
بِسْمِ اللهِ
الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله كما هو
أهله والصلاة والسلام على أشرف خلقه وأفضل بريته محمد وعترته الأطيبين واللعنة
الدائمة على أعدائهم ومعادي أوليائهم وموالي أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين (أما
بعد) فهذا هو الجزء الثالث من كتابنا الموسوم بعناية الأصول في شرح كفاية الأصول
وأسأل الله تعالى أن يوفقني لإتمامه وإتمام بقية الأجزاء كما وفقني للجزء الأول
والثاني انه سميع قريب يجيب دعوة الداع إذا دعاه.
في تقسيم حال المكلف إذا التفت
إلى حكم شرعي
(قوله المقصد السادس
في بيان الأمارات ... إلخ)
والمقصد السابع
كما سيأتي في الأصول العملية والفرق بين الأمارات والأصول العملية ان ما له جهة
كشف وحكاية عن الواقع هو أمارة سواء كانت معتبرة كخبر الثقة ولو في الأحكام خاصة
والبينة مطلقا ولو في الموضوعات أم لم تكن معتبرة كخبر الفاسق أو المجهول ونحوهما
وما ليس له جهة كشف وحكاية عن الواقع أصلا بل كان مجرد وظيفة للجاهل في ظرف الشك
والحيرة كقاعدتي الطهارة والحل وأصالة البراءة ونحوها أو كانت له جهة كشف وحكاية
ولكن الشارع لم يعتبره من هذه الجهة كما ادعى ذلك في الاستصحاب والتجاوز والفراغ
ونحوهما فهو أصل عملي (ولك ان تقول) إن الفرق بين الأمارات والأصول العملية بعد
كون الجميع وظائف مقررة للجاهل
في وعاء الجهل
بالواقع والستار عليه ان الأول لم يؤخذ الجهل والشك في لسان دليله والثاني قد أخذ
ذلك في لسان دليله كما في قوله كل شيء نظيف حتى تعلم انه قذر أو كل شيء لك حلال
حتى تعرف انه حرام أو لا ينقض اليقين بالشك ولكن ينقضه بيقين آخر إلى غير ذلك من
الأصول العملية.
(قوله المعتبرة شرعا
أو عقلا ... إلخ)
فالأمارة المعتبرة
شرعا هي كالبينة وخبر الثقة ولو في خصوص الأحكام وهكذا ظواهر الكلام واما الأمارة
المعتبرة عقلا فهي كالعلم بل الظن على الانسداد والحكومة وسنشير إليهما عن قريب
فانتظر.
(قوله وان كان خارجا
من مسائل الفن ... إلخ)
وجه خروجه عنها ان
الميزان في كون المسألة أصولية على ما عرفت في صدر الكتاب ان تكون هي مما يستنبط
به الحكم الشرعي كمسألة حجية خبر الواحد ونحوها وما للقطع من الأحكام ليس من هذا
القبيل قطعا كما ستعرف.
(قوله وكان أشبه
بمسائل الكلام ... إلخ)
وجه الشباهة ان من
علم الكلام مباحث الإلهيات ومن مسائلها البحث عن أفعاله تعالى فكأن البحث عن حجية
القطع عقلا وعدم إمكان جعل الحجية له شرعا ولا النهي عن اتباعه كذلك أو البحث عن
القطع المخطئ وانه إذا وافقه القاطع فهل على المولى ان يثيبه على الانقياد أو إذا
خالفه القاطع فهل للمولى ان يعاقبه على التجري هو يشبه البحث عن أفعاله جل وعلا
مثل انه تعالى لا يفعل القبيح أو لا يخل بالواجب أو لا يفعل لغير فائدة ونحو ذلك.
(قوله فاعلم ان البالغ
الّذي وضع عليه القلم ... إلخ)
وكأن وجه عدول
المصنف عما في رسالة شيخنا العلامة أعلى الله مقامه من التعبير بالمكلف حيث قال
لدى التقسيم (ما لفظه) فاعلم ان المكلف إذا التفت إلى حكم شرعي فإما ان يحصل له
الشك فيه أو القطع أو الظن ... إلخ (انه قد يقال) ان
المكلف لا يصح
جعله مقسما ثم إخراج غير الملتفت منه بقوله إذا التفت فان الغافل الّذي لا التفات
له ليس بمكلف (ولكن ذلك مما لا وجه له) فان المقصود من المكلف هو من وضع عليه قلم
التكليف لا خصوص من تنجز عليه التكليف كي لا يصح جعله مقسما (وبعبارة أخرى) المراد
من المكلف هو المكلف الشأني أي الّذي من شأنه التكليف لا المكلف الفعلي أي الّذي
تنجز عليه التكليف كي لا يصح جعله مقسما وإخراج غير الملتفت منه.
(قوله إلى حكم فعلى ...
إلخ)
وجه التخصيص
بالحكم الفعلي كما سيأتي التصريح به من المصنف هو اختصاص أحكام القطع من المنجزية
عند الإصابة والعذرية عند الخطاء وحكم العقل بوجوب المتابعة بما إذا تعلق القطع
بالحكم الفعلي لا بالإنشائي وقد تقدم تفصيل مراتب الأحكام وما لكل مرتبة من
الخواصّ والآثار في مسألة الاجتماع في ذيل بعض مقدمات الامتناع كما هو حقه مبسوطا
فراجع.
(قوله واقعي أو ظاهري
.. إلخ)
فالواقعي هو الحكم
المشترك بين العالم والجاهل قد تصيبه الطرق والأمارات وتطابقه الأصول العملية وقد
تخطئه الطرق والأمارات ولا تطابقه الأصول العملية والظاهري هو الحكم المجعول على
طبق مؤديات الطرق والأمارات أو على طبق الأصول العملية سواء وافق الواقع وطابقه أو
خالفه ولم يطابقه.
(قوله متعلق به أو
بمقلديه ... إلخ)
اما الأول فواضح
واما الثاني فكالأحكام المتعلقة بالحيض أو النفاس أو الاستحاضة وأشباه ذلك مما هو
خارج عن ابتلاء المجتهد بنفسه.
(قوله فإما ان يحصل له
القطع به أولا ... إلخ)
(اما حصول) القطع
بالحكم الواقعي وعدم حصوله به فواضح (واما حصول) القطع بالحكم الظاهري فكما إذا
قامت أمارة شرعية أو أصل شرعي عند المكلف
فيقطع بسببه
بالحكم الظاهري الشرعي المجعول على طبقها أو على طبقه (واما عدم حصول القطع)
بالحكم الظاهري فكما إذا لم يتم عند المكلف حجية أمارة شرعية بالخصوص ولا أصل عملي
شرعي أو تمت ولكن في المسألة التي التفت فيها إلى الحكم الفعلي لم تقم تلك الأمارة
ولم يجر ذلك الأصل فحينئذ لا بد له من الانتهاء إلى ما استقل به العقل كما أشار
إليه المصنف (فإن حصل) له الظن وقد تمت مقدمات الانسداد على الحكومة بان قلنا ان
مقتضي مقدمات الانسداد على ما سيأتي شرحها في ذيل خبر الواحد هو استقلال العقل
بحجية الظن في حال الانسداد كاستقلاله بحجية العلم في حال الانفتاح فيتبع الظن
ويعمل به وهذا بخلاف ما لو تمت المقدمات على الكشف بان قلنا ان نتيجة المقدمات بعد
تماميتها هو الاستكشاف عن كون الظن طريقا منصوبا من قبل الشرع في حال الانسداد
كالأمارات الشرعية المنصوبة في حال الانفتاح فان حصول الظن حينئذ مما يوجب القطع
بالحكم الظاهري الشرعي المجعول على طبقه وهو خلاف المفروض من عدم القطع بالحكم
الظاهري الشرعي (واما إذا لم يحصل) له الظن فيرجع حينئذ إلى الأصول العملية العقلية
من البراءة العقلية عند الشك في التكليف أو أصالة الاشتغال عند الشك في المكلف به
أو أصالة التخيير عند دوران الأمر بين المحذورين على التفصيل الآتي في محله إن شاء
الله تعالى.
(قوله وانما عممنا
متعلق القطع ... إلخ)
أي وانما عممنا
متعلق القطع إلى الأحكام الظاهرية حيث قال إذا التفت إلى حكم فعلي واقعي أو ظاهري (إلى
ان قال) فإما ان يحصل له القطع أولا ... إلخ لأجل عدم اختصاص أحكام القطع من
المنجزية في صورة الإصابة والعذرية عند الخطاء وحكم العقل بوجوب المتابعة بما إذا
تعلق القطع بالحكم الواقعي بل تترتب عليه الأحكام ولو تعلق بالحكم الظاهري.
(قوله وخصصنا بالفعلي
... إلخ)
قد أشرنا إلى وجه
التخصيص بالفعلي وانه سيأتي التصريح به من المصنف وهذا
هو تصريحه به
وتنصيصه عليه فلا تغفل.
(قوله ولذلك عدلنا عما
في رسالة شيخنا العلامة أعلى الله مقامه من تثليث الأقسام ... إلخ)
أي ولأجل التعميم
والتخصيص المذكورين عدلنا عما في رسالة شيخنا العلامة أعلى الله مقامه من تثليث
الأقسام حيث انه لم يعمم ولم يخصص فقال كما أشرنا آنفا فاعلم ان المكلف إذا التفت
إلى حكم شرعي فاما ان يحصل له الشك فيه أو القطع أو الظن ... إلخ (اما عدم تخصيصه)
بالحكم الفعلي فواضح (واما عدم تعميمه) إلى الحكم الظاهري فلان الظاهر من قوله إلى
حكم شرعي بقرينة حصول الشك فيه أو القطع أو الظن هو الحكم الواقعي فان الظاهري مما
لا يقع الشك فيه أو الظن به فان الأمارة الشرعية وهكذا الأصل الشرعي ان قامت على
الحكم فالظاهري مقطوع به وإلّا فمقطوع العدم وان كان الواقعي مشكوكا أو مظنونا (اللهم)
الا إذ شك في حجية أمارة أو أصل أو ظن حجيتها أو حجيته وقد قامت تلك الأمارة أو
الأصل على حكم من الأحكام أو شك في قيام أمارة معتبرة على حكم أو أصل معتبر أو ظن
فحينئذ يقع الشك في الحكم الظاهري أو الظن به مثل ما يقع في الحكم الواقعي عينا.
(أقول)
مقصود الشيخ أعلى
الله مقامه من تثليث الأقسام عند الالتفات إلى حكم شرعي هو الإشارة إلى موارد
العمل بالعلم والأمارات الظنية والأصول العملية (فإن حصل القطع) فهو مورد العمل
بالعلم (وإن حصل الظن) أي المعتبر فهو مورد العمل بالأمارات الظنية (وإن حصل الشك)
فهو مورد العمل بالأصول العملية على ترتيب يأتي ذكره في محله إن شاء الله تعالى
وقد عقد لكل منها مقصدا على حده (وإلّا) فكما ان المصنف قد جعل الأقسام الثلاثة
قسمين فكذلك يمكن جعل القسمين قسما واحدا (فنقول) إن المكلف إذا التفت إلى ما هو
وظيفته شرعية
كانت أو عقلية
واقعية كانت أو ظاهرية فهو قاطع بها لا محالة وهذا لدى التدبر واضح فتدبر.
(قوله فالأولى ان يقال
ان المكلف اما ان يحصل له القطع أولا وعلى الثاني اما ان يقوم عنده طريق معتبر أم
لا ... إلخ)
وجه الأولوية ان
المصنف قد عبر عن الظن بقيام الطريق المعتبر وعن الشك بعدم قيام الطريق المعتبر
فلا يتداخل الأقسام حينئذ كما يتداخل على تعبير الشيخ أعلى الله مقامه حيث يلحق
الظن الغير المعتبر بالشك ويلحق الشك الحاصل من الأمارة المعتبرة الغير المفيدة
للظن بالظن وإليه أشار المصنف بقوله لئلا يتداخل الأقسام ... إلخ
(قوله إلى القواعد
المقررة عقلا أو نقلا لغير القاطع ومن يقوم عنده الطريق ... إلخ)
وهي الأصول
العملية الشرعية أو العقلية الممهدة لغير القاطع ومن قام عنده الطريق المعتبر
الّذي هو بمنزلة القطع.
في حجية القطع
(قوله الأمر الأول لا
شبهة في وجوب العمل على وفق القطع عقلا ... إلخ)
المقصود من عقد
هذا الأمر الأول هو بيان حجية القطع (فنقول) ان الحجة باصطلاح المنطقي هو المعلوم
التصديقي الموصل إلى المجهول التصديقي كقولنا العالم متغير وكل متغير حادث الموصل
إلى قولنا فالعالم حادث (وان شئت قلت) ان الحجة باصطلاح المنطقي هي الوسط الّذي
يحتج به على ثبوت الأكبر للأصغر كالتغير الّذي يحتج به على إثبات الحدوث للعالم (ومن
هنا يظهر) انه صح إطلاق
الحجة بهذا المعنى
على قيام الأمارات المعتبرة شرعا فتقول مثلا هذا ما قامت البينة على وجوبه وكلما
قامت البينة على وجوبه فهو واجب شرعا ولو ظاهرا فهذا واجب شرعا ولو ظاهرا فيكون
قيام البينة وسطا لإثبات الوجوب للصغرى (ولا يكاد يصح) إطلاق الحجة بهذا المعنى
على القطع إذ لا تقول هذا مقطوع الوجوب وكل مقطوع الوجوب واجب شرعا فهذا واجب شرعا
فان الوجوب شرعا ثابت لنفس الأشياء بما هي هي لا لمقطوع الوجوب كما لا يخفى (وتوضيحه)
ان للشارع في موارد قيام الأمارات المعتبرة بالخصوص أحكاما ظاهرية مجعولة على طبق
مؤدياتها بحيث كان قيام الأمارة سببا لثبوت تلك الأحكام الظاهرية فصح قولك كلما
قامت البينة على وجوبه مثلا فهو واجب شرعا أي ظاهرا (واما القطع) فليس في مورده
حكم ظاهري مجعول شرعا كي يكون سبباً لثبوت ذلك الحكم الظاهري وصح قولك هذا مقطوع
الوجوب مثلا وكل مقطوع الوجوب واجب شرعاً أي ظاهرا فهذا واجب شرعاً أي ظاهرا الا
الحكم الواقعي الّذي لا دخل للقطع في تحققه أصلا فانه ثابت في مورده لنفس الشيء
بما هو هو ان لم يخطأ القطع وأصاب الواقع وإلّا فلا حكم في مورده أبدا لا ظاهرا
ولا واقعاً.
(نعم) إذا أخذ
القطع بشيء موضوعاً لحكم شرعي بحيث كان القطع به دخيلا في ثبوت ذلك الحكم صح حينئذ
إطلاق الحجة بهذا المعنى على القطع المأخوذ موضوعا فإذا فرض انه قال إذا قطعت بخمرية
مائع فهو حرام ولم يقل الخمر بما هي هي حرام فصح حينئذ ان تقول هذا ما قطعت
بخمريته وكلما قطعت بخمريته فهو حرام فهذا حرام فيكون القطع حينئذ وسطاً يحتج به
لثبوت الأكبر للأصغر هذا كله بيان معنى الحجة باصطلاح المنطقي (واما الحجة باصطلاح
الأصولي) فهي ما كان منجزا عند الإصابة وعذرا عند الخطأ بمعنى انه إذا قام على
تكليف إلزاميّ من وجوب أو حرمة وقد أصاب بان كان هناك وجوب أو حرمة واقعاً فهو
منجز له بحيث لا يبقى للمكلف عذر في تركه بعد قيام الحجة عليه فان خالفه
فهو يستحق العقاب
وإذا قام على نفي تكليف إلزاميّ وأخطأ بان كان هناك تكليف إلزاميّ واقعاً فهو عذر
للمكلف على فوت الواقع منه بحيث إذا عاقبه المولى بعدا فقد ظلمه مع قيام الحجة على
نفيه وعدمه (ومن هنا يظهر) انه صح إطلاق الحجة بهذا المعنى على كل من القطع
والأمارات الظنية المعتبرة بالخصوص على حد سواء غايته ان القطع كما ستعرف حجة
بنفسه لا يحتاج حجيته إلى جعل جاعل والأمارات الظنية المعتبرة بالخصوص حجيتها
مجعولة من قبل الشرع (ثم ان) من تبعات منجزية القطع. بل منجزية كل حجة سواء كانت
عقلية أو شرعية هو حكم العقل بوجوب متابعته والحركة على طبقه والمشي على وفقه وذلك
دفعاً للعقوبة والمؤاخذة الدنيوية أو الأخروية فان التنجيز وان لم يكن الا في خصوص
ما إذا كان القطع مصيباً لا مخطئاً ولكن القاطع حيث يرى قطعه مصيباً دائما فيرى
حكم العقل بوجوب المتابعة محققاً فعلياً ما دام كونه قاطعاً متيقناً على صفة القطع
واليقين.
(وبالجملة) إن القطع
وهكذا كل حجة أخرى سواء كانت عقلية كالظن على الانسداد والحكومة أو شرعية
كالأمارات المعتبرة بالخصوص هو مما له آثار ثلاثة اثنان منها وضعيان وهما المنجزية
عند الإصابة والعذرية عند الخطاء وواحد منها تكليفي وهو حكم العقل بوجوب متابعته
والحركة على طبقه.
(قوله وتأثيره في ذلك
لازم وصريح الوجدان به شاهد وحاكم ... إلخ)
أي وتأثير القطع
في تنجز التكليف به عند الإصابة وهكذا كونه عذرا عند الخطاء لازم لا ينفك عنه بحكم
الوجدان فإذا كان لازماً لا ينفك عنه كانت الحجية من لوازمه الذاتيّة قهرا ولا
تكون بجعل جاعل سواء كان الجاعل هو الشرع أو العقل إذ لا جعل تركيبي بين الشيء
ولوازمه الذاتيّة كالنار والإحراق وانما يجعل مثل الإحراق جعلا عرضياً بتبع جعل
النار بسيطاً أي إذا وجدت النار وتحققت هي تحقق الإحراق بتبعها من دون ان يكون
الإحراق مجعولا لها بالجعل التركيبي من قبيل جعل السواد أو البياض للقرطاس ونحوه (ومن
هنا يظهر) امتناع المنع عن
حجية القطع
كامتناع جعلها له سواء كان المنع من الشرع أيضا أو من العقل وذلك لاستحالة المنع
عن الأثر الذاتي وهو معنى قولهم القطع حجة بنفسه لا تناله يد الجعل لا نفياً ولا
إثباتاً لا شرعاً ولا عقلا (وقد أفاد الشيخ) أعلى الله مقامه هذا المضمون بعينه
مختصرا غير انه لم يبرهن عليه كما برهن المصنف (قال) لا إشكال في وجوب متابعة
القطع والعمل عليه ما دام موجودا لأنه بنفسه طريق إلى الواقع وليس طريقته قابلة
لجعل الشارع إثباتاً أو نفياً انتهى (ثم ان تأثير القطع) في تنجيز التكليف به عند
الإصابة وهكذا عذريته عند الخطاء حيث كان لازماً ذاتياً له صح ان يقال ان القطع
حجة ذاتاً وحيث ان الأثر مما يدركه العقل بنفسه من غير حاجة إلى تصريح الشرع به صح
ان يقال ان القطع حجة عقلا في قبال الأمارات الظنية المنصوبة من قبل الشرع كخبر الثقة
ونحوه مما لا يدرك العقل حجيته بنفسه وانما هو صار حجة بجعل الشارع الحجية له
تأليفياً.
(قوله وبذلك انقدح
امتناع المنع عن تأثيره أيضا ... إلخ)
إشارة إلى قوله
وتأثيره في ذلك لازم أي وبذلك انقدح امتناع المنع عن تأثيره أيضا كامتناع جعله له
إذ كما لا يمكن الجعل التأليفي بين الشيء ولوازمه فكذلك لا يمكن المنع عن تأثيره
ذاتاً كما أشير آنفاً.
(قوله مع انه يلزم منه
اجتماع الضدين اعتقادا مطلقاً وحقيقة في صورة الإصابة ... إلخ)
هذا دليل آخر
لامتناع المنع عن تأثيره مضافاً إلى كون الحجية لازماً ذاتياً للقطع ولا يمكن المنع
عن اللازم الذاتي (وتقريبه) انه إذا قطع المكلف بوجوب شيء ونهي الشارع عن العمل
بقطعه (فان كان) قطعه مصيباً لزم اجتماع الضدين حقيقة فانه حسب قطعه المصيب واجب
وعلى حسب نهي الشارع عن العمل بقطعه حرام وهو اجتماع الضدين حقيقة (وان كان) قطعه
مخطئاً لزم اجتماع الضدين اعتقادا فانه على حسب قطعه واجب ولو في اعتقاده وعلى حسب
نهي الشارع عنه حرام
غير جائز ومن
المعلوم ان اجتماع الضدين ولو اعتقادا محال ممتنع كاجتماع الضدين حقيقة فان المحال
كما يستحيل وقوعه خارجا كذلك يستحيل الاعتقاد بوقوعه خارجا بل اجتماع الضدين
الاعتقادي مما يلزم مطلقا أي في صورتي الإصابة والخطاء جميعا غايته انه في صورة
الإصابة اعتقادي وحقيقي وفي صورة الخطاء اعتقادي محض لا حقيقي (وإليه أشار) المصنف
بقوله اعتقادا مطلقا أي في صورتي الإصابة والخطاء (قال) وحقيقة في صورة الإصابة ...
إلخ.
(قوله ثم لا يذهب عليك
ان التكليف ما لم يبلغ مرتبة البعث والزجر لم يصر فعليا وما لم يصر فعليا لم يبلغ
مرتبة التنجز واستحقاق العقوبة على المخالفة ... إلخ)
وفيه ما سيأتي
قريبا في الجمع بين الحكم الظاهري والواقعي من الاعتراف بكون الأحكام الواقعية
التي قامت الأمارات والأصول على خلافها فعلية لا بعث ولا زجر على طبقها في النّفس
النبوية أو الولويّة (وعلى كل حال) مقصوده من ذلك هنا هو التنبيه على ان ما تقدم
آنفا من كون القطع منجزا للتكليف في صورة الإصابة انما هو فيما كان التكليف
المتعلق به القطع فعليا لا إنشائيا محضا (وقد أشار) إلى هذا المعنى في صدر هذا
الأمر الأول بقوله وكونه موجبا لتنجز التكليف الفعلي ... إلخ وقبله بقوله إذا
التفت إلى حكم فعلي (إلى ان قال) وخصصنا بالفعلي ... إلخ فأراد في المقام الإشارة
إلى هذا المعنى بنحو أبسط (فقال) ما حاصله ان التكليف ما لم يبلغ مرتبة البعث
والزجر يعني الإرادة والكراهة كما سيتضح لك في الجمع بين الحكم الظاهري والواقعي
لم يصر فعليا وما لم يصر فعليا لم يبلغ مرتبة التنجز واستحقاق العقوبة على
المخالفة بتعلق القطع به وان كان ربما يوجب موافقته أي موافقة ما لم يصر فعليا وهو
الإنشائيّ المحض المثوبة وذلك لأن الحكم ما لم يبلغ تلك المرتبة أي الفعلية لم يكن
حقيقة بأمر. ولا نهي وقد تقدم مراتب الحكم وخواص كل مرتبة في مسألة الاجتماع في
ذيل بعض مقدمات لامتناع مفصلا فراجع.
(قوله نعم في كونه
بهذه المرتبة موردا للوظائف المقررة شرعا للجاهل ... إلخ)
أي نعم في كون
التكليف بهذه المرتبة الفعلية موردا للوظائف المقررة شرعا للجاهل من الأمارات
والأصول الشرعية إشكال لزوم اجتماع الضدين أو المثلين فان خالفت الأمارة أو الأصل
مع الحكم الواقعي لزم اجتماع الضدين وإن طابقته لزم اجتماع المثلين وسيأتي الجمع
بينهما في أول الظن إن شاء الله تعالى فانتظر.
في التجري والانقياد
(قوله الأمر الثاني قد
عرفت انه لا شبهة في ان القطع يوجب استحقاق العقوبة على المخالفة ... إلخ)
المقصود من عقد
هذا الأمر الثاني هو بيان حال التجري وبتبعه يعرف حال الانقياد أيضا (وفيه مقامان)
من الكلام.
(الأول) ان
المتجري هل هو يستحق العقاب أم لا بمعنى انه إذا قطع بحرمة شيء وتجري وأتى به أو
قطع بوجوب شيء وتجري ولم يأت به ثم انكشف الخلاف وانه لم يكن حراما أو لم يكن
واجبا فهل هو يستحق العقاب حينئذ أم لا بعد التسالم ظاهرا على استحقاق الذم واللوم
على خبث باطنه وسوء سريرته.
(الثاني) انه بعد
البناء على استحقاق المتجري للعقاب هل العقاب يكون على القصد أو على الفعل المتجري
به.
(اما المقام
الثاني) فسنتعرضه عند تعرض المصنف له.
(واما المقام
الأول) فالحق فيه كما اختار المصنف هو استحقاق المتجري للعقاب بشهادة الوجدان بل
بشهادة كافة العقلاء بمعنى ان العبد إذا أتى بما اعتقد حرمته أو ترك ما اعتقد
وجوبه ثم عاقبه المولى لم يذمه العقلاء ولا يرونه ظالما مفرطا
في حق عبده بل
يرون العبد أهلا لذلك بل ربما إذا لم يعاقبه المولى في بعض موارد التجري وعفي عنه
يرون ذلك نقصا في شخص المولى وضعفا في عقله ولبه كما إذا اعتقد ان هذا مولاه فتجري
وقتله ثم انكشف انه كان عدوا للمولى أو اعتقد ان هذه زوجة مولاه فتجري وواقعها ثم
انكشف انها كانت زوجته لا زوجة مولاه وهكذا وهكذا.
(قوله والمثوبة على
الموافقة في صورة الإصابة ... إلخ)
القطع بالتكليف
وان كان مما يوجب استحقاق العقوبة على المخالفة بل واستحقاق المثوبة على الموافقة
في صورة الإصابة إذا قلنا باستحقاق الثواب في الطاعات وقد تقدم التفصيل في النفسيّ
والغيري ولكن الّذي عرفناه في الأمر السابق كما أشار إليه المصنف بقوله قد عرفت
انه لا شبهة ... إلخ هو خصوص الأول دون الثاني وعليه فعطف المصنف قوله والمثوبة
على الموافقة ... إلخ على قوله يوجب استحقاق العقوبة على المخالفة مما لا يخلو عن
مسامحة إذ لم نعرف الثاني في الأمر السابق.
(قوله وهتك حرمته
لمولاه ... إلخ)
ولو قال وهتكه
حرمة مولاه كان أصح.
(قوله وان كان مستحقا
للوم أو المدح بما يستتبعانه ... إلخ)
والصحيح كان ان
يقول بما يستتبعهما أي وان كان مستحقا للوم أو المدح بما فيه من الصفة الكامنة
المستتبعة للوم أو المدح ويعرف ذلك بملاحظة قوله وبالجملة ما دامت فيه صفة كامنة
لا يستحق بها الا مدحا أو لوما ... إلخ فالصفة الكامنة هي المقصود من الموصول وهي
المستتبعة للمدح أو اللوم فلا تغفل.
(قوله ولكن ذلك مع
بقاء الفعل المتجري به أو المنقاد به على ما هو عليه من الحسن أو القبح والوجوب أو
الحرمة واقعا ... إلخ)
هذا شروع في
المقام الثاني من الكلام في التجري (وحاصل مختاره) فيه ان العقاب إنما هو على قصد
العصيان والعزم على الطغيان كما سيأتي تصريحه به في
الجواب عن ان قلت
الأول وليس هو على الفعل المتجري به وذلك لدليلين.
(الأول) ما أشار
إليه بقوله ولكن ذلك مع بقاء الفعل المتجري به إلى قوله لا يخرج عن كونه محبوبا
أبدا.
(الثاني) ما أشار
إليه بقوله هذا مع ان الفعل المتجري به أو المنقاد به إلى قوله إلا إذا كانت
اختيارية.
(اما الثاني)
فسيأتي شرحه.
(واما الأول)
فحاصله ان الفعل المتجري به أو المنقاد به لا يحدث فيه بسبب القطع بالخلاف حسن أو
قبح ولا وجوب أو حرمة واقعا كي يكون عليه الثواب أو العقاب بل باق على ما هو عليه
من الحسن أو القبح والوجوب أو الحرمة (فقتل ابن المولى) بسبب القطع بأنه عدو له لا
يحدث فيه حسن ولا وجوب بل باق على قبحه وحرمته (كما ان قتل عدو المولى) بسبب القطع
بأنه ابن المولى لا يحدث فيه قبح ولا حرمة بل باق على حسنه ووجوبه فان القطع
بالحسن أو القبح ليس من الوجوه والاعتبارات التي بها يكون الحسن والقبح والوجوب
والحرمة كالعناوين الثانوية الطارية للافعال مثل عنوان إنجاء المؤمن الطاري للكذب
أو الإيقاع في المهلكة الطاري للصدق ونحوهما.
(وفيه) ان القطع
بالخلاف وان لم يحدث بسببه حسن أو قبح ولا وجوب أو حرمة واقعا الّذي كان للفعل
بعنوانه الأولى ولكن يحدث بسببه الحسن أو القبح الّذي هو للفعل بعنوانه الثانوي
وهو عنوان الانقياد أو التجري الطاري له (وان شئت قلت) يحدث بسببه الحسن أو القبح
الصدوري أي يجعل صدوره من القاطع حسنا أو قبيحا وان لم يكن نفس الفعل حسنا أو
قبيحا واقعا (ومن هنا يظهر) ان القطع بالحسن أو القبح وان لم يكن بنفسه من الوجوه
والاعتبارات التي بها يكون الحسن أو القبح ولكنه سبب لطرو عنوان للفعل هو من
الوجوه والاعتبارات التي بها يكون الحسن أو القبح وهو عنوان الانقياد أو التجري (فماء
القراح)
بسبب القطع بكونه
خمرا وان لم يحدث فيه القبح والحرمة الموجودين في الخمر الواقعي ليكون شربه معصية
من المعاصي الشرعية ولكن يحدث فيه عنوان التجري وهو عنوان قبيح عقلا (وهكذا إذا
قطع) بكونه دواء نافعا فلا يحدث فيه الحسن والوجوب الموجودين في الدواء النافع
ليكون شربه واجبا من الواجبات الشرعية ولكن يحدث فيه عنوان الانقياد وهو عنوان حسن
عقلا (وعليه) فلا مانع عن الالتزام بكون الثواب والعقاب على نفس الفعل المتجري به
أو المنقاد به لكن لا بعنوانه الأولى بل بعنوانه الثانوي الطاري عليه بسبب القطع
بحرمته أو بوجوبه وهو عنوان التجري أو الانقياد الموجبين لاستحقاق العقاب والثواب
عقلا.
(قوله هذا مع ان الفعل
المتجري به أو المنقاد به بما هو مقطوع الحرمة أو الوجوب لا يكون اختياريا ... إلخ)
هذا هو الدليل
الثاني الّذي أقامه على عدم كون العقاب والثواب على الفعل المتجري به أو المنقاد
به (وحاصله) ان الفعل المتجري به أو المنقاد به بما هو مقطوع الحرمة أو الوجوب لا
يكون اختياريا فان هذا العنوان غير ملتفت إليه غالبا فان من يشرب الماء باعتقاد
انه خمر يقصده ويشربه بعنوانه الأولى الاستقلالي أي بعنوان انه خمر لا بعنوانه
الطاري الآلي أي بعنوان انه مقطوع الخمرية فإذا لم يكن هذا العنوان اختياريا
ملتفتا إليه غالبا فلا يعقل أن يكون هو من جهات الحسن أو القبح عقلا ومن مناطات
الوجوب أو الحرمة شرعا.
(وفيه) ان العنوان
الطاري كعنوان إنجاء المؤمن أو الإلقاء في المهلكة ونحوهما إذا كان غير ملتفت إليه
وان لم يعقل ان يكون من جهات الحسن أو القبح الصدوري فان الحسن أو القبح الصدوري
كما تقدم في بحث الاجتماع في الأمر العاشر تابع لما علم من الجهات فالجهة المجهولة
مما لا تعقل ان تجعل صدور الفعل حسنا مقربا أو قبيحا مبعدا ما لم يعلم بها وان كان
الحسن والقبح الواقعيان غير مربوطين بالجهل والعلم وهكذا لا يعقل ان يكون العنوان
الغير الملتفت إليه من
مناطات الوجوب
والحرمة أي المنجزين فان الحكم المنجز فرع العلم والالتفات قطعا (ولكن هذا كله) في
غير صفة القطع بالوجوب أو الحرمة فان صفة القطع بأحدهما بنفسها التفات إليه فيصح
أن تكون هي من جهات الحسن أو القبح الصدوري من دون لزوم التفات إلى هذا الالتفات
كما لا يخفى.
(قوله ان قلت إذا لم
يكن الفعل كذلك فلا وجه لاستحقاق العقوبة على مخالفة القطع ... إلخ)
أي ان قلت إذا لم
يكن الفعل بما هو مقطوع الحرمة أو الوجوب اختياريا فلا وجه لاستحقاق العقوبة على
مخالفة القطع يعني المخطئ وهل العقاب عليها الا عقابا على ما ليس بالاختيار (وقد
أجاب عن الإشكال) بان العقاب في التجري انما هو على قصد العصيان والعزم على
الطغيان لا على الفعل الغير الاختياري وقد أشرنا آنفا انه سيأتي من المصنف تصريح
بكون العقاب على قصد العصيان والعزم على الطغيان فهذا هو تصريحه به وتنصيصه عليه.
(وفيه) ان المتجري
بعد ما انكشف له الخلاف كما يعرف انه لم يأت بمعصية واقعا بل تخيل انه قد عصى
فكذلك يعرف انه لم يقصد المعصية واقعا بل تخيل انه قصد المعصية فإذا اعتقد مثلا ان
الماء الخارجي خمر وقصد شربه وشربه فبعد ما انكشف له انه لم يكن خمرا واقعا كما
يعرف انه لم يشرب الخمر فكذلك يعرف انه لم يقصد الخمر بل قصد الخمر التخيلي وهو
الماء الواقعي (وعليه) فإذا لم يكن هناك معصية ولا قصد المعصية بل قصد ما تخيل انه
معصية فلا وجه للالتزام بكون العقاب على قصد العصيان والعزم على الطغيان لعدم
تحققهما واقعا.
(قوله ان قلت ان القصد
والعزم انما يكون من مبادئ الاختيار وهي ليست باختيارية وإلّا لتسلسل ... إلخ)
أي ان قلت ان
القصد والعزم انما يكون من مقدمات اختيار الفعل وهي كما تقدم تفصيلها في الطلب
والإرادة عبارة (عن خطور) الشيء في النّفس (ثم الميل)
وهيجان الرغبة
إليه (ثم الجزم) وهو التصديق بفائدته وبدفع ما يوجب التوقف عنه (ثم العزم) والقصد
أي الشوق الأكيد المسمى بالإرادة المستتبع لحركة العضلات نحو الفعل ولاختياره
خارجا ومن المعلوم ان مقدمات الاختيار غير اختيارية فان اختيارية الأفعال تكون بها
فلو كانت هي اختيارية أيضا لكانت بمقدمات أخرى فيتسلسل وقد تقدم نظير ذلك في
التعبدي والتوصلي أيضا (فقال) المصنف هناك فان الفعل وان كان بالإرادة اختياريا
إلّا ان إرادته حيث لا تكون بإرادة أخرى وإلا لتسلسلت ليست باختيارية (انتهى) فجعل
الكلام هناك في نفس الإرادة وجعله في المقام في مجموع مبادئ اختيار الفعل التي
منها الإرادة (وعلى كل حال) إذا كانت مقدمات الاختيار الأربع ومنها القصد غير
اختيارية لم يصح العقاب على القصد والعزم عقلا.
(وقد أجاب المصنف)
عن الإشكال بأمرين :
(الأول) ما أشار
إليه بقوله قلت مضافا إلى ان الاختيار ... إلخ (وحاصله) ان الاختيار وان لم يكن
بالاختيار إلّا ان بعض مباديه وهي المقدمة الثالثة أي الجزم والتصديق بفائدة الفعل
وبدفع ما يوجب التوقف عنه غالبا يكون بالاختيار فإن خطور الشيء في النّفس وهكذا
الميل وهيجان الرغبة إليه وان كان أمرا قهريا خارجا عن تحت الاختيار ولكن الجزم
أمر اختياري لجواز التأمل فيما يترتب على الفعل والتدبر في عواقبه وتبعاته من
العقوبات. والمؤاخذات فيصرف النّفس عنه ويمنع ذلك عن وصول الميل وهيجان الرغبة إلى
مرتبة الجزم والتصديق بالفائدة ثم الشوق الأكيد المستتبع لحركة العضلات نحو الفعل.
(الثاني) ما أشار
إليه بقوله يمكن أن يقال إن حسن المؤاخذة ... إلخ (وحاصله) ان استحقاق العقاب هو
من البعد والبعد من التجري أي من قصد المعصية والتجري من سوء سريرته وخبث باطنه
وهما ذاتيان والذاتي لا يعلل كما تقدم في الطلب والإرادة فان الذاتي ضرورية الثبوت
للذات ليس مجعولا له تعالى
لا بالجعل البسيط
ولا بالجعل التأليفي كي يقال انه لم جعله هكذا ولم يجعله هكذا فان الخبيث خبيث
بنفسه والطيب طيب بنفسه وانما أوجدهما الله تعالى بالجعل البسيط فوجد الذاتي
بالتبع.
(أقول)
ويرد على مجموع
الجوابين من وجوه ثلاثة.
(الأول) ان قوله قدسسره قلت مضافا إلى ان الاختيار وان لم يكن بالاختيار ... إلخ
غير مطابق لما أفيد في الإشكال فان الّذي أفيد في الإشكال ان مبادئ الاختيار غير
اختيارية والّذي أفاده في الجواب ان نفس الاختيار لا يكون بالاختيار فلا يطابق
بعضهما بعضا.
(الثاني) ان
المقصود من قوله ان الاختيار وان لم يكن بالاختيار ... إلخ (إن كان) ان الاختيار
لا يكون باختيار آخر وهكذا ليتسلسل نظير ما تقدم منه في شأن الإرادة في التعبدي
والتوصلي كما أشير آنفا فهذا حق لا ننكره ولكن لا ينافي ذلك اختيارية الاختيار
فانه اختياري باختيارية بعض مقدماته لا باختيار آخر ليتسلسل (وان كان) المقصود ان
الاختيار ليس بأمر اختياري فهذا ممنوع جدا سيما مع اعتراف المصنف هنا بان بعض
مباديه غالبا يكون بالاختيار فان الّذي يتوقف على مقدمات عديدة إذا كانت مقدمة
واحدة منها اختيارية كان صدور ذي المقدمة اختياريا قهرا فان النتيجة تتبع أخس
المقدمات كما لا يخفى.
(الثالث) انه أنهى
أمر العقاب بالأخرة إلى سوء السريرة وخبث الباطن كما انه أنهاه في الطلب والإرادة
إلى الشقاوة الذاتيّة وهو مما لا يكاد يجدي فان الذاتي وان كان ضرورية الثبوت
للذات غير مجعول له تعالى لا بالجعل البسيط ولا بالجعل التأليفي كي يقع السؤال بلم
ولكنه مجعول له تعالى تبعا فإذا استند العقاب بالأخرة إلى جعله تعالى ولو تبعا لزم
الجبر قهرا (والصحيح) ان يقال ان العقاب مطلقا سواء كان في المعصية أو في التجري
انما هو على الفعل الصادر بالإرادة
والإرادة اختيارية
باختيارية بعض مقدماتها كما تقدم شرح ذلك بنحو أبسط في الطلب والإرادة (وعليه) فلا
جبر ولا ظلم ولا اضطرار (واما تأثير) الشقاوة والسعادة في إرادة الطاعة والمعصية
وان كان حقا لا ننكره إلّا انه لا يكون بنحو العلية التامة كي يلزم الجبر بل بنحو
الاقتضاء كما تقدم فلا جبر.
(قوله كما كان من
تبعته بالعصيان ... إلخ)
أي كما كان حسن
المؤاخذة والعقوبة من تبعة بعده بالعصيان في صورة المصادفة أي مصادفة قطعه مع
الواقع.
(قوله فكما انه يوجب
البعد عنه كذلك لا غرو ... إلخ)
أي فكما ان التجري
يوجب البعد عنه فكذلك لا عجب في ان يوجب استحقاق العقوبة أي مع الواسطة وهي البعد
فالتجري يوجب البعد والبعد يوجب استحقاق العقوبة فلا تغفل.
(قوله وان لم يكن
باختياره إلّا انه بسوء سريرته وخبث باطنه ... إلخ)
أي وان لم يكن
التجري الموجب للبعد الباعث لاستحقاق العقوبة باختياره بل بسوء سريرته وخبث باطنه.
(قوله ولا يخفى ان في
الآيات والروايات شهادة على صحة ما حكم به الوجدان ... إلخ)
وتفصيل الآيات
والروايات هكذا (قال الشيخ أعلى الله مقامه) في الرسائل واما لو كان التجري على
المعصية بالقصد إلى المعصية فالمصرح به في الأخبار الكثيرة العفو عنه وان كان يظهر
من اخبار أخر العقاب على القصد أيضا (مثل) قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم نية الكافر شر من عمله (وقوله) صلىاللهعليهوآلهوسلم انما يحشر الناس على نياتهم (وما ورد) من تعليل خلود أهل
النار في النار وخلود أهل الجنة في الجنة بعزم كل من الطائفتين على الثبات على ما
كان عليه من المعصية والطاعة لو خلدوا في الدنيا (وما ورد) من انه إذا التقى
المسلمان بسيفهما فالقاتل
والمقتول في النار
قيل يا رسول الله هذا القاتل فما بال المقتول قال لأنه أراد قتل صاحبه (وما ورد)
في العقاب على فعل بعض المقدمات بقصد ترتب الحرام كغارس الخمر والماشي لسعاية مؤمن
(وفحوى) ما دل على ان الرضا بفعل كالفعل مثل قوله عليهالسلام الراضي بفعل قوم كالداخل فيه معهم وعلى الداخل إثمان إثم
الرضا وإثم الدخول (ويؤيده) قوله تعالى ان تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به
الله (وما ورد) من رضي بفعل فقد لزمه وان لم يفعل (وما ورد) في تفسير قوله تعالى
فلم قتلتموهم إن كنتم صادقين من ان نسبة القتل إلى المخاطبين مع تأخرهم عن
القاتلين بكثير لرضاهم بفعلهم (ويؤيده) أيضا قوله تعالى تلك الدار الآخرة نجعلها
للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا (وقوله تعالى) ان الذين يحبون أن تشيع
الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم انتهى.
(فيقول المصنف) إن
في الآيات والروايات المذكورة شهادة ودلالة على صحة ما حكم به الوجدان من صحة
مؤاخذة المتجري كما تقدم في المقام الأول وانها على قصد العصيان والعزم على
الطغيان كما تقدم في المقام الثاني.
(أقول)
لا إشكال في ان
الآيات والروايات مما تشهد بثبوت العقاب على قصد المعصية ولكنك قد عرفت منا انه في
التجري بإتيان ما قطع كونه حراما ثم انكشف انه لم يكن حراما كما لا معصية واقعا
فكذلك لا قصد للمعصية واقعا وانما قصد ما تخيل انه معصية وعليه فالاستشهاد بالآيات
والروايات للمقام مشكل جدا.
(قوله ومعه لا حاجة
إلى ما استدل على استحقاق المتجري للعقاب إلى آخره)
أي معه لا حاجة
إلى الدليل العقلي الّذي نقله الشيخ أعلى الله مقامه (قال) وقد يقرر دلالة العقل
على ذلك بأنا إذا فرضنا شخصين قاطعين بان قطع أحدهما بكون مائع معين خمرا وقطع
الآخر بكون مائع آخر خمرا فشرباهما فاتفق مصادفة أحدهما
للواقع ومخالفة
الآخر فإما ان يستحقا العقاب أو لا يستحقه أحدهما أو يستحقه من صادف قطعه الواقع
دون الآخر أو بالعكس لا سبيل إلى الثاني والرابع والثالث مستلزم لإناطة استحقاق
العقاب بما هو خارج عن الاختيار وهو مناف لما يقتضيه العدل فتعين الأول.
(قوله مع بطلانه
وفساده إذ للخصم ان يقول ... إلخ)
(وحاصل) وجه
البطلان ان الخصم يمكنه التفكيك في الشق الثالث بين العاصي والمتجري فيلتزم
باستحقاق الأول للعقاب دون الثاني (اما استحقاق الأول) فلمخالفته عن عمد (واما عدم
استحقاق الثاني) فلعدم مخالفته أصلا ولو عن غير عمد (وقد قرر الشيخ) أعلى الله
مقامه وجه البطلان بنحو آخر (قال) واما ما ذكر من الدليل العقلي فنلتزم باستحقاق
من صادف قطعه الواقع لأنه عصى اختيارا دون من لم يصادف قولك إن التفات بالاستحقاق
والعدم لا يحسن ان يناط بما هو خارج عن الاختيار ممنوع فان العقاب بما لا يرجع
بالأخرة إلى الاختيار قبيح إلّا ان عدم العقاب لأمر لا يرجع إلى الاختيار قبحه غير
معلوم (انتهى) (وحاصله) ان عقاب العاصي انما هو على المعصية الاختيارية وعدم عقاب
المتجري انما هو لأمر خارج عن تحت قدرته يعني عدم مصادفة قطعه مع الواقع وقبحه غير
معلوم فان القبيح هو العقاب على الأمر الغير الاختياري لا عدم العقاب على الأمر
الغير الاختياري.
(قوله بل عدم صدور فعل
منه في بعض افراده بالاختيار ... إلخ)
كما في الشبهات
الموضوعية فانه إذا اعتقد مثلا ان الماء الخارجي خمر وشربه بهذا الاعتقاد ثم انكشف
انه لم يكن خمرا بل كان ماء فلم يصدر منه فعل اختياري فانه قد شرب الماء ولم يقصده
وقصد الخمر ولم يشربه (نعم في الشبهات الحكمية) كما إذا اعتقد أن العصير التمري
حرام وشربه ثم انكشف انه ليس بحرام فقد أتى بفعل اختياري فانه قصد العصير التمري
وشربه غير انه أخطاء في اعتقاد حرمته
(وبالجملة) ان
للخصم ان يستند في عدم استحقاق المتجري العقاب مطلقا سواء كان في الشبهات الحكمية
أو الموضوعية إلى عدم مخالفته أصلا ولو عن غير عمد وفي خصوص الشبهات الموضوعية له
ان يستند إلى ذلك ووجه آخر وهو عدم صدور فعل اختياري منه.
(قوله فيحتاج إلى
إثبات ان المخالفة الاعتقادية سبب كالواقعية الاختيارية ... إلخ)
تفريع على بطلان
ما استدل به من الدليل العقلي والمعنى هكذا أي ومعه لا حاجة إلى ما استدل على
استحقاق المتجري للعقاب مع بطلان الدليل وفساده في حد ذاته فيحتاج المستدل إلى
إثبات ان المخالفة الاعتقادية أي التجري هي سبب كالواقعية الاختيارية وهي المعصية
كما عرفته منا بما لا مزيد عليه حيث استشهدنا له بمراجعة الوجدان الحاكم
بالاستقلال في باب الإطاعة والعصيان.
(قوله ثم لا يذهب عليك
انه ليس في المعصية الحقيقية الا منشأ واحد لاستحقاق العقوبة وهو هتك واحد فلا وجه
لاستحقاق عقابين متداخلين كما توهم ... إلخ)
(المتوهم) هو صاحب
الفصول وتفصيله (انه قال) في الفصل الأخير من الاجتهاد والتقليد ما هذا لفظه واما
إذا اعتقد التحريم فلا يبعد استحقاق العقوبة بفعله وان كان بطريق غير معتبر نظرا
إلى حصول التجري بفعله إلّا أن يعتقد تحريم واجب غير مشروط بقصد القربة فانه لا
يبعد عدم ترتب العقاب على فعله مطلقا أو في بعض الموارد نظرا إلى معارضة الجهة
الواقعية للجهة الظاهرية فان قبح التجري ليس عندنا ذاتيا بل يختلف بالوجوه
والاعتبار فمن اشتبه عليه مؤمن ورع عالم بكافر واجب القتل فحسب انه ذلك الكافر
فتجري ولم يقدم على قتله فانه لا يستحق الذم على هذا التجري عقلا عند من انكشف له
الواقع وان كان معذورا لو فعل وأظهر من ذلك ما لو جزم بوجوب قتل نبي أو وصي نبي
فتجري ولم
يفعل ألا ترى أن
المولى الحكيم إذا أمر عبده بقتل عدو له فصادف العبد ابنه وقطع بأنه ذلك العدو
فتجري ولم يقتله ان المولى إذا اطلع على حاله لا يذمه بهذا التجري بل يرضى به وان
كان معذورا لو فعل وكذا لو نصب له طريقا غير القطع إلى معرفة عدوه فأدى الطريق إلى
تعيين ابنه فتجري ولم يفعل وهذا الاحتمال حيث يتحقق عند المتجري لا يجديه إن لم
يصادف الواقع ولهذا يلزمه العقل بالعمل بمقتضى الطريق المنصوب لما فيه من القطع
بالسلامة من العقاب بخلاف ما لو ترك العمل به فان المظنون فيه عدمها ومن هنا يظهر
ان التجري على الحرام في المكروهات الواقعية أشد منه في مباحاتها وهو فيها أشد في
مندوباتها ويختلف باختلافها ضعفا وشدة كالمكروهات ويمكن ان يراعي في الواجبات
الواقعية ما هو الأقوى من جهاتها وجهات التجري (انتهى) (ثم ان الشيخ أعلى الله
مقامه) نقل العبارة المذكورة بطولها في الرسائل ثم بفصل يسير نقل عبارة أخرى منه
لم أجدها في الفصول في الفصل المذكور ولعلها في غيره (قال) ثم انه ذكر هذا القائل
يعني به صاحب الفصول في بعض كلماته ان التجري إذا صادف المعصية الواقعية تداخل
عقابهما (انتهى) ومقصوده من تصادف التجري مع المعصية الواقعية ان يعتقد حرمة شيء
ثم ينكشف حرمته من غير الجهة التي اعتقد حرمته كما إذا اعتقد انه خمر فشربه ثم
انكشف انه كان دما أو مائعا مغصوبا ولم يكن خمرا (ثم ان) ظاهر المصنف انه بصدد
الجواب عن العبارة الأخيرة فقط وان الفصول قائل بعقابين متداخلين في مطلق المعصية
الحقيقية وليس كذلك وانما التزم به في خصوص التجري المصادف مع المعصية الحقيقية (وعلى
كل حال) حاصل الجواب انه لا وجه لاستحقاق عقابين متداخلين بعد اتحاد المنشأ له وهو
هتك واحد وعلى تقدير استحقاقهما لا وجه لتداخلهما كما لا يخفى.
(أقول)
وبهذا الجواب
يندفع ما قد يتوهم انه يلزم المصنف الّذي ادعى كون العقاب في
التجري على قصد
العصيان القول باستحقاق عقابين في المعصية الحقيقية أحدهما على قصد المعصية والآخر
على نفس المعصية (ووجه الاندفاع) ما صرح به من اتحاد المنشأ لاستحقاق العقوبة وهو
هتك واحد) (وكيف كان) يرد على العبارة الأولى للفصول ان قبح التجري عندنا ذاتي على
خلاف ما ذهب إليه رحمهالله بمعنى انه علة تامة للقبح ولا يكاد يعقل انفكاكه عنه أبدا (فإذا
قطع) انه كافر حربي أو عدو للمولى وتجري ولم يقتله فيكون هذا الترك منه قبيحا
صدورا وإن انكشف بعدا انه كان نبيا أو وصي نبي فضلا عن كونه مؤمنا ورعا أو رجلا
عالما (كما انه إذا قطع) انه مؤمن ورع أو نبي أو وصي نبي وتجري وقتله فيكون هذا
الفعل منه قبيحا صدورا وإن انكشف بعدا انه كان كافرا حربيا أو عدوا للمولى بل قبح
التجري من هذا الحيث هو أقوى من قبح الظلم عقلا فان الظلم يعقل ان يعرضه الصفة
المحسنة له كما إذا توقف حفظ دماء المسلمين على ظلم يتيم مسكين ولكن التجري لا
يكاد يعقل ان يعرضه الصفة المحسنة له من الجهات الواقعية أبدا (والسر فيه) ان قبح
التجري صدوري قد نشأ من القطع بالحرمة فلا يعقل ان يرتفع القبح الصدوري ما دامت
صفة القطع موجودة قائمة بالقاطع بجهة من الجهات الواقعية المجهولة المغفولة عنها
وان كانت هي في غاية القوة وأقصى مرتبة الأهمية وذلك لما تقدم في بحث الاجتماع في
الأمر العاشر من ان الحسن والقبح الصدوريين تابعان لما علم من الجهات لا لأقوى
الجهات الواقعية (فالكذب المنجي من الهلكة) وان كان حسنا واجبا واقعا ولكن ما لم
يعلم الكاذب بجهة الإنجاء لم يرتفع بها قبح صدوره أصلا (وهكذا الصدق الموقع في
الهلكة) فهو وان كان قبيحا حراما واقعا ولكن ما لم يعلم الصادق بجهة الهلاك لم
يرتفع بها حسن صدوره أبدا (ومن هنا يظهر) ما في قوله نظرا إلى معارضة الجهة
الواقعية للجهة الظاهرية ... إلخ فانها ما لم يعلم بها لم تعارض الجهة الظاهرية
ولم يرتفع بها القبح أو الحسن الصدوري بلا ارتياب (بل ومن هنا يظهر) ما في عبارته
الأخيرة المختصرة من ان التجري
إذا تصادف المعصية
الواقعية تداخل عقابهما ... إلخ فان جهة المعصية الواقعية مجهولة غير معلومة فكيف
توجب هي عقابا آخر غير عقاب التجري ويتداخلان العقابان جميعا بعضهما في بعض.
(قوله ولا منشأ لتوهمه
... إلخ)
أي ولا منشأ لتوهم
التداخل أي تداخل العقابين الا وضوح انه ليس في معصية واحدة الا عقوبة واحدة مع
الغفلة عن ان وحدة المسبب أي العقوبة تكشف بنحو الإن عن وحدة السبب.
في أقسام القطع
(قوله الأمر الثالث انه
قد عرفت ان القطع بالتكليف أخطأ أو أصاب يوجب عقلا استحقاق المدح والثواب أو الذم
والعقاب ... إلخ)
فان أخطأ فالثواب
على الانقياد والعقاب على التجري وان أصاب فالثواب على الإطاعة والعقاب على
المعصية (ثم ان المقصود) من عقد هذا الأمر الثالث هو بيان أقسام القطع أولا ثم
بيان قيام الطرق والأمارات الظنية المعتبرة بل وبعض الأصول العملية مقام بعض أقسام
القطع في الجملة (اما قيام الطرق وبعض الأصول) فسيأتي التعرض له (واما أقسام القطع)
فنقول إن القطع (تارة) يكون غير مأخوذ في لسان الدليل موضوعا لحكم أبدا فيكون طريق
محض إلى متعلقه كما في القطع بالنسبة إلى أغلب التكاليف الشرعية التي لا دخل للقطع
في ثبوتها أصلا غايته انه ان تعلق بها القطع تنجزت هي بسببه وإلّا لم تتنجز مع
ثبوتها في الواقع بلا كلام ولا شبهة (وأخرى) يكون مأخوذا في لسان الدليل موضوعا
لحكم آخر كما إذا قال مثلا ان قطعت بوجوب صلاة الجمعة فتصدق بدرهم فيكون القطع
حينئذ بالنسبة إلى وجوب صلاة الجمعة طريقيا غير دخيل في تحققه أصلا وان كان دخيلا
في تنجزه على
القاطع وبالنسبة إلى وجوب الصدقة موضوعيا فما لم يتحقق القطع بوجوب صلاة الجمعة لم
يجب الصدقة لا ثبوتا ولا إثباتا (ثم ان) القطع المأخوذ موضوعا (تارة) يكون تمام
الموضوع (وأخرى) يكون جزء الموضوع والجزء الآخر هو الواقع الّذي تعلق به القطع
وتظهر الثمرة فيما إذا انكشف الخلاف كما إذا ظهر في المثال انه لم تكن صلاة الجمعة
واجبة أصلا فان كان القطع تمام الموضوع لوجوب الصدقة فالصدقة كانت واجبة واقعا
لتحقق موضوعها وهو القطع بوجوب صلاة الجمعة وان كان جزء الموضوع فالصدقة لم تكن
واجبة واقعا لعدم تحقق جزئه الآخر وهو وجوب صلاة الجمعة (ولك ان تقول) كما عبر
المصنف ان المأخوذ موضوعا (تارة) يكون مطلق القطع ولو كان مخطئا (وأخرى) يكون خصوص
المصيب منه فإذا انكشف عدم وجوب صلاة الجمعة في المثال المذكور فعلى الأول لم يكشف
عن عدم وجوب الصدقة على الثاني يكشف عن عدم وجوبها بلا شبهة (وعلى كل حال) ان كلا
من القطع المأخوذ تمام الموضوع والمأخوذ جزء الموضوع (تارة) يكون مأخوذا بما هو
طريق وكاشف عن الواقع (وأخرى) بما هو صفة خاصة وحالة مخصوصة للقاطع أو للمقطوع به
أي الواقع الّذي تعلق به القطع (فهذه أربعة) أقسام للقطع الموضوعي وبانضمام
الطريقي إليها تصير خمسة وهذه الأقسام كلها وبأجمعها تجري في الظن أيضا بلا كلام
كما أشار إليه الشيخ أعلى الله مقامه (فقال ما لفظه) ثم ان الّذي ذكرنا من كون
القطع مأخوذا تارة على وجه الطريقية وأخرى على وجه الموضوعية جار في الظن أيضا ...
إلخ.
(قوله وقد يؤخذ في
موضوع حكم آخر يخالف متعلقه لا يماثله ولا يضاده ... إلخ)
ففي مثل قوله إذا
قطعت بوجوب صلاة الجمعة فتصدق بدرهم قد أخذ القطع موضوعا لوجوب الصدقة وهو حكم
يخالف الحكم الّذي تعلق به القطع أعني وجوب
صلاة الجمعة لا
يماثله ولا يضاده لاختلاف المكلف به (نعم لو قال) إذا قطعت بوجوب صلاة الجمعة فتجب
صلاة الجمعة أو تحرم كان الحكم الّذي قد أخذ القطع في موضوعه مثل الحكم الّذي تعلق
به القطع أو ضده لاتحاد المكلف به وسيأتي تفصيل ذلك كله في الأمر الرابع فانتظر.
(قوله وذلك لأن القطع
لما كان من الصفات الحقيقية ذات الإضافة إلى آخره)
علة لجواز أخذ
القطع في موضوع حكم آخر بما هو صفة خاصة للقاطع أو المقطوع به واما الصفات
الحقيقية فهي الصفات المتأصلة التي تكون في قبال الصفات الانتزاعية الاعتبارية
كالأبوة والبنوة والفوقية والتحتية والتقدم والتأخر ونحو ذلك مما ليس بحذائه شيء
في الخارج سوى منشأ انتزاعه والصفات الحقيقية ذات الإضافة هي التي تحتاج إلى طرف
آخر كالعلم والقدرة المحتاجين إلى المعلوم والمقدور في قبال الصفات الحقيقية التي
لا تحتاج إلى ذلك كالقوة والضعف والشجاعة والجبن ونحو ذلك من الصفات القائمة
بالنفس من دون حاجة إلى طرف آخر.
(قوله ولذا كان العلم
نورا لنفسه ونورا لغيره ... إلخ)
الظاهر انه علة
لكون القطع من الصفات الحقيقية ذات الإضافة ولعل المناسب لهذا التعليل كان ان يقول
ونورا إلى غيره أي إلى الأمر المقطوع به وإلّا فمجرد كونه نورا للغير كالقاطع مما
لا يقتضي كونه ذات إضافة يحتاج إلى طرف آخر غير من تقوم به الصفة.
(قوله بإلغاء جهة كشفه
... إلخ)
هذه مسامحة واضحة
من المصنف فان القطع المأخوذ موضوعا بما هو صفة خاصة وحالة مخصوصة ليس معناه إلغاء
جهة كشفه وإلّا لم يبق له خصوصية كي تكون صفة خاصة وحالة مخصوصة بل يلزم حينئذ صحة
قيام كل صفة حقيقية مقام القطع المأخوذ بما هو صفة إذ لا فرق حينئذ بعد إلغاء جهة
كشفه بين القطع وبين القوة
والشجاعة والجود
والحياة ونحو ذلك من الصفات إذ كل هذه صفة من الصفات الحقيقية وهو باطل قطعا (بل
المراد) من تقسيم القطع الموضوعي إلى القطع المأخوذ بما هو كاشف أو بما هو صفة
خاصة ان القطع قد يؤخذ موضوعا بما هو كاشف من الكواشف وطريق من الطرق إلى الواقع
وقد يؤخذ بما هو كاشف خاص قد بلغ كاشفيته إلى أقصى مرتبة الشدة والقوة بحيث لم يبق
معها احتمال الخلاف أصلا حتى قيل له العلم واليقين فجهة الكشف في كلا القسمين
ملحوظة مرعية غير انه قد يلحظ مطلق الكاشفية والطريقية وقد يلحظ خصوص الكاشفية
البالغة حدا خاصا وقدرا مخصوصا فتأمل جيدا.
(قوله أو اعتبار
خصوصية أخرى فيه معها ... إلخ)
مثل ما إذا اعتبر
القطع الحاصل من سبب خاص أو من شخص خاص أو في مورد خاص موضوعا لحكم من الأحكام
الشرعية.
في قيام الأمارات والأصول مقام القطع في الجملة
(قوله ثم لا ريب في
قيام الطرق والأمارات المعتبرة بدليل حجيتها واعتبارها مقام هذا القسم ... إلخ)
(لا ريب) في ان
الطرق والأمارات الظنية كالبينة وخبر الثقة والإجماع المنقول ونحو ذلك إذا قام
الدليل على حجيتها واعتبارها قامت مقام القطع الطريقي المحض بلا كلام فكما ان
القطع يكون منجزا عند الإصابة وعذرا عند الخطاء وموضوعا لحكم العقل بوجوب متابعته
والمشي على وفقه فكذلك الطريق الظني الغير المفيد للعلم بعد ان صار حجة معتبرا من
قبل الشرع كان منجزا عند الإصابة وعذرا عند الخطأ وموضوعا لحكم العقل بوجوب
المتابعة والجري على طبقه غير ان القطع بذاته كان منجزا وعذرا وموردا لاستقلال
العقل بوجوب المتابعة والطريق الظني بعد
ان قام الدليل على
اعتباره وحجيته صار كذلك بالعرض (واما قيام الطرق والأمارات) بمجرد الدليل على
حجيتها واعتبارها مقام القطع الموضوعي على نحو يترتب عليها عين ما يترتب عليه من
وجوب التصدق بدرهم في المثال المتقدم بمعنى انه كما إذا قطع بوجوب صلاة الجمعة وجب
التصدق بدرهم فكذلك إذا قام الطريق المعتبر على وجوبها وجب التصدق بدرهم (فهو محل
الكلام) بين الأعلام فمختار الشيخ أعلى الله مقامه هو قيامها مقام القطع المأخوذ
موضوعا بما هو كاشف بمجرد قيام الدليل على حجيتها واعتبارها من دون حاجة إلى دليل
آخر على تنزيلها منزلة القطع في ما يترتب عليه من الحكم المخصوص (واما قيامها)
مقام القطع المأخوذ موضوعا بما هو صفة خاصة فيحتاج إلى دليل آخر على التنزيل ولا
يكاد يكفي مجرد قيام الدليل على حجيتها واعتبارها (قال أعلى الله مقامه) ما لفظه
ثم من خواص القطع الّذي هو طريق إلى الواقع قيام الأمارات الشرعية والأصول العملية
مقامه في العمل بخلاف المأخوذ في الحكم على وجه الموضوعية فانه تابع لدليل ذلك
الحكم فان ظهر منه أو من دليل خارج اعتباره على وجه الطريقية للموضوع كالأمثلة
المتقدمة قامت الأمارات والأصول مقامه وان ظهر من دليل الحكم اعتبار صفة القطع في
الموضوع من حيث كونها صفة خاصة قائمة بالشخص لم يقم مقامه غيره كما إذا فرضنا ان
الشارع اعتبر صفة القطع على هذا الوجه في حفظ عدد الركعات الثنائية والثلاثية
والأوليين من الرباعية فان غيره كالظن بأحد الطرفين أو أصالة عدم الزائد لا يقوم
مقامه إلّا بدليل خاص خارجي غير أدلة حجية مطلق الظن في الصلاة وأصالة عدم الأكثر (انتهى)
(واما مختار المصنف) قدسسره فهو عدم قيام الطرق والأمارات الظنية بمجرد قيام الدليل
على حجيتها واعتبارها مقام القطع الموضوعي مطلقا سواء كان مأخوذا بما هو كاشف أو
بما هو صفة ما لم يرد دليل آخر على التنزيل وذلك لأن مقتضي دليل الحجية والاعتبار
ليس إلّا مجرد ترتيب ما للقطع بما هو حجة وطريق من الآثار وهي المنجزية عند
الإصابة والعذرية
عند الخطاء وحكم العقل بوجوب المتابعة لا ترتيب ما للقطع بما هو موضوع لحكم خاص ما
لم يقم دليل بالخصوص على تنزيلها منزلة القطع فيما رتب عليه من الحكم المخصوص.
(أقول)
(اما قيام الطرق)
والأمارات الظنية مقام القطع المأخوذ موضوعا بما هو صفة خاصة فلا يكاد يجوز ولو
بدليل آخر على تنزيلها منزلته إذ لو قام دليل كذلك فهو مما يكشف عن عدم دخل القطع
بما هو صفة خاصة أي قد بلغ كاشفيته إلى أقصى مرتبة الكشف والحكاية في الحكم
المخصوص بل يجزي فيه قيام مثل خبر الثقة ونحوه (واما قيامها) مقام القطع المأخوذ
موضوعا بما هو طريق وكاشف فيجوز من دون حاجة إلى دليل آخر على تنزيلها منزلة القطع
في الأثر المترتب عليه من الحكم المخصوص بل بمجرد ان قام الدليل على حجية طريق خاص
وقد الغى احتمال الخلاف الموجود في مورده رتب عليه جميع ما للقطع من الآثار من جهة
كونه طريقا من المنجزية والعذرية وحكم العقل بوجوب المتابعة ومن جهة كونه موضوعا
لحكم مخصوص بما هو كاشف وطريق إلى متعلقه.
(قوله ومنه قد انقدح
عدم قيامها بذاك الدليل ... إلخ)
أي ومن قولنا فان
قضية الحجية والاعتبار ترتيب ما للقطع بما هو حجة من الآثار لا له بما هو صفة
وموضوع ... إلخ قد انقدح عدم قيام الطرق والأمارات بمجرد ذلك الدليل القائم على
حجيتها واعتبارها مقام القطع المأخوذ في الموضوع بما هو كاشف وحاك عن متعلقه.
(قوله وتوهم كفاية
دليل الاعتبار الدال على إلغاء احتمال خلافه إلى آخره)
هذا هو الدليل
الّذي نحن نعتمد عليه في قيام الطرق والأمارات الظنية بمجرد الدليل على حجيتها
واعتبارها مقام القطع المأخوذ موضوعا بما هو كاشف من غير حاجة
إلى دليل آخر على
تنزيلها منزلة القطع في دخله في الحكم المخصوص المترتب عليه غير ان المصنف حيث لم
يوافقه ذلك فعبر عنه بالتوهم وانه فاسد جدا ولكن ستعرف منا صحته وسداده وانه كيف
نجيب عما أورد عليه من المحذور العقلي فانتظر
(قوله فان الدليل
الدال على إلغاء الاحتمال لا يكاد يكفى ... إلخ)
رد على التوهم
المذكور (وحاصله) ان دليل الاعتبار لا يكاد يكفي الا لتنزيل واحد (فهو إما أن ينزل)
الأمارة منزلة القطع في طريقيته إلى الواقع وفي هذا التنزيل يكون كلا من المنزل
والمنزل عليه ملحوظا على وجه الآلية فقوله الأمارة قطع أي مؤدي الأمارة ومحكيها هو
الواقع والنّظر الحقيقي فيه يكون إلى المؤدي والواقع (وإما أن ينزل) الأمارة منزلة
القطع في موضوعيته للحكم المخصوص المترتب عليه وفي هذا التنزيل يكون كلا من المنزل
والمنزل عليه ملحوظا على وجه الاستقلالية فقوله الأمارة قطع أي نفس الأمارة بما هي
هي من دون نظر إلى محكيها ومؤداها قطع فيترتب عليها ما يترتب على القطع من الحكم
الشرعي المخصوص ولا يكاد يمكن الجمع بين التنزيلين في دليل واحد لما فيه من الجمع
بين اللحاظين الآلي والاستقلالي وهو محال عقلا فلا محالة يكون دليل الاعتبار دليلا
على أحد التنزيلين وهو التنزيل منزلة القطع في طريقيته إلى الواقع لا في موضوعيته
للحكم الخاصّ وذلك لظهور دليل التنزيل في اللحاظ الآلي دون الاستقلالي (وفيه) ان
الجمع بين اللحاظين وان لم يمكن عقلا لكن لحاظ واحد يكفي في التنزيل لكلا الغرضين
جميعا فإذا لاحظ كلا من الأمارة والقطع بما هو هو وعلى وجه الاستقلال ونزلها
منزلته وقال مثلا الأمارة قطع فيترتب عليها جميع ما يترتب على القطع من الخواصّ
والآثار بأسرها من آثار طريقيته إلى الواقع وهي المنجزية والعذرية وحكم العقل
بوجوب المتابعة وأثر موضوعيته وهو الحكم المخصوص المترتب عليه شرعا ولا وجه لتخصيص
التنزيل بجهة دون جهة وأثر دون أثر كما لا يخفى.
(قوله ولا يخفى انه لو
لا ذلك لأمكن ان يقوم الطريق بدليل واحد إلى آخره)
الظاهر انه رد على
الشيخ أعلى الله مقامه الّذي فصل كما تقدم بين القطع الموضوعي المأخوذ بما هو كاشف
والموضوعي المأخوذ بما هو صفة ففي الأول قال بكفاية مجرد قيام الدليل على اعتبار
الأمارة في قيامها مقامه وفي الثاني لا يكفي إلّا مع دليل آخر على التنزيل.
(فيقول المصنف) ما
حاصله انه لو لا لزوم الجمع بين اللحاظين الآلي والاستقلالي لأمكن أن يقوم الطريق
بدليل واحد مقام القطع المأخوذ موضوعا بتمام اقسامه حتى بما هو صفة من غير اختصاص
بالمأخوذ موضوعا بما هو كاشف
(أقول)
وفيه ما عرفته منا
من عدم صحة قيام الطريق مقام القطع المأخوذ موضوعا بما هو صفة ولو بدليلين فضلا عن
دليل واحد فانه لو قام الدليل الخاصّ على تنزيله منزلة القطع المأخوذ بما هو صفة
فيكشف ذلك عن عدم كون القطع حقيقة مأخوذا بما هو صفة خاصة أي قد بلغ كاشفيته إلى
أقصى مرتبة الشدة والقوة وإلّا لم يقم مقامه شيء ما لم يفد القطع بل قد أخذ بما هو
كاشف وطريق معتبر إلى الواقع فيقوم مقامه كل طريق معتبر فتدبر جيدا.
(قوله واما الأصول فلا
معنى لقيامها مقامه بأدلتها أيضا غير الاستصحاب ... إلخ)
لا يبعد ان يكون
ذلك إشارة إلى ما في إطلاق كلام الشيخ أعلى الله مقامه في عبارته المتقدمة حيث (قال
فيها) ثم من خواص القطع الّذي هو طريق إلى الواقع قيام الأمارات الشرعية والأصول
العملية مقامه في العمل ... إلخ فلم يقيد الأصول العملية بأصل دون أصل وان كان
يلوح من تمثيله بعدا بالاستصحاب ان مقصوده من الأصول العملية هو خصوص الاستصحابات (وعلى
كل حال) حاصل
دعوى المصنف انه
لا معنى لقيام الأصول العملية بدليل حجيتها واعتبارها مقام القطع إلّا الاستصحاب (وقد
أفاد) في وجه ذلك ما حاصله ان المراد من قيام المقام ليس إلّا ترتيب ما للقطع من
الآثار والأحكام وهي كما تقدم المنجزية عند الإصابة والعذرية عند الخطأ وحكم العقل
بوجوب المتابعة والآثار المذكورة هي مما لا تترتب على الأصول العملية كقاعدة
الطهارة أو الحل أول البراءة الشرعية وما أشبه ذلك الا على الاستصحاب فقط فانها
ليست إلّا مجرد وظائف مقررة للجاهل في وعاء الجهل والحيرة اما من الشرع كما في
الأصول المذكورة أو من العقل كما في البراءة العقلية وأصالة التخيير والاحتياط
العقلي في موارد العلم الإجمالي.
(أقول)
هذا مضافا إلى ما
ستعرفه من انه لا بد وان يكون للشيء القائم مقام القطع سنخية مع القطع في الكشف
والطريقية كي صح أن يقال انه قد قام مقامه ولا سنخية للأصول العملية مع القطع
واليقين الا للاستصحاب فكما ان القطع طريق إلى الواقع كاشف عنه فكذلك الاستصحاب له
جهة كشف ونظر إلى الواقع وان لم تكن هي ملاك حجيته شرعا عند من لا يراه أمارة بل
يراه أصلا (ومن هنا يظهر) انه صح دعوى قيام كل أصل عملي له جهة كشف ونظر إلى
الواقع مقام القطع واليقين كأصالة الصحة وقاعدة التجاوز وقاعدة الفراغ ونحوها بناء
على كونها أصولا عملية لا أمارات شرعية.
(قوله لا يقال ان
الاحتياط لا بأس بالقول بقيامه مقامه في تنجز التكليف لو كان ... إلخ)
(وحاصل الإشكال)
ان القطع كما انه يتنجز به التكليف فكذلك الاحتياط يتنجز به التكليف فصح القول
بقيام الاحتياط مقام القطع كما صح ذلك في الاستصحاب عينا (وحاصل جواب المصنف) انه
اما الاحتياط العقلي فليس إلّا نفس حكم العقل بتنجز التكليف وصحة العقوبة وليس
شيئا آخر يقوم مقام القطع في هذا الحكم
(وفيه) ان
الاحتياط العقلي عبارة عن حكم العقل بالإتيان بأطراف العلم الإجمالي أو بتركها
لتنجز التكليف المعلوم فيها بسبب العلم الإجمالي لا انه نفس حكم العقل بتنجز
التكليف (وعليه) فالصحيح في الجواب أن يقال هكذا ان حكم العقل بالاحتياط في العلم
الإجمالي هو بمنزلة حكم العقل بوجوب المتابعة في العلم التفصيليّ فكما يحكم العقل
في الثاني بإتيان الفعل أو بتركه لتنجز التكليف المتعلق به العلم التفصيليّ فكذلك
يحكم في الأول بإتيان الأطراف أو بتركها لتنجز التكليف المتعلق به العلم الإجمالي
وليس الاحتياط شيئا آخر غير الحكم المذكور كي يقوم مقام القطع في هذا الحكم
المترتب على القطع فافهم جيدا.
(واما الاحتياط
النقلي) وهو إلزام الشارع به بمقتضى الأخبار الكثيرة مثل قوله عليهالسلام قف عند الشبهة فان الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام في
الهلكة ونحو ذلك من الاخبار التي سيأتي تفصيلها في أصل البراءة إن شاء الله تعالى
فهو وان كان منجزا للتكليف عند الإصابة كالقطع ولكن لا نقول به في الشبهات البدوية
وان قال به الأخباريون في الشبهات التحريمية الحكمية على ما ستعرف تفصيله مع تفصيل
الجواب عنهم في محله واما في الشبهات المقرونة بالعلم الإجمالي فهو ليس بنقلي بل
عقلي وقد عرفت الجواب عن العقلي (وفيه) ان مقتضي ذلك انه لو قلنا بالاحتياط النقلي
في الشبهات البدوية ولو في خصوص التحريمية الحكمية كالأخباريين لصح القول حينئذ
بقيامه مقام القطع وهو كما ترى ضعيف إذ ليس ملاك القيام كما أشرنا آنفا هو مجرد
كون الشيء منجزا للتكليف كالقطع بل الملاك هو سنخيته معه في الكاشفية والنّظر إلى
الواقع علاوة على منجزيته للتكليف وذلك كما في الأمارات المعتبرة وبعض الأصول
العملية كالاستصحاب وأصالة الصحة ونحوهما بناء على كونهما أصلين عملين (هذا مضافا)
إلى ما يرد على كلامه الأخير من عدم كون الاحتياط بنقلي في الشبهات المقرونة
بالعلم الإجمالي وذلك لما سيأتي من جملة الأخبار الآمرة بالتوقف المعللة بأنه خير
من الاقتحام في الهلكة على الشبهات
المقرونة بالعلم
الإجمالي (وعليه) فالاحتياط في الشبهات المقرونة بالعلم الإجمالي نقلي وعقلي لا
انه عقلي محض ليس بنقلي والظاهر انه إليه أشار أخيرا بقوله فافهم فافهم جيدا.
(قوله فافهم ... إلخ)
قد أشير الآن إلى
وجه قوله فافهم فلا تغفل.
(قوله ثم لا يخفى ان
دليل الاستصحاب أيضا لا يفي بقيامه مقام القطع المأخوذ في الموضوع مطلقا ... إلخ)
(وحاصله) ان
الأصول وان قلنا إنه لا معنى لقيامها مقام القطع إلّا الاستصحاب ولكن الاستصحاب لا
يكون أعلى شأنا من الأمارات المعتبرة فكما انها لم تقم بدليل حجيتها واعتبارها الا
مقام القطع الطريقي دون الموضوعي سواء كان الموضوعي مأخوذا بما هو كاشف أو بما هو
صفة إلّا بدليل آخر على التنزيل منزلته فكذلك الاستصحاب لا يقوم بدليل حجيته
واعتباره الا مقام القطع الطريقي دون الموضوعي وذلك لعين ما تقدم في الأمارات حرفا
بحرف فكما قلنا هناك ان كلا من المنزل والمنزل عليه وهما الأمارة والقطع إما أن
يكون ملحوظا على وجه الآلية أو على وجه الاستقلالية ولا يمكن الجمع بين اللحاظين
فكذلك نقول في المقام ان كلا من المنزل والمنزل عليه وهما اليقين السابق واليقين
الفعلي إما أن يكون ملحوظا على وجه الآلية والنّظر الحقيقي يكون إلى المتيقن أو
على وجه الاستقلالية والنّظر الحقيقي يكون إلى نفس اليقين بما هو هو ولا يمكن
الجمع بين النظرين في حال واحد
(أقول)
ويرد عليه ما
أوردناه هناك عينا فكما قلنا هناك انه يكفي لحاظ واحد وهو لحاظ المنزل والمنزل
عليه على وجه الاستقلالية في ترتيب جميع الآثار تماما فكذلك نقول في المقام حذو
النعل بالنعل فيلحظ اليقين السابق واليقين الفعلي بما هما هما وينزل الأول منزلة
الثاني ويرتب عليه جميع ما رتب على الثاني من تنجيز الواقع عند
الإصابة والعذرية
عند الخطأ ووجوب المتابعة والحكم المخصوص الّذي قد أخذ القطع موضوعا له شرعا فتأمل
جيدا.
(قوله وما ذكرنا في
الحاشية في وجه تصحيح لحاظ واحد ... إلخ)
(وحاصل) ما ذكره
في حاشيته على الرسائل في وجه تصحيح لحاظ واحد في التنزيل من دون حاجة إلى لحاظين
الآلي والاستقلالي كي لا يمكن الجمع بينهما ان دليلي اعتبار الأمارة والاستصحاب
ينزلان المؤدي والمستصحب منزلة الواقع فإذا نزلا منزلة الواقع بالمطابقة نزل القطع
بهما منزلة القطع بالواقع بالملازمة فيترتب على القطع بهما ما يترتب على القطع
بالواقع فإذا قامت الأمارة مثلا على وجوب صلاة الجمعة وقد نزل دليل اعتبار الأمارة
هذا الوجوب الّذي قامت عليه الأمارة منزلة الوجوب الواقعي بالمطابقة فالقطع بهذا
الوجوب التنزيلي يكون منزلا منزلة القطع بالوجوب الواقعي بالملازمة فيترتب عليه ما
يترتب على القطع بالوجوب الواقعي من التصدق بدرهم في المثال السابق المتقدم (وحاصل
ما أجاب) به في الكتاب ان الموضوع المركب من جزءين المترتب عليه أثر خاص إذا أريد
تنزيل أحد جزئيه بلحاظ الأثر المترتب على المجموع فلا بدّ من ان يكون الجزء الآخر
محرزا اما بالوجدان أو بتنزيل آخر في عرضه وإلّا فيلغو التنزيل ويكون بلا أثر
فالماء الكر مثلا المترتب عليه عدم الانفعال إذا قامت الأمارة على أحد جزئيه
كالكرية وأريد تنزيله منزلة الواقع فلا بدّ من ان يكون الجزء الآخر وهو المائية
محرزا اما بالوجدان أو بتنزيل آخر في عرضه وإلّا فلا ثمرة في التنزيل (وعليه) ففي
المقام لو قال مثلا إن قطعت بحياة ولدك فتصدق عنه بدرهم وقامت الأمارة على حياة
ولدك وأريد تنزيلها منزلة الواقع فلا بدّ من ان يكون الجزء الآخر وهو القطع بحياة
الولد محرزا إما وجدانا أو تنزيلا مع انه ليس بمحرز لا وجدانا ولا تنزيلا أما عدم
إحرازه وجدانا فواضح وأما عدم إحرازه تنزيلا فلأن القطع بحياة الولد وان كان موردا
للتنزيل لكنه بعد تنزيل حياة الولد وفي طوله فان المفروض ان تنزيله بالملازمة
فتنزيل حياة الولد
يتوقف على تنزيل القطع بها ليكون الجزء الآخر محرزا ولو تنزيلا وتنزيل القطع بها
يتوقف على تنزيل نفس حياة الولد (وهذا هو الدور) الّذي قد أشار إليه في الكتاب
بقوله فان دلالته على تنزيل المؤدي يتوقف على تنزيل القطع بالملازمة ولا دلالة له
كذلك إلا بعد دلالته على تنزيل المؤدي ... إلخ (وفيه) ان الجواب المذكور بطوله
انما يتم إذا لم يكن ما قامت عليه الأمارة وأريد تنزيله حكما شرعيا أو موضوعا ذا
حكم شرعي كما في المثال الأخير إن قطعت بحياة ولدك فتصدق عنه بدرهم فإنه لا حكم
ولا موضوع ذو حكم وأما إذا كان ما قامت عليه الأمارة وأريد تنزيله حكما شرعيا أو
موضوعا ذا حكم شرعي كما لو قال إن قطعت بوجوب صلاة الجمعة أو بوجود الحمر في بيتك
فتصدق بدرهم وقامت الأمارة على وجوب صلاة الجمعة أو على وجود الخمر في بيتك وأريد
تنزيل ما قامت عليه الأمارة منزلة الواقع فلا يلزم هذا المحذور أصلا حيث ينزل
المؤدي وهو وجوب صلاة الجمعة أو وجود الخمر في بيتك الّذي قامت عليه الأمارة منزلة
الواقع بلحاظ نفسه أو بلحاظ ما له من الأثر الشرعي المترتب عليه وهو حرمة الخمر
فينزل بالملازمة القطع بوجوب صلاة الجمعة أو بوجود الخمر في بيتك منزلة القطع
بالواقع فيترتب عليه ما رتب على القطع بالواقع من وجوب التصدق بدرهم فتأمل وتدبر
جيدا فان المقام دقيق بل هو أدق ما في الكفاية على التحقيق.
(قوله في التنزيل
منزلة الواقع والقطع ... إلخ)
أي في تنزيل مؤدي
الأمارة أو المستصحب منزلة الواقع وتنزيل القطع بهما منزلة القطع بالواقع.
(قوله وانما كان تنزيل
القطع فيما له دخل في الموضوع بالملازمة بين تنزيلهما وتنزيل القطع بالواقع تنزيلا
وتعبدا منزلة القطع بالواقع حقيقة إلى آخره)
أي وانما كان
تنزيل القطع بالمستصحب أو بالمؤدى فيما كان للقطع دخل في
الموضوع بالملازمة
بين تنزيل نفس المستصحب أو المؤدي وبين تنزيل القطع بهما وهو القطع بالواقع
التنزيلي التعبدي منزلة القطع بالواقع الحقيقي.
(قوله فانه لا يكاد
يصح تنزيل جزء الموضوع أو قيده ... إلخ)
شروع في الجواب
عما ذكره في الحاشية وبيان للتكلف والتعسف الّذي صرح بهما هاهنا ومراده من جزء
الموضوع هو المؤدي أو المستصحب والترديد بين جزء الموضوع وقيده انما هو بلحاظ ان
القطع بالمستصحب أو بالمؤدى ان كان جزء الموضوع فالمستصحب أو المؤدي جزئه الآخر
وان كان تمام الموضوع فهو قيده
(قوله الا فيما كان
جزئه الآخر أو ذاته محرزا بالوجدان ... إلخ)
والمراد من جزئه
الآخر هو القطع بالمستصحب أو بالمؤدى والترديد بين الجزء والذات بلحاظ ان القطع
بالمستصحب أو بالمؤدى قد يكون جزء الموضوع وقد يكون تمام الموضوع وذاته.
(قوله وفيما لم يكن
دليل على تنزيلهما بالمطابقة كما فيما نحن فيه على ما عرفت لم يكن دليل الأمارة ...
إلخ)
الواو للاستئناف
وليست بعاطفة أي وفيما لم يكن دليل على تنزيل جزئي الموضوع بالمطابقة في عرض واحد
كما فيما نحن فيه على ما عرفت من ان تنزيل المستصحب أو المؤدي يكون بالمطابقة
وتنزيل الجزء الآخر وهو القطع بهما يكون بالملازمة تبعا لم يكن دليل الأمارة أو
الاستصحاب دليلا على تنزيل جزء الموضوع أي المؤدي أو المستصحب للزوم الدور كما
تقدم.
(قوله فان الملازمة
انما تدعى بين القطع بالموضوع التنزيلي والقطع بالموضوع الحقيقي وبدون تحقق
الموضوع التنزيلي التعبدي أولا بدليل الأمارة لا قطع ... إلخ)
هذه العبارة إلى
قوله ثم لا يذهب عليك مذكورة بأنحاء مختلفة في نسخ متعددة وهي لا تخلو عن تعقيد
واضطراب شديد (وعلى كل حال) هي علة لقوله ولا
دلالة له كذلك إلا
بعد دلالته على تنزيل المؤدي والصحيح كان ان يقول هكذا فان الملازمة انما تدعى بين
تنزيل القطع بالموضوع التنزيلي وتنزيل نفس الموضوع أي المؤدي وبدون تحقق الموضوع
التنزيلي التعبدي أولا بدليل الأمارة لا قطع بالموضوع التنزيلي كي يدعي الملازمة
بين تنزيله وتنزيل نفس الموضوع (هذا) وفي بعض النسخ المطبوعة أخيرا قد أسقطوا
العبارة المذكورة بطولها وذكروا هكذا فان الملازمة انما تدعى بين تنزيل القطع به
منزلة القطع بالموضوع الحقيقي وتنزيل المؤدي منزلة الواقع كما لا يخفى.
(قوله ثم لا يذهب عليك
ان هذا لو تم لعم ... إلخ)
أي لو تم ما
ذكرناه في الحاشية في وجه تصحيح لحاظ واحد في التنزيل على نحو صح قيام الطرق
والأمارات المعتبرة وبعض الأصول كالاستصحاب بدليل حجيتها واعتبارها مقام القطع
الطريقي والقطع المأخوذ موضوعا لعم ذلك تمام أقسام القطع الموضوعي من غير اختصاص
بالمأخوذ موضوعا بما هو كاشف (وفيه) ما عرفته منا من عدم قيام الأمارات فضلا عن
الاستصحاب مقام القطع المأخوذ موضوعا بما هو صفة خاصة ولو بدليل آخر فضلا عن
قيامها مقامه بمجرد الدليل على حجيتها واعتبارها فتذكر.
لا يمكن أخذ القطع بحكم في موضوع
نفس هذا الحكم
(قوله الأمر الرابع لا
يكاد يمكن ان يؤخذ القطع بحكم في موضوع نفس هذا الحكم للزوم الدور ... إلخ)
فلا يمكن ان يؤخذ
القطع بوجوب صلاة الجمعة مثلا موضوعا لشخص هذا الحكم
بأن يقول إذا قطعت
بوجوب صلاة الجمعة فتجب صلاة الجمعة وذلك لأن القطع بوجوبها يتوقف على وجوبها
واقعا ولو في نظر القاطع توقف القطع على المقطوع به ووجوبها واقعا يتوقف على القطع
به توقف الحكم على الموضوع إذ المفروض ان القطع به موضوعه وهذا هو الدور المحال.
(قوله ولا مثله للزوم
اجتماع المثلين ... إلخ)
فلا يمكن ان يؤخذ
القطع بوجوب صلاة الجمعة مثلا موضوعا لوجوب آخر متعلق بصلاة الجمعة للزوم اجتماع
المثلين (وفيه) ان اجتماع المثلين في الأحكام التكليفية إذا كان الحكمان من سنخ
واحد كوجوبين أو وجوب واستحباب أو تحريمين أو تحريم وكراهة مما لا محذور فيه فيندك
بعضهما في بعض ويتأكد بعضهما ببعض فيكون هناك حكم واحد أكيد متعلق بشيء واحد نظير
الأوامر التأكيدية المتعلقة بشيء واحد فيندك الثاني في الأول ويتأكد الأول
بالثاني.
(قوله ولا ضده للزوم اجتماع
الضدين ... إلخ)
فلا يمكن أن يؤخذ
القطع بوجوب صلاة الجمعة مثلا موضوعا لحرمتها للزوم اجتماع الضدين (وفيه ما لا
يخفى) فإن أخذ القطع بوجوبها موضوعا لحرمتها على نحو تبدل الحكم بحكم آخر مما لا
محذور فيه ولعل مراده قدسسره هو غير هذا النحو بان يبقى الوجوب على حاله وتضاف إليه
الحرمة أيضا.
(قوله نعم يصح أخذ
القطع بمرتبة من الحكم في مرتبة أخرى منه أو مثله أو ضده ... إلخ)
قد عرفت في بحث
الاجتماع في بعض مقدمات الامتناع تفصيل مراتب الحكم من الاقتضاء والإنشاء والفعلية
والتنجز (فنقول) لا بأس بأخذ القطع بمرتبة من الحكم موضوعا لمرتبة أخرى منه بان
يؤخذ القطع بمرتبة الإنشاء مثلا من وجوب صلاة الجمعة موضوعا لبلوغ تلك المرتبة إلى
مرتبة الفعلية كما ان القطع بمرتبة الفعلية موضوع دائما لبلوغها إلى مرتبة التنجز
لما عرفت من ان التنجيز هو من آثار القطع
إذا تعلق بالحكم
الفعلي لا الإنشائيّ (كما لا بأس) بأخذ القطع بمرتبة من الحكم موضوعا لمرتبة أخرى
من مثله أو ضده كما إذا أخذ القطع بمرتبة الإنشاء من وجوب صلاة الجمعة موضوعا
لوجوب آخر فعلي متعلق بصلاة الجمعة أو لحرمة أخرى فعلية متعلقة بها ووجه عدم البأس
انه لا تنافي حينئذ بين الحكمين بعد اختلافهما في المرتبة كما لا تنافي بين الحكم
الظاهري والواقعي لاختلافهما كذلك على ما سيأتي تفصيله قريبا فالواقعي فعلي غير
منجز بمعنى انه لو تعلق به العلم لتنجز والظاهري فعلي منجز فانتظر يسيرا.
(قوله واما الظن
بالحكم فهو وان كان كالقطع ... إلخ)
وحاصله ان الظن
بالحكم وان كان كالقطع بالحكم من حيث عدم جواز أخذه موضوعا لشخص هذا الحكم غايته
انه في القطع يلزم الدور القطعي وفي الظن يلزم الدور الظني وهو محال كالقطع به بل
احتمال الدور محال فضلا عن الظن به إلّا انه لما كان مع الظن مرتبة الحكم الظاهري
محفوظة بمعنى ان الجهل لم يرتفع من أصله لبقاء احتمال الخلاف معه كان جعل حكم آخر
في مورده مثله أو ضده ممكنا (والسر فيه) انه لا يلزم حينئذ اجتماع الحكمين
المتماثلين أو المتضادين مع اتحاد المرتبة بل مع اختلافهما فالمظنون بسبب الجهل به
وعدم رفع الستار عنه كما ينبغي يكون فعليا على فرض وجوده غير منجز والحكم الّذي قد
أخذ الظن موضوعا له يكون فعليا منجزا فيكون حالهما حال الحكم الواقعي والظاهري من
حيث كون أحدهما فعليا غير منجز والآخر فعليا منجزا على ما أشير آنفا (بقي شيء) لم
يذكره المصنف وهو أخذ الظن بمرتبة من الحكم موضوعا لمرتبة أخرى منه نظير ما تقدم
في القطع عينا ولعل عدم ذكره له لوضوح جوازه فانه لو جاز ذلك في القطع بلا محذور
فيه عقلا جاز ذلك في الظن بطريق أولى.
(قوله ان قلت ان كان
الحكم المتعلق به الظن فعليا أيضا ... إلخ)
(هذا إشكال) على
دعوى جواز أخذ الظن بحكم موضوعا لحكم آخر مثله أو ضده
نظرا إلى محفوظية
مرتبة الحكم الظاهري مع الظن (وحاصله) ان الدعوى تشمل ما إذا كان الظن بحكم فعلي
موضوعا لحكم آخر فعلي مثله أو ضده مع انه محال من جهة لزوم الظن باجتماع الضدين أو
المثلين وهما الحكمان الفعليان المتضادان أو المتماثلان (وحاصل الجواب) انه لا
مانع من أخذ الظن بحكم فعلي موضوعا لحكم آخر فعلي مثله أو ضده فان الفعلي الّذي
تعلق به الظن وان كان على فرض وجوده فعليا بمعنى انه حكم لو تعلق به العلم لتنجز
ولكنه غير منجز لعدم تعلق العلم به والفعلي الّذي قد أخذ الظن موضوعا له فعلي منجز
لتحقق موضوعه فلا تنافي بينهما من جهة اختلاف المرتبة لما سيأتي توضيحه في الجمع
بين الحكم الظاهري والواقعي إن شاء الله تعالى فانتظر.
(قوله وانما يصح أخذه
في موضوع حكم آخر كما في القطع ... إلخ)
أي وانما يصح أخذ
الظن في موضوع حكم آخر يخالف متعلقه لا يماثله ولا يضاده كما في القطع على ما تقدم
من المصنف في صدر الأمر الثالث فتذكر.
(قوله ومع ذلك لا يجب
على الحاكم رفع عذر المكلف برفع جهله إلى آخره)
إشارة إلى دفع ما
قد يتوهم من ان الحكم الّذي تعلق به الظن إذا كان فعليا بحيث لو علم به لتنجز فلم
لا يرفع الحاكم عذر المكلف برفع جهله لو أمكن كي يأتي به ويمتثله أو يجعل له
الاحتياط فيما أمكن كي يدركه ولا يفوته (وحاصل الدفع) انه لا يجب على الحاكم رفع
ذلك الجهل مع ان الحكم فعلي لا نقص فيه سوى انه لم يتعلق به العلم ليتنجز بل يجوز
للحاكم جعل أصل أو أمارة مؤدية إليه تارة وإلى خلافه أخرى وذلك لحكمة مقتضية للجعل
هي أهم من درك الواقع لا محالة.
(قوله ولا يكاد يمكن
مع القطع به جعل حكم آخر مثله أو ضده كما لا يخفى فافهم ... إلخ)
فان الواقعي
المفروض كونه فعليا إذا تعلق به القطع تنجز ومع تنجزه كيف يمكن
جعل حكم آخر مثله
أو ضده في مورده للزوم اجتماع الحكمين المنجزين وهو محال (وفيه) ان اجتماع
المنجزين وإن لم يجز عقلا لكن إذا كانا ضدين واما إذا كانا متماثلين فلا بأس
باجتماعهما كما في الواقعي الّذي قام الظاهري على طبقه أي أدته الأمارة فان
الواقعي حينئذ منجز بأداء الأمارة إليه والظاهري المجعول على طبق الأمارة منجز
أيضا لتحقق موضوعه وهو قيام الأمارة فكما لا محيص في مثله عن الالتزام باجتماع
الحكمين المتماثلين واندكاك بعضهما في بعض وتأكد بعضهما ببعض كما أشير إليه مجملا
ويأتي شرحه مفصلا فكذلك فيما إذا أخذ القطع بحكم فعلي موضوعا لحكم آخر مثله غايته
انه يلزم حينئذ اجتماع المنجزين الواقعيين لا أحدهما واقعي والآخر ظاهري وهذا مما
لا يوجب التفاوت في المقام كما لا يخفى ولعله إليه أشار أخيرا بقوله فافهم.
(قوله ان قلت كيف يمكن
ذلك ... إلخ)
أي كيف يمكن ان
يكون الحكم الواقعي فعليا مع جعل أصل أو أمارة مؤدية إليه تارة وإلى ضده أخرى وهل
هو الا مستلزم لاجتماع المثلين أو الضدين.
(قوله قلت لا بأس
باجتماع الحكم الواقعي الفعلي ... إلخ)
وجه عدم البأس هو
ما أشرنا إليه آنفا من ان الحكم الواقعي فعلي غير منجز والحكم الآخر الّذي في
مورده بمقتضى الأصل أو الأمارة أو بمقتضى دليل قد أخذ في موضوعه الظن بالحكم فعلي
منجز فلا تنافي بينهما.
(قوله بالخصوص به ...
إلخ)
أي بالخصوص بالظن
لما عرفت من عدم تجويز المصنف أخذ القطع بحكم في موضوع حكم آخر مثله أو ضده وان
جاز ذلك في خصوص الظن لمحفوظية مرتبة الحكم الظاهري معه.
(قوله على ما سيأتي من
التحقيق في التوفيق بين الحكم الظاهري والواقعي ... إلخ)
متعلق بقوله لا
بأس باجتماع الحكم الواقعي الفعلي بذلك المعنى أي لو قطع به من باب الاتفاق لتنجز
مع حكم آخر فعلي ... إلخ فان الّذي سيأتي في الجمع بين الحكم الظاهري والواقعي هو
هذا المعنى أي ان الواقعي فعلي غير منجز والظاهري المتحقق في مورده بمقتضى الأصل
أو الأمارة فعلي منجز.
في الموافقة الالتزامية
(قوله الأمر الخامس هل
تنجز التكليف بالقطع كما يقتضى موافقته عملا يقتضى موافقته التزاما ... إلخ)
والأصل في هذا
النزاع أي في وجوب الموافقة الالتزامية علاوة على وجوب الموافقة العملية ما أشار
إليه الشيخ أعلى الله مقامه في المخالفة الالتزامية للعلم الإجمالي (قال ما هذا
لفظه) ووجوب الالتزام بالحكم الواقعي مع قطع النّظر عن العمل غير ثابت لأن
الالتزام بالاحكام الشرعية الفرعية انما يجب مقدمة للعمل وليست كالأصول الاعتقادية
يطلب فيها الالتزام والاعتقاد من حيث الذات (إلى أن قال) فالحق مع فرض عدم الدليل
على وجوب الالتزام بما جاء به الشارع على ما جاء به ان طرح الحكم الواقعي ولو كان
معلوما تفصيلا ليس محرما إلا من حيث كونها معصية دل العقل على قبحها واستحقاق
العقاب بها فإذا فرض العلم تفصيلا بوجوب شيء فلم يلتزم به المكلف لكنه فعله لا
لداع الوجوب لم يكن عليه شيء نعم لو أخذ في ذلك الفعل نية القربة فالإتيان به لا
للوجوب مخالفة عملية ومعصية لترك المأمور به (انتهى).
(أقول)
لا إشكال في ان
هذا النزاع غير جار في التعبديات بلا كلام كما يظهر من استدراك الشيخ أعلى الله
مقامه بقوله نعم لو أخذ ... إلخ وذلك لوضوح انه لا يجتمع فيها عدم الالتزام
بالوجوب مع الإتيان بها بقصد القربة بل يختص هذا النزاع بالتوصليات فقط (وتوهم) ان
النزاع في التوصليات من حيث وجوب الالتزام بها وعدمه مساوق للنزاع فيها في اعتبار
قصد القربة وعدمه (فاسد جدا) فان وجوب الالتزام بها غير وجوب الإتيان بها متقربا
إلى الله تعالى إذ من الممكن ان يلتزم بها ويعقد القلب عليها ولا يؤتي بها بداعي
وجوبها ومتقربا بها إلى الله تعالى.
(ثم ان الحق) ان
وجوب الالتزام بالأحكام الشرعية الإلهية التي جاء بها النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم من الحلال والحرام مع قطع النّظر عن العمل بها ثابت لازم
عقلا وليس وجوبه مقدميا محضا لأجل العمل بها على نحو لا يكون فرق بين من لم يعمل
بالأحكام الشرعية ولم يعتقد بها أصلا وبين من لم يعمل بها واعتقد بها وخضع لها (بل
الظاهر) ان الالتزام بالأحكام الشرعية الإلهية واجب نفسيا من حيث هو كالأصول
الاعتقادية عينا على نحو لا يكون المؤمن مؤمنا إذا لم يذعن بأحد الأحكام الإلهية
بعد حصول العلم له واليقين به فضلا عما إذا لم يذعن بجميعها ولم يلتزم بشيء منها
ويظهر ذلك كله من الاخبار الكثيرة أيضا المروية في الوافي في كتاب الإيمان والكفر
في أبواب تفسير الإيمان والإسلام سيما باب حدود الإيمان والإسلام ففي بعضها قال
قلت لأبي عبد الله عليهالسلام أوقفني على حدود الإيمان فقال شهادة أن لا إله إلّا الله
وان محمدا رسول الله والإقرار بجميع ما جاء به من عند الله (الحديث).
(وبالجملة) ان
اللازم في الأمور الاعتقادية هو مجرد الاعتقاد بها وفي الأحكام الشرعية مضافا إلى
وجوب الاعتقاد بها ولو بنحو الإجمال يجب الإتيان بها خارجا فان كان الواجب توصليا
وجب الإتيان به ولو لا بداعي وجوبه وان
كان تعبديا وجب
الإتيان به بهذا الداعي فتأمل جيدا.
(قوله الحق هو الثاني
لشهادة الوجدان الحاكم في باب الإطاعة والعصيان ... إلخ)
بل الحق هو الأول
كما تقدم فان الوجدان يشهد باستحقاق العقوبة بل بالكفر فضلا عن العصيان إذا لم
يلتزم المكلف بحكم واحد من الأحكام الإلهية بعد ما حصل له العلم واليقين به وان
وافقها عملا بدواعي آخر نفسانية نعم لا يشهد بذلك في تكاليف الموالي العرفية ولكن
لا تقاس هي بالتكاليف الشرعية الإلهية.
(قوله واستقلال العقل
بعدم استحقاق العبد الممتثل لأمر سيده الا المثوبة دون العقوبة ولو لم يكن مسلما
وملتزما به ... إلخ)
(فيه مسامحة واضحة)
فان العقل وان كان يستقل بعدم استحقاق العبد الممتثل لأمر سيده الا المثوبة دون
العقوبة ولكن ذلك مما لا يجتمع مع عدم التسليم لأمره وعدم الالتزام به وكأن المصنف
لا يرى التنافي بين قصد الامتثال وبين عدم التسليم لأمره وعدم الالتزام به ولعله
لذلك لم يفرق في عدم وجوب الالتزام بين التوصليات والتعبديات أصلا كما فرق بينهما
الشيخ أعلى الله مقامه وكيف كان قد عرفت منا التنافي فلا تغفل.
(قوله ثم لا يذهب عليك
انه على تقدير لزوم الموافقة الالتزامية إلى آخره)
(وحاصله) انه على
القول بوجوب الموافقة الالتزامية تجب حتى في دوران الأمر بين المحذورين كما إذا
دار أمر صلاة الجمعة بين الوجوب والحرمة على نحو لا تجب فيه الموافقة القطعية عملا
ولا تحرم المخالفة القطعية كذلك لامتناعهما عقلا ولو في واقعة واحدة وان لم تمتنعا
في واقعتين كما إذا أتى بصلاة الجمعة في أسبوع ولم يأت بها في أسبوع آخر فتحصل
المخالفة القطعية كما تحصل الموافقة القطعية (والسر) في ذلك كله هو التمكن من
الموافقة الالتزامية ولو إجمالا مع دوران الأمر
بين المحذورين
فيلتزم فيه بما هو الثابت في الواقع وفي نفس الأمر من الحكم الشرعي الإلهي من دون
لزوم التعيين شخصا.
(قوله وإن أبيت الا عن
لزوم الالتزام به بخصوص عنوانه ... إلخ)
(وحاصل كلام
المصنف) من أول الأمر الخامس إلى هنا انه لا تجب الموافقة الالتزامية وعلى تقدير
وجوبها تجب حتى في دوران الأمر بين المحذورين للتمكن من الموافقة الالتزامية
الإجمالية وإن أبيت إلا عن لزوم الموافقة الالتزامية التفصيلية لم تجب حينئذ فيما
دار أمره بين المحذورين وذلك لعدم التمكن منها كما لا يخفى.
(قوله لما كانت
موافقته القطعية الالتزامية حينئذ ممكنة ... إلخ)
أي لما كانت
موافقته الالتزامية التفصيلية حينئذ ممكنة.
(قوله ولما وجب عليه
الالتزام بواحد قطعا ... إلخ)
إشارة إلى دفع ما
قد يتوهم من انه إذا لم تجب الموافقة القطعية الالتزامية أي التفصيلية في دوران
الأمر بين المحذورين لعدم التمكن منها وجبت الموافقة الاحتمالية فيلتزم فيه بأحد
الحكمين اما الوجوب أو الحرمة تخييرا (فيجيب عنه) المصنف بان ذلك مما لا يجب قطعا
لأمرين.
(أحدهما) ان
الالتزام بأحد الحكمين تخييرا مما لا يؤمن من الالتزام بضد التكليف ومحذور
الالتزام بضد التكليف عقلا ليس بأقل من محذور عدم الالتزام بنفس التكليف.
(ثانيهما) ان
التكليف على القول باقتضائه الالتزام به مما لا يقتضى إلا الالتزام بنفسه لا به أو
بضده تخييرا وهذا واضح.
(قوله ومن هنا قد
انقدح انه لا يكون من قبل لزوم الالتزام مانع إلى آخره)
أي ومن مجموع ما
تقدم إلى هنا من عدم وجوب الموافقة الالتزامية وعلى تقدير وجوبها تجب حتى في دوران
الأمر بين المحذورين للتمكن من الموافقة الالتزامية
الإجمالية وعدم
وجوب الموافقة الالتزامية التفصيلية لعدم التمكن منها ... إلخ قد انقدح انه لا
يكون من قبل وجوب الالتزام مانع عن إجراء الأصول الحكمية أو الموضوعية فيما دار
أمره بين الوجوب والحرمة ان لم يكن مانع عنه من جهة أخرى وهي العلم الإجمالي (ففي
مثل) صلاة الجمعة المرددة بين الوجوب والحرمة أو المرأة المرددة بين من حرم وطيها
بالحلف ومن وجب وطيها بالحلف لا مانع عن جريان البراءة عن كل من الوجوب والحرمة أو
جريان كل من أصالة عدم تعلق الحلف بوطيها وأصالة عدم تعلق الحلف بترك وطيها من
ناحية وجوب الالتزام فيجمع فيها بين حليتها ظاهرا بمقتضى الأصول العملية وبين
الالتزام بما هو الثابت لها واقعا من الحكم الشرعي الإلهي كما لا تنافي في الشبهات
البدوية بين البناء على حليتها ظاهرا بمقتضى الأصل العملي وبين الالتزام بما هو
الثابت لها في الواقع من الحكم الشرعي المشترك بين الكل من العالم والجاهل جميعا
فافهم جيدا.
(قوله كما لا يدفع عنا
محذور عدم الالتزام به بل الالتزام بخلافه لو قيل بالمحذور فيه ... إلخ)
إشارة إلى ضعف ما
صنعه الشيخ أعلى الله مقامه في المقام من دفع محذور عدم الالتزام بالحكم الواقعي
في دوران الأمر بين المحذورين بوسيلة الأصول العملية الجارية فيه سواء كانت في
الشبهة الموضوعية أو الحكمية ففي المرأة المرددة بين من حرم وطيها بالحلف وبين من
وجب وطيها بالحلف بوسيلة أصالة عدم تعلق الحلف بوطيها وعدم تعلقه بترك وطيها تخرج
المرأة عن موضوع حكمي التحريم والوجوب رأسا وفي صلاة الجمعة المرددة حكمها بين الوجوب
والحرمة بوسيلة أصل البراءة عن كل من الوجوب والحرمة يرتفع الحكم الشرعي المعلوم
بالإجمال من البين فلا يبقى حكم يجب الالتزام به عقلا أو نقلا.
(فيقول المصنف) إن
إجراء الأصول الحكمية أو الموضوعية لا يكاد يدفع عنا محذور عدم الالتزام بالحكم
الواقعي بل الالتزام بخلافه أي الإباحة لو قلنا
بوجود المحذور في
عدم الالتزام به عقلا وذلك لأن جريان الأصل موقوف على عدم محذور في عدم الالتزام
اللازم منه فلو كان عدم المحذور موقوفا على جريان الأصل لزم الدور.
(أقول)
ويرد على الشيخ
أعلى الله مقامه.
(أولا) ان الأصول
العملية لا تكاد تجري في أطراف العلم الإجمالي لموانع عديدة ستأتي الإشارة إليها
إجمالا ويأتي شرحها مفصلا في صدر بحث الاشتغال إن شاء الله تعالى فهي مع تلك
الموانع لا تكاد تجري كي تدفع عنا محذور عدم الالتزام بالحكم الواقعي وكأن الشيخ
لم يخطر بباله الشريف في المقام مانعا عن جريان الأصول في أطراف العلم الإجمالي
سوى لزوم المخالفة العملية وانها حيث لا تلزم في دوران الأمر بين المحذورين فتجري
الأصول ويدفع بها محذور عدم الالتزام بالحكم الواقعي وغفل عما سيأتي منه بنفسه من
الاعتراف بمعارضة الأصول في أطراف العلم الإجمالي وقصور أدلتها عن الشمول لأطرافه
رأسا.
(وثانيا) قد عرفت
آنفا انه لا تنافي فيما دار امره بين الوجوب والحرمة بين الالتزام بما هو الثابت
له في الواقع من الحكم الشرعي الإلهي وبين البناء على حليته ظاهرا بمقتضى الأصول
العملية وعليه فلا نحتاج إلى دفع محذور عدم الالتزام بوسيلة الأصول الجارية في
الشبهة الموضوعية أو الحكمية أصلا بل الشيخ أيضا بنفسه قد أشار إلى عدم التنافي
بينهما في صدر أصالة التخيير بل صرح به تصريحا فوق الإشارة كما لا يخفى ولعل
المصنف قد أخذ الموافقة الالتزامية الإجمالية من كلام الشيخ أعلى الله مقامه هناك (قال
في صدر البحث) المذكور ما لفظه واما دعوى وجوب الالتزام بحكم الله تعالى لعموم
دليل وجوب الانقياد للشرع ففيها (إلى ان قال) وان أريد وجوب الانقياد والتدين بحكم
الله تعالى فهو تابع للعلم بالحكم فإن علم تفصيلا وجب التدين به كذلك وإن علم
إجمالا وجب التدين بثبوته
في الواقع ولا
ينافي ذلك التدين حينئذ بإباحته ظاهرا (انتهى).
(وثالثا) لو سلم
التنافي بينهما كما هو ظاهر الشيخ في المقام فالحق مع المصنف فلا يكاد يدفع عنا
محذور عدم الالتزام بوسيلة الأصول فان جريان الأصول موقوف على عدم لزوم محذور منه
فلو توقف عدم لزوم المحذور على جريان الأصول لزم الدور كما أفاد ولعله لذلك رجع
الشيخ أخيرا عما أفاده أولا (فقال) ما لفظه ولكن التحقيق انه لو ثبت هذا التكليف
أعني وجوب الأخذ بحكم الله والالتزام مع قطع النّظر عن العمل لم تجر الأصول لكونها
موجبة للمخالفة العملية للخطاب التفصيليّ أعني وجوب الالتزام بحكم الله وهو غير
جائز حتى في الشبهة الموضوعية (انتهى كلامه رفع مقامه).
(قوله اللهم إلا أن
يقال ان استقلال العقل بالمحذور فيه انما يكون فيما إذا لم يكن هناك ترخيص في
الإقدام ... إلخ)
هذا رجوع عما
أورده على الشيخ أعلى الله مقامه من الدور بقوله المتقدم لأن جريانها موقوف على
عدم محذور في عدم الالتزام ... إلخ (وحاصله) ان الالتزام بالحكم الشرعي الإلهي
انما يجب عقلا ويكون عدم الالتزام به محذورا عقلا إذا لم يرخص الشارع بنفسه بمقتضى
أدلة الأصول العملية في الاقتحام في أطراف العلم الإجمالي ومع ترخيصه فيه لا محذور
في عدم الالتزام اللازم منه بل ولا في الالتزام بضده (وفيه) ان مع الترخيص في
الاقتحام في الأطراف وان لم يكن محذور في عدم الالتزام اللازم منه ولكن الكلام في
شمول الترخيص وأدلة الأصول العملية لأطراف العلم الإجمالي فانه يتوقف على ان لا
يلزم منه محذور فلو ارتفع المحذور بشموله لها لدار وعليه فرجوع المصنف عن الدور في
غير محله.
(قوله إلا ان الشأن
حينئذ في جواز جريان الأصول في أطراف العلم الإجماليّ ... إلخ)
فانها مما لا تجري
فيها لجهات (منها) ما أشار إليه المصنف بقوله مع عدم ترتب
أثر عملي عليها
وهذه الجهة مما تختص بدوران الأمر بين المحذورين فقط ولا تشمل مثل الشك في المكلف
به مع العلم الإجمالي بالتكليف وحاصلها ان الأصول الجارية فيه مما لا أثر عملي لها
فان التخيير فيه بين الفعل والترك ثابت بنفسه بحكم العقل فلا تنتج الأصول العملية
شيئا آخر أصلا.
(ومنها) ما أشار
إليه بقوله مضافا إلى عدم شمول أدلتها لأطرافه ... إلخ وهو إشارة إلى ما أفاده
الشيخ أعلى الله مقامه في خصوص الاستصحاب في ذيل تعارض الاستصحابين من ان دليل
الاستصحاب وهو قوله عليهالسلام ولا ينقض اليقين أبدا بالشك إذا جرى في طرفي العلم
الإجمالي نظرا إلى اليقين السابق والشك اللاحق كما في الإناءين الذين علم إجمالا
بنجاسة أحدهما مع سبق العلم التفصيليّ بطهارة كل منهما لزم التناقض بين الصدر
والذيل وان شئت قلت لزم طرح قوله عليهالسلام في ذيل الحديث وانما ينقضه بيقين آخر بعد فرض العلم
الإجمالي بنجاسة أحدهما فلا بدّ حينئذ من عدم جريان دليل الأصل في أطراف العلم
الإجمالي أصلا وهذا في الحقيقة جزء من تقريب معارضة الأصول في أطراف العلم
الإجمالي وسيأتي شرحه في صدر بحث الاشتغال إن شاء الله تعالى مفصلا فانتظر.
(ومنها) ما سيأتي
هنا في الأمر السابع من ان العلم الإجمالي علة تامة للتنجيز كالعلم التفصيليّ فلا
يمكن الترخيص في أطرافه لا كلا ولا بعضا وذلك للمناقضة أو احتمال المناقضة مع
الواقع المعلوم بالإجمال.
(ومنها) ما سيأتي
منا شرحه في صدر بحث الاشتغال أيضا من ان إجراء الأصل في أطراف العلم الإجمالي
تمسك بالدليل في الشبهة المصداقية.
(أقول)
والعجب في المقام
من المصنف قدسسره فانه مع تعدد هذه الجهات المانعة عن جريان الأصول في أطراف
العلم الإجمالي وإن فرض عدم سلامة المجموع من حيث المجموع قد اختار أخيرا جريان
الأصول فيها (قال) في تعليقته على الكتاب
عند التعليق على
قوله إلا ان الشأن في جواز جريان الأصول ما هذا لفظه والتحقيق جريانها لعدم اعتبار
شيء في ذلك عدى قابلية المورد للحكم إثباتا ونفيا فالأصل الحكمي يثبت له الحكم
تارة كأصالة الإباحة وينفيه أخرى كاستصحاب عدم الحرمة والوجوب فيما دار بينهما
فتأمل جيدا انتهى.
(قوله مع انها أحكام
عملية كسائر الأحكام الفرعية ... إلخ)
أي مع ان الأصول
كقاعدة الطهارة أو الحل أو البراءة أو الاستصحاب أحكام عملية أي أنشأت لأجل العمل
كسائر الأحكام الفرعية التي أنشأت لذلك مثل خطاب أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة
ونحوهما.
(قوله وان كان محل
تأمل ونظر ... إلخ)
والظاهر ان وجه
التأمل والنّظر كما سيأتي شرحه في تعارض الاستصحابين ان الذيل المناقض للصدر على
تقدير الشمول لأطراف العلم الإجمالي انما هو موجود في بعض اخبار الاستصحاب مثل
قوله عليهالسلام في الصحيحة الأولى لزرارة ولا ينقض اليقين أبدا بالشك
وانما ينقضه بيقين آخر لا في ساير الاخبار.
في قطع القطاع
(قوله الأمر السادس لا
تفاوت في نظر العقل أصلا فيما يترتب على القطع من الآثار عقلا ... إلخ)
المقصود من عقد
هذا الأمر السادس هو التنبيه على أمرين :
(أحدهما) انه لا
فرق في حجية القطع الطريقي بين قطع القطاع أي من يحصل له القطع بأدنى شيء من أسباب
لا ينبغي حصوله منها وبين غيره.
(ثانيهما) انه لا
فرق في حجية القطع الطريقي بين الحاصل من المقدمات العقلية وبين غيره.
(اما الثاني)
فسيأتي شرحه عند تعرض المصنف له.
(واما الأول)
فالأصل فيه ما حكي عن كاشف الغطاء (قال الشيخ أعلى الله مقامه) الثالث قد اشتهر في
ألسنة المعاصرين ان قطع القطاع لا اعتبار به ولعل الأصل في ذلك ما صرح به كاشف
الغطاء قدسسره بعد الحكم بان كثير الشك لا اعتبار بشكه قال وكذا من خرج
عن العادة في قطعه أو في ظنه فيلغو اعتبارهما في حقه (انتهى).
(فيقول المصنف) لا
تفاوت في نظر العقل أصلا فيما يترتب على القطع من الآثار عقلا وهي المنجزية عند
الإصابة والعذرية عند الخطأ وحكم العقل بوجوب المتابعة بين أن يكون حاصلا من أسباب
متعارفة ينبغي حصوله منها أو غير متعارفة لا ينبغي حصوله منها.
(قوله ضرورة ان العقل
يرى تنجز التكليف بالقطع ... إلخ)
من هاهنا إلى قوله
وعدم صحة الاعتذار بأنه حصل كذلك علة لعدم التفاوت في نظر العقل بين قطع القطاع
وغيره في المنجزية عند الإصابة (كما ان) من قوله وعدم صحة المؤاخذة إلى قوله ولو
مع التفاته إلى كيفية حصوله علة لعدم التفاوت بينهما في العذرية عند الخطأ.
(أقول)
ولو علل عدم
التفاوت بينهما بكون المنجزية والعذرية أثران ذاتيا لا يكاد ينفكان عن القطع كما
تقدم في ذيل حجية القطع كان أولى وأمتن.
(قوله نعم ربما يتفاوت
الحال في القطع المأخوذ في الموضوع شرعا والمتبع في عمومه وخصوصه دلالة دليله ...
إلخ)
استدراك عن عدم
التفاوت في نظر العقل بين القطع الحاصل من سبب ينبغي حصوله منه وبين الحاصل من سبب
لا ينبغي حصوله منه كما هو الحال غالبا في القطاع (وحاصل) الاستدراك انه نعم ربما
يتفاوت الحال في القطع المأخوذ
موضوعا (فقد يكون)
مطلق القطع مأخوذا في موضوع الحكم (وقد يكون) القطع الحاصل من سبب خاص أو من شخص
خاص مأخوذا فيه (قال الشيخ أعلى الله مقامه) في أول حجية القطع (ما لفظه) وحكمه أي
حكم القطع المأخوذ في الموضوع انه يتبع في اعتباره مطلقا أو على وجه خاص دليل ذلك
الحكم الثابت الّذي أخذ العلم في موضوعه (فقد يدل) على ثبوت الحكم لشيء بشرط العلم
به بمعنى انكشافه للمكلف من غير خصوصية للانكشاف كما في حكم العقل بحسن إتيان ما
قطع العبد بكونه مطلوبا لمولاه وقبح ما يقطع بكونه مبغوضا فان مدخلية القطع
بالمطلوبية أو المبغوضية في صيرورة الفعل حسنا أو قبيحا عند العقل لا يختص ببعض
افراده وكما في حكم الشرع بحرمة ما علم انه خمر أو نجاسته بناء على ان الحرمة
والنجاسة الواقعيين انما تعرضان مواردها بشرط العلم لا في نفس الأمر كما هو قول
بعض (وقد يدل) دليل ذلك الحكم على ثبوته لشيء بشرط حصول القطع به من سبب خاص أو
شخص خاص مثل ما ذهب إليه بعض الأخباريين من عدم جواز العمل في الشرعيات بالعلم
الغير الحاصل من الكتاب والسنة كما سيجيء وما ذهب إليه بعض من منع عمل القاضي
بعلمه في حقوق الله تعالى (انتهى) موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه.
(فالمثال الأول)
قد أخذ فيه مطلق القطع بمطلوبية شيء أو بمبغوضيته موضوعا لحكم العقل بحسنه الصدوري
أو بقبحه الصدوري الّذي سبق تفصيله في التجري في قبال الحسن أو القبح الواقعي
الّذي لا يكون مربوطا بالعلم والجهل أصلا
(والمثال الثاني)
قد أخذ فيه مطلق القطع بخمرية شيء أو بنجاسته موضوعا لحكم الشرع بالحرمة على قول
بعض.
(والمثال الثالث)
قد أخذ فيه القطع الحاصل من سبب خاص أي من الكتاب والسنة موضوعا لحكم العقل بوجوب
المتابعة على ما نسب إلى بعض الأخباريين
(والمثال الرابع)
قد أخذ فيه القطع الحاصل من شخص خاص أي من
القاضي لكن في غير
حقوق الله موضوعا لحكم الشرع بوجوب عمله به وقضائه على طبقه على قول بعض.
(قوله وغيرها من
الأمارات ... إلخ)
أي وغير مناسبات
الأحكام والموضوعات فاختلاف المقامات في عموم القطع الموضوعي وخصوصه قد يعرف
بمناسبات الأحكام والموضوعات وقد يعرف بغيرها من الأمارات كالقرائن الحالية أو
المقالية.
(قوله وبالجملة القطع
فيما كان موضوعا عقلا لا يكاد يتفاوت ... إلخ)
مقصوده من ذلك هو
القطع الطريقي فانه الموضوع لحكم العقل بوجوب المتابعة أي وبالجملة القطع الطريقي
لا يكاد يتفاوت من حيث القاطع ولا من حيث المورد أي الأمر المقطوع به ولا من حيث
السبب الحاصل به القطع لا عقلا وهو واضح بعد ما تقدم من ان المنجزية والعذرية أثر
آن ذاتيان للقطع لا يكاد ينفكان عنه ولا شرعا بعد ما تقدم من ان القطع مما لا
تناله يد الجعل لا نفيا ولا إثباتا فتذكر.
(قوله وإن نسب إلى بعض
الأخباريين أنه لا اعتبار بما إذا كان بمقدمات عقلية ... إلخ)
شروع في الأمر
الثاني من الأمرين الذين قد انعقد هذا الأمر السادس للتنبيه عليهما وهو عدم
التفاوت في حجية القطع الطريقي بين ان كان حاصلا من المقدمات العقلية أم لا ووجه
عدم التفاوت ما تقدم في وجه عدم الفرق بين قطع القطاع وغيره
(قوله إلّا ان مراجعة
كلماتهم لا تساعد على هذه النسبة ... إلخ)
سوى ما حكاه الشيخ
أعلى الله مقامه عن السيد الصدر في شرح الوافية في جملة كلام له في حكم ما يستقل
به العقل (قال ما هذا لفظه) ان المعلوم هو انه يجب فعل شيء أو تركه أو لا يجب إذا
حصل الظن أو القطع بوجوبه أو حرمته أو غيرهما من جهة نقل قول المعصوم أو فعله أو
تقريره لا انه يجب فعله أو تركه أو لا يجب مع حصولهما من أي طريق كان (انتهى) فانه
صريح في عدم حجية القطع
بالوجوب أو الحرمة
أو غيرهما الحاصل من غير جهة النقل.
(نعم) ما حكى عن
السيد الصدر في باب الملازمة هو أجنبي عن المقام جدا وانما هو في مقام منع
الملازمة بين حكم العقل وحكم الشرع كما ذكره المصنف في المتن (واما ما حكاه المصنف)
فيما سيأتي عن المحدث الأسترآبادي من كلماته الثلاث فمفاده عدم حجية الظن الغير
الحاصل من كلامهم لا القطع (بل ظاهر) كلامه الأخير الّذي قاله في فهرست فصول
فوائده الأول في إبطال جواز التمسك بالاستنباطات الظنية في نفس أحكامه تعالى شأنه
ووجوب التوقف عند فقد القطع بحكم الله أو بحكم ورد عنهم عليهمالسلام (ان الظن) مطلقا
مما لا يجوز العمل به عند فقد القطع بحكم الله أو بحكم ورد عنهم ولو كان حاصلا من
الاخبار والله العالم (واما ما حكى) عن المحدث الجزائري في أوائل شرح التهذيب وما
حكى عن المحدث البحراني في مقدمات الحدائق المذكورين في رسائل شيخنا العلامة أعلى
الله مقامه فهما غير ظاهرين في عدم حجية الحكم العقلي القطعي إن لم ندع ظهورهما في
العقلي الغير القطعي (وعليه) فلا يبقى في البين سوى ما تقدم حكايته عن السيد الصدر
في شرح الوافية فهو المساعد لما نسب إلى الأخباريين من عدم حجية القطع الحاصل من
غير جهة النقل فتأمله جيدا.
(قوله الرابع ان كل
مسلك غير ذلك المسلك ... إلخ)
هذا هو الكلام
الأول من الكلمات الثلاث التي حكاها المصنف عن المحدث الأسترآبادي.
(قوله وإذا عرفت ما
مهدناه من الدقيقة الشريفة فنقول ... إلخ)
هذا هو الكلام
الثاني من الكلمات الثلاث التي حكاها المصنف عن المحدث الأسترآبادي واما الدقيقة
الشريفة بزعم المحدث فقد حكاها الشيخ أعلى الله مقامه في الرسائل بطولها غير ان
العمدة هو ذكر ما بعد الدقيقة ولم يذكره الشيخ وذكره المصنف.
(قوله وأنت إذا تأملت
في هذا الدليل علمت ان مقتضاه ... إلخ)
هذا كلام المحدث
الأسترآبادي لا كلام المصنف وذلك بقرينة ما سيأتي من قول المصنف انتهى موضع الحاجة
من كلامه ... إلخ ومقصوده من الدليل المشار إليه هو ما استدل به الإمامية على وجوب
المعصية.
(قوله الأول في إبطال
جواز التمسك بالاستنباطات الظنية ... إلخ)
هذا هو الكلام
الثالث للمحدث الأسترآبادي وقد نقلناه آنفا فلا تغفل.
(قوله وكيف كان فلزوم
اتباع القطع مطلقا ... إلخ)
أي سواء كان حاصلا
للقطاع أو لغيره أو كان حاصلا من مقدمات عقلية أو من غيرها.
(قوله وكذا ترتب ساير
آثاره عليه عقلا ... إلخ)
وهو العذرية عند
الخطأ وذلك لما عرفت من ان آثار القطع ثلاثة حكم العقل بوجوب المتابعة والمنجزية
عند الإصابة وقد أشار إليهما المصنف بقوله فلزوم اتباع القطع مطلقا وصحة المؤاخذة
على مخالفته عند اصابته ... إلخ فيبقى الأثر الثالث وهو العذرية عند الخطأ فأشار
إليه بقوله هذا.
(قوله فلا بدّ فيما
يوهم خلاف ذلك في الشريعة ... إلخ)
(قال الشيخ أعلى
الله مقامه) ما هذا لفظه فان قلت لعل نظر هؤلاء في ذلك يعني به الأخباريين فيما
نسب إليهم من عدم حجية القطع الحاصل من المقدمات العقلية إلى ما يستفاد من الأخبار
مثل قولهم عليهمالسلام حرام عليكم أن تقولوا بشيء ما لم تسمعوه منا وقولهم عليهمالسلام ولو ان رجلا قام ليله وصام نهاره وحج دهره وتصدق بجميع
ماله ولم يعرف ولاية ولي الله فيكون أعماله بدلالته فيواليه ما كان له على الله
الثواب وقولهم عليهمالسلام من دان الله بغير سماع من صادق فهو كذا وكذا إلى غير ذلك (انتهى).
(فيقول المصنف) لا
بد فيما يوهم خلاف ذلك في الشريعة يعني به الأخبار
المذكورة من المنع
عن حصول العلم التفصيليّ بالحكم الفعلي لا انه بعد فرض حصوله أحيانا لم يجب اتباعه
شرعا.
(أقول)
بل لا يبعد حمل
الخبر الثاني على اشتراط مقبولية الأعمال بولاية ولي الله فعدم قبول قيام الليل
ولا صيام النهار ولا حج الدهر ولا التصدق بجميع الأموال انما هو من جهة عدم
ولايتهم لا من جهة الموضوعية لدلالتهم وانه لا حجية للقطع بالحكم الشرعي الحاصل من
غير سماع منهم إذا فرض حصوله أحيانا فافهم جيدا.
(قوله عن حصول العلم
التفصيلي ... إلخ)
وجه التقييد
بالتفصيلي ان منجزية العلم الإجمالي كما سيأتي تفصيلها في الأمر الآتي هي محل
الكلام بخلاف العلم التفصيليّ.
(قوله بالحكم الفعلي
... إلخ)
وجه التقييد
بالفعلي ان الحكم الإنشائيّ مما لا أثر له ولو فرض تعلق العلم التفصيليّ به
(قوله العقلي ... إلخ)
أي الحاصل من
المقدمات العقلية.
(قوله لأجل منع بعض
مقدماته الموجبة له ولو إجمالا ... إلخ)
أي لأجل المنع ولو
إجمالا عن بعض المقدمات الموجبة للعلم التفصيليّ بالحكم الفعلي العقلي.
في منجزية العلم الإجمالي
(قوله الأمر السابع
انه قد عرفت كون القطع التفصيلي ... إلخ)
المقصود من عقد
هذا الأمر السابع هو التكلم حول العلم الإجمالي وفيه مقامات من الكلام.
(الأول) في
منجزيته للتكليف كالعلم التفصيليّ.
(الثاني) في سقوط
التكليف به وبعبارة أخرى في كفاية الامتثال الإجمالي أي الاحتياط بإتيان أطراف
العلم الإجمالي مع تيسر تحصيل العلم التفصيليّ.
(اما المقام
الثاني) فسيأتي الكلام فيه عند تعرض المصنف له بقوله واما سقوطه به ... إلخ.
(واما المقام
الأول) فحاصل الكلام فيه ان العلم الإجمالي (هل هو) كالعلم التفصيليّ علة تامة
لتنجز التكليف به فكما ان العلم التفصيليّ إذا تعلق بتكليف إلزامي لم يمكن الترخيص
في ترك العمل به ولذا تقدم مشروحا انه مما لا تناله يد الجعل نفيا كما لا تناله
إثباتا وان لم يسبق بلفظ العلية التامة فكذلك العلم الإجمالي إذا تعلق بوجوب أحد
الأمرين أو بحرمته لم يمكن الترخيص في أطرافه لا كلا ولا بعضا بأن يرخص في ترك كلا
الأمرين جميعا أو في ترك بعضهما معينا أو على البدل أو يرخص في فعل كلا الأمرين
جميعا أو في فعل بعضهما معينا أو على البدل (أم لا) بل يمكن الترخيص في أطرافه
فليس العلم الإجمالي كالعلم التفصيليّ علة تامة لتنجز التكليف به بل هو مؤثر في
التنجيز بنحو الاقتضاء بمعنى انه قابل للترخيص في أطرافه كلا وبعضا فان لم يرد
ترخيص من الشرع في أطرافه لا كلا ولا بعضا بان لم يكن لنا أصل عملي يصلح بدليله
للجريان فيها أثر العلم الإجمالي في التنجيز لا محالة وإلّا فيمنعه الأصل العملي
عن التأثير في التنجيز (أم يفصل) فيكون علة تامة للتنجيز بالنسبة إلى المخالفة
القطعية فلا يمكن الترخيص في أطرافه كلا ليحصل القطع بالمخالفة ويكون مقتضيا
للتنجيز بالنسبة إلى الموافقة القطعية فيمكن الترخيص في بعض أطرافه بأن لا يحصل
القطع بالموافقة وإن حصلت الموافقة الاحتمالية بمراعاة بعض الأطراف دون بعض (وجوه)
بل أقوال (أقواها) الثاني كما اختاره المصنف في المتن وإن رجع إلى الأول في
تعليقته على الكتاب لدى التعليق على قوله لا في العلية التامة (وقد استدل) لمختاره
في المتن بقوله لا يبعد ان يقال إن التكليف
حيث لم ينكشف به
تمام الانكشاف ... إلخ (وحاصله) ان العلم الإجمالي وان كان هو كشفا كالعلم
التفصيليّ ولكن لا ينكشف به التكليف تمام الانكشاف مثل ما ينكشف بالعلم التفصيليّ
بل مرتبة الحكم الظاهري وإن شئت قلت موضوع الحكم الظاهري وهو الشك والجهل محفوظة
مع العلم الإجمالي في كل طرف من الأطراف بالخصوص فلا يعلم ان هذا واجب أو ذاك أو
ان هذا حرام أو ذاك فلا مانع من الإذن في المخالفة الاحتمالية بالترخيص في بعض
الأطراف بل في المخالفة القطعية بالترخيص في تمام الأطراف.
(أقول)
وهذا الاستدلال
مما لا يخلو عن ضعف فان مجرد عدم انكشاف التكليف بالعلم الإجمالي تمام الانكشاف
وبقاء الشك والجهل في كل طرف من الأطراف بالخصوص مما لا يسوغ الإذن في الأطراف كلا
أو بعضا لجواز دعوى لزوم المناقضة مع التكليف الواقعي المعلوم بالإجمال أو لزوم
احتمالها المحال (فالصحيح) ان يستدل عليه بالجواب عن المناقضة التي هي مدرك الوجه
الأول وهو كون العلم الإجمالي منجزا للتكليف بنحو العلية التامة فإذا أجبنا عن
المناقضة فقد سلمنا من الوجه الأول بل ومن الوجه الثالث أيضا فانه وإن وافق الثاني
في جواز الترخيص في بعض الأطراف ولكنه قد وافق الأول في عدم جواز الترخيص في تمام
الأطراف فإذا ثبت بطلان الأول ثبت بطلانه قهرا.
(وقد أشار المصنف)
إلى الجواب عن المناقضة بقوله في المتن ومحذور مناقضته مع المقطوع إجمالا ... إلخ (وحاصله)
هو النقض بجواز الترخيص في الشبهات المقرونة بالعلم الإجمالي الغير المحصورة التي
ستعرف تفصيلها في بحث الاشتغال إن شاء الله تعالى وان عدم وجوب الاجتناب فيها هو
امر متسالم عليه بين الأصحاب فما به التفصي عن محذور المناقضة هناك كان به التفصي
في المقام أيضا بل النقض بجواز الترخيص في الشبهات البدوية أيضا فإن التكليف فيها
مشكوك
محتمل ومع احتماله
يحتمل المناقضة مع الحكم الظاهري المجعول فيها بمقتضى الأصل كالبراءة ونحوها ومن
المعلوم ان احتمال المناقضة محال كالقطع بالمناقضة فما به التفصي عن احتمال
المناقضة في الشبهات البدوية كان به التفصي في الشبهات المقرونة بالعلم الإجمالي
عينا.
(أقول)
إن النقض بالترخيص
في الشبهات الغير المحصورة في غير محله وذلك لما سيأتي في محله من ان الوجه الوجيه
لجواز الاقتحام فيها هو لزوم العسر والحرج المنفيين في الدين بمقتضى الآيات التي
سيأتي الإشارة إلى تفصيلها إن شاء الله تعالى فالتكليف الواقعي المعلوم بالإجمال
فيها انما لم يجب موافقته القطعية لأجل فقد شرط من شرائط تنجز التكليف وهو عدم
لزوم العسر والحرج المنزلين عند الشرع بمنزلة فقد القدرة نظير فقد العلم أو البلوغ
أو غير ذلك من شرائط التكليف فالقصور في الحقيقة انما هو في ناحية التكليف المعلوم
بالإجمال لا في ناحية العلم الإجمالي المتعلق به ولذا لو تعلق العلم التفصيليّ
بتكليف إلزامي قد تعسر امتثاله لم يؤثر هو في التنجيز قطعا لفقد شرط من شرائط
التنجز وإن وجد ساير شرائطه من العلم والبلوغ وغيرهما فإذا كان هذا حال العلم
التفصيليّ فما ظنك بالعلم الإجمالي فكما ان المراد من كون العلم التفصيليّ علة
تامة للتنجيز أي بعد اجتماع كافة شرائط التنجيز فكذلك المراد في العلم الإجمالي
عينا.
(وبالجملة) ان
النقض بالترخيص في الشبهات الغير المحصورة في غير محله (والصحيح) هو الاكتفاء
بالنقض بالترخيص في الشبهات البدوية فقط وذلك لما فيه من احتمال المناقضة مع
التكليف الواقعي المحتمل فيها واحتمال المناقضة محال كالقطع بالمناقضة فما به
التفصي فيها كان به التفصي في المقام أيضا.
(وشرح التفصي) كما
سيأتي بنحو أبسط في الجمع بين الحكم الظاهري والواقعي إن شاء الله تعالى وتقدمت
الإشارة إليه بنحو الإجمال في اجتماع الأمر
والنهي في بعض
مقدمات الامتناع (ان الأحكام الواقعية) المشتركة بين الكل من العالم والجاهل فعلية
غير منجزة بمعنى انها لو تعلقت بها العلم لتنجزت والأحكام الظاهرية فعلية منجزة
ولا تنافي بين الظاهري المنجز والواقعي الغير المنجز فان التنافي بين الأحكام ليس
إلّا من ناحية الإرادة أو الكراهة التي هي على طبقها وإلّا فنفس الأحكام بما هي هي
من دون إرادة ولا كراهة على طبقها مما لا تضاد بينها فإن إنشاء الوجوب والحرمة
مثلا في آن واحد لشيء واحد في كمال الإمكان ومن الواضح المعلوم ان الأحكام
الواقعية ما لم تبلغ مرتبة التنجز بوسيلة العلم والقدرة لا تكاد تنقدح الإرادة
والكراهة على طبقها في نفس المولى كي تضاد الأحكام الظاهرية المنجزة وذلك لأن
الجاهل الغافل أو العالم العاجز لا يكاد يمكن إرادة الفعل أو الترك منه لعجزه عنه
واما الجاهل الملتفت وان أمكن إرادة الفعل أو الترك منه ولكن إذا لم يأذن المولى
بنفسه ويرخص هو في الترك أو في الفعل في ظرف الجهل والحيرة ويجعل له أصلا عمليا في
هذا الحال كالبراءة أو قاعدة الحل وشبههما بل يجعل له الاحتياط كما قال به
الأخباريون في الشبهات التحريمية الحكمية فإذا أذن المولى في الترك في الشبهات
الوجوبية أو في الفعل في الشبهات التحريمية فيكشف ذلك عن عدم انقداح الإرادة أو
الكراهة على طبق الأحكام الواقعية المجهولة ما لم يعلم بها المكلف ويتعلق بها
يقينه (وعلى هذا) فإذا جاز للشارع الإذن في الترك في الشبهات الوجوبية أو في الفعل
في الشبهات التحريمية وكشف ذلك عن عدم الإرادة على طبق الأحكام الواقعية المجهولة
كي تناقض الأحكام الظاهرية (فكذلك) جاز له الإذن في الترك أو في الفعل عند العلم
الإجمالي بالوجوب أو الحرمة ويكشف ذلك عن عدم تعلق الإرادة على طبق الأحكام
الواقعية المعلومة بالإجمال كي تناقض الإذن والترخيص على خلافها ما لم يتعلق بها
العلم التفصيليّ وتعرف هي بعينها على وجه التفصيل (فإذا قال) مثلا الخمر حرام وجاز
منه جعل الأصل أي الترخيص في ظرف الجهل رأسا بالحرمة أو بالموضوع وكشف ذلك عن عدم
انقداح
الكراهة على طبق
حرمة الخمر ما لم يعلم بالحرمة أو بالموضوع (فكذلك) جاز منه الترخيص في ظرف العلم
الإجمالي بالحرمة أو بالموضوع وكشف ذلك عن عدم انقداح الكراهة على طبق الحرمة
المعلومة بالإجمال أو الخمر المعلوم بالإجمال ما لم يعلم تفصيلا بالحرمة بعينها أو
بالخمر كذلك فالحرمة الواقعية وان كانت هي مشتركة بين الكل سواء علم بالحكم أو
بالموضوع تفصيلا أو إجمالا أم لم يعلم أصلا ولكن الكراهة على طبقها مما تنحصر بما
إذا علم بالحكم أو بالموضوع بعينه على وجه التفصيل فتدبر وتأمل جيدا فان المقام لا
يخلو عن دقة.
(قوله بالتكليف الفعلي
... إلخ)
وجه التقييد
بالفعلي كما أشير في آخر الأمر السادس ان التكليف الإنشائي مما لا أثر له وإن تعلق
به العلم التفصيليّ فضلا عن الإجمالي.
(قوله فهل القطع
الإجمالي كذلك ... إلخ)
قد عرفت ان فيه
وجوها ثلاثة وان المختار هو الوجه الثاني وهو تأثيره في التنجيز بنحو الاقتضاء دون
العلية التامة.
(قوله لا يبعد ان يقال
إن التكليف حيث لم ينكشف به ... إلخ)
شروع في الاستدلال
على الوجه الثاني وقد عرفت ضعف هذا الاستدلال وان الصحيح هو الاستدلال عليه بما
ذكرناه من الجواب عن المناقضة التي هي مدرك الوجه الأول (قوله ومحذور مناقضته مع المقطوع إجمالا
... إلخ)
شروع في الجواب عن
المناقضة وهو النقض بالترخيص في الشبهات الغير المحصورة والشبهات البدوية وقد عرفت
ان الصحيح هو الاكتفاء بالنقض الأخير فقط دون الأول.
(قوله لا يقال ان
التكليف فيهما لا يكون بفعلي ... إلخ)
هذا الإشكال مع
جوابه إلى قوله أو بدون ذلك مضروب عليه في بعض النسخ
وان لم يضرب عليه
في نسختي وهي طبع بغداد ولكن الصحيح أن يضرب عليه فانه مما لا يرجع إلى محصل.
(قوله وقد أشرنا إليه
سابقا ... إلخ)
أي إلى التفصي في
الأمر الرابع (حيث قال فيه) قلت يمكن أن يكون الحكم فعليا بمعنى انه لو تعلق به
القطع على ما هو عليه من الحال لتنجز واستحق على مخالفته العقوبة ومع ذلك لا يجب
على الحاكم رفع عذر المكلف برفع جهله لو أمكن أو بجعل لزوم الاحتياط عليه فيما
أمكن بل يجوز جعل أصل أو أمارة مؤدية إليه تارة وإلى ضده أخرى ولا يكاد يمكن مع
القطع به جعل حكم آخر مثله أو ضده كما لا يخفى ... إلخ.
(قوله ويأتي إن شاء
الله تعالى مفصلا ... إلخ)
أي في الجمع بين
الحكم الظاهري والواقعي ونحن قد أشرنا إلى تفصيله آنفا.
(قوله لا في العلية
التامة ... إلخ)
(قال في تعليقته
على الكتاب) لدى التعليق على قوله هذا ما هذا لفظه لكنه لا يخفى ان التفصي عن
المناقضة على ما يأتي لما كان بعدم المنافاة والمناقضة بين الحكم الواقعي ما لم
يصر فعليا والحكم الظاهري الفعلي كان الحكم الواقعي في موارد الأصول والأمارات
المؤدية إلى خلافه لا محالة غير فعلي فحينئذ فلا يجوز العقل مع القطع بالحكم
الفعلي الإذن في مخالفته بل يستقل مع قطعه ببعث المولى أو زجره ولو إجمالا بلزوم
موافقته وإطاعته نعم لو عرض بذلك عسر موجب لارتفاع فعليته شرعا أو عقلا كما إذا
كان مخلا بالنظام فلا تنجز حينئذ لكنه لأجل عروض الخلل في المعلوم لا لقصور العلم
عن ذلك كما كان الأمر كذلك فيما إذا اذن الشارع في الاقتحام يعني به في مورد العلم
التفصيليّ للعسر فانه أيضا موجب للخلل في المعلوم لا المنع عن تأثير العلم شرعا
وقد انقدح بذلك انه لا مانع عن تأثيره شرعا أيضا فتأمل جيدا (انتهى) (ومحصله) ان
التفصي عن المناقضة على ما سيأتي في الجمع
بين الحكم الواقعي
والظاهري انما هو بعدم فعلية الحكم الواقعي وفعلية الحكم الظاهري فلا يبقى منافاة
بينهما ولكن إذا حصل العلم الإجمالي بتكليف فعلي كان على طبقه البعث والزجر لا
محالة يعني بهما الإرادة والكراهة في نفس المولى فلا يجوز العقل حينئذ الترخيص في
أطرافه لا كلا ولا بعضا.
(وفيه) ان الّذي
سيأتي منه في الجمع بين الحكم الواقعي والظاهري ويصرح به بنفسه ان الحكم الواقعي
فعلي بمعنى انه لو تعلق به العلم لتنجز والحكم الظاهري فعلي منجز وان الواقعي ما
لم يبلغ مرتبة التنجز لم ينقدح على طبقه البعث والزجر في النّفس النبوية أو
الولويّة فلا ينافي هو مع الحكم الظاهري المجعول على خلافه (وعليه) فكما جاز
للشارع الإذن والترخيص في الشبهات البدوية وكان ذلك كاشفا عن عدم الإرادة والكراهة
على طبق الحكم الواقعي المحتمل فيها كي يناقض الحكم الظاهري وإلّا لم يأذن في
الشبهات أصلا بل كان يجعل الاحتياط فيها فكذلك جاز للشارع الإذن والترخيص في أطراف
العلم الإجمالي وكان ذلك كاشفا عن عدم الإرادة والكراهة على طبق الحكم الواقعي
المعلوم بالإجمال كي يناقض الترخيص فيها ما لم يتعلق العلم التفصيلي بالحكم
الواقعي ويعرف هو بعينه شخصا فافهم جيدا
(قوله لو لم يمنع عنه
مانع عقلا كما كان في أطراف كثيرة غير محصورة ... إلخ)
مقصوده من المانع
العقلي عن تنجز التكليف بالعلم الإجمالي في أطراف كثيرة غير محصورة هو العسر
الشديد المخل بالنظام كما يظهر منه في غير مقام بل ومن عبارته المتقدمة آنفا من
تعليقته كما ان ظاهره في المقام ان المانع في الأطراف الكثيرة الغير المحصورة
ينحصر بالعقلي فقط وهو كما ترى ضعيف لجواز ان يكون العسر دون الإخلال بالنظام
فيكون المانع شرعيا لا عقليا.
(قوله أو شرعا كما
فيما أذن الشارع في الاقتحام فيها كما هو ظاهر كل شيء فيه حلال وحرام فهو لك حلال
حتى تعرف الحرام منه بعينه ... إلخ)
نعم ظاهر ذلك هو
الإذن الشرعي في الاقتحام في الأطراف وان كانت محصورة ولكن سيأتي منا في محله ان
العمل بهذا الظهور بحيث إذا علم إجمالا بخمرية أحد الإناءين أو الأواني جاز
الاقتحام فيهما أو فيها جميعا مشكل جدا لم يعمل به أحد من الأصحاب على الظاهر إلا
النادر فالأولى رد علمه إلى أهله فإنهم أولى بتأويله وأحق بتفسيره
(قوله واما احتمال انه
بنحو الاقتضاء بالنسبة إلى لزوم الموافقة القطعية وبنحو العلية بالنسبة إلى
الموافقة الاحتمالية وترك المخالفة القطعية فضعيف جدا ... إلخ)
إشارة إلى التفصيل
المتقدم في المسألة وهو الوجه الثالث فيها وقد عرفت ضعفه جدا فانه وإن وافق الوجه
الثاني في جواز الترخيص في بعض الأطراف ولكنه قد وافق الوجه الأول في عدم جواز
الترخيص في جميع الأطراف (وعليه) فإذا ثبت بطلان الأول بمعنى ثبوت جواز الترخيص في
جميع الأطراف كما تقدم لك شرحه آنفا ثبت بطلان التفصيل قهرا.
(واما المصنف) فقد
أورد عليه من وجه آخر وإن شئت قلت أورد عليه بالنقض فقط دون الحل (ومحصله) انه لا
وجه لعدم جواز الترخيص في تمام الأطراف بنظر المفصل الا لزوم المناقضة مع التكليف
الواقعي المعلوم بالإجمال وهذا المحذور بعينه موجود في الترخيص في بعض الأطراف
أيضا غايته انه يلزم من الترخيص في تمام الأطراف القطع بالمناقضة ومن الترخيص في
بعض الأطراف احتمال المناقضة وهو محال كالقطع بالمناقضة فلم يمنع المفصل عن الأول
ويجوز الثاني
(ثم ان هذا
التفصيل) مما يلوح من كلمات الشيخ أعلى الله مقامه فبالنسبة إلى المخالفة القطعية
يظهر منه العلية التامة وعدم جواز الترخيص في تمام الأطراف بأجمعها فتحرم وبالنسبة
إلى الموافقة القطعية يظهر منه الاقتضاء وجواز الترخيص
في بعض الأطراف
على البدل ولكن لم يرد من الشرع ما يستفاد منه ذلك فتجب (قال في العلم الإجمالي)
واما المخالفة العملية فان كانت لخطاب تفصيلي فالظاهر عدم جوازها سواء كانت في
الشبهة الموضوعية كارتكاب الإناءين المشتبهين المخالف لقول الشارع اجتنب عن النجس
أو كترك القصر والإتمام في موارد اشتباه الحكم لأن ذلك معصية لذلك الخطاب لأن
المفروض وجوب الاجتناب عن النجس الموجود بين الإناءين ووجوب صلاة الظهر والعصر
وكذا لو قال أكرم زيدا واشتبه بين شخصين فان ترك إكرامها معصية (انتهى) (وقال في
الاشتغال) في الشبهة الوجوبية اما الأول فالظاهر حرمة المخالفة القطعية لأنها
معصية عند العقلاء فانهم لا يفرقون بين الخطاب المعلوم تفصيلا أو إجمالا في حرمة
مخالفته وفي عدها معصية (انتهى) وظاهر هاتين العبارتين هي العلية التامة بالنسبة
إلى المخالفة القطعية وعدم جواز الترخيص في تمام الأطراف بأجمعها لكونه معصية
للتكليف المعلوم بالإجمال (واما ما يظهر منه الاقتضاء) بالنسبة إلى الموافقة
القطعية وجواز الترخيص في بعض الأطراف على البدل وان لم يرد من الشرع ما يستفاد
منه ذلك (فقال أعلى الله مقامه) في الشبهة المحصورة في المخالفة القطعية نعم لو
أذن الشارع في ارتكاب أحدهما مع جعل الآخر بدلا عن الواقع في الاجتزاء بالاجتناب
عنه جاز فإذن الشارع في أحدهما لا يحسن إلّا بعد الأمر بالاجتناب عن الآخر بدلا
ظاهريا عن الحرام الواقعي فيكون المحرم الظاهري هو أحدهما على التخيير وكذا المحلل
الظاهري ويثبت المطلوب وهو حرمة المخالفة القطعية بفعل كلا المشتبهين (وقال في
الشبهة المحصورة) أيضا في الموافقة القطعية فان قلت قوله عليهالسلام كل شيء لك حلال حتى تعرف انه حرام أو نحوه يستفاد منه حلية
الشبهات بالشبهة المجردة عن العلم الإجمالي جميعا وحلية الشبهات المقرونة بالعلم
الإجمالي على البدل فان الرخصة في كل شبهة مجردة لا ينافي الرخصة في غيرها لاحتمال
كون الجميع حلالا في الواقع فالبناء على كون هذا المشتبه بالخمر خلا
لا ينافي البناء
على كون المشتبه الآخر خلا واما الرخصة في شبهة مقرونة بالعلم الإجمالي والبناء
على كونه خلا لما استلزم وجوب البناء على كون المحرم هو المشتبه الآخر فلا يجوز
الرخصة فيه جميعا نعم يجوز الرخصة فيه بمعنى جواز ارتكابه والبناء على ان المحرم
غيره مثل الرخصة في ارتكاب أحد المشتبهين بالخمر مع العلم بكون أحدهما خمرا فانه
لما علم من الأدلة تحريم الخمر الواقعي ولو تردد بين الأمرين كان معنى الرخصة في
ارتكاب أحدهما الإذن في البناء على عدم كونه هو الخمر المحرم عليه وان المحرم غيره
فكل منهما حلال بمعنى جواز البناء على كون المحرم غيره (إلى ان قال) قلت الظاهر من
الأخبار المذكورة البناء على حلية محتمل التحريم والرخصة فيه لا وجوب البناء على
كونه هو الموضوع المحلل ولو سلم فظاهرها البناء على كون كل مشتبه كذلك وليس الأمر
بالبناء في كون أحد المشتبهين هو الخل أمرا بالبناء على كون الآخر هو الخمر فليس
في الروايات من البدلية عين ولا أثر (انتهى).
(وبالجملة) المحصل
من مجموع الكلمات المذكورة للشيخ أعلى الله مقامه ان العلم الإجمالي علة تامة
بالنسبة إلى حرمة المخالفة القطعية فلا يمكن الترخيص في تمام الأطراف بأجمعها
ومقتض بالنسبة إلى الموافقة القطعية فيمكن الترخيص في بعض الأطراف على البدل ولكن
لم يرد من الشرع ما يستفاد منه ذلك أي البدلية فتأمل جيدا.
(قوله فلا يكون عدم
القطع بذلك معها موجبا لجواز الإذن في الاقتحام ... إلخ)
أي فلا يكون عدم
القطع بثبوت المتناقضين مع الموافقة الاحتمالية بمراعاة بعض الأطراف موجبا لجواز
الإذن في الاقتحام في بعض الأطراف.
(قوله فافهم ... إلخ)
ولعله إشارة إلى
ضعف قوله بل لو صح معها الإذن في المخالفة الاحتمالية صح في
القطعية أيضا وانه
لا ملازمة بين صحة الإذن في المخالفة الاحتمالية وبين الإذن في المخالفة القطعية
وذلك لما تقدم من الشيخ أعلى الله مقامه من جواز الترخيص في بعض الأطراف بجعل
الطرف الآخر بدلا عن الواقع دون الترخيص في جميع الأطراف بترك الواقع بلا بدل ولكن
بعد ما عرفت منا جواز الترخيص في جميع الأطراف كلا واتضح لك إمكانه بلا مانع عنه
عقلا فلا وجه لقوله فافهم.
(قوله ولا يخفى ان
المناسب للمقام هو البحث عن ذلك كما ان المناسب في باب البراءة والاشتغال ... إلخ)
أي ولا يخفى ان
المناسب للمقام هو البحث عن كون العلم الإجمالي مقتضيا للتنجيز أو علة تامة كما ان
المناسب للاشتغال بعد الفراغ هاهنا عن كونه مقتضيا للتنجيز وقابلا للترخيص في
أطرافه كلا أو بعضا هو البحث عن ورود الترخيص هناك شرعا وعدمه وانه هل لنا أصل
عملي صالح بدليله للجريان في أطرافه كلا أو بعضا أم لا (هذا) وقد جعل الشيخ أعلى
الله مقامه الفرق بين المقامين بنحو آخر فجعل البحث في المقام في حرمة المخالفة
القطعية وفي البراءة والاشتغال في وجوب الموافقة القطعية (قال) في العلم الإجمالي
والكلام من الجهة الأولى يعني بها كون المعلوم بالإجمال هل هو كالمعلوم بالتفصيل
في الاعتبار والتنجز على المكلف يقع من جهتين لأن اعتبار العلم الإجمالي له
مرتبتان الأولى حرمة المخالفة القطعية والثاني وجوب الموافقة القطعية والمتكفل
للتكلم في المرتبة الثانية هي مسألة البراءة والاشتغال عند الشك في المكلف به
فالمقصود في المقام الأول التكلم في المرتبة الأولى (انتهى) كلامه رفع مقامه ولكنك
إذا تدبرت في المقام كما هو حقه تعرف ان فرق المصنف بين المقامين هو أنسب وأصح فلا
تغفل.
في الامتثال الإجمالي
(قوله واما سقوطه به
بأن يوافقه إجمالا ... إلخ)
إشارة إلى المقام
الثاني من الكلام في العلم الإجمالي وقد قدمه الشيخ أعلى الله مقامه على المقام
الأول في الذّكر (فقال) ولنقدم الكلام في المقام الثاني وهو كفاية العلم الإجمالي
في الامتثال (انتهى) (وعلى كل حال) حاصل الكلام فيه ان مع التمكن من تحصيل العلم
التفصيليّ بالامتثال هل يكفي العلم الإجمالي بالامتثال بأن يحتاط في أطراف العلم
الإجمالي أم لا فإذا علم مثلا بوجوب أحد الأمرين اما الظهر واما الجمعة في الشبهة
الحكمية أو بوجوب الصلاة إلى إحدى الجهات الأربع عند اشتباه القبلة في الشبهة
الموضوعية فهل يكفي العلم الإجمالي بالامتثال بإتيان كل من الظهر والجمعة أو
بإتيان الصلاة إلى كل من الجهات الأربع مع التمكن من تحصيل العلم التفصيليّ
بالامتثال باستعلام الحال اما بالفحص والتتبع أو بالسؤال عن الموضوع ومعرفة الواجب
بعينه على التفصيل والإتيان به بخصوصه أم لا يكفي إلا عند تعذر العلم التفصيليّ
به.
(قوله فلا إشكال فيه
في التوصليات ... إلخ)
إذ المقصود من
التوصلي يحصل بمجرد حصول التوصلي في الخارج كيف ما اتفق سواء علم حين الإتيان به
انه هو الواجب بخصوصه أم لم يعلم (وقد أشار إليه الشيخ) أعلى الله مقامه بقوله اما
فيما لا يحتاج سقوط التكليف فيه إلى قصد الإطاعة ففي غاية الوضوح (انتهى).
(قوله واما في
العباديات فكذلك فيما لا يحتاج إلى التكرار ... إلخ)
كما إذا تردد
الواجب بين الأقل والأكثر كتردد الصلاة بين فاقد السورة وواجدها فان الاحتياط
حينئذ بإتيان الأكثر مما لا يحتاج إلى التكرار كما يحتاج إليه فيما دار
أمره بين
المتباينين كالظهر والجمعة أو الصلاة إلى الجهات الأربع في المثالين المتقدمين (ثم
ان ظاهر الشيخ) في المقام هو جواز الاحتياط في العباديات مطلقا حتى فيما احتاج إلى
التكرار فضلا عما لا يحتاج إليه (قال) بعد عبارته المتقدمة آنفا ما لفظه واما فيما
يحتاج إلى قصد الإطاعة يعني به العباديات فالظاهر أيضا تحقق الإطاعة إذا قصد
الإتيان بشيئين يقطع بكون أحدهما المأمور به ودعوى ان العلم بكون المأتي به مقربا
معتبر حين الإتيان به ولا يكفي العلم بعده بإتيانه ممنوعة إذ لا شاهد لها بعد تحقق
الإطاعة بغير ذلك أيضا فيجوز لمن تمكن من تحصيل العلم التفصيليّ بأداء العبادات
العمل بالاحتياط وترك تحصيل العلم التفصيليّ لكن الظاهر كما هو المحكي من بعض ثبوت
الاتفاق على عدم جواز الاكتفاء بالاحتياط إذا توقف على تكرار العبادة (إلى ان قال)
واما إذا لم يتوقف الاحتياط على التكرار كما إذا أتى بالصلاة مع جميع ما يحتمل أن
يكون جزءاً فالظاهر عدم ثبوت اتفاق على المنع ووجوب تحصيل اليقين التفصيليّ لكن لا
يبعد ذهاب المشهور إلى ذلك يعني به المنع (انتهى) موضع الحاجة من كلامه هذا كله من
أمر الشيخ أعلى الله مقامه.
(واما المصنف) فقد
اختار أيضا جواز الاحتياط في العباديات فيما لا يحتاج إلى التكرار نظرا إلى عدم
إخلاله بشيء مما اعتبر أو يحتمل اعتباره فيها من قصد القربة والوجه والتمييز نعم
يخل فقط بعدم إتيان ما احتمل جزئيته كالسورة في المثال المتقدم على تقدير جزئيتها
بقصد الجزئية (قال) واحتمال دخل قصدها ضعيف في الغاية وسخيف إلى النهاية (انتهى).
(أقول)
ويحتمل أن يكون
مقصوده من الإخلال بقصد الجزئية هو الإخلال بقصد العنوان المعتبر في كل جزء من
أجزاء الصلاة قطعا ولكنه ضعيف لا يصار إليه فان المشكوك إذا أتى به برجاء جزئيته
فهو على تقدير كونه جزءا واقعا قد أتى به بقصد الجزئية كما انه إذا أتى به برجاء
وجوبه فهو على تقدير وجوبه واقعا قد أتى بقصد الوجه
والقربة جميعا (ويحتمل)
أن يكون مقصوده من الإخلال بقصد الجزئية هو الإخلال بالتمييز فانه إذا لم يعلم ان
الواجب هل هو الأقل أو الأكثر لم يمكن الإتيان بالمشكوك الزائد على الأقل بقصد
الجزئية (وعلى كل حال) الحق هو ما ذهب إليه المصنف من جواز الاحتياط في العباديات
فيما لا يحتاج إلى التكرار نظرا إلى عدم إخلاله بشيء من قصد القربة والوجه أصلا
كما ستعرف في المتباينين مما يحتاج الاحتياط فيه إلى التكرار فكيف بالمقام مضافا
إلى ان الوجه مما لا وجه لاعتباره في العباديات كما تقدم في التعبدي والتوصلي نعم
يخل بالتمييز فقط حيث لا يعلم ان الواجب هل هو الأقل أو الأكثر إلا ان التمييز
أيضا مما لا دليل على اعتباره كما تقدم هناك فتدبر جيدا.
(قوله فانه نشأ من قبل
الأمر بها ... إلخ)
علة لعدم إمكان
الأخذ في العباديات كما في قصد الإطاعة والوجه والتمييز وقد تقدم في التعبدي
والتوصلي شرح كل من قصد الإطاعة والوجه والتمييز مع بيان نشوها من قبل الأمر بها
فراجع قول المصنف هناك ولا لاستظهار عدم اعتبار مثل الوجه مما هو ناش من قبل الأمر
... إلخ مع ما علقناه عليه مشروحا.
(قوله واما فيما احتاج
إلى التكرار ... إلخ)
كما إذا تردد
الواجب بين امرين متباينين أو أكثر وقد تقدم التمثيل له آنفا بالظهر والجمعة في
الشبهة الحكمية وبالصلاة إلى الجهات الأربع عند اشتباه القبلة في الشبهة
الموضوعية.
(قوله فربما يشكل من
جهة الإخلال بالوجه تارة وبالتمييز أخرى وكونه لعبا وعبثا ثالثة ... إلخ)
(اما الإشكال) من
جهة الإخلال بالوجه فظاهر الشيخ أعلى الله مقامه في العلم الإجمالي وفي الخاتمة في
شرائط الأصول ان المشهور قد منعوا عن الاحتياط في العبادات مطلقا سواء احتاج إلى
التكرار أم لا مستندين في ذلك إلى الإخلال بالوجه
ويظهر منه أعلى
الله مقامه تقريره لهم في هذا الإخلال غير انه منع عن اعتبار نية الوجه في
العبادات وأحاله إلى الفقه في نية الوضوء (واما الإشكال) من ناحية التمييز ومن
ناحية اللعب بأمر المولى فهذا الإشكال من الشيخ بنفسه فانه بعد ما اختار في المقام
جواز الاحتياط في العبادات مطلقا ولو فيما احتاج إلى التكرار من غير تفصيل فيها
أصلا قد استشكل في الخاتمة في شرائط الأصول في جواز الاحتياط فيما احتاج إلى
التكرار من ناحية التمييز ومن ناحية اللعب بأمر المولى (قال) فيما أفاده في
الخاتمة ما لفظه فنقول ان الجاهل التارك للطريقين الباني على الاحتياط على قسمين
لأن إحرازه للواقع تارة لا يحتاج إلى تكرار العمل كالآتي بالسورة في صلاته احتياطا
وغير ذلك من موارد الشك في الشرطية والجزئية وأخرى يحتاج إلى التكرار كما في
المتباينين كالجاهل بوجوب القصر والإتمام في سير أربع فراسخ والجاهل بوجوب الظهر
أو الجمعة عليه اما الأول فالأقوى فيه الصحة بناء على عدم اعتبار نية الوجه في
العمل والكلام في ذلك قد حررناه في الفقه في نية الوضوء (إلى ان قال) واما الثاني
وهو ما يتوقف الاحتياط فيه على تكرار العبادة فقد يقوي في النّظر أيضا جواز ترك
الطريقين فيه يعني الاجتهاد والتقليد إلى الاحتياط بتكرار العبادة بناء على عدم
اعتبار نية الوجه لكن الإنصاف عدم العلم بكفاية هذا النحو من الإطاعة الإجمالية
وقوة احتمال اعتبار الإطاعة التفصيلية في العبادة بأن يعلم المكلف حين الاشتغال
بما يجب عليه انه هو الواجب عليه (ثم قال) ولذا بعد تكرار العبادة لإحراز الواقع
مع التمكن من العلم التفصيليّ به أجنبيا عن سيرة المتشرعة بل من أتى بصلوات غير
محصورة لإحراز شروط صلاة واحدة بأن صلى في موضع تردد فيه القبلة بين أربع جهات في
خمسة أثواب أحدها طاهر ساجدا على خمسة أشياء أحدها ما يصح السجود عليه مائة صلاة
مع التمكن من صلاة واحدة يعلم فيها تفصيلا اجتماع الشروط الثلاثة يعد في الشرع
والعرف لاعبا بأمر المولى والفرق بين الصلوات الكثيرة وصلاتين لا يرجع إلى محصل
نعم لو كان ممن.
يتمكن من العلم
التفصيليّ كان ذلك منه محمودا مشكورا (انتهى) موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه (فقوله)
بأن يعلم المكلف حين الاشتغال بما يجب عليه انه هو الواجب عليه إشارة إلى الإشكال
من ناحية التمييز (كما ان قوله) بل من أتى بصلوات غير محصورة إلى قوله يعد في
الشرع لاعبا بأمر المولى إشارة إلى الإشكال من ناحية اللعب بأمر المولى (وله أعلى
الله مقامه) في العلم الإجمالي في دوران الأمر بين الظن الخاصّ بالامتثال والعلم
الإجمالي به عبارة أخرى في الإشكال من ناحية التمييز أصرح مما تقدم فراجع.
(أقول)
اما الإشكال من
ناحية الإخلال بالوجه ففيه.
(أولا) انه لا
إخلال بالوجه فيما إذا أتى بكل من طرفي العلم الإجمالي باحتمال وجوبه بحيث كان هو
الداعي له في العمل كما في الشبهات البدوية عينا فانه إذا فعل كذلك فالمأتي به على
تقدير وجوبه واقعا قد وقع في الخارج بقصد الوجه والقربة جميعا كما أشير آنفا (وقد
اعترف الشيخ) بنفسه في موضع آخر من كلامه بتصوير الإتيان بأطراف العلم الإجمالي مع
رعاية الوجه والقربة جميعا بل جعل لذلك طريقين (قال) في الاشتغال في الشبهة
الوجوبية عند التكلم حول بعض كلمات المحقق القمي (ما لفظه) فان قلت إذا سقط قصد
التعيين لعدم التمكن فبأيهما ينوي الوجوب والقربة قلت له في ذلك طريقان.
(أحدهما) ان ينوي
بكل منهما الوجوب والقربة لكونه بحكم العقل مأمورا بالإتيان بكل منهما.
(وثانيهما) أن
ينوي بكل منهما حصول الواجب به أو بصاحبه تقربا إلى الله فيفعل كلا منهما فيحصل
الواجب الواقعي وتحصيله لوجوبه والتقرب به إلى الله تعالى فيتصور اني أصلي الظهر
لأجل تحقق الفريضة الواقعية به أو بالجمعة التي أفعل
بعدها أو فعلت
قبلها قربة إلى الله (ثم ساق) بعد ذلك كلاما آخر هو صريح في خصوص الطريق الثاني
فقط فراجع.
(ثم ان) الطريق
الأول وان كان مما لا يخلو عن مناقشة ولكن الطريق الثاني مما لا بأس به.
(وظاهر قول المصنف)
في الكتاب وأنت خبير بعدم الإخلال بالوجه بوجه في الإتيان مثلا بالصلاتين
المشتملتين على الواجب لوجوبه ... إلخ هو هذا الطريق الثاني فهو مع ما ذكرناه قبلا
من الإتيان بكل طرف من طرفي العلم الإجمالي باحتمال وجوبه هما طريقان صحيحان
لمراعاة قصد القربة والوجه في أطراف العلم الإجمالي (وعليه) فلا يكون الاحتياط في
العبادات مخلا بالوجه أبدا.
(وثانيا) لو سلم
ان الاحتياط في أطراف العلم الإجمالي هو مما يخل بقصد الوجه فقد تقدم في التعبدي والتوصلي
كما أشير في المقام انه مما لا وجه لاعتباره هذا كله تمام الكلام في الإشكال من
ناحية الإخلال بالوجه (واما الإخلال بالتمييز) فهو حق لا ننكره ولكن تقدم أيضا في
التعبدي والتوصلي انه مما لا وجه لاعتباره فلا يمكن رفع اليد عن جواز الاحتياط في
العبادات لمراعاة التمييز الغير المعتبر فيها لا شرعا ولا عقلا (واما الإشكال من
ناحية اللعب) بأمر المولى ففيه المنع عن ذلك جدا إذا كان الاحتياط المستلزم
للتكرار بداعي عقلائي كما إذا كان في تحصيل العلم التفصيليّ بالامتثال مشقة وكلفة
أو بذل مال أو ذل سؤال أو نحو ذلك من الدواعي وأشد من ذلك منعا دعوى عدم الفرق بين
الاحتياط بإتيان الصلوات الكثيرة كمائة صلاة وبين الإتيان بصلاتين أو ما يقرب
منهما وان الفرق بينهما لا يرجع إلى محصل كما تقدم في آخر عبارة الشيخ أعلى الله
مقامه فتأمل في المقام جيدا.
(قوله كما نبهنا عليه
سابقا ... إلخ)
أي في التعبدي
والتوصلي.
(قوله انما يضر إذا
كان لعبا بأمر المولى لا في كيفية إطاعته بعد حصول الداعي إليها ... إلخ)
هذا جواب ثاني عن
الإشكال من ناحية اللعب بأمر المولى ولا محصل له والصحيح هو الجواب الأول الّذي قد
ذكره في الكتاب ونحن أيضا قد ذكرناه من المنع عن لزوم اللعب إذا كان التكرار بداعي
عقلائي لا تسليم لزومه وانه في كيفية إطاعته لا في امر المولى.
(قوله هذا كله في قبال
ما إذا تمكن من القطع تفصيلا بالامتثال إلى آخره)
قد أشرنا ان
الكلام في هذا المقام الثاني انما هو عند التمكن من تحصيل العلم التفصيليّ بالامتثال
واما مع عدم التمكن منه ودوران الأمر بين الامتثال الظني التفصيليّ وبين الامتثال
القطعي الإجمالي فيقع الكلام حينئذ في تقديم أحدهما على الآخر.
(فيقول المصنف) ما
محصله ان الظن بالامتثال التفصيليّ لا يخلو عن أحد شقوق ثلاثة فهو (اما يكون) مما
لا دليل على اعتباره الا عند تعذر العلم وفي هذه الصورة يقدم الامتثال القطعي
الإجمالي على الظني التفصيليّ إذ المفروض التمكن من العلم بالامتثال ولو إجمالا
وان اعتبار الظن منوط بتعذر العلم والعلم ميسور (واما يكون) مما قام الدليل على
اعتباره مطلقا كالظنون الخاصة المعتبرة بأدلة مخصوصة وفي هذه الصورة أيضا يجوز
الاجتزاء بكل منهما (واما يكون) معتبرا بمقدمات الانسداد وفي هذه الصورة أيضا يجوز
الاجتزاء بكل منهما ان كان من مقدماته عدم وجوب الاحتياط واما إذا كان من مقدماته
بطلان الاحتياط لاستلزامه العسر المخل بالنظام أو لكونه لعبا عبثا بأمر المولى
فيما إذا احتاج إلى التكرار كما ادعى ذلك وتقدم فيقدم الظني التفصيليّ على القطعي
الإجمالي.
(قوله كما لا إشكال في
الاجتزاء بالامتثال الإجماليّ ... إلخ)
شروع في الشق
الثالث من الشقوق المذكورة وليس من تتمات الكلام السابق كما يظهر بالتدبر.
(قوله ويأتي بعضه
الآخر في مبحث البراءة والاشتغال ... إلخ)
أي ويأتي بعضه
الآخر مما يرجع إلى العلم الإجمالي في مبحث الاشتغال إن شاء الله تعالى وقد أشار
فيما تقدم آنفا ان المناسب للمقام هو البحث عن تأثير العلم الإجمالي في التنجيز
بنحو العلية التامة أو الاقتضاء كما ان المناسب في باب البراءة والاشتغال بعد
الفراغ هاهنا عن التأثير بنحو الاقتضاء هو البحث عن ثبوت المانع شرعا أو عقلا عن
التأثير في التنجيز أي عن وجود أصل عملي صالح للجريان بدليله في أطراف العلم
الإجمالي كلا أو بعضا ليمنع العلم عن التأثير في التنجيز بالنسبة إلى حرمة
المخالفة القطعية أو وجوب الموافقة القطعية وعدمه.
في الأمارة الغير العلمية
(قوله أحدها انه لا
ريب في ان الأمارة الغير العلمية ليست كالقطع في كون الحجية من لوازمها ... إلخ)
المقصود من عقد
هذا الأمر الأول هو بيان أن الأمارة الغير العلمية أي الأمارات الظنية كخبر الثقة
وظواهر الكلام والإجماع المنقول وأشباه ذلك ليست الحجية من لوازمها كما في القطع
لا بنحو العلية ولا بنحو الاقتضاء إذ لو كان في الأمارة الغير العلمية اقتضاء
الحجية لكان يكفي في اعتبارها مجرد عدم المانع عنها بان لم يرد من الشرع منع عن
العمل بها لوجود المقتضي حينئذ وفقد المانع عنها مع انه لا يكفي قطعا بل يحتاج إلى
جعل الشارع أو ثبوت مقدمات وطرو حالات كما في المتن يعني بها مقدمات الانسداد (ودعوى)
ان بعض الأمارات الغير العلمية كخبر الثقة ونحوه مما استقر سيرة العقلاء على العمل
به يكفي في اعتباره عدم الردع عنه شرعا من دون حاجة إلى جعل الشارع هي (مما لا وجه
له) فان عدم الردع عنه إمضاء له وهو جعله شرعا فليس اعتباره لمجرد فقد المانع عنه
كما لا يخفى (ولو سلم
فاستقرار سيرة
العقلاء على العمل به هو المقتضي لحجيته وليس هو بنفسه مما فيه اقتضاء الحجية مع
قطع النّظر عن السيرة العقلائية وهذا واضح.
(قوله بناء على تقرير
مقدمات الانسداد بنحو الحكومة ... إلخ)
إذ بناء على الكشف
يكون الظن طريقا مجعولا من قبل الشرع فلا يكون قوله أو ثبوت مقدمات وطرو حالات
أمرا آخر في قبال قوله محتاج إلى جعل ... إلخ.
(قوله ثبوتا بلا خلاف
... إلخ)
أي في مقام ثبوت
التكليف به بلا خلاف.
(قوله ولا سقوطا ...
إلخ)
أي في مقام سقوط
التكليف به.
(قوله فتأمل ... إلخ)
ولعل وجه التأمل
ان اكتفاء بعض المحققين بالظن بالفراغ نظرا إلى عدم لزوم دفع الضرر المحتمل غير
مربوط هو بحجية الظن في مقام السقوط فان شأن الحجة ان يقطع معها بعدم الضرر لا انه
يحتمل معها الضرر ولا يجب دفعه بحكم العقل وهذا أيضا واضح.
في إمكان التعبد بالأمارة الغير العلمية
(قوله ثانيها في بيان
إمكان التعبد بالأمارة الغير العلمية شرعا ... إلخ)
المقصود من عقد
هذا الأمر الثاني بطوله كما ستعرف هو بيان إمكان التعبد بما سوى العلم وجعله طريقا
للوصول إلى الواقعيات كما في الأمارات الظنية أو جعله وظيفة مضروبة للجاهل يعمل
بها في ظرف الشك والحيرة كما في الأصول العملية والمراد من إمكان التعبد به هو
إمكانه الوقوعي بمعنى انه لا يلزم من وقوعه محذور عقلي من امر ممتنع ذاتي كاجتماع
الضدين أو ارتفاع النقيضين أو أمر ممتنع عرضي
كالظلم الّذي
يستحيل صدوره عن الحكيم وإن لم يمتنع صدوره عن غيره أو كتفويت المصلحة أو الإلقاء
في المفسدة الّذي يستحيل أيضا صدوره عن الحكيم وإن لم يمتنع عن غيره في قبال من
يدعي عدم إمكان التعبد به وقوعا بمعنى انه يلزم من وقوع التعبد به محذور عقلي كما
حكى عن ابن قبة رحمهالله بعد التسالم من الكل ظاهرا على إمكان التعبد به ذاتا وعدم
استحالته كذلك.
(وبالجملة ان)
المحال على قسمين (محال ذاتي) كاجتماع الضدين وارتفاع النقيضين (ومحال وقوعي)
بمعنى انه يلزم من وقوعه محذور عقلي من أمر ممتنع ذاتي كاجتماع الضدين أو ارتفاع
النقيضين أو امر ممتنع عرضي كالظلم من الحكيم جل وعلا وإمكان التعبد بما سوى العلم
المبحوث عنه في المقام هو الإمكان بهذا المعنى الأخير بمعنى انه هل هو ممكن وقوعا
ولا يلزم منه محذور عقلي أم ليس بممكن وقوعا لما يلزم منه من المحذور العقلي بعد
الفراغ عن عدم كونه محالا ذاتا كاجتماع الضدين أو ارتفاع النقيضين قطعا فافهم
جيدا.
(قوله وليس الإمكان
بهذا المعنى بل مطلقا أصلا متبعا عند العقلاء إلى آخره)
أي وليس الإمكان
بمعنى عدم لزوم محال منه وهو الإمكان الوقوعي بل مطلقا ولو بمعنى الإمكان الذاتي
أصلا متبعا عند العقلاء بحيث إذا شكوا في إمكان شيء بأحد المعنيين بنوا على إمكانه
بذاك المعنى (وهذا في الحقيقة) رد على الشيخ أعلى الله مقامه كما سيأتي التصريح به
من المصنف فان الشيخ بعد ما نقل دليلي ابن قبة على عدم جواز التعبد بخبر الواحد (قال
ما لفظه) واستدل المشهور على الإمكان بأنا نقطع بأنه لا يلزم من التعبد به محال (ثم
قال) وفي هذا التقرير نظر إذ القطع بعدم لزوم المحال في الواقع موقوف على إحاطة
العقل بجميع الجهات المحسنة والمقبحة وعلمه بانتفائها وهو غير حاصل فيما نحن فيه
فالأولى ان يقرر هكذا انا لا نجد في عقولنا بعد التأمل ما يوجب الاستحالة وهذا
طريق يسلكه العقلاء في
الحكم بالإمكان (انتهى
موضع الحاجة) من كلامه رفع مقامه (ومحصله) انه بمجرد ان لم نجد في عقولنا بعد
التأمل في المقام كما هو حقه ما يوجب الاستحالة نحكم بالإمكان إثباتا ولو مع عدم
القطع بإمكانه ثبوتا من جهة عدم الإحاطة بجميع الجهات المحسنة والمقبحة وهذا طريق
يسلكه العقلاء وأصل متبع عندهم لدى الشك والحيرة.
(فيقول المصنف)
انا نمنع سيرة العقلاء على الحكم بالإمكان وترتيب آثاره عند الشك.
(أولا) ونمنع حجية
سيرتهم لو سلم ثبوتها كذلك.
(ثانيا) إذ لا
دليل قطعي على اعتبارها والظن باعتبارها لو كان فالكلام فعلا في إمكان التعبد به
فلا يمكن الاعتماد عليه والاستناد إليه (فالصحيح) في مقام الاستدلال على الإمكان
أن يستدل عليه بوقوع التعبد بالأمارات الغير العلمية شرعا كما ستعرف تفصيلها واحدا
بعد واحد إن شاء الله تعالى والوقوع من طرق إثبات الإمكان بل هو من أقوى الدليل
عليه كما لا يخفى لا بما استدل به المشهور كي يرد عليه ما أورده الشيخ عليه ولا
بما استدل به الشيخ كي يرد عليه ما أوردناه نحن عليه فتأمل جيدا.
(قوله فيمتنع مطلقا أو
على الحكيم تعالى ... إلخ)
أي فيمتنع مطلقا
على الحكيم وغيره كما في اجتماع الضدين أو ارتفاع النقيضين أو يمتنع على الحكيم
خاصة كما في الإلقاء في المفسدة أو تفويت المصلحة وقد أشرنا إلى ذلك آنفا فلا
تغفل.
(قوله فلا حاجة معه في
دعوى الوقوع إلى إثبات الإمكان ... إلخ)
فان المقصد الأصلي
من إثبات إمكان التعبد بالأمارة الغير العلمية هو إثبات وقوعه خارجا كما ستعرف ومع
وقوع التعبد بها خارجا لا حاجة إلى إثبات الإمكان أصلا كما ان بدون الوقوع خارجا
لا فائدة في إثبات الإمكان ابنا.
(قوله والإمكان في
كلام الشيخ الرئيس ... إلخ)
دفع لما قد يتوهم
من ان كلام الشيخ الرئيس كلما قرع سمعك من الغرائب فذره في بقعة الإمكان ما لم
يذدك عنه واضح البرهان ... إلخ دليل على ما ادعاه الشيخ أعلى الله مقامه من الحكم
بالإمكان عند الشك وانه طريق يسلكه العقلاء.
(فيقول) المصنف في
دفعه ان الإمكان في كلام الشيخ الرئيس انما هو بمعنى الاحتمال أي كلما قرع سمعك من
الغرائب فاحتمل أنت وقوعه في الخارج على طبق ما قرع سمعك ما لم يمنعك عنه واضح
البرهان لا انه كلما قرع سمعك من الغرائب فاحكم بأنه أمر ممكن مع الشك في إمكانه
ثبوتا.
(قوله وكيف كان فما
قيل أو يمكن ان يقال في بيان ما يلزم التعبد بغير العلم ... إلخ)
اما ما قيل في
بيان ما يلزم التعبد بغير العلم فهو عبارة عما حكى عن ابن قبة من انه يلزم من جواز
التعبد بخبر الواحد في الإخبار عن النبي صلىاللهعليهوآله جواز التعبد به في الإخبار عن الله أيضا كما انه يلزم من
ذلك تحليل الحرام وتحريم الحلال أيضا (قال الشيخ) أعلى الله مقامه اما الأول أي
التعبد بالظن فاعلم ان المعروف هو إمكانه ويظهر من الدليل المحكي عن ابن قبة في
استحالة العمل بخبر الواحد عموم المنع لمطلق الظن فانه استدل على مذهبه بوجهين.
(الأول) انه لو
جاز التعبد بخبر الواحد في الإخبار عن النبي صلىاللهعليهوآله لجاز التعبد به في الإخبار عن الله تعالى والتالي باطل
إجماعا.
(الثاني) ان العمل
به موجب لتحليل الحرام وتحريم الحلال إذ لا يؤمن ان يكون ما أخبر بحليته حراما
وبالعكس (انتهى) هذا حاصل ما قيل في بيان ما يلزم التعبد بغير العلم (واما ما يمكن)
أن يقال في ذلك فهو عبارة عما أضافه المصنف إلى الأمرين المذكورين مما سيأتي بيانه
في المتن وهي أمور عديدة ونحن نشرحها لك واحدا بعد واحد إن شاء الله تعالى.
(قوله من المحال أو
الباطل ولو لم يكن بمحال ... إلخ)
اما المحال في
المقام فهو اجتماع الضدين أو المثلين واما الباطل ولو لم يكن بمحال ذاتا وان كان
محالا وقوعا من الحكيم فهو الإلقاء في المفسدة أو تفويت المصلحة وقد أشرنا آنفا
إلى ذلك مرتين فتذكر.
(قوله أمور أحدها
اجتماع المثلين من إيجابين أو تحريمين ... إلخ)
أو استحبابين أو
كراهتين أو إباحتين أحدهما ظاهري والآخر واقعي فيما إذا أصابت الأمارات أو طابقت
الأصول مع الواقع.
(قوله أو ضدين من
إيجاب وتحريم ... إلخ)
وإيجاب وكراهة
واستحباب وتحريم واستحباب وكراهة إلى غير ذلك من صور اجتماع الأحكام الخمسة بعضها
مع بعض أحدهما ظاهري والآخر واقعي فيما إذا أخطأت الأمارات أو خالفت الأصول مع
الواقع.
(قوله ومن إرادة
وكراهة ... إلخ)
وفيه ان الإرادة
والكراهة وان كانتا ضدين لا يجتمعان ولكن محذور اجتماعهما ليس أمرا آخر ما وراء
محذور اجتماع الإيجاب والتحريم فان تضاد مثل الوجوب والحرمة ليس إلّا من جهة تضاد
الإرادة والكراهة اللتين قد أنشأ الوجوب والحرمة بداعيهما وإلّا فنفس الوجوب
والحرمة بما هما هما من دون ان يكون إنشاؤهما بداعي الإرادة والكراهة ليسا متضادين
فان مجرد إنشاء الوجوب والحرمة المتعلقين بشيء واحد في آن واحد في كمال الإمكان.
(قوله ومصلحة ومفسدة
ملزمتين بلا كسر وانكسار في البين ... إلخ)
فان اجتماع
المصلحة والمفسدة مع الكسر والانكسار في شيء واحد في كمال الإمكان فان الخمر
والميسر فيهما مصلحة وفيهما مفسدة غير ان إثمهما أكبر من نفعهما كما في الكتاب
العزيز فتقع المصلحة بتمامها في قبال مقدار من المفسدة مما يكون بقدرها ويبقى من
المفسدة مقدار زائد لا يقابله شيء فيؤثر الزائد في التحريم (ومن هنا)
حرمهما الله تعالى
ولم يأمر بهما لغلبة إثمهما فان الحكم يتبع أقوى الجهات كما لا يخفى وهذا هو معنى
الكسر والانكسار.
(نعم) إذا لم يقع
بينهما الكسر والانكسار بأن أثر كل من المصلحة والمفسدة مع ما هما عليه من
الاختلاف أو التساوي بحسب المقدار في الحكم الشرعي فهذا هو المحال لاستلزامه
اجتماع الوجوب والحرمة ونحوهما (ومن هنا) يظهر أمران.
(أحدهما) انه لا
تضاد بين المصلحة والمفسدة إذا لم يقع بينهما الكسر والانكسار الا من جهة التضاد
الّذي بين الوجوب والحرمة كما ان التضاد الّذي بين الوجوب والحرمة ونحوهما ليس إلا
من جهة التضاد الّذي بين الإرادة والكراهة.
(ثانيهما) ان
المصنف لو اقتصر في بيان لزوم اجتماع الضدين على ذكر الإيجاب والتحريم فقط من دون
ذكر الإرادة والكراهة ولا ذكر المصلحة والمفسدة بلا كسر وانكسار في البين كان أولى
(ثم انه) لا وجه على الظاهر للتقييد بالملزمتين فان كل مصلحة ومفسدة إذا لم يقع
بينهما الكسر والانكسار يتضادان نظرا إلى سببية كل منهما لحكم مستقل ولو لم يكونا
ملزمتين كما في الاستحباب والكراهة أو كانت إحداهما ملزمة دون الأخرى كما في
الإيجاب والكراهة أو الاستحباب والحرمة
(قوله أو التصويب وان
لا يكون هناك غير مؤديات الأمارات أحكام ... إلخ)
هذا في قبال جميع
ما تقدم من المحاذير إلى هنا (وحاصله) انه إن قلنا إن لله تعالى في كل واقعة حكم
يشترك فيه الكل من العالم والجاهل تصيبه الأمارات والأصول تارة وتخطئانه أخرى كما
ادعى تواتر الأخبار عليه وقد أجمعت عليه الإمامية بأسرهم فيلزم من جعل الأمارات
والأصول تلك المحاذير المتقدمة الباطلة كلها أي يلزم اجتماع المثلين من إيجابين أو
تحريمين ونحوهما عند إصابة الأمارات ومطابقة الأصول مع الواقع واجتماع الضدين من
إيجاب وتحريم وإرادة وكراهة ومصلحة ومفسدة ملزمتين بلا كسر وانكسار في البين عند
خطأ الأمارات ومخالفة الأصول
مع الواقع (واما
إذا لم نقل) إن الله تعالى في كل واقعة حكم يشترك فيه الكل من العالم والجاهل بل
حكمه تعالى تابع لما أدته الأمارات والأصول فيلزم التصويب وهو أبطل من الكل.
(قوله ثانيها طلب
الضدين فيما إذا أخطأ وأدى إلى وجوب ضد الواجب ... إلخ)
فإذا قامت الأمارة
أو الأصل العملي على وجوب استقبال القبلة مثلا وقد أخطأت الأمارة أو خالف الأصل
العملي مع الواقع وكان الواجب واقعا استدبارها أو بالعكس لزم وجوب الضدين أحدهما
ظاهري والآخر واقعي.
(قوله ثالثها تفويت
المصلحة أو الإلقاء في المفسدة فيما أدى إلى عدم وجوب ما هو واجب أو عدم حرمة ما
هو حرام ... إلخ)
فإذا قامت الأمارة
أو الأصل العملي على عدم وجوب صلاة الجمعة مثلا في زمان الغيبة وكانت في الواقع
واجبة شرعا لزم من جعل هذه الأمارة المخطئة أو الأصل العملي المخالف للواقع تفويت
المصلحة على المكلف وإذا قامت على عدم حرمتها في زمان الغيبة وكانت حراما واقعا
لزم من جعل هذه الأمارة المخطئة أو الأصل العملي المخالف للواقع إلقاء المكلف في
المفسدة وكل منهما باطل قبيح يمتنع صدوره عن الحكيم ولو عرضا لا ذاتا.
(قوله والجواب ان ما
ادعى لزومه اما غير لازم أو غير باطل وذلك لأن التعبد بطريق غير علمي انما هو بجعل
حجيته ... إلخ)
وحاصله ان
المحاذير المتقدمة هي بين ما لا يلزم وان كان باطلا وبين ما ليس بباطل وان كان
لازما فاللازم منه غير باطل والباطل منه غير لازم (اما الباطل الغير اللازم) فهو
اجتماع المثلين أو الضدين وطلب الضدين (واما اللازم الغير الباطل) فهو تفويت
المصلحة أو الإلقاء في المفسدة بتقريب سيأتي منا شرحه وبيانه وتوضيح ذلك كله
يستدعي ذكر مقدمة مهمة.
(فنقول) إن لأرباب
الفن في الأمارات الظنية مسلكين.
(الأول) الطريقية
بمعنى انها ليست إلّا طرقا وكواشف عن الواقعيات وليست هي سببا لحدوث المصالح أو
المفاسد في متعلقات الأحكام ما وراء المصالح والمفاسد الواقعية التي هي فيها
والظاهر ان هذا هو المشهور عندهم وهو الحق عندنا كما ستعرف.
(الثاني) السببية
والموضوعية بمعنى ان قيام الأمارة سبب وموضوع لحدوث المصالح أو المفاسد في متعلقات
الأحكام ما وراء المصالح أو المفاسد الواقعية التي هي فيها وهذا القول هو غير
مشهور عندهم.
(اما القائلون
بالطريقية) فهم (بين) من يقول بتتميم الكشف وجعل الحجية بمعنى ان الشارع قد جعل
الطريق الغير العلمي كخبر الثقة ونحوه منجزا عند الإصابة وعذرا عند الخطأ كالعلم
بعينه بعد ما لم يكن كذلك في حد ذاته (وبعبارة أخرى) كان كشفه ناقصا فأتمه الشارع
بجعل الحجية له وبتنزيله إياه منزلة العلم ومن هنا سمى هذا القول بتتميم الكشف
وجعل الحجية وبتنزيل الأمارة منزلة العلم وهذا كله من غير ان يستتبع جعل أحكام
ظاهرية على طبق مؤدياتها من وجوب أو حرمة أو غيرهما (وبين) من يقول بجعل أحكام
ظاهرية على طبق مؤديات الطرق والأمارات بأن يكون معنى اعتبار الأمارة شرعا ان
للشارع أحكاما ظاهرية على طبق مؤدياتها فإذا قامت الأمارة على وجوب شيء فيحكم
الشارع ظاهرا بوجوب ذلك الشيء وإذا قامت على حرمة شيء فيحكم الشارع ظاهرا بحرمة
ذلك الشيء وهكذا فالمدار في حكم الشارع أي في حكمه الظاهري على ما أدته الأمارة
ومن هنا سمى هذا القول بجعل أحكام ظاهرية وبتنزيل المؤدي منزلة الواقع في قبال
تنزيل نفس الأمارة منزلة العلم وهو القول الأول.
(واما القائلون
بالسببية) والموضوعية فهم أيضا (بين) من يقول بأن قيام الأمارة سبب وموضوع لحدوث
مصالح أو مفاسد في متعلقات الأحكام هي
مستتبعة لجعل
أحكام شرعية على طبقها من دون ان يكون للجاهل أحكام واقعية ما وراء المؤديات أصلا
بمعنى انه لا يكون في حق الجاهل حكم غير ما أدته الأمارة فتختص الأحكام الواقعية
بالعالمين بها دون الجاهلين (وهذا هو المنسوب) إلى الأشعري ويرد عليه.
(أولا) انه دور
واضح فان الأحكام الواقعية لو اختصت بالعالمين بها لتوقفت هي على العلم بها توقف
الحكم على الموضوع والعلم بها أيضا يتوقف على الأحكام الواقعية توقف العلم على
المعلوم وهو دور كما ذكرنا (اللهم) إلا إذا أريد من ذلك اختصاص الأحكام الواقعية
بالعالمين بخطاباتها لا العالمين بالأحكام بأنفسها فلا دور حينئذ.
(وثانيا) انه
تصويب باطل عند الإمامية (قال الشيخ) أعلى الله مقامه بعد أن ذكر هذا الوجه بعينه
ما هذا لفظه وهذا تصويب باطل عند أهل الصواب من التخطئة وقد تواتر بوجود الحكم
المشترك بين العالم والجاهل الأخبار والآثار (انتهى)
(وثالثا) انه غير
معقول من جهة أخرى غير جهة الدور وهي انه لو قلنا انه لا حكم في الواقع للجاهل
أصلا غير ما أدته الأمارة فالمجتهد في حال اجتهاده وفحصه عن الحكم الشرعي قبل أداء
الأمارة له في أي شيء يجتهد وعن أي شيء يتفحص ويتتبع وسيأتي الإشارة إليه من
المصنف أيضا في الاجتهاد والتقليد فانتظر (اللهم) إلا ان يقال انه يتفحص ويتتبع عما
أدته الأمارات ودونته الكتب أو حملته صدور الرّجال وعما أوجبته هي بأدائها له
وقيامها عليه من الأحكام الإلهية بعد فرض القول بالسببية والموضوعية وعليه فلا
إيراد على هذا القول من هذه الناحية (وبين) من يقول بأن قيام الأمارة سبب وموضوع
لحدوث مصالح أو مفاسد في متعلقات الأحكام هي مستتبعة لجعل أحكام شرعية على طبقها
لكن مع الاعتراف بأن هناك أحكاما واقعية يشترك فيها الكل من العالم والجاهل غير
انها لا تكون فعلية عند قيام الأمارة على خلافها نظرا إلى كون المصالح والمفاسد
الحادثة بقيام
الأمارة غالبة على
المصالح والمفاسد الواقعية راجحة عليها فالحكم الواقعي فعلي في حق من قامت عنده
الأمارة على وفقه وشأني في حق من قامت عنده الأمارة على خلافه (وهذا هو المنسوب)
إلى المعتزلي (وقد أورد عليه الشيخ) أعلى الله مقامه بقوله وهذا أيضا كالأول في
عدم ثبوت الحكم الواقعي للظان بخلافه لأن الصفة المزاحمة بصفة أخرى لا تصير منشأ
لحكم فلا يقال للكذب النافع انه قبيح واقعا ومقصوده من كونه كالأول أي انه تصويب
باطل مثله.
(أقول)
والحق انه ليس
بتصويب فان الأحكام الواقعية الإنشائية بل الفعلية بالمعنى الّذي تقدم منا في بحث
الاجتماع أي البالغة مرتبة الإبلاغ والإعلام إلى نوع المكلفين موجودة محفوظة في
المقام مشتركة بين الكل غير انها في موارد قيام الأمارة على خلافها غير منجزة
لمزاحمتها بما هو أهم منها وأقوى ومزاحمة الحكم بما هو أهم منه وأقوى مما لا يوجب
سقوطه بالمرة كما تقدم هناك وتقدم في بحث الضد أيضا بل يسقط عن التنجز فقط ويبقى
على فعليته واقعا ومن المعلوم ان بقاء الفعلي المشترك بين العالم والجاهل مما يكفي
في نفي التصويب وهذا واضح.
(نعم هذا النحو)
من السببية والموضوعية مما لا دليل عليه إثباتا وإن صح وجوده ثبوتا وجاز وأمكن
واقعا.
(هذا وقد عد الشيخ)
أعلى الله مقامه من وجوه السببية القول بالمصلحة السلوكية وهو القول بعدم كون
الأمارة سببا وموضوعا لحدوث المصلحة أو المفسدة في متعلقات الأحكام ولكن في سلوكها
والعمل بها والالتزام بها مصلحة يتدارك بها ما يفوت من مصلحة الواقع عند مخالفتها
للواقع (قال أعلى الله مقامه) واما القسم الثاني يعني به السببية والموضوعية فهو
على وجوه (إلى ان قال) الثالث ان لا يكون للأمارة القائمة على الواقعة تأثير في
الفعل الّذي تضمنت الأمارة حكمه ولا تحدث فيه مصلحة إلّا ان العمل على طبق تلك
الأمارة والالتزام به في مقام
العمل على انه هو
الواقع وترتيب الآثار الشرعية المترتبة عليه واقعا يشتمل على مصلحة فأوجبه الشارع.
(أقول)
إن عد ذلك من وجوه
السببية مما لا يخلو عن مسامحة فانه لدى الحقيقة قول بعدم السببية وبعدم حدوث
المصلحة أو المفسدة بقيام الأمارة في متعلقات الأحكام غير ان في العمل بها مصلحة
يتدارك بها مصلحة الواقع لو خالفته فعد ذلك من وجوه الطريقية دون السببية أقرب
وأقرب كما لا يخفى (وعلى كل حال) إن القول بالمصلحة السلوكية وان في العمل
بالأمارات وفي سلوكها مصلحة يتدارك بها ما يفوت من مصلحة الواقع عند مخالفتها له
مما لا محذور فيه ثبوتا كالوجه الثاني بعينه ولكن لا دليل عليه إثباتا ومن المعلوم
ان مجرد عدم المحذور في شيء مما لا يكفي في الالتزام به إثباتا.
(ثم) ان الّذي
يمكن الالتزام به في مقام الإثبات ويساعده الاعتبار هو القول بالطريقية في
الأمارات مع الالتزام بان في جعلها ونصبها مصلحة عامة هي أهم من فوت المصلحة أو
الوقوع في المفسدة عند خطأ الأمارات ومخالفتها للواقع أحيانا وتلك المصلحة هي
الوصول إلى الواقعيات في الأغلب مع تسهيل الأمر للمكلفين ورفع التضييق عنهم كما ان
الملحوظ في جعل الأصول العملية هو مجرد تسهيل الأمر للمكلفين من دون لحاظ الوصول
إلى الواقعيات فلو لا جعل الأمارة الظنية ونصبها من قبل الشارع لهم في الوصول إلى
الواقعيات وانحصر الطريق لهم بالعلم فقط لتوجهت إليهم مشقات عظيمة وتكلفات شديدة
في سبيل تحصيل العلم بها والوصول إليها ان لم نقل بتعذر تحصيل العلم بها نوعا وهذا
بخلاف ما إذا نصب لهم طريق ظني مخصوص كخبر الثقة ونحوه يعمل به في الوصول إلى
الواقعيات (ثم ان) هذه غير المصلحة السلوكية المفروضة على نحو يتدارك بها ما يفوت
من مصلحة الواقع عند خطأ الأمارات فلا تغفل.
(وبالجملة) بعد
القول بالطريقية في الأمارات يمكن القول فيها بأن في سلوكها مصلحة يتدارك بها ما
يفوت من مصلحة الواقع عند خطأ الأمارات وهذا مما لا دليل عليه إثباتا ويمكن القول
فيها بأن في جعلها ونصبها للمكلفين مصلحة عامة هي أهم من فوت المصلحة أو الوقوع في
المفسدة عند خطأ الأمارات أحيانا وهذا مما يساعده الاعتبار جدا فعلى الأول إذا
أخطأت الأمارة وأدت إلى عدم وجوب ما هو الواجب أو إلى عدم حرمة ما هو الحرام لا
تفويت للمصلحة ولا إلقاء في المفسدة أصلا لتدارك الواقع بسلوك الأمارة كما لا
تفويت على السببية والموضوعية بقسميهما وعلى الثاني تفويت للمصلحة وإلقاء في
المفسدة ولكنه مما لا محذور فيه بعد ما كان مزاحما بما هو أهم منه وأقوى فتدبر
جيدا.
(هذا تمام الكلام)
في المقدمة التي كان ينبغي لنا ذكرها قبل توضيح جواب المصنف عن المحاذير المتقدمة
كلها وإذا عرفتها (فنقول) حاصل جوابه في المقام انا نلتزم في الأمارات الظنية
بالطريقية لا بالسببية ونقول فيها بتتميم الكشف وجعل الحجية لا بجعل أحكام ظاهرية
والحجية المجعولة غير مستتبعة لإنشاء أحكام تكليفية ظاهرية على طبق مؤديات الطرق
في قبال الأحكام الواقعية كي يلزم منها اجتماع المثلين عند إصابة الأمارات
ومطابقتها للواقع واجتماع الضدين من إيجاب وتحريم وإرادة وكراهة ومصلحة ومفسدة
ملزمتين بلا كسر وانكسار في البين عند خطأ الأمارات ومخالفتها للواقع وطلب الضدين
إذا أدت الأمارة إلى وجوب ضد الواجب بل يلزم منها تنجز التكليف الواقعي بقيام
الأمارة المعتبرة عند إصابتها وصحة الاعتذار بها عند خطأها.
(نعم يبقى) في
البين إشكال واحد وهو تفويت المصلحة أو الإلقاء في المفسدة عند خطأ الأمارة وعدم
مطابقتها مع الواقع وهذا مما لا محذور فيه إذا كان في التعبد بطريق غير علمي الّذي
اعتبره الشارع ونصبه لنا مصلحة غالبة على مفسدة التفويت أو الإلقاء كما لا يخفى (والظاهر)
ان مراد المصنف من التعبد به هو جعله مع العمل
به لا مجرد جعله
ونصبه وإلّا لزم حصول المصلحة بمجرد الجعل والنصب ولو لم يعمل به المكلف وهو كما
ترى (كما ان الظاهر) ان مراده من المصلحة الغالبة بقرينة اعترافه بتفويت المصلحة
والإلقاء في المفسدة انها ليست هي المصلحة السلوكية وإلّا لكانت مما يتدارك بها ما
يفوت من مصلحة الواقع عند خطأ الأمارات ومخالفتها له فلم يكن هناك تفويت ولا إلقاء
بل هي ما أشرنا إليه من المصلحة العامة التي هي في جعل الأمارات ونصبها من الوصول
إلى الواقعيات غالبا مع تسهيل الأمر للمكلفين ورفع التضييق عنهم فحيث انها كانت
أهم بنظر الشارع من تفويت المصلحة والإلقاء في المفسدة عند خطأ الأمارة أحيانا
قدمها عليه وجعل الأمارة ونصبها وأمر باتباعها وإن اتفق ندرة خطأها وصادف فوت
المصلحة الواقعية أو الوقوع في المفسدة الواقعية.
(أقول)
ويرد على هذا
الجواب بطوله (مضافا) إلى انه لو تم لاختص بالأمارات فقط ولم ينفع الأصول العملية
إذ لا معنى للالتزام فيها بجعل الحجية أي المنجزية عند الإصابة والعذرية عند الخطأ
فإنها ليست طرقا إلى الواقع كي تنجز الواقع بل لا بد فيها من الالتزام بجعل
الأحكام الظاهرية المحضة كما في قاعدة الطهارة وقاعدة الحل وشبههما (ان الحجية المجعولة)
في الأمارات الظنية هي مستتبعة لجعل أحكام ظاهرية على طبق مؤدياتها إذ لا معنى لأن
يحكم الشارع بحجية أمارة خاصة كخبر الثقة ونحوه ولا يحكم إذا قامت تلك الأمارة على
وجوب شيء أو حرمته بوجوب ذلك الشيء أو بحرمته ظاهرا بحيث إذا سأل عن حكم ذلك الشيء
في الظاهر لم يأمر بإتيانه أو بتركه (كما ان) الأحكام الظاهرية المجعولة على طبق
مؤديات الأمارات الظنية هي مستتبعة لتتميم كشفها وجعل حجيتها لا محالة إذ لا معنى
لحكم الشارع في الظاهر على طبق ما أدته أمارة خاصة من وجوب أو حرمة أو غيرهما ولا
يكون كشفها بنظره تاما تماما ولا تكون هي منجزة للتكليف عند الإصابة ولا عذرا
لفوته عند الخطأ
بل كاشفيتها التامة في نظره هي التي أوجب حكمه في الظاهر على طبق مؤدياتها.
(وبالجملة) ان
الشارع في مقام الإثبات إذا تمم الكشف وجعل الحجية لأمارة خاصة فهو مستلزم لجعل
أحكام ظاهرية على طبق مؤدياتها كما انه في مقام الإثبات إذا جعل أحكاما ظاهرية على
طبق مؤدياتها فهو مستلزم لتتميم الكشف وجعل الحجية لها فتميم الكشف وجعل الأحكام
الظاهرية متلازمان في الخارج لا ينفك أحدهما عن الآخر أصلا (وعليه) فلا ثمرة مهمة
في البحث عن ان مفاد دليل اعتبار الأمارات هل هو تميم الكشف وجعل الحجية أو هو جعل
أحكام ظاهرية على طبق مؤدياتها وان كان فيه ثمرة علمية لا عملية (والظاهر) ان مفاد
غير واحد من الاخبار الدالة على اعتبار خبر الثقة هو تنزيل المؤدي وجعل أحكام
ظاهرية على طبقه (مثل قوله عليهالسلام) فما أديا إليك عني فعني يؤديان (وقوله عليهالسلام) لا عذر لأحد من موالينا في التشكيك فيما يرويه ثقاتنا (وقوله
عليهالسلام) خذوا بما رووا وذروا ما رأوا يعني بهم بني فضال إلى غير
ذلك من الأخبار التي سيأتي تفصيلها في محلها إن شاء الله تعالى.
(قوله نعم لو قيل
باستتباع جعل الحجية للأحكام التكليفية ... إلخ)
بل قد عرفت منا
استتباع جعل الحجية للأحكام التكليفية الظاهرية لا محالة كما ان جعل أحكام ظاهرية
يستتبع تتميم الكشف وجعل الحجية لا محالة فهما متلازمان لا ينفك أحدهما عن الآخر
وجودا (وعلى كل حال) هذا شروع في جواب ثاني عن المحاذير المتقدمة كلها سوى تفويت
المصلحة أو الإلقاء في المفسدة فانه محذور تقدم الجواب عنه واسترحنا منه (وحاصله)
انه لو قيل باستتباع جعل الحجية للأحكام التكليفية الظاهرية على طبق مؤديات الطرق
والأمارات فاجتماع الحكمين وان كان يلزم لا محالة أحدهما ظاهري والآخر واقعي
ولكنهما ليسا بمثلين فيما إذا أصابت الأمارات ولا بضدين فيما إذا أخطأت الأمارات (وتوضيحه)
ان الأحكام
التكليفية
الظاهرية المجعولة على طبق مؤديات الطرق والأمارات أحكام طريقية أي مقدمية للوصول
إلى الواقعيات ناشئة عن مصلحة في نفسها موجبة لتنجز التكليف الواقعي إذا أصابته
ولصحة الاعتذار عن فوته إذا أخطأته من دون ان تكون عن مصلحة أو مفسدة في متعلقاتها
من الأفعال والأحكام الواقعية هي أحكام حقيقية نفسية ناشئة عن مصلحة أو مفسدة في
متعلقاتها من الأفعال (وعليه) فلا يلزم حينئذ اجتماع المثلين في فعل واحد إذا
أصابت الأمارات أو اجتماع الضدين من إيجاب وتحريم ومن إرادة وكراهة ومصلحة ومفسدة
ملزمتين بلا كسر وانكسار في البين إذا أخطأت الأمارات بعد فرض كون أحد الحكمين
طريقيا ليس عن مصلحة أو مفسدة في الفعل موجبة لإرادته أو كراهته والآخر نفسيا عن
مصلحة أو مفسدة في الفعل موجبة لإرادته أو كراهته.
(أقول)
وكأن المصنف قد
نسي في هذا الجواب الثاني محذور طلب الضدين رأسا ولم يتذكره (وعلى كل حال) يرد على
هذا الجواب أيضا (مضافا) إلى انه لو تم لاختص بالأمارات فقط كالجواب الأول عينا
دون الأصول العملية إذ كما انه لا معنى للالتزام في الأصول العملية بجعل الحجية أي
المنجزية عند الإصابة والعذرية عند الخطأ فكذلك لا معنى للالتزام فيها بجعل أحكام
ظاهرية طريقية أي مقدمية للوصول إلى الواقعيات فان الأصول مجعولة في قبال الواقع
عند الشك فيه والجهل به لا للوصول إلى الواقع بل لا بد فيها من الالتزام بجعل
أحكام ظاهرية محضة غير طريقية (انه لا معنى) لكون الأحكام الظاهرية الطريقية ناشئة
عن مصلحة في نفسها دون متعلقاتها من الأفعال فانها لو كانت المصلحة في نفسها لزم
تحققها بمجرد إنشائها وجعلها من دون لزوم الإتيان بمتعلقاتها وهو كما ترى فان
المقصود من جعلها في موارد الأمارات ليس إلّا الوصول بسببها إلى الواقعيات كما
تقدم ولذا سميت بالطريقية أي المقدمية فما لم يؤت بها في الخارج كيف يصل المكلف
بوسيلتها إلى
الواقعيات (وعليه) فالمصلحة الغيرية التي أوجبت إنشاء الأحكام الظاهرية الطريقية
تكون هي في متعلقاتها قهرا كالمصلحة النفسيّة التي أوجبت إنشاء الأحكام الواقعية
فإذا كانت المصلحة الغيرية في متعلقات الأحكام وهي الأفعال كالمصلحة النفسيّة
وأصابت الأمارة لزم في الأفعال اجتماع المثلين أحدهما حكم ظاهري غيري والآخر واقعي
نفسي وان أخطأت الأمارة لزم فيها اجتماع الضدين من إيجاب وتحريم وإرادة وكراهة إحداهما
غيرية والأخرى نفسية ومصلحة ومفسدة ملزمتين بلا كسر وانكسار في البين فتعود
المحاذير السابقة كلها الا ما أشير إليه من تفويت المصلحة والإلقاء في المفسدة (هذا
مع) انه لو سلم ان الأحكام الظاهرية الطريقية ناشئة عن مصلحة في نفسها فلا يكاد
يرتفع بذلك التنافي بين الأحكام الظاهرية والواقعية فان الحكم بإتيان شيء ظاهرا
بمقتضى قيام الأمارة أو الأصل ولو لمصلحة في نفس الحكم لا في الفعل مما ينافي
المنع الفعلي عنه واقعا كما فيما صادف الحرام الواقعي وهذا واضح لا ستار عليه
وسيأتي اعتراف المصنف بذلك في بعض الأصول العملية فانتظر (وعلى كل حال) لا بد من
صرف النّظر عن هذا الجواب الثاني كالأول وتأسيس جواب ثالث نافع لمجموع الأمارات
والأصول قاطبة وسيأتي تفصيله عند قوله فلا محيص في مثله ... إلخ فانتظر ،
(قوله أو بأنه لا معنى
لجعلها إلّا جعل تلك الأحكام ... إلخ)
(وحاصله) ان تميم
الكشف وجعل الحجية للطرق والأمارات الظنية مما لا معنى له غير جعل تلك الأحكام
التكليفية الظاهرية على طبق مؤدياتها وذلك لأن تميم الكشف وجعل الحجية للظن مما لا
يمكن إلّا بعد تصرف تكويني فيه لينقلب موضوعا إلى العلم ويكون يقينا وجدانيا فتكون
الحجية حينئذ من لوازمها الذاتيّة وإلّا فمع بقاء الظن على حاله لا يكاد يعقل أن
يتم كشفه ويكون حجة كالعلم أي منجزا عند الإصابة وعذرا عند الخطأ (وفيه) ان الحجية
أمر اعتباري قابل للجعل والإنشاء كالقضاوة والنيابة وغيرهما فإذا أنشئت لأمر مخصوص
فيتنجز التكليف بسببه
عند اصابته ويكون
عذرا لفوته عند خطأه (فخبر الثقة) مثلا قبل ان يعتبره الشارع ويجعله حجة للناس لا
يكون منجزا للتكليف فيما أصاب بمعنى انه ليس للمولى حينئذ مؤاخذة العبد بمخالفته
لعدم كونه مما استقل العقل بحجيته ولا مما حكم الشرع باعتباره وهكذا لا يكون عذرا
لفوت الواقع فيما إذا أخطأ بمعنى ان للمولى ان يؤاخذ العبد على متابعته بعد
الاعتراف بعدم اعتباره لا عقلا ولا شرعا (وهذا) بخلاف ما إذا اعتبره الشارع فبمجرد
أن جعله ونصبه يكون منجزا فيما أصاب وعذرا فيما أخطأ فإن أصاب فلا عذر للعبد في
مخالفته وإن أخطأ فلا عذر للمولى في مؤاخذته.
(قوله فيما يمكن هناك
انقداحهما ... إلخ)
أي في مثل النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أو الولي كأمير المؤمنين عليهالسلام والأحد عشر المعصومين من صلبه.
(قوله حيث انه مع
المصلحة أو المفسدة الملزمتين ... إلخ)
علة لا مكان
انقداح الإرادة والكراهة في مثل النبي صلىاللهعليهوآله أو الولي عليهالسلام.
(قوله في المبدأ
الأعلى ... إلخ)
وهو الله تبارك
وتعالى فانه جل وعلا ليس محلا للحوادث كالإرادة والكراهة ونحوهما فلا محالة تكون
الإرادة والكراهة فيه تبارك وتعالى بمعنى العلم بالمصلحة أو بالمفسدة كما سيأتي
والعلم عين ذاته كما هو المشهور وإن عرفت منا خلافه في ذيل الطلب والإرادة فتذكر.
(قوله والآخر واقعي ...
إلخ)
هذا عدل لكلامه
السابق وهو قوله لأن أحدهما طريقي فلا تغفل.
(قوله في بعض المبادي
العالية ... إلخ)
وهو النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم والولي عليه الصلاة والسلام.
(قوله كما أشرنا ...
إلخ)
أي أشرنا إلى انه
لا يحدث في المبدأ الأعلى إرادة وكراهة وإن لم يؤشر إلى العلم بالمصلحة أو
المفسدة.
(قوله فلا يلزم أيضا
اجتماع إرادة وكراهة ... إلخ)
تفريع على جميع ما
تقدم منه في الجواب الثاني أي فلا يلزم أيضا اجتماع الإرادة والكراهة كما لم يلزم
اجتماعهما على الجواب الأول.
(قوله فافهم ... إلخ)
والظاهر انه إشارة
إلى ضعف قوله ولا إرادة ولا كراهة أصلا إلّا بالنسبة إلى متعلق الحكم الواقعي كما
بيناه لدى الاعتراض على الجواب الثاني فان الحكم الواقعي كما يكون عن مصلحة نفسية
في الفعل موجبة لإرادته أو كراهته فكذلك الحكم الظاهري الطريقي أي المقدمي يكون عن
مصلحة غيرية في الفعل وهي الوصول إلى الواقعيات غالبا موجبة لإرادته أو كراهته
فيجتمع حينئذ في الفعل الإرادة والكراهة جميعا.
(قوله نعم يشكل الأمر
في بعض الأصول العملية كأصالة الإباحة الشرعية ... إلخ)
وجه الإشكال في
بعض الأصول العملية كأصالة الحل الجارية في الشبهات التحريمية أو أصالة البراءة
الجارية فيها وفي الشبهات الوجوبية (ان الأحكام الظاهرية) المجعولة فيها هب انها
ناشئة عن مصلحة في نفسها لا في متعلقاتها ولكنها مع. ذلك تنافي الحرمة الواقعية
الثابتة للفعل على تقدير حرمته واقعا فإذا شك في خمرية مائع مثلا فالترخيص والإذن
في شربه ظاهرا وإن فرض انه كان لأجل مصلحة في نفس الإذن لا لعدم مفسدة في الفعل
ولكن مع ذلك ينافي الحرمة الواقعية الثابتة للمائع المشكوك على تقدير كونه خمرا
واقعا وهذا هو عين الإشكال الثالث الّذي أوردناه نحن على الجواب الثاني فلا تغفل.
(ثم ان الظاهر) ان
وجه تخصيص الإشكال ببعض الأصول العملية ان مثل الاستصحاب وقاعدة التجاوز وقاعدة
الفراغ وأصالة الصحة وأشباه ذلك من الأصول العملية التي لها نظر إلى الواقع يمكن
الالتزام فيها بجعل أحكام ظاهرية طريقية كما في الأمارات عينا فيكون حالها كحال
الأمارات من حيث جريان الجواب الثاني فيها حرفا بحرف وهذا بخلاف مثل قاعدة الحل
وأصل البراءة ونحوهما مما لا نظر له إلى الواقع أصلا فيختص الإشكال به دون ما له
نظر إلى الواقع (هذا) ولكنك قد عرفت منا ان الالتزام بجعل أحكام ظاهرية طريقية في
الأمارات مما لا يجدي في دفع المحاذير المتقدمة أصلا فكيف بالأصول العملية التي
حالها كحال الأمارات من حيث النّظر إلى الواقع (وعليه) فالإشكال مما لا يختص ببعض
الأصول دون بعض بل يعم الجميع بل وتمام الأمارات أيضا بعد ما لم يستقم الجواب
الأول ولا الثاني فيها فتأمل جيدا.
(قوله فلا محيص في
مثله الا عن الالتزام بعدم انقداح الإرادة أو الكراهة في بعض المبادي العالية أيضا
... إلخ)
هذا شروع في جواب
ثالث نافع لمجموع الأمارات والأصول قاطبة من غير اختصاص ببعض الأصول العملية
كقاعدة الحل وشبهها غير ان المصنف لما زعم صحة الجوابين السابقين عن المحاذير
المتقدمة كلها في الأمارات وفي بعض الأصول العملية كالاستصحاب وأخواته من الأصول
الناظرة إلى الواقع قد خصص هذا الجواب ببعض الأصول العملية (وعلى كل حال) تقريب
هذا الجواب كما تقدمت الإشارة إليه في العلم الإجمالي على نحو يجري في جميع
الأمارات والأصول طرا وبه يحصل الجمع بين الحكم الظاهري والواقعي في كل من الأصول
والأمارات وبه يندفع المحاذير المتقدمة كلها بأجمعها من اجتماع المثلين كإيجابين
أو تحريمين ونحوهما عند إصابة الأمارات ومطابقة الأصول مع الواقع أو اجتماع الضدين
كإيجاب وتحريم ونحوهما أحدهما ظاهري والآخر واقعي عند خطأ الأمارات ومخالفة
الأصول مع الواقع
بل وطلب الضدين فيما إذا أدت الأمارة إلى وجوب ضد الواجب كما تقدم التمثيل له (ان
الأحكام الواقعية) الإلهية المشتركة بين الكل من العالم والجاهل جميعا هي فعلية
غير منجزة إذا قامت الأمارة أو الأصل على خلافها والأحكام الظاهرية المتحققة بقيام
الأمارة أو الأصل كلها فعلية منجزة (اما كون الأحكام الظاهرية) فعلية منجزة فلتحقق
موضوعها وهو قيام الأمارة أو الأصل فان قيام أحدهما وان لم يكن سببا وموضوعا لحدوث
مصالح ومفاسد في الأفعال موجبة لجعل أحكام نفسية على طبق مؤدياتهما كما يقول به
أرباب القول بالسببية والموضوعية في خصوص الأمارات ولكنه سبب وموضوع لا محالة
لتحقق حكم ظاهري على طبق مؤدياتهما (واما كون الأحكام الواقعية) التي قامت الأمارة
أو الأصل على خلافها فعلية غير منجزة فلان فعليتها عبارة عن وصولها إلى مرتبة
الإبلاغ والإجراء والإنفاذ فان الحكم كما سبق تفصيله في بعض مقدمات الامتناع في
مسألة الاجتماع إذا بلغ هذه المرتبة بحيث صار الشارع بصدد إبلاغه للناس وإنفاذه
فيهم صار فعليا بمعنى انه قد وصل إلى حد لو تعلق به العلم لتنجز بخلاف ما إذا لم
يصل إلى هذه المرتبة بأن كان باقيا في مرتبة الإنشاء والسكوت فلا يتنجز وان تعلق
به العلم خارجا كما في الأحكام التي لم يؤمر الشارع في صدر الإسلام بتنفيذها في
المسلمين إلا بعد مدة مديدة واما عدم كونها منجزة فلعدم وصولها إلى مرتبة العلم كي
تتنجز كيف وقد قامت الأمارة أو الأصل على خلافها فكيف تتنجز هي ويستحق العقاب على
مخالفتها (فإذا ثبت) ان الأحكام الواقعية التي قامت الأمارات أو الأصول على خلافها
فعلية غير منجزة وان الأحكام الظاهرية المتحققة بقيام الأمارة أو الأصل كلها فعلية
منجزة ثبت عدم التنافي بينهما قهرا (ووجه عدم التنافي) ان الأحكام الخمسة لا تكون
متنافية بعضها مع بعض كما أشير قبلا الا
من جهة الإرادة
والكراهة والحكم الواقعي إذا كان فعليا غير منجز فلا إرادة ولا كراهة على طبقه كي
ينافي الحكم الظاهري (والسر) في عدم كون الإرادة أو الكراهة على طبق الحكم الواقعي
الغير المنجز ان الحكم الواقعي الّذي لم يعلم به ان كان مغفولا عنه فهذا مما
يستحيل انقداح الإرادة أو الكراهة على طبقه في نفس المولى وهل يعقل إرادة الشيء عن
الغافل كلا وان كان ملتفتا إليه فهذا مما يمكن انقداح الإرادة أو الكراهة على طبقه
في نفس المولى لكن إذا لم يحكم المولى بنفسه في الظاهر على خلافه بمقتضى قيام
الأمارة أو الأصل بل حكم بالاحتياط وبرعاية الواقعيات وإلّا فحكمه في الظاهر على
خلافه مما يكشف عن عدم انقداح الإرادة أو الكراهة في نفسه الشريفة على طبق الأحكام
الواقعية الا فيما تنجزت بالعلم وببلوغ الخطاب إلى المكلف.
(وبالجملة) ان
الأحكام الواقعية التي قامت على خلافها الأمارات الشرعية أو الأصول العملية هي
فعلية غير منجزة والأحكام الظاهرية المتحققة بقيام الأمارات أو الأصول فعلية منجزة
ولا تنافي بين الحكمين أصلا لعدم الإرادة أو الكراهة على طبق الفعلي الغير المنجز
كي ينافي مع الفعلي المنجز (ومن مجموع ذلك) يظهر لك الجواب عن طلب الضدين أيضا
فيما إذا أدت الأمارة إلى وجوب ضد الواجب فإن الواجب الواقعي لا إرادة على طبقه
وان كان وجوب ضده الّذي أدته الأمارة تكون الإرادة على طبقه فلا يتنافيان الوجوبان
ولا يتضادان (بقي في المقام) محذور واحد وهو لزوم اجتماع المثلين عند إصابة
الأمارات ومطابقة الأصول مع الواقع من إيجابين أو تحريمين أو نحوهما أحدهما واقعي
والآخر ظاهري (ولكنه سهل يسير) فإن الأحكام أمور اعتبارية إذا اجتمع اثنان منها
متماثلين في فعل واحد اندك بعضهما في بعض وتأكد بعضهما ببعض فيكون هناك حكم
واحد أكيد من قبيل
ما إذا اجتمع أمران أو أكثر أحدهما تأسيسي والآخر تأكيدي في شيء واحد فقال مثلا
اسقني ماء ثم قال اسقني ماء أو اجتمع أمران تأسيسيان أحدهما بعنوان أولى والآخر
بعنوان ثانوي كما إذا نذر ان يصلي الظهر في يومه هذا أو في كل يوم فاجتمع فيها
وجوب بعنوان أولى ووجوب بعنوان ثانوي ناش من قبل النذر أو حلف ان لا يشرب الخمر
طيلة عمره فاجتمع فيه حرمة بعنوان أولى وحرمة بعنوان ثانوي ناش من قبل الحلف وهكذا
فكما انه لا محذور في اجتماع حكمين متماثلين في مثل هذه الموارد كلها فكذلك لا
محذور في اجتماعهما في المقام أصلا فيكون شيء واحد واجبا أو حراما واقعا وظاهرا
فتدبر جيدا.
(ثم ان هاهنا) شيء
آخر ينبغي الجواب عنه وان لم يتعرضه المصنف وهو الوجه الأول من وجهي ابن قبة من
انه لو جاز التعبد بخبر الواحد في الإخبار عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم مثلا لجاز التعبد به في الإخبار عن الله تعالى والتالي
باطل إجماعا (فنقول إن) المقصود من التعبد بخبر الواحد ان كان هو التعبد به بدون
ان يعبدنا الشارع به فهذا مما لا يجوز لا في الاخبار عن النبي صلىاللهعليهوآله ولا في الإخبار عن الله تعالى وان كان المقصود منه هو التعبد
به بعد ان عبدنا الشارع به فهذا كما يجوز في الاخبار عن النبي صلىاللهعليهوآله فكذلك يجوز في الاخبار عن الله تعالى فكما صح للنبي صلىاللهعليهوآله أن يعبد الأمة باخبار الثقة المأمون ويقول كلما أخبر عني
فهو عني يخبر فكذلك صح ان يعبدهم باخبار نبي آخر لا يعلم الناس نبوته ويقول كلما
أخبركم عن الله فهو عن الله يخبر كما إذا عبد إبراهيم عليهالسلام أمته بقول لوط أو عبد موسى أمته بقول هارون وهكذا.
(قوله وكونه فعليا
انما يوجب البعث أو الزجر في النّفس النبوية أو الولويّة ... إلخ)
المراد من البعث
والزجر بقرينة قوله في النّفس النبوية أو الولويّة هي الإرادة أو الكراهة كما
تقدمت الإشارة إليه في بعض مقدمات الامتناع في مسألة الاجتماع أي وكون التكليف
الواقعي فعليا انما يوجب انقداح الإرادة أو الكراهة على طبقه في النّفس النبوية أو
الولويّة إذا لم يرخص النبي صلىاللهعليهوآله أو الولي عليهالسلام بنفسه على خلافه ولو لمصلحة أهم في الحكم الظاهري.
(قوله فانقدح بما
ذكرنا انه لا يلزم الالتزام بعدم كون الحكم الواقعي في مورد الأصول والأمارات
فعليا كي يشكل تارة ... إلخ)
العبارة ناقصة جدا
والصحيح التام هكذا أي فانقدح بما ذكرنا من الجواب الأخير الثالث من ان التكاليف
الواقعية التي قامت الأمارات أو الأصول على خلافها فعلية غير منجزة بمعنى كونها
على صفة لو علم بها المكلف لتنجزت عليه انه لا يلزم الالتزام بعدم كون الحكم
الواقعي فعليا أي بكونها إنشائيا محضا ولا بكونها فعليا منجزا كي يشكل.
(تارة) أي على
الالتزام الأول بعدم لزوم الإتيان حينئذ بما قامت الأمارة على وجوبه ضرورة عدم
لزوم امتثال الأحكام الإنشائية المحضة ما لم تكن بالغة مرتبة الفعلية.
(وأخرى) أي على
الالتزام الثاني بما سيأتي ذكره وشرحه عن قريب فانتظر.
(قوله لا يقال لا مجال
لهذا الإشكال ... إلخ)
حاصل القول انه لو
التزمنا فرضا ان الأحكام الواقعية إنشائية محضة فلا مجال للإشكال بعدم لزوم
الإتيان حينئذ بما قامت الأمارة على وجوبه لأن الأحكام الواقعية وان كانت قبل تعلق
الأمارة بها وأدائها إليها إنشائية
محضة ولكنها بأداء
الأمارة إليها تصير فعلية (وحاصل الجواب) عن القول المزبور ان الأمارة لا يحرز بها
لا حقيقة ولا تعبدا الا ما هو الثابت في الواقع والمفروض ان الثابت في الواقع هو
الإنشائيّ المحض ولا يحرز بها الحكم الإنشائيّ الّذي أدت إليه الأمارة بهذا القيد
كي يكون الحكم الإنشائيّ بوسيلة هذا القيد فعليا فإذا قامت الأمارة على الإنشائيّ
الّذي أدت إليه الأمارة فقد قامت على الحكم الفعلي فيتنجز اما عدم الإحراز بها
حقيقة فواضح واما عدم الإحراز بها تعبدا فلان أقصى ما يقتضيه أدلة اعتبار الأمارة
ان مؤداها هو الواقع لا الواقع الّذي أدت إليه الأمارة.
(أقول)
ويرد على الجواب.
(أولا) ان القيد
المذكور أي أداء الأمارة لو كان مما يوجب صيرورة الإنشائيّ فعليا كما هو ظاهر قول
المصنف لا حكم إنشائي أدت إليه الأمارة ... إلخ فالأمارة هب انها لا يحرز بها لا
حقيقة ولا تعبدا الا ما هو الثابت في الواقع وهو الإنشائي المحض لا الإنشائيّ
الّذي أدت إليه الأمارة ولكن الإنشائيّ المحض بعد ما قامت عليه الأمارة يكون من
الإنشائيّ الّذي أدت إليه الأمارة فيحصل له هذا القيد ويصير لأجله فعليا ولعله
إليه أشار أخيرا بقوله فافهم.
(وثانيا) ان أداء
الأمارة ليس مما يوجب صيرورة الإنشائي فعليا كي إذا فرضنا انه يحرز بالأمارة الحكم
الإنشائيّ الّذي أدت إليه الأمارة لكانت الأمارة القائمة عليه قائمة على الحكم
الفعلي فان الإنشائيّ لا يصير فعليا إلّا ببلوغه عن مرتبة السكوت إلى مرتبة
الإبلاغ والإعلام لنوع المكلفين وان لم يعلم به بعض المكلفين لا بمجرد قيام الأمارة
عليه وأداء الأمارة إليه فان الإنشائيّ إذا لم يبلغ مرتبة الإبلاغ والإعلام للنوع
لم يصر فعليا
ولم يجب الإتيان
به ولو أدته سبعون أمارة وقام عليه سبعون طريق ومن هنا يظهر لك ضعف القول المزبور
من أصله وهو الّذي أشار إليه المصنف بقوله لا يقال ... إلخ كضعف جوابه كذلك أي من
أصله فتدبر جيدا.
(قوله فافهم ... إلخ)
قد أشير آنفا إلى
وجه قوله فافهم فلا تغفل.
(قوله اللهم إلّا أن
يقال ... إلخ)
وحاصل القول ان
أقصى ما تقتضيه أدلة اعتبار الأمارة وان كان تنزيل مؤداها منزلة الواقع وهو
الإنشائي المحض لا منزلة الواقع الّذي أدت إليه الأمارة ولكن بدلالة الاقتضاء وصون
كلام الحكيم من اللغوية لا بد من حمل دليل الحجية على تنزيل المؤدي منزلة الواقع
الّذي أدت إليه الأمارة أي منزلة الأحكام الفعلية لا منزلة الواقع الصرف وهو
الإنشائيّ المحض كي يكون التنزيل بلا ثمرة ولا فائدة بعد وضوح عدم وجوب الإتيان
بالأحكام الإنشائية المحضة لكن أورد عليه المصنف بنفسه ما ملخصه ان دلالة الاقتضاء
انما تتم إذا لم يكن لتنزيل المؤدي منزلة الواقع الصرف وهو الإنشائيّ المحض فائدة
وليس كذلك وذلك لما تقدم في القطع قبيل الشروع في التجري ان موافقة الإنشائيّ المحض
مما يوجب استحقاق المثوبة وان لم يوجب مخالفته استحقاق العقوبة فراجع.
(قوله وأخرى بأنه كيف
يكون التوفيق بذلك مع احتمال أحكام فعلية بعثية أو زجرية في موارد الطرق والأصول
... إلخ)
هذا عدل لقوله
المتقدم كي يشكل تارة ... إلخ والمعنى كما تقدم قبلا هكذا أي فانقدح بما ذكرناه من
الجواب الأخير الثالث للجمع بين الحكم الظاهري والواقعي انه لا يلزم الالتزام بعدم
كون الحكم الواقعي فعليا ولا الالتزام بكونه فعليا منجزا كي يشكل.
(تارة) أي على
الالتزام الأول بعدم لزوم الإتيان حينئذ بما قامت الأمارة على وجوبه لعدم لزوم
الإتيان بالحكم الإنشائيّ المحض.
(وأخرى) أي على
الالتزام الثاني بأنه كيف يكون التوفيق بذلك مع احتمال أحكام فعلية بعثية أو زجرية
في موارد الطرق والأصول على خلاف ما أدته الطرق والأصول فيتنافيان الحكمان لكونهما
فعليين منجزين واحتمال المتنافيين محال كالقطع بالمتنافيين.
(اما) عدم ورود
الإشكال الأول فلما عرفت.
(واما) عدم ورود
الإشكال الثاني فلما عرفت أيضا من ان الأحكام الواقعية وان كانت فعلية ولكنها غير
منجزة وليست على طبقها بعث أو زجر أي إرادة أو كراهة كي تنافي الأحكام الظاهرية
المتحققة بقيام الأمارة أو الأصل بل هي فعلية بمعنى كونها على صفة لو علم بها
المكلف لتنجزت عليه كسائر التكاليف (ومن هنا) يظهر لك ان العبارة كما أشير قبلا من
صدرها ناقصة والصحيح التام هكذا أي فانقدح بما ذكرنا انه لا يلزم الالتزام بعدم
كون الحكم الواقعي فعليا ولا الالتزام بكونه فعليا منجزا كي يشكل تارة بعدم لزوم
الإتيان ... إلخ وأخرى بأنه كيف يكون التوفيق بذلك ... إلخ فتدبر جيدا.
(قوله فلا يصح التوفيق
بين الحكمين بالتزام كون الحكم الواقعي الّذي يكون مورد الطرق إنشائيا غير فعلى ...
إلخ)
تفريع على مجموع
ما ذكره المصنف في الجواب الأخير الثالث للجمع بين الحكم الظاهري والواقعي (ومن
هنا) يظهر لك ان هذه العبارة أيضا ناقصة والصحيح التام هكذا فلا يصح التوفيق بين
الحكمين بالتزام كون الحكم الواقعي الّذي يكون مورد الطرق إنشائيا غير فعلي ولا
بالالتزام بكونه فعليا منجزا (وذلك) لما عرفت من انه على الالتزام الأول بشكل
بعدم لزوم الإتيان
بما قامت الأمارة على وجوبه ... إلخ وعلى الالتزام الثاني يشكل بأنه كيف يكون
التوفيق بذلك مع احتمال أحكام فعلية بعثية أو زجرية في موارد الطرق والأصول ...
إلخ.
(قوله كما لا يصح
التوفيق بان الحكمين ليسا في مرتبة واحدة ... إلخ)
ولعله إشارة إلى
ما أفاده الشيخ أعلى الله مقامه في أول البراءة وفي أول التعادل والتراجيح أيضا (قال)
في أول البراءة ما لفظه ومما ذكرنا من تأخر مرتبة الحكم الظاهري عن الحكم الواقعي
لأجل تقييد موضوعه بالشك في الحكم الواقعي يظهر لك وجه تقديم الأدلة على الأصول
لأن موضوع الأصول يرتفع بوجود الدليل فلا معارضة بينهما لا لعدم اتحاد الموضوع بل
لارتفاع موضوع الأصل وهو الشك بوجود الدليل ألا ترى انه لا معارضة ولا تنافي بين
كون حكم شرب التتن المشكوك حكمه هي الإباحة وبين كون حكم شرب التتن في نفسه مع قطع
النّظر عن الشك فيه هي الحرمة فإذا علمنا بالثاني يعني الدليل لكونه علميا
والمفروض سلامته عن معارضة الأول يعني الأصول خرج شرب التتن عن موضوع دليل الأول
وهو كونه مشكوك الحكم لا عن حكمه حتى يلزم تخصيص وطرح لظاهره (وقال) في أول
التعادل والتراجيح ما لفظه وكيف كان فلا يتحقق يعني التعارض الا بعد اتحاد الموضوع
وإلّا لم يمتنع اجتماعهما ومنه يعلم انه لا تعارض بين الأصول وما يحصله المجتهد من
الأدلة الاجتهادية لأن موضوع الحكم في الأصول الشيء بوصف انه مجهول الحكم وفي
الدليل نفس ذلك الشيء من دون ملاحظة ثبوت حكم له فضلا عن الجهل بحكمه فلا منافاة
بين كون العصير المتصف بجهالة حكمه حلالا على ما هو مقتضي الأصل وبين كون نفس
العصير حراما كما هو مقتضي الدليل الدال على حرمته (انتهى) ولكن مقصوده أعلى الله
مقامه في كلا الموضعين نفي المعارضة بين الأدلة الاجتهادية والأصول
العملية وان موضوع
الأصل وهو الشك يرتفع بالدليل الاجتهادي وليس بصدد التوفيق بين مطلق الأحكام
الظاهرية سواء كانت في موارد الأدلة الاجتهادية أو في الأصول العملية وبين الأحكام
الواقعية المشتركة بين الكل من العالم والجاهل جميعا كما هو المبحوث عنه في المقام
كي يعترض عليه بأن مجرد تأخر الحكم الظاهري عن الواقعي برتبة مما لا يكفي في الجمع
بينهما (وعلى كل حال) حاصل ما قيل أو يمكن ان يقال في تقريب هذا التوفيق الّذي قد
أشار إليه المصنف بقوله كما لا يصح التوفيق ... إلخ ان الحكم الظاهري متأخر عن
الشك في الحكم الواقعي تأخر الحكم عن الموضوع والشك في الواقعي متأخر أيضا عن
الواقعي نظير تأخر العلم عن المعلوم فيكون الظاهري متأخرا عن الواقعي بمرتبتين
فإذا كان متأخرا عنه في المرتبة فليس هو في عرضه كي يتنافيان ويتضادان (وحاصل جواب
المصنف) ان الظاهري وان كان متأخرا عن الواقعي بمرتبتين وليس هو في مرتبته ولكن
الواقعي موجود محفوظ في مرتبة الظاهري لوضوح ان بمجرد الشك في الحكم الواقعي وقيام
الأمارة أو الأصل على خلافه لا يكاد يضمحل الواقعي المشترك بين الكل فإذا تحقق
الظاهري بقيام الأمارة أو الأصل على خلاف الواقعي وكان الواقعي محفوظا في مرتبته
ورتبته لزم اجتماع الضدين من إيجاب وتحريم أو ندب وكراهة وهكذا فتأمل جيدا.
مقتضي الأصل فيما شك في اعتباره
(قوله ثالثها ان الأصل
فيما لا يعلم اعتباره بالخصوص شرعا ولا يحرز التعبد به واقعا عدم حجيته جزما ...
إلخ)
المقصود من عقد
هذا الأمر الثالث هو بيان مقتضي الأصل فيما شك في
اعتباره شرعا فان
الأمارة الظنية قد يعلم بحجيتها وقد يعلم بعدم حجيتها وقد يقع الشك في حجيتها فإذا
وقع الشك فهل الأصل حجيتها أو عدم حجيتها (فيقول) إن الأصل عدم حجيتها جزما بمعنى
انه بمجرد أن شك في حجية أمارة ثبوتا يقطع بعدم حجيتها إثباتا أي لا يترتب عليها
آثار الحجية في مقام الإثبات وذلك لأن آثار الحجية من المنجزية عند الإصابة
والعذرية عند الخطأ وحكم العقل بوجوب المتابعة لا تكاد تترتب إلا على ما اتصف
بالحجية الفعلية أي المحرزة بالعلم في مقام الإثبات لا على ما اتصف بمطلق الحجية
ولو ثبوتا وإن لم يعلم بها إثباتا.
(أقول)
بل الأمارة المشكوكة
الاعتبار مما يحرم العمل به شرعا وعقلا مضافا إلى عدم حجيتها في ظرف الشك وعدم
ترتب الآثار عليها إثباتا.
(اما شرعا) فلقوله
تعالى ولا تقف ما ليس لك به علم والأمارة المشكوكة مما ليس لنا به علم بل ولعموم
الآيات الناهية عن الظن مثل قوله تعالى ان الظن لا يغني من الحق شيئا خرج منها ما
علم اعتباره بالخصوص ويبقى ما شك في اعتباره وما علم بعدم اعتباره.
(واما عقلا) فلقبح
التعبد والتدين بما لا يعلم اعتباره نعم لا بأس بالحركة على وفقه والمشي على طبقه
احتياطا برجاء اعتباره ثبوتا ما لم يعارضه احتياط آخر كما إذا قام على وجوب شيء لا
نحتمل حرمته بخلاف ما إذا قام على حلية ما نحتمل حرمته فان الاحتياط حينئذ في ترك
هذا الاحتياط (وعلى كل حال) ان العمل على طبق ما شك في اعتباره احتياطا غير العمل
به على وجه الاستناد إليه والتعبد والتدين به فالأوّل حسن عقلا والثاني قبيح عقلا
وهذا واضح.
(قوله ضرورة انه بدونه
لا يصح المؤاخذة على مخالفة التكليف ... إلخ)
علة لعدم ترتب
الآثار المرغوبة من الحجة إلا على ما أحرز حجيته وإشارة إلى نفي المنجزية عند
الإصابة والعذرية عند الخطأ فيما لم يحرز حجيته فانه إذا قامت أمارة لم يحرز
اعتبارها على تكليف إلزامي وقد أصابت واقعا ولم يعمل بها المكلف لم يصح للمولى
مؤاخذته كما انها إذا قامت على ارتفاع تكليف ثابت وقد أخطأت وعمل بها المكلف وفات
منه التكليف لم يصح له الاعتذار بها عن فوته.
(قوله ولا يكون
مخالفته تجريا ولا تكون موافقته بما هي موافقته انقيادا ... إلخ)
إشارة إلى نفي
أثرين آخرين للحجة عند عدم إحراز حجية أمارة ظنية وهما كون مخالفتها عند الخطأ
تجريا وموافقتها كذلك بما هي موافقتها انقيادا فإن شأن الحجة كما تقدم في القطع ان
يكون مخالفتها عند الخطأ تجريا وموافقتها كذلك انقيادا.
(نعم) إذا قامت
أمارة لم يحرز حجيتها وقد أخطأت والمكلف قد وافقها لا بعنوان انه موافقتها بل
برجاء اصابتها للواقع كان ذلك انقيادا أيضا (وقد أشار المصنف) إلى ذلك بقوله وان
كانت بما هي محتملة لموافقة الواقع كذلك أي انقيادا.
(قوله للقطع بانتفاء
الموضوع معه ... إلخ)
أي للقطع بانتفاء
موضوع الآثار مع الشك في التعبد به والموضوع كما أشير إليه هو ما اتصف بالحجية
فعلا وأحرز التعبد به شرعا فلا تغفل.
(قوله واما صحة
الالتزام بما أدى إليه من الأحكام وصحة نسبته إليه تعالى فليسا من آثارها ... إلخ)
هذا رد على الشيخ
وتفصيله انه أعلى الله مقامه قد جعل مجري الأصل هي
الأمارة التي لم
يرد دليل على اعتبارها لا الأمارة المشكوكة الاعتبار (وبعبارة أخرى) إن المصنف جعل
مجري الأصل هي الأمارة التي لم يحرز التعبد بها والشيخ أعلى الله مقامه قد جعل
مجري الأصل هي الأمارة التي أحرز عدم التعبد بها فالأصل هل يقتضي جواز العمل بمثل
هذه الأمارة أم لا فاختار أعلى الله مقامه حرمته واستدل لها بالأدلة الأربعة (قال)
التعبد بالظن الّذي لم يدل دليل على وقوع التعبد به محرم بالأدلة الأربعة ويكفي من
الكتاب قوله تعالى قل الله أذن لكم أم على الله تفترون دل على ان ما ليس بإذن من
الله من اسناد الحكم إلى الشارع فهو افتراء.
(أقول)
ولو استدل أعلى
الله مقامه من الكتاب العزيز مضافا إلى ذلك بالآيات الناهية عن الظن أيضا مثل قوله
تعالى ان الظن لا يغني من الحق شيئا كان بمحله (قال) ومن السنة قوله عليهالسلام في عداد القضاة من أهل النار ورجل قضى بالحق وهو لا يعلم.
(أقول)
والظاهر انه يعنى
بذلك انه لو قامت عندنا أمارة لم يرد التعبد بها شرعا وقد أفتينا على طبقها وفرضنا
انها كانت مصيبة واقعا فنحن ممن قضى بالحق وهو لا يعلم فنكون من أهل النار (قال)
ومن الإجماع ما ادعاه الفريد البهبهاني في بعض رسائله من كون عدم الجواز بديهيا
عند العوام فضلا عن العلماء (ثم قال) ومن العقل تقبيح العقلاء من يتكلف من قبل
مولاه بما لا يعلم بوروده عن المولى.
(أقول)
ولو قال ومن العقل
تقبيح العقلاء التعبد بما لم يرد التعبد به عن المولى كان أنسب بصدر عبارته جدا (ثم
انه أعلى الله مقامه) قد ساق كلاما
طويلا (إلى ان قال)
هذا ولكن حقيقة العمل بالظن هو الاستناد إليه في العمل والالتزام بكون مؤداه حكم
الله في حقه ... إلخ فيكون نتيجة كلامه من الأول إلى الآخر هي ان الّذي يحرم
بالأدلة الأربعة هو الاستناد إلى الظن والالتزام بكون مؤداه حكم الله في حقه دون
غيرهما.
(فيقول المصنف)
تضعيفا لذلك كله ما ملخصه ان صحة الالتزام بما أدى إليه الظن من الأحكام وصحة
نسبته إليه تعالى ليسا من آثار الحجية كي إذا لم تصح الالتزام والنسبة كشف ذلك إنا
عن عدم الحجية وذلك كما في الظن على الانسداد والحكومة فانه حجة عقلا كالعلم في حال
الانفتاح مع عدم صحة الالتزام بما أدى إليه وعدم صحة نسبته إليه تعالى إذ المفروض
عدم القول بالكشف وإن الظن طريق منصوب من الشرع كي صح الالتزام بمؤداه وصح نسبته
إليه تعالى بل هو حجة عقلا يجب العمل على طبقه والحركة على وفقه.
(قوله ضرورة ان حجية
الظن عقلا على تقرير الحكومة ... إلخ)
وفي بعض النسخ
ضرورة ان حجية الظن عملا على تقرير الحكومة ولعله بمعنى حجيته في الفروع العملية
في قبال حجيته في الأمور الاعتقادية كما سيأتي تفصيلهما جميعا.
(قوله فلو فرض صحتهما
شرعا مع الشك في التعبد به لما كان يجدى في الحجية شيئا ... إلخ)
تفريع على قوله
فليسا من آثارها ... إلخ فان صحة الالتزام والنسبة إذا لم يكونا من آثار الحجية
فقهرا لو فرض صحة الالتزام والنسبة فيما شك في اعتباره لم يجد في إثبات حجيته ما
لم يترتب عليه آثار الحجية من المنجزية والعذرية ومع الترتب المذكور لم يضر عدم
صحتهما كما عرفت في الظن على
الانسداد والحكومة
فالمدار في الحجية وعدمها على ترتب آثارها وعدم ترتبها لا على صحة الالتزام
والنسبة وعدمهما.
(أقول)
إن صحة الالتزام
والنسبة وان لم يكونا من آثار الحجية لما عرفت من جواز انفكاك الحجة عنهما كما في
الظن الانسدادي على الحكومة ولكن لا يكاد يجوز تحققهما في غير الحجة فليس كل حجة
مما صح الالتزام بكون مؤداه حكم الله وصح نسبته إليه تعالى ولكن كلما صح الالتزام
بكون مؤداه حكم الله وصح نسبته إليه تعالى كان حجة قطعا (وعليه) فإذا فرض صحتهما
في مورد مع الشك في التعبد به كشف ذلك إنا عن حجيته قطعا فقول المصنف فلو فرض
صحتهما شرعا مع الشك في التعبد به لما كان يجدي في الحجية شيئا مما لا وجه له (هذا)
مضافا إلى ان الكلام في المقام بمقتضى قوله المتقدم في صدر البحث (إن الأصل فيما
لا يعلم اعتباره بالخصوص شرعا ... إلخ) ليس إلا في الأمارة المشكوكة حجيتها شرعا
والحجية الشرعية لا يكاد تنفك عن صحة الالتزام والنسبة كما ان صحتهما أيضا لا تكاد
تنفك عن الحجية الشرعية فمطلق الحجية وان كانت قابلة للانفكاك عن صحة الالتزام
والنسبة كما في الظن على الانسداد والحكومة ولكن الحجية الشرعية في قبال الحجية
العقلية هي مما لا تكاد تنفك عن صحتهما أبدا (وعليه) فقول المصنف واما صحة
الالتزام بما أدى إليه من الأحكام وصحة نسبته إليه تعالى فليسا من آثارها ... إلخ
مما لا وجه له أيضا فافهم جيدا.
(قوله فما خرج موضوعا
عن تحت هذا الأصل ... إلخ)
فان ما علم
اعتباره شرعا خارج موضوعا عما شك في اعتباره الّذي هو مجري الأصل عند المصنف وهكذا
عما علم بعدم الدليل على اعتباره الّذي هو مجري الأصل عند الشيخ أعلى الله مقامه.
في حجية الظواهر
(قوله فصل لا شبهة في
لزوم اتباع ظاهر كلام الشارع في تعيين مراده في الجملة)
(اما قوله في
الجملة) فهو إشارة إلى التفاصيل التي في المسألة وستعرف تفصيلها إن شاء الله تعالى
واحدا بعد واحد (واما الظهور) فالظاهر انه عبارة عن تجلي المعنى من اللفظ وانسباقه
إلى الذهن وخطوره في الخاطر بحيث إذا ألقى اللفظ إلى العرف حملوه عليه (سواء) حصل
منه الظن بالمراد أم لا فان تحقق الظهور مما لا يدور مدار الظن بالمراد كما ان
الظن بالمراد مما لا يدور مدار الظهور (فقد يكون) اللفظ ظاهرا في معنى بحسب
الانفهام العرفي ولا ظن بالمراد أصلا (وقد يحصل) الظن بالمراد ولو من الخارج ولا
يكون اللفظ ظاهرا فيه أصلا وقد يجتمعان كما في الأغلب (وسواء) أيضا حصل الظهور من
الواضع كما هو الغالب أو من قرائن شخصية أو نوعية كوقوع الأمر عقيب الحظر الموجب
لظهوره في الإباحة أو كثرة الاستعمال في معنى أو غلبة وجوده في الخارج ونحوهما
الموجبان لانصراف اللفظ إليه (هذا) وقد عبر الشيخ أعلى الله مقامه عن الظهورات
بالأصول المعمولة لتشخيص مراد المتكلم (قال) في المقام ما هذا لفظه منها أي من
الأمور الخارجة عن تحت أصالة حرمة العمل بما سوى العلم الأمارات المعمولة في
استنباط الأحكام الشرعية من ألفاظ الكتاب والسنة وهي على قسمين القسم الأول ما
يعمل لتشخيص مراد المتكلم عند احتمال إرادة خلاف ذلك كأصالة الحقيقة عند احتمال
إرادة المجاز وأصالة العموم والإطلاق ومرجع الكل إلى أصالة عدم القرينة الصارفة عن
المعنى الّذي يقطع
بإرادة المتكلم الحكيم له لو حصل القطع بعدم القرينة كغلبة استعمال المطلق في
الفرد الشائع بناء على عدم وصوله إلى حد الوضع وكالقرائن المقامية التي يعتمدها
أهل اللسان في محاوراتهم كوقوع الأمر عقيب توهم الحظر ونحو ذلك (انتهى) موضع
الحاجة من كلامه.
(أقول)
ولو عبر أعلى الله
مقامه بدلا عن أصالة الحقيقة والعموم والإطلاق بأصالة الظهور كان أخصر وأجمع اما
كونه أخصر فواضح واما كونه أجمع فلأن اللفظ قد يكون ظاهرا في معنى من غير استناد
إلى الوضع بل بقرائن شخصية أو نوعية غير قطعية بحيث يحتمل معها إرادة غير الظاهر
ولو احتمالا بعيدا فحينئذ تجري أصالة الظهور ولا تجري شيء من تلك الأصول الثلاثة
أصلا (هذا مضافا) إلى ان جريان تلك الأصول الثلاثة مما لا ينحصر بما إذا احتمل
وجود القرينة الصارفة في الكلام كما يظهر منه أعلى الله مقامه بل تجري حتى مع
القطع بانتفاء القرينة الصارفة مع احتمال إرادة المتكلم ثبوتا غير المعنى الظاهر
إثباتا لحكمة مقتضية لذلك قد دعته هي إلى عدم نصب القرينة كما يتفق ذلك كثيرا فتأمل
جيدا.
(قوله لاستقرار طريقة
العقلاء على اتباع الظهورات في تعيين المرادات ... إلخ)
وقد استدل الشيخ
أعلى الله مقامه على حجية الظواهر بما يقرب من ذلك (قال) اما القسم الأول يعني به
ما يعمل لتشخيص مراد المتكلم عند احتمال إرادة خلاف ذلك فاعتباره في الجملة مما لا
إشكال فيه ولا خلاف لأن المفروض كون تلك الأمور معتبرة عند أهل اللسان في
محاوراتهم المقصود بها التفهيم ومن المعلوم بديهة ان طريق محاورات الشارع في تفهيم
مقاصده للمخاطبين
لم يكن طريقا مخترعا مغايرا لطريق محاورات أهل اللسان في تفهيم مقاصدهم (انتهى).
(قوله لوضوح عدم
اختراع طريقة أخرى في مقام الإفادة لمرامه من كلامه ... إلخ)
علة لقوله مع
القطع بعدم الردع عنها أي عن طريقة العقلاء على اتباع الظهورات فان الشارع لو ردع
عن طريقتهم لاخترع لنفسه طريقة أخرى في مقام الإفادة لمرامه ولم يتكل على الظهورات
في تفهيم المرادات كسائر العقلاء فحيث لم يخترع لم يردع (واما رادعية) الآيات
الناهية عن الظن ومنه الظواهر فسيأتي الكلام فيها في خبر الواحد إن شاء الله تعالى
وانها دورية بنظر المصنف وان كان الدور مما لا يخلو عن إشكال كما ستعرف ونحن نجيب
عن الرادعية بطريق آخر غير الدور (مضافا) إلى ان دلالة الآيات على النهي عن
الظواهر تكون هي بالعموم والعموم ظهور ولا يعقل النهي عن الظواهر بالظهور وإلّا
لمنع عن نفسه وهذا واضح.
في ذكر تفصيلين في المسألة
(قوله والظاهر ان
سيرتهم على اتباعها من غير تقييد بإفادتها الظن فعلا ولا بعدم الظن كذلك على خلافها
... إلخ)
إشارة إلى تفصيلين
في المسألة قد أشار إليهما الشيخ أعلى الله مقامه (قال) بعد الفراغ عن التفصيل
الآتي للمحقق القمي (ما هذا لفظه) ثم انك قد عرفت ان مناط الحجية والاعتبار في
دلالة الألفاظ هو الظهور العرفي وهو كون الكلام بحيث يحمل عرفا على ذلك المعنى ولو
بواسطة القرائن المقامية المكتنفة بالكلام فلا فرق بين إفادة الظن بالمراد وعدمها
ولا بين
وجود الظن الغير
المعتبر على خلافه وعدمه لأن ما ذكرنا من الحجة على العمل بها جار في جميع الصور
المذكورة (إلى ان قال) نعم ربما يجري على لسان بعض متأخري المتأخرين من المعاصرين
عدم الدليل على حجية الظواهر إذا لم تفد الظن أو إذا حصل الظن الغير المعتبر على
خلافها لكن الإنصاف انه مخالف لطريقة أرباب اللسان والعلماء في كل زمان (انتهى) (فالشيخ
أعلى الله مقامه) كما ترى قد استدل على بطلان التفصيلين بجريان الحجة وهي سيرة
العقلاء وطريقة أرباب اللسان في جميع الصور المذكورة أي سواء كان الظهور مفيدا
للظن بالمراد أم لا وسواء كان الظن الغير المعتبر على خلافه أم لا (واستدل المصنف)
على جريان السيرة في جميع الصور المذكورة بقوله ضرورة انه لا مجال عندهم للاعتذار
عن مخالفتها بعدم إفادتها للظن بالوفاق ولا بوجود الظن بالخلاف ... إلخ.
(أقول)
نعم لا يصح
الاعتذار عن مخالفة الظواهر بمجرد عدم افادتها الظن بالمراد أو بوجود الظن الغير
المعتبر على الخلاف بعد الاعتراف بظهور الكلام في المعنى وبتجليه عن اللفظ
وانسباقه إلى الذهن وانفهامه منه عرفا ولكن ذلك في مقام امتثال التكاليف الصادرة
عن الموالي واما في مقام عمل العقلاء بعضهم بكلام بعض في الأمور الراجعة إلى
أنفسهم في مصالحهم ومعاشهم فالظاهر انهم لا يعلمون على طبق الظاهر ما لم يحصل منه
الظن بالمراد بل الوثوق والاطمئنان فضلا عما إذا كان الظن على الخلاف (اللهم) إلا
إذا كان المعنى الظاهر من الأمور المهمة فيؤتى به حينئذ احتياطا ورجاء وهو غير
العمل بالظاهر والاستناد إليه والاعتماد عليه.
(ثم ان الشيخ)
أعلى الله مقامه بعد ما فرغ عن التفصيلين المذكورين ذكر تفصيلين آخرين.
(أحدهما) ما أشار
إليه بقوله وربما فصل بعض المعاصرين تفصيلا يرجع حاصله إلى ان الكلام إن كان
مقرونا بحال أو مقال يصلح ان يكون صارفا عن المعنى الحقيقي فلا يتمسك فيه بأصالة
الحقيقة وان كان الشك في أصل وجود الصارف أو كان هناك أمر منفصل يصلح لكونه صارفا
فيعمل على أصالة الحقيقة (قال) وهذا تفصيل حسن متين لكنه تفصيل في العمل بأصالة
الحقيقة عند الشك في الصارف لا في حجية الظهور اللفظي بل مرجعه إلى تعيين الظهور
العرفي وتمييزه عن موارد الإجمال فان اللفظ في القسم الأول يخرج عن الظهور إلى
الإجمال بشهادة العرف.
(أقول)
نعم ان التفصيل
المذكور حسن متين إلا انه لا يختص بأصالة الحقيقة فقط بل يجري حتى في أصالة العموم
والإطلاق فإذا اقترن بالكلام ما يصلح للمخصصية أو المقيدية على نحو أخل بظهور
العام في العموم أو بظهور المطلق في الإطلاق فلا يتمسك بأصالة العموم أو الإطلاق
بخلاف ما إذا شك في وجود المخصص أو المقيد أو في مخصصية الأمر المنفصل أو مقيديته
فيتمسك حينئذ بأصالة العموم أو الإطلاق.
(ثانيهما) ما أشار
إليه بقوله وبإزاء التفصيل المذكور تفصيل آخر ضعيف وهو ان احتمال إرادة خلاف مقتضي
اللفظ إن حصل من أمارة غير معتبرة فلا يصح رفع اليد عن الحقيقة وإن حصل من دليل
معتبر فلا يعمل بأصالة الحقيقة ومثل له بما إذا ورد في السنة المتواترة عام وورد
فيها أيضا خطاب مجمل يوجب الإجمال في ذلك العام ولا يوجب الظن فلا دليل على لزوم
العمل بالأصل تعبدا (انتهى).
(أقول)
ليس المدار في
الاعتناء باحتمال إرادة خلاف مقتضي اللفظ على حصوله من
أمارة معتبرة أو
غير معتبرة بل المدار بإخلاله بالظهور العرفي وعدمه (فقد يحصل) من أمارة غير
معتبرة ويعتني به لاتصال الأمارة بالكلام وإخلالها بالظهور العرفي (وقد يحصل) من
أمارة معتبرة كما في مثال المفصل ولا يعتني به لانفصال الأمارة عن الكلام وعدم
إخلالها بالظهور العرفي وإن أخل بحصول الظن بالمراد وليس بهم لما عرفت من عدم
اعتبار حصوله (ومن هنا يظهر) ما في زعم المفصل من ان الخطاب المجمل الوارد في
السنة مما يوجب إجمال العام الوارد فيها مع فرض الانفصال عنه وانه يوجب ان لا يحصل
الظن بالمراد من العام وانه لو عمل بأصالة الحقيقة حينئذ فهو من باب العمل بالأصل
تعبدا والكل كما ترى ضعيف.
(اما الأول) فلان
المجمل المنفصل مما لا يوجب إجمال العام بل ظهوره في العموم باق على حاله.
(واما الثاني)
فلان الخطاب المجمل هب انه أوجب عدم حصول الظن بالمراد من العام ولكن ذلك مما لا
يضر بعد ما عرفت من عدم اعتبار الظن بالمراد في حجية الظواهر.
(واما الثالث)
فلان العمل بأصالة الحقيقة حينئذ هو من باب العمل بأصالة الظهور لما عرفت من بقاء
ظهور العام على حاله فليس هو من العمل بالأصل تعبدا قطعا فتأمل جيدا.
في تفصيل المحقق القمي
(قوله كما ان الظاهر
عدم اختصاص ذلك بمن قصد إفهامه ... إلخ)
إشارة إلى تفصيل
المحقق القمي في حجية الظواهر (قال الشيخ أعلى الله مقامه) واما التفصيل الآخر
يعني به من التفصيلين الذين قد أشار إليهما في صدر
حجية الظواهر وكان
أحدهما للأخباريين وقد قدمه في الذّكر وأخره المصنف للاهتمام به وطوله كما ستعرف
فهو الّذي يظهر من صاحب القوانين قدسسره في آخر مسألة حجية الكتاب وفي أول مسألة الاجتهاد والتقليد
وهو الفرق بين من قصد إفهامه بالكلام فالظواهر حجة بالنسبة إليه من باب الظن
الخاصّ سواء كان مخاطبا كما في الخطابات الشفاهية أم لا كما في الناظر في الكتب المصنفة
لرجوع كل من ينظر إليها وبين من لم يقصد إفهامه بالخطاب كأمثالنا بالنسبة إلى
أخبار الأئمة الصادرة عنهم في مقام الجواب عن سؤال السائلين وبالنسبة إلى الكتاب
العزيز بناء على عدم كون خطاباته موجهة إلينا وعدم كونه من باب تأليف المصنفين
فالظهور اللفظي ليس حجة حينئذ لنا إلا من باب الظن المطلق الثابت حجيته عند انسداد
باب العلم (انتهى).
(ثم ان الشيخ) بعد
ما وجه هذا التفصيل توجيها طويلا لا يسع المقام ذكره (قال ما هذا لفظه) ولكن
الإنصاف انه لا فرق في العمل بالظهور اللفظي وأصالة عدم الصارف عن الظاهر بين من
قصد إفهامه ومن لم يقصد فان جميع ما دل من إجماع العلماء وأهل اللسان على حجية
الظواهر بالنسبة إلى من قصد إفهامه جار فيمن لم يقصد لأن أهل اللسان إذا نظروا إلى
كلام صادر من متكلم إلى مخاطب يحكمون بإرادة ظاهره منه إذا لم يجدوا قرينة صارفة
بعد الفحص في مظان وجودها ولا يفرقون في استخراج مرادات المتكلمين بين كونهم
مقصودين بالخطاب وعدمه فإذا وقع المكتوب الموجه من شخص إلى شخص بيد ثالث فلا يتأمل
في استخراج مرادات المتكلم من الخطاب الموجه إلى المكتوب إليه فإذا فرضنا اشتراك
هذا الثالث مع المكتوب إليه فيما أراد المولى منهم فلا يجوز له الاعتذار في ترك
الامتثال بعدم الاطلاع على مراد المولى وهذا واضح لمن
راجع الأمثلة
العرفية هذا حال أهل اللسان في الكلمات الواردة إليهم واما العلماء فلا خلاف بينهم
في الرجوع إلى أصالة الحقيقة في الألفاظ المجردة عن القرائن الموجهة من متكلم إلى
مخاطب سواء كان ذلك في الأحكام الجزئية كالوصايا الصادرة عن الموصي المعين إلى شخص
معين ثم مست الحاجة إلى العمل بها مع فقد الموصي إليه فان العلماء لا يتأملون في
الإفتاء بوجوب العمل بظاهر ذلك الكلام الموجه إلى الموصي إليه المفقود وكذا في
الأقارير أم كان في الأحكام الكلية كالاخبار الصادرة عن الأئمة مع كون المقصود
منها تفهيم مخاطبهم لا غير فانه لا يتأمل أحد من العلماء في استفادة الأحكام من
ظواهرها معتذرا بعدم الدليل على حجية أصالة عدم القرينة بالنسبة إلى غير المخاطب
أو من قصد إفهامه (انتهى موضع الحاجة) من كلامه أعلى الله تعالى مقامه.
(قوله ولذا لا يسمع
اعتذار من لا يقصد إفهامه إذا خالف ما تضمنه ظاهر كلام المولى من تكليف يعمه أو
يخصه ... إلخ)
هذا مقتبس مما
أفاده الشيخ أعلى الله مقامه في كلامه المتقدم آنفا بقوله فإذا وقع المكتوب الموجه
من شخص إلى شخص بيد ثالث (إلى ان قال) فلا يجوز له الاعتذار في ترك الامتثال بعدم
الاطلاع على مراد المولى.
(قوله كما تشهد به صحة
الشهادة بالإقرار من كل من سمعه ولو قصد عدم إفهامه فضلا عما إذا لم يكن بصدد
إفهامه ... إلخ)
هذا أيضا مقتبس
مما أفاده الشيخ في كلامه المتقدم آنفا بقوله واما العلماء فلا خلاف بينهم إلى
قوله وكذا في الأقارير (وعلى كل حال) حاصل مقصود المصنف انه إذا أقر زيد على نفسه
بشيء مثل كونه مديونا لعمرو بكذا وقد سمعه بكر صح لبكر أن يشهد عليه عند الحاكم
وإن لم يكن مقصودا بالإفهام بل كان مقصودا بعدم الإفهام وقد فهم أحيانا.
في تفصيل جماعة من الأخباريين
(قوله ولا فرق في ذلك
بين الكتاب المبين وأحاديث سيد المرسلين والأئمة الطاهرين وإن ذهب بعض الأصحاب إلى
عدم حجية ظاهر الكتاب إلى آخره)
إشارة إلى تفصيل
جماعة من الأخباريين (قال الشيخ أعلى الله مقامه) اما القسم الأول يعني به ما يعمل
لتشخيص مراد المتكلم عند احتمال إرادة خلاف ذلك كأصالة الحقيقة عند احتمال إرادة
المجاز وأصالة العموم والإطلاق فاعتباره في الجملة مما لا إشكال فيه ولا خلاف (إلى
ان قال) وانما الخلاف والإشكال وقع في موضعين.
(أحدهما) جواز
العمل بظواهر الكتاب (إلى ان قال) اما الكلام في الخلاف الأول فتفصيله انه ذهب
جماعة من الأخباريين إلى المنع عن العمل بظواهر الكتاب من دون ما يرد التفسير وكشف
المراد عن الحجج المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين (انتهى موضع الحاجة) من كلامه
رفع مقامه.
(قوله إما بدعوى
اختصاص فهم القرآن ومعرفته بأهله ومن خوطب به ... إلخ)
قد ذكر المصنف
للأخباريين وجوها خمسة واما الشيخ فقد ذكر لهم وجهين لا غيرهما.
(الأول) الأخبار
وهي (بين ما يدل) على اختصاص فهم القرآن بمن خوطب به وقد جعله المصنف أول الوجوه (وبين
ما يدل) على النهي عن تفسير القرآن بالرأي وقد جعله المصنف خامس الوجوه.
(الثاني) العلم
الإجمالي بطرو التقييد والتخصيص والتجوز في أكثر ظواهر الكتاب وذلك ومما يسقطها عن
الظهور وقد جعله المصنف رابع الوجوه (واما ثاني الوجوه) الخمسة فلم يذكره الشيخ
ولعل المصنف وجده في ساير كلماتهم.
(واما ثالث الوجوه)
الخمسة فهو للسيد الصدر شارح الوافية وقد ذكره الشيخ بعد الوجهين السابقين (وعلى
كل حال) ان ما دل على اختصاص فهم القرآن ومعرفته بأهله ومن خوطب به حديثان.
(أحدهما) ما ورد
في ردع أبي حنيفة وهو ما رواه في الوسائل في القضاء في باب عدم جواز القضاء والحكم
بالرأي مسندا عن بعض أصحاب أبي عبد الله عليهالسلام انه قال أبو عبد الله عليهالسلام لأبي حنيفة أنت فقيه أهل العراق قال نعم قال فبم تفتيهم
قال بكتاب الله وسنة نبيه قال يا أبا حنيفة تعرف كتاب الله حق معرفته وتعرف الناسخ
والمنسوخ قال نعم قال يا أبا حنيفة لقد ادعيت علما ويلك ما جعل الله ذلك الا عند
أهل الكتاب الذين أنزل عليهم ويلك ولا هو الا عند الخاصّ من ذرية نبينا محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم وما ورثك الله من كتابه حرفا الحديث.
(ثانيهما) ما ورد
في ردع قتادة وهو ما رواه في الوسائل في القضاء في باب عدم جواز استنباط الأحكام
النظرية من ظواهر القرآن مسندا عن زيد الشحام قال دخل قتادة بن دعامة على أبي جعفر
عليهالسلام فقال يا قتادة أنت فقيه أهل البصرة فقال هكذا يزعمون فقال
أبو جعفر عليهالسلام بلغني انك تفسر القرآن فقال له قتادة نعم فقال له أبو جعفر
عليهالسلام فإن كنت تفسره بعلم فأنت أنت وأنا أسألك (إلى ان قال) أبو
جعفر عليهالسلام ويحك يا قتادة انما يعرف القرآن من خوطب به.
(قوله أو بدعوى انه
لأجل احتوائه على مضامين شامخة ... إلخ)
قد أشرنا ان هذا
الوجه الثاني من الوجوه الخمسة لم يذكره الشيخ وأن المصنف لعله ظفر عليه في ساير
كلمات الأخباريين والله العالم.
(قوله أو بدعوى شمول
المتشابه الممنوع عن اتباعه للظاهر لا أقل من احتمال شموله لتشابه المتشابه ...
إلخ)
قد أشرنا ان هذا
الوجه الثالث هو للسيد الصدر شارح الوافية غير ان السيد لم يدع شمول المتشابه
الممنوع عن اتباعه للظاهر وانما احتمل شموله له لتشابه المتشابه (وقد ذكر الشيخ)
ملخص كلامه بعد ذكر الوجهين السابقين للأخباريين كما أشير آنفا من الأخبار والعلم
الإجمالي ونحن نلخص ما لخصه الشيخ أعلى الله مقامه (فنقول) محصله ان المتشابه كما
يكون في أصل اللغة فكذلك يكون بحسب الاصطلاح مثل أن يقول أحد انا استعمل العمومات
وكثيرا ما أريد الخصوص من غير قرينة وربما أخاطب أحدا وأريد غيره ونحو ذلك والقرآن
من هذا القبيل لأنه نزل على اصطلاح خاص قال قال سبحانه منه آيات محكمات هن أم
الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه الآية ذم على
اتباع المتشابه ولم يبين لهم المتشابه ما هي وكم هي بل لم يبين لهم المراد من هذا
اللفظ وجعل البيان موكولا إلى خلفائه (لا يقال) إن الظاهر من المحكم ووجوب العمل
بالحكم إجماعي (لأنا نمنع الصغرى) إذ المعلوم عندنا مساواة الحكم للنص وأما شموله
للظاهر فلا (لا يقال) ان ما ذكرتم لو تم لدل على عدم جواز العمل بظواهر الأخبار
أيضا لما فيها من الناسخ والمنسوخ والمحكم والمتشابه والعام والخاصّ والمطلق
والمقيد (لأنا نقول) إنا لو خلينا وأنفسنا لعملنا بظواهر الكتاب والسنة جميعا مع
عدم نصب القرينة على خلافها ولكن منعنا من ذلك في القرآن للمنع من اتباع المتشابه
وعدم بيان حقيقته واما الأخبار فقد سبق أن أصحاب الأئمة كانوا عاملين باخبار واحد
من غير فحص عن مخصص أو معارض ناسخ أو مقيد ولو لا هذا لكنا في العمل بظواهر
الأخبار أيضا من المتوقفين (انتهى).
(قوله أو بدعوى انه
وان لم يكن منه ذاتا إلّا انه صار منه عرضا للعلم الإجمالي بطرو التخصيص والتقييد
والتجوز ... إلخ)
هذا رابع الوجوه
الخمسة وهو الوجه الثاني من الوجهين الذين ذكرهما الشيخ أعلى الله مقامه
للأخباريين ومحصله كما ذكر المصنف ان ظاهر الكتاب وان لم يكن من المتشابهات ولكنه
من جهة العلم الإجمالي بطرو المخصصات والمقيدات والتجوزات صار من المتشابهات عرضا (قال
الشيخ ما لفظه) الثاني من وجهي المنع انا نعلم بطرو التقييد والتخصيص والتجوز في
أكثر ظواهر الكتاب وذلك مما يسقطها عن الظهور (انتهى).
(قوله أو شمول الأخبار
الناهية عن تفسير القرآن بالرأي بحمل الكلام الظاهر في معنى على إرادة هذا المعنى
... إلخ)
هذا خامس الوجوه
وهو الأخبار الناهية عن التفسير بالرأي بناء على ان حمل الكتاب على ظاهره هو من
التفسير بالرأي وهي أخبار كثيرة (مثل) ما رواه في الوسائل في القضاء في باب عدم
جواز القضاء والحكم بالرأي عن الرضا عليهالسلام عن أبيه عن آبائه عن أمير المؤمنين عليهالسلام قال قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ما آمن بي من فسر برأيه كلامي الحديث (وما رواه) في الباب
أيضا عن محمد بن مسعود العياشي في تفسيره عن عمار بن موسى عن أبي عبد الله عليهالسلام قال سأل عن الحكومة فقال من حكم برأيه بين اثنين فقد كفر
ومن فسر برأيه آية من كتاب الله فقد كفر (وما رواه) في القضاء أيضا في باب عدم
جواز استنباط الأحكام النظرية من القرآن عن عبد الرحمن بن سمرة قال قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لعن الله المجادلين في دين الله (إلى ان قال) ومن فسر
القرآن برأيه فقد افترى على الله الكذب (وما ذكره الشيخ) في الرسائل قال وعن أبي
عبد الله عليهالسلام من فسر القرآن برأيه إن أصاب لم يؤجر وإن أخطأ سقط أبعد من
السماء (وما ذكره) فيه أيضا قال وفي النبوي العامي من فسر القرآن برأيه فأصاب فقد
أخطأ
(وقال أيضا) وعن
مجمع البيان انه قد صح عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وعن الأئمة القائمين مقامه ان تفسير القرآن لا يجوز إلا
بالأثر الصحيح والنص الصريح (قال وقوله عليهالسلام) ليس شيء أبعد من عقول الرّجال من تفسير القرآن إن الآية
يكون أولها في شيء وآخرها في شيء وهو كلام متصل ينصرف إلى وجوه (انتهى) إلى غير
ذلك من الأخبار المتقاربة لذلك مما ذكره في الوسائل في كتاب القضاء.
(قوله فبحسب غير الوجه
الأخير والثالث يكون صغرويا واما بحسبهما فالظاهر انه كبروي ... إلخ)
بمعنى ان نزاعنا
مع الأخباريين بحسب الوجه الأول والثاني والرابع يكون صغرويا فهم ينكرون الظهور
للقرآن المجيد ونحن ندعي وجوده وبحسب الوجه الثالث والخامس يكون كبرويا فهم
يعترفون بتحقق الظهور للقرآن المجيد وينكرون حجيته ونحن ندعي حجيته كحجية ساير
الظواهر.
(أقول)
نعم إن النزاع
بحسب الوجه الأول والثاني صغروي فان مفاد ما دل على اختصاص فهم القرآن ومعرفته
بأهله ومن خوطب به ان غيرهم لا يفهمون منه شيئا وهكذا مقتضي احتواء الكتاب على
مضامين شامخة ومطالب غامضة عالية ولكن مقتضي الوجه الرابع وهو العلم الإجمالي بطرو
المخصصات والمقيدات والتجوزات ليس سقوط ظهور الكتاب رأسا وانما يقتضي سقوط حجية ظهور
الكتاب عقلا وان كان صريح كلامهم على ما يظهر من الكلام المتقدم للشيخ هو سقوط
الظهور من أصله حيث قال الثاني من وجهي المنع (إلى ان قال) وذلك مما يسقطها عن
الظهور إلى آخره إلّا انه مما لا يخلو عن مسامحة.
(قوله إما لأنه من
المتشابه قطعا أو احتمالا ... إلخ)
قد أشرنا آنفا انه
ليس في كلام السيد الصدر شارح الوافية دعوى كون الظاهر من المتشابه قطعا بل ادعى
احتمال شمول المتشابه للظاهر وعدم العلم بكون الظاهر من
المحكم وكأن
المصنف قد ذكر الوجه الثالث بنحو الترديد من عند نفسه.
(قوله وكل هذه الدعاوي
فاسدة ... إلخ)
(ووجه فساد الدعوى
الأولى) ان المراد مما دل على اختصاص فهم القرآن ومعرفته بأهله ومن خوطب به وهم
الخاصّ من ذرية نبينا محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم اختصاص فهمه بتمامه بمتشابهاته ومحكماته.
(أقول)
بل وبعمومه وخصوصه
ومطلقه ومقيدة وناسخه ومنسوخه وظاهره وباطنه وتأويله وتفسيره وانه نزل بليل أو
نهار في سهل أو في جبل إلى غير ذلك من الخصوصيات التي يختص علمها بعد النبي صلىاللهعليهوآله بأمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام والأحد عشر المعصومين
من ذريته وذلك لبداهة ان في القرآن ما لا يختص علمه بهم كيف وقد وقع في غير واحد
من الروايات الإرجاع إلى الكتاب والاستدلال بغير واحد من آياته (مثل قوله عليهالسلام) في رواية عبد الأعلى في حكم من عثر فوقع ظفره فجعل على
إصبعه مرارة ان هذا وشبهه يعرف من كتاب الله ما جعل عليكم في الدين من حرج (وقوله عليهالسلام) في مقام نهي الدوانقي عن قبول خبر النمام انه فاسق وقال
الله ان جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا (وقوله عليهالسلام) لابنه إسماعيل إن الله عزوجل يقول يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين فإذا شهد عندك المؤمنون
فصدقهم إلى غير ذلك من الإرجاعات والاستدلالات التي ذكرها الشيخ أعلى الله مقامه
فلو لم يكن لغير أهل البيت حظ من فهم الكتاب وكان فهمه مختصا بأهله لم يكن وجه
لإرجاعهم إلى الكتاب أو لاستدلالهم به لنا (ومن تمام ما ذكر يظهر) ان الأنسب في
نظم عبارة المصنف كان ان يقول هكذا اما الأولى فإنما المراد مما دل على اختصاص فهم
القرآن ومعرفته بأهله اختصاص فهمه بتمامه بمتشابهاته ومحكماته بداهة ان فيه ما لا
يختص به كما لا يخفى كيف وقد وقع في غير واحد من الروايات الإرجاع إلى الكتاب إلى
آخره فيجعل قوله كيف وقد وقع ... إلخ دليلا لقوله
بداهة ان فيه ما
لا يختص به من دون فصل بينهما بقوله وردع أبي حنيفة ... إلخ.
(قوله وردع أبي حنيفة
وقتادة عن الفتوى به انما هو لأجل الاستقلال في الفتوى ... إلخ)
دفع لما قد يتوهم
من ان فهم القرآن لو لم يختص بأهله فلم قد ردع الإمام عليهالسلام أبا حنيفة وقتادة عن الفتوى به (فيقول) إن ردعهما عن ذلك
انما هو لأجل استقلالهما بالفتوى من دون مراجعة الروايات الواردة عن أهل البيت في
تفسيره لا عن الاستدلال بظاهره بعد المراجعة إليها وعدم الظفر فيها بما ينافيه كما
هو دأب الشيعة وسيرتهم (وعليه) فردعهما عنه مما لا يدل على عدم جواز الاستدلال
بظاهره ولو بعد المراجعة إلى رواياتهم والفحص عما ينافيه بحد اليأس.
(وبالجملة) ان
العامة يفتون بظاهر الكتاب من دون مراجعة الروايات الواردة عن أئمتنا المعصومين عليهمالسلام ونحن نفتي بظاهره بعد المراجعة إلى رواياتهم والفحص عما
ينافيه بحد اليأس والأخباريون لا يفتون بظاهره حتى بعد الفحص بحد اليأس والصواب هو
النمط الأوسط.
(ثم ان المصنف) قد
أخذ هذا الدفع من كلام الشيخ أعلى الله مقامه فانه بعد ان فسر التفسير بالرأي بان
المراد به هو الاعتبار العقلي الظني الراجع إلى الاستحسان ذكر له معنى آخر قد
اقتبس منه المصنف هذا الدفع (قال) فالمراد بالتفسير بالرأي إما حمل اللفظ على خلاف
ظاهره أو أحد احتماليه لرجحان ذلك في نظره القاصر (إلى ان قال) وإما الحمل على ما
يظهر له في بادي الرّأي من المعاني العرفية واللغوية من دون تأمل في الأدلة
العقلية ومن دون تتبع في القرائن النقليّة مثل الآيات الأخر الدالة على خلاف هذا
المعنى والاخبار الواردة في بيان المراد منها وتعيين ناسخها من منسوخها (قال) ومما
يقرب هذا المعنى الثاني وان كان الأول أقرب عرفا ان المنهي في تلك الأخبار
المخالفون الذين يستغنون بكتاب الله عن أهل البيت بل يخطئوهم به ومن المعلوم ضرورة
من مذهبنا تقديم
نصّ الإمام عليهالسلام على ظاهر القرآن كما ان المعلوم ضرورة من مذهبهم العكس
ويرشدك إلى هذا ما تقدم في رد الإمام عليهالسلام على أبي حنيفة حيث انه يعمل بكتاب الله ومن المعلوم انه
انما كان يعمل بظواهره لا انه كان يؤوله بالرأي إذ لا عبرة بالرأي عندهم مع الكتاب
والسنة (انتهى موضع الحاجة) من كلامه رفع مقامه.
(قوله كيف وقد وقع في
غير واحد من الروايات الإرجاع إلى الكتاب ... إلخ)
قد أشرنا ان
الأنسب في نظم عبارة المصنف كان ان يوصل قوله هذا بقوله بداهة ان فيه ما لا يختص
به ... إلخ فيكون هذا دليلا لقوله ذاك من دون ان يفصل بينهما بقوله وردع أبي حنيفة
... إلخ.
(قوله واما الثانية
فلان احتوائه ... إلخ)
ولقد أجاد المصنف
في الجواب عن الدعوى الثانية جدا فان مجرد الاشتمال على المضامين الغامضة مما لا
يمنع عن العمل بالظواهر الغير الغامضة التي يعرفها أهل العرف واللسان (اللهم) إلا
إذا ادعى ان مضامين القرآن كلها غامضة عالية لا تصل إليها افهام العرف أصلا ولكنها
ليست كذلك قطعا.
(قوله واما الثالثة
فللمنع عن كون الظاهر من المتشابه فان الظاهر ان المتشابه هو خصوص المجمل ... إلخ)
(وحاصل الجواب) عن
الدعوى الثالثة انه ليس الظاهر من جملة المتشابه الممنوع اتباعه فان الظاهر ان
المتشابه هو خصوص المجمل لا ما يعم المجمل وغيره (لا يقال) هذا تمسك بظاهر الكتاب
وحجيته أول الكلام فيكون مصادرة (لأنه يقال) ليس المقصود من قولنا فان الظاهر ان
المتشابه هو خصوص المجمل ان الظاهر من قوله تعالى وأخر متشابهات هو ذلك كي يكون
مصادرة بل المقصود ان المتبادر من لفظ المتشابه عند العرف ولو لم يكن في الكتاب
العزيز هو خصوص
المجمل ومن
المعلوم ان فهم العرف متبع في تعيين مداليل الألفاظ فلا مصادرة (هذا) ويمكن الجواب
عن الدعوى الثانية بنحو آخر أيضا فنقول انه لو سلم تشابه المتشابه وانه يحتمل
شموله للظاهر فالمتيقن من حرمة العمل بالمتشابه هو المجمل واما ما سواه كالظاهر
فالبراءة مما تجري عن حرمته فانه شبهة حكمية منشأها إجمال النص وتردده بين الأقل
والأكثر كما لا يخفى.
(قوله واما الرابعة
فلان العلم إجمالا ... إلخ)
(وحاصل الجواب) عن
الدعوى الرابعة ان العلم الإجمالي بمخالفات الظواهر في الكتاب المجيد وان كان حقا
لا ريب فيه ولكن ذلك مما لا يوجب إجمالها وعدم جواز العمل بها رأسا فانا إذا
تفحصنا في الروايات وظفرنا فيها على المخالفات بمقدار المعلوم بالإجمال وانحل
العلم الإجمالي من أصله إلى العلم التفصيليّ والشك البدوي فلا يكاد يبقى مقتضي
لإجمالها بعد ذلك أبدا (هذا مع) إمكان دعوى العلم الإجمالي بوجود مخالفات خاصة لو
تفحصنا عنها لظفرنا عليها (وعليه) ففي كل ظاهر من ظواهر الكتاب إذا تفحصنا في
الروايات عما يخالفه ولم نظفر فيها بشيء جاز العمل به وان كان العلم الإجمالي
بالنسبة إلى ساير الظواهر باقيا على حاله وذلك لخروج هذا الظاهر الّذي تفحصنا عما
يخالفه عن كونه طرفا للعلم الإجمالي إذ المفروض انا نعلم بمخالفات خاصة لو تفحصنا
عنها لظفرنا عليها وهذا الظاهر قد تفحصنا عما يخالفه ولم نظفر فيه بشيء فلا يكون
من أطراف العلم الإجمالي.
(وبالجملة) فرق
واضح بين الجواب الثاني والجواب الأول.
(فعلى الأول) لا
يمكن العمل بظاهر من الظواهر حتى نظفر في الروايات على المخالفات بمقدار المعلوم
بالإجمال وينحل العلم الإجمالي من أصله.
(وعلى الثاني) لا
يجب ذلك بل إذا تفحصنا في خصوص ظاهر من الظواهر ولم نظفر فيه بشيء جاز العمل به
وان كان العلم الإجمالي بالنسبة إلى ساير الظواهر باقيا على حاله.
(ثم ان هذا الجواب
الثاني) قد اتخذه المصنف ظاهرا من الشيخ أعلى الله مقامه (قال) فيما أفاده في
المقام ان المعلوم إجمالا هو وجود مخالفات كثيرة في الواقع فيما بأيدينا بحيث تظهر
تفصيلا بعد الفحص واما وجود مخالفات في الواقع زائدا على ذلك فغير معلوم (انتهى)
موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه.
(قوله مع ان دعوى
اختصاص أطرافه ... إلخ)
هذا هو الجواب
الثاني عن الدعوى الرابعة وقد شرحناه لك آنفا وذكرنا الفرق بينه وبين الجواب الأول
فلا تغفل (قوله واما الخامسة
فيمنع كون حمل الظاهر على ظاهره من التفسير فانه كشف القناع ولا قناع للظاهر ...
إلخ)
هذا جواب أول عن
الدعوى الخامسة أي الاستدلال بالأخبار الناهية عن التفسير بالرأي (وحاصله) ان مادة
التفسير لغة هو كشف القناع ولا قناع للظاهر كي يكون حمل الظاهر على ظاهره من
التفسير لغة ويحرم بالأخبار المذكورة (وقد أشار الشيخ) إلى هذا الجواب مفصلا
واتخذه المصنف منه (فقال) أعلى الله مقامه والجواب عن الاستدلال بها يعني الاخبار
الناهية عن التفسير بالرأي انها لا تدل على المنع عن العمل بالظواهر الواضحة
المعنى بعد الفحص عن نسخها وتخصيصها وإرادة خلاف ظاهرها في الاخبار إذ من المعلوم
ان هذا لا يسمى تفسيرا فان أحدا من العقلاء إذا رأى في كتاب مولاه انه أمره بشيء
بلسانه المتعارف في مخاطبته له عربيا أو فارسيا أو غيرهما فعمل به وامتثله لم يعد
هذا تفسيرا إذ التفسير كشف القناع (انتهى)
(قوله ولو سلم فليس من
التفسير بالرأي إذ الظاهر ان المراد بالرأي هو الاعتبار الظني ... إلخ)
هذا جواب ثاني عن
الدعوى الخامسة (وحاصله) انه لو سلم ان مادة التفسير لغة مما تشمل حمل الظاهر على
ظاهره فهو ليس من التفسير بالرأي فان الرّأي هو الاعتبارات الظنية والاستحسانات
العقلية بل التفسير بالرأي هو حمل اللفظ على
خلاف ظاهره أو على
أحد محتملاته بمجرد الاعتبار الظني والاستحسان العقلي (وقد أخذ المصنف) هذا الجواب
الثاني إلى قوله في الكتاب فيعرفونهم ... إلخ من الشيخ أيضا (قال أعلى الله مقامه)
ثم لو سلم كون مطلق حمل اللفظ على معناه تفسيرا لكن الظاهر ان المراد بالرأي هو
الاعتبار العقلي الظني الراجع إلى الاستحسان فلا يشمل حمل ظواهر الكتاب على
معانيها اللغوية والعرفية وحينئذ فالمراد بالتفسير بالرأي إما حمل اللفظ على خلاف
ظاهره أو أحد احتماليه لرجحان ذلك في نظره القاصر وعقله الفاتر ويرشد إليه المروي
عن مولانا الصادق عليهالسلام قال في حديث طويل وانما هلك الناس في المتشابه لأنهم لم
يقفوا على معناه ولم يعرفوا حقيقته فوضعوا له تأويلا من عند أنفسهم بآرائهم
واستغنوا بذلك عن مسألة الأوصياء فيعرفونهم (انتهى).
(قوله هذا مع انه لا
محيص عن حمل هذه الروايات الناهية عن التفسير به على ذلك ولو سلم شمولها لحمل
اللفظ على ظاهره ... إلخ)
هذا جواب ثالث عن
الدعوى الخامسة (وحاصله) انه لو سلم شمول الروايات الناهية عن التفسير بالرأي لحمل
الظاهر على ظاهره فلا محيص عن حمل التفسير بالرأي فيها على ما ذكرناه من حمل اللفظ
على خلاف ظاهره أو على أحد محتملاته بمجرد الاعتبار الظني والاستحسان العقلي
وإخراج حمل الظاهر على ظاهره عن تحتها وذلك بمقتضى الجمع بينها وبين ما دل على
جواز التمسك بالقرآن مثل خبر الثقلين وما دل على التمسك به والعمل بما فيه وعرض
الأخبار المتعارضة عليه ورد الشروط المخالفة له فحمل الظاهر على ظاهره خارج عن تحت
الأخبار الناهية عن التفسير بالرأي بحسب الجواب الأول والثاني موضوعا وبحسب هذا
الجواب الثالث تخصيصا جمعا بين الروايات.
(ثم ان هذا الجواب
الثالث) قد أخذه المصنف من الشيخ أيضا كالجواب الأول والثاني (قال أعلى الله مقامه)
بعد الفراغ عن الجواب الثاني (ما هذا لفظه)
هذا كله مع معارضة
الأخبار المذكورة بأكثر منها مما يدل على جواز التمسك بظاهر القرآن مثل خبر
الثقلين المشهور بين الفريقين وغيره مما دل على الأمر بالتمسك بالقرآن والعمل بما
فيه وعرض الأخبار المتعارضة بل ومطلق الأخبار عليه ورد الشروط المخالفة للكتاب في
أبواب العقود (انتهى).
(قوله وغير ذلك مما لا
محيص عن إرادة الإرجاع إلى ظواهره ... إلخ)
مقصوده من غير ذلك
ما ذكره الشيخ أعلى الله مقامه من الأخبار الدالة قولا وفعلا وتقريرا على جواز
التمسك بالكتاب (مثل قوله عليهالسلام) لما قال زرارة من أين علمت ان المسح ببعض الرّأس فقال
لمكان الباء فعرفه مورد استفادة الحكم من ظاهر الكتاب (وقول الصادق عليهالسلام) في مقام نهي الدوانقي عن قبول خبر النمام انه فاسق وقال
الله إن جاءكم فاسق بنبإ الآية (وقوله عليهالسلام) لابنه إسماعيل إن الله عزوجل يقول يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين فإذا شهد عندك المؤمنون
فصدقهم إلى غير ذلك من الأخبار التي قد أشرنا إلى جملة منها عند بيان فساد الدعوى
الأولى فتذكر.
(قوله في باب تعارض
الروايات أو الشروط ... إلخ)
أي في باب تعارض
الروايات أو في باب الشروط المخالفة للكتاب.
(قوله ليست إلّا ظاهرة
في معانيها ليس فيها ما كان نصا ... إلخ)
أي ليست إلّا
ظاهرة في معانيها غالبا ليس فيها ما كان نصا إلا نادرا فلو أريد من أخبار الثقلين
وما دل على التمسك بالكتاب والعمل بما فيه وعرض الأخبار المتعارضة عليه ورد شروط
المخالفة له وغير ذلك الإرجاع إلى خصوص نصوصه دون ظواهره لزم حمل الاخبار المذكورة
على الشاذ النادر وهو واضح الفساد جدا.
في العلم الإجمالي بوقوع التحريف
(قوله ودعوى العلم
الإجماليّ بوقوع التحريف فيه بنحو ... إلخ)
إشارة إلى الأمر
الثالث من الأمور التي نبه عليها الشيخ أعلى الله مقامه في خاتمة تفصيل الأخباريين
وهو من أقوى دليل صح للأخباريين ان يستدلوا به للمنع عن العمل بظواهر الكتاب غير
انهم غفلوا عنه ولم يستدلوا به (وعلى كل حال) حاصل الدعوى انا نعلم إجمالا بوقوع
التحريف في القرآن المجيد فهو مما يمنع عن التمسك بظواهره جدا (وحاصل الجواب).
(أولا) ان مجرد
العلم الإجمالي بالتحريف سواء كان بإسقاط أو بتصحيف أي بتغيير لا يكاد يستلزم
العلم الإجمالي بوقوع خلل في الظواهر إذ لعله وقع على نحو لا يخل بالظواهر (وقد
اتخذ المصنف) هذا الجواب من الشيخ أعلى الله مقامه (قال) الثالث ان وقوع التحريف
في القرآن على القول به لا يمنع من التمسك بالظواهر لعدم العلم الإجمالي باختلال
الظواهر بذلك (انتهى).
(وثانيا) سلمنا
العلم الإجمالي بوقوع خلل في الظواهر لكن لا علم لنا بوقوع خلل في آيات الأحكام (وقد
اتخذ المصنف). هذا الجواب الثاني أيضا من الشيخ (قال) فيما أفاده في المقام ما
لفظه أمكن القول بعدم قدحه يعني عدم قدح العلم الإجمالي باختلال الظواهر (قال)
لاحتمال كون الظاهر المصروف عن ظاهره من الظواهر الغير المتعلقة بالأحكام الشرعية
العملية التي أمرنا بالرجوع فيها إلى ظاهر الكتاب فافهم (انتهى) (وفيه) ان مجرد احتمال
كون الظاهر المصروف عن ظاهره هو غير الظواهر المتعلقة بالأحكام مما لا يخرج
الظواهر المتعلقة بالأحكام عن كونها طرفا للعلم الإجمالي ولعل الشيخ إليه أشار
أخيرا بقوله فافهم (وقد دارك المصنف) هذه الجهة بقوله والعلم بوقوعه فيها أو في
غيرها من الآيات غير ضائر
بحجية آياتها لعدم
حجية ظاهر ساير الآيات ... إلخ (وفيه) انه لا محصل لذلك من عدم حجية ما سوى آيات
الأحكام فان حجية كل شيء بحسبه فحجية آيات الأحكام هي بمعنى انها منجزة للتكليف
وحجية غيرها من آيات القصص والحكايات هي بمعنى انها صحيحة صادقة مطابقة للواقع
يعتني بها ويترتب الآثار عليها من الاتعاظ بمواعظها والاعتبار بقصصها ونحو ذلك
ولعل المصنف أيضا إليه أشار أخيرا بقوله فافهم (نعم يمكن ان يقال) ان ما سوى آيات
الأحكام حيث لا يكون فيه تكليف شرعي عملي فالخلل المعلوم بالإجمال في الظواهر مما
لا يؤثر شيئا فان كلا من أطراف العلم الإجمالي لا بد وأن يكون بمثابة لو كان
المعلوم بالإجمال محققا فيه أثر أثرا شرعيا وإلا لم يؤثر العلم الإجمالي من أصله
فإذا كان هناك إناءان أحدهما ماء مملوك والآخر ، مغصوب ثم علمنا إجمالا بوقوع
مقدار من ماء مغصوب في أحدهما لم يؤثر هذا العلم الإجمالي شيئا فانه لو وقع
المغصوب في المغصوب لم يحدث تكليفا جديدا وإذا وقع في الإناء المملوك فهو شك بدوي
والمقام من هذا القبيل فان الخلل المعلوم بالإجمال ان كان في ظواهر القصص
والحكايات لم يؤثر شيئا وان كان في ظواهر آيات الأحكام فهو شك بدوي فنكون أصالة
الظهور في الأحكام باقية على حجيتها.
(قوله وإلّا لا يكاد
ينفك ظاهر عن ذلك كما لا يخفى فافهم ... إلخ)
أي ولو منع العلم
الإجمالي بوقوع الخلل في الظواهر عن حجيتها ولو لم يكن كلها حجية فلا يكاد ينفك
ظاهر من الظواهر عن هذا العلم الإجمالي فانا نعلم إجمالا بوقوع الخلل في كلام كل
أحد وانه قد أريد لا محالة خلاف الظاهر في أحد استعمالاته (واما قوله) فافهم فقد
احتملنا آنفا انه راجع إلى دعوى عدم حجية ما سوى آيات الأحكام ويحتمل أيضا رجوعه
إلى قوله وإلّا لا يكاد ينفك ظاهر عن ذلك نظرا إلى ضعف هذه الدعوى كما لا يخفى.
(قوله نعم لو كان الخلل
المحتمل فيه أو في غيره بما اتصل به لأخل بحجيته ... إلخ)
كان اللازم تأنيث
الضمائر كلها أي نعم لو كان الخلل المحتمل في آيات الأحكام أو في غيرها بما اتصل
بآيات الأحكام لأخل بحجيتها قهرا وذلك لما سيأتي في الفصل الآتي من ان احتمال وجود
القرينة وإن لم يكن مخلا بالظهور ولكن احتمال قرينية الموجود مما يخل به لعدم
انعقاد الظهور معه.
(وبالجملة) ان
مجرد العلم الإجمالي بالخلل المردد بين آيات الأحكام وغيرها مما لا يخل بحجيتها ما
لم يرجع إلى الشك في قرينية الموجود المتصل بالكلام دون الشك في وجود القرينة سواء
كانت متصلة أو منفصلة ودون الشك في قرينية الموجود إذا كانت منفصلة فتأمل جيدا.
في اختلاف القراءات
(قوله ثم ان التحقيق
ان الاختلاف في القراءة ... إلخ)
إشارة إلى الأمر
الثاني من الأمور التي نبه عليها الشيخ أعلى الله مقامه في خاتمة تفصيل الأخباريين
(قال) الثاني انه إذا اختلف القراءة في الكتاب على وجهين مختلفين في المؤدي كما في
قوله تعالى حتى يطهرن حيث قرأ بالتشديد من التطهر الظاهر في الاغتسال والتخفيف من
الطهارة الظاهرة في النقاء عن الحيض فلا يخلو (إما ان نقول) بتواتر القراءات كلها
كما هو المشهور خصوصا فيما كان الاختلاف في المادة أي لا في الهيئة كالاختلاف في
الإعراب (وإما ان لا نقول) كما هو مذهب جماعة.
(فعلى الأول) فهما
بمنزلة آيتين تعارضتا لا بد من الجمع بينهما بحمل الظاهر على النص أو على الأظهر
ومع التكافؤ لا بد من الحكم بالتوقف والرجوع إلى غيرهما
(وعلى الثاني) فان
ثبت جواز الاستدلال بكل قراءة كما ثبت بالإجماع جواز القراءة بكل قراءة كان الحكم
كما تقدم وإلّا فلا بدّ من التوقف في محل التعارض والرجوع إلى القواعد مع عدم
المرجح أو مطلقا بناء على عدم ثبوت الترجيح هنا كما هو الظاهر (انتهى) موضع الحاجة
من كلامه رفع مقامه.
(ثم ان المصنف) قد
اختار من التشقيق الأول عدم القول بتواتر القراءات كما هو مذهب جماعة وإليه أشار
بقوله ولم يثبت تواتر القراءات واختار من التشقيق الثاني عدم جواز الاستدلال بكل
قراءة وإليه أشار بقوله ولا جواز الاستدلال بها إلى قوله وانما الثابت جواز
القراءة بها ولا ملازمة بينهما كما لا يخفى يعني بين جواز القراءة وجواز الاستدلال
بها فتكون نتيجة الاختيارين جميعا هو التوقف عند الاختلاف في القراءة والرجوع إلى
القواعد وإليه أشار بقوله ثم ان التحقيق ان الاختلاف في القراءة بما يوجب الاختلاف
في الظهور مثل يطهرن بالتشديد والتخفيف يوجب الإخلال بجواز التمسك والاستدلال لعدم
إحراز ما هو القرآن ... إلخ.
(قوله ولو فرض جواز
الاستدلال بها فلا وجه لملاحظة الترجيح بينها ... إلخ)
أي ولو فرض جواز
الاستدلال بالقراءات كجواز القراءة بها فلا وجه لملاحظة الترجيح بين القراءتين عند
تعارضهما كما هو المشهور في تعارض الخبرين نظرا إلى الأخبار العلاجية الواردة
فيهما الآمرة بالترجيح وإن ورد فيهما الأخبار الآمرة بالتخيير أيضا وذلك لأن الأصل
الأولى في تعارض الأمارتين كما سيأتي في محله هو التساقط بناء على الطريقية
والتخيير بناء على السببية مع عدم الدليل على الترجيح في غير الروايات من الأمارات
المتعارضة كالظواهر والشهرة في الفتوى والإجماع المنقول ونحو ذلك (وعليه) فلا بدّ
من الرجوع حينئذ كما سيأتي التصريح به في المتن إلى الأصل العملي أو اللفظي من
عموم ونحوه حسب اختلاف المقامات.
(قوله مع عدم دليل على
الترجيح في غير الروايات ... إلخ)
هذا من تتمات قوله
المتقدم أي بعد كون الأصل في تعارض الأمارات هو سقوطها عن الحجية مع عدم دليل على
الترجيح في غير الروايات من ساير الأمارات.
في احتمال وجود القرينة
واحتمال قرينية الموجود
(قوله فصل قد عرفت
حجية ظهور الكلام في تعيين المرام فإن أحرز بالقطع ... إلخ)
وحاصله انك قد
عرفت في الفصل المتقدم حجية الظواهر (فان أحرز) الظهور بالقطع كما إذا ألقى الكلام
إلينا ونحن نقطع بانتفاء القرينة معه وكان بمقتضى وضعه اللغوي أو انصرافه العرفي
ظاهرا في معنى وإن احتملنا عدم إرادة المتكلم له ثبوتا بلا نصب قرينة عليه لحكمة
مقتضية له فلا كلام (وإلّا) بان لم يحرز الظهور بالقطع (فان كان) عدم الإحراز لأجل
احتمال وجود قرينة متصلة بالكلام واختفائها علينا فلا خلاف في ان الأصل عدمها ولكن
يقع الكلام في انه هل يبني أو لا على عدم القرينة فيتحقق الظهور ويؤخذ به أو من
الأول يؤخذ بالمعنى الّذي لو لم تكن القرينة هناك كان اللفظ ظاهرا فيه (وبعبارة
أخرى) هل يبني أولا على انتفاء القرينة فيتحقق ظهور تنجيزي بوسيلة الأصل ويؤخذ به
أو من الأول يؤخذ بالظهور التعليقي أي بالمعنى الّذي لو لم تكن القرينة كان اللفظ
ظاهرا فيه فيختار المصنف الثاني ولعله لاستبعاد تفطن العرف مثل هذه الأمور الدقيقة
من البناء أولا على عدم القرينة فيتحقق الظهور التنجيزي فيؤخذ به (وأما إذا كان)
عدم الإحراز لأجل احتمال قرينية الموجود أي الأمر المتصل بالكلام دون المنفصل عنه
فان المنفصل مما
لا يخل بالظهور قطعا
فحينئذ لا كلام في عدم انعقاد الظهور للكلام ولكن إن قلنا بحجية أصالة الحقيقة
تعبدا فلا بدّ من حمل الكلام على المعنى الحقيقي وإن قلنا بحجيتها من باب الظهور
كما هو المشهور نظرا إلى انه لا تعبد في أمر العقلاء بما هم عقلاء فلا بدّ حينئذ
من معاملة المجمل مع الكلام المزبور بعد فرض انتفاء الظهور له قطعا
(أقول)
إن الكلام في الشق
الثالث وإن كان مجملا لا ظهور له قطعا لاحتمال قرينية الموجود المتصل به ولكنه في
الشق الثاني مما له ظهور تنجيزي كما في الشق الأول عينا لا تعليقي فإن مجرد احتمال
وجود قرينة متصلة بالكلام ثبوتا واختفائها علينا إثباتا مما لا يخل بانعقاد الظهور
التنجيزي له وإلّا فكما ان احتمال وجود القرينة المتصلة ثبوتا مما يجعل الظهور
تعليقيا وان العرف يأخذون بهذا الظهور التعليقي أي بالمعنى الّذي لو لم تكن
القرينة كان اللفظ ظاهرا فيه فاحتمال قرينية الموجود أيضا مما يجعل الظهور كذلك أي
تعليقيا ينبغي ان يؤخذ به أي بالمعنى الّذي لو لم يكن الموجود قرينة كان اللفظ
ظاهرا فيه.
(وبالجملة ان)
احتمال وجود القرينة وان كان مما لا يعتني به عند العرف والعقلاء أصلا بل يبنون
على عدمها ولكن البناء على ذلك مما لا دخل له في انعقاد أصل الظهور للكلام بل
الكلام بمقتضى وضعه اللغوي أو انصرافه العرفي يكون ظاهرا في المعنى قطعا وان احتمل
وجود القرينة المتصلة به واقعا وانها قد خفيت علينا ولم تصل إلينا أصلا ولعل
المصنف إليه قد أشار بقوله في الشق الثاني فافهم.
(قوله فافهم ... إلخ)
قد أشير الآن إلى
وجه قوله فافهم فلا تغفل.
(قوله فهو وإن لم يكن
بخال عن الإشكال بناء على حجية أصالة الحقيقة من باب التعبد ... إلخ)
إن العبارة
الموجودة في أغلب النسخ هي هكذا ولكنها مما لا تخلو عن خلل إذ لا
إشكال بناء على
حجية أصالة الحقيقة من باب التعبد فإن الكلام بناء عليها يحمل على المعنى الحقيقي
وإن لم يكن ظاهرا فيه والصحيح هكذا فهو وإن لم يكن مجالا للإشكال بناء على حجية
أصالة الحقيقة من باب التعبد ... إلخ.
(قوله وان كان لأجل
الشك فيما هو الموضوع له لغة أو المفهوم منه عرفا فالأصل يقتضى عدم حجية الظن فيه
فانه ظن في انه ظاهر ولا دليل الا على حجية الظواهر ... إلخ)
إشارة إلى ما أشار
إليه الشيخ من القسم الثاني من الأمارات المعمولة في استنباط الأحكام الشرعية من
ألفاظ الكتاب والسنة وقد ذكرنا نحن القسم الأول منها في صدر الفصل المتقدم فتذكر (قال
أعلى الله مقامه) والقسم الثاني ما يعمل لتشخيص أوضاع الألفاظ وتشخيص مجازاتها من
حقائقها وظواهرها عن خلافها كتشخيص ان لفظ الصعيد موضوع لمطلق وجه الأرض أو التراب
الخالص وتعيين ان وقوع الأمر عقيب الحظر هل يوجب ظهوره في الإباحة المطلقة وان
الشهرة في المجاز المشهور هل توجب احتياج الحقيقة إلى القرينة الصارفة من الظهور
العرضي المسبب من الشهرة نظير احتياج المطلق المنصرف إلى بعض افراده.
(ثم ساق الكلام
طويلا) إلى ان قال والأوفق بالقواعد عدم حجية الظن هنا لأن الثابت المتيقن هي حجية
الظواهر واما حجية الظن في ان هذا ظاهر فلا دليل عليه عدا وجوه ذكروها في إثبات
جزئي من هذه المسألة وهي حجية قول اللغويين (انتهى) ومحصل الكل ان الأمارات
الموجبة للظن بالظهور كقول اللغوي ان الصعيد لمطلق وجه الأرض أو التراب الخالص
الموجب للظن بظهوره فيه أو وقوع الأمر عقيب الحظر الموجب للظن بظهوره في الإباحة
المطلقة دون الوجوب أو كالشهرة في المجاز الموجبة للظن بظهور اللفظ فيه دون المعنى
الحقيقي مما لا دليل على اعتباره فان المتيقن هو حجية الظواهر لا الظن بان هذا
ظاهر.
(أقول)
اما أصل الكبرى
وان كان مسلما لا ريب فيه فان الأمارات الموجبة للظن بالظهور كقول اللغوي الموجب
للظن به مما لا دليل على اعتباره ولكن التمثيل ببعض الأمثلة المذكورة مما لا يخلو
عن مناقشة فان وقوع الأمر عقيب الحظر مما يوجب الظهور في الإباحة قطعا دون الظن به
وهكذا الشهرة في المجاز مما توجب ظهور اللفظ فيه كذلك دون الظن به فتأمل جيدا.
في قول اللغويين
(قوله نعم نسب إلى
المشهور حجية قول اللغوي بالخصوص في تعيين الأوضاع واستدل لهم باتفاق العلماء بل
العقلاء على ذلك ... إلخ)
إشارة إلى ما
أفاده الشيخ أعلى الله مقامه (قال) فان المشهور كونه يعني قول اللغويين من الظنون
الخاصة التي ثبت حجيتها مع قطع النّظر عن انسداد باب العلم في الأحكام الشرعية (إلى
ان قال) وكيف كان فاستدلوا على اعتبار قول اللغويين باتفاق العلماء بل جميع
العقلاء على الرجوع إليهم في استعلام اللغات والاستشهاد بأقوالهم في مقام الاحتجاج
ولم ينكر ذلك أحد على أحد (انتهى).
(قوله وعن بعض دعوى
الإجماع على ذلك ... إلخ)
البعض هو السيد
أعلى الله مقامه (قال الشيخ) وقد حكى عن السيد في بعض كلماته دعوى الإجماع على ذلك
بل ظاهر كلامه المحكي اتفاق المسلمين (انتهى) والظاهر ان الفرق بين اتفاق العلماء
وبين الإجماع الّذي ادعاه السيد ان الأول إجماع عملي بمعنى ان سيرتهم قد جرت على
المراجعة إلى قول اللغوي في استعلام اللغات والاستشهاد بقوله في مقام الاحتجاج من
غير إنكار من أحد على أحد والثاني إجماع
قولي بمعنى انهم
قد صرحوا في كتبهم بحجية قول اللغوي نظير إجماعاتهم الموجودة في الكتب الفقهية.
(قوله وفيه ان الاتفاق
لو سلم اتفاقه فغير مفيد ... إلخ)
هذا جواب أول عن
اتفاق العلماء بل العقلاء (وحاصله المنع) عن كون الاتفاق مفيدا ولو سلم اتفاقه (وفيه)
ان الاتفاق لو سلم اتفاقه على النحو الّذي ادعاه المستدل بأن اتفق العلماء بل
العقلاء جميعا على المراجعة إلى اللغويين في استعلام اللغات والاستشهاد بأقوالهم
في مقام الاحتجاج ولم ينكر ذلك أحد على أحد فهو مفيد جدا كيف لا وهو سيرة عملية
كما أشرنا من دون ردع عنها كما سيأتي في السيرة الجارية على العمل بخبر الثقة بل
وتقدم في السيرة الجارية على العمل بالظواهر أيضا.
(فالأولى) في مقام
الجواب عنه هو المنع عن اتفاق هذا الاتفاق بهذه السعة والإطلاق بل له قدر متيقن
كما سيأتي في الجواب الثاني فيؤخذ بذاك القدر المتيقن.
(قوله مع ان المتيقن
منه هو الرجوع إليه مع اجتماع شرائط الشهادة من العدد والعدالة ... إلخ)
هذا جواب ثاني عن
اتفاق العلماء بل العقلاء وهو مأخوذ عن الشيخ أعلى الله مقامه (قال) وفيه ان
المتيقن من هذا الاتفاق هو الرجوع إليهم مع اجتماع شرائط الشهادة من العدد
والعدالة ونحو ذلك لا مطلقا ألا ترى ان أكثر علمائنا على اعتبار العدالة فيمن يرجع
إليه من أهل الرّجال بل وبعضهم على اعتبار التعدد والظاهر اتفاقهم على اشتراط
التعدد والعدالة في أهل الخبرة في مسألة التقويم وغيرها (انتهى)
(أقول)
بل المتيقن منه
أوسع من ذلك قطعا وهو ما إذا حصل الوثوق والاطمئنان من قول اللغوي كما سيأتي
اعتراف المصنف به في اتفاق العقلاء على الرجوع إلى أهل الخبرة من كل صنعة فيما
اختص بها ولا إشكال في ان الاطمئنان حجة كالعلم يتحرك على
طبقه ويتمشى على
وفقه بل قد يسمى ذلك علما عاديا وقطعا مسامحيا (ووجه الحجية) ان العقلاء قد استقرت
سيرتهم على العمل بالاطمينان في عامة أمورهم ولم يردع عنها نبي ولا وصي نبي فيكشف
ذلك كله عن إمضائها وقبولها وسيأتي لذلك مزيد توضيح في خبر الواحد إن شاء الله
تعالى عند التمسك بالسيرة العقلائية (ومن هنا يظهر) ان الرجوع إلى قول أهل الرّجال
أو الخبرة من كل صنعة يكون بمناط الوثوق والاطمئنان فإن أفادهما أجزأ وكفى من دون
حاجة إلى اعتبار التعدد والعدالة لتتحقق البينة وإن كنا نحتاج إليها في مقام القضاء
ودفع الخصومات ولا يكاد يكفي فيه مجرد حصول الاطمئنان سواء حصل من قول شاهد واحد
أو من قول خبير واحد في التقويم ونحوه ما لم ينضم إليه واحد آخر وكانا عدلين
مرضيين جميعا.
(وبالجملة) ان
الملاك في عامة الأمور الراجعة إلى أنفسنا في غير مقام القضاء والحكم بين الناس هو
حصول الوثوق والاطمئنان من دون حاجة إلى البينة أصلا كما ان الملاك في مقام القضاء
والحكم بين الناس هو قيام البينة من دون حاجة إلى إفادتها الوثوق والاطمئنان أبدا.
(قوله والإجماع المحصل
غير حاصل ... إلخ)
هذا جواب عن
الإجماع الّذي ادعاه بعضهم وهو السيد رحمهالله كما عرفت.
(قوله والمنقول منه
غير مقبول ... إلخ)
ان الحكم بذلك على
نحو الإطلاق أيضا غير مقبول لما سيأتي التصريح من المصنف بحجية بعض أقسام الإجماع
المنقول.
(فالأولى) كان أن
يقول والمنقول منه في المقام ليس بمقبول لا الحكم بان المنقول منه مطلقا غير مقبول
وستعرف الأقسام المقبولة من المردودة إن شاء الله تعالى فانتظر.
(قوله خصوصا في مثل
المسألة ... إلخ)
وجه خصوصية
المسألة ان فيها ما يحتمل كونه مدركا للإجماع وهذا مما يضر بحجية
الإجماع قطعا فان
الإجماع انما يكشف عن رأي المعصوم إذا لم يكن هناك أمر يحتمل كونه مدركا له وإلّا
فلا يكاد يكشف عن رأي الإمام عليهالسلام واما المحتمل مدركيته في المقام كما أشار إليه المصنف فهو
اعتقاد كون الرجوع إلى أهل الخبرة من كل صنعة فيما اختص بها مما اتفق عليه
العقلاء.
(قوله هو اعتقاد انه
مما اتفق عليه العقلاء من الرجوع إلى أهل الخبرة من كل صنعة فيما اختص بها ... إلخ)
قد أشار بقوله هذا
إلى دليل ثالث في المسألة هو أوسع من جميع ما تقدم كله وهو ما حكى عن الفاضل
السبزواري (قال الشيخ) أعلى الله مقامه ما نصه قال الفاضل السبزواري فيما حكى عنه
في هذا المقام ما هذا لفظه صحة المراجعة إلى أصحاب الصناعات البارزين في صنعتهم
البارعين في فنهم فيما اختص بصناعتهم مما اتفق عليه العقلاء في كل عصر وزمان (انتهى).
(قوله والمتيقن من ذلك
انما هو فيما إذا كان الرجوع يوجب الوثوق والاطمئنان ... إلخ)
هذا جواب عن
الدليل الثالث أي والمتيقن من رجوع العقلاء إلى أهل الخبرة من كل صنعة فيما اختص
بها انما هو فيما إذا كان الرجوع مما يوجب الوثوق والاطمئنان
(أقول)
والعجب انه قد
أجاب عن هذا الدليل بهذا الجواب ولم يجب به عن الدليل الأول وهو اتفاق العلماء بل
العقلاء على الرجوع إلى قول اللغويين في تعيين الأوضاع واستعلام اللغات مع ان
المناط فيهما واحد بل اقتصر في الأول على ما أجاب به الشيخ أعلى الله مقامه من ان
المتيقن منه هو الرجوع إليه مع اجتماع شرائط الشهادة من العدد والعدالة (وعلى كل
حال) قد عرفت ان المتيقن مطلقا هو الرجوع فيما أوجب الوثوق والاطمئنان ولا ضير في
العمل بقول اللغوي ولا بغيره إذا حصل
منه ذلك ومن
المعلوم ان ذلك مما لا يحصل إلا أحيانا لا دائما (وعليه) فالقول بحجية قول اللغوي
مطلقا مما لا وجه له.
(قوله ولا يكاد يحصل
من قول اللغوي وثوق بالأوضاع ... إلخ)
والإنصاف ان منع
حصول الوثوق من قول اللغوي مطلقا خلاف الإنصاف نعم لا يحصل منه ذلك دائما كما
أشرنا آنفا لا مطلقا ولو أحيانا.
(قوله بل لا يكون
اللغوي من أهل خبرة ذلك ... إلخ)
وحاصله ان اللغوي
انما هو من أهل خبرة موارد الاستعمالات لا تعيين ان أيا منها حقيقة وأيا منها مجاز
وإلّا لوضعوا لذلك علامة (وقد أخذ) هذا الجواب من الشيخ أعلى الله مقامه (قال) بعد
ما أجاب عن اتفاق العلماء بل العقلاء على الرجوع إلى اللغويين بأن المتيقن منه هو
الرجوع إليهم مع اجتماع شرائط الشهادة من العدد والعدالة (ما لفظه) هذا مع انه لا
يعرف الحقيقة عن المجاز بمجرد قول اللغوي كما اعترف به المستدل في بعض كلماته فلا
ينفع في تشخيص الظواهر (انتهى).
(أقول)
وليت شعري لو لم
يكن اللغوي من أهل خبرة ذلك ولم يعرف من قوله المعاني الحقيقية من المجازية فمن
يكون خبرة ذلك وبقول من تعرف هي بل لا إشكال في ان الخبير بذلك هو اللغوي وأن همه
هو تعيين المعاني الحقيقية نعم قد يذكر المعاني المجازية أيضا في خلال المعاني
الحقيقية ولكنها تعرف غالبا بتصريح أو بقرائن أخرى فالإنصاف ان الجواب بمنع الصغرى
أي بمنع كون اللغوي من أهل خبرة ذلك ليس كما ينبغي فالصحيح هو تسليم الصغرى وانه
من أهل الخبرة ولكن يمنع سعة الكبرى وإطلاقها أي الرجوع إلى قول أهل الخبرة من كل
فن مطلقا ولو لم يحصل منه الوثوق والاطمئنان فان المتيقن من السيرة العقلائية هو
الرجوع إلى قولهم إذا حصل منه الوثوق والاطمئنان لا مطلقا.
(قوله وليس ذكره أولا
علامة كون اللفظ حقيقة ... إلخ)
دفع لما قد يقال
من ان ذكر المعنى أولا هو علامة كون اللفظ حقيقة فيه فلا يتم قول المصنف آنفا
وإلّا لوضعوا لذلك علامة (فيجيب عنه) بالانتقاض بالمشترك اللفظي فان المعنى الثاني
فيه أيضا حقيقة كالأول فلا تتم العلامة.
(أقول)
إن ذكر المعنى
أولا وان لم يكن علامة للحقيقة كما ذكر المصنف ولكن قد أشرنا ان من كلام اللغوي
يعرف المعاني الحقيقية من المجازية غالبا إما بتصريح منه أو بقرائن أخرى من دون
حاجة إلى هذه العلامة أصلا.
(قوله وكون موارد
الحاجة إلى قول اللغوي أكثر من أن يحصى لانسداد باب العلم بتفاصيل المعاني غالبا
... إلخ)
وشرح هذه العبارة
مما يحتاج إلى ذكر مقدمتين.
(الأولى) انه قال
الشيخ أعلى الله مقامه بعد ما أجاب عن اتفاق العلماء بل العقلاء كما تقدم بأن
المتيقن من هذا الاتفاق هو الرجوع إليهم مع اجتماع شرائط الشهادة من العدد
والعدالة ... إلخ (ما هذا لفظه) ولا يتوهم ان طرح قول اللغوي الغير المفيد للعلم
في ألفاظ الكتاب والسنة مستلزم لانسداد طريق الاستنباط في غالب الأحكام لاندفاع
ذلك بأن أكثر مواد اللغات الا ما شذ وندر كلفظ الصعيد ونحوه معلوم من العرف واللغة
كما لا يخفى والمتبع في الهيئات هي القواعد العربية المستفادة من الاستقراء القطعي
واتفاق أهل العربية أو التبادر (إلى ان قال) وبالجملة فالحاجة إلى قول اللغوي
الّذي لا يحصل العلم بقوله لقلة مواردها لا تصلح سببا للحكم باعتباره لأجل الحاجة
نعم سيجيء ان كل من عمل بالظن في مطلق الأحكام الشرعية الفرعية يلزمه العمل بالظن
بالحكم الناشئ من الظن بقول اللغوي لكنه لا يحتاج إلى دعوى انسداد باب العلم في
اللغات بل العبرة عنده بانسداد باب العلم في معظم الأحكام فانه يوجب الرجوع إلى
الظن بالحكم الحاصل من الظن باللغة
وإن فرض انفتاح
باب العلم فيما عدا هذا المورد من اللغات (انتهى) (وحاصل التوهم) ولو بملاحظة ما
يظهر من الشيخ في دفعه ان موارد الحاجة إلى قول اللغوي الغير المفيد للعلم كثيرة
وذلك مما يوجب الحكم باعتباره وإلّا لزم انسداد طريق الاستنباط في غالب الأحكام
ومرجعه لدى الحقيقة إلى شبه انسداد في اللغات فيكون دليلا رابعا في المسألة الأول
اتفاق العلماء بل العقلاء الثاني الإجماع الثالث اتفاق العقلاء على الرجوع إلى أهل
الخبرة من كل صنعة الرابع هو هذا الدليل (ومحصل الجواب) بعد التدبر التام في عبارة
الشيخ أمران.
(أحدهما) ان أكثر
مواد اللغات وهكذا الهيئات الا ما شذ وندر معلوم من العرف واللغة فلا يكون موارد
الحاجة إلى قول اللغوي الغير المفيد للعلم الا قليلا فلا موجب للحكم باعتباره.
(ثانيهما) ان
العبرة في الانسداد هو انسداد باب العلم. في معظم الأحكام (فان قلنا به) كان مطلق
الظن حجة ومنه الظن بالحكم الحاصل من قول اللغوي بان الصعيد مثلا لمطلق وجه الأرض
ولو كان باب العلم في اللغة نوعا مفتوحا فيما عدا هذا المورد إذ لو كان باب العلم
مفتوحا حتى في هذا المورد لكان باب العلم بالحكم الشرعي فيه مفتوحا ومع انفتاحه لم
يجز العمل بالظن المطلق قطعا (وان لم نقل) بانسداد باب العلم في معظم الأحكام لم
يكن مطلق الظن حجة وان فرض انسداد باب العلم في اللغات غالبا إذ لو توقفنا فيها لم
يلزم منه محذور بعد فرض انفتاح باب العلم بمعظم الأحكام الشرعية هذا تمام الكلام
في المقدمة الأولى.
(واما المقدمة
الثانية) فهي انه قال الشيخ أيضا في آخر البحث (ما لفظه) هذا ولكن الإنصاف ان
موارد الحاجة إلى قول اللغويين أكثر من أن يحصى في تفاصيل المعاني بحيث يفهم دخول
الأفراد المشكوكة أو خروجها وان كان المعنى في الجملة معلوما من دون مراجعة قول
اللغوي كما في مثل ألفاظ الوطن والمفازة والتمر والفاكهة والكنز والمعدن والغوص
وغير ذلك من متعلقات الأحكام مما لا
يحصى وإن لم تكن
الكثرة بحيث يوجب التوقف فيها محذورا ولعل هذا المقدار مع الاتفاقات المستفيضة كاف
في المطلب فتأمل (انتهى) (وحاصله) ان موارد الحاجة إلى قول اللغوي في معرفة تفاصيل
المعاني دون أصل المعنى وان لم تكن كثيرة بحد لو توقفنا فيها لزم المحذور وهو ما
ادعاه المتوهم من انسداد طريق الاستنباط في غالب الأحكام ولكنها مع ذلك نفس كثرتها
بما هي هي بانضمام تلك الاتفاقات المستفيضة على العمل بقول اللغوي أو مطلق أهل
الخبرة كاف في اعتبار قول اللغوي.
(أقول)
إن موارد الحاجة
إذا لم تكن هي بحد لو توقفنا فيها لزم المحذور وهكذا الاتفاقات المستفيضة إذا لم
تكن بإطلاقاتها مسلمة مقبولة مرضية بل كان المتيقن منها هو الرجوع إليهم مع اجتماع
شرائط الشهادة من العدد والعدالة كما تقدم من الشيخ فكيف حينئذ إذا انضم أحدهما
إلى الآخر يكفي في المطلب ويحكم باعتبار قول اللغوي والظاهر انه إليه أشار أخيرا
بقوله فتأمل ... إلخ هذا كله حاصل الكلام في المقدمتين وإذا عرفتهما (فنقول) ان
المصنف قد أشار بقوله وكون موارد الحاجة إلى قول اللغوي ... إلخ إلى الكلام الأخير
للشيخ وأجاب عنه بعين الجواب الثاني الّذي استفدناه من الكلام الأول للشيخ في دفع
التوهم المتقدم فتدبر جيدا فان المقام لا يخلو عن دقة.
(قوله نعم لو كان هناك
دليل على اعتباره لا يبعد ان يكون انسداد باب العلم بتفاصيل اللغات موجبا له على
نحو الحكمة لا العلة ... إلخ)
استدراك عما أفاده
من ان انسداد باب العلم بتفاصيل اللغات غالبا مما لا يوجب اعتبار قول اللغوي أي
نعم لو كان دليل على اعتباره بالخصوص فالانسداد كذلك مما لا يبعد ان يكون حكمة
لاعتباره لا علة له بحيث يدور الحكم مداره في كل مورد بالخصوص (وتظهر الثمرة) بين
الحكمة والعلة في الموارد التي كان باب العلم فيها
مفتوحا علينا فعلى
الأول قول اللغوي حجة فيها وعلى الثاني لا يكون حجة لفقد العلة (ثم ان) هذا المعنى
قد اقتبسه المصنف من كلام الشيخ أعلى الله مقامه (قال) في صدر البحث (ما هذا لفظه)
فان المشهور كونه أي قول اللغويين من الظنون الخاصة التي ثبت حجيتها مع قطع النّظر
عن انسداد باب العلم في الأحكام الشرعية وان كانت الحكمة في اعتبارها انسداد باب
العلم في غالب مواردها فان الظاهر ان حكمة اعتبار أكثر الظنون الخاصة كأصالة
الحقيقة المتقدم ذكرها وغيرها انسداد. باب العلم في غالب مواردها من العرفيات
والشرعيات (انتهى).
(قوله لا يقال علي هذا
لا فائدة في الرجوع إلى اللغة ... إلخ)
وحاصل الإشكال ان
بناء على عدم اعتبار قول اللغوي لا فائدة في الرجوع إلى اللغة أصلا (وحاصل الجواب)
انه مع ذلك لا يخلو عن فائدة إذ قد يحصل العلم بالمعنى اللغوي بسبب الرجوع إليها
كما إذا اتفق اللغويون جميعا بان اللفظ الفلاني موضوع للمعنى الفلاني وقد يحصل
العلم بالظهور بسبب الرجوع إليها كما إذا شككنا في معنى لفظ واقع في آية أو رواية
وقد راجعنا اللغة وظفرنا فيها على معنيين أو أكثر وكان أحد المعنيين أو المعاني
مناسبا مع المورد فحينئذ يوجب ذلك الرجوع ظهور اللفظ فيه وان لم يوجب القطع
بالمراد جدا ولا القطع بكون المعنى الظاهر هو المعنى الحقيقي لعدم تصريحهم به
وتنصيصهم عليه وهذا واضح.
في الإجماع المنقول
(قوله فصل الإجماع
المنقول بخبر الواحد حجة عند كثير ممن قال باعتبار الخبر بالخصوص من جهة انه من
أفراده ... إلخ)
المقصود من عقد
هذا الفصل هو البحث عن الملازمة بين حجية خبر الواحد وحجية الإجماع المنقول وعدمها
بمعنى انه إذا قلنا بحجية خبر الواحد فهل هو يستلزم حجية
الإجماع المنقول
نظرا إلى كونه من أفراده ومصاديقه فتشمله أدلته أم لا يستلزم (قال الشيخ) أعلى
الله مقامه ومن جملة الظنون الخارجة عن الأصل الإجماع المنقول بخبر الواحد عند
كثير ممن يقول باعتبار الخبر بالخصوص نظرا إلى انه من افراده فيشمله أدلته
والمقصود من ذكره هنا مقدما على بيان الحال في الأخبار هو التعرض للملازمة بين
حجية الخبر وحجيته (انتهى).
(أقول)
ومنه يظهر انه لو
أخره الشيخ أعلى الله مقامه عن بحث خبر الواحد كان أنسب وأولى فان مرجع البحث فيه
إلى شمول أدلة الخبر له وعدمه ومعرفة الأدلة كما هي حقها مما لا تكون الا في خبر
الواحد وإن أمكنت الإشارة إليها قبلا بنحو الإجمال مختصرا.
(قوله وتحقيق القول
فيه يستدعى رسم أمور الأول ان وجه اعتبار الإجماع هو القطع برأي الإمام عليهالسلام ومستند القطع به لحاكيه
... إلخ)
المقصود من عقد
هذا الأمر هو بيان مستند القطع برأي الإمام عليهالسلام لمن يحكي الإجماع (وبعبارة أخرى) هو بيان طرق حجية الإجماع
المحصل عند الأصحاب وقبل الشروع في ذلك ينبغي الإشارة إلى معنى الإجماع لغة
واصطلاحا (فنقول) (أما لغة) فهو بمعنى الاتفاق فأجمعوا على كذا أي اتفقوا عليه
وبمعنى العزم ومنه قوله تعالى وأجمعوا أن يجعلوه في غيابت الجب أي عزموا على
إلقائه فيها وقوله عليهالسلام من لم يجمع الصيام من الليل فلا صيام له أي من لم يعزم
عليه فينويه من الليل فلا صيام له (وأما اصطلاحا) فهو اتفاق مخصوص.
(وقد) اختلف كل من
العامة والخاصة في تحديد الإجماع على أقوال.
(اما العامة)
الذين هم الأصل له وهو الأصل لهم فيظهر من الفصول انه (عرفه الغزالي) باتفاق أمة
محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم على أمر من الأمور الدينية (والفخر الرازي) باتفاق أهل
الحل والعقد من أمة محمد صلى الله عليه
وآله وسلم على أمر
من الأمور الدينية (والحاجبي) بإجماع المجتهدين من أمة محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم في عصر على أمر بل ويظهر من شيخ الطائفة في العدة انهم
اختلفوا في انحصاره بإجماع الصحابة دون غيرهم من أهل الأعصار أو بإجماع أهل
المدينة في كل عصر دون غيرها من ساير الأمصار أو بعدم انحصاره بالصحابة ولا بأهل
المدينة فينعقد من غيرهم في كل عصر من جميع الأمصار.
(واما الخاصة) (ففي
المعالم) انه اتفاق من يعتبر قوله من الأمة في الفتاوي الشرعية على أمر من الأمور
الدينية (وفي الفصول) انه عرفه بعض الأصحاب بإجماع رؤساء الدين من هذه الأمة في
عصر على أمر وان العلامة قد اختار تعريف الفخر الرازي أي اتفاق أهل الحل والعقد من
أمة محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم على أمر من الأمور الدينية (وفي الرسائل) انه عرفه صاحب
غاية البادي في شرح المبادي باتفاق أمة محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم على وجه يشتمل على قول المعصوم عليهالسلام إلى غير ذلك من التعاريف المختلفة سعة وضيقا من العامة
والخاصة جميعا (ثم ان) الإجماع عند جمهور العامة مما قام الدليل السمعي على
اعتباره مثل ما نسب إليه صلىاللهعليهوآلهوسلم من ان أمتي لا تجتمع على الخطأ فنفس الاتفاق بما هو هو
يكون حجة شرعا كحجية خبر الثقة ونحوه وعند الشاذ منهم مما دل العقل على اعتباره (وقد
ذكر شيخ الطائفة) في العدة كلا من دليليهم العقلي والنقلي جميعا مع ما له من
الجواب مشروحا (واما عند) الخاصة فلا يكون الإجماع بما هو هو حجة لا شرعا ولا عقلا
وإنما هو حجة من جهة حكايته رأي الإمام عليهالسلام اما تضمنا أو التزاما عقلا أو عادة على ما ستعرف تفصيل
الكل إن شاء الله تعالى (ثم انك) إذا عرفت هذا كله.
في بيان طرق حجية الإجماع المحصل
(فنقول) إن
للأصحاب في وجه حجية الإجماع طرق ومسالك.
(الأول) ما اختاره
شيخ الطائفة في العدة وصاحب المعالم في المعالم ونسبه الفصول إلى العلامة وجماعة
ويظهر من الشيخ في الرسائل انه دل عليه كلام المفيد والمرتضى وابن زهرة والمحقق
والعلامة والشهيدين ومن تأخر عنهم بل نسبه قبيل ذلك إلى الإمامية رضوان الله عليهم
(قال في العدة) رضوان الله عليه في صدر بحث الإجماع والّذي نذهب إليه أن الأمة لا
يجوز ان تجتمع على الخطأ وأن ما يجمع عليه لا يكون إلّا صوابا وحجة لأن عندنا انه
لا يخلو عصر من الأعصار من إمام معصوم حافظ للشرع يكون قوله حجة يجب الرجوع إليه
كما يجب الرجوع إلى قول الرسول صلىاللهعليهوآله وقد دللنا على ذلك في كتابنا تلخيص الشافي واستوفينا كل ما
يسأل عن ذلك من الأصالة وإذا ثبت ذلك فمتى اجتمعت الأمة على قول فلا بدّ من كونها
حجة لدخول الإمام المعصوم في جملتها (وقال في المعالم) ونحن لما ثبت عندنا بالأدلة
العقلية والنقليّة كما حقق مستقصى في كتب أصحابنا الكلامية ان زمان التكليف لا
يخلو من إمام معصوم حافظ للشرع يجب الرجوع إلى قوله فيه فمتى اجتمعت الأمة على قول
كان داخلا في جملتها لأنه سيدها والخطأ مأمون على قوله فيكون ذلك الإجماع حجة (وقال
في الفصول) في مقام ذكر طرق الأصحاب في حجية الإجماع (ما لفظه) الأول ما ذكره
العلامة وجماعة وهو ان الأمة إذا قالت بقول فقد قال المعصوم به أيضا لأنه من الأمة
وسيدها ورئيسها والخطأ مأمون عليه (انتهى) (وحاصل هذا الطريق) الأول على ما يظهر
من مجموع كلماتهم تماما ان الإمام عليهالسلام موجود في كل عصر فإذا انعقد الإجماع من الأمة فهو داخل في
أشخاصهم وقوله داخل في أقوالهم فانه منهم وسيدهم
ورئيسهم فلا محالة
يكون إجماعهم حجة لتضمنه واشتماله على قول الإمام عليهالسلام وقد اشتهر هذا الطريق الأول بالإجماع التضمني (وفيه) ان
مجرد كون الإمام عليهالسلام موجودا في كل عصر مما لا يقتضي انه إذا انعقد الإجماع من
الأمة كان شخصه عليهالسلام داخلا في أشخاصهم وقوله في أقوالهم فانه مما يبتني على كون
الإمام عليهالسلام في كل عصر يعيش في جملة الناس وان يكون ساكنا في بلادهم
وحاضرا في مجالسهم ومجامعهم على نحو يفتى لهم بالحلال والحرام بصورة أحد العلماء
فعند ذلك إذا أفتوا بشيء وأجمعوا على أمر كان فتواه عليهالسلام داخلا قهرا في فتاواهم وقوله في أقوالهم ولكن ذلك غير
معلوم لنا بل المعلوم لنا خلافه فانه عليهالسلام كما في الحديث ممن يسكن البراري والقفار والأودية والصحار
خوفا من شرور الأعداء وقاه الله تعالى شرهم (وعليه) فإذا أفتوا بشيء وأجمعوا على
أمر لم يكن قوله عليهالسلام في أقوالهم ولا شخصه في أشخاصهم فلا يكون إجماعهم حجة من
هذا الوجه والطريق أصلا (وعلى كل حال) يعتبر في هذا الطريق الأول ان يكون في
المجمعين مجهول النسب ليمكن انطباق الإمام عليهالسلام عليه كما صرح به في العدة والمعالم بل وان يكون مجهول
النسب فوق الواحد كي لا يتميز الإمام عليهالسلام من بين المجمعين بعينه فيعدم فائدة الإجماع (كما انه لا
يضر) بحجية الإجماع من هذا الطريق بل ولا بصدقة المسامحي خروج معلوم النسب إذا كان
واحدا أو اثنين أو ما يقرب من ذلك إلّا إذا خرج جمع كثير فيخل ذلك بتسمية الإجماع
حتى المسامحي منه وان لم يخل بحجيته إذا فرض العلم بدخول الإمام عليهالسلام في البقية (بل بعض عبائر الأصحاب) مما يوهم عدم إخلال ذلك
حتى بالتسمية بمعنى انه مهما اتفق جماعة من أصحابنا رضوان الله عليهم في الفتوى
وقد علم بدخول الإمام عليهالسلام فيهم كان ذلك إجماعا وإن قلت الجماعة ولكن الظاهر ان
المقصود من ذلك ان إجماع كل جماعة قد علم بدخول الإمام عليهالسلام فيها فإجماعها حجة لوجود المناط في إجماعهم لا انه إجماع
في الاصطلاح كما أشار بذلك
الشيخ أيضا (قال
أعلى الله مقامه) انه قال السيد المرتضى إذا كان علة كون الإجماع حجة كون الإمام
فيهم فكل جماعة كثرت أو قلت كان قول الإمام عليهالسلام في أقوالها فإجماعها حجة (وقال أيضا) قال المحقق في
المعتبر بعد إناطة حجية الإجماع بدخول قول الإمام عليهالسلام انه لو خلا المائة من فقهائنا من قوله لم يكن قولهم حجة
ولو حصل في اثنين كان قولهما حجة (وقال أيضا) قال العلامة بعد قوله ان الإجماع
عندنا حجة لاشتماله على قول المعصوم وكل جماعة قلت أو كثرت كان قول الإمام عليهالسلام في جملة أقوالها فإجماعها حجة لأجله لا لأجل الإجماع (ثم
قال أعلى الله مقامه) هذا ولكن لا يلزم من كونه حجة تسميته إجماعا في الاصطلاح كما
انه ليس كل خبر جماعة يفيد العلم متواترا في الاصطلاح (انتهى) وهو جيد متين.
(الطريق الثاني)
ما يستفاد من مواضع متعددة من كلمات شيخ الطائفة في العدة المشتهر بقاعدة اللطف (قال
رضوان الله عليه) في حكم ما إذا اختلفت الإمامية على أقوال (ما هذا لفظه) ومتى
فرضنا ان يكون الحق في واحد من الأقوال ولم يكن هناك ما يميز ذلك القول من غيره
فلا يجوز للإمام المعصوم حينئذ الاستتار ووجب عليه ان يظهر ويبين الحق في تلك
المسألة أو يعلم بعض ثقاته الّذي يسكن إليه الحق من تلك الأقوال حتى يؤدي ذلك إلى
الأمة ويقترن بقوله علم معجز يدل على صدقه لأنه متى لم يكن كذلك لم يحسن التكليف (ثم
قال) بعد ذلك بقليل بعد ان جعل اختلاف الإمامية على قسمين قسم يجوز وقسم يمتنع (ما
لفظه) فإن قيل فإذا اتفق ما أجزتموه من القسمين أي اتفق القسم الجائز كيف يكون
قولكم فيه قيل متى اتفق ذلك فإن كان على القول الّذي انفرد به الإمام عليهالسلام دليل من كتاب أو سنة مقطوع بها لم يجب عليه الظهور ولا
الدلالة على ذلك لأن الموجود من الدليل كاف في إزاحة التكليف ومتى لم يكن عليه
دليل وجب عليه الظهور أو إظهار من يبين الحق في تلك المسألة (إلى ان قال) وذكر
المرتضى علي بن
الحسين الموسوي قدس الله روحه انه يجوز ان يكون الحق عند الإمام والأقوال الأخر
كلها باطلة ولا يجب عليه الظهور لأنا إذا كنا نحن السبب في استتاره فكل ما يفوتنا
من الانتفاع به وبما يكون معه من الأحكام قد فاتنا من قبل أنفسنا ولو أن لنا سبب
الاستتار لظهر وانتفعنا به وأدى إلينا الحق الّذي كان عنده (قال) وهذا عندي غير
صحيح لأنه يؤدي إلى ان لا يصح الاحتجاج بإجماع الطائفة أصلا لأنا لا نعلم دخول
الإمام عليهالسلام فيها إلا بالاعتبار الّذي بينا ومتى جوزنا انفراده بالقول
وانه لا يجب ظهوره منع ذلك من الاحتجاج بالإجماع (وقال) أيضا فيما أفاده في أواخر
بحث الإجماع (ما لفظه) إذا ظهر بين الطائفة القول ولم يعرف له مخالف هل يدل ذلك
على انه إجماع منهم على صحته أم لا (فقال) ما ملخصه إن كان هناك ما يطابقه من
الدليل الموجب للعلم عرفنا صحته وإن كان هناك ما يخالفه من الدليل الموجب للعلم
عرفنا فساده (ثم قال) ما لفظه فان عدمنا الطريقين معا ولم نجد ما يدل على صحة ذلك
ولا على فساده وجب القطع على صحة ذلك القول وانه موافق لقول المعصوم عليهالسلام لأنه لو كان قول المعصوم مخالفا له لوجب ان يظهره وإلّا
لكان يقبح التكليف الّذي ذلك القول لطف فيه (انتهى) هذا تمام ما في إجماع العدة من
العبائر التي يمكن استفادة قاعدة اللطف منها (وحاصل المجموع) انه لا يجوز انفراد
الإمام عليهالسلام بقول الحق فيما لم يكن عليه دليل من كتاب أو سنة ولا يجوز
ان تكون الأمة مجتمعين على الباطل فهما اتفق ذلك وجب على الإمام عليهالسلام لطفا منه على العباد ان يظهر لهم الحق إما بنفسه أو يبعث
إليهم من يثق به فيظهر لهم الحق مع اقترانه بمعجز يصدقه الناس به.
(أقول)
والمشهور ان هذا
الطريق الثاني هو طريق مستقل لا ربط له بالطريق الأول الّذي هو طريق القدماء غير
انه يظهر من المحقق القمي ان لشيخ الطائفة طريقين أي الأول
والثاني جميعا
ويظهر من شيخنا الأنصاري ان طريقه منحصر بالثاني وليس له طريق آخر سواه وقد أصر
على ذلك واستشهد ببعض العبائر المحكية عن التهذيب مع ان التدبر التام فيما نقلناه
مما يقضي بأنه ليس له طريق آخر سوى الطريق الأول المشتهر بالإجماع التضمني كيف ولو
كان له طريق آخر غير الأول لذكره في صدر بحث الإجماع كما ذكر الطريق الأول ولم
يذكره نعم جعل رضوان الله عليه قاعدة اللطف مدركا للإجماع التضمني ومنشأ للعلم
بدخول شخص الإمام عليهالسلام في أشخاص المجمعين وقوله في أقوالهم كما ينادي بذلك قوله
في رد السيد لأنا لا نعلم دخول الإمام عليهالسلام فيها أي في الطائفة إلّا بالاعتبار الّذي بيناه يعني به
وجوب إظهار الحق على الإمام عليهالسلام أو إظهار من يبين لهم الحق في المسألة (وعلى كل حال) يرد
على هذا الطريق الثاني ان إظهار الحق عند إجماع الأمة على الخطأ وإن كان لطفا منه عليهالسلام ولا يجوز له الإخلال به عقلا ولكن مجرد ذلك مما لا يكفي في
استكشاف مطابقة الإجماع لرأي الإمام عليهالسلام وذلك لجواز أن يكون إظهار الحق مقرونا بمانع أو بمصلحة أهم
في الإخفاء فان إظهار الحق ليس بأهم من ظهور نفسه عليهالسلام فكما انه مقرون قطعا إما بمانع أو بمصلحة أهم في الإخفاء
وإلّا لظهر وبرز فكذلك جاز أن يكون إظهار الحق والصواب إما بنفسه أو بإرسال من يثق
به مقرونا بمانع أو بمصلحة أهم في الإخفاء (وعليه) فإذا أفتوا العلماء بشيء
وأجمعوا كلهم على أمر شرعي ديني لم يكن إجماعهم حجة من هذا الوجه والطريق أبدا.
(الطريق الثالث)
ما نسبه المحقق القمي إلى جماعة من محققي المتأخرين ونسبه الفصول إلى معظم
المحققين المشتهر هذا الطريق بالإجماع الحدسي (قال في الفصول) الثالث وهو الطريق
المعزي إلى معظم المحققين ان يستكشف عن قول المعصوم باتفاق علمائنا الأعلام الذين
ديدنهم الانقطاع إلى الأئمة في الأحكام وطريقتهم التحرز عن القول بالرأي ومستحسنات
الأوهام فإن اتفاقهم على قول وتسالمهم
عليه مع ما يرى من
اختلاف أنظارهم وتباين أفكارهم مما يؤدي بمقتضى العقل والعادة عند أولى الحدس
الصائب والنّظر الثاقب إلى العلم بأن ذلك قول أئمتهم ومذهب رؤسائهم وانهم إنما
أخذوه منهم واستفادوه من لدنهم إما بتنصيص أو بتقرير (انتهى) (وحاصل هذا الوجه) ان
اتفاق جميع العلماء مع ما هم عليه من اختلاف الأنظار والأفكار ومع تجنبهم عن
الاستحسانات الظنية والاعتبارات الوهمية وتحرزهم عن القول والعمل بغير علم أو علمي
مما يوجب الحدس القطعي واليقين العادي برأي الإمام عليهالسلام وان الحكم قد نشأ من جانبه ووصل إليهم من قبله بلغهم ذلك
خلفا عن سلف وجيلا بعد جيل (والظاهر) انه يعتبر في هذا الطريق الثالث اتفاق جميع
العلماء في جميع الأعصار والأمصار من الأول إلى الآخر فان اتفاقهم كذلك مما يوجب
الحدس واليقين برأيه عليهالسلام وان قولهم نشأ من قوله ورأيهم من رأيه لا مجرد اتفاقهم في
عصر واحد فان الاتفاق في عصر واحد انما يكفي على الطريقين المتقدمين من انه عليهالسلام موجود في كل عصر فإذا اتفق علماء عصر من الأعصار فهو منهم
ورئيسهم وشخصه داخل في أشخاصهم وقوله داخل في أقوالهم أو انه لا يجوز انفراد
الإمام عليهالسلام بقول الحق وان العلماء مهما اتفقوا على قول غير حق وجب على
الإمام عليهالسلام لطفا منه على العباد إظهار الحق لهم إما بنفسه أو بإظهار
من يبين لهم الحق ولا يكاد يكفي ذلك على هذا الطريق الثالث أبدا (وعلى كل حال) يرد
على هذا الطريق ان اتفاق العلماء جميعا انما يستلزم الحدس والقطع عادة برأيه عليهالسلام إذا انضم إليهم أصحاب الأئمة وحملة الأحاديث الذين ليست
أقوالهم مستندة إلى الرّأي والاستنباط والنّظر والاجتهاد بل إلى محض السماع عن
الإمام عليهالسلام بلا واسطة أو مع الواسطة وإلّا فمجرد اتفاق أهل الرّأي
والاستنباط والنّظر والاجتهاد مما لا يستلزم القطع عادة برأيه عليهالسلام لجواز استناد الجميع إلى اجتهادهم وإمكان خطأهم في
الاجتهاد جميعا كما لا يخفى (مضافا) إلى انه لو سلم ان اتفاق العلماء وأرباب
النّظر والفتوى
مما يستلزم القطع برأيه عليهالسلام عادة من دون حاجة إلى ضم أقوال الرّواة وحملة الأحاديث
إليهم فتحصيل اتفاق العلماء بأجمعهم مشكل جدا بل محال عادة كيف وتحصيل فتاوى علماء
عصر واحد في غاية الإشكال فكيف باتفاق العلماء في جميع الأعصار وتمام الأمصار (وعليه)
فالطريق الأول والثاني مخدوشان من حيث الكبرى بمعنى ان مجرد كون الإمام عليهالسلام موجودا في كل عصر وانه منهم وسيدهم ورئيسهم مما لا يقتضي
دخول شخص الإمام عليهالسلام في أشخاصهم وقوله في أقوالهم كما ان مجرد كون إظهار الحق
من الإمام عليهالسلام عند إجماع الأمة على الخطأ الباطل لطفا منه على العباد مما
لا يقتضي استكشاف مطابقة رأيه عليهالسلام مع الإجماع وهذا الطريق الثالث مخدوش كبرى وصغرى بمعنى ان
اتفاق العلماء وأهل الفتوى بتمامهم مما لا يستلزم القطع برأيه عليهالسلام عادة ما لم ينضم إليه أقوال الرّواة وحملة الأحاديث
بأجمعهم (ولو سلم ذلك) فتحصيل اتفاق الكل مما لا يتفق نوعا لأحد كي يستلزم القطع
برأيه عليهالسلام عادة (نعم قد يحصل القطع) برأيه عليهالسلام من اتفاق جماعة من العلماء كما صرح به الشيخ أيضا ولكن ذلك
على سبيل الاتفاق والصدفة وليس مما يحصل منه القطع دائما فتدبر جيدا.
(قوله هو علمه بدخوله عليهالسلام ... إلخ)
إشارة إلى الطريق
الأول من الطرق الثلاثة المتقدمة وهو الإجماع التضمني.
(قوله أو قطعه
باستلزام ما يحكيه لرأيه عقلا من باب اللطف ... إلخ)
إشارة إلى الطريق
الثاني من الطرق الثلاثة المتقدمة وهو الإجماع اللطفي.
(قوله أو عادة ... إلخ)
إشارة إلى الوجه
الأول من وجوه الطريق الثالث وهو الإجماع الحدسي فإن الحدسي كما يظهر من الشيخ
أعلى الله مقامه على وجوه (فقد يحصل) الحدس لمدعي الإجماع من مبادئ محسوسة ملزومة
عادة لمطابقة رأي الإمام عليهالسلام كما إذا حصل
الحدس من اتفاق
الكل من الأول إلى الآخر (وقد يحصل) من مبادئ محسوسة غير ملزومة عادة لمطابقة رأي
الإمام عليهالسلام كما إذا حصل الحدس من فتوى جماعة اتفق له العلم بعدم
اجتماعهم على الخطأ (وقد يحصل) من مقدمات نظرية واجتهادات كثيرة الخطأ (قال الشيخ)
أعلى الله مقامه بعد ما فرغ من بيان الطريق الأول والثاني جميعا (ما لفظه) الثالث
من طرق انكشاف قول الإمام عليهالسلام لمدعي الإجماع الحدس وهذا على وجهين.
(أحدهما) ان يحصل
له ذلك من طريق لو علمنا به ما خطأناه في استكشافه وهذا على وجهين.
(أحدهما) ان يحصل
له الحدس الضروري من مبادئ محسوسة بحيث يكون الخطأ فيه من قبيل الخطأ في الحس
فيكون بحيث لو حصل لنا تلك الاخبار يحصل لنا العلم كما حصل له.
(ثانيهما) ان يحصل
الحدس له من اخبار جماعة اتفق له العلم بعدم اجتماعهم على الخطأ لكن ليس اخبارهم
ملزوما عادة للمطابقة لقول الإمام عليهالسلام بحيث لو حصل لنا علمنا بالمطابقة أيضا.
(الثاني) ان يحصل
ذلك من مقدمات نظرية واجتهادات كثيرة الخطأ بل علمنا بخطإ بعضها في موارد كثيرة من
نقلة الإجماع علمنا ذلك منهم بتصريحاتهم في موارد واستظهرنا ذلك منهم في موارد أخر
(انتهى).
(قوله أو اتفاقا من
جهة حدس رأيه عليهالسلام وان لم تكن ملازمة
بينهما عقلا ولا عادة ... إلخ)
إشارة إلى الوجه
الثاني من وجوه الطريق الثالث وهو الإجماع الحدسي وقد أشير الآن إلى وجوهه الثلاثة
بأجمعها وانها تظهر جميعا من كلام الشيخ أعلى الله مقامه (نعم) لم يؤشر المصنف إلى
الوجه الثالث كما أشار إلى الأول والثاني.
(قوله كما هو طريقة
المتأخرين في دعوى الإجماع ... إلخ)
إشارة إلى قوله أو
اتفاقا من جهة حدس رأيه عليهالسلام بمعنى ان الوجه الثاني من وجوه الإجماع الحدسي وهو الحاصل
من اتفاق جماعة اتفاقا هو طريقة المتأخرين وسيتضح لك هذا المعنى من نفس قول المصنف
بعد هذا بلا فصل وهو قوله حيث انهم مع عدم الاعتقاد ... إلخ.
(قوله حيث انهم مع عدم
الاعتقاد بالملازمة العقلية ولا الملازمة العادية غالبا وعدم العلم بدخول جنابه عليهالسلام في المجمعين يحكون
الإجماع كثيرا ... إلخ)
من هذا التعليل
كما أشرنا آنفا يعرف ان قوله المتقدم كما هو طريقة المتأخرين ... إلخ إشارة إلى
قوله أو اتفاقا من جهة حدس رأيه عليهالسلام ... إلخ (ثم ان هذا التعليل) لا يخلو عن علة فان المتأخرين
وان لم يعتقدوا بالملازمة العقلية أي بين اتفاق العلماء ولو في عصر واحد وبين
استكشاف رأيه عليهالسلام عقلا بقاعدة اللطف ولا بالإجماع التضمني حيث لا علم لهم
بدخول جنابه عليهالسلام في المجمعين ولكن لم يعلم انهم لا يعتقدون بالملازمة العادية
أي بين اتفاق الكل من الأول إلى الآخر وبين استكشاف رأيه عليهالسلام عادة بل المشهور انه لا طريقة لهم سوى ذلك (ويؤيده) ما
تقدم من المحقق القمي وصاحب الفصول جميعا من نسبة الطريق الثالث إلى محققي
المتأخرين ومعظمهم.
(نعم يمكن) ان
يقال إن تحصيل اتفاق الكل من الأول إلى الآخر في جميع الأعصار والأمصار الملزوم
لرأيه عليهالسلام عادة حيث يكون نادرا جدا بل محالا عادة كما أشرنا فقهرا
إجماعاتهم المنقولة تكون محمولة على الحدسي الاتفاقي أي الحاصل من فتوى جماعة اتفق
لهم العلم بعدم اجتماعهم على الخطأ وإن ذكر الشيخ أعلى الله مقامه في محامل
الإجماعات وجوها أخر مثل كونه حاصلا من مقدمات نظرية واجتهادات كثيرة الخطأ ونحو
ذلك.
(قوله كما انه يظهر
ممن اعتذر عن وجود المخالف بأنه معلوم النسب انه استند في دعوى الإجماع إلى العلم
بدخوله عليهالسلام ... إلخ)
وذلك لما عرفت من
ان خروج معلوم النسب مما لا يضر بحجية الإجماع التضمني بعد فرض العلم بدخول الإمام
عليهالسلام في البقية بل ولا يضر بصدق مسمى الإجماع تسامحا إذا كان
الخارج واحدا أو اثنين أو ما يقرب من ذلك إلا إذا كان الخارج جمعا كثيرا فيضر
بالاسم حينئذ ولو مع العلم بدخول الإمام عليهالسلام في البقية وكان اتفاقهم حجة لأجله.
(قوله وممن اعتذر عنه
بانقراض عصره انه استند إلى قاعدة اللطف إلى آخره)
فان اتفاق علماء
عصر واحد وان كان يعتبر في كل من الإجماع التضمني واللطفي جميعا من غير اختصاص
بالأخير فقط فانهم ما لم يتفقوا كذلك لم يحصل العلم بدخوله عليهالسلام فيهم بدعوى انه منهم وسيدهم ورئيسهم ولا القطع بموافقته
معهم عقلا من باب قاعدة اللطف ولكنك قد عرفت ان عدم قدح خروج معلوم النسب هو مما
يختص بالإجماع التضمني فقط وعلى هذا فالاعتذار عن المخالف بانقراض عصره يكون ظاهرا
في الإجماع اللطفي دون التضمني وإلّا كان الاعتذار عن المخالف بكونه معلوم النسب
أولى كما لا يخفى.
(قوله هذا مضافا إلى
تصريحاتهم بذلك على ما يشهد به مراجعة كلماتهم إلى آخره)
أي هذا مضافا إلى
تصريحات المتأخرين بالإجماع الحدسي الاتفاقي على ما يشهد به مراجعة كلماتهم.
(أقول)
بل مراجعة كلماتهم
يشهد بتصريحاتهم بالحدسي الحاصل من مقدمات نظرية واجتهادات كثيرة الخطأ أيضا (قال
الشيخ) أعلى الله مقامه في بيان محامل الإجماعات
المنقولة (ما لفظه)
الثالث ان يستفيد اتفاق الكل على الفتوى من اتفاقهم على العمل بالأصل عند عدم
الدليل أو بعموم دليل عند عدم وجدان المخصص أو بخبر معتبر عند عدم وجدان المعارض
أو اتفاقهم على مسألة أصولية نقلية أو عقلية يستلزم القول بها الحكم في المسألة
المفروضة (إلى ان قال) ومن المعلوم ان نسبة هذا الحكم إلى العلماء في مثل ذلك لم
ينشأ إلا من مقدمتين أثبتهما المدعي باجتهاده أحدهما كون ذلك الأمر المتفق عليه
مقتضياً ودليلا للحكم لو لا المانع والثانية انتفاء المانع والمعارض (إلى ان قال)
ثم ان الظاهر ان الإجماعات المتعارضة من شخص واحد أو من معاصرين أو متقاربي
العصرين ورجوع المدعي عن الفتوى الّذي ادعي الإجماع فيها ودعوى الإجماع في مسائل
غير معنونة في كلام من تقدم على المدعى وفي مسائل قد اشتهرت خلافها بعد المدعي بل
في زمانه بل فيما قبله كل ذلك مبني على الاستناد في نسبة القول إلى العلماء على
هذا الوجه ولا بأس بذكر بعض موارد صرح المدعي بنفسه أو غيره في مقام توجيه كلامه
فيها بذلك (ثم ذكر أعلى الله مقامه) موارد متعددة فمن شاء الوقوف عليها فليراجع
الرسائل لكن أغلبها في كلمات المتقدمين دون المتأخرين.
(قوله وربما يتفق لبعض
الأوحدي وجه آخر من تشرفه برؤيته عليهالسلام ... إلخ)
(قال في أوثق
الوسائل) عند نقل الشيخ عبارة كشف القناع لدى التعليق على قول الشيخ ولا على الوجه
الأخير (ما هذا لفظه) هو الوجه الثاني عشر الّذي ذكره في رسالته وهو ان يرى الفقيه
الإمام عليهالسلام في أمثال زماننا ويأخذ منه الفتوى لكنه يريد ان يجمع بين
إظهار الحق وكتمان السر فيدعي الإجماع في المسألة انتهى (وفيه) ان الفقيه بعد
تسليم جواز رؤيته الإمام عليهالسلام في أمثال زماننا من الغيبة الكبرى وانه يجوز له ان يكذب
بهذا الداعي الغير المعلوم مسوغيته له كما لا يمكنه إفشاء السر وإظهار أخذ الفتوى
من الإمام عليهالسلام لبعض دواعي الإخفاء
فكذلك لا يمكنه
دعوى الإجماع في المسألة فانه لا يدعي الإجماع للعوام من الناس كي يمكن الالتباس
عليهم بذلك بل يدعيه للعلماء الاعلام وهم يعلمون ان المسألة خلافية ليس فيها إجماع
ولا إطباق إذ المفروض انها ليست إجماعية وانما ادعى الإجماع فيها جمعاً بين إظهار
الحق وكتمان السر وهذا واضح.
في بيان نوعي نقل الإجماع من السبب
والمسبب تارة والسبب فقط أخرى
(قوله الأمر الثاني
انه لا يخفى اختلاف نقل الإجماع ... إلخ)
المقصود من عقد
هذا الأمر الثاني هو بيان نوعي نقل الإجماع.
(فتارة) ينقل قول
الإمام عليهالسلام في ضمن حكاية الإجماع كما إذا قال أجمع المسلمون عامة أو
المؤمنون كافة أو أهل الحق قاطبة أو نحو ذلك مما ظاهره إرادة الإمام عليهالسلام معهم وقد اشتهر هذا النوع بنقل السبب والمسبب جميعا فالسبب
هو قول من عدى الإمام فانه السبب لكشف قوله عليهالسلام والمسبب هو نفس قول الإمام المكشوف بقول من عداه.
(وأخرى) لا ينقل
إلّا قول من عدى الإمام عليهالسلام كما إذا قال أجمع علماؤنا أو أصحابنا أو فقهاؤنا أو نحو
ذلك مما ظاهره من عدى الإمام عليهالسلام وقد اشتهر هذا النوع بنقل السبب فقط وستعرف في الأمر
الثالث ان لكل من هذين النوعين أقسام ثلاثة فانتظر.
(قوله فتارة ينقل رأيه
عليهالسلام في ضمن نقله حدسا
كما هو الغالب أو حسا وهو نادر جدا ... إلخ)
قوله حدسا تمييز
لنقل رأيه عليهالسلام والمراد بالحدس في المقام ما يقابل الحس
الشامل للإجماع
اللطفي والحدسي جميعا بمعنى ان من نقل رأيه عليهالسلام في ضمن نقله الإجماع.
(تارة) يكون مدرك
نقله هو الحس والسماع من الإمام بنفسه ولو في ضمن اشخاص يعلم إجمالا ان الإمام عليهالسلام أحدهم ولا يعرفه بشخصه وقد أشار إلى ذلك بقوله أو حسا وهو
نادر جدا ... إلخ.
(وأخرى) يكون مدرك
نقله هو الحدس المقابل للحس سواء كان من جهة الملازمة العقلية أي بين اتفاق
العلماء ولو في عصر واحد وبين رأيه عليهالسلام عقلا بقاعدة اللطف أو من جهة الملازمة العادية أي بين
اتفاق الكل من الأول إلى الآخر وبين رأيه عليهالسلام عادة أو من جهة الملازمة الاتفاقية أي بين فتوى جماعة وبين
رأيه عليهالسلام اتفاقا وقد أشار إلى ذلك كله بقوله حدسا.
(قوله واختلاف ألفاظ النقل
أيضا صراحة وظهورا وإجمالا في ذلك ... إلخ)
عطف على اختلاف
نقل الإجماع أي ولا يخفى اختلاف نقل الإجماع واختلاف ألفاظ النقل من حيث الصراحة
والظهور والإجمال في انه نقل السبب أي نقل قول من عدى الإمام عليهالسلام أو انه نقل السبب والمسبب جميعا يعني حتى قول الإمام عليهالسلام.
في بيان أقسام الحجة من الإجماع المنقول
(قوله الأمر الثالث
انه لا إشكال في حجية الإجماع المنقول بأدلة حجية خبر الواحد ... إلخ)
المقصود من عقد
هذا الأمر الثالث هو بيان أقسام الحجة من الإجماع المنقول أي بيان انه أي قسم من
أقسام نقل الإجماع حجة شرعا بأدلة حجية خبر الواحد نظرا
إلى كونه من
أفراده ومصاديقه فتشمله أدلة اعتباره وان أي قسم منها لا يكون حجة شرعا لعدم كونه
من أفراده ومصاديقه فلا تشمله أدلة اعتباره.
(فيقول المصنف) ما
محصله بعد التدبر التام في مجموع هذا الأمر إلى آخره
(إن ناقل الإجماع
تارة) ينقل السبب والمسبب جميعا عن حس كما إذا حصل السبب وهو قول من عدى الإمام عليهالسلام وهكذا المسبب وهو قول الإمام عليهالسلام بالسمع من المنقول عنه شخصا فقال أجمع المسلمون أو
المؤمنون أو أهل الحق قاطبة أو نحو ذلك مما ظاهره إرادة الإمام عليهالسلام معهم كما تقدم في الأمر الثاني (وهذا القسم) حجة قطعا نظرا
إلى كونه من افراد خبر الواحد ومن مصاديقه فتشمله أدلة اعتباره إذ لا فرق في
الإخبار عن قول الإمام عليهالسلام بين أن يكون إخبارا عنه بالمطابقة أو بالتضمن غايته انه في
الأول يسمع من شخص الإمام عليهالسلام وهو يعرفه فيقول
سمعته يقول كذا وكذا وفي الثاني يسمع عن جماعة يعلم إجمالا ان الإمام عليهالسلام أحدهم فيحكي عنهم جميعا ويقول سمعتهم يقولون كذا وكذا أو
أجمعوا على كذا وكذا (وقد أشار المصنف) إلى هذا القسم بقوله إذا كان نقله متضمنا
لنقل السبب والمسبب عن حس.
(وأخرى) ينقل
السبب والمسبب جميعا ولكن المسبب وهو قول الإمام عليهالسلام ليس عن حس بل بملازمة ثابتة عند الناقل والمنقول إليه
جميعا كما إذا حصل مثلا أقوال العلماء من الأول إلى الآخر عن حس وقطع برأي الإمام عليهالسلام للملازمة العادية بينهما فقال أجمع المسلمون أو المؤمنون
أو أهل الحق قاطبة أو نحو ذلك مما ظاهره إرادة الإمام عليهالسلام معهم وكان المنقول إليه أيضا يرى ان قول الإمام عليهالسلام لازما عاديا لاتفاق الكل من الأول إلى الآخر (وهذا القسم)
أيضا حجة (وقد أشار المصنف) إليه بمفهوم قوله واما إذا كان نقله للمسبب لا عن حس
بل بملازمة ثابتة عند الناقل بوجه دون المنقول إليه ففيه إشكال ... إلخ أي لو كان
بملازمة ثابتة عند الناقل والمنقول إليه جميعا فلا إشكال في حجيته
(ووجه الحجية) ان
الإخبار عن الشيء ولو لم يكن عن حس إذا كان مستندا إلى امر محسوس لو أحسه المنقول
إليه لحصل له القطع أيضا بالمخبر به كالناقل بأن شاهد مثلا طلوع الشمس فأخبر عن
وجود النهار أو شاهد الظل فأخبر عن طلوع الشمس وهكذا فهو حجة بلا كلام كالإخبار عن
حس عينا (ومن هنا يظهر) من الشيخ أعلى الله مقامه في غير موضع من كلامه ان الإخبار
عن حدس كالإخبار عن العدالة والفسق والإيمان والكفر والشجاعة والجبن إلى غير ذلك
من الملكات النفسانيّة الغير القابلة للحس إذا كان مستندا إلى مشاهدة آثارها
المحسوسة حجة معتبر كالاخبار عن حس بعينه.
(وثالثة) ينقل
السبب والمسبب جميعا والمسبب وهو قول الإمام عليهالسلام ليس عن حس بل بملازمة ثابتة عند الناقل دون المنقول إليه
كما إذا حصل أقوال علماء عصر واحد أو أقوال جماعة منهم عن حس وقطع برأي الإمام عليهالسلام إما للملازمة العقلية أو الاتفاقية ثم نقل الإجماع على نحو
يشمل قول الإمام عليهالسلام وكان المنقول إليه ممن لا يرى الملازمة التي رآها الناقل (وهذا
القسم) من نقل الإجماع حجيته محل إشكال بل منع (وقد أشار المصنف) إلى هذا القسم
بقوله المتقدم واما إذا كان نقله للمسبب لا عن حس بل بملازمة ثابتة عند الناقل
بوجه دون المنقول إليه ففيه إشكال ... إلخ (ووجه الإشكال) انه اخبار عن حدس غير
مستند إلى أمر محسوس لو أحسه المنقول إليه لحصل له القطع أيضا كالناقل (والروايات)
الدالة على حجية خبر الثقة منصرفة عن هذا النحو من الاخبار عن حدس (كما ان الآيات
الشريفة) على تقدير دلالتها على حجية الخبر كآية النبأ وغيرها منصرفة عنه أيضا (واما
بناء العقلاء) فالمتيقن منه هو الرجوع إلى خبر الثقة في المحسوسات أو الحدسيات
المستندة إلى أمور لو أحسوها بأنفسهم لقطعوا بالمخبر به مثل ما قطع الناقل (نعم
يرجعون العقلاء) إلى خبر الثقة في الحدسيات ولو مع عدم العلم بأنه لو أحس المنقول
إليه مثل ما أحس الناقل لحصل له الحدس ولكن ذلك في خصوص
أهل الخبرة لا
مطلقا فحدسياته مسموعة لغيره بنحو الإطلاق والمقام ليس من هذا القبيل جدا فان
المنقول إليه مجتهد كالناقل بعينه اللهم إلا إذا كان نقل الإجماع لمن يجب عليه
تقليد الناقل فحدسياته حينئذ متبعة في حقه مطلقا.
(وبالجملة) هذا
القسم من نقل السبب والمسبب جميعا حجيته محل إشكال بل منع.
(ورابعة) ينقل
السبب فقط ونقله عن حس وكان السبب تاما بنظر الناقل والمنقول إليه جميعا كما إذا
نقل اتفاق الكل من الأول إلى الآخر عن حس والمنقول إليه أيضا يرى ان لازمه العادي
هو قول الإمام عليهالسلام (وهذا القسم) حجة
قطعا كالقسمين الأولين فان المخبر في هذا القسم وإن لم يخبر الا عن السبب فقط ولكن
السبب حيث كان بنظر المنقول إليه تاما تماما ملزوما لقول الإمام عليهالسلام عادة فهو مخبر عن قوله بالالتزام ومن المعلوم انه لا فرق
في نقل قول الإمام عليهالسلام بين ان يكون بالمطابقة كما في الروايات المصطلحة أو
بالالتزام كما في المقام أو بالتضمن كما في الأقسام الثلاثة المتقدمة فالكل اخبار
عن قوله وحكاية لرأيه فتشمله أدلة حجية الخبر وينقسم بأقسامه ويشاركه في أحكامه
الا القسم الثالث لما تقدم فيه وعرفت (وقد أشار المصنف) إلى هذا القسم الرابع
بقوله وكذا إذا لم يكن متضمنا له بل كان ممحضا لنقل السبب عن حس إلّا انه كان سببا
بنظر المنقول إليه أيضا ... إلخ.
(وخامسة) ينقل
السبب فقط عن حس ولكن السبب لا يكون تاما بنظر المنقول إليه كما إذا نقل أقوال
علماء عصر واحد عن حس والمنقول إليه لا يراه سببا لكشف قول المعصوم لعدم تمامية
قاعدة اللطف بنظره (وحكم هذا القسم) ان يضم إليه المنقول إليه ما يتم به السبب في
نظره بأن يحصل أقوال بقية الأعصار ويرتب على المجموع لازمه العادي وهو قول الإمام عليهالسلام.
(وسادسة) ينقل
السبب فقط لكن نقله عن حدس كما إذا حصل أقوال
جمع من مشاهير
الأصحاب ومعاريفهم فحصل له الحدس باتفاق الكل وادعى الإجماع في المسألة كما هو
الحال في كثير من الإجماعات المنقولة في ألسنة المتأخرين (وحكم هذا القسم) أن يؤخذ
بالمتيقن من هذا الحدس وهو اتفاق المشاهير مثلا ويضم إليه أقوال بقية العلماء ليتم
به السبب ويحكم بثبوت اللازم وهو قول الإمام عليهالسلام (ويحتمل) ان يكون
قول المصنف فيما سيأتي فلا بدّ في الإجماعات المنقولة بألفاظها المختلفة من
استظهار مقدار دلالة ألفاظها إلى قوله فان كان بمقدار تمام السبب وإلّا فلا يجدي
ما لم يضم إليه مما حصله أو نقل له من ساير الأقوال أو ساير الأمارات ما به تم ...
إلخ إشارة إلى هذا القسم السادس (ويحتمل أيضا) أن يكون إشارة إلى القسم الخامس هذا
كله تمام الكلام في أقسام نقل السبب والمسبب جميعا وأقسام نقل السبب فقط مع ما لكل
منها من الحكم المختص به فتدبر جيدا فان المقام لا يخلو عن دقة.
(قوله إذا كان نقله
متضمنا لنقل السبب والمسبب عن حس ... إلخ)
قد أشرنا ان هذا
إشارة إلى القسم الأول من أقسام نقل السبب والمسبب جميعا.
(قوله وكذا إذا لم يكن
متضمنا له بل كان ممحضا لنقل السبب عن حس إلّا انه كان سببا بنظر المقول إليه أيضا
... إلخ)
قد أشرنا ان هذا
إشارة إلى القسم الرابع أي القسم الأول من أقسام نقل السبب فقط
(قوله واما إذا كان
نقله للمسبب لا عن حس بل بملازمة ثابتة عند الناقل بوجه دون المنقول إليه ففيه
إشكال ... إلخ)
قد أشرنا أيضا ان
هذا إشارة إلى القسم الثالث من أقسام نقل السبب والمسبب جميعا وانه قد أشار بمفهوم
هذا إلى القسم الثاني من أقسام نقل السبب والمسبب جميعا وهو ما إذا كان نقله
للمسبب لا عن حس بل بملازمة ثابتة عند الناقل والمنقول إليه جميعا.
(قوله على تقدير
دلالتهما ذلك ... إلخ)
أي غير ذلك
والمعنى هكذا إذ المتيقن من بناء العقلاء غير ذلك كما ان المنصرف من الآيات
والروايات على تقدير دلالتهما على حجية الخبر غير ذلك أيضا.
(قوله خصوصا فيما إذا
رأى المنقول إليه خطأ الناقل في اعتقاد الملازمة ... إلخ)
لا مجرد انه لم
يثبت عنده ما يعتقده الناقل من الملازمة.
(قوله هذا فيما انكشف
الحال واما فيما اشتبه فلا يبعد ان يقال بالاعتبار ... إلخ)
هذا حكم ما إذا شك
في كون نقل المسبب وهو قول الإمام عليهالسلام مستندا إلى الحس أو إلى الحدس وتظهر الثمرة فيما إذا لم
تثبت مثلا شيء من الملازمات عند المنقول إليه فعلى تقدير كونه مستندا إلى الحس
تشمله أدلة اعتبار خبر الواحد وعلى تقدير كونه مستندا إلى الحدس لا تشمله الأدلة
ولا يكون حجة شرعا (بل وهذا) حكم ما إذا شك في كون نقل السبب أيضا مستندا إلى الحس
أو إلى الحدس وتظهر الثمرة فيما إذا كان السبب تاما بنظر المنقول إليه كالناقل غير
انه شك في كون النقل مستندا إلى الحس ليكون حجة كما في القسم الرابع أو إلى الحدس
ليحتاج إلى الضميمة كما في القسم السادس.
(قوله هذا لكن
الإجماعات المنقولة في ألسنة الأصحاب غالبا مبنية على حدس الناقل أو اعتقاد
الملازمة عقلا ... إلخ)
المراد من قوله
مبنية على حدس الناقل هو الحاصل من فتوى جماعة اتفاقا وذلك لما سيأتي في التنبيه
الأول من تصريحه بما ملخصه أنه قد مر ان مبني دعوى الإجماع غالبا هو اعتقاد
الملازمة عقلا لقاعدة اللطف أو اتفاقا بحدس رأيه عليهالسلام من فتوى جماعة وان العلم برأيه للاطلاع بما يلازمه عادة من
الفتاوي فقليل جدا.
(أقول)
امام الإجماعات المنقولة
في ألسنة المتقدمين من الأصحاب فهي مبنية على العلم بدخول الإمام عليهالسلام في المجمعين شخصا لتصريحهم بطريقيتهم في وجه اعتبار
الإجماع المحصل حتى الشيخ منهم المعتمد على قاعدة اللطف فانه رضوان الله عليه قد
جعل قاعدة اللطف مدركا للعلم بدخوله عليهالسلام في المجمعين كما تقدم لا وجها مستقلا برأسه في قبال
التضمني والحدسي (واما الإجماعات المنقولة) في ألسنة المتأخرين فهي مبنية غالبا
على الملازمة العادية على ما هو المشهور من طريقتهم ويؤيده ما تقدم من المحقق
القمي والفصول من نسبة الطريق الثالث إلى محققي المتأخرين ومعظمهم (وعليه) فدعوى
المصنف ان الإجماعات المنقولة في ألسنة الأصحاب مبنية على حدس الناقل أي الحاصل من
فتوى جماعة اتفاقا أو اعتقاد الملازمة عقلا هي في غير محلها.
(قوله فلا اعتبار لها
... إلخ)
أي للإجماعات
المنقولة في ألسنة الأصحاب المبنية غالبا على حدس الناقل أي الحاصل من فتوى جماعة
اتفاقا أو على اعتقاد الملازمة عقلا (ووجه عدم الاعتبار) على ما سيأتي التصريح به
في التنبيه الأول ان الملازمة العقلية لقاعدة اللطف باطلة والملازمة الاتفاقية
لحدس رأيه عليهالسلام من فتوى جماعة غير مسلمة.
(قوله ما لم ينكشف ان
نقل السبب كان مستندا إلى الحس ... إلخ)
وكان تاما بنظر
المنقول إليه أيضا وذلك لما عرفت من ان نقل السبب المستند إلى الحس انما يكون حجة
إذا كان السبب تاما تماما بنظر المنقول إليه وإلّا فيحتاج إلى الضميمة كما في
القسم الخامس والسادس جميعا.
(قوله فلا بدّ في
الإجماعات المنقولة بألفاظها المختلفة من استظهار مقدار دلالة ألفاظها ولو بملاحظة
حال الناقل وخصوص موضع النقل ... إلخ)
تفريع على عدم
الاعتبار للإجماعات المنقولة في ألسنة الأصحاب (وحاصل) التفريع
انه لا بد في
الإجماعات المنقولة (ان نلحظ) مقدار دلالة ألفاظها فان دلالة ألفاظ الإجماع تختلف
في القوة والضعف فقد يقال أجمع الأصحاب وقد يقال لا خلاف بينهم وقد يقال لم نعرف
مخالفا وهكذا (ونلحظ) حال الناقل أيضا فانه قد يكون في أعلى درجة التتبع وقد يكون
وسطا معتدلا وقد يكون ضعيفا جدا (ونلحظ) حال المسألة التي ينقل فيها الإجماع فانها
قد تكون مشهورة معروفة عند الأصحاب مدونة في كتبهم في مكان واضح يعرفه كل أحد تصل
إليه الأيدي غالبا وقد تكون دون ذلك لا تصل إليها الأيدي غالبا وقد تكون في غاية
الخفاء ليس لها مكان مضبوط وانما عنونها الأصحاب في أماكن متشتتة لا تصل إليها إلا
أيادي الأوحدي من الأعلام فإذا استفيد من مجموع ذلك ان السبب المنقول هو سبب تام
فهو وإلّا فلا بدّ من الأخذ بالمتيقن وضم ساير الأقوال إليه ليكون سببا تاما تترتب
عليه الثمرة والنتيجة.
(قوله مما حصله أو نقل
له من ساير الأقوال ... إلخ)
أي مما حصله
المنقول إليه بنفسه أو نقل له من ساير الأقوال.
(قوله أو ساير
الأمارات ... إلخ)
من الشواهد
الخارجية المؤيدة للإجماع المنقول بحيث لولاها لم يحصل من الأقوال التي استفدناها
من الإجماع المنقول القطع برأي الإمام عليهالسلام (وقد أخذ) المصنف
هذا المعنى من الشيخ أعلى الله مقامه (قال) في ما أفاده في المسألة (ما لفظه) مثلا
إذا ادعى الشيخ قدسسره يعني شيخ الطائفة الإجماع على اعتبار طهارة مسجد الجبهة
فلا أقل من احتمال ان يكون دعواه مستندة إلى وجدان الحكم في الكتب المعدة للفتوى
وان كان بإيراد الروايات التي يفتى المؤلف بمضمونها فيكون خبره المتضمن لإفتاء
جميع أهل الفتوى بهذا الحكم حجة في المسألة فيكون كما لو وجدنا الفتاوي في كتبهم
بل سمعناها منهم وفتواهم وان لم تكن بنفسها مستلزمة عادة لموافقة الإمام عليهالسلام الا انا إذا ضمنا إليها فتوى من تأخر عن الشيخ
من أهل الفتوى وضم
إلى ذلك أمارات أخرى فربما حصل من المجموع القطع بالحكم لاستحالة تخلف هذه جميعها
عن قول الإمام عليهالسلام انتهى.
(قوله ما به تم فافهم
... إلخ)
والظاهر ان قوله
فافهم ليس إشارة إلى شيء وانما قد أتي به رعاية للسجع والقافية (قوله فتلخص بما ذكرنا ان الإجماع
المنقول بخبر الواحد من جهة حكايته رأى الإمام عليهالسلام بالتضمن أو الالتزام
... إلخ)
فالتضمن لا يكون
إلّا في نقل السبب والمسبب جميعاً والالتزام لا يكون إلّا في نقل السبب فقط إذا
كان عن حس وكان السبب تاماً بنظر المنقول إليه أيضاً.
(قوله وما نقله من
الأقوال بنحو الجملة والإجمال ... إلخ)
أي وما نقله من
الإجماع فانه عبارة عن نقل الأقوال بنحو الجملة والإجمال.
(قوله وتعمه أدلة
اعتباره وينقسم بأقسامه ويشاركه في أحكامه إلى آخره)
بمعنى ان إجماع
المنقول بخبر الواحد من جهة حكايته رأي الإمام عليهالسلام بالتضمن أو الالتزام هو كخبر الواحد عينا إذا كان المنقول
إليه ممن يرى الملازمة بين رأيه عليهالسلام وما نقله من الإجماع فتعمه أدلة اعتباره وينقسم بأقسامه من
الصحيح والموثق والحسن والقوى والضعيف ونحو ذلك ويشاركه في أحكامه من الحجية أي
المنجزية عند الإصابة والعذرية عند الخطأ ووجوب متابعته عقلا والحركة على طبقه
عملا (وقد اقتبس المصنف) هذا كله من الشيخ أعلى الله مقامه (قال) في صدر المسألة
ان ظاهر أكثر القائلين باعتبار الإجماع المنقول ان الدليل عليه هو الدليل على حجية
خبر العادل فهو عندهم كخبر صحيح عالي السند لأن مدعي الإجماع يحكي مدلوله ويرويه
عن الإمام بلا واسطة يعني به على مبني المتقدمين من الإجماع التضمني ويدخل الإجماع
ما يدخل الخبر من الأقسام ويلحقه ما يلحقه من الأحكام (انتهى).
(قوله وإلّا لم يكن
مثله في الاعتبار من جهة الحكاية واما من جهة نقل السبب فهو ... إلخ)
أي وان لم يكن من
نقل إليه ممن يرى الملازمة بين رأيه عليهالسلام وما نقله من الأقوال بنحو الجملة والإجمال لم يكن الإجماع
المنقول مثل خبر الواحد في الاعتبار من جهة حكايته رأي الإمام عليهالسلام واما من حيث السبب فهو بالنسبة إلى مقدار من الأقوال التي
استفيد منه معتبر جدا فإذا انضم إليه ما به تم السبب كان المجموع كالإجماع المحصل.
(قوله ويكون حاله كما
إذا كان كله منقولا ... إلخ)
فإن النتيجة تتبع
أخس المقدمات فإذا كان جزء السبب منقولا كان كما إذا كان كله منقولا.
(قوله ولا تفاوت في
اعتبار الخبر بين ما إذا كان المخبر به تمامه أو ماله دخل فيه وبه قوامه ... إلخ)
دفع لما قد يتوهم
من ان نقل الإجماع إذا كان متضمنا لنقل السبب التام بحيث يترتب عليه قول الإمام عليهالسلام فهو حينئذ معتبر جدا كخبر الواحد عينا إذ ليس التعبد به
حينئذ لغوا عبثا واما إذا لم يكن متضمنا الا لنقل جزء السبب بحيث لا يترتب عليه
قول الإمام عليهالسلام فهو غير معتبر شرعا إذ لا يترتب عليه ثمرة ولا نتيجة فيكون
التعبد به لغوا عبثا (وحاصل) الدفع انه لا فرق في اعتبار الخبر بين ما إذا كان
المخبر به تمام السبب أو ما له دخل في السبب بحيث لو انضم إليه ما به تم السبب
لترتب عليه قول الإمام عليهالسلام فان هذا المقدار من الثمرة والنتيجة مما يكفي في صحة
التعبد به ويخرجه عن اللغوية والعبثية (ومن هنا) يكون الخبر حجة في تعيين حال
السائل من انه ثقة أو ممدوح أو ضعيف أو في خصوصية القضية الواقعة المسئولة عنها
ونحو ذلك مما له دخل في ثبوت كلام الإمام عليهالسلام
أو في تعيين مرامه
بعد ثبوت أصل كلامه فلو لم يكن الخبر حجة الا فيما إذا كان المخبر به تمام السبب
لم يكن حجة في الموردين ونحوهما قطعا.
في تنبيهات المسألة
(قوله وينبغي التنبيه
على أمور الأول انه قد مر ان مبنى دعوى الإجماع غالبا هو اعتقاد الملازمة عقلا
لقاعدة اللطف وهي باطلة أو اتفاقا بحدس رأيه عليهالسلام من فتوى جماعة وهي
غالبا غير مسلمة ... إلخ)
نعم قد مر ذلك عند
قوله هذا لكن الإجماعات المنقولة في ألسنة الأصحاب غالبا مبنية على حدس الناقل أو
اعتقاد الملازمة عقلا ... إلخ بل وتقدم أيضا في صدر البحث الإشارة إلى الملازمة
العقلية والاتفاقية عند قوله أو قطعه باستلزام ما يحكيه لرأيه عقلا من باب اللطف
أو عادة أو اتفاقا من جهة حدس رأيه عليهالسلام وان لم تكن ملازمة بينهما عقلا ولا عادة ... إلخ (وعلى كل
حال) قد عرفت منا المناقشة في هذا كله وان الإجماعات المنقولة ان كانت هي في ألسنة
المتقدمين من الأصحاب فهي مبنية على العلم بدخول الإمام عليهالسلام في المجمعين شخصا لتصريحهم بطريقيتهم حتى الشيخ منهم
المعتمد على قاعدة اللطف غايته انه رضوان الله عليه قد جعل القاعدة مدركا للعلم
بدخوله عليهالسلام في المجمعين وان كانت هي في ألسنة المتأخرين من الأصحاب
فهي مبنية غالبا على الملازمة العادية أي بين فتوى الكل وبين حدس رأيه عليهالسلام عادة (ومن هنا يظهر) ان قوله واما كون المبني العلم بدخول
الإمام عليهالسلام بشخصه في الجماعة أو العلم برأيه للاطلاع بما يلازمه عادة
من الفتاوي فقليل جدا في الإجماعات المتداولة في ألسنة الأصحاب ... إلخ هو في غير
محله إذ لا مبني للأصحاب سوى ذلك وان كان أصل المبني ضعيفا كما بينا (ثم ان) مقصود
المصنف من عقد هذا التنبيه هو ان يستنتج
من ابتناء
الإجماعات المنقولة في ألسنة الأصحاب غالبا على الملازمة العقلية أو الاتفاقية وان
الملازمة العقلية باطلة والملازمة الاتفاقية غير مسلمة ان نقل الإجماع لا يكاد
يجدي الا من ناحية نقل السبب فقط وهو سبب ناقص يحتاج إلى الضميمة كما تقدم في
القسم الخامس والسادس جميعا.
(قوله فلا يكاد يجدي
نقل الإجماع الا من باب نقل السبب ... إلخ)
تفريع على ما تقدم
منه من قوله قد مر ان مبني دعوى الإجماع غالبا هو اعتقاد الملازمة عقلا لقاعدة
اللطف وهي باطلة أو اتفاقا بحدس رأيه عليهالسلام من فتوى جماعة وهي غالبا غير مسلمة ... إلخ وقد أشير آنفا
ان المقصود من عقد هذا التنبيه هو أن يستنتج من ابتناء دعوى الإجماع غالبا على
الملازمة العقلية أو الاتفاقية وان الملازمة العقلية باطلة والاتفاقية غير مسلمة
ان نقل الإجماع لا يكاد يجدي الا من ناحية نقل السبب فقط وهو سبب ناقص يحتاج إلى
الضميمة.
(قوله الثاني انه لا
يخفى ان الإجماعات المنقولة إذا تعارض اثنان منها أو أكثر ... إلخ)
كما إذا قام إجماع
منقول على وجوب شيء وقام آخر على استحبابه وقام ثالث على إباحته فهذه الإجماعات
الثلاثة متعارضة بعضها مع بعض من جهة تضاد متعلقاتها
(قوله فلا يكون تعارض
إلّا بحسب المسبب ... إلخ)
أي بحسب رأي
الإمام عليهالسلام إذ لا يمكن ان يكون رأيه عليهالسلام في مسألة واحدة متعددا.
(قوله واما بحسب السبب
فلا تعارض في البين لاحتمال صدق الكل إلى آخره)
هذا صحيح إلا في
الإجماع الحدسي المبتني على الملازمة العادية فإن السبب فيه اتفاق الكل من الأول
إلى الآخر الملزوم عادة لمطابقة رأي الإمام عليهالسلام ولا يمكن
اتفاق الكل كذلك
على أمرين متضادين أو على أمور متضادة بخلاف الإجماع التضمني أو اللطفي أو الحدسي
الاتفاقي أي الحاصل من فتوى جماعة على سبيل الاتفاق إذ في جميع هذا كله يمكن الجمع
بين السببين أو أكثر إذ من الممكن ان يتفق علماء عصر واحد على وجوب شيء وعلماء عصر
آخر على استحبابه أو يتفق جماعة على استحباب شيء وجماعة أخرى على إباحته ولو في
عصر واحد.
(قوله لكن نقل الفتاوى
على الإجمال بلفظ الإجماع حينئذ لا يصلح لأن يكون سببا ولا جزء سبب ... إلخ)
هذا هو المقصود من
عقد هذا التنبيه الثاني بمعنى ان المصنف قد بين في التنبيه الأول ان نقل الإجماع
لا يكاد يجدي الا من ناحية نقل السبب فقط وهو سبب ناقص يحتاج إلى الضميمة وفي هذا
التنبيه يبين انه إذا تعارض اثنان من الإجماعات المنقولة أو أكثر فنقل الإجماع مما
لا يجدي حتى من ناحية السبب فلا يكون سببا ولا جزء سبب لثبوت الخلاف في الفتاوي.
(قوله ولو مع اطلاعه
على الخلاف ... إلخ)
أي على الخلاف في
الفتاوي.
(قوله وهو وان لم يكن
مع الاطلاع على الفتاوى على اختلافها مفصلا ببعيد ... إلخ)
أي وقطع المنقول
إليه برأيه عليهالسلام لخصوصية موجبة في أحد المتعارضين مع الاطلاع على الفتاوي
على اختلافها مفصلا وإن لم يكن ببعيد بأن اطلع مثلا ان في أحد الطرفين فتاوى مثل
الشيخ والمفيد والسيد والكليني والصدوقين ونظرائهم من أعلام الدين وان في الطرف
الآخر فتاوى قوم آخرين دون هؤلاء بكثير ولكن مع عدم الاطلاع عليها مفصلا إلّا بنحو
الإجمال بعيد (وفيه) ان ذلك كما يحصل مع الاطلاع على الفتاوي على التفصيل فكذلك قد
يحصل مع الاطلاع عليها على الإجمال وذلك لتفاوت حال الناقل في الفحص والتتبع في
كلمات الأصحاب فقد يكون ناقل
الإجماع في أحد
الطرفين في أقصى مرتبة التتبع وطول الباع وسعة الاطلاع وفي الطرف الآخر بعكس ذلك
فحينئذ ربما يحصل الحدس برأيه عليهالسلام بنقل أحد الإجماعين دون الآخر مع ان في شيء منهما لا اطلاع
على الفتاوي على التفصيل والظاهر انه إليه أشار أخيرا بقوله فافهم.
(قوله فافهم ... إلخ)
قد أشير الآن إلى
وجه قوله فافهم فلا تغفل.
(قوله الثالث انه
ينقدح مما ذكرنا في نقل الإجماع حال نقل التواتر وانه من حيث المسبب لا بد ... إلخ)
المسبب في نقل
التواتر هو المخبر به والسبب هو إخبار الجماعة الكثيرة عنه فإذا ادعى ناقل التواتر
انه أخبره ألف عادل بموت زيد فموت زيد المسبب واخبار ألف عادل السبب.
(فيقول المصنف) قد
انقدح مما ذكرنا في نقل الإجماع حال نقل التواتر وانه من حيث المسبب أي المخبر به
لا بد وان يكون نقل التواتر اخبارا على الإجمال عن إخبارات كثيرة بمقدار لو علم
المنقول إليه بذلك المقدار لقطع بالمخبر به (قال الشيخ أعلى الله مقامه) نعم لو
أخبرنا بإخبار جماعة يستلزم عادة لتحقق المخبر به بأن يكون حصول العلم بالمخبر به
لازم الحصول لاخبار الجماعة كأن أخبر مثلا باخبار ألف عادل أو أزيد بموت زيد وحضور
جنازته كان اللازم من قبول خبره الحكم بتحقق الملزوم وهو إخبار الجماعة فيثبت
اللازم وهو تحقق موت زيد (انتهى) واما من حيث السبب فيثبت بنقل التواتر كل مقدار
قد استفيد من نقله ولو بملاحظة دلالة لفظ النقل من حيث القوة والضعف أو حال الناقل
من حيث الضبط والدقة أو المسامحة والمبالغة أو حال الأمر المتواتر من حيث شيوع
الإخبار به لسهولة الاطلاع عليه أو ندرة الاخبار به لصعوبة الاطلاع عليه أو لغير
ذلك من الخصوصيات والجهات فان استفيد من مجموع ذلك ان اخبار المخبرين هو بمقدار لو
اطلع عليه
المنقول إليه لحصل
له العلم عادة بالمخبر به فهو نقل للسبب التام ويثبت به المسبب وإلّا فلا بدّ من
الضميمة ولحوق مقدار آخر من اخبار المخبرين ليكمل به السبب ويثبت به المسبب.
(وبالجملة) ان نقل
التواتر ان كان نقلا لإخبارات كثيرة ملزومة عادة لوقوع المخبر به فيثبت به اللازم
أي المخبر به فان ثبوت لوازم المؤدي في الأمارات بمجرد قيامها مما لا كلام فيه بل
اللوازم هي من جملة مؤدياتها غايته انها من مؤدياتها الالتزامية لا المطابقية ولا
التضمنية وإلّا فهو سبب ناقص يحتاج إلى الضميمة من إخبارات أخرى فإن أحرزت الضميمة
بالوجدان أو بنقل آخر ثبت به اللازم وإلّا فلا.
في الشهرة في الفتوى
(قوله فصل مما قيل
باعتباره بالخصوص الشهرة في الفتوى ولا يساعده دليل ... إلخ)
وذلك لعدم دلالة
ما توهم دلالته على اعتبارها من أدلة حجية خبر الواحد ومن المشهورة والمقبولة
جميعا كما سيأتي تفصيل الكل.
(قوله وتوهم دلالة
أدلة حجية خبر الواحد عليه بالفحوى لكون الظن الّذي تفيده أقوى مما يفيده الخبر
فيه ما لا يخفى ... إلخ)
(قال الشيخ أعلى
الله مقامه) ثم ان منشأ توهم كونها من الظنون الخاصة يعني الشهرة في الفتوى أمران
أحدهما ما يظهر من بعض ان أدلة حجية خبر الواحد تدل على حجيتها بمفهوم الموافقة
لأنه ربما يحصل منه الظن الأقوى من الحاصل من خبر العادل (انتهى) فالشيخ عبر في
المقام عن دلالتها بمفهوم الموافقة والمصنف
بالفحوى وقد عرفت
في صدر المفهوم والمنطوق ان كلا من الفحوى ولحن الخطاب ومفهوم الموافقة شيء واحد.
(قوله ضرورة عدم
دلالتها على كون مناط اعتباره إفادته الظن غايته تنقيح ذلك بالظن وهو لا يوجب إلّا
الظن بأنها أولى بالاعتبار ولا اعتبار به إلى آخره)
رد على الدليل
المذكور (وحاصله) ان أدلة اعتبار خبر الواحد لم تدل على كون مناط اعتباره هو
افادته الظن كي تكون الشهرة في الفتوى أولى بالاعتبار نظرا إلى كون الظن الحاصل
منها أقوى غايته تنقيح ذلك بالظن فيورث الظن بأولويتها بالاعتبار ولا اعتبار بهذا
الظن (وقد أخذ المصنف) هذا الجواب من الشيخ أعلى الله مقامه (قال) بعد ذكر الدليل
المذكور (ما لفظه) وهذا خيال ضعيف تخيله بعض في بعض رسائله (إلى ان قال) ووجه
الضعف ان الأولوية الظنية أوهن بمراتب من الشهرة فكيف يتمسك بها في حجيتها.
(قوله مع ان دعوى
القطع بأنه ليس بمناط غير مجازفة ... إلخ)
هذا رد ثاني على
الدليل المذكور (وقد أخذه المصنف) من الشيخ أيضا (قال أعلى الله مقامه) بعد الرد
الأول (ما لفظه) مع ان الأولوية ممنوعة رأسا للظن بل العلم بان المناط والعلة في
حجية الأصل يعني به خبر الواحد ليس مجرد افادته الظن (انتهى) ثم انه أعلى الله
مقامه قد اختص برد ثالث لم يؤشر إليه المصنف (قال ما لفظه) وأضعف من ذلك تسمية هذه
الأولوية في كلام ذلك البعض بمفهوم الموافقة مع انه ما كان حكم الفرع مستفادا من
الدليل اللفظي الدال على حكم الأصل مثل قوله تعالى ولا تقل لهما أف (انتهى)
والظاهر ان مراده ان حكم الفرع في مفهوم الموافقة يجب ان يكون مستفادا من نفس
الدليل اللفظي الّذي قد استفيد منه حكم الأصل بأن يكون من اللوازم البينة له
بالمعنى الأخص ليكون من مداليل اللفظ كما هو الشأن في كل مفهوم ولو كان مخالفا ومن
المعلوم ان اعتبار الشهرة
في الفتوى على
تقدير استفادته من أدلة اعتبار خبر الواحد ليس بهذه المثابة على نحو كان من
المداليل اللفظية لها.
(قوله وأضعف منه توهم
دلالة المشهورة ... إلخ)
وهي مرفوعة زرارة
قال فيها قلت جعلت فداك يأتي عنكم الخبران والحديثان المتعارضان فبأيهما نعمل قال عليهالسلام خذ بما اشتهر بين أصحابك ودع الشاذ النادر قلت يا سيدي
انهما معا مشهوران مأثوران عنكم قال خذ بما يقوله أعدلهما الخبر (وحاصل التوهم) ان
الموصول في قوله عليهالسلام خذ بما اشتهر بين أصحابك مطلق أي المشهور رواية أو فتوى
فكل منهما حجة (وقد أورد) عليه المصنف بأن المراد من الموصول هو الرواية لا ما يعم
الفتوى (وقد أخذ هذا الجواب) من الشيخ أعلى الله مقامه (قال) اما الأولى يعني بها
المرفوعة فيرد عليها مضافا إلى ضعفها حتى انه ردها من ليس دأبه الخدشة في سند
الروايات كالمحدث البحراني ان المراد بالموصول هو خصوص الرواية المشهورة من
الروايتين دون مطلق الحكم المشهور ألا ترى انك لو سألت عن ان أي المسجدين أحب إليك
قلت ما كان الاجتماع فيه أكثر لم يحسن للمخاطب ان ينسب إليك محبوبية كل مكان يكون
الاجتماع فيه أكثر بيتا كان أو خانا أو سوقا وكذا لو أجبت عن سؤال المرجح لأحد
الرمانين فقلت ما كان أكبر (انتهى).
(أقول)
وأوضح من الكل ما
لو قيل لك أي البيوت أحب إليك فقلت ما كان أوسع لم يحسن ان ينسب إليك محبوبية كل
شيء أوسع بدعوى إطلاق الموصول وليس ذلك إلا لمانعية السؤال عن الأمر الخاصّ عن
انعقاد الإطلاق للموصول الواقع في الجواب وانه مما يوجب انصراف الموصول إلى خصوص
المسئول عنه (ثم ان الشيخ) أعلى الله مقامه قد ذكر جوابا آخر عن التمسك بإطلاق
الموصول في المشهورة لم يذكره المصنف (قال ما لفظه) مع ان الشهرة الفتوائية مما لا
يقبل ان يكون في
طرفي المسألة
فقوله يا سيدي انهما معا مشهوران مأثوران أوضح شاهد على ان المراد بالشهرة الشهرة
في الرواية الحاصلة بكون الرواية مما اتفق الكل على روايته أو تدوينه وهذا مما
يمكن اتصاف الروايتين المتعارضتين به انتهى.
(أقول)
وهذا الجواب مما
لا يخلو عن مسامحة فان الخبرين كما صح أن يكونا معا مشهورين فكذلك الفتويان صح ان
تكونا معا مشهورتين فإذا فرضنا أن أرباب الفتوى ألفان شخصا فأفتى ألف منهم بوجوب
شيء وألف منهم باستحبابه فالفتويان كلتاهما مشهورتان وليس شيء منهما فتوى شاذا
نادرا كما لا يخفى (ويدل عليه) قولهم كثيرا ما الأشهر كذا وكذا فان الأشهر ليس إلا
في قبال المشهور نعم قد يقع المشهور في قبال الشاذ كما في قولهم الأشهر بل المشهور
كذا وكذا فالإضراب عن الأشهر إلى المشهور ليس إلّا لتفهيم المخاطب ان المقابل شاذ
ليس بمشهور (وعلى كل حال) كان الأولى ان يستشهد أعلى الله مقامه بقوله مأثوران بعد
قوله مشهوران فإنه أقوى شاهد على ان المراد بالشهرة الشهرة في الرواية دون الفتوى
فان الّذي صح ان يكون مأثورا عنهم هو الخبر لا الفتوى (ثم ان الشيخ) أعلى الله
مقامه قد ذكر تقريبا آخر للتمسك بالمشهورة غير التمسك بإطلاق الموصول وهو ان مناط
حكمه عليهالسلام بالأخذ بالمشهور هو الاشتهار وهو موجود في كل من الخبر
المشهور والفتوى المشهور جميعا (قال في ذيل تقريب الاستدلال) بالمرفوعة ما هذا
لفظه أو ان إناطة الحكم بالاشتهار يدل على اعتبار الشهرة في نفسه وإن لم يكن في
الرواية (انتهى) ولكن لم يتعرض الجواب عن هذا التقريب ولعله اتّكالا على ان جوابه
يعرف مما تقدم إذ لم يحرز على وجه القطع واليقين ان المناط في قوله عليهالسلام خذ بما اشتهر بين أصحابك هو مطلق الاشتهار ولو لم يكن في
الرواية كي يسمى ذلك بتنقيح المناط ويؤخذ به غايته انه قد أحرز ذلك بالظن ولا عبرة
به مع ان لمنع حصول الظن من أصله مجال واسع أيضا.
(قوله والمقبولة ...
إلخ)
وهي ما رواه
المشايخ الثلاثة بإسنادهم عن عمر بن حنظلة قال فيها قلت فانهما يعني الحاكمين
عدلان مرضيان عند أصحابنا لا يفضل واحد منهما على الآخر قال ينظر إلى ما كان من
روايتهم عنا في ذلك الّذي حكما به المجمع عليه بين أصحابك فيؤخذ به من حكمهما
ويترك الشاذ الّذي ليس بمشهور عند أصحابك فان المجمع عليه لا ريب فيه (إلى ان قال)
قلت فان كان الخبران عنكم مشهورين قد رواهما الثقات عنكم قال ينظر ما وافق حكمه
حكم الكتاب والسنة الحديث (وتقريب) الاستدلال بها لحجية الشهرة في الفتوى على ما
يظهر من الشيخ أعلى الله مقامه ان المجمع عليه في الموضعين هو المشهور بقرينة
إطلاق المشهور عليه في قوله عليهالسلام ويترك الشاذ الّذي ليس بمشهور بل وفي قول الراوي أيضا فان
كان الخبران عنكم مشهورين ... إلخ (وعليه) فالتعليل بقوله فان المجمع عليه لا ريب
فيه يكون دليلا على ان المشهور مطلقا سواء كان رواية أو فتوى هو مما لا ريب فيه
ويجب العمل به وان كان مورد التعليل خصوص الشهرة في الرواية (ومن هنا يظهر) ان ما
أجاب به المصنف من ان المراد بالموصول فيها هو الرواية لا ما يعم الفتوى نظير ما
أجاب به عن المشهورة في غير محله فان الموصول في المجمع عليه الأول وان كان هو
الرواية ولكن المستدل لم يستدل به بل بعموم الموصول في المجمع عليه الثاني الّذي
هو تعليل صريح وعموم الموصول في الثاني أي في التعليل مما لا ينكر (والجواب الصحيح)
هو ما أجاب به الشيخ أعلى الله مقامه وحاصله ان لفظ المشهور في المقبولة ليس
بمعناه المصطلح الحادث بين الأصوليين وهو في قبال المتفق عليه كي يكون إطلاقه على
المجمع عليه في قوله عليهالسلام ويترك الشاذ الّذي ليس بمشهور أو في قول الراوي فان كان
الخبران عنكم مشهورين قرينة على صرف المجمع عليه عن معناه الحقيقي بل هو بمعناه
اللغوي العرفي وهو المعروف الواضح ومنه شهر فلان سيفه فلا يصرف المجمع عليه عن
معناه الحقيقي وهو ما اتفق عليه
الكل فلا يتم
الاستدلال حينئذ (بل يكون المعنى هكذا) ينظر إلى ما كان من روايتهم عنا في ذلك
الّذي حكما به الرواية المتفق عليها بين أصحابك أي التي يرويها ويعرفها جميعهم
ويترك الرواية الشاذة النادرة التي لا يرويها ولا يعرفها إلّا بعضهم فان المتفق
عليه مما لا ريب فيه ومن الواضح ان حجية المتفق عليه ووجوب العمل به مطلقا رواية
كان أو فتوى مما لا يضرنا ولا ينفع الخصم إذ مدعاه هو حجية الشهرة في الفتوى لا
حجية ما اتفق الكل عليه.
(ثم ان الشيخ)
أعلى الله مقامه في ذيل تقريب استدلال الخصم بالمقبولة قد ذكر امرا آخر مؤيدا
لإرادة الشهرة من المجمع عليه (قال) ومما يؤيد إرادة الشهرة من الإجماع ان المراد
لو كان الإجماع الحقيقي يعني به اتفاق الكل لم يكن ريب في بطلان خلافه مع ان
الإمام عليهالسلام قد جعل مقابله مما فيه الريب أي بمفهوم قوله فان المجمع
عليه لا ريب فيه.
(أقول)
وهذا التأييد ضعيف
كما لا يخفى فان أقصى ما يقتضيه قوله عليهالسلام فان المجمع عليه لا ريب فيه بمقتضى مفهوم الوصف الّذي
اعترفنا به في الجملة هو جعل الريب في مقابل المجمع عليه في الجملة وهو حق لا
ننكره فان الفتوى المجمع عليها وان كانت مما لا ريب في بطلان خلافها ولكن الرواية
المجمعة عليها ليست كذلك فان مقابلها من الرواية الشاذة ليس مما لا ريب في بطلانه
لجواز صحته ثبوتا فيكون فيه الريب فلا يتم التأييد المذكور فتأمل جيدا.
(قوله نعم بناء على
حجية الخبر ببناء العقلاء لا يبعد دعوى عدم اختصاص بنائهم على حجيته بل على حجة كل
أمارة مفيدة للظن أو الاطمئنان إلى آخره)
(أقول)
نعم بناء على حجية
الخبر ببناء العقلاء كما سيأتي تفصيله لا يبعد دعوى عدم
اختصاص بنائهم على
حجية الخبر فقط كما يقول المصنف ولكن بنائهم على حجية كل أمارة مفيدة للظن ولو لم
تفد الاطمئنان غير معلوم بل المعلوم لنا خلافه (وعليه) فالشهرة في الفتوى إذا لم
تفد الاطمئنان فلا عبرة بها أصلا وإذا أفادته فلا بأس بالقول بحجيتها ولكن الخصم
ممن لا يقنع بهذا المقدار كما لا يخفى.
(قوله لكن دون إثبات
ذلك خرط القتاد ... إلخ)
ولعمري ان تصحيح
هذه العبارة هو أصعب من خرط القتاد فان المقصود من لفظة ذلك (ان كان) هو البناء
على حجية الخبر ببناء العقلاء في قوله المتقدم نعم بناء على حجية الخبر ببناء
العقلاء ... إلخ فهذا مما لا يصح قطعا لما سيأتي من بناء المصنف على حجية الخبر
ببناء العقلاء (وان كان) المقصود منها هو دعوى عدم اختصاص بنائهم على حجية الخبر
بل على حجية كل أمارة مفيدة للظن أو الاطمئنان فهذا مما لا يصح أيضا لمنافاته مع
نفي البعد عنه أولا بقوله لا يبعد ... إلخ.
(نعم) يحتمل ان
تكون راجعة إلى إفادة الشهرة في الفتوى الظن أو الاطمئنان بأن يكون المعنى هكذا
لكن دون إثبات كون الشهرة في الفتوى مفيدة للظن أو الاطمئنان خرط القتاد إلّا ان
ذلك خلاف الظاهر (مضافا) إلى ان الشهرة في الفتوى إذا لم تفد الظن دائما فغالبا هي
مما تفيده فكيف يكون دون إثباته خرط القتاد
في حجية خبر الواحد
(قوله فصل المشهور بين
الأصحاب حجية خبر الواحد ... إلخ)
بل قال الشيخ أعلى
الله مقامه كاد أن يكون إجماعا.
(قوله في الجملة
بالخصوص ... إلخ)
(اما قوله)
بالخصوص فمعناه انه بأدلة خاصة موجبة لخروج خبر الواحد عن تحت الأصل الأولى المؤسس
في الظنون في قبال القول باعتباره بانسداد باب العلم
الّذي جعله
الانسداديون موجبا للرجوع إلى مطلق الظن من غير اختصاص بخبر الثقة
(واما قوله) في
الجملة فهو إشارة إلى الاختلافات التي هي بين القائلين باعتبار خبر الواحد (قال
الشيخ) أعلى الله مقامه واما القائلون بالاعتبار فهم مختلفون من جهة ان المعتبر
منها كل ما في الكتب المعتبرة كما يحكي عن بعض الأخباريين أيضا وتبعهم بعض
المعاصرين من الأصوليين بعد استثناء ما كان مخالفا للمشهور أو ان المعتبر بعضها
وان المناط في الاعتبار عمل الأصحاب كما يظهر من كلام المحقق أو عدالة الراوي أو
وثاقته أو مجرد الظن بصدور الرواية من غير اعتبار صفة في الراوي أو غير ذلك من
التفصيلات في الأخبار والمقصود هنا بيان إثبات حجيته بالخصوص في الجملة في مقابل
السلب الكلي (انتهى).
في كون المسألة من أهم المسائل الأصولية
(قوله ولا يخفى ان هذه
المسألة من أهم المسائل الأصولية ... إلخ)
كيف لا وقد بنى
على حجية خبر الثقة معظم الفقه من الطهارة إلى الدّيات إذ قل مسألة قد وردت فيها
آيات قاطعة أو روايات متواترة موجبة للعلم واليقين فجل الفقه لو لا الكل محتاج إلى
حجية خبر الثقة وهذا واضح ظاهر.
(قوله وقد عرفت في أول
الكتاب ان الملاك في الأصولية صحة وقوع نتيجة المسألة في طريق الاستنباط ولو لم
يكن البحث فيها عن الأدلة الأربعة ... إلخ)
المصنف وإن لم
يصرح في أول الكتاب ان الملاك في كون المسألة أصولية ان تقع نتيجتها في طريق
الاستنباط ولكن قد عرفت ذلك من تعريف علم الأصول بأنه العلم بالقواعد الممهدة
لاستنباط الأحكام الشرعية كما عرفت منا عدم الفرق في استنباط الحكم الشرعي
بالمسألة الأصولية بين ان يكون بلا واسطة أو مع الواسطة
(ثم ان المقصود)
من قوله هذا ان مسألة حجية خبر الواحد حسب الملاك المذكور وهو صحة وقوع نتيجة
المسألة في طريق الاستنباط هي من المسائل الأصولية ولو لم يكن البحث فيها عن
الأدلة الأربعة أي الكتاب والسنة والعقل والإجماع وذلك لما عرفت في صدر الكتاب من
عدم اختصاص موضوع علم الأصول بالأدلة الأربعة كي يجب ان تكون المسألة الأصولية
باحثة عن أحوالها وعوارضها وإن اشتهر في ألسنة الفحول اختصاصه بها كما تقدم هناك.
(قوله وعليه لا يكاد
يفيد في ذلك أي كون هذه المسألة أصولية تجشم دعوى ان البحث عن دليلية الدليل بحث
عن أحوال الدليل ... إلخ)
أي بناء على كون
الموضوع في علم الأصول هي الأدلة الأربعة كما اشتهر في ألسنة الفحول لا يكاد يفيد
تكلف كون البحث عن دليلية الدليل بحثا عن أحوال الدليل في إدراج هذه المسألة في
المسائل الأصولية فان البحث فيها ليس عن دليلية إحدى الأدلة الأربعة وانما هو بحث
عن دليلية الخبر الحاكي للسنة.
(أقول)
نعم ولكن لو قلنا
ان المراد من السنة ما يعم حكايتها أي ما يشمل قول الحاكي والمحكي عنه جميعا كما
احتمله المصنف في صدر الكتاب فالبحث في حجية خبر الواحد بحث عن دليلية إحدى الأدلة
الأربعة أي السنة ولكن الشأن في إثبات ذلك (ثم ان هذا التجشم) قد أشار إليه الشيخ
بقوله الآتي ولا حاجة إلى تجشم دعوى ان البحث عن دليلية الدليل بحث عن أحوال
الدليل ... إلخ وليس هو من الشيخ بنفسه فلا تشتبه.
(قوله كما لا يكاد
يفيد عليه تجشم دعوى ان مرجع هذه المسألة إلى ان السنة ... إلخ)
هذا التجشم من
الشيخ بنفسه كما تقدم تفصيله في أول الكتاب (قال أعلى الله مقامه) في الرسائل في
صدر المسألة ما لفظه فمرجع هذه المسألة إلى ان السنة أعني قول الحجة
أو فعله أو تقريره
هل يثبت بخبر الواحد أم لا يثبت إلّا بما يفيد القطع من التواتر والقرينة ومن هنا
يتضح دخولها في مسائل أصول الفقه الباحثة عن أحوال الأدلة ولا حاجة إلى تجشم دعوى
ان البحث عن دليلية الدليل بحث عن أحوال الدليل انتهى (وقد أجاب) عنه المصنف في
أول الكتاب بما حاصله ان المراد بثبوت السنة بخبر الواحد ان كان هو الثبوت الواقعي
فهو مفاد كان التامة وليس من العوارض وشأن المسألة ان يبحث فيها عن عوارض الموضوع
لا عن وجوده وتحققه وان كان هو الثبوت التعبدي فمرجعه إلى وجوب العمل بخبر الواحد
وحجيته وهو من عوارض الخبر الحاكي للسنة لا من عوارض السنة وفي المقام لم يذكر
المصنف الشق الأول من الجواب وأضاف مكانه جوابا آخر على حده (وحاصله) ان الثبوت
التعبدي ليس هو المبحوث عنه في المسألة بل لازم لما هو المبحوث عنه وهي حجية الخبر
فان الخبر ان كان حجة شرعا لزمه ثبوت السنة به تعبدا وإلّا فلا والملاك في كون
المسألة من المباحث أم من غيرها هو نفس عنوانها المبحوث عنه لا ما هو لازمه.
(أقول)
قد تقدم منا في
صدر الكتاب المناقشة في كون الثبوت الواقعي مفاد لكان التامة فان الثبوت الواقعي
هو الانكشاف الحقيقي بالعلم واليقين في قبال الثبوت التعبدي وهو الانكشاف الشرعي
بالأمارة المعتبرة المنزلة منزلة العلم واليقين ومن المعلوم ان الانكشاف والظهور
أو الاستتار والخفاء هما من عوارض الشيء بنحو مفاد كان الناقصة دون التامة (وعليه)
فجواب المصنف على تقدير كون المراد من الثبوت الثبوت الواقعي هو جواب غير تام إلا
ان الشأن في إثبات كون النزاع في الثبوت الواقعي إذ من المعلوم عدم ثبوت السنة
بالخبر واقعا بنحو يحصل به العلم واليقين الا نادرا بل النزاع في ثبوتها التعبدي
بل جاز أن يقال ان النزاع ليس في ثبوتها التعبدي أيضا بل فيما يلازم الثبوت
التعبدي وهو حجية الخبر كما أشار إليه المصنف هنا
(قوله فان التعبد
بثبوتها مع الشك فيها لدى الإخبار بها ليس من عوارضها ... إلخ)
إشارة إلى الشق
الثاني من الجواب المتقدم في أول الكتاب.
(قوله بل من عوارض
مشكوكها ... إلخ)
أي من عوارض مشكوك
السنة وهو الخبر الحاكي عنها.
(قوله مع انه لازم لما
يبحث عنه في المسألة من حجية الخبر ... إلخ)
إشارة إلى الجواب
الّذي قد أضافه المصنف هاهنا على الجواب المتقدم في صدر الكتاب فلا تغفل.
في ذكر القائلين بعدم حجية الخبر وبيان
ما استدل لهم
(قوله وكيف كان
فالمحكي عن السيد والقاضي وابن زهرة والطبرسي وابن إدريس عدم حجية الخبر ... إلخ)
(قال الشيخ) أعلى
الله مقامه بعد ذكر هؤلاء الأعلام (ما لفظه) وربما نسب إلى المفيد قدسسره حيث حكى عنه في المعارج انه قال ان خبر الواحد القاطع
للعذر هو الّذي يقترن إليه دليل يفضي بالنظر إلى العلم وربما يكون ذلك إجماعا أو
شاهدا من عقل وربما ينسب إلى الشيخ كما سيجيء عند نقل كلامه وكذا إلى المحقق بل
ابن بابويه بل في الوافية انه لم يجد القول بالحجية صريحا ممن تقدم على العلامة
وهو عجيب (انتهى) موضع الحاجة من كلامه.
(قوله واستدل لهم
بالآيات الناهية عن اتباع غير العلم ... إلخ)
(قال الشيخ) أعلى
الله مقامه اما حجة المانعين فالأدلة الثلاثة اما الكتاب فالآيات
الناهية عن العمل
بما وراء العلم والتعليل المذكور في آية النبأ على ما ذكره أمين الإسلام من ان
فيها دلالة على عدم جواز العمل بخبر الواحد انتهى.
ويعني بالآيات
الناهية (قوله تعالى) ولا تقف ما ليس لك به علم ان السمع والبصر والفؤاد كل أولئك
كان عنه مسئولا (وقوله تعالى) وما لهم بذلك من علم إن هم الا يظنون (وقوله تعالى)
وإن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئا إلى غير ذلك من الآيات الدالة
على ذم اتباع الظن وعدم الاعتماد عليه كما انه يعني بالتعليل المذكور في آية النبأ
(قوله تعالى) أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين.
(قوله والروايات
الدالة على ردّ ما لم يعلم انه قولهم عليهمالسلام إلى آخره)
(مثل) ما رواه في
الوسائل في القضاء في باب وجوه الجمع بين الأحاديث المختلفة من ان محمد بن عيسى
كتب إلى علي بن محمد عليهالسلام يسأله عن العلم المنقول إلينا عن آبائك وأجدادك عليهمالسلام قد اختلف علينا فيه فكيف العمل به على اختلافه أو الرد
عليك فيما اختلف فيه فكتب عليهالسلام ما علمتم انه قولنا فالزموه وما لم تعلموا فردوه إلينا (وذكره
الشيخ) في الرسائل عن البحار عن بصائر الدرجات باختلاف يسير في اللفظ (ثم قال)
ومثله عن مستطرفات السرائر (انتهى).
(قوله أو لم يكن عليه
شاهد من كتاب الله أو شاهدان ... إلخ)
(مثل) ما رواه في
الوسائل في الباب المتقدم مسندا عن أبي جعفر عليهالسلام في حديث قال إذا جاءكم عنا حديث فوجدتم عليه شاهدا أو
شاهدين من كتاب الله فخذوا به وإلّا فقفوا عنده حتى يستبين لكم (ومثل) ما رواه في
الباب أيضا مسندا عن ابن أبي يعفور قال سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن اختلاف الحديث يرويه من نثق به ومنهم من لا نثق به قال
إذا ورد عليكم حديث فوجدتم له شاهدا
من كتاب الله أو
من قول رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فخذوا به وإلّا فالذي جاءكم به أولى.
(قوله أو لم يكن
موافقا للقرآن ... إلخ)
(مثل) ما رواه في
الوسائل في الباب المتقدم مسندا عن أيوب بن راشد عن أبي عبد الله عليهالسلام قال ما لم يوافق من الحديث القرآن فهو زخرف (وما رواه) في
الباب أيضا مسندا عن جابر عن أبي جعفر عليهالسلام في حديث قال انظروا أمرنا وما جاءكم عنا فإن وجدتموه
للقرآن موافقا فخذوا به وان لم تجدوه موافقا فردوه وإن اشتبه الأمر عليكم فقفوا
عنده وردوه إلينا حتى نشرح لكم من ذلك ما شرح لنا.
(قوله أو على بطلان ما
لا يصدقه كتاب الله ... إلخ)
(مثل) ما ذكره
الشيخ في الرسائل قال وقوله يعني أبا عبد الله عليهالسلام ما جاءكم من حديث لا يصدقه كتاب الله فهو باطل.
(قوله أو على ان ما لا
يوافق كتاب الله زخرف ... إلخ)
(مثل ما رواه) في
الوسائل في الباب المتقدم مسندا عن أيوب بن الحر قال سمعت أبا عبد الله عليهالسلام يقول كل شيء مردود إلى الكتاب والسنة وكل حديث لا يوافق
كتاب الله فهو زخرف.
(قوله أو على النهي عن
قبول حديث الا ما وافق الكتاب أو السنة إلى آخره)
مثل ما ذكره الشيخ
في الرسائل (قال) وصحيحة هشام بن الحكم عن أبي عبد الله عليهالسلام لا تقبلوا علينا حديثا الا ما وافق الكتاب والسنة أو تجدون
معه شاهدا من أحاديثنا المتقدمة فإن المغيرة بن سعيد لعنه الله دس في كتب أصحاب
أبي أحاديث لم يحدث بها أبي فاتقوا الله ولا تقبلوا علينا ما خالف قول ربنا وسنة
نبينا صلىاللهعليهوآلهوسلم (وما رواه) في
الوسائل في الباب المتقدم عن سدير قال قال أبو
جعفر وأبو عبد
الله عليهماالسلام لا تصدق علينا الا ما وافق كتاب الله وسنة نبيه صلىاللهعليهوآلهوسلم.
(قوله إلى غير ذلك ...
إلخ)
كالأخبار الآمرة
بطرح ما خالف كتاب الله أو سنة نبيه صلىاللهعليهوآله وهي العمدة من بين جميع الأخبار (مثل ما رواه) في الوسائل
في الباب المتقدم مسندا عن جميل ابن دراج عن أبي عبد الله عليهالسلام قال الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام في الهلكة إن على
كل حق حقيقة وعلى كل صواب نورا فما وافق كتاب الله فخذوه وما خالف كتاب الله فدعوه
(ورواه) في الباب عن السكوني أيضا عن أبي عبد الله عليهالسلام قال قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ان على كل حق حقيقة وساق الحديث إلى آخره (وما رواه) في
الباب أيضا مسندا عن هشام بن الحكم وغيره عن أبي عبد الله عليهالسلام قال خطب النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بمنى فقال أيها الناس ما جاءكم عني يوافق كتاب الله فانا
قلته وما جاءكم يخالف كتاب الله فلم أقله (وما ذكره الشيخ) في الرسائل قال وقوله
يعني أبا عبد الله عليهالسلام لمحمد بن مسلم ما جاءك من رواية من بر أو فاجر يوافق كتاب
الله فخذ به وما جاءك من رواية من بر أو فاجر يخالف كتاب الله فلا تأخذ به (وما
رواه) هشام بن الحكم في صحيحته المتقدمة حيث قال في آخرها فاتقوا الله ولا تقبلوا
علينا ما خالف قول ربنا وسنة نبينا صلىاللهعليهوآله (قال الشيخ) بعد
نقل صحيحة هشام (ما لفظه) والأخبار الواردة في طرح الاخبار المخالفة للكتاب والسنة
ولو مع عدم المعارض متواترة جدا (انتهى).
(قوله والإجماع المحكي
عن السيد في مواضع من كلامه ... إلخ)
(قال الشيخ) أعلى
الله مقامه واما الإجماع فقد ادعاه السيد المرتضى قدسسره في مواضع من كلامه وجعله في بعضها بمنزلة القياس في كون
ترك العمل به معروفا من مذهب الشيعة وقد اعترف بذلك الشيخ يعني به شيخ الطائفة على
ما يأتي في
كلامه إلّا انه
أول معقد الإجماع بإرادة الاخبار التي يرويها المخالفون وهو ظاهر المحكي عن
الطبرسي في مجمع البيان قال لا يجوز العمل بالظن عند الإمامية الا في شهادة
العدلين وقيم المتلفات وأروش الجنايات (انتهى).
(قوله والجواب اما عن
الآيات فبان الظاهر منها ... إلخ)
(وحاصل الجواب) عن
الآيات ان الظاهر منها هو النهي عن اتباع ما سوى العلم في الأصول الاعتقادية لا
الفروع العملية.
(أقول)
ويؤيده ورود كثير
من تلك الآيات في هذا المعنى أي في الأمور الاعتقادية (مثل قوله تعالى) وقالوا ما
هي إلّا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا الا الدهر وما لهم بذلك من علم إن هم
الا يظنون (وقوله تعالى) وما يتبع الذين يدعون من دون الله شركاء إن يتبعون إلّا
الظن وإن هم الا يخرصون (وقوله تعالى) إن الذين لا يؤمنون بالآخرة ليسمون الملائكة
تسمية الأنثى وما لهم به من علم إن يتبعون إلّا الظن وإن الظن لا يغني من الحق
شيئا إلى غير ذلك من الآيات الشريفة.
(قوله أو المتيقن من
إطلاقاتها ... إلخ)
هذا جواب ثاني عن
الاستدلال بالآيات الناهية (وحاصله) ان المتيقن من إطلاقاتها لو لم يكن الظاهر
منها هو النهي عن اتباع غير العلم في الأصول الاعتقادية (وفيه ما لا يخفى) فإنا
إذا رفعنا اليد عن ظهورها فمجرد كون المتيقن من إطلاقاتها ذلك مما لا يجدي في سقوط
إطلاقاتها بالنسبة إلى الفروع العملية ما لم يكن المتيقن هو في مقام التخاطب ومن
المعلوم ان المتيقن في المقام ليس من هذا القبيل وقد تقدم شرح المتيقن في مقام
التخاطب في مقدمات الحكمة في المطلق والمقيد فراجع.
(قوله ولو سلم عمومها
لها فهي مخصصة بالأدلة الآتية على اعتبار الأخبار ... إلخ)
هذا جواب ثالث عن
الاستدلال بالآيات الناهية (وحاصله) انه لو سلم دلالتها
فهي ليست إلّا
عموم يشمل خبر الواحد وغيره فيخصص بالأدلة الآتية القائمة على حجية خبر الواحد وقد
أخذ المصنف هذا الجواب من الشيخ أعلى الله مقامه (قال) والجواب اما عن الآيات
فبأنها بعد تسليم دلالتها عمومات مخصصة بما سيجيء من الأدلة (انتهى).
(أقول)
بل الأدلة الآتية
واردة على مثل قوله تعالى ولا تقف ما ليس لك به علم فان خبر الواحد بعد ما قام
الدليل القاطع على حجيته كان مما لنا به علم وخرج عن كونه مما ليس لنا به علم
موضوعا فتدبر تعرف.
(قوله واما عن
الروايات فبان الاستدلال بها خال عن السداد فانها أخبار آحاد ... إلخ)
وقد اقتبس المصنف
هذا الجواب من جواب الشيخ عن الرواية الأولى (قال) واما عن الأخبار فعن الرواية
الأولى فبأنها خبر واحد ولا يجوز الاستدلال بها على المنع عن الخبر الواحد (انتهى)
وعلى كل حال حاصل جواب المصنف عن مجموع الروايات انها أخبار آحاد ولا يمكن
الاستدلال باخبار الآحاد على عدم حجية أخبار الآحاد وإلّا لمنعت عن نفسها أيضا.
(أقول)
نعم ان المانعين
عن حجية خبر الواحد ليس لهم أن يستدلوا بتلك الأخبار لأنها اخبار آحاد ولا يستدل
باخبار الآحاد على عدم حجية اخبار الآحاد لما عرفت ولكن القائلين بحجية أخبار
الآحاد ومنها تلك الأخبار المانعة لا بد لهم من أن يجيبوا عنها ويجمعوا بينها وبين
ما دل على حجية أخبار الآحاد وإلّا فتقع المعارضة بينهما ويشكل القول بحجية خبر
الواحد (وعليه) فنقول مجيبا عنها إن الروايات المذكورة على اختلاف مضامينها وتفاوت
العناوين المأخوذة فيها (هي بين ما لا يقبل التخصيص) مثل قوله عليهالسلام ما لم يوافق من الحديث القرآن فهو زخرف أو كل حديث لا
يوافق كتاب الله فهو زخرف أو ما جاءكم من حديث لا يصدقه
كتاب الله فهو
باطل أو ما جاءكم عني يخالف كتاب الله فلم أقله أو ما جاءك من رواية من بر أو فاجر
يخالف كتاب الله فلا تأخذ به (وبين ما يقبل التخصيص) أي الحمل على خبر غير الثقة
مثل قوله عليهالسلام وما لم تعلموا فردوه إلينا أو إذا جاءكم عنا حديث فوجدتم
عليه شاهدا أو شاهدين من كتاب الله فخذوا به وإلّا فقفوا عنده حتى يستبين لكم أو
لا تقبلوا علينا حديثا الا ما وافق الكتاب والسنة أو تجدون معه شاهدا من أحاديثنا
المتقدمة إلى غير ذلك.
(اما الطائفة
الأولى) فمحمولة قطعا على ما خالف نصّ الكتاب وصريحه فمثل هذا الحديث زخرف باطل لم
يقل به المعصوم عليهالسلام كان من بر أو من فاجر (والشاهد لهذا الحمل) هو القطع بصدور
كثير من الأخبار الصحيحة الواردة في تفسير الكتاب وتأويل معانيه المخالفة لظواهره
بنحو التباين فضلا عن العموم المطلق أو من وجه (فالبحران) مثلا في قوله تعالى مرج
البحرين يلتقيان ظاهر في معناه اللغوي والحديث الشريف يفسره بعلي عليهالسلام وفاطمة عليهاالسلام (والبرزخ) ظاهر في
معناه الحقيقي والرواية تأوله بالنبي صلىاللهعليهوآله (واللؤلؤ والمرجان)
ظاهران في معنييهما المعروفين والخبر يفسرهما بالحسن عليهالسلام والحسين عليهالسلام وهكذا في آيات الأحكام ونحوها (فالصلاة) مثلا في قوله
تعالى ولا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى ظاهرة في الأركان المخصوصة والحديث الشريف
يفسرها بالمساجد أي ولا تقربوا المساجد وأنتم سكارى وهكذا (ودعوى) انه من المستبعد
أن يكون المراد من المخالفة في هذه الأخبار هي المخالفة لنص الكتاب دون ظاهره نظرا
إلى ان الكذابين الذين يدسون الأحاديث الموضوعة لا يوضعون حديثان يخالف نصّ الكتاب
وانما يوضعون حديثا يخالف ظاهر الكتاب لئلا يعرف كذبهم (هي ضعيفة) لا يصغى إليها
فان الكذاب الّذي يوضع الحديث لا إحاطة له حين الوضع بتمام الكتاب من أوله إلى
آخره كي لا يوضع ما يخالف نصّ الكتاب فان الأوحدي من الناس قد يتفق مروره على آية
من الكتاب وهو يحسب انه لم يسمعها طول عمره
مع انه قد سمعها
أو تلاها مرارا فكيف بغيره (وعليه) فحمل تلك الاخبار على المخالف لنصوص الكتاب دون
ما يخالف ظواهره مما لا مانع عنه وليس حملا لها على النادر أو المعدوم كما لا
يخفى.
(وبالجملة) إن
المراد من الاخبار الدالة على طرح المخالف للكتاب وانه زخرف باطل لم أقله هو
المخالف لنص الكتاب لا لظاهره وذلك للقطع بصدور كثير من الأخبار الصحيحة المخالفة
لظاهر القرآن عن الأئمة عليهمالسلام في الأحكام الشرعية وغيرها الشارحة لمراده فوق حد الإحصاء
على نحو لو أنكرها أحد فهو ينكرها باللسان لا بالجنان.
(واما الطائفة
الثانية) القابلة للتخصيص الغير الآبية عنه فهي محمولة على خبر غير الثقة المأمون
عن الكذب وان اعتبار العلم بأنه قولهم أو اعتبار موافقة الكتاب أو الشاهد أو
الشاهدين من كتاب الله أو من قول رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أو من أحاديثهم المتقدمة انما هو في ظرف عدم كون الراوي
ثقة مأمونا على الدين والدنيا كزرارة ومحمد بن مسلم ونظرائهما (وذلك) جمعا بين هذه
الطائفة من الاخبار وبين ما سيأتي من الأخبار المتواترة الدالة على حجية قول الثقة
الصادق المأمون عن الكذب من غير تقييد فيها بشيء مع ورودها في مقام البيان جدا (مثل
قوله) العمري وابنه ثقتان فما أديا إليك عني فعني يؤديان (أو قوله) لا عذر لأحد من
موالينا التشكيك فيما يرويه ثقاتنا (أو قوله) بعد ما سأله الراوي أفيونس بن عبد
الرحمن ثقة آخذ عنه ما احتاج إليه من معالم ديني. نعم (أو قوله) لحديث واحد تأخذه
عن صادق خير لك من الدنيا وما فيها إلى غير ذلك مما سيأتي تفصيله وبيانه (ويشهد)
لهذا الجمع التعليل المذكور في صحيحة هشام المتقدمة لا تقبلوا علينا حديثا الا ما
وافق الكتاب والسنة أو تجدون معه شاهدا من أحاديثنا المتقدمة فان المغيرة بن سعيد
لعنه الله دس في كتب أصحاب أبي أحاديث لم يحدث بها أبي (فقوله عليهالسلام) فان المغيرة ... إلخ كالصريح
في ان وجه اعتبار
موافقة الكتاب والسنة أو الشاهد من أحاديثهم المتقدمة هو دس المغيرة اللعين وإلّا
فالحديث المأمون عن الدس لا يعتبر فيه شيء من ذلك (وهكذا يشهد) لهذا الجمع ما رواه
في الوسائل في القضاء في باب وجوه الجمع بين الأحاديث المختلفة عن الحسن بن الجهم
عن الرضا عليهالسلام قال قلت تجيئنا الأحاديث عنكم مختلفة فقال ما جاءك عنا فقس
على كتاب الله عزوجل وأحاديثنا فإن كان يشبههما فهو منا وإن لم يكن يشبههما
فليس منا قلت يجيئنا الرجلان وكلاهما ثقة بحديثين مختلفين ولا نعلم أيهما الحق قال
فإذا لم تعلم فموسع عليك بأيهما أخذت (فان قول الراوي) بعدا يجيئنا الرجلان
وكلاهما ثقة مما يشهد بان الكلام أولا كان مفروضا في غير أحاديث الثقات فأمر عليهالسلام بمقايسته على كتاب الله وأحاديثهم ثم فرض الراوي بعد هذا
مجيء ثقتين بحديثين مختلفين فقال عليهالسلام فموسع عليك بأيهما أخذت يعني إن كلا منهما حجة يسعك الأخذ
به من غير أن يعتبر فيه مقايسته على كتاب الله وأحاديثهم المروية وهذا واضح.
(نعم قد يتوهم) ان
في حديث ابن أبي يعفور المتقدم قد فرض السائل رواية الثقة وغير الثقة حيث قال
يرويه من نثق به ومنهم من لا نثق به ومع ذلك قد اعتبر الإمام عليهالسلام وجدان الشاهد من كتاب الله أو من قول رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ولم يأمر بأخذ خبر الثقة (ولكنه) محمول على صورة عدم
التمييز بين خبر الثقة وغير الثقة بأن جاءنا أحاديث نعلم إجمالا ان فيها الثقة
وغير الثقة بلا تشخيص ولا تعيين (وذلك) للجمع بينه وبين ما تقدم آنفا من الأمر
بأخذ خبر الثقات من غير تقييد فيه بشيء مع ورودها في مقام البيان جدا (ولما سيأتي)
أيضا من الإرجاع إلى أشخاص معينين موثقين من دون اعتبار شيء فيه كزرارة ومحمد بن
مسلم ونظرائهما ممن نقطع بأنه لا وجه لاعتبار خبرهم سوى وثاقتهم ووجاهتهم عند
الإمام عليهالسلام ومأمونيتهم عن الكذب والخيانة فانتظر يسيرا.
(قوله لا يقال انها
وان لم تكن متواترة لفظا ولا معنى إلّا انها متواترة إجمالا ... إلخ)
مقصود المستشكل هو
الرد على ما ادعاه المصنف من عدم جواز استدلال المانعين بتلك الروايات المانعة
نظرا إلى كونها أخبار آحاد (وحاصله) ان مجموع تلك الروايات وإن لم تكن متواترة
لفظا ولا معنى لعدم تطابقها على لفظ ولا على معنى (فان بعضها) يمنع عما لم يعلم
انه قولهم (وبعضها) عما ليس عليه شاهد أو شاهدان من كتاب الله أو من قول رسول الله
صلىاللهعليهوآلهوسلم (وبعضها) عما لم
يوافق القرآن (وبعضها) عما يخالف الكتاب (ولكنها) متواترة إجمالا بمعنى ان بين
الكل قدر جامع كل يقول بذلك الجامع فتكون حجة بالنسبة إليه نظرا إلى تواتره (فإذا
أخبرنا) مثلا عدد كثير موجب للعلم عادة بأن زيدا مات فهذا تواتر لفظي (وإذا أخبرنا)
أحدهم ان زيدا مات والآخر انه توفي وثالث انه قضى نحبه وهكذا بحيث كانت العبارات
مختلفة والمعنى واحد فهذا تواتر معنوي (وإذا أخبرنا) بعضهم ان زيدا مات حتف أنفه
وبعضهم انه قتل على فراشه وبعضهم انه صلب على جذع النخل وبعضهم انه أحرق وأذري
وبعضهم انه انخسف به الأرض وهكذا بحيث كانت المعاني مختلفة وكان بين الكل قدر جامع
كل يخبر عن ذلك الجامع وهو إزهاق روحه فهذا تواتر إجمالي بمعنى ان كل واحد من تلك
الاخبار وإن كان خبرا واحدا لا يثبت به شيء من تلك المضامين على القول بعدم حجية
خبر الواحد ولكن مجموع تلك الاخبار بالنسبة إلى القدر الجامع وهو إزهاق روحه حجة
قطعا لكونه متواترا إجمالا قد حصل العلم به من تلك الأخبار بعد ما بلغ عددهم حدا
يقطع بعدم تواطئهم على الكذب وفي المقام أيضا كل من تلك الأخبار المانعة وإن لم
يثبت به شيء من تلك المضامين المختلفة على القول بعدم حجية خبر الواحد ولكن
بمجموعها يثبت الجامع بين الكل وهو العنوان الّذي ينطبق عليه جميع العناوين كعنوان
المخالف للكتاب فانه مما لم يعلم انه قولهم وليس
عليه شاهد أو
شاهدان من كتاب الله أو من قول رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ولم يوافق القرآن هذا كله حاصل الإشكال وبيانه.
(واما جواب المصنف
عنه) فحاصله ان تلك الأخبار وان كانت متواترة إجمالا ولكنها مما لا تفيد الا فيما
توافقت عليه وهو القدر الجامع بين الكل أي الخبر المخالف للكتاب والسنة وهذا
المقدار مما لا يفيد الخصم المدعي للسلب الكلي أي عدم حجية خبر الواحد مطلقا كما
لا يضر القائل بحجية خبر الواحد إذ من الواضح انه لا يقول بحجيتها مطلقا كي يضره
ذلك بل يقول بها في الجملة كما أشير قبلا فتدبر جيدا.
(قوله للعلم الإجمالي
بصدور بعضها لا محالة ... إلخ)
هذا التعليل
للتواتر الإجمالي في غير محله والصحيح في التعليل أن يقال لوجود قدر جامع بين الكل
كل يخبر عن ذلك الجامع وهو الّذي يشير إليه المصنف بقوله الآتي إلّا إنها لا تفيد
الا فيما توافقت عليه يعني به القدر الجامع بين الكل المتفق عليه الجميع.
(قوله بل لا محيص عنه
في مقام المعارضة ... إلخ)
وذلك لما سيأتي في
التعادل والتراجيح من ان موافقة الكتاب من جملة المرجحات المنصوصة لأحد المتعارضين
على القول بالترجيح فيؤخذ بالموافق للكتاب ويطرح المخالف له.
(قوله واما عن الإجماع
فبأن المحصل منه غير حاصل ... إلخ)
هذا الجواب مأخوذ
عن الشيخ أعلى الله مقامه (قال) واما الجواب عن الإجماع الّذي ادعاه السيد المرتضى
والطبرسي قدسسرهما فبأنه لم يتحقق لنا هذا الإجماع يعني به عدم حصوله لنا.
(قوله والمنقول منه
للاستدلال به غير قابل ... إلخ)
(اما عدم قابليته)
عند المصنف فلما تقدم منه في التنبيه الأول من بحث إجماع
المنقول من ان
مبني دعوى الإجماع غالبا هو اعتقاد الملازمة عقلا لقاعدة اللطف وهي باطلة أو
اتفاقا بحدس رأيه عليهالسلام من فتوى جماعة وهي غالبا غير مسلمة واما كون المبني العلم
بدخول الإمام بشخصه في الجماعة أو العلم برأيه للاطلاع بما يلازمه عادة من الفتاوي
فقليل في الإجماعات المتداولة في ألسنة الأصحاب (إلى ان قال) فلا يكاد يجدي نقل
الإجماع إلا من باب نقل السبب بالمقدار الّذي أحرز من لفظه انتهى (وملخصه) ان
الإجماع المنقول مما لا يجدي من باب نقل المسبب وهو رأي الإمام عليهالسلام إلا من باب نقل السبب الناقص المحتاج إليه ضميمة أقوال
السائرين أو سائر الأمارات (واما عدم قابليته) عندنا فلانا وإن خالفنا المصنف في
دعوى ابتناء الإجماعات المنقولة في ألسنة الأصحاب غالبا على الملازمة العقلية أو
الاتفاقية وذلك لما عرفت من ابتناء الإجماعات المنقولة في ألسنة المتقدمين على
العلم بدخول الإمام عليهالسلام حتى الشيخ منهم غير انه جعل اللطف مدركا للعلم بدخوله وفي
ألسنة المتأخرين على الملازمة العادية ولكن وافقناه في النتيجة فان كلا من مبني
المتقدمين والمتأخرين إذا كان ضعيفا كما أثبتناه فلا محالة لا يبقى في البين إلّا
نقل السبب فقط وهو نقل أقوال العلماء وهو سبب ناقص كما بينا يحتاج إلى ضم أقوال
البقية من الرّواة وحملة الأحاديث ممن ليس أقوالهم مستندة إلى الرّأي والاجتهاد
والنّظر والاستنباط بل إلى السماع عن الإمام عليهالسلام اما بلا واسطة أو مع الواسطة كي يحصل من أقوالهم الحدس عن
رأي الإمام عليهالسلام عادة.
(قوله خصوصا في
المسألة كما يظهر وجهه المتأمل ... إلخ)
وجه الخصوصية ان
إجماع المنقول من صغريات خبر الواحد ولا يمكن الاستدلال بخبر الواحد على عدم حجية
خبر الواحد كما تقدم قبلا (وقد أخذ المصنف) هذه النكتة من الشيخ أعلى الله مقامه (قال)
بعد الجواب المتقدم وهو قوله واما الجواب عن الإجماع ... إلخ (ما لفظه) والاعتماد
على نقله تعويل على خبر الواحد (انتهى) أي لا يمكن التعويل على خبر الواحد في
المنع عن الخبر الواحد.
(قوله مع انه معارض
بمثله ... إلخ)
هذا الجواب أيضا
مأخوذ عن الشيخ أعلى الله مقامه (قال) بعد جوابيه المتقدمين (ما لفظه) مع معارضته
بما سيجيء من دعوى الشيخ المعتضدة بدعوى جماعة أخرى الإجماع على حجية خبر الواحد
في الجملة (انتهى).
(قوله وموهون بذهاب
المشهور إلى خلافه ... إلخ)
هذا الجواب الأخير
أيضا مأخوذ عن الشيخ أعلى الله مقامه (قال) بعد قوله مع معارضته بما سيجيء من دعوى
الشيخ ... إلخ (ما لفظه) وتحقق الشهرة على خلافها بين القدماء والمتأخرين واما
نسبة بعض العامة كالحاجبي والعضدي عدم الحجية إلى الرافضة فمستندة إلى ما رأوا من
السيد من دعوى الإجماع بل ضرورة المذهب على كون خبر الواحد كالقياس عند الشيعة (انتهى).
في الآيات التي استدل بها على حجية
خبر الواحد وذكر آية النبإ
(قوله وقد استدل
للمشهور بالأدلة الأربعة فصل في الآيات التي استدل بها فمنها آية النبإ قال الله
تبارك وتعالى إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا إلى آخره)
هي في سورة
الحجرات بعد سورة الفتح وتمام الآية هكذا يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ
فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين (قال الطبرسي) في مجمع
البيان قوله إن جاءكم فاسق نزل في الوليد بن عقبة بن أبي معيط بعثه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في صدقات بني المصطلق فخرجوا يتلقونه فرحا به وكانت بينهم
عداوة في الجاهلية فظن انهم هموا بقتله فرجع إلى رسول الله
صلىاللهعليهوآلهوسلم وقال انهم منعوا صدقاتهم وكان الأمر بخلافه فغضب النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وهم ان يغزوهم فنزلت الآية (قال) الطبرسي عن ابن عباس
ومجاهد وقتادة ثم ذكر قولا آخر في الآية.
(قوله ويمكن تقريب
الاستدلال بها من وجوه أظهرها انه من جهة مفهوم الشرط ... إلخ)
ولكن المحكي في
وجه الاستدلال بها وجهان على ما أفاد الشيخ أعلى الله مقامه.
(أحدهما) من جهة
مفهوم الشرط.
(وثانيهما) من جهة
مفهوم الوصف ولعل تعبير المصنف بالوجوه هو بلحاظ انه قد أضاف على التقريب المتعارف
لمفهوم الشرط تقريبين آخرين فيكون تقريب الاستدلال بآية النبإ من وجوه أربعة ثلاثة
منها للشرط وواحد منها للوصف وإن لم يؤشر المصنف إلى تقريب مفهوم الوصف أصلا.
(قوله وان تعليق الحكم
بإيجاب التبين عن النبإ الّذي جيء به على كون الجائي به الفاسق يقتضى انتفائه عند
انتفائه ... إلخ)
هذا التقريب
لمفهوم الشرط هو من المصنف قدسسره (وحاصله) ان الحكم
بوجوب التبين عن النبإ الّذي جيء به معلق في الآية الشريفة على كون الجائي به
فاسقا فإذا انتفى الشرط ولم يكن الجائي به فاسقا بل كان عادلا لم يجب التبين وهو
المطلوب (وفيه) ان الحكم بوجوب التبين عن النبإ ليس معلقا في الآية على كون الجائي
به فاسقا بل على مجيء الفاسق بالنبإ فانه تعالى لم يقل ان كان الجائي بالنبإ فاسقا
فتبينوا بل قال إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا (ولعله) إليه أشار أخيرا بقوله فافهم (قوله ولا يخفى انه على هذا التقرير لا
يرد ان الشرط في القضية لبيان تحقق الموضوع فلا مفهوم له أو مفهومه السالبة
بانتفاء الموضوع فافهم إلى آخره)
إشارة إلى أحد
الإيرادين المشهورين بعدم إمكان دفعهما (قال الشيخ) أعلى الله مقامه
وكيف كان فقد أورد
على الآية إيرادات كثيرة ربما تبلغ إلى نيف وعشرين إلّا ان كثيرا منها قابلة للدفع
فلنذكر أولا ما لا يمكن ذبه أي دفعه (إلى ان قال) اما ما لا يمكن ذبه فإيرادان
أحدهما ان الاستدلال ان كان راجعا إلى اعتبار مفهوم الوصف أعني الفسق ففيه ان
المحقق في محله عدم اعتبار المفهوم في الوصف (إلى ان قال) وان كان باعتبار مفهوم
الشرط كما يظهر من المعالم والمحكي عن جماعة ففيه ان مفهوم الشرط عدم مجيء الفاسق
بالنبإ وعدم التبين هنا لأجل عدم ما يتبين فالجملة الشرطية هنا مسوقة لبيان تحقق
الموضوع كما في قول القائل إن رزقت ولدا فاختنه وإن ركب زيد فخذ ركابه ... إلخ (ثم
ان حاصل) الإيراد على تقرير الشرط الّذي أشار إليه المصنف بقوله المتقدم ولا يخفى
... إلخ هو ان القضية الشرطية على القول بثبوت المفهوم لها انما تدل على الانتفاء
عند الانتفاء كما أشير قبلا في مفهوم الشرط في ذيل آية البغاء إذا لم يكن الشرط
دخيلا في تحقق موضوع الحكم على نحو إذا انتفى الشرط لم يبق موضوع للحكم أصلا كما
في قوله إن رزقت ولدا فاختنه أو إن ركب الأمير فخذ ركابه المشتهر بالشرطية المسوقة
لبيان تحقق الموضوع بل كان الشرط شرطا للحكم فقط كما في قوله إن جاءك زيد فأكرمه
ففي مثله يقع الكلام في ان الشرط إذا انتفى فهل ينتفي الحكم بانتفائه أم لا بخلاف
ما إذا كان الشرط دخيلا في أصل تحقق الموضوع كما في المثالين حيث انه إذا لم يرزق
الولد أو لم يركب الأمير فلا ولد كي يجب ختانه أم لا يجب ولا ركاب كي يجب الأخذ به
أم لا يجب (ومن المعلوم) ان الآية الشريفة هي من قبيل الأول أي مسوقة لبيان تحقق
الموضوع فإن الفاسق ان لم يجئ بالنبإ فلا نبأ كي يجب التبين عنه أم لا يجب فلا
مفهوم لها أو مفهومها السالبة بانتفاء الموضوع أي ان لم يجئ الفاسق بالنبإ فلا يجب
التبين عنه لعدم الموضوع حينئذ وهو النبأ (وتوهم) ان عدم مجيء الفاسق بالنبإ يشمل
ما لو جاء العادل بالنبإ فلا يجب التبين عنه فيثبت المطلوب (فاسد جدا) كما أشار
إليه الشيخ أعلى الله مقامه فان المفهوم عبارة عن انتفاء الحكم عند
انتفاء الشرط عن
الموضوع المذكور في القضية لا عن الموضوع الأجنبي ففي مثل قول إن جاءك زيد فأكرمه
إذا انتفى المجيء ينتفي الوجوب عن إكرام زيد المذكور في القضية لا عن إكرام عمرو
الغير المذكور فيها والمقام على التوهم المزبور من قبيل الثاني أي ان لم يجئ
الفاسق بالنبإ فلا يجب التبين عن نبأ العادل وهو كما قلنا فاسد جدا (ثم إنك إذا
عرفت هذا كله فنقول) إن حاصل كلام المصنف في دفع الإيراد أنه لو قررنا مفهوم الشرط
على التقريب المتعارف المشهور من كون الشرط هو نفس مجيء الفاسق بالنبإ فالقضية
مسوقة لبيان تحقق الموضوع فلا مفهوم لها أو مفهومها السالبة بانتفاء الموضوع واما
لو قررنا المفهوم على التقريب المتقدم ذكره من ان الحكم بوجوب التبين عن النبأ
الّذي جيء به معلق على كون الجائي به فاسقا بحيث كان المفهوم هكذا أي ان لم يكن
الجائي بالنبإ فاسقا بل كان عادلا فلا يجب التبين عنه فالقضية ليست مسوقة لبيان
تحقق الموضوع فلا إشكال ولا إيراد.
(أقول)
نعم ولكن قد عرفت
منا ما في هذا التقريب فان الآية لم يعلق الحكم فيها على كون الجائي بالنبإ فاسقا
بل على مجيء الفاسق به فالتقريب السالم عن الإيراد مما لا يستفاد من الآية وما
يستفاد من الآية لا يسلم من الإيراد (والظاهر) انه إليه أشار المصنف أخيرا بقوله
فافهم كما أشير قبلا فافهم جيدا.
(قوله مع انه يمكن أن
يقال إن القضية ولو كانت مسوقة لذلك إلّا انها ظاهرة في انحصار موضوع وجوب التبين
في النبأ الّذي جاء به الفاسق إلى آخره)
هذا تقريب ثالث
للاستدلال بالآية الشريفة من جهة مفهوم الشرط.
(فالتقريب الأول)
هو التقريب الّذي جعل الشرط فيه كون الجائي بالنبإ فاسقا لا مجيء الفاسق بالنبإ
وقد أشار إليه المصنف بقوله وان تعليق الحكم بإيجاب التبين ... إلخ.
(والتقريب الثاني)
هو التقريب المتعارف المشهور الّذي جعل الشرط فيه نفس مجيء الفاسق بالنبإ كما هو
كذلك واقعا وقد أشار إليه المصنف بقوله نعم لو كان الشرط هو نفس تحقق النبأ ومجيء
الفاسق به ... إلخ.
(والتقريب الثالث)
هو هذا التقريب الّذي أشار إليه بقوله مع انه يمكن أن يقال ... إلخ (ومحصله) ان
القضية الشرطية في الآية الشريفة وان كانت مسوقة لبيان تحقق الموضوع ولكنها ظاهرة
في انحصار موضوع وجوب التبين بنبإ الفاسق فقط ومقتضاه انه إذا انتفى نبأ الفاسق
وتحقق موضوع آخر مكانه كنبإ العادل لم يجب التبين عنه (وفيه) ان هذه الدعوى مما لا
شاهد لها ولا دليل عليها ولا يساعدها فهم العرف فلا يتم التقريب كما لم يتم
التقريبين السابقين أصلا.
والأظهر أن يتمسك
بالآية الشريفة بتقريب مفهوم الوصف فانه وإن تقدم في محله انه لا مفهوم للوصف على
نحو يدل على الانتفاء عند الانتفاء مطلقا ولكن تقدم منا انه يدل على الانتفاء عند
الانتفاء في الجملة بمعنى ان نبأ الفاسق إذا وجب التبين عنه فنبأ العادل مما لا
يجب التبين عنه في الجملة وإلا بأن وجب التبين عن نبأ العادل أيضا بجميع أفراده
كما في نبأ الفاسق عينا لكان التقييد بالفاسق لغوا جدا وهذا المقدار مما يكفي في
إبطال دعوى السلب الكلي أي عدم حجية خبر الواحد مطلقا فتأمل جيدا.
(قوله ولكنه يشكل بأنه
ليس لها هاهنا مفهوم ولو سلم ان أمثالها ظاهرة في المفهوم لأن التعليل بإصابة
القوم بالجهالة المشترك ... إلخ)
إشارة إلى الإيراد
الثاني من الإيرادين المشهورين بعدم إمكان دفعهما (قال الشيخ) أعلى الله مقامه
الثاني ما أورده في محكي العدة والذريعة والغنية ومجمع البيان والمعارج وغيرها من
أنا لو سلمنا دلالة المفهوم على قبول خبر العادل الغير المفيد للعلم لكن نقول ان
مقتضي عموم التعليل وجوب التبين في كل خبر لا يؤمن الوقوع في الندم من العمل به
وان كان المخبر عادلا فيعارض المفهوم والترجيح مع ظهور التعليل
انتهى (ومحصله)
انا سلمنا ان الآية الشريفة تدل مفهوما اما من جهة الشرط أو الوصف على ان خبر
العادل حجة مطلقا ولو لم يفد العلم ولكن التعليل بقوله تعالى أن تصيبوا قوما
بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين مما يدل منطوقا على ان الخبر الّذي لا يؤمن
الوقوع في الندم من العمل به ليس بحجة ولو كان المخبر عادلا والترجيح للتعليل (فانه
مضافا) إلى كونه منطوقا لا مفهوما ان نفس التعليل بأمر عام مشترك بين كل من نبأ
الفاسق والعادل الغير المفيد للعلم جميعا وهو إصابة القوم بجهالة مما يوجب نفي
المفهوم للآية الشريفة من حجية نبأ العادل مطلقا ولو لم يفد العلم فتدبر جيدا.
(قوله ولا يخفى ان
الإشكال انما يبتنى على كون الجهالة بمعنى عدم العلم مع ان دعوى انها بمعنى
السفاهة وفعل ما لا ينبغي صدوره من العاقل غير بعيدة ... إلخ)
إشارة إلى ما تفصي
به بعضهم عن الإيراد الثاني من الإيرادين المشهورين بعدم إمكان دفعهما (قال الشيخ)
أعلى الله مقامه ثم ان المحكي عن بعض منع دلالة التعليل على عدم جواز الإقدام على
ما هو مخالف للواقع بان المراد بالجهالة السفاهة وفعل ما لا يجوز فعله لا مقابل
العلم بدليل قوله تعالى فتصبحوا على ما فعلتم نادمين انتهى (وحاصله) ان المراد
بالجهالة ليس ما يقابل العلم كي يكون التعليل مشتركا بين كل من نبأ الفاسق والعادل
الغير المفيد للعلم جميعا ويوجب نفي المفهوم للآية الشريفة بل المراد بالجهالة
السفاهة وفعل ما لا ينبغي صدوره من العاقل فيختص بنبإ الفاسق فقط ولا يكاد يشمل
نبأ العادل كي ينافي المفهوم وحجية نبئه مطلقا ولو لم يفد العلم
(أقول)
ويؤيده بل يدل
عليه قوله تعالى في سورة النساء انما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة
ثم يتوبون من قريب فأولئك يتوب الله عليهم الآية (فان الظاهر) من الجهالة فيها
بقرينة قوله ثم يتوبون من قريب ليس ما يقابل العلم بل المراد منها
صدور ما لا ينبغي
صدوره عن العاقل المتأمل في عواقب الأمور أي انما التوبة على الله للذين يعملون
السوء بسفاهة ثم يندمون ويتوبون من قريب فيتوب الله عليهم (وقد ذكر الطبرسي) أعلى
الله مقامه في تفسير الآية انه روي عن أبي عبد الله عليهالسلام انه قال كل ذنب عمله العبد وان كان عالما فهو جاهل حين
خاطر بنفسه في معصية ربه فقد حكى الله تعالى قول يوسف لإخوته هل علمتم ما فعلتم
بيوسف وأخيه إذ أنتم جاهلون فنسبهم إلى الجهل لمخاطرتهم بأنفسهم في معصية الله
انتهى (هذا ولكن قد أورد الشيخ) أعلى الله مقامه على التفصي المذكور بقوله وفيه
مضافا إلى كونه خلاف ظاهر لفظ الجهالة ان الإقدام على مقتضي قول الوليد يعني به من
نزلت الآية في حقه لم يكن سفاهة قطعا إذ العاقل بل جماعة من العقلاء لا يقدمون على
الأمور من دون وثوق بخبر المخبر بها انتهى.
(أقول)
وفيه مضافا إلى ان
المعنى المذكور أي فعل ما لا ينبغي صدوره عن العاقل هو الظاهر من لفظ الجهالة كما
عرفت في آية التوبة سيما بعد ورود الحديث المذكور في تفسيرها (ان العاقل) قد يقدم
على فعل ما لا ينبغي صدوره عنه غفلة منه في الأمر الّذي أقدم فيه فينبهه الأعقل
إلى فعله وانه قد أقدم على ما لا ينبغي صدوره عنه فيتركه ويدعه (ثم ان الشيخ) أعلى
الله مقامه قد ذكر معنى آخر للجهالة يحصل به التفصي أيضا وهو ان يكون المراد من
التبين في قوله تعالى فتبينوا هو الظهور والانكشاف الاطمئناني لا التبين العلمي
ويكون المراد من الجهالة ما يقابل الظهور والانكشاف الاطمئناني فيختص التعليل بنبإ
الفاسق فقط ولا يعم نبأ العادل كي ينافي المفهوم فان خبر العادل مما يورث الانكشاف
الاطمئناني غالبا بخلاف نبأ الفاسق (قال أعلى الله مقامه) وهذا الإيراد يعني به
الإيراد الثاني المحكي عن العدة والذريعة وغيرهما مبني على ان المراد بالتبين هو
التبين العلمي كما هو مقتضي اشتقاقه ويمكن أن يقال ان المراد منه ما يعم الظهور
العرفي الحاصل من الاطمئنان الّذي هو في مقابل الجهالة
(إلى ان قال)
فالأولى لمن يريد التفصي عن هذا الإيراد التشبث بما ذكرنا من ان المراد بالتبين
تحصيل الاطمئنان وبالجهالة الشك أو الظن الابتدائي الزائل بعد الدقة والتأمل.
(أقول)
ان حمل التبين على
الانكشاف الاطمئناني وإن كان مما يحصل به التفصي عن الإشكال كما ذكر الشيخ أعلى
الله مقامه ولكن حمل الجهالة على فعل ما لا ينبغي صدوره من العاقل بقرينة آية
التوبة سيما بعد ما عرفت من الحديث الشريف الوارد في تفسيرها أقرب وأولى جدا فتأمل
جيدا.
في إشكال عدم شمول الآية للروايات
مع الواسطة
(قوله ثم انه لو سلم
تمامية دلالة الآية على حجية خبر العدل ربما أشكل شمول مثلها للروايات الحاكية
لقول الإمام عليهالسلام بواسطة أو وسائط إلى
آخره)
إشارة إلى أشهر
الإيرادات التي يمكن دفعها والجواب عنها ولو باللتيا والتي (قال الشيخ) أعلى الله
مقامه واما ما أورد على الآية بما هو قابل للذب فكثير وذكر كثيرا منها ومن جملتها
هذا الإشكال المعروف (وحاصل) ما قيل أو يمكن ان يقال في تقريبه وجوه.
(الوجه الأول) ما
أشار إليه الشيخ في صدر كلامه ولم يؤشر إليه المصنف (قال ومنها) ان الآية لا تشمل
الاخبار مع الواسطة لانصراف النبأ إلى الخبر بلا واسطة فلا يعم الروايات المأثورة
عن الأئمة عليهمالسلام لاشتمالها على وسائط
(ثم قال) وضعف هذا
الإيراد على ظاهره واضح لأن كل واسطة من الوسائط انما يخبر خبرا بلا واسطة فان
الشيخ إذا قال حدثني المفيد قال حدثني الصدوق قال حدثني أبي قال حدثني الصفار قال
كتب إلى العسكري عليهالسلام بكذا فان هناك أخبارا متعددة بتعدد الوسائط فخبر الشيخ
قوله حدثني المفيد ... إلخ وهذا خبر بلا واسطة يجب تصديقه فإذا حكم بصدقة وثبت
شرعا ان المفيد حدث الشيخ بقوله حدثني الصدوق فهذا الاخبار أعني قول المفيد الثابت
بخبر الشيخ حدثني الصدوق أيضا خبر عادل وهو المفيد فنحكم بصدقة وان الصدوق حدثه
فيكون كما لو سمعنا من الصدوق اخباره بقوله حدثني أبي والصدوق عادل فيصدق في خبره
فيكون كما لو سمعنا أباه يحدث بقوله حدثني الصفار فنصدقه لأنه عادل فيثبت خبر
الصفار انه كتب إليه العسكري عليهالسلام وإذا كان الصفار عادلا وجب تصديقه والحكم بأن العسكري عليهالسلام كتب إليه ذلك القول كما لو شاهدنا الإمام عليهالسلام يكتب إليه فيكون المكتوب حجة فيثبت بخبر كل لا حق إخبار
سابقه ولهذا يعتبر العدالة في جميع الطبقات لأن كل واسطة مخبر بخبر مستقل (انتهى).
(الوجه الثاني) ما
أشار إليه المصنف بقوله فانه كيف يمكن الحكم بوجوب التصديق ... إلخ (وحاصله) انه
لو سلم دلالة آية النبأ مفهوما على حجية قول العادل ووجوب تصديقه فيما أخبر به
فالحكم بوجوب تصديقه فيما إذا أخبر عن موضوع من الموضوعات لا يمكن إلّا بلحاظ
الآثار الشرعية المترتبة على المخبر به فإذا أخبرنا العادل ان هذا خمر مثلا فالحكم
بوجوب تصديقه ليس إلّا بلحاظ الأثر الشرعي المترتب على الخمر وهو الحرمة (وفي
المقام) إذا أخبرنا العادل باخبار عادل له فلا يترتب على المخبر به وهو إخبار
العادل له سوى وجوب التصديق أيضا فيلزم ان يكون الحكم بوجوب التصديق بلحاظ نفسه أي
بلحاظ وجوب التصديق وهو محال للزوم اتحاد الحكم والموضوع فان وجوب تصديق العادل
حكم وكل من العادل وخبره والأثر المترتب على ما أخبر به موضوع يجب تحققه في
المرتبة السابقة (كما
ان العادل) إذا
أخبر عن عدالة المخبر لزم عين المحذور أيضا وإن كان أجنبيا عن المقام فإذا أخبرنا
المخبر مثلا عن شيء وشككنا في عدالته ثم أخبرنا عادل بعدالته فلا يترتب حينئذ على
ما أخبر به العادل وهو عدالة المخبر سوى وجوب التصديق أيضا للمخبر المشكوك عدالته (وإلى
هذا) قد أشار المصنف بقوله فيما كان المخبر به خبر العدل أو عدالة المخبر ... إلخ.
(ثم ان المصنف) قد
أجاب عن هذا الوجه الثاني بما حاصله.
(أولا) ان الإشكال
انما يرد إذا لم تكن قضية صدق العادل المساوقة لقوله رتب الأثر على ما أخبر به
بلحاظ طبيعة الأثر بل كان بلحاظ مصاديق الآثار الخارجية واما إذا كانت القضية
طبيعية أي كان الحكم فيها بلحاظ طبيعة الأثر فالحكم فيها يسرى إلى نفسه أيضا سراية
الحكم في قولك كل خبري صادق إلى نفسه من دون ان يلزم منه اتحاد الحكم والموضوع.
(وثانيا) انا نقطع
ان المناط الموجود في ساير الآثار المترتبة على ما أخبر به العادل موجود في هذا
الأثر أيضا.
(وثالثا) لا قول
بالفصل بينه وبين ساير الآثار في وجوب ترتيبه لدى الإخبار بموضوع ذي أثر.
(وفيه) ان هذه
الأجوبة الثلاثة كلها في غير محلها إذ لو كان مقصود المستشكل من الإشكال في الوجه
الثاني ان الأثر المترتب على المخبر به فيما إذا أخبرنا عادل عن إخبار عادل له أو
عن عدالة مخبر وهو وجوب التصديق له هو مما فيه قصور ونقص وانه لا بد من أثر جديد
آخر غيره لكانت الأجوبة الثلاثة كلها بمحلها بمعنى انه صح حينئذ ان يقال له في
جواب الإشكال إن قضية صدق العادل وإن لم تشمل نفس وجوب التصديق لفظا ولكنها طبيعية
يسرى الحكم فيها إلى نفس وجوب التصديق أيضا فلا ضير حينئذ في ان يكون هو الأثر
المترتب على المخبر به وهكذا بقية الأجوبة (ولكن مقصود المستشكل) ليس ذلك بل
مقصوده
ان الحكم بوجوب
التصديق والتعبد بموضوع من الموضوعات لا يمكن إلّا بلحاظ الأثر الشرعي المترتب
عليه في المترتبة السابقة قبل التعبد به والمفروض في المقام ان المخبر به مما لا
أثر له في المرتبة السابقة سوى نفس وجوب التصديق الّذي هو عين الحكم والتعبد فيلزم
اتحاد الحكم مع الموضوع الواجب تحققه في المرتبة السابقة ومن المعلوم ان هذا الإشكال
مما لا يجديه شيء من الوجوه المتقدمة كلها فإنها مما لا يثبت بها التغاير
والاثنينية بين الحكم والموضوع ولا تقدم أحدهما على الآخر رتبة أصلا وعليه.
(فالحق) في جواب
الإشكال على الوجه الثاني من وجوه تقريبه أن يقال إنه لا إشكال في أن قضية صدق
العادل كسائر القضايا نحو أكرم العالم ولا تشرب الخمر وغيرهما تنحل إلى قضايا
متعددة جزئية بتعدد الأفراد والمصاديق بحيث كان لكل فرد حكم جزئي مختص به منشعب عن
القضية الكبيرة المنحلة (كما لا إشكال) في ان المقصود من لزوم كون المخبر به
موضوعا ذا أثر شرعي ان يكون المخبر به على تقدير صدق المخبر ذا أثر شرعي لا ان
يكون الأثر مترتبا عليه فعلا ولو لم يكن المخبر صادقا وإلّا لما احتجنا إلى التعبد
ووجوب التصديق أصلا (فإذا أخبرنا) مثلا بنعق الغراب فلا يصح التعبد به إذ المخبر
به على تقدير صدق المخبر مما لا يكون له أثر شرعي بخلاف ما إذا أخبرنا بخمرية مائع
موجود فانه على تقدير صدق المخبر يكون المخبر به مما له أثر شرعي وهو حرمة شربه (وعلى
هذا) فإذا أخبرنا المفيد عن الصفار عن العسكري عليهالسلام انه يجب كذا وكذا فيصح التعبد بخبر المفيد والحكم بوجوب
تصديقه فانه على تقدير صدقه يكون المخبر به وهو اخبار الصفار لهذا أثر شرعي وهو
وجوب تصديق آخر جزئي متعلق به غير ما تعلق بخبر المفيد وهكذا فالحكم فرد من افراد
وجوب التصديق والأثر المترتب على المخبر به فرد آخر منه مختص به فلا يتحد الحكم مع
الموضوع حينئذ أي مع الأثر المترتب على المخبر به كي يستحيل عقلا.
(ثم ان هذا الوجه
الثاني) من تقريب الإشكال قد أشار إليه الشيخ أعلى الله مقامه بعد ما ذكر الوجه
الأول ولكن ليس في كلماته الشريفة جواب عن هذا التقريب أصلا (قال) بعد العبارة
المتقدمة في بيان الوجه الأول (ما لفظه) ولكن قد يشكل الأمر بأن الآية انما تدل
على وجوب تصديق كل مخبر ومعنى وجوب تصديقه ليس إلّا ترتيب الآثار الشرعية المترتبة
على صدقه عليه فإذا قال المخبر ان زيدا عدل فمعنى وجوب تصديقه وجوب ترتيب الآثار
الشرعية المترتبة على عدالة زيد من جواز الاقتداء به وقبول شهادته وإذا قال المخبر
أخبرني عمرو ان زيدا عادل فمعنى تصديق المخبر على ما عرفت وجوب ترتيب الآثار
الشرعية المترتبة على إخبار عمرو بعدالة زيد ومن الآثار الشرعية يعني من جملة
الآثار الشرعية المترتبة على إخبار عمرو بعدالة زيد إذا كان عادلا وإن كان هو وجوب
تصديقه في عدالة زيد إلا ان هذا الحكم الشرعي لإخبار عمرو إنما ثبت بهذه الآية
وليس من الآثار الشرعية الثابتة للمخبر به مع قطع النّظر عن الآية حتى نحكم بمقتضى
الآية بترتيبه على إخبار عمرو به (قال) والحاصل ان الآية تدل على ترتيب الآثار
الشرعية الثابتة للمخبر به الواقعي على إخبار العادل ومن المعلوم ان المراد من الآثار
غير هذا الأثر الشرعي الثابت بنفس الآية (انتهى).
(الوجه الثالث) ما
أشار إليه المصنف بقوله ولا يخفى انه لا مجال بعد اندفاع الإشكال بذلك للإشكال في
خصوص الوسائط من الأخبار كخبر الصفار المحكي بخبر المفيد مثلا ... إلخ (وحاصله)
انه لا إشكال في الواسطة الأولى أي في مبدأ السلسلة فان إخبارها لنا أمر محسوس
بالوجدان فتشملها الآية ويجب تصديقها ولكن الواسطة الثانية لم يثبت إخبارها لنا
إلّا بشمول الآية للواسطة الأولى وبوجوب تصديقها علينا فكيف يمكن أن تشمل الآية
الواسطة الثانية أيضا مع انها هي التي حققتها شرعا فإذا أخبرنا المفيد مثلا انه
أخبره الصفار انه قال العسكري عليهالسلام كذا وكذا فإخبار المفيد محرز محسوس لنا بالوجدان فتشمله
قضية صدق العادل
المستفادة من
الآية الشريفة وبوسيلة هذا الشمول ووجوب التصديق له يثبت المخبر به وهو إخبار
الصفار له وحينئذ كيف يعقل ان تشمل القضية إخبار الصفار أيضا مع انها هي التي
أوجدته تعبدا فانه لو شملته الآية لزم تقدم الشيء على نفسه في الرتبة فإن إخبار
الصفار بما انه قد تحقق بوجوب تصديق المفيد متأخر عن وجوب التصديق تأخر المعلول عن
العلة فإذا تعلق وجوب التصديق بنفس خبر الصفار أيضا لزم تقدمه على وجوب التصديق
تقدم الموضوع على الحكم وهذا هو تقدم الشيء على نفسه في الرتبة.
(ثم ان المصنف) قد
أجاب عن هذا الوجه الثالث بعين ما أجاب به عن الوجه الثاني (وحاصله) انه بعد ما
اندفع الإشكال في الوجه المتقدم بشمول الآية المبدإ السلسلة وهو المفيد في المثال
المذكور نظرا إلى ان ما أخبر به وهو اخبار الصفار له ذو أثر شرعي ولو كان هو نفس
وجوب التصديق إما لأن القضية طبيعية يسرى الحكم فيها إلى نفسها أو لأن المناط
الموجود في ساير الآثار موجود فيه أو لعدم الفصل بينه وبين ساير الآثار فلا بدّ
حينئذ من ترتيب أثره عليه بمعنى انه لا بد من تصديق الصفار الّذي هو واسطة ثانية
فلا مجال للإشكال في خصوصها أو في الوسائط من بعدها لو كانت بعدها وسائط (وفيه) ان
هذا الجواب في غير محله أيضا فان الإشكال على الوجه الثالث ليس من ناحية كون
الواسطة الثانية مما لا أثر له كي يقال في دفعه إنها مما له أثر شرعي بمقتضى
الجهات الثلاث المذكورة بل من ناحية استحالة شمول وجوب التصديق لها نظرا إلى ان
خبريتها تكون بوسيلته فكيف يكون هو حكمها وتلك موضوعه.
(والحق) في جوابه
ما تقدم منا في دفع الوجه الثاني من انحلال قضية صدق العادل إلى قضايا متعددة
جزئية بتعدد الاخبار في الخارج فما تعلق بخبر المفيد وتحقق به إخبار الصفار له فرد
خاص من الحكم وما تعلق بإخبار الصفار له فرد آخر من الحكم غير ما تحقق به تعبدا
وهكذا فلا يلزم تقدم الشيء على نفسه في الرتبة.
(ثم ان هذا الوجه
الثالث) قد أشار إليه الشيخ أعلى الله مقامه على ما في بعض النسخ في الهامش بعد ما
فرغ من الوجه الأول ففي المتن بعد ما ذكر الوجه الأول ذكر الوجه الثاني وفي الهامش
ذكر الوجه الثالث بدلا عن الثاني (وهذا لفظه) قال ولكن قد يشكل الأمر بأن ما يحكيه
الشيخ من المفيد صار خبرا للمفيد بحكم وجوب التصديق فكيف يصير موضوعا لوجوب
التصديق الّذي لم يثبت موضوع الخبرية إلا به (ثم قال في المتن) وبعبارة أخرى الآية
لا تدل على وجوب قبول الخبر الّذي لم يثبت موضوع الخبرية له إلا بدلالة الآية على
وجوب قبول الخبر لأن الحكم لا يشمل الفرد الّذي يصير موضوعا له بواسطة ثبوته لفرد
آخر ومن هنا يتجه ان يقال إن أدلة قبول الشهادة لا تشمل الشهادة على الشهادة لأن
الأصل لا يدخل في موضوع الشاهد الا بعد قبول شهادة الفرع لكن يضعف هذا الإشكال
أولا بانتقاضه بورود مثله في نظيره الثابت بالإجماع كالإقرار بالإقرار وإخبار
العادل بعدالة مخبر فإن الآية تشمل الإخبار بالعدالة بغير إشكال وعدم قبول الشهادة
على الشهادة لو سلم ليس من هذه الجهة (ثم شرع) أعلى الله مقامه في تضعيف الإشكال
بالحل واضطربت النسخ في بيان جوابه الحلي (ومحصله) بعد اللتيا والتي ان قضية صدق
العادل وان كانت قاصرة لفظا عن شمول مثل خبر الصفار المحكي بخبر المفيد نظرا إلى
ان القضية هي التي حققت خبر الصفار فكيف تشمله هي ولكن المناط الموجود في ساير
الاخبار موجود في هذا الخبر أيضا بل لا قصور فيها بعد ما علم ان المحمول لها وهو
وجوب التصديق وصف لازم لطبيعة الموضوع وهو الخبر لا يكاد ينفك عنه أصلا.
(أقول)
ولعمري ان هذا
الجواب هو من ضيق الخناق وعسر الموقف والصحيح في الجواب هو ما أجبنا به عن الوجه
الثاني والثالث جميعا من انحلال قضية صدق العادل إلى قضايا متعددة جزئية بتعدد
الأخبار في الخارج ... إلخ فتأمله جيدا.
(الوجه الرابع) هو
ما تعرضه بعضهم في ضمن الوجوه المتقدمة (وحاصله) ان المخبر به لا بد وان يكون حكما
شرعيا أو موضوعا ذا حكم شرعي والمخبر به في الإخبار مع الواسطة ليس حكما شرعيا من
وجوب أو حرمة أو نحوهما ولا موضوعا ذا حكم شرعي نظير العدالة المترتبة عليها جواز
الاقتداء ونحوه أو الخمر المترتب عليه حرمة الشرب ونحوها فلا يصح التعبد به.
(وفيه) مضافا إلى
انه لو صح ذلك لجرى الإشكال حتى في الإخبار بلا واسطة كما إذا أخبرنا الصفار انه
قال العسكري عليهالسلام يجب كذا وكذا فان الصفار لا يخبر الا عن قول العسكري وقوله
عليهالسلام ليس حكما شرعيا بل مقوله حكم شرعي كما انه ليس موضوعا ذا
حكم شرعي نظير العدالة وان كان موضوعا يلزم منه حكم شرعي (انه يكفي) في صحة التعبد
بشيء وعدم كونه لغوا عبثا أن يكون المتعبد به مما ينتهي إلى الحكم الشرعي ولو بعد
سبعين واسطة فضلا عن واسطتين أو ثلاث أو أكثر ففي وعاء إخبار الشيخ مثلا عن المفيد
عن الصفار عن العسكري عليهالسلام يقع التعبد بإخبار الشيخ ليثبت به ما أخبر به وهو اخبار
المفيد له ليقع التعبد بإخباره أيضا ويثبت به ما أخبر به وهو إخبار الصفار له ليقع
التعبد بإخباره أيضا ويثبت به ما أخبر به وهو إخبار العسكري عليهالسلام له ليثبت به الحكم الشرعي الإلهي وهو مما يكفي في صحة
التعبد بجميع هذه الإخبارات كلها تماما.
(قوله فانه كيف يمكن
الحكم بوجوب التصديق ... إلخ)
شروع في الوجه
الثاني من وجوه تقريب الإشكال وقد أشرنا قبلا ان هذه العبارة هي إشارة إلى الوجه
الثاني كما أشرنا ان المصنف لم يؤشر إلى الوجه الأول أصلا.
(قوله فيما كان المخبر
به خبر العدل أو عدالة المخبر ... إلخ)
قد أشرنا إلى شرح
هذه العبارة في ذيل الوجه الثاني فتذكر.
(قوله نعم لو أنشأ هذا
الحكم ثانيا فلا بأس في ان يكون بلحاظه أيضا حيث انه صار أثرا بجعل آخر ... إلخ)
بمعنى انه في وعاء
إخبار المفيد مثلا عن الصفار عن العسكري عليهالسلام إذا أنشأ وجوب التصديق أولا لإخبار الصفار ثم أنشأ هذا
الحكم ثانيا لإخبار المفيد الحاكي لإخبار الصفار فلا بأس ان يكون الحكم بوجوب
تصديق المفيد وترتيب الأثر على كلامه بلحاظ وجوب التصديق المترتب على خبر الصفار
إذ المترتب على خبر الصفار حينئذ مجعول بجعل آخر لا بجعل واحد كي يلزم منه ان يكون
الحكم بلحاظ نفسه ويلزم اتحاد الحكم والموضوع.
(قوله ويمكن الذب عن
الإشكال ... إلخ)
في العبارة مسامحة
والصحيح ان يقال ويمكن ذب الإشكال أي دفعه (وعلى كل حال) هذا شروع في الجواب عن
الوجه الثاني من وجوه تقريب الإشكال وقد عرفت انه مع ما يتلوه من الجوابين الآخرين
عن هذا الوجه الثاني في غير محله وان الجواب الصحيح هو ما ذكرناه من انحلال قضية
صدق العادل إلى قضايا متعددة جزئية وان الحكم فرد والموضوع فرد آخر.
(قوله بلا محذور لزوم
اتحاد الحكم والموضوع ... إلخ)
بل قد عرفت ان
المحذور باق على حاله وان الجواب المذكور مع ما يتلوه من الجوابين الآخرين مما لا
يجدي في إثبات التغاير والاثنينية بين الحكم والموضوع ولا تقدم أحدهما على الآخر
رتبة وان المجدي له هو ما ذكرناه من الانحلال.
(قوله وان كان لا يمكن
ان تكون ملحوظة لأجل المحذور ... إلخ)
لا وجه لتأنيث
الصفة والصحيح كما في بعض النسخ هكذا وان كان لا يمكن ان يكون ملحوظا لأجل المحذور
أي لأجل اتحاد الحكم والموضوع.
(قوله وهو خبر العدل
وعدالة المخبر ... إلخ)
الأول في المقام
والثاني في غير المقام.
(قوله ولو بنفس الحكم
في الآية ... إلخ)
فان الحكم بوجوب
تصديق العادل المستفاد من الآية الشريفة حيث كان بنحو القضية الطبيعية وقد سرى إلى
نفس وجوب التصديق أيضا فصار وجوب التصديق أثرا شرعيا للمخبر به وهو خبر العدل بحكم
الآية.
(قوله فافهم ... إلخ)
ولعله إشارة إلى
ضعف الأجوبة الثلاثة المتقدمة كلها وانها في غير محلها جميعا بالنسبة إلى تقرير
الإشكال على الوجه الثاني وان التغاير والاثنينية بين الحكم والموضوع مما لا يثبت
بمجرد كون القضية طبيعية والحكم فيها بلحاظ طبيعة الأثر أو بمجرد القطع بتحقق
المناط الموجود في ساير الآثار في هذا الأثر أو بعدم القول بالفصل بينه وبين ساير
الآثار وقد أوضحنا لك وجه الضعف كما هو حقه في ذيل بيان الوجه الثاني بعد ذكر
أجوبة المصنف كلها فتذكر.
(قوله ولا يخفى انه لا
مجال بعد اندفاع الإشكال بذلك للإشكال في خصوص الوسائط من الاخبار ... إلخ)
شروع في الوجه
الثالث من وجوه تقريب الإشكال كما أشرنا قبلا.
(قوله وذلك لأنه إذا
كان خبر العدل ذا أثر شرعي ... إلخ)
شروع في الجواب عن
الوجه الثالث وقد عرفت انه في غير محله كأجوبته الثلاثة المتقدمة عن الوجه الثاني
والصحيح في الجواب هو ما ذكرناه من الانحلال والمعنى بحسب المثال المذكور في
الكتاب هكذا وذلك لأنه إذا كان ما أخبر به العدل يعني به المفيد وهو إخبار الصفار
له ذا أثر شرعي حقيقة بحكم الآية لإحدى الجهات الثلاث المتقدمة وجب ترتيبه عليه
فلا مجال للإشكال فيه من ناحية كونه واسطة ثانية
(قوله أو لشمول الحكم
فيها له مناطا ... إلخ)
أي لشمول الحكم في
القضية الطبيعية لنفس الحكم مناطا بمعنى ان المناط الموجود في ساير الآثار موجود
في نفس وجوب التصديق أيضا.
في الاستدلال بآية النفر
(قوله ومنها آية النفر
قال الله تبارك وتعالى فلو لا نفر من كل فرقة منهم طائفة الآية ... إلخ)
هي في سورة التوبة
قبل أن تنتهي بآيات وتمام الآية هكذا وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلو لا نفر من
كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم
يحذرون.
(قوله وربما يستدل بها
من وجوه ... إلخ)
بل الاستدلال بها
من وجه واحد وهو دلالة الآية الشريفة على وجوب الحذر عند إنذار المتفقه في الدين
مطلقا سواء حصل منه العلم أم لا وهو معنى حجية خبر الواحد تعبدا (قال الشيخ) أعلى
الله مقامه بعد ذكر الآية الشريفة (ما لفظه) دلت على وجوب الحذر عند إنذار
المنذرين من دون اعتبار إفادة خبرهم العلم لتواتر أو قرينة فيثبت وجوب العمل بخبر
الواحد (انتهى) نعم الاستدلال لوجوب الحذر من وجهين على ما يظهر من الشيخ بل من
وجوه كما ستعرف تفصيلها.
(ثم انه لو تم
الاستدلال بالآية) فهي كما تدل على حجية قول المتفقه في الدين مطلقا من غير فرق
بين أن يحصل منه العلم أم لا فتكون من أدلة حجية خبر الواحد فكذلك تدل على حجية
قوله مطلقا من ناحية أخرى أي من غير فرق بين أن يبين الحكم بنحو الإخبار عن
المعصوم أو بنحو الفتوى فتكون من أدلة التقليد أيضا كما ستأتي الإشارة إليه في
محله إن شاء الله تعالى.
(قوله أحدهما أن كلمة
لعل ... إلخ)
(وحاصل) هذا الوجه
أن كلمة لعل بل وساير الصيغ الإنشائية على ما تقدم في بعض مباحث الصيغة وان كانت
مستعملة في معناها الحقيقي وهو إنشاء الترجي حتى
فيما إذا وقعت في
كلامه تعالى ولكن الداعي إليه حيث يستحيل في حقه جل وعلا فلا محالة تكون مستعملة
بداعي محبوبية التحذر وإذا ثبت محبوبية التحذر ثبت وجوبه شرعا وعقلا (اما شرعا)
فللإجماع المركب فان الأمة بين من لا يجوز العمل بخبر الواحد أصلا وبين من يجوزه
ويلتزم بوجوبه فالقول بجواز العمل به ورجحانه دون وجوبه قول بالفصل (واما عقلا)
فلأنه لا معنى لحسن الحذر ورجحانه فان المقتضي للحذر ان كان موجودا فقد وجب الحذر
وإلّا فلا يحسن من أصله بل لا يمكن الحذر بدون المقتضي أصلا (وقد أشار الشيخ) أعلى
الله مقامه إلى كلتا الجهتين جميعا (فقال) وإذا تحقق حسن الحذر ثبت وجوبه اما لما
ذكره في المعالم من انه لا معنى لندب الحذر إذ مع قيام المقتضي يجب ومع عدمه لا
يحسن واما لأن رجحان العمل بخبر الواحد مستلزم لوجوبه بالإجماع المركب لأن كل من
أجازه فقد أوجبه (انتهى) كلامه رفع مقامه.
(قوله ثانيها انه لما
وجب الإنذار ... إلخ)
(وحاصل) هذا الوجه
الثاني ان النفر واجب بمقتضى كلمة لو لا التحضيضية فان التحضيض هو الطلب بحث
وإزعاج فإذا وجب النفر وجب الإنذار لكونه غاية للنفر الواجب وإذا وجب الإنذار وجب
التحذر والقبول من المنذر وإلّا لغي وجوب الإنذار كما لا يخفى.
(قوله ثالثها انه جعل
غاية للإنذار الواجب ... إلخ)
(وحاصل) هذا الوجه
الثالث ان النفر واجب بمقتضى كلمة لو لا التحضيضية كما في الوجه الثاني فإذا وجب
النفر وجب الإنذار لكونه غاية للنفر الواجب وإذا وجب الإنذار وجب التحذر لكونه
غاية أيضا للإنذار الواجب (والفرق) بين هذا الوجه وسابقه ان في الوجه السابق أثبت
المستدل وجوب الإنذار لكونه غاية للنفر الواجب وأثبت وجوب الحذر للملازمة بين وجوب
الإنذار ووجوب التحذر والقبول وإلّا لغي وجوب الإنذار (وفي هذا الوجه) قد أثبت
وجوب الإنذار
لكونه غاية للنفر
الواجب وأثبت وجوب التحذر أيضا لكونه غاية للإنذار الواجب (ثم إن الشيخ) أعلى الله
مقامه قد أشار إلى كل من الوجه الثاني والثالث بنحو أو في (قال ما هذا لفظه)
الثاني ان ظاهر الآية وجوب الإنذار لوقوعه غاية للنفر الواجب بمقتضى كلمة لو لا
فإذا وجب الإنذار أفاد وجوب الحذر لوجهين.
(أحدهما) وقوعه
غاية للواجب فان الغاية المترتبة على فعل الواجب مما لا يرضى الآمر به بانتفائه
سواء كان من الأفعال المتعلقة للتكليف يعني به مثل قولك ادخل السوق واشتر اللحم (قال)
أم لا كما في قولك تب لعلك تفلح وأسلم لعلك تدخل الجنة وقوله تعالى فقولا له قولا
لينا لعله يتذكر أو يخشى.
(الثاني) انه إذا
وجب الإنذار ثبت وجوب القبول وإلّا لغي الإنذار (قال) ونظير ذلك ما تمسك به في
المسالك على وجوب قبول قول المرأة وتصديقها في العدة من قوله تعالى ولا يحل لهن أن
يكتمن ما خلق الله في أرحامهن فاستدل بتحريم الكتمان ووجوب الإظهار عليهن على قبول
قولهن بالنسبة إلى ما في الأرحام (انتهى) كلامه رفع مقامه.
(قوله ويشكل الوجه
الأول ... إلخ)
قد عرفت ان
المستدل في الوجه الأول بعد ما أثبت محبوبية التحذر بكلمة لعل قد تشبث لإثبات وجوب
التحذر بأمرين بالإجماع المركب وبأنه لا معنى لحسن الحذر ورجحانه إذ مع قيام
المقتضي يجب ومع عدمه لا يحسن (فالمصنف) يناقش في كلا الأمرين جميعا.
(اما في الثاني)
فبالنقض بالشبهات البدوية التي لا حجة فيها على التكليف من علم أو علمي حيث يحسن
التحذر فيها لرجاء إدراك الواقع وعدم الوقوع في فوت المصلحة أو درك المفسدة ولا
يجب فيها التحذر.
(واما في الأول)
فبأن الثابت في المقام عدم القول بالفصل لا عدم الفصل ولعل في الواقع فصل لم يقل
به أحد.
(أقول)
وفي كلتا
المناقشتين ما لا يخفى.
(اما الأولى) فلان
الّذي يحسن في الشبهات البدوية لرجاء إدراك الواقع وعدم الوقوع في فوت المصلحة أو
درك المفسدة انما هو الاحتياط بحكم العقل لا الحذر بعد فرض الأمن من العقاب والقطع
بانتفائه بمقتضى البراءة الشرعية والنقليّة جميعا.
(واما الثانية)
فلان مجرد عدم القول بالفصل بمعنى اختلاف الأمة على قولين بعضها على قول وبعضها
على قول آخر وإطباقهم على نفي الثالث بالالتزام المسمى بالإجماع المركب مما يكفي
في ثبوت عدم الفصل.
(نعم) يرد على هذا
الوجه ان محبوبية الحذر وان كانت هي مسلمة لأجل كلمة لعل ومحبوبيته مستلزمة لوجوبه
شرعا وعقلا ولكن وجوبه على الإطلاق ولو لم يحصل العلم من قول المنذر غير واضح ولا
ظاهر ومن المعلوم ان المدعى وهو حجية خبر الواحد تعبدا مما يتوقف على وجوبه كذلك
لا على وجوبه في الجملة.
(قوله والوجه الثاني
والثالث بعد انحصار فائدة الإنذار بإيجاب التحذر تعبدا ... إلخ)
(وحاصل الإشكال)
على الوجه الثاني والثالث ان الملازمة بين وجوب الإنذار ووجوب الحذر في الجملة
مسلمة ولكنها بين وجوب الإنذار ووجوب الحذر مطلقا تعبدا ولو لم يحصل العلم من قول
المنذر ليكون مساوقا لحجية خبر الواحد ممنوعة إذ لا ينحصر فائدة الإنذار بالتحذر
تعبدا ولعل وجوب الإنذار هو لأجل أن يكثر المنذرون فيحصل العلم من قولهم للمنذرين
بالفتح فيعملون بعلمهم لا بقول المنذرين تعبدا.
(أقول)
نعم ولكن ذلك
إشكال على خصوص الوجه الثاني فان المستدل لم يستدل في الوجه
الثالث بالملازمة
بل بكون الحذر غاية للإنذار الواجب وغاية الواجب واجب (اللهم) إلّا إذا كان رجوع
الثالث إلى الثاني وان غاية الواجب لا يكون واجبا الا لأجل الملازمة بين وجوب
الواجب ووجوب غايته إذا كان فعلا للمكلف وإلّا لزم اللغو كما لا يخفى.
(قوله لعدم إطلاق
يقتضى وجوبه على الإطلاق ... إلخ)
إشارة إلى الإشكال
الأول من الإشكالات التي أوردها الشيخ أعلى الله مقامه على الاستدلال بالآية
الشريفة وهو أهمها وعمدتها (وحاصله) انه لا إطلاق في المقام يقتضي وجوب الحذر عند
الإنذار مطلقا ولو لم يحصل العلم من قول المنذر كي يثبت به حجية خبر الواحد ويتم
به المطلوب (غير ان المصنف) علل عدم الإطلاق بكون الآية مسوقة لبيان وجوب النفر لا
لغائية التحذر ولعل وجوبه مشروط بما إذا حصل العلم من قول المنذر (والشيخ) علل عدم
الإطلاق بكون الآية مسوقة لبيان مطلوبية الإنذار بما يتفقهون (قال أعلى الله مقامه)
بعد ما فرغ من تقريب الاستدلال بالآية (ما لفظه) لكن الإنصاف عدم جواز الاستدلال
بها من وجوه الأول انه لا يستفاد من الكلام الا مطلوبية الحذر عقيب الإنذار بما
يتفقهون في الجملة لكن ليس فيها إطلاق لوجوب الحذر بل يمكن أن يتوقف وجوبه على
حصول العلم فالمعنى لعله يحصل لهم العلم فيحذروا فالآية مسوقة لبيان مطلوبية
الإنذار بما يتفقهون ومطلوبية العمل من المنذرين بما أنذروا وهذا لا ينافي اعتبار
العلم في العمل ولهذا صح ذلك فيما يطلب فيه العلم فليس في هذه الآية تخصيص للأدلة
الناهية للعمل بما لم يعلم ولذا استشهد الإمام عليهالسلام فيما سمعت من الأخبار المتقدمة على وجوب النفر في معرفة
الإمام عليهالسلام وإنذار النافرين للمتخلفين مع أن الإمامة لا تثبت إلّا
بالعلم (انتهى) ومقصوده من الأخبار المتقدمة ما ذكره قبل ذلك بيسير (من صحيحة)
يعقوب بن شعيب قال قلت لأبي عبد الله عليهالسلام إذا حدث على الإمام حدث كيف يصنع الناس قال أين قول الله عزوجل فلو لا نفر
الآية قال هم في
عذر ما داموا في الطلب وهؤلاء الذين هم ينتظرونهم في عذر حتى يرجع إليهم أصحابهم (وصحيحة)
عبد الأعلى قال سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن قول العامة إن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قال من مات وليس له إمام مات ميتة جاهلية قال حق والله قلت
فإن إماما هلك ورجل بخراسان لا يعلم من وصيه لم يسعه ذلك قال لا يسعه إن الإمام
إذا مات دفعت حجة وصيه على من هو معه في البلد وحق النفر على من ليس بحضرته إذا
بلغهم إن الله عزوجل يقول فلو لا نفر من كل فرقة منهم طائفة الآية (وصحيحة)
محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليهالسلام وفيها قلت أفيسع الناس إذا مات العالم ان لا يعرفوا الّذي
بعده فقال اما أهل هذه البلدة فلا يعني أهل المدينة واما غيرها من البلدان فبقدر
مسيرهم ان الله عزوجل يقول فلو لا نفر من كل فرقة منهم طائفة الآية (ثم ان ظاهر
المصنف) بل الشيخ أيضا ان المراد من الإطلاق المنفي في المقام ليس هو الإطلاق
اللفظي وذلك لوضوح عدم استفادة وجوب الحذر من صيغة الأمر كي يقع الكلام في إطلاقها
اللفظي بل المراد هو الإطلاق المقامي أي ليست الآية في مقام بيان وجوب الحذر عند
الإنذار بحيث إذا شك في اشتراط وجوبه بشيء أمكن التمسك بإطلاقها المقامي لنفي
اشتراطه به بل في مقام بيان وجوب النفر من كل فرقة منهم طائفة أو في مقام مطلوبية
الإنذار من المتفقهين بعد رجوعهم إلى قومهم ولذا لو شك في اشتراط وجوب النفر أو
الإنذار بشيء مثل كون النافر أو المنذر كهلا أو ذا مال كثير أو نحو ذلك صح التمسك
بإطلاقها المقامي لنفي اشتراطه به وانه لو كان لوجوب النفر أو الإنذار شرط خاص غير
الشرائط العامة من البلوغ والعقل والعلم والقدرة لكان عليه البيان وهذا واضح.
(قوله لو لم نقل بكونه
مشروطا به ... إلخ)
إشارة إلى الإشكال
الثاني مما أورده الشيخ أعلى الله مقامه على الاستدلال بالآية الشريفة (قال ما
لفظه) الثاني ان التفقه الواجب ليس إلّا معرفة الأمور الواقعية
من الدين فالإنذار
الواجب هو الإنذار بهذه الأمور المتفقه فيها فالحذر لا يجب إلا عقيب الإنذار بها
فإذا لم يعرف المنذر بالفتح ان الإنذار هل هو وقع بالأمور الدينية الواقعية أو
بغيرها خطأ أو تعمدا من المنذر بالكسر لم يجب الحذر حينئذ فانحصر وجوب الحذر فيما
إذا علم المنذر صدق المنذر في إنذاره بالأحكام الواقعية (انتهى) موضوع الحاجة من
كلامه رفع مقامه (والفرق) بين هذا الجواب وسابقه كما أشار إليه الشيخ بنفسه في بعض
كلماته في المقام ان الآية على الجواب السابق ساكتة عن إطلاق وجوب الحذر واشتراطه
وان المستفاد منها أصل وجوب الحذر في الجملة فلا ينافي اشتراطه بما إذا حصل العلم
من قول المنذر وعلى الجواب الثاني ناطقة بوجوب الحذر عند الإنذار بما تفقه المنذر
المستلزم لاشتراط وجوب الحذر بما إذا حصل العلم بصدق المنذر وإحراز كون الإنذار
بما تفقه في الدين.
(قوله كي ينذروا بها
المتخلفين أو النافرين على الوجهين في تفسير الآية إلى آخره)
بل قيل في تفسير
الآية وجوه (قال الطبرسي) أعلى الله مقامه في تفسير الآية (ما لفظه) اختلف في
معناه على وجوه.
(أحدها) ان معناه
فهلا خرج إلى الغزو من كل قبيلة جماعة ويبقى مع النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم جماعة ليتفقهوا في الدين يعني الفرقة القاعدين يتعلمون
القرآن والسنن والفرائض والأحكام فإذا رجعت السرايا وقد نزل بعدهم القرآن وتعلمه
القاعدون قالوا لهم إذا رجعوا إليهم ان الله قد أنزل بعدكم على نبيكم قرآنا وقد
تعلمناه فيتعلمه السرايا فذاك قوله ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم أي وليعلموهم
القرآن ويخوفوهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون فلا يعملون بخلافه عن ابن عباس في
رواية الوالبي وقتادة والضحاك (وقال الباقر عليهالسلام) كان هذا حين كثر الناس فأمرهم الله ان تنفر منهم طائفة
ويقيم طائفة للتفقه وان يكون الغزو نوبا.
(وثانيها) ان
التفقه والإنذار يرجعان إلى الفرقة النافرة وحثها الله على التفقه لترجع إلى
المتخلفة فتحذرها ومعنى ليتفقهوا في الدين يتبصروا ويتيقنوا بما يريهم الله عزوجل من الظهور على المشركين ونصرة الدين ولينذروا قومهم من
الكفار إذا رجعوا إليهم من الجهاد فيخبرونهم بنصر الله النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم والمؤمنين ويخبرونهم انهم لا يدان لهم بقتال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم والمؤمنين لعلهم يحذرون أن يقاتلوا النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم فينزل بهم ما نزل بأصحابهم من الكفار عن الحسن وأبي مسلم (قال
أبو مسلم اجتمع للنافرة ثواب الجهاد والتفقه في الدين وإنذار قومهم.
(وثالثها) ان
التفقه راجع إلى النافرة والتقدير ما كان لجميع المؤمنين ان ينفروا إلى النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ويخلو ديارهم ولكن لينفر إليه من كل ناحية طائفة لتسمع
كلامه وتتعلم الدين منه ثم ترجع إلى قومها فتبين لهم ذلك وينذرهم عن الجبائي (قال)
والمراد بالنفر هنا الخروج لطلب العلم (انتهى).
(أقول)
ان كان المراد من
النفر في الآية الشريفة هو النفر من البلاد النائية لطلب العلم كما في الوجه
الثالث ويؤيده الأخبار المتقدمة من صحيحة يعقوب وصحيحة عبد الأعلى وصحيحة محمد بن
مسلم فلا كلام في ان التفقه والإنذار من وظيفة النافرين.
(واما) إذا كان
المراد من النفر النفر إلى الجهاد كما يؤيده سياق الآية فإنها واقعة في ذيل قوله
تعالى ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلفوا عن رسول الله ولا
يرغبوا بأنفسهم عن نفسه ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ ولا نصب ولا مخمصة في سبيل الله
إلى قوله ليجزيهم الله أحسن ما كانوا يعملون (فالظاهر) انه لا محيص عن كون التفقه
والإنذار فيها من وظيفة المتخلفين القاعدين كما في الوجه الأول لا من وظيفة
النافرين إلى الجهاد كما في الوجه الثاني إذ بناء عليه لا وجه لأمره تعالى بالنفر
من كل فرقة منهم طائفة بل إذا نفروا جميعا وشاهدوا
نصرة الدين وظهور
المسلمين على المشركين وأنذروا بأجمعهم قومهم الكفار إذا رجعوا إليهم كان التحذر
أقوى وأشد كما لا يخفى ولعل سقوط هذا الوجه الثاني في نظر المصنف رأسا هو الّذي
أوجب انه قال علي الوجهين في تفسير الآية ولم يؤشر إلى الوجه الثالث بوجه أصلا.
(قوله ثم انه أشكل
أيضا بان الآية لو سلم دلالتها ... إلخ)
(إشارة) إلى
الإشكال الثالث مما أورده الشيخ أعلى الله مقامه على الاستدلال بالآية الشريفة
وعباراته في تقريب هذا الإشكال لا تخلو عن اضطراب فصدرها إلى الشروع في التوضيح
يعطي نحوا من التقريب وذيلها من التوضيح إلى الآخر يعطي نحوا آخر.
(وحاصل النحو
الأول) انه سلمنا دلالة الآية على وجوب الحذر عند الإنذار مطلقا ولو لم يحصل العلم
من قول المنذر ولكن الإنذار ليس هو إلّا الإبلاغ مع التخويف بحيث يكون التخويف
مأخوذا في مفهوم الإنذار وإلّا فلا يكون إنذارا بل إخبارا محضا ومن المعلوم ان ذلك
لا يجب إلّا على الوعّاظ الذين شأنهم التذكير بما يعرفه الناس من الحلال والحرام
أو على المرشدين الذين شأنهم الإرشاد إلى ما يجهله الناس من الواجبات والمحرمات
فالتخوف والتحذر يجب على المتعظ والمسترشد عقيب الوعظ والإرشاد وشيء منهما مما لا
ربط له بتصديق الحاكي فيما يحكيه من الخبر الّذي هو محل الكلام ومحط النقض
والإبرام (وفيه مضافا) إلى ان الإنذار في الآية الشريفة ليس من قبيل وعظ الواعظين
فإن الإنذار فيها يكون من المتفقه في الدين إلى غير المتفقه في الدين أي إلى
الجاهل بالاحكام فيكون من قبيل إرشاد المرشدين (ان الإبلاغ) مع التخويف إذا كان
حجة بمقتضى الآية الشريفة بحيث يجب التحذر والتخوف عقيبه شرعا كان الإبلاغ بلا
تخويف حجة أيضا وذلك للقطع بأن التخويف مما لا دخل له في حجية كلام المبلغ بلا
كلام وانما هو شيء له دخل في تخوف المقابل فلعله مع التخويف يحصل له من العزم على
الامتثال ما لا
يحصل له من مجرد الإبلاغ بلا تخويف.
(وحاصل النحو
الثاني) من التقريب ان الإنذار أي الإبلاغ مع التخويف (إما يكون) على وجه الإفتاء
مثل أن يقول أيها الناس اتقوا الله في شرب العصير فانه محرم يوجب استحقاق العقاب (أو
لا على وجه) الإفتاء بل بلفظ الخبر والحكاية مثل أن يقول اتقوا الله في شرب العصير
فاني سمعت الإمام عليهالسلام يقول من شرب العصير فكأنما شرب الخمر (أما الإنذار) على
الوجه الأول فهو حجة للمقلدين خاصة.
(واما) الإنذار
على الوجه الثاني فله جهتان (جهة تخويف) وإيعاد وهي ترجع إلى الاجتهاد والاستنباط
إذ لو لم يفهم من الخبر حكما تحريميا أو وجوبيا لم يخوف عليه وهذه الجهة مما تختص
أيضا اعتبارها بالمقلدين فهم الذين يجب عليهم التخوف عقيب الإنذار والتخويف دون
غيرهم (وجهة الحكاية) والنقل لقول الإمام عليهالسلام وهذه الجهة لم يعلم حجيتها أي وجوب تصديق الحاكي فيما يحكيه
من ألفاظ الإمام عليهالسلام لغير المقلدين الذين يجب عليهم التخوف عند التخويف
والإنذار (والفرق) بين هذا النحو من التقريب وسابقه انه على النحو الأول كان
الإنذار إما بنحو الوعظ أو بنحو الإرشاد وشيء منهما مما لا ربط له بالخبر وعلى
النحو الثاني يكون الإنذار سواء كان بنحو الوعظ أو بنحو الإرشاد هو اما على وجه
الإفتاء أو لا على وجه الإفتاء فالأوّل يختص بالمقلدين والثاني له جهتان الأولى
منهما مختصة بالمقلدين والثانية لم يعلم تعديها إلى غير المقلدين (وكيف كان) يرد
على هذا النحو الثاني من التقريب ان الإنذار على وجه الإفتاء وان لم يكن حجة الا
للمقلدين خاصة ولكن الإنذار لا على وجه الإفتاء لو سلم ان الجهة الأولى من جهتيه
ترجع إلى الاجتهاد فتختص بالمقلدين أيضا فالجهة الثانية منهما وهي جهة حكاية قول
الإمام عليهالسلام مما لا وجه لاختصاصها بالمقلدين فقط بل تشمل حتى المجتهدين
فإن اجتهاد المنذر بالفتح وان كان له دخل في تخوفه وعدم تخوفه
إذ لعله يفهم من
قول الإمام عليهالسلام غير ما فهمه المنذر بالكسر ولكن اجتهاده مما لا دخل له في
عدم تصديق الحاكي فيما يحكيه عن الإمام عليهالسلام وهذا واضح (هذا كله) بيان كلام الشيخ أعلى الله مقامه وما
يرد عليه في المقام من المناقشة.
(واما المصنف) فلم
يتعرض تقريبا الا للنحو الأول من التقريب مع الاضطراب الشديد في بيانه فإنه أخذ
شيئا يسيرا من التقريب الثاني ومزجه بالتقريب الأول وجعلهما إشكالا مستقلا برأسه (وحاصله)
ان الكلام هاهنا في حجية الخبر والآية دالة على حجية الإنذار وهو من شأن المرشد أو
المجتهد بالنسبة إلى خصوص الجاهل المسترشد أو العامي المقلد (وعليه) فالآية أجنبية
عن المقام جدا هذا حاصل تقريبه الإشكال وأنت قد عرفت ان في التقريب الأول ليس من
المجتهد والمقلد عين ولا أثر ولو أبدل المجتهد بالواعظ لكان عين التقريب الأول (وعلى
كل حال) حاصل جوابه عن الإشكال ان حال الرّواة في صدر الإسلام كحال نقلة الفتاوي
إلى العوام أي كحال المرشدين إلى ما يجهله الناس لا كحال المجتهدين ولا إشكال في
انه يصح من نقلة الفتاوي الابلاغ مع التخويف فيصح من الرّواة في صدر الإسلام أيضا
ذلك فإذا صح منهم الإبلاغ مع التخويف وكان حجة بمقتضى الآية الشريفة كان حجة بلا
تخويف أيضا لعدم الفصل بينهما.
(أقول)
ولو أبدل التعليل
بعدم الفصل إلى القطع بان التخويف مما لا دخل له في حجية كلام المبلغ وانما هو شيء
له دخل في تخوف المقابل كما قلنا ذلك في ذيل التقريب الأول كان هو أقوى وأسد قطعا (هذا
مضافا) إلى ما تقدم منه قريبا من المناقشة في عدم الفصل فقال لم يثبت هاهنا عدم
الفصل غايته عدم القول بالفصل فكيف يستدل به في المقام والمناط واحد ولعله إليه
أشار أخيرا بقوله فافهم.
(قوله فافهم ... إلخ)
قد أشير الآن إلى
وجه قوله فافهم فلا تغفل.
في الاستدلال بآية الكتمان
(قوله ومنها آية
الكتمان إن الذين يكتمون ما أنزلنا الآية ... إلخ)
هي في سورة البقرة
في أوائل الجزء الثاني وتمام الآية هكذا إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات
والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون.
(قوله وتقريب
الاستدلال بها ... إلخ)
قد استدل بالآية
الشريفة على ما يظهر من شيخنا الأنصاري أعلى الله مقامه جماعة من أصحابنا تبعا
للشيخ في العدة (وتقريب الاستدلال) بها ما تقدم في آية النفر في الوجه الثاني
لوجوب الحذر من انه إذا وجب الإنذار لكونه غاية للنفر الواجب وجب التحذر والقبول
من المنذر وإلّا لغي وجوبه (وبعبارة أخرى) ان تقريب الاستدلال هي الملازمة بين
حرمة الكتمان ووجوب القبول من المظهر وإلا لغت حرمته
(قوله ولا يخفى إنه لو
سلمت هذه الملازمة لا مجال للإيراد على هذه الآية بما أورد على آية النفر ... إلخ)
تعريض للشيخ أعلى
الله مقامه فانه بعد ما ذكر تقريب الاستدلال بالآية من أن حرمة الكتمان تستلزم
وجوب القبول عند الإظهار (قال ما لفظه) ويرد عليها ما ذكرنا من الإيرادين الأولين
في آية النفر من سكوتها وعدم التعرض فيها لوجوب القبول وإن لم يحصل العلم عقيب
الإظهار أو اختصاص وجوب القبول المستفاد منها بالأمر الّذي يحرم كتمانه ويجب
إظهاره فإن من أمر غيره بإظهار الحق للناس ليس مقصوده إلا عمل الناس بالحق ولا
يريد بمثل هذا الخطاب تأسيس حجية قول المظهر تعبدا ووجوب العمل بقوله وإن لم يطابق
الحق (انتهى) (ومحصله)
انه يرد على
الاستدلال بآية الكتمان الإيرادان الأولان مما أورده أعلى الله مقامه على
الاستدلال بآية النفر من انه لا إطلاق لها يقتضي وجوب الحذر مطلقا ولو لم يحصل
العلم من قول المنذر ومن ان وجوب الحذر فيها مشروط بما إذا حصل العلم من قول
المنذر.
(فيقول المصنف)
تضعيفا له انه لو سلمت الملازمة التي ادعاها المستدل في المقام بين حرمة الكتمان
ووجوب القبول كما تقدمت في آية النفر فلا يبقى مجال للإيراد بالإيرادين المذكورين
من عدم الإطلاق لها أو اشتراط وجوب القبول فيها بما إذا حصل العلم من قول المظهر
فان الملازمة مما تنافيهما كما لا يخفى.
(نعم) إذا منعنا
الملازمة في المقام كما منعناها هناك نظرا إلى عدم انحصار فائدة الإظهار بإيجاب
القبول تعبدا ولعل وجوب الإظهار هو لأجل أن يكثر المظهرون فيحصل العلم من قولهم
فيعمل بالعلم لا بقولهم تعبدا فحينئذ لا شبهة في أن للإيرادين المذكورين مجال واسع
(وعليه) فاللازم أولا هو منع الملازمة أي بين حرمة الكتمان ووجوب القبول ثم
الإيراد بعدم الإطلاق لوجوب القبول بل باختصاص وجوب القبول بما إذا حصل العلم من
قول المظهر فتأمل جيدا.
(قوله وإمكان أن تكون
حرمة الكتمان لأجل وضوح الحق بسبب كثرة من أفشاه وبينه ... إلخ)
(أقول)
ويؤيد ذلك أي كون
حرمة الكتمان لأجل أن يكثر المظهرون فيتضح الحق ويحصل العلم من قولهم فيعمل بالعلم
لا بقول المظهرين تعبدا ما نسبه الطبرسي أعلى الله مقامه في تفسير الآية إلى ابن
عباس ومجاهد والحسن وقتادة وأكثر أهل العلم من أن المعنى بالآية علماء اليهود
والنصارى الذين كتموا أمر محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم ونبوته وهم يجدونه مكتوبا في التورية والإنجيل إذ من
المعلوم أن أمر النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ليس من الأمور التي يكتفي فيها بقول المظهر تعبدا ولو لم
يحصل العلم
من قوله بل
المقصود انهم يظهرون أمر النبي صلىاللهعليهوآله ونبوته ولا يكتمون ما يجدونه في التورية والإنجيل من
أوصافه وعلائمه فيتضح الحق للناس ويحصل لهم العلم من إظهارهم فيهتدون إلى دين الحق
ويدخلون في دين الإسلام عن علم وبصيرة (وقد أشار الشيخ) أعلى الله مقامه إلى ذلك
كله مختصرا وجعله شاهدا لاختصاص وجوب القبول المستفاد منها بما إذا حصل العلم عقيب
الإظهار (فقال) بعد عبارته المتقدمة (ما لفظه) ويشهد لما ذكرنا ان مورد الآية
كتمان اليهود لعلامات النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بعد ما بين الله لهم في التورية ومعلوم أن آيات النبوة لا
يكتفي فيها بالظن (انتهى).
في الاستدلال بآية السؤال
(قوله ومنها آية
السؤال عن أهل الذّكر فاسألوا أهل الذّكر إن كنتم لا تعلمون ... إلخ)
هي في موضعين من
القرآن المجيد في سورة النحل وفي سورة الأنبياء (وتمام الآية في الموضعين) هكذا
وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم فاسألوا أهل الذّكر إن كنتم لا تعلمون (وقد
ذكر الطبرسي) أعلى الله مقامه في تفسير أهل الذّكر أقوالا
(أحدها) ان المعنى
بذلك أهل العلم بأخبار من مضى من الأمم سواء كانوا مؤمنين أو كفارا.
(ثانيها) ان
المراد بأهل الذّكر أهل الكتاب أي فاسألوا أهل التورية والإنجيل إن كنتم لا تعلمون
(قال) في الموضع الأول أعني في سورة النحل ما لفظه عن ابن عباس ومجاهد (وقال) في
الموضع الثاني أعني في سورة الأنبياء ما لفظه عن الحسن وقتادة.
(ثالثها) ان
المراد بهم أهل القرآن لأن الذّكر هو القرآن عن ابن زيد (قال)
ويقرب منه ما رواه
جابر ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر عليهالسلام انه قال نحن أهل الذّكر وقد سمى الله رسوله ذكرا يعني به
في سورة الطلاق (وقال) أيضا في الموضع الثاني فروي عن علي عليهالسلام انه قال نحن أهل الذّكر (انتهى).
(قوله وتقريب
الاستدلال بها ما في آية الكتمان ... إلخ)
أي وتقريب
الاستدلال بآية السؤال هو ما تقدم في آية الكتمان (وبعبارة أخرى) هي الملازمة بين
وجوب السؤال ووجوب القبول من المسئول وإلّا لغي وجوب السؤال (قال الشيخ) في تقريب
الاستدلال بها وإذا وجب قبول الجواب وجب قبول كل ما يصح أن يسأل عنه ويقع جوابا له
لأن خصوصية المسبوقية بالسؤال لا دخل فيه قطعا (انتهى).
(ثم إن المستدل
بها) هو بعض معاصري الشيخ أعلى الله مقامه على ما صرح به ولعله صاحب الفصول رحمهالله فانه الّذي استدل بها بعد آية الكتمان (قال ما لفظه)
الرابع قوله تعالى فاسألوا أهل الذّكر إن كنتم لا تعلمون (ثم قال) وجه الدلالة انه
تعالى أمر عند عدم العلم بمسألة أهل الذّكر والمراد بهم إما أهل القرآن أو أهل
العلم وكيف كان فالمقصود من الأمر بسؤالهم انما هو استرشادهم والأخذ بما عندهم من
العلم (إلى ان قال) وقضية الأمر بسؤالهم وجوب قبول ما عندهم فتوى كان أو رواية ما
لم يمنع عنه مانع فيدل على حجية إخبارهم (انتهى) ولكنه أخيرا قد استشكل في
الاحتجاج بها نظرا إلى سياق الآية المحتملة لأن يكون المراد بأهل الذّكر علماء
اليهود.
(قوله وفيه ان الظاهر
منها إيجاب السؤال لتحصيل العلم لا للتعبد بالجواب ... إلخ)
هذا هو الإيراد
الثاني مما أورده الشيخ أعلى الله مقامه على الاستدلال بآية السؤال (قال ما لفظه)
وثانيا إن الظاهر من وجوب السؤال عند عدم العلم وجوب تحصيل
العلم لا وجوب
السؤال للعمل بالجواب تعبداً كما يقال في العرف سل إن كنت جاهلا (انتهى).
(واما الإيراد
الأول) فلم يتعرضه المصنف وهو أبسط من الثاني (قال) بعد تقريب الاستدلال بالآية (ما
لفظه) ويرد عليه أولا ان الاستدلال ان كان بظاهر الآية فظاهرها بمقتضى السياق
إرادة علماء أهل الكتاب كما عن ابن عباس ومجاهد وحسن وقتادة (إلى ان قال) وان كان
مع قطع النّظر عن سياقها ففيه انه ورد في الأخبار المستفيضة ان أهل الذّكر هم
الأئمة عليهمالسلام وقد عقد في أصول الكافي باباً لذلك (انتهى) (ومحصله) ان
المراد من أهل الذّكر بمقتضى السياق هم أهل الكتاب وبمقتضى الأخبار المستفيضة هم
أئمتنا عليهمالسلام وعلى كلا التقديرين تكون الآية أجنبية عن إيجاب العمل بخبر
الواحد تعبداً.
(اما على الأول)
فواضح ضرورة عدم كون الآية في مقام إيجاب العمل بجواب أهل الكتاب مطلقاً ولو لم
يحصل العلم من جوابهم سيما بعد ورودها في الأمر الاعتقادي الّذي لا يكتفي فيه
بالظن وهو كون الرسل من قبل نبينا صلىاللهعليهوآلهوسلم رجالا من البشر يوحي إليهم لا أشخاصاً من الملائكة فإن
مشركي مكة على ما ذكر الطبرسي رحمهالله كانوا ينكرون ان يرسل إليهم بشر ويقترحون إرسال الملك
فأنزل الله الآية أي قوله وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم فاسألوا أهل
الذّكر إن كنتم لا تعلمون.
(واما على الثاني)
فكذلك إذ وجوب العمل بجواب الأئمة عليهمالسلام وقبول قولهم وحجية كلامهم مما لا مساس له باعتبار قول
الرّواة أصلا.
(أقول)
نعم ولكن على
تقدير كون المراد من أهل الذّكر هم أهل القرآن أي العلماء بالقرآن كما تقدم يبقى
توهم دلالة الآية على حجية خبر الواحد على حاله نظراً إلى الملازمة بين وجوب
السؤال ووجوب القبول من المسئول وإلّا لغي وجوب السؤال قهراً
(ولكن يدفعه)
مضافاً إلى ما تقدم في آيتي النفر والسؤال من منع الملازمة رأساً كل من الإيراد
الثاني المتقدم والثالث الآتي.
(قوله وقد أورد عليها
بأنه لو سلم دلالتها ... إلخ)
هذا هو الإيراد
الثالث مما أورده الشيخ أعلى الله مقامه على الاستدلال بالآية الشريفة (قال ما
لفظه) وثالثاً لو سلم حمله على إرادة وجوب السؤال للتعبد بالجواب لا لحصول العلم
منه قلنا ان المراد من أهل العلم ليس مطلق من علم ولو بسماع رواية من الإمام وإلّا
لدل على حجية قول كل عالم بشيء ولو من طريق السمع والبصر مع انه يصح سلب هذا
العنوان من مطلق من أحس شيئاً بسمعه أو بصره والمتبادر من وجوب سؤال أهل العلم
بناء على إرادة التعبد بجوابهم هو سؤالهم عما هم عالمون به ويعدون من أهل العلم في
مثله فينحصر مدلول الآية في التقليد ولذا تمسك به جماعة على وجوب التقليد على
العامي (قال) وبما ذكرنا يندفع ما يتوهم من انا نفرض الراوي من أهل العلم فإذا وجب
قبول روايته وجب قبول رواية من ليس من أهل العلم بالإجماع المركب (ثم قال) حاصل
وجه الاندفاع ان سؤال أهل العلم عن الألفاظ التي سمعها من الإمام عليهالسلام والتعبد بقوله فيها ليس سؤالا من أهل العلم من حيث هم أهل
العلم (انتهى موضع الحاجة) من كلامه رفع مقامه.
والعجب من المصنف قدسسره فإنه مع تعرض الشيخ للتوهم المذكور ودفعه قد أخذ التوهم
المذكور منه وجعله إشكالا عليه (وأشار إليه) بقوله وفيه ان كثيراً من الرّواة يصدق
عليهم انهم أهل الذّكر ... إلخ وان كان المصنف قد أشار أخيراً إلى ضعف الإشكال
بقوله فافهم.
(قوله فافهم ... إلخ)
قد أشير الآن إلى
وجه قوله فافهم وانه إشارة إلى ضعف ما أشكله على إيراد الشيخ بقوله وفيه ان كثيراً
من الرّواة ... إلخ فان السؤال عن مثل زرارة ومحمد بن مسلم
وغيرهما من أجلاء
الرّواة عما سمعوه من الإمام عليهالسلام وان كان سؤالا عن أهل العلم ولكنه ليس سؤالا عنهم من حيث
هم أهل العلم بل بما هم رواة فلا تشمله الآية الشريفة ليكون جواب غيره أيضاً حجة
بالإجماع المركب (هذا ويحتمل) ان يكون قوله فافهم إشارة إلى قوله قبيل ذلك لعدم
الفصل جزماً في وجوب القبول ... إلخ وذلك لما تقدم منه في آية النفر من انه لم
يثبت هاهنا عدم الفصل غايته عدم القول بالفصل ... إلخ (وعليه) فكيف يتشبث به هاهنا
والمناط واحد
في الاستدلال بآية الأذن
(قوله ومنها آية الأذن
ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو أذن قل أذن خير لكم يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين
... إلخ)
هي في سورة التوبة
في أواسطها وتمام الآية هكذا ورحمة للذين آمنوا منكم والذين يؤذون رسول الله لهم
عذاب أليم.
(قوله فإنه تبارك
وتعالى مدح نبيه بأنه يصدق المؤمنين وقرنه بتصديقه تعالى ... إلخ)
(وقد زاد الشيخ)
أعلى الله مقامه في تقريب الاستدلال (وقال) فإذا كان التصديق حسناً يكون واجباً (انتهى)
وكأن ذلك لما تقدم من صاحب المعالم في نظيره في آية النفر من انه لا معنى لندب
الحذر وانه إذا كان حسناً كان واجباً إذ مع قيام المقتضي يجب ومع عدمه لا يحسن (ثم
قال أعلى الله مقامه) ويزيد في تقريب الاستدلال بها وضوحاً ما رواه في فروع الكافي
في الحسن بإبراهيم بن هاشم انه كان لإسماعيل بن أبي عبد الله عليهالسلام دنانير وأراد رجل من قريش ان يخرج بها إلى اليمن فقال له
أبو عبد الله اما بلغك انه يشرب الخمر قال سمعت الناس
يقولون فقال يا
بني إن الله عزوجل يقول يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين فإذا شهد عندك المسلمون
فصدقهم.
(قوله وفيه أولا انه
انما مدحه بأنه أذن وهو سريع القطع لا الأخذ بقول الغير تعبداً ... إلخ)
هذا الإيراد من
الشيخ أعلى الله مقامه (قال) ويرد عليه أولا ان المراد بالأذن سريع التصديق
والاعتقاد بكل ما يسمع لا من يعمل تعبداً بما يسمع من دون حصول الاعتقاد بصدقة
فمدحه بذلك لحسن ظنه بالمؤمنين وعدم اتهامهم (انتهى).
(وفيه) مضافاً إلى
أن الأذن ليس سريع الاعتقاد بل الأذن كما في اللغة هو الّذي يسمع كلام كل أحد
ويصدقه ومن المعلوم إن تصديق كل أحد مما لا يستلزم الاعتقاد بكلامه (ان سريع)
الاعتقاد لو لم يكن مذموماً مرجوحاً فإنه أشبه بصفات البلهاء والسفهاء لا يكون
ممدوحاً قطعاً سيما في الأكابر والرؤساء الذين يتصدون أمور الناس وبيدهم شئونهم
وزعامتهم فلا بدّ من حمل الأذن في الآية على غير سريع الاعتقاد بل على التصديق
الخالي عن الاعتقاد أي بترتيب الآثار التي تنفع المخبر ولا تضر غيره كما سيأتي
شرحه في الإيراد الثاني وهو من مكارم الأخلاق ومحاسن الصفات.
(قوله وثانياً انه
انما المراد بتصديقه للمؤمنين هو ترتيب خصوص الآثار التي تنفعهم ولا تضر غيرهم ...
إلخ)
هذا الإيراد
الثاني أيضاً من الشيخ أعلى الله مقامه (قال) وثانياً ان المراد من التصديق في
الآية ليس جعل المخبر به واقعاً وترتيب جميع آثاره عليه إذ لو كان المراد به ذلك
لم يكن إذن خير لجميع الناس إذ لو أخبره أحد بزنا أحد وشربه أو قذفه أو ارتداده
فقتله النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أو جلده لم يكن في سماعه ذلك الخبر خير للمخبر عنه بل كان
محض الشر له خصوصاً مع عدم صدور الفعل منه في الواقع نعم يكون خيراً للمخبر من حيث
متابعة قوله وان كان منافقاً مؤذياً للنبي
صلىاللهعليهوآلهوسلم على ما يقتضيه الخطاب في لكم فثبوت الخبر لكل من المخبر
والمخبر عنه لا يكون إلّا إذا صدق المخبر بمعنى إظهار القبول عنه وعدم تكذيبه وطرح
قوله رأساً مع العمل في نفسه بما يقتضيه الاحتياط التام بالنسبة إلى المخبر عنه (إلى
ان قال) ويؤيد هذا المعنى ما عن تفسير العياشي عن الصادق عليهالسلام من انه يصدق المؤمنين لأنه صلىاللهعليهوآلهوسلم كان رءوفاً رحيما بالمؤمنين فإن تعليل التصديق بالرأفة
والرحمة على كافة المؤمنين ينافي إرادة قبول قول أحدهم على الآخر بحيث يترتب عليه
آثاره وإن أنكر المخبر عنه وقوعه (إلى ان قال) ويؤيده أيضاً ما عن القمي رحمهالله في سبب نزول الآية أنه نم منافق على النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم فأخبره الله ذلك فأحضره النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وسأله فحلف انه لم يكن شيء مما ينم عليه فقبل منه النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم فأخذ هذا الرّجل بعد ذلك يطعن على النبي صلىاللهعليهوآله ويقول انه يقبل كلما يسمع أخبره الله انى أنم عليه وأنقل
اخباره فقبل وأخبرته انى لم افعل فقبل فرده الله تعالى بقوله لنبيه صلىاللهعليهوآلهوسلم قل أذن خير لكم ومن المعلوم ان تصديقه صلىاللهعليهوآلهوسلم للمنافق لم يكن بترتيب آثار الصدق عليه مطلقاً (انتهى)
موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه (ومحصله) ان المراد من التصديق في قوله تعالى
ويؤمن للمؤمنين ليس هو ترتيب جميع الآثار على المخبر به ولو كانت على ضرر الغير
ليساوق ذلك حجية خبر الواحد بل خصوص الآثار التي تنفع المخبر ولا تضر غيره وذلك
لشواهد عديدة.
(منها) قوله خير
لكم فإنه صلىاللهعليهوآلهوسلم إذا صدق المخبر حتى في الآثار التي تضر الغير لم يكن أذن
خير للجميع.
(ومنها) تعليل
تصديقه صلىاللهعليهوآلهوسلم على ما تقدم من تفسير العياشي بالرأفة والرحمة على كافة
المؤمنين فانه مما يناسب المعنى المذكور للتصديق لا ترتيب جميع الآثار على المخبر
به ولو كانت على ضرر الغير وإلّا لم يكن ذلك
من الرأفة والرحمة
على المخبر عنه وإن كان من الرأفة والرحمة على المخبر.
(ومنها) تصديقه صلىاللهعليهوآلهوسلم للنمام وقبوله منه انه لم ينم عليه فانه لا يجتمع. مع
تصديقه لله تعالى بأنه نم عليه إلا بالمعنى المذكور أي بترتيب الآثار التي تنفع
المخبر وإظهار القبول منه في الظاهر مع التحذر عنه في الواقع لا ترتيب جميع الآثار
على المخبر به.
(أقول)
هذا كله مضافاً
إلى ما في لفظ المؤمنين من الإطلاق فانه مما يشمل الثقات وغير الثقات جميعاً ومن
المعلوم ان المناسب لتصديق كل واحد من المؤمنين سواء كان ثقة أو غير ثقة هو تصديقه
بالمعنى المذكور أي بترتيب الآثار التي تنفعه ولا تضر غيره وإظهار القبول منه وعدم
تكذيبه وهذا من مكارم الأخلاق ومحاسن الصفات كما أشرنا قبلا.
(نعم الرواية
المتقدمة) عن الكافي التي فيها استشهاد الإمام عليهالسلام بالآية في قصة إسماعيل مما ينافي جميع الشواهد المذكورة
كلها إذ لا شبهة في ان المراد من التصديق في قوله عليهالسلام فإذا شهد عندك المسلمون فصدقهم هو ترتيب جميع الآثار على
كلامهم ولو كانت على ضرر الغير مثل ان يعامل مع الغير معاملة شارب الخمر الّذي لا
يعتمد عليه في تسليم المال إليه للاتجار به ونحوه إلّا ان ذلك استدلال في الحقيقة
بالحديث الشريف لا بالآية الشريفة كما أشار إليه الشيخ أيضاً فيما سنذكر من كلامه.
(قوله ويظهر ذلك من
تصديقه للنمام بأنه ما نمه ... إلخ)
إشارة إلى المؤيد
الثاني من المؤيدين المتقدمين في كلام الشيخ ولم يؤشر إلى المؤيد الأول ولعله
لضعفه في نظره.
(قوله كما هو المراد
من التصديق في قوله عليهالسلام فصدقه وكذبهم حيث
قال علي ما في الخبر يا أبا محمد كذب سمعك وبصرك عن أخيك فإن شهد عندك خمسون قسامة
انه قال قولا وقال لم أقله فصدقه وكذبهم ... إلخ)
هذا الخبر قد ذكره
الشيخ أعلى الله مقامه في ذيل توجيه الرواية المشتملة على قصة إسماعيل بانياً على
كون التصديق في الخبر ليس بمعنى ترتيب آثار الواقع على المخبر به (وتفصيله) انه
أعلى الله مقامه بعد ان ذكر تقريب الاستدلال بالآية الشريفة (قال) كما تقدم ويزيد
في تقريب الاستدلال بها وضوحاً ما رواه في فروع الكافي وذكر الرواية المشتملة على
قصة إسماعيل المتقدمة فلما ان أجاب عن الاستدلال بالآية بقي على عاتقه الشريف
الجواب عن الرواية فذكر في توجيهها مقدمة (ومحصلها) ان للتصديق معنيين.
(أحدهما) ما
يقتضيه أدلة حمل فعل المسلم على الصحيح والأحسن فان الإخبار أيضاً فعل من افعال
المكلف فصحيحة ما كان مباحاً وفاسدة ما كان محرماً بان كان كذباً أو غيبة ونحوهما
وهو ظاهر الأخبار الواردة في ان من حق المؤمن على المؤمن ان يصدقه ولا يتهمه
خصوصاً مثل قوله عليهالسلام يا أبا محمد كذب سمعك وبصرك عن أخيك فإن شهد عندك خمسون
قسامة انه قال قولا وقال لم أقله فصدقه وكذبهم.
(وثانيهما) حمل
كلامه على كونه مطابقاً للواقع وترتيب آثار الواقع عليه وهذا هو الّذي يراد من
العمل بخبر الواحد (ثم قال) بعد هذه المقدمة (ما لفظه) وأنت إذا تأملت هذه الرواية
يعني بها قوله عليهالسلام يا أبا محمد ... إلخ ولاحظتها مع الرواية المتقدمة في
حكاية إسماعيل لم يكن لك بد من حمل التصديق على ما ذكرنا يعني به حمل التصديق في
حكاية إسماعيل على المعنى الأول.
(أقول)
إن حمل التصديق في
قوله يا أبا محمد كذب سمعك وبصرك ... إلخ على المعنى الأول
وان كان مما له
وجه وجيه إذ لو حمل على التصديق بمعنى ترتيب جميع الآثار على المخبر به لا خصوص
الآثار التي تنفع المخبر ولا تضر الغير فلا وجه لتصديق الواحد وتكذيب خمسين قسامة
ولكن التصديق في حكاية إسماعيل كما أشرنا قبلا لا بد من حمله على المعنى الثاني أي
ترتيب جميع الآثار على المخبر به ولو كانت على ضرر الغير فان مقصود الإمام عليهالسلام من قوله فإذا شهد عندك المسلمون فصدقهم أي فصدقهم في قولهم
انه يشرب الخمر فلا تأمنه ولا تعطه دنانيرك (ولعل) من هنا قد عدل الشيخ أخيراً عن
هذا الجواب وذكر جواباً آخر عن الرواية المشتملة على قصة إسماعيل (وقال) ما لفظة
وإن أبيت الا عن ظهور خبر إسماعيل في وجوب التصديق بمعنى ترتيب آثار الواقع فنقول
إن الاستعانة بها على دلالة الآية خروج عن الاستدلال بالكتاب إلى السنة والمقصود
هو الأول غاية الأمر كون هذه الرواية في عداد الروايات الآتية إن شاء الله (انتهى).
(قوله وهكذا المراد
بتصديق المؤمنين في قصة إسماعيل ... إلخ)
قد عرفت خلاف ذلك
آنفاً وأن التصديق في الرواية المشتملة على قصة إسماعيل لا بد وأن يكون بمعنى ترتيب
جميع الآثار على المخبر به ولو كانت على ضرر الغير لا بترتيب خصوص الآثار التي
تنفع المخبر ولا تضر الغير كما في خبر أبي محمد كذب سمعك وبصرك ... إلخ.
في الاخبار الدالة على حجية خبر الواحد
(قوله فصل في الأخبار
التي دلت على اعتبار أخبار الآحاد وهي وان كانت طوائف كثيرة ... إلخ)
ولكن عمدتها طوائف
أربع.
(الطائفة الأولى)
الأخبار الآمرة بالرجوع إلى اشخاص معينين من الرّواة
والأصحاب وإلى
كتبهم بعضها ناطق بالرجوع إليهم في الحديث وبعضها مطلق يشمل الحديث والفتوى جميعاً
(مثل) ما رواه في الوسائل في القضاء في باب وجوب الرجوع في القضاء والفتوى إلى
رواة الحديث عن المفضل بن عمران أبا عبد الله عليهالسلام قال للفيض بن مختار في حديث فإذا أردت حديثنا فعليك بهذا
الجالس وأومأ إلى رجل من أصحابه فسألت أصحابنا عنه فقالوا زرارة بن أعين (وما رواه)
في الباب عن يونس بن عمار إن أبا عبد الله عليهالسلام قال له في حديث اما ما رواه زرارة عن أبي جعفر عليهالسلام فلا يجوز لك ان ترده.
(وما رواه) في
الباب عن عبد الله بن أبي يعفور قال قلت لأبي عبد الله عليهالسلام انه ليس كل ساعة ألقاك ولا يمكن القدوم ويجيء الرّجل من
أصحابنا فيسألني وليس عندي كل ما يسألني عنه فقال ما يمنعك من محمد بن مسلم الثقفي
فانه سمع من أبي عليهالسلام وكان عنده وجيهاً.
(وما رواه) في
الباب وقبله في باب وجوب العمل بأحاديث النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم والأئمة عليهمالسلام عن أبان بن عثمان ان أبا عبد الله عليهالسلام قال له ان أبان بن تغلب قد روى عني رواية كثيرة فما رواه
لك عني فأروه عني.
(وما رواه) في
الباب عن مسلم بن أبي حية قال كنت عند أبي عبد الله عليهالسلام في خدمته فلما أردت ان أفارقه ودعته وقلت أحب ان تزودني
فقال ائت أبان بن تغلب فانه قد سمع مني حديثاً فما رواه لك فأروه عني.
(وما رواه) في
الباب عن شعيب العقرقوفي قال قلت لأبي عبد الله عليهالسلام ربما احتجنا ان نسأل عن شيء فمن نسأل قال عليك بالأسدي
يعني أبا بصير.
(وما رواه) في
الباب عن علي بن المسيب الهمداني قال قلت للرضا عليهالسلام شقتي بعيدة ولست أصل إليك في كل وقت فممن آخذ معالم ديني
قال من زكريا ابن آدم القمي المأمون على الدين والدنيا.
(وما رواه) في
الباب عن عبد العزيز بن المهتدي والحسن بن علي بن يقطين
جميعاً عن الرضا عليهالسلام قال قلت لا أكاد أصل إليك أسألك عن كل ما احتاج إليه من
معالم ديني أفيونس بن عبد الرحمن ثقة آخذ عنه ما احتاج إليه من معالم ديني فقال
نعم.
(وما رواه) في
الباب عن أحمد بن إسحاق عن أبي الحسن عليهالسلام قال سألته وقلت من أعامل وعمن آخذ وقول من أقبل فقال
العمري ثقتي فما ادى إليك عني فعني يؤدي وما قال لك عني فعني يقول فاسمع له وأطع
فانه الثقة المأمون (قال) وسألت أبا محمد عليهالسلام عن مثل ذلك فقال العمري وابنه ثقتان فما أديا إليك عني
فعني يؤديان وما قالا لك فعني يقولان فاسمع لهما وأطعهما فإنهما الثقتان المأمونان
الحديث.
(وما رواه) في
الباب عن إسماعيل بن الفضل الهاشمي قال سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن المتعة فقال
الق عبد الملك بن جريح فاسأله عنها فإن عنده منها علما فلقيته فأملى علي شيئاً
كثيراً في استحلالها وكان فيما روى فيها ابن جريح انه ليس لها وقت ولا عدد (إلى ان
قال) فأتيت بالكتاب أبا عبد الله عليهالسلام فقال صدق وأقر به.
(وما رواه) في
الباب وقبله في باب وجوب العمل بأحاديث النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم والأئمة عليهمالسلام عن الحسين بن روح عن أبي محمد الحسن بن علي عليهماالسلام انه سأل عن كتب بني فضال فقال خذوا بما رووا وذروا ما رأوا
(وما رواه) في باب
وجوب العمل بأحاديث النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم والأئمة عليهمالسلام عن محمد بن الحسن بن أبي خالد شموله قال قلت لأبي جعفر
الثاني عليهالسلام جعلت فداك إن مشايخنا رووا عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهماالسلام وكانت التقية شديدة فكتموا كتبهم فلم ترو عنهم فلما ماتوا
صارت تلك الكتب إلينا فقال حدثوا بها فإنها حق.
(وما ذكره) الشيخ
في الرسائل عن كتاب الغيبة بسنده الصحيح إلى عبد الله
الكوفي خادم الشيخ
أبي القاسم الحسين بن روح حيث سأله أصحابه عن كتب الشلمغاني فقال الشيخ أقول فيها
ما قال العسكري عليهالسلام في كتب بني فضال حيث قالوا له ما نصنع بكتبهم وبيوتنا منها
ملاء قال خذوا ما رووا وذروا ما رأوا (هذه جملة من الأخبار) الآمرة بالرجوع إلى
اشخاص معينين من الرّواة وإلى كتبهم وهي وإن لم تصرح بحجية خبر الثقة المأمون عن
الكذب بنحو الكبرى الكلية ولكن يستفاد ذلك من مجموعها بل من كل فرد منها لضرورة
عدم خصوصية لأشخاصهم قد أوجبت حجية كلامهم واعتبار مقالهم إلا وجاهتهم ووثاقتهم
وأمانتهم على الدين والدنيا فمن كان من غير هؤلاء فيه هذه الخصوصيات والجهات كان
خبره حجة قطعاً وكلامه معتبراً جداً.
(الطائفة الثانية)
الأخبار الدالة على حجية خبر الثقات وكلام الصادقين بنحو الكبرى الكلية من دون
اختصاص بأشخاص معينين.
(مثل ما رواه) في
الوسائل في القضاء في باب وجوب الرجوع في القضاء والفتوى إلى رواة الحديث عن أحمد
بن إبراهيم المراغي قال ورد على القاسم بن العلاء وذكر توقيعاً شريفاً يقول فيه
فإنه لا عذر لأحد من موالينا في التشكيك فيما يرويه ثقاتنا قد عرفوا بأنا نفاوضهم
سرنا ونحملهم إياه إليهم.
(وما رواه) في
القضاء أيضاً في باب وجوه الجمع بين الأحاديث المختلفة عن الحارث بن المغيرة عن
أبي عبد الله عليهالسلام قال إذا سمعت من أصحابك الحديث وكلهم ثقة فموسع عليك حتى
ترى القائم فترد إليه (هذا) وقد عد الشيخ هنا والمصنف في التعادل والتراجيح هذا
الحديث الشريف من الأخبار العلاجية والظاهر انه لا وجه له سوى ان صاحب الوسائل قد
ذكره في باب وجوه الجمع بين الأحاديث المختلفة وهو كما ترى مما لا وجه له إذ ليس
في الحديث الشريف دلالة على ذلك بوجه أصلا نعم هي ناطقة بحجية ما رواه جمع من
الأصحاب وكلهم ثقة وساكتة عما رواه ثقة واحدة وهذا مما لا ربط له بباب التعارض كما
لا يخفى.
(وما رواه) في
القضاء أيضاً في باب وجوب العمل بأحاديث النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم والأئمة عليهمالسلام عن جابر عن أبي جعفر عليهالسلام قال سارعوا في طلب العلم فو الّذي نفسي بيده لحديث واحد
تأخذه عن صادق خير من الدنيا وما حملت من ذهب وفضة (الحديث) دل على حجية خبر
الواحد الصادق بالالتزام إذ لو لا حجيته واعتباره وجواز العمل به والاعتماد عليه
لم يكن خيراً من الدنيا وما حملت من ذهب وفضة.
(وما رواه) في الباب
عن جابر أيضاً عن أبي جعفر عليهالسلام قال قال لي يا جابر والله لحديث تصيبه من صادق في حلال
وحرام خير لك مما طلعت عليه الشمس حتى تغرب.
(وما رواه) في
الباب عن جابر أيضاً قال قلت لأبي جعفر عليهالسلام إذا حدثتني بحديث فأسنده لي فقال حدثني أبي عن جدي عن رسول
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم عن جبرئيل عن الله تبارك وتعالى وكلما أحدثك بهذا الإسناد
وقال لحديث واحد تأخذه عن صادق خير لك من الدنيا وما فيها.
(وما رواه) في
الباب عن رجل عن أبي عبد الله عليهالسلام قال حديث في حلال وحرام تأخذه من صادق خير من الدنيا وما فيها
من ذهب وفضة.
(الطائفة الثالثة)
الأخبار الآمرة بالرجوع إلى الرّواة والعلماء بنحو الكبرى الكلية من دون اختصاص
بأشخاص معينين على وجه يظهر منها عدم الفرق بين الحديث والفتوى والقضاء أصلا.
(مثل ما رواه) في
الوسائل في القضاء في باب وجوب الرجوع في القضاء والفتوى إلى رواة الحديث عن إسحاق
بن يعقوب قال سألت محمد بن عثمان العمري أن يوصل لي كتاباً قد سألت فيه عن مسائل
أشكلت على فورد التوقيع بخط مولانا صاحب الزمان أما ما سألت عنه أرشدك الله وثبتك (إلى
ان قال) وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فإنهم حجتي عليكم وانا
حجة الله
الحديث (قال الشيخ)
بعد ذكر هذا الحديث (ما لفظه) فانه لو سلم ان ظاهر الصدر الاختصاص بالرجوع في حكم
الوقائع إلى الرّواة أعني الاستفتاء منهم إلّا ان التعليل بأنهم حجته عليهالسلام يدل على وجوب قبول خبرهم (انتهى) وهو جيد
(وما رواه) في الباب
عن أحمد بن حاتم بن ما ماهويه قال كتبت إليه يعني أبا الحسن الثالث عليهالسلام أسأله عمن آخذ معالم ديني وكتب أخوه أيضاً بذلك فكتب
إليهما فهمت ما ذكرتما فاصمدا في دينكما على كل مسن في حبنا وكل كثير القدم في
أمرنا فإنهما كافوكما إن شاء الله تعالى.
(وما رواه) في باب
عدم جواز تقليد غير المعصوم عن الطبرسي في الاحتجاج عن أبي محمد العسكري عليهالسلام في حديث طويل قال فيه فأما من كان من الفقهاء صائناً لنفسه
حافظاً لدينه مخالفاً على هواه مطيعاً لأمر مولاه فللعوام أن يقلدوه وذلك لا يكون
إلّا بعض فقهاء الشيعة لا كلهم فإن من ركب من القبائح والفواحش مراكب علماء العامة
فلا تقبلوا منهم عنا شيئاً ولا كرامة (الحديث) دل بمنطوقه على جواز تقليد الفقيه
على الشرائط المذكورة فيها ومفهوماً على قبول ما نسبوه إلى الأئمة بشرط ان لا
يركبوا من القبائح والفواحش مراكب علماء العامة وهو معنى حجية خبر الواحد العادل
كما لا يخفى.
(الطائفة الرابعة)
الأخبار العلاجية المستفادة منها مفروغية اعتبار خبر الثقة بين السائل والإمام عليهالسلام وانما وقع الكلام بينهما في لزوم العمل بأي الخبرين عند
تعارضهما فبعضها يأمر بالتخيير وبعضها بالترجيح.
(مثل ما رواه) في
الوسائل في القضاء في باب وجوه الجمع بين الأحاديث المختلفة عن الحسن بن الجهم عن
الرضا عليهالسلام في حديث قال فيه قلت يجيئنا الرجلان وكلاهما ثقة بحديثين
مختلفين ولا نعلم أيهما الحق قال فإذا لم تعلم فموسع عليك بأيهما أخذت.
(وما رواه) في
الباب عن علي بن مهزيار قال قرأت في كتاب لعبد الله بن
محمد إلى أبي
الحسن عليهالسلام اختلف أصحابنا في رواياتهم عن أبي عبد الله عليهالسلام في ركعتي الفجر في السفر فروى بعضهم صلها في المحمل وروي
بعضهم لا تصلها الا على الأرض فوقع عليهالسلام موسع عليك بأية عملت.
(وما ذكره الشيخ)
في الرسائل من رواية غوالي اللئالي المروية عن العلامة المرفوعة إلى زرارة قال قلت
يأتي عنكم الخبران والحديثان المتعارضان فبأيهما نأخذ قال خذ بما اشتهر بين أصحابك
ودع الشاذ النادر قلت فإنهما معاً مشهوران قال خذ بأعدلهما عندك وأوثقهما في نفسك
إلى غير ذلك من الروايات الكثيرة التي سيأتي تفصيلها في محلها إن شاء الله تعالى.
(ثم إن هاهنا)
طوائف أخر يظهر من مجموعها جواز العمل بخبر الواحد كما أشار إليه الشيخ أعلى الله
مقامه وان كان في دلالة كل واحد منها مستقلا نظر (مثل النبوي) المستفيض بل
المتواتر ان من حفظ على أمتي أربعين حديثاً بعثه الله فقيهاً عالماً يوم القيامة (قال
الشيخ) قال شيخنا البهائي (ره) في أول أربعينه إن دلالة هذا الخبر على حجية خبر
الواحد لا يقصر عن دلالة آية النفر انتهى.
(ومثل ما ورد) من
الأخبار الكثيرة في الترغيب والحث على الرواية وإبلاغ ما في كتب الشيعة.
(وما ورد) في
مذاكرة الحديث والأمر بكتابته إلى غير ذلك مما يظهر من المجموع جواز العمل بخبر
الواحد وصحة الاعتماد عليه وانه أمر مفروغ عنه في الجملة (وإن شئت التفصيل) فراجع
الأبواب الثلاثة من قضاء الوسائل أعني باب وجوب العمل بأحاديث النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم والأئمة عليهمالسلام وباب وجوه الجمع بين الأحاديث المختلفة وباب وجوب الرجوع
في القضاء والفتوى إلى الرّواة وان كان فيما ذكرناه من الطوائف الأربع غنى وكفاية
عن غيرها إن شاء الله تعالى.
(قوله إلّا انه يشكل
الاستدلال بها على حجية أخبار الآحاد بأنها أخبار آحاد ... إلخ)
وقد تقدم هذا
الإشكال بعينه من المصنف في استدلال المانعين بأخبار الآحاد على عدم حجية أخبار
الآحاد غير انه كان وجه الإشكال هناك انه لو استدل باخبار الآحاد على عدم حجية
اخبار الآحاد لمنعت عن نفسها أيضاً (ووجه الإشكال) في المقام انه لو استدل بأخبار
الآحاد على حجية خبر الآحاد لزم الدور فان الاستدلال بهذه الاخبار متوقفة على حجية
اخبار الآحاد فلو كانت حجية اخبار الآحاد متوقفة على الاستدلال بهذه الأخبار لدار.
(قوله فتكون متواترة
لفظاً أو معنى ... إلخ)
أي فانها غير
متفقة على لفظ ولا على معنى كي تكون متواترة لفظاً أو معنى.
(قوله ولكنه مندفع
بأنها وان كانت كذلك إلّا انها متواترة إجمالا إلى آخره)
(وحاصل الدفع) ان
الأخبار التي دلت على حجية اخبار الآحاد وان كانت غير متفقة على لفظ ولا على معنى
كي تكون متواترة لفظاً أو معنى ولكنها متواترة إجمالا وقد عرفت شرح كل من التواتر
اللفظي والمعنوي والإجمالي عند الجواب عن المانعين فلا نعيد ومقتضي تواترها
الإجمالي هو حجية خبر من بين أخبار الحجية كان أخص الكل مضموناً وأضيقها دائرة
فانه القدر الجامع بين الكل فإذا دل بعضها مثلا على حجية خبر الثقة وبعضها على حجية
الثقة العدل وبعضها على حجية الثقة العدل المشهور بين الأصحاب فالحجة من بين الكل
هو ما دل على حجية خبر الثقة العدل المشهور بين الأصحاب فانه الّذي توافقت عليه
اخبار الحجية وأطبقت على صحة مؤداه وهو وإن لم يكف بمعظم الفقه بل ولا بأقل قليل
منه لندرته جداً ولكن إذا كان في اخبار الحجية خبر بهذه الخصوصيات الثلاث وقد دل
على حجية ما هو أعم وأوسع كحجية خبر الثقة مطلقاً من غير ضم خصوصية أخرى
إلى الوثاقة
فنتعدى عنه إلى الأعم الأوسع ويكفي بمعظم الفقه لشيوعه وعدم ندرته بلا كلام.
(أقول)
وفيه انا لا نكاد
نحتاج إلى هذه التكلفات الشديدة فإنا إذا راجعنا الطوائف المذكورة من الأخبار
نجدها متواترة بحسب المعنى مطبقة على حجية خبر الثقة المأمون من دون حاجة إلى ضم
خصوصية أخرى إليها كي توجب تضييق الدائرة وعدم الكفاية بمعظم الفقه ونحتاج في
التعدي عنه إلى ما إذا كان في اخبار الحجية خبر بالخصوصيات الثلاث المتقدمة وقد دل
على حجية ما هو أعم (ولعله) إليه أشار أخيراً بقوله فافهم (ويمكن) ان يكون إشارة
إلى ان الخبر الّذي كان أخص الكل مضموناً وقد اعتبر الوثاقة والعدالة والشهرة بين
الأصحاب مثلا هو مما يعارض الخبر الّذي كان بهذه الخصوصيات الثلاث وقد دل على حجية
ما هو أعم وأوسع (وعلى كل حال) ان المصنف قد سامح إنصافاً في ذكر الاخبار فلم
يتعرضها ولا أشار إلى طوائفها الأربع ولو إجمالا مع ان الأخبار هي من أقوى أدلة
خبر الواحد وأهمها كما أن مسألة خبر الواحد هي من أهم المسائل الأصولية وأنفعها
كما أشير إليه في صدر البحث فتذكر.
(قوله ضرورة انه يعلم
بصدور بعضها منهم عليهمالسلام ... إلخ)
قد عرفت منا في
ذيل الجواب عن حجج المانعين ان هذا التعليل للتواتر الإجمالي في غير محله فإن
الأخبار المتواترة لفظاً أو معنى وإن نعلم تفصيلا بصدق كل منها بخلاف الاخبار
المتواترة إجمالا المختلفة لفظاً ومعنى فانا لا نعلم إلا إجمالا بصدق أحدها ولا
نعلم بصدق جميعها ولكن الصحيح في التعليل له ان يقال ضرورة ان بين الكل قدر جامع
كل يقول بذلك القدر الجامع وهو الّذي توافقت عليه أخبار الحجية وأجمعت على صحته
واعتباره كخبر الثقة العدل المشهور بين الأصحاب مثلا
(قوله وقضيته وان كان
حجية خبر دل على حجية أخصها مضموناً إلى آخره)
في العبارة مسامحة
واضحة والصحيح هكذا وقضيته وان كان حجية خبر دل على الحجية وكان أخصها مضموناً ...
إلخ.
(قوله فافهم ... إلخ)
قد أشير آنفاً إلى
وجهين لقوله فافهم فلا تغفل.
في الإجماع على حجية خبر الواحد
(قوله فصل في الإجماع
على حجية الخبر وتقريره من وجوه ... إلخ)
من وجوه ستة على
ما ذكر الشيخ أعلى الله مقامه غير ان المصنف قد انتخب منها وجوهاً ثلاثة ولم يذكر
ما سواها.
(قوله أحدها دعوى
الإجماع من تتبع فتاوى الأصحاب على الحجية إلى آخره)
من هاهنا إلى آخر
قوله أو من تتبع الإجماعات المنقولة على الحجية هو الوجه الأول من الوجوه الستة
التي ذكرها الشيخ أعلى الله مقامه (قال ما لفظه) واما الإجماع فتقريره من وجوه.
(أحدها) الإجماع
على حجية خبر الواحد في مقابل السيد وأتباعه وطريق تحصيله أحد وجهين على سبيل منع
الخلو.
(أحدهما) تتبع
أقوال العلماء من زماننا إلى زمان الشيخين فيحصل من ذلك القطع بالاتفاق الكاشف عن
رضاء الإمام عليهالسلام بالحكم أو عن وجود نصّ معتبر في المسألة ولا يعتني بخلاف
السيد واتباعه إما لكونهم معلومي النسب كما
ذكره الشيخ في العدة
واما للاطلاع على ان ذلك لشبهة حصلت لهم كما ذكره العلامة في النهاية ويمكن أن
يستفاد من العدة أيضا واما لعدم اعتبار اتفاق الكل في الإجماع على طريق المتأخرين
المبني على الحدس.
(الثاني) تتبع
الإجماعات المنقولة في ذلك (فمنها) ما حكى عن الشيخ رضوان الله عليه في العدة في
هذا المقام حيث قال واما ما اخترته من المذهب وهو ان الخبر الواحد إذا كان وارداً
من طريق أصحابنا القائلين بالإمامة وكان ذلك مروياً عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أو عن أحد الأئمة عليهمالسلام وكان ممن لا يطعن في روايته ويكون سديداً في نقله ولم يكن
هناك قرينة تدل على صحة ما تضمنته الخبر لأنه إذا كان هناك قرينة تدل على صحة ذلك
كان الاعتبار بالقرينة وكان ذلك موجباً للعلم كما تقدمت القرائن جاز العمل به
والّذي يدل على ذلك إجماع الفرقة المحقة فإني وجدتها مجتمعة على العمل بهذه
الأخبار التي رووها في تصنيفاتهم ودونوها في أصولهم لا يتناكرون ذلك ولا يتدافعون
ثم ساق الكلام طويلا (إلى ان قال) وممن نقل الإجماع على حجية أخبار الآحاد السيد
الجليل رضي الدين بن طاوس حيث قال في جملة كلام له يطعن فيه على السيد (ره) ولا
يكاد تعجبي ينقضي كيف اشتبه عليه ان الشيعة لا يعمل بأخبار الآحاد في الأمور
الشرعية ومن اطلع على التواريخ والأخبار وشاهد عمل ذوي الاعتبار وجد المسلمين
والمرتضى وعلماء الشيعة الماضين عاملين بأخبار الآحاد بغير شبهة عند العارفين كما
ذكر محمد بن الحسن الطوسي في كتاب العدة وغيره من المشغولين بتصفح أخبار الشيعة
وغيرهم من المصنفين (إلى ان قال) وممن نقل الإجماع أيضاً العلامة في النهاية حيث
قال إن الأخباريين منهم لم يعولوا في أصول الدين وفروعه الا على أخبار الآحاد
والأصوليين منهم كأبي جعفر الطوسي عمل بها ولم ينكره سوى المرتضى واتباعه لشبهة
حصلت لهم انتهى (ثم قال) وممن ادعاه أيضاً المحدث المجلسي (ره) في بعض رسائله حيث
ادعى تواتر الأخبار وعمل الشيعة في جميع الأعصار على
العمل بخبر الواحد
(انتهى) موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه.
(قوله ولا يخفى مجازفة
هذه الدعوى لاختلاف الفتاوى فيما أخذ في اعتباره من الخصوصيات ... إلخ)
(وفيه ما لا يخفى)
فإن اختلاف الفتاوي فيما أخذ في اعتبار الخبر من الخصوصيات كعمل الأصحاب أو عدالة
الراوي أو وثاقته أو مجرد الظن بصدور الرواية إلى غير ذلك مما تقدم في صدر المسألة
مما لا يضر بثبوت أصل الحجية في الجملة ما دامت الفتاوي مشتركة في قدر جامع بين الكل
كل يقول بذلك الجامع (وإليه أشار) المصنف بقوله اللهم إلّا أن يدعي تواطؤها على
الحجية في الجملة وانما الاختلاف في الخصوصيات المعتبرة فيها ... إلخ.
(نعم يمكن الإشكال)
في أصل الصغرى بمعنى منع إطباق الأصحاب على الفتوى بالحجية مع مخالفة مثل السيد (ره)
وأتباعه (وإليه أشار) المصنف بقوله ولكن دون إثباته خرط القتاد انتهى لكن قد عرفت
آنفاً في كلام الشيخ أعلى الله مقامه وجوه عدم الاعتناء بخلاف السيد وأتباعه وانه
مما لا يضر بانعقاد الإجماع الكاشف عن رضاء الإمام عليهالسلام أبداً.
(قوله ولكن دون إثباته
خرط القتاد ... إلخ)
أي دون إثبات
تواطؤ الفتاوي على الحجية خرط القتاد.
(قوله ثانيها دعوى
اتفاق العلماء عملا بل كافة المسلمين على العمل بخبر الواحد في أمورهم الشرعية ...
إلخ)
هذا هو الوجه
الثالث من الوجوه الستة التي ذكرها الشيخ أعلى الله مقامه (قال ما لفظه) الثالث من
وجوه تقرير الإجماع استقرار سيرة المسلمين طراً على استفادة الأحكام الشرعية من
أخبار الثقات المتوسطة بينهم وبين الإمام عليهالسلام أو المجتهد أترى أن المقلدين يتوقفون في العمل بما يخبرهم
الثقة عن المجتهد أو الزوجة تتوقف فيما يحكيه زوجها من المجتهد في مسائل حيضها وما
يتعلق بها إلى أن يعلموا
من المجتهد تجويز
العمل بالخبر الغير العلمي وهذا مما لا شك فيه ودعوى حصول القطع لهم في جميع
الموارد بعيدة عن الإنصاف نعم المتيقن من ذلك صورة حصول الاطمئنان بحيث لا يعتني
باحتمال الخلاف انتهى.
(أقول)
والفرق بين هذا
الوجه وسابقه ان الوجه السابق إجماع قولي من العلماء خاصة وهم أهل الفتوى
والاستنباط وهذا إجماع عملي من المسلمين عامة على العمل بخبر الثقة في الأمور
الشرعية وأخذ الأحكام والمسائل الفرعية (ومن هنا) يظهر انه لو قال المصنف ثانيها
دعوى استقرار سيرة المسلمين عملا على العمل بخبر الواحد ... إلخ بدون ذكر اتفاق
العلماء كان أولى وأصح.
(قوله وفيه مضافاً إلى
ما عرفت مما يرد على الوجه الأول ... إلخ)
يعني به ما أورده
من اختلاف الفتاوي فيما أخذ في اعتبار الخبر من الخصوصيات وان معه لا مجال لتحصيل
القطع برضائه عليهالسلام (هذا ولكنك) قد
عرفت ان اختلاف الفتاوي في ذلك مما لا يضر بثبوت أصل الحجية في الجملة كما اعترف
به المصنف أخيراً (مضافاً) إلى ان ذلك انما يرد إذا كان الوجه الثاني عبارة عن
اتفاق العلماء قولا فيقال حينئذ إنهم مختلفون فيما أخذ في اعتبار الخبر واما إذا
كان عبارة عن استقرار سيرة المسلمين كافة عملا كما أشرنا إليه فلا يكاد يرد عليه
ذلك فإنهم مطبقون في الأحكام الشرعية على العمل بخبر الثقة من دون اعتبار شيء فيه
سوى ما أشار إليه الشيخ أعلى الله مقامه من حصول الاطمئنان على نحو لا يعتني
باحتمال الخلاف أصلا.
(قوله انه لو سلم
اتفاقهم على ذلك لم يحرز انهم اتفقوا بما هم مسلمون ومتدينون بهذا الدين أو بما هم
عقلاء ... إلخ)
(وحاصل هذا
الإيراد الثاني) انه لم يعلم ان المسلمين قد اتفقوا على العمل بخبر الثقة في
الأمور الشرعية بما هم مسلمون ومتدينون بهذا الدين ليكون ذلك وجهاً
مستقلا في قبال
الوجه الآتي أو بما هم عقلاء ولو لم يلتزموا بدين فان العقلاء يعملون بخبر الثقة
في عامة أمورهم ولو في غير الأمور الدينية من الأمور العادية فيكون ذلك من شعب
الوجه الآتي ومن صغرياته المندرجة فيه لا وجهاً مستقلا برأسه.
(قوله فيرجع إلى ثالث
الوجوه وهو دعوى استقرار سيرة العقلاء من ذوي الأديان وغيرهم على العمل بخبر الثقة
... إلخ)
هذا هو الوجه
الرابع من الوجوه الستة التي ذكرها الشيخ أعلى الله مقامه وهو عمدة الوجوه بل عمدة
الأدلة التي أقيمت على حجية خبر الواحد بعد الاخبار بطوائفها الأربع بل الظاهر من
شدة اهتمام المصنف بهذا الوجه انه في نظره عمدة الأدلة حتى بالنسبة إلى الأخبار
وعلى كل حال (قال الشيخ) أعلى الله مقامه ما لفظه الرابع استقرار طريقة العقلاء
طراً على الرجوع إلى خبر الثقة في أمورهم العادية ومنها الأوامر الجارية من
الموالي إلى العبيد فنقول إن الشارع إن اكتفى بذلك منهم في الأحكام الشرعية فهو
وإلّا وجب عليه ردعهم وتنبيههم على بطلان سلوك هذا الطريق في الأحكام الشرعية كما
ردع في مواضع خاصة وحيث لم يردع علم منه رضاه بذلك لأن اللازم في باب الإطاعة
والمعصية الأخذ بما يعد طاعة في العرف وترك ما يعد معصية كذلك انتهى.
(أقول)
والفرق بين هذا
الوجه وسابقه ان الوجه السابق كان سيرة المسلمين خاصة على العمل بخبر الثقة في
خصوص الأمور الشرعية وهذه سيرة العقلاء عامة على العمل بخبر الثقة في تمام أمورهم
العادية ومنها الأمور الدينية فهذا الوجه أوسع من سابقه كما ان السابق كان أوسع من
الأول (والظاهر) ان عمل العقلاء بخبر الثقة انما يكون إذا أفاد الوثوق والاطمئنان
لا بما هو هو إذ لا تعبد في أمورهم كما لا يخفى بل يعملون بكل ما أفاد الوثوق
والاطمئنان ولو لم يكن خبر ثقة أو لم يكن خبراً
أصلا بل كان أمارة
أخرى غير الخبر فالتعبير باستقرار سيرة العقلاء على العمل بخبر الثقة انما هو من
جهة حصول الوثوق والاطمئنان منه نوعاً وإلّا فلا خصوصية لخبر الثقة ولا لغيره أصلا
(فالمناط) كل المناط في نظرهم هو حصول الوثوق والاطمئنان من أينما حصلا وتحققا
فيعاملون معهما معاملة العلم واليقين بلا شبهة (بل لا يبعد) دعوى كون عملهم بالعلم
واليقين هو بملاك الوثوق والاطمئنان وسكون النّفس فلو فرض انفكاك العلم واليقين في
مورد عن سكون النّفس والاطمئنان لم يعملوا على طبقهما ولم يتحركوا على وفقهما (ولعل)
من هنا لا يقدمون على الدخول في الأماكن الموحشة حتى مع العلم بعدم الضرر فانه ليس
ذلك إلا لفقد سكون النّفس والاطمئنان كما لا يخفى (ولعل) من هذا الباب كان سؤال
إبراهيم عليهالسلام من ربه أن يريه كيف يحيى الموتى فقال تعالى أو لم تؤمن قال
بلى ولكن ليطمئن قلبي فهو مع إيمانه بالله تعالى وعلمه بأنه جل وعلا قادر على كل
شيء أراد أن يشاهد إحياء الموتى حساً ليحصل له من سكون النّفس واطمئنان القلب ما
لم يكن حاصلا له قبله.
(وبالجملة) ان
مفاد الطوائف المتقدمة من الأخبار هو حجية خبر الثقة مطلقاً ولو لم يحصل منه
الوثوق والاطمئنان ومفاد سيرة العقلاء بعد الجواب عما سيأتي من إشكال الردع عنها
هو حجية كل ما أفاد الوثوق والاطمئنان ولو لم يكن خبر ثقة بل ولو لم يكن خبراً
أصلا (ومن هنا) يقوي في النّظر صحة الاعتماد على الوثوق والاطمئنان حتى في
الموضوعات فضلا عن الأحكام وذلك لعموم السيرة وعدم اختصاصها بالأمور الدينية وأخذ
المسائل الفرعية.
(نعم لا يصح)
الاعتماد عليهما في مقام القضاء ودفع الخصومات والحكم بين الناس سواء كان في حقوق
الله أو في حقوق العباد وذلك لاعتبار الطريق الخاصّ في مقام القضاء والحكم من
شهادة عدلين أو رجل وامرأتين أو رجل واحد مع اليمين ونحو ذلك من الطرق المختلفة
بحسب اختلاف المقامات (وان كان) لا يبعد
جواز اعتماد
القاضي عليهما بالنسبة إلى عمل نفسه شخصاً فإذا اطمأن وحصل له الوثوق بأن هذه
الدار مثلا هي غصب بيد زيد وانها لعمرو لم يصح له التصرف فيها بدون اذن عمرو وان
لم يجز له الحكم بغصبيتها ونزعها من يد زيد وإعطائها لعمرو بمجرد الوثوق
والاطمئنان مع انتفاء البينة في البين فتأمل جيداً.
(قوله إن قلت يكفى في
الردع الآيات الناهية والروايات المانعة عن اتباع غير العلم ... إلخ)
(هذا الإشكال) من
الشيخ أعلى الله مقامه (قال ما لفظه) فإن قلت يكفي في ردعهم يعني العقلاء الآيات
المتكاثرة والأخبار المتظافرة بل المتواترة على حرمة العمل بما عدا العلم (انتهى)
وهو إشكال لا يخلو عن قوة والتخلص عنه لا يخلو عن كلفة (ومن هنا) قد اهتم الشيخ
والمصنف جميعاً في جوابه ودفعه كمال الاهتمام (ومحصل الإشكال) ان سيرة العقلاء على
العمل بخبر الثقة في عامة أمورهم وان كانت مسلمة ولكن من المسلم أيضا ان السيرة
بما هي هي لا تكون حجة ولو كانت من المسلمين بما هم مسلمون ومتدينون بهذا الدين
فضلا عما إذا كان من العقلاء بما هم عقلاء ولو لم يلتزموا بدين ما لم يمضها الشارع
ويرض بها ويأذن فيها وعدم الردع عنها وان كان مما يكفي في إمضائها ولكن الآيات بل
الروايات الناهية عن العمل بما سوى العلم مثل قوله تعالى ولا تقف ما ليس لك به علم
وقوله عليهالسلام ما علمتم انه قولنا فالزموه وما لم تعلموا فردوه إلينا إلى
غير ذلك من الآيات والروايات التي تقدم تفصيلهما عند استدلال المانعين بهما رادعة
عنها مانعة عن دليليتها فلا تصلح السيرة للاستدلال بها أصلا هذا محصل الإشكال
وبيانه.
(قوله قلت لا يكاد
يكفى تلك الآيات في ذلك ... إلخ)
قد أشرنا آنفاً ان
الإشكال المذكور مما لا يخلو عن قوة وان التخلص عنه مما لا يخلو عن كلفة (وعليه)
فينبغي أن نشير أولا إلى ما أجاب به الشيخ أعلى الله مقامه عن الإشكال ثم نذكر
أجوبة المصنف ثم نتبعهما بما عندنا من الجواب.
(فنقول) اما ما
أجاب به الشيخ أعلى الله مقامه (فمحصله) بنحو الاختصار ان مفاد أدلة حرمة العمل
بما عدا العلم راجع إلى أحد وجهين.
(الأول) ان العمل
والتعبد بما عدا العلم من دون اذن من الشارع تشريع محرم بالأدلة الأربعة.
(الثاني) انه طرح
للأصول المعتبرة التي هي في مورده من العملية واللفظية جميعاً وشيء من الوجهين مما
لا يجري بعد استقرار سيرة العقلاء على العمل بخبر الثقة.
(اما الأول)
فلانتفاء التشريع مع استقرار سيرتهم على سلوكه.
(واما الثاني)
فلأن الأصول مما لا دليل على جريانها في مقابل خبر الثقة (هذا محصل ما أفاده الشيخ)
أعلى الله مقامه في الجواب عن الإشكال المتقدم (وفيه ما لا يخفى) فان التشريع انما
ينتفي إذا أمضى الشارع سيرة العقلاء والمفروض ان الشارع لم يمضها بل ردع عنها بتلك
الآيات والروايات فضلا عن أن يمضيها ويقررها.
(واما الأصول)
المعتبرة فاللفظية منها التي هي مدركها بناء العقلاء كما تقدم في بحث الظواهر وان
لم يكن دليل على جريانها في مقابل خبر الثقة كما أفاد الشيخ أعلى الله مقامه إذ لا
بناء لهم على العمل بها في قباله (ولكن العملية منها) ليست كذلك (إذ العملية
العقلية) التي مدركها حكم العقل كالبراءة العقلية والاحتياط والتخيير فالعقل مما
لا يرفع يده عنها حتى يقوم دليل قاطع على اعتبار خبر الثقة القائم على خلافها
ومجرد استقرار سيرة العقلاء على العمل به مما لا يكفي في نظره ما لم يمضها الشارع
والمفروض انه قد ردع عنها بتلك الآيات والروايات ولم يمضها أبداً.
(واما العملية
الشرعية) أي التي استفيد اعتبارها من الأخبار المأثورة فأدلتها مطلقة تشمل حتى ما
إذا قام خبر الثقة على خلافها ما لم يقم دليل بالخصوص
على اعتباره ليكون
حاكماً أو وارداً عليها على التفصيل الآتي في محله إن شاء الله تعالى والمفروض ان
دليل اعتباره هو السيرة وهي بنفسها ليست بحجة ما لم يمضها الشارع ولم يمضها بل
ردعها بالآيات والروايات كما لا يخفى.
(واما المصنف) فقد
أجاب عن الإشكال بأمور ثلاثة.
(الأول) ان الآيات
الناهية قد وردت إرشاداً إلى عدم كفاية الظن في أصول الدين وقد تقدم منا عند
الجواب عن استدلال المانعين بها ما يؤيد ذلك من ورود كثير منها في موارد اتباع
الظن في الأمور الاعتقادية غير ان هذا جواب عن رادعية الآيات فقط دون الروايات.
(الثاني) ان
المتيقن من الآيات الناهية لو لا المنصرف إليه إطلاقها هو الظن الّذي لم يقم على
اعتباره حجة.
(وفيه أولا) ان
مجرد كون المتيقن من إطلاقها ذلك هو مما لا يضر بالإطلاق وإلا لم يبق لنا إطلاق قد
جاز التمسك به وذلك لوجود المتيقن منه ما لم يكن القدر المتيقن في مقام التخاطب
كما تقدم شرحه في مقدمات الحكمة في المطلق والمقيد ومن المعلوم انه لا متيقن لنا
كذلك في المقام الا المتيقن بملاحظة الخارج عن مقام التخاطب ولا عبرة به.
(وثانياً) سلمنا
ان المتيقن بل المنصرف من إطلاقها هو الظن الّذي لم يقم على اعتباره حجة ولكن من
أين علم ان خبر الثقة مما قام على اعتباره حجة ليكون خارجاً عن انصرافها إذ
المفروض ان دليل اعتباره هو سيرة العقلاء وهي مما لا تكون حجة ما لم يمضها الشارع
ولم يمضها بل ردع عنها بالآيات والروايات.
(الثالث) وهو عمدة
الأجوبة الثلاثة ان رادعية الآيات عن سيرة العقلاء على العمل بخبر الثقة دورية فإن
رادعية الآيات عن السيرة تتوقف على عدم مخصصية السيرة لها وإلّا فلا تكون الآيات
رادعة عنها وعدم مخصصية السيرة لها يتوقف على رادعية الآيات عنها وإلّا فتكون
السيرة مخصصة لها فرادعية
الآيات تتوقف على
رادعية الآيات وهو دور محال (وفيه ما لا يخفى) إذ يرد عليه حينئذ نقضاً وحلا.
(اما النقