحة العقد ، فصار ذلك منشأً لتوقف العلامة في تقديم قول المستأجر.
ثم ان المحقق
الثاني ذكر وجها لإفتاء العلامة بالصحة في الشهر الأول ، وحيث انه غير مربوط بهذه
المسألة فلا نتعرض له هنا.
ثانيهما : ما ذكره
بقوله وكذا الإشكال في تقديم قول المستأجر لو ادعى اجرة مدة معلومة أو عوضا معينا
وأنكر المالك التعيين فيهما ، والأقوى التقديم فيما لم يتضمن دعوى ، وجه دلالته
على ذلك انه تارة يدَّعي المستأجر أجرة
__________________
تساوي أجرة المثل
، فيقدم قوله على قول المالك لموافقته لأصالة الصحة. وأخرى يدَّعي أجرة انقص منها
، وحيث انه يدعى دعوى أخرى وهي عدم استحقاق المالك أجرة المثل وهي لا تثبت بأصالة
الصحة فلا تقدم دعواه فتدبر.
المراد بالصحة هي الصحة الواقعية
الأمر الثالث : هل
المحمول عليه هي الصحة الواقعية ، أم الصحة عند العامل وقبل الشروع في بيان ذلك لا
بدَّ من التنبيه على امر.
وهو ان في المقام
نزاعين :
أحدهما : انه ، هل
يعتبر في الحمل على الصحة علم الفاعل بها ، فلا يحمل على الصحة مع العلم بجهله ،
أو الجهل بحاله ، أم يعتبر عدم العلم بكونه جاهلا ، أم لا يعتبر شيء منهما ، فلو
علم بأنه جاهل بصحيح الفعل وفاسده ، يحمل عليها كان الجهل عن قصور أم تقصير ، غاية
الأمر في الجهل القصوري يعتبر تصادق اعتقاديهما بالصحة في فعل.
ثانيهما : في ان
المحمول عليه ، هل هي الصحة الواقعية أو الفاعلية ، ولا يبعد ان يكون خلاف صاحب
المدارك في النزاع الأول.
__________________
وكيف كان فالأظهر
عدم اعتبار علم الفاعل بها إذ الغالب في موارد الحاجة إلى هذا الأصل إنما هي صورة
الجهل بحال الفاعل : فان محل الابتلاء إنما هي أفعال العوام من الرجال والنساء
الذين لا يعرفون أحكام المعاملات والعبادات ، مع قيام السيرة على حمل أفعالهم على
الصحة من دون ان يفتشوا عن حال معاملاتهم.
واما اعتبار عدم
العلم بالجهل في خصوص ما هو محل الجريان فغير بعيد : إذ القدر المتيقن من الأدلة
غير هذا المورد.
ودعوى ان ابتلاء
عموم الناس إنما هو بأفعال أهالي الصحارى والبراري والأسواق الذين لا يعرفون
الأحكام مع استقرار السيرة على إمضاء أعمالهم مع احتمال المطابقة.
يمكن دفعها بان
عدم معرفة هؤلاء بعمدة الأحكام ان كان منشأً للجهل بعلمهم في خصوص ما هو محل
الحاجة ، فجريان القاعدة وان كان مما لا كلام فيه ، إلا انه أجنبي عن الفرض ، واما
لو علم بجهلهم في خصوصه ، فالسيرة على الحمل عليها غير ثابتة ولكن ذلك يحتاج إلى
تأمل زائد ، فان دعوى قيام السيرة على العموم مع جهل الغالب بالأحكام قريبة جدا.
واما النزاع
الثاني : فان كان مدرك الحمل على الصحة هو ما عن
__________________
العلامة وجماعة من المتأخرين عنه ، وهو ظهور حال المسلم ، فيتعين
الحمل على الصحة عند العامل فان الظاهر من حاله عدم فعل ما لا يراه صحيحا وان أتى
بالعمل على وجه يراه صحيحا.
واما ان كان
المدرك هو حكم العقل ، أو بناء العقلاء والسيرة المستمرة ، أو الإجماع ، فالمحمول
عليه هي الصحة الواقعية.
أصالة الصحة تجري في عمل نفسه
الأمر الرابع : هل
يكون مجرى هذا الأصل هو خصوص عمل الغير ، أم يعم عمل نفسه وجهان : أقواهما الثاني
: لثبوت السيرة ، وبناء العقلاء على اجرائها في عمل نفس الحامل.
واستدل للأول
بوجهين :
الأول ما عن
المحقق النائيني (ره) من دعوى العلم بأنه لم يجعل الشارع الأقدس للشك في عمل
الشخص نفسه قاعدتين ، وحيث ان قاعدة الفراغ
__________________
مجعولة فيه فلا
تكون أصالة الصحة مجعولة.
وفيه : ان دعوى
العلم بعدم جعل قاعدتين في مورد واحد بالجعل التأسيسي الاستقلالي في محلها.
واما دعوى عدم جعل
قاعدتين بالجعل الامضائي ، أحدهما ببيان لفظي وهو دليل قاعدة الفراغ ، ثانيهما
بعدم الردع.
فممنوعة إذ لا
محذور فيه ، ودعوى العلم بعدم جعلهما هكذا ، غير مسموعة.
الثاني : ان تعدد
الجعل يستلزم تعدد المجعول ، وحيث ان المجعول في عمل الشخص نفسه لا يكون متعددا
فلا محالة يكون الجعل أيضاً واحدا.
وفيه : ان ذلك
أيضاً يتم في الجعل التأسيسي ولا يتم في الجعل الامضائى.
المراد من الصحة
الأمر الخامس :
المراد من الصحة هو انطباق المأتي به الخارجي لما هو موضوع للأثر الشرعي أي
الاعتبارات الشرعية في المعاملات ، ولما هو متعلق التكليف في العبادات ، وعلى ذلك
تحمل في جميع الموارد.
غاية الأمر في باب
العبادات لا تُتَصور الصحة التأهلية والصحة الفعلية ، وفي باب المعاملات تُتَصوران
:
إذ لو كان موضوع
الاعتبار الشرعي موجودا بتمامه ولم يترقب لصحته حصول شيء آخر ، فالصحة فعلية أي
ذلك الاعتبار الشرعي يترتب عليه. وان
كان جزؤه موجودا
وكان الجزء الآخر دخيلا في ترتب ذلك الاعتبار ولم يكن دخيلا في تمامية ذلك الجزء
كالايجاب وحده إذ القبول ليس دخيلا في صحة الإيجاب وتماميته ، وإنما يكون دخيلا في
ترتب الاعتبار الشرعي ، وهو اعتبار الملكية فالصحة تأهلية بمعنى ان الإيجاب لو
تعقبه القبول لترتب عليهما النقل والانتقال ودليل هذا الأصل يشمل كلا الموردين.
وقد تعرض الشيخ
الأعظم (ره) لذلك في رسائله دفعا لتوهم ، انه إذا تحقق الإيجاب وشك في
تعقبه بالقبول تجري أصالة الصحة فيه ويحكم بترتب النقل والانتقال عليه وتعقبه
بالقبول.
ومحصل الدفع ان
الصحة الفعلية اثر الإيجاب والقبول جميعا غير المحرز تحققهما والايجاب وحده ليس
اثره إلا الصحة التأهلية والعلم بتحققه صحيحا لا يستلزم القبول فضلا عن التعبد به.
وربما يتوهم
التنافي بين ما ذكره الشيخ (ره) الأعظم في هذا الأمر من ان التعبد بصحة الإيجاب لا
يستلزم التعبد بالقبول ، وبين ما أفاده في الأمر الثاني بقوله ، واما ما ذكره (أي المحقق الثاني) من ان الظاهر إنما يتم
مع الاستكمال المذكور لا مطلقا فهو إنما يتم إذا كان الشك من جهة بلوغ الفاعل ولم
يكن هناك طرف آخر معلوم البلوغ تستلزم صحة فعله صحة فعل هذا الفاعل الخ.
ولكن يمكن دفعه
بوجهين :
__________________
الأول : ان ما
ذكره في رد المحقق الثاني ليس بلحاظ أصالة الصحة بل بلحاظ ظهور حال المسلم حيث ان
ظاهر حاله عدم المعاملة مع غير البالغ فاقدامه هذا أمارة لبلوغه ، وما أفاده في
المقام إنما هو بلحاظ أصالة الصحة وانه لا يثبت بها تحقق القبول.
الثاني : ان صحة
الإيجاب نفسه ، ربما تتوقف على صحة القبول ، وربما لا تتوقف عليها ولا على وجوده ،
وفي الأول مقتضى صحة الإيجاب صحة القبول أيضاً ، وفي الثاني لا تثبت ذلك ، وفي
صورة الشك في بلوغ القابل صحة الإيجاب بما انها متوقفة على صحة القبول فتثبت بها
صحتها ، وفي صورة الشك في صدور القبول ممن له شأنية ذلك بما انه لا تتوقف صحة
الإيجاب على تحقق القبول لا يثبت بأصالة الصحة تحققه.
ثم انه ذكر الشيخ
الأعظم (ره) في المقام فروعا لمناسبتها مع المقام وتبعه بعض المحققين
ونحن اقتفاءً لاثرهما نتعرض لها.
منها : ما تقدمت
الإشارة إليه وهو انه لو أحرز الإيجاب وشك في تحقق القبول إجراء أصالة الصحة في
الإيجاب لا يستلزم تحققه.
ومنها : ما لو شك
في صحة بيع الصرف من جهة الشك في تحقق القبض في المجلس وقال ان أصالة الصحة في
العقد لا يترتب عليها النقل والانتقال ولا يثبت بها تحقق القبض.
وغاية ما قيل في
وجه ذلك أمران :
__________________
الأول : ان الصحة
الفعلية أي ترتب النقل والانتقال إنما تكون اثر الإيجاب والقبول والقبض في المجلس
فيكون القبض احد اجزاء المؤثر ، وعليه فالعلم بصحة العقد لا يستلزم تحقق القبض
فضلا عن الصحة الثابتة بالتعبد.
الثاني : ان مفاد
أصالة الصحة صحة العقد حدوثا ، ولا نظر لها إلى البقاء ، والعقد من حيث الحدوث ليس
له إلا الصحة التأهلية ـ وهي اما لا شك فيها ـ أو على فرض الشك أصالة الصحة
الجارية في العقد حدوثا لا تفيد في إثبات تحقق القبض وترتب النقل والانتقال.
وفيهما نظر :
اما الأول : فلان
الظاهر ان المؤثر هو العقد المركب من الإيجاب والقبول ، والقبض إنما يكون شرط
التأثير وشرط الصحة بقاءً ، فلو انقضى المجلس وشك في تحقق القبض فلا محالة يشك في
صحة العقد بقاءً فأصالة الصحة تثبت تحققه.
واما الثاني :
فلأنها كما تجرى بلحاظ الحدوث تجرى بلحاظ البقاء ، والعقد بعد انقضاء المجلس ،
صحته مشكوك فيها فمقتضى أصالة الصحة تحقق القبض.
ومنها : ما لو شك
في إجازة المالك لبيع الفضولي ، فانه لا يمكن إجراء أصالة الصحة في العقد لإحراز
تحققها ، إذ العقد الصادر من غير المالك لا صحة له إلا تأهلية وهي لا تتوقف على
الإجازة وعقد المالك موضوعا مشكوك التحقق.
ومنها : ما لو شك
في صحة بيع الوقف ، من جهة الشك في عروض
المسوغ له ، فانه
لا يمكن إجراء أصالة الصحة لاثبات عروض المسوغ.
واستدل له بان
العقد لو خلي وطبعه مبني على الفساد بحيث يكون المصحح طارئا عليه وليس له صحة
تأهلية مع عدمه.
وفيه : ان ذكر ذلك
في وجه جريان أصالة الصحة أولى ، بل هو المتعين فان بيع الوقف إذا كان صحيحا في
بعض الصور دون أخرى لا محالة تقتضي أصالة الصحة صحته ووقوعه على الوجه الصحيح.
ومنها : ما لو شك
في صحة بيع الراهن من جهة الشك في إذن المرتهن أو اجازته فانه لا يثبت الاذن أو
الاجازة باجراء أصالة الصحة في العقد ، واستدل له بوجوه.
الأول : ان صحة
العقد تأهلية ، والاثر ، أي النقل والانتقال مترتب عليه مع الاذن أو الاجازة ، فلا
تثبت الصحة الفعلية باجراء أصالة الصحة في العقد.
الثاني : ان امر
عقد الراهن يدور بين الصحة الفعلية ، والصحة التأهلية فانه على تقدير الاذن أو
الاجازة صحته فعلية وعلى تقدير عدمه صحته تأهلية ، واصالة الصحة إنما تجرى في مورد
دوران الأمر بين الصحة والفساد ، ولا تجرى عند دوران الأمر بين الصحة الفعلية ،
والتأهلية.
الثالث : وهو مختص
بخصوص الشك في الاجازة ، وهو ان عقد الراهن حدوثا صحيح بالصحة التأهلية قطعا ،
وغير صحيح بالصحة الفعلية جزما ، والشك إنما يكون بلحاظ البقاء ، ولا تجرى أصالة
الصحة بلحاظه.
وفي كل نظر :
اما الأول : فلان
اذن المرتهن أو اجازته من قبيل رفع المانع عن تأثير عقد الراهن ، لا انه جزء
المؤثر فان العين المرهونة متعلقة لحق الغير وكونها كذلك مانع عن تأثير عقد المالك
فبالاذن أو الاجازة يرتفع المانع فيؤثر العقد اثره ، فلو شك في تحققه لا محالة
تجرى أصالة الصحة في العقد وتثبت بها الصحة الفعلية.
واما الثاني :
فلان أصالة الصحة كما تجرى عند دوران الأمر بين الصحة والفساد تجرى عند دورانه بين
الصحة الفعلية والتأهلية ، ألا ترى انه لو شك في ان البائع مالك أم غير مالك تجرى
أصالة الصحة ويحكم بصحة بيعه بالصحة الفعلية وانه بيع صادر عن المالك ، مع ان بيع
غير المالك له صحة تأهلية.
واما الثالث :
فلأنه قد عرفت ان أصالة الصحة كما تجرى بلحاظ الحدوث تجرى بلحاظ البقاء.
ومنها : ما لو علم
بوقوع البيع من الراهن وصدور اذن ورجوع من المرتهن وشك في تقدم الرجوع على البيع
وتأخره عنه ، فلا محالة يشك في صحة كل من الأمور الثلاثة ، وحيث ان صحة كل منها
تاهلية بمعنى ان صحة البيع لا تستلزم وقوعه قبل الرجوع ، وصحة الاذن لا تستلزم
وقوع البيع عقيبه ، وصحة الرجوع لا تستلزم وقوع البيع بعده ، فصحة الاولين لا
تقتضي صحة البيع ، وصحة الاخير لا تستلزم فساده.
وفيه : ان ما ذكره
(ره) يتم في الاذن ولا يتم في الرجوع ولا في البيع.
اما الأول : فلان
الرجوع إذا وقع بعد البيع لا يترتب عليه شيء لعدم كونه
قابلا للتأثير لا
ان له صحة تأهلية ، ولكن حيث ان من شرائط جريان أصالة الصحة قابلية التأثير عقلا
كما صرح بذلك الشيخ الأعظم (ره) في كتاب البيع فلا تجري فيه أصالة الصحة.
واما الثاني : لما
تقدم من انه يترتب على أصالة الصحة الجارية في البيع صحته بالصحة الفعلية فراجع.
ثم انه قد يقال في
وجه عدم تماميته في البيع ، ان البيع ان وقع قبل الرجوع فصحته فعلية وان وقع بعده
فهو فاسد بقول مطلق فلا يتصف بالصحة التأهلية.
وفيه : ان الرجوع
لا يكون موجبا لحل العقد ، بل غاية ما يترتب عليه ارتفاع الاذن فلو لحقه الاجازة
يترتب عليه الأثر الفعلي فتدبر.
لا يعتبر إحراز عنوان العمل
الأمر السادس : لا
ريب في انه يعتبر في إجراء أصالة الصحة إحراز تحقق العمل : إذ مع الشك في تحقق اصل
العمل الموصوف بالصحة ، وان كان يمكن الشك في الصحة وليس كما قيل لا يعقل الشك في
الوصف إلا مع إحراز الموصوف إلا ان دليل التعبد إنما يتكفل التعبد بالوصف لا
التعبد بالموصوف واثباته ، فلا تعبد بالوصف إلا مع إحراز الموصوف.
__________________
إنما الكلام في
انه ، هل يعتبر إحراز العنوان الذي تعلق به الأمر أو ترتب عليه الأثر وضعا أو
تكليفا كما عن الشيخ الأعظم (ره) والمحقق النائيني (قدِّس سره) وغيرهما ، فلو شوهد من يأتي بصورة عمل من صلاة أو طهارة أو نسك حج
ولم يعلم قصده تحقق هذه العبادات لم تحمل على تلك ، أم لا يعتبر ذلك بل يكفى تحقق
عناوين هذه الاعمال عرفا المحرز بصورتها كما اختاره المحققان الخراساني (ره) ، والهمداني (قدِّس سره) وغيرهما ، أم لا يعتبر ذلك أيضاً ، وجوه :
فقد استدل للاول :
بان موضوع الأثر هو المعنون بذلك العنوان وباعتبار ترتبه عليه يوصف بالصحة
وباعتبار عدمه بالفساد ، فلا بدَّ من إحراز الموصوف كي يتعبد بوصف الصحة.
وفيه : أولا النقض
بجميع موارد الشك في الصحة ، إذ لا يتصور الشك فيها إلا مع الشك في تحقق ما هو
موضوع الأثر شرعا.
وثانيا : بالحل
وهو ان مقتضى دليل أصالة الصحة التعبد بصحة العمل ، فيما إذا أحرز العمل عرفا ،
وهو إنما يكون فيما إذا أحرز صورته عرفا ، ولذا ترى انه لا يتوقف احد في الأخبار
عن ان فلانا يصلي إذا رأى صدور صورة
__________________
الصلاة منه مع عدم
إحراز قصد الصلاتية ، فلو صدر الإيجاب عن شخص في مقام المعاملة وشك في انه قصد به
الإنشاء أو التعليم مثلا يحمل على الصحة.
وبالجملة بما ان
عمدة دليل هذا الأصل هي سيرة العقلاء ولا ريب في قيامها على الحمل على الصحة في
هذه الموارد لا مناص عن الالتزام به.
والغريب ان الشيخ
الأعظم مع اختياره في المقام ذلك ، التزم في كتاب الخيارات في مسألة الفسخ بالفعل انه يثبت قصد حل العقد باجراء أصالة
الصحة.
فالاظهر عدم
اعتبار إحراز ذلك واعتبار إحراز عنوان العمل عرفا.
نعم ، يعتبر إحراز
كونه في مقام الإتيان بما هو موضوع الأثر فلو قال بعت ولم يعلم انه قصد به الإنشاء
لكونه في مقام إنشاء المعاملة أو لم يقصد ذلك لكونه في مقام التعليم مثلا لا يحمل
على الأول ، لعدم إحراز الموضوع عرفا المعتبر في جريانها كما تقدم.
وعلى هذا يبتني
عدم إجراء أصالة الصحة لاحراز كون الفعل عن الغير ما لم يحرز كونه عنه. وبعبارة
أخرى : العمل الصالح لوقوعه عن نفسه ، ووقوعه
__________________
عن غيره ما لم
يحرز كونه في مقام تفريغ ذمة ذلك الغير لا يحرز وقوعه عن غيره باجراء أصالة الصحة.
والظاهر ان هذا هو
منشأ تفصيل المشهور بين ، الصلاة على الميت ، والصلاة عن الميت حيث اكتفوا في
الأولى بالحمل على الصحيح بمجرد اصل الصلاة ، واعتبروا في الثانية اخباره بذلك مع
كونه عادلا ولم يكتفوا بمجرد الصلاة.
حول جريان أصالة الصحة في عمل النائب
تكملة في بيان
أمرين :
الأول ان للشيخ
الأعظم (ره) في المقام كلاما في توجيه عدم إحراز فراغ ذمة المنوب عنه
باجراء أصالة الصحة في عمل النائب ، وانه يعتبر في إحراز الفراغ إحراز صدوره صحيحا
عنه.
وحاصله : ان لفعل
النائب جهتين :
الجهة الأولى :
انه عمل من اعماله ولذا يجب عليه مراعاة الاجزاء والشرائط ، وبهذا الاعتبار يستحق
الاجرة ويجوز استيجاره ثانيا بناءً على اعتبار فراغ ذمة الاجير في صحة استيجاره
ثانيا ، ويترتب عليه غير ذلك من آثار
__________________
صدور الفعل الصحيح
منه.
الجهة الثانية :
انه عمل من اعمال المنوب عنه بالعرض حيث انه فعله بالتسبيب ، وبهذا الاعتبار يراعى
فيه القصر والاتمام في الصلاة ، والصحة من الحيثية الأولى ، لا تثبت الصحة من
الحيثية الثانية ، بل لا بدَّ من إحراز صدور الفعل الصحيح عنه ، وحيث ان فراغ ذمة
المنوب عنه ليس من آثار فعل النائب من حيث هو بل من آثاره بما انه فعل المنوب عنه
بالتسبيب ، فلا يترتب ذلك على إجراء أصالة الصحة في فعل النائب.
ويرد على ما أفاده
أمور :
الأول : انه لو تم
ذلك لما كان وجه للحكم باستحقاق الاجرة ، إذ ذلك أيضاً من آثار صدور الفعل عنه بما
انه فعل المنوب عنه ، إذ تعيين الاجرة إنما هو على تفريغ ذمة المنوب عنه لا على
فعل النائب من حيث هو.
الثاني : ان جعل
باب النيابة من باب التسبيب غير صحيح كما حقق في محله.
الثالث : انه إذا
لم يحرز كون النائب في مقام تفريغ ذمة المنوب عنه لا يحمل على الصحة بمعنى الحكم
بوقوعه عنه ولو بلحاظ اثر من الآثار ، واما ان أحرز ذلك فحيث ان الحيثيتين ليستا
في عرض واحد بل احداهما مترتبة على الاخرى ، إذ النائب يأتي بالفعل الواجب على
المنوب عنه فإذا احرزت صحته باصالة الصحة لزم الحكم بالصحة من الحيثيتين فتدبر.
الأمر الثاني : ان
المحقق الهمداني (ره) فصل بين العمل النيابي فاختار فيه ما ذكرناه وبين مثل
توضئة الغير للعاجز ، فاختار فيه عدم كفاية إجراء أصالة الصحة في صحة وضوء العاجز.
وعلله : بان توضئة
الغير للعاجز ليس من باب النيابة ، بل من قبيل ان تكليفه إيجاد الفعل باعانة الغير
فلا يجديه أصالة الصحة في فعل الغير لان فعل الغير هو التوضئة لا الوضوء فحمل
التوضئة على الصحيح لا يثبت كون الوضوء الصادر من العاجز صحيحا إذ لا يثبت باصالة
الصحة سائر العناوين الملازمة لها.
وفيه : ان الواجب
على العاجز لا يعقل ان يكون هو الوضوء باعانة الغير إذ فعل الغير الصادر عن ارادته
واختياره لا يمكن ان يكون واجبا على غير المريد ، وإلا لزم التكليف بما لا يطاق
فمتعلق الأثر هو نفس توضئة الغير فلو جرت أصالة الصحة في ذلك ، لا بدَّ من ترتيب
جميع الآثار منها جواز دخول العاجز في الصلاة ونحوها.
هذا كله فيما يجب
احرازه ، واما ما به يحرز فالعمدة فيه هو اخبار العامل الموثق وحجيته بناءً على ما
هو الحق عندنا من حجية الخبر الواحد في الموضوعات ، وعدم اعتبار العدالة في المخبر
، وانه يكفى كونه ثقة في النقل واضحة.
واما بناءً على
عدم حجيته في الموضوعات ، فحيث ان الاقتصار في امثال
__________________
هذه الموضوعات على
العلم والبينة مع عموم الابتلاء بها موجب للعسر والحرج ، بل سد باب النيابة ،
فيستكشف من ذلك جعل الشارع اخبار العامل حجة لانحصار الطريق به.
وهل يعتبر فيه
العدالة؟ أم يكفي الوثوق؟ وجهان :
أولهما مختار
الشيخ الأعظم (ره) .
والأقوى هو الثاني
إذ لا خصوصية للعدالة من الجهات الأخر غير جهة الكذب في هذا الحكم قطعا ، فان تلك
الأمور اجنبية عن خبره بل لو كان دليل لفظي متضمن لجعل الحجية لخبر العادل لكنا
حملناه على ذلك لأجل مناسبة الحكم والموضوع فضلا عن المقام فتدبر.
موارد جريان أصالة الصحة
الأمر السابع : هل
يختص جريان أصالة الصحة بما إذا أحرز صحة العقد من ناحية شرائط العوضين
والمتعاقدين واحرز كون العقد مستجمعا لها وشك في الصحة والفساد من جهة الشك في كون
العقد واجد الشرائط نفسه كالعربية والماضوية وما شابهها.
فالموضوع هو العقد
التام من جميع الجهات غير جهة شرائط العقد؟ كما
__________________
اختاره المحقق
النائيني (ره) . أم يعم ما إذا شك في الصحة من جهة الشك في سائر ما يعتبر
في العقد مع إحراز شرائطه العرفية فيكون الموضوع هو العقد العرفي؟ كما اختاره جمع
من الاساطين منهم الشيخ الأعظم (ره) .
أم يعم كل شرط
شرعي أو عرفي مع إحراز إنشاء البيع؟ فيكون الموضوع هو صورة العقد الصادر من
المتعاملين فإذا شك في صحته من جهة الشك في تحقق شرائط الصيغة أو شرائط المتعاقدين
أو شرائط العوضين اعم من الشرائط الشرعية والعرفية يحمل على الصحة كما لعله الأظهر
، وجوه :
وقد استدل المحقق
النائيني (ره) لما اختاره : بان دليل هذا الأصل هو الإجماع ومعقده العقد
المشكوك صحته وفساده وظاهر ذلك هو الشك في صحة العقد وفساده من حيث انه عقد مع
إحراز الصحة من ناحية الشروط الأخر وتمحض الشك في الشك في تحقق ما هو من شرائط
العقد بما هو عقد ،
__________________
وشرائط المتعاقدين
والعوضين وان نسبت إلى العقد أيضاً ، إلا انه إنما يكون ثانيا وبالعرض لا أولا
وبالذات ، وظاهر معقد الإجماع شروط العقد بما هو عقد وأولا وبالذات ، فمرجع هذا
إلى الاستظهار من معقد الإجماع بحيث لو كان ذلك متن النص لكان يستفاد منه ذلك ، لا
إلى ، ان الإجماع دليل لبى لا بد من الاقتصار على الموارد المتيقنة ، كي ينافى ما
ذكره في أول المبحث.
وفيه : أولا ان
عمدة دليل هذه القاعدة هو ، بناء العقلاء ، وسيرة المسلمين ، بل سيرة كل ذي دين
وملة ، وعدم ردع الشارع الأقدس عن ذلك ، ولا ريب في قيام ذلك على الحمل على الصحة
في كل مورد شك في صحة العقد كان من جهة الشك في الاخلال بشروط العقد ، أم كان من
جهة الشك في الاخلال بشروط العوضين ، أو المتعاقدين.
وثانيا : ان معقد
الإجماع ليس هو العقد كي يصح الاستظهار المذكور إذ لم ينعقد اجماعان ، أحدهما في
باب المعاملات ، والآخر في باب العبادات ، بل انعقد إجماع واحد ومعقده شامل
للبابين وعليه فالمعقد هو العمل الصادر من الغير عباديا كان أم معامليا ، ومعلوم
ان جميع الشروط دخيلة في ترتب الأثر على العمل المعاملي بما هو عمل معاملي.
وثالثا : ان كون
الشروط على قسمين شروط العقد أولا بالذات ، وشروطه ثانيا وبالعرض غير مربوط بموضوع
القاعدة وهو العقد المشكوك صحته وفساده ، إذ الاخلال بأي شرط كان يوجب فساد العقد
، لافساد العوضين أو المتعاقدين وهو واضح جدا ، فالموصوف أولا وبالذات بالصحة
والفساد إنما هو العقد.
وبالجملة كون منشأ
الشك في الصحة والفساد الشك في الاخلال بشروط العقد ، أم الاخلال بغيرها ، أجنبي
عن كون الموصوف بالصحة والفساد هو العقد الذي هو الموضوع لهذه القاعدة على الفرض.
ثم انه قد التزم
المحقق المذكور ، بجريان أصالة الصحة في جملة من موارد الشك في صحة العقد
من ناحية الشك في الاخلال بشرائط العوضين أو المتعاقدين :
منها ما إذا شك في
جهالة العوضين.
ومنها ما لو شك في
كون المعاملة ربوية وتفاضل احد المتجانسين على الآخر.
ومنها ما لو شك في
صدور العقد عن الاختيار المقابل للاكراه نظرا إلى ان الجهالة في الأول ، والزيادة
في الثاني لا تضر ان بمالية العوضين وقابليتهما النقل والانتقال ، ولذا تصح
المصالحة في الموردين ، والاكراه في الثالث لا يوجب خروج العاقد عن الاهلية.
وفيه : ان المراد
بشروط العوضين أو المتعاقدين هو ما يعتبر فيها ولو في عقد خاص في قبال ما يعتبر في
العقد ـ وبعبارة أخرى ـ الشروط التي يكون محلها وموردها غير العقد ، ولا ريب في ان
الشروط المذكورة كذلك وجواز المصالحة مع فقد بعض تلك الشروط لا يكون دليل كونه من
شروط العقد.
__________________
وبالجملة ليس
المراد بشروط العوضين ما تكون دخيلة في مالية المال أو قابليته للنقل والانتقال
بقول مطلق بل هو اعم من ذلك ومما يكون دخيلا في قابليته للنقل والانتقال بمعاملة
خاصة كالبيع والشروط المتقدمة كذلك.
واستدل للثاني :
بان موضوع هذه القاعدة هو العقد ، فلا بدَّ من احرازه في الحكم بالصحة ، وهو إنما
يكون بإحراز جميع ما يعتبر فيه عرفا كما هو كذلك في العقد الذي هو الموضوع لأوفوا
بالعقود وغيره ، فكما انه لو شك في صحة العقد من جهة الشبهة الحكمية ما لم يحرز
العقد العرفي لا يتمسك باطلاق الأدلة للحكم بصحته ، كذلك لو شك في صحته من جهة
الشبهة الخارجية لا يصح التمسك بدليل أصالة الصحة للحكم بصحته ما لم يحرز العقد
العرفي.
ويرد عليه ان هذا
يتم بناءً على كون المدرك هو الإجماع المدعى في خصوص العقود ، ولكن حيث عرفت ان
المدرك هو بناء العقلاء ، ولا ريب في قيامه على الحمل على الصحة حتى في ما إذا شك
في الاخلال بالشرائط العرفية وهؤلاء العقلاء ببابك فهل يتوقف احد منهم في الحمل
على الصحة في تلك الموارد كلا ، فالمتعين هو القول الثالث.
تقدم أصالة الصحة على الاستصحاب
الأمر الثامن : في
بيان تعارض أصالة الصحة مع الاستصحابات الحكمية والموضوعية في مواردها والكلام في
هذا الأمر يقع في موردين :
الأول : في بيان
وجه تقديمها على الاستصحاب الحكمي وهي أصالة الفساد.
الثاني : في وجه
تقديمها على الاستصحاب الموضوعي كأصالة عدم البلوغ.
اما المورد الأول
: فظاهر الشيخ الأعظم (ره) ، بل صريحة كون تقدمها عليها إنما هو بالحكومة ، والظاهر
انه كذلك إذ الشك في عدم النقل والانتقال مع قطع النظر عن الأصل الموضوعي مسبب عن
الشك في استجماع العقد الخارجي للأجزاء والشرائط فإذا جرت أصالة الصحة وحكم
باستجماعه لها فلا محالة يرتفع الشك في النقل والانتقال فأصالة الصحة حاكمة على
أصالة الفساد حكومة الأصل الجاري في السبب على الأصل الجاري في المسبب ، فعلى هذا
لا فرق في ذلك بين كونها من الأمارات أو الأصول المحرزة أو غير المحرزة.
واما المورد
الثاني : فعبارة الشيخ الأعظم (ره) في المقام قد اشتبهت بعبارة العلامة الشيرازي (ره)
، ومحصل الكلام ان لكل منهما في المقام كلاما ، ومحصل ما أفاده الشيخ (ره) ان ما يمكن ان يذكر فيه بيان وجه معارضة الأصل الموضوعي مع
أصالة الصحة على القول بكونها من الأصول أمران :
الأول : ان مقتضى
أصالة عدم البلوغ فيما إذا شك في بلوغ المتعاقدين أو أحدهما إحراز صدور العقد من غير
البالغ الذي هو الموضوع للفساد.
وبعبارة أخرى :
موضوع الفساد العقد الصادر من غير البالغ واحد جزئيه وهو العقد محرز بالوجدان
والجزء الآخر وهو الصدور من غير البالغ يحرز
__________________
بالأصل فبضم
الوجدان بالأصل يتم الموضوع ، وهذا الأصل يعارض أصالة الصحة المحرزة لكون العقد
جامعا لجميع الشرائط منها البلوغ التي يترتب عليها النقل والانتقال.
الثاني : ان أصالة
عدم صدور العقد من البالغ الذي هو موضوع عدم الأثر تعارض أصالة الصحة المقتضية
لترتب الأثر.
ثم أجاب عن كليهما
، اما عن الأول : فبان عدم الأثر إنما يكون بعدم سببه لا بصدور ضد سببه ، فالأصل
الجاري في الثاني المثبت صدور العقد من غير البالغ لا يثبت به عدم صدور العقد من
البالغ إلا على القول بالأصل المثبت.
وبالجملة : ان
موضوع الأثر ما هو مفاد ليس التامة ومجرى الأصل ما هو مفاد ليس الناقصة واثبات
أحدهما بالأصل الجاري في الآخر يتوقف على القول بالأصل المثبت.
واما عن الثاني :
فبان عدم الأثر بعدم السبب من باب اللااقتضاء ووجود الأثر إنما يكون بوجود السبب
المقتضى وما ليس له الاقتضاء لا يزاحم ما له الاقتضاء ، فعلى هذا تقدم أصالة الصحة
على الاستصحاب الموضوعي أيضاً وان كانت من الأصول لا من الأمارات.
وما أفاده من
الجوابين قابلان للرد :
اما الأول : فلان
عدم الأثر كما يكون بعدم السبب كذلك يكون بعدم شرط من شروط سببه وحيث ان شرط تأثير
العقد صدوره من البالغ فإذا جرى الأصل وثبت به عدم الشرط يترتب عليه عدم المشروط
بلا احتياج إلى إثبات
شيء آخر.
واما الثاني :
فلان استصحاب عدم صدور العقد من البالغ مقتض لعدم الأثر إذ التعبد بعدم المسبب غير
واقع عدم المسبب ، والثاني وان كان بعدم المقتضى له ، إلا ان الأول إنما يكون عن
الاقتضاء.
ومحصل ما أفاده
العلامة الشيرازي (ره) ، ان مفاد أصالة الصحة ان كان ترتب الأثر والتعبد بالنقل
والانتقال كان الاستصحاب الموضوعي حاكما عليها : إذ الشك في الصحة ناشئ عن الشك في
بلوغ العاقد مثلا فإذا جرى الأصل في البلوغ وثبت صدور العقد من غير البالغ ارتفع
الشك في الصحة ، وان كان مفادها كون العقد على نحو يترتب عليه الأثر ومستجمعا
للأجزاء والشرائط ومنها البلوغ ، كان الاصلان متعارضين : إذ مفاد الاستصحاب بضميمة
العقد المحرز بالوجدان صدور العقد من غير البالغ ، ومفاد أصالة الصحة التعبد بكون
العقد صادرا من البالغ وعلى ذلك فهناك شك واحد تقتضي أصالة الصحة التعبد بوجود
المشكوك فيه ويقتضي الاستصحاب التعبد بعدمه.
وبعبارة أخرى :
مفاد أصالة الصحة صحة العقد الموجود وسببيته ، ومفاد الاستصحاب نفي سببية العقد
الموجود فكل منهما ينفي ما يثبته الآخر.
وبهذا التقريب
يندفع ما أورد عليه : بان مفاد أصالة الصحة حيث يكون التعبد بوجود العقد الصحيح
ومفاد الاستصحاب التعبد بعدم سببية العقد
__________________
الموجود فلا تعارض
بينهما.
وجه الاندفاع : ان
مفاد أصالة الصحة ليس التعبد بوجود العقد الصحيح بل بصحة العقد الموجود.
وأورد على نفسه
بان التعبد بنفي السببية لا يصح لكونها غير مجعولة شرعا فالاستصحاب يكون أصلاً
حكميا محرزا لبطلان العقد.
وأجاب عنه بأنه
على هذا تكون أصالة الصحة أيضاً من هذا القبيل كما لا يخفى.
ولكن : الذي يهون
الخطب ، ويغنينا عن إطالة الكلام في المقام في بيان وجوه المعارضة والحكومة من
الطرفين ، ان دليل أصالة الصحة ، هو السيرة وبناء العقلاء بضميمة عدم ردع الشارع
الأقدس عنه ، وحيث : ان هذا المدرك يدل على ثبوت أصالة الصحة في موارد وجود الأصول
الموضوعية ، كما يظهر لمن اختبر ذلك من العرف والعقلاء في المعاملة مع العقود
الصادرة من الغير ، فلا وجه لملاحظة المعارضة مع تلك الأصول فتقدم عليها وبهذا ينقطع
النزاع.
أصالة الصحة في الأقوال
الأمر التاسع : في
أصالة الصحة في الأقوال ، والصحة فيها تكون من وجهين.
الأول : من حيث
كونها حركة وفعلا صادرا من المكلف ، والشك من هذه الجهة يتمحض في كونها محرمة أم
مباحة ، لا كلام في ان مقتضى أصالة الصحة
البناء على عدم
الحرمة.
الثاني : من حيث
كون القول كاشفا عن المعنى والشك من هذه الحيثية يكون من وجوه :
أحدها : من حيث ان
المتكلم ، هل أراد بذلك القول معنى ، أم تكلم لاغيا ومن غير قصد. لا ريب في قيام
الأصل العقلائي على البناء على انه تكلم عن قصد ، وهذا لا ربط له باصالة الصحة.
ثانيها : من حيث
ان مراده الاستعمالي ، هل يكون مطابقا لمراده الجدي ، أم لا ـ وبعبارة أخرى ـ ان
المتكلم صادق في ما هو ظاهر كلامه من اعتقاده بالمراد الاستعمالى أم لا ، لا كلام
أيضاً في ان الأصل العقلائي التطابق ، وهذا أيضاً أجنبي عن أصالة الصحة.
ثالثها : من حيث
كونه صادقا في الواقع أم كاذبا ـ وبعبارة أخرى ـ في مطابقة المخبر به للواقع ،
والكلام من هذه الجهة محرر في مبحث حجية الخبر الواحد مفصلا ، ودلالة الأدلة
الدالة على أصالة الصحة التي أقيمت عليها ، وعدم دلالتها محرر في ذلك المبحث
أيضاً.
الأمر العاشر : في
أصالة الصحة في الاعتقادات والشك في ذلك يتصور على وجهين :
الأول : من جهة ان
اعتقاده هذا هل هو ناش عن مدرك صحيح من دون تقصير عنه في مقدماته أو عن مدرك فاسد
، فالظاهر وجوب الحمل على الصحيح لظاهر بعض ما مر من وجوب حمل أمور المسلمين على
الحسن دون
القبح كذا في
رسائل الشيخ الأعظم (ره) .
الثاني : من حيث
مطابقة اعتقاده للواقع ، لا دليل على الحمل على ذلك ، فلو دل الدليل عليه من دليل
لفظي أو غيره ، كما في رأى الفقيه للعوام ، ورأي الرجاليين واعتقادهم وتعديلاتهم
المكتوبة في كتبهم ، فهو ، وإلا فالأصل عدمه.
هذه نبذة مما تتعلق
باصالة الصحة.
والحمد لله أولا
وآخرا.
* * *
__________________
قاعدة اليد
ومنها : قاعدة
اليد ، والمراد بها الاستيلاء على الشيء خارجا ، لا الجارحة الخاصة وارادته منها
إنما هي بالكناية حيث ان لازم الاستيلاء ذلك غالبا ، وإلا فليس هو احد معانيها
قطعا ولا من مصاديق معناها.
اما الأول : فلان
الاستيلاء معنى حدثي قابل للاشتقاق ولفظ اليد ليس كذلك.
واما الثاني :
فلعدم الجامع بين المعنى الاشتقاقى وهو الاستيلاء والمعنى غير القابل له وهي
الجارحة كي يوضع اللفظ له.
ثم ان الاستيلاء
ليس دائما امرا حقيقيا مقوليا. بل له أفراد اعتبارية عرفية أيضاً المستكشفة
بالتصرف ويكون الاستيلاء الاعتباري قسمان.
الأول : الاستيلاء
التام.
الثاني :
الاستيلاء الناقص وانتظر لذلك زيادة توضيح في بعض المباحث الآتية.
اليد حجة على الملكية
وتنقيح البحث في
هذا المقام إنما يكون بالبحث في مواضع.
الموضع الأول : في
حجية اليد على الملكية وفيه مباحث :
المبحث الأول لا
خلاف في اعتبار اليد وحجيتها على الملكية في الجملة.
ويشهد له ان ذلك
مما استقرت عليه سيرة العقلاء والمتدينين : فان بناء العقلاء وعمل المتدينين على
ترتيب آثار الملكية على ما في اليد لصاحبها ـ واضف إلى ذلك ـ دلالة جملة من النصوص
عليه.
منها : موثق حفص
بن غياث الذي رواه المشايخ الثلاثة عن الإمام الصادق (ع) ، قال (ع) له رجل إذا
رأيت شيئا في يدي رجل يجوز لي ان اشهد انه له قال نعم.
قال له الرجل اشهد
انه في يده ولا اشهد انه له فلعله لغيره ، فقال أبو عبد الله (ع) أفيحل الشراء منه
قال : نعم : فقال أبو عبد الله (ع) فلعله لغيره ، فمن اين جاز لك ان تشتريه ويصير
ملكا لك ثم تقول بعد الملك هو لي وتحلف عليه ولا يجوزان تنسبه إلى من صار ملكه من
قبله إليك.
ثم قال أبو عبد
الله (ع) لو لم يجز هذا لم يقم للمسلمين سوق .
ومورد الاستدلال
به جملتان :
الأولى : الجملة
الدالة على جواز الشهادة بالملك استنادا إلى اليد.
الثانية : الجملة
الدالة على جواز الشراء استنادا إليها فانها بضميمة ان
__________________
ظاهر السؤال
والجواب دوران امر اليد بين كونها يدا مالكية أم عادية وعدم احتمال الولاية ونحوها
تدل على المطلوب.
وبذلك ظهر ان
الإيراد عليه بعدم الملازمة بين جواز الشراء وجواز الشهادة بالملك إذ جواز الشراء
يكفى فيه كون البائع مالكا للتصرف وان كان بنحو الولاية أو نحوها بخلاف جواز
الشهادة ، في غير محله.
ومنها : صحيح فدك
عن أمير المؤمنين (ع) قال لابي بكر أتحكم فينا بخلاف حكم الله في المسلمين ، قال
لا ، قال (ع) فان كان في يد المسلمين شيء يملكونه ادعيت انا فيه من تسأل البينة ،
قال : اياك كنت اسأل البينة على ما تدعيه ، قال (ع) : فإذا كان في يدي شيء فادعى
فيه المسلمون تسألني البينة على ما في يدي؟ .
إذ لو لا حجية
اليد على الملكية لما كان وجه لتعريضه (ع) عليه بان البينة على المسلمين لا عليّ
فكيف تسأل عني وهو واضح.
ومنها : موثق يونس
بن يعقوب عن سيدنا الصادق (ع) في امرأة تموت قبل الرجل ، أو رجل قبل المرأة قال (ع)
ما كان من متاع النساء فهو للمرأة وما كان من متاع الرجال والنساء فهو بينهما ومن
استولى على شيء منه فهو له .
وهو وان ورد في
مورد خاص إلا انه لا ريب في إلغاء الخصوصية.
__________________
ومنها : خبر حمزة
بن حمران ادخل السوق فاريد ان اشتري جارية تقول اني حرة ، فقال (ع) اشترها إلا ان
تكون لها بينة .
ومنها : صحيح
العيص عن مملوك ادعى انه حر ولم يأت ببينة على ذلك ، اشتريه؟ قال (ع) نعم .
وتقريب الاستدلال
بهما ان الظاهر كون المصحح للشراء هو يد البائع دون غيرها كالبينة وإلا لم يكن وجه
لسماع دعواه مع عدم إقامة البيِّنة كما لا يخفى.
كما ان الظاهر ان
المفروض في الخبرين دوران الأمر بين كون المبيع ملكا للبائع أم حراً ، أو عدم
احتمال كونه ملكا لغيره ، وعلى ذلك فدلالتهما على المطلوب واضحة.
ولكن يمكن
المناقشة في كلا الاستظهارين.
اما الأول : فلأنه
يمكن ان يكون جواز الشراء لأجل جريان أصالة الصحة في فعل البائع ، لا لأجل حجية
يده على الملكية.
واما الثاني :
فلأن كون المفروض فيهما ما ذكر غير ثابت.
__________________
ومنها : جملة من
الروايات الواردة في تعارض البينات ، وهناك روايات واردة في أبواب متفرقة يمكن الاستشهاد بها
على المطلوب.
فأصل الحكم مما لا
ريب فيه.
اليد من الأمارات
المبحث الثاني :
في ان اليد ، هل هي من الأمارات الكاشفة عن الملكية الواقعية ، أو انها من الأصول
التعبدية ومقتضاها التعبد بالملك وآثاره ، والكلام في هذا المبحث يقع في جهتين.
الأولى : في تعيين
ملاك الطريقية.
الثانية : في
الدليل عليها.
اما الجهة الأولى
: فقد ذكر في وجه ذلك ، وجوه.
الأول : ما عن
المحقق النائيني (ره) وهو ان الاستيلاء على الشيء حيث انه بالقياس إلى الملكية
من لوازمه الطبعية فلا محالة تكون فيها جهة كاشفية ناقصة.
__________________
وأورد عليه ،
المحقق الأصفهاني بعدم تمامية ذلك من جهة ان الاستيلاء الخارجي ليس من لوازم
الملكية شرعا كي يقال ان الملك لو خلي وطبعه يلازم الاستيلاء ، بل هذا من شئون ملك
التصرف. فان ملك العين لو لم يكن عارض يقتضي ملك التصرف وإنما يتخلف عنه لمانع
كالجنون ونحوه ، فلا يكشف الاستيلاء عن الملك كشف اللازم عن ملزومه في حد ذاته.
وفيه : ان المستدل
لا يدعي اقتضاء الملك شرعا للاستيلاء كي يرد عليه ما ذكر ، بل يدعى كون الاستيلاء
لازما طبعيا للملك. بمعنى ان المالك لو خلى وطبعه ولم يكن عارض يستولي على مملوكه
، وهذا امر لا يقبل الإنكار.
الثاني : ما عنه (قدِّس
سره) تبعا للشيخ الأعظم (ره) ، وهو ان الاستيلاء الخارجي ملازم غالبا مع ملك العين ،
فهو يوجب الظن بكون المستولى عليه مملوكا للمستولي والظن فيه جهة الكاشفية.
وبعبارة أخرى :
الغالب كون المستولي مالكا لما استولى عليه ، والغلبة توجب الظن باللحوق.
والإيراد عليه :
بان المسلم غلبة الأيدي غير العادية على الأيدي العادية ، واما غلبة الأيدي المالكية
للعين على الأيدي غير المالكية ، فغير ثابتة لكثرة أيدي
__________________
الأولياء
والأوصياء والوكلاء والمأذونين ، في غير محله كما لا يخفى.
الثالث : ما عن
البلغة ، وهو ان الاستيلاء الخارجي منشأ لإضافة الملكية حقيقة ما
لم يعتبرها الشارع لغير المستولي ، ومنشأ الانتزاع كاشف عن الأمر الانتزاعي كشف
العلة عن معلولها.
وفيه : ما حققناه
في محله من ان الملكية من الأمور الاعتبارية وليست من الأمور الانتزاعية ولا من
الأمور الواقعية.
واما الجهة
الثانية : فقد استدل المحقق النائيني (ره) على الطريقية : بان حجية اليد على الملكية مما قام عليها
بناء العقلاء ، ولا ريب ان اعتبارها عند العقلاء من جهة كاشفيتها : لعدم وجود تعبد
لا من جهة الكاشفية عندهم. ولعله إلى ذلك أشار في الدرر حيث قال : ومعلوم ان ذلك (أي بناء العقلاء على معاملة
الملكية مع ما في أيدي الناس) ليس من جهة التعبد.
ولكن يرد عليهما ان
بناء العقلاء على شيء ربما يكون للكاشفية كبنائهم على العمل بخبر الثقة ، وربما
يكون لمصلحة أخرى داعية إلى ذلك ، ألا ترى ان بنائهم على تحسين فاعل بعض الأفعال
وتقبيح فاعل الآخر ، وليس ذلك إلا لأجل رفع اختلال النظام.
__________________
وبالجملة : ان ما
هو المسلم عدم كون بناء العقلاء تعبدا صرفا ، واما ان منشأ البناء دائما هو
الكاشفية ، فغير صحيح ، بل ربما يكون مصالح أخر ، وفي المقام يمكن ان يكون هذا
البناء منهم منشأه رفع اختلال السوق ، الذي أشار إليه بقوله لو لم يجز هذا لم يقم
للمسلمين سوق.
ولكن الأنصاف ان
دعوى كون البناء للطريقية والكاشفية وان حفظ نظام السوق مصلحة داعية إلى البناء
العملي قريبة جدا.
ويشهد لها مضافا
إلى ذلك خبران مما تقدم :
أحدهما موثق يونس
بن يعقوب (ومن استولى على شيء منه فهو له) . فان ظاهر قوله فهو له الحكم بالملكية الواقعية لا مجرد
ترتيب آثارها ظاهرا كما لا يخفى.
ثانيهما موثق حفص المتقدم ، وتقريب الاستدلال به بطريقين.
الأول : دلالته
على إلغاء احتمال انه لغيره وان البناء على الملكية ليس حكما للمحتمل.
ودعوى ان هذا
المقدار لا يكفى في الطريقية والامارية لان الاستصحاب أيضاً من باب عدم الاعتناء
باحتمال خلافه ومع ذلك ليس طريقا وأمارة.
__________________
مندفعة : بان
الاستصحاب ليس من باب إلغاء احتمال الخلاف ، بل من باب إبقاء المتيقن من حيث الجري
العملي فقط ، وبالجملة إلغاء احتمال الخلاف ظاهر في الأمارية والطريقية.
الطريق الثاني :
دلالته على جواز الشهادة بالملكية استنادا إلى اليد فان المعتبر في الشهادة ثبوت
الواقع كما هو واضح.
وان شئت قلت ، ان
الظاهر من السؤال والجواب هو السؤال عن الشهادة بالملكية واقعا ، وإلا فالسائل
عالم بالملكية الظاهرية ولذا أجاب بقوله نعم في جواب أفيحل الشراء منه ، والشهادة
على الملكية الواقعية تلازم أمارية اليد والمعاملة معها معاملة العلم فتدبر.
فان قلت ان قوله (ع)
في ذيل الموثق" لو لم يجز هذا لم يقم للمسلمين سوق" ظاهر في ان اعتبارها
إنما هو لحفظ نظام السوق لا للطريقية.
قلت ان ذلك حكمة
اعتبار اليد وهذا كما يلائم مع التعبد يلائم مع الطريقية فتدبر.
وجه تقدم البينة على اليد
المبحث الثالث :
في تعارضها مع الأصول والأدلة وبيان وجه تقدمها على الأصول ، وتقدم البينة عليها ،
وملخص القول فيه : انه بناءً على المختار من كونها من الأمارات والطرق المثبتة
للملكية ، تقدمها على الاستصحاب وسائر
الأصول إنما هو
بالحكومة كتقدم سائر الأمارات على الأصول.
واما تقدم البينة
عليها الذي لا شبهة فيه ، فإنما هو للأدلة الخاصة الواردة في باب القضاء.
وقد ذكر له وجهان
آخران :
الأول ما في رسائل
الشيخ الأعظم (ره) ، وحاصله ان مستند الكشف في اليد هي الغلبة وهي توجب إلحاق
المشكوك فيه بالأعم الأغلب فالمأخوذ في موضوعها الشك فهي حجة على الملكية عند
الجهل بالسبب ، والبينة تزيل الشك فلا يبقى لها موضوع فتكون البينة حاكمة على اليد
حتى على فرض اماريتها.
وفيه : انه ، ان
أريد بأخذ الشك في موضوعها ان الشك موضوع لليد التي تكون حجة كما هو ظاهر العبارة.
فيرد عليه ان ملاك
طريقيتها الملازمة الطبعية أو الغلبة الموجبة للظن نوعا ، وهذا لا يلائم مع أخذ
الشك في الموضوع.
وبعبارة أخرى : لا
يجتمع اخذ الشك موضوعا مع جعل الأمارية إذ الشك غير قابل لذلك كما صرح به (قدِّس
سره) في محله ، وان أريد كون الشك موردا ففي البينة أيضاً كذلك ، إذ حجيتها إنما
تكون في ظرف الشك.
__________________
الثاني : ما أفاده
المحقق العراقي (ره) وهو ان اليد كشفها اضعف عن كشف البينة لأنها في الحقيقة من
باب الإلحاق بالأعم الأغلب الذي يترتب على الأمور الحدسية بخلاف البينة فان
حكايتها عن الواقع مستندة إلى حس المخبر فقهرا تكون البينة في حكايتها عن الواقع
أقوى من اليد فمع التعارض تقدم للاقوائية.
وفيه : ان مجرد
كون إحدى الأمارتين اضعف لا يكفى في تقدم غيرها عليها ، ما لم ينطبق عليها احد
العناوين الموجبة للتقدم ، من الحاكمية والواردية ، والاظهرية كما لا يخفى ،
فالصحيح ما ذكرناه.
واما بناءً على
كون اليد من الأصول التعبدية ، فوجه تقدمها على الاستصحاب إنما هي اخصية دليلها من
أدلة الاستصحاب ، مع انه يلزم المحذور المنصوص ، وهو اختلال السوق وبطلان الحقوق
من تقديم الاستصحاب عليها.
يد الشخص نفسه حجة على الملكية
المبحث الرابع :
بعد ثبوت حجية اليد على الملكية لا بدَّ من البحث في عمومها من جهات.
الجهة الأولى : في
انه ، هل تختص الحجية بيد الغير؟.
__________________
أم تعم يد الشخص
نفسه؟ فلو كان شيء في يد شخص وشك في انه له أو لغيره تكون اليد حجة على انه له.
والأظهر هو الثاني
وذلك :
أ : لثبوت ملاك
الطريقية في يد الشخص نفسه أيضاً ، لغلبة الأيدي المالكية على غيرها ، والأدلة في
مقام الإثبات تشملها.
ب : لبناء العقلاء
على المعاملة مع ما في أيديهم معاملة الملكية وان لم تحرز تلك وجدانا.
ج : ولإطلاق بعض
النصوص المتقدمة ، كموثق يونس بن يعقوب" ومن استولى على شيء منه فهو له"
.
ولصحيح جميل"
قلت : فرجل وجد في صندوقه دينارا قال (ع) يدخل احد يده في صندوقه غيره أو يضع فيه
شيئا قلت لا قال (ع) فهو له" .
ودعوى انه مع
القطع بعدم وضع الدينار فيه غيره يستلزم عدم الشك في الملكية.
مندفعة بان ذلك لا
ينافى الشك في الملكية الذي هو المفروض في السؤال
__________________
لاحتمال كونه
أمانة عنده أو انه وضعه في صندوقه غفلة أو خطاء أو غير ذلك من الاحتمالات.
فان قلت : ان
الحكم بأنه له تفضل من الشارع الأقدس وليس من باب أمارية اليد للملكية ، ولذا أفتى
بعض الأساطين بأنه له حتى مع العلم بعدم كونه له ، استنادا إلى هذا
الصحيح.
قلت : ان ذلك خلاف
الظاهر وهذا القول غير ظاهر الوجه وتمام الكلام في محله.
واما الاستدلال له
بموثق مسعدة بن صدقة" كل شيء هو لك حلال حتى تعرف الحرام منه بعينه فتدعه من
قبل نفسك وذلك مثل الثوب يكون عليك وقد اشتريته ولعله سرقة" بتقريب ان" هو لك" صفة للشيء و" حلال"
خبر للموصوف والمثال تطبيق للكبرى الكلية وهي ملكية الشيء لمن استولى عليه
والموضوع في المثال الإنسان نفسه.
ففاسد : إذ مضافا
إلى ان الظاهر كون" اللام" لام الصلة لا لام الملك : ان التطبيق على
الثوب فيه ليس باعتبار كون يده عليه لفرض الاشتراء فيه فالملكية
__________________
له مستندة إلى
الاشتراء لا إلى الاستيلاء فتدبر.
وقد استدل للاول
بوجهين :
الأول : صحيح جميل
عن الإمام الصادق (ع) " رجل وجد في بيته دينارا قال (ع) يدخل منزله غيره قلت
نعم قال (ع) هذه لقطة" فان الحكم بأنه لقطة مع فرض استيلاء الشخص على داره وعلى
ما فيها دليل عدم امارية يد الشخص نفسه على الملكية.
الثاني : موثق
اسحاق بن عمار" عن رجل نزل في بعض بيوت مكة فوجد فيها نحوا من سبعين درهما
مدفونة فلم يزل معه ولم يذكر حتى قدم الكوفة كيف يصنع قال يسأل عنها أهل المنزل
لعلهم يعرفونها قلت فان لم يعرفوها قال يتصدق بها" فان الحكم بالتصدق في صورة الجهل مع فرض كون البيت وما فيه
تحت يد مالكه ينافي أمارية يد الشخص نفسه على الملكية إذ على ذلك كان اللازم ترتيب
اثر الملك وان جهلها صاحب المنزل.
وفيهما نظر :
اما الأول فلأنه
لم يفرض في الصحيح كون الدينار تحت يد صاحب المنزل ومجرد كونه في منزله مع كثرة
الداخل فيه لا يوجب صدق كون الدينار تحت يده
__________________
عرفا ، وهذا بخلاف
الصندوق الذي لا يدخل احد يده فيه غيره ولا يضع احد شيئا فيه كما لا يخفى.
واما الثاني :
فلان المراد بالجهل يمكن ان يكون هو الإنكار لا الشك مع ان صدق كون المدفون تحت
يده غير معلوم.
مضافا إلى ان في
خصوص الكنز كلاما محررا في محله وهناك روايات أخر ففيه بحث خاص لاوجه للتعدى عنه
فالأظهر هو التعميم.
وبذلك ظهر انه كما
لا يعتبر انضمام دعوى الملكية في حجية اليد كذلك لا يعتبر عدم ادعاء عدم العلم
بالملكية كما لا يخفى.
فما عن المحقق
النراقي من اعتبار ذلك مستندا إلى عدم حجية يد الشخص نفسه على
الملكية ، ضعيف.
