بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله بعدد ما في علمه والصلاة والسلام على أشرف خلقه وأكرم بريته محمد وعترته الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا واللعنة الدائمة على أعدائهم الذين سيصلون سعيرا إذا رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيظا وزفيرا (اما بعد) فهذا هو الجزء الرابع من كتابنا الموسوم بعناية الأصول في شرح كفاية الأصول وأسأل الله تعالى أن يوفقني لإتمامه وإتمام ما يتلوه من الجزء الخامس والسادس كما وفقني للأجزاء المتقدمة إنه ولي التوفيق ولا قوة إلّا بالله العلي العظيم.

في تعريف الأصول العملية وتنقيح مجاريها

(قوله المقصد السابع في الأصول العملية .. إلخ)

قد أشرنا في صدر المقصد السادس المنعقد لبيان الأمارات المعتبرة شرعا أو عقلا إلى الفرق بينها وبين الأصول العملية وظهر هناك تعريف كل منهما على حده وأن ما له جهة كشف وحكاية عن الواقع هو أمارة سواء كانت معتبرة كخبر العادل أو غير معتبرة كخبر الفاسق وما ليس له جهة كشف وحكاية عن الواقع بل كان مجرد الوظيفة للجاهل الشاك في وعاء الجهل والحيرة من دون كشف ولا حكاية كقاعدة الطهارة وقاعدة الحل وقاعدة البراءة ونحوها أو كان له جهة كشف وحكاية ولكن الشارع لم يعتبره من هذه الجهة كما ادعى ذلك في الاستصحاب فهو أصل عملي (وقد أشرنا) إلى فرق آخر أيضا وإلى تعريف ثاني لكل منهما على حدة وهو ان كلا من الأمارات والأصول العملية وان كان لدى الحقيقة وظيفة مقررة للجاهل يؤخذ بها في وعاء الجهل والحيرة ويستند إليها في ظرف الستار على الواقع

ولكن الأمارات لم يؤخذ الجهل والشك في لسان دليلها والأصول العملية قد أخذ ذلك في لسان دليلها كما في قوله كل شيء نظيف حتى تعلم انه قذر أو كل شيء حلال حتى تعرف انه حرام أو الناس في سعة ما لا يعلمون أو لا ينقض اليقين بالشك ولكن ينقضه بيقين آخر إلى غير ذلك من أدلة الأصول الشرعية.

(قوله وهي التي ينتهى إليها المجتهد بعد الفحص واليأس عن الظفر بدليل ... إلخ)

هذا التعريف مما ينطبق على خصوص الأصول العملية الجارية في الشبهة الحكمية فانها هي التي ينتهي إليها المجتهد بعد الفحص واليأس عن الدليل الاجتهادي لا على مطلق الأصول العملية ولو كانت جارية في الشبهة الموضوعية (والمقصد الأصلي) من البحث في هذا المقام وان كان هو خصوص الأصول الجارية في الشبهة الحكمية فانها التي تكون من المسائل الأصولية ويستنبط بها الأحكام الشرعية الكلية ولكن تعريف مطلق الأصول العلمية بما ينطبق على خصوص الجارية في الشبهة الحكمية مما لا وجه له كما لا يخفى.

(قوله والمهم منها أربعة فان مثل قاعدة الطهارة فيما اشتبه طهارته بالشبهة الحكمية وان كان مما ينتهى إليها. إلخ)

مقصوده من هذه العبارة إلى قوله فافهم هو بيان السر في عدم ذكر الأصوليين في علم الأصول غير الأصول العملية الأربعة من البراءة والتخيير والاحتياط والاستصحاب مع ان الأصول العملية الجارية في الشبهة الحكمية التي تكون من المسائل الأصولية مما لا تنحصر بها فان قاعدة الطهارة الجارية لدى الشك في طهارة مثل الأرانب والثعالب ونحوهما أصل عملي جار في الشبهة الحكمية وتكون من المسائل الأصولية ويستنبط بها حكم شرعي كلي ولم يتعرضوا لها (وقد أفاد) في وجه ذلك أمرين.

(الأول) ان تلك الأصول العملية الأربعة هي محل الخلاف بين الأصحاب

ويحتاج تنقيح مجاريها إلى إطالة الكلام ومزيد النقض والإبرام فتعرضوا لها بخلاف مثل قاعدة الطهارة الجارية في الشبهة الحكمية فانها جارية بلا كلام من غير حاجة إلى مزيد النقض والإبرام فلم يتعرضوا لها.

(الثاني) ان تلك الأصول العملية الأربعة أصول عملية عامة جارية في جميع أبواب الفقه من الطهارة إلى الدّيات ومثل قاعدة الطهارة لا يجري إلّا في باب واحد وهو باب النجاسات (وقد أشار) إلى هذا الأمر الثاني بقوله أخيرا هذا مع جريانها في كل الأبواب واختصاص تلك القاعدة ببعضها.

(قوله فافهم ... إلخ)

ولعله أشار بذلك إلى ضعف ما أفاده من الأمرين المتقدمين في وجه عدم ذكر الأصوليين غير تلك الأصول العملية الأربعة في علم الأصول (وان السر) في عدم تعرضهم له كما يظهر من الشيخ أعلى الله مقامه هو حصر الأصول العملية الجارية في الشبهة الحكمية بتلك الأصول الأربعة بل صرح ان الحصر بها عقلي (قال) في أول الرسائل (ما لفظه) فاعلم ان المكلف إذا التفت إلى حكم شرعي فإما ان يحصل له الشك فيه أو القطع أو الظن فإن حصل له الشك فالمرجع فيه هي القواعد الشرعية الثابتة للشاك في مقام العمل وتسمى بالأصول العملية وهي منحصرة في أربعة (انتهى) (وقال) في أوائل البراءة واعلم ان المقصود بالكلام في هذا المقصد الأصول المتضمنة لحكم الشبهة في الحكم الفرعي

الكلي وإن تضمنت حكم الشبهة في الموضوع أيضاً وهي منحصرة في أربعة أصل البراءة وأصل الاحتياط والتخيير والاستصحاب (إلى ان قال) ثم ان انحصار موارد الاشتباه في الأصول الأربعة عقلي (انتهى).

(أقول)

والظاهر ان مقصود الشيخ أعلى الله مقامه من الحصر حصر الأصول العملية الجارية في الأحكام التكليفية بتلك الأربعة على ما يستفاد من بعض تعبيراته كالتعبير بالشك

في التكليف أو المكلف به ونحو ذلك وإلّا فلا وجه للحصر بها بناء على جريان قاعدة الطهارة في الشبهة الحكمية وأن الطهارة هي من الأحكام الشرعية الوضعيّة (ومنه يظهر) انه لا وجه لقول المصنف فافهم إن كان نظره فيه إلى الحصر وضعف الأمرين السابقين فتأمل جيدا.

(ثم إن الشيخ) أعلى الله مقامه قد أفاد في أول الرسائل بل وأول البراءة أيضاً في وجه حصر الأصول العملية بالأربعة المتقدمة ما محصله أن الشك (ان لوحظ فيه الحالة السابقة) فهو مجري الاستصحاب وإلّا (فإن كان) الشك في أصل التكليف فهو مجري البراءة (وان كان) في المكلف به بعد العلم الإجمالي بأصل التكليف كالشك في ان الواجب في يوم الجمعة هل هو صلاة الظهر أو صلاة الجمعة فهو مجري الاحتياط (وإن كان) بين الوجوب والحرمة بحيث لا يمكن الاحتياط فيه أصلا فهو مجري التخيير.

في أصالة البراءة

(قوله فصل لو شك في وجوب شيء أو حرمته ولم تنهض عليه حجة جاز شرعا ترك الأصول وفعل الثاني ... إلخ)

شروع في البحث عن أصالة البراءة أي براءة الذّمّة عن التكليف المشكوك (وقد أشار) بقوله في وجوب شيء أو حرمته إلى كل من الشبهة الوجوبية والتحريمية (وكأن) وجه التخصيص بالشك في وجوب شيء أو حرمته دون استحبابه أو كراهته هو اختصاص التكليف بالوجوب والحرمة أو اختصاص النزاع الجاري في البراءة والاحتياط بهما (قال الشيخ) أعلى الله مقامه فيما أفاده في أوائل البراءة (ما لفظه) وهذا مبني على اختصاص التكليف بالإلزام أو اختصاص الخلاف في البراءة والاحتياط به ولو فرض شموله للمستحب والمكروه يظهر حالهما من الواجب

والحرام فلا حاجة إلى تعميم العنوان (انتهى) (كما انه قد أشار) المصنف بقوله جاز شرعا وعقلا ... إلخ إلى كل من البراءة الشرعية والعقلية جميعا فتفطن.

(قوله كان عدم نهوض الحجة لأجل فقدان النص أو إجماله واحتماله الكراهة أو الاستحباب أو تعارضه ... إلخ)

إشارة إلى أقسام كل من الشبهة الوجوبية والتحريمية فإن منشأ الشك في وجوب شيء أو حرمته.

(تارة) يكون فقدان النص.

(وأخرى) يكون إجمال النص.

(وثالثة) يكون تعارض النصين.

(ثم إن) لكل من الشبهة الوجوبية والتحريمية قسم رابع لم يؤشر إليه المصنف وهو الشبهة الموضوعية فيكون مجموع الأقسام ثمانية (وقد أشار الشيخ) أعلى الله مقامه إلى جميعها واحدا بعد واحد (ومن هنا) عقد لبحث البراءة ثمان مسائل لكل قسم مسألة خاصة (قال) أعلى الله مقامه (ما لفظه) ثم متعلق التكليف المشكوك (إما ان) يكون فعلا كليا متعلقا للحكم الشرعي الكلي كشرب التتن المشكوك في حرمته والدعاء عند رؤية الهلال المشكوك في وجوبه (وإما ان) يكون فعلا جزئيا متعلقا للحكم الجزئي كشرب هذا المائع المحتمل كونه خمرا ومنشأ الشك في القسم الثاني اشتباه الأمور الخارجية ومنشؤه في الأول (إما عدم النص) في المسألة كمسألة شرب التتن (وإما ان) يكون إجمال النص كدوران الأمر في قوله تعالى حتى يطهرن بالتشديد والتخفيف مثلا (وإما يكون) تعارض النصين ومنه الآية بناء على تواتر القراءات (إلى ان قال) فالمطلب الأول فيما دار الأمر فيه بين الحرمة وغير الوجوب يعني به الشبهة التحريمية (قال) وقد عرفت ان متعلق الشك (تارة) الواقعة الكلية كشرب التتن ومنشأ الشك فيه عدم النص أو إجماله أو تعارضه (وأخرى) الواقعة الجزئية فهنا أربع مسائل (انتهى) ثم شرع

أعلى الله مقامه في بيانها إلى ان ذكر للشبهة الوجوبية أيضا أربع مسائل.

(واما المصنف) فلم يعقد للبراءة سوى مسألة واحدة جمع فيها بين الشبهة الوجوبية والتحريمية جميعا مع الإشارة الإجمالية إلى أقسامهما ولم يؤشر إلى الشبهة الموضوعية أصلا (وقد أفاد) في وجه ذلك في تعليقته على الكتاب (ما هذا لفظه) لا يخفى إن جمع الوجوب والحرمة في فصل وعدم عقد فصل لكل منهما على حده وكذا جمع فقد النص وإجماله في عنوان عدم الحجة انما هو لأجل عدم الحاجة إلى ذلك بعد الاتحاد فيما هو الملاك وما هو العمدة من الدليل على المهم واختصاص بعض شقوق المسألة بدليل أو بقول لا يوجب تخصيصه بعنوان على حدة واما ما تعارض فيه النصان فهو خارج عن موارد الأصول العملية المقررة للشاك على التحقيق فيه من الترجيح أو التخيير كما انه داخل فيما لا حجة فيه بناء على سقوط النصين عن الحجية واما الشبهة الموضوعية فلا مساس لها بالمسائل الأصولية بل فقهية فلا وجه لبيان حكمها في الأصول الا استطرادا فلا تغفل (انتهى).

(أقول)

كان حق المقام أن ينعقد للبراءة أربع مسائل لا ثمان ولا واحدة (مسألة) للشبهة التحريمية الحكمية (ومسألة) للشبهة التحريمية الموضوعية (ومسألة) للشبهة الوجوبية الحكمية (ومسألة) للشبهة الوجوبية الموضوعية فإن كلا من التحريمية الموضوعية والوجوبية الموضوعية وان كان مما لا مساس له بالمسائل الأصولية لعدم استنباط حكم شرعي كلي به بل من القواعد الفقهية التي يستنبط بها حكم شرعي جزئي ولذا صح إعطائها بيد العامي كلي يعمل بها في مواردها فيبني على طهارة ثوبه مثلا إذا شك في طهارته ونجاسته ولم تكن له حالة سابقة معلومة أو على بقاء وضوئه مثلا إذا تيقن به وشك في الحدث وانتقاضه به وهكذا ولكن لا بأس بذكره في الأصول استطرادا بعد اشتداد الحاجة إليه ومزيد الاهتمام به (واما إفراز التحريمية) الحكمية عن الوجوبية الحكمية فلاختصاص الأولى بمخالفة معظم

الأخباريين حيث ذهبوا فيها إلى الاحتياط على خلاف ما ذهب إليه الأصوليون من إجراء البراءة فيها (هذا كله) من غير حاجة إلى التعرض لمنشإ الشك في الشبهة الحكمية من فقدان النص أو إجماله أو تعارضه سيما الأخير منها فان المتعارضين على ما ستعرف مما لا نقول فيهما بمقتضى القاعدة الأولية من التساقط كي يجوز الرجوع في موردهما إلى الأصل العملي بل لا بد فيهما من العمل بأحدهما لا محالة إما تخييرا أو تعيينا بدليل الإجماع والاخبار العلاجية كما ستأتي (ولو بني) على التعرض لمنشإ الشك في الشبهة الحكمية فالتعرض لأقسام إجمال النص من إجمال الحكم أو المتعلق أو الموضوع كان أولى من التعرض لتعارض النص وكانت الشبهات حينئذ تبلغ اثني عشر قسما مع فقد النص وتعارض النصين والشبهة الموضوعية في كل من التحريمية والوجوبية.

(وبالجملة إن) الحق في تعريف الشبهات البدوية الجارية فيها البراءة ان يقال هكذا إن التكليف المشكوك (إن كان حرمة) فالشبهة تحريمية (وان كان وجوبا) فالشبهة وجوبية ثم إن منشأ الشك (إن كان) فقدان النص أو إجمال النص (إما من حيث الحكم) كما إذا ورد نهي مردد بين الحرمة والكراهة (أو من حيث موضوع الحكم) كما إذا ورد نهي عن الغناء ولم يعلم مفهومه وتردد بين الصوت مع الترجيع والطرب أو مطلق الصوت مع الترجيح ولو بلا طرب (أو من حيث موضوع الحكم) كما إذا ورد نهي عن إكرام الفاسق ولم يعرف مفهوم الفاسق وانه هل هو مرتكب الكبيرة فقط أو هو والمصر على الصغيرة (فالشبهة حكمية) (وان كان) منشأ الشك هو اشتباه حال الموضوع كما إذا شك في حرمة مائع خارجي للشك في كونه خمرا أو في حرمة كلي النبيذ للشك في كونه مسكرا مع العلم بحرمة المسكر وبمفهومه جميعا (فالشبهة موضوعية) (ومن هنا يعرف) انه ليس ملاك الشبهة الموضوعية هو كون الحكم المشكوك فيه جزئيا خاصا بل قد يكون كليا عاما ومع ذلك تكون الشبهة موضوعية كما انه قد يكون

الحكم المشكوك فيه جزئيا ولا تكون الشبهة موضوعية كالشك في حرمة الفقاع الخارجي للشك في حرمة أصل الفقاع شرعا فتدبر جيدا.

(قوله فيما لم يثبت بينهما ترجيح بناء على التوقف في مسألة تعارض النصين فيما لم يكن ترجيح في البين واما بناء على التخيير كما هو المشهور فلا مجال لأصالة البراءة ... إلخ)

لا وجه لتقييد التعارض بما لم يثبت بين المتعارضين ترجيح (إذ بناء) على التوقف أي التساقط والرجوع إلى الأصول العملية تصل النوبة إلى البراءة مطلقا سواء كان المتعارضان متكافئين أو متفاضلين (كما أن) بناء على عدم التساقط والأخذ باخبار التخيير أو الترجيح لا تكاد تصل النوبة إلى البراءة مطلقا أيضا سواء كان المتعارضان متكافئين أو متفاضلين (وتوضيحه) ان مقتضي القاعدة الأولية في المتعارضين سواء كانا متكافئين أو متفاضلين بناء على الطريقية هو التساقط والرجوع إلى الأصل العملي ولكن لا يكاد يصار إلى ذلك بل لا بد من العمل فيهما بأحد المتعارضين لا محالة وذلك لدليل الإجماع والاخبار العلاجية كما صرح به الشيخ أعلى الله مقامه وأشير إليه آنفا والمشهور في المتكافئين هو التخيير وفي المتفاضلين هو الترجيح وان كان الحق كما ستعرف هو التخيير في كليهما جميعا (وعلى كل حال) قد اتضح لك من هذا كله ان الحق كان ان يقول المصنف أو تعارضه بناء على التوقف في مسألة تعارض النصين أي بناء على الأخذ بالقاعدة الأولية من التساقط واما بناء على التخيير أو الترجيح فلا مجال لأصل البراءة أصلا (كما ان من هذا كله) قد اتضح لك أيضا ان الحق كان ان لا يؤشر الشيخ هنا إلى تعارض النصين أبدا بعد تسالم الجميع على رفع اليد عن مقتضي القاعدة الأولية من التساقط وعلى عدم الرجوع إلى الأصل العملي أصلا وانه يجب العمل بأحد المتعارضين لا محالة إما تعييناً أو تخييرا فتأمل جيدا.

في الآيات التي استدل بها لأصالة البراءة

وذكر آية التعذيب

(قوله وقد استدل على ذلك بالأدلة الأربعة أما الكتاب فبآيات أظهرها قوله تعالى وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا ... إلخ)

هي في سورة الأسرى (وقد أفاد الشيخ) أعلى الله مقامه في تقريب التمسك بها (ما حاصله) ان بعث الرسول (إما كناية) عن بيان التكليف ووضوحه وانجلائه للمكلف ولو كان بالعقل وانما كني عنه ببعث الرسول بلحاظ كون البيان بسببه غالباً كما يكنى عن دخول الوقت بأذان المؤذن في مثل قولك لا أبرح من هذا المكان حتى يؤذن المؤذن بلحاظ كون معرفته في الأغلب بأذان المؤذن (وإما عبارة) عن البيان النقلي الّذي يأتي به الرسول ونخصص عموم الآية بغير المستقلات العقلية فإن ما استقل به العقل يستحق العذاب عليه ولو لم يبعث الرسول ولم يبين أو يلتزم في المستقلات العقلية بعدم استحقاق العذاب حتى يبعث الرسول ويبين نظرا إلى وجوب تأكيد حكم العقل بالنقل فتبقى عموم الآية محفوظاً سالماً على حاله وعلى أي تقدير تدل الآية الشريفة على نفي العذاب قبل البيان.

(قوله وفيه ان نفى التعذيب قبل إتمام الحجة ببعث الرسل لعله كان منة منه تعالى على عباده مع استحقاقهم لذلك .. إلخ)

(قال الشيخ) أعلى الله مقامه في رد المتمسك بالآية الشريفة للبراءة (ما لفظه) وفيه ان ظاهره الإخبار بوقوع التعذيب سابقاً بعد البعث فيختص بالعذاب الدنيوي الواقع في الأمم السابقة (انتهى) (ومحصله) ان الله تعالى قد أخبر انه لم يعذب الأمم السابقة بالعذاب الدنيوي ، ما لم يبعث فيهم رسولا وليس فيها دلالة على انه

تعالى لم يفعل ذلك لعدم استحقاقهم له كي يكون دليلا على البراءة وعلى نفي العقاب مطلقا أي الدنيوي والأخروي جميعا قبل البيان بل لعله لم يفعل ذلك منة منه تعالى عليهم ولا يمن على غيرهم ودعوى ان نفي التعذيب كان لعدم الاستحقاق بلا كلام لوضوح استقلال العقل بذلك هي عدول عن التمسك بالآية الشريفة إلى غيرها ونحن لا ننكر استقلال العقل به وهو دليل مستقل كما سيأتي تفصيله إن شاء الله تعالى فانتظر.

(قوله ولو سلم اعتراف الخصم بالملازمة بين الاستحقاق والفعلية لما صح الاستدلال بها إلا جدلا ... إلخ)

(وتوضيح المقام) ان الآية الشريفة قد استدل بها الأخباريون لنفي الملازمة بين حكم العقل وحكم الشرع بدعوى ان ما حكم به العقل قبل بعث الرسول مثل وجوب قضاء الدين ورد الوديعة وحرمة الظلم ونحو ذلك لو كان الشرع يحكم به أيضاً لكان عذاب قبل بعث الرسول فحيث لا عذاب قبل البعث فلا حكم للشرع قبله فيثبت التفكيك بين حكم العقل وحكم الشرع في الخارج (وقد رد الأصوليون) على الاستدلال المذكور بان الآية ليست لنفي استحقاق العذاب قبل البعث كي يستكشف به عدم حكم الشرع قبله بل لنفي فعلية التعذيب وهو أعم من نفي الاستحقاق ولعلهم كانوا مستحقين له فلم يعذبهم تعالى منة منه عليهم فإذا كانوا مستحقين له كفى ذلك في ثبوت حكم الشرع على طبق ما حكم به العقل من قبل بعث الرسول فلا يثبت التفكيك (وقد جمع) بعض الأصحاب بين التمسك بالآية للبراءة وبين الرد على الاستدلال المذكور فأورد عليه بالتناقض فإن التمسك بها للبراءة مما يبتني على نفي الاستحقاق والرد على الاستدلال المذكور مما يبتني على نفي الفعلية فان كانت الآية لنفي الاستحقاق صح التمسك بها للبراءة ولم يصح الرد على الاستدلال المذكور وان كانت لنفي الفعلية صح الرد على الاستدلال المذكور ولم يصح التمسك بها للبراءة (والشيخ) أعلى الله مقامه مع انه ممن لا يرى التمسك بها للبراءة كما عرفت

قد حاول دفع التناقض بين التمسك بها للبراءة وبين الرد على الاستدلال المذكور بأن الآية لنفي الفعلية وبه يتم الرد على الاستدلال المذكور ونفي الفعلية مما يكفي للتمسك بها للبراءة نظراً إلى ان خصمنا في هذا المقام وهو الاخباري القائل بوجوب الاحتياط في الشبهات التحريمية الحكمية ممن يدعي ان فيها الهلاك الفعلي بمقتضى روايات الاحتياط كرواية التثليث وغيرها مما سيأتي تفصيله ويعترف بأنه إذا انتفت الفعلية بالآية فلا مقتضى للاستحقاق أصلا (وعليه) فإذا انتفت الفعلية بالآية واعترف الخصم بعد نفي الفعلية بعدم المقتضي للاستحقاق حصل الالتئام بين الرد على الاستدلال المذكور وبين التمسك بها للبراءة من دون تناقض بينهما أبداً (فالمصنف) ممن يناقش في دفع التناقض المذكور وتصحيح التمسك بها للبراءة بمجرد نفي الفعلية (ووجه المناقشة) انه لو سلم اعتراف الخصم بأنه مهما انتفت الفعلية فلا استحقاق لم يصح الاستدلال بها للبراءة الا جدلا وإلزاماً للخصم لا إقناعاً على نحو صح أن يقنع به المستدل بنفسه بعد وضوح عدم الملازمة واقعاً بين نفي الفعلية وعدم الاستحقاق لجواز نفي الفعلية وثبوت الاستحقاق عقلا كما لا يخفى

(قوله مع وضوح منعه ضرورة ان ما شك في وجوبه أو حرمته ليس عنده بأعظم مما علم بحكمه وليس حال الوعيد بالعذاب فيه الا كالوعيد به فيه فافهم ... إلخ)

أي مع وضوح منع اعتراف الخصم بالملازمة بين الاستحقاق والفعلية فان مشتبه الحرام الّذي يحتاط فيها ليس عنده بأعظم من المحرم القطعي إذ المحرم القطعي لا ملازمة فيه بين الاستحقاق والفعلية لإمكان المغفرة وشمول الرحمة فكيف بمشتبه الحرمة (وفيه) ان الشيخ أعلى الله مقامه لم يدع اعتراف الخصم بالملازمة بين الاستحقاق والفعلية كي يجاب عنه بهذا الجواب بل ادعى اعتراف الخصم بالملازمة بين نفي الفعلية ونفي الاستحقاق وهي وإن لم تكن صحيحة في حد ذاتها لما عرفت من عدم الملازمة بين نفيهما لجواز نفي الفعلية وثبوت الاستحقاق واقعاً ولكنه غير

الملازمة بين وجود الاستحقاق والفعلية ولعله إليه أشار أخيرا بقوله فافهم (فافهم جيداً) ـ

في الاستدلال بآية الإيتاء

(ثم إن في المقام) آيات أخرى قد استدل بها للبراءة.

(منها) قوله تعالى في سورة الطلاق :

(لا يكلف الله نفسا الا ما آتاها سيجعل الله بعد عسر يسراً)

(قال الشيخ) قيل دلالتها واضحة (انتهى).

(أقول)

وفي الاستدلال بها ما لا يخفى فإن المراد من الموصول (إما هو المال) بقرينة قوله تعالى قبل ذلك لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله فالمعنى هكذا أي لا يكلف الله نفساً الا ما لا آتاها أي أعطاها وهذا المعنى هو أجنبي عن البراءة كما لا يخفى.

(وإما هو الفعل) بقرينة وقوع التكليف عليه أي لا يكلف الله نفساً الا فعلا آتاها أي أقدرها عليه ومكنها منه وهو الّذي يظهر من الطبرسي أعلى الله مقامه حيث قال وفي هذا دلالة على انه سبحانه لا يكلف أحداً ما لا يقدر عليه وما لا يطيقه (وقال الشيخ) وهذا المعنى أظهر وأشمل لأن الإنفاق من الميسور داخل فيما آتاه الله.

(أقول)

اما كونه أشمل فنعم واما كونه أظهر فلا بل الأول أظهر بقرينة ما قبله (وعلى كل حال) هو أجنبي أيضاً عن البراءة بلا كلام.

(وإما هو التكليف) بمناسبة قوله تعالى لا يكلف الله أي لا يكلف الله نفساً

الا تكليفاً آتاها أي أعلمها وهذا هو الّذي يناسب البراءة ولكنه مما ينافي المورد وهو الإنفاق مما آتاه الله فلا يتم الاستدلال به (قال الشيخ) نعم لو أريد من الموصول نفس الحكم والتكليف كان إيتاؤه عبارة عن الإعلام به لكن إرادته بالخصوص تنافي مورد الآية وإرادة الأعم منه ومن المورد يستلزم استعمال الموصول في معنيين إذ لا جامع بين تعلق التكليف بنفس الحكم وبالفعل المحكوم عليه فافهم (انتهى)

(أقول)

ولعل قوله فافهم إشارة إلى ان الموصول إذا أبقيناه على عمومه الحقيقي ولم يكن المراد منه خصوص المال أو الفعل أو التكليف يشمل كلا من هذه الأمور الثلاثة جميعاً من دون استعمال له في معنيين أو معاني غايته انه إيتاء كل شيء بحسبه فإيتاء المال إعطاؤه وإيتاء الفعل الإقدار عليه وإيتاء التكليف إعلامه.

في الاستدلال بآية الإضلال

(ومنها) قوله تعالى في سورة التوبة :

(وما كان الله ليضل قوماً بعد إذ هديهم حتى يبين لهم ما يتقون)

(قال الشيخ) أعلى الله مقامه أي ما يجتنبون به من الأفعال والتروك (قال) وظاهرها انه تعالى لا يخذلهم بعد هدايتهم إلى الإسلام الا بعد ما يبين لهم (ثم قال) وعن الكافي وتفسير العياشي وكتاب التوحيد حتى يعرفهم ما يرضيه وما يسخطه (انتهى) (وقال الطبرسي) في نزولها (ما لفظه) قيل مات قوم من المسلمين على الإسلام قبل أن ينزل الفرائض فقال المسلمون يا رسول الله إخواننا الذين ماتوا قبل الفرائض ما منزلتهم فنزل وما كان الله ليضل قوماً الآية عن الحسن وقال في معناها أي وما كان الله ليحكم بضلالة قوم بعد ما حكم بهدايتهم حتى يبين لهم ما يتقون من الأمر بالطاعة والنهي عن المعصية فلا يتقون فعند ذلك يحكم بضلالتهم

(ثم قال) وقيل وما كان الله ليعذب قوماً فيضلهم عن الثواب والكرامة وطريق الجنة بعد إذ هديهم ودعاهم إلى الإيمان حتى يبين لهم ما يستحقون به الثواب والعقاب من الطاعة والمعصية (ثم قال) وقيل لما نسخ بعض الشرائع وقد غاب أناس وهم يعملون بالأمر الأول إذ لم يعلموا بالأمر الثاني مثل تحويل القبلة وغير ذلك وقد مات الأولون على الحكم الأول سأل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن ذلك فأنزل الله الآية وبين انه لا يعذب هؤلاء على التوجه إلى القبلة الأولى حتى يسمعوا بالنسخ ولا يعملوا بالناسخ فحينئذ يعذبهم عن الكلي (انتهى).

(أقول)

سواء كان الإضلال بمعنى الخذلان أو بمعنى الحكم بالضلالة أو بمعنى التعذيب قد دلت الآية الشريفة على نفيه قبل البيان من غير اختصاص بقوم دون قوم فتكون هي دليلا قاطعاً على البراءة ولو في خصوص الشبهات الحكمية التي من شأنه تعالى البيان فيها (ومن هنا يظهر) ضعف ما أورده الشيخ على الاستدلال بها (بقوله) وفيه ما تقدم في الآية السابقة (انتهى) فإن الآية السابقة قد أخبر فيها سبحانه وتعالى بنفي تعذيب الأمم السالفة ما لم يبعث فيهم رسولا وليس فيها دلالة على انه يعامل الجميع هذه المعاملة ولعلها كانت مختصة بهم بخلاف هذه الآية فانها تدل على نفي الإضلال قبل البيان مطلقاً من غير اختصاص بقوم دون قوم وان كان سبب النزول أناساً مخصوصين.

(نعم ليس فيها) دلالة على ان نفي الإضلال قبل البيان هل هو لنفي الاستحقاق أو للتفضل ولكن لا يضر ذلك بالمقصود بلا كلام فإن مجرد نفي الإضلال قبل البيان مما يكفي للمقام وان كان للتفضل ولم يكن لعدم الاستحقاق (اللهم) إلّا أن يقال إن الآية مما تدل على نفي الإضلال قبل البيان ونحن في الشبهات الحكمية نحتمل البيان واختفاءه علينا فإذاً يكون التمسك بها تمسكاً بالدليل في الشبهات المصداقية (ولكن يرده) ان المراد من البيان فيها ليس هو مطلق البيان ولو لم

يصل أصلا فإن المراد منه لو لم يكن هو البيان الواصل بنفسه بشهادة ما تقدم في نزولها من انه لما نسخ بعض الشرائع إلى قوله حتى يسمعوا بالنسخ فلا أقل هو البيان الّذي يمكن الوصول إليه ولو بالفحص عنه فإذا تفحصنا في الشبهات ولم نظفر على بيان من الشرع حتى يئسنا فقد أحرزنا انه لا بيان في البين يمكن الوصول إليه أصلا وقطعنا انه لا إضلال حينئذ أبداً.

في الاستدلال بآية الهلاك

(ومنها) قوله تعالى في سورة الأنفال :

(ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة)

(وأول الآية هكذا) :

(إذ أنتم بالعدوة الدنيا وهم بالعدوة القصوى والركب أسفل منكم ولو تواعدتم لاختلفتم في الميعاد ولكن ليقضي الله امراً كان مفعولا ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة)

(قال في الفصول) في تقريب الاستدلال بها (ما لفظه) فإن قضية تخصيص الهلاك والحياة بصورة وجود البينة نفيهما عند انتفائهما وقضية ذلك نفي الوجوب والحرمة وأخويهما حينئذ على إشكال في دلالته على نفي الكراهة (انتهى).

(وقال الشيخ) بعد ذكر الآية (ما لفظه) وفي دلالتها تأمل ظاهر (انتهى)

(أقول)

ولعل وجه التأمل ان المراد من الهلاك في الآية ليس هو العذاب كي تكون من أدلة البراءة كما زعم الفصول بل هو الموت أي ليموت من مات عن بينة ويعيش من عاش عن بينة فتكون الآية أجنبية عن المقام جداً.

(قال الطبرسي) أعلى الله مقامه في تفسير الآية (ما ملخصه) ثم بين سبحانه

وتعالى نصرته للمسلمين ببدر فقال سبحانه (إذ أنتم) أيها المسلمون (بالعدوة الدنيا) أي بشفير الوادي الأقرب إلى المدينة (وهم) يعني المشركين (بالعدوة القصوى) أي بالشفير الأقصى من المدينة (والركب) يعني أبا سفيان وأصحابه (وهم) العير (أسفل منكم) أي في موضع أسفل منكم إلى ساحل البحر (ولو تواعدتم لاختلفتم في الميعاد) أي لو تواعدتم أيها المسلمون للاجتماع في الموضع الّذي اجتمعتم فيه لاختلفتم بما يعرض من العوائق والقواطع (ولكن ليقضي الله امراً كان مفعولا) أي ولكن قدر الله التقاءكم وجمع بينكم وبينهم على غير ميعاد منكم ليقضي الله أمراً كان كائناً لا محالة وهو إعزاز الدين وأهله وإذلال الشرك وأهله (ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حي عن بينة) أي فعل ذلك ليموت من مات منهم بعد قيام الحجة عليه (قال) وقيل إن البينة ما وعد الله من النصر للمؤمنين على الكافرين صار ذلك حجة على الناس في صدق النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيما أتاهم به من عند الله (انتهى).

في الاستدلال بآية المحرمات

(ومنها) قوله تعالى في سورة الأنعام مخاطباً لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله ملقناً إياه طريق الرد على اليهود حيث حرموا بعض ما رزقهم الله افتراء عليه على ما ذكر الشيخ أعلى الله مقامه

(قل لا أجد فيما أوحى إلى محرماً على طاعم يطعمه إلّا ان يكون ميتة أو دماً مسفوحاً أو لحم خنزير فإنه رجس)

(الآية) فأبطل تشريعهم بعدم وجدان ما حرموه في جملة المحرمات التي أوحى الله إليه.

(أقول)

وفي الاستدلال بها ما لا يخفى فإن عدم وجدان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيما

أوحى الله إليه محرماً غير ما ذكر من الميتة وأختيها دليل قطعي على عدم الوجود واقعاً وهو خارج عما نحن بصدده من أن الأصل عند الشك مع احتمال الوجود ثبوتاً هو البناء على العدم ما لم يقم عليه دليل إثباتاً.

(نعم عدوله) تعالى عن التعبير بعدم الوجود إلى عدم الوجدان مما لا يخلو عن إشعار بالمطلب ولكنه ليس بحد الدلالة عليه كما أفاد الشيخ أيضاً (قال) لكن الإنصاف ان غاية الأمر ان يكون في العدول عن التعبير من عدم الوجود إلى عدم الوجدان إشارة إلى المطلب واما الدلالة فلا (انتهى) موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه.

في الاستدلال بآية التفصيل

(ومنها) قوله تعالى في سورة الأنعام أيضاً.

(وما لكم الا تأكلوا مما ذكر اسم الله عليه وقد فصل لكم ما حرم عليكم)

(أقول)

ويظهر الجواب عن الاستدلال بها مما تقدم في الآية السابقة فإن خلو ما فصل الله لنا من المحرمات عن ذكر ما سواه هو دليل قطعي على حلية ما سواه واقعاً لا على حليته ظاهراً مع احتمال حرمته واقعاً كما هو المطلوب.

(ثم إن الشيخ) أعلى الله مقامه قد أورد إيراداً عاماً على الاستدلال بهذه الآيات الشريفة كلها بل وعلى بعض الأخبار الآتية أيضاً لا بأس بالإشارة إليه (قال) في ذيل الآية الرابعة وهي قوله تعالى ليهلك من هلك عن بينة ... إلخ (ما لفظه) ويرد على الكل ان غاية مدلولها عدم المؤاخذة على مخالفة النهي المجهول عند المكلف لو فرض وجوده واقعاً فلا ينافي ورود الدليل العام على وجوب اجتناب ما يحتمل التحريم ومعلوم ان القائل بالاحتياط ووجوب الاجتناب لا يقول

به الا عن دليل علمي وهذه الآيات بعد تسليم دلالتها غير معارضة لذلك الدليل بل هي من قبيل الأصل بالنسبة إليه كما لا يخفى (انتهى) ويعني بقوله من قبيل الأصل بالنسبة إليه ان دليل الاحتياط حاكم أو وارد على الآيات لانتفاء موضوعها به فإن موضوعها اللابيان وهو ينتفي بمجيء البيان على وجوب الاحتياط كحكومة الدليل الاجتهادي أو وروده على الأصل العملي عيناً نظراً إلى انتفاء موضوعه به وهو الشك (وقال) أيضاً في ذيل الآية الأخيرة (ما لفظه) والإنصاف ما ذكرناه من ان الآيات المذكورة لا تنهض على إبطال القول بوجوب الاحتياط لأن غاية مدلول الدال منها هو عدم التكليف فيما لم يعلم خصوصاً أو عموماً بالعقل أو النقل وهذا مما لا نزاع فيه لأحد وانما أوجب الاحتياط من أوجبه بزعم قيام الدليل العقلي أو النقلي على وجوبه فاللازم على منكره رد ذلك الدليل أو معارضته بما يدل على الرخصة وعدم وجوب الاحتياط فيما لا نصّ فيه واما الآيات المذكورة فهي كبعض الاخبار الآتية لا تنهض لذلك ضرورة انه إذا فرض انه ورد بطريق معتبر في نفسه انه يجب الاحتياط في كل ما يحتمل أن يكون قد حكم الشارع فيه بالحرمة لم يعارضه شيء من الآيات المذكورة (انتهى).

(أقول)

نعم إن الآيات المذكورة على تقدير دلالتها كلا أو بعضاً هي كبعض الاخبار الآتية بل كلها إلا مرسلة الفقيه (كل شيء مطلق حتى يرد فيه نهي) مما لا تعارض دليل الاحتياط لو تم فإنه لو لم يكن حاكماً أو وارداً عليهما فهو لا محالة أخص منهما بمعنى اختصاصه بالشبهة التحريمية الحكمية دون الآيات وبعض الروايات فيشملان عموم الشبهات (وعليه) فاللازم على مدعي البراءة رد ذلك الدليل أو معارضته بما دل على الرخصة كالمرسلة (ولكن) مجرد رده مما لا يكفي فإما بعد رد ذلك الدليل ودفع المانع نحتاج قطعاً إلى أدلة نستند إليها في الحكم بالبراءة مطلقاً فنحن

الآن بصدد تلك الأدلة فنقررها واحداً بعد واحد ثم نجيب بعداً عن دليل الاحتياط كما هو حقه.

(وبالجملة إن) الآيات المذكورة وهكذا الأخبار الآتية لو تمت دلالتها على البراءة فهي سالمة من ناحية هذا الإشكال العام الّذي أورده الشيخ أعلى الله مقامه فانه مما لا يضر بهما قطعاً غير انك قد عرفت عدم دلالة الآيات على البراءة سوى الآية الثالثة وهي قوله تعالى (وما كان الله ليضل قوماً بعد إذ هديهم حتى يبين لهم ما يتقون) كما انك ستعرف عدم دلالة بعض الاخبار الآتية أيضاً وان دل بعضها الآخر عليها بل وأكثرها كحديث الرفع وحديث الحجب وحديث السعة ونحوها وهو ما يكفي للمدعي كما لا يخفى.

في الروايات التي استدل بها لأصالة البراءة

وذكر حديث الرفع

(قوله واما السنة فروايات منها حديث الرفع حيث عدما لا يعلمون من التسعة المرفوعة فيه ... إلخ)

(قال) المحقق القمي في أثناء ذكر ما دل من السنة على البراءة (ما هذا لفظه) وما رواه الصدوق في التوحيد في الصحيح عن حريز عن الصادق عليه الصلاة والسلام قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رفع عن أمتي تسعة الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه وما لا يطيقون وما لا يعلمون وما اضطروا إليه والحسد والطيرة والتفكر في الوسوسة في الخلق ما لم ينطقوا بشفة (قال) ورواه في أوائل الفقيه أيضاً (انتهى) (وزاد الشيخ أعلى الله مقامه) روايته في الخصال (قال) واما السنة فيذكر منها في المقام اخبار كثيرة منها المروي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله

وسلم بسند صحيح في الخصال كما عن التوحيد رفع عن أمتي تسعة أشياء الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه وما لا يعلمون وما لا يطيقون وما اضطروا إليه (قال) الخبر ولم يذكر تمامه غير انه (قال) أخيراً إن النبوي المذكور مشتمل على ذكر الطيرة والحسد والتفكر في الوسوسة في الخلق ما لم ينطبق الإنسان بشفة.

(أقول)

ووجدت الحديث الشريف في الوافي في كتاب الإيمان والكفر في باب ما لا يؤخذ عليه وقد نقله عن الفقيه (ولفظه) قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وضع عن أمتي تسعة أشياء السهو والخطأ والنسيان وما أكرهوا عليه وما لا يعلمون وما لا يطيقون والطيرة والحسد والتفكر في الوسوسة في الخلق ما لم ينطق الإنسان بشفة (ونقله) أيضاً في الباب المذكور عن الكافي عن الحسين بن محمد عن محمد بن أحمد النهدي رفعه عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وضع عن أمتي تسع خصال الخطأ والنسيان وما لا يعلمون وما لا يطيقون وما اضطروا إليه وما استكرهوا عليه والطيرة والوسوسة في التفكر في الخلق والحسد ما لم يظهر بلسان أو يد.

(قوله فالإلزام المجهول مما لا يعلمون فهو مرفوع فعلا وإن كان ثابتاً واقعاً فلا مؤاخذة عليه قطعاً ... إلخ)

(قال الشيخ) في تقريب الاستدلال بالحديث الشريف (ما لفظه) فإن حرمة شرب التتن مثلا مما لا يعلمون فهي مرفوعة عنهم ومعنى رفعها كرفع الخطاء والنسيان رفع آثارها أو خصوص المؤاخذة ... إلخ وهو إشارة إلى الخلاف الآتي من ان المرفوع هل هو خصوص المؤاخذة أو الأثر الظاهر في كل من الأمور التسعة أو جميع الآثار على ما ستعرف شرحه (وحاصل تقريب المصنف) أن الإلزام المجهول سواء كان في الشبهة الحكمية كحرمة شرب التتن أو الموضوعية كحرمة المائع الخارجي المشكوك كونه خمراً مما لا يعلمون فهو مرفوع أي ظاهراً وهو

المقصود من قوله فعلا بقرينة قوله وان كان ثابتاً واقعاً ... إلخ (ولعل) الفرق بين التقريبين ان المرفوع في نظر الشيخ هو المؤاخذة أو الأثر الظاهر أو جميع الآثار فيقدر أحد هذه الأمور في الحديث الشريف لا محالة وفي نظر المصنف نفس الحكم المجهول يكون مرفوعاً ولو ظاهراً لا واقعاً برفع تنجزه بلا حاجة إلى التقدير أصلا.

(ثم) إن الموصول في قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وما لا يعلمون فيه احتمالات ثلاثة.

(الأول) أن يكون المراد منه بقرينة الأخوات وساير الفقرات خصوص فعل المكلف الغير المعلوم كالفعل الّذي لا يعلم انه شرب الخمر (وعلى هذا الاحتمال) يختص الحديث الشريف بالشبهات الموضوعية فقط ولا يكاد ننتفع به في الشبهات الحكمية أصلا.

(الثاني) أن يكون المراد منه خصوص الحكم المجهول سواء كان في الشبهات الحكمية أو الموضوعية وهو الظاهر من المصنف سيما بقرينة ما سيأتي منه من قوله ثم لا يخفى عدم الحاجة إلى تقدير المؤاخذة ولا غيرها من الآثار الشرعية فيما لا يعلمون فإن ما لا يعلم من التكليف مطلقاً كان في الشبهة الحكمية أو الموضوعية بنفسه قابل للرفع والوضع شرعاً وإن كان في غيره لا بد من تقدير الآثار أو المجاز في إسناد الرفع إليه ... إلخ (وعلى هذا الاحتمال) يشمل الحديث كلا من الشبهات الحكمية والموضوعية جميعاً من غير اختصاص بالموضوعية فقط.

(الثالث) ان يكون المراد من الموصول ما يعم الحكم والفعل جميعاً وهو الظاهر من الشيخ سيما بقرينة ما سيأتي من تصريحه بأن تقدير المؤاخذة في الرواية لا يلائم عموم الموصول للموضوع والحكم ... إلخ (وعلى هذا الاحتمال) يشمل الحديث أيضاً كلا من الشبهات الحكمية والموضوعية جميعاً بل يشمل الشبهات الموضوعية من جهتين من جهة الحكم الغير المعلوم فيها ومن جهة الفعل الغير المعلوم

فيها (والظاهر) انه لا وجه للاحتمال الثاني فان الموصول فيما لا يعلمون (إما ظاهر) في الفعل بقرينة الأخوات وهي ما استكرهوا عليه وما لا يطيقون وما اضطروا إليه بل الخطأ والنسيان والحسد والطيرة والتفكر في الوسوسة في الخلق فإن كل هذه أفعال للمكلف (أو ظاهر) في العموم الشامل للحكم والفعل جميعاً بمقتضى وضعه للعموم لغة فيدور الأمر بين هذين الاحتمالين أي الأول والثالث (وقد أورد الشيخ) أعلى الله مقامه على الاحتمال الثالث بإيرادين (قال) بعد ذكر الحديث الشريف والاستدلال به (ما لفظه) ويمكن ان يورد عليه بان الظاهر من الموصول فيما لا يعلمون بقرينة أخواتها هو الموضوع أعني فعل المكلف الغير المعلوم كالفعل الّذي لا يعلم انه شرب الخمر أو شرب الخل وغير ذلك من الشبهات الموضوعية فلا يشمل الحكم الغير المعلوم مع ان تقدير المؤاخذة في الرواية لا يلائم عموم الموصول للموضوع والحكم لأن المقدر المؤاخذة على نفس هذه المذكورات ولا معنى للمؤاخذة على نفس الحرمة المجهولة (انتهى) ويعني بذلك ان المؤاخذة انما تكون على الفعل المحرم لا على نفس الحرمة.

(أقول)

والظاهر أن الاحتمال الثالث هو المتعين من بين الاحتمالات إذ لا وجه لرفع اليد عن العموم الثابت للموصول بمقتضى الوضع اللغوي بمجرد كون المراد من الأخوات خصوص الفعل بعد جواز إبقاء الموصول فيما لا يعلمون على عمومه الوضعي واستعماله فيما هو معناه الحقيقي (ودعوى) ان تقدير المؤاخذة في الرواية مما لا يلائم عموم الموصول نظراً إلى انه لا معنى للمؤاخذة على نفس الحكم (مما لا وجه له) فإن التقدير بالنسبة إلى الحكم غير محتاج إليه إذ الحكم بنفسه قابل للرفع ولو بمعنى رفع تنجزه وهو المرتبة الأخيرة منه فترتفع المؤاخذة بتبعه بل بالنسبة إلى ما سوى الحكم أيضاً غير محتاج إليه غايته أن إسناد الرفع إليه يكون مجازاً بلحاظ المؤاخذة من قبيل إسناد السؤال إلى القرينة مجازاً بلحاظ الأهل.

(نعم) يلزم حينئذ أن يكون إسناد الرفع إلى بعض افراد الموصول حقيقاً وبالنسبة إلى بعضها الآخر مجازياً وهو سهل يسير (هذا) مضافاً إلى جواز تقدير المؤاخذة بالنسبة إلى الجميع حتى الحكم فإن المؤاخذة على كل شيء بحسبه فالمؤاخذة على الفعل هو على ارتكابه وعلى الحكم بترك امتثاله ولعل هذا أظهر من الأول وأقوى.

(قوله لا يقال ليست المؤاخذة من الآثار الشرعية كي ترتفع بارتفاع التكليف المجهول ظاهراً فلا دلالة على ارتفاعها ... إلخ)

هذا الإشكال مع جوابه مأخوذان عن كلام للشيخ في المقام فإنه أفاد أولا (ما ملخصه) انه لو بنينا على عموم رفع الآثار فالمراد بالآثار المرفوعة بحديث الرفع هي الآثار المجعولة التي وضعها الشارع لأنها هي القابلة للارتفاع برفعه (ثم أشكل) على نفسه بما حاصله انه على ما ذكر يخرج أثر التكليف فيما لا يعلمون بناء على عموم الموصول وشموله للحكم والفعل جميعاً عن مورد الرواية فإن المؤاخذة ليست من الآثار المجعولة الشرعية (ثم أجاب عنه) بما ملخصه ان أثر التكليف المجهول هو إيجاب الاحتياط لحفظ الواقعيات وهو أمر مجعول وسبب لاستحقاق المؤاخذة على التكليف المجهول وهو أمر غير مجعول (قال) فالمرتفع أولا وبالذات أمر مجعول يترتب عليه ارتفاع أمر غير مجعول (انتهى) (ومن هنا يعرف) أن مراد المصنف من قوله فإنه يقال إنها وإن لم تكن بنفسها أثراً شرعياً إلّا انه مما يترتب عليه بتوسيط ما هو أثره وباقتضائه من إيجاب الاحتياط شرعاً فالدليل على رفعه دليل على عدم إيجابه المستتبع لعدم استحقاق العقوبة على مخالفته ... إلخ (هو هكذا) ان المؤاخذة وإن لم تكن بنفسها أثراً شرعياً قابلا للرفع ولكنها مما يترتب على التكليف المجهول بسبب ما هو أثره الشرعي القابل للرفع وهو إيجاب الاحتياط فإذا دل حديث الرفع على رفع التكليف المجهول فقد دل على عدم إيجاب الاحتياط المستتبع لعدم استحقاق المؤاخذة عليه.

(وبالجملة) إن للتكليف المجهول أثرين مترتبين عليه بنفسه أحدهما شرعي

وهو إيجاب الاحتياط والآخر عقلي وهو استحقاق العقاب على مخالفته غايته ان الشرعي سبب لترتب العقلي.

(أقول)

إن المؤاخذة وإن لم تكن هي أثراً مجعولا شرعاً ولكن أمرها بيد الشارع وهي تحت قدرته وسلطته فيمكنه رفعها بمعنى أن لا يؤاخذ على التكليف المجهول.

(نعم) إذا كان المراد من المؤاخذة استحقاقها كما يظهر من القول المتقدم للمصنف (المستتبع لعدم استحقاق العقوبة على مخالفته) فهو أثر لا يقبل الرفع شرعاً إلّا برفع منشئه وهو إيجاب الاحتياط المرتفع برفع التكليف المجهول إلا ان المصنف ممن لا يحتاج إلى هذا الجواب أصلا بعد ما التزم ان المراد من الموصول فيما لا يعلمون هو الإلزام المجهول وهو بنفسه مرفوع من غير حاجة إلى تقدير المؤاخذة أبداً (اللهم) إلا ان يقال إنه يحتاج إلى هذا الجواب لسائر الفقرات مما يحتاج إلى تقدير المؤاخذة ونحوها جداً فتأمل جيداً.

(قوله لا يقال لا يكاد يكون إيجابه مستتبعاً لاستحقاقها على مخالفة التكليف المجهول بل على مخالفة نفسه كما هو قضية إيجاب غيره ... إلخ)

(حاصل الإشكال) ان إيجاب الاحتياط وإن كان أثراً شرعياً للتكليف المجهول وهو قابل للرفع ولكنه ليس سبباً لاستحقاق العقاب على مخالفة التكليف المجهول بل على مخالفة نفسه كما هو مقتضي سائر الأوامر الصادرة من المولى (وحاصل الجواب) ان إيجاب الاحتياط لو كان نفسياً لكان موجباً لاستحقاق العقاب على مخالفة نفسه ولكنه طريقي قد شرّع لأجل حفظ الواقعيات في المشتبهات فيوجب استحقاق العقاب على الواقع المجهول في المشتبهات كما هو الحال في غيره من الإيجاب والتحريم الطريقيين كما في موارد الأمارات بناء على الطريقية وجعل الأحكام الظاهرية فإن الإيجاب والتحريم الطريقيين المجعولين في موارد الأمارات منجزان للواقع عند الإصابة يوجبان استحقاق العقاب على مخالفته لا مخالفة

نفسهما فكما صح أن يحتج بهما عند الإصابة على مخالفة الواقع بنفسه فكذلك صح ان يحتج بإيجاب الاحتياط عند الإصابة على عدم مراعاة الواقع بنفسه.

(قوله وقد انقدح بذلك ان رفع التكليف المجهول كان منة على الأمة حيث كان له تعالى وضعه بما هو قضيته من إيجاب الاحتياط فرفعه ... إلخ)

(لا إشكال) في ان رفع التكليف المجهول امتناني حيث كان له تعالى وضعه بوضع ما هو مقتضاه من إيجاب الاحتياط الّذي هو سبب لاستحقاق العقاب على مخالفة التكليف المجهول ولم يفعل فهو منة منه تعالى على الأمة (ولكن الكلام) في أن رفع المؤاخذة على ساير الأمور من الخطأ والنسيان وأخواتهما هل هو امتناني أيضاً ومن خواص أمة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما يشعر به الحديث الشريف حيث يقول (رفع عن أمتي) المشعر بعدم الرفع عن ساير الأمم (فيه إشكال) نظراً إلى استقلال العقل بقبح المؤاخذة على تلك الأمور فلا منة في رفعها ولا اختصاص للرفع بأمة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (وقد أجاب الشيخ) أعلى الله مقامه عن الإشكال بما ملخصه ان الّذي يهون الأمر في الرواية جريان هذا الإشكال في الكتاب العزيز أيضاً لقوله تعالى.

(ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربنا ولا تحمل علينا إصراً كما حملته على الذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به)

الآية (قال) والّذي يحسم أصل الإشكال منع استقلال العقل بقبح المؤاخذة على هذه الأمور بقول مطلق فإن الخطأ والنسيان الصادرين من ترك التحفظ لا يقبح المؤاخذة عليهما وكذا المؤاخذة على ما لا يعلمون مع إمكان الاحتياط وكذا في التكليف الشاق الناشئ عن اختيار المكلف (انتهى) موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه.

(أقول)

(اما منع استقلال العقل) بقبح المؤاخذة على ما لا يعلمون بمجرد إمكان الاحتياط

بلا دليل عليه من الشرع فممنوع أشد المنع فإنه هدم لما سيأتي من استقلال العقل بقبح العقاب بلا بيان الّذي هو من أقوى أدلة البراءة بل العقل يستقل بقبح العقاب على ما لا يعلمون ولا يكاد يسقطه عن حكمه به مجرد إمكان الاحتياط أبداً ما لم يقم دليل عليه شرعاً (وعليه) فرفع التكليف المجهول غير امتناني (إلا أن يقال) إن رفعه امتناني من ناحية أخرى وهي كما أشير آنفاً جواز وضع منشأ استحقاق العقاب عليه وهو إيجاب الاحتياط كما أفاد المصنف فحيث ان سبحانه وتعالى لم يضعه فقد منّ على الأمة وهذا غير دعوى عدم قبح العقاب عقلا على التكليف المجهول بمجرد إمكان الاحتياط كما لا يخفى.

(واما الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه وما اضطروا إليه) (فإن كان) المراد من هذه الأمور ما كان حاصلا بطبعه فلا إشكال في استقلال العقل أيضاً بقبح المؤاخذة عليها فيكون الرفع غير امتناني (وإن كان) المراد منها ما كان حاصلا من ترك التحفظ وسوء الاختيار فالعقل حينئذ وإن لم يستقل بقبح المؤاخذة عليها ويكون الرفع امتنانياً ولكن الظاهر عدم رفعها كي يكون امتنانياً إذ لم يعلم ان من وقع في الحرام كالزناء وشرب الخمر ونحوهما خطأ أو نسيانا أو إكراهاً أو اضطراراً مستنداً إلى ترك التحفظ وسوء الاختيار لا يكون معاقباً شرعاً بل يستحق العقاب بلا كلام فالرفع الامتناني غير واقع والواقع منه غير امتناني.

(ومن هنا يظهر حال ما لا يطيقون) في الحديث الشريف (فإن كان) المراد منه ما لا يقدر عليه فالعقل يستقل بقبح المؤاخذة عليه قطعاً ويكون الرفع غير امتناني (وإن كان) المراد منه ما لا يحتمل عادة إلا بكلفة شديدة وهو الظاهر من الرواية كما صرح به الشيخ أعلى الله مقامه (قال) والمراد بما لا يطاق في الرواية هو ما لا يتحمل في العادة لا ما لا يقدر عليه كالطيران في الهواء (انتهى) فالعقل لا يستقل بقبح المؤاخذة عليه ويكون الرفع امتنانياً قهراً.

(واما الحسد فان كان) المراد منه هو محض الصفة الكامنة في النّفس ما لم

يظهر أثرها باللسان أو باليد كما يظهر من رواية الكافي على ما تقدم حيث قال في آخرها (والحسد ما لم يظهر بلسان أو يد) فلا إشكال حينئذ في كونه أمراً غير اختياري يستقل العقل بقبح المؤاخذة عليه فيكون الرفع غير امتناني (وإن كان) المراد منه إظهاره باللسان واليد فالرفع وان كان امتنانياً ولكن الحسد بهذا المعنى مما لم يرفع قطعاً بشهادة ما ورد في النهي عنه مثل قوله عليه‌السلام (اتقوا الله ولا يحسد بعضكم بعضاً) (أو ان الحسد يأكل الإيمان كما تأكل النار الحطب) (أو ان آفة الدين الحسد والعجب والفخر) إلى غير ذلك مما ذكره في الوافي في كتاب الإيمان والكفر في باب الحسد فان النهي لا يكاد يتعلق إلّا بأمر اختياري لا بصفة كامنة نفسانية خارجة عن تحت القدرة والاختيار وهكذا الّذي يأكل الإيمان ويكون آفة للدين لا يكون إلّا فعلا اختيارياً للمكلف لا صفة كامنة خارجة عن تحت الاختيار والقدرة.

(واما الطيرة) فالظاهر انها في الأصل التشؤم بالطير كما أفاد الشيخ أعلى الله مقامه (قال) لأن أكثر تشأم العرب كان به خصوصاً الغراب (انتهى) (وعليه) فهي أمر غير اختياري فيكون الرفع غير امتناني (ويؤيده) ما ذكره الشيخ أيضاً من انه روى (ثلاثة لا يسلم منها أحد الطيرة والحسد والظن قيل فما نصنع قال إذا تطيرت فامض وإذا حسدت فلا تبغ وإذا ظننت فلا تحقق) (قال) والبغي عبارة عن استعمال الحسد (انتهى) ووجه التأييد ان الطيرة والحسد والظن لو كانت هي أموراً اختيارية وكانت هي تحت القدرة والاختيار لم يجز أن لا يسلم منها أحد من الناس وفيهم الأنبياء والمعصومون.

(واما التفكر في الوسوسة في الخلق) أو الوسوسة في التفكر في الخلق على ما في رواية الكافي (فالظاهر) انه أمر غير اختياري أيضاً فالرفع غير امتناني (وقد ذكر) في الوافي في كتاب الإيمان والكفر في باب الوسوسة أحاديث متعددة في شأنها

(منها) ما رواه محمد بن حمران قال سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن

الوسوسة وإن كثرت فقال لا شيء فيها تقول لا إله إلّا الله.

(ومنها) ما رواه جميل بن دراج عن أبي عبد الله عليه‌السلام قالت قلت له يقع في قلبي أمر عظيم فقال قل لا إله إلّا الله قال جميل فكلما وقع في قلبي شيء قلت لا إله إلّا الله عني.

(ومنها) ما رواه ابن أبي عمير عن محمد عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال جاء رجل إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال يا رسول الله هلكت فقال هل أتاك الخبيث فقال لك من خلقك فقلت الله تعالى فقال لك الله من خلقه فقال أي والّذي بعثك لكان كذا فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذلك والله محض الإيمان قال ابن أبي عمير فحدثت بذلك عبد الرحمن بن الحجاج فقال حدثني أبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنما عني بقوله هذا والله محض الإيمان خوفه أن يكون قد هلك حيث عرض ذلك في قلبه إلى غير ذلك من الأحاديث الشريفة فراجع الباب المذكور.

(بقي الكلام) في معنى الآية الشريفة ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربنا ولا تحمل علينا إصراً كما حملته على الذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به ... إلخ.

(فنقول) اما قوله تعالى (ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا) فيظهر من الطبرسي أن فيه وجوهاً.

(أحدها) ان المراد بنسينا تركنا كقوله تعالى نسوا الله فنسيهم أي تركوا طاعته فتركهم من ثوابه والمراد بأخطأنا أذنبنا لأن المعاصي توصف بالخطإ من حيث انها ضد للصواب وإن كان فاعلها متعمداً.

(ثانيها) ان معنى قوله إن نسينا إن تعرضنا لأسباب يقع عندها النسيان عن الأمر والغفلة عن الواجب أو أخطأنا أي تعرضنا لأسباب يقع عندها الخطأ ويحسن الدعاء بذلك كما يحسن الاعتذار منه.

(ثالثها) ان معناه لا تؤاخذنا إن نسينا أي إن لم نفعل فعلا يجب فعله على سبيل السهو والغفلة أو أخطأنا أي فعلنا فعلا يجب تركه من غير قصد ويحسن هذا في الدعاء على سبيل الانقطاع إلى الله تعالى وإظهار الفقر إلى مسألته والاستعانة به وان كان مأموناً منه المؤاخذة بمثله (واما قوله تعالى ربنا ولا تحمل علينا إصراً) فيظهر من الطبرسي أيضا ان فيه وجهين.

(أحدهما) أن معناه لا تحمل علينا عهداً نعجز عن القيام به ولا تعذبنا بتركه ونقضه (قال) عن ابن عباس وقتادة ومجاهد والربيع والسدي.

(ثانيهما) ان معناه لا تحمل علينا ثقلا عن الربيع ومالك وعطا يعني لا تشدد الأمر علينا كما حملته على الذين من قبلنا أي على الأمم الماضية والقرون الخالية لأنهم كانوا إذ ارتكبوا خطيئة عجلت عليهم عقوبتها وحرم عليهم بسببها ما أحل لهم من الطعام كما قال تعالى فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم وأخذ عليهم من العهود والمواثيق وكلفوا من أنواع التكاليف ما لم يكلف هذه الأمة تخفيفاً عنها (واما قوله تعالى ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به) ففيه وجوه أيضاً.

(أحدها) ما يثقل علينا تحمله من أنواع التكاليف والامتحان مثل قتل النّفس عند التوبة وقد يقول الرّجل لأمر يصعب عليه إني لا أطيقه.

(ثانيها) ان معناه ما لا طاقة لنا به من العذاب عاجلا وآجلا.

(ثالثها) انه على سبيل التعبد وإن كان تعالى لا يكلف ولا يحمل أحداً ما لا يطيقه.

(قوله فافهم ... إلخ)

ولعله إشارة إلى ان رفع التكليف المجهول وان كان امتنانيا حيث كان له تعالى وضعه بوضع ما يوجب استحقاق العقاب عليه وهو إيجاب الاحتياط (ولكن) رفع المؤاخذة على ساير الأمور من الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه وما اضطروا

إليه إلى آخر الفقرات ليس امتنانياً على وجه الإطلاق وقد اتضح لك تفصيل الكل واحداً بعد واحد فلا نعيد.

(قوله ثم لا يخفى عدم الحاجة إلى تقدير المؤاخذة ولا غيرها من الآثار الشرعية فيما لا يعلمون ... إلخ)

قد عرفت فيما تقدم ان المراد من الموصول فيما لا يعلمون في نظر المصنف هو الحكم المجهول ومن المعلوم ان الحكم المجهول هو بنفسه قابل للرفع ولو بمعنى رفع تنجزه وهو المرتبة الأخيرة منه من غير حاجة إلى تقدير شيء فيه أصلا (ومن هنا) يقول المصنف إنه لا حاجة إلى تقدير شيء فيما لا يعلمون وان كان في غيره من ساير الفقرات لا بد من تقدير المؤاخذة أو الأثر الظاهر في كل منها أو تمام الآثار كما سيأتي تفصيل الجميع أو إسناد الرفع إليه مجازاً بلحاظ المؤاخذة أو الأثر الظاهر أو تمام الآثار من قبيل إسناد السؤال إلى القرية مجازاً بلحاظ الأهل.

(قوله نعم لو كان المراد من الموصول فيما لا يعلمون ما اشتبه حاله ولم يعلم عنوانه ... إلخ)

هذا هو الاحتمال الأول من الاحتمالات المتقدمة في موصول ما لا يعلمون (ثم إنه) استدراك عن قوله المتقدم ثم لا يخفى عدم الحاجة ... إلخ فلا تغفل.

(قوله ثم لا وجه لتقدير خصوص المؤاخذة بعد وضوح ان المقدر في غير واحد غيرها فلا محيص عن ان يكون المقدر هو الأثر الظاهر في كل منها أو تمام آثارها التي تقتضي المنة رفعها ... إلخ)

(قال الشيخ) أعلى الله مقامه (ما لفظه) والحاصل ان المقدر في الرواية باعتبار دلالة الاقتضاء يحتمل ان يكون جميع الآثار في كل واحد من التسعة وهو الأقرب اعتباراً إلى المعنى الحقيقي وان يكون في كل منها ما هو الأثر الظاهر فيه وان يقدر المؤاخذة في الكل وهذا أقرب عرفاً من الأول وأظهر من الثاني أيضاً لأن الظاهر

أن نسبة الرفع إلى مجموع التسعة على نسق واحد (انتهى) (ومحصله) ان في الحديث الشريف من حيث التقدير احتمالات ثلاثة.

(الأول) ان يكون المقدر جميع الآثار من التكليفية والوضعيّة تماماً.

(الثاني) ان يكون المقدر في كل منها ما هو الأثر الظاهر فيه.

(الثالث) ان يكون المقدر في الكل خصوص المؤاخذة وهو اقرب من الأول وأظهر من الثاني.

(فيقول المصنف) انه لا وجه لتقدير خصوص المؤاخذة بعد وضوح ان المقدر في غير واحد غيرها يعني بها الفقرات الثلاث الآتية في الصحيحة الآتية وهي ما أكرهوا عليه وما لا يطيقون وما أخطئوا فلا محيص ان يكون المقدر هو الأثر الظاهر في كل منها أو تمام آثارها من التكليفية والوضعيّة جميعاً.

(أقول)

(أولا) انك قد عرفت آنفاً ان التقدير أمر غير متعين بل الأمر يدور بين تقدير جميع الآثار أو الأثر الظاهر أو المؤاخذة وبين اسناد الرفع إلى تلك الأمور مجازاً بلحاظ الآثار أو الأثر الظاهر أو المؤاخذة.

(وثانياً) ان تقدير جميع الآثار من التكليفية والوضعيّة تماماً غير ظاهر من الحديث الشريف فمن أحدث مثلا في الصلاة أو استدبر فيها خطأ أو نسياناً أو إكراهاً أو اضطراراً أو جهلا لم نعرف من الحديث انه لا تبطل صلاته وان القاطعية للصلاة التي هي أثر وضعي للحدث أو الاستدبار قد ارتفعت بسبب طرو أحد العناوين المذكورة وهكذا إذا ترك جزءاً أو شرطاً في المعاملات لأحد العناوين المذكورة فلو كان الظاهر من الحديث الشريف رفع جميع الآثار من التكليفية والوضعيّة تماماً لعرفنا ذلك منه جداً وهكذا الأمر في تقدير الأثر الظاهر في كل من الفقرات فلا يكون ظاهراً من الحديث الشريف بل الظاهر منه هو تقدير خصوص المؤاخذة بالنسبة إلى الجميع فإنه أقرب وأظهر كما أفاد الشيخ (ثم إن الشيخ)

أعلى الله مقامه قال بعد عبارته المتقدمة (ما لفظه) نعم يظهر من بعض الاخبار الصحيحة عدم اختصاص المرفوع عن الأمة بخصوص المؤاخذة فعن المحاسن عن أبيه عن صفوان بن يحيى والبزنطي جميعاً عن أبي الحسن عليه‌السلام في الرّجل يستكره على اليمين فحلف بالطلاق والعتاق وصدقة ما يملك أيلزمه ذلك فقال لا قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله رفع عن أمتي ما أكرهوا عليه وما لا يطيقون وما أخطئوا (الخبر) فان الحلف بالطلاق والعتاق والصدقة وان كان باطلا عندنا مع الاختيار أيضاً إلا ان استشهاد الإمام عليه‌السلام على عدم لزومها مع الإكراه على الحلف بها بحديث الرفع شاهد على عدم اختصاصه برفع خصوص المؤاخذة لكن النبوي المحكي في كلام الإمام عليه‌السلام مختص بثلاثة من التسعة فلعل نفي جميع الآثار مختص بها فتأمل (انتهى).

(أقول)

إن التمسك بالصحيحة لإثبات كون المرفوع بحديث الرفع جميع الآثار حتى الوضعيّة ضعيف جداً فإن الحلف بالطلاق والعتاق وصدقة ما يملك باطل عندنا من أصله حتى مع الاختيار فكيف مع الإكراه فكان مقتضي القاعدة أن يبين الإمام عليه‌السلام بطلانه مطلقاً ولم يفعل (ومن هنا) يقوي في النّظر ان الجواب مبني على التقية فكأن الإمام عليه‌السلام لم يتمكن من إظهار الحق وهو بطلان الحلف بتلك الأمور مطلقاً ولو مع الاختيار فاقتصر على بيان بطلانه في مورد السؤال فقط وهو الإكراه بوسيلة الاستشهاد بالنبوي ليسلم من شر الأعداء لا لأن الإكراه رافع للأثر الوضعي واقعاً والله العالم.

(ثم إن) ها هنا امرين لا بأس بالتنبيه عليهما.

(الأول) انه إذا شك في حكم وضعي مثل ما شك في حكم تكليفي فلا إشكال في رفعه ولو ظاهراً بمثل رفع التكليف عيناً فإذا شك في نجاسة الخمر مثلا بناء على كون النجاسة والطهارة من الأحكام الوضعيّة أو شك في ضمان ما يفوت على الحر

بسبب حسبة ظلماً يرفعها حديث الرفع بلا كلام وذلك لاندراج الحكم الوضعي تحت عموم الموصول فيما لا يعلمون ولو قيل باختصاصه بالحكم المجهول فقط كما ظهر من المصنف.

(نعم) لو قيل بكون المراد منه خصوص الفعل الغير المعلوم لم يندرج فيه الحكم الوضعي كما لا يندرج فيه التكليفي أيضاً (وهذا كله) غير مربوط بالنزاع المعروف من ان المرفوع بالحديث الشريف هل هو جميع الآثار أو الأثر الظاهر أو خصوص المؤاخذة فإن النزاع المذكور انما هو في خصوص الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه وما اضطروا إليه وما لا يطيقون بل والفعل الغير المعلوم لا في غيره كما لا يخفى.

(الثاني) انه إذا بنينا على كون المرفوع بحديث الرفع جميع الآثار فلا إشكال في ان الرفع امتناني ومن خواص هذه الأمة إذ ليس رفعها جميعاً مما استقل به العقل كي لا يكون في رفعها منة وحينئذ فلا ببعد اختصاص رفع الآثار بما إذا لم يكن في رفعها ما ينافي الامتنان (قال الشيخ) أعلى الله مقامه (ما لفظه) واعلم أيضاً انه لو حكمنا بعموم الرفع لجميع الآثار فلا يبعد اختصاصه بما لا يكون في رفعه ما ينافي الامتنان على الأمة كما إذا استلزم إضرارا المسلم فإتلاف المال المحترم نسياناً أو خطأ لا يرتفع معه الضمان وكذلك الإضرار بمسلم لدفع الضرر عن نفسه لا يدخل في عموم ما اضطروا إليه إذ لا امتنان في رفع الأثر عن الفاعل بإضرار الغير فليس الإضرار بالغير نظير ساير المحرمات الإلهية المسوغة بالفتح لدفع الضرر (انتهى) موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه.

(قوله كما ان ما يكون بلحاظه الإسناد إليها مجازاً هو هذا ... إلخ)

قد عرفت فيما نقدم ان الأمر يدور بين تقدير المؤاخذة أو الأثر الظاهر أو جميع الآثار فيكون التجوز في التقدير وبين إسناد الرفع إلى نفس تلك الأمور التسعة مجازاً بلحاظ المؤاخذة أو الأثر الظاهر أو جميع الآثار فيكون التجوز في الإسناد

(فيقول المصنف) لا وجه لتقدير خصوص المؤاخذة بعد وضوح ان المقدر في غير واحد من الفقرات غيرها فلا محيص عن أن يكون المقدر هو الأثر الظاهر أو تمام الآثار أو يكون الإسناد إليها مجازاً بلحاظ الأثر الظاهر أو تمام الآثار.

(قوله ثم لا يذهب عليك ان المرفوع فيما اضطر إليه وغيره مما أخذ بعنوانه الثانوي انما هو الآثار المترتبة عليه بعنوانه الأولى ... إلخ)

(وتوضيحه) انه إذا بنينا على كون المرفوع بحديث الرفع جميع الآثار كما صرح به المصنف بقوله فالخبر دل على رفع كل أثر تكليفي أو وضعي ... إلخ فالمرفوع هي الآثار المترتبة على الفعل بما هو هو وبعنوانه الأولى بحيث كان طرو أحد العناوين الثانوية من الخطأ والنسيان وأخواتهما رافعاً لها لا الآثار المترتبة على نفس تلك العناوين الثانوية كوجوب الكفارة المترتبة على الخطأ في القتل ووجوب سجدتي السهو المترتب على النسيان في بعض أجزاء الصلاة ونحوهما فإن العنوان الثانوي موضوع للآثار المترتبة عليه فكيف يعقل أن يكون هو سبباً لرفعه (وإليه أشار المصنف) بقوله والموضوع للأثر مستدع لوضعه أي لثبوته فكيف يكون موجباً لرفعه ... إلخ.

(قوله لا يقال كيف وإيجاب الاحتياط فيما لا يعلم وإيجاب التحفظ في الخطأ والنسيان يكون أثراً لهذه العناوين بعينها وباقتضاء نفسها ... إلخ)

(حاصل الإشكال) انه ادعيتم أن الآثار المرفوعة بحديث الرفع ليست هي الآثار المترتبة على نفس تلك العناوين الثانوية فإنها موضوعة لها فكيف يعقل أن تكون رافعة لها مع أن إيجاب الاحتياط فيما لا يعلمون وإيجاب التحفظ في الخطأ والنسيان هما من الآثار المترتبة على نفس عنوان ما لا يعلم أو عنوان الخطأ والنسيان فكيف يكونان مرفوعين (وحاصل الجواب) انهما من آثار الواقع المجهول أو الواقع الصادر خطأ أو نسياناً لا من آثار عنوان الجهل أو الخطأ أو النسيان فتفطن.

في الاستدلال بحديث الحجب

(قوله ومنها حديث الحجب ... إلخ)

وهو حديث موثق كما في الفصول مروي في الوسائل في القضاء في باب وجوب التوقف والاحتياط عن زكريا بن يحيى عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال ما حجب الله علمه عن العباد فهو موضوع عنهم.

(قوله وقد انقدح تقريب الاستدلال به مما ذكرنا في حديث الرفع إلى آخره)

فكما قيل في تقريب الاستدلال بحديث الرفع إن الإلزام المجهول مما لا يعلمون فهو مرفوع فعلا أي ظاهراً وان كان ثابتاً واقعاً فكذلك يقال في تقريب الاستدلال بحديث الحجب حرفاً بحرف.

(أقول)

إن المصنف وإن استدل هناك بحديث الرفع للبراءة في كل من الشبهات الحكمية والموضوعية جميعاً (حيث قال) فان ما لا يعلم من التكليف مطلقاً كان في الشبهة الحكمية أو الموضوعية بنفسه قابل للرفع والوضع شرعاً (ولكن الاستدلال) هاهنا بحديث الحجب للبراءة مطلقاً ولو في الشبهات الموضوعية مشكل جداً فإن بيان الأحكام المجهولة في الشبهات الموضوعية كحرمة هذا الخمر أو ذاك الخمر هو كبيان الأفعال الغير المعلومة كالفعل الّذي لا يعلم انه شرب الخمر أو شرب الخل ليس من شأنه تعالى كي إذا لم تعلم هي صدق عليها انها مما حجب الله علمه عن العباد فهو موضوع عنهم (ومن هنا يظهر) ان المراد من الموصول هاهنا هو خصوص الحكم المجهول الّذي من شأنه تعالى بيانه كحرمة شرب التتن أو وجوب الدعاء عند رؤية الهلال ونحوهما (وعليه) فلا يستدل بالحديث الشريف الا للشبهات الحكمية فقط دون الموضوعية.

(قوله إلّا انه ربما يشكل بمنع ظهوره في وضع ما لا يعلم من التكليف بدعوى ظهوره في خصوص ما تعلقت عنايته تعالى بمنع اطلاع العباد عليه لعدم أمر رسله بتبليغه ... إلخ)

هذا الإشكال من الشيخ أعلى الله مقامه (قال) بعد ذكر الاستدلال بالحديث الشريف (ما لفظه) وفيه ان الظاهر مما حجب الله علمه ما لم يبينه للعباد لا ما بينه واختفى عليهم من معصية من عصى الله في كتمان الحق أو ستره فالرواية مساوقة لما ورد عن مولانا أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه ان الله حدد حدوداً فلا تعتدوها وفرض فرائض فلا تعصوها وسكت عن أشياء لم يسكت عنها نسياناً لها فلا تتكلفوها رحمة من الله لكم (انتهى).

(أقول)

ويظهر من المصنف التسليم لهذا الإشكال حيث سكت عنه ولم يذكر في تضعيفه شيء بل يظهر منه التأييد بقوله حيث انه بدونه لما صح إسناد الحجب إليه تعالى إلى آخره مع ان الإشكال ضعيف غير وارد فإن الحجب كما انه صادق مع عدم بيانه تعالى من أصله فكذلك صادق مع بيانه للعباد واختفائه عليهم بالعرض فإن التكليف في الثاني وإن كان مما بينه تعالى لهم ولكن حيث انه اختفى عليهم وأمكنه سبحانه أن يظهره لهم ثانياً بأسباب خاصة ولم يفعل صدق انه مما حجب الله علمه عن العباد فهو موضوع عنهم.

في الاستدلال بحديث الحل

(قوله ومنها قوله عليه‌السلام كل شيء لك حلال حتى تعرف انه حرام بعينه الحديث حيث دل على حلية ما لم يعلم حرمته مطلقاً ولو كان من جهة عدم الدليل على حرمته ... إلخ)

(قد رواه في الوسائل) في التجارة في باب عدم جواز الإنفاق من الكسب الحرام مسنداً عن مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال سمعته يقول كل شيء هو لك حلال حتى تعلم انه حرام بعينه فتدعه من قبل نفسك وذلك مثل الثوب يكون عليك قد اشتريته وهو سرقة والمملوك عندك لعله حر قد باع نفسه أو خدع فبيع قهراً أو امرأة تحتك وهي أختك أو رضيعتك والأشياء كلها على هذا حتى يستبين لك غير ذلك أو تقوم به البينة (وقد ذكره الشيخ) أعلى الله مقامه في الشبهة التحريمية الموضوعية ولفظه كل شيء لكل حلال ... إلخ بإسقاط كلمة هو كما فعل المصنف بل المصنف مضافاً إلى الإسقاط المذكور بدّل قوله عليه‌السلام حتى تعلم حتى تعرف والصحيح ما ذكرناه (ودعوى) ان ما ذكره المصنف لعله رواية أخرى غير رواية مسعدة (غير مسموعة) فان روايات الحل التي ليس فيها تعبير بفيه حلال وحرام منحصرة بحديثين.

(أحدهما) ما ذكر.

(وثانيهما) ما رواه في الوسائل في الأطعمة في باب جواز أكل الجبن ونحوه مما فيه حلال وحرام مسنداً عن عبد الله بن سليمان عن أبي عبد الله عليه‌السلام في الجبن قال كل شيء لك حلال حتى يجيئك شاهدان يشهدان أن فيه ميتة وحيث ان ما ذكره المصنف ليس هو الثاني فيتعين انه هو الأول (وعلى كل حال) يستدل المصنف بهذه الرواية لأصالة البراءة في الشبهة التحريمية مطلقاً سواء كانت

موضوعية قد نشأ الشك فيها من اشتباه الأمور الخارجية أو كانت حكمية قد نشأ الشك فيها من عدم الدليل أو غيره (وقد أشار إلى ذلك) بقوله حيث دل على حلية ما لم يعلم حرمته مطلقاً ولو كان من جهة عدم الدليل على حرمته.

(أقول)

إن قوله عليه‌السلام كل شيء هو لك حلال حتى تعلم انه حرام وإن كان وزانه وزان قوله عليه‌السلام كل شيء نظيف حتى تعلم انه قذر فلا يأبى عن الشمول لكل من الشبهة الحكمية والموضوعية جميعاً (ولكن الضمير) في انه حرام حيث أكده الإمام عليه‌السلام بكلمة بعينه فهو مما لا يخلو عن اشعار بل عن ظهور في الشيء الخارجي المعلوم على التفصيل فتنحصر الرواية إذاً بالشبهة الموضوعية فقط (مضافاً) إلى أن الأمثلة المذكورة في ذيلها هي مما يؤيد بل تشهد باختصاصها بالشبهة الموضوعية فقط (ومن هنا قال في الوسائل) بعد ذكر الحديث الشريف (ما لفظه) هذا مخصوص بما يشتبه فيه موضوع الحكم ومتعلقه كما مثل به في هذا الحديث وغيره بقرينة الأمثلة وذكر البينة والتصريحات الآتية لا نفس الحكم الشرعي كالتحريم (انتهى) (بل ولعل من هنا) لم يذكره الشيخ أيضاً في الشبهة التحريمية الحكمية ولم يستدل به فيها بل ذكره في الشبهة التحريمية الموضوعية فقط.

(نعم قد ذكر الشيخ) أعلى الله مقامه في الشبهة التحريمية الحكمية الاستدلال بقوله عليه‌السلام كل شيء فيه حلال وحرام فهو لك حلال حتى تعرف الحرام منه بعينه فتدعه أخذاً من الشهيد في الذكرى (قال) ويستدل على المطلب أخذاً من الشهيد في الذكرى بقوله عليه‌السلام كل شيء فيه حلال وحرام فهو لك حلال حتى تعرف الحرام منه بعينه فتدعه (انتهى).

(أقول)

إن روايات الحل التي فيها تعبير بفيه حلال وحرام حسب ما ظفرت عليه في كتب الأخبار أربعة.

(الأولى) ما رواه في الوسائل في الأطعمة في باب حكم السمن والجبن وغيرهما إذا خلطه حرام وفي التجارة في باب عدم جواز الإنفاق من الكسب الحرام بسند صحيح عن عبد الله سنان قال قال أبو عبد الله عليه‌السلام كل شيء يكون فيه حرام وحلال فهو لك حلال أبداً حتى تعرف الحرام منه فتدعه.

(الثانية) ما رواه في الوسائل في الأطعمة أيضاً في باب جواز أكل الجبن ونحوه مما فيه حلال وحرام مسنداً عن عبد الله بن سليمان قال سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن الجبن (وساق الحديث إلى أن قال) فقال أي الإمام عليه‌السلام وسأخبرك عن الجبن وغيره كل ما كان فيه حلال وحرام فهو لك حلال حتى تعرف الحرام بعينه فتدعه.

(الثالثة) ما رواه في الوسائل في الأطعمة في الباب المذكور أيضاً مسنداً عن رجل من أصحابنا قال كنت عند أبي جعفر عليه‌السلام فسأله رجل عن الجبن فقال أبو جعفر عليه‌السلام انه لطعام يعجبني وسأخبرك عن الجبن وغيره كل شيء فيه الحلال والحرام فهو لك حلال حتى تعرف الحرام فتدعه بعينه.

(الرابعة) ما ذكره في المستدرك في التجارة أيضاً في باب عدم جواز الإنفاق من الكسب الحرام عن الشيخ الطوسي في أماليه مسنداً عن الحسين بن أبي غندر عن أبيه عن أبي عبد الله عليه‌السلام انه قال وكل شيء فيه حلال وحرام فهو لك حلال أبداً حتى تعرف الحرام منه فتدعه.

(وتقريب الاستدلال بها) على نحو تشمل الشبهات الحكمية والموضوعية جميعاً على قسمين.

(الأول) ما حكاه الشيخ أعلى الله مقامه عن شرح الوافية (وملخصه) ان ما اشتبه حكمه وكان محتملا لأن يكون حلالا ولأن يكون حراماً فهو لك حلال (وبعبارة أخرى) كل شيء صح ان تجعله مقسماً لحكمين فتقول هو إما حلال وأما حرام فهو لك حلال فالرواية صادقة على مثل اللحم المشتري من السوق المحتمل

للمذكى والميتة وعلى شرب التتن وعلى لحم الحمير إن شككنا فيه ولم نقل بوضوحه (وقد أورد عليه الشيخ) أعلى الله مقامه بما ملخصه ان الظاهر من قوله عليه‌السلام فيه حرام وحلال هو وجود القسمين فيه فعلا لا ان فيه احتمالهما (وعليه) فلا تنفع الرواية الا للشبهة الموضوعية فقط فلحم الغنم مثلا الّذي فيه حلال وهو المذكى وفيه حرام وهو الميتة هو لك حلال حتى تعرف انه الحرام بعينه أي الميتة فتدعه ولا يكاد ننتفع بها في الشبهة الحكمية كالشك في حلية لحم الحمير أصلا.

(أقول)

وهو رد متين لا يتعدى عنه.

(الثاني) من تقريب الاستدلال ما حكاه الشيخ أيضاً عن بعض معاصريه من انا نفرض شيئاً له قسمان حلال وحرام واشتبه قسم ثالث منه كما في اللحم فانه شيء فيه حلال وهو لحم الغنم وفيه حرام وهو لحم الخنزير فهذا اللحم الكلي هو لك حلال حتى تعرف الحرام منه وهو لحم الخنزير فتدعه (وعليه) فيندرج لحم الحمير المشتبه تحت عموم الحل كما لا يخفى (وقد أورد عليه الشيخ) أعلى الله مقامه بما حاصله ان الظاهر من القيد المذكور في الحديث الشريف وهو كلمة فيه حلال وحرام انه المنشأ للاشتباه في المشتبه وانه الموجب للشك فيه فيحكم بحليته ظاهراً وهذا مما لا ينطبق على ما إذا علم ان في اللحم مثلا حلال كلحم الغنم وحرام كلحم الخنزير ومشتبه كلحم الحمير فإن وجود الغنم والخنزير في اللحم مما لا مدخل له في الشك في حلية لحم الحمير أصلا ولا في الحكم بحليته ظاهراً أبداً وهذا بخلاف ما إذا شك في اللحم المردد بين لحم الغنم والخنزير بنحو الشبهة الموضوعية فيكون وجود القسمين في اللحم هو المنشأ للشك فيه والموجب للحكم بحليته ظاهراً وهذا واضح.

(أقول)

وهذا رد متين أيضاً لا يتعدى عنه فيكون خلاصة الكلام في المقام ان روايات الحل التي فيها تعبير بفيه حلال وحرام مما لا تلائم الشبهات الحكمية أصلا بل تلائم الشبهات

الموضوعية فقط سيما بقرينة ورود روايتين منها في الجبن الّذي قد علم ان في بعضه ميتة

(نعم) هي صادقة على موردين (على الكلي) الّذي فيه حلال وحرام واشتبه فرد منه بنحو الشبهة الموضوعية بين الحلال والحرام ككلي الجبن الّذي فيه حرام وهو ما فيه الميتة وفيه حلال وهو ما ليس فيه الميتة وفرد مردد بين ما فيه الميتة وبين ما ليس فيه الميتة أو اللحم الّذي فيه حلال وهو لحم الغنم وفيه حرام وهو لحم الخنزير وفرد مردد بين لحم الغنم ولحم الخنزير وهكذا (وعلى الأمر الخارجي) الّذي فيه حلال وحرام جميعاً كالقطيع من الغنم الّذي يعلم إجمالا ان فيه موطوء وغير موطوء أو الأواني التي يعلم إجمالا أن فيها نجس وطاهر أو غصب ومباح وهكذا (ومن هنا يظهر) أن هذه الروايات بظاهرها قابلة للشمول لأطراف العلم الإجمالي نظراً إلى كونها مغياة بالعلم التفصيليّ بمقتضى ظهور لفظة بعينه وانها تأكيد للمعرفة كما سيأتي اعتراف الشيخ به (ومن المعلوم) ان العلم التفصيليّ مفقود في أطراف العلم الإجمالي فلا يبقى مانع عن الشمول لها بتمامها وسيأتي تحقيق الكلام فيه في صدر بحث الاشتغال إن شاء الله تعالى وان هذا الظهور غير معمول به عند الأصحاب فلا يمكن الأخذ به فتأمل جيداً.

(بقي شيء) وهو انه يظهر من الشيخ أعلى الله مقامه مناقشة في الأمثلة المذكورة في ذيل رواية مسعدة بن صدقة المتقدمة من حيث ان الحل الموجود فيها ليس مستنداً إلى أصالة الحلية بل إلى أمور أخر (والظاهر) ان المناقشة بمحلها غير انها مما لا يضر بالاستدلال بصدر الحديث كما صرح به بنفسه (قال) أعلى الله مقامه (ما لفظه) ولا إشكال في ظهور صدرها في المدعي إلّا أن الأمثلة المذكورة فيها ليس الحل فيها مستنداً إلى أصالة الحلية فإن الثوب والعبد إن لوحظا باعتبار اليد عليهما حكم بحل التصرف فيهما لأجل اليد وإن لوحظا مع قطع النّظر عن اليد كان الأصل فيهما حرمة التصرف لأصالة بقاء الثوب على ملك الغير وأصالة الحرية في الإنسان المشكوك في رقيته وكذا الزوجة إن لوحظ فيها أصل عدم تحقق النسب

أو الرضاع فالحلية مستندة إليه وإن قطع النّظر عن هذا الأصل فالأصل عدم تأثير العقد فيها فيحرم وطيها (قال) وبالجملة فهذه الأمثلة الثلاثة بملاحظة الأصل الأولى محكومة بالحرمة والحكم بحليتها انما هو من حيث الأصل الموضوعي الثانوي فالحل غير مستند إلى أصالة الإباحة في شيء منها هذا ولكن في الاخبار المتقدمة يعني بها الاخبار التي استدل بها للبراءة بل في جميع الأدلة من الكتاب والعقل كفاية مع ان صدرها وذيلها ظاهر ان في المدعي (انتهى) والظاهر ان المراد من ذيلها هو قوله عليه‌السلام والأشياء كلها على هذا حتى يستبين لك غير ذلك أو تقوم به البينة.

(قوله وبعدم الفصل قطعاً بين إباحته وعدم وجوب الاحتياط فيه وبين عدم وجوب الاحتياط في الشبهة الوجوبية يتم المطلوب ... إلخ)

(توضيح المقام) انه لما دل الحديث الشريف وهو قوله عليه‌السلام كل شيء هو لك حلال حتى تعلم أنه حرام بعينه على حلية ما لم يعلم حرمته مطلقاً في نظر المصنف حتى في الشبهات الحكمية أراد الاستدلال به في الشبهات الوجوبية أيضاً بضميمة عدم القول بالفصل فإن الأمة بين من يقول بالاحتياط في الشبهات التحريمية الحكمية فقط وهم الأخباريون وبين من يقول بالبراءة فيها وفي الشبهات الوجوبية جميعاً وهم المجتهدون فالقول بالبراءة في التحريمية فقط دون الوجوبية قول ثالث ينفيه عدم القول بالفصل والإجماع المركب.

(قوله مع إمكان أن يقال ترك ما احتمل وجوبه مما لم يعرف حرمته فهو حلال تأمل ... إلخ)

هذا استدلال بنفس الحديث الشريف للبراءة مطلقاً حتى في الشبهات الوجوبية من غير حاجة إلى التشبث بعدم القول بالفصل أصلا (ومحصله) ان ترك الواجب حرام فإذا شك مثلا في وجوب الدعاء عند رؤية الهلال فقد شك في حرمة تركه فيكون حلالا بالحديث الشريف (وفيه) ان المنصرف من الحرام هو الأمر

الوجوديّ الّذي تعلق الطلب بتركه كالكذب والغيبة ونحوهما لا الأمر العدمي الّذي تعلق الطلب بتركه كترك الصلاة وترك الزكاة ونحوهما (وعليه) فالظاهر من الحديث الشريف ليس إلا حلية الوجوديّ الّذي شك في تعلق الطلب بتركه كشرب التتن أو شرب المائع الخارجي المحتمل كونه خمراً ونحوهما لا العدمي الّذي شك في تعلق الطلب بتركه كترك الدعاء عند رؤية الهلال ونحوه (ولعله) إليه أشار أخيراً بقوله تأمل (فتأمل جيداً).

