
بِسْمِ اللهِ
الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الحمد الله على ما
أنعم والشكر له على ما ألهم والصلاة والسلام على سيد ولد آدم محمد وأهل بيته
الطاهرين المعصومين واللعنة على أعدائهم ومعادي أوليائهم وموالي أعدائهم من الآن
إلى يوم الدين.
(اما بعد) فهذا هو
الجزء الخامس من كتابنا الموسوم بعناية الأصول في شرح كفاية الأصول وأسأل الله
تعالى أن يوفقني لإتمامه وإتمام ما يليه من الجزء السادس كما وفقني لإتمام الأجزاء
السابقة إنه ولي التوفيق وبالشكر حقيق وبالمدح يليق وهو خير رفيق وفي الدعاء
المأثور يا رفيق من لا رفيق له.
في الاستصحاب وبيان أقوال المسألة
(قوله فصل في
الاستصحاب وفي حجيته إثباتاً ونفياً أقوال للأصحاب إلى آخره)
نعم للأصحاب أقوال
في الاستصحاب قد أنهاها الشيخ أعلى الله مقامه بعد الفراغ عن تقسيم الاستصحاب إلى
أقسام باعتبار المستصحب وباعتبار الدليل الدال على المستصحب وباعتبار الشك المأخوذ
فيه إلى أحد عشر قولا.
(الأول) القول
بالحجية مطلقاً.
(الثاني) عدم
الحجية مطلقاً.
(الثالث) التفصيل
بين العدمي والوجوديّ فيعتبر في الأول دون الثاني (قال الشيخ أعلى الله مقامه) في
تقسيم الاستصحاب باعتبار المستصحب (ما لفظه) ولا خلاف في كون الوجوديّ محل النزاع
واما العدمي فقد مال الأستاذ قدسسره إلى
عدم الخلاف فيه
تبعاً لما حكاه عن أستاذه السيد صاحب الرياض من دعوى الإجماع على اعتباره في
العدميات واستشهد على ذلك بعد نقل الإجماع المذكور باستقرار سيرة العلماء على
التمسك بأصول العدمية مثل أصالة عدم القرينة والنقل والاشتراك وغير ذلك وببنائهم
هذه المسألة على كفاية العلة المحدثة للإبقاء (انتهى)
(أقول)
وكأن وجه شهادة
الأخير أن كفاية العلة المحدثة للإبقاء في العدميات مما لا ريب فيه فبناؤهم هذه
المسألة أعني حجية الاستصحاب على كفاية العلة المحدثة وعدم كفايتها مما يشهد بأن
المسألة مفروضة في الوجوديات دون العدميات (وقال) أيضاً عند الكلام في حجج
المفصلين (ما لفظه) اما التفصيل بين العدمي والوجوديّ بالاعتبار في الأول وعدمه في
الثاني فهو الّذي ربما يستظهر من كلام التفتازاني حيث استظهر من عبارة العضدي في
نقل الخلاف أن خلاف منكري الاستصحاب إنما هو في الإثبات دون النفي (انتهى).
(الرابع) التفصيل
بين الحكم الشرعي فيعتبر الاستصحاب فيه وبين الأمور الخارجية فلا يعتبر الاستصحاب
فيها (وهذا التفصيل) مما يحكى عن المحقق الخوانساري في شرح الدروس وعن غيره أيضاً (قال
الشيخ) أعلى الله مقامه عند ذكره حجة القول الرابع (ما لفظه) حجة من أنكر اعتبار
الاستصحاب في الأمور الخارجية ما ذكره المحقق الخوانساري في شرح الدروس وحكاه في
حاشية له عند كلام الشهيد ويحرم استعمال الماء النجس والمشتبه على ما حكاه شارح
الوافية واستظهره المحقق القمي من السبزواري من أن الاخبار لا يظهر شمولها للأمور
الخارجية مثل رطوبة الثوب ونحوها إذ يبعد أن يكون مرادهم بيان الحكم في مثل هذه
الأمور الّذي ليس حكماً شرعياً وإن كان يمكن أن يصير منشأ لحكم شرعي وهذا ما يقال
إن الاستصحاب في الأمور الخارجية لا عبرة به (انتهى).
(الخامس) التفصيل
بين الأحكام الشرعية الكلية وبين غيره فلا يعتبر
الاستصحاب في
الأول إلا في عدم النسخ دون الثاني فيعتبر الاستصحاب فيه (وهذا التفصيل) منسوب إلى
الأخباريين وسيأتي لك شرحه مفصلا.
(السادس) التفصيل
بين الحكم الشرعي الجزئي فيعتبر الاستصحاب فيه وبين غيره من الحكم الشرعي الكلي
والأمور الخارجية فلا يعتبر الاستصحاب فيه (وهذا التفصيل) قد ذهب إليه بعضهم كما
يلوح مما حكى عن المحقق الخوانساري في شرح الدروس في مسألة الاستنجاء بالأحجار عند
قول الشهيد ويجزي ذو الجهات الثلاث (وقد ذكر الشيخ) أعلى الله مقامه عبارته عند
نقل حجة القول الحادي عشر وفي جملتها (ما لفظه) اعلم إن القوم ذكروا أن الاستصحاب
إثبات حكم في زمان لوجوده في زمان سابق عليه وهو ينقسم على قسمين باعتبار انقسام
الحكم المأخوذ فيه إلى شرعي وغيره فالأوّل مثل ما إذا ثبت نجاسة ثوب أو بدن في
زمان فيقولون بعد ذلك يجب الحكم بنجاسته إذا لم يحصل العلم برفعها والثاني مثل ما
إذا ثبت رطوبة ثوب في زمان ففي ما بعد ذلك الزمان يجب الحكم برطوبته ما لم يعلم
الجفاف فذهب بعضهم إلى حجيته بقسميه وذهب بعضهم إلى حجية القسم الأول (انتهى) موضع
الحاجة منها.
(أقول)
وهذه العبارة وان
كانت يلوح منها في بدو الأمر ان البعض القائل بحجية القسم الأول هو ممن يقول بحجية
الاستصحاب في الأحكام الجزئية فقط كنجاسة الثوب أو البدن ونحوهما ولكن التدبر فيها
مما لا يعطي ذلك إذ من المحتمل أن ذكر نجاسة الثوب أو البدن كان من باب التمثيل
للحكم الشرعي لا من باب عدم حجية الاستصحاب الا في الحكم الشرعي الجزئي فقط (ولعل)
من هنا تردد الشيخ أعلى الله مقامه أخيراً في وجود القائل بهذا التفصيل (وقال) عند
نقل حجج الأقوال (ما لفظه) حجة القول السادس على تقدير وجود القائل به على ما سبق
التأمل فيه تظهر مع جوابها مما تقدم في القولين السابقين (انتهى).
(ثم إن الشيخ)
أعلى الله مقامه قد نسب هذا التفصيل في موضعين اشتباهاً إلى المحقق الخوانساري
بنفسه في شرح الدروس في حاشية له على قول الشهيد ويحرم استعمال الماء النجس
والمشتبه ... إلخ.
(الموضع الأول) في
تقسيم الاستصحاب باعتبار المستصحب (فقال) الثالث اعتباره في الحكم الجزئي دون
الكلي ودون الأمور الخارجية وهو الّذي ربما يستظهر مما حكاه السيد شارح الوافية عن
المحقق الخوانساري في حاشية له على قول الشهيد ويحرم استعمال الماء النجس والمشتبه
(انتهى).
(الموضع الثاني)
عند نقل الأقوال (فقال) السادس التفصيل بين الحكم الجزئي وغيره فلا يعتبر في غير
الأول وهذا هو الّذي تقدم انه ربما يستظهر من كلام المحقق الخوانساري في حاشية شرح
الدروس على ما حكاه السيد في شرح الوافية (انتهى) مع أن الّذي يستظهر مما حكاه
السيد شارح الوافية عن المحقق الخوانساري في حاشية له على قول الشهيد ويحرم
استعمال الماء النجس والمشتبه ... إلخ هو غير ذلك أي التفصيل بين الحكم الشرعي
مطلقاً وبين الأمور الخارجية وهو القول الرابع في المسألة كما تقدم واعترف به
الشيخ أيضا (حيث قال) عند نقل حجة القول الرابع (ما لفظه) حجة من أنكر اعتبار
الاستصحاب في الأمور الخارجية ما ذكره المحقق الخوانساري في شرح الدروس وحكاه في
حاشية له عند كلام الشهيد ويحرم استعمال الماء النجس والمشتبه على ما حكاه شارح
الوافية (إلى آخر ما ذكرنا آنفاً) لا التفصيل المذكور أي القول السادس فتدبر أنت
ولا تشتبه.
(السابع) التفصيل بين
الأحكام من التكليفية والوضعيّة جميعاً وبين الأسباب والشروط والموانع فلا يعتبر
الاستصحاب في الأول ويعتبر في الثاني (فلا يستصحب) الوجوب ولا الحرمة ولا الندب
ولا الكراهة ولا الإباحة ولا سببية السبب ولا شرطية الشرط ولا مانعية المانع (ولكن
يستصحب) نفس السبب والشرط والمانع كاستصحاب الكسوف أو الطهارة أو الحيض بلا مانع
عنه أبداً
(وهذا التفصيل)
منسوب إلى الفاضل التوني وهو الّذي يظهر من كلماته بعد التدبر التام فيها (ولكن)
الّذي اشتهر على الألسن انه فصّل بين التكليف والوضع فلا يعتبر الاستصحاب في الأول
ويعتبر في الثاني وليس كذلك وسيأتي لك تفصيل ذلك كله إن شاء الله تعالى مبسوطاً
فانتظر.
(الثامن) التفصيل
بين ما ثبت بالإجماع وغيره فلا يعتبر في الأول ويعتبر في الثاني (وهذا التفصيل)
منسوب إلى الغزالي (قال الشيخ) أعلى الله مقامه في تقسيم الاستصحاب باعتبار الدليل
الدال على المستصحب (ما لفظه) أحدها من حيث أن الدليل المثبت للمستصحب إما أن يكون
هو الإجماع وإما أن يكون غيره وقد فصّل بين هذين القسمين الغزالي فأنكر الاستصحاب
في الأول (انتهى) (هذا ولكن الشيخ) أعلى الله مقامه قد رجع عن ذلك عند نقل حجة
القول الثامن (فقال) إلا أن الّذي يظهر بالتدبر في كلامه المحكي في النهاية يعني
كلام الغزالي هو إنكار الاستصحاب المتنازع فيه رأساً وإن ثبت المستصحب بغير
الإجماع (انتهى)
(التاسع) التفصيل
بين الشك في المقتضي والمراد به الشك من حيث استعداد المستصحب وقابليته في حد ذاته
للبقاء كالشك في بقاء الليل والنهار وخيار الغبن بعد الزمان الأول ونحو ذلك فلا
يكون الاستصحاب حجة فيه وبين الشك في وجود الرافع كالشك في حدوث البول الناقض
للطهارة القابلة للبقاء لو لا الرافع لها إلى الآخر فيكون حجة فيه (وهذا التفصيل)
قد نسبه الشيخ أعلى الله مقامه إلى ظاهر المعارج وقد اختاره هو بنفسه أيضاً كما
سيأتي لك شرحه مفصلا.
(العاشر) التفصيل
بين الشك في المقتضي والشك في رافعية الموجود كالشك في رافعية المذي فلا يعتبر
الاستصحاب فيهما وبين الشك في وجود الرافع وفي تحققه في الخارج فيكون حجة فيه (وهذا
التفصيل) قد نسبه الشيخ أعلى الله مقامه إلى ظاهر المحقق السبزواري.
(الحادي عشر)
التفصيل بين الشك في المقتضي والشك في رافعية الموجود
بنحو الشبهة
الحكمية كما في مثال المذي المتقدم آنفاً فلا يعتبر الاستصحاب فيهما وبين الشك في
وجود الرافع وفي رافعية الموجود بنحو الشبهة المصداقية كما إذا خرجت رطوبة مرددة
بين البول والوذي فيعتبر الاستصحاب فيهما (وهذا التفصيل) قد نسبه الشيخ أعلى الله
مقامه إلى المحقق الخوانساري (وقد أشار) إلى التفصيل الثلاثة الأخيرة على نحو يتضح
الفرق بين كل منها مع الآخر قبيل الشروع في نقل الأقوال ولكن اضطرب كلامه الشريف
في حولها عند تقسيم الاستصحاب باعتبار الدليل الدال على المستصحب فراجع وتدبر
جيداً (ثم إنه) أعلى الله مقامه بعد الفراغ عن عدّ هذه الأقوال الأحد عشر (قال ما
لفظه) ثم إنه لو بنى على ملاحظة ظواهر كلمات من تعرض لهذه المسألة في الأصول
والفروع لزادت الأقوال على العدد المذكور بكثير (انتهى).
(أقول)
هذا كله مضافاً
إلى ما سيأتي من نفس الشيخ أعلى الله مقامه من التفصيل في الأحكام الشرعية الكلية
بين ما كان دليلها النقل فيستصحب وبين ما كان دليلها العقل فلا يستصحب وسيأتي لك
شرح ذلك مفصلا عن قريب فانتظر.
في تعريف الاستصحاب
(قوله ولا يخفى ان
عباراتهم في تعريفه وان كانت شتى إلا أنها تشير إلى مفهوم واحد ومعنى فارد وهو
الحكم ببقاء حكم أو موضوع ذي حكم شك في بقاء ... إلخ) (١)
(قال الشيخ) أعلى
الله مقامه في صدر الاستصحاب (ما لفظه) وهو لغة يعني الاستصحاب أخذ الشيء مصاحباً
ومنه استصحاب أجزاء ما لا يؤكل لحمه في الصلاة وعند الأصوليين عرّف بتعاريف أسدها
وأخصرها إبقاء ما كان والمراد
بالإبقاء الحكم
بالبقاء (إلى ان قال) وإلى ما ذكرنا يرجع تعريفه في الزبدة بأنه إثبات الحكم في
الزمان الثاني تعويلا على ثبوته في الزمان الأول بل نسبه شارح الدروس إلى القوم
فقال إن القوم ذكروا أن الاستصحاب إثبات حكم في زمان لوجوده في زمان سابق عليه (ثم
قال) وأزيف التعاريف يعني به تعريف المحقق القمي تعريفه بأنه كون حكم أو وصف يقيني
الحصول في الآن السابق مشكوك البقاء في الآن اللاحق إذ لا يخفى أن كون حكم أو وصف
كذلك هو محقق مورد الاستصحاب ومحله لا نفسه (انتهى) موضع الحاجة من كلامه رفع
مقامه (وقال في الفصول) الاستصحاب عبارة عن إبقاء ما علم ثبوته في الزمان السابق
فيما يحتمل البقاء فيه من الزمن اللاحق (انتهى) (وقال في المعالم) ومحله يعني محل
الاستصحاب أن يثبت حكم في وقت ثم يجيء وقت آخر ولا يقوم دليل على انتفاء ذلك فهل
يحكم ببقائه على ما كان وهو الاستصحاب أم يفتقر الحكم به في الوقت الثاني إلى دليل
(انتهى) هذه جملة من عبائر القوم في تعريف الاستصحاب
(فيقول المصنف) إن
عبارات القوم في تعريف الاستصحاب وان كانت مختلفة إلّا أنها تشير إلى معنى واحد
وهو الحكم ببقاء حكم أو موضوع ذي حكم شك في بقاءه (وقد أخذ هذا المعنى) من الشيخ
أعلى الله مقامه من قوله المتقدم والمراد بالإبقاء الحكم بالبقاء.
(أقول)
والإنصاف أن أسد
التعاريف وأخصرها كما أفاد الشيخ أعلى الله مقامه هو إبقاء ما كان (ولكن) الظاهر
ان المراد بالإبقاء هو الإبقاء عملا فإن كان المستصحب حكماً قد أتى به وإن كان
موضوعاً ذا حكم رتب عليه أثره لا الحكم بالبقاء فإن مجرد الحكم به مما لا يكفي في
صدق الاستصحاب ما لم يعمل على طبق الحالة السابقة ويتحرك على وفقها.
(قوله إما من جهة بناء
العقلاء على ذلك في أحكامهم العرفية مطلقاً أو في الجملة تعبداً أو للظن به الناشئ
عن ملاحظة ثبوته سابقاً وإما من جهة دلالة النص أو دعوى الإجماع عليه كذلك ... إلخ)
(قد أشار) بقوله
هذا إلى الوجوه الأربعة الآتية التي استدل بها للاستصحاب (فقوله) إما من جهة بناء
العقلاء على ذلك في أحكامهم العرفية ... إلخ إشارة إلى الوجه الأول الآتي وهو قوله
الوجه الأول استقرار بناء العقلاء من الإنسان بل ذوي الشعور من كافة أنواع الحيوان
على العمل على طبق الحالة السابقة ... إلخ (وقوله) أو الظن به الناشئ عن ملاحظة
ثبوته سابقاً إشارة إلى للوجه الثاني الآتي وهو قوله للوجه الثاني ان الثبوت في
السابق موجب للظن به في اللاحق ... إلخ (وقوله) وإما من جهة دلالة النص إشارة إلى
الوجه الرابع الآتي وهو قوله الوجه الرابع وهو العمدة في الباب الاخبار المستفيضة
... إلخ (وقوله) أو دعوى الإجماع عليه كذلك إشارة إلى الوجه الثالث الآتي وهو قوله
الوجه للثالث دعوى الإجماع عليه كما عن المبادي ... إلخ (ثم إن) قوله مطلقاً أو في
الجملة إشارة إلى القول بحجية الاستصحاب مطلقاً وإلى التفاصيل التي هي فيها من
قبيل التفصيل بين العدمي والوجوديّ أو بين الحكم الشرعي والأمور الخارجية أو بين
الحكم الشرعي الكلي وغيره إلى غير ذلك من التفاصيل المتقدمة آنفاً (ومن هنا) يظهر
لك معنى قوله أو دعوى الإجماع عليه كذلك أي مطلقاً أو في الجملة (واما قوله)
تعبداً فهو في قبال قوله أو للظن به ... إلخ فلا تغفل.
(قوله وفي وجه ثبوته
... إلخ)
فإن الخلاف كما
أنه واقع في حجية الاستصحاب نفياً وإثباتاً مطلقاً أو في الجملة فكذلك الخلاف واقع
في وجه ثبوته ومدرك حجيته وانه هل هو بناء العقلاء أو الاخبار المستفيضة أو غيرهما
مما تقدم مجمله ويأتي مفصلة.
(قوله ضرورة أنه لو
كان الاستصحاب هو نفس بناء العقلاء على البقاء أو الظن به الناشئ من العلم بثبوته
لما تقابل فيه الأقوال ولما كان النفي والإثبات واردين على مورد واحد ... إلخ)
علة لما أفاده في
الكتاب بقوله ولا يخفى أن هذا المعنى يعني الحكم ببقاء حكم أو موضوع ذي حكم هو
القابل لأن يقع فيه النزاع والخلاف في نفيه وإثباته مطلقاً أو في الجملة ... إلخ
وتعريض لما أفاده في تعليقته على الرسائل لدى التعليق على قول الشيخ أعلى الله
مقامه وعند الأصوليين عرّف بتعاريف ... إلخ (بقوله) لا يخفى إن حقيقة الاستصحاب
وماهيته تختلف بحسب اختلاف وجه حجيته وذلك لأنه ان كان معتبراً من باب الاخبار كان
عبارة عن حكم الشارع ببقاء ما لم يعلم ارتفاعه وإن كان من باب الظن كان عبارة عن
ظن خاص به وان كان من باب بناء العقلاء عليه عملا تعبدياً كان عبارة عن التزام
العقلاء به في مقام العمل (انتهى) موضع الحاجة من كلامه.
(وبالجملة) إن
حاصل مرامه من أول الفصل إلى هنا أن عبارات الأصحاب وان كانت هي مختلفة في تعريف
الاستصحاب ولكنها تشير إلى معنى واحد وهو الحكم ببقاء حكم أو موضوع ذي حكم شك في
بقاءه (وهذا المعنى) هو القابل لأن يقع فيه النزاع والخلاف نفياً وإثباتاً مطلقاً
أو في الجملة ضرورة أن معنى الاستصحاب لو كان يختلف باختلاف مداركه ووجوه
الاستدلال عليه كما أفاد في التعليقة لما تقابل الأقوال في المسألة ولما كان النفي
والإثبات واردين على مورد واحد بل كان مراد النافي معنى ومراد المثبت معنى آخر
ومراد المفصل معنى ثالث وهكذا وهذا واضح
(قوله وتعريفه بما
ينطبق على بعضها وإن كان ربما يوهم أن لا يكون هو الحكم بالبقاء بل ذاك الوجه ...
إلخ)
ليس في التعاريف
المتقدمة ولا في غيرها على الظاهر ما ينطبق على نفس بناء العقلاء على البقاء أو
على الظن بالبقاء وإن كان فيها ما قد يوهم أن لا يكون هو الحكم
بالبقاء مثل ما
تقدم عن المحقق القمي من أنه كون حكم أو وصف يقيني الحصول في الآن السابق مشكوك
البقاء في الآن اللاحق (وكيف كان) مقصود المصنف أن تعريف الاستصحاب أحياناً بما
ينطبق على غير ما ذكرناه وإن كان قد يوهم أن لا يكون هو الحكم بالبقاء إلا أنه حيث
لا يكون بحد ولا برسم بل من قبيل شرح الاسم أي لا يكون بالجنس والفصل أو بالفصل
فقط كي يكون حداً ولا بالجنس والعرض الخاصّ أو بالعرض الخاصّ فقط كي يكون رسماً بل
هو تعريف لفظي لحصول الميز في الجملة لم يكن له دلالة على أنه غير ما ذكرناه بل هو
عينه غير أنه قد أشير إليه بتعبير آخر وبلفظ ثاني وهذا أيضا واضح.
(قوله كما هو الحال في
التعريفات غالباً ... إلخ)
قد تقدم منا في
صدر العام والخاصّ بيان ما استند إليه المصنف في دعوى كون التعاريف غالبا لفظية من
قبيل شرح الاسم لا حقيقية بحد أو برسم وهو أمران قد عرفت شرحهما هناك مع ما
أوردناه عليهما مفصلا فلا نعيد.
(قوله فإنه لم يكن به
إذا لم يكن بالحد أو الرسم بأس ... إلخ)
العبارة ركيكة
جداً والمعني هكذا أي فإنه لم يكن بما ذكر في تعريفه بأس إذا لم يكن بالحد أو
الرسم.
في بيان كون المسألة أصولية
(قوله ثم لا يخفى ان
البحث في حجيته مسألة أصولية ... إلخ)
قد عرفت في أول
الكتاب من بيان تعريف علم الأصول ما يعرف به حال كل مسألة من مسائلها فلا حاجة عند
الشروع في كل مسألة بيان حالها بالخصوص غير أن الأصحاب قد جرت عادتهم عند تعرض كل
مسألة مهمة كمسألة مقدمة الواجب ومسألة خبر الواحد ومسألة الاستصحاب ونحوها بيان
حاله بالخصوص وكأنه من
باب الاهتمام
بشأنه (وعلى كل حال) قد تقدم في أول الكتاب أن علم الأصول هو العلم بالقواعد
الممهدة لاستنباط الأحكام الشرعية أي الكلية وإن أهملوا التقييد بالكلية ولعله
لوضوحه فكل مسألة مندرجة تحت غرض الأصول وهو استنباط الأحكام الشرعية الكلية فهي
مسألة أصولية وإلا فلا (وعليه) مسألة الاستصحاب التي هي عبارة أخرى عن قولك كل
مشكوك البقاء باق حيث تقع في طريق استنباط الأحكام الشرعية الكلية كما في
الاستصحابات الجارية في الشبهات الحكمية هي من المسائل الأصولية (فتقول) مثلا وجوب
صلاة الجمعة مشكوك البقاء وكل مشكوك البقاء باق فوجوب صلاة الجمعة باق (أو تقول)
نجاسة الماء المتغير الزائل تغيره بنفسه مشكوكة البقاء وكل مشكوكة البقاء باقية
فنجاسة الماء المتغير الزائل تغيره بنفسه باقية وهكذا إلى غير ذلك من الشبهات
الحكمية وليست هي من المسائل الفقهية إذ ليس مفادها حكم العمل بلا واسطة بأن يكون
موضوعها عمل المكلف ومحمولها الحكم الشرعي كما في وجوب الصلاة والزكاة وحرمة الزنا
والقمار ونحو ذلك كي تكون المسألة فقهية.
(نعم) إذا وقعت
مسألة الاستصحاب في طريق استنباط الأحكام الشرعية الجزئية كما في الاستصحابات
الجارية في الشبهات الموضوعية فهي من القواعد الفقهية نظير قاعدة الطهارة وقاعدة
الحل وقاعدة الفراغ وأصالة الصحة ونحو ذلك من القواعد للتي يستنبط بها أحكام شرعية
جزئية كطهارة هذا وحلية ذاك أو صحة هذا وتمامية وذاك وهكذا (ولك أن تقول) في الفرق
بين المسائل الأصولية والقواعد الفقهية غير ما تقدم من كون الأول مما يستنبط به
أحكام شرعية كلية والثاني مما يستنبط به أحكام شرعية جزئية إن إعمال المسألة
الأصولية واستنباط الحكم الشرعي الكلي بها ليس إلّا من شأن المجتهد بخلاف القاعدة
الفقهية فيمكن إعطائها بيد العامي فيعملها في موارد خاصة ويستنبط بها أحكاماً
شرعية جزئية (فيقول) مثلا هذا مشكوك الطهارة وكل مشكوك الطهارة طاهر ولو لما أفتى
به
المفتي فهذا طاهر
وهكذا إعمال الاستصحاب عند الشك في بقاء الطهارة الحدثية ونحوها.
(قوله كيف وربما لا
يكون مجرى الاستصحاب إلا حكما أصولياً كالحجية مثلا ... إلخ)
أي كيف يكون مفاد
مسألة الاستصحاب حكم العمل بلا واسطة وقد لا يكون مجري الاستصحاب أي المستصحب إلا
حكما أصولياً كحجية هذا أو عدم حجية ذاك لا حكماً فرعياً متعلقاً بالعمل بلا واسطة
كوجوب هذا أو عدم وجوب ذاك
(وبالجملة) إن
الاستصحاب سواء جرى في الحكم الفرعي كاستصحاب وجوب صلاة الجمعة أو جرى في الحكم
الأصولي كاستصحاب حجية ظواهر الكتاب مثلا هو مسألة أصولية لا محالة وذلك لما عرفت
من ان مسألة الاستصحاب هي عبارة أخرى عن قولك كل مشكوك البقاء باق وهي ليست مسألة
فقهية بلا كلام
(نعم) حيث انه إذا
جرى في الحكم الأصولي فهو أبعد من شبهة كونه مسألة فقهية فقال المصنف كيف وربما لا
يكون مجري الاستصحاب الا حكماً أصولياً كالحجية مثلا ... إلخ لا لأجل انه إذا جرى
في الحكم الفرعي فهو مسألة فرعية فقهية ليست أصولية فلا تشتبه أنت ولا تغفل.
هل الاستصحاب أمارة ظنية أو أصل عملي
(بقي شيء) لم يؤشر
إليه المصنف وهو أن الاستصحاب (هل هو) أمارة ظنية كخبر الواحد وظواهر الكلام
والشهرة في الفتوى على القول بها ونحو ذلك (أم هو) أصل عملي مضروب للشاك في وعاء
الجهل والحيرة كأصالة البراءة وقاعدة الحل وقاعدة الطهارة ونحو ذلك (محصّل كلام
الشيخ) أعلى الله مقامه أن الاستصحاب إن استفدناه من الاخبار فهو أصل عملي وإن
استفدناه من غيره كبناء
العقلاء ونحوه مما
سيأتي شرحه فهو دليل ظني اجتهادي وحيث أن المختار عندنا استفادته من الأخبار فهو
أصل عملي (قال) بعد الفراغ عن تعريف الاستصحاب (ما لفظه) بقي الكلام في أمور الأول
أن عدّ الاستصحاب من الأحكام الظاهرية الثابتة للشيء بوصف كونه مشكوك الحكم نظير
أصل البراءة وقاعدة الاشتغال مبنى على استفادته من الاخبار واما بناء على كونه من
أحكام العقل يعني به ما استقر عليه بناء العقلاء فهو دليل ظني اجتهادي نظير القياس
والاستقراء على القول بهما وحيث ان المختار عندنا هو الأول ذكرناه في الأصول
العملية المقررة للموضوعات بوصف كونها مشكوكة الحكم لكن ظاهر كلمات الأكثر كالشيخ
والسيدين والفاضلين والشهيدين وصاحب المعالم كونه حكماً عقلياً ولذا لم يتمسك أحد
هؤلاء فيه بخبر من الاخبار (انتهى) موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه.
(أقول)
والحق أن
الاستصحاب هو من الأمارات الظنية والأدلة الاجتهادية سواء استفدنا اعتباره من بناء
العقلاء أو من الأخبار أو من كليهما جميعاً كما سيأتي (إذ لا إشكال) في أن
الأمارات هي عبارة عما له كشف وحكاية عن الواقع سواء كانت معتبرة عقلا كالأمارات
المفيدة للعلم أو شرعاً كخبر الثقة وظواهر الكلام ونحوهما أو لا عقلا ولا شرعاً
كخبر الفاسق وخبر الصبي ونحوهما فإن خبرهما من الأمارات الظنية بلا كلام غير أنهما
من الأمارات الغير المعتبرة (كما لا إشكال) في أن وجود الشيء في السابق هو مما له
نحو كشف وحكاية عن البقاء ولو غالباً لا دائماً كشفاً ظنياً لا علمياً على وجه
يعدّ إنكاره من الجدل والعناد جداً (وعليه) فالاستصحاب المعتبر فيه اليقين بوجود
الشيء في السابق يكون لا محالة من الأمارات المفيدة للظن بالبقاء ولو نوعاً كما هو
الشأن في ساير الأمارات الظنية لا شخصاً في كل مورد وفي كل مسألة.
(نعم إن العقلاء)
لا يكاد يعملون به ويتحركون على وفقه إلا بملاك إفادته
الظن الشخصي بل
الوثوق والاطمئنان على وجه لو لم يفد الوثوق والاطمئنان في مورد لم يعملوا به إلا
احتياطاً ورجاء لا استصحاباً (وذلك) لوضوح انه لا تعبد في أمر العقلاء بما هم
عقلاء حيث لا معني لاستقرار سيرتهم على العمل على طبق الحالة السابقة بما هي حالة
سابقة بلا ملاك لها ولا موجب.
(نعم الاخبار
المستفيضة) الآتية نظراً إلى إطلاقها وعدم تقييدها بما إذا أفاد الوثوق والاطمئنان
مما توسع دائرة الاستصحاب فهو بمقتضى بناء العقلاء مما يختص اعتباره بما إذا أفاد
الوثوق والاطمئنان الشخصيين وبمقتضى الاخبار المستفيضة الغير المقيدة بشيء مما
يعتبر مطلقاً ولو لم يفد الوثوق والاطمئنان بل ولا مطلق الظن نظير ما تقدم في خبر
الثقة حرفاً بحرف فهو بمقتضى سيرة العقلاء على العمل به مما يختص اعتباره بما إذا
أفاد الوثوق والاطمئنان وبمقتضى الاخبار المستفيضة بل المتواترة الواردة في
اعتباره نظراً إلى إطلاقها وعدم تقييدها بشيء مما يعتبر مطلقاً ولو لم يفد الوثوق
والاطمئنان بل ولا الظن (وعلى كل حال) إن الاستصحاب هو أمارة ظنية كخبر الواحد
وظواهر الكلام ونحوهما عيناً (وأما ما يظهر من الشيخ) أعلى الله مقامه في خاتمة
الاستصحاب في الأمر الثالث من أن الشارع وإن اعتبر الاستصحاب بلا شبهة ولكن لا من
حيث نظره إلى الواقع بل من حيث مجرد احتمال مطابقته للواقع فهو مجرد دعوى لا شاهد
عليها (قال) أعلى الله مقامه (ما لفظه) فما كان مما نصبه الشارع غير ناظر إلى
الواقع أو كان ناظراً لكن فرض ان الشارع اعتبره لا من هذه الحيثية بل من حيث مجرد
احتمال مطابقته لواقع فليس اجتهادياً بل هو من الأصول وان كان مقدماً على بعض
الأصول الأخر والظاهر أن الاستصحاب والقرعة من هذا القبيل (انتهى).
(أقول)
ولو تمّ ما ذكره
أعلى الله مقامه لجرى ذلك حتى في خبر الواحد ونحوه مما اعتبره الشارع في لسان غير
واحد من الأخبار فكما يقال فيه وفي كل أمارة أخرى سواه
مما له كشف ونظر
إلى الواقع إن الظاهر من أدلة اعتباره هو اعتباره بما له من الكاشفية والنّظر إلى
الواقع ومن حيث حكايته عنه وأماريته عليه لا من حيث مجرد احتمال مطابقته للواقع
فكذلك يقال في الاستصحاب حرفاً بحرف فتأمل جيداً.
في الأمور السبعة المعتبرة في الاستصحاب
(قوله وكيف كان فقد
ظهر مما ذكرنا في تعريفه اعتبار أمرين في مورده القطع بثبوت شيء والشك في بقاءه
ولا يكاد يكون الشك في البقاء الا مع اتحاد القضية المشكوكة والمتيقنة بحسب
الموضوع والمحمول ... إلخ)
بل ظهر من تعريفه
اعتباره أمور عديدة في حقيقة الاستصحاب لا أمرين فقط.
(الأول) اليقين
السابق وإذا قيل وجود الشيء في السابق وإن كان لا بد من إحرازه بالقطع أو بما نزل
منزلة القطع كما يظهر ذلك من الشيخ أعلى الله مقامه في الأمر الخامس مما تعرضه بعد
تعريف الاستصحاب كان حسناً أيضا.
(الثاني) الشك
اللاحق وهذان الأمران مشتركان بين الاستصحاب وقاعدة اليقين أيضاً كما ستعرف.
(الثالث) أن يكون
الشك متعلقاً ببقاء ما تيقن به لا بأصل ما تيقن به كما في قاعدة اليقين بأن تيقن
مثلا بعدالة زيد في يوم الجمعة ثم شك في أصل عدالته في ذلك اليوم بأن زال مدرك
اعتقاده ومنشأ علمه فإنه لو قيل باعتباره هذه القاعدة فهي قاعدة أخرى غير
الاستصحاب تسمى بقاعدة اليقين وقد يطلق عليها الشك الساري وسيأتي التكلم فيها وفي
مدركها مشروحاً في تتمة الاستصحاب إن شاء الله تعالى وقد تعرضهما الشيخ أعلى الله
مقامه في خاتمة الاستصحاب في الأمر الثاني مما يعتبر في الاستصحاب ولم يؤشر إليهما
المصنف أصلا.
(الرابع) بقاء
الموضوع وهو معروض المستصحب بمعنى انه يعتبر في
الاستصحاب اتحاد
القضية المشكوكة مع المتيقنة موضوعاً كما يعتبر اتحادهما محمولا فإن من تيقن بقيام
زيد كما لا يجوز له استصحاب علمه فإنه محمول آخر فكذلك لا يجوز له استصحاب قيام
عمرو فإنه موضوع آخر (والدليل) على اعتبار ذلك كما أشار إليه المصنف انه لا يكاد
يكون الشك في البقاء الا مع اتحاد القضيتين موضوعاً ومحمولا فكما أن من تيقن بقيام
زيد إذا شك في علمه فهو ليس شكاً في بقاء ما تيقن به فكذلك إذا شك في قيام عمرو
فهو ليس شكاً في بقاء ما تيقن به (وقد زاد) على ذلك في تتمة الاستصحاب (ما حاصله)
ان مع عدم اتحاد القضيتين موضوعاً ومحمولا لا يكاد يكون رفع اليد عن اليقين في محل
الشك نقضاً لليقين بالشك كي تشمله الأخبار وتحرم فكما أن من تيقن بقيام زيد إذا شك
في علمه ولم يعمل عمل اليقين بعلمه لم يصدق عليه أنه نقض اليقين بالشك فكذلك إذا
شك في قيام عمرو ولم يعامل معاملة اليقين بقيامه لم يصدق عليه انه نقض اليقين بالشك
وهذا واضح ظاهر (ثم إن) من هذا كله يظهر لك ان مرجع اعتبار هذا الأمر الرابع هو
إلى الأمر الثالث عينا وهو الشك في البقاء وليس اعتبار بقاء الموضوع أمراً آخر غير
اعتبار الشك في البقاء (وإليه أشار المصنف) بقوله ولا يكون الشك في البقاء الا مع
اتحاد القضية المشكوكة والمتيقنة ... إلخ.
(الخامس) أن لا
يكون في مورد الاستصحاب أمارة معتبرة ولو على وفاقه نظراً إلى ورودها أو حكومتها
عليه على التفصيل الآتي في تتمة الاستصحاب إن شاء الله تعالى في المقام الثاني.
(السادس) وجوب
الفحص بحد اليأس إذا كان الاستصحاب في الشبهات الحكمية بل وحتى الموضوعية في
الجملة على التفصيل المتقدم لك شرحه في خاتمة الاشتغال في شرائط الأصول العملية
وستأتي الإشارة إلى اعتباره ثانيا في صدر تتمة الاستصحاب إن شاء الله تعالى.
(ثم لا يخفى) ان
الأمرين الأخيرين وهما الخامس والسادس ليسا مما يعتبر في
حقيقة الاستصحاب
وماهيته على نحو يعرف اعتبارهما من تعريف الاستصحاب وحدّه كما هو الحال في الأمور
المتقدمة كلها ولكنهما يعتبر ان شرعاً في جريان الاستصحاب وفي أعماله.
(بمعنى أن الشارع)
إذا اعتبر أمارة مخصوصة كخبر الثقة ونحوه وقد قامت على شيء خاص فلا يكاد يبقى معها
شك شرعاً وتعبداً ليجري الاستصحاب عنده وان كان الشك باقياً حقيقة.
(أو بمعنى أن
الشارع) قد أمر بالتفقه والتعلم عند الشك والجهل في الأحكام الشرعية بمقتضى الأدلة
العديدة المتقدمة في شرائط الأصول العملية في خاتمة الاشتغال فلا يكاد يبقي معها
مجال للاستصحاب المأخوذ في موضوعه الشك والجهل الا بعد الفحص بحد اليأس والعجز عن
إزالة الشك والجهل ورفعهما وإن فرض أن أركان الاستصحاب تامة لا نقص فيها من اليقين
السابق والشك اللاحق وغيرهما وسيأتي لك شرح هذا كله بنحو أبسط في صدر تتمة
الاستصحاب إن شاء الله تعالى فانتظر.
(السابع) أن يكون
المستصحب حكماً شرعياً أو موضوعاً ذا حكم شرعي وستأتي الإشارة إليه في صدر التنبيه
العاشر إن شاء الله تعالى مفصلا فانتظر.
(ثم لا يخفى) أن
هذا الأمر السابع أيضاً هو مما لا يعتبر في حقيقة الاستصحاب على نحو يعرف اعتباره
من تعريفه وحده ولكنه يعتبر عقلا في جريانه وأعماله نظراً إلى أن المستصحب إن لم
يكن حكماً شرعيا ولا موضوعاً ذا حكم شرعي فالتعبد ببقائه أمر لغو جداً فيمتنع من
الشارع قطعاً.
(قوله وهذا مما لا
غبار عليه في الموضوعات الخارجية في الجملة ... إلخ)
أي واتحاد القضية
المشكوكة والمتيقنة بحسب الموضع والمحمول مما لا شك فيه في الموضوعات الخارجية
كعدالة زيد أو اجتهاده أو فقره أو غناه ونحو ذلك في الجملة على الكلام الآتي في
تتمة الاستصحاب إن شاء الله تعالى من أن المعيار في الاتحاد هل هو نظر العرف أو
لسان الدليل أو نظر العقل.
في تفصيل الأخباريين بين الحكم
الشرعي وغيره
(قوله وأما الأحكام
الشرعية سواء كان مدركها العقل أم النقل فيشكل حصوله فيها ... إلخ)
(اما قوله) وأما
الأحكام الشرعية أي الكلية فهو إشارة إلى تفصيل الأخباريين بين الحكم الشرعي الكلي
فلا يعتبر الاستصحاب فيه الا في عدم النسخ وبين غيره فيعتبر الاستصحاب فيه وهو
القول الخامس في المسألة كما تقدم.
(وأما قوله) سواء
كان مدركها العقل أم النقل فهو إشارة إجمالية إلى تفصيل الشيخ أعلى الله مقامه في
الأحكام الشرعية الكلية بين ما كان مدركها العقل فلا يعتبر الاستصحاب فيه وبين ما
كان مدركه النقل فيعتبر الاستصحاب فيه (وقد أشرنا) إلى هذا التفصيل قبل وسيأتي
تفصيله عند قول المصنف بلا تفاوت في ذلك بين كون دليل الحكم نقلا أو عقلا ... إلخ.
(ثم إن كلا) من
هذين التفصيلين مستند في الحقيقة إلى دعوى عدم حصول وحدة القضيتين بحسب الموضوع
والمحمول في الأحكام الشرعية الكلية إما مطلقاً أو في خصوص الأحكام الشرعية التي
مدركها العقل.
(قال الشيخ) أعلى
الله مقامه قبيل نقل الأقوال بيسير (ما لفظه) ويحكي عن الأخباريين اختصاص الخلاف
بالثاني يعني به الشك في بقاء الحكم الشرعي الكلي كالشك في بقاء نجاسة المتغير بعد
زوال تغيره أو طهارة المكلف بعد حدوث المذي منه ونحو ذلك (قال) وهو الّذي صرح به
المحدث البحراني ويظهر من كلام المحدث الأسترآبادي حيث قال في فوائده اعلم ان
للاستصحاب صورتين معتبرتين
باتفاق الأمة بل
أقول اعتبارهما من ضروريات الدين.
(إحداهما) أن
الصحابة وغيرهم كانوا يستصحبون ما جاء به نبينا صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى ان يجيء ما ينسخه.
(الثانية) أنا
نستصحب كل أمر من الأمور الشرعية مثل كون الرّجل مالك أرض وكونه زوج امرأة وكونه
عبد رجل وكونه على وضوء وكون الثوب طاهراً أو نجساً وكون الليل أو النهار باقياً
وكون ذمة الإنسان مشغولة بصلاة أو طواف إلى أن يقطع بوجود شيء جعله الشارع سبباً
مزيلا لنقض تلك الأمور (انتهى) (ومحصله) حجية الاستصحاب في الشك في النسخ وفي
الشبهات الموضوعية بل وفي الأحكام الشرعية الجزئية أيضاً كوجوب الصلاة أو الطواف
عند الشك في الامتثال بل وطهارة الثوب ونجاسته وكون المكلف على طهر ونحو ذلك بناء
على كون هذه الأمور من الأحكام الشرعية الوضعيّة لا من الأمور الواقعية التي كشف
عنها الشارع.
(وقال الشيخ أيضاً)
عند ذكر حج الأقوال (ما لفظه) وأما القول الخامس وهو التفصيل بين الحكم الشرعي
الكلي وبين غيره فلا يعتبر في الأول فهو المصرح به في كلام المحدث الأسترآبادي
لكنه صرح باستثناء استصحاب عدم النسخ مدعياً الإجماع بل الضرورة على اعتباره (إلى
أن ذكر عنه) دليلين لعدم حجية الاستصحاب في الحكم الشرعي الكلي.
(أحدهما) ما ملخصه
ان صور الاستصحاب المختلف فيها عند النّظر الدّقيق والتحقيق راجعة إلى انه إذا ثبت
حكم بخطاب شرعي في موضوع في حال من حالاته نجريه في ذلك الموضوع عند زوال الحالة
القديمة وحدوث نقيضها فيه ومن المعلوم انه إذا تبدل قيد موضوع المسألة بنقيض ذلك
القيد اختلف موضوع المسألتين فالذي سموه استصحاباً راجع في الحقيقة إلى إسراء حكم
موضوع إلى موضوع آخر متحد معه في الذات مختلف معه في الصفات ومن المعلوم عند
الحكيم ان هذا
المعنى غير معتبر
شرعاً وأن القاعدة الشريفة المذكورة يعني بها قاعدة الاستصحاب المستفادة من
الأخبار غير شاملة له.
(ثانيهما) ما
ملخصه أيضاً أن استصحاب الحكم الشرعي الكلي في الشبهات الحكمية إنما يعمل به ما لم
يظهر مخرج عنه وقد ظهر المخرج وذلك لتواتر الأخبار بأن كلما يحتاج إليه الأمة قد
ورد فيه خطاب وحكم حتى أرش الخدش ولتواتر الأخبار أيضاً بحصر المسائل في ثلاث بيّن
رشده وبيّن غيّه وشبهات بينهما وبوجوب التوقف في الثالث ومن جملة الشبهات محل
النزاع يعني به الشبهات الحكمية فيجب التوقف فيه (انتهى) ملخص الدليلين جميعاً.
(أقول)
(أما الدليل الأول)
الّذي هو العمدة حقيقة وواقعاً ولذا قد أشار إليه المصنف ولم يؤشر إلى الثاني (فيرد
عليه) أن المعيار في بقاء الموضوع كما سيأتي تفصيله في تتمة الاستصحاب إن شاء الله
تعالى هو نظر العرف ومن المعلوم أن نظر العرف مما يختلف في قيد موضوع المسألة فقد
يكون القيد من مقومات الموضوع ومحققاته في نظرهم بحيث إذا زال القيد زال الموضوع
وتبدل وتغير كخصوصية النوم في قولك لا تصح عند هذا النائم أو خصوصيته العلم في
قولك أكرم هذا الرّجل العالم وهكذا وقد يكون القيد من حالات الموضوع أي حالاته
المتبادلة لا من مقوماته ومحققاته وذلك كالشبوبة والشيبوبة والسمن والهزال ونحو
ذلك في قولك أكرم هذا الشباب أو جالس هذا الشيخ وهكذا (وعليه) فليس كلما تخلف قيد
موضوع المسألة اختلف موضوع المسألتين ولم يجر الاستصحاب أبداً بل إذا كان القيد من
حالات الموضوع أي حالاته المتبادلة صح الاستصحاب بلا شبهة نظراً إلى بقاء الموضوع
عرفاً وصدق الشك في بقاء ما كان فإذا شك في بقاء وجوب الصلاة الجمعة مثلا بعد زمن
الحضور أو شك في بقاء نجاسة الماء المتغير بعد زوال تغيره بنفسه أو في بقاء طهارة
المكلف بعد خروج المذي منه جرى الاستصحاب في جميع
هذا كله لعدم كون
الغيبة والحضور بالنسبة إلى الجمعة أو التغير وعدمه بالنسبة إلى الماء أو خروج
المذي وعدمه بالنسبة إلى المكلف إلا من الحالات المتبادلة للموضوع لا من القيود
المقومة فالموضوع في تمام الأمثلة المذكورة باق على حاله على نحو يصدق معه الشك في
بقاء ما كان عرفاً فيستصحب الحكم الشرعي (هذا مضافاً) إلى ما أورده الشيخ أعلى
الله مقامه من النقض بالموارد التي ادعى المحدث المذكور الإجماع والضرورة فيها على
اعتبار الاستصحاب كالليل والنهار ونحوهما فإن الزمان المشكوك ليلا أو نهاراً مع
الزمان السابق المتيقن أشد اختلافاً من المشكوك مع المتيقن السابق في محل النزاع
وهو ردّ متين جداً.
(واما الدليل
الثاني) فيرد عليه (مضافاً) إلى ما تقدم في البراءة من الجواب عن الاخبار الآمرة
بالتوقف عند الشبهة من أنها (بين ما يكون) ظاهراً في استحباب التوقف والاحتياط فلا
يصلح للاستدلال به (وبين ما يكون) ظاهراً بنفسه في الشبهات الحكمية من قبل الفحص
والمراجعة ولا كلام لنا فيها (وبين ما يكون) مختصاً بقرينة التعليل بالهلكة بما
إذا كان الواقع فيه منجزاً على المكلف كما في الشبهات الحكمية من قبل الفحص
والشبهات المقرونة بالعلم الإجمالي وبعض الشبهات الموضوعية التي أحرز اهتمام
الشارع بها جداً ولا كلام لنا فيها أيضاً (أن الاستصحاب) وارد على ساير الأصول
ومنها الاحتياط ورافع لموضوعه وهو الشبهة ولو تعبداً من غير فرق بين كون الاستصحاب
أمارة أو أصلا عمليا وسيأتي لك شرح هذا كله بنحو أبسط في تتمة الاستصحاب إن شاء
الله تعالى فانتظر.
(قوله إلّا بنحو
البداء بالمعنى المستحيل في حقه تعالى ... إلخ)
مما لازمه الجهل
وهو ظهور ما خفي عليه كما تقدم في آخر العام والخاصّ.
(قوله ولذا كان النسخ
بحسب الحقيقة دفعاً لا رفعاً ... إلخ)
قد تقدم تفصيل ذلك
في آخر العام والخاصّ مبسوطاً وأن هذا التعبير عن النسخ مما لا يخلو عن مسامحة وإن
كان الغرض منه واضحاً معلوماً جداً وهو المنع عن سراية
الحكم كما في
التخصيص غايته أنه في التخصيص يمنع عن سراية الحكم إلى جميع الأفراد وفي النسخ
يمنع عن سراية الحكم إلى جميع الأزمان وأن الأصح في التعبير عن النسخ أن يقال إنه
بيان أجل الحكم وانتهاء أمده كما قاله صاحب الفصول رحمهالله ،
(قوله ضرورة صحة إمكان
دعوى بناء العقلاء على البقاء تعبداً أو لكونه مظنوناً ولو نوعا أو دعوى دلالة
النص أو قيام الإجماع عليه قطعا إلى آخره)
(قد أشار) بقوله
هذا إلى الوجوه الأربعة الآتية التي استدل بها للاستصحاب كما أشار إليها من قبل
بقوله المتقدم في صدر المسألة إما من جهة بناء العقلاء على ذلك في أحكامهم العرفية
مطلقاً أو في الجملة تعبداً أو للظن به الناشئ عن ملاحظة ثبوته سابقاً واما من جهة
دلالة النص أو دعوى الإجماع عليه كذلك ... إلخ (ومقصوده من ذلك) أن تمام الوجوه
الأربعة الآتية التي استدل بها للاستصحاب هو مما يجري عند طرو انتفاء بعض ما احتمل
دخله في الأحكام الشرعية الثابتة لموضوعاتها مما عدّ من حالات الموضوعات لا من
مقوماتها فلا وجه حينئذ لتفصيل الأخباريين ومنعهم عن الاستصحاب عند الشك في بقاء
الأحكام الشرعية الكلية أبداً.
في تفصيل الشيخ في الحكم الشرعي الكلي
بين ما كان مدركه العقل أو النقل
(قوله بلا تفاوت في
ذلك بين كون دليل الحكم نقلا أو عقلا ... إلخ)
قد أشرنا مرتين أن
للشيخ أعلى الله مقامه تفصيل في الأحكام الشرعية الكلية بين
ما كان مدركها
العقل فلا يعتبر الاستصحاب فيه وبين ما كان مدركها النقل فيعتبر الاستصحاب فيه
فهذا شروع من المصنف في تضعيف هذا التفصيل كما ينبغي
(قال الشيخ) أعلى
الله مقامه في ذيل تقسيم الاستصحاب باعتبار الدليل الدال على المستصحب (ما لفظه)
الثاني من حيث انه قد يثبت أي المستصحب بالدليل الشرعي وقد يثبت بالدليل العقلي
ولم أجد من فصَّل بينهما إلا أن في تحقق الاستصحاب مع ثبوت الحكم بالدليل العقلي
وهو الحكم العقلي المتوصل به إلى حكم شرعي تأملا نظراً إلى أن الأحكام العقلية
كلها مبيّنة مفصلة من حيث مناط الحكم والشك في بقاء المستصحب وعدمه لا بد وأن يرجع
إلى الشك في موضوع الحكم لأن الجهات المقتضية للحكم العقلي بالحسن والقبح كلها
راجعة إلى قيود فعل المكلف الّذي هو الموضوع فالشك في حكم العقل حتى لأجل وجود الرافع
لا يكون إلّا للشك في موضوعه والموضوع لا بد ان يكون محرزاً معلوم البقاء في
الاستصحاب كما سيجيء (انتهى) موضع الحاجة من كلامه هاهنا (وقال أيضاً) في التنبيه
الثالث من تنبيهات الاستصحاب (ما لفظه) الأمر الثالث أن المتيقن السابق إذا كان
مما يستقل به العقل كحرمة الظلم وقبح التكليف بما لا يطاق ونحوهما من المحسنات
والمقبحات العقلية فلا يجوز استصحابه لأن الاستصحاب إبقاء ما كان والحكم العقلي
موضوعه معلوم تفصيلا للعقل الحاكم به فان أدرك العقل بقاء الموضوع في الآن الثاني
حكم به حكما قطعياً كما حكم أولا وإن أدرك ارتفاعه قطع بارتفاع ذلك الحكم ولو ثبت
مثله بدليل لكان حكماً جديداً حادثاً في موضوع جديد واما الشك في بقاء الموضوع فان
كان الاشتباه خارجي كالشك في بقاء الإضرار في السم الّذي حكم العقل بقبح شربه فذلك
خارج عما نحن فيه وسيأتي الكلام فيه وان كان لعدم تعيين الموضوع تفصيلا واحتمال
مدخلية موجود مرتفع أو معدوم حادث في موضوعية الموضوع فهذا غير متصور في المستقلات
العقلية لأن العقل لا يستقل بالحكم الا بعد إحراز الموضوع ومعرفته تفصيلا (إلى ان
قال)
واما موضوعه
كالضرر المشكوك بقائه في المثال المتقدم فالذي ينبغي أن يقال فيه أن الاستصحاب إن
اعتبر من باب الظن من عمل به هنا لأنه يظن الضرر بالاستصحاب فيحمل عليه الحكم
العقلي وإن اعتبر من باب التعبد لأجل الأخبار فلا يثبت إلا الآثار الشرعية
المجعولة القابلة للجعل الظاهري وتعبد الشارع بالحكم العقلي يخرجه عن كونه حكماً
عقليا مثلا إذا ثبت بقاء الضرر في السم في المثال المتقدم بالاستصحاب فمعنى ذلك
ترتيب الآثار الشرعية المجعولة للضرر على مورد الشك وأما حكم العقل بالقبح والحرمة
فلا يثبت إلا مع إحراز الضرر نعم تثبت الحرمة الشرعية بمعنى نهي الشارع ظاهراً (انتهى)
موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه (وملخص المجموع) لدى التدبر التام فيه يرجع إلى
دعاوي ثلاث.
(الأولى) عدم
جريان الاستصحاب في الأحكام الشرعية المستندة إلى الأحكام العقلية وقد صرح به في
كلا الموضعين في جملة من كلامه الّذي لم نذكره حذرا من التطويل.
(الثانية) عدم
جريان الاستصحاب في نفس الأحكام العقلية.
(الثالثة) انه إذا
استصحبنا موضوعاً من موضوعات حكم العقل كالضرر مثلا فان كان اعتبار الاستصحاب من
باب الظن رتب عليه حكمه العقلي وان كان اعتباره من باب الاخبار رتب عليه الأثر
الشرعي دون العقلي وهذه الدعوى مما لم يتعرضها المصنف لخروجها عما نحن فيه كما أشار
إليه الشيخ أيضاً (وقد أفاد) في وجه عدم جريان الاستصحاب في نفس الأحكام العقلية
على وجه يتضح منه عدم جريانه في الأحكام الشرعية المستندة إليها أيضاً (ما ملخصه)
ان الحكم العقلي موضوعه معلوم تفصيلا لدى العقل الحاكم به ولا يعقل تطرق الإهمال
إلى موضوعه وعليه فإذا تخلف قيد من قيود الموضوع وحالة من حالاته فان كان دخيلا في
الموضوع بنظر العقل فالحكم العقلي غير باق قطعاً وهكذا الشرعي المستند إليه وان لم
يكن دخيلا فيه فالحكم العقلي باق قطعاً وهكذا الشرعي المستند إليه فإذا حكم
العقل مثلا بحرمة
السم المضر وانتفى الإضرار من اسم فإن كان الإضرار دخيلا بنظره في الموضوع فلا
حرمة يقيناً وإن لم يكن دخيلا فالحرمة باقية يقيناً (وعليه) فلا استصحاب على كلا
التقديرين بلا شبهة.
(وقد أفاد المصنف)
في جوابه ما ملخصه لدى التدبر التام في مجموع كلماته قدسسره أن تطرق الإهمال إلى موضوع حكم العقل مما يعقل في الجملة
بمعنى انه يمكن أن يستقل العقل بحكم خاص على موضوع مخصوص مع وجود حالة مخصوصة فيه
لكن من غير أن يدرك دخلها في المناط على نحو إذا انتفت الحالة أدرك فقد المناط فيه
بل يدرك فقط تحقق المناط مع وجود الحالة فيستقل بالحكم ولا يدرك تحقق المناط مع
انتفاء الحالة فلا يستقل بالحكم ولا بانتفائه (وقد أشار) إلى ذلك بقوله أخيراً فرب
خصوصية لها دخل في استقلاله مع احتمال عدم دخله فبدونها لا استقلال له بشيء قطعاً
مع احتمال بقاء ملاكه واقعاً (وأشار إليه) قبل ذلك مختصراً بقوله وإن لم يدركه الا
في إحداهما ... إلخ (وعليه) فلا مانع حينئذ عن استصحاب الحكم الشرعي المستكشف بحكم
العقل بعد انتفاء الحالة المخصوصة وذلك لليقين السابق كما هو المفروض والشك اللاحق
نظراً إلى احتمال عدم دخل الحالة في المناط أصلا ولبقاء الموضوع عرفاً إذا فرض عدم
كون الحالة من مقومات الموضوع بل من حالاته المتبادلة.
(أقول)
هذا مخلص ما أفاده
المصنف في تصحيح جريان الاستصحاب في الأحكام الشرعية المستندة إلى الأحكام العقلية
ونعم ما أفاد إنصافاً (وأما استصحاب نفس الأحكام العقلية) فلم يظهر منه شيء في حقه
لا نفياً ولا إثباتاً (والحق) انه مما لا يجري (لكن لا) لما أفاده الشيخ أعلى الله
مقامه من عدم جواز تطرق الإهمال إلى موضوع حكم العقل بعد ما عرفت من جواز تطرقه
إليه في الجملة بالمعنى المذكور (بل لأن) الاستصحاب سواء كان اعتباره من باب الظن
أو من باب الاخبار هو حكم شرعي
لا محالة أما على
الثاني فواضح وأما على الأول فبلحاظ إمضائه بناء العقلاء على البقاء فإذا كان
الاستصحاب حكماً شرعياً فحكم الشارع بإبقاء الحكم العقلي السابق عند الشك في بقاءه
مما يخرجه عن الحكم العقلي إلى الشرعي ولو بقاء لا حدوثاً وهذا واضح ظاهر (وأما
استصحاب موضوع حكم العقل) فالظاهر انه مما لا مانع عنه فيستصحب الضرر في السم في
المثال المتقدم إذا شك في بقاءه ويرتب عليه حكم العقل والشرع جميعاً اما الثاني
فواضح واما الأول فلأن العقل قد استقل كما هو المفروض بحرمة السم المضر بنحو
الكبرى الكلية فإذا حكم الشرع بالصغرى وأن هذا السم باق على ضرره كما في السابق
حكم عليه العقل بالحرمة كحكمه بحرمته في السابق (ومن هنا) يتضح أن تفصيل الشيخ
أعلى الله مقامه في استصحاب موضوع حكم العقل بين كون الاستصحاب من باب الظن أو
الاخبار مما لا وجه له فتأمل جيداً فإن المقام لا يخلو عن دقة.
(قوله إن قلت كيف هذا
مع الملازمة بين الحكمين ... إلخ)
أي كيف يستصحب
الحكم الشرعي المستكشف بحكم العقل عند طرو انتفاء ما احتمل دخله فيه مع وجود
الملازمة بين الحكمين حكم العقل وحكم الشرع جميعاً.
(وحاصل ما أجاب به
المصنف) أن الملازمة إنما تكون في طرف الوجود لا في طرف العدم بمعنى أنه إذا استقل
العقل بحكم حكم الشرع أيضاً على طبقه وليس كلما لم يستقل العقل بحكم لطرو انتفاء
ما احتمل دخله فيه لم يحكم الشرع به أيضاً
(نعم إذا استقل)
العقل بالعدم لم يحكم الشرع حينئذ لكن مجرد عدم استقلال العقل بالحكم لطرو انتفاء
ما احتمل دخله فيه مما لا يوجب عدم حكم الشرع به أيضا
(وقد عبّر المصنف)
عن طرفي الوجود والعدم بمقامي الإثبات والثبوت (فقال) لأن الملازمة إنما تكون في
مقام الإثبات والاستكشاف لا في مقام الثبوت إلى آخره ولم يحسن في تعبيره عنهما
بذلك فإن مقامي الإثبات والثبوت عبارة عن مقامي الدلالة والواقع وليست الملازمة في
مقام الدلالة دون الواقع والصحيح في التعبير هو ما ذكرناه فلا تغفل عنه ولا تذهل.
(قوله كان على حاله في
كلتا الحالتين ... إلخ)
كلمة كان زائدة
والصحيح إسقاطها فيقال وذلك لاحتمال ان يكون ما هو ملاك حكم الشرع من المصلحة أو
المفسدة التي هي ملاك حكم العقل على حاله في كلتا الحالتين
(قوله وإن لم يدركه
الا في أحدهما ... إلخ)
أي وإن لم يدركه
العقل الا في إحدى الحالتين.
(قوله لاحتمال عدم دخل
تلك الحالة فيه ... إلخ)
علة لاحتمال أن
يكون ما هو ملاك حكم الشرع على حاله في كلتا الحالتين.
(قوله أو احتمال أن
يكون معه ملاك آخر ... إلخ)
عطف على احتمال
عدم دخل تلك الحالة فيه فهي علة أخرى لاحتمال أن يكون ما هو ملاك حكم الشرع على
حاله في كلتا الحالتين أي ولاحتمال أن يكون مع ملاك حكم العقل ملاك آخر بلا دخل
للحالة فيه أصلا وان كان لها دخل فيما اطلع عليه العقل من الملاك.
(قوله وبالجملة حكم
الشرع إنما يتبع ما هو ملاك حكم العقل واقعاً لا ما هو مناط حكمه فعلا ... إلخ)
وتوضيحه ان للعقل
حكمان حكم واقعي شأني وإن شئت قلت حكم واقعي تعليقي أي لو أدرك المصلحة أو المفسدة
لحكم بالوجوب أو الحرمة وحكم واقعي فعلي وهو الّذي لا يكون إلّا بعد درك المصلحة
أو المفسدة والفرق بينهما أن ملاك حكمه الأول هو نفس المصلحة أو المفسدة بما هي هي
من دون دخل للإدراك فيه أصلا وملاك حكمه الثاني هي المصلحة أو المفسدة المدركة
المحرزة للعقل لا بما هي هي فما لم يدرك المصلحة أو المفسدة لم يحكم العقل على
طبقها بالوجوب أو الحرمة حكماً فعلياً.
(فيقول المصنف) ان
حكم الشرع انما يتبع ما هو ملاك حكم العقل واقعاً أي شأناً وهو نفس المصلحة أو
المفسدة بما هي هي لا ما هو ملاك حكم العقل فعلا
أي المصلحة أو
المفسدة المدركة للعقل على وجه إذا لم يدرك العقل المصلحة أو المفسدة ولم يحكم فعلا
لم يحكم الشرع أيضاً فافهم جيداً.
(قوله وموضوع حكمه
كذلك ... إلخ)
عطف على مناط حكمه
فعلا أي لا يتبع حكم الشرع مناط حكم العقل فعلا ولا موضوع حكمه كذلك فإذا فرض انه
قد حكم العقل بحرمة السم فعلا مع وجود حالة مخصوصة فيه كالإضرار من غير ان يدرك
دخل الحالة في المناط أصلا بحيث إذا انتفت الحالة أدرك فقد المناط فيه بل أدرك فقط
تحقق المناط مع وجود الحالة ولا يدرك تحقق المناط مع انتفاء الحالة فالموضوع حينئذ
لحكمه الفعلي هو السم المضر ولكن لا يتبع حكم الشرع هذا الموضوع على وجه إذا انتفى
الإضرار لم يحكم الشرع أيضاً بحرمته وذلك لجواز بقاء المناط على حاله وعدم دخل
الحالة فيها أصلا وإن لم يدرك العقل عدم دخلها ولم يشعر بقاء المناط على حاله بعد
انتفائها.
(قوله مما لا يكاد
يتطرق إليه الإهمال والإجمال مع تطرقه إلى ما هو موضوع حكمه شأنا ... إلخ)
بيان لموضوع حكم
العقل فعلا فهو الّذي لا يتطرق إليه الإهمال مع تطرقه إلى موضوع حكمه شأناً.
(اما جواز تطرق
الإهمال) إلى موضوع حكمه شأناً فلما عرفت من أن الحكم الشأني ليس إلا حكماً
تقديرياً أي لو أدرك المصلحة أو المفسدة لحكم بالوجوب أو الحرمة لكن فعلا لم يدرك
المصلحة أو المفسدة ولم يحكم على طبقها فإذا لم يدرك المصلحة أو المفسدة ولم يحكم
على طبقها فلم يدرك موضوع الحكم قهراً وهو معنى تطرق الإهمال إليه.
(وأما عدم جواز
تطرق الإهمال) إلى موضوع حكمه فعلا فلعدم جواز استقلال العقل بحكم فعلا وهو لا
يعلم موضوعه ومقره فلا يعقل ان يستقل بحرمة السم فعلا وهو لا يعلم ان موضوع حكمه
الفعلي هل هو السم المطلق أو السم المضر
بل لا بد له من
تعيينه أولا ثم الحكم عليه فعلا بالحرمة.
(نعم يجوز تطرق
الإهمال) إلى موضوع حكمه الفعلي بمعنى آخر قد تقدم ذكره آنفاً وبه قد أجاب المصنف
عما ادعاه الشيخ أعلى الله مقامه من عدم جواز استصحاب الأحكام الشرعية المستندة
إلى الأحكام العقلية وهو أن يحكم العقل فعلا بحرمة السم مثلا مع وجود الإضرار فيه
لكن من غير إدراك لدخل الإضرار في المناط وعدمه بل يدرك فقط تحقق المناط مع وجود
الإضرار ولا يدرك تحقق المناط مع انتفاء الإضرار وإن احتمل بقاء المناط على حاله
مع انتفاءه وانعدامه.
(قوله فرب خصوصية لها
دخل في استقلاله مع احتمال عدم دخله فبدونها لا استقلال له بشيء قطعا مع احتمال
بقاء ملاكه واقعا ... إلخ)
بهذه العبارة قد
أشار المصنف إلى جواز تطرق الإهمال إلى موضوع حكم العقل بالمعنى المذكور آنفاً وبه
حصل الجواب عما ادعاه الشيخ أعلى الله مقامه من عدم جواز استصحاب الأحكام الشرعية
المستندة إلى الأحكام العقلية كما تقدم.
(قوله لدورانه معه
وجوداً وعدماً ... إلخ)
علة لاحتمال بقاء
حكم الشرع جداً أي لدوران حكمه مع الملاك وجوداً وعدماً
(قوله ثم إنه لا يخفى
اختلاف آراء الأصحاب في حجية الاستصحاب إلى آخره)
قد عرفت اختلاف
آرائهم في صدر المسألة إلى أحد عشر قولا مضافاً إلى ما للشيخ أعلى الله مقامه من
التفصيل المذكور آنفاً.
(قوله لا يهمنا نقلها
ونقل ما ذكر من الاستدلال عليها ... إلخ)
إلا نقل جملة منها
(كتفصيل) الأخباريين بين الأحكام الشرعية الكلية وبين غيرها وقد تقدم شرحه (وتفصيل
الشيخ) أعلى الله مقامه في الأحكام الشرعية الكلية بين ما كان مدركها العقل أو
النقل وقد تقدم أيضاً شرحه.
(وتفصيل الفاضل
التوني) بين استصحاب الأحكام التكليفية والوضعيّة
جميعاً وبين
استصحاب السبب أو الشرط أو المانع وسيأتي لك شرح ذلك مبسوطاً فانتظر.
(وتفصيل) كل من
المحقق صاحب المعارج والمحقق السبزواري والمحقق الخوانساري بين الشك في المقتضي
والشك في الرافع وسيأتي لك شرح الجميع إن شاء الله تعالى مع ما لك مع الآخر من
الفرق الواضح الجلي فانتظر قليلا بل سيأتي منا التعرض لحجج المنكرين للاستصحاب
أيضا قبل التعرض لتفصيل الفاضل التوني لما فيها من الاهتمام بالنسبة إلى حجج ساير
الأقوال جداً.
(قوله وإنما المهم
الاستدلال على ما هو المختار منها وهو الحجية مطلقاً ... إلخ)
ولعله المشهور في
المسألة وإن اختار الشيخ أعلى الله مقامه خلاف ذلك كما تقدم قبلا وهو القول التاسع
في المسألة أعني الّذي اختاره المحقق صاحب المعارج من التفصيل بين الشك في المقتضي
فلا يكون الاستصحاب حجة فيه وبين الشك في الرافع فيكون الاستصحاب حجة فيه فللشيخ
أعلى الله مقامه تفصيلان في المسألة تفصيل في الأحكام الشرعية بين ما كان مدركها
العقل أو النقل وتفصيل بين الشك في المقتضي وبين الشك في الرافع (ولكن الحق) في
المسألة كما ستعرفه قريباً هو مع المصنف فالصواب فيها هو الحجية مطلقاً من غير
تفصيل فيها أبداً.
في الوجوه التي استدل بها للاستصحاب
غير الاخبار
(قوله الوجه الأول
استقرار بناء العقلاء ... إلخ)
قد ذكره الشيخ
أعلى الله مقامه لمختاره وهو حجية الاستصحاب في الشك في الرافع
وجوهاً ثلاثة (الإجماعات
المنقولة) (والاستقراء) (والأخبار المستفيضة) ثم ذكر للقول بحجية الاستصحاب مطلقا
وجوها أربعة فصار المجموع سبعة فانتخب المصنف من بين الوجوه السبعة وجوهاً أربعة
فخصها بالذكر ولم يذكر غيرها أبداً
(فهذا الوجه الأول)
هو الوجه الرابع من وجوه القول بحجية الاستصحاب مطلقاً (قال) أعلى الله مقامه
ومنها أي ومن الوجوه التي احتج بها للقول الأول بناء العقلاء على ذلك في جميع
أمورهم كما ادعاه العلامة في النهاية وأكثر من تأخر عنه وزاد بعضهم أنه لو لا ذلك
لاختل نظام العالم وأساس عيش بني آدم وزاد آخر أن العمل على الحالة السابقة أمر
مركوز في النفوس حتى الحيوانات ألا ترى أن الحيوانات تطلب عند الحاجة المواضع التي
عهدت فيها الماء والكلاء والطيور يعود من الأماكن البعيدة إلى أو كارها ولو لا
البناء على إبقاء ما كان على ما كان لم يكن وجه لذلك (انتهى).
(قوله وفيه أولا منع
استقرار بنائهم على ذلك تعبداً بل إما رجاء واحتياطاً أو اطمئناناً بالبقاء أو
ظناً ولو نوعاً أو غفلة كما هو الحال في ساير الحيوانات دائماً وفي الإنسان
أحياناً ... إلخ)
(وحاصل الرد) هو
المنع عن استقرار بناء العقلاء على العمل على طبق الحالة السابقة تعبداً بل
بملاكات متعددة (فقد يكون) رجاء واحتياطاً (وقد يكون) اطمئناناً بالبقاء (وقد يكون)
ظناً ولو نوعاً (وقد يكون غفلة) كما هو الحال في الحيوانات دائماً وفي الإنسان
أحياناً (وفيه ما لا يخفى) فإن بناء العقلاء على العمل على طبق الحالة السابقة وإن
لم يكن هو تعبداً إذ لا تعبد في أمر العقلاء بما هم عقلاء فلا معنى الاستقرار
بنائهم على العمل على طبق الحالة السابقة بما هي هي بلا ملاك له ولا موجب (ولكن)
لا مانع من أن يكون بملاك الوثوق والاطمئنان الشخصي بمعنى انهم ما لم يحصل لهم
الوثوق والاطمئنان بالبقاء من وجود الشيء في السابق ومن تحققه فيه لم يستصحبوا ذلك
الشيء ولم يعملوا على طبق الحالة السابقة إلا رجاء
واحتياطاً في بعض
الأحيان لا استصحاباً وبانياً على البقاء (ومن المعلوم) أن مجرد كون العمل على طبق
الحالة السابقة بملاك الوثوق والاطمئنان بالبقاء مما لا يخرجه عن الاستصحاب وإن
خرج عنه إذا كان بملاك الرجاء والاحتياط (ودعوى) انه قد يكون بملاك الظن النوعيّ
ممنوعة جدا إذ مرجعه إلى العمل بالحالة السابقة في مورد عدم حصول الظن الشخصي
تعبداً وقد عرفت حال التعبد (وأشد منها منعاً) دعوى أنه قد يكون بملاك الغفلة
فإنها في الحيوانات ممنوعة قطعاً فضلا عن الإنسان ولو أحياناً بل يكون ذلك
ارتكازياً فطرياً وإن لم تمتع الغفلة عقلا.
(وبالجملة) ان
مجرد وجود الشيء في السابق وتحققه فيه وان كان موجباً للظن بالبقاء ولو نوعاً وبه
يكون الاستصحاب أمارة ظنية كما هو الشأن في ساير الأمارات المفيدة للظن ولو نوعاً
ولكن عمل العقلاء على طبق الحالة السابقة واستصحابهم إياها مقصور بما إذا حصل منها
الوثوق والاطمئنان شخصاً كما هو الحال في خبر الثقة على ما تقدم لك شرحه مبسوطاً
فما لم يحصل لهم الوثوق والاطمئنان من خبر الثقة لم يعملوا على طبقه ولم يتحركوا
على وفقه إلا رجاء واحتياطاً في بعض الأحيان لا عملا بخبر الثقة واعتماداً عليه
وان كانت الأخبار الواردة من الشرع مما توسع الدائرة في كلا المقامين فتجعل خبر
الثقة والاستصحاب حجتين مطلقا ولو لم يفيدا الوثوق والاطمئنان شخصاً وقد تقدم شرح
هذا كله في صدر المسألة عند بيان كون الاستصحاب أمارة لا أصلا فتذكر.
(قوله وثانيا سلمنا
ذلك لكنه لم يعلم أن الشارع به راض وهو عنده ماض ويكفى في الردع عن مثله ما دل من
الكتاب والسنة على النهي عن اتباع غير العلم ... إلخ)
(ومن العجيب جداً)
أنه في خبر الواحد قد ادعى أن الآيات الناهية والروايات المانعة عن اتباع غير
العلم مما لا تكفي في الردع عن السيرة العقلائية المستقرة على العمل بخبر الثقة
بزعم أن رادعيتهما دورية وفي المقام قد غفل عن الدور رأساً ولعله
قدسسره تغافل عنه ولم يغفل (وعلى كل حال) قد عرفت هناك أن الحق في
المسألة أن الآيات والروايات مما تصلح للردع عنها بلا دور ولا محذور فيه أصلا
ولكنا قد أجبنا عن رادعيتهما بجواب آخر قد تقدم لك شرحه مفصلا فلا نعيد فما به
الجواب عن رادعيتهما هناك يجري في مقامنا هذا أيضاً حرفاً بحرف.
(قوله وما دل على
البراءة أو الاحتياط في الشبهات ... إلخ)
إذا تمَّ جوابنا
عن رادعية الآيات والروايات الدالة بالمطابقة على المنع عن اتباع غير العلم ومنه
الاستصحاب تمّ عن رادعية أدلة البراءة أو الاحتياط في الشبهات الدالة بالالتزام
على المنع عما سواهما بطريق أولى.
(قوله الوجه الثاني أن
الثبوت في السابق موجب للظن به في اللاحق إلى آخره)
قد أشرنا فيما
تقدم أن الشيخ أعلى الله مقامه قد ذكر لمختاره وهو حجية الاستصحاب في الشك في
الرافع وجوهاً ثلاثة وأنه قد ذكر للقول بحجية الاستصحاب مطلقاً وجوهاً أربعة وأن
المصنف قد انتخب من بين هذه الوجوه السبعة وجوهاً أربعة فخصها بالذكر ولم يذكر
غيرها فهذا الوجه الثاني الّذي ذكره المصنف هاهنا هو مذكور في ذيل الوجه الثاني من
وجوه القول بحجية الاستصحاب مطلقاً.
(قال الشيخ) أعلى
الله مقامه بعد ما ذكر الوجه الثاني وردّ عليه (ما لفظه) مع أن مرجع هذا الوجه إلى
ما ذكره العضدي وغيره من أن ما تحقق وجوده ولم يظن أو لم يعلم عدمه فهو مظنون
البقاء (انتهى).
(قوله وفيه منع اقتضاء
مجرد الثبوت للظن بالبقاء فعلا ولا نوعاً فانه لا وجه له أصلا الا كون الغالب فيما
ثبت أن يدوم مع إمكان أن لا يدوم وهو غير معلوم ... إلخ)
(وفيه ما لا يخفى)
فإن منع اقتضاء مجرد الثبوت في السابق للظن بالبقاء فعلا ولا نوعاً هو خلاف
الإنصاف جداً (ودعوى) انه لا وجه لذلك الا كون الغالب فيما
ثبت أن يدوم مع
إمكان أن لا يدوم وهو غير معلوم (مما لا وجه له) فان معنى كون الغالب فيما ثبت أن
يدوم هو أن يستمر إلى آخر وقت أمكن بقاءه إلى ذلك الوقت إلّا إذا اتفق زواله
أحياناً قبل انتهاء أجله الطبيعي بسبب خاص وداع مخصوص وهو أمر صحيح معلوم لا غير
معلوم.
(نعم صح) أن يقال
إن مجرد الثبوت في السابق مما لا يوجب الظن بالبقاء شخصاً كما هو ظاهر المستدل بل
مما يوجب الظن بالبقاء نوعاً كما أفدناه قبلا فتذكر
(قوله ولو سلم فلا
دليل على اعتباره بالخصوص مع نهوض الحجة على عدم اعتباره بالعموم ... إلخ)
بل قد عرفت الدليل
بالخصوص على اعتبار الظن الحاصل من مجرد الثبوت في السابق وهو بناء العقلاء كافة
على العمل على طبق الحالة السابقة فيما إذا أفاد الوثوق والاطمئنان ولو بضميمة ما
أجبنا به عن رادعية الآيات والروايات المتقدم لك شرحه في خبر الواحد مفصلا.
(نعم) على هذا
التقدير لا يكون هذا الوجه الثاني وجهاً مستقلا على حدّه لاعتبار الاستصحاب غير ما
تقدم فإن مجرد الظن الحاصل من الثبوت في السابق مما لا يصلح الاعتماد عليه ما لم
يعتمد في اعتباره على بناء العقلاء الممضى لدى الشرع ومع الاعتماد على بنائهم لا
يكون هذا الوجه الثاني دليلا مستقلا برأسه غير الوجه الأول.
(قوله الوجه الثالث
دعوى الإجماع عليه كما عن المبادي ... إلخ)
هذا هو الوجه
الأول من الوجوه الثلاثة التي ذكرها الشيخ أعلى الله مقامه لمختاره وهو حجية
الاستصحاب عند الشك في الرافع (قال) بعد ما اختار القول التاسع في المسألة وهو
الّذي اختاره المحقق صاحب المعارج (ما لفظه) لنا على ذلك وجوه الأول ظهور كلمات
جماعة في الاتفاق عليه.
(فمنها) ما عن
المبادي حيث قال الاستصحاب حجة لإجماع الفقهاء على
انه متى حصل حكم
ثم وقع الشك في أنه طرأ ما يزيله أم لا وجب الحكم ببقائه على ما كان أولا ولو لا
القول بأن الاستصحاب حجة لكان ترجيحاً لأحد طرفي الممكن من غير مرجح انتهى.
(ثم ساق الكلام)
إلى ان قال ونظير هذا (ما عن النهاية) من أن الفقهاء بأسرهم على كثرة اختلافهم
اتفقوا على أنا متى تيقنا حصول شيء وشككنا في حدوث المزيل له أخذنا بالمتيقن وهو
عين الاستصحاب لأنهم رجحوا بقاء الثابت على حدوث الحادث.
(ثم قال ومنها)
تصريح صاحب المعالم والفاضل الجواد بأن ما ذكره المحقق أخيراً في المعارج راجع إلى
قول السيد المرتضى المنكر للاستصحاب فان هذا شهادة منهما على خروج ما ذكره المحقق
يعني الاستصحاب عند الشك في الرافع عن مورد النزاع وكونه موضع وفاق (انتهى) موضع
الحاجة من كلامه رفع مقامه.
(قوله وقد نقل عن غيره
أيضاً ... إلخ)
وهو النهاية بل
المعالم والفاضل الجواد على ما عرفت آنفاً.
(قوله وفيه أن تحصيل
الإجماع في مثل هذه المسألة مما له مباني مختلفة في غاية الإشكال ولو مع الاتفاق
... إلخ)
(وحاصل الرد) أن
تحصيل الإجماع على نحو يستكشف منه رأي الإمام عليهالسلام في مثل هذه المسألة مما له مباني مختلفة ومدارك متعددة في
غاية الإشكال ولو مع الاتفاق فيها فضلا عما إذا كانت هي محل الخلاف فإن احتمال
المدرك في المسألة أي احتمال الاعتماد فيها على وجه مخصوص مما يضر باستكشاف رأي
الإمام عليهالسلام بمعنى أن معه لا يكاد يقطع برأيه لجواز استنادهم فيها إلى
ذلك الوجه واعتمادهم عليه لا إلى رأيه الواصل إليهم خلفاً عن سلف وجيلا بعد جيل
فكيف بما إذا كانت المسألة مما له مدارك متعددة ومباني مختلفة وهذا واضح ظاهر.
(قوله ونقله موهون
جداً لذلك ولو قيل بحجيته لو لا ذلك ... إلخ)
فإن تحصيل الإجماع
في مثل هذه المسألة مما له مباني مختلفة ومدارك متعددة إذا كان في غاية الإشكال
ولو مع فرض الاتفاق فيها نظراً إلى احتمال الاستناد فيها إلى تلك المباني والمدارك
لا إلى رأي الإمام عليهالسلام فنقل الإجماع فيها يكون موهوناً قهراً بسبب الاحتمال
المذكور ولو قيل بحجية الإجماع المنقول في حد ذاته لو لا هذا الوهن.
في الاستدلال على حجية الاستصحاب
بالأخبار وبيان الصحيحة الأولى لزرارة
(قوله الوجه الرابع
وهو العمدة في الباب الاخبار المستفيضة ... إلخ)
هذا هو الوجه
الثالث من الوجوه التي استند إليها الشيخ أعلى الله مقامه لمختاره وهو حجية
الاستصحاب عند الشك في الرافع (والظاهر) انه لم يستند صريحاً إلى الأخبار أحد من
قدماء الأصحاب أصلا.
(قال الشيخ) في
الأمر الأول من الأمور التي ذكرها بعد الفراغ عن تعريف الاستصحاب (ما لفظه) ولذا
لم يتمسك أحد هؤلاء فيه يعني بهم الشيخ والسيدين والفاضلين والشهيدين وصاحب
المعالم بخبر من الاخبار (إلى ان قال) وأوّل من تمسك بهذه الأخبار فيما وجدته والد
الشيخ البهائي فيما حكى عنه في العقد الطهماسبي وتبعه صاحب الذخيرة وشارح الدروس
وشاع بين من تأخر عنهم نعم ربما يظهر من الحلي في السرائر الاعتماد على هذه
الاخبار حيث عبّر عن استصحاب نجاسة الماء المتغير بعد زوال تغيّره من قبل نفسه
بنقض اليقين باليقين وهذه العبارة ظاهرة في أنها مأخوذة من الأخبار (انتهى).
(قوله منها صحيحة
زرارة قال قلت له الرّجل ينام وهو على وضوء إلى آخره)
هذه هي الصحيحة
الأولى لزرارة (وقد رواها في الوسائل) في أول باب من أبواب نواقض الوضوء قال قلت
له الرّجل ينام وهو على وضوء أتوجب الخفقة والخفقتان عليه الوضوء فقال يا زرارة قد
تنام العين ولا ينام القلب والأذن فإذا نامت العين والإذن والقلب وجب الوضوء قلت
فإن حرك إلى جنبه شيء ولم يعلم به قال لا حتى يستيقن أنه قد نام حتى يجيء من ذلك
أمر بيّن وإلا فإنه على يقين من وضوئه ولا ينقض اليقين أبداً بالشك وإنما ينقضه
بيقين آخر (انتهى).
(ثم لا يخفى) أن
ما ذكرناه من الوسائل وما ذكره المصنف في الكتاب بينهما فرق يسير في بعض الألفاظ وهو
وإن لم يكن مما يضر بالمقصود ولكن مع ذلك حيث كان الأولى نقل متن الحديث على الضبط
والدقة بلا اختلاف فيه أصلا فلم نكتف بما ذكره المصنف في الكتاب.
(قوله أيوجب الخفقة
والخفقتان عليه الوضوء ... إلخ)
الخفقة حركة
الرّأس بسبب النعاس يقال خفق برأسه خفقة أو خفقتين إذا أخذته حركة من النعاس برأسه
فمال برأسه دون ساير جسده.
(قوله وتقريب
الاستدلال بها انه لا ريب في ظهور قوله عليهالسلام وإلا فإنه على يقين
... إلخ عرفاً في النهي عن نقض اليقين بشيء بالشك فيه وأنه عليهالسلام بصدد بيان ما هو علة
الجزاء المستفاد من قوله عليهالسلام لا ... إلخ)
مقصوده أن قوله عليهالسلام وإلا فإنه على يقين من وضوئه ولا ينقض اليقين أبداً بالشك
ظاهر عرفاً في النهي عن نقض اليقين بشيء بالشك فيه ... إلخ ولكن الإنصاف أن تقريب
الاستدلال مما لا يحتاج إلى ذكر هذا كله كما لم يذكره الشيخ أصلا (والحق) في تقريب
الاستدلال أن يقال إن جزاء الشرط أي جزاء قوله عليهالسلام وإلّا ... إلخ محذوف أي وإن لم يستيقن أنه قد نام فلا يجب
الوضوء
ويستفاد هذا
الجزاء من قوله عليهالسلام قبل ذلك في جواب السائل قلت فإن حرك إلى جنبه شيء ولم يعلم
به قال لا أي لا يجب الوضوء ثم قامت العلة وهي قوله عليهالسلام فإنه على يقين من وضوئه ولا ينقض اليقين أبداً بالشك مقام
الجزاء المحذوف (وقد ذكر الشيخ) أعلى الله مقامه لذلك أمثلة عديدة من الكتاب
العزيز
(مثل قوله تعالى) وإن تجهر بالقول فإنه
يعلم السر وأخفى.
(وقوله تعالى) وإن
تكفروا فإن الله غني عنكم.
(وقوله تعالى) ومن
كفر فإن ربي غني كريم إلى غير ذلك من الأمثلة واما العلة في المقام فهي عبارة عن
اندراج اليقين والشك في مورد السؤال تحت القضية الكلية المرتكزة في أذهان العقلاء
الغير المختصة بباب دون باب وهي عدم نقض اليقين أبداً بالشك وعدم رفع اليد عن
العمل على طبق الحالة السابقة ما لم يعلم بالخلاف أصلا فقوله عليهالسلام فإنه على يقين من وضوئه بمنزلة الصغرى وقوله عليهالسلام ولا ينقض اليقين أبداً بالشك بمنزلة الكبرى فيكون ذلك
إمضاءً لما استقر عليه بناء العقلاء وإنفاذاً لما استمر عليه وسيرتهم وتصحيحاً لما
جرى عليه ديدنهم وهو المطلوب والمقصود غايته ان العقلاء كما أشرنا قبلا لا يكاد
يعملون على طبق الحالة السابقة إلا إذا أفادت هي الوثوق والاطمئنان بالبقاء
والصحيحة مما له إطلاق ينهى عن نقض اليقين بالشك مطلقاً ولو لم يكن هناك وثوق
واطمئنان بالبقاء ما لم يكن هناك يقين آخر ينقضه (ومن هنا يظهر) ان اعتراف المصنف
هنا بالقضية الكلية الارتكازية الغير المختصة بباب دون باب واندراج اليقين والشك
في مورد السؤال في تلك القضية الكلية المرتكزة مناف لما تقدم منه آنفاً من منع
استقرار بناء العقلاء على العمل على طبق الحالة السابقة بما هي هي على وجه
الاستصحاب وان بنوا عليه بملاكات متعددة لا على وجه الاستصحاب اما رجاء واحتياطاً
أو اطمئناناً بالبقاء أو لغير ذلك وهذا واضح جلي لا يخفى على الفطن الزكي فلا تغفل
أنت ولا تذهل.
(قوله واحتمال أن يكون
الجزاء هو قوله فإنه على يقين ... إلخ غير سديد فإنه لا يصح إلّا بإرادة لزوم
العمل على طبق يقينه وهو إلى الغاية بعيد إلى آخره)
(هذا احتمال ثاني)
في قوله عليهالسلام فإنه على يقين من وضوئه ... إلخ.
(فالاحتمال الأول)
ان يكون علة للجزاء المحذوف وقد عرفت شرحه.
(والاحتمال الثاني)
ان يكون بنفسه جزاءً للشرط (وقد أشار إليه الشيخ) أعلى الله مقامه وجعل فيه التكلف
(فقال) وجعله نفس الجزاء يعني به قوله عليهالسلام فإنه على يقين من وضوئه ... إلخ يحتاج إلى تكلف انتهى.
(وقال المصنف) إنه
غير سديد ولعله نظراً إلى انه لو تركناه على حاله لم يلتئم الجزاء مع الشرط فلا
بدّ من ان نريد من الجزاء وجوب العمل على طبق يقينه السابق بوضوئه أي وإن لم
يستيقن انه قد نام فليعمل على طبق يقينه بوضوئه وهو إلى الغاية بعيد كما صرح به في
المتن.
(أقول)
هذا مضافاً إلى ان
ذلك مما لا يضر بالاستدلال أصلا فإن الاستدلال مبني كما سيأتي على كون الكلام في
قوله عليهالسلام ولا ينقض اليقين أبداً بالشك ... إلخ للجنس وهو مما لا
يتفاوت الحال فيه بين ان كان قوله فإنه على يقين ... إلخ علة للجزاء أو كان بنفسه
جزاءً للشرط.
(قوله وأبعد منه كون
الجزاء قوله لا ينقض ... إلخ وقد ذكر فإنه على يقين للتمهيد ... إلخ)
(هذا احتمال ثالث)
في قوله عليهالسلام فإنه على يقين من وضوئه ... إلخ.