عدم اعتبار انضمام التصرفات في أمارية اليد
الجهة الثانية :
هل اليد بنفسها حجة على الملكية ، أم بضميمة التصرفات المالكية فيه وجهان ،
أقواهما الأول :
لإطلاق النصوص
المتقدمة ، لاحظ حكمه في موثق حفص بجواز
__________________
الشهادة بالملكية
بمجرد رؤية كونه في يده وكذلك سائر النصوص.
مضافا إلى ثبوت
بناء العقلاء على التعميم.
وأضف إلى ذلك كله
انه يلزم المحذور المنصوص وهو اختلال نظام المعاش والسوق من عدم حجية اليد المجردة
على الملكية إذ كل تصرف فرض من البيع وغيره يلائم مع كون المتصرف مالكا وكونه
مأذونا من قبله
هذا إذا أريد من
التصرفات التصرفات المالكية.
وان أريد بها
التصرفات مطلقا ، فهي في بعض الموارد وان كانت محققة لصدق الاستيلاء ، إلا انه لا
دليل على اعتبارها مع صدق الاستيلاء بدونها.
اليد على المنافع حجة على الملكية
الجهة الثالثة :
في ان اليد حجة على الملكية في خصوص الأعيان ، أم تكون اليد على المنافع أيضاً حجة
عليها.
وقبل تحقيق القول
في ذلك ينبغي تقديم مقدمتين :
الأولى : ليس
المراد بالمنافع هنا الأعيان المستخرجة من الأعيان الأخر كالفواكه ونحوها فإنها
داخلة في الأعيان ، بل المراد بها ما تقابل الأعيان القارة ، التي هي تدريجية
الوجود كحيثية مسكنية الدار ومركبية الدابة ونحوهما.
الثانية : ان ثمرة
هذا النزاع إنما تظهر فيما إذا كان الاستيلاء على المنفعة خاصة دون العين كما لو
كان شخص متصديا لاجارة الدار مع كون الدار تحت استيلاء غيره ، فان هذا التصرف
حينئذ محقق للاستيلاء وكون المنفعة تحت يده.
واما إذا كانت
العين تحت يده تكون يده حجة على ملكية العين ويستلزم ذلك مالكيته للمنافع بالتبع
فلا حاجة إلى ملاحظة الاستيلاء على المنافع.
ثم انه من هاتين
المقدمتين ظهر امران :
الأول تصوير
الاستيلاء على المنافع استقلالا.
الثاني عدم تمامية
ما أفاده السيد الفقيه في ملحقات عروته في تصويره بالتمثيل بالمزرعة الموقوفة على
العلماء مع كون العين بيد المتولي وصرف منافعها وحاصلها فيهم.
بدعوى ان لهم اليد
على منافعها التي ترسل إليهم أو تصرف عليهم فان المنافع التي هي محل الكلام غير
هذه المنافع التي هي من الاعيان.
إذا عرفت ذلك
فاعلم انه قد استدل المحقق النراقي في عوائده على الاختصاص بوجوه : الأول : ان اليد
والاستيلاء إنما هي في الأشياء الموجودة في الخارج القارة واما الأمور التدريجية
الوجود غير القارة كالمنافع فلو سلم صدق اليد والاستيلاء عليها فإنما هو فيما تحقق
ومضى لا في المنافع المستقبلة التي هي المرادة هاهنا ، الثاني : ان المتبادر عرفا
من لفظ ما في اليد هو ذلك الثالث : اختصاص الأخبار باليد على الاعيان حتى موثق حفص
فلان لفظ (شيئا) في أوله وان كان عاما إلا ان رجوع الضمير في قوله الشراء منه وان
يشتريه يوجب اما تخصيصه بالأعيان أو التوقف لعدم جواز شراء المنافع إجماعا.
__________________
وفي الجميع نظر :
اما الأول : فلان
منفعة الشيء امر مقدر الوجود عند العقلاء قائم به وموجود بوجوده ، مثلا منفعة
الدار هي حيثية المسكنية القائمة بها وهي يقدر وجودها عند العقلاء وعلى ذلك
فالمنفعة أيضاً من الأمور القارة التي يستولي عليها عرفا وعند العقلاء.
واما الثاني :
فلمنع التبادر.
واما الثالث :
فلان بناء العقلاء عام ونصوص الباب بملاحظة ما ذكرناه لا سيما بعد إلغاء خصوصية
الموارد تشمل المنافع فالأظهر هو التعميم.
حدوث اليد لا في الملك
الجهة الرابعة :
هل تختص حجية اليد بما إذا احتمل حدوث اليد في الملك كما هو الغالب ، أم تعم ما
إذا علم ان حدوثها لم يكن في الملك بل كان بعنوان الإجارة أو العارية أو الغصب أو
نحو ذلك وجهان بل قولان ، أقواهما الأول.
لا لما أفاده
المحقق الأصفهاني (ره) من انه وان كان مقتضى إطلاق بعض النصوص هو التعميم ، إلا
ان مقام الإثبات تابع لمقام الثبوت فإذا لم يكن ملاك الطريقية لا يعقل الحكم
بالملكية بعنوان إمضاء الطريق وتتميم جهة كشفه ، وحيث ان ملاك الطريقية ليس موجودا
في اليد الحادثة لا في الملك إذ الغالب
__________________
من غير المالكية
إذا تحققت بقائها على ما كانت ، فهذه اليد المشكوكة الحال وان كانت بملاحظة ان
الغالب في الأيدي كونها مالكية ملحقة بالأيدي المالكية ، إلا انها بملاحظة الغلبة
الثانية المشار إليها ملحقة بغير الأيدي المالكية فلا محالة تتقيد الأولى بالثانية
وبعد تضييق دائرة الغلبة الأولى لا مقتضى لالحاق المشكوك بالايدي المالكية فلا
مناص عن النبأ على عدم حجيتها على الملكية في الفرض.
فانه يرد عليه ان
الغلبة الثانية ، وهي غلبة بقاء اليد غير المالكية على ما كانت ، ممنوعة ولذا
نلتزم بعدم حجية الاستصحاب من باب الطريقية والامارية وانه ليس فيه ملاكها فتدبر.
بل لان اليد التي
تكون حجة على الملكية هي اليد التي لم يثبت كونها يدا غير مالكية ، واما التي ثبت
فيها ذلك فلا تكون حجة عليها واستصحاب بقاء اليد على ما كانت عليه يثبت كون اليد غير
مالكية وأنها يد اجارية أو نحوها فيرتفع موضوع الحجية بذلك.
لا يقال : ان اليد
من الأمارات وهي تكون حاكمة على الاستصحاب فكيف يقدم عليها.
فانه يقال : ان
اليد تكون حاكمة عليه إذا كان الاستصحاب جاريا بالقياس إلى مؤدى اليد ، لا فيما
إذا كان جاريا بالقياس إلى شيء آخر لا تكون اليد متعرضة له الموجب لارتفاع موضوعها
كما في المقام : فان اليد لا تثبت انتقال اليد وتبدلها عما كانت عليه ، إذ هي لا
تكون حجة في مثبتاتها حتى على الأمارية كما تقدم ، فإذا جرى الاستصحاب فيه وثبت
بقاء اليد على ما كانت عليه يرتفع موضوع حجية اليد ، ومعه لا يبقى مورد للتمسك بها
إذ الحجية فرع صدق الموضوع.
إذا ثبت كونه ملكا للمدعي سابقا
الجهة الخامسة :
إذا لم يكن في مقابل ذي اليد من يدعي الملكية لا كلام في حجية اليد عليها وترتيب
آثارها ، وان ثبت بالوجدان أو بالبينة أو بالإقرار كونه ملكا لغيره سابقا.
كما انه لا كلام
في ذلك ان كان في مقابل ذي اليد من يدعى الملكية ، إلا انه ثبت بأحد الطرق الثلاثة
كونه ملكا لغير من يدعيها سابقا لإطلاق الأدلة.
إنما الكلام في ما
إذا ثبت كونه ملكا للمدعي سابقا أو كونه تحت يده التي هي أمارة كونه ملكا له ، فالاكثرون على تقديم اليد اللاحقة وان صاحبها منكر
والبينة على خصمه ، وعن الشرائع اختيار تقديم الأولى ، وعن الإرشاد الميل إليه ، وعن التحرير احتمال التساوي ، والأول أقوى : إذ اليد الموجودة أمارة
الملكية ، ولا يصلح استصحاب بقاء الملكية السابقة أو حكم اليد الأولى لمعارضتها
لما تقدم من انها من الأمارات ومقدمة على الاستصحاب.
__________________
واستدل للقول
الثاني بوجوه :
الأول : انه إذا
ثبتت الملكية السابقة للسابق فلا بدَّ لذي اليد اللاحقة من إثبات الانتقال إليه
والأصل عدمه.
وفيه : انه لا
يعتبر في الحكم بملكية ذي اليد إثبات الانتقال.
واما ما أجاب به
السيد (ره) في ملحقات عروته من ان حال هذا الأصل حال الاستصحاب في عدم
صلاحيته للمعارضة مع اليد ، فهو يبتني على القول بان الحجة على المسبب حجة على
السبب فتكون اليد حجة على الانتقال كحجيتها على الملكية وفي ذلك كلام سيأتي
فانتظر.
الثاني : انه
لادعائه الملكية الفعلية بعد كونه مملوكا للمدعى قبلا لا محالة يصير مدعيا
للانتقال وصاحب اليد السابقة منكرا.
وفيه : ان
الانتقال ليس مصب الدعوى كي يكون ذو اليد الحالية مدعيا بالنسبة إليه ومجرد كونه
لازما لدعواه الملكية لا يجعله مدعيا بعد عدم كونه مصب الدعوى.
الثالث : انه إذا
كانت اليد الحالية دليلا على الملكية ، فالسابقة بالأولى لمشاركتها في الدلالة على
الملك الحالي وانفراد السابقة بالملك السابق.
وفيه : ان اليد
السابقة أمارة الملك السابق لا الملك الحالي ودلالتها عليه إنما هي بضميمة
الاستصحاب ، بل هو الدليل عليه دونها وهو محكوم لليد.
__________________
وللمحقق النراقي في المقام كلام :
وحاصله : بعد
اختياره القول المختار والمناقشة في دليله من جهة ان اليد كالاستصحاب من الأصول
فتسقط بالمعارضة انهما وان سقطا ، إلا ان اليد الفعلية باقية والأصل عدم التسلط
على انتزاع العين من يد ذيها وعدم جواز منعه من التصرفات حتى مثل البيع ، إذ غاية
الأمر عدم الدليل على ملكيته ولكن لا دليل على عدمها مع ان هذه التصرفات ليست
موقوفة على الملكية لجوازها بالأذن والتوكيل ونحوهما فتبقى أصالة عدم التسلط
وأصالة جواز التصرفات انتهى ملخصا.
وفيه : أولا ان
التصرفات الموقوفة على الملك كالبيع لا تجوز لغير المالك إلا الوكيل والولي
والمأذون من قبل المالك فمع عدم ثبوت الملكية والمفروض عدم الوكالة والولاية
والأذن كيف يجوز للغير ان يشتري منه أو يستأجر ونحو ذلك من التصرفات ، والحال ان
الأصل هو العدم.
وثانيا : انه إذا
سقط حكم اليد فذو اليد وغيره سواء فان جازت له التصرفات جازت لخصمه أيضاً وليس لذي
اليد منعه ، إذ الأصل عدم تسلطه على ذلك.
__________________
إذا اقر ذو اليد بان المال كان للمدعي
هذا كله في غير
الإقرار ، واما لو اقر ذو اليد الحالية بان العين كانت للمدعي أو بيده سابقا ،
فالمشهور بين الأصحاب انه ينقلب ذو اليد مدعيا والمدعي منكرا ، واستشكل في ذلك في
محكي الكفاية وتبعه جمع من الأساطين بل اختاروا عدم الانقلاب.
والكلام في ذلك
يقع في موضعين :
الأول في ان
الإقرار المزبور هل يوجب تشكيل دعوى أخرى أم لا؟
الثاني : في انه
على فرض التشكيل هل ينقلب ذو اليد مدعيا والمدعى منكرا أم لا؟
اما الموضع الأول
: فقد استدل الشيخ الأعظم (ره) للتشكيل : بان دعواه الملكية في الحال إذا انضمت إلى
إقراره بكونه قبل ذلك للمدعي يرجع إلى دعوى انتقالها إليه ، وأوضحه المحقق
النائيني (ره) بأنه عند إقراره بان المال كان
__________________
للمدعي ، اما ان
يضم إلى إقراره دعوى الانتقال إليه ، واما ان لا يضم إلى إقراره ذلك. بل يدعى
الملكية الفعلية مع إقراره بان المال كان للمدعي ، فان لم يضم إلى إقراره دعوى
الانتقال ، يكون إقراره مكذبا لدعواه الملكية إذ لا يخرج المال عن ملك من كان
المال له بلا سبب ، فمقتضى الأخذ بالإقرار عدم حجية يده وان ضم إلى إقراره ذلك
تنقلب الدعوى ويصير ذو اليد مدعيا للانتقال إليه.
وفيه : ان الميزان
في تشخيص المدعى والمنكر هو ملاحظة مصب الدعوى وإلا فمجرد لزوم شيء لدعوى الملزوم
لا يصلح لجعله مصب الدعوى. وبعبارة أخرى : التلازم بين الشيئين واقعا لا يلازم
التلازم بين وقوعهما ، في مصب الدعوى.
وعليه ففي المقام
إذا ادعى ذو اليد انه ملكي ، ساكتا عن الانتقال وعدمه ، ولم يقع الانتقال ، مصب
الدعوى : لا يكون ذو اليد مدعيا وان كان لازم الملكية الواقعية الانتقال إلا انه
ليس لازم دعوى الملكية دعوى الانتقال.
والقول بأنه ان لم
يضم إلى إقراره دعوى الانتقال يكون إقراره مكذبا لدعواه الملكية.
غير تام ، إذ
الإقرار بالملكية السابقة للمدعى مع السكوت عن الانتقال وعدمه كيف يكون مكذبا
لدعواه الملكية الفعلية فما لم يدع الانتقال صريحا لا ينقلب ذو اليد مدعيا فالأظهر
هو عدم التشكيل.
واما الموضع
الثاني : وهو انه على فرض التشكيل أو دعوى الانتقال صريحا ، هل يصير ذو اليد مدعيا
أم لا؟ ففيه قولان :
اختار ثانيهما
المحقق الأصفهاني (ره) ، واستدل ، له : بان اليد أمارة والأمارة على المسبب أمارة
على السبب فالحجة على المسبب وهي الملكية في المقام لذي اليد حجة على سببه الناقل
في الفرض من المقر له فهو بالنسبة إلى دعوى الانتقال أيضاً يكون منكرا لموافقة
دعواه للحجة.
وفيه : ان اليد
أمارة على اصل الملكية لا على خصوصيتها ، وقد مر ان اليد ليست حجة في مثبتاتها
وعليه فان لم يقع الانتقال مصب الدعوى تكون اليد حجة على الملكية ، وإلا فيصير ذو
اليد مدعيا بالقياس إلى الانتقال ، ولكن مع ذلك لا يخرج اليد عن الأمارية للملكية.
واما ما ذكره
المحقق اليزدي (ره) ـ انتصارا للمشهور : القائلين بالانقلاب مع تسليم ان اليد
التي تكون حجة على الملكية تكون حجة على سببها ـ بان المنكر ليس مطلق من يوافق
قوله الحجة المعتبرة بل المنكر من يدفع الخصومة عن نفسه التي انشأها المدعي ،
ومدعي الانتقال يُنشئ الخصومة.
فيرد عليه : انه
لو تم ذلك لزم القول به في خصوص ما إذا انشأ ذو اليد الخصومة وادعى الانتقال إليه
، واما لو انشأ خصمه ذلك بدعواه بقاء المال على ملكه ودفع ذو اليد عن نفسه ذلك
بدعوى الانتقال فيكون هو منكرا.
__________________
وهم ودفع في محاجة أمير المؤمنين (ع) مع أبي بكر في قصة فدك
اما الأول : فقد
توهم التنافي بين ما اختاره المشهور من انقلاب الدعوى في صورة اقرار ذي اليد بان
المال كان للمدعى أو لمورثه.
وبين الصحيح المتقدم الوارد في محاجة أمير المؤمنين (ع) مع أبي بكر في
قصة فدك ، لان الصديقة الطاهرة (ع) اعترفت بان فدكاً كان ملكا لرسول الله (ص)
وادعت انه نحلة ، فاقرارها بملكيته لرسول الله (ص) اقرار بالانتقال إلى المسلمين
بمقتضى الخبر الذي وضعوه وادعوا سماعه منه (ص) (نحن معاشر الانبياء لا نورث) إلى
قولهم (ما تركناه صدقة).
فعلى مختار
المشهور تنقلب الدعوى ، وتصير الصديقة (ع) مدّعية فعليها اقامة البينة ، ومع عدم
الاقامة يكون المال للمسلمين ولوليهم المطالبة ، فكيف اعترض (ع) على مطالبة أبي
بكر البينة منها (ع).
واما الدفع فبوجوه
:
الأول : ما تقدم
من عدم تمامية ما نسب إلى المشهور من الانقلاب فتدبر.
الثاني : انه لو
سلم ذلك فإنما هو بالنسبة إلى الاقرار للمدعى ، واما الاقرار للمورث أو للموصي إذا
كان المدعي هو الوارث أو الموصي له فلا يوجب الانقلاب قطعا : إذ المقر له وهو
الميت لا يكون مدعيا والمدعي لم يقر له فالاقرار
__________________
للمورث أو للموصى
كالاقرار للاجنبي وهي عليهاالسلام إنما اقرت بأنه كان ملكا لرسول الله (ص) لا للمسلمين.
الثالث : ما أفاده
المحقق الهمداني (ره) وهو ان ما ذكره المشهور إنما هو في الاقرار للمدعي مع كونه
منكرا للانتقال واما مع اعترافه بالجهل بالانتقال لا دعوى كي ينقلب المنكر مدعيا
والمدعي منكرا ، وابو بكر كان جاهلا بالانتقال منه (ص) إليها (ع) ، فلا حق له في
مطالبة البينة منها مع عدم وجود من ينكر التلقي في مقابلها.
وبالجملة بما انها
مدعية بلا منكر في مقابلها فيدها أمارة الملكية واقرارها بكونه ملكا لرسول الله (ص)
وانتقاله إليها لا يوجب صحة مطالبة البينة منها.
هذا كله على تقدير
صدق الخبر ، إلا انه مجعول موضوع قطعا لا جميعه بل ما أضافوا إليه وهو قولهم (ما
تركناه صدقة).
وأجاب : المحقق
النائيني (ره) ـ بعد تسليمه فتوى المشهور ـ عن هذه الشبهة بوجه آخر ، وهو
يتوقف على بيان مقدمة.
وحاصلها انه في
موارد تبدل الملكية :
تارة يتبدل
المملوك فتكون العلقة الرابطة بين المالك والمال قد حل احد طرفيها وهو الطرف
المربوط بالمال وجعل مكانه المال الآخر كما في عقود المعاوضة فتكون المعاوضة بين
المالين مع بقاء الإضافة بحالها.
__________________
وأخرى يتبدل
المالك مع انحفاظ الإضافة القائمة بالمملوك كما في باب الارث فالعلقة المزبورة قد
حل احد طرفيها المربوط بالمالك وربط بالوارث.
وثالثة يتبدل نفس
الإضافة بإعدام إضافة وإيجاد إضافة أخرى كما في الهبة والوصية.
إذا عرفت ذلك ،
فاعلم انه فرق بين الاقرار للمورث وبين الاقرار للموصى ، وفي الأول يكون الاقرار
إقرارا للمدعى فيلحقه حكمه من الانقلاب وفي الثاني ليس كذلك إذ الاقرار للموصى مع
فرض انعدام تلك الإضافة الخاصة التي اقر بها ليس إقرارا للموصى له الذي على فرض
ملكيته تكون ملكيته اضافة أخرى غير تلك الإضافة ، وهذا بخلاف الاقرار للمورث ،
فانه اعتراف بملكية الوارث لعدم التبدل فيها كما عرفت.
وعليه فحيث ان
المسلمين لم يكونوا ورثة النبي (ص) ، بل غاية الأمر الانتقال إليهم كالانتقال
بالوصية فلا يكون اعترافها بملكية النبي (ص) اعترافا بملكية المسلمين بل هو
كالاعتراف للاجنبي غير الموجب لانقلاب الدعوى.
وفيه أولا : ان
التبدل دائما يكون في نفس الإضافة : إذ هي امر اعتباري متقوم بالطرفين فلا يعقل
بقاؤها مع تبدل احد طرفيها فدائما تنعدم اضافة وتتحقق اضافة أخرى.
وثانيا : انه لم
يظهر الفرق بين الوصية والإرث فعلى فرض تسليم المقدمة المتقدمة ، انه كما يلتزم في
باب الارث بتبدل المالك مع بقاء الإضافة كذلك لا بدَّ وان يلتزم بذلك في الهبة
والوصية بل هذا فيهما أولى من الارث ، إذ لو كان الموهوب أو الموصى به اضافة أخرى
غير ما له من الإضافة يكون من باب تمليك
ما ليس له وهذا
بخلاف ما لو التزمنا ببقاء الإضافة فتدبر فانه لطيف.
إذا كان المال وقفا سابقا
الجهة السادسة :
إذا كان المال وقفا سابقا قبل استيلاء ذي اليد عليه واحتمل طرو بعض المسوغات
فاشتراه ذو اليد.
فهل تكون اليد
حينئذ أمارة الملكية أم لا فيه خلاف مع الفراغ عن حجية اليد على الملكية مع الشك
في الوقفية فانه كالشك في انه حر أو رق الذي دل الدليل على حجيتها عليها فيه.
واستدل السيد
الفقيه في ملحقات عروته على الحجية ، بان العلم بكونه وقفا كالعلم
بكونه مال الغير لا اثر له في مقابل اليد إذ ليس في البين إلا استصحاب بقاء
الوقفية ، وهو كاستصحاب بقاء المال على ملك الغير يكون محكوما لقاعدة اليد.
وأورد عليه المحقق
النائيني (ره) ، بأنه فرق بين الموردين ـ وذلك ـ لان الأموال بحسب طبعها
قابلة للسير والتبدل وللمالك ان يحبسها ويمنع عن سيرها فتسقط عن قابلية التبدل
والسير ، وعليه فإذا وجد مال في يد احد ولم يعلم وقفيته فاليد أمارة لفعلية
الانتقال ولكن إذا وجد مال في يد شخص وعلم انه لم
__________________
يكن قابلا للنقل
والانتقال واحتمل عروض المسوغ فقاعدة اليد لا تصلح لاثبات قابلية الانتقال بل
مقتضى استصحاب بقاء عدم القابلية عدم كونه ملكا له.
وبعبارة أخرى :
اليد حجة على فعلية الانتقال ما لم يحرز عدم قابلية متعلقها للانتقال ، وعليه
فاستصحاب عدم عروض المسوغ وبقاء المال على وقفيته يكون من قبيل الاستصحاب الموضوعي
الذي تقدم انه مقدم على اليد.
ثم أورد على نفسه
، بان اليد أمارة على الملكية وشأن الأمارة إثبات اللوازم والملزومات فاليد تثبت
طرو المجوز للنقل أيضاً فتكون حاكمة على الاستصحاب.
وأجاب عنه : بان
قابلية المال للنقل والانتقال تكون بمنزلة الموضوع للنقل والانتقال لا من اللوازم
والملزومات واليد لا تثبت الموضوع فلا تكون حجة على طرو المسوغ فاستصحاب عدم طروه
يوجب خروج الفرض عن مورد قاعدة اليد.
ويرد عليه (ع) ان
قابلية المال للنقل والانتقال كنفس إنشاء النقل والانتقال ليست بمنزلة الموضوع بل
من قبيل اجزاء السبب للملكية ، فكما انه لو علم بكون المال للغير واحتمل الانتقال
تكون اليد حجة على الملكية ، كذلك فيما إذا علم بعدم قابليته للنقل والانتقال
واحتمل طرو المسوغ.
وان شئت قلت : ان
عروض المسوغ من شرائط صحة إنشاء النقل والانتقال فكما انه عند الشك في إنشاء النقل
والانتقال تكون اليد حجة على الملكية ، ولا يعتنى باستصحاب عدمه كذلك عند الشك في
عروض المسوغ لا
يعتنى باستصحاب
بقائه على ما كان.
مضافا إلى ان
أصالة الصحة في فعل متولي الوقف وذي اليد ، تقتضي سقوط استصحاب عدم عروض المسوغ
لبيع الوقف فتكون اليد بلا معارض.
ودعوى عدم جريان
أصالة الصحة في مثل هذا الفرض ، قد تقدم تقريبها والجواب عنها في أصالة الصحة في
فروع الأمر الخامس فراجع.
فتحصل ان الأظهر
حجية اليد على الملكية حتى فيما علم عدم قابلية المال للانتقال سابقا واحتمل تبدله
إلى القابلية.
إذا كان شيء بيد اثنين
المبحث الخامس :
إذا كان شيء في يد اثنين ، كالدار الواحدة يسكنانها ، والفرش يجلسان عليه لا كلام
في كون اليدين أمارة الملكية.
إنما الكلام في
موردين :
الأول : في ان يد
كل منهما على النصف المشاع ، أو ان يد كل منهما على تمامه.
قد يقال بتعين
الثاني من جهة ان الاستيلاء على النصف المشاع غير معقول إلا بالاستيلاء على الكل
إذ كل جزء فرض يد كل منهما عليه.
وفي مقابل ذلك قيل
بتعين الأول نظرا إلى ان استيلاءين مستقلين على شيء واحد كاجتماع الملكيتين
المستقلتين على مال واحد.
ولكن الحق في
المقام ان يقال ان الاستيلاء الذي هو أمارة الملكية ليس دائما امرا حقيقيا عينيا ،
بل له أفراد اعتبارية عرفية أيضاً كما تقدم ، وعرفت ان لافراده الاعتبارية قسمين ،
الأول الاستيلاء التام ، الثاني الاستيلاء على تمام المال بالاستيلاء الناقص ، ففي
المقام يكون يد كل منهما على تمام المال ولكن لا بنحو الاستيلاء التام حتى يقال انه
غير معقول بل بنحو الاستيلاء الاعتباري غير التام فتدبر.
واما ما أفاده
السيد الفقيه في ملحقات عروته من انه ، يمكن اجتماع اليدين المستقلتين
على مال واحد ، كما يمكن ان يكون يد كل منهما على النصف المشاع.
فمما لا اتصوره :
إذ لو كان المراد من اليد المستقلة الاستيلاء التام ومن اليد على النصف المشاع
الاستيلاء الناقص لم يكن الأول معقول ، ولو كان المراد باليد المستقلة الاستيلاء
على تمام المال ولو بالاستيلاء الناقص ومن اليد على النصف المشاع اليد على نصف
المال لم يكن الثاني معقولا.
المورد الثاني :
في بيان مقتضى كل من اليدين من الملكية.
وحق القول فيه انه
بناءً على ما اخترناه ـ من ان يد كل منهما على تمام المال ولكن بنحو الاستيلاء
الناقص بضميمة ما اخترناه في تصوير الملك المشاع تبعا لجمع من الاساطين ، من ان
حقيقته مالكية كل من الفردين أو الأفراد
__________________
لجميع المال
بالملكية الناقصة ، على ما اوضحناه في حاشيتنا على مكاسب الشيخ الأعظم (ره) ـ فالأمر سهل.
إذ كل من
الاستيلاءين الناقصين يكون أمارة على الملكية غير التامة المعبر عنها بملكية النصف
المشاع ، ويكون مقتضى كل استيلاء مطابقا له من دون لزوم أي محذور ، وتنطبق القاعدة
حينئذ على ما دلت عليه النصوص الكثيرة الدالة على تنصيف ما يدعيه اثنان ويدهما
عليه بدون البينة لاحدهما أو مع البينة لهما ، وكذلك لا كلام بناءً على القول
باستيلاء كل منهما على النصف المشاع.
إنما الكلام في
انه بناءً على كون استيلاء كل منهما على تمام العين بالاستيلاء التام ، ان اقتضى
كل من اليدين ملكية تمام العين لزم التزاحم بينهما ، لامتناع اجتماع المالكين على
مال واحد ، وان اقتضتا ملكية النصف المشاع لكل منهما لزم عدم مطابقة مقتضى اليد
لها مع ان مقتضى الامارية المطابقة ، وقد قيل في التفصي عن ذلك وجوه.
الأول : ان اليدين
تتعارضان ولا يمكن الحكم بملكيته لهما ، ولا لأحدهما المعين للزوم الترجيح بلا
مرجح ، ولا لأحدهما لا بعينه لعدم كونه شخصا ثالثا ، فلا محالة تتساقطان إلا ان
ذلك في المدلول المطابقي لكل منهما.
واما بالنسبة إلى
اللوازم التي لا تعارض بينهما فيها كنفي ملكية غيرهما
__________________
فهما حجتان فيها ،
فإذا ثبت عدم مالكية غيرهما فلا محالة يكون مالا مرددا بينهما لا حجة لأحدهما على
انه ملك له ، فمقتضى القواعد التنصيف.
وفيه : ما حققناه
في محله ، من ان الدلالة الالتزامية كما تكون تابعة للدلالة المطابقية ثبوتا تكون
تابعة لها في الحجية فمع سقوطهما عن الحجية بالنسبة إلى المدلول المطابقي لا
تكونان حجة في المدلول الالتزامي.
الثاني : ما أفاده
المحقق النراقي ، وهو ان مقتضى القاعدة وان كان هو التساقط إلا ان مقتضى
قوله في الموثقة ومن استولى على شيء منه فهو له ، انه لو استوليا معا عليه كان
لهما وبمقتضى قاعدة التساوي في الشركة المبهمة انه بينهما نصفين.
وفيه : انه لو كان
لهما استيلاء واحد لكان ما ذكر تاما ، ولكن بما ان المفروض ثبوت استيلاءين تامين
فيلزم التعارض المشار إليه في مدلول الموثق بين مصداقين من هذه القضية الحقيقية
فلا محالة يتساقطان أيضاً.
الثالث : ما أفاده
السيد الفقيه في ملحقات عروته ، وهو ان الأقوى جواز اجتماع الملكين المستقلين على مال
واحد كما إذا كان ملكا للنوع كالزكاة والخمس ، فان كل فرد من ذلك النوع مالك لذلك
المال ، بل الأقوى جواز اجتماع المالكين الشخصيين أيضاً كما إذا وقف على زيد وعمرو
أو أوصى لهما
__________________
على نحو بيان
المصرف فانه يجوز صرفه على كل واحد منهما.
ثم انه (قدِّس سره)
قاس الملكية بالحق ، وقال انه لا اشكال عندهم في جواز كون حق واحد لكل من الشخصين مستقلا
، كخيار الفسخ ، وكولاية الأب والجد على مال الصغير ومن المعلوم عدم الفرق بين
الملك والحق.
أقول : اما ما
ذكره (ره) من جواز اجتماع المالكين المستقلين على مال واحد ، فالظاهر انه أراد
بالملكية المستقلة ما اخترناه في ملك المشاع.
ويؤيده بل يشهد له
ما ذكره في آخر المسألة :
بقوله : ودعوى :
ان مقتضى الملكية المستقلة ان يكون للمالك منع الغير وإذا لم يكن له منع الغير فلا
يكون مستقلا ، ممنوعة : فان هذا أيضاً نحو من الملكية المستقلة ونظيره الوجوب
الكفائي والتخييري في كونهما نحوا من الوجوب مع كونه جائز الترك وعليه فهو حق لا
يرد عليه شيء مما اوردوه عليه.
ولكن في كلامه
موضعين من النظر :
الأول : ما ذكره
من انه في باب الخمس والزكاة يكون كل فرد مالكا مستقلا.
فانه يرد عليه ان
تعلقهما بالمال إنما هو من باب تعلق الحق بمالية العين فكل واحد من الأفراد لا
يكون مالكا بل قابل لان يصير مالكا بإعطاء المالك إياه وتمام الكلام في الجزء
السابع من فقه الصادق .
__________________
الثاني : ما ذكره
من قياس الملكية بالحق.
إذ يرد عليه ان
متعلق الحق إنما هو الفسخ لا العقد فمع ثبوت حقين لشخصين يكون المتعلق أيضاً
متعددا إذ كل منهما له حق فسخ غير ما للآخر وهذا لا يقاس بملكية العين.
جواز الشهادة بالملك بمشاهدة اليد
المبحث السادس :
هل تجوز الشهادة بالملك بمشاهدة اليد ، أم لا؟ المشهور بين الأصحاب ذلك في اليد
المقرونة بالتصرف.
والكلام يقع :
تارة في مقتضى القواعد ، وأخرى فيما يقتضيه النص الوارد في خصوص اليد.
اما القواعد ،
فالأظهر انها تقتضي الجواز وذلك لأنه وان كان لا كلام ولا اشكال في ان المأخوذ في
موضوع جواز الشهادة هو العلم بالمشهود به ، وانه لا بدَّ وان يكون المشهود به
منكشفا كانكشاف الشمس وكمعرفة الكف حتى تجوز الشهادة به إلا ان الظاهر ان العلم
المأخوذ في موضوعه مأخوذ على وجه الطريقية والكاشفية لا على وجه الصفتية ، خلافا
للشيخ الأعظم (ره) إذ الظاهر من الأدلة ان النظر فيها إلى ثبوت الواقع لا تحقق هذا
الوصف من حيث هو.
وعليه فبناء على
ما اخترناه تبعا للشيخ الأعظم (ره) من قيام الطرق والأمارات بأدلة اعتبارها مقام
القطع الطريقي المحض ، والمأخوذ في الموضوع على وجه الطريقية كما أشبعنا الكلام في
ذلك في مبحث القطع ، وقد تقدم ،
تجوز الشهادة
بالملك بمشاهدة اليد لأنها من الأمارات كما قدمناه.
بل بناءً على ما
حققناه من قيام الأصول المحرزة مقام القطع المأخوذ في الموضوع على وجه الطريقية من
حيث انه مقتض للبناء العملي والجري على وفق ما تعلق القطع به لا من حيث انه انكشاف
للواقع تجوز الشهادة بالملك مستندة إلى الاستصحاب إذا ثبت كون العلم المأخوذ في
موضوع جوازها مأخوذا على هذا النحو ، وعلى ذلك فالنصوص الدالة على جواز الشهادة
مستندة إلى الاستصحاب التي عقد لها في الوسائل في كتاب الشهادات بابا يمكن تطبيقها على القواعد وكيف كان
فلا ريب في جواز الشهادة مستندة إلى اليد بناءً على أماريتها كما اخترناه.
وقد استدل لعدم
الجواز بوجوه :
الأول : ما في
ملحقات العروة وهو انه لاعتبار العلم في الشهادة لا تجوز مستندة إلى اليد
بل الشهادة مستندة إليها تدليس حرام.
وفيه : ما عرفت من
قيام الطرق والأمارات مقام القطع المأخوذ في الموضوع على وجه الطريقية ومنها اليد.
الثاني : ما في
الشرائع وهو ان اليد لو أوجبت الملك لم تسمع دعوى من
__________________
يقول الدار التي
في يد هذا لي ، كما لا تسمع لو قال ملك هذا لي.
وفيه ، أولا : ان
هذا إنكار لحجية اليد على الملكية ، والكلام في هذه المسألة إنما هو في جواز
الشهادة بعد الفراغ عن حجيتها على الملكية.
وثانيا : ان
المدعي في الدعوى الأولى اقر بذات الكاشف وذلك لا يكون مكذبا لدعواه بملاحظة علمه
بعدم المنكشف ، وفي الدعوى الثانية اقر بنفس الملكية فلا محالة يكون ذلك تكذيبا
لدعواه.
الثالث : ان لازم
جواز الشهادة مستندة إلى اليد وقوع التعارض بين بينة المدعي وبينة ذي اليد إذا علم
استنادها إلى اليد مع انه لا كلام في تقدم الأولى.
وفيه : ان وجه
التقدم انه مع إحراز استناد البينة إلى اليد لا اثر لها لأنها لا تزيد على اليد
فليس في مقابل بينة المدعى إلا اليد ، والبينة تقدم عليها.
فالأظهر ان
القواعد تقتضي جواز الشهادة بالملك بمشاهدة اليد.
واما النص الخاص ،
فقد دل ـ موثق حفص المتقدم عن الإمام الصادق (ع) قال له رجل إذا رأيت في يدِ رجل
يجوز لي ان اشهد انه له ، قال (ع) نعم ـ على الجواز.
بل المستفاد من
ذيله" فمن أين جاز لك ان تشتريه ويصير ملكا لك ثم تقول بعد الملك هو لي وتحلف
عليه ولا يجوز ان تنسبه إلى من صار ملكه من
قبله إليك" هي الملازمة بين جواز ترتيب الأثر في عمل نفسه وجواز
الشهادة به لغيره.
والمناقشة فيه بان
المراد منه جواز نسبة الملك إلى ذي اليد لا الشهادة الفاصلة للنزاع.
يدفعها ـ مضافا
إلى منافاة ذلك للظهور : فانه سأل عن الشهادة له ـ ما في الخبر من جواز الحلف
عليه.
حجيَّة يد المسلم على التذكية
الموضع الثاني :
في حجية اليد على تذكية ما هي عليه ، من اللحم والجلد وغيرهما وغير ذلك من الأعراض
والنسب وفيه مباحث :
المبحث الأول : في
حجية يد المسلم على التذكية والكلام فيه ، تارة في وجود ملاك الطريقية فيها ،
وأخرى في الدليل عليها في مقام الإثبات :
اما الأول : فيمكن
تقريبه بوجهين :
أحدهما : ان
المسلم غالبا لا يستعمل إلا المذكى وغالب ما في أيدي المسلمين إنما هي ذبيحتهم.
__________________
ثانيهما : ان اليد
أمارة الملكية بمعنى ان غالب ما في أيدي الناس مملوك لهم وغير المذكى لا يملك
والطريق إلى الملزوم طريق إلى لازمه.
والكلام في المقام
ليس في ملازمة حجيتها عليها مع حجيتها على الملكية ثبوتا وإثباتا ، مطلقا ، حتى
يرد عليه ما أورده المحقق الأصفهاني من ان اليد حجة على الملك مطلقا من دون فرق بين كون ذي
اليد مسلما أو كافرا ، والكلام في دلالة يد المسلم بالخصوص على التذكية فتدبر.
واما في مقام
الإثبات فيشهد لحجيتها عليها ، مضافا إلى السيرة القطعية حيث انها قائمة على
المعاملة مع ما في أيدي المسلمين معاملة المذكى ، وإلى عدم الخلاف فيه.
وإلى النصوص الواردة في سوق المسلمين الدالة على كونه أمارة للتذكية ،
بناءً على المختار من انه أمارة يستكشف بها كون البائع مسلما ، وهو أمارة كونه
مذكى على ما حققناه في الجزء الثالث من فقه الصادق .
خبر إسماعيل بن
عيسى سألت أبا الحسن (ع) عن جلود الفراء يشتريها الرجل في سوق من أسواق الجبل يسأل
عن ذكاته إذا كان البائع مسلما غير
__________________
عارف قال عليكم ان
تسألوا عنه إذا رأيتم المشركين يبيعون ذلك وإذا رأيتم يصلون فيه فلا تسألوا عنه .
ويمكن ان يستأنس
لحجيتها عليها بخبري أبي بصير وابن الحجاج الآتيين الدالين على عدم المعاملة مع ما يشترى من
المستحلين للميتة معاملة المذكى معللا باستحلالهم ذلك كما لا يخفى ، فحجية يد
المسلم على التذكية مما لا ينبغي التوقف فيها إلا ان هذه الأدلة إنما تفي بإثبات
حجيتها إذا كانت اليد مبنية على التصرف المترتب على كون الحيوان مذكى ، ولا تدل
على حجية اليد على تذكية ما تحت اليد المجردة لا سيما إذا كانت للإلقاء والنبذ.
عدم أمارية يد الكافر على عدم التذكية
المبحث الثاني :
هل تكون يد الكافر أمارة عدم التذكية كما ان يد المسلم أمارة التذكية أم لا؟ وإنما
تترتب على ما في يده آثار عدم التذكية لأصالة عدمها وجهان :
__________________
اختار صاحب
الجواهر (ره) أولهما ، وذهب جمع إلى الثاني.
واستدل للأول
بوجوه : الأول : انه من المسلم عند الأصحاب ان الذبيحة إذا كانت في سوق المسلمين
بيد الكافر فهي محكومة بعدم التذكية ولا ينطبق ذلك إلا على أمارية يد الكافر إذ عليها
يتعارض سوق المسلمين الذي هو أمارة التذكية مع يد الكافر التي هي أمارة عدم
التذكية فيتساقطان ، فيرجع إلى أصالة عدم التذكية ، وهذا بخلاف القول بعدم
الامارية إذ حينئذ ليس في مقابل سوق المسلمين إلا أصالة عدم التذكية ، ولا ريب في
ان الأصل محكوم بالدليل المعتبر والأمارة الكاشفة وهي سوق المسلمين.
وفيه : انه قد
حققنا في محله في الجزء الثالث من فقه الصادق ان سوق المسلمين ليس أمارة التذكية ، بل هو أمارة كون
البائع مسلما ويده أمارة التذكية وعليه فمع العلم بكون البائع كافرا لا يكون السوق
أمارة فيحكم بالعدم لأصالة عدم التذكية.
الثاني : ما في
الجواهر وهو خبر اسحاق بن عمار" لا بأس بالصلاة في الفراء
اليماني وفي ما صنع في ارض الإسلام قلت فان كان فيها غير أهل
__________________
الإسلام قال (ع)
إذا كان الغالب عليها المسلمون فلا بأس" .
وتقريب الاستدلال
به ان مفهومه انه إذا كان الغالب عليها الكفار ففيه بأس ، واستفادة هذا المفهوم
اما ان تكون باستفادة المناط من تعليق الحكم على الغلبة فان المناط في التذكية
وجودا وعدما هي الغلبة ، ففي الأول غلبة المسلمين وفي الثاني غلبة الكفار إذ
الظاهر انه (ع) في مقام إعطاء الضابط من الطرفين لا إعطائه من طرف التذكية خاصة ،
أو لكونه من مفهوم الوصف ، وعليه فحيث ان ظاهر الإسناد ، الإسناد إلى ما هو له وفي
الخبر اسند ثبوت البأس إلى غلبة الكفار فيستكشف من ذلك ان غلبة الكفار أمارة عدم
التذكية وإلا كان ثبوت البأس للأصل لا لغلبة الكفار.
وفيه : ان مفهوم
قوله" إذا كان الغالب الخ" إذا لم يكن الغالب المسلمون ففيه بأس لا إذا
كان الغالب عليها الكفار ، وكونه في مقام إعطاء الضابط من الطرفين ، كما يلائم مع
كون الحكم بعدم التذكية لأمارية غلبة الكفار ، يلائم مع كونه لعدم غلبة المسلمين ،
والوصف لا مفهوم له كما حقق في محله ، واستناد ثبوت البأس إلى عدم غلبة المسلمين
مع عدم أمارية يد الكافر من قبيل إسناد الشيء إلى ما هو له ، فانه من استناد الشيء
إلى عدم مانعه كما لا يخفى فتدبر فانه دقيق.
__________________
الثالث : خبر
إسماعيل بن عيسى المتقدم عن جلود الفراء يسأل عن ذكاته إذا كان البائع مسلما غير
عارف قال (ع) : عليكم ان تسألوا إذا رأيتم المشركين يبيعون ذلك وإذا رأيتم يصلون
فيه فلا تسألوا عنه .
وقد استدل به
بوجوه :
منها انه يدل على
لزوم السؤال إذا كان البائع مشركا ولو لا أمارية يده على عدم التذكية لم يكن له
وجه.
وفيه : انه ذكر
هذا الوجه وجها لدلالة الخبر على عدم أمارية يد الكافر ، بدعوى انه لو كان يد
الكافر أمارة لعدم التذكية لما كان وجه للسؤال ، إذ مع وجود الأمارة يجب الاجتناب
من دون الفحص.
ولكن الإنصاف انه
لا يصلح وجها لشيء منهما : إذ السؤال إنما هو لترتيب آثار التذكية ، فالمعنى والله
العالم ، انه مع كون البائع مشركا محكوم بعدم التذكية ، فلو أريد ترتيب آثار
التذكية لا بدَّ من السؤال والفحص ، وليس المراد هو لزوم الفحص لترتيب آثار عدم
التذكية فانه على القولين لا يجب الفحص لترتيب تلك الآثار اما على الأول فلأمارية
يد الكافر ، واما على الثاني فلاصالة عدم التذكية التي لا يجب في اجرائها الفحص ،
والحكم بعدم التذكية يلائم مع الامارية وعدمها.
ومنها : ان الخبر
متكفل لأمارية يد المسلم في قبال يد المشرك ومقتضى
__________________
المقابلة أمارية
يد المشرك.
وفيه : ان مقتضى
المقابلة عدم ثبوت ما ثبت ليد المسلم ، ليد المشرك لا ثبوت شيء آخر لها.
ومنها : انه في
الخبر رتب وجوب الاجتناب المستفاد من الأمر بالسؤال على كون الشيء بيد المشرك ،
وظاهر الإسناد كون الموجب هو يد المشرك لا عدم يد المسلم ، وإلا لزم الإسناد إلى
غير ما هو له وهي لا تكون موجبة إلا مع الامارية ، وإلا يكون الموجب هي أصالة عدم
التذكية لا يد المشرك.
وفيه : ان المسند
إذا كان هي الكاشفية والمرآتية كان لهذا الاستظهار مجال ، ولكن بما انه هو الحكم
بعدم تذكية ما في يد المشرك ، وعلى القولين لا تكون اليد موجبة له ، بل على
الامارية كاشفة عن عدم التذكية ، وعلى عدمها يكون الأصل مقتضيا لذلك إذا كان في
يده فلا يتم ذلك.
وان شئت قلت ، انه
على القولين يكون الاسناد اسنادا إلى غير ما هو له ، فلا يمكن الاستدلال به ،
فتدبر فانه دقيق.
فالأظهر عدم
أمارية يد الكافر لعدم التذكية ، وإنما يحكم به ، لأصالة عدم التذكية.
حكم ما في يد المسلم المستحل للميتة
المبحث الثالث :
هل يختص الحكم بتذكية ما في يد المسلم بما في يد غير
المستحل للميتة
كما عن التذكرة والمنتهى والنهاية ، أم يعم ما في يد المستحل لها إذا اخبر بالتذكية كما عن
الذكرى والبيان ، أم يعمه مطلقا كما لعله المشهور بين الأصحاب وجوه.
والأقوى هو الأخير
وذلك : لان ملاك الطريقية وهي غلبة كون ما في أيدي المسلمين مذكى بالذبح موجود فيه
والأدلة في مقام الإثبات مطلقة لا مقيد لها.
واستدل للأول
بوجوه :
الأول : عدم حصول
الظن بتذكية ما في يد المستحل للميتة.
وفيه : انه لا
يعتبر الظن الفعلي في حجية الأمارات فمع فرض شمول المطلقات لا احتياج إلى حصوله
ومع عدمه لا يفيد حصول الظن.
__________________
الثاني : خبر أبي
بصير قال : سألت أبا عبد الله (ع) عن الصلاة في الفراء فقال (ع) كان علي بن الحسين
(ع) رجلا صردا لا يدفئه فراء الحجاز ، لان دباغها بالقرظ ، فكان يبعث إلى العراق
فيؤتى مما قبلكم بالفرو فيلبسه ، فإذا حضرت الصلاة القاه والقى القميص الذي تحته ،
وكان يسأل عن ذلك فيقول ان أهل العراق يستحلون لباس الجلود الميتة ويزعمون ان
دباغه ذكاته .
إذ نزعه للصلاة
دليل عدم المعاملة معه معاملة المذكى ، وقد استند في ذلك إلى استحلال أهل العراق
للميتة.
وأورد عليه : بان
لبسه في غير حال الصلاة دليل المعاملة معه معاملة المذكى إذ المعروف عدم جواز
الانتفاع مطلقا بالميتة فلا بدَّ من الالتزام بأحد أمرين ، اما جواز الانتفاع
بالميتة في غير الصلاة ، أو حمل نزعه على التنزه ، ولو لم يكن الثاني متعينا لا
محالة يكون محتملا فلا يصح الاستدلال به على هذا القول.
وبالجملة : بما ان
المسئول عنه حكم الصلاة في الفراء فجوابه (ع) بحكاية فعل المعصوم (ع) كما يمكن ان
يكون المراد منه المنع يمكن ان يكون هو الاحتياط الاستحبابي اللائق منه (ع) بمثل
الصلاة.
الثالث : خبر ابن
الحجاج قلت لأبي عبد الله (ع) إني ادخل السوق اعني هذا الخلق الذين يدَّعون
الإسلام فاشتري منهم الفراء للتجارة فأقول : لصاحبها أليس هي ذكية فيقول بلى فهل
يصلح لي ان أبيعها على انها
__________________
ذكية فقال (ع) لا
ولكن لا بأس ان تبيعها وتقول قد شرط لي الذي اشتريتها منه انها ذكية قلت ما افسد
ذلك قال استحلال أهل العراق للميتة فان تعليل المنع عن بيعها على انها ذكية باستحلال الميتة
دليل عدم أمارية يد المستحل لها.
وفيه : ان الظاهر
منه المنع عن الشهادة لا عن المعاملة معه معاملة المذكى.
واستدل للقول
الثاني بخبر محمد بن الحسين الاشعري كتب بعض أصحابنا إلى أبي جعفر الثاني (ع) ما
تقول في الفرو يشترى من السوق فقال (ع) إذا كان مضمونا فلا بأس .
بدعوى : ان المراد
من ضمانه اخبار البائع بتذكيته.
وفيه : انه لا
بدَّ من حمله على الاستحباب أو على عدم كون البائع مسلما لوجهين :
الأول : عدم
اختصاصه بالمستحل.
الثاني : دلالة (ع)
قوله في صحيح البزنطي (ليس عليكم المسألة) على عدم الوجوب.
__________________
فتحصل ان الأظهر
هو القول الأخير لإطلاق الأدلة.
ويمكن ان يستدل
للتعميم بنصوص سوق المسلمين من جهة ان مورد اغلبها سوق المستحلين للميتة كما لا
يخفى فتدبر.
اخبار ذي اليد
الموضع الثالث :
في انه هل يقبل قول ذي اليد وأخباره بطهارة ما في يده أو نجاسته ونحوهما أم لا؟
المشهور بين الأصحاب انه يقبل ، وعن الحدائق ان ظاهر الأصحاب الاتفاق عليه.
ويشهد له السيرة
القطعية المستمرة ، والنصوص الواردة في الموارد المتفرقة المستفاد منها هذه الكلية
، بل يستفاد منها ان حجيته كانت امرا مفروغا عنه عند المسلمين ومسلما عندهم.
منها : صحيح معاوية
بن عمار قلت فرجل من غير أهل المعرفة ممن لا نعرفه انه يشرب على الثلث ولا يستحله
على النصف يخبر ان عنده بختجا
__________________
على الثلث قد ذهب
ثلثاه وبقي ثلثه يشرب منه؟ قال (ع) نعم وصريحه عدم اعتبار الإيمان وحيث ان التفكيك بينه وبين
الإسلام بعيد فهو أيضاً لا يعتبر.
ومنها : النصوص الواردة في اخبار البائع بالكيل والوزن الدالة على جواز
الاعتماد عليه المعمول بها بين الأصحاب.
ومنها : الروايات الواردة في ، القصابين ، والجزارين ، والجارية المأمورة
بتطهير ثوب سيدها ، وان الحجام مؤتمن في تطهير موضع الحجامة.
ومنها : المستفيضة
الواردة في ان من اقر بعين في يده لغيره فهي له ، وليس ذلك إلا لحجية قوله ،
لا من باب حجية الاقرار لأنها تختص بما إذا كان على نفسه فلا يثبت به ملكية غيره.
ومنها : ما في بعض
اخبار الجبن من نهيه (ع) خادمه عند شرائه جبنا عن السؤال إذ لو لا قبول
إخباره لما كان وجه للنهى.
__________________
ومنها : غير ذلك
مما ورد في الأبواب المتفرقة ، والإنصاف ان التتبع في أبواب الفقه يوجب القطع
بحجية قول ذي اليد مطلقا فما عن بعض التشكيك فيه في غير محله.
* * *
تمت الرسالة
في اليوم السادس
والعشرين من شهر صفر سنة ١٣٧٧ هجرية
على مهاجرها افضل
الصلاة والسلام
بقلم مؤلفها العبد
الفاني محمد صادق الحسيني الروحاني عفى عنه
والحمد لله أولا
وآخرا والصلاة على نبيه محمد (ص) باطنا وظاهرا.
الكلام حول دليل مشروعية القرعة
من القواعد التي
ينبغي البحث فيها في المقام ، قاعدة القرعة ، وقد استند الأصحاب إليها في كثير من
المسائل الفقهية.
وقد دلت عليها
الآيات والنصوص الكثيرة البالغة حد التواتر.
ومع ذلك اشتهر في
ألسنة متأخري المتأخرين ، انه قد وردت عليها تخصيصات كثيرة قد بلغت حدا لا يصح
التمسك باطلاق وعموم تلك الأدلة ، ولذلك التزموا بانها كانت محفوفة بقرائن لم تصل
الينا ، وهذا موجب لسقوط تلك العمومات والاطلاقات عن الحجية ، وانه في كل مسألة
ورد النص الخاص لاعمال القرعة فيها فهو المتبع ، وفي غيرها لا يرجع إليها.
فلا بدَّ من ذكر
ادلتها ، وبيان ما يستفاد منها ، ومن يشرع له القرعة ، ومحل اجرائها والنسبة بينها
وبين دليل الاستصحاب.
فأقول مستعينا
بالله تعالى : انه لا اشكال في بناء العقلاء على العمل بالقرعة عند تزاحم الحقوق
مع عدم الترجيح ، فتكون من طرق فصل الخصومة ، كما يشهد به ملاحظة الآيات والأخبار
المتضمنة لقضايا سوهم فيها.
لاحظ ما دل على ان
احبار بيت المقدس ساهموا لتكفل مريم وقد اخبر الله تعالى عن ذلك إذ قال تعالى (وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُون
أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ
__________________
مَرْيَمَ
وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ).
وما دل على مساهمة
اصحاب السفينة التي فيها يونس على نبينا وآله وعليهالسلام ، وطرحه بعد ما ساهموا فاصابته القرعة في البحر .
وما دل على مقارعة
بني يعقوب ليخرج واحد ويحبسه يوسف عنده .
وما دل على
مساهمته (ص) بين نسائه .
وما دل على مقارعة
عبد المطلب بين عبد الله والابل ، فانه نذران يذبح أول ما يولد له فولد له عبد
الله وكان يحبه كثيرا فاقرع بينه وبين مائة ابل فاصابتها القرعة .
وما دل على مساهمة
رسول الله (ص) قريشا في بناء البيت وغير ذلك من القضايا الظاهرة في ان المساهمة كانت امرا
عقلائيا عليه بناء العقلاء ، والظاهر ان المقارعات المتداولة في هذا العصر من هذا
القبيل.
ويشهد لمشروعيتها
وامضاء ما عليه بناء العقلاء الآيتان الكريمتان :
__________________
قال تعالى في
احوال يونس : (فَسَاهَمَ فَكَانَ
مِنْ الْمُدْحَضِينَ) أي فقارع فصار من المعلومين بالقرعة.
وقال عزوجل (ذَلِكَ مِنْ أَنبَاء
الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُون أَقْلَامَهُمْ
أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ).
وهاتان الآيتان
تدلان على ان القرعة كانت مشروعة في الشرائع السابقة ، وقد ثبت ان ما ثبت في
الشرائع السابقة ثابت في هذه الشريعة ما لم ينسخ سيما ما ينقله القرآن.
وقد استفاد
الأصحاب في كثير من الفروع مشروعية ما ثبت في الشرائع السابقة في هذه الشريعة.
لاحظ استفادة وجوب
الاخلاص في الجواب من قوله تعالى : (وَمَا أُمِرُوا
إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) ، واستفادة جواز الجهالة في الجعالة ، وجواز ضمان ما لم
يحب من قوله تعالى حكاية عن مؤذن يوسف (وَلِمَن جَاء بِهِ
حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَاْ بِهِ زَعِيمٌ) ، واستفادة جواز بر اليمين على ضرب المستحق مائة بالضرب
بالضغث من قوله تعالى (وَخُذْ بِيَدِكَ
ضِغْثًا فَاضْرِب بِّهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا
__________________
وَجَدْنَاهُ
صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ).
واستفادة جواز
إجراء الحد على المريض الزاني بضغث فيه مائة سوط دفعة بل رسول الله (ص) استدل بهذه
الآية الشريفة لهذا الحكم.
واستفادة حكم من
جعل عمله صداق المرأة من قوله تعالى حكاية عن شعيب : (قَالَ إِنِّي أُرِيدُ
أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ
حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِندِكَ) إلى غير ذلك من الآيات والروايات وقد احتج الإمام بالآية
الأولى على شرعيّة القرعة كما يأتي.
وهم ودفع
قد يتوهم منافاة
ذلك لقوله تعالى (وَأَن
تَسْتَقْسِمُواْ بِالأَزْلَامِ) وانه يدل على ان القرعة غير مشروعة ، فيكون رادعا عن بناء
العقلاء وناسخا لمشروعيتها الثابتة في الشرائع السابقة.
كما انه ربما
يتوهم ان الآية الكريمة تدل على عدم مشروعية الاستخارة ،
__________________
توضيح ذلك انه قد
حكى الطبري في تفسيره ، والزمخشري في الكشاف ، وجماعة من المفسرين ان العرب في الجاهلية كانوا يستقسمون بالازلام ، أي يطلبون
معرفة ما قسم لهم دون ما لم يقسم بالازلام ، وانهم إذا ارادوا سفرا أو امرا آخر ،
يهتمون به ضربوا ثلاثة اقداح مكتوب على أحدها امرني ربى وعلى الآخر نهاني ربي
والثالث غفل لا كتابة عليه ، فان خرج الأمر مضوا على ذلك ، وان خرج النهي تجنبوا
عنه ، وان خرج الغفل احالوها ثانيا.
وقد نهاهم الله
تعالى عن هذا العمل لان الازلام جمع الزلم وهو السهم لا ريش عليه ، وبعده هذه الجملة قال الله تعالى (ذلكم فسق) ، وهو اما مخصوص بهذه الجملة أو يشملها في ضمن الجميع ،
وهذا العمل ينطبق على الاستخارة ، وعلى القرعة.
ولكن هذا الاحتمال
في تفسير الآية الكريمة باطل لوجهين :
أحدهما : انه من
معاني الاستقسام بالازلام قسمة اللحم بالمقامرة.
قال في مجمع
البيان وروى على بن ابراهيم عن الصادقين عليهما
__________________
السلام " ان الازلام عشرة" إلى قوله" وكانوا
يعمدون إلى الجزور فيجزونه اجزاء ثم يجتمعون عليه فيخرجون السهام ويدفعونها إلى
الرجل وثمن الجزور على من يخرج له التي لا انصباء لها وهو القمار فحرمه الله عزوجل ، وقيل هي كعاب فارس والروم التي كانوا يتقامرون بها ،
وقيل هو الشطرنج.