في الاستدلال بحديث السعة

(قوله ومنها قوله عليه‌السلام الناس في سعة ما لا يعلمون فهم في سعة ما لم يعلم أو ما دام لم يعلم وجوبه أو حرمته ... إلخ)

(قال الشيخ) أعلى الله مقامه ومنها أي ومن السنة قوله عليه‌السلام الناس في سعة ما لا يعلمون فان كلمة ما إما موصولة أضيف إليه السعة وإما مصدرية ظرفية وعلى التقديرين يثبت المطلوب (انتهى) وإلى هذا الترديد قد أشار المصنف بقوله فهم في سعة ما لم يعلم أو ما دام لم يعلم ... إلخ (وعلى كل حال ان كانت) كلمة ما موصولة قد أضيف إليها السعة بلا تنوين فحالها حال الموصول فيما لا يعلمون في حديث الرفع فيستدل بها لأصل البراءة في المسائل الأربع جميعاً من الشبهات الحكمية والموضوعية التحريمية منهما والوجوبية (وان كانت) مصدرية ظرفية بمعنى ما دام فهي دالة على المطلوب أيضاً يستدل بها للبراءة في المسائل الأربع جميعاً (وقد ذكر المحقق القمي) الحديث الشريف بنحو آخر لا تكون كلمة ما فيه الا موصولة (ولفظه) الناس في سعة مما لم يعلموا (ثم إن) هذا الحديث محكي عن بعض كتب العامة (وذكر في الوسائل) في كتاب الطهارة في باب طهارة ما يشتري من مسلم ومن سوق المسلمين حديثاً مسنداً عن السكوني عن أبي عبد الله عليه‌السلام

يقرب من هذا الحديث لكن لا يبعد اختصاصه بالشبهات الموضوعية فقط بقرينة المورد (ولفظه) إن أمير المؤمنين عليه‌السلام سأل عن سفرة وجدت في الطريق مطروحة يكثر لحمها وخبزها وجبنها وبيضها وفيها سكين فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام يقوّم ما فيها ثم يؤكل لأنه يفسد وليس له بقاء فإذا جاء طالبها غرموا له الثمن قيل يا أمير المؤمنين لا يدري سفرة مسلم أم سفرة مجوسي فقال هم في سعة حتى يعلموا

(قوله ومن الواضح انه لو كان الاحتياط واجباً لما كانوا في سعة أصلا فيعارض به ما دل على وجوبه كما لا يخفى ... إلخ)

رد على ما أفاده الشيخ أعلى الله مقامه فإنه بعد أن ذكر الحديث الشريف وذكر تقريب الاستدلال به بالعبارة المتقدمة (قال ما لفظه) وفيه ما تقدم في الآيات من ان الأخباريين لا ينكرون عدم وجوب الاحتياط على من لم يعلم بوجوب الاحتياط من العقل والنقل بعد التأمل والتتبع (انتهى) (ومحصله) بملاحظة ما تقدم منه في الآيات الشريفة ان الحديث الشريف مما لا يعارض دليل الاحتياط فإنه بالنسبة إليه كالأصل بالنسبة إلى الدليل الاجتهادي ينتفي به موضوعه وهو اللابيان فاللازم على منكر الاحتياط رد دليل الاحتياط أو معارضته بما دل على الرخصة.

(قوله لا يقال قد علم به وجوب الاحتياط ... إلخ)

أي قد علم وجوب الاحتياط بما دل على الاحتياط وهو إشارة إلى ما في نظر الشيخ في وجه عدم معارضة الحديث الشريف مع دليل الاحتياط من كونه بالنسبة إليه كالأصل بالنسبة إلى الدليل الاجتهادي يرتفع به موضوعه وهو عدم العلم (فيقول) في جوابه ما محصله إن الحديث الشريف مما يثبت السعة ما لم يعلم الواقع المجهول من الوجوب أو الحرمة ودليل الاحتياط مما يثبت الضيق مع كون الواقع مجهولا غير معلوم فيتعارضان الدليلان.

(نعم لو كان) وجوب الاحتياط نفيساً لا طريقياً شرّع لأجل حفظ الواقعيات لم يكن بينهما تعارض بل كان مما ينتفي به موضوعه فانه شيء قد علم به

المكلف فليس في سعة منه وان كان في سعة من الواقع المجهول لكن قد عرفت قبلا ان وجوب الاحتياط على القول به طريقي شرّع لأجل حفظ الواقعيات المجهولة فهو مما يثبت الضيق لأجل الواقع المجهول والحديث الشريف مما يثبت السعة من ناحية الواقع المجهول فيتنافيان.

(أقول)

وفي جواب المصنف ضعف كما لا يخفى فان الحديث الشريف ودليل الاحتياط وإن كانا يتعارضان من حيث ان أحدهما يثبت السعة من ناحية الواقع المجهول والآخر يثبت الضيق من ناحيته فليس الحديث الشريف بالنسبة إلى دليل الاحتياط كالأصل بالنسبة إلى الدليل الاجتهادي بحيث ينتفي به موضوعه (ولكن) الثاني حيث انه أخص من الأول لاختصاصه بالشبهات التحريمية الحكمية فقط فيقدم على الأول إذا تم وسلم مما أورد عليه ويختص الأول بالشبهات الوجوبية فقط بل بالوجوبية والتحريمية الموضوعية جميعاً (وعليه) فالحق في الجواب عن الشيخ أعلى الله مقامه كما تقدم منا قبلا أن يقال إن الآيات الشريفة وهكذا الأحاديث الشريفة الا مرسلة الفقيه وهي ما سيأتي من قوله عليه‌السلام كل شيء مطلق حتى يرد فيه نهي وإن لم تعارض دليل الاحتياط لم تم وسلم ولو لأخصيته منها لا لحكومته أو وروده عليها فاللازم على منكر الاحتياط رد دليل الاحتياط أو معارضته بما دل على الرخصة (ولكن) مجرد رده ودفع المانع وإبطاله مما لا يكفي لمدعي البراءة فإنا بعد رده نحتاج لا محالة إلى أدلة نستند إليها وبراهين نعتمد عليها فنحن الآن بصدد تلك الأدلة والبراهين ثم نجيب بعداً عن دليل الاحتياط كما هو حقه إن شاء الله تعالى

(قوله فافهم ... إلخ)

ولعله إشارة إلى ضعف جوابه كما أشير آنفاً فلا تغفل.

في الاستدلال بحديث كل شيء مطلق

(قوله ومنها قوله عليه‌السلام كل شيء مطلق حتى يرد فيه نهى ... إلخ)

(قد رواه في الوسائل) في القضاء في باب وجوب التوقف والاحتياط في القضاء والفتوى عن الصدوق مرسلا عن الصادق عليه‌السلام كل شيء مطلق حتى يرد فيه نهي (قال الشيخ) أعلى الله مقامه بعد ذكر الحديث الشريف (ما لفظه) استدل به الصدوق قدس‌سره على جواز القنوت بالفارسية واستند إليه في أماليه حيث جعل إباحة الأشياء حتى يثبت الحظر من دين الإمامية (انتهى) (وقال المحقق القمي) قدس‌سره (ما لفظه) ورواه الشيخ رحمه‌الله يعني به الطوسي وفي روايته امر أو نهي (انتهى).

(أقول)

وحكى عن البحار انه نقله عن الأمالي مسنداً عن أبي غندر عن أبيه عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال الأشياء مطلقة ما لم يرد عليك أمر ونهي (الحديث).

(قوله ودلالته تتوقف على عدم صدق الورود الا بعد العلم أو ما بحكمه بالنهي عنه وإن صدر عن الشارع ووصل إلى غير واحد مع انه ممنوع إلى آخره)

(ولكن يظهر من الشيخ) تسليم دلالته (بل قال) ودلالته على المطلب أوضح من الكل (إلى ان قال) فإن تم ما سيأتي من أدلة الاحتياط دلالة وسنداً وجب ملاحظة التعارض بينها وبين هذه الرواية (انتهى).

(أقول)

إن اعتمدنا في الحديث الشريف على رواية الصدوق أو الطوسي رضوان الله عليهما كل شيء مطلق حتى يرد فيه نهي أو حتى يرد فيه أمر أو نهي (فالحق مع المصنف)

من منع دلالته على المطلوب وذلك لوضوح صدق الورود على الصدور من الشارع وإن اختفى علينا لبعض الأسباب والدواعي ومن الواضح المعلوم أنا نحتمل الصدور في كل شبهة حكمية فلا يمكننا التمسك فيها بالحديث الشريف فإنه من التمسك بالدليل في الشبهة المصداقية (وعليه) فالحديث أجنبي عن البراءة ويكون من أدلة ما اشتهر على الألسن ونسبه الصدوق رحمه‌الله إلى دين الإمامية من أن الأصل في الأشياء هو الإباحة إلى أن يرد فيه النهي لا الحظر أو الوقف إلى أن يرد فيه الرخصة (وإن اعتمدنا) في الحديث الشريف على ما حكى عن البحار عن الأمالي الأشياء مطلقة ما لم يرد عليك أمر ونهي (فالحق مع الشيخ) ويكون الحديث الشريف من أدلة المطلوب فإن الإطلاق فيه مغيا بالورود على المكلف فما لم يصل إليه امر أو نهي لم يصدق الورود عليه (بل يظهر من الحديث) انه لا يجب الفحص عليه في الشبهات الحكمية فيكون الإطلاق ثابتاً إلى أن يصل الحكم إليه بنفسه ولكن لا بد من تقييده بما سيأتي من أدلة الفحص كما ستعرف (هذا وإن شئت التوضيح) بنحو أبسط فنقول إن لنا نزاعين ممتازين كل منهما عن الآخر.

(أحدهما) أن الأصل في الأفعال الغير الضرورية التي لا يدرك العقل حسنها ولا قبحها هل هو الإباحة إلى أن يرد من الشرع الحظر أو الأصل فيها الحظر ولا أقل من الوقف إلى أن يرد فيه الرخصة وهذا هو النزاع المعروف بين القدماء المشتهر بالإباحة والحظر (وقد عرفت) ان الصدوق رحمه‌الله قد اختار الأول بل جعله من دين الإمامية (ويظهر من الشيخ) في ذيل بيان الدليل العقلي على الاحتياط أن القول بالحظر منسوب إلى طائفة من الإمامية وان الوقف قد ذهب إليه الشيخان أي المفيد والطوسي وان الطوسي رضوان الله عليه قد احتج في العدة على الوقف بكون الإقدام على ما لا يؤمن من المفسدة فيه كالإقدام على ما يعلم فيه المفسدة (كما انه يظهر من الفصول) أن القائلين بالحظر يحتجون بأن فعل ما لم يرد فيه رخصة تصرف في ملك الغير بغير إذنه فيحرم.

(ثانيهما) أن الأصل في الأفعال عند الشك في حرمتها واحتمال ورود النهي فيها وعدم وصوله إلينا هل هو حليتها ظاهراً إلى أن يثبت الحرمة أم لا بل الأصل في ظرف الشك هو الاحتياط إلى أن يثبت الحل وهذا هو النزاع المعروف بين المجتهدين والأخباريين (والفرق بين النزاعين) أن مجري الأول هو ما علم بعدم ورود النهي عنه ومجري الثاني هو ما احتمل ورود النهي عنه ثبوتاً وانه اختفى علينا ولم يصل إلينا (ففي المقام) إن اعتمدنا في الحديث الشريف على رواية الصدوق أو الطوسي فهو نافع للنزاع الأول ويكون هو دليلا اجتهادياً كالدليل على المباحات ويكون مدركاً لكون الأصل في الأشياء هو الإطلاق حتى يرد فيه نهي وليس هو أصلاً عملياً مضروباً لظرف الشك أبداً (وإن اعتمدنا) في الحديث الشريف على رواية الأمالي فهو نافع للنزاع الثاني ويكون مدركاً للبراءة الشرعية الجارية في ظرف الشك أي لإباحة الشيء وإطلاقه ظاهراً مع احتمال ورود النهي فيه واقعاً.

(قوله لا يقال نعم ولكن بضميمة أصالة العدم صح الاستدلال به وتم ... إلخ)

(وحاصل الإشكال) انه نعم يصدق الورود على صدور النهي عن الشارع وإن اختفي علينا لبعض الأسباب والدواعي ولكن الأصل عدم صدوره فإنه مسبوق بالعدم فيستصحب عدمه فيتم الاستدلال بضميمة الأصل (وحاصل الجواب) ان الاستدلال حينئذ وان كان يتم بضميمة الأصل ويحكم بإباحة ما شك في حرمته لكن لا بعنوان انه مشكوك الحرمة ومحتمل النهي بل بعنوان انه مما لم يرد فيه نهي (وبعبارة أخرى) ان مفاد الأدلة المتقدمة التي استدل بها للبراءة هو الحكم بحلية المشكوك ظاهراً مع احتمال حرمته وورود النهي عنه واقعاً ومفاد هذا الحديث الشريف بضميمة الأصل هو أن المشكوك حرمته مما لم يرد فيه نهي واقعاً فهو مطلق حلال من هذه الجهة لا من جهة انه مشكوك الحرمة يحتمل ورود النهي عنه واقعاً

(أقول)

والحق في الجواب أن يقال ان الحديث الشريف كما تقدم آنفاً على رواية الصدوق أو الطوسي رضوان الله عليهما انما هو من أدلة كون الأصل في الأشياء هو الإباحة حتى يرد فيه نهي غايته انه إن علم أن الشيء مما لم يرد فيه نهي فيتمسك حينئذ بالحديث الشريف لإثبات إطلاقه بلا حاجة إلى شيء آخر أصلا وإن شك في ورود النهي فيه فبأصالة عدم ورود النهي فيه يحرز الصغرى ثم يحكم عليه بالإطلاق والإباحة (وعليه) فالحديث الشريف على كل حال انما هو من أدلة كون الأصل في الأشياء هو الإباحة حتى يرد فيه نهي إما بنفسه أو بضميمة الأصل وليس هو مربوطاً بمسألة البراءة أصلا وان كان لا يتفاوت الأمر لدى النتيجة فيما يهمنا في المقام من الحكم بالإباحة لدى الشك في الحرمة كما سيأتي في لا يقال الثاني غايته ان دليل البراءة هو يحكم في المشكوك بالإباحة مع احتمال ورود النهي فيه وهذا الحديث الشريف بضميمة الأصل يزيل الشك والاحتمال أو لا ثم يحكم عليه بالإباحة.

(قوله لا يقال نعم ولكن لا يتفاوت فيما هو المهم من الحكم بالإباحة كان بهذا العنوان أو بذاك العنوان ... إلخ)

(حاصل الإشكال) انه نعم ان مفاد الحديث الشريف بضميمة أصالة العدم هو الحكم بإباحة مجهول الحرمة إلّا انه لا بعنوان انه مجهول الحرمة بل بعنوان انه مما لم يرد فيه نهي ولكن لا يتفاوت ذلك فيما هو المهم في المقام من الحكم بإباحة مجهول الحرمة سواء كان بهذا العنوان أو بذاك العنوان (وحاصل الجواب) انه لو كان الحكم بإباحة مجهول الحرمة بالعنوان الثاني أي بعنوان انه مما لم يرد فيه نهي لاختص ذلك بما إذا لم يعلم ورود النهي فيه فيستصحب عدم الورود أولا ثم يحكم عليه بالإطلاق واما إذا علم إجمالا بورود النهي فيه في زمان وبورود الإباحة فيه في زمان آخر واشتبه السابق باللاحق فلا يكاد يتم الاستدلال حينئذ إذ لا يستصحب العدم لينضم إلى الحديث الشريف ويتم الأمر ويثبت المطلوب كما لا يخفى وهذا بخلاف ما إذا كان الحكم بإباحته بعنوان انه مجهول

الحرمة فيجري الأصل حينئذ حتى في مثل الفرض لأنه مجهول الحرمة ولو مع العلم الإجمالي المذكور فيحكم بحليته ظاهراً إلى أن يعلم الخلاف.

(أقول)

ويرد على هذا الجواب أن التفاوت المذكور (مضافاً) إلى انه مما لا يهم إذ لا يكون إلّا في موارد يسيرة لو سلم أصل الفرض وتحققه في الخارج (ان الفرق) يرتفع بوسيلة عدم الفصل بين افراد ما اشتبهت حرمته كما سيأتي في لا يقال الثالث (واما ما أجاب به) المصنف عن عدم الفصل فهو مخدوش كما ستعرف.

(قوله لا يقال هذا لو لا عدم الفصل بين افراد ما اشتبهت حرمته إلى آخره ... إلخ)

(وحاصل الإشكال) ان اختصاص الحكم بإباحة مجهول الحرمة بما إذا لم يعلم ورود النهي فيه انما يكون لو لا عدم الفصل بين أفراد ما اشتبهت حرمته فإن الأمة بين من يقول بالاحتياط في الشبهات التحريمية جميعاً وهم الأخباريون وبين من يقول بالبراءة فيها جميعاً وهم المجتهدون فالقول بالإباحة في خصوص ما إذا لم يعلم ورود النهي فيه دون ما إذا علم إجمالا بورود النهي فيه في زمان والإباحة في زمان آخر واشتبه السابق باللاحق قول ثالث ينفيه عدم القول بالفصل (وحاصل الجواب) ان عدم القول بالفصل انما يجدي إذا كان المثبت للحكم بالإباحة فيما لم يعلم ورود النهي فيه هو الدليل الاجتهادي واما إذا كان المثبت له هو الأصل العملي كما هو المفروض فلا يكاد يجدي فان الأصل مما لا يمكنه إثبات اللازم وهو الإباحة في الفرد الآخر الّذي علم إجمالا بورود النهي فيه في زمان والإباحة في زمان آخر (وفيه) ان مثبت الإباحة فيما لم يعلم ورود النهي فيه ليس هو الأصل كي يعجز عن إثباتها فيما علم بل الأصل ينقح الموضوع وانه مما لم يرد فيه نهي فيشمله كل شيء مطلق حتى يرد فيه نهي وهو دليل اجتهادي بناء على كون الورود فيه هو الصدور

كما تقدم من المصنف لا الوصول إلى المكلف ولعله إليه أشار المصنف أخيراً بقوله فافهم.

(ثم إن هاهنا) أخبار أخر قد استدل بها للبراءة على ما ذكره الشيخ أعلى الله مقامه فلا بأس بالإشارة إليها واحداً بعد واحد (فنقول).

في الاستدلال بحديث المعرفة

(منها) رواية عبد الأعلى رواها في الوافي في كتاب العقل والعلم والتوحيد في باب البيان والتعريف ولزوم الحجة قال سألت أبا عبد الله عليه‌السلام من لم يعرف شيئاً هل عليه شيء قال لا (وفيه ما لا يخفى) إذ الاستدلال به مما يبتني على كون المراد من قوله شيئاً شيئاً خاصاً مثل حرمة شرب التتن أو وجوب الدعاء عند رؤية الهلال ونحوهما لا شيئاً بنحو العموم كما هو الظاهر بمقتضى وقوع النكرة في سياق النفي أي سألته عمن لم يعرف شيئاً أصلا فيحمل على السؤال عن القاصر الّذي لا يعلم شيئاً بقرينة قوله عليه‌السلام (لا) فيكون أجنبياً عن المقام جداً (قال في الفصول) بعد ذكر الحديث الشريف (ما لفظه) نعم انما يتم الاحتجاج بالرواية الأخيرة يعني بها رواية عبد الأعلى إذا حملت على السلب الجزئي (انتهى) (وقال الشيخ) أعلى الله مقامه بعد ذكر الحديث الشريف (ما لفظه) بناء على ان المراد بالشيء الأول فرد معين مفروض في الخارج حتى لا يفيد العموم في النفي فيكون المراد هل عليه شيء في خصوص ذلك الشيء المجهول واما بناء على إرادة العموم فظاهره السؤال عن القاصر الّذي لا يدرك شيئاً (انتهى).

في الاستدلال بحديث الجهالة

(ومنها) قوله عليه‌السلام أيّ رجل ركب أمراً بجهالة فلا شيء ـ عليه ذكره في الوسائل في الباب الثلاثين من خلل الصلاة في حديث عن عبد الصمد بن بشير عن أبي عبد الله عليه‌السلام (وفي الاستدلال به ما لا يخفى) أيضاً فإنه مما يبتني على كون المراد بالجهالة ما يقابل العلم وهو غير معلوم إذ من المحتمل أن يكون المراد منها هي السفاهة وفعل ما لا ينبغي صدوره عن عاقل (كما في قوله تعالى) إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب فأولئك يتوب الله عليهم (أو قوله تعالى) كتب ربكم على نفسه الرحمة انه من عمل منكم سوء بجهالة ثم تاب من بعده وأصلح فانه غفور رحيم إلى غير ذلك (وقد تقدم) في آية النبأ ما ذكره الطبرسي رحمه‌الله في تفسير الآية الأولى عن أبي عبد الله عليه‌السلام من انه قال كل ذنب عمله العبد وان كان عالماً فهو جاهل حين خاطر بنفسه في معصية ربه فقد حكى الله تعالى قول يوسف لإخوته هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه إذ أنتم جاهلون فنسبهم إلى الجهل لمخاطرتهم بأنفسهم في معصية الله (انتهى) (هذا) ولكن الّذي يؤيد الاستدلال بهذا الحديث الشريف للبراءة بل يصححه انه قد رواه الوسائل ثانياً في الباب الثامن من أبواب بقية كفارات الإحرام بنحو أبسط عن أبي عبد الله عليه‌السلام انه قال لرجل أعجمي أحرم في قميصه أخرجه من رأسك فإنه ليس عليك بدنة وليس عليك الحج من قابل أيّ رجل ركب أمراً بجهالة فلا شيء عليه (الحديث) إذ من المعلوم ان المراد من الجهالة على هذا ليس إلّا ما يقابل العلم لا السفاهة وفعل ما لا ينبغي صدوره عن عاقل.

في الاستدلال بحديث الاحتجاج

(ومنها) رواية ابن الطيار عن أبي عبد الله عليه‌السلام رواها في الوافي في كتاب العقل والعلم والتوحيد في باب البيان والتعريف ولزوم الحجة قال قال لي اكتب فأملى على ان من قولنا إن الله يحتج على العباد بما آتاهم وعرفهم (الحديث) (قال الشيخ) أعلى الله مقامه بعد ذكر الحديث الشريف (ما لفظه) وفيه ان مدلوله كما عرفت في الآيات وغير واحد من الاخبار مما لا ينكره الأخباريون (انتهى) وهو إشارة إلى الإشكال العام الّذي أورده كما تقدم على تمام الآيات وبعض الاخبار من أنها بالنسبة إلى دليل الاحتياط كالأصل بالنسبة إلى الدليل الاجتهادي يرتفع به موضوعه وهو اللابيان فاللازم على مدعي البراءة رد ذلك الدليل أو معارضته بما دل على الرخصة (ولكن) قد عرفت منا الجواب عنه فلا نعيد.

(نعم) قد يتوهم ان الإيتاء والتعريف مما نحتملهما في كل شبهة حكمية ولا أقل في أغلبها وان الحكم قد اختفى علينا لبعض الأسباب والدواعي فلا يمكن التمسك بالحديث الشريف لنفي الاحتجاج فانه من التمسك بالدليل في الشبهة المصداقية (ولكن) قد عرفت من الجواب عنه أيضاً في آية نفي الإضلال من ان المراد من البيان المأخوذ فيها لو لم يكن هو البيان الواصل بنفسه فلا أقل هو البيان الّذي يمكن الوصول إليه وإلّا فليس ببيان فكما قلنا هناك انه إذا تفحصنا في الشبهة ولم نجد فيها شيئاً فلا بيان ولا إضلال فكذلك نقول في المقام انه إذا تفحصنا في الشبهة ولم نجد فيها شيئاً فلا إيتاء ولا تعريف ولا احتجاج (وعليه) فالحديث الشريف مما لا بأس بالاستدلال به ويكون هو من جملة الأدلة الدالة على البراءة وإن كان مما ننتفع به لخصوص الشبهات الحكمية التي من شأن الشارع الإيتاء والتعريف فيها لا لمطلق الشبهات ولو كانت موضوعية.

في الاستدلال بصحيحة عبد الرحمن

بن الحجاج

(ومنها) صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي إبراهيم عليه‌السلام (وقد رواها) في الوسائل في النكاح في أبواب ما يحرم بالمصاهرة ونحوها في الباب السابع عشر قال سألته عن الرّجل يتزوج المرأة في عدتها بجهالة أهي ممن لا تحل له أبداً فقال لا أما إذا كان بجهالة فليتزوجها بعد ما تنقضي عدتها وقد يعذر الناس في الجهالة بما هو أعظم من ذلك فقال بأي الجهالتين يعذر بجهالته أن ذلك محرم عليه أم بجهالته أنها في عدة فقال إحدى الجهالتين أهون من الأخرى الجهالة بأن الله حرم ذلك عليه وذلك بأنه لا يقدر على الاحتياط معها فقلت وهو في الأخرى معذور قال نعم إذا انقضت عدتها فهو معذور في أن يتزوجها فقلت فإن كان أحدهما معتمداً والآخر بجهل فقال الّذي تعمد لا يحل له أن يرجع إلى صاحبه أبداً

(أقول) وفي رسائل شيخنا الأنصاري بأي الجهالتين أعذر ... إلخ (وحكي) أعلى الله مقامه عن الكافي انه يعذر كما في الوسائل (وعلى كل حال) غاية ما قيل أو يمكن أن يقال في تقريب الاستدلال بها للبراءة أن الصحيحة قد دلت على معذورية كل من الجاهل بالحكم والجاهل بالموضوع جميعاً أي الجاهل بأن ذلك محرم عليه والجاهل بأنها في العدة فيتم المطلوب ولو في خصوص الشبهات التحريمية دون الوجوبية.

(وفيه) (أولا) ان المراد من معذورية الجاهل فيها بشهادة السؤال عن حليتها له بعد أن تزوجها في عدتها بجهالة معذوريته من حيث الحكم الوضعي أي جواز تزويجها بعد انقضاء العدة وعدم حرمتها عليه مؤبداً حيث قال عليه‌السلام

فليتزوجها بعد ما تنقضي عدتها ... إلخ بل ويشهد بذلك أيضاً قول الراوي فقلت وهو في الأخرى معذور قال نعم إذا انقضت عدتها فهو معذور في أن يتزوجها إلى آخره فيكون المتحصل من الصحيحة أن من تزوج امرأة في عدتها جهلا سواء كان بالحكم أو بالموضوع فهو معذور لا تحرم المرأة عليه مؤبداً وإن لم يكن معذوراً إذا دخل بها بمقتضى اخبار أخر وليس المتحصل منها معذوريته من ناحية الحكم التكليفي ورفع المؤاخذة عنه ونفي العقاب له كما هو المطلوب.

(وثانياً) لو سلم دلالتها على معذورية الجاهل مطلقاً ولو من ناحية الحكم التكليفي فلا تدل هي على معذوريته في غير مورد الجهل بحرمة التزويج في العدة أو الجهل بكونها في العدة من موارد أخر أبداً إذ ليس فيها ما يدل على معذورية الجاهل بنحو الإطلاق أصلا.

(ثم إن الشيخ) أعلى الله مقامه يظهر منه ان هنا إشكالا يرد على الرواية على كل تقدير ولم يؤشر إلى جوابه (وحاصله) أن تعليل كون الجهالة بأن الله حرم ذلك عليه أهون من الأخرى بأنه لا يقدر معها على الاحتياط لا يستقيم فإن الجاهل بالحكم إن فرض غافلا فالجاهل بالموضوع أيضاً إذا فرض كذلك لا يقدر على الاحتياط وإن فرض ملتفتاً فهو يقدر على الاحتياط كالجاهل بالموضوع عيناً فالتفكيك بين الجهالتين مما لا وجه له (وفيه) ان الجهل بحرمة النكاح في العدة مما يستلزم الغفلة عنها نوعاً حين التزويج بخلاف ما إذا علم حرمته وعرف ان الشارع حرمه فانه حين التزويج سيما بالثيب يلتفت إلى العدة نوعاً فيمكنه الاحتياط قهراً.

(قوله فافهم ... إلخ)

قد أشرنا في صدر الحاشية المتقدمة لدى التعليق على قوله لا يقال هذا لو لا عدم الفصل ... إلخ إلى وجه قوله فافهم فتذكر.

في الاستدلال بالإجماع لأصالة البراءة

(قوله واما الإجماع فقد نقل على البراءة إلّا انه موهون ولو قيل باعتبار الإجماع المنقول في الجملة ... إلخ)

(قال الشيخ) أعلى الله مقامه واما الإجماع فتقريره من وجهين.

(الأول) دعوى إجماع العلماء كلهم من المجتهدين والأخباريين على ان الحكم فيما لم يرد فيه دليل عقلي أو نقلي على تحريمه من حيث هو ولا على تحريمه من حيث انه مجهول الحكم هي البراءة وعدم العقاب على الفعل وهذا الوجه لا ينفع إلّا بعد عدم تمامية ما ذكر من الدليل العقلي والنقلي للحظر والاحتياط فهو نظير حكم العقل الآتي.

(الثاني) دعوى الإجماع على ان الحكم فيما لم يرد دليل على تحريمه من حيث هو هو عدم وجوب الاحتياط وجواز الارتكاب وتحصيل الإجماع بهذا النحو من وجوه.

(الأول) ملاحظة فتاوى العلماء في موارد الفقه فإنك لا تكاد تجد من زمان المحدثين إلى زمان أرباب التصنيف في الفتوى من يعتمد على حرمة شيء من الأفعال بمجرد الاحتياط نعم ربما يذكرونه في طي الاستدلال في جميع الموارد حتى في الشبهة الوجوبية التي اعترف القائلون بالاحتياط بعدم وجوبه فيها (ثم ذكر) كلام جملة ممن يظهر منه عدم الاحتياط وإن كان كلام بعضهم صريحاً في إباحة الأشياء حتى يرد فيها النهي وهو أجنبي عن مسألة البراءة والاحتياط كما تقدم.

(إلى ان قال الثاني) الإجماعات المنقولة والشهرة المحققة فانها قد تفيد القطع بالاتفاق (ثم ذكر) كلام جملة ممن يظهر منه دعوى الاتفاق على البراءة

وإن كان كلام بعضهم صريحاً في دعوى الاتفاق على إباحة الأشياء حتى يرد فيها النهي وهو أيضاً أجنبي عن المقام.

(إلى ان قال الثالث) الإجماع العملي الكاشف عن رضاء المعصوم عليه‌السلام فإن سيرة المسلمين من أول الشريعة بل في كل شريعة على عدم الالتزام والإلزام بترك ما يحتمل ورود النهي عنه من الشارع بعد الفحص وعدم الوجدان وان طريقة الشارع كان تبليغ المحرمات دون المباحات وليس ذلك إلّا لعدم احتياج الرخصة في الفعل إلى البيان وكفاية عدم وجدان النهي فيها (انتهى موضع الحاجة) من كلامه رفع مقامه (ثم لا يخفى) ان قول المصنف واما الإجماع فقد نقل على البراءة إلى آخره ناظر إلى الوجه الثاني من وجوه التقرير الثاني (وحاصله) ان نقل الإجماع في المسألة موهون جداً ولو قلنا باعتبار الإجماع المنقول في الجملة على التفصيل المتقدم في محله وذلك لأن تحصيل الإجماع على نحو يكشف عن رضاء الإمام عليه‌السلام في مثل المسألة مما استدل فيه بالدليل العقلي والنقلي بعيد غاية البعد لجواز استنادهم فيها إلى الدليل العقلي أو النقلي لا إلى رأي الإمام عليه‌السلام (وعليه) فلا يكون الإجماع دليلا مستقلا برأسه غير ما بأيدينا من العقل والنقل جداً.

(أقول)

اما الإجماع على التقرير الأول فهو كما أفاد الشيخ أعلى الله مقامه مما لا ينفع إلّا بعد عدم تمامية ما ذكر للقول بالاحتياط من الدليل النقلي بل العقلي بوجهيه الآتيين من العلم الإجمالي بوجود المحرمات في المشتبهات ومن أن الأصل في الأشياء الحظر أو الوقف إلى أن يرد الرخصة (واما الإجماع) على التقرير الثاني فلا يكاد ينفع أيضاً بجميع وجوهه كلا بعد أن ذهب معظم الأخباريين إلى الاحتياط وهم من أجلاء الأصحاب وأساطين الشيعة (وعليه) فالأولى بل اللازم هو رفع اليد عن الاستدلال بالإجماع لأصالة البراءة رأساً والاكتفاء بما تقدم من بعض الآيات الشريفة وجملة من الأخبار المروية وما سيأتي من حكم العقل بعد الجواب عن أدلة الاحتياط من

الاخبار ووجهي العقل جميعاً واحداً بعد واحد إن شاء الله تعالى.

في الاستدلال بالعقل لأصالة البراءة

(قوله واما العقل فإنه قد استقل بقبح العقوبة والمؤاخذة على مخالفة التكليف المجهول بعد الفحص واليأس ... إلخ)

(وقد أكد الشيخ) أعلى الله مقامه حكم العقل بحكم العقلاء (قال الرابع) من الأدلة حكم العقل بقبح العقاب على شيء من دون بيان التكليف ويشهد له حكم العقلاء كافة بقبح مؤاخذة المولى عبده على فعل ما يعترف بعدم إعلامه أصلا بتحريمه (انتهى)

(أقول)

وهاهنا أمور لا بأس بالتنبيه عليها مختصراً.

(الأول) ان المراد من عدم البيان الّذي هو موضوع لحكم العقل بقبح العقاب ليس هو عدم البيان الواصل بنفسه بل عدم البيان الّذي يمكن الوصول إليه ولو بالفحص عنه فإن مجرد عدم البيان الواصل بنفسه مع احتمال وجود البيان الّذي لو تفحص عنه لظفر عليه مما لا يكفي في حكم العقل بقبح العقاب كما لا يخفى بل إذا تفحص عنه ولم يكن هناك بيان فعند ذلك يستقل العقل بقبح العقاب وإن احتمل وجود بيان في الواقع لا يمكن الوصول إليه ولو بالفحص عنه (وإليه أشار المصنف) بقوله قد استقل بقبح العقوبة والمؤاخذة على مخالفة التكليف المجهول بعد الفحص واليأس ... إلخ.

(الثاني) ان المراد من عدم البيان الّذي هو موضوع لحكم العقل بقبح العقاب ليس خصوص عدم بيان الواقع المجهول بل يعم عدم بيان الاحتياط أيضاً فإذا كان في البين أحد البيانين من الشرع لم يستقل العقل بقبح العقاب أبداً (ومن هنا

يتضح) ان دليل الاحتياط لو تم لكان وارداً على حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان يرتفع به موضوعه من أصله.

(الثالث) انه قد يتوهم في المقام ان حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان مما يختص بالشبهات الحكمية فقط فإنها هي التي من شأن الشارع بيان الواقع فيها دون الشبهات الموضوعية مثل كون هذا المائع خمراً يحرم شربه أو ذلك الرّجل عالماً يجب إكرامه وهكذا (ولكن) يرد عليه أن الشارع وإن لم يكن من شأنه بيان الواقع في الشبهات الموضوعية ولكن كان من شأنه بيان الاحتياط فيها فإذا لم يبين فيها جرى حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان بلا كلام.

(نعم يمكن) دعوى عدم جريان حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان في الشبهات الموضوعية التي قد أحرز اهتمام الشارع بها جداً الا بعد الفحص واليأس كما في الشبهات الحكمية عيناً كما إذا شك في كون هذا العين الزكوي بالغاً حد النصاب أم لا أو في كون هذا المال المعين بالغاً حد الاستطاعة أم لا فيكون مجرد الاحتمال فيها بمنزلة البيان بل بعض الشبهات الموضوعية لا تكاد تجري البراءة فيه إلى الآخر حتى بعد الفحص بحد اليأس إذا لم يزل الشك بعده كما إذا كان المحتمل فيه مهما جداً غاية الأهمية كما إذا احتمال احتمالا معتداً به أن هذا سم قاتل يقطع به الأمعاء بمجرد الشرب أو احتمل أن هذا الشيخ المرئي نفس محترمة لا يجوز رميه بالسهم أبداً وهكذا فيكون هذا النحو من الشبهات الموضوعية أعلى شأناً من الشبهات الحكمية وهذا واضح.

(قوله ولا يخفى انه مع استقلاله بذلك لا احتمال لضرر العقوبة في مخالفته فلا يكون مجال هاهنا لقاعدة وجوب دفع الضرر المحتمل كي يتوهم انها تكون بياناً ... إلخ)

(إشارة إلى ما قد يتوهم في المقام من ورود قاعدة دفع الضرر المحتمل على قاعدة قبح العقاب بلا بيان (بدعوى) ان حكم العقل بدفع الضرر المحتمل يكون بياناً

عقلياً يرتفع به موضوع حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان (قال الشيخ) أعلى الله مقامه ودعوى ان حكم العقل بوجوب دفع الضرر المحتمل بيان عقلي فلا يقبح بعده المؤاخذة مدفوعة (انتهى) (وقد أفاد) في وجه الدفع ما حاصله ان حكم العقل بدفع الضرر المحتمل لا يكون بياناً للتكليف المجهول كي يرتفع به موضوع قبح العقاب بلا بيان وانما هو بيان لقاعدة كلية ظاهرية يوجب استحقاق العقاب على مخالفتها وإن لم يكن تكليف في الواقع بل قاعدة قبح العقاب بلا بيان واردة على قاعدة دفع الضرر المحتمل يرتفع بها موضوعها وهو احتمال الضرر أي العقاب (هذا ملخص ما أفاده الشيخ) في وجه الدفع ومرجعه إلى أمرين.

(أحدهما) الجواب عن ورود قاعدة الدفع على قاعدة القبح.

(ثانيهما) دعوى ورود قاعدة القبح على قاعدة الدفع بعكس ما ادعاه المتوهم

(واما المصنف) فلم يفد في وجه الدفع سوى دعوى ورود قاعدة القبح على قاعدة الدفع فقابل الدعوى بالدعوى.

(أقول)

(اما الجواب) عن ورود قاعدة الدفع على قاعدة القبح (ففيه ما لا يخفى) فإن حكم العقل بدفع الضرر المحتمل وإن لم يكن بياناً للتكليف المجهول ولكن عدم البيان المأخوذ موضوعاً لقاعدة القبح مما لا ينحصر بعدم بيان الواقع المجهول كما تقدم بل يشمل عدم بيان الاحتياط عند الشك في الواقع المجهول وحينئذ فللمتوهم أن يقول كما ان ببيان الشارع للاحتياط في الشبهات يرتفع موضوع قاعدة القبح فكذلك ببيان العقل للاحتياط فيها لدفع الضرر المحتمل يرتفع موضوعها (واما دعوى) ورود قاعدة القبح على قاعدة الدفع (ففيها ما لا يخفى) أيضاً إذ دعوى ان مع استقلال العقل بقبح العقاب بلا بيان لا يبقى احتمال الضرر والعقاب أصلا ليست بأولى من دعوى ان مع استقلال العقل بدفع الضرر المحتمل لا يكاد يبقى اللابيان أصلا فيتعارضان القاعدتان بعضهما مع بعض (والّذي يحسم الإشكال)

من أصله ويقطع النزاع رأساً أن كلا من قاعدة قبح العقاب بلا بيان وقاعدة دفع الضرر المحتمل قاعدة عقلية والعقل لا يكاد يستقل بشيء ما لم يعرف موضوع حكمه وموضوع حكمه بقبح العقاب كما أشير قبلا هو انتفاء بيانين من الشرع خاصة دون غيره فإذا انتفى كلاهما استقل العقل بقبح العقاب بلا كلام وهو بيان الواقع المجهول وبيان الاحتياط عند الشك في الواقع المجهول فإذا وجد أحد البيانين منه سقط العقل عن حكمه بقبح العقاب والمفروض في المقام حيث هو انتفاء البيانين منه جميعاً استقل العقل قهراً بقبح العقاب ومع استقلاله به ينتفي احتمال الضرر جداً ولا يبقى معه مجال لقاعدة دفع الضرر المحتمل أصلا فتأمل جيداً.

(قوله كما انه مع احتماله لا حاجة إلى القاعدة بل في صورة المصادفة استحق العقوبة على المخالفة ولو قيل بعدم وجوب دفع الضرر المحتمل ... إلخ)

أي كما ان مع احتمال الضرر كما في الشبهات المقرونة بالعلم الإجمالي أو في الشبهات قبل الفحص لا حاجة إلى القول بوجوب دفع الضرر المحتمل بل يستحق العقاب على مخالفة الواقع في صورة المصادفة ولو لم نقل بوجوب دفع الضرر المحتمل فإن الموجب لاستحقاق العقاب فيهما موجود بلا حاجة إلى قاعدة الدفع أصلا.

(اما في الأول) فهو العلم الإجمالي.

(واما في الثاني) فهو فقد المؤمن من العقاب وهو قاعدة قبح العقاب بلا بيان إذ مع احتمال وجود بيان يمكن الوصول إليه بالفحص عنه لا يكاد يستقل العقل بقبح العقاب فلا مؤمّن.

(قوله واما ضرر غير العقوبة فهو وان كان محتملا إلّا ان المتيقن منه فضلا عن محتمله ليس بواجب الدفع شرعاً ولا عقلا ... إلخ)

هذا في قبال ما تقدم من كون المراد من الضرر في قاعدة دفع الضرر المحتمل هو الضرر الأخروي أي العقوبة (واما على تقدير) كون المراد منه هو الضرر الدنيوي (فحاصل ما أجاب) به الشيخ أعلى الله مقامه ان الشبهة من هذه الجهة موضوعية

بمعنى انه إذا شك في حرمة شرب التتن مثلا فالضرر فيه غير معلوم ومن المعلوم عدم وجوب الاحتياط في الشبهات الموضوعية حتى باعتراف الأخباريين (وعليه) فحكم العقل بدفع الضرر المحتمل هو إشكال مشترك الورود فلا بد على كلا القولين من دفعه (إما بمنع) حكم العقل بدفع الضرر المحتمل (أو بدعوى) ترخيص الشارع فيما شك في كونه من مصاديق الضرر (وفيه) انا لو تشبثنا في التخلص عن حكم العقل بدفع الضرر المحتمل بترخيص الشارع فيما شك في كونه من مصاديق الضرر لسقط البراءة العقلية عن كونها أصلا مستقلا برأسه بل نحتاج فيها إلى الترخيص المذكور لنخلص عن حكم العقل بدفع الضرر المحتمل فيستقل العقل حينئذ بقبح العقاب بلا بيان هذا حاصل جواب الشيخ وما يرد عليه.

(واما المصنف) فحاصل ما أجاب به ان المتيقن من الضرر الدنيوي لا يجب دفعه شرعاً ولا عقلا ضرورة عدم القبح في تحمل بعض المضار ببعض الدواعي فكيف بمحتمله (وفيه) ان عدم القبح في تحمل بعض المضار ببعض الدواعي لا عقلا ولا شرعاً كتسليم النّفس للحدود أو القصاص أو تعريض النّفس للتلف في الجهاد ونحوه لا يكاد يكون دليلا على جواز تحمل بقية الإضرار كي يقال إن المتيقن من الضرر ليس بواجب الدفع فكيف بمحتمله (والصحيح) في الجواب هو ما عرفته منا في الوجه الأول من الوجوه العقلية التي أقيمت على حجية مطلق الظن من ان الضرر مطلقاً دنيوياً كان أو أخروياً (إن كان) من الإضرار المهمة جداً كقتل أو حرق أو هتك عرض أو دخول نار ونحو ذلك فهذا مما يجب بحكم العقل دفع موهومه فضلا عن مظنونه ومحتمله (وإن كان) دون ذلك فلم يعلم استقلال العقل بوجوب دفع مظنونه فضلا عن محتمله وموهومه (ومن المعلوم) ان الضرر الدنيوي المحتمل أو المظنون في الشبهات ليس هو من الإضرار التي يستقل العقل بوجوب دفع موهومه فضلا عن مظنونه ومحتمله بل هو على تقدير كونه ضرراً لا مجرد ما يوجب قبح الفعل من دون كونه ضرراً على فاعله كما تقدم شرحه من المصنف

هناك وسيأتي الإشارة إليه آنفاً يكون دون ذلك قطعاً فلا يستقل العقل بوجوب دفعه بلا شبهة ما لم يقطع به فيستقل بدفعه حينئذ ولو كان يسيراً.

(قوله مع ان احتمال الحرمة أو الوجوب لا يلازم احتمال المضرة وان كان ملازماً لاحتمال المفسدة أو ترك المصلحة ... إلخ)

هذا جواب ثاني عن الضرر الدنيوي المحتمل في الشبهات (وحاصله) ان احتمال الحرمة أو الوجوب في الشبهات مما لا يستلزم احتمال الضرر كي يدعي استقلال العقل بوجوب دفعه بل يستلزم احتمال المفسدة أو ترك المصلحة والمصالح أو المفاسد التي تكون هي مناطات الأحكام ليست من المنافع أو المضار بل هي مما يوجب حسن الفعل أو قبحه من دون ضرر على فاعله أو نفع عائد إليه كما تقدم تصريحه بذلك في الوجه الأول من الوجوه العقلية التي أقيمت على حجية مطلق الظن وإن كان قد يتفق ان تكون من المنافع والمضار العائدين إلى الفاعل أو إلى غيره كما سيأتي التصريح به هاهنا بقوله نعم ربما يكون المنفعة أو المضرة مناطاً للحكم شرعاً وعقلا

(أقول)

وهذا الجواب مما لا يخلو عن مناقشة فإن المصالح أو المفاسد وإن لم تكن هي دائماً من المضار أو المنافع ولكن قد تكون هي منها كما اعترف به قدس‌سره فإذا جاز ان تكون المفسدة من الأضرار فبمجرد أن احتمل المفسدة في الشبهات احتمل الضرر فيها فيقع الكلام حينئذ في وجوب دفعه عقلا (ولكن) قد عرفت منا التحقيق في جواب دفع الضرر المحتمل آنفاً وسابقاً فلا نعيد (هذا وقد تقدم) من المصنف جواب آخر هناك لم يذكره في المقام وهو منع كون الأحكام تابعة للمصالح والمفاسد في المأمور به والمنهي عنه بل انما هي تابعة لمصالح في نفس الأحكام فإذاً ليس في الشبهات احتمال المفسدة كي يساوق احتمال الضرر ويقع الكلام حينئذ في وجوب دفعه عقلا (ولكن) قد عرفت من ضعف هذا الجواب أيضاً ووهنه ولعله لذا تركه في المقام ولم يؤشر إليه.

(قوله إن قلت نعم ولكن العقل يستقل بقبح الإقدام على ما لا يؤمن مفسدته أو انه كالإقدام على ما علم مفسدته ... إلخ)

(وحاصل الإشكال) انه سلمنا ان احتمال الحرمة في الشبهات مما لا يستلزم احتمال المضرة بل يستلزم احتمال المفسدة وهي ليست من الأضرار الواردة على فاعله (ولكن) العقل يستقل بقبح الإقدام على ما لا يؤمن مفسدته كالإقدام على ما علم مفسدته كما استدل به شيخ الطائفة رضوان الله عليه على ان الأشياء على الوقف إلى ان يعلم الرخصة فيه على ما سيأتي لك شرحه في الوجه الثاني من وجهي العقل لوجوب الاحتياط (وعليه) فلا يتم البراءة العقلية في الشبهات البدوية من هذه الجهة وإن تمت من جهة المؤاخذة والعقوبة الأخروية (وحاصل الجواب) ان استقلال العقل بذلك ممنوع بشهادة الوجدان وبمراجعة ديدن العقلاء كيف وقد أذن الشارع في الإقدام على ما لا يؤمن مفسدته إذ المفروض ترخيصه في الشبهات البدوية بمقتضى الأدلة المتقدمة للبراءة ولا يكاد يأذن الشارع بارتكاب أمر قبح أبداً (وفيه) أنا لو تشبثنا هنا بإذن الشارع في الإقدام على ما لا يؤمن مفسدته واستكشفنا بذلك عدم قبحه عقلا لسقط البراءة العقلية عن كونها أصلا مستقلا برأسه بل نحتاج فيها إلى الترخيص المذكور من الشرع لنخلص عن حكم العقل بقبح الإقدام على ما لا يؤمن مفسدته ولعله إليه أشار المصنف أخيراً بقوله فتأمل.

في الاستدلال على البراءة بوجوه غير ناهضة

(ثم) إن هذا كله تمام الكلام في الوجوه الأربعة التي استدل بها للبراءة من الكتاب والسنة والإجماع والعقل (وقد ذكر الشيخ) أعلى الله مقامه بعد ذلك وجوهاً أخر من القوم للبراءة غير ناهضة كما صرح به (قال) وقد يستدل على البراءة بوجوه غير ناهضة.

(منها) استصحاب البراءة المتيقنة حال الصغر أو الجنون (إلى ان قال ومنها) أن الاحتياط عسر منفي وجوبه (إلى ان قال ومنها) أن الاحتياط قد يتعذر كما لو دار الأمر بين الوجوب والحرمة (انتهى).

(أقول)

(اما الوجه الأخير) ففي غاية السقوط فإن دوران الأمر بين الوجوب والحرمة غير مربوط بالمقام جداً وسيأتي تحقيق الكلام فيه مفصلا (ولعل من هنا قال الشيخ) ولم أر ذكره الا في كلام شاذ لا يعبأ به (انتهى).

(ويتلوه في السقوط الوجه الثاني) فإن الشبهات البدوية التي لو تفحصنا فيها لم تزل الشبهة بل تبقى على حالها ليست بمقدار لو احتطنا فيها لزم العسر ولو سلم فلا بدّ من الاحتياط فيها بمقدار لا يلزم العسر لا رفع اليد عن الاحتياط رأساً بمجرد لزوم العسر من الاحتياط في المجموع.

(واما الوجه الأول) فقد أورد عليه الشيخ إيراداً طويلا مضطرباً جداً (وملخصه) بعد التدبر التام فيه أن المستصحب أحد أمور ثلاثة أما براءة الذّمّة أو عدم المنع من الفعل أو عدم استحقاق العقاب عليه ولا أثر للمستصحبات المذكورة سوى أمرين عدم ترتب العقاب على الفعل والإذن والترخيص في الفعل اما عدم ترتب العقاب عليه فليس من اللوازم المجعولة الشرعية لتلك المستصحبات المذكورة كي يحكم به في الظاهر واما الإذن والترخيص في الفعل فهو من المقارنات لتلك المستصحبات فهو نظير إثبات وجود أحد الضدين بنفي الآخر بأصالة العدم نعم لو كان اعتبار الاستصحاب من باب الظن وكان من الأمارات أو قلنا بالأصل المثبت صح التمسك به حينئذ لإثبات اللازم وإن لم يكن شرعياً أو لإثبات المقارن وإن لم تكن الملازمة شرعية.

(أقول)

وفي الإيراد المذكور بطوله ما لا يخفى إذ لا يبتني الاستدلال المذكور على القول

باعتبار الاستصحاب من باب الظن أو القول بالأصل المثبت بل يتم الأمر بدون ذلك جداً فإن براءة الذّمّة وعدم المنع من الفعل مرجعهما إلى عدم التكليف وهو مما يستصحب بلا كلام فإن مجعولية التكليف مما يسوغ استصحاب عدمه بلا حاجة إلى ترتب أثر شرعي عليه أصلا.

(نعم يرد) على الاستصحاب المذكور أي استصحاب البراءة المتيقنة من حال الصغر أو الجنون ما أشار إليه الشيخ أخيراً من عدم بقاء الموضوع وهو إشكال متين فإن الصغر أو الجنون بالنسبة إلى نفي التكليف في نظر العرف ليس من الحالات المتبادلة بحيث إذا زال لم يزل الحكم بل يراه موضوعاً حقيقياً بحيث إذا زال زال الحكم لتبدل الموضوع فهو ليس من قبيل أكرم هذا النائم بحيث إذا زال النوم فالحكم باق على حاله لبقاء ما هو الموضوع في نظر العرف بل من قبيل أكرم هذا العالم أو قلده بحيث إذا زال العلم لم يبق الحكم لتبدل الموضوع (والعجب) من الشيخ أعلى الله مقامه فانه بعد أن ذكر هذا الإيراد الثاني وهو إشكال متين كما ذكرنا أشار أخيراً إلى ضعفه بقوله فتأمل (واما) الإيراد الأول الّذي ذكرنا ملخصه وعرفت ضعفه فلم يؤشر إلى ضعفه أبداً (وعلى كل حال) لو استدل للبراءة ولو في خصوص الشبهات الحكمية دون الموضوعية بدل تلك الوجوه الثلاثة كلها باستصحاب عدم الحكم من الأزل كان أصح وأمتن (بل يظهر من الشيخ) في التنبيه الثاني من تنبيهات الشبهة التحريمية الحكمية ان المشهور لا يتمسكون في أصل البراءة إلا باستصحاب البراءة السابقة (قال) بل ظاهر المحقق في المعارج الإطباق على التمسك بالبراءة الأصلية حتى يثبت الناقل (قال) وظاهره ان اعتمادهم في الحكم بالبراءة على كونها هي الحالة السابقة (انتهى) (ومن هنا) يتضح لك أن أصل البراءة في الشبهات الحكمية محكوم دائماً باستصحاب العدم من السابق فلا يبقى له مجال معه إلا إذا تبادل الحالتان بأن علم مثلا انه كان حراماً في زمان وكان حلالا في زمان آخر ولم يعلم السابق من اللاحق فعند ذلك تجري البراءة لتحقق موضوعها

وهو الشك دون الاستصحاب بعد العلم الإجمالي بانتقاض الحالة السابقة (واما ما أفاده الشيخ) أعلى الله مقامه في هذا المقام من أن أصل البراءة هو أظهر عند القائلين بها والمنكرين لها من أن يحتاج إلى الاستصحاب فهو مما لا ينحل به المشكلة ولا يرتفع به حكومة الاستصحاب أو وروده على البراءة.

(نعم إن) أصل البراءة بمقتضى أدلته الخاصة من بعض الآيات وجملة من الروايات وحكم العقل هو أصل عملي مستقل مع قطع النّظر عن الاستصحاب وملاحظة الحالة السابقة بحيث لو لم يكن هناك استصحاب لجري هو بلا مانع عنه

(قوله فتأمل ... إلخ)

قد ذكرناه في صدر الحاشية المتقدمة لدى التعليق على قوله إن قلت نعم ... إلخ وجهاً وجيهاً لقوله فتأمل فتأمله جيداً.

في احتياط الأخباريين في الشبهات

التحريمية الحكمية وفي غيرها في الجملة

(قوله واحتج للقول بوجوب الاحتياط فيما لم تقم فيه حجة بالأدلة الثلاثة ... إلخ)

قد أشرنا في صدر هذا الفصل ان القول بوجوب الاحتياط منسوب إلى معظم الأخباريين وأنهم يقولون به في خصوص الشبهات التحريمية الحكمية (واما الشبهات الوجوبية الحكمية) (فقد قال الشيخ) أعلى الله مقامه (ما لفظه) والمعروف من الأخباريين هنا موافقة المجتهدين في العمل بأصالة البراءة وعدم وجوب الاحتياط (قال) قال المحدث الحر العاملي في باب القضاء من الوسائل انه لا خلاف في نفي الوجوب عند الشك في الوجوب إلّا إذا علمنا اشتغال الذّمّة بعبادة متعينة

وحصل الشك بين الفردين كالقصر والإتمام والظهر والجمعة وجزاء واحد للصيد أو اثنين ونحو ذلك فإنه يجب الجمع بين العبادتين لتحريم تركهما معاً للنص وتحريم الجزم بوجوب أحدهما لا بعينه عملا بأحاديث الاحتياط (قال الشيخ انتهى) موضع الحاجة (ثم قال) وقال المحدث البحراني في مقدمات كتابه يعني الحدائق بعد تقسيم أصل البراءة إلى قسمين أحدهما انها عبارة عن نفي وجوب فعل وجودي بمعنى ان الأصل عدم الوجوب حتى يقوم دليل على الوجوب وهذا القسم لا خلاف في صحة الاستدلال به إذ لم يقل أحد ان الأصل الوجوب (ثم قال) وقال في محكي كتابه المسمى بالدرر النجفية ان كان الحكم المشكوك دليله هو الوجوب فلا خلاف ولا إشكال في انتفائه حتى يظهر دليله لاستلزامه التكليف به بدون الدليل الحرج والتكليف بما لا يطاق (قال) انتهى (ثم قال) لكنه قدس‌سره في مسألة وجوب الاحتياط قال (ثم ذكر منه) عبارة ظاهرها الاحتياط ولو في الشبهات الوجوبية الحكمية (ثم قال) وممن يظهر منه وجوب الاحتياط هنا المحدث الأسترآبادي حيث حكى عنه في الفوائد المدنية انه قال (وذكر منه) عبارة طويلة وفيها بعد التصريح بأن الاحتياط قد يكون في محتمل الوجوب وقد يكون في محتمل الحرمة (ما لفظه) ان عادة العامة والمتأخرين من الخاصة جرت بالتمسك بالبراءة الأصلية ولما أبطلنا جواز التمسك بها في المقامين لعلمنا بأن الله أكمل لنا ديننا وعلمنا بأن كل واقعة يحتاج إليها ورد فيها خطاب قطعي من الله تعالى خال عن المعارض وبأن كل ما جاء به نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مخزون عند العترة الطاهرة عليهم‌السلام ولم يرخصوا لنا في التمسك بالبراءة الأصلية بل أوجبوا التوقف في كل ما لم يعلم حكمه وأوجبوا الاحتياط في بعض صوره فعلينا أن نبين ما يجب أن يفعل في المقامين وسنحققه إن شاء الله تعالى (قال الشيخ) وذكر هناك ما حاصله وجوب الاحتياط عند تساوي احتمالي الأمر الوارد بين الوجوب والاستحباب ولو كان ظاهراً في الندب بني على جواز الترك وكذا لو ورد رواية ضعيفة بوجوب شيء وتمسك في

ذلك بحديث ما حجب الله علمه وحديث رفع التسعة قال وخرج عن تحتهما كل فعل وجودي لم يقطع بجوازه لحديث التثليث (ثم ساق الشيخ) الكلام (إلى ان قال) وكيف كان فيظهر من المعارج القول بالاحتياط في المقام عن جماعة حيث قال العمل بالاحتياط غير لازم وصار آخرون إلى لزومه وفصل آخرون (قال) انتهى (ثم قال) وحكى عن المعالم نسبته إلى جماعة فالظاهر ان المسألة خلافية (انتهى) موضع الحاجة من كلام الشيخ أعلى الله مقامه (واما الشبهات التحريمية الموضوعية) (فقد قال الشيخ فيها) ان الظاهر عدم الخلاف في ان مقتضي الأصل فيها الإباحة (انتهى) (واما الشبهات الوجوبية الموضوعية) فسكت فيها ولم يتعرض الخلاف فيها وظاهره انه لا خلاف فيها نعم ذكر فيها خلافاً طويلا من جملة من الأصحاب في جزئي من جزئياتها وهو ما إذا ترددت الفائتة بين الأقل والأكثر.

(نعم الظاهر) من العبارة التي نقلها الشيخ من المحدث البحراني في مسألة وجوب الاحتياط كما أشير إليها آنفاً هو وجوب الاحتياط في الشبهات مطلقاً تحريميها ووجوبيها حكميها وموضوعيها الا في بعض الشبهات الموضوعية مما ورد فيها دليل بالخصوص على الحلية كما في جوائز الجائر والمرأة التي يحتمل انها أرضعتك ونحو ذلك فراجع عين كلامه زيد في علو مقامه (ثم إن الغرض) من إطالة الكلام بهذا المقدار هو معرفة حال المسائل الأربع من الشبهات التحريمية والوجوبية من الحكمية والموضوعية (وأن التحريمية الحكمية) مما احتاط فيه معظم الأخباريين (وان الوجوبية الحكمية) هي محل الخلاف بينهم وإن لم يبعد كون الأشهر عدم وجوب الاحتياط فيها (واما الموضوعية من التحريمية والوجوبية) فقد قال فيها بعضهم بوجوب الاحتياط في الجملة على النحو الّذي أشير آنفاً فتأمل جيداً.

في الآيات التي استدل بها للقول بالاحتياط

(قوله اما الكتاب فبالآيات الناهية عن القول بغير علم ... إلخ)

(مثل قوله تعالى) في سورة الأعراف ويونس أتقولون على الله ما لا تعلمون (ويظهر من الشيخ) أنهم استدلوا أيضاً (بقوله تعالى) آلله أذن لكم أم على الله تفترون (قال أعلى الله مقامه) احتج للقول الثاني وهو وجوب الكف عما يحتمل الحرمة بالأدلة الثلاثة فمن الكتاب طائفتان إحداهما ما دل على النهي عن القول بغير علم فإن الحكم بترخيص الشارع لمحتمل الحرمة قول عليه بغير علم وافتراء حيث أنه لم يؤذن فيه (انتهى).

(قوله وعن الإلقاء في التهلكة والآمرة بالتقوى ... إلخ)

الظاهر أنهم لم يستدلوا بالآيات الناهية عن الإلقاء في التهلكة وإنما هو شيء أضافه المصنف من عند نفسه وأشار إليه الشيخ أيضاً نعم قد استدلوا بالآيات الآمرة بالتقوى (قال) الشيخ بعد عبارته المتقدمة (ما لفظه) والأخرى يعني بها الطائفة الأخرى من الكتاب ما دل بظاهره على لزوم الاحتياط والاتقاء والتورع مثل ما ذكره الشهيد في الذكرى في خاتمة قضاء للفوائت للدلالة على مشروعية الاحتياط في قضاء ما فعلت من الصلوات المحتملة للفساد وهي قوله تعالى واتقوا الله حق تقاته وجاهدوا في الله حق جهاده (ثم قال ما هذا ما لفظه) أقول ونحوهما في الدلالة على وجوب الاحتياط فاتقوا الله ما استطعتم وقوله تعالى ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وقوله فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول (انتهى).

(أقول)

إن مجموع ما استدل به من الآيات أو يمكن الاستدلال به للاحتياط هو ما ذكر وعرفت (ويرد) على الجميع (مضافاً) إلى النقض بالشبهات الوجوبية والموضوعية

كما فعل الشيخ أعلى الله مقامه (أن القول) بالإباحة الظاهرية في مطلق الشبهات وترك الاحتياط فيها اعتماداً على ما تقدم من أدلة البراءة من بعض الآيات وكثير من الروايات وحكم العقل بقبح العقاب بلا بيان ولو بعد الفحص بحد باليأس في خصوص الحكمية منها بل الموضوعية في الجملة على التفصيل الّذي قد أشير قبلا وسيأتي شرحه مفصلا ليس قولا بغير علم ولا إلقاء للنفس في التهلكة ولا فيه مخالفة التقوي أصلا.

في الروايات التي استدل بها للقول بالاحتياط

(قوله واما الاخبار فيما دل على وجوب التوقف عند الشبهة معللا في بعضها بأن الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام في المهلكة من الأخبار الكثيرة الدالة عليه مطابقة أو التزاماً وبما دل على وجوب الاحتياط من الاخبار الواردة بألسنة مختلفة ... إلخ)

الأخبار المناسبة للمقام كثيرة جداً وقد ذكرها في الوسائل في القضاء في باب وجوب التوقف والاحتياط في القضاء والفتوى والعمل (وعمدتها) طوائف ثلاث

(الطائفة الأولى) ما دل على حرمة القول بغير علم.

(مثل) ما رواه هشام بن سالم قال قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام ما حق الله على خلقه قال أن يقولوا ما يعلمون ويكفوا عما لا يعلمون فإذا فعلوا ذلك فقد أدوا إلى الله حقه.

(ومثل) ما رواه زرارة قال سألت أبا جعفر عليه‌السلام ما حجة الله على العباد (وفي رواية) ما حق الله على العباد قال أن يقولوا ما يعلمون ويقفوا عند ما لا يعلمون.

(ومثل) ما رواه سماعة بن مهران عن أبي الحسن موسى عليه‌السلام في

حديث قال ما لكم وللقياس إنما هلك من هلك من قبلكم بالقياس ثم قال إذا جاءكم ما تعلمون فقولوا به وإذا جاءكم ما لا تعلمون فها وأومأ بيده إلى فيه (الحديث) إلى غير ذلك من الأخبار وهذه الطائفة الأولى مما لا يؤشر إليها المصنف ولعله الظهور جوابها مما ذكر آنفاً في جواب الآيات الناهية عن القول بغير علم.

(الطائفة الثانية) وهي عمدة الطوائف الثلاث ما دل على وجوب التوقف عند الشبهة إما مطابقة أو التزاماً كما أفاد المصنف معللا في بعضها بأن الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام في المهلكة وهي روايات كثيرة.

(منها) ما رواه عمر بن حنظلة عن أبي عبد الله عليه‌السلام في حديث طويل قال فيه وانما الأمور ثلاثة أمر بين رشده فيتبع وأمر بين غيه فيجتنب وأمر مشكل يرد علمه إلى الله ورسوله حلال بين وحرام بين وشبهات بين ذلك فمن ترك الشبهات نجا من المحرمات ومن أخذ بالشبهات ارتكب المحرمات وهلك من حيث لا يعلم (إلى ان قال) في آخر الحديث فإن الوقوف عند الشبهات خير من الاقتحام في الهلكات.

(ومنها) ما رواه أبو سعيد الزهري عن أبي جعفر عليه‌السلام قال الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام في الهلكة وتركك حديثاً لم تروه خير من روايتك حديثاً لم تحصه أي لم تحط به خبراً من الإحصاء الإحاطة بالشيء.

(ومنها) ما رواه أبو شيبة عن أحدهما قال في حديث الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام في الهلكة.

(ومنها) ما رواه مسعدة بن زياد عن جعفر عن آبائه عليهم‌السلام عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انه قال لا تجامعوا في النكاح على الشبهة وقفوا عند الشبهة (إلى ان قال) فإن الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام في الهلكة.

(ومنها) ما أرسله الصدوق قال إن أمير المؤمنين عليه‌السلام خطب الناس فقال في كلام ذكره حلال بين وحرام بين وشبهات بين ذلك فمن ترك ما اشتبه

عليه من الإثم فهو لما استبان له أترك والمعاصي حمى الله فمن يرتع حولها يوشك ان يدخلها.

(ومنها) ما رواه جابر عن أبي جعفر عليه‌السلام في وصية له لأصحابه قال إذا اشتبه الأمر عليكم فقفوا عنده وردوه إلينا حتى نشرح لكم من ذلك ما شرح لنا

(ومنها) ما روي عن أمير المؤمنين عليه‌السلام انه قال لا ورع كالوقوف عند الشبهة وقال عليه‌السلام إن من صرحت له العبر عما بين يديه من المثلات حجزه التقوي عن تقحم الشبهات.

(ومنها) ما رفعه أبو شعيب إلى أبي عبد الله عليه‌السلام قال أورع الناس من وقف عند الشبهة.

(ومنها) ما رواه فضيل بن عياض عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قلت له من الورع من الناس قال الّذي يتورع عن محارم الله ويجتنب هؤلاء فإذا لم يتق الشبهات وقع في الحرام وهو لا يعرفه (الحديث).

(ومنها) ما رواه نعمان بن بشير قال سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول إن لكل ملك حمى وإن حمى الله حلاله وحرامه والمشتبهات بين ذلك كما لو أن راعياً رعى إلى جانب الحمى لم يثبت غنمه أن تقع في وسطه فدعوا المشتبهات

(ومنها) ما أرسله الشهيد في الذكرى قال قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه.

(ومنها) ما رواه المستنير عن أبي جعفر الباقر عليه‌السلام قال قال جدي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أيها الناس حلالي حلال إلى يوم القيامة وحرامي حرام إلى يوم القيامة ألا وقد بينهما الله عزوجل في الكتاب وبينتهما لكم في سنتي وسيرتي وبينهما شبهات من الشيطان وبدع بعدي من تركها صلح له أمر دينه وصلحت له مروته وعرضه ومن تلبس بها ووقع فيها واتبعها كان كمن رعى غنمه قرب الحمى ومن رعى ماشيته قرب الحمى نازعته نفسه إلى ان يرعاها في الحمى

ألا وإن لكل ملك حمى ألا وإن حمى الله عزوجل محارمه فتوقوا حمى الله ومحارمه (الحديث).

(ومنها) ما روي عن أمير المؤمنين عليه‌السلام في خطبة له فيا عجباً وما لي لا أعجب من خطأ هذه الفرق على اختلاف حججها في دينها لا يقتفون أثر نبي ولا يقتدون بعمل وصي ولا يؤمنون بغيب ولا يعنون عن عيب يعملون في الشبهات ويسيرون في الشهوات (الخطبة).

(ومنها) ما رواه من حدثه عن أبي جعفر عليه‌السلام في حديث انه قال لزيد بن علي إن الله أحل حلالا وحرم حراماً وفرض فرائض وضرب أمثالا وسن سنناً (إلى ان قال) فإن كنت على بينة من ربك ويقين من أمرك وتبيان شأنك فشأنك وإلا فلا ترو من أمراً أنت منه في شك وشبهة.

(ومنها) ما رواه عبد الله بن جندب عن الرضا عليه‌السلام في حديث قال إن هؤلاء القوم سنح لهم شيطان اغترهم بالشبهة ولبس عليهم أمر دينهم وأرادوا الهدى من تلقاء أنفسهم (إلى ان قال) ولم يكن ذلك لهم ولا عليهم بل كان الفرض عليهم والواجب لهم من ذلك الوقوف عند التحير ورد ما جهلوه من ذلك إلى عالمه ومستنبطه لأن الله يقول في كتابه ولو ردوه إلى الله وإلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم يعني آل محمد صلوات الله عليهم وهم الذين يستنبطون منهم القرآن ويعرفون الحلال والحرام وهم الحجة على خلقه.

(ومنها) ما رواه جميل بن صالح عن الصادق عليه‌السلام عن آبائه عليه‌السلام قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في كلام طويل الأمور ثلاثة أمر تبين لك رشده فاتبعه وأمر تبين لك غيه فاجتنبه وأمر اختلف فيه فرده إلى الله عزوجل

(ومنها) ما رواه حمزة بن طيار انه عرض على أبي عبد الله عليه‌السلام بعض خطب أبيه عليه‌السلام حتى إذا بلغ موضعاً منها قال له كف واسكت ثم قال أبو عبد الله عليه‌السلام إنه لا يسعكم فيما ينزل بكم مما لا تعلمون الا الكف عنه والتثبت والرد

إلى أئمة الهدى حتى يحملوكم فيه على القصد ويجلوا عنكم فيه العمى ويعرفوكم فيه الحق قال الله تعالى فاسألوا أهل الذّكر إن كنتم لا تعلمون.

(ومنها) ما رواه أحمد بن الحسن الميثمي عن الرضا عليه‌السلام في حديث اختلاف الأحاديث قال وما لم تجدوه في شيء من هذه الوجوه فردوا إلينا علمه فنحن أولى بذلك ولا تقولوا فيه بآرائكم وعليكم بالكلف والتثبت والوقوف وأنتم طالبون باحثون حتى يأتيكم البيان من عندنا.

(ومنها) ما ذكره الرضي رحمه‌الله في النهج عن أمير المؤمنين عليه‌السلام في وصيته لولده الحسن عليه‌السلام يا بني دع القول فيما لا تعرف والخطاب فيما لم تكلف وأمسك عن طريق إذا خفت ضلالته فإن الكف عند حيرة الضلال خير من ركوب الأهوال (الوصية).

(ومنها) ما أرسله الشهيد في الذكرى أيضاً قال قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دع ما يريبك إلى ما لا يريبك (وفي رواية أخرى) دع ما يريبك إلى ما لا يريبك فإنك لن تجد فقد شيء تركته لله.

(ومنها) ما رواه مفضل بن عمر عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال لا يفلح من لا يعقل ولا يعقل من لا يعلم (إلى ان قال) ومن فرط تورط ومن خاف العاقبة تثبت عن التوغل فيما لا يعلم ومن هجم على أمر بغير علم جدع أنف نفسه (الحديث) (ومنها) ما ذكره الشيخ أعلى الله مقامه (قال) ومنها ما ورد من أن في حلال الدنيا حساباً وفي حرامها عقاباً وفي الشبهات عتاباً (انتهى) إلى غير ذلك من الأخبار الدالة على التوقف عند الشبهة ولو التزاماً كما يظهر بمراجعة الباب المذكور من الوسائل.

(الطائفة الثالثة) ما دل على وجوب الاحتياط عند الشبهة وهي كثيرة أيضاً (منها) ما رواه عبد الرحمن بن الحجاج قال سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن رجلين أصابا صيداً وهما محرمان الجزاء بينهما أو على كل واحد منهما جزاء قال

لا بل عليهما أن يجزي كل واحد منهما الصيد قلت إن بعض أصحابنا سألني عن ذلك فلم أدر ما عليه قال إذا أصبتم مثل هذا فلم تدروا فعليكم بالاحتياط حتى تسألوا عنه فتعلموا.

(ومنها) ما رواه عبد الله بن وضاح وقد ذكره في الوسائل في ذيل أخبار التوقف والاحتياط مختصراً وتمامه في مواقيت الصلاة وهو هكذا قال كتبت إلى العبد الصالح يتوارى عنا القرص ويقبل الليل ثم يزيد الليل ارتفاعاً وتستتر عنا الشمس وترتفع فوق الجبل حمرة ويؤذن عندنا المؤذنون أفأصلي حينئذ وأفطر إن كنت صائماً أو أنتظر حتى تذهب الحمرة التي فوق الجبل فكتب إلى أرى لك أن تنظر حتى تذهب الحمرة وتأخذ بالحائطة لدينك.

(ومنها) ما رواه داود بن القاسم الجعفري عن الرضا عليه‌السلام إن أمير المؤمنين عليه‌السلام قال لكميل بن زياد أخوك دينك فاحتط لدينك بما شئت

(ومنها) ما عن خط الشهيد رحمه‌الله في حديث طويل عن عنوان البصري عن أبي عبد الله عليه‌السلام جعفر بن محمد يقول فيه سل العلماء ما جهلت وإياك أن تسألهم تعنتاً وتجربة وإياك أن تعمل برأيك شيئاً وخذ بالاحتياط في جميع أمورك ما تجد إليه سبيلا.

(ومنها) ما أرسله الشهيد أيضاً قال وقال الصادق عليه‌السلام لك أن تنظر الحزم وتأخذ بالحائطة لدينك.

(ومنها) ما أرسل أيضاً عنهم على ما ذكر الشيخ أعلى الله مقامه ليس بناكب على الصراط من سلك سبيل الاحتياط (انتهى) (هذا كله) تفصيل الطوائف الثلاث (وقد جعلها الشيخ) طوائف أربعة فأفرز أخبار التثليث مثل قوله عليه‌السلام إنما الأمور ثلاثة أمر بين رشده ... إلخ وجعلها طائفة على حدة ولا ملزم له (كما أن المصنف) قد جعل الطوائف طائفتين ولم يتعرض الطائفة الأولى وهي الناهية عن القول بغير علم أصلا وقد أشير آنفاً أن ذلك لعله لظهور

جوابها مما ذكر في جواب الآيات الناهية عن القول بغير علم والله العالم.

(قوله والجواب انه لا مهلكة في الشبهة البدوية مع دلالة النقل وحكم العقل بالبراءة كما عرفت ... إلخ)

هذا جواب عن الطائفة الثانية من الطوائف الثلاث واما الطائفة الأولى فلم يذكرها كي يجيب عنها وإن كان الجواب عنها يظهر مما تقدم في جواب الآيات الناهية عن القول بغير علم كما أشير غير مرة (وملخص جوابه) عن الطائفة الثانية انه لا مهلكة في الشبهات البدوية بعد ما تقدم من أدلة البراءة النقليّة والعقلية جميعاً فقهراً تختص المهلكة بالشبهات قبل الفحص أو المقرونة بالعلم الإجمالي كما سيأتي التصريح بهما من المصنف قريباً ولا كلام لنا في الاحتياط فيهما.

(أقول)

وفي الجواب ما لا يخفى إذ الطائفة الثانية ليس في جميعها التعليل بالهلكة كي يجري فيها الجواب المذكور بل هو في بعضها وقد اعترف بذلك المصنف حيث قال معللا في بعضها بأن الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام في المهلكة ... إلخ (وعليه) فهذا الجواب ناقص غير تام لا يجري عن تمام الطائفة الثانية بلا كلام.

(والحق) في الجواب عنها أن يقال إن اخبار الطائفة الثانية على أقسام.

(فمنها) ما هو ظاهر في استحباب التوقف عند الشبهة (كقوله عليه‌السلام) فمن ترك ما اشتبه عليه من الإثم فهو لما استبان له أترك (أو لا ورع) كالوقوف عند الشبهة (أو أورع) الناس من وقف عند الشبهة إلى غير ذلك (وهذا القسم) من الأخبار مما لا يصلح الاستدلال به على وجوب التوقف عند الشبهة فإن أقصى ما يستفاد منها هو حسن التوقف ورجحانه ولا كلام لنا فيه.

(ومنها) ما يكون بقرينة الأمر برد علمه إلى الله وإلى الرسول أو إلى أولي الأمر منهم يعني آل محمد صلوات الله عليهم حتى يشرحوا ما شرح لهم ويعرفونا الحلال والحرام (أو بقرينة) عدم اقتفاء أثر نبي وعدم الاقتداء بعمل

وصي ظاهراً في الشبهات الحكمية قبل الفحص ولا كلام لنا في وجوب التوقف فيها وإنما الكلام في الشبهات الحكمية بعد الفحص والمراجعة إلى الكتاب والسنة والأحاديث المروية عن الأئمة عليهم‌السلام بحد اليأس.

(ومنها) ما يكون بقرينة التعليل بالهلكة وركوب الأهوال وجدع الأنف مختصاً بما إذا كان الواقع فيه منجزاً على المكلف كما في الشبهات الحكمية من قبل الفحص أو الشبهات المقرونة بالعلم الإجمالي بل وبعض الشبهات الموضوعية الّذي. أشير إليه في البراءة العقلية مما أحرز اهتمام الشارع به جداً (ومن المعلوم) ان وجوب التوقف فيه مما لا ينفع الاخباري إذ لا يثبت به دعواه من وجوب التوقف في الشبهات التحريمية الحكمية مطلقاً حتى بعد الفحص بحد اليأس.

(ومنها) ما لا يكون فيه تعليل بالهلكة ونحوها مما يوجب الاختصاص بما كان الواقع فيه منجزاً على المكلف (مثل) قوله عليه‌السلام فلا ترو ومن أمراً أنت منه في شك وشبهة (أودع) ما يريبك إلى ما لا يريبك ونحو ذلك مما ظاهره وجوب التوقف عند الشبهة ويشمل الشبهات مطلقاً حتى بعد الفحص بحد اليأس فيدور الأمر فيه بين كون الأمر بالتوقف للوجوب ويلتزم فيه بتخصيص الأكثر إذ الشبهات الموضوعية التي لا يجب التوقف فيها باتفاق الأصوليين ومعظم الأخباريين هي أكثر من الحكمية بكثير وبين كون الأمر بالتوقف هو للاستحباب ويلتزم فيه بالتجوز على القول بوضع الصيغة للوجوب والثاني أهون فإن الصيغة مضافاً إلى انه لم يثبت وضعها للوجوب كما حقق في محله وإن اعترفنا بظهورها فيه وانصرافها إليه إذا استعملت في الاستحباب ليس بمستهجن بخلاف تخصيص الأكثر فانه مستهجن جداً (هذا) مع ان استقلال العقل بحسن التوقف عند مطلق الشبهات ولو مما رخص الاقتحام فيه مما يؤكد كون الأمر فيه للاستحباب لا للوجوب فتأمل جيداً.

(قوله وما دل على وجوب الاحتياط لو سلم وإن كان وارداً على حكم العقل ... إلخ)

هذا جواب عن الطائفة الثالثة من الطوائف الثلاث (ومحصله) ان ما دل على وجوب الاحتياط على تقدير تسليم دلالته على الوجوب وإن كان وارداً على البراءة العقلية رافعاً لموضوعها وهو اللابيان ولكنه معارض بما هو أخص وأظهر منه وهو ما دل على البراءة النقليّة في الشبهات التحريمية (مثل قوله عليه‌السلام) كل شيء هو لك حلال حتى تعلم انه حرام بعينه (أما كونه أخص) فلاختصاصه بالشبهات التحريمية فقط بخلاف ما دل على الاحتياط فإنه يشمل الوجوبية والتحريمية جميعاً (واما كونه أظهر) فلكونه نصاً في الحلية وما دل على الاحتياط ظاهر في الوجوب بمقتضى وضع الصيغة له أو انصرافها إليه.

(أقول)

وفي هذا الجواب ما لا يخفى أيضاً وذلك لما عرفت من أن أخبار الحل بكلا قسميها من قوله كل شيء هو لك حلال وكل شيء فيه حلال وحرام لم تتم دلالتها على البراءة في الشبهات التحريمية الحكمية كي يعارض ما دل على الاحتياط ويقدم عليه وإن تمت في التحريمية الموضوعية (وعلى هذا فالصحيح في الجواب) عن هذه الطائفة الثالثة أن يقال (أما رواية) عبد الرحمن بن الحجاج التي قال عليه‌السلام فيها إذا أصبتم مثل هذا فلم تدروا فعليكم بالاحتياط حتى تسألوا عنه فتعلموا فهي واردة في الشبهة الحكمية قبل الفحص ولا كلام لنا في الاحتياط فيها (وأما رواية) عبد الله بن وضاح التي سأل فيها من العبد الصالح عن الصلاة والإفطار عند تواري القرص وإقبال الليل وزيادة الليل ارتفاعاً واستتار الشمس وارتفاع الحمرة فوق الجبل وأذان المؤذنين (فالظاهر) من السؤال فيها وإن كان هو السؤال بنحو الشبهة الحكمية بحيث لم يعلم السائل حد الغروب شرعاً المسوغ للصلاة والإفطار جميعاً (ولكن الظاهر) من جوابه عليه‌السلام أرى لك أن تنتظر حتى تذهب الحمرة

وتأخذ بالحائطة لدينك بقرينة عدم مناسبة أمر الإمام عليه‌السلام بالاحتياط عند السؤال عن شبهة حكمية وإن ناسب مقام الفقيه إذا أشكل عليه الأمر والفتوى واشتبه عليه الحكم الواقعي (هو كون السؤال) فيها بنحو الشبهة الموضوعية فكأن السائل يعلم حد الغروب شرعاً ولكن لا يدري انه هل يتحقق ذلك بارتفاع الحمرة فوق الجبل وأذان المؤذنين أم لا يتحقق وهل يصلي حينئذ ويفطر مع هذا الشك والترديد أم لا فكتب عليه‌السلام أرى لك أن تنتظر حتى تذهب الحمرة وتأخذ بالحائطة لدينك وذلك على طبق القاعدة وهي استصحاب النهار حتى يعلم بدخول الوقت (ومن الواضح المعلوم) أن الأمر بالاحتياط في الشبهة الموضوعية بمقتضى الأصل العملي الجاري فيه غير مربوط بمقصد الأخباريين من وجوب الاحتياط في الشبهات التحريمية الحكمية (واما رواية) داود بن القاسم التي قال فيها عليه‌السلام لكميل أخوك دينك فاحتط لدينك فهي ظاهرة في استحباب الاحتياط ولا كلام لنا فيه فهي كالقسم الأول من الطائفة الثانية (مثل قوله عليه‌السلام) لا ورع كالوقوف عند الشبهة ونحو ذلك (واما حديث عنوان البصري) الّذي قال فيه عليه‌السلام وخذ بالاحتياط في جميع أمورك ما تجد إليه سبيلا (وهكذا مرسلة الشهيد) التي قال فيها عليه‌السلام لك أن تنظر الحزم وتأخذ بالحائطة لدينك فالجواب فيهما كالجواب عن القسم الرابع من الطائفة الثانية فيدور الأمرين فيهما بين كون الأمر بالاحتياط للوجوب ويلتزم فيهما بتخصيص الأكثر نظراً إلى عدم وجوب الاحتياط في الوجوبية بقسميها حكميها وموضوعيها ولا في الموضوعية التحريمية وبين كون الأمر بالاحتياط فيهما للاستحباب ويلتزم بالتجوز في استعمال الصيغة فيه على القول بوضعها للوجوب والثاني أهون (مضافاً) إلى استقلال العقل بحسن الاحتياط فهو مما يؤكد استحبابه شرعاً لا وجوبه (وأما التمسك) بما أرسل عنهم ليس بناكب على الصراط من سلك سبيل الاحتياط (ففيه) أن أقصى ما يمكن استفادته من الوصف كما حقق في محله هو الانتفاء عند الانتفاء في الجملة أي

من لم يسلك سبيل الاحتياط فهو ناكب على الصراط في الجملة ولا كلام لنا فيه كما في الشبهات قبل الفحص أو المقرونة بالعلم الإجمالي بل وبعض الشبهات الموضوعية مما أحرز فيه شدة اهتمام الشارع به جداً.

(قوله ولا يصغى إلى ما قيل من أن إيجاب الاحتياط إن كان مقدمة للتحرز عن عقاب الواقع المجهول فهو قبيح وإن كان نفيساً فالعقاب على مخالفته لا على مخالفة الواقع ... إلخ)

القائل هو الشيخ أعلى الله مقامه وقد أساء المصنف معه الأدب سيما مع تعبيره عنه في مواضع عديدة بشيخنا الأستاذ (وعلى كل حال) تفصيل المقام أن الشيخ بعد أن ذكر الطائفة الثانية من الأخبار وذكر الجواب عنها أورد في آخر الأمر على نفسه إشكالا (وقال) ما هذا لفظه فإن قلت إن المستفاد منها يعني من الاخبار احتمال التهلكة في كل محتمل التكليف (إلى ان قال) فيكشف هذه الاخبار عن عدم سقوط عقاب التكاليف المجهولة لأجل الجهل ولازم ذلك إيجاب الشارع الاحتياط إذ الاقتصار في العقاب على نفس التكاليف المختفية من دون تكليف ظاهري بالاحتياط قبيح ثم أجاب عنه (بما هذا لفظه) قلت إيجاب الاحتياط إن كان مقدمة للتحرز عن العقاب الواقعي فهو مستلزم لترتب العقاب على التكليف المجهول وهو قبيح كما اعترف به وإن كان حكماً ظاهرياً نفسياً فالهلكة الأخروية مترتبة على مخالفته لا مخالفة الواقع وصريح الاخبار إرادة الهلكة الموجودة في الواقع على تقدير الحرمة الواقعية (انتهى).

(أقول)

وهذا الجواب مما لا يخلو عن مناقشة ومن هنا قال المصنف ولا يصغى إلى ما قيل إلى آخره (ووجه المناقشة) أن إيجاب الاحتياط وإن لم يكن مقدمة للتحرز عن العقاب الواقعي فإنه مما يستلزم العقاب على الواقع المجهول وهو قبيح ولكن لا يكون حكما ظاهرياً نفسياً بل يكون حكماً ظاهرياً طريقياً أي مقدمياً لحفظ الواقع

المجهول ومصححاً للعقاب عليه نظير الأحكام الظاهرية المجعولة في موارد الطرق والأمارات فتكون هي مصححة للعقاب على الواقع المجهول فيما طابقته وعذراً للمكلف فيما خالفته (وعليه) فالحق في الجواب عن الإشكال الّذي أورده الشيخ على نفسه هو ما سيأتي من المصنف من أن مجرد إيجاب الاحتياط ما لم يعلم به لا يصحح العقاب على الواقع المجهول فإن ما لم يعلم به لو صحح العقاب لصح العقاب على نفس الواقع المجهول من غير حاجة إلى استكشاف إيجاب الاحتياط المصحح للعقاب عليه (وعليه) فالمستفاد من تلك الاخبار الآمرة بالتوقف المعللة بالهلكة ليس هو احتمال الهلكة والعقاب في كل محتمل التكليف بل لا بد من حملها كما تقدم على ما إذا كان الواقع فيه منجزاً على المكلف كما في الشبهات الحكمية قبل الفحص والشبهات المقرونة بالعلم الإجمالي بل وبعض الشبهات الموضوعية مما أحرز اهتمام الشارع به جداً.

(قوله والأصول العملية ... إلخ)

الظاهر ان مقصوده من الأصول العملية هو مثل الاستصحاب فانه الّذي صح فيه دعوى ان الحكم الظاهري المجعول في مورده حكم ظاهري طريقي كما في الطرق والأمارات لا ما سواء نظير قاعدة الحل وقاعدة الطهارة ونحوهما من الأصول التي لا نظر لها إلى الواقع أصلا.

(قوله مع ان هناك قرائن دالة على انه للإرشاد فيختلف إيجاباً واستحباباً حسب اختلاف ما يرشد إليه ... إلخ)

هذا جواب ثاني عن مجموع الاخبار وهي الطائفة الثانية والثالثة جميعاً أي ما دل على وجوب التوقف عند الشبهة وما دل على وجوب الاحتياط (وحاصله) ان هناك قرائن دالة على ان ما دل على التوقف أو الاحتياط هو للإرشاد إلى ما في الفعل من الخواصّ والآثار والمنافع والمضار فيختلف إيجاباً واستحباباً بحسب اختلاف الموارد ففي الشبهات الحكمية الحكمية قبل الفحص يجب التوقف والاحتياط لما في

تركهما من خوف الهلكة والعقاب على الواقع المجهول وفي الحكمية بعد الفحص وفي الموضوعية يستحب التوقف والاحتياط لما في تركهما من خوف الوقوع في مخالفة الواقع ودرك المفاسد (وقد اقتبس) المصنف هذا الجواب من كلام الشيخ أعلى الله مقامه (قال في ذيل الجواب) عن التمسك بقوله عليه‌السلام أخوك دينك فاحتط لدينك وقد حكاه عن أمالي المفيد الثاني أعني ولد شيخ الطائفة رضوان الله عليه (ما لفظه) واما عن رواية الأمالي فبعدم دلالتها على الوجوب للزوم إخراج أكثر موارد الشبهة وهي الشبهة الموضوعية مطلقاً والحكمية الوجوبية والحمل على الاستحباب أيضاً مستلزم لإخراج موارد وجوب الاحتياط فيحمل على الإرشاد أو على الطلب المشترك بين الوجوب والندب وحينئذ فلا ينافي وجوبه في بعض الموارد عدم لزومه في بعض آخر لأن تأكد الطلب الإرشادي وعدمه بحسب المصلحة الموجودة في الفعل لأن الاحتياط هو الاحتراز عن موارد احتمال المضرة فيختلف رضاء المرشد بتركه وعدم رضاه بحسب مراتب المضرة كما ان الأمر في الأوامر الواردة في إطاعة الله ورسوله للإرشاد المشترك بين فعل الواجبات وفعل المندوبات (انتهى).

(أقول)

وفي الجواب ما لا يخفى وذلك لما عرفت في الفور والتراخي من أن الأمر الإرشادي عبارة عن إنشاء الطلب لا بداعي الإرادة أو الكراهة القلبية الثابتة في النّفس بل لمحض بيان الخواصّ والآثار والتنبيه على المنافع والمضار المترتبة على الفعل من دون ان يكون على طبقها إرادة أو كراهة وحب أو بغض في نفس الآمر كما في أوامر الطبيب ونواهيه حيث لا علاقة بينه وبين المريض كي يحدث بسببها إرادة على طبق المصلحة أو كراهة على طبق المفسدة فإن امتثلهما المريض فلا يقربه إليه وان عصاهما فلا يبعده عنه سوى ما يصيب المريض بنفسه من المنافع والمضار والخواصّ والآثار وهذا المعنى غير ممكن في حق الشارع الّذي له أشد علاقة مع العباد بأن ينشأ الطلب

بداعي الخواصّ والآثار من دون أن يكون له على طبقها إرادة وكراهة وحب أو بغض (وعليه) فلا يمكن حمل الاخبار الآمرة بالتوقف أو الاحتياط على الإرشاد من دون أن يكون على طبقها إرادة أو كراهة (مضافاً) إلى ان حمل الأمر على الطلب المشترك الّذي تقدم في كلام الشيخ مما لا يعقل فإن الطلب جنس يجمع الوجوب والندب جميعاً ولا يمكن تحقق الجنس في الخارج من دون أن يكون مع أحد الفصول المنوعة فكما لا يعقل تحقق الحيوان في الخارج من دون أن يكون ناطقاً أو ناهقاً ونحوهما فكذلك لا يعقل ان ينشأ الطلب خارجاً من دون أن يكون وجوباً أو ندباً ونحوهما وهذا واضح.

(قوله ويؤيده انه لو لم يكن للإرشاد لوجوب تخصيصه لا محالة ببعض الشبهات إجماعاً مع أنه آب عن التخصيص قطعاً ... إلخ)

أي ويؤيده انه لو لم يكن ما دل على وجوب التوقف أو الاحتياط للإرشاد كي يختلف إيجاباً واستحباباً بحسب اختلاف ما يرشد إليه على ما عرفت شرحه في كلام الشيخ بل كان أمراً مولوياً لزم تخصيصه وإخراج بعض الشبهات منه إجماعاً حتى من الأخباريين وهو الشبهات الموضوعية مطلقاً والوجوبية الحكمية مع أنه آب عن التخصيص قطعاً.

(أقول)

وهذا المؤيد مقتبس أيضاً من الكلام المتقدم للشيخ (حيث قال) واما عن رواية الأمالي فبعدم دلالتها على الوجوب للزوم إخراج أكثر موارد الشبهة وهي الشبهة الموضوعية مطلقاً والحكمية الوجوبية ... إلخ (ومن هنا يظهر) أن المصنف لو علل عدم جواز تخصيص الأخبار بلزوم تخصيص الأكثر كان أولى من تعليله بإبائها عن التخصيص قطعاً.

(قوله كيف لا يكون قوله قف عند الشبهة فإن الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام في الهلكة للإرشاد ... إلخ)

ليس في أخبار الباب قوله قف عند الشبهة ... إلخ وانما فيها وقفوا عند الشبهة (إلى ان قال) فإن الوقوف عند الشبهة ... إلخ (وعلى كل حال) هذا مؤيد ثاني للإرشادية غير الإباء عن التخصيص يجري في خصوص ما دل على التوقف عند الشبهة مع التعليل بالهلكة (وحاصله) انه لو لم يكن مثل قوله عليه‌السلام قفوا عند الشبهة فإن الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام في الهلكة للإرشاد بل كان للوجوب المولوي وكان شاملا للشبهات البدوية بعد الفحص على نحو ما زعمه الاخباري لم يلتئم ذلك مع التعليل المذكور فيه بالهلكة إذ لا هلكة في الشبهات البدوية بعد الفحص ما لم يؤمر بالوقوف والاحتياط فكيف يعلل وجوب الوقوف فيها بما ليس موجوداً فيها وهذا بخلاف ما إذا كان الأمر فيه للإرشاد إلى ما في الاقتحام من الهلكة والعقوبة الأخروية فيختص الأمر حينئذ بما يتنجز فيه الواقع على المكلف كالشبهة قبل الفحص والمقرونة بالعلم الإجمالي.

(أقول)

لا فرق في اختصاص الحديث الشريف بقرينة التعليل بالهلكة بما يتنجز فيه الواقع على المكلف بين كون الأمر فيه مولوياً أو إرشاداً فهو على كل حال مما لا يشمل الشبهات البدوية بعد الفحص مضافاً إلى ما عرفت من حال الإرشادية في أوامر الشارع في المقام وغيره.

(قوله لا يقال نعم ولكنه يستكشف عنه على نحو الإن إيجاب الاحتياط من قبل ليصح به العقوبة على المخالفة ... إلخ)

وحاصل الإشكال انه نعم لا عقوبة في الشبهة البدوية بعد الفحص ما لم يؤمر بالوقوف والاحتياط ولكن من أمر الشارع بالوقوف عند الشبهة وتعليله بالهلكة نستكشف إناً أنه قد أمر قبل ذلك بالاحتياط ليصح به العقوبة في الشبهة البدوية

حتى بعد الفحص (وحاصل الجواب) أن إيجاب الاحتياط الّذي لم يعلم به مما لا يصحح العقوبة على الواقع المجهول ولا يخرجها عن العقاب بلا بيان فلا فائدة في استكشافه إناً ولو كان ذلك مصححاً للعقاب لصح العقاب على نفس الواقع المجهول من غير حاجة إلى استكشاف إيجاب الاحتياط المصحح للعقاب عليه (وقد تقدم) هذا الإشكال من الشيخ أعلى الله مقامه وأنه قد أورده على نفسه بعد ذكر الطائفة الثانية من الاخبار وذكر الجواب عنها.

(قوله فلا محيص عن اختصاص مثله بما يتنجز فيه المشتبه لو كان كالشبهة قبل الفحص مطلقاً أو الشبهة المقرونة بالعلم الإجماليّ ... إلخ)

تفريع على بطلان الإشكال المذكور من أنه يستكشف إناً من أمر الشارع بالوقوف عند الشبهة وتعليله بالهلكة إيجاب الاحتياط قبلا ليصح به العقوبة في الشبهات البدوية (ووجه التفريع) انه إذا بطل الإشكال من أصله فقهراً يختص الأمر بالوقوف عند الشبهة مع التعليل بالهلكة بما يتنجز فيه الواقع على المكلف لو كان كالشبهة قبل الفحص مطلقاً سواء كانت تحريمية أو وجوبية والشبهات المقرونة بالعلم الإجمالي بل وبعض الشبهات الموضوعية مما أحرز فيه شدة اهتمام الشارع به جداً على ما عرفت شرحه في ذيل البراءة العقلية فتذكر.

في الاستدلال بالعقل للقول بالاحتياط

(قوله واما العقل فلاستقلاله بلزوم فعل ما احتمل وجوبه وترك ما احتمل حرمته حيث علم إجمالا بوجوب واجبات ومحرمات كثيرة فيما اشتبه وجوبه أو حرمته ... إلخ)

إشارة إلى الوجه الأول من وجهي العقل لوجوب الاحتياط ولم يحسن المصنف تقريره إذ لو علم إجمالا بوجود واجبات ومحرمات لوجب الاحتياط في كل من

الشبهات الوجوبية والتحريمية جميعاً مع ان معظم الأخباريين لا يدعون الاحتياط إلا في الشبهات التحريمية (والصحيح) ما أفاده الشيخ أعلى الله مقامه في تقريره (قال) واما العقل فتقريره بوجهين أحدهما انا نعلم إجمالا قبل مراجعة الأدلة الشرعية بمحرمات كثيرة يجب بمقتضى قوله تعالى وما نهاكم عنه فانتهوا ونحوه الخروج عن عهدة تركها على وجه اليقين بالاجتناب واليقين بعدم العقاب لأن الاشتغال اليقيني يستدعي اليقين بالبراءة باتفاق المجتهدين والأخباريين وبعد مراجعة الأدلة والعمل بها لا يقطع بالخروج عن جميع تلك المحرمات الواقعية فلا بدّ من اجتناب كل ما احتمل أن يكون منها إذا لم يكن هناك دليل شرعي يدل على حليته إذ مع هذا الدليل يقطع بعدم العقاب على الفعل على تقدير حرمته واقعاً (انتهى).

(نعم يرد عليهم) حينئذ (مضافاً) إلى ما سيأتي من انحلال هذا العلم الإجمالي من أصله النقض بالشبهات الوجوبية عيناً فإنا كما نعلم إجمالا قبل مراجعة الأدلة الشرعية بمحرمات كثيرة يجب بمقتضى قوله تعالى وما وما نهاكم عنه فانتهوا الخروج عن عهدة تركها على وجه اليقين فكذلك نعلم إجمالا قبل مراجعة الأدلة الشرعية بواجبات كثيرة يجب بمقتضى قوله تعالى وما آتيكم الرسول فخذوه الخروج عن عهدة فعلها على وجه اليقين فكما ان الأول مقتضي لوجوب الاجتناب عن كل ما احتمل حرمته فكذلك الثاني مقتضي لوجوب الإتيان بكل ما احتمل وجوبه مع انهم لا يلتزمون بوجوب الاحتياط في الشبهات الوجوبية الا جماعة منهم كما عرفت في أول نقل احتجاج الأخباريين.

(قوله ولا خلاف في لزوم الاحتياط في أطراف العلم الإجماليّ الا من بعض الأصحاب ... إلخ)

بل من جماعة كما يظهر من الشيخ أعلى الله مقامه (قال في الشبهة المحصورة) واما المقام الثاني يعني به وجوب الموافقة القطعية فالحق وجوب الاجتناب عن كلا

المشتبهين وفاقاً للمشهور (قال) وفي المدارك انه مقطوع به في كلام الأصحاب ونسبه المحقق البهبهاني في فوائده إلى الأصحاب وعن المحقق المقدس الكاظميني في شرح الوافية دعوى الإجماع صريحاً وذهب جماعة إلى عدم وجوبه وحكى عن بعض القرعة (انتهى).

(قوله والجواب أن العقل وإن استقل بذلك إلّا أنه إذا لم ينحل العلم الإجماليّ إلى عليم تفصيلي وشك بدوي وقد انحل ... إلخ)

(وحاصل الجواب) أنا وإن علمنا إجمالا بوجود واجبات ومحرمات في المشتبهات ولكن قد انحل هذا العلم الإجمالي إلى علم تفصيلي وشك بدوي بعد ما قامت الطرق والأصول المعتبرة على التكاليف بمقدار المعلوم بالإجمال أو أزيد وحينئذ فلا علم بتكاليف أخر غير التكاليف الفعلية في موارد المثبتة من الطرق والأصول العملية فلا يبقى بعد ذلك مقتضي لوجوب الاحتياط في المشتبهات أصلا.

(قوله كذلك علم إجمالا بثبوت طرق وأصول معتبرة مثبتة لتكاليف بمقدار تلك التكاليف المعلومة ... إلخ)

وفي التعبير مسامحة إذ لو علم إجمالا لا تفصيلا بثبوت طرق وأصول معتبرة مثبتة للتكاليف بمقدار تلك التكاليف المعلومة بالإجمال لكانت النتيجة انحلال العلم الإجمالي الكبير إلى العلم الإجمالي الصغير بما في موارد الطرق والأصول المثبتة للتكاليف لا انحلاله إلى العلم التفصيليّ والشك البدوي كما ادعاه ولو قال بدل ذلك هكذا كذلك علم تفصيلا بثبوت طرق وأصول ... إلخ لم يلزم ذلك.

(قوله ان قلت نعم لكنه إذا لم يكن العلم بها مسبوقاً بالعلم بالواجبات إلى آخره)

(وحاصل الإشكال) انه نعم لا علم بتكاليف أخر غير التكاليف الفعلية المعلومة في موارد المثبتة من الطرق والأصول العملية فلا وجه للاحتياط فيما سواها من

المشتبهات لكن إذا لم يكن العلم بها مسبوقاً بالعلم الإجمالي بوجود واجبات ومحرمات وإلا فلا ينحل العلم الإجمالي السابق بهذا التفصيليّ اللاحق (وحاصل الجواب) ان العلم الإجمالي السابق انما لا ينحل بالتفصيلي اللاحق إذا كان المعلوم بالتفصيل أمراً حادثاً غير المعلوم بالإجمال كما إذا علم إجمالا بنجاسة أحد الإناءين بوقوع قطرة من البول في أحدهما ثم وقعت قطرة من الدم في أحدهما المعين فهاهنا هنا لا ينحل العلم الإجمالي السابق بالتفصيلي اللاحق (واما إذا كان) المعلوم بالتفصيل اللاحق مما ينطبق عليه المعلوم بالإجمال السابق كما إذا قامت البينة على نجاسة أحدهما بالخصوص ونحن نحتمل ان هذا هو عين ما علمنا إجمالا بنجاسته سابقاً فحينئذ ينحل العلم الإجمالي السابق بهذا التفصيليّ اللاحق والمقام من قبيل الثاني لا الأول فإن التكاليف التي قامت عليها الطرق والأصول المثبتة إن لم تكن هي عين المعلوم بالإجمال السابق فنحن نحتمل لا محالة أن تكون هي عينه فينحل العلم من أصله.

(قوله إن قلت انما يوجب العلم بقيام الطرق المثبتة له بمقدار المعلوم بالإجمال ذلك إذا كان قضية قيام الطريق على تكليف موجباً لثبوته فعلا واما بناء ... إلخ)

(وحاصل الإشكال) ان قيام الطرق على التكاليف بمقدار المعلوم بالإجمال إنما يوجب انحلال العلم الإجمالي السابق إذا قلنا في الطرق بجعل أحكام ظاهرية طريقية وأن قيامها سبب لحدوث تكليف ظاهري طريقي على طبق مؤدياتها في قبال القول بسببية قيامها لحدوث مصلحة نفسية أو مفسدة كذلك موجبة لجعل حكم واقعي نفسي على طبقها المشتهر بالقول بالسببية (وأما إذا قلنا) في الطرق والأمارات بجعل الحجية أي المنجزية عند الإصابة والعذرية عند الخطأ كما في العلم عيناً غايته ان المنجزية والعذرية في العلم ذاتيتان وفي الطرق والأمارات مجعولتان بجعل الشارع فلا يكاد ينحل العلم الإجمالي السابق بقيام الطرق والأمارات إذ لا حكم مجعول في مواردها على طبق مؤدياتها كي توجب انحلال العلم الإجمالي السابق (وحاصل الجواب)

ان مجرد قيام الحجة على التكاليف المنطبقة عليها المعلوم بالإجمال السابق مما يوجب انحلال العلم الإجمالي ولو تعبداً بمعنى انه يوجب صرف تنجز المعلوم بالإجمال إلى ما قامت عليه الحجة فإن طابقته وكان ما قامت عليه الحجة هو عين المعلوم بالإجمال فهي ناقلة لاستحقاق العقاب عليه إلى ما قامت عليه الحجة وإن أخطأته وكان ما قامت عليه الحجة هو غير المعلوم بالإجمال فهي عذر لفوت المعلوم بالإجمال (نظير ما إذا علم إجمالا) بوجود غنم موطوء في القطيع ثم قامت الحجة على أن هذا الغنم موطوء فهي توجب صرف تنجز المعلوم بالإجمال إليه فإن طابقته وكان هذا هو الغنم الّذي علمنا إجمالا بكونه موطوءاً فهي ناقلة لاستحقاق العقاب على المعلوم بالإجمال إلى هذا الغنم وإن أخطأته ولم يكن هذا هو ما علمنا إجمالا بكونه موطوءاً فهي عذر لعدم الاجتناب عن المعلوم بالإجمال ولو لا ذلك لم ينفع القول بجعل الأحكام الظاهرية الطريقية في موارد الطرق والأمارات في انحلال العلم الإجمالي السابق فإن الظاهرية المجعولة على القول بها ليست هي إلّا أحكاماً طريقية حادثة بسبب قيام الأمارات غير التكاليف الواقعية المعلومة بالإجمال كما لا يخفى.

(قوله قضية الاعتبار شرعاً على اختلاف ألسنة أدلته وان كان ذلك على ما قوّينا في البحث ... إلخ)

بل قد عرفت منا في بحث إمكان التعبد بالأمارات أن قضية غير واحد من الاخبار هي تنزيل المؤدي منزلة الواقع لا جعل الحجية أي المنجزية والعذرية وإن حققنا هناك ان كلا من جعل الحجية المعتبر عنه بتتميم الكشف وتنزيل الأمارة منزلة العلم وجعل الأحكام الظاهرية الطريقية المعبر عنه بتنزيل المؤدي منزلة الواقع هو مما لا ينفك عن الآخر فيقع الكلام في أن المستفاد من الأدلة في مقام الإثبات أولا هل هو جعل الحجية كي يستلزمه جعل أحكام ظاهرية طريقية أو بالعكس أي المستفاد منها أولا هو جعل أحكام ظاهرية طريقية ويستلزمه جعل الحجية.

(قوله هذا إذا لم يعلم ثبوت التكاليف الواقعية في موارد الطرق المثبتة بمقدار المعلوم بالإجمال ... إلخ)

وإلّا فينحل العلم الإجمالي الكبير إلى العلم الإجمالي الصغير بما في موارد الطرق المثبتة ولا يكاد يبقى حينئذ مقتضي لوجوب الاحتياط في المشتبهات أصلا (والفرق) بين هذا الجواب وسابقة أن في الجواب السابق قد ادعينا قيام الطرق المعتبرة على التكاليف بمقدار المعلوم بالإجمال مع عدم العلم بوجود التكاليف الواقعية في مجموع ما أدته الطرق بمقدار المعلوم بالإجمال بل كنا نحتمل فقط انطباق المعلوم بالإجمال على ما أدته الطرق فمجرد ذلك قد أوجب انحلال العلم الإجمالي إلى العلم التفصيليّ بالتكاليف الفعلية التي أدته الطرق والشك البدوي فيما سواه (وفي هذا الجواب) ندعي العلم الإجمالي بوجود التكاليف الواقعية في مجموع ما أدته الطرق بمقدار المعلوم بالإجمال فينحل به العلم الإجمالي الكبير إلى العلم الإجمالي الصغير بما في موارد الطرق المثبتة ولا يكاد يبقى حينئذ مانع عن جريان البراءة في المشتبهات أصلا كما لم يبق على الجواب الأول أيضاً.

(قوله وربما استدل بما قيل من استقلال العقل بالحظر في الأفعال الغير الضرورية قبل الشرع ولا أقل من الوقف ... إلخ)

(إشارة) إلى الوجه الثاني من وجهي العقل لوجوب الاحتياط (قال الشيخ) أعلى الله مقامه الوجه الثاني أن الأصل في الأفعال الغير الضرورية الحظر كما نسب إلى طائفة من الإمامية فيعمل به حتى يثبت من الشرع الإباحة ولم يرد الإباحة فيما لا نصّ فيه وما ورد على تقدير تسليم دلالته معارض بما ورد من الأمر بالتوقف والاحتياط فالمرجع إلى الأصل ولو تنزلنا عن ذلك فالوقف كما عليه الشيخان قدس‌سرهما أي المفيد والطوسي واحتج عليه في العدة بأن الإقدام على ما لا يؤمن المفسدة فيه كالإقدام على ما يعلم فيه المفسدة (انتهى) موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه.

(أقول)

إن مجرد كون الأصل في الأفعال الغير الضرورية الحظر أو الوقف حتى يرد فيها الرخصة على تقدير تسليمه مما لا يكفي فيما شك في ورود الرخصة فيه إلا بضميمة استصحاب عدم ورود الرخصة فيه (كما ان مجرد كون الأصل) في الأشياء الإباحة حتى يرد فيها النهي مما لا يكفي فيما شك في ورود النهي فيه إلا بضميمة استصحاب عدم ورود النهي فيه (وقد تقدم) تفصيل ذلك كله في ذيل حديث كل شيء مطلق حتى يرد فيه نهي (اللهم) إلّا أن يقال إن القول بالوقف حيث كان ملاكه قبح الإقدام على ما لا يؤمن مفسدته كالإقدام على ما علم مفسدته فالملاك بعينه موجود حتى مع الشك في ورود الرخصة فيه من غير حاجة إلى استصحاب عدم ورود الرخصة فيه أصلا.

(قوله وفيه أولا انه لا وجه للاستدلال بما هو محل الخلاف ... إلخ)

(ومحصل الجواب) ان الاستدلال بما هو محل الخلاف بل كاد يكون الإجماع على خلافه لما تقدم في ذيل حديث كل شيء مطلق من ان الصدوق رضوان الله عليه جعل إباحة الأشياء حتى يثبت الحظر من دين الإمامية (مصادرة) لا يصار إليها وإلّا لصح الاستدلال على البراءة بكون الأصل في الأفعال هو الإباحة إلى أن يرد الحظر (قوله وثانياً انه تثبت الإباحة شرعاً لما عرفت من عدم صلاحية ما دل على التوقف أو الاحتياط للمعارضة لما دل عليها ... إلخ)

(وحاصل الجواب الثاني) انه لو سلم ان الأصل في الأفعال الغير الضرورية الحظر أو الوقف حتى يثبت من الشرع الإباحة فقد ثبت من الشرع الإباحة للأدلة المتقدمة الدالة على البراءة الشرعية كحديث الرفع والسعة والحجب وغيرها بل وبعض الآيات أيضاً (واما ما دل) على الاحتياط أو التوقف فقد عرفت الجواب عنه وانه مما لا يصلح للمعارضة مع ما دل على الإباحة أصلا.

(قوله وثالثاً انه لا يستلزم القول بالوقف في تلك المسألة للقول بالاحتياط في هذه المسألة لاحتمال أن يقال معه بالبراءة لقاعدة قبح العقاب بلا بيان ... إلخ)

(وحاصل الجواب الثالث) ان القول بالحظر هناك وإن فرض انه يستلزم القول بالاحتياط هاهنا ولكن القول بالوقف في تلك المسألة مما لا يستلزم القول بالاحتياط في هذه المسألة وذلك لجواز ان يقال مع الالتزام بالوقف هناك بالبراءة العقلية هاهنا وهي قاعدة قبح العقاب بلا بيان (وفيه ما لا يخفى) فإن القائل بالوقف هناك وإن فرض انه مأمون من ناحية العقاب هاهنا لكونه عقاباً بلا بيان ولكنه ممن لا يرفع يده عن الاحتياط من ناحية أخرى وهي كون الإقدام على ما لا يؤمن مفسدته قبيح كالإقدام على ما علم مفسدته (ومن هنا) صار المصنف بصدد المنع عن ذلك فقال وما قيل من أن الإقدام على ما لا تؤمن المفسدة فيه كالإقدام على ما تعلم فيه المفسدة ممنوع ... إلخ.

(أقول)

هذا كله مضافاً إلى المنع عن القول بالحظر أو الوقف من أصله فلا يبقى معه مجال للاستدلال به هاهنا أصلا (اما المنع عن الحظر) فلضعف مدركه وهو كون التصرف فيما لم يرد فيه رخصة تصرفاً في ملك الغير بغير إذنه فيحرم فإن قياس الباري جل وعلا بسائر المالكين قياس مع الفارق (مضافاً) إلى ان الحديث الشريف المتقدم كل شيء مطلق حتى يرد فيه نهي مما يرد ذلك كله فإنه قد دل كما تقدم على إباحة الأشياء حتى يرد فيها نهي وإذا شك في ورود النهي في مورد فالأصل عدمه (واما المنع عن الوقف) فقد عرفت شرحه في ذيل البراءة العقلية لدى التعليق على قول المصنف ان قلت نعم ولكن العقل يستقل بقبح الإقدام على ما لا يؤمن مفسدته ... إلخ من شهادة الوجدان ومراجعة ديدن العقلاء من أهل الملل والأديان على خلافه.

(وبالجملة) إن القائل بالاحتياط في الدليل العقلي (إن استند) إلى العلم الإجمالي فقد عرفت الجواب عنه (وان استند) إلى كون الأصل في الأشياء الحظر أو الوقف إلى ان يرد الرخصة فقد عرفت أيضاً حاله (وإن استند) إلى قاعدة دفع الضرر المحتمل (فإن كان) الضرر هو العقاب الأخروي فنحن لا نحتمله بعد استقلال العقل بقبح العقاب بلا بيان وقد تقدم تفصيل ذلك في البراءة العقلية (وان كان) هو الضرر الدنيوي فنحن

نمنع استقلال العقل بوجوب دفع مظنونه فضلا عن محتمله وموهومه إلّا إذا كان من الأضرار المهمة جداً كقتل أو حرق وما أشبههما فيجب دفع موهومه فضلا عن محتمله ومظنونه وقد تقدم تفصيل ذلك أيضاً فلا نعيد.

(قوله فان المفسدة المحتملة في المشتبه ليس بضرر غالباً ... إلخ)

قد عرفت ضعف ذلك في البراءة العقلية لدى التعليق على قوله مع ان احتمال الحرمة أو الوجوب لا يلازم احتمال المضرة وان كان ملازماً لاحتمال المفسدة أو ترك المصلحة ... إلخ (ووجه الضعف) كما تقدم شرحه ان المصالح والمفاسد التي هي مناطات الأحكام وإن لم تكن هي دائماً من قبيل المنافع والمضار ولكن قد تكون منها بل يتفق ذلك كثيراً فإذا احتمل المفسدة في الشبهة فقد احتمل الضرر فيها احتمالا معتداً به لا ضعيفاً لا يعتني به كما صرح في المتن (ولكنك) قد عرفت منا التحقيق في الجواب عن الضرر المحتمل على تقدير كونه هو الضرر الدنيوي فتذكر

(قوله مع ان الضرر ليس دائماً مما يجب التحرز عنه عقلا بل يجب ارتكابه أحياناً فيما كان المترتب عليه أهم في نظره ... إلخ)

قد عرفت ضعف ذلك أيضاً في البراءة العقلية لدى التعليق على قوله واما ضرر غير العقوبة فهو وان كان محتملا إلّا أن المتيقن منه فضلا عن محتمله ليس بواجب الدفع شرعاً ولا عقلا ... إلخ (ووجه الضعف) كما تقدم تفصيله أن عدم وجوب التحرز عن بعض المضار بل وجوب ارتكابه أحياناً شرعاً وعقلا كتسليم النّفس

للحدود والقصاص أو تعريضها للقتل في الجهاد مما لا يكون دليلا على عدم وجوب التحرز عن بقية الأضرار كما لا يخفى.

في تنبيهات البراءة وبيان انه لا تجري

مع أصل موضوعي

(قوله بقي أمور مهمة لا بأس بالإشارة إليها الأول انه انما تجري أصالة البراءة شرعاً وعقلا فيما لم يكن هناك أصل موضوعي مطلقاً ولو كان موافقاً لها ... إلخ)

وحاصل الكلام في هذا الأمر أن أصالة البراءة انما تجري في الشبهة الحكمية أو الموضوعية إذا لم يكن هناك أصل موضوعي جار فيها إذا لا مجال لها مع الأصل الموضوعي بلا كلام لوروده عليها وارتفاع موضوعها بسببه وهو الشك ولو رفعاً تعبدياً عبر عنه الشيخ في الأغلب بالحكومة (ثم إن المصنف) قد جمع في هذا الأمر الأول بين تنبيهين من تنبيهات الشيخ أي التنبيه الخامس من تنبيهات الشبهة التحريمية الحكمية والتنبيه الأول من تنبيهات الشبهة التحريمية الموضوعية (قال) أعلى الله مقامه في الموضع الأول (ما لفظه) الخامس أن أصل الإباحة في مشتبه الحكم انما هو مع عدم أصل موضوعي حاكم عليه فلو شك في حل أكل حيوان مع العلم بقبوله التذكية جرى أصالة الحل وان شك فيه من جهة الشك في قبوله للتذكية فالحكم الحرمة لأصالة عدم التذكية لأن من شرائطها قابلية المحل وهي مشكوكة فيحكم بعدمها وكون الحيوان ميتة (انتهى) (وقال) أعلى الله مقامه في الموضع الثاني (ما لفظه) الأول إن محل الكلام في الشبهة الموضوعية المحكومة بالإباحة ما إذا لم يكن هناك أصل موضوعي يقضي بالحرمة يعني كما إذا شك في حلية لحم لتردده

بين لحم الغنم الحلال ولحم الثعلب الحرام مع العلم بوقوع التذكية عليه على كل حال (إلى ان قال) ومن قبيل ما لا يجري فيه أصالة الإباحة اللحم المردد بين المذكي والميتة فإن أصالة عدم التذكية المقتضية للحرمة والنجاسة حاكمة على أصالتي الإباحة والطهارة (انتهى).

(ثم إنه) لا فرق في عدم جريان أصالة البراءة في الشبهة الحكمية أو الموضوعية مع الأصل الموضوعي بين ان كان الأصل الموضوعي مخالفاً لها كما في المثالين المتقدمين في كلامي الشيخ أعلى الله مقامه أحدهما في الموضع الأول والآخر في الموضع الثاني أو كان الأصل الموضوعي موافقاً لها فإن ملاك عدم الجريان هو الورود أو الحكومة وهو موجود في كلتا الصورتين جميعاً (وإليه أشار المصنف) بقوله مطلقاً ولو كان موافقاً لها ... إلخ (فإذا شك) بنحو الشبهة الحكمية أن الجلل في الحيوان المأكول هل هو مما يوجب ارتفاع قابليته للتذكية فيحرم أم لا فيستصحب قابليته للتذكية من قبل زمان الجلل ولا يبقى معه مجال لأصل الحل والإباحة أصلا وان كان موافقاً معه في النتيجة وهي الحلية (وإذا شك) بنحو الشبهة الموضوعية بعد الفراغ عن كون الجلل في الحيوان مما يوجب ارتفاع قابليته للتذكية فيحرم انه هل طرأ الجلل فيه أم لا فيستصحب عدمه ولا يبقى أيضاً معه مجال لأصل الحل والإباحة وإن كان موافقاً معه أيضاً فهذه أمثلة أربعة فاضبطها.

(قوله فأصالة عدم التذكية تدرجها فيما لم يذك وهو حرام إجماعاً كما إذا مات حتف أنفه فلا حاجة إلى إثبات أن الميتة تعم غير المذكى شرعاً ... إلخ)

وتوضيح المقام انه يظهر من الشيخ أعلى الله مقامه في التنبيه الأول من تنبيهات الشبهة التحريمية الموضوعية انه قد أشكل على أصالة عدم التذكية بمعارضتها بأصالة عدم الموت وأن الحرمة والنجاسة من أحكام الميتة (وقد أجاب عنه الشيخ) أعلى الله مقامه من وجهين.

(قال أولا) بأنه يكفي في الحكم بالحرمة عدم التذكية ولو بالأصل

ولا يتوقف على ثبوت الموت حتى ينتفي بانتفائه ولو بحكم الأصل والدليل عليه استثناء ما ذكيتم من قوله وما أكل السبع يعني به الآية الشريفة حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع إلا ما ذكيتم الآية (قال) فلم يبح الشارع إلا ما ذكي وإناطة إباحة الأكل بما ذكر اسم الله عليه وبغيره من الأمور الوجودية المعتبرة في التذكية فإذا انتفى بعضها ولو بحكم الأصل انتفت الإباحة.

(وثانياً) إن الميتة عبارة عن غير المذكي إذ ليست الميتة خصوص ما مات حتف أنفه بل كل زهاق روح انتفى فيه شرط من شروط التذكية فهي ميتة شرعاً وتمام الكلام في الفقه (انتهى) فالمصنف قد اختار الوجه الأول من وجهي الجواب وأن الحرمة هي من آثار عدم التذكية غير أن الشيخ قد استند في ذلك إلى الآيتين أعني قوله تعالى (إلا ما ذكيتم) في أول المائدة وقوله تعالى (فكلوا مما ذكر اسم الله عليه) في سورة الأنعام والمصنف قد استند فيه إلى الإجماع ولم يختر المصنف الوجه الثاني وكأنه رأى ان إثبات كون الميتة عبارة عن غير المذكي مما لا يخلو عن كلفة (فقال) فلا حاجة إلى إثبات أن الميتة تعم غير المذكي شرعاً ... إلخ.

(وبالجملة) إن الحرمة هي من آثار عدم التذكية وهو مما يثبت بالأصل وليست هي من آثار الموت حتف أنفه كي ينفي بالأصل ويترتب عليه عدم الحرمة إذ لا مدخل للموت في الحرمة أصلا سوى انه من أفراد ما لم يذك (ثم إن) الظاهر انه لا وجه لتأنيث الضمير في قول المصنف تدرجها والصحيح تدرجه ولعل ذلك سهو من القلم والله العالم.

(قوله وذلك بأن التذكية انما هي عبارة عن فري الأوداج الأربعة مع ساير شرائطها عن خصوصية في الحيوان ... إلخ)

وهي التي عبر عنها الشيخ في العبارة الأولى المتقدمة بقابلية المحل (وعلى كل حال) قول المصنف هذا تعليل لقوله المتقدم فأصالة عدم التذكية تدرجها فيما لم يذك وبيان

لكيفية اندراج الحيوان المشكوك حليته بسبب الأصل في غير المذكي والكيفية ان التذكية عبارة عن فري الأوداج الأربعة بشرائطه من التسمية والاستقبال وإسلام الذابح وغيرها عن خصوصية في الحيوان وقابلية فيه فإذا شك في حيوان خاص بنحو الشبهة الحكمية انه هل هو واجد لتلك الخصوصية أم لا فبأصالة عدم تحقق التذكية بمجرد الفري بشرائطه تندرج فيما لم يذك فيحرم شرعاً.

(قوله التي بها تؤثر فيه الطهارة وحدها أو مع الحلية ... إلخ)

فإن الخصوصية في الحيوان بسببها تؤثر التذكية في الطهارة وحدها كما في الأرانب والثعالب والسنجاب ونحوها أو في الطهارة مع الحلية جميعاً كما في الغنم والبقر والإبل ونحوها.

(قوله هذا إذا لم يكن هناك أصل موضوعي آخر مثبت لقبوله التذكية إلى آخره)

شروع في التمثيل للأصل الموضوعي الموافق للبراءة والمثال السابق كان للأصل الموضوعي المخالف لها وكل منهما للشبهة الحكمية وبقي عليه التمثيل للمخالف والموافق من الشبهة الموضوعية وسيذكرهما.

(قوله ومما ذكرنا ظهر الحال فيما اشتبهت حليته وحرمته بالشبهة الموضوعية من الحيوان ... إلخ)

شروع في التمثيل للأصل الموضوعي المخالف للبراءة والموضوعي الموافق لها وكل منهما للشبهة الموضوعية وقد عرفت شرح الأمثلة الأربعة فلا نعيد.

في حسن الاحتياط شرعاً وعقلا

(قوله الثاني انه لا شبهة في حسن الاحتياط شرعاً وعقلا في الشبهة الوجوبية أو التحريمية ... إلخ)

قد جمع المصنف أيضاً في هذا الأمر الثاني بين تنبيهين من تنبيهات الشيخ أعلى الله مقامه أي التنبيه الثالث من تنبيهات الشبهة التحريمية الحكمية والتنبيه الثاني من تنبيهات الشبهة الوجوبية الحكمية (قال) في الموضع الأول (ما لفظه) لا إشكال في رجحان الاحتياط عقلا ونقلا كما يستفاد من الاخبار المذكورة وغيرها ... إلخ (وقال) في الموضع الثاني (ما لفظه) الثاني انه لا إشكال في رجحان الاحتياط بالفعل حتى فيما احتمل كراهته والظاهر ترتب الثواب عليه إذا أتى به لداعي احتمال المحبوبية لأنه انقياد وإطاعة حكمية ... إلخ.

(أقول)

(أما حسن الاحتياط) في الشبهات عقلا سواء كانت تحريمية أو وجوبية بل وسواء كانت حكمية أو موضوعية فلاحتمال وجود الواقع فيها ولرجحان حفظ الواقع عقلا مهما أمكن ولو مع الأمن من العقاب (وأما حسنه) شرعاً فلكثير من الاخبار المتقدمة الآمرة بالتوقف أو الاحتياط مما كان ظاهره الاستحباب والرجحان دون الحتم والإلزام.

(نعم) إذا ارتفع موضوع الاحتياط وهو الشك واحتمال وجود الواقع في المشتبه بأن حصل القطع الوجداني بالعدم أو أوجب الاحتياط العسر والحرج على المكلف أو الإخلال بالنظام أو الضرر أو الوسواس فعند ذلك لا يحسن الاحتياط لا عقلا ولا شرعاً بل يحرم الاحتياط في صورة الإخلال بالنظام أو الضرر أو الوسواس كما لا يخفى.

(قوله وربما يشكل في جريان الاحتياط في العبادات عند دوران الأمر بين الوجوب وغير الاستحباب من جهة ان العبادة لا بد فيها من نية القربة المتوقفة على العلم بأمر الشارع تفصيلا أو إجمالا ... إلخ)

هذا الإشكال من الشيخ أعلى الله تعالى مقامه قد ذكره في التنبيه الثاني من تنبيهات الشبهة الوجوبية الحكمية (قال) وفي جريان ذلك يعني الاحتياط في العبادات عند دوران الأمر بين الوجوب وغير الاستحباب وجهان أقواهما العدم لأن العبادة لا بد فيها من نية التقرب المتوقفة على العلم بأمر الشارع تفصيلا أو إجمالا كما في كل من الصلوات الأربع عند اشتباه القبلة (انتهى).

(قوله وحسن الاحتياط عقلا لا يكاد يجدى في رفع الإشكال ولو قيل بكونه موجباً لتعلق الأمر به شرعاً بداهة توقفه على ثبوته ... إلخ)

الشيخ أعلى الله مقامه بعد أن ذكر الإشكال المتقدم ذكر وجهين للتفصي عنه ثم أجاب عنهما (اما الوجهان).

(فأحدهما) انه يترتب الثواب على الاحتياط ومن ترتبه عليه نستكشف الأمر به فتصح العبادة.

(وثانيهما) أن العقل مستقل بحسن الاحتياط وبقاعدة الملازمة بين حكم العقل وحكم الشرع نستكشف الأمر به شرعاً فتصح العبادة أيضاً (واما الجواب عنهما) فحاصله المنع من ترتب الثواب وأن استقلال العقل بحسن الاحتياط مما لا يكشف عن تعلق الأمر المولوي به الا الإرشادي فإن الاحتياط انقياد بحكم الإطاعة فكما أن الإطاعة الحقيقية مما لا يكون الأمر بها إلا إرشادياً فكذلك الإطاعة الحكمية ومن المعلوم أن الإرشادي مما لا يجدي في جعل الشيء عبادة لعدم حصول القرب به ما لم يكن مولوياً (ثم إن) المصنف قد أشار إلى وجهي التفصي والجواب عنهما جميعاً وأضاف على جواب الشيخ عنهما جواباً آخر قد أخذه من كلام الشيخ أيضاً وقدّمه في الذّكر ونعم ما صنع (فقوله) وحسن الاحتياط ... إلخ إشارة إلى الجواب

الآخر عن الوجه الثاني (وقوله) الآتي وقد انقدح بذلك ... إلخ إشارة إلى الجواب الآخر عن الوجه الأول وحاصله أن الأمر بالاحتياط سواء كان من ترتب الثواب عليه أو من استقلال العقل بحسنه هو فرع ثبوت الاحتياط وإمكانه فكيف يعقل أن يكون الأمر به من مبادئ ثبوته وإمكانه وهل هو الا دور صريح.

(أقول)

وهذا الجواب عن الوجهين وإن كان متيناً في محله ولكن الجواب الأول عنهما ضعيف جداً لما عرفته منا في الفور والتراخي مفصلا وأشير في ذيل الجواب عن أخبار الاحتياط مختصراً من أن أوامر الشارع كلها مولوية ليست إرشادية كأوامر الطبيب خالية عن الإرادة والكراهة قد أنشئت لمجرد التنبيه على ما في الفعل من الخواصّ والآثار والمنافع والمضار فراجع ولا نعيد (والحق في الجواب) عن وجهي التفصي مضافاً إلى الجواب الآخر عنهما الّذي اعترفنا انه متين في محله (ان يقال) إن الأمر بالاحتياط مما لا يصحح الاحتياط في العبادات بزعم انه أمر معلوم قطعي فيقصد ويحصل به قصد القربة فان الفعل ما لم يؤت به برجاء مطلوبيته الواقعية لم يكن احتياطاً وإذا أتى به كذلك لم يكن إتيانه به بداعي الأمر المعلوم القطعي وهذا واضح ظاهر.

(قوله وانقدح بذلك انه لا يكاد يجدى في رفعه أيضاً القول بتعلق الأمر به من جهة ترتب الثواب عليه ... إلخ)

قد أشرنا ان قوله هذا إشارة إلى الجواب الآخر عن الوجه الأول للتفصي كما ان قوله وحسن الاحتياط .... إلخ كان إشارة إلى الجواب الآخر عن الوجه الثاني للتفصي

(قوله هذا مع ان حسن الاحتياط لا يكون بكاشف عن تعلق الأمر به بنحو اللم ولا ترتب الثواب عليه بكاشف عنه بنحو الإن ... إلخ)

قد أشار بقوله هذا إلى جواب الشيخ عن وجهي التفصي.

(قوله وما قيل في دفعه من كون المراد بالاحتياط في العبادات هو مجرد الفعل المطابق للعبادة من جميع الجهات عدا نية القربة فيه مضافاً ... إلخ)

القائل هو الشيخ أعلى الله مقامه وما قاله هو بمنزلة وجه ثالث للتفصي عن الإشكال

(قال) فيما أفاده في المقام ما هذا لفظه إن المراد من الاحتياط والاتقاء في هذه الأوامر هو مجرد الفعل المطابق للعبادة من جميع الجهات عدا نية القربة فمعنى الاحتياط بالصلاة الإتيان بجميع ما يعتبر فيها عدا قصد القربة فأوامر الاحتياط يتعلق بهذا الفعل وحينئذ فيقصد المكلف فيه التقرب بإطاعة هذا الأمر (انتهى) (وقد أورد) عليه المصنف من وجهين.

(الأول) ان الإتيان بالفعل المجرد عن قصد القربة ليس احتياطاً في العبادات

(نعم) إذا ورد دليل على الاحتياط في العبادات وفرضنا انه عجزنا عن تصوير الاحتياط فيها فعند ذلك لا بد بدليل الاقتضاء وحفظ كلام الحكيم عن اللغو من حمله على الاحتياط بالمعنى المذكور ولكن ستعرف تصوير الاحتياط فيها بلا حاجة إلى الحمل المذكور (وقد أشار) إلى هذا الوجه بقوله فيه مضافاً إلى عدم مساعدة دليل حينئذ على حسنه بهذا المعنى ... إلخ.

(الثاني) ان الاحتياط في العبادات بالمعنى المذكور تسليم للإشكال وعجز في الحقيقة عن تصوير الاحتياط فيها (وقد أشار) إلى هذا الوجه بقوله أخيراً انه التزام بالإشكال وعدم جريانه فيها وهو كما ترى ... إلخ.

(قوله قلت لا يخفى ان منشأ الإشكال هو تخيل كون القربة المعتبرة في العبادة مثل ساير الشروط المعتبرة فيها مما يتعلق بها الأمر المتعلق بها فيشكل جريانه حينئذ لعدم التمكن من إتيان جميع ما اعتبر فيها وقد عرفت انه فاسد ... إلخ)

شروع في الجواب عن الإشكال الّذي أورده الشيخ أعلى الله مقامه في جريان الاحتياط في العبادات من ناحية عدم تمشي قصد القربة الا مع العلم بالأمر ولا علم به في الشبهات البدوية (وحاصل الجواب) ان الإشكال مبتن على كون القربة المعتبرة في العبادة مما يتعلق به الأمر شرعاً كسائر الاجزاء والشرائط فحينئذ يشكل جريان الاحتياط في العبادات لأن الاحتياط فيها عبارة عن الإتيان بكل ما احتمل

وجوبه شرعاً حتى قصد القربة وقصد القربة مما يحتاج إلى الأمر المعلوم تفصيلا أو إجمالا ولا أمر كذلك في الشبهات البدوية.

(واما) إذا كان اعتبار قصد القربة بحكم العقل ولم يكن داخلا في المأمور به كما حققناه في التعبدي والتوصلي فجريان الاحتياط في العبادات في كمال الإمكان للتمكن من الإتيان بكل ما احتمل وجوبه شرعاً من الاجزاء والشرائط غايته انه لا بد أن يؤتي به على نحو لو كان مأموراً به واقعاً كان مقرباً فيؤتى به بداعي احتمال الأمر أو بداعي احتمال محبوبيته فإن كان مأموراً به واقعاً كان امتثالا لأمره وإن لم يكن مأموراً به كان انقياداً للمولى فهو على كل حال يستحق الثواب إما على الطاعة وإما على الانقياد.

(أقول)

والإنصاف أن الإشكال غير مبتن على كون القربة المعتبرة في العبادة كسائر الاجزاء والشرائط مما يتعلق به الأمر شرعاً بل هو إشكال غير مربوط بهذه الناحية أبداً فإن التقرب معتبر في العبادة لا محالة سواء كان بحكم الشرع أو بحكم العقل والمستشكل يدعي توقف التقرب المعتبر فيها إما شرعاً أو عقلا على العلم بالأمر اما تفصيلا أو إجمالا ولا أمر كذلك في الشبهات البدوية (والحق) في جوابه هو المنع عن توقفه على العلم بالأمر بل التقرب كما يحصل بإتيان الفعل بداعي الأمر في صورة العلم به فكذلك يحصل بإتيانه بداعي احتمال الأمر وبرجاء مطلوبيته الواقعية في صورة الشك فيه ولو لا ذلك لم يتمش قصد القربة حتى في صورة العلم الإجمالي بالأمر كما في الصلوات الأربع عند اشتباه القبلة لعدم العلم بالأمر في كل صلاة يصليها المكلف على حده فيكون حالها كحال الصلاة في الشبهات البدوية عيناً (ولو سلم الفرق بينهما فبعد الإتيان بأحد المحتملات يرتفع العلم الإجمالي لاحتمال مصادفة ما أتى به مع المأمور به الواقعي وإن فرض بقاء أثره وهو وجوب الإتيان بباقي المحتملات عقلا فكما يقال حينئذ إن قصد القربة يتمشى بالإتيان بالفعل برجاء كونه مأموراً

به فكذلك يقال في الشبهات البدوية عيناً (هذا كله) مضافاً إلى اعتراف الشيخ بنفسه في قوله المتقدم في صدر المسألة الثاني انه لا إشكال في رجحان الاحتياط بالفعل حتى فيما احتمل كراهته والظاهر ترتب الثواب عليه إذا أتى به لداعي احتمال المحبوبية لأنه انقياد وإطاعة حكمية ... إلخ بجريان الاحتياط في التوصليات وترتب الثواب على الفعل المأتي به بداعي احتمال محبوبيته الواقعية (ومن المعلوم) ان الثواب فيما إذا لم يكن الفعل محبوباً واقعاً وان كان على الانقياد ولكن فيما إذا كان محبوباً واقعاً لا يكاد يكون الا على نفس الفعل والفعل لا يثاب عليه إلّا إذا وقع عبادة ومتقرباً به فلو كان قصد القربة مما يتوقف على العلم بالأمر فكيف وقع الفعل متقرباً به وترتب الثواب عليه مع انتفاء العلم بالأمر (بل اعترف الشيخ) في العبادات أيضاً بعين ما ذكرناه من كفاية الإتيان بداعي احتمال كونه مأموراً به (فقال) ويحتمل الجريان يعني الاحتياط في العبادات (قال) بناء على ان هذا المقدار من الحسن العقلي يكفي في العبادة ومنع توقفها على ورود أمر بها بل يكفي الإتيان به لاحتمال كونه مطلوباً أو كون تركه مبغوضاً ولذا استقرت سيرة العلماء والصلحاء فتوى وعملا على إعادة العبادات لمجرد الخروج عن مخالفة النصوص الغير المعتبرة والفتاوي النادرة (انتهى) كلامه رفع مقامه.

لا حاجة في جريان الاحتياط في العبادات

إلى اخبار من بلغه ثواب

(قوله وقد انقدح بذلك انه لا حاجة في جريانه في العبادات إلى تعلق أمر بها بل لو فرض تعلقه بها لما كان من الاحتياط بشيء بل كسائر ما علم وجوبه أو استحبابه منها كما لا يخفى فظهر انه لو قيل بدلالة اخبار من بلغه ثواب ... إلخ)

المقصود من ذلك هو تضعيف ما أفاده الشيخ أعلى الله مقامه (قال) في جملة ما أفاده في المقام (ما لفظه) ثم إن منشأ احتمال الوجوب إذا كان خبراً ضعيفاً فلا حاجة إلى أخبار الاحتياط وكلفة إثبات ان الأمر فيها للاستحباب الشرعي دون الإرشاد العقلي لورود بعض الأخبار باستحباب فعل كل ما يحتمل فيه الثواب كصحيحة هشام بن سالم المحكية عن المحاسن عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال من بلغه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شيء من الثواب فعمله كان أجر ذلك له وان كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يقله (إلى ان قال) والاخبار الواردة في هذا الباب كثيرة (انتهى).

(فيقول المصنف) ما حاصله انه قد ظهر بما تقدم انه لا حاجة في جريان الاحتياط في العبادات إلى تعلق أمر معلوم بها ليقصد ويتحقق به القربة لكفاية الإتيان بالفعل بداعي احتمال الأمر وبرجاء مطلوبيته الواقعية بل لو فرض تعلق أمر معلوم بها لم يكن الإتيان بها بداعيه من باب الاحتياط بل كان كسائر المستحبات التي تعلق بها أمر معلوم (وعليه) فلو قيل بدلالة اخبار من بلغه ثواب على استحباب العمل الّذي بلغ عليه الثواب فليست هي مجدية لجريان الاحتياط في العبادات

ومصححاً له فيها بل دالة على استحبابه كسائر ما دل الدليل على استحبابه (انتهى) محصل كلام المصنف.

(ثم إن) اخبار من بلغه ثواب كثيرة كما أشار إليه الشيخ أعلى الله مقامه قد عقد لها باباً في الوسائل في أبواب مقدمة العبادات سماه بباب استحباب الإتيان بكل عمل مشروع روي له ثواب منهم عليهم‌السلام ... إلخ.

(فمنها) صحيحة هشام بن سالم المتقدمة (ويقرب منها) ما رواه هشام عن صفوان عن أبي عبد الله عليه‌السلام.

(ومنها) ما رواه محمد بن مروان عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال من بلغه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شيء من الثواب ففعل ذلك طلب قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان له ذلك الثواب وان كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يقله.

(ومنها) ما رواه هشام بن سالم أيضاً عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال من سمع شيئاً من الثواب على شيء فصنعه كان له وإن لم يكن على ما بلغه.

(ومنها) ما رواه محمد بن مروان أيضاً قال سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول من بلغه ثواب من الله على عمل فعمل ذلك العمل التماس ذلك الثواب أوتيه وإن لم يكن الحديث كما بلغه.

(ومنها) ما رواه الصدوق عن محمد بن يعقوب بطرقه إلى الأئمة من بلغه شيء من الخير فعمل به كان له من الثواب ما بلغه وان لم يكن الأمر كما نقل إليه.

(ومنها) ما رواه في الإقبال عن الصادق عليه‌السلام قال من بلغه شيء من الخير فعمل به كان له ذلك وإن لم يكن الأمر كما بلغه.

(قوله لا يقال هذا لو قيل بدلالتها على استحباب نفس العمل الّذي بلغ عليه الثواب بعنوانه ... إلخ)

(حاصل الإشكال) انه لو قلنا بدلالة اخبار من بلغه ثواب على استحباب نفس

العمل الّذي بلغ عليه الثواب بما هو هو لم يكن العمل حينئذ احتياطاً بل كان مستحباً كسائر ما دل الدليل على استحبابه (واما إذا قلنا) انها تدل على استحباب العمل المأتي به بداعي كونه محتمل الثواب وبرجاء كونه مطلوباً واقعاً كما دل عليه قوله المتقدم في بعض الروايات فعمل ذلك التماس ذلك الثواب أو ففعل ذلك طلب قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى غير ذلك فهي دالة على استحباب الاحتياط كالأوامر المتعلقة بالاحتياط بناء على كونها مولوية للاستحباب الشرعي لا للإرشاد فتكون مجدية لجريان الاحتياط في العبادات ومصححة له فيها (وقد أجاب) عنه المصنف بوجهين

(الأول) ان الأمر بالاحتياط ولو فرض كونه مولوياً لكان توصلياً لم ينفع في جعل الشيء عبادة ولا يصحح الاحتياط في العبادات أصلا.

(وفيه) أن الأمر التوصلي إذا قصد وقع الفعل بسببه عبادة كالأمر التعبدي عيناً فلا فرق بينهما من ناحية حصول القرب بهما ووقوع الفعل بسببهما عبادة إذا قصداً أبداً وإن كان بينهما فرق من ناحية أخرى وهي أن التوصلي مما يحصل الغرض منه كيف ما اتفق وإن لم يؤت به على وجه الامتثال والتعبدي لا يكاد يحصل الغرض منه إلا إذا أتى به على وجه الامتثال.

(الثاني) انه لو فرض كونه مولوياً عبادياً لم يصحح الاحتياط في العبادات قطعاً لما تقدم في الأمر بالاحتياط المستكشف لما من حسن الاحتياط عقلا أو المستكشف إناً من ترتب الثواب عليه شرعاً أن الأمر بالاحتياط فرع ثبوت الاحتياط وإمكانه فكيف يعقل أن يكون الأمر به من مبادئ ثبوته وجريانه (وعليه) فأخبار من بلغه ثواب مما لا تجدي لتصحيح الاحتياط في العبادات كالأمر بالاحتياط عيناً إلّا الإتيان بها برجاء مطلوبيتها الواقعية وبداعي احتمال الأمر بها كما قلنا آنفاً.

(قوله ثم انه لا يبعد دلالة بعض تلك الاخبار على استحباب ما بلغ عليه الثواب فإن صحيحة هشام بن سالم ... إلخ)

(ظاهر الشيخ) أعلى الله مقامه بل صريحه في العبارة المتقدمة أعنى قوله ثم إن منشأ

احتمال الوجوب إذا كان خبراً ضعيفاً ... إلخ هو كون أخبار من بلغه ثواب دالة على استحباب نفس العمل الّذي بلغ عليه الثواب (لكن) أورد عليه بعداً من وجوه وناقش في تلك الوجوه الا الأول منها (ومحصل) الأول أن ثبوت الأجر مما لا يدل على استحباب نفس العمل الّذي بلغ عليه الثواب (قال) لأن الظاهر من هذه الأخبار كون العمل متفرعاً على البلوغ وكونه الداعي على العمل ... إلخ ويعني بذلك ان العمل بقرينة التفريع على البلوغ كما تقدم في لسان الاخبار هو العمل المأتي به بداعي البلوغ فالثواب يكون على العمل المأتي به كذلك أي على الاحتياط لا على نفس العمل الّذي بلغ عليه الثواب بما هو هو (ثم قال) ويؤيده تقييد العمل في غير واحد من تلك الاخبار بطلب قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والتماس الثواب الموعود (انتهى)

(فيقول المصنف) إنه لا يبعد دلالة بعض تلك الاخبار كالصحيحة المتقدمة وما شاكلها مما ليس فيه تقييد بالإتيان بداعي طلب قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أو بالتماس ذلك الثواب على استحباب نفس العمل الّذي بلغ عليه الثواب بما هو هو فانها ظاهرة في كون الأجر مترتباً على نفس العمل لا على العمل المأتي به بداعي البلوغ وبرجاء الثواب.

(وفيه) (مضافاً) إلى ما ذكره الشيخ أعلى الله مقامه من ان الظاهر من الاخبار المذكورة بقرينة التفريع هو كون الأجر والثواب مترتبين على العمل المأتي به بداعي البلوغ وبرجاء الثواب لا على نفس العمل بما هو هو وان تقييد بعضها بالإتيان بداعي طلب قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أو التماس الثواب مما يؤيد ذلك (انه من المستبعد جداً) أن يصير نفس العمل الّذي قد بلغ عليه الثواب بما هو هو مستحباً شرعاً بحيث كان البلوغ بخبر ضعيف مما له موضوعية وسببية في انقلاب الفعل عما هو عليه وفي صيرورته مستحباً شرعياً بل الثواب المذكور في الاخبار هو الثواب على الاحتياط الّذي يستقل به العقل غير ان العقل يستقل بمجرد استحقاق الثواب فقط وهذه الاخبار تخبر عن تفضل الله تبارك وتعالى على المحتاط بإعطائه عين ذلك

الثواب الموعود الّذي بلغه وشخص ذلك الأجر الّذي قد أتي بالفعل برجائه والتماسه وهذا لدى التدبر واضح فتدبر.

(واما الثمرة بين القولين) فقد قال الشيخ أعلى الله مقامه (ما لفظه) ثم إن الثمرة بين ما ذكرنا وبين الاستحباب الشرعي يظهر في ترتب الآثار المترتبة الشرعية على المستحبات الشرعية مثل ارتفاع الحدث المترتب على الوضوء المأمور به شرعاً فإن مجرد ورود خبر غير معتبر بالأمر به لا يوجب إلّا استحقاق الثواب عليه ولا يترتب عليه رفع الحدث فتأمل وكذا الحكم باستحباب غسل المسترسل من اللحية في الوضوء من باب مجرد الاحتياط لا يسوغ جواز المسح ببلله بل يحتمل قوياً أن يمنع من المسح ببلله وإن قلنا بصيرورته مستحباً شرعياً فافهم (انتهى) كلامه رفع مقامه

(أقول)

لو كان الأمر بالوضوء منحصراً بالأمر الغيري لأجل غاية من الغايات لكان مما تظهر فيه الثمرة كما ذكر الشيخ (فإذا) ورد خبر غير معتبر بأن من توضأ مثلا ودخل المسجد فله كذا وكذا فعلى القول باستحباب نفس العمل الّذي بلغ عليه الثواب يكون الوضوء مستحباً شرعياً ولو غيرياً يرتفع به الحدث وعلى القول باستحباب إتيان العمل بداعي البلوغ وبرجاء الثواب أي باستحباب الاحتياط لم يعلم كون الوضوء مستحباً حينئذ إذ لم يعلم صدق الخبر الّذي قد بلغ المكلف فلا يعلم ارتفاع الحدث به (وأما إذا قلنا) ان الوضوء مستحب نفسي كما يستفاد ذلك من بعض الروايات مثل قوله (من أحدث ولم يتوضأ جفاني) أو (أكثر من الطهور يزيد الله في عمرك) إلى غير ذلك من الاخبار فلا تظهر فيه الثمرة فإذا ورد خبر غير معتبر يأمر بالوضوء لغاية من الغايات فهو مستحب نفسي على كل حال يرتفع به الحدث لا محالة سواء كان الخبر صادقاً أو كاذباً (ولعله) لهذا قال أعلى الله مقامه فتأمل (وأما غسل) المسترسل من اللحية فالظاهر انه على القول باستحبابه شرعاً كما عن الإسكافي لا مانع عن المسح ببلله فإنه حينئذ جزء من أجزاء الوضوء غايته أنه من

أجزائه المستحبة كبعض أجزاء الصلاة فلا وجه لما احتمله الشيخ قوياً من المنع عن المسح ببلله وإن قلنا بصيرورته مستحباً شرعياً (هذا مضافاً) إلى عدم ورود خبر على الظاهر معتبر أو غير معتبر بغسل المسترسل من اللحية كي تظهر فيه الثمرة ولعله إلى أحد الأمرين قد أشار الشيخ بقوله فافهم (والصحيح) في الثمرة انها تظهر في النذر وشبهه فإذا نذر أن يأتي بمستحب شرعي وقد بلغه شيء من الثواب بخبر غير معتبر فعمله لا بداعي البلوغ وبرجاء الثواب فعلى القول باستحباب نفس العمل الّذي بلغ عليه الثواب قد أتى بالنذر وحصل البرء وعلى القول باستحباب إتيان العمل بداعي البلوغ وبرجاء الثواب لم يف بالنذر ولم يحصل البرء أصلا فتأمل جيداً.

(قوله وكون العمل متفرعاً على البلوغ وكونه الداعي إلى العمل غير موجب ... إلخ)

تضعيف للكلام المتقدم من الشيخ أعلى الله مقامه (وهو قوله) لأن الظاهر من هذه الاخبار كون العمل متفرعاً على البلوغ وكونه الداعي على العمل ... إلخ (وحاصله) ان تفرع العمل على البلوغ وكون البلوغ هو الداعي إليه مما لا يوجب أن يكون الثواب مترتباً عليه فيما إذا أتى به برجاء كونه مطلوباً وبعنوان الاحتياط فان الداعي إلى الفعل مما لا يوجب للفعل وجهاً وعنواناً يؤتي به بذاك الوجه والعنوان (وفيه ما لا يخفى) فإن الداعي إلى الفعل مما يوجب لا محالة وجهاً وعنواناً للفعل يكون الإتيان به بذاك الوجه والعنوان وإلّا لم يكن الداعي داعياً (فإن التأديب) الداعي إلى ضرب اليتيم مثلا مما يوجب لا محالة حدوث وجه وعنوان للضرب يكون الإتيان به بذلك الوجه والعنوان (وهكذا التعظيم) الداعي إلى القيام مثلا مما يوجب لا محالة حدوث وجه وعنوان للقيام يكون الإتيان به بذاك الوجه والعنوان (وهكذا التقرب) الداعي إلى الإتيان بالصلاة مما يوجب لا محالة حدوث عنوان للصلاة يكون الإتيان بها بذلك العنوان وهكذا وهكذا (وعليه) ففي المقام احتمال الثواب وبلوغه الداعي إلى الفعل مما يوجب لا محالة حدوث وجه وعنوان للفعل يكون الإتيان به بذلك

الوجه والعنوان وهو عنوان الاحتياط (والظاهر) من أخبار من بلغه ثواب كما تقدم قبلا ان الثواب مترتب على الفعل المعنون بهذا العنوان فيكون هو المستحب لا على نفس الفعل الّذي قد بلغ عليه الثواب بما هو هو فتدبر جيداً.

(قوله وإتيان العمل بداعي طلب قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كما قيد به في بعض الأخبار وان كان انقياداً ... إلخ)

إن قول المصنف هذا وهكذا قوله الآتي أو التماساً للثواب الموعود ... إلخ تضعيف أيضاً للكلام المتقدم من الشيخ أعلى الله مقامه وهو قوله ويؤيده تقييد العمل في غير واحد من تلك الاخبار بطلب قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والتماس الثواب الموعود ... إلخ (وحاصل التضعيف) ان تقييد بعض الاخبار بطلب قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أو بالتماس الثواب الموعود غير مربوط بصحيحة هشام المتقدمة إذ الثواب فيها مترتب على نفس العمل فلا وجه لتقييدها به بل لو أتى بالعمل طلباً لقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أو التماساً للثواب الموعود لترتب الثواب على نفس العمل بمقتضى إطلاق الصحيحة (وفيه) ما تقدم آنفاً من ان ظاهر الاخبار جميعاً مع قطع النّظر عن التقييد في بعضها بطلب قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أو بالتماس ذلك الثواب بقرينة التفريع على البلوغ الموجود في الكل هو كون الثواب مترتباً على العمل المأتي به بداعي البلوغ وبرجاء كونه مأموراً به لا على نفس العمل بما هو هو (هذا مضافاً) إلى ما عرفت من انه من المستبعد جداً أن يصير نفس العمل الّذي قد بلغ عليه الثواب بما هو هو مستحباً شرعاً بحيث كان البلوغ بخبر ضعيف مما له موضوعية وسببية في انقلاب الفعل عما هو عليه وفي صيرورته مستحباً شرعياً بعد أن لم يكن مستحباً واقعاً.

(قوله فيكون وزانه وزان من سرح لحيته أو من صلى أو صام فله كذا ... إلخ)

أي فيكون وزان قوله عليه‌السلام من بلغه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله شيء من الثواب فعمله كان أجر ذلك له ... إلخ وزان قوله عليه‌السلام من سرح لحيته فله كذا وكذا

فكما أن من ترتب الثواب على العمل في الثاني يعرف استحباب العمل وكونه مطلوباً شرعاً فكذلك من ترتبه عليه في الأول (وقد أشار الشيخ) أعلى الله مقامه إلى ذلك ثم ردّ عليه (قال) واما ما يتوهم من استفادة الاستحباب الشرعي فيما نحن فيه نظير استفادة الاستحباب الشرعي من الاخبار الواردة في الموارد الكثيرة المقتصر فيها على ذكر الثواب للعمل مثل قوله عليه‌السلام من سرح لحيته فله كذا مدفوع (وقد أفاد) في وجه الدفع ما حاصله ان الثواب هناك لا يكون إلّا مع الإطاعة الحقيقية والإطاعة الحقيقية لا تكون الا مع الأمر الشرعي فالثواب لازم للأمر يستدل به عليه استدلالا إنياً واما الثواب في المقام فهو باعتبار الإطاعة الحكمية أي الاحتياط فهو لازم للعمل المأتي به بداعي البلوغ واحتمال الصدق وان لم يرد به أمر آخر.

(أقول)

ويمكن أن يقال في الدفع ان الثواب في مثل من سرح لحيته فله كذا وكذا وان كان مترتباً على نفس العمل فهو مما يكشف عن استحبابه شرعاً ولكن في المقام لم يترتب على نفس العمل كي يكشف عن استحبابه شرعاً بل رتب على ما يظهر من الاخبار كما تقدم قبلا على العمل المأتي به بداعي البلوغ وبداعي احتمال الثواب وهو عبارة أخرى عن الاحتياط ولا كلام لنا في رجحانه عقلا واستحبابه شرعاً فتأمل جيداً.

في دفع توهم لزوم الاحتياط في الشبهات

التحريمية الموضوعية

(قوله الثالث انه لا يخفى ان النهي عن شيء إذا كان بمعنى طلب تركه في زمان أو مكان بحيث لو وجد في ذاك الزمان أو المكان ولو دفعة لما امتثل أصلا ... إلخ)

المقصود من عقد هذا الأمر الثالث هو دفع ما قد يتوهم في المقام من لزوم الاحتياط في الشبهات التحريمية الموضوعية بل وفي الشبهات الوجوبية الموضوعية أيضاً بدعوى أن الشارع إذا بيّن حرمة الخمر مثلا أو وجوب قضاء ما فات من الصلاة مثلا فيجب الاجتناب عن كل ما احتمل كونه خمراً أو الإتيان بكل ما احتمل فوته من الصلاة من باب المقدمة العلمية (قال الشيخ) أعلى الله مقامه في الشبهة التحريمية الموضوعية (ما لفظه) وتوهم عدم جريان قبح التكليف بلا بيان هنا نظراً إلى ان الشارع بين حكم الخمر مثلا فيجب حينئذ اجتناب كل ما يحتمل كونه خمراً من باب المقدمة العلمية فالعقل لا يقبح العقاب خصوصاً على تقدير مصادفة الحرام مدفوع بأن النهي عن الخمر يوجب حرمة الافراد المعلومة تفصيلا أو المعلومة إجمالا المتردد بين محصور والأول لا يحتاج إلى مقدمة علمية والثاني يتوقف على الاجتناب من أطراف الشبهة لا غيرها واما ما احتمل كونه خمراً من دون علم إجمالي فلم يعلم من النهي تحريمه وليس مقدمة للعلم باجتناب فرد محرم يحسن العقاب عليه فلا فرق بعد فرض عدم العلم بحرمته ولا بتحريم خمر يتوقف العلم باجتنابه على اجتنابه بين هذا الفرد المشتبه وبين الموضوع الكلي المشتبه حكمه كشرب التتن في قبح العقاب عليه (إلى ان قال) ونظير هذا التوهم قد وقع في الشبهة الوجوبية حيث

تخيل بعض أن دوران ما فات من الصلاة بين الأقل والأكثر موجب للاحتياط من باب وجوب المتقدمة العلمية وقد عرفت وسيأتي اندفاعه (انتهى) موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه (ومحصل الدفع) أن النهي عن الخمر بنحو الكبرى الكلية مما يوجب تنجزم حرمة الصغريات المعلومة تفصيلا أو إجمالا المترددة بين أطراف محصورة والاجتناب عن الأول مما لا يحتاج إلى مقدمة علمية والاجتناب عن الثاني وان كان يحتاج إليها ولكن المقدمة العلمية هي أطراف العلم الإجمالي فقط لا كل ما احتمل كونه خمراً وهكذا الأمر في الأمر بقضاء الفوائت حرفاً بحرف (هذا محصل) كلام الشيخ أعلى الله مقامه.

(واما المصنف) فمحصل كلامه ان النهي عن الشيء على قسمين :

(فتارة) يكون بمعنى طلب تركه في زمان أو مكان على نحو يكون المطلوب فيه هو مجموع التروك من حيث المجموع بحيث لو أتى به في ذاك الزمان أو في ذاك المكان دفعة واحدة لم يمتثل أصلا كما إذا نهي عن الإجهار بالصوت في زمان خاص أو مكان خاص لغرض مخصوص مثل أن لا يشعر بهم العدو وهو في مكان قريب منهم يسمع كلامهم إذا أجهروا فإذا أجهر آناً ما لم يحصل الغرض ولم يمتثل النهي أصلا.

(وأخرى) يكون بمعنى طلب ترك كل فرد منه على حده على نحو يكون المطلوب فيه تروكاً متعددة فكل ترك مطلوب مستقل كما في النهي عن الخمر أو الكذب أو الغيبة ونحو ذلك فالمحرم فيه ينحل إلى محرمات عديدة بتعدد أفراد الخمر أو الكذب أو الغيبة (فإن كان) النهي من القسم الأول وجب الاحتياط وترك الأفراد المشتبهة رأساً تحصيلا للقطع بفراغ الذّمّة فإذا شك في صوت بنحو الشبهة الموضوعية انه هل هو إجهار أم لا كما إذا كان في سمعه خلل لا يميز الجهر من غيره وجب حينئذ تركه إلا إذا كان مسبوقاً بترك الإجهار فيستصحب الترك مع الإتيان بالفرد المشكوك (وان كان) من القسم الثاني فيقتصر في الترك على الأفراد المعلومة

واما المشكوكة فتجري البراءة عن حرمتها بلا كلام.

(أقول)

وفي كلام المصنف إلى هنا موضعان للنظر.

(أحدهما) ان المحرم كما سيأتي في صدر الأقل والأكثر الارتباطيين وتقدم في صدر النواهي هو على ثلاثة أقسام لا على قسمين.

(الأول) ما كان المطلوب فيه مجموع التروك من حيث المجموع ومرجعه لدى الحقيقة إلى واجب ارتباطي غايته ان الارتباطي قد يكون وجودياً كالصلاة وقد يكون عدمياً كالصيام كما انه قد يكون بصورة الأمر كما إذا قال في المثال المتقدم أخفت صوتك وقد يكون بصورة النهي كما إذا قال لا تجهر بصوتك.

(الثاني) المحرم الغير الارتباطي وهو الّذي ينحل إلى محرمات عديدة بتعدد أفراده كما في النهي عن الخمر أو الكذب أو الغيبة ونحوها وهذان القسمان قد ذكرهما المصنف كما عرفت.

(الثالث) المحرم الارتباطي وهو الّذي كان المبغوض فيه المجموع من حيث المجموع بحيث لو أتى بالجميع الا واحداً لم يعص سواء كان وجودياً كما في النهي عن الغناء بناء على كونه هو الصوت مع الإطراب والترجيع أو عدمياً كما في النهي عن هجر الفراش أربعة أشهر وهذا القسم من النهي لم يذكره المصنف.

(ثانيهما) ان مرجع التوهم المتقدم هو إلى النزاع في الأقل والأكثر الغير الارتباطيين غايته انه نزاع في الشبهات الموضوعية منهما أي هل يقتصر في الامتثال تركاً أو إتياناً على الأفراد المعلومة وتجري البراءة عن المشكوكة أن يجب مراعاة تمام الأفراد حتى المشكوكة منها (والبراءة) وان كانت هي تجري عن الافراد المشكوكة للمحرم الغير الارتباطي كما تجري عن الأفراد المشكوكة للواجب الغير الارتباطي كقضاء الفوائت وأداء الدين وشبههما (ولكن) لا يجب الاحتياط في الافراد المشكوكة للقسم الأول من المحرم أي الّذي مرجعه إلى الواجب الارتباطي بنحو

الإطلاق (فإذا قال) مثلا لا تكرم الفساق وعلمنا من الخارج ان المطلوب فيه هو مجموع التروك من حيث المجموع بحيث إذا أكرم أحدهم لم يمتثل أصلا من قبيل ما إذا لم يأت بأحد أجزاء الصلاة عمداً ثم شك في كون زيدا فاسقاً أم لا فهما هنا لا يجب الاحتياط بترك إكرامه (وهكذا) إذا قال أكرم العلماء وعلمنا من الخارج ان المطلوب فيه هو إكرام المجموع من حيث المجموع بحيث إذا لم يكرم أحدهم لم يمتثل أصلا وشك في كون عمرو عالماً أم لا فهاهنا أيضاً لا يجب الاحتياط بإكرامه وذلك لعين ما سيأتي في وجه عدم وجوب الاحتياط في الشبهة الحكمية من الأقل والأكثر الارتباطيين حرفاً بحرف كالشك في وجوب السورة في الصلاة ونحوها

(نعم) إذا قال في المثال لا تكرم الفساق وكان المطلوب هو مجموع التروك من حيث المجموع وعلمنا ان زيداً فاسق يحرم إكرامه ولكن شك في رجل انه زيد أم لا فيجب الاحتياط حينئذ بترك إكرامه وترك إكرام كل من احتمل كونه زيداً إذ المفروض إحراز جزئية ترك إكرام زيد (وهكذا) إذا قال أكرم العلماء وكان المطلوب هو إكرام المجموع من حيث المجموع وعلم ان عمراً عالم يجب إكرامه وشك في رجل انه عمرو أم لا فيجب إكرامه وإكرام كل من احتمل كونه عمراً إذ المفروض أيضاً إحراز جزئية إكرام عمرو (نظير) ما إذا أمر بالصلاة وأحرز أن السورة جزئها والطهور شرطها ولم يعلم ان الصلاة المأتية بها هل هي مع السورة أو الطهور أم لا فيجب الاحتياط حينئذ بعدم إحراز جزئية السورة وشرطية الطهور بإتيان صلاة قد أحرز وجودهما فيها ولو بأمارة شرعية أو بأصل شرعي وستأتي الإشارة إلى هذا كله في الأقل والأكثر الارتباطيين إن شاء الله تعالى

(قوله فيما كان المطلوب بالنهي طلب ترك كل فرد على حده ... إلخ)

يعني به القسم الثاني من المحرم وهو الّذي ينحل إلى محرمات عديدة بتعدد الافراد المعبر عنه بالحرام الغير الارتباطي.

(قوله أو كان الشيء مسبوقاً بالترك ... إلخ)

يعني به القسم الأول من المحرم لكن فيما كانت الحالة السابقة هي الترك ليمكن استصحابه مع الإتيان بالفرد المشكوك وقد تقدم التمثيل له آنفاً فتذكر.

(قوله وإلّا لوجب الاجتناب عنها عقلا لتحصيل الفراغ قطعاً ... إلخ)

قد عرفت التفصيل آنفاً في الاحتياط في القسم الأول من المحرم الّذي مرجعه إلى الواجب الارتباطي وانه لا يجب الاجتناب فيه بنحو الإطلاق كما يظهر من المصنف فلا تغفل.

(قوله والفرد المشتبه وان كان مقتضى أصالة البراءة جواز الاقتحام فيه إلّا ان قضية لزوم إحراز الترك اللازم وجوب التحرز عنه ... إلخ)

بل قد ظهر لك مما تقدم انه إذا قال مثلا لا تكرم الفساق وعلمنا من الخارج ان المطلوب فيه هو مجموع التروك من حيث المجموع بنحو الواجب الارتباطي وشك في كون زيد مثلا فاسقاً أم لا لم يجب الاحتياط بترك إكرامه للشك في جزئية ترك إكرامه بل تجري البراءة عنه شرعاً وعقلا كما هو الحال في الشبهة الحكمية من الأقل والأكثر الارتباطيين عيناً وسيأتي اعتراف المصنف في الحكمية بجريان البراءة الشرعية وأنه يرتفع بها الإجمال والترديد في الواجب المردد وتعينه في الأقل دون الأكثر فانتظر.

في حسن الاحتياط عقلا ونقلا حتى مع

قيام الحجة على العدم

(قوله الرابع انه قد عرفت حسن الاحتياط عقلا ونقلا ولا يخفى انه مطلقاً كذلك حتى فيما كان هناك حجة على عدم الوجوب أو الحرمة أو أمارة معتبرة على انه ليس فرداً للواجب أو الحرام ... إلخ)

المقصود من عقد هذا الأمر الرابع هو الإشارة إلى التنبيه الثالث من تنبيهات الشيخ للشبهة التحريمية الموضوعية (قال) أعلى الله مقامه (ما لفظه) الثالث انه لا شك في حكم العقل والنقل برجحان الاحتياط مطلقاً حتى فيما كان هناك أمارة مغنية عن أصالة الإباحة (انتهى) ومقصوده ان الاحتياط كما تقدم حسنه في الشبهات حتى مع جريان البراءة فيها فكذلك يحسن حتى مع قيام الأمارة فيها على العدم غير ان الشيخ أعلى الله مقامه خص هذا المعنى بالشبهات التحريمية الموضوعية والمصنف عممه إلى مطلق الشبهات سواء كانت وجوبية أو تحريمية حكمية أو موضوعية (وإلى ذلك قد أشار) بقوله حتى فيما كان هناك حجة على عدم الوجوب أو الحرمة يعني بهما الشبهات الحكمية من الوجوبية والتحريمية (وبقوله) أو أمارة معتبرة على انه ليس فرداً للواجب أو الحرام يعني بهما الشبهات الموضوعية من الوجوبية والتحريمية (ومن هنا) يتضح ان التعبير بالحجة أو الأمارة المعتبرة تفنن في التعبير وإلّا فلا فرق بينهما أصلا.

(قوله ما لم يخل بالنظام فعلا ... إلخ)

(قال الشيخ) أعلى الله مقامه بعد عبارته المتقدمة (ما لفظه) إلّا أن الاحتياط في الجميع موجب لاختلال النظام كما ذكره المحدث المتقدم ذكره يعني به الحر العاملي

رحمه‌الله بل يلزم أزيد مما ذكره فلا يجوز الأمر به من الحكيم لمنافاته للغرض (إلى ان قال) فيحتمل التبعيض بحسب الاحتمالات فيحتاط في المظنونات واما المشكوكات فضلا عن انضمام الموهومات إليها فالاحتياط فيها حرج مخل بالنظام (وقد أشار المصنف) إلى هذا التبعيض بقوله وكان احتمال التكليف قوياً أو ضعيفاً (إلى ان قال الشيخ) ويحتمل التبعيض بحسب المحتملات فالحرام المحتمل إذا كان من الأمور المهمة في نظر الشارع كالدماء والفروج بل مطلق حقوق الناس بالنسبة إلى حقوق الله يحتاط فيه وإلّا فلا (وقد أشار المصنف) إلى هذا التبعيض بقوله كان في الأمور المهمة كالدماء والفروج أو غيرها (إلى ان قال الشيخ) ويحتمل التبعيض بين موارد الأمارة على الإباحة وموارد لا يوجد إلّا أصالة الإباحة فيحمل ما ورد من الاجتناب عن الشبهات على الثاني دون الأول لعدم صدق الشبهة بعد الأمارة الشرعية على الإباحة (وقد أشار المصنف) إلى هذا التبعيض بقوله كانت الحجة على خلافه أم لا (إلى ان قال الشيخ) هذا ولكن أدلة الاحتياط لا ينحصر فيما ذكر فيه لفظ الشبهة بل العقل مستقل بحسن الاحتياط مطلقاً فالأولى الحكم برجحان الاحتياط في كل موضع لا يلزم منه الحرج (انتهى) موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه وقد سلك المصنف مسلك الشيخ أيضاً وحذا حذوه عيناً فقال بحسن الاحتياط مطلقاً ما لم يلزم منه الإخلال بالنظام سواء كان في الأمور المهمة أم لا كان الاحتمال قوياً أم لا كانت الأمارة قائمة على خلاف الاحتياط أم لا وإذا لزم الإخلال بالنظام فلا يكون الاحتياط حسناً كذلك أي مطلقاً.

(قوله وان كان الراجح لمن التفت إلى ذلك من أول الأمر ترجيح بعض الاحتياطات احتمالا أو محتملا ... إلخ)

هذا ما تفطنه المصنف بالخصوص دون الشيخ أعلى الله مقامه (وحاصله) ان الاحتياط في الجميع بعد ما كان موجباً لاختلال النظام فالراجح لمن التفت إلى ذلك من أول الأمر أن يرجح بعض الاحتياطات على بعض فينتخب الاحتياط في

موارد قوة احتمال التكليف أو قوة المحتمل كالدماء والفروج ونحوهما لا انه يحتاط في الشبهات إلى ان يلزم الحرج منه فيدعه كما قد يستفاد ذلك من العبارة الأخيرة للشيخ وهي قوله فالأولى الحكم برجحان الاحتياط في كل موضع لا يلزم منه الحرج ... إلخ.

(قوله فافهم ... إلخ)

(يحتمل أن يكون) إشارة إلى وجوب الاحتياط في الأمور المهمة لدى الشارع كالفروج والدماء ونحوهما لا انه يحسن الاحتياط فيها بلا إلزام به وعليه فترجيح بعض الاحتياطات على بعض واجب لازم لا انه راجح مستحب (ويحتمل أيضاً) ان يكون إشارة إلى ان الملتفت إلى ذلك كما ان من الراجح له ترجيح بعض الاحتياطات احتمالا أو محتملا فكذلك من الراجح له ترجيح موارد قيام الأصل على الإباحة على موارد قيام الأمارة عليها (والله العالم).

هل تجري البراءة عن الوجوب التخييري

(بقي شيء) وهو أن الشيخ أعلى الله مقامه كما ظهر لك مما تقدم قد عقد لكل من الشبهة التحريمية الحكمية والشبهة التحريمية الموضوعية والشبهة الوجوبية الحكمية تنبيهات عديدة وقد انتخب المصنف من بين الكل مهماتها ولكن مع ذلك بقي فيها أمر مهم لم يتعرضه وهو التكلم حول جريان البراءة عن الوجوب التخييري وعدمه (فنقول) أن الشك في الوجوب التخييري يتصور على أقسام خمسة.

(الأول) أن يقع الشك في أصل توجه تكليف تخييري بأحد أمرين أو بأحد أمور (وفي هذا القسم) تجري البراءة عنه بلا إشكال كما تجري عن التكليف التعييني عيناً (وهذا القسم) مما لم يتعرضه الشيخ أعلى الله مقامه ولعله لوضوحه.

(الثاني) أن يعلم إجمالا بتوجه تكليف تخييري لا محالة ولم يعلم ان التخيير

هل هو بين أمرين مثلا أو بين أمور ثلاثة كما إذا علم إجمالا انه مخير بين العتق وصوم ستين يوماً ولكن لم يعلم انه هل هو مخير بينهما فقط أو بينهما وبين إطعام ستين مسكيناً (وفي مثله) أيضاً لا ينبغي الإشكال في جريان البراءة عن الوجوب التخييري للأمر الثالث كما تجري عن الوجوب التعييني عيناً.

(نعم يشكل) جريان مثل حديث السعة فيه فإن جريانه مما يوجب التضييق على المكلف لا التوسعة (بل يشكل الأمر) في جريان حديث الرفع أيضاً بناء على اختصاصه بما إذا كان في رفعه منة على الأمة ولكن جريان باقي أدلة البراءة من حديث الحجب وغيره مما لا مانع عنه كما لا يخفى (وهذا القسم) أيضاً مما لم يتعرضه الشيخ ولكن يمكن استفادته من عموم كلامه (قال) أعلى الله مقامه الثالث أي من تنبيهات الشبهة الوجوبية الحكمية ان الظاهر اختصاص أدلة البراءة بصورة الشك في الوجوب التعييني سواء كان أصليا أو عرضياً كالواجب المخير المتعين لأجل الانحصار اما لو شك في الوجوب التخييري والإباحة فلا يجري فيه أدلة البراءة لظهورها في عدم تعيين الشيء المجهول على المكلف بحيث يلتزم به ويعاقب عليه إلى آخره فيكون قوله هذا عاماً يشمل القسم الثاني والثالث والرابع والخامس جميعاً

(الثالث) ما إذا دار أمر التكليف بين تعلقه بفرد معين أو بكلي شامل له ولغيره كما إذا علم إجمالا انه إما يجب إكرام زيد العالم تعييناً أو يجب إكرام مطلق العالم المنطبق على زيد وعمرو (ويطلق على هذا القسم) بدوران الأمر بين التعيين الشرعي والتخيير العقلي فإن الوجوب ان كان متعلقاً بإكرام زيد العالم فهو واجب تعييني شرعي وان كان متعلقاً بإكرام العالم فكل من إكرام زيد وعمرو واجب تخييري عقلي كما هو الشأن في الكلي وأفراده (وقد حكم الشيخ) في هذا القسم بمقتضى عبارته المتقدمة بعدم جريان أدلة البراءة عن الوجوب التخييري بالنسبة إلى عمرو نظراً إلى ما تقدم من دعوى ظهور أدلتها في عدم تعيين الشيء المجهول على المكلف (وحكم أيضاً) بعدم جريان أصالة عدم الوجوب يعني به استصحاب عدمه

نظراً إلى انه ليس في المقام الا وجوب واحد مردد بين الكلي والفرد المعين فأصالة عدم تعلقه بالكلي معارضة بعدم تعلقه بالفرد (فيتعين) هنا جريان أصالة عدم سقوط وجوب ذلك الفرد المعين المتيقن وجوبه اما تعييناً أو تخييراً بفعل هذا الفرد المشكوك وجوبه تخييراً (قال أعلى الله مقامه) بعد عبارته المتقدمة (ما لفظه) وفي جريان أصالة عدم الوجوب تفصيل لأنه ان كان الشك في وجوبه في ضمن كلي مشترك بينه وبين غيره أو وجوب ذلك الغير بالخصوص فيشكل جريان أصالة عدم الوجوب إذ ليس هنا إلّا وجوب واحد مردد بين الكلي والفرد فيتعين هنا إجراء أصالة عدم سقوط ذلك الفرد المتيقن الوجوب بفعل هذا المشكوك (انتهى)

(أقول)

اما عدم جريان البراءة عن الوجوب التخييري بالنسبة إلى الفرد المشكوك بدعوى ظهور أدلتها في عدم تعيين الشيء المجهول على المكلف فهو غير ظاهر ولا واضح وإن أشكل الأمر في جريان مثل حديث السعة وحديث الرفع كما تقدم ولكن لا مانع عن جريان غيرهما كحديث الحجب ونحوه (واما جريان) أصالة عدم الوجوب في هذا الفرد المشكوك فمها لا مانع عنه على الظاهر فإن الوجوب وان كان واحداً في المقام مردداً بين تعلقه بالكلي أو بالفرد المعين ولا يمكن إجراء أصالة عدم تعلقه بالكلي لمعارضتها بأصالة عدم تعلقها بالفرد المعين ولكن على تقدير تعلقه بالكلي ينشعب منه وجوبان تخييريان ولو عقلا أحدهما يتعلق بالفرد المعين والآخر بهذا الفرد المشكوك ولا مانع عن جريان أصالة عدم تعلق الوجوب التخييري بهذا الفرد المشكوك (وعليه) فالنتيجة في هذا القسم من دوران الأمر بين التعيين والتخيير وان كان هو وجوب الاحتياط والاقتصار على الفرد المتيقن دون المشكوك لكن لا لأصالة عدم سقوط المتيقن بفعل المشكوك بل للأصل الوارد عليها الرافع لموضوعها أي الشك وهو أصالة البراءة عن الوجوب التخييري في الفرد

المشكوك أو أصالة عدم تعلق الوجوب التخييري به فينحصر الوجوب قهراً ولو في الظاهر بالفرد المتيقن فيتعين.

(الرابع) ما إذا دار امر التكليف بين تعلقه بفرد معين على وجه التعيين وبين تعلقه به وبغيره على وجه التخيير كما إذا علم إجمالا انه اما يجب إكرام زيد تعييناً أو يجب إكرام كل من زيد وعمرو تخييراً وفي الشرعيات كما إذا علم إجمالا انه اما يجب العتق تعييناً أو يجب كل من العتق وصوم ستين يوماً تخييراً (ويطلق على هذا القسم) بدوران الأمر بين التعيين والتخيير الشرعيين (وقد حكم الشيخ) فيه بمقتضى عبارته الأولى المتقدمة بعدم جريان أدلة البراءة عن الوجوب التخييري في الفرد المشكوك لما تقدم من دعوى ظهور أدلتها في عدم تعيين الشيء المجهول على المكلف (وحكم أيضاً) بجريان أصالة عدم وجوب الفرد المشكوك تخييرياً وبجريان أصالة عدم لازمه أي عدم سقوط وجوب الفرد المعين المتيقن بفعل هذا المشكوك (قال) أعلى الله مقامه بعد عبارته الثانية (ما لفظه) واما إذا كان الشك في إيجابه بالخصوص يعني به في قبال ما إذا كان الشك في وجوبه في ضمن كلي مشترك بينه وبين الفرد المتيقن جرى أصالة عدم الوجوب وأصالة عدم لازمه الوضعي وهو سقوط الواجب المعلوم (انتهى).

(أقول)

والحق ان الكلام في هذا القسم هو عين الكلام في القسم السابق فتجري فيه أصالة البراءة عن الوجوب التخييري في الفرد المشكوك وهكذا أصالة عدم تعلق الوجوب التخييري به ويكون كل منهما وارداً على أصالة عدم سقوط المتيقن بفعل المشكوك رافعاً لموضوعها أي الشك ويقتصر لا محالة على الفرد المتيقن المعلوم وجوبه.

(ولكن) يظهر من الشيخ أعلى الله مقامه في الأقل والأكثر الارتباطيين قبيل الشروع في التنبيه على أمور متعلقة بالجزء والشرط الميل إلى جريان البراءة عن التعيين في دوران الأمر بين التعيين والتخيير الشرعيين في قبال وجوب الاحتياط

والاقتصار على الفرد المتيقن المعلوم وجوبه وذلك نظراً إلى كون التعيين كلفة زائدة وهي ضيق على المكلف وحيث لم يعلم فهي موضوعة عنه بل يظهر منه في المقام الأول من مقامات التراجيح أن ذلك مذهب جماعة في مسألة دوران الأمر بين التعيين والتخيير ولكنه أخيراً في الأقل والأكثر قوي جانب الاحتياط والاقتصار على الفرد المتيقن (وهو الأصح) فإن العلم الإجمالي إما بتعلق الوجوب التعييني بالفرد المتيقن أو الوجوب التخييري بكل من المتيقن والمشكوك ينحل إلى العلم التفصيلي بوجوب المتيقن لا محالة إما تعيينياً أو تخييرياً والشك البدوي في وجوب المشكوك فيقتصر قهراً على الفرد المتيقن وتجري البراءة عن المشكوك وهكذا تجري أصالة عدم تعلق الوجوب التخييري به فتأمل جيداً.

(الخامس) ما إذا أمر بطبيعة وكان لها فرد متيقن وفرد مشكوك كما إذا قال أكرم عالماً ولم يعلم ان العالم هل هو منحصر بزيد كي يتعين إكرامه عقلا أو لا ينحصر به بل كل من زيد وعمرو عالم فنتخير بين إكراميهما عقلا (ويطلق على هذا القسم) بدوران الأمر بين التعيين والتخيير العقليين ويجري فيه جميع ما تقدم في الدوران بين التعيين والتخيير الشرعيين وفي الدوران بين التعيين الشرعي والتخيير العقلي حرفاً بحرف.

(ثم إن) من موارد دوران الأمر بين التعيين والتخيير العقليين ما إذا احتمل أقوائية المناط في أحد المتزاحمين أو في أحد الطرفين من دوران الأمر بين المحذورين فإن أقوائية المناط مرجح عقلي في كلتا الصورتين جميعاً فإذا احتمل وجودها في أحد الجانبين معيناً فيحتمل فيه التعيين العقلي كما انه حيث يحتمل عدم وجودها في كلا الجانبين فيحتمل فيهما التخيير العقلي فيكون الأمر فيهما دائراً بين التعيين والتخيير العقليين فيجب الاحتياط فيهما أيضاً فان العقل لا يكاد يجوز رفع اليد عن المتيقن المعلوم والأخذ بالمقابل المشكوك الغير المعلوم.

(بقي) شيء وهو أن جميع ما تقدم في الشك في الوجوب التخييري يجري

في الشك في الوجوب الكفائي حرفاً بحرف غير أن أقسام الشك في الوجوب التخييري كانت خمسة وفي المقام ثلاثة إذ لا محصل للترديد بين العيني الشرعي والكفائي العقلي وبين العيني والكفائي العقليين وان كان يعقل بقية الأقسام بتمامها (فيمكن) الشك في أصل توجه تكليف كفائي إلى الجميع (ويمكن) العلم إجمالا بتوجه تكليف كفائي ولم يعلم انه متوجه إلى الكل أو باستثناء شخص خاص منهم كما إذا سلم رجل على جماعة وكان أحدهم يصلي فيدور الأمر بين وجوب رد السلام كفائياً على الجميع أو باستثناء المصلي خاصة (ويمكن) أن يدور الأمر بين توجه التكليف إلى شخص معين على وجه العينية وبين توجهه إليه وإلى غيره على وجه الكفائية كما إذا سلم في المثال على رجلين أحدهما يصلي والآخر لا يصلي فيعلم إجمالا انه اما يجب رد السلام على من لا يصلي عينياً واما يجب عليه وعلى المصلي كفائياً (وقد أشار) الشيخ أعلى الله مقامه إجمالا إلى جريان ما تقدم في الشك في التخييري في الشك في الكفائي وإن كان هو قد تعرض خصوص القسم الثاني من الأقسام المتقدمة (قال) في آخر التنبيه الثالث من تنبيهات الشبهة الوجوبية الحكمية (ما لفظه) ثم إن الكلام في الشك في الوجوب الكفائي كوجوب رد السلام على المصلي إذا سلم على جماعة وهو منهم يظهر مما ذكرنا فافهم (انتهى).

(أقول)

قد عرفت مما تقدم أن الشيخ إنما لم يقل بجريان البراءة عن الوجوب التخييري اعتماداً على ما ادعاه من ظهور أدلتها في عدم تعيين الشيء المجهول على المكلف (ومن المعلوم) ان هذه الدعوى مما لا تتم في المقام لأن المكلف به مما لا ترديد فيه كي لا تجري البراءة عنه وإنما الترديد في نفس المكلف (وعليه) فلا وجه لعدم جريان البراءة عن الوجوب الكفائي في المقام (ولعله) إليه أشار أخيراً بقوله فافهم (فافهم جيداً).

في أصالة التخيير

(قوله فصل إذا دار الأمر بين وجوب شيء وحرمته لعدم نهوض حجة على أحدهما تفصيلا بعد نهوضها عليه إجمالا ... إلخ)

قد عرفت في صدر البراءة أن الشيخ أعلى الله مقامه قد عقد للبراءة ثمان مسائل أربع للشبهة التحريمية وأربع للشبهة الوجوبية ومن كل أربع ثلاثة للشبهة الحكمية وواحدة للشبهة الموضوعية إذ منشأ الشك في الحكمية.

(تارة) يكون فقد النص.

(وأخرى) إجمال النص.

(وثالثة) تعارض النصين وفي الموضوعية منشأ الشك هو اشتباه الأمور الخارجية وعرفت أيضاً أن المصنف قد عقد للبراءة مسألة واحدة جمع فيها بين الكل كما عرفت منا هناك ان الحق كان عقد أربع مسائل لا ثمان ولا واحدة اثنان للتحريمية حكميها وموضوعيها واثنان للوجوبية حكميها وموضوعيها (وقد عقد الشيخ) لأصالة التخيير حسب مسلكه المتقدم في أصالة البراءة أربع مسائل ثلاثة منها للحكمية وواحدة للموضوعية وذلك لأن أصالة التخيير ليس لها شبهات تحريمية محضة ولا شبهات وجوبية محضة كي صح أن ينعقد لها ثمان مسائل بل يدور الأمر في الكل بين الحرمة والوجوب جميعاً (وعقد المصنف) لأصالة التخيير مسألة واحدة جمع فيها بين الكل أيضاً (والحق) هو عقد مسألتين لها لا أربع ولا واحدة فلكل من الشبهة الحكمية والشبهة الموضوعية مسألة مستقلة من غير تعرض لمنشإ الشك في الحكمية من فقد النص أو إجمال النص أو تعارض النصين (ولو بنى) على التعرض لمنشإ الشك فيها فالتعرض لأقسام إجمال النص من إجمال الحكم أو المتعلق أو الموضوع

أولى من التعرض لتعارض النصين وكان عدد المسائل حينئذ ستة مع فقد النص وتعارض النصين والشبهة الموضوعية.

(وبالجملة) الحق في تحرير أصالة التخيير أن يقال هكذا إذا دار الأمر بين وجوب شيء وحرمته فمنشأ الترديد (إن كان) (عدم الدليل) على تعيين أحدهما بالخصوص بعد قيامه على أحدهما في الجملة كما إذا اختلفت الأمة على قولين بحيث علم وجداناً انتفاء الثالث (أو إجمال الدليل) بحسب الحكم كما إذا أمر بشيء وتردد بين الإيجاب والتهديد (أو إجماله) بحسب متعلق الحكم كما إذا أمر بتحسين الصوت ونهي عن الغناء ولم يعلم ان الصوت المطرب بلا ترجيح هل هو تحسين واجب أو غناء محرم (أو إجماله) بحسب موضوع الحكم كما إذا أمر بإكرام العدول ونهي عن إكرام الفساق ولم يعلم أن مرتكب الصغائر هل هو عادل يجب إكرامه أو فاسق يحرم إكرامه (فالشبهة حكمية) (وان كان) منشأ الترديد هو اشتباه الأمور الخارجية كما إذا دار أمر زيد بين كونه عادلا يجب إكرامه أو فاسقاً يحرم إكرامه مع العلم بمفهوم العادل والفاسق تحقيقاً (فالشبهة موضوعية).

في وجوه المسألة وبيان المختار منها

(قوله ففيه وجوه ... إلخ)

في المسألة وجوه خمسة.

(الأول) الحكم البراءة شرعاً وعقلا نظير الشبهات البدوية عيناً وذلك لعموم أدلة الإباحة الشرعية وحكم العقل بقبح المؤاخذة على كل من الفعل والترك جميعاً (وقد أشار إليه المصنف) بقوله الحكم بالبراءة عقلا ونقلا لعموم النقل وحكم العقل بقبح المؤاخذة على خصوص الوجوب أو الحرمة للجهل به ... إلخ.

(الثاني) وجوب الأخذ بجانب الحرمة (لقاعدة الاحتياط) حيث يدور

الأمر فيه بين التعيين والتخيير (ولظاهر) ما دل على وجوب التوقف عند الشبهة (ولأن دفع المفسدة) أولى من جلب المنفعة (وللاستقراء) بناء على ان الغالب تغليب الشارع جانب الحرمة على الوجوب وسيأتي تفصيل الكل إن شاء الله تعالى واحداً بعد واحد (وقد أشار إليه المصنف) بقوله ووجوب الأخذ بأحدهما تعييناً ... إلخ.

(الثالث) وجوب الأخذ بأحدهما تخييراً أي تخييراً شرعياً قياساً لما نحن فيه بتعارض الخبرين الجامعين لشرائط الحجية (وقد أشار إليه المصنف) بقوله أو تخييراً ... إلخ.

(الرابع) التخيير بين الفعل والترك عقلا مع التوقف عن الحكم بشيء رأساً لا ظاهراً ولا واقعاً (وقد أشار إليه المصنف) بقوله والتخيير بين الترك والفعل عقلا مع التوقف عن الحكم به رأساً (وقد اختاره الشيخ) أعلى الله مقامه أخيراً (قال) في صدر البحث (ما لفظه) فإن في المسألة وجوهاً ثلاثة الحكم بالإباحة ظاهراً نظير ما يحتمل التحريم وغير الوجوب ويعني بذلك الوجه الأول من وجوه المسألة (ثم قال) والتوقف بمعنى عدم الحكم بشيء لا ظاهراً ولا واقعاً ومرجعه إلى إلغاء الشارع لكلا الاحتمالين فلا حرج في الفعل ولا في الترك بحكم العقل وإلّا لزم الترجيح بلا مرجح ويعني بذلك الوجه الرابع من وجوه المسألة (ثم قال) ووجوب الأخذ بأحدهما بعينه يعني بذلك الوجه الثاني من وجوه المسألة (ثم قال) أو لا بعينه ويعني به الوجه الثالث من وجوه المسألة (ثم ساق الكلام) طويلا في تقريب الوجه الأول أي الحكم بالإباحة ظاهراً وبيان عموم أدلة الإباحة الشرعية وحكم العقل بقبح المؤاخذة على كل من الفعل والترك إلى أن عدل عن هذا كله (حتى قال) فاللازم هو التوقف وعدم الالتزام إلّا بالحكم الواقعي على ما هو عليه في الواقع ولا دليل على عدم جواز خلو الواقعة عن حكم ظاهري إذا لم نحتج إليه في العمل (انتهى)

(الخامس) التخيير بين الفعل والترك عقلا والحكم بالإباحة شرعاً (وهذا)

هو الّذي اختاره المصنف وأشار إليه بعد قوله المتقدم والتخيير بين الترك والفعل عقلا مع التوقف عن الحكم به رأساً بقوله (أو مع الحكم عليه بالإباحة شرعاً).

(أقول)

والحق من بين هذه الوجوه الخمسة كلها هو الوجه الرابع الّذي مرجعه إلى عدم جريان شيء من البراءة الشرعية والعقلية أصلا مع حكم العقل بالتخيير بين الفعل والترك (اما عدم) جريان شيء من البراءة الشرعية والعقلية أصلا فلما سيأتي في صدر بحث الاشتغال إن شاء الله تعالى من الوجوه العديدة لعدم جريان الأصل في أطراف العلم الإجمالي مطلقاً ولو كان هو البراءة لا شرعيها ولا عقليها (مضافاً) إلى ما سيأتي من المصنف في المقام في وجه عدم جريان البراءة العقلية (مما حاصله) أن موضوع البراءة العقلية هو اللابيان ولا قصور في البيان مع وجود العلم الإجمالي بالتكليف غير أن عدم المؤاخذة وعدم تنجز التكليف في المقام مستند إلى العجز عن الموافقة القطعية لتردد التكليف بين الوجوب والحرمة وليس هو مستنداً إلى الجهل والحجب كما لا يخفى (واما حكم العقل) بالتخيير بين الفعل والترك فلعدم الترجيح بين الفعل والترك كما سيأتي من المصنف فالفرق إذاً بين ما اخترناه وما اختاره المصنف انه قدس‌سره يقول بجريان البراءة الشرعية ونحن لا نقول به.

(قوله لعدم الترجيح بين الفعل والترك وشمول مثل كل شيء لك حلال حتى تعرف انه حرام له ... إلخ)

قد عرفت أن مختار المصنف هو الوجه الخامس من وجوه المسألة وانه مركب من جزءين التخيير بين الفعل والترك عقلا والحكم بالإباحة شرعاً (فقوله) لعدم الترجيح بين الفعل والترك ... إلخ دليل للجزء الأول (وقوله) وشمول مثل كل شيء لك حلال حتى تعرف انه حرام له ... إلخ دليل للجزء الثاني (وقد أخذ المصنف) شمول مثل كل شيء لك حلال للمقام من الشيخ أعلى الله مقامه فإنه قد مال في بدو الأمر كما أشرنا إلى الوجه الأول من الحكم بالبراءة الشرعية والعقلية جميعاً وإن رجع

أخيراً إلى القول بالتوقف كما تقدم (قال) أعلى الله مقامه في صدر المسألة (ما هذا لفظه) وكيف كان فقد يقال في محل الكلام بالإباحة ظاهراً لعموم أدلة الإباحة الظاهرية مثل قولهم كل شيء لك حلال وقولهم ما حجب الله علمه عن العباد فهو موضوع عنهم فإن كلا من الوجوب والحرمة قد حجب الله عن العباد علمه وغير ذلك من أدلته (إلى ان قال) هذا كله مضافاً إلى حكم العقل بقبح المؤاخذة على كل من الفعل والترك (انتهى).

(قوله ولا مانع عنه عقلا ولا نقلا ... إلخ)

بل سيأتي في صدر بحث الاشتغال كما أشير آنفاً من الوجوه العديدة المانعة عقلا عن جريان الأصول العملية مطلقاً شرعيها وعقليها في أطراف العلم الإجمالي وإن لم يلزم منه مخالفة عملية فانتظر (هذا مضافاً) إلى ما عرفت من أن قوله عليه‌السلام كل شيء لك حلال ... إلخ هو مما لا يصلح للاستدلال به إلا في الشبهات الموضوعية دون الحكمية فتذكر.

(قوله وقد عرفت انه لا يجب موافقة الأحكام التزاماً ... إلخ)

أي وقد عرفت في الأمر الخامس من بحث القطع انه لا تجب الموافقة الالتزامية للأحكام الشرعية نظير ما يجب في الأمور الاعتقادية كي يمنع ذلك عن جريان البراءة الشرعية فيما دار أمره بين الوجوب والحرمة وينافي الحكم بإباحته ظاهراً مع العلم الإجمالي بأنه إما واجب أو حرام واقعاً (قال هناك) الأمر الخامس هل تنجز التكليف بالقطع كما يقتضي موافقته عملا يقتضي موافقته التزاماً والتسليم له اعتقاداً وانقياداً كما هو اللازم في الأصول الدينية والأمور الاعتقادية (إلى أن قال) أو لا يقتضي فلا يستحق العقوبة عليه (إلى ان قال) الحق هو الثاني.

(أقول)

بل قد عرفت منا أن الحق هو الأول وإن لم يكن تناف بين الموافقة الالتزامية وبين الحكم بالإباحة الظاهرية أو التوقف وعدم الحكم بشيء لا ظاهراً ولا واقعاً كما

اخترناه هاهنا وذلك للتمكن من الالتزام الإجمالي بما هو الثابت للشيء في الواقع من الحكم الشرعي الإلهي.

(قوله ولو وجب لكان الالتزام إجمالا بما هو الواقع معه ممكناً ... إلخ)

أي ولو قلنا هناك بوجوب الموافقة الالتزامية لكانت هي ممكنة هاهنا فيلتزم بما هو الثابت للشيء واقعاً من الحكم الواقعي الإلهي من دون تناف بينه وبين الحكم عليه بالإباحة الشرعية الظاهرية (قال فيما تقدم) في الأمر الخامس من القطع (ما لفظه) ثم لا يذهب عليك انه على تقدير لزوم الموافقة الالتزامية وكان المكلف متمكناً منها يجب ولو فيما لا يجب عليه الموافقة القطعية عملا ولا يحرم المخالفة القطعية عليه كذلك أيضاً لامتناعهما كما إذا علم إجمالا بوجوب شيء أو حرمته للتمكن من الالتزام بما هو الثابت واقعاً والانقياد له والاعتقاد به بما هو الواقع والثابت وإن لم يعلم انه الوجوب أو الحرمة.

(أقول)

وأصل هذا الجواب أعني الجمع بين الحكم بالإباحة الظاهرية وبين وجوب الموافقة الالتزامية بالالتزام الإجمالي مأخوذ عن الشيخ أعلى الله مقامه فيما أفاده في المقام وإن لم يؤشر إليه هناك في العلم الإجمالي (قال) في صدر أصالة التخيير (ما لفظه) واما دعوى وجوب الالتزام بحكم الله تعالى لعموم دليل وجوب الانقياد للشرع ففيها (إلى ان قال) وإن أريد وجوب الانقياد والتدين بحكم الله تعالى فهو تابع للعلم بالحكم فإن علم تفصيلا وجب التدين به كذلك وإن علم إجمالا وجب التدين بثبوته في الواقع ولا ينافي ذلك التدين حينئذ بإباحته ظاهراً (انتهى) موضع الحاجة من كلامه رفع كلامه.

(قوله والالتزام التفصيلي بأحدهما لو لم يكن تشريعاً محرماً لما نهض على وجوبه دليل قطعاً ... إلخ)

إشارة إلى دفع ما قد يتوهم من انه إذا لم يمكن الموافقة الالتزامية التفصيلية وجب

الالتزام التفصيليّ بأحد الطرفين إما الوجوب وإما الحرمة تخييراً فلا تصل النوبة إلى الالتزام الإجمالي ومن الواضح المعلوم أن الالتزام التفصيليّ بأحد الطرفين مما ينافي الحكم بالإباحة الشرعية الظاهرية (فيجيب عنه) المصنف بأمرين.

(الأول) أن الالتزام التفصيليّ بأحدهما تشريع محرم.

(الثاني) انه مما لا دليل عليه قطعاً (وقد أجاب عنه) فيما تقدم في الأمر الخامس من مبحث القطع بنحو أبسط (قال) فيما أفاده هناك (ما لفظه) وإن أبيت إلا عن لزوم الالتزام به بخصوص عنوانه لما كانت موافقته القطعية الالتزامية حينئذ ممكنة ولما وجب عليه الالتزام بواحد قطعاً فإن محذور الالتزام بضد التكليف عقلا ليس بأقل من محذور عدم الالتزام به بذاته مع ضرورة ان التكليف لو قيل باقتضائه للالتزام لم يكد يقتضي الا الالتزام بنفسه عيناً لا الالتزام به أو بضده تخييراً (انتهى).

(قوله وقياسه بتعارض الخبرين الدال أحدهما على الحرمة والآخر على الوجوب باطل ... إلخ)

(رد على الوجه الثالث) من وجوه المسألة وهو وجوب الأخذ بأحد الطرفين إما الوجوب أو الحرمة تخييراً شرعياً قياساً لما نحن فيه بتعارض الخبرين الجامعين لشرائط الحجية (قال الشيخ) أعلى الله مقامه ومن هنا يبطل قياس ما نحن فيه بصورة تعارض الخبرين الجامعين لشرائط الحجية الدال أحدهما على الأمر والآخر على النهي كما هو مورد بعض الاخبار الواردة في تعارض الخبرين ولا يمكن ان يقال ان المستفاد منه بتنقيح المناط وجوب الأخذ بأحد الحكمين وإن لم يكن على كل واحد منهما دليل معتبر معارض بدليل آخر فإنه يمكن ان يقال إن الوجه في حكم الشارع هناك بالاخذ بأحدهما هو ان الشارع أوجب الأخذ بكل من الخبرين المفروض استجماعهما لشرائط الحجية فإذا لم يمكن الأخذ بهما معاً فلا بدّ من الأخذ بأحدهما وهذا تكليف شرعي في المسألة الأصولية غير التكليف المعلوم تعلقه إجمالا في المسألة

الفرعية بواحد من الفعل والترك بل ولو لا النص الحاكم هناك بالتخيير أمكن القول به من هذه الجهة بخلاف ما نحن فيه إذ لا تكليف إلّا بالاخذ بما صدر واقعاً في هذه الواقعة والالتزام به حاصل من غير حاجة إلى الأخذ بأحدهما بالخصوص (انتهى) (ومحصل) وجه بطلان القياس المذكور على ما يستفاد من مجموع كلامه الشريف ان الشارع في الخبرين قد أوجب الأخذ بكل منهما لاستجماعهما لشرائط الحجية وحيث لا يمكن الأخذ بالمتعارضين جميعاً فلا بدّ من الأخذ بأحدهما تخييراً كما هو الشأن في كل فردين متزاحمين من جهة عدم القدرة على الإتيان بهما جميعاً ومن هنا يظهر انه لو لم يكن في تعارض الخبرين نصّ يحكم بالتخيير أمكن القول به من هذه الجهة وهذا بخلاف ما نحن فيه فانه لا يجب الأخذ فيه شرعاً إلّا بما صدر واقعاً من الحكم الشرعي الإلهي المردد إثباتاً بين الوجوب والحرمة (وفيه) ان حكم الشارع بالتخيير في الخبرين المتعارضين لو كان من جهة التزاحم بين الفردين لكان التخيير بينهما على طبق القاعدة مع ان القاعدة فيهما كما ستأتي في محلها هي التساقط لا التخيير الا على السببية والموضوعية دون الطريقية (ولعل) من هنا قال أعلى الله مقامه أخيراً ثم إن هذا الوجه وإن لم يخل عن مناقشة أو منع إلّا أن مجرد احتماله يصلح فارقاً بين المقامين مانعاً عن استفادة حكم ما نحن فيه من حكم الشارع بالتخيير في مقام التعارض فافهم (انتهى) هذا كله حاصل ما أفاده الشيخ في وجه بطلان قياس المقام بتعارض الخبرين وقد عرفت ضعفه.

(واما المصنف) فحاصل كلامه في وجه بطلان القياس المذكور ان التخيير بين الخبرين المتعارضين على القول بالسببية والموضوعية وحدوث المصلحة والمفسدة في المتعلق بقيام الأمارة يكون على القاعدة ويكون من التخيير بين المتزاحمين واما على القول بالطريقية كما هو المختار فالتخيير وان كان على خلاف القاعدة فان القاعدة فيهما كما أشير آنفاً هو التساقط ولكن أحد الخبرين حيث انه واجد لمناط الطريقية من كون الخبر ثقة مثلا أو عدلا مرضياً أو معمولا به عند الأصحاب ونحو

ذلك مع احتمال إصابته ومطابقته للواقع فأدلة الترجيح أو التخيير تجعله حجة تعييناً أو تخييراً وأين ذلك من باب دوران الأمر بين المحذورين فإن المطلوب فيه هو الالتزام بما صدر واقعاً من الحكم الإلهي إجمالا وهو حاصل من غير حاجة إلى الالتزام بخصوص أحدهما فانه ربما لا يكون إليه بموصل.

(نعم) إذا أحرز أن الملاك في التخيير بين الخبرين المتعارضين شرعاً هو إبداؤهما احتمال الوجوب والحرمة فالملاك حاصل في المقام بلا كلام والقياس يكون في محله ولكن دون إثباته خرط القتاد.

(أقول)

والحق أن بطلان قياس ما نحن فيه بتعارض الخبرين مما لا يحتاج إلى هذا التطويل الّذي صدر من الشيخ والمصنف جميعاً (بل يقال) في وجهه إن التخيير الشرعي بين طرفي الاحتمال في المقام مما يحتاج إلى الدليل ولم يرد والمناط الّذي بسببه خيرنا الشارع بين الخبرين المتعارضين مما لم ينقح لنا على وجه اليقين كي نتعدى منهما إلى غيرهما وقياس المقام عليهما بلا تنقيح المناط باطل عندنا لا نقول به وهذا كله واضح ظاهر.

(قوله ومن جهة التخيير بين الواجبين المتزاحمين ... إلخ)

ولو قال من جهة التخيير بين الواجب والحرام المتزاحمين كان أصح.

(قوله إلّا ان أحدهما تعييناً أو تخييراً ... إلخ)

إشارة إلى الخلاف الآتي في محله من الترجيح أو التخيير بين الخبرين المتعارضين.

(قوله وأين ذلك مما إذا لم يكن المطلوب الا الأخذ بخصوص ما صدر واقعاً وهو حاصل ... إلخ)

مراده من الأخذ بخصوص ما صدر واقعاً هو الالتزام به وهو حاصل أي من غير حاجة كما أشرنا إلى الالتزام بخصوص أحدهما معيناً فإنه ربما لا يكون إليه بموصل

وليس مراده من الأخذ به هو العمل به فإن العمل به على وجه القطع ممتنع إلا احتمالا فكيف يقول وهو حاصل.

(قوله ولا مجال هاهنا لقاعدة قبح العقاب بلا بيان فانه لا قصور فيه هاهنا ... إلخ)

ووجه عدم جريان البراءة العقلية كما أشرنا من قبل في ذيل بيان وجوه المسألة أن موضوع البراءة العقلية هو اللابيان ولا قصور في البيان في دوران الأمر بين المحذورين بعد العلم الإجمالي بالتكليف الإلزاميّ غير أن عدم المؤاخذة عليه انما هو للعجز عن موافقته القطعية كالعجز عن مخالفته القطعية فلا يجب الأول ولا يحرم الثاني لامتناعهما قطعاً نعم يتمكن المكلف من الموافقة الاحتمالية وهي حاصلة بنفسها سواء أتى بالفعل أو تركه من غير حاجة إلى الأمر بها أصلا وهذا واضح.

(قوله ثم إن مورد هذه الوجوه وإن كان ما لم يكن واحد من الوجوب والحرمة على التعيين تعبدياً إذ لو كانا تعبديين أو كان أحدهما المعين كذلك إلى آخره)

المقصود من هذه العبارة إلى قوله ولا يذهب عليك هو تضعيف ما أفاده الشيخ أعلى الله مقامه (قال) في صدر البحث بعد بيان وجوه المسألة (ما لفظه) ومحل هذه الوجوه ما لو كان كل من الوجوب والتحريم توصلياً بحيث يسقط بمجرد الموافقة إذ لو كانا تعبديين محتاجين إلى قصد امتثال التكليف أو كان أحدهما المعين كذلك لم يكن إشكال في عدم جواز طرحهما والرجوع إلى الإباحة لأنها مخالفة قطعية عملية (انتهى) (ومحصله) أن الحكم بالإباحة الظاهرية التي كانت هي إحدى وجوه المسألة مما لا يجري فيما إذا كان كل من الوجوب والحرمة تعبدياً أو كان أحدهما المعين تعبدياً إذ لو حكمنا حينئذ بالإباحة ولم نمتثل شيئاً منهما على وجه قربي لحصلت المخالفة القطعية العملية.

(فيقول المصنف) إن محل تلك الوجوه وان كان ما لم يكن واحد من

الوجوب والحرمة على التعيين تعبدياً كما أفاد الشيخ بل كانا توصليين أو كان أحدهما الغير المعين تعبدياً (ولكن المهم في المقام) وهو التخيير العقلي بين الفعل والترك مما يجري حتى فيما إذا كانا تعبديين أو كان أحدهما المعين تعبدياً فنتخير عقلا في الأول بين الإتيان بالشيء بنحو قربي وبين تركه كذلك وفي الثاني بين الإتيان بأحدهما المعين بنحو قربي وبين مجرد الموافقة في الآخر.

(نعم) يختص الحكم بالإباحة الشرعية بما إذا كانا توصليين أو كان أحدهما الغير المعين تعبدياً وإلّا لم يمكن الحكم بها وذلك لتصوير المخالفة القطعية فيما إذا كانا تعبديين أو كان أحدهما المعين تعبدياً ففي الأول يأتي بالفعل لا بنحو قربي أو يتركه كذلك وفي الثاني يأتي بأحدهما المعين لا بنحو قربي فتحصل المخالفة القطعية حينئذ بلا شبهة فتحرم.

(قوله ولا يذهب عليك أن استقلال العقل بالتخيير إنما هو فيما لا يحتمل الترجيح في أحدهما على التعيين ... إلخ)

(وحاصله) ان العقل انما يستقل بالتخيير فيما نحن فيه بين الفعل والترك إذا لم يحتمل الترجيح في أحدهما المعين وإلّا فلا يبعد استقلاله بتعين محتمل الرجحان دون غيره ومقصوده من الرجحان كما سيأتي التصريح به هو شدة الطلب أي الحاصلة من أقوائية المناط وأهمية الملاك.

(أقول)

ولا يخفى عليك ان احتمال الرجحان في أحد الطرفين إذا كان مرجحاً عقلا فالرجحان القطعي بطريق أولى (كما إذا علم) ان الشيء الفلاني الدائر أمره بين الوجوب والحرمة على تقدير وجوبه يكون ملاكه أقوى مما إذا كان حراماً أو بالعكس في قبال احتمال الأقوائية وقد تقدمت الإشارة في أواخر البراءة إلى أن كلا من أقوائية المناط واحتمالها مرجح عقلا في كل من المتزاحمين ودوران الأمر بين المحذورين غير انه عند احتمال الرجحان في أحد الجانبين يكون المورد من دوران الأمر بين التعيين

والتخيير العقليين دون ما إذا كان الرجحان قطعياً فلا دوران بينهما بل يتعين الراجح بلا كلام.

(قوله كما هو الحال في دوران الأمر بين التخيير والتعيين في غير المقام إلى آخره)

أي في غير دوران الأمر بين المحذورين كما في المتزاحمين إذا احتمل الترجيح في أحدهما المعين دون الآخر فإنه أيضاً من دوران الأمر بين التعيين والتخيير العقليين وقد استقصينا الكلام في أقسام الدوران وما لكل منها من الأحكام في أواخر البراءة فراجع.

(قوله ولكن الترجيح إنما يكون لشدة الطلب في أحدهما ... إلخ)

لمّا ذكر المصنف ان استقلال العقل في المقام بالتخيير انما هو فيما لا يحتمل الترجيح في أحدهما على التعيين وإلّا فلا يبعد دعوى استقلاله بتعينه أراد أن يذكر ما به الترجيح فقال ولكن الترجيح إنما يكون لشدة الطلب في أحدهما يعني بها الحاصلة من أقوائية المناط وأهمية الملاك كما أشرنا.

(أقول)

كما ان شدة الطلب وأقوائية المناط بل واحتمالها في أحدهما المعين يكون مرجحاً عقلا فكذلك لا يبعد ان يكون أقوائية الاحتمال أو احتمالها في طرف معين مرجحاً أيضاً عقلا لكن في خصوص دوران الأمر بين المحذورين لا في المتزاحمين.

(قوله بما لا يجوز الإحلال بها في صورة المزاحمة ووجب الترجيح بها وكذا وجب ترجيح احتمال ذي المزية في صورة الدوران ... إلخ)

لمّا ذكر المصنف ان الترجيح يكون بشدة الطلب في أحدهما يعني بها الحاصلة من أقوائية المناط أراد أن يحدد الشدة ويقيدها بما إذا كانت بمقدار معتد به بحيث يوجب الترجيح به عقلا بنحو البت والإلزام لا بمقدار يوجب الترجيح به بنحو الندب والاستحباب (فقال) بما لا يجوز الإخلال بها في صورة المزاحمة ... إلخ

أي كانت الشدة بمقدار لو كانت موجودة في أحد المتزاحمين لوجب الترجيح بها أو كانت بمقدار لو كانت في أحد الطرفين من دوران الأمر بين المحذورين لوجب ترجيح احتمال ذاك الطرف بسببها.

(أقول)

بناء على ما عرفته منا آنفاً من كون أقوائية الاحتمال بل واحتمالها في طرف معين مرجحاً عقلا في دوران الأمر بين المحذورين كقوة المناط أو احتمالها عيناً لا يبعد أن يشترط أيضاً كون قوة الاحتمال أو احتمالها هو بمقدار يجب الترجيح به لا مطلقاً.

(قوله ولا وجه لترجيح احتمال الحرمة مطلقاً لأجل أن دفع المفسدة أولى من ترك المصلحة ... إلخ)

(رد على الوجه الثاني) من وجوه المسألة وهو وجوب الأخذ بجانب الحرمة تعييناً (وقد رد قبل ذلك) على الوجه الثالث مفصلا (واما الوجه الأول والرابع) فلم يرد عليهما ولعله لأجل كون مختاره وهو الوجه الخامس مركباً منهما فأخذ الحكم بالإباحة شرعاً من الوجه الأول وأخذ التخيير بين الفعل والترك عقلا من الوجه الرابع (وكيف كان) قد أشرنا قبلا إلى الأمور التي استدل بها لهذا الوجه الثاني (من قاعدة الاحتياط) حيث يدور الأمر بين التعيين والتخيير (وظاهر) ما دل على وجوب التوقف عند الشبهة (وأن دفع المفسدة) أولى من جلب المنفعة (والاستقراء) بناء على أن الغالب تغليب الشارع جانب الحرمة على الوجوب (قال الشيخ) أعلى الله مقامه في ذيل بيان دفع المفسدة أولى من جلب المنفعة (ما لفظه) لما عن النهاية من ان الغالب في الحرمة دفع مفسدة ملازمة للفعل وفي الوجوب تحصيل مصلحة لازمة للفعل واهتمام الشارع والعقلاء بدفع المفسدة أتم (قال) ويشهد له ما أرسل عن أمير المؤمنين عليه‌السلام من أن اجتناب السيئات أولى من اكتساب الحسنات (ثم قال) بل وقوله أفضل من اكتساب الحسنات اجتناب السيئات (انتهى) (وقال أيضاً) في ذيل بيان الاستقراء (ما لفظه) ومثل له

بأيام الاستظهار وتحريم استعمال الماء المشتبه بالنجس (انتهى) (واما المصنف) فلم يذكر من هذه الأمور الأربعة سوى الأمر الثالث فقط وكأنه لأهميته بالنسبة إلى ما سواه فخصه بالذكر وترك غيره (وعلى كل حال) حاصل ما أجاب به المصنف عن الأمر الثالث ان الواجب والحرام يختلفان وليس لها ضابط كلي فرب واجب لأهمية ملاكه وأقوائية مناطه يكون مقدماً على الحرام في صورة المزاحمة فكيف يقدم على احتمال الواجب احتمال الحرام في صورة الدوران بين مثليهما.

(أقول)

من المحتمل قوياً أن لا يقول الخصم بوجوب الأخذ بجانب الحرمة مطلقاً حتى في صورة الدوران بين الواجب الأهم أو محتمل الأهمية وبين الحرام المهم بل يقول في صورة التساوي بوجوب الأخذ بجانب الحرمة بدعوى ان دفع المفسدة أولى من جلب المنفعة (ولعله إليه أشار المصنف) أخيراً بقوله فافهم (وعلى كل حال) الحق في الرد على الوجه الثالث ان يقال إن ما دار أمره بين الوجوب والحرمة إذا أحرز ان الحرام فيه هو أهم وأقوى مناطاً من الطرف الآخر أو احتمل الأهمية في جانبه دون الآخر فيتعين الأخذ به وإلّا فتقديم جانب الحرمة بنحو الإطلاق على الوجوب هو بلا ملزم (ودعوى) أن دفع المفسدة أولى من جلب المنفعة هي بلا برهان (واهتمام) الشارع والعقلاء بدفع المفسدة أتم غير معلوم فيما لم يحرز أهمية الحرام أو احتملت الأهمية في جانبه (وأما ما أرسل) عن أمير المؤمنين عليه‌السلام من أن اجتناب السيئات أولى من اكتساب الحسنات أو قوله أفضل من اكتساب الحسنات اجتناب السيئات (ففيه) من القصور من حيث السند بالإرسال بل الدلالة أيضاً للتصريح بالأولوية والأفضلية دون الوجوب ما لا يخفى (مضافاً) إلى ما فيه من احتمال كون المراد أن اجتناب المحرمات والورع عنها أفضل من الإتيان بالنوافل والمستحبات كقيام الليل وصيام النهار ونحوهما والله العالم (هذا تمام الكلام) في الأمر الثالث من الأمور التي استدل بها للوجه الثاني من وجوه المسألة

(واما الأمر الأول) وهو قاعدة الاحتياط حيث يدور الأمر بين التعيين والتخيير (ففيه) منع الصغرى هنا أي الدور ان بينهما لعدم منشأ صحيح لتعين وجوب الأخذ شرعاً بجانب الحرمة أو عقلا ما لم يحرز الأهمية أو احتملت هي في جانب الحرام وهذا واضح.

(واما الأمر الثاني) أي الاخبار الآمرة بالتوقف عند الشبهة (ففيه) ان ظاهرها الشبهات التحريمية لا ما دار أمره بين الحرام والواجب.

(واما الأمر الرابع) أي الاستقراء بناء على ان الغالب تغليب الشارع جانب الحرمة على الوجوب كتحريمه الصلاة في أيام الاستظهار أو أمره بإراقة الإناءين المشتبهين والتيمم كما في موثقة عمار الساباطي فقد تقدم تفصيل الكلام فيه كما ينبغي في آخر اجتماع الأمر والنهي فلا نعيد.

هل التخيير بدوي أو استمراري

(بقي في المقام) أمران لا بأس بالتنبيه عليهما.

(أحدهما) انه على القول بالتخيير فيما نحن فيه (فهل هو) في بدو الأمر فلا يجوز للمكلف أن يختار في الواقعة الثانية غير ما اختاره في الواقعة الأولى (أم هو) مستمر إلى الآخر فله ان يختار في الواقعة الثانية غير ما اختاره في الواقعة الأولى (فإذا فرض) مثلا أن صلاة الجمعة قد دار أمرها بين الوجوب والحرمة واخترنا جانب الوجوب مثلا وأتينا بها في الجمعة الأولى (فهل) لنا ان نختار في الجمعة الثانية جانب الحرمة ولا نأتي بها (أم ليس) لنا ذلك بل يجب علينا الإتيان بها في كل جمعة إلى الآخر (وجهان) بل قال الشيخ أعلى الله مقامه وجوه بضميمة تفصيل ذكره في المسألة (قال) ثم لو قلنا بالتخيير فهل هو في ابتداء الأمر فلا يجوز له العدول عما اختار أو مستمر فله العدول مطلقاً أو بشرط البناء على

الاستمرار وجوه يستدل للأول بقاعدة الاحتياط واستصحاب حكم المختار واستلزام العدول للمخالفة القطعية المانعة عن الرجوع من أول الأمر إلى الإباحة (انتهى) ولم يذكر أعلى الله مقامه ما يستدل به للوجه الثاني أي لاستمرار التخيير إلى الآخر كما انه لم يذكر للوجه الثالث شيئاً (وعلى كل حال) قد عرفت في صدر البحث ان التخيير في المقام (إما عقلي) بين الفعل والترك لعدم ترجيح أحدهما على الآخر (وإما شرعي) قياساً لما نحن فيه بتعارض الخبرين الجامعين لشرائط الحجية (وعليه) فالمستدل بقاعدة الاحتياط (ان كان) ممن يقول بالتخيير العقلي فلا وجه للاستدلال المذكور فإن العقل الحاكم بالتخيير لا يكاد يتحير في حكمه فإنه إما يحكم بالتخيير بدواً أو يحكم به إلى الآخر فلا شك له كي يحتاط ويختار في الواقعة الثانية عين ما اختاره في الأولى نظراً إلى دوران الأمر بين التعيين والتخيير (وان كان) ممن يقول بالتخيير الشرعي فله وجه بدعوى احتمال حكم الشارع بوجوب الأخذ بما اختاره أولا على التعيين فيكون المقام من دوران الأمر بين التعيين والتخيير الشرعيين (ولكن الدافع) لهذا الاحتمال هو استصحاب التخيير السابق كما ان به يندفع استصحاب حكم المختار أيضاً لوروده عليه فإن الأول سببي والثاني مسببي (واما استلزام العدول) للمخالفة القطعية ففيه انه إذا اختار في الواقعة الثانية غير ما اختاره في الواقعة الأولى فالمخالفة القطعية العملية وان كانت تلزم ولكن الموافقة القطعية العملية أيضاً تلزم ولم يعلم أن مصلحة الموافقة القطعية هي أقل من مفسدة المخالفة القطعية (ومن هنا) قد اختار الشيخ أعلى الله مقامه التخيير الاستمراري وصرح به وان كان يظهر منه في المخالفة الالتزامية للعلم الإجمالي في بحث القطع ما يخالف ذلك (قال) فيما أفاده هناك (ما لفظه) لأن المخالفة العملية الغير اللازمة هي المخالفة دفعة وفي واقعة واما المخالفة تدريجاً وفي واقعتين فهي لازمة البتة والعقل حاكم بقبح المخالفة التدريجية إذا كان عن قصد إليها ومن غير تعبد بحكم ظاهري عند كل واقعة لأن ارتكاب ما هو مبغوض للمولى عن قصد قبيح ولو كان

في واقعتين إذا لم يكن له عند كل واقعة ما هو بدل ظاهراً للمعلوم إجمالا في الواقعتين (انتهى).

(أقول)

ويرد عليه ما عرفته آنفاً من أن المخالفة القطعية العملية على القول بالتخيير الاستمراري وان كانت تلزم إذا اخترنا في الواقعة الثانية غير ما اخترناه في الواقعة الأولى إلّا أن الموافقة القطعية العملية أيضاً تلزم وليست مصلحة الثاني بأقل من محذور الأول (ولعله) لذلك قال أخيراً هناك فافهم وعدل في المقام عما أفاده هناك وصرح هاهنا بأن الأقوى هو التخيير الاستمراري كما أشرنا.

في اشتباه الواجب بالحرام

(ثانيهما) انه يلحق بدوران الأمر بين المحذورين أي الوجوب والحرمة اشتباه الواجب بالحرام بأن يعلم إجمالا ان أحد الفعلين واجب والآخر حرام ولم يعلم ان هذا واجب وذاك حرام أو بالعكس فيجري في كل من الفعلين جميع ما تقدم في دوران الأمر بين المحذورين حرفاً بحرف فإن كلا من الفعلين من مصاديقه وصغرياته يدور أمره بين الوجوب والحرمة غير ان المخالفة القطعية هناك لم تمكن الا تدريجاً وفي واقعتين كما إذا أتى بالفعل مرة وتركه أخرى وفي المقام تمكن دفعة واحدة بأن يأتي بهما جميعاً أو يتركهما كذلك فتحصل المخالفة القطعية كما تحصل الموافقة القطعية (وقد حكم فيه الشيخ) أعلى الله مقامه بوجوب الإتيان بأحدهما وترك الآخر مخيراً في ذلك قبال ما إذا أتى بهما جميعاً أو تركهما كذلك وذلك لئلا يلزم المخالفة القطعية (قال) في آخر الاشتغال في المطلب الثالث من مطالب الشك في المكلف به بعد تحرير عنوان البحث (ما هذا لفظه) والحكم فيما نحن فيه وجوب الإتيان بأحدهما وترك الآخر مخيراً في ذلك لأن الموافقة الاحتمالية في كلا

التكليفين أولى من الموافقة القطعية في أحدهما مع المخالفة القطعية في الآخر ومنشأ ذلك أن الاحتياط لدفع الضرر المحتمل لا يحسن بارتكاب الضرر المقطوع (انتهى)

(أقول)

ويرد عليه ان الاحتياط بالموافقة القطعية في أحدهما مع المخالفة القطعية في الآخر ليس من دفع الضرر المحتمل بارتكاب الضرر المقطوع بل من دفع الضرر المقطوع بارتكاب الضرر المقطوع إذ لا وجه لتسمية الموافقة القطعية بدفع الضرر المحتمل وتسمية المخالفة القطعية بارتكاب الضرر المقطوع (ومن هنا يظهر) انه لا وجه للإلزام بالموافقة الاحتمالية في كلا التكليفين بإتيان أحدهما وترك الآخر مخيراً في ذلك بل المكلف كما انه مخير عقلا بين الإتيان بأحدهما وترك الآخر فكذلك مخير بين الإتيان بهما جميعاً وتركهما كذلك فإن المخالفة القطعية بالإتيان بهما جميعاً أو بتركهما كذلك وان كانت تلزم ولكن الموافقة القطعية بسبب ذلك أيضاً تلزم وقد أشير آنفاً انه لم يعلم ان مصلحة الموافقة القطعية هي أقل من مفسدة المخالفة القطعية

(قوله فافهم ... إلخ)

قد أشرنا في صدر الحاشية المتقدمة وهي التعليق على قوله ولا وجه لترجيح احتمال الحرمة مطلقاً ... إلخ إلى وجه قوله فافهم فراجع هناك ولا نعيده ثانياً.

في أصالة الاشتغال

(قوله فصل لو شك في المكلف به مع العلم بالتكليف من الإيجاب أو التحريم فتارة لتردده بين المتباينين وأخرى بين الأقل والأكثر الارتباطيين إلى آخره)

واما الأقل والأكثر الغير الارتباطيين فلم يعقد لهما الشيخ ولا المصنف بحثاً مستقلا يختص بهما وكأنه لوضوح الحكم فيهما وان العلم الإجمالي مما ينحل إلى العلم التفصيليّ

بالأقل والشك البدوي في الأكثر فتجري البراءة عن الأكثر وتقدمت الإشارة إليهما في التنبيه الثالث من تنبيهات البراءة وسيأتي الإشارة إليهما في صدر الأقل والأكثر الارتباطيين إن شاء الله تعالى بنحو أبسط فانتظر.

في دوران الأمر بين المتباينين

(قوله المقام الأول في دوران الأمر بين المتباينين ... إلخ)

(قد عقد الشيخ) أعلى الله مقامه لدوران الأمر بين المتباينين حسب مسلكه المتقدم في أصالة البراءة ثمان مسائل أربع للشبهة التحريمية وأربع للشبهة الوجوبية ومن كل أربع ثلاثة للشبهة الحكمية وواحدة للشبهة الموضوعية إذ منشأ الشك في الحكمية إما فقد النص أو إجمال النص أو تعارض النصين وفي الموضوعية اشتباه حال الأمور الخارجية غير ان الشيخ قدم في المقام الشبهة التحريمية الموضوعية محصورها وغير محصورها على الشبهة التحريمية الحكمية نظراً إلى اشتهار عنوانها في كلمات العلماء بخلاف التحريمية الحكمية بل لم يتعرض التحريمية الحكمية بمسائلها الثلاث إلّا باختصار (وعقد المصنف) للمقام مسألة واحدة جمع فيها بين المسائل الثمان كما فعل ذلك في البراءة أيضاً وان كان الأولى أن ينعقد لها أربع مسائل كما أشرنا في البراءة لا ثمان ولا واحدة مسألتان للتحريمية حكميها وموضوعيها ومسألتان للوجوبية حكميها وموضوعيها من غير تعرض لمنشإ الشك في الشبهة الحكمية من فقد النص أو إجمال النص أو تعارض النصين (وعلى كل حال) الحق في تحرير مسائل الدوران بين المتباينين أن يقال هكذا إن التكليف المعلوم بالإجمال المردد بين أمرين متباينين أو أكثر (إن كان) حرمة فالشبهة تحريمية (وان كان) وجوباً فالشبهة وجوبية وفي كل منهما (ان كان) منشأ الشك فقد ان النص أو إجمال النص فالشبهة حكمية كما إذا لم يعلم ان الحرام هل هو تجديد القبر أو تجديده أو لم يعلم ان الواجب في يوم

الجمعة هل هو صلاة الجمعة أو صلاة الظهر (وان كان) منشأ الشك هو اشتباه الأمور الخارجية فالشبهة موضوعية كما إذا لم يعلم ان هذا خمر يحرم شربه أو ذاك أو ان زيداً عالم يجب إكرامه أو عمراً (واما إذا كان) منشأ الشك في الحكمية تعارض النصين فلا ينبغي ذكره في المقام أصلا إذ لا يجب الاحتياط فيه بتركهما جميعاً أو بإتيانهما جميعاً بلا كلام بل اللازم فيه إما الترجيح أو التخيير على الخلاف الآتي في التعادل والتراجيح إن شاء الله تعالى.

(قوله لا يخفى ان التكليف المعلوم بينهما مطلقاً ولو كانا فعل أمر وترك آخر ان كان فعلياً من جميع الجهات بان يكون واجداً لما هو العلة التامة للبعث أو الزجر الفعلي مع ما هو عليه من الإجمال والتردد والاحتمال فلا محيص عن تنجزه وصحة العقوبة على مخالفته ... إلخ)

مقصوده من قوله ولو كانا فعل أمر وترك آخر أن يعلم إجمالا أنه إما هذا المعين واجب أو ذاك المعين حرام أو بالعكس فيكون هذا العلم الإجمالي كالعلم الإجمالي بحرمة أحد الأمرين أو بوجوب أحد الأمرين فكما أن في الثاني يحتاط ويترك الأمران جميعاً أو يؤتي بهما جميعاً فكذلك في الأول يحتاط ويؤتي بأحدهما المعين المحتمل وجوبه ويترك الآخر المعين المحتمل حرمته (وأما لو علم) إجمالا أن أحدهما الغير المعين واجب والآخر الغير المعين حرام فهو من اشتباه الواجب بالحرام ويلحق بدوران الأمر بين المحذورين كما نبهنا عليه في آخر أصالة التخيير فراجع.

(ثم إن) حاصل كلام المصنف في العلم الإجمالي بالتكليف المردد بين أمرين متباينين ان التكليف المعلوم بالإجمال (إن كان فعلياً) من جميع الجهات بان كان واجداً لما هو العلة التامة للبعث والزجر وهما الإرادة والكراهة المنقدحتان في نفس المولى على طبق الوجوب والحرمة على ما تقدم من المصنف في الجمع بين الحكم الظاهري والواقعي في العبارة التي ظهر منها ان مقصوده من البعث والزجر هي الإرادة والكراهة وهي قوله وكونه فعلياً انما يوجب البعث أو الزجر في النّفس

النبوية أو الولويّة ... إلخ (فالتكليف) منجز يصح العقاب على مخالفته لا محالة وحينئذ تكون أدلة البراءة الشرعية مما يعم أطراف العلم الإجمالي مخصصة عقلا لوضوح مناقضتها مع البعث والزجر أي الإرادة والكراهة المحققتان على طبق التكليف المعلوم بالإجمال (وإن لم يكن فعلياً) من جميع الجهات وإن كان فعلياً من ساير الجهات غير جهة العلم من البلوغ والعقل والقدرة ونحوها على نحو لو تعلق به العلم التفصيليّ لتنجز وحصل به البعث والزجر والإرادة والكراهة على طبقة (لم يكن منجزاً) حينئذ وجرت أدلة البراءة الشرعية في أطراف العلم الإجمالي جميعاً فضلا عن جريانها في بعضها ولم يجب الاحتياط في شيء من أطرافه لا كلا ولا بعضاً لعدم المانع عن شمولها لها لا عقلا ولا شرعاً.

(أقول)

ومحصل كلام المصنف لدى التأمل إلى التفصيل في العلم الإجمالي (فإن كان التكليف) المعلوم بالإجمال فعلياً من جميع الجهات بأن كان على طبقه الإرادة أو الكراهة كان العلم الإجمالي علة تامة للتنجيز وكان كالعلم التفصيليّ عيناً فلا تجري الأصل في أطرافه لا كلا ولا بعضاً (وإن لم يكن فعلياً) من جميع الجهات بأن لم يكن على طبقه الإرادة أو الكراهة كان العلم الإجمالي مقتضياً للتنجيزي فيجري الأصل في أطرافه كلا وبعضاً لعدم المانع عنه لا عقلا ولا شرعاً وحينئذ يرد عليه.

(أولا) ان الّذي تقدم منه في العلم الإجمالي في بحث القطع هو منجزيته بنحو الاقتضاء لا بنحو العلية التامة حتى انه رد على القول بتأثيره في التنجيز بنحو العلية التامة المستند إلى لزوم المناقضة أو احتمالها المحال من الترخيص في الأطراف كلا أو بعضاً بالنقض بالترخيص في الشبهات الغير المحصورة والشبهات البدوية فكما انه لا محذور في الترخيص فيهما ولا يناقض الحكم الواقعي المعلوم بالإجمال في الأول أو المحتمل في الثاني فكذلك لا محذور في الترخيص في الأطراف المحصورة للعلم الإجمالي ولا يناقض الحكم الواقعي المعلوم بالإجمال فيها أبداً.

(نعم) عدل في تعليقته هناك عن القول بمنجزيته بنحو الاقتضاء إلى القول بمنجزيته بنحو العلية التامة ولكن مع ذلك تفصيله هاهنا في العلم الإجمالي مما ينافي ما تقدم منه هناك متناً وهامشاً كما لا يخفى.

(وثانياً) ان مجرد كون العلم الإجمالي مقتضياً للتنجيز فيما لم يكن فعلياً من جميع الجهات مما لا يقتضي عدم وجوب الاحتياط في أطرافه وجواز جريان الأصول الشرعية فيها بدعوى شمول أدلتها لها من دون مانع عنه عقلا ولا شرعاً كيف والأصول متعارضة في أطرافه كما ستعرف تقريبه وكفى بذلك مانعاً عقلياً فكيف يدعي انه لا مانع عن شمول أدلتها لها لا عقلا ولا شرعاً فإن العلم الإجمالي وإن فرض انه على قسمين المنجز بنحو العلية التامة والمنجز بنحو الاقتضاء ولكن يجب الاحتياط في كليهما جميعاً غايته انه في القسم الأول نفس العلم الإجمال مما يكفي في التنجيز من دون حاجة إلى شيء آخر وفي القسم الثاني يكون العلم الإجمالي بضميمة تعارض الأصول في أطرافه مؤثراً في تنجز التكليف جداً.

(وثالثاً) لو سلم عدم وجوب الاحتياط في أطراف العلم الإجمالي المقتضي للتنجيز دون العلة التامة فما المميز في مقام الإثبات وبما ذا يعرف ان العلم الإجمالي الحاصل بحرمة أحد الأمرين أو بوجوب أحدهما هو من هذا القسم أو من ذاك القسم وان التكليف المعلوم بالإجمال فيهما فعلى من جميع الجهات واجد لما هو العلة التامة للبعث والزجر أي الإرادة والكراهة أم لا كي يعامل مع كل قسم بما هو حقه من وجوب الاحتياط وعدمه.

(ثم إنه) لا بأس بصرف عنان الكلام إلى تحقيق المقام بنحو أبسط (فنقول) إذا علم إجمالا بحرمة أحد الأمرين أو بوجوب أحدهما سواء كان بنحو الشبهة الحكمية أو الموضوعية (فالظاهر) انه لا خلاف في حرمة المخالفة القطعية سوى ما ذكره الشيخ أعلى الله مقامه في الشبهة التحريمية الموضوعية من انه حكى عن ظاهر بعض جوازها.

(نعم) صرح في المسألة الأولى من مسائل الشبهة الوجوبية انه يظهر من المحقق الخوانساري دوران حرمة المخالفة يعني القطعية مدار الإجماع وان الحرمة في مثل الظهر والجمعة من جهته (ثم قال) ويظهر من الفاضل القمي الميل إليه (انتهى) (وذكر الحدائق) في الماء المشتبه عن الكاشاني في المفاتيح والفاضل الخراسانيّ في الكفاية انهما قد ذهبا إلى حل ما اختلط بالحرام وان كان محصوراً لصحيحة عبد الله ابن سنان المتقدمة في البراءة كل شيء يكون فيه حرام وحلال فهو لك حلال أبداً حتى تعرف الحرام منه بعينه فتدعه (كما ان الظاهر) ان المشهور هو وجوب الموافقة القطعية (قال الشيخ) أعلى الله مقامه في الشبهة التحريمية الموضوعية (ما لفظه) اما المقام الثاني يعني به الموافقة القطعية فالحق فيه وجوب الاجتناب عن كلا المشتبهين وفاقاً للمشهور (ثم قال) وفي المدارك انه مقطوع به في كلام الأصحاب ونسبه المحقق البهبهاني في فوائده إلى الأصحاب وعن المحقق المقدس الكاظميني في شرح الوافية دعوى الإجماع صريحاً (ثم قال) وذهب جماعة إلى عدم وجوبه وحكى عن بعض القرعة (انتهى) (وقال) في المسألة الأولى من مسائل الشبهة الوجوبية (ما لفظه) واما الثاني يعني به وجوب الموافقة القطعية ففيه قولان أقواها الوجوب لوجود المقتضي وعدم المانع ثم ذكر بعد الفراغ عن إثبات المقتضي وفقد المانع كلام المحقق القمي القائل بعدم وجوب الموافقة القطعية وهكذا بعض كلمات المحقق الخوانساري التي يظهر منها الموافقة مع المحقق القمي (وقال) في المسألة الثانية منها (ما لفظه) ثم ان المخالف في المسألة ممن عثرنا عليه هو الفاضل القمي والمحقق الخوانساري في ظاهر بعض كلماته (وقال) في المسألة الرابعة منها وهي ما إذا اشتبه الواجب بغيره من جهة اشتباه الموضوع كما في صورة اشتباه الفائتة أو القبلة أو الماء المطلق (ما لفظه) وقد خالف في ذلك الفاضل القمي رحمه‌الله فمنع وجوب الزائد على واحدة من المحتملات مستنداً في ظاهر كلامه إلى ما زعمه جامعاً لجميع صور الشك في المكلف به من قبح التكليف بالمجمل وتأخير البيان عن وقت الحاجة (انتهى).

في وجوه وجوب الاحتياط في أطراف

العلم الإجمالي وعدم جريان شيء من الأصول فيها

(وكيف) كان فما قيل أو يمكن أن يقال في وجه وجوب الاحتياط في أطراف العلم الإجمالي وعدم جريان شيء من الأصول العملية فيها لا كلا ولا بعضاً فتحرم المخالفة القطعية وتجب الموافقة القطعية وجهان بل وجوه ثلاثة.

(الأول) ما تقدم في بحث القطع وأشير إليه آنفاً من كون العلم الإجمالي علة تامة للتنجيز كالعلم التفصيليّ عيناً فلا يمكن الترخيص في أطرافه لا كلا لما فيه من المناقضة مع الواقع المعلوم بالإجمال ولا بعضاً لما فيه من احتمال المناقضة كما إذا صادف الترخيص مع الواقع المعلوم بالإجمال ومن المعلوم ان احتمال المحال محال كالقطع بالمحال (وفيه) أنا قد أبطلنا في العلم الإجمالي هذا الوجه الأول أي العلية التامة للتنجيز أشد إبطال وأوضحنا فساده بما لا مزيد عليه لما أوردنا عليه من النقض والحل جميعاً وأثبتنا جواز الترخيص شرعاً في أطرافه كلا وبعضاً من دون أن يلزم منه مناقضة ولا احتمال مناقضة (ثم لو قلنا) بهذا الوجه الأول وان العلم الإجمالي علة تامة للتنجيز كالعلم التفصيليّ عيناً فمقتضى ذلك أن عدم جريان الأصول في أطراف العلم الإجمالي مما يختص بما إذا لزم من جريانها مخالفة عملية للتكليف المعلوم بالإجمال سواء كانت قطعية أو احتمالية واما إذا لم يلزم منه مخالفة عملية فلا مانع عنه عقلا كما في دوران الأمر بين المحذورين أو في مثل استصحابي النجاسة في طرفي العلم الإجمالي بالطهارة وهكذا.

(الثاني) معارضة الأصول في أطراف العلم الإجمالي فلا تجري الأصول في شيء منها لا كلا ولا بعضاً فإذا لم تجر الأصول في أطرافه أثر العلم الإجمالي قهراً

في التنجيز إذ المفروض انه إن لم يكن علة تامة للتنجيز فهو مقتضي له لا محالة فإذا كان المقتضي له موجوداً وكان المانع عن تأثيره في التنجيز وهو الترخيص الشرعي في الأطراف مفقوداً تنجز التكليف المعلوم بالإجمال عقلا (وأحسن) ما قيل أو يمكن أن يقال في تقريب معارضة الأصول وعدم جريان شيء منها في أطراف العلم الإجمالي على نحو لا يختص بأصل دون أصل بل يجري في عموم الأصول العملية جميعاً ان أدلة الأصول قاصرة عن الشمول لأطراف العلم الإجمالي كلا وبعضاً.

(فإنها إن شملت) تمام أطراف العلم الإجمالي فالمناقضة بين الترخيص فيها وبين الواقع المعلوم بالإجمال وإن لم تلزم بعد ما منعنا منجزية العلم الإجمالي بنحو العلية التامة وجوزنا الترخيص الشرعي في أطرافه كلا وبعضاً من دون أن تلزم منه مناقضة ولا احتمال مناقضة (ولكن) المناقضة في نفس أدلة الأصول مما يلزم لا محالة بمعنى أنه تلزم المناقضة (أما بين الصدر والذيل) كما في دليل الاستصحاب على ما أفاد الشيخ أعلى الله مقامه في تعارض الاستصحابين (قال ما لفظه) فإذا فرض اليقين بارتفاع الحالة السابقة في أحد المستصحبين فلا يجوز إبقاء كل منهما تحت عموم حرمة النقض بالشك لأنه مستلزم لطرح الحكم بنقض اليقين بمثله (انتهى) فإذا كان هناك إناءان طاهران مثلا ثم علم إجمالا انه تنجس أحدهما فصدر الحديث وهو قوله عليه‌السلام ولا ينقض اليقين بالشك مما يأمرنا باستصحاب طهارة كل منهما بمقتضى اليقين السابق فيه والشك اللاحق وذيله وهو قوله عليه‌السلام ولكن ينقضه بيقين آخر مما ينهانا عن ذلك نظراً إلى حصول اليقين الآخر بنجاسة أحدهما ولو إجمالا وهذا هو عين المناقضة بين الصدر والذيل إذا كان دليل الاستصحاب شاملا لأطراف العلم الإجمالي جميعاً (وإما تلزم المناقضة بين المنطوق والمفهوم) كما في أدلة البراءة الشرعية على ما يستفاد بالتدبر في كلام الشيخ أيضاً في الشبهة الوجوبية من الاشتغال في الموافقة القطعية (قال ما لفظه) ومما ذكرنا يظهر عدم جواز التمسك في المقام بأدلة البراءة مثل رواية الحجب والتوسعة ونحوهما لأن العمل

بها في كل من الموردين بخصوصه يوجب طرحها بالنسبة إلى أحدهما المعين عند الله المعلوم وجوبه فإن وجوب واحدة من الظهر والجمعة أو من القصر والإتمام مما لم يحجب الله علمه عنا فليس موضوعاً عنا ولسنا في سعة منه فلا بدّ إما من الحكم بعدم جريان هذه الأخبار في مثل المقام مما علم وجوب شيء إجمالا وإما من الحكم بأن شمولها للواحد المعين المعلوم وجوبه ودلالتها بالمفهوم على عدم كونه موضوعاً عن العباد وكونه محمولا عليهم ومأخوذين به وملزمين عليه دليل علمي بضميمة حكم العقل بوجوب المقدمة العلمية على وجوب الإتيان لكل من الخصوصيّتين (انتهى) ففي المثال الّذي ذكره الشيخ أعلى الله مقامه من الظهر والجمعة أو القصر والإتمام منطوق أدلة البراءة مما يدل على رفع وجوب كل منهما ووضعه عنا وكوننا في سعة منه ولكن مفهومها مما يدل على عدم رفع أحدهما المعلوم بالإجمال وعدم وضعه عنا وعدم كوننا في سعة منه وهذا هو عين المناقضة بين المنطوق والمفهوم إذا شملت أدلة البراءة الشرعية لأطراف العلم الإجمالي تماماً (وإما تلزم المناقضة بين الغاية والمغيا) كما في دليل قاعدة الطهارة فإذا علم إجمالا بنجاسة أحد الإناءين مثلا فقوله عليه‌السلام كل شيء نظيف يشمل كلا منهما ويدل على طهارتهما جميعاً وقوله عليه‌السلام حتى تعلم انه قدر يشمل أحدهما المعلوم بالإجمال ويدل على نجاسته شرعاً وهذا هو عين المناقضة بين الغاية والمغيا (هذا كله) إن شملت أدلة الأصول العملية لأطراف العلم الإجمالي تماماً.

(واما إن شملت) أحد طرفي العلم الإجمالي أحدهما المعين دون الجميع فيعارضه الطرف الآخر لاشتراكه معه في مناط الدخول فلا وجه لترجيح أحدهما على الآخر والالتزام بدخوله دون صاحبه وهذا واضح لا يحتاج إلى إطالة الكلام ومزيد النقض والإبرام.

(وإن شملت) أحدهما الغير المعين فهو ليس فرداً غير الفردين المعينين في الخارج فانه إما هذا وإما ذاك وقد عرفت عدم صلاحية أدلة الأصول لشمول شيء منهما أصلا.

(وإن شملت) أحدهما على البدل بمعنى أن يدل الدليل على جواز إعمال الأصل في أحدهما مخيراً فإن أعملناه في هذا تركناه في ذاك وإن أعملناه في ذاك تركناه في هذا (لزم) مضافاً إلى عدم وفاء الدليل بذلك (استعمال اللفظ في أكثر من معنى واحد) فدليل واحد يشمل الشبهات البدوية على التعيين والشبهات المقرونة بالعلم الإجمالي على التخيير وهو كما ترى (هذا غاية) ما يمكن ان يقال في تقريب المعارضة بنحو يجري في عموم الأصول العملية بالتشقيقات الأربعة المذكورة ومجموع التشقيقات يستفاد من مواضع متفرقة من كلام الشيخ أعلى الله مقامه فثلاثة منها قد أفادها في تعارض الاستصحابين (قال) بعد عبارته المتقدمة في ذلك المشتملة على التشقيق الأول (ما لفظه) ولا إبقاء أحدهما المعين لاشتراك الآخر معه في مناط الدخول من غير مرجح واما أحدهما المخير يعني به الغير المعين فليس من أفراد العام إذ ليس فرداً ثالثاً غير الفردين المتشخصين في الخارج فإذا خرجا لم يبق شيء (انتهى) (واما الشق الأخير) من التشقيقات الأربعة وهو الشمول لأحدهما على البدل (فقد أفاده) في موضعين (في صدر) التعادل والتراجيح في المتكافئين (وفي بحث) الاشتغال في الشبهة التحريمية الموضوعية في الموافقة القطعية عند تقريب شمول قاعدة الحل لأطراف العلم الإجمالي على البدل غير انه في الأول صرح باستلزام البدلية استعمال اللفظ في أكثر من معنى وفي الثاني قال إن البدلية ليس منها في الروايات عين ولا أثر.

(ثم إن) من جميع ما ذكر إلى هنا يظهر لك ضعف ما أفاده الشيخ أعلى الله مقامه في بحث القطع في العلم الإجمالي من جواز إجراء الأصل في أطرافه في الشبهة الموضوعية والحكمية جميعاً ما لم يستلزم مخالفة عملية (ووجه الضعف) ان المحصل من كلامه في ذلك كما لا يخفى على من راجعه بطوله انه لا مانع عن جريان الأصول في أطراف العلم الإجمالي سوى المخالفة العملية نظراً إلى كونها معصية لخطاب معلوم بالتفصيل فان لم يستلزم مخالفة عملية فلا مانع عنه (والمحصل) من التشقيقات

الأربعة المتقدمة المستفادة من مواضع متفرقة من كلماته الشريفة ان أدلة الأصول بنفسها قاصرة عن الشمول لأطراف العلم الإجمالي كلا وبعضاً فلا يشمل شيئاً منها أبداً لا من جهة لزوم محذور خارجي وهذا مما لا يخلو عن تناقض وتناف (وكيف كان) ملخص هذا الوجه الثاني من وجوه وجوب الاحتياط في أطراف العلم الإجمالي هو معارضة الأصول فيها وأن أدلة الأصول قاصرة عن الشمول لها رأساً

(وفي قبال هذا الوجه الثاني) توهم شمول دليل الأصل لتمام أطراف العلم الإجمالي غايته انه يتعذر العمل به في الكل فيجب العمل به في البعض لأنه غاية المقدور كما هو الشأن في كل مورد من موارد التزاحم فالدليل يشمل جميع الافراد والتزاحم مما يلجئنا إلى التخيير العقلي بينهما (قال) الشيخ أعلى الله مقامه في تعارض الاستصحابين بعد ما ادعى ان دليل الاستصحاب لا يشمل شيئاً من أطراف العلم الإجمالي وذكر شقوقاً ثلاثة من التشقيقات الأربعة المتقدمة كما أشير آنفاً (ما لفظه) وربما يتوهم ان عموم دليل الاستصحاب هو نظير قوله أكرم العلماء وأنقذ كل غريق واعمل بكل خير في أنه إذا تعذر العمل بالعامّ في فردين متنافيين لم يجز طرح كليهما بل لا بد من العمل بالممكن وهو أحدهما تخييراً وطرح الآخر لأن هذا غاية المقدور (انتهى) (وفيه) ان المتوهم قد خلط بين تعارض الفردين وبين تزاحمهما ولم يتفطن ان دليل الأصل بالنسبة إلى طرفي العلم الإجمالي هو من قبيل الأول وان الأمثلة التي قد ذكرها آنفاً هي من قبيل الثاني وان الفردين هما متعارضان إذا كان التنافي بينهما في مقام الجعل والتشريع بان كان الدليل بنفسه قاصراً عن الشمول لكليهما كما في المقام على نحو يعلم إجمالا بخروج أحدهما عن تحت الدليل بلا كلام وأن تزاحم الفردين لا يكاد يكون إلّا إذا كان التنافي بينهما في مقام الامتثال بان كان المكلف هو الّذي قد عجز عن الجمع بينهما لا يقدر على الإتيان بكليهما جميعاً كما في إنقاذ الغريقين دفعة واحدة لا في مقام الجعل والتشريع كما هو شأن باب التعارض مطلقاً سواء كان بين الدليلين أو بين الفردين وهذا واضح ظاهر لا ينبغي الارتياب فيه أبداً.

(الوجه الثالث) من وجوه وجوب الاحتياط في أطراف العلم الإجمالي وعدم جريان شيء من الأصول العملية فيها لا كلا ولا بعضاً هو كون التمسك بدليل الأصل في كل من الأطراف تمسكاً بالدليل في الشبهة المصداقية فإذا لم يصح التمسك بدليل الأصل في شيء منها وجب الاحتياط عقلا إذ المفروض ان العلم الإجمالي مؤثر في التنجيز لا محالة ولو بنحو الاقتضاء فإذا لم يثبت الترخيص الشرعي المانع عن تأثير العلم في التنجيز أثر العلم قهراً في التنجيز لوجود المقتضي وفقد المانع (وبيان هذا) كله مما يبتني على ذكر مقدمات أربع.

(الأولى) ان المعلوم بالإجمال سواء كان حكماً تكليفياً أو وضعياً أو موضوعاً من الموضوعات هو مما يحتمل وجوده في كل من طرفي العلم الإجمالي بمعنى ان له واقع معين نحن لا نعلمه إثباتاً وإن علمنا إجمالا انه مما لا يخرج عن هذين الطرفين وهذا واضح.

(الثانية) ان العلم تابع للمعلوم فإن العلم من الصفات الحقيقية ذات الإضافة وإضافته شبه خيط متصل من النّفس إلى متعلق العلم فطرف منه متصل بالنفس وطرفه الآخر متصل بالمتعلق أي بالمعلوم (وعليه) فكما ان المعلوم بالإجمال مما يحتمل وجوده في كل من طرفي العلم الإجمالي وله واقع معين وموضع خاص نحن لا نعلمه إثباتاً فكذلك العلم المتعلق به مما يحتمل قهراً وجوده في كل منهما بتبع المعلوم بالإجمال وله واقع معين وموضع خاص نحن لا نعلمه إثباتاً.

(الثالثة) أن العلم المحتمل وجوده في كل من طرفي العلم الإجمالي بتبع احتمال وجود المعلوم بالإجمال هو مانع عن الأصول العملية فإن المستفاد من أدلتها على اختلاف ألسنتها ان الشك موضوع للأصل العملي قد أخذ في لسان الدليل شرعاً فمهما حصل العلم ارتفع الشك ولم يجر الأصل العملي أبداً.

(الرابعة) أن مع احتمال وجود المانع في كل من طرفي العلم الإجمالي يكون التمسك بدليل الأصل فيه تمسكاً بالدليل في الشبهة المصداقية فلا يجوز التمسك به

قهراً فإذا لم يجز التمسك به ولم يجر الأصل الشرعي في أطراف العلم الإجمالي لا كلا ولا بعضاً أثر العلم الإجمالي كما أشير آنفاً في التنجيز لا محالة لوجود المقتضي وهو العلم الإجمالي وعدم المانع عنه وهو الترخيص الشرعي المانع عن التنجيز فيجب الاحتياط عقلا فتأمل جيداً فإن المقام لا يخلو عن دقة.

قاعدة الحل بظاهرها تشمل تمام أطراف

العلم الإجمالي

(ثم إن) انها أمرين لا بأس بالتنبيه عليهما.

(أحدهما) أن قاعدة الحل هي بظاهرها مما تشمل أطراف العلم الإجمالي جميعاً من دون ان يكون التمسك بأدلتها في كل طرف من الأطراف تمسكاً بالدليل في الشبهة المصداقية (وذلك) لأن أدلتها على اختلاف ألسنتها (مثل) قوله عليه‌السلام في رواية مسعدة بن صدقة كل شيء هو لك حلال حتى تعلم انه حرام بعينه فتدعه (وقوله عليه‌السلام) في رواية عبد الله بن سليمان كل ما كان فيه حلال وحرام فهو لك حلال حتى تعرف الحرام بعينه فتدعه إلى غير ذلك مما تقدم تفصيله في البراءة ظاهرة في اعتبار العلم التفصيليّ في الغاية وهو مفقود في أطراف العلم الإجمالي فإذا جرت في جميعها لفقد الغاية لم يكن التمسك به في كل منها تمسكاً بالدليل في الشبهة المصداقية إذ المفروض أن هذا الأصل من بين ساير الأصول لا يكون مطلق العلم مانعاً عنه بل المانع عنه هو خصوص العلم التفصيليّ وهو مما لا يحتمل وجوده في شيء من الأطراف (واما ما ادعاه الشيخ) في الاشتغال في الشبهة التحريمية الموضوعية في ذيل بيان حرمة المخالفة القطعية من ان قوله عليه‌السلام بعينه في رواية مسعدة كل شيء هو لك حلال حتى تعلم انه حرام بعينه تأكيد للضمير الراجع

إلى الشيء جيء به للاهتمام في اعتبار العلم كما يقال رأيت زيداً نفسه لدفع توهم وقوع الاشتباه في الرؤية وانه مما لا ينافى إجمالية العلم فإذا علم إجمالا أن إناء زيد المردد بين الإناءين حرام فالإناء مما يصدق عليه انه شيء علم حرمته بعينه (فهو) وإن كان حقاً في الجملة ولكن مع ذلك تأكيد الضمير الراجع إلى الشيء بكلمة بعينه مما يوجب ظهور الشيء في الأمر المفروز الممتاز في الخارج بحيث يمكن الإشارة الحسية إليه (ولو سلم عدم ظهوره في ذلك فالحديث الثاني وهو قوله عليه‌السلام كلما كان فيه حلال وحرام فهو لك حلال حتى تعرف الحرام بعينه فتدعه ظاهر في ذلك جداً وقد اعترف الشيخ بنفسه بذلك فقال فيه ان قوله عليه‌السلام بعينه قيد للمعرفة فمؤداه اعتبار معرفة الحرام بشخصه ولا يتحقق ذلك إلا إذا أمكنت الإشارة الحسية إليه (انتهى).

(وبالجملة) إن أدلة قاعدة الحل ظاهرة في كون الحلية المجعولة في ظرف الشك في مغياة بالعلم التفصيليّ بالحرام وهو مفقود في أطراف العلم الإجمالي فلا تأبي عن الشمول لها بل تشملها ولا تكون مناقضة مع الحرمة المعلومة بالإجمال إذ من شمولها لها يعرف ان الحرمة الواقعية هي مما لا كراهة على طبقها ما لم يعلم بها تفصيلا كما لا يلزم منه المناقضة بين الغاية والمغيا أصلا بعد كون الغاية هي العلم التفصيليّ المفقود في الأطراف ولا كون التمسك بها للحلية في كل من الأطراف تمسكاً بالدليل في الشبهة المصداقية بعد كون المانع في خصوص هذا الأصل هو العلم التفصيليّ لا مطلق العلم ولو كان إجمالياً.

(نعم الإنصاف) أن هذا الظهور غير معمول به عند الأصحاب كما تقدم في روايات البراءة فلا يمكن الاعتماد عليه ولا الاستناد إليه فلا يفتى بحلية كل من الإناءين اللذين علم إجمالا أن أحدهما خمر أو نجس أو غصب ولم يعلم أن أحداً من الأصحاب قد أفتى بذلك سوى ما ذكره الشيخ في الشبهة التحريمية الموضوعية من الاشتغال من انه حكى عن ظاهر بعض جوازها يعني المخالفة القطعية وسوى ما حكاه

الحدائق في الماء المشتبه عن المحدث الكاشاني في المفاتيح والفاضل الخراسانيّ في الكفاية من انهما قد ذهبا إلى حل ما اختلط بالحرام وان كان محصوراً استناداً إلى صحيحة عبد الله بن سنان المتقدمة في البراءة كل شيء يكون فيه حرام وحلال فهو لك حلال أبداً حتى تعرف الحرام منه بعينه فتدعه.

في قيام الأمارات في أطراف العلم الإجمالي

(ثانيهما) انه بعد ما عرفت حال جريان الأصول العملية في أطراف العلم الإجمالي وانها مما لا تجري فيها لا كلا ولا بعضاً فلا بأس بالإشارة إلى حال قيام الأمارات في أطرافها كلا وبعضاً (فنقول) أما قيام الأمارات في تمام أطراف العلم الإجمالي (فان كانت) الأمارة على وفق المعلوم بالإجمال فلا إشكال في جوازه كما إذا علمنا إجمالا بنجاسة أحد الإناءين وقامت أمارة على نجاسة هذا وأمارة أخرى على نجاسة ذاك (واما إذا كانت) على خلاف المعلوم بالإجمال فلا إشكال في عدم جوازه كما إذا علمنا إجمالا بنجاسة أحد الإناءين وقامت أمارة على طهارة هذا وأمارة أخرى على طهارة ذاك فإنا نعلم حينئذ بكذب إحدى الأمارتين فتتعارضان الأمارتان وتتساقطان وسيأتي تفصيل مقتضي القاعدة الأولية في تعارض الأمارتين في صدر التعادل والتراجيح وانه التساقط.

(نعم) مقتضي القاعدة الثانوية المستفادة من الإجماع والاخبار العلاجية في خصوص الخبرين المتعارضين هو عدم التساقط بل الترجيح أو التخيير على الخلاف الآتي إن شاء الله تعالى (هذا كله) إذا قامت الأمارة في تمام أطراف العلم الإجمالي على وفق المعلوم بالإجمال أو على خلافه (واما إذا قامت) في بعض أطرافها فلا إشكال في جوازه أيضاً (فإن قامت) على وفق المعلوم بالإجمال (فان كان) ما قامت عليه الأمارة بمقدار المعلوم بالإجمال انحل العلم الإجمالي من أصله كما إذا

علمنا إجمالا بوجود عشرة شياة موطوءة في قطيع الغنم ثم قامت الأمارة على موطوئية عشرة معينة منها (وان كان) دون المعلوم بالإجمال فينحل العلم الإجمالي بمقدار ما قامت عليه الأمارة بحيث إذا قامت أمارة أخرى على مقدار آخر وكان المجموع بمقدار المعلوم بالإجمال انحل العلم الإجمالي من أصله (واما إذا كانت) الأمارة القائمة في بعض الأطراف على خلاف المعلوم بالإجمال فيخرج موردها عن كونه طرفاً للعلم الإجمالي ولم يبق موجب للاحتياط فيه أصلا الا في سائر الأطراف ففي مثال القطيع إذا قامت الأمارة على عدم موطوئية غنم معين لم يجب الاحتياط فيه وانحصر الاجتناب بما سواه وهذا واضح.

(قوله ومن هنا انقدح انه لا فرق بين العلم التفصيليّ والإجماليّ ... إلخ)

أي ومما تقدم من أن التكليف المعلوم بينهما إن كان فعلياً من جميع الجهات فلا محيص عن تنجزه وصحة العقوبة على مخالفته وان لم يكن فعلياً كذلك لم يكن هناك مانع عقلا ولا شرعاً عن شمول أدلة البراءة الشرعية للأطراف انقدح انه لا فرق بين العلم التفصيليّ والإجمالي أصلا وانما الفرق هو في طرف المعلوم بالإجمال فقد يكون فعلياً من جميع الجهات وقد لا يكون كذلك (وفيه ما لا يخفى) إذ بعد الاعتراف بأن التكليف المعلوم بالإجمال قد لا يكون فعلياً من جميع الجهات بل يكون فعلياً من ساير الجهات على نحو لو علم به تفصيلا لتنجز دون ما إذا علم به إجمالا (فلا محالة) يكون فرق بين العلم التفصيليّ والإجمالي من ناحية التأثير في التنجيز وعدمه وإلّا لم يعقل ان يكون تكليف واحد قد فرض فعليته من ساير الجهات يصير منجزاً بالعلم التفصيليّ دون الإجمالي (ولعله) إليه أشار أخيراً بقوله فافهم.

(قوله فافهم ... إلخ)

قد أشير الآن إلى وجه قوله فافهم فلا تغفل.

(قوله ثم ان الظاهر انه لو فرض ان المعلوم بالإجمال كان فعلياً من جميع الجهات لوجب عقلا موافقته مطلقاً ولو كانت أطرافه غير محصورة إلى آخره)

قد عرفت ان الملاك في وجوب الاحتياط في أطراف العلم الإجمالي بنظر المصنف هو كون التكليف المعلوم بالإجمال فعلياً من جميع الجهات بان كان واجداً لما هو العلة التامة للبعث والزجر أي الإرادة والكراهة على ما تقدم لك شرحهما قبلا (وعليه) فالتكليف المعلوم بالإجمال ان كان واجداً لهذا الملاك بان كان فعلياً من جميع الجهات وجب الاحتياط عقلا في أطرافه وان كانت كثيرة غير محصورة وإلّا لم يجب الاحتياط وان كانت قليلة محصورة فلا عبرة إذاً بحصر الأطراف وعدم حصرها في وجوب الاحتياط وعدمه بل العبرة بفعلية التكليف المعلوم بالإجمال من جميع الجهات وعدمها.

(نعم قد تلازم) كثرة الأطراف وعدم حصرها ما يوجب سقوط التكليف المعلوم بالإجمال عن الفعلية كما إذا كانت الأطراف الكثيرة مما اشتد به الحاجة على نحو لو اجتنب عن الكل وقع في العسر والحرج الرافعين للتكليف فلا يجب الاحتياط حينئذ لكن لا من جهة تفاوت في العلم الإجمالي بل من جهة التفاوت في ناحية المعلوم بالإجمال (هذا مجمل القول) في الشبهة الغير المحصورة وسيأتي الكلام فيها بنحو أبسط في التنبيه الثالث من تنبيهات هذا البحث وقد استعجل المصنف في التعرض لها من غير ملزم.

(قوله وقد عرفت آنفاً انه لا تفاوت بين التفصيلي والإجماليّ في ذلك ما لم يكن تفاوت في طرف المعلوم أيضاً ... إلخ)

أي قد عرفت آنفاً انه لا تفاوت بين العلم التفصيليّ والإجمالي في التنجيز وعدمه ما لم يكن تفاوت في طرف المعلوم بالإجمال (هذا) ولكنك قد عرفت منا آنفاً الفرق

بين التفصيليّ والإجمالي وإن فرض أن التفاوت في طرف المعلوم بالإجمال حقاً أيضاً فقد يكون فعلياً من جميع الجهات وقد لا يكون.

في بطلان التفصيل بين المخالفة القطعية

والموافقة القطعية

(قوله وقد انقدح انه لا وجه لاحتمال عدم وجوب الموافقة القطعية مع حرمة مخالفتها ضرورة ان التكليف المعلوم إجمالا لو كان فعلياً لوجب موافقته قطعاً وإلّا لم يحرم مخالفته كذلك أيضاً ... إلخ)

أي وقد انقدح مما تقدم من ان الملاك في وجوب الاحتياط في أطراف العلم الإجمالي هو كون التكليف المعلوم بالإجمال فعلياً من جميع الجهات بان كان واحداً لما هو العلة التامة للبعث والزجر أي الإرادة والكراهة (انه لا وجه) للتفصيل بين المخالفة القطعية والموافقة القطعية بأن تحرم الأولى ولا تجب الثانية فإن المعلوم بالإجمال ان كان فعلياً من جميع الجهات وكان على طبقة البعث والزجر أي الإرادة والكراهة وجبت الموافقة القطعية قطعاً وإلّا لم تحرم المخالفة القطعية كذلك (هذا) وقد رد المصنف على التفصيل بين المخالفة القطعية والموافقة القطعية في بحث القطع بنحو آخر (وحاصله) ان العلم الإجمالي لو كان علة تامة بالنسبة إلى المخالفة القطعية كما زعم المفصل فلا يمكن الترخيص في تمام أطرافه للزوم المناقضة مع الواقع المعلوم بالإجمال فكذلك لا يمكن الترخيص في بعض أطرافه لما فيه من احتمال المناقضة وهو محال كالقطع بالمتناقضين (وعليه) فكما تحرم المخالفة القطعية فكذلك تجب الموافقة القطعية.

(وبالجملة) إن العلم الإجمالي (إن قلنا) انه منجز بنحو العلية التامة وقد

أنكره المصنف هناك فلا وجه للتفصيل بين المخالفة القطعية والموافقة القطعية فكما لا يمكن الترخيص في جميع الأطراف لما فيه من القطع بالمناقضة فكذلك لا يمكن الترخيص في بعض الأطراف لما فيه من احتمال المناقضة (وإن قلنا) انه على قسمين كما هو ظاهره في المقام فقد يكون علة تامة للتنجيز وقد لا يكون كذلك فلا وجه أيضاً للتفصيل إذ التكليف إن كان فعلياً من جميع الجهات فتحرم المخالفة القطعية وتجب الموافقة القطعية وإلا لم تحرم المخالفة القطعية ولم تجب الموافقة القطعية.

(أقول)

هذا كله شرح بطلان التفصيل بين المخالفة القطعية والموافقة القطعية بناء على كون الوجه في وجوب الاحتياط في أطراف العلم الإجمالي هو عليته التامة للتنجيز أي فعلية التكليف المعلوم بالإجمال من جميع الجهات (واما على الوجهين) الأخيرين من معارضة الأصول في أطراف العلم الإجمالي أو كون التمسك بدليل الأصل في كل من الأطراف تمسكاً بالدليل في الشبهة المصداقية فبطلانه ليس إلّا لأجل عدم جريان الأصل في بعض الأطراف كي يحصل به المؤمن من العقاب ولم تجب الموافقة القطعية فتدبر جيداً.

في بطلان ما استند إليه القائلون بعدم

وجوب الموافقة القطعية

(ثم إنك) قد عرفت فيما تقدم في ذيل التعليق على قوله لا يخفى ان التكليف المعلوم بينهما .... إلخ انه لا خلاف في حرمة المخالفة القطعية الا ممن عرفت خلافه (كما انك قد عرفت أيضاً) ان المشهور وجوب الموافقة القطعية وان الشيخ ذكر في الشبهة التحريمية الموضوعية انه ذهب جماعة إلى عدم وجوبها وانه حكى عن

بعض القرعة وذكر في كل من المسألة الأولى والثانية من الشبهة الوجوبية مخالفة المحقق القمي وظهور بعض كلمات المحقق الخوانساري في موافقته معه بل وذكر في المسألة الرابعة مخالفة المحقق القمي في جميع صور الشك في المكلف به فمنع وجوب الزائد على واحدة من المحتملات استناداً إلى قبح التكليف بالمجمل وتأخير البيان عن وقت الحاجة (وكيف كان) قد استدل من لم يقل بوجوب الموافقة القطعية في التحريمية الموضوعية وجوز ارتكاب ما عدى مقدار الحرام المعلوم بالإجمال بوجهين (قال الشيخ) :

(الأول) الاخبار الدالة على حل ما لم يعلم حرمته التي تقدم بعضها وإنما منع من ارتكاب مقدار الحرام إما لاستلزامه للعلم بارتكاب الحرام وهو حرام واما لما ذكره بعضهم من ان ارتكاب مجموع المشتبهين حرام لاشتماله على الحرام (انتهى) (وفيه) ان أخبار الحل إن أخذنا بظاهرها من اعتبار العلم التفصيليّ في الغاية فيجوز ارتكاب تمام الأطراف حتى مقدار الحرام منها لعدم العلم التفصيليّ به الّذي هو غاية الحل وان رفعنا اليد عن ظهورها كما تقدم هنا وفي روايات البراءة وذلك لإعراض الجل بل الكل عنه فيكون حالها كحال بقية اخبار البراءة فلا تجري في شيء من الأطراف أصلا لا كلا ولا بعضاً (ثم إن) الشيخ قد ساق كلامه في الجواب عن هذا الوجه الأول إلى ان قال.

(الثاني) ما دل بنفسه على جواز تناول الشبهة المحصورة فيجمع بينه على تقدير ظهوره في جواز تناول الجميع وبين ما دل على تحريم العنوان الواقعي بأن الشارع جعل بعض المحتملات بدلا عن الحرام الواقعي فيكفي تركه في الامتثال الظاهري كما لو اكتفى بفعل الصلاة إلى بعض الجهات المشتبهة ورخص في ترك الصلاة إلى بعضها وهذه الاخبار كثيرة منها موثقة سماعة قال سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل أصاب مالا من عمال بني أمية وهو يتصدق منه ويصل قرابته ويحج ليغفر له ما اكتسب ويقول إن الحسنات يذهبن السيئات فقال عليه‌السلام إن

الخطيئة لا تكفر الخطيئة وإن الحسنة تحط الخطيئة ثم قال إن كان خلط الحرام حلالا فاختلطا جميعاً فلم يعرف الحرام من الحلال فلا بأس (انتهى).

(أقول)

ووجدت الحديث الشريف في الوسائل في المكاسب المحرمة في باب عدم جواز الإنفاق من الكسب الحرام غير انه قال فيه عن عمل بني أمية (وكيف كان) لم يذكر الشيخ من المستدل في هذا الوجه الثاني غير الحديث المذكور شيئاً من الاخبار الكثيرة سوى ما أفاده (بقوله) ومنها ما دل على جواز أخذ ما علم فيه الحرام إجمالا كأخبار جواز الأخذ من العامل والسارق والسلطان (قال) وسيجيء حمل جعلها أو كلها على كون الحكم بالحل مستنداً إلى كون الشيء مأخوذاً من يد المسلم ومتفرعاً على تصرفه المحمول على الصحة عند الشك (انتهى).

(أقول)

ويرد على هذا الوجه الثاني ان هذه الاخبار إن أخذنا بها فلا بدّ من الاقتصار على موردها وعدم التعدي عنها فما دل على جواز ما اختلط حلاله بحرامه أو جواز الأخذ من العامل لبني أمية ونحوهم أو السارق أو السلطان مع العلم الإجمالي بأن في ماله حرام مغصوب مما لا يدل على جواز الشرب من أحد الإناءين الذين علم إجمالا أن أحدهما خمر أو الأكل من أحد اللحمين الذين علم إجمالا أن أحدهما خنزير أو التوضي بأحد الماءين الذين علم إجمالا أن أحدهما نجس وهكذا وهكذا (وأما ما احتمله الشيخ) أعلى الله مقامه من كون الحل في أخبار جواز الأخذ من العامل والسارق والسلطان مستنداً إلى يد المسلم أو أصالة الصحة في تصرفه (ففي غاية الإشكال) فانه بعد العلم الإجمالي بمغصوبية بعض ما في يد العامل أو السارق أو السلطان كيف يمكن التمسك بقاعدة اليد لملكية ما أخذ منه إلّا إذا لم يكن جميع ما في يده محل ابتلاء الآخذ وهكذا بعد العلم الإجمالي بفساد بعض تصرفاته كيف يحمل تصرفه فيما أعطاه للآخذ على الصحة إلّا إذا لم يكن جميع تصرفاته محلا للابتلاء (وعلى كل حال) هذا تمام

الكلام في حكم ما عدا مقدار الحرام من أطراف العلم الإجمالي في الشبهة التحريمية الموضوعية.

(واما ما ادعاه المحقق القمي) وهكذا المحقق الخوانساري في ظاهر بعض كلماته من عدم وجوب الموافقة القطعية (فتفصيله) انه (قال الشيخ) في المسألة الأولى من مسائل الشبهات الوجوبية بعد الفراغ عن إثبات حرمة المخالفة القطعية ووجوب الموافقة القطعية (ما لفظه) واعلم أن المحقق القمي بعد ما حكى عن المحقق الخوانساري الميل إلى وجوب الاحتياط في مثل الظهر والجمعة والقصر والإتمام قال إن دقيق النّظر يقتضي خلافه فإن التكليف بالمجمل المحتمل لأفراد متعددة بإرادة فرد معين عند الشارع مجهول عند المخاطب مستلزم لتأخير البيان عن وقت الحاجة الّذي اتفق أهل العدل على استحالته وكل ما يدعي كونه من هذا القبيل فيمكن منعه إذ غاية ما يسلم في القصر والإتمام والظهر والجمعة وأمثالها ان الإجماع وقع على أن من ترك الأمرين بان لا يفعل شيئاً منهما يستحق العقاب لا أن من ترك أحدهما المعين عند الشارع المبهم عندنا بأن ترك فعلهما مجتمعين يستحق العقاب (إلى ان قال) نعم لو فرض حصول الإجماع أو ورود النص على وجوب شيء معين عند الله تعالى مردد عندنا بين أمور من دون اشتراطه بالعلم به المستلزم ذلك الفرض لإسقاط قصد التعيين في الطاعة لتم ذلك (انتهى) موضع الحاجة من كلامه (ثم ذكر الشيخ) أعلى الله مقامه من المحقق الخوانساري بعض كلمات يظهر منها الموافقة مع المحقق القمي.

(أقول)

والكلام المذكور للمحقق القمي مما يجري في جميع مسائل الشبهات الوجوبية من الاشتغال سواء كانت موضوعية أو حكمية كان منشأ الشك في الحكمية فقد النص أو إجمال النص أو غير ذلك وقد أشير غير مرة انه ذكر الشيخ في المسألة الرابعة من الوجوبية مخالفة المحقق القمي في جميع صور الشك في المكلف به فمنع وجوب

الزائد على واحدة من المحتملات استناداً إلى قبح التكليف بالمجمل وتأخير البيان عن وقت الحاجة (وعلى كل حال) يرد عليه أن التكليف بالمجمل الّذي يمكن دعوى اتفاق أهل العدل على استحالته هو التكليف بالمجمل رأساً لا بالمجمل المردد بين أمرين أو أمور معدودة بحيث يسع المكلف الإتيان بهما أو بها بلا عسر ولا كلفة (مضافاً) إلى أن التكليف بالمجمل المحتمل لأفراد متعددة بإرادة فرد معين عند الشارع المجهول عند المخاطب لو كان مستحيلا عقلا كما ادعى هو فكيف يمكن حصول الإجمال أو ورود النص على وجوب شيء معين عند الله تعالى مردد عندنا بين أمور من دون اشتراطه بالعلم به وهل يعقل الإجمال أو ورود النص على الأمر المحال كلا وهذا لعمري واضح ظاهر لا يحتاج إلى إطالة الكلام ومزيد النقض والإبرام

هل يجب الاحتياط في الأطراف التدريجية

(قوله ومنه ظهر انه لو لم يعلم فعلية التكليف مع العلم به إجمالا اما من جهة عدم الابتلاء ببعض أطرافه أو من جهة الاضطرار إلى بعضها معيناً أو مردداً أو من جهة تعلقه بموضوع يقطع بتحققه إجمالا في هذا الشهر كأيام حيض المستحاضة مثلا ... إلخ)

أي ومما تقدم من أن الملاك في وجوب الاحتياط في أطراف العلم الإجمالي أن يكون التكليف المعلوم بالإجمال فعلياً من جميع الجهات بأن كان واجداً لما هو العلة التامة للبعث والزجر أي الإرادة والكراهة (ظهر) انه لو لم يعلم فعلية التكليف المعلوم بالإجمال من جميع الجهات (اما من جهة) عدم الابتلاء ببعض أطراف العلم الإجمالي كما سيأتي شرحه في التنبيه الثاني (أو من جهة) الاضطرار إلى بعض الأطراف معيناً أو مردداً كما سيأتي شرحه في التنبيه الأول (أو من جهة) تعلق التكليف بموضوع يعلم بتحققه إجمالا في هذا الشهر ولا يعلم بتحققه فعلا كي يكون التكليف

فعلياً بفعليته كأيام حيض المستحاضة أي حيض المستمرة الدم الناسية للوقت وإن حفظت العدد الفاقدة للتمييز على نحو لا يمكنها الرجوع إلى الصفات لم تجب الموافقة القطعية ولم تحرم المخالفة القطعية (واما إذا علم) فعلية التكليف المعلوم بالإجمال من جميع الجهات ولو في أطراف تدريجية كان ذلك التكليف منجزاً حينئذ ووجبت موافقته القطعية فضلا عن حرمة مخالفته القطعية ولا يكاد يمنع التدرج عن فعليته وتنجزه فان التكليف كما صح تعلقه بأمر حالي ويكون منجزاً فكذلك صح تعلقه بأمر استقبالي ويكون معلقاً كما في الحج بعد الاستطاعة قبل الموسم على ما تقدم لك شرحه في مقدمة الواجب.

(ثم إن) مقصود المصنف من هذا كله هو التنبيه على ما نبه عليه الشيخ أعلى الله مقامه في الاشتغال في التنبيه السادس من تنبيهات الشبهة التحريمية الموضوعية (قال) السادس لو كان المشتبهان مما يوجد تدريجاً كما إذا كان زوجة الرّجل مضطربة في حيضها بأن تنسى وقتها وإن حفظت عددها فتعلم إجمالا انها حائض في الشهر ثلاثة أيام مثلا فهل يجب على الزوج الاجتناب عنها في تمام الشهر ويجب على الزوجة أيضاً الإمساك عن دخول المسجد وقراءة العزيمة تمام الشهر أم لا وكما إذا علم التاجر إجمالا بابتلائه في يومه أو شهره بمعاملة ربوية فهل يجب عليه الإمساك عما لا يعرف حكمه من المعاملات في يومه أو شهره أم لا التحقيق أن يقال انه لا فرق بين الموجودات فعلا والموجودات تدريجاً في وجوب الاجتناب عن الحرام المردد بينها إذا كان الابتلاء دفعة وعدمه لاتحاد المناط في وجوب الاجتناب نعم قد يمنع الابتلاء دفعة في التدريجيات كما في مثال الحيض فإن تنجز تكليف الزوج بترك وطي الحائض قبل زمان حيضها ممنوع فإن قول الشارع فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن ظاهر في وجوب الكف عند الابتلاء بالحائض إذ الترك قبل الابتلاء حاصل بنفس عدم الابتلاء فلا يطلب بهذا الخطاب كما انه مختص بذوي الأزواج ولا يشمل العزاب الا على وجه التعليق فكذلك من لم يبتل بالمرأة

الحائض ويشكل الفرق بين هذا وبين ما إذا نذر أو حلف على ترك الوطء في ليلة خاصة ثم اشتبهت بين ليلتين أو أزيد ولكن الأظهر هنا وجوب الاحتياط وكذا في المثال الثاني من المثالين المتقدمين (انتهى) وملخصه بعد التدبر التام فيه ان الملاك في وجوب الاحتياط في الأطراف التدريجية ان يكون التكليف المعلوم بالإجمال فعلياً في الحال وأن مثال النذر أو الحلف من هذا القبيل وهكذا مثال المعاملة الربوية بخلاف مثال الحيض فإن فعلية التكليف فيه بترك وطي الحائض قبل زمان حيضها ممنوع (وفيه) ان التكليف في مثال الحيض أيضاً فعلي في الحال فإن موضوع الأمر بالاعتزال في قوله تعالى فاعتزلوا النساء في المحيض هو النساء وهنّ محققات فعليات في الحال والأمر باعتزالهن في أيام حيضهن ليس إلّا من قبيل الأمر بالحج في الموسم بنحو الواجب المعلق فكما ان التكليف فيه فعلي بعد الاستطاعة قبل الموسم فكذلك الأمر بالاعتزال في المقام بعد التزويج بالنساء قبل أيام حيضهن (هذا مضافاً) إلى ان التحقيق ان الملاك في وجوب الاحتياط في الأطراف التدريجية هو ان يكون التكليف المعلوم بالإجمال فيها إما فعلياً في الحال أو مشروطاً بشرط يعلم إجمالا بتحققه بعداً فإن العلم بالتكليف الحالي كما انه مما يوجب التنجيز ويجب رعايته عقلا فكذلك العلم بالتكليف المشروط الّذي يعلم بتحقق شرطه بعداً فهو أيضاً مما يوجب التنجيز ويجب رعايته عقلا (ومن هنا) قلنا بوجوب بعض المقدمات الوجودية من قبل وجوب ذيها إذا علم بعدم تيسره بعداً وانه يفوت الواجب بسبب عدم حصوله (وعليه) فلو سلم ان التكليف في مثال الحيض مشروط بالحيض وان تحققه في الحال ليس بمعلوم فهو مع ذلك مما يجب رعايته نظراً إلى كونه من المشروط الّذي يعلم بتحقق شرطه بعداً فتأمل جيداً.

(قوله فافهم ... إلخ) ولعله إشارة إلى قوله أو من جهة تعلقه بموضوع يقطع بتحققه إجمالا في هذا الشهر كأيام حيض المستحاضة ... إلخ فإن مثال الحيض إنما يكون من هذا القبيل إذا

كان موضوع التكليف فيه هو الحائض فهو حينئذ مما يقطع بتحققه إجمالا في هذا الشهر ولا يعلم بتحققه فعلا وأما إذا كان موضوع التكليف هو النساء كما يظهر من قوله تعالى فاعتزلوا النساء في المحيض فالمثال من قبيل الواجب المعلق كالحج بعد الاستطاعة قبل الموسم فيكون التكليف فيه حالياً والواجب استقبالياً.

في الاضطرار إلى بعض الأطراف معيناً

أو مردداً

(قوله تنبيهات الأول أن الاضطرار كما يكون مانعاً عن العلم بفعلية التكليف لو كان إلى واحد معين كذلك يكون مانعاً لو كان إلى غير معين ... إلخ)

إشارة إلى ما في التنبيه الخامس من التنبيهات التي عقدها الشيخ أعلى الله مقامه للشبهة التحريمية الموضوعية من الاشتغال (وتوضيح المقام) انه لا خلاف على الظاهر فيما إذا اضطر إلى بعض أطراف العلم الإجمالي بعضها المعين من قبل حصول العلم الإجمالي وانه مانع عن تأثير العلم الإجمالي في التنجيز فلا يجب الاحتياط حينئذ لعدم العلم بالتكليف لاحتمال كون المحرم هو الطرف المضطر إليه (قال الشيخ) أعلى الله مقامه الخامس لو اضطر إلى ارتكاب بعض المحتملات فإن كان بعضاً معيناً فالظاهر عدم وجوب الاجتناب عن الباقي إن كان الاضطرار قبل العلم أو معه لرجوعه إلى عدم تنجز التكليف بالاجتناب عن الحرام الواقعي لاحتمال كون المحرم هو المضطر إليه (انتهى) (ولكن الخلاف) فيما إذا اضطر إلى بعض الأطراف بعضها الغير المعين من قبل العلم الإجمالي فالشيخ أعلى الله مقامه يقول بوجوب الاجتناب عن الباقي دون المصنف (وقد أفاد الشيخ) في وجه ذلك (ما هذا لفظه) ولو كان المضطر إليه بعضاً غير معين وجب الاجتناب عن الباقي وان كان الاضطرار قبل

العلم الإجمالي لأن العلم حاصل بحرمة واحد من أمور لو علم حرمته تفصيلا وجب الاجتناب عنه وترخيص بعضها على البدل موجب لاكتفاء الأمر بالاجتناب عن الباقي (انتهى) موضع الحاجة من كلامه (وقد أفاد المصنف) في وجه عدم وجوب الاجتناب عن الباقي (ما هذا لفظه) ضرورة انه مطلقاً يعني سواء كان الاضطرار إلى واحد معين أو غير معين موجب لجواز ارتكاب أحد الأطراف أو تركه تعييناً أو تخييراً وهو ينافي العلم بحرمة المعلوم أو بوجوبه بينها فعلا (انتهى).

(أقول)

والحق في هذا التفصيل مع المصنف فلا فرق في الاضطرار من قبل العلم الإجمالي بين ان كان إلى واحد معين أو إلى غير معين ففي كلتا الصورتين لا يؤثر العلم الإجمالي في التنجيز أصلا.

(اما في الاضطرار إلى واحد معين) فواضح وقد عرفت انه مما لا خلاف فيه

(واما في الاضطرار إلى الغير المعين) فلأن مع الاضطرار كذلك لا يكاد يحصل العلم بحرمة واحد من الأطراف كي يجب الاجتناب عن الباقي إذ من المحتمل ان يكون المحرم الواقعي هو الّذي يختاره المضطر لرفع اضطراره وهو معذور فلا يكون ما سواه حراماً وإليه أشار المصنف بقوله المتقدم وهو ينافي العلم بحرمة المعلوم أو بوجوبه بينها فعلا ... إلخ.

(قوله موجب لجواز ارتكاب أحد الأطراف أو تركه تعييناً أو تخييراً إلى آخره)

(اما الترديد) بين ارتكاب أحد الأطراف أو تركه فناظر إلى الفرق بين الشبهة التحريمية والوجوبية فالاضطرار إلى أحد الأطراف في التحريمية موجب لجواز ارتكابه والاضطرار إلى ترك أحد الأطراف في الوجوبية موجب لجواز تركه (واما الترديد) بين التعيين أو التخيير فناظر إلى الفرق بين الاضطرار إلى البعض

المعين أو الغير المعين ففي الأول يجوز الارتكاب أو الترك تعييناً وفي الثاني تخييراً وهذا واضح.

(قوله وكذلك لا فرق بين أن يكون الاضطرار كذلك سابقاً على حدوث العلم أو لاحقاً ... إلخ)

أي وكذلك لا فرق بين ان يكون الاضطرار إلى المعين أو الغير المعين سابقاً على حدوث العلم الإجمالي أو لا حقاً (وتوضيح ذلك) ان الاضطرار من قبل العلم الإجمالي إلى البعض الغير المعين كما كان محل الخلاف بين الشيخ والمصنف فذهب الشيخ إلى الاحتياط في الباقي دون المصنف (فكذلك) الاضطرار من بعد العلم الإجمالي مطلقاً سواء كان إلى المعين أو الغير المعين هو محل الخلاف بينهما فالشيخ يقول بوجوب الاحتياط في الباقي دون المصنف (وقد أفاد الشيخ) في وجه ذلك (ما هذا لفظه) وان كان بعده يعني الاضطرار بعد العلم الإجمالي فالظاهر وجوب الاجتناب عن الآخر لأن الإذن في ترك بعض المقدمات العلمية بعد ملاحظة وجوب الاجتناب عن الحرام الواقعي يرجع إلى اكتفاء الشارع في امتثال ذلك التكليف بالاجتناب عن بعض المشتبهات (انتهى) (وقد أفاد المصنف) في وجه عدم وجوب الاحتياط (ما محصله) أن التكليف المعلوم بالإجمال من أول الأمر كان محدوداً شرعاً بعدم طرو الاضطرار إلى متعلقه فإذا طرأ الاضطرار إلى بعض الأطراف كان إلى المعين أو الغير المعين لم يبق معه علم بالتكليف لاحتمال كون التكليف في الطرف الّذي قد اضطر إليه فيما كان الاضطرار إلى المعين أو في الطرف الّذي يختاره المضطر لرفع اضطراره فيما كان إلى الغير المعين ومع عدم بقاء العلم بالتكليف لا يكاد يجب الاحتياط في الباقي (وفيه) ان الاضطرار وإن كان من حدود التكليف شرعاً كالخطاء والنسيان والإكراه والحرج والضرر ونحو ذلك من العناوين الرافعة له ولو بمعنى رفع تنجزه (ولكن فقد الموضوع) أيضاً من حدود التكليف بل من حدوده بطريق أولى كما إذا أريق الخمر مثلا أو مائع آخر حرام

غايته انه من حدوده عقلا لا شرعاً والمصنف لا يقول بترك الاحتياط في الطرف الباقي إذا فقد بعض أطراف العلم الإجمالي من بعد العلم كما سيأتي التصريح به ومجرد كون أحدهما من الحدود الشرعية والآخر من الحدود العقلية مما لا يوجب تفاوتاً فيما نحن بصدده من انتهاء التكليف بحصول الحد وحدوثه كما لا يخفى.

(وبالجملة) الحق في هذا التفصيل مع الشيخ أعلى الله مقامه ففرق ظاهر بين الاضطرار من قبل العلم الإجمالي والاضطرار من بعدم العلم الإجمالي.

(ففي الأول) لا يجب الاحتياط في الباقي.

(وفي الثاني) يجب كما هو الحال عيناً فيما إذا فقد بعض الأطراف من بعد العلم الإجمالي أو أتى ببعض الأطراف في الشبهة الوجوبية من بعد العلم الإجمالي (فإن) التكليف المعلوم بالإجمال حرمة كان أو وجوباً بعد ما تنجز بسبب العلم ووجب الخروج عن عهدته عقلا (لم يمكن) الخروج إلّا بترك جميع الأطراف أو بإتيان جميع الأطراف (فإذا اضطر) إلى بعض الأطراف المعين أو الغير المعين من بعد العلم الإجمالي (أو فقد) بعض الأطراف من بعد العلم الإجمالي (أو أتى) ببعض الأطراف في الشبهة الوجوبية من بعد العلم الإجمالي ثم رفع اليد عن الاحتياط في الباقي (لم يكن) معذوراً ان كان التكليف في الطرف الباقي بلا شبهة فيجب عليه الاحتياط بحكم العقل (هذا) وقد يتوهم التمسك للاحتياط في الشبهة الوجوبية بعد الإتيان بأحد أطراف العلم الإجمالي (باستصحاب) الاشتغال (أو استصحاب) وجوب ما وجب سابقاً (أو استصحاب) عدم الإتيان بالواجب الواقعي (وقد أشار الشيخ) إلى الجميع في آخر المسألة الأولى من مسائل الشبهة الوجوبية (ولكن فيه ما لا يخفى) فإن المقصود من الاستصحابات المذكورة (ان كان) إثبات وجوب الطرف الباقي شرعاً فهي قاصرة عن ذلك الا على القول بالأصول المثبتة (وإن كان) المقصود إثبات وجوب الطرف الباقي عقلا فهو مما لا يحتاج إلى ذلك فإن العقل باق على استقلاله بوجوب الاحتياط خروجاً عن عهدة ما تنجز عليه

سابقاً بلا حاجة إلى ذلك كله أصلا وسيأتي الكلام في خصوص استصحاب الاشتغال في الأقل والأكثر الارتباطيين في ذيل الوجوه التي يمكن الاستدلال بها للاحتياط بنحو أبسط فانتظر.

(قوله لا يقال الاضطرار إلى بعض الأطراف ليس إلّا كفقد بعضها إلى آخره)

هذا هو النقض الّذي أوردناه على المصنف من أن فقد الموضوع أيضاً من حدود التكليف فلما ذا يلتزم هو بالاحتياط إذا فقد بعض الأطراف من بعد العلم الإجمالي دون ما إذا اضطر إلى بعض الأطراف من بعد العلم الإجمالي مع أن كلا منهما من حدود التكليف غايته أن الاضطرار من حدوده شرعاً وفقد الموضوع من حدوده عقلا بل فقد الموضوع أولى بكونه حداً فانه مما يرفع التكليف من أصله بخلاف الاضطرار فقد يقال إنه مما يرفع تنجزه كالخطإ والنسيان ونحوهما لا من أصله (ومن هنا يظهر) ما في جوابه عن النقض من أن فقد المكلف به يعني به فقد الموضوع ليس من حدود التكليف وقيوده (فإنه وإن لم يكن) من حدوده شرعاً ولكنه من حدوده عقلا وهو مما يكفي في المقام جداً ومجرد كون أحدهما من الحدود الشرعية والآخر من الحدود العقلية مما لا يوجب تفاوتاً فيما نحن بصدده كما أشرنا آنفاً فتأمل جيداً.

في خروج بعض الأطراف عن محل الابتلاء

(قوله الثاني انه لما كان النهي عن الشيء انما هو لأجل أن يصير داعياً للمكلف نحو تركه لو لم يكن له داعي آخر ولا يكاد يكون ذلك الا فيما يمكن عادة ابتلائه به ... إلخ)

إشارة إلى بعض ما في التنبيه الثالث من تنبيهات الشيخ أعلى الله مقامه للشبهة

التحريمية الموضوعية (ومحصله) انه يعتبر في تأثير العلم الإجمالي في التنجيز أن لا يكون أحد أطراف العلم الإجمالي مما لا أثر له على نحو لو كان المعلوم بالإجمال في جانبه لم يترتب عليه أثر شرعي ولم يحدث بسببه تكليف إلهي (وقد مثّل له) بما إذا علم إجمالا بوقوع قطرة من البول في أحد إناءين أحدهما بول أو متنجس بالبول أو كثير لا ينفعل بالنجاسة أو أحد ثوبين أحدهما نجس بتمامه (قال) لعدم العلم بحدوث التكليف بالاجتناب عن ملاقي هذه القطرة إذ لو كان ملاقيها هو الإناء النجس لم يحدث بسببه تكليف بالاجتناب أصلا فالشك في التكليف بالاجتناب عن الآخر شك في أصل التكليف لا المكلف به (انتهى) (وهكذا) يعتبر في تأثير العلم الإجمالي في التنجيز أن لا يكون أحد أطراف العلم الإجمالي خارجاً عن تحت قدرة المكلف على نحو لو كان المعلوم بالإجمال في جانبه لم يصح تعلق التكليف به (وقد مثّل له) بما إذا علم إجمالا بوقوع النجاسة في أحد شيئين لا يتمكن المكلف من ارتكاب واحد معين منهما (قال) فلا يجب الاجتناب عن الآخر لأن الشك في أصل تنجز التكليف لا في المكلف به (انتهى) (وهكذا) يعتبر في تأثير العلم الإجمالي في التنجيز ان لا يكون أحد أطراف العلم الإجمالي خارجاً عن تحت ابتلاء المكلف وان كان تحت قدرته عقلا وعادة على نحو لو كان المعلوم بالإجمال في جانبه كان النهي عنه مستهجناً عرفاً فإنه متروك بنفسه لا ينقدح في نفس المكلف داع إليه بعد فرض خروجه عن تحت ابتلائه فلا حاجة إلى نهيه وزجره (وقد مثّل له) بما إذا تردد النجس بين إنائه وإناء آخر لا دخل للمكلف فيه أصلا (قال) ولهذا لا يحسن التكليف المنجز بالاجتناب عن الطعام أو الشراب الّذي ليس من شأن المكلف الابتلاء به نعم يحسن الأمر بالاجتناب عنه مقيداً بقوله إذا اتفق لك الابتلاء بذلك بعارية أو بملك أو إباحة فاجتنب عنه (ثم قال) والحاصل ان النواهي المطلوب فيها حمل المكلف على الترك مختصة بحكم العقل والعرف بمن يعد مبتلى بالواقعة المنهي عنها ولذا يعد خطاب غيره بالترك مستهجناً الا على وجه التقييد

بصورة الابتلاء ولعل السر في ذلك أن غير المبتلى تارك للمنهي عنه بنفس عدم الابتلاء فلا حاجة إلى نهيه فعند الاشتباه يعني به اشتباه التكليف وترديده بين الطرف المبتلى به والطرف الغير المبتلى به لا يعلم المكلف بتنجز التكليف بالاجتناب عن الحرام الواقعي (قال) وهذا باب واسع ينحل به الإشكال عما علم من عدم وجوب الاجتناب عن الشبهة المحصورة في مواقع مثل ما إذا علم إجمالا بوقوع النجاسة في إنائه أو في موضع من الأرض التي لا يبتلي بها المكلف عادة أو بوقوع النجاسة في إنائه أو في موضع من الأرض التي لا يبتلي بها المكلف عادة أو بوقوع النجاسة في ثوبه أو ثوب الغير فإن الثوبين لكل منهما من باب الشبهة المحصورة مع عدم وجوب اجتنابهما (انتهى) موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه (ثم إن) المصنف لم يؤشر إلا إلى الأمر الثالث من الأمور المتقدمة وهو اعتبار أن لا يكون أحد أطراف العلم الإجمالي خارجاً عن تحت ابتلاء المكلف (وقد أفاد) في وجهه ما حاصله أن النهي عن الشيء ليس إلّا لصيرورته داعياً نحو ترك المنهي عنه فلو كان الشيء بنفسه خارجاً عن تحت الابتلاء بحيث لا ينقدح الداعي في نفس المكلف نحو فعله فلا موقع للنهي عنه أبداً إذ لا ثمرة فيه ولا فائدة كما لا يخفى (وعليه) فإذا كان أحد الأطراف خارجاً عن تحت الابتلاء فلا يحصل معه العلم الإجمالي بالتكليف أصلا.

(أقول)

هذا كله إذا كان أحد الأطراف الّذي لا أثر له أو كان خارجاً عن تحت القدرة أو الابتلاء هو من قبل حصول العلم الإجمالي (واما إذا كان) من بعد العلم الإجمالي فلا يكاد يمنع ذلك عن تأثير العلم في التنجيز بل يجب الاحتياط في الطرف الباقي لا محالة لعين ما تقدم قبلا في الاضطرار إلى بعض الأطراف معيناً أو مردداً من بعد العلم الإجمالي أو في فقد بعض الأطراف من بعد العلم الإجمالي أو الإتيان ببعض الأطراف في الشبهة الوجوبية من بعد العلم الإجمالي حرفاً بحرف (كما أن جميع ما تقدم) في طرو الاضطرار من قبل العلم الإجمالي يجري حرفاً بحرف في فقد بعض

الأطراف أو الإتيان ببعض الأطراف في الشبهة الوجوبية من قبل العلم الإجمالي فلا يجب الاحتياط حينئذ في الطرف الباقي إذ لا يحدث معه علم إجمالي بالتكليف أصلا

(قوله ومنه قد انقدح أن الملاك في الابتلاء المصحح لفعلية الزجر وانقداح طلب تركه في نفس المولى فعلا هو ما إذا صح انقداح الداعي إلى فعله في نفس العبد ... إلخ)

أي ومما تقدم ظهر لك أن المعيار في الابتلاء هو صحة انقداح الداعي إلى الفعل في نفس العبد (وقد جعل الشيخ) أعلى الله مقامه المعيار صحة النهي وحسنه (قال) فيما أفاده في المقام (ما لفظه) والمعيار في ذلك وإن كان صحة التكليف بالاجتناب عنه على تقدير العلم بالنجاسة وحسن ذلك من غير تقييد التكليف بصورة الابتلاء واتفاق صيرورته واقعة له إلا أن تشخيص ذلك مشكل جداً (انتهى).

(أقول)

ومرجع المعيارين هو إلى شيء واحد فصحة النهي وحسنه مسببان عن صحة انقداح الداعي إلى الفعل في نفس العبد وحدوثه فيها فالشيخ جعل المعيار المسبب والمصنف جعل المعيار السبب.

(قوله ولو شك في ذلك كان المرجع هو البراءة لعدم القطع بالاشتغال لا إطلاق الخطاب ... إلخ)

هذا تضعيف لما أفاده الشيخ أعلى الله مقامه فإنه في بدو الأمر جوّز الرجوع إلى البراءة عند الشك في حسن التكليف التنجيزي لأجل الشك في الابتلاء (لكن قال) بعده ما هذا لفظه إلا أن هذا ليس بأولى من أن يقال أن الخطاب بالاجتناب عن المحرمات مطلقة غير معلقة والمعلوم تقييدها بالابتلاء في موضع العلم بتقبيح العرف توجيهها من غير تعلق بالابتلاء كما لو قال اجتنب عن ذلك الطعام النجس الموضوع قدام أمير البلد مع عدم جريان العادة بابتلاء المكلف به (إلى ان قال) واما إذا شك في قبح التنجيز فيرجع إلى الإطلاقات فيرجع المسألة إلى أن المطلق المقيد بقيد

مشكوك التحقق في بعض الموارد لتعذر ضبط مفهومه على وجه لا يخفى مصداق من مصاديقه كما هو شأن أغلب المفاهيم العرفية هل يجوز التمسك به أولا والأقوى الجواز فيصير الأصل في المسألة وجوب الاجتناب الا ما علم عدم تنجز التكليف بأحد المشتبهين على تقدير العلم بكونه الحرام (انتهى) ومحصل كلامه أعلى الله مقامه بعد التدبر فيه ان النهي مقيد بالابتلاء لا محالة ولكن الابتلاء مجمل مفهوماً يعني انه مردد بين الأقل والأكثر ففي الزائد على الأقل يكون الشك في أصل التقييد فيرجع فيه إلى الإطلاق.

(أقول)

نعم إن الكبرى مسلمة ولذا قد رجعنا في المجمل المفهومي المردد بين الأقل والأكثر للخاص إلى العام ولكن إذا كان القيد المجمل مفهوماً مردداً بين المتباينين أو كان مجملا مصداقاً فلا يكاد يرجع فيه إلى الإطلاق بل يرجع فيه إلى البراءة للشك في الحرمة من جهة الشك في تحقق القيد المعتبر فيها (وإليه يرجع) قول المصنف ضرورة انه لا مجال للتشبث به يعني الإطلاق الا فيما إذا شك في التقييد بشيء بعد الفراغ عن صحة الإطلاق بدونه ... إلخ (وعليه) فيرجع النزاع بين الشيخ والمصنف لفظياً لا حقيقياً فتفطن.

(قوله لا فيما شك في اعتباره في صحته ... إلخ)

في العبارة مسامحة واضحة والصحيح هكذا لا فيما شك في تحقق ما اعتبر في صحته يعني في صحة الإطلاق وهو تحقق الابتلاء.

في الشبهة الغير المحصورة

(قوله الثالث انه قد عرفت انه مع فعلية التكليف المعلوم لا تفاوت بين ان يكون أطرافه محصورة وان يكون غير محصورة ... إلخ)

إشارة إلى ما تعرضه الشيخ أعلى الله مقامه في الاشتغال في المقام الثاني من مقامي الشبهة التحريمية الموضوعية (قال بعد الفراغ) عن المقام الأول المنعقد للشبهة المحصورة وتنبيهاتها التسعة (ما هذا لفظه) المقام الثاني في الشبهة الغير المحصورة والمعروف فيها عدم وجوب الاجتناب ويدل عليه وجوه.

(الأول) الإجماع الظاهر المصرح به في الروض وعن جامع المقاصد وادعاه صريحاً المحقق البهبهاني في فوائده وزاد عليه نفي الريب فيه وأن مدار المسلمين في الأعصار والأمصار عليه وتبعه في دعوى الإجماع غير واحد ممن تأخر عنه وزاد بعضهم دعوى الضرورة عليه في الجملة (قال) وبالجملة فنقل الإجماع مستفيض وهو كاف في المسألة (ثم قال).

(الثاني) ما استدل به جماعة من لزوم المشقة في الاجتناب ولعل المراد به لزومها في أغلب افراد هذه الشبهة لأغلب أفراد المكلفين فيشمله عموم قوله تعالى يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر وقوله تعالى ما جعل عليكم في الدين من حرج بناء على ان المراد ان ما كان الغالب فيه الحرج على الغالب فهو مرتفع عن جميع المكلفين حتى من لا حرج بالنسبة إليه (إلى ان قال).

(الثالث) الاخبار الدالة على حلية كل ما لم يعلم حرمته فانها بظاهرها وان عمت الشبهة المحصورة إلّا ان مقتضي الجمع بينها وبين ما دل على وجوب الاجتناب بقول مطلق هو حمل أخبار الرخصة على غير المحصور وحمل اخبار المنع على المحصور (إلى ان قال).

(الرابع) بعض الأخبار الدالة على ان مجرد العلم بوجود الحرام بين المشتبهات لا يوجب الاجتناب عن جميع ما يحتمل كونه حراماً مثل ما عن محاسن البرقي عن أبي الجارود قال سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن الجبن فقلت أخبرني من رأي انه يجعل فيه الميتة فقال أمن أجل مكان واحد يجعل فيه الميتة حرم جميع ما في الأرض فما علمت فيه ميتة فلا تأكله وما لم تعلم فاشتر وبع وكل والله إني لأعترض السوق فأشتري اللحم والسمن والجبن والله ما أظن كلهم يسمون هذه البرية وهذه السودان (الخبر) فإن قوله عليه‌السلام من أجل مكان واحد ... إلخ ظاهر في أن مجرد العلم بوجود الحرام لا يوجب الاجتناب عن محتملاته وكذا قوله عليه‌السلام والله ما أظن كلهم يسمون فإن الظاهر منه إرادة العلم بعدم تسمية جماعة حين الذبح كالبرية والسودان (إلى ان قال).

(الخامس) أصالة البراءة بناء على ان المانع من إجرائها ليس إلّا العلم الإجمالي بوجود الحرام لكنه إنما يوجب الاجتناب عن محتملاته من باب المقدمة العلمية التي لا يجب إلّا لأجل وجوب دفع الضرر وهو العقاب المحتمل في فعل كل واحد من المحتملات وهذا لا يجري في المحتملات الغير المحصورة ضرورة أن كثرة الاحتمال يوجب عدم الاعتناء بالضرر المعلوم وجوده بين المحتملات ألا ترى الفرق الواضح بين العلم بوجود السم في أحد الإناءين أو واحد من ألفي إناء (إلى ان قال).

(السادس) ان الغالب عدم ابتلاء المكلف إلا ببعض معين من محتملات الشبهة الغير المحصورة ويكون الباقي خارجاً عن محل ابتلائه وقد تقدم عدم وجوب الاجتناب في مثله مع حصر الشبهة فضلا عن غير المحصورة (انتهى) موضع الحاجة من كلامه (وقد ناقش) أعلى الله مقامه في أكثر هذه الوجوه (ومن هنا قال) بعد ذكرها جميعاً هذا غاية ما يمكن أن يستدل به على حكم الشبهة الغير المحصورة وقد عرفت ان أكثرها لا يخلو من منع أو قصور لكن المجموع منها لعله يفيد القطع أو الظن بعدم وجوب الاحتياط في الجملة والمسألة فرعية يكتفي فيها بالظن (انتهى)

(هذا كله من أمر الشيخ) أعلى الله مقامه في الشبهة الغير المحصورة.

(واما المصنف) فقد تقدم منا في أوائل الفصل لدى التعليق على قوله ثم إن الظاهر انه لو فرض ان المعلوم بالإجمال كان فعلياً من جميع الجهات لوجب عقلا موافقته مطلقاً ولو كانت أطرافه غير محصورة ... إلخ ما محصل كلامه من أن المناط في وجوب الاحتياط في أطراف العلم الإجمالي سواء كانت محصورة أو غير محصورة هو فعلية التكليف المعلوم بالإجمال من جميع الجهات بأن كان واجداً لما هو العلة التامة للبعث والزجر أي الإرادة والكراهة على ما تقدم لك شرحهما فإن كان التكليف المعلوم بالإجمال فعلياً من جميع الجهات وجب الاحتياط في أطرافه وان كانت الأطراف كثيرة غير محصورة وإلّا لم يجب الاحتياط وان كانت الأطراف قليلة محصورة فإذاً لا عبرة بكثرة الأطراف وعدمها.

(نعم) قد يلازم كثرة الأطراف وعدم حصرها لزوم العسر الموجب لسقوط التكليف المعلوم بالإجمال عن الفعلية كما إذا كانت الأطراف الكثيرة مما اشتد به الحاجة على نحو إذا اجتنب عن الكل وقع في العسر الشديد فلا يجب الاحتياط حينئذ لكن لا من جهة تفاوت في ناحية العلم الإجمالي بل من جهة التفاوت في ناحية المعلوم بالإجمال فإن التكليف الشرعي إن كان عسرياً حرجياً لم يجب امتثاله ولو كان معلوماً بالتفصيل فكيف بما إذا كان معلوماً بالإجمال وهذا واضح

(أقول)

وينبغي من المصنف أن لا يرفع يده هنا عن الاحتياط في الأطراف الغير المحصورة وإن كانت موجبة للعسر وذلك لما تقدم منه عند التكلم حول المقدمة الرابعة للانسداد من دعوى عدم حكومة دليل العسر على الاحتياط إذا كان تحكم العقل نظراً إلى عدم العسر في متعلق التكليف وانما هو في الجمع بين محتملاته (اللهم) إلّا أن يقال إنه رجع أخيراً إلى القول بحكومته عليه (فقال) نعم لو كان معناه نفي الحكم الناشئ من قبله العسر كما قيل لكانت قاعدة نفيه محكمة على قاعدة الاحتياط ... إلخ

(وعليه) فحكمه في المقام بسقوط الاحتياط يكون على القاعدة (وعلى كل حال) الحقّ أن جميع ما تقدم في وجه وجوب الاحتياط في الشبهة المحصورة هو مما يجري في الشبهة الغير المحصورة حرفاً بحرف وأن شيئاً من الوجوه الستة التي نقلها الشيخ أعلى الله مقامه مما لا تنهض لرفع اليد عن الاحتياط في الشبهة الغير المحصورة سوى الوجه الثاني منها وهو لزوم المشقة في الاجتناب عن الكل إلّا انه ليس بدائمي فإن العسر انما يلزم إذا كانت الأطراف الكثيرة مما اشتد به الحاجة كما أشرنا بأن كانت من الأمور الضرورية كخبز أو ماء ونحوهما مما يتوقف عليه نظام العيش وإلّا فلا عسر في ترك الأطراف جميعاً.

(واما الوجه الأول) من الوجوه المتقدمة وهو الإجماعات المستفيضة التي اكتفى بها الشيخ أعلى الله مقامه فلا يغني شيئاً فإن الإجماع في المسألة على تقدير تسليمه هو ليس مما يكشف عن رأي الإمام عليه‌السلام بعد ما كان المدرك فيها هي الوجوه المتقدمة كلا أو بعضاً.

(واما الوجه الثالث) فكذلك لا يغني شيئاً فإن أخبار الحل وإن كان أكثرها ظاهراً في الشمول لأطراف العلم الإجمالي كما تقدم ولكن قلنا في روايات البراءة وفي أوائل الاشتغال أيضاً ان هذا الظهور غير معمول به عند الأصحاب فلا يعوّل عليه في رفع اليد عن الاحتياط أصلا (ولو سلم اعتباره فحملها على الشبهات الغير المحصورة جمعاً بينها وبين ما دل على الاجتناب بقول مطلق مما لا شاهد عليه فإنه جمع اقتراحي لا جمع عرفي.

(واما الوجه الرابع) فهو مثلهما في الضعف لما فيه من احتمال كون المراد من قوله عليه‌السلام أمن أجل مكان واحد ... إلخ أي أمن أجل مكان واحد يجعل فيه الميتة لا يحرم جبن ساير الأماكن مما لا يعلم انه يجعل فيه الميتة وان كان فيه احتماله وشبهته (وعليه) فجبن ساير الأماكن يكون من الشبهات البدوية لا من أطراف العلم الإجمالي (ولو سلم ظهور الحديث في مقصود المستدل فمن أجل

حديث واحد سيما من مثل أبي الجارود لا يمكن رفع اليد عن قاعدة الاحتياط في جميع الشبهات الغير المحصورة.

(وأضعف من هذا كله الوجه الخامس) فإن احتمال العقاب وان كان ضعيفاً موهوماً في كل واحد من الأطراف الغير المحصورة ولكن المحتمل وهو العقاب الأخروي حيث كان قوياً جداً فلا يجوّز العقل رفع اليد عن الاحتياط في الأطراف أبداً وهكذا الأمر في كل ضرر قوي مثله وان كان دنيوياً لا أخروياً فإذا علم إجمالا أن في واحد من ألفي إناء بل وعشرة آلاف إناء سم قاتل يقطع به الأمعاء فوراً بلا مهلة أصلا فلا يكاد يجوّز العقل استعمال أحد الأواني بلا شبهة وان كان الاحتمال فيه ضعيفاً إلى الغاية بعد ما كان المحتمل فيه في غاية القوة.

(وأضعف من الكل الوجه السادس) فإن الكلام ليس في الشبهات الغير المحصورة الخارجة بعض أطرافها عن تحت الابتلاء كي يقال إنه لا يجب الاجتناب حينئذ عن الباقي مع حصر الشبهة فكيف بأطراف غير محصورة بل الكلام متمحض في الشبهة الغير المحصورة التي هي تحت ابتلاء المكلف بتمام أطرافها فهي مع كونها بهذه الصفة هل يجب الاجتناب عنها أم لا (هذا تمام الكلام) في الوجوه الستة التي استدل بها لعدم الاحتياط في الشبهة الغير المحصورة مع ما فيها من النقض والإبرام وقد عرفت ان أوجهها جميعاً هو لزوم العسر إلّا انه ليس بدائمي كما أشرنا آنفاً بل قد يتفق ذلك أحياناً (وعليه) فيقتصر في رفع اليد عن الاحتياط في الشبهة الغير المحصورة على موارد لزوم العسر خاصة لا غيرها.

(ثم إنه) مهما لزم العسر من اجتناب الكل في الشبهة الغير المحصورة وجاز الاقتحام فيها شرعاً لدفع العسر فهل يجوز ارتكاب الكل أم لا يجوز بل يجب إبقاء مقدار الحرام من الأطراف أو يجب الاكتفاء في الاقتحام بمقدار دفع العسر (الظاهر) انه لا دليل على حرمة ارتكاب الكل بعد ما جاز الاقتحام فيها لدفع العسر فإن المقام بعينه هو من قبيل ما إذا اضطر إلى بعض الأطراف المعين أو الغير

المعين ثم علم إجمالا ان أحدها نجس أو خمر مثلا (وإن كان) الشيخ أعلى الله مقامه قد قوّى عدم جواز ارتكاب الكل لاستلزامه طرح الدليل الواقعي الدال على وجوب الاجتناب عن المحرم الواقعي المعلوم بالإجمال (وفيه) ان مجرد العلم الإجمالي بوجود المحرم في الأطراف مما لا يوجب العلم بوجوب الاجتناب عنه بعد احتمال مصادفته مع ما يختاره المضطر لرفع اضطراره وهذا واضح.

(نعم) إذا كان لزوم العسر من بعد العلم الإجمالي وتنجز التكليف به لم يبعد وجوب الاقتصار في الاقتحام على مقدار دفع العسر فقط لا أكثر.

في قاعدة العسر والحرج

(ثم إن) الكلام حيث انجر إلى ذكر قاعدة العسر والحرج فلا بأس بالإشارة إلى بعض جهاتها مختصراً فنقول (اما مدركها) فهي آيات ثلاث.

(الأولى) قوله تعالى في سورة البقرة يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر

(الثانية) قوله تعالى في المائدة ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم.

(الثالثة) قوله تعالى في سورة الحج وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين (واما مفاد الآيات) الثلاث التي هي مدركها (فقد يخطر بالبال) أن مؤداها ان الأحكام المجعولة في الدين ليست هي أحكاماً عسرة حرجة من قبيل صوم الوصال ونحوه بل هي أحكام سهلة سمحة كما يشهد بها بعض الاخبار وليس مؤداها أن أحد الأحكام المجعولة السهلة بالطبع إذا صار حرجياً بالعرض فهو مرفوع غير مجعول كالوضوء لدى البرد الشديد ونحوه (ولكن) الظاهر انه مما لا وجه له إذ كما أن صوم الوصال مثلا لو كان مجعولا في الدين صدق حينئذ انه تعالى قد أراد بنا العسر ولم يرد بنا اليسر وانه قد جعل علينا في الدين من

حرج فكذلك يصدق ذلك لو ثبت وجوب الوضوء مثلا لدى البرد الشديد وقد فرض عدم ارتفاعه بالعسر والحرج الطارئين (ويؤيد) هذا المعنى بل يدل عليه استشهاد الإمام عليه‌السلام بالآية الشريفة في رواية عبد الأعلى المروية في الباب ٣٩ من وضوء الوسائل الواردة في حكم من عثر فوقع ظفره فجعل على إصبعه مرارة فقال إن هذا وشبهه يعرف من كتاب الله ما جعل عليكم في الدين من حرج ثم قال امسح عليه فلو لم تكن الآية الشريفة الا لنفي الأحكام الحرجية بالذات من قبيل صوم الوصال ونحوه ولم تشمل الأحكام الحرجية بالعرض كالمسح على البشرة في موضع الجرح المجعول عليه المرارة لم يستشهد بها الإمام عليه‌السلام للمسح على الحائل أي المرارة وهذا واضح.

(واما تقدمها) على ساير الأحكام الشرعية فالظاهر انه لا خلاف في أن وجه التقدم هي الحكومة بمعنى أن الآيات الثلاث التي هي مدرك القاعدة حاكمة هي على أدلة الأحكام الشرعية كأدلة الصلاة والصيام والزكاة ونحوها نظراً إلى كونها ناظرة إليها والنّظر هو ملاك الحكومة كما سيأتي شرحها في الاستصحاب إن شاء الله تعالى.

(نعم لنا) بعض الأحكام الشرعية قوية الملاك جداً لا تكاد ترتفع بعسر ولا بحرج بل ولا بضرر إذا كان دون هلاك النّفس كوجوب حفظ العرض من الهتك أو وجوب إنجاء المؤمن من الهلاك ونحو ذلك من الأحكام القوية المهمة بل لنا بعض الأحكام لا تكاد ترتفع بحرج ولا بضرر وإن استلزم هلاك النّفس كوجوب حفظ نبي أو وصي نبي ونحوهما فمثل هذه الأحكام خارجة هي عن تحت أدلة الحرج بل الضرر بلا كلام.

(قوله باجتناب كلها أو ارتكابه ... إلخ)

فالأوّل للشبهة التحريمية والثاني للشبهة الوجوبية.

(قوله أو غيرهما مما لا يكون معه التكليف فعلياً ... إلخ)

أي غير العسر والضرر مما لا يكون معه التكليف فعلياً كما إذا كان كثرة الأطراف موجبة لفوت واجب أهم فيسقط معه التكليف المعلوم بالإجمال عن الفعلية لمزاحمته بالأهم وإن لم يكن الاحتياط فيها عسرياً ولا ضررياً.

(قوله كما أن نفسها ربما يكون موجبة لذلك ولو كانت قليلة ... إلخ)

أي كما ان نفس الأطراف ربما يكون موجبة لعسر موافقته القطعية ولو كانت محصورة قليلة كما إذا اشتد الحاجة إلى الاقتحام في بعضها معيناً أو مردداً على نحو لو لم يقتحم فيه وقع في العسر الشديد.

(قوله ولو شك في عروض الموجب فالمتبع هو إطلاق دليل التكليف لو كان وإلّا فالبراءة لأجل الشك في التكليف الفعلي ... إلخ)

أي ولو شك في عروض العسر الموجب لرفع فعلية التكليف المعلوم بالإجمال فالمتبع هو إطلاق دليل التكليف لو كان له إطلاق وإلا فالبراءة لكون الشك في أصل التكليف (وفيه) إن التكليف مقيد بعدم العسر لا محالة فإذا شك في تحقق العسر وعدمه بنحو الشبهة المصداقية كما هو ظاهر كلام المصنف فلا مجال للتمسك بالإطلاق بلا كلام فإنه من قبيل التمسك بالعامّ في الشبهات المصداقية للخاص وهو ممنوع جداً بل لا بد من الرجوع إلى البراءة لأنه شك في التكليف (اللهم) إلّا إذا كان هناك أصل موضوعي كاستصحاب عدم العسر فيما كان له حالة سابقة فيقدم على البراءة.

(قوله وما قيل في ضبط المحصور وغيره لا يخلو من الخراف ... إلخ)

(قال الشيخ) أعلى الله مقامه اختلف عبارات الأصحاب في بيان ضابط المحصور وغيره فعن الشهيد والمحقق الثانيين والميسي وصاحب المدارك أن المرجع فيه إلى العرف فما كان غير محصور في العادة بمعنى انه يعسر عدّه لا ما امتنع عدّه لأن كل ما يوجد من الاعداد قابل للعد والحصر فهو غير محصور (إلى ان قال) وربما قيد

المحقق الثاني عسر العد بزمان قصير (إلى ان قال) وقال كاشف اللثام في مسألة المكان المشتبه بالنجس لعل الضابط أن ما يؤدي اجتنابه إلى ترك الصلاة غالباً فهو غير محصور كما أن اجتناب شاة أو امرأة مشتبهة في صقع من الأرض يؤدي إلى الترك غالباً (قال) انتهى (ثم قال) واستصوبه في مفتاح الكرامة (إلى أن قال) هذا غاية ما ذكروا أو يمكن أن يذكر في ضابط المحصور وغيره ومع ذلك فلم يحصل للنفس وثوق بشيء منها (انتهى) موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه.

(أقول)

قد عرفت مما سبق ان غير المحصور بما هو هو وبهذا العنوان مما لم يدل دليل من آية أو رواية على عدم وجوب الاحتياط فيه بل الملاك في عدم الاحتياط فيه هو لزوم العسر (وعليه) فلا يهم تنقيح ضابط المحصور وغير المحصور وإنما المهم هو ملاحظة لزوم العسر وعدمه فإن لزم العسر لم يجب الاحتياط وإن لم يلزم العسر وجب الاحتياط بلا حاجة إلى رعاية العناوين المذكورة في كلام الأصحاب للمحصور وغير المحصور أصلا.

في الملاقي لأحد أطراف العلم الإجمالي

(قوله الرابع انه انما يجب عقلا رعاية الاحتياط في خصوص الأطراف مما يتوقف على اجتنابه أو ارتكابه حصول العلم بإتيان الواجب أو ترك الحرام المعلومين في البين دون غيرها وان كان حاله حال بعضها في كونه محكوماً بحكم واقعاً ومنه ينقدح الحال في مسألة ملاقاة شيء مع أحد أطراف النجس المعلوم بالإجمال ... إلخ)

إشارة إلى البحث المعروف بين الأصوليين من أنه هل يجب الاجتناب عن ملاقي أحد أطراف العلم الإجمالي بالنجاسة مثل ما يجب الاجتناب عن الملاقى بالفتح أم لا

(وقد عنونه الشيخ) أعلى الله مقامه في التنبيه الرابع من تنبيهات الشبهة التحريمية الموضوعية في الاشتغال (قال) الرابع ان الثابت في كل من المشتبهين لأجل العلم الإجمالي بوجود الحرام الواقعي فيهما هو وجوب الاجتناب لأنه اللازم من باب المقدمة من التكليف بالاجتناب عن الحرام الواقعي اما ساير الآثار الشرعية المترتبة على ذلك الحرام فلا يترتب عليهما (إلى ان قال) فارتكاب أحد المشتبهين لا يوجب حد الخمر على المرتكب (إلى ان قال) ما ملخصه وهل يحكم بتنجس ملاقيه وجهان بل قولان مبنيان (على ان الاجتناب عن النجس) يراد به ما يعم الاجتناب عن ملاقيه ولو بوسائط فإذا حكم الشارع بوجوب هجر كل واحد من المشتبهين فقد حكم بوجوب كل ما لاقاه (أو ان الاجتناب) عن النجس لا يراد به الا الاجتناب عن العين بنفسها واما تنجس الملاقي للنجس فهو تعبد خاص وحكم شرعي آخر لا ربط له بوجوب هجر النجس (إلى ان قال) والأقوى هو الثاني لما ذكر (إلى ان قال) فإذا حكم الشارع بوجوب هجر المشتبه في الشبهة المحصورة يعني به كل واحد من المشتبهين فلا يدل على وجوب هجر ما يلاقيه (انتهى).

(أقول)

إن ما دل على هجر النجس لا يكاد يدل الا على هجره بنفسه كما أفاد الشيخ لا على هجره وهجر كل ما لاقاه.

(ولو سلم فالشارع لم يحكم بوجوب هجر كل واحد من المشتبهين كي يكون حاكماً بوجوب هجر ملاقيه أيضاً بل العقل مما يحكم بذلك من جهة العلم الإجمالي بالنجس وعدم جريان الأصل في أطرافه لأحد الوجوه المتقدمة في أول الاشتغال واحداً بعد واحد وهذا واضح ظاهر.

(ثم إن الشيخ) أعلى الله مقامه بعد ما فرغ عن ذكر الوجهين المتقدمين في الملاقي بالكسر وقوّى الوجه الثاني منهما وهو عدم وجوب الاجتناب عنه (أورد على نفسه) بما حاصله أن وجوب الاجتناب عن الملاقي وإن لم يكن من جهة كون

الدليل على هجر الشيء دليلا على هجر ملاقيه أيضاً إلّا انه يكون من جهة أخرى وهي صيرورته بالملاقاة طرفاً للعلم الإجمالي كالملاقاة بالفتح فلا يبقى بينهما فرق أصلا (فأجاب عنه) بوجود الفرق بينهما وأن الأصل في الملاقاة بالفتح معارض بالأصل في عدله ويبقى الأصل في الملاقي بالكسر سالماً عن المعارض فإنه أصل مسببي تصل النوبة إليه بعد سقوط الأصل السببي بالمعارضة.

(أقول)

لو كان الاعتماد في وجه وجوب الاحتياط في أطراف العلم الإجمالي على معارضة الأصول فقط لكان الأمر كما ذكره الشيخ أعلى الله مقامه فالأصل في الملاقى بالفتح يسقط بالمعارضة بالأصل في عدله ويبقى الأصل في الملاقي بالكسر سالماً عن المعارض فلا يجب الاجتناب عنه (لكن) على الوجهين الآخرين من كون العلم الإجمالي علة تامة للتنجيز أو كون التمسك بدليل الأصل في كل من أطراف العلم الإجمالي تمسكاً بالدليل في الشبهة المصداقية بالتقريب المتقدم في أوائل الاشتغال يجب الاجتناب عن الملاقي بالكسر جداً بعد صيرورته طرفاً للعلم الإجمالي بسبب الملاقاة فتأمل جيداً.

(ثم إن الشيخ) أعلى الله مقامه قد اعترف بوجوب الاجتناب عن الملاقي بالكسر في صورة واحدة وهي ما إذا لاقى شيء مع أحد الإناءين وخرج الملاقى بالفتح عن الابتلاء ثم حصل العلم الإجمالي فحينئذ يقوم الملاقي بالكسر مقام الملاقى بالفتح المفقود لعدم جريان الأصل في المفقود بعد ما خرج عن الابتلاء فيقع المعارضة حينئذ بين الأصل في الملاقي بالكسر والأصل في عدل الملاقى بالفتح (ثم قال) فمحصل ما ذكرنا أن العبرة في حكم الملاقي يعني بالكسر بكون أصالة الطهارة سليمة أو معارضة (انتهى).

(أقول)

وظاهر ذلك انه لا عبرة في وجوب الاجتناب عن الملاقي بالكسر وعدمه بكون

الملاقاة من قبل حصول العلم الإجمالي أو بعده بل العبرة بكون الأصل فيه سالماً أو معارضاً وهو كذلك على المعارضة بل وعلى الوجهين الآخرين أيضاً من وجوه وجوب الاحتياط في أطراف العلم (من كون العلم الإجمالي) علة تامة للتنجيز (أو كون التمسك) بدليل الأصل في كل من الأطراف تمسكاً بالدليل في الشبهة المصداقية فلا عبرة يكون الملاقاة من قبل العلم أو بعده ففي كليهما يجب الاجتناب عن الملاقي بالكسر (غير انه يظهر من المصنف) الفرق بين الملاقاة من قبل حصول العلم الإجمالي وبعده (وحاصل كلامه) في ذلك ان الملاقي بالكسر له صور ثلاث

(فتارة) يجب الاجتناب عن الملاقى بالفتح دون الملاقي بالكسر.

(وأخرى) يجب الاجتناب عن الملاقي بالكسر دون الملاقى بالفتح.

(وثالثة) يجب الاجتناب عن الملاقي والملاقى جميعاً.

(اما الصورة الأولى) فهي كما إذا كانت الملاقاة من بعد العلم الإجمالي فحينئذ لا يجب الاجتناب عن الملاقي بالكسر (وقد علله) بقوله فإنه إذا اجتنب عنه يعني عن الملاقى بالفتح وطرفه اجتنب عن النجس في البين قطعاً ولو لم يجتنب عما يلاقيه فانه على تقدير نجاسته لنجاسته كان فرداً آخر من النجس قد شك في وجوده كشيء آخر شك في نجاسته بسبب آخر (انتهى) (وفيه) ان ملاقاة الشيء مع أحد أطراف العلم الإجمالي ولو كانت من بعد العلم الإجمالي هي مما يوجب انقلاب العلم الإجمالي بأحد الشيئين مثلا إلى العلم الإجمالي بأحد أشياء ثلاثة إما هذا. وملاقيه أو ذاك الآخر كما في الصورة الثالثة الآتية عيناً وحينئذ فإذا اجتنب عن الملاقى بالفتح وعدله وان كان قد اجتنب عن النجس المعلوم بالإجمال أولا يقيناً ولكن لم يجتنب عن النجس المعلوم بالإجمال ثانياً كذلك فيجب الاجتناب عنه رعاية للعلم الإجمالي الثاني الحادث.

(واما الصورة الثانية) فهي كما إذا حصل العلم الإجمالي إما بنجاسة الملاقى بالكسر أو عدل الملاقى بالفتح ثم حصل العلم بالملاقاة والعلم الإجمالي إما بنجاسة

الملاقى بالفتح أو عدله فحينئذ يجب الاجتناب عن الملاقي بالكسر دون الملاقى بالفتح (وقد علله) بقوله فإن حال الملاقى يعني بالفتح في هذه الصورة بعينها حال ما لاقاه في الصورة السابقة في عدم كونه طرفاً للعلم الإجمالي وأنه فرد آخر على تقدير نجاسته واقعاً غير معلوم النجاسة أصلا لا إجمالا ولا تفصيلا (انتهى) وفيه ما عرفته في الصورة السابقة فإنه بعد العلم بالملاقاة والعلم الإجمالي اما بنجاسة الملاقى بالفتح أو عدله ينقلب العلم الإجمالي الأول إلى العلم الإجمالي الثاني الحادث إما بنجاسة الملاقي بالكسر والملاقى بالفتح أو بنجاسة الشيء الآخر وحينئذ فإذا اجتنب عن الملاقي بالكسر وعدل الملاقى بالفتح وإن اجتنب عن النجس المعلوم بالإجمال أولا يقيناً ولكن لم يجتنب عن النجس المعلوم بالإجمال ثانياً كذلك ما لم يجتنب عن الملاقى بالفتح أيضاً كالملاقي بالكسر وعدل الملاقى بالفتح (ثم إن المصنف) قد ذكر لهذه الصورة الثانية مثالا آخر قد أشار إليه بقوله وكذا لو علم بالملاقاة ثم حدث العلم الإجمالي ولكن كان الملاقى يعني بالفتح خارجاً عن محل الابتلاء في حال حدوثه وصار مبتلى به بعده (انتهى) وهو بعينه ما تقدم من الشيخ أعلى الله مقامه مما اعترف فيه بوجوب الاجتناب عن الملاقي بالكسر دون الملاقى بالفتح وبقيام الأول مقام الثاني المفقود الخارج عن الابتلاء غير أن الشيخ لم يفرض دخول الملاقى بالفتح تحت الابتلاء ثانياً بخلاف المصنف ففرضه.

(أقول)

والحكم في هذا المثال وان كان كما ذكره الشيخ والمصنف فيجب الاجتناب عن الملاقي بالكسر دون الملاقى بالفتح لخروجه عن تحت الابتلاء ولكن بعد ما دخل الملاقى بالفتح تحت الابتلاء ثانياً كما فرض المصنف لا وجه لعدم الاجتناب عنه لما أشرنا من انقلاب العلم الإجمالي الأول إلى العلم الإجمالي الثاني الحادث إما بنجاسة هذا وملاقيه أو بنجاسة الشيء الآخر فيجب رعاية الاحتياط في الملاقى بالفتح مثل ما يجب في الملاقي بالكسر عيناً.

(واما الصورة الثالثة) فهي كما إذا حصل العلم الإجمالي من بعد الملاقاة فحينئذ يجب الاجتناب عن كل من الملاقي بالكسر والملاقى بالفتح إذ نعلم حينئذ إجمالا إما بنجاسة الملاقي والملاقى أو بنجاسة طرف الملاقى بالفتح فيتنجز التكليف بالاجتناب عن النجس المعلوم في البين وهو الواحد أو الاثنين.

(قوله وأنه تارة يجب الاجتناب عن الملاقى دون ملاقيه ... إلخ)

هذه هي الصورة الأولى التي حكم فيها بوجوب الاجتناب عن الملاقى بالفتح دون الملاقي بالكسر وقد عرفت ما فيه.

(قوله وأخرى يجب الاجتناب عما لا لاقاه دونه ... إلخ)

هذه هي الصورة الثانية التي حكم فيها بوجوب الاجتناب عن الملاقي بالكسر دون الملاقى بالفتح وقد عرفت ما فيه أيضاً.

(قوله وكذا لو علم بالملاقاة ثم حدث العلم الإجمالي ولكن كان الملاقى خارجاً عن محل الابتلاء في حال حدوثه وصار مبتلى به بعده ... إلخ)

هذه هو المثال الثاني للصورة الثانية التي حكم فيها بوجوب الاجتناب عن الملاقي بالكسر دون الملاقى بالفتح وقد عرفت ان الحق هو ذلك بلا كلام ولكن الملاقى بالفتح بعد ما دخل تحت الابتلاء ثانيا يجب الاجتناب عنه مثل ما يجب الاجتناب عن ملاقيه عينا وقد بينا وجهه فلا نعيد.

(قوله وثالثة يجب الاجتناب عنهما ... إلخ)

هذه هي الصورة الثالثة التي حكم فيها بوجوب الاجتناب عن كل من الملاقي والملاقى جميعا وارتضيناه ولم نردّ عليه.

(وبالجملة) الحق عندنا هو وجوب الاجتناب عن الملاقي بالكسر في جميع الصورة الثلاث بتمامها فتدبرها جيدا.

كيف يحتاط في الأمرين المترتبين شرعا

كالظهر والعصر

(ثم إن) هذا تمام الكلام في التنبيهات التي عقدها المصنف لبحث الاشتغال وقد انتخبها من مجموع التنبيهات التي عقدها الشيخ أعلى الله مقامه للشبهة التحريمية غير أن الشيخ عقد للشبهة الوجوبية أيضا تنبيهات لم يذكر المصنف شيئا منها وهي وان كانت أمورا غير مهمة إلا ان السابع منها مما لا يخلو عن فائدة فلا بأس بالإشارة إليه مختصرا (فنقول) ومحصل ما فيه أن الواجب المعلوم بالإجمال إن كان أمرين مترتبين شرعا كالظهر والعصر المرددين بين الجهات الأربع (فهل يعتبر) في جواز الدخول في محتملات الواجب اللاحق الفراغ من تمام المحتملات الأول كما صرح به في الموجز وشرحه والمسالك والروض والمقاصد العلية (أم يكفي فيه) فعل بعض المحتملات الواجب السابق لكن على نحو يعلم إجمالا بحصول الترتيب كما عن نهاية الأحكام والمدارك بأن يأتي بالظهر إلى جهة ثم يأتي بالعصر إلى تلك الجهة وهكذا إلى آخر الجهات في قبال الإتيان بالظهر إلى أربع جهات ثم الإتيان بالعصر كذلك (قولان) يبتني الأول منها على وجوب تحصيل العلم التفصيليّ بالامتثال مهما أمكن فإذا قدر على العلم التفصيليّ من بعض الجهات وعجز عنه من جهة أخرى فيجب مراعاة العلم التفصيليّ من الجهة التي يقدر عليها فلا يجوز لمن قدر على الثوب الطاهر المتيقن وعجز عن تعيين القبلة تكرار الصلاة في الثوبين المشتبهين إلى أربع جهات لتمكنه من العلم التفصيليّ بالمأمور به من حيث طهارة الثوب وإن لم يتمكن منه من حيث تعيين القبلة (ففي المقام) يجب الإتيان بتمام محتملات الظهر أولا ثم الإتيان بمحتملات العصر فإذا فعل كذلك فكل محتمل من محتملات العصر وإن

كان مرددا من جهة القبلة بينه وبين غيره ولكن لا ترديد فيه من حيث الترتيب ووقوعه بعد الظهر الواقعي بعد فرض الإتيان بمحتملات العصر بعد الفراغ عن تمام محتملات الظهر وهذا بخلاف ما إذا أتى بالظهر إلى جهة ثم أتى بالعصر إلى تلك الجهة وهكذا إلى ساير الجهات فإن كل محتمل حينئذ من محتملات العصر الا الأخير منها كما انه مردد من حيث القبلة فكذلك مردد من حيث الترتيب أي وقوعه بعد الظهر الواقعي إذ المفروض أنه بعد لم يأت بتمام محتملات الظهر ولعل الظهر الواقعي بعد لم يؤت به فهذا العصر واقع قبله (هذا كله) إذا قلنا بوجوب تحصيل العلم التفصيليّ بالامتثال بما هو هو (وأما إذا قلنا) بوجوب تحصيله من جهة أن العلم الإجمالي بالامتثال مما يوجب تكرار الصلاة كما في الثوبين المشتبهين على أربع جهات فلا يجب تحصيل العلم التفصيليّ بالترتيب في المقام إذ العلم الإجمالي فيه مما لا يوجب تكثير المحتملات فإن المحتملات فيه على كل حال ثمانية سواء أتى بمحتملات الظهر أولا ثم بمحتملات العصر أو أتى إلى كل جهة بظهر وعصر (وهذا واضح).

(أقول)

قد عرفت منا في العلم الإجمالي في بحث القطع كفاية العلم الإجمالي بالامتثال وعدم وجوب تحصيل العلم التفصيليّ به مطلقا لا من جهة لزوم التكرار المستلزم للعب يأمر المولى كما ادعى ولا من جهة أخرى (وعليه) فلا مانع في المقام من الإتيان إلى كل جهة بظهر وعصر ليحصل العلم الإجمالي بالترتيب وأن العصر الواقعي قد وقع بعد الظهر الواقعي جزما من دون لزوم الإتيان بتمام محتملات الظهر أولا ثم الإتيان بمحتملات العصر ثانيا ليحصل العلم التفصيليّ في كل محتمل من محتملات العصر بأنه قد وقع بعد الظهر الواقعي فتدبر جيدا.

في الأقل والأكثر الارتباطيين

(قوله المقام الثاني في دوران الأمر بين الأقل والأكثر الارتباطيين إلى آخره)

قد أشرنا في صدر بحث الاشتغال أن الأقل والأكثر الغير الارتباطيين مما لم يعقد لهما الشيخ ولا المصنف بحثا مستقلا يختص بهما وكأنه لوضوح الحكم فيهما إذ العلم الإجمالي مما ينحل إلى العلم التفصيليّ بالأقل والشك البدوي في الأكثر فتجري البراءة عن الأكثر وتقدمت الإشارة إليهما قبل ذلك في التنبيه الثالث من تنبيهات البراءة وعلى كل حال (الواجب الغير الارتباطي) هو ما لم يكن امتثال بعضه مرتبطا بامتثال بعضه الآخر كأداء الدين وقضاء الفوائت وصلة الرحم وإكرام العالم ونحو ذلك مما ينحل الواجب فيه إلى واجبات متعددة غير مرتبطة بعضها ببعض فإذا أتى ببعض وأخل ببعض فقد امتثل وعصى (والحرام الغير الارتباطي) هو ما لم يكن عصيان بعضه مرتبطا بعصيان بعضه الآخر كما في الكذب والغيبة وشرب الخمر وقتل النّفس ونحو ذلك من المحرمات التي ينحل إلى محرمات متعددة غير مرتبطة بعضها ببعض فإذا أتى ببعض وترك بعضا فقد عصى وامتثل (والواجب الارتباطي) هو ما كان امتثال بعضه مرتبطا بامتثال بعضه الآخر بان كان المطلوب فيه هو المجموع من حيث المجموع بحيث إذا أتى بالجميع الا واحدا لم يمتثل أصلا سواء كان أبعاضه أمورا وجودية كما في الصلاة أو عدمية كما في الصيام وفي العرفيات كالأمر بالمركبات والمعاجين أو الأمر بالسكوت ساعة واحدة لغرض مخصوص مثل أن لا يشعر بهم العدوّ لكونه في مكان قريب منهم بحيث لو تكلم آناً ما سمع كلامهم ولم يحصل الغرض أصلا فما كان هذا حاله فهو واجب ارتباطي وإن كان التكليف به في الظاهر بصورة النهي كما إذا قال في المثال الأخير لا تتكلم ساعة

واحدة فإنه واجب ارتباطي غايته أنه مركب من أمور عدمية كما في الصيام لا وجودية كما في الصلاة (والحرام الارتباطي) هو ما كان عصيان بعضه مرتبطا بعصيان بعضه الآخر بان كان المبغوض فيه هو المجموع من حيث المجموع بحيث إذا أتى بالجميع الا واحدا لم يعص سواء كان أبعاضه أمورا وجودية أيضا كما في النهي عن الغناء بناء على كونه هو الصوت المطرب مع الترجيع أو عدمية كما في النهي عن هجر الفراش أربعة أشهر.

(ثم إن) من تمام ما ذكر إلى هنا يظهر لك أمران.

(أحدهما) أن الحرام على ثلاثة أقسام (حرام) مرجعه إلى واجب ارتباطي على نحو كان المطلوب فيه هو مجموع التروك من حيث المجموع بحيث إذا ترك الجميع إلا واحدا لم يمتثل (وحرام) غير ارتباطي ينحل إلى محرمات متعددة (وحرام) ارتباطي على نحو كان المبغوض فيه هو المجموع من حيث المجموع بحيث إذا أتى بالكل الا واحدا لم يعص.

(ثانيهما) أن الواجب الارتباطي كما قد يدور أمره بين الأقل والأكثر كما في الصلاة ونحوها فكذلك الحرام الارتباطي قد يدور أمره بين الأقل والأكثر كما في الغناء إذا دار أمره بنحو الشبهة الحكمية أو الموضوعية بين كونه هو الصوت المطرب مع الترجيع أو بلا ترجيع غير أن في الواجب الارتباطي يكون الأقل معلوم الوجوب وفي الحرام الارتباطي يكون الأكثر معلوم الحرمة (ثم إن الشيخ والمصنف) لم يتعرضا حال الحرام الارتباطي المردد بين الأقل والأكثر كما لم يتعرضا حال الأقل والأكثر الغير الارتباطيين على ما أشير آنفا وكأنه لوضوح الحكم فيه أيضا فإن الأكثر معلوم الحرمة فيجتنب والأقل مشكوك الحرمة فتجري البراءة عنه سواء كانت الشبهة حكمية أو موضوعية (نعم قد أشار) الشيخ إلى الحرام الارتباطي المردد بين الأقل والأكثر مختصرا (قال) بعد الشروع في الشبهة الوجوبية من الاشتغال وتقسيمها إلى المردد بين المتباينين وبين الأقل والأكثر يعني بهما

الارتباطيين (ما لفظه) واعلم انا لم نذكر في الشبهة التحريمية من الشك في المكلف به صور دوران الأمر بين الأقل والأكثر لأن مرجع الدوران بينهما في تلك الشبهة إلى الشك في أصل التكليف لأن الأكثر معلوم الحرمة والشك في حرمة الأقل (انتهى) موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه.

الوجه الأول لوجوب الاحتياط

عقلا وتضعيفه

(قوله والحق ان العلم الإجمالي بثبوت التكليف بينهما أيضا يوجب الاحتياط عقلا بإتيان الأكثر ... إلخ)

هذا هو الوجه الأول لوجوب الاحتياط عقلا في الأقل والأكثر الارتباطيين وهو العلم الإجمالي بالتكليف وعدم انحلاله في نظر المصنف كما ستعرف (ثم إن الشيخ) أعلى الله مقامه قد جعل الشك في الأقل والأكثر الارتباطيين على قسمين.

(الأول) الشك في الجزء.

(الثاني) الشك في القيد.

(اما القسم الثاني) فسيأتي الكلام فيه في التنبيه الأول من تنبيهات المبحث إن شاء الله تعالى.

(واما القسم الأول) فعقد له الشيخ حسب مشيه المتقدم في البراءة وبعدها أربع مسائل فإن منشأ الشك.

(تارة) يكون فقد النص.

(وأخرى) إجمال النص.

(وثالثة) تعارض النصين.

(ورابعة) هو اشتباه الأمور الخارجية فما سوى الأخيرة شبهة حكمية والأخيرة موضوعية (كما ان المصنف) عقد له حسب مشيه المتقدم في البراءة وبعدها مسألة واحدة (والحق) هو عقد مسألتين له لا واحدة ولا أربع مسألة للشبهة الحكمية ومسألة للشبهة الموضوعية وذلك لاختلافهما في الحكم كما ستعرف.

(وعلى كل حال) يظهر من الشيخ أعلى الله مقامه من مجموع كلماته هنا أي في صدر الأقل والأكثر وفي ذيل البراءة النقليّة أي عن الجزء المشكوك أن في الشبهة الحكمية أقوالا ثلاثة.

(القول بالاحتياط) وهو لبعض متأخري المتأخرين.

(والقول بالبراءة) وهو للمشهور من العامة والخاصة ومن المتقدمين والمتأخرين

(والتفصيل) فيجب الاحتياط عقلا لا شرعا فتجري البراءة الشرعية دون العقلية.

(وقد اختار هو أعلى الله مقامه) القول الثاني في المسألة وهو جريان البراءة عقلا ونقلا (قال ما لفظه) وكيف كان فالمختار جريان أصل البراءة لنا على ذلك حكم العقل وما ورد من النقل اما العقل فلاستقلاله بقبح مؤاخذة من كلف بمركب لم يعلم من أجزائه إلا عدة أجزاء ويشك في انه هل هو هذا أوله جزء آخر وهو الشيء الفلاني ثم بذل جهده في طلب الدليل على جزئية ذلك الأمر فلم يقتدر فأتى بما علم وترك المشكوك خصوصا مع اعتراف المولى بأني ما نصبت لك عليه دلالة فإن القائل بوجوب الاحتياط لا ينبغي أن يفرق في وجوبه بين أن يكون الآمر لم ينصب دليلا أو نصب واختفى غايته أن ترك النصب من الآمر قبيح وهذا لا يرفع التكليف عن المكلف (إلى أن قال) وأما الدليل النقلي فهو الاخبار الدالة على البراءة الواضحة سندا ودلالة (إلى ان قال) وقد تقدم أكثر تلك الاخبار في الشك في التكليف التحريمي والوجوبيّ منها قوله عليه‌السلام ما حجب الله علمه عن العباد فهو موضوع عنهم فإن وجوب الجزء المشكوك محجوب علمه عن العباد فهو موضوع

عنهم فدل على أن الجزء المشكوك وجوبه غير واجب على الجاهل كما دل على أن الشيء المشكوك وجوبه النفسيّ غير واجب في الظاهر على الجاهل (ثم قال) ويمكن تقريب الاستدلال بأن وجوب الأكثر مما حجب الله علمه فهو موضوع ولا يعارض بأن وجوب الأقل كذلك لأن العلم بوجوبه المردد بين النفسيّ والغيري غير محجوب فهو غير موضوع (ثم قال) وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رفع عن أمتي ما لا يعلمون فإن وجوب الجزء المشكوك مما لم يعلم فهو مرفوع عن المكلفين أو ان العقاب والمؤاخذة المترتبة على تعمد ترك الجزء المشكوك الّذي هو سبب لترك الكل مرفوع عن الجاهل (قال) إلى غير ذلك من أخبار البراءة الجارية في الشبهة الوجوبية (انتهى) (ثم إنه أعلى الله مقامه) في أثناء البراءة العقلية (قد أورد على نفسه) بما حاصله أن ما تقدم في وجه وجوب الاحتياط في المتباينين من العلم الإجمالي موجود في المقام بعينه فيجب الاحتياط فيه مثل ما يجب في المتباينين (ثم أجاب عنه) بما حاصله أن العلم الإجمالي منحل في المقام إلى العلم التفصيليّ بوجوب الأقل والشك البدوي بوجوب الأكثر فلا يبقى مانع عن البراءة في الأكثر (هذا كله) من أمر الشيخ أعلى الله مقامه.

(واما المصنف) فقد اختار القول الثالث في المسألة وهو التفصيل المتقدم فيجب الاحتياط عقلا لا شرعا (وقد اعتمد) في وجه وجوب الاحتياط عقلا وعدم جريان البراءة العقلية فيها على عدم انحلال العلم الإجمالي بالتكليف لتجري البراءة عن الأكثر (كما انه استند) في وجه عدم الانحلال إلى أمرين.

(أحدهما) ما أشار إليه بقوله لاستلزام الانحلال المحال ... إلخ (وتقريبه) أن وجوب الأقل فعلا على كل حال إما لنفسه أو لغيره مما يتوقف على تنجز التكليف المعلوم بالإجمال مطلقا ولو كان متعلقا بالأكثر إذ لو كان متعلقا بالأكثر ولم يكن منجزا لم يترشح الوجوب الغيري إلى الأقل فلو كان وجوب الأقل فعلا على كل حال مستلزما لعدم تنجز التكليف المعلوم بالإجمال إلّا إذا كان متعلقا

بالأقل دون الأكثر كما هو المدعي كان ذلك خلفا لا محالة (وفيه) ان وجوب الأقل فعلا على كل حال إما لنفسه أو لغيره مما لا يتوقف على تنجز التكليف المعلوم بالإجمال مطلقا ولو كان متعلقا بالأكثر بل يتوقف على مجرد العلم الإجمالي بتكليف مردد بين الأقل والأكثر بمعنى أنه بمجرد أن حصل لنا العلم الإجمالي كذلك يتولد منه العلم التفصيليّ بوجوب الأقل على كل حال إما نفسيا أو غيريا والشك البدوي في وجوب الأكثر فيتنجز الأقل دون الأكثر وهذا واضح.

(ثانيهما) ما أشار إليه بقوله مع انه يلزم من وجوده عدمه ... إلخ (وتقريبه) أن الانحلال يستلزم عدم تنجز التكليف المعلوم بالإجمال على كل حال أي ولو كان متعلقا بالأكثر وعدم تنجزه كذلك يستلزم عدم وجوب الأقل مطلقا أي ولو غيريا وعدم وجوب الأقل مطلقا يستلزم عدم الانحلال فالانحلال يستلزم عدم الانحلال وهو محال (وفيه) ان الانحلال وان كان يستلزم عدم تنجز التكليف المعلوم بالإجمال على كل حال أي ولو كان متعلقا بالأكثر ولكن عدم تنجز التكليف المعلوم بالإجمال كذلك مما لا يستلزم عدم وجوب الأقل مطلقا وذلك لما عرفت من عدم توقف وجوب الأقل مطلقا على تنجز التكليف المعلوم بالإجمال كذلك بل يتوقف على مجرد العلم الإجمالي بتكليف مردد بين الأقل والأكثر كما بينا (وعليه) فلا يلزم من الانحلال عدم الانحلال.

(وبالجملة) الحق في المسألة هو ما اختاره الشيخ أعلى الله مقامه من جريان البراءة العقلية والنقليّة عن الجزء المشكوك وإن شئت قلت عن وجوب الأكثر (اما النقليّة) فلما عرفت شرحه من الشيخ وسيأتي له مزيد توضيح عند تعرض المصنف لها إن شاء الله تعالى (واما العقلية) فيمكن شرح جريانها بعبارة أوضح (فنقول) لا إشكال في أن مجرد أمر الشارع بمركب من المركبات مما لا يصحح العقاب عليه بل لا بد له من بيان أجزائه وشرائطه فما بينه من الاجزاء والشرائط صح له العقاب عليه وما لم يبينه من الاجزاء والشرائط أو بينه ولم يصل إلى المكلف

ولو بعد الفحص بحد اليأس لم يصح له العقاب عليه فإن العقاب بقدر البيان هذا إذا كان المركب أمرا مخترعا من الشارع (واما إذا كان) أمرا عرفيا يعرفه العرف فكذلك حيث ان مجرد الأمر به مما لا يصحح العقاب عليه ما لم يكن من العرف بيان لأجزائه وشرائطه فما كان من الاجزاء والشرائط يعرفه العرف ويبينه للمكلف إذا راجعه صح العقاب عليه وما لم يكن كذلك لم يصح العقاب عليه.

(وبالجملة) إن المركب سواء كان أمرا مخترعا من الشارع كالصلاة أو أمرا عرفيا يعرفه العرف كالمعاجين هو مما لا يصح العقاب عليه بمجرد الأمر به إلا بقدر البيان على أجزائه وشرائطه فما كان عليه بيان من الشرع أو العرف صح العقاب عليه وإلّا فلا وهذا لدى التدبر واضح فتدبر.

(قوله وتوهم انحلاله إلى العلم بوجوب الأقل تفصيلا والشك في وجوب الأكثر بدوا ... إلخ)

يعني بالمتوهم الشيخ وقد عرفت تفصيل كلامه زيد في علو مقامه كما انك قد عرفت ان الانحلال حق لا محيص عنه وأن ما أفاده المصنف في وجه عدم الانحلال ضعيف لا يصار إليه.

(قوله ضرورة لزوم الإتيان بالأقل لنفسه شرعا أو لغيره كذلك أو عقلا ... إلخ)

(أما الترديد) في لزوم الإتيان بالأقل بين كونه نفسيا أو غيريا فواضح فإن التكليف إن تعلق في الواقع بالأقل فهو واجب نفسي وإن تعلق بالأكثر فهو واجب غيري أي مقدمة للأكثر (واما الترديد) على تقدير كون الأقل واجبا غيريا بين كون الغيري شرعيا أو عقليا فهو كذلك واضح إذ على القول بوجوب المقدمة يكون الوجوب الغيري المتعلق بها شرعيا وإلّا فيكون عقليا فإن وجوب المقدمة عقلا مما لا خلاف فيه وانما الخلاف كما تقدم في محله هو في وجوبها شرعا للملازمة مضافا إلى حكم العقل بلزوم الإتيان بالمقدمة.

(قوله أو مصلحة أقوى من مصلحة الأقل ... إلخ)

وكانت الأقوائية بحد الإلزام لا بحد الاستحباب وإلا لم يكن من دوران الواجب بين الأقل والأكثر كما لا يخفى.

الوجه الثاني لوجوب الاحتياط

عقلا وتضعيفه

(قوله هذا مع ان الغرض الداعي إلى الأمر لا يكاد يحرز إلا بالأكثر بناء على ما ذهب إليه المشهور من العدلية من تبعية الأوامر والنواهي للمصالح والمفاسد في المأمور بها والمنهي عنها ... إلخ)

هذا هو الوجه الثاني لوجوب الاحتياط عقلا في الأقل والأكثر الارتباطيين وهو مأخوذ من كلام الشيخ أعلى الله مقامه (قال) بعد الفراغ عن تقريب البراءة العقلية (ما لفظه) نعم قد يأمر المولى بمركب يعلم أن المقصود منه تحصيل عنوان يشك في حصوله إذا أتى بذلك المركب بدون ذلك الجزء المشكوك كما إذا أمر بمعجون وعلم أن المقصود منه إسهال الصفراء بحيث كان هو المأمور به في الحقيقة أو علم انه الغرض المأمور به فإن تحصيل العلم بإتيان المأمور به لازم كما سيجيء في المسألة الرابعة (ثم قال) فإن قلت إن الأوامر للشرعية كلها من هذا القبيل لابتنائها على مصالح في المأمور به فالمصلحة فيها إما من قبيل العنوان في المأمور به أو من قبيل الغرض (انتهى) موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه (ومحصله) مع الاضطراب في العبارة أن المصلحة إما من قبيل العنوان الّذي تعلق به الأمر ويكون الاجزاء والشرائط مما يحققه ويحصّله كعنوان الطهارة التي يحصلها الوضوء أي الغسلات والمسحات فحينئذ مهما شك في جزء أو شرط فهو من قبيل الشك في المحصل الّذي يجب فيه الاحتياط

على ما اختاره الشيخ في المسألة الرابعة من مسائل الأقل والأكثر وإن كان التحقيق خلافه كما سيأتي أو من قبيل الغرض المترتب على المأمور به فيجب علينا العلم بحصوله وتحققه خارجا (والفرق) بين العنوان والغرض كما أشرنا أن العنوان مما يتعلق به الأمر في لسان الدليل فيجب المحصل له مقدميا والغرض مما لا يتعلق به الأمر في لسان الدليل فيكون من الخواصّ المترتبة على الواجب النفسيّ.

(أقول) والحق ان المصلحة في المقام ليست هي من قبيل العنوان كالطهارة ونحوها إذ لم يتعلق بها الأمر في لسان الدليل ليكون الشك في الجزء أو الشرط من قبيل الشك في المحصل بل هي من الأغراض الداعية إلى الأمر كما يظهر من المصنف والعلم بحصول غرض المولى وإن كان واجبا عقلا لكن إذا علم ان الغرض بما ذا يحصل كما في الشبهات الموضوعية للأقل والأكثر ففيها نلتزم بالاحتياط كما سيأتي واما إذا لم يعلم ان الغرض بما ذا يحصل كما في الشبهات الحكمية وانه هل هو يحصل بالأقل أو بالأكثر فلا وجه للحكم بوجوب العلم بحصوله وتحققه خارجا فإن الأمر قد تعلق في لسان الدليل بالاجزاء والشرائط فما علم به يؤتي به وما شك فيه تجري البراءة عنه عقلا ونقلا بالتقريب المتقدم آنفا فإن كان الغرض حاصلا بما أتى به من الاجزاء والشرائط فهو وإلا فلا حجة للمولى في فوته بمقتضى البراءة العقلية والشرعية الجاريتين عن الجزء أو الشرط المشكوك فتدبر جيدا.

(قوله وقد مر اعتبار موافقة الغرض وحصوله عقلا في إطاعة الأمر وسقوطه فلا بدّ من إحرازه في إحرازها ... إلخ)

(وفيه) (أولا) إن الّذي مر في التعبدي والتوصلي هو العكس أي اعتبار قصد الطاعة في حصول الغرض (حيث قال) فإن الغرض منه لا يكاد يحصل بذلك بل لا بد في سقوطه وحصول غرضه من الإتيان به متقربا به منه تعالى (انتهى) (وبعبارة أخرى) يجب في التعبديات قصد الطاعة ليحصل الغرض لا انه يجب فيها موافقة الغرض ليحصل الطاعة.

(وثانيا) إن إحراز الغرض إنما يجب إذا علم انه بما ذا يحصل كما في الشبهات الموضوعية للأقل والأكثر وأما إذا لم يعلم انه بما ذا يحصل كما في الشبهات الحكمية وأنه هل هو يحصل بالأقل أو بالأكثر فلا وجه للحكم بوجوب إحرازه بل ما علم من الواجب يؤتي به وهو الأقل وما شك فيه تجري البراءة عنه وهو الأكثر فإن كان الغرض حاصلا بالأقل فهو وإلّا فلا حجة للمولى في عدم حصوله بعد عدم البيان على الأكثر.

(قوله ولا وجه للتفصي عنه تارة بعدم ابتناء مسألة البراءة والاحتياط على ما ذهب إليه مشهور العدلية وجريانها على ما ذهب إليه الأشاعرة المنكرين لذلك أو بعض العدلية المكتفين بكون المصلحة في نفس الأمر دون المأمور به وأخرى بأن حصول المصلحة واللطف ... إلخ)

هذان التفصيان عن الوجه الثاني للاحتياط من الشيخ أعلى الله مقامه قد لخصها المصنف في الكتاب (قال الشيخ) بعد قوله المتقدم فإن قلت إن الأوامر الشرعية كلها من هذا القبيل لابتنائها على مصالح في المأمور به ... إلخ (ما هذا لفظه) قلت (أولا) مسألة البراءة والاحتياط غير مبتنية على كون كل واجب فيه مصلحة وهو لطف في غيره فنحن نتكلم فيها على مذهب الأشاعرة المنكرين للحسن والقبح أو مذهب بعض العدلية المكتفين بوجود المصلحة في الأمر وإن لم يكن في المأمور به.

(وثانيا) إن نفس الفعل من حيث هو ليس لطفا ولذا لو أتى به لا على وجه الامتثال لم يصح ولم يترتب عليه لطف ولا أثر آخر من آثار العبادة الصحيحة بل اللطف إنما هو في الإتيان به على وجه الامتثال وحينئذ فيحتمل أن يكون اللطف منحصرا في امتثاله التفصيليّ مع معرفة وجه الفعل ليوقع الفعل على وجهه فإن من صرح من العدلية بكون العبادات السمعية إنما وجبت لكونها ألطافا في الواجبات العقلية قد صرح بوجوب إيقاع الواجب على وجهه ووجوب اقترانه به وهذا

متعذر فيما نحن فيه لأن الآتي بالأكثر لا يعلم أنه الواجب أو الأقل المتحقق في ضمنه ولذا صرح بعضهم كالعلامة ويظهر من آخر منهم وجوب تميز الاجزاء الواجبة من المستحبات ليوقع كلا على وجهه (قال) وبالجملة فحصول اللطف بالفعل المأتي به من الجاهل فيما نحن فيه غير معلوم بل ظاهرهم عدمه فلم يبق عليه الا التخلص من تبعة مخالفة الأمر الموجّه إليه فإن هذا واجب عقلي في مقام الإطاعة والمعصية ولا دخل له بمسألة اللطف بل هو جار على فرض عدم اللطف وعدم المصلحة في المأمور به رأسا وهذا التخلص يحصل بالإتيان بما يعلم ان مع تركه يستحق العقاب والمؤاخذة واما الزائد فيقبح المؤاخذة عليه مع عدم البيان (انتهى).

(أقول)

(اما التفصي الأول) فواضح لا يحتاج إلى التفسير.

(واما التفصي الثاني) فمحصله أن نفس الفعل يعني العبادي من حيث هو ليس فيه مصلحة ولذا لو أتى به لا على وجه الامتثال لم يصح ولم يترتب عليه مصلحة وحينئذ فمن المحتمل أن تكون المصلحة منحصرة بما إذا أتى بالفعل مع التمييز وقصد الوجه وهذا متعذر فيما نحن فيه لأن الآتي بالأكثر لا يعلم انه الواجب أو الأقل المتحقق في ضمنه (وعليه) فلا يبقى في عهدة المكلف سوى التخلص من العقاب وهو يحصل بإتيان ما علم وجوبه وهو الأقل واما الأكثر فيقبح العقاب عليه مع عدم البيان كما لا يخفى.

(قوله وذلك ضرورة أن حكم العقل بالبراءة على مذهب الأشعري لا يجدى من ذهب إلى ما عليه المشهور من العدلية ... إلخ)

هذا جواب عن التفصي الأول للشيخ أعلى الله مقامه ونعم ما أجاب به ولكن مجرد ضعف التفصي الأول بل والتفصي الثاني أيضا كما سيأتي مما لا يصحح الوجه الثاني للاحتياط وذلك لما عرفت منا ما هو التحقيق في التفصي عنه فلا نعيد.

(قوله بل من ذهب إلى ما عليه غير المشهور ... إلخ)

وجه الإضراب أن بعض العدلية المكتفي بكون المصلحة في نفس الأمر دون المأمور به وهو المعني بقوله من ذهب إلى ما عليه غير المشهور يحتمل وجود المصلحة في المأمور به أيضا غايته انه يجوّز وجودها وتحققها في الأمر خاصة (وعليه) فكما ان حكم العقل بالبراءة على مذهب الأشعري لا يجدي من ذهب إلى ما عليه المشهور من العدلية من تبعية الأوامر والنواهي للمصالح والمفاسد إذ لا يحصل له القطع بتحقق المصلحة إلّا بالإتيان بالأكثر فكذلك لا يجدي من ذهب إلى ما عليه غير المشهور أيضا وذلك لتجويزه وجود المصلحة في المأمور به فلا يحصل له القطع أيضا بتحققها إلّا بالإتيان بالأكثر.

(قوله فافهم ... إلخ)

ولعله إشارة إلى احتمال أن من ذهب إلى ما عليه غير المشهور لا يقول بالمصلحة إلا في الأمر فقط من غير أن يحتملها في المأمور به (وعليه) فكما ان العقل يحكم بالبراءة على مذهب الأشعري المنكر للمصلحة والغرض فكذلك يحكم على مذهب بعض العدلية القائل بوجود المصلحة في الأمر دون المأمور به.

(قوله وحصول اللطف والمصلحة في العبادة وان كان يتوقف على الإتيان بها على وجه الامتثال إلا انه لا مجال لاحتمال اعتبار معرفة الاجزاء وإتيانها على وجهها ... إلخ)

هذا جواب عن التفصي الثاني للشيخ أعلى الله مقامه (ومحصله) ان حصول المصلحة من الفعل وإن كان يتوقف على الإتيان به على وجه الامتثال ولكن لا وجه لاحتمال اعتبار تميز الاجزاء والإتيان بكل منها على وجهه كي لا يحصل معه القطع بحصول المصلحة فيما نحن فيه ولا يبقى في عهدة المكلف سوى التخلص عن تبعة مخالفة التكليف وهو يحصل بإتيان ما علم وجوبه أي الأقل.

وظاهر المصنف في المقام تسليم تعذر قصد الوجه كما يتعذر التمييز (وهو كما ترى)

وذلك لما تقدم مشروحا في العلم الإجمالي في ذيل الموافقة الإجمالية من عدم الإخلال في الأقل والأكثر ولا في المتباينين بقصد الوجه كما لا إخلال فيهما بقصد القربة وإنما المتعذر فيهما خصوص التمييز فقط وانه إذا أتى بالجزء المشكوك في الأقل والأكثر أو بكل من طرفي العلم الإجمالي في المتباينين برجاء وجوبه الواقعي فقد أتى به بقصد القربة والوجه جميعا بمعنى انه إذا كان واجبا واقعا فقد وقع متقربا به وعلى وجهه (وعليه) فضعف التفصي الثاني يكون من جهتين.

(الأولى) انه لا وجه لاحتمال اعتبار معرفة الاجزاء والإتيان بكل منها على وجهه كما أفاد المصنف.

(الثانية) انه على تقدير احتمال اعتبارهما لا يتعذر قصد الوجه في المقام وإن تعذر التمييز بلا كلام.

(قوله هذا مع وضوح بطلان احتمال اعتبار قصد الوجه كذلك إلى آخره)

مقصوده من قصد الوجه كذلك هو الإتيان بأجزاء الواجب على وجهها وهذا جواب ثاني عن التفصي الثاني.

(ففي الجواب الأول) منع عن احتمال اعتبار معرفة الاجزاء والإتيان بكل منها على وجهه (وفي هذا الجواب) يدعي وضوح بطلان الأخير أي اعتبار الإتيان بكل جزء على وجهه بمعنى أن مراد من صرح بوجوب إيقاع الواجب على وجهه هو وجه نفسه لا وجه أجزائه من وجوبها الغيري أو العرضي يعني به الضمني فإن الكل إذا وجب استقلالا فقد وجب كل جزء منه ضمنا (ومن المعلوم) ان إتيان الواجب فيما نحن

فيه مقترنا بوجه نفسه (إما غاية) بأن ينوي الإتيان بالصلاة مثلا لوجوبها (أو وصفا) بأن ينوي الإتيان بالصلاة الواجبة في الشريعة لله تعالى (في كمال الإمكان) فيأتي بالأكثر فينطبق الواجب عليه ولو كان هو الأقل فيتأتى من المكلف مع إتيان الأكثر قصد الوجه (وفيه ما لا يخفى) إذ من المحتمل قويا أن

يكون مراد من صرح بوجوب إيقاع الواجب على وجهه هو وجه أجزائه ولذا صرح بعضهم كالعلامة ويظهر من آخر منهم على ما تقدم في العبارة السابقة للشيخ أعلى الله مقامه وجوب تميز الأجزاء الواجبة من المستحبات ليوقع كلا على وجهه.

(قوله واحتمال اشتماله على ما ليس من أجزائه ليس بضائر إذا قصد وجوب المأتي على إجماله ... إلخ) دفع لما قد يتوهم من ان إتيان الواجب فيما نحن فيه مقترنا بوجه نفسه بإتيان الأكثر ليس بممكن لما في الأكثر من احتمال اشتماله على ما ليس من أجزائه (فيقول) وهذا الاحتمال ليس بضائر إذا قصد وجوب المأتي على إجماله من دون تمييز ما له دخل في الواجب عما ليس له دخل فيه.

(قوله لا سيما إذا دار الزائد بين كونه جزء لماهيته وجزء لفرده إلى آخره) وقد مثلنا لجزء الفرد في الأمر الثالث من الأمور المتقدمة في ذيل الصحيح والأعم بالاستعاذة ونحوها من الأمور المستحبة التي يتشخص بها المأمور به ويصدق عليها عنوان الصلاة من غير دخل لها في ماهيتها وحقيقتها (وقد أشار) إليه المصنف هناك بقوله وثالثة بأن يكون مما يتشخص به المأمور به بحيث يصدق على التشخص به عنوانه ... إلخ.

(قوله نعم لو دار بين كونه جزء أو مقارنا ... إلخ)

بمعنى أنه دار أمر المشكوك بين كونه جزء أو أجنبيا.

(قوله هذا مضافا إلى ان اعتبار قصد الوجه من رأس مما يقطع بخلافه إلى آخره)

هذا جواب ثالث عن التفصي الثاني.

(ففي الجواب الأول) منع عن احتمال اعتبار معرفة الاجزاء والإتيان بكل منها على وجهه.

(وفي الجواب الثاني) قد ادعى وضوح بطلان الأخير أي اعتبار الإتيان بكل جزء على وجهه (وفي هذا الجواب) منع عن أصل اعتبار قصد الوجه في العبادات مطلقا سواء كان وجه الواجب بنفسه أو وجه أجزائه وأبعاضه.

(قوله مع أن الكلام في هذه المسألة لا يختص بما لا بد ان يؤتى به على وجه الامتثال من العبادات ... إلخ)

هذا جواب رابع عن التفصي الثاني (وحاصله) ان الكلام في الأقل والأكثر الارتباطيين مما لا ينحصر بما يعتبر فيه قصد القربة أي بالعبادات كالصلاة ونحوها كي يحتمل فيه اعتبار الوجه والتمييز فلا يحصل معه القطع بحصول المصلحة واللطف فلا يبقى في عهدة المكلف سوى التخلص عن تبعة مخالفة التكليف وهو يحصل بإتيان ما علم وجوبه أي الأقل بل يجري في كل أمر ارتباطي قد دار أمره بين الأقل والأكثر وان كان من التوصليات (فإذا أمر المولى) مثلا بمعجون لم يعلم انه مركب من تسعة أجزاء أو من عشرة جرى فيه النزاع المذكور من البراءة والاشتغال من غير أن يحتمل فيه اعتبار قصد القربة أو الوجه أو التمييز كي لا يحصل معه القطع بحصول المصلحة والغرض وهذا واضح.

(قوله مع أنه لو قيل باعتبار قصد الوجه في الامتثال فيها على وجه ينافيه التردد والاحتمال ... إلخ)

هذا جواب خامس عن التفصي الثاني (وحاصله) انه لو قلنا باعتبار قصد الوجه في العبادات على النحو الّذي ينافيه التردد بين الأقل والأكثر أي قلنا باعتبار قصد وجه اجزاء الواجب لا وجه نفسه فحينئذ إن فرضنا انه لا يحصل الغرض بعد هذا أبدا فلا وجه لمراعاة التكليف المعلوم بالإجمال أصلا ولو بإتيان الأقل وأما إذا فرضنا انه يحصل نظرا إلى عدم دخل الوجه مع التعذر للتردد فلا بدّ من الإتيان بالأكثر ليحصل معه القطع بحصوله وذلك لجواز ان لا يحصل بالأقل.

(قوله فافهم ... إلخ)

ولعله إشارة إلى أن الشيخ أعلى الله مقامه في تفصيه الثاني لم يقل باعتبار قصد الوجه والتمييز على وجه الجزم واليقين كي لا يحصل معه الغرض أبدا ولا يبقى مجال لمراعاة التكليف المعلوم بالإجمال أصلا ولو بإتيان الأقل بل قال باحتماله (حيث قال) فيحتمل ان يكون اللطف منحصرا في امتثاله التفصيليّ مع معرفة وجه الفعل ... إلخ ومن المعلوم ان مع احتمال اعتباره لا يقطع بعدم حصول الغرض فيبقى مجال لمراعاة التكليف المعلوم بالإجمال ولو بإتيان الأقل تخلصا من تبعة مخالفة الأمر الموجّه إليه كما صرح به الشيخ في عبارته المتقدمة فتدبر جيدا.

في عدم وجوب الاحتياط شرعا

(قوله هذا بحسب حكم العقل واما النقل فالظاهر ان عموم مثل حديث الرفع قاض برفع جزئية ما شك في جزئيته ... إلخ)

أي تمام ما تقدم من أول البحث إلى هنا من وجوب الاحتياط فيما نحن فيه بإتيان الأكثر إنما هو بحسب الحكم العقل (واما النقل) فهو يقتضي برفع جزئية ما شك في جزئيته (وبعبارة أخرى) إن جميع ما تقدم من أول البحث إلى هنا كان بيانا لعدم جريان البراءة العقلية واما البراءة النقليّة فهي تجري عن جزئية ما شك في جزئيته وقد أشرنا فيما تقدم أن المصنف قد اختار التفصيل بين البراءة العقلية فلا تجري والبراءة الشرعية فتجري فهذا هو الجزء الأخير من تفصيله.

(أقول)

إن مقتضي ما تقدم منه في صدر البحث من عدم انحلال العلم الإجمالي هو أن لا تجري في المسألة شيء من البراءة العقلية والنقليّة أصلا فإن العلم الإجمالي إذا لم ينحل فحاله حال العلم الإجمالي في المتباينين عينا فكما قال هناك إن ما دل بعمومه على الرفع مما يعم

أطراف العلم يكون مخصصا عقلا لأجل مناقضته مع التكليف المعلوم بالإجمال الفعلي من تمام الجهات فكذلك في المقام إذا فرض المعلوم بالإجمال فعليا من تمام الجهات (ولعل من هنا) قد رجع عن هذا التفصيل في تعليقته على الكتاب (قال) عند التعليق على قوله واما النقل (ما لفظه) لكنه لا يخفى انه لا مجال للنقل فيما هو مورد حكم العقل بالاحتياط وهو ما إذا علم إجمالا بالتكليف الفعلي ضرورة انه ينافيه رفع الجزئية المجهولة وانما يكون مورده ما إذا لم يعلم به بل علم مجرد ثبوته واقعا يعني ولو لم يكن فعليا (قال) وبالجملة الشك في الجزئية أو الشرطية وان كان جامعا بين الموردين إلّا ان مورد حكم العقل يعني بالاحتياط مع القطع بالفعلية ومورد النقل هو مجرد الخطاب بالإيجاب (انتهى).

(وكيف كان) الأمر الحق في المقام كما تقدم منا قبلا هو جريان البراءة النقليّة كما تجري العقلية عينا وهو القول الثاني في المسألة الّذي اختاره الشيخ أعلى الله مقامه فإن العلم الإجمالي بالتكليف المردد بين الأقل والأكثر بعد ما عرفت انحلاله بالتقريب المتقدم لا يكاد يكون مانعا عن جريان البراءة أصلا فتجري البراءة العقلية ومعها يقبح المؤاخذة على الأكثر وتجري البراءة الشرعية وبها يرتفع الإجمال والتردد عما تردد أمره بين الأقل والأكثر وتعيّنه في الأول كما أفاد المصنف في الكتاب فتكون أدلة البراءة الشرعية حاكمة على أدلة الصلاة إذا فرض كونها مجملة مرددة بين الأقل والأكثر رافعة لإجمالها معينة لها ولو بحسب الظاهر في الأقل بل بالبراءة العقلية أيضا يرتفع الإجمال والتردد بحسب الظاهر ويتعين الواجب في الأقل فإن العقلية وان كانت ترفع خصوص العقاب ولكن رفع العقاب هو رفع مرتبة من الحكم وهي مرتبة التنجز والبراءة الشرعية مما لا ترفع أزيد من ذلك فإنها لا ترفع الحكم من أصله بل يرفعه في الظاهر برفع تنجزه بل الشيخ أيضا قد أشار إلى رفع الإجمال والترديد بكل من البراءة العقلية والنقليّة جميعا (قال) في المسألة الرابعة من الأقل والأكثر الارتباطيين وهي الشبهة الموضوعية لهما (ما لفظه) والفارق بين

ما نحن فيه وبين الشبهة الحكمية من المسائل المتقدمة التي حكمنا فيها بالبراءة هو أن نفس التكليف فيها مردد بين اختصاصه بالمعلوم وجوبه تفصيلا وبين تعلقه بالمشكوك وهذا الترديد لا حكم له بمقتضى العقل لأن مرجعه إلى المؤاخذة على ترك المشكوك وهي قبيحة بحكم العقل فالعقل والنقل الدالان على البراءة مبينان لتعلق التكليف بما عداه من أول الأمر في مرحلة الظاهر (انتهى).

في وجه عدول المصنف عن البراءة عن

الحكم التكليفي إلى الوضعي

(ثم ان هاهنا) أموراً لا بأس بالتنبيه عليها.

(الأول) انه من المحتمل أن يكون وجه عدول المصنف عن البراءة عن الحكم التكليفي وهو وجوب الأكثر أو وجوب الجزء المشكوك إلى البراءة عن الحكم الوضعي وهو جزئية ما شك في جزئيته (هو ما توهمه) بعض معاصري الشيخ أعلى الله مقامه من حكومة أصالة الاشتغال على أخبار البراءة من حديث الحجب وغيره فعدل عن الاستدلال بها لنفي الحكم التكليفي إلى الاستدلال بها لنفي الحكم الوضعي (قال الشيخ) أعلى الله مقامه بعد الفراغ عن تقريب البراءة النقليّة (ما لفظه) ثم انه لو فرضنا عدم تمامية الدليل العقلي المتقدم يعني به البراءة العقلية بل كون العقل حاكما بوجوب الاحتياط ومراعاة حال العلم الإجمالي بالتكليف المردد بين الأقل والأكثر كانت هذه الاخبار كافية في المطلب حاكمة على ذلك الدليل العقلي لأن الشارع أخبر بنفي العقاب على ترك الأكثر لو كان واجبا في الواقع فلا يقتضي العقل وجوبه من باب الاحتياط الراجع إلى وجوب دفع العقاب المحتمل (قال) وقد توهم بعض المعاصرين عكس ذلك وحكومة أدلة الاحتياط على هذه الاخبار فقال لا نسلم

حجب العلم في المقام بوجود الدليل في المقام وهي أصالة الاشتغال في الأجزاء والشرائط المشكوكة (ثم ذكر باقي) كلام هذا المعاصر وحكى انه هو صاحب الفصول (إلى ان قال) وبالجملة فما ذكره من حكومة دالة الاشتغال على هذه الاخبار ضعيف جدا نظرا إلى ما تقدم (ثم قال) وأضعف من ذلك انه رحمه‌الله عدل من أجل هذه الحكومة التي زعمها لأدلة الاحتياط على هذه الاخبار عن الاستدلال بها لمذهب المشهور من حيث نفي الحكم التكليفي إلى التمسك بها في نفي الحكم الوضعي أعني جزئية الشيء المشكوك أو شرطيته وزعم أن ماهية المأمور به تتبين ظاهرا كونها الأقل بضميمة نفي جزئية المشكوك ويحكم بذلك على أصالة الاشتغال (انتهى).

(أقول)

ويؤيد ما احتملناه في وجه عدول المصنف انه صرح في تعليقته على الرسائل عند التعليق على قول الشيخ ومما ذكرنا يظهر حكومة هذه الاخبار ... إلخ بتقدم أصالة الاشتغال على البراءة العقلية والنقليّة جميعا وإن لم يصرح بالحكومة بل صرح بالورود دون الحكومة فراجع.

في جريان البراءة عن الجزء المشكوك وعن

جزئية الجزء المشكوك كما تجري عن الأكثر

(الأمر الثاني) انه كما تقدم منا تبعا للشيخ أعلى الله مقامه انه لا مانع عن جريان البراءة عقليها ونقليها عن وجوب الأكثر فكذلك لا مانع عن جريانها عن وجوب الجزء المشكوك غير أن الأول على تقدير ثبوته وجوب نفسي استقلالي والثاني وجوب نفسي ضمني (وإن شئت قلت) وجوب غيري مقدمي لما عرفت

في مقدمة الواجب من صحة اتصاف الجزء بوجوبين الغيري المقدمي والنفسيّ الضمني جميعا (وقد صرح الشيخ) في ذيل تقريب البراءة العقلية والنقليّة بالبراءة عن وجوب الأكثر وبالبراءة عن وجوب الجزء المشكوك (واما البراءة عن الحكم الوضعي) أي جزئية الجزء المشكوك فيظهر من الشيخ المنع عنها وإن كان كلامه أعلى الله مقامه في خصوص البراءة النقليّة (قال) بعد الفراغ عن كلام ذلك البعض المعاصر الّذي عدل عن البراءة عن الحكم التكليفي إلى الوضعي (ما لفظه) اما ما ادعاه من عموم تلك الاخبار يعني بها اخبار البراءة لنفي غير الحكم الإلزاميّ التكليفي فلو لا عدوله عنه في باب البراءة والاحتياط من الأدلة العقلية لذكرنا بعض ما فيه من منع العموم أولا ومنع كون الجزئية أمرا مجعولا شرعيا غير الحكم التكليفي وهو إيجاب المركب المشتمل على ذلك الجزء ثانيا (انتهى) ومرجعه إلى إيرادين فقط.

(أحدهما) منع عموم أخبار البراءة للحكم الوضعي.

(وثانيهما) منع كون الجزئية أمرا مجعولا شرعيا قابلا للرفع غير الحكم التكليفي المتعلق بالكل.

(أقول)

(اما منع عموم) أخبار البراءة للحكم الوضعي (ففيه ما عرفت) في ذيل حديث الرفع من عموم الموصول فيما لا يعلمون وشموله لكل من التكليفي والوضعي جميعا من غير أن يكون مربوطا بالنزاع المعروف من أن المرفوع بحديث الرفع هل هو جميع الآثار أو الأثر الظاهر أو خصوص المؤاخذة فإن النزاع المذكور انما هو في خصوص الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه وما اضطروا إليه وما لا يطيقون بل والفعل الغير المعلوم لا في غيره.

(وبالجملة) بناء على إرادة العموم من الموصول فيما لا يعلمون وشموله لكل من الحكم والفعل المجهول جميعا لا وجه لاختصاص الحكم فيه بالتكليفي فقط دون الوضعي (واما منع كون الجزئية) أمرا مجعولا قابلا للرفع فسيأتي الجواب

عنه عند تعرض المصنف له بقوله لا يقال إن جزئية السورة المجهولة مثلا ليست بمجعولة ... إلخ (هذا كله) حال البراءة عن الأمور الثلاثة أي وجوب الأكثر ووجوب الجزء المشكوك وجزئية الأمر المشكوك (وأما استصحاب) عدم هذه الأمور الثلاثة فالظاهر انه لا إشكال فيه أيضا بناء على ما تقدم منا بعد الفراغ عن أدلة البراءة من جواز التمسك باستصحاب عدم الحكم الشرعي في الشبهات الحكمية بل وهو حاكم أو وارد على البراءة وهي محكومة له دائما وإن كان أصل البراءة أصلا مستقلا في حد ذاته مع قطع النّظر عن الاستصحاب وملاحظة الحالة السابقة بحيث لو لم يكن لنا استصحاب أو كان ولم يجر كما فيما إذا تبادل الحالتان بأن علم مثلا انه كان واجبا في زمان وكان مباحا في زمان ولم يعلم السابق من اللاحق لجري أصل البراءة بلا مانع عنه (وقد أشار الشيخ) أعلى الله مقامه إلى استصحاب عدم هذه الأمور الثلاثة ولكن ضعّفه بما لا يخلو عن ضعف (وان شئت) الوقوف على عين كلامه والاطلاع على نقضه وإبرامه فراجع أواخر المسألة الأولى من الأقل والأكثر

في الوجوه التي قد يتمسك بها لوجوب

الاحتياط عقلا غير ما تقدم وتضعيفها

(الأمر الثالث) أنه تقدم من أول البحث إلى هنا وجهان للاحتياط عقلا.

(أحدهما) ما تمسك به المصنف في صدر البحث من عدم انحلال العلم الإجمالي بالتكليف المردد بين الأقل والأكثر وقد عرفت ما فيه.

(ثانيهما) ما تمسك به المصنف أيضا من أن الغرض الداعي إلى الأمر لا يكاد يحرز إلّا بالأكثر وقد عرفت ما فيه أيضا (وهاهنا وجوه أخر) غير الوجهين قد يتمسك بها للاحتياط عقلا.

(منها) أن عنوان الصلاة هو عنوان بسيط والأجزاء والشرائط مما تحققه ويحصّله فإذا وقع الشك في جزء أو شرط فالشك واقع في المحقق والمحصل وفي مثله لا محيص عن الاشتغال (وقد تقدم هذا الوجه) في الصحيح والأعم عند تصوير القدر الجامع الصحيحي من صاحب التقريرات (وتقدم جواب المصنف عنه) وكان محصله أن العنوان البسيط متحد خارجا مع الأجزاء والشرائط المختلفة كما وكيفا بحسب الحالات وفي مثله تجري البراءة بالتقريب الّذي ذكرنا هناك وليس أمرا مباينا معهما خارجا كي يكون الشك شكا في المحقق والمحصل ولم يبق معه محيص عن الاشتغال كما في الطهارة بالنسبة إلى الوضوء أي الغسلات والمسحات المحصلة لها (مضافا) إلى ما تقدم منا وسيأتي شرحه قريبا من عدم وجوب الاحتياط حتى في الشك في المحصل بل تجري البراءة فيه كما تجري في الأقل والأكثر عينا.

(ومنها) ان الأمر متعلق بماهية الصلاة والماهية على الصحيح هي تمام الاجزاء والشرائط فإذا شك في جزء أو شرط فقد شك في حصول الماهية بدونه فلا تحصل البراءة اليقينية عنها إلّا بإتيان المشكوك (ومن هنا جعل المحقق القمي) ثمرة الصحيح والأعم جواز الرجوع إلى البراءة وعدمه عند الشك في جزء أو شرط فإن قلنا بالصحيح فلا محيص عن الاشتغال للشك في صدق الماهية بدون الإتيان بالمشكوك وإن قلنا بالأعم فلا مانع عن البراءة إن لم يكن المشكوك مما له دخل في المسمى والماهية وقد نقلنا عبارته هناك وأشرنا إلى جوابه مختصرا (وتفصيل الجواب) أن أصل الاشتغال أصل مسببي والبراءة عن الجزء أو الشرط المشكوك أصل سببي إذ الشك في الاشتغال ناش عن الشك في الجزء أو الشرط فإذا أجرينا البراءة العقلية والنقليّة عن المشكوك بالتقريب المتقدم لك شرحه وارتفع بها وجوبه ولو في الظاهر وتعين الواجب في الأقل فلا يكاد يبقى شك في اشتغال الذّمّة بعد الإتيان بالأقل أصلا فالبراءة واردة على الاشتغال رافعة لموضوعه وهو الشك رفعا ظاهريا لا واقعيا (ومن تمام ما ذكر) يظهر لك حال ما إذا تمسك للاحتياط في المقام باستصحاب

الاشتغال فإنه مضافا إلى أنه مما لا يثبت وجوب الجزء أو الشرط المشكوك منفي موضوعه وهو الشك بوسيلة البراءة الجارية عن المشكوك عقليها ونقليها فإن البراءة سببي واستصحاب الاشتغال مسببي (وقد أشار الشيخ) أعلى الله مقامه إلى تقدم البراءة على كل من الاشتغال واستصحاب الاشتغال جميعا وانها حاكمة عليهما بلا كلام (اما على الاشتغال) فقد تقدم عبارته في الأمر الأول وكان ملخصه حكومة أدلة البراءة النقليّة على أصل الاشتغال (واما على استصحاب الاشتغال) (فقال) في ذيل النقض والإبرام حول كلام ذلك البعض المعاصر الّذي توهم حكومة أصالة الاشتغال على اخبار البراءة (ما لفظه) ومما ذكر يظهر حكومة هذه الاخبار على استصحاب الاشتغال على تقدير القول بالأصل المثبت أيضا كما أشرنا إليه سابقا لأنه إذا أخبر الشارع بعدم المؤاخذة على ترك الأكثر الّذي حجب العلم بوجوبه كان المستصحب وهو الاشتغال المعلوم سابقا غير متيقن إلّا بالنسبة إلى الأقل وقد ارتفع بإتيانه واحتمال بقاء الاشتغال حينئذ من جهة الأكثر يلغي بحكم هذه الاخبار وفي بعض النسخ منفي بحكم هذه الاخبار (انتهى).

(أقول)

ولو عبر عن الحكومة في الموضعين بالورود كان أولى فإن الحكومة كما سيأتي التصريح منه هي تحتاج إلى نظر الحاكم إلى المحكوم ولا نظر لأخبار البراءة إلى استصحاب الاشتغال أو إلى أصل الاشتغال وإنما هي واردة عليهما رافعة لموضوعهما وهو الشك ولو تعبدا أي رفعا ظاهريا لا واقعيا.

(نعم) إن أخبار البراءة كما أشرنا هي حاكمة على أدلة مثل الصلاة إذا فرض ترددها بين الأقل والأكثر رافعة لإجمالها معينة لها في الأقل غير أن الأمر في الحكومة والورود سهل جدا.

(ومنها) أن الواجب الارتباطي كما تقدم في صدر البحث هو عبارة عما كان امتثال بعضه مرتبطا بامتثال بعضه الآخر بحيث إذا أتى بالجميع إلا جزءاً واحدا لم

يمتثل أصلا (وعليه) فإذا شك في وجوب جزء أو شرط فالبراءة هب أنها جارية عن وجوبه ولكن الاجزاء والشرائط المعلومة مما لا تحصل البراءة اليقينية منها إلّا بإتيان المشكوك فالإتيان بالمشكوك ليس لأجل عدم جريان البراءة عن وجوبه بل لأجل حصول اليقين بفراغ الذّمّة عن الاجزاء والشرائط المعلومة التي يحتمل ارتباط امتثالها بامتثال المشكوك (وفيه).

(أولا) ما أشير آنفا في ذيل تقريب البراءة النقليّة من ان البراءة سواء كانت شرعية أو عقلية إذا جرت عن الجزء أو الشرط المشكوك ارتفع بها الإجمال والتردد ولو بحسب الظاهر وعيّنت الواجب في الأقل فإذا تعين الواجب في الأقل لم يبق حينئذ شك في ارتباط امتثاله بامتثال الأمر المشكوك.

(وثانيا) لو سلم أن البراءة مما لا يرتفع بها الإجمال والتردد ولا يتعين بها الواجب في الأقل فمجرد الترخيص في ترك المشكوك عقلا ونقلا وحصول الأمن من العقاب بسببه مما يكفي في عدم لزوم تحصيل اليقين بفراغ الذّمّة عن الاجزاء والشرائط المعلومة من ناحية هذا الأمر المشكوك بل يقتصر على الإتيان بالاجزاء والشرائط المعلومة فإن كانت هي الواجب واقعا فهو وإلّا فلا حجة للمولى في فوت الواجب بمقتضى البراءة الشرعية والعقلية الجاريتين عن المشكوك كما تقدم في فوت الغرض الداعي إلى الأمر عينا.

(قوله لا يقال إن جزئية السورة المجهولة مثلا ليست بمجعولة وليس لها أثر مجعول ... إلخ)

قد عرفت في الأمر الثاني مما نبهنا عليه أن الشيخ أعلى الله مقامه منع عن جريان البراءة النقليّة عن الحكم الوضعي أي عن جزئية الأمر المشكوك أو شرطيته وانه استند في المنع إلى أمرين.

(أحدهما) منع عموم أخبار البراءة للحكم الوضعي وقد عرفت ما فيه.

(ثانيهما) منع كون الجزئية أمرا مجعولا شرعيا غير الحكم التكليفي المتعلق

بالمركب وهذا هو الّذي أشار إليه المصنف بقوله لا يقال ... إلخ غير أنه غيّره في الجملة (ومحصله) أن الجزئية ليست هي أمرا مجعولا شرعا ولا موضوعا له أثر مجعول والمرفوع بحديث الرفع وشبهه لا بد وأن يكون أمرا مجعولا شرعا أو موضوعا ذا أثر مجعول (وبعبارة أخرى) لا بد وأن يكون المرفوع حكما شرعيا أو موضوعا ذا حكم شرعي (وحاصل الجواب) أن الجزئية وإن لم تكن هي بنفسها أمرا مجعولا استقلالا إلا أنها مجعولة تبعا لجعل منشأ انتزاعها وهو التكليف المتعلق بالكل (وإن شئت قلت) ان الجزئية هي حكم شرعي وضعي منتزع عن التكليف المتعلق بالمركب كما سيأتي تحقيقها في الاستصحاب إن شاء الله تعالى وهذا المقدار من الجعل الشرعي مما يكفي في صحة رفعها جدا.

(قوله ووجوب الإعادة انما هو أثر بقاء الأمر الأول بعد العلم مع انه عقلي ... إلخ)

دفع لما قد يتوهم من أن الجزئية لها أثر مجعول وهو وجوب الإعادة فكيف يقال إنها ليس مجعولة وليست لها أثر مجعول (وحاصل الدفع) أن وجوب الإعادة فيما إذا لم يؤت بالجزء إنما هو من آثار بقاء الأمر الأول المتعلق بالكل ومن خواص عدم امتثاله وعدم إتيانه لا من آثار جزئية الجزء (مضافا) إلى أن وجوب الإعادة هو أثر عقلي من باب وجوب إطاعة الأمر الأول الباقي على حاله لا شرعي والأثر الشرعي هو عبارة عن خصوص الأمر الأول المتعلق بالكل وهذا واضح.

(قوله لا يقال انما يكون ارتفاع الأمر الانتزاعي برفع منشأ انتزاعه وهو الأمر الأول ولا دليل آخر على أمر آخر بالخالي عنه ... إلخ)

(المقصود من هذا الإشكال) أن الجزئية وان كانت هي مجعولة ولكنها تبعا لجعل منشأ انتزاعها كما تقدم آنفا ورفع المجعول تبعا لا يكون إلا برفع منشأ انتزاعه وهو في المقام عبارة عن الأمر الأول المتعلق بالأكثر فإذا ارتفع الأمر بالأكثر فلا دليل على تعلق أمر آخر بالخالي عن الجزء المشكوك أي بالأقل (والمقصود من الجواب)

مع غموضه جدا أن حديث الرفع حاكم على أدلة الاجزاء ناظر إليها موجب لحصر جزئيتها بحال العلم فقط دون الجهل (وإن شئت قلت) حاكم على الأمر الأول أي المتعلق بالأكثر رافع لوجوب ما اشتمل عليه من الجزء المشكوك في حال الجهل وحينئذ فأدلة الاجزاء أو دليل الأمر الأول بانضمام حديث الرفع الحاكم عليها تكون دليلا على وجوب الخالي عن الجزء المشكوك في هذا الحال فلا يكون الخالي شيئا بلا أمر كما لا يخفى (ونحن قد استوضحنا) الجواب بهذه الكيفية من كلام له في تعليقته على الرسائل في الجزء المنسي لدى التعليق على قول الشيخ قلت بعد تسليم إرادة رفع جميع الآثار ان جزئية السورة ليست من الأحكام المجعولة لها شرعا ... إلخ فراجع عين كلامه زيد في علو مقامه.

(أقول)

لم يكن المصنف محتاجا في إثبات تعلق أمر بالخالي عن الجزء المشكوك إلى دعوى حكومة حديث الرفع على دليل الجزء أو على دليل الأمر الأول المتعلق بالأكثر بل كان يكفيه حكومة حديث الرفع على دليل الصلاة على إجمالها وترددها بين الأقل والأكثر فإنه رافع لإجمالها معينة لها في الأقل كما تقدم منه الاعتراف بذلك عند قوله فبمثله يرتفع الإجمال والتردد عما تردد أمره بين الأقل والأكثر ويعيّنه في الأول إلى آخره فإذا ارتفع الإجمال والتردد وتعين الصلاة في الأقل كان الأمر الّذي تكفله دليل الصلاة متعلقا قهرا بالأقل لا بالأكثر.

(قوله إليها نسبة الاستثناء ... إلخ)

أي إلى الأدلة الدالة على بيان الاجزاء نسبة الاستثناء ولو قال نسبة الاستثناء إليها كان أولى (وعلى كل حال) المعنى هكذا إلا أن نسبة حديث الرفع إلى الأدلة الدالة على بيان الاجزاء نسبة الاستثناء.

في الشك في القيد

(قوله وينبغي التنبيه على أمور الأول انه ظهر مما مر حال دوران الأمر بين المشروط بشيء ومطلقه وبين الخاصّ كالإنسان وعامه كالحيوان إلى آخره)

قد أشرنا في صدر البحث ان الشيخ أعلى الله مقامه قد جعل الشك في الأقل والأكثر على قسمين الشك في الجزء والشك في القيد (قال) في صدر المسألة (ما لفظه) الثاني فيما إذا دار الأمر في الواجب بين الأقل والأكثر ومرجعه إلى الشك في جزئية شيء للمأمور به وعدمها وهو على قسمين لأن الجزء المشكوك إما جزء خارجي أو جزء ذهني وهو القيد وهو على قسمين لأن القيد إما منتزع من أمر خارجي مغاير للمأمور به في الوجود الخارجي فمرجع اعتبار ذلك القيد إلى إيجاب ذلك الأمر الخارجي كالوضوء الّذي يصير منشأ للطهارة المقيدة بها الصلاة وإما خصوصية متحدة في الوجود مع المأمور به كما إذا دار الأمر بين وجوب مطلق الرقبة أو رقبة خاصة (انتهى).

(أقول)

وفي كلامه أعلى الله مقامه إلى هنا موضعان للنظر.

(أحدهما) قوله أو جزء ذهني وهو القيد ... إلخ فإن الجزء الذهني هو التقيد لا القيد فإن القيد امر خارجي كالجزء الخارجي بعينه (ومن هنا يظهر) ما في قوله لأن القيد إما منتزع من أمر خارجي ... إلخ فإن المنتزع من أمر خارجي هو التقيد لا القيد.

(ثانيهما) قوله وإما خصوصية متحدة في الوجود مع المأمور به ... إلخ فإن الخصوصية كالإيمان في الرقبة كما صرح به في بعض كلماته هاهنا ليست هي متحدة

مع المأمور به وانما هي من عوارضه وأوصافه.

(نعم) إن المؤمنة هي متحدة في الوجود مع المأمور به وليست هي بخصوصية بل هي ذي الخصوصية كما لا يخفى.

(وبالجملة) (تارة) يقسم الجزء إلى قسمين الخارجي والذهني (والصحيح) في تعريفهما ان يقال (ان الجزء الخارجي) هو ما يتركب منه المأمور به كالركوع والسجود ونحوهما للصلاة (والجزء الذهني) هو الاتصاف الحاصل للمأمور به وهو (تارة) يحصل من فعل خارجي كالاتصاف الحاصل للصلاة من الوضوء أو التستر أو الاستقبال ونحو ذلك ومرجع إيجاب هذا النحو من الاتصاف نفسياً إلى إيجاب تلك الأفعال غيرياً لحصول هذا الاتصاف (وأخرى) يحصل من صفة خاصة متحققة في بعض افراد الطبيعة دون بعض كما في الحيوان الناطق والرقبة المؤمنة ونحوهما ومرجع إيجاب هذا النحو من الاتصاف إلى إيجاب ذلك البعض من افراد الطبيعة المتصف بتلك الصفة دون البعض الآخر الغير المتصف بها (وأخرى) يقسم القيد إلى قسمين دون الجزء (والصحيح) في تعريفهما أن يقال إن القيد (تارة) يكون المقيد به مع المطلق في نظر العرف من قبيل الأقل والأكثر كالصلاة والصلاة إلى القبلة أو الصلاة مع الستر أو الصلاة والصلاة مع الطهارة إلى غير ذلك من الأمثلة بحيث إذا أتى بالمطلق بدون القيد كأن صلى لا إلى القبلة أو لا مع الستر أو لا مع الطهارة صدق عليه انه قد أتى بالمأمور به على وجه ناقص غير تام وقد عبّر المصنف عن هذا القسم بالمطلق والمشروط (وأخرى) يكون المقيد به مع المطلق في نظر العرف متباينين أجنبيين كالحيوان والحيوان الناطق أو الرقبة والرقبة المؤمنة أو الماء وماء الرمان وهكذا بحيث إذا أتى بالمطلق بدون القيد كما إذا أتى بحيوان غير ناطق كالحمار بدل الحيوان الناطق أو أتى برقبة غير مؤمنة أي الكافرة بدل المؤمنة أو أتى بماء غير الرمان كماء القراح بدل ماء الرمان لم يصدق عليه انه أتى بالمأمور به أصلا بل أتى بشيء مباين أجنبي رأساً وقد عبّر المصنف عن هذا

القسم الثاني بالعامّ والخاصّ (ثم إن الشيخ) أعلى الله مقامه بعد ما فرغ عن الجزء الخارجي بمسألة الأربع شرع في الشك في القيد (وقال) ما ملخصه إن القيد (ان كان) من قبيل الوضوء والستر والقبلة ونحوها بالنسبة إلى الصلاة بحيث كان القيد امراً مغايراً مع المقيد فالكلام في الشك فيه عين الكلام في الشك في الجزء الخارجي فتجري البراءة عنه عقلا ونقلا (وان كان) من قبيل المؤمنة بالنسبة إلى الرقبة بحيث يتحد مع المقيد وجوداً وخارجاً فالظاهر ان الكلام فيه أيضاً كالكلام في الجزء الخارجي فتجري البراءة عنه عقلا ونقلا كما في القسم الأول عيناً (وان كان يظهر من المحقق القمي) التفصيل هاهنا ففي الأول تجري البراءة وفي الثاني يجري الاشتغال فلا تحصل البراءة اليقينية إلّا بالإتيان بالمقيد كالرقبة المؤمنة.

(أقول)

والحق في هذا التفصيل مع المحقق القمي (فان كان) القيد من القسم الأول بحيث كان المطلق والمقيد في نظر العرف من قبيل الأقل والأكثر فتجري البراءة عنه عند الشك فيه لانحلال العلم الإجمالي بالتكليف المردد بين الأقل والأكثر إلى العلم التفصيليّ بالأقل فيجب والشك البدوي في الأكثر فلا يجب (واما إذا كان) من القسم الثاني بحيث كان المطلق والمقيد في نظر العرف متباينين أجنبيين كالحيوان والحيوان الناطق أو كالرقبة والرقبة المؤمنة فيجري الاشتغال ويجب الاحتياط فيه فإن المقام من دوران الأمر بين التعيين والتخيير فان المقيد وجوبه معلوم تفصيلا إما تعييناً أو تخييرا والمطلق وجوبه مشكوك من أصله فتجري البراءة عنه وقد تقدم تفصيل الكلام في دوران الأمر بين التعيين والتخيير بأقسامه في آخر البراءة (والعجب) أن الشيخ أعلى الله مقامه قال هناك بالاحتياط ولم يقل به هاهنا (وأعجب منه) انه سيأتي التفصيل منه في جريان قاعدة الميسور بما محصله ان الفاقد للشرط مع الواجد له ان كانا يعدان في نظر العرف من قبيل الأقل والأكثر كالصلاة بلا ستر والصلاة مع الستر فتجري الميسور وان كانا يعدان متباينين

متغايرين كالحيوان والحيوان الناطق أو الرقبة والرقبة المؤمنة أو الماء وماء الرمان فلا تجري الميسور أصلا هذا كله من أمر الشيخ وما لنا من التحقيق في المقام.

(وأما المصنف) فقد اعترف أيضاً بالتفصيل في المسألة فالمطلق والمقيد (ان كانا) من قبيل الأقل والأكثر وقد عبّر عنهما بالمطلق والمشروط كما أشرنا فالشك في القيد حاله حال الشك في الجزء الخارجي فلا تجري البراءة عنه عقلا وتجري البراءة عنه شرعاً على مسلكه المتقدم في الشك في الجزء (وان كانا) من قبيل المتباينين وقد عبّر عنهما بالعامّ والخاصّ كما أشير إليه أيضاً ومثّل لهما بالحيوان والإنسان فالشك في القيد ليس حاله حال الشك في الجزء الخارجي فلا تجري البراءة عنه لا عقلا ولا شرعاً بل يجب الاحتياط فيه لا محالة (غير انه قدس‌سره) قد ادعى ان عدم جريان البراءة العقلية في الشك في القيد بكلا قسميه أظهر من عدم جريانها في الشك في الجزء فإن الانحلال المتوهم هناك بتقريب كون الأقل مما علم وجوبه تفصيلا إما نفسياً أو مقدمياً لا يكاد يتوهم في المقام فإن الجزء الخارجي مما يمكن فيه دعوى اتصافه بالوجوب الغيري المقدمي إذ لكل جزء خارجي وجود آخر مستقل غير وجود الآخر وان كان العرف يرى للمجموع وجوداً واحداً بخلاف الجزء التحليلي كالمقيد والتقيد والجنس والفصل فلا وجود له خارجاً غير وجود المجموع الواجب بالوجوب النفسيّ الاستقلالي (ومن هنا) تقدم قول المصنف في التعبدي والتوصلي (فإن الجزء التحليلي العقلي لا يتصف بالوجوب أصلا) يعني حتى بالوجوب النفسيّ الضمني (وفيه) أن الجزء التحليلي كما تقدم شرحه منا في التعبدي والتوصلي وإن لم يكن هو كالجزء الخارجي فإن الأجزاء الخارجية تركبها انضمامي ووجودات متعددة منضمة بعضها إلى بعض والأجزاء التحليلية تركبها عقلي وللمجموع وجود واحد ولكن مجرد عدم استقلال الجزء التحليلي في الوجود لا يكاد يمنع عن اتصافه بالوجوب بعد كونه أمراً مقدوراً للمكلف يتمكن من إيجاده في الخارج ولو مع جزء تحليلي آخر كما إذا أتى بالجنس

مع فصل آخر أو أتى بذات المقيد بدون قيده وهذا واضح ظاهر لدى التدبر.

(قوله في ضمن الصلاة المشروطة أو الخاصة ... إلخ)

فالأوّل كالصلاة مع الطهارة أو مع الستر ونحوهما والثاني كصلاة الآيات أو صلاة العيدين ونحوهما.

(قوله وفي ضمن صلاة أخرى فاقدة لشرطها وخصوصيتها تكون متباينة للمأمور بها ... إلخ)

إن الصلاة الفاقدة لخصوصيتها وان كانت هي متباينة مع الصلاة المأمورة بها كصلاة غير الآيات مع صلاة الآيات ولكن الصلاة الفاقدة لشرطها لا تكون متباينة مع الصلاة الواجدة لشرطها كالصلاة بلا ستر والصلاة مع الستر بل يعدان من جنس واحد ومن قبيل الأقل والأكثر كما لا يخفى.

(قوله نعم لا بأس بجريان البراءة النقليّة في خصوص دوران الأمر بين المشروط وغيره دون دوران الأمر بين الخاصّ وغيره ... إلخ)

بل ليس للمصنف إجراء البراءة أصلا حتى النقليّة منها في دوران الأمر بين المشروط وغيره بعد ما زعم واعتقد عدم انحلال العلم الإجمالي كما نبهنا هناك في الشك في الجزء أيضاً عند ما صرح بجريان البراءة النقليّة (هذا) خصوصاً مع ما ادعاه في المقام من ان الصلاة الفاقدة لشرطها تكون متباينة للمأمور بها فإن الفاقد والواجد لو كانا من المتباينين كالظهر والجمعة فكيف تجري البراءة عن الشرط دون الاشتغال (ولعمري) قد ارتبك المقام على المصنف واضطرب كلامه فيه كما اضطرب فيه كلام الشيخ أيضاً على ما تقدمت الإشارة إلى بعض مواقعة (وكيف كان) الأمر إن التحقيق هنا هو ما حققناه لك من جريان البراءة عقلا ونقلا عند الشك في الجزء والشرط جميعاً وذلك لانحلال العلم الإجمالي من أصله وعدم جريان البراءة لا عقلا ولا نقلا عند الشك في القيد إذا كان المطلق والمقيد يعدان أمرين متباينين في نظر العرف وذلك لعدم انحلال العلم الإجمالي إلى التفصيليّ بوجوب المطلق على كل حال

إما نفسياً أو غيرياً بل ينحل العلم الإجمالي إلى التفصيليّ بوجوب المقيد على كل حال فإنه واجب إما تعييناً أو تخييراً فيؤتى بالمقيد ويجري الأصل عن المطلق رأساً.

(قوله وليس كذلك خصوصية الخاصّ فإنها انما تكون منتزعة عن نفس الخاصّ فيكون الدوران بينه وبين غيره من قبيل الدوران بين المتباينين إلى آخره)

مقصوده من ذلك أن الخصوصية في المشروط هي منتزعة عن الأمر المغاير للمشروط كالوضوء والستر والقبلة ونحوها بالنسبة إلى الصلاة فيكون الدوران بين المشروط وغيره من الدوران بين الأقل والأكثر والخصوصية في الخاصّ منتزعة عن نفس الخاصّ بلحاظ اتصافه بذاتي أو عرض أو عرضي كما في الحيوان الناطق والرقبة المؤمنة والمرأة الحرة فيكون الدوران بين الخاصّ وغيره من الدوران بين المتباينين فتدبر جيداً.

في الشك في المانعية والقاطعية

(ثم إن) هذا كله تمام الكلام في الشك في الجزئية والشرطية ويظهر منهما حال الشك في المانعية والقاطعية (فالمانع) كلبس غير المأكول (والقاطع) كالحدث والاستدبار ونحوهما (والفرق) بينهما أن الأول عدمه شرط للمأمور به من دون أن تنقطع به الهيئة الاتصالية للأجزاء السابقة مع اللاحقة والثاني عدمه شرط للمأمور به من جهة انقطاع الهيئة الاتصالية به بحيث إذا طرأ في الأثناء سقطت الأجزاء السابقة عن قابلية الانضمام مع اللاحقة فإذا وقع عليه شيء من غير المأكول في أثناء الصلاة أو لبسه نسياناً بل أو عمداً ثم نزعه فوراً من دون فصل طويل يخل بالموالاة ومن غير أن يقع جزءاً من أجزاء الصلاة مقارناً له أو وقع وأعاد الجزء صحت الصلاة والتأمت الاجزاء السابقة مع اللاحقة من غير وجه للبطلان أصلا (وهذا بخلاف)

ما إذا أحدث في الصلاة أو استدبر فيها فتبطل الصلاة من أصلها ولم تلتئم الاجزاء السابقة مع اللاحقة أبداً (وقد أشار الشيخ) أعلى الله مقامه إلى كل من الشك في المانعية والقاطعية مختصراً (قال) قبل الشروع في التنبيه على أمور متعلقة بالجزء والشرط (ما لفظه) ثم إن مرجع الشك في المانعية إلى الشك في شرطية عدمه واما الشك في القاطعية بأن يعلم ان عدم الشيء لا مدخل له في العبادة الا من جهة قطعه للهيئة الاتصالية المعتبرة في نظر الشارع فالحكم فيه استصحاب الهيئة الاتصالية وعدم خروج الأجزاء السابقة عن قابلية صيرورتها أجزاء فعلية وسيتضح ذلك بعد ذلك إن شاء الله تعالى يعني به في زيادة الجزء عمداً (انتهى) كلامه رفع مقامه.

في الشبهة الموضوعية

من الأقل والأكثر الارتباطيين

(ثم إن هذا كله) تمام الكلام في الشك في الجزئية والشرطية والمانعية والقاطعية بنحو الشبهة الحكمية (واما) الشك في هذه الأمور بنحو الشبهة الموضوعية بأن علم مثلا أن السورة من أجزاء الصلاة أو الاستقبال من شرائطها أو لبس غير المأكول من موانعها أو الحدث من قواطعها ولكن لم يعلم حال الصلاة الخارجية التي قد أتى بها أو هو مشغول بإتيانها وأنها هل هي واجدة لجميع أجزائها وشرائطها وفاقدة لجميع موانعها وقواطعها أم لا (فالظاهر) انه لا ريب في وجوب الاحتياط فيها فإن الشك حينئذ في الامتثال وفي الخروج عما اشتغلت به الذّمّة يقيناً والاشتغال اليقيني مما يقتضي الفراغ اليقيني فيجب العلم بإتيان المأمور به بتمام أجزائه وشرائطه وجودية كانت أو عدمية غير انه لا ينحصر إحرازها بالعلم فقط بل جاز إحرازها بعلمي أو بأصل عملي.

(نعم) يمكن تصوير قسم آخر للشبهة الموضوعية من الأقل والأكثر الارتباطيين لا يجب الاحتياط فيه عقلا كما إذا قال مثلا أكرم العلماء وعلمنا من الخارج أن المطلوب فيه هو إكرام المجموع من حيث المجموع بحيث إذا لم يكرم أحدهم لم يمتثل أصلا وشك في كون عمرو عالماً يجب إكرامه أم لا فهاهنا لا يجب الاحتياط بإكرامه مع كون الشبهة موضوعية وذلك لعين ما تقدم في الشبهة الحكمية من الأقل والأكثر الارتباطيين من جريان البراءة العقلية والشرعية جميعاً وأن مجرد الأمر بمركب ارتباطي مما لا يصحح العقاب عليه إلّا بمقدار كان من الشرع أو العرف بيان عليه وأن البراءة الشرعية بل مطلقاً هي مما يوجب رفع الإجمال والتردد عما تردد أمره بين الأقل والأكثر وتعيّنه في الأقل ولو في الظاهر (والفرق) بين القسمين أن الشك في الأول في مسقطية الفعل عن التكليف المتعلق بالأكثر فيحتاط عقلا وفي الثاني يكون الشك في أصل توجه التكليف بالأكثر للشك في كون عمرو عالماً فلا موجب للاحتياط أصلا (اللهم) إلّا إذا علم ان عمراً عالم يجب إكرامه ولكن شك في رجل أنه عمرو أم لا فحينئذ يجب الاحتياط بإكرامه وإكرام كل من احتمل كونه عمراً إذ المفروض إحراز جزئية إكرام عمرو نظير ما إذا أحرز أن السورة جزء للصلاة فكما انه إذا أحرز ذلك ولم يعلم أن الصلاة الخارجية التي قد أتى بها هل هي مع السورة أم لا فيجب الاحتياط عقلا فكذلك في المقام حرفاً بحرف.

(ثم إن الشيخ) أعلى الله مقامه قد ذكر للشبهة الموضوعية من الأقل والأكثر الارتباطيين مثالين.

(أحدهما) أجنبي عن المقام رأساً وانما هو من أمثلة الشك في المحصل بنحو الشبهة الحكمية وإن كان الآخر من أمثلة المقام (قال) بعد الفراغ عن مسائل الشبهة الحكمية للأقل والأكثر (ما لفظه) المسألة الرابعة فيما إذا شك في جزئية شيء للمأمور به من جهة الشبهة في الموضوع الخارجي كما إذا أمر بمفهوم مبين مردد

مصداقه بين الأقل والأكثر ومنه ما إذا وجب صوم شهر هلالي وهو ما بين الهلالين فشك في أنه ثلاثون أو ناقص ومثل ما أمر بالطهور لأجل الصلاة أعني الفعل الرافع للحدث أو المبيح للصلاة فشك في جزئية شيء للوضوء أو الغسل الرافعين (انتهى) فإن مثال الصوم وإن أمكن فرضه من أمثلة المقام باللتيا والتي بأن نفرض صوم مجموع الشهر الهلالي مطلوباً واحداً بحيث إذا لم يصم يوماً لم يمتثل أصلا ثم صام من أول الشهر إلى تسعة وعشرين يوماً وشك في أن ما صامه هل هو صوم ما بين الهلالين أم لا فهو من الشبهة الموضوعية للأقل والأكثر الارتباطيين (ولكن) مثال الشك في جزئية شيء للوضوء غير مرتبط بالمقام جداً فإن المأمور به وهو الطهارة الحاصلة في الخارج بالوضوء أمر مباين وجوداً مع الأفعال المحصلة لها والمأمور به في الأقل والأكثر الارتباطيين كالصلاة ونحوها هو أمر متحد وجودا مع الأجزاء والشرائط التي منها تتكون الصلاة وتتحقق (مضافا) إلى أن الشك في جزئية شيء للوضوء هو شك بنحو الشبهة الحكمية لا الموضوعية فالمثال أجنبي عن المقام من جهتين.

(وبالجملة) المثال المربوط بالمقام أي بالشبهة الموضوعية للأقل والأكثر الارتباطيين هو مثال الصوم فقط دون مثال الشك في جزئية شيء للوضوء (بل الظاهر) ان مثال الصوم أيضاً من القسم الثاني للشبهة الموضوعية من الأقل والأكثر فلا يجب الاحتياط فيه فإن مرجع الشك فيه إلى الشك في وجوب صوم يوم الثلاثين وانه هل هو مما بين الهلالين أم لا فتجري البراءة الشرعية بل مطلقاً عن وجوبه وإن شئت قلت عن جزئيته وبها يرتفع الإجمال عما بين الهلالين وتعيّنه في الأقل ولو في الظاهر فتأمل جيداً.

في الشك في المحصل وبيان عدم وجوب

الاحتياط فيه

(ثم إنه يظهر من الشيخ) هاهنا ومن المصنف في الصحيح والأعم في تصوير الجامع الصحيحي وجوب الاحتياط في الشك في المحصل على خلاف الأقل والأكثر الارتباطيين (ويظهر) من الشيخ أيضاً أن وجه وجوب الاحتياط فيه أن التكليف قد تعلق بمفهوم مبين لا إجمال فيه وإنما الشك فيما يحققه ويحصله فيجب الاحتياط بالإتيان بما يقطع معه حصول المأمور به (قال أعلى الله مقامه) بعد عبارته المتقدمة (ما لفظه) واللازم في المقام الاحتياط لأن المفروض تنجز التكليف بمفهوم مبين معلوم تفصيلا وإنما الشك في تحققه بالأقل فمقتضى أصالة عدم تحققه وبقاء الاشتغال عدم الاكتفاء به ولزوم الإتيان بالأكثر ولا يجري هنا ما تقدم من الدليل العقلي والنقلي الدال على البراءة لأن البيان الّذي لا بد منه في التكليف قد وصل من الشارع فلا يقبح المؤاخذة على ترك ما بيّنه تفصيلا فإذا شك في تحققه في الخارج فالأصل عدمه والعقل أيضاً يحكم بوجوب القطع بإحراز ما علم وجوبه تفصيلا أعني المفهوم المعين المبين المأمور به (انتهى) موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه.

(أقول)

(أما الشك في المحصل) بنحو الشبهة الموضوعية فلا ريب في وجوب الاحتياط فيه فإنه إن لم يكن أشد من الشبهة الموضوعية للأقل والأكثر الارتباطيين فلا أقل ليس بأهون منها فإذا علم مثلا أن الموالاة شرط في الوضوء المحصل للطهارة ولكن لم يعلم أن الوضوء الخارجي الّذي قد أتى به هل كان مع الموالاة أم لا فهو بعينه مثل ما إذا علم أن الاستقبال مثلا شرط للصلاة ولم يعلم أن الصلاة التي قد أتى بها

هل كانت مع الاستقبال أم لا فكما يجب الاحتياط في الثاني لو لا الفراغ فكذلك يجب الاحتياط في الأول لو لا ذلك (واما الشك في المحصل) بنحو الشبهة الحكمية فالحق انه لا يزيد على دوران الأمر بين الأقل والأكثر الارتباطيين بنحو الشبهة الحكمية فكما عرفت انه تجري فيهما البراءة العقلية والنقليّة جميعا فكذلك تجري في الأول كل من العقلية والنقليّة جميعاً فإن مجرد أمر الشارع بالطهارة مثلا مما لا يصحح العقاب عليها بل لا بد من بيان الأفعال المحصلة لها من الغسلات والمسحات وغيرهما فبمقدار ما بيّن من الأفعال المحصلة لها صح العقاب عليه دون ما لم يبينه أو بيّنه ولم يصل إلينا حتى بعد الفحص (ومنه يعرف) ما في القول المتقدم للشيخ وهو قوله لأن البيان الّذي لا بد منه في التكليف قد وصل من الشارع فلا يقبح المؤاخذة على ترك ما بينه تفصيلا ... إلخ فإن مجرد بيان التكليف المتعلق بالطهارة مما لا يكفي في صحة العقاب عليها ما لم يبين الأفعال المحصلة لها واحداً بعد واحد (هذا إذا كان) السبب المحصل للمأمور به أمراً شرعياً (وأما إذا كان) أمراً عرفياً يؤخذ أجزائه وشرائطه من العرف فلا بد من بيان العرف له بأجزائه وشرائطه فبمقدار ما بينه يصح العقاب عليه وما لم يبينه لم يصح العقاب عليه.

(وبالجملة) إذا شك في جزء أو شرط للسبب المحصل للمأمور به ولم يكن عليه بيان لا من الشرع ولا من العرف وقد تفحص عنه بحد اليأس فتجري البراءة العقلية عنه ولا حجة للمولى على العبد في عدم حصول المأمور به فيقبح العقاب عليه وهكذا تجري البراءة الشرعية عنه لإطلاق أدلتها وعدم المانع عن شمولها فيرتفع بها الإجمال والتردد عن السبب المحصل للمأمور به وتعيّنه في الأقل ولو في الظاهر فتكون البراءة في الجزء أو الشرط واردة أو حاكمة على الاشتغال أو استصحابه المقتضي للإتيان بالأكثر على نحو ما تقدم في الأقل والأكثر الارتباطيين حرفاً بحرف

في نقيصة الجزء سهوا

(قوله الثاني انه لا يخفى أن الأصل فيما إذا شك في جزئية شيء أو شرطيته في حال نسيانه عقلا ونقلا ما ذكر في الشك في أصل الجزئية أو الشرطية ... إلخ)

إشارة إلى المسألة الأولى من المسائل الثلاث التي عقدها الشيخ أعلى الله مقامه لبيان حكم الإخلال بالجزء نقيصة وزيادة.

(أحدها) لنقيصة الجزء سهواً.

(ثانيها) لزيادة الجزء عمداً.

(ثالثها) لزيادة الجزء سهواً (واما نقيصة) الجزء عمداً فلا إشكال في بطلان العبادة بها وإلّا لم يكن جزءاً كما صرح به الشيخ أعلى الله مقامه (واما الشروط) فصرح أيضا في آخر المسألة الأولى أن الكلام فيها كالكلام في الجزء عينا (وعلى كل حال) حاصل الكلام في المسألة الأولى أنه إذا نقص جزء من أجزاء العبادة سهوا فهل الأصل بطلانها أم لا (فاختار الشيخ) أعلى الله مقامه بطلانها لعموم جزئية الجزء وشمولها لحالتي الذّكر والنسيان جميعا (ثم أشكل) على نفسه بما ملخصه ان عموم جزئية الجزء لحال النسيان إنما يتم إذا ثبتت الجزئية بدليل لفظي مثل قوله لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب دون ما إذا ثبتت بدليل لبي لا إطلاق له كما إذا قام الإجماع على جزئية شيء في الجملة واحتمل اختصاصها بحال الذّكر فقط وحينئذ فمرجع الشك إلى الشك في الجزئية في حال النسيان فيرجع فيها إلى البراءة أو الاحتياط على الخلاف المتقدم في الأقل والأكثر الارتباطيين (ثم أجاب عنه) بما ملخصه انه إن أريد من عدم جزئية ما ثبت جزئيته في الجملة ومن ارتفاعها بحديث الرفع في حق الناسي إيجاب العبادة الخالية عن ذلك الجزء المنسي عليه فهو

غير قابل لتوجيه الخطاب إليه إذ بمجرد أن خوطب بعنوان الناسي يتذكر وينقلب الموضوع وإن أريد منه إمضاء الخالي عن ذلك الجزء من الناسي بدلا عن العبادة الواقعية فهو حسن ولكن الأصل عدمه بالاتفاق وهذا معنى بطلان العبادة الفاقدة للجزء نسيانا بمعنى عدم كونها مأمورا بها ولا مسقطا عنه (انتهى) ملخص كلامه (ومحصله) أن المسألة وان كانت من صغريات الأقل والأكثر الارتباطيين ومن جزئيات الشك في الجزئية غايته انه شك في الجزئية في حال النسيان فقط لا مطلقا ولكن المانع عن جريان البراءة فيها هو أحد أمرين فإن كان دليل الجزء لفظيا فالمانع هو عموم جزئية الجزء وشمولها لحالتي الذّكر والنسيان جميعا وان كان دليل الجزء لبيا فالمانع هو عدم قابلية الناسي لتوجيه الخطاب إليه بما سوى المنسي إذ ارتفاع الجزئية عن الناسي في حال نسيانه فرع إمكان توجيه الخطاب إليه بما سوى المنسي (هذا كله) من أمر الشيخ أعلى الله مقامه.

(واما المصنف) فيرى المسألة أيضا من صغريات الأقل والأكثر الارتباطيين ومن جزئيات الشك في الجزئية أو الشرطية فلا تجري فيها البراءة العقلية وتجري فيها البراءة الشرعية على مسلكه المتقدم في الأقل والأكثر الارتباطيين وظاهر قوله إن الأصل فيما إذا شك في جزئية شيء ... إلخ أن كلامه مفروض فيما إذا لم يكن دليل الجزء أو الشرط لفظيا له عموم يشمل حالتي الذّكر والنسيان جميعا كي يمنع عن البراءة (واما عدم) قابلية الناسي للخطاب بما سوى المنسي فسيأتي جوابه عنه وبيان العلاج لتوجيه الخطاب إليه بنحوين صحيحين فانتظر.

(أقول)

والحق أن المسألة من صغريات الأقل والأكثر الارتباطيين كما ظهر من الشيخ والمصنف وعلى ما اخترناه من جريان البراءة فيهما عقلا ونقلا تجري البراءة في المقام كذلك واما المانع الأول من مانعي الشيخ فهو حق ولكنا نفرض انتفاء دليل لفظي يقتضي إطلاقه الجزئية أو الشرطية حتى في حال النسيان واما المانع الثاني فهو ممنوع

من أصله لما ستعرفه من صحة توجيه الخطاب إلى الناسي بوجهين بل بوجوه عديدة كما سيأتي.

(قوله فلو لا مثل حديث الرفع مطلقا ... إلخ)

أي في الصلاة وغيرها في قبال لا تعاد المختص بالصلاة فقط والمعنى أن كلا منهما يقتضي صحة ما أتى به من العبادة الخالية عن الجزء أو الشرط المنسي ولولاهما لحكمنا بوجوب الاحتياط عقلا لما عرفت من عدم جريان البراءة العقلية في الأقل والأكثر الارتباطيين على مسلك المصنف.

(قوله كما هو الحال فيما ثبت شرعا جزئيته أو شرطيته مطلقا ... إلخ)

أي ولو في حال السهو وهو الّذي يسمى في الاصطلاح بالركن بحيث كان الإخلال به مضرا على كل تقدير سواء كان عن عمد أو عن سهو.

(قوله ثم لا يذهب عليك انه كما يمكن رفع الجزئية أو الشرطية في هذا الحال بمثل حديث الرفع كذلك يمكن تخصيصها بهذا الحال بحسب الأدلة الاجتهادية ... إلخ)

أي ثم لا يذهب عليك انه كما يمكن رفع الجزئية أو الشرطية في حال النسيان بحديث الرفع كذلك يمكن تخصيص الجزئية أو الشرطية بحال الذّكر فقط بحسب الأدلة الاجتهادية (وهذا لدى الحقيقة) جواب عن المانع الثاني من مانعي الشيخ عن البراءة وهو عدم قابلية الناسي لتوجيه الخطاب إليه بما سوى المنسي وأن رفع الجزئية عنه في حال النسيان فرع إمكان توجيه الخطاب إليه بما سوى المنسي (وقد أشرنا) آنفا أن المصنف قد أجاب عن هذا المانع وقد عالج توجيه الخطاب إلى الناسي بما سوى المنسي بنحوين صحيحين فهذا هو الشروع في بيانهما.

(وحاصل النحو الأول) أن يوجه الخطاب بما سوى المنسي على نحو يعم الذاكر والناسي مثل ان يقال أيها المسلمون أو أيها المكلفون كتب عليكم كذا وكذا ثم يوجه الخطاب إلى خصوص الذاكر فيكلفه بالجزء أو الشرط الّذي نسيه الناسي

فحينئذ يجب على الناسي ما سوى المنسي من دون أن يتوجه إليه خطاب بعنوان الناسي كي يتذكر وينقلب الموضوع ويخرج عن تحت الخطاب الموجّه إليه.

(وحاصل النحو الثاني) أن يوجه الخطاب إلى الناسي بما سوى المنسي لكن لا بعنوان الناسي كي يتذكر وينقلب الموضوع بل بعنوان يلازم الناسي وقد اشتهر التمثيل له بعنوان البلغمي فحينئذ يأتي الناسي بما أمر به من دون أن يتذكر وينقلب الموضوع.

(أقول)

هذا مضافا إلى انه لا يجب أن يوجه الخطاب إلى الناسي الخارجي ويقال له أيها الناسي يجب عليك الإتيان بما سوى المنسي كي يتذكر وينقلب الموضوع بل يتعلق التكليف بكلي الناسي ويقال إن الناسي يجب عليه الإتيان بما سوى المنسي مثل ما يقال المستطيع يحج أو المسافر يقصر وهكذا نعم لا يمكنه الناسي الخارجي الإتيان بما سوى المنسي بداعي هذا الأمر المتوجه إلى كلي الناسي إذ لا يرى نفسه من صغرياته المندرجة فيه كي يأتي بما سوى المنسي بداعي هذا الأمر ولكن لا يضر ذلك بصحته إذ لا يشترط عقلا في صحة توجيه الخطاب إمكان داعويته للمخاطب بل يكفي في صحته مقدورية متعلقه للمخاطب وتظهر نتيجة الخطاب وثمرته بعد الإتيان بالفعل ورفع النسيان عن الناسي فإنه يعرف حينئذ أنه كان ناسيا وأن الناسي كان يجب عليه الإتيان بما سوى المنسي وقد أتى به فلا شيء عليه فعلا من الإتيان به ثانيا إعادة أو قضاء.

(وبالجملة) إن الأمر بالصلاة أمر بالأجزاء والشرائط الكثيرة وهو متوجّه إلى الناس عامة فإذا كان دليل بعض الاجزاء لبيا وشك في ثبوته للناسي فالبراءة مما ترفعه وتكون حاكمة على دليل الصلاة تعيّنها للناسي في خصوص الأقل فلا يبقى موجب للإعادة أو القضاء عليه بعد رفع نسيانه أصلا.

(قوله عما شك في دخله مطلقا ... إلخ)

أي ولو في حال النسيان.

(قوله أو وجّه إلى الناسي خطاب يخصه بوجوب الخالي بعنوان آخر عام أو خاص لا بعنوان الناسي ... إلخ)

شروع في النحو الثاني من تصحيح توجيه الخطاب إلى الناسي بما سوى المنسي أي يوجه إلى الناسي خطاب يخصه ولا يشمل الذاكر لكن لا بعنوان الناسي بل بعنوان آخر عام يلازم الناسي مثل ان يقول أيها البلغمي أو بعنوان آخر خاص يختص بهذا الناسي بالخصوص مثل ان يقول يا صاحب القباء الأصفر يجب عليك كذا وكذا.

(قوله كما توهم لذلك استحالة تخصيص الجزئية أو الشرطية بحال الذّكر وإيجاب العمل الخالي عن المنسي على الناسي ... إلخ)

مقصوده من المتوهم هو الشيخ أعلى الله مقامه على ما تقدم لك شرح مختاره مفصلا فلا تغفل.

في زيادة الجزء عمدا أو سهوا

(قوله الثالث انه ظهر مما مر حال زيادة الجزء إذا شك في اعتبار عدمها شرطا أو شطرا في الواجب ... إلخ)

قد أشرنا في التنبيه الثاني أن الشيخ أعلى الله مقامه قد عقد مسائل ثلاث لبيان حكم الإخلال بالجزء نقيصة وزيادة.

(أحدها) لنقيصة الجزء سهوا.

(ثانيها) لزيادة الجزء عمدا.

(ثالثها) لزيادة الجزء سهوا فالمصنف تعرض نقيصة الجزء سهوا في التنبيه

المتقدم وجمع بين الزيادة العمدية والسهوية للجزء في هذا التنبيه الثالث (ثم إن) الشيخ أعلى الله مقامه (قال) في الزيادة العمدية للجزء (ما هذا لفظه) ثم الزيادة العمدية تتصور على وجوه.

(أحدها) أن يزيد جزءا من أجزاء الصلاة بقصد كون الزائد جزءا مستقلا كما لو اعتقد شرعا أو تشريعا ان الواجب في كل ركعة ركوعان كالسجود.

(الثاني) أن يقصد كون الزائد والمزيد عليه جزءا واحدا كما لو اعتقد أن الواجب في الركوع الجنس الصادق على الواحد والمتعدد.

(الثالث) أن يأتي بالزائد بدلا عن المزيد عليه بعد رفع اليد عنه اما اقتراحا كما لو قرأ سورة ثم بدا له في الأثناء أو بعد الفراغ وقرأ سورة أخرى لغرض ديني كالفضيلة أو دنيوي كالاستعجال وإما لإيقاع الأول على وجه فاسد (إلى أن قال) اما الزيادة على الوجه الأول فلا إشكال في فساد العبادة بها إذا نوى ذلك قبل الدخول في الصلاة أو في الأثناء لأن ما أتى به وقصد الامتثال به وهو المجموع المشتمل على الزيادة غير مأمور به وما أمر به وهو ما عدا تلك الزيادة لم يقصد الامتثال به واما الأخيران فمقتضى الأصل عدم بطلان العبادة فيهما لأن مرجع ذلك إلى الشك في مانعية الزيادة ومرجعها إلى الشك في شرطية عدمها وقد تقدم ان مقتضي الأصل فيه البراءة (انتهى) موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه (ومحصله) ان المتعمد في الزيادة.

(تارة) يأتي بالزائد بقصد كونه جزءا مستقلا إما عن جهل وقد أشار إليه بقوله كما لو اعتقد شرعا وإما عن تشريع وقد أشار إليه بقوله أو تشريعا.

(وأخرى) يأتي بالزائد بقصد كون الزائد والمزيد عليه جزءا واحدا.

(وثالثة) يأتي بالزائد بدلا عن المزيد عليه اما اقتراحا أو لإيقاع الأول فاسدا فالتعمد في الزيادة على الوجه الأول مبطل لأن ما أتى به وهو المجموع المشتمل على الزيادة لم يؤمر به وما أمر به لم يأت به دون التعمد على الوجهين الأخيرين لأن

مرجع الشك فيهما إلى الشك في شرطية عدم الزيادة والبراءة مما يقتضي عدمها (هذا كله) من أمر الشيخ في الزيادة العمدية.

(واما المصنف) فلم يؤشر إلى الوجهين الأخيرين وقد أشار فقط إلى الوجه الأول بقسميه من الجهل والتشريع كما انه قد أشار أيضا إلى قسمي الجهل من القصوري والتقصيري ولم يؤشر إليهما الشيخ ثم حكم المصنف في الكل بالصحّة حيث (قال) فيصح لو أتى به مع الزيادة عمدا تشريعا أو جهلا قصورا أو تقصيرا ... إلخ نظرا إلى كون المقام من الشك في جزئية عدم الزيادة أو شرطيته فيندرج في الأقل والأكثر الارتباطيين فتجري فيه البراءة الشرعية دون العقلية على مسلكه المتقدم الا في التشريع فحكم فيه بالبطلان في الجملة إذا كان المركب عبادة (وتفصيله) أن المشرع إن لم يقصد الامتثال إلا على تقدير دخل الزائد فيه فحينئذ تردد المصنف بين البطلان مطلقا وبين البطلان إذا لم يكن دخيلا واقعا فإنه في صورة الدخل واقعا لا قصور في الامتثال.

(نعم) في صورة بقاء الاشتباه على حاله وعدم العلم بالدخل يجب الإعادة لأنه قاصد للامتثال على تقدير والتقدير لم يعلم بحصوله (وأما إذا قصد الامتثال) على كل حال ولكنه مع قصده الامتثال كذلك قد شرّع في دخل الزائد في الواجب فالعمل صحيح فإنه مشرع في تطبيق ما أتى به مع المأمور به الواقعي وهو لا ينافي قصده الامتثال والتقرب به على كل حال.

(أقول)

لا وجه للتسوية بين الجهل والتشريع في الوجه الأول كما فعل الشيخ حيث حكم في الوجه الأول بالبطلان مطلقا مستندا إلى أن ما أتى به وقصد الامتثال به وهو المجموع المشتمل على الزيادة غير مأمور به وما أمر به وهو ما عدا تلك الزيادة لم يقصد الامتثال به ... إلخ (فإن الجاهل) وإن فرض كونه مقصرا يستحق العقاب على ترك تعلمه واعتقاده كون الزائد دخيلا في الواجب ولكنه قد أتى بما أمر به

وهو ما عدا تلك الزيادة في ضمن الإتيان بالمجموع غايته انه قد زاد على ما أمر به فإن كان المأمور به مشروطا بعدم الزيادة فقد بطل وإلا صح والمفروض انه لم يعلم اشتراطه به فتجري البراءة عنه ويبني على صحته (كما أنه) لا وجه لتفصيل المصنف في التشريع وتصحيح عمل المشرع في بعض الصور فإن المشرع هب انه قد يكون قاصدا للامتثال على كل حال ولكن مجرد ذلك مما لا يكفي في الصحة بعد اتصاف ما أتى به في الخارج بالقبح والمبعدية من جهة التشريع في ارتباط الزائد بالاجزاء الواجبة وارتباط الاجزاء الواجبة بالزائد.

(وبالجملة) إن المشرع في دخل الزائد في الواجب سواء أتى به بقصد كونه جزءا مستقلا أو بقصد كونه هو والمزيد عليه جزءا واحدا أو بقصد البدلية عن المزيد عليه بعد الإعراض ورفع اليد عن الأول عمله باطل غير صحيح (واما الإتيان) بالزائد جهلا ولو تقصيرا فلا يكاد يضر إذ المفروض أن اشتراط العمل بعدمه غير معلوم فتجري البراءة عنه فيصح ولا يفسد هذا تمام الكلام في الزيادة العمدية.

(واما الزيادة السهوية) فقد ألحقها الشيخ أعلى الله مقامه بالنقيصة السهوية فكما قال فيها بأصالة بطلان العمل بها نظرا إلى عموم ما دل على جزئية الجزء أو الشرط وشموله لحالتي الذّكر والنسيان جميعا ولأن الناسي غير قابل لتوجيه الخطاب إليه بما سوى المنسي فكذلك يقول بها في الزيادة السهوية إذ الكلام فيها مفروض في الزيادة التي تقدح عمدا كما صرح به وإلّا فما لا يقدح عمدا فسهوه أولى بعدم القدح (وعليه) فعموم ما دل على اشتراط العمل بعدم الزيادة وشموله لحالتي الذّكر والنسيان جميعا وهكذا عدم قابلية الناسي للخطاب بما سوى الشرط المنسي مما يقضيان بالبطلان (قال) أعلى الله مقامه (ما لفظه) المسألة الثالثة في ذكر الزيادة سهوا التي تقدح عمدا وإلّا فما لا يقدح عمدا فسهوها أولى بعدم القدح والكلام هنا كما في النقص نسيانا لأن مرجعه إلى الإخلال بالشرط نسيانا وقد عرفت أن حكمه البطلان ووجوب الإعادة (انتهى).

(واما المصنف) فهو أيضا ممن ألحق الزيادة السهوية بالنقيصة السهوية فكما قال في النقيصة السهوية إن مرجع الشك فيها إلى الشك في وجوب الجزء أو الشرط في حال النسيان فلا تجري البراءة العقلية وتجري الشرعية على مسلكه المتقدم في الأقل والأكثر الارتباطيين فكذلك يقول في الزيادة السهوية حرفا بحرف فلا تجري البراءة العقلية وتجري الشرعية أي عن اعتبار عدم الزيادة في حال النسيان (وقد أشار إلى ذلك) كله بقوله أو سهوا حيث عطفه على الزيادة عمدا في قوله فيصح لو أتى به مع الزيادة عمدا تشريعا أو جهلا قصورا أو تقصيرا أو سهوا ... إلخ.

(أقول)

نعم الحق هو إلحاق الزيادة السهوية بالنقيصة السهوية عينا فكل على مبناه وحيث انك قد عرفت منا أن الحق في النقيصة السهوية هو جريان البراءة عقلا ونقلا عن الجزئية أو الشرطية في حال النسيان إذا لم يكن لدليل الجزء أو الشرط إطلاق يشمل حالتي الذّكر والنسيان جميعا فكذلك في المقام تجري البراءة عن اعتبار عدم الزيادة السهوية في هذا الحال بلا زيادة ولا نقيصة.

(قوله مع عدم اعتباره في جزئيته وإلّا لم يكن من زيادته بل من نقصانه ... إلخ)

إشارة إلى ما اعتبره الشيخ أعلى الله مقامه في زيادة الجزء من عدم كون الجزء مما اعتبر فيه عدم الزيادة وإلا بأن أخذ بشرط عدم الزيادة فالزيادة عليه تكون من نقيصة الجزء لا من الزيادة بل لا بد وأن يكون الجزء مأخوذا لا بشرط الوحدة والزيادة.

(قوله وذلك لاندراجه في الشك في دخل شيء فيه جزءا أو شرطا إلى آخره)

علة لقوله ظهر مما مر حال زيادة الجزء ... إلخ.

(قوله فيصح لو أتى به مع الزيادة عمدا تشريعا أو جهلا ... إلخ)

إشارة إلى قسمي الوجه الأول من الوجوه المتقدمة للزيادة العمدية وقد أشرنا ان المصنف لم يؤشر إلى بقية الوجوه فتذكر.

(قوله أو سهوا ... إلخ)

إشارة إلى الزيادة السهوية التي عقد لها الشيخ أعلى الله مقامه مسألة مستقلة وقد أشرنا ان المصنف قد جمع في هذا التنبيه الثالث بين الزيادة العمدية والسهوية جميعا فلا تغفل.

(قوله وإن استقل العقل لو لا النقل بلزوم الاحتياط لقاعدة الاشتغال ... إلخ)

إشارة إلى ما تقدم من المصنف في الأقل والأكثر الارتباطيين من وجوب الاحتياط عقلا لعدم انحلال العلم الإجمالي وجريان البراءة شرعا لعموم أدلتها.

(قوله نعم لو كان عبادة وأتى به كذلك ... إلخ)

أي أتى به مع الزيادة عمدا تشريعا ... إلخ وهو استدراك عن قوله فيصح لو أتى به مع الزيادة عمدا تشريعا ... إلخ فحكم أولا بالصحّة مع الزيادة حتى عن عمد وتشريع ثم استثنى عن ذلك في الجملة وقد تقدم التفصيل فلا نعيد.

(قوله على نحو لو لم يكن للزائد دخل فيه لما يدعو إليه وجوبه ... إلخ)

أي لم يقصد الامتثال الا على تقدير دخل الزائد في الواجب.

(قوله لكان باطلا مطلقا أو في صورة عدم دخله فيه ... إلخ)

قد أشرنا فيما تقدم أن المصنف قد تردد فيما إذا لم يقصد الامتثال الا على تقدير دخل الزائد في الواجب بين البطلان مطلقا وبين البطلان فيما إذا لم يكن دخيلا واقعا فهذا هو ترديده عينا.

(قوله لعدم تصور الامتثال في هذه الصورة ... إلخ)

أي في صورة الدخل فلا تشتبه.

(قوله مع استقلال العقل بلزوم الإعادة مع اشتباه الحال لقاعدة الاشتغال ... إلخ)

هذا حكم صورة بقاء الاشتباه على حاله وعدم إحراز الدخل كي يكون صحيحا ولا عدم الدخل كي يكون باطلا فإذا لم يحرز الدخل ولا عدم الدخل استقل العقل بلزوم الإعادة فإنه قاصد للامتثال على تقدير دخل الزائد كما هو المفروض والتقدير لم يعلم بحصوله فيكون الشك حينئذ في الامتثال فيجب الاحتياط عقلا وقد أشرنا إلى ذلك كله فيما تقدم فتذكر.

(قوله واما لو أتى به على نحو يدعوه إليه على أي حال ... إلخ)

هذا في قبال قوله المتقدم نعم لو كان عبادة وأتى به كذلك على نحو لو لم يكن للزائد دخل فيه لما يدعو إليه وجوبه.

(قوله ولو كان مشرعا في دخله الزائد فيه بنحو مع عدم علمه بدخله إلى آخره)

أي ولو كان مشرعا في دخله الزائد في الواجب حتى مع دخله فيه واقعا حيث لم يعلم بدخله فيه وبني على دخله.

(قوله فإن تشريعه في تطبيق المأتي مع المأمور به وهو لا ينافى قصده الامتثال والتقرب به على كل حال ... إلخ)

علة لصحة الواجب مع التشريع فيما إذا قصد الامتثال على كل حال ولكنها إلى الفساد أقرب فإن المشرّع هب انه قد قصد الامتثال على كل حال ولكن مجرد ذلك مما لا يكفي في الصحة بعد اتصاف المأتي به بالقبح والمبعدية من جهة تشريعه في دخله الزائد فيه مع علمه بعدم دخله فيه أو مع عدم علمه بدخله فيه وقد أشرنا لي ذلك كله قبلا فلا تغفل.

(قوله ثم إنه ربما تمسك لصحة ما أتى به مع الزيادة باستصحاب الصحة وهو لا يخلو من كلام ونقض وإبرام ... إلخ)

(قال الشيخ) أعلى الله مقامه في المسألة الثانية التي عقدها للزيادة العمدية (ما لفظه) وقد يستدل على البطلان بأن الزيادة تغيير لهيئة العبادة الموظفة فتكون مبطلة وقد احتج به في المعتبر على بطلان الصلاة بالزيادة وفيه نظر لأنه إن أريد تغيير الهيئة المعتبرة في الصلاة فالصغرى ممنوعة لأن اعتبار الهيئة الحاصلة من عدم الزيادة أول الدعوى فإذا شك فيه فالأصل البراءة عنه وإن أريد انه تغيير للهيئة المتعارفة المعهودة للصلاة فالكبرى ممنوعة لمنع كون تغيير الهيئة المتعارفة مبطلا (قال) ونظير الاستدلال بهذا للبطلان في الضعف الاستدلال للصحة باستصحابها بناء على أن العبادة قبل هذه الزيادة كانت صحيحة والأصل بقائها وعدم عروض البطلان لها (ثم أطال الكلام) في النقض والإبرام حول تضعيف هذا الاستدلال للصحة وضعّفه لدى النتيجة بما لا يخلو عن ضعف.

(والأولى) في تضعيفه أن يقال إن أقصى ما صح أن يدعي في تقريب استصحاب الصحة هو أن المراد منه استصحاب صحة الاجزاء السابقة بمعنى أنها قبل الزيادة كانت بحيث لو انضم إليها الاجزاء اللاحقة التأمت معها وحصل الكل بالمجموع وبعد الزيادة يقع الشك في بقائها على هذه الصفة فتستصحب وحينئذ يرد عليه (انه لو كان) المراد من ذلك ان الاجزاء السابقة كانت بحيث لو انضم إليها تمام ما يعتبر في الواجب من الاجزاء والشرائط التأم معها وحصل الكل بالمجموع (فهذا حق) ولكن لم يعلم حينئذ انضمام التمام إليها إذ من المحتمل أن يكون من الشرائط عدم الزيادة ولم ينضم إليها إذ المفروض تحقق الزيادة (وإن كان) المراد منه ان الاجزاء السابقة كانت بحيث لو انضم إليها بقية الاجزاء المعلومة دون المشكوكة لالتأم معها وحصلها الكل بالمجموع (فهذا ممنوع) جدا إذ لم يكن لنا يقين كذلك كي تستصحب الصحة بهذا المعنى وهذا واضح.

(قوله ويأتي تحقيقه في مبحث الاستصحاب ... إلخ)

بل لا يأتي من المصنف تحقيقه أصلا لا في الاستصحاب ولا في غيره.

(نعم يأتي من الشيخ) تحقيقه ثانيا مضافا إلى ما حققه في المقام في التنبيه الثامن من تنبيهات الاستصحاب فراجع.

في تعذر الجزء أو الشرط

(قوله الرابع انه لو علم بجزئية شيء أو شرطيته في الجملة ودار الأمر بين أن يكون جزءا أو شرطا مطلقا ولو في حال العجز عنه وبين ان يكون جزءا أو شرطا في خصوص حال التمكن منه ... إلخ)

(قال) الشيخ أعلى الله مقامه (ما لفظه) إذا ثبت جزئية شيء أو شرطيته في الجملة فهل يقتضي الأصل جزئيته وشرطيته المطلقتين حتى إذا تعذر سقط التكليف بالكل أو المشروط أو اختصاص اعتبارهما بحال التمكن فلو تعذر لم يسقط التكليف وجهان بل قولان للأول أصالة البراءة من الفاقد وعدم ما يصلح لإثبات التكليف به كما سنبين ولا يعارضها استصحاب وجوب الباقي لأن وجوبه كان مقدمة لوجوب الكل فينتفي بانتفائه وثبوت الوجوب النفسيّ له مفروض الانتفاء (انتهى) موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه (ومحصله) أن عند تعذر الجزء أو الشرط تجري البراءة عن وجوب الباقي ولا يجري استصحاب وجوب الباقي فإنه من القسم الثالث من استصحاب الكلي فإن الوجوب الّذي كان ثابتا للباقي قبل تعذر الجزء أو الشرط كان مقدميا أي للكل والوجوب الّذي شك في حدوثه فعلا مقارنا لارتفاع الأول نفسي فلا يستصحب القدر المشترك بينهما لما سيأتي من المنع الأكيد عن هذا القسم من استصحاب الكلي.

(أقول)

إن الشيخ أعلى الله مقامه في نقيصة الجزء أو الشرط سهوا كان يرى ان تلك المسألة من صغريات الأقل والأكثر غير انه منعه عن البراءة عن الجزئية أو الشرطية في حال النسيان امران.

(أحدهما) إطلاق دليل الجزء أو الشرط.

(وثانيهما) عدم قابلية الناسي لتوجيه الخطاب إليه بما سوى المنسي وشيء من الأمرين مما لا يوجد في المقام.

(اما الأول) فلكون البحث مفروضا فيما إذا لم يكن لدليل الجزء أو الشرط المتعذر إطلاق كما أشار إليه بقوله المتقدم إذا ثبت جزئية شيء أو شرطيته في الجملة (واما الثاني) فلضرورة صحة توجيه الخطاب إلى من عجز عن جزء لو شرط خاص بإتيان الباقي ومع ذلك لم يقل في المقام بالبراءة عن الجزء أو الشرط المتعذر في حال تعذره بل قال بالبراءة عن وجوب الباقي مع ان الملاك فيهما واحد والسّر واضح.

(نعم) إن المصنف هناك كان يرى ان تلك المسألة من صغريات الأقل والأكثر وأجري البراءة النقليّة عن الجزء أو الشرط المنسي دون العقلية على مسلكه الخاصّ في الأقل والأكثر وفي المقام أيضا يرى المسألة من صغريات الأقل والأكثر غير انه منعه عن البراءة النقليّة فيها كما سيأتي التصريح منه ان حديث الرفع هو في مقام الامتنان ولا امتنان في رفع الجزء أو الشرط المتعذر في حال تعذره وذلك لما يثبت به من تعلق التكليف بالباقي ولكن ستعرف ما في ذلك من الضعف والوهن فانتظر.

(وبالجملة) الحق انه إذا تعذر جزء أو شرط ولم يكن لدليله إطلاق يشمل حالتي القدرة والعجز جميعا بأن كان الدليل لبيا كالإجماع لا إطلاق له وشك في جزئيته أو شرطيته في هذا الحال جرت البراءة عقلا ونقلا عن جزئيته أو شرطيته

في هذا الحال وتكون البراءة حاكمة على دليل الصلاة رافعة لإجمالها وترددها بين الأقل والأكثر وتعيّنها في الأقل بالنسبة إلى العاجز عن الجزء أو الشرط في حال عجزه وعدم قدرته ومعها لا يكاد يبقى مجال للبراءة عن الباقي التي تمسك بها الشيخ أعلى الله مقامه لأنها مسببية والبراءة عن الجزئية أو الشرطية في هذا الحال سببية وهذا واضح وهكذا لا يبقى مجال لاستصحاب وجوب الباقي ان تمت أركانه لعين الملاك المذكور في البراءة عن الباقي فتفطن.

(قوله ولم يكن هناك ما يعيّن أحد الأمرين من إطلاق دليل اعتباره جزءا أو شرطا أو إطلاق دليل المأمور به مع إجمال دليل اعتباره أو إهماله إلى آخره)

(فان كان) لدليل اعتبار الجزء أو الشرط إطلاق يشمل حالتي القدرة والعجز جميعا تعين كون الجزء أو الشرط المتعذر جزءا أو شرطا مطلقا ولو في حال التعذر فيسقط حينئذ التكليف بالكل أو بالمشروط إلّا إذا أخذنا بقاعدة الميسور فتكون حاكمة على إطلاق دليل الجزء أو الشرط حاصرة لجزئيته أو شرطيته بحال القدرة فقط دون العجز (وأما إذا لم يكن) له إطلاق بل كان الدليل المأمور به كالصلاة ونحوها إطلاق بأن قلنا بالأعم وكان الجزء أو الشرط المتعذر مما لا دخل له في الماهية والمسمى أصلا فحينئذ عند تعذر هذا الجزء أو الشرط يتمسك بإطلاق دليل المأمور به فيثبت به وجوب الباقي بلا حاجة إلى قاعدة الميسور أو استصحاب وجوبه أبدا (وقد أشار الشيخ) أعلى الله مقامه إلى اعتبار فقد كلا الإطلاقين في المقام (اما إلى فقد) إطلاق دليل الجزء أو الشرط المتعذر فبقوله المتقدم إذا ثبت جزئية شيء أو شرطيته في الجملة ... إلخ (واما إلى فقد) إطلاق دليل المأمور به (فقد قال) بعد عبارته المتقدمة (ما لفظه) نعم إذا ورد الأمر بالصلاة مثلا وقلنا بكونها اسما للأعم كان ما دل على اعتبار الاجزاء الغير المقومة فيه من قبيل التقييد فإذا لم يكن للقيد إطلاق بأن قام الإجماع على جزئيته في الجملة أو على وجوب

المركب من هذا الجزء في حق القادر عليه كان القدر المتيقن منه ثبوت مضمونه بالنسبة إلى القادر واما العاجز فيبقى إطلاق الصلاة بالنسبة إليه سليما عن المقيد ومثل ذلك الكلام في الشروط (انتهى) موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه.

(قوله لاستقل العقل بالبراءة عن الباقي ... إلخ)

(وفيه) انه لو تم ذلك ولم تجر البراءة عن الجزئية أو الشرطية الواردة على البراءة عن الباقي لكونها سببية كما أشير آنفا لاستقل العقل والنقل جميعا بالبراءة عن الباقي لا خصوص العقل فقط إذ كلما جرت البراءة العقلية جرت الشرعية بلا شبهة ولا عكس كما في الأقل والأكثر على مختار المصنف فجرت فيهما الشرعية دون العقلية وان كان ذلك خلاف التحقيق وكان المختار تبعا للشيخ جريانهما جميعا.

(قوله لا يقال نعم ولكن قضية مثل حديث الرفع عدم الجزئية أو الشرطية الا في حال التمكن منه ... إلخ)

(وحاصل الإشكال) انه نعم يستقل العقل بالبراءة عن وجوب الباقي ولكن حديث الرفع يقتضي رفع الجزئية أو الشرطية في حال التعذر فيجب الباقي (وحاصل الجواب) كما أشير قبلا ان حديث الرفع وارد في مقام الامتنان ولا امتنان في رفع الجزئية أو الشرطية في حال العجز نظرا إلى ما يثبت به من وجوب الباقي (وفيه) ان أخبار البراءة مما لا تنحصر بحديث الرفع فقط الّذي فيه كلمة عن أمتي كي ربما يستفاد منها الرفع الامتناني بل لنا حديث السعة والحجب وغيرهما مما ليس فيه دلالة على الامتنان أصلا فتجري البراءة عقلا ونقلا عن الجزئية أو الشرطية في حال العجز وتكون واردة على البراءة عن الباقي لأن الأول سببي والثاني مسببي كما أشير غير مرة.

(قوله نعم ربما يقال بأن قضية الاستصحاب في بعض الصور وجوب الباقي في حال التعذر أيضا ولكنه لا يكاد يصح إلا بناء على صحة القسم الثالث من استصحاب الكلي أو على المسامحة في تعيين الموضوع في الاستصحاب إلى آخره)

استدراك عن قوله لاستقل العقل بالبراءة عن الباقي أي نعم ربما يقال في قبال البراءة عن الباقي بأن قضية الاستصحاب فيما إذا كان المكلف مسبوقا بالقدرة هو وجوب الباقي (قال الشيخ) أعلى الله مقامه في قبال قوله المتقدم وجهان بل قولان للأول أصالة البراءة من الفاقد (ما لفظه) وللقول الثاني استصحاب وجوب الباقي إذا كان المكلف مسبوقا بالقدرة بناء على ان المستصحب هو مطلق الوجوب بمعنى لزوم الفعل من غير التفات إلى كونه لنفسه أو لغيره أو الوجوب النفسيّ المتعلق بالموضوع الأعم من الجامع لجميع الاجزاء والفاقد لبعضها بدعوى صدق الموضوع عرفا على هذا المعنى الأعم الموجود في اللاحق ولو مسامحة فإن العرف يطلقون على من عجز عن السورة بعد قدرته عليها ان الصلاة كانت واجبة عليه حال القدرة على السورة ولا يعلم بقاء وجوبها بعد العجز عنها ولو لم يكف هذا المقدار في الاستصحاب لاختلف جريانه في كثير من الاستصحابات مثل استصحاب كثرة الماء وقلّته فإن الماء المعين الّذي أخذ بعضه أو زيد عليه يقال انه كان كثيرا أو قليلا والأصل بقاء ما كان مع أن هذا الماء الموجود لم يكن متيقن الكثرة أو القلة وإلا لم يعقل الشك فيه فليس الموضوع فيه الا أعم من هذا الماء مسامحة في مدخلية الجزء الناقص أو الزائد في المشار إليه ولذا يقال في العرف هذا الماء كان كذا وشك في صيرورته كذا من غير ملاحظة زيادته ونقيصته (انتهى) موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه (ومحصله) ان استصحاب وجوب الباقي مبني على أحد الوجهين.

(إما على القسم الثالث) من استصحاب الكلي كما تقدم في صدر البحث فإن الوجوب الّذي كان ثابتا للباقي قبل تعذر الجزء أو الشرط كان مقدميا أي

للكل والوجوب الّذي شك في حدوثه فعلا مقارنا لارتفاع الأول نفسي (وإما على المسامحة العرفية) في بقاء الموضوع وعينيته مع الموضوع السابق قبل التعذر (ثم إنه أعلى الله مقامه) تعرض ثانيا حال استصحاب وجوب الباقي في التنبيه الحادي عشر من تنبيهات الاستصحاب بنحو أبسط فحاول فيه إدراجه في القسم الجائز من القسم الثالث من استصحاب الكلي وهو ما يتسامح فيه العرف فيعدون الفرد اللاحق مع الفرد السابق كالمستمر الواحد مثل ما لو علم السواد الشديد في محل وشك في تبدله بالبياض أو بسواد أضعف فإنه يستصحب السواد (ثم شرع أعلى الله مقامه) في ذكر الوجه الثاني وهو المسامحة العرفية في بقاء الموضوع وعينيته مع الموضوع الأول قبل تعذر الجزء أو الشرط.

(ثم زاد وجها ثالثا) هناك وهو إدراج استصحاب وجوب الباقي في القسم الثاني من استصحاب الكلي نظير الشك في بقاء الحيوان من جهة تردده بين البق والفيل بدعوى ان الوجوب المتعلق بالمركب مردد بين تعلقه به على ان يكون الجزء المتعذر جزءا له مطلقا فيسقط الوجوب بتعذره أو على ان يكون جزءا له في حال الاختيار فقط فيبقى التكليف بالباقي على حاله (والفرق) بين هذه الوجوه الثلاثة ان استصحاب وجوب الباقي على الوجه الأول يكون من القسم الثالث من استصحاب الكلي وعلى الوجه الثاني يكون من استصحاب شخص الوجوب الأول بدعوى بقاء الموضوع عرفا مسامحة وعلى الوجه الثالث يكون من القسم الثاني من استصحاب الكلي.

(أقول)

وأحسن ما قيل في هذا المقام هو قياس وجوب الباقي في المسألة بالبياض المنبسط على جسم طويل إذا انفصل منه جزء وصار قصيرا فكما ان البياض الباقي في الجسم القصير هو عين ذلك البياض الأول الّذي كان منبسطا على الجسم الطويل غايته انه قد ذهب بعضه بذهاب بعض معروضه فتبدل حده بحد آخر فكذلك الوجوب

المنبسط في المقام على المركب التام إذا تعذر بعض أجزائه فيكون الوجوب في المركب الناقص هو عين الوجوب الأول الّذي كان منبسطا على المركب التام غايته انه قد تبدل حده بحد آخر (ومن هنا يظهر) أن استصحاب وجوب الباقي في المقام ليس من القسم الثالث من استصحاب الكلي ولا من القسم الثاني بل هو من قبيل استصحاب الشخص أي شخص الوجوب السابق المتعلق بالمركب بناء على المسامحة العرفية في بقاء الموضوع وان المركب الفعلي المتعذر جزئه أو شرطه هو عين المركب السابق في نظر العرف من قبيل نقص شيء يسير من الماء الغير المضر باستصحاب الكرية.

(قوله ويأتي تحقيق الكلام فيه في غير المقام ... إلخ)

أي يأتي تحقيق الكلام في تعيين موضوع الاستصحاب وان المرجع في تعيينه هو نظر العرف دون العقل ولا لسان الدليل في أواخر الاستصحاب إن شاء الله تعالى فانتظر

في قاعدة الميسور

(قوله كما أن وجوب الباقي في الجملة ربما قيل بكونه مقتضى ما يستفاد من قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم وقوله الميسور لا يسقط بالمعسور وقوله ما لا يدرك كله لا يترك كله ... إلخ)

إشارة إلى القاعدة الثانوية المشتهرة بقاعدة الميسور بمعنى ان مقتضي القاعدة في تعذر الجزء أو الشرط وإن كان هو البراءة عن الباقي عند الشيخ والمصنف جميعا وان كان ذلك خلاف التحقيق عندنا وقد مر التفصيل ولكن مقتضي قاعدة الميسور المستفادة من النبوي والعلويين هو وجوب الباقي في الجملة أي فيما عدّ الفاقد للجزء أو الشرط ميسورا للواجد على التفصيل الآتي (قال الشيخ) أعلى الله مقامه بعد الفراغ عن التكلم حول استصحاب وجوب الباقي الّذي كان مدركا للقول الثاني

في المسألة (ما لفظه) ويدل على المطلب أيضا أي على وجوب الباقي النبوي والعلويان المرويان في غوالي اللئالي (فعن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم (وعن علي عليه‌السلام) الميسور لا يسقط بالمعسور وما لا يدرك كله لا يترك كله (ثم قال) وضعف أسنادها مجبور باشتهار التمسك بها بين الأصحاب في أبواب العبادات كما لا يخفى على المتتبع (وقال) في أواخر المسألة ولذا شاع بين العلماء بل بين جميع الناس الاستدلال بها في المطالب حتى انه يعرفه العوام بل النسوان والأطفال (انتهى).

(قوله ودلالة الأول مبنية على كون كلمة من تبعيضية لا بيانية ولا بمعنى الباء ... إلخ)

(قال الشيخ) أعلى الله مقامه نعم قد يناقش في دلالتها اما الأولى فلاحتمال كون من بمعنى الباء أو بيانيا وما مصدرية زمانية (ثم ردّه) بقوله وفيه ان كون من بمعنى الباء مطلقا وبيانية في خصوص المقام مخالف للظاهر بعيد كما لا يخفى على العارف بأساليب الكلام (انتهى) (ومحصل المناقشة) ان من المحتمل أن تكون كلمة (من) في قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ... إلخ بمعنى الباء وتكون كلمة (ما) في قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله ما استطعتم مصدرية أي فأتوا به ما دمتم تستطيعون وعلى هذا الاحتمال تكون الرواية أجنبية عن قاعدة الميسور جدا (كما أن من المحتمل) أن تكون (من) بيانية أي لكلمة الشيء وما مصدرية أيضا أي فأتوا ذلك الشيء ما دمتم تستطيعون وعلى هذا الاحتمال أيضا تكون الرواية أجنبية عن قاعدة الميسور (ومحصل الرد) أن (من) بمعنى الباء مطلقا أي في كل مقام وبيانيا في خصوص المقام خلاف الظاهر وإن ورد بيانيا في غير مقام كما في قوله تعالى فاجتنبوا الرجس من الأوثان (وعليه) فتكون كلمة (من) تبعيضية لا بيانية ولا بمعنى الباء.

(قوله وظهورها في التبعيض وان كان مما لا يكاد يخفى إلا أن كونه بحسب الأجزاء غير واضح ... إلخ)

ومن هنا يتضح لك ضعف ما يظهر من الشيخ أعلى الله مقامه من تمامية دلالة الأولى حتى انه قال في خاتمة الجواب عن المناقشة المتقدمة (ما لفظه) والحاصل ان المناقشة في ظهور الرواية من اعوجاج الطريقة في فهم الخطابات العرفية (انتهى) والحق ما أفاده المصنف من عدم وضوح كونها للتبعيض بحسب الأجزاء كي يتم دلالته إذ من المحتمل أن تكون للتبعيض بحسب الأفراد لا الأجزاء (ومن هنا) قد استدل بالحديث الشريف للقول بالتكرار على ما يظهر من المحقق صاحب الحاشية وغيره في قبال القول بالمرة وفي قبال القول بالطبيعة فلو لا استفادتهم من كلمة (من) التبعيض بحسب الأفراد لما استدلوا بها لهذا القول.

(قوله ولو سلم فلا محيص عن أنه هاهنا بهذا اللحاظ يراد حيث ورد جوابا عن السؤال عن تكرار الحج بعد أمره به ... إلخ)

أي ولو سلم ظهور كلمة (من) في التبعيض بحسب الأجزاء فلا محيص عن أنه في هذا الحديث بلحاظ الأفراد يراد لما روي من وروده جوابا عن السؤال عن تكرار الحج (قال في الفصول) في بحث المرة والتكرار (ما لفظه) روي أنه خطب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال إن الله كتب عليكم الحج فقام عكاشة ويروي سراقة بن مالك فقال في كل عام يا رسول الله فأعرض عنه حتى أعاد مرتين أو ثلاثا فقال ويحك وما يؤمنك أن أقول نعم والله لو قلت نعم لوجب ولو وجب ما استطعتم ولو تركتم لكفرتم فاتركوني ما تركتكم وإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم إلى أنبيائهم فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم (انتهى) والظاهر ان المراد من عدم الاستطاعة في قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله ولو وجب ما استطعتم ... إلخ بقرينة قوله ولو تركتم لكفرتم ليس معناه الحقيقي فإن ترك ما لا يستطاع مما لا يوجب الكفر قطعا بل هو العسر والمشقة أي لو قلت نعم لوجب في

كل عام ولو وجب لتعسر عليكم ولو تركتم لكفرتم ولكن إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه مكررا مرة بعد مرة ما دمتم في غير عسر ولا مشقة

(قوله ومن ذلك ظهر الإشكال في دلالة الثاني أيضا حيث لم يظهر في عدم سقوط الميسور من الأجزاء بمعسورها ... إلخ)

وتقرير الإشكال في دلالة الثاني على نحوين.

(أحدهما) ما قرره المصنف مما محصله انه لم يظهر بعد ان المراد من عدم سقوط الميسور بالمعسور هل هو عدم سقوط الميسور من أجزاء المركب بمعسورها أو عدم سقوط الميسور من أفراد العام بميسورها.

(ثانيهما) ما حكاه الشيخ أعلى الله مقامه بلفظة (وقيل) (ومحصله) أن المراد من قوله عليه‌السلام الميسور لا يسقط بالمعسور أي الحكم الثابت للميسور لا يسقط بسقوط الحكم الثابت للمعسور فيكون الحديث الشريف لدفع توهم السقوط في الأحكام المستقلة التي يجمعها دليل واحد كما في أكرم العلماء المنحل إلى أحكام مستقلة متعددة بتعدد العلماء فإذا تعذر إكرام عالم وسقط وجوبه لم يسقط وجوب إكرام عالم آخر.

(أقول)

(اما التقرير الأول) فيرد عليه أن الموصول في الميسور وهو الألف واللام عام يشمل كلا من أجزاء المركب وأفراد العام جميعا ولا وجه لتضييق دائرته وتخصيصه بأحدهما خاصة كي يدور الأمر بينهما ويشكل التمسك به للمقام والمعنى هكذا أي كل أمر ميسور سواء كان من أجزاء المركب أو من أفراد العام هو لا يسقط بالمعسور.

(واما التقرير الثاني) فيرد عليه أيضا أن الموصول في الميسور كما أشير آنفا عام يشمل كلا من الحكم والمتعلق والموضوع جميعا أي كل امر ميسور سواء كان حكما من وجوب أو حرمة ونحوهما أو متعلقا للحكم كأجزاء الصلاة في قوله أقم

الصلاة أو موضوعا للحكم كالعلماء في قوله أكرم العلماء مما لا يسقط بالمعسور غايته ان عدم سقوط كل بحسبه فعدم سقوط الحكم يكون بعدم سقوط نفسه وعدم سقوط كل من المتعلق والموضوع يكون بعدم سقوط حكمه.

(قوله هذا مضافا إلى عدم دلالته على عدم السقوط لزوما لعدم اختصاصه بالواجب ولا مجال معه لتوهم دلالته على انه بنحو اللزوم ... إلخ)

هذا إشكال آخر في دلالة الثاني قد أورده المصنف من عند نفسه (وحاصله) أن قوله عليه‌السلام الميسور لا يسقط بالمعسور مما لا يدل على عدم السقوط بنحو اللزوم كي يدل على المطلوب من وجوب الإتيان بالباقي عند تعذر جزء من أجزاء المركب أو شرط من شرائطه وذلك لعدم اختصاصه بالواجبات فقط بل يشمل المستحبات أيضا ومع عدم اختصاصه بها لا مجال لتوهم دلالته على عدم السقوط بنحو اللزوم (ثم إن المصنف) قد أجاب عن ذلك بقوله الآتي إلا أن يكون المراد إلى آخره (وحاصله) أن المراد من عدم سقوط الميسور عدم سقوطه بما له من الحكم وجوبا كان أو ندبا كما ان الظاهر من قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا ضرر ولا ضرار هو نفي ما للضرر من الحكم تكليفيا كان أو وضعيا لا عدم سقوط الميسور بنفسه وبقائه بعينه في عهدة المكلف كي لا يشمل المستحبات على وجه أي إذا كان عدم السقوط لا بنحو اللزوم أو لا يشمل الواجبات على وجه آخر أي إذا كان عدم السقوط لا بنحو اللزوم (وفيه) انه لو فرض ان المراد من عدم سقوط الميسور عدم سقوطه بنفسه فهو مع ذلك مما يشمل الواجبات والمستحبات جميعا من غير حاجة إلى الالتزام بعدم سقوطه بما له من الحكم بمعنى أن نفس الميسور باق على حاله سواء كان واجبا أو مستحبا فإن كان واجبا فهو باق على حاله أي واجب وإن كان مستحبا فهو باق على حاله أي مستحب ولعله إليه أشار أخيرا بقوله فافهم.

(قوله فافهم ... إلخ)

قد أشير الآن إلى وجه قوله فافهم فلا تغفل.

(قوله وأما الثالث فبعد تسليم ظهور كون الكل في المجموعي لا الأفرادي لا دلالة له الا على رجحان الإتيان بباقي الفعل المأمور به ... إلخ) قد أشكل في دلالة الثالث على ما يظهر من رسائل شيخنا الأنصاري أعلى الله مقامه من وجوه أربعة.

(أحدها) ان جملة لا يترك خبرية لا يفيد إلّا الرجحان لا الحرمة كي تدل على المطلوب من وجوب الإتيان بالباقي.

(ثانيها) انه لو سلم ظهورها في الحرمة فالامر يدور بين حمل الجملة الخبرية على مطلق المرجوحية لتلائم عموم الموصول الشامل للواجبات والمندوبات جميعا وبين تخصيص الموصول وإخراج المندوبات عنه ليلائم ظهور الجملة الخبرية في الحرمة ولا ترجيح لأحدهما على الآخر.

(ثالثها) انه لم يعلم كون جملة لا يترك إنشاء ولعلها إخبار عن طريقة الناس وأنهم لا يتركون جميع الشيء بمجرد عدم درك مجموعه.

(رابعها) انه من المحتمل ان يكون لفظ الكل في قوله عليه‌السلام ما لا يدرك كله للعموم الأفرادي فيختص بعام له أفراد كالفقيه في قولك أكرم كل فقيه أو العالم في قولك أكرم كل عالم وهكذا لا العموم المجموعي ليختص بمركب له أجزاء كالصلاة ونحوها ليستدل به في المقام (ثم إن المصنف) قد أشكل بعد ما أشار إلى الوجه الرابع بقوله فبعد تسليم ظهور كون الكل في المجموعي لا الأفرادي إلى آخره من وجه خامس وهو عدم دلالته إلا على رجحان الإتيان بالباقي من ناحية ظهور الموصول في العموم وشموله لكل من الواجبات والمستحبات جميعا (ثم صار بصدد) دفع ما قد يقال من أن ظهور جملة لا يترك في وجوب الإتيان بالباقي قرينة على اختصاص الموصول بالواجبات فقط (فدفعه) بما حاصله ان ظهور الجملة في وجوب الإتيان بالباقي لو سلم فهو مما لا يوجب اختصاص الموصول بالواجبات فقط لو لم يكن ظهور الموصول في العموم قرينة على إرادة

خصوص الكراهة أو مطلق المرجوحية من الجملة فبالنتيجة يتعارضان الظهوران ولا يبقى للجملة ظهور في الوجوب أصلا وان كانت هي ظاهرة فيه في غير المقام ونتيجة هذا الدفع هو التنزل عن الوجه الخامس إلى الوجه الثاني وهو دوران الأمر بين حمل الجملة على مطلق المرجوحية وبين تخصيص الموصول وإخراج المندوبات عنه ولا ترجيح لأحدهما على الآخر.

(أقول)

(اما الوجه الأول) فيرد عليه ما تقدم في محله من ظهور الجملة الخبرية في الوجوب كصيغة الأمر بعينها بل وهي أشد ظهورا.

(واما الوجه الثاني) فيرد عليه كما يظهر من الشيخ أعلى الله مقامه ان ظهور جملة لا يترك في الحرمة هو أقوى من عموم الموصول المخصص لا محالة بالمباحات بل المحرمات عموما (مضافا) إلى ان حمل الجملة الخبرية على مطلق المرجوحية مما لا محصل له بل الصحيح بعد المصير إلى الحمل هو حملها على الكراهة وذلك لأن صيغة الأمر وهكذا صيغة النهي وما بمعناهما من الجمل الخبرية مما لا يمكن استعمالها في القدر المشترك بين الوجوب والاستحباب أو بين الحرمة والكراهة بحيث ينشأ بها القدر الجامع فإن الجنس المشترك مما لا يعقل تحققه في الخارج إلا مع أحد الفصول المقومة له وفي ضمن أحد الأنواع فكما لا يتحقق الحيوان في الخارج إلا في ضمن الإنسان أو الحمار ونحوهما فكذلك طلب الفعل أو الترك مما لا يتحقق في الخارج ولا ينشأ بالصيغة إلا في ضمن الوجوب أو الاستحباب أو في ضمن الحرمة أو الكراهة وقد أشرنا إلى ذلك كله في بحث الفور والتراخي فتذكر.

(واما الوجه الثالث) فلم يكن قابلا للذكر فضلا عن التصدي لجوابه غير أن الشيخ ذكره وأجاب عنه (قال) واما احتمال كونه إخبارا عن طريقة الناس فمدفوع بلزوم الكذب أو إخراج أكثر وقائعهم (انتهى).

(وأما الوجه الرابع) فيرد عليه (مضافا) إلى ما تقدم منا في صدر العام

والخاصّ من عدم اختصاص العموم المجموعي بمركب له أجزاء بل قد يتفق ذلك في عام له أفراد أيضا كما إذا قال أكرم كل عالم وعلمنا من الخارج أن المطلوب فيه هو إكرام المجموع من حيث المجموع كما لا يختص العموم الأفرادي أي الاستغراقي المنحل إلى مطلوبات عديدة مستقلة غير مرتبطة بعضها ببعض بعام له أفراد بل قد يتفق ذلك في مركب له أجزاء أيضا كما إذا قال كل كل السمكة وعلمنا من الخارج أن أكل كل جزء منه مطلوب مستقل بحيث إذا أكل بعضا وترك بعضا فقد امتثل وعصى.

(أن لفظ الكل الأول) في الحديث الشريف ما لا يدرك كله لا يترك كله لا بد وأن يكون للعموم المجموعي والثاني للأفرادي وإلا لم يستقم المعنى والمعنى هكذا أي ما لا يدرك مجموعه من حيث المجموع لا يترك جميعه والفرق بين المجموع والجميع انه إذا أتى ببعض وترك بعضا فقد ترك المجموع ولم يترك الجميع وهذا واضح.

(قوله وليس ظهور لا يترك في الوجوب لو سلم ... إلخ)

وكأنه أشار بقوله لو سلم إلى الوجه الأول من الوجوه الأربعة المتقدمة للإشكال أي منع دلالة الجملة الخبرية على الحرمة وهو في غير محله بعد ما اعترف في مباحث الألفاظ في الصيغة بظهورها في الوجوب والحرمة كظهور الصيغة فيهما عينا بل صرح بأظهريتها منها كما لا يخفى فراجع.

(قوله ثم انه حيث كان الملاك في قاعدة الميسور هو صدق الميسور على الباقي عرفا كانت القاعدة جارية مع تعذر الشرط أيضا ... إلخ)

(قال الشيخ) أعلى الله مقامه وأما الكلام في الشروط فنقول إن الأصل فيها ما مر في الاجزاء أي من حيث اقتضائه عدم وجوب الباقي عند تعذر أحدها (إلى أن قال) واما القاعدة المستفادة من الروايات المتقدمة يعني بها قاعدة الميسور فالظاهر عدم جريانها يعني عند تعذر أحد الشروط.

(اما الأولى والثالثة) فاختصاصهما بالمركب الخارجي واضح.

(واما الثانية) فلاختصاصها كما عرفت سابقا بالميسور الّذي كان له مقتض للثبوت حتى ينفي كون المعسور سببا لسقوطه ومن المعلوم أن العمل الفاقد للشرط كالرقبة الكافرة مثلا لم يكن المقتضي للثبوت فيه موجودا حتى لا يسقط بتعسر الشرط وهو الإيمان (هذا) ولكن الإنصاف جريانها في بعض الشروط التي يحكم العرف ولو مسامحة باتحاد المشروط الفاقد لها مع الواجد لها ألا ترى ان الصلاة المشروطة بالقبلة أو الستر أو الطهارة إذا لم يكن فيها هذه الشروط كانت عند العرف هي التي فيها هذه الشروط فإذا تعذر أحد هذه صدق الميسور على الفاقد لها ولو لا هذه المسامحة لم يجر الاستصحاب بالتقريب المتقدم يعني به ما تقدم في تقريب استصحاب كثرة الماء وقلته عند ما أخذ بعضه أو زيد عليه نعم لو كان بين واجد الشرط وفاقده تغاير كلي في العرف نظير الرقبة الكافرة بالنسبة إلى المؤمنة أو الحيوان الناهق بالنسبة إلى الناطق وكذا ماء غير الرمان بالنسبة إلى ماء الرمان لم تجر القاعدة المذكورة (انتهى) موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه (وملخصه) أن الرواية الأولى والثالثة مختصتان بالمركب الخارجي والظاهر ان ذلك للتبعيض المستفاد من كلمة منه في الأولى ولفظ الكل الواقع في الثالثة فانهما ظاهران في المركب الخارجي دون المركب العقلي كالمقيد والتقيد فإن تركبهما عقلي وكل منهما جزء تحليلي كما تقدم غير مرة.

(واما الرواية الثانية) فتختص بما إذا صدق الميسور على الفاقد ولا يصدق على فاقد الشرط انه ميسور ذلك الواجد عرفا (ثم اعترف) أخيرا بصدق الميسور على الفاقد لبعض الشروط فتجري القاعدة فيه فيكون محصل الجميع هو التفصيل في الشروط فالمطلق والمشروط إن كانا متغايرين تغايرا كليا كالماء وماء الرمان لم تجر قاعدة الميسور عند تعذر الشرط أصلا وإن لم يكونا متغايرين كذلك بل صدق عرفا على الفاقد للشرط أنه ميسور ذلك الواجد جرت قاعدة الميسور عند تعذر

الشرط لا محالة (هذا كله) من أمر الشيخ أعلى الله مقامه.

(وأما المصنف) فقد اختار جريان القاعدة عند تعذر الشرط مطلقا نظرا إلى أن الملاك في جريانها صدق الميسور على الفاقد عرفا وهو صادق عليه كذلك مطلقا

(أقول)

أما الرواية الأولى فقد عرفت أنه لم تتم دلالتها سيما بعد ما تقدم من ورودها جوابا عن السؤال عن تكرار الحج ولكن على تقدير دلالتها لا وجه لاختصاصها بالمركب الخارجي وهكذا الأمر في الرواية الثالثة أيضا إذ ليس المدار في جريانهما على المداقة العقلية وان هذا مركب خارجي وذاك مركب عقلي بل المدار على صدق عنوانهما (ومن المعلوم) أن عند تعذر بعض الشروط كالستر أو القبلة ونحوهما للصلاة إذا لم يأت المكلف بالمشروط صدق عليه عرفا انه لم يأت بما استطاع مما أمر به أو انه لم يدرك الكل فترك الكل وهو مما يكفي في جريانهما فيجريان كما تجري الرواية الثانية عينا.

(واما تفصيل الشيخ) أعلى الله مقامه أخيرا في الشروط ففي محله (والعجب) انه عند الشك في الشرطية قال بالبراءة عن الشرط مطلقا وفي المقام فصّل بين تعذر شرط وشرط (كما أن المصنف) عند الشك في الشرطية فصّل بين شرط وشرط وفي المقام لم يفصل أصلا بل قال بجريان القاعدة مطلقا.

(وبالجملة) الحق هو التفصيل في كلا المقامين جميعا فإن كان المطلق والمشروط متباينين أجنبيين كالماء وماء الرمان أو الحيوان والحيوان الناطق لم تجر البراءة هناك عند الشك في الشرط بل يحتاط ولا قاعدة الميسور هاهنا عند تعذر الشرط بل يسقط الباقي رأسا وإن لم يكونا متباينين كذلك بل كانا من قبيل الأقل والأكثر جرت البراءة هناك عند الشك في الشرط وجرت قاعدة الميسور هاهنا عند تعذر الشرط فتأمل جيدا.

(قوله لصدقه حقيقة عليه مع تعذره عرفا ... إلخ)

قوله عرفا تمييز للصدق (ومنه يتضح) أن كلمة حقيقة زائدة وكان الصحيح أن يقول لصدقه عليه عرفا مع تعذره أي لصدق الميسور على الباقي عرفا مع تعذر الشرط

(قوله مع تعذر الجزء في الجملة ... إلخ)

الظاهر ان قوله في الجملة إشارة إلى تفصيل ستعرفه في جريان قاعدة الميسور عند تعذر الجزء وهو أن لا يكون المتعذر معظم الأجزاء أو ركنا من الأركان.

(قوله وان كان فاقد الشرط مباينا للواجد عقلا ... إلخ)

غير أنه لا يكون مباينا له عرفا تباينا كليا كي لا تجري قاعدة الميسور بل يكونان من قبيل الأقل والأكثر فتجري.

(قوله ولأجل ذلك ربما لا يكون الباقي الفاقد لمعظم الأجزاء أو لركنها موردا لها فيما إذا لم يصدق عليه الميسور عرفا ... إلخ)

في قاعدة الميسور جهات من الكلام.

(منها) أن القاعدة هل هي تجري عند تعذر الشرط مثل ما تجري عند تعذر الجزء أم لا وقد مضى الكلام في هذه الجهة مفصلا وعرفت انها مما تجري في الجملة (ومنها) أن القاعدة هل هي تجري عند تعذر الجزء مطلقا وان كان المتعذر هو المعظم أو ركنا من الأركان أم لا وهذه الجهة مما لم يؤشر إليها الشيخ أعلى الله مقامه وقد تعرضها المصنف خاصة واختار فيها عدم الجريان نظرا إلى عدم صدق الميسور عرفا على الفاقد لأحدهما وهو جيد الا في الأمور الغير الارتباطية فانها مما يصدق فيها الميسور على الباقي ولو كان يسيرا جدا فإذا قال مثلا تصدق ليلة القدر بمائة درهم ولم يتمكن فيها الا من تصدق درهم واحد جرت قاعدة الميسور ووجب التصدق بدرهم بلا كلام إذا أحرز أن التصدق بكل درهم مطلوب على حده.

(ومنها) أن القاعدة هل هي تجري في المستحبات مثل ما تجري في الواجبات أم لا وهذه الجهة قد أشار إليها الشيخ أعلى الله مقامه ولم يؤشر إليها المصنف سوى

ما يظهر من كلامه الآتي أو بمقدار يوجب إيجابه في الواجب واستحبابه في المستحب إلى آخره (قال الشيخ) ما لفظه ثم إن الرواية الأولى والثالثة وان كانتا ظاهرتين في الواجبات إلا أنه يعلم جريانهما في المستحبات بتنقيح المناط العرفي مع كفاية الرواية الثانية في ذلك (انتهى).

(قوله وإن كان غير مباين للواجد عقلا ... إلخ)

وفيه أنه مباين عقلا وعرفا أي الفاقد لمعظم الأجزاء أو لركنها مع الواجد له.

(نعم) إن الفاقد للجزء أو الجزءين مما لا يباين الواجد عرفا تباينا كليا بحيث لا تجري معه قاعدة الميسور وإن كان مباينا معه عقلا.

(وبالجملة) ان المركب بمجرد أن تعذر منه جزء أو شرط بائن الفاقد مع الواجد عقلا بلا كلام غير ان بعض الشروط إذا تعذر بائن الفاقد مع الواجد عقلا وعرفا كما هو الحال في فقد معظم الأجزاء أيضا أو ركنها فتأمل جيدا.

(قوله نعم ربما يلحق به شرعا ما لا يعد بميسور عرفا بتخطئته للعرف ... إلخ)

أي نعم ربما يلحق شرعا بالميسور ما لا يعد بميسور عرفا بتخطئة الشرع العرف في عدم عدّهم ذلك امرا ميسورا لعدم اطلاعهم على ما عليه الفاقد في حال التعذر من قيامه بتمام ما قام عليه الواجد في حال الاختيار أو بمعظمه ولعل من هذا الباب المسح على المرارة عند تعذر المسح على البشرة كما في رواية عبد الأعلى.

(قوله كما ربما يقوم الدليل على سقوط ميسور عرفي لذلك أي للتخطئة ... إلخ)

أي كما ربما يقوم الدليل شرعا على سقوط ما يعد ميسورا عرفا لتخطئة الشرع العرف في عدّهم ذلك ميسورا لعدم اطلاعهم على ما عليه الفاقد من عدم قيامه بشيء مما قام به الواجد ولعل من هذا الباب سقوط ميسور الصوم مثلا فإن من تعذر عليه الإمساك ولو في جزء من النهار لمرض أو لحيض وما أشبههما فالإمساك في باقي

أجزاء النهار وإن عدّ عرفا أنه ميسور ذلك الإمساك التام ولكنه شرعا ساقط زائل لا يجب إمساكه لزوما وإن فرض استحبابه شرعا.

(قوله وبالجملة ما لم يكن دليل على الإخراج أو الإلحاق كان المرجع هو الإطلاق ... إلخ)

أي إطلاق الميسور وصدقه عرفا على الباقي فإن أطلق وصدق عليه عرفا انه ميسور ذلك الواجد فيؤتى بالباقي بلا كلام واستكشفنا منه أنه قائم بتمام ما قام به الواجد أو بمعظمه مما يوجب الإيجاب في الواجب والاستحباب في المستحب وإلّا فلا يؤتي به

(قوله فيخرج أو يدرج تخطئة أو تخصيصا في الأول وتشريكا في الحكم من دون الاندراج في الموضوع في الثاني ... إلخ)

(والفرق) بين الإخراج والإدراج تخطئة وبين الإخراج والإدراج تخصيصا أو تشريكا ان التخطئة مما لا يكون إلّا في الموضوع فالعرف يراه ميسورا والشرع يخطئهم أي لا يراه ميسورا أو العرف لا يراه ميسورا والشرع يخطئهم أي يراه ميسورا بخلاف التخصيص في الإخراج أو التشريك في الإدراج فإنه مما لا يكون إلّا في الحكم فالفرد مع كونه مندرجا في الموضوع يخرجه الشارع تخصيصا أو مع كونه خارجا عن الموضوع يدرجه الشارع تشريكا.

(قوله فافهم ... إلخ)

ولعله إشارة إلى أن الدليل الشرعي إذا قام على الإخراج أو الإدراج فهو من باب التخصيص في الحكم أو التشريك فيه لا من باب التخطئة في الموضوع إذ لا وجه لتخطئة العرف في عدّهم الفاقد ميسورا أو غير ميسور فإن ملاك الصدق وعدمه أمر مضبوط عندهم وهو كون الفاقد واجدا للمعظم مثلا أو غير واجد له فان كان واجدا فهو ميسور وإلّا فهو مباين.

(نعم للشارع) أن يخرج تخصيصا أو يلحق تشريكا من جهة اطلاعه على

عدم قيامه بشيء مما قام به الواجد مع كونه ميسورا عرفا أو بقيامه بتمام ما قام به الواجد أو بمعظمه مع عدم كونه ميسورا عرفا.

في دوران الأمر بين الجزئية أو الشرطية

وبين المانعية أو القاطعية

(قوله تذنيب لا يخفى أنه إذا دار الأمر بين جزئية شيء أو شرطيته وبين مانعيته أو قاطعيته لكان من قبيل المتباينين ولا يكاد يكون من الدوران بين المحذورين ... إلخ)

خلافا لما ربما يظهر من الشيخ أعلى الله مقامه من كونه من الدوران بين المحذورين وأن الأقوى فيه هو التخيير (قال) أعلى الله مقامه (ما لفظه) الأمر الرابع لو دار الأمر بين كون شيء شرطا أو مانعا أو بين كونه جزءا أو كونها زيادة مبطلة ففي التخيير هنا لأنه من دوران الأمر في ذلك الشيء بين الوجوب والتحريم أو وجوب الاحتياط بتكرار العبادة وفعلها مرة مع ذلك الشيء وأخرى بدونه وجهان مثاله الجهر بالقراءة في ظهر الجمعة حيث قيل بوجوبه وقيل بوجوب الإخفات وإبطال الجهر.

(ثم ذكر مثالين آخرين) وأخذ في تقريب الوجهين (إلى ان قال) أخيرا والتحقيق انه إن قلنا بعدم وجوب الاحتياط في الشك في الشرطية والجزئية وعدم حرمة المخالفة القطعية إذا لم تكن عملية فالأقوى التخيير هنا وإلّا تعين الجمع بتكرار العبادة ووجهه يظهر مما ذكرنا (انتهى) كلامه رفع مقامه (ومحصله) انه إذا قلنا بالبراءة عند الشك في الجزئية أو الشرطية ففي دوران الأمر بين الجزئية والمانعية مثلا أو الشرطية والقاطعية تجري البراءة عن كلا الطرفين جميعا بناء على

عدم حرمة المخالفة القطعية إذا لم تكن عملية كما في دوران الأمر بين المحذورين على ما صرح به الشيخ في بحث القطع في العلم الإجمالي فإن المخالفة القطعية العملية فيه غير ممكن فلا تحرم والمخالفة الالتزامية وان كانت تلزم من الأصل في الطرفين ولكنها ليست بمحرمة عنده ولا الموافقة الالتزامية بواجبة عنده وقد تقدم تفصيل الكلام منا في بحث القطع في الموافقة الالتزامية فراجع.

(أقول)

والحق هو ما اختاره المصنف من كون المقام من قبيل المتباينين لا الدوران بين المحذورين فإنه وإن أشبه الثاني من حيث تعذر المخالفة القطعية العملية فيه في واقعة واحدة ولكن حيث يمكن الاحتياط فيه بإتيان العمل مرتين مرة مع ذاك الشيء وأخرى بدونه فيكون من قبيل المتباينين فيجب الاحتياط فيه مثل ما يجب الاحتياط فيهما عينا فإن العلم الإجمالي فيه بالتكليف موجود والأصلان العمليان في طرفي العلم الإجمالي ساقطان لما تقدم شرحه في صدر بحث الاشتغال من الوجوه العديدة والاحتياط فيه أمر ميسور ومعه كيف يستقل العقل بالتخيير بين الفعل والترك ويرخص في ترك الاحتياط بإتيان العمل مرتين مرة مع ذاك الشيء وأخرى بدونه وهذا واضح.

(واما الفرق) بين المانع والقاطع فقد أشرنا إليه قبيل الشروع في التنبيه الثاني من تنبيهات الأقل والأكثر الارتباطيين فتذكر.

في شرائط الأصول العملية وبيان

شرط الاحتياط

(قوله خاتمة في شرائط الأصول اما الاحتياط فلا يعتبر في حسنه شيء أصلا بل يحسن على كل حال إلّا إذا كان موجبا لاختلال النظام ... إلخ)

(قال الشيخ) أعلى الله مقامه اما الاحتياط فالظاهر انه لا يعتبر في العمل به أمر زائد على تحقق موضوعه ويكفي في موضوعه إحراز الواقع المشكوك فيه به (انتهى)

(أقول)

الظاهر أن موضوع الاحتياط هو احتمال الواقع لا إحراز الواقع نعم غاية الاحتياط أي التي يترتب على الاحتياط هو إحراز الواقع (وعلى كل حال) ظاهر الشيخ أن الاحتياط حسن على كل حال فمهما تحقق موضوعه حسن العمل به ولكن الأحسن كما صرح به المصنف هو تقييد حسنه بما إذا لم يكن موجبا لاختلال النظام بل بما إذا لم ينجر إلى الوسواس شيئا فشيئا وإلّا فلا حسن فيه كما لا يخفى.

(قوله ولا تفاوت فيه بين المعاملات والعبادات مطلقا ولو كان موجبا للتكرار ... إلخ)

قد تقدم الكلام مستقصى في جواز الاحتياط وعدمه في المقام الثاني من العلم الإجمالي وانه لا إشكال فيه (في التوصليات) وقد عبر عنها المصنف في المقام بالمعاملات وكذلك لا إشكال فيه (في العباديات) فيما لا يحتاج إلى التكرار كما إذا تردد الواجب بين الأقل والأكثر (وهكذا) فيما احتاج إلى التكرار كما في المتباينين وإن أشكل فيه من ناحية الوجه تارة والتمييز أخرى واللعب بأمر المولى ثالثة (كما انه تقدم) في التنبيه الثاني من تنبيهات البراءة إشكال الشيخ أعلى الله مقامه في الاحتياط

في العبادات طرا في الشبهات البدوية من ناحية عدم تمشي قصد القربة فيها وقد تقدم شرح جواب الكل في محله فلا نعيد.

(قوله فافهم ... إلخ)

إشارة إلى ضعف الجواب الثاني عن إشكال كون الاحتياط الموجب للتكرار لعبا بأمر المولى وقد تقدم في العلم الإجمالي تفصيل الإشكال وأنه من الشيخ أعلى الله مقامه قد ذكره في الخاتمة في شرائط الأصول وأن المصنف قد أجاب عنه بجوابين

(أحدهما) المنع عن لزوم اللعب إذا كان التكرار بداعي عقلائي وقد مثّلنا له بما إذا كان في العلم التفصيليّ بالامتثال مشقة وكلفة أو بذل مال أو ذل سؤال أو نحو ذلك.

(ثانيهما) المنع عن كون اللعب بأمر المولى وإنما هو في كيفية إطاعته فلا يضر غير انه لم يؤشر هناك إلى ضعف جواب الثاني وإن ضعفناه نحن هناك وأشار إلى ضعفه في المقام بقوله (فافهم) فافهم جيدا.

(قوله بل يحسن أيضا فيما قامت الحجة على البراءة عن التكليف لئلا يقع فيما كان في مخالفته على تقدير ثبوته من المفسدة وفوت المصلحة ... إلخ)

(قال الشيخ) أعلى الله مقامه بعد قوله المتقدم اما الاحتياط فالظاهر ... إلخ (ما لفظه) ولو كان على خلافه دليل اجتهادي بالنسبة إليه فإن قيام الخبر الصحيح على عدم وجوب شيء لا يمنع من الاحتياط فيه لعموم أدلة رجحان الاحتياط غاية الأمر عدم وجوب الاحتياط وهذا مما لا خلاف فيه ولا إشكال (انتهى) (ومحصله) أن الاحتياط حسن مطلقا ولو قام الدليل الاجتهادي على خلافه فضلا عن الأصل العملي وذلك لعموم أدلة الاحتياط من العقل والنقل (هذا) ولكن تعليل المصنف أولى وأحسن وهو عدم الوقوع في المفسدة أو في فوت المصلحة على تقدير ثبوت التكليف في الواقع.

(وبالجملة) إن بقيام الحجة على نفي التكليف من دليل اجتهادي أو أصل

عملي وان كان ينتفي العقاب عقلا ولكن لا تنتفي المصلحة أو المفسدة على تقدير ثبوت التكليف واقعا فيحسن الاحتياط تحرزا عن المفسدة المحتملة أو تحفظا على المصلحة المحتملة.

(نعم) إذا قام الدليل على نفي التكليف وقد حصل منه العلم بالعدم لم يحسن الاحتياط حينئذ إذ لا موضوع له كي يحسن أو لا يحسن وهو احتمال الواقع كما أشير آنفا.

في اشتراط البراءة العقلية بالفحص

(قوله واما البراءة العقلية فلا يجوز إجراؤها الا بعد الفحص واليأس إلى آخره)

يعني بها في الشبهات الحكمية واما في الشبهات الموضوعية فسيأتي الكلام فيها قريبا

(قوله لما مرت الإشارة إليه من عدم استقلال العقل بها الا بعدهما إلى آخره)

أي بعد الفحص واليأس (قال) في البراءة عند نقل دليل العقل بعد نقل الكتاب والسنة والإجماع عليها (ما لفظه) واما العقل فإنه قد استقل بقبح العقوبة والمؤاخذة على مخالفة التكليف المجهول بعد الفحص واليأس (انتهى) وقلنا هناك إن المراد من عدم البيان الّذي هو موضوع لحكم العقل بقبح العقاب ليس عدم البيان الواصل بنفسه بل عدم البيان الّذي يمكن الوصول إليه ولو بالفحص عنه فإن مجرد فقد البيان الواصل بنفسه مع احتمال وجود البيان الّذي لو تفحصنا عنه لظفرنا عليه مما لا يكفي في حكم العقل بقبح العقاب كما لا يخفى بل إذا تفحصنا عنه ولم يكن هناك بيان على التكليف فعند ذلك يستقل العقل بقبح العقاب وإن احتمل وجود بيان لا يمكن الوصول إليه أصلا.

(ثم إن من هنا يظهر) أن البراءة العقلية هي بنفسها مما لا تجري في الشبهات الحكمية الا بعد الفحص بحد اليأس إذ موضوعها وهو اللابيان مما لا يحرز إلا بعد ذلك من غير حاجة إلى مخصص يخصصها ببعد الفحص كما في أكثر أدلة البراءة الشرعية على ما سيأتي شرح الكل قريبا فانتظر.

في اشتراط البراءة النقليّة بالفحص

(قوله واما البراءة النقليّة فقضية إطلاق أدلتها وان كان هو عدم اعتبار الفحص في جريانها ... إلخ)

يعني بها في الشبهات الحكمية وأما الموضوعية فسيأتي الكلام فيها كما أشير آنفا (ثم لا يخفى) ان بعض أدلة البراءة النقليّة.

(مما أخذ في لسانه البيان) كقوله تعالى وما كان الله ليضل قوما بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون.

(أو ما أخذ في لسانه الإيتاء) والتعريف كقوله عليه‌السلام إن الله يحتج على العباد بما آتاهم وعرّفهم.

(أو ما أخذ في لسانه الحجب) مثل قوله عليه‌السلام ما حجب الله علمه عن العباد فهو موضوع عنهم يكون حال البراءة العقلية من حيث عدم إحراز موضوعها إلا بعد الفحص بحد اليأس من غير حاجة إلى مخصص يخصصها ببعد الفحص وذلك لما عرفت من أن المراد من عدم البيان ليس عدم البيان الواصل بنفسه بل عدم البيان الّذي يمكن الوصول إليه ولو بالفحص عنه بحد اليأس وهكذا الحال في الإيتاء والتعريف والحجب فبمجرد عدم الاطلاع على الحكم قبل الفحص عنه بحد اليأس مع احتمال وجود حكم يمكن الوصول إليه بالفحص لا يكاد يحرز عدم الإيتاء والتعريف ولا الحجب كي يؤمن من الاحتجاج ويحرز الوضع عن

العباد (ولكن) مقتضي إطلاقات ساير أدلة البراءة النقليّة كحديث الرفع وحديث السعة وحديث الإطلاق أي كل شيء مطلق حتى يرد فيه نهي هو عدم اعتبار الفحص في جريانها (إلا أن لنا) ما يدل على تقييدها واعتبار الفحص في جريانها (وقد استدل الشيخ) أعلى الله مقامه على اعتبار الفحص فيها بوجوه خمسة وإن كان قد ضعّف الوجه الخامس وبقي أربعة.

(قال ما لفظه الأول) الإجماع القطعي على عدم جواز العمل بأصل البراءة قبل استفراغ الوسع في الأدلة.

(ثم قال الثاني) الأدلة الدالة على وجوب تحصيل العلم مثل آيتي النفر للتفقه وسؤال أهل الذّكر والأخبار الدالة على وجوب تحصيل العلم وتحصيل التفقه والذم على ترك السؤال.

(ثم قال الثالث) ما دل على مؤاخذة الجهال والذم بفعل المعاصي المجهولة المستلزم لوجوب تحصيل العلم لحكم العقل بوجوب التحرز عن مضرة العقاب (إلى أن ذكر) ما ورد في تفسير قوله تعالى فلله الحجة البالغة من أنه يقال للعبد يوم القيامة هل علمت فإن قال نعم قيل فهلا عملت وإن قال لا قيل له هلا تعلمت حتى تعمل.

(إلى ان قال الرابع) إن العقل لا يعذر الجاهل القادر على الاستعلام في المقام

(إلى أن قال الخامس) حصول العلم الإجمالي لكل أحد قبل الأخذ في استعلام المسائل بوجود واجبات ومحرمات كثيرة في الشريعة ومعه لا يصح التمسك بأصل البراءة لما تقدم من أن مجراه الشك في أصل التكليف لا في المكلف به مع العلم بالتكليف (انتهى) موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه.

(أقول)

لا يخفى ان الوجه الرابع وهو أن العقل لا يعذر الجاهل القادر على الاستعلام ليس إلا عبارة عن عدم جريان البراءة العقلية قبل الفحص كما بيّنا فما لم يتفحص لم يحرز

اللابيان ولم يستقل العقل بقبح العقاب ولم ير للجاهل عذرا مقبولا (ومن المعلوم) ان عدم جريان البراءة العقلية مما لا يصلح لتقييد إطلاقات أدلة البراءة الشرعية (ولعل) من هنا لم يؤشر المصنف إلى الوجه الرابع أصلا فإنه بصدد ما دل على تقييد إطلاقات أدلة البراءة الشرعية وهو مما لا يصلح لذلك وإن كان ذكر الشيخ للوجه الرابع في محله فإنه بصدد ما دل على اعتبار الفحص في جريان البراءة مطلقا من غير تقييد بالشرعية أو العقلية (وعليه) فتنحصر الوجوه المقيدة لإطلاقات أدلة البراءة الشرعية بوجوه أربعة.

(الأول) و (الثاني) و (الثالث) و (الخامس) وهو العلم الإجمالي وقد عبّر عنه المصنف بالعقل كما سيأتي.

يشترط الفحص في الشبهات الموضوعية

في الجملة

(قوله كما هو حالها في الشبهات الموضوعية ... إلخ) ويظهر من ذلك انه لا يعتبر الفحص عند المصنف في جريان البراءة في الشبهات الموضوعية أصلا كما هو المشهور على الألسن بل يظهر من الشيخ أعلى الله مقامه أنه مما لا خلاف فيه بالنسبة إلى الشبهات الموضوعية التحريمية وإن كانت الشبهات الموضوعية الوجوبية مما تختلف بحسب الموارد (قال أعلى الله مقامه) في الأمر الثالث من الأمور التي ختم بها الكلام في الجاهل العامل قبل الفحص وقد تكلم حول ذلك قبلا في التنبيه الرابع من تنبيهات الشبهة التحريمية الموضوعية في أصل البراءة مختصرا (ما لفظه) ان وجوب الفحص انما هو في إجراء الأصل في الشبهة الحكمية الناشئة من عدم النص أو إجمال بعض ألفاظه أو تعارض النصوص اما

إجراء الأصل في الشبهة الموضوعية (فإن كانت الشبهة في التحريم) فلا إشكال ولا خلاف ظاهرا في عدم وجوب الفحص ويدل عليه إطلاق الأخبار مثل قوله عليه‌السلام كل شيء لك حلال حتى تعلم انه حرام وقوله عليه‌السلام حتى يستبين لك غير هذا أو تقوم به البينة وقوله عليه‌السلام حتى يجيئك شاهدان يشهدان أن فيه الميتة وغير ذلك السالم عما يصلح لتقييدها (وان كانت الشبهة وجوبية) فمقتضى أدلة البراءة حتى العقل كبعض كلمات العلماء عدم وجوب الفحص أيضا وهو مقتضي حكم العقلاء في بعض الموارد مثل قول المولى لعبده أكرم العلماء أو المؤمنين فإنه لا يجب الفحص في المشكوك حاله في المثالين إلا أنه قد يتراءى ان بناء العقلاء في بعض الموارد على الفحص والاحتياط كما إذا أمر المولى بإحضار علماء البلد أو أطبائها أو إضافتهم أو إعطاء كل واحد منهم دينارا فإنه قد يدعي ان بنائهم على الفحص عن أولئك وعدم الاقتصار على المعلوم ابتداء مع احتمال وجود غيرهم في البلد (ثم نقل) من صاحب المعالم (ره) ما يظهر منه وجوب الفحص في الشبهات الموضوعية الوجوبية (وتفصيله) ان صاحب المعالم في الأصل الّذي عقده لبيان شروط العمل بخبر الواحد قد اختار اعتبار العدالة في المخبر بعد ما ادعى ان اعتبار هذا الشرط هو المشهور بين الأصحاب وان ظاهر جماعة من متأخريهم الميل إلى العمل بخبر مجهول الحال (واستدل لمختاره) بما ملخصه ان التبين في آية النبأ لم يتعلق بعنوان معلوم الفسق كي لا يجب التبين عن خبر مجهول الحال ويكون حجة بل تعلق بعنوان الفاسق فيجب الفحص عنه عند الشك فيه وهو معنى عدم حجية خبر مجهول الحال (وقال) فيما أفاده في المقام ألا ترى ان قول القائل أعط كل بالغ رشيد من هذه الجماعة مثلا درهما يقتضي إرادة السؤال والتفحص عمن جمع هذين الوصفين لا الاقتصار على من سبق العلم باجتماعهما فيه (انتهى) (ثم قال) الشيخ أعلى الله مقامه بعد الفراغ عن نقل كلام المعالم (ما لفظه) وأيّد ذلك المحقق القمي في القوانين بأن الواجبات المشروطة بوجود شيء انما يتوقف وجوبها على وجود

الشرط لا على العلم بوجوده فبالنسبة إلى العلم مطلق لا مشروط مثل ان من شك في كون ماله بمقدار استطاعة الحج لعدم علمه بمقدار المال لا يمكنه ان يقول إني لا أعلم اني مستطيع ولا يجب عليّ شيء بل يجب عليه محاسبة ما له ليعلم انه واجد للاستطاعة أو فاقد لها نعم لو شك بغداد المحاسبة في ان هذا المال هل يكفيه في الاستطاعة أم لا فالأصل عدم الوجوب حينئذ (ثم إن الشيخ) أعلى الله مقامه قد ساق الكلام (إلى ان قال) وقال في التحرير في باب نصاب الغلاة ولو شك في البلوغ ولا مكيال هنا ولا ميزان ولم يوجد سقط الوجوب دون الاستحباب انتهى (قال) وظاهره جريان الأصل مع تعذر الفحص وتحصيل العلم أي لا مع عدم تعذره ثم ساق الكلام (إلى ان قال) ثم الّذي يمكن ان يقال في وجوب الفحص إنه إذا كان العلم بالموضوع المنوط به التكليف يتوقف كثيرا على الفحص بحيث لو أهمل الفحص لزم الوقوع في مخالفة التكليف كثيرا تعين هنا بحكم العقلاء اعتبار الفحص ثم العمل بالبراءة كبعض الأمثلة المتقدمة فإن إضافة جميع علماء البلد أو أطبائها لا يمكن للشخص الجاهل إلّا بالفحص فإذا حصل العلم ببعض واقتصر على ذلك نافيا لوجوب إضافة ما عداه بأصالة البراءة من غير تفحص زائد على ما حصل به المعلومين عدّ مستحقا للعقاب والملامة عند انكشاف ترك إضافة من يتمكن من تحصيل العلم به بفحص زائد (انتهى) موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه.

(أقول)

اما الشبهات الموضوعية التحريمية فالظاهر أن الأمر فيها كما ذكر الشيخ أعلى الله مقامه من أنه لا خلاف في عدم وجوب الفحص فيها.

(نعم) من الشبهات الموضوعية التحريمية ما أحرز اهتمام الشارع به جدا كما في الفروج والدماء ونحوهما فلا تجري البراءة فيها حتى بعد الفحص بحد اليأس إذا لم تزل الشبهة (فإذا احتمل) مثلا احتمالا معتدا به أن هذه أخته من الرضاعة أو بنته من الرضاعة أو أمه من الرضاعة لم يجز تزويجها ولو بعد الفحص بحد اليأس

مع بقاء الشبهة على حالها (ويؤيده) بل يدل عليه.

(ما رواه) في الوسائل في النكاح في باب وجوب الاحتياط في النكاح عن مسعدة بن زياد عن جعفر عن آبائه عليهم‌السلام عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لا تجامعوا في النكاح على الشبهة وقفوا عند الشبهة يقول إذا بلغك انك قد رضعت من لبنها أو أنها لك محرم وما أشبه ذلك فإن الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام في الهلكة.

(وما رواه) في الباب أيضا من رواية أخرى قال فيه عليه‌السلام هو الفرج وامر الفرج شديد (وإن كان) مقتضي الجمع بينهما وبين رواية مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله عليه‌السلام كل شيء هو لك حلال حتى تعلم انه حرام بعينه (إلى ان قال) أو امرأة تحتك وهي أختك أو رضيعتك والأشياء كلها على هذا حتى تستبين أو تقوم به البينة ان احتمال الموضوع المحرم من الأخت أو الرضيعة أو غيرهما إن كان قويا بالغا مرتبة الشبهة فيجب الوقوف عندها وإن كان دون ذلك فهو حلال حتى يستبين أو تقوم به البينة (وهكذا الأمر) إذا احتمل احتمالا معتدا به أن هذا سمّ قاتل يتقطع به الأمعاء بمجرد شربه من غير مهلة للعلاج أصلا لم يجز شربه ولم تجر البراءة عن حرمته حتى بعد الفحص والاستعلام عن حاله إذا بقي الشك على حاله.

(وبالجملة) إن الشبهات الموضوعية التحريمية على قسمين فهي.

(بين ما لم يحرز) شدة اهتمام الشارع به وفي مثله تجري البراءة عقلا ونقلا من غير اعتبار الفحص في جريانها أصلا.

(وبين ما أحرز) اهتمام الشارع به جدا وفي مثله لا تجري البراءة لا عقلا ولا نقلا حتى بعد الفحص بحد اليأس إذا لم تزل الشبهة وبقيت على حالها.

(اما عقلا) فلأن مجرد الاحتمال في مثل هذه الأمور المهمة ما لم يكن الاحتمال ضعيفا موهوما يكون منجزا للواقع.

(واما نقلا) فلاستكشاف وجوب الاحتياط شرعا في مثل هذه الأمور المهمة من شدة اهتمام الشارع بها فيقيد به إطلاقات أدلة البراءة الشرعية.

(واما الشبهات الموضوعية) الوجوبية (فإن كانت) مما أحرز اهتمام الشارع بها أيضا كما في حقوق الناس ونحوها وجب فيها الفحص بحد اليأس أيضا فإذا شك في كونه مديونا لزيد مثلا واحتمل أنه بالفحص والمراجعة إلى دفتره الخاصّ تزول الشبهة وجب عليه المراجعة والتأمل ولم تجر البراءة لا عقلا ولا نقلا وذلك لعين ما تقدم آنفا في الشبهة الموضوعية التحريمية غير أن شدة الاهتمام في التحريمية مما يوجب الاحتياط إلى الآخر حتى بعد الفحص بحد اليأس إذا لم تزل الشبهة وبقيت على حالها وفي الموضوعية مما توجب الفحص والنّظر في بدو الأمر فإذا تفحص ولم تزل الشبهة جرت البراءة فيها بلا مانع عنها (وهكذا يجب الفحص) فيما كان الموضوع المشكوك مما لا يعلم غالبا إلّا بالفحص والمراجعة على نحو كان الأمر به شرعا مستلزما عرفا لوجوب الفحص عنه وإلّا لم يمتثل الا نادرا (وقد أشار) إليه الشيخ أعلى الله مقامه بقوله المتقدم ثم الّذي يمكن أن يقال في وجوب الفحص انه إذا كان العلم بالموضوع المنوط به التكليف يتوقف كثيرا على الفحص بحيث لو أهمل الفحص لزم الوقوع في مخالفة التكليف كثيرا تعين هنا بحكم العقلاء اعتبار الفحص ... إلخ (فإذا أمر المولى) بإخراج اليهودي مثلا عن البلد وفرض أن اليهودي ممن لا يعرف فيه إلّا بالفحص عنه فيستلزم الأمر بإخراجه وجوب الفحص عنه وإلّا لم يمتثل الأمر كثيرا الا نادرا.

(نعم) إذا أمر الشارع بموضوع لم يحرز شدة الاهتمام به ولم يكن مما لا يعلم به غالبا إلّا بالفحص عنه لم يجب الفحص في شبهاته أصلا (فإذا قال) مثلا أكرم العلماء أو أطعم الفقراء أو جالس المساكين لم يجب الفحص في المصاديق المشتبهة فإذا اقتصر على إكرام من عرف أنه عالم أو إطعام من علم أنه فقير أو مجالسة من علم أنه مسكين لم يكن ملوما جدا (ثم إن الظاهر) أن وجوب الفحص عند الشك

في بلوغ المال بحد الاستطاعة أو النصاب إنما هو لإحراز شدة اهتمام الشارع بوجوب الحج أو الزكاة لا بملاك أن العلم بالاستطاعة في أول أزمنة حصولها مما يتوقف غالبا على المحاسبة كما صرح به الشيخ أعلى الله مقامه في كلام له في المقام وذلك لأن الاستطاعة التي يتوقف العلم بها غالبا في أول أزمنة حصولها على المحاسبة هي الاستطاعة التدريجية لا الاستطاعة الدفعيّة الحاصلة بتجارة مهمة أو بموت مورث ذي مال أو نحو ذلك مما يتفق كثيرا فانها مما يعلم بها في أول أزمنة حصولها من غير حاجة إلى المحاسبة أصلا (ومن المعلوم) ان مجرد كون بعض أفراد الاستطاعة مما لا يعلم به غالبا الا بالمحاسبة في أول أزمنة حصولها مما لا يكفي في كون الاستطاعة مطلقا كذلك كي يستلزم الأمر بالحج عند الاستطاعة وجوب الفحص عنها شرعا فتأمل جيدا (قوله إلّا أنه استدل على اعتباره بالإجماع وبالعقل ... إلخ) هذا هو الوجه :

(الأول) و (الخامس) من الوجوه المتقدمة التي استدل بها الشيخ أعلى الله مقامه لاعتبار الفحص في جريان البراءة في الشبهة الحكمية وستأتي الإشارة إلى.

(الوجه الثاني) منها بقوله الآتي فالأولى الاستدلال للوجوب بما دل من الآيات والأخبار على وجوب التفقه والتعلم ... إلخ.

(وإلى الوجه الثالث) بقوله الآتي والمؤاخذة على ترك التعلم في مقام الاعتذار عن عدم العمل بعدم العلم بقوله تعالى كما في الخبر هلا تعلمت ... إلخ.

(واما الوجه الرابع) فقد عرفت أنه عبارة أخرى عن عدم جريان البراءة العقلية قبل الفحص وليس هو شيئا يصلح لتقييد إطلاقات أدلة البراءة الشرعية أبدا وقد أشير قبلا أن المصنف لعل من هنا لم يؤشر إليه أصلا فتذكر.

(قوله فإنه لا مجال لها بدونه حيث يعلم إجمالا بثبوت التكليف بين موارد الشبهات ... إلخ)

علة لدلالة العقل على اعتبار الفحص في البراءة النقليّة ولعله هي العلم الإجمالي

بثبوت التكليف في موارد الشبهات.

(قوله بحيث لو تفحص عنه لظفر به ... إلخ)

قيد للتكليف المعلوم بالإجمال بين موارد الشبهات (ووجه التقييد به) هو دفع ما قد يشكل من أن مقتضي العلم الإجمالي بالتكاليف في الشبهات هو عدم جريان البراءة فيها حتى بعد الفحص بحد اليأس إذ بالفحص كذلك لا يكاد يرتفع العلم الإجمالي كي تجري البراءة فيها بلا مانع عنها فيقيد المصنف التكليف المعلوم بالإجمال بهذا القيد لئلا يرد الإشكال أي إنا نعلم إجمالا بثبوت تكليف في الشبهات بحيث لو تفحصنا عنه لظفرنا عليه (وعلى هذا) فإذا شككنا في التكليف في مورد خاص وتفحصنا عنه بحد اليأس ولم نظفر عليه فيخرج المورد عن كونه طرفا للعلم الإجمالي وجرت البراءة عنه قطعا (قال الشيخ) أعلى الله مقامه بعد ما قرر العلم الإجمالي (ما لفظه) فإن قلت هذا يقتضي عدم جواز الرجوع إلى البراءة ولو بعد الفحص لأن الفحص لا يوجب جريان البراءة مع العلم الإجمالي قلت المعلوم إجمالا وجود التكاليف الواقعية في الوقائع التي يقدر على الوصول إلى مداركها وإذا تفحص وعجز عن الوصول إلى مدارك الواقعة خرجت تلك الواقعة عن الوقائع التي علم إجمالا بوجود التكاليف فيها فيرجع فيها إلى البراءة (ثم قال الشيخ) أعلى الله مقامه ولكن هذا لا يخلو عن نظر لأن العلم الإجمالي إنما هو بين جميع الوقائع من غير مدخلية لتمكن المكلف من الوصول إلى مدارك التكليف وعجزه عن ذلك فدعوى اختصاص أطراف العلم الإجمالي بالوقائع التمكن من الوصول إلى مداركها مجازفة (انتهى).

(قوله ولا يخفى ان الإجماع هاهنا غير حاصل ... إلخ)

شروع في الرد على الوجوه المتقدمة التي استدل بها الشيخ أعلى الله مقامه لاعتبار الفحص في جريان البراءة في الشبهات الحكمية وهذا هو الرد على الوجه الأول خاصة (وحاصله) أن تحصيل الإجماع في مثل المسألة مما للعقل إليه سبيل أي

تحصيل إجماع يستكشف به رأي الإمام عليه‌السلام صعب جدا لو لم يكن محالا عادة وذلك لقوة احتمال كون المستند للجل لو لا الكل هو ما ذكر من حكم العقل أي العلم الإجمالي بل وساير الوجوه المتقدمة مما عرفت شرحه لا رأي الإمام عليه‌السلام بدعوى وصوله إليهم خلفا عن سلف وجيلا بعد جيل وهذا واضح.

(قوله وأن الكلام في البراءة فيما لم يكن هناك علم موجب للتنجيز إما لانحلال العلم الإجمالي ... إلخ)

رد على الوجه الخامس من الوجوه المتقدمة وهو العلم الإجمالي الّذي قد عبّر عنه المصنف بالعقل (وحاصله) انه لا علم إجمالي لنا يوجب التنجيز ويمنع عن جريان البراءة إما لانحلاله بالظفر على التكاليف بمقدار المعلوم بالإجمال (كما أشار إليه الشيخ) بقوله مع أن هذا الدليل انما يوجب الفحص قبل استعلام جملة من التكاليف يحتمل انحصار المعلوم إجمالا فيها (انتهى) واما لعدم الابتلاء الا بموارد خاصة من الشبهات التي لا علم لنا بالتكليف فيها أصلا.

(قوله ولو لعدم الالتفات إليها ... إلخ)

علة لقوله أو لعدم الابتلاء إلا بما لا يكون بينهما علم بالتكليف من موارد الشبهات (ومنه يظهر) انه كان الصحيح ان يقول ولو لعدم الالتفات إلى غيرها لا إليها.

(قوله فالأولى الاستدلال للوجوب بما دل من الآيات والاخبار على وجوب التفقه والتعليم ... إلخ)

هذا هو الوجه الثاني من الوجوه الخمسة المتقدمة وهو عمدتها (ثم إن الآيات) الدالة على وجوب التفقه والتعلم هي آيتا النفر وسؤال أهل الذّكر كما أشار إليهما الشيخ أعلى الله مقامه في كلامه المتقدم عند نقل الوجوه الخمسة (وأما الأخبار) الدالة على وجوب التفقه والتعلم بل الذم على ترك السؤال فهي كثيرة.

(مثل) قوله عليه‌السلام تفقهوا في الدين فإن من لم يتفقه منكم في الدين فهو أعرابي إن الله يقول في كتابه ليتفقهوا في الدين الآية.

(ومثل) قوله عليه‌السلام عليكم بالتفقه في دين الله ولا تكونوا أعرابا فإن من لم يتفقه في دين الله لم ينظر الله إليه يوم القيامة ولم يزك له عملا.

(ومثل) قوله عليه‌السلام لوددت أن أصحابي ضربت رءوسهم بالسياط حتى يتفقهوا.

(ومثل) قوله عليه‌السلام قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طلب العلم فريضة على كل مسلم ألا إن الله يجب بغاة العلم.

(ومثل) قوله عليه‌السلام بعد ما سأله السائل هل يسع الناس ترك المسألة عما يحتاجون إليه قال لا.

(ومثل) قوله عليه‌السلام أيها الناس اعلموا أن كمال الدين طلب العلم والعمل به ألا وإن طلب العلم أوجب عليكم من طلب المال الحديث.

(ومثل) قوله عليه‌السلام لحمران ابن أعين في شيء سأله إنما يهلك الناس لأنهم لا يسألون.

(ومثل) قوله عليه‌السلام بعد ما سأله السائل عن مجدور أصابته جنابة فغسلوه فمات قال قتلوه ألا سألوا فإن دواء العي السؤال (إلى غير ذلك) من الأخبار المذكورة في الوافي في باب فرض طلب العلم والحث عليه وباب سؤال العلماء وتذاكر العلم وغيرهما فراجع.

(ثم إن مقتضي) الجمع بين جميع ما ذكر من الآيات والروايات الدالة على وجوب التفقه والتعلم وبين ما دل بإطلاقه على البراءة هو وجوب تحصيل العلم وإزالة الجهل أولا فإن تفحصنا ولم نتمكن من إزالة الجهل فعند ذلك يكون المجهول مرفوعا شرعا وموضوعا عنا ونكون نحن في سعة منه وراحة وهذا واضح

(قوله والمؤاخذة على ترك التعلم في مقام الاعتذار عن عدم العمل بعدم العلم بقوله تعالى كما في الخبر هلا تعلمت ... إلخ)

(هذا هو الوجه الثالث) من الوجوه الخمسة المتقدمة وقد تقدم الخبر

الدال عليه في كلام الشيخ أعلى الله مقامه عند نقل الوجوه الخمسة.

(واما الوجه الرابع) فقد أشرنا أن المصنف لم يؤشر إليه أصلا وأشرنا أيضا إلى السّر في ذلك وحكمته فلا تغفل.

(قوله فيقيد بها أخبار البراءة لقوة ظهورها ... إلخ)

دفع لما قد يتوهم من أن الآيات والأخبار الدالة على وجوب التفقه والتعلم والمؤاخذة على ترك التعلم إنما هي محمولة على ما إذا علم إجمالا بالتكليف لا على الشبهات البدوية كي يقيد بها أخبار البراءة ويرفع بها اليد عن إطلاقاتها (وحاصل الدفع) أن الآيات والأخبار المذكورة لها ظهور قوي في المؤاخذة والاحتجاج بترك التعلم فيما لم يعلم أي في الشبهات البدوية لا بترك العمل فيما علم ولو إجمالا (وعليه) فلا مجال للتوفيق بحمل الاخبار المذكورة على الشبهات المقرونة بالعلم الإجمالي دون البدوية

(قوله فافهم ... إلخ)

ولعله إشارة إلى أن الّذي له ظهور قوي في المؤاخذة والاحتجاج بترك التعلم فيما لم يعلم لا بترك العمل فيما علم ولو إجمالا هو خصوص الخبر الأخير فقط أي الوجه الثالث المشتمل على قوله وإن قال لا قيل له هلا تعلمت حتى تعمل (وصحة سنده) غير معلومة كي يقيد به أخبار البراءة وليس الّذي له ظهور قوي في ذلك هو مجموع ما ذكر من الآيات والروايات كي صح تقييد أخبار البراءة بها فتأمل جيدا.

في اشتراط التخيير العقلي بالفحص

(قوله ولا يخفى اعتبار الفحص في التخيير العقلي أيضا بعين ما ذكر في البراءة ... إلخ)

أي بعين ما ذكر في البراءة العقلية نعم يعتبر الفحص في الاستصحاب بعين ما ذكر في البراءة الشرعية (وعلى كل حال) قد أشار الشيخ أعلى الله مقامه إلى اعتبار

الفحص في التخيير العقلي بل وأشار إلى غيره أيضا (قال) بعد الفراغ عن اعتبار الفحص في جريان البراءة (ما لفظه) ثم إن في حكم أصل البراءة كل أصل عملي خالف الاحتياط (انتهى) ويعني بكل أصل عملي كأصالة التخيير وأصالة الاستصحاب وقاعدة الطهارة إذا جرت في الشبهات الحكمية ونحوها.

(أقول)

وأما الشبهات الموضوعية لهذه الأصول فالكلام فيها على نحو ما تقدم آنفا من غير اختصاص بالشبهات الموضوعية لأصل البراءة فقط فيعتبر الفحص فيها في الجملة بل يعتبر الفحص في جريان أصل التخيير في الشبهة الموضوعية مطلقا من غير تفصيل فيه أصلا وذلك لأن استقلال العقل بالتخيير بين الفعل والترك عند العلم الإجمالي بموضوع مردد بين تعلق الوجوب به أو تعلق الحرمة به كالمرأة المرددة بين من وجب وطيها بالحلف أو حرم وطيها كذلك إنما هو من جهة العجز عن الموافقة القطعية فما لم يتفحص ويحصل له اليأس عن تعيين حال الموضوع خارجا لم يحرز عجزه عنها وذلك لجواز تعين الموضوع بالفحص والنّظر في أمره فيمتثل حكمه الواقعي وما لم يحرز عجزه عنها لم يستقل العقل بالتخيير بين الفعل والترك أصلا.

في بيان ما للعمل بالبراءة قبل الفحص من

التبعة والأحكام

(قوله ولا بأس بصرف الكلام في بيان بعض ما للعمل بالبراءة قبل الفحص من التبعة والأحكام اما التبعة فلا شبهة في استحقاق العقوبة على المخالفة ... إلخ)

(قال الشيخ) أعلى الله مقامه (ما لفظه) اما العقاب فالمشهور انه على مخالفة

الواقع لو اتفقت فإذا شرب العصير العنبي من غير فحص عن حكمه فإن لم يتفق كونه حراما واقعا فلا عقاب ولو اتفقت حرمته كان العقاب على شرب العصير لا على ترك التعلم (إلى أن قال) وقد خالف فيما ذكرنا صاحب المدارك تبعا لشيخه الأردبيلي حيث جعلا عقاب الجاهل على ترك التعلم بقبح تكليف الغافل (انتهى)

(أقول)

والظاهر من قوله بقبح تكليف الغافل أن وجه مخالفة المدارك تبعا لشيخه الأردبيلي مع المشهور القائلين باستحقاق العقاب على مخالفة الواقع أن الجاهل غافل غالبا عن الواقع فيأتي بالحرام أو يترك الواجب وهو غير ملتفت إليه (ومن المعلوم) أن مع الغفلة عنه يقبح التكليف به عقلا فقهرا يكون العقاب على ترك التعلم لا على الواقع المغفول عنه بل يلتزمان كما سيأتي بوجوب التعلم نفسيا ليصح العقاب عليه ولا يكون من العقاب على الواجب الغيري (وعلى كل حال) قد اختار المصنف تبعا للمشهور أن استحقاق العقاب هو على مخالفة الواقع نظرا إلى ان الواقع وان كان مغفولا عنه حين المخالفة وكان خارجا عن تحت الاختيار ولكنه بالأخرة منتهى إلى الاختيار وهو ترك التعلم عمدا حينما التفت إلى تكاليف في الشريعة كما هو الحال في كل مسبب توليدي خارج عن تحت الاختيار إذا كان منتهيا إلى امر اختياري فإذا ألقى مثلا نفسه من شاهق الجبل أو الجدار فبعد ما ألقى وإن خرج نفسه عن تحت قدرته وسلطته فيقتل قهرا بلا اختيار ولكن حيث كان القتل منتهيا إلى الإلقاء الّذي هو امر اختياري فيكون هو المصحح للعقاب على ما ليس بالاختيار وهذا واضح.

(قوله فيما إذا كان ترك التعلم والفحص مؤديا إليها ... إلخ)

فإن ترك التعلم والفحص قد يؤدي إلى مخالفة الواقع كما إذا كان هناك تكليف واقعا وقد لا يؤدي كما إذا لم يكن هناك تكليف في الواقع (وقد أشار) إليه الشيخ أعلى الله مقامه في كلامه المتقدم بقوله اما العقاب فالمشهور انه على مخالفة الواقع لو اتفقت ... إلخ.

(قوله بل مجرد تركهما كاف في صحتها وإن لم يكن مؤديا إلى المخالفة مع احتماله لأجل التجري ... إلخ)

تضعيف لما أفاده الشيخ أعلى الله مقامه في كلامه المتقدم بقوله فإذا شرب العصير العنبي من غير فحص عن حكمه فإن لم يتفق كونه حراما واقعا فلا عقاب.

(فيقول المصنف) إن مجرد ترك التعلم والفحص هو مما يكفي في استحقاق العقاب وإن لم يكن هناك تكليف واقعا مع التفاته إليه واحتماله له وذلك لأجل التجري وعدم المبالاة بالتكليف الإلهي وهو حق لا ينكر بعد ما عرفت في محله من استحقاق المتجري للعقاب.

(قوله نعم يشكل في الواجب المشروط والموقت ولو أدى تركهما قبل الشرط والوقت إلى المخالفة بعدهما فضلا عما إذا لم يؤد إليها ... إلخ)

(وحاصل الإشكال) ان استحقاق العقاب على مخالفة الواقع إنما يتم في التكاليف المطلقة واما التكاليف المشروطة أو الموقتة فلا يتم فيهما ذلك إذ الواقع فيهما لم يتنجز على المكلف كي يعاقب عليه لا قبل الشرط والوقت ولا بعدهما اما قبل الشرط والوقت فواضح واما بعدهما فكذلك لأجل الغفلة عنه الناشئة عن ترك الفحص والتعلم فكيف يصح العقاب عليه (ومن هنا) قد التجأ المحقق الأردبيلي وصاحب المدارك إلى الالتزام بوجوب التعلم نفسيا فيكون العقاب على تركه لا على مخالفة الواقع وبه يسهل الأمر حتى في التكاليف المطلقة إذا لم يكف الجواب السابق فيها من كون العقاب على الواقع المغفول عنها لانتهائه إلى ما بالاختيار (وأصل هذا الإشكال) من الشيخ أعلى الله مقامه فإنه بعد ما نسب إلى المشهور من كون العقاب على مخالفة الواقع وذكر مخالفة صاحب المدارك لهم تبعا لشيخه الأردبيلي تردد في أن المشهور القائلين بكون العقاب على مخالفة الواقع (هل يقصدون) بذلك توجه النهي إلى الغافل حين غفلته وهذا مما لا ريب في قبحه (أم يقصدون) بذلك استحقاق العقاب على المخالفة وإن لم يتوجه إليه نهي وقت

المخالفة وهذا حسن إن أرادوا استحقاق العقاب من حين ترك التعلم لا حين المخالفة إذ لا وجه لترقب حضور زمان المخالفة (إلى ان قال ما لفظه) ومما يؤيد إرادة المشهور للوجه الأول أي توجه النهي إلى الغافل حين غفلته دون الأخير أنه يلزم حينئذ أي على الأخير عدم العقاب في التكاليف الموقتة التي لا تتنجز على المكلف الا بعد دخول أوقاتها فإذا فرض غفلة المكلف عند الاستطاعة عن تكليف الحج والمفروض انه لا تكليف قبلها فلا سبب هنا لاستحقاق العقاب رأسا اما حين الالتفات إلى امتثال تكليف الحج فلعدم التكليف به لفقد الاستطاعة واما بعد الاستطاعة فلفقد الالتفات وحصول الغفلة وكذلك الصلاة والصيام بالنسبة إلى أوقاتها (قال) ومن هنا قد يلتجئ إلى ما لا يأباه كلام صاحب المدارك ومن تبعه من ان التعلم واجب نفسي والعقاب على تركه من حيث هو لا من حيث إفضائه إلى المعصية أعني ترك الواجبات وفعل المحرمات (انتهى) موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه.

(قوله ولا يخفى أنه لا يكاد ينحل هذا الإشكال إلّا بذلك أو الالتزام بكون المشروط أو الموقت مطلقا معلقا ... إلخ)

(وحاصل الكلام) انه لا يكاد ينحل إشكال استحقاق العقاب في المشروط والموقت إلّا بأحد نحوين (إما بما اختاره) المحقق الأردبيلي وصاحب المدارك من وجوب التعلم نفسيا ليكون العقاب عليه لا على مخالفة الواقع (وإما بالالتزام) بكون الواجبات المشروطة والموقتة كلها واجبات مطلقة معلقة ليكون الوجوب فيها حاليا من قبل حصول الشرط والوقت ويترشح منها الوجوب الغيري إلى الفحص والتعلم فإذا تركهما بسوء اختياره فعلا فيكون هو المصحح للعقاب على الواقع المغفول عنه في محله بعدا.

(ثم ان الشيخ) أعلى الله مقامه قد تصدّى لحل الإشكال بنحو ثالث (وأشار إليه المصنف) أيضا في تعليقته على الكتاب (ومحصل كلاميهما) أن العقلاء لا يفرقون

بين تارك التكاليف المطلقة وتارك التكاليف المشروطة أو الموقتة إذا استند الترك فيها إلى ترك التعلم والفحص ولو من قبل حصول الشرط أو الوقت فيكون مرجعه إلى دعوى أن العقلاء يرون تعلم التكاليف المشروطة أو الموقتة واجبة ولو من قبل حصول الشرط أو الوقت بحيث إذا ترك التعلم وفات الواجب في موطنه بعد حصول الشرط أو الوقت لم يروه معذورا.

(أقول)

نعم ولكن ذلك مما لا يختص بترك الفحص والتعلم فقط بل كل مقدمة وجودية للمشروط أو الموقت هو مما يجب الإتيان به عقلا من قبل حصول الشرط أو الوقت لكن في خصوص ما إذا علم بعدم تهيأ المقدمة من بعد حصول الشرط أو دخول الوقت وذلك حفظا للقدرة على الواجب وتحفظا على عدم فوت التكليف في محله (هذا) والأصح من الجميع في الجواب عن إشكال استحقاق العقاب في الواجبات المشروطة والموقتة هو أن يقال إن التعلم والتفحص فيهما واجب شرعا غيريا لأجل حفظ الواقعيات ولو من قبل حصول الشرط ودخول الوقت بمقتضى إطلاقات أدلة التفقه والتعلم فيكون وجوبهما هو المصحح للعقاب على ترك الواجبات المشروطة أو الموقتة في موطنها أي بعد الشرط أو الوقت ولو كانت هي مغفولة عنها حين الترك بسبب ترك الفحص والتعلم والوجوب الغيري إنما لم يجز تقدمه على الشرط أو الوقت إذا كان ترشحيا قد نشأ من وجوب ذي المتقدمة وأما إذا كان منشأ بخطاب مستقل فمن الجائز تقدمه على وجوب ذي المقدمة فيقول المولى أدخل معي السوق ليتهيأ ويستعد لشراء اللحم فإذا دخل واستعد وتمكن من الشراء قال له اشتر اللحم (وهذا من غير حاجة) إلى الالتزام بكون وجوب التعلم نفسيا لتصح العقوبة عليه (أو بكون) الواجبات المشروطة أو الموقتة كلها مطلقة معلقة ليكون الوجوب فيها حاليا من قبل حصول الشرط أو الوقت ويترشح منها الوجوب الغيري إلى الفحص والتعلم (ولا إلى دعوى) وجوب تعلم الواجبات المشروطة أو

الموقتة عقلا من قبل حصول الشرط أو الوقت لتختص الدعوى كما عرفت بما إذا علم المكلف أنه لا يتيسر التعلم بعد الشرط أو الوقت لا مطلقا (وقد تقدم) تفصيل هذا التحقيق كله في مقدمة الواجب في ذيل التكلم في المعرفة والتعلم وأنهما مما لا يتبعان وجوب ذي المقدمة في الإطلاق والاشتراط وتقدم أيضا تفصيله بعد ذلك بقليل في ذيل التخلص عن العويصة المشهورة وهي وجوب المقدمة من قبل وجوب ذيها في عدة موارد فراجع الموضعين وتدبرهما بدقة.

(قوله لكنه قد اعتبر على نحو لا تتصف مقدماته الوجودية عقلا بالوجوب قبل الشرط أو الوقت غير التعلم ... إلخ)

لا يخفى انه إذا التزمنا بكون الواجبات المشروطة أو الموقتة مطلقة معلقة فلا بد من اعتبارها على نحو لا يكاد يتصف بالوجوب شرطه كالاستطاعة للحج بان يقول مثلا يجب عليك من الآن الحج عند حصول الاستطاعة بطبعها لا أن يقول يجب عليك من الآن الحج عن استطاعة كي يجب تحصيل الاستطاعة غيريا كسائر المقدمات الوجودية (ولكن هذا الاعتبار) مما يختص بالشرط فقط واما ساير المقدمات الوجودية فلا وجه للتفكيك فيها بين التعلم وغيره بأن يعتبر المشروط بنحو يجب التعلم خاصة من بين مقدماته دون غيره فإنه تفكيك بلا موجب إذ لا مانع عن اعتبار المشروط بنحو يجب تمام مقدماته الوجودية من التعلم وغيره الا الشرط فقط إذ غاية ما يلزم حينئذ أن يجب تمام مقدمات الحج مثلا من قبل الاستطاعة وهو مما لا محذور فيه إذا كان بنحو الواجب الموسع كما لا يخفى.

(قوله لتكون العقوبة لو قيل بها على تركه ... إلخ)

كلمة لو قيل بها مما لا يخلو عن مسامحة فإن العقوبة مما لا كلام فيه وإنما الكلام في أنها هل هي على مخالفة الواقع أو على ترك التعلم ولعل مقصوده من ذلك الإشارة إلى إمكان عدم تحقق العقوبة للعفو والمغفرة ولكن الصحيح حينئذ كان ان يقول ليكون استحقاق العقوبة على تركه ... إلخ.

(قوله ولا ينافيه ما يظهر من الأخبار من كون وجوب التعلم انما هو لغيره لا لنفسه ... إلخ)

إشارة إلى ما أفاده الشيخ أعلى الله مقامه في توجيه كلام المدارك ومن تبعه من أن التعلم واجب نفسي وان العقاب على تركه من حيث هو لا من حيث إفضائه إلى المعصية أعني ترك الواجبات وفعل المحرمات (قال) ما لفظه وما دل بظاهره من الأدلة المتقدمة على كون وجوب تحصيل العلم من باب المقدمة محمول على بيان الحكمة في وجوبه وأن الحكمة في إيجابه لنفسه صيرورة المكلف قابلا للتكليف بالواجبات والمحرمات حتى لا يفوته منفعة التكليف بها ولا يناله مضرة إهماله عنها فإنه قد يكون الحكمة في وجوب الشيء لنفسه صيرورة المكلف قابلا للخطاب (انتهى) موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه (ومن هنا) قد أفاد المصنف في وجه عدم المنافاة أن وجوب التعلم لغيره مما لا يوجب كونه واجبا غيريا يترشح وجوبه من وجوب غيره بل يكون نفسيا للتهيؤ لإيجاب غيره.

(قوله فافهم ... إلخ)

ولعله إشارة إلى عدول الشيخ أعلى الله مقامه أخيرا عما أفاده في توجيه كلام المدارك ومن تبعه من أن التعلم واجب نفسي (قال) بعد عبارته المتقدمة (ما لفظه) لكن الإنصاف ظهور أدلة وجوب العلم يعني به التعلم في كونه واجبا غيريا (مضافا) إلى ما عرفت من الأخبار في الوجه الثالث الظاهرة في المؤاخذة على نفس المخالفة يعني به مثل قوله تعالى في الخبر المتقدم هلا تعلمت حتى تعمل (انتهى).

(أقول)

هذا مضافا إلى أن الوجوب النفسيّ التهيئي مما لا محصل له فإن الواجب إن كان نفسيا فما معنى كونه تهيئيا وإن كان تهيئيا فما معنى كونه نفسيا فإن التهيئي ليس إلّا الغيري كما لا يخفى.

(قوله واما الأحكام فلا إشكال في وجوب الإعادة في صورة المخالفة بل في صورة الموافقة أيضا في العبادة فيما لا يتأتى منه قصد القربة ... إلخ)

(يظهر) من هذه العبارة أن المعيار في الصحة والفساد في المعاملة هو موافقتها مع الواقع ومخالفتها له فإن وافقته صحت وإن خالفته بطلت (وأن المعيار) في العبادة أمران موافقتها مع الواقع وتمشي قصد القربة فإن وافقت العبادة مع الواقع وتمشي قصد القربة صحت وإلّا بأن خالفت الواقع أو وافقته ولم يتمش قصد القربة لتردد العامل بالبراءة قبل الفحص وعدم جزمه بأحد الطرفين بطلت (ويستفاد هذا كله) من كلام الشيخ أيضا (قال) أعلى الله مقامه (ما لفظه) وأما الكلام في الحكم الوضعي وهي صحة العمل الصادر من الجاهل وفساده فيقع الكلام فيه (تارة) في المعاملات (وأخرى) في العبادات.

(أما المعاملات) فالمشهور فيها أن العبرة فيها بمطابقة الواقع ومخالفته سواء وقعت عن أحد الطريقين أعني الاجتهاد والتقليد أم لا عنهما فاتفقت مطابقته للواقع لأنها من قبيل الأسباب لأمور شرعية فالعلم والجهل لا مدخل له في تأثيرها وترتب المسببات عليها (فمن عقد) على امرأة عقدا لا يعرف تأثيره في حلية الوطء فانكشف بعد ذلك صحته كفى في صحته من حين وقوعه وكذا لو انكشف فساده رتب عليه حكم الفاسد من حين الوقوع (وكذا من ذبح) ذبيحة بفري ودجيه فانكشف كونه صحيحا أو فاسدا (ثم ساق) الكلام طويلا (إلى أن قال) هذا كله حال المعاملات

(واما العبادات) فملخص الكلام فيها انه إذا أوقع الجاهل عبادة عمل فيها بما تقتضيه البراءة كأن صلّى بدون السورة (فإن كان) حين العمل متزلزلا في صحة عمله بانيا على الاقتصار عليه في الامتثال فلا إشكال في الفساد وإن انكشف الصحة بعد ذلك بلا خلاف في ذلك ظاهرا لعدم تحقق نية القربة لأن الشاك في كون المأتي به موافقا للمأمور به كيف يتقرب به (اما لو غفل) عن ذلك أو سكن فيه إلى قول من يسكن إليه من أبويه وأمثالهما فعمل باعتقاد التقرب فهو خارج عن محل

كلامنا الّذي هو في عمل الجاهل الشاك قبل الفحص بما تقتضيه البراءة إذ مجري البراءة في الشاك دون الغافل أو معتقد الخلاف (وعلى أي حال) فالأقوى صحته إذا انكشف مطابقته للواقع إذ لا يعتبر في العبادة إلّا إتيان المأمور به على قصد التقرب والمفروض حصوله (انتهى) موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه.

(قوله مع عدم دليل على الصحة والإجزاء إلا في الإتمام في موضع القصر أو الإجهار أو الإخفات في موضع الآخر ... إلخ)

وقد أجاد المصنف في عبارته هذه حيث يظهر منها ان مواضع الصحة والإجزاء هي ثلاثة على طبق ما قرر في محله الإتمام في موضع القصر وكل من الجهر والإخفات في موضع الآخر (وهذا) بخلاف عبارة الشيخ أعلى الله مقامه حيث يظهر منها أن القصر في موضع الإتمام أيضا من مواضع الصحة والإجزاء وهو مسامحة في التعبير وإن كان المقصود معلوما من الخارج (قال) في الأمر الثاني مما ختم به الكلام في الجاهل العامل قبل الفحص (ما لفظه) قد عرفت ان الجاهل العامل بما يوافق البراءة مع قدرته على الفحص واستبانة الحال غير معذور لا من حيث العقاب ولا من جهة سائر الآثار يعني بها الصحة والفساد (إلى ان قال) وقد استثنى الأصحاب من ذلك القصر والإتمام والجهر والإخفات فحكموا بمعذورية الجاهل في هذين الموضعين (انتهى) موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه.

(قوله مع الجهل مطلقا ولو كان عن تقصير ... إلخ)

نعم قد أفتى المشهور بصحة الصلاة وتماميتها في الموضعين كما في المتن مع الجهل مطلقا ولو كان عن تقصير ولكن ذلك مع الغفلة أو اعتقاد الخلاف واما مع الالتفات والتزلزل فلا يفتى أحد ظاهرا بالصحّة كما تقدم في كلام الشيخ أعلى الله مقامه لعدم تمشي قصد القربة (ومن هنا يظهر) أن معذورية الجاهل من حيث الحكم الوضعي في الموضعين هي خارجة عما هو محل الكلام وهو العامل بالبراءة بدون

الفحص فإن العمل بها لا يكون إلّا مع الشك والالتفات لا مع الغفلة أو اعتقاد الخلاف فتأمل جيدا.

(قوله وإن صحت وتمت إلّا أنها ليست بمأمور بها ... إلخ)

الصحة والتمامية هاهنا بمعنى سقوط الفعل ثانيا كما سيأتي في عبارة الشيخ أعلى الله مقامه لا بمعنى المطابقة مع الواقع.

(قوله ان قلت كيف يحكم بصحتها مع عدم الأمر بها ... إلخ)

(حاصل الإشكال) كما يستفاد من كلام الشيخ أعلى الله مقامه أن ظاهر الأصحاب ان الجاهل في المواضع المذكورة معذور من حيث الحكم الوضعي فقط أي من حيث الصحة وعدم الإعادة دون التكليفي أي استحقاق العقوبة والمؤاخذة (ومن المعلوم) أن استحقاق العقوبة والمؤاخذة لا يكاد يكون إلا مع بقاء التكليف بالواقع فحينئذ يقع الكلام في ان الإتمام مثلا في موضع القصر إن لم يكن مأمورا به فكيف يسقط به الواجب وإن كان مأمورا به فكيف يجتمع الأمر به مع بقاء الأمر بالقصر (قال) أعلى الله مقامه بعد عبارته المتقدمة (ما لفظه) وظاهر كلامهم إرادتهم العذر من حيث الحكم الوضعي وهي الصحة بمعنى سقوط الفعل ثانيا دون المؤاخذة وهو الّذي يقتضيه دليل المعذورية في الموضعين أيضا فحينئذ يقع الإشكال في انه إذا لم يكن معذورا من حيث الحكم التكليفي كسائر الأحكام المجهولة للمكلف المقصر فيكون تكليفه بالواقع وهو القصر بالنسبة إلى المسافر باقيا وما يأتي به من الإتمام المحكوم بكونه مسقطا إن لم يكن مأمورا به فكيف يسقط به الواجب وان كان مأمورا به فكيف يجتمع الأمر به مع فرض وجود الأمر بالقصر (ثم قال) ودفع هذا الإشكال إما بمنع تعلق التكليف فعلا بالواقع المتروك وإما بمنع تعلقه بالمأتي به وإما بمنع التنافي بينهما (انتهى) موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه.

(أقول)

أما منع تعلق التكليف فعلا بالواقع المتروك فهو مما لا ينحل به الإشكال فإن التكليف بالواقع وان سقط عن الفعلية بسبب الغفلة الناشئة عن ترك التعلم كسائر الموارد الساقطة فيها التكليف عن الفعلية بسبب الجهل والغفلة وترك التفقه ولكن الإنشائيّ منه المشترك بين العالم والجاهل باق على حاله فحينئذ يقع الإشكال في أن المأتي به إن لم يكن مأمورا به فكيف أسقط الأمر بالواقع وان كان مأمورا به فكيف يجتمع الأمر به مع الأمر بالواقع (وأما منع تعلق التكليف بالمأتي به) فهو مما لا ينحل أيضا به الإشكال بل الإشكال باق على حاله إذ يقال حينئذ إن المأتي به مع عدم كونه مأمورا به كيف أسقط الأمر بالواقع.

(نعم ينحصر) حلّ الإشكال (إما بمنع التنافي) بين الأمرين بالالتزام بالترتب بينهما كما سيأتي من كاشف الغطاء (أو بمنع) تعلق الأمر بالمأتي به ولكن مع الالتزام بعدم إمكان تدارك الواقع بالإعادة أو القضاء بعد الإتيان بما أتى به (ومما ذكرنا يظهر لك ضعف) ما أفاده المصنف في الكتاب لدفع الإشكال مما محصله أن الإتمام مثلا غير مأمور به ولكنه حيث كان مشتملا على مصلحة تامة لازمة الاستيفاء في حد ذاتها وان كان دون مصلحة القصر فسقط به الأمر بالقصر وإنما لم يؤمر به في عرض الواقع تخييرا لكون مصلحة الثاني أكمل وأتم (ووجه الضعف) ان التفاوت بين مصلحة الإتمام والقصر (ان كان) بمقدار يسير فهذا مما لا يمنع عن الأمر بكل منهما في عرض الآخر تخييرا غايته أن الثاني يكون من أفضل الافراد (وان كان) بمقدار مهم فهذا مما يوجب الأمر بالإعادة والقضاء لدرك المهم اللازم (وعليه) فالصحيح في مقام الجواب هو دعوى عدم إمكان تدارك المصلحة بالإعادة أو القضاء بعد ما أتى بالإتمام جهلا نظير ما إذا امره بشرب ماء بارد فشرب ماءً حارا فلم يمكن التدارك بسبب امتلاء المحل وهذا كله

من غير فرق بين كون الإتمام المأتي به مشتملا على مقدار مهم من المصلحة أم غير مشتمل عليها أصلا فتأمل جيدا.

(قوله وكيف يصح الحكم باستحقاق العقوبة على ترك الصلاة التي امر بها حتى فيما إذا تمكن مما أمر بها كما هو ظاهر إطلاقاتهم ... إلخ)

(هذا إشكال) آخر أورده المصنف من عند نفسه ولم يؤشر إليه الشيخ أعلى الله مقامه (وحاصله) ان ظاهر إطلاقات الأصحاب أن من أتى بالإتمام مثلا في موضع القصر جهلا بالحكم يستحق العقاب حتى فيما إذا تمكن من الإعادة في الوقت بأن ارتفع جهلة قبل مضي الوقت وهو مشكل جدا إذ لا وجه لاستحقاق العقاب بعد التمكن من الإتيان بالمأمور به الواقعي في وقته (وقد أجاب عنه المصنف) بما أشرنا به آنفا من أن مصلحة الواقع غير قابلة للاستيفاء والتدارك بعد الإتيان بالإتمام مثلا جهلا فاستحقاق العقاب إنما هو لفوت الواقع عنه بسوء اختياره وهو ترك التعلم المفضي إلى فوته.

(قوله ان قلت على هذا يكون كل منهما في موضع الآخر سببا لتفويت الواجب فعلا ... إلخ)

(حاصل الإشكال) ان بناء على ما تقدم آنفا من أن مع استيفاء مصلحة الإتمام في موضع القصر أو مصلحة كل من الجهر والإخفات في موضع الآخر لا يبقى مجال لاستيفاء المصلحة التي هي في المأمور به يكون الإتمام في موضع القصر جهلا وهكذا كل من الجهر والإخفات في موضع الآخر كذلك سببا لتفويت الواجب والسبب المفوت للواجب حرام وحرمة العبادة موجبة لفسادها بلا كلام فكيف يقال إنه صح وتم (وحاصل الجواب) أن الإتمام في موضع القصر وهكذا كل من الجهر والإخفات في موضع الآخر ليس سببا لفوت الواجب بحيث يتوقف الواجب على عدمه توقف الشيء على عدم المانع كي يجب عدمه غيريا ويحرم فعله ويفسد بل الإتمام والقصر وهكذا الجهر والإخفات ضدان فعدم كل منهما في عرض وجود

الآخر لا تقدم له عليه كما ان وجود كل منهما في عرض عدم الآخر لا تقدم له عليه (وعليه) فإذا وجب أحد الضدين لم يحرم ترك الآخر مقدمة له كي يحرم فعله ويفسد إذا كان عبادة كما انه إذا وجب ترك أحد الضدين لم يجب فعل الآخر مقدمة له (وقد تقدم تفصيل) عدم التمانع بين الضدين وعدم التوقف من كلا الطرفين لا وجود هذا على عدم ذاك ولا عدم ذاك على وجود هذا في بحث الضد مشروحا فلا نعيد.

(قوله لا يقال علي هذا فلو صلّى تماما أو صلّى إخفاتا في موضع القصر والجهر مع العلم بوجوبهما في موضعهما لكانت صلاته صحيحة ... إلخ)

(حاصل الإشكال) أن بناء على ما تقدم من اشتمال الإتمام في موضع القصر وهكذا كل من الجهر والإخفات في موضع الآخر على مصلحة تامة لازمة الاستيفاء في نفسها وأن مع استيفائها لا يبقى مجال لاستيفاء مصلحة الواجب إذا صلّى المكلف تماما في موضع القصر أو صلى جهرا أو إخفاتا في موضع الآخر عالما عامدا كانت صلاته صحيحة وإن استحق العقاب على مخالفة الواجب (وحاصل الجواب) أن ذلك ثبوتا مما لا مانع عنه غير انه إثباتا لا دليل لنا على الاشتمال على المصلحة مطلقا حتى في صورة العلم والعمد وذلك لاحتمال الاختصاص بصورة الجهل فقط كما لا يخفى.

(قوله وقد صار بعض الفحول بصدد بيان إمكان كون المأتي في غير موضعه مأمورا به بنحو الترتب ... إلخ)

إن بعض الفحول هو كاشف الغطاء رحمه‌الله كما أشير قبلا فهو المتصدي لدفع الإشكال الأول المتقدم من ان الإتمام مثلا في موضع القصر إن لم يكن مأمورا به فكيف يسقط به الواجب وإن كان مأمورا به فكيف يجتمع الأمر به مع الأمر بالواقع أعني القصر (وحاصل الدفع) هو منع التنافي بين الأمرين إذا كانا بنحو الترتب فالواقع مأمور به مطلقا والإتمام مأمور به على تقدير المعصية ولو جهلا

(قال الشيخ) أعلى الله مقامه (ما لفظه) والثالث أي دفع الإشكال بمنع التنافي بين الأمرين ما ذكره كاشف الغطاء رحمه‌الله من أن التكليف بالإتمام مرتب على معصية الشارع بترك القصر فقد كلفه بالقصر والإتمام على تقدير معصيته في التكليف بالقصر (ثم قال) وسلك هذا الطريق في مسألة الضد في تصحيح فعل غير الأهم من الواجبين المضيقين إذا ترك المكلف الامتثال بالأهم (ثم قال) ويردّه أنا لا نعقل الترتب في المقامين وإنما يعقل ذلك فيما إذا حدث التكليف الثاني بعد تحقق معصية الأول كمن عصى بترك الصلاة مع الطهارة المائية فكلف لضيق الوقت بالترابية (انتهى) كلامه رفع مقامه.

(أقول)

والمصنف أيضا قد ردّه بالمنع عن الترتب على طبق ما تقدم منه في بحث الضد ولكن يردّهما جميعا ان الّذي تقدم منا تحقيقه في بحث الضد هو جواز الترتب ولو بنحو الواجب المعلق من دون محذور فيه أصلا سيما الترتب المفروض في المقام فإن الأمر بالقصر مثلا قد سقط عن التنجز لغفلة الجاهل عنه ولو كان أصله المشترك بين العالم والجاهل باقيا على حاله فيكون الأمر بالإتمام هو المنجز فعلا فيكونان من قبيل الحكم الواقعي والظاهري المتخالفين في عدم التنافي بينهما لأجل عدم تنجز الواقع وعدم الإرادة والكراهة على طبقه وكون المنجز هو الظاهري فقط على طبق قيام الأمارة أو الأصل العملي على الحكم الشرعي وقد تقدم تفصيل الجمع بينهما في بحث إمكان التعبد بالأمارات الغير العلمية مفصلا فلا نعيد.

هل العبرة في باب المؤاخذة بمخالفة الواقع

أو بمخالفة الطريق

(بقي شيء) وهو أن الشيخ أعلى الله مقامه بعد ما فرغ عن بيان ما للعمل بالبراءة قبل الفحص من التبعة والأحكام قد ذكر امرا لم يؤشر إليه المصنف وهو ان العبرة في باب المؤاخذة (هل هو بمخالفة الواقع) الأوّلي الثابت في كل واقعة عند المخطئة (أو بمخالفة الطريق) الشرعي المعثور عليه بعد الفحص (أو يكفي في المؤاخذة) مخالفة أحدهما (أو يكفي في عدم المؤاخذة) موافقة أحدهما فإذا شرب العصير العنبي مثلا من غير فحص عن حكمه وفرضنا انه في الواقع كان حراما ولكن لو تفحص لظفر على خبر معتبر دال على الحلية (فهل يعاقب) حينئذ (أو يعاقب) فيما إذا انعكس الأمر بأن كان في الواقع حلالا ولكن لو تفحص لظفر على خبر معتبر دال على الحرمة (أو يعاقب) في كلتا الصورتين جميعا (أو لا يعاقب) في شيء من الصورتين أصلا وإنما يعاقب على الواقع الّذي لو تفحص عنه لم يمنعه طريق معتبر على الخلاف (وجوه أربعة) وقد ذكر الشيخ أعلى الله مقامه لكل وجه ما يناسبه من الدليل ولكنه أخيرا هو قوّى الوجه الأول.

(أقول)

(ان قلنا) باستحقاق المتجري للعقاب كما تقدم تحقيقه في محله فلا إشكال في إن العمل بالبراءة من غير فحص عن الحكم الشرعي هو مما يوجب استحقاق المؤاخذة على كل حال ولو على التجري ولعل من هنا لم يؤشر المصنف إلى هذا البحث أصلا بعد ما رأى استحقاق المتجري للعقاب ولو على قصد العصيان لا على الفعل المتجري به كما تقدم تفصيله في بحث القطع مشروحا (واما إذا قلنا) بعدم

استحقاق المتجري للعقاب فالظاهر ان الأقوى هو الوجه الرابع من الوجوه الأربعة المتقدمة (فإذا شرب العصير العنبي) من غير فحص عن حكمه وفرضنا انه في الواقع كان حراما ولكن لو تفحص لظفر على خبر معتبر دال على الحلية فلا وجه للمؤاخذة والعقاب أصلا إذ الواقع المحجوب الّذي لا يمكن الوصول إليه ولو بالفحص عنه لا يكاد يعقل العقاب عليه وهكذا إذا انعكس الأمر بأن كان في الواقع حلالا ولكن لو تفحص لظفر على خبر معتبر دال على الحرمة فلا وجه للعقاب أيضا لأن مخالفة الطريق المعتبر إنما يوجب استحقاق العقاب إذا أصاب الواقع ولم يصب هاهنا ومخالفته بما هو هو مما لا يوجب استحقاق العقاب إلا على التجري وهو خلاف المفروض (وعليه) فينحصر استحقاق العقاب بما إذا كان في الواقع تكليف إلزامي وكان بحيث لو تفحص عنه لم يمنعه طريق شرعي على الخلاف وهذا هو الوجه الرابع عينا فتأمل جيدا.

قد ذكر لأصل البراءة شرطان آخران

(قوله ثم إنه ذكر لأصل البراءة شرطان آخران ... إلخ)

بل شروط أخر وهي للفاضل التوني رحمه‌الله (قال الشيخ) أعلى الله مقامه تذنيب ذكر الفاضل التوني لأصل البراءة شروطا أخر ثم شرع في ذكرها وفي النقض والإبرام فيها واحدا بعد واحد وسيأتي منا التنبيه على الثالث بعد ذكر الشرطين جميعا قبل الشروع في قاعدة لا ضرر فانتظر.

(قوله أحدهما ان لا يكون موجبا لثبوت حكم شرعي من جهة أخرى إلى آخره)

(قال الشيخ) أعلى الله مقامه الأول أن لا يكون إعمال الأصل موجبا لثبوت حكم شرعي من جهة أخرى مثل أن يقال في أحد الإناءين المشتبهين الأصل عدم وجوب

الاجتناب عنه فإنه يوجب الحكم بوجوب الاجتناب عن الآخر أو عدم بلوغ الملاقي للنجاسة كرا أو عدم تقدم الكرية حيث يعلم بحدوثها على ملاقاة النجاسة فإن إعمال الأصول يوجب الاجتناب عن الإناء الآخر أو الملاقي أو الماء (ثم قال ما لفظه) أقول توضيح الكلام في هذا المقام أن إيجاب العمل بالأصل لثبوت حكم آخر (إما بإثبات) الأصل المعمول به لموضوع أنيط به حكم شرعي كأن يثبت بالأصل براءة ذمة الشخص الواجد لمقدار من المال واف بالحج من الدين فيصير بضميمة أصالة البراءة مستطيعا فيجب عليه الحج فإن الدين مانع عن الاستطاعة فيدفع بالأصل ويحكم بوجوب الحج بذلك المال (ثم قال) ومنه المثال الثاني فإن أصالة عدم بلوغ الماء الملاقي للنجاسة كرا يوجب الحكم بقلته التي أنيط بها الانفعال (ثم قال وإما) لاستلزام نفي الحكم به عقلا أو شرعا أو عادة ولو في هذه القضية الشخصية لثبوت حكم تكليفي في ذلك المورد أو في مورد آخر كنفي وجوب الاجتناب عن أحد الإناءين (ثم قال فإن كان) إيجابه للحكم على الوجه الأول كالمثال الثاني فلا يكون ذلك مانعا عن جريان الأصل لجريان أدلته من العقل والنقل من غير مانع ومجرد إيجابه لموضوع حكم وجودي آخر لا يكون مانعا عن جريان أدلته كما لا يخفى على من تتبع الأحكام الشرعية والعرفية ومرجعه في الحقيقة إلى رفع المانع فإذا انحصر الطهور في ماء مشكوك الإباحة بحيث لو كان محرم الاستعمال لم يجب الصلاة لفقد الطهورين فلا مانع من إجراء أصالة الحل وإثبات كونه واجدا للطهور فيجب عليه الصلاة (إلى ان قال وإن كان) على الوجه الثاني الراجع إلى وجود العلم الإجمالي بثبوت حكم مردد بين الطرفين (فإن أريد) باعمال الأصل في نفي أحدهما إثبات الآخر ففيه أن مفاد أدلة أصل البراءة مجرد نفي التكليف دون إثباته وان كان الإثبات لازما واقعيا لذلك النفي فإن الأحكام انما يثبت بمقدار مدلول أدلتها ولا يتعدى إلى أزيد منه بمجرد ثبوت الملازمة الواقعية بينه وبين ما ثبت (إلى ان قال وان أريد) بإعماله في أحدهما مجرد نفيه دون الإثبات فهو جار

إلا انه معارض بجريانه في الآخر (إلى ان قال) واما أصالة عدم تقدم الكرية على الملاقاة في نفسه ليس من الحوادث المسبوقة بالعدم حتى يجري فيه الأصل نعم نفس الكرية حادثة فإذا شك في تحققها حين الملاقاة حكم بأصالة عدمها وهذا معنى عدم تقدم الكرية على الملاقاة لكن هنا أصالة عدم حدوث الملاقاة حين حدوث الكرية وهو معنى عدم تقدم الملاقاة على الكرية فيتعارضان فلا وجه لما ذكره من الأصل يعني به أصالة عدم تقدم الكرية على ملاقاة النجاسة (انتهى موضع الحاجة) من كلامه رفع مقامه.

(أقول)

وقد أجاد أعلى الله مقامه في توضيح الكلام في هذا المقام غير انه يمكن تأدية المطلب بنحو أسهل (فنقول إن كان) المقصود من ثبوت حكم شرعي من جهة أخرى أن يثبت بالأصل موضوعا لحكم شرعي كما في مثال الحج ومثال عدم بلوغ الماء الملاقي للنجاسة كرا فهذا مما لا يمنع عن جريان الأصل بل يجري وثبت به الموضوع كالاستطاعة أو القلة ويترتب عليه حكمه (وإن كان المقصود منه) أن يثبت به اللازم الواقعي لمجرى الأصل كما في مثال الإناءين المشتبهين ومثال عدم تقدم الكرية على ملاقاة النجاسة فهذا مما لا يثبته الأصل كي يمنع عن جريانه بل عدم الجريان في المثالين مستند إلى المعارضة أو لغير ذلك مما تقدم في صدر بحث الاشتغال مفصلا (ثم لا يخفى) إن أصل الكلام في بدو الأمر كان في خصوص أصل البراءة وأنه قد ذكر الفاضل التوني له شروطا أخر غير ما تقدم من شرائط الأصول العملية ولكن الكلام في ذيل الأمثلة المتقدمة قد تعدى منه إلى ما يعم الاستصحاب أيضا فكأن الشروط المذكورة هي لمطلق الأصل لا لخصوص البراءة فقط وإن اختص عنوان الكلام بها كما لا يخفى.

(قوله ثانيهما أن لا يكون موجبا للضرر على آخر ... إلخ)

(قال الشيخ) أعلى الله مقامه (ما لفظه) الثاني يعني من الشروط التي ذكرها

الفاضل التوني لأصل البراءة أن لا يتضرر بإعمالها مسلم كما لو فتح إنسان قفس طائر فطار أو حبس شاتا فمات ولدها أو أمسك رجلا فهرب دابته فإن إعمال البراءة فيها يوجب تضرر المالك فيحتمل اندراجه تحت قاعدة الإتلاف وعموم قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله لا ضرر ولا ضرار فإن المراد نفي الضرر من غير جبران بحسب الشرع وإلّا فالضرر غير منفي فلا علم حينئذ ولا ظن بأن الواقعة غير منصوصة فلا يتحقق شرط التمسك بالأصل من فقدان النص بل يحصل القطع بتعلق حكم شرعي بالضار ولكن لا يعلم أنه مجرد التعزير أو الضمان أو هما معا فينبغي له تحصيل العلم بالبراءة ولو بالصلح (انتهى).

(أقول)

وفي قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا ضرر ولا ضرار كما سيأتي احتمالات عديدة من جملتها أن يكون المراد هو نفي الضرر الّذي لم يحكم الشرع بجبرانه وتداركه فيكون هو من أدلة الضمان نظير قوله من أتلف مال الغير فهو له ضامن وكلام الفاضل التوني مبني على هذا المعنى (وعلى كل حال) محصل كلامه أنه لا تكاد تجري البراءة في الأمثلة المذكورة وذلك لأمرين.

(أحدهما) أنها مما توجب الضرر على المالك فيحتمل اندراج المورد تحت قاعدتي الإتلاف والضرر فيكون مما فيه نصّ لا مما لا نصّ فيه كي تجري فيه البراءة

(ثانيهما) انه يعلم إجمالا بتعلق حكم بالضار لا محالة إما التعزير وإما الضمان وإما هما معا ومع هذا العلم الإجمالي لا تكاد تجري البراءة فيجب تحصيل العلم ببراءة الذّمّة ولو بالصلح.

(وقد أورد الشيخ) أعلى الله مقامه على الأمر الأول (بما هذا لفظه) ويرد عليه انه إن كانت قاعدة نفي الضرر معتبرة في مورد الأصل كانت دليلا كسائر الأدلة الاجتهادية الحاكمة على البراءة وإلا فلا معنى للتوقف في الواقعة وترك العمل بالبراءة ومجرد احتمال اندراج الواقعة في قاعدة الإتلاف أو الضرر لا يوجب رفع

اليد عن الأصل (انتهى) (وقد أورد) على الأمر الثاني (بما هذا لفظه) والمعلوم تعلقه بالضار فيما نحن فيه هو الإثم والتعزير إن كان متعمدا وإلا فلا يعلم وجوب شيء عليه فلا وجه لوجوب تحصيل العلم بالبراءة ولو بالصلح (انتهى).

(قوله ولا يخفى أن أصالة البراءة عقلا ونقلا في الشبهة البدوية ... إلخ)

شروع في الرد على الشرط الأول من شروط الفاضل التوني.

(قوله لو كان موضوعا لحكم شرعي ... إلخ)

بمعنى ان رفع التكليف ظاهرا الثابت بالبراءة لو كان موضوعا لحكم شرعي كما في مثال الحج المتقدم فلا محيص عن ترتبه عليه فإن الواجد لمقدار من المال واف بالحج إذا أجرى البراءة عن الدين المشكوك يحرز بها الاستطاعة ويجب عليه الحج وهكذا استصحاب عدم بلوغ الماء الملاقي للنجاسة كرا يثبت به قلة الماء الملاقي للنجاسة ويحكم بنجاسته ويجب الاجتناب عنه.

(قوله أو ملازما له ... إلخ)

بمعنى ان رفع التكليف ظاهرا الثابت بالبراءة لو كان ملازما لحكم شرعي فلا محيص عن ترتيب ذلك الحكم الشرعي فإذا دخل مثلا عليه الوقت وشك في دين حال يجب أداء الآن على نحو يسقط به تنجز الأمر بالصلاة فعلا لفورية الدين وسعة وقت الصلاة تجري البراءة ويثبت بها الحكم الشرعي الملازم للنفي الظاهري فإن مجرد انتفاء الدين ولو ظاهرا بوسيلة الأصل مما يكفي في وجوب الصلاة فعلا بعد دخول وقتها.

(نعم) لا يثبت بها الحكم الشرعي الملازم للنفي الواقعي وذلك لابتنائه على القول بالأصل المثبت ولا نكاد نقول به كما سيأتي في محله.

(قوله فإن لم يكن مترتبا عليه بل على نفى التكليف واقعا ... إلخ)

أي فإن لم يكن الحكم الشرعي مترتبا على رفع التكليف ظاهرا الثابت بالبراءة بل كان مترتبا أو ملازما لنفي التكليف واقعا كما في مثال الإناءين المشتبهين المتقدم لأن

وجوب الاجتناب عن الآخر ملازم لنفي وجوب الاجتناب عن أحدهما واقعا لا ظاهرا بالبراءة ونحوها.

(قوله وهذا ليس بالاشتراط ... إلخ)

أي عدم ترتب ذاك الحكم لعدم ثبوت ما يترتب عليه بالبراءة ليس بالاشتراط أي شرطا للبراءة كما لا يخفى.

(قوله واما اعتبار أن لا يكون موجبا للضرر ... إلخ)

شروع في الرد على الشرط الثاني من شروط الفاضل التوني وقد تقدم من الشيخ أعلى الله مقامه ما يتضح به ردّ المصنف على الفاضل فلا نعيد.

(بقي شيء) وهو أنا قد أشرنا قبلا أن الفاضل المذكور على ما صرح به الشيخ أعلى الله مقامه قد ذكر شروطا لأصل البراءة لا شرطين ولم يؤشر المصنف إلى الشرط الثالث بل الشيخ أيضا لم يذكره إلا في ذيل الثاني (ولعل) من هنا غفل عنه المصنف وقال ذكر لأصل البراءة شرطان ولم يتفطن الشرط الثالث (وعلى كل حال قال الشيخ) أعلى الله مقامه بعد الفراغ عن الشرط الثاني (ما لفظه) كما لا وجه لما ذكره من تخصيص مجري الأصل بما إذا لم يكن جزء عبادة بناء على أن المثبت لأجزاء العبادة هو النص.

(أقول)

ولعل نظر الفاضل المذكور إلى أن أصل البراءة إذا جرت عن الجزء المشكوك فيتعين بها الواجب في الأقل والأصل العملي مما لا يصلح لذلك بل لا بد من تعيين الواجب بالنص (وقد ردّ) عليه الشيخ أعلى الله مقامه بقوله فإن النص قد يصير مجملا وقد لا يكون نصّ في المسألة فإن قلنا بجريان الأصل وعدم العبرة بثبوت التكليف المردد بين الأقل والأكثر فلا مانع عنه وإلّا فلا مقتضي له وقد قدّمنا ما عندنا في المسألة (انتهى).

(ومحصله) أنا إن قلنا بجريان البراءة في الأقل والأكثر الارتباطيين لانحلال

العلم الإجمالي بالتكليف المردد بينهما إلى علم تفصيلي وشك بدوي كما تقدم شرحه بما لا مزيد عليه فلا مانع عن الأصل أبدا وإلا فلا مقتضي له أصلا لا أنه مما لا يجري لكونه مثبتا لأجزاء العبادة.

(قوله مع ساير القواعد الثابتة بالأدلة الاجتهادية ... إلخ) كقاعدة من أتلف وقاعدة اليد ونحوهما.

في قاعدة لا ضرر ولا ضرار وبيان مدركها

(قوله ثم إنه لا بأس بصرف الكلام إلى بيان قاعدة الضرر والضرار على نحو الاختصار وتوضيح مدركها وشرح مفادها وإيضاح نسبتها مع الأدلة المثبتة للأحكام الثابتة للموضوعات بعناوينها الأوّلية أو الثانوية ... إلخ) ومحصله انه يقع الكلام في جهات ثلاث من قاعدة الضرر.

(الأولى) في بيان مدركها.

(الثانية) في شرح مفادها.

(الثالثة) في إيضاح نسبتها مع الأدلة المتكفلة للأحكام الثابتة للموضوعات بعناوينها الأوّلية كأدلة وجوب الصلاة والصيام ونحوهما أو الثانوية كأدلة نفي العسر والحرج ونحوها.

(قوله انه قد استدل عليها بأخبار كثيرة ... إلخ)

شروع في الجهة الأولى من الجهات الثلاث وهي بيان مدركها والمدارك اخبار كثيرة كما قال المصنف.

(منها) ما هو أشهرها قصة وأصحّها سندا وأكثرها طرقا.

(وهو ما رواه) في الوسائل في إحياء الموات في باب عدم جواز الإضرار بالمسلم عن عدة من أصحابنا مسندا عن عبد الله بن بكير عن زرارة عن أبي جعفر

عليه‌السلام قال إن سمرة بن جندب كان له عذق في حائط لرجل من الأنصار وكان منزل الأنصاري بباب البستان فكان يمر به إلى نخلته ولا يستأذن فكلّمه الأنصاري ان يستأذن إذا جاء فأبى سمرة فلما تأبي جاء الأنصاري إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فشكا إليه وخبّره الخبر فأرسل إليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وخبره بقول الأنصاري وما شكا وقال إذا أردت الدخول فاستأذن فأبى فلما أبي ساومه حتى بلغ به من الثمن ما شاء الله فأبى ان يبيع فقال لك بها عذق يمد لك في الجنة فأبى ان يقبل فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للأنصاري اذهب فاقلعها وارم بها إليه فإنه لا ضرر ولا ضرار.

(قال) ورواه الصدوق بإسناده عن ابن بكير نحوه (ثم قال) ورواه الشيخ بإسناده عن أحمد بن محمد بن خالد مثله (ثم قال) وعن علي بن محمد بن بندار عن أحمد بن أبي عبد الله عن أبيه عن بعض أصحابنا عن عبد الله مسكان عن زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام نحوه إلّا أنه قال فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنك رجل مضار ولا ضرر ولا ضرار على مؤمن قال ثم أمر بها فقلعت ورمى بها إليه فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انطلق فاغرسها حيث شئت.

(أقول)

ورواه في الباب المذكور أيضا مسندا عن أبي عبيدة الحذاء عن أبي جعفر عليه‌السلام باختلاف في اللفظ (قال) في آخره قال أي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما أراك يا سمرة إلا مضارا اذهب يا فلان فاقطعها واضرب به وجهة.

(ومنها) ما رواه في إحياء الموات أيضا في باب كراهة بيع فضول الماء والكلاء مسندا عن عقبة بن خالد عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قضى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بين أهل المدينة في مشاوب النخل انه لا يمنع نفع الشيء وقضى بين أهل البادية انه لا يمنع فضل ماء ليمنع فضل كلأ فقال لا ضرر ولا ضرار

(أقول)

ورواه في الباب المتقدم أيضا مختصرا.

(ومنها) ما رواه في الشفعة في باب ثبوت الشفعة في الأرضين والدور والمساكن والأمتعة مسندا عن عقبة بن خالد عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قضى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالشفعة بين الشركاء في الأرضين والمساكن وقال لا ضرر ولا ضرار وقال إذا أرفت الأرف وحددت الحدود فلا شفعة.

(قال) ورواه الشيخ بإسناده عن محمد بن يحيى مثله.

(ومنها) ما رواه في المستدرك في إحياء الموات في باب عدم جواز الإضرار بالمسلم عن دعائم الإسلام.

(قال) روينا عن أبي عبد الله عليه‌السلام انه سأل عن جدار الرّجل وهو سترة بينه وبين جاره سقط فامتنع من بنيانه قال ليس يجبر على ذلك إلا أن يكون وجب ذلك لصاحب الدار الأخرى بحق أو بشرط في أصل الملك ولكن يقال لصاحب المنزل استر علي نفسك في حقك إن شئت فإن كان الجدار لم يسقط ولكن هدمه أو أراد هدمه إضرارا بجاره لغير حاجة منه إلى هدمه قال لا يترك وذلك أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لا ضرر ولا ضرار.

(ومنها) ما رواه في الباب أيضا عن دائم الإسلام.

(قال) وروينا عن أبي عبد الله عن أبيه عن آبائه عن أمير المؤمنين عليهم‌السلام أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لا ضرر ولا ضرار.

(ومنها) ما ذكره الشيخ أعلى الله مقامه في رسالته المستقلة نقله عن التذكرة ونهاية ابن الأثير وفي الرسائل عن النهاية فقط مرسلا عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا ضرر ولا ضرار في الإسلام.

(ومنها) ما ذكره الشيخ أعلى الله مقامه في رسالته المستقلة وهي رواية هارون بن حمزة الغنوي عن أبي عبد الله عليه‌السلام رجل شهد بعيرا مريضا يباع فاشتراه رجل

بعشرة دراهم فجاء واشترك فيه رجل بدرهمين بالرأس والجلد فقضي أن البعير برء فبلغ ثمنه دنانير قال فقال لصاحب الدرهمين خمس ما بلغ فإن قال أريد الرّأس والجلد فليس له ذلك هذا الضرار قد أعطى حقه إذا أعطى الخمس.

(أقول)

وهاهنا روايتان آخرتان تناسبان الروايات المتقدمة.

(إحداهما) ما رواه في الوسائل في إحياء الموات أيضا في باب عدم جواز الإضرار بالمسلم مسندا عن طلحة بن زيد عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال إن الجار كالنفس غير مضار ولا آثم.

(وأخراهما) ما رواه في إحياء الموات أيضا في الباب الخامس عشر مسندا عن محمد بن الحسن قال كتبت إلى أبي محمد عليه‌السلام رجل كانت له رحى على نهر قرية والقرية لرجل فأراد صاحب القرية أن يسوق إلى قريته الماء في غير هذا النهر ويعطل هذه الرحى أله ذلك أم لا فوقّع عليه‌السلام يتقي الله ويعمل في ذلك بالمعروف ولا يضر أخاه المؤمن.

(قال) ورواه الشيخ بإسناده عن محمد بن علي بن محبوب قال كتب رجل إلى الفقيه وذكر مثله.

(ثم قال) ورواه الصدوق أيضا كذلك.

(قوله وقد ادعى تواترها مع اختلافها لفظا وموردا ... إلخ)

(قال الشيخ) في الرسائل قد ادعى فخر الدين في الإيضاح في باب الرهن تواتر الأخبار على نفي الضرر والضرار ولكن زاد الشيخ في رسالته المستقلة كلمة ولم أعثر عليه.

(قوله فليكن المراد به تواترها إجمالا بمعنى القطع بصدور بعضها ... إلخ)

قد عرفت ضعف هذا المعنى للتواتر الإجمالي في بحث خبر الواحد في صدر البحث مرّة وأشير إليه عند الاستدلال على اعتباره بالأخبار أخرى وأن الصحيح في معناه

ما ذكرناه هناك فلا نعيد (والإنصاف) أن أخبار المقام لو كانت متواترة لكانت متواترة معنى بمعنى اتفاقها على معنى واحد وإن اختلفت هي في اللفظ لا متواترة إجمالا بمعنى اختلافها لفظا ومعنى وإن كان بين الكل قدر جامع كل يقول بذلك القدر الجامع فتأمل جيدا.

في بيان مفاد القاعدة

(قوله وأما دلالتها فالظاهر ان الضرر هو مما يقابل النّفع من النقص في النّفس أو الطرف أو العرض أو المال ... إلخ)

شروع في الجهة الثانية من الجهات الثلاث التي أشير إليها في صدر البحث وهي شرح مفاد القاعدة وبيان معنى لا ضرر ولا ضرار.

(وقد حكى الشيخ) أعلى الله مقامه في الرسائل كلام جملة من اللغويين في مادة الضرر والضرار (فيظهر) من محكي الصحاح والنهاية الأثيرية والقاموس أن الضرر ما يقابل النّفع (كما انه يظهر) من الصحاح والمصباح أن الضرر اسم مصدر والمصدر الضرّ (وعليه) فالضر فعل الضار والضرر نتيجته وهو النقص الوارد في النّفس أو الطرف كاليدين والرجلين ونحوهما أو في العرض أو المال.

(قوله تقابل العدم والملكة ... إلخ)

قد تقدم في صدر بحث الضد شرح المتماثلين والمتخالفين والمتقابلين وأن أقسام التقابل أربعة تقابل التضايف وتقابل التضاد وتقابل الإيجاب والسلب وتقابل العدم والملكة وهما الأمران اللذان كان أحدهما عدميا والآخر وجوديا وكان العدمي مما لا يطلق إلا على محل قابل للوجودي كالعمى والبصر والفقر والغنى والضرر والنّفع ونحو ذلك.

(قوله كما ان الأظهر أن يكون الضرار بمعنى الضرر جيء به تأكيدا إلى آخره)

قد وقع الخلاف في معنى الضرار على أقوال.

(منها) انه فعل الاثنين.

(ومنها) انه الجزاء على الضرر.

(ومنها) أن تضر صاحبك من غير أن تنتفع به.

(ومنها) ان الضرار والضرر بمعنى واحد.

(ومنها) الضيق.

(قال الشيخ) أعلى الله مقامه في الرسائل (ما لفظه) وعن النهاية الأثيرية (وساق الكلام إلى أن قال) والضرر فعل الواحد والضرار فعل الاثنين والضرر ابتداء الفعل والضرار الجزاء عليه وقيل الضرر ما يضر صاحبك وتنتفع أنت به والضرار أن تضره من غير أن تنتفع به وقيل هما بمعنى والتكرار للتأكيد (قال الشيخ انتهى).

(ثم حكى عن القاموس) أن الضرار الضيق ولكني راجعت القاموس فوجدت فيه أن الضرر الضيق لا الضرار ولعل النسخ مختلفة أو الشيخ قد اشتبه في النقل (وعلى كل حال) هذه معاني خمسة للضرار.

(أقول)

لا إشكال في أن الضرار هو مصدر من مصادر المفاعلة تقول ضارر يضارر مضاررة وضرارا وضيرارا والأصل في المفاعلة أن يكون من الاثنين إلا ما خرج كما في سافرت الدهر وعاقبت اللص (ولكن الظاهر) أن المراد من الضرار في المقام ليس فعل الاثنين ويشهد لذلك أمور.

(منها) إطلاق النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لفظ المضار على سمرة حيث قال له في رواية الحذاء ما أراك يا سمرة إلا مضارا وفي رواية ابن مسكان عن زرارة

إنك رجل مضار ومن المعلوم أن الضرر كان من ناحية سمرة فقط لا من ناحيته وناحية الأنصاري جميعا.

(ومنها) إطلاق الصادق عليه‌السلام لفظ الضرار على ما أراده صاحب الدرهمين في رواية الغنوي حيث قال عليه‌السلام فإن قال أريد الرّأس والجلد فليس له ذلك هذا الضرار مع أن الضرر فيه لم يكن الا من ظرف واحد.

(ومنها) تصريح الصحاح على ما ذكر الشيخ أعلى الله مقامه في الرسائل أن ضرّه وضاره بمعنى.

(ومنها) تصريح المصباح على ما ذكر الشيخ أيضا أن ضاره يضاره مضارة وضرارا يعني ضرّه (والظاهر) ان الشواهد المذكورة كلها كما تشهد على نفي المعنى الأول فكذلك تشهد على نفي المعنى الثاني وهو الجزاء على الضرر فيبقى في البين المعنى الثالث وهو ان تضر صاحبك من غير ان تنتفع به والمعنى الرابع وهو ان يكون الضرار والضرر بمعنى واحد والمعنى الخامس وهو الضيق (ولا يخفى) ان الشاهدين الأخيرين هما يعيّنان المعنى الرابع من بين المعاني الثلاثة ولعل فيهما الكفاية كما لا يبعد ذلك لحصول الوثوق من قولهما وهما من أهل الخبرة فيكون الأقرب من بين المعاني الخمسة ما استظهره المصنف وهو كون الضرار بمعنى الضرر جيء به تأكيدا والله العالم.

(قوله كما يشهد به إطلاق المضار على سمرة ... إلخ)

إن إطلاق المضار على سمرة وإن كان مما يشهد بعدم كون الضرار فعل الاثنين بل ولا الجزاء على الضرر ولكن مما لا يشهد انه بمعنى الضرر جيء به تأكيدا كما أفاد المصنف وذلك لملاءمته مع المعنى الثالث والخامس أيضا من المعاني المتقدمة.

(قوله وحكى عن النهاية ... إلخ)

عطف على إطلاق المضار على سمرة ولكن لا يخفى انه لم يحك عن صاحب النهاية بنفسه كون الضرار بمعنى الضرر بل صاحب النهاية قد حكى ذلك عن الغير قطعا

(فقال) في آخر كلامه المتقدم وقيل هما بمعنى والتكرار للتأكيد فتذكر.

(قوله ولا الجزاء على الضرر لعدم تعاهده من باب المفاعلة ... إلخ)

هذا التعليل وإن كان حسنا في حد ذاته ولكن قد عرفت منا أن الشواهد الأربعة المتقدمة على نفي فعل الاثنين هي بعينها مما تشهد على نفي الجزاء على الضرر أيضا.

(قوله كما ان الظاهر أن يكون لا لنفي الحقيقة كما هو الأصل في هذا التركيب حقيقة أو ادعاء كناية عن نفى الآثار ... إلخ)

(فنفي الحقيقة) حقيقة هو كما في لا رجل في الدار أو لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب ونحو ذلك (ونفي الحقيقة) ادعاء كناية عن نفي الآثار هو كما في لا صلاة لجار المسجد الا في المسجد أو يا أشباه الرّجال ولا رجال أو لا شك لكثير الشك ونحو ذلك

(قوله فإن قضية البلاغة في الكلام هو إرادة نفى الحقيقة ادعاء لا نفى الحكم أو الصفة كما لا يخفى ... إلخ)

دفع لما قد يتوهم من انه كما يمكن إرادة نفي الحقيقة ادعاء كناية عن نفي الآثار فكذلك يمكن نفي الحكم ابتداء كما ادعى ذلك في المقام على ما سيأتي تفصيله أو نفي الصفة من الصحة أو الكمال كما ادعى ذلك في لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب أي لا صلاة صحيحة الا بها أو في لا صلاة لجار المسجد الا في المسجد أي لا صلاة كاملة لجار المسجد الا فيه.

(فيقول المصنف) في دفع التوهم إن قضية البلاغة في الكلام هو إرادة نفي الحقيقة ادعاء لا نفي الحكم ولا نفي الصفة وإلّا لما دل على المبالغة كما تقدم في الصحيح والأعم (قال) قدس‌سره هناك عند الاستدلال للصحيح (ما لفظه) واستعمال هذا التركيب في نفي الصفة ممكن المنع حتى في مثل لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد مما يعلم ان المراد نفي الكمال بدعوى استعماله في نفي الحقيقة في مثله أيضا بنحو من العناية لا على الحقيقة وإلّا لما دل على المبالغة (فراجع وتأمل).

(قوله ونفى الحقيقة ادعاء بلحاظ الحكم أو الصفة غير نفى أحدهما ابتداء مجازا في التقدير أو في الكلمة كما لا يخفى ... إلخ)

هذا وجه آخر لترجيح إرادة نفي الحقيقة ادعاء بلحاظ نفي الحكم كما في لا ضرر ولا ضرار أو بلحاظ نفي الصفة كما في لا صلاة لجار المسجد الا في المسجد على إرادة نفي الحكم أو الصفة ابتداء غير ما تقدم من قضية البلاغة والوجه الآخر هو عبارة عن لزوم التجوز من الثاني.

(إما في التقدير) كما إذا قدّرنا لفظ الحكم أو لفظ الكاملة.

(وإما في الكلمة) بأن يراد من لفظ الضرر الحكم الضرري ومن لفظ الصلاة الصلاة الكاملة (هذا ولكن الظاهر) ان المجاز في التقدير في مثل لا ضرر ولا ضرار لا يكاد يتم إذ المقدار لا بد وان يكون كلمة تناسب المذكور بحيث يصح المعنى ويتم كتقدير الأهل في واسأل القرية أو الماء في جرى الميزاب وليس في المقام ما يناسب قوله لا ضرر ولا ضرار إذ لا معنى لتقدير الحكم فيه فتقول مثلا لا ضرر ولا ضرار أي لا حكم ضرر ولا ضرار وهذا مما لا محصّل له (وعليه) فينحصر التجوز هنا لو قيل به بالتجوز في الكلمة باستعمال لفظ الضرر وإرادة الحكم الضرري منه وهذا أيضا بعيد جدا فالأقرب الأظهر في المقام هو إرادة نفي الحقيقة ادعاء كما قال به المصنف بلحاظ نفي الحكم الضرري فتأمل جيدا.

(قوله وقد انقدح بذلك بعد إرادة نفى الحكم الضرري أو الضرر الغير المتدارك أو إرادة النهي من النفي جدا ... إلخ)

إن في قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا ضرر ولا ضرار وجوه ثلاثة.

(أحدها) أن يكون لنفي الحكم الضرري بمعنى نفي الحكم الشرعي الّذي يلزم منه ضرر على العباد تكليفيا كان أو وضعيا كوجوب الصوم مع المرض أو لزوم البيع مع الغبن ونحو ذلك وهو الّذي يظهر من الشيخ أعلى الله مقامه اختياره في الرسائل وفي رسالته المستقلة بل لعله المشهور بين الأصحاب رضوان الله عليهم.

(ثانيها) ان يكون لنفي الضرر المجرد عن التدارك أي لا ضرر لم يحكم الشارع بوجوب تداركه وجبرانه وقد تقدم هذا المعنى من الفاضل التوني في ذيل الشرط الثاني من الشروط التي ذكرها لأصل البراءة ونسبه الشيخ أعلى الله مقامه في رسالته المستقلة إلى بعض الفحول.

(ثالثها) ان يكون النفي للنهي والتحريم كما في قوله تعالى لا يمسه إلا المطهّرون أو لا يغتسل ولا يعيد أو في قوله تعالى فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج ونحو ذلك وقد ذكره الشيخ أعلى الله مقامه في الرسائل وفي رسالته المستقلة جميعا ولم يذكر قائله غير انه اشتهر نسبته في هذا العصر إلى بعض الأعاظم ممن أدركناه.

(ثم إن الوجه الأول) وهو نفي الحكم الضرري يقع على نحوين.

(فتارة) ينفي حقيقة الضرر وماهيته ادعاء كناية عن نفي الحكم الضرري وهذا هو الّذي اختاره المصنف.

(وأخرى) ينفي نفس الحكم الضرري ابتداء مجازا إما في التقدير أو في الكلمة على التفصيل المتقدم آنفا وهذا هو الّذي يظهر من عبارة الشيخ أعلى الله مقامه (قال) في الرسائل (ما لفظه) فاعلم ان المعنى بعد تعذر إرادة الحقيقة عدم تشريع الضرر بمعنى ان الشارع لم يشرع حكما يلزم منه ضرر على أحد تكليفيا كان أو وضعيا (انتهى) (وقال) في رسالته المستقلة (ما لفظه) الثالث يعني من محامل الحديث ان يراد به نفي الحكم الشرعي الّذي هو ضرر على العباد وانه ليس في الإسلام مجعول ضرري وبعبارة أخرى حكم يلزم من العمل به الضرر على العباد (انتهى) (وقد استدل المصنف) على بطلان النحو الأخير من الوجه الأول وهو نفي الحكم الضرري ابتداء مجازا إما في التقدير أو في الكلمة وعلى بطلان الوجه الثاني من الوجوه الثلاثة المتقدمة وهو نفي الضرر الغير المتدارك وعلى بطلان الوجه الثالث وهو إرادة النهي من النفي (مضافا) إلى ما تقدم منه من ان قضية البلاغة هو إرادة

نفي الحقيقة ولو ادعاء وإلا لما دل على المبالغة (ببشاعة) استعمال الضرر وإرادة خصوص سبب من أسبابه يعني به الحكم الضرري وهكذا إرادة خصوص الضرر الغير المتدارك وأن إرادة النهي من النفي وإن كان ليس بعزيز إلّا انه لم يعهد من مثل هذا التركيب.

(أقول)

أما الوجه الثاني من الوجوه الثلاثة المتقدمة وهو نفي الضرر المجرد عن التدارك فمما لا شاهد عليه ولا يساعده فهم العرف فهذا الوجه بمعزل عن الصواب جدا وقد عبّر عنه الشيخ أعلى الله مقامه في رسالته المستقلة بأردإ الاحتمالات وهو كذلك فيبقى في البين الوجه الأول والثالث أي نفي الحكم الضرري أو كون النفي للنهي والتحريم شرعا ولعل الثالث هو أقرب عرفا وأظهر انسباقا سيما في مثل قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في بعض طرق قصة سمرة المتقدمة ولا ضرر ولا ضرار على مؤمن فإن لفظة على مؤمن مما يشعر بحرمة الإضرار به كما لا يخفى (ويؤيده) قول أبي عبد الله عليه‌السلام في الروايتين الأخيرتين إن الجار كالنفس غير مضار ولا آثم أو يتقي الله ويعمل في ذلك بالمعروف ولا يضر أخاه المؤمن فان الظاهر من الروايتين الأخيرتين هو التحريم بلا كلام (هذا كله مضافا) إلى ما سيأتي من الموهن القوي لإرادة نفي الأحكام الضررية من القاعدة المذكورة وهي كثرة التخصيصات بل التخصيص الأكثر.

(نعم قد يتوهم) أن كلمة الإسلام في مرسلة التذكرة وابن الأثير المتقدمة وهي لا ضرر ولا ضرار في الإسلام مما تناسب نفي الأحكام الضررية في الشريعة نظير نفي الأحكام الحرجية في الدين (أو يتوهم) أن استعمال كلمة (لا) كناية عن التحريم إنما يصح إذا دخل على فعل من أفعال المكلف نظير الرفث والفسوق والجدال لا على مثل الضرر مما هو اسم المصدر وهو النقص الوارد في المال أو البدن أو العرض (ولكن يدفعهما) أن شيئا منهما مما لا ينافي الظهور العرفي في الحرمة كما

في قولك لا خمر ولا مزمار في الإسلام أو لا أنصاب ولا أزلام في الإسلام فمع وجود لفظة الإسلام في المثالين ودخول لفظة (لا) على الأعيان الخارجية فيهما جميعا يفهم منهما عرفا حرمة الخمر والمزمار في الإسلام وهكذا حرمة الأنصاب والأزلام فيه بلا كلام (ثم لا يخفى) ان بناء على الوجه الثالث وهو كون النفي للنهي والتحريم شرعا الظاهر أن لفظة (لا) مستعملة فيما هو معناها الحقيقي من نفي حقيقة الضرر غايته انه ادعاء وكناية عن حرمته وعدم جوازه كما هو ظاهر قوله تعالى فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج لا أنها مستعملة في النهي والتحريم مجازا فتأمل جيدا.

بقي أمور مهمة

(الأول) ان الشيخ أعلى الله مقامه بعد ما اختار في الرسائل كون القاعدة لنفي الأحكام الضررية تكليفية كانت أو وضعية (قال) ما لفظه ويحتمل أن يراد من النفي النهي عن ضرر النّفس أو الغير ابتداء أو مجازاة لكن لا بد أن يراد بالنهي زائدا على التحريم الفساد وعدم المضي للاستدلال به في كثير من رواياته على الحكم الوضعي دون محض التكليف فالنهي هنا نظير الأمر بالوفاء في الشروط والعقود فكل إضرار بالنفس أو الغير محرم غير ماض على من أضره وهذا المعنى قريب من الأول بل راجع إليه (انتهى).

(ومحصله) انه على تقدير إرادة النهي من النفي لا بد من إرادة الفساد مع الحرمة دون محض التكليف فقط فكما ان الأمر بالوفاء في الشروط والعقود يكون للوجوب والصحة جميعا فكذلك النهي في المقام يكون للحرمة والفساد جميعا وذلك للاستدلال به في كثير من رواياته على نفي الحكم الوضعي فقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله مثلا في رواية عقبة بن خالد المتقدمة بعد ما قضى بالشفعة بين الشركاء في الأرضين

والمساكن لا ضرر ولا ضرار أي يحرم إضرار الشريك بالشريك ولا يكون ماضيا أصلا فإذا باع الشرك نصيبه من الأجنبي دون الشريك لا يكون ممضى شرعا.

(الثاني) أنه إذا قلنا إن القاعدة لنفي الأحكام الضررية لا لتحريم الضرر فهل المنفي بها خصوص الأحكام الضررية الوجودية أو مطلق الأحكام الضررية ولو كانت عدمية.

(قال الشيخ) أعلى الله مقامه في رسالته المستقلة في التنبيه الثاني (ما لفظه) وأما الأحكام العدمية الضررية مثل عدم ضمان ما يفوت على الحر من عمله بسبب حبسه ففي نفيها بهذه القاعدة فيجب ان يحكم بالضمان إشكال (من أن القاعدة) ناظرة إلى نفي ما ثبت بالعمومات من الأحكام الشرعية فمعنى نفي الضرر في الإسلام ان الأحكام المجعولة في الإسلام ليس فيها حكم ضرري ومن المعلوم ان عدم حكم الشرع بالضمان في نظائر المسألة المذكورة ليس من الأحكام المجعولة في الإسلام وحكمه بالعدم ليس من قبيل الحكم المجعول بل هو اخبار بعدم حكمه بالضمان إذ لا يحتاج العدم إلى حكم به نظير حكمه بعدم الوجوب أو الحرمة أو غيرهما فإنه ليس إنشاء منه بل هو إخبار حقيقة (ومن ان المنفي) ليس خصوص المجعولات بل مطلق ما يتدين به ويعامل عليه في شريعة الإسلام وجوديا كان أو عدميا فكما انه يجب في حكمة الشارع نفي الأحكام الضررية كذلك يجب جعل الأحكام التي يلزم من عدمها الضرر (انتهى) موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه.

(أقول)

الظاهر ان الأحكام العدمية على قسمين.

(فتارة) يكون المقصود منها حكم الشارع بعدم التكليف أو الوضع (وفي هذا القسم) لا يبعد جريان القاعدة نظرا إلى كونها ناظرة إلى مطلق ما للشارع من الحكم سواء كان وجوديا أو عدميا وان الحكم بالعدم حكم أيضا فكما ان حكمه بالتكليف أو الوضع إذا صار ضرريا فينفي بالقاعدة فكذلك حكمه بعدم التكليف

أو الوضع في مورد خاص إذا صار ضرريا ينفي بها.

(وأخرى) يكون المقصود منها مجرد عدم حكم الشارع بالتكليف أو الوضع (وفي هذا القسم) لا وجه لجريان القاعدة لأن معنى نفي عدم الحكم بالقاعدة هو إثبات الحكم بها وهو كما ترى ضعيف فإن القاعدة مضروبة لنفي الأحكام الضررية ولو كانت عدمية لا لإثبات الأحكام التي لولاها لزم الضرر.

(الثالث) أن الشيخ أعلى الله مقامه بعد ما استظهر في الرسائل من قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا ضرر ولا ضرار نفي الأحكام الضررية وذكر حكومة القاعدة على جميع العمومات (قال) ما لفظه ثم إنك قد عرفت بما ذكرنا انه لا قصور في القاعدة المذكورة من حيث مدركها سندا أو دلالة إلا أن الّذي يوهن فيها هي كثرة التخصيصات فيها بحيث يكون الخارج منها أضعاف الباقي كما لا يخفى على المتتبع خصوصا على تفسير الضرر بإدخال المكروه كما تقدم بل لو بنى على العمل بعموم هذا القاعدة حصل منه فقه جديد ومع ذلك فقد استقرت سيرة لفريقين على الاستدلال بها في مقابل العمومات المثبتة للأحكام وعدم رفع اليد عنها إلا بمخصص قوي في غاية الاعتبار بحيث يعلم منهم انحصار مدرك الحكم في عموم هذه القاعدة ولعل هذا كاف في جبر الوهن المذكور وان كان في كفايته نظر بناء على أن لزوم تخصيص الأكثر على تقدير العموم قرينة على إرادة معنى لا يلزم منه ذلك (إلى أن قال) إلا أن يقال مضافا إلى منع أكثرية الخارج وإن سلمت كثرته إن الموارد الكثيرة الخارجة عن العام إنما خرجت بعنوان واحد جامع لها وإن لم نعرفه على وجه التفصيل وقد تقرر أن تخصيص الأكثر لا استهجان فيه إذا كان بعنوان واحد جامع لأفراد هي أكثر من الباقي كما إذا قيل أكرم الناس ودل دليل على اعتبار العدالة خصوصا إذا كان المخصص مما يعلم به المخاطب حال الخطاب (انتهى) موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه.

(أقول)

أما لزوم التخصيصات الكثيرة في القاعدة بناء على كونها لنفي الأحكام الضررية فهي موهن قوي جدا فإن الأحكام الضررية كثيرة في الإسلام كالزكاة والخمس والحج والجهاد والنفقات والكفارات بل الصلاة نظرا إلى توقفها على الستر وتحصيل الماء للغسل أو الوضوء ولو بثمن كثير ونحو ذلك فيجب إخراج هذه الأحكام كلها عن تحت القاعدة وهكذا يجب إخراج الأحكام التي استلزمت أحيانا بعض المراتب النازلة من الضرر كما إذا توقف فعل الصلاة أو الصيام أو الطواف وترك الزنا أو الخمر أو القمار ونحو ذلك من التكاليف المهمة على تحمل وجع في الظهر أو ضعف في القوي أو ضعف وعصر أو نقص درهم أو درهمين في المال أو ما يقرب من ذلك فإن أمثال هذه الواجبات والمحرمات مما لا تسقط بمثل هذه الأضرار قطعا (وهذا بخلاف) ما إذا قلنا إن القاعدة هي لتحريم الضرر شرعا فلا يبقى حينئذ إشكال ولا إيراد.

(أما في القسم الأول) فواضح فإنها أضرار من الله تعالى على العباد أوردها عليهم عن حكم ومصالح غالبة عليها والّذي يحرم بالقاعدة هو إضرارنا على أنفسنا أو على غيرنا فخروج هذا القسم الأول عن تحت القاعدة يكون بالتخصص لا بالتخصيص.

(وأما في القسم الثاني) فكذلك لوقوع التزاحم بين تلك الواجبات والمحرمات وبين تلك المراتب النازلة من الضرر فيقدم تلك الواجبات والمحرمات على تلك المراتب من الضرر لأهميتها وأقوائية مناطها.

(وأما استقرار سيرة الفريقين) على الاستدلال بالقاعدة في مقابل العمومات المثبتة للأحكام ففي كفايته في جبر الوهن المذكور نظر كما أفاد أعلى الله مقامه نظرا إلى لزوم تخصيص الأكثر وانه قرينة على إرادة معنى لا يلزم منه ذلك وهو التحريم لا نفي الأحكام الضررية.

(وأما ما أفاده أخيرا) في دفع الوهن المذكور من أن خروج الموارد الكثيرة الخارجة عن العام إنما خرجت بعنوان واحد جامع لها وإن لم نعرفه على وجه التفصيل فهو مجرد دعوى لا شاهد عليها وإلّا فيقال بذلك في جميع موارد تخصيص الأكثر كما لا يخفى.

(وبالجملة) لزوم كثرة التخصيصات بل التخصيص الأكثر هو موهن قوي جدا لإرادة نفي الأحكام الضررية من القاعدة المذكورة لا دافع له بما ذكر ولا بغيره بخلاف ما إذا أريد منها تحريم الضرر في الإسلام وعدم جواز إيراده على النّفس أو على الغير فلا إشكال حينئذ ولا إيراد.

(قوله ومثله لو أريد ذاك بنحو التقييد ... إلخ)

أي ومثل استعمال الضرر وإرادة خصوص الضرر الغير المتدارك في البشاعة لو أريد ذاك بنحو التقييد أي بنحو تعدد الدال والمدلول كما في أعتق رقبة مؤمنة فالمقيد قد أريد من لفظ والقيد من لفظ آخر فإن ذلك وإن لم يكن ببعيد ولكنه بلا دلالة على القيد كما في المقام غير سديد إذ لا قرينة في الخبر يدل على تقييد الضرر بالغير المتدارك كما لا يخفى.

(قوله وإرادة النهي من النفي وإن كان ليس بعزيز إلّا انه لم يعهد من مثل هذا التركيب ... إلخ)

الظاهر أن مراده ان إرادة النهي من النفي الداخل على الفعل ليس بعزيز كما في قوله تعالى لا يمسّه إلّا المطهرون أو في قوله عليه‌السلام لا يغتسل ولا يعيد ولكنها لم تعهد في مثل هذا التركيب مما كان المدخول عليه هو الاسم كالضرر (لكنك) قد عرفت منا انها معهودة أيضا كما في قولك لا خمر ولا مزمار في الإسلام أو لا أنصاب ولا أزلام في الإسلام فإن المدخول في المثالين مع كونه عينا خارجيا لا فعلا من افعال المكلف يكون المفهوم منهما حرمة الأمور المذكورة لا نفي حقيقتها وهذا واضح.

(قوله ثم الحكم الّذي أريد نفيه بنفي الضرر هو الحكم الثابت للافعال بعناوينها ... إلخ)

(وحاصله) ان الحكم الّذي ينفيه الضرر هو الحكم الثابت للفعل بعنوانه الأوّلي قبل طرو عنوان الضرر لا الحكم المترتب على نفس عنوان الضرر فالوضوء مثلا قبل طرو عنوان الضرر قد تعلق به حكم شرعي وهو الوجوب الغيري الثابت له فإذا طرأه عنوان الضرر فيرتفع به هذا الحكم الشرعي المتعلق به ولا يكاد يرتفع به الحكم الشرعي المترتب على نفس عنوان الضرر مثل قوله من أضر بغيره فعليه كذا وكذا فإن الموضوع مما لا يمكنه رفع حكم نفسه بل يثبته ويقتضيه وإنما يرتفع به الحكم الثابت للغير بطبعه الأوّلي (وقد تقدم) نظير ذلك في فقرات حديث الرفع في البراءة فالقتل مثلا قبل طرو عنوان الخطأ قد تعلق به حكم شرعي وهو الحرمة فإذا طرأه عنوان الخطأ فيرتفع به هذا الحكم ولا يكاد يرتفع به الحكم الشرعي المترتب على نفس عنوان الخطأ مثل قوله من قتل نفسا خطأ فعليه كذا وكذا.

(قوله أو المتوهم ثبوته لها كذلك ... إلخ)

فالضرر في مثل الوضوء مما يرتفع به الوجوب الثابت له بعنوانه الأوّلي وفي الدعاء عند رؤية الهلال ونحوه مما هو شبهة بدوية للوجوب يرتفع به الوجوب المتوهم ثبوته له بعنوانه الأوّلي

في بيان نسبة القاعدة مع أدلة الأحكام

الأولية أو الثانوية

(قوله ومن هنا لا يلاحظ النسبة بين أدلة نفيه وأدلة الأحكام وتقدم أدلته على أدلتها مع أنها عموم من وجه حيث انه يوفق بينهما عرفا ... إلخ) من هاهنا شرع المصنف في الجهة الثالثة من الجهات الثلاث التي أشير إليها في صدر

البحث وهي إيضاح نسبة القاعدة مع الأدلة المتكفلة للأحكام الثابتة للأفعال بعناوينها الأوّلية كأدلة وجوب الصلاة والصيام والوضوء ونحو ذلك أو الثانوية كأدلة نفي العسر والحرج ونحوها.

(أما نسبتها) مع الأدلة المتكفلة للأحكام الثابتة للافعال بعناوينها الثانوية فسيأتي تفصيلها لدى التعليق على قوله ثم انقدح بذلك حال توارد دليلي العارضين كدليل نفي العسر ودليل نفي الضرر ... إلخ فانتظر قليلا.

(وأما مع الأوّلية) (فحاصلها) أن وجه تقديم دليل الضرر على أدلة الأحكام الأوّلية مع ان النسبة بينهما عموم من وجه فإنه قد يكون الضرر ولا صوم مثلا وقد يكون الصوم ولا ضرر قطعا وقد يجتمعان وهكذا إذا لوحظ الضرر مع كل واحد من الواجبات وترك المحرمات (هو التوفيق العرفي) وهو ليس إلّا فيما كان الدليلان على نحو لو عرضا على العرف وفق بينهما يحمل أحدهما على الاقتضائي والآخر على العلية التامة.

(هذا ما اختاره المصنف) في وجه تقديم دليل الضرر على أدلة الأحكام الثابتة للأفعال بعناوينها الأولية.

(وأما الشيخ أعلى الله مقامه) فقد اختار الحكومة نظرا إلى كون دليل الضرر ناظرا إلى أدلة الأحكام فهي تثبت الأحكام مطلقا ولو كانت ضررية وهو يوجب قصرها وحصرها بما إذا لم تكن ضررية.

(قال في الرسائل ما لفظه) ثم إن هذه القاعدة حاكمة على جميع العمومات الدالة بعمومها على تشريع الحكم الضرري كأدلة لزوم العقود وسلطنة الناس على أموالهم ووجوب الوضوء على واجد الماء وحرمة الترافع إلى حكام الجور وغير ذلك (إلى ان قال) والمراد بالحكومة أن يكون أحد الدليلين بمدلوله اللفظي متعرضا لحال دليل آخر من حيث إثبات حكم لشيء أو نفيه عنه فالأوّل مثل ما دل على الطهارة بالاستصحاب أو بشهادة العدلين فإنه حاكم على ما دل على أنه لا صلاة

إلا بطهور فإنه يفيد بمدلوله اللفظي على أن ما ثبت من الأحكام للطهارة في مثل لا صلاة إلّا بطهور وغيرها ثابت للمتطهر بالاستصحاب أو بالبينة والثاني مثل الأمثلة المذكورة يعني بها حكومة مثل أدلة نفي الضرر والحرج ورفع الخطأ والنسيان ونفي السهو عن كثير السهو ونفي السبيل على المحسنين إلى غير ذلك بالنسبة إلى الأحكام الأوّلية.

(وأما المتعارضان) فليس في أحدهما دلالة لفظية على حال الآخر من حيث العموم والخصوص وإنما يفيد حكما منافيا لحكم الآخر وبملاحظة تنافيهما وعدم جواز تحققهما واقعا يحكم بإرادة خلاف الظاهر في أحدهما المعين ان كان الآخر أقوى منه فهذا الآخر الأقوى قرينة عقلية على المراد من الآخر وليس في مدلوله اللفظي تعرض لبيان المراد منه (انتهى) موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه.

(أقول)

إن التوفيق العرفي بين الدليلين على نحو لو عرضا على العرف وفق بينهما بحمل أحدهما على الاقتضائي والآخر على العلية التامة هو مما يرجع إلى ترجيح أحد الدليلين بأقوائية المناط وأهمية المقتضي وهذا لا يكون إلا في المتزاحمين (وعليه) فإن قلنا إن دليل نفي الضرر ليس إلا لتحريم الضرر وعدم جوازه في الإسلام كسائر المحرمات بدعوى ان كون النفي للنهي والتحريم هو أقرب عرفا وأظهر انسباقا كما تقدم فتقديمه على ساير الأحكام يكون بأقوائية المناط وأهمية المقتضي وإن شئت قلت بالتوفيق العرفي كما أفاد المصنف وأما إذا قلنا إنه لنفي الأحكام الضررية كما اختاره المصنف تبعا للمشهور فلا محالة يكون حاكما على أدلة الأحكام كدليل الحرج ناظرا إليها مضيقا لدائرتها موجبا لحصرها بما إذا لم تكن ضررية كما أفاد الشيخ أعلى الله مقامه (ومن هنا يعرف) أن المصنف ما لزمه من القول بالحكومة لم يقل به وما قال به من التوفيق العرفي لم يلزمه.

(قوله كما هو الحال في التوفيق بين ساير الأدلة المثبتة أو النافية لحكم الأفعال بعناوينها الثانوية والأدلة المتكفلة لحكمها بعناوين الأوّلية ... إلخ)

فيوفق بينهما بحمل العناوين الأوّلية على الاقتضائية والثانوية على العلية التامة.

(ثم إن الأدلة المثبتة) لحكم الأفعال بالعناوين الثانوية هي مثل أدلة وجوب الوفاء بالشرط أو النذر أو العهد أو اليمين أو أدلة وجوب إطاعة الوالدين أو الزوج أو المولى ونحو ذلك

(وأما الأدلة النافية) للأحكام بالعناوين الثانوية فهي مثل أدلة نفي الحرج والضرر أو دليل رفع الخطأ والنسيان وما لا يعلمون ونحو ذلك غايته أن نفي الحرج بل والضرر أيضا بناء على كونه لنفي الأحكام الضررية نفي واقعي ونفي البقية نفي ظاهري بمعنى أن المرفوع فيها خصوص مرتبة التنجز فقط لا الحكم من أصله (ومن هنا يظهر) أن حكومة أدلة الحرج وهكذا أدلة الضرر بناء على كونها لنفي الأحكام الضررية حكومة واقعية من قبيل قوله عليه‌السلام لا شك لكثير الشك وفي البقية حكومة ظاهرية من قبيل حكومة قاعدة الطهارة على دليل اشتراط الصلاة بها وإن ذهب المصنف في الجميع إلى التوفيق العرفي وسيأتي لك شرح الحكومة الواقعية والظاهرية في آخر الاستصحاب إن شاء الله تعالى وقد أشير قبلا مختصرا في بحث الإجزاء فتذكر.

(قوله نعم ربما يعكس الأمر فيما أحرز بوجه معتبر ان الحكم في المورد ليس بنحو الاقتضاء بل بنحو العلية التامة ... إلخ)

كما في حرمة قتل المؤمن فإنها حكم بعنوان أوّلي بنحو العلية التامة ولا ترتفع بعنوان ثانوي كالضرر والحرج والاضطرار والإكراه ونحو ذلك أبدا إلا بالخطإ والنسيان وما لا يعلمون إذ لا يعقل ثبوت حكم على حاله وإن كان في أقصى مرتبة القوة مع وجود أحد العناوين الثلاثة بل يرتفع بها لا محالة ولو رفعا ظاهريا بمعنى رفع التنجز فقط لا رفع الحكم من أصله المشترك بين الكل من الخاطي والعامد والذاكر والناسي

والعالم والجاهل جميعا (ومن هنا يظهر) أنه لا حكم لنا بعنوان أوّلي يكون بنحو العلية التامة مطلقا أي بالإضافة إلى تمام العناوين الثانوية.

(فقول المصنف) في المتن وبالجملة الحكم الثابت بعنوان أوّلي تارة يكون بنحو العلية مطلقا أو بالإضافة إلى عارض دون عارض ليس كما ينبغي بلا كلام (ثم إن الظاهر) أن المراد من الإحراز بوجه معتبر سيما بشهادة قوله الآتي بدلالة لا يجوز الإغماض عنها ... إلخ أن يقوم دليل معتبر مخصوص على كون الحكم في المورد ليس بنحو الاقتضاء بل بنحو العلية التامة وهو كما ترى نادر جدا بل لا نحتاج إليه أصلا وذلك لما عرفت من ان التوفيق العرفي بين الدليلين بحمل أحدهما على الاقتضائي والآخر على العلية التامة ليس إلا عبارة أخرى عن ترجيح أحد الطرفين بأقوائية المناط وأهمية المقتضي وهو مما يعرف غالبا بوسيلة الخواصّ والآثار وشدة الاهتمام به شرعا وعدمه من غير حاجة إلى قيام دليل معتبر على ان هذا مثلا أهم وأقوى مناطا من ذلك وهذا واضح.

(قوله وأخرى يكون على نحو لو كانت هناك دلالة للزوم الإغماض عنها بسببه عرفا ... إلخ)

هذا في قبال قوله المتقدم تارة يكون بنحو العلية مطلقا أو بالإضافة ... إلخ أي وأخرى يكون الحكم الثابت بعنوان أوّلي على نحو لو كانت هناك دلالة على العلية وجب الإغماض عنها بسبب دليل حكم العارض.

(وبعبارة أخرى) يكون بنحو الاقتضاء مطلقا فيرتفع مع أيّ عنوان من العناوين الثانوية الطارية كالضرر والحرج والاضطرار والإكراه ونحو ذلك وهذا كما في الوضوء والغسل وشبههما.

(قوله هذا ولو لم نقل بحكومة دليله على دليله لعدم ثبوت نظره إلى مدلوله كما قيل ... إلخ)

أي هذا ولو لم نقل بحكومة دليل العارض على دليل الحكم الثابت بعنوان أوّلي نظرا

إلى عدم ثبوت نظره إلى مدلوله كما يظهر النّظر من الشيخ أعلى الله مقامه فإن له عبارة في المقام يظهر منها حكومة أدلة نفي الضرر والحرج ورفع الخطأ والنسيان ونفي السهو عن كثير السهو ونفي السبيل على المحسنين ونحو ذلك على الأحكام الأوّلية وهو جيد متين لا يعدل عنه الا في دليل الضرر على القول بكونه لتحريم الضرر شرعا كما استظهرنا فيقدم على الأوّلية حيث يقدم عليها بالتوفيق العرفي وأهمية الملاك لا بالحكومة.

(قوله ثم انقدح بذلك حال توارد دليلي العارضين كدليل نفى العسر ودليل نفى الضرر مثلا فيعامل معهما معاملة المتعارضين لو لم يكن من باب تزاحم المقتضيين ... إلخ)

أي ثم انقدح بما تقدم في بيان حال توارد العناوين الثانوية مع العناوين الأوّلية حال توارد العنوانين الثانويين كما إذا دار الأمر بين لزوم الضرر ولزوم العسر فالمالك مثلا إن حفر البالوعة في داره تضرر بها جاره ولا ضرر ولا ضرار وإن لم يحفرها وقع هو في الحرج الشديد وما جعل عليكم في الدين من حرج فيعامل معهما معاملة المتعارضين إن لم يثبت المقتضي الا في أحدهما كما يظهر من قوله الآتي لا من باب التعارض لعدم ثبوته إلا في أحدهما ... إلخ ويعامل معهما معاملة المتزاحمين إذا ثبت المقتضي في كليهما جميعا فيقدم الأقوى منهما مناطا وان كان أضعف سندا كما يظهر من قوله الآتي وإلا فيقدم ما كان مقتضية أقوى وإن كان دليل الآخر أرجح وأولى

(أقول)

لا وجه لتوهم التعارض في توارد العنوانين الثانويين إذ التنافي بينهما ليس إلّا في مقام الامتثال بمعنى عدم تمكن المكلف من الجمع بينهما نظير التنافي الحاصل أحيانا بين الصلاة وإنقاذ الغريق مثلا وليس التنافي بينهما في مقام الجعل والتشريع كي يقع التعارض بينهما (وعليه) فترديد المصنف في المقام بين التعارض والتزاحم مما لا

وجه له (واما المقتضيان) في المقام فيحرزان جميعا كما في ساير المتزاحمين بإطلاقي الدليلين بلا فرق بينهما أصلا.

في تعارض الضررين

(قوله واما لو تعارض مع ضرر آخر فمجمل القول فيه ... إلخ)

(قد عرفت) فيما تقدم حال عنوان الضرر بل مطلق العناوين الثانوية مع العناوين الأوّلية وأن المصنف قال بتقدمها عليها بالتوفيق العرفي والشيخ في جملة منها بالحكومة وان لم يصرح بها في الجميع ونحن فصّلنا في دليل الضرر فإن كان لتحريم الضرر شرعا فبالتوفيق وان كان لنفي الأحكام الضررية فبالحكومة (وهكذا قد عرفت) حال توارد العنوانين الثانويين بعضهما مع بعض وانه يقدم أحدهما على الآخر بالتوفيق العرفي أي يقدم الأهم ملاكا والأقوى مناطا (وبقي) بيان حال ضرر مع ضرر آخر وهذا هو بيانه ومنه يعرف حال حرج مع حرج آخر أيضا (ومجمل القول) في الضررين أن دوران الأمر بينهما على أنحاء ثلاثة.

(فتارة) يدور الأمر بين ضرري شخص واحد كما إذا دار أمر الرّجل بين أن يلقي نفسه من أعلى الدار فيتكسر رجله وبين أن يبقى في مكانه ومحله فيحترق ويموت.

(وأخرى) يدور الأمر بين ضرري شخصين فأراد الثالث القضاء بينهما كما إذا أدخلت دابة رجل رأسها في قدر رجل آخر لا يخرج إلا بكسره أو دخلت دابة رجل في دار رجل آخر لا يخرج منها إلا بهدم بابها.

(وثالثة) يدور الأمر بين ضرر نفسه وضرر شخص آخر كما إذا دار الأمر بين أن يحفر المالك بالوعة في بيته فيتضرر جاره في بئره التي يستسقى منها وبين أن لا يحفرها فيتضرر المالك في جدران بيته فتنهدم (وحاصل كلام المصنف) في

النحوين الأولين أنه يجب اختيار الضرر الأقل ومراعاة الضرر الأهم الأقوى وعند التساوي يتخير أي عقلا وفي النحو الأخير انه لا يجب على الإنسان أن يتحمل الضرر لئلا يتضرر الغير ولو كان ضرر الغير أهم وأقوى (وقد علّله) بأن نفي الضرر ليس إلّا للمنة على الأمة ولا منة على تحمل الضرر لدفع الضرر عن الآخر وإن كان أكثر (ولكن رجع عن ذلك أخيرا) بقوله اللهم إلا أن يقال إن نفي الضرر وإن كان للمنة إلا أنه بلحاظ نوع الأمة واختيار الأقل بلحاظ النوع منة فتأمل (انتهى) (وفيه) ان اختيار أقل الضررين منة على شخص وخلاف المنة على شخص آخر فلا يكون منة على الأمة جميعا (ولعله) إليه أشار أخيرا بقوله فتأمل (والحق) في وجه الرجوع أن يقال أن مجموع الأمة في نظر الشارع بمنزلة شخص واحد أو إن المالك والجار في المثال المذكور بمنزلة شخصين والشارع بمنزلة الثالث الّذي أراد القضاء بينهما فكما أن في دوران الأمر بين ضرري شخص واحد أو ضرري شخصين وأراد الثالث القضاء بينهما يختار الضرر الأقل ويراعي الضرر الأكثر فكذلك في المقام عينا.

(أقول)

إن تعبير المصنف في المقام بالتعارض مما لا يخلو عن مناقشة والظاهر أن مراده من تعارض الضرر مع ضرر آخر هو التزاحم بشهادة ترجيح الضرر الأكثر بمعنى أولويته للمراعاة واختيار الضرر الأقل والحكم بالتخيير عند التساوي سيما مع تصريحه في توارد دليلي العارضين بكونهما من باب تزاحم المقتضيين ولو عند ثبوت المقتضي فيهما.

(نعم) إن الشيخ أعلى الله مقامه قد عبّر عن دوران الأمر بين ضرر وضرر آخر بالتعارض ومقصوده من التعارض هو معناه الحقيقي بشهادة الرجوع إلى الأصول والقواعد الأخر ولو في الجملة (قال ما لفظه) ثم إنه قد يتعارض الضرران بالنسبة إلى شخص واحد أو شخصين فمع فقد المرجح يرجع إلى الأصول

والقواعد الأخر كما انه إذا أكره على الولاية من قبل الجائر المستلزمة للإضرار على الناس فإنه يرجع إلى قاعدة نفي الحرج لأن إلزام الشخص بتحمل الضرر لدفع الضرر عن غيره حرج (إلى ان قال) ومثله إذا كان تصرف المالك في ملكه موجبا لتضرر جاره وتركه موجبا لتضرر نفسه فإنه يرجع إلى عموم الناس مسلطون على أموالهم (إلى أن قال) ويمكن الرجوع إلى قاعدة نفي الحرج لأن منع المالك لدفع ضرر الغير حرج وضيق عليه إما لحكومة ابتداء على نفي الضرر وإما لتعارضهما والرجوع إلى الأصول (ثم ساق الكلام إلى ان قال) والظاهر عدم الفرق بين كون ضرر المالك بترك التصرف أشد من ضرر الغير أو أقل إما لعدم ثبوت الترجيح بقلة الضرر كما سيجيء وإما لحكومة نفي الحرج على نفي الضرر فإن تحميل الغير على الضرر ولو يسيرا لأجل دفع الضرر عن الغير ولو كثيرا حرج وضيق ولذا اتفقوا على انه يجوز للمكره أي بالفتح الإضرار على الغير بما دون القتل لأجل دفع الضرر عن نفسه ولو كان أقل من ضرر الغير (ثم قال) هذا كله في تعارض ضرر المالك وضرر الغير واما في غير ذلك فهل يرجع ابتداء إلى القواعد الأخر أو بعد الترجيح بقلة الضرر وجهان بل قولان يظهر الترجيح من بعض الكلمات المحكية عن التذكرة وبعض مواضع الدروس ورجحه غير واحد من المعاصرين (ثم ذكر من المشهور) المثالين المتقدمين لدوران الأمر بين ضرري شخصين من إدخال الدّابّة رأسها في قدر لا يخرج إلا بكسره ودخول الدّابّة في دار لا يخرج إلا بهدمها (انتهى) موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه.

(أقول)

وفي كلام الشيخ أعلى الله مقامه إلى هنا مواضع للنظر.

(منها) ان المقام ليس من تعارض الضررين فإن تعارض الفردين كما أشير قبلا في صدر بحث الاشتغال في ذيل تقريب معارضة الأصول في أطراف العلم الإجمالي إنما يكون إذا تنافيا في مقام الجعل والتشريع بحيث علم إجمالا بخروج أحدهما

عن تحت دليل الاعتبار لا محالة كما في تعارض الخبرين فإن تنافيهما على وجه التضاد أو التناقض مما يوجب العلم الإجمالي بكذب أحدهما وخروجه عن تحت دليل الحجية رأسا فإن عدم العلم بالكذب وإن لم يؤخذ في لسان الدليل ولكن نحن نعلم من الخارج ان العلم بالكذب مانع عن حجية الخبر بلا كلام فإذا علم إجمالا بكذب أحدهما فقد علم إجمالا بعدم حجية أحدهما وحيث لا تعيين في الحجة فلا يكون شيء منهما بحجة وسيأتي هذا التقريب للمعارضة في التعادل والتراجيح في تعارض الخبرين بنحو أبسط عند بيان كون مقتضي القاعدة الأوّلية في المتعارضين هو التساقط لا التخيير ولا الترجيح (وهذا كله) بخلاف تزاحم الفردين كما في المقام فلا يكاد يكون شيء منهما خارجا عن تحت دليل الاعتبار أبدا وإنما المكلف قد عجز عن الجمع بينهما كما في إنقاذ الغريقين أو إطفاء الحريقين ونحوهما.

(ومنها) أنه لو سلم أن المقام من تعارض الضررين فلا وجه لترجيح أحدهما على الآخر بالمرجح كما يظهر من قوله فمع فقد المرجح يرجع إلى الأصول والقواعد إلى آخره بعد ما سيأتي لك شرحه في التعادل والتراجيح من أن مقتضي القاعدة الأوّلية في المتعارضين هو التساقط دون الترجيح بالمرجحات الا ما خرج بدليل خاص كما في تعارض الخبرين.

(ومنها) انه لو سلم وجوب الترجيح في مطلق المتعارضين من غير اختصاص بالخبرين فقط فلا وجه للترجيح هنا بقلة الضرر وكثرته فإن الترجيح بهما عبارة عن الترجيح بأقوائية المناط وأضعفيته وهما من مرجحات باب التزاحم دون التعارض بلا كلام.

(ومنها) أنه لو سلم الرجوع في المقام إلى الأصول والقواعد الأخر إما مع فقد المرجح أو مطلقا فلا وجه للرجوع إلى قاعدة نفي الحرج إما لحكومتها على قاعدة نفي الضرر ابتداء وإما لتعارض الضررين والرجوع إليها كما أفاده أعلى الله مقامه بقوله إما لحكومته ابتداء على نفي الضرر وإما لتعارضهما والرجوع إلى

الأصول ... إلخ (أما عدم حكومتها) على قاعدة نفي الضرر فواضح فإنهما عنوانان ثانويان في عرض الآخر لا نظر لدليل أحدهما على الآخر (واما عدم كونها مرجعا) بعد تعارض الضررين فكذلك واضح إذ كما أن تحمل المكره بالفتح للضرر لأجل دفع الإضرار عن الناس حرج عليه فمرفوع عنه فكذلك تحمل الناس للإضرار لأجل دفع الضرر عن المكره بالفتح حرج عليهم بل حرج أشد فمرفوع عنهم (ودعوى) انه يجوز للمكره بالفتح الإضرار على الغير بما دون القتل لأجل دفع الضرر عن نفسه ولو كان أقل من ضرر الغير (ممنوعة جدا) والاتفاق على الجواز غير ثابت ولو فرض ثبوته لم يكشف عن رأي الإمام عليه‌السلام لاحتمال المدرك في المسألة كقاعدة الحرج أو الضرر ونحوهما (وهكذا الكلام) يجري عينا في المالك وجاره حرفا بحرف بتمامه.

(وبالجملة) ملخص الكلام في دوران الأمر بين الضررين سواء كان بين ضرري شخص واحد أو بين ضرري شخصين وأراد الثالث القضاء بينهما أو بين ضرر نفسه وضرر غيره هو ما حققناه لك من أن المسألة من باب التزاحم ويجب فيها اختيار أقل الضررين ومراعاة أهمهما وأقواهما وعند التساوي نتخير عقلا وإذا كان في مقام القضاء بين الاثنين والضرران متساويان فيحتمل القرعة بينهما وهي الأحوط فلا يعدل عنها والله العالم.

(قوله نعم لو كان الضرر متوجها إليه ليس له دفعه عن نفسه بإيراده على الآخر ... إلخ)

استدراك عن قوله فالأظهر عدم لزوم تحمله الضرر ولو كان ضرر الآخر أكثر (وحاصله) ان الضرر المردد بين نفسه وبين غيره.

(تارة) لا يكون بطبعه الأوّلي متوجها إلى أحدهما بالخصوص كما في مثال حفر المالك بالوعة في بيته فإن حفرها تضرر الجار في بئره وإن لم يحفرها تضرر المالك في جدران بيته (وفي هذه الصورة) قد حكم المصنف كما تقدم قبلا بعدم

لزوم تحمل الضرر لدفعه عن الآخر وإن كان ضرر الآخر أكثر ولكن قد رجع عنه أخيرا كما أشرنا بقوله الآتي اللهم إلا ان يقال ... إلخ.

(وأخرى) يكون الضرر بطبعه الأولي متوجها إلى نفسه كما إذا توجه السيل إلى داره لكن إذا غيّر المجرى توجه إلى غيره (وفي هذه الصورة) قد حكم المصنف بعدم جواز دفعه عن نفسه وإيراده على الآخر وأشار إليه بقوله المذكور نعم لو كان الضرر متوجها إليه ... إلخ.

(أقول)

وله صورة ثالثة أيضا وهي ان يكون الضرر بطبعه الأوّلي متوجها إلى الغير كما إذا توجه السيل إلى دار الجار لكن إذا غيّر المجرى توجه إلى نفسه (وفي هذه الصورة) لا يبعد وجوب تحمل الضرر بتوجيهه إلى نفسه وصرفه عن أخيه المسلم إن كان ضرر أخيه المسلم كثيرا فاحشا جدا يضر بحاله وكان ضرر نفسه يسيرا غير مهم كما إذا دار الأمر بين ان يهدم السيل دار الجار من أصلها وبين ان يهدم بعض جدار نفسه وهذا لدى الإنصاف واضح ظاهر.

(قوله اللهم إلا ان يقال ... إلخ)

قد أشير آنفا وكذلك قبلا ان ذلك رجوع عن حكمه بعدم لزوم تحمل الضرر لدفعه عن الآخر وإن كان ضرر الآخر أكثر.

(قوله فتأمل ... إلخ)

قد أشرنا قبلا في صدر التعليق على قوله واما لو تعارض مع ضرر آخر ... إلخ إلى وجه قوله فتأمل فلا تغفل.

(هذا آخر) ما أراد الله لنا إيراده في بحث الاشتغال وبه تم الجزء الرابع من عناية الأصول في شرح كفاية الأصول واسأل الله تعالى ان يوفقني للجزء الخامس والسادس كما وفقني للأجزاء المتقدمة إنه ولي التوفيق.

فهرست ما في جزء الرابع

من عناية الاصول في شرح كفاية الاصول

صفحة

موضوع

٢

في تعريف الاصول العملية وتنقيح مجاريها

٥

في اصالة البراءة

١٠

في الآيات التي استدل بها لاصالة البراءة وذكر آية التعذيب

١٣

في الاستدلال بآية الإيتاء

١٤

في الاستدلال بآية الاضلال

١٦

في الاستدلال بآية الهلاك

١٧

في الاستدلال بآية المحرّمات

١٨

في الاستدلال بآية التفصيل

٢٠

في الروايات التي استدل بها لاصالة البراءة وذكر حديث الرفع

٣٦

في الاستدلال بحديث الحجب

٣٨

في الاستدلال بحديث الحل

٤٤

في الاستدلال بحديث السعة

٤٧

في الاستدلال بحديث كل شيء مطلق

٥٢

في الاستدلال بحديث المعرفة

٥٣

في الاستدلال بحديث الجهالة

٥٤

في الاستدلال بحديث الاحتجاج

٥٥

في الاستدلال بصحيحة عبدالرحمان بن الحجاج

٥٧

في الاستدلال بالاجماع لاصالة البراءة

٥٩

في الاستدلال بالعقل لاصالة البراءة

٦٥

في الاستدلال على البراءة بوجوه غير ناهضة

٦٨

في احتياط الاخباريين في الشبهات التحريمية الحكمية وفي غيرها في الجملة

٧١

في الآيات التي استدل بها للقول بالاحتياط

٧٢

في الروايات التي استدل بها للقول بالاحتياط

٨٧

في الاستدلال بالعقل للقول بالاحتياط

٩٦

في تنبيهات البراءة وبيان انها لا تجري مع اصل موضوعي

١٠٠

في حسن الاحتياط شرعا وعقلا

١٠٦

لا حاجة في جريان الاحتياط في العبادات الى اخبار من بلغه ثواب

١١٤

في دفع توهم لزوم الاحتياط في الشبهات التحريمية الموضوعية

١١٩

في حسن الاحتياط عقلا ونقلا حتى مع قيام الحجة على العدم

١٢١

هل تجري البراءة عن الوجوب التخييري

١٢٧

في اصالة التخيير

١٢٨

في وجوه المسألة وبيان المختار منها

١٤١

هل التخيير بدوي او استمراري

١٤٣

في اشتباه الواجب بالحرام

١٤٤

في اصالة الاشتغال

١٤٥

في دوران الامر بين المتباينين

١٥٠

في وجوه وجوب الاحتياط في اطراف العلم الاجمالي وعدم جريان شيء من الاصول فيها

١٥٦

قاعدة الحل بظاهرها تشمل تمام اطراف العلم الاجمالي

١٥٨

في قيام الامارات في اطراف العلم الاجمالي

١٦١

في بطلان التفصيل بين المخالفة القطعية والموافقة القطعية

١٦٢

في بطلان ما استند اليه القائلون بعدم وجوب الموافقة القطعية

١٦٦

هل يجب الاحتياط في الاطراف التدريجية

١٦٩

في الاضطرار الى بعض الاطراف معينا أو مرددا

١٧٣

في خروج بعض الاطراف عن محل الابتلاء

١٧٨

في الشبهة الغير المحصورة

١٨٣

في قاعدة العسر والحرج

١٨٦

في الملاقى لاحد اطراف العلم الاجمالي

١٩٢

كيف يحتاط في الامرين المترتبين شرعاً كالظهر والجمعة

١٩٤

في الاقل والاكثر الارتباطيين

١٩٦

الوجه الاول لوجوب الاحتياط عقلا وتضعيفه

٢٠١

الوجه الثاني لوجوب الاحتياط عقلا وتضعيفه

٢٠٩

في عدم وجوب الاحتياط شرعاً

٢١١

في وجه عدول المصنف عن البراءة عن الحكم التكليفي الى الوضعي

٢١٢

في جريان البراءة عن الجزء المشكوك وعن جزئيته الجزء المشكوك كما تجري عن الاكثر

٢١٤

في الوجوه التي قد يتمسك بها لوجوب الاحتياط عقلا غير ما تقدم وتضعيفها

٢٢٠

في الشك في القيد

٢٢٥

في الشك في المانعية والقاطعية

٢٢٦

في الشبهة الموضوعية من الاقل والاكثر الارتباطيين

٢٢٩

في الشك في المحصّل وبيان عدم وجوب الاحتياط فيه

٢٣١

في نقيصة الجزء سهواً

٢٣٥

في زيادة الجزء عمداً أو سهواً

٢٤٣

في تعذر الجزء أو الشرط

٢٤٩

في قاعدة الميسور

٢٦٢

في دوران الامر بين الجزئية او الشرطية وبين المانعية او القاطعية

٢٦٤

في شرائط الاصول العملية وبيان شرط الاحتياط

٢٦٦

في اشتراط البراءة العقلية بالفحص

٢٦٧

في اشتراط البراءة النقلية بالفحص

٢٦٩

يشترط الفحص في الشبهات الموضوعية في الجملة

٢٧٨

في اشتراط التخيير العقلي بالفحص

٢٧٩

في بيان ما للعمل بالبراءة قبل الفحص من التبعة والاحكام

٢٩٣

هل العبرة في باب المؤاخذة بمخالفة الواقع او بمخخالفة الطريق

٢٩٤

قد ذكر لاصل البراءة شرطان آخران

٣٠٠

في قاعدة لا ضرر ولا ضرار وبيان مدركها

٣٠٤

في بيان مفاد القاعدة

٣١١

بقي امور مهمة

٣١٦

في بيان نسبة القاعدة مع أدلة الاحكام الاولية او الثانوية

٣٢٢

في تعارض الضررين

عناية الأصول في شرح كفاية الأصول - ٤

المؤلف: آية الله السيد مرتضى الفيروزآبادي
الصفحات: 331
  • 2
  • في وجه عدول المصنف عن البراءة عن الحكم التكليفي الى الوضعي
  • الوجه الاول لوجوب الاحتياط عقلا وتضعيفه
  • 201
  • الوجه الثاني لوجوب الاحتياط عقلا وتضعيفه
  • 209
  • في عدم وجوب الاحتياط شرعاً
  • 211
  • 212
  • في الاقل والاكثر الارتباطيين
  • في جريان البراءة عن الجزء المشكوك وعن جزئيته الجزء المشكوك كما تجري عن الاكثر
  • 214
  • في الوجوه التي قد يتمسك بها لوجوب الاحتياط عقلا غير ما تقدم وتضعيفها
  • 220
  • في الشك في القيد
  • 225
  • في الشك في المانعية والقاطعية
  • 196
  • 194
  • في الشبهة الموضوعية من الاقل والاكثر الارتباطيين
  • 173
  • 162
  • في بطلان ما استند اليه القائلون بعدم وجوب الموافقة القطعية
  • 166
  • هل يجب الاحتياط في الاطراف التدريجية
  • 169
  • في الاضطرار الى بعض الاطراف معينا أو مرددا
  • في خروج بعض الاطراف عن محل الابتلاء
  • كيف يحتاط في الامرين المترتبين شرعاً كالظهر والجمعة
  • 178
  • في الشبهة الغير المحصورة
  • 183
  • في قاعدة العسر والحرج
  • 186
  • في الملاقى لاحد اطراف العلم الاجمالي
  • 192
  • 226
  • 229
  • 161
  • 300
  • 279
  • في بيان ما للعمل بالبراءة قبل الفحص من التبعة والاحكام
  • 293
  • هل العبرة في باب المؤاخذة بمخالفة الواقع او بمخخالفة الطريق
  • 294
  • قد ذكر لاصل البراءة شرطان آخران
  • في قاعدة لا ضرر ولا ضرار وبيان مدركها
  • 278
  • 304
  • في بيان مفاد القاعدة
  • 311
  • بقي امور مهمة
  • 316
  • في بيان نسبة القاعدة مع أدلة الاحكام الاولية او الثانوية
  • 322
  • في اشتراط التخيير العقلي بالفحص
  • يشترط الفحص في الشبهات الموضوعية في الجملة
  • في الشك في المحصّل وبيان عدم وجوب الاحتياط فيه
  • في قاعدة الميسور
  • 231
  • في نقيصة الجزء سهواً
  • 235
  • في زيادة الجزء عمداً أو سهواً
  • 243
  • في تعذر الجزء أو الشرط
  • 249
  • 262
  • 269
  • في دوران الامر بين الجزئية او الشرطية وبين المانعية او القاطعية
  • 264
  • في شرائط الاصول العملية وبيان شرط الاحتياط
  • 266
  • في اشتراط البراءة العقلية بالفحص
  • 267
  • في اشتراط البراءة النقلية بالفحص
  • في بطلان التفصيل بين المخالفة القطعية والموافقة القطعية
  • في قيام الامارات في اطراف العلم الاجمالي
  • في تعريف الاصول العملية وتنقيح مجاريها
  • 53
  • 44
  • في الاستدلال بحديث السعة
  • 47
  • في الاستدلال بحديث كل شيء مطلق
  • 52
  • في الاستدلال بحديث المعرفة
  • في الاستدلال بحديث الجهالة
  • 38
  • 54
  • في الاستدلال بحديث الاحتجاج
  • 55
  • في الاستدلال بصحيحة عبدالرحمان بن الحجاج
  • 57
  • في الاستدلال بالاجماع لاصالة البراءة
  • 59
  • في الاستدلال بحديث الحل
  • في الاستدلال بحديث الحجب
  • 65
  • في الاستدلال بآية الاضلال
  • 5
  • في اصالة البراءة
  • 10
  • في الآيات التي استدل بها لاصالة البراءة وذكر آية التعذيب
  • 13
  • في الاستدلال بآية الإيتاء
  • 14
  • 16
  • 36
  • في الاستدلال بآية الهلاك
  • 17
  • في الاستدلال بآية المحرّمات
  • 18
  • في الاستدلال بآية التفصيل
  • 20
  • في الروايات التي استدل بها لاصالة البراءة وذكر حديث الرفع
  • في الاستدلال بالعقل لاصالة البراءة
  • في الاستدلال على البراءة بوجوه غير ناهضة
  • 158
  • في اشتباه الواجب بالحرام
  • في اصالة التخيير
  • 128
  • في وجوه المسألة وبيان المختار منها
  • 141
  • هل التخيير بدوي او استمراري
  • 143
  • 144
  • هل تجري البراءة عن الوجوب التخييري
  • في اصالة الاشتغال
  • 145
  • في دوران الامر بين المتباينين
  • 150
  • في وجوه وجوب الاحتياط في اطراف العلم الاجمالي وعدم جريان شيء من الاصول فيها
  • 156
  • قاعدة الحل بظاهرها تشمل تمام اطراف العلم الاجمالي
  • 127
  • 121
  • 68
  • 96
  • في احتياط الاخباريين في الشبهات التحريمية الحكمية وفي غيرها في الجملة
  • 71
  • في الآيات التي استدل بها للقول بالاحتياط
  • 72
  • في الروايات التي استدل بها للقول بالاحتياط
  • 87
  • في الاستدلال بالعقل للقول بالاحتياط
  • في تنبيهات البراءة وبيان انها لا تجري مع اصل موضوعي
  • في حسن الاحتياط عقلا ونقلا حتى مع قيام الحجة على العدم
  • 100
  • في حسن الاحتياط شرعا وعقلا
  • 106
  • لا حاجة في جريان الاحتياط في العبادات الى اخبار من بلغه ثواب
  • 114
  • في دفع توهم لزوم الاحتياط في الشبهات التحريمية الموضوعية
  • 119
  • في تعارض الضررين