(فالأوّل) ان يكون
علة للجزاء المحذوف.
(والثاني) ان يكون
بنفسه جزاءً للشرط وقد عرفت شرحهما.
(الثالث) ان يكون
الجزاء قوله عليهالسلام ولا ينقض اليقين أبداً بالشك
وقوله عليهالسلام فإنه على يقين من وضوئه يكون توطئة له.
(قال الشيخ) أعلى
الله مقامه مع احتمال ان لا يكون قوله عليهالسلام فإنه على يقين علة قائمة مقام الجزاء بل يكون الجزاء
مستفاداً من قوله عليهالسلام ولا ينقض وقوله فإنه على يقين توطئة له والمعنى انه إن لم
يستيقن النوم فهو متيقن لوضوئه السابق ويثبت على مقتضي يقينه ولا ينقضه (انتهى)
موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه.
(أقول)
والإنصاف أن هذا
الاحتمال أبعد من سابقه كما أفاد المصنف بل أبعد بكثير على نحو لا يخطر بالبال
أصلا فلا يلتفت إليه أبداً.
(قوله وقد انقدح بما
ذكرنا ضعف احتمال اختصاص قضية لا ينقض إلى آخره باليقين والشك في باب الوضوء جدا
فانه ينافيه ظهور التعليل في أنه بأمر ارتكازي لا تعبدي قطعاً ... إلخ)
إشارة إلى الإشكال
الّذي تعرضه الشيخ أعلى الله مقامه (قال) بعد الفراغ عن تقرير الاستدلال بالصحيحة (ما
لفظه) هذا ولكن مبني الاستدلال على كون اللام في اليقين للجنس إذ لو كانت للعهد
لكانت الكبرى المنضمة إلى الصغرى ولا ينقض اليقين بالوضوء بالشك فيفيد قاعدة كلية
في باب الوضوء وانه لا ينقض إلا باليقين بالحدث واللام وان كان ظاهراً في الجنس
إلّا أن سبق يقين الوضوء ربما يوهن الظهور المذكور بحيث لو فرض إرادة خصوص يقين
الوضوء لم يكن بعيداً عن اللفظ (انتهى).
(ومحصله) أن سبق
قوله عليهالسلام فإنه على يقين من وضوئه مما يوجب ظهور اللام في العهد
والإشارة إلى خصوص اليقين بالوضوء أي فإنه على يقين من وضوئه ولا ينقض اليقين
بالوضوء أبداً بالشك فيكون المستفاد من الصحيحة قاعدة كلية مختصة بباب الوضوء فقط
لا قاعدة كلية غير مختصة بباب دون باب كما
هو المطلوب (وقد
أجاب عنه المصنف) ونعم ما أجاب به (وحاصله) ان ظاهر التعليل وهو قوله عليهالسلام فإنه على يقين من وضوئه ولا ينقض اليقين أبداً بالشك هو
التعليل باندراج اليقين والشك في مورد السؤال في القضية الكلية العامة المرتكزة في
أذهان العقلاء من عدم نقض اليقين أبداً بالشك ولو كان اللام للعهد لكان تعليلا
باندراجهما في القضية التعبدية وهي عدم نقض اليقين بالوضوء بالشك إذ ليس خصوص عدم
نقض اليقين بالوضوء بالشك قضية مرتكزة في أذهان العقلاء كما لا يخفى.
(ومن المعلوم) ان
ظهور التعليل بأمر ارتكازي هو أقوى بمراتب من ظهور اللام في العهد وإن شئت قلت إن
مع سبق قوله عليهالسلام فإنه على يقين من وضوئه ... إلخ إذا أريد الجنس من اللام
فلا ركاكة في الكلام أصلا بخلاف ما إذا أريد العهد من اللام وكان التعليل بأمر
تعبدي فيكون الكلام ركيكاً جداً فتأمل جيداً ،
(قوله ويؤيده تعليل
الحكم بالمضي مع الشك في غير الوضوء في غير هذه الرواية بهذه القضية أو ما يرادفها
... إلخ)
كما في الفقرة
الثالثة من الصحيحة الثانية الآتية (لأنك كنت على يقين من طهارتك ثم شككت فليس
ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشك أبداً) وهكذا في الفقرة السادسة منها (لأنك لا تدري
لعله شيء أوقع عليك فليس ينبغي أن تنقض اليقين بالشك) فالتعليل بهذه القضية في
الصحيحة الثانية مع التعليل بها في الصحيحة الأولى مما يؤيد ان القضية مرتكزة عامة
غير مختصة بباب دون باب كالوضوء والحدث أو الطهارة والنجاسة ونحوهما وإن جاز عقلا
أن يكون التعليل في كلتا الصحيحتين بأمر تعبدي بأن كان عدم جواز نقض اليقين
بالوضوء بالشك قضية تعبدية وعدم جواز نقض اليقين بالطهارة بالشك قضية تعبدية أخرى (ولعل
من هنا) قد جعله المصنف مؤيداً لا دليلا برأسه (وقد أشار الشيخ) أعلى الله مقامه
إلى هذا المؤيد في
بعض كلامه (فقال) ولكن الإنصاف ان الكلام مع ذلك لا يخلو عن ظهور خصوصاً بضميمة
الأخبار الأخر الآتية المتضمنة لعدم نقض اليقين بالشك (انتهى).
(قوله مع ان الظاهر
انه للجنس كما هو الأصل فيه وسبق فإنه على يقين ... إلخ لا يكون قرينة عليه مع
كمال الملاءمة مع الجنس أيضاً فافهم ... إلخ)
هذا جواب ثاني عن
الإشكال (ولكن فيه ما لا يخفى) فإن اللام بطبعه وان كان ظاهراً في الجنس وانه
الأصل فيه ولكن سبق فإنه على يقين من وضوئه ... إلخ مما يوهن الظهور المذكور (كما
أشار إليه الشيخ) أعلى الله مقامه في كلامه المتقدم (فقال) واللام وإن كان ظاهراً
في الجنس إلا أن سبق يقين الوضوء ربما يوهن الظهور المذكور ... إلخ (ولعل من هنا)
قال المصنف أخيراً فافهم.
(قوله مع أنه غير ظاهر
في اليقين بالوضوء لقوة احتمال أن يكون من وضوئه متعلقاً بالظرف لا بيقين ... إلخ)
هذا جواب ثالث عن
الإشكال (وحاصله) أن كون اللام في قوله عليهالسلام ولا ينقض اليقين أبداً بالشك للعهد والإشارة إلى خصوص
اليقين بالوضوء مبني على كون لفظة من وضوئه متعلقة بلفظة (يقين) بنفسها فيكون
اليقين حينئذ في الصغرى خاصاً وهو اليقين بالوضوء أي فانه على اليقين بوضوئه ولا
ينقض اليقين بالوضوء أبداً بالشك واما إذا كان متعلقاً بالظرف أي بلفظة (على يقين)
بحيث كان المعنى هكذا أي فانه من وضوئه على يقين ولا ينقض اليقين أبداً بالشك فلا
يكون اليقين حينئذ في الصغرى خاصاً كي تكون اللام في يقين الكبرى للإشارة إليه بل
جنساً مطلقاً فيكون اليقين في الكبرى أيضاً كذلك فتأمل جيداً.
في تفصيل الشيخ بين الشك في المقتضى
والشك في الرافع
(قوله ثم لا يخفى حسن
إسناد النقض وهو ضد الإبرام إلى اليقين ولو كان متعلقا بما ليس فيه اقتضاء البقاء
والاستمرار لما يتخيل فيه من الاستحكام إلى آخره)
شروع في تضعيف
تفصيل الشيخ أعلى الله مقامه بين الشك في المقتضي فلا يكون الاستصحاب حجة فيه
والشك في الرافع فيكون حجة فيه وهو القول التاسع في المسألة كما تقدم الّذي نسبه
إلى ظاهر المحقق صاحب المعارج (وقد استدل الشيخ) لهذا التفصيل بعد الفراغ عن ذكر
الأخبار (بما هذا لفظه) ان حقيقة النقض هو رفع الهيئة الاتصالية كما في نقض الحبل
والأقرب إليه على تقدير مجازيته هو رفع الأمر الثابت وقد يطلق على مطلق رفع اليد
عن الشيء ولو لعدم المقتضي له بعد ان كان آخذاً به فالمراد من النقض عدم الاستمرار
عليه والبناء على عدمه بعد وجوده (إذا عرفت هذا) فنقول إن الأمر يدور بين أن يراد
بالنقض مطلق ترك العمل وترتيب الأثر وهو المعنى الثالث ويبقي المنقوض عاماً لكل
يقين وبين أن يراد من النقض ظاهره وهو المعنى الثاني فيختص متعلقه بما من شأنه
الاستمرار المختص بالموارد التي يوجد فيها هذا المعنى والظاهر رجحان هذا على الأول
يعني به الثالث لأن الفعل الخاصّ يصير مخصصاً لمتعلقه العام كما في قول القائل لا
تضرب أحداً فإن الضرب قرينة على اختصاص العام بالأحياء ولا يكون عمومه للأموات
قرينة على إرادة مطلق الضرب عليه كسائر الجمادات (انتهى) موضع الحاجة من كلامه رفع
مقامه (ومحصله) ان للنقض (معنى حقيقي) وهو ضد الإبرام أي فك
الفتل وهو المقصود
من قوله رفع الهيئة من الاتصالية كما في نقض الحبل ... إلخ (ومعنى مجازي) أقرب وهو
رفع الأمر الثابت أي المستحكم الّذي فيه اقتضاء الثبوت والاستمرار (ومعنى مجازي
أبعد) وهو مطلق رفع اليد عن الشيء وترك العمل به ولو لعدم المقتضي له فإذا تعذر
المعنى الحقيقي كما في المقام ودار الأمر بين المعنيين المجازيين فيتعين المعنى
الثاني الأقرب فيختص اليقين حينئذ بما كان متعلقه أمراً ثابتاً مستحكماً فيه
اقتضاء الثبوت والاستمرار كالزوجية والملكية والعدالة ونحوها مما يحتاج رفعه إلى
وجود رافع ومزيل دون ما ليس فيه اقتضاء الثبوت والاستمرار بل يرتفع بنفسه كالليل
والنهار واشتعال السراج إذا شك في بقائه للشك في استعداده (هذا محصل كلام الشيخ)
أعلى الله مقامه.
(وأما المصنف)
فمحصل كلامه في تضعيفه أن حسن إسناد النقض إلى اليقين بعد تعذر إرادة المعنى
الحقيقي ليس بملاحظة متعلقه أي المتيقن كي يوجب تخصيصه بما من شأنه الثبوت
والاستمرار نظراً إلى كون رفعه أقرب إلى المعنى الحقيقي فيكون الفعل الخاصّ مخصصاً
لمتعلقه العام بل بملاحظة نفسه كما في إسناده إلى البيعة أو العهد أو اليمين ونحو
ذلك لما يتخيل في اليقين من الاستحكام سواء كان متعلقاً بما فيه اقتضاء الثبوت
والاستمرار أم لا بخلاف الظن فإنه يظن انه ليس فيه إبرام واستحكام.
(أقول)
بل لا يبعد أن
يكون النقض في المقام مستعملا في المعنى الثالث وهو مطلق رفع اليد عن الشيء وترك
العمل به ولو للشك في استعداده واقتضائه للثبوت والاستمرار وذلك بشهادة حسن اسناد
النقض إلى الشك أيضا كاليقين بعينه كما في الصحيحة الثالثة الآتية فيقول عليهالسلام فيها بل ينقض الشك باليقين ... إلخ فلو كان حسن إسناد
النقض إلى اليقين لأجل ما يتخيل فيه من الاستحكام لم يحسن إسناده إلى الشك أيضاً (ومنه
يظهر) ضعف قول المصنف بخلاف الظن فإنه يظن انه ليس
فيه إبرام
واستحكام ... إلخ إذ لو جاز إسناد النقض إلى الشك عرفاً فإسناده إلى الظن بطريق
أولى (وقد اعترف الشيخ) أعلى الله مقامه بهذا الشاهد في آخر كلامه (فقال) ويمكن أن
يستفاد من بعض الأمارات إرادة المعنى الثالث مثل قوله عليهالسلام بل ينقض الشك باليقين ... إلخ.
(قوله وإلّا لصح أن
يسند إلى نفس ما فيه المقتضى له مع ركاكة مثل نقضت الحجر من مكانه ولما صح أن يقال
انتقض اليقين باشتعال السراج فيما إذا شك في بقاءه للشك في استعداده ... إلخ)
أي وإن لم يحسن
إسناد النقض إلى اليقين إلّا إذا كان متعلقاً بما فيه اقتضاء البقاء والاستمرار
لصح إسناد النقض إلى نفس ما فيه اقتضاء البقاء كما في نقضت الحجر من مكانه ولما صح
إسناد النقض إلى اليقين المتعلق بما ليس فيه اقتضاء البقاء والاستمرار كما في
انتقض اليقين باشتعال السراج فيما إذا شك في بقاءه للشك في استعداده مع انه يصح
إسناده إليه مثل ما يصح إسناده إلى اليقين المتعلق بما فيه اقتضاء البقاء
والاستمرار عيناً كاليقين بالطهارة والنجاسة والزوجية والملكية ونحوها (فمن هذا
كله) يعرف أن حسن إسناد النقض إلى اليقين ليس بملاك تعلقه بما فيه اقتضاء البقاء
والاستمرار بل بملاك كون اليقين بنفسه مما يتخيل فيه الاستحكام
(أقول)
والظاهر ان ركاكة
مثل نقضت الحجر من مكانه إنما هو بلحاظ لفظة من مكانه الدالة على إرادة الرفع أو
النقل من النقض وهو غير مناسب مع المعنى الحقيقي وأما إذا أسند النقض إلى الحجر
وحده بلا لفظة من مكانه كما في قولك نقضت الحجر فقد صح وحسن كما في نقضت البناء
عيناً.
(قوله مثل ذاك الأمر
... إلخ)
أي مثل ذاك الأمر
المبرم.
(قوله حقيقة ... إلخ)
راجع إلى إرادة
مثل ذاك الأمر أي بعد تعذر إرادة مثل ذاك الأمر حقيقة مما يصح إسناد النقض إليه.
(قوله فإن قلت نعم
ولكنه حيث لا انتقاض لليقين في باب الاستصحاب حقيقة ... إلخ)
(وحاصل الإشكال)
انه نعم إنما يكون حسن إسناد النقض إلى اليقين بملاحظة نفسه لا بملاحظة متعلقة لكن
لا انتقاض لليقين في باب الاستصحاب حقيقة وإنما الانتقاض كذلك في قاعدة اليقين
والفرق بينهما كما سيأتي شرحه مفصلا ان كلامه من اليقين والشك في الاستصحاب قد
تعلق بغير ما تعلق به الآخر وفي قاعدة اليقين قد تعلق بعين ما تعلق به الآخر فيتحد
متعلقهما (فإذا تيقن) بالوضوء مثلا في أول النهار وشك في الوضوء في وسط النهار
فهذا مجري الاستصحاب ولا انتقاض فإن ما تعلق به اليقين السابق وهو الوضوء في وسط
النهار لم يتعلق به الشك اللاحق وما تعلق به الشك اللاحق وهو الوضوء في وسط النهار
لم يتعلق به اليقين السابق (واما إذا تيقن) بالوضوء في أول النهار وشك في وسط
النهار في أصل وضوئه في أول النهار فهذا مجري قاعدة اليقين وفيه انتقاض اليقين
السابق حقيقة (وعليه) فإذا لم يكن انتقاض لليقين في باب الاستصحاب حقيقة (فان كان)
المتعلق أي المتيقن مما ليس فيه اقتضاء البقاء والاستمرار لم يصح إسناد النقض إليه
اليقين ولو مجازاً (وان كان) فيه اقتضاء البقاء والاستمرار صح إسناد النقض إليه
ولو مجازاً فإن اليقين معه كأنه تعلق بأمر مستمر باق قد انقطع وانفصم بسبب الشك في
الرافع (وحاصل الجواب) ان عدم انتقاض اليقين في باب الاستصحاب حقيقة لتعدد متعلقي
اليقين والشك إنما هو على المداقة العقلية وأما على المسامحة العرفية وعدم ملاحظة
تعددهما زماناً فالانتقاض محقق عرفاً فكأن الشك اللاحق قد تعلق بعين ما تعلق به
اليقين السابق (وعليه) فإذا لم يعامل معاملة اليقين في ظرف الشك صدق
عليه عرفاً أنه قد
نقض اليقين بالشك فيكون إسناد النقض إليه حسناً عرفاً ولو مجازاً بتخيل ما فيه من
الاستحكام وهذا من غير فرق بين كون متعلقه مما فيه اقتضاء البقاء والاستمرار أم
لا.
(نعم) ان الإسناد
إليه مع اقتضاء البقاء والاستمرار في متعلقه هو أقرب اعتباراً ولكنه ليس مما يوجب
تعينه عرفاً إذا المتبع في الأقربية هو نظر العرف وفهم أهل اللسان لا على الاعتبار
والاستحسان كما لا يخفى.
(قوله وأما الهيئة فلا
محالة يكون المراد منها النهي عن الانتقاض بحسب البناء والعمل لا الحقيقة لعدم كون
الانتقاض بحسبها تحت الاختيار إلى آخره)
الشيخ أعلى الله
مقامه بعد أن أفاد العبارة المتقدمة التي كان محصلها ان للنقض معاني ثلاثة (رفع
الهيئة الاتصالية) (ورفع الأمر الثابت المستحكم) (ومطلق رفع اليد عن الشيء وترك
العمل به) وأن الأمر يدور بين المعنيين الأخيرين وأن الثاني أظهر من الثالث فيختص
متعلق اليقين بما من شأنه الاستمرار (قال ما لفظه) ثم لا يتوهم الاحتياج إلى تصرف
في اليقين بإرادة المتيقن منه لأن التصرف لازم على كل حال فإن النقض الاختياري
القابل لورود النهي عليه لا يتعلق بنفس اليقين على كل تقدير بل المراد نقض ما كان
على يقين منه وهو الطهارة السابقة أو أحكام اليقين والمراد بأحكام اليقين ليس
أحكام نفس وصف اليقين إذ لو فرضنا حكماً شرعياً محمولا على نفس صفة اليقين ارتفع
بالشك قطعاً كمن نذر فعلا في مدة اليقين بحياة زيد ويعني بالفعل مثل الصدقة ونحوها
بل المراد أحكام المتيقن المثبتة له من جهة اليقين وهذه الأحكام كنفس المتيقن
أيضاً لها استمرار شأني لا يرتفع إلّا بالرافع فإن جواز الدخول في الصلاة بالطهارة
أمر مستمر إلى أن يحدث ناقضها (انتهى) موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه.
(ومحصله) ان إرادة
المعنى الثاني من النقض وهو رفع الأمر الثابت المستحكم
واختصاص متعلق
اليقين حينئذ بما من شأنه البقاء والاستمرار وان كانت مما يحتاج إلى إرادة المتيقن
من اليقين ولكن هذا التصرف أمر لازم على كل حال وذلك ليصير النقض اختيارياً قابلا
لتعلق النهي به.
(فيقول المصنف) في
تضعيفه ما حاصله ان المراد من النهي عن النقض ليس هو النهي عن النقض الحقيقي فإن
النقض الحقيقي ليس تحت الاختيار على كل حال سواء كان المراد هو نقض اليقين بنفسه
أو نقض المتين أو آثار اليقين بل المراد هو النهي عن النقض بحسب البناء والعمل ومن
المعلوم ان النقض كذلك هو تحت الاختيار وإن أسند إلى اليقين بنفسه من غير حاجة إلى
التصرف في ظاهر القضية بإرادة المتيقن أو آثار اليقين من اليقين كي يصير النقض
اختيارياً قابلا لتعلق النهي به بل لا مجوز لذلك أصلا فضلا عن الملزم له كما لا
يخفى.
(قوله بناء على التصرف
فيها بالتجوز أو الإضمار ... إلخ)
فإن التصرف بإرادة
المتيقن أو آثار اليقين كما ادعى الشيخ أعلى الله مقامه في كلامه المتقدم آنفاً هو
على نحوين
(فتارة) يكون بنحو
التجوز في الكلمة كما إذا أريد من اليقين المتيقن.
(وأخرى) بنحو
التجوز في التقدير كما إذا أضمر لفظ الآثار قبل لفظ اليقين فقوله عليهالسلام ولا ينقض اليقين أبدا بالشك أي لا ينقض آثار اليقين أبداً
بالشك
(قوله فلا يكاد يجدى
التصرف بذلك في بقاء الصيغة على حقيقتها إلى آخره)
أي فلا يكاد يجدي
التصرف في القضية بالتجوز في الكلمة أو الإضمار في صيرورة النقض اختيارياً قابلا
لتعلق النهي به حقيقة كما استفيد ذلك من كلام الشيخ أعلى الله مقامه.
(قوله لا يقال لا محيص
عنه فإن النهي عن النقض بحسب العمل لا يكاد يراد بالنسبة إلى اليقين وآثاره
لمنافاته مع المورد ... إلخ)
(حاصل الإشكال)
انه لا محيص عن التصرف في القضية بأن يراد من اليقين المتيقن أو آثار اليقين أي
المثبتة للمتيقن من جهة اليقين كما أفاد الشيخ أعلى الله مقامه (وذلك) لعدم صحة
إسناد النقض ولو بحسب البناء والعمل إلى نفس اليقين إلّا إذا كان لوصف اليقين أثر
شرعي مترتب عليه كما إذا نذر أن يتصدق كل يوم بدرهم ما دام كونه متيقناً بحياة زيد
مثلا فيصح حينئذ النهي عن نقضه عملا بمعنى النهي عن عدم ترتيب أثره عليه (واما إذا
لم يكن) لوصف اليقين أثر شرعي كما في المورد بل كان الأثر الشرعي كجواز الدخول في
الصلاة ونحوه مترتباً على نفس المتيقن كالطهارة ونحوها يرتبه المكلف عليه من جهة
اليقين به فلا محالة يكون المراد من اليقين المتيقن أو آثار اليقين أي المثبتة
للمتيقن من جهة اليقين به أي لا ينقض المتيقن عملا بعدم ترتيب أثره عليه أو لا
ينقض آثار اليقين عملا بترك العمل بها ورفع اليد عنها (وحاصل الجواب) ان الإشكال
انما يتم إذا كان اليقين المأخوذ في الحديث الشريف ملحوظاً بنفسه وعلى وجه
الاستقلال واما إذا كان ملحوظاً بما هو مرآة للمتيقن أو لآثار اليقين فيصح إسناد
النقض العملي إليه بلحاظ متعلقه أو بلحاظ آثاره.
(وفيه) أن اليقين
المأخوذ في الحديث الشريف إذا كان ملحوظاً على وجه المرآتية والكاشفية عن المتيقن
أو آثار اليقين فهذا هو عبارة أخرى عن إرادة المتيقن أو آثار اليقين من اليقين وهو
التصرف الّذي قد أفاده الشيخ أعلى الله مقامه عيناً وليس هو شيئاً آخر وراء ذلك
لبا (ولعله) إليه أشار أخيراً بقوله فافهم كما سيأتي قريباً (والحق) في الجواب أن
يقال إن اليقين كما انه إذا كان لنفسه أثر شرعي مترتب عليه صح إسناد النقض العملي
إليه ويقال لا تنقضه عملا بمعنى النهي عن عدم ترتيب أثره عليه فكذلك إذا كان
للمتيقن أثر شرعي مترتب عليه صح إسناد
النقض العملي إلى
اليقين ويقال لا تنقضه عملا بمعنى النهي عن عدم ترتيب الآثار الثابتة للمتيقن
المنجزة على المكلف بسبب اليقين به.
(وبعبارة أخرى)
كما ان اليقين إذا كان لوصفه أثر شرعي مترتب عليه ولم يرتبه المكلف صدق عليه انه
قد نقض اليقين عملا من دون ان يكون ملحوظاً بنحو المرآتية فكذلك إذا كان لمتعلقه
آثار شرعية مترتبة عليه ولم يرتبه المكلف صدق عليه انه قد نقض اليقين عملا من دون
ان يكون ملحوظاً بنحو المرآتية فعدم ترتيب آثار كل من اليقين والمتيقن يكون هو
نقضاً لليقين بنفسه وهدماً وسحقاً له بعينه فتأمل جيداً.
(قوله حيث تكون ظاهرة
عرفاً في أنها كناية عن لزوم البناء والعمل بالتزام حكم مماثل للمتيقن تعبداً إذا
كان حكماً ولحكمه إذا كان موضوعاً ... إلخ)
علة لقوله كما هو
الظاهر في مثل قضية لا ينقض اليقين ... إلخ (وتوضيحه) انه سيأتي في التنبيه السابع
من تنبيهات الاستصحاب أن قضية اخبار الباب هو إنشاء حكم مماثل للمستصحب في استصحاب
الأحكام ولأحكامه في استصحاب الموضوعات بمعنى ان مقتضي قوله عليهالسلام ولا ينقض اليقين ... إلخ في مثل استصحاب وجوب صلاة الجمعة
هو إنشاء وجوب مثل الوجوب الّذي كنا نتيقن به في السابق وفي مثل استصحاب الخمر هو
إنشاء حرمة متعلقة به مثل الحرمة التي كانت متعلقة به في السابق فإذا عرفت هذا (فنقول)
إن محصل كلام المصنف هنا ان الظاهر في مثل قضية ولا ينقض اليقين ... إلخ هو كون
اليقين فيها ملحوظاً بنحو المرآتية حيث تكون ظاهرة عرفاً في لزوم العمل بحكم مماثل
للمتيقن فيما كان المتيقن حكماً أو مماثل لحكمه فيما كان موضوعاً ذا حكم فلو كان
اليقين فيها ملحوظاً بنحو الاستقلالية لكانت ظاهرة في لزوم العمل بالحكم المماثل
لحكم اليقين بنفسه وبوصفه كوجوب الصدقة المترتب بالنذر على صفة اليقين بحياة زيد
في المثال المتقدم لا بالحكم المماثل للمتيقن أو المماثل لحكمه.
(أقول)
بل الظاهر ان
اليقين في القضية ملحوظ بنحو الاستقلالية كما أشير آنفاً لا بنحو المرآتية ليلزم
التصرف المتقدم من إرادة المتيقن من اليقين ولا منافاة بين كونه ملحوظاً بنحو
الاستقلالية وبين انتهى عن نقضه عملا بلحاظ كل من آثاره إذا كان لنفس اليقين أثر
أو بلحاظ متعلقه إذا كان المتعلق أثراً أو بلحاظ آثار متعلقه إذا كان المتعلق
موضوعاً ذا أثر فإن رفع اليد عن كل من هذه الآثار هو نقض لليقين بنفسه وهدم وسحق
له بعينه كما تقدم آنفاً.
(قوله وذلك لسراية
الآلية والمرآتية من اليقين الخارجي إلى مفهومه الكلي فيؤخذ في موضوع الحكم ...
إلخ)
علة لقوله حيث
تكون ظاهرة عرفاً ... إلخ (وحاصله) ان اليقين الخارجي القائم بالنفس الّذي هو
مصداق من مصاديق اليقين كما أنه آلة ومرآة للمتيقن إذ لا يرى المتيقن بالكسر سوى
الأمر المتيقن فكذلك مفهومه الكلي قد يكون آلة ومرآة للمتيقن فيؤخذ مفهوم اليقين
في لسان الدليل ويكون المقصود منه هو المتيقن من دون ان يكون لنفس اليقين دخل في
الحكم أصلا كما لو قال مثلا إذا أيقنت بالخمر فلا تشربه فإن اليقين هاهنا مما لا
دخل له في حرمة الشرب أبداً فلا هو جزء الموضوع ولا هو تمام الموضوع بل الحكم
الواقعي مترتب على نفس الخمر غير ان اليقين به طريق إليه يتنجز حكمه بسببه.
(نعم) قد يؤخذ
مفهوم اليقين في لسان الدليل ويكون هو دخيلا في الحكم شرعاً إما بنحو تمام الموضوع
أو بنحو جزء الموضوع كما لو قال مثلا ان تيقنت بنجاسة ثوبك فلا تصلّ فيه فإن عدم
جواز الصلاة مترتب على اليقين بالنجاسة بنفسه وبوصفه لا على نفس النجاسة الواقعية
بما هي هي ومن هنا إذا صلى في ثوب نجس واقعاً ولم يعلم بالنجاسة ثم انكشف انه كان
نجساً صحت صلاته ولا تعاد.
(قوله فافهم ... إلخ)
قد أشرنا في ذيل
التعليق على قوله لا يقال لا محيص عنه ... إلخ إلى وجه قوله فافهم فلا تغفل.
(ثم إن هذا كله)
تمام الكلام فيما أفاده الشيخ أعلى الله مقامه لبيان مختاره من التفصيل بين الشك
في المقتضي والشك في الرافع وهو القول التاسع في المسألة كما تقدم أي الّذي نسبه
إلى ظاهر المحقق صاحب المعارج.
ما أفاده المحقق للتفصيل بين الشك في المقتضى
والشك في الرافع
(واما ما أفاده
المحقق) صاحب المعارج بنفسه لهذا القول فتفصيله هكذا.
(قال الشيخ) أعلى
الله مقامه بعد نقل الأقوال الأحد عشر في المسألة (ما لفظه) والأقوى هو القول
التاسع وهو الّذي اختاره المحقق فإن المحكي عنه في المعارج انه قال إذا ثبت حكم في
وقت ثم جاء وقت آخر ولم يقم دليل على انتفاء ذلك الحكم هل يحكم ببقائه ما لم يقم
دلالة على نفيه أم يفتقر الحكم في الوقت الثاني إلى دلالة حكى عن المفيد قدسسره انه يحكم ببقائه وهو المختار (إلى ان قال) والّذي نختاره
أن ننظر في دليل ذلك الحكم فإن كان يقتضيه مطلقاً وجب الحكم باستمرار الحكم كعقد
النكاح فإنه يوجب حل الوطء مطلقاً فإذا وقع الخلاف في الألفاظ التي يقع بها الطلاق
فالمستدل على ان الطلاق لا يقع بها لو قال حل الوطء ثابت قبل النطق بهذه الألفاظ
فكذا بعده كان صحيحاً لأن المقتضي للتحليل وهو العقد اقتضاه مطلقاً ولا يعلم أن
الألفاظ المذكورة رافعة لذلك الاقتضاء فيثبت الحكم عملا بالمقتضي (لا يقال) إن
المقتضي هو العقد ولم يثبت انه باق (لأنا نقول)
وقوع العقد اقتضى
حل الوطء لا مقيداً بوقت فيلزم دوام الحل نظراً إلى وقوع المقتضي لا إلى دوامه
فيجب أن يثبت الحل حتى يثبت الرافع (ثم قال) فان كان الخصم يعني بالاستصحاب ما
أشرنا إليه فليس هذا عملا بغير دليل وان كان يعني أمراً آخر وراء ذلك فنحن مضربون
عنه (انتهى).
(ثم إن الشيخ)
أعلى الله مقامه قد حكى العبارة المذكورة ثانياً من قوله والّذي نختاره ... إلخ
عند نقل حجة القول التاسع في ذيل نقل حجج الأقوال وأدلتها (ثم قال) وحاصل هذا
الاستدلال يرجع إلى كفاية وجود المقتضي وعدم العلم بالرفع لوجود المقتضي (ثم قال)
وفيه ان الحكم بوجود الشيء لا يكون إلا مع العلم بوجود علته التامة التي من
أجزائها عدم الرافع فعدم العلم به يوجب عدم العلم بتحقق العلة التامة إلا أن يثبت
التعبد من الشارع بالحكم بالعدم عند عدم العلم به وهو عين الكلام في اعتبار
الاستصحاب (انتهى) موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه (وملخصه) بمزيد توضيح منا ان
دليل المحقق عبارة عن التشبث بقاعدة المقتضي والمانع أي الحكم بالمقتضي بالفتح
بمجرد إحراز المقتضي مع الشك في المانع ولا دليل على اعتبارها وحجيتها لا عقلا ولا
شرعاً ما لم يحرز عدم المانع بعلم أو بعلمي أو بأصل عملي وهو جيد متين لا يمكن
إنكاره (ثم إن المحقق) وإن كان كلامه مفروضاً في خصوص الشك في رافعية الموجود حيث
مثّل بالألفاظ التي وقع الخلاف في وقوع الطلاق بها ولكن الظاهر وان كل من قال
بحجية الاستصحاب في الشك في رافعية الموجود قال بها في الشك في وجود الرافع ولا
عكس كما ستعرفه من المحقق السبزواري (هذا تمام الكلام) فيما أفاده المحقق صاحب
المعارج للقول التاسع في المسألة.
في تفصيل المحقق السبزواري
(واما ما أفاده
المحقق السبزواري) لمختاره من التفصيل بين الشك في المقتضي والشك في رافعية
الموجود فلا يكون الاستصحاب حجة فيهما وبين الشك في وجود الرافع فيكون الاستصحاب حجة
فيه وهو القول العاشر في المسألة كما تقدم (فملخصه) بعد التدبر التام في كلام طويل
له في محكي الذخيرة قد حكاه عنه الشيخ أعلى الله مقامه في ذيل نقل حجج الأقوال أن
نقض اليقين بالشك المنهي عنه في الأخبار إنما يعقل في الشك في وجود الرافع كالشك
في وجود البول الناقض للوضوء واما عند الشك في رافعية الموجود بنحو الشبهة الحكمية
كالشك في رافعية المذي أو بنحو الشبهة الموضوعية كالشك في ان الخارج بول ناقض أو
مذي غير ناقض فالنقض يكون باليقين بوجود ما شك في رافعيته فلا يكون منهياً عنه بل
يكون مأموراً به بمقتضى ذيل الصحيحة الأولى المتقدمة وإنما ينقضه بيقين آخر (وقد
أجاب عنه الشيخ) أعلى الله مقامه من وجوه.
(الأول) ما ملخصه
أن المراد من اليقين والشك في الأخبار هو اليقين والشك المتعلقان بشيء واحد كما ان
المراد من اليقين المنقوض واليقين الآخر الناقض هو اليقينان المتعلقان بشيء واحد (وعليه)
فلا معنى لنقض اليقين بالوضوء مثلا باليقين بوجود المذي المشكوك رافعيته أو بوجود
السائل المشكوك كونه بولا أو مذياً وذلك لعدم تعلق اليقين الثاني الناقض بعين ما
تعلق به اليقين الأول المنقوض وإلّا لجري عين ذلك حتى في الشك في الرافع فينقض
اليقين بالوضوء مثلا باليقين بوجود ما شك معه في خروج البول فان لكل شك في الخارج
منشأ موجود لا محالة كما لا يخفى.
(الثاني) ما ملخصه
ان نقض اليقين السابق برفع اليد عنه لا يكاد يعقل الا
بالشك والترديد لا
باليقين بوجود ما شك في رافعيته فإن وجوده منشأ للشك الناقض لا انه بنفسه ناقض.
(الثالث) انه لو
سلم تعقل نقض اليقين السابق باليقين بوجود ما شك في رافعيته فظاهر ذبل الصحيحة
وإنما ينقضه بيقين آخر حصر الناقض باليقين بالخلاف المتعلق بعين ما تعلق به اليقين
السابق لا بالشك ولا بيقين آخر متعلق بشيء آخر كاليقين بوجود ما شك في رافعيته
فتأمل جيداً.
(هذا تمام الكلام)
فيما أفاده المحقق السبزواري للقول العاشر في المسألة.
في تفصيل المحقق الخوانساري
(واما ما أفاده
المحقق الخوانساري) لمختاره من التفصيل بين الشك في المقتضي والشك في رافعية
الموجود بنحو الشبهة الحكمية فلا يكون الاستصحاب حجة فيهما وبين الشك في وجود
الرافع والشك في رافعية الموجود بنحو الشبهة المصداقية فيكون الاستصحاب حجة فيهما
وهو القول الحادي عشر في المسألة كما تقدم (فملخصه) كما يظهر بمراجعة كلامه الّذي
قد حكاه الشيخ أعلى الله مقامه بطوله عند نقل حجة القول الحادي عشر (ان القوم) قد
ذكروا أن الاستصحاب إثبات حكم في زمان لوجوده في زمان السابق عليه والاستصحاب بهذا
المعنى مما لا حجية فيه أصلا إذ لا دليل عليه لا عقلا ولا نقلا.
(نعم الظاهر) حجية
الاستصحاب بمعنى آخر وهو أن يكون لنا دليل شرعي على ان الحكم الفلاني بعد تحققه
ثابت إلى حدوث حال كذا أو وقت كذا فحينئذ إذا حصل ذلك الحكم فيلزم الحكم باستمراره
إلى ان يعمل وجود ما جعل مزيلا له ولا يحكم بنفيه بمجرد الشك في وجوده والدليل على
حجيته أمران.
(الأول) أصالة
الاشتغال وقد عبّر عنه فيما سيأتي بحكم العقل (وحاصل
تقريبه) أن الحكم
الّذي قد أريد استصحابه أما وضعي وإما تكليفي ولما كان مرجع الأول لدى التحقيق إلى
الثاني فينحصر الحكم بالتكليفي ثم إن التكليفي إما اقتضائي كالوجوب والندب والحرمة
والكراهة وإما تخييري كالإباحة اما الاستصحاب في الأول فلأنه إذا كان أمر أو نهي
بفعل إلى غاية معينة فعند الشك في حدوث تلك الغاية ما لم يمتثل التكليف لم يقطع
بالخروج عن العهدة وإما الاستصحاب في الثاني فلأن الأمر فيه أظهر (ولعل) وجه
الأظهرية كما نبّه عليه الشيخ أعلى الله مقامه هو أن الحكم ببقاء الإباحة عند الشك
في وجود الغاية مطابق لأصالة الإباحة الثابتة بالعقل والنقل.
(الأمر الثاني)
الأخبار (الناهية) عن نقض اليقين بالشك (الظاهرة) في أن المراد من عدم نقض اليقين
بالشك انه عند التعارض لا ينقض اليقين بالشك أي عند تعارض ما يوجب اليقين لو لا
الشك (الغير الشاملة) للشك في المقتضي إذ ليس فيه ما يوجب اليقين لو لا الشك
بخلافه في الشك في الرافع فإن ما يوجب اليقين لو لا الشك في الرافع موجود فيه وهو
المقتضي (ثم قال ما هذا لفظه) فإن قلت هل الشك في كون الشيء مزيلا للحكم مع العلم
بوجوده كالشك في وجود المزيل أم لا قلت فيه تفصيل لأنه إن ثبت بالدليل أن ذلك
الحكم مستمر إلى غاية معينة في الواقع ثم علمنا صدق تلك الغاية على شيء وشككنا في
صدقها في شيء آخر فحينئذ لا ينقض اليقين بالشك وأما إذا لم يثبت ذلك بل ثبت ان ذلك
الحكم مستمر في الجملة ومزيله الشيء الفلاني وشككنا في أن الشيء الآخر مزيل أم لا
فحينئذ لا ظهور في عدم نقض الحكم وثبوت استمراره إذ الدليل الأول غير جار فيه لعدم
ثبوت حكم العقل في مثل هذه الصورة خصوصاً مع ورود بعض الروايات الدالة على عدم
المؤاخذة بما لا يعلم والدليل الثاني الحق انه لا يخلو عن إجمال وغاية ما يسلم
منها ثبوت الحكم في الصورتين اللتين ذكرناهما (انتهى) موضع الحاجة من كلامه رفع
مقامه.
(أقول)
وفي كلا الدليلين
ما لا يخفى (اما أصالة الاشتغال) فلأنها وان كانت مما تجري إذا أمر بفعل أو نهى
عنه إلى غاية معينة وشك في وجود الغاية أو في كون الموجود غاية بنحو الشبهة
المصداقية لكن ذلك إذا كان المأمور به أو المنهي عنه ارتباطياً بان كان مجموع
الأفعال أو التروك مطلوباً واحداً كما إذا أمر بالإمساك أو نهي عن المفطرات إلى
الغروب وشك في حدوث الغروب أو في كون الحادث غروباً بنحو الشبهة المصداقية فحينئذ
يجب الاحتياط وليس من الأقل والأكثر الارتباطيين في الشبهة الحكمية كي يجري فيها
الخلاف المشهور وكان الأقوى فيها البراءة كما تقدم (واما إذا كان المأمور به) أو
المنهي عنه غير ارتباطي ومنحلا إلى واجبات أو محرمات متعددة فحينئذ لا يجب
الاحتياط بقاعدة الاشتغال ما لم يتشبث باستصحاب عدم الغروب (مضافاً) إلى أن الأمر
أو النهي إذا كان غير إلزامي فالتمسك بقاعدة الاشتغال وحكم العقل بالاحتياط مما لا
وجه له (واما الأخبار الناهية) عن نقض اليقين بالشك فلأنها.
(أولا) لا وجه
لدعوى ظهورها في كون المراد من عدم نقض اليقين بالشك هو النهي عنه عند تعارض ما
يوجب اليقين لو لا الشك كي لا تشمل الشك في المقتضي بدعوى انه ليس فيه ما يوجب
اليقين لو لا الشك بل المراد من عدم نقض اليقين بالشك هو النهي عن نقضه مطلقاً
سواء كان هناك ما يوجب اليقين لو لا الشك أم لا.
(وثانياً) لو سلم
ظهورها في ذلك فلا وجه لاختصاصها بالشك في وجود الرافع والشك في رافعية الموجود
بنحو الشبهة المصداقية بدعوى إجمال الإخبار وأن المتيقن منها خصوص الصورتين فقط بل
تشمل جميع صور الشك في الرافع في قبال الشك في المقتضي سواء كان الشك في أصل وجود
الرافع أو في رافعية الموجود بنحو الشبهة المصداقية أو بنحو الشبهة الحكمية فإن ما
يوجب اليقين لو لا
الشك موجود في
الكل فيتعارض مع الشك ويحرم نقضه به فتأمل جيداً.
في دفع توهم اختصاص الاستصحاب
بالموضوعات
(قوله ثم انه حيث كان
كل من الحكم الشرعي وموضوعه مع الشك قابلا للتنزيل ... إلخ)
دفع لما قد يتوهم
من اختصاص الاستصحاب بالموضوعات فقط دون الأحكام التكليفية نظراً إلى اختصاص مورد
الدليل وهو قوله عليهالسلام ولا ينقض اليقين أبدا بالشك ... إلخ بالشك في الموضوع دون
الحكم التكليفي.
(فيقول المصنف) في
دفعه إن كلا من الحكم والموضوع كما في استصحاب وجوب صلاة الجمعة أو استصحاب الخمر
عند الشك في انقلابه إلى الخل لما كان قابلا للتنزيل غايته أن تنزيل الخمر المشكوك
بمنزلة الخمر المتيقن يكون بجعل حرمة له يماثل حرمة الخمر المتيقن وتنزيل الوجوب
المشكوك بمنزلة الوجوب المتيقن يكون بجعل وجوب يماثل الوجوب المتيقن (كان) مقتضي
إطلاق قوله عليهالسلام ولا ينقض اليقين أبدا بالشك هو اعتبار الاستصحاب في كل من
الحكم والموضوع جميعاً واختصاص المورد بالموضوع فقط مما لا يوجب التخصيص به بعد
كون التعليل في الصحيحة كما تقدم شرحه قبلا هو باندراج اليقين والشك في مورد
السؤال تحت القضية الكلية المرتكزة في أذهان العقلاء الغير المختصة بمورد دون مورد
وهذا واضح.
(قوله فتأمل ... إلخ)
ولعل ذلك راجع إلى
قوله قد أتى بها في غير مورد لأجل الاستدلال بها على حكم
المورد ... إلخ
فان قضية ولا ينقض اليقين أبداً بالشك وان كانت قضية كلية ارتكازية قد أتى بها في
غير مورد لأجل الاستدلال بها على حكم المورد ولكن المورد في الجميع مختص بالموضوع
فقط كما لا يخفى.
في الاستدلال بصحيحة أخرى لزرارة
(قوله ومنها صحيحة
أخرى لزرارة قال قلت له أصاب ثوبي دم رعاف ... إلخ)
هذه صحيحة ثانية
لزرارة (قد رواها في الوافي) في أبواب الطهارة من الخبث في باب التطهير من المني (ورواها
في الوسائل) مقطعة
في أبواب متفرقة
من أحكام النجاسات وهي تشتمل على ست فقرات كل فقرة منها مسألة مستقلة برأسها.
(١ ـ قال قلت)
أصاب ثوبي دم رعاف أو غيره أو شيء من مني فعلمت أثره إلى أن أصيب له الماء فأصبت
وحضرت الصلاة ونسيت أن بثوبي شيئاً وصليت ثم إني ذكرت بعد ذلك قال تعيد الصلاة
وتغسله.
(٢ ـ قلت) فإن لم
أكن رأيت موضعه وعلمت أنه قد أصابه فطلبته فلم أقدر عليه فلما صليت وجدته قال
تغسله وتعيد.
(٣ ـ قلت) فإن
ظننت أنه قد أصابه ولم أتيقن ذلك فنظرت فلم أر شيئاً ثم صليت فيه فرأيت فيه قال
تغسله ولا تعيد الصلاة قلت لم ذلك قال لأنك كنت على يقين من طهارتك ثم شككت فليس
ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشك أبداً.
(٤ ـ قلت) فإني قد
علمت أنه قد أصابه ولم أدر أين هو فأغسله قال تغسل من ثوبك الناحية التي ترى أنها
قد أصابها حتى تكون على يقين من طهارته.
(٥ ـ قلت) فهل
عليّ إن شككت في أنه أصابه شيء أن انظر فيه قال لا ولكنك إنما تريد أن تذهب الشك
الّذي وقع في نفسك.
(٦ ـ قلت) إني
رأيته في ثوبي وأنا في الصلاة قال تنقض الصلاة وتعيد إذا شككت في موضع منه ثم
رأيته وإن لم تشك ثم رأيته رطباً قطعت الصلاة وغسلته ثم بنيت على الصلاة لأنك لا
تدري لعله شيء أوقع عليك فليس ينبغي أن تنقض اليقين بالشك (انتهى) الحديث الشريف (ولا
يخفى) أن بين ما ذكرناه من الوافي وبين ما ذكره المصنف في الكتاب اختلاف يسير في
بعض الألفاظ كما في الصحيحة الأولى عيناً وهو وإن لم يكن على نحو يغير المعنى ولكن
مع ذلك حيث كان الوقوف على متن الحديث على الضبط والدقة بلا اختلاف فيه أصلا أولى
وأحسن فلم نكتف بما ذكره المصنف قدسسره.
(قوله وقد ظهر مما
ذكرنا في الصحيحة الأولى تقريب الاستدلال بقوله فليس ينبغي أن تنقض اليقين بالشك
في كلا الموردين ... إلخ)
أي في الفقرة
الثالثة والسادسة فكما انه عليهالسلام في الصحيحة الأولى قد علل عدم وجوب الوضوء باندراج اليقين
والشك في المورد تحت القضية الكلية المرتكزة في أذهان العقلاء الغير المختصة بباب
دون باب وهو مما يكشف عن إمضاء تلك القضية الكلية فكذلك في الصحيحة الثانية قد علل
عدم وجوب إعادة الصلاة في الفقرة الثالثة والسادسة باندراج اليقين والشك في المورد
تحت القضية الكلية المرتكزة وهو مما يكشف عن إمضائه لها ورضائه بها.
(ودعوى) ان اللام
في الكبرى للعهد والإشارة إلى اليقين بالطهارة لا للجنس كي يثبت به المطلوب وهو
حجية الاستصحاب في جميع الأبواب من غير اختصاص بباب دون باب (فقد عرفت جوابها) مما
تقدم في الصحيحة الأولى من منافاتها مع ظهور الصحيحة في التعليل بالقضية الكلية
المرتكزة الغير المختصة بباب دون باب وانه لو كان اللام للعهد لكان التعليل بأمر
تعبدي وهو ركيك جداً
(أقول)
هذا مضافاً إلى
عدم سبق اليقين بالطهارة في الفقرة السادسة كي يدعي العهد فيها
كما سبق في الفقرة
الثالثة فدعوى العهد في الفقرتين جميعاً مما لا وجه له قطعاً.
(ولعل من هنا) قال
الشيخ أعلى الله مقامه وإرادة الجنس من اليقين لعله أظهر هنا (انتهى).
(بقي شيء) وهو ان
الظاهر من الفقرة السادسة أن الإمام عليهالسلام قد فرّق بين ما إذا رأي الدم في ثوبه في أثناء الصلاة
يابساً على وجه علم انه كان من السابق وقد وقع بعض الصلاة في الثوب النجس فينقض
الصلاة ويعيد وبين ما إذا رآه في ثوبه في أثناء الصلاة رطباً على وجه قد احتمل
وقوعه عليه في حال الصلاة فيقطع الصلاة ويغسل الثوب ثم يبني عليها من حيث قطعها (ومقتضي
الجمع) بين هذه الفقرة السادسة وبين الفقرة الثالثة الدالة على صحة الصلاة إذا
وقعت في ثوب نجس جهلا بالموضوع هو التفصيل بين وقوع جميع الصلاة في الثوب النجس
جهلا فتصح وبين وقوع بعضها كذلك فتبطل وتمام الكلام في الفقه إن شاء الله تعالى
(قوله نعم دلالته في
المورد الأول على الاستصحاب مبنى ... إلخ)
(وحاصله) ان في
لفظ اليقين في قوله عليهالسلام في المورد الأول لأنك كنت على يقين من طهارتك احتمالين.
(أحدهما) ان يكون
المراد منه هو اليقين بطهارة الثوب من قبل ظن الإصابة أي لأنك كنت على يقين من
طهارة ثوبك قبل ان تظن الإصابة ثم شككت وظننت انه قد اصابه فليس ينبغي لك ان تنقض
اليقين بالشك أبداً وعلى هذا الاحتمال يكون المورد من الاستصحاب وهذا هو الظاهر من
الحديث الشريف.
(ثانيهما) ان يكون
المراد منه هو اليقين بالطهارة الحاصل بالنظر في الثوب ولم ير شيئاً الزائل برؤية
النجاسة بعد الصلاة حيث يحتمل ان تكون هي النجاسة التي قد خفيت عليه حين نظر ولم
ير شيئاً ويحتمل أن تكون هي حادثة بعدها بحيث وقعت الصلاة في الثوب الطاهر وعلى
هذا الاحتمال يكون المورد من قاعدة اليقين لأن الشك قد تعلق بأصل ما تعلق به
اليقين لا ببقائه ولكن هذا خلاف ظاهر قوله
ثم صليت فيه فرأيت
فيه فان ظاهره انه رأيت النجاسة التي قد خفيت عليّ حين نظرت فلم أر شيئاً بحيث علم
وقوع الصلاة في الثوب النجس بلا شبهة.
(قوله ثم انه أشكل على
الرواية بأن الإعادة بعد انكشاف وقوع الصلاة ... إلخ)
حاصل الإشكال ان
ظاهر قول الراوي ثم صليت فيه فرأيت فيه كما تقدم آنفاً انه رأي النجاسة التي قد
خفيت عليه حين نظر فلم ير شيئاً بحيث علم وقوع الصلاة في الثوب النجس (وعليه)
فإعادة الصلاة حينئذ بعد انكشاف وقوعها في النجاسة ليس نقضاً لليقين بالطهارة
بالشك بل باليقين بالنجاسة فتعليله عليهالسلام عدم إعادة الصلاة باستصحاب الطهارة حين الصلاة حيث قال
تغسله ولا تعيد الصلاة قلت لم ذلك قال لأنك كنت على يقين من طهارتك ثم شككت فليس
ينبغي لك ان تنقض اليقين بالشك أبدا مما لا يكاد يصح.
(نعم إنما) يصح
هذا التعليل لجواز الدخول في الصلاة فإذا سأل مثلا انه كيف جاز له الدخول في
الصلاة وهو ظان بنجاسة ثوبه فيعلل بأنه كان له استصحاب الطهارة فجاز له الدخول
فيها.
(قوله ولا يكاد يمكن
التفصي عن هذا الإشكال إلا بأن يقال إن الشرط في الصلاة فعلا حين الالتفات إلى
الطهارة هو إحرازها ... إلخ)
(وحاصله) بعد
التدبر التام في مجموع ما للمصنف هنا من الكلام أن التفصي لا يكاد يمكن إلّا بأن
يقال إن الشرط فعلا في حين الالتفات إلى الطهارة هو إحرازها ولو بالأصل كالاستصحاب
أو بالقاعدة كقاعدة الطهارة لا نفس الطهارة وان كانت هي شرطاً اقتضائياً بمقتضى
الجمع بين هذه الصحيحة وبين بعض الإطلاقات مثل قوله تعالى وأما ثيابك فطهّر بناء
على إرادة تطهيرها من النجاسات لأجل الصلاة كما صرح به الطبرسي (وعليه) فمقتضى
إحراز الطهارة بالاستصحاب من قبل الصلاة وحصول الشرط لها أي الإحراز هو عدم
إعادتها بعداً ولو انكشف
وقوعها في النجس
بتمامها فيطابق التعليل حينئذ مع السؤال (ثم إن) الظاهر ان وجه التقييد بحين
الالتفات هو ان من غفل عن طهارة ثوبه ونجاسته وصلى بلا إحراز الطهارة أصلا صحت
صلاته قطعاً وإن انكشف بعداً ان الثوب كان نجساً بتمامه فلو كان إحراز الطهارة
شرطاً مطلقاً لم تصح صلاته في هذا الحال.
(أقول)
إن الظاهر مما دل
على وجوب إزالة النجاسات عن الثوب والبدن لأجل الصلاة بعد وضوح كونه غيرياً لا
نفسياً هو شرطية نفس الطهارة بما هي هي للصلاة واقعاً لا إحرازها غير ان التعليل
في الصحيحة حيث لا يكاد يطابق السؤال المذكور فيها الا مع إجزاء الطهارة
الاستصحابية أي الخبثية فيلتزم حينئذ بالإجزاء في خصوص المقام من دون التعدي إلى
كل امر ظاهري فكأن الإمام عليهالسلام قد علل عدم الإعادة بذلك لتفهيم السائل ان الطهارة
الخبثيّة الاستصحابية هي مما تجزي عن الواقعية وسيأتي الإشارة من المصنف إلى
احتمال كون التعليل بملاحظة اقتضاء الأمر الظاهري للإجزاء فانتظر.
(قوله ولو بأصل أو
قاعدة ... إلخ)
الظاهر ان مقصوده
من الأصل كما أشرنا هو الاستصحاب ومن القاعدة قاعدة الطهارة وقيل قاعدة اليد
والأمر في ذلك سهل هين.
(قوله لا يقال لا مجال
حينئذ لاستصحاب الطهارة فإنه إذا لم يكن شرطا لم يكن موضوعاً لحكم مع انه ليس بحكم
... إلخ)
(وحاصل الإشكال)
انه إذا قلنا إن الشرط هو إحراز الطهارة لا نفس الطهارة فكيف تستصحب الطهارة وتحرز
هي بالاستصحاب فإن الطهارة على هذا لا حكم ولا موضوع ذو حكم بعد فرض كون الشرط هو
إحراز الطهارة لا نفس الطهارة ومن المعلوم انه لا بد في الاستصحاب من كون المستصحب
حكماً أو موضوعاً ذا
حكم وإلا لكان
الاستصحاب والتعبد بالبقاء لغواً عبثاً كما لا يخفى (وقد أجاب المصنف) عن ذلك
بأمرين.
(الأول ما حاصله
أن مقتضي التوفيق بين بعض الإطلاقات ولعله يعني به الآية الكريمة كما أشرنا وبين
مثل التعليل في الصحيحة أن نفس الطهارة شرط اقتضائي وإحرازها حين الالتفات إليها
شرط فعلي ومن المعلوم ان كونها شرطاً اقتضائياً مما يكفي في جواز استصحابها شرعاً.
(الثاني) ان
الطهارة وإن لم تكن شرطاً للصلاة بل كان الشرط هو إحرازها ولو حين الالتفات إليها
ولكن مجرد كونها قيداً للشرط مما يكفي في جواز استصحابها والتعبد ببقائها ويخرجه
هو عن اللغوية والعبثية بلا كلام.
(قوله لا يقال سلمنا
ذلك لكن قضيته ان تكون علة عدم الإعادة حينئذ ... إلخ)
(حاصل الإشكال)
انه سلمنا ان الشرط في الصلاة ولو حين الالتفات إلى الطهارة هو إحرازها لا نفس
الطهارة (ولكن) مقتضي ذلك ان تكون علة عدم إعادة الصلاة بعد انكشاف وقوعها في
الثوب النجس هو إحراز الطهارة بالاستصحاب لا الطهارة المحرزة به (مع ان) مقتضي
التعليل وهو قوله عليهالسلام لأنك كنت على يقين من طهارتك ثم شككت ... إلخ أن العلة هي
الطهارة المحرزة بالاستصحاب لا إحرازها به وهو مستصحبها.
(قوله فإنه يقال نعم
ولكن التعليل إنما هو بلحاظ حال قبل انكشاف الحال ... إلخ)
(وحاصل الجواب)
انه نعم ان مقتضي كون الشرط إحراز الطهارة لا نفس الطهارة ان تكون العلة لعدم
إعادة الصلاة بعد انكشاف وقوعها في الثوب النجس هو إحراز الطهارة بالاستصحاب لا
الطهارة المحرزة به (ولكن) التعليل بالطهارة المستصحبة انما هو بلحاظ حال قبل
الانكشاف لنكتة التنبيه على حجية
الاستصحاب وانه
كان هناك استصحاب (مضافاً) إلى ان تعليل عدم الإعادة بالطهارة المستصحبة مما
يستلزم كون السبب واقعاً لعدم الإعادة بعد الانكشاف هو استصحاب الطهارة أي الّذي
كان جارياً في حال الصلاة لا نفس الطهارة وإلا لكانت الإعادة بعد كشف الخلاف من
نقض اليقين باليقين لا بالشك فلا يتم التعليل كما تقدم في الإشكال على الرواية.
(أقول)
ان التعليل وان
كان هو بلحاظ حال قبل الانكشاف إذ بعد الانكشاف لا استصحاب ولا مستصحب (ولكن) نكتة
التنبيه على حجية الاستصحاب وتفهيم السائل ان هناك كان استصحاب مما تحصل بكل من
التعليل بالطهارة المستصحبة أو باستصحاب الطهارة وإحرازها به لا بالأول فقط دون
الثاني (وعليه) فالصحيح في جواب الإشكال ان يقال إنا لا نسلم ان مقتضي التعليل أي
قوله عليهالسلام لأنك كنت على يقين من طهارتك ثم شككت ... إلخ ان العلة
لعدم الإعادة هي الطهارة المستصحبة بل العلة هي إحرازها به وهو مستصحبها (مضافاً)
إلى ان التعليل بالطهارة المستصحبة أو باستصحاب الطهارة مرجعهما إلى شيء واحد ولا
فرق بينهما أصلا (ولعمري) ان هذا الإشكال أعني الإشكال الأخير واه ضعيف جداً لم
ينبغ التعرض له أبداً غير ان المصنف قدسسره قد يطيل الكلام في بعض المقامات بلا طائل وقد يوجز الكلام
في بعض المقامات بل في كثير منها بما يخل بالمرام كما هو غير خفي على الأعلام.
(قوله ثم إنه لا يكاد
يصح التعليل لو قيل باقتضاء الأمر الظاهري للإجزاء كما قيل ... إلخ)
إشارة إلى ما ذكره
الشيخ أعلى الله مقامه (قال) وربما يتخيل حسن التعليل لعدم الإعادة بملاحظة اقتضاء
امتثال الأمر الظاهري للإجزاء فيكون الصحيحة من حيث تعليلها دليلا على تلك القاعدة
وكاشفة عنها (ثم قال) وفيه ان ظاهر قوله
فليس ينبغي يعني
ليس ينبغي لك الإعادة لكونه نقضاً (انتهى).
(فالمصنف) ردّ على
هذا التخيل بمثل ما رد عليه الشيخ أعلى الله مقامه من ان العلة لعدم الإعادة على
هذا هو اقتضاء ذاك الأمر الظاهري الموجود في حال الصلاة للإجزاء لا لزوم نقض
اليقين بالشك من الإعادة مع ان ظاهر قوله عليهالسلام فليس ينبغي ... إلخ أن العلة هو لزوم نقض اليقين بالشك من
الإعادة لا اقتضاء ذاك الأمر الظاهري للإجزاء.
(قوله اللهم إلّا أن
يقال إن التعليل به انما هو بملاحظة ضميمة اقتضاء الأمر الظاهري للإجزاء ... إلخ)
هذا توجيه للتخيل
المتقدم آنفاً (وحاصله) ان تعليل الإمام عليهالسلام عدم إعادة الصلاة باستصحاب الطهارة في حال الصلاة انما هو
بملاحظة اقتضاء الأمر الظاهري للإجزاء فان إعادة الصلاة فعلا مع فرض اقتضاء الأمر
الظاهري للإجزاء هو طرح لاستصحاب الطهارة في حال الصلاة ونقضاً لليقين بالطهارة
بالشك فيها في حال الصلاة وإلّا لزم عدم إجزاء الأمر الظاهري وهذا واضح ظاهر.
(قوله فتأمل ... إلخ)
قال المصنف في
تعليقته على الكتاب في وجه التأمل إن اقتضاء الأمر الظاهري للإجزاء ليس بذلك
الوضوح كي يحسن بملاحظته التعليل بلزوم النقض من الإعادة كما لا يخفى (انتهى).
(أقول)
نعم ليس اقتضاء
الأمر الظاهري للإجزاء بذاك الوضوح ولكنا قد أشرنا قبلا أن الإمام عليهالسلام كأنه قد أراد بذلك تفهيم السائل أن الطهارة الخبثيّة
الاستصحابية مما تجزي عن الواقعية وبهذا يصح التعليل ويحسن ويتم ويندفع الإشكال من
أصله وينحسم.
(قوله مع انه لا يكاد
يوجب الإشكال فيه والعجز عن التفصي عنه إشكالا في دلالة الرواية على الاستصحاب
فإنه لازم على كل حال كان مفاده قاعدة أو قاعدة اليقين ... إلخ)
(وحاصله) انه لو
سلم العجز عن تصحيح مطابقة التعليل مع السؤال في الرواية الشريفة فلا يكاد يوجب
ذلك قدحاً في دلالتها على الاستصحاب فإن إشكال عدم مطابقة التعليل مع السؤال هو
إشكال لازم على كل حال سواء كان مفاد الرواية هو قاعدة الاستصحاب بأن كان المراد
من اليقين فيه اليقين بطهارة الثوب من قبل ظن الإصابة كما تقدم أو قاعدة اليقين
بأن كان المراد من اليقين فيه اليقين بالطهارة الحاصل بالنظر في الثوب ولم ير
شيئاً الزائل برؤية النجاسة بعد الصلاة وليس هذا الإشكال مختصاً بما إذا كان مفاد
الرواية قاعدة الاستصحاب وحجيتها كي يكون ذلك قدحاً في دلالتها عليها.
(أقول)
بل الظاهر ان هذا
الإشكال مختص بما إذا كان مفاد الرواية هو قاعدة الاستصحاب وحجيتها دون قاعدة
اليقين إذا على الثاني يكون المراد من اليقين هو اليقين الحاصل بالنظر في الثوب
ولم ير شيئاً كما أشير آنفا الزائل برؤية النجاسة بعد الصلاة بحيث يحتمل ان تكون
هي النجاسة التي خفيت عليه حين نظر في الثوب ولم ير شيئاً فوقعت الصلاة في الثوب
النجس ويحتمل ان تكون حادثة بعدها فلم تقع الصلاة في الثوب النجس فيقول عليهالسلام لا تنقض ذلك اليقين بالطهارة الحاصل لك بالنظر بالشك
الحاصل بعدها بسبب الرؤية فلا تعاد الصلاة ثانياً ويطابق التعليل حينئذ مع السؤال (ولكن
الإنصاف) أن هذا كله خلاف ظاهر قوله ثم صليت فيه فرأيت فيه فإن ظاهره كما تقدم
قبلا انه رأيت النجاسة التي خفيت علي حين نظرت في الثوب فلم أر شيئاً فيكون مفاد
الرواية على هذا هو قاعدة الاستصحاب وحجيتها دون قاعدة اليقين كما سبق تحقيقه في
ذيل التعليق
على قوله نعم
دلالته في المورد الأول على الاستصحاب مبني ... إلخ فراجع.
في الاستدلال بصحيحة ثالثة لزرارة
(قوله ومنها صحيحة
ثالثة لزرارة وإذا لم يدر في ثلاث هو أو أربع وقد أحرز الثلاث قام فأضاف إليها
أخرى ... إلخ)
هذه صحيحة ثالثة
لزرارة (قد رواها في الوافي) في باب الشك فيما زاد على الركعتين (ورواها في
الوسائل) مقطعة بعضها في باب من شك بين الاثنتين والأربع وبعضها في باب من شك بين
الثلاث والأربع (وتمامها هكذا) عن أحدهما عليهماالسلام قال قلت له من لم يدر في أربع هو أو في ثنتين وقد أحرز
الثنتين قال يركع ركعتين وأربع سجدات وهو قائم بفاتحة الكتاب ويتشهد ولا شيء عليه
وإذا لم يدر في ثالث هو أو في أربع وقد أحرز الثلاث قام فأضاف إليها أخرى ولا شيء
عليه ولا ينقض اليقين بالشك ولا يدخل الشك في اليقين ولا يخلط أحدهما بالآخر ولكنه
ينقض الشك باليقين ويتم على اليقين فيبني عليه ولا يعتد بالشك في حال من الحالات (انتهى)
ومحل الاستشهاد هو قوله عليهالسلام ولا ينقض اليقين بالشك فإنه عليهالسلام قد حكم بنحو القضية الكلية بعدم نقض اليقين بالشك ومنهما
اليقين والشك في المورد أي اليقين بعدم الإتيان بالرابعة بالشك في إتيانها وهو
المطلوب (وأما دعوى) إرادة العهد من اللام فقد عرفت ضعفها في الصحيحتين الأوليين
فلا نعيده ثالثاً بل هي في المقام أضعف بكثير فإنه مع سبق اليقين بالوضوء في
الصحيحة الأولى وسبق اليقين بالطهارة في الفقرة الثالثة من الصحيحة الثانية إذا لم
يكن اللام للعهد فمع عدم سبق اليقين بعدم الإتيان بالرابعة في هذه الصحيحة بطريق
أولى.
(بقي شيء) واحد
وهو تفسير قوله عليهالسلام ولا يدخل الشك في اليقين
(والظاهر) ان
إدخال الشك في اليقين هو عبارة أخرى عن نقض اليقين بالشك والاعتناء بالشك فإذا نقض
اليقين بعدم الإتيان بالرابعة بالشك فيها واعتنى بالشك ولم يأت بالرابعة المشكوكة
فقد أدخل الشك في اليقين وخلط أحدهما بالآخر (كما ان الظاهر) ان نقض الشك باليقين
هو عبارة أخرى عن عدم الاعتناء بالشك فإذا لم ينقض اليقين السابق بالشك اللاحق ولم
يعتن بالشك أبداً فقد نقض الشك باليقين وتم على اليقين وبنى عليه ولم يعتد بالشك
في حال من الحالات.
(قوله والاستدلال بها
على الاستصحاب مبنى على إرادة اليقين بعدم الإتيان بالركعة الرابعة سابقاً والشك
في إتيانها وقد أشكل بعدم إمكان إرادة ذلك ... إلخ)
المستشكل هو الشيخ
أعلى الله مقامه (قال) بعد ذكر الصحيحة الثالثة (ما لفظه) وقد تمسك بها في الوافية
وقرره الشارح وتبعه جماعة ممن تأخر عنه وفيه تأمل لأنه إن كان المراد بقوله عليهالسلام قام فأضاف إليها أخرى القيام للركعة الرابعة من دون
التسليم في الركعة المرددة بين الثالثة والرابعة حتى يكون حاصل الجواب هو البناء
على الأقل فهو مخالف للمذهب وموافق لقول العامة ومخالف لظاهر الفقرة الأولى من
قوله يركع بركعتين بفاتحة الكتاب فإن ظاهره بقرينة تعيين الفاتحة إرادة ركعتين
منفصلتين أعني صلاة الاحتياط فتعين أن يكون المراد به القيام بعد التسليم في
الركعة المرددة إلى ركعة مستقلة كما هو مذهب الإمامية فالمراد باليقين كما في
اليقين الوارد في الموثقة الآتية على ما صرح به السيد المرتضى واستفيد من قوله عليهالسلام في أخبار الاحتياط إن كنت قد نقصت فكذا وإن كنت قد أتممت
فكذا هو اليقين بالبراءة فيكون المراد وجوب الاحتياط وتحصيل اليقين بالبراءة
بالبناء على الأكثر وفعل صلاة مستقلة قابلة لتدارك ما يحتمل نقصه (انتهى) موضع
الحاجة من كلامه رفع مقامه.
(ومحصله) ان
المراد من قوله عليهالسلام قام فأضاف إليها أخرى ان كان
هو القيام إلى
ركعة أخرى موصولة وكان المراد من اليقين فيها اليقين بعدم الإتيان بالرابعة
فالصحيحة من باب الاستصحاب ولكنها حينئذ مخالفة لمذهب الشيعة وموافق لقول العامة
بل ومخالف للفقرة الأولى منها الظاهرة في الإتيان بركعتين منفصلتين فيتعين ان يكون
المراد من القيام فيها القيام بعد التسليم إلى ركعة أخرى مفصولة ويكون المراد من
اليقين فيها اليقين بالبراءة الحاصلة بالبناء على الأكثر والإتيان بركعة مستقلة
فتكون الصحيحة حينئذ أجنبية عن الاستصحاب.
(قوله ويمكن الذنب عنه
بأن الاحتياط كذلك لا يأبى عن إرادة اليقين بعدم الركعة المشكوكة ... إلخ)
والصحيح أن يقال
ويمكن ذبه أي دفعه لا الذب عنه أي الدفع عنه فانه خلاف المقصود (وعلى كل حال) حاصل
المراد انه يمكن دفع الإشكال بأن الاحتياط بالبناء على الأكثر والإتيان بركعة أخرى
مفصولة مما لا ينافي إرادة اليقين بعدم الإتيان بالرابعة فأصل الإتيان بالرابعة
يكون بمقتضى الاستصحاب والإتيان بها مفصولة يكون بأخبار أخر دالة على الإتيان بها
كذلك.
(مثل ما رواه) في
الوسائل في باب وجوب البناء على الأكثر عن عمار عن أبي عبد الله عليهالسلام انه قال له يا عمار أجمع لك السهو كله في كلمتين متى شككت
فخذ بالأكثر فإذا سلمت فأتم ما ظننت انك نقصت.
(وما رواه) في
الباب أيضاً عن عمار بن موسى الساباطي قال وسألت أبا عبد الله عليهالسلام عن شيء من السهو في الصلاة فقال ألا أعلمك شيئاً إذا فعلته
ثم ذكرت أنك أتممت أو نقصت لم يكن عليك شيء قلت بلى قال إذا سهوت فابن علي الأكثر
فإذا فرغت وسلمت فقم وصل ما ظننت انك نقصت الحديث.
(وما رواه) في
الباب عن عمار بن موسى أيضا قال قال أبو عبد الله عليهالسلام كلما دخل عليك من الشك في صلاتك فاعمل على الأكثر قال فإذا
انصرفت فأتم
ما ظننت انك نقصت (وعليه)
فتكون هذه الأخبار كلها مقيدة لإطلاق قوله عليهالسلام في الصحيحة ولا ينقض اليقين بالشك المقتضي للإتيان
بالرابعة مطلقاً سواء كانت موصولة أو مفصولة.
(أقول)
وبهذه الأخبار
يرفع اليد أيضاً عن ظهور قوله عليهالسلام قام فأضاف إليها أخرى في الإتيان بها موصولة.
(وبالجملة) لا
ينبغي الإشكال في كون الصحيحة من باب الاستصحاب وأن المراد من اليقين فيها هو
اليقين بعدم الإتيان بالرابعة لا اليقين بالبراءة كما احتمله السيد (ره) في
الموثقة الآتية إذا شككت فابن علي اليقين واحتمله شيخنا الأنصاري أيضاً في المقام
فإنه بعيد جداً فيبقى في المقام ظهور قوله عليهالسلام قام فأضاف إليها أخرى فيرفع اليد عنه بالأخبار الدالة على
البناء على الأكثر ويحمل على الإتيان بالرابعة بعد التسليم مفصولة وبه يقيد إطلاق
النهي عن النقض الشامل للإتيان بها موصولة أو مفصولة (هذا إن قلنا) بمذهب المشهور
من وجوب البناء على الأكثر تعييناً والإتيان بما احتمل نقصه منفصلا (واما إذا قلنا)
بالتخيير بينه وبين البناء على الأقل والإتيان بما احتمل نقصه متصلا كما أفتى به
الصدوق في الفقيه على ما ذكره الوافي جمعاً بين الاخبار أي الآمرة بالبناء على
الأكثر والآمرة بالبناء على الأقل كما سيأتي بالإشارة إليها في ذيل الموثقة الآتية
فلا وجه لرفع اليد عن الظهور المذكور بل الصحيحة تكون هي من الأدلة الدالة على
البناء على الأقل كما لا يخفى.
(قوله فافهم .. إلخ)
ولعله إشارة إلى
ان أصل الإتيان بالرابعة لو كان هو بمقتضى استصحاب عدم الإتيان بها لوجب الإتيان
بها حينئذ موصولة كما إذا قطع بعدم الإتيان بها لا الإتيان بها مفصولة.
(أقول)
نعم ولكن مع ذلك
كله لا يضر ذلك بكون الصحيحة من باب الاستصحاب وان المراد من اليقين فيها هو اليقين
بعدم الإتيان بالرابعة إذ غاية ما يلزم حينئذ هو رفع اليد عن الاتصال بأخبار أخر
لا الالتزام بكون المراد من اليقين فيها هو اليقين بالبراءة كما احتمله الشيخ أعلى
الله مقامه لتكون الصحيحة أجنبية عن الاستصحاب رأساً.
(قوله وربما أشكل
أيضاً بأنه لو سلم دلالتها على الاستصحاب كانت من الاخبار الخاصة الدالة عليه في
خصوص المورد لا العامة لغير مورد ... إلخ)
(حاصل الإشكال)
انه لو سلم دلالة الصحيحة على الاستصحاب بأن يكون المراد من اليقين فيها اليقين
بعدم الإتيان بالرابعة فهي من الاخبار الخاصة أي الدالة على الاستصحاب في مورد
مخصوص (مثل) قوله عليهالسلام إذا استيقنت أنك قد أحدثت فتوضأ وإياك أن تحدث وضوء أبدا
حتى تستيقن أنك قد أحدثت إلى غير ذلك مما سيأتي تفصيله لا من الاخبار العامة أي
الدالة على الاستصحاب في عموم الأبواب من غير اختصاص بباب دون باب وذلك لظهور
الفقرات السبع وهي قوله عليهالسلام ولا ينقض اليقين بالشك ولا يدخل الشك في اليقين ... إلخ في
كونها مبنية للفاعل أي لا ينقض المصلي الشاك فإذا كان الفاعل هو المصلي الشاك كان
المراد من اليقين فيها خصوص يقينه بعدم الإتيان بالرابعة لا جنس اليقين ليستفاد
منها حجية الاستصحاب في عموم الأبواب (وقد أجاب عنه) المصنف بأمرين
(أحدهما) أن تطبيق
قضية لا ينقض اليقين على غير مورد كما في الصحيحتين المتقدمتين مما يؤيد إلغاء
خصوصية المورد في الصحيحة الثالثة.
(ثانيهما) ان
الظاهر من نفس القضية أن ملاك حرمة النقض انما هو ما في نفس اليقين والشك لا لما
في المورد من الخصوصية كي يختص الحكم به دون غيره.
(أقول)
وكأن المصنف قد
سلم أن المراد من اليقين في الصحيحة بعد ظهور الفقرات فيها في كونها مبنية للفاعل
هو يقين المصلي بخصوص عدم الإتيان بالرابعة لا جنس اليقين غايته أنه قد تشبث
لإلغاء خصوصية المورد بالأمرين المذكورين (ولكن الحق) هو منع ذلك أي منع كون
المراد من اليقين فيها بعد فرض ظهور الفقرات السبع في كونها مبنية للفاعل هو يقين
المصلي بخصوص عدم الإتيان بالرابعة بل المراد جنس يقينه أي ولا ينقض المصلي الشاك
جنس اليقين بالشك ومنه يقينه في المورد بعدم الإتيان بالرابعة وقد أشرنا إلى ذلك
كله قبلا عند ذكر محل الاستشهاد من الصحيحة مختصراً فتذكر وتدبر جيداً.
في الاستدلال بموثقة إسحاق
(بقي شيء) وهو ان
الشيخ أعلى الله مقامه بعد ما فرغ من الصحيحة الثالثة قد تعرض لموثقة إسحاق التي
قد أشير إليها مكرراً.
(وهي ما رواه) في
الوافي في باب الشك فيما زاد على الركعتين (وفي الوسائل) في باب وجوب البناء على
الأكثر مسنداً عن إسحاق بن عمار قال قال لي أبو الحسن الأول عليهالسلام إذا شككت فابن علي اليقين قال قلت هذا أصل قال نعم (وقد
ناقش الشيخ) أعلى الله مقامه في الاستدلال بها كما ناقش في الاستدلال بالصحيحة
الثالثة أيضاً (وعمدة) وجه المناقشة منافاتها لما جعله الشارع أصلا في غير واحد من
الاخبار يعني بها الاخبار المتقدمة الآمرة بالبناء على الأكثر وان احتمل أخيراً
عدم اختصاصها بشكوك الصلاة فضلا عن الشك في ركعاتها (قال) نعم يمكن أن يقال بعدم
الدليل على اختصاص الموثقة بشكوك الصلاة فضلا عن الشك في ركعاتها فهو أصل كلي خرج
منه الشك في عدد الركعات وهو غير قادح (انتهى)
(أقول)
الظاهر كما أفاد
الشيخ أعلى الله مقامه انه لا دليل على اختصاص الموثقة بشكوك الصلاة فضلا عن الشك
في ركعتها كي تنافي ما جعله الشارع أصلا في غير واحد من الاخبار (ولكن) الموثقة
على هذا التقدير مجملة مرددة بين قاعدة الاستصحاب وقاعدة اليقين لعدم ظهورها في
شيء منها إذ كما يحتمل أن يكون المراد انه إذا شككت في بقاء ما تيقنت به فابن علي
اليقين فكذلك يحتمل أن يكون المراد انه إذا شككت في أصل ما تيقنت به فابن علي
اليقين وستأتي الإشارة إلى قاعدة اليقين في تتمة الاستصحاب إن شاء الله تعالى.
(نعم إذا قلنا)
باختصاصها بالشك في عدد الركعات كما هو ظاهر الأصحاب بقرينة ذكرهم لها في ذيل
أخبار الشكوك في ركعات الصلاة فهي من الأدلة الخاصة أي الدالة على الاستصحاب في
مورد خاص وهو عدد ركعات الصلاة لا الأدلة العامة أي الدالة عليه مطلقاً في عموم
الأبواب من غير اختصاص بباب دون باب كما في الصحاح الثلاث المتقدمات وحينئذ (فإذا
اخترنا) ما اختاره المشهور من وجوب البناء على الأكثر عند الشك في ركعات الصلاة
فلا بدّ من حملها على التقية لموافقتها لمذهب العامة كسائر ما دل على البناء على
الأقل.
(مثل ما رواه) في
الوافي في باب الشك فيما زاد على الركعتين عن ابن يقطين عن أخيه عن أبيه قال سألت
أبا الحسن عليهالسلام عن الرّجل لا يدري كم صلي واحدة أم ثنتين أم ثلاثاً قال
يبني على الجزم ويسجد سجدتي السهو ويتشهد خفيفاً.
(وما رواه) في
الباب أيضاً عن سهل بن اليسع فيما إذا تلبس عليه الاعداد كلها عن الرضا عليهالسلام انه قال يبني على يقينه ويسجد سجدتي السهو بعد التسليم
ويتشهد تشهداً خفيفاً.
(وما رواه) في
الباب أيضا عن اليسع عن أبيه قال سألت أبا الحسن عليهالسلام عن الرّجل لا يدري أثلاثاً صلي أم ثنتين قال يبني على
النقصان ويأخذ بالجزم
ويتشهد بعد
انصرافه تشهداً خفيفاً كذلك في أول الصلاة وآخرها (قال) صاحب الوافي لعله سقط ذكر
سجود السهو من قلم النساخ في هذا الحديث (إلى ان قال) لأن التشهد الخفيف لا يكون
إلّا فيه (انتهى) وهو جيد.
(وما رواه) في
الباب أيضاً عن البجلي وعلي عن أبي إبراهيم عليهالسلام في السهو في الصلاة فقال يبني على اليقين ويأخذ بالجزم
ويحتاط بالصلوات كلها (واما إذا اخترنا) ما اختاره الصدوق أعلى الله مقامه كما
تقدم من التخيير بين البناء على الأكثر والبناء على الأقل بمقتضى الجمع بين
الطائفتين من الاخبار فهي من جملة ما دل على البناء على الأقل بلا حاجة إلى حملها
على التقية أصلا وهذا واضح.
في الاستدلال برواية محمد بن مسلم
ورواية أخرى
(قوله ومنها قوله من
كان على يقين فأصابه شك فليمض على يقينه فإن الشك لا ينقض اليقين أو فإن اليقين لا
يدفع بالشك ... إلخ)
هذه روايتان قد
جمع بينهما المصنف بلفظ واحد (قال الشيخ) أعلى الله مقامه (ما لفظه) ومنها ما عن
الخصال بسنده عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليهالسلام قال قال أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه من كان على
يقين فشك فليمض على يقينه فإن الشك لا ينقض اليقين (انتهى).
(ورواها في
الوسائل) في أول باب من نواقض الوضوء (وقال) ثم شك (ثم قال) الشيخ أعلى الله مقامه
وفي رواية أخرى عنه من كان على يقين فأصابه شك فليمض على يقينه فإن اليقين لا يدفع
بالشك (قال) وعدّها المجلسي في البحار في سلك الاخبار التي يستفاد منها القواعد
الكلية (انتهى) فقول المصنف
أو فإن اليقين لا
يدفع بالشك إشارة إلى هذه الرواية الثانية.
(قوله وهو وإن كان
يحتمل قاعدة اليقين لظهوره في اختلاف زمان الوصفين وانما يكون ذلك في القاعدة دون
الاستصحاب ... إلخ)
(توضيح المقام) أن
الشيخ أعلى الله مقامه بعد أن ذكر الروايتين جميعاً أورد عليهما (بما حاصله) انه
يعتبر في قاعدة اليقين اختلاف زمان اليقين والشك بأن نتيقن أولا بعدالة زيد مثلا
في يوم الجمعة ثم نشك بعداً في نفس عدالته في يوم الجمعة (ولكن) لا يعتبر ذلك في
الاستصحاب قطعاً إذ من الجائز أن نتيقن ونشك في زمان واحد كما إذا تيقنا في الحال
أن زيداً كان عادلا في يوم الجمعة وفي عين الحال شككنا أيضاً في عدالته في هذا
الحال (والسر فيه) ان الشك في الاستصحاب متعلق ببقاء ما تيقن به فيتعدد متعلق
اليقين والشك دقة فلا بأس باجتماع الوصفين في زمان واحد بخلاف قاعدة اليقين فإن
الشك فيها يتعلق بأصل ما تيقن به فيتحد متعلق اليقين والشك فلا يكاد يجتمع الوصفان
في زمان واحد (ثم لا إشكال) في ظهور الروايتين جميعاً بمقتضى قوله عليهالسلام من كان على يقين فشك أو فأصابه شك في اختلاف زمان اليقين
والشك وان اليقين فيهما سابق والشك فيهما لاحق (وعليه) فيتعين حملهما على قاعدة
اليقين دون الاستصحاب.
(فيقول المصنف) في
جواب الشيخ أعلى الله مقامه ما حاصله أن الروايتين وان كانتا ظاهرتين في اختلاف
زمان اليقين والشك ولكن مجرد ذلك مما لا يوجب تعين حملهما على قاعدة اليقين فإن
المتداول في التعبير عن الاستصحاب أيضاً هو ذلك ولعله بملاحظة اختلاف زمان المتيقن
والمشكوك وسرايته إلى نفس اليقين والشك لما بين اليقين والمتيقن من نحو من الاتحاد
وهكذا بين الشك والمشكوك (بل ولنا) ما يوجب ظهور الروايتين في الاستصحاب فضلا عن
عدم الموجب لتعين حملهما على قاعدة اليقين وهو قوله عليهالسلام فان الشك لا ينقض اليقين أو فإن اليقين لا يدفع بالشك فإنه
إشارة إلى القضية المرتكزة في أذهان العقلاء الواردة
في أدلة الاستصحاب
مكرراً أعني في الصحاح الثلاثة المتقدمة.
(وقد أنصف الشيخ)
أعلى الله مقامه أخيراً فأشار إلى ذلك بقوله لكن الإنصاف أن قوله عليهالسلام فإن اليقين لا ينقض بالشك بملاحظة ما سبق في الصحاح من
قوله لا ينقض اليقين بالشك ظاهره مساوقته لها ويبعد حمله على المعنى الّذي ذكرنا (انتهى).
(قوله فافهم ... إلخ)
ولعله إشارة إلى ضعف
قوله ولعله بملاحظة اختلاف زمان الموصوفين وسرايته إلى الوصفين لما بين اليقين
والمتيقن من نحو الاتحاد ... إلخ فإن السرّ في تداول التعبير عن الاستصحاب بمثل
تلك العبارة من كان على يقين فشك أو فأصابه شك ليس هو اختلاف زمان الموصوفين
وسرايته إلى الوصفين بل السر هو اتحاد متعلقي اليقين والشك في الاستصحاب عرفاً كما
في قاعدة اليقين عيناً غايته انه في الاستصحاب متحد عرفاً وفي قاعدة اليقين متحد
دقة وعرفاً فإذا اتحد متعلق اليقين والشك في الاستصحاب عرفاً كما في قاعدة اليقين
فقهراً يختلف زمان اليقين والشك فيه كما يختلف فيها فيكون اليقين سابقاً والشك لا
حقاً ويحسن التعبير في كليهما جميعاً بمثل من كان على يقين فشك أو فأصابه شك فتأمل
جيداً.
في الاستدلال بخبر الصفار
(قوله ومنها خبر
الصفار عن علي بن محمد القاساني قال كتبت إليه وانا بالمدينة عن اليوم الّذي يشك
فيه من رمضان هل يصام أم لا فكتب اليقين لا يدخل فيه الشك صم للرؤية وأفطر للرؤية
... إلخ)
قد رواها) في
الوافي في باب علامة دخول الشهر وأن الصوم للرؤية والفطر للرؤية.
(ورواها) في
الوسائل في باب كون علامة شهر رمضان وغيره رؤية الهلال (والعجب) أن المصنف قد نقل
الحديث في المقام على الضبط والدقة بلا اختلاف في متنه أصلا ولو يسيراً.
(قوله حيث دل على أن
اليقين بشعبان لا يكون مدخولا بالشك في بقاءه وزواله بدخول شهر رمضان ... إلخ)
ظاهر العبارة أن
الخبر قد دل على أن خصوص اليقين بشعبان لا يكون مدخولا بالشك في بقاءه وزواله
بدخول شهر رمضان فيكون الخبر من الأخبار الخاصة أي الدالة على حجية الاستصحاب في
مورد مخصوص وفي باب خاص لا الأخبار العامة أي الدالة على اعتباره في عموم الأبواب
من غير اختصاص بباب دون باب (ولكنه) كما ترى ضعيف فإن الخبر قد دل على أن جنس
اليقين لا يكون مدخولا بالشك ومنه اليقين بشعبان فلا يكون مدخولا بالشك في شهر
رمضان وهكذا اليقين بشهر رمضان فلا يكون مدخولا بالشك في شوال لا خصوص اليقين
بشعبان أو بشهر رمضان (وقد أجاد الشيخ) أعلى الله مقامه في تقريب الاستدلال به (فقال)
بعد ذكر الخبر (ما لفظه) فإن تفريع تحديد كل من الصوم والإفطار على رؤية هلالي
رمضان وشوال لا يستقيم إلّا بإرادة عدم جعل اليقين السابق مدخولا بالشك يعني به
جنس اليقين السابق مدخولا بالشك اللاحق ومنه اليقين بشعبان واليقين بشهر رمضان.
(قوله وربما يقال ان
مراجعة الأخبار الواردة في يوم الشك يشرف القطع بأن المراد باليقين هو اليقين
بدخول شهر رمضان ... إلخ)
(وتفصيل الأخبار)
الواردة في يوم الشك هكذا قد (روي) في الوسائل في باب كون علامة شهر رمضان وغيره
رؤية الهلال مسنداً عن إبراهيم بن عثمان الخزّاز عن أبي عبد الله عليهالسلام في حديث قال ان شهر رمضان فريضة من فرائض الله فلا تؤدوا
بالتظني.
(وروي) أيضاً في
الباب مسنداً عن سماعة قال صيام شهر رمضان بالرؤية وليس بالظن الحديث.
(وروي) أيضا في
الباب مسنداً عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليهالسلام قال إذا رأيتم الهلال فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا وليس
بالرأي والتظني ولكن بالرؤية الحديث.
(وروي) أيضاً في
الباب مسنداً عن إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله عليهالسلام انه قال في كتاب علي عليهالسلام صم لرؤيته وأفطر لرؤيته وإياك والشك والظن الحديث.
(فيقول المصنف)
انه ربما يقال إن مراجعة تلك الأخبار مما يشرف القطع بأن المراد من اليقين في خبر
الصفار هو اليقين بدخول شهر رمضان وأنه لا بد في وجوب الصوم من اليقين بدخول شهر
رمضان كما لا بد في وجوب الإفطار من اليقين بدخول شوال غايته أن الحديثين الأولين
أعني حديثي الخزّاز وسماعة يتعرضان حال الصوم فقط والحديثان الأخيران يتعرضان كلا
من الصوم والإفطار جميعاً (وعليه) فخبر الصفار يكون أجنبياً عن الاستصحاب رأساً.
(أقول)
إن المصنف وإن لم
يصرح باختيار هذا القول تصريحاً ولكن الظاهر منه الميل إليه حيث ذكر القول ولم يرد
عليه وما أبعد ما بينه وبين ما ادعاه الشيخ أعلى الله مقامه من كون الخبر من أظهر
روايات الباب يعني باب الاستصحاب (قال) والإنصاف ان هذه الرواية أظهر ما في هذا
الباب من أخبار الاستصحاب إلا أن سندها غير سليم (انتهى).
(والحق) أن الخبر
وإن لم يكن من أظهر روايات الباب بل أظهرها الصحاح الثلاثة بلا شبهة ولكن الخبر
ليس أجنبياً عن الاستصحاب رأساً كما احتمله المصنف فإن مفاد اخبار يوم الشك وإن
كان اعتبار اليقين بدخول شهر رمضان
في وجوب الصوم
وأنه فريضة من فرائض الله فلا يجوز تأديته بالشك أو الظن بل بالرؤية (ولكن) مع ذلك
لا يكون قرينة على أن المراد من اليقين في خبر الصفار (اليقين لا يدخل فيه الشك)
هو اليقين بدخول شهر رمضان سيما بعد وجود هذا التعبير في الصحيحة الثالثة أيضاً
المتقدمة بل المراد منه أن جنس اليقين السابق مما لا يدخل فيه الشك اللاحق كما ظهر
من الشيخ أيضاً في عبارته المتقدمة وقد عرفت قبلا في ذيل الصحيحة الثالثة أن إدخال
الشك في اليقين هو عبارة أخرى عن نقض اليقين بالشك والاعتناء بالشك وخلطه باليقين
فتذكر.
في الاستدلال بقوله كل شيء طاهر وقوله
الماء كله طاهر وقوله كل شيء حلال
(قوله ومنها قوله عليهالسلام كل شيء طاهر حتى
تعلم إنه قذر وقوله الماء كله طاهر حتى تعلم أنه نجس وقوله كل شيء حلال حتى تعرف
انه حرام إلى آخره)
(الشيخ أعلى الله
مقامه) بعد أن فرغ عن ذكر الأخبار الستة المتقدمة من الصحاح الثلاثة وما بعدها (قال
ما لفظه) هذه جملة ما وقفت عليه من الأخبار المستدل بها للاستصحاب (إلى ان قال)
وربما يؤيد ذلك بالأخبار الواردة في المورد الخاصة يعني بها الأخبار الدالة على
حجية الاستصحاب في موارد مخصوصة وأبواب خاصة (فذكر رواية عبد الله بن سنان)
الواردة فيمن يعير ثوبه الذميّ وسنذكر تفصيلها إن شاء الله تعالى (إلى ان قال)
ومثل قوله عليهالسلام في موثقة عمار كل شيء طاهر حتى تعلم انه قذر (ثم ساق
الكلام طويلا إلى ان قال) ونظير ذلك ما صنعه صاحب الوافية حيث ذكر روايات أصالة
الحل الواردة في مشتبه الحكم أو
الموضوع في هذا
المقام (إلى ان قال) ومنها قوله عليهالسلام الماء كله طاهر حتى تعلم أنه نجس (انتهى).
(أقول)
(أما الرواية
الأولى) أعني موثقة عمار فقد رواها في الوسائل في أبواب النجاسات في باب أن كل شيء
طاهر حتى يعلم ورود النجاسة عليه (ولفظه) كل شيء نظيف حتى تعلم أنه قذر فإذا علمت
فقد قذر وما لم تعلم فليس عليك ولكن المشهور على الألسن هو كل شيء طاهر ولا أصل
له.
(وأما روايات
الحلّ) فقد عرفت تفصيلها في البراءة سنداً ومتناً فلا نعيد.
(وأما الرواية
الأخيرة) فقد رواها في الوسائل في أول باب من أبواب الماء المطلق (ولفظه) الماء
كله طاهر حتى يعلم أنه قذر وان كان لفظ الشيخ والمصنف جميعاً حتى تعلم أنه نجس
ولكن المروي ما نقلناه.
(قوله وتقريب دلالة
مثل هذه الأخبار على الاستصحاب أن يقال ان الغاية فيها انما هو لبيان استمرار ما
حكم على الموضوع واقعاً ... إلخ)
(ملخص كلام الشيخ)
أعلى الله مقامه في تقريب دلالة موثقة عمار كل شيء طاهر حتى تعلم أنه قذر على
الاستصحاب أنها مبنية على كونها مسوقة لبيان استمرار طهارة كل شيء إلى ان يعلم
حدوث قذارته لا ثبوتها له ظاهراً إلى أن يعلم عدمها (والأصل) في ذلك أن القضية
المغياة (قد يقصد المتكلم بها) مجرد ثبوت المحمول للموضوع (وقد يقصد المتكلم بها)
مجرد الاستمرار لا أصل الثبوت بحيث يكون أصل الثبوت مفروغاً عنه (والمقصود) من
الموثقة.
(إما ان يكون
المعنى الثاني) وهو القصد إلى بيان الاستمرار بعد الفراغ من ثبوت أصل الطهارة
فيكون دليلا على استصحاب الطهارة لكنه خلاف الظاهر.
(وإما ان يكون
المعنى الأول) وحينئذ لم يكن فيه دلالة على استصحاب الطهارة وإن شمل مورده إلّا أن
الحكم فيما علم طهارته ولم يعلم طرو القذارة له ليس
من حيث سبق طهارته
بل باعتبار مجرد كونه مشكوك الطهارة فالرواية تفيد قاعدة الطهارة حتى في مسبوق
الطهارة لا استصحابها.
(وملخص كلام
المصنف) في تقريب دلالة تلك الاخبار على الاستصحاب أن المستفاد من الغاية بيان
استمرار ما حكم على الموضوع واقعاً بحسب الظاهر فقوله عليهالسلام كل شيء طاهر يستفاد منه إثبات حكم واقعي للشيء وقوله عليهالسلام حتى تعلم أنه قذر يستفاد منه أن الحكم الواقعي الثابت
للشيء مستمر ظاهراً إلى أن يعلم الخلاف فالمعني دليل اجتهادي والغاية استصحاب
الطهارة وليست الغاية لتحديد الموضوع أي كل شيء لم يعلم انه قذر هو طاهر كي يكون المجموع
قاعدة الطهارة وذلك لظهور المغيا في بيان الحكم للأشياء بعناوينها الأولية لا
الأشياء بعناوينها الثانوية أي الأشياء الغير المعلومة قذارتها (والفرق بين
التقريبين) أن الاستمرار على تقريب الشيخ يقصد من نفس المحمول أي كلمة طاهر وعلى
تقريب المصنف يقصد من نفس الغاية من دون تصرف في المحمول أبداً على ما يظهر من
قوله إن الغاية فيها إنما هو لبيان استمرار ما حكم على الموضوع واقعاً ... إلخ
وهكذا قوله بعد ذلك إلا أنه بغايته دل على الاستصحاب حيث أنها ظاهرة في استمرار
ذاك الحكم الواقعي ظاهراً ما لم يعلم بطرو ضده أو نقيضه ... إلخ فيكون المعنى على
تقريب الشيخ هكذا كل شيء طاهر أي مستمر طهارته حتى تعلم انه قذر والمعنى على تقريب
المصنف هكذا كل شيء طاهر أي واقعاً وهذه الطهارة الواقعية مستمرة ظاهراً إلى ان
يعلم قذارته (ومن هنا) تكون الرواية على تقريب الشيخ استصحاباً محضاً وعلى تقريب
المصنف يكون المغيا دليلا اجتهادياً والغاية استصحاباً للطهارة الواقعية.
(أقول)
(اما تقريب الشيخ)
فهو خلاف الظاهر وقد اعترف به أعلى الله مقامه كما تقدم فان الظاهر من قوله كل شيء
طاهر إثبات نفس الطهارة للشيء لا إثبات استمرارها
له (واما تقريب
المصنف) ففيه (مضافا) إلى انه خلاف الظاهر (مستلزم) لاستعمال اللفظ في أكثر من
معنى فإن الغاية على هذا الفرض قد أريد منها استمرار الحكم الواقعي ظاهراً وأريد
منها أيضاً معناها الحقيقي وهو الانتهاء إذ المقصود ليس استمرار الحكم الواقعي
ظاهراً إلى الآخر بل إلى العلم بالقذارة فينتهي وهذا هو استعمال اللفظ في أكثر من
معنى فيتعين كون الرواية لقاعدة الطهارة وحدها كما هو ظاهر الشيخ أعلى الله مقامه (ودعوى)
ظهور المغيا في بيان الحكم للأشياء بعناوينها الأولية وان كانت هي حقاً لكن ما لم
تكن الغاية هي العلم وإلّا فيكون المغيا لبيان الحكم للأشياء الغير المعلومة
قذارتها وهي عبارة أخرى عن الأشياء بعناوينها الثانوية وهذا واضح ظاهر.
(قوله من الطهارة
والحلية ظاهراً ... إلخ)
قوله ظاهراً ليس
تمييزاً للطهارة والحلية بل لاستمرار ما حكم على الموضوع واقعاً بمعنى ان ما حكم
على الموضوع واقعا من الطهارة والحلية هو مستمر ظاهراً إلى العلم بطرو ضده أو
نقيضه وقد صرح بذلك في قوله الآتي في المتن في استمرار ذاك الحكم الواقعي ظاهرا ما
لم يعلم بطرو ضده أو نقيضه ... إلخ.
(قوله لا لتحديد
الموضوع كي يكون الحكم بهما قاعدة مضروبة لما شك في طهارته أو حليته ... إلخ)
بل ليست الغاية
لتحديد الموضوع ولو كان الحكم بهما قاعدة مضروبة لما شك في طهارته أو حليته فإن
الغاية إما قيد للمحمول أو للنسبة كما في قولك زيد نائم حتى تطلع الشمس أو قائم
إلى الزوال.
(نعم نتيجة) كون
المحمول أو النسبة مغيا بالعلم هو تحديد الموضوع قهراً فيكون الشيء الثابت له
الطهارة أو الحلية هو الشيء الغير المعلوم طهارته أو حليته لا الشيء مطلقاً وهو
معنى تحديد الموضوع قهرا فتأمل جيدا.
(قوله كما انه لو صار
مغيا لغاية مثل الملاقاة بالنجاسة أو ما يوجب الحرمة لدل على استمرار ... إلخ)
فإذا قال مثلا
الماء كله طاهر حتى يلاقي النجس أو العصير حلال حتى يغلي لدل ذلك على استمرار ذلك
الحكم الواقعي إلى الملاقاة أو الغليان فينقطع ولم يكن له حينئذ بنفسه ولا بغايته
دلالة على الاستصحاب أصلا أما عدم دلالته بنفسه فواضح فإن المغيا دليل اجتهادي محض
وأما عدم دلالته بغايته فلأن الغاية ليست هي العلم كي يكون الاستمرار المغيا به
ظاهرياً مجعولا في ظرف الجهل والستار على الواقع ويكون عبارة أخرى عن الاستصحاب
والأصل العملي وهذا أيضاً واضح.
(قوله ولا يخفى انه لا
يلزم على ذلك استعمال اللفظ في معنيين ... إلخ)
بل قد عرفت منا
لزوم ذلك جدا فإن الغاية على تقريب المصنف قد أريد منها استمرار ما حكم على
الموضوع واقعاً وأريد منها أيضا معناها الحقيقي وهو الانتهاء إذ المقصود كما تقدم
ليس استمرار الحكم الواقعي ظاهراً إلى الآخر بل إلى العلم بالقذارة فينتهي وينقطع
وهذا هو استعمال اللفظ في أكثر من معنى.
(قوله وإنما يلزم لو
جعلت الغاية مع كونها من حدود الموضوع وقيوده غاية لاستمرار حكمه ليدل على القاعدة
والاستصحاب ... إلخ)
هذا رد على صاحب
الفصول (ره) وتوضيحه أنه (قال الشيخ) أعلى الله مقامه في ما أفاده في المقام (ما
لفظه) نعم إرادة القاعدة والاستصحاب معاً يوجب استعمال اللفظ في معنيين لما عرفت
ان المقصود في القاعدة مجرد إثبات الطهارة في المشكوك وفي الاستصحاب خصوص إبقائها
في معلوم الطهارة سابقاً والجامع بينهما غير موجود فيلزم ما ذكرنا (إلى ان قال)
وقد خفي ذلك على بعض المعاصرين يعني به الفصول فزعم جواز إرادة القاعدة والاستصحاب
معاً وأنكر ذلك على صاحب القوانين فقال إن الرواية تدل على أصلين.
(أحدهما) أن الحكم
الأولى للأشياء ظاهراً هي الطهارة مع عدم العلم
بالنجاسة وهذا لا
تعلق له بمسألة الاستصحاب.
(الثاني) أن هذا
الحكم مستمر إلى زمن العلم بالنجاسة وهذا من موارد الاستصحاب وجزئياته (قال الشيخ)
انتهى (ثم قال) أقول ليست شعري ما المشار إليه بقوله هذا الحكم مستمر إلى زمن
العلم بالنجاسة (فإن كان) هو الحكم المستفاد من الأصل الأولى فليس استمراره ظاهراً
ولا واقعاً مغيا بزمان العلم بالنجاسة بل هو مستمر إلى زمن نسخ هذا الحكم في الشريعة
(مع ان قوله) حتى تعلم إذا جعل من توابع الحكم الأول الّذي هو الموضوع للحكم
الثاني فمن أين يصير الثاني مغيا به إذ لا يعقل كون شيء في استعمال واحد غاية لحكم
ولحكم آخر يكون الحكم الأول المغيا موضوعاً له (وإن كان) هو الحكم الواقعي المعلوم
يعني ان الطهارة إذا ثبتت واقعاً في زمان فهي مستمرة في الظاهر إلى زمن العلم
بالنجاسة فيكون الكلام مسوقاً لبيان الاستمرار الظاهري فيما علم ثبوت الطهارة له
واقعاً في زمان فأين هذا من بيان قاعدة الطهارة من حيث هي للشيء المشكوك من حيث هو
مشكوك (انتهى) موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه (وملخصه) انه يرد على الفصول القائل
بكون الرواية للقاعدة والاستصحاب جميعاً إشكالات عديدة.
(أحدها) استعمال
اللفظ في أكثر من معنى وهو لفظ طاهر وذلك لما عرفت من أن المقصود في قاعدة الطهارة
هو إثبات نفس الطهارة للشيء وفي الاستصحاب إثبات استمرارها له بعد الفراغ عن ثبوت
أصلها فيكون لفظ طاهر مستعملا في الطهارة وفي استمرارها جميعا.
(ثانيها) ان
المشار إليه في قوله إن هذا الحكم مستمر إلى زمن العلم بالنجاسة (ان كان) هو الحكم
الظاهري كما هو ظاهر كلامه بل صريحه أي ان الطهارة الظاهرية التي هي مع عدم العلم
بالنجاسة مستمرة ظاهراً إلى زمن العلم بالنجاسة فليس استمرار هذا الحكم الظاهري
مغيا بزمان العلم بالنجاسة بل هو ثابت إلى زمن نسخ هذا الحكم في الشريعة (وإن كان)
هو الحكم الواقعي أي إن الطهارة الواقعية
الثابتة للشيء
مستمرة ظاهراً إلى زمن العلم بالنجاسة فالرواية على هذا تكون دليلا اجتهادياً
واستصحاباً كما تقدم من المصنف لا قاعدة واستصحاباً كما ادعاه الفصول
(ثالثها) وهو
العمدة ان الحكم الأول أي الطهارة مغيا بالعلم بالنجاسة وبهذه الغاية صارت هي
طهارة ظاهرية مجعولة في ظرف الشك أي في ظرف عدم العلم بالنجاسة والحكم الثاني وهو
استمرار الطهارة الظاهرية مغيا أيضاً بالعلم بالنجاسة إذ المفروض استمرارها إلى
هذا الحد لا إلى الأبد (وعليه) فغاية واحدة هي غاية للحكم الأول والثاني جميعاً
وهذا وإن لم يكن مانع عنه عقلا ولكنه في المقام حيث ان الحكم الأول مع تابعة أي مع
غايته يكون موضوعاً للحكم الثاني مستلزم لتقدم الشيء على نفسه فانها بما هي من
توابع الحكم الأول المفروض كونه موضوعاً للحكم الثاني تكون في رتبة سابقة وهي رتبة
الموضوع وبما انها غاية للحكم الثاني أيضاً المترتب على الحكم الأول تكون في رتبة
متأخرة وهي رتبة الحكم وهذا هو تقدم الشيء على نفسه المحال عقلا فتأمل جيدا.
(هذا كله من امر
الشيخ) أعلى الله مقامه مع الفصول وقد أجاد إنصافاً في الرد عليه ولم يدع شيئا.
(واما المصنف)
فحيث ان إرادة القاعدة عنده مبتنية على كون الغاية لتحديد الموضوع كما تقدم فرد
على الفصول بلزوم استعمال اللفظ في معنيين بطريق آخر غير طريق الشيخ وهو أن الغاية
يلزم أن تكون من قيود الموضوع لتتحقق بها قاعدة الطهارة ويلزم أن تكون غاية
لاستمرار الطهارة الظاهرية ليتحقق بها الاستصحاب فيكون معنى قوله عليهالسلام كل شيء طاهر حتى تعلم انه قذر هكذا كل شيء لم يعلم قذارته
طاهر وهذه الطهارة مستمرة ظاهراً إلى العلم بالقذارة وهذا هو ما ذكره المصنف من
استعمال اللفظ في معنيين.
(أقول)
ويمكن إرجاع ذلك
الإشكال الأخير من الإشكالات الثلاثة التي أوردها الشيخ
على الفصول وكان
مرجعه إلى استلزام تقدم الشيء على نفسه المحال عقلا (وعلى كل حال) قد تقدم منا ان
إرادة القاعدة من الرواية الشريفة غير مبتنية على كون الغاية لتحديد الموضوع بل هي
أما غاية للمحمول أو للنسبة وإن كانت نتيجة تحديد المحمول أو النسبة هي تحديد
الموضوع قهراً كما عرفت (وعليه) فالتحقيق في رد الفصول من حيث لزوم استعمال اللفظ
في أكثر من معنى أو غيره هو ما أفاده الشيخ أعلى الله مقامه.
(بقي أمور) :
(الأول) إن في
المسألة قولا آخر وهو كون الرواية دليلا اجتهادياً وقاعدة واستصحاباً فالمغيا دليل
اجتهادي وقاعدة والغاية استصحاب محض (وهذا هو خيرة المصنف) في تعليقته على الرسائل
(قال) عند التعليق على قول الشيخ نعم إرادة القاعدة والاستصحاب معاً يوجب استعمال
اللفظ في معنيين (ما لفظه) إرادتهما إنما توجب ذلك لو كان كما أفاده قدسسره بان يراد من المحمول فيها تارة أصل ثبوته وأخرى استمراره
بحيث كان أصل ثبوته مفروغاً عنه وكذلك الحال في الغاية فجعلت غاية للحكم بثبوته مرة
وللحكم باستمراره أخرى واما إذا أريد أحدهما من المغيا والآخر من الغاية فلا (توضيح
ذلك) ان قوله عليهالسلام كل شيء طاهر مع قطع النّظر عن الغاية بعمومه يدل على طهارة
الأشياء بعناوينها الواقعية كالماء والتراب وغيرهما فيكون دليلا اجتهاديا على
طهارة الأشياء وإطلاقه بحسب حالات الشيء التي منها حالة كونه بحيث يشتبه طهارته
ونجاسته بالشبهة الحكمية أو الموضوعية يدل على قاعدة الطهارة فيما اشتبه طهارته
كذلك (إلى ان قال) ولا ضير في اختلاف الحكم بالنسبة إلى افراد العام وصيرورته
ظاهرياً بالنسبة إلى بعضها وواقعياً بالإضافة إلى بعضها والآخر لأن الاختلاف بذلك
انما هو من اختلاف افراد الموضوع لا من جهة الاختلاف في المعنى المحكوم به بل هو
بالمعنى الواحد (إلى ان قال) فدلّ أي الحديث الشريف بما فيه من الغاية والمغيا على
ثبوت
الطهارة واقعاً
وظاهراً على ما عرفت على اختلاف أفراد العام وعلى بقائها تعبداً عند الشك في
البقاء من دون لزوم محذور استعمال اللفظ في المعنيين (انتهى) موضع الحاجة من
كلامه.
(أقول)
(أما إرادة)
الاستصحاب من الغاية فقد عرفت قبلا في ذيل التعليق على قوله وتقريب دلالة مثل هذه
الاخبار ... إلخ محذورها وهو لزوم استعمال الغاية في معنيين أي في الاستمرار وفي
الانتهاء جميعاً فراجع.
(وأما إرادة)
القاعدة والاستصحاب جميعاً من الرواية فقد عرفت آنفاً محاذيرها من الشيخ أعلى الله
مقامه في ضمن رده على الفصول وكان عمدتها لزوم تقدم الشيء على نفسه فتذكر.
(وأما إرادة)
الدليل الاجتهادي والقاعدة جميعاً من المغيا بدعوى إطلاق لفظ الشيء في قضية كل شيء
طاهر حتى تعلم انه قذر وشموله للشيء بعنوانه الأولي كالماء والتراب ونحوهما وللشيء
بعنوانه الثانوي أي مشكوك الطهارة والنجاسة وأن الجميع طاهر غايته ان بعض أفراده
طاهر واقعاً وبعضها الآخر طاهر ظاهراً فهي لو سلم معقوليتها مما لا تلائم الغاية
وهي العلم بالقذارة إذ لا معنى لكون الطهارة الواقعية مغياة بالعلم بالقذارة الا
الظاهرية المجعولة في ظرف الشك في الطهارة الواقعية فقهراً يكون المغيا قاعدة
الطهارة فقط لا دليلا اجتهادياً وقاعدة فتأمل جيدا.
(هذا تمام الكلام)
في تنقيح المسألة وقد عرفت ان فيها وجوهاً خمسة.
(الأول) كون
الرواية هي قاعدة الطهارة فقط وهو الحق المشهور وهو الظاهر من الشيخ أعلى الله
مقامه لما عرفت من تصريحه بكونها للاستصحاب خلاف الظاهر.
(الثاني) كونها
استصحاباً فقط وهو الّذي قد عرفت تقريبه من الشيخ
بإرادة استمرار
الطهارة من المحمول لا نفس الطهارة وإن اعترف أعلى الله مقامه انه خلاف الظاهر وهو
كذلك.
(الثالث) كونها
دليلا اجتهادياً واستصحاباً وهو خيرة المصنف في الكتاب.
(الرابع) كونها
قاعدة واستصحاباً وهو خيرة الفصول.
(الخامس) وهو أخس
الوجوه كونها دليلا اجتهادياً وقاعدة واستصحاباً وهو خيرة المصنف في تعليقته على
الرسائل.
(الأمر الثاني) ان
الشيخ أعلى الله مقامه بعد أن أنكر في موثقة عمار وهي كل شيء طاهر حتى تعلم أنه
قذر كونها للاستصحاب وقال انه خلاف الظاهر كما تقدم قبلا قد ادعى في رواية الماء
كله طاهر حتى تعلم انه نجس أن الأولى حملها على الاستصحاب (قال) أعلى الله مقامه (ما
لفظه) ومنها أي ومن الأخبار الدالة على الاستصحاب في موارد خاصة قوله عليهالسلام الماء كله طاهر حتى تعلم انه نجس وهو وان كان متحداً مع
الخبر السابق من حيث الحكم والغاية إلا أن الاشتباه في الماء من غير جهة عروض
النجاسة للماء غير متحقق غالباً فالأولى حملها على إرادة الاستصحاب والمعنى ان
الماء المعلوم طهارته بحسب أصل الخلقة طاهر حتى تعلم أي مستمر طهارته المفروضة إلى
حين العلم بعروض القذارة له سواء كان الاشتباه وعدم العلم من جهة الاشتباه في الحكم
كالقليل الملاقي للنجس والبئر أم كان من جهة الاشتباه في الأمر الخارجي كالشك في
ملاقاته للنجاسة أو نجاسة ملاقيه (انتهى).
(ومحصله) ان الماء
حيث كانت طهارته بحسب أصل الخلقة معلومة غالباً فالأولى حمل الرواية على الاستصحاب
وبيان استمرار الطهارة للماء سواء كانت في الشبهة الحكمية أو الموضوعية إلى العلم
بالنجاسة لا إثبات نفس الطهارة له إلى العلم بالنجاسة.
(وفيه بعد النقض)
بأن طهارة ساير الأشياء أيضاً بحسب أصل الخلقة
معلومة غالباً من
دون اختصاص بالماء فقط.
(ان طهارة الماء)
بحسب أصل الخلقة وان كانت معلومة واضحة ولكن طهارته الظاهرية في وعاء عدم العلم
بالنجاسة غير معلومة ولا واضحة فتكون الرواية لبيان قاعدة الطهارة في خصوص المياه
لا لبيان الاستصحاب فيها (هذا مضافاً) إلى ما أشير إليه قبلا من ظهور الجملة في
إثبات نفس المحمول للموضوع لا إثبات استمراره فإنه مما يحتاج إلى تقدير وتبديل
فتقدر كلمة مستمر وتبدل كلمة طاهر بكلمة طهارته فقوله عليهالسلام الماء كله طاهر ... إلخ أي الماء كله مستمر طهارته ... إلخ
وهو كما ترى خلاف الظاهر.
(الأمر الثالث) ان
المصنف لم يذكر من الأخبار الخاصة أي الدالة على اعتبار الاستصحاب في موارد مخصوصة
سوى الأخبار الثلاثة المتقدمة وهي قوله عليهالسلام كل شيء طاهر ... إلخ وقوله عليهالسلام الماء كله طاهر ... إلخ وقوله عليهالسلام كل شيء حلال ... إلخ وقد عرفت عدم دلالة شيء منها على
الاستصحاب ولكن الشيخ أعلى الله مقامه قد أضاف عليها روايتين آخرتين.
في الاستدلال برواية عبد الله بن سنان
ورواية عبد الله بن بكير
(الأولى) ما رواه
في الوسائل في أبواب النجاسات في باب طهارة الثوب الّذي يستعيره الذميّ عن عبد
الله بن سنان (قال) سأل أبي أبا عبد الله عليهالسلام وأنا حاضر إني أعير الذمي ثوبي وأنا أعلم أنه يشرب الخمر
ويأكل لحم الخنزير فيرده علي فأغسله قبل أن أصلي فيه فقال أبو عبد الله عليهالسلام صل فيه ولا تغسله من أجل ذلك فإنك أعرته إياه وهو طاهر ولم
تستيقن انه نجسه فلا بأس أن تصلي فيه
حتى تستيقن أنه
نجسه (قال الشيخ) أعلى الله مقامه بعد ذكر الرواية (ما لفظه) وفيها دلالة واضحة
على أن وجه البناء على الطهارة وعدم وجوب غسله هو سبق طهارته وعدم العلم بارتفاعها
ولو كان المستند قاعدة الطهارة لم يكن معنى لتعليل الحكم بسبق الطهارة إذا الحكم
في القاعدة مستند إلى نفس عدم العلم بالطهارة والنجاسة نعم الرواية مختصة باستصحاب
الطهارة دون غيرها (ثم قال) ولا يبعد عدم القول بالفصل بينها وبين غيرها مما يشك
في ارتفاعها بالرافع (انتهى).
(أقول)
بل لا يبعد ان
يستفاد من التعليل المذكور في الرواية اعتبار الاستصحاب في عموم الأبواب من غير
اختصاص بباب الطهارة فقط بلا حاجة إلى دعوى عدم القول بالفضل أو دعوى تنقيح المناط
مثلا فإن الإمام عليهالسلام قد علل عدم غسل الثوب الّذي استعاره الذميّ باستصحاب
الطهارة وانك قد أعرته إياه وهو طاهر ولم تستيقن انه نجسه فإن كان التعليل
باستصحاب الطهارة بما هو هو كان ذلك تعليلا بأمر تعبدي وان كان التعليل به بما هو
من صغريات القضية الكلية المرتكزة في أذهان العقلاء من عدم رفع اليد عن اليقين
السابق الا بيقين آخر مثله كان التعليل بأمر ارتكازي عقلائي وحيث ان الأول ركيك
جداً بل خلاف الظاهر فيتعين الثاني ويثبت به حجية الاستصحاب في عموم الأبواب طراً
وهذا واضح.
(الثانية) ما رواه
في الوسائل في أول باب من نواقض الوضوء مسنداً عن عبد الله بن بكير عن أبيه (قال)
قال لي أبو عبد الله عليهالسلام إذا استيقنت انك قد أحدثت فتوضأ وإياك أن تحدث وضوءاً
أبداً حتى تستيقن أنك قد أحدثت (قال الشيخ) بعد ذكر الحديث (ما لفظه) ودلالته على
استصحاب الطهارة ظاهرة (انتهى) ولم يزد أعلى الله مقامه على ذلك شيء.
(أقول)
نعم دلالته على
استصحاب الطهارة ظاهرة سيما بشهادة ما في الباب من روايات أخرى
(مثل ما رواه) في
الباب عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله انه قال للصادق عليهالسلام أجد الريح في بطني حتى أظن انها قد خرجت فقال ليس عليك
وضوء حتى تسمع الصوت أو تجد الريح (ثم قال) إن إبليس يجلس بين أليتي الرّجل فيحدث
ليشككه.
(ومثل ما رواه) في
الباب عن علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر قال سألته عن رجل يتكئ في المسجد فلا
يدري نام أم لا هل عليه وضوء قال إذا شك فليس عليه وضوء.
(ومثل) ما حكاه في
الباب عن المحقق في المعتبر أنه روي عن موسى بن جعفر قال إذا وجد أحدكم في بطنه
شيئاً فأشكل عليه أخرج منه شيء أم لا لم يخرج من المسجد حتى يسمع أو يجد ريحاً.
(قوله ولا يذهب عليك
انه بضميمة عدم القول بالفصل قطعاً بين الحلية والطهارة وبين ساير الأحكام لعم
الدليل وتم ... إلخ)
قد عرفت أنه لم
يتم دلالة شيء من الأخبار الثلاثة المتقدمة وهي قوله عليهالسلام كل شيء طاهر ... إلخ وقوله عليهالسلام الماء كله طاهر ... إلخ وقوله عليهالسلام كل شيء حلال ... إلخ على الاستصحاب ولو في موردها كي
بضميمة عدم القول بالفصل يعم الدليل ساير الموارد ويتم.
(نعم) يصح التشبث
بعدم القول بالفصل في رواية عبد الله بن سنان المتقدمة كما فعل الشيخ أعلى الله
مقامه بل ويصح ذلك في رواية عبد الله بن بكير المتقدمة أيضاً بل قد عرفت منا
التشبث للعموم برواية عبد الله بن سنان من ناحية ظهورها في التعليل بأمر ارتكازي
عقلائي من غير حاجة إلى دعوى عدم القول بالفصل أو دعوى تنقيح المناط مثلا.
(قوله ثم لا يخفى إن
ذيل موثقة عمار فإذا علمت فقد قذر وما لم تعلم فليس عليك يؤيد ما استظهرنا منها ...
إلخ)
أي ان ذيل الموثقة
يؤيد ما استظهرنا منها من كون المغيا دليلا اجتهادياً والغاية استصحاباً (وتوضيح
التأييد) مما يحتاج إلى مقدمة وهي ان المغيا على مختار المصنف في الكتاب كما تقدم
وعرفت هو دليل اجتهادي محض فقوله عليهالسلام كل شيء طاهر قضية مستقلة تثبت الطهارة الواقعية للأشياء
بعناوينها والأولية كالماء والتراب والحجر والمدر ونحو ذلك وليست هي مربوطة
بالغاية أصلا ولا هي مغياة بالعلم بالنجاسة كي تكون الطهارة ظاهرية ويكون المغيا
قاعدة الطهارة أبداً وأما قوله حتى تعلم انه قذر فهو استصحاب أي حكم باستمرار تلك
الطهارة الواقعية الثابتة للأشياء بعناوينها الأولية إلى العلم بالقذارة فينتهي
الاستمرار وينقطع (فإذا عرفت) هذه المقدمة فنقول إن حاصل كلام المصنف انه يؤيد ما
ذكرنا من كون المغيا دليلا اجتهادياً محضاً وقضية مستقلة غير مربوطة بالغاية أصلا
ظهور الذيل في التفرع على الغاية وحدها فقوله فإذا علمت فقد قذر متفرع على منطوق
الغاية وقوله وما لم تعلم فليس عليك متفرع على مفهوم الغاية فلو كان المغيا
مرتبطاً بالغاية وكان المجموع قاعدة الطهارة لكان الذيل متفرعاً على المجموع لا
على الغاية وحدها (وفيه) ان كل ذلك دعوى بلا شاهد بل ظاهر الذيل هو التفرع على
مجموع المغيا والغاية فقوله فإذا علمت فقد قذر متفرع على الغاية وما لم تعلم فليس
عليك متفرع على المغيا بالغاية فتأمل جيداً.
في استدلال النافين لحجية الاستصحاب
(قوله ثم إنك إذا حققت
ما تلونا عليك من الأخبار فلا حاجة في إطالة الكلام في بيان ساير الأقوال ... إلخ)
إلا قول النافين
فقط فلا بأس ببيان ما ذكر لهم من الاستدلال لما فيه من مزيد الاهتمام بعد التفاصيل
المتقدمة كلها (فنقول) إنهم استدلوا بأمور عديدة على ما ذكر الشيخ أعلى الله مقامه
أوجهها ثلاثة.
(الأول) ما عن
الذريعة والغنية من أن المتعلق بالاستصحاب يثبت الحكم عند التحقيق من غير دليل (قالا)
توضيح ذلك أنهم يقولون قد ثبت بالإجماع على من شرع في الصلاة بالتيمم وجوب المضي
فيها قبل مشاهدة الماء فيجب أن يكون على هذا الحال بعد المشاهدة وهذا منهم جمع بين
الحالتين في حكم من غير دليل يقتضي الجمع بينهما لأن اختلاف الحالتين لا شبهة فيه
لأن المصلي غير واجد للماء في إحداهما واجد له في الأخرى فلا يجوز التسوية بينهما
من غير دلالة فإذا كان الدليل لا يتناول إلا الحالة الأولى وكانت الحالة الأخرى
عارية منه لم يجز أن يثبت فيها مثل الحكم (انتهى).
(أقول)
بعد ما اتضح لك
أدلة الاستصحاب واحداً بعد واحد من الأخبار المستفيضة من الصحاح الثلاثة وغيرها بل
وغير الأخبار من بناء العقلاء على ما عرفت الاستدلال به منا لا يكاد يكون المتعلق
بالاستصحاب مثبتاً للحكم من غير دليل ولا مجمعاً بين الحالتين من غير برهان (وأما
وجوب المضي) في الصلاة بعد مشاهدة الماء فهو من جهة النص.
(كصحيحة زرارة
ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر عليهالسلام قال قلت
في رجل لم يصب
الماء وحضرت الصلاة فتيمم وصلي ركعتين ثم أصاب الماء أينقض الركعتين ويقطعهما
ويتوضأ ثم يصلي قال لا ولكنه يمضي في صلاته ولا ينقضهما لمكان أنه دخلها وهو على
طهر يتيمم.
(ورواية محمد بن
حمران) عن أبي عبد الله عليهالسلام قال له رجل تيمم ثم دخل في الصلاة وقد كان طلب الماء فلم
يقدر عليه ثم يؤتي بالماء حين يدخل في الصلاة قال يمضي في الصلاة الحديث (وقد قيل)
في المسألة بوجوب الرجوع ما لم يركع.
(لصحيحة زرارة) عن
أبي جعفر عليهالسلام قال قلت فإن أصاب الماء وقد دخل في الصلاة قال فلينصرف
وليتوضأ ما لم يركع فإن كان قد ركع فليمض في صلاته فإن التيمم أحد الطهورين.
(وخبر عبد الله بن
عاصم) قال سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن الرّجل لا يجد الماء فتيمم ويقوم في الصلاة فجاء الغلام
فقال هو ذا الماء فقال أن كان لم يركع فلينصرف وليتوضأ وإن كان قد ركع فليمض في
صلاته (ومقتضي الجمع) بين الروايات وان كان تقييد الخبرين الأولين بما إذا دخل في
الصلاة وركع ولكن التعليل المذكور في الصحيحة الأولى مما يأبى عن هذا التقييد
فاللازم حمل الخبرين الأخيرين على استحباب الرجوع ما لم يركع.
(وبالجملة) إن في
المسألة نصوصاً متعددة على المضي إما مطلقاً أو بعد ما ركع وليس الاتكال فيها على
استصحاب وجوب المضي من قبل مشاهدة الماء إلى بعد المشاهدة وإلا فلا مجال لاستصحابه
نظراً إلى تبدل الموضوع وهو الفاقد إلى الواجد بل وإلى كونه مسببياً يقدم عليه
السببي وهو استصحاب انتقاض التيمم على تقدير وجد وجدان الماء من قبل الدخول في
الصلاة إلى بعد الدخول فيها كما يجري استصحاب حرمة العصير على تقدير الغليان من
حال العنبية إلى حال الزبيبية ويقدم على استصحاب الحلية في حال الزبيبية من قبل
الغليان إلى بعد الغليان وسيأتي
تفصيل السببي
والمسببي مبسوطاً ووجه تقدم السببي على المسببي مشروحاً في أواخر الاستصحاب إن شاء
الله تعالى فانتظر.
(الأمر الثاني)
أنه لو كان الاستصحاب حجة لزم التناقض إذ كما يقال كان للمصلي قبل وجدان الماء
المضي في صلاته فكذا بعد الوجدان كذلك يقال إن وجدان الماء قبل الدخول في الصلاة
كان ناقضاً للتيمم فكذا بعد الدخول أو يقال الاشتغال بصلاة متيقنة ثابت قبل فعل
هذه الصلاة فيستصحب (انتهى) موضع الحاجة من الأمر الثاني.
(أقول)
ويظهر ضعف ذلك مما
تقدم آنفاً من عدم جريان استصحاب وجوب المضي كي يناقض استصحاب انتقاض التيمم
يوجدان الماء من قبل الدخول في الصلاة إلى بعد الدخول فيها وذلك لتبدل موضوعه ،
(أولا) وكونه
مسببياً.
(ثانياً) نعم لو
كان جارياً لم يناقضه استصحاب الاشتغال لكون الثاني مسببياً بالنسبة إلى استصحاب
وجوب المضي كما لا يخفى.
(الأمر الثالث)
انه لو كان الاستصحاب حجة لكان بينة النفي أولى وأرجح من بينة الإثبات لاعتضادها
باستصحاب النفي.
(وفيه) ما لا يخفى
إذ الاستصحاب (ان كان أصلا عمليا) فلا يكاد يعتضد الطريق بالأصل العملي أبداً (وإن
كان أمارة) كما استظهرنا ذلك فيما تقدم وعرفت فإن اقتصرنا في الترجيح في تعارض
البينات على المرجحات المنصوصة فلا يكاد ينفع الاعتضاد بالاستصحاب أصلا بل اللازم
هو متابعة المرجحات المنصوصة فقط سواء كانت في جانب الإثبات أو في جانب النفي وإن
تعينا إلى الترجيح بكل ما يوجب الأقربية إلى الواقع كما لا يبعد ذلك بناء على
اعتبار الأمارات من باب الطريقية فمن الجائز اعتضاد بينة النفي بالاستصحاب إن لم
يكن في جانب الإثبات مزية
أخرى أقوى هي من
الاستصحاب مناطاً فتأمل جيدا.
في تفصيل الفاضل التوني بين التكليف والوضع
(قوله ولا بأس بصرفه
إلى تحقيق حال الوضع وأنه حكم مستقل بالجعل كالتكليف أو منتزع عنه وتابع له في الجعل
أو فيه تفصيل حتى يظهر حال ما ذكره هاهنا بين التكليف والوضع من التفصيل ... إلخ)
(أما تحقيق حال
الوضع) من حيث كونه حكماً مستقلا بالجعل كالتكليف أو منتزعاً عنه وتابعاً له في
الجعل أو فيه تفصيل كما فعل المصنف فسيأتي شرحه مفصلا وملخصه انه على أقسام
(فمنها) ما لا
يكاد يتطرق إليه الجعل أصلا لا استقلالا ولا تبعا.
(ومنها) ما يكون
مجعولا تبعا.
(ومنها) ما يكون
مجعولا استقلالا فانتظر (وأما ما ذكرها هنا من التفصيل) بين التكليف والوضع فهو
للفاضل التوني رحمهالله وهو القول السابع في المسألة كما تقدم وهو تفصيل كما اشتهر
على الألسن بين الأحكام التكليفية فلا يعتبر الاستصحاب فيها وبين الأحكام الوضعيّة
فيعتبر الاستصحاب فيها ولكن التدبر التام في كلمات الفاضل المذكور مما يعطي
التفصيل بين الحكم مطلقاً من التكليفي والوضعي جميعاً وبين متعلقات الحكم الوضعي
فلا يعتبر الاستصحاب في الأول ويعتبر في الثاني (فلا يستصحب) الوجوب ولا الحرمة
ولا الاستصحاب ولا الكراهة ولا الإباحة (وهكذا لا يستصحب) سببية السبب ولا شرطية
الشرط ولا مانعية المانع (ولكن يستصحب) نفس السبب أو الشرط أو المانع من غير مساس
لهذا كله بكون الحكم الوضعي مستقلا في الجعل كالتكليف أو منتزعاً عنه وتابعا له في
الجعل بل النزاع في ذلك كما سيأتي هو نزاع معروف مستقل غير مرتبط بالتفصيل المذكور
أصلا وكيف كان (قال الفاضل المذكور) حسب ما نقله الشيخ عنه عند نقل حجة
ألقوا ، السابع (ما
لفظه) ولتحقيق المقام لا بد من إيراد كلام يتضح به حقيقة الحال (فنقول) الأحكام
الشرعية تنقسم إلى ستة أقسام.
(الأول) و (الثاني)
الأحكام الاقتضائية المطلوب فيها الفعل وهي الواجب والمندوب.
(والثالث) و (الرابع)
الأحكام الاقتضائية المطلوب فيها الترك وهو الحرام والمكروه.
(والخامس) الأحكام
التخييرية الدالة على الإباحة.
(والسادس) الأحكام
الوضعيّة كالحكم على الشيء بأنه سبب لأمر أو شرط له أو مانع له (إلى ان قال) إذا
عرفت هذا فإذا ورد أمر بطلب شيء فلا يخلو إما أن يكون موقتاً أم لا.
(وعلى الأول) يكون
وجوب ذلك الشيء أو ندبه في كل جزء من أجزاء الوقت ثابتاً بذلك الأمر فالتمسك في
ثبوت ذلك الحكم في الزمان الثاني بالنص لا بالثبوت في الزمان الأول حتى يكون
استصحاباً وهو ظاهر.
(وعلى الثاني)
أيضاً كذلك إن قلنا بإفادة الأمر التكرار وإلا فذمة المكلف مشغولة حتى يأتي به في
أي زمان كان ونسبة أجزاء الزمان إليه نسبة واحدة في كونه أداء في كل جزء منها سواء
قلنا بأن الأمر للفور أم لا (إلى أن قال) وكذا الكلام في النهي بل هو الأولى بعدم
توهم الاستصحاب فيه لأن مطلقه يفيد التكرار (والتخييري) أيضاً كذلك فالأحكام
التكليفية الخمسة المجردة عن الأحكام الوضعيّة لا يتصور فيها الاستدلال بالاستصحاب
(وأما الأحكام الوضعيّة) فإذا جعل الشارع شيئاً سبباً لحكم من الأحكام الخمسة
كالدلوك لوجوب الظهر والكسوف لوجوب صلاته والزلزلة لصلاتها والإيجاب والقبول
لإباحة التصرفات والاستمتاعات في الملك والنكاح وفيه لتحريم أم الزوجة يعني
الإيجاب والقبول في النكاح لتحريم أم الزوجة والحيض والنفاس لتحريم الصوم والصلاة
إلى غير ذلك
فينبغي أن ينظر
إلى كيفية سببية السبب هل هي على الإطلاق كما في الإيجاب والقبول فان سببيته على
نحو خاص وهو الدوام إلى أن يتحقق المزيل وكذا الزلزلة أو في وقت معين كالدلوك
ونحوه مما لم يكن السبب وقتا للحكم وكالكسوف والحيض ونحوهما مما يكون السبب وقتا
للحكم فإن السببية في هذه الأشياء على نحو آخر فإنها أسباب للحكم في أوقات معينة
وجميع ذلك ليس من الاستصحاب في شيء فإن ثبوت الحكم في شيء من أجزاء الرمان الثابت
فيه الحكم ليس تابعاً للثبوت في جزء آخر بل نسبة السبب في محل اقتضاء الحكم في كل
جزء نسبة واحدة (وكذلك الكلام) في الشرط والمانع (فظهر مما ذكرناه) أن الاستصحاب
المختلف فيه لا يكون إلا في الأحكام الوضعيّة أعني الأسباب والشرائط والموانع
للأحكام الخمسة من حيث أنها كذلك ووقوعه في الأحكام الخمسة إنما هو بتبعيتها كما
يقال في الماء الكر المتغير بالنجاسة إذا زال تغيره من قبل نفسه فإنه يجب الاجتناب
عنه في الصلاة لوجوبه قبل زوال تغيره فإن مرجعه إلى ان النجاسة كانت ثابتة قبل
زوال تغيره فكذلك يكون بعده والنجاسة من الموانع ويقال في المتيمم إذا وجد الماء
في أثناء الصلاة إن صلاته كانت صحيحة قبل الوجدان فكذا بعده أي كان مكلفاً
ومأموراً بالصلاة بتيممه قبله فكذا بعده فإن مرجعه إلى انه كان متطهراً قبل وجدان
الماء فكذا بعده والطهارة من الشروط (فالحق) مع قطع النّظر عن الروايات عدم حجية
الاستصحاب لأن العلم بوجود السبب أو الشرط أو المانع في وقت لا يقتضي العلم بل ولا
الظن بوجوده في غير ذلك الوقت كما لا يخفى (إلى ان قال) إلّا ان الظاهر من الاخبار
انه إذا علم وجود شيء فإنه يحكم به حتى يعلم زواله (انتهى) كلامه رفع مقامه.
(ومحصله) أن الأمر
سواء كان وجوبياً أو ندبيا (ان كان) موقتاً فالحكم في كل جزء من أجزاء الوقت ثابت
بذلك الأمر فثبوته في الزمان الثاني والثالث والرابع إلى الآخر يكون بالدليل لا
بثبوته في الزمان الأول كي يكون استصحاباً (وإن لم يكن) موقتا (فإن قلنا) بالتكرار
فهو كالموقت فثبوت الحكم في كل من
الزمان الثاني
وبعده يكون بالدليل لا بثبوته في الزمان الأول (وإن لم نقل) بالتكرار فنسبة الحكم
إلى أجزاء الزمان نسبة واحدة في كونه أداء سواء قلنا بالفور أو لا فثبوته في كل
جزء من أجزاء الزمان يكون هو بالدليل أيضا لا بثبوته في الزمان الأول (وإذا علم)
حال الأمر بقسميه من الموقت وغيره علم به حال النهي والإباحة أيضاً بل النهي بطريق
أولى نظرا إلى إفادته التكرار وان كان مطلقاً لا موقتا (هذا حال الأحكام)
التكليفية (واما الأحكام) الوضعيّة بمعنى سببية السبب وشرطية الشرط ومانعية المانع
فكذلك عيناً فسببية الإيجاب والقبول مثلا لإباحة التصرفات والاستمتاعات أو سببية
الدلوك مثلا لوجوب الصلاة إلى حد معين هي في كل جزء من أجزاء الزمان يكون بالدليل
لا بثبوتها في الزمان الأول (ومن هنا يظهر) أن المراد من منع جريان الاستصحاب في
الأحكام الوضعيّة هو بهذا المعنى أي بمعنى منع جريانه في سببية السبب أو شرطية
الشرط أو مانعية المانع لا المنع عن جريانه في نفس السبب أو الشرط أو المانع فإن
الفاضل المذكور قد صرح في آخر كلامه المتقدم بأن الاستصحاب المختلف فيه لا يكون
إلا في الأحكام الوضعيّة قال أعني الأسباب والشرائط والموانع ... إلخ (وعلى كل حال)
قد ذكر الشيخ أعلى الله مقامه فقرات عديدة من كلمات الفاضل المذكور وأورد على كل
منها ما يناسب حاله (وعمدة) ما أورد عليه أمور ثلاثة.
(الأول) أن الموقت
قد يتردد وقته بين زمان وما بعده فيجري الاستصحاب يعني به في الحكم الوجوبيّ أو
الندبي الموقت المردد وقته بين زمان وما بعده.
(الثاني) انه لم
يستوف أقسام الأمر لأن منها ما يتردد الأمر بين الموقت بوقت فيرتفع الأمر بفواته
وبين المطلق الّذي يجوز امتثاله بعد ذلك الوقت كما إذا شككنا في أن الأمر بالغسل
في يوم الجمعة مطلق فيجوز الإتيان به في كل جزء من النهار أو موقت إلى الزوال وكذا
وجوب الفطرة بالنسبة إلى يوم العيد فإن الظاهر انه لا مانع من استصحاب الحكم
التكليفي هنا.
(الثالث) انه إذا
قام الإجماع أو دليل لفظي مجمل على حرمة شيء في زمان ولم يعلم بقائها بعده كحرمة
الوطء للحائض المرددة بين اختصاصه بأيام رؤية الدم فيرتفع بعد النقاء وشمولها
لزمان بقاء حدث الحيض فلا يرتفع إلا بالاغتسال وكحرمة العصير العنبي بعد ذهاب
ثلثيه بغير النار وحلية عصير الزبيب والتمر بعد غليانهما إلى غير ذلك مما لا تحصى
فلا مانع في ذلك كله من الاستصحاب.
(أقول)
هذا كله مضافا إلى
أن الأمر أو النهي إذا شك في بقاءه لتخلف حالة من الحالات وخصوصية من الخصوصيات
المحتملة دخلها في الحكم من دون أن يكون من مقومات الموضوع أصلا بحيث كان الموضوع
مع تخلفها باقياً في نظر العرف والشك في البقاء صادقاً في نظرهم فحينئذ يجري
الاستصحاب بلا مانع عنه أبدا (وعليه) فمرجع مجموع الإيرادات الواردة عليه إلى
إيرادين.
(أحدهما) أن الأمر
أو النهي قد لا يكون مضبوطاً في مقام الإثبات فيكون مرددا بين الموقت وغيره أو
الموقت يكون مردداً بين زمان وما بعده فحينئذ يجري الاستصحاب بلا مانع عنه.
(ثانيهما) أنه إذا
شك في بقاء الأمر أو النهي لا من ناحية تردد وقته أو تردده بين الموقت وغيره بل من
ناحية تخلف حالة من الحالات المحتملة دخلها في الحكم من دون دخل لها في بقاء
الموضوع عرفاً فحينئذ يجري الاستصحاب أيضاً بلا مانع عنه (ثم إن) جميع ما ذكر إلى
هنا يجري في الأحكام الوضعيّة حرفا بحرف كما يظهر بالتدبر وإمعان النّظر.
في تحقيق حال الوضع
(قوله فنقول وبالله
الاستعانة لا خلاف كما لا إشكال في اختلاف التكليف والوضع مفهوما ... إلخ)
هذا شروع في تحقيق
حال الوضع فلا تغفل.
(قوله واختلافهما في
الجملة موردا ... إلخ)
(فقد يكون) الوضع
ولا تكليف كما في المحجور عليه فالأموال هي ملكه ولا يحل له التصرف فيها (وقد يكون)
التكليف ولا وضع كما إذا أجازنا المالك في التصرف في أمواله فيحل لنا التصرف فيها
وليست هي بملك لنا (وقد يجتمعان) كما في الأغلب
(قوله بداهة أن الحكم
وإن لم يصح تقسيمه إليهما ببعض معانيه ولم يكد يصح إطلاقه على الوضع إلّا ان صحة
تقسيمه بالبعض الآخر إليهما وصحة إطلاقه عليه بهذا المعنى مما لا يكاد ينكر ...
إلخ)
فالحكم بمعنى طلب
الفعل أو طلب الترك المنشأ بداعي الإرادة الحتمية أو الغير الحتمية أو بداعي الإذن
والترخيص وإما في الفعل كما في كلوا واشربوا أو في الترك كما في لا يغتسل ولا يعيد
مما لا يصح تقسيمه إلى التكليفي والوضعي ولكن بمعنى ما جعله الشارع وأوجده أو ما
اعتبره الشارع ولو إمضاء مما صح تقسيمه إليهما جميعاً وصح إطلاقه عليهما بهذا
المعنى.
(قوله أو مع زيادة
العلية والعلامية ... إلخ)
(أما العليّة)
فالظاهر انه لا فرق بينها وبين السببية التي قد حصر العلامة الحكم الوضعي بها
وبالشرطية والمانعية على ما ذكر المصنف في الكتاب وقال كما هو المحكي عن العلامة (اللهم
إلا أن يقال) إن السبب هو المقتضي والعلة هي العلة التامة أي مجموع المقدمات من
المقتضي والشرط وفقد المانع كما تقدم شرح الكل
مفصلا في مقدمة
الواجب (وأما العلامية) فهي كما في زيد الظل أو ميل الشمس إلى الحاجب الأيمن حيث
جعلا شرعاً علامتين للزوال بل وفي بعض الأخبار ان ارتفاع أصوات الديكة وتجاوبها
علامة للزوال أيضاً.
(قوله أو مع زيادة
الصحة والبطلان ... إلخ)
الظاهر ان الصحة
والفساد أمران واقعيان وهما التمامية وعدم التمامية سواء كانتا في العبادات أو في
المعاملات كما تقدم في بحث النهي عن العبادات والمعاملات غايته انه يختلف أثر
التمامية فيهما فأثرها في العبادات هو الإجزاء وسقوط الإعادة والقضاء وأثرها في
المعاملات هو ترتب الأثر الخاصّ عليها من النقل والانتقال ونحوهما (وعلى كل حال)
هما ليسا قابلين لجعل الجاعل واعتبار المعتبر كي يكونا حكمين وضعيين بل هما أمران
واقعيان يدوران مدار الواقع ثبوتاً فان كان الشيء تماماً واقعا فهو صحيح وإلّا فهو
فاسد باطل ناقص.
(قوله والعزيمة
والرخصة ... إلخ)
الظاهر انه لا وجه
لعد العزيمة والرخصة من الأحكام الوضعيّة فانهما عبارتان عن الوجوب والإباحة فقولك
مثلا هل الإفطار في السفر عزيمة أو رخصة أي هل هو واجب متعين شرعاً أو مباح جائز
عند الشرع ومن المعلوم ان الوجوب والإباحة هما حكمان تكليفيان لا وضعيان.
(قوله بل كلما ليس
بتكليف مما له دخل ... إلخ)
أي بل الوضع هو
عبارة عن كلما ليس بتكليف مما له دخل ... إلخ.
(قوله وإنما المهم في
النزاع هو ان الوضع كالتكليف في أنه مجعول تشريعاً بحيث يصح انتزاعه بمجرد إنشائه
أو غير مجعول كذلك بل إنما هو منتزع عن التكليف ومجعول بتبعه وبجعله ... إلخ)
(إشارة إلى بحث معروف) ونزاع مشهور في
الأحكام الوضعيّة وقد أشرنا ان ذلك غير مرتبط أصلا بتفصيل الفاضل التوني رحمهالله من عدم جريان الاستصحاب
لا في التكليف ولا
في الوضع وجريانه في متعلقات الوضع فقط من السبب والشرط والمانع بل النزاع المشهور
هو جار ولو لم يكن هناك تفصيل في الاستصحاب أصلا (وقد اختلفت) عبارات الشيخ أعلى
الله مقامه في تعيين محل النزاع (فمن بعضها) يظهر ان النزاع قد وقع في ان الحكم
الوضعي هل هو مرجعه إلى الحكم التكليفي أم لا (وبعبارة أخرى) ان الحكم الوضعي هل
هو عين الحكم التكليفي وليس هو شيئاً آخر ما ورائه أم لا بل هو شيء آخر ما وراء
التكليف (قال) أعلى الله مقامه (ما لفظه) المشهور كما في شرح الزبدة بل الّذي
استقر عليه رأي المحققين كما في شرح الوافية للسيد صدر الدين ان الخطاب الوضعي
مرجعه إلى الخطاب الشرعي وان كون الشيء سبباً لواجب هو الحكم بوجوب ذلك الواجب عند
حصول ذلك الشيء فمعنى قولنا إتلاف الصبي سبب لضمانه انه يجب عليه غرامة المثل أو
القيمة إذا اجتمع فيه شرائط التكليف من البلوغ والعقل واليسار وغيرها فإذا خاطب
الشارع البالغ العاقل الموسر بقوله اغرم ما أتلفته في حال صغرك انتزع من هذا
الخطاب معنى يعبر عنه بسببية الإتلاف للضمان ويقال انه ضامن بمعنى انه يجب عليه
الغرامة عند اجتماع شرائط التكليف ولم يدع أحد إرجاع الحكم الوضعي إلى التكليف
الفعلي المنجز حال استناد الحكم الوضعي إلى الشخص حتى يدفع ذلك بما ذكره بعض من
غفل عن مراد النافين من انه قد يتحقق الحكم الوضعي في مورد غير قابل للحكم التكليفي
كالصبي والنائم وشبههما (إلى ان قال) والعجب ممن ادعى بداهة بطلان ما ذكرنا مع ما
عرفت من أنه المشهور الّذي استقر عليه رأي المحققين فقال قدسسره في شرحه على الوافية تعريضا على السيد الصدر وأما من زعم
ان الحكم الوضعي عين الحكم التكليفي على ما هو ظاهر قولهم إن كون الشيء سبباً
لواجب هو الحكم بوجوب الواجب عند حصول ذلك الشيء فبطلانه غني عن البيان (انتهى) (ومن
بعض) عبارات الشيخ أيضاً يظهر ان النزاع قد وقع في ان الحكم الوضعي هل هو مستقل
بالجعل كالتكليف أم لا بل هو تابع له في الجعل
(قال) أعلى الله
مقامه بعد ما وصل كلامه المتقدم إلى قوله كالصبي والنائم وشبههما (ما لفظه) وكذا
الكلام في غير السبب فإن شرطية الطهارة للصلاة ليست مجعولة بجعل مغاير لإنشاء وجوب
الصلاة الواقعة حال الطهارة وكذا مانعية النجاسة ليست إلا منتزعة من المنع عن
الصلاة في النجس وكذا الجزئية منتزعة من الأمر بالمركب (إلى أن قال) هذا كله
مضافاً إلى أنه لا معنى لكون السببية مجعولة فيما نحن فيه حتى يتكلم انه بجعل
مستقل أولا (انتهى)
(وبالجملة) إن
عبارات الشيخ أعلى الله مقامه مضطربة في المقام مختلفة في تعيين محل النزاع (ودعوى)
ان تبعية الحكم الوضعي للتكليفي في الجعل هي عبارة أخرى عن رجوعه إليه وعينيته له
فيكون مرجع النزاعين إلى شيء واحد (مما لا وجه له) فإن التبعية في الجعل مما لا
يساوق الاتحاد والعينية فإن الأربعة مثلا إذا جعلت هي تكويناً فقد جعلت الزوجية
لها تبعا وليست الزوجية مرجعها إلى الأربعة بلا شبهة ولا هي عينها بلا كلام (وكيف
كان) قد حرر المصنف محل النزاع والكلام على النحو الثاني أي في الاستقلال في الجعل
وعدمه ونحن نتكلم على كلا النحوين جميعا (فنقول) أما النزاع على النحو الأول (فالحق
فيه) أن الحكم الوضعي هو غير الحكم التكليفي فلا هو عينه ولا هو مرجعه إليه (فسببية)
الدلوك لوجوب الصلاة أمر ووجوب الصلاة لديه أمر آخر وضمان المتلف بالكسر للمثل أو
القيمة أمر ووجوب دفعه وأدائه إلى المضمون له أمر آخر (وهكذا) كل حكم وضعي آخر وما
يقابله من الحكم التكليفي فهو أمر اعتباري خاص عند العقلاء وذاك امر اعتباري آخر
عندهم.
(نعم هما متلازمان)
في الوجود نظير استقبال الجنوب واستدبار الشمال فكلما كان استقبال الجنوب كان
استدبار الشمال وبالعكس ومن المعلوم ان مجرد التلازم في الوجود هو مما لا يلازم
الاتحاد والعينية (ومن هنا يظهر) حال النزاع) على النحو الثاني أيضا (وان الحق فيه)
أنه كلما تحقق أحدهما خارجاً تحقق الآخر
تبعا كما هو الشأن
في ساير المتلازمين في الوجود فإذا أنشأ وجوب الصلاة لدى الدلوك وقال أقم الصلاة
لدلوك الشمس تحققت السببية للدلوك تبعاً وإذا قال دلوك الشمس سبب لوجوب الصلاة
تحقق وجوب الصلاة لدى الدلوك تبعاً وهكذا الأمر في الضمان ووجوب أداء المثل أو
القيمة للمضمون له (وعليه) فكل من الحكم الوضعي والتكليفي قابل للجعل استقلالا
وتبعا (وقد أجاد) بعض شراح الوافية المتقدم ذكره على الإجمال الّذي ادعي بداهة
بطلان عينية الحكم الوضعي مع التكليفي حيث جمع ما هو الحق في محل النزاع على كلا
النحوين في عبارة واحدة مختصرة (قال) بعد قوله المتقدم فبطلانه غني عن البيان (ما
لفظه) إذ الفرق بين الوضع والتكليف مما لا يخفى على من له أدنى مسكة والتكاليف
المبنية على الوضع غير الوضع والكلام انما هو في نفس الوضع والجعل والتقرير
وبالجملة فقول الشارع دلوك الشمس سبب لوجوب الصلاة والحيض مانع منها خطاب وضعي وإن
استتبع تكليفاً وهو إيجاب الصلاة عند الزوال وتحريمها عند الحيض كما ان قوله تعالى
أقم الصلاة لدلوك الشمس ودعي الصلاة وأيام أقرائك خطاب تكليفي وان استتبع وضعاً
وهو كون الدلوك سبباً والأقراء مانعا (قال) والحاصل إن هناك امرين متباينين كل
منهما فرد للحكم فلا يغني استتباع أحدهما الآخر عن مراعاته واحتسابه في عداد
الأحكام (انتهى) (وقد اعترض) عليه الشيخ أعلى الله مقامه (بما ملخصه) انه إذا قال
لعبده أكرم زيداً إن جاءك فهل يجد المولى من نفسه انه أنشأ إنشاءين وجعل امرين
أحدهما وجوب إكرام زيد عند مجيئه والآخر كون مجيئه سبباً لوجوب إكرامه أو ان
الثاني مفهوم منتزع من الأول لا يحتاج إلى جعل مغاير لجعله ولا إلى بيان مخالف
لبيانه فإن أراد بتباينهما مفهوماً فهو أظهر من ان يخفى وان أراد كونهما مجعولين
بجعلين فالحوالة على الوجدان لا البرهان وكذا لو أراد كونهما مجعولين بجعل واحد
فإن الوجدان شاهد على ان السببية والمانعية في المثالين اعتبار ان منتزعان
كالمسببية والمشروطية والممنوعية (انتهى) (وفيه ما لا يخفى) فإن المولى إذا قال
لعبده أكرم زيداً
إن جاءك فقد أنشأ إنشاءين وجعل امرين غايته ان أحدهما استقلالي وهو جعل وجوب إكرام
زيد عند مجيئه والآخر تبعي وهو جعل السببية للمجيء نظير ما إذا أوجد الأربعة
استقلالا وجعلت الزوجية لها تبعاً ومن المعلوم انه لا يعتبر في الجعل التبعي ان
يجده الجاعل من نفسه كي صح ان يقال فهل يجد المولى من نفسه انه أنشأ إنشاءين وجعل
امرين أو يقال فالحوالة على الوجدان لا البرهان (واما قوله) أو ان الثاني مفهوم
منتزع من الأول فهو حق ولكن مجرد كون السببية أو الشرطية أو المانعية منتزعة عن
التكليف مما لا يلازم الاتحاد والعينية كما أشرنا قبلا كيف والانتزاع هو ملاك
الاثنينية لا ملاك الاتحاد والعينية.
(وبالجملة) إن كلا
من التكليف والوضع هو امر اعتباري عند العرف والعقلاء غير الآخر وكل منهما قابل
للجعل التشريعي استقلالا وتبعاً فإذا جعل أحدهما استقلالا فقد جعل الآخر تبعا.
(نعم إن من
الأحكام الوضعيّة) ما لا يقبل الجعل التشريعي إلا استقلالا لا تبعاً كالزوجية
والملكية والحرية ونحوها فإنها وإن كانت هي أموراً اعتبارية قد اعتبرها العرف
والعقلاء مع قطع النّظر عن الشرع ولكنها مع ذلك هي أحكام وضعية شرعية ولو بملاحظة
إمضائه لها في موارد خاصة ومع الشرائط مخصوصة لا في كل مورد يراها العرف والعقلاء (وعلى
كل حال) هي مما يحتاج إلى الجعل الاستقلالي والإيجاد بأسباب خاصة وأمور مخصوصة ولا
يكفيها مجرد جعل الحكم التكليفي الّذي هو في موردها فلا ينتزع الزوجية مثلا من
جواز الوطء أو الملكية عن إباحة التصرفات بل تحتاجان إلى عقد خاص يترتب عليهما بعد
إنشائهما بالعقد جواز الوطء أو إباحة التصرفات وهكذا الأمر في الحرية ونحوها عينا (هذا
كله) تفصيل ما عندنا من التحقيق.
(واما المصنف)
فسنذكر تحقيقه مع ما فيه من المناقشات عند ذكر كل نحو من أنحاء الوضع على حده
فانتظر يسيرا.
(قوله والتحقيق أن ما
عد من الوضع على أنحاء ... إلخ)
بل على نحوين كما
عرفت فإن الأحكام الوضعيّة بين ما يتطرق إليه الجعل التشريعي استقلال وتبعا وبين
ما لا يتطرق إليه الجعل التشريعي الا استقلالا لا تبعا.
(قوله منها ما لا يكاد
يتطرق إليه الجعل تشريعاً أصلا لا استقلالا ولا تبعا ... إلخ)
هذا هو النحو الأول
من أنحاء الوضع وهو كما سيأتي من المصنف كالسببية والشرطية والمانعية والرافعية
لما هو سبب التكليف وشرطه ومانعة ورافعه وقد عرفت منا وستعرف أيضا ان هذا النحو من
الوضع هو مما يتطرق إليه الجعل التشريعي بكلا قسميه من الاستقلالي والتبعي جميعا.
(قوله وان كان مجعولا
تكويناً عرضاً بعين جعل موضوعه كذلك ... إلخ)
مقصوده ان حال
السببية مثلا هي بعينها كحال الزوجية للأربعة فكما أن الأربعة إذا كانت مجعولة
تكويناً كانت الزوجية أيضا مجعولة لها تكويناً عرضاً فكذلك دلوك الشمس مثلا إذا
كان مجعولا تكويناً كانت السببية أيضاً مجعولة له تكويناً عرضاً بعين جعل موضوعها
أي بعين جعل السبب تكوينا.
(قوله ومنها ما لا
يكاد يتطرق إليه الجعل التشريعي إلا تبعاً للتكليف إلى آخره)
هذا هو النحو
الثاني من أنحاء الوضع وهو كما سيأتي من المصنف كالجزئية والشرطية والمانعية
والقاطعية لما هو جزء المكلف به وشرطه ومانعة وقاطعه وستعرف منا ان هذا النحو من
الوضع أيضاً مما يتطرق إليه الجعل التشريعي بكلا قسميه من الاستقلالي والتبعي
جميعا.
(قوله ومنها ما يمكن
فيه الجعل استقلال بإنشائه وتبعا للتكليف بكونه منشأ لانتزاعه وإن كان الصحيح
انتزاعه من إنشائه وجعله ... إلخ)
هذا هو النحو
الثالث من أنحاء الوضع وهو كما سيأتي من المصنف كالحجية
والقضاوة والولاية
والنيابة والحرية والرقية والزوجية والملكية إلى غير ذلك.
(ثم إن المصنف)
هاهنا وفيما سيأتي آنفا يصرح في بدو الأمر بإمكان كل من الجعل الاستقلالي والتبعي
في هذا النحو الثالث ولكن يختار أخيراً قابليته للجعل الاستقلالي فقط لا تبعا (وقد
أشار) إلى ذلك في المقام بقوله وان كان الصحيح انتزاعه من إنشائه وجعله ... إلخ
(قوله أما النحو الأول
فهو كالسببية والشرطية والمانعية والرافعية لما هو سبب التكليف وشرطه ومانعة
ورافعه ... إلخ)
(ان سبب) التكليف
هو عبارة عما فيه اقتضاء التكليف كدلوك الشمس في قوله أقم الصلاة لدلوك الشمس أو
مجيء زيد في قوله إن جاءك زيد فإكرامه وهكذا (وشرط) التكليف هو عبارة عما له دخل
في تأثير السبب في التكليف كالبلوغ والعقل ونحوهما (واما المانع والرافع) للتكليف
فهو كالحيض من قبل الوقت المانع عن توجه التكليف إلى الحائض أو من بعد الوقت
الرافع للتكليف عن الحائض من حين طروه وحدوثه.
(قوله حيث انه لا يكاد
يعقل انتزاع هذه العناوين لها من التكليف المتأخر عنها ذاتا ... إلخ)
شروع في الاستدلال
على عدم تطرق الجعل التشريعي إلى النحو الأول من الوضع أصلا لا استقلالا ولا تبعاً
بل يكون جعله تكويناً عرضا بعين جعل موضوعه تكوينا كما أشير قبلا (وملخصه) بعد
التدبر التام في صدر كلام المصنف وذيله ان سببية مثل دلوك الشمس لوجوب الصلاة ليست
إلّا لأجل ما فيه من الخصوصية المستدعية لذلك للزوم ان يكون بين العلة والمعلوم من
ربط خاص به تؤثر العلة في المعلول لا في غيره ولا غير العلة فيه وتلك الخصوصية لا
تكاد توجد بإنشاء عنوان السببية له مثل قول ودلوك الشمس سبب لوجوب الصلاة كي صح ان
يقال إن السببية قابلة للجعل التشريعي الاستقلالي ولا من إيجاب الصلاة عنده مثل
قول الشارع أقم الصلاة
لدلوك الشمس أو من
التكليف المتأخر عن الدلوك الحادث في كل يوم بسبب القول المذكور كي صح أن يقال إن
السببية قابلة للجعل التشريعي التبعي.
(نعم) لا بأس
باتصاف الدلوك بالسببية المجازية من إيجاب الصلاة عنده بقوله أقم الصلاة لدلوك
الشمس أو من قوله الدلوك سبب لوجوب الصلاة بدل إيجاب الصلاة عنده لا اتصافه
بالسببية الحقيقية (وفيه) ان لمثل الدلوك سببيتين (سببية) تكوينية وهي دخله في أصل
حدوث الملاك في الفعل أو في تكميله فيه إذ لولاه لما علق الشارع وجوب الصلاة عليه
أو لما أنشأ وجوبها عنده وهذه السببية غير مجعولة تشريعاً لا استقلالا ولا تبعاً
بل تكويناً عرضا بتبع جعل الدلوك تكوينا كما أفاد المصنف عينا (وسببية) تشريعية
وهي دخل الدلوك في حدوث التكليف عنده وفي صيرورة المشروط مطلقا حاليا بسببه وهذه
هي منتزعة إما عن قول الشارع دلوك الشمس سبب لوجوب الصلاة أو عن قوله أقم الصلاة
لدلوك الشمس فتكون مجعولة تشريعا إما استقلالا أو بتبع جعل التكليف عرضاً فإنه لو
لا قول الشارع أحد هذين القولين لم تجب الصلاة عند الدلوك أصلا ولو كان فيه سبعون
خصوصية وسبعون ملاك ومجرد كون السببية الأولى تكوينية والثانية تشريعية مما لا
يوجب تسمية الثانية بالمجازية فإنهما سببيتان مختلفتان وكل منهما حقيقية في حد
ذاتها غير مجازية
(قوله حدوثا أو
ارتفاعا ... إلخ)
أي لا يعقل انتزاع
السببية مثلا للدلوك من حدوث التكليف المتأخر عنه أو انتزاع الرافعية للحيض الطاري
بعد دخول الوقت من ارتفاع التكليف المتأخر عنه فإن كلا من حدوث التكليف أو ارتفاعه
متأخر عن الدلوك أو الحيض فكيف ينتزع عنه السببية للأول أو الرافعية للثاني فتأمل
جيدا.
(قوله به كانت مؤثرة
في معلولها لا في غيره ولا غيرها فيه وإلا لزم أن يكون كل شيء مؤثرا في كل شيء ...
إلخ)
أي بذلك الربط الخاصّ
كانت العلة مؤثرة في معلولها لا في غيره ولا غير العلة فيه
وإلا بأن لم يكن
في العلة بأجزائها من ربط خاص لزم أن يكون كل شيء مؤثرا في كل شيء وقد عرفت غير
مرة عند تصوير الجامع الصحيحي وغيره أن هذه المقدمة وهي لزوم ربط خاص بين العلة
والمعلول بضميمة عدم جواز أن يكون شيء واحد بما هو واحد مرتبطاً ومتسنخا مع أمور
مختلفة بما هي مختلفة نظرا إلى كون الربط والسنخية نحوا من الاتحاد والعينية تكون
هي مدركا لقاعدتين قاعدة الواحد لا يصدر إلا من الواحد وقاعدة الواحد لا يصدر منه
إلا الواحد فتذكر.
(قوله وتلك الخصوصية
لا يكاد يوجد فيها بمجرد إنشاء مفاهيم العناوين ... إلخ)
(بهذه العبارة) قد
سد المصنف احتمال الجعل التشريعي الاستقلالي في السببية وأخواتها (كما أن بقوله
المتقدم) حيث انه لا يكاد يعقل انتزاع هذه العناوين لها من التكليف المتأخر عنها
ذاتا ... إلخ (وبقوله الآتي) ومنه انقدح أيضا عدم صحة انتزاع السببية له حقيقة من
إيجاب الصلاة عنده ... إلخ قد سد احتمال الجعل التشريعي التبعي فيهما فإذا ينحصر
جعلهما بالتكويني العرضي بتبع جعل السبب تكوينا (وقد أشرنا) إلى ذلك كله عند تلخيص
استدلال المصنف آنفا فلا تغفل.
(قوله ومعه تكون واجبة
لا محالة وان لم ينشأ السببية للدلوك أصلا إلى آخره)
أي ومع وجود ما
يدعو إلى وجوبها تكون الصلاة واجبة لا محالة وإن لم ينشأ السببية للدلوك أصلا (وفيه)
ما عرفته منا من أن الشارع ما لم ينشأ وجوب الصلاة لدى الدلوك بقوله أقم الصلاة
لدلوك الشمس أو لم ينشأ السببية للدلوك بقوله جعلت الدلوك سببا لوجوب الصلاة لم
تكن الصلاة واجبة عند الدلوك ولو كان فيها سبعون خصوصية وسبعون ملاك إلّا إذا أدرك
العقل بنفسه وجود المناط في الصلاة لدى الدلوك بحد الإلزام فتجب حينئذ بلا حاجة
إلى إنشاء الشارع وجوب الصلاة لدى الدلوك أو إنشاء السببية للدلوك أصلا وهذا واضح
ظاهر.
(قوله ومنه انقدح أيضا
عدم صحة انتزاع السببية له حقيقة من إيجاب الصلاة عنده ... إلخ)
أي ومن قولنا
ضرورة بقاء الدلوك (إلى آخره) انقدح أيضا عدم صحة انتزاع السببية للدلوك حقيقة من
إيجاب الصلاة عنده أي من قول الشارع أقم الصلاة لدلوك الشمس ما لم يكن هناك ما
يدعو إلى وجوبها ومعه تكون واجبة وإن لم توجب الشارع الصلاة عنده.
(قوله كما انه لا بأس
بأن يعتبر عن إنشاء وجوب الصلاة عند الدلوك مثلا بأنه سبب لوجوبها ... إلخ)
أي كما لا بأس بأن
يعتبر عوض إنشاء وجوب الصلاة عند الدلوك بأن الدلوك سبب لوجوب الصلاة فيكني بذلك
عن وجوبها عنده (ومقصود المصنف) من ذلك كله انه كما لا بأس باتصاف الدلوك بالسببية
المجازية لأجل إيجاب الصلاة عنده بقوله أقم الصلاة لدلوك الشمس فكذلك لا بأس
باتصافه بها بإنشاء السببية له بقوله دلوك الشمس سبب لوجوب الصلاة فكل من القولين
مما صح أن يكون منشأ لانتزاع السببية المجازية له (وقد أشرنا) إلى ذلك كله عند
تلخيص استدلال المصنف آنفا فتذكر.
(قوله لا منشأ لانتزاع
السببية وسائر ما لأجزاء العلة للتكليف ... إلخ)
مقصوده من سائر ما
لأجزاء العلة للتكليف هي أخوات السببية من الشرطية والمانعية والرافعية ولو قال لا
منشأ لانتزاع السببية وأخواتها كان أولى.
(قوله وأما النحو
الثاني فهو كالجزئية والشرطية والمانعية والقاطعية لما هو جزء المكلف به وشرطه
ومانعة وقاطعه ... إلخ)
فجزء الصلاة
كالفاتحة وشرطها كالطهور ومانعها كلبس غير المأكول وقاطعها كالحدث وقد ذكرنا الفرق
بين كل من المانع والقاطع قبيل الشروع في التنبيه الثاني من تنبيهات الأقل والأكثر
الارتباطيين فراجع.
(قوله حيث أن اتصاف
شيء بجزئية المأمور به أو شرطيته أو غيرهما لا يكاد يكون الا بالأمر بجملة أمور
مقيدة بأمر وجودي أو عدمي ... إلخ)
شروع في الاستدلال
على عدم تطرق الجعل التشريعي إلى النحو الثاني من الوضع إلا تبعاً للتكليف (وحاصله)
ان اتصاف شيء بجزئية المأمور به أو شرطية المأمور به أو مانعية عنه أو قاطعية له
لا يكاد يكون إلّا بتعلق الأمر بجملة أمور مقيدة بأمر وجودي خاص كالطهارة والستر
والقبلة ونحوها أو عدمي مخصوص كعدم لبس غير المأكول وعدم الحدث وعدم الاستدبار
ونحوها ولا يكاد يمكن اتصاف شيء بالعناوين المذكورة بمجرد إنشاء الشارع له الجزئية
أو الشرطية أو المانعية أو القاطعية (وفيه ما لا يخفى) وذلك لوضوح أن الشارع إذا
أمر بماهية مركبة كالصلاة مثلا وصارت هي مأمورة بها ثم بدا له أن يزيد في أجزائها
أو شرائطها أو موانعها أو قواطعها فله في ذلك طريقان.
(أحدهما) أن يأمر
بإتيان ذلك الأمر الزائد في الصلاة أو ينهى عن إتيانه فيها فيقول يجب في الصلاة
أمر كذا أو يحرم في الصلاة أمر كذا فينتزع له الجزئية أو الشرطية أو المانعية أو
القاطعية يتبع التكليف الشرعي المتعلق به.
(ثانيهما) أن يقول
جعلت الأمر الفلاني جزءا للصلاة المأمورة بها أو شرطاً لها أو مانعا عنها أو قاطعا
لها فيحدث له عنوان الجزئية أو الشرطية أو المانعية أو القاطعية وبتبعها يجب
الإتيان به شرعا أو يحرم كذلك كسائر الأجزاء والشرائط أو الموانع والقواطع من دون
حاجة إلى إنشاء أمر جديد متعلق بجملة أمور مقيدة بأمر وجودي زائد أو عدمي كذلك
وهذا لدى التدبر واضح فتدبر.
(قوله وجعل الماهية
وأجزائها ليس إلا تصوير ما فيه المصلحة المهمة الموجبة للأمر بها ... إلخ)
(دفع) لما قد
يتوهم من أن الشارع إذا جعل ماهية واخترع أمراً مركبا من عدة أمور مقيدة بأمور
خاصة فبمجرد جعله لها واختراعه إياها ينتزع لكل جزء من
أجزائها عنوان
الجزئية ولكل قيد من قيودها عنوان الشرطية من قبل أن يأمر بها ويتعلق بها التكليف (وعليه)
فلا تكون الجزئية أو الشرطية مجعولة بتبع التكليف (وحاصل الدفع) ان جعل الماهية
واخترعها ليس إلا تصورها بأجزائها وقيودها وانها مما فيه مصلحة ملزمة مقتضية للأمر
بها (ومن المعلوم) أن مجرد تصورها كذلك مما لا يوجب اتصاف شيء من أجزائها ولا
شرائطها بالجزئية للمأمور به أو الشرطية له ما لم يؤمر بتلك الماهية ويتعلق
التكليف بها.
(وبالجملة) ما لم
يتعلق الأمر بالماهية المركبة لم يتصف شيء من أجزائها ولا شرائطها بكونه جزءا أو
شرطا للمأمور به وإن اتصف بكونه جزءاً أو شرطاً للماهية المتصورة أو المشتملة على
المصلحة الملزمة فتدبر جيدا.
(قوله وأما النحو
الثالث فهو كالحجية والقضاوة والولاية والنيابة والحرية والرقية والزوجية والملكية
إلى غير ذلك حيث أنها وان كان من الممكن انتزاعها من الأحكام التكليفية التي تكون
في موردها كما قيل ومن جعلها بإنشاء أنفسها ... إلخ)
قد أشرنا فيما
تقدم عند الإشارة الإجمالية إلى النحو الثالث أن المصنف هاهنا وفيما سيأتي آنفا
يصرح في بدو الأمر بإمكان كل من الجعل الاستقلالي والتبعي فيه ولكن يختار أخيراً
قابلية للجعل الاستقلالي فقط دون التبعي وهذا هو تصريحه في بدو الأمر بإمكان كل من
الجعل الاستقلالي والتبعي فيه وسيأتي بعد ذلك بلا فصل اختيار قابليته للجعل
الاستقلالي فقط دون التبعي فانتظر يسيرا.
(قوله إلّا أنه لا
يكاد يشك في صحة انتزاعها من مجرد جعله تعالى أو من بيده الأمر من قبله جل وعلا
لها بإنشائها ... إلخ)
شروع في الاستدلال
على قابلية هذا النحو الثالث من الوضع للجعل الاستقلالي فقط دون التبعي (وقد استدل)
لذلك بأمرين.
(أحدهما) لقابليته
للجعل الاستقلالي.
(وثانيهما) لعدم
قابليته للجعل التبعي.
(أما الأول)
فحاصله انه لا شك في صحة انتزاع تلك الأمور المذكورة من مجرد جعله تعالى لها أو من
بيده الأمر من قبله جل وعلا كما في الحجية والقضاوة والولاية أو من مجرد العقد أو
الإيقاع ممن بيده الاختيار كما في النيابة والحرية والرقية والزوجية والملكية
والطلاق والعتاق ونحوها وكل ذلك بملاحظة التكليف والآثار التي هي في موردها من
جواز النّظر والمس والدخول ونحو ذلك في الزوجية أو جواز أنحاء التصرفات في الملكية
وهكذا فلو كانت هذه الأمور منتزعة من التكاليف التي هي في موردها بدعوى ان المجعول
أولا بوسيلة العقد أو الإيقاع هي تلك التكاليف ثم ينتزع هذه الأمور من تلك
التكاليف المجعولة بالعقد أو الإيقاع لزم أمران.
(أحدهما) أن لا
يصح انتزاع هذه الأمور بمجرد جعلها بلا ملاحظة تلك التكاليف مع انها تنتزع بلا
ملاحظتها قطعا.
(ثانيهما) أن لا
يقع ما قصد من العقد أو الإيقاع وهي هذه الأمور الوضعيّة وأن يقع ما لم يقصد منهما
وهي تلك التكاليف المجعولة بوسيلة العقد أو الإيقاع.
(وأما الثاني) وقد
أشار إليه بقوله كما لا ينبغي ان يشك ... إلخ فحاصله انه لا شك في عدم صحة انتزاع
هذه الأمور من مجرد التكليف الّذي في موردها فلا تنتزع الملكية عن إباحة التصرفات
ولا الزوجية من جواز الوطء وساير الاستمتاعات وهكذا ساير الاعتبارات مما في موردها
من التكليفات فانقدح من تمام ما ذكر إلى هنا ان هذه الأمور المذكورة هي مجعولة
استقلالا لا تبعا لجعل التكليف والأثر.
(أقول)
قد تقدم منا ان
مثل الزوجية والملكية والحرية ونحوها هو مما يحتاج إلى الجعل الاستقلالي ولا يكاد
يكفيها مجرد جعل الحكم التكليفي الّذي هو في موردها كي تكون مجعولة تبعاً ولكن لا
يبعد في مثل الحجية والقضاوة والولاية والنيابة قابليته للجعل
التبعي أيضا
كالجعل الاستقلالي عينا فكما صح انتزاعها من مثل قوله خبر الثقة حجة أو إن فلانا
جعلته قاضيا أو واليا أو نائبا فكذلك صح انتزاعها من قوله يجب العمل بخبر الثقة أو
يحرم رد قضاء فلان أو يجب إطاعة فلان أو يحل لفلان التصرف في أموالي ببيع أو إجارة
ونحوهما ولعل ذلك كله مما يتضح بالتدبر فتدبر جيدا.
(قوله وهم ودفع ...
إلخ)
(اما الوهم)
فحاصله ان الملكية كيف تكون من الأحكام الوضعيّة والاعتبارات الحاصلة بالجعل
والإنشاء التي هي من خارج المحمول أي ليس بحذائها شيء في الخارج سوى منشأ انتزاعها
كما في الفوقية والتحتية والأبوة والنبوة ونحوها من الإضافات مع ان الملك على ما
قرر في محله هو إحدى المقولات المحمولات بالضميمة أي التي بحذائها شيء في الخارج
كالكم والكيف والفعل والانفعال ونحوها من الأعراض المتأصلة التي لها حظ من الوجود
وليست هي من الاعتبارات المحضة الحاصلة بالجعل والإنشاء فإن مقولة الملك هي نسبة
الشيء إلى ما يحويه والحالة الحاصلة له من ذلك (قال العلامة) أعلى الله مقامه في
شرح التجريد عند قول المصنف السابع وهو نسبة التملك ... إلخ (ما لفظه) أقول قال
أبو علي إن مقولة الملك لم أحصلها إلى الآن ويشبه ان تكون عبارة عن نسبة الجسم إلى
حاوله أو لبعض اجزائه كالتسلح والتختم فمنه ذاتي كحال الهرة عند إهابها ومنه عرضي
كبدن الإنسان عند قميصه (قال) واما المصنف (ره) فإنه حصل هذه المقولة وبين انها
عبارة عن نسبة التملك (قال) قال رحمهالله ولخفائها اعتبر المتقدمون عنها بعبارات مختلفة كالجدة
والملك وله (انتهى).
(واما الدفع)
فحاصله ان الملك مشترك لفظي قد يطلق على المقولة التي يعتبر عنها بالجدة وقد يطلق
على الإضافة التي قد تحصل بالعقد وقد تحصل بغيره من إرث ونحوه فالذي هو من الأحكام
الوضعيّة والاعتبارات الحاصلة بالجعل والإنشاء ويكون من خارج المحمول هو الملك
بالمعنى الثاني والّذي هو من الاعراض
المتأصلة ويكون من
المحمولات بالضميمة أي التي لا تحصل بالجعل والإنشاء هو الملك بالمعنى الأول ومنشأ
الوهم اشتراكه اللفظي وإطلاقه على هذا مرة وعلى ذاك أخرى فتأمل جيدا.
(قوله إذا عرفت اختلاف
الوضع في الجعل فقد عرفت انه لا مجال لاستصحاب دخل ما له الدخل في التكليف ... إلخ)
(وحاصله) انه لا
مجال للاستصحاب.
(في النحو الأول)
من الوضع الّذي لا يتطرق إليه الجعل التشريعي أصلا على ما حققه المصنف لا استقلالا
ولا تبعاً فلا يستصحب دخل ما له الدخل في التكليف إما بنحو السببية أو الشرطية أو
المانعية أو الرافعية وذلك لما يعتبر في الاستصحاب كما سيأتي في التنبيه العاشر ان
يكون المستصحب حكماً شرعيا أو موضوعا ذا حكم شرعي والنحو الأول من الوضع أي
السببية وأخواتها ليس هو امرا مجعولا شرعا لا استقلالا ولا تبعا ولا هو ذو أثر
مجعولا شرعا.
(واما النحو
الثالث) من الوضع الّذي ادعى المصنف تطرق الجعل الاستقلالي إليه فقط دون التبعي
وإن صرح في بدو الأمر بقابليته للجعل الاستقلالي والتبعي جميعا كالحجية والقضاوة
والولاية ونحوها فلا مانع عن استصحابه فإنه كالتكليف بعينه.
(واما النحو
الثاني) من الوضع الّذي قد ادعى تطرق الجعل التبعي إليه فقط دون الاستقلالي
كالجزئية لما هو جزء المكلف به أو الشرطية لما هو شرط المكلف به وهكذا فلا مانع عن
استصحابه أيضا نظرا إلى كفاية الجعل التبعي في صحة استصحابه فإن امر وضعه ورفعه
بالأخرة بيد الشارع قطعا.
(نعم) لا مجال
لاستصحابه من ناحية أخرى وهي كون الأصل الجاري فيه مسببياً ومع جريان السببي لا
تصل النوبة إلى المسببي فإن الشك في بقاء جزئية الجزء مثلا ناش عن الشك في بقاء
الأمر بالكل الّذي قد انتزع منه جزئية الجزء فيجري
الأصل في السبب
دون المسبب وان كانا متوافقين لا متخالفين وسيأتي تحقيق السببي والمسببي مفصلا في
أو آخر الاستصحاب إن شاء الله تعالى فانتظر.
(أقول)
قد عرفت منا أن
النحو الأول من الوضع أيضا قابل للجعل التشريعي بل قابل له استقلالا وتبعاً وعليه
فلا مانع عن استصحابه كما في النحو الثالث والثاني عينا.
(قوله والتكليف وإن
كان مترتباً عليه إلا انه ليس بترتب شرعي فافهم ... إلخ)
أي والتكليف وإن
كان مترتبا على ما له الدخل في التكليف أي على نفس السبب وأخواته ولكن ترتبه عليه
ليس بترتب شرعي من قبيل ترتب الحرمة على الخمر بل ترتب عقلي كترتب المعلول على
العلة.
(وفيه أولا) ان
ترتب الوجوب مثلا على الدلوك الّذي هو سبب للتكليف أو على العقل الّذي هو شرط
للتكليف أو ترتب منع التكليف على الحيض الّذي هو مانع عنه أو ترتب رفع التكليف على
الحيض الطاري في أثناء الوقت الّذي هو رافع له هو ترتب شرعي وإذا يستصحب نفس السبب
والشرط والمانع والرافع بلا مانع عنه أصلا.
(وثانيا) إن
الكلام إنما هو في استصحاب النحو الأول من الوضع أي دخل ما له الدخل وهو السببية
والشرطية والمانعية والرافعية لا استصحاب نفس ما له الدخل أي السبب والشرط والمانع
والرافع والظاهر ان إلى هذين الأمرين قد أشار المصنف بقوله فافهم.
(قوله فافهم ... إلخ)
ولعله إشارة إلى
ان استصحاب المسبب وإن لم يكن له مجال مع استصحاب سببه ومنشأ انتزاعه فلا مجال
لاستصحاب جزئية الجزء مع جريان استصحاب وجوب الكل الّذي هو سبب لانتزاع جزئية
الجزء ولكن السببي إذا سقط للمعارضة بما هو
في عرضه فتصل
النوبة إلى المسببي قهراً فإذا سقط استصحاب الطهارة في أحد طرفي العلم الإجمالي
بالنجاسة لمعارضته باستصحابها في الطرف الآخر فتصل النوبة إلى استصحاب الطهارة في
الملاقي لأحد طرفي العلم الإجمالي وقد تقدم تفصيل ذلك كله في أصل الاشتغال كما هو
حقه فراجع.
في تنبيهات الاستصحاب وبيان اعتبار فعلية
الشك واليقين فيه
(قوله ثم إن هاهنا
تنبيهات الأول انه يعتبر في الاستصحاب فعلية الشك واليقين ... إلخ)
المقصود من عقد
هذا التنبيه هو الإشارة إلى ما ذكره الشيخ أعلى الله مقامه في الأمر الخامس مما
تعرضه بعد تعريف الاستصحاب قبل الشروع في أدلة الاستصحاب (قال) الخامس إن المستفاد
من تعريفنا السابق الظاهر في استناد الحكم بالبقاء إلى مجرد الوجود السابق ان
الاستصحاب يتقوم بأمرين أحدهما وجود الشيء في زمان (إلى ان قال) والثاني الشك في
وجوده في زمان لا حق عليه (إلى ان قال) ثم المعتبر هو الشك الفعلي الموجود حال
الالتفات إليه أما لو لم يلتفت فلا استصحاب وإن فرض الشك فيه على فرض الالتفات
فالمتيقن للحدث إذا التفت إلى حاله في اللاحق فشك جرى الاستصحاب في حقه فلو غفل عن
ذلك وصلى بطلت صلاته لسبق الأمر بالطهارة ولا يجري في حقه حكم الشك في الصحة بعد
الفراغ عن العمل لأن مجراه الشك الحادث بعد الفراغ لا الموجود من قبل نعم لو غفل
عن حاله بعد اليقين بالحدث وصلى ثم التفت وشك في كونه محدثا حال الصلاة أو متطهراً
يعني بذلك أنه احتمل التطهير بعد الحدث قبل الصلاة جرى في حقه قاعدة الشك
بعد الفرغ لحدوث
الشك بعد العمل وعدم وجوده قبله حتى يوجب الأمر بالطهارة والنهي عن الدخول فيه
بأوانها (انتهى) (وملخصه) أنه يعتبر في الاستصحاب الشك الفعلي ولا ينفع الشك
التقديري أي لو التفت لشك (فإذا تيقن) بالحدث فشك ومجرى استصحاب الحدث وصار
محكوماً بكونه محدثا شرعاً بمقتضى الاستصحاب ثم غفل وصلى بطلت صلاته ولا تنفعه
قاعدة الفراغ أصلا لأن مجراها الشك الحادث بعد الفراغ لا الموجود من قبل (واما إذا
تيقن) بالحدث ثم غفل وصلى واحتمل انه قد تطهر قبل الصلاة بعد حدثه المتيقن صحت
صلاته لقاعدة الفراغ وعدم فعلية الشك في الحدث من قبل الصلاة ليكون محكوماً بالحدث
من قبل فتبطل صلاته وان كان بحيث لو التفت لشك (ثم إن المصنف) قد زاد على الشيخ
أعلى الله مقامه فاعتبر فعلية اليقين أيضاً وانه لا ينفع اليقين التقديري (فقال)
ويعتبر في الاستصحاب فعلية الشك واليقين ... إلخ غير انه قدسسره لم يذكر مثالا لليقين التقديري كما ذكر للشك التقديري (ومثاله)
على الظاهر هو ما إذا شك في الجنابة عند الزوال وأجرى البراءة عنها وصلى ثم وجد في
ثوبه منياً تيقن به انه قد أجنب عند الفجر ولكن احتمل الغسل بعد الفجر صحت صلاته
لقاعدة الفراغ فإنه قبل الصلاة وإن شك في الجنابة وتحقق أحد ركني الاستصحاب ولكن
لم يتيقن بالجنابة السابقة ليستصحبها وتبطل صلاته وإن كان بحيث لو رأى المني في
ثوبه لتيقن بها وجرى استصحابها وبطلت صلاته شرعا فتأمل جيدا.
(قوله فيحكم بفساد
صلاته فيما إذا قطع بعدم تطهيره بعد الشك ... إلخ)
وإلا بأن احتمل تطهيره
بعد الشك قبل الصلاة جرت قاعدة الفراغ أيضا فإنه حين الشك وان كان محكوما بالحدث
بمقتضى الاستصحاب ولكن استصحاب والحدث ليس بأقوى من القطع بالحدث فكما انه إذا قطع
بالحدث ثم غفل وصلى واحتمل بعد الصلاة انه تطهر بعد القطع بالحدث قبل الصلاة صحت
صلاته لقاعدة الفراغ فكذلك فيما إذا استصحب الحدث ثم غفل وصلى واحتمل بعد الصلاة
انه تطهر
بعد استصحاب الحدث
قبل الصلاة صحت صلاته بطريق أولى.
(قوله لا يقال نعم
ولكن استصحاب الحدث في حال الصلاة بعد ما التفت بعدها يقتضى أيضا فسادها ... إلخ)
(وحاصل الإشكال)
أنه نعم من أحدث ثم غفل وصلى ثم شك في أنه تطهر قبل الصلاة أم لا يكن شاكاً قبل
الصلاة كي يجري في حقه استصحاب الحدث ولكن بعد ما صلى وشك في ذلك يجري في حقه
استصحاب الحدث من حين اليقين به إلى حال الصلاة وبعدها فتبطل صلاته قهرا (وحاصل
الجواب) أنه نعم يجري استصحاب الحدث فعلا بعد الصلاة ويقتضي بطلانها لكن لو لا
تقدم قاعدة الفراغ عليه المقتضية لصحتها وسيأتي من المصنف في آخر الاستصحاب إن شاء
الله تعالى أن الوجه في تقدم قاعدة الفراغ على الاستصحاب هو التخصيص لأخصية دليلها
من دليله (وان كان يظهر من الشيخ) أعلى الله مقامه هاهنا أن وجه تقدم القاعدة على
الاستصحاب حكومتها عليه (قال) بعد عبارته المتقدمة (ما لفظه) نعم هذا الشك اللاحق
يوجب الإعادة بحكم استصحاب عدم الطهارة لو لا حكومة قاعدة الشك بعد الفراغ عليه (انتهى).
(أقول)
والظاهر ان مراده
من الحكومة هاهنا ليس معناها الحقيقي إذ ليس في البين شرح ولا نظر كي تتحقق
الحكومة بل هو الورود أي نفي الموضوع وهو الشك ولو تعبدا لا حقيقة ويشهد لذلك
إطلاقه كثيرا على الأصل السببي انه حاكم على المسببي مع انه مما لا نظر له قطعاً
ولكن مع ذلك لا ينبغي إطلاق الحاكم هنا ولو بهذا المعنى على قاعدة الفراغ إذ نفي
موضوع الاستصحاب وهو الشك بقاعدة الفراغ المحرزة للطهارة ليس أولى من نفي موضوع
قاعدة الفراغ وهو الشك بقاعدة الاستصحاب المحرزة للحدث (ولعله إليه) أشار الشيخ
أخيراً بقوله فافهم فراجع (وعلى كل حال) ان الصحيح في وجه تقديم قاعدة الفراغ على
الاستصحاب هو ما اختاره المصنف
من التخصيص وسيأتي
شرح ذلك مفصلا إن شاء الله تعالى فانتظر.
هل يكفي الشك في بقاء شيء على تقدير ثبوته
(قوله الثاني انه هل
يكفي في صحة الاستصحاب ... إلخ)
(وحاصل الكلام)
انه هل يكفي في صحة استصحاب الشيء الشك في بقاءه على تقدير ثبوته وإن لم يحرز
ثبوته بالقطع غايته انه إذا أحرز ثبوته بالقطع فبقاؤه التعبدي محرز معلوم بلا شبهة
وإلّا فبقاؤه التعبدي تقديري فرضي أي على تقدير ثبوته هو باق تعبداً فيكون نتيجة
هذا الاستصحاب هي مجرد الملازمة بين الثبوت والبقاء في الخارج (وجهان) (من عدم)
إحراز ثبوت الشيء فلا يقين به ولا بد من اليقين في الاستصحاب فلا يكفي (ومن أن)
اعتبار اليقين فيه انما هو لأجل ان يكون التعبد في مرحلة البقاء فقط دون الثبوت لا
لأجل أن لليقين خصوصية في الاستصحاب فيكفي بمعنى أنه يثبت حينئذ بالاستصحاب بقاء
الشيء على تقدير ثبوته فإذا قامت حجة على ثبوته كانت حجة أيضا على بقاءه وذلك لما
ثبت بالاستصحاب من الملازمة بين ثبوته وبين بقاءه (ثم إن مقصود المصنف) من هذا كله
هو دفع ما قد يتوجه إليه بناء على ما حققه في الطرق والأمارات من ان المجعول فيهما
هو مجرد الحجية أي المنجزية عند الإصابة والعذرية عند الخطأ كما في القطع عينا لا
الأحكام الظاهرية كما هو ظاهر الأصحاب رضوان الله عليهم حيث يرد على المصنف حينئذ
أنه كيف يستصحب الأحكام التي قامت عليها الطرق والأمارات إذا شك في بقائها إذ لا
يقين بالحكم الواقعي كي يستصحب الواقعي ولا حكم ظاهري في البين بناء على جعل
الحجية كي يستصحب الظاهري فيندفع الإشكال حينئذ بما ذكره في المقام من أن
الاستصحاب مما يتكفل بقاء الحكم الواقعي على تقدير ثبوته ووجوده فتكون الحجة على
ثبوته حجة أيضاً على بقاءه لما ثبت من
الملازمة بين
الثبوت والبقاء بوسيلة الاستصحاب نظير ما إذا قام الدليل الشرعي على طلوع الشمس
فيكون دليلا على وجود النهار أيضا بعد ما ثبت الملازمة بين طلوع الشمس ووجود
النهار غايته أن الملازمة في المثال وجدانية وفي المقام تعبدية وهذا واضح.
(أقول)
والإنصاف أن دفع
الإشكال مما لا يحتاج إلى مثل هذا الجواب الطويل العريض من الالتزام بكفاية الشك
في بقاء شيء على تقدير ثبوته وعدم الحاجة إلى إحراز ثبوته بالعلم واليقين إلى آخر
ما ذكره المصنف (فإنه مضافا) إلى ضعفه في حد ذاته فإن اعتبار العلم واليقين في
الاستصحاب ربما يكون من البديهي هو تطويل بلا طائل (والصحيح في الجواب) هو ان يقال
ان اليقين المعتبر في الاستصحاب أعم من اليقين الوجداني واليقين التنزيلي فدليل
الاستصحاب ناطق باعتبار اليقين في الاستصحاب ودليل اعتبار الأمارة ينزل الأمارة
منزلة اليقين فيكون دليل الأمارة حاكماً على دليل الاستصحاب وموسعا لدائرته فكما
يستصحب الأمر المكشوف باليقين الوجداني فكذلك يستصحب الأمر المكشوف باليقين
التنزيلي ولعمري هذا واضح ظاهر لا يحتاج إلى إطالة الكلام ومزيد النقض والإبرام.
(قوله فيما رتب عليه
أثر شرعا أو عقلا ... إلخ)
(أما الأثر الشرعي)
فواضح (وأما الأثر العقلي) الّذي رتب على المستصحب فهو حكم العقل بوجوب الموافقة
وحرمة المخالفة واستحقاق العقوبة المترتب جميع ذلك كله على الحكم الشرعي المستصحب
وسيأتي شرح ذلك كله من المصنف في التنبيه التاسع إن شاء الله تعالى وقد أشار إليه
قبله بسطر أيضاً في آخر التنبيه الثامن وعبر عنه باللازم المطلق أي ولو في الظاهر
فإن اللازم العقلي الّذي لا يكاد يترتب على المستصحب إنما هو لازم المستصحب واقعاً
لا مطلقاً ولو ظاهرا.
(قوله بل ولا شك فانه
على تقدير لم يثبت ... إلخ)
أي بل ولا شك في
بقائه فإن الشك في البقاء إنما هو على تقدير لم يثبت وهو تقدير ثبوته فكما ان مع
عدم إحراز الثبوت لا يقين فكذلك لا شك (وفيه ما لا يخفى) فإن الشك في البقاء ليس
إلّا احتمال البقاء وهو موجود بالوجدان فيما احتمل ثبوته وبقائه.
(قوله فيتعبد به على
هذا التقدير فيترتب عليه الأثر فعلا ... إلخ)
أي فيترتب عليه
الأثر فعلا فيما إذا قامت الحجة على ثبوته فتكون حجة على بقائه أيضا كما سيأتي من
المصنف وأشير إليه آنفاً وإلّا فمجرد التعبد بالبقاء على تقدير الثبوت مما لا يوجب
ترتب الأثر عليه فعلا كما هو واضح ، (قوله إن قلت كيف وقد
أخذ اليقين بالشيء في التعبد ببقائه في الأخبار أو لا يقين في فرض تقدير الثبوت ...
إلخ)
(وحاصل الإشكال)
انه كيف يكفي في صحة الاستصحاب الشك في بقاء الشيء على تقدير ثبوته وقد أخذ اليقين
بالشيء في التعبد ببقائه في الأخبار ولا يقين في فرض تقدير الثبوت (وحاصل الجواب)
انه نعم قد أخذ اليقين بالشيء في التعبد ببقائه في الأخبار ولكنه قد أخذ بما هو
كاشف عن الواقع ليكون التعبد في مرحلة البقاء فقط دون الثبوت والتعبد مع فرض ثبوته
بالحجة يكون في مرحلة بقائه أيضاً دون ثبوته.
(أقول)
ومرجع هذا الجواب
الّذي التأمل إلى أن اليقين بالشيء المأخوذ في الأخبار قد أخذ موضوعا للتعبد
بالبقاء بما هو كاشف عن الواقع لا بما هو صفة فتقوم الحجة المعتبرة مقامه فكما أنه
إذا أحرز شيء باليقين وقد شك في بقائه يبني على بقائه فكذلك إذا أحرز بالحجة وقد
شك في بقائه يبني على بقائه.
(نعم) يتوجه إليه
حينئذ انه قد أنكر في بحث القطع قيام الطرق والأمارات
مقام القطع
المأخوذ موضوعاً بما هو كاشف كما انها لا تقوم مقام القطع المأخوذ موضوعاً بما هو
صفة (وعليه) فكيف يلتزم هاهنا بقيامها مقام القطع المأخوذ موضوعاً بما هو كاشف
ويتخلص بذلك عن الإشكال الوارد عليه (ولعله) إليه أشار أخيراً بقوله فافهم فافهم
جيدا.
(قوله فافهم ... إلخ)
قد أشير الآن إلى
وجه قوله فافهم فلا تغفل.
في أقسام استصحاب الكلي
(قوله الثالث أنه لا
فرق في المتيقن السابق بين أن يكون خصوص أحد الأحكام أو ما يشترك بين الاثنين منها
أو الأزيد من أمر عام ... إلخ)
أي لا فرق في
المتيقن السابق بين أن يكون هو خصوص الوجوب مثلا أو الرجحان المشترك بين الوجوب
والاستحباب أو الجواز المشترك بين الوجوب والاستحباب والإباحة والكراهة (ثم إن
المقصود) من عقد هذا التنبيه الثالث هو بيان أقسام استصحاب الكلي غير أن المصنف قد
جعل محط كلامه في أول التنبيه خصوص الأحكام وتداركه في آخر التنبيه (فقال) ومما
ذكر في المقام يظهر حال الاستصحاب في متعلقات الأحكام ... إلخ يعني بها الموضوعات (وقد
أجاد) الشيخ أعلى الله مقامه حيث جعل محط كلامه من أول الأمر ما يعم الحكم
والموضوع جميعا (فقال) إن المتيقن السابق إذا كان كلياً في ضمن فرد وشك في بقائه
... إلخ.
في القسم الأول من استصحاب الكلي
(قوله فإن كان الشك في
بقاء ذلك العام من جهة الشك في بقاء الخاصّ الّذي كان في ضمنه وارتفاعه كان
استصحاب كاستصحابه بلا كلام ... إلخ)
إشارة إلى القسم
الأول من استصحاب الكلي (قال الشيخ) أعلى الله مقامه إن المتيقن السابق إذا كان
كلياً في ضمن فرد وشك في بقائه (فإما أن يكون) الشك من جهة الشك في بقاء ذلك الفرد
(وإما أن يكون) من جهة الشك في تعيين ذلك الفرد وتردده بين ما هو باق جزماً وبين
ما هو مرتفع (وإما أن يكون) من جهة الشك في وجود فرد آخر مقامه مع الجزم بارتفاع
ذلك الفرد.
(أما الأول) فلا
إشكال في جواز استصحاب الكلي ونفس الفرد وترتب أحكام أكل منهما عليه (انتهى).
(وبالجملة)
المقصود من القسم الأول هو أن يكون الشك في بقاء الكلي من جهة الشك في بقاء الفرد
الّذي كان الكلي متحققاً في ضمنه كما إذا علم بوجود الإنسان في ضمن زيد ثم شك في
بقاء الإنسان من جهة الشك في بقاء زيد فلا إشكال في جواز استصحاب الإنسان وترتيب
أثره عليه كما جاز استصحاب شخص زيد وترتيب هذا الأثر بعينه عليه فإن أثر الكلي أثر
الفرد أيضاً ولا عكس ولذا قد يكون للفرد بخصوصه أثر دون الكلي فيجوز استصحاب الفرد
ولا يجوز استصحاب الكلي (والحاصل) ان الأثر المترتب على الكلي هو مسوغ لاستصحاب كل
من الكلي والفرد جميعاً دون الأثر المترتب على الفرد بخصوصه فلا يسوغ الا استصحاب
الفرد دون الكلي.
في القسم الثاني من استصحاب الكلي
(قوله وان كان الشك
فيه من جهة تردد الخاصّ الّذي في ضمنه بين ما هو باق أو مرتفع قطعاً فكذا لا إشكال
في استصحابه ... إلخ)
إشارة إلى القسم
الثاني من استصحاب الكلي وهو أن يكون الشك في بقاء الكلي من جهة تردد الفرد الّذي
كان الكلي متحققاً في ضمنه بين ما هو مرتفع قطعاً وما هو باق جزما (وقد اشتهر
التمثيل) له بما إذا علم إجمالا بحدوث البول أو المني ولم يعلم الحالة السابقة ثم
توضأ ولم يغتسل فان كان الحدث من البول فقد زال وان كان من المعنى فهو باق فيستصحب
كلي الحدث المشترك بين البول والمني ويترتب عليه أثر المشترك كحرمة مس المصحف وعدم
جواز الدخول في الصلاة ونحوهما مما يشترط بالطهارة وإن لم يترتب عليه أثر الجنابة
بالخصوص كحرمة اللبث في المساجد وعدم جواز قراءة العزائم ونحوهما فيجوز له ما يحرم
على الجنب كما ذكر الشيخ أعلى الله مقامه (أو علم إجمالا) بوجود حيوان في الدار له
خرطوم ولم يعلم انه البق أو الفيل ثم مضى مقدار عمر البق دون الفيل فان كان
الحيوان بقاً فقد مات وان كان فيلا فهو باق فيستصحب الحيوان وهو القدر المشترك
بينهما ويترتب عليه أثره.
(نعم إن) الشك في
المثال الأول هو من الشك في الرافع وفي المثال الثاني هو من الشك في المقتضي (وكيف
كان) لا إشكال في جواز هذا القسم الثاني من استصحاب الكلي بل يظهر من الشيخ أعلى
الله مقامه انه المشهور (قال) واما الثاني يعني به القسم الثاني من استصحاب الكلي
فالظاهر جواز الاستصحاب في الكلي مطلقاً على المشهور (انتهى).
(أقول)
ظاهر عبارة المصنف
وما تقدم في القسم الأول من كلام الشيخ أعلى الله مقامه أن هذا القسم الثاني من
استصحاب الكلي ينحصر بما إذا كان الفرد الّذي كان الكلي متحققاً في ضمنه مرددا بين
ما هو مرتفع قطعاً وما هو باق قطعا (والظاهر) ان ذلك مما لا وجه له لجواز ان يكون
مرددا بين ما هو مرتفع احتمالا وما هو باق قطعاً أو بين ما هو مرتفع قطعاً وما هو
باق احتمالا فتكون صور القسم الثاني من استصحاب الكلي ثلاثا.
(نعم) إذا كان مرددا
بين ما هو مرتفع احتمالا وما هو باق احتمالا فلا يكون الشك في بقاء الكلي من جهة
تردد الفرد بين فردين أي القصير والطويل بل مرجعه إلى الشك في بقائه من جهة الشك
في بقاء الفرد الّذي كان الكلي متحققا في ضمنه فيكون من القسم الأول قهرا.
(قوله وتردد ذاك
الخاصّ الّذي يكون الكلي موجودا في ضمنه ويكون وجوده بعين وجوده بين متيقن
الارتفاع ومشكوك الحدوث المحكوم بعدم حدوثه غير ضمائر باستصحاب الكلي ... إلخ)
إشارة إلى دفع ما
قد يتوهم في القسم الثاني من استصحاب الكلي من التشكيك في جريانه لاختلال بعض
أركانه (قال الشيخ) أعلى الله مقامه (ما لفظه) وتوهم عدم جريان الأصل في القدر
المشترك من حيث دورانه بين ما هو مقطوع الانتفاء وما هو مشكوك الحدوث وهو محكوم
الانتفاء بحكم الأصل مدفوع بأنه لا يقدح ذلك في استصحابه بعد فرض الشك في بقائه
وارتفاعه (انتهى) (وحاصل التوهم) انه كيف يستصحب الحيوان في مثال البق والفيل مع
تردد الفرد الّذي كان الحيوان متحققا في ضمنه بين ما هو متيقن الارتفاع وهو البق
وما هو مشكوك الحدوث من الأول وهو الفيل فإن كان الفرد بقاً فلا شك في عدم بقائه
وان كان فيلا فلا يقين بحدوثه من الأول والأصل يقتضي عدمه (وحاصل الجواب) ان هذا
كله
مما يضر باستصحاب
نفس البق أو الفيل لعدم اليقين السابق في شيء منهما بل ولا الشك اللاحق أيضاً في
شيء منهما إذا المفروض انه ان كان بقا فهو مقطوع الارتفاع وإن كان فيلا فهو مقطوع
البقاء (واما استصحاب القدر المشترك) بينهما فلا يكاد يكون مانع عن استصحابه وذلك
لتحقق أركانه من اليقين السابق والشك اللاحق وبقاء الموضوع ونحو ذلك من الأمور
السبعة المتقدمة في صدر الاستصحاب جميعا
(قوله نعم يجب رعاية
التكاليف المعلومة إجمالا المترتبة على الخاصّين فيما علم تكليف في البين ... إلخ)
استدراك عن قوله
وانما كان التردد بين الفردين ضائرا باستصحاب أحد الخاصّين إلى آخره (وحاصله) ان
شيئا من الخاصّين أي الذين كانا طرفي الترديد وإن لم يجز استصحابه فلا يترتب أثره
المختص به ولكن قد يجب مراعاة الأثر المختص لا من باب استصحاب أحد الخاصّين بل من
باب العلم الإجمالي بوجوده كما إذا فرض في مثال البول والمني أن للبول أيضا أثرا
يختص به كالغسل مرتين كما ان للجنابة أثرا يختص به من حرمة اللبث في المساجد وعدم
قراءة العزائم ونحوهما فحينئذ يجب غسل المائع المردد بين البول والمني مرتبين ويجب
الاجتناب من اللبث في المساجد وقراءة العزائم ونحوهما من هذه الجهة لا من جهة
استصحاب الخاصّين فتأمل جيدا.
(قوله وتوهم كون الشك
في بقاء الكلي الّذي في ضمن ذاك المردد مسبباً عن الشك في حدوث الخاصّ المشكوك
حدوثه المحكوم بعدم الحدوث بأصالة عدمه فاسد قطعاً ... إلخ)
إشارة إلى توهم
آخر أهم من الأول بكثير في القسم الثاني أيضاً من استصحاب الكلي (قال الشيخ) أعلى
الله مقامه بعد عبارته المتقدمة في بيان التوهم الأول (ما لفظه) كاندفاع توهم كون
الشك في بقائه مسببا عن الشك في حدوث ذلك المشكوك الحدوث فإذا حكم بأصالة عدم
حدوثه لزم ارتفاع قدر المشترك لأنه من آثاره
(انتهى) (وحاصله)
ان الشك في بقاء الحدث في مثال البول والمني بعد ما توضأ ولم يغتسل مسبب عن الشك
في حدوث المني فإذا استصحبنا عدم حدوثه فلا يكاد يبقى معه شك في بقاء الحدث وقد
أشير قبلا وسيأتي مفصلا ان مع الأصل السببي لا يكاد تصل النوبة إلى الأصل المسببي (وقد
أجاب عنه الشيخ) أعلى الله مقامه (بما هذا لفظه) فإن ارتفاع القدر المشترك من
لوازم كون الحادث ذلك الأمر المقطوع الارتفاع لا من لوازم عدم حدوث الأمر الآخر (انتهى)
(وحاصله) ان ارتفاع الحدث في المثال المذكور ليس من لوازم عدم حدوث المني كي إذا
اقتضى الأصل عدم حدوثه ثبت ارتفاع الحدث بل من لوازم كون الحادث هو البول ولا أصل
لنا يثبت ذلك (وفيه) ان ارتفاع الحدث بالتوضي هو من لوازم كل من حدوث البول وعدم
حدوث المني والأصل وإن لم يقتض حدوث البول ولكنه يقتضي عدم حدوث المني فيثبت
ارتفاع الحدث (هذا) وقد أجاب المصنف عن التوهم المذكور من وجوه.
(الأول) ان بقاء
الحدث وارتفاعه ليس من لوازم حدوث المني وعدم حدوثه كي إذا اقتضى الأصل عدم حدوث
المني ثبت ارتفاع الحدث بل من لوازم كون الحادث المعلوم بالإجمال هو ذاك المني
المتيقن بقائه أو البول المتيقن ارتفاعه ولا أصل لنا يعين حال الحادث وانه كان
منياً أو بولا (وفيه) ان كلا من بقاء الحدث وارتفاعه وان كان من لوازم كون الحادث
المعلوم بالإجمال هو المني أو البول ولا أصل لنا يعين ذلك ولكنه أيضا من لوازم
حدوث المني وعدم حدوثه فإذا اقتضى الأصل عدم حدوث المني ثبت ارتفاع الحدث.
(الثاني) ما أشار
إليه بقوله مع أن بقاء القدر المشترك انما هو بعين بقاء الخاصّ الّذي في ضمنه لا
انه من لوازمه (انتهى) (وفيه) ان المتوهم لم يدع ان بقاء القدر المشترك هو من
لوازم بقاء ذاك الخاصّ الّذي كان الكلي في ضمنه كي يجاب عنه بهذا الجواب بل ادعى
انه من لوازم حدوث المشكوك حدوثه أي المني وهو حق لا ينبغي إنكاره.
(الثالث) وهو أهم
الكل ما أشار إليه بقوله مع انه لو سلم انه من لوازم حدوث المشكوك حدوثه فلا شبهة
في كون اللزوم عقليا ولا يكاد يترتب بأصالة عدم الحدوث الا ما هو من لوازمه
وأحكامه شرعا (انتهى) وحاصله انه يعتبر في الأصل السببي والمسببي أن يكون اللزوم
بينهما شرعياً فإذا استصحبنا طهارة الماء المشكوك طهارته كان من لوازمها الشرعية
طهارة الثوب المغسول به ولا يكاد يستصحب معه نجاسة الثوب المغسول به وفي المقام
ليس اللزوم شرعيا (وفيه) ان اللزوم في المقام أيضا شرعي فإنا إذا استصحبنا عدم
حدوث المني وأحرزنا بوسيلته أنه ليس بمجنب وقد توضأ فارتفاع حدثه حينئذ وكونه
متطهرا الآن هو من آثاره الشرعية فإن الشارع هو الّذي حكم بان من لم يكن مجنباً
إذا توضأ فهو متطهر فعلا ليس بمحدث (وعليه) فالصحيح في الجواب عن التوهم المذكور
وفي حسمه وقطعه من أصله هو أن يقال إن أصالة عدم حدوث المشكوك حدوثه أي المعني
معارضة بأصالة عدم حدوث المتيقن ارتفاعه أي البول فيتساقطان الأصلان جميعاً وتصل
النوبة إلى الأصل المسببي وهو استصحاب بقاء الحدث المشترك بين البول والمني جميعاً
فيكون محكوماً بالحدث فعلا وإن توضأ سبعين مرة ما لم يغتسل مع الوضوء عن الجنابة
احتياطاً فيحصل له القطع حينئذ بارتفاع الحدث على كل تقدير وهذا واضح ظاهر بأدنى
تأمل فتأمل وتدبر.
في القسم الثالث من استصحاب الكلي
(قوله واما إذا كان
الشك في بقائه من جهة الشك في قيام خاص آخر في مقام ذاك الخاصّ الّذي كان في ضمنه
بعد القطع بارتفاعه ففي استصحابه إشكال أظهره عدم جريانه ... إلخ)
إشارة إلى القسم
الثالث من استصحاب الكلي وهو ان يكون الشك في بقاء الكلي
من جهة الشك في
وجود فرد آخر بعد القطع بارتفاع الفرد الأول الّذي كان الكلي متحققاً في ضمنه (وهذا)
على قسمين.
(فتارة) يقع الشك
في وجود فرد آخر مقارن لوجود الفرد الأول.
(وأخرى) يقع الشك
في وجود فرد آخر مقارن لارتفاع الفرد الأول كما إذا علم بوجود الحيوان في الدار في
ضمن زيد ثم حصل القطع بخروج زيد عنها وشك في وجود عمرو مقارناً لوجود زيد في الدار
أو مقارناً لخروجه عنها (وقد أشار إليهما المصنف) بقوله الآتي وإن شك في وجود فرد
آخر مقارن لوجود ذاك الفرد أو لارتفاعه ... إلخ (ثم إن) في جريان الاستصحاب في كلا
القسمين أو عدم جريانه في شيء منهما أو التفصيل فيجري في الأول دون الثاني وجوه (مختار
الشيخ) أعلى الله مقامه هو التفصيل (ومختار المصنف) هو عدم الجريان في شيء منهما (قال
الشيخ ما لفظه) واما الثالث وهو ما إذا كان الشك في بقاء الكلي مستندا إلى احتمال
وجود فرد آخر غير الفرد المعلوم حدوثه وارتفاعه فهو على قسمين لأن الفرد الآخر إما
أن يحتمل وجوده مع ذلك الفرد المعلوم حاله واما يحتمل حدوثه بعده إما بتبدله إليه
وإما بمجرد حدوثه مقارنا لارتفاع ذلك الفرد (وفي جريان استصحاب الكلي في كلا
القسمين) نظرا إلى تيقنه سابقاً وعدم العلم بارتفاعه وإن علم بارتفاع بعض وجوداته
وشك في حدوث ما عداه لأن ذلك مانع من إجراء الاستصحاب في الافراد دون الكلي كما
تقدم نظيره في القسم الثاني (أو عدم جريانه فيهما) لأن بقاء الكلي في الخارج عبارة
عن استمرار وجوده الخارجي المتيقن سابقاً وهو معلوم العدم وهذا هو الفارق بين ما
نحن فيه والقسم الثاني حيث ان الباقي في الآن اللاحق بالاستصحاب هو عين الوجود
المتيقن سابقا (أو التفصيل بين القسمين) فيجري في الأول لاحتمال كون الثابت في
الآن اللاحق هو عين الموجود سابقا فيتردد الكلي المعلوم سابقا بين أن يكون وجوده
الخارجي على نحو لا يرتفع بارتفاع الفرد المعلوم ارتفاعه وأن يكون على نحو يرتفع
بارتفاع
ذلك الفرد فالشك
حقيقة إنما هو في مقدار استعداد ذلك الكلي واستصحاب عدم حدوث الفرد المشكوك لا
يثبت تعيين استعداد الكلي وجوه أقواها الأخير (انتهى) (ومحصل وجه التفصيل) بين
القسم الأول والثاني من القسم الثالث أنه في القسم الأول يحتمل أن يكون الثابت في
الآن اللاحق هو عين الموجود سابقاً بخلاف القسم الثاني فلا يحتمل فيه ذلك فيجري
الاستصحاب في الأول دون الثاني (وقد أفاد المصنف) في وجه عدم جريان الاستصحاب في
شيء من القسمين أصلا (ما حاصله) ان وجود الطبيعي وان كان بوجود فرده ولكن وجوده في
ضمن فرد هو غير وجوده في ضمن فرد آخر (وعليه) فإذا قطعنا بارتفاع الفرد الأول فقد
قطعنا بارتفاع الطبيعي الّذي كان متحققاً في ضمنه ومع القطع بارتفاعه كيف يستصحب
وجوده في الآن اللاحق وهذا واضح ظاهر لا ستار عليه.
(أقول)
والحق هاهنا مع
المصنف فلا يكاد يجري الاستصحاب في شيء من القسمين أصلا وذلك لما أفاده من الوجه
الوجيه جدا (وتوضيحه) ان المقصود من الكلي في المقام هي الحصة من الكلي المتحققة
في ضمن الفرد وهي التي إذا انضمت إليها الخصوصيات الفردية كانت فردا خارجيا (ومن
المعلوم) ان الحصة المتحققة في ضمن هذا الفرد هي غير الحصة المتحققة في ضمن ذلك
الفرد (وعليه) فما تيقنا به من الحصة في كلا القسمين من القسم الثالث مما لم يبق
إذا المفروض ارتفاع الفرد الّذي كان الكلي متحققا في ضمنه ومما نحتمله فعلا من
الحصة المتحققة في ضمن الفرد المقارن لوجود الفرد الأول أو المقارن لارتفاعه لم
نتيقن به في السابق (ومن هنا يظهر) ضعف ما أفاده الشيخ أعلى الله مقامه في وجه
التفصيل وأنه يجري الاستصحاب في القسم الأول من قسمي القسم الثالث دون القسم
الثاني منه معللا ذلك باحتمال كون الثابت فيه في الآن اللاحق هو عين الموجود
السابق (ووجه الظهور) ان مجرد ذلك مما لا يجدي بل المجدي هو احتمال بقاء عين ما
تيقنا به سابقا في الآن اللاحق وهو مفقود
في كلا القسمين من
القسم الثالث بعد فرض القطع بارتفاع الفرد الّذي كان الكلي متحققا في ضمنه وبهذا
يمتاز هذا القسم الثالث من استصحاب الكلي عن القسم الثاني منه فليس في هذا القسم
الثالث احتمال بقاء عين ما تيقنا به أصلا بخلاف القسم الثاني من الكلي فيحتمل فيه
ذلك بلا شبهة (هذا) مضافا إلى أنه يرد على الشيخ في تفصيله المذكور ان الشك في
القسم الأول من القسم الثالث هو شك في المقتضي حسب اعترافه بأن الشك حقيقة إنما هو
في مقدار استعداد ذلك الكلي ومعه كيف يجري الاستصحاب فيه مع تصريحه قبلا بعدم
جريان الاستصحاب في الشك في المقتضي أصلا الا في الشك في الرافع (اللهم) إلّا ان
يقال إنه يقول بجريانه فيه على المشهور لا على مختاره كما أشار إلى ذلك في القسم
الثاني من استصحاب الكلي (فقال) واما الثاني فالظاهر جواز الاستصحاب في الكلي
مطلقا على المشهور يعني به سواء كان بنحو الشك في الرافع كما في مثال البول والمني
أو بنحو الشك في المقتضي كما في مثال البق والفيل.
(ثم ان الشيخ)
أعلى الله مقامه بعد ما قسم القسم الثالث من استصحاب الكلي إلى قسمين واختار
التفصيل بينهما كما تقدم وقال بجريان الاستصحاب في القسم الأول منه دون الثاني ذكر
للقسم الثاني قسما آخر قد استثناه من حكمه بعدم جريان الاستصحاب فيه وأشار إليه في
صدر عبارته المتقدمة بقوله إما بتبدله إليه إلى آخر هو قد شرحه بعداً مبسوطا (فقال)
ويستثني من عدم الجريان في القسم الثاني ما يتسامح فيه العرف فيعدون الفرد اللاحق
مع الفرد السابق كالمستمر الواحد مثل ما لو علم السواد الشديد في محل وشك في تبدله
بالبياض أو بسواد أضعف من الأول فإنه يستصحب السواد (إلى ان قال) وبالجملة فالعبرة
في جريان الاستصحاب عد الموجود السابق مستمرا إلى اللاحق ولو كان الأمر اللاحق على
تقدير وجوده مغايرا بحسب الدقة للفرد السابق ولذا لا إشكال في استصحاب الاعراض حتى
على القول فيها بتجدد الأمثال (انتهى) (وحاصله) ان استصحاب مثل السواد عند
الشك في بقاء
المرتبة الضعيفة بعد القطع بارتفاع المرتبة الشديدة هو من القسم الثاني من القسم
الثالث من استصحاب الكلي فإن السواد الضعيف على تقدير بقائه هو فرد مغاير للسواد
الشديدة دقة قد حدث مقارناً لارتفاع السواد الشديد غير أن العرف ممن يتسامح فيه
فيعد الفرد اللاحق مع الفرد السابق أمراً مستمراً واحداً فيستصحب (ولذا) يستصحب
السواد ونحوه من الأعراض حتى على القول بتجدد الأمثال وأن الأشياء مطلقا بجواهرها
وأعراضها في كل آن في حد خاص وأنها أمثال متعددة يتجدد شيئا فشيئا فالجسم في الآن
السابق غير الجسم في الآن الفعلي وهو في هذا الآن غير الجسم في الآن الآتي وهكذا
بالنسبة إلى ما يعرضه من السواد والبياض ونحوهما (فكما أن) مثل السواد مما يستصحب
حتى على القول بتجدد الأمثال نظرا إلى مسامحة العرف وعدهم السواد الفعلي على تقدير
بقائه مع السواد السابق أمرا واحدا مستمرا (فكذلك) يستصحب هو عند الشك في بقاء
المرتبة الضعيفة منه مع القطع بارتفاع المرتبة الشديدة نظرا إلى هذه الجهة عينا أي
المسامحة العرفية وعدهم المرتبة الضعيفة على تقدير بقائها مع المرتبة الشديدة
السابقة أمرا واحدا مستمرا.
(أقول)
وفي عد استصحاب
السواد بعد القطع بارتفاع المرتبة الشديدة واحتمال بقاء المرتبة الضعيفة من أقسام
القسم الثالث من استصحاب الكلي مسامحة واضحة فإن السواد الضعيف على تقدير بقائه هو
عين السواد السابق حقيقة ودقة وان كانت التفاوت بينهما بالشدة والضعف كالتفاوت
بالسمن والهزال والصغر والكبر ونحوهما لا انه غيره حقيقة ودقة والعرف ممن يتسامح
فيه ويعد الفرد اللاحق مع السابق فرداً واحد مستمرا.
(وبالجملة) إن
السواد الشديد والضعيف هما شيء واحد مختلف الوصف لا أنهما فرد ان حقيقة ودقة يعدان
فردا واحدا مستمرا عرفا والظاهر ان عبارات
المصنف هنا بل وفي
أواخر الأوامر في بحث نسخ الوجوب أيضاً بما يساعدنا فتأملهما جيدا.
(قوله بنفسه أو بملاكه
كما إذا شك في الاستحباب بعد القطع بارتفاع الإيجاب بملاك مقارن أو حادث ... إلخ)
قد أضاف المصنف
بقوله هذا قسمين آخرين على قسمي القسم الثالث فالشيخ أعلى الله مقامه قسمه إلى
قسمين والمصنف قسمه إلى أربعة أقسام.
(فتارة) يكون الشك
في بقاء الكلي من جهة الشك في وجود فرد آخر مقارنا لوجود الفرد الأول أي الّذي كان
الكلي متحققا في ضمنه.
(وأخرى) مقارنا
لارتفاع الفرد الأول وفي كل منهما.
(تارة) يكون وجود
الفرد الآخر بنفسه.
(وأخرى) بملاكه
فهذه أربعة أقسام (وقد مثل) للقسمين الأخيرين بما إذا شك في الاستحباب بعد القطع
بارتفاع الإيجاب أو في الكراهة بعد القطع بارتفاع الحرمة إما بملاك مقارن للإيجاب
أو الحرمة مندك في ملاكه أو مقارن لارتفاعه (وقد أشار) إلى عدم جريان الاستصحاب في
الجميع بقوله المتقدم ففي استصحابه إشكال أظهره عدم جريانه ... إلخ الشامل لتمام
هذه الأقسام الأربعة جميعا.
(قوله لا يقال الأمر
وإن كان كما ذكر إلّا أنه حيث كان التفاوت بين الإيجاب والاستحباب وهكذا بين
الكراهة والحرمة ليس إلّا بشدة الطلب بينهما وضعفه ... إلخ)
(وحاصل الإشكال)
أن الأمر وان كان كما ذكره فوجود الطبيعي في ضمن فرد هو غير وجوده في ضمن فرد آخر
فإذا قطعنا بارتفاع الفرد الأول فقد قطعنا بارتفاع الطبيعي الّذي كان متحققا في
ضمنه ومعه لا يكاد يستصحب وجوده في الآن اللاحق (ولكن هذا كله) في غير الإيجاب
والاستحباب أو الحرمة والكراهة فإن التفاوت بينهما ليس إلا بشدة الطلب وضعفه
كالسواد الشديد والضعيف عينا
وقد عرفت آنفا من
الشيخ جريان الاستصحاب فيهما مع ان ظاهره تغايرهما حقيقة ودقة وان الضعيف هو فرد
آخر مغاير مع الفرد الشديد قد حدث مقارنا لارتفاعه فكيف بما إذا قلنا انهما شيء
واحد حقيقة مختلف الوصف قد تبدل مرتبة منه إلى مرتبة أخرى وحيث ان المرتبة الثانية
هي متصلة بالأولى ولم يتخللهما العدم وكان الاتصال مساوقاً للوحدة فلم يتعدد
الطبيعي المتحقق في ضمنهما فالشك في تبدل المرتبة إلى مرتبة أخرى هي شك في الحقيقة
في بقاء ما تيقنا به لا في حدوث فرد آخر مقارن لارتفاع الأول (وحاصل الجواب) أن
الأمر في الحقيقة وإن كان كذلك ولكن العرف ممن لا يرى الإيجاب والاستحباب أو
الحرمة والكراهة إلا فردين متباينين لا فردا واحدا مستمرا قد اختلفت شدته إلى
الضعف كما في السواد الشديد والضعيف ومن المعلوم ان العبرة في وحدة القضيتين
موضوعاً ومحمولا كما سيأتي تفصيله هو نظر العرف (وعليه) فلا مجال للاستصحاب في مثل
الإيجاب والاستحباب أو الحرمة والكراهة أبداً وإن صح في مثل السواد الشديد والضعيف
لكونهما أمرا واحدا مستمرا حقيقة وعرفا فتأمل جيدا.
(قوله لما مرت الإشارة
إليه ويأتي من أن قضية إطلاق أخبار الباب أن العبرة فيه بما يكون رفع اليد عنه مع
الشك بنظر العرف نقضا ... إلخ)
أي لما مرت
الإشارة إليه في صدر الاستصحاب وسيأتي شرحه في تتمة الاستصحاب إن شاء الله تعالى
من اعتبار وحدة القضيتين فيه المتيقنة والمشكوكة موضوعا ومحمولا على نحو كان الشك
صادقا في البقاء لا في الحدوث وكان رفع اليد عن اليقين في محل الشك نقضا لليقين
بالشك وهدما له بسبب الشك وان مقتضي أخبار الباب هو كون العبرة في وحدتهما موضوعاً
ومحمولا هو نظر العرف وأن يكون النقض صادقا في نظرهم وإن لم يكن نقض دقة وواقعا
لتبدل الموضوع أو المحمول حقيقة (كما في استصحاب الأمور التدريجية) كاستصحاب وجود
الليل أو النهار أو سيلان الدم ونبع الماء ونحو ذلك (بل واستصحاب الأمور القارة)
كسواد
الجسم أو بياضه
بناء على القول بتجدد الأمثال فإن المستصحب في الآن السابق على هذا القول غير
المستصحب في الآن اللاحق بل هو مثله يتجدد الأمثال شيئا فشيئا (ففي جميع هذا كله)
يجري الاستصحاب لوحدة القضيتين بنظر العرف وصدق النقض في نظرهم وإن لم يكن نقض دقة
وواقعاً لتبدل الموضوع في أمثلة الأمور التدريجية وتبدل المحمول في مثالي الأمور
القارة (فإذا انعكس) الأمر ولم تكن القضيتان متحدتين بنظر العرف ولم يصدق النقض في
نظرهم لم يجر الاستصحاب وان كان هناك نقض دقة وواقعا لوحدة الموضوع والمحمول حقيقة
كما في الإيجاب والاستحباب أو الحرمة والكراهة فإنهما وإن كانا متحدين حقيقة لا
تفاوت بينهما إلّا بشدة الطلب وضعفه كما تقدم ولكن العرف حيث يراهما أمرين
متباينين فلا يستصحب الاستحباب ولا الكراهة بعد القطع بارتفاع الوجوب أو الحرمة
وهذا واضح ظاهر.
(قوله ومما ذكرنا في
المقام يظهر أيضا حال الاستصحاب في متعلقات الأحكام ... إلخ)
قد ذكرنا في صدر
هذا التنبيه ان المصنف قد جعل محط كلامه في بيان أقسام استصحاب الكلي وشرح
تفاصيلها خصوص الأحكام وانه يتداركه في آخر التنبيه بقوله ومما ذكرنا في المقام
يظهر حال الاستصحاب في متعلقات الأحكام ... إلخ يعني بها الموضوعات فهذا هو تداركه
له فلا تغفل.
(قوله في الشبهات
الحكمية والموضوعية ... إلخ)
مقصوده من استصحاب
متعلقات الأحكام في الشبهات الحكمية هو ما إذا شك في بقاء موضوع الحكم بنحو الشبهة
الحكمية كما إذا شك في بقاء السفر شرعاً عند مشاهدة الجدران بحيث لم يعلم ان السفر
هل هو ينتهي بمشاهدتها أم يبقى إلى سماع الأذان في قبال ما إذا شك في بقائه بنحو
الشبهة الموضوعية كما إذا علم ان السفر مما ينتهي شرعاً بمشاهدة الجدران لا محالة
ولكن لم يعلم ان هذه هي جدران البلد قد انتهى السفر بمشاهدتها أم لا.
في استصحاب الأمور التدريجية
(قوله الرابع أنه لا
فرق في المتيقن بين أن يكون من الأمور القارة أو التدريجية الغير القارة ... إلخ)
(الشيخ أعلى الله
مقامه) قد جعل الكلام في هذا التنبيه في أقسام ثلاثة
(الأول) الزمان
كالليل والنهار ونحوهما.
(الثاني) الزماني
الّذي لا استقرار لوجوده بل يتجدد شيئاً فشيئاً على التدريج كالتكلم والكتابة
والمشي ونبع الماء وسيلان الدم ونحو ذلك.
(الثالث) المستقر
الّذي يؤخذ الزمان قيداً له كالصوم المقيد بيوم الخميس أو الجلوس المقيد الجمعة
ونحوهما.
(واما المصنف) فقد
جعل الأقسام قسمين فأشار إلى الزمان والزماني الّذي لا استقرار له بقوله أو
التدريجية الغير القارة وأشار إلى المستقر الّذي يؤخذ الزمان قيداً له بقوله الآتي
واما الفعل المقيد بالزمان ... إلخ.
(قوله فإن الأمور
الغير القارة وان كان وجودها ينصرم ولا يتحقق منه جزء الا بعد ما انصرم منه جزء
وانعدم ... إلخ)
(الشيخ أعلى الله
مقامه) في بدو الأمر قد ذهب إلى عدم جريان الاستصحاب في شيء من الأقسام الثلاثة
المذكورة أصلا نظراً إلى الإشكال الّذي قد أشار إليه المصنف بقوله المذكور فإن
الأمور الغير القارة ... إلخ (ولكنه استدرك) أخيراً فذهب إلى جريان الاستصحاب في
الزمان والزماني الّذي لا استقرار لوجوده وأجاب عن الإشكال بنحو حسن متين (أما
الإشكال) فحاصله بمزيد توضيح منا أن الأمور التدريجية التي تتجدد شيئاً سواء كان
زماناً أو زمانياً لا استقرار لوجوده هي مما لا يمكن استصحابه أبداً (إما من ناحية
تبدل الموضوع) أي عدم
وحدة القضيتين
المتيقنة والمشكوكة موضوعاً وهذا كما في استصحاب وجود الليل أو النهار أو نبع
الماء أو سيلان الدم ونحو ذلك فإن الجزء من الليل أو النهار أو الماء أو الدم
الّذي تيقنا بوجوده وتحققه أو بنبعه وسيلانه في السابق لم يبق فعلا والجزاء الّذي
نشك فعلا في وجوده وتحققه أو في نبعه وسيلانه لم نتيقن به في السابق فاختلف
الموضوع أي معروض المستصحب (وإما من ناحية تبدل المحمول) أي عدم وحدة القضيتين
محمولا وهذا كما في استصحاب التكلم والكتابة والمشي ونحو ذلك بل والزمان بناء على
كونه هو حركة الشمس كما أن الأول هو حركة اللسان على نحو خاص والثاني هو حركة اليد
على نحو خاص والثالث هو حركة الرجلين على نحو خاص فان الحركة التي تيقنا بها في
السابق لم تبق فعلا والحركة التي شككنا فعلا في بقائها لم نتيقن بها في السابق
فاختلف المحمول أي نفس المستصحب وقد أشير قبلا مرارا ويأتي بعدا مفصلا ان وحدة
القضيتين أي المتيقنة والمشكوكة موضوعا ومحمولا هي مما لا بد منه في الاستصحاب
وإلّا لم يكن الشك في البقاء ولا رفع اليد عن اليقين في مورد الشك نقضا لليقين
بالشك وهذا واضح ظاهر لا غبار عليه هذا كله حاصل الإشكال (واما جواب الشيخ أعلى
الله مقامه) عن الإشكال ان مجموع أجزاء الليل أو النهار أو الماء أو الدم أو حركات
اللسان أو اليد أو الرجلين في نظر العرف يعد أمرا واحدا مستمرا فيتحد الموضوع أو
المحمول عرفا ويصدق الشك في البقاء ويكون رفع اليد عن اليقين في محل الشك نقضاً
لليقين بالشك فيجري الاستصحاب قهراً (وقد أخذ المصنف) هذا الجواب من الشيخ وعبّر
عنه بلفظ آخر (فقال ما حاصله) إن الأمر التدريجي ما لم يتخلل بين أجزائه العدم أو
تخلل بما لا يخل بالاتصال العرفي هو امر واحد مستمر عرفا بحيث إذا شك في بقائه صدق
الشك في بقاء ما كان وإذا رفع اليد عن اليقين في محل الشك صدق نقض اليقين بالشك
ولا يعتبر في الاستصحاب حسب تعريفه واخبار الباب كما تقدم في التنبيه السابق غير
هذين الأمرين أي صدق الشك في البقاء عرفا وصدق نقض اليقين بالشك كذلك أي عرفا.
(قوله كانت باقية
مطلقاً أو عرفا ... إلخ)
أي كانت الأمور
الغير القارة باقية حقيقة وعرفا فيما لم يتخلل في البين العدم أو كانت باقية عرفا
فيما تخلل بما لا يخل بالاتصال عرفا وإن انفصل حقيقة.
(قوله هذا مع أن
الانصرام والتدرج في الوجود في الحركة في الأين وغيره انما هو في الحركة القطعية
وهي كون الشيء في كل آن في حد أو مكان لا التوسطية وهي كونه بين المبدأ والمنتهى
... إلخ)
هذا تصحيح آخر من
المصنف لجريان الاستصحاب في الأمور التدريجية من الزمان والزماني الّذي لا استقرار
لوجوده إذا كان الشك في بقائها من جهة الشك في انتهاء الحركة التوسطية ووصولها إلى
المنتهى (وتوضيح المقام) مما يقتضي ذكر مقدمتين.
(الأولى) أن
الحركة مما يتوقف على أمور ستة.
(الأول) و (الثاني)
ما منه الحركة وما إليه الحركة وهما المبدأ والمنتهى.
(الثالث) ما به
الحركة وهو السبب والعلة الفاعلية لوجودها.
(الرابع) ما له
الحركة وهو الجسم المتحرك الثابت له الحركة.
(الخامس) ما فيه
الحركة وهي المقولة التي تكون حركة الجسم في تلك المقولة.
(السادس) الزمان
الّذي يقع فيه الحركة (ثم إن) المقولة التي تكون حركة الجسم في تلك المقولة هي
أربعة (الكم) (والكيف) (والأين) (والوضع) فحركة الجسم في الكم هي كالأجسام النامية
إذا أخذت في النموّ أو الذبول وحركته في الكيف هي كالماء البارد إذا صار حارا أو
ورق الشجر الأخضر إذا صار أصفر وهكذا وحركته في الأين هي انتقال الشيء من مكان إلى
مكان وحركته في الوضع هي كالقائم إذا صار قاعدا أو القاعد إذا صار نائما وهكذا
والحركة في الوضع مما تستلزم الحركة في الأين كما صرح به العلامة أعلى الله مقامه.
(الثانية) ان
الحركة كما نبه عليها المصنف على قسمين (قطعية) وهي كون الشيء في كل آن في حد أو
مكان (وتوسطية) وهي كون الشيء بين المبدأ والمنتهى فإذا خرج زيد ماشيا من البصرة
إلى الكوفة فكونه في كل آن في مكان هي حركته القطعية وكونه بين البصرة والكوفة هي
حركته التوسطية (فإذا عرفت) هاتين المقدمتين (فنقول) إن الانصرام والتدرج في
الوجود شيئا فشيئا المانع عن الاستصحاب كما تقدم إما من ناحية تبدل الموضوع أو
المحمول إنما هو في الحركة القطعية وهي كون الشيء في كل آن في حد أو مكان لا
التوسطية وهي كونه بين المبدأ والمنتهى فإنه بهذا المعنى امر مستمر قار كما لا
يخفى (وعليه) فلا مجال للإشكال في استصحاب مثل الليل أو النهار فإن الليل عبارة عن
كون الشمس تحت الأرض بين المغرب والمشرق والنهار عبارة عن كونها على وجه الأرض بين
المشرق والمغرب فإذا شك في بقاء الليل أو النهار فمرجعه إلى الشك في وصول الشمس
إلى المنتهى أو انه بعد في البين فيستصحب عدم وصولها إليه (وهكذا) الأمر في كل أمر
تدريجي إذا كان الشك في بقائه من جهة الشك في انتهاء حركته التوسطية ووصوله إلى
المنتهى أو انه بعد في البين فيستصحب عدم وصوله إليه وانه بعد في البين ففي مثال
خروج زيد ماشيا من البصرة إلى الكوفة إذا شك في بقاء مشيه من جهة الشك في انتهاء
حركته التوسطية ووصوله إلى الكوفة فيستصحب عدم وصوله إليها وانه بعد في البين.
(نعم) إذا شك في
بقاء مشيه للشك في استعداده وقابليته للمشي إلى هذا الحد أو للشك في طرو مانع قد
منعه عن المشي فهذا هو شك في حركته القطعية فيجري الإشكال المتقدم في استصحابه (ولكنك)
قد عرفت دفعه بما لا مزيد عليه وان مجموع الحركات هو في نظر العرف امر واحد مستمر
فلا مانع عن استصحابه أصلا.
(قوله وأما إذا كان
الشك في كميته ومقداره ... إلخ)
هذا في قبال قوله
إذا كان الشك في الأمر التدريجي من جهة الشك في انتهاء حركته ووصوله إلى المنتهى
... إلخ يعني به من جهة الشك في حركته التوسطية (وعليه) فقوله هذا يكون من جهة
الشك في حركته القطعية ومن هنا يتوجه إليه انه لا وجه لتخصيص الشك في الأمر
التدريجي من جهة حركته القطعية بما إذا كان الشك في الكمية والمقدار بل مهما شك
فيه من هذه الجهة سواء كان للشك في الكمية والمقدار أو للشك في طرو المانع جرى
الإشكال المتقدم من ناحية تبدل الموضوع أو المحمول كما ان الجواب المتقدم من كون
مجموع الأجزاء في نظر العرف هو شيء واحد مستمر مما يجري في كليهما جميعاً من غير
اختصاص بأحدهما خاصة فتأمل جيداً.
(قوله ثم إنه لا يخفى
ان استصحاب بقاء الأمر التدريجي إما يكون من قبيل استصحاب الشخصي أو من قبيل
استصحاب الكلي بأقسامه ... إلخ)
الظاهر انه تضعيف
لما استظهره الشيخ أعلى الله مقامه من كون استصحاب الأمر التدريجي كالتكلم
والكتابة والمشي ونبع الماء وسيلان الدم هو من قبيل القسم الأول من استصحاب الكلي.
(فيقول المصنف)
إنه يمكن تصوير استصحاب الأمر التدريجي بتمام أنحاء الاستصحاب من الشخصي والكلي
بأقسامه الثلاثة جميعاً.
(فإذا شك) مثلا في
أن السورة المعينة التي شرع فيها كسورة الحمد ونحوها هل هي قد تمت أم هي باقية
فيستصحب شخص تلك السورة ويكون من استصحاب الشخص ويستصحب أيضا الطبيعي الّذي كان
متحققا في ضمنها ويكون من القسم الأول من استصحاب الكلي.
(وإذا شك) في بقاء
السورة من جهة ترددها بين القصيرة والطويلة كالتوحيد والبقرة فيستصحب كلي السورة
والمشترك بينهما ويكون من القسم الثاني من استصحاب الكلي.
(وإذا شك) في بقاء
السورة من جهة الشك في شروعه في سورة أخرى بعد القطع بانقضاء السورة الأولى
فاستصحاب كلي السورة حينئذ إذا قلنا به يكون من القسم الثالث من استصحاب الكلي.
في استصحاب المقيد بالزمان
(قوله واما الفعل
المقيد بالزمان ... إلخ)
إشارة إلى القسم
الثالث من الأقسام الثلاثة التي قد جعل الشيخ أعلى الله مقامه كلامه في هذا
التنبيه في تحقيق حالها وهو المستقر الّذي يؤخذ الزمان قيدا له كالصوم المقيد بيوم
الخميس أو الجلوس المقيد بيوم الجمعة وقد حكم بنحو البت بعدم جريان الاستصحاب فيه (فقال)
وأما القسم الثالث وهو ما كان مقيدا بالزمان فينبغي القطع بعدم جريان الاستصحاب
فيه (انتهى) (وقد أفاد) في وجهه ما محصله ان بعد انقضاء الزمان المقيد به الفعل لا
يكاد الموضوع باقياً كي يستصحب حكمه (ثم ذكر) عن بعض معاصريه وقيل هو النراقي رحمهالله أنه تخيل في المقام جريان استصحاب الوجود والعدم جميعا
فيتعارضان (قال أعلى الله مقامه) ومما ذكرنا يظهر فساد ما وقع لبعض المعاصرين من
تخيل جريان استصحاب عدم الأمر الوجوديّ المتيقن سابقا ومعارضته مع استصحاب وجوده
بزعم ان المتيقن وجود ذلك الأمر في القطعية الأولى من الزمان والأصل بقائه عند
الشك على العدم الأزلي الّذي لم يعلم انقلابه إلى الوجود الا في القطعة السابقة من
الزمان (قال) قال في تقريب ما ذكره من تعارض الاستصحابين انه إذا علم ان الشارع
أمر بالجلوس يوم الجمعة وعلم انه واجب إلى الزوال ولم يعلم وجوبه فيما بعده فنقول
كان عدم التكليف بالجلوس قبل يوم الجمعة وفيه إلى الزوال وبعده معلوما قبل ورود
أمر الشارع وعلم بقاء ذلك العدم قبل يوم الجمعة وعلم ارتفاعه والتكليف بالجلوس فيه
قبل الزوال وصار
بعده موضع الشك فهنا شك ويقينان وليس إبقاء حكم أحد اليقينين أولى من إبقاء حكم
الآخر (انتهى) موضع الحاجة من كلام بعض معاصري الشيخ.
(ثم رد عليه الشيخ)
أعلى الله مقامه بما حاصله ان الزمان إن كان قيداً للفعل له فلا مجال لاستصحاب
الوجود لما أشير إليه من عدم بقاء الموضوع وإن كان ظرفاً له فلا مجال لاستصحاب
العدم بعد ما انقلب العدم إلى الوجود والمفروض تسليم حكم الشارع بأن المتيقن في
زمان لا بد من إبقائه فلا وجه لاعتبار العدم السابق (إلى ان قال ما لفظه) وملخص
الكلام في دفعه ان الزمان ان أخذ ظرفاً للشيء فلا يجري الا استصحاب وجوده لأن
العدم انتقض بالوجود المطلق وقد حكم عليه بالاستمرار بمقتضى أدلة الاستصحاب وإن
أخذ قيداً له فلا يجري الا استصحاب العدم لأن انتقاض عدم الوجود المقيد لا يستلزم
انتقاض المطلق والأصل عدم الانتقاض كما إذا ثبت وجوب صوم يوم الجمعة ولم يثبت غيره
(انتهى) موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه.
(أقول)
وبعيد جداً عن
النراقي رحمهالله أنه في صورة كون الزمان قيداً للفعل يلتزم بجريان استصحاب
الوجود ومعارضته مع استصحاب العدم ولا يتفطن أن الموضوع في صورة التقييد يتعدد فلا
يستصحب الوجود (بل الظاهر) أن مراده من جريان الاستصحابين هو في صورة كون الزمان
ظرفاً للفعل فيلتزم بجريان استصحاب الوجود لعدم تعدد الموضوع ويلتزم بجريان
استصحاب العدم نظرا إلى تقطع العدم السابق في نظره إلى أعدام متعددة فعدم التكليف
قبل يوم الجمعة في مثاله المذكور باق على حاله وعدمه في يوم الجمعة إلى الزوال قد
ارتفع وعدمه في يوم الجمعة بعد الزوال مشكوك البقاء فيستصحب ويعارض باستصحاب
الوجود (فيرد عليه) حينئذ أن العدم السابق مما لا يتقطع بل هو أمر واحد عرفا فإذا
انقلب العدم إلى
الوجود ولو في
الجملة انقطع استصحاب العدم.
(نعم) إذا كان
الزمان قيداً للفعل فيتعدد الفعل حينئذ ويتعدد العدم أيضاً بتعدد الفعل فإذا لم
يستصحب الوجود بعد انقضاء الزمان لتعدد الموضوع استصحب العدم لا محالة لتعدده.
(وبالجملة) ان
الزمان إن كان قيدا للفعل فيتعدد الفعل ويتعدد العدم أيضا فبعد انقضاء الزمان لا
يستصحب الوجود بل يستصحب العدم وان كان ظرفا له فالفعل واحد وعدمه أيضا واحد فبعد
انقضاء الزمان يستصحب الوجود ولا يستصحب العدم (هذا كله من أمر الشيخ) وبعض
معاصريه وما لنا من التحقيق في المقام بنحو الاختصار.
(واما المصنف)
فحاصل كلامه ان الفعل المقيد بالزمان
(تارة) يقع الشك
في حكمه من جهة الشك في بقاء الزمان.
(وأخرى) يقع الشك
في حكمه مع القطع بارتفاع الزمان.
(والثاني) على
قسمين.
(فتارة) يكون
الزمان مأخوذا في الدليل ظرفاً للحكم.
(وأخرى) يكون
مأخوذا قيدا لمتعلق الحكم أي الفعل وقد عبّر عنه المصنف بموضوع الحكم.
(والثاني) أيضا
على قسمين.
(فتارة) يعلم ان
الزمان قيد للفعل بنحو وحدة المطلوب بمعنى كون القيد قيداً لأصل المطلوب.
(وأخرى) يحتمل كون
الزمان قيدا للفعل بنحو تعدد المطلوب بمعنى كون القيد قيداً لتمام المطلوب لا
لأصله فهذه أقسام أربعة.
(واما القسم الأول)
وهو ما إذا شك في حكم المقيد بالزمان من جهة الشك في بقاء الزمان (فقد حكم) فيه
باستصحاب الزمان وترتيب الأثر عليه فإذا شك
مثلا في وجوب صوم
يوم الخميس لأجل الشك في بقاء نهار الخميس فيستصحب النهار ويترتب عليه حكمه من
وجوب الصوم والإمساك وحرمة استعمال المفطرات ما لم يعلم بدخول الليل بل ويجوز
استصحاب كون الإمساك قبل هذا الآن في النهار بنحو مفاد كان الناقصة فالآن كما كان (وقد
أشار) إلى هذا القسم الأول بقوله فتارة يكون الشك في حكمه من جهة الشك في بقاء
قيده ... إلخ.
(واما القسم
الثاني) وهو ما إذا شك في الحكم مع القطع بارتفاع الزمان والزمان ظرف للحكم كما
إذا قال مثلا إن في يوم الجمعة يجب عليك الجلوس فشك في وجوب الجلوس في يوم السبت (فقد
حكم) فيه باستصحاب الحكم (والسر فيه) هو عدم تعدد الموضوع عرفاً فإن الجلوس كان
واجبا في يوم الجمعة فالآن كذلك بالاستصحاب (وقد أشار) إلى هذا القسم الثاني بقوله
وان كان من الجهة الأخرى فلا مجال إلا لاستصحاب الحكم في خصوص ما لم يؤخذ الزمان
فيه إلا ظرفا لثبوته إلى آخره (ثم لا يخفى) ان هذا القسم الثاني هو خارج لدى
الحقيقة موضوعا من مقسم المصنف فإن المقسم في كلامه الشريف هو الفعل المقيد
بالزمان والزمان إذا أخذ ظرفاً للحكم لا يكاد يكون الفعل مقيداً بالزمان وهذا واضح
ظاهر.
(واما القسم
الثالث) وهو ما إذا شك في الحكم مع القطع بارتفاع الزمان والزمان قيد لمتعلق الحكم
كما إذا قال مثلا يجب عليك جلوس يوم الجمعة فشك في وجوب جلوس يوم السبت (فقد حكم)
فيه باستصحاب العدم دون الوجود نظرا إلى تعدد الموضوع حينئذ فان المتيقن هو وجوب
جلوس يوم الجمعة والمشكوك هو وجوب جلوس يوم السبت فلا يكون الشك في بقاء ما كان بل
في ثبوت أمر جديد (وقد أشار) إلى هذا القسم الثالث بقوله لا قيداً مقوما لموضوعه
وإلا فلا مجال إلا لاستصحاب عدمه فيما بعد ذاك الزمان ... إلخ (ثم إن المصنف) لم
يصرح في هذا القسم بما إذا علم كون الزمان قيداً للفعل بنحو وحدة المطلوب لكن
بقرينة ما سيأتي منه في القسم الرابع من التصريح باحتمال التعدد المطلوبي يعرف ان
مفروض
كلامه في هذا
القسم الثالث هو ما إذا علم وحدة المطلوب.
(واما القسم
الرابع) وهو ما إذا شك في الحكم مع القطع بارتفاع الزمان والزمان قيد لمتعلق الحكم
مع احتمال كونه بنحو تعدد المطلوب (فقد حكم) فيه باستصحاب الحكم كما في القسم
الثاني عينا بدعوى عدم تعدد الموضوع عرفاً وحكم أيضا بكونه من قبيل ما إذا شك في
بقاء المرتبة الضعيفة بعد القطع بارتفاع المرتبة الشديدة فيما إذا رأي العرف
الحادث المشكوك على تقدير حدوثه مع المتيقن السابق امرا واحدا مستمرا كما في
السواد الضعيف والشديد لا مباينا كما في الاستحباب والوجوب على ما تقدم تفصيله في
التنبيه السابق ففي المقام نشك في بقاء المرتبة الضعيفة من الطلب الوجوبيّ بعد
القطع بارتفاع المرتبة الشديدة منه بسبب ارتفاع الزمان المأخوذ قيداً للفعل
فيستصحب الطلب الوجوبيّ (وقد أشار) إلى هذا القسم الرابع بقوله في الآخر نعم لا
يبعد ان يكون بحسبه أيضا متحدا فيما إذا كان الشك في بقاء حكمه من جهة الشك في انه
بنحو التعدد المطلوبي ... إلخ.
(أقول)
إن استصحاب الحكم
في القسم الرابع مشكل جدا إذا المفروض كون الزمان قيدا للفعل ومعه يتعدد الموضوع
عرفاً فلا يكون الشك بعد انقضاء الزمان شكا في بقاء ما كان بل في حدوث أمر جديد
ومجرد احتمال كونه بنحو التعدد المطلوبي مما لا يوجب اتحاد الموضوع في نظر العرف
كما لا يخفى.
(قوله فتارة يكون الشك
في حكمه من جهة الشك في بقاء قيده ... إلخ)
إشارة إلى القسم
الأول من الأقسام الأربعة المتقدمة كما أشير آنفا.
(قوله كما إذا احتمل
أن يكون التعبد به إنما هو بلحاظ تمام المطلوب لا أصله ... إلخ)
بيان لتصوير الشك
في حكم الفعل المقيد بالزمان مع القطع بانتفاء الزمان فأشار إلى
القسم الرابع من
الأقسام الأربعة المتقدمة الّذي فيه احتمال كون الزمان بنحو التعدد المطلوبي (ومن
هنا) يتضح لك ان الشك في حكم الفعل المقيد بالزمان بعد القطع بانتفاء الزمان وفرض
كون الزمان قيدا للفعل بنحو وحدة المطلوب مما لا يكاد يتصور فلا يسلم لدى النتيجة
من الأقسام الأربعة المتقدمة للمصنف الا الأول والرابع وأما الثاني فهو خارج
موضوعا لما عرفت والثالث مما لا يتصور أصلا فتأمل جيداً ،
(قوله فتأمل ... إلخ)
ولعله إشارة إلى
ضعف استصحاب كون الإمساك قبل هذا الآن في النهار والآن كما كان فإن الآن الّذي كان
الإمساك فيه في النهار هو غير هذا الآن الّذي أريد استصحاب كون الإمساك فيه أيضاً
في النهار فتبدل قيد الموضوع (ولو قيل) ان مجموع الآنات هو في نظر العرف أمر واحد
مستمر وبه صححنا الاستصحاب في الأمر التدريجي (قلنا) نعم ان مجموع آنات النهار هو
في نظر العرف أمر واحد مستمر وبه صح استصحاب النهار ولكن كونه هذا الآن الّذي نحن
فيه فعلا هو من آنات النهار ليكون هو مع الآنات السابقة أمرا واحدا مستمرا عرفا
غير معلوم وذلك لاحتمال كونه من آنات الليل فتأمل جيدا.
(قوله وان كان من جهة
الأخرى فلا مجال الا لاستصحاب الحكم في خصوص ما لم يؤخذ الزمان فيه الا ظرفا
لثبوته ... إلخ)
إشارة إلى القسم
الثاني من الأقسام الأربعة المتقدمة كما أشير قبلا.
(قوله لا قيدا مقوما
لموضوعه وإلّا فلا مجال إلا لاستصحاب عدمه فيما بعد ذاك الزمان ... إلخ)
إشارة إلى القسم
الثالث من الأقسام الأربعة المتقدمة كما ذكر آنفا.
(قوله لا يقال ان
الزمان لا محالة يكون من قيود الموضوع وان أخذ ظرفا لثبوت الحكم في دليله ... إلخ)
إشكال على حكمه
باستصحاب الحكم في القسم الثاني وهو ما إذا كان الزمان ظرفاً
للحكم (وحاصله) ان
الزمان وإن أخذ في لسان الدليل ظرفاً للحكم ولكنه مما له دخل في أصل المناط قطعاً
وإلّا فلا وجه لأخذه ظرفا له ومع دخله كذلك لا محالة يكون هو من قيود الموضوع فإذا
تخلف فلا يبقى مجال للاستصحاب (وحاصل الجواب) ان الزمان وإن كان لا محالة من قيود
الموضوع ولكنه ليس من القيود المقومة له بنظر العرف على وجه إذا تخلف لم يصدق عرفا
بقاء الموضوع بل من الحالات المتبادلة له والمعتبر كما مر مرارا وسيأتي شرحه في
تتمة الاستصحاب إن شاء الله تعالى هو بقاء الموضوع في نظر العرف لا في نظر العقل.
(قوله لا يقال
فاستصحاب كل واحد من الثبوت والعدم يجري لثبوت كلا النظرين ويقع التعارض بين الاستصحابين
كما قيل ... إلخ)
هذا إشكال آخر على
حكمه باستصحاب الحكم في القسم الثاني (وحاصله) ان بناء على اتباع نظر العرف في
بقاء الموضوع يجري في المقام استصحاب كل واحد من الثبوت والعدم جميعاً (اما الثبوت)
فلوحدة الموضوع في نظر العرف (واما العدم) فلتعدد الموضوع في نظر العقل فيتعارضان
الاستصحابان كما تقدم من بعض معاصري الشيخ أعلى الله مقامه (وحاصل الجواب) انه ليس
في دليل الاستصحاب ما بمفهومه يعم النظرين أي نظر العرف والعقل جميعا ويجري
الاستصحابان ويتعارضان معاً بل لا بد ان يكون الدليل إما مسوقا بنظر العرف أو بنظر
العقل وقد تقدم ويأتي في تتمة الاستصحاب إن شاء الله تعالى ان المستفاد من أخبار
الباب هو اتباع نظر العرف فقط وحيث ان الموضوع هنا في نظر العرف واحد فيجري
استصحاب الثبوت قهرا دون استصحاب العدم.
(قوله نعم لا يبعد أن
يكون بحسبه أيضا متحداً فيما إذا كان الشك في بقاء حكمه من جهة الشك في انه بنحو
التعدد المطلوبي ... إلخ)
إشارة إلى القسم
الرابع من الأقسام الأربعة المتقدمة كما ذكرنا قبلا.
إزاحة وهم
(قوله إزاحة وهم ...
إلخ)
الوهم من النراقي رحمهالله (وحاصله) ان
استصحابي الوجود والعدم كما يجريان في مثل ما إذا امر الشارع بالجلوس يوم الجمعة
وعلم انه واجب إلى الزوال ولم يعلم وجوبه فيما بعده على التقريب المتقدم في كلامه
فكذلك بجريان في مثل وجوب الصوم إذا عرض مرض يشك في بقاء وجوب الصوم معه وفي مثل
الطهارة إذا حصل الشك فيها لأجل المذي وفي مثل طهارة الثوب النجس إذا غسل مرة
فيتعارضان الاستصحابان جميعاً ويرجع إلى استصحاب آخر حاكم على استصحاب العدم وهو
استصحاب عدم رافعية الموجود (قال الشيخ) أعلى الله مقامه بعد الفراغ عن نقل عبارة
النراقي في مثال الأمر بالجلوس يوم الجمعة وقد اعتبر عنه ببعض المعاصرين كما تقدم (ما
لفظه) ثم أجرى يعني النراقي ما ذكره من تعارض استصحابي الوجوب والعدم في مثل وجوب
الصوم إذا عرض مرض يشك في بقاء وجوب الصوم معه وفي الطهارة إذا حصل الشك فيها لأجل
المذي وفي طهارة الثوب النجس إذا غسل مرة فحكم.
(في الأول) بتعارض
استصحاب وجوب الصوم قبل عروض الحمى واستصحاب عدمه الأصلي قبل وجوب الصوم.
(وفي الثاني)
بتعارض استصحاب الطهارة قبل المذي واستصحاب عدم جعل الشارع للوضوء سبباً للطهارة
بعد المذي.
(وفي الثالث) حكم
بتعارض استصحاب النجاسة قبل الغسل واستصحاب عدم كون ملاقاة البول سببا للنجاسة بعد
الغسل مرة فيتساقط الاستصحابان في هذه الصور إلّا أن يرجع إلى استصحاب آخر حاكم
على استصحاب العدم وهو عدم
الرافع وعدم جعل
الشارع مشكوك الرافعية رافعاً (انتهى) موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه (ثم رد عليه
الشيخ) بأمرين.
(الأول) ما ملخصه
ان الشك في الأمثلة المذكورة كلها شك في الرافع يعني بالمعنى الأعم الشامل للشك في
رافعية الموجود وليس الشك فيها شكا في المقتضي وذلك لما نعلم من ان الشارع جعل
الوضوء سببا تاما للطهارة وملاقاة البول سببا تاما للنجاسة لا قصور في سببيتهما
أصلا وإنما يقع الشك في رافعية المذي للطهارة أو الغسل مرة لنجاسة البول فليس الشك
في مقدار سببية السبب وتأثير المؤثر كي يستصحب عدم جعل الشارع الوضوء سببا للطهارة
بعد المذي وعدم كون ملاقاة البول سببا للنجاسة بعد الغسل مرة ويعارض استصحاب
الطهارة من قبل المذي واستصحاب النجاسة من قبل الغسل مرة.
(الثاني) ما ملخصه
أيضا انه لو سلم جريان استصحاب العدم من الأزل ومعارضته مع استصحاب الوجود فليس
استصحاب عدم جعل الشارع مشكوك الرافعية رافعاً حاكما على استصحاب عدم جعل الشارع
الوضوء سببا للطهارة بعد المذي بل مرجع الشك فيهما إلى شيء واحد وهو أن المجعول في
حق المكلف بعد المذي هل هو الحدث أو الطهارة.
(نعم) إذا شك في
الطهارة من جهة الشك في وجود الرافع لا في رافعية الموجود فاستصحاب عدم الرافع
حاكم على استصحاب عدم الطهارة من الأزل لأن الشك في وجود الطهارة وعدمها فعلا مسبب
عن الشك في وجود الرافع فإذا عبدنا الشارع بعدم الرافع فقد علمنا بوجود الطهارة
فعلا وانقلاب العدم الأزلي إلى الوجود هذا كله حاصل جوابي الشيخ عن وهم النراقي.
(وأما ما أجاب به
المصنف) فهو عين الجواب الأول للشيخ من كون الشك في الأمثلة المذكورة كلها شكا في
الرافع لا في المقتضي أي لا في مقدار تأثير السبب (وعليه) فلا مجال لأصالة عدم جعل
الوضوء سببا للطهارة بعد المذي ولا
لأصالة عدم جعل
الملاقاة سببا للنجاسة بعد الغسل مرة ولا يكون هاهنا أصل إلّا أصالة الطهارة أو
النجاسة يعني بها استصحاب الطهارة من قبل المذي أو استصحاب النجاسة من قبل الغسل
مرة.
(قوله ان الطهارة
الحدثية أو الخبثية ... إلخ)
مقصوده من الطهارة
الحدثية هو الإشارة إلى المثال الثاني للنراقي وهو الشك في الطهارة بعد المذي ومن
الطهارة الخبثية هو الإشارة إلى المثال الثالث للنراقي وهو الشك في طهارة الثوب
النجس إذا غسل مرة وليس في كلام المصنف من المثال الأول وهو الشك في وجوب الصوم
بعد عروض الحمى عين ولا أثر.
(قوله كانت من الأمور
الخارجية أو الأمور الاعتبارية التي كانت لها آثار شرعية ... إلخ)
إشارة إلى تفصيل
فصله النراقي رحمهالله في المقام (قال الشيخ) أعلى الله مقامه بعد الفراغ عن نقل
ما أفاده النراقي من تعارض استصحابي الوجود والعدم في مثال الشك في وجوب الصوم بعد
عروض الحمى أو في الطهارة بعد خروج المذي أو في طهارة الثوب النجس بعد الغسل مرة (ما
لفظه) ثم قال أي النراقي هذا في الأمور الشرعية وأما الأمور الخارجية كاليوم
والليل والحياة والرطوبة والجفاف ونحوهما مما لا دخل لجعل الشارع في وجودها
فاستصحاب الوجود فيها حجة بلا معارض لعدم تحقق استصحاب حال عقل معارض باستصحاب
وجودها (انتهى).
(فيقول المصنف) إن
الطهارة الحدثية أو الخبثية وهكذا ما يقابلها من الحدث أو الخبث تكون هي مما إذا
وجدت بأسبابها لا يكاد يشك في بقائها الا من قبل الشك في الرافع لها لا من قبل
الشك في مقدار تأثير أسبابها ليكون الشك فيها شكا في المقتضي وهذا من غير فرق بين
كونها من الأمور الخارجية بمعنى كونها من الأمور الواقعية التي كشف عنها الشارع أو
كانت هي من الأمور الاعتبارية التي اعتبرها الشارع وكانت لها آثار تكليفية.
في الاستصحاب التعليقي
(قوله الخامس انه كما
لا إشكال فيما إذا كان المتيقن حكما فعليا مطلقا لا ينبغي الإشكال فيما إذا كان
مشروطا معلقا ... إلخ)
اما الأول فواضح
واما الثاني فقد اشتهر التمثيل له باستصحاب حرمة ماء العنب المعلقة على الغليان من
حال العنبية إلى حال الجفاف والزبيبية.
(قوله وتوهم انه لا
وجود للمعلق قبل وجود ما علق عليه فاختل أحد ركنيه فاسد ... إلخ)
إشارة إلى ما
أورده صاحب المناهل على الاستصحاب التعليقي (قال الشيخ) أعلى الله مقامه (ما لفظه)
ظاهر سيد مشايخنا في المناهل وفاقا لما حكاه عن والده قدسسره في الدرس عدم اعتبار الاستصحاب الأول يعني به استصحاب حرمة
ماء العنب المعلقة على الغليان (قال) والرجوع إلى الاستصحاب الثاني يعني به
استصحاب الإباحة السابقة لماء الزبيب قبل الغليان (قال) قال في المناهل في رد تمسك
السيد العلامة الطباطبائي على حرمة العصير من الزبيب إذا غلا بالاستصحاب ودعوى تقديمه
على استصحاب الإباحة انه يشترط في حجية الاستصحاب ثبوت أمر أو حكم وضعي أو تكليفي
في زمان من الأزمنة قطعا ثم يحصل الشك في ارتفاعه بسبب من الأسباب ولا يكفي مجرد
قابلية الثبوت باعتبار من الاعتبارات فالاستصحاب التقديري باطل وقد صرح بذلك
الواحد العلامة في الدرس فلا وجه للتمسك باستصحاب التحريم في المسألة (قال الشيخ)
انتهى كلامه رفع مقامه (ثم أجاب) عنه الشيخ أعلى الله مقامه (بقوله) أقول لا إشكال
في انه يعتبر في الاستصحاب تحقق المستصحب سابقاً والشك في ارتفاع ذلك المحقق ولا
إشكال أيضاً في عدم اعتبار أزيد من ذلك ومن المعلوم ان تحقق كل شيء بحسبه فإذا
قلنا العنب يحرم
ماؤه إذا غلا أو
بسبب الغليان فهناك لازم وملزوم وملازمة (اما الملازمة) وبعبارة أخرى سببية
الغليان بتحريم ماء العصير فهي متحققة بالفعل من دون تعليق واما اللازم وهي الحرمة
فله وجود مقيد بكونه على تقدير الملزوم وهذا الوجود التقديري أمر متحقق في نفسه في
مقابل عدمه (انتهى) موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه (ومحصله) انه لا مانع عن
استصحاب الملازمة بين الغليان والحرمة فإنها أمر متحقق فعلا فتستصحب هي إذا شك في
بقائها (وهكذا) لا مانع عن استصحاب اللازم أي الحرمة على تقدير الغليان فان الحكم
التقديري سواء كان حرمة أو وجوباً كما في قولك إن جاءك زيد فأكرمه هو مما له نحو
وجود متحقق في نفسه في قبال العدم المحض فيستصحب أيضا إذا شك في بقائه (هذا كله من
أمر الشيخ) أعلى الله مقامه (واما المصنف) فقد أخذ الجواب الأخير للشيخ وأجاب به
عن الإيراد المذكور ولم يزد عليه شيئا.
(قوله فيما أهل أو
أجمل ... إلخ)
الإجمال كما أشرنا
في المطلق والمقيد في طي مقدمات الحكمة هو فوق الإهمال فالإهمال مجرد ترك التعرض
للشرح والبيان والإجمال هو تعمد الإبهام وتعمية المراد على المخاطب لحكمة مقتضية
لذلك.
(قوله ان قلت نعم
ولكنه لا مجال لاستصحاب المعلق لمعارضته باستصحاب ضده المطلق فيعارض استصحاب
الحرمة المعلقة للعصير باستصحاب حليته المطلقة ... إلخ)
(وحاصل الإشكال)
انه كما تستصحب الحرمة المعلقة من حال العنبية إلى حال الزبيبية فكذلك يستصحب ضدها
المطلق وهي الحلية المطلقة من حال العنبية إلى حال الزبيبية فيتعارضان الاستصحابان
بعضهما مع بعض (وحاصل الجواب) انه لا يضر استصحاب الحلية المطلقة على نحو كانت
ثابتة في حال العنبية فانها في تلك الحالة وإن كانت مطلقة غير معلقة ولكنها كانت
مغياة بعدم الغليان (ومن
المعلوم) ان الحلية
المغياة بعدم الغليان مما لا تنافي الحرمة المعلقة على الغليان ولو كانت الحلية
الكذائية ثابتة في حال الزبيبية بالقطع فضلا عما إذا كان ثبوتها فيه بالاستصحاب
فكما انهما كانتا ثابتين في حال العنبية بالقطع فكذلك تكونان ثابتتين في حال
الزبيبية بالاستصحاب من دون تناف بينهما أصلا.
(أقول)
ليس أصل الإشكال
بهذا النحو الّذي قرره المصنف كي يجاب عنه بنحو ما ذكره قدسسره من عدم التنافي بين الحرمة المعلقة والحلية المغياة (بل
مقصود المستشكل) على ما يظهر من عبارة الشيخ أعلى الله مقامه هو معارضة استصحاب
الحرمة المعلقة من حال العنبية إلى حال الزبيبية باستصحاب الحلية المطلقة الثابتة
للزبيب من قبل غليانه إلى بعد غليانه (ومن المعلوم) ان بينهما كمال المنافاة
والمضادة فإن مقتضي استصحاب الحرمة المعلقة من حال العنبية إلى الزبيبية هو حرمة
الزبيب فعلا بعد غليانه ومقتضي استصحاب الحلية المطلقة الثابتة للزبيب من قبل
غليانه إلى بعد غليانه هو حليته فعلا بعد غليانه.
(وقد أجاب عنه
الشيخ) أعلى الله مقامه بحكومة استصحاب الحرمة المعلقة على الغليان من حال العنبية
على استصحاب الحلية المطلقة الثابتة للزبيب من قبل الغليان إلى بعد غليانه وهي حق
لا يكاد ينكر فإن منشأ الشك في حلية الزبيب فعلا بعد غليانه هو الشك في بقاء تلك
الحرمة المعلقة على الغليان من حال العنبية إلى حال الزبيبية فلو كانت هي باقية
على حالها كان الزبيب فعلا بعد غليانه حراماً قطعاً (قال الشيخ) أعلى الله مقامه
نعم ربما يناقض في الاستصحاب المذكور.
(تارة) بانتفاء
الموضوع وهو العنب.
(وأخرى) بمعارضته
باستصحاب الإباحة قبل الغليان بل ترجيحه عليه بمثل الشهرة والعمومات ولكن الأول لا
دخل له في الفرق بين الآثار الثابتة للعنب بالفعل والثابتة له على تقدير دون آخر
يعني انه لا دخل لذلك في المناقشة في
الاستصحاب
التعليقي من ناحية تقديرية المستصحب ولو تم ذلك لأخل حتى باستصحاب الأحكام المطلقة
الفعلية الثابتة للعنب نظرا إلى عدم بقاء موضوعه. هذا مضافا إلى ان الجفاف وعنوان
الزبيبية ليس هو إلّا من الحالات المتبادلة للعنب عند العرف من قبيل الصغر والكبر
لا من القيود المقومة للموضوع بحيث إذا انتفى انتفى الموضوع (وعلى كل حال) قال
الشيخ أعلى الله مقامه والثاني فاسد لحكومة استصحاب الحرمة على تقدير الغليان على
استصحاب الإباحة قبل الغليان (انتهى) موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه.
(قوله فيكون الشك في
حليته أو حرمته فعلا بعد عروضها متحداً خارجا مع الشك في بقائه على ما كان عليه من
الحلية والحرمة بنحو كانتا إلى آخره)
بمعنى ان الشك في
حليته أو حرمته فعلا بعد عروض الحالة الزبيبية يكون متحداً خارجاً مع الشك في
بقائه على ما كان عليه من الحلية والحرمة في حال العنبية وهي الحلية المغياة
والحرمة المعلقة.
(قوله فإنه قضية نحو
ثبوتهما كان بدليلهما أو بدليل الاستصحاب إلى آخره)
أي فإن حرمته فعلا
بعد غليانه وانتفاء حليته هي مقتضي نحو ثبوت الحرمة المعلقة والحلية المغياة سواء
كان ثبوتهما بدليلهما كما في حال العنبية أو كان بدليل الاستصحاب كما في حال
الزبيبية.
في استصحاب الحكم من الشريعة السابقة
(قوله السادس لا فرق
أيضا بين أن يكون المتيقن من أحكام هذه الشريعة أو الشريعة السابقة ... إلخ)
فيستصحبان جميعاً
على حد سواء (وقد استدل له المصنف) بقوله لعموم أدلة الاستصحاب (واستدل له الشيخ)
أعلى الله مقامه بوجود المقتضي وفقد المانع وكلاهما حق (قال الشيخ) الأمر الخامس
انه لا فرق في المستصحب بين ان يكون حكماً ثابتاً في هذه الشريعة أو حكما من أحكام
الشريعة السابقة إذ المقتضي موجود وهو جريان دليل الاستصحاب وعدم ما يصلح مانعا.
(قوله وفساد توهم
اختلال أركانه فيما كان المتيقن من أحكام الشريعة السابقة لا محالة ... إلخ)
قد توهم اختلال
أركان الاستصحاب في المقام من جهات.
(الأولى) ما أشار
إليه المصنف بقوله إما لعدم اليقين بثبوتها في حقهم وإن علم بثبوتها سابقا في حق
آخرين فلا شك في بقائها أيضا بل في ثبوت مثلها كما لا يخفى ... إلخ.
(الثانية) ما أشار
إليه المصنف بقوله وإما لليقين بارتفاعها بنسخ الشريعة السابقة بهذه الشريعة فلا
شك في بقائها حينئذ ... إلخ.
(الثالثة) ما ذكره
المحقق القمي من ان جريان الاستصحاب مبني على القول بكون حسن الأشياء ذاتيا وهو
ممنوع.
(قال الشيخ) أعلى
الله مقامه بعد عبارته المتقدمة أعني قوله الأمر الخامس إلى قوله وعدم ما يصلح
مانعا (ما لفظه) عدا أمور.
(منها) ما ذكره
بعض المعاصرين والظاهر انه يعني به الفصول من أن الحكم
الثابت في حق
جماعة لا يمكن إثباته في حق آخرين لتغاير الموضوع فإن ما ثبت في حقهم مثله لا نفسه
ولذا يتمسك في تسرية الأحكام الثابتة للحاضرين أو الموجودين إلى الغائبين أو
المعدومين بالإجماع والاخبار الدالة على الشركة لا بالاستصحاب.
(إلى ان قال ومنها)
ما اشتهر من أن هذه الشريعة ناسخة لغيرها من الشرائع فلا يجوز الحكم بالبقاء.
(إلى ان قال ومنها)
ما ذكره في القوانين من ان جريان الاستصحاب مبني على القول بكون حسن الأشياء
ذاتياً وهو ممنوع بل التحقيق انه بالوجوه والاعتبار (انتهى).
(قوله وذلك لأن الحكم
الثابت في الشريعة السابقة حيث كان ثابتاً لأفراد المكلف كانت محققة وجوداً أو
مقدرة ... إلخ)
هذا جواب عن الجهة
الأولى من جهات اختلال أركان الاستصحاب في المقام (وحاصله) ان الحكم الثابت في
الشريعة السابقة لم يكن ثابتاً لخصوص الأفراد الموجودين في الخارج بنحو القضية
الخارجية كما في قولك البصريون قد جاءوا أو الكوفيون قد ذهبوا ونحو ذلك كي يقال ان
الحكم الثابت في حق جماعة مما لا يمكن إثباته في حق آخرين لتغاير الموضوع (بل
الحكم) كان ثابتا لعامة الافراد كانوا محققين موجودين أو كانوا مقدرين مفروضين
بنحو القضية الحقيقية كما في قوله تعالى أن الإنسان لفي خسر أو إن الإنسان ليطغى
ونحو ذلك مما كان الحكم فيه شاملا لجميع الافراد أي المحققة والمقدرة بتمامها فإن
كان الفرد موجودا كان الحكم الثابت له فعليا وان كان مقدرا مفروضا كان الحكم
الثابت له تقديريا أي كلما لو وجد في الخارج وكان إنسانا مثلا فهو على تقدير وجوده
في خسر أو يطغى وهكذا بخلاف الحكم في القضية الخارجية فانه مختص بالأفراد الخارجية
المحققة دون غيرها (وعلى هذا) فلا إشكال في المقام في استصحاب الحكم من الشريعة
السابقة من ناحية تغاير الموضوع إذا كان ثبوته بنحو القضية الحقيقية فان الحكم من
الأول كان ثابتاً
للأفراد الموجودين
فعلا المقدرين حين صدور الحكم فإذا شك في بقائه لهم لاحتمال نسخه في هذه الشريعة
فيستصحب.
(نعم لو كان)
الحكم في القضايا الشريعة لخصوص الأفراد الموجودين في الخارج بنحو القضية الخارجية
لم يصح استصحاب الحكم حتى في شرعنا هذا من قرن إلى قرن نظرا إلى تغاير الموضوع بل
ولم يصح نسخ الحكم بالنسبة إلى غير الموجودين في زمان صدور الحكم نظرا إلى تغاير
الموضوع جدا فان المكلف الفعلي ممن لم يكلف بذلك الحكم كي صح نسخة في حقه وهذا
واضح.
(قوله كان الحكم في
الشريعة السابقة ثابتا لعامة أفراد المكلف ممن وجد أو يوجد ... إلخ)
جزاء لقوله
المتقدم حيث كان ثابتا لأفراد المكلف أي وذلك لأن الحكم الثابت في الشريعة السابقة
حيث كان ثابتا لأفراد المكلف كانت محققة وجودا أو مقدرة إلى آخره كان الحكم في
الشريعة السابقة ثابتاً لعامة افراد المكلف ممن وجد أو يوجد
(قوله والشريعة
السابقة وان كانت منسوخة بهذه الشريعة يقيناً إلّا انه لا يوجب اليقين بارتفاع
أحكامها بتمامها ... إلخ)
هذا جواب عن الجهة
الثانية من جهات اختلال أركان الاستصحاب في المقام (وحاصله) منع كون الشريعة
السابقة منسوخة بتمامها بهذه الشريعة اللاحقة كي لا يمكن استصحاب حكم من أحكام تلك
للشريعة.
(وقد أخذ المصنف)
هذا الجواب من الشيخ أعلى الله مقامه غير أن جواب الشيخ هو أكمل وأتم (قال) بعد
ذكر الجهة الثانية (ما لفظه) وفيه انه إن أريد نسخ كل حكم إلهي من أحكام الشريعة
السابقة فهو ممنوع وإن أريد نسخ البعض فالمتيقن من المنسوخ ما علم بالدليل فيبقي
غيره على ما كان عليه ولو بحكم الاستصحاب (انتهى).
(قوله والعلم إجمالا
بارتفاع بعضها انما يمنع عن استصحاب ما شك في بقائه منها ... إلخ)
إشارة إلى ما ربما
يشكل في المقام من انه إذا فرض عدم اليقين بارتفاع أحكام الشريعة السابقة بتمامها
فنحن نعلم إجمالا بنسخ جملة منها والعلم الإجمالي مما يمنع عن استصحاب ما شك في
بقائه منها (فيجيب عنه المصنف) بما حاصله ان العلم الإجمالي بنسخ جملة منها إنما
يمنع عن استصاب ما شك في بقائه منها إذا كان المشكوك من أطراف العلم الإجمالي
بالنسخ لا فيما إذا لم يكن من أطرافه أصلا كما إذا علم تفصيلا بمقدار ما علم نسخه
إجمالا وانحل العلم الإجمالي من أصله أو كان العلم الإجمالي بالنسخ هو في موارد
خاصة ليس المشكوك منها (هذا) وقد أجاب الشيخ عن الإشكال بنحو آخر (قال) أعلى الله
مقامه (ما لفظه) فإن قلت انا نعلم قطعاً بنسخ كثير من الأحكام السابقة والمعلوم
تفصيلا منها قليل في الغاية فيعلم بوجود المنسوخ في غيره قلت لو لم ذلك لم يقدح في
إجراء أصالة عدم النسخ في المشكوكات لأن الأحكام المعلومة في شرعنا بالأدلة واجبة
العمل سواء كانت من موارد النسخ أم لا فأصالة عدم النسخ فيها غير محتاج إليها
فيبقى أصالة عدم النسخ في محل الحاجة سليمة عن المعارض (انتهى) موضع الحاجة من
كلامه رفع مقامه
(ومحصله) انه لو
سلم ان المعلوم نسخه بالتفصيل هو أقل من مقدار المعلوم بالإجمال وان العلم
الإجمالي بالنسخ باق على حاله فالأحكام المعلومة في شرعنا بالدليل الاجتهادي هي
مما لا تحتاج إلى الاستصحاب من الشرع السابق فيبقى الاستصحاب في الأحكام المشكوكة
في شرعنا بلا معارض (هذا تمام الكلام) في الجواب عن الجهة الثانية من جهات اختلال
أركان الاستصحاب في المقام.
(واما الجهة
الثالثة) التي لم يؤشر إليها المصنف وتقدم تفصيلها من المحقق القمي من أن جريان
الاستصحاب مبني على القول بكون حسن الأشياء ذاتياً وهو ممنوع بل التحقيق انه
بالوجوه والاعتبار ... إلخ.
(فقد أجاب عنها
الشيخ) أعلى الله مقامه (بما هذا لفظه) وفيه انه إن أريد بالذاتي المعنى الّذي
ينافيه النسخ وهو الّذي أبطلوه بوقوع النسخ فهذا المعنى ليس مبني الاستصحاب بل هو
مانع عنه للقطع بعدم النسخ حينئذ فلا يحتمل الارتفاع وإن أريد غيره فلا فرق بين
القول به والقول بالوجوه والاعتبارات فان القول بالوجوه لو كان مانعا عن الاستصحاب
لم يجر الاستصحاب في هذه الشريعة (انتهى)
(قوله وقد علم بارتفاع
ما في موارد الأحكام الثابتة في هذه الشريعة إلى آخره)
هذا من تتمات قوله
أو في موارد ليس المشكوك منها والمعنى هكذا والعلم الإجمالي بارتفاع بعض أحكام
الشريعة السابقة انما يمنع عن استصحاب ما شك في بقائه منها إذا كان مشكوك البقاء
من أطراف العلم الإجمالي واما إذا لم يكن من أطرافه كما إذا علم تفصيلا بمقدار ما
علم إجمالا ارتفاعه وانحل العلم الإجمالي من أصله أو كان العلم الإجمالي بارتفاع
في موارد خاصة لم يكن ما شك في بقائه منها فلا يكاد يمنع عن استصحابه والمقام من
قبيل الثاني فإن العلم الإجمالي بالارتفاع انما هو في موارد الأحكام الثابتة في
هذه الشريعة بالأدلة الاجتهادية ففيها نعلم إجمالا انه قد ارتفع بعض أحكام الشريعة
السابقة لا في غيرها ففي موارد العلم الإجمالي لا حاجة لنا إلى استصحاب الحكم من
الشريعة السابقة إذ المفروض ثبوت الحكم فيه في شرعنا بالدليل وفيما نحتاج إلى
استصحاب الحكم من الشريعة السابقة لا علم إجمالي لنا بالارتفاع كي يمنع عن
استصحابه فتأمل جيدا.
(قوله ثم لا يخفى انه
يمكن إرجاع ما أفاده شيخنا العلامة أعلى الله في الجنان مقامه في الذب عن إشكال
تغاير الموضوع في هذا الاستصحاب من الوجه الثاني إلى ما ذكرنا ... إلخ)
(الشيخ أعلى الله
مقامه) بعد ان ذكر الجهة الأولى من جهات اختلال أركان الاستصحاب من الشريعة
السابقة وهي جهة تغاير الموضوع قد أجاب عنها بجوابين
(الأول) ما سيأتي
ذكره عند تعرض المصنف له بقوله وأما ما أفاده من الوجه الأول ... إلخ.
(الثاني) ما لفظه
وثانيا ان اختلاف الأشخاص لا يمنع عن الاستصحاب وإلّا لم يجر استصحاب عدم النسخ
وحله أن المستصحب هو الحكم الكلي الثابت للجماعة على وجه لا مدخل لأشخاصهم فيه إذ
لو فرض وجود اللاحقين في السابق عمهم الحكم قطعاً (انتهى) فيقول المصنف انه يمكن
إرجاع ما ذكره الشيخ أعلى الله مقامه من الجواب الثاني إلى ما ذكرناه نحن من
الجواب المتقدم من أن الحكم ثابت لأفراد المكلف كانت محققة وجوداً أو مقدرة بنحو
القضية الحقيقية لا ما يوهمه ظاهر كلامه من ان الحكم ثابت للكلي كما ان الملكية
للكلي في مثل باب الزكاة والوقف العام كالوقف على الفقراء والمساكين ونحو ذلك من
الجهات العامة من دون مدخل للأشخاص فيها في قبال الوقف على اشخاص مخصوصين كالوقف
على الذرية ونحوها وإلّا فلا يتم ما أفاده أعلى الله مقامه فان التكليف وهكذا
الثواب أو العقاب المترتب على الطاعة أو المعصية لا يكاد يتعلق بالكلي من دون مدخل
الأشخاص فيها.
(قوله فافهم ... إلخ)
ولعله إشارة إلى
عدم الفرق بين التكليف والوضع أصلا فكما ان الملكية جاز ثبوتها للكلي لا لأشخاص
فكذلك التكليف جاز ثبوتها له عينا.
(قوله وأما ما أفاده
من الوجه الأول فهو وان كان وجيها بالنسبة إلى جريان الاستصحاب في حق خصوص المدرك
للشريعتين إلّا أنه غير مجد في حق غيره من المعدومين ... إلخ)
(قال الشيخ) أعلى
الله مقامه بعد ذكر الجهة الأولى من جهات اختلال أركان الاستصحاب من الشريعة
السابقة وهي تغاير الموضوع (ما لفظه) وفيه أولا إنا نفرض الشخص الواحد مدركاً
للشريعتين فإذا حرم في حقه شيء سابقا وشك في
بقاء الحرمة في
الشريعة اللاحقة فلا مانع عن الاستصحاب أصلا وفرض انقراض جميع أهل الشريعة السابقة
عند تجدد اللاحقة نادر بل غير واقع فإن الشريعة اللاحقة لا تحدث عند انقراض أهل
الشريعة الأولى (انتهى) ومقصوده أعلى الله مقامه ان الشخص المدرك للشريعتين إذا
استصحب الحكم الشرعي بالنسبة إلى نفسه يتم الأمر في حق غيره من المعدومين بقيام
الضرورة على اشتراك أهل الزمان الواحد في الشريعة الواحدة كما صرح بذلك في عبارة
له بعد هذا (وقد اعترض المصنف) على هذه الجواب بما حاصله ان ذلك غير مجد في تسرية
الحكم من المدرك للشريعتين إلى غيره من المعدومين فإن قضية الاشتراك ليس إلّا ان
الاستصحاب حكم كل من كان على يقين فشك لا حكم الكل ولو من لم يكن كذلك.
(أقول)
ليس مقصود الشيخ
أعلى الله مقامه هو تسرية الاستصحاب من المدرك للشريعتين إلى غيره كي يعترض عليه
بذلك بل مقصوده هو تسرية المستصحب أي ما استصحبه المدرك للشريعتين إلى غيره بقيام
الضرورة على اشتراك أهل الزمان الواحد في الشريعة الواحدة (وعليه) فلا مجال
للاعتراض عليه ولا الإيراد.
في الأصول المثبتة
(قوله السابع لا شبهة
في ان قضية أخبار الباب هو إنشاء حكم مماثل للمستصحب في استصحاب الأحكام
والأحكامية في استصحاب الموضوعات إلى آخره)
المقصود من عقد
هذا التنبيه السابع هو تحقيق حال الأصول المثبتة غير انه شرع في تحقيقها تدريجا
شيئا فشيئا (وعلى كل حال) مراد المصنف من هذه العبارة ان مقتضي نهي الشارع عن نقض
اليقين بالشك والتعبد الشرعي ببقاء المستصحب في
مثل استصحاب وجوب
صلاة الجمعة هو إنشاء وجوب للصلاة في ظرف الشك مثل وجوبها في السابق وفي مثل
استصحاب خمرية المائع الخارجي هو إنشاء حرمة للمائع في ظرف الشك مثل حرمته في
السابق غير ان وجوب الصلاة أو حرمة المائع في السابق كان حكما واقعيا وهذا الحكم
المنشأ فعلا في ظرف الشك هو حكم ظاهري
(قوله كما لا شبهة في
ترتيب ما للحكم المنشأ بالاستصحاب من الآثار الشرعية والعقلية ... إلخ)
(فإذا فرضنا) ان
لوجوب صلاة الجمعة أو لحرمة المائع الخارجي في المثالين المتقدمين أثر شرعي كوجوب
التصدق بدرهم أو بدرهمين مترتب عليه بنذر وشبهه فيجب ترتيبه عند استصحاب وجوب صلاة
الجمعة أو استصحاب خمرية المائع الخارجي (وهكذا) يترتب على الحكم المنشأ
بالاستصحاب أثره العقلي من وجوب موافقته وحرمة مخالفته واستحقاق العقوبة على
عصيانه ونحو ذلك من الآثار فانها وان كانت لوازم عقلية ولكنها لوازم مطلق المستصحب
ولو في الظاهر وسيأتي شرح ذلك في التنبيه التاسع إن شاء الله تعالى فانتظر.
(قوله وإنما الإشكال
في ترتيب الآثار الشرعية المترتبة على المستصحب بواسطة غير شرعية عادية كانت أو
عقلية ... إلخ)
من هاهنا شرع
المصنف في تحقيق حال الأصول المثبتة (وتوضيح (المقام) ان الإشكال كل الإشكال في أن
الاستصحاب كما يثبت به نفس المستصحب ويترتب عليه آثاره الشرعية فهل يثبت به لوازم
المستصحب عادية كانت أو عقلية أو ملزومه أو ملازمه بحيث لو كان لهذه الأطراف من
اللازم والملزوم والملازم آثار شرعية يجب ترتيبها عليها أم لا (فإذا شك مثلا) في
حياة زيد واستصحبنا حياته فكما يثبت بالاستصحاب حياته ويترتب عليها آثارها الشرعية
من حرمة التصرف في أمواله وحرمة العقد على زوجته ونحو ذلك من الآثار فهل يثبت به
نمو زيد أو نبات لحيته ونحو ذلك من اللوازم العادية للحياة ويترتب عليها أثرها
الشرعي لو كان
لها أثر كذلك أم
لا يثبت (وإذا قطع مثلا) جسد زيد بالسيف نصفين ونحن نشك في حياته في حال القطع
واستصحبنا حياته إلى تلك الحال فهل يثبت بذلك لازمها العقلي وهو القتل ويترتب عليه
أثره الشرعي من القصاص ونحوه أم لا (وإذا استصحبنا النهار) مثلا فهل يثبت به
ملزومه كطلوع الشمس أو ملازمه كضوء العالم ويترتب على الملزوم أو الملازم أثره
الشرعي أو كان له أثره كذلك أم لا وهذا هو النزاع المعروف بالأصل المثبت (والظاهر)
ان المشهور عدم القول به وإن ذكر الشيخ أعلى الله مقامه من كثير من الفقهاء التمسك
به في مقامات كثيرة قد أشار إلى حملة منها واحدا بعد واحد ومن أراد الوقوف عليها
فليراجع الرسائل
(قوله ومنشؤه أن مفاد
الأخبار هل هو تنزيل المستصحب والتعبد به وحده بلحاظ خصوص ما له من الأثر بلا
واسطة أو تنزيله بلوازمه العقلية أو العادية ... إلخ)
ولو قال أو تنزيله
بأطرافه من اللازم والملزوم والملازم كان أجمع وأتم وسيأتي منه مثل هذا التعبير في
الطرق والأمارات عينا (فيقول) فإن الطريق أو الأمارة حيث انه كما يحكي عن المؤدي
ويشير إليه كذا يحكي عن أطرافه من ملزومه ولوازمه وملازماته (انتهى) (وكيف كان)
حاصل الكلام ان منشأ النزاع في الأصل المثبت هو ان مفاد أخبار الباب هل هو تنزيل
نفس المستصحب فقط والتعبد به وحده بلحاظ آثاره الشرعية المترتبة عليه بلا واسطة أو
مفادها تنزيل المستصحب بأطرافه من اللازم بقسميه أي العادي والعقلي والملزوم
والملازم وإن شئت قلت تنزيل المستصحب بلحاظ مطلق ما له من الأثر الشرعي ولو بواسطة
اللازم العادي أو العقلي أو الملزوم أو الملازم فعلي التقدير الأول لا يترتب آثار
الأطراف بل يقتصر على آثار نفس المستصحب وحده بلا واسطة وعلى التقديرين الأخيرين
يترتب آثار الأطراف أيضا جميعا.
(قوله كما هو الحال في
تنزيل مؤديات الطرق والأمارات ... إلخ)
سيأتي تفصيل الحال
في تنزيل مؤديات الطرق والأمارات لدى التعليق على قوله الآتي ثم لا يخفى وضوح
الفرق بين الاستصحاب وساير الأصول التعبدية وبين الطرق والأمارات فانتظر يسيرا.
(قوله وذلك لأن مفادها
لو كان تنزيل الشيء وحده ... إلخ)
علة لقوله المتقدم
ومنشؤه ان مفاد الاخبار هل هو تنزيل المستصحب والتعبد به وحده ... إلخ.
(قوله ولا يكون تنزيله
بلحاظه ... إلخ)
أي ولا يكون تنزيل
الشيء بلحاظ ما كان مترتبا على لوازمه (والمعنى هكذا) وذلك لأن مفاد الاخبار لو
كان هو تنزيل الشيء وحده بلحاظ أثر نفسه لم يترتب عليه ما كان مترتباً على لوازمه
العقلية أو العادية لعدم إحرازها حقيقة أي بالعلم ولا تعبداً أي بالأخبار ولا كان
تنزيل الشيء بلحاظ ما كان مترتبا على لوازمه العقلية أو العادية كي يجب ترتيبها
وهذا بخلاف ما لو كان تنزيل الشيء بلوازمه أو بلحاظ ما يعم آثار لوازمه فإنه حينئذ
يترتب باستصحابه ما كان بوساطة لوازمه.
(قوله والتحقيق أن
الأخبار إنما تدل على التعبد بما كان على يقين منه فشك بلحاظ ما لنفسه من آثار
وأحكامه ولا دلالة لها بوجه على تنزيله بلوازمه التي لا يكون كذلك كما هي محل ثمرة
الخلاف ... إلخ)
أي بلوازمه التي
لا يكون على يقين منها فشك كما هي محل ثمرة الخلاف بين القول بالأصل المثبت وعدمه
وإلّا فتستصحب هي أي نفس تلك اللوازم ويترتب عليها أثرها فتنتفي الثمرة بين
القولين (وعلى كل حال) حاصل ما أفاده المصنف من التحقيق في وجه عدم القول بالأصل
المثبت ان مفاد الاخبار ليس أكثر من التعبد بالمستصحب وحده بلحاظ ما لنفسه من
الآثار الشرعية ولا دلالة لها بوجه على تنزيل المستصحب بأطرافه من اللازم العادي
أو العقلي والملزوم والملازم أو على
تنزيله بلحاظ مطلق
ما له من الأثر الشرعي ولو بواسطة الأطراف كي يترتب عليه آثار تلك الأطراف أيضا.
(أقول)
وهذا الوجه على
اختصاره هو أولى مما أفاده الشيخ أعلى الله مقامه في وجه عدم القول بالأصل المثبت (قال)
فيما أفاده في المقام (ما لفظه) والحاصل ان تنزيل الشارع المشكوك منزلة المتيقن
كسائر التنزيلات انما يفيد ترتيب الأحكام والآثار الشرعية المحمولة على المتيقن
السابق فلا دلالة فيها على جعل غيرها من الآثار العقلية والعادية لعدم قابليتها
للجعل ولا على جعل الآثار الشرعية المترتبة على تلك الآثار لأنها ليست آثاراً لنفس
المتيقن ولم يقع ذوها مورداً لتنزيل الشارع حتى تترتب هي عليه (انتهى) موضع الحاجة
من كلامه رفع مقامه.
(ومحصله) أن تنزيل
الشارع المشكوك منزلة المتيقن ليس إلا بمعنى جعل آثاره الشرعية لا الآثار العقلية
أو العادية فإنها غير قابلة للجعل الشرعي ولا الآثار الشرعية المترتبة على الآثار
العقلية أو العادية لأنها ليست آثارا لنفس المتيقن ولم يقع ذوها موردا لتنزيل
الشارع حتى تترتب هي عليه (وهو كما ترى) ضعيف فإن تنزيل الشيء وإن كان بمعنى جعل
آثاره الشرعية لا العقلية ولا العادية لأنها غير قابلة للجعل الشرعي كما أفاد ولكن
من الجائز أن يكون تنزيل المستصحب هو بأطرافه جميعاً من اللازم والملزوم والملازم
لا وحده وأن يكون تنزيل كل بمعنى جعل آثاره الشرعية فتترتب هي عليه ولم يقم الشيخ
أعلى الله مقامه دليلا ولا برهانا على عدم تنزيل أطراف المستصحب كي لا تترتب
آثارها عليها سوى قوله ولم يقع ذوها موردا لتنزيل الشارع ... إلخ (وعليه) فاللازم
في نفي الأصول المثبتة أن يقال كما قال المصنف.
(مما محصله) ان
مفاد دليل الاستصحاب ليس أكثر من تنزيل نفس المستصحب وحده بلحاظ آثاره الشرعية لا
تنزيله بأطرافه أو تنزيله بلحاظ مطلق
ما له من الأثر
الشرعي ولو بواسطة الأطراف كي يترتب عليه.
(قوله ولا على تنزيله
بلحاظ ما له مطلقا ... إلخ)
عطف على تنزيله
بلوازمه أي ولا دلالة للأخبار بوجه على تنزيل المستصحب بلوازمه ولا على تنزيله
بلحاظ ما له من الأثر مطلقا ولو بالواسطة.
(قوله نعم لا يبعد
ترتيب خصوص ما كان منها محسوسا بنظر العرف من آثار نفسه لخفاء ما بوساطته ... إلخ)
إشارة إلى ما
استثناه الشيخ من الأصول المثبتة وهو ما إذا كانت الواسطة فيها خفية (قال أعلى
الله مقامه) في آخر المسألة بعد ما اختار عدم القول بالأصل المثبت وانه لا يكاد
يثبت بالأصل ما عدا الآثار الشرعية المترتبة على نفس المستصحب (ما لفظه) نعم هنا
شيء وهو ان بعض الموضوعات الخارجية المتوسطة بين المستصحب وبين الحكم الشرعي هو من
الوسائط الخفية بحيث يعد في العرف الأحكام الشرعية المترتبة عليها أحكاما لنفس
المستصحب وهذا المعنى يختلف وضوحا وخفاء باختلاف مراتب خفاء الوسائط عن أنظار
العرف.
(منها) ما إذا
استصحب رطوبة النجس من المتلاقيين مع جفاف الآخر فانه لا يبعد الحكم بنجاسته يعني
الحكم بنجاسة الآخر الجاف مع ان تنجسه ليس من أحكام ملاقاته للنجس رطباً بل من
أحكام سراية رطوبة النجاسة إليه وتأثره بها بحيث يوجد في الثوب رطوبة متنجسة.
(إلى ان قال ومنها)
أصالة عدم دخول هلال شوال في يوم الشك المثبت لكون غده يوم العيد فيترتب عليه
أحكام العيد من الصلاة والغسل وغيرهما فإن مجرد عدم الهلال في يوم لا يثبت آخريته
ولا أولية عده أشهر اللاحق لكن العرف لا يفهمون من وجوب ترتيب آثار عدم انقضاء
رمضان وعدم دخول شوال الا ترتيب أحكام آخرية ذلك اليوم لشهر وأولية غده لشهر آخر (إلى
ان قال) وكيف كان فالمعيار خفاء توسط الأمر العادي أو العقلي بحيث يعد آثاره
آثاراً لنفس
المستصحب (ثم قال)
وربما يتمسك في بعض موارد الأصول المثبتة بجريان السيرة أو الإجماع على اعتباره
هناك مثل إجراء أصالة عدم الحاجب عند الشك في وجوده على محل الغسل أو المسح لإثبات
غسل البشرة ومسحها المأمور بهما في الوضوء والغسل وفيه نظر (انتهى) كلامه رفع
مقامه.
(أقول)
ولعل وجه النّظر
هو التأمل في تحقق السيرة أو الإجماع (ولكن الحق) ان السيرة جارية خلفا عن سلف على
عدم الفحص عن الحاجب عند الوضوء أو الغسل وعلى الاكتفاء بأصالة عدم الحاجب عند
الشك في وجوده (ولو سلم المناقشة) في السيرة فلا يبعد اندراج المقام في الواسطة
الخفية كما في المثالين المتقدمين على نحو يعد صحة الوضوء أو الغسل من آثار عدم
الحاجب لا من آثار وصول الماء إلى البشرة اللازم له عقلا.
(قوله فافهم ... إلخ)
ولعله إشارة إلى
ضعف ما صرح به في الكتاب من دعوى ان مفاد الاخبار عرفاً ما يعم الأثر المحسوس بنظر
العرف من آثار نفس المستصحب بل مفادها عرفاً هو ترتيب خصوص ما لنفس المستصحب من
الآثار لا آثار المستصحب وما يعد في نظر العرف من آثار المستصحب.
(نعم) يمكن دعوى
ان المستفاد من الاخبار عرفاً وان كان هو ترتيب خصوص ما لنفس المستصحب من الآثار
ولكن أثر الواسطة الخفية في نظر العرف يعد أثراً لنفس المستصحب إلا ان هذه الدعوى
مضافا إلى أن مرجعها إلى ما صرح به المصنف هي مما لا تخلو عن ضعف فإن نظر العرف
متبع في الكبرى لا في تطبيقها على الصغرى فإذا رأي العرف ان المثقال مثلا هو أربعة
وعشرون حمصا فهذا هو المتبع وأما إذا رأى صدق المثقال علي أربعة وعشرين حمصا الا
شعيرة ولو مسامحة فهذا مما لا يتبع (ولعل) المعيار الصحيح في الواسطة الخفية أن
يقال إن كل أثر لم يكن للمستصحب دقة ولكن كان بحيث إذا لم نرتبه لزم صدق نقض
اليقين بالشك
كان ذلك أثر
الواسطة الخفية وكان حاله حال أثر نفس المستصحب عينا في وجوب الترتيب شرعا وكل أثر
لم يكن للمستصحب ولم يكن هو بهذه الحيثية لم يكن ذلك أثر الواسطة الخفية ولم يجب
ترتيبه شرعاً فتأمل جيدا.
(قوله كما لا يبعد
ترتيب ما كان بوساطة ما لا يمكن التفكيك عرفا بينه وبين المستصحب تنزيلا ... إلخ)
هذا ما أضافه
المصنف على ما استثناه الشيخ أعلى الله مقامه من الأصول المثبتة وهو ما إذا كانت
الواسطة بحيث لا يمكن التفكيك عرفا بينها وبين المستصحب في التنزيل فإذا أنزل
المستصحب نزلت الواسطة تبعاً فيجب ترتيب أثرها قهرا (والظاهر) ان ذلك مما لا يكون
إلّا في اللازم البيّن بالمعنى الأخص الّذي لا ينفك تصوره عن تصور الملزوم كما في
الضوء للشمس أو الجواد للحاتم ونحو ذلك.
(قوله أو بوساطة ما
لأجل وضوح لزومه له أو ملازمته معه بمثابة عد أثره أثرا لهما ... إلخ)
ظاهر العبارة انه
استثناء ثالث من الأصول المثبتة إلا أنه ظهور بدوي وقد نشأ من سوء التعبير والتدبر
التام في كلامه مما يقتضي بأنه لم يستثن إلا موردين الواسطة الخفية والواسطة
الجلية أي اللازم البين بالمعنى الأخص غير انه قد أفاد لاستثناء الأخير وجهين
مستقلين.
(الأول) ما يختص
بالواسطة الجلية وهي الملازمة العرفية بين تنزيل المستصحب وبين تنزيلها فإذا نزل
المستصحب نزلت الواسطة تبعاً فيجب ترتيب أثرها قهرا.
(الثاني) ما يشترك
بينها وبين الواسطة الخفية وهو عد أثر الواسطة أثرا لهما أي أثرا للواسطة
والمستصحب جميعا وسيأتي من المصنف ما هو كالصريح في استثناء موردين فقط دون
غيرهما.
(وهو قوله الآتي)
فلا دلالة له على اعتبار المثبت منه كسائر الأصول
التعبدية الا فيما
عد أثر الواسطة أثرا له لخفائها أو لشدة وضوحها وجلاها حسبما حققناه (انتهى)
(بقي شيء) وهو ان
الظاهر ان كلمة بمثابة في كلام المصنف هي من طغيان القلم والصحيح هكذا أو بوساطة
ما لأجل وضوح لزومه له أو ملازمته معه عد أثره أثرا لهما.
(قوله فافهم ... إلخ)
ولعله إشارة إلى
ضعف قوله أو بوساطة ما لأجل وضوح لزومه له أو ملازمته معه ... إلخ فان الواسطة
الخفية لأجل خفائها وإن أمكن أن يقال إن أثرها يعد أثرا للمستصحب واما لواسطة
الجلية فلأجل شدة وضوحها وجلائها كيف يعد أثرها أثرا للمستصحب فإن اللزوم أو
الملازمة ملاك الاثنينية فكلما اشتد وضوح لزومها أو ملازمتها اشتد وضوح اثنينيتها
مع المستصحب فكيف يرى العرف أثرها أثرا للمستصحب.
(قوله ثم لا يخفى وضوح
الفرق بين الاستصحاب وسائر الأصول التعبدية وبين الطرق والأمارات ... إلخ)
(وحاصله) ان ما
تقدم من عدم حجية الأصل المثبت انما هو في الاستصحاب وسائر الأصول العلمية وأما
الطرق والأمارات فمثبتاتهما حجة بلا كلام وذلك لأن الأمارة كما تحكي عن المؤدي
بالمطابقة فكذلك تحكي عن أطرافه من اللازم والملزوم والملازم بالالتزام فالأمارة
لها حكايات متعددة مطابقية والتزامية (وإن شئت قلت) لها مؤديات متعددة مطابقية
والتزامية فدليل اعتبار الأمارات سواء قلنا فيها بجعل الحجية وتنزيل حكاياتها
منزلة العلم أو قلنا فيها بجعل الأحكام الظاهرية وتنزيل مؤدياتها منزلة الواقع هو
مما ينزل تمام حكاياتها أو تمام مؤدياتها من المطابقية والالتزامية جميعاً من غير
اختصاص ببعض دون بعض (وهذا بخلاف) الاستصحاب لما تقدم من عدم دلالة أخبار الباب
بوجه على تنزيل أكثر من المستصحب وحده
بلحاظ ما لنفسه من
الآثار دون أطرافه من اللازم والملزوم والملازم.
(أقول)
ويظهر من هذا كله
انه لو قيل بكون الاستصحاب أمارة من الأمارات كما اخترنا ذلك في صدر المسألة
فمثبتاته حجة بلا شبهة بل صريح الشيخ أعلى الله مقامه فيما أفاده هاهنا هو ذلك (قال)
ومن هنا يعلم انه لو قلنا باعتبار الاستصحاب من باب الظن لم يكن مناص عن الالتزام
بالأصول المثبتة لعدم انفكاك الظن بالملزوم عن الظن باللازم شرعيا كان أي اللازم
أو غيره إلّا أن يقال إن الظن الحاصل من الحالة السابقة حجة في لوازمه الشرعية دون
غيرها (وقال) أيضا في أواخر المسألة وقد عرفت أن الاستصحاب إن قلنا به من باب الظن
النوعيّ كما هو ظاهر أكثر القدماء فهو كإحدى الأمارات الاجتهادية يثبت به كل موضوع
يكون نظير المستصحب في جواز العمل فيه بالظن الاستصحابي واما على المختار من
اعتباره من باب الاخبار فلا يثبت به ما عدى الآثار الشرعية المترتبة على نفس
المستصحب (انتهى) (وفيه ما لا يخفى) فإن بعض الأمارات كالبينة وما شاكلها وإن كانت
مثبتاته حجة بلا كلام ولكن ليس كل أمارة كذلك (والسر) فيه ان الأمارات تختلف في
حكاياتها عن المؤدي بالمطابقة وعن الأطراف من اللازم والملزوم والملازم بالالتزام
من حيث القوة والضعف (فحكاية) بعضها عن المؤدي تكون قوية جدا وعن الأطراف أيضا
كذلك وإن كان حكايته عن الأطراف دون حكايته عن المؤدي (وحكاية) بعضها عن نفس
المؤدي ضعيفة فكيف بحكايته عن أطرافه من اللازم والملزوم والملازم (وعليه) فدليل
الاعتبار في القسم الأول من الأمارات مما يشمل تمام حكاياته أي عن المؤدي وأطرافه
جميعاً وفي القسم الثاني لا حكاية له سوى عن نفس المؤدي فقط دون ساير أطرافه كي
يشمل حكاياته عنها أيضا (ومقتضي ذلك كله) انه إذا فارقنا مثلا زيدا قبل تسعة
وأربعين سنة وهو ابن سنة كاملة وقد نذرنا ان نتصدق عنه إذا دخل في السنة الخمسين
بمائة فإن قامت البينة
فعلا على حياته في
هذا الحال فيثبت اللازم بلا شبهة وهو دخوله في السنة الخمسين ويجب علينا التصدق
عنه بمائة وإن استصحبنا حياته من قبل تسعة وأربعين سنة إلى الآن الحاضر لم يثبت به
اللازم أي دخوله في السنة الخمسين ولم يجب علينا التصديق عنه بشيء أصلا وان قلنا
بكون الاستصحاب أمارة فتأمل جيدا.
(قوله كان مقتضى إطلاق
دليل اعتبارها لزوم تصديقها في حكايتها إلى آخره)
هذا بمنزلة الجزاء
لقوله حيث انه كما يحكي ... إلخ أي حيث انه كما يحكي عن المؤدي كذا يحكي عن أطرافه
كان مقتضي إطلاق دليل اعتبارها ... إلخ والعبارة مما لا تخلو عن ركاكة والصحيح
هكذا وعليه فمقتضى إطلاق دليل اعتبارها ... إلخ.
في اللازم العادي أو العقلي المتحد مع
المستصحب وجوداً
(قوله الثامن انه لا
تفاوت في الأثر المترتب على المستصحب بين أن يكون مترتبا عليه بلا وساطة شيء أو
بوساطة عنوان كلي ينطبق ويحمل عليه بالحمل الشائع ويتحد معه وجودا ... إلخ)
المقصود من عقد
هذا التنبيه الثامن هو تضعيف ما أفاده الشيخ أعلى الله مقامه من عدم الفرق في
اللازم العادي أو العقلي بين كونه مباينا مع المستصحب رأساً وبين كونه متحداً معه
وجودا بحيث لا يتغايران إلّا مفهوما (قال) فيما أفاده في المقام (ما هذا لفظه) ومن
هنا يعلم انه لا فرق في الأمر العادي بين كونه متحد الوجود مع المستصحب بحيث لا
يتغايران إلّا مفهوما كاستصحاب بقاء الكر في الحوض عند الشك في كرية الماء الباقي
فيه وبين تغايرهما في الوجود كما لو علم بوجود
المقتضي لحادث على
وجه لو لا المانع حدث وشك في وجود المانع (انتهى) موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه.
(وأما حاصل كلام
المصنف) فهو التفصيل في اللازم العادي أو العقلي المتحد مع المستصحب وجودا المحمول
عليه بالحمل الشائع (فان كان) عنواناً كلياً منتزعاً عن مرتبة ذاته كما في الحيوان
والإنسان والناطق ونحو ذلك أو بملاحظة اتصافه بعرضي كما في المالك والغاصب والسابق
واللاحق ونحو ذلك من العناوين التي كان مبدأ الاشتقاق فيها هو من الأمور
الانتزاعية المحضة التي ليس بحذائها شيء في الخارج أصلا سوى منشأ انتزاعها ويكون
من خارج المحمول (فهذا النحو) من العنوان الكلي المتحد مع المستصحب وجودا مما يثبت
بثبوت المستصحب ويترتب عليه أثره.
(وأما إذا كان)
منتزعا بملاحظة اتصافه بعرض من الاعراض كما في الأسود والأبيض والقائم والقاعد
ونحو ذلك مما كان مبدأ الاشتقاق فيه هو من الأمور الحقيقة المتأصلة التي بحذائها
شيء في الخارج غير معروضها وان كان وجودها هو في ضمن وجود معرضها وكان من المحمول
بالضميمة (فهذا النحو) من العنوان الكلي المتحد مع المستصحب وجوداً مما لا يثبت
بثبوت المستصحب ولا يترتب عليه أثره.
(وقد أفاد في وجه
التفصيل) ما حاصله أن الأثر في الصورتين الأوليين إنما يكون لنفس المستصحب واقعاً
حيث لا يكون بحذاء ذلك العنوان الكلي المتحد مع المستصحب وجوداً شيء آخر في الخارج
غير المستصحب فإن الطبيعي عين وجود فرده والعرضي مما لا وجود له الا لمنشإ انتزاعه
وهذا بخلاف الصورة الأخيرة كما في الأسود والأبيض والقائم والقاعد ونحو ذلك فإن
الأثر فيها ليس لنفس المستصحب واقعا بل لما هو من أعراضه وهو السواد والبياض
والقيام والقعود ونحو ذلك.
(أقول)
(أما ما ادعاه
الشيخ) أعلى الله مقامه من عدم الفرق في اللازم العادي أو العقلي بين كونه مبايناً
مع المستصحب رأساً أو متحداً معه وجودا بحيث لا يتغايران إلا مفهوما (فهو بهذا)
الإطلاق مما لا يخلو عن مسامحة وأشد منه مسامحة تمثيله للمتحد معه وجوداً بالمثال
المتقدم فإن كرية الماء الباقي في الحوض غير بقاء الكر في الحوض وان كانا متلازمين
وجودا.
(وأما ما ذهب إليه
المصنف) من التفصيل في المتحد مع المستصحب وجوداً على النحو المتقدم آنفا (فهو
أيضا) مما لا يخلو عن مسامحة فإنا إذا استصحبنا مثلا زيداً فيثبت به مثل عنوان
الضاحك والماشي والكاتب بالقوة مع كونه من العناوين المحمولة بالضميمة ولا يثبت به
مثل عنوان الوالي أو القاضي أو الوصي فيما علم انه لو كان باقيا لكان واليا أو
قاضيا أو وصياً مع كونها من خارج المحمول لا المحمول بالضميمة.
(وعليه فالحق في
التفصيل) في العنوان الكلي المتحد مع المستصحب وجوداً أن يقال إن العنوان المتحد
معه وجوداً (ان كان) مما لا يمكن زواله عنه سواء كان منتزعاً عن مرتبة ذاته كما في
الحيوان والإنسان والناطق أو بملاحظة اتصافه بعرض كالضاحك والماشي والكاتب بالقوة
أو عرضي كالمتأخر عن آبائه أو السابق على أولاده فهذا مما يثبت بثبوت المستصحب من
دون حاجة إلى استصحاب العنوان المتحد معه أصلا.
(واما إذا كان)
مما يقبل الزوال عنه كما في العالم والعادل أو الوالي والقاضي سواء كان ذلك ثابتاً
للمستصحب من الأول أو علم انه لو كان باقياً إلى الآن لكان عالماً أو عادلا أو
والياً أو قاضياً فهذا مما لا يثبت بثبوت المستصحب أصلا غير انه لو كان ثابتاً
للمستصحب من الأول فهو بنفسه قابل للاستصحاب دون الثاني فتأمل جيداً.
(قوله وذلك لأن
الطبيعي انما يوجد بعين وجود فرده كما ان العرضي كالملكية والغصبية ونحوهما لا
وجود له إلّا بمعنى وجود منشأ انتزاعه ... إلخ)
علة لقوله فإن
الأثر في الصورتين انما يكون له حقيقة ... إلخ.
(فقوله) لأن
الطبيعي انما يوجد بعين وجود فرده علة لكون الأثر للمستصحب حقيقة في الصورة
الأولى.
(وقوله) كما ان
العرضي كالملكية والغصبية ونحوهما لا وجود له إلّا بمعنى وجود منشأ انتزاعه علة
لذلك في الصورة الثانية من الصورتين.
(قوله فاستصحابه
لترتيبه لا يكون بمثبت كما توهم ... إلخ)
قد ظهر لك مما تقدم
ان المقصود من المتوهم هو الشيخ أعلى الله مقامه فإنه الّذي اقتضى إطلاق عبارته
المتقدمة أن يكون استصحاب الفرد أو منشأ الانتزاع لترتيب أثر العنوان المتحد معه
وجودا مثبتاً لا يترتب عليه أثره.
(قوله وكذا لا تفاوت
في الأثر المستصحب ... إلخ)
(وحاصله) انه لا فرق
في الأثر المستصحب أو المترتب على المستصحب (بين ان يكون) حكماً مجعولا بنفسه
كالتكليف وبعض أنحاء الوضع كالحجية والقضاوة والولاية وغير ذلك مما تقدم تفصيله
قبل الشروع في التنبيهات (أو يكون) حكما مجعولا بجعل منشأ انتزاعه كبعض آخر من
أنحاء الوضع كالجزئية أو الشرطية أو المانعية أو القاطعية لما هو جزء المأمور به
أو شرطه أو مانعة أو قاطعه على ما تقدم أيضا تفصيله (وبعبارة أخرى) لا تفاوت في
الأثر المستصحب أو المترتب على المستصحب بين ان يكون حكماً مجعولا استقلالا أو
مجعولا تبعاً فإن المجعول التبعي امره بيد الشارع وضعاً ورفعاً كالاستقلالي عيناً
غايته ان وضع الاستقلالي ورفعه يكون بوضع نفسه ورفعه ووضع التبعي ورفعه يكون بوضع
منشأ انتزاعه ورفعه
(قوله فليس استصحاب
الشرط أو المانع لترتيب الشرطية أو المانعية بمثبت ... إلخ)
أي فليس استصحاب
مثل الطهارة أو النجاسة لترتيب الشرطية أو المانعية بمثبت فإن الشرطية أو المانعية
حكم مجعول شرعاً ولو تبعاً مترتب على الشرط أو المانع وليست هي امراً عقلياً أو
عادياً ليكون الاستصحاب مثبتاً بالنسبة إليها.
(قوله كما ربما توهم
بتخيل ان الشرطية أو المانعية ليست من الآثار الشرعية بل من الأمور الانتزاعية ...
إلخ)
الظاهر ان مقصوده
من المتوهم هو الشيخ أعلى الله مقامه فإنه الّذي ادعي ان الشرطية أو المانعية أو
الجزئية هي امر منتزع عن الأمر بالصلاة في حال الشرط أو من المنع عنها في حال
المانع أو من الأمر بالمركب (قال) عند نقل حجة القول السابع من أقوال الاستصحاب
وهو تفصيل الفاضل التوني كما تقدم قبلا (ما لفظه) وكذا الكلام في غير السبب فإن
شرطية الطهارة للصلاة ليست مجعولة بجعل مغاير لإنشاء وجوب الصلاة الواقعة حال
الطهارة وكذا مانعية النجاسة ليست إلا منتزعة من المنع عن الصلاة في النجس وكذا
الجزئية منتزعة من الأمر بالمركب (انتهى) وقد صرح قبل ذلك في موضعين آخرين بعدم
كون الجزئية امرا مجعولا شرعيا (قال) في الأقل والأكثر الارتباطيين بعد ما اختار
البراءة عن وجوب الجزء المشكوك أو وجوب الأكثر في ذيل الرد على بعض معاصريه الّذي
عدل عن البراءة عن الحكم التكليفي إلى الوضعي أي جزئية الجزء المشكوك (ما لفظه)
ومنع كون الجزئية امراً مجعولا شرعياً غير الحكم التكليفي وهو إيجاب المركب
المشتمل على ذلك الجزء (انتهى) (وقال) أيضاً في التنبيه على أمور متعلقة بالجزء أو
الشرط في مسألة ترك الجزء سهواً (ما لفظه) إن جزئية السورة ليست من الأحكام
المجعولة لها شرعاً بل هي ككلية الكل وإنما المجعول الشرعي وجوب الكل (انتهى).
(قوله فافهم ... إلخ)
ولعله إشارة إلى
ما يحتمل في المقام من ان مراد الشيخ أعلى الله مقامه من نفي كون الشرطية أو
المانعية أو الجزئية مجعولة شرعاً هو نفي مجعوليتها استقلالا وان مراده من انتزاع
الشرطية من الأمر بالصلاة في حال الشرط أو المانعية من النهي عن الصلاة في النجس
أو الجزئية من الأمر بالمركب هو جعلها تبعاً لجعل التكليف فيتحد حينئذ معناه مع ما
أفاده المصنف عينا.
(قوله وكذا لا تفاوت
في المستصحب أو المترتب ... إلخ)
أي لا فرق أيضاً
في المستصحب أو المترتب على المستصحب بين ان يكون هو ثبوت الأثر ووجوده أو نفيه
وعدمه (وقد استند) في ذلك إلى أمرين بل إلى أمور.
(منها) أن نفي
الأثر وعدمه أمره بيد الشارع كأمر ثبوته ووجوده وهذا المقدار مما يكفي في صحة
الاستصحاب.
(ومنها) ان عدم
إطلاق الحكم على نقي الأثر غير ضائر إذ لا دليل هناك على اعتبار ذلك في الاستصحاب
بل سيأتي منه قريباً إطلاق الحكم المجعول عليه بمجرد كون أمره بيد الشارع كثبوته
ووجوده.
(ومنها) صدق نقض
اليقين بالشك على رفع اليد عنه كصدقه على رفع اليد عن ثبوته ووجوده.
(أقول)
والأولى من الجميع
أن يقال كما تقدم قبلا غير مرة انه لا دليل على اعتبار كون المستصحب أثراً مجعولا
أو ذا أثر مجعول سوى ما استقل به العقل من أن المستصحب إذا لم يكن كذلك كان التعبد
بالبقاء لغوا جداً ومن المعلوم ان اللغوية كما تندفع بالتعبد بثبوت حكم شرعي أو
بموضوع مترتب عليه حكم شرعي فكذلك تندفع بالتعبد بنفي حكم شرعي أو بنفي موضوع
مترتب عليه نفي حكم شرعي.
(قوله فلا وجه للإشكال
في الاستدلال على البراءة باستصحاب البراءة من التكليف وعدم المنع عن الفعل بما في
الرسالة ... إلخ)
(قال الشيخ) أعلى
الله مقامه بعد الفراغ عن الأدلة الأربعة التي استدل بها للبراءة (ما لفظه) وقد
يستدل على البراءة بوجوه غير ناهضة منها استصحاب البراءة المتيقنة حال الصغر أو
الجنون إلى ان أورد أعلى الله مقامه على هذا الوجه الأول إيراداً طويلا مضطرباً
جداً (وملخصه) كما تقدم في أصل البراءة بعد التدبر التام فيه ان المستصحب هو أحد
أمور ثلاثة إما براءة الذّمّة أو عدم المنع من الفعل أو عدم استحقاق العقاب عليه
ولا أثر للمستصحبات المذكورة سوى أمرين عدم ترتب العقاب على الفعل في الآخرة
والإذن والترخيص في الفعل أما عدم ترتب العقاب عليه في الآخرة فليس من اللوازم
المجعولة الشرعية لتلك المستصحبات المذكورة كي يحكم به في الظاهر وأما الإذن
والترخيص في الفعل فهو من المقارنات لتلك المستصحبات فهو نظير إثبات وجود أحد
الضدين بنفي الآخر بأصالة العدم نعم لو كان اعتبار الاستصحاب من باب الظن وكان من
الأمارات أو قلنا بالأصل المثبت صح التمسك به حينئذ لإثبات اللازم وإن لم يكن
شرعياً أو لإثبات المقارن وان لم تكن الملازمة شرعية (هذا ملخص) كلام الشيخ أعلى
الله مقامه.
(واما المصنف)
فيقول في جوابه ما حاصله ان عدم ترتب العقاب في الآخرة وإن لم يكن من اللوازم
المجعولة الشرعية حتى يحكم به الشارع في الظاهر ولكن عدم المنع من الفعل بنفسه أمر
قابل للاستصحاب من دون حاجة إلى ترتب أثر مجعول عليه وذلك لما عرفت آنفا من عدم
التفاوت في المستصحب أو المترتب على المستصحب بين أن يكون هو ثبوت الحكم ووجوده أو
عدمه ونفيه فإذا استصحب عدم المنع من الفعل رتب عليه قهرا عدم ترتب العقاب في
الآخرة فإنه وإن كان لازماً عقلياً له ولكنه لازم مطلق لعدم المنع ولو في الظاهر
وستعرف شرح ذلك في التنبيه الآتي من ان اللازم العقلي أو العادي إنما لا يثبت
بالاستصحاب إذا كان
لازماً للمستصحب
واقعاً واما إذا كان لازماً له ولو في الظاهر فهذا مما يثبت به بلا كلام فانتظر
يسيراً.
(قوله فتأمل ... إلخ)
ولعله إشارة إلى
الفرق بين المقام وبين ما سيأتي في التنبيه الآتي فإن الّذي سيأتي فيه هو ثبوت
اللازم المطلق لوجود الأثر الشرعي لا لعدم الأثر الشرعي كعدم المنع من الفعل
ونحوه.
في اللازم المطلق
(قوله التاسع انه لا
يذهب عليك ان عدم ترتب الأثر الغير الشرعي ولا الشرعي بواسطة غيره من العادي أو
العقلي ... إلخ)
وحاصل الكلام في
هذا التنبيه ان ما تقدم من عدم ثبوت اللازم العادي أو العقلي ولا الأثر الشرعي
المترتب عليه انما هو في اللازم العادي أو العقلي للمستصحب واقعاً لا اللازم
المطلق له ولو في الظاهر أي سواء كان لوجوده الواقعي أو الظاهري (والسر فيه) ان
ثبوت اللازم الواقعي للمستصحب يحتاج إلى أحد أمرين.
(إما تحقق
المستصحب واقعاً) ولم يتحقق سوى وجوده ظاهراً.
(وإما سراية
التعبد) والتنزيل من المستصحب إلى لازمه العادي أو العقلي ولم يثبت بأخبار
الاستصحاب أكثر من تنزيل نفس المستصحب وحده بلحاظ ما له من الأثر الشرعي دون
العادي أو العقلي (وهذا بخلاف) اللازم المطلق للمستصحب فإنه مما يثبت بلا حاجة إلى
تنزيل نفس اللازم أصلا فإن ملزومه عبارة عن وجود المستصحب مطلقا ولو في الظاهر وقد
تحقق فيترتب عليه قهراً (وعليه) فإذا ثبت الحكم الشرعي سواء كان بخطاب الاستصحاب
بأن استصحب أو كان من آثار المستصحب أو بغير خطاب الاستصحاب من أنحاء الخطاب مما
يعتبر شرعاً ثبت اثره الشرعي لو
كان له أثر كذلك
مترتب عليه بنذر وشبهه كما تقدم التمثيل له في صدر التنبيه السابع وثبت أيضا اثره
العقلي المطلق من وجوب الموافقة وحرمة المخالفة واستحقاق العقوبة.
(قوله أو بواسطة أثر
شرعي آخر ... إلخ)
وقد مثلنا له فيما
تقدم في صدر التنبيه السابع بوجوب التصدق بدرهم أو بدرهمين المترتب على حرمة
المائع الخارجي بنذر وشبهه فإذا استصحب خمرية المائع الخارجي ورتب عليه اثره
الشرعي وهو الحرمة ثبت اثره الشرعي الّذي كان له بوساطة هذا الأثر أيضاً وهو وجوب
التصدق بدرهم أو بدرهمين.
(قوله حسبما عرفت فيما
مرّ ... إلخ)
قد مرّت الإشارة
من المصنف في صدر التنبيه السابع إلى الأثر الشرعي الّذي كان للمستصحب بوساطة أثر
شرعي آخر بقوله كما لا شبهة في ترتيب ما للحكم المنشأ بالاستصحاب من الآثار
الشرعية والعقلية ... إلخ كما انه قد أشار إلى اللازم المطلق بقوله والعقلية وقد
أشرنا نحن إلى ذلك كله هناك فلا تغفل.
(قوله لا بالنسبة إلى
ما كان للأثر الشرعي مطلقاً ... إلخ)
كان الأنسب أن
يقول لا بالنسبة إلى ما للمستصحب مطلقاً ولو ظاهراً.
(قوله فما للوجوب عقلا
يترتب على الوجوب الثابت شرعاً باستصحابه أو استصحاب موضوعه ... إلخ)
أي فما للوجوب من
اللازم العقلي المطلق من وجوب الموافقة وحرمة المخالفة واستحقاق العقوبة هو مما يترتب
على الوجوب المستصحب أو الوجوب المترتب على المستصحب لا محالة كما انه مما يترتب
هو على الوجوب الثابت بغير الاستصحاب أيضا من أنحاء الخطاب مما يعتبر شرعا أو
عقلا.
في لزوم كون المستصحب حكماً شرعياً
أو ذا حكم شرعي
(قوله العاشر انه قد
ظهر مما مرّ لزوم أن يكون المستصحب حكماً شرعياً أو ذا حكم كذلك ... إلخ)
نعم قد ظهر لزوم
ذلك مما مرّ ولكن لم يظهر منه قدسسره وجه لزومه سوى ما ظهر منا قبلا من استقلال العقل بذلك
نظراً إلى أن المستصحب إن لم يكن حكماً شرعياً ولا موضوعاً ذا حكم شرعي كان التعبد
به من الشارع لغواً جداً فتأمل جيداً
(قوله لكنه لا يخفى
انه لا بد أن يكون كذلك بقاء ولو لم يكن كذلك ثبوتاً ... إلخ)
أي لكنه لا يخفى
انه لا بد أن يكون المستصحب حكماً شرعياً أو موضوعاً ذا حكم شرعي ولو بقاء أي عند
الشك فيه لا حدوثاً أي عند اليقين به وذلك لصدق نقض اليقين بالشك على رفع اليد عما
تيقن به مطلقاً ولو كان حكماً أو موضوعاً ذا حكم بقاء لا حدوثاً.
(وقد مثّل المصنف)
للأول باستصحاب عدم التكليف فإنه في الأزل لم يكن حكماً مجعولا ولكنه عند الشك في
التكليف هو حكم مجعول شرعاً نظراً إلى كون امر بقائه ورفعه بيد الشارع فعلا كما هو
الحال في وجود التكليف عيناً (هذا) ولكن لا يخفى ان ذلك مناف لما تقدم منه آنفاً
من قوله وعدم إطلاق الحكم على عدمه يعني عدم الأثر غير ضائر (ثم إنه) قدسسره لم يمثل للثاني أي لاستصحاب موضوع لم يكن له حكم شرعي
حدوثاً وكان له حكم كذلك بقاء ولعله لوضوحه فإذا فرض مثلا أن اجتهاد زيد لم يكن ذا
أثر شرعي عند اليقين به
ولكن فعلا لو كان
باقياً له أثر شرعي بأن صدر أمر من الشارع بعداً بتقليد المجتهد فيصح حينئذ
استصحابه وترتيب الأثر عليه شرعاً.
(قوله والعمل كما إذا
قطع بارتفاعه يقيناً ... إلخ)
عطف على رفع اليد
عنه أي وذلك لصدق نقض اليقين بالشك على رفع اليد عنه والعمل بنحو كأنه قطع بارتفاع
يقيناً.
(قوله ووضوح عدم دخل
أثر الحالة السابقة ثبوتاً فيه ... إلخ)
عطف على صدق نقض
اليقين أي وذلك لصدق نقض اليقين بالشك ولوضوح عدم دخل أثر الحالة السابقة حدوثاً
فيه.
(قوله من اعتبار كون
المستصحب حكماً أو ذا حكم ... إلخ)
متعلق بقوله
يتوهمه أي يتوهمه من اعتبار كون المستصحب حكماً أو ذا حكم ... إلخ وليس هو متعلقاً
بالغافل فلا تغفل.
في الشك في التقدم والتأخر وبيان
المقام الأول منه
(قوله الحادي عشر لا
إشكال في الاستصحاب فيما كان الشك في أصل تحقق حكم أو موضوع وأما إذا كان الشك في
تقدمه وتأخره بعد القطع بتحققه وحدوثه في زمان فإنه لوحظ بالإضافة إلى أجزاء
الزمان ... إلخ)
(لا إشكال) في جريان الاستصحاب إذا شك
في أصل حدوث الحادث حكماً كان أو موضوعاً ذا حكم (وأما إذا شك) في تقدمه وتأخره
بعد العلم بتحقق أصله (فتارة) يلاحظ تقدمه وتأخره بالنسبة إلى أجزاء الزمان كما
إذا علم ان زيداً ميت لا محالة ولم يعلم أنه مات يوم الخميس أو مات يوم الجمعة.
(وأخرى) يلاحظ
تقدمه وتأخره بالنسبة إلى حادث آخر قد عليم بحدوثه أيضاً كما إذا علم بموت
متوارثين على التعاقب ولم يعرف المتقدم منهما عن المتأخر (فهاهنا) مقامان من
الكلام.
(اما المقام
الثاني) فسيأتي الكلام فيه عند قول المصنف وإن لوحظ بالإضافة إلى حادث آخر ...
إلخ.
(وأما المقام
الأول) فحاصل الكلام فيه انه لا إشكال في استصحاب عدم تحقق الحادث في الزمان الأول
وترتيب آثار عدمه لا آثار تأخره عن الزمان الأول ولا آثار حدوثه في الزمان الثاني
فإنه بالنسبة إلى عنواني التأخر والحدوث مثبت ولا عبرة بالأصل المثبت كما عرفت
تفصيله في التنبيه السابع (إلّا بدعوى) خفاء الواسطة (أو بدعوى) عدم التفكيك بين
تنزيل عدم تحققه في الزمان الأول وتنزيل تأخره عنه أو حدوثه في الزمان الثاني وقد
أشار الشيخ أعلى الله مقامه إلى خصوص الدعوى الأولى فقط دون الثانية (قال) فإذا شك
في مبدأ موت زيد مع القطع بكونه يوم الجمعة ميتاً فحياته قبل الجمعة الثابتة
بالاستصحاب مستلزمة عقلا لكون مبدأ موته يوم الجمعة وحيث تقدم في الأمر السابق انه
لا يثبت بالاستصحاب بناء على العمل به من باب الاخبار لوازمه العقلية فلو ترتب على
حدوث موت زيد في يوم الجمعة لا على مجرد حياته قبل الجمعة حكم شرعي لم يترتب على
ذلك نعم لو قلنا باعتبار الاستصحاب من باب الظن أو كان اللازم العقلي من اللوازم
الخفية جرى فيه ما تقدم ذكره آنفاً (انتهى) موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه.
(قوله نعم لا بأس
بترتيبها بذلك الاستصحاب بناء على انه عبارة عن أمر مركب من الوجود في الزمان
اللاحق وعدم الوجود في السابق ... إلخ)
أي لا بأس بترتيب
آثار حدوثه في الزمان الثاني باستصحاب عدم تحققه في الزمان الأول بناء على ان
الحدوث أمر مركب من الوجود في الزمان اللاحق وهو محرز بالوجدان وعدم الوجود في
الزمان السابق وهو محرز بالاستصحاب فيثبت به
الحدوث (وقد أشار
إليه الشيخ) أعلى الله مقامه واتخذه المصنف منه (قال) وتحقيق المقام وتوضيحه أن
تأخر الحادث قد يلاحظ بالقياس إلى ما قبله من أجزاء الزمان كالمثال المتقدم فيقال
الأصل عدم موت زيد قبل الجمعة فيترتب عليه جميع الأحكام ذلك العدم لا أحكام حدوثه
يوم الجمعة إذ المتيقن بالوجدان تحقق الموت يوم الجمعة لا حدوثه إلّا ان يقال ان
الحدوث هو الوجود المسبوق بالعدم وإذا ثبت بالأصل عدم الشيء سابقاً وعلم بوجوده
بعد ذلك فوجوده المطلق في الزمان اللاحق إذا انضم إلى عدمه قبل ذلك الثابت بالأصل
تحقق مفهوم الحدوث (انتهى).
في المقام الثاني من الشك في التقدم والتأخر
وبيان مجهولي التاريخ منه
(قوله وإن لوحظ
بالإضافة إلى حادث آخر علم بحدوثه أيضاً وشك في تقدم ذاك عليه وتأخره عنه ... إلخ)
إشارة إلى المقام
الثاني من الشك في التقدم والتأخر وهو ما إذا لوحظ تقدم الحادث وتأخره بالنسبة إلى
حادث آخر قد علم بحدوثه أيضا كما إذا علم بموت متوارثين على التعاقب ولم يعرف
المتقدم منهما عن المتأخر (وهاهنا) موضعان من الكلام.
(الموضع الأول) ما
إذا كان كل من الحادثين مجهول التاريخ (وقد أشار إليه المصنف) بقوله الآتي فإن
كانا مجهولي التاريخ ... إلخ.
(والموضع الثاني)
ما إذا كان أحدهما معلوم التاريخ والآخر مجهول التاريخ (وقد أشار إليه المصنف)
بقوله الآتي وأما لو علم بتاريخ أحدهما ... إلخ.
(أما الموضع
الثاني) فسيأتي الكلام فيه.
(وأما الموضع
الأول) (فقد قال فيه الشيخ) أعلى الله مقامه (ما لفظه) فإن جهل تاريخهما فلا يحكم
بتأخر أحدهما المعين عن الآخر لأن التأخر في نفسه ليس مجري الاستصحاب لعدم
مسبوقيته باليقين واما أصالة عدم أحدهما في زمان حدوث الآخر فهي معارضة بالمثل
وحكمه التساقط مع ترتب الأثر على كل واحد من الأصلين وسيجيء تحقيقه إن شاء الله
تعالى يعني به في تعارض الاستصحابين (ثم قال) وهل يحكم بتقارنهما في مقام يتصور
التقارن لأصالة عدم كل منهما قبل وجود الآخر وجهان من كون التقارن امراً وجودياً
لازماً لعدم كون كل منهما قبل الآخر ومن كونه من اللوازم الخفية حتى كاد يتوهم انه
عبارة عن عدم تقدم أحدهما على الآخر في الوجود (انتهى) كلامه رفع مقامه.
(واما المصنف) فقد
أطال الكلام فيه (وملخصه) ان الأثر الشرعي في مجهولي للتاريخ.
(تارة) يكون لتقدم
أحدهما أو لتأخره أو لتقارنه بنحو مفاد كان التامة (وقد أشار إليه) بقوله فتارة
كان الأثر الشرعي لوجود أحدهما بنحو خاص من التقدم أو التأخر أو التقارن ... إلخ.
(وأخرى) يكون
للحادث المتصف بالتقدم أو التأخر أو التقارن بنحو مفاد كان الناقصة (وقد أشار إليه)
بقوله واما إن كان مترتبا على ما إذا كان متصفاً بالتقدم أو بأحد ضديه ... إلخ.
(وثالثة) يكون
للعدم النعتيّ أي للحادث المتصف بالعدم في زمان حدوث الآخر بنحو مفاد كان الناقصة (وقد
أشار إليه) بقوله فالتحقيق انه أيضاً ليس بمورد للاستصحاب فيما كان الأثر المهم
مترتبا على ثبوته المتصف بالعدم في زمان حدوث الآخر ... إلخ.
(ورابعة) يكون
للعدم المحمولي أي لعدم أحدهما في زمان حدوث الآخر بنحو مفاد ليس التامة (وقد أشار
إليه) بقوله وكذا فيما كان مترتباً على نفس
عدمه في زمان
الآخر واقعاً ... إلخ فهاهنا صور أربع مستفادة كلها من كلام المصنف
(اما الصورة
الأولى) فقال فيها ما حاصله إن الأثر إذا كان لتقدم أحدهما أو لتأخره أو لتقارنه
دون الحادث الآخر ولا لهذا الحادث بجميع أنحائه فاستصحاب عدمه بنحو ليس التامة جار
بلا معارض لليقين السابق به والشك اللاحق فيه بخلاف ما إذا كان الأثر لتقدم كل
منهما أو لتأخر كل منهما أو لتقارن كل منهما أو كان لأحدهما بجميع أنحائه من
التقدم والتأخر والتقارن فإن الاستصحاب حينئذ يعارض
(واما الصورة
الثانية) وهي ما إذا كان الأثر مترتبا على الحادث المتصف بالتقدم أو التأخر أو
التقارن بنحو مفاد كان الناقصة (فقال) فيها بعدم جريان الاستصحاب أصلا ولو كان
الأثر مفروضاً في طرف واحد دون الآخر وذلك لعدم اليقين السابق فيه.
(وأما الصورة
الثالثة) وهي ما إذا كان الأثر للعدم النعتيّ أي للحادث المتصف بالعدم في زمان
حدوث الآخر بنحو مفاد كان الناقصة (فقال) فيها بعدم جريان الاستصحاب أيضا أي ولو
كان الأثر مفروضاً في طرف واحد دون الآخر وذلك لعدم اليقين السابق فيه كما في
الصورة الثانية عيناً (هذا) ولكن الظاهر انه لا وجه لعدم جريان الاستصحاب في هذه
الصورة فان الحادث كان متصفاً بالعدم من الأزل فيستصحب كونه كذلك بنحو مفاد كان
الناقصة إلى زمان حدوث الآخر بلا مانع عنه أصلا سوى المعارضة إذا كان الأثر
مفروضاً في كلا الطرفين.
(واما الصورة
الرابعة) التي هي عمدة الصور الأربع وهي ما إذا كان الأثر للعدم المحمولي أي لعدم
أحدهما في زمان حدوث الآخر (فقال) فيها بعدم جريان الاستصحاب لكن لا للمعارضة
بالمثل والتساقط كما أفاد الشيخ أعلى الله مقامه كي تختص المعارضة بما إذا كان
الأثر مفروضا في كلا الطرفين بل لاختلال أركان الاستصحاب من أصلها ولو كان الأثر
مفروضاً في طرف واحد دون الآخر (وذلك) لعدم إحراز اتصال زمان شكه بزمان يقينه فإذا
علم مثلا إجمالا بموت كل
من زيد وعمرو على
التعاقب وأنه مات أحدهما في يوم الخميس والآخر في يوم الجمعة ولم يعلم أن أيهما
مات في يوم الخميس وأيهما مات في يوم الجمعة فلا يستصحب عدم موت زيد من زمان
اليقين به وهو يوم الأربعاء إلى زمان موت عمرو لأن زمان الشك وهو زمان موت عمرو لم
يعلم انه هل هو يوم الخميس كي يكون متصلا بزمان اليقين أو أنه يوم الجمعة كي يكون
منفصلا عنه باتصال حدوث موت زيد به فإذا لم يحرز باتصال زمان الشك بزمان اليقين
فلا مجال للاستصحاب حينئذ (قال) حيث لم يحرز معه كون رفع اليد عن اليقين بعدم
حدوثه بهذا الشك من نقض اليقين بالشك ... إلخ (والظاهر) من قوله هذا وإن لم يصرح
به تصريحاً انه يحتمل حينئذ نقض اليقين باليقين فإن زمان الشك وهو زمان موت عمرو
إذا كان يوم الجمعة وكان منفصلا عن زمان اليقين وهو يوم الأربعاء فقد تخلل بينهما
موت زيد المعلوم بالإجمال فإذا احتمل تخلل المعلوم بالإجمال احتمل تخلل العلم قهرا
فإن العلم تابع للمعلم إذ حيثما كان المعلوم كان العلم هناك فإذا احتمل تخلل العلم
احتمل نقض اليقين باليقين فتكون الشبهة مصداقية فلا يجري الاستصحاب أصلا.
(قوله كما إذا علم
بعروض حكمين ... إلخ)
أي في موضوع واحد
ولم يعرف السابق من اللاحق كي يكون العمل على اللاحق الناسخ لا على السابق
المنسوخ.
(قوله فإن كانا مجهولي
التاريخ ... إلخ)
إشارة إلى الموضع
الأول من المقام الثاني وأما الموضع الثاني فسيأتي الإشارة إليه كما نبهنا قبلا
بقوله وأما لو علم بتاريخ أحدهما ... إلخ فانتظر.
(قوله فتارة كان الأثر
الشرعي لوجود أحدهما بنحو خاص من التقدم أو التأخر أو التقارن ... إلخ)
إشارة إلى الصورة
الأولى من الصور الأربع المتقدمة كما أشرنا قبلا.
(قوله ولا له بنحو آخر
... إلخ)
كان الصحيح أن
يقول ولا له بجميع أنحائه فإن مجرد ثبوت الأثر للحادث بنحوين من أنحائه كالتقدم
والتأخر مما لا يوجب التعارض كما لا يخفى بل يجري أصالة عدم كل منهما بلا معارض
وإن لم يثبت بهما التقارن ويمكن استفادة ما ذكرناه من قوله الآتي أو لكل من أنحاء
وجوده فإنه حينئذ يعارض ... إلخ.
(قوله واما إن كان
مترتباً على ما إذا كان متصفاً بالتقدم أو بأحد ضديه ... إلخ)
إشارة إلى الصورة
الثانية من الصور الأربع المتقدمة كما نبهنا قبلا.
(قوله وأخرى كان الأثر
لعدم أحدهما في زمان الآخر ... إلخ)
هذا في قبال قوله
المتقدم فتارة كان الأثر الشرعي لوجود أحدهما بنحو خاص إلى آخره (ثم إن) هذه
العبارة جامعة بين الصورتين الأخيرتين من الصور الأربع المتقدمة أي العدم النعتيّ
والعدم المحمولي جميعا وسيفرزهما المصنف بعضهما عن بعض ويبين حكم كل منهما على
حدّه فانتظر يسيراً.
(قوله فالتحقيق انه
أيضا ليس بمورد للاستصحاب فيما كان الأثر المهم مترتبا على ثبوته المتصف بالعدم في
زمان حدوث الآخر ... إلخ)
إشارة إلى الصورة
الثالثة من الصور الأربع المتقدمة كما ذكرنا قبلا.
(قوله وكذا فيما كان
مترتباً على نفس عدمه في زمان الآخر واقعاً إلى آخره)
إشارة إلى الصورة
الرابعة من الصور الأربع المتقدمة كما بينا قبلا.
(قوله وان كان على
يقين منه في آن قبل زمان اليقين بحدوث أحدهما إلى آخره)
أي وان كان على
يقين من عدم أحدهما في آن قبل زمان اليقين بحدوث أحدهما
وهو في مثالنا
المتقدم يوم الأربعاء كما أن زمان اليقين بحدوث أحدهما هو يوم الخميس فلا تغفل.
(قوله وبالجملة كان
بعد ذاك الآن الّذي قبل زمان اليقين بحدوث أحدهما زمانان ... إلخ)
أي وبالجملة كان
بعد يوم الأربعاء في مثالنا المتقدم زمانان.
(أحدهما) يوم
الخميس وهو زمان حدوث أحدهما.
(والآخر) يوم
الجمعة وهو زمان حدوث الآخر الّذي يكون ظرفاً للشك في ان موت زيد في مثالنا
المتقدم هل هو حادث فيه أو في قبله.
(قوله لا يقال لا شبهة
في اتصال مجموع الزمانين بذاك الآن وهو بتمامه زمان الشك في حدوثه ... إلخ)
(وحاصل الإشكال)
انه لا شبهة في اتصال مجموع الزمانين وهو في مثالنا المتقدم يوم الخميس ويوم
الجمعة بذلك الآن الّذي هو قبل زمان اليقين بحدوث أحدهما أي يوم الأربعاء وأن
مجموع الزمانين هو زمان الشك في حدوث موت زيد فكيف يقال بعدم إحراز اتصال زمان شكه
بزمان يقينه (وحاصل الجواب) ان هذا إذا لوحظ موت زيد بالنسبة إلى أجزاء الزمان
فيستصحب عدم موت زيد من زمان اليقين به وهو الأربعاء إلى الخميس بل إلى بعض الجمعة
بلا مانع عنه واما إذا لوحظ بالنسبة إلى موت عمرو وكان هو الظرف للشك فلا شبهة في
تردده وعدم تعينه وعدم إحراز اتصاله بزمان اليقين فلا يستصحب عدم موت زيد من
الأربعاء إلى حين موت عمرو الغير المعلوم اتصاله بالأربعاء.
(قوله فانقدح انه لا
مورد هاهنا للاستصحاب لاختلال أركانه لا أنه مورده وعدم جريانه انما هو بالمعارضة
... إلخ)
أي فانقدح بما
تقدم كله انه لا مورد للاستصحاب في الصورة الرابعة وهي ما إذا كان الأثر للعدم
المحمولي أي لعدم أحدهما في زمان حدوث الآخر وذلك لاختلال
أركانه من ناحية
عدم إحراز اتصال زمان شكه بزمان يقينه لا للمعارضة بالمثل والتساقط كما أفاد الشيخ
أعلى الله مقامه كي يختص عدم الجريان بما إذا كان الأثر مفروضاً في كلا الطرفين لا
في طرف واحد.
(وبالجملة) لو كان
السبب لعدم جريان الاستصحاب هو المعارضة فلا مانع عن جريانه فيما إذا كان الأثر
مفروضاً في طرف واحد وأما إذا كان السبب لعدم جريانه هو عدم إحراز اتصال زمان الشك
بزمان اليقين فلا يكاد يجري الاستصحاب حتى فيما إذا كان الأثر مفروضاً في طرف واحد
لا في الطرفين.
إذا علم بتاريخ أحد الحادثين دون الآخر
(قوله واما لو علم
بتاريخ أحدهما ... إلخ)
إشارة إلى الموضع
الثاني من الحادث الملحوظ تقدمه وتأخره بالنسبة إلى حادث آخر وهو في قبال قوله
المتقدم فإن كانا مجهولي التاريخ الّذي قد أشار به إلى الموضع الأول (وحاصله) ان
الحادثين إذا كان أحدهما معلوم التاريخ والآخر مجهول التاريخ
(فتارة) يكون
الأثر مترتباً على تقدم أحدهما أو تأخره أو تقارنه بنحو مفاد كان التامة (وقد أشار
إليه) بقوله فلا يخلو أيضاً إما يكون الأثر المهم مترتباً على الوجود الخاصّ من
المقدم أو المؤخر أو المقارن ... إلخ.
(وأخرى) يكون
مترتباً على الحادث المتصف بالتقدم أو التأخر أو التقارن
(وثالثة) على
الحادث المتصف بالعدم في زمان حدوث الآخر (وقد أشار) إلى هاتين الصورتين إلى
الثانية والثالثة بقوله وإما يكون مترتبا على ما إذا كان متصفاً بكذا ... إلخ.
(ورابعة) على عدم
أحدهما في زمان حدوث الآخر (وقد أشار إليه) بقوله وإما يكون مترتباً على عدمه
الّذي هو مفاد ليس التامة في زمان الآخر ... إلخ فهاهنا صور أربع كما في الموضع
الأول عيناً.
(اما الصورة
الأولى) فقد حكم فيها بجريان استصحاب العدم أي عدم التقدم أو التأخر أو التقارن لو
لا المعارضة باستصحاب العدم في الطرف الآخر أو المعارضة باستصحاب العدم في نفس هذا
الطرف كما تقدم في الموضع الأول حرفاً بحرف (أما المعارضة) باستصحاب العدم في نفس
هذا الطرف فواضح فإن الأثر إذا كان لكل من تقدم هذا وتأخره وتقارنه فاستصحاب عدم
كل يعارض باستصحاب عدم الآخر (واما المعارضة) باستصحاب العدم في الطرف الآخر فكذلك
فان الآخر هب ان تاريخ حدوثه معلوم ولكن تقدمه على هذا أو تأخره عنه أو تقارنه معه
غير معلوم فالأصل عدمه إذا كان الأثر مفروضاً فيه أيضاً فيتعارضان الأصلان.
(واما الصورة
الثانية والثالثة) فقد حكم فيهما بعدم جريان الاستصحاب لعدم اليقين السابق بعد فرض
كون الأثر مترتباً على الحادث المتصف بكذا بنحو مفاد كان الناقصة كما في الثانية
والثالثة من الموضع الأول عيناً ولكنك قد عرفت منا هناك جريان الاستصحاب في الصورة
الثالثة كما انك قد عرفت وجهه أيضاً كما هو حقه فلا نعيد.
(واما الصورة
الرابعة) فقد حكم فيها بجريان استصحاب العدم في خصوص مجهول التاريخ من الحادثين
دون معلوم التاريخ (اما الجريان) في مجهول التاريخ فلأن زمان الشك حينئذ وهو زمان
حدوث معلوم التاريخ قد أحرز اتصاله بزمان اليقين وليس مردداً بين زمانين كي لا
يحرز اتصاله بزمان اليقين (واما عدم الجريان) في معلوم التاريخ فلعدم الشك فيه في
زمان أصلا فإنه قبل حدوثه المعلوم لنا وقته تفصيلا لا شك في انتفائه وبعده لا شك
في وجوده وهذا واضح.
(ثم إن الشيخ)
أعلى الله مقامه بعد ما اختار فيما كان أحد الحادثين معلوم التاريخ والآخر مجهول
التاريخ جريان أصالة العدم في خصوص مجهول التاريخ كما اختاره المصنف عينا وإن لم
يثبت بها تأخره عن معلوم التاريخ إلا على القول بالأصل
المثبت (قال ما
لفظه) ثم إنه يظهر من الأصحاب هنا قولان آخر ان.
(أحدهما) بجريان
الأصل في طرف مجهول التاريخ وإثبات تأخره عن معلوم التاريخ بذلك وهو ظاهر المشهور
وقد صرح بالعمل به الشيخ وابن حمزة والمحقق والعلامة والشهيدان وغيرهم في بعض
الموارد.
(منها) مسألة
اتفاق الوارثين على إسلام أحدهما في غرة رمضان واختلافهما في موت المورّث قبل
الغرة أو بعدها فإنهم حكموا بأن القول قول مدعي تأخر الموت
(إلى ان قال
الثاني) عدم العمل بالأصل وإلحاق صورة جهل تاريخ أحدهما بصورة جهل تاريخهما (انتهى)
موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه.
(قوله فلا يخلو أيضاً
إما يكون الأثر المهم مترتباً على الوجود الخاصّ من المقدم أو المؤخر أو المقارن
... إلخ)
إشارة إلى الصورة
الأولى من الصور الأربع المتقدمة للموضع الثاني كما أشرنا قبلا
(قوله وإما يكون
مترتبا على ما إذا كان متصفاً بكذا ... إلخ)
قد جمع بهذه
العبارة بين صورتين من الصور الأربع المتقدمة للموضع الثاني كما بينا قبلا بين
الصورة الثانية وهي ما كان الأثر مترتباً على الحادث المتصف بالتقدم أو التأخر أو
التقارن وبين الصورة الثالثة وهي ما كان الأثر مترتباً على الحادث المتصف بالعدم
في زمان حدوث الآخر.
(قوله وإما يكون
مترتبا على عدمه الّذي هو مفاد ليس التامة في زمان الآخر ... إلخ)
إشارة إلى الصورة
الرابعة من الصور الأربع المتقدمة للموضع الثاني كما نبهنا قبلا.
(قوله وقد عرفت جريانه
فيهما تارة وعدم جريانه كذلك أخرى إلى آخره)
أي قد عرفت جريان
الاستصحاب في الحادثين.
(تارة) يعني
جريانه فيهما في الجملة كما في الصورة الأولى من الموضعين مما
كان الأثر لتقدم
أحدهما أو لتأخره أو لتقارنه لا للآخر ولا له بجميع أنحائه وفي الصورة الرابعة من
الموضع الثاني مما كان الأثر لعدم أحدهما في زمان حدوث الآخر وكان الآخر معلوم
التاريخ (كما أنك قد عرفت) أيضاً عدم جريان الاستصحاب في الحادثين.
(أخرى) وذلك كما
في الصورة الثانية والثالثة من الموضعين جميعاً وفي الصورة الرابعة من الموضع
الأول دون الموضع الثاني فتأمل جيداً.
(قوله فانقدح انه لا
فرق بينهما كان الحادثان مجهولي التاريخ أو كانا مختلفين ولا بين مجهوله ومعلومه
في المختلفين ... إلخ)
أي فانقدح بما
تقدم انه لا فرق بين الحادثين سواء كانا مجهولي التاريخ أو كانا مختلفين ولا بين
مجهوله ومعلومه في المختلفين في الصورة الثانية والثالثة أصلا وهي ما كان الأثر
مترتباً على الحادث المتصف بالتقدم أو التأخر أو التقارن أو المتصف بالعدم في زمان
الآخر وذلك لعدم اليقين السابق فيه كما تقدم.
في تعاقب الحالتين
(قوله كما انقدح انه
لا مورد للاستصحاب أيضاً فيما تعاقب حالتان متضادتان كالطهارة والنجاسة ... إلخ)
الفرق بين
الحادثين المعلوم تحققهما بالإجمال وبين الحالتين المتعاقبتين ان الحادثين لا
يعرضان لمحل واحد كموت المتوارثين ونحوه والحالتان المتعاقبتان تعرضان لمحل واحد
كما إذا علم ان ثوبه كان طاهراً في ساعة حين ملاقاته للكر وكان نجساً في ساعة أخرى
حين ملاقاته للبول ولم يعلم أي الحالتين كان سابقا وأيهما كان لا حقاً أو علم انه
كان متطهراً في ساعة حين ما توضأ وكان محدثاً في ساعة أخرى حين ما بال ولم يعلم أي
الحالتين كان مقدماً وأيهما كان مؤخراً (هذا) مضافاً إلى أن الكلام
في الحادثين يقع
في استصحاب عدم أحدهما إلى حال حدوث الآخر وهاهنا يقع الكلام في استصحاب وجود
إحداهما إلى الحال الحاضر (وعلى كل حال) يقول المصنف قد انقدح مما تقدم كله حال
الاستصحاب في المقام فكما ان هناك أعني في مجهولي التاريخ لم يستصحب عدم أحدهما
إلى زمان حدوث الآخر لعدم إحراز اتصال زمان الشك بزمان اليقين على التقريب المتقدم
لك شرحه فكذلك في المقام لا يستصحب وجود إحدى الحالتين إلى الحال الحاضر لكن لعدم
إحراز اتصال زمان اليقين بزمان الشك لا زمان الشك بزمان اليقين فمثلا إذا أردنا
استصحاب حالة الطهارة الخبثية أو الحدثية فإن كانت لاحقة فقد اتصل زمان اليقين
بزمان الشك الحاضر وإن كانت سابقة فقد انفصل عنه وتخلل بينهما حالة النجاسة أو
حالة الحدث المعلومة بالإجمال وهكذا الأمر إذا أردنا استصحاب حالة النجاسة أو حالة
الحدث
(أقول)
والظاهر انه لا
فرق في المقام في عدم جريان استصحاب إحدى الحالتين بين ان كانتا مجهولتي التاريخ
جميعاً أو كانت إحداهما معلومة التاريخ دون الأخرى فإن معلوم التاريخ وان كان
تاريخ حدوثه معلوماً لنا ولكن اتصاله بزمان الشك الحاضر غير معلوم لنا لاحتمال
انفصاله عنه وتخلل المجهول تاريخه بينهما المعلوم تحققه بالإجمال (وهكذا الأمر) في
عدم جريان الاستصحاب على مسلك المعارضة أيضاً فإن تاريخ حدوث المعلوم تاريخه وإن
كان معلوماً لنا ولكن بقائه إلى الحال الحاضر مشكوك لنا لاحتمال تحقق المجهول
تاريخه بعده فيستصحب المعلوم تاريخه ويعارض استصحابه باستصحاب المجهول تاريخه
فيرجع إلى قاعدة الطهارة في مثال الطهارة والنجاسة وإلى قاعدة الاشتغال في مثال
الطهارة والحدث فيتوضأ للصلاة ولسائر ما يشترط بالطهارة الحدثية (ولعل) من هنا لم
يؤشر المصنف إلى التفصيل في المقام أصلا ويظهر منه عدم جريان الأصل فيه مطلقاً (هذا
ولكن يظهر) من بعض كلمات الشيخ أعلى الله مقامه ان حال الحالتين المتعاقبتين هي
كحال الحادثين
المعلوم تحققهما
إجمالا حيث جعل مسألة اشتباه تقدم الطهارة أو الحدث في رديف مسألة اشتباه الجمعتين
واشتباه موت المتوارثين ومسألة اشتباه تقدم رجوع المرتهن عن الإذن في البيع على
وقوع البيع أو تأخره عنه وغير ذلك وهو لا يخلو عن مسامحة وسرّه يظهر لك مما تقدم آنفاً
في وجه عدم الفرق هنا بين أن كانت الحالتان مجهولتي التاريخ جميعاً أو كانت
إحداهما معلومة التاريخ دون الأخرى (وكيف كان) الحق هو عدم جريان الاستصحاب في
الحالتين المتعاقبتين مطلقاً سواء كانتا مجهولتي التاريخ جميعاً أو كانت إحداهما
معلومة التاريخ دون الأخرى (والظاهر) أنه المشهور بين الأصحاب كما عن غير واحد وفي
المسألة أقوال أخر أربعة (وهو الأخذ بضد الحالة السابقة) على الحالتين إن كانت
معلومة لنا وهو المنسوب إلى المحقق الثاني وجماعة بل وإلى المحقق الأول أيضاً في
المعتبر (والأخذ بوفق الحالة السابقة) على الحالتين إن كانت معلومة لنا وهو الّذي
اختاره العلامة في المختلف وصرح بمصيره إليه في أكثر كتبه (والتفصيل) بين ما لو
جهل تاريخهما فكالمشهور وبين ما لو علم تاريخ إحداهما فيحكم بتأخر الحالة المجهولة
تاريخهما عن المعلومة تاريخهما وذلك لأصالة تأخر الحادث وهو المنصوب إلى بعض
متأخري المتأخرين بل وإلى منظومة الطباطبائي أيضاً (أو يحكم) بإجراء الاستصحاب في
المعلومة تاريخها دون المجهولة لعدم اتصال الشك فيها باليقين وهو الّذي اختاره
صاحب العروة رحمهالله وقد ذكرنا تفصيل هذه الأقوال كلها مع ما فيها من النقض
والإبرام جميعاً في الفقه في أحكام الوضوء في كتابنا الموسوم بالفروع المهمة في
أحكام الأمة فراجع إن شئت وتدبر.
(قوله وشك في ثبوتهما
وانتفائهما للشك في المقدم والمؤخر منهما إلى آخره)
أي وشك في ثبوت كل
من الطهارة والنجاسة فعلا وانتفائه كذلك للشك في المقدم منهما والمؤخر.
(قوله وانه ليس من
تعارض الاستصحابين ... إلخ)
وذلك لما عرفت من
اختلال أركان الاستصحاب من أصلها لعدم إحراز اتصال زمان اليقين بزمان الشك واحتمال
تخلل الحالة والأخرى المعلومة بالإجمال بينهما فإذا احتمل تخلل المعلوم احتمل تخلل
العلم قهراً فإن العلم تابع للمعلوم وإذا احتمل تخلل العلم احتمل نقض اليقين
باليقين فتكون الشبهة مصداقية فلا يجري الاستصحاب أصلا.
في استصحاب الأمور الاعتقادية
(قوله الثاني عشر انه
قد عرفت أن مورد الاستصحاب لا بد أن يكون حكماً شرعياً أو موضوعاً لحكم كذلك فلا
إشكال فيما كان المستصحب من الأحكام الفرعية أو الموضوعات الصرفة الخارجية أو
اللغوية إذا كانت ذات أحكام شرعية ... إلخ)
الغرض من عقد هذا
التنبيه الثاني عشر هو تحقيق حال الاستصحاب في الأمور الاعتقادية غير أنه شرع في
تحقيقه تدريجاً (وعلى كل حال) حاصل مقصوده من هذه العبارة انك قد عرفت في التنبيه
العاشر ان المستصحب لا بد وأن يكون حكماً شرعياً أو موضوعا ذا حكم شرعي (وعليه)
فلا إشكال فيما كان المستصحب حكماً من الأحكام الشرعية كوجوب صلاة الجمعة أو
موضوعاً صرفاً خارجياً إذا كان ذا حكم شرعي كخمرية المائع الخارجي أو موضوعاً
لغوياً إذا كان كذلك أي ذا حكم شرعي كاستصحاب كون الصعيد حقيقة في مطلق وجه الأرض
إذا شك في كونه كذلك عند نزول الآية أعني آية التيمم وقد كان له حالة سابقه كذلك (ولكن)
لا يخفى ان استصحاب ذلك مما يبتني على حجية الأصل المثبت في باب اللغات كما أشار
إليه المصنف في تعليقته على الرسائل أو على خفاء الواسطة ونحوه وإلّا فلا ينفع
الاستصحاب فيه
شيئاً فإن مجرد استصحاب كون الصعيد لمطلق وجه الأرض عند نزول الآية مما لا يثبت به
جواز التيمم به إلا إذا ثبت به ما هو لازمه من كون المراد منه في الآية الشريفة هو
ذلك.
(قوله وأما الأمور
الاعتقادية التي كان المهم فيها شرعاً هو الانقياد والتسليم والاعتقاد بمعنى عقد
القلب عليها ... إلخ)
قد عرفت في خاتمة
الظن أن الأمور الاعتقادية المطلوب فيها عمل الجوانح من الاعتقاد به والانقياد
والتسليم له وعقد القلب عليه على قسمين كما صرح به الشيخ أعلى الله مقامه.
(الأول) وقد أخّره
المصنف هاهنا كما أخره هناك أيضاً ما يجب فيه أولا بحكم العقل تحصيل العلم واليقين
به ثم يجب بحكم العقل بعد العلم واليقين به الاعتقاد به والانقياد والتسليم له
وعقد القلب عليه وهذا كما في التوحيد والنبوة والإمامة والمعاد
(الثاني) ما لا
يجب فيه بحكم العقل ولا بحكم الشرع تحصيل العلم واليقين به ولكن إذا حصل العلم
واليقين به بطبعه وجب فيه بحكم العقل والشرع جميعاً الاعتقاد به والانقياد
والتسليم له وعقد القلب عليه وهذا كما في تفاصيل البرزخ والقيامة من سؤال النكيرين
والصراط والحساب والكتاب والميزان والحوض والجنة والنار وغير ذلك.
(أما القسم الأول)
فسيأتي الكلام فيه عند قول المصنف واما التي كان المهم فيها شرعاً وعقلا هو القطع
بها ومعرفتها ... إلخ.
(واما القسم
الثاني) فحاصل كلام المصنف فيه انه مما يجري الاستصحاب فيه حكماً وموضوعاً إذا كان
هناك يقين سابق وشك لا حق.
(أقول)
والظاهر ان جريان
استصحاب الحكم في القسم الثاني هو مجرد فرض وإلّا فلا محصل للشك في بقاء وجوب
الاعتقاد والانقياد والتسليم وعقد القلب على الأمر الاعتقادي
شرعاً بعد حصول
العلم واليقين به كي يستصحب ،
(نعم يعقل) فيه
الشك في بقاء الموضوع خارجاً كما إذا شك في بقاء السؤال أو بقاء ضغطة القبر أو
وحشته في بقعة من بقاع الأرض لدفن نبي فيها أو وصي نبي أو صديق أو شهيد ونحو ذلك
فيستصحب الموضوع فيها ويرتب عليه حكمه الشرعي من وجوب الاعتقاد به والانقياد
والتسليم له وعقد القلب عليه.
(هذا) ولكن مختار
الشيخ أعلى الله مقامه هو عدم جريان استصحاب الموضوع في هذا القسم الثاني ولم
يتعرض لحال استصحاب الحكم فيه أصلا كما لم يتعرض لحال القسم الأول أيضا إلا خصوص
النبوة منه (وقد استند) في وجه عدم جريان استصحاب الموضوع في القسم الثاني إلى ان
الاستصحاب (ان كان) من باب الأخبار فمؤداها جعل الحكم المعمول به على تقدير اليقين
بذلك الموضوع من وجوب الاعتقاد به ولا يعقل الحكم بوجوب الاعتقاد بشيء في ظرف الشك
لزوال اليقين به (وان كان) من باب الظن فهو مبني على حجية الظن في أصول الدين بل
الظن غير حاصل لتغير بعض ما يحتمل مدخليته وجوداً أو عدماً (وفيه) ان وجوب الاعتقاد
وهكذا التسليم والانقياد وان كان مترتباً على اليقين بالشيء على وجه كان اليقين به
موضوعاً لوجوب الاعتقاد والتسليم والانقياد له ولكن اليقين كان مأخوذاً على وجه
الكاشفية لا على وجه الصفتية (ومن المعلوم) قيام الاستصحاب مقام اليقين المأخوذ
موضوعا بما هو كاشف لا بما هو صفة فكما أنه إذا تيقن بسؤال النكيرين مثلا وجب
الاعتقاد به والتسليم والانقياد له فكذلك إذا أحرز بالاستصحاب بقائه وجب الاعتقاد
به والتسليم والانقياد له (هذا إذا كان) الاستصحاب أصلا عملياً (وأما إذا كان) من
باب الظن فالظن وإن لم يعتبر في أصول الدين لكن ذلك في القسم الأول من الأمور
الاعتقادية لا في القسم الثاني منها مما لا يجب تحصيل العلم واليقين بها وإنما يجب
الاعتقاد بها والتسليم والانقياد لها إذا حصل اليقين بها بطبعه فإن الظن الخاصّ في
هذا القسم الثاني مما يجوز العمل به جداً كما تقدم تفصيله
في خاتمة الظنون
مشروحاً (وأما دعوى) ان الظن غير حاصل من الاستصحاب لتغير بعض ما يحتمل مدخليته في
المستصحب وجوداً أو عدماً فهي مما لا يضر بالمقام أصلا إذا لم نقل باعتبار
الاستصحاب من باب الظن الشخصي بل النوعيّ كما لا يخفى.
(قوله وكونه أصلا
عملياً إنما هو بمعنى انه وظيفة الشاك تعبداً قبالا للأمارات الحاكية عن الواقعيات
... إلخ)
دفع لما قد يتوهم
من أن الاستصحاب أصل عملي فيجب إجرائه في الفروع العلمية ولا معنى لإجرائه في
الأمور الاعتقادية (فيقول) في دفعه إن معنى كونه أصلا عملياً انه وظيفة للشاك
تعبداً في ظرف شكه وتحيره في قبال الأمارات الحاكية عن الواقع الرافعة للشك ولو
تعبداً لا أنه يختص بالفروع العملية المطلوب فيها عمل الجوارح بل هو مما يعم
الأمور الاعتقادية المطلوب فيها عمل الجوانح أيضاً إذا تم فيها أركانه من اليقين
السابق والشك اللاحق.
(قوله واما التي كان
المهم فيها شرعاً وعقلا هو القطع بها ومعرفتها إلى آخره)
ثم بعد القطع بها
ومعرفتها الاعتقاد بها والانقياد والتسليم لها وعقد القلب عليها.
(هذا هو القسم
الأول) من الأمور الاعتقادية وقد أشير إليه آنفاً وتقدم شرحه في خاتمة مباحث الظن
مفصلا وهو التوحيد والنبوة والإمامة والمعاد (ثم انه لا وجه) لما يظهر من المصنف
في هذا القسم مطلقاً من وجوب تحصيل القطع والمعرفة به شرعاً وعقلا فإن في مثل
الإمامة والمعاد وإن أمكن القول بوجوب تحصيل القطع والمعرفة به شرعاً وعقلا ولكن
في مثل التوحيد والنبوة لا معنى لوجوب تحصيل القطع والمعرفة به شرعاً بل هو بحكم
العقل فقط خاصة (كما انه لا وجه) لما يظهر منه في القسم الثاني المتقدم من وجوب
الانقياد والتسليم والاعتقاد بمعنى عقد القلب عليه بحكم الشرع فقط حيث قال فيه كان
المهم فيها شرعاً هو
الانقياد ... إلخ
مع كونه بحكم العقل والشرع جميعاً كما نبهنا عليه (وعلى كل حال) حاصل كلام المصنف
في هذا القسم الأول من الأمور الاعتقادية أنه لا مجال لجريان الاستصحاب فيه
موضوعاً وذلك لما يجب فيه من تحصيل القطع والمعرفة به ومن المعلوم ان الاستصحاب
مما لا يجدي في حصولهما نعم لجريان الاستصحاب فيه مجال واسع حكماً لا موضوعاً.
(أقول)
بل لا مجال له حتى
حكماً إذ لا محصل للشك في بقاء وجوب تحصيل القطع والمعرفة بالتوحيد والنبوة
والإمامة والمعاد (ولو سلم انه يعقل ذلك بالنسبة إلى الإمامة والمعاد نظراً إلى
وجوب تحصيل المعرفة بهما عقلا وشرعاً لا عقلا فقط فلا يعقل ذلك في التوحيد والنبوة
فإن وجوب المعرفة بهما ليس إلّا بحكم العقل فقط كما أشرنا قبلا ولا معنى لاستصحاب
حكم العقل أصلا فإن موضوع حكمه ان كان باقياً محفوظاً على حاله فالحكم باق قطعاً
وإلّا لم يكن باقياً يقيناً.
(قوله فلو كان متيقناً
بوجوب تحصيل القطع بشيء كتفاصيل القيامة في زمان وشك في بقاء وجوبه يستصحب ... إلخ)
تفريع على جريان
استصحاب الحكم في القسم الأول من الأمور الاعتقادية وهو الّذي أشار إليه بقوله
واما التي كان المهم فيها شرعاً وعقلا هو القطع بها ومعرفتها إلى آخره (وفي
التفريع ما لا يخفى) فإن التي يجب فيها تحصيل القطع والمعرفة هي أمور أربعة مخصوصة
كما تقدم شرحها وهي التوحيد والنبوة والإمامة والمعاد وقد عرفت آنفاً حال استصحاب
الحكم فيها واما تفاصيل القيامة فليس شيء منها مما يجب تحصيل القطع به ومعرفته
شرعا وعقلا كي إذا شك في بقاء وجوبه استصحب شرعاً.
(قوله وأما لو شك في
حياة إمام زمان مثلا فلا يستصحب لأجل ترتيب لزوم معرفة إمام زمانه ... إلخ)
تفريع على عدم
المجال لاستصحاب الموضوع في القسم الأول من الأمور الاعتقادية وفي التمثيل بحياة
الإمام ما لا يخفى فإن حياة الإمام عليهالسلام ليست مما يجب تحصيل القطع بها فإنها ليست بأعظم من حياة
النبي صلىاللهعليهوآله ولا يجب تحصيل القطع بحياة النبي صلىاللهعليهوآله قطعاً بل الّذي يجب تحصيل القطع به هو إمامة الإمام عليهالسلام كنبوة النبي صلىاللهعليهوآله لا حياته وبقائه في الخارج (فالصحيح) كان التمثيل له
بإمامة الإمام عليهالسلام أو نبوة النبي صلىاللهعليهوآله.
(قوله إلّا إذا كان
حجة من باب إفادته الظن وكان المورد مما يكتفى به أيضا .. إلخ)
أي إلّا إذا كان
الاستصحاب حجة من باب الظن وكان المورد مما يكتفي فيه بالظن الخاصّ كما في القسم
الثاني من الأمور الاعتقادية حيث انك قد عرفت فيما تقدم جواز العمل بالظن الخاصّ
فيه والاعتقاد على طبق مؤداه كما يجوز ترك العمل به والاعتقاد بما هو الواقع
إجمالا (ومن هنا يظهر) لك ان الاستثناء في كلام المصنف أعني قوله إلا إذا كان حجة
من باب إفادته الظن ... إلخ هو منقطع لا متصل بعد كون الكلام هنا مفروضاً في القسم
الأول لا في الثاني.
(قوله فالاعتقاديات
كسائر الموضوعات ... إلخ)
تفريع على جريان
الاستصحاب موضوعاً في خصوص القسم الثاني من الاعتقاديات دون القسم الأول المتأخر
ذكره فلا تغفل.
(قوله وقد انقدح بذلك
انه لا مجال له في نفس النبوة إذا كانت ناشئة من كمال النّفس بمثابة يوحى إليها ...
إلخ)
أي وقد انقدح بما
ذكرناه من أن الاعتقاديات كسائر الموضوعات لا بد في جريان الاستصحاب فيها من ان
يكون في المورد أثر شرعي يتمكن من موافقته مع بقاء
الشك فيه (انه لا
مجال) للاستصحاب في نفس النبوة إذا كانت ناشئة من كمال النّفس بمثابة يوحى إليها (إما
لعدم الشك) في بقائها لكونها مما لا تزول بعد اتصاف النّفس بها (أو لعدم كونها)
مجعولة شرعاً بل من الصفات الخارجية التكوينية كالجود والشجاعة والجبن ونحوها ولا
أثر شرعي مهم يترتب عليها إلا إذا فرض ترتبه بنذر وشبهه مما يتفق أحياناً وقد عرفت
قبلا اعتبار كون المستصحب أمراً مجعولا أو ذا أثر مجعول (وفيه ما لا يخفى) فإن
النبوة.
(أولا) ليست هي
ناشئة من مجرد كمال النّفس بمثابة يوحى إليها بل النبوة كما ستأتي الإشارة إليها
بقوله نعم لو كانت النبوة من المناصب المجعولة ... إلخ هي منصب إلهي يجعلها الله
تبارك وتعالى لمن يشاء من عباده قال الله تعالى الله أعلم حيث يجعل رسالته فلو فرض
ان النّفس قد بلغت هي أقصى مرتبة الكمال ولم يعطها الله جل وعلا ذلك المنصب العظيم
فلا يكاد يوحى إليها ولا يكاد تكون نبياً أصلا.
(وثانياً) ان
النبوة على تقدير كونها ناشئة من كمال النّفس بمثابة يوحى إليها هي مما يقبل
الزوال والسقوط قطعاً ويقع الشك في بقائها قهرا كما اعترف به أخيراً وأشار إليه
بقوله ولو فرض الشك في بقائها باحتمال انحطاط النّفس عن تلك المرتبة إلى آخره (وأما
عدم كونها مجعولة) حينئذ فهو وان كان حقا وهكذا عدم ترتب أثر شرعي مهم عليها
ولكنها مما يترتب عليها أثر عقلي من وجوب الانقياد لمن اتصف بها والتسليم له
والاعتقاد به وعقد القلب على نبوته بل ووجوب العمل على طبق ما جاء به من التكاليف
الشرعية وهو كاف في صحة استصحابها بعد ما عرفت مراراً من عدم الدليل على اعتبار
كون المستصحب أثراً شرعياً أو موضوعاً ذا أثر شرعي سوى حكم العقل بأنه لو لا ذلك
لزم اللغوية (ومن المعلوم) انه تندفع اللغوية بترتب ذلك الأثر العقلي المهم بل
الآثار العقلية المهمة كما لا يخفى.
(قوله وعدم أثر شرعي
مهم لها يترتب عليها باستصحابها ... إلخ)
عطف على قوله أو
لعدم كونها مجعولة ... إلخ وهو في الحقيقة متمم له إذ لا ينتج هو بدونه فإن مجرد
عدم كون النبوة مجعولة مما لا يكفي في عدم جواز استصحابها ما لم ينضم إليه عدم أثر
شرعي مهم يترتب عليها.
(قوله نعم لو كانت
النبوة من المناصب المجعولة وكانت كالولاية ... إلخ)
استدراك عن قوله وقد
انقدح بذلك انه لا مجال له في نفس النبوة إذا كانت ناشئة من كمال النّفس بمثابة
يوحى إليها ... إلخ أي نعم لو كانت النبوة من المناصب المجعولة وكانت هي كالولاية
كانت بنفسها مورداً للاستصحاب ولكن يحتاج الاستصحاب حينئذ إلى دليل غير منوط بتلك
النبوة غير مأخوذ من ذلك الشرع وإلا لزم الدور فإن بقاء النبوة السابقة مما يتوقف
على اعتبار ذلك الدليل واعتبار ذلك الدليل مما يتوقف على بقاء النبوة السابقة وهذا
هو الدور وهو لدى الحقيقة وجه آخر لعدم جريان الاستصحاب في نفس النبوة قد ذكره على
تقدير كون النبوة من المناصب المجعولة في قبال ما ذكره من الوجه الأول وهو إما عدم
الشك في بقائها أو عدم كونها مجعولة ولا أثر شرعي مهم يترتب عليها على تقدير كونها
ناشئة من كمال النّفس بمثابة يوحى إليها.
(أقول)
لا يخفى ان النبوة
وان كانت هي من المناصب المجعولة الإلهية كما أشرنا ولكنها بهذا المعنى مما لا يقع
الكلام في جواز استصحابها وعدمه فإنها نظير الولاية والقضاوة وغيرهما من المناصب
المجعولة لا يكاد يعقل بقائها بعد ممات صاحب المنصب بل هي بمعنى الشرعية والأحكام
تقع محل البحث الكلام ومورد النقض والإبرام (فاستصحاب) اليهودي نبوة موسى عليهالسلام أو النصراني نبوة عيسى عليهالسلام (ليس من جهة الشك)
في انحطاط نفسهما المقدسة عن تلك المرتبة التي كانت يوحى إليهما (ولا من جهة الشك)
في عزلهما عن ذلك المنصب المجعول الإلهي (ولا من
جهة الشك) في بقاء
ذلك المنصب الإلهي بعد الممات (بل من جهة الشك) في بقاء شرعهما المقدس من الواجبات
والمحرمات وغيرهما من الأحكام والسنن واحتمال نسخها بشرع جديد متأخر لا حق وهذا
لدى التدبر واضح فتدبر.
(قوله فيترتب عليها
آثارها ولو كانت عقلية بعد استصحابها ... إلخ)
ووجه ترتب تلك
الآثار العقلية على النبوة بعد استصحابها من وجوب الانقياد لمن اتصف بها والتسليم
له والاعتقاد به وعقد القلب على نبوته بل ووجوب العمل على طبق ما جاء به من
التكاليف الشرعية ان تلك الآثار وان كانت هي لوازم عقلية ولكنها من اللوازم
المطلقة لها وقد عرفت معنى اللازم المطلق ووجه ثبوته في التنبيه التاسع فلا نعيده
ثانياً هاهنا.
(قوله واما استصحابها
بمعنى استصحابها بعض أحكام شريعة من اتصف بها فلا إشكال فيها كما مرّ ... إلخ)
أي وأما استصحاب
النبوة بمعنى استصحاب بعض أحكام شرعية من اتصف بالنبوة السابقة فلا إشكال فيه كما
مر في التنبيه السادس وذلك لما عرفت من جواز استصحاب الحكم من الشريعة السابقة إلى
الشريعة اللاحقة إذا تمت فيه أركانه من اليقين السابق والشك اللاحق وغيرهما.
(قوله ثم لا يخفى ان
الاستصحاب لا يكاد يلزم به الخصم إلا إذا اعترف بأنه على يقين فشك ... إلخ)
بمعنى ان استصحاب
الكتابي نبوة موسى أو عيسى عليهماالسلام لا يكاد يلزم به الخصم المسلم إلا إذا اعترف بأنه كان على
يقين فشك.
(قوله فيما صح هناك
التعبد والتنزيل ودل عليه الدليل ... إلخ)
قد نبّه بذلك على
اعتبار أمرين آخرين في الاستصحاب غير اليقين والشك.
(أحدهما) صحة
التعبد بالمستصحب وتنزيله.
(ثانيهما) قيام
الدليل على الاستصحاب علاوة على صحة التعبد بالمستصحب
وتنزيله (ولا يخفى)
ان اعتبار هذين الأمرين هو تمهيد لما سيأتي من المنع الأكيد عن استصحاب الكتابي
نبوة موسى أو عيسى عليهماالسلام فتأمل يسيراً.
(قوله كما لا يصح أن
يقنع به الا مع اليقين والشك والدليل على التنزيل ... إلخ)
يعني انه لا يصح
للكتابي ان يقنع باستصحاب نبوة موسى عليهالسلام أو عيسى عليهالسلام الا مع اليقين والشك ومع الدليل على التنزيل (هذا) والأصح
كان أن يقول إلا مع اليقين والشك وقد صح هناك التعبد والتنزيل ودل عليه الدليل
ليطابق ذلك قوله المتقدم فيما صح هناك التعبد والتنزيل ودل عليه الدليل ... إلخ
(قوله ومنه انقدح أنه
لا موقع لتشبث الكتابي باستصحاب نبوة موسى عليهالسلام أصلا ... إلخ)
إشارة إلى المقصد
الأصلي من عقد هذا التنبيه الثاني عشر (وتوضيحه) أن بعض سادة الفضلاء من أصحابنا
على ما ذكر المحقق القمي تفصيله قد جرى بينه وبين بعض أهل الكتاب مناظرة فتمسك
الكتابي بأن المسلمين قائلون بنبوة نبينا فنحن وهم متفقون على حقيته ونبوته في أول
الأمر فعلي المسلمين أن يثبتوا بطلان دينه (فأجابه السيد) بما هو المشهور من انا
لا نسلم نبوة نبي لا يقول بنبوة محمد صلىاللهعليهوآله فموسى عليهالسلام أو عيسى عليهالسلام الّذي يقول بنبوته اليهود أو النصارى نحن لا نعتقده بل
نعتقد بموسى عليهالسلام أو عيسى عليهالسلام الّذي أخبر عن نبوة محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم وصدقه (فأجابه الكتابي) بأن عيسى بن مريم المعهود الّذي لا
يخفى على أحد حاله وشخصه أو موسى بن عمران المعلوم الّذي لا يشتبه على أحد من
المسلمين ولا أهل الكتاب جاء بدين وأرسله الله نبيا وهذا القدر مسلم للطرفين ولا
يتفاوت ثبوت رسالة هذا الشخص وإتيانه بدين بين أن يقول بنبوة محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم أم لا فنحن نقول دين هذا الرّجل المعهود رسالته باق بحكم
الاستصحاب فعليكم بإبطاله (قال المحقق القمي) وبذلك أفحم الفاضل المذكور في الجواب
(انتهى).
(فيقول المصنف) في
إبطال الاستصحاب المذكور ما محصله انه لا موقع لتشبث الكتابي باستصحاب نبوة موسى عليهالسلام أو عيسى عليهالسلام أصلا لا إلزاماً للمسلم ولا إقناعا به (اما إلزاماً)
للمسلم فلعدم شكه في بقاء نبوة موسى عليهالسلام أو عيسى عليهالسلام بل هو متيقن بنسخها وإلّا فليس بمسلم (مضافاً) إلى ان
المسلم ما لم يعترف بأنه كان على يقين سابق فشك لم يلزم به (وأما إقناعاً) فللزوم
معرفة النبي عقلا بالفحص والنّظر في معجزاته وذلك لما عرفت من ان النبوة هي من
القسم الأول من الأمور الاعتقادية الّذي يجب فيه بحكم العقل تحصيل القطع والمعرفة
به يقيناً ومن المعلوم أن استصحاب النبوة هو مما لا يجدي في حصولهما بلا شبهة (مضافاً)
إلى انه لا دليل على التعبد ببقائها عند الشك فيه لا عقلا ولا شرعاً (أما عقلا)
فواضح إذ ليس الحكم بالبقاء عند اليقين بالحدوث من مستقلات العقل كما لا يخفى (وأما
شرعاً) فلان الدليل الشرعي ان كان هو من الشريعة السابقة فاستصحاب النبوة السابقة
بسببه مما يستلزم الدور كما تقدم شرحه وان كان من الشريعة اللاحقة فيستلزم الخلف
فان استصحابها بهذا الدليل المأخوذ من هذا الشرع مما يتوقف على الاعتقاد بهذا
الشرع اللاحق الّذي قد أخذ منه دليل الاستصحاب فلو استصحب في هذا الفرض بقاء الشرع
السابق لم يعتقد بهذا الشرع اللاحق أبداً وهذا هو الخلف عيناً.
(وبالجملة) إن
المحصل من مجموع كلمات المصنف من أول التنبيه الثاني عشر إلى هنا هو جوابان عن
استصحاب الكتابي نبوة موسى عليهالسلام أو عيسى عليهالسلام غير ما ظهر منه في وجه بطلان إلزام المسلم بالاستصحاب.
(الأول) ان النبوة
ان كانت هي ناشئة من كمال النّفس بمثابة يوحى إليها فلا مجال للاستصحاب أصلا إما
لعدم الشك في بقائها لكونها مما لا تزول بعد اتصاف النّفس بها أو لأنها ليست
مجعولة ولا أثر شرعي مهم يترتب عليها باستصحابها (وان كانت) هي من المناصب
المجعولة فهي وان كانت حينئذ قابلة للاستصحاب ولكنه مما يحتاج إلى
دليل يدل على
اعتباره أما من العقل أو من الشرع ولا دليل عليه كذلك (أما من العقل) فواضح فإن
البناء على البقاء عند الشك ليس هو من مستقلات العقل بلا كلام ولو سلم كونه مما
استقر عليه بناء العقلاء فهو بلحاظ احتياجه إلى إمضاء الشرع هو دليل شرعي لا عقلي (وأما
من الشرع) فلأنه (ان كان) من الشرع السابق فاستصحاب النبوة السابقة مما يستلزم
الدور (وان كان) من الشرع اللاحق فيستلزم الخلف.
(الثاني) ان
النبوة هي من الأمور الاعتقادية التي يستقل العقل بتحصيل القطع بها ومعرفتها
والاستصحاب مما لا يجدي في حصولهما قطعاً.
(أقول)
وفي كلا الجوابين
ما لا يخفى.
(اما الجواب الأول)
فلأن دعوى كون النبوة ناشئة من كمال النّفس بمثابة يوحى إليها هي مما قد عرفت
ضعفها جداً مضافاً إلى قابليتها للاستصحاب على تقدير كونها كذلك كما انك قد عرفت
أن الصحيح أن النبوة هي من المناصب المجعولة الإلهية واستصحابها حينئذ وان كان مما
يحتاج إلى دليل ولا دليل عليه ولا من العقل كما تقدم قبلا ولا من الشرع كما تقدم
ذلك أيضاً فإنه ان كان من الشرع السابق لزم الدور وان كان من الشرع اللاحق لزم
الخلف على التقريب المتقدم لك شرحه وتفصيله ولكنه إذا علم إجمالا ان الاستصحاب هو
مما يعتبر في كلا الشرعين جميعاً فلا مانع عن الاستصحاب أصلا (ومن هنا يتضح) لك
ضعف الجواب الثاني أيضاً فإن النبوة وإن كانت هي مما يجب عقلا تحصيل العلم به
ولكنه إذا شك في بقائها واحتمل نسخها بشرع جديد وعلم إجمالا ان الاستصحاب هو معتبر
في كلا الشرعين جميعاً وانه طريق معتبر إلهي فلا مانع عن استصحاب النبوة أبداً
وذلك لقيامه مقام القطع بها بلا شبهة.
(وعليه) فالجواب
الصحيح عن استصحاب الكتابي نبوة موسى عليهالسلام أو
عيسى عليهالسلام هو أن يقال إن الاستصحاب في الشبهات الحكمية مشروط بالفحص
بحد اليأس (فإنه إن كان أصلا عملياً) فقد تقدم في خاتمة الاشتغال اشتراط الأصول
العلمية الحكمية به جداً (وان كان أمارة ظنية) ودليلا اجتهادياً كسائر الأمارات
فقد تقدم في بحث عدم جواز العمل بالعامّ قبل الفحص اشتراط كل أمارة ودليل اجتهادي
به وحينئذ فالشك في بقاء النبوة السابقة (وإن كان) بمعنى الشك في بقاء نفس الشريعة
والتكاليف والسنن كما استظهرنا ذلك فيما تقدم فاشتراط جريان الاستصحاب فيها بالفحص
بحد اليأس في كمال الوضوح (وان كان) بمعنى الشك في بقاء المنصب المجعول الإلهي
فكذلك فإن النبوة على هذا وإن كانت موضوعاً من الموضوعات ولا يعتبر الفحص في
استصحاب الموضوعات غالباً ولكنها هي أساس الأحكام ومنشأها ومبناها فإذا كان
الاستصحاب في حكم واحد مشروطاً بالفحص فما ظنك بأساس الأحكام الإلهية كلها
فالكتابي على هذا إذا شك في نبوة موسى عليهالسلام أو عيسى عليهالسلام ليس له العمل بالاستصحاب أبداً ولو فرض له العمل باعتباره
في كلتا الشريعتين جميعاً الا بعد فحصه بحد اليأس فان نظر وتفحص وجدّ واجتهد وقد
رزقه الله الهداية إلى دين الإسلام كما يقتضيه ظاهر قوله تعالى ومن جاهد فينا
لنهدينهم سبلنا فهو وإلا فهو بعد النّظر والفحص والجد والاجتهاد بحد اليأس معذور
عقلا في استصحاب الشريعة السابقة ان كان صادقاً بينه وبين ربّه ولم يكن مقصراً في
النّظر والفحص ولم يتعصب في دين آبائه وأجداده فتأمل جيداً فان المقام لا يخلو عن
دقة (هذا كله) تفصيل ما حققه المصنف وما حققناه نحن في ردّ تمسك الكتابي باستصحاب
النبوة السابقة.
(واما الشيخ) أعلى
الله مقامه فحاصل ما يستفاد من كلامه الشريف في الجواب عن الاستصحاب المذكور ان
الاستصحاب (ان كان) من باب الظن فلا يحصل منه الظن ببقاء الشريعة لشيوع نسخها (ولو
سلم حصوله منه فلا دليل على حجيته عقلا وإن انسد باب العلم لإمكان الاحتياط الا
فيما لا يمكن (وان كان)
من باب الدليل
النقلي فلا يجدي لعدم ثبوت الشريعة السابقة ولا اللاحقة (وفيه ما لا يخفى) وذلك
لما عرفت من انه إذا علم إجمالا ان الاستصحاب هو مما يعتبر في كلا الشرعين جميعاً
فلا مانع عن الاستصحاب أصلا (مضافاً) إلى انه لو قيل باعتبار الاستصحاب من باب
الظن فعدم حصوله هنا لشيوع النسخ مما لا يضر به إلا على القول باعتبار الظن
الشخصي.
(ثم إنه أعلى الله
مقامه) قد أجاب بعداً عن الاستصحاب المذكور بوجوه خمسة أوجهها الأول والثالث.
(اما الأول)
فمرجعه إلى ما حققناه من اشتراط جريان الاستصحاب بالفحص بحد اليأس.
(وأما الثالث فهذا
لفظه) الثالث إنا لم نجزم بالمستصحب وهي نبوة موسى عليهالسلام أو عيسى عليهالسلام إلّا بإخبار نبينا صلىاللهعليهوآلهوسلم ونصّ القرآن وحينئذ فلا معنى للاستصحاب ودعوى أن النبوة
موقوفة على صدق نبينا صلىاللهعليهوآلهوسلم لا على نبوته مدفوعة بأنا لم نعرف صدقه الا من حيث نبوته (انتهى)
وهو وجه وجيه جيد (هذا) وقد ذكر قبل هذه الوجوه الخمسة وجوهاً أخر من الأصحاب (رض)
لا تخلو هي عن النّظر كما يظهر بمراجعة الرسائل وإمعان النّظر
(قوله قائمة بنفسه
المقدسة ... إلخ)
أي بنفس موسى عليهالسلام.
(قوله واليقين بنسخ
شريعته ... إلخ)
عطف على قوله لعدم
الشك في بقائها أي لعدم الشك في بقائها ولليقين بنسخ شريعته
(قوله والاتكال على
قيامه في شريعتنا لا يكاد يجديه إلا على نحو محال إلى آخره)
أي والاتكال على
قيام الدليل على التعبد بالبقاء في شريعتنا لا يكاد يجدي الكتابي إلا على نحو
الخلف كما عرفت تقريبه كما انه لو اتكل على قيام الدليل عليه في شرعه
لا يكاد يجديه إلا
على نحو الدور وقد تقدم أيضاً تقريبه.
(قوله ووجوب العمل
بالاحتياط عقلا في حال عدم المعرفة بمراعاة الشريعتين ... إلخ)
عطف على قوله
للزوم معرفة النبي أي للزوم معرفة النبي عقلا بالنظر إلى حالاته ومعجزاته إذا
أمكنت المعرفة ولوجوب العمل بالاحتياط عقلا بمراعاة الشريعتين إذا لم تمكن
المعرفة.
(قوله إلا إذا علم
بلزوم البناء على الشريعة السابقة ما لم يعلم الحال إلى آخره)
كما إذا علم
إجمالا أن الاستصحاب هو معتبر في كلتا الشريعتين جميعاً فلا يجب الاحتياط حينئذ
بمراعاة الشريعتين عقلا (ولكنك) قد عرفت منا ان الاستصحاب هنا مشروط بالفحص حتى مع
العلم باعتباره في كلا الشرعين جميعاً اللهم إلا أن يقال إن المفروض في كلام
المصنف هنا عدم إمكان المعرفة ومعه يسقط الفحص لا محالة.
في استصحاب حكم المخصص
(قوله الثالث عشر انه
لا شبهة في عدم جريان الاستصحاب في مقام مع دلالة مثل العام لكنه ربما يقع الإشكال
والكلام فيما إذا خصص في زمان ... إلخ)
(وحاصله) انه لا
إشكال في عدم جريان الاستصحاب مع دلالة مثل العام إما لورود الأمارات ومنها
العمومات عليه وإما لحكومتها عليه على الخلاف الآتي في المقام الثاني من تتمة
الاستصحاب إن شاء الله تعالى (ولكن الإشكال) في ان العام إذا خصص وخرج منه بعض
الأفراد في بعض الأزمنة ولم يكن لدليل الخاصّ
إطلاق زماني إما
لكونه لبياً كالإجماع أو لكونه لفظياً لا إطلاق له وتردد الزمان الخارج بين الأقل
والأكثر فهل يرجع عند الشك أي بعد انقضاء الزمان الأقل إلى عموم العام أو إلى
استصحاب حكم المخصص فإذا قال مثلا أكرم كل عالم وقام الإجماع على حرمة إكرام زيد
العالم في يوم الجمعة ووقع الخلاف في حرمة إكرامه في يوم السبت فصار يوم الجمعة
متيقناً ويوم السبت مشكوكاً فهل يرجع في يوم السبت إلى عموم العام من وجوب الإكرام
أو إلى استصحاب حكم الخاصّ من حرمة الإكرام.
(اما الشيخ) أعلى
الله مقامه فمختاره التفصيل بين ما إذا كان للعام عموم أزماني كعمومه الأفرادي
فيرجع إلى عموم العام وبين ما إذا لم يكن له عموم كذلك وان كان الحكم فيه للاستمرار
والدوام إما بالنصوصية أو بالإطلاق فيرجع إلى استصحاب حكم المخصص نظراً إلى عدم
لزوم تخصيص زائد على التخصيص المعلوم بعد فرض عدم ثبوت العموم الأزماني للعام غير
العموم الأفرادي.
(أقول)
والحق بعد فرض كون
الخاصّ مجملا بحسب الزمان هو الرجوع إلى العام مطلقاً سواء كان له عموم أزماني أم
لا (أما إذا كان) له عموم أزماني كما إذا قال إكرام كل عالم في كل يوم فواضح إذ مع
العموم لا مجال للاستصحاب أصلا (واما إذا لم يكن) له عموم أزماني بل كان له إطلاق
أزماني قد انعقد له بمقدمات الحكمية فكذلك واضح إذ كما انه لا مجال للاستصحاب مع
العموم فكذلك لا مجال له مع الإطلاق فكما إذا قال أكرم كل عالم وكان له عموم
أفرادي بالوضع وكان له أيضاً إطلاق أزماني بمقدمات الحكمة وشك في بقاء الحكم بعد
مضي مدة فنتمسك بإطلاقه الأزماني من دون حاجة إلى التمسك بالاستصحاب أصلا فكذلك
إذا خرج منه فرد في زمان ولم يكن لدليل الخاصّ إطلاق زماني وشك في حكم الفرد بعد
ذلك الزمان فيرجع فيه إلى إطلاق العام أي إطلاقه الأزماني من دون الرجوع فيه
إلى استصحاب حكم
المخصص أصلا وذلك تحكيما للإطلاق على الاستصحاب وتقديماً له عليه (ثم إن) من تمام
ما ذكر إلى هنا يظهر لك حكم ما إذا خرج من العام فرد في بعض الأمكنة وتردد المكان
الخارج بين الأقل والأكثر ففيما سوى الأقل المتيقن يرجع إلى عموم العام ان كان له
عموم مكاني وإلا فإلى إطلاقه المكاني فإذا قال مثلا كل مسافر يقصر ثم خرج منه
المسافر في البلد الّذي نوى الإقامة فيه عشراً وكان الخاصّ مجملا من حيث المكان ثم
خرج المسافر إلى ما دون المسافة لا بقصد السفر فنرجع فيه إلى عموم العام إن كان له
عموم مكاني كما إذا قال كل مسافر يقصر في كل مكان خرج منه بلد الإقامة وبقي الباقي
وأما إذا لم يكن له عموم مكاني فنرجع فيه إلى إطلاقه المكاني فإن قوله كل مسافر
يقصر مما له إطلاق مكاني قد انعقد له بمقدمات الحكمة فكما إذا شك في وجوب القصر
على المسافر في بعض الأماكن فيتمسك له بإطلاقه المكاني فكذلك إذا خرج منه فرد في
بعض الأماكن وشك فيما سواه فنرجع فيه إلى إطلاقه المكاني هذا تمام الكلام فيما
حققه الشيخ وما حققناه لك في المقام.
(وأما ما حققه
المصنف) فملخصه بعد التدبر في كلماته هاهنا وفي تعليقته على الرسائل ان العام.
(تارة) يكون
الزمان ظرفاً لثبوت حكمه لموضوعه فيكون مفاده استمرار حكمه ودوامه كما في قوله
إكرام كل عالم دائما أو بلا لفظة دائماً وكان بنفسه وإطلاقه ظاهراً في الاستمرار
والدوام.
(وأخرى) يكون كل
جزء من أجزاء الزمان أو كل يوم من الأيام قد جعل فرداً له فيكون العام مما له
العموم الأزماني كما له العموم الأفرادي وهذا كما في قوله أكرم كل عالم في كل يوم
كما ان الخاصّ أيضا.
(تارة) يكون
الزمان ظرفاً لثبوت حكمه لموضوعه كما إذا قام الإجماع على حرمة إكرام زيد العالم
في يوم الجمعة ونحن نعلم من الخارج ان الزمان ظرف لحرمة إكرامه.
(وأخرى) يكون
الزمان قيداً لموضوعه بحيث علمنا من الخارج ان يوم الجمعة في المثال المذكور هو
قيد لزيد العالم فهذه أربعة أقسام لمجموع العام والخاصّ.
(أما القسم الأول)
بان كان مفاد كل من العام والخاصّ على النحو الأول أي كان الزمان ظرفاً لثبوت
حكمهما فقد حكم المصنف فيه باستصحاب حكم الخاصّ في غير مورد دلالة الخاصّ أي في
غير يوم الجمعة وهو يوم السبت نظراً إلى عدم دلالة للعام على حكم زيد في يوم السبت
لعدم دخوله في موضوع العام ثانياً بعد خروجه عنه وانقطاع استمرار حكم العام عنه
بالخاص الدال على حرمة إكرامه في يوم الجمعة من دون تعرض لإكرامه في يوم السبت بعد
فرض كون الزمان ظرفاً لحكمه لا قيداً لموضوعه (وفيه) ان المرجع على ما حققناه هو
الإطلاق الأزماني المنعقد للعام بمقدمات الحكمة نعم إذا فرض عدم انعقاد الإطلاق له
وعدم ظهوره في الاستمرار والدوام كان المرجع حينئذ استصحاب حكم المخصص.
(واما القسم
الثاني) بأن كان مفاد كل من العام والخاصّ على النحو الثاني أي كان العام مما له
عموم أزماني والخاصّ كان الزمان قيداً لموضوعه فقد حكم فيه بالتمسك بالعامّ في غير
يوم الجمعة وذلك لدلالة بعمومه الأزماني على حكم زيد في يوم السبت ولا دلالة للخاص
على خلافه لو لم نقل بدلالته مفهوماً على وفاقه.
(وأما القسم
الثالث) بأن كان مفاد العام على النحو الأول والخاصّ على النحو الثاني أي كان الزمان
ظرفاً لثبوت حكم العام وقيداً لموضوع الخاصّ فقد حكم فيه بالرجوع إلى ساير الأصول
بالنسبة إلى يوم السبت لا إلى العام ولا إلى الاستصحاب اما عدم الرجوع إلى العام
فلأن المفروض عدم العموم الأزماني له واما عدم الرجوع إلى الاستصحاب فلأن المفروض
ان الزمان قيد لموضوع الخاصّ فالحرمة متعلقة بزيد المقيد بيوم الجمعة فكيف يمكن
انسحابها إلى موضوع آخر وهو زيد المقيد بيوم السبت (وفيه) ان المرجع على ما حققناه
هو الإطلاق الأزماني المنعقد للعام بمقدمات الحكمة فإن لم يكن له إطلاق كذلك
فالمرجع حينئذ ساير الأصول.
(واما القسم الرابع)
بأن كان مفاد العام على النحو الثاني والخاصّ على النحو الأول أي كان العام مما له
عموم أزماني والخاصّ كان الزمان ظرفاً لثبوت حكمه فقد حكم فيه بالرجوع إلى العام
لكن لو لا دلالة العام وعمومه الأزماني لكان استصحاب حكم الخاصّ هو المرجع إذ
المفروض كون الزمان ظرفاً لثبوت حكمه لا قيداً لموضوعه كي يمنع عن الاستصحاب وهذا
واضح.
(قوله ان مفاد العام
تارة يكون بملاحظة الزمان ثبوت حكمه لموضوعه على نحو الاستمرار والدوام ... إلخ)
هذا هو القسم
الأول من قسمي العام.
(قوله وأخرى على نحو
جعل كل يوم من الأيام فرداً لموضوع ذاك العام ... إلخ)
هذا هو القسم
الثاني من قسمي العام.
(قوله وكذلك مفاد
مخصصه تارة يكون على نحو أخذ الزمان ظرف استمرار حكمه ودوامه ... إلخ)
هذا هو القسم
الأول من قسمي الخاصّ.
(قوله وأخرى على نحو
يكون مفرداً ومأخوذاً في موضوعه ... إلخ)
هذا هو القسم
الثاني من قسمي الخاصّ.
(قوله فإن كان مفاد كل
من العام والخاصّ على النحو الأول ... إلخ)
هذا شروع في بيان
حكم القسم الأول من الأقسام الأربعة المتقدمة.
(قوله في غير مورد
دلالته ... إلخ)
أي في غير مورد
دلالة الخاصّ.
(قوله نعم لو كان
الخاصّ غير قاطع لحكمه كما إذا كان مخصصاً له من الأول لما ضرّ به في غير مورد
دلالته ... إلخ)
استدراك عن حكمه
في القسم الأول باستصحاب حكم الخاصّ في غير مورد دلالته
أي نعم لو كان
الخاصّ غير قاطع لاستمرار حكم العام كما إذا كان الخاصّ مخصصاً له من الأول لما
ضرّ بالتمسك بالعامّ حينئذ في غير مورد دلالة الخاصّ بل يكون أول زمان استمرار حكم
العام بعد زمان دلالة الخاصّ (فإذا قال) مثلا أوفوا بالعقود وخصص أوّله بخيار
المجلس في الجملة على نحو تردد الخيار بين أن يكون هو في المجلس الحقيقي عيناً أو
فيه وما يقرب منه صح التمسك بعموم أوفوا بالعقود لإثبات اللزوم في غير المجلس
الحقيقي ولو كان مما يقرب منه (وهكذا) إذا خصص أوّله بخيار الحيوان في الجملة
وتردد بين ان يكون هو إلى ثلاثة أيام بلياليها أم ثلاثة أيام مع ليلتين في خلالها
دون غيرهما (وهذا كله) بخلاف ما إذا قال أوفوا بالعقود وخصص واسطة بخيار الغبن أو
العيب ونحوهما وتردد الخيار بين الزمان الأقل أو الأكثر فلا يكاد يتمسك حينئذ
بعموم أوفوا بالعقود لإثبات اللزوم بعد انقضاء الزمان الأقل وذلك لانقطاع استمرار
حكم العام بالخاص وعدم دخول الزمان المشكوك ثانياً تحت العام بل يستصحب حكم الخاصّ
من الخيار وعدم اللزوم إلى الزمان الثاني.
(قوله فافهم ... إلخ)
ولعله إشارة إلى
ضعف ما ذكره من التفصيل بين كون الخاصّ قاطعاً لاستمرار حكم العام فلا يتمسك
بالعامّ في غير مورد دلالة الخاصّ وبين كونه مخصصاً له من الأول فيتمسك به في غير
مورد دلالة الخاصّ فإن استمرار حكم العام (ان كان) هو بمنزلة العموم الأزماني في
وجوب الأخذ به والرجوع إليه كما اخترنا ذلك وتقدم وعبرنا نحن عنه بالإطلاق
الأزماني المنعقد بمقدمات الحكمة فيتمسك به حينئذ مطلقاً حتى في فرض كون الخاصّ
قاطعاً لحكم العام وذلك اقتصاراً في الخروج عنه على القدر المتيقن (وان لم يكن) هو
بمنزلة العموم الأزماني فلا يكاد يرجع إليه حتى في فرض كون الخاصّ مخصصاً للعام من
الأول بل يرجع فيه إلى استصحاب حكم المخصص إلى ان ينتقض اليقين باليقين فتأمل
جيدا.
(قوله وإن كان مفادهما
على النحو الثاني فلا بدّ من التمسك بالعامّ بلا كلام ... إلخ)
هذا شروع في بيان
حكم القسم الثاني من الأقسام الأربعة المتقدمة.
(قوله وان كان مفاد
العام على النحو الأول والخاصّ على النحو الثاني فلا مورد للاستصحاب ... إلخ)
هذا شروع في بيان
حكم القسم الثالث من الأقسام الأربعة المتقدمة.
(قوله فإنه وإن لم يكن
هناك دلالة أصلا ... إلخ)
أي لم يكن هناك
دلالة للعام أصلا.
(قوله ولا مجال أيضاً
للتمسك بالعامّ لما مرّ آنفاً ... إلخ)
أي لما مرّ آنفاً
في القسم الأول من قوله لعدم دلالة للعام على حكمه لعدم دخوله على حدة في موضوعه
وانقطاع الاستمرار بالخاص ... إلخ.
(قوله وإن كان مفادهما
على العكس كان المرجع هو العام ... إلخ)
هذا شروع في بيان
حكم القسم الرابع من الأقسام الأربعة المتقدمة.
(قوله فتأمل تعرف أن
إطلاق كلام شيخنا العلامة أعلى الله مقامه في المقام نفياً وإثباتاً في غير محله
... إلخ)
قد عرفت فيما تقدم
ان ملخص كلام الشيخ أعلى الله مقامه هو التفصيل بين ما إذا كان للعام عموم أزماني
فلا يرجع فيه إلى استصحاب حكم المخصص بل إلى عموم العام وبين ما إذا لم يكن له
عموم كذلك فيرجع فيه إلى استصحاب حكم المخصص فالمصنف حيث فصل هنا بنحو آخر وجعل
فيه أقساماً أربعة على الشرح المتقدم لك بيانه وتوضيحه قد ناقش في إطلاق نفي الشيخ
وإثباته (ولكن الظاهر) على حسب تحقيق المصنف لا وجه للمناقشة في إطلاق نفيه فإن
نفي الاستصحاب فيما كان للعام عموم أزماني كما في القسم الثاني والرابع من الأقسام
الأربعة المتقدمة للمصنف هو في محله وان كان إطلاق إثباته فيما لم يكن للعام عموم
أزماني في غير
محله على حسب
تحقيق المصنف وذلك لما عرفت من عدم جريان الاستصحاب في القسم الثالث مع انه لا
عموم أزماني للعام أصلا بل وعدم جريانه في القسم الأول أيضاً إذا كان الخاصّ غير
قاطع لاستمرار حكم العام فتأمل جيدا.
في جريان الاستصحاب حتى مع الظن
بالخلاف فضلا عن الظن بالوفاق
(قوله الرابع عشر
الظاهر أن الشك في أخبار الباب وكلمات الأصحاب هو خلاف اليقين فمع الظن بالخلاف
فضلا عن الظن بالوفاق يجري الاستصحاب ... إلخ)
المقصود من عقد
هذا التنبيه كما ستعرف هو بيان جريان الاستصحاب حتى مع الظن بالخلاف فضلا عن الظن
بالوفاق (وتوضيحه) ان الاستصحاب (إما ان يعتمد) في اعتباره على بناء العقلاء فقط (أو
عليه وعلى الأخبار) المستفيضة جميعاً (أو على الأخبار) المستفيضة فقط (فإذا
اعتمدنا) في اعتباره على بناء العقلاء فقط كما هو ظاهر القدماء فالظاهر انه يعتبر
في جريان الاستصحاب الظن الشخصي بالوفاق وذلك لما عرفت من أن بنائهم على العمل على
طبق الحالة السابقة لا يكاد يكون إلا بملاك حصول الظن منها بل الوثوق والاطمئنان
وانه لا معنى للتعبد في أمر العقلاء بما هم عقلاء بأن يعملوا على طبقها بلا ملاك
لها ولا موجب ودعوى كفاية الظن النوعيّ هي مرجعها إلى العمل على طبق الحالة
السابقة فيما لا ظن شخصي هناك تعبداً وهو كما ترى ضعيف (وعليه) فما يظهر من الشيخ
أعلى الله مقامه من أنه على تقدير اعتبار الاستصحاب من باب الظن يكون العبرة عندهم
بالظن النوعيّ بل ولو كان الظن الشخصي على خلاف الحالة السابقة هو مما لا يخلو عن
مسامحة
(وأما إذا اعتمدنا)
في اعتباره على بناء العقلاء والاخبار المستفيضة جميعا كما اخترنا ذلك فيما تقدم (أو
اعتمدنا) في اعتباره على الاخبار المستفيضة فقط كما فعل الشيخ والمصنف وهو ظاهر
المتأخرين غالبا فلا وجه لاعتبار الظن الشخصي بالوفاق بل يجري الاستصحاب حتى مع
الظن بالخلاف فضلا عن الظن بالوفاق فإن العقلاء هب انهم لا يعملون على طبق الحالة
السابقة الا في خصوص ما إذا حصل لهم منها الظن الشخصي بالبقاء بل الوثوق
والاطمئنان ولكن الاخبار المستفيضة الناهية عن نقض اليقين بالشك مما توسع الدائرة
ويجعل الاستصحاب حجة مطلقا ولو لم يفد الظن بل ولو كان الظن على خلافه (وقد تقدم)
نظير ذلك عيناً في خبر الثقة فبناء العقلاء فيه وان كان مستقراً على العمل به في
خصوص ما إذا حصل منه الوثوق والاطمئنان وإلا فلا يعملون العقلاء به تعبداً ولكن
الاخبار المستفيضة بل المتواترة الدالة على حجيته واعتباره مما توسع الدائرة
فتجعله حجة مطلقاً ولو لم يفد الظن بل ولو كان الظن على خلافه فتأمل جيداً.
(قوله ويدل عليه
مضافاً إلى انه كذلك لغة كما في الصحاح ... إلخ)
أي ويدل على كون
الشك في أخبار الباب وكلمات الأصحاب هو خلاف اليقين وجوه أربعة غير ان بعضها يدل
عليه بالمطابقة وبعضها بالالتزام والجامع بين الكل هو الدلالة التزاماً على جريان
الاستصحاب حتى مع الظن بالخلاف الّذي هو المقصد الأصلي من عقد هذا التنبيه كما
نبهنا آنفاً فضلا عن الظن بالوفاق.
(الأول) تصريح
الصحاح كما صرح به الشيخ أعلى الله مقامه بل وغير الصحاح أيضاً على ما راجعت بكون
الشك خلاف اليقين.
(نعم لا يبعد) أن
يكون الشك اصطلاحا هو الاحتمال المتساوي طرفاه في قبال الظن وهو الاحتمال الراجح
وفي قبال الوهم وهو الاحتمال المرجوح ولكنه اصطلاح جديد بين أهل العلم لا ربط له
بالآيات والروايات كما لا يخفى.
(الثاني) تعارف
استعمال الشك في خلاف اليقين في غير باب واحد بل
وفي جميع الاخبار
مما جعل فيه الشك مقابلا لليقين كما صرح به الشيخ أيضاً في عبارته الآتية.
(الثالث) قوله عليهالسلام في الصحيحة الأولى لزرارة وإنما ينقضه بيقين آخر حيث ان
ظاهره انه في مقام تحديد ما ينقض به اليقين وانه ليس إلا اليقين وأن الظن بالخلاف
ليس بناقض فيجري الاستصحاب معه.
(الرابع) قوله عليهالسلام في الصحيحة الأولى أيضاً لزرارة (لا) حتى يستيقن انه قد
نام بعد السؤال عنه عليهالسلام عما إذا حرك إلى جنبه شيء ولم يعلم به حيث دل بإطلاقه على
عموم النفي من غير تفصيل بين ما إذا أفادت الأمارة المذكورة الظن بالنوم أو لم تفد
أي لا يجب الوضوء مطلقاً ولو أفادت الأمارة المذكورة الظن بالنوم حتى يستيقن هذا
مجموع ما استدل به المصنف لكون الشك هو خلاف اليقين وسيأتي لذلك شواهد أخرى في
الاخبار يشير إليها الشيخ أعلى الله مقامه في كلامه الآتي فانتظر.
(قوله على عموم النفي
لصورة الإفادة ... إلخ)
متعلق بقوله دل أي
حيث دل بإطلاقه على عموم النفي لصورة الإفادة.
(قوله وقوله عليهالسلام بعده ولا ينقض
اليقين بالشك ان الحكم في المغيا مطلقاً هو عدم نقض اليقين بالشك كما لا يخفى ...
إلخ)
عطف على فاعل دل
والمعنى هكذا حيث دل قوله عليهالسلام (لا حتى يستيقن
انه نام) بإطلاقه على عموم النفي لصورة الإفادة ودل قوله عليهالسلام بعده ولا ينقض اليقين بالشك ان الحكم في المغيا أعني في
قوله (لا) هو مطلقاً عدم نقض اليقين بالشك أي ولو حصل بالظن بالخلاف حتى يستيقن
انه قد نام.
(قوله وقد استدل عليه
أيضاً بوجهين آخرين الأول الإجماع القطعي على اعتبار الاستصحاب مع الظن بالخلاف
على تقدير اعتباره من باب الأخبار ... إلخ)
أي وقد استدل على
ما تقدم من كون الشك في أخبار الباب وكلمات الأصحاب هو خلاف اليقين بوجهين آخرين
غير ما تقدم من المصنف من الوجوه الأربعة (والمستدل هو الشيخ) أعلى الله مقامه
وتفصيله أنه استدل على ذلك بوجوه ثلاثة وجعل الوجوه المتقدمة من المصنف كلها وجملة
من شواهد أخر في الأخبار وجهاً واحداً من الوجوه الثلاثة (قال أعلى الله مقامه ما
لفظه) الأمر الثاني عشر انه لا فرق في احتمال خلاف الحالة السابقة بين أن يكون
مساوياً لاحتمال بقائه أو راجحاً عليه بأمارة غير معتبرة (ويدل عليه) وجوه.
(الأول) الإجماع
القطعي على تقدير اعتبار الاستصحاب من باب الأخبار (الثاني) ان المراد بالشك في
الروايات معناه اللغوي وهو خلاف اليقين كما في الصحاح ولا خلاف فيه ظاهراً ودعوى
انصراف المطلق في الروايات إلى معناه الأخص وهو الاحتمال المساوي لا شاهد لها بل
يشهد بخلافها مضافاً إلى تعارف إطلاق الشك في الاخبار على المعنى الأعم موارد من
الأخبار.
(منها) مقابلة
الشك باليقين في جميع الاخبار.
(ومنها) قوله في
صحيحة زرارة الأولى فإن حرك إلى جنبه شيء وهو لا يعلم به إلى آخره فإن ظاهره فرض
السؤال فيما كان معه أمارة النوم.
(ومنها) قوله عليهالسلام لا حتى يستيقن حيث جعل غاية وجوب الوضوء الاستيقان بالنوم
ومجيء أمر بيّن منه.
(ومنها) قوله عليهالسلام ولكن ينقضه بيقين آخر فإن الظاهر سوقه في مقام بيان حصر
ناقض اليقين في اليقين.
(ومنها) قوله عليهالسلام في صحيحة زرارة الثانية فلعله شيء أوقع عليك وليس
ينبغي لك أن تنقض
اليقين بالشك فإن كلمة لعل ظاهرة في مجرد الاحتمال خصوصاً مع وروده في مقام إبداء
ذلك كما في المقام فيكون الحكم متفرعاً عليه.
(ومنها) تفريع
قوله عليهالسلام صم للرؤية وأفطر للرؤية على قوله عليهالسلام اليقين لا يدخله الشك.
(الثالث) ان الظن
الغير المعتبر ان علم بعدم اعتباره بالدليل فمعناه أن وجوده كعدمه عند الشارع وان
كلما يترتب شرعاً على تقدير عدمه فهو المترتب على تقدير وجوده وان كان مما شك في
اعتباره فمرجع رفع اليد عن اليقين بالحكم الفعلي السابق بسببه إلى نقض اليقين
بالشك فتأمل جيداً (انتهى) موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه.
(قوله وفيه انه لا وجه
لدعواه ولو سلم اتفاق الأصحاب على الاعتبار إلى آخره)
وحاصل ردّ المصنف
على الوجه الأول من وجوه الشيخ أعلى الله مقامه انه لا وجه لدعوى الإجماع القطعي
ولو سلم اتفاق الأصحاب على اعتبار الاستصحاب مع الظن بالخلاف وذلك لجواز استنادهم
في ذلك إلى الشواهد المتقدمة من الأخبار لا إلى رأي الإمام عليهالسلام الواصل إليهم خلفاً عن سلف وجيلا بعد جيل ليكون ذلك دليلا
مستقلا برأسه.
(قوله وفيه ان قضية
عدم اعتباره لإلغائه أو لعدم الدليل على اعتباره إلى آخره)
وحاصل ردّ المصنف
على الوجه الثاني وهو الوجه الثالث من الوجوه المتقدمة للشيخ ان مقتضي عدم اعتبار
الظن إما للدليل على عدم اعتباره أو لعدم الدليل على اعتباره انه لا يثبت به مؤداه
أي ما ظن به لا ترتيب آثار الشك عليه مع عدم الشك واقعاً بل لا بد حينئذ لو فرض
عدم دلالة الأخبار على اعتبار الاستصحاب مع الظن الغير المعتبر من الرجوع إلى ساير
الأصول.
(أقول)
هذا مضافاً إلى ما
يرد على قوله أخيراً وان كان مما شك في اعتباره فمرجع رفع اليد عن اليقين بالحكم
الفعلي السابق بسببه إلى نقض اليقين بالشك من المسامحة الواضحة فإن الظاهر من عدم
نقض اليقين بالشك هو عدم نقض اليقين السابق بالشك المتعلق بعين ما تعلق به اليقين
لا عدم نقض اليقين بالحكم الفعلي السابق بالشك في اعتبار الظن القائم على خلافه
وهذا واضح (بل) ويرد عليه من جهة أخرى أيضا وهي تشبثه أعلى الله مقامه بقوله في
الصحيحة الأولى لزرارة فإن حرك إلى جنبه شيء وهو لا يعلم فإن ظاهره وان كان فرض
السؤال فيما كان معه أمارة النوم الموجبة للظن ولكن مجرد ذلك مما لا يجدي ما لم
ينضم إليه قوله الإمام عليهالسلام في جوابه لا حتى يستيقن ومعه لا يكاد يكون هو شاهداً
مستقلا في المسألة غير قوله أعلى الله مقامه ومنها قوله عليهالسلام لا حتى يستيقن ... إلخ.
(قوله لا ترتيب آثار
الشك مع عدمه ... إلخ)
أي مع عدم الشك
ووجود الظن بالخلاف.
(قوله فلو فرض عدم
دلالة الأخبار معه على اعتبار الاستصحاب إلى آخره)
أي فلو فرض عدم
دلالة الأخبار مع الظن الغير المعتبر على اعتبار الاستصحاب.
(قوله ولعله أشير إليه
بالأمر بالتأمل ... إلخ)
حيث قال في آخر
كلامه المتقدم فتأمل جداً ... إلخ ولكنه بعيد على الظاهر لمكان لفظة جداً فإن
الأمر بالتأمل انما يكون إشارة إلى شيء إذا لم ينضم إليه لفظة جداً أو جيداً
ونحوهما.
في الإشارة الإجمالية إلى ما يعتبر في الاستصحاب
من الأمور السبعة
(قوله تتمة لا يذهب
عليك انه لا بد في الاستصحاب من بقاء الموضوع وعدم أمارة معتبرة هناك ولو على
وفاقه ... إلخ)
قد اقتصر المصنف
في المقام على ذكر أمرين فقط مما لا بد منه في الاستصحاب وهما بقاء الموضوع وعدم
أمارة معتبرة في مورده (وقد أشار في صدر الاستصحاب) إلى اعتبار أمرين آخرين أيضاً
وهما اليقين والشك المشتركان بين الاستصحاب وقاعدة اليقين (حيث قال) وكيف كان فقد
ظهر مما ذكرنا في تعريفه اعتبار أمرين في مورده القطع بثبوت شيء والشك في بقائه ...
إلخ (بل قد أشار بذلك) إلى اعتبار أمر خامس أيضاً فارق بين الاستصحاب وقاعدة
اليقين وهو كون الشك في البقاء لا في أصل ما تيقن به وان لم يؤشر هو إلى قاعدة
اليقين ولا إلى مدركها أصلا وأشار إليهما الشيخ أعلى الله مقامه في الخاتمة في
الأمر الثاني مما يعتبر في الاستصحاب وسيأتي منا الإشارة إليهما إن شاء الله تعالى
(وقد أشار المصنف) أيضاً في صدر التنبيه العاشر إلى اعتبار أمر سادس في الاستصحاب
وهو كون المستصحب حكماً شرعياً أو موضوعا ذا حكم شرعي وقد أشرنا نحن هناك إلى وجه
اعتباره ولزومه فتذكر (هذا) مع ما تقدم في خاتمة الاشتغال في شرائط الأصول العلمية
من اشتراط جريان الأصول في الشبهات الحكمية بل والموضوعية في الجملة على التفصيل
المتقدم هناك بالفحص بحد اليأس (والظاهر) انه لا فرق في ذلك بين كون الاستصحاب
أصلا عملياً أو أمارة شرعية كما اخترنا ذلك وتقدم فإن مجرد كون الشيء أمارة مما لا
يجوز العمل به في الشبهات الحكمية بدون الفحص بحد اليأس
كيف وأظهر
الأمارات والأدلة الاجتهادية هو خبر العدل أو الثقة ومع ذلك لا يجوز العمل به الا
بعد الفحص عما يعارضه وينافيه كما تقدم في بحث عدم جواز العمل بالعامّ قبل الفحص
فكيف بالاستصحاب الّذي تكون ساير الأمارات حاكمة أو واردة عليه كما سيأتي في
المقام الثاني من تتمة الاستصحاب فكما ان في الخبر الواحد يجب الفحص عما يعارضه
وينافيه فكذلك في الاستصحاب يجب الفحص عما يكون حاكماً أو وارداً عليه (هذا مضافاً)
إلى ان الأمارة التي قد أخذ في موضوعها الشك والجهل يكون حالها حال الأصل العملي
فكما أن مقتضي الجمع بين الآيات والروايات الدالة على وجوب التفقه والتعلم وبين ما
دل بإطلاقه على البراءة عند الجهل كان وجوب تحصيل العلم وإزالة الجهل أولا فإذا
تفحص الجاهل ولم يتمكن من إزالة الجهل فعند ذلك يكون المجهول مرفوعاً عنه وهو في
سعة منه فكذلك في المقام مقتضي الجمع بين الآيات والروايات الدالة على وجوب التفقه
والتعلم في الشبهات الحكمية وبين ما دل على الاستصحاب عند الشك والجهل هو وجوب
تحصيل العلم وإزالة الجهل أو لا فإذا تفحص المستصحب بالكسر ولم يزل الجهل عنه فعند
ذلك يجب عليه إبقاء ما كان ويحرم عليه نقض اليقين بالشك.
(وبالجملة) بعد
اعتبار الفحص في الاستصحاب ولو في الجملة تكون الأمور المعتبرة فيه كما نبهنا في صدر
الاستصحاب لدى التعليق على قول المصنف وكيف كان فقد ظهر مما ذكرنا ... إلخ سبعة (هذا
مع الغمض) عما تقدم اعتباره في التنبيه الحادي عشر من اتصال زمان الشك بزمان
اليقين وبالعكس وإلّا فيكون المجموع ثمانية فتدبر جيداً.
في اعتبار بقاء الموضوع في الاستصحاب
(قوله فهاهنا مقامان
المقام الأول انه لا إشكال في اعتبار بقاء الموضوع بمعنى اتحاد قضية المشكوكة مع
المتيقنة موضوعاً كاتحادهما حكماً إلى آخره)
نعم لا إشكال في
اعتبار بقاء الموضوع في الاستصحاب ولكن ما معني الموضوع وما معنى بقاء الموضوع وما
وجه اعتبار بقاء الموضوع.
(فنقول اما
الموضوع) فهو معروض المستصحب وما يقوم به المستصحب
(واما بقاء
الموضوع) فقد يتوهم أن معناه هو بقاء الموضوع في الخارج ولكن ينتقض ذلك في استصحاب
وجود الموجودات كاستصحاب حياة زيد ونحوه فإنا لو علمنا ببقاء زيد في الخارج لم
نحتج إلى استصحاب وجوده خارجاً أبداً.
(وقد يدعي) ان
معناه هو تحقق الموضوع في اللاحق على نحو تحققه في السابق (فإن كان) تحققه في
السابق خارجياً بان كان بوجوده الخارجي معروضاً للمستصحب كما في استصحاب قيام زيد
فيعتبر تحققه في اللاحق كذلك (وان كان) ذهنياً بان كان بوجوده الذهني معروضاً للمستصحب
كما في استصحاب حياة زيد فيعتبر تحققه في اللاحق كذلك (وبهذا يندفع إشكال) عدم
اعتبار بقاء الموضوع في استصحاب وجود الموجودات وهذه الدعوى للشيخ أعلى الله مقامه
(قال في الخاتمة) في بيان ما يعتبر في الاستصحاب (ما لفظه) الأول بقاء الموضوع في
الزمان اللاحق والمراد به معروض المستصحب فإذا أريد استصحاب قيام زيد أو وجوده فلا
بدّ من تحقق زيد في الزمان اللاحق على النحو الّذي كان معروضاً في السابق سواء كان
تحققه في السابق بتقرره ذهنا أو بوجوده خارجاً فزيد معروض للقيام في السابق بوصف
وجوده الخارجي وللوجود بوصف تقرره ذهنا لا وجوده
الخارجي وبهذا
اندفع ما استشكله بعض في كلية اعتبار بقاء الموضوع في الاستصحاب بانتقاضها
باستصحاب وجود الموجودات عند الشك في بقائها (انتهى) موضع الحاجة من كلامه رفع
مقامه (هذا كله من أمر الشيخ في معني بقاء الموضوع).
(واما المصنف)
فحاصل كلامه في معنى بقاء الموضوع هو أن يكون موضوع القضيتين أي المتيقنة
والمشكوكة متحداً كاتحادهما حكماً أي محمولا فإذا كان موضوع القضية المتيقنة زيداً
مثلا ومحمولها القيام فيجب أن يكون موضوع القضية المشكوكة أيضا زيداً ومحمولها
القيام بأن يستصحب عند الشك نفس قيام زيد لا قيام عمرو ليختلف الموضوع ولا عدالة
زيد ليختلف المحمول (والفرق) بين معنى الشيخ لبقاء الموضوع ومعنى المصنف انه على
معنى الشيخ لا بد من إحراز بقاء الموضوع في الخارج في غير استصحاب وجود الموجودات
نظراً إلى تحققه سابقاً في الخارج فيعتبر تحققه في اللاحق على نحو تحققه في السابق
وهذا بخلاف معنى المصنف فلا يحتاج إلى إحراز بقائه في الخارج أصلا بعد اتحاد
القضيتين موضوعاً كاتحادهما محمولا وذلك لتحقق أركان الاستصحاب بدون ذلك كله (والعجب)
من الشيخ أعلى الله مقامه فإنه على حسب ما تقدم منه في معنى بقاء الموضوع لا بد له
في غير استصحاب وجود الموجودات من إحراز بقاء الموضوع في الخارج أولا ولو
بالاستصحاب ثم استصحاب عارضه من القيام والقعود والعدالة ونحو ذلك من العوارض
ولكنه مع ذلك قد صرح في بعض كلماته في المقام بجواز استصحاب عدالة زيد من دون حاجة
إلى بقاء حياته لأن موضوع العدالة هو زيد على تقدير الحياة وهو كما ترى ضعيف فإن
موضوع العدالة في السابق كان هو زيد المحقق في الخارج لا زيد على تقدير حياته وقد
التزم بلزوم تحقق الموضوع في اللاحق على نحو تحققه في السابق فيجب على هذا إحراز
تحقق زيد في الخارج أو لا ثم استصحاب عدالته ثانياً (وكيف كان) هذا تمام الكلام
في بيان معنى
الموضوع ومعنى بقاء الموضوع.
(واما وجه اعتبار
بقاء الموضوع) فقد أفاد المصنف في وجه اعتبار بقائه بالمعنى المتقدم وهو اتحاد
القضيتين موضوعاً كاتحادهما حكماً أي محمولا دليلين قويّين.
(أحدهما) انه لو
لم يكن موضوع القضيتين متحداً كاتحادهما محمولا لم يصدق الشك في البقاء بل في حدوث
أمر آخر كما لا يخفى.
(ثانيهما) انه لو
لم يكن موضوع القضيتين متحداً كاتحادهما محمولا لم يكن رفع اليد عن اليقين في محل
الشك نقضاً لليقين بالشك بل لا يكون نقضاً أصلا (فإذا تيقن) مثلا في السابق بعدالة
زيد وشك فعلا في عدالة عمرو ولم يكن الشك حينئذ في بقاء ما كان ولا رفع اليد عن
اليقين بعدالة عمرو نقضاً لليقين بالشك وهذا واضح (هذا ما أفاده المصنف) في وجه
اعتبار بقاء الموضوع (واما الشيخ أعلى الله مقامه) فقد استدل على اعتبار بقائه
بالمعنى المتقدم منه (بما ملخصه) انه لو لم يعلم تحقق الموضوع فعلا في ظرف الشك
وأريد إبقاء المستصحب العارض له المتقوم به (فإما أن يبقى) في غير محل وموضوع وهو
محال (وإما أن يبقى) في موضوع غير الموضوع السابق وهو كذلك (إما لاستحالة) انتقال
العرض يعني به من موضوع إلى موضوع آخر للزوم الطفرة وهي المستلزمة لكون العرض بلا
معروض ولو آناً ما في حال الانتقال والتحول (وإما لأن المتيقن) سابقاً هو وجوده في
الموضوع السابق والحكم بعدم ثبوته لهذا الموضوع الجديد ليس نقضاً لليقين السابق (وقد
اعترض المصنف) على الدليل المذكور بما حاصله ان انتقال العرض من موضوع إلى موضوع
آخر بل وهكذا بقائه في غير محل وموضوع وان كان محالا حقيقة ولكنه مما لا يستحيل
التعبد به والالتزام بآثاره شرعاً (وبعبارة أخرى) إن إبقاء المستصحب فعلا في ظرف
الشك مع عدم إحراز تحقق موضوعه في الخارج وإن كان مما لا يمكن حقيقة لاستلزامه أحد
المحذورين المحال إما بقاء العارض بلا محل
أو انتقال العرض
من موضوع إلى موضوع ولكن إبقاؤه تعبداً بمعنى ترتيب آثاره شرعاً في كمال الإمكان.
(قوله وأما بمعنى
إحراز وجود الموضوع خارجاً ... إلخ)
ولو في الجملة أي
في غير استصحاب وجود الموجودات كما اختاره الشيخ أعلى الله مقامه وقد عرفت شرحه.
(قوله لا يحتاج إلى
إحراز حياته لجواز تقليده ... إلخ)
ولو قال لجواز
البقاء على تقليده بناء على عدم اشتراط الحياة في البقاء عليه كان أصح بل كان هو
الصحيح فان جواز تقليده وبدواً ليس إلّا كجواز الاقتداء به أو وجوب إكرامه أو
الإنفاق عليه مما يحتاج إلى إحراز حياته خارجا ولعل مراده من جواز تقليده هو
البقاء على تقليده فلا اعتراض عليه ولا إيراد.
هل اللازم بقاء الموضوع العقلي أو المأخوذ
في لسان الدليل أو الموضوع العرفي
(قوله وإنما الإشكال
كله في ان هذا الاتحاد هل هو بنظر العرف أو بحسب دليل الحكم أو بنظر العقل ... إلخ)
قد عرفت مما تقدم
انه يعتبر بقاء الموضوع في جريان الاستصحاب لا محالة سواء كان البقاء بمعنى اتحاد
القضيتين موضوعاً كاتحادهما حكماً أي محمولا كما أفاد المصنف أو بمعنى بقاء
الموضوع في الخارج ولو في غير استصحاب وجود الموجودات كما تقدم من الشيخ أعلى الله
مقامه وحينئذ فهل اللازم بقاء الموضوع العقلي الدقي أو الموضوع المأخوذ في لسان
الدليل أو الموضوع العرفي.
(فإن كان اللازم)
بقاء الموضوع العقلي الدقي فلا مجال للاستصحاب في
الأحكام الشرعية
في كل مقام شك في بقاء الحكم لزوال خصوصية من خصوصيات الموضوع المحتملة دخلها في
الحكم أو لحدوث خصوصية فيه يحتمل دخل عدمها في الحكم (سواء كانت) الأحكام الشرعية
كلية ليطابق المنع مقالة الأخباريين حيث منعوا عن الاستصحاب فيها نظراً إلى عدم
بقاء الموضوع على ما تقدم لك شرحه مفصلا في القول الخامس في المسألة كالشك في بقاء
نجاسة المتغير بعد زوال تغيره بنفسه أو في طهارة المكلف بعد خروج المذي منه ونحو
ذلك (أو كانت) جزئية كما إذا شك في بقاء وجوب الصوم عليه لحدوث حالة فيه يحتمل
كونها مرضا يضر معها الصوم أو شك في بقاء حرمة الخمر عليه لحدوث مرض فيه يحتمل
توقف علاجه على شربه فإن الأصلين الحكميين مع قطع النّظر عن الأصلين الموضوعيين
فيهما مما لا بجريان أصلا لعدم بقاء موضوعهما الدقي العقلي.
(نعم إذا كان الشك)
في بقاء الحكم الشرعي من جهة احتمال النسخ فالاستصحاب حينئذ معتبر باتفاق الأمة
على ما تقدم دعواه من المحدث الأسترآبادي بل ادعى انه من ضروريات الدين (بل الشيخ)
أعلى الله مقامه قد استثنى من عدم جواز استصحاب الحكم الشرعي بناء على كون المرجع
في معرفة الموضوع هو العقل صورة أخرى أيضاً وهي ما كان الشك في البقاء من جهة تغير
الزمان المجعول ظرفاً للحكم كالخيار (قال) لأن الاستصحاب مبني على إلغاء خصوصية
الزمان الأول (انتهى) (وعلى كل حال) بناء على اعتبار بقاء الموضوع العقلي الدقي لا
مجال للاستصحاب في الأحكام الشرعية في الجملة ويختص بالموضوعات الخارجية فقط كما
سيأتي التصريح به من المصنف وصرح به الشيخ أيضاً وهو كما ترى ضعيف فإن الموضوعات
الخارجية أيضاً إذا شك في بقائها لزوال خصوصية من خصوصيات الموضوع المحتملة دخلها
فيه وجوداً أو لحدوث خصوصية فيه يحتمل دخلها فيه عدماً لم يجز الاستصحاب كما في
الأحكام الشرعية عيناً (فإذا شك) في بقاء اجتهاد زيد لانعزاله عن البحث والتدريس
مدة مديدة أو شك في بقاء عدالة عمرو
لمجالسته مع أهل
الفسق والمعصية زمنا طويلا لم يستصحب اجتهاد زيد في الأول ولا عدالة عمرو في
الثاني.
(نعم إذا شك) في
بقاء وجود الموجودات كالشك في حياة زيد مثلا كما سيأتي التمثيل به من المصنف لم
يكن حينئذ مانع عن الاستصحاب أصلا وذلك لبقاء الموضوع فيه وهو معروض المستصحب
بعينه (هذا كله) إذا كان اللازم بقاء الموضوع العقلي الدقي.
(واما إذا كان
اللازم) بقاء الموضوع المأخوذ في لسان الدليل فاللازم على ما أفاد الشيخ أعلى الله
مقامه أن يفرّق بين مثل قوله الماء المتغير نجس وقوله الماء ينجس إذا تغير
فالموضوع في الأول هو الماء المتغير فإذا زال التغير لم تستصحب النجاسة والموضوع
في الثاني هو نفس الماء فإذا زال التغير استصحب النجاسة (هذا) مضافاً إلى انه لو
قيل بلزوم بقاء الموضوع المأخوذ في لسان الدليل فاللازم هو الجمود في جريان
الاستصحاب على بقاء نفس العناوين الموجودة في لسان الدليل وإن على كونها من
العناوين المشيرة إلى ما هو الموضوع واقعاً فإذا قال مثلا أكرم هذا القائم أو
القاعد أو النائم وزالت هذه العناوين المشيرة وشك في بقاء الحكم لم يستصحب وجوب
الإكرام لزوال الموضوع المأخوذ في لسان الدليل.
(وهذا بخلاف ما
إذا كان اللازم) بقاء الموضوع العرفي فإن المعيار حينئذ في جريان الاستصحاب هو
بقاء ما يراه العرف موضوعاً ومعروضاً للمستصحب وإن لم يكن في لسان الدليل موضوعاً
أصلا (ففي الأمثلة) المذكورة بعد زوال العناوين المأخوذة في لسان الدليل يجري
الاستصحاب بلا كلام إذا شك في بقاء الحكم وذلك لبقاء ما هو الموضوع عرفاً وان
عنوان القائم أو القاعد أو النائم هو من العناوين المشيرة إلى ما هو الموضوع
واقعاً وأنه من الحالات المتبادلة له لا الأمور المقومة للموضوع حقيقة (وهكذا
الأمر) فيما إذا قال العنب إذا غلا يحرم فجف وصار زبيباً فيجري الاستصحاب حينئذ
بلا شبهة إذا شك في بقاء الحكم التعليقي
وذلك لكون الموضوع
بنظر العرف بحسب ما هو المرتكز في أذهانهم هو ما يعم الزبيب أيضاً وان عنوان العنب
المأخوذ في لسان الدليل هو من العناوين المشيرة والحالات المتبادلة نظير عنوان
القائم أو القاعد أو النائم في الأمثلة المتقدمة (بل العرف) بحسب ما في أذهانهم من
المرتكزات وما يفهمونه من المناسبات قد يرون عنواناً واحداً بالنسبة إلى حكم خاص
من العناوين المشيرة والحالات المتبادلة وبالنسبة إلى حكم آخر من القيود المقومة
للموضوع بحيث إذا زال زال الحكم من أصله (فإذا قال) مثلا أكرم هذا النائم فيرون
عنوان النائم من العناوين المشيرة والحالات المتبادلة بحيث إذا زال لم يزل الحكم
أصلا وإذا شك في بقاء الحكم استصحب (وإذا قال) لا تصح عند النائم فيرون عنوان
النائم من القيود المقومة للموضوع بحيث إذا زال زال الحكم من أصله وإذا شك في
بقائه لم يستصحب وهذا واضح.
(قوله فلا مجال
للاستصحاب في الأحكام ... إلخ)
إلا فيما أشرنا
إليه من موردي الاستثناء.
(قوله ويختص
بالموضوعات ... إلخ)
قد عرفت ما فيه
آنفاً وأشرنا إلى مورد الاستثناء أيضاً فلا تغفل ،
(قوله مثلا إذا ورد
العنب إذا غلا يحرم كان العنب بحسب ما هو المفهوم عرفاً هو خصوص العنب ... إلخ)
وحاصله انه إذا
ورد العنب إذا غلا يحرم فالمفهوم عرفاً من لفظة العنب وان كان هو خصوص العنب لا ما
يعم الزبيب ولكن العرف بحسب ما في أذهانهم من المرتكزات وما يفهمونه من المناسبات
بين الحكم والموضوع يرون الموضوع للحرمة المعلقة هو ما يعم الزبيب أيضاً وأن
العنبية والزبيبية والرطوبة واليبوسة هي من الحالات المتبادلة للموضوع لا من
القيود المقومة له على نحو إذا حكم بعدم حرمة الزبيب إذا غلا كان ذلك عندهم من
ارتفاع الحكم الأول وإذا حكم بحرمة الزبيب إذا غلا كان ذلك عندهم من إبقاء الحكم
الأول وهذا أيضاً واضح.
(قوله فيما إذا لم تكن
بمثابة يصلح قرينة على صرفه عما هو ظاهر فيه إلى آخره)
أي فيما إذا لم
تكن الجهات والمناسبات بمثابة تكون قرينة على صرف لفظ العنب في المثال المتقدم عما
هو ظاهر فيه من خصوص العنب إلى ما يعم الزبيب وإلّا فلا يكون الدليل بحسب فهمهم
على خلاف ما ارتكز في أذهانهم بل يكون على وفق ما ارتكز في أذهانهم.
(قوله ولا يخفى ان
النقض وعدمه حقيقة يختلف بحسب الملحوظ من الموضوع ... إلخ)
هذه مقدمة مهدها
المصنف لإثبات كون اللازم في الاستصحاب هو بقاء الموضوع العرفي لا الموضوع العقلي
الدقي ولا الموضوع المأخوذ في لسان الدليل (وتوضيحها) انك قد عرفت فيما تقدم ان ما
لم يكن الموضوع باقياً على حاله أي لم يتحد القضيتين المتيقنة والمشكوكة موضوعاً
كاتحادهما حكماً أي محمولا لم يكن رفع اليد عن اليقين في ظرف الشك نقضاً لليقين
بالشك فالنقض مما يتوقف صدقه على بقاء الموضوع (فنقول) حينئذ إن النقض وعدمه يختلف
بحسب الملحوظ من الموضوع (فإذا زال) خصوصية من خصوصيات الموضوع مما يحتمل دخلها في
الحكم ولم تكن مأخوذة في لسان الدليل ولا من القيود المقومة للموضوع بنظر العرف
فرفع اليد حينئذ عن اليقين في ظرف الشك لا يكون نقضاً بحسب الموضوع العقلي الدقي
لعدم بقائه ويكون نقضاً بحسب الموضوع المأخوذ في لسان الدليل والموضوع العرفي
لبقائهما وعدم ارتفاعهما (وإذا زال) عنوان من العناوين المأخوذة في لسان الدليل
مما يراه العرف من العناوين المشيرة والحالات المتبادلة لا من القيود والمقومة
فرفع اليد حينئذ عن اليقين في ظرف الشك لا يكون نقضاً لا بحسب الموضوع العقلي
الدقي ولا بحسب الموضوع المأخوذ في لسان الدليل لعدم بقائهما وإن كان نقضاً بحسب
الموضوع العرفي لبقائه وعدم ارتفاعه (وإذا زال) عنوان من العناوين
المأخوذة في لسان
الدليل مما يراه العرف أيضا موضوعاً لا مما يراه من العناوين المشيرة والحالات
المتبادلة فرفع اليد حينئذ عن اليقين في ظرف الشك نقض بحسب الموضوع العقلي الدقي
وبحسب الموضوع المأخوذ في لسان الدليل والموضوع العرفي جميعاً.
(قوله فالتحقيق أن
يقال إن قضية إطلاق خطاب لا ينقض هو أن يكون بلحاظ الموضوع العرفي ... إلخ)
هذا شروع في إثبات
كون اللازم في الاستصحاب هو بقاء الموضوع العرفي لا الموضوع العقلي الدقي ولا
الموضوع المأخوذ في لسان الدليل (وحاصله) ان مقتضي إطلاق خطاب لا ينقض اليقين
بالشك أبداً أن يكون النقض هو بلحاظ الموضوع العرفي لأنه المنساق من الإطلاق وإلا
لكان عليه البيان (وعليه) فالمناط في بقاء الموضوع أي اتحاد القضيتين موضوعاً هو
نظر العرف وان لم يكن اتحاد بحسب الموضوع العقلي الدقي ولا بحسب الموضوع المأخوذ
في لسان الدليل (ففي مثل) قوله العنب إذا غلا يحرم تستصحب الحرمة المعلقة إلى حال
الزبيبية وذلك لاتحاد القضيتين بحسب الموضوع العرفي وكون العنبية والزبيبية من
الحالات المتبادلة وإن لم يكن اتحاد بحسب الموضوع العقلي الدقي ولا بحسب الموضوع
المأخوذ في لسان الدليل (وفي مثل) الوجوب والاستحباب أو الحرمة والكراهة إذا زالت
المرتبة الشديدة من الطلب لم تستصحب الاستحباب أو الكراهة لعدم اتحاد القضيتين
بحسب المحمول عرفاً وان كان اتحاد عقلا ودقة نظراً إلى كون الثاني عين الأول لا
تفاوت بينهما إلا بشدة الطلب وضعفه كما تقدم في القسم الثالث من استصحاب الكلي.
(قوله كما مرّت
الإشارة إليه في القسم الثالث من أقسام استصحاب الكلي ... إلخ)
أي في آخر التنبيه
الثالث من تنبيهات الاستصحاب قبيل الشروع في التنبيه الرابع
بسطر أو بسطرين
وقد أشير آنفاً إلى ما مرّت الإشارة إليه هناك من التمثيل بالإيجاب والاستحباب
والحرمة والكراهة لانتفاء الاتحاد عرفاً وتحقق الاتحاد عقلا ودقة فراجع ولا تغفل.
في الإشارة إلى قاعدة اليقين ومدركها
(بقي شيء) وهو انا
قد أشرنا في صدر تتمة الاستصحاب وفي صدر الاستصحاب أيضاً أن الشيخ أعلى الله مقامه
قد أشار في الخاتمة إلى قاعدة اليقين ومدركها وأنه سيأتي منا الإشارة إليهما إن
شاء الله تعالى فهذا هو محل الإشارة إليهما فنقول.
(اما قاعدة اليقين)
فالفرق بينها وبين الاستصحاب أن الشك في الاستصحاب مما يتعلق ببقاء ما تيقن به وفي
قاعدة اليقين يتعلق بأصل ما تيقن به (فإذا تيقن) بعدالة زيد في يوم الجمعة ثم شك
في بقاء عدالته في يوم السبت فهذا هو مجري الاستصحاب المستفاد من الأخبار وبناء
العقلاء على التفصيل المتقدم لك شرحه وبيانه (وإذا تيقن) بعدالة زيد في يوم الجمعة
ثم شك في يوم السبت في أصل عدالته في يوم الجمعة بأن زال مدرك اعتقاده ومنشأ علمه
فهذا هو مجري قاعدة اليقين المشتهرة بالشك الساري (ومن هنا يتضح) أن بين قاعدة
الاستصحاب وقاعدة اليقين فرق آخر أيضاً غير تعلق الشك بالبقاء في الأول وبأصل ما
تيقن به في الثاني وهو جواز اجتماع اليقين والشك في الاستصحاب في زمان واحد بخلاف
قاعدة اليقين فلا يجوز ففي الاستصحاب يمكن أن يقطع فعلا بعدالة زيد في يوم الجمعة
ويشك أيضاً فعلا في بقاء عدالته في هذا اليوم ولا يمكن ذلك في قاعدة اليقين أصلا
فلا يجوز أن يقطع فعلا بعدالته في يوم الجمعة ويشك أيضاً فعلا في أصل عدالته في
يوم الجمعة بل لا بد في قاعدة اليقين أن يكون اليقين والشك طوليين لا عرضيين في
زمان واحد.
(واما مدرك قاعدة
اليقين) فقد يتوهم ان أدلة الاستصحاب مما يشملها وان مدلولها مما لا يختص بالشك في
البقاء فقط بل الشك بعد اليقين ملغى مطلقاً سواء تعلق بنفس ما تيقنه أولا أم
ببقائه (قال الشيخ) أعلى الله مقامه وأول من صرح بذلك الفاضل السبزواري في الذخيرة
في مسألة من شك في بعض أفعال الوضوء حيث قال والتحقيق انه إن فرغ من الوضوء متيقنا
للإكمال ثم عرض له الشك فالظاهر عدم وجوب إعادة شيء لصحيحة زرارة ولا ينقض اليقين
أبداً بالشك (قال الشيخ) انتهى (ثم قال) ولعله تفطن له من كلام الحلي في السرائر
حيث استدل على المسألة المذكورة بأنه لا يخرج عن حال الطهارة إلا على يقين من
إكمالها وليس ينقض الشك اليقين (قال الشيخ) أيضاً انتهى (ثم قال) لكن هذا التعبير
من الحلي لا يلزم أن يكون استفادة من أخبار عدم نقض اليقين بالشك (قال) ويقرب من
هذا التعبير عبارة جماعة من القدماء لكن التعبير لا يلزم دعوى شمول الأخبار للقاعدتين
على ما توهمه غير واحد من المعاصرين وإن اختلفوا بين مدع لانصرافها إلى خصوص
الاستصحاب وبين منكر له عامل بعمومه (انتهى)
(ثم أخذ الشيخ)
أعلى الله مقامه في دفع التوهم المذكور وتضعيفه وقد أفاد في مقام الدفع وجهين.
(الوجه الأول) ما
ملخصه على طوله أن الظاهر من الأخبار الدالة على عدم نقض اليقين بالشك هو اتحاد
متعلق اليقين والشك فلا بدّ ان يلاحظ المتيقن والمشكوك في قاعدة الاستصحاب غير
مقيدين بالزمان وإلّا لم يجز استصحابه كما تقدم في رد شبهة من قال بتعارض الوجود
والعدم في شيء واحد يعني به الفاضل النراقي على ما تقدم شرح كلامه في ذيل استصحاب
الأمور التدريجية والمفروض في القاعدة الثانية كون الشك متعلقاً بالمتيقن السابق
بوصف وجوده في الزمان السابق ومن المعلوم عدم جواز إرادة الاعتبارين من اليقين
والشك في تلك الأخبار (إلى أن قال) ثم إذا ثبت عدم جواز إرادة المعنيين فلا بدّ أن
يخص مدلولها بقاعدة
الاستصحاب لورودها
في موارد تلك القاعدة كالشك في الطهارة من الحدث والخبث ودخول هلال شهر رمضان أو
شوال (انتهى).
(أقول)
والظاهر ان
المتيقن والمشكوك لم يلحظا حتى في قاعدة اليقين مقيدين بالزمان كي يقال انه لا
يمكن الجمع بين لحاظهما مقيدين فيها وبين لحاظهما غير مقيدين في الاستصحاب.
(نعم) إن الشك قد
لوحظ في إحداهما متعلقاً ببقاء ما تيقن به وفي أخراهما بأصل ما تيقن به
(فالأولى) في
تقريب عدم إمكان الجمع بين اللحاظين ان يقال إنه لا يمكن الجمع بين لحاظ الشك
متعلقاً ببقاء ما تيقن به ولحاظه متعلقاً بأصل ما تيقن به إلا ان ذلك أيضاً ضعيف
لجواز لحاظ الجامع بين الشكين حين الاستعمال فيستعمل الشك في ذلك الجامع الشامل
لكليهما ومن هنا صح تصريح الإمام عليهالسلام بالإطلاق والتسوية فيقول ولا ينقض اليقين أبداً بالشك
مطلقاً سواء كان الشك متعلقا بقاء ما تيقن به أو بأصل ما تيقن به وقد صرح الشيخ
أيضا في بعض كلام له في المقام بجواز تصريح الشارع بالإطلاق والتسوية فلو لم يجز
إرادة الجامع ثبوتاً لم يجز التصريح بالإطلاق والتسوية إثباتاً (وعليه) فاللازم في
مقام تضعيف دعوى شمول أخبار الاستصحاب لقاعدة اليقين ان يقال إن إرادة كلتا
القاعدتين جميعاً من الأخبار وإن أمكن ثبوتاً بلا محذور عقلي ولكنها خلاف الظاهر
بل الأخبار بقرينة المورد ظاهرة في خصوص الاستصحاب فقط والمورد وإن لم يكن هو
مخصصاً لعموم العام بلا كلام ولكنه قد جاز أن يمنع عن انعقاد الإطلاق والسريان بلا
شبهة.
(الوجه الثاني)
مما أفاده الشيخ أعلى الله مقامه في دفع توهم شمول أخبار الاستصحاب لقاعدة اليقين (ما
هذا لفظه) ثم لو سلمنا دلالة الروايات على ما
يشمل القاعدتين
لزم حصول التعارض في مدلول الرواية المسقط له عن الاستدلال به على القاعدة الثانية
لأنه إذا شك فيما تيقن سابقاً أعني عدالة زيد في يوم الجمعة فهذا الشك معارض
لفردين من اليقين أحدهما اليقين بعدالته المقيدة بيوم الجمعة الثاني اليقين بعدم
عدالته المطلقة قبل يوم الجمعة فيدل بمقتضى القاعدة الثانية على عدم نقض اليقين
بعدالة زيد يوم الجمعة باحتمال انتفائها في ذلك الزمان وبمقتضى قاعدة الاستصحاب
على عدم نقض اليقين بعدم عدالته قبل الجمعة باحتمال حدوثها في الجمعة فكل من طرفي
الشك معارض لفرد من اليقين.
(أقول)
ويرد عليه مضافاً
إلى انه لا يقين دائماً بعدم عدالته المطلقة قبل يوم الجمعة كي يحصل التعارض بين
القاعدتين على التقريب المذكور (ان قاعدة اليقين) واردة على قاعدة الاستصحاب رافعة
لموضوعها وهو الشك في البقاء ولو تعبداً فإنا إذا أخذنا في المثال بقاعدة اليقين
وبنينا بمقتضاها على حدوث عدالته في يوم الجمعة وثبوته فيه لم يبق شك في بقاء عدم
عدالته المطلقة إلى يوم الجمعة كي يستصحب العدم وهذا بخلاف ما إذا أخذنا فيه
بالاستصحاب واستصحبنا عدم عدالته المطلقة إلى يوم الجمعة فقد رفعنا اليد عن قاعدة
اليقين بلا مخصص لها وهذا باطل جداً.
(ثم إن هذا كله)
تمام الكلام في أخبار الاستصحاب مما فيه التعبير بلا ينقض اليقين أبداً بالشك
ونحوه (وأما موثقة) إسحاق بن عمار المتقدمة في أخبار الباب وهو قوله عليهالسلام إذا شككت فابن علي اليقين قال قلت هذا أصل قال نعم فقد
عرفت أنها مجملة مرددة بين قاعدة الاستصحاب وقاعدة اليقين فلا يصح الاستدلال بها
لشيء منهما وإرادة كلتا القاعدتين من لفظ واحد وإن جوزناها ثبوتاً ولكنه خلاف
الظاهر بلا شبهة (وأما قوله عليهالسلام) من كان على يقين فشك أو فأصابه شك فليمض على يقينه فإن
الشك لا ينقض اليقين أو فإن اليقين لا يدفع بالشك فالشيخ أعلى الله مقامه على ما
تقدم في أخبار الباب وإن حمله بدواً
على قاعدة اليقين
لظهوره في اختلاف زمان الوصفين المعتبر في قاعدة اليقين دون الاستصحاب ولكنك قد
عرفت جواب المصنف عنه بما لا بأس به (هذا مضافا) إلى ما ادعاه المصنف هناك من
ظهوره في الاستصحاب لقوله عليهالسلام في آخر الحديث فإن الشك لا ينقض اليقين أو فإن اليقين لا
يدفع بالشك فإنه إشارة إلى القضية المرتكزة في الاستصحاب الواردة في الصحاح
الثلاثة المتقدمة بل الشيخ أيضا قد أنصف هناك أخيراً واعترف بذلك (فقال) ولكن
الإنصاف أن قوله عليهالسلام فإن اليقين لا ينقض بالشك بملاحظة ما سبق في الصحاح من
قوله لا ينقض اليقين بالشك ظاهره مساوقته لها ويبعد حمله على المعنى الّذي ذكرنا
يعني به قاعدة اليقين (انتهى) (ثم إن الشيخ) أعلى الله مقامه قد ذكرها هنا توهم
الاستدلال لقاعدة اليقين بما دل على عدم الاعتناء بالشك في الشيء بعد تجاوز محله
وهكذا الاستدلال لها بأصالة الصحة في اعتقاد المسلم ولكنهما استدلالان لا يخلو ان
عن ضعف ووهن جداً فلا عبرة بهما.
في عدم جريان الاستصحاب مع الأمارة المعتبرة
(قوله المقام الثاني
انه لا شبهة في عدم جريان الاستصحاب مع الأمارة المعتبرة في مورده وانما الكلام في
انه للورود أو الحكومة أو التوفيق بين دليل اعتبارها وخطابه ... إلخ)
ليس من محتملات
العلة لعدم جريان الاستصحاب مع الأمارة المعتبرة هو التوفيق بين دليل اعتبارها
ودليله وذلك لما عرفت في قاعدة لا ضرر ولا ضرار وسيأتي في صدر التعادل والتراجيح
أيضاً من أن التوفيق العرفي ليس إلّا فيما إذا كان الدليلان على نحو لو عرضا على
العرف وفق بينهما بحمل أحدهما على الاقتضاء والآخر على العلية التامة وأن مرجع ذلك
هو إلى ترجيح أحد الدليلين بأقوائية المناط وأهمية
المقتضي وأن ذلك
لا يكون إلا عند تزاحم المتزاحمين فيكون أجنبياً عن المقام جداً (نعم) إن من
محتملات المقام كما يظهر من الشيخ أعلى الله مقامه غير الورود والحكومة التخصيص
ولم يذكره المصنف فما هو من محتملات المقام لم يذكره وما ذكره من التوفيق ليس من
محتملات المقام (اللهم) إلا إذا كان مقصوده من التوفيق هو التخصيص كما يظهر من
قوله الآتي وأما التوفيق فان كان بما ذكرنا فنعم الاتفاق وان كان بتخصيص دليله
بدليلها فلا وجه له.
في الإشارة إلى كل من التخصيص والتخصص
والورود والحكومة
(وكيف كان) قبل
الخوض في تحقيق المقام لا بد من الإشارة إلى كل من التخصيص والتخصص والورود
والحكومة (فنقول أما التخصيص) فهو إخراج بعض الأفراد عن تحت الحكم مع حفظ فرديته
ومصداقيته كما إذا قال إكرام العلماء ثم قال لا تكرم العالم الفاسق (وأما التخصص)
فهو خروج بعض الافراد عن تحت الدليل موضوعاً بلا حاجة إلى ما يخرجه كخروج زيد
الجاهل عن تحت قوله أكرم العلماء من دون حاجة إلى قول لا تكرم زيد الجاهل (واما
الورود) فهو ما إذا كان أحد الدليلين رافعاً لموضوع الآخر معدماً له من أصله (وإما
حقيقة) كما في الأمارات بالنسبة إلى الأصول العقلية كالبراءة العقلية والاحتياط
والتخيير العقليين فإن الأمارة إذا قامت على حكم أو موضوع ذي حكم فلا يكاد يبقى
معها موضوع لقبح العقاب بلا بيان بل ينقلب اللابيان إلى البيان وهكذا موضوع
الاحتياط والتخيير العقليين وهو احتمال العقاب وعدم الترجيح كما سيأتي في كلام
الشيخ أعلى الله مقامه لا يكاد يبقى مع الأمارة أصلا (وإما تعبداً) كما في
الأمارات
بالنسبة إلى
الأصول الشرعية كالبراءة الشرعية والاستصحاب بناء على كونه أصلا عملياً وقاعدتي
الحلّ والطهارة فإن الأمارة إذا قامت على شيء فالجهل وإن لم يرتفع معها حقيقة ولكن
لا جهل معها شرعاً بعد تنزيل الشارع لها منزلة العلم فلا يكاد يبقى معها مجال
لحديث الرفع ونحوه مما أخذ في موضوعه الجهل أو الشك (واما الحكومة) فهي ما إذا كان
أحد الدليلين ناظراً إلى الدليل الآخر مفسراً له متصرفاً فيه (إما في حكمه) كما
إذا قال أكرم العلماء ثم قال لا وجوب لإكرام العالم الفاسق والفرق بين المخصص وهذا
النحو من الحاكم مع مساواتهما في النتيجة ان المخصص لا نظر له إلى العام بخلاف
الحاكم فله نظر إلى المحكوم (وأما في متعلقه) كما إذا قال أكرم العلماء ثم قال
تقبيل الأقدام ليس بإكرام (واما في موضوعه) كما إذا قال أكرم العلماء ثم قال
العالم الفاسق ليس بعالم (ثم لا فرق) في تصرف الحاكم في المحكوم بين أن يكون بنحو
التضييق والتخصيص كما في الأمثلة المتقدمة كلها أو بنحو التوسعة والتعميم كما إذا
قال إكرام العلماء ثم قال ولد العالم عالم أو بنحو التغيير والتبديل كما إذا قال
لا تجالس الفقراء ثم قال ليس الفقير من لا مال له بل الفقير من لا دين له فالأوّل
يسمى حكومة مخصصة والثاني يسمى حكومة معممة وينبغي تسمية الثالث بالحكومة المغيّرة
ولم أر من تعرضها إلى الآن (كما لا فرق أيضاً) بين أن يكون الحاكم من أدلة الأحكام
الواقعية كما في جميع الأمثلة المتقدمة كلها فتكون الحكومة واقعية أو من أدلة
الأحكام الظاهرية كما إذا قال يشترط في الصلاة طهارة الثياب ثم قال كل شيء لك طاهر
حتى تعلم أنه قذر فيوسع الثاني دائرة الشرط ظاهراً ويجعل الشرط أعم من الطهارة
الواقعية والظاهرية أو قال يجب في الصلاة كذا وكذا من الأجزاء ثم قال رفع عن أمتي
ما لا يعلمون فيضيق الثاني دائرة الأجزاء ظاهرا ويخصصها بصورة العلم فقط فتكون
الحكومة ظاهرية ولا يكون العمل مجزياً عن الواقع إذا انكشف الخلاف على ما حققناه
في محله وإن كان المصنف قد التزم هناك بالإجزاء في الجملة على ما تقدم التفصيل فلا
نعيد (هذا
كله) شرح كل من
التخصيص والتخصص والورود والحكومة وقد أشار الشيخ أعلى الله مقامه إلى كل من
التخصيص والورود والحكومة في صدر التعادل والتراجيح وقال فيه بورود الأمارات على
الأصول العقلية وبحكومتها على الأصول الشرعية
هل الأمارات تقدم على الاستصحاب
بالتخصيص أو بالورود أو بالحكومة
(وقد صرح) الشيخ
في المقام بتقدم دليل الأمارات على دليل الاستصحاب بالحكومة (قال أعلى الله مقامه
ما لفظه) لكن الشأن في أن العمل به أي بما إقامة لشارع مقام العلم بالواقع من باب
تخصيص أدلة الاستصحاب أو من باب التخصص يعني به الورود كما ستعرف (الظاهر انه من
باب حكومة) أدلة تلك الأمور على أدلة الاستصحاب (وليس تخصيصاً) بمعنى رفع اليد عن
عموم أدلة الاستصحاب في بعض موارده كما ترفع اليد عنها في مسألة الشك بين الثلاث
والأربع ونحوها مما دل على وجوب البناء على الأكثر (ولا تخصصاً) بمعنى خروج المورد
بمجرد وجود الدليل عن مورد الاستصحاب لأن هذا مختص بالدليل العلمي المزيل بوجوده
للشك المأخوذ في مجري الاستصحاب (ومعنى الحكومة) على ما سيجيء في باب التعادل والترجيح
أن يحكم الشارع في ضمن دليل بوجوب رفع اليد عما يقتضيه الدليل الآخر لو لا هذا
الدليل الحاكم أو بوجوب العمل في مورد بحكم لا يقتضيه دليله لو لا الدليل الحاكم (قال)
وحاصله تنزيل شيء خارج عن موضوع دليل منزلة ذلك الموضوع في ترتيب أحكامه عليه يعني
به الحكومة المعممة (قال) أو داخل في موضوع منزلة الخارج منه في عدم ترتيب أحكامه
عليه يعني به الحكومة المخصصة (قال) ففيما نحن فيه إذا قال الشارع اعمل بالبينة
في نجاسة ثوبك
والمفروض أن الشك موجود مع قيام البينة على نجاسة الثوب فإن الشارع جعل الاحتمال
المخالف للبينة كالعدم فكأنه قال لا تحكم على هذا الشك بحكمه المقرر في قاعدة
الاستصحاب وافرضه كالمعدوم (انتهى).
(وقال في صدر
التعادل والتراجيح ما لفظه) (فإن كان) الأصل مما كان مؤداه بحكم العقل كأصالة
البراءة العقلية والاحتياط والتخيير العقليين فالدليل أيضاً يعني الاجتهادي وارد
عليه ورافع لموضوعه لأن موضوع الأول عدم البيان وموضوع الثاني احتمال العقاب ومورد
الثالث عدم الترجيح لأحد طرفي التخيير وكل ذلك مرتفع بالدليل العلمي المذكور يعني
بما ثبت اعتباره بالعلم (وإن كان) مؤداه من المجعولات الشرعية كالاستصحاب ونحوه
كان ذلك الدليل حاكماً على الأصل بمعنى انه يحكم عليه بخروج مورده عن مجري الأصل
فالدليل العلمي المذكور يعني ما ثبت اعتباره بالعلم وإن لم يرفع موضوعه أعني الشك
إلّا أنه يرفع حكم الشك أعني الاستصحاب (ثم قال) وضابط الحكومة أن يكون أحد
الدليلين بمدلوله اللفظي متعرضاً لحال الدليل الآخر ورافعاً للحكم الثابت بالدليل
الآخر عن بعض أفراد موضوعه فيكون مبيناً لمقدار مدلوله مسوقاً لبيان حاله متفرعاً
عليه (إلى ان قال) والفرق بينه وبين التخصيص ان كون التخصيص بياناً للعام بحكم
العقل الحاكم بعدم جواز إرادة العموم مع القرينة الصارفة وهذا بيان بلفظه للمراد
ومفسر للمراد من العام (انتهى) موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه.
(أقول)
وقد اضطرب مجموع
كلماته الشريفة في المقامين في تحقيق حال الحكومة (فمن بعضها) يظهر ان الحكومة هي
تنزيل ما ليس بموضوع حقيقة منزلة الموضوع مثل قوله ولد العالم عالم أو تنزيل ما هو
من الموضوع حقيقة منزلة ما ليس بموضوع مثل قوله العالم الفاسق ليس بعالم (ومن
بعضها) يظهر ان الحكومة هي رفع حكم الدليل المحكوم عن بعض افراده نظير التخصيص غير
ان الحاكم بمدلوله اللفظي
يكون متعرضاً لحال
المحكوم وناظراً إليه بخلاف المخصص فلا يكون بمدلوله اللفظي متعرضاً لحال العام بل
بحكم العقل يكون بياناً له.
(وكيف كان) الأمر
إن الحق في المقام أن تقدم الأمارات على الاستصحاب وهكذا على سائر الأصول العملية
يكون بالورود ولو قلنا بكون الاستصحاب أمارة لا أصلا عملياً فانها رافعة لموضوعه
المأخوذ في لسان دليله وهو الشك ولو تعبداً لا وجداناً مزيل معدم له ولو شرعاً لا
حقيقة ولا ينحصر الورود بالدليل العلمي المزيل للشك حقيقة كما يظهر من الشيخ أعلى
الله مقامه (واما الحكومة) فهي مما تحتاج إلى شرح ونظر كما اعترف به الشيخ ولا نظر
لدليل الأمارات إلى أدلة الاستصحاب بوجه أصلا (هذا كله) من امر الشيخ أعلى الله
مقامه في وجه تقدم الأمارات على الاستصحاب مع بيان ما اخترناه في المقام بنحو
الاختصار.
(واما المصنف)
فحاصل كلامه في المقام هو عين ما اخترناه من تقدم الأمارات على الاستصحاب بالورود
لكن بتعبير آخر غير ما ذكرناه نحن آنفاً وهو ان الأمارات مهما قامت على خلاف
اليقين السابق فرفع اليد عنه لا يكون نقضا لليقين بالشك بل باليقين أي باليقين
التنزيلي يعني به الحجة وهكذا الأمر فيما إذا قامت الأمارة المعتبرة على وفق
اليقين السابق فعدم رفع اليد عنه ليس لأجل أن لا يلزم نقض اليقين بالشك بل من جهة
لزوم العمل بالحجة أي باليقين التنزيلي وانتفاء الشك ولو تعبداً لا حقيقة فيكون
مرجعه بالأخرة إلى ما ذكرناه آنفاً من التقريب فلا تغفل.
(هذا وللورود
تقريب ثاني) في المقام وهو ان موضوع الاستصحاب عبارة عن عدم الدليل وهو يرتفع
بقيام الأمارة المعتبرة (والفرق) بين هذا التقريب وتقريبنا المتقدم أن الأمارة على
تقريبنا رافعة لموضوع الاستصحاب وهو الشك تعبداً لا حقيقة نظرا إلى بقاء الشك معها
واقعاً بخلافها على هذا التقريب فانها رافعة لموضوع الاستصحاب وهو عدم الدليل
حقيقة فينقلب اللادليل إلى الدليل نظير
ورود الأمارات على
الأصول العقلية عيناً (وقد أشار الشيخ) أعلى الله مقامه إلى كلا التقريبين للورود
بعبارة مختصرة (قال) بعد عبارته المتقدمة (ما لفظه) وربما يجعل العمل بالأدلة في
مقابل الاستصحاب من باب التخصص يعني به الورود كما أشرنا قبلا (قال) بناء على أن
المراد من الشك عدم الدليل والطريق والتحير في العمل ومع قيام الدليل الاجتهادي لا
حيرة (ثم قال) وإن شئت قلت ان المفروض دليلا قطعي الاعتبار فنقض الحالة السابقة
نقض باليقين (انتهى) (وعلى كل حال) يرد على التقريب الثاني للورود ما لا يخفى فإن
الظاهر من الشك المأخوذ في أخبار الاستصحاب هو معناه الحقيقي وهو خلاف اليقين كما
تقدم في التنبيه الرابع عشر لا عدم الدليل (وعليه) فبقيام الأمارة المعتبرة وان
كان يرتفع موضوع الاستصحاب من البين ولكن رفعاً تعبدياً شرعياً لا حقيقياً
وجدانياً وهذا واضح.
(قوله لا يقال نعم هذا
لو أخذ بدليل الأمارة في مورده ولكنه لم لا يؤخذ بدليله ويلزم الأخذ بدليلها ...
إلخ)
هذا الإشكال متوجه
إلى القول بورود الأمارات على الاستصحاب مطلقاً سواء كان الورود بتقريبنا المتقدم
أو بالتقريب الثاني (وحاصله) انه نعم ان الأمارة واردة على الاستصحاب لو أخذ
بدليلها في مورد الاجتماع مع الاستصحاب ولكن لما ذا لا يؤخذ بدليل الاستصحاب ويؤخذ
بدليل الأمارة (ومرجع هذا الإشكال) لدى الحقيقة إلى عدم مرجح لتقديم جانب الأمارة
على جانب الاستصحاب كي تكون واردة عليه (ويمكن أن يقال) إن أصل هذا الإشكال من
الشيخ أعلى الله مقامه حيث يظهر منه انه لو لا حكومة دليل الأمارة على الاستصحاب
فلا ترجيح لأحدهما على الآخر (قال) في الرد على تقريبي الورود بعد ما أفادهما بتلك
العبارة المختصرة (ما لفظه) وفيه انه لا يرتفع التحير ولا يصير الدليل الاجتهادي
قطعي الاعتبار في خصوص مورد الاستصحاب الا بعد إثبات كون مؤداه حاكماً على
مؤدي الاستصحاب
وإلا أمكن أن يقال إن مؤدي الاستصحاب وجوب العمل على الحالة السابقة مع عدم اليقين
بارتفاعها سواء كان هناك الأمارة الفلانية أم لا ومؤدي دليل تلك الأمارة وجوب
العمل بمؤداه خالف الحالة السابقة أم لا ولا يندفع مغالطة هذا الكلام إلّا بما
ذكرنا من طريق الحكومة كما لا يخفى (انتهى) (وحاصل جواب المصنف) عن الإشكال ان
المرجح لتقديم جانب الأمارة على جانب الاستصحاب هو أنا لو أخذنا بجانب الأمارة فلا
يلزم منه شيء سوى ارتفاع موضوع الاستصحاب بها وهو الشك ولزوم نقض اليقين باليقين
وهذا ليس بمحذور وإن أخذنا بجانب الاستصحاب ورفعنا اليد عن الأمارة (فإن كان) ذلك
بدون ما يخرج الأمارة عن تحت عموم أدلة الاعتبار فهذا تخصيص بلا مخصص (وإن كان)
لأجل الاستصحاب وكونه مخصصاً لأدلة اعتبارها فهذا دور فإن مخصصة الاستصحاب لها
يتوقف على اعتبار الاستصحاب مع الأمارة واعتبار الاستصحاب مع الأمارة يتوقف على
مخصصيته لها وإلّا فلا مورد له معها لما عرفت من ورود الأمارة عليه (وعليه) ففي
مورد الاجتماع لا بد من الأخذ بدليل الأمارة دون الاستصحاب لئلا يلزم محذور
التخصيص بلا مخصص أو التخصيص على وجه دائر.
(قوله وأما حديث
الحكومة فلا أصل له أصلا فإنه لا نظر لدليلها إلى مدلول دليله إثباتاً ... إلخ)
جواب عما ادعاه
الشيخ أعلى الله مقامه من حكومة أدلة الأمارات على دليل الاستصحاب (وحاصل الجواب)
ان الحكومة كما أشرنا قبلا هي مما تحتاج إلى نظر وشرح ولا نظر لدليل الأمارات إلى
مدلول دليل الاستصحاب إثباتاً وان كان دالا على إلغاء الاستصحاب معها ثبوتاً
وواقعاً لمنافاة لزوم العمل بها مع العمل به لو كان على خلافها ولكن هذا المعنى
كما أنه موجود في طرف الأمارة فكذلك موجود في طرف الاستصحاب أيضاً لمنافاة وجوب
العمل به مع العمل
بها لو كانت هي
على خلافه (هذا) مضافاً إلى ان المقصود من الحكومة لو كان ما ذكره الشيخ أعلى الله
مقامه فتختص الحكومة بما إذا كان الاستصحاب مخالفاً للأمارة دون ما إذا كان
موافقاً لها وذلك لعدم منافاة وجوب العمل بها حينئذ مع العمل به ولا نظن أن يلتزم
به الشيخ في المقام.
(أقول)
ليس مقصود الشيخ
أعلى الله مقامه من حكومة دليل الأمارات على الاستصحاب هو ما ذكره المصنف من
الدلالة على إلغاء الاستصحاب معها ثبوتاً لمنافاة وجوب العمل بها مع العمل به كي
تختص الحكومة حينئذ بما إذا كان الاستصحاب مخالفاً للأمارة بل مقصوده كما بينا هو
تنزيل ما ليس بموضوع حقيقة منزلة الموضوع أو تنزيل ما هو الموضوع حقيقة منزلة ما
ليس بموضوع أو هو رفع حكم الدليل المحكوم عن بعض أفراده مع الشرح والنّظر بالمدلول
اللفظي وهذا مما لا يوجب التخصيص بما إذا كان الاستصحاب مخالفا للأمارة دون ما إذا
كان موافقاً لها كما لا يخفى.
(قوله وأما التوفيق فإن
كان بما ذكرنا فنعم الاتفاق وإن كان بتخصيص دليله بدليلها فلا وجه له ... إلخ)
نفي لاحتمال
التخصيص في المقام كما نفاه الشيخ أعلى الله مقامه في كلامه المتقدم (حيث قال)
وليس تخصيصاً بمعنى رفع اليد عن عموم أدلة الاستصحاب في بعض موارده كما ترفع اليد
عنها في مسألة الشك بين الثلاث والأربع ونحوها مما دل على وجوب البناء على الأكثر (انتهى)
غير أن الشيخ أعلى الله مقامه لم يعلل نفي التخصيص بشيء ولعله لوضوحه والمصنف قد
علله (بما حاصله) ان مع الأخذ بدليل الأمارة لا يكون نقض اليقين السابق بالشك بل
باليقين أي التنزيلي لا انه نقض لليقين بالشك ولا يكون منهياً عنه كما هو شأن
التخصيص بأن يرفع الحكم
عن الفرد مع حفظ
فرديته ومصداقيته للعام كرفع وجوب الإكرام عن العالم الفاسق مع كونه فرداً
ومصداقاً للعلماء.
(أقول)
هذا مضافاً إلى
انه يعتبر في التخصيص أن تكون النسبة بين العام والخاصّ عموماً مطلقاً وليست
النسبة بين الأمارة والاستصحاب كذلك بل عموم من وجه فقد تكون الأمارة ولا استصحاب
وقد يكون الاستصحاب ولا أمارة وقد يجتمعان جميعا وهذا واضح.
في ورود الاستصحاب على سائر الأصول
(قوله خاتمة لا بأس
ببيان النسبة بين الاستصحاب وسائر الأصول العملية وبيان التعارض بين الاستصحابين
أما الأول فالنسبة بينه وبينهما هي بعينها النسبة بين الأمارة وبينه ... إلخ)
فكما ان الأمارة
كانت هي واردة على الاستصحاب فكذلك الاستصحاب هو وارد على سائر الأصول العملية أي
على البراءة والاشتغال والتخيير غايته أنه وارد على البراءة الشرعية وروداً
تعبدياً بمعنى كونه رافعاً لموضوعها أي الشك رفعاً شرعيا لا حقيقياً وذلك لبقاء
الشك واقعاً ووارد على الأصول العقلية الثلاثة وروداً حقيقياً جديا لارتفاع
موضوعها بالاستصحاب واقعاً فمع الاستصحاب (يرتفع اللابيان) الّذي هو موضوع البراءة
العقلية وينقلب إلى البيان (ويرتفع أيضا عدم الأمن من العقوبة) الّذي هو موضوع
قاعدة الاحتياط وقد نشأ عدم الأمن من العلم الإجمالي بالتكليف وينقلب إلى الأمن
فإذا علم إجمالا بخمرية أحد الإناءين وكان أحدهما المعين خمرا سابقاً والآخر خلا
جرى الاستصحاب فيهما جميعاً وانحل العلم الإجمالي من أصله وحصل الأمن من العقاب في
مستصحب الخلية (ويرتفع أيضاً
عدم الترجيح)
الّذي هو موضوع حكم العقل بالتخيير في دوران الأمر بين المحذورين وينقلب إلى
الترجيح فإذا علم إجمالا ان صلاة الجمعة إما واجبة أو محرمة وكانت الحالة السابقة
هي الوجوب جرى استصحاب الوجوب ولا يستقل معه العقل بالتخيير بين الفعل والترك
أبداً.
(ثم إن الشيخ)
أعلى الله مقامه الّذي قد قال بحكومة الأمارات على الاستصحاب يقول في المقام أيضا
بحكومة الاستصحاب على البراءة الشرعية لكن في الجملة أي بالنسبة إلى بعض أدلتها
مثل قوله كل شيء مطلق حتى يرد فيه نهي ونحوه واما بالنسبة إلى ما كان مساوقا لحكم
العقل أو بالنسبة إلى الأصول العقلية الثلاثة فيكون الاستصحاب وارداً عليها رافعاً
لموضوعها من أصله.
(أقول)
(أما التفصيل) بين
أدلة البراءة الشرعية فهو حق فما كان مأخوذاً في موضوعه عدم البيان مثل قوله تعالى
وما كان الله ليضل قوماً بعد إذ هديهم حتى يبين لهم ما يتقون أو ان الله يحتج على
العباد بما آتاهم وعرّفهم ونحو ذلك فهو ملحق بالأصول العقلية فيكون الاستصحاب
وارداً عليه رافعاً لموضوعه حقيقة (وإما حكومة الاستصحاب) على ساير أدلة البراءة
الشرعية فهي غير واضحة لنا ولا معلومة وذلك لما علمت من اشتراط الحكومة بالشرح
والنّظر ولا نظر لأدلة الاستصحاب إلى مدلول أدلتها أصلا.
(فالأولى) هو
الالتزام بوروده عليها تعبداً كما تقدم منا آنفاً بمعنى انتفاء موضوعها به شرعاً
لا حقيقة فتأمل جيداً.
(قوله فيقدم عليها ...
إلخ)
أي بالورود وذلك
لعين ما تقدم منه في وجه تقدم الأمارات على الاستصحاب حرفاً بحرف.
(قوله ولا مورد معه
لها للزوم محذور التخصيص إلا بوجه دائر في العكس وعدم محذور فيه أصلا ... إلخ)
أي ولا مورد مع
الاستصحاب لسائر الأصول العملية أصلا (فلو قيل) كما تقدم في وجه تقدم الأمارات على
الاستصحاب هذا لو أخذ بدليل الاستصحاب في مورد الأصول ولكن لما ذا لا يؤخذ بدليلها
ويلزم الأخذ بدليله (قلنا) في جوابه ما تقدم هناك حرفاً بحرف من أن ذلك ليس إلا
لأجل انه لو أخذنا بدليل الاستصحاب لم يلزم منه شيء سوى ارتفاع موضوع ساير الأصول
بسببه وهذا ليس بمحذور ولو أخذنا بدليل ساير الأصول دون الاستصحاب فيلزم منه (إما
التخصيص) بلا مخصص إن رفعنا اليد عن الاستصحاب بدون ما يخرجه عن تحت دليله (وأما
على وجه) دائر إن رفعنا اليد عنه لأجل كون ساير الأصول مخصصة لدليله فإن مخصصيتها
له مما يتوقف على اعتبارها معه واعتبارها معه مما يتوقف على مخصصيتها له وإلا
فيكون الاستصحاب وارداً عليها وهو دور محال كما تقدم شرحه هناك (ثم إن هذا الإشكال)
إنما يجري في خصوص تقدم الاستصحاب على الأصول الشرعية كالبراءة الشرعية ونحوها
وأما على الأصول العقلية فلا يكاد يجري فإن موضوع الأصول العقلية مما يرتفع
بالاستصحاب رفعاً حقيقياً واقعياً ومعه لا يكاد يبقى مجال لأن يقال لما ذا لا يؤخذ
بدليلها ويؤخذ بدليله (وقد أشار المصنف) إلى ذلك كله بقوله في الكتاب هذا في
النقليّة منها وأما العقلية فلا يكاد يشتبه وجه تقديمه عليها بداهة عدم الموضوع
معه لها ... إلخ.
في تزاحم الاستصحابين
(قوله واما الثاني
فالتعارض بين الاستصحابين ان كان لعدم إمكان العمل بهما بدون علم بانتقاض الحالة
السابقة في أحدهما كاستصحاب وجوب أمرين حدث بينهما التضاد في زمان الاستصحاب فهو
من باب تزاحم الواجبين إلى آخره)
كاستصحاب وجوب
إكرام كل من زيد وعمرو مع حدوث التضاد بين الإكرامين فعلا على نحو لا يمكن الإتيان
بهما جميعاً لعدم القدرة عليهما ولكن الاستصحابين ليسا متعارضين لعدم العلم
الإجمالي بانتقاض الحالة السابقة في أحدهما ليكون خارجاً عن تحت دليل الاعتبار
رأساً وخالياً عن المناط ثبوتاً بل هما من باب تزاحم الواجبين كما صرح في الكتاب
وهما الإكرامان في المثال المذكور الوجدان لمناط الوجوب الشرعي جداً.
في الأصل السببي والمسببي
(قوله وإن كان مع
العلم الإجمالي بانتقاض الحالة السابقة في أحدهما إلى آخره)
الاستصحابان
المتعارضان لأجل العمل الإجمالي بانتقاض الحالة السابقة في أحدهما الموجب لخروج
أحدهما عن تحت دليل الاعتبار رأساً (اما يكونان) طوليين بان كان الشك في أحدهما
مسبباً عن الشك في الآخر على نحو لو ارتفع الشك في السبب ارتفع الشك في المسبب
كالشك في بقاء نجاسة الثوب المغسول بماء شك في بقاء طهارته (وإما يكونان) عرضيين
كاستصحاب طهارة الإناءين مع العلم الإجمالي
بنجاسة أحدهما
بملاقاته للنجس أو استصحاب نجاسة الإناءين بعد العلم الإجمالي بطهارة أحدهما
بملاقاته الكر.
(اما القسم الثاني)
فسيأتي حكمه عند قول المصنف وإن لم يكن المستصحب في أحدهما من الآثار الأخر ...
إلخ.
(واما القسم الأول)
فحاصل الكلام فيه انه هل يقدم الأصل السببي على المسببي أم لا بل يتعارضان فيه
قولان.
(الأول) هو مختار
الشيخ أعلى الله مقامه وتبعه المصنف ومن تأخر عنهما ولعله المشهور بين من تقدمهما.
(والثاني) هو
مختار شيخ الطائفة في المبسوط والمحقق في المعتبر والعلامة في بعض كتبه وجماعة من
متأخري المتأخرين.
(قال الشيخ) أعلى
الله مقامه بعد ما اختار القول الأول واستدل له بأمور أربعة ستأتي الإشارة إليها
جميعاً (ما لفظه) ثم انه يظهر الخلاف في المسألة من جماعة منهم الشيخ والمحقق
والعلامة في بعض أقواله وجماعة من متأخري المتأخرين (قال) فقد ذهب الشيخ في
المبسوط إلى عدم وجوب فطرة العبد إذا لم يعلم خبره واستحسنه المحقق في المعتبر
مجيباً عن الاستدلال للوجوب بأصالة البقاء بأنها معارضة بأصالة عدم الوجوب (إلى ان
قال) وقد صرح في أصول المعتبر بأن استصحاب الطهارة عند الشك في الحدث معارض
باستصحاب عدم براءة الذّمّة بالصلاة بالطهارة المستصحبة (إلى ان قال) وحكى عن
العلامة في بعض كتبه الحكم بطهارة الماء القليل الواقع فيه صيد مرمي لم يعلم
استناد موته إلى الرمي لكنه اختار في غير واحد منها الحكم بنجاسة الماء وتبعه عليه
الشهيدان وغيرهما وهو المختار بناء على ما عرفت تحقيقه وانه إذا ثبت بأصالة عدم
التذكية موت الصيد جرى عليه جميع أحكام الميتة التي منها انفعال الماء الملاقي له (انتهى)
موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه.
(ثم إن المصنف) قد
استدل لتقديم السببي على المسببي بعين ما استدل به لتقديم الأمارة على الاستصحاب
من الورود (فكما) قال هناك إن رفع اليد عن اليقين السابق مع قيام الأمارة المعتبرة
على خلافه لا يكون من نقض اليقين بالشك بل باليقين (فكذلك) يقول في المقام ان رفع
اليد عن اليقين السابق بنجاسة الثوب في المثال المتقدم مع استصحاب طهارة الماء
المغسول به ليس من نقض اليقين بالشك بل باليقين (وكما قال هناك) في جواب إشكال عدم
المرجح لتقديم جانب الأمارة على الاستصحاب ما حاصله ان الأخذ بجانب الأمارة مما لا
يلزم منه شيء سوى لزوم نقض اليقين باليقين وهو ليس بمحذور بخلاف الأخذ بجانب
الاستصحاب فيلزم منه إما التخصيص بلا مخصص أو على وجه دائر (فكذلك) يقول في المقام
في جواب إشكال عدم المرجح لتقديم جانب السببي على المسببي مما حاصله ان الأخذ
بجانب السببي مما لا يلزم منه شيء سوى نقض اليقين باليقين وهو ليس بمحذور بخلاف
الأخذ بجانب المسببي فيلزم منه إما التخصيص بلا مخصص أو على وجه دائر ففي المثال
المتقدم إن أخذنا باستصحاب طهارة الماء وبنينا على طهارة الثوب المغسول به فلا
يلزم منه شيء سوى نقض اليقين السابق بنجاسة الثوب باليقين بطهارة الظاهرية الناشئة
من استصحاب طهارة الماء وهذا ليس بمحذور وإن أخذنا باستصحاب نجاسة الثوب المغسول
بماء شك في بقاء طهارة فإن رفعنا اليد عن استصحاب طهارة الماء بدون ما يخرجه عن
تحت دليل الاستصحاب فهذا تخصيص بلا مخصص وإن رفعنا اليد عنه لأجل كون استصحاب
نجاسة الثوب مخصصاً له فهذا دور فإن مخصصية المسببي للسببي مما يتوقف على اعتباره
معه واعتباره معه مما يتوقف على مخصصيته له وإلّا لكان السببي وارداً عليه وهذا هو
الدور المحال.
(أقول)
إنك قد عرفت
اختلاف تعبيرنا مع تعبير المصنف في تقريب ورود الأمارات على
الاستصحاب وأن
تعبيرنا كان أسهل وأخصر (وعليه) فنقول في المقام على نحو ما تقدم منا هناك من أن
الأصل السببي رافع الموضوع المسببي وهو الشك ولو شرعاً لا حقيقة فلا يبقي له مع
السببي مجال أصلا وهذا من غير فرق بين أن يكون السببي والمسببي متخالفين كما في
المثال المذكور أو متوافقين كالشك في بقاء طهارة الثوب المغسول بماء شك في بقاء
طهارته ففي كلا الموردين يقدم السببي ولا يكاد تصل النوبة إلى المسببي أصلا وذلك
لارتفاع موضوعه به أي الشك بالأصل السببي ولو رفعاً تعبدياً لا حقيقياً فتأمل
جيداً.
(قوله فتارة يكون
المستصحب في أحدهما من الآثار الشرعية لمستصحب الآخر ... إلخ)
ولا يكون ذلك الا
في السببي والمسببي المتوافقين ولم يذكرهما المصنف كالشك في بقاء طهارة الثوب
المغسول بماء شك في بقاء طهارته فيكون بقاء طهارة الثوب من الآثار الشرعية لبقاء
طهارة الماء لا مطلقاً ولو في السببي والمسببي المتخالفين كالشك في بقاء نجاسة
الثوب المغسول بماء شك في بقاء طهارته فان المستصحب هاهنا في المسببي ليس إلا
نجاسة الثوب وهي ليست من الآثار الشرعية لبقاء طهارة الماء بل ارتفاع المستصحب
يكون من الآثار الشرعية لمستصحب السببي وهذا واضح
(قوله فاستصحاب نجاسة
الثوب نقض لليقين بطهارته ... إلخ)
أي بطهارة الماء
(قوله وبالجملة فكل من
السبب والمسبب وإن كان موردا للاستصحاب إلا ان الاستصحاب في الأول بلا محذور
بخلافه في الثاني ففيه محذور التخصيص بلا وجه إلّا بنحو محال ... إلخ)
شروع في الجواب عن
إشكال عدم المرجح لتقديم جانب السببي على المسببي كي يكون وارداً عليه وقد عرفت
منا تقريب الجواب فلا نعيد (ثم ان الشيخ) أعلى الله مقامه قد استدل كما أشرنا قبلا
لتقدم السببي على المسببي بأمور أربعة.
(الأول) الإجماع.
(الثاني) مانعية
السببي عن شمول العام للمسببي.
(الثالث) انه لو
لم بين على تقديم السببي كان الاستصحاب قليل الفائدة.
(الرابع) ان
المستفاد من الأخبار عدم الاعتبار باليقين السابق في المسببي (ثم إن) أوجه الوجوه
الأربعة بعد التدبر التام في مجموعها هو الوجه الثاني منها وله أعلى الله مقامه
عبارات مشوشة في بيانه قد ذكر بعضها في المتن وبعضها في الهامش وقد رقم على بعضها
نسخة بدل وعلى بعضها زائد واضطرب ربط بعضها ببعض ونحن نذكر ملخص الجميع وزبدته ولا
نطيل المقام بذكر العبارات بعينها على التفصيل (فنقول) إن ملخص الكلام أن شمول
قوله عليهالسلام ولا ينقض اليقين بالشك لليقين والشك في السببي مما بمنع عن
شموله لليقين والشك في المسببي لأن اليقين فيه على هذا الفرض قد انتقض بالدليل فلا
يكون من نقض اليقين بالشك بل بالدليل فلا يكون منكراً بخلاف ما إذا شمل القول
المذكور اليقين والشك في المسببي فإنه مستلزم لنقض اليقين بالشك في السببي بدون ما
يخرجه عن تحت عموم لا ينقض اليقين بالشك وهذا هو أمر منكر ولا يخفى ان مرجع ذلك
كله تقريباً إلى ما أفاده المصنف في وجه تقدم الأمارات على الاستصحاب وتقدم
الاستصحاب على ساير الأصول وتقدم السببي على المسببي وكأن كلام المصنف قبلا كان
مأخوذاً من كلام الشيخ هاهنا والله العالم.
(قوله نعم لو لم يجر
هذا الاستصحاب بوجه لكان الاستصحاب المسببي جارياً ... إلخ)
ففي المثال
المتقدم إذا لم يجر استصحاب طهارة الماء لكونه من أطراف العلم الإجمالي بالنجاسة
جرى استصحاب نجاسة الثوب المغسول به أو استصحاب طهارته إن كان في السابق طاهراً.
(وبالجملة) إذا
سقط الأصل السببي الوارد على المسببي فلا محالة تصل النوبة
إلى الأصل المسببي
سواء كان المسببي مخالفاً مع السببي أو موافقاً له.
في تعارض الاستصحابين
(قوله وإن لم يكن
المستصحب في أحدهما من الآثار للآخر ... إلخ)
هذا شروع في بيان
القسم الثاني من الاستصحابين المتعارضين وهو أن يكون الاستصحابان عرضيين كاستصحاب
طهارة الإناءين مع العلم الإجمالي بنجاسة أحدهما لا طوليين كما في القسم الأول
المتقدم ذكره وهو الأصل السببي والمسببي (وحاصله كلامه) في القسم الثاني أن
الاستصحابين المتعارضين بل مطلق الأصلين المتعارضين ولو لم يكونا استصحابين
كقاعدتي الطهارة ونحوهما (إن كانا) في أطراف علم إجمالي بتكليف فعلي لم يجز
إجراؤهما جميعاً للزوم المخالفة القطعية ولا إجراء بعضهما دون بعض للزوم المخالفة
الاحتمالية وقد تقدم في صدر الاشتغال حرمة المخالفة القطعية ووجوب الموافقة
القطعية لو كان التكليف المعلوم بالإجمالي فعلياً من جميع الجهات (وأما إذا لم
يكونا) في أطراف علم إجمالي بتكليف فعلي بحيث إذا جريا جميعاً لم يلزم مخالفة
قطعية وإذا جرى بعضها دون بعض لم يلزم مخالفة احتمالية جرى الأصلان جميعاً فضلا عن
جريان أحدهما دون الآخر وذلك كما في استصحابي النجاسة في أطراف العلم الإجمالي
بالطهارة أو كإجراء الأصلين في دوران الأمر بين المحذورين بأن يجري الأصول عن كل
من الوجوب والحرمة المعلوم أحدهما بالإجمال (ووجه الجريان) وجود المقتضي وفقد
المانع (أما وجود المقتضي) فلإطلاق دليل الأصل وشموله لأطراف العلم الإجمالي كما
يشمل الشبهات البدوية عيناً (واما فقد المانع) فلأن المفروض عدم لزوم مخالفة قطعية
أو احتمالية لتكليف فعلي سوى المخالفة الالتزامية كالالتزام بنجاسة الإناءين مع
العلم الإجمالي بطهارة أحدهما واقعاً أو الالتزام بإباحة الفعل مع العلم الإجمالي
بأنه إما واجب أو
حرام واقعاً وهي
ليست بمحذور لا شرعاً ولا عقلا وذلك لما تقدم في الأمر الخامس من بحث القطع من عدم
وجوب الموافقة الالتزامية لعدم الدليل عليه أصلا فلا تحرم المخالفة الالتزامية
أبداً لا قطعيها ولا احتماليها.
(أقول)
قد ذكرنا في صدر
بحث الاشتغال وجوهاً عديدة لوجوب الاحتياط وعدم جريان الأصول في أطراف العلم
الإجمالي.
(منها) منجزية
العلم الإجمالي بنحو العلية التامة.
(ومنها) معارضة
الأصول في أطراف العلم الإجمالي.
(ومنها) كون
التمسك بدليل الأصل في كل منها تمسكاً بالدليل في الشبهة المصداقية (وحينئذ فإن
اعتمدنا) في وجه وجوب الاحتياط في أطراف العلم الإجمالي وعدم جريان الأصول في شيء
منها لا كلا ولا بعضاً على الوجه الأول أي على منجزية العلم الإجمالي بنحو العلية
التامة بحيث لا يمكن الترخيص في أطرافه لا كلا للزوم المناقضة مع التكليف المعلوم
بالإجمال ولا بعضاً للزوم احتمال المناقضة معه (فالامر) كما ذكره المصنف بمعنى انه
تجري الأصول حينئذ في أطراف العلم الإجمالي بتمامها فيما لم يلزم منه مخالفة عملية
لا قطعية ولا احتمالية كما في دوران الأمر بين المحذورين وكما في استصحابي النجاسة
في طرفي العلم الإجمالي بطهارة أحدهما وذلك لوجود المقتضي وفقد المانع كما تقدم
آنفاً (وأما إذا لم نعتمد) على الوجه الأول لما تقدم منا في بحث القطع مبسوطاً وفي
صدر الاشتغال مختصراً من بيان بطلانه وفساده نظراً إلى جواز الترخيص في أطراف
العلم الإجمالي كلا وبعضاً من دون أن يلزم منه مناقضة ولا احتمال مناقضة (بل قد
اعتمدنا) في وجه وجوب الاحتياط على خصوص الوجه الثاني والثالث (فلا يكاد تجري
الأصول) في أطراف العلم الإجمالي أصلا ولو لم تلزم منه مخالفة عملية لا قطعية ولا
احتمالية وذلك لقصور نفس أدلة الأصول عن الشمول لها على ما عرفت تفصيله هناك (وعليه)
فما ادعاه
المصنف في المقام
من جريان الأصلين فيما لم يلزم منه مخالفة عملية لوجود المقتضي وفقد المانع مما لا
وجه له بعد ما عرفت من فقد المقتضي من أصله.
(نعم) لو سلم وجود
المقتضي فلا مانع عنه حتى لو قلنا بكون المخالفة الالتزامية محذوراً شرعاً وعقلا
وذلك لما تقدم في القطع في الأمر الخامس من عدم التنافي بين الالتزام الإجمالي بما
هو الثابت للشيء واقعاً وبين الالتزام بإباحته ظاهراً من جهة الأصل (فما يلوح من
المصنف) هاهنا من وجود المانع لو قلنا بكون المخالفة الالتزامية محذوراً شرعاً
وعقلا (حيث قال) وأما فقد المانع فلأجل أن جريان الاستصحاب في الأطراف لا يوجب
إلّا المخالفة الالتزامية وهو ليس بمحذور لا شرعاً ولا عقلا ... إلخ مما لا وجه له
(وقد اعترف المصنف) هناك بعدم التنافي وغفل عنه في المقام وكأنه لبعد المسافة (فقال
هناك ما لفظه) ثم لا يذهب عليك انه على تقدير لزوم الموافقة الالتزامية وكان
المكلف متمكناً منها يجب ولو فيما لا يجب عليه الموافقة القطعية عملا ولا تحرم
المخالفة القطعية عليه كذلك أيضا لامتناعهما كما إذا علم إجمالا بوجوب شيء أو
حرمته للتمكن من الالتزام بما هو الثابت واقعاً والانقياد له والاعتقاد به بما هو
الواقع والثابت وإن لم يعلم انه الوجوب أو الحرمة (إلى أن قال) ومن هنا قد انقدح
انه لا يكون من قبل لزوم الالتزام مانع عن إجراء الأصول الحكمية أو الموضوعية في
أطراف العلم لو كانت جارية مع قطع النّظر عنه (انتهى).
(ثم إن الشيخ)
أعلى الله مقامه قد جعل للقسم الثاني من الاستصحابين المتعارضين صوراً أربع.
(الأولى) ما إذا
كان العمل بالاستصحابين مستلزماً لمخالفة قطعية عملية كما لو علم إجمالا بنجاسة
أحد الطاهرين.
(الثانية) ما إذا
لم يكن العمل بهما مستلزماً لمخالفة قطعية عملية ولكن يقوم دليل من الخارج عقلي أو
نقلي على عدم الجمع كما في الماء النجس المتمم كراً بماء
طاهر فإن استصحاب
نجاسة المتمم بالفتح وطهارة المتمم بالكسر مما لا يوجب مخالفة عملية ولكن قام الإجماع
على عدم اختلاف حكم ماء واحد بأن يكون بعضه نجسا وبعضه طاهراً.
(الثالثة) ما إذا
لم يكن العمل بهما مستلزما لمخالفة قطعية عملية ولم يقم دليل على عدم الجمع مع
ترتب أثر شرعي على كل من المستصحبين في الزمان اللاحق كما في استصحاب بقاء الحدث
وطهارة البدن فيمن توضأ غافلا بمائع مردد بين الماء والبول.
(الرابعة) ما إذا
لم يكن العمل بهما مستلزماً لمخالفة قطعية عملية ولم يقم دليل على عدم الجمع مع
عدم ترتب أثر شرعي إلا على أحدهما دون الآخر كما إذا علم إجمالا بطرو الجنابة عليه
أو على غيره فإن جنابة الغير وعدم جنابته مما لا أثر له بالنسبة إلى هذا إلا إذا
كان الغير ممن يقتدي به في الصلاة (وعلى كل حال) قد حكم أعلى الله مقامه في
الصورتين الأوليين بتساقط الاستصحابين وحكم في الصورة الثالثة بجريان الاستصحابين
جميعاً لعدم لزوم مخالفة قطعية عملية وعدم الدليل على عدم الجمع وحكم في الصورة
الرابعة بجريان الاستصحاب في الطرف المترتب عليه الأثر دون الطرف الآخر.
(أقول)
اما عدم جريان
الاستصحابين في الصورتين الأوليين فلا كلام لنا فيه واما جريانهما في الصورة
الثالثة فقد عرفت ضعفه مما تقدم وذلك لقصور أدلة الأصول عن الشمول لجميع الأطراف
ولو لم يلزم منه مخالفة عملية وأما جريان الاستصحاب في الصورة الرابعة في الطرف
المترتب عليه الأثر دون الطرف الآخر فهو حق ولكنها ليست من تعارض الاستصحابين بعد
كون الطرف الآخر خارجاً عن الابتلاء وخالياً عن الأثر وقد اعترف أعلى الله مقامه
بذلك كله في كلام له في المقام فراجع عين كلامه زيد في علو مقامه.
(قوله فإن قوله عليهالسلام في ذيل بعض أخبار
الباب ولكن ينقض اليقين باليقين لو سلم انه يمنع عن شمول قوله عليهالسلام في صدوره لا ينقض
اليقين بالشك ... إلخ)
جواب عن منع
المقتضي لجريان الاستصحابين جميعاً ووجه المنع عدم إطلاق الخطاب وعدم شموله
للاستصحاب في أطراف العلم الإجمالي وذلك للزوم المناقضة بين الصدر والذيل فلو شمل
صدر خطاب لا ينقض اليقين أبداً بالشك كلا من أطراف العلم الإجمالي لناقضه الذيل
وهو قوله وإنما ينقضه بيقين آخر بعد فرض حصول العلم الإجمالي بالخلاف في أحدها
وذلك لوضوح المناقضة بين السلب الكلي أي النهي عن النقض في جميع الأطراف مع
الإيجاب الجزئي أي الأمر بالنقض في أحدها المعلوم بالإجمال (وأصل المنع) من الشيخ
أعلى الله مقامه (قال) فيما أفاده لإثبات التساقط في الصورة الأولى من الصور
الأربع المتقدمة (ما لفظه) لأن العلم الإجمالي هنا بانتقاض أحد المستصحبين يوجب
خروجهما عن مدلول لا ينقض لأن قوله لا ينقض اليقين بالشك ولكن ينقضه بيقين مثله
يدل على حرمة النقض بالشك ووجوب النقض باليقين فإذا فرض اليقين بارتفاع الحالة
السابقة في أحد المستصحبين فلا يجوز إبقاء كل منهما تحت عموم حرمة النقض بالشك
لأنه مستلزم لطرح الحكم بنقض اليقين بمثله (انتهى) كلامه رفع مقامه (وحاصل جواب
المصنف) عن المنع ان المناقضة بين الصدر والذيل لو سلم انها مما تمنع عن إطلاق
الخطاب وعن شموله لأطراف العمل الإجمالي فهي موجودة في بعض اخبار الباب مما فيه
الذيل المذكور أي وانما ينقضه بيقين آخر وليست هي موجودة في جميع الاخبار مما ليس
فيه الذيل المذكور (وعليه) فإطلاق الخطاب وشموله لأطراف العلم الإجمالي في ساير
الاخبار محفوظ على حاله والمقتضي للجريان فيها محقق لا محالة
(أقول)
ان الشيخ أعلى
الله مقامه وإن منع عن إطلاق الخطاب وعن شموله لأطراف العلم
الإجمالي في خصوص
الصورة الأولى فقط كما أشرنا آنفاً وهي ما إذا كان العمل بالاستصحابين مستلزماً
لمخالفة قطعية عملية والمصنف قد ادعى جريان الاستصحابين فيما لم يلزم منه مخالفة
قطعية عملية ولكن حيث رأي المصنف أن منع إطلاق الخطاب من جهة المناقضة بين الصدر
والذيل مما يجري حتى فيما لم يلزم منه مخالفة قطعية عملية فصار بصدد الجواب عن
المناقضة ليستريح منها (ومن هنا يظهر) ما يتوجه إلى الشيخ أعلى الله مقامه من أن
المناقضة وإن أفادها هو في خصوص الصورة الأولى من الصور الأربع المتقدمة ولكنها
مما تجري هي في ساير الصور أيضاً فلا يبقي معها مجال لجريان الاستصحابين في الصورة
الثالثة بل ولا في الثانية لو لا الإجماع على عدم الجمع فإن المخالفة القطعية
العملية هب انها مما لا تلزم فيهما ولكن المناقضة بين الصدر والذيل محققة فيهما
جداً وهي مما تكفي للمنع عن إطلاق الخطاب وعن شموله لأطراف العلم الإجمالي بلا
كلام.
(ثم إنه) يرد على
جواب المصنف عن المنع ان الذيل المذكور وإن كان مما يختص ببعض أخبار الباب دون
الكل ولكن مجرد ذلك مما لا يقتضي شمول ما ليس فيه الذيل لأطراف العلم الإجمالي بل
لو لم يكن في أخبار الباب ما فيه الذيل أصلا لمنعنا مع ذلك عن شمول دليل الأصل
لأطراف العمل الإجمالي فإن الأصل العملي موضوعه الشك وغايته العلم ومع حصول الغاية
المانعة عن الأصول في أحد أطراف العلم الإجمالي كيف يجري الأصل في جميعها نعم لا
مانع عن جريانه في الطرف الآخر الّذي لا علم لنا فيه أصلا ولكن حيث لا تعيين له في
مقام الإثبات فيسقط الأصل قهراً عن الحجية في جميع الأطراف بتمامها وسيأتي نظير
هذا التقريب أو عينه في تعارض الخبرين أيضاً عند بيان كون مقتضي القاعدة الأولية
فيهما هو التساقط لا التخيير فانتظر.
(قوله وشموله لما في
أطرافه ... إلخ)
عطف على عموم
النهي في سائر الاخبار مما ليس فيه الذيل أي إلا انه لا يمنع عن
عموم النهي في
ساير الأخبار وعن شموله لما في أطراف المعلوم بالإجمال.
في تقدم التجاوز والفراغ وأصل الصحة
على الاستصحاب بالتخصيص
(قوله تذنيب لا يخفى
أن مثل قاعدة التجاوز في حال الاشتغال بالعمل وقاعدة الفراغ بعد الفراغ عنه وأصالة
صحة عمل الغير إلى غير ذلك من القواعد المقررة في الشبهات الموضوعية إلا القرعة
يكون مقدمة على استصحاباتها المقتضية لفساد ما شك فيه من الموضوعات لتخصيص دليلها
بأدلتها ... إلخ)
مقصوده من قوله
إلى غير ذلك من القواعد المقررة في الشبهات الموضوعية ... إلخ هو مثل قاعدة اليد (وحاصل
كلامه) هاهنا أن وجه تقدم كل من التجاوز والفراغ وأصل الصحة في فعل الغير واليد
على الاستصحابات المخالفة لها هو التخصيص وأخصية أدلتها من أدلة الاستصحاب.
(وأما الشيخ) أعلى
الله مقامه فقد فصّل بين ما إذا قلنا ان هذه القواعد أمارات شرعية فيكون تقدمها
على الاستصحاب بالحكومة على مبناه المتقدم في تقدم الأمارات على الاستصحاب وبين ما
إذا قلنا إنها أصول شرعية فيكون تقدمها على الاستصحاب بالتخصيص إلا في أصالة الصحة
فننظر في تقديمها على الاستصحاب الموضوعي الّذي في مورده من استصحاب عدم الإتيان
بالجزء أو الشرط ونحوه ولم يقل بتقديمها عليه بالتخصيص (قال أعلى الله مقامه ما
لفظه) أما الكلام في المقام الأول يعني به معارضة الاستصحاب لبعض الأمارات التي
يتراءى كونها من الأصول كاليد ونحوه يعني التجاوز والفراغ وأصل الصحة في فعل الغير
فيقع في مسائل.
(الأولى) أن اليد
مما لا يعارضها الاستصحاب بل هي حاكمة عليه (قال) بيان ذلك أن اليد إن قلنا بكونها
من الأمارات المنصوبة دليلا على الملكية من حيث كون الغالب في مواردها كون صاحب
اليد مالكاً أو نائباً عنه وأن اليد المستقلة الغير المالكية قليل بالنسبة إليها
وان الشارع انما اعتبر هذه الغلبة تسهيلا على العباد فلا إشكال في تقديمها على
الاستصحاب على ما عرفت من حكومة أدلة الأمارات على أدلة الاستصحاب وإن قلنا بأنها
غير كاشفة بنفسها عن الملكية أو أنها كاشفة لكن اعتبار الشارع له ليس من هذه
الحيثية بل جعلها في محل الشك تعبداً لتوقف استقامة نظام معاملات العباد على
اعتبارها نظير أصالة الطهارة (إلى ان قال) فالأظهر أيضا تقديمها على الاستصحاب (إلى
ان قال) وكيف كان فاليد على تقدير كونه من الأصول التعبدية أيضاً مقدمة على
الاستصحاب وإن جعلناه أي الاستصحاب من الأمارات الظنية لأن الشارع نصبها في مورد
الاستصحاب (قال) وإن شئت قلت إن دليله أخص من عمومات الاستصحاب
(إلى أن قال
المسألة الثانية) في ان أصالة الصحة في العمل عند الفراغ عنه لا يعارض بها الاستصحاب
إما لكونها من الأمارات كما يشعر به قوله عليهالسلام في بعض روايات ذلك الأصل هو حين يتوضأ أذكر منه حين يشك
وإما لأنها وان كانت من الأصول إلا أن الأمر بالاخذ بها في مورد الاستصحاب يدل على
تقديمها عليه فهي خاصة بالنسبة إليه يخصص بأدلتها أدلته (ثم ساق الكلام) طويلا في
تحقيق التجاوز والفراغ.
(إلى ان قال
المسألة الثالثة) في أصالة الصحة في فعل الغير وهي في الجملة من الأصول المجمع
عليها فتوى وعملا بين المسلمين (ثم ساق الكلام) طويلا في تحقيق حالها.
(إلى أن قال
السادس) في بيان ورود هذا الأصل على الاستصحاب فنقول أما تقدمه على استصحاب الفساد
وما في معناه فواضح وله عبارتان في وجه الوضوح
قد رقم على
إحداهما زائد وأفاد في كلتيهما كون أصل الصحة سببياً وأصل الفساد أي عدم الأثر
عقيب الفعل المشكوك في تأثيره مسببياً (إلى ان قال) وأما تقديمه على الاستصحابات
الموضوعية المترتب عليها الفساد كأصالة عدم البلوغ وعدم اختبار المبيع بالرؤية أو
الكيل أو الوزن فقد اضطرب فيه كلمات الأصحاب خصوصاً العلامة وبعض من تأخر عنه (ثم
قال) والتحقيق انه إن جعلنا هذا الأصل من الظواهر كما هو ظاهر كلمات جماعة بل
الأكثر فلا إشكال في تقديمه على تلك الاستصحابات وإن جعلناه من الأصول (إلى أن قال)
ففي تقديمه على الاستصحاب الموضوعي نظر (انتهى) موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه.
(أقول)
(أما قاعدة اليد)
فالحق فيها هو تفصيل الشيخ أعلى الله مقامه (فإن كانت) هي أمارة كما هو الظاهر
منها نظراً إلى كشفها وحكايتها عن الملكية ولو لأجل الغلبة التي قد أشير إليها فهي
حاكمة أو واردة على الاستصحاب على الخلاف المتقدم بيننا وبين الشيخ أعلى الله
مقامه في وجه تقديم الأمارات على الاستصحاب (وان كانت) أصلا عمليا فتقدمها على
الاستصحاب يكون بالتخصيص لأخصية دليلها من دليله ويجري هذا الكلام بعينه في أصالة
الصحة حرفاً بحرف (فإن كانت) هي أمارة كما سيأتي فهي حاكمة أو واردة على الاستصحاب
وإلّا فتقدم عليه بالتخصيص لأخصيتها منه (ومن هنا يظهر) انه لا وجه لتنظر الشيخ في
تقديم أصالة الصحة على الاستصحابات الموضوعية بناء على كون أصالة الصحة أصلا عملياً
وسيأتي لذلك مزيد توضيح إن شاء الله تعالى (وأما التجاوز والفراغ) فالحق فيهما هو
ما أفاده المصنف من التخصيص فإنهما وإن فرض كونهما أمارتين كما سيأتي ولكنهما حيث
أخذ في لسان دليلهما الشك كالاستصحاب عيناً فلا معنى لورودهما عليه لعدم الترجيح
إذا كما لو أخذ بهما فلا يبقى موضوع للاستصحاب أي الشك ولو تعبداً فكذلك لو أخذ
بالاستصحاب فلا يبقى موضوع لهما أصلا فقهراً
تصل النوبة على
هذا إلى ملاحظة النسبة بين الطرفين من حيث العموم والخصوص وحيث ان كلا من التجاوز
والفرغ أخص من الاستصحاب فيقدم عليه بالتخصيص
(قوله وكون النسبة
بينه وبين بعضها عموماً من وجه لا يمنع عن تخصيصه بها ... إلخ)
في العبارة مسامحة
واضحة والصحيح هكذا عن تخصيصه به أي ببعضها (وعلى كل حال) مقصوده من بعضها الّذي
تكون النسبة بينه وبين الاستصحاب عموماً من وجه هو اليد إذ قد يتفق أحياناً أن لا
يكون في مورد اليد استصحاب أصلا كما إذا علمنا أو احتملنا ان ما في اليد قد نشأ في
ملك ذي اليد ولم يكن مما علم انه لم يكن في ملكه سابقاً كي يستصحب عدم الملكية كما
انه قد يتفق أيضاً أحياناً أن يكون ما في اليد مما تبادل فيه الحالتان بأن علم أنه
كان ملكاً له في وقت وعلم أيضا أنه لم يكن ملكاً له في وقت آخر ولم يعلم السابق من
اللاحق كي يستصحب أحدهما ففي هذين الموردين يد ولا استصحاب فيكون هو مورد الافتراق
من جانب اليد ومورد الافتراق من جانب الاستصحاب كثير فتكون النسبة بينهما عموماً
من وجه ولا تكون اليد أخص منه كي تقدم عليه بالتخصيص (هذا وقد يوجد) في كلام الشيخ
أيضاً إشارة إلى ذلك (حيث قال أعلى الله مقامه) في ذيل ما أفاده لتقديم اليد على
الاستصحاب (ما لفظه) إذ الغالب العلم بكون ما في اليد مسبوقاً بكونه ملكاً للغير
كما لا يخفى (انتهى) (وكيف كان) حاصل ما أجاب به المصنف عن كون النسبة بينهما من
وجه أمران.
(الأول) الإجماع
على عدم التفصيل بين موارد اليد فكما أنه يعمل باليد فيما لا استصحاب في موردها
فكذلك يعمل بها فيما كان هناك استصحاب على خلافها
(الثاني) أن مورد
افتراق اليد عن الاستصحاب نادر قليل جداً فلو خصصنا اليد بالاستصحاب وجعلنا مورد
الاجتماع تحت الاستصحاب قل مورد اليد حينئذ بلا شبهة بخلاف ما إذا خصصنا الاستصحاب
باليد وجعلنا مورد الاجتماع تحت اليد فلا يقلّ مورد الاستصحاب بلا كلام.
(أقول)
(هذا كله) إن قلنا
بكون اليد أصلا عملياً وأما إذا قلنا بكونها أمارة شرعية كما أشرنا آنفاً فهي واردة
على الاستصحاب رافعة لموضوعه وهو الشك ولو تعبداً ومن الواضح المعلوم انه لا يكاد
تلاحظ النسبة بين الوارد والمورود أو الحاكم والمحكوم أبداً
(قوله لو قيل بتخصيصها
بدليلها ... إلخ)
أي لو قيل بتخصيص
بعضها كاليد بدليل الاستصحاب (ومن هنا يظهر) أن الصحيح كان هكذا لو قيل بتخصيصه
بدليله بل الصحيح في عود الضمير كان أن يقول من أول العبارة هكذا لا يمنع عن
تخصيصه به بعد الإجماع على عدم التفصيل بين موارده مع لزوم قلة المورد له جداً لو
قيل بتخصيصه بدليله إذ قل مورد منه لم يكن هناك استصحاب على خلافه كما لا يخفى ...
إلخ.
في تقدم الاستصحاب على القرعة بالتخصيص
(قوله وأما القرعة
فالاستصحاب في موردها يقدم عليها لأخصية دليله من دليلها ... إلخ)
(وحاصل) ما أفاده
المصنف في وجه تقديم الاستصحاب على القرعة أمران.
(أحدهما) أن دليل
الاستصحاب أخص من دليل القرعة فإن كلا من الاستصحاب والقرعة وان أخذ في موضوعه
الشك ولكن الاستصحاب مما يعتبر فيه سبق الحالة السابقة دون القرعة فيكون أخص منها
فيقدم عليها.
(ثانيهما) أن عموم
دليل القرعة موهون بكثرة تخصيصه حتى صار العمل به في مورد محتاجاً إلى الجبر بعمل
المعظم ولا أقل بعمل جمع من الأصحاب بخلاف الاستصحاب فيكون عمومه قوياً لقلة
تخصيصه بخصوص دليل كما في مورد التجاوز والفراغ والشك في ركعات الصلاة ونحوها
فيقدم الاستصحاب عليها أيضاً (هذا كله) من أمر المصنف.
(واما الشيخ) أعلى
الله مقامه فعبارته في المقام مختصرة جداً قد اعتذر عن البسط فيه بعدم سعة الوقت
وهي مع اختصارها مشوشة مضطربة مرددة بين نسختين أصل وبدل وكل منهما غير مستقيم (قال
في الأصل) ومجمل القول فيها ان ظاهر أخبارها يعني أخبار القرعة أنها أعم من جميع
أدلة الأصول فلا بدّ من تخصيصها بها فتختص القرعة موارد لا يجري فيها الاستصحاب
نعم القرعة واردة على أصالة التخيير وأصالتي الاحتياط والإباحة إذا كان مدركهما
العقل وإذا كان مدركهما تعبد الشارع بهما في موردهما فدليل القرعة حاكم عليهما كما
لا يخفى لكن ذكر في محله ان أدلة القرعة لا يعمل بها بدون جبر عمومها بعمل الأصحاب
أو جماعة منهم والله العالم (انتهى) (وفيه) ان دعوى ظهور اخبار القرعة في كونها
أعم من جميع أدلة الأصول وانه لا بد من تخصيصها بها مما لا تلائم دعوى حكومة دليل
القرعة على أصالتي الاحتياط والإباحة إذا كان مدركهما تعبد الشارع بهما أي إذا
كانا أصلين شرعيين وهذا واضح (وقال في النسخة بدل) مكان قوله فتختص القرعة موارد
لا يجري فيها الاستصحاب ... إلخ (ما لفظه) فتختص القرعة موارد لا يجري فيها أصل من
الأصول الثلاثة أعني البراءة والاحتياط والاستصحاب فلو دار امر المائع بين الخل
والخمر لم يكن مورداً للقرعة لجريان أصالة البراءة والإباحة وكذا الشبهة المحصورة
لجريان دليل الاحتياط إلا إذا تعسر الاحتياط كما هو محل روايات القرعة الواردة في
قطيع غنم علم بحرمة نعجة فيها وكذا لو دار الأمر بين الطهارة والحدث حتى مع اشتباه
المتأخر (انتهى) والظاهر ان مقصوده ان مع اشتباه المتأخر واليأس من استصحاب الحالة
السابقة يرجع إلى الاحتياط لكون الشك في الامتثال ولا يرجع إلى القرعة أصلا لكون
اخبارها أعم من جميع أدلة الأصول.
(أقول)
وتحقيق المقام ان
القرعة وإن كانت هي أمارة كما يظهر من ملاحظة رواياتها
الآتية إن شاء
الله تعالى ولكنها حيث أخذ في موضوعها الشك فحالها كحال الاستصحاب عيناً فتقدم الأمارات
عليها حكومة أو وروداً على الخلاف المتقدم بيننا وبين الشيخ في وجه تقدم الأمارات
على الاستصحاب (هذا حالها) مع الأمارات التي لم يؤخذ في موضوعها الشك كالبينة وخبر
الثقة ونحوها (واما مع الأمارات) التي قد أخذ في موضوعها الشك كالاستصحاب والتجاوز
والفراغ وأصل الصحة بناء على أمارية الكل كما هو المختار فالظاهر تقدم الكل عليها
بالتخصيص لأخصية دليل الجميع عن دليلها (واما حالها مع الأصول العملية الشرعية)
كقاعدة الطهارة أو الحلّ أو البراءة النقليّة فمقتضى القاعدة من انها أمارة وهي
أصول وأمارة حاكمة أو واردة على الأصول وان كان تقدمها عليها ولكن على هذا لا يكاد
يبقى لهذه الأصول الشرعية مورد أصلا فتختص القرعة قهراً بغير موارد الأصول الشرعية
(واما حالها مع الأصول العقلية) من البراءة العقلية والاحتياط والتخيير العقليين
فإن كانت الشبهة حكمية فلا مجال للقرعة بالإجماع بل بالضرورة وان كانت موضوعية
فلها مجال واسع ولكن حيث ان عمومها موهون بكثرة تخصيصه فلا بدّ في العمل بها من
عمل الأصحاب بها أو ورود دليل بالخصوص في العمل بها في المورد المخصوص وإلا فيؤخذ
بالأصول العقلية ولا يؤخذ بها أصلا والله العالم.
(قوله واختصاصها بغير
الأحكام إجماعا لا يوجب الخصوصية في دليلها بعد عموم لفظها لها ... إلخ)
(دفع لما قد يتوهم)
من ان النسبة بين الاستصحاب والقرعة هي عموم من وجه لا عموم مطلق فكما ان
الاستصحاب أخص من القرعة لاعتبار سبق الحالة السابقة فيه فكذلك القرعة تكون أخص من
الاستصحاب لاختصاصها بالشبهات الموضوعية بالإجماع بل بالضرورة فلا وجه لدعوى تقدم
الاستصحاب على القرعة بالتخصيص (وحاصل الدفع) ان القرعة وإن كانت هي تختص بالشبهات
الموضوعية فقط ولا
يكاد تجري في الأحكام إجماعاً بل بالضرورة ولكن ذلك مما لا يوجب خصوصية في جانبها
بعد عموم دليلها بحسب اللفظ وشموله لكل من الموضوعية والحكمية جميعاً والمدار في
النسبة بين الدليلين هو نسبتهما بحسب أنفسهما قبل تخصيص أحدهما بشيء لا على النسبة
المنقلبة الحاصلة بعد تخصيص أحدهما بشيء كما سيأتي شرح ذلك مفصلا في التعادل
والتراجيح إن شاء الله تعالى.
(قوله لا يقال كيف
يجوز تخصيص دليلها بدليله وقد كان دليلها رافعاً لموضوع دليله ... إلخ)
(حاصل الإشكال)
انه كيف يجوز تخصيص دليل القرعة بدليل الاستصحاب والقرعة أمارة وقد تقدم ورود
الأمارات على الاستصحاب (فكما قلنا هناك) ان رفع اليد عن اليقين السابق بالأمارة
القائمة على خلافه يكون من نقض اليقين باليقين أي باليقين التنزيلي يعني به الحجة (فكذلك
نقول) في المقام ان رفع اليد عن اليقين السابق بالقرعة القائمة على خلافه يكون من
نقض اليقين باليقين أي التنزيلي (وكما قلنا هناك) ان الأمر دائر بين التخصيص بلا
مخصص أو على وجه دائر إن أخذنا بالاستصحاب ورفعنا اليد عن الأمارة وكل منهما باطل
وبين التخصيص أي الورود وارتفاع الموضوع من أصله إن أخذنا بالأمارة ورفعنا اليد عن
الاستصحاب وهو مما لا محذور فيه (فكذلك نقول) في المقام حرفاً بحرف (وحاصل الجواب)
ان المشكوك الّذي له حالة سابقة وإن كان هو من المشكل بعنوانه الواقعي إلا انه ليس
من المشكل بعنوانه الظاهري الطاري عليه من تحريم نقض اليقين بالشك والظاهر من دليل
القرعة ان يكون الشيء مشكلا بقول مطلق بتمام المعنى أي واقعاً وظاهراً لا في
الجملة (وعليه) فدليل الاستصحاب وارد على دليل القرعة رافع لموضوعه أي الإشكال ولو
تعبداً لا حقيقة (ظاهراً لا واقعاً) (وفيه) مضافاً إلى انه عدول عن التخصيص إلى
الورود ان ذلك ليس أولى من العكس (إذ كما يقال) ان موضوع القرعة هو الإشكال بقول
مطلق أي واقعاً وظاهرا فإذا قام الاستصحاب
انتفى الإشكال ولو
ظاهراً وهذا هو الورود (فكذلك يقال) إن موضوع الاستصحاب أيضاً هو الشك وانتفاء
يقين آخر على الخلاف بقول مطلق أي حقيقة وتنزيلا فإذا قامت القرعة على خلاف الحالة
السابقة انتفى الشك وتحقق اليقين الآخر على الخلاف ولو تنزيلا وهذا هو الورود
ولعله إليه أشار إليه أخيراً بقوله فافهم (والصحيح في الجواب) أن يقال إن القرعة
وان كانت هي أمارة وقد تقدم منا ورود الأمارات على الاستصحاب ولكنها أمارة قد أخذ
في لسان دليلها الشك كما في الاستصحاب عيناً (وعليه) فلا معنى لورود أحدهما على
الآخر وارتفاع موضوعه به وذلك لعدم الترجيح فتصل النوبة حينئذ إلى ملاحظة النسبة
بينهما من حيث العموم والخصوص وحيث أن القرعة أعم والاستصحاب أخص فيقدم الاستصحاب
عليها بالتخصيص.
(قوله من دوران الأمر
بين التخصيص بلا مخصص إلا على وجه دائر والتخصص ... إلخ)
ويعني بالتخصص
الورود ورافعية أحدهما لموضوع الآخر ولو تعبداً لا حقيقة كما تقدم في الأمارات
بالنسبة إلى الاستصحاب بل بالنسبة إلى مطلق الأصول وهكذا السببي بالنسبة إلى
المسببي لا التخصص المصطلح وهو الخروج الموضوعي كخروج زيد الجاهل عن إكرام العلماء
موضوعاً وإنما يطلق عليه التخصص في المقام بمناسبة لفظ التخصيص كما لا يخفى.
(قوله من المشكل والمجهول
والمشتبه ... إلخ)
اختلاف هذه
العناوين هو إشارة إلى اختلاف أدلة القرعة بحسب اللفظ مثل قوله القرعة لكل أمر
مشكل أو مشتبه أو كل مجهول ففيه القرعة ولكن الظاهر ان الّذي قد ورد من طرقنا
وذكره الوسائل كما سيأتي شرحه ليس إلا يلفظ كل مجهول ففيه القرعة وإن اشتهر على
الألسن القرعة لكل امر مشكل أو مشتبه ولعله مأثور من طرق العامة.
(قوله الصادق عليه
حقيقة رافع لموضوعه أيضا ... إلخ)
أي فدليل
الاستصحاب الدال على حرمة النقض الصادق حقيقة على المشكوك الّذي كانت له حالة
سابقة رافع لموضوع دليل القرعة أيضاً.
(قوله فافهم ... إلخ)
قد أشير آنفاً إلى
وجه قوله فافهم فلا تغفل.
(قوله فلا بأس برفع
اليد عن دليلها عند دوران الأمر بينه وبين رفع اليد عن دليله لوهن عمومها وقوة
عمومه ... إلخ)
الظاهر انه تفريع
على رافعية دليل الاستصحاب لموضوع دليل القرعة (ولكن تعليل) رفع اليد حينئذ عن
دليل القرعة عند دوران الأمر بينه وبين رفع اليد عن دليل الاستصحاب بقوله لوهن
عمومها وقوة عمومه (مما لا وجه له) بل الصحيح كان أن يعلل ذلك بورود دليل
الاستصحاب عليها كما ادعاه آنفاً وهذا واضح.
في قاعدة التجاوز والفراغ وذكر أخبار الباب
(ثم إن الكلام)
حيث انجر إلى ذكر قاعدة التجاوز والفراغ وأصل الصحة والقرعة فلا بأس بالإشارة إلى
كل منها بقدر الحاجة (فنقول) أما التجاوز والفراغ فيقع الكلام فيهما في مواضع
عديدة.
(الموضع الأول) في
ذكر أخبار الباب وهي على قسمين (أخبار عامة) غير مختصة مضمونها بالطهارة والصلاة
بل يستفاد منها العموم والشمول لغيرهما أيضاً كالحج والعمرة ونحوهما كما صرح به
الشيخ هاهنا وصاحب الجواهر في أحكام الوضوء (وأخبار خاصة) مختصة مضمونها بالطهارة
والصلاة فقط كما سيأتي تفصيلها واحداً بعد واحد.
(اما الأخبار
العامة) فهي أربعة مروية كلها في الوسائل.
(الأول) ما رواه
في أبواب الخلل في باب من شك في شيء من أفعال الصلاة بسنده عن زرارة قلت لأبي عبد
الله عليهالسلام رجل شك في الأذان وقد دخل في الإقامة قال يمضي قلت رجل شك
في الأذان والإقامة وقد كبر قال يمضي قلت رجل شك في التكبير وقد قرأ قال يمضي قلت
شك في القراءة وقد ركع قال يمضي قلت شك في الركوع وقد سجد قال يمضي على صلاته ثم
قال يا زرارة إذا خرجت من شيء ثم دخلت في غيره فشككت فليس بشيء.
(الثاني) ما رواه
في أبواب الركوع في باب عدم بطلان الصلاة بالشك في الركوع بسنده عن إسماعيل بن
جابر قال قال أبو جعفر عليهالسلام إن شك في الركوع بعد ما سجد فليمض وإن شك في السجود بعد ما
قام فليمض كل شيء شك فيه مما قد جاوزه ودخل في غيره فليمض عليه (وقد) روي في
الوافي في باب الشك في أجزاء الصلاة عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليهالسلام مثله.
(الثالث) ما رواه
في أبواب الوضوء في باب أن من شك في شيء من أفعال الوضوء بسنده عن عبد الله بن أبي
يعفور عن أبي عبد الله عليهالسلام قال إذا شككت في شيء من الوضوء وقد دخلت في غيره فليس شكك
بشيء إنما الشك إذا كنت في شيء لم تجزه.
(الرابع) ما رواه
في أبواب الخلل في باب من شك في شيء من أفعال الصلاة بسنده عن محمد بن مسلم عن أبي
جعفر عليهالسلام قال كلما شككت فيه مما قد مضى فأمضه كما هو (هذا ما ظفرنا
عليه) من الأخبار العامة الغير المختصة بباب الطهارة والصلاة بعد الفحص عنها في
أبواب مختلفة من الوسائل.
(واما الاخبار
الخاصة) المختصة مضمونها بباب الطهارة والصلاة فقط فهي على قسمين أيضاً.
(الأول) ما يختص
بالشك في الأثناء.
(والثاني) ما يختص
بالشك بعد الفراغ.
(اما القسم الأول)
فهو أخبار متعددة.
(منها) ما رواه في
الوسائل في أبواب الركوع في باب عدم بطلان الصلاة بالشك في الركوع بسنده عن حماد
بن عثمان قال قلت لأبي عبد الله عليهالسلام أشك وأنا ساجد فلا أدري ركعت أم لا قال امض (ورواه بطريق
آخر) أيضاً قال فيه فقال قد ركعت امضه.
(ومنها) ما رواه
في الباب المذكور بسنده عن محمد بن مسلم عن أحدهما قال سألته عن رجل شك بعد ما سجد
أنه لم يركع قال يمضي في صلاته.
(ومنها) ما رواه
في الباب المذكور أيضاً بسنده عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال قلت لأبي عبد
الله عليهالسلام رجل أهوى إلى السجود فلم يدر أركع أم لم يركع قال قد ركع.
(ومنها) ما رواه
في الباب المذكور أيضا بسنده عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليهالسلام في رجل شك بعد ما سجد انه لم يركع قال يمضي في صلاته حتى
يستيقن (ورواه بطريق آخر) أيضاً قال فيه يمضي على شكه ولا شيء عليه.
(ومنها) ما رواه
في أبواب السجود في باب ان من شك في السجود وهو في محله بسنده عن إسماعيل بن جابر
عن أبي عبد الله عليهالسلام في حديث قال وإن شك في السجود بعد ما قام فليمض.
(ومنها) ما رواه
في أبواب الخلل في باب من شك في شيء من أفعال الصلاة بسنده عن علي بن جعفر عن أخيه
موسى عليهالسلام قال سألته عن رجل ركع وسجد ولم يدر هل كبر أو قال في ركوعه
وسجوده هل يعتد بتلك الركعة والسجدة قال إذا شك فليمض في صلاته (هذا تمام الأخبار)
المختصة بالشك في الأثناء
(واما القسم
الثاني) المختص بالشك بعد الفراغ فهو اخبار متعددة أيضاً.
(منها) ما رواه في
الوسائل في أبواب الخلل في باب عدم بطلان الصلاة بالشك بعد الفراغ بسنده عن محمد
بن مسلم عن أبي جعفر عليهالسلام قال كلما
شككت فيه بعد ما
تفرغ من صلاتك فامض ولا تعد.
(ومنها) ما رواه
في الباب المذكور بسنده عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليهالسلام في الرّجل يشك بعد ما ينصرف من صلاته قال فقال لا يعيد ولا
شيء عليه
(ومنها) ما رواه
في أبواب الوضوء في باب أن من شك في شيء من أفعال الوضوء مسنداً عن زرارة عن أبي جعفر
عليهالسلام إذا كنت قاعداً على وضوئك فلم تدر أغسلت ذراعيك أم لا فأعد
عليهما وعلى جميع ما شككت فيه انك لم تغسله أو لم تمسحه مما سمى الله ما دمت في
حال الوضوء فإذا قمت من الوضوء وفرغت منه وقد صرت في حالة أخرى في الصلاة أو في
غيرها فشككت في بعض ما سمى الله مما أوجب الله عليك فيه وضوئه لا شيء عليك فيه
الحديث.
(ومنها) ما رواه
في الباب المذكور أيضاً بسنده عن محمد بن مسلم قال قلت لأبي عبد الله عليهالسلام رجل شك في الوضوء بعد ما فرغ من الصلاة قال يمضي على صلاته
ولا يعيد.
(ومنها) ما رواه
في أبواب الخلل في باب عدم بطلان الصلاة بالشك بعد الفراغ مسنداً عن محمد بن مسلم
عن أبي عبد الله عليهالسلام انه قال إذا شك الرّجل بعد ما صلى فلم يدر أثلاثاً صلى أم
أربعاً وكان يقينه حين انصرف انه كان قد أتم لم يعد الصلاة وكان حين انصرف اقرب
إلى الحق منه بعد ذلك.
(ومنها) ما رواه في
أبواب الوضوء في باب ان من شك في شيء من افعال الوضوء مسنداً عن بكير بن أعين قال
قلت له الرّجل يشك بعد ما يتوضأ قال هو حين يتوضأ اذكر منه حين يشك.
(ومنها) ما رواه
في الباب المذكور أيضاً بسنده عن محمد بن مسلم قال سمعت أبا عبد الله عليهالسلام يقول كلما مضى من صلاتك وطهورك فذكرته تذكراً فأمضه ولا
إعادة عليك فيه بناء على ظهور جملة كلما مضى من صلاتك وطهورك إلى آخره في مضي تمام
الصلاة والطهور لا مضي شيء منهما فيكون الشك مفروضاً بعد الفراغ لا في الأثناء
والله العالم.
(ثم إن الشيخ)
أعلى الله مقامه لم يذكر من اخبار الباب سوى الاخبار العامة الأربعة (لكن قال)
وربما يستفاد العموم من بعض ما ورد في الموارد الخاصة (مثل قوله) في الشك في فعل
الصلاة بعد خروج الوقت من قوله عليهالسلام وان كان بعد ما خرج وقتها فقد دخل حائل فلا إعادة (وقوله عليهالسلام) كل ما مضى من صلاتك وطهورك فذكرته تذكراً فأمضه كما هو (وقوله
عليهالسلام) فيمن شك في الوضوء بعد ما فرغ هو حين يتوضأ أذكر منه حين
يشك (قال) ولعل المتتبع يعثر على أزيد من ذلك يعني العثور على ما يستفاد منه
العموم وإلّا فالاخبار الخاصة كثيرة كما عرفت.
المستفاد من الاخبار هو جعل قاعدتين
إحداهما التجاوز وأخراهما الفراغ
(الموضع الثاني)
ان المستفاد من مجموع الاخبار المذكورة هو جعل قاعدتين مستقلتين.
(إحداهما) قاعدة
التجاوز.
(وأخراهما) قاعدة
الفراغ والظاهر ان النسبة بينهما عموم من وجه (وتوضيح ذلك) ان ظاهر الاخبار العامة
هو الشك في وجود الشيء بنحو مفاد كان التامة فإن الشك في الشيء ظاهر في الشك في
الوجود عرفاً بل ولغة كما صرح به الشيخ أعلى الله مقامه ،
(نعم قد يتوهم) ان
التعبير فيها بالخروج عن الشيء ومضيه والتجاوز عنه قرينة على كون أصل الشيء
مفروغاً عنه وان الشك هو واقع في صحته (ولكنه في غير محله) فإن المراد من الخروج
عن الشيء ومضيه والتجاوز عنه هو الخروج عن محله ومضيه لا الخروج عن نفس الشيء
وذاته.
(نعم قد استبعد)
الشيخ أعلى الله مقامه إرادة الشك في الوجود في موثقة محمد بن مسلم وهي الرواية
الرابعة كلما شككت فيه مما قد مضى فأمضه كما هو (بل ادعى) عدم صحة ذلك في موثقة
ابن أبي يعفور وهي الرواية الثالثة إذا شككت في شيء من الوضوء وقد دخلت في غيره
فشكك ليس بشيء إنما الشك إذا كنت في شيء لم تجزه (والظاهر) ان وجه عدم الصحة بنظره
الشريف هو ما سيأتي منه من إرجاع ضمير غيره إلى الوضوء أي إذا شككت في شيء من الوضوء
وقد دخلت في غير الوضوء فشكك ليس بشيء وذلك لئلا يخالف الإجماع على وجوب الالتفات
إذا دخل في غير المشكوك من افعال الوضوء فإذا رجع الضمير في غيره إلى الوضوء
فقهراً يكون الشك في شيء من الوضوء مع الدخول في غير الوضوء شكاً في صحة الوضوء مع
كون أصل الوضوء مفروغاً عنه (ولكنه قد رجع) عن هذا كله أخيراً (فقال) لكن الإنصاف
إمكان تطبيق موثقة ابن مسلم على ما في الروايات واما هذه الموثقة يعني بها موثقة
ابن أبي يعفور فسيأتي توجيهها على وجه لا يعارض الروايات إن شاء الله تعالى (انتهى).
(وبالجملة) لا
ينبغي الإشكال في ظهور الأخبار العامة المتقدمة في الشك في الوجود بنحو مفاد كان
التامة بل جملة من الاخبار الخاصة صريحة في الشك في الوجود مثل قوله فلا أدري ركعت
أم لا أو فلم يدر أركع أم لم يركع أو لم يدر هل كبر أو قال شيئاً في ركوعه وسجوده
إلى غير ذلك.
(واما أخبار
الفراغ) وهي من قوله عليهالسلام كلما شككت فيه بعد ما تفرغ من صلاتك فامض ولا تعد أو
الرّجل يشك بعد ما ينصرف من صلاته قال فقال لا يعيد ولا شيء عليه وهكذا إلى
الرواية الأخيرة كلما مضى من صلاتك وطهورك فذكرته تذكراً فامضه ولا إعادة عليك فيه
(فهي كالصريحة) في الشك في الصحة بمعنى ان الشك فيها مفروض بعد الفراغ عن العمل
والشك بعد الفراغ عن العمل لا يكون إلّا في صحة العمل المأتي به (فإذا كانت)
الأخبار على طائفتين
طائفة منها للشك
في الوجود وطائفة منها للشك في الصحة فقهراً يكون المستفاد من مجموعها هو جعل
قاعدتين مستقلتين (فإذا شك) في وجود شيء بنحو مفاد كان التامة فيبني على إتيانه
بعد التجاوز عنه أو الدخول في غيره وهذه هي قاعدة التجاوز (وإذا شك) في صحة الشيء
بنحو مفاد كان الناقصة فيبني على صحته بعد الفراغ عنه أو المصير في حالة أخرى وهذه
هي قاعدة الفراغ (والظاهر) ان بين القاعدتين كما أشرنا آنفاً عموم من وجه (فإذا شك)
في وجود الشيء بعد التجاوز عنه أو الدخول في الغير جرى التجاوز (وإذا شك) في صحة
العمل بعد الفراغ عنه لأجل الشك في وجود جزء أو شرط جرى التجاوز والفراغ جميعاً
وإن شئت قلت بحكومة التجاوز على الفراغ أو بوروده عليه نظراً إلى ان الشك في الصحة
حينئذ مسبب عن الشك في وجود الجزء أو الشرط فيجري التجاوز في السبب دون الفراغ في
المسبب (وإذا شك) في صحة العمل بعد الفراغ عنه لأجل الشك في فقد المانع جرى الفراغ
دون التجاوز نظراً إلى ان التجاوز مما لا يتكفل فقد المانع أصلا كتكفله وجود الجزء
بل والشرط أيضا على تفصيل يأتي فيه.
هل التجاوز والفراغ يختصان بباب الطهارة
والصلاة أم يجريان في غيرهما أيضاً
(الموضع الثالث)
هل التجاوز والفراغ يختصان بباب الطهارة والصلاة فقط أم يجريان في غيرهما أيضا
كالحج ونحوه (مختار الشيخ) أعلى الله مقامه هو الثاني (أما التجاوز) فقد صرح بعد
ذكر الاخبار العامة الأربعة ان مضمونها مما لا يختص بالطهارة والصلاة بل يجري في
غيرهما أيضاً كالحج وان المناسب هو الاهتمام في تنقيح مضامينها ودفع ما يتراءى من
التعارض بينها ... إلخ (وأما الفراغ
فقد قال) أعلى
الله مقامه في الموضع السادس (ما لفظه) ان الشك في صحة المأتي به حكمه حكم الشك في
الإتيان بل هو هو لأن مرجعه إلى الشك في وجود الشيء الصحيح ... إلخ ومقصوده ان
الشك في صحة المأتي به هو مما يندرج تحت الأخبار العامة الأربعة بدعوى رجوع الشك
في الصحة إلى الشك في وجود الصحيح فإذا اندرج تحتها فيعم الفراغ غير الطهارة
والصلاة أيضاً بعد ما عرفت من عدم اختصاص تلك الاخبار بهما فقط ولو كان مقصوده من
ذلك إثبات الفراغ المختص بباب الطهارة والصلاة فقط لتمسك له بالأخبار الخاصة
الواردة في بابهما كما تقدم تفصيلها لا باندراجه تحت تلك الاخبار العامة الأربعة (إلا
انه) أعلى الله مقامه قد رجع أخيراً عن اندراجه تحت تلك الاخبار (فقال) لكن
الإنصاف أن الإلحاق لا يخلو عن إشكال لأن الظاهر من أخبار الشك في الشيء انه مختص
بغير هذه الصورة إلا أن يدعي تنقيح المناط أو يستند فيه إلى بعض ما يستفاد منه
للعموم مثل موثقة ابن أبي يعفور يعني المشتملة على قوله عليهالسلام إنما الشك إذا كنت في شيء لم تجزه (قال) أو يجعل أصالة
الصحة في فعل الفاعل المريد للصحيح أصلا برأسه ومدركه ظهور حال المسلم (قال) قال
فخر الدين في الإيضاح في مسألة الشك في بعض أفعال الطهارة إن الأصل في فعل العاقل
المكلف الّذي يقصد براءة ذمته بفعل صحيح وهو يعلم الكيفية والكمية الصحة (قال)
انتهى (ثم قال) ويمكن استفادة اعتباره من عموم التعليل المتقدم في قوله هو حين
يتوضأ اذكر منه حين يشك فإنه بمنزلة صغرى لقوله فإذا كان اذكر فلا يترك ما يعتبر
في صحة عمله الّذي يراد به براءة ذمته لأن الترك سهواً خلاف فرض الذّكر وعمداً
خلاف إرادة الإبراء (انتهى).
(أقول)
اما الاخبار
العامة المتقدمة فلا يستفاد من الثلاثة الأولى منها شمول التجاوز لغير باب الطهارة
والصلاة أصلا وذلك لما فيها من السؤال عن الشك في افعال الصلاة
والوضوء المانع عن
انعقاد الإطلاق للفظ الشيء الواقع في قوله عليهالسلام إذا خرجت من شيء ثم دخلت في غيره أو كل شيء شك فيه مما قد
جاوزه ودخل في غيره أو إنما الشك إذا كنت في شيء لم تجزه فإنه من قبيل المتيقن في
مقام التخاطب المانع عن انعقاد الإطلاق وقد تقدم التفصيل في محله فلا نعيد.
(نعم) قوله عليهالسلام في الرواية الرابعة كلما شككت فيه مما قد مضى فامضه كما هو
حيث ليس فيه سؤال عن شيء دون شيء فلا مانع عن انعقاد الإطلاق للموصول الواقع فيه
فكل شيء شك في وجوده وقد مضى محله وموطنه فيجب إمضاؤه كما هو سواء كان جزء عمل
كالفاتحة والركوع والسجود ونحو ذلك للصلاة أو جزء جزء كالآية للفاتحة أو الكلمة
الآية أو الحرف للكلمة أو كان عملا من الأعمال المترتبة بعضها على بعض كأعمال الحج
من الطواف والصلاة والسعي ونحو ذلك أو كان عملا مستقلا برأسه قد مضى وقته ومحله
كالشك في الصلاة بعد مضي وقته ففي جميع هذا كله لا يعتني بالشك أصلا للموثقة
المذكورة أعني الرواية الرابعة من الاخبار العامة.
(وأما أخبار
الفراغ) وهي من قوله عليهالسلام كلما شككت فيه بعد ما تفرغ من صلاتك فامض ولا تعد إلى قوله
عليهالسلام كلما مضى من صلاتك وطهورك فذكرته تذكرا فامضه ولا إعادة
عليك فيه (فهي مختصة) بباب الطهارة والصلاة بلا شبهة (ودعوى) ان الشك في صحة
المأتي به حكمه حكم الشك في الإتيان بل هو هو لأن مرجعه إلى الشك في وجود الشيء
الصحيح فيندرج تحت الرواية الرابعة من الاخبار العامة الغير المختصة بباب دون باب (هي
ضعيفة جداً) ونظيرها في الضعف دعوى تنقيح المناط أو الاستناد إلى موثقة ابن أبي
يعفور المشتملة على قوله عليهالسلام إنما الشك إذا كنت في شيء لم تجزه فإن المناط غير منقح
والموثقة ليس فيها ما يستفاد منه العموم.
(نعم لا بأس) بجعل
أصالة الصحة في فعل الفاعل المريد للفعل الصحيح
أصلا برأسه من غير
اختصاص بباب دون باب كأصالة الصحة في فعل الغير التي سيأتي تفصيلها إن شاء الله
تعالى (أو يستفاد عموم اعتباره الفراغ) من التعليل المذكور في رواية بكير ابن أعين
هو حين يتوضأ أذكر منه حين يشك (بل ومن التعليل) المذكور في رواية محمد بن مسلم
وان كان حين انصرف أقرب إلى الحق منه بعد ذلك فمن هذين التعليلين يعرف ان المناط
في عدم الاعتناء بالشك في الصحة بعد الفراغ عن الوضوء أو عن الصلاة هو أذكريته
قبلا أو أقربيته إلى الحق حين الانصراف منه بعد ذلك ومن المعلوم تحقق هذا المناط
بعينه في غير البابين أيضا فيعم التعليلان تمام الأبواب ولا يختصان بباب دون باب (هذا
مضافاً) إلى أن منشأ الشك في صحة عمل نفس الشاك بعد الفراغ عنه إذا كان هو الشك في
وجود الجزء أو الشرط في الجملة جرى فيه التجاوز بلا كلام كما عرفت في آخر الموضوع
الثاني وإن لم يجر إذا كان منشأ الشك فيها هو الشك في فقد المانع فتذكر.
هل يعتبر في التجاوز والفراغ الدخول في الغير أم لا
(الموضع الرابع)
هل يعتبر في التجاوز والفراغ الدخول في الغير المترتب على المشكوك شرعاً أم يكتفي
بتجاوز المحل وبالفراغ عن العمل فالكلام يقع في مقامين
(المقام الأول) في
اعتبار الدخول في الغير وعدمه في قاعدة التجاوز (والظاهر) أنه لا تظهر الثمرة في
الأجزاء المترتبة بعضها على بعض كأجزاء الصلاة أو الأعمال المترتبة بعضها على بعض
كأعمال الحج بناء على جريان التجاوز فيها كما تقدم في الموضع الثالث وذلك لعدم صدق
التجاوز فيهما الا بعد الدخول في الغير المترتب على المشكوك شرعاً.
(نعم تظهر الثمرة)
في الجزء الأخير من العمل كالتسليم للصلاة أو في العمل الأخير من الأعمال المترتبة
بعضها على بعض كما في الحج إذا انفصل بين الجزاء الأخير أو العمل الأخير وبين الشك
فيه زمان طويل ماح لصورة العمل أو انفصل بينهما فعل وجودي مناف للعمل كالحدث
والاستدبار ونحوهما مما لا يبقى معه محل للمشكوك أصلا فحينئذ يصدق التجاوز والمضي
عن المحل ولا دخول في الغير المترتب على المشكوك شرعاً (وكيف كان) ظاهر الرواية
الأولى والثانية من الأخبار العامة الأربعة اعتبار الدخول في الغير وظاهر الرواية
الرابعة عدم اعتبار الدخول في الغير وكفاية صدق المضي وأما الرواية الثالثة فصدرها
ظاهر في اعتبار الدخول في الغير وذيلها في عدم اعتباره كما صرح به الشيخ أعلى الله
مقامه (قال) بعد ذكر حديث زرارة المشتمل على قوله عليهالسلام إذا خرجت من شيء ثم دخلت في غيره فشككت فليس بشيء وحديث
إسماعيل بن جابر المشتمل على قوله عليهالسلام كل شيء شك فيه مما قد جاوزه ودخل في غيره فليمض عليه (ما
لفظه) وهاتان الروايتان ظاهرتان في اعتبار الدخول في غير المشكوك (وقال) بعد ذكر
حديث محمد بن مسلم كلما شككت فيه مما قد مضى فامضه كما هو (ما لفظه) وهذه الموثقة
ظاهرة في عدم اعتبار الدخول في الغير (وقال) بعد ذكر حديث ابن أبي يعفور إذا شككت
في شيء من الوضوء وقد دخلت في غيره فليس شكك بشيء إنما الشك إذا كانت في شيء لم
تجزه (ما لفظه) وظاهر صدر هذه الموثقة كالأوليين وظاهر عجزها كالثالثة يعني بها
حديث محمد بن مسلم.
(ثم إنه أعلى الله
مقامه) قد احتمل حمل التقييد في الروايتين الأوليين على الغالب نظراً إلى كون
الخروج عن المحمل مما لا يمكن غالباً إلّا بالدخول في الغير فيلغو التقييد بمعنى
انه لا مفهوم له (وقد احتمل أيضاً) عكس ذلك وهو انصراف المطلق في موثقة محمد بن مسلم
كلما شككت فيه مما قد مضى فامضه كما هو إلى الغالب نظراً إلى ان الغالب في التجاوز
والمضي هو الدخول في الغير فلا يحكم بالإطلاق
(قال) فيما أفاده
في المقام (ما لفظه) الموضع الثالث الدخول في غير المشكوك ان كان محققاً للتجاوز
عن المحل فلا إشكال في اعتباره وإلّا فظاهر الصحيحتين الأولتين اعتباره وظاهر
إطلاق موثقة ابن مسلم عدم اعتباره ويمكن حمل التقييد في الصحيحين على الغالب
خصوصاً في أفعال الصلاة فإن الخروج من أفعال الصلاة يتحقق غالباً بالدخول في الغير
وحينئذ فيلغو القيد ويحتمل ورود المطلق على الغالب فلا يحكم بالإطلاق (انتهى) موضع
الحاجة من كلامه رفع مقامه.
(أقول)
والإنصاف ان
الخروج من الشيء والتجاوز عنه حيث لا يتحقق غالباً إلا بالدخول في الغير المترتب
عليه شرعاً الا في الجزء الأخير من الصلاة أو في العمل الأخير من الحج فيتحقق بفصل
زمان طويل أو بفعل منا في للعمل كما تقدم وعرفت فلا يبقى اعتماد على التقييد
الموجود في الرواية الأولى والثانية وفي صدر الثالثة فيكون القيد فيها محمولا على
الغالب كما احتمله الشيخ أعلى الله مقامه بمعنى ان اعتبار الدخول في الغير في
الروايات المذكورة انما هو لتوقف صدق عنوان التجاوز عليه غالباً لا لمدخلية الدخول
في الغير بما هو هو (وأما إطلاق) الرواية الرابعة كلما شككت فيه مما قد مضى فامضه
كما هو (فالظاهر) انه لا وجه لرفع اليد عنه ولا وجه لحمله على الغالب فان المطلق
انما يحمل على الغالب ويرفع اليد عن إطلاقه إذا لم يكن ظاهراً في الإطلاق والإنصاف
ان ظهور المطلق هنا في الإطلاق باق محفوظ على حاله (وعليه) فالأظهر الأقوى في
جريان قاعدة التجاوز هو الاكتفاء بصدق عنوان التجاوز والمضي فقط غايته انه فيما
سوى الجزء الأخير أو العمل الأخير لا يتحقق هذا العنوان إلّا بالدخول في الغير
وفيهما بالخصوص يتحقق بالفصل الطويل والفعل المنافي هذا كله تمام الكلام في المقام
الأول.
(واما المقام
الثاني) وهو اعتبار الدخول في الغير وعدمه في قاعدة الفراغ فظاهر أخبارها المتقدمة
هو عدم اعتبار شيء فيها سوى صدق عنوان الفراغ والانصراف والمضي.
(الا الرواية
الثالثة) إذا كنت قاعداً على وضوئك فلم تدر أغسلت ذراعيك أم لا فأعد عليهما وعلى
جميع ما شككت فيه انك لم تغسله أو لم تمسحه مما سمى الله ما دمت في حال الوضوء
فإذا قمت من الوضوء وفرغت منه وقد صرت في حالة أخرى في الصلاة أو في غيرها فشككت
في بعض ما سمى الله مما أوجب الله عليك فيه وضوئه لا شيء عليك فيه (فإن صريحها) هو
اعتبار القيام من الوضوء في جريان الفراغ في أفعاله (والظاهر) انه يلحق بالقيام من
الوضوء مضي زمان طويل مخلّ بالموالاة فإن مع مضيه إذا شك في غسل الذراعين مثلا لم
ينفع العود عليهما قطعاً (ويؤيده) بل يدل عليه قوله عليهالسلام فأعد عليهما (إلى ان قال) ما دمت في حال الوضوء.
(وبالجملة) يعتبر
في جريان الفراغ في خصوص الوضوء فقط إما القيام من الوضوء أو مضى زمان طويل مخلّ
بالموالاة (وعليه) فإذا فرغ من مسح رجله الأيسر وشك بدون فصل طويل مخلّ بالموالاة
في مسح رأسه أو في غسل ذراعيه لم تجر قاعدة الفراغ أصلا بل يجب العود على المشكوك
وإن صدق عليه عرفاً انه قد فرغ من وضوئه فتأمل جيداً.
هل يكفي الدخول في مقدمات الغير في
جريان التجاوز أم لا
(الموضع الخامس)
انك قد عرفت في الموضع السابق انا لم نعتبر في جريان قاعدة التجاوز الدخول في
الغير في خصوص الجزء الأخير من الصلاة أو في العمل الأخير من الحج بل يكفي فيهما
فصل زمان طويل أو فعل منا في للعمل فإنهما كافيان في صدق عنوان التجاوز والمضي
ولكن فيما سوى الجزء الأخير أو العمل الأخير
قد أشرنا انه لا
يكاد يصدق عنوان الخروج عن الشيء والتجاوز والمضي الا بعد الدخول في الغير (فحينئذ)
يقع الكلام في انه هل يكفي في صدق هذا العنوان الدخول في مقدمات الغير أم لا يكفي
بل لا بد من الدخول في نفس الغير بعينه (فإذا شك) في الركوع بعد ما أهوى إلى
السجود (أو شك) في السجود بعد ما نهض للقيام فهل تجري قاعدة التجاوز أم لا تجري (الظاهر)
جريانها لصدق عنوان التجاوز بذلك أي بمجرد الدخول في مقدمات الغير وان لم يدخل بعد
في نفس الغير بعينه (وعليه) فما ورد من الدليل الخاصّ على الاكتفاء بالهويّ للسجود
وهي الرواية الثالثة من الأخبار الخاصة قلت لأبي عبد الله عليهالسلام رجل أهوى إلى السجود فلم يدر أركع أم لم يركع قال قد ركع (يكون)
على القاعدة (وما ورد) من الدليل الخاصّ على عدم الاكتفاء بالنهوض للقيام وقد رواه
في الوسائل في أبواب السجود في باب من شك في السجود بسنده عن عبد الرحمن بن أبي
عبد الله قال فيه قلت فرجل نهض من سجوده فشك قبل أن يستوي قائماً فلم يدرأ سجد أم
لم يسجد قال يسجد (يكون) على خلاف القاعدة يقتصر فيه على مورد النص (هذا) وقد ذهب
الشيخ أعلى الله مقامه إلى عدم كفاية الدخول في مقدمات الغير واعتبر الدخول في نفس
الغير بعينه (واستدل له) بقول أبي جعفر عليهالسلام في صحيحة إسماعيل بن جابر وهي الرواية الثانية من الروايات
الأربعة العامة إن شك في الركوع بعد ما سجد وان شك في السجود بعد ما قام فليمض
وانه في مقام تحديد الغير الّذي يعتبر الدخول فيه وأنه لا غير أقرب من السجود
بالنسبة إلى الركوع ومن القيام بالنسبة إلى السجود (وفيه ما لا يخفى) فإن قوله عليهالسلام ان شك في الركوع بعد ما سجد محمول على التمثيل لا على مقام
التحديد وانه لا غير أقرب من السجود إلى الركوع وإلا لم يقل أبو عبد الله عليهالسلام في الرواية الثالثة من الأخبار الخاصة في جواب السائل رجل
أهوى إلى السجود فلم يدر أركع أم لم يركع قال قد ركع بل كان يعتبر عليهالسلام الدخول في نفس السجود بعينه ولم يكتف بالهوي إليه وهذا لدى
التدبر واضح فتدبر جيداً.
في التجاوز عن المحل الاعتيادي والدخول
في الغير الاعتيادي
(الموضع السادس)
انك قد عرفت في الموضع الثالث عدم اختصاص قاعدة التجاوز بباب الطهارة والصلاة فقط
بل تجري في جزء أي عمل كان بل وفي جزء الجزء أيضاً وهكذا في الأعمال المترتبة
بعضها على بعض أو في العمل الموقت إذا مضى وقته ومحله (كما انك قد عرفت) في الموضع
الرابع أن فيما سوى الجزء الأخير من العمل أو العمل الأخير من الأعمال المترتبة لا
يكاد يصدق التجاوز يصدق إلا بالدخول في الغير المترتب على المشكوك وفي خصوص الجزء
الأخير أو العمل الأخير يصدق التجاوز عن المحل بمضي زمان طويل ماح لصورة العمل أو
بصدور فعل مناف للعمل كالحدث والاستدبار ونحوهما (وحينئذ) يقع الكلام في أنه (هل
يكفي) التجاوز عن المحل الاعتيادي أو الدخول في الغير الاعتيادي مع بقاء المحل
الشرعي أم لا يكفي (فإذا اعتاد) الموالاة في الغسل الترتيبي وشك في غسل الجانب
الأيسر بعد فصل ما يخل بما اعتاده من الموالاة فهل تجري القاعدة نظراً إلى التجاوز
عن المحل الاعتيادي وإن لم يتجاوز محله الشرعي لعدم اعتبار الموالاة في الغسل
شرعاً (وإذا اعتاد) زيارة عاشوراء بعد صلاة الصبح بلا فصل ثم رأى نفسه فيها وشك في
صلاة الصبح فهل يجري التجاوز مع بقاء الوقت شرعاً أم لا (الظاهر) انه لا يعتد
بالتجاوز عن المحل الاعتيادي ولا بالدخول في الغير الاعتيادي بعد بقاء المحل
الشرعي (قال الشيخ) أعلى الله مقامه بعد ذكر التمثيل بغسل الجانب الأيسر (ما لفظه)
مع أن فتح هذا الباب بالنسبة إلى العادة يوجب مخالفة إطلاقات كثيرة (فمن اعتاد)
الصلاة في أول وقتها أو مع الجماعة فشك في فعلها بعد ذلك
فلا يجب عليه
الفعل (وكذا من اعتاد) فعل شيء بعد الفراغ من الصلاة فرأى نفسه فيه وشك في فعل
الصلاة (وكذا من اعتاد) الوضوء بعد الحدث بلا فصل يعتد به أو قبل دخول الوقت
للتهيؤ فشك بعد ذلك في الوضوء إلى غير ذلك من الفروع التي يبعد التزام الفقيه بها (انتهى)
موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه.
هل يجري التجاوز في الشروط كما
يجري في الأجزاء
(الموضع السابع)
هل يجري التجاوز في الشروط كما يجري هو في الأجزاء أم لا يجري (فكما إذا شك) في
القراءة أو الركوع أو السجود يمضي ولا يعتني بالشك (فكذلك إذا شك) في الطهارة أو
الستر أو القبلة يمضي ولا يعتني بالشك أم لا (الحق هو التفصيل) فإذا شك في الشرط
بعد انقضاء العمل فتجري قاعدة التجاوز فيه بلا مانع عنها أبداً كما انه تجري قاعدة
الفراغ فيه بلا شبهة ولا ريب فان المفروض في الرواية الأولى والثانية بل والثالثة
من الأخبار العامة الأربعة وإن كان هو الشك في الجزء دون الشرط وهو مما يمنع عن
انعقاد الإطلاق للفظ الشيء الواقع فيها فإنه من قبيل المتيقن في مقام التخاطب (ولكن
الرواية الرابعة) كلما شككت فيه مما قد مضى فامضه كما هو مما لا مانع عن شمولها
للشروط كما لا يخفى (وأما إذا شك) في الشرط في أثناء العمل فالتجاوز وإن كان هو
مما يجري فيه بالنسبة إلى المقدار الماضي من العمل ولكن لا بد من إحرازه بالنسبة
إلى المقدار الباقي (فإن كان) محرزاً فعلا كما إذا رأى نفسه متستراً الآن مستقبلا
للقبلة وشك في الستر والاستقبال بالنسبة إلى المقدار الماضي من الصلاة فهاهنا ينفع
التجاوز بالنسبة إلى المقدار الماضي بلا كلام (وأما إذا لم يكن) محرزاً فعلا لا
بعلم ولا بعلمي
فهاهنا لا يكاد
ينفع التجاوز الجاري في الشرط بالنسبة إلى المقدار الماضي من العمل أصلا (إلّا إذا
لم يكن الشرط) شرطاً لجميع العمل من أوّله إلى آخره بل كان شرطاً لبعض أجزائه وقد
جاز محله كما إذا شك في الجهر بالقراءة أو في الإخفات بها بعد ما ركع أو سجد
فحينئذ يجري التجاوز فيه بلا شبهة (أو كان الشرط) مما أمكن تحصيله فعلا بالنسبة
إلى المقدار الباقي من العمل بدون استلزامه الفعل المنافي كما إذا كان جالساً في
الصلاة وكان الماء حاضراً عنده وقد شك في الوضوء فهاهنا ينفع التجاوز بالنسبة إلى
الماضي فيجريه بالنسبة إليه ويتوضأ بالنسبة إلى الباقي وهو جالس مستقبل القبلة
بدون فصل طويل ماح لصورة العمل (هذا) وقد حكى الشيخ أعلى الله مقامه عن بعض
الأساطين جريان التجاوز في الشروط مطلقاً سواء كان بعد الفراغ عن العمل أو في
الأثناء بل وإذا كان على هيئة الدخول فيه أيضاً (وهو ضعيف) (وحكى) عن بعض الأصحاب
عدم جريانه في الشروط مطلقاً ولو كان بعد الفراغ عن العمل (وهو أيضا ضعيف) (وقد
اختار هو بنفسه) التفصيل في المسألة على نحو ما ذكرناه آنفاً من الفرق بين الشك
فيه بعد العمل فيجري التجاوز فيه بلا مانع عنه وبين الشك فيه في الأثناء فلا بدّ
من إحرازه بالنسبة إلى القدر الباقي (واستشهد له) بصحيحة علي بن جعفر عليهالسلام عن أخيه عليهالسلام المروية في الوسائل في أبواب الوضوء في باب من تيقن
الطهارة وشك في الحدث قال سألته عن الرّجل يكون على وضوء ثم يشك على وضوء هو أم لا
قال إذا ذكرها وهو في صلاته انصرف وأعادها وإن ذكر وقد فرغ من صلاته أجزأه ذلك (قال)
بناء على ان مورد السؤال الكون على الوضوء باعتقاده ثم شك في ذلك (انتهى) (ثم إنه)
أعلى الله مقامه قد حكى تفصيلا في الشك في الشرط في الأثناء فإن كان في الوضوء
فيجري التجاوز فيه وكأن نظر المفصل إلى أن الوضوء محله قبل الصلاة نظراً إلى قوله
تعالى وإذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم ... إلخ وإن كان في غير الوضوء وجب
إحرازه للأجزاء الباقية من الصلاة (وهو كما ترى) تفصيل بلا
وجه إذ لا فرق بين
الوضوء وغيره من الشروط كالستر والقبلة ونحوهما في كونه شرطاً مقارناً للصلاة
يعتبر وجوده من أولها إلى آخرها وإنما يؤتي به كسائر الشروط من قبل الصلاة لتقع
أول جزء من أجزاء الصلاة إلى آخرها مقارناً للشرط لا ان محله الشرعي هناك وهذا
واضح ظاهر.
(بقي شيء) وهو انه
إذا شك في الشرط بعد الفراغ عن العمل وبنينا على وجوده بقاعدة التجاوز أو الفراغ (فهل
يكتفي به) بالنسبة إلى مشروط آخر لم نأت به أم لا بل لا بد من تحصيله له.
(الحق هو الثاني)
فإن الشك في الشرط بالنسبة إلى العمل الّذي قد فرغ منه وإن كان شكاً بعد تجاوز
المحل فلا يجب الاعتناء به ولكن بالنسبة إلى العمل المستقبل لم يتجاوز محله فيجب
الاعتناء به (وقد صرح بذلك) الشيخ أعلى الله مقامه وإن ذكر عن بعضهم نوع ترديد فيه
(قال) وإما بالنسبة إلى مشروط آخر لم يدخل فيه فلا ينبغي الإشكال في اعتبار الشك
فيه لأن الشرط المذكور من حيث كونه شرطاً لهذا المشروط لم يتجاوز عن محله بل محله
باق فالشك في تحقق شرط هذا المشروط شك في الشيء قبل تجاوز محله (قال) وربما بنى
بعضهم ذلك على ان معنى عدم العبرة بالشك في الشيء بعد تجاوز المحل هو البناء على
الحصول أو يختص بالمدخول (انتهى) موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه ويعني بالمدخول
المشروط الّذي قد دخل فيه وفرغ منه في قبال المشروط الّذي لم يدخل فيه بعد.
في عدم جريان التجاوز في أفعال الوضوء
(الموضع الثامن)
انه يخرج عن تحت قاعدة التجاوز الشك في أفعال الوضوء فإذا شك في جزء من أجزائه
فيجب العود إليه وإن تجاوز محله ما لم يفرغ عن الوضوء (وذلك للإجماعات المستفيضة) (وصحيحة
زرارة) المتقدمة في أخبار
الباب وهي الرواية
الثالثة من أخبار الفراغ عن أبي جعفر عليهالسلام قال إذا كنت قاعداً على وضوئك فلم تدر أغسلت ذراعيك أم لا
فأعد عليهما وعلى جميع ما شككت فيه انك لم تغسله أو لم تمسحه مما سمى الله ما دمت
في حال الوضوء فإذا قمت من الوضوء وفرغت منه وقد صرت في حالة أخرى في الصلاة أو في
غيرها فشككت في بعض ما سمى الله مما أوجب الله عليك فيه وضوئه لا شيء عليك فيه
الحديث (ويظهر من الشيخ) أعلى الله مقامه أن في المسألة أخبار كثيرة في هذا المعنى
(قال) فمستند الإجماع الأخبار الكثيرة المخصصة للقاعدة المتقدمة (انتهى) ولكن
الظاهر أنه سهو من قلمه الشريف إذ لم نجد في الكتب الفقهية ولا في الأحاديث
المروية ما يدل على التخصيص سوى الصحيحة المذكورة (وعلى كل حال) لا إشكال في جواز
الاعتماد على صحيحة واحدة في تخصيص قاعدة التجاوز سيما بعد اعتضادها بالإجماعات
المستفيضة (ولكن الإشكال) في أن الصحيحة مما لها معارض قويّ وهي موثقة ابن أبي
يعفور المتقدمة في الاخبار العامة إذا شككت في شيء من الوضوء وقد دخلت في غيره
فليس شكك بشيء انما الشك إذا كنت في شيء لم تجزه (فهل يمكن الجمع) بين الموثقة وبين
الصحيحة والإجماعات المستفيضة على وجه يرتفع التنافي بينهما عرفا (أم لا) بل لا بد
من رفع اليد عن الموثقة تقديماً للصحيحة المعتضدة بالإجماعات المستفيضة عليها.
(وقد تصدّى الشيخ
وصاحب الجواهر وغيرهما) أعلى الله مقامهم للجمع بينهما بإرجاع ضمير غيره في
الموثقة إلى الوضوء أي إذا شككت في شيء من الوضوء وقد دخلت في غير الوضوء فليس شكك
بشيء وذلك لئلا تخالف الصحيحة والإجماعات المستفيضة.
(أقول)
إن إرجاع ضمير
غيره في الموثقة إلى الوضوء هو خلاف الظاهر جداً وارتكاب خلاف الظاهر من دون أن
يكون عليه شاهد عرفي مما لا سبيل إليه ومجرد ارتفاع
التنافي به بين
الموثقة وبين الصحيحة والإجماعات المستفيضة مما لا يجوّز ذلك وإلّا لانفتح باب
الجمع التبرعي بين كل خبرين متعارضين على نحو يرتفع التنافي بينهما ولو لم يساعده
فهم العرف وهو كما ترى ضعيف (مضافاً) إلى ان التصرف في الموثقة بحملها على ما إذا
شك في شيء من الوضوء وقد دخل في غير الوضوء ليس بأهون من التصرف في الصحيحة بحمل
الإعادة فيها على غسل الذراعين وعلى جميع ما شك فيه على الاستحباب.
(وبالجملة) ان
الحق في المسألة كما أشير قبلا هو رفع اليد عن الموثقة تقديماً للصحيحة المعتضدة
بالإجماعات المستفيضة عليها وذلك بلا حاجة إلى التكلف والتصرف في ظهور الموثقة
بنحو لا يساعده فهم العرف أصلا.
التجاوز والفراغ أمارتان ومثبتاتهما ليست بحجة
(الموضع التاسع)
هل التجاوز والفراغ أمارتان أم أصلان عمليان (وعلى تقدير كونهما) أمارتين فهل
مثبتاتهما حجة كما في البينة وخبر العدل إذا قلنا به أم لا (فإذا شك) في السورة
وعلم انه لا يحفظ من سور القرآن الا التوحيد فقط فبقاعدة التجاوز هل يثبت انه قد
قرأ التوحيد بحيث إذا نذر أن يصلي صلاة مع التوحيد فقد حصل البراء بما صلى أم لا (وإذا
شك) في الستر وعلم انه لم يحضره في حال الصلاة سوى ثوب أبيض فبقاعدة الفراغ هل
يثبت انه قد لبس الثوب الأبيض بحيث إذا نذر أن يصلي صلاة في الثوب الأبيض فقد حصل
البرء بما صلى أم لا.
(أقول)
أما كونهما
أمارتين أو أصلين عمليين فالظاهر انهما أمارتان وذلك لما عرفت منا غير مرة من أن
الأمارة عبارة عما له كشف وحكاية عن الواقع والتجاوز والفراغ مما لا يخلو ان عن
ذلك (ويؤيده) بل يدل عليه قوله عليهالسلام في اخبار التجاوز قد ركع أو قد ركعت امضه وفي أخبار الفرغ
هو حين يتوضأ اذكر منه حين يشك أو كان حين انصرف أقرب إلى الحق منه بعد ذلك (واما
كون مثبتاتهما حجة أم لا) فالظاهر عدم حجيتها إذ لا ملازمة بين أمارية شيء وبين
حجية مثبتاته كما عرفت ذلك في الاستصحاب حيث انه اخترنا أماريته ولم نقل بحجية
مثبتاته (والسرّ) في ذلك ان المدار في القول بالمثبتات على استفادة ذلك من دليل
اعتبار الأمارة ولا يكاد يستفاد ذلك من دليل التجاوز والفراغ أصلا سوى التعبد
بإتيان ما شك في إتيانه أو بصحة ما شك في صحته من دون التعبد بأطرافه من لوازمه
وملازماته وملزوماته ليترتب عليها آثارها (بل لا يبعد القول) بالتعبد بإتيان ما شك
في إتيانه من حيث كونه جزءاً أو شرطاً للمأمور به لا من حيث هو هو (فإذا شك) في
إتيان الفاتحة مثلا فلا يبني بقاعدة التجاوز إلا على وجودها وتحققها من حيث كونها
جزءاً للصلاة لا من حيث هي هي بحيث لو نذر أن يقرأ الفاتحة في كل ساعة فقد حصل
البراء بالنسبة إلى هذه الساعة (وهكذا إذا شك) في صحة الصلاة بعد الفراغ عنها من
ناحية الطهور فلا يبني إلا على تحقق الطهارة من حيث كونها شرطاً للصلاة لا من حيث
هي هي بحيث لو نذر أن يتطهر في كل ساعة فقد حصل البرء بالنسبة إلى هذه الساعة (بل
قد عرفت) في الموضع السابع انه لا يمكن الاكتفاء بها من حيث كونها شرطاً للصلاة
أيضاً الا لخصوص ما أتى به من الصلوات لا للصلوات الآتية.
هل يجري التجاوز والفراغ عند احتمال
الترك عمداً
(الموضع العاشر)
هل التجاوز والفراغ كما يجريان عند احتمال الترك سهواً فكذلك يجريان عند احتمال
الترك عمداً أم لا (الظاهر عدم الجريان) وذلك لانصراف أخبار الباب جميعاً إلى صورة
احتمال الغفلة والنسيان لا إلى احتمال العمد والعصيان (مضافاً) إلى ما تقدم في بعض
أخبار الفراغ من التعليل بالأذكرية فإنها مما ينفي الغفلة والنسيان ولا يكاد ينفي
العمد والعصيان (هذا ولكن يظهر من الشيخ) أعلى الله مقامه الجريان (قال) في الموضع
السابع (ما لفظه) نعم لا فرق بين أن يكون المحتمل ترك الجزء نسياناً أو تركه
تعمداً والتعليل المذكور يعني به قوله عليهالسلام هو حين يتوضأ أذكر منه حين يشك بضميمة الكبرى المتقدمة
يعني بها قوله المتقدم فإذا كان أذكر فلا يترك ما يعتبر في صحة عمله الّذي يراد به
براءة ذمته لأن الترك سهواً خلاف فرض الذكور عمداً خلاف إرادة الإبراء ... إلخ يدل
على نفي الاحتمالين (انتهى) يعني بهما السهو والعمد جميعاً (ولكن ذلك مما لا يخلو
عن مسامحة) فإن الّذي يترتب على الأذكرية أنه إذا كان أذكر فلا يترك ما يعتبر في
صحة عمله سهواً وأما عدم تركه عمداً فلا يكاد يترتب عليها إذ كون المكلف مريداً
لإبراء ذمته فلا يترك عمدا هو أمر آخر لا ربط له بقاعدة التجاوز والفراغ كما لا
يخفى (اللهم) إلا إذا كان مقصد الشيخ هو مجرد نفي الاحتمالين هنا أحدها للتعليل
المتقدم والآخر لكون المكلف مريداً لإبراء ذمته لا نفي الاحتمالين لأجل التعليل
المذكور (وعلى كل حال) يمكن التشبث لنفي احتمال الترك عمداً وعصياناً إذا احتمل
ذلك بعد التجاوز عن المحل أو بعد الفراغ عن العمل بأصالة
الصحة الجارية حتى
في عمل نفس الشاك أيضاً كما أشير قبلا في الموضع الثالث وسيأتي تفصيلها قريباً
مشروحا من غير اختصاص لها بعمل الغير فقط بالخصوص به دون غيره فانتظر لذلك يسيرا.
هل الفراغ يجري عند محفوظية صورة
العمل أم لا
(الموضع الحادي
عشر) هل الفراغ كما يجري عند الشك في الصحة مع عدم محفوظية صورة العمل فكذلك يجري
هو مع محفوظية صورة العمل أيضاً أم لا (فكما إذا شك) في أنه هل سجد على الأرض أو
على المعدن أو صلى إلى القبلة أو إلى غيرها أو صلى فيما يؤكل لحمه أو فيما لا يؤكل
لحمه أو أزال الحائل بتحريك الخاتم عند الغسل أم لم يزل (يبني على الصحة) في جمع
هذه الصور كلها ولا يكاد يعتني بالشك في شيء منها أصلا (فكذلك إذا علم) انه قد سجد
على هذا الشيء غفلة وشك بعد الصلاة في انه هل هو أرض أو معدن أو علم أنه قد صلى
إلى هذه الجهة بلا التفات وشك بعد الصلاة في انها هل هي قبلة أم لا أو علم انه قد
صلى في هذا الثوب بلا التفات أيضاً وشك بعد الصلاة في انه هل هو من المأكول أو من
غير المأكول أو علم انه قد غفل عن تحريك الخاتم حين الغسل قطعا وشك بعد الغسل في
انه هل هو مانع عن وصول الماء إلى البشرة أم لا (فهل يبني أيضاً) على الصحة في
جميع هذه الصور كلها ولا يكاد يعتني بالشك في شيء منها أصلا كما في الصور السابقة
عينا أم لا (الظاهر) أنه لا يبني على الصحة في شيء من هذه الصور أصلا وذلك للتعليل
المتقدم في بعض أخبار الفراغ هو حين يتوضأ أذكر منه حين يشك فإن التعليل المذكور
مما يعبدنا بالذكر في حين العمل وأنه لم يخل بشيء سهواً وهو
إنما يجري مع عدم
محفوظية صورة العمل بحيث يحتمل فيه الذّكر وأما مع محفوظية صورة العمل والقطع
بالغفلة وعدم الالتفات في حين العمل أصلا فلا يكاد يجري فيه التعليل المذكور وان
كان شاكاً فعلا في الصحة العمل لاحتمال مطابقته مع الواقع صدفة (ومن هنا يعرف) عدم
جريان القاعدة إذا شك في الصحة لأجل احتمال وجود الحائل على البدن من خاتم ونحوه
مع القطع بالغفلة عنه في حين العمل.
(نعم يجري) حينئذ
أصالة عدم الحائل وهي وان كانت بالنسبة إلى وصول الماء إلى البشرة مثبتة ولكن
الواسطة خفية فلا بأس بها مضافاً إلى ما ادعى من السيرة والإجماع عليها وقد تقدم
تفصيل الكلام فيها في التنبيه السابع من تنبيهات الاستصحاب فراجع.
(ثم إن الشيخ)
أعلى الله مقامه قد أشار إلى أكثر ما تقدم هاهنا بنحو الاختصار (قال ما لفظه)
الموضع السابع الظاهر ان المراد بالشك في موضوع هذا الأصل هو الشك الطاري بسبب
الغفلة عن صورة العمل فلو علم كيفية غسل اليد وإنه كان بارتماسها في الماء لكن شك
في أن ما تحت خاتمه ينغسل بالارتماس أم لا ففي الحكم بعدم الالتفات يعني إلى الشك
وجهان من إطلاق بعض الأخبار ومن التعليل بقوله عليهالسلام هو حين يتوضأ أذكر منه حين يشك فإن التعليل يدل على تخصيص
الحكم بمورده مع عموم السؤال فيدل على نفيه عن غير مورد العلة (إلى ان قال) ولو
كان الشك من جهة احتمال وجود الحائل على البدن ففي شمول الاخبار له الوجهان نعم قد
يجري هنا أصالة عدم الحائل فيحكم بعدمه حتى لو لم يفرغ عن الوضوء بل لم يشرع في
غسل موضع احتمال الحائل لكنه من الأصول المثبتة وقد ذكرنا بعض الكلام في ذلك في
بعض الأمور المتقدمة (انتهى) كلامه رفع مقامه (هذا تمام الكلام) في قاعدتي التجاوز
والفراغ جميعاً.
في أصالة الصحة وبيان مدركها
(واما أصالة الصحة)
فيقع الكلام فيها أيضاً في مواضع عديدة.
(الموضع الأول) في
بيان مدركها فنقول قد استدل عليها الشيخ أعلى الله مقامه بالأدلة الأربعة بعد ما
قال انها في الجملة من الأصول المجمع عليها فتوى وعملا بين المسلمين (قال) أما
الكتاب فمنه آيات.
(منها) قوله تعالى
وقولوا للناس حسناً بناء على تفسيره بما عن الكافي من قوله عليهالسلام لا تقولوا إلا خيراً حتى تعملوا ما هو (قال) ولعل مبناه
على إرادة الظن والاعتقاد من القول.
(ثم قال ومنها)
قوله تعالى اجتنبوا كثيراً من الظن ان بعض الظن إثم فإن ظن السوء إثم وإلّا لم يكن
شيء من الظن إثما.
(ثم قال ومنها)
قوله تعالى أوفوا بالعقود بناء على أن الخارج من عمومه ليس إلّا ما علم فساده لأنه
المتيقن (قال) وكذا قوله تعالى إلا ان تكون تجارة عن تراض (ثم قال) والاستدلال به
يظهر من المحقق الثاني حيث تمسك في مسألة بيع الرهن مدعياً لسبق إذن المرتهن وأنكر
المرتهن السبق ان الأصل صحة البيع ولزومه ووجوب الوفاء بالعقد (قال) لكن لا يخفى
ما فيه من الضعف (إلى ان قال) واما السنة.
(فمنها) ما عن
الكافي عن أمير المؤمنين عليهالسلام ضع امر أخيك على أحسنه حتى يأتيك ما يقلبك عنه ولا تظنن
بكلمة خرجت من أخيك سوءا وأنت تجد لها في الخير سبيلا.
(قال ومنها) قول
الصادق عليهالسلام لمحمد بن الفضل يا محمد كذّب سمعك وبصرك عن أخيك فإن شهد
عندك خمسون قسامة انه قال وقال لم أقل فصدقه وكذبهم.
(قال ومنها) ما
ورد مستفيضاً ان المؤمن لا يتهم أخاه وأنه إذا اتهم أخاه انماث الإيمان في قبله
كانمياث الملح في الماء وان من اتهم أخاه فلا حرمة بينهما وأن من اتهم أخاه فهو
ملعون ملعون (ثم قال) إلى غير ذلك من الأخبار المشتملة على هذه المضامين أو ما
يقرب منها (إلى ان قال) الثالث الإجماع القولي والعملي أما القولي فهو مستفاد من
تتبع فتاوى الفقهاء في موارد كثيرة (إلى ان قال) وأما العملي فلا يخفى على أحد ان
سيرة المسلمين في جميع الأعصار على حمل الأعمال على الصحيح وترتيب آثار الصحة في
عباداتهم ومعاملاتهم ولا أظن أحداً ينكر ذلك الا مكابرة (ثم قال) الرابع العقل
المستقل الحاكم بأنه لو لم يبن علي هذا الأصل لزم اختلال نظام المعاد والمعاش (انتهى)
موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه.
(أقول)
الظاهر ان لأصالة
الصحة معنيين.
(أحدهما) ان فعل
الغير إذا دار امره بين الصدور على الوجه الحسن الجائز وبين الصدور على الوجه
القبيح المحرم فيحمل على الوجه الحسن الجائز دون القبيح المحرم فإذا سمع من الغير
كلاماً لم يعلم أنه سلم عليه أو شتمه وجب عليه حمله على انه سلّم عليه ولم يشتمه
وإذا رأي الغير قد أفطر في شهر رمضان ولم يعلم ان ذلك كان عصياناً منه أو انه كان
لعذر شرعي من مرض ونحوه وجب عليه حمله على انه كان لعذر شرعي لا للعصيان والفسوق
وهكذا.
(ثانيهما) ان فعل
الغير المركب من أجزاء وشرائط سواء كان عبادة أو معاملة إذا دار امره بين الصحيح
التام الواجد لتمام الاجزاء والشرائط وبين الفاسد الفاقد لبعض الاجزاء والشرائط
فيحمل على الصحيح التام الواجد دون الفاسد الناقص (والظاهر) ان الآيتين الأوليين
والروايات المذكورة كلها هما أجنبيتان عن أصالة الصحة بالمعنى الثاني رأساً (ولعل)
من هنا قد ضعف الشيخ أعلى الله مقامه دلالة الآيتين صريحاً بل وضعف دلالة الروايات
أيضاً (فقال) بعد نقلها
بأجمعها (ما لفظه)
هذا ولكن الإنصاف عدم دلالة هذه الاخبار الا على انه لا بد من ان يحمل ما يصدر من
الفاعل على الوجه الحسن عند الفاعل ولا يحمله على الوجه القبيح عنده وهذا غير ما
نحن بصدده فإنه إذا فرض دوران العقد الصادر منه بين كونه صحيحا أو فاسداً لا على
وجه قبيح بل فرضنا الأمرين في حقه مباحاً كبيع الراهن بعد رجوع المرتهن عن الإذن
واقعاً أو قبله فإن الحكم بأصالة عدم ترتب الأثر على البيع مثلا مما لا يوجب
خروجاً عن الاخبار المتقدمة الآمرة بحسن الظن بالمؤمن في المقام خصوصاً إذا كان
المشكوك فعل غير المؤمن أو فعل المؤمن الّذي يعتقد بصحة ما هو الفاسد عند الحامل (انتهى).
(وكيف كان) لا
شبهة في ان لأصالة الصحة معنيين قد أشير إليهما آنفاً ولا ربط لأحدهما بالآخر
أصلا.
(ويدل على الأول)
من الآيات (قوله تعالى) اجتنبوا كثيراً من الظن ان بعض الظن إثم بالتقريب المتقدم
من الشيخ أعلى الله مقامه (واما قوله تعالى) وقولوا للناس حسناً فدلالتها غير
واضحة وإرادة الظن والاعتقاد من القول لهم غير معلوم وتفسيره بما تقدم عن الكافي
من قوله عليهالسلام لا تقولوا إلا خيراً حتى تعلموا ما هو مما لا يدل على
إرادة غير القول منه (وقد ذكر الطبرسي) رحمة الله في تفسيره انه روى جابر عن أبي
جعفر الباقر عليهالسلام في قوله تعالى قولوا للناس حسنا قال قولوا للناس أحسن ما
تحبون ان يقال لكم فإن الله يبغض اللعان السباب الطعان على المؤمنين الفاحش
المتفحش السائل الملحف ويحب الحليم العفيف المتعفف (انتهى).
(واما الآية
الثالثة والرابعة) فهما أجنبيتان عن أصل الصحة بالمعنى الأول بلا شبهة.
(نعم الظاهر) من
الاخبار بأجمعها انها من أدلة أصل الصحة بالمعنى الأول
(وأما أصل الصحة
بالمعنى الثاني) فالدليل الوحيد عليه هو سيرة المسلمين
قاطبة في جميع
الأعصار والأمصار على حمل فعل الغير على الصحيح التام كما ذكره الشيخ أعلى الله
مقامه (وأما الآيتان الأخيرتان) فالتمسك بهما لأجله مشكل جداً فإن الخارج منهما هو
العقد الفاسد واقعاً لا ما علم فساده فإن العمل مما لا مدخل له هنا (وعليه) فإذا
شك في فساد عقد الغير وعدمه فالتمسك لصحته بعموم الآيتين تمسك بالعامّ في الشبهات
المصداقية للخاص وقد منعناه كما عرفت التفصيل في محله (وأما إجماع العلماء قولا)
فالتمسك به أيضاً مشكل لجواز كون المدرك له هو سيرة المسلمين قاطبة (واما حكم
العقل) بأنه لو لم يبن علي هذا الأصل لزم اختلال نظام المعاد والمعاش فهو في
الجملة وان كان حقاً ولكن لا بد على هذا من الاقتصار على مقدار دفع الاختلال فقط
لا أكثر.
(وبالجملة) إن
الدليل الصحيح لأصل الصحة بالمعنى الثاني مما ينحصر هو بسيرة المسلمين فقط في جميع
الأعصار والأمصار خلفاً عن سلف وجيلا بعد جيل على حمل فعل الغير على الصحيح التام
عبادة كان أو معاملة وهو مما يكفي في استكشاف رأي الإمام عليهالسلام وإمضائه لها.
(ثم إن) مجري
أصالة الصحة بالمعنى الأول هو خصوص فعل المسلم كما يظهر من الاخبار المتقدمة مثل
قوله عليهالسلام ضع امر أخيك على أحسنه ... إلخ أو كذّب سمعك وبصرك عن أخيك
... إلخ أو ان المؤمن لا يتهم أخاه ... إلخ.
(واما مجري أصالة
الصحة بالمعنى الثاني) فالظاهر انه هو فعل الغير مطلقاً سواء كان مسلما أو كافراً
فإذا صدر من الكافر فعلا مركباً من اجزاء وشرائط أو صنع شيئاً خارجياً مركباً من
اجزاء وشرائط كمعجون أو غيره وشك وفي صحته وفساده أي في تماميته ونقصانه فيبني على
صحته وتماميته لا على فساده ونقصانه (بل الظاهر) ان أصل الصحة بالمعنى الثاني مما
لا يختص بفعل الغير فقط بل يجري في فعل نفس الشاك أيضاً فإذا شك في صحة عباداته
المتقدمة أو معاملاته المتقدمة فيبني على صحتها وتماميتها وذلك للسيرة العقلائية
الجارية في فعل النّفس وفي فعل
الغير جميعا وان
فرض انه لم يكن هناك قاعدة الفراغ أصلا أو كانت وقد قلنا باختصاصها بباب الطهارة
والصلاة فقط (ومن هنا يظهر) ان بين الفراغ وأصل الصحة عموم مطلق فالفراغ يجري في فعل
النّفس فقط وأصل الصحة يجري في فعل النّفس والغير جميعاً فكلما جرى الفراغ جرى أصل
الصحة ولا عكس.
(ثم إنه يظهر من
الشيخ) أعلى الله مقامه التمسك لأصالة الصحة (مضافاً) إلى ما تقدم من الآيات
والروايات والإجماع وحكم العقل (بفحوى) رواية حفص ابن غياث الواردة في اليد
المشتملة على قوله عليهالسلام انه لو لا ذلك لما قام للمسلمين سوق (وربما ورد) من نفي
الحرج وتوسعة الدين وذم من ضيقوا على أنفسهم (قال أعلى الله مقامه) إن الإمام عليهالسلام قال لحفص بن غياث بعد الحكم بأن اليد دليل الملك ويجوز
الشهادة بالملك بمجرد اليد أنه لو لا ذلك لما قام للمسلمين سوق فيدل بفحواه على
اعتبار أصالة الصحة في إعمال المسلمين (إلى أن قال) ويشير إليه أيضاً ما ورد من
نفي الحرج وتوسعة الدين وذم من ضيقوا على أنفسهم بجهالتهم (انتهى).
(أقول)
أما التمسك بفحوى
رواية حفص الناطقة بأنه لو لا ذلك لما قام للمسلمين سوق فله وجه وجيه (واما التمسك)
بما ورد من نفي الحرج وتوسعة الدين فالظاهر انه مما لا وجه له إذ لا بد حينئذ من
الاقتصار في العمل بأصل الصحة بمقدار دفع الحرج والضيق لا أكثر (مضافاً) إلى ان
ظاهر أدلة الحرج انها هي رافعة للتكاليف الحرجية لا انها مشرعة للقواعد والأصول
التي لولاها لزم العسر والحرج على الناس وهذا واضح ظاهر.
في جريان أصل الصحة عند احتمال الإخلال
سهواً أو عمداً أو جهلا
(الموضع الثاني)
انه كما قلنا في الموضع الأول إن أصل الصحة بالمعنى الثاني أي بمعنى حمل الفعل على
الصحيح التام دون الفاسد الناقص مما لا يختص بفعل الغير فقط بل يجري هو في فعل نفس
الشاك أيضاً (فكذلك) نقول هاهنا إنه مما لا يختص جريانه بما إذا احتمل الإخلال
سهواً (بل يجري هو) حتى إذا احتمل الإخلال عمداً أو جهلا ففي تمام هذه الصور
الثلاث تجري أصالة الصحة بلا شبهة ولا ريب وذلك للسيرة العقلائية الجارية في
الجميع بلا كلام فيها من أحد.
(نعم قد يقع
الكلام) في ان أصل الصحة كما انه يجري مع عدم محفوظية صورة العمل فكذلك يجري هو مع
محفوظية صورة العمل أيضاً أم لا (فكما انه) إذا امر المولى بمركب وأتى به الغير
وشك في الصحة لأجل الشك في انه هل هو قد أتى بالجزء أو بالشرط أو انه تركه سهواً
أو عمداً أو جهلا (فيبني على الصحة) ولا يعتني بالشك أصلا (فكذلك) إذا أتى به
الغير وشك في الصحة لأجل الشك في جزئية ما تركه قطعاً أو شرطية ما تركه قطعاً أو
مانعية ما أتى به قطعاً (فيبني على الصحة) أيضاً في الجميع لاحتمال مطابقة ما أتى
به مع الواقع صدفة بأن لا يكون ما تركه قطعاً جزءاً أو شرطاً أو لا يكون ما أتى به
قطعاً مانعاً واقعاً (أم لا يبني) على الصحة أصلا (الظاهر) عدم البناء عليها لعدم
تحقق السيرة في شيء من هذه الصور أبداً.
لا يجري أصل الصحة في فعل الغير إذا
علم انه لا يعلم بالصحيح أو أن الصحيح عنده غير الصحيح عندنا
(الموضع الثالث)
إذا شك في صحة فعل الغير بالمعنى الثاني أي بمعنى كونه صحيحاً تاماً أو فاسداً
ناقصاً.
(فتارة) نعلم ان
الغير عالم بالصحيح.
(وأخرى) لا نعلم
ذلك.
(وثالثة) نعلم انه
لا يعلم بالصحيح.
(واما في الصورة
الأخيرة) فلا يحمل فعله على الصحة بلا كلام فيه أبداً لعدم البناء عليها بمجرد
احتمال مطابقة العمل مع الواقع صدفة بعد العلم بجهل الغير بما هو الصحيح التام.
(واما في الصورة
الثانية) فلا مانع فيها عن حمل فعله على الصحة لما عرفت من جريان أصل الصحة عند
احتمال جهل الغير بلا شبهة.
(واما في الصورة
الأولى) وهي ما إذا علم ان الغير عالم بالصحيح.
(فتارة) نعلم ان
الصحيح عنده هو عين الصحيح عندنا.
(وأخرى) لا نعلم
ذلك.
(وثالثة) نعلم ان
الصحيح عنده هو غير الصحيح عندنا (فإن علمنا) ان الصحيح عنده هو عين الصحيح عندنا
فلا إشكال في جريان أصل الصحة في فعله (وهكذا إذا لم نعلم) ذلك نظراً إلى عدم توقف
العقلاء عن الحمل على الصحة
بمجرد ذلك (وأما
إذا علمنا) أن الصحيح عنده هو غير الصحيح عندنا كما إذا علمنا انه ممن يرى العقد
الفارسي صحيحاً ونحن لا نراه صحيحاً فأوقع عقداً في الخارج فهل يحمل عقده على
الصحة لاحتمال وقوعه عربياً أم لا (الظاهر) عدم الحمل فإن المعلوم من سيرة العقلاء
هو حمل فعل الغير على الصحيح عنده وانه ممن لا يخل بما يعتقد وجوبه وجوداً أو
عدماً لا على الصحيح عندنا (ولكن) يظهر من الشيخ أعلى الله مقامه ان ظاهر المشهور
في هذا الفرض هو البناء على الصحة (وفيه) ان ذهاب المشهور غير معلوم (ولو سلم فهو
مما لا وجه له (قال) أعلى الله مقامه في التنبيه الأول من تنبيهات أصل الصحة (ما
لفظه) فلو علم ان معتقد الفاعل اعتقاد يعذر فيه صحة البيع أو النكاح بالفارسي في
العقد فشك فيما صدر عنه مع اعتقاد الشاك اعتبار العربية فهل يحمل على كونه واقعاً
بالعربي حتى إذا ادعى عليه أنه أوقعه بالفارسي وادعى هو أنه أوقعه بالعربي (فهل
يحكم الحاكم) المعتقد لفساد الفارسي بوقوعه بالعربي أم لا وجهان بل قولان (ظاهر)
المشهور الحمل على الصحة الواقعية فإذا شك المأموم في ان الإمام المعتقد لعدم وجوب
السورة قرأها أم لا جاز له الائتمام به وإن لم يكن له ذلك إذا علم بتركها ويظهر من
بعض المتأخرين خلافه (إلى أن قال) بل ويمكن إسناد هذا القول إلى كل من استند في
هذا الأصل إلى ظاهر حال المسلم كالعلامة وجماعة ممن تأخر عنه فإنه لا يشمل صورة
اعتقاد الصحة خصوصاً إذا كان قد أمضاه الشارع لاجتهاد أو تقليد أو قيام بينة أو
غير ذلك (والمسألة محل إشكال) من إطلاق الأصحاب ومن عدم مساعدة أدلتهم فإن العمدة
الإجماع ولزوم الاختلال (والإجماع الفتوائي) مع ما عرفت مشكل يعني به مع الخلاف
المذكور (والعملي) في مورد العلم باعتقاد الفاعل للصحة أيضاً مشكل والاختلال يندفع
بالحمل على الصحة في غير المورد المذكور (انتهى) موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه.
يشترط في جريان أصل الصحة إحراز
المسمى المجازي
(الموضع الرابع)
انه يشترط في جريان أصل الصحة بالمعنى الثاني أي بمعنى حمل فعل الغير على الصحيح
التام دون الفاسد الناقص إحراز المسمى المجازي أي ما يدور مداره التسمية عرفاً ولو
بالعناية فإن العمل المركب ما لم يحرز من أجزائه وشرائطه بمقدار صح إطلاق الاسم
عليه كالصلاة والبيع ونحوهما ولو مجازاً كيف يحكم عليه بأنه صلاة صحيحة مثلا أو
بيع صحيح تام مثلا وهكذا فالصلاتية أو البيعية يجب أن تكون محرزة بالوجدان وصحتها
أي تماميتها تكون محرزة بأصالة الصحة وهذا في الجملة مما لا كلام ولا نزاع فيه (وإنما
الكلام) يقع هنا في بعض صغريات هذه الكبرى وأن بلوغ العاقد مثلا هل هو مما يدور
مداره التسمية عرفاً بحيث إذا لم يحرز بلوغه لم يصدق عنوان عقد البيع أو النكاح أو
غيرهما على عقده أم لا ، (ظاهر المحقق الثاني) على ما نسب إليه الشيخ أعلى الله
مقامه هو الأول قال (قال في جامع المقاصد) فيما لو اختلف الضامن والمضمون له فقال
الضامن ضمنت وأنا صبي بعد ما رجح تقديم قول الضامن (ما هذا لفظه) فإن قلت للمضمون
له أصالة الصحة في العقود وظاهر حال البالغ انه لا يتصرف باطلا قلنا إن الأصل في
العقود الصحة بعد استكمال أركانها ليتحقق وجود العقد أما قبله فلا وجود له (إلى أن
قال) وكذا الظاهر انما يتم مع الاستكمال المذكور لا مطلقاً (انتهى).
(أقول)
إن عدم جريان أصل
الصحة في العقود الا بعد استكمال أركانها وإن كان حقاً لا ريب فيه ولكن كون البلوغ
من الأركان على نحو يدور مداره التسمية عرفاً غير معلوم لنا بل المعلوم لنا خلافه.
(نعم صح) دعوى
اختصاص جريان أصل الصحة في عقود الغير وإيقاعاته بما إذا كان الغير بالغاً قد وضع
عليه القلم ولو كان هذا التخصيص من جانب الشارع فقط دون العقلاء نظراً إلى كون
عقود الصبي وإيقاعاته ملغاة عنده (وعليه) فما لم يحرز بلوغ الغير لم تجر أصالة
الصحة في عقده ولا في إيقاعه لكن لا من ناحية عدم إحراز المسمى المجازي بل من
ناحية عدم إحراز الموضوع الشرعي للأصل وهو البالغ (وأما) إذا أحرز بلوغ أحد
المتعاقدين فلا يكاد يكون مانع عن جريان أصل الصحة في فعله فإذا جرى في فعله وصح
وتم استلزم قهراً صحة فعل الطرف الآخر أيضاً (وإلى ما ذكرنا) يرجع ما أفاده الشيخ
أعلى الله مقامه في جواب المحقق الثاني (قال) ثم إن ما ذكره جامع المقاصد من انه
لا وجود للعقد قبل استكمال أركانه إن أراد الوجود الشرعي فهو عين الصحة وان أراد
الوجود العرفي فهو متحقق مع الشك بل مع القطع بالعدم (إلى ان قال) واما ما ذكره من
ان الظاهر انما يتم مع الاستكمال المذكور لا مطلقاً فهو إنما يتم إذا كان الشك من
جهة بلوغ الفاعل ولم يكن هناك طرف آخر معلوم البلوغ يستلزم صحة فعله صحة فعل هذا
الفاعل كما لو شك في ان الإبراء أو الوصية هل صدر منه حال البلوغ أم قبله أما إذا
كان الشك في ركن آخر من العقد كأحد العوضين أو في أهلية أحد طرفي العقد فيمكن ان
يقال إن الظاهر من الفاعل في الأول ومن الطرف الآخر في الثاني انه لا يتصرف فاسداً
(انتهى) موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه.
يشترط في جريان أصل الصحة إحراز
عنوان الفعل
(الموضع الخامس)
انه يشترط في جريان أصل الصحة بالمعنى الثاني أي بمعنى حمل فعل الغير على الصحيح
التام دون الفاسد الناقص إحراز عنوان الفعل بلا كلام (فإذا شاهد الغير) انه ارتمس
في الماء ولم يعلم انه ارتمس بعنوان الغسل أو بعنوان التبريد لم تجر أصالة الصحة
في فعله (وإذا شاهد الغير) انه غسل وجهه ولم يعلم انه غسلها بعنوان الوضوء أو
التبريد لم تجر أصالة الصحة في عمله (وإذا شاهد الغير) انه غسل ثوبه المتلطخ بالدم
ولم يعلم انه غسله لإزالة القذر أو للتطهير الشرعي لم تجر أصالة الصحة في غسله
وهكذا إلى غير ما ذكر من التعبديات والتوصليات (وقد أشار الشيخ) أعلى الله مقامه
إلى هذا كله مختصراً في التنبيه الرابع من تنبيهات أصل الصحة (قال) ولو غسل ثوباً
بعنوان التطهير حكم بطهارته وإن شك في شروط الغسل من إطلاق الماء ووروده على
النجاسة لا ان علم بمجرد غسله فإن الغسل من حيث هو ليس فيه صحيح وفاسد ولذا لو
شوهد من يأتي بصورة عمل من صلاة أو طهارة أو نسك حج ولم يعلم قصده تحقق هذه
العبادات لم يحمل على ذلك (انتهى) موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه.
صحة الشيء تختلف باختلاف الأشياء
(الموضع السادس)
ان صحة الشيء بمعنى التمامية التي تثبت بأصل الصحة هي مما تختلف باختلاف الأشياء (فصحة
الإيجاب) هي كونه بحيث لو تعقبه القبول لحصل منه الأثر المقصود في قبال الإيجاب
الفاسد الّذي لو تعقبه القبول لم يحصل منه الأثر المقصود (وصحة عقد الهبة أو الصرف
أو السلم هي كونه بحيث لو تعقبه القبض لحصلت الملكية (وصحة بيع الفضولي) هي كونه
بحيث لو تعقبه إجازة المالك لحصل النقل والانتقال (كما ان صحة بيع المالك) هو كونه
بحيث يترتب عليه الأثر المقصود فعلا فصحة كل شيء بحسبه والجامع بين الكل هو
التمامية ضد النقصان (وعليه) فأصل الصحة في الإيجاب مما لا يقضي بتحقق القبول
خارجاً وأصل الصحة في عقد الهبة أو الصرف أو السلم مما لا يقضي بتحقق القبض في
الخارج وأصل الصحة في عقد بيع الفضولي مما لا يقضي بتحقق الإجازة من المالك (والسرّ
في هذا كله) أن القبول أو القبض أو الإجازة ليس هو داخلا في حقيقة الإيجاب وفي
حقيقة عقد الهبة أو الصرف أو السلم أو الفضولي بل هو خارج عنها بلا كلام (وقد أشار
الشيخ) أعلى الله مقامه إلى هذا كله مختصراً في صدر التنبيه الثالث من تنبيهات أصل
الصحة (ثم قال) ومما يتفرع على ذلك أيضاً انه لو اختلف المرتهن الآذن في بيع الرهن
والراهن البائع له بعد اتفاقهما على رجوع المرتهن عن إذنه في تقديم الرجوع على
البيع فيفسد أو تأخره فيصح فلا يمكن ان يقال كما قيل من ان أصالة صحة الإذن يقضي
بوقوع البيع صحيحاً ولا ان أصالة صحة الرجوع يقضي بكون البيع فاسداً لأن الإذن
والرجوع كلاهما قد فرض وقوعهما على الوجه
الصحيح وهو صدوره
عمن له أهلية ذلك والتسلط عليه فمعنى ترتب الأثر عليهما انه لو وقع فعل المأذون
عقيب الإذن ترتب عليه الأثر ولو وقع فعله بعد الرجوع كان فاسداً اما لو لم يقع
عقيب الإذن فعل بل وقع في زمان ارتفاعه ففساد هذا الواقع لا يخل بصحة الإذن وكذا
لو فرض عدم وقوع الفعل عقيب الرجوع بل قبله فانعقد صحيحاً فليس هذا من جهة فساد
الرجوع كما لا يخفى (إلى ان قال) والحق في المسألة ما هو المشهور من الحكم بفساد
البيع وعدم جريان أصالة الصحة في المقام لا في البيع كما استظهره الكركي ولا في
الإذن ولا في الرجوع (اما في البيع) فلان الشك انما وقع في رضاء من له الحق وهو
المرتهن وقد تقدم ان صحة الإيجاب والقبول لا يقضي بتحقق الرضا ممن يعتبر رضاه سواء
كان مالكاً كما في بيع الفضولي أم كان له حق في المبيع كالمرتهن (واما في الإذن)
فلما عرفت من ان صحته يقتضي بصحة البيع إذا فرض وقوعه عقيبه لا بوقوعه عقيبه (كما
ان صحة الرجوع) يقتضي بفساد ما فرض وقوعه بعده لا ان البيع وقع بعده (ثم قال) والمسألة
بعد محتاجة إلى التأمل بعد التتبع في كلمات الأصحاب (انتهى) كلامه رفع مقامه.
أصل الصحة أمارة ومثبتاته ليست بحجة
(الموضع السابع)
هل يكون أصل الصحة سواء كان بمعنى حمل فعل الغير على الوجه الحسن الجائز دون
القبيح المحرم أو بمعنى حمله على الصحيح التام دون الفاسد الناقص هو أمارة من
الأمارات الشرعية (أو يكون) أصلا من الأصول العملية (وعلى تقدير كونه أمارة) فهل
يكون مثبتاته حجة كالبينة ونحوها أم لا (فإذا سمعنا) من الغير كلاماً وعلمنا
إجمالا انه إما سلام وإما شتم فأصل الصحة
بمعنى حمله على
الوجه الحسن الجائز دون القبيح المحرم هل هو يثبت انه قد سلّم علينا فيجب علينا
ردّ سلامه أم لا (وإذا صدر من الغير) شراء شيء وعلمنا إجمالا انه إما اشتراه بما
لا يملك كالكلب والخنزير ونحوهما أو بهذا العين الخارجي المعين من خالص حلاله
وأمواله فأصل الصحة في شرائه بمعنى حمله على الصحيح التام الواجد لتمام الاجزاء
والشرائط هل هو يثبت انه قد اشتراه بهذا العين الخارجي المخصوص من أعيان ماله وانه
قد خرج فعلا من ملكه وتركته ولا حق لوارثه فيه أبداً أم لا.
(أقول)
أما كون أصل الصحة
أمارة أو أصلا عملياً فالظاهر أنه أمارة كما في قاعدتي التجاوز والفراغ عيناً على
ما تقدم لك شرحه وقد عرفت غير مرة أن الأمارة هي عبارة عما له كشف وحكاية عن
الواقع وأصل الصحة بكلا معنييه هو مما لا يخلو عن الكشف والحكاية فإن ظاهر فعل
المسلم انه صادر على الوجه الحسن الجائز دون القبيح المحرم كما ان ظاهر فعل مطلق
العاقل أي فعله المركب من الاجزاء والشرائط انه صحيح تام ليس بفاسد ولا ناقص (واما
كون مثبتاته حجة أم لا) فالظاهر عدم حجيتها وذلك لما تقدم قبلا من عدم الملازمة
بين الأمارية وحجية المثبتات كما عرفت شرحه في الاستصحاب حيث اخترنا هناك أمارية
الاستصحاب ولم نقل بحجية مثبتاته فإن المدار في حجية المثبتات استفادتها من دليل
الاعتبار وإلّا تستفاد هي من دليل أصل الصحة بالمعنى الأول مثل قوله عليهالسلام ضع أمر أخيك على أحسنه أو من دليله بالمعنى الثاني وهو سير
المسلمين على حمل فعل الغير المركب من الأجزاء والشرائط على الصحيح التام دون الفاسد
الناقص سوى البناء على كونه حسناً جائزاً أو صحيحاً تاماً لا البناء عليه وعلى
أطرافه من لوازمه وملازماته وملزوماته ليترتب عليها ما لها من الآثار الشرعية (وقد
أشار الشيخ) أعلى الله مقامه إلى بعض ذلك كله في صدر التنبيه الخامس من تنبيهات
أصل الصحة (فقال) الخامس أن
الثابت من القاعدة
المذكورة يعني بها أصالة الصحة الحكم بوقوع الفعل بحيث يترتب عليه الآثار الشرعية
المترتبة على الفعل الصحيح أما ما يلازم الصحة من الأمور الخارجة عن حقيقة الصحيح
فلا دليل على ترتبها عليه فلو شك في أن الشراء الصادر من الغير كان بما لا يملك
كالخمر والخنزير لا بعين من أعيان ماله فلا يحكم بخروج تلك العين من تركته بل يحكم
بحصة الشراء وعدم انتقال شيء من تركته إلى البائع لأصالة عدمه (انتهى) موضع الحاجة
من كلامه رفع مقامه.
في تقدم أصل الصحة على الاستصحابات
الموضوعية
(الموضع الثامن)
قد عرفت فيما تقدم عند التعليق على قول المصنف تذنيب لا يخفى ان مثل قاعدة التجاوز
... إلخ وجه تقدم أصل الصحة على الاستصحاب المخالف له (وأنه إن كان أمارة) كما
استظهرناه فهو حاكم أو وارد على الاستصحاب على الخلاف المتقدم بيننا وبين الشيخ
أعلى الله مقامه في وجه تقدم الأمارات على الاستصحاب (وإن كان أصلا عملياً) فيقدم
على الاستصحاب بالتخصيص لأخصيته منه (وقد عرفت) أيضا ان الشيخ أعلى الله مقامه لم
يناقش في تقدم أصل الصحة على الاستصحاب الحكمي وهو استصحاب الفساد أي عدم ترتب
الأثر عقيب الفعل المشكوك صحته وفساده من غير فرق بين كون أصل الصحة أمارة أو أصلا
وذلك نظراً إلى كونه سببياً واستصحاب الفساد مسببياً (وهكذا لم يناقش) في تقدم أصل
الصحة على الاستصحابات الموضوعية المترتبة عليها الفساد
كاستصحاب عدم بلوغ
العاقد أو عدم اختبار المبيع بالرؤية أو الكيل أو الوزن إذا كان أصل الصحة أمارة ولكن
تنظر في تقدمه عليها إذا كان أصل الصحة أصلا عملياً وقد ذكرنا هناك جملة من عبائره
أعلى الله مقامه ولم نذكر وجه التنظر فيه وهاهنا نذكره بنحو الاختصار (فنقول) إن
ملخص ما يستفاد من مجموع كلماته الشريفة على طولها واضطرابها في وجه التنظر أن كلا
من أصل الصحة على تقدير كونه أصلا عملياً واستصحاب عدم بلوغ العاقد وأمثاله أصل
موضوعي يعين حال الفعل الخارجي فهذا مما يقتضي صحته وانه قد صدر من عاقد بالغ وذلك
مما يقتضي فساده وأنه لم يصدر من عاقد بالغ وليس أحدهما سببياً والآخر مسببياً كي
يكون السببي حاكما أو واردا على المسببي (وعليه) فالحكم بتقدم أحدهما على الآخر
مشكل جدا (ومن هنا قال) في آخر كلامه (ما هذا لفظه) وكيف كان فدفع التنافي بين
الأصلين وإثبات حكومة أحدهما على الآخر في غاية الإشكال (انتهى).
(أقول)
والظاهر انه لا
وجه للتنظر في تقدم أصل الصحة على الاستصحابات الموضوعية المترتبة عليها الفساد
أصلا ولو كان أصل الصحة أصلا عمليا لا أمارة شرعية فإنه وإن لم يكن سببيا
والاستصحاب الموضوعي مسببيا كي يقدم عليه من هذه الناحية ولكنه أخص منه بلا كلام
فيقدم عليه الأخصية منه نظير ما سبق في وجه تقدم التجاوز والفراغ على الاستصحاب
عينا (فكما صح أن يقال) إن الفراغ مثلا يقدم على الاستصحابات الموضوعية المترتبة
عليها الفساد كاستصحاب عدم كون المصلى متسترا أو متطهرا أو مستقبلا للقبلة ونحو
ذلك من الشرائط أو الأجزاء عند الشك في أحدها نظرا إلى أخصية الفراغ منها (فكذلك
صح أن يقال) إن أصل الصحة يقدم على الاستصحابات الموضوعية المترتبة عليها الفساد
كاستصحاب عدم بلوغ العاقد أو عدم اختبار المبيع بالكيل أو الوزن أو الرؤية ونحو
ذلك من الشرائط والأجزاء عند الشك في أحدها نظرا إلى أخصية أصل الصحة منها بلا
تفاوت بين
المقامين أصلا (هذا
تمام الكلام) في قاعدتي التجاوز والفراغ وأصل الصحة.
في القرعة وبيان مدركها من الاخبار
(واما القرعة) فقد
عرفت حالها مع ما سواها من الأمارات والأصول العملية مطلقاً شرعيها ونقليها عند
التعليق على قول المصنف وأما القرعة فالاستصحاب في موردها يقدم عليها لأخصية دليله
من دليلها ... إلخ (بقي الكلام) في ذكر أخبارها (فنقول) إنها على قسمين أخبار عامة
يستفاد منها حجية القرعة بنحو العموم من غير اختصاص بمورد دون مورد وأخبار خاصة
واردة في موارد مخصوصة لا يمكن التعدي عنها لو لا الأخبار العامة التي قد دلت على
العموم.
(اما اخبارها
العامة) فهي قليلة جدا.
(منها) ما رواه في
الوسائل في القضاء في باب الحكم بالقرعة عن الشيخ والصدوق بإسنادهما عن محمد بن
حكيم قال سألت أبا الحسن عليهالسلام عن شيء فقال لي كل مجهول ففيه القرعة قلت له إن القرعة
تخطئ وتصيب قال كلما حكم الله به فليس بمخطئ (ثم قال) صاحب الوسائل بعد فصل يسير
محمد بن الحسن في النهاية يعني به الطوسي رضوان الله عليه (قال) قال وروي عن أبي
الحسن موسى ابن جعفر عليهماالسلام وعن غيره من آبائه وأبنائه عليهمالسلام من قولهم كل مجهول ففيه القرعة (وساق الحديث) إلى آخره (وأنت
خبير) ان ظاهر قول الطوسي رضوان الله عليه وعن غيره من آبائه وأبنائه ... إلخ ان
هذا الحديث الشريف مروي عن غير واحد من أئمتنا المعصومين عليهمالسلام فهو لدى الحقيقة حديث واحد بمنزلة أحاديث متعددة فلا تغفل.
(ومنها) ما ذكره
في المستدرك في الباب المذكور عن دعائم الإسلام عن أمير المؤمنين وأبي جعفر وأبي
عبد الله عليهمالسلام أنهم أوجبوا الحكم بالقرعة فيما أشكل (والظاهر) أن ما رواه
الدعائم هو نقل للحديث بالمعنى لا بلفظه ولكن مع ذلك قد دل على ورود روايات عنهم عليهمالسلام بهذا المضمون وهو يكفي.
(ومنها) ما ذكره
في المستدرك أيضا في الباب المذكور عن فقه الرضا عليهالسلام وكلما لا يتهيأ الإشهاد عليه فإن الحق فيه أن تستعمل
القرعة (انتهى) (هذا مجموع) ما ظفرنا عليه من الأخبار العامة الواردة في القرعة.
(وسيأتي قوله عليهالسلام) في الأخبار الخاصة وأيّ قضية أعدل من قضية يجال عليهما
بالسهام.
(وقوله عليهالسلام) وأيّ قضية أعدل من القرعة إذا فوض الأمر إلى الله.
(وقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم ليس من قوم تنازعوا ثم فوضوا أمرهم إلى الله إلا خرج سهم
الحق فإنه لا يبعد دعوى استفادة العموم من هذا كله وأنه مهما جيل على القضية
بالسهام أو فوض الأمر فيها إلى الله فالقرعة أعدل قضية يخرج بها سهم المحقق وإن
كان يظهر من الأخير اختصاص القرعة بمورد المنازعة فقط ولكن يحتمل قويا أن يكون
التقييد على وجه الغالب والله العالم.
(واما اخبارها
الخاصة) فهي كثيرة جدا نقتصر على ذكر جملة منها تيمنا
(منها) ما رواه في
الوسائل في كتاب الأطعمة والأشربة في باب تحريم لحم البهيمة التي ينكحها الآدمي عن
الحسن بن علي بن شعبة في تحف العقول عن أبي الحسن الثالث عليهالسلام في جواب مسائل يحيى بن أكثم قال واما الرّجل الناظر إلى
الراعي وقد نزا على شاة فإن عرفها ذبحها وأحرقها وإن لم يعرفها قسم الغنم نصفين
وساهم بينهما فإذا وقع على أحد النصفين فقد نجا النصف الآخر ثم يفرق النصف الآخر
فلا يزال كذلك حتى يبقى شاتان فيقرع بينهما فأيّهم وقع السهم بها ذبحت وأحرقت ونجا
ساير الغنم.
(ومنها) ما رواه
في ميراث الخنثى في باب ان المولود إذا لم يكن له ما للرجال ولا للنساء بسنده عن
إسحاق العرزمي قال سأل وانا عنده يعني أبا عبد الله عليهالسلام عن مولود ولد وليس بذكر ولا أنثى وليس له إلا دبر كيف يورث
قال يجلس الإمام ويجلس معه ناس فيدعو الله ويجيل السهام على أي ميراث يورثه ميراث
الذّكر أو ميراث الأنثى فأي ذلك خرج ورثه عليها ثم قال وأي قضية أعدل من قضية بحال
عليها بالسهام إن الله تبارك وتعالى يقول فساهم فكان من المدحضين (وروى في القضاء)
أيضا في باب الحكم بالقرعة حديثا قال فيه وأيّ قضية أعدل
(ومنها) ما رواه
في القضاء في باب حكم تعارض البينتين بسنده عن أبي عبد الله عليهالسلام قال كان علي عليهالسلام إذا أتاه رجلان يختصمان بشهود عدلهم سواء وعددهم أقرع
بينهم على أيهما تصير اليمين وكان يقول اللهم رب السماوات السبع ورب الأرضين السبع
أيهم كان له الحق فأدّه إليه ثم يجعل الحق الذي يصير عليه اليمين إذا حلف.
(ومنها) ما رواه
في القضاء أيضا في باب الحكم بالقرعة بسنده عن أبي جعفر عليهالسلام قال بعث رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم عليا عليهالسلام إلى اليمن فقال له حين قدم حدثني بأعجب ما ورد عليك فقال
يا رسول الله أتاني قوم قد تبايعوا جارية فوطئها جميعهم في طهر واحد فولدت غلاما
فاحتجوا فيه كلهم يدعيه فأسهمت بينهم فجعلته للذي خرج سهمه وضمنته نصيبهم فقال
رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ليس من قوم تنازعوا ثم فوضوا أمرهم إلى الله إلا خرج سهم
المحق.
(ومنها) ما رواه
في الباب المذكور بسنده عن المختار قال دخل أبو حنيفة على أبي عبد الله عليهالسلام فقال له أبو عبد الله عليهالسلام ما تقول في بيت سقط على قوم فيبقى منهم صبيان أحدهما حرّ
والآخر مملوك لصاحبه فلم يعرف الحرّ من
العبد فقال أبو
حنيفة يعتق نصف هذا ونصف هذا فقال أبو عبد الله عليهالسلام ليس كذلك ولكنه يقرع بينهما فمن أصابته القرعة فهو الحرّ
ويعتق هذا فيجعل مولى لهذا.
(ومنها) ما رواه
في الباب المذكور أيضا بسنده عن أبي عبد الله عليهالسلام في رجل قال أول مملوك أملكه فهو حرّ فورث ثلاثة قال يقرع
بينهم فمن إصابة القرعة أعتق قال والقرعة سنة.
(ومنها) ما رواه
في الباب المذكور أيضا بسنده عن محمد بن مسلم قال سألت أبا جعفر عليهالسلام عن رجل يكون له المملوكون فيوصي بعتق ثلثهم قال كان علي عليهالسلام يسهم بينهم (إلى غير ذلك) من الأخبار الكثيرة الواردة في
القرعة البالغة حد التواتر وقد رواها في الباب المذكور وغيره من أبواب مختلفة (هذا
آخر ما أراد الله لنا إيراده) في القرعة وبه تم الجزء الخامس من عناية الأصول في
شرح كفاية الأصول واسأل الله تبارك وتعالى ان يوفقني للجزء السادس في التعادل
والترجيح والاجتهاد والتقليد كما وفقني للإجزاء المتقدمة إنه ولي التوفيق.
فهرست ما في الجزء الخامس
من عناية الاصول في شرح كفاية الاصول
صفحة
|
موضوع
|
٢
|
في الاستصحاب
وبيان اقوال المسألة
|
٧
|
في تعريف
الاستصحاب
|
١١
|
في بيان كون
المسألة اصولية
|
١٣
|
هل الاستصحاب
امارة ظنية او اصل عملي
|
١٦
|
في الامور
السبعة المعتبرة في الاستصحاب
|
١٩
|
في تفصيل
الاخباريين بين الحكم الشرعي وغيره
|
٢٣
|
في تفصيل الشيخ
في الحكم الشرعي الكلي بين ما كان مدركه العقل او النقل
|
٣١
|
في الوجوه التي
استدل بها للاستصحاب غير الاخبار
|
٣٧
|
في الاستدلال
على حجية الاستصحاب بالاخبار وبيان الصحيحة الاولى لزرارة
|
٤٤
|
في تفصيل الشيخ
بين الشك في المقتضي والشك في الرافع
|
٥٣
|
ما افاده المحقق
للتفصيل بين الشك في المقتضي والشك في الرافع
|
٥٥
|
في تفصيل المحقق
السبزواري
|
٥٦
|
في تفصيل المحقق
الخونساري
|
٥٩
|
في دفع توهم
اختصاص الاستصحاب بالموضوعات
|
٦٠
|
في الاستدلال
بصحيحة اخرى لزرارة
|
٦٩
|
في الاستدلال
بصحيحة ثالثة لزرارة
|
٧٤
|
في الاستدلال
بموثقة اسحاق
|
٧٦
|
في الاستدلال
برواية محمد بن مسلم ورواية اخرى
|
٧٨
|
في الاستدلال
بخبر الصفار
|
٨١
|
في الاستدلال
بقوله كل شيء طاهر وقوله الماء كله طاهر وقوله كل شيء حلال
|
٩١
|
في الاستدلال
برواية عبدالله بن سنان ورواية عبدالله بن بكير
|
٩٥
|
في استدلال
النافين لحجية الاستصحاب
|
٩٨
|
في تفصيل الفاضل
التوني بين التكليف والوضع
|
صفحة
|
موضوع
|
١٠٣
|
في تحقيق حال
الوضع
|
١٢٠
|
في تنبيهات
الاستصحاب وبيان اعتبار فعلية الشك واليقين به
|
١٢٣
|
هل يكفي الشك في
بقاء شيء على تقدير ثبوته
|
١٢٦
|
في اقسام
استصحاب الكلي
|
١٢٧
|
في القسم الاول
من استصحاب الكلي
|
١٢٨
|
في القسم الثاني
من استصحاب الكلي
|
١٣٢
|
في القسم الثالث
من استصحاب الكلي
|
١٤٠
|
في استصحاب
الامور التدريجية
|
١٤٥
|
في استصحاب
المقيد بالزمان
|
١٥٢
|
ازاحة وهم
|
١٥٥
|
في الاستصحاب
التعليقي
|
١٥٩
|
في استصحاب
الحكم من الشريعة السابقة
|
١٦٥
|
في الاصول
المثبتة
|
١٧٥
|
في اللازم
العادي او العقلي المتحد مع المستصحب وجوداً
|
١٨٣
|
في اللازم
المطلق
|
١٨٤
|
في لزوم كون
المستصحب حكماً شرعياً او ذا حكم شرعي
|
١٨٥
|
في الشك في
التقدم والتأخر وبيان المقام الاول منه
|
١٨٧
|
في المقام
الثاني من الشك في التقدم والتاخر وبيان مجهولي التاريخ منه
|
١٩٣
|
اذا علم بتاريخ
احد الحادثين دون الآخر
|
١٩٦
|
في تعاقب
الحالتين
|
١٩٩
|
في استصحاب
الامور الاعتقادية
|
٢١٣
|
في استصحاب حكم
المخصص
|
صفحة
|
موضوع
|
٢٢٠
|
في جريان
الاستصحاب حتى مع الظن بالخلاف فضلا عن الظن بالوفاق
|
٢٢٦
|
في الاشارة
الاجمالية الى ما يعتبر في الاستصحاب من الامور السبعة
|
٢٢٨
|
في اعتبار بقاء
الموضوع في الاستصحاب
|
٢٣١
|
هل اللازم بقاء
الموضوع العقلي أو المأخوذ في لسان الدليل او الموضوع العرفي
|
٢٣٧
|
في الاشارة الى قاعدة اليقين ومدركها
|
٢٤١
|
في عدم جريان
الاستصحاب مع الامارة المعتبرة
|
٢٤٢
|
في الاشارة الى
كل من التخصيص والتخصص والورود والحكومة
|
٢٤٤
|
هل الامارات
تقدم على الاستصحاب بالتخصيص او بالورود او بالحكومة
|
٢٥٠
|
في ورود
الاستصحاب على ساير الاصول
|
٢٥٣
|
في تزاحم
الاستصحابين
|
٢٥٣
|
في الاصل السببي
والمسببي
|
٢٥٨
|
في تعارض
الاستصحابين
|
٢٦٤
|
في تقدم التجاوز
والفراغ واصل الصحة على الاستصحاب بالتخصيص
|
٢٦٨
|
في تقدم
الاستصحاب على القرعة بالتخصيص
|
٢٧٣
|
في قاعدة
التجاوز والفراغ وذكر اخبار الباب
|
٢٧٧
|
المستفاد من
الاخبار هو جعل قاعدتين احداهما التجاوز واخراهما الفراغ
|
٢٧٩
|
هل التجاوز
والفراغ يختصان بباب الطهارة والصلاة أم يجريان في غيرهما ايضاً
|
٢٨٢
|
هل يعتبر في
التجاوز والفراغ الدخول في الغير ام لا
|
صفحة
|
موضوع
|
٢٨٥
|
هل يكفي الدخول
في مقدمات الغير في جريان التجاوز ام لا يكفي
|
٢٨٧
|
في التجاوز عن
المحل الاعتيادي والدخول في الغير الاعتيادي
|
٢٨٨
|
هل يجري التجاوز
في الشروط كما يجري في الاجزاء
|
٢٩٠
|
في عدم جريان
التجاوز في افعال الوضوء
|
٢٩٢
|
التجاوز والفراغ
امارتان ومثبتاتهما ليست بحجة
|
٢٩٤
|
هل يجري التجاوز
والفراغ عند احتمال الترك عمداً
|
٢٩٥
|
هل الفراغ يجري
عند محفوظية صورة العمل ام لا
|
٢٩٧
|
في اصالة الصحة
وبيان مدركها
|
٣٠٢
|
في جريان اصل
الصحة عند احتمال الاخلال سهواً او عمداً او جهلاً
|
٣٠٣
|
لا يجري اصل
الصحة في فعل الغير اذا علم انه لا يعلم بالصحيح او ان الصحيح عنده غير الصحيح
عندنا
|
٣٠٥
|
يشترط في جريان
اصل الصحة احراز المسمى المجازي
|
٣٠٧
|
يشترط في جريان
اصل الصحة احراز عنوان الفعل
|
٣٠٨
|
صحة الشيء تختلف
باختلاف الاشياء
|
٣٠٩
|
اصل الصحة امارة
ومثبتاته ليست بحجة
|
٣١١
|
في تقدم اصل
الصحة على الاستصحابات الموضوعية
|
٣١٣
|
في القرعة وبيان
مدركها من الاخبار
|
|