وحيث ان الآية
الشريفة في مقام بيان كيفية اكل اللحوم في الجاهلية وتمييز ما هو حلال منها ، وما
هو حرام أي المذكى وغير المذكى لأنه تعالى قال (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ
الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ
وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا
أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَن
تَسْتَقْسِمُواْ بِالأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ) فلا شك حينئذ بعد هذا السياق الواضح والقرائن المتوالية في
ان المراد استقسام اللحم قمارا.
ولنعم ما افاد بعض
المفسرين قال نظير ذلك ان العمرة مصدر بمعنى العمارة ، ولها معنى آخر وهو زيارة
البيت الحرام فإذا اضيف إلى البيت صح كل من المعنيين ، لكن لا يحتمل في قوله تعالى
(وَأَتِمُّواْ
الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ) إلا المعنى الأول والامثلة في ذلك كثيرة انتهى".
ثانيهما : انه على
تقدير كون معنى الجملة استعلام الخير والشر في الأمور ،
__________________
فالمراد به ما
حكاه الطبري في تفسيره في الجزء السادس عن ابن اسحاق قال : كانت هبل اعظم اصنام قريش بمكة وكانت
على بئر في جوف الكعبة وكانت تلك البئر هي التي يجمع فيها ما يهدى للكعبة وكانت
عند هبل سبعة اقداح كل قدح فيه كتاب قدح فيه (الغفل) إذا اختلفوا في الغفل من
يحمله منهم ضربوا بالقداح السبعة قدح فيه (نعم) للأمر إذا ارادوه يضرب به فان خرج
قدح نعم عملوا به وقدح فيه (لا) فإذا ارادوا امرا ضربوا به في القداح فإذا خرج ذلك
القدح لم يفعلوا ذلك الأمر وقدح فيه (منكم) وقدح فيه (ملصق) وقدح فيه (من غيركم)
وقدح فيه (المياه) إذا ارادوا ان يحفروا للماء ضربوا بالقداح ، وفيها ذلك القدح
فحيثما خرج عملوا به ، وكانوا إذا ارادوا ، ان يجتنبوا غلاما ، أو ان ينكحوا منكحا
أو ان يدفنوا ميتا ، أو يشكوا في نسب واحد منهم ذهبوا إلى هبل بمائة درهم ويجزرون
فاعطوها صاحب القداح الذي يضربها ثم قربوا صاحبهم الذي يريدون به ما يريدون ، ثم
قالوا يا الهنا هذا فلان بن فلان اردنا به كذا وكذا فاخرج الحق فيه ثم يقولون
لصاحب القداح اضرب ، فيضرب فان خرج عليه (من غيركم) كان حليفا وان خرج (ملصق) كان
على منزلته منهم لا نسب له ولا حلف وان خرج شيء سوى هذا مما يعملون به (نعم) عملوا
به وان خرج (لا) اخروه عامهم ذلك حتى يأتوا به مرة أخرى ينتهون في امورهم إلى ذلك
مما خرجت به القداح انتهى.
وعلى هذا فلو كان
المنهي عنه ذلك كان نهيا عن ايكال الأمر إلى هبل ،
__________________
وطلب الخير منه
الذي هو شرك محض ، وأين هذا من القرعة والاستخارة اللتين هما : ايكال الأمر
وتفويضه إلى الله تعالى ، وهل هذا إلا قياس التوحيد ، وعبادة الله تعالى ، وتفويض
الأمور إليه ، بعبادة الاوثان.
ولعله إلى هذا
يشير ما في جملة من الروايات الآتية بعد الحكم بالقرعة" أليس هي التفويض إلى
الله تعالى" ، أو" ما من قوم فوضوا امرهم إلى الله تعالى والقوا
سهامهم إلا خرج السهم الاصوب" وما قارب هذه المضامين.
ومن الغريب ما
نسبه بعض المعاصرين إلى المقدس الأردبيلي من قوله في تفسير الآية وعلى هذا يفهم منه تحريم الاستخارة
المشهورة التي قال الأكثر بجوازها ، بل باستحبابها ، ويدل عليه الروايات إلى آخر
ما قال ثم يعلق عليه ، وهذا الكلام من مثله عجيب فسبحان من لا يخطئ ، ولكنه يا ليت
كان ينقل ما ذكره المقدس الأردبيلي (ره) بعد هذا الكلام ، قال فهو دليل بطلان
الأول : (أي كون النهي عن استعلام الخير والشر) ، أولا يكون سبب التحريم ما ذكره ،
بل مجرد النص المخصوص بذلك الفعل الخاص والوجه الخاص ، أو يكون الاستخارة خارجة
عنه بالنص.
__________________
واما الإجماع فعن
الشيخ في مسألة تعارض البينتين ، اجماع الفرقة على ان القرعة تستعمل في كل امر
مجهول مشتبه ، وفي مسألة تداعي الرجلين في ولد ، ان القرعة مذهبنا في كل امر مجهول
، وفي الوسائل دعوى الإجماع عليه.
وفي قواعد الشهيد ثبت عندنا قولهم عليهمالسلام كل امر مجهول فيه القرعة.
وعن السرائر في باب تعارض البينات واجماعهم على ان كل امر مشكل فيه
القرعة ، وقال أيضاً في ذلك الباب واجمعت عليه الشيعة الإمامية.
ولا اظن على من
تتبع كلمات الفقهاء في المسائل المختلفة ان يشك في كون العمل بالقرعة في الجملة
اجماعي ، وقد عمل الأصحاب باتفاق أو خلاف في موارد كثيرة ، وإليك طرف منها ، تشاح
چائمة مع عدم المرجح ، قصور المال عن الحجتين الاسلامية ، والنذرية ، واختلاط
الموتى في الجهاد ، وفي التزاحم ، على مباح أو مشترك كمعدن ، أو رباط مع عدم قبوله
القسمة ، وفي صورة تساوى بينتي الخارجتين ، وفي تنازع صاحب العلو والسفل في السقف
المتوسط ، وفي الخزانة التي تحت الدرج ، وفي بينتي المتزارعين إذا تعارضتا في
المدة والحصة ، وفي الوصية بالمشترك اللفظي ، وفي الوصية بما لا يسعه الثلث مع
العلم بالترتيب والشك في السابق أو مع الشك في السبق والاقتران ، وفي ابتداء
__________________
قسمة الزوجات ،
وفي حق الحضانة وفي اخراج المطلقة مطلقا ، أو إذا مات ولم يعين ، وفي اخراج مقدار
الثلث مع تعدد المدبر ، وفي ميراث الخنثى على قول ومن ليس له فرج على الأشهر ،
وفيما لو اشتبه الولد في كونه لعبد أو حر أو مشرك ، وفي اشتباه الغنم الموطوءة ،
وفي من أوصى بعتق ثلث مماليكه ، وفي تعدد السيف والمصحف في الحبوة ، وفي ميراث
الخامسة مع المشتبهة بالمطلقة ، وفي تساوى البينتين في اللقطة.
إلى غير ذلك من
الموارد الكثيرة مما لا يبقى لأحد الشك في ان مشروعية القرعة في الجملة متفق عليها
حتى في الموارد التي لم يرد فيها نص خاص.
وعلى هذا فلا وجه
لما عن جمع من محققي متأخري المتأخرين تبعا للشيخ الأعظم (ره) من ترك التعرض لما يستفاد من الأدلة نظرا إلى عدم عمل
الأصحاب بها.
الأخبار الدالة على مشروعية القرعة
واما السنة فهي
كثيرة ، وهي على طائفتين ، الأولى : النصوص المطلقة.
الثانية : ما ورد
في الموارد الخاصة.
__________________
فمن الأولى : ما
رواه الشيخ في التهذيب بسند معتبر والصدوق بطريقين صحيحين عن محمد بن حكيم (حكم) قال سألت أبا الحسن (ع)
عن شيء فقال (ع) لي كل مجهول ففيه القرعة قلت له ان القرعة تخطئ وتصيب قال كل ما
حكم الله به فليس بمخطئ .
وقال الشيخ في
النهاية روى عن أبي الحسن موسى بن جعفر (ع) وعن غيره من آبائه
وابنائه (ع) من قولهم كل مجهول ففيه القرعة فقلت له ان القرعة تخطئ وتصيب فقال (ع)
كل ما حكم الله به فليس بمخطئ .
وقد مر كلام
الشهيد (ره) ثبت عندنا قولهم كل مجهول فيه القرعة وعلى هذا فلا شبهة في ان الخبر
معتبر سندا.
قال في العوائد هذا الحديث يحتمل
معنيين ، أحدهما ، ان حكم الله لا يخطئ في القرعة أبدا ، والثاني : ان ما خرج
بالقرعة فهو حكم الله وان اخطأ القرعة فان الحكم ليس بخطاء انتهى.
وكيف كان فسيأتي
الكلام في دلالة الخبر مفصلا.
__________________
ومنها : ما أرسله
المقداد قال : " نقل عن أهل البيت (ع) كل امر مشكل فيه
القرعة" وتلقاه الأصحاب بالقبول ويذكرونه مستندا إليه في الكتب الاستدلالية
وضعفه سندا منجبر بالعمل ، والاستناد.
وعن السرائر ، واجماعهم على ان كل امر مشكل فيه القرعة ، وقال أيضاً في
باب سماع البينات ، وكل امر مشكل مشتبه الحكم ، فينبغي ان يستعمل فيه القرعة ، لما
روى عن الأئمة عليهمالسلام ، وتواترت به الآثار ، واجمعت عليه الشيعة الإمامية.
ويؤيده ما عن
دعائم الإسلام ، عن أمير المؤمنين ، وأبي جعفر ، وأبي عبد الله (ع) ،
انهم أوجبوا الحكم بالقرعة فيما أشكل .
وما عن عناوين
الأصول ص ١٢١ انه المنقول عن العامة ، فلا ينبغي التوقف في صدور هذه الجملة عن
المعصوم (ع).
ومنها : صحيح أبي
بصير عن الإمام الباقر (ع) بعث رسول الله (ص) عليا (ع) إلى اليمن فقال له حين قدم
حدثني بأعجب ما ورد عليك فقال يا رسول الله أتاني قوم قد تبايعوا جارية فوطأها
جميعهم في طهر واحد فولدت غلاما فاحتجوا فيه كلهم يدعيه فاسهمت بينهم فجعلته للذي
خرج سهمه وضمنته
__________________
نصيبهم فقال رسول
الله (ص) ليس من قوم تقارعوا ثم فوضوا امرهم إلى الله إلا خرج سهم المحق ونحوه صحيح عاصم بن حميد عن بعض أصحابنا عن الإمام الباقر (ع)
إلا انه قال ليس من قوم تنازعوا .
ومنها : ما عن
دعائم الإسلام قال أبو عبد الله (ع) وأي حكم في الملتبس اثبت من القرعة أليس
هو التفويض إلى الله جل ذكره ثم قال في الدعائم وذكر أبو عبد الله (ع) قصة يونس ...
وقصة ذكريا ... وذكر قصة عبد المطلب ... إلى ان قال وحكى أبو عبد الله هذه القصص
في كلام طويل .
ومنها : ما عن
الفقيه قال الصادق (ع) ما تنازع قوم ففوضوا أمرهم إلى الله عزوجل إلا خرج سهم المحق وقال أي قضية اعدل من القرعة إذا فوض
الأمر إلى الله أليس الله يقول (فَسَاهَمَ فَكَانَ
مِنْ الْمُدْحَضِينَ). . وهذا الخبر وان كان مرسلا لكنه من جهة ان الصدوق ينسبه
إلى الإمام جزما فمن قسم
__________________
المرسل الحجة ،
ونحوه ما عن فقه الرضا .
ومنها : صحيح
منصور بن حازم سأل بعض أصحابنا أبا عبد الله (ع) عن مسألة فقال هذه تخرج في القرعة
ثم قال فأي قضية اعدل من القرعة إذا فوضوا أمرهم إلى الله عزوجل أليس الله تعالى
يقول (فَسَاهَمَ فَكَانَ
مِنْ الْمُدْحَضِينَ) ولا يتوهم كونه مرسلا فان منصور ينقل بنفسه جواب الإمام.
ومنها : ما رواه
المفيد (ره) بإسناده عن عبد الرحيم قال سمعت أبا جعفر (ع) يقول ان عليا
(ع) كان إذا ورد عليه امر لم يجئ فيه كتاب ولم تجر فيه سنة رجم فيه يعنى ساهم
فأصاب ثم قال يا عبد الرحيم وتلك من المعضلات .
ومنها : صحيح جميل
قال الطيار لزرارة ما تقول في المساهمة أليس حقا فقال زرارة بلى هي حق فقال الطيار
أليس قد ورد انه يخرج سهم المحق قال بلى فقال فتعال حتى ادعي أنا وأنت شيئا ثم
نساهم عليه وننظر هكذا هو فقال له زرارة إنما جاء الحديث بأنه ليس من قوم فوضوا
أمرهم إلى الله ثم اقترعوا إلا خرج سهم المحق فاما على التجارب فلم يوضع على
التجارب فقال الطيار
__________________
أرأيت ان كانا
جميعا مدعيين ادعيا ما ليس لهما من اين يخرج سهم أحدهما فقال زرارة إذا كان كذلك
جعل معه سهم مبيح فان كانا ادعيا ما ليس لهما خرج سهم المبيح .
وهذا الصحيح مضافا
إلى انه يظهر منه تسالمهم على مشروعية القرعة متضمن لتصريح زرارة بورود الحديث
بذلك إلى غير ذلك من النصوص المطلقة ، واما الروايات الواردة في الموارد الخاصة
فكثيرة.
منها : ما ورد في
تعارض البينتين كصحيح داود بن سرحان عن الإمام الصادق (ع) في شاهدين شهدا على امر
واحد وجاء آخران فشهدا على غير الذي شهدا عليه (شهد الاولان) واختلفوا قال (ع)
يقرع بينهم فأيهم قرع عليه اليمين وهو أولى بالقضاء ورواه البصري بسند صحيح ، ونحوه صحيح الحلبي .
ومنها : ما ورد
فيما لو اشتبه الولد في كونه لعبد أو حر أو مشرك ففي صحيح الحلبي عن الإمام الصادق
(ع) إذا وقع الحر والعبد والمشرك على امرأة
__________________
في طهر واحد
وادعوا الولد اقرع بينهم وكان الولد للذي يقرع .
ومنها : ما ورد في
اشتباه الدابة ففي موثق سماعة عن الإمام الصادق (ع) ان رجلين اختصما إلى على (ع)
في دابة فزعم كل واحد منهما انها نتجت على مذوده (معتلف الدواب) واقام كل واحد
منهما بينة سواء في العدد فاقرع بينهما سهمين فعلم السهمين كل واحد منهما بعلامة
إلى ان قال فاسألك ان يقرع ويخرج سهمه فخرج سهم أحدهما فقضى له بها ونحوه غيره.
ومنها : ما ورد في
البينة على الزوجية ففي خبر داود بن أبي زياد العطار عن بعض رجاله عن أبي عبد الله
(ع) في رجل كانت له امرأة فجاء رجل بشهود ان هذه المرأة امرأة فلان وجاء آخران
فشهدا انها امرأة فلان فاعتدل الشهود وعدلوا فقال يقرع بينهم فمن خرج سهمه فهو
المحق وهو أولى بها .
ومنها : ما ورد في
الوديعة ففي خبر زرارة عن الإمام الباقر (ع) قال قلت له رجل شهد له رجلان بان له
عند رجل خمسين درهما وجاء آخران فشهدا بان له عنده مائة درهم كلهم شهدوا في موقف
قال اقرع بينهم ثم استحلف الذين
__________________
اصابهم القرع
بالله انهم يحلفون بالحق .
ومنها : ما ورد في
قضية الشاب الذي ذهب أبوه مع جمع إلى سفر ولم يرجع ففي خبر أبي بصير عن الإمام
الباقر (ع) في حديث : ان شابا قال لأمير المؤمنين ان هؤلاء النفر خرجوا بأبي معهم
في السفر فرجعوا ولم يرجع أبي فسألتهم عنه فقالوا مات فسألتهم عن ماله فقالوا ما
ترك مالا فقدمتهم إلى شريح فاستحلفهم وقد علمت ان أبي خرج ومعه مال كثير فقال أمير
المؤمنين (ع) والله لاحكمن بينهم بحكم ما حكم به خلق قبلي إلا داود النبي (ع) إلى
ان قال ثم ان الفتى والقوم اختلفوا في مال أبي الفتى كم كان فاخذ على (ع) خاتمه
وجمع خواتيم من عنده قال أجيلوا هذه السهام فايكم اخرج خاتمي فهو صادق في دعواه
لأنه سهم الله عزوجل وهو لا يخيب .
ونحوه في ذلك خبر
الاصبغ بن نباتة عن أمير المؤمنين (ع) .
ومنها : ما ورد في
من أوصى بعتق ثلث مماليكه ففي خبر محمد بن مروان عن الإمام موسى ابن جعفر (ع) عن
ابيه (ع) ان أبا جعفر مات وترك ستين
__________________
مملوكا فاعتق
ثلثهم فاقرعت بينهم واعتقت الثلث ورواه ابان.
ومنها : ما ورد في
الوصية بعتق ثلث العبيد ، لاحظ صحيح محمد بن مسلم عن الإمام الباقر (ع) عن الرجل
يكون له المملوكون فيوصى بعتق ثلثهم فقال (ع) كان على (ع) يسهم بينهم .
ومنها : ما ورد في
الخنثى المشكل ، لاحظ خبر الفضيل بن يسار عن الإمام الصادق (ع) عن مولود ليس له ما
للرجال ولا له ما للنساء قال (ع) يقرع عليه الإمام أو المقرع يكتب على سهم عبد
الله وعلى سهم أمة الله إلى ان قال ثم تطرح السهام في سهام مبهمة ثم تجال السهام
على ما خرج ورث عليه ونحوه غيره.
ومنها : ما ورد في
المملوك يعتق ويشتبه بغيره ، لاحظ خبر يونس في رجل كان له عدة مماليك فقال ايكم
علمني آية من كتاب الله فهو حر فعلمه واحد منهم ثم مات المولى ولم يدر ايهم الذي
علمه انه قال يستخرج بالقرعة .
ومنها : ما ورد في
اشتباه الغنم الموطوءة ففي صحيح العبيدي عن الرجل
__________________
(ع) انه سأل عن
رجل نظر إلى راع نزا على شاة قال (ع) ان عرفها ذبحها واحرقها وان لم يعرفها قسمها
نصفين أبدا حتى يقع السهم بها فتذبح وتحرق وقد نجت سايرها ونحوه غيره.
ومنها : ما ورد في
الوصية بعتق العبيد ففي الخبر ان رجلا من الأنصار اعتق ستة اعبد في مرض موته ولا
مال له غيرهم فلما رفعت القضية إلى رسول الله (ص) قسمهم بالتعديل واقرع بينهم
واعتق اثنين بالقرعة .
ومنها : ما ورد في
صبيين أحدهما حر والآخر مملوك واشتبه أحدهما بالآخر ، مثل ما رواه الشيخ بسنده عن حماد عن المختار قال دخل أبو حنيفة على أبي عبد
الله (ع) فقال له أبو عبد الله (ع) : ما تقول في بيت سقط على قوم فبقي منهم صبيان
أحدهما حر والآخر مملوك لصاحبه فلم يعرف الحر من العبد فقال أبو حنيفة يعتق نصف
هذا ونصف هذا ، فقال أبو عبد الله (ع) ليس كذلك ولكنه يقرع بينهما فمن أصابته
القرعة فهو الحر ويعتق هذا فيجعل مولى لهذا .
ومنها : غير ذلك
في الموارد الكثيرة التي ورد فيها النص على القرعة وعمل به الأصحاب.
__________________
الكلام حول مقدار دلالة الأدلة
واما مقدار دلالة
الأدلة وبيان ما يستفاد منها.
فملخص القول فيه
ان الشبهة ، قد تكون حكمية ، وقد تكون موضوعية.
وعلى كل تقدير ،
قد تكون بدوية ، وقد تكون مقرونة بالعلم الإجمالي.
وعلى جميع التقادير
، قد يكون المشتبه من حقوق الله ، وقد يكون من حقوق الناس ، وعلى كل تقدير ، قد
يكون له واقع معين في عالم الثبوت كالولد المردد بين الحر والمملوك ، وقد يكون لا
واقع معين له في عالم الثبوت كما لو قال إحدى زوجاتي طالق.
والمتيقن من بناء
العقلاء هو اعمال القرعة في مورد تزاحم الحقوق والموارد التي لا تكون الوظيفة
الظاهرية والواقعية محرزة ، كما ان القدر المتيقن من معقد الإجماع ذلك ، وكذلك
موارد اكثر النصوص.
واما المطلقات :
فقد يقال ان جملة منها ضعيفة السند ، وطائفة منها قاصرة الدلالة ، والعمدة رواية
محمد بن حكيم وما بمضمونها. وبعبارة أخرى : ما تضمن قولهم عليهمالسلام كل امر مجهول ففيه القرعة ، وهي لا إطلاق لها والمتيقن
منها مورد تزاحم الحقوق ، وذكر في وجه ذلك أمرين :
الأول : ان صدرها
غير مذكور ، إذ السؤال لم يكن بهذا العنوان ، بل كان
__________________
عن شيء خاص لم
يذكر ، ولعله كان على نحو كان قرينة على صرف الجواب إلى مجهول خاص.
الثاني : ان كون
القرعة عقلائية مرتكزة في ذهن العرف موجب لصرف كل مجهول إلى المجهول في باب القضاء
وتزاحم الحقوق ، لا مطلقا خصوصا مع ورود تلك الروايات الكثيرة في ذلك بخصوصه.
ثم انه قال :
هاهنا احتمال آخر قريب بعد الدقة في الأدلة وكلمات الأصحاب ، وهو ان المراد من
المجهول ، والمشكل ، والمشتبه المأخوذة في الأدلة ، كل امر مشكل في مقام القضاء
ومشتبه على القاضي ، ومجهول فيه ميزان القضاء. فيرجع محصل المراد إلى ان المرفوعة
إلى القاضي إذا علم فيها ميزان القضاء أي كان لديه ما يشخص المدعي والمنكر ككون
أحدهما ذا اليد مثلا فليس الأمر مجهولا عنده ولا القضاء مشتبها ومشكلا ، واما إذا
كان الأمر الوارد عليه مجهولا بحسب ميزان القضاء ، لا بدَّ من التشبث بالقرعة
لتشخيص من عليه اليمين وتمييز ميزان القضاء ، لا لتشخيص الواقع.
وفي كلامه مواقع
للنظر
الأول : ما أفاده
من انه يمكن ان يكون السؤال على نحو كان قرينة على صرف الجواب إلى مجهول خاص.
فانه يرد عليه ان
الجواب لو كان مصدرا بالالف واللام ، كان ما أفاده تاما من جهة احتمال كونهما
للعهد ، فيكون الجواب مختصا بمورد السؤال غير المعلوم ، كما في قوله ارواحنا فداه
، اما الخمس فقد ابيح لشيعتنا ، فانه وقع جوابا عن سؤال غير معلوم ، فالجواب مختص
به ، واما الجواب الذي لا يكون
مصدرا بهما بل ذكر
بعنوان كل خصوصا مع اداة العموم فالسؤال كان عن أي شيء لا يصلح قرينة لصرف الجواب
، إذ المورد لا يكون مخصصا.
وبعبارة أخرى : ان
الصغرى والكبرى بينهما كمال الملاءمة ، فكيف يمكن ان تكون الصغرى قرينة على صرف
الكبرى عن ظاهرها.
الثاني : ما أفاده
من ان بناء العقلاء على اختصاصه بمورد خاص يصلح قرينة لصرف العام عن عمومه.
فانه يرد عليه
مضافا إلى انه على فرض التنافي ، دليل القرعة يكون رادعا عنه ، انه لا تنافي
بينهما فان بناء العقلاء على اعمال القرعة في مورد خاص ، ودليل القرعة دال على
اعمالها في موارد اكثر من ذلك المورد فلا تنافي بينهما كي يكون بناء العقلاء قرينة
لصرف العام عن عمومه.
الثالث : ما ذكره
من الاحتمال اخيرا.
فانه يرد عليه انه
احتماله ينافيه ظهور عموم قوله" كل مجهول ففيه القرعة" ، وورود روايات
اخر في اعمال القرعة في هذا المورد لا يصلح قرينة لحمل العام عليه.
اضف إلى ذلك كله
ما مر من روايات معتبرة اخر.
وللمحقق العراقي في المقام كلام ، وحاصله ، ان المأخوذ موضوعا لادلة القرعة
أمور ، المشكل ، المجهول ، المشتبه.
__________________
اما الأول :
فظاهره الاختصاص بالمبهمات المحضة التي لا تعين لها في الواقع ويستخرج بالقرعة ما
هو الحق كما في باب القسمة وباب العتق لو اعتق احد عبيده لا على التعيين فلا يشمل
كل مجهول ، ثم قال ان ابيت عن ذلك فهو عبارة عما يصعب حاله وما يتحير المكلف في
مقام العمل فلا يشمل أيضاً موارد الأصول الجارية في الشبهات لأنه بجريانها لا
صعوبة على المكلف ولا تحير له في مقام الوظيفة الفعلية.
واما العنوانان
الآخران الراجعان إلى مفاد واحد ، فهما لا يشملان الشبهات البدوية الموضوعية
والشبهات الحكمية مطلقا ، بل يختصان بالشبهات الموضوعية المقرونة بالعلم الإجمالي
: وذلك لظهور عنوان المشتبه في قوله" القرعة لكل امر مشتبه" ، في كونه
وصفا للشيء المعنون من جهة تردده بين الشيئين أو الأشياء ، لا وصفا لحكمه ، ولا
لعنوانه ليكون من قبيل الوصف بحال المتعلق ، فالشبهات الحكمية حيث تكون الشبهة
فيها في حكم الشيء لا في ذات الشيء خارجة عن مورد جريانها ، كما ان الشبهات
الموضوعية البدوية من جهة ان الشبهة فيها في انطباق عنوان ما هو موضوع الحكم
كالخمر ونحوها على الموجود الخارجي لا فيما انطبق عليه عنوان الموضوع فارغا عن
الانطباق في الخارج بكونه هذا أو ذاك فتكون خارجة عن موردها ، فتختص موردها
بالشبهة الموضوعية المقرونة بالعلم الإجمالي.
ثم ان الموضوع
المشتبه في تلك الموارد ، تارة يكون متعلقا لحق الله سبحانه ، وأخرى يكون متعلقا
لحق الناس ، اما الأول فمن جهة العلم الإجمالي بالتكليف الملزم واقتضائه بحكم
العقل الجزمي بلزوم الفراغ إذ الوظيفة ، هي الاحتياط في
جميع المحتملات ،
مع الامكان ، فلا تصل النوبة إلى القرعة ، لأنها لا توجب انحلال العلم الإجمالي
لتأخرها عنه ولا تثبت بدلية ما اصابته القرعة عن المعلوم بالإجمال ، أما إذا كان
متعلقا لحق الناس فان أمكن فيه الاحتياط فلا مجرى للقرعة أيضاً لما مر ، وإلا فهو
مورد القرعة.
والظاهر ان
الأصحاب عاملون بالقرعة فيما كان من هذا القبيل مما يتعلق بالحقوق والأموال.
وفي كلامه أيضاً
مواقع للنظر :
الأول : في ما
أفاده من ان المشتبه والمجهول ظاهران ، في كونهما وصفين بحال ذات الشيء.
فانه يرد عليه ان
الموصوف لم يذكر في الحديث والمأخوذ في المشتق هو ما يساوق الشيء من المفاهيم
العامة الصادقة على كل شيء كان هو الموضوع ، أو الحكم ، ولذلك بنينا على شمول رفع
ما لا يعلمون للشبهات الحكمية والموضوعية.
وعليه فكل شبهة
مشمولة لعموم الحديث كل مجهول ففيه القرعة.
الثاني : ما ذكره
من عدم شموله للشبهة الموضوعية.
فانه يرد عليه انه
لو سلم كون الموضوع للمجهول ذات الموضوع ، فبما ان موضوعات الأحكام هي العناوين
المنطبقة على الذوات كعنوان الخمرية ، وما شاكل ، فلو كان العنوان مجهولا يكون
مشمولا له ، وفي الشبهات الموضوعية البدوية يكون العنوان مجهولا.
الثالث : ما ذكره
من انه في الشبهات الموضوعية المقرونة بالعلم الإجمالي يكون العلم الإجمالي موجبا
للاحتياط إذا كان المشتبه من حقوق الله تعالى.
فانه يرد عليه :
ان العلم الإجمالي بالنسبة إلى وجوب الموافقة القطعية يكون مقتضيا ، لا علة تامة ،
فمع دليل القرعة المرخص في المخالفة الاحتمالية لا يصلح العلم الإجمالي للمنع عنه.
مع ان دليل القرعة
مثبت لجعل البدل أي بدلية بعض الأطراف عن المعلوم بالإجمال وفي مثل ذلك ، لا توقف
في انحلال العلم الإجمالي.
وقد أفاد المحقق
النائيني (ره) في مفاد دليل القرعة ان المستفاد من قوله (ع) "
القرعة لكل مشتبه أو مجهول" ، هو مورد اشتباه الموضوع بين الشيئين أو الأشياء
فيقرع بينهما لاخراج موضوع التكليف ، ولا معنى للقرعة في الشبهات البدوية فانه ليس
فيها إلا الاحتمالين ، والقرعة بين الاحتمالين خارج عن مورد التعبد بالقرعة :
والوجه في استفادة ذلك ان المتفاهم من عنوان القرعة هو ان يكون بين الموضوعات
المتعددة لابين الاحتمالين في موضوع واحد.
ولا اشكال في انه
إنما تجري القرعة فيما إذا كان الاشتباه في الموضوع الخارجي فالشبهات الحكمية ولو
المقرونة بالعلم الإجمالي خارجة عن مجراها : والوجه في ذلك ورود اخبار القرعة فيما
إذا كان الاشتباه في الموضوع ، ومن الموارد يستكشف ، ان مصب العموم هو خصوص
الموضوعات ولا يعم الأحكام.
__________________
وبعد ذلك كله اشكل
عليه الأمر من جهة ان لازم ذلك هو جريان القرعة في الشبهات الموضوعية المقرونة
بالعلم الإجمالي ، والاصحاب غير ملتزمين بذلك ، ولذا قال اخيرا ان تشخيص موارد
القرعة عن موارد الاحتياط والتخيير ، في حقوق الله تعالى وعن مورد قاعدة العدل
والانصاف في حق الناس في غاية الإشكال.
ويرد على ما أفاده
في وجه اختصاص مورد القرعة بالتردد بين الشيئين أو الأشياء : انه بعد تسليم عموم
المشتبه والمجهول لاوجه لاستفادة ذلك من عنوان القرعة ، فإنها عبارة عن إلقاء
السهام واستخراج السهم الاصوب.
مع انه لو سلم ذلك
لاوجه للاختصاص بالشبهات الموضوعية ، فان كون موارد النصوص خصوص الموضوعات لا يصلح
مقيدا للعموم سيما مع عدم كونه في تلك الموارد ، وعليه فبما انه في الشبهة الحكمية
المقرونة بالعلم الإجمالي أيضاً يكون التردد بين الشيئين أو الأشياء فلا بدَّ من
الالتزام بجريانها فيها.
بيان ما هو الحق في المقام
ونخبة القول في
المقام انه بعد ما لا شبهة في عدم جريان القرعة في الشبهة البدوية الحكمية مطلقا
ولم أر من احتمل ذلك بل تكرر في كلماتهم دعوى الإجماع عليه ، حتى قيل ان القول
بشمولها لها ينبغي ان يعد من المضحكات ، وإنما وقع الكلام في ان خروجها هل يكون من
باب التخصيص أو التخصص.
قد يقال ان
العناوين العامة الواردة في أدلة القرعة خمسة ، عنوان المجهول ،
وعنوان المشتبه ،
وعنوان المشكل ، وعنوان الملتبس ، وعنوان المعضلات.
والعناوين الثلاثة
الأول وان كان لها عموم بحسب المفهوم ، وتشمل جميع أنواع الشبهة.
ولكن التتبع في
الروايات وضم بعضها إلى بعض والتأمل في العلة المذكورة في جملة من الروايات وهو
قولهم عليهمالسلام (فأي قضية اعدل من
القرعة إذا فوضوا أمرهم إلى الله تعالى) وملاحظة العنوانين الآخرين وهما ، المشكل
، والمعضل ، يوجب الاطمئنان بان المراد من العناوين الخمسة هو المجهول والمشتبه
الذي في الشبهة الموضوعية المقرونة بالعلم الإجمالي إذا لم يكن طريق إلى إثباتها ،
وكان الاحتياط غير ممكن ، أو موجبا للعسر والحرج ، أو نعلم ان الشارع الأقدس لم
يوجب الاحتياط فيه ففي هذا المورد شرع القرعة.
ولا فرق فيه بين
كون المشتبه من حقوق الله أو حقوق الناس ، ولابين ان يكون له واقع معين ، وتكون
القرعة واسطة ، ودليلا في عالم الإثبات ، أو لم يكن له واقع معين في عالم الثبوت
والقرعة واسطة في الثبوت كما في قوله (احد عبيدي حر).
وفي مثل الغنم
الموطوءة المشتبهة في قطيع الغنم ، وان كان مقتضى القاعدة الأولية هو الاجتناب عن
الجميع ، ولكن الشارع الأقدس لم يوجب الاحتياط تحفظا على ان لا يضيع المال الكثير
الذي لا يتحمل عادة ، والمفروض انه لا يمكن تعيين الموطوءة ، فيصير معضلا ومشكلا
وحله بالقرعة ويدخل بذلك في الموضوع.
وأيضا لا فرق في
ذلك بين ان يكون في مورد وقوع المنازعة والمخاصمة ،
وما إذا لم يكن
هناك نزاع وخصومة في البين ، وان كان ادعى جماعة الإجماع على اعمال القرعة في
المورد الأول ، ولعله يكون ذلك من جهة ان الفقهاء تعرضوا لذكر القرعة في كتاب
القضاء في مسألة تعارض البينات.
ولذلك ترى ان
الأصحاب التزموا فيما لو كان واطئ الغنم المشتبهة هو صاحب الغنم ، وعلى الجملة
المستفاد من أدلة القرعة بعد ضم بعضها إلى بعض ان مورد القرعة الشبهة الموضوعية
المقرونة بالعلم الإجمالي الذي لا يمكن فيه الاحتياط ، أو لا يجوز ، أو لا يجب ،
ولم يكن هناك اصل أو أمارة موافق للعلم الإجمالي كي يوجب انحلاله ويصير المورد
بذلك في المعضلات.
وإليه أشار الإمام
أبو جعفر (ع) في خبر عبد الرحيم القصير المتقدم بعد ما قال كان على (ع) إذا ورد
امر ما نزل به كتاب ولا سنة قال رجم فاصاب (وهي المعضلات) أو (وتلك المعضلات) إذ الموضوعات الكلية حكمها في الكتاب والسنة موجود ، وكذلك
الشبهة البدوية قد بين حكمها في الكتاب والسنة إذ القواعد المجعولة للشك مستوعب
لجميع الشكوك البدوية ، وكذلك العلم الإجمالي الواجب فيه الاحتياط بحكم النصوص ،
فلا محالة يكون المراد ما ذكرناه من الضابط لمورد القرعة.
ولو اغمضنا النظر
عما ذكرناه وسلمنا ان مقتضى إطلاق الأدلة جريان القرعة في جميع موارد الشبهة كانت
مقرونة بالعلم الإجمالي أم كانت الشبهة
__________________
بدوية ، وعلى
الجملة سلمنا ان الدليل عام شامل لكل مشتبه ومجهول.
فلا اشكال في انه
خرج عن تحت عموم الأدلة الشبهات البدوية المجعول فيها الأصول من الاستصحاب ،
وقاعدة الحل ، والطهارة وما شاكل.
والمقرونة بالعلم
الإجمالي إذا كان المشتبه متعلقا لحق الله تعالى لما تقدم في وجه تنجيز العلم
الإجمالي واقتضائه لوجوب الموافقة القطعية ، إذ قد عرفت ان وجهه النصوص الخاصة ،
والنسبة بين هذه الأدلة ، ودليل القرعة عموم مطلق فتقدم عليه.
واما في العلم
الإجمالي في مورد حق الناس فان كان من قبيل دوران الأمر بين ان يكون مال لشخص ، أو
لآخر كان موردا لقاعدة العدل والانصاف ، المقتضية للتنصيف أو التثليث أو ... على
اختلاف الموارد ، وإلا فان امكن الاحتياط التام يلحق بما إذا كان من حقوق الله
تعالى ، وإلا فهو مورد للقرعة.
وان قلت ان لازم
ذلك تخصيص الأكثر المستهجن فيستكشف من ذلك ان العام كان محفوفا بقرائن وقيود لم
تصل الينا فلا يجوز التمسك به إلا في مورد عمل الأصحاب على طبقها.
قلت : انه لو سلم
ذلك فإنما هو في الخبر" كل مجهول ففيه القرعة" ، واما بناء العقلاء ،
واجماع الأصحاب ، والنصوص العامة الأخر المتضمنة انها في كل مشكل أو ملتبس ،
والنصوص الخاصة الواردة في الموارد الخاصة المستفاد منها الكبرى الكلية ، فهي تدل
على اعمال القرعة في كل مورد التبس الأمر ولم تكن الوظيفة الظاهرية ولا الواقعية
معلومة ، اما دلالة الاولين فواضحة ، واما الثالثة فلان المشكل والملتبس إنما هما
ظاهران في ذلك ، واما الرابعة ، فلإلغاء
الخصوصية مضافا
إلى ما فيها من القرائن المستنبطة منها هذه الكلية.
فالمتحصّل اختصاص
جريان القرعة بمورد الشبهة التي لا تجرى فيها الأصول من الاستصحاب وغيره ، ولا
يكون موردا لقاعدة العدل والانصاف ، ولا الاحتياط ، والالتزام بهذه الكلية لا
يترتب عليه محذور.
لا يقال انه من
جملة موارد القرعة اشتباه الغنم الموطوءة ، وهناك يمكن الاحتياط.
فانه يقال أولا قد
تقدم وجه ادخاله في مورد تزاحم الحقوق ، وثانيا : انه تعبد في مورد خاص لا بأس
بالالتزام به.
ثم انه بعد ما
عرفت من مشروعية القرعة ، لبناء العقلاء ، واتفاق الأصحاب ، والروايات العامة ،
والخاصة ، ومقدار دلالتها ، ومورد جريانها ، فتنقيح القول في المقام يستدعي بيان
أمور :
هل القرعة من الأمارات أو الأصول
الأمر الأول : هل
القرعة من الأمارات المثبتة للواقع ، أم هي من الأصول بمعنى انها وظيفة مجعولة
ظاهرية عند الالتباس والاشكال وجهان.
لا اشكال في انها
لدى العقلاء ليست أمارة مثبتة والبناء عليها عندهم إنما هو لرفع الخصومة والنزاع
والتحير.
كما لا اشكال في
انه ليس فيها ملاك الطريقية فان مطابقتها للواقع إنما
تكون اتفاقية ،
فلا طريقية ناقصة لها ولا كاشفية ، وقد ثبت في محله ان ما حاله كذلك يستحيل تتميم
كشفه وجعله طريقا كالشك.
إلا ان ظاهر جملة
من نصوصها ، ان طريقيتها واقعية بتسبيب الشارع الأقدس الناظر إلى الواقع ، إلى
وقوع السهم على الحق لاحظ قوله (ع) في خبر محمد بن حكيم المتقدم جوابا لقول السائل
ان القرعة تخطئ وتصيب كل ما حكم الله به لا تخطئ ، وقوله (ع) في مرسل الصدوق
المتقدم عن الإمام الصادق (ع) ما تنازع قوم ففوضوا امرهم إلى الله عزوجل إلا خرج سهم المحق ، وقوله (ع) في خبر داود بن يزيد
المتقدم ، يقرع بينهم فمن خرج سهمه فهو المحق.
وما رواه عثمان بن
عيسى عن بعض اصحابه عن أبي عبد الله (ع) قال ان الله تبارك وتعالى أوحى إلى موسى (ع)
ان بعض أصحابك ينم عليك فاحذره فقال يا رب لا اعرفه اخبرني حتى اعرفه فقال يا موسى
عبت عليك النميمة وتكلفني ان أكون نماما فقال يا رب وكيف اصنع قال الله تعالى فرق
أصحابك عشرة عشرة ثم تقرع بينهم فان السهم يقع على العشرة التي هو فيهم ثم تفرقهم
وتقرع بينهم فان السهم يقع عليه قال فلما رأى الرجل ان السهام تقرع قام فقال يا
رسول الله أنا صاحبك لا والله لا أعود .
وصحيح جميل قال :
قال الطيار لزرارة ما تقول في المساهمة أليس حقا؟
__________________
فقال : زرارة بلى
هي حق ، فقال : الطيار أليس قد ورد انه يخرج سهم المحق؟
قال : بلى ، قال :
فتعال حتى ادّعي أنا وأنت شيئا ثم تساهم عليه وتنظر هكذا هو؟
فقال : زرارة إنما
جاء الحديث بأنه ليس من قوم فوضوا أمرهم إلى الله ثم اقترعوا إلا خرج سهم المحق ،
فاما على التجارب فلم يوضع على التجارب.
فقال الطيار : أرأيت
ان كانا جميعا مدعيين ادعيا ما ليس لهما من اين يخرج سهم أحدهما؟
فقال زرارة إذا
كان كذلك جعل معه سهم مبيح الحديث .
ومورد الاستدلال
به نقلهما الحديث عن المعصوم (ع) لافهمهما كي يقال انه ليس حجة.
وبالجملة المتتبع
في النصوص والمتدبر فيها يراها متفقة على ان القرعة من الأمارات بالمعنى الذي
ذكرناه.
__________________
القرعة ليست وظيفة شخص خاص
الأمر الثاني : في
بيان ان القرعة هل يجوز لكل احد اعمالها؟ ، أم هي وظيفة شخص خاص؟
المشهور بين
الأصحاب هو الأول ، بل في عوائد النراقي (قدِّس سره) دعوى الإجماع عليه ، وهو مقتضى بناء العقلاء.
واما العمومات
فظاهرها ورودها في مقام بيان موردها ولا إطلاق لها من جهات اخر لاحظ قوله (ع) في
خبر محمد بن حكيم كل مجهول ففيه القرعة ، فلا يستفاد منها شيء منهما
إلا ان مقتضى جملة
من النصوص عدم اعتبار مقرع خاص ، ففي مرسل الصدوق المتقدم" ما يقارع قوم
فوضوا امرهم إلى الله إلا ما خرج سهم المحق".
وقريب منه ، ما في
صحيح الجميل المتضمن لمباحثة الطيار وزرارة ، وما في خبر عباس بن الهلال عن الإمام
الرضا (ع) فان ظاهرها العموم لكل قوم.
وفي صحيح الفضيل
عن أبي عبد الله (ع) عن مولود ليس له ما للرجال
__________________
ولا ما للنساء قال
(ع) يقرع الإمام ، أو المقرع الحديث .
فان عطف المقرع
على الإمام ظاهر أو صريح في ذلك ، وفي خبر أبي بصير المتقدم المتضمن لقصة الشاب
الذي خرج أبوه مع قوم ثم جاءوا يشهدون بموته اجعلوا بهذه السهام فايكم اخرج خاتمي
فهو صادق ، حيث امر القوم بإجالة السهام والاخراج.
ويؤيده قول الطيار
في صحيح جميل المتقدم ـ ثم تساهم عليه ـ وجواب زرارة بما أجاب ولم يقل بان
المساهمة وظيفة الإمام.
وبازاء ما ذكر
روايتان :
احداهما : مرسلة
حماد المتقدمة عن أحدهما (ع) القرعة لا تكون إلا للإمام.
ثانيتهما : رواية
يونس في رجل كان له عدة مماليك فقال ايكم علمني آية في كتاب الله فهو حر فعلمه واحد
منهم ثم مات المولى ولم يدر أيهم الذي علمه الآية هل يستخرج بالقرعة قال (ع) نعم
ولا يجوز ان يستخرجه احد إلا الإمام فان له كلاما وقت القرعة ودعاء لا يعلمه سواه
ولا يقتدر عليه غيره .
ولكن يرد عليهما ـ
مضافا ، إلى ان الأول مرسل ، والثاني : غير مستند إلى
__________________
المعصوم ولعله من
قول يونس ، ومضافا إلى إعراض الأصحاب عنهما ـ انهما لمعارضتهما مع النصوص المتقدمة
لا بدَّ من طرحهما لان جملة من المرجحات فيها كما لا يخفى.
وقد جمع المحدث
الكاشاني (ره) بين الطائفتين ، بحمل ما دل على الاختصاص بالإمام ، على ما
إذا كان الأمر فيما يقرع عليه متعينا في الواقع كما في قضية تعليم الآية ، وحمل ما
دل على العموم على ما إذا لم يكن متعينا واريد التعيين بالقرعة.
وفيه : انه جمع
تبرعي لا شاهد له ، اضف إليه ان الوقائع في كثير من العمومات ، بل ما صرح فيه
بمباشرة غير الإمام ، من القسم الأول راجع الأخبار.
وللمحقق النراقي في المقام كلام ، وحاصله : انه من المحتمل ان يكون المراد
من روايات الاختصاص ان اختيار القرعة بيد الإمام ، فتصدى اعمالها من إذن له عاما
أو خاصا ، وان للقرعة نوع اختصاص به كمنصب القضاء ، وبه تخرج الروايتان عن الشذوذ
، لان اكثر الفقهاء قائلون باختصاص القرعة بالإمام أو نائبه الخاص أو العام ، ولا
ينافيهما أيضاً النصوص الأخر لظهور اختصاص الوالي والمقرع بمن عينه الإمام ،
لتولية الأمر ونصبه للقرعة وكذا ما امر فيه الإمام بالقرعة واجالة السهام.
__________________
ثم قال (قدِّس سره)
انه لو قطع النظر عن ذلك وحملنا الروايتين على ارادة مباشرة امام الأصل بنفسه
فيكونان أعمّين مما ذكر مطلقا ، لان مقتضاهما عدم كون القرعة ، وعدم جوازها لأحد
إلا الإمام ، ومقتضى ما ذكر جوازها لمن ولاه مطلقا أو على القرعة ، أو أذن له
بخصوصه أيضاً فيجب تخصيصهما بذلك ، ولا ينافيه قوله في رواية يونس ان له كلاما
ودعاء لا يعلمه غيره ولا يقتدر عليه غيره ليختص به أو بمن علمه ، ولذا ذكر الدعاء
للمقرع أيضاً في روايته وذكر الدعاء في روايات اخر أيضاً ، ثم بعد تخصيص الروايتين
بالإمام أو المأذون منه وخروجهما عن حيز الشذوذ يجب تخصيص العمومات أو المطلقات
بذلك أيضاً.
ولذلك كله يبنى
على ان القرعة إنما هي وظيفة الإمام أو نائبه الخاص أو العام إلا ما خرج بالدليل.
وفيه : ان
الاحتمال المذكور خلاف ظاهر الروايتين بل صريحهما لاحظ قوله في خبر يونس ، ولا
يجوز ان يستخرجه احد إلا الإمام ، سيما مع قوله في ذيله ، ولا يقتدر عليه ، أي على
الدعاء لا على انشائه ، غيره.
واما ما أفاده
ثانيا من انه على فرض تسليم ظهور الروايتين في ارادة مباشرة إمام الأصل يكونان
أعمّين من ما ذكر مطلقا.
فيرد عليه انهما
على ذلك التقدير يدلان على الاختصاص به (ع) فهما
__________________
يعارضان مع ما دل
على عدم الاختصاص ، والتوجيه بما أفاده لتدخل في العام والخاص ليس جمعا عرفيا ، مع
انه قد عرفت ان جملة من النصوص ظاهرة في جواز تصدى اعمالها لكل احد لا خصوص
المأذون من قبله فالأظهر عدم الاختصاص به (ع) ، ولا به وبنوا به.
حول لزوم القرعة وجوازها
الأمر الثالث : قد
عرفت من مطاوي ما ذكرناه ان للقرعة موردين :
١ ـ ماله واقع
معين.
٢ ـ ما ليس له ذلك
، فهل اعمالها في الموردين لازمة ، ويتعين بناء الأمر عليها ، أم يجوز العدول عنها
إلى غيرها وتكون جائزة ، أم فرق بين الموردين ، أم هناك تفصيل آخر وجوه :
وملخص القول فيه
انه في المورد الأول : قد يكون التعيين واجبا ، كما إذا وجب رفع التنازع أو دفع
الضرر أو ما شابه ولم يكن طريق آخر إليه وجب الاقراع لتوقف الواجب عليه ، وإلا فلا
يجب لعدم الدليل عليه والأصل عدمه.
وفي المورد الثاني
: قد يجب التعيين كما في ما لو اعتق عبيده في مرض موته ولا مال سواهم ، وبنينا على
ان منجزات المريض من الثلث ، فانه ينعتق حينئذ مع عدم إذن الورثة ثلثهم فلا بدَّ
من تعيين الثلث بالقرعة ولا طريق غيرها ، فان ترجيح عبد على غيره بلا مرجح ،
وإيكاله إلى اختيار الوصي مثلا بلا وجه.
وان لم يجب
التعيين ، كتقدم احد المتعلمين في العلم ، أو تقديم إحدى
المتمتعتين في
الليلة فلا تجب القرعة أيضاً.
ثم انه بعد اعمالها
، هل هي لازمة لا يجوز التخلف عنها أو جائزة.
لا اشكال في ان ما
كان من القسم الأول تكون لازمة لا يجوز التخلف عن مقتضاها ، لما في النصوص
المتقدمة من ان الحق يستخرج بالقرعة ، وأنها سهم الله ، وسهم الله لا يخطئ ، وما
شاكل من التعبيرات ، فانه لا يجوز التخطي عما هو الحق.
واما ما كان من
القسم الثاني ، فقد يتوهم عدم لزومه نظرا إلى استصحاب عدم التعيين.
ولكن بعد تعيين
الحق فيما عينه القرعة مقتضى استصحاب بقاء حق المحكوم له لزومه أيضاً ولا يخفى
وجهه.
بيان النسبة بين القرعة والاستصحاب
الأمر الرابع : في
بيان النسبة بين القرعة والاستصحاب.
ونخبة القول فيه ،
انه ان قلنا بعموم دليل القرعة لكل مجهول ، تكون النسبة بينهما عموما مطلقا ، فانه
عام لكل مجهول ودليل الاستصحاب مختص بما كان له حالة سابقة فيخصص دليلها بدليله.
فان قيل انها على
فرض اماريتها تكون حاكمة على الاستصحاب.
اجبنا عنه بان
اماريتها غير أمارية سائر الأمارات فانه في سائر الموارد تكون الأمارة ثابتة مع
عدم فعل من احد ، وفي القرعة ما لم يقرع لا تكون الأمارة
متحققة ، وعليه
فإذا قدم دليل الاستصحاب وتكون للاخصية لا يبقى لاعمالها مورد ، ومعه لا تجرى حتى
تعارض الاستصحاب وتكون حاكمة عليه.
وعلى القول الآخر
الذي اخترناه على فرض سقوط العام عن حجيته في العموم ، فلا تماس بينهما ، كي
يتعارضان ، لان مورد القرعة هو ما لم تكن الوظيفة معلومة ولم يكن طريق إلى حل
العقدة ، كان في باب القضاء أو غيره ، وعليه فمع جريان الاستصحاب لا مورد لها ،
فيكون تقدمه على القرعة بالتخصص كما أفاده الشيخ الأعظم.
ولكن المحقق
الخراساني أفاد في وجه تقديم الاستصحاب ما يظهر منه اختياره ورود
الاستصحاب عليها ، من جهة ان موضوع القرعة هو المجهول بقول مطلق لا في الجملة ،
ومع جريان الاستصحاب يكون المورد بعنوان كونه على يقين منه سابقا معلوم الحكم.
وفيه : ان موضوع
الاستصحاب أيضاً الشك بقول مطلق ، ومع اعمال القرعة يصير معلوم الحكم بذلك العنوان
، فكل منهما يصلح لان يكون رافعا لموضوع الآخر وهذا هو معنى التعارض.
وقد يقال كما عن
المحقق النائيني (ره) انه لا مورد لنا يجري فيه الاستصحاب ، والقرعة حتى يلاحظ
النسبة بينهما ، لان القرعة مختصة بموارد
__________________
اشتباه موضوع التكليف
، وتردده بين أمور متباينة ، وفي تلك الموارد لا يجري الاستصحاب : للعلم الإجمالي
، ولا مورد لها في الشبهات البدوية التي هي مجرى الاستصحاب ، لأنه ليس فيها إلا
احتمالان في موضوع واحد.
وفيه : مع الإغماض
عما أفاده في مفاد أدلة القرعة ، انه لا يختص أدلة الاستصحاب بموارد الشبهات
البدوية ، بل إنما يجري في المقرونة بالعلم الإجمالي ما لم يسقط بالتعارض ـ مثلا ـ
في الحادثين المعلوم تاريخ أحدهما المجهول تاريخ الآخر كما في عقد الوكيلين المرأة
، لرجلين ، وجهل تاريخ أحدهما : فانه على مبناه يجري الاستصحاب في خصوص مجهول
التاريخ فيقع التعارض بينه وبين القرعة وكم له نظير في الفقه.
بل موارد العلم
الإجمالي بين الشخصين في باب الحقوق والأموال كلها يجري فيها الاستصحاب ، ولا يسقط
بالتعارض بالاستصحاب في الآخر ، فيقع التعارض بينه وبين القرعة.
فالصحيح ما
ذكرناه.
هذا تمام الكلام في
المهم من مباحث القرعة.
والحمد لله أولا
وآخرا.
* * *
خاتمة
مقاصد علم الأصول
في
التعادل والترجيه
وفيه موارد :
خاتمة في التعادل والترجيح
والأوْلى كما
أفاده المحقق النائيني (ره) تبديل العنوان ، بالتعارض ، فان التعادل والترجيح من
الاوصاف والحالات اللاحقة للدليلين المتعارضين ، فجعل العنوان المقسم انسب.
وكيف كان فلا
اشكال في ان مسألة التعادل والترجيح من اهم المسائل الأصولية ، وليست من المسائل
الفقهية ، ولا من المبادئ ، لوقوعها في طريق استنباط الأحكام الشرعية ، بل عليها
يدور رحى الاستنباط ، فلا وجه لتطويل الكلام في ذلك.
بل الأولى صرف
عنان الكلام إلى ما هو اهم من ذلك في مباحث :
المبحث الأول : في
تعريف التعارض ، وبيان الفرق بينه وبين التزاحم ، وبيان ما يعتبر في التعارض ، وفي
تعارض العامين من وجه ، فالكلام في موارد :
تعريف التعارض
المورد الأول :
المشهور بين الأصحاب في تعريف التعارض ، انه عبارة عن تنافي مدلولي الدليلين على
وجه التناقض ، أو التضاد.
__________________
وبذلك عرفه الشيخ
الأعظم ، والمحققون المتأخرون عنه منهم المحقق النائيني .
وخالفهم المحقق
الخراساني قال في الكفاية التعارض هو تنافي الدليلين أو الأدلة بحسب الدلالة ومقام
الإثبات على وجه التناقض أو التضاد حقيقة أو عرضا انتهى.
وملخص القول في
المقام ، انه لا اشكال ولا كلام في ان الدالين بما هما دالان لا تنافي بينهما ،
وإنما التنافي بينهما عرضى باعتبار التنافي بين المدلولين.
واما المدلولان ،
فالتنافي بينهما أيضاً ، ليس ذاتيا ، فان المدلول المنشأ أي الحكم امر اعتباري ،
والاعتبار خفيف المئونة ، لا تنافي بين فردين منه.
بل التنافي بينهما
إنما يكون من ناحية مبدأهما من المصلحة والمفسدة ـ والارادة والكراهة ـ أو
منتهاهما من اقتضائهما ، الفعل أو الترك كما مر تحقيق ذلك في الجمع بين الحكم
الواقعي والظاهري ، ولكن تنافي المبدأين أو المنتهيين واسطة لثبوت التنافي بين
الحكمين المدلولين بالنسبة إلى المولى الحكيم ، وهو واسطة في عروض التنافي على
الدالين ، وعلى ذلك فدعوى ان التنافي بين المدلولين حقيقي ، دون التنافي بين
الدالين ، في محلها.
__________________
ثم ان التعارض ان
كان بمعنى التنافي ، تعين تعريفه بما عن المشهور ، ولكن الظاهر انه اخص منه فانه
من باب العرض بمعنى الاظهار ، ومنه عرض المتاع للبيع ، فيكون التعارض بمعنى اظهار
كل من المتعارضين نفسه في مقابل الآخر ، ولذا لو قام خبر عدل على وجوب شيء ، وخبر
فاسق على عدم وجوبه ، لا يكون من باب التعارض فان خبر الفاسق غير الحجة لا يظهر
نفسه ، في مقابل خبر العادل ، وعليه : فالتعارض هو تنافي الدليلين في مقام الدلالة
فالحق مع المحقق الخراساني.
المورد الثاني :
التعارض بين الدليلين قد يكون لعدم إمكان اجتماع مدلوليهما ، كما إذا دل أحدهما
على وجوب شيء والآخر على عدم وجوبه ، وقد يكون لأجل العلم الخارجي بعدم ثبوت
مدلوليها ، كما لو دل خبر على وجوب صلاة الجمعة والآخر على وجوب الظهر ، فانه لا
تنافي بين المدلولين إلا بواسطة العلم بعدم وجوبهما معا في يوم الجمعة وبواسطة هذا
العلم يقع التعارض بين الدليلين وكل منهما بمدلوله الالتزامي ينفي الآخر ، ويظهر
نفسه في مقابل الآخر.
المورد الثالث :
قد ذكر المحقق النائيني (ره) شرطين آخرين لصدق عنوان التعارض.
أحدهما : كون كل
من الدليلين حجة في نفسه فلو كان أحدهما حجة دون الآخر واشتبه الحجة باللاحجة لم
يكن ذلك من باب التعارض.
__________________
وهذا متين فان
التعارض كما مر اظهار كل منهما نفسه في مقابل الآخر ، فإذا كان في الواقع أحدهما
حجة دون الآخر لم يكن إلا شيئا واحدا ، لا اثنان كي يظهر كل منهما نفسه وهذا واضح.
ثانيهما : ان
يمتنع اجتماع مدلوليهما ثبوتا في عالم التشريع والجعل ، سواء أكان التكاذب بينهما
ابتداء كما إذا تنافى مدلوليهما ذاتا ، أو كان التكاذب لامر خارج ، كما في الخبرين
الدال أحدهما على وجوب الجمعة ، والآخر على وجوب الظهر ، فانه من جهة العلم بعدم
وجوب احداهما يقع التكاذب بينهما ، فكل منهما بمدلوله الالتزامي ينفى ما يثبته
الآخر ، واما لو علم بعدم تشريع مؤدى احد الدليلين ، مع إمكان جعلهما ثبوتا ولم
يكن أحدهما مربوطا بالآخر ، كما إذا كان مؤدى أحدهما وجوب الدعاء عند رؤية الهلال
، ومؤدى الآخر وجوب دية الحر في قتل العبد المدبر ، وعلم بعدم ثبوت أحدهما ، فهو
ليس من باب التعارض لعدم امتناع اجتماع مدلوليهما ثبوتا في عالم الجعل والتشريع ،
بل هو من باب اشتباه الحجة باللاحجة.
وفيه : ان محل
البحث ما لو كان كل منهما واجدا لشرائط الحجية في نفسه ، والعلم بمخالفة مضمون
أحدهما للواقع بعد فرض احتمال اصابة كل منهما في نفسه لا يوجب عدم حجية أحدهما :
فلا محالة يقع التعارض بينهما ، بمعنى ان كلا منهما بضميمة العلم المزبور ينفى
بدلالته الالتزامية ما يثبته الآخر.
وبالجملة لم يظهر
لي الفرق بين هذا المورد والمورد الذي يكونان مربوطين والتنافي بينهما كان لامر
خارج ، كما في مثال الجمعة والظهر : فانه في ذلك المورد
ان كان مفاد كل من
الدليلين ان الصلاة الواحدة الواجبة في يوم الجمعة ، ما تضمنه من الظهر أو الجمعة
كان التنافي بينهما ذاتيا ، واما ان كان مفاد كل منهما وجوب ما تضمنه بلا نظر له
إلى الآخر كان ذلك مثل هذا المورد بلا تفاوت بينهما.
الفرق بين التعارض والتزاحم
المورد الرابع :
في الفرق بين التعارض والتزاحم ، فقد اختار المحقق الخراساني ان التزاحم إنما يكون فيما إذا ثبت الملاكان للحكمين
المتنافيين ، ولو في مورد واحد ومحل فارد كالصلاة في الدار المغصوبة بناءً على
انطباق العنوانين على مورد واحد.
واما التعارض فهو
إنما يكون فيما أحرز ان المناط في أحدهما دون الآخر ، وطريق إحراز ذلك موكول إلى
محله.
وفيه : ان ثبوت
الملاكين في محل واحد غير معقول ، إذ لا محالة يقع الكسر والانكسار بينهما ، فاما
ان يغلب أحدهما فهو الملاك دون المغلوب ، وإلا فلا يصلح شيء منهما لأن يكون منشأ
الحكم وملاكه.
__________________
والمحقق النائيني (ره)
افاد في مقام الفرق بينهما ـ بما حاصله ـ ان التعارض إنما يكون في مرحلة
الجعل والتشريع بحيث يمتنع تشريع الحكمين ثبوتا ، واما التزاحم فعدم إمكان اجتماع
الحكمين في مورده ، ليس في مقام الجعل والتشريع ، بل في ذلك المقام بينهما كمال
الملاءمة ، وإنما يكون المزاحمة في مقام الفعلية بعد تحقق الموضوع خارجا من جهة
عدم القدرة على الجمع بينهما في مقام الامتثال ، فيقع التزاحم بينهما لتحقق القدرة
على امتثال أحدهما ، فيصلح كل منهما لان يكون تعجيزا مولويا عن الآخر ، ورافعا
لموضوعه.
وفيه : انه كما
يكون عدم ثبوت الملاكين موجبا لامتناع جعل الحكمين للمولى الحكيم فيقع التنافي بين
الحكمين في مقام الجعل ، كذلك يكون عدم القدرة على امتثال الحكمين موجبا لعدم
إمكان جعلهما معا بناءً على شرطية القدرة للتكليف ، لاقتضاء جعلهما المحال ، وما
يقتضي المحال محال فالتنافي بين المتزاحمين أيضاً يكون في مقام الجعل والتشريع لا
في مقام الفعلية.
وبعبارة أخرى : ان
كانت القدرة شرطا للتكليف فالتنافي بينهما يكون في مقام الجعل ، وإلا ، فلا تنافي
بينهما حتى في مقام الفعلية ، لان عدم فعلية الحكم مع تحقق موضوعه خارجا يشبه بعدم
وجود المعلول ، مع وجود علته.
فالصحيح ان يقال
ان التزاحم وان كان يشترك مع التعارض ، في عدم إمكان جعل الحكمين ، وان التمانع
بينهما يكون في الجعل والتشريع ، إلا ان عدم الامكان في باب التعارض إنما يكون من
جهة المبدأ وعدم إمكان اجتماع
__________________
المصلحة والمفسدة
الغالبتين ، أو عدم ثبوتهما ، وفي باب التزاحم يكون من جهة المنتهى وعدم إمكان
امتثالهما.
ثم ان تفصيل القول
في بيان حقيقة التزاحم وما يرجع إليه من المباحث ومرجحات بابه وما شاكل موكول إلى
محله في مبحث الضد وقد استوفينا البحث في ذلك ، وإنما المقصود هنا الإشارة
الاجمالية إلى حقيقته ، وما به يمتاز عن التعارض الذي هو محل البحث.
ضابط الحكومة ، ووجه تقديم الحاكم
المورد الخامس :
يعتبر في التعارض ان لا يكون احد الدليلين حاكما على الآخر ، ولا يكون أحدهما
قرينة على التصرف في الآخر ، واضاف المحقق الخراساني اليهما ، ان لا يكون بينهما
التوفيق العرفي .
فالكلام في جهات :
١ ـ ما إذا كان
بين الدليلين حكومة بان كان أحدهما حاكما على الآخر.
٢ ـ ما إذا كان
بينهما التوفيق العرفي ذكره المحقق الخراساني (ره).
٣ ـ ما إذا كان
أحدهما قرينة على التصرف في الآخر فإنه يقدم ظهور القرينة على ظهور ذي القرينة ولا
يلاحظ النسبة بينهما.
__________________
اما الجهة الأولى
: ففي الكفاية بعد تعريف التعارض بأنه تنافي الدليلين أو الأدلة بحسب
مقام الإثبات والدلالة.
وعليه فلا تعارض
بينهما بمجرد تنافي مدلوليهما إذا كان بينهما حكومة رافعة للتعارض والخصومة انتهى.
ويرد على ما أفاده
انه ـ بناءً على المختار في تعريف التعارض من انه عبارة عن تنافي مدلولي الدليلين
أيضاً ـ لا تعارض بين الحاكم والمحكوم : إذ المحكي والواقع غير مدلول الدليل بهذا
العنوان ، فالتنافي بين المحكيين والواقعيين وان كان ثابتا في الحاكم والمحكوم ،
إلا انه بين المدلولين العنوانيين لا تنافي مثلا إذا لوحظ قوله" لا شك لكثير
الشك" ، مع أدلة الشكوك : فتارة يلاحظ اللب والواقع. وأخرى يلاحظ المدلول
العنوانى بما هو كذلك.
فعلى الأول يكون
التنافي ثابتا إذ ليس مفاد الأول بحسب الواقع إلا رفع الحكم الثابت بعموم أدلة
الشكوك. وعلى الثاني بما ان لسانه نفي الموضوع فلا تنافي بينه وبين ما تضمن إثبات
حكم على تقدير وجود الموضوع ، فعلى التعريفين لا تعارض بين الحاكم والمحكوم.
واما ضابط الحكومة
فحيث انها ليست مدلول دليل لفظي ، فلا وجه للنزاع في مفهومها سعة وضيقا ، بحسب
المتفاهم العرفي ، بل لا بدَّ من الرجوع إلى دليل تقديم الحاكم وملاحظة مقدار ما
يقتضيه ذلك الدليل ، سعة وضيقا وانتزاع جامع لتلكم الموارد ، وجعله ضابطا لها.
__________________
وعلى ذلك ، فتنقيح
القول في المقام إنما هو بالبحث أولا في بيان الضابط المذكور ثم في وجه التقديم.
اما الأول :
فضابطها ، ان يكون احد الدليلين ناظرا إلى الدليل الآخر ، أو صالحا لذلك.
اما بالتصرف في
موضوعه سعة كقوله (ع) " الفقاع خمرة" بالنسبة إلى دليل حرمة الخمر ، أو ضيقا ، كقوله (ع) " لا شك لكثير الشك" ، بالنسبة
__________________
إلى أدلة الشكوك .
أو بالتصرف في
متعلقة نفيا ، كقول ، الضيافة ليست من الاكرام ، بالنسبة إلى ما دل على مطلوبية
اكرام العالم ، أو اثباتا مثل الطواف في البيت صلاة بالنسبة إلى أدلة وجوب الصلاة
وما يعتبر فيها.
أو بالتصرف في
محموله ، بان يلونه بلون ، ويدل على عدم ثبوت ذلك الحكم في بعض الحالات والموارد
كدليل نفى الضرر فانه ناظر إلى أدلة الأحكام ويدل على انها مختصة بغير موارد
الضرر.
واما الثاني : أي
وجه التقديم ففيما إذا كان دليل الحاكم ناظرا إلى دليل المحكوم أو صالحا له
بالتصرف في موضوعه أو متعلقه فواضح : إذ كل من الدليلين حينئذ متكفل لبيان شيء غير
ما يكون الآخر متكفلا له ، فان دليل المحكوم لا يكون ناظرا إلى موضوعه ولا إلى
متعلقه بل يثبت الحكم على تقدير وجود الموضوع ، ودليل الحاكم ينفي الموضوع ، أو
المتعلق ، أو يثبته.
واما إذا كان
ناظرا إلى المحمول فوجهه ان التمسك باصالة الظهور من
__________________
الإطلاق أو العموم
، في دليل المحكوم ، فرع تحقق الشك في المراد ، فإذا ثبت تعبدا بالدليل ان الحكم
الضررى مثلا غير مجعول في الشريعة يرتفع الشك تعبدا ، فلا يبقى مورد للتمسك
بالإطلاق أو العموم.
وبما ذكرناه ظهر
أمور :
١ ـ ان ما قيل في
ضابط الحكومة من كون احد الدليلين بمدلوله اللفظي مفسرا لمدلول الآخر ، وشارحا له
بحيث يكون مصدرا بإحدى اداة التفسير أو ما يلحق به كقرينية تفسير قرينة المجاز لذي
القرينة.
في غير محله لعدم
اختصاص دليل تقديم الحاكم بهذا المورد ، اضف إليه انه يلزم منه خروج غالب الموارد
عنها.
٢ ـ عدم تمامية ما
أفاده الشيخ الأعظم في مقام بيان الضابط ، ان يكون احد الدليلين بمدلوله
اللفظي متعرضا لحال الدليل الآخر ، ورافعا للحكم الثابت بالدليل الآخر عن بعض
أفراد موضوعه ، فيكون مبينا لمقدار مدلوله مسوقا لبيان حاله متفرعا عليه.
إذ لاوجه لاختصاص
الحكومة بذلك ، بل إذا كان احد الدليلين مفيدا فائدة مستقلة ولكنه يصلح لان يكون
بيانا لكمية موضوع الدليل الآخر كان من الحكومة.
٣ ـ عدم تمامية ما
أفاده المحقق الخراساني (ره) من اختصاصها بموارد
__________________
التعرض لعقد الوضع
كما لا يخفى.
ثم انه صرح صاحب
الكفاية بأنه لا يعتبر في الحاكم ان يكون مؤخرا عن المحكوم.
وما أفاده بناءً
على ما اخترناه تبعا له من عدم اعتبار كون الحاكم مسوقا لبيان كمية موضوع المحكوم
بل لو كان مفيدا فائدة مستقلة ، ولكنه كان بنحو يصلح لذلك تكون الحكومة ثابتة.
تام : إذ مع فرض
عدم مجيء المحكوم إلى الابد يصح جعل مثل هذا الحكم.
واما بناءً على ما
أفاده الشيخ الأعظم من ان الحاكم هو ما سيق لبيان كمية ما أريد من المحكوم.
فلا بدَّ وان يكون
مؤخرا عنه ومتفرعا عليه وإلا يلزم اللغوية كما لا يخفى.
التوفيق العرفي
واما الجهة
الثانية : ففي الكفاية أو كانا على نحو إذا عرضا على العرف وفق بينهما بالتصرف في
أحدهما إلى آخر ما أفاده.
محصل ما ذكره في
التوفيق العرفي وكونه جمعا عرفيا ، انه إذا عرض الدليلين
__________________
على العرف يحملون
ما تضمن للاحكام بعناوينها الأولية ، على بيان الأحكام الاقتضائية ، وما تضمن
للحكم بالعنوان الثانوي على بيان المانع ، فمع انطباق العنوان الثانوي لا يصير
الحكم فعليا لوجود المانع ، ومع عدمه لوجود المقتضى وعدم المانع يصير فعليا.
وفيه : انه ان
أريد من الحكم الاقتضائي مقتضى الحكم ، فمضافا إلى انه خلاف الظاهر : إذ الظاهر من
الدليل كونه في مقام بيان الحكم لا كونه جملة خبرية ، ان لازمه عدم لزوم امتثال
الحكم في غير مورد الضرر مثلا أيضاً : لان وجود الملاك بنفسه لا يوجب لزوم
الامتثال إذ حينئذ يحتمل عدم التكليف لوجود المانع.
وان أريد به حمله
على الفعلية الناقصة.
فيرد عليه ان
فعلية الحكم وعدمها اجنبيتان عن المولى بالمرة بل تدوران مدار تحقق الموضوع بجميع
قيوده ، وعدمه ، فمع التحقق لا يعقل عدم فعلية الحكم ومع عدمه لا يعقل الفعلية.
وعليه ، فان لم
يؤخذ العنوان الثانوي مانعا في مقام الجعل ، لا يعقل دخل عدمه في الفعلية.
وقد مر ان تقدم
الأدلة النافية للعسر والحرج ، والضرر ، والاكراه ، والاضطرار مما يتكفل لاحكام
الموضوعات بعناوينها ، الثانوية على الأدلة المتكفلة لبيان أحكام الموضوعات
بعناوينها الأولية ليس من باب التوفيق ، بل انه إنما يكون للحكومة.
ثم انه رتب على
ذلك تقدم الأمارات على الأصول الشرعية.
وقد عرفت في آخر
مبحث الاستصحاب ان تقدمها عليها إنما يكون للحكومة.
بيان وجه عدم التعارض بين العام والخاص
واما الجهة
الثالثة : فلا اشكال في انه لا تعارض بين الدليلين إذا كان أحدهما قرينة على
التصرف في الآخر ، إنما الكلام في المقام في خصوص ما مثلوا لذلك ، بالعام والخاص.
وملخص القول فيه
يستدعي قبل بيان وجه عدم التعارض بينهما وتقديم الخاص على العام تقديم مقدمات :
الأولى : ان
الظهور والدلالة على اقسام :
منها : الدلالة
التصورية وهي الانتقال من سماع اللفظ إلى المعنى ولو كان اللافظ تلفظ به من غير
شعور واختيار ، وهذه الدلالة لا تستند إلى الوضع بل منشأها الانس الحاصل من كثرة
الاستعمال.
ومنها : الدلالة
التصديقية فيما قال : وهي دلالة اللفظ على ان المتكلم اراد به تفهيم المعنى ، وهذه
الدلالة مستندة إلى الوضع ، لما مر في مبحث الوضع من ان حقيقته تعهد الواضع بأنه
متى اراد تفهيم معنى خاص تكلم بلفظ مخصوص.
ومنها : الدلالة
التصديقية فيما اراد ، وهي دلالة اللفظ على ان المراد
الجدى للمتكلم
مطابق مع المراد الاستعمالي.
وبعبارة أخرى : ان
الداعي للارادة الاستعمالية هو الجد لا غيره ، وهذه الدلالة أيضاً اجنبية عن الوضع
، بل هي مستندة إلى بناء العقلاء على ان ما يصدر من الفاعل المختار من قول أو فعل
يصدر بداع الجد لا بغيره من الدواعي ، وهذه الدلالة تتوقف على عدم وجود القرينة
المتصلة والمنفصلة ، بخلاف الثانية فانها تتوقف على عدم وجود القرينة المتصلة
خاصة.
الثانية : انه لا
ريب في تقديم ظهور القرينة على ظهور ذي القرينة ، والضابط لتشخيص القرينة وتمييزها
عن غيرها إنما هو بفرض الكلامين متصلين صادرين عن متكلم واحد في مجلس واحد ، فإذا
رأى العرف أحدهما ، شارحا للآخر من حيث تعيين المراد ، بحسب المتفاهم العرفي كان
ذلك قرينة ، وإلا فلا.
الثالثة : ان محل
الكلام هو ما إذا لم يكن العام نصا في العموم ، وإلا فيقع التعارض بينه وبين الخاص
ولم يقل احد بتقديم الخاص في هذا المورد.
إذا عرفت ذلك
فنقول انه قد يكون الخاص قطعي السند والدلالة ، وقد يكون ظني السند والدلالة ، وقد
يكون ظنى السند قطعي الدلالة ، وقد يكون بالعكس ، فهذه اربعة اقسام لا بدَّ من
البحث في كل قسم منها.
اما القسم الأول
فبعد الاتفاق على تقديم الخاص ، اختلفوا في وجهه فقد
ذهب الشيخ الأعظم (ره)
إلى ان تقدم الخاص ، إنما يكون للورود.
والمحقق النائيني ، والاستاذ ، اختارا ان تقدمه يكون بالتخصص ، لان موضوع أصالة العموم
هو الشك في المراد وهو يرتفع وجدانا بالعلم بصدور الخاص وكونه مرادا.
وحيث ان حقيقة
الورود عبارة عن خروج الشيء عن موضوع احد الدليلين بمئونة التعبد ، أي ورود الدليل
من الشارع ، ولو كان قطعي الصدور والدلالة ، في مقابل التخصص الذي هو عبارة عن
خروجه عن موضوعه بالوجدان ، مع قطع النظر عن الشارع ، كخروج زيد الجاهل عن العلماء
المأخوذ موضوعا لوجوب الاكرام.
فالحق ان تقدمه
عليه انما يكون بالورود. لأن ما يدل عليه الخاص القطعي السند والدلالة خروجه عن
تحت العام ، إنما يكون بواسطة ما ورد من الشارع وليس تكوينيا ، فما اختاره الشيخ (ره)
هو الاظهر.
__________________
اما إذا كان الخاص
ظنى السند وقطعي الدلالة فقد افاد الشيخ الأعظم (ره) ان تقدمه على العام على تقدير ان تكون حجية أصالة الظهور ،
لأجل أصالة عدم القرينة ، إنما يكون بالحكومة ، واحتمل الورود وتأمل فيه.
واستدل للحكومة
بان الرافع لموضوع أصالة العموم والظهور ، هو ثبوت القرينة ، فان كان الخاص ظنيا
فكونه مثبتا للقرينة إنما يكون بالتعبد ، لا بالوجدان ، فلا محالة يكون ارتفاعه
تعبديا ، وعلى تقدير ان يكون حجة لأجل افادته للظن النوعي ، فالخاص وارد عليه :
لان بناء العقلاء على حجية الظهور وكاشفيته عن المراد إنما يكون مقيدا بعدم وجود
ظن معتبر وحجة على خلافه ، فإذا ورد الخاص الذي هو حجة وظن معتبر يرتفع موضوع
أصالة الظهور وجدانا.
وأورد عليه
بايرادين :
أحدهما : ما عن
المحقق الخراساني والمحقق صاحب الدرر من انه لا يعقل الحكومة في اللبيات.
وفيه : انه ان كان
ذلك لأجل ان الموضوع في اللبيات محرز كمية وكيفية بالجزم واليقين ، فلا يمكن ان
ينالها يد التصرف بأي نحو كان كما صرح به المحقق الخراساني.
__________________
فيرد عليه : ان ما
ذكر يتم في الأحكام العقلية ، واما في البناءات العقلائية فبما انها إنما تكون
موضوعاتها الكليات ، فيمكن ان يتصرف الشارع ، أو العقلاء ببناء آخر على شيء يكون
ذلك موجبا لخروج ذلك الشيء عن ذلك الموضوع فتدبر.
وان كان لأجل ان
الحكومة إنما تكون عبارة عن كون احد الدليلين بمدلوله اللفظي شارحا ومفسرا للدليل
الآخر ولذلك لا تجرى في اللبيات.
فيرد عليه ما تقدم
في ضابط الحكومة ومر انها اعم من ذلك.
الثاني : ما أفاده
المحقق النائيني (ره) ، من انه بناءً على ان حجية الظهور من جهة افادة الظن
النوعي أيضاً يكون التقدم بالحكومة لا بالورود ، لان موضوع أصالة العموم ظهور
اللفظ في المعنى العام مع الشك في المراد ، ولا ريب ان ورود الخاص بنفسه لا يوجب
ارتفاع الموضوع ، بل إنما يكون رافعا لموضوع أصالة العموم بتوسط إثباته للمؤدى
المخالف ، وحيث ان ثبوته تعبدي فلا محالة يكون حاكما عليها لا واردا.
وفيه : ان بناء
العقلاء على حجية الظهور من جهة الكاشفية والمرآتية ، إنما هو بمعنى ان المقتضي
لهذا البناء هو الكاشفية والمرآتية ، وليس ذلك بناءً كليا غير مقيد بشيء سوى الشك
في المراد ، بل إنما يكون مقيدا بعدم وجود دليل معتبرا قوى على الخلاف ، وعلى ذلك
فمع ورود الخاص يرتفع موضوع أصالة
__________________
الظهور وجدانا ،
فيكون تقدم النص بالورود لا بالحكومة.
نعم يرد على الشيخ
(قدِّس سره) ان لازم ذلك الورود حتى بناءً على كون حجية أصالة الظهور لأجل أصالة
عدم القرينة إذ المراد منها ليس استصحاب عدمها ، بل بناء العقلاء على عدمها عند
احتمالها.
وعليه فهذا البناء
كالبناء على حجية أصالة الظهور ابتداء إنما يكون مع عدم دليل معتبر على وجود
القرينة فمع ورود النص يرتفع موضوعها وجدانا لا تعبدا.
فالمتحصّل ان
الاقوى كون تقدم النص مطلقا إنما يكون بالورود لا بالحكومة.
واما إذا كان
الخاص ظني الدلالة سواء أكان قطعي السند أو ظنيه ، فقد اختار الشيخ الأعظم انه يعمل بأقوى الظهورين ، ظهور العام في العموم ، وظهور
الخاص في التخصيص.
وأورد عليه المحقق
النائيني (ره) من انه يخصص العام به ولو كان ظهوره اضعف من ظهور العام ،
لحكومة أصالة الظهور ، في طرف الخاص على أصالة الظهور ، في طرف العام ، لكون الخاص
بمنزلة القرينة على التصرف في العام ، كما يتضح ذلك بفرض وقوعهما في مجلس واحد من
متكلم واحد ، إذ لا يشك العرف في كون الخاص قرينة على العام ، وهو لم يلتزم بذلك
في شيء من
__________________
المسائل الفقهية.
وفيه : انه ان ثبت
قرينيته يكون ما ذكر تاما ، ولكن ذلك أول الكلام.
وما ذكر من فرض
وقوعهما في مجلس واحد من متكلم واحد ، متين ، إلا انه لا يكون الخاص مطلقا قرينة
على التصرف في العام ، وعدم التزامه بذلك في المسائل الفقهية لعله يكون من جهة كون
جميع الموارد في الفقه ، الخاص نصا في عدم العموم ، ولذا ترى انه (قدِّس سره) ،
صرح قبل ذلك بأسطر ، بانا لا نجد من انفسنا موردا يقدم العام من حيث هو على الخاص.
فالاقوى ما ذكره
الشيخ ما لم يكن الخاص نصا في عدم ثبوت حكم العام لما يكون متكفلا لبيان حكمه
فتدبر فانه دقيق.
لا يقال انه على
هذا لم يبق فرق بين التخصيص واخويه (الحكومة والورود).
فانه يقال : ان
الحكومة أو الورود في هذا المقام إنما هو بالاضافة إلى أصالة الظهور لا في مدلول
العام ، وما يقابل التخصيص إنما هو فيما إذا كان ذلك بالنسبة إلى مدلول الدليل
فتدبر حتى لا تشتبه.
وما ذكرناه من ان
الحكومة نافية للتخصيص ، إنما هو في الحكومة في المدلول ، واما الحكومة في أصالة
العموم فهي ملائمة معه.
حكم التعارض بين العامين من وجه
المورد السادس :
إذا تعارض عامان من وجه كما في قولنا : اكرم العلماء ،
ولا تكرم الفساق ،
فان كان بينهما جمع عرفي كالحكومة وما شاكل ، فلا كلام ولا تصل النوبة إلى اعمال
قواعد التعارض ، فهل كون دلالة أحدهما بالعموم ، والآخر بالإطلاق من هذا القبيل أم
لا؟
وجهان : سيأتي
تفصيل القول فيه بعد ذكر اخبار الترجيح فانتظر.
وان لم يكن بينهما
جمع عرفي :
فقد يقال : انه ان
كانت دلالة كل منهما على حكم المجمع ، بالإطلاق ومقدمات الحكمة ، يسقط الاطلاقان ،
إذ الإطلاق إنما يكون متوقفا على إجراء مقدمات الحكمة ، وحيث ان جريانها فيهما لا
يمكن ، وفي أحدهما دون الآخر ترجيح بلا مرجح ، فلا تجري في شيء منهما ، ففي المجمع
لا يرجع إلى شيء منهما بل إنما يرجع إلى الأصول.
ولكن يرد عليه ان
مقدمات الحكمة تجري في كل منهما في صورة الانفصال ، فان من مقدمات الحكمة عدم
البيان متصلا ، لا عدمه ولو منفصلا ، فمقدمات الحكمة جارية فيهما ، غاية الأمر
يعلم بعدم مطابقة المراد الجدي لكلا الاطلاقين ، وهذا لا يمنع عن إجراء مقدمات
الحكمة ، فعلى هذا حكم هذه الصورة حكم ما إذا كانت دلالة كل منهما بالوضع.
وستعرف ان حكم ما
إذا كانت دلالة أحدهما بالوضع ودلالة الآخر بالإطلاق أيضاً حكم هذه الصورة.
ثم ان المشهور بين
الأصحاب بل المتسالم عليه بينهم ، انه في العامين من وجه يحكم بالتساقط في مورد
الاجتماع ، والرجوع إلى العام الفوق لو كان ، وإلا
فإلى الأصل.
أقول : بناءً على
المختار من ان الأصل في المتعارضين هو التخيير لا التساقط كما سيمر عليك ، يكون
مقتضى القاعدة هو التخيير.
وإنما الكلام في
المقام في شمول الأخبار العلاجية لهما وعدمه ، وفيه مسالك.
أحدها : انها لا
تشمل العامين من وجه ولعله المشهور.
الثاني : انها
تشملهما إلا انه لا يجوز الرجوع إلى المرجحات الصدورية ، بل يجب الرجوع إلى
المرجحات الجهتية والمضمونية اختاره المحقق النائيني (ره) .
الثالث : انها
تشملهما وتجري فيهما جميع المرجحات وهو المختار.
يشهد للاخير ما
سنذكره.
واستدل للاول :
بان الأخبار العلاجية سؤالا وجوابا ظاهرة في اخذ احد الخبرين رأسا وترك الآخر كذلك
، لاحظ قوله : " يأتي عنكم خبران متعارضان أو مختلفان بايهما آخذ" ، وقوله (ع): " خذ بما اشتهر بين اصحابك ودع الشاذ
النادر" .
وعلى الجملة
الناظر في الأخبار العلاجية يرى ان مورد السؤال والجواب ومحطهما الخبران المختلفان
بجميع المضمون فلا تشمل العامين من وجه.
__________________
والجواب عنه يظهر
مما سنذكره في بيان المختار.
واستدل المحقق
النائيني (ره) لما ذهب إليه : بأنه ان أريد من الرجوع إلى المرجح السندي
طرح الفاقد مطلقا فهو بلا وجه لعدم المعارض له في مادة الافتراق ، والمفروض حجيته
مع قطع النظر عن المعارض ، فطرحه في غير مادة الاجتماع طرح للحجة بلا وجه ، وان
أريد منه طرحه في خصوص مادة الاجتماع ، فهو غير جائز ، لان الخبر الواحد لا يتبعض
في مدلوله من حيث السند ، إذ لا يمكن ان يكون الخبر صادرا في بعض مدلوله وغير صادر
في بعضه الآخر.
وفيه : ان
المستبعد هو التعبد بصدور خبر ، وعدم صدوره ، واما التعبد بان الخبر صدر بنحو لا
يشمل مورد الاجتماع ـ مثلا ـ إذا ورد ـ اكرم العلماء ـ ولا تكرم الفساق ، يتعبد
الشارع بان الخبر الأول ، لم يكن حين ما صدر هكذا بل كان مع قيد (غير الفاسق) أو (العدول)
ولم ينقله بعض المحدثين أو اسقطه المخالفون ، وما شاكل فلا نستبعده ، ومفاد
الأخبار العلاجية لو شملت العامين من وجه يكون من هذا القبيل وسيجيء توضيحه.
وحق القول في
المقام ان يقال في جميع تلك الصور الثلاث :
انه تارة يكون
العامان قطعيين ، وأخرى يكونان ظنيين ، وثالثة يكون أحدهما قطعيا والآخر ظنيا.
اما الصورة الأولى
: فحيث ان الأخبار العلاجية ظاهرة في ان موردها ما إذا
__________________
كان التعارض في
السند بحيث يكذب كل من المتعارضين الآخر ، فلا محالة لا تشمل هذه الصورة ، واما
ظهور كل منهما فيعارض ظهور الآخر فيجرى فيه ما سنذكره فيما تقتضيه القاعدة عند
تعارض الدليلين ، وستعرف انها تقتضي التخيير ، فيحكم بالتخيير لأجل ذلك.
واما الصورة
الثانية : فبعد التحفظ على أمرين :
١ ـ انه يمكن
ثبوتا ان يكذب المخبر في بعض ما يخبر عنه ، أو يشتبه فيه ، أو يتصرف فيه بالغاء
قيد أو زيادته مثلا إذا جاء بعض الحجاج ، يخبر بمجيء جميعهم.
٢ ـ ان من يخبر عن
كلى ذي أفراد ينحل خبره إلى اخبار عديدة حسب ما له من الأفراد. مثلا : اذا
قال" جاء الحجاج" يصح لنا ان نقول انه اخبر بمجيء زيد إذا كان منهم.
لا يقال لازم ذلك
انه لو اخبر كذبا بمجيء الحجاج وهم الف حاج يكون ذلك الف كذب والف محرم مع انه ليس
إلا واحدا.
فانه يجاب عنه بان
الحكم الشرعي ربما يترتب على الدال ، كالكذب ، وربما يترتب على المدلول كالغيبة ،
فما أفيد يتم في الثاني دون الأول.
نقول : ان العامين
من وجه بالنسبة إلى مورد افتراق كل منهما لا معارض له ، فيشمله أدلة حجية الخبر ،
وبالنسبة إلى مورد الاجتماع يقع التعارض بينهما ولا مانع من الرجوع إلى الأخبار
العلاجية وطرح أحدهما في خصوص المجمع أو اعمال القاعدة فيه على ما سيأتي.
وان ابيت عن صدق
الخبر على البعض ، لا ينبغي التأمل في ان المأخوذ في
لسان الأخبار
العلاجية ، وان كان هو الخبر إلا انه بمناسبة الحكم والموضوع يكون المراد منه
مفاده ومؤداه ، ولا ريب في ان البعض مفاد الخبر ومؤداه.
واما الصورة
الثالثة : فان كان القطعي ، قطعي السند والدلالة ، فلا اشكال في تقدمه على الظني ،
للعلم بعدم مطابقته بما له من الظهور للواقع ، واما ان كان قطعي السند وظني
الدلالة ، فلا يمكن الرجوع إلى الأخبار العلاجية لفرض مقطوعية سند أحدهما : كما لا
يصح الرجوع إلى اخبار العرض على الكتاب والسنة على ما سيأتي في آخر هذا المبحث.
فلا بدَّ من اعمال
قواعد ، التعارض بين دلالة القطعي ، ودلالة الظني أو سنده وستعرف انها تقتضي
التخيير ، فيما امكن والتساقط فيما لا يمكن.
ما تقتضيه القاعدة عند تعارض الأدلة والامارات
المبحث الثاني :
فيما تقتضيه القاعدة في الخبرين المتعارضين ، وانه التساقط كما هو المشهور ، أو
التخيير كما هو المختار أو غيرهما ويقع الكلام في مقامين :
الأول : في
تعارضهما على القول بالطريقية.
الثاني : في
تعارضهما على القول بالسببية.
اما المقام الأول
: فالكلام فيه في موردين :
أحدهما : بالنسبة
إلى مؤداهما.
ثانيهما : في نفى
الثالث.
اما المورد الأول
: فالاقوال فيه خمسة :
القول الاول : حجيتهما معا : واستدل له بوجود المقتضي وعدم المانع.
اما الأول : فلان
موضوع الحجية هو الخبر الموثق الذي يحتمل اصابته شخصا ويغلب اصابته نوعا وهو موجود
متحقق بقيوده في الفرض ، إذ الموضوع كل واحد مستقلا لا منضما إلى غيره.
واما الثاني :
فلان العلم الإجمالي الذي توهم مانعيته يجامع مع احتمال اصابة كل واحد منهما الذي
هو موضوع الحجية ، لا كل منهما منضما إلى الآخر كي ، يعلم بعدم الإصابة ، فلا يعقل
ان يكون مانعا عنه ، وهذا بخلاف العلم التفصيلي كما هو واضح.
وأورد عليه
بايرادين ، الأول : ما عن المحقق اليزدي والاصفهاني : بان المقتضي لأصل جعل الحجية ، هو المصلحة الواقعية ،
وهي واحدة على الفرض ، واحتمال الإصابة شخصا وغلبة الإصابة نوعا بمنزلة الشرط
لتاثير ذلك المقتضى الوحداني ، وتعدد الشرط لا يجدي في تعدد المقتضى بالفتح ، مع
وحدة مقتضيه.
وفيه : ان الحجية
لا تكون دائرة مدار وجود المصلحة الواقعية ، بل لا يعقل ذلك إذ عليه مع عدم إحراز
وجودها لا تكون الحجية واصلة ومعلومة ، ومع
__________________
الإحراز لا يكون
حجة لوصول الواقع ، بل تدور مدار احتمال وجودها ، وان شئت قلت : ان المقتضى
والملاك لجعل الحجية ، التحفظ على المصلحة الواقعية المتوقف على احتمال وجودها ،
وحيث انه في كل خبر يحتمل ذلك فالمقتضى للجعل في كل منهما موجود.
الثاني : ما أفاده
الأستاذ : وهو ان لازم حجيتهما معا جعل العلمين بشيئين متنافيين أو
متناقضين ، وهو محال ، إذ لازم جعل العلم بالوجوب مثلا ، العلم بعدم الحرمة ، ومع
جعل العلم بها ، يلزم جعل العلم بها وعدم العلم بها وهو محال.
وفيه : ان جعل ما
ليس بعلم علما جعل اعتباري فلا تمانع ولا تدافع بين العلمين المجعولين : لان
الاعتبار خفيف المئونة.
نعم تقع المضادة
بينهما بواسطة المنتهى أي لزوم حركة العبد على طبق ما ادت إليه الحجة وستعرف
توضيحه.
فالصحيح في
الإيراد عليه ان يقال ان التعبد بهما مع حجية ظهور كل منهما مستلزم لتنجيز الواقع
مع العذر عنه ، فيما إذا كان أحدهما متضمنا للوجوب والآخر لعدمه ، ولتنجيز الحكمين
المتنافيين ، فيما إذا تضمن أحدهما وجوب شيء والآخر حرمته ، ولازمه العقاب على كلا
التقديرين ، سواء أفعل أم لم يفعل ، وهو كما ترى.
ومع إلغاء ظهورهما
والحكم بالاجمال ، مستلزم للالتزام بجعل الحجية مع
__________________
عدم ترتب اثر
عليها ، وهو لغو وصدوره من الحكيم محال ومع الجمع والتاويل ، كما في مقطوعي الصدور
على مسلك الشيخ الأعظم ، لاوجه له ، سوى ما اشتهر.
قاعدة الجمع مهما امكن أولى من الطرح
ان الجمع مهما
امكن أولى من الطرح ـ وهو غير تام ـ مثل ما أفاده الشيخ في مقطوعي الصدور كما سيمر
عليك.
وتنقيح القول في
هذه القاعدة يقتضي تقديم أمرين :
الأمر الأول : ان
الجمع بين الدليلين :
تارة يكون عرفيا
متداولا بحيث لا يكون الخبران متعارضين بحسب المتفاهم العرفي ، كما في العام
والخاص ، والحاكم والمحكوم ، وما شاكل ، والضابط كون مفاد أحدهما قرينة عند العرف
على مفاد الآخر ، وهذا الجمع قد مر الكلام فيه ، وعرفت انه متين.
وأخرى يكون جمعا
تبرعيا محضا بحيث لا يكون مرضيا عند العرف لا بلحاظ مفاد الخبرين ولا بلحاظ الخارج
، وكان حمل الخبرين على ما حمل عليه كل منهما بلا مرجح ، ولا مزية أصلاً ، والظاهر
خروج هذا المورد عن مورد القاعدة ، ولا يظن باحد ممن نسب إليه هذه القاعدة
الالتزام به ، بل صريح كلام
الاحسائي المدعي للاجماع عليها خلاف ذلك لاحظ ما نقل عنه الشيخ في الرسائل.
وثالثة يكون الجمع
بنحو لا يأبى عنه المتفاهم العرفي بالكلية ، كما لو كان لكل من الخبرين نص وظاهر ،
فيحمل ظاهر كل منهما على نص الآخر ، مثلا ، إذا ورد ، لا تجهر بالقراءة في ظهر يوم
الجمعة ، وورد يجوز الجهر بالقراءة في ظهر يوم الجمعة : فان الأول نص في طلب الترك
وظاهر في الحرمة ، والثاني نص في الجواز المطلق وظاهر في الاباحة الخاصة ، فيرفع
اليد عن ظاهر كل منهما بنص الآخر فتكون النتيجة هي الكراهة.
وكما لو كان لكل
من المتعارضين قدر متيقن في الارادة من الخارج ، كما إذا دل خبر على ولاية الفقيه
على اموال الايتام ، وورد أيضاً لا ولاية للفقيه عليها ، فان المتيقن من الأول
الفقيه العادل ومن الثاني العالم الفاسق الخائن ، فيجمع بينهما بحمل الأول على
العادل ، والثاني على الفاسق والظاهر ان من يدعي اولوية الجمع من الطرح اراد هذا
القسم.
وعليه فلا مورد لاستدلال
الشيخ (ره) لبطلان القاعدة من الوجوه الاربعة.
١ ـ سؤال الرواة
عن حكم المتعارضين من الأخبار فيما ورد في باب العلاج ، مع ما هو المركوز في
اذهانهم من وجوب العمل بالدليل الشرعي مهما امكن فلو لم يفهموا عدم الامكان لم يكن
معنى لعجزهم.
__________________
٢ ـ الاجوبة التي
في الأخبار فانه لم يقع فيها الجواب إلا بالطرح ترجيحا أو تخييرا ، وحملها على ما
لو لم يمكن الجمع التبرعي حمل على فرد نادر جدا بل معدوم.
٣ ـ الإجماع
العملي حتى من القائلين بالقاعدة ، وهذا هو الفقه فراجع هل ترى موردا من الموارد
الجمع التبرعي التزم واحد منهم بالجمع ، دون الترجيح أو التخيير.
٤ ـ لزوم الهرج
والمرج في الفقه واحداث فقه جديد لاحظ كثرة المتعارضات وفتاوى الأصحاب في مواردها.
فان هذه الوجوه
الاربعة تتم إذا كان مورد كلام الأصحاب القائلين بالقاعدة هو الجمع التبرعي المحض
لا الجمع الذي اشرنا إليه.
الأمر الثاني : ان
المتعارضين قد يكونان قطعي الصدور ، وقد يكونان ظني السند ، وثالثة يكون أحدهما
قطعيا والآخر ظنيا.
اما الاخير فقد
وردت روايات دالة على ان ما خالف الكتاب والسنة لا بدَّ من طرحه وليس بحجة فالظني
غير حجة.
واما الأول : فقد
التزم الشيخ الأعظم (ره) فيه بلزوم التأويل والحكم بارادة المعنى المؤول ، بدعوى ان
القطع بالصدور قرينة على ارادة خلاف الظاهر.
__________________
ويرده ان ذلك
قرينة صارفة عن ارادة المعنى الظاهر ، ولكن تعين ارادة المعنى المؤول يحتاج إلى
قرينة معينة ، ومع عدمها يحكم بالاجمال.
اللهم إلا في
الموردين الذين قلنا ان مورد كلام من التزم بالقاعدة هو ذينك الموردين ـ وهما ـ كون
كل من المتعارضين له نص وظاهر ، وما إذا كان لكل منهما مورد متيقن ، فيقال ان تيقن
مورده ونصوصيته قرينة معينة للمراد ومحل الكلام في المقام هو الفرض الثاني ، وهو
ما لو كانا ظنيي السند.
إذا عرفت هذين
الامرين ، فاعلم انه قد استدل لقاعدة الجمع مهما امكن أولى من الطرح بوجوه :
الأول : الإجماع
وقد ادعاه ابن أبي جمهور الاحسائي في كتاب عوالي اللئالي ويظهر من غيره.
وفيه : أولا : انه
غير ثابت ، بل عن الفريد البهبهاني دعوى الإجماع على فساد هذه القاعدة.
وثانيا : ان مدرك
المجمعين معلوم أو محتمل ومثل هذا الإجماع ليس بحجة.
__________________
الثاني : ما ذكره
الشهيد الثاني (ره) وغيره ، وهو ان الأصل في الدليلين الاعمال فيجب الجمع
بينهما مهما امكن لاستحالة الترجيح بلا مرجح ، بيانه : ان الأمر يدور بين أمور
ثلاثة ، اما طرحهما ، أو الاخذ باحدهما وطرح الآخر ، أو العمل بهما ، والاول مخالف
للأصل الثابت بالدليل ، والثاني مخالف للعقل ، فيتعين الثالث.
وفيه : ان الطرح
ليس مخالفا للأصل كما مر في تقريب القول بالتساقط فانه ان بنى عليه فإنما يلتزم
بتخصيص دليل الحجية فلا يلزم مخالفة الأصل ، مع ان الالتزام بالتخيير بالنحو الذي
نبينه شق رابع لا محذور فيه.
اضف إليه ان العمل
بهما في تمام مدلولهما غير ممكن ، وبكل منهما في بعض مدلوله يحتاج إلى دليل آخر
مفقود.
الثالث : ما عن
العلامة (ره) في النهاية : وهو ان دلالة اللفظ على تمام معناه اصلية وعلى جزئه
تبعية ، واهمال الثاني على تقدير الجمع ، أولى من اهمال الأول اللازم على تقدير
الطرح.
وفيه : أولا : انه
مجرد استحسان لا يصلح مدركا للحكم الشرعي.
وثانيا : انه من
الجمع بين المتعارضين يلزم إلغاء أصالة الظهور في كل منهما
__________________
ورفع اليد عن
حجتين ، ومن الالتزام بالتخيير أو الترجيح يلزم طرح حجة واحدة وهي سند الآخر ، ولا
ريب ان الثاني أولى.
وتمام الكلام في
رسائل الشيخ (ره)
فالمتحصّل عدم
تمامية القاعدة.
وجه حجية احد الخبرين لا بعينه ونقده
القول الثاني : ما
أفاده المحقق الخراساني قال التعارض وان كان لا يوجب إلا سقوط احد المتعارضين عن
الحجية رأسا حيث لا يوجب إلا العلم بكذب أحدهما ، فلا يكون هناك مانع عن حجية
الآخر إلا انه حيث كان بلا تعيين ولا عنوان واقعا إلى ان قال لعدم التعين في الحجة
أصلاً انتهى فهو يختار حجية احد الخبرين بلا عنوان.
ومحصل ما يستفاد
من كلامه في وجه ذلك ، ان المقتضى للحجية في كل منهما وهو احتمال الإصابة موجود في
كلا الخبرين ، والمانع وهو العلم بكذب أحدهما لا يكون مانعا عن حجيتهما بل عن حجية
أحدهما ، وحيث انه لا يكون مانعا عن حجية أحدهما معينا لتساوي النسبة إلى
المقتضيين ، فلا محالة يؤثر احد المقتضيين بلا عنوان في مقتضاه واحدهما بلا عنوان
يسقط عن التأثير.
__________________
ويرد عليه أولا ما
مر من عدم مانعية العلم الإجمالي حتى عن أحدهما.
وثانيا : ان
المردد بالحمل الشائع واحدهما بلا عنوان في الواقع لا تحقق له ولا وجود ولا ماهية
فلا شيء حتى يكون معروض الحجية.
وثالثا : ان
الحركة على طبق ما ادت إليه الحجة التي هي الأثر المترقب منها نحو المبهم والمردد
وغير المتعين غير معقول.
القول الثالث :
حجية الموافق منهما للواقع ، وقيل في توجيهها ، ان كلا من الخبرين وان كان في مقام
الإثبات حجة ، إلا ان الحجية الفعلية الموجبة لتنجز الواقع شان الخبر الموافق
المعلوم ثبوته اجمالا فتندرج المسألة في اشتباه الحجة باللاحجة.
ويندفع : بان حجية
أحدهما الموافق للواقع ، ان أريد ما علم بموافقة أحدهما للواقع ، فمضافا إلى انه
غير مورد البحث فان محل البحث ما لو علم بعدم حجية أحدهما من دون ان يعلم بالحكم
الواقعي لاحتمال كذبهما معا ، انه لو علم بالحكم الواقعي لا مورد للتعبد وجعل
الحجية ، وان أريد به ما احتمل فيه ذلك فهو في كل منهما كذلك.
القول الرابع : ما
هو المشهور وهو التساقط ، وقد استدل له بوجهين :
الأول : ما قيل من
امتناع التخيير وسيمر عليك ما فيه.
الثاني : ما أفاده
المحقق اليزدي (ره) ، وهو ان بناء العرف والعقلاء على
__________________
ذلك فانا نراهم
متوقفين عند تعارض طرقهم المعمول بها عندهم فان من اراد الذهاب إلى بغداد مثلا
واختلف قول الثقات في تعيين الطريق إليه يتوقف عند ذلك حتى يتبين له الأمر.
وفيه : انه لا
شبهة في ان بناء العرف والعقلاء في صورة انسداد باب العلم ووجود المصلحة الملزمة
في المقصد على العمل باحد الطريقين ، ولا يتوقف احد منهم في العمل.
القاعدة تقتضي الحكم بالتخيير
القول الخامس :
القول بالتخيير ، وتقريبه ، ان التخيير على اقسام ثلاثة :
الأول : التخيير
المجعول ابتداء كما في موارد جملة من الكفارات.
الثاني : التخيير
الثابت في مورد التزاحم ، الذي يحكم به العقل ، اما من باب سقوط الخطابين واستكشاف
خطاب تخييري من الملاكين ، أو سقوط اطلاقهما ، وثبوت التكليف في كل منهما مشروطا
بعدم الإتيان بالآخر على اختلاف المسلكين.
الثالث : التخيير
الثابت من جهة الاقتصار على المتيقن في رفع اليد عن ظواهر خطابات المولى ، كما لو
ورد عام له إطلاق أحوالي ، كما في" اكرم كل عالم" فان له مع قطع النظر
عن عمومه الافرادي ، اطلاقا احواليا ، ويدل على لزوم اكرام كل فرد في كل حال حتى
حال اكرام الآخر ، ثم علمنا من الخارج
عدم اكرام زيد
وعمرو مثلا معا ، ودار الأمر بين ان يكونا خارجين عنه رأسا فلا يجب اكرامهما أصلاً
، وبين ان يقيد اطلاقه الاحوالي بالنسبة إلى كل منهما فيجب اكرام كل منهما عند ترك
اكرام الآخر ، ومن المعلوم ان المتعين هو الثاني : لان الضرورات تتقدر بقدرها
فالمقدار المعلوم خروجه عن تحت العام ، هو عدم وجوب اكرامهما معا ، واما الزائد عن
ذلك ، فمقتضى عموم العام هو لزوم اكرام كل منهما منفردا.
إذا عرفت هذه
المقدمة فاعلم ان المدعى جريان القسم الثالث في المقام دون الاولين ، بتقريب : ان
مقتضى إطلاق أدلة حجية الخبر حجية كل منهما مطلقا ، ووجوب العمل به سواء عمل
بالآخر ، أم لم يعمل به ، وقد علمنا من جهة ما تقدم من امتناع حجيتهما معا ، انه لم
يجعل الشارع الحجية لهما مطلقا ، فيدور الأمر بين ان يسقطا عن الحجية رأسا ، وبين
ان يقيد حجية كل منهما بعدم العمل بالآخر فتثبت الحجية تخييرا ، وقد عرفت ان
المتعين هو الثاني : ولعل مراد المحقق الخراساني من حجية أحدهما بلا عنوان ذلك.
وقد أورد عليه
بإيرادات :
الأول : انه حيث
يستحيل الإطلاق في المقام فيستحيل التقييد : إذ التقابل بين الإطلاق والتقييد
تقابل العدم والملكة ، فإذا لم يمكن الإطلاق ثبوتا كيف يمكن التقييد في مقام
الإثبات .
وفيه : انه في
موارد العدم والملكة امتناع أحدهما لا يستلزم امتناع الآخر ،
__________________
بل ربما يكون
الآخر ضروريا ، مثلا : الجهل في المبدأ الاعلى محال والعلم ضروري ، والغنى ، في
الممكن ممتنع ، والفقر ضروري وهكذا ، واما في الإطلاق والتقييد فإذا امتنع أحدهما
لمحذور فيه ، وكان ذلك المحذور في الآخر أيضاً ، كان ممتنعا ، مثلا تقييد وجوب
الصلاة بالعاجز ممتنع لقبح التكليف بما لا يطاق ، وهذا المحذور موجود في الإطلاق
فهو ممتنع ، ولو لم يكن ذلك المحذور في الآخر ، كما في تخصيص الولاية بالفاسق ،
المستلزم لترجيح المرجوح على الراجح ، كان الآخر ضروريا لامتناع الإهمال النفس
الامرى ، وفي المقام بما ان المحذور المتقدم إنما يكون في الإطلاق وهو ليس في
التقييد فلا يكون محالا.
الثاني : ان
المقيد في المقام بما انه ضروري واجمال المقيد الضرورى كالمتصل يسرى إلى العام ،
فلا وجه للتمسك باطلاق أدلة الحجية.
وفيه : أولا انه
ليس ضروريا كيف وقد التزم جمع كما مر بحجيتهما معا ، وثانيا : ان ذلك المحذور
المتقدم لا يكون مجملا بل هو واضح ومختص بصورة الإطلاق.
الثالث : ان لازم
الحجية بالنحو المذكور أي المقيدة بعدم العمل بالآخر ، حجيتهما معا عند عدم العمل
بهما لتحقق كلا الشرطين ، وقد اقمتم البرهان على امتناع ذلك.
وفيه : ان حجية كل
منهما مشروطة ومقيدة حتى بعد وجود الشرط غير الحجية المطلقة ، إذ المانع عن
حجيتهما بنحو الإطلاق كان من ناحية عدم إمكان العمل بهما ، واستحالة العقاب على كل
من الفعل والترك ، وهذا لا يترتب على حجيتهما بنحو التقييد ، إذ لو عمل باحداهما
فقد امتثل ووافقها فلا
عقاب من ناحيتها ،
وتسقط الاخرى عن الحجية لانعدام شرطها ، فلا عقاب لعدم كون ما ادت إليه حينئذ
منجزا فلا محذور.
فتحصل ان الاقوى
هو التخيير.
نفي الثالث بالمتعارضين
واما المورد الثاني
: فقد وقع الكلام في انه إذا تعارض امارتان ، هل يحكم بنفي الثالث ، أم لا؟
وبما ذا ينفى
الثالث ، فقد ذهب الشيخ الأعظم (ره) وتبعه المحقق النائيني (ره) انه ينفى الثالث بهما.
واستدل له المحقق
النائيني (ره) ، بان المتعارضين يشتركان في نفي الثالث بالدلالة
الالتزامية ، وهي وان كانت فرع الدلالة المطابقية وجودا ، ولكنها ليست فرعها في
الحجية.
وبعبارة أخرى :
الدلالة الالتزامية للكلام تتوقف على دلالته التصديقية أي دلالته على المؤدى ،
واما كون المؤدى مرادا فهو مما لا يتوقف عليه الدلالة الالتزامية ، فسقوط المتعارضين
عن الحجية في المؤدى ، لا يلازم سقوطهما عن الحجية في نفي الثالث ، لان سقوطهما في
المؤدى إنما كان لأجل التعارض غير
__________________
المتحقق في نفي
الثالث.
ثم ان المحقق
النائيني (ره) ، استثنى من ذلك ما لو كان التعارض بينهما ناشئا عن العلم
الخارجي بكذب أحدهما ، ولم يكن التعارض ذاتيا ، كما في الخبرين الدال أحدهما على
وجوب الجمعة والآخر على وجوب الظهر ، من جهة ان كلا من الخبرين ليس له دلالة
التزامية على عدم وجوب غير المؤدى.
ويرد عليه ان
الدلالة الالتزامية كما تكون تابعة للدلالة المطابقية وجودا تابعة لها حجية ، مثلا
لو اخبر زيد بفري اوداج عمرو ، فيدل خبره بالدلالة الالتزامية على موته ، أو اخبر
باصابة البول ببدنه ، فيدل على نجاسة بدنه بالدلالة الالتزامية فلو علمنا من
الخارج خطاء المخبر في المؤدى ، ولكن احتمل موته في المثال الأول ، ونجاسة بدنه في
المثال الثاني لسبب آخر ، فهل يتوهم احد ان يكون الخبران ساقطين في مؤداهما عن
الحجية واما في مدلولهما الالتزامي فيؤخذ بهما ويحكم بالموت والنجاسة.
والسر في ذلك ان
المدلول الالتزامي ليس هو الموت والنجاسة بقول مطلق ، بل الحصة الخاصة من كل منهما
الملازمة للمؤدى ، ففي المثال الأول المخبر عنه بالدلالة الالتزامية الموت المستند
إلى فري الاوداج لا مطلقه.
وعليه ، ففي
المقام لو كان مفاد احد المتعارضين وجوب شيء ومفاد الآخر حرمته يكون المدلول
الالتزامي للاول ، عدم الاباحة الملازم للوجوب ، والمدلول الالتزامي للآخر عدم
الاباحة الملازم للحرمة ، فكما انه لا يمكن اجتماع
__________________
الوجوب والحرمة
كذلك لا يمكن اجتماع عدمي الاباحة الملازمين لهما.
وتوهم انه لا
تنافي بين العدمين إلا باعتبار ملزومهما ، وعليه فان أريد التعبد بالملزومين ، أو
التعبد باللازمين المقيدين بهما لم يكن ممكنا لفرض التنافي بينهما ، واما لو أريد
التعبد بذات اللازمين بحيث يكون التقيد داخلا والقيد خارجا فلا محذور فيه.
مخدوش فان المخبر
عنه هو المقيد لا المطلق والتعبد به غير ممكن.
ثم انه قد يتوهم
نفي الثالث بالبينتين المتعارضتين في بعض موارد التداعي ، ولكن تنقيح القول في تلك
المسائل وبيان انه لا ينفى الثالث بهما موكول إلى محل آخر.
واما المحقق
الخراساني فحيث انه يرى حجية أحدهما لا بعينه فهو يرى انه ينفى
الثالث بما هو حجة ولكن قد عرفت ضعف المبنى.
واما على المختار
من حجيتهما تخييرا فنفي الثالث إنما يكون بهما من دون ان يتوجه محذور.
__________________
القاعدة الأولية في المتعارضين على الموضوعية في الأمارات
واما المقام
الثاني : وهو بيان مقتضى القاعدة الأولية عند تعارض الامارتين على القول بالسببية
، فالمشهور بين الأصحاب ، انه التخيير ، وملخص القول فيه ، انه بناءً على ما
اخترناه من انها تقتضي التخيير حتى بناءً على القول بالطريقية ، فالحكم بالتخيير
على هذا المسلك في غاية الوضوح.
واما على ما هو
المشهور من الحكم بالتساقط ، فيقع الكلام فيما يقتضيه الأصل على القول بالسببية في
الأمارات.
وملخص القول فيه ،
ان السببية في الأمارات تطلق على معان.
أحدها : انه مع
قطع النظر عن قيام الأمارة ، لا مصلحة ، ولا مفسدة ، ولا حكم ، في الواقع ، وإنما
الملاك والحكم تابعان لقيام الأمارة ومع قطع النظر عنها لا حكم في الواقع وهو
منسوب إلى الاشاعرة.
ثانيها : ما نسب
إلى المعتزلة وهو ان قيام الأمارة على وجوب شيء أو حرمته سبب لحدوث مصلحة ، أو
مفسدة في المؤدى غالبة على المصلحة أو المفسدة الواقعية (على فرض وجودها) المقتضية
لجعل الوجوب أو الحرمة ، وجامع القسمين كون مؤديات الأمارات أحكام واقعية وليست
وراءها أحكام ، وهذان القسمان من التصويب الباطل عندنا بالاجماع.
ثالثها : اقتضاء
الأمارة بقيامها على وجوب فعل أو حرمته لحدوث مصلحة أو مفسدة في المؤدى يقتضي
وجوبه أو حرمته ظاهرا في المرتبة المتأخرة عن
الشك في الواقع مع
بقاء الحكم الواقعي الناشئ عن المصلحة أو المفسدة الواقعية القائمة بذات الفعل في
المرتبة السابقة على الشك على حاله من الفعلية بلا مضادة بينهما وهذه هي السببية
التي يقول بها جمع من المخطئة.
رابعها : ان قيام
الأمارة لا يكون سببا لحدوث المصلحة أو المفسدة في المؤدى تقتضي وجوبه أو حرمته
ولو ظاهرا ولكن في سلوك الأمارة والتطرق بها مصلحة يتدارك بها ما يفوت من الواقع.
ومحل الكلام في
المقام إنما هو السببية بالمعنيين الاخيرين ، وظاهر كلام الشيخ الأعظم ان محل
كلامه هو السببية بالمعنى الثالث :
قال : هذا كله على تقدير ان يكون العمل بالخبر من باب السببية
بان يكون قيام الخبر على وجوب شيء واقعا سببا شرعيا لوجوبه ظاهرا على المكلف
انتهى.
وقد اختار الشيخ ان الأصل على هذا المبنى هو التخيير نظير التخيير في
المتزاحمين ، وأجاب عما استدل به على التساقط ، بان العمل بالخبرين معا ممتنع لفرض
التعارض ، وباحدهما تعيينا ترجيح بلا مرجح ، وباحدهما لا بعينه لا واقع له ،
وباحدهما التخييري لا يدل الكلام عليه إذ لا يجوز ارادة الوجوب التعييني بالنسبة
إلى غير المتعارضين ، والتخييري بالنسبة إلى المتعارضين من لفظ واحد.
__________________
بما حاصله ان
الدليل إنما يدل على وجوب العمل بكل منهما مشروطا بالقدرة ، وحيث ان العمل بكل
منهما مع العمل بالآخر غير مقدور فيخرج عن تحت الدليل ، والعمل به بدون العمل
بالآخر مقدور فيكون واجبا ، ونتيجة ذلك وجوب العمل بكل منهما في فرض عدم العمل
بالآخر ، وهذا هو التخيير ، وهو ليس من استعمال اللفظ ، في معنيين في شيء.
وأورد عليه المحقق
الخراساني بما حاصله : ان دليل حجية الخبر مثلا الموجب لحدوث الملاك
وجعل الحكم ظاهرا على المؤدى إنما يدل في مورد ثبوت الطريق والحجة ، والحجية إنما
تكون مجعولة للخبر الذي يحتمل الصدق والكذب ، وحيث يعلم بعدم مطابقة احد الخبرين
للواقع ، فيعلم انه لا يكون هناك حجتان وطريقان فلا يحدث ملاكان ولا حكمان ، بل
أحدهما طريق والمجعول ظاهرا حكم واحد فليس من باب التزاحم في شيء.
وبعبارة أخرى : ان
دليل حجية الخبر ، اما بناء العقلاء ، أو الآيات ، والروايات ، والمتيقن من بناء
العقلاء غير المتعارضين ، وظاهر الآيات والروايات لو لم نقل حجية الخبر الذي يظن
بموافقته للواقع ، هو الخبر الذي لم يعلم اجمالا أو تفصيلا بعدم مطابقته للواقع ،
وعلى هذا فلا مقتضى للسببية فيهما ، فالتمانع بين الحكمين في مقام الجعل لا في
مقام الامتثال فلا يكون من باب التزاحم.
ثم قال لو سلمنا
وجود المقتضى للسببية فيهما وكونهما سببين لجعل
__________________
حكمين ظاهريين ،
فإنما هو فيما إذا قاما على حكمين إلزاميين ، كوجوب ضدين ، ووجوب فعل وحرمته ،
واما إذا قام أحدهما على حكم الزامي والآخر على حكم غير الزامي لا يكون من باب
التزاحم ، إذ ما لا اقتضاء فيه لا يصلح ان يزاحم ما فيه الاقتضاء.
وان قيل ان الحكم
غير الالزامي الثابت بالأمارة ظاهرا إنما هو حكم غير الزامي ناش عن الاقتضاء له لا
عن اللااقتضائية فيزاحم حينئذ الحكم الالزامي.
اجبنا عنه بأنه
حينئذ يحكم فعلا بغير الالزامي لكفاية عدم تمامية الالزامي للحكم بغير الالزامي ،
نعم لو قلنا بوجوب الالتزام بما يؤدى إليه من الأحكام كان الخبران الدالان على حكم
الزامي وحكم غير الزامي من قبيل المتزاحمين بالنسبة إلى وجوب الالتزام لكنه لا
دليل عليه.
ولكن يرد على
المحقق الخراساني ، ما تقدم من ان العلم الإجمالي ، لا يصلح مانعا ، فانه لا يوجب
معلومية كذب أحدهما المعين ، فكل منهما محتمل للصدق والكذب ، فيشمله دليل الحجية ،
وليسا هما معا موضوعا واحدا للحجية كي يقال نعلم بعدم مطابقة ما يجعل له الحجية ،
للواقع ، فراجع ما ذكرناه.
فالصحيح ان يقال ،
انه بناءً على القول بالسببية بالمعنى الثالث.
فتارة : تكون
الأمارتان ، مؤديتين إلى وجوب الضدين ، بان تكون احداهما دالة على وجوب احد الضدين
، والاخرى مؤدية إلى وجوب الضد الآخر.
وأخرى : تكون
احداهما مؤدية إلى حكم الزامي كالوجوب والاخرى مؤدية
إلى حكم الزامي
آخر ضده كالحرمة.
وثالثة : تكون
احداهما مؤدية إلى وجوب شيء والاخرى مؤدية إلى وجوب شيء آخر ، وعلمنا من الخارج
عدم وجوبهما معا.
ورابعة : تكون
احداهما مؤدية إلى حكم الزامي ، والاخرى مؤدية إلى عدمه ونقيضه.
اما في الصورة
الأولى : فحيث ان المكلف لا يتمكن من امتثالهما فيحصل له علم اجمالي ، بعدم ثبوت
أحدهما ، ولكن هذا العلم لا يوجب ازيد من احتمال مخالفة كل من الخبرين في نفسه
للواقع ، فكل منهما واجد للمصلحة فيجرى فيهما ما يجري في سائر موارد التزاحم من
التخيير.
ودعوى : انه مع
العلم الإجمالي بكذب أحدهما يكون أحدهما بلا مصلحة ، لان ما فيه المصلحة هو الخبر
المحتمل للصدق والكذب.
مندفعة : بان
العلم الإجمالي لا يوجب معلومية الكذب في أحدهما المعين فكل منهما محتمل للصدق
والكذب فيشمله دليل الحجية.
ودعوى : انه مع
العلم الإجمالي المشار إليه يعلم بان الثابت في الواقع احد الحكمين فمن اين يستكشف
المصلحة في كل منهما.
مندفعة : بان طريق
استكشافها طريق استكشاف الملاك في سائر المتزاحمين ، وهو إطلاق المادة.
واما في الصورة
الثانية : فالاظهر سقوط الحكمين والحكم بالاباحة فان مقتضى الاطلاقات ثبوت المصلحة
أو المفسدة في مؤدى كل منهما فيقع التزاحم
بين الملاكين في
التأثير ، فلا محالة يتساقطان : لان المنشأ للوجوب هي المصلحة غير المزاحمة
بالمفسدة ، كما ان منشأ الحرمة هي المفسدة غير المزاحمة بالمصلحة فمع وجودهما معا
يسقطان ولا يؤثر شيء منهما في الالزام فيحكم بالاباحة.
واما في الصورة
الثالثة : فيستكشف من العلم بعدم ثبوت المؤديين حتى بهذا العنوان ، ان المصلحتين
الحادثتين بسبب قيام الامارتين بنحو لا يمكن استيفائهما معا ، فلا محالة يقع
التزاحم بين الحكمين فيحكم بالتخيير.
واما في الصورة
الرابعة : فان قلنا بان الحكم غير الالزامي حتى الاباحة ناشئ عن مصلحة مقتضية
لجعله فلا محالة يقع التزاحم بين المقتضيين والنتيجة هو عدم الالزام.
وان قلنا بان
الاباحة مثلا ناشئة عن عدم الاقتضاء فيكون مقتضى القاعدة الحكم بالالزام إذ لا
يزاحم عدم المقتضي مع المقتضي.
ولكن الاظهر هو
الأول إذ لو كان الحكم الواقعي هو الوجوب ، وقامت الأمارة على الاستحباب يتبدل
الوجوب إليه ، فيعلم من ذلك ان مقتضى الاستحباب الموجود بسبب قيام الأمارة إنما
يكون مقتضيا لعدم الوجوب ، ولذا يمنع عن تأثير مقتضى الوجوب فيه ، وإلا لا يعقل
مانعيته عن تأثيره كما لا يخفى.
وعليه فلو قامت
الأمارة على وجوب شيء ، وامارة أخرى على استحبابه بما ان مقتضى الاستحباب له اثران
:
أحدهما : الحد
الضعيف الوجودي.
ثانيهما : عدم
مرتبة الفوق فبالنسبة إلى ذلك الحد والمرتبة الفوقانية يتعارضان ويتمانعان ، وحيث
لا مانع عن تأثير مقتضى الاستحباب في اثره الأول فيؤثر فيه ، ويحكم بالاستحباب ،
إذ يكفى في الحكم به عدم الاقتضاء للمرتبة الفوقانية فتدبر فانه دقيق.
وبه يظهر ما في
الإشكال الثاني الذي ذكره المحقق الخراساني (ره).
واما على القول
بالسببية بالمعنى الرابع ، فان قلنا بان المصلحة إنما هي في الاستناد إلى الحجة
بما هي حجة فعلا ، فيكون حكمهما حكم الامارتين المتعارضتين على الطريقية ، إذ بعد
فرض المعارضة وعدم إمكان فعلية الحجية فيهما لا يمكن الاستناد اليهما حتى تكون
المصلحة فيهما.
واما لو قلنا بان
المصلحة في الاستناد إلى ذات الحجة فيكون حالهما حال التعارض على فرض السببية
بالمعنى الأول ، لان كل واحدة منهما على الفرض ذات مصلحة.
حول مقتضى الأصل الثانوي في تعارض الخبرين
المبحث الثالث :
لا يخفى ان ما ذكرناه من مقتضى القاعدة في الامارتين المتعارضتين ، إنما هو في غير
الخبرين المتعارضين.
واما فيهما فقد
اتفقت كلمات القوم واستفاضت الأخبار على عدم سقوطهما بالتعارض ، وانه يجب الاخذ
باحدهما تخييرا أو تعيينا.
وتنقيح القول في
المقام يقتضي البحث هنا في انه إذا لم ينهض حجة على التعيين ولا على التخيير ودار
الأمر بينهما ، فهل الأصل هو التعيين أو التخيير ، ثم يبحث في المبحث الآتى فيما
يستفاد من الأخبار.
والكلام هنا في
موردين : الأول : بناءً على ان الأصل الأولى في تعارض الامارتين هو التساقط ،
الثاني : بناءً على ما هو المختار من ان الأصل هو التخيير.
اما الأول : فقد
يقال ان الأصل الثانوي هو التخيير.
واستدل له بوجهين
:
أحدهما : ان الشك
في حجية الراجح تعيينا أو حجية المرجوح تخييرا ، مسبب عن الشك في اعتبار المزية
شرعا ، فتجرى أصالة العدم في السبب ويترتب عليه عدم حجية الراجح تعيينا ، وحجية
المرجوح تخييرا فلا يجري في المسبب.
وفيه : ان معنى
اعتبار المزية شرعا ، دخلها في جعل الشارع الحجية للخبر الراجح تعيينا ، وقد مر في
مبحث الاستصحاب في الأحكام الوضعية عدم جريان الاستصحاب في امثال هذه الأمور ،
لعدم كونها مجعولة شرعا ، وعدم ترتب اثر شرعي عليها لان ترتب الجعل عليها ترتب
عقلي نحو ترتب المقتضي على المقتضي ، لا ترتب شرعي.
الثاني : ان
المفروض حجية كل منهما شانا ، وإنما الشك في الحجية الفعلية ، وعدم حجية المرجوح
بهذا معنى مسبب عن الشك ، في مانعية المزية
فتجري أصالة عدمها
ويترتب عليها الحجية الفعلية.
وفيه : ان معنى
مانعية الزيادة مانعيتها عن الجعل إذ لا يعقل المنع عن الفعلية من دون ان يؤخذ في
مقام الجعل عدمها دخيلا ، لما تقدم من عدم معقولية دخل شيء في مقام الفعلية من دون
ان يؤخذ في مقام الجعل.
فيرد عليه ما
اوردناه على سابقه.
فالاظهر ان الأصل
هو التعيين لما مر في آخر مباحث الاشتغال من انه الأصل عند دوران الأمر بين
التعيين والتخيير في الحجية : للقطع بحجية ما يحتمل تعيينه اما تعينيا أو تخييرا ،
والشك في حجية الآخر ، وقد مر في أول مباحث الظن ان الشك في الحجية ملازم للقطع
بعدم الحجية.
واما المورد
الثاني : فالاصل يقتضي التخيير لما تقدم من ان التخيير الذي التزمنا به ، إنما هو
بمعنى حجية كل منهما مقيدا بعدم العمل بالآخر.
وعليه فمقتضى
أصالة العموم لدليل الحجية ، حجية المرجوح عند عدم العمل بالراجح ، ولا يعتنى
بالاحتمال في مقابل أصالة العموم ، بل هي تتبع ما لم يدل دليل أقوى على خلافها ،
واصالة عدم الحجية ، عند الشك لا يرجع إليها ، مع أصالة العموم المقتضية للحجية.
الترجيح بالأحدثية
المبحث الرابع :
في بيان ما يستفاد من الأخبار في تعارض الخبرين :
وملخص القول في
المقام ، ان نصوص الباب على طوائف :
الأولى : ما توهم
دلالته على لزوم لاخذ بالاحدث.
الثانية : ما دل
على الاخذ بما يكون من الخبرين موافقا للاحتياط.
الثالثة : ما دل
على التوقف.
الرابعة : ما دل
على التخيير.
الخامسة : ما دل
على الترجيح بمزايا مخصوصة.
اما الأولى :
فالروايات التي استدل بها للترجيح بالاحدثية ولزوم الاخذ بالاحدث ثلاث :
إحداها : رواية
المعلى بن خنيس قال قلت لابي عبد الله (ع) إذا جاء حديث عن اولكم وحديث عن آخركم
بايهما نأخذ فقال (ع) خذوا به حتى يبلغكم عن الحى وان بلغكم عن الحى فخذوا بقوله
ثم قال أبو عبد الله انا والله لا ندخلكم إلا فيما يسعكم .
الثانية : رواية
الكنانى عنه (ع) قال لي أبو عبد الله أرأيت لو حدثتك بحديث أو افتيتك بفتيا ثم
جئتني بعد ذلك فسألتني عنه فاخبرتك بخلاف ما كنت اخبرتك أو افتيتك بايهما كنت تأخذ
قلت باحدثهما وأدع الآخر فقال (ع) قد اصبت يا أبا عمرو ، أبي الله إلا ان يعبد سرا
والله لئن فعلتم ذلك انه
__________________
لخير لي ولكم أبي
الله عزوجل لنا في دينه إلا التقية ونحوهما فيما في ذيلهما غيرهما.
الثالثة : رواية
الحسين بن مختار عن بعض اصحابه عن أبي عبد الله (ع) أرأيتك لو حدثتك بحديث العام
ثم جئتني من قابل فحدثتك بخلافه بايهما كنت تأخذ قال قلت كنت آخذ بالاخير فقال لي
رحمك الله .
والخبر الاخير
ضعيف السند للارسال ، والثاني ضعيف بأبي عمرو الكناني لأنه لم يوثقه احد ، وصاحب
الوسائل في كتاب الأمر بالمعروف في باب التقية ينقل الرواية عن
البرقي في المجالس عن ابيه عن ابن أبي عمير عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله (ع)
وهذا السند صحيح ، وان كان يحتمل قويا
__________________
سقوط أبي عمرو في
هذا السند فهشام ينقل الخبر عن أبي عمرو ، والقرينة عليه تكرار لفظ أبي عمرو في
تلك الرواية أيضاً مرتين في كلام الإمام ، وخبر المعلى لا بأس به سندا.
ويمكن ان يقال ان
الترجيح بالاحدثية ان ثبت لا ريب في كونه تعبديا محضا ولا يوافقه القواعد
العقلائية المرتكزة في باب الطريقية لان كلمات الائمة عليهمالسلام ناظرة باجمعها إلى الحكم الكلي الواحد النازل على رسول
الله (ص) فلا اثر لتقديم بعضها على بعض ، وعليه فلا بدَّ من الاقتصار على مورد
الروايات وهو ما علم بصدور الحديثين لاحظ قوله (ع): " لو حدثتك بحديث أو
افتيتك بفتيا الخ" ، ونحوه غيره.
وعلى ذلك فالتعدي
إلى الظنيين بعد احتمال دخل القطع بالصدور في هذا الحكم بلا وجه ، مع ان مورد
الاحاديث هو حضور السامع للحديث إلا حدث مجلس الصدور لاحظ خبر المعلى ، ومع احتمال
الخصوصية لاوجه للتعدى.
وكيف كان فالظاهر
عدم ارتباطها بترجيح احدى الروايتين على الاخرى مطلقا ، بل إنما هي في مقام بيان
انه بعد وصول الثاني عن المعصوم (ع) تكون الوظيفة الفعلية اعم من الحكم الواقعي
الأولي أو الثانوي من باب التقية هو
__________________
ما وصل اخيرا ،
ولذا في مكاتبة ابن يقطين بعد سوء ظن الخليفة به امره (ع) بالوضوء على النحو الذي
يتوضأ المخالفون ، وهو مع علمه بعدم كونه موافقا للمذهب عمل به ثم بعد صلاح حاله
عند الخليفة ورفع التهمة عنه امره (ع) بالوضوء الصحيح فهي اجنبية عن ترجيح احدى
الروايتين على الاخرى.
وان شئت قلت ان المقصود
بالاخذ بالاحدث في هذه الروايات ملاحظة ظهور كلام الإمام (ع) في كون ما يقوله
وظيفة السامع الفعلية التي قد تكون واقعية وقد تكون ظاهرية على وفق التقية ، لا
ظهور الكلام في مقام بيان الحكم الواقعي.
ومما يؤيد ذلك
مضافا إلى ما مر من عدم مناسبة عقلائية للترجيح بالاحدثية ، توجه السائل لهذا
الترجيح بنفسه حيث أجاب بأنه يأخذ بالاحدث فانه يكشف عن كون هذا المعنى امراً
واضحاً مركوزاً لدى العرف وذلك لا يكون إلا لما ذكرناه ، وايضا يؤيده ما في ذيل
خبر الكنانى من قوله (ع) أبي الله إلا ان يعبد سرا.
فيكون مفاد هذه
الروايات مفاد خبر أبي عبيدة عن أبي جعفر (ع) قال لي يا زياد ما تقول لو افتينا
رجلا ممن يتولانا بشيء من التقية قلت له انت اعلم جعلت فداك ، قال (ع) ان اخذ به
فهو خير له واعظم اجرا ، قال وفي رواية أخرى ان اخذ به أجر وان تركه والله اثم . وخبر الخثعمي عن الإمام
__________________
الصادق (ع) من عرف
انا لا نقول إلا حقا فليكتف بما يعلم منَّا فإن سمع منَّا خلاف ما يعلم فليعلم ان
ذلك دفاع منَّا عنه .
ويضاف إلى جميع ما
تقدم انه لو سلم كون الروايات في مقام بيان الترجيح بالاحدثية حتى في الظنيين ،
يمكن ان يقال : انه يقع التعارض بينها وبين اخبار التخيير والترجيح بمرجحات اخر ،
ومع قطع النظر عن وجود الترجيح لتلك الأخبار انه لا بد من تقديمها بحكم هذه النصوص
: لان فيها ما هو صادر عن الإمام اللاحق فهو يكون احدث فلا بدَّ من تقديمه.
واما الثانية :
فهي رواية واحدة وهي ما رواه الاحسائي في عوالي اللئالى عن العلامة مرفوعا إلى
زرارة عن الإمام الباقر (ع) في الخبرين المتعارضين بعد ذكر جملة من المرجحات قال (ع)
اذن فخذ بما فيه الحائطة لدينك واترك الآخر ولكن الرواية ضعيفة سندا لضعف مؤلف الكتاب ورفعها ، وعمل
الأصحاب بها لو كان فإنما هو بالنسبة إلى صدرها المتضمن للترجيح بالشهرة وصفات
الراوى لا بالنسبة إلى ذيلها ، وقد مر مرارا انه لا مانع من حجية الخبر في بعض
جملاته دون آخر.
مع انه لو سلم
حجيتها في جميع جملها فتعارض مع اخبار التخيير ، فان حمل
__________________
تلك الأخبار على
صورة دوران الأمر بين المحذورين الذي لا يمكن فيه الاحتياط بعيد غايته ، ولا اشكال
في تقديم اخبار التخيير.
اخبار التوقف
واما الثالثة :
فهي أيضاً على الطوائف ، منها ما دل على التوقف عند الشبهة مطلقا ، كموثق مسعد بن
زياد عن جعفر عن ابيه عن آبائه عليهمالسلام عن النبي (ص) لا تجامعوا في النكاح على الشبهة ، وقفوا عند
الشبهة إلى ان قال فان الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام في الهلكة ونحوه غيره.
وهذه النصوص ظاهرة
في غير الخبرين المتعارضين ، مع انه لو سلم شمولها لهما ، تكون اعم من اخبار
التخيير والترجيح ، فتخصص بها ، لورودها في خصوص الخبرين المتعارضين.
اضف إلى ذلك انها
تدل على لزوم التوقف عند فقد الحجة وعدم الطريق إلى الواقع ، ومفاد اخبار التخيير
، والترجيح ، إنما هو إثبات حجية احد الخبرين فهي حاكمة عليها.
اضف إليه ما تقدم
في مسألة البراءة من تعين حملها على الاستحباب.
__________________
ومنها ما دل على
التوقف في خصوص الخبرين المتعارضين وهي أربع روايات :
إحداها : مقبولة
عمر بن حنظلة الآتية وفي ذيلها قوله (ع) إذا كان ذلك فارجئه حتى تلقى امامك فان
الوقوف عند الشبهات خير من الاقتحام في الهلكات .
ثانيتها : ما رواه
الميثمى عن الإمام الرضا (ع) في حديث طويل ، وعليكم بالكف والتثبت والوقوف وانتم
طالبون باحثون حتى يأتيكم البيان من عندنا .
ثالثتها : ما رواه
سماعة عن الإمام الصادق (ع) قال قلت له يرد علينا حديثان واحد يأمرنا والآخر
ينهانا عنه قال (ع) لا تعمل بواحد منهما حتى تلقى صاحبك فتسأله قلت لا بدَّ ان
نعمل بواحد منهما قال (ع) خذ بما فيه خلاف العامة .
رابعتها : ما رواه
سماعة أيضاً عنه (ع) في رجل جاءه خبران أحدهما يامره
__________________
والآخر ينهاه قال (ع)
يرجئه حتى يلقى من يخبره فهو في سعة حتى يلقاه .
وقد يقال كما في
رسائل الشيخ الأعظم : بأنه يحمل نصوص التوقف على زمان الحضور ، قال فهي محمولة
على صورة التمكن من الوصول إلى الإمام (ع) كما يظهر من بعضها.
وأورد عليه المحقق
صاحب الدرر بان مجرد دلالة بعض اخبار التوقف على التمكن من الوصول إلى
الإمام (ع) لا يوجب تقييد سائر الأخبار المطلقة لعدم التنافي بين وجوب التوقف
مطلقا وبين كون غاية التوقف الوصول إليه فلا وجه للحمل.
ولكن : الظاهر ان
نظر الشيخ إلى ان النسبة بين ما دل على التخيير بقول مطلق وبين ما دل على التوقف
مطلقا وان كانت هي التباين ، إلا ان النسبة بين ، ما دل على التخيير بقول مطلق وما
دل على التوقف في زمان الحضور هو العموم المطلق ، فيقيد إطلاق الأول بالثاني فيختص
اخبار التخيير بزمان الغيبة فتكون اخص مطلق من اخبار التوقف بقول مطلق وتنقلب
النسبة فيقيد إطلاق ما دل على التوقف ، بما دل على التخيير ، فتكون النتيجة هو
التوقف في زمان الحضور والتخيير في زمان الغيبة.
__________________
لا يقال انه من
اخبار التخيير ما يكون مختصا بزمان الحضور فيجري في تلك الأخبار مع اخبار التوقف
المطلق ما ذكر فيعود التعارض.
فانه يقال : انه
ليس في اخبار التخيير ما يختص بزمان الحضور ويكون معتبرا سندا ، مع انه لو كان لا
بدَّ من طرحه لعدم العمل.
والجواب عن ما
أفاده الشيخ ما سيأتي من عدم القول بانقلاب النسبة.
وقد يقال في الجمع
بين اخبار التوقف ، وبين اخبار التخيير :
بأنه يحمل اخبار
التوقف على النهي عن تعيين مدلول الخبرين بالمناسبات الظنية فيكون المعنى انه ليس
له استكشاف الواقع والحكم بان الواقع كذا كما كان له ذلك لو كان هناك مرجح.
ويحمل اخبار
التخيير على الوظيفة في مقام العمل كما أفاده المحدث صاحب الحدائق والمحقق صاحب
الدرر.
ولكن يرد عليه انه
لا يجري ذلك في جميع اخبار التوقف ، لاحظ قوله (ع) في خبر سماعة لا تعمل بواحد
منهما حتى تلقى صاحبك بل لا يجري في مقبولة ابن حنظلة فلاحظ وتدبر.
وقد قيل في مقام
الجمع بين الطائفتين وجوه اخر ، كحمل اخبار التوقف على الماليات ، أو المتناقضين
وحمل اخبار التخيير على غير ذلك ، أو حمل اخبار التخيير على العبادات ، واخبار
التوقف على المعاملات أو غير ذلك من الوجوه التي ليس شيء منها من الجمع العرفي
المقبول.
والحق ان يقال انه
ليس في شيء من اخبار التوقف ما يدل على التوقف في
زمان الغيبة ، بل
كلها مختصة بزمان الحضور والتمكن من السؤال عنه فلا تنفع لزمان الغيبة ولا تعارض
اخبار التخيير.
مع انه لو سلم
التعارض لا ريب في ان الترجيح مع اخبار التخيير سيما مع اعراض المشهور عن اخبار
التوقف حينئذ.
ومنها : ما دل على
الرد إلى الائمة عليهمالسلام ، وهو ما رواه ابن ادريس عن كتاب مسائل الرجال لعلى بن
محمد بن على بن عيسى كتب إليه يسأله عن العلم المنقول عن آبائك واجدادك قد اختلف
علينا فكيف (ع) العمل به على اختلافه أو الرد عليك فيما اختلف فيه ، فكتب ما علمتم
انه قولنا فالزموه وما لم تعلموه فردوه الينا .
والجواب عنه أولا
انه ضعيف السند لعدم ثبوت وثاقة صاحب الكتاب.
وثانيا : ان
الظاهر ولا اقل من المحتمل اختصاصه بزمان الحضور فان قوله فردوه (ع) الينا نظير
قوله (ع) في المقبولة فارجه حتى تلقى امامك ، لا انه من قبيل الرد إلى الله
ورسوله.
وثالثا : ان ما دل
على التخيير في زمان عدم التمكن من الوصول إلى المعصوم (ع) يكون اخص منه فيقيد
اطلاقه به ، ففي حال الغيبة ينحصر المرجع عند التعارض باخبار التخيير ، والترجيح.
__________________
اخبار التخيير
واما الرابعة :
وهي اخبار التخيير فهي ثمانية :
١ ـ خبر حسن بن
جهم عن الإمام الرضا (ع) قال قلت له يجيئنا الاحاديث عنكم مختلفة فقال (ع) ما جاءك
عنا فقس على كتاب الله عزوجل واحاديثنا فان كان يشبههما فهو منا وان لم يكن يشبههما
فليس منا قلت يجيئنا الرجلان وكلاهما ثقة بحديثين مختلفين ، ولا نعلم ايهما الحق
قال (ع) فإذا لم تعلم فموسع عليك بايهما اخذت .
وهذا الخبر يدل
على التخيير بعد فقد الموافقة للكتاب التي هي من المرجحات ، لكنه ضعيف السند
للارسال.
٢ ـ خبر الحارث بن
المغيرة عن أبي عبد الله (ع) إذا سمعت من اصحابك الحديث وكلهم ثقة فموسع عليك حتى
ترى القائم فترد عليه .
وايراد المحقق
الأصفهاني عليه بأنه مختص بصورة التمكن من لقاء الإمام (ع) فلا يعم
زمان الغيبة.
يرده ان التوقف
يحتمل اختصاصه بزمان الحضور ، واما التخيير فلا يتوهم فيه ذلك بل لو ثبت التخيير
في زمان الحضور والتمكن من لقائه (ع) ثبت في
__________________
زمان الغيبة
بالاولوية.
لكنه أيضاً كالأول
ضعيف للارسال.
٣ ـ مكاتبة عبد
الله بن محمد إلى أبي الحسن (ع) اختلف أصحابنا في رواياتهم عن أبي عبد الله (ع) في
ركعتي الفجر في السفر فروى بعضهم ان صلهما في المحمل ، وروى بعضهم لا تصلهما إلا
على الارض فاعلمني كيف تصنع انت لاقتدى بك في ذلك ، فوقع (ع) موسع عليك بأية عملت .
وتقريب الاستدلال
بها واضح.
ولكن يرد عليها ان
الظاهر منها بيان الحكم الواقعي وانه هو التخيير ، لا التخيير بين الحجتين إذ
السائل إنما سأل عن الحكم الواقعي وظاهر الجواب ، مضافا إلى لزوم تطابقه مع السؤال
هو بيان الحكم الواقعي لأنه المناسب لحال الإمام وعليه فلا ربط لها بمحل الكلام.
اضف إليه ان
موردها مما فيه الجمع العرفي فان موردها التعارض بين ما يأمر بالصلاة على الارض
الظاهر في وجوبه ، وبين ما يرخص في الصلاة على المحمل لورود الأمر به مقام توهم
الحظر ، فيكون ظاهرا في الجواز ، والجمع العرفي بينهما يقتضي البناء على جواز
الصلاة على المحمل واولوية الصلاة على الارض ، فمن الحكم بالتخيير فيها ، لا يمكن
استفادة التخيير في موارد التعارض المستقر.
__________________
مع ان موردها
المستحبات المبنى امرها على التخفيف والسهولة فلا يستلزم التخيير في الالزاميات.
٤ ـ مكاتبة
الحميرى بتوسط الحسين بن روح إلى الحجة ارواحنا فداه سألني بعض الفقهاء عن المصلي
إذا قام من التشهد الأول إلى الركعة الثالثة هل يجب عليه ان يكبر فان بعض أصحابنا
قال لا يجب عليه التكبير ويجزيه ان يقول بحول الله وقوته اقوم واقعد؟
فكتب في الجواب ان
فيه حديثين اما أحدهما فانه إذا انتقل من حالة إلى أخرى فعليه التكبير واما الآخر
فانه روى إذا رفع رأسه من السجدة الثانية ذكر ثم جلس ثم قام فليس عليه في القيام
بعد القعود تكبير وكذلك التشهد الأول يجري هذا المجرى وبايهما اخذت من باب التسليم
كان صوابا .
وتقريب الاستدلال
بها واضح ، خصوصا بقرينة قوله اخذت من باب التسليم ، فانه ظاهر ، في التخيير في
الاخذ ، والتعبد بإحدى الحجتين.
ولكن يرد عليها
أولا انها غير نقى السند لأنه يحتمل ان المكاتبة كانت باملاء الحسين بن روح وبخط
احمد بن ابراهيم النوبختى واحمد مجهول فان كان واسطة في النقل عن الحسين فالخبر
ساقط عن الحجية.
نعم ، لو كان احمد
مجرد مستنسخ للرواية وان الراوى هو الحميرى وهو يشهد باملاء الحسين بن روح يكون
الخبر معتبرا ، والتردد يكفى في السقوط عن الحجية.
__________________
وثانيا : ان
السائل سأل عن الحكم الواقعي ، واما الجواب ، فبقرينة التطابق مع السؤال ، وبقرينة
ظهور كلام الإمام (ع) في بيان الحكم الواقعي في نفسه ، يكون في مقام بيان ذلك لا
التخيير في العمل باحد الخبرين وطرح الآخر.
وثالثا : ان مورده
الخبرين المقطوعى الصدور لان الإمام (ع) ـ يقول ان فيه حديثين المناسب مع كونهما
ثابتين عن آبائه عليهمالسلام فلا يمكن التعدي إلى مظنوني الصدور.
ورابعا : ان بين
الحديثين يمكن الجمع العرفي ، اما لكونهما من قبيل العام والخاص المطلق ، واما من
جهة كونهما من قبيل الظاهر والنص : إذ الحديث الأول عام ، والثاني مختص بحالة خاصة
، وايضا ، الأول ظاهر في اللزوم ، والثاني صريح في جواز الترك ، فلا يمكن التعدي
إلى التعارض المستقر ، بل يتعين حمله على ارادة الترخيص الواقعي ولو كان خلاف
الظاهر.
وخامسا : ان
موردها أيضاً المستحبات ، فلا وجه للتعدى إلى الالزاميات.
٥ ـ مرفوع زرارة
المتقدم ، وفي آخره إذاً فتخير ولكن عرفت انه ضعيف السند.
٦ ـ ما في ديباجة
الكافي حيث قال لقوله (ع) بايهما اخذتم من باب التسليم وسعكم . ولكنه مرسل.
__________________
٧ ـ وكذا السابع
وهو ما في الكافي أيضاً وفي رواية أخرى بايهما اخذت من باب التسليم وسعك .
٨ ـ خبر الميثمي
عن الإمام الرضا (في حديث طويل وفي ذيله بعد فقد بعض المرجحات ، وبايهما شئت وسعك
الاختيار من باب التسليم والاتباع .
ولكن مورده الحكم
غير الالزامي فلا وجه للتعدي كما مر.
فإذاً ليس في
الأخبار ما يمكن الاستدلال به للتخيير بقول مطلق.
اخبار الترجيح
واما الخامسة :
وهي النصوص الدالة على الترجيح بمزايا مخصوصة ، فالمرجحات المنصوص عليها في
الأخبار عبارة ، عن موافقة الكتاب ، ومخالفة العامة ، والشهرة ، وصفات الراوي.
اما الاولان :
فالنصوص الواردة فيهما كثيرة ، وهي طوائف :
الأولى : ما تضمن
الترجيح بهما مرتبا.
__________________
منها : ما رواه
سعيد بن هبة الله الراوندي في رسالته التي الفها في احوال احاديث أصحابنا واثبات
صحتها عن محمد وعلى ابني على بن عبد الصمد عن ابيهما عن أبي البركات على بن الحسين
عن أبي جعفر ابن بابويه عن ابيه عن سعد بن عبد الله عن ايوب بن نوح عن محمد بن أبي
عمير عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال الصادق (ع) إذا ورد عليكم حديثان مختلفان
فاعرضوهما على كتاب الله فما وافق كتاب الله فخذوه وما خالف كتاب الله فردوه فان
لم تجدوهما في كتاب الله فاعرضوهما على اخبار العامة فما وافق اخبارهم فذروه وما
خالف اخبارهم فخذوه والكلام فيه في جهتين :
الأولى : في سنده
، وأورد عليه بإيرادات :
١ ـ من المستبعد
وجود كتاب للراوندي في احوال الرجال لان ، ابن شهرآشوب ، ومنتجب الدين تلميذاه ،
قد ترجماه في كتاب ، معالم العلماء ، والفهرست ولم يذكرا هذه الرسالة في عداد
مؤلفاته ، ولذلك قيل انه يمكن ان يكون هذه الرسالة للسيد الراوندي المعاصر للقطب.
وفيه : أولا انهما
لم يذكرا في عداد مؤلفاته ، كتاب قصص الانبياء الذي ينقله صاحب الوسائل مع كتاب
الخرائج والجرائح عن الراوندي ، وصرح ابن طاووس في مهج الدعوات بأنه له ، فليكن
هذه الرسالة نظير تلك الكتب ولم يطلعا عليها.
مع ان كلا منهما
يذكر بعض ما لم يذكره الآخر ، مثلا يذكر ابن شهر
__________________
آشوب ان للراوندي
كتابا في اولاد العسكريين ، ولم ينقله منتجب الدين كما ان منتجب الدين ، يذكر ان
له شرح النهج لم ينقله ابن شهرآشوب.
٢ ـ التشكيك في
وجود طريق لصاحب الوسائل إلى هذه الرسالة ، لأنه لم يذكر طريقه إليها في الوسائل.
وفيه : انه ينقل
في خاتمة الوسائل طريقه إلى كتاب الخرائج والجرائح ، وكتاب قصص الانبياء ثم
يقول ونروي باقي الكتب بالطرق السابقة.
٣ ـ ان طريق صاحب
الوسائل إنما هو عن العلامة فكيف لا نجد من هذا الخبر عين ولا اثر في كلمات
العلامة ومشايخه ، كما يظهر لمن راجع كتبهم الأصولية.
وفيه : ان العلامة
ومشايخه لم يذكروا اكثر روايات الباب.
٤ ـ ان محمدا
وعليا الواقعان في السند ليسا ابنا علي ، وإنما هما ابنا عبد الصمد ، إذ من البعيد
جدا ان ينقل القطب الراوندي المتقدم على ابن شهرآشوب طبقة ، عن اولاد علي الذي هو
من مشايخ ابن شهرآشوب ، وعليه فابوهما الذي ينقلان عنه هو عبد الصمد ، وهو لم
يوثق.
وفيه : ان الذي من
مشايخ ابن شهرآشوب ، هو علي بن عبد الصمد ، وهو ابن محمد ، أو علي ، أو حسين ابناء
علي بن عبد الصمد الأول ، الجد الاعلى للاسرة ، ومن ينقل عنه القطب هو محمد ، وعلي
ابنا عبد الصمد الأول فتدبر.
__________________
٥ ـ ان أبا
البركات لم يوثقه احد غير صاحب الوسائل ، وتوثيقه مع هذا البعد الزماني الممتد
بينهما ، وهو قرب سبعمائة عام لا محالة لا يكون عن حس فلا يفيد.
وفيه : أولا ان
صاحب رياض العلماء قال في حقه الإمام الزاهد ، وهذا التعبير فوق حد
التوثيق.
وثانيا : ان توثيق
صاحب الوسائل يكفي : لان التوثيق دائما يكون عن غير حس ، فالرواية صحيحة سندا.
الثانية : في
دلالتها ، ومحصل القول ان الخبر مشتمل على مرجحين طوليين ، الأول الموافقة
والمخالفة للكتاب ، ومع فقده فالمخالفة للعامة ، والجمود على نفس الخبر يقتضي
البناء على ان المرجح هو موافقة احد الخبرين للكتاب ، ومخالفة الآخر معه ، فلا
يكفي مجرد المخالفة للكتاب في ترجيح الآخر عليه ولكن الظاهر كفاية ذلك بالتعدي ،
والفهم العرفي بعد عدم مجيء جميع التفاصيل وجزئيات الأحكام الشرعية في الكتاب.
__________________
فيكون المراد من
الموافقة عدم المخالفة.
واما المخالفة
للعامة ، فالجمود على نص الخبر يقتضي البناء على ان الميزان الموافقة والمخالفة
لاخبارهم ، ولكن الحق التعدي إلى الموافقة والمخالفة مع فتاويهم وان كانت على اساس
غير الأخبار لعدم الخصوصية للأخبار وللنصوص الأخر.
ومنها : مقبولة
ابن حنظلة عن الإمام الصادق (ع) في رجلين من أصحابنا يكون بينهما منازعة ، فانه (ع)
بعد ما ينهاهم عن التحاكم إلى السلطان وامرهم بالتحاكم إلى المجتهدين وانه لا يجوز
رد ما حكموا به ، قال قلت فان كان كل رجل يختار رجلا من أصحابنا فرضيا ان يكونا
الناظرين في حقهما فاختلفا فيما حكما وكلاهما اختلفا في حديثكم قال (ع) الحكم ما
حكم به اعدلهما وافقهما واصدقهما في الحديث واورعهما ولا يلتفت إلى ما يحكم به
الآخر قلت فانهما عدلان مرضيان عند أصحابنا لا يفضل واحد منهما على الآخر قال (ع)
ينظر إلى ما كان من روايتهم عنا في ذلك الذي حكما به المجمع عليه بين اصحابك فيؤخذ
به من حكمهما ويترك الشاذ الذي ليس بمشهور عند اصحابك فان المجمع عليه لا ريب فيه.
إلى ان قال : قلت
فان كان الخبر ان عنكم مشهورين قد رواهما الثقات عنكم قال (ع) ينظر ما كان حكمه
حكم الكتاب والسنة وخالف العامة فيؤخذ به ويترك ما خالف الكتاب والسنة ووافق
العامة ، قلت جعلت فداك أرأيت ان كان الفقيهان عرف حكمه من الكتاب والسنة فوجدنا
احد الخبرين موافقا للعامة والآخر مخالفا بأي الخبرين يؤخذ قال (ع) ما خالف العامة
ففيه الرشاد
الحديث .
والظاهر اعتبار
سندها لتنصيص الشهيد الثاني في الدراية بوثاقة ابن حنظلة ، قال انا قد حققنا توثيقه من محل آخر ،
وليس منشأه ما أفاده صاحبا المعالم والمدارك ، من ارادته من محل آخر ، خبر يزيد بن خليفة المتضمن لقول
الإمام (ع) إذاً لا يكذب علينا لما صرح به صاحب المعالم باني قد وجدت بخطه في حاشية الروضة انه كتب أولا من خبر
آخر ، ثم ضرب عليه ، وكتب من محل آخر ، وللخبر.
ولتلقي الأصحاب
اياها بالقبول حتى اشتهر بالمقبولة ، وهي أيضاً تدل على الترجيح ، بموافقة الكتاب
ومخالفة العامة.
فان قيل ، انه في
المقبولة جعل موافقة الكتاب ومخالفة العامة مرجحا واحدا ، وفي عرض واحد فكيف يلتزم
بالترتيب بينهما.
قلنا انه حيث جعل
مخالفة العامة مرجحا مستقلا بعد ما فرض الراوي
__________________
موافقتهما معا
للكتاب يعلم من ذلك ان مجموع الامرين ليسا مرجحا واحدا.
فيدور الأمر ، بين
ان يكون كل واحد منهما مرجحا مستقلا في عرض واحد. وبين ان يكون موافقة الكتاب حشوا
بلا اثر. وبين ان يكون عطف مخالفة العامة على موافقة الكتاب حشوا جيء ، به لبيان
الترجيح بمخالفة العامة بعد ذلك واشعارا بان آراء العامة كثيرا ما تكون مخالفة
للكتاب.
ويؤيد الاحتمال
الاخير ان السائل سكت عن السؤال عن حكم ما إذا كان أحدهما موافقا للكتاب غير مخالف
للعامة ، وعما يكون بالعكس ، مع انه كان بصدد استيعاب الشقوق فيعلم انه فهم
الطولية من كلام الإمام (ع).
ولو تنزلنا عن ذلك
وسلمنا الاجمال يبين بصحيح القطب الصريح في الترتيب.
الثانية : ما
اقتصر فيها على الترجيح بمخالفة العامة.
منها : خبر الحسن
بن الجهم عن العبد الصالح (ع) في حديث فقلت فيروى عن أبي عبد الله (ع) شيء ويروى
عنه خلافه فبايهما نأخذ فقال (ع) خذ بما خالف القوم وما وافق القوم فاجتنبه .
ومنها خبر الحسين
بن السرى قال أبو عبد الله (ع) إذا ورد عليكم حديثان مختلفان فخذوا بما خالف القوم
.
__________________
ومنها : خبر محمد
بن عبد الله (ع) قلت للرضا كيف نصنع بالخبرين المختلفين فقال (ع) إذا ورد عليكم
خبران مختلفان فانظروا إلى ما يخالف منهما العامة فخذوه ، وانظروا إلى ما يوافق
اخبارهم فدعوه .
ومنها : خبر سماعة
عن الإمام الصادق (ع) في حديث خذ بما فيه خلاف العامة .
ومنها : خبر عبيد
بن زرارة عنه (ع) ما سمعته منى يشبه قول الناس فيه التقية وما سمعت منى لا يشبه
قول الناس فلا تقية فيه .
وهذه باجمعها
متفقة على الترجيح بمخالفة العامة بالسنة مختلفة ـ من مخالفة العامة ـ وما لا يشبه
قول الناس ـ ومخالفة القوم ـ والمراد واحد.
والنسبة بينها
وبين الطائفة الأولى عموم مطلق فان هذه تدل على الترجيح بمخالفة العامة وان كان
الآخر موافقا للكتاب والطائفة الأولى تدل على انه في خصوص ذلك المورد لا تكون
المخالفة مع العامة مرجحة فيقيد اطلاقها بها.
الثالثة : ما
اقتصر فيه على الترجيح بموافقة الكتاب ، كخبر سدير قال أبو جعفر وابو عبد الله عليهماالسلام لا تصدق علينا إلا ما وافق كتاب الله وسنة نبيه (ص) .
__________________
ومنها : خبر ابن
الجهم عن العبد الصالح (ع) إذا جاءك الحديثان المختلفان فقسهما على كتاب الله
واحاديثنا فان اشبههما فهو حق وان لم يشبههما فهو باطل .
وهما متضمنان
للترجيح بموافقة الكتاب وساكتان عن الترجيح بمخالفة العامة ، والجمع بينهما وبين
ما تقدم ظاهر مما ذكرناه.
واما الشهرة : فقد
جعلت مرجحة ، في المقبولة المتقدمة وفي مرفوع زرارة عن الإمام الباقر (ع) في
الخبرين المتعارضين ، خذ بما اشتهر بين اصحابك ودع الشاذ النادر قلت يا سيدى انهما
مشهوران ماثوران عنكم فقال خذ بما يقول اعدلهما عندك وأوثقهما في نفسك فقلت انهما
معا عدلان مرضيان موثقا ، فقال انظر ما وافق منهما العامة فاتركه وخذ بما خالفهم
فان الحق في خلافهم ، قلت ربما كانا موافقين لهم أو مخالفين فكيف اصنع قال (ع) إذا
فخذ بما فيه الحائط لدينك واترك ما خالف الاحتياط الحديث .
وفي مرسل الاحتجاج
قال وروى عنهم (ع) انهم قالوا إذا اختلف احاديثنا عليكم فخذوا به بما اجتمعت عليه
شيعتنا فانه لا ريب فيه .
ولكن المرفوعة
ضعيفة السند جدا ، لضعف صاحب الكتاب ، ولرفعها ،
__________________
وقيل انه ليس منها
عين ولا اثر في كلمات الأصحاب قبل الشيخ الاحسائي وقد ناقش فيها وفي الكتاب
المتضمن لها من ليس دأبه الخدشة في سند الروايات كصاحب الحدائق (ره) .
والمرسل ضعيف
للارسال ، مضافا إلى ان الظاهر كونه اشارة إلى المقبولة ، فالعمدة في الترجيح بها
هي المقبولة.
وهي تدل على انها
أول المرجحات لاحدى الروايتين : لأنه بعد ما فرض الراوى تساوى الحكمين في الصفات ،
قال (ع) (ينظر إلى ما كان من روايتهم عنا في ذلك الذي حكما به المجمع عليه عند
اصحابك فيؤخذ به من حكمنا ويترك الشاذ الذي ليس بمشهور عند اصحابك) فانتقل الإمام
من ملاحظة الحاكمين إلى ملاحظة الروايتين اللتين هما مدركا الحكمين وتمام الكلام
فيها بالبحث في جهات :
الأولى : هل
المراد بالشهرة فيها الشهرة الروائية ، أو الفتوائية ، أو العملية ، والظاهر هو
الأولى ، فان الشهرة لوحظت بالنسبة إلى الرواية وظاهر ذلك اضافتها إليها بما هي
حكاية عن حديث المعصوم لا بما هي رأى نقل عن المعصوم (ع).
ودعوى ان قوله (ع)
فان المجمع عليه لا ريب فيه قرينة على ان المراد
__________________
الشهرة الفتوائية
فان الذي لا ريب فيه هو الذي عليه الشهرة الفتوائية ، بحيث كان مقابله الشاذ
النادر ، واما نفس الشهرة في الرواية مجردة عن الفتوى ، فهي مورثة للريب ، بل
للاطمينان أو اليقين بخلل فيها.
مندفعة : بان
الرواية المشهورة من حيث الرواية إذا كانت وحدها وكان فتوى الأصحاب على خلافها
يطمئن الإنسان بخلل فيها اما إذا كانت معارضة مع رواية صحيحة سندا وغير مشهورة ،
وكان كل منهما مستند جمع من الفقهاء لم يوجب ذلك الريب فيها فضلا عن الاطمينان
واليقين بخلل فيها.
الجهة الثانية :
قد يقال ان الشهرة الروائية مساوقة مع الاستفاضة والقطع بالصدور ، فهي من مميزات
الحجة عن اللاحجة لا من مرجحات احدى الحجتين.
ولكنه يندفع بان
الشهرة عبارة عن الظهور والوضوح وهي ذات مراتب مشككة ، أول مرتبة منها جعلت مرجحة
، لا المرتبة الأخيرة المورثة للقطع بالصدور والشاهد بذلك ، فرض الخبرين مشهورين
في المقبولة ، وتقديم حكم الحاكم الواجد للصفات على الآخر وان كان مستنده مشهورا
بين الأصحاب ، وغير ذلك من القرائن فإذاً لا اشكال في ان الشهرة من المرجحات.
الجهة الثالثة :
في النسبة بين المقبولة وسائر الروايات فالظاهر كما مر من انه إذا تكفل خبر
لمرجحين والآخر لمرجح واحد منهما يكون الجمع بينهما بتقييد إطلاق الثاني بالاول ،
والبناء على ثبوت المرجحين ، فالجمع بين النصوص يقتضي البناء على الترجيح أولا ،
بالشهرة ، ثم بموافقة الكتاب ، ثم بمخالفة العامة.
واما صفات الراوي
، فقد تضمنت المقبولة أي مقبولة ابن حنظلة المتقدمة ، ومرفوعة زرارة المتقدمة
أيضاً للترجيح بها.
ولكن المرفوعة قد
عرفت انها ضعيفة سندا ، ولا مثبت لاستناد الأصحاب إليها في الالتزام بهذا المرجح
بعد ما تقدم من انه لم ينقلها احد قبل الشيخ الاحسائي حتى مثل العلامة (ره).
واما المقبولة فهي
وان اعتبر سندها كما مر ، إلا ان الترجيح بها فيها إنما هو لتقديم حكم احد
الحاكمين على الآخر لا الترجيح بها لتقديم احدى الروايتين ، لأنه في صدر المقبولة
بعد فرض السائل اختلاف الحكمين قال (ع) الحكم ما حكم به اعدلهما الخ وهذا صريح في
ان ذلك بصدد بيان المرجح لتقديم حكم احد الحاكمين ويشهد به أيضاً قوله بعد ذلك
فقلت فانهما عدلان مرضيان فقال (ع) ينظر إلى ما كان من روايتهم فانه صريح في كونه
بعد الترجيح بالصفات بصدد بيان ما هو المرجح لاحدى الروايتين على الاخرى ، ولذلك
قلنا انها دالة على ان أول المرجحات الشهرة فيكون مفاد المقبولة بالنسبة إلى
الترجيح بالصفات مفاد خبر موسى بن اكيل ، وخبر داود بن
__________________
الحصين المتضمنين لترجيح حكم احد القاضيين بها الذين لم يحتمل احد
دلالتهما على الترجيح بها لتقديم احدى الروايتين على الاخرى.
وقد نسب إلى
المحقق النائيني (ره) انه وان جعلت الصفات فيها مرجحة للاخذ بحكم احد الحاكمين ،
إلا انه يمكن ان يستفاد منها من باب تنقيح المناط كونها مرجحة لاحدى الروايتين على
الاخرى لأنه لما كان منشأ اختلاف الحكمين هو اختلاف الروايتين ، فيستفاد من ذلك ان
المناط في ترجيح احد الحكمين على الآخر بالصفات ، لكون مثل هذه الصفات مرجحة لمنشإ
الحكم ، وهو الرواية.
ويرد عليه انه مع
عدم إحراز المناط كيف يحكم بالتعدي ، مع ان الافقهية التي جعلت مرجحة ، لا دخل لها
في نقل الحديث أصلاً ، وإنما تناسب ترجيح الحاكم من حيث هو ، ومن الغريب انه (قدِّس
سره) بعد اسطر يصرح بان أول المرجحات الشهرة لا الصفات لانها جعلت في المقبولة أول
المرجحات.
فالمتحصّل انحصار
المرجح بالشهرة ـ وموافقة الكتاب ـ ومخالفة العامة ، مرتبة.
__________________
فان قيل : انه في
المقبولة بعد فرض السائل موافقتهما معا للعامة قال (ع) ينظر إلى ما هم إليه اميل
حكامهم وقضاتهم فيترك ويؤخذ بالآخر ، فهذا مرجح آخر لم يتعرض له الأصحاب.
قلنا : الظاهر انه
توسعة في المخالفة المجعولة مرجحة كما هو واضح.
ايرادات نصوص الترجيح ونقدها
ثم ان توضيح ما
اخترناه وبيناه ، إنما يكون بذكر ما أورد على اخبار الترجيح من الايرادات ،
والجواب عنها ، وهي ثمانية.
الأول : ما يختص
بمرجحية مخالفة العامة ، وحاصله ان اكثر رواياتها مروية عن رسالة القطب ، وقال
الفاضل النراقي " انها غير ثابتة من القطب ثبوتا شائعا فلا حجية فيما
ينقل عنها" ، فيبقى من رواياتها المقبولة ، وخبر سماعة ، والثاني ضعيف
بالارسال ، فينحصر المدرك في المقبولة ، وحكى عن المحقق في رد الترجيح بها انه لا يثبت مسألة علمية برواية رويت عن
الصادق (ع).
__________________
وفيه : أولا ما
تقدم من حجية رواية تلك الرسالة ، وان الوجوه المذكورة لعدم حجيتها فاسدة.
وثانيا ان الخبر
إذا كان حجة خصوصا مع عمل الأصحاب به وتلقيهم اياه بالقبول يثبت به مسألة أصولية ،
كما يثبت به حكم فرعي خاص ، وإنما لا يعتمد على مثله في العقائد المطلوب فيها
العلم.
الثاني : ما أفاده
المحقق العراقي (ره) في المقالات ، وهو ان المرفوعة ضعيفة السند والمقبولة مخالفة للاجماع ،
إذ ظاهرها ، انه عند تساوى الحكمين في الصفات يرجعان إلى المستند ويجتهدان في
استفادة الحكم من المستند ، وهو خلاف الإجماع المدعى في المستند ، على انه عند
تساويهما يكون الاختيار بيد المدعى.
واجيب عنه بان
المقبولة محمولة على قاضى التحكيم.
ويرده : ان قاضي
التحكيم عبارة عن القاضي الواجد لجميع الشرائط حتى الاجتهاد غير انه لا يكون
منصوبا ، ولذلك قال الشهيد الثاني في المسالك انه مختص بزمان الحضور ولا معنى له في زمان الغيبة فانه ان
لم يكن مجتهدا لا يكون قاضيا ولو للتحكيم ، وان كان مجتهدا فهو منصوب وحيث ان صدر
المقبولة في
__________________
مقام نصب المجتهد
قاضيا وحاكما فلا يمكن حمل ذيلها على قاضي التحكيم.
والحق ان يجاب عنه
بان كون الاختيار بيد المدعى إنما يكون مدركه الإجماع ، والمتيقن منه الشبهة
الموضوعية ، واما في مورد الشبهة الحكمية كما في مورد المقبولة فلا دليل عليه.
مع ، ان المقبولة
قابلة للحمل على صورة التداعي ، اضف إلى ذلك ، ان المفروض في المقبولة كون تعيين
الحاكمين مع رضايتهما معا ، لا بأن يختار كل منهما غير ما يختاره الآخر فلاحظها.
ويمكن ان يقال انه
لما كان منشأ النزاع في موردها الشبهة في حكم المسألة كما لا يخفى ، وهي لا ترتفع
بالحكومة ، امرهما (ع) بالنظر في أدلة الواقعة ، واستفادة حكمها منها كي يرتفع
النزاع.
الثالث : ما أفاده
المحقق اليزدي (ره) وهو ان الترجيحات المذكورة في المقبولة والمرفوعة غير
موافقة الكتاب ، ومخالفة العامة ، كالشهرة ، وصفات الراوى ، فيمكن ان يقال بعدم
دلالتهما على الترجيح بما ذكر في صورة التعارض : إذ صفات الراوى المذكورة في
المقبولة ، فهي في مقام تقديم حكم احد الحكمين في مقام رفع الخصومة.
واما في المرفوعة
، فان الظاهر بقرينة سؤال السائل بعد ذلك هما عدلان مرضيان ، انه ليس المراد من
الاعدل من كان هذا الوصف فيه اكثر واشد بعد
__________________
اشتراكهما في اصل
الصفة ، بل المراد منها من كان عادلا ، فهو من قبيل أولو الارحام ، وحاصله يرجع
إلى وجوب الاخذ بخبر العادل لكونه حجة وطرح الآخر لكونه غير حجة.
واما الشهرة
فالظاهر بقرينة التعليل في المقبولة ، بان المجمع عليه لا ريب فيه : ان الترجيح
بها ليس من الترجيحات الظنية التي تعبدنا الشارع بها ، بل تقديم المشهور ، إنما
يكون من جهة انه مقطوع به وان غيره مقطوع الخلاف.
ويتوجه عليه : ما
أفاده في الترجيح بالصفات بالنسبة إلى المقبولة ، تام كما بيناه.
واما بالنسبة إلى
المرفوعة ، فغير تام : إذ استعمال هذه الجملة وإرادة تساويهما من حيث العدالة شائع
، ولذا ترى في المقبولة انه قال انهما عدلان مرضيان لا يفضل أحدهما على صاحبه ،
فهي لا تصلح ان تكون قرينة لصرف ظهور الاعدل والأوثق وإرادة الوثاقة والعدالة
منهما.
واما الشهرة فليس
المراد منها في المقبولة المشتهر بين الشيعة رواية وفتوى وعملا ، الذي يطمئن ، بل
يقطع بكون مضمونه هو الحكم الواقعي ، وإلا لم يصح ، قوله فان كان الخبران عنكم
مشهورين ، ولا الرجوع إلى صفات الحاكم قبل ملاحظة الشهرة ، ولا الحكم بالرجوع مع
شهرتهما إلى المرجحات الأخر.
بل المراد منها
لهذه القرائن ، ولظهور الخبر في نفسه ، ولما ستعرف ، هي الشهرة رواية وهي لو اوجبت
شيئا ، فهي الاطمئنان بالصدور ، لا الاطمئنان من جميع الجهات كي يكون الخبر مما لا
ريب فيه بقول مطلق من جميع الجهات ، بل هو حينئذ لا ريب فيه بقول مطلق من جهة ،
وهذا لا يلازم الاطمئنان ، ولا الظن
بعدم صدور المعارض
، ولذا ترى فرض الشهرة في المتعارضين ، فتكون من المرجحات الظنية.
وبذلك ظهر ان مراد
الشيخ الأعظم (ره) من ان المراد من نفى الريب فيه عدم الريب فيه بالاضافة إلى
الآخر ، عدم الريب فيه بقول مطلق من جهة الصدور خاصة لا من جميع الجهات ، فلا يرد
عليه الركاكة.
الرابع : ان
النصوص المتضمنة للترجيح جملة منها ضعيفة السند ، وجملة منها وان كانت معتبرة إلا
ان الظاهر اختصاصها بزمان الحضور والتمكن من لقائه (ع) ولا تشمل زمان الغيبة.
وفيه : أولا : ان
التوقف يحتمل اختصاصه بزمان الحضور ، لامكان السؤال ، ولكن الترجيح لا يحتمل فيه
ذلك ، ولا فرق فيه بين الزمانين ، بل العلل المذكورة فيها ـ مثل ـ فان المجمع عليه
لا ريب ، وان الرشد في خلافهم تشهد بعدم الاختصاص كما لا يخفى.
وثانيا : ان جملة
من النصوص مطلقة ليس فيها ما يتوهم الاختصاص ، وبعضها وان كان مذيلا بقوله فارجه
حتى تلقى امامك ، ولكن هذا القيد ذكر لخصوص التوقف ، واما ما قبله من المرجحات فلم
يذكر فيها هذا القيد ، ومعلوم انه لو ذكر مطلقات وذكر في الاخير منها قيد يرجع ذلك
إلى الاخير
__________________
دون الجميع ، وقد
مر في مباحث العام والخاص ان الجمل المتعقبة بالاستثناء يكون ذلك استثناء عن
الجملة الأخيرة فراجع.
الخامس : ما هو
مختص بالمقبولة : وهو ان المقبولة واردة في القاضيين الذين حكم كل منهما بخلاف
الآخر ، ومن المعلوم انه لا معنى للتخيير في ذلك الباب ، لعدم قطع الخصومة والنزاع
به ، فلا محيص عن الترجيح ، ولذا في آخره حكم بالتوقف ، فلا يصح التعدي عن موردها
إلى الخبرين المتعارضين الذين لا مانع فيهما من الالتزام بالتخيير.
وفيه : ان صدر
الرواية في مقام بيان ما يرجح به احد القاضيين ويعمل بحكمه ويترك الآخر ، وبعد ما
فرضهما الراوى متساويين في الصفات المرجحة ، امر (ع) بالرجوع إلى مستندهما أي
الرواية فاخذ في بيان ما يرجح به احدى الروايتين على الاخرى ، وذكر الشهرة أول تلك
المرجحات.
لا يقال ان الشهرة
المذكورة فيها من مرجحات احد الحكمين الذي حكم بهما القاضيان ، لا من مرجحات
الرواية ، لأنه (ع) فرع على ما إذا كان أحدهما مشهورا بقوله فيؤخذ به من حكمهما.
فانه يقال ان
عبارة الرسائل وان كانت كما ذكر ، ولكن ما في كتب
__________________
الحديث هكذا ،
فيؤخذ به من حكمنا.
وبما ذكرناه تنحل
العويصة التي اشكلت على الشيخ الأعظم (ره) ، وهي ان ظاهر الرواية تقديم الترجيح بصفات الراوى على
الشهرة ، مع ان بناء الأصحاب على تقديم الترجيح بالشهرة ، على الترجيح بالصفات :
لما عرفت من ان أول مرجحات الرواية فيها هي الشهرة ، والصفات مرجحات حكم الحكمين.
فان قيل فما منشأ
الترجيح بالصفات بعد الشهرة الذي عليه بناء الأصحاب.
قلنا ان وجهه
مرفوعة زرارة المنجبرة بعمل الأصحاب على ما توهم.
فان قيل فلم لم
يذكر الصفات في المقبولة.
قلنا لعل وجهه ان
الروايتين المفروضتين في المقبولة راويهما القاضيان وقد فرض تساويهما في الصفات.
السادس : انه لو
قيدنا اخبار التخيير باخبار الترجيح لا يبقى لاخبار التخيير إلا موارد نادرة ،
وحملها عليها مستهجن فان في اكثر الموارد ، اما ان يكون أحدهما مشهورا ، أو مخالفا
للعامة ، أو موافقا للكتاب ، أو في رواية صفة من الصفات المرجحة ، وفرض التساوي في
غاية الندرة ، سيما إذا تعدينا عن المرجحات المنصوصة إلى كل ما يوجب اقربية أحدهما
إلى الواقع.
__________________
وفيه : أولا : ان
هذا لو تم فإنما هو على مسلك من يرى الترتيب بين المرجحات ، واما من كان مثل
المحقق الخراساني ويرى انه لا ترتيب ، بينها ، ففرض التساوى كثير ، كما لو فرضنا
ان أحدهما مشهور والآخر مخالف للعامة ، أو موافق للكتاب ، وهكذا فمثل المحقق
الخراساني لا حق له ان يعترض بذلك.
وثانيا : ان
استكشاف كون احد الخبرين مشهورا ، أو مخالفا للعامة ، أو كون راويه واجدا للصفات
في هذا الزمان سهل ، ولم يكن كذلك في أول الأمر لتشتت الرواة والفقهاء ، وعدم
الوسائل التي يظهر بواسطتها فتاويهم واقوال العامة كانت مختلفة ، وتشخيص صفات
الرواة كان صعبا.
لا يقال ان المرجح
واقع الشهرة ومخالفة العامة ، لاما استكشفه المكلف.
فانه يقال المكلف
موظف بالترجيح بما ظهر له ومع عدمه أي عدم تشخيص وجود المرجح وظيفته التخيير
فتدبر.
السابع : ما في
الكفاية ان مخالفة الكتاب ، وموافقة العامة ليستا من المرجحات ، بل
من مميزات الحجة عن اللاحجة : لان ما خالف الكتاب بنفسه ليس بحجة ، لما دل من
النصوص على انه باطل ، زخرف ، لم نقله ، وكذا الخبر الموافق للقوم ، لان أصالة عدم
صدوره تقية بملاحظة الخبر المخالف لهم ، مع
__________________
الوثوق بصدوره لو
لا القطع به غير جارية للوثوق حينئذ بصدوره كذلك.
وفيه : ما سيجيء
من ان مورد اخبار العرض على الكتاب وسقوط ما خالفه عن الحجية هو صورة المخالفة
بنحو التباين ، وفي ذلك المورد ذكر هذه التعبيرات.
واما المخالفة في
اخبار الترجيح ، فموردها العموم المطلق ، والعموم من وجه ، على كلام ، وليس فيها
هذه التعبيرات.
وعلى الجملة
المخالفة المرجحة ، غير المخالفة المميزة ، كما ستعرف ، والتعبيرات المشار إليها
واردة في الثانية دون الأولى ، والظاهر ان ذلك سهو من قلمه الشريف.
الثامن : ما ذكره
المحقق الخراساني بقوله ، انه لو لا التوفيق بذلك لزم التقييد أيضاً في
اخبار المرجحات وهي آبية عنه كيف يمكن تقييد مثل ما خالف قول ربنا لم نقله ، أو
زخرف ، أو باطل الخ.
وفيه : ان نصوص
الترجيح ليس فيها ما يأبى عن التقييد ، وما ذكره من الجملات الثلاث غير مربوطة
بنصوص الترجيح ، وإنما هي في نصوص العرض على الكتاب وموردها المخالفة بنحو التباين
كما سيمر عليك ، مع ان المذكور في نصوص الترجيح الموافقة للكتاب ولم يذكر فيها
المخالفة.
فالمتحصّل ان شيئا
من ما أورد على نصوص الترجيح لا يرد عليها ، وهي
__________________
اخص من اخبار
التخيير لو كان لدليله المعتبر إطلاق ، فيقيد اطلاقها بهذه النصوص.
وان أول المرجحات
، الشهرة ، ثم موافقة الكتاب ، ثم مخالفة العامة بمالها من المعنى الوسيع الشامل
لما وافق ميل حكامهم ، ومع عدم شيء من المرجحات يحكم بالتخيير للأصل الأولى
ولنصوصه التي عرفت ان المتيقن منها فقد المرجحات.
بيان المراد من موافقة الكتاب
ثم انه لا بد من
بيان أمور :
الأمر الأول : ان
موافقة الكتاب ، هي مقابلة للمخالفة ، فهل المراد بالمخالفة ، هي المخالفة ثبوتا ،
أو اثباتا؟ ثم هل المراد بها ، المخالفة بنحو التباين أو بنحو العموم من وجه ، أو
العموم المطلق؟
ثم انه في اخبار
العرض على الكتاب جعلت المخالفة للكتاب من مميزات الحجة عن اللاحجة ، فهل المراد بالمخالفة
في نصوص الترجيح هو ما أريد منها في نصوص العرض ، كما عن المحقق الخراساني حيث قال ان نصوص الترجيح ونصوص العرض على الكتاب تفرغان عن
لسان واحد ، أم أريد منها غيره؟
__________________
وقد يقال ان اخبار
العرض على الكتاب ، وعدم صدور المخالف للكتاب عنهم عليهمالسلام محمولة على المخالفة ثبوتا ، بمعنى ان ما يصدر منهم لا
يخالف الكتاب واقعا ، بل يوافقه اما ، لارادة المؤول من الكتاب ، أو من الخبر ،
نسبه المحقق الأصفهاني إلى المحقق الخراساني في مباحث الالفاظ.
وفيه : انه لو تم
فيما تضمن قولهم (ع) ، لا نقول ما خالف قول ربنا ، وما شاكل ، لا يتم فيما امر فيه
بالعرض على الكتاب ، وطرح ما خالفه كما هو واضح ، فان المراد منها مخالفة ما يدل
عليه الخبر لمدلول الكتاب على ما يفهمه العارض منهما إذ هو القابل للعرض.
وقد يقال كما عن
المحقق الخراساني في الكفاية ان المراد بالمخالفة في نصوص الباب واخبار العرض شيء واحد
، فتدلان جميعا على عدم صدور المخالف عنهم ولو كان وحده ، فتكون المخالفة من
مميزات الحجة عن اللاحجة ، لا من مرجحات احدى الحجتين على الاخرى.
وفيه : بعد فرض
انه في المقبولة ، ورد الأمر بطرح المخالف بعد فرض كونهما مشهورين وإلا فلو كان
المخالف مشهورا لم يكن مطروحا ، بل كان يجب العمل به ، يظهر ان المخالف للكتاب لا
يكون ساقطا عن الحجية مطلقا.
وايضا نعلم صدور
ما خالف ظاهر الكتاب عنهم (ع) عليهمالسلام ، بل اغلب التفاسير الواردة عنهم التي لا يساعدها ظاهر
الكتاب كذلك.
__________________
وايضا نعلم ان ما
خالف الكتاب بالعموم ، صادر قطعا عنهم فيظهر من جميع ذلك انهما لا تفرغان من لسان
واحد.
وحق القول في المقام
ان المخالفة للكتاب تتصور على وجوه ثلاثة ، المخالفة بالتباين ، والمخالفة بالعموم
المطلق ، والمخالفة بالعموم من وجه.
اما الأول : فله
صورتان ، احداهما : ما إذا كان الخبر مخالفا لنص الكتاب فهي التي وردت الأخبار على
ان الخبر المتصف بها ليس بحجة أو زخرف ، أو باطل ، أو لم نقله أو ما شاكل ، فهذه
الصورة هي مورد اخبار العرض ولا تشملها نصوص الترجيح.
ثانيتهما : ما إذا
كان مخالفا لظاهر الكتاب ، مثلا ظاهر الكتاب وجوب قضاء الصوم للمريض والمسافر ،
فإذا ورد خبر صريح في عدم الوجوب غير معارض بخبر آخر ، ففي هذه الصورة لا اشكال في
العمل به وحمل الكتاب على الاستحباب ، فلو عارضه خبر آخر صريح في الوجوب ، يدخلان
في الأخبار العلاجية ويقدم الخبر الثاني لموافقة الكتاب.
والظاهر ان نظر
الأصحاب حيث قالوا انه في صورة كون النسبة هو التباين يسقط المخالف عن الحجية وهو
المتيقن من اخبار العرض إلى الصورة الأولى.
واما الثاني :
فحيث ان المأخوذ في اخبار العرض على الكتاب هي المخالفة ، وهي لا تصدق على
المخالفة بنحو العموم والخصوص المطلق ، لان الخاص يكون قرينة على العام ، فاخبار
العرض لا تشمله ، مضافا ، إلى القطع بصدور الخبر المتصف بها عن المعصوم فان اكثر
المخصصات لعمومات الكتاب
إنما هي صادرة عن
المعصومين (ع) فلا توقف في عدم شمولها لها ، واما في نصوص الترجيح فالمأخوذ هو
الموافقة للكتاب وإنما ذكرت المخالفة في بعض تلك النصوص عقيب الموافقة وهي شاملة
للفرض ، فالمخالف للكتاب بهذا النحو مشمول للأخبار العلاجية.
وبذلك ظهر ما في
كلام المحقق النائيني (ره) حيث قال : ان نصوص الترجيح والتخيير أيضاً لا تشمله لعدم
صدق المخالفة.
كما انه ظهر ما في
كلام المحقق الخراساني المدعي ان نصوص الترجيح ونصوص العرض على الكتاب تفرغان عن
لسان واحد.
واما الثالث : وهي
المخالفة بالعموم من وجه فلا ريب في صدق المخالفة عليها ، إلا ان الظاهر عدم شمول
اخبار العرض لها : فان مخالفته حينئذ إنما تكون لظاهر الكتاب عموما ، وصدور مثل
هذا المخالف عنهم (ع) غير عزيز ، بل اغلب التفاسير الواردة عنهم (ع) التي لا
يساعدها ظاهر الكتاب من هذا القبيل ، فلا يعمها ما دل على ان المخالف زخرف أو باطل
أو لم نقله ، فتكون مشمولة للأخبار العلاجية.
فتحصل ان الاقوى
كون موارد المخالفة بالعموم المطلق ، والمخالفة بالعموم من وجه وصورة واحدة من
المخالفة بالتباين مشمولة للأخبار العلاجية ، وصورة واحدة من المخالفة بالتباين
مشمولة لاخبار العرض.
__________________
بيان المراد من الشهرة ، ومخالفة العامة
الأمر الثاني : في
الشهرة ، وهي على اقسام :
١ ـ الشهرة
الروائية. ٢ ـ الشهرة العملية. ٣ ـ الشهرة الفتوائية.
اما الشهرة
الروائية وهي اشتهار الرواية بين الرواة ، وارباب الكتب الحديثية بان ينقلها كثير
منهم ، فلا اشكال في الترجيح بها ، لما عرفت من انه الظاهر من المقبولة وغيرها.
واما الشهرة
العملية وهي عبارة عن استناد المشهور إلى رواية في الفتوى وعملهم بها ، فهي من
مميزات الحجة عن اللاحجة ، لما مر في مبحث حجية الخبر الواحد ، ان عمل المشهور
برواية واستنادهم إليها في مقام يوجب جبر ضعفها لو كانت ضعيفة ، كما ان اعراض
الأصحاب عن رواية ، هي بمرأى منهم ومنظر يوجب وهنها وان كانت صحيحة ، وعليه
فالرواية المشهورة بهذا المعنى حجة ، والرواية المعارضة لها ساقطة عن الحجية ، فهي
من مميزات الحجة عن اللاحجة.
واما الشهرة
الفتوائية ، وهي عبارة عن اشتهار الفتوى على طبق مضمون الرواية مع عدم إحراز
استنادهم في الفتوى إلى تلك الرواية ، بان كانت الفتوى مطابقة للقاعدة أو الأصل
العملي واحتمل استنادهم إليها لا إلى الرواية.
فالظاهر عدم كونها
مرجحة ، ولا جابرة لضعف السند ، اما عدم كونها جابرة فواضح ، واما عدم كونها مرجحة
فلما مر من ان العمدة في مرجحيتها
المقبولة وهي من
جهة انه لوحظ الشهرة فيها بالاضافة إلى الرواية الظاهر في نقل رأى المعصوم عن حس ،
لا عن حدس ورأى ، وغير ذلك من القرائن ، ظاهرة في ارادة الشهرة الروائية.
نعم إذا كانت
الفتوى على خلاف القاعدة والاصل ، فحيث ان عدالة الأصحاب تمنع عن الفتوى من غير
مستند ، والفرض انه لا مستند غير تلك الرواية ، فلا محالة يستكشف من ذلك استنادهم
إليها ، ولعله من هذا الباب حديث على اليد ما اخذت .
فانه خبر ضعيف ،
وفتوى قدماء الأصحاب على طبقه وان لم يستدلوا به ، ولكنها ترجع إلى الشهرة العملية
، وليست مجرد الشهرة الفتوائية.
الثالث : لا اشكال
في ان مخالفة العامة من المرجحات ولا كلام في ذلك إنما الكلام في ان مرجحيتها ، هل
تكون من جهة مطلوبية المخالفة لهم في نفسها ، كما هو الظاهر من خبر داود بن الحصين
عمن ذكره عن أبي عبد الله (ع) في حديث ، وان من وافقنا خالف عدونا ، ومن وافق
عدونا في قول أو عمل فليس منا ولا نحن منهم ، أو من جهة التعبد المحض كما هو الظاهر من ما تضمن الأمر
بالاخذ بالمخالف ، كخبر المفضل بن عمر قال الصادق (ع) كذب من
__________________
زعم انه من شعيتنا
، وهو مستمسك بعروة غيرنا ، أو من جهة صدور الموافق تقية ، كما هو المستفاد من جملة
من الأخبار كخبر عبيد بن زرارة عن الإمام الصادق (ع) ما سمعته منى يشبه قول الناس
فيه التقية ، الحديث أو من جهة ان الرشد في خلافهم كما هو ظاهر كثير من النصوص
، لاحظ قوله (ع) دعوا ما وافق القوم فان الرشد في خلافهم . وخبر على بن اسباط عن الإمام الرضا (ع) في حديث ائت فقيه
البلد فاستفته من امرك فإذا افتاك بشيء فخذ بخلافه فان الحق فيه
ونحوهما غيرهما ،
وجوه :
اظهرها الاخير ،
فان ما هو مدرك الوجه الأول ، ظاهر في الموافقة معهم في العقائد الفاسدة كما يشهد
به خبر حسين بن خالد عن الإمام الرضا (ع) شيعتنا المسلمون لامرنا الآخذون بقولنا
المخالفون لاعدائنا فمن لم يكن كذلك فليس منا ().
وما يكون مدركا
للثاني مع تعدده وكثرته قابل للحمل على الوجه الرابع.
وما يكون مدركا
للثالث ظاهر في صورة العلم بالصدور لاحظ خبر عبيد
__________________
المتقدم.
فإذا المتعين هو
الاحتمال الرابع ، ويؤيده جعله مقرونا بالترجيح بموافقة الكتاب في المقبولة ،
الظاهر ، في انهما من سنخ واحد ، لا سنخين أحدهما المرجح المضموني والآخر المرجح
الجهتي.
سائر ما استدل به على لزوم الترجيح
وقد استدل لوجوب
الترجيح في المتفاضلين بوجوه اخر :
منها : دعوى
الإجماع على الاخذ بأقوى الدليلين.
وأورد عليه صاحب
الكفاية بأنه مع مصير مثل الكليني إلى التخيير ، وهو في عهد الغيبة
الصغرى ويخالط النواب والسفراء ، قال في ديباجة الكافي ولا نجد شيئا اوسع ولا احوط من التخيير ، دعوى الإجماع
مجازفة.
وفيه : أولا ان الكليني
في ديباجة الكتاب يصرح بلزوم الترجيح بالشهرة ، وموافقة الكتاب ، ومخالفة
العامة ، ثم بعد ذلك يبنى على التخيير.
__________________
اللهم إلا ان يكون
نظره (قدِّس سره) إلى رد الترجيح بكل مزية ولو لم تكن منصوصة كما هو ظاهر الدليل.
وثانيا : ان
مخالفة الكليني وحده مع جلالة قدره لا تضر.
فالحق ان يورد
عليه بعدم كون هذا الإجماع تعبديا كاشفا عن رأى المعصوم (ع) ـ مع ـ انه ليس
اجماعيا قوليا ، بل هو عملي ، ووجه العمل غير معلوم ، ولعله يكون من جهة الاحتياط
الاستحبابى ، أو اختيار احد فردي التخيير.
ثم انه ربما يورد
على الكليني (قدِّس سره) ، بان ما أفاده من انا لا نجد شيئا اوسع ولا احوط من
التخيير لا يتم ، فان التخيير وان كان اوسع ، إلا انه ليس احوط قطعا ، لان الترجيح
وتقديم ذي المزية لو لم يكن متعينا ، لا اقل من احتمال تعينه ، للنصوص المتقدمة
وافتاء المحققين به ، فالاحوط هو الترجيح لا التخيير.
ولكن يمكن ان
ينتصر للكليني بان مراده ، ان الاحوط التوقف ، والاوسع التخيير لاحظ قوله ، ولا
نجد شيئا احوط ولا اوسع من رد علم ذلك كله إلى العالم (ع) وقبول ما وسع من الأمر
فيه الخ ، فان الظاهر كونه بنحو اللف والنشر المرتب ، وليست العبارة بالنحو
المذكور في الكفاية.
ومن الوجوه التي
ذكروها لوجوب ترجيح ذي المزية : انه لو لم يجب الترجيح بذى المزية ، لزم ترجيح
المرجوح على الراجح ، وهو قبيح عقلا ، بل ممتنع قطعا.
وأورد عليه المحقق
الخراساني بقوله ، وفيه انه إنما يجب الترجيح لو كانت المزية موجبة
لتأكد ملاك الحجية في نظر الشارع ضرورة إمكان ان تكون تلك المزية بالاضافة إلى
ملاكها من قبيل الحجر في جنب الإنسان وكان الترجيح بها بلا مرجح وهو قبيح انتهى.
ويرد عليه ان
المستفاد من الأدلة ان ملاك حجية الخبر هو إراءته للواقع ، ورجحان صدقه ، فإذا
كانت المزيّة موجبة لاقوائية هذا الملاك كيف يمكن دعوى احتمال ان تكون المزية
بالاضافة إلى ملاكها من قبيل الحجر في جنب الإنسان فيكون الترجيح ، بها بلا مرجح.
فالاولى : ان يجاب
عنه ، بأنه لا يعتنى بهذه الاحتمالات والاستدلالات في مقابل اطلاقات التخيير
الدالة على ثبوت التخيير حتى مع وجود المزية ، ولكن قد عرفت انها تقيد بأدلة الترجيح
، ولو لا تلك الأدلة كان المتعين البناء على التخيير مطلقا ، ومنها غير ذلك مما هو
بين الفساد.
هل التخيير في المسألة الأصولية أو في المسألة الفرعية؟
ثم انه مع عدم
المرجح لا اشكال في التخيير كما مر.
وإنما الكلام يقع
في موارد :
__________________
الأول : في ان
التخيير ، هل هو في المسألة الأصولية ، أم في المسألة الفرعية؟
الثاني : في انه
هل للمجتهد ان يفتى بالتخيير في المسألة الأصولية بناءً على كون التخيير فيها
فيختار المقلد غير ما اختاره المجتهد أم لا؟
الثالث : في ان
التخيير بدوي أو استمراري.
اما المورد الأول
: فالظاهر ان التخيير في المسألة الأصولية لوجوه :
أحدها : ان ظاهر
بعض نصوصها كقوله بايهما ، أي بأي الخبرين ، اخذت من باب التسليم وسعك ، ذلك كما
لا يخفى.
ثانيها : ان
التخيير في الحكم الفرعي لا يخلو عن وجوه ثلاثة ، كونه واقعيا ، اوليا ، أو واقعيا
ثانويا ، أو ظاهريا ، وشيء منها لا يكون معقولا.
اما الأول :
فلاستلزامه التصويب ، لان مذهب المخطئة بقاء الواقع على ما هو عليه ، ولو بعد قيام
الأمارة ، والواقع على الفرض ، ليس إلا أحدهما المعين ، وهو لا يتغير بقيام
الأمارة.
واما الثاني :
فلاستلزامه الجمع بين الحكمين ، التعييني والتخييري ، مع انه لو قام احد الخبرين
على وجوب الظهر في زمان الغيبة ، والآخر على وجوب الجمعة فيه ، فبمقتضى اخبار
التخيير على هذا المسلك يكون الحكم الثانوي هو التخيير بينهما ، وحيث ان الواقعي
الأولى باق بحاله ، وهو وجوب أحدهما تعيينا ، والمفروض تعلق العلم بثبوته فيجب
بمقتضى هذا العلم الاحتياط بالجمع بينهما ، واخبار التخيير على هذا لا يصلح لرفع
وجوب الاحتياط.
واما الثالث :
فلان الحكم الظاهري إنما هو في ظرف الشك في الواقع ،
فيعتبر في صحة
جعله احتمال مصادفته للواقع ، ومع القطع بالعدم لا يعقل جعل الحكم الظاهري ، وفي
المقام حيث يعلم بان المجعول الواقعي أحدهما المعين فجعل الحكم التخييري غير معقول
، ويكون نظير جعل الاباحة في صورة العلم بان الواقع اما هو الوجوب أو الاستحباب.
ثالثها : انه لو
كان مؤدى أحدهما وجوب شيء ، ومؤدى الآخر وجوب شيء آخر يمكن التخيير بينهما ، واما
لو كان مؤدى أحدهما وجوب شيء ومؤدى الآخر اباحته لا معنى للتخيير بينهما ، بان
يكون مخيرا بين الوجوب والاباحة : إذ التخيير بين الفعل والترك ، أو الفعلين معقول
، واما التخيير بين الحكمين فغير معقول.
فالمتحصّل ان
التخيير يكون في المسألة الأصولية.
واما المورد
الثاني : فجواز اختيار المقلد غير ما يختاره المجتهد يبتنى على القول بان التقليد
في المسألة الأصولية مشمول لادلة التقليد ، فلو كان رأى المجتهد حجية الخبر
الموثوق به له ان يفتى بذلك ، فإذا رأى المقلد وثاقة خبر لا يراه المجتهد موثقا له
ان يعمل به.
وعليه ففي المقام
له ان يختار غير ما يختاره المجتهد ، وقد اشبعنا الكلام في المبنى ، في أول مباحث
القطع ، وفي رسالة الاجتهاد والتقليد.
هل التخيير بدوي أو استمراري؟
واما المورد
الثالث : فالكلام فيه يقع في جهات :
الأولى : فيما
يقتضيه الأصل الأولى على المختار من انه التخيير.
الثانية : فيما
يقتضيه الإجماع المدعى على التخيير مع عدم المرجح.
الثالثة : فيما
يقتضيه اطلاقات أدلة التخيير على تقدير تسليم دلالتها عليه.
الرابعة : فيما
يقتضيه الاستصحاب مع عدم الدليل على احد الطرفين.
اما الجهة الأولى :
فحيث عرفت ان الأصل في الامارتين هو التخيير بتقييد حجية كل منهما بعدم الاخذ
بالآخر ، لا بتعلق الحجية والدليلية بالجامع بينهما ، فيكون دليل التخيير دليلا
على استمراره ، فالتخيير استمراري إلا ان يمنع عنه مانع خارجي ، وهو العلم
الإجمالي.
توضيحه : انه إذا
فرضنا قيام خبرين على وجوب فعلين ، كالظهر ، والجمعة ، أو القصر ، والتمام
وامثالهما فعلى القول باستمرارية التخيير له ان يختار في الواقعة الثانية ، خلاف
ما يختاره في الواقعة الأولى ، فإذا فعل كذلك يحصل له العلم الإجمالي بالمخالفة
القطعية العملية وهذا العلم الإجمالي يمنع عن الحكم باستمرارية التخيير.
وإلى ذلك نظر صاحب
المفاتيح حيث استدل لابتدائية التخيير : بان العدول موجب لترك
الواجب لا إلى بدل ، وهذا بخلاف التخيير الواقعي في موارده فان جواز العدول فيها
لا يلزم المحذور المذكور.
اللهم إلا ان يقال
ان المخالفة القطعية في الواقعتين التدريجتين لا قبح فيها
__________________
أصلاً ، أو انه
إذا التزم في كل واقعة بحكم ظاهري من الشارع كما في المقام لا قبح فيها.
ولعله إلى احد
هذين نظر العلامة (ره) في النهاية حيث قال ، ليس في العقل ما يدل على خلاف ذلك ولا يستبعد
وقوعه كما لو تغير اجتهاده.
ولكن حيث ان ،
المبنيين المشار اليهما في الجواب ، غير تامين ، كما يظهر عدم تمامية الأول مما
ذكرناه في منجزية العلم الإجمالي في التدريجيات ، وعدم تمامية الثاني في أول مبحث
الظن من عدم مجعولية الحكم في مقام جعل الحجية والدليلية ، فلا يمكن الالتزام
بالتخيير الاستمراري في هذا المورد خاصة لمانع ، والمسألة محتاجة إلى تأمل زائد.
واما الجهة
الثانية : فحيث ان تسالم الأصحاب على التخيير ليس من قبيل الإجماع على القاعدة ،
والاجماع الذي حاله ذلك لا إطلاق له ، بل هو دليل لبى ، فلا بدَّ من الاخذ
بالمتيقن ، وهو ثبوت التخيير ابتداء وعدم استمراريته.
واما الجهة
الثالثة : أي بناءً على تسليم دلالة الأخبار على التخيير وثبوت الإطلاق لها فقد
استدل لكون التخيير ابتدائيا بوجوه.
منها : ما أفاده
الشيخ الأعظم وهو : ان اطلاقات التخيير لا تشمل ما بعد الاخذ باحدهما :
لانها مسوقة لبيان حكم المتحير في بادئ الأمر ، فبعد
__________________
الاخذ والعمل
باحدهما يتبدل الموضوع ، ولا يكون باقيا.
وأورد عليه تارة :
بان الموضوع ليس هو المتحير فان الموضوع المأخوذ في الأدلة هو تعارض الخبرين بلا
تقييده بقيد التحير.
وأخرى : بأنه لو
سلم التقييد بالمتحير ، لكن تقييد المتحير بكونه في بادئ الأمر لم يدل عليه دليل.
وإلى هذين
الايرادين نظر المحقق الخراساني في الكفاية حيث قال ، ان التحير بمعنى تعارض الخبرين باق على حاله ،
وبمعنى آخر لم يقع في خطاب موضوعا للتخيير أصلاً انتهى.
ولكن يمكن تقريب
ما أفاده الشيخ : بان الموضوع ومن وجه إليه الخطاب في الأخبار ليس كل مكلف ، بل هو
المكلف الذي اتاه الحديثان المتعارضان ، فتحير ، ولم يأخذ بواحد منهما ، فلا إطلاق
لها بالنسبة إلى الاخذ.
وان شئت قلت ان
المسئول عنه في الأخبار حكم من اتفق له ذلك وتحير فيما هو وظيفته ، فالجواب بأنه
مخير في العمل بايهما شاء ، لا يشمل صورة الاخذ باحدهما وعدم تحيره في وظيفته.
وبعبارة ثالثة :
انه على القول بان الأصل في تعارض الخبرين هو التساقط ، فمن تعارض الخبران عنده ،
لا دليل له على الحكم الواقعي ، والاخبار واردة لبيان حكمه ، ويعين له الدليل فبعد
الاخذ وثبوت الدليل عنده ، لا نظر
__________________
للأخبار إلى تعيين
الدليل له ، ويمكن ارجاع الوجهين الآخرين الآتيين إلى ذلك ، وإلا فاشكالهما ظاهر.
أحدهما : ان ظاهر
التكاليف الوجودية المتعلقة بالطبائع كون المتعلق هو صرف وجود الطبيعة لا جميع
الوجودات ، وعليه فالامر بالاخذ باحد الخبرين إنما يكون المطلوب به هو الاخذ مرة
واحدة ، لا الاخذ في كل يوم.
وبعبارة أخرى :
التكليف متوجه إلى غير الآخذ ، وبعد الاخذ يسقط التكليف.
ثانيهما : ان
موضوع التخيير هو الخبرين المتعارضين الجائى أي الواصل وهو إنما يصل مرة واحدة ،
وبعد الآن الأول لا يصدق انه وصل ، بل هو الذي وصل أولا ، فإذا اختار أحدهما فقد
ارتفع موضوع التخيير فلا يشملهما اخبار التخيير.
وللمحقق النائيني (ره)
في المقام كلام ، قال ومنها كون التخيير استمراريا إذا كان التخيير في
المسألة الفقهية ، لأنه يكون كالتخيير بين القصر والاتمام في المواطن الاربعة إلى
ان قال ، وبدويا إذا كان التخيير في المسألة الأصولية فان معنى كون التخيير في
المسألة الأصولية هو التخيير في جعل احد المتعارضين حجة شرعية واخذ أحدهما طريقا
محرزا للواقع ، ولازم ذلك وجوب الفتوى بما اختاره أولا وجعل مؤداه هو الحكم الكلي
الواقعي المتعلق بافعال المكلفين ، فلا معنى لاختيار الآخر بعد ذلك إلى ان قال ،
وادلة التخيير إنما تدل على اختيار
__________________
أحدهما حجة ، وبعد
اختيار أحدهما حجة يكون المجتهد محرزا للواقع ولا يبقى مجال لاختيار الآخر بعد ذلك
حجة شرعية انتهى.
ويرد عليه ان
التخيير كان في المسألة الأصولية ، أو الفقهية ، ان كان موضوعه تعارض الخبرين بلا
دخل شيء آخر فيه يتعين الالتزام بكونه استمراريا ، وإلا لزم تخلف الحكم عن موضوعه
، وهو كحد تخلف المعلول عن علته كما صرح به ، وان كان موضوعه ذلك مقيدا بوصولهما ،
أو كون المخاطب به غير الآخذ تعين الالتزام بكونه بدويا ، وإلا لزم ثبوت الحكم مع
انعدام موضوعه ، بلا فرق بين المسلكين.
اما الجهة الرابعة
: فعلى المختار من عدم جريان الاستصحاب في الأحكام الشرعية الكلية الأمر واضح.
واما على القول
الآخر ، فقد ذكر الشيخ الأعظم (ره) انه لا يجري استصحاب التخيير من جهة تبدل الموضوع ، فان
الحكم إنما ثبت لمن لم يختر فاثباته لمن اختار والتزم ، إثبات للحكم في غير موضوعه
الأول.
وأورد عليه بأنه
بناءً على ان المعيار في وحدة الموضوع هو نظر العرف كما بنى هو وسائر المحققين عليه
لاوجه لما ذكر ، لعدم تبدل الموضوع بنظرهم بتغير هذا القيد وتبدله.
ولكن بناءً على ما
ذكرناه في توجيه ما أفاده من عدم شمول إطلاق الأدلة لما بعد الاخذ لا مورد لهذا
الإيراد :
__________________
فان التخيير عبارة
عن كون الاختيار بيد المكلف في جعل احد المتعارضين حجة بينه وبين ربه حيث لا حجة
له لفرض تساقط الحجتين ، وهذا المعنى بعد الاخذ باحد الخبرين يرتفع قطعا ، لأنه
بعد الاخذ يكون ذا حجة بينه وبين ربه فيتبدل الموضوع لا محالة.
وقد يقال انه يجري
استصحاب التخيير ، ولكن يعارضه استصحاب الحجية الفعلية ، فانه قبل الاخذ باحدهما
كان مخيرا في الاخذ بايهما شاء ، وكان لكل منهما حجية شأنية ، فبعد الاخذ باحدهما
، صار ذلك حجة فعلية فاستصحاب التخيير يثبت الحجية الشأنية للمأخوذ ، فهو يعارض
الحجية الفعلية فيه.
وأجاب الشيخ عن هذه المعارضة ، في مبحث دوران الأمر بين المحذورين ،
بان استصحاب التخيير ، حاكم على الاستصحاب الجاري في الحجية الفعلية ، إذ الشك في
الحجية الفعلية بقاءً مسبب عن الشك في بقاء التخيير ، فلو جرى الأصل في السبب ، لا
يجري في المسبب.
ولكن يرد عليه ان
السببية في المقام لا تكون شرعية ، بل هما متلازمان كما هو واضح ، وقد مر انه
يعتبر في تقدم الأصل السببي على الأصل المسببي على القول به ، ان تكون السببية
شرعية ، وعلى ذلك لو فرض جريان استصحاب التخيير ، يعارضه استصحاب الحجية الفعلية
في المأخوذ فيتساقطان.
فالمتحصّل مما
ذكرناه ، انه بناءً على مسلك المشهور ، من ان الأصل الأولى
__________________
في تعارض
الامارتين هو التساقط ، يكون التخيير الثابت في الخبرين المتعارضين بمقتضى الأصل
الثانوي بدويا لا استمراريا.
واما على المختار
من ان الأصل الأولي في المتعارضين مطلقا هو التخيير ، يكون التخيير الثابت في
الخبرين استمراريا لا بدويا.
التعدي عن المرجحات المنصوصة وعدمه
المبحث الخامس :
هل يجب الاقتصار على المرجحات المنصوصة على القول بوجوب الترجيح كما قويناه ، أم
يجوز التعدي عنها إلى كل ما احتمل كونه مرجحا واقعا وان لم ينص عليه في الروايات ،
كما اختاره الشيخ الأعظم حيث ذهب إلى الترجيح بكل ما يوجب اقربية احد المتعارضين
إلى الواقع من الآخر وجهان.
مقتضى القاعدة في
موارد دوران الأمر بين التعيين والتخيير في الحجية وان كان هو التعيين : للعلم
بحجية ذي المزية والشك في حجية ما قابله ، والشك في الحجية ملازم للقطع بعدم
الحجية :
إلا انه في خصوص
الخبرين المتعارضين الأصل الثانوي يقتضي التخيير كما مر تفصيله في أول المبحث
الرابع ، فالتعدي خلاف الأصل يحتاج إلى دليل.
وقد استدل له بوجوه
:
__________________
الأول : الترجيح
بالاصدقية في المقبولة ، والأوثقيه في المرفوعة بتقريب : ان اعتبار هاتين الصفتين
ليس إلا لترجيح الاقرب إلى المطابقة للواقع في نظر الناظر في المتعارضين ، من حيث
انه اقرب من غير مدخلية خصوصية سبب ، فكل مزية موجبة لاقربية ذيها إلى الواقع تكون
موجبة للترجيح.
وفيه : أولا انا
لا نتصور معنى صحيحا معقولا للاصدقية : لان بعض الصفات والملكات قابل للشدة والضعف
، وفي امثال ذلك يتصور كون تلك الصفة والعرض والملكة في مورد اكثر واشد من ثبوتها
في محل آخر.
وفي الصدق الذي هو
بمعنى مطابقة الخبر للواقع ، لا يتصور ذلك فان من اخبر عن شيء ، اما ان يكون صادقا
، أو كاذبا ولا ثالث.
وعليه فلا بدَّ
وان يحمل الاصدقية على ارادة ان المتصف به يتكلم بالصدق اكثر من مقابله ، وان كان
هو أيضاً صادقا لو تكلم ، لكنه لعدم وجوب كل صدق لا يكون مقيدا بالاخبار بما هو
صادق ، بخلاف هذا الشخص مثلا ورد ان أبا ذر اصدق الناس ، وهو إنما يكون لأجل انه
كان مقيدا بان يخبر بالاخبار الصادقة وحين ما سأله المشركون عن حمله ، قال النبي (ص)
، مع انه لم يكن يجب عليه ذلك.
وعلى هذا ،
فالترجيح بهذه الصفة تعبد محض وليس ذلك لأجل الاقربية إلى الواقع كما هو واضح.
وثانيا : انه لم
يعلل الترجيح بهما بالاقربية إلى الواقع ، ولعله في اقربية الاصدقية والأوثقية
خصوصية في الترجيح ، كما في الظن الحاصل من خبر الواحد : فانه لا يتعدى منه إلى كل
ما يوجب الظن.
وثالثا : ان الاصدقية
إنما ذكرت في المقبولة ولم تذكر في خبر معتبر ، وقد مر ان الصفات المرجحة المذكورة
في المقبولة إنما هي من مرجحات احد الحكمين لا من مرجحات الرواية فتدبر.
الوجه الثاني :
التعليل للترجيح بالشهرة : بان المجمع عليه لا ريب فيه ، بتقريب ان الظاهر ان
العلة هو عدم الريب فيه بالاضافة إلى الآخر ولو كان فيه الف ريب ، فانه لو كان
المراد عدم الريب فيه بقول مطلق ، لم يكن وجه لفرض كليهما مشهورين ولكان معارضه
مما لا ريب في غيه لا داخلا في الشبهات وقد ادخله الإمام فيها ، فمقتضى عموم العلة
ان كل معارض كان لا ريب فيه بالاضافة إلى معارضه يكون هو الحجة.
وبعبارة أخرى :
يكون مقدما عند التعارض ذكره الشيخ الأعظم .
وأورد عليه جمع من
الاساطين منهم المحقق الخراساني : بان الشهرة في الصدر الأول بين الرواة واصحاب الائمة (ع)
موجبة لكون الرواية مما يطمأن بصدورها بحيث يصح ان يقال : انه مما لا ريب فيه ،
ولا بأس بالتعدي منه إلى مثله مما يوجب الاطمينان والوثوق بصدوره لا إلى كل مزية
ولو لم توجب إلا اقربية ذي المزية إلى الواقع من المعارض الفاقد لها.
__________________
وايده بعضهم بان المراد بالمشهور هو معناه اللغوى وهو الظاهر والواضح.
والمشهورية بهذا
المعنى لا تلازم الاطمينان بعدم صدور الآخر بعد ما يوجد التعارض في مقطوعي الصدور.
نعم لو اطمئن بان
الحكم الواقعي هو ما ادى إليه هذا الخبر يطمئن بعدم كون ما ادى إليه الآخر هو حكم
الله تعالى.
وبه يظهر انه يمكن
فرضهما مشهورين.
أقول : ان الشيخ
الأعظم في استدلاله بعموم العلة لا يدعي ان المراد من لا ريب فيه ، لا ريب فيه
بالاضافة كي يرد عليه ما ذكر.
بل يدعي انه وان
كان ظاهر التعليل هو نفي الريب فيه بقول مطلق من جميع الجهات ، ولكن بقرينة فرض
السائل الخبرين مشهورين ، وارجاعه (ع) إلى صفات القاضي قبل ملاحظة الشهرة والحكم
بالرجوع مع شهرتهما إلى المرجحات الأخر ، يتعين ارادة نفي الريب فيه من جهة من
الجهات ، فيكون مفاد التعليل ان في الشاذ احتمالا لا يوجد في المشهور.
ومقتضى التعدي عن
مورد النص في العلة ، وجوب الترجيح بكل ما يوجب كون احد الخبرين اقل احتمالا من
الآخر.
__________________
ولكن يرد على
الشيخ (ره) انه بعد فرض عدم ارادة لا ريب فيه من جميع الجهات ، يدور الأمر بين
ارادة لا ريب فيه بقول مطلق من حيث الصدور ، فلا يتعدى إلا إلى ما يوجب الاطمئنان
بالصدور ، وبين ارادة لا ريب فيه بقول مطلق من جهة من الجهات بلا دخل لجهة الصدور
في ذلك ، ولازمه التعدي إلى كل ما كان الاحتمال فيه اقل من الآخر ، ولو لم ندع
ظهوره في الأول من جهة خصوصية المورد ومناسبة الحكم والموضوع ، فلا اقل من الاجمال
وعدم ظهوره في الثاني فلا وجه للتعدى فتدبر فانه دقيق.
الوجه الثالث :
تعليله (ع) لتقديم الخبر المخالف للعامة ، بان الرشد في خلافهم. فانه يدل على لزوم
تقديم كل خبر اقرب إلى الواقع ، وذلك لأنه لا ريب في ان كل ما خالف العامة لا يكون
موافقا للواقع ، وكل ما وافقهم لا يكون باطلا ضرورة ان الأحكام المتفق عليها بين
الفريقين كثيرة وهي موافقة للواقع.
بل المراد ان ما
خالفهم اقرب إلى الواقع من الموافق واحتمال الرشد فيه أقوى ، فيتعدى إلى كل ما فيه
أمارة الرشد ويكون اقرب إلى الواقع.
وأجاب عنه المحقق
الخراساني بجوابين :
أحدهما : انه
يحتمل ان يكون الرشد في نفس المخالفة لحسنها.
وفيه : ما تقدم في
ذيل نصوص الترجيح من ان الظاهر من الروايات ان الترجيح بمخالفة العامة ، إنما هو
من جهة غلبة مخالفة احكامهم للواقع لا لحسن
__________________
المخالفة نفسها.
مع انه ليس في
الأخبار ما يتوهم دلالته على حسن المخالفة نفسها ، إلا هذه الجملة (فان الرشد في
خلافهم) وهذه لم ترد في النصوص وإنما ذكره الكليني في ديباجة الكافي في مقام نقل مضمون النصوص ، والموجود فيها (ما خالف العامة
ففيه الرشاد) .
ظهوره فيما ذكرناه
ظاهر.
ثانيهما : انه لو
سلم انه لغلبة الحق في طرف الخبر المخالف لا شبهة في حصول الوثوق بان الخبر
الموافق المعارض بالمخالف لا يخلو من الخلل صدورا أو جهة ولا بأس بالتعدي منه إلى
مثله.
وفيه : انه كيف
يكون الخبر الموافق لهم موثوقا عدم صدوره أو عدم صدوره لبيان حكم الله الواقعي ،
مع انه لو كان وحده وبلا معارض كان يعمل به بلا ريب.
والحق في الجواب
ان يقال ان العلة المنصوصة هي ما يمكن القائه إلى المكلف وفي المقام لا يمكن ذلك :
لان المراد بالرشد ليس هو الرشد الجزمى ، إذ لا ريب في ان كثيرا من الأخبار
الموافقة لهم موافقة للواقع ، ولذا عند التعارض يكون الخبر الموافق الذي يكون
مشهورا مقدما على المخالف لهم بل المخالفة من
__________________
المرجحات بعد فقد
جملة منها ، فيدور الأمر بين حمله على ارادة الرشد الغالبى ، أو الاضافي ، أو
الظني ، ولو لم يكن الأول اظهر لا ريب في انه محتمل ، ومعه لا يمكن القاء ذلك إلى
المكلف ليكون ضابطا ويتعدى عنه ، لعدم الطريق له إلى إحراز كون صنف خاص غالب
الإصابة كما هو واضح.
الوجه الرابع :
مما ذكره الشيخ للتعدي ، قوله (ع) دع ما يريبك إلى ما لا يريبك : بدعوى انه يدل
على انه إذا دار الأمر بين الامرين في أحدهما ريب ليس في الآخر ذلك الريب يجب
الاخذ به ، وعليه فإذا فرض احد المتعارضين منقولا بلفظه والآخر منقولا بالمعنى ،
وجب الاخذ بالاول لان احتمال الخطاء في النقل بالمعنى منفى فيه.
وفيه أولا : انه
ضعيف السند لأنه رواه الشهيد في الذكرى مرسلا ورواه الكراجكي كذلك في كنز الفوائد صفحه ١٦٤ مذيلا بقوله
، فانك لن تجد فقد شيء تركته لله عزوجل ، وقد اعترف الشيخ بذلك في مسألة وجوب الاحتياط في الشبهات البدوية ، وإنما
استفاد قوة السند من اقتصار المحقق في المعارج على الجواب عنه ، بأنه لا يعتمد على خبر الواحد في المسألة
الأصولية ، وان الزام المكلف بالأثقل فيه مظنة الريبة ، وهو كما ترى.
__________________
وثانيا : انه (قدِّس
سره) في تلك المسألة استظهر منه ومن سائر الروايات كون الأمر فيه غير الزامي وكونه
دالا على مطلوبية الاحتياط نفسا ، ويؤيده ما في ذيله من التعليل ، مع انه لو لم
يكن ظاهرا فيه لا بدَّ من حمله عليه بقرينة سائر الأخبار.
وثالثا : انه يدل
على لزوم ترك ما فيه ريب والاخذ بما لا ريب فيه بقول مطلق لاما لا ريب فيه
بالاضافة ، مع ان كلا من الخبرين لفرض شمول أدلة حجية الخبر الواحد له في نفسه
يكون مما لا ريب فيه.
ثم ان المحقق
الخراساني ذكر في الكفاية وجهين لعدم التعدي.
الأول : عدم بيان
الإمام (ع) للكلية كي لا يحتاج السائل إلى اعادة السؤال مرارا.
الثاني : امره (ع)
بالارجاء بعد فرض التساوى فيما ذكر من المزايا المنصوصة فان عدم البيان ، والامر
بالارجاء يوجبان الظهور للروايات في ان المدار في الترجيح على المزايا المخصوصة.
ثم قال انه بناءً
على التعدي حيث كان في المزايا المنصوصة ما لا يوجب الظن بذى المزية ولا أقربيته
كبعض صفات الراوى مثل الاورعية أو الافقهية ، إذا كان موجبهما مما لا يوجب الظن أو
الاقربية كالتورع من الشبهات والجهد في العبادات ، ، وكثرة التتبع في المسائل
الفقهية أو المهارة في القواعد الأصولية فلا وجه للاقتصار على التعدي إلى خصوص ما
يوجب الظن أو الاقربية بل إلى
__________________
كل مزية ولو لم
تكن بموجبة لاحدهما انتهى.
أقول : يرد على
الوجه الأول ان الشيخ (قدِّس سره) يدعى انه (ع) بين الكلية غاية الأمر بلسان العلة
لا بلسان بيان المجعول ، وكم له نظير في الفقه.
ويرد على الوجه
الثاني ان الأمر بالارجاء إنما يكون بعد فرض عدم وجود ما ذكره مرجحا ، ومنه ما
بينه بنحو العلة وهو كل ما اوجب الاقربية لا بعد فقد خصوص المرجحات المنصوصة.
واما ما أفاده
اخيرا ، فيرده ان الافقهية والاورعية ليستا من مرجحات احدى الروايتين على الاخرى
لعدم ذكرهما إلا في المقبولة التي عرفت ان صدرها المتضمن للترجيح بصفات الراوى
وارد لبيان ما يكون مرجحا لأحد الحكمين على الآخر ، ولا ربط له بترجيح احد الخبرين
على الآخر.
مع ان التورع في
غير النقل بما انه يلازم التورع فيه ، فلا محالة يكون خبر الاورع اقرب من غيره ،
كما ان الافقهية بما انها دخيلة في بيان ما صدر من الإمام (ع) فيما ينقل من
الأخبار بالمعنى ، فلا يكون مرجحا تعبديا ، فالصحيح ما ذكرناه.
فالمتحصّل انه لا
يتعدى من المرجحات المنصوصة.
اختصاص الأخبار العلاجية بغير موارد الجمع العرفي
المبحث السادس :
قد عرفت سابقا انه لا تعارض بين الخبرين في موارد الجمع العرفي ، ولا يعمها ما
يقتضيه الأصل في المتعارضين ، فهل الترجيح أو
التخيير الثابت
بالاخبار العلاجية يختص أيضاً بغير مواردها ، أو يعمها ، المشهور بين الأصحاب
الاختصاص ، وعن ظاهر الاستبصار والمحقق القمي وبعض المحدثين التعميم.
واستدل للاول :
بان المستفاد من الأخبار العلاجية ان الترجيح أو التخيير إنما هو في موارد تحير
العرف في الوظيفة وعدم فهمهم اياها ، لا فيما يستفاد ولو بالتوفيق العرفي ، فانه
من انحاء طرق الاستفادة.
واشكل عليه المحقق
الخراساني بان منشأ الاستظهار المذكور ان كان اختصاص السؤالات بغير
مواردها من جهة عدم صحة السؤال بعد فهم المراد بالطريقة العقلائية.
فيرده : انه يصح
السؤال ، اما بملاحظة التحير البدوي ، وان كان زائلا بالتأمل ، أو من جهة التحير
في الحكم الواقعي ، لان الجمع العرفي لا يوجب رفع التحير في الحكم الواقعي ، أو من
جهة احتمال الردع عن الطريقة المألوفة.
__________________
وان كان منشأه
اختصاص العناوين المأخوذة في الاسئلة والاجوبة بغير مواردها.
فيرده : ان جلها
لو لا كلها تشملها.
ودعوى : ان
المتيقن غيرها.
مندفعة : بان
المتيقن في غير مقام التخاطب لا يوجب تقييد الاطلاقات.
ثم هو تصدى لبيان
وجه الاختصاص وذكر له وجهين.
أحدهما : ان
السيرة العقلائية مخصصة لعمومات الأخبار العلاجية.
ثانيهما : ان
السيرة تكون قرينة على التخصيص وان موردها ما عدا مورد الجمع العرفي.
ثم قال ، انه لو
سلم الاجمال فحيث لم يثبت الردع عن السيرة تكون هي المتبعة.
وفي كلامه (قدِّس
سره) مواقع للنظر :
١ ـ ان ما أفاده
في وجه صحة السؤال لا يتم : فان السؤال ليس بملاحظة التحير في الحكم الواقعي ،
فانه يكون باقيا بعد بيان الوظيفة أي التخيير ، ولا بملاحظة التحير البدوي فانه
بعيد غايته ان يسأل انه لو تحيرنا في الحكم ثم علمنا الوظيفة الفعلية بالتأمل ما
ذا نصنع ، ولا بملاحظة احتمال الردع إذ احتماله قبل هذا السؤال والجواب ليس وبعده
بعيد.
٢ ـ ما ذكره من ان
جل العناوين لو لا كلها تشملها :
فانه يرد عليه ان
العناوين المأخوذة ثلاثة ، المتعارضان ، المختلفان ، ويجيء امر ونهى على خلافه.
وشيء منها لا يشمل
مورد الجمع العرفي.
اما الأول : فلما
تقدم في أول مبحث التعادل والترجيح.
واما الثاني :
فلان الاختلاف مساوق للتعارض.
واما الثالث :
فلان الظاهر منه وحدة متعلق الأمر والنهي في موضوع واحد ولا يشمل ، ما لو كان
متعلق أحدهما اخص من متعلق الآخر ، أو كان موضوعه كذلك.
٣ ـ ما ذكره من
تخصيص عموم الأخبار بالسيرة : فانه دورى إذ تخصيصه بها يتوقف على حجيتها ، وحجيتها
تتوقف على عدم الردع وهو يتوقف على التخصيص.
٤ ـ ما ذكره (قدِّس
سره) من التخصيص.
فانه يرده ما
أفاده (قدِّس سره) في أول كلامه.
فالصحيح البناء
على عدم الشمول من جهة عدم شمول العناوين لمواردها.
وقد استدل للزوم
الرجوع إليها في موارد الجمع العرفي بروايات :
الأولى : التوقيع
الشريف كتب إليه الحميرى يسألني بعض الفقهاء عن المصلي إذا قام من التشهد الأول
إلى الركعة الثالثة هل يجب عليه ان يكبر فان بعض أصحابنا قال لا يجب عليه تكبيرة
ويجزيه ان يقول بحول الله وقوته اقوم
واقعد فكتب (ع) في
الجواب عن ذلك حديثان اما أحدهما فإذا انتقل من حالة إلى أخرى فعليه التكبير ،
واما الآخر فانه روي انه إذا رفع رأسه من السجدة الثانية فكبر ثم جلس ثم قام فليس
عليه في القيام بعد القعود تكبير ، وكذلك التشهد الأول يجري هذا المجرى ، وبايهما
اخذت من باب التسليم كان صوابا حيث انه (ع) حكم بالتخيير مع ان الثاني اخص من الأول.
وأجاب الشيخ
الأعظم (ره) في مبحث البراءة عنه بان جوابه (ع) يدل على ان الحديث
الأول نقله الإمام (ع) بالمعنى واراد شموله لحالة الانتقال من القعود إلى القيام
بحيث لا يمكن ارادة ما عدا هذا الفرد منه ، فأجاب (ع) بالتخيير.
وفيه : ان لازم
ذلك الالتزام بما لا يصح لنا الالتزام به بالنسبة إلى فقيه من فقهائنا فضلا عن
المعصوم (ع) وهو الخطأ في النقل.
وأجاب عنه المحقق
الهمداني (ره) بان حكمه (ع) بالتخيير لعله يكون من جهة علمه بارادة
العموم حقيقة لا استعمالا كي يحمل العام على الخاص.
وفيه : انه مع
علمه بذلك يتعين البناء على استحباب التكبيرة على أي
__________________
حال كما لا يخفى ،
مع انه هذا أيضاً كسابقه لا يليق بمقامه السامي إذ لو كان (ع) بصدد بيان تعليم حكم
المتعارضين وينقل ما ظاهره عدم التعارض بينهما كان ذلك خلاف مقامه.
وأجاب المحقق
الخراساني عنه في حاشيته على الرسائل بان الغرض من بيان الخبرين بيان المقتضي
لاستحباب كل منهما ولاجل تزاحم المقتضيين ، وعدم إمكان استيفائهما معا المستفاد من
نفى التكبير في الخبر الثاني لوجود المقتضى للحوقلة ، يكون التخيير عقليا.
وفيه : ان المراد
من ذكر الخبرين لو كان ذلك ، كان المتعين ان ينقلهما بغير هذا النحو الذي يكون
مقتضى الجمع العرفي ، عدم وجود المقتضى للتكبير ، فما ذكره (قدِّس سره) مستلزم
لعدم صحة الجمع العرفي.
وبالجملة ما ذكره
يكون تقريبا لثبوت التعارض بين العام والخاص فانه لو لا ذلك كان المتعين بحسب ما
يستفاد من الأخبار استحبابهما معا فتدبر فانه دقيق.
والحق في الجواب
ان يقال :
أولا : ان الخبر
لم يعمل به احد سوى المفيد إذ لم يفت احد بمشروعية التكبيرة في القيام بعد القعود
سواه على ما في الجواهر ، واعترض عليه في الذكرى بأنه لم نجد له مأخذا كما في
الجواهر .
__________________
وثانيا : انه لكون
مورده من المستحبات التي يتسامح في ادلتها لا يتعدى عنه ، فانه يمكن ان يكون منشأ
محبوبية التكبير مع ان الخاص يستدعى عدمها صرف ظهور العام فيها ، وان كان زائلا لاقوائية
الخاص ، ولا يمكن الالتزام بذلك في غير المستحبات كما لا يخفى.
الثانية : ما عن
سماعة عن الإمام الصادق (ع) عن رجل اختلف عليه رجلان من أهل دينه في خبرين كلاهما
يرويه أحدهما يامره ـ والآخر ينهاه ـ كيف نصنع قال (ع) يرجئه حتى يلقى من يخبره
فهو في سعة حتى يلقاه .
بتقريب ان الأمر
ظاهر في طلب الفعل ونص في الجواز ، والنهي ظاهر في التحريم ونص في طلب الترك
ومقتضى حمل الظاهر على النص الحكم بالكراهة والرخصة في الفعل مع انه (ع) حكم
بالتخيير.
وفيه : أولا ، ان
مثل هذا الجمع ليس جمعا عرفيا :
إذ الضابط في كون
الجمع عرفيا فرض صدور الجملتين من شخص واحد في مجلس واحد ، فان لم ير العرف
التنافي بينهما ورأوا احداهما قرينة على الاخرى كان الجمع عرفيا وإلا فلا.
وفي المقام إذا
جمعنا الأمر بشيء والنهي عنه صادرين من شخص واحد لا ريب في ان العرف يرونهما
متنافيين ولا يرون أحدهما قرينة على الآخر كما لا يخفى.
__________________
وثانيا : انه لا
شاهد فيه يشهد بان في المورد كان صيغة الأمر وصيغة النهي ، بل ظاهره انه كان هناك
حقيقة الأمر والنهي وهما متباينان.
وثالثا : انه ليس
جوابه دالا على الحكم بالتخيير بين الاخذ بالخبرين بل يدل على بيان الحكم الواقعي
الذي يحكم به العقل مع عدم الحجة على شيء من الطرفين فيعارض مع اخبار التخيير
والترجيح.
الثالثة : رواية
على بن مهزيار قرأت في كتاب لعبد الله بن محمد إلى أبي الحسن (ع) اختلف أصحابنا في
رواياتهم عن أبي عبد الله (ع) في ركعتي الفجر في السفر فروى بعضهم صلهما في المحمل
وروى بعضهم لا تصلهما إلا على وجه الارض فاعلمني كيف تصنع انت لاقتدى بك في ذلك
فوقع (ع) موسع عليك بأية عملت .
بتقريب انه (ع)
حكم بالتخيير ، مع ان الأول نص في الجواز والثاني ظاهر في الحرمة ، فالجمع بينهما
يقتضي البناء على الكراهة.
وفيه : أولا : ما
تقدم في الجواب الأول عن الخبر الثاني.
وثانيا : انها في
المستحبات ، فيرد عليها ما اوردناه ثانيا على الخبر الأول.
وثالثا : انه يمكن
ان يقال فيها انه لم يسأل عنه (ع) عن حكم الخبرين وإنما سأل عن الحكم الواقعي وكان
هو افضلية الصلاة على وجه الارض وجوازها في المحمل وأجاب (ع) بالتوسعة.
__________________
فتحصل ان الاقوى
خروج الموارد الجمع العرفي عن موارد الترجيح والتخيير ، وانه لم يرد من الشارع ما
يكون رادعا عن الطريقة المألوفة التي استمرت عليها السيرة من لدن زمان الائمة (ع)
إلى اليوم ، بحيث يلزم من عدم العمل على طبقها تأسيس فقه جديد.
وظاهر كلام الشيخ
في العدة ، والاستبصار ، وان كان هو عمله بالمرجحات في تعارض النص والظاهر ، إلا
انه يتعين صرفه عن ظاهره ، لما صرح به في محكي العدّة في باب بناء العام على الخاص
، بان الرجوع إلى التخيير والترجيح إنما هو في تعارض العامين ، دون العام
والخاص ، بل لم يجعلهما من المتعارضين أصلاً.
واستدل له بان
العمل بالخاص ليس طرحا للعام ، وان العمل بالتخيير والترجيح فرع التعارض الذي لا
يجري فيه الجمع العرفي.
__________________
تعارض العموم والإطلاق
المبحث السابع :
قد عرفت انه إذا كان احد الخبرين قرينة على الآخر لا يعامل معهما معاملة
المتعارضين ، وقد يشتبه الأمر صغرويا ، وقد ذكر الشيخ الأعظم لتمييز القرينة وذى القرينة عن المتعارضين في موارد
الاشتباه ضوابط ، ذكر المحقق الخراساني منها اثنين.
احدهما : ما إذ
تعارض الإطلاق والعموم كما لو قال ، اكرم العالم ، ولا تكرم الفساق حيث انه يدور
الأمر ، بين تقييد إطلاق الأول بغير الفاسق ، وبين تخصيص عموم الثاني ، بغير
العالم ، حيث قيل ان شمول العام لمورد الاجتماع اظهر من شمول المطلق له ، وقد ذكر
في وجه الاظهرية والتقديم امران ، كل منهما على مسلك.
الأول : ان
التقييد كثير والتخصيص قليل ، وقد ذكر الشيخ (ره) ذلك بناءً على القول بان التقييد مجاز ، وقد ذكره المحقق
الخراساني بنحو الإطلاق.
وفيه : ان الصغرى
والكبرى ممنوعتان :
اما الأولى :
فلعدم الدليل على اكثرية التقييد عن التخصيص ، لو لم يكن
__________________
الثاني اكثر حتى
قيل ما من عام إلا وقد خص.
واما الثانية :
فلان الاكثرية لا تكون منشئا لذلك بعد كون العام قابلا للتخصيص أيضاً.
الثاني : انه على
فرض عدم كون التقييد مجازا ، حيث ان ظهور العام في العموم يكون بالوضع وظهور
المطلق في الشمول بمقدمات الحكمة يقدم الأول.
وذلك : لان سراية
الحكم إلى جميع الأفراد في موارد العموم الوضعي لا يحتاج إلى جريان مقدمات الحكمة
، بل اداة العموم بنفسها كاشفة عن ذلك ، وان المدخول غير مقيد بقيد ، وهذا بخلاف
سراية الحكم إلى جميع الأفراد ، في موارد الإطلاق ، فانها بمقدمات الحكمة ، وهذا
هو المراد من كون دلالة العام تنجيزية ، ودلالة المطلق تعليقية.
وعليه فدلالة
العام على حكم المجمع لا تتوقف على شيء ، وهذا بخلاف دلالة المطلق ، فانها متوقفة
على جريان مقدمات الحكمة ، ومنها عدم البيان ، والعام يصلح للبيانية ، فمع وجوده
لا تتم المقدمات ، فلا يثبت الإطلاق للمطلق ولا ينعقد له ظهور فيه.
ولا يمكن ان يقال
، ان العام إنما يكون حجة في العموم لو لا المخصص ، والمطلق يصلح لذلك :
فان تخصيصه به
دورى فانه متوقف على حجية المطلق في اطلاقه وانعقاده المتوقفة على عدم حجية العام
في عمومه المتوقف على مخصصية المطلق وهذا دور واضح.
والحق في الجواب
عن ذلك ان عدم البيان الذي هو من مقدمات الحكمة إنما هو عدم البيان ببيان القيد
متصلا بكلامه لا عدم بيان القيد ولو منفصلا ، فانه مانع عن دلالة الكلام على
المراد الجدى ، لا المراد الاستعمالى.
توضيح ذلك : ان
لكل جملة دلالتين :
احداهما : دلالتها
على ان المتكلم اراد بها تفهيم معناها ويعبر عنها بالدلالة التصديقية فيما قال :
ثانيتهما :
دلالتها على ان المراد الجدى مطابق للمراد الاستعمالى بل هذه ليست في الحقيقة من
دلالة اللفظ في شيء ، بل بناء العقلاء جار على ذلك ، وبيان القيد المتصل يمنع عن
انعقاد الظهور في الإطلاق ، واما بيان القيد المنفصل فهو لا يمنع عن ذلك ، بل يوجب
تقييد المراد الجدى ، وعليه فالعام لا يصلح بيانا لما هو مانع عن انعقاد الإطلاق.
لا يقال ان المطلق
وان انعقد له الظهور في الإطلاق مع عدم بيان القيد متصلا إلا انه يكون مراعى بعدم
البيان ولو منفصلا.
فانه يقال ان
الشيخ الأعظم (ره) وان التزم بذلك في مبحث المطلق والمقيد ، وعليه يتم ما ذكره (ره)
في المقام ، إلا انا قد حققنا في ذلك المبحث خلافه وان القيد المنفصل لا يوجب
انثلام ظهور المطلق في الإطلاق.
لا يقال : ان ما
ذكر يتم فيما إذا ورد العام بعد المطلق ، واما إذا ورد قبله فلا يتم فانه في حكم
البيان المتصل.
فانه يقال : مجرد
ذكره قبله لا يجدي فانه عند العرف لا يعد قرينة متصلة ما
لم يكن ذلك القيد
من المرتكزات الذهنية.
لا يقال : انه
بناءً على ما اعترف به من توقف دلالته على المراد الجدى على عدم بيان القيد ولو
منفصلا لا يكون للمطلق دلالة عليه في الفرض إذ العام يصلح لذلك ، ومع عدمها لا
يكون حجة.
فانه يقال : من
هذه الجهة ، لا فرق بين العام والمطلق ، فان مدرك هذه الدلالة هو بناء العقلاء
وليست دلالة لفظية ، وعليه فلا مزية لاحدهما على الآخر.
فالاظهر عدم
تمامية هذا الضابط ، ومما ذكرناه يظهر الخدشة في كثير مما قيل في المقام.
دوران الأمر بين النسخ والتخصيص
ثانيها : ما إذا
دار الأمر بين التخصيص والنسخ ، كما إذا ورد عام بعد حضور وقت العمل بالخاص ، حيث
يدور الأمر بين كون الخاص مخصصا للعام ، أو كون العام ناسخا للخاص ، أو ورد الخاص
بعد حضور وقت العمل بالعام ، حيث يدور الأمر بين كون الخاص ناسخا للعام ، أو مخصصا
له ، قد يقال بتعين النسخ ، واستدل له بوجهين :
أحدهما : ان
الالتزام بالتخصيص مستلزم لتاخير البيان عن وقت الحاجة ، وهو قبيح.
وأجاب عنه صاحب
الكفاية في مبحث العام والخاص ، بما هو ، وايراد المحقق النائيني (ره)
، وإيرادنا عليهما ، مذكورة في ذلك المبحث مفصلا فراجع.
والحق في الجواب
انه ربما تكون المصلحة في تأخير البيان مع القاء الحجة على خلاف الواقع أو المفسدة
في تقديمه ، وفي مثل ذلك لا مانع من تأخير البيان عن وقت الحاجة : إذ قبح تأخير
البيان عن وقت الحاجة إنما يكون من جهة قبح تفويت المصلحة أو الالقاء في المفسدة ،
ومع وجود المصلحة في التاخير أو المفسدة في التقديم لا يكون ذلك قبيحا.
الوجه الثاني : ما
أفاده المحقق الخراساني (ره) في المقام وحاصله ان دلالة الخاص أو العام على الاستمرار
والدوام ، إنما هو بالإطلاق لا بالوضع ، فعلى الوجه العقلي في تقديم التقييد على
التخصيص كان اللازم في هذا الدوران تقديم النسخ على التخصيص أيضاً.
وملخص القول في
المقام بالبحث في موردين :
١ ـ في ان بقاء الحكم
في عمود الزمان وعدم نسخه لاى شيء يكون ، هل هو الإطلاق ، أو العموم ، أو
الاستصحاب ، أو الأدلة الخارجية غير دليل الحكم من قبيل ما دل على ان حلال محمد (ص)
حلال إلى يوم القيامة .
__________________
٢ ـ في تقديم
التخصيص على النسخ ، أو تقديم النسخ عليه ، أو عدم تقديم أحدهما على الآخر.
اما الأول : فلا
ينبغي التوقف في ان عدم النسخ ليس من جهة إطلاق دليل الحكم : لان الإطلاق والتقييد
بالنسبة إلى المجعول ممكن نظير إنشاء الزوجية فانه يمكن إنشاء الزوجية الدائمة كما
يمكن إنشاء الزوجية المقيدة الانقطاعية.
واما بالنسبة إلى
الجعل ، فهو بمعنى الإنشاء وإبراز المعنى باللفظ ، ينعدم بعد وجوده بلا فصل ،
وبالمعنى الاعتباري الذي يعبر عنه ببقاء القانون في العرفيات ، يكون الإنشاء
والجعل بالنسبة إليه بمنزلة الموضوع للحكم فلا يعقل تضمن ما دل على ثبوت الحكم
لبقائه بهذا المعنى.
وبالجملة ، دوام
الحكم واستمراره إنما يكون من أحكامه المتفرعة عليه ، فكيف يمكن إثبات الدوام بنفس
ما يتكفل لاثبات الحكم بل لا بدَّ له من دليل آخر.
فان قلت : ان
الإطلاق في الموضوع يلازم الإطلاق في الجعل ، وذلك : لأنه إذا وجب الحج مثلا لمن
يأتي بعد الف سنة فبعد تلك المدة يجب عليه الحج ، وهذا يلازم لبقاء الجعل إلى ذلك
الوقت وإلا لما كان واجبا عليه.
قلت : ان جعل
الحكم عليه إنما يكون من أول زمان الجعل ، واما فعليته له فهي تتوقف على بقاء
الجعل ، واثباته بها دورى.
وليس وجهه استصحاب
عدم النسخ لما تقدم في التنبيه السادس مفصلا.
بل البناء على عدم
النسخ إنما هو لأجل الأدلة الخارجية من قبيل حلال
محمد (ص) حلال إلى
يوم القيامة ، وما شاكل ، وعليه فلو كان تعارض فإنما هو بين عموم هذه
الأدلة واصالة العموم.
واما الثاني :
فالحق انه يقدم التخصيص ويبنى عليه ، وان كان مدرك بقاء الحكم في عمود الزمان هو
الاستصحاب.
وذلك : لان النصوص
الصادرة عن المعصومين (ع) بما أنها متضمنة للاحكام الثابتة في الاسلام من أول
ظهوره إلى الابد وهي كاشفة عنها ، فالروايات الصادرة عنهم بمنزلة الصادرة عن شخص
واحد ، فالمتقدم والمتأخر منها بمنزلة المقارن.
وبعبارة أخرى : ان
التقدم والتاخر إنما هو في الكاشف ، واما المنكشف فلا تقدم ولا تأخر فيه وهو المعيار
، وقد تقدم ان تقدم الخاص على العام إنما هو بالورود ولا يصلح العام لان يكون
ناسخا عن الخاص ، فلو صدر من النبي (ص) خاص ، ومن الإمام الصادق (ع) عام يفرض
انهما صدرا من شخص واحد في مجلس واحد ، ويبنى على تخصيص العام بالخاص ، لا ناسخية
العام للخاص.
نعم لو كان مفاد
العام ثبوت الحكم من حين صدوره ، لا من الأول ، كان لما أفاده المحقق الخراساني
وجه ، ولكنه عرفت انه بمراحل عن الواقع.
ثم ان الأقوال في
المخصصات الصادرة عن الائمة عليهمالسلام بالنسبة إلى الكتاب المجيد ، ثلاثة :
__________________
١ ـ الالتزام
بالنسخ. ٢ ـ الالتزام بالتخصيص ، وان النبي (ص) بيَّنها من الأول ، ولكنها خفيت
على الناس إلى ان بينها الائمة (ع). ٣ ـ الالتزام بالتخصيص من حين صدورها.
لا سبيل إلى الأول
، لا لما قيل من انقطاع الوحى بعد النبي (ص) ، لأنه يمكن ان يكون من العلوم
المستودعة عندهم ، بل لأنه من المستبعد جدا الالتزام بالنسخ في اكثر الأحكام
الشرعية ، اضف إليه ما تقدم في المسألة المتقدمة ، وبه يظهر ان المتعين هو القول
الثالث.
حول انقلاب النسبة في التعارض بين اكثر من دليلين
المبحث الثامن :
قد عرفت انه إذا كان احد الدليلين قرينة عرفية على الآخر ، يقدم عليه ، من دون ان
تلاحظ المرجحات ، وان لم يكن كذلك يرجع إلى اخبار الترجيح والتخيير على تفصيل
تقدم.
لكن تعيين ذلك
فيما إذا كان التعارض بين أكثر من دليلين في جملة من موارده لا يخلو من صعوبة
ولذلك اصبحت المسألة معركة للآراء.
وحيث ان موارد ذلك
في الفقه كثيرة ، فلا بدَّ من بيان ضابط به يتضح الحال في كل مورد.
وتنقيح القول
بالبحث في كل صورة من صور المسألة وهي خمس :
الصورة الأولى :
ما لو ورد عام ومخصصان متباينان ، كما لو دل دليل على استحباب اكرام العلماء ، ودل
دليل آخر على عدم استحباب اكرام الكوفيين
منهم ، ودل دليل
ثالث على عدم استحباب اكرام الحليين منهم ، فان النسبة بين العام ، وكل من الخاصين
عموم مطلق ، والنسبة بين الخاصين التباين ، فان لم يلزم من تخصيص العام بهما محذور
كما في المثال فيخصص العام بهما ، من دون لزوم انقلاب النسبة.
وان لزم منه ذلك
كما لو لزم عدم بقاء المورد للعام من تخصيصه بهما ، أو لزم التخصيص المستهجن ، كما
لو ورد يجب اكرام العلماء ، ودل دليل ثان على استحباب اكرام العدول منهم ، ودل دليل
ثالث على حرمة اكرام الفساق منهم ، فله موردان :
١ ـ ما إذا كان كل
من الخاصين منفصلا.
٢ ـ ما إذا كان
أحدهما متصلا والآخر منفصلا.
فالكلام في
موردين.
اما الأول : فعن
المحقق النراقي (ره) انه يخصص العام أولا باحدهما ، إذا كان ذلك هو الإجماع
ونحوه ، ثم يلاحظ النسبة بين العام المخصص والخاص الآخر ، وليست النسبة حينئذ هو
العموم المطلق كما هو واضح.
وأورد عليه المحقق
الخراساني بان النسبة إنما تلاحظ بملاحظة الظهورات وتخصيص العام
بمخصص منفصل ولو كان قطعيا لا ينثلم به ظهوره وان انثلم به حجيته.
__________________
وفيه : ان التعارض
إنما يكون بين الحجج ، واما ما ليس بحجة فلا معنى لتعارضه مع الحجة : إذ ما ليس
بحجة كيف يمكن ان يعارض مع الحجة ، فالمعارض لا بد وان يكون حجة لو لا المعارضة.
ولكن يرد على
المحقق النراقي (ره) ان الإجماع أو نحوه ليس من قبيل القرينة المتصلة المانعة عن
انعقاد ظهور العام في العموم فلا فرق بينه وبين المخصص اللفظي ، ولاوجه لملاحظة
النسبة بينه وبين العام أولا لقبح الترجيح بلا مرجح.
وعليه فهل تلاحظ
النسبة بين العام وبين مجموع الخاصين ثم بين الخاصين كما اختاره المحقق الخراساني
وغيره من الاساطين ، أم تلاحظ النسبة بين جميع الأدلة؟ وجهان.
قد استدل للاول ،
بان نسبة العام إلى الخاصين على حد سواء فتخصيصه باحدهما دون الآخر ترجيح بلا مرجح
، وبهما معا يلزم المحذور المتقدم ، فيعامل مع الخاصين والعام معاملة المتعارضين ،
فان قدم الخاصان ، فهو ومعه لا مجال للعمل بالعام أصلاً ، وان قدم العام فلا يطرح
من الخاصين إلا خصوص ما لم يلزم مع طرحه المحذور ، فان التباين إنما كان بينه وبين
مجموعها لا جميعها ، فحينئذ ربما يقع التعارض بين الخصوصات فيخصص ببعضها ترجيحا أو
تخييرا.
أقول : لا اشكال
في ان دلالة العام على بعض الأفراد في الجملة إنما تكون بالنصوصية ، وبوضع المادة
لذلك ، وتقدم الخاص عليه إنما يكون فيما لم يصادم مع هذه الدلالة ، ودلالته على
جميع الأفراد إنما تكون بالظهور ، وباصالة العموم ،
وقد مر ان الخاص
وارد أو حاكم عليه في دلالته هذه.
وعلى هذا فالعام
لا يعارض مع مجموع الخاصين لعدم كونهما معا طرف المعارضة ، وليس دليلهما واحدا بل
هو امر انتزاعي منهما.
وكذا لا يعارض مع
كلا الخاصين لان أحدهما يكون قرينة على العام وهو في دلالته على العموم لا يصلح ان
يعارض مع الخاص ، فطرف المعارضة احد الخاصين.
وبعبارة أخرى :
العام بعد كونه ذا دلالتين ، الدلالة على فرد ما ، والدلالة على الجميع ، فبعد
ورود الخاصين حيث انه يكون أحدهما قرينة عليه فيسقط دلالته على العموم ، وتبقى
الدلالة الأولى ومعارضته في هذه الدلالة إنما تكون مع أحدهما لا كليهما.
وان شئت قلت ، ان
العام إنما يكذب احد الخاصين لا كليهما ، غاية الأمر أحدهما غير المعين ، وكل من
الخاصين أيضاً يكذب الآخر والعام ، فتكون حال هذه الأدلة حال البينات الثلاث ،
القائمة كل واحدة منها على طهارة احد الاناءات الثلاثة المعلوم نجاسة أحدها ، في
ان التعارض إنما يكون بين الجميع فلا بدَّ من ملاحظة النسبة بين الجميع.
فحينئذ ان لم يكن
لاحدها مرجح يتخير بينها وايها شاء يطرح.
واما ان كان هناك
ترجيح فان كان الترجيح لكل من الخاصين يقدمان ويطرح العام.
وان كان الترجيح
للعام وكان الخاصان متساويين يؤخذ بالعام ويتخير بين
الخاصين ، فيطرح
ايهما شاء ، ويخصص العام بالآخر.
وان كان للعام
مرجح عليهما ولاحدهما مرجح على الآخر يقدم العام وذاك الخاص ويطرح المرجوح.
ثم ان الفرق بين
ما اخترناه وما ذهب إليه الاساطين ، انه إذا كان للعام مرجح على احد الخاصين ،
وكان للخاص الآخر مرجح على العام ، يكون الحكم على القول الأول التخيير ، لان
مجموع الخاصين الذي هو طرف المعارضة يكون مركبا من الاضعف والأقوى ، فلا يكون اضعف
ولا أقوى.
واما على المختار
يقدم العام على الخاص المرجوح والخاص الراجح يقدم على العام.
ولو كان العام
ارجح من احد الخاصين ومساويا مع الآخر ، فعلى المسلك الأول يقدم العام عليهما لان
المشتمل على المساوي والاضعف يكون اضعف فيقدم العام.
ولكن على ما
اخترناه يقدم العام على الخاص الخاص المرجوح ، ويتخير بين الاخذ بالخاص الآخر
والعام.
ولو كان العام
مساويا مع احد الخاصين ومرجوحا بالنسبة إلى الآخر ، فعلى المسلك الأول يقدم
الخاصان لان المشتمل على المساوى والأقوى يكون أقوى.
ولكن على مسلكنا
يقدم الخاص الراجح ويتخير بين العام والخاص المساوى ، وعلى التقديرين لا يكون هذا
المورد من موارد انقلاب النسبة.
واما المورد
الثاني : وهو ما إذا كان احد الخاصين متصلا والآخر منفصلا ،
كما إذا ورد اكرم
العلماء إلا النحويين منهم ، ثم ورد منفصلا ، لا تكرم الأصوليين وفرضنا ان العلماء
صنفان نحوي ، واصولي ، لا اشكال في انه يخصص العام أولا بالمتصل ثم يلاحظ النسبة
مع المنفصل.
والسر في ذلك : ان
المخصص المتصل لا يبقى للعام ظهورا في العموم ، لما مر من ان الظهور التصديقي فيما
قال أيضاً يتوقف على عدم وجود القرينة المتصلة ، والعام مع القرينة المتصلة إنما
يكونان بحكم ما لو عبر عن الموضوع بلفظ بسيط ، فالمثال الأول ، بحكم اكرم
الأصوليين ، وهذا هو الفارق بين المتصل والمنفصل حيث انه في الثاني ينعقد للعام
ظهور في العموم والخاص ، يصادم مع حجيته ، والمتصل يصادمه في الظهور.
وبما ذكرناه يندفع
ما قد يتوهم من ان التعارض إنما يكون في الكاشفية عن المراد وفي الكاشفية عن
المراد لا فرق بين القرينة المتصلة والمنفصلة.
وجه الاندفاع : ان
التعارض إنما يكون بين الشيئين الذين يكون كل منهما حجة في نفسه لو لا التزاحم ،
لابين ما لا يكون حجة في حد نفسه ولو لم يكن مزاحم وغيره.
وعليه فإذا كان
الخاصان منفصلين فحيث ان العام انعقد ظهوره في العموم وهو حجة فيه ، والخاصان كل
منهما يصلح للقرينية ونسبتهما إليه على حد سواء ، فيقع التعارض بين الجميع واما
إذا كان أحدهما متصلا فلا ينعقد للعام ظهور في العموم كي يعارض ، ويصلح الخاص
الآخر للقرينية ، فلا مقتضى فيه للكاشفية عن المراد بل اقتضائه إنما يكون بالنسبة
إلى غير ما خصص ، فلا بدَّ من ملاحظة النسبة بين العام المخصص والخاص الآخر.
الصورة الثانية :
ما إذا ورد عام وخاصان بينهما عموم من وجه ، والكلام فيها أيضاً في موردين :
الأول ما إذا كان
الخاصان متوافقين ، كما إذا ورد اكرم العلماء ، ثم ورد لا تكرم الفساق من العلماء
، ثم ورد لا تكرم النحويين.
الثاني ، ما إذا
كان الخاصان مختلفين ، مثل ما إذا دل دليل على وجوب اكرام العلماء ودليل آخر على
حرمة اكرام النحويين ، ودليل ثالث على استحباب اكرام الصرفيين.
اما المورد الأول
: فمورد الاجتماع ، وهو النحوي الفاسق لا يجب اكرامه بمقتضى الخاصين فيخصص به
العام ويكون النسبة بين الخاصين في موردى الافتراق هو التباين فيعامل حينئذ معاملة
التباين الذي مر آنفا.
واما المورد
الثاني : فيخصص العام في مجمع التصادق ، وهو النحوي الصرفى ويحكم بعدم وجوب اكرامه
، واما انه هل يستحب أو يحرم فيرجع فيه إلى ما يقتضيه القواعد بين العامين من وجه.
وحينئذٍ فعلى
المختار في العامين من وجه من الرجوع إلى الأخبار العلاجية فهو.
وعلى القول
بالتساقط يسقطان ، معا ، ويرجع فيه إلى العام ، ولاوجه لدعوى انهما يسقطان عن
الحجية بالنسبة إلى مدلولهما المطابقي لا الإلتزامي : لما تقدم من تبعية الدلالة
الالتزامية للمطابقية حجية أيضاً فراجع.
واما في موردي
الافتراق فيجري فيهما ما ذكرناه في الصورة الأولى.
الصورة الثالثة :
ما إذا ورد عام وخاصان بينهما عموم مطلق كما إذا ورد اكرم كل شائب ودل دليل آخر
على اباحة اكرام الفساق منهم ، وورد دليل ثالث انه يحرم اكرام شارب الخمر منهم ،
لا اشكال في تخصيص العام بالخاص الاخص لعدم حجية العام فيه على كل تقدير ، والنسبة
بينه وبين الخاص الأعم أيضاً عموم مطلق فيخصص به ويختص الخاص الأعم بغير مورد
الاخص ، وتكون النسبة بينه وبين العام عموم مطلق كما لا يخفى.
الصورة الرابعة :
ما إذا ورد عامان من وجه وخاص مطلق ، فان كان الخاص اخص منهما وكان يخرج مادة
الاجتماع منهما ، كما إذا ورد يجب اكرام العلماء ، ثم ورد ، يحرم اكرام الفساق ،
وورد دليل ثالث ، انه يستحب اكرام العالم الفاسق ، يخصص العامان به ، ويختص كل من
العامين بموردي الافتراق ولا تعارض بينهما.
وان كان الخاص
مخصصا لاحدهما بان اخرج مورد افتراق أحدهما ، كما إذا دل دليل على استحباب اكرام
العلماء ، ودليل آخر على حرمة اكرام الفساق ، ودليل ثالث على انه يجب اكرام العدول
من العلماء.
فقد التزم الشيخ
الأعظم (ره) بانقلاب النسبة في هذه الصورة ، بمعنى انه يخصص ما دل على
استحباب اكرام العلماء ، بما دل على وجوب اكرام العدول منهم فيختص بالفساق منهم
حينئذ والنسبة بينه ، وبين العام الثاني عموم مطلق ، فيخصص به فيختص حرمة اكرام
الفساق بغير العلماء.
__________________
والوجه فيه : انه
يدور الأمر بين أمور :
منها ان يخصص
العام الذي له مخصص به ، وبالعام الآخر ، فلا يبقى له مورد.
ومنها : ان يخصص
العام الذي له مخصص بالعام الآخر ، ويعارض حينئذ مع الخاص ، ويقدم عليه ، فيطرح
الخاص.
ومنها : ان يخصص
العام الذي له مخصص بالخاص ثم يخصص العام الآخر به ، فلا يلزم طرح دليل أصلاً.
وبعبارة أخرى :
الأمر يدور بين طرح احد النصين ، وبين طرح ظهورين وابقاء الأدلة الثلاثة فيما تكون
نصا فيه ، ولا ريب في ان الثاني أولى.
وفيه : ان طرح
النص أو الظاهر بتمامه إنما لا يجوز في مقام الجمع الدلالي ، واما طرحه بواسطة
الأخبار العلاجية فلا محذور فيه.
وعليه فيمكن ان
يقال في المقام انه يلاحظ أولا عامان من وجه ويعمل قاعدة التعارض كي يظهر وجود عام
كي يخصص وعدمه.
فان قدم العام
المنافي للخاص على معارضه ، لوجود مرجح فيه فيخصص ذلك العام بالخاص.
وان قدم غير
المنافى لرجحانه فان كان للعام المنافي بعد هذا الترجيح أفراد غير ما ينطبق عليه
الخاص فيخصص بالخاص ، وإلا فيكون العام المنافي مع الخاص كالمباين وحيث ان الخاص
اظهر منه لان دلالته على المورد بالنصوصية ، ودلالة العام بالظهور فيقدم الخاص
عليه ويطرح العام ولا محذور فيه.
وان شئت قلت ان
العام المنافي يعارضه الخاص والعام الآخر في مرتبة واحدة ، والخاص يقدم عليه لكونه
نصا ، ويعمل قواعد التعارض في العام مع العام الذي يكون معارضا له ، فان كان ذلك
العام ارجح يقدم عليه ، ويطرح ذلك ولا محذور في مثل هذا الطرح.
واستدل المحقق
النائيني لانقلاب النسبة في هذه الصورة : بان ملاحظة النسبة بين
الأدلة إنما هي لأجل تشخيص كونها متعارضة أو غير متعارضة وقد تقدم ان تعارض الأدلة
إنما هو لأجل حكايتها وكشفها عما لا يمكن جعله وتشريعه لتضاد مؤدياتها ، فالتعارض
بين الأدلة إنما يكون بمقدار كشفها وحكايتها عن المراد النفس الامري ، ومن الواضح ان
تخصيص العام يقتضي تضييق دائرة كشفه وحكايته : لان التخصيص يكشف لا محالة عن عدم
كون عنوان العام تمام المراد ، بل المراد هو ما وراء الخاص ، لان دليل الخاص لو لم
يكشف عن ذلك يلزم لغوية التعبد به وسقوطه عن الحجية فلازم حجية دليل المخصص هو
سقوط دليل العام عن الحجية في تمام المدلول وقصر دائرة حجيته بما عدا المخصص.
وحينئذٍ لا معنى
لجعل العام بعمومه طرف النسبة لان النسبة إنما تلاحظ بين الحجتين ، فالذي يكون طرف
النسبة هو الباقي تحت العام الذي يكون العام حجة فيه ، فلو خصص احد العامين من وجه
بمخصص متصل أو منفصل يسقط عن الحجية في تمام المدلول ويكون حجة فيما عدا عنوان
الخاص فيلاحظ
__________________
النسبة بينه
بمقدار حجيته وبين العام الآخر ولا محالة تنقلب النسبة من العموم من وجه إلى
العموم المطلق.
وفيه : ان العام
الذي له مخصص ، في نفسه كاشف عن المراد النفس الامري ، وانه العموم ، ولو قدم
الخاص عليه تتضيق دائرة كشفه ولكن لاوجه لتخصيصه به أولا ثم ملاحظة النسبة مع
العام بعد كونه والخاص في رتبة واحدة ، فلقائل ان يقول انه يلاحظ النسبة أولا بين
العامين ، فلو قدم ذلك العام يصير هذا العام دائرة كشفه منحصرة بمورد الخاص ،
فيعارض مع الخاص بالتباين.
فالاظهر انه لاوجه
لانقلاب النسبة في هذه الصورة أيضاً.
والمحقق الخراساني
مع التزامه بعدم انقلاب النسبة التزم بتقديم العام الذي له مخصص ، لو لم يكن
الباقي تحته بعد تخصيصه ، إلا ما لا يجوز ان يجوز عنه التخصيص أو كان بعيدا جدا ،
من جهة كون كالنص فيه ، فيقدم على الآخر الظاهر فيه بعمومه.
وفيه : انه لو
خصصنا العام أولا بالخاص ، ثم لاحظنا النسبة بينه وبين العام الآخر كان ما أفاده
تاما ، ولكن لم يخصص به أولا ، بل لا بدَّ على هذا المسلك من ملاحظة النسبة قبل التخصيص
، ولو لوحظت النسبة قبل التخصيص يكون التعارض بين الظهورين.
وبالجملة كما يمكن
تخصيص العام أولا بالخاص ، فيكون معارضا مع العام
__________________
حينئذ معارضة النص
والظاهر ، كذلك يمكن ان تلاحظ النسبة بين العامين أولا ثم ملاحظتها بين العام
والخاص فربما تكون المعارضة حينئذ بين النصين.
فالمتحصّل ان
العام الآخر وحده لا ينافي مع ما يكون العام الذي له مخصص نصا فيه ، بل هو وحده
ينافي ظهوره ، كما ان الخاص وحده كذلك ، وهما معا ينافيان العام فيما يكون العام
نصا فيه ، فلا وجه للتخصيص بالخاص أولا ، بل تقع المعارضة بين الأدلة.
الصورة الخامسة :
ما لو ورد دليلان متباينان ـ كما ورد ـ ان الزوجة لا ترث من العقار ، وفي خبر آخر
، الزوجة ترث من العقار ثم ورد خاص بالنسبة إلى أحدهما ، واوجب ذلك انقلاب النسبة
إلى العموم المطلق ، كما ورد ، انها ترث من العقار إذا كانت ذات ولد فانه يكون اخص
من الأول فيخصص به فيختص بغير ذات الولد والنسبة بينه حينئذ وبين الآخر عموم مطلق
، وقد تنقلب النسبة إلى العموم من وجه.
ولكن بما ذكرناه
في الصور السابقة يظهر عدم انقلاب النسبة في هذه الصورة أيضاً.
فالمتحصّل عدم
انقلاب النسبة في شيء من الصور.
كون المرجحات باجمعها للسند
المبحث التاسع :
ذهب جماعة من المحققين ، منهم الشيخ الأعظم والمحقق النائيني إلى تقسيم المرجحات إلى اقسام :
الأول : ما يكون
مرجحا لسند الخبر ككونه مشهورا بين الأصحاب ، وكون رواته اوثق واصدق ، واعدل.
الثاني : ما يكون
مرجحا لجهة صدوره وانه صدر لبيان الحكم الواقعي ، ككونه مخالفا للعامة.
الثالث : ما يكون
مرجحا للمدلول ومضمون الخبر ، ككونه موافقا للكتاب والسنة.
وخالفهم المحقق
الخراساني وذهب إلى رجوع جميع المرجحات إلى الترجيح الصدورى ، وانها
باجمعها موجبة لترجيح احد السندين على الآخر ، وقبل الدخول في البحث لا بدَّ من
تقديم مقدمتين :
احداهما : ان
استفادة الحكم من الخبر تتوقف على أمور اربعة :
__________________
الأول : صدور
الخبر عن المعصوم (ع) والمتكفل لاثبات ذلك هو أدلة حجية الخبر الواحد.
الثاني : كونه
ظاهرا في معنى والمتكفل لاثبات ذلك هو العرف واللغة.
الثالث : صدوره
لبيان الحكم الواقعي لا لجهة أخرى من تقية ونحوها والمتكفل لاثبات ذلك بناء
العقلاء على حمل الكلام على كونه صادرا لبيان افادة المراد النفس الامرى.
الرابع : كون
مضمونه تمام المراد لا جزئه والمتكفل لاثبات ذلك أصالة عدم التقييد والتخصيص
والقرينة وما شاكل من الأصول اللفظية العقلائية ، التي عليها بناء العقلاء عند
الشك في التقييد ، والتخصيص ، وإرادة المجاز.
الثانية : ان
موارد المرجحات مختلفة مورد بعضها نفس الخبر ، وهو الشهرة ، ومورد بعضها الراوى ،
وهو الاعدلية والأوثقية ، ومورد بعضها جهة الصدور ، وهو مخالفة العامة ومورد بعضها
مضمون احد المتعارضين ، وهو موافقة الكتاب.
إذا عرفت هاتين
المقدمتين فاعلم انه استدل المحقق الخراساني لما اختاره من رجوع جميع المرجحات إلى المرجح الصدوري
وانها باجمعها موجبة لترجيح احد السندين على الآخر بوجهين :
١ ـ ان المتضمن
لهذه المرجحات هو الأخبار العلاجية ، وهي ظاهرة في تقديم رواية ذات مزية في احد ،
اطرافها ونواحيها ، فجميع هذه من مرجحات
__________________
السند.
٢ ـ انه لا معنى
للتعبد بصدور الخبر مع وجوب حمله على التقية : إذ الحمل عليها يساوق الطرح ولا
يعقل ان تكون نتيجة التعبد بالصدور هي الطرح ، ولا يقاس ذلك بمقطوعى الصدور الذين
لا تعبد فيهما للقطع.
وأورد عليه المحقق
النائيني بان الخبر ، قد يكون بنفسه ظاهرا في الصدور تقية ، بحيث
يكون فيه قرائن التقية ولو لم يكن له معارض ، وقد لا يكون فيه قرائن الصدور تقية
بل مجرد كون مؤداه موافقا لمذهب العامة ، وفي هذا المورد لا يحمل الخبر على التقية
إلا في صورة التعارض بأدلة العلاج والذى لا يمكن فيه التعبد مع الحمل على التقية
إنما هو القسم الأول.
واما القسم الثاني
غير المحمول عليها لو كان وحده فإنما يحمل عليها في صورة التعارض المتفرع صدق هذا
العنوان على شمول أدلة التعبد بالصدور لكل من الموافق والمخالف فالحمل عليها إنما
هو بعد شمول أدلة الحجية لكل منهما في نفسه.
وفيه : ان أدلة
اعتبار الخبر وحجيته لا تشمل شيئا من المتعارضين عنده ، لان بنائه على ان الأصل في
المتعارضين التساقط وإنما ثبت الاعتبار بأدلة العلاج وبالنسبة إليها أيضاً لا يمكن
الالتزام بشمولها للموافق مع حمله على التقية فلا محالة تكون مخالفة العامة من
مرجحات الصدور وانها توجب التعبد بصدور المخالف وعدم صدور الموافق لا صدوره تقية.
__________________
فالاقوى ما عليه
المحقق الخراساني من ارجاع جميع المرجحات إلى المرجح من حيث الصدور نفسه.
الترتيب بين المرجحات
المبحث العاشر :
هل المرجحات كلها في رتبة واحدة ، فلو كان احد الخبرين ، واجدا لمرجح والآخر كان
واجدا لمرجح آخر كانا متساويين فيرجع إلى اخبار التخيير ، أم يجب مراعاة الترتيب بينها؟
وعلى الثاني أي
لزوم مراعاة الترتيب فهل يقدم المرجح الصدورى ، على المرجح الجهتي والمضموني كما
عن الشيخ الأعظم (ره) والمحقق النائيني ، أم يقدم المرجح الجهتى على المرجح السندي كما عن الوحيد
البهبهاني والمحقق الرشتي ، أم يتابع النص في ذلك؟ وجوه فالكلام يقع في موردين.
اما المورد الأول
: فقد استدل المحقق الخراساني (ره) لعدم لزوم مراعاة
__________________
الترتيب بوجهين :
أحدهما : ظهور
الأخبار في بيان اصل المرجحية ، دون الترتيب.
ثانيهما : انه لو
لزم مراعاته لزم البناء على تقييد اكثر نصوص الترجيح بل جميعها عدا المقبولة ، وهو
بعيد.
وفيهما نظر ، اما
الأول : فلان الأخبار ظاهرة في بيان الترتيب زائدا على اصل المرجحية ، فان
المقبولة تامر بالاخذ بالمشهور ، وبعد فرضهما مشهورين تامر بالاخذ بما وافق الكتاب
وهكذا.
واما الثاني :
فلان الكتاب والخبر المتواتر ، يقيدان بالخبر الواحد ، فلا محذور في تقييد النصوص
الكثيرة ، به ، فالاظهر لزوم الترتيب.
واما المورد
الثاني : فالاظهر في كيفيته متابعة النص وقد مر ما يستفاد منه ، وهناك أقوال اخر
عمدتها اثنان المتقدمان.
أحدهما : ما عن
الشيخ الأعظم (ره) وتبعه المحقق النائيني (ره) ، وهو ، تقديم المرجح الصدوري على
المرجح الجهتى والمضموني ، والمحقق النائيني اختار تقديم المرجح الجهتي على المرجح المضموني.
ثانيهما : ما عن
الوحيد البهبهاني والمحقق الرشتي ، وهو تقديم المرجح الجهتي على المرجح السندي.
__________________
اما القول الأول :
فقد استدل له الشيخ بما فصله المحقق النائيني ، وحاصله ان استفادة الحكم من الخبر تتوقف على أمور اربعة
:
صدور الخبر ـ وظهوره
في المعنى ـ كونه صادرا لبيان حكم الله ـ كون مضمونه تمام المراد وقد اشبعنا
الكلام في ذلك في المقدمة الثانية المذكورة في المبحث السابق.
وعليه فالتعبد
بجهة الصدور فرع التعبد بالصدور وبالظهور ، كما ان التعبد بكون المضمون تمام
المراد فرع التعبد بجهة الصدور ، بداهة انه لا بدَّ من فرض صدور الخبر لبيان حكم
الله حتى يتعبد بكون مضمونه تمام المراد لا جزئه.
نعم ليس بين
التعبد بالصدور وبالظهور ، ترتب وطولية ، ولازم ما ذكر هو تقديم المرجح الصدورى
على المرجح الجهتي عند التعارض بينهما ، كما هو ظاهر أدلة الترجيح كالمقبولة.
ثم انه (قدِّس سره)
اشكل على نفسه بأنه في خبر القطب المتقدم ، قدم الترجيح بموافقة الكتاب على مخالفة
العامة مع ان الأول مرجح مضموني ، والثاني مرجح جهتي.
وأجاب عنه بأنه
يمكن ان يقال بكون موافقة الكتاب من المرجحات الصدورية.
ويرد عليهما : ان
أدلة حجية الخبر الواحد لا تشمل شيئا من المتعارضين
__________________
عندهما : لان
بنائهما على ان مقتضى القاعدة هو التساقط ، فيتعين الرجوع إلى الأخبار العلاجية
ولاوجه معه لهذه الأمور الاعتبارية.
وان شئت قلت : ان
المراد من الحجية التي قال الشيخ (ره) ان المرجح الجهتي إنما يكون بعد فرض حجيتهما
، ان كان هي الحجية الفعلية فليست فيهما قطعا ، وان كان المراد هي الحجية الشأنية
، فهي فيهما على حد سواء.
وبالجملة لا بد في
مقام الاخذ بالحجة من ملاحظة ما ورد عنهم عليهمالسلام ولا ينبغي الاعتناء بهذه الأمور الاعتبارية ، والإمام (ع)
قدم المرجح المضمونى وهو موافقة الكتاب ، على المرجح الجهتى وهو مخالفة العامة.
واستدل للقول
الثاني بوجهين : الأول : ان الخبر الموافق للعامة يدور امره بين أمرين ١ ـ عدم
الصدور ٢ ـ الصدور تقية ، ولا يعقل التعبد به على التقديرين ، فحينئذ لا يحتمل
تقديم المرجحات السندية على مخالفة العامة.
وفيه : ان الخبر
الموافق لا بدَّ وان يفرض بنحو يكون حجة لو كان وحده ، وإلا لما صدق التعارض وما
فرض في الدليل لا يكون حجة لو كان وحده.
وبعبارة أخرى : ان
الأمر إذا دار بين أمرين ، عدم الصدور ، أو الصدور تقية فهو خارج عما نحن فيه ،
ويقطع بعدم حجيته ، فلا يعارض مع المخالف للعامة.
واما ما هو محل
الكلام فأمره يدور بين ثلاثة : عدم الصدور ، أو الصدور تقية ، أو الصدور لبيان حكم
الله الواقعي.
الثاني : ان قطعية
الصدور لا تمنع عن حمل الموافق على التقية ، فالتعبد بالصدور أولى بعدم المنع عن
حمل الموافق على التقية.
وفيه : ان قطعية
الصدور لا تقتضي سوى صدور الكلام عن المعصوم (ع) ، ولا تقتضي التعبد بالحكم ، وهذا
بخلاف التعبد بالصدور ، فانه إنما يكون بلحاظ التعبد بالحكم والاثر فلا اولوية.
فالمتحصّل مما
ذكرناه انه ان قلنا بالتعدي من المرجحات المنصوصة إلى كل مزية موجبة لأقربية ذي
المزية إلى الواقع ، فلا وجه لملاحظة الترتيب كما لا يخفى.
اللهم إلا ان يقال
ان ذلك يتم في الترتيب بين الأفراد والمصاديق ، واما على مسلك الشيخ الأعظم (ره)
من تقسيم المرجحات إلى اقسام ثلاثة ، صدوري ، جهتي ، مضموني ، كما مر فلا يتم في
الانواع.
وعلى القول بعدم
التعدي كما اخترناه ، فان بنينا على عدم الترتيب بين المرجحات فالحكم ظاهر ، وان
قلنا بالترتيب كما هو الحق فلا بدَّ من متابعة النصوص ، وقد عرفت ما تقتضيه ، وانه
لا بد من تقديم الشهرة ، ثم موافقة الكتاب ، ثم مخالفة العامة ، فتكون النتيجة ،
تقديم المرجح السندي ، على المرجح المضموني ، وتقديم المضموني ، على المرجح الجهتي
، لو صح التقسيم وقد مر عدم صحته.
موافقة الخبر للمزية الخارجية
المبحث الحادي عشر
: في ان موافقة احد الخبرين المتعارضين لامر خارجي يوجب الظن ولو نوعا ، هل هي من
المرجحات ، أم لا؟
وتنقيح القول فيه
، ان الأمر الخارجي الذي يوافقه.
قد يكون هو الأصل
العملي.
وقد يكون أمارة لا
دليل على اعتبارها ، وقد يكون أمارة دل الدليل على عدم اعتبارها كالقياس.
وقد يكون أمارة
معتبرة.
اما القسم الأول :
فقد وقع في كلمات الأصحاب مورد البحث تحت عناوين ثلاثة :
أحدها : ما إذا
تعارض خبران وكان أحدهما موافقا لاصل البراءة ، أو الاستصحاب ، فالمنسوب إلى
المشهور الترجيح بذلك وانه يقدم ما وافقه اصل البراءة أو الاستصحاب.
ثانيها : ما إذا
تعارض المقرر ، وهو الخبر الموافق للأصل ، والناقل ، وهو المخالف له ، وعن الأكثر
بل جمهور الأصوليين تقديم الناقل.
ثالثها : ما إذا
تعارض الخبر المبيح ، والخبر الحاظر ، فقد ادعى الإجماع على تقديم الحاظر.
وحيث ان الظاهر في
بادئ النظر اختلاف الآراء في هذه الموارد ، فقد أورد عليهم بايرادين :
١ ـ انهم في
المورد الأول قالوا ان الأصل مرجح ، وفي الاخيرين استشكلوا في ذلك بل ذهبوا إلى
تقديم المخالف.
٢ ـ انهم اختلفوا
في تقديم الناقل (وهو المخالف للأصل) على المقرر (وهو الموافق له) وقد ذهب جمع
منهم إلى عدم التقديم ، مع انهم اتفقوا على تقديم الحاظر وهو الناقل.
وملخص القول في
المقام يقتضي البحث في موردين :
الأول : في الجمع
بين كلمات الأصحاب.
الثاني : فيما هو
الحق في كل مسألة.
اما الأول :
فالظاهر عدم التنافي بين كلماتهم ، فان موضوع بحثهم ، في المسألة الأولى الأصل
الشرعي ، وفي الثانية بل والثالثة ، الأصل العقلي فيندفع الإيراد الأول.
واما الإيراد
الثاني : فيندفع بانهم لم يتفقوا في المسألة الثالثة ، بل صرح بعضهم بتقديم
الاباحة لرجوعه إلى تقديم المقرر على الناقل الذي اختاره في تلك المسألة مع ، ان
موضوع الثالثة اخص من الثانية ، فيمكن ان يقال بتخصيص الثانية بدوران الأمر بين
الوجوب وعدمه.
واما المورد
الثاني : فقد استدل للترجيح بالاصل الشرعي بوجوه :
١ ـ ان الخبرين
يتعارضان ويتساقطان فيبقى الأصل سليما عن المعارض.
وفيه : ان الأصل
الثانوي في الخبرين المتعارضين بعد فقد المرجحات هو التخيير لا التساقط بل عرفت ان
المختار عندنا ان مقتضى الأصل الأولي أيضاً ذلك.
٢ ـ ان العمل
بالموافق موجب للتخصيص فيما دل على حجية المخالف ،
والعمل بالمخالف ،
مستلزم للتخصيص ، فيما دل على حجية الموافق وتخصيص آخر فيما دل على حجية الأصول ،
فيقدم الأول تقليلا للتخصيص.
وفيه : ان الخبر
المخالف يكون حاكما على دليل الأصل ، وموجبا لانعدام موضوعه لا التخصيص في دليله.
٣ ـ ان ما دل على
التخيير مع تكافؤ الخبرين ، معارض بما دل على الاصلين.
وفيه : ما تقدم من
حكومة دليل حجية الخبر على دليل الأصل : إذ لا فرق بين حجيته تعيينا أو تخييرا ،
مع ان بعض اخبار التخيير في مورد جريان الأصل ، مع ان التخصيص في اخبار التخيير
يوجب اخراج كثير من مواردها ، بل اكثرها ، بخلاف العكس.
٤ ـ ان الخبر
الموافق يفيد ظنا بالحكم الواقعي ، والعمل بالاصل يفيد الظن بالحكم الظاهري فيقوى
به الخبر الموافق.
وفيه : ان الأصل وظيفة
مجعولة للشاك عند فقد الدليل فمع وجوده يرتفع موضوعه ، فلا تحقق له كي يوجب
الاقوائية ، مع ان الظن بالوظيفة الظاهرية كيف يوجب اقوائية ما يكون كاشفا عن
الواقع وحاكيا عنه فتدبر.
فالاظهر عدم
الترجيح بالاصل.
واستدل لتقديم
الناقل ، بان الغالب فيما يصدر من الشارع الحكم بما يحتاج إلى البيان ولا يستغنى
عنه بحكم العقل.
وفيه : ان الغلبة
ممنوعة كيف وقد كثر في الأدلة بيان الشارع ، ما عليه بناء
العقلاء ، وما
يستقل به العقل فراجع.
مع انها لا تكون
دليلا على التقديم.
واستدل لتقديم
الحاظر :
تارة بكونه متيقنا
في العمل استنادا إلى ما دل على لزوم الاحتياط.
وأخرى : بما دل
على وجوب الاخذ بالاحتياط من الخبرين.
ولكن يرد على
الأول ما تقدم في محله من عدم كون المستند أصالة الاحتياط.
ويرد على الثاني
ما مر في الأخبار العلاجية من ان ما تضمن الاخذ بما فيه الحائطة من الخبرين
المتعارضين لا يعمل به فراجع.
موافقة الخبر للامارة غير المعتبرة
واما القسم الثاني
: وهو ما إذا كانت المزية الخارجية هي الأمارة غير المعتبرة لعدم الدليل على
اعتبارها.
فقد استدل الشيخ
الأعظم (ره) للترجيح بها بوجهين :
الأول : ان
المستفاد من الأخبار العلاجية من جهة ما فيها من التعليلات ،
__________________
ان كل مزية موجبة
لاقربية احد المتعارضين إلى الواقع ، وان كانت خارجة عن الخبرين توجب الترجيح ،
ومعلوم ان الأمارة الظنية وان كانت غير معتبرة توجب اقربية ما وافقته إلى الواقع.
الثاني : انه قد
تكرر في كلماتهم ، دعوى الإجماع على وجوب العمل بأقوى الدليلين ، وهذه القاعدة لو
سلم اختصاصها بما إذا كان أحدهما أقوى في نفسه ، ومن حيث هو ، لا مجرد كون مضمونه
اقرب إلى الواقع ، لموافقة أمارة خارجية تشمل ، المقام من جهة ان الأمارة موجبة
لظن الخلل في المرجوح ، اما من حيث الصدور ، أو من حيث جهة الصدور ، فيكون الراجح
أقوى من حيث نفسه ، وان لم يعلم تفصيلا انه من أي جهة يكون أقوى.
ولكن يرد على
الوجه الأول ما تقدم من عدم التعدي عن المرجحات المنصوصة إلى غيرها.
ويرد على الثاني
عدم ثبوت القاعدة بنحو يعتمد عليها في غير موارد الجمع العرفي.
وأورد المحقق
الخراساني على الوجه الثاني ، بان الظاهر من القاعدة ما إذا كانت
الاقوائية من حيث الدليلية والكشفية ، وكون مضمون أحدهما مظنونا لأجل مساعدة أمارة
ظنية عليه ، لا يوجب قوة فيه من هذه الحيثية ، بل هو على ما هو عليه من القوة لو
لا مساعدتها ومطابقة احد الخبرين لها ، لا يكون لازمه الظن بوجود خلل في الآخر ،
اما من حيث الصدور أو من حيث
__________________
جهته كيف وقد
اجتمع مع القطع بوجود جميع ما اعتبر في حجية المخالف لو لا معارضة الموافق ،
والصدق واقعا لا يكاد يعتبر في الحجية كما لا يكاد يضربها الكذب كذلك.
وفيه : ان ما ذكره
أولا مذكور في كلمات الشيخ (ره) وأجاب عنه بان المراد بالقاعدة بعد ملاحظة كلمات
المجمعين ، واستدلالهم بها في الموارد المختلفة ، اقوائية احد الخبرين بأي وجه
كانت ولو كانت من ناحية اقربية مضمونه إلى الواقع ، ولعله بلحاظ فناء الدال في
المدلول ، حيث انه إذا كان المدلول اقرب إلى الواقع يتصف الدال بالاقوائية
بالعناية بهذه الملاحظة. فراجع ما أفاده الشيخ (ره) في المقام.
واما ما أفاده
اخيرا ، فيرد عليه : انه بعد فرض التعارض والظن بمطابقة الموافق للواقع لا محالة
يظن بعدم مطابقة المخالف ، وهذا الظن وان لم يكن حجة في نفسه ، ولذا لا يعتنى به
مع عدم المعارض ، ويقطع بحجية المخالف ، ولكن يوجب الترجيح للقاعدة التي أشار
إليها الشيخ الأعظم (ره) فتدبر.
__________________
موافقة الخبر لأمارة دلَّ الدليل على عدم اعتبارها
واما القسم الثالث
: وهو ما إذا كانت المزية الخارجية هي الأمارة التي دل الدليل على عدم اعتبارها
كالقياس.
فعلى القول بان
الأمارة غير المعتبرة لعدم الدليل على اعتبارها ، لا توجب تقديم ما وافقها كما
اخترناه ، فالامر واضح لاوجه لتطويل الكلام فيه.
واما على القول
الآخر : فالمشهور بين الأصحاب ان الأمارة التي دل الدليل على عدم اعتبارها كالقياس
لا تكون مرجحة.
وعن المفاتيح القول بكون القياس مرجحا.
واستدل المحقق في
المعارج للمرجحية : بان الممنوع عنه هو العمل بالقياس والترجيح به
إنما يكون بالعمل بالخبر الموافق للقياس دون القياس.
ثم أورد عليه :
بان القياس مطروح في الشريعة.
وأجاب عنه بان
فائدة الترجيح كون القياس رافعا للعمل بالخبر المرجوح ، فيعود الراجح كالسليم عن
المعارض ، فيكون العمل به لا بذلك
__________________
القياس ، ثم تنظر
فيه.
وأورد عليه الشيخ
الأعظم : بان رفع العمل بالخبر المرجوح بالقياس عمل به حقيقة اضف
إليه ان المنهي عنه الاعتناء بالقياس مطلقا ، وقد استقرت طريقة أصحابنا على هجره
في باب الترجيح ولم نجد منهم موضعا يرجحونه به ، ولو لا ذلك لوجب تدوين شروط القياس
في الأصول ، ليرجح به في الفروع.
وفيه : ان الذي دل
الدليل المعتبر على النهي عنه هو اعمال القياس في الدين ، واما ما يدل على لزوم
هجر القياس بقول مطلق فليس بدليل معتبر.
ويضاف إليه ان
استقرار السيرة على ما ذكر ، لعله من جهة انه إذا كان احد الخبرين موافقا للقياس
لا محالة يكون الآخر مخالفا للعامة ، وقد جعل ذلك من المرجحات في الأخبار.
وبما ذكرناه ظهر
ما في كلمات المحقق الخراساني في الكفاية قال ، إلا ان الأخبار الناهية عن القياس وان السنة إذا
قيست محق الدين مانعة عن الترجيح به ضرورة ان استعماله في ترجيح احد الخبرين
استعمال له في المسألة الشرعية الأصولية وخطره ليس باقل من استعماله في المسألة
الفرعية.
ثم انه (قدِّس سره)
تنبه لاشكال ، وهو انه كيف يعمل القياس في الموضوعات ، وينقح به الموضوع الشرعي
مثلا لو حصل الظن بالقبلة من القياس لا كلام بينهم في العمل به ، وان الظن الحاصل
منه حجة فليكن المقام من هذا القبيل ،
__________________
أي يرجح احد
الخبرين به.
وأجاب عنه بالفرق
بينهما : فان القياس في الموضوعات ليس في الدين ، واما المعمول في
المقام فنحو اعمال له في الدين ، ضرورة انه لولاه لما تعين الخبر الموافق له
للحجية بعد سقوطه عنها بمقتضى أدلة الاعتبار ، والتخيير بينه ، وبين معارضه بمقتضى
أدلة العلاج.
والأقوى ان المراد
من اعمال القياس في الدين.
ان كان ترتب الحكم
الشرعي عليه واستنتاجه منه ولو بوسائط بمعنى انه لو لا القياس لما كان يستنتج ذلك
، فهو وان كان يصدق في المقام ، إلا انه يصدق في القياس المعمول في الموضوعات ،
أيضاً إذ لولاه لما كان يكتفى بالصلاة إلى الطرف المظنون ، أو لم تكن متعينة ، بل
كان يصلى إلى الجوانب الاربع أو كان مخيرا في الصلاة إلى أي طرف شاء على اختلاف
المسلكين.
وان كان المراد
ترتب الحكم عليه بلا واسطة فكما انه في القياس في الموضوع لا يترتب الحكم عليه ،
كذلك في المقام فان الترجيح إنما يكون باثره التكويني وهو الظن فلا يحكم بالترجيح
لأجل القياس.
وبذلك يظهر انه
لاوجه لعدم الترجيح به على القول بالترجيح بالأمارة غير المعتبرة لعدم الدليل :
لان المنهي عنه إثبات الحكم الشرعي به ، ولذا لو حصل له القطع من القياس لا اشكال
في حجيته ومنجزيته للواقع ، فكذا لو حصل له الظن بأقربية احد الخبرين إلى الواقع ،
كيف فكل أمارة غير معتبرة ،
__________________
دل الدليل على عدم
اعتبارها كما مر في أول مبحث الظن ، ولا فرق بين القياس وغيره ، إلا في كون الدليل
في الأول خاصا ، وفي الثاني عاما ، وهو لا يكون فارقا.
واما القسم الرابع
: وهو ما إذا كان الأمر الخارجي لأحد الخبرين أمارة معتبرة ، كالكتاب والسنة المتواترة.
فمحصل القول فيه ،
ان مخالفة الخبر للكتاب والسنة القطعية ، تتصور على وجوه ١ ـ المخالفة بالتباين ٢
ـ المخالفة بالعموم المطلق ٣ ـ المخالفة بالعموم من وجه.
اما الأولى : فلها
صورتان ، احداهما : ما يباين نص الكتاب. ثانيهما : ما يباين ظاهره.
وقد عرفت في ذيل
مبحث نصوص الترجيح ، ان موارد المخالفة بالعموم المطلق ، والمخالفة بالعموم من وجه
، والصورة الثانية من المخالفة بالتباين مشمولة للأخبار العلاجية وان الخبر
المخالف باحد هذه الانحاء يطرح وما يوافقه بالمعنى المقابل لأحد هذه يعمل به.
وصورة واحدة من
المخالفة بنحو التباين ، وهي الصورة الأولى مشمولة لاخبار العرض الدالة على عدم
حجيته وان لم يكن له معارض.
هذا تمام الكلام
في المسائل المتعلقة بالتعادل والترجيح.
وقد كنت كتبت في
الأصول مرات ، وفرغت منه في المرة الأولى سنة ١٣٦٤.
ولكن جمعت جميع ما
كنت كاتبا اياها في تلك المرات وفرغت من اخراجها
من المسودات إلى
المبيضة في يوم الاحد من شعبان سنة ١٣٨٦.
والحمد لله أولا
وآخرا.
* * *
فهرس أهم مصادر
١. القرآن الكريم.
٢. أجود التقريرات
، بحوث آية الله محمد حسين النائيني (١٢٧٦ ـ ١٣٥٥ ه) وتقرير آية الله السيد أبو
القاسم الخوئي (١٣١٧ ـ ١٤١٣ ه) وقد اعتمدت في التخريج على الطبعتين القديمة وعدد
اجزائها ٢ الناشر مكتبة مصطفوي ١٣٦٨ ه. ش. والطبعة الجديدة وعدد اجزائها ٤ تحقيق
ونشر مؤسسة صاحب الأمر (عج) ١٤١٩ ه. ق.
٣. إشارات الأصول
الشيخ محمد بن إبراهيم بن علي الكلباسي ، وكان من اساتذة المجدد الشيرازي رحمهماالله ...
٤. أعيان الشيعة ،
للسيد محسن عبد الكريم المعروف بالإمام السيد محسن الامين الحسيني العاملي (١٢٨٤ ـ
١٣٧٢ ه. ق) عدد الاجزاء ١١ دار التعارف ١٤٠٦ ه. ق بيروت.
٥. ألفيّة ابن
مالك ، النظم لجمال الدين أبي عبد الله محمد بن مالك الطائي ، وقد شرحت بعدة شروح
منها شرح ابن عقيل ، انتشارات ناصر ، قم المقدسة.
٦. أوثق الوسائل ،
للميرزا موسى بن جعفر بن احمد التبريزي المتوفى (١٣٠٥ ه. ق) وهو من الشروح المهمة
على فرائد الأصول ، الناشر مكتبة كتبي النجفي ، قم المقدسة ١٣٦٩ ه. ق.
٧. إيضاح الفوائد
في شرح اشكالات القواعد ، للفقيه الاعظم فخر المحققين الشيخ ابي طالب محمد بن
الحسن بن يوسف بن المطهر الحلي ، المتوفى سنة (٧٧٠ ه. ق) عدد الأجزاء ٤ الطبعة
الاولى ١٣٨٩ ه. ق على نفقة الحاج محمد كوشانبور.
٨. ارشاد الاذهان
إلى أحكام الإيمان للعلامة الحلي (قدِّس سره) (٦٤٨ ـ ٧٢٦ ه. ق) عدد الأجزاء ٢ ،
تحقيق الشيخ فارس الحسون ، الناشر : جامعة المدرسين ١٤١٠ ه. ق.
٩. افاضة العوائد
لآية الله السيد محمد رضا الكلبايكاني المتوفى (١٤١٤ ه. ق) وهو شرح وتعليق على
درر الفوائد لآية الله الحائري اليزدي ، الناشر دار القرآن الكريم ١٤١٠ ، قم.
١٠. الاستنفار
والغارات المعروف ب (الغارات) لإبراهيم بن محمد الثقفي المتولد في القرن الثالث
الهجري في الكوفة ، والمتوفى (٢٨٣ ه. ق) عدد الاجزاء ١ ، دار الكتاب ، ١٤١٠. قم.
١١. الأسفار ، (الحكمة
المتعالية في الاسفار العقلية الاربعة) للفيلسوف الاسلامي صدر الدين محمد الشيرازي
المتوفى (١٠٥٠ ه) دار احياء التراث العربي ، بيروت ١٩٨١ ميلادي.
١٢. الإقبال (إقبال
الاعمال) للسيد علي بن طاوس الحلي عدد الاجزاء ١ (٥٨٩ ـ ٦٦٤ ه. ق) دار الكتب
الإسلامية ، طهران ١٣٦٧ ه. ش.
١٣. الاحتجاج لأبي
المنصور (أحمد بن علي الطبرسي) من علماء القرن السادس الهجري ، عدد الاجزاء ٢ في
مجلد واحد ، نشر المرتضى ، مشهد ١٤٠٣ ه. ق.
١٤. الاختصاص
للشيخ المفيد (٣٣٦ ٤١٣ ه. ق) عدد الأجزاء ١ الناشر مؤتمر الشيخ المفيد ، قم ١٤١٣
ه. ق.
١٥. الاستبصار
لشيخ الطائفة ابي جعفر بن الحسن الطوسي (٣٨٥ ـ ٤٦٠ ه. ق) عدد الاجزاء ٤ ، الناشر
: دار الكتب الاسلامية ، طهران ١٣٩٠ ه. ق.
١٦. الامالي للشيخ
المفيد (٣٣٦ ٤١٣ ه. ق) عدد الأجزاء ١ الناشر مؤتمر الشيخ المفيد ، قم ١٤١٣ ه. ق.
١٧. الامالي للشيخ
للطوسي (٣٨٥ ٤٦٠ ه. ق) عدد الأجزاء ١ دار الثقافة للنشر ، قم ١٤١٤ ه. ق.
١٨. البيان للشيخ
شمس الدين محمد بن مكي العاملي (الشهيد الاول) المتوفى ٧٨٦ ه. ق. (قدِّس سره) ط (حجرية)
الناشر : مجمع الذخائر الاسلامية ، قم.
١٩. التبيان في
تفسير القرآن ، لشيخ الطائفة ابي جعفر بن الحسن الطوسي (٣٨٥ ـ ٤٦٠ ه. ق) تحقيق
أحمد قصير العاملي عدد الاجزاء ١٠ مكتب الاعلام الاسلامي ١٤٠٩ ه. ق.
٢٠. التفسير
الكبير للفخر الرازي عدد الأجزاء ١٦. مكتب الإعلام الإسلامي الطبعة الرابعة ١٤١٣ ه.
ق.
٢١. التوحيد ،
للشيخ محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي المعروف بالشيخ
الصدوق (٣٠٥ ٣٨١ ه.
ق) عدد الأجزاء ١ ، للصدوق ، موسسة النشر الإسلامي قم ١٣٩٨ ه. ق طبعة طهران.
٢٢. الجوهر النضيد
في شرح التجريد للحسن بن يوسف بن علي بن المطهر المعروف ب (العلامة الحلي (قدِّس
سره) (٦٤٨ ـ ٧٢٦ ه. ق) عدد الاجزاء ١
٢٣. الحاشية على
تهذيب المنطق (حاشية الملا عبد الله) عدد الاجزاء ١ الناشر : مؤسسة النشر الاسلامي
التابعة لجماعة المدرسين ، قم المقدسة.
٢٤. الحدائق
الناظرة للعالم الفقيه المحدِّث الشيخ يوسف البحراني المتوفى سنة ١١٨٦ ه. ق ، عدد
الاجزاء ٢٥ الناشر : مؤسسة النشر الاسلامي التابعة لمجاعة المدرسين ، قم المقدسة.
٢٥. الحكايات في
مخالفات المعتزلة من العدلية والفرق بينهم وبين الشيعة الامامية ، من أمالي الشيخ
المفيد (قدِّس سره) (٣٣٦ ـ ٤١٣ ه. ق عدد الاجزاء ١ الناشر : مؤتمر الشيخ المفيد ،
قم المقدسة ١٤١٣ ه. ق.
٢٦. الخصال ،
للشيخ الصدوق (٣٠٥ ٣٨١ ه. ق) عدد الأجزاء ٢ في مجلد واحد ، مكتبة النشر الإسلامي
قم ١٤٠٣ ه. ق.
٢٧. الخلاف لشيخ
الطائفة أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي (٣٨٥ ٤٦٠ ه. ق) عدد الأجزاء ٦ ، تحقيق
السيد علي الخراساني والسيد جواد الشهرستاني ، والشيخ محمد مهدي نجفي ، الناشر
مؤسسة النشر الاسلامي ، ١٤١٧ ه. ق ، قم.
٢٨. الدروس للشيخ
شمس الدين محمد بن مكي العاملي (الشهيد الاول) المتوفى ٧٨٦ ه. ق. عدد المجلدات ٣
تحقيق ونشر : مؤسسة النشر الاسلامي التابعة لجماعة المدرسين ١٤١٢ قم.
٢٩. الذريعة إلى
اصول الشريعة للسيد المرتضى (قدِّس سره) (٣٥٥ ـ ٤٣٦ ه. ق) عدد الاجزاء ٢ ، تحقيق
: د. ابو القاسم الكرجي ، الناشر : جامعة طهران ١٣٧٦ ه. ش.
٣٠. الذريعة إلى
تصانيف الشيعة ، للشيخ محمد محسن بن علي بن محمد رضا الطهراني المعروف بآقا بزرك
طهراني (١٢٩٣ ١٣٨٩ ه. ق) عدد الأجزاء ٢٥ الناشر إسماعيليان ١٤٠٨ ه. ق.
٣١. الذكرى ،
للشيخ شمس الدين محمد بن مكي العاملي (الشهيد الاول) المتوفى ٧٨٦ ه. ق. عدد
المجلدات ١ (الطبعة الحجرية) ١٢٧٢.
٣٢. الرسالة (الاثنا
عشرية) في الصلاة اليومية للشيخ بهاء الدين محمد بن الحسين العاملي المعروف
بالبهائي (٩٥٣ ـ ١٠٣١) عدد الاجزاء ١ ، الناشر : مكتبة آية الله المرعشي النجفي
١٤٠٩ قم.
٣٣. الرعاية في
علم الدراية لزين الدين بن علي العاملي (الشهيد الثاني) المتوفى (٩٦٦ ه. ق) عدد
الأجزاء ١.
٣٤. الزهد ، حسين
بن سعيد الأهوازي من علماء القرن الثالث للهجرة. عدد الأجزاء ١ ، الناشر السيد أبو
الفضل حسينيان ١٤٠٢ ه. ق.
٣٥. السرائر ،
للفقيه الشيخ ابي جعفر محمد بن منصور بن ادريس الحلي المتوفى (٥٩٨ ه. ق) عدد
الأجزاء ٣ مؤسسة النشر الاسلامي قم ١٤١١ ه.
٣٦. السنن الكبرى
للمحدث الجليل (ابي بكر) أحمد بن الحسين بن علي البيهقي المتوفى (٤٥٨ ه. ق) عدد
المجلدات ١٠ ، الناشر : دار الفكر ، بيروت.
٣٧. الشفاء قسم
المنطق لابن سينا
٣٨. الصحاح ، تاج
اللغة وصحاح العربية لاسماعيل بن حماد الجوهري المتوفى (٣٩٣ ه. ق) عدد الاجزاء ٦
دار العلم للملايين ، الطبعة الرابعة ١٤٠٧ ه. ق ، ١٩٨٧. م بيروت.
٣٩. الصوارم
المهرقة في نقد الصواعق المحرقة للسيد القاضي نور الله التستري الشهيد سنة (١٠١٩)
تحقيق السيد جلال الدين المحدث ، عدد الاجزاء ١ ، مطبعة نهضت ١٣٦٧ طهران.
٤٠. العدّة لشيخ
الطائفة أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي (٣٨٥ ٤٦٠ ه. ق) عدد الأجزاء ٢ الناشر
مطبعة ستارة ، قم ١٤١٧ ، تحقيق الشيخ محمد رضا الأنصاري القمي.
٤١. العروة الوثقى
للفقيه الأعظم السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي المتوفى (١٣٣٧ ه. ق) عدد
المجلدات ٤ الناشر : مؤسسة الاعلمي ، بيروت ، الطبعة الثانية ١٤٠٩ ، وأيضا على
الطبعة الجديدة عدد المجلدات ٦ الناشر : مؤسسة النشر الاسلامي التابعة لجماعة
المدرسين ١٤٢٠ قم. وفي بعض الحواشي على غير هاتين الطبعتين إلا اننا أشرنا إلى
ذلك.
٤٢. العناوين
الفقهية ، للفقيه المحقق الاصولي السيد مير عبد الفتاح الحسيني المراغي ، المتوفى (١٢٥٠
ه. ق) عدد المجلدات ٢ مؤسسة النشر الاسلامي ١٤١٧. قم.
٤٣. الغدير
للعلّامة عبد الحسين أحمد الاميني النجفي عدد الأجزاء ١٠ الناشر دار الكتب
الإسلامية طهران ١٣٦٦ ه. ق.
٤٤. الفصول
الغروية في الأصول الفقهية محمد حسين بن محمد رحيم الاصفهاني المتوفى ١٢٥٤ ه. ق ،
عدد الأجزاء ١ الناشر دار الاحياء للعلوم الإسلامية قم ١٤٠٤ ه. ق.
٤٥. الفصول
المختارة ، للشيخ المفيد (٣٣٦ ٤١٣ ه. ق) عدد الأجزاء ١ الناشر مؤتمر الشيخ المفيد
، قم ١٤١٣ ه. ق.
٤٦. الفقيه. (من
لا يحضر الفقيه) للشيخ الصدوق (٣٠٥ ٣٨١ ه. ق) عدد الأجزاء ٤ مؤسسة النشر الإسلامي
قم ١٤١٣ ه. ق.
٤٧. الفوائد
الحائرية لمحمد باقر بن محمد اكمل البهبهاني ، المشهور (بالوحيد البهبهاني) (١١١٧
ـ ١٢٠٥ ه. ق) عدد الاجزاء ١ ، الناشر : مجمع الفكر الاسلامي ١٤١٥.
٤٨. فوائد الرضوية
على الفوائد المرتضوية ، المحقق رضا الهمداني (١٢٥٠ ـ ١٣٢٢ ه. ق) عدد الاجزاء ،
الناشر : مكتبة جعفر التبريزي ١٣٧٧ طهران.
٤٩. القاموس
المحيط للشيخ نصر الهوريني المتوفى (٨١٧ ه. ق) عدد المجلدات ٤.
٥٠. القواعد
الفقهية للسيد حسن الموسوي البجنوردي ، الناشر : دار الهادي ، قم.
٥١. الكافي لثقة
الإسلام الكليني المتوفي سنة ٣٢٩ ه. ق عدد الأجزاء ٨ دار الكتب الإسلامية ، طهران
١٣٦٥ ه. ش.
٥٢. الكشاف للمفسر
جاد الله محمود بن عمر الزمخشري المتوفى (٥٢٨ ه. ق) عدد الاجزاء ٤.
٥٣. الكنى
والألقاب للمحقق الشهير الشيخ عباس القمي المتوفى (١٣٥٩ ه. ق) عدد الأجزاء ٣.
٥٤. اللباب في
اخبار الخلفاء للمزني ...
٥٥. اللمعة
الدمشقية للشيخ شمس الدين محمد بن مكي العاملي (الشهيد الاول) المتوفى ٧٨٦ ه. ق.
عدد المجلدات ١ نشر : دار الفكر ١٤١١ ، قم.
٥٦. المباحث
المشرقية للفخر الرازي وهو : فخر الدين محمد بن عمر بن الحسين القرشي الطبرستاني
الأصل ، الشافعي المذهب المتوفى (٦٠٦ ه. ق) عدد ١.
٥٧. المبسوط لشيخ
الطائفة أبي جعفر محمد بن الحسن بن علي الطوسي (٣٨٥ ـ ٤٦٠ ه. ق) ، عدد الاجزاء ٨
، تحقيق محمد تقي الكشفي ، الناشر : المكتبة المرتضوية ١٣٨٧ طهران.
٥٨. المجموع لأبي
زكريا ، محي الدين بن شرف النووي المتوفى (٦٧٦ ه. ق) عدد المجلدات ٢٠ نشر دار
الفكر.
٥٩. المحاسن ،
لأحمد بن محمد بن خالد البرقي المتوفى سنة ٢٧٤ ه. ق عدد الأجزاء ١ دار الكتب
الإسلامية. قم ١٣١٧ ه. ق.
٦٠. المحصول لفخر
الدين محمد بن عمر بن الحسين الرازي المتوفى (٦٠٦ ه. ق) عدد الأجزاء ٦ مؤسسة
الرسالة ، بيروت.
٦١. المختصر
النافع في فقه الامامية ، ابو القاسم نجم الدين جعفر بن الحسن الحلي (المحقق الحلي)
المتوفى (٦٧٦ ه. ق) عدد الأجزاء ١ ، مؤسسة البعثة ، طهران ١٤١٠.
٦٢. المصباح
المنير للغوي أحمد بن محمد بن علي المقرى الفيومي المتوفى (٧٧٠ ه. ق).
٦٣. المعتبر في
شرح المختصر ، ابو القاسم نجم الدين جعفر بن الحسن الحلي المتوفى (المحقق الحلي) (٦٧٦
ه. ق) عدد الأجزاء ٢ ، نشر : مؤسسة سيد الشهداء (ع) قم.
٦٤. المعتمد ،
لابي الحسن البصري الاشعري المتوفى (٣٢٦ ه. ق) ..
٦٥. النهاية لشيخ
الطائفة أبي جعفر محمد بن الحسن بن علي الطوسي (٣٨٥ ـ ٤٦٠ ه. ق) ، عدد الاجزاء ١
، الناشر : دار الاندلس ، بيروت / أوفست عنها منشورات قدس ، قم
٦٦. النهاية في
غريب الحديث لأبي السعادات المبارك بن محمد ابن الأثير الجزري المتوفى (٦٠٦ ه. ق)
عدد المجلدات ٥ الناشر : مؤسسة إسماعيليان الطبعة الرابعة ١٣٦٤ ه. ش. قم.
٦٧. الوافي ،
للمحدث محمد محسن المعروف بالفيض الكاشاني (١٠٠٧ ـ ١٠٩١ ه. ق) عدد الأجزاء ٢٦ نشر
مكتبة أمير المؤمنين (ع) ، اصفهان ١٤١٢ ه. ق.
٦٨. الوافية في
الأصول ، للمولى عبد الله بن محمد البشروي الخراساني (الفاضل التوني) ، عدد
الاجزاء ١ ، تحقيق السيد محمد حسين الرضوي الكشميري ، الناشر : مجمع الفكر
الإسلامي ، قم. ١٤١٢ ه. ق
٦٩. الوجيز في
تفسير القرآن العزيز ، للشيخ علي بن الحسين (ابن ابي جامع العاملي) المتوفى (١١٣٥
ه. ق) دار القرآن الكريم الطبعة الاولى ، قم.
٧٠. بحار الأنوار
للعلامة المجلسي (١٠٣٧ ـ ١١١٠ ه. ق) عدد الأجزاء ١١٠ مؤسسة الوفاء بيروت ١٤٠٤ ه.
ق.
٧١. بحر الفوائد
للميرزا الآشتياني (١٢٤٨ ١٣١٩) عدد الأجزاء ١ الناشر مكتبة أية لله المرعشي قم ،
١٤٠٣ ه. ق.
٧٢. بحوث في
الأصول أو الأصول على النهج الجديد للمحقق محمد حسين الغروي الاصفهاني (١٢٩٦ ١٣٦١
ه. ق) عدد الأجزاء ١ ، مؤسسة النشر الإسلامي ، قم ١٤١٦ ه. ق.
٧٣. بحوث في الفقه
للمحقق محمد حسين الغروي الاصفهاني (١٢٩٦ ١٣٦١ ه. ق) عدد الأجزاء ١ ، مؤسسة النشر
الإسلامي ، قم ١٤١٨ ه. ق.
٧٤. بدائع الأفكار
للميرزا حبيب الله الرشتي (١٢٣٤ ١٣١٢ ه. ق) مؤسسة أهل البيت" ع" قم
١٣١٣ ه. ق.
٧٥. بصائر الدرجات
لمحمد بن الحسن بن فروخ الصفَّار من مواليد القرن الثالث هجري المتوفى (٢٩٠ ه. ق
بقم المقدسة) عدد الاجزاء ١ ، الناشر : مكتبة آية الله المرعشي النجفي ١٤٠٤ ، قم.
٧٦. تأسيس الشيعة
للمحقق السيد حسن الصدر العاملي الكاظمي ، مطبعة شركة النشر والطباعة العراقية.
٧٧. تاج العروس من
جواهر القاموس ، للغوي محمد مرتضى الحسيني الزبيدي المتوفى (١٢٠٥ ه. ق) عدد
الأجزاء ١٠ مكتبة الحياة ، بيروت.
٧٨. تاريخ بغداد
أو مدينة السلام ، ابي بكر احمد بن علي الخطيب البغدادي المتوفى (٤٦٣ ه. ق) عدد
الأجزاء ١٤ الطبعة الاولى ، تحقيق مصطفى عبد القادر عطا ، دار الكتب العلمية ،
بيروت.
٧٩. تاريخ مدينة
دمشق للمعروف بابن عساكر (ابي القاسم علي بن الحسن بن هبة الله بن عبد الله
الشافعي (٤٩٩ ـ ٥٧١ ه. ق) عدد الأجزاء ٧٠ ، دار الفكر ١٤١٥ بيروت.
٨٠. تتمة الحدائق
الناضرة (عيون الحدائق الناضرة) للمحدث الشيخ حسين البحراني آل عصفور المتوفى (١٢١٦
ه. ق) عدد الأجزاء ٢ مؤسسة النشر الاسلامي ١٤١٠ ه. ق.
٨١. تحرير الاحكام
لآية الله الحسن بن يوسف بن علي بن المطهر المعروف ب (العلامة الحلي (قدِّس سره) (٦٤٨
ـ ٧٢٦ ه. ق) وقد اعتمدت على الطبعتين القديمة
وعدد أجزائها ٢
الناشر : مؤسسة أهل البيت (ع) والطباعة في مشهد. والطبعة الجديدة الموجود منها ٣
أجزاء ، الناشر : مؤسسة الإمام الصادق (ع) قم.
٨٢. تحف العقول
لأبو محمد الحسن بن علي بن الحسين بن شعبه الحراني الحلبي المحدث الكبير كما وصفه
الحر العاملي في أمل الأمل (علماء القرن الرابع الهجري) عدد الأجزاء ١ مؤسسة النشر
الإسلامي قم ١٤٠٤ ه. ق.
٨٣. تذكرة الفقهاء
لآية الله الحسن بن يوسف بن علي بن المطهر المعروف ب (العلامة الحلي (قدِّس سره) (٦٤٨
ـ ٧٢٦ ه. ق) الطبعة القديمة ، عدد الاجزاء ٢ الناشر : مكتبة الرضوية لإحياء
الآثار الجعفرية.
٨٤. تشريح الأصول
للشيخ علي بن فتح الله النهاوندي ، الناشر : دار الخلافة ، طهران ١٣٢٠.
٨٥. تصحيح
الاعتقاد للشيخ المفيد (٣٣٦ ٤١٣ ه. ق) بيروت ، الطبعة الثانية.
٨٦. تفسير العياشي
لمحمد بن مسعود العياش من علماء القرن الثالث المتوفى ٣٢٠ ه. ق عدد الأجزاء ٢
النشر المطبعة العالمية طهران ١٣٨٠ ه. ش.
٨٧. تفسير القمي لعلي
بن إبراهيم بن هاشم القمي من علماء القرن الثالث الهجري عدد الأجزاء ٢ مؤسسة دار
الكتاب ، قم ١٤٠٤ ه. ق.
٨٨. تفسير جوامع
الجامع للمفسر الكبير الشيخ ابي علي الفضل بن الحسن الطبرسي ، من اعلام القرن
السادس الهجري عدد الأجزاء ٢ مؤسسة النشر الاسلامي ١٤١٨ ه. ق ، قم.
٨٩. تقريرات
المجدد الشيرازي (البحوث للميرزا محمد حسن الشيرازي المعروف بالمحقق الشيرازي (١٢٣٠
ـ ١٣١٢ ه. ق) ، المقرر المحقق المولى علي الروزدري المتوفى سنة ١٢٩٠ ه. ق.
٩٠. تكملة العروة
الوثقى للفقيه الأعظم السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي المتوفى (١٣٣٧ ه. ق) عدد
المجلدات ٤ الناشر : مكتبة الداوري. قم. وفي بعضها على المطبعة الحيدرية طهران
١٣٧٨ ه. ق. وقد اشرنا لذلك.
٩١. تمهيد
القواعد. للشهيد الثاني (٩١١ ـ ٩٦٦ ه. ق) ، عدد الأجزاء ١ ، الناشر مكتب الإعلام
الإسلامي ، قم ١٤١٦ ه. ق.
٩٢. تهذيب الأحكام
لشيخ الطائفة أبي جعفر محمد بن الحسن بن علي الطوسي ، (٣٨٥ ـ ٤٦٠ ه. ق) وقد
اعتمدت في التخريج على الطبعة القديمة ... وعلى الطبعة الجديدة ١٤١٧ تحقيق علي
أكبر الغفاري ، الناشر مكتبة الصدوق.
٩٣. جامع البيان
لابي جعفر محمد بن جرير الطبري ج ٦ ص ١٠٣ ، دار الفكر ، بيروت.
٩٤. جامع المقاصد
في شرح القواعد للمحقق الثاني الشيخ علي بن الحسين الكركي العاملي ـ المتوفى (٩٤٠
ه. ق) عدد الاجزاء ١٣ مؤسسة أهل البيت (ع) ١٤١١ ه. ق ، قم.
٩٥. جواهر الكلام
في شرح شرائع الاسلام لشيخ الفقهاء محمد حسن النجفي المتوفى (١٢٦٦ ه. ق) عدد الاجزاء
٤٣ الناشر : دار الكتب الاسلامية الطبعة الثالثة ١٣٦٧ ه. ش. آخوندي.
٩٦. حاشية السلطان
على المعالم ، للسيد حسين بن رفيع الدين محمد بن شجاع الدين محمود بن السيد علي
الحسيني المرعشي المعروف ب (سلطان العلماء) ، (١٠٠١ ـ ١٠٦٤) عدد الاجزاء ١ ، مكتبة
الداوري ، قم.
٩٧. حاشية المكاسب
للفقيه الأعظم السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي ، صاحب العروة ، المتوفى (١٣٣٧ ه.
ق) عدد المجلدات ٢ الناشر : إسماعيليان ١٣٧٨ قم.
٩٨. حاشية المكاسب
للمحقق الكبير الآخوند الخرساني (١٢٥٥ ١٣٢٩ ه. ق) تحقيق السيد مهدي شمس الدين ،
عدد الاجزاء ١ ، الناشر وزارة الارشاد الاسلامي ١٤٠٦.
٩٩. حاشية معالم
الدين للملا محمد صالح المازندراني المتوفى (١٠٨١ ه. ق) عدد الاجزاء ١ ، الناشر
مكتبة الداوري ، قم.
١٠٠. حقائق الأصول
للسيد محسن الحكيم (١٣٠٦ ـ ١٣٩٠ ه. ق) عدد الإجزاء ، الناشر مكتبة بصيرتي قم ١٤٠٨
ه. ق.
١٠١. حواشي
المشكيني وهو تعليق على كفاية الأصول ، للميرزا أبو الحسن المشكيني (١٣٠٥ ـ ١٣٥٨ ه.
ق) عدد الأجزاء ٥ الناشر مكتبة لقمان ـ قم ١٤١٣. تحقيق الشيخ سامي الخفاجي.
١٠٢. خاتمة
الوسائل للمحدث الجليل الميرزا الشيخ حسين النوري الطبرسي ، المتوفى (١٣٢٠ ه. ق)
عدد الاجزاء ٩ ، الناشر مؤسسة آل البيت (ع) قم.
١٠٣. دراسات في
علم الأصول بحوث آية الله السيد الخوئي (١٣١٧ ـ ١٤١٣ ه. ق) تقرير المحقق السيد
علي الشهرودي عدد الاجزاء ٤ الناشر مؤسسة دائرة المعارف الفقه الإسلامي قم ١٤١٩ ه.
ق.
١٠٤. درر الفوائد (الجديدة)
للمحقق الخرساني (١٢٥٥ ١٣٢٩) عدد الأجزاء ١ الناشر وزارة الثقافة والإرشاد
الإسلامي طهران ١٤١٠ ه. ق تحقيق السيد مهدي شمس الدين ، ط جديدة.
١٠٥. درر الفوائد (القديمة)
للمحقق الخرساني (١٢٥٥ ١٣٢٩) عدد الأجزاء ١ الناشر وزارة الثقافة والإرشاد
الإسلامي طهران ١٤١٠ ه. ق ، تحقيق السيد مهدي شمس الدين ، ط القديمة. وقد اشرنا
للجديدة في الحواشي للتميز.
١٠٦. دعائم
الإسلام ، للنعمان بن محمد التميمي المغربي (٢٥٩ ٣٦٣ ه. ق) دار المعارف مصر ١٣٨٥
ه. ق.
١٠٧. ذخيرة المعاد
في شرح الارشاد ، المولى محمد باقر السبزواري (حجري)
١٠٨. رجال ابن
الغضائري لأحمد بن الحسين بن الغضائري ، المتوفى قبل سنة (٤٥٠ ه. ق) عدد الاجزاء
٧ ، الناشر : مؤسسة إسماعيليان ١٣٦٤ ق ، قم.
١٠٩. رجال ابن
داود لابن داود الحلي المتولد سنة (٦٤٧ ه. ق) في الحلّة عدد الاجزاء ١ ، مؤسسة
النشر في جامعة طهران ١٣٨٣ ه. ق.
١١٠. رجال العلامة
الحلي ، للعلامة الحلي (قدِّس سره) (٦٤٨ ـ ٧٢٦ ه. ق) عدد الأجزاء ١ دار الذخائر
١٤١١ ه. ق.
١١١. رجال النجاشي
لأحمد بن علي النجاشي (٣٧٢ ـ ٤٥٠) عدد الاجزاء اثنان في مجلد واحد ، الناشر :
مؤسسة النشر الاسلامي ١٤٠٧ قم.
١١٢. رسائل
المرتضى للسيد الشريف المرتضى المتوفى سنة (٤٣٦ ه. ق) عدد الاجزاء ٤ دار القرآن
الكريم ١٤١٠ ه. ق ، قم.
١١٣. رسائل فقهية
لشيخ الفقهاء محمد حسن النجفي (صاحب الجواهر قدِّس سره) المتوفى (١٢٦٦ ه. ق)
مخطوطة ، إلا أنها طبعت على الكومبوتر في المعجم الفقهي ، اشراف الشيخ علي الكوراني
، قم.
١١٤. روض الجنان
في شرح ارشاد الاذهان ، لزين الدين بن علي العاملي (الشهيد الثاني) المتوفى (٩٦٦ ه.
ق) عدد الأجزاء ١ ، الطبعة الحجرية ، الناشر : مؤسسة آل البيت ، قم ١٤٠٤.
١١٥. روضة
الواعظين ، لمحمد بن الحسن الفتال من علماء القرن الخامس وكانت شهادته ٥٠٨ ه. ق ،
عدد الاجزاء ١ دار الرضي قم.
١١٦. رياض المسائل
للفقيه المدقق السيد علي الطباطبائي المتوفى سنة (١٢٣١ ه. ق) الطبعة القديمة
مؤسسة أهل البيت (ع) ، عدد الأجزاء ٢ ، ١٤٠٤ قم. وأيضا على الطبعة الجديدة ١١ جزء
مؤسسة النشر الاسلامي ١٤١٩ ه. ق ، قم.
١١٧. زبدة الأصول
لآية الله السيد صادق الروحاني (مد ظله) الطبعة الاولى ،
مدرسة الإمام
الصادق (ع) ١٤١٢ ه. ق.
١١٨. زبدة الاصول
للعلامة الشيخ بهاء الدين محمد بن الحسين العاملي المعروف بالبهائي (٩٥٣ ـ ١٠٣١) ط
حجرية ١٣١٩ طهران ، والنسخة الخطية منها في مكتبة المدرسة الفيضية تحت رقم (٥١٦٢).
١١٩. سنن ابن ماجة
لمحمد بن يزيد القزويني المتوفى (٢٧٥ ه. ق) تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي ، عدد
الاجزاء ٢ الناشر : دار الفكر ، بيروت.
١٢٠. سنن
الدارقطني لعلي بن عمر الدارقطني المتوفى (٣٨٥ ه. ق) عدد المجلدات ٤ الناشر : دار
الكتب العلمية ، بيروت ١٤١٧.
١٢١. سير أعلام
النبلاء ، لشمس الدين محمد بن احمد بن عثمان الذهبي المتوفى (٧٤٨ ه. ق) عدد
الاجزاء ٢٣ الطبعة التاسعة ، مؤسسة الرسالة بيروت.
١٢٢. شرائع
الاسلام في مسائل الحلال والحرام للمحق الحلي المتوفى (٦٧٦ ه. ق) عدد الاجزاء ٤
تحقيق : السيد صادق الشيرازي الناشر : انتشارات الاستقلال طهران ١٤٠٩.
١٢٣. شرح اصول
الكافي للمولى محمد صالح المازندراني ، المتوفى (١٠٨١ ه. ق) عدد الأجزاء ١٢.
١٢٤. شرح الإشارات
للخواجة نصير الدين الطوسي.
١٢٥. شرح التجريد
للقوشجي.
١٢٦. شرح العضدي
على مختصر المنتهى لابن الحاجب.
١٢٧. شرح الكافية (كتاب
الكافية في النحو) تأليف جمال الدين ، المعروف بابن الحاجب النحوي المالكي (٥٧٠ ـ ٦٤٦
ه. ق) ، شرح الشيخ رضي الدين محمد بن الحسن الأسترآبادي النحوي المتوفى ٦٨٦ ه.
ق. دار الكتب العلمية بيروت ١٤٠٢ ه. ق.
١٢٨. شرح اللمعة
الدمشقية (الروضة البهية) لزين الدين بن على العاملي (الشهيد الثاني) المتوفى (٩٦٦
ه. ق) عدد الأجزاء ١٠ ، تحقيق السيد محمد كلانتر ، الناشر : انتشارات الداوري
١٤١٠ قم.
١٢٩. شرح المنظومة
للملا هادي السبزواري.
١٣٠. شرح حكمة
الإشراق ، لمحمد بن مسعود الملقب بقطب الدين الشيرازي ، انتشارات بيدار ، قم.
١٣١. شرح منطق
الاشارات للشيخ الرئيس (حسين بن عبد الله بن سينا) نشر البلاغة ، قم المقدسة ١٣٧٥
ه. ق ومثلها الطبعة الحيدرية ، طهران.
١٣٢. شرح نهج
البلاغة لابن أبي الحديد ، المتوفى (٦٥٦ ه. ق) ، عدد الاجزاء ٢٠ الناشر : دار
احياء الكتب العربية ، ط مكتبة آية الله المرعشي النجفي ، قم.
١٣٣. صحيح مسلم
لأبي الحسين مسلم بن الحجاج ابن مسلم القشيري النيسابوري المتوفى (٢٦١ ه. ق) عدد
المجلدات ٨ ، الناشر : دار الفكر ، بيروت.
١٣٤. طبقات أعلام
الشيعة ، للشيخ محمد محسن بن علي بن محمد رضا الطهراني المعروف بآقا بزرك طهراني (١٢٩٣
١٣٨٩ ه. ق) عدد الأجزاء ٦
الناشر
إسماعيليان.
١٣٥. عوائد الايام
للمحق المولى أحمد النراقي المتوفى (١٢٤٥ ه. ق) الناشر : مكتبة بصيرتي ١٤٠٨ حجرية
، قم.
١٣٦. عيون أخبار
الرضا ، للشيخ الصدوق (٣٠٥ ٣٨١ ه. ق) عدد الأجزاء ٢ في مجلد واحد ، دار العالم
للنشر ١٣٧٨ ه. ق.
١٣٧. غاية المسئول
ونهاية المأمول من علم الأصول ، بحوث المحقق محمد حسين المشهور بالفاضل الأردكاني
، تقرير السيد محمد حسين الشهرستاني (١٢٣٥ ـ ١٣٠٥ ه. ق) عدد الأجزاء ١ الناشر
مؤسسة أهل البيت (ع) قم المقدسة.
١٣٨. غنية النزوع
إلى علمي الاصول والفروع ، للفقيه الاقدم السيد حمزة بن علي بن زهرة الحلبي
المتوفى (٥٨٥ ه. ق) الاجزاء ١ ، الناشر : مؤسسة الإمام الصادق (ع) ١٤١٧ قم.
١٣٩. غوالي
اللئالي أو عوالي اللئالي لابن أبي جمهور الإحسائي ولادته ٨٤٠ ه. ق ووفاته في
القرن العاشر ، عدد الأجزاء ٤ الناشر دار سيد الشهداء (ع) قم ١٤٠٥ ه. ق.
١٤٠. فرائد الأصول
للشيخ الاعظم مرتضى الانصاري (١٢١٤ ١٢٨١ ه. ق) عدد الأجزاء ٢ ، الناشر مؤسسة
النشر الإسلامي ، قم ـ تحقيق عبد الله النوراني.
١٤١. فقه الرضا
وهو المنسوب للإمام الرضا (ع) وللعلماء في ذلك كلام فراجع ، ولادته وشهادته (ع) (١٤٨
ـ ٢٠٣) عدد الاجزاء ١ ، الناشر : مؤتمر الإمام الرضا (ع) ١٤٠٦.
١٤٢. فقه الصادق
لآية الله السيد صادق الروحاني (مد ظله) الطبعة الثالثة ، قم المقدسة. مؤسسة دار
الكتاب ١٤١٢ ه. ق.
١٤٣. فقه القرآن ،
لقطب الدين الراوندي سنة الوفاة ٥٣٧ ه. ق عدد الأجزاء ٢
١٤٤. فوائد الأصول
للمحقق الميرزا محمد حسين الغروي النائيني (١٢٧٦ ١٣٥٥) عدد الأجزاء ٤ الناشر مؤسسة
النشر الإسلامي ، قم ١٤١٧ ه. ق ، تقرير الشيخ محمد الكاظمي الخرساني.
١٤٥. فوائد
الرضوية للآغا رضا الهمداني ، الناشر مكتبة جعفري التبريزي ، طهران (١٣٧٧ ه. ق)
١٤٦. قاعدة الفراغ
والتجاوز ، وأصالة الصحة ، وقاعدة اليد للمحقق الكبير الشيخ محمد حسين الأصفهاني
الغروي (١٢٩٦ ـ ١٣٦١ ه. ق) وقد طبعت في خاتمة نهاية الدراية (الطبعة الحجرية) ،
هذه الرسالة في القواعد الثلاثة لم نجدها في رسالة مستقلة او في الطبعات الجديدة
لنهاية الدراية.
١٤٧. قوانين
الأصول (القوانين المحكمة في أصول الفقه) لأبو القاسم بن محمد حسن الرشتي القمي
المعروف بالميرزا القمي (١١٥٠ ١٢٣١ ه. ق) عدد الأجزاء ١ ، الناشر المكتبة العلمية
الإسلامية قم ١٣٧٨ ه. ق.
١٤٨. كامل
الزيارات لمحمد بن جعفر بن قولويه القمِّي المتوفى (٣٦٧ ه. ق) عدد الاجزاء ١ ،
الناشر : دار المرتضوية ١٣٥٦ النجف الاشرف.
١٤٩. كتاب الطهارة
، الشيخ الاعظم الانصاري (١٢١٤ ـ ١٢٨١) عدد الأجزاء ٢ مؤسسة الهادي (ع) قم المقدسة
١٤١٥. وأيضا خرجته على الطبعة القديمة لمؤسسة اهل البيت (ع) لاحياء التراث.
١٥٠. كتاب العين
لأبي عبد الرحمن الخليل بن أحمد الفراهيدي المتوفى (١٧٥ ه. ق) عدد الاجزاء ٨.
١٥١. كتاب المكاسب
، للشيخ الأعظم مرتضى الانصاري المتوفى (١٢٨١ ه. ق) الطبعة الجديدة في ٦ اجزاء
مؤسسة باقري ١٤٢٠ ه. ق.
١٥٢. كشف الغطاء
للفقيه الاصولي الشيخ جعفر الغطاء ، المعروف (بكاشف الغطاء) المتوفى (١٢٢٨ ه. ق)
عدد الاجزاء ٢ ، الناشر : مهدوي اصفهان ط (حجرية).
١٥٣. كفاية
الأحكام للسبزواري. للمحقق محمد باقر بن محمد مؤمن السبزواري المتوفى ١٠٩٠ ه. ق ،
عدد الأجزاء ١ (طبعة حجرية) الناشر مؤسسة صدر مهدوي أصفهان.
١٥٤. كفاية الأصول
للمحقق الكبير الآخوند الخرساني (١٢٥٥ ١٣٢٩ ه. ق) مؤسسة آل البيت (ع) بيروت ١٤١٢
ه. ق.
١٥٥. كنز الدقائق
وبحر الغرائب ، تفسير الشيخ محمد بن محمد رضا القمي
المشهدي ، من
مشاهير القرن الثاني عشر ، عدد الأجزاء ١٤ مؤسسة الطباعة والنشر ، وزارة الثقافة
والارشاد ، الطبعة الاولى ١٣٦٦ ه. ق طهران.
١٥٦. كنز العرفان
في فقه القرآن للفاضل المقداد المتوفى (٨٢٦ ه. ق) عدد الاجزاء ٢ المكتبة
المرتضوية ١٣٨٤ (الناشر : حيدري) طهران.
١٥٧. كنز العمال ،
لعلاء الدين علي المتقي بن حسام الدين الهندي المتوفى ٩٧٥ ه. ق عدد الأجزاء ١٦
مؤسسة الرسالة بيروت.
١٥٨. مبادئ الاصول
للحسن بن يوسف بن علي بن المطهر المعروف ب (العلامة الحلي قدِّس سره (٦٤٨ ـ ٧٢٦ ه.
ق) عدد الاجزاء ١ ، الناشر : المطبعة العلمية ١٤٠٤ قم.
١٥٩. مجمع البحرين
للمحدث الفقيه لشيخ فخر الدين الطريحي المتوفى (١٠٨٥ ه. ق) عدد الاجزاء ٦.
١٦٠. مجمع البيان
في تفسير القرآن لامين الدين ابو علي الفضل بن الحسن الطبرسي المتوفى (٥٤٨ ه ق)
عدد الاجزاء ١٠ في خمس مجلدات ، دار احياء التراث العربي ١٣٧٩ ه. ق بيروت.
١٦١. مجمع الفائدة
والبرهان في شرح ارشاد الاذهان للفقيه المحقق المولى أحمد الاردبيلي المتوفى (٩٩٣
ه. ق) عدد الاجزاء ١٤ ، الناشر : جامعة المدرسين ١٤٠٣ قم.
١٦٢. محاضرات في
الأصول بحوث آية الله الخوئي تقرير العلامة محمد إسحاق
فياض عدد الأجزاء
٥ ، الناشر مكتبة أنصاريان قم ١٤١٧ ه. ق.
١٦٣. مدارك
الاحكام في شرح شرائع الاسلام للفقيه المحقق السيد محمد بن علي الموسوي العاملي
المتوفى (١٠٠٩ ه. ق) عدد الاجزاء ٨ ، الناشر : مؤسسة آل البيت (ع) ١٤١٠ قم.
١٦٤. مرآة العقول
للعلم العلامة شيخ الإسلام المولى محمد باقر المجلسي (١١١١ ه. ق) دار الكتب
الإسلامية طهران عدد الاجزاء ٣٠.
١٦٥. مسألة في
النص على علي (ع) للشيخ للمفيد (٣٣٦ ٤١٣ ه. ق) عدد الأجزاء ٢ تحقيق محمد رضا
انصاري ، دار المفيد ، بيروت.
١٦٦. مسالك
الأفهام ، لزين الدين بن على العاملي (الشهيد الثاني) المتوفى (٩٦٦ ه. ق) عدد
الأجزاء ١٥ ، مؤسسة المعارف الإسلامية ١٤١٣ قم.
١٦٧. مستدرك
الوسائل للمحدث الجليل الميرزا الشيخ حسين النوري الطبرسي ، (١٢٥٤ ١٣٢٠ ه. ق) عدد
الاجزاء ١٨ ، الناشر : مؤسسة آل البيت (ع) ١٤٠٨ قم.
١٦٨. مستدرك سفينة
البحار ، للعلامة الشيخ علي النمازي الشهرودي المتوفى ١٤٠٥ ه. ق ، عدد الاجزاء ١٠
، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين ١٤١٩ قم.
١٦٩. مستدركات
أعيان الشيعة للدكتور السيد حسن الامين ابن السيد محسن الأمين (١٣٢٦ ١٣٧١ ه. ق)
عدد الأجزاء ٧ دار التعارف ، بيروت ١٤٠٨.
١٧٠. مستمسك
العروة الوثقى للفقيه آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم المتوفى (١٣٩٠ ه. ق)
عدد المجلدات ١٤ ، الناشر : مكتبة السيد المرعشي ١٤٠٤ قم.
١٧١. مستند الشيعة
للمحقق الفقيه المولى أحمد النراقي المتوفى (١٢٤٥ ه. ق) الناشر : مؤسسة آل البيت (ع)
لاحياء التراث ١٤١٥ مشهد ، ط ستاره ، قم.
١٧٢. مسند أحمد بن
حنبل المتوفى (٢٤١ ه. ق) عدد الاجزاء ٦ ، الناشر : دار صادر ، بيروت.
١٧٣. مشارق أنوار
اليقين في اسرار امير المؤمنين : الحافظ رجب بن محمد بن رجب البرسي الحلي ،
المتوفى حدود سنة ٨١٣ ه. ق.
١٧٤. مشارق
الإلهام للحكيم اللاهيجي عدد الأجزاء ٢ انتشارات مهدوي ، اصفهان.
١٧٥. مشارق الشموس
في شرح الدروس للمحقق حسين بن جمال الدين محمد الخونساري ، المتوفى (١٠٩٩ ه. ق)
عدد الاجزاء ٢ ، الناشر : مؤسسة آل البيت (ع).
١٧٦. مصباح الأصول
، تقرير بحث آية الله العظمى السيد أبو القاسم الخوئي المتوفى (١٤١٣ ه. ق) ، بقلم
السيد سرور البهسودي عدد الأجزاء ٢ ، الناشر : مكتبة الداوري قم ١٤١٧ ه. ق.
١٧٧. مصباح
الفقاهة تقرير بحث آية الله العظمى السيد أبو القاسم الموسوي الخوئي المتوفى (١٤١٣
ه. ق) ، بقلم الميرزا محمد علي التوحيدي التبريزي ، عدد الاجزاء ٧ ، الناشر :
وجداني ١٣٧١ ه. ش. الطبعة الثالثة.
١٧٨. مطارح
الأنظار ، بحوث الشيخ الأعظم الأنصاري (١٢١٤ ١٢٨١) عدد الأجزاء ١ الناشر مؤسسة أهل
البيت (ع) قم المقرر المحقق أبو القاسم كلانتر.
١٧٩. معارج الاصول
للعلامة الحلي قدِّس سره (٦٤٨ ـ ٧٢٦ ه. ق) عدد الأجزاء ١ ، الناشر : مؤسسة آل
البيت (ع) ١٤٠٣ قم.
١٨٠. معالم الدين
حسن بن الشيخ زين الدين (الشهيد الثاني) الجبعي العاملي (٩٥٩ ١٠١١ ه. ق) عدد
الأجزاء ١ مؤسسة النشر الإسلامي ، قم المقدسة.
١٨١. معجم رجال
الحديث وتفصيل طبقات الرواة لآية الله العظمى السيد أبو القاسم الموسوي الخوئي
المتوفى (١٤١٣ ه. ق) ، عدد الاجزاء ٢٤ ، الطبعة الخامسة ١٤١٣.
١٨٢. مفاتيح
الأصول ، للسيد محمد المجاهد ابن السيد علي صاحب الرياض (١١٨٠١٢٤٢ ه. ق) عدد
الأجزاء ١ مؤسسة آل البيت (ع).
١٨٣. مقالات
الأصول للمحقق الشيخ علي بن الآخوند المعروف بضياء الدين العراقي (١٢٧٨ ـ ١٣٦١ ه.
ق) عدد الأجزاء ٢ ، الناشر مجمع الفكر الإسلامي قم ١٤١٤. تحقيق الشيخ محسن العراقي
والسيد منذر الحكيم.
١٨٤. ملحقات
الاحقاق لآية الله السيد شهاب الدين المرعشي النجفي المتوفى (١٤١١ ه. ق) عدد
الأجزاء ٣٣ منشورات مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي ١٤١٨ ه. ق ، قم.
١٨٥. مناهج
الفقاهة لآية الله السيد صادق الروحاني (مد ظله) الطبعة الرابعة ، مطبعة سبهر ١٤١٨
ه. ق
١٨٦. منتقى الجمان
في الأحاديث الصحاح والحسان ، للشيخ جمال الدين أبي منصور الحسن بن زين الدين
الشهيد المتوفى (١٠١١ ه. ق) عدد الاجزاء ٣ ، ط أولى الناشر : جامع المدرسين ،
١٤٠٣ قم.
١٨٧. منتهى المطلب
، للعلامة الحلي قدِّس سره (٦٤٨ ـ ٧٢٦ ه. ق) الطبعة الجديدة تحقيق ونشر مجمع
الفقه الاسلامية ، ١٤١٢ مشهد.
١٨٨. منية الطالب (حاشية
المكاسب) للمحقق الميرزا محمد حسين الغروي النائيني (١٢٧٦ ١٣٥٥) عدد الأجزاء ٣
الناشر : مؤسسة النشر الإسلامي ، ١٤١٨ ه. ق ، قم.
١٨٩. موطأ مالك ،
لمالك بن أنس المتوفى (١٧٩ ه. ق) عدد الاجزاء ٢ ، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي ، ط
الاولى لدار احياء التراث العربي ١٤٠٦ ، بيروت.
١٩٠. ميزان
الاعتدال في نقد الرجال ، لأبي عبد الله محمد بن احمد بن عثمان (الذهبي) المتوفى
٧٤٨ ه. ق ، تحقيق علي محمد البجاوي عدد الاجزاء ٤ دار المعرفة بيروت ١٣٨٢.
١٩١. نقد الرجال
للمحقق الرجالي السيد مصطفى التفريشي المتوفى (١٠١٥ ه. ق) عدد الاجزاء ٥ ، نشر
وتحقيق مؤسسة آل البيت (ع) لاحياء التراث ١٤١٨.
١٩٢. نقد المحصّل
للخواجة نصير الدين الطوسي.
١٩٣. نهاية
الأفكار للمحقق ضياء الدين العراقي ، تقرير المحقق محمد تقي البروجردي عدد الأجزاء
٤ ، الناشر : مؤسسة النشر الإسلامي قم ١٤١٧ ه. ق.
١٩٤. نهاية
الاحكام في معرفة الاحكام ، للحسن بن يوسف بن علي بن المطهر المعروف ب (العلامة
الحلي قدِّس سره) (٦٤٨ ـ ٧٢٦ ه. ق) عدد الأجزاء ٢ ، تحقيق السيد مهدي رجائي ،
الناشر مؤسسة إسماعيليان ١٤١٠ قم.
١٩٥. نهاية
الدراية للمحقق الكبير الشيخ محمد حسين الأصفهاني الغروي (١٢٩٦ ـ ١٣٦١ ه. ق) عدد
الأجزاء ٣ ، الناشر مكتبة سيد الشهداء قم ١٣٧٤ ه. ش تحقيق مهدي أحدي ورمضان قلى
زاده.
١٩٦. نهاية
النهاية في شرح الكفاية للعلامة الميرزا الايرواني النجفي (١٣٠١ ـ ١٣٥٤ ه. ق) عدد
الأجزاء ٢ مؤسسة النشر الإسلامي قم ١٣٧٠ ه. ش.
١٩٧. نهج البلاغة
للإمام علي بن أبي طالب (ع) ١٣ رجب سنة ٣٠ من عام الفيل والشهادة ٢١ شهر رمضان سنة
أربعين للهجرة عدد الأجزاء ١ دار الهجرة للنشر ، قم ، وقد جمعه السيد الرضي قدِّس
سره (٣٥٩ ٤٠٦ ه. ق)
١٩٨. نهج الحق
وكشف الصدق للعلامة الحلي قدِّس سره (٦٤٨ ـ ٧٢٦ ه. ق) عدد الأجزاء ١ مؤسسة دار
الهجرة قم ١٤٠٧ ه. ق.
١٩٩. هداية
المسترشدين في شرح معالم الدين للمحقق الشيخ محمد تقي بن عبد الرحيم الرازي
الأصفهاني النجفي (١١٨٥ ١٢٤٨ ه. ق) عدد الأجزاء ١ الناشر مؤسسة أهل البيت (ع).
٢٠٠. وسائل الشيعة
، للمحدث محمد بن الحسن الحر العاملي (١٠٣٣ ١١٠٤ ه. ق) عدد الأجزاء ٢٩ لمؤسسة أهل
البيت (ع) ولا اختلاف بين نسخة قم وبيروت وبعض التخريج عن الطبعة القديمة المعروفة
(٢٠ جزء) وقد أشرنا لذلك في الحاشية.
٢٠١. وقاية
الأذهان لأبو المجد محمد رضا بن محمد حسين النجفي (١٢٨٧ ـ ١٣٦٢ ه. ق) عدد الأجزاء
١ الناشر مؤسسة آل البيت قم ١٤١٣ ه. ق.
* * *
فهرس الموضوعات
خاتمة حول اعتبار بقاء الموضوع................................................. ٥
جريان
الاستصحاب في المحمولات الثانوية......................................... ٧
ملاك
اتحاد القضية المتيقنة والقضية المشكوك فيها................................. ١٢
وجه
تقدم الأمارات على الاستصحاب.......................................... ١٩
وجه
تقدم الاستصحاب على ساتر الأصول...................................... ٢٨
تعارض
الاستصحابين........................................................ ٣٢
حول
الأصل السبي والمسبي.................................................... ٣٥
جريان
الاستصحاب في أطراف العلم الإجمالي.................................... ٤٠
الكلام حول قاعدة الفراغ والتجاوز............................................. ٤٥
ما
يثبت به هذه القاعدة...................................................... ٤٦
قاعدة
الفراغ والتجاوز من الأمارات............................................. ٤٨
عدم
حجية القاعدة في لمثبتات................................................. ٥٣
وجه
تقدمها على الأصول..................................................... ٥٥
قاعدة
الفراغ والتجاوز قاعدة واحدة............................................. ٥٧
القاعدة
غير مختصة بباب الصلاة............................................... ٧٣
قاعدة
التجاوز غير مختصة بباب الصلاة على فرض التعدد......................... ٧٥
حكم
الشك في الطهارة قبل الفراغ منها......................................... ٧٨
اعتبار
الدخول في الغير في جريان القاعدة........................................ ٨٤
هل
تجري القاعدة لو دخل في جزء مستحب..................................... ٩٥
حول
جريان القاعدة في الاجزاء غير المستقلة..................................... ٩٨
لا
يكفي الدخول في الهوي والتهوض في جريان القاعدة.......................... ١٠٢
الشك
في الركوع بعد الانتصاب.............................................. ١٠٦
حكم
الشك في الجزء الأخير................................................. ١٠٧
حكم
الشك في الشيء مع إحراز الغفلة....................................... ١١٠
اذا
كانت صورة العلم محفوظة................................................ ١١٤
حكم
الشك في الشرائط.................................................... ١١٥
حكم
الشك في الاخلال العمدي............................................ ١٢١
أصالة الصحة............................................................... ١٢٣
أصالة
الصحة ليست من الأمارات............................................ ١٢٩
المراد
بالصحة هي الصحة الواقعية............................................ ١٣٣
أصالة
الصحة تجري في عمل نفسه........................................... ١٣٥
المراد
من الصحة............................................................ ١٣٦
لا
يعتبر إحراز عنوان العمل.................................................. ١٤٢
حول
جريان أصالة الصحة في عمل النائب.................................... ١٤٥
موارد
جريان أصالة الصحة................................................... ١٤٨
تقدم
أصالة الصحة على الاستصحاب........................................ ١٥٢
أصالة
الصحة في الأقوال.................................................... ١٥٦
قاعدة
اليد................................................................. ١٥٩
اليد
حجة على الملكية...................................................... ١٥٩
اليد
من الأمارات........................................................... ١٦٣
وجه
تقدم البينة على اليد.................................................... ١٦٧
يد
الشخص نفسه حجة على الملكية.......................................... ١٦٩
عدم
اعتبار انضمام التصرفات في أمارية اليد................................... ١٧٣
اليد
على المنافع حجة على الملكية............................................ ١٧٤
حدوث
اليد لا في الملك..................................................... ١٧٦
إذا
ثبت كونه ملكا للمدعي سابقا............................................ ١٧٨
إذا
اقر ذو اليد بان المال كان للمدعي......................................... ١٨١
وهم
ودفع في محاجة أمير المؤمنين عليه السلام مع ابي بكر في قصة فدك........... ١٨٤
إذا
كان المال وقفا سابقا..................................................... ١٨٧
اذا
كان شيء بيد اثنين...................................................... ١٨٩
جواز
الشهادة بالملك بمشاهدة اليد............................................ ١٩٤
حجية
يد المسلم على التذكية................................................ ١٩٧
عدم
أمارية يد الكافر على عدم التذكية....................................... ١٩٩
حكم
ما في يد المسلم المستحل للميتة......................................... ٢٠٣
اخبار
ذي اليد............................................................. ٢٠٧
الكلام حول دليل مشروعية القرعة............................................ ٢١٠
وهم
ودفع................................................................. ٢١٣
الأخبار
الدالة على مشروعية القرعة........................................... ٢١٩
الكلام
حول مقدار دلالة الأدلة.............................................. ٢٢٩
بيان
ما هو الحق في المقام.................................................... ٢٣٥
هل
القرعة من الأمارات أو الأصول........................................... ٢٣٩
القرعة
ليست وظيفة شخص خاص........................................... ٢٤٢
حول
لزوم القرعة وجوازها.................................................... ٢٤٦
بيان
النسبة بين القرعة والاستصحاب......................................... ٢٤٧
خاتمة في التعادل والترجيح................................................... ٢٥١
تعريف
التعارض............................................................ ٢٥١
الفرق
بين التعارض والتزاحم.................................................. ٢٥٥
ضابط
الحكومة ، ووجه تقديم الحاكم.......................................... ٢٥٧
التوفيق
العرفي.............................................................. ٢٦٢
بيان
وجه عدم التعارض بين العام والخاص...................................... ٢٦٤
حكم
التعارض بين العامين من وجه........................................... ٢٧٠
ما
تقتضيه القاعدة عند تعارض الأدلة والامارات................................ ٢٧٥
قاعدة
الجمع مهما امكن أولى من الطرح....................................... ٢٧٨
وجه
حجية احد الخبرين لا بعينه ونقده........................................ ٢٨٣
القاعدة
تقتضي الحكم بالتخيير............................................... ٢٨٥
نفي
الثالث بالمتعارضين...................................................... ٢٨٨
القاعدة
الأولية في المتعارضين على الموضوعية في الأمارات........................ ٢٩١
حول
مقتضي الأصل الثانوي في تعارض الخبرين................................. ٢٩٧
التريجيح
بالأحدثية.......................................................... ٢٩٩
اخبار
التوقف.............................................................. ٣٠٥
اخبار
التخيير.............................................................. ٣١٠
اخبار
الترجيح.............................................................. ٣١٤
ايرادات
نصوص الترجيح ونقدها.............................................. ٣٢٧
بيان
المراد من موافقة الكتاب................................................. ٣٣٦
بيان
المراد من الشهرة ، ومخالفة العامة.......................................... ٣٤٠
سائر
ما استدل به على لزوم الترجيح.......................................... ٣٤٣
هل
التخيير في المسألة الأصولية أو في المسألة الفرعية؟........................... ٣٤٥
هل
التخيير بدوي أو استمراري؟.............................................. ٣٤٧
التعدي
عن المرجحات المنصوصة وعدمه....................................... ٣٥٤
اختصاص
الأخبار العلاجية بغير موارد الجمع العرفي............................. ٣٦٢
تعارض
العموم والإطلاق.................................................... ٣٧١
دوران
الأمر بين النسخ والتخصيص........................................... ٣٧٤
حول
انقلاب النسبة في التعارض بين اكثر من دليلين............................ ٣٧٨
كون
المرجحات باجمعها للسند............................................... ٣٩٠
الترتيب
بين المرجحات...................................................... ٣٩٣
موافقة
الخبر للمزية الخارجية.................................................. ٣٩٧
موافقة
الخبر للامارة غير المعتبرة............................................... ٤٠١
موافقة
الخبر لأمراة دل الدليل على عدم اعتبارها................................ ٤٠٤
فهرس أهم مصادر........................................................... ٤٠٩
فهرس الموضوعات.......................................................... ٤٣٧
* * *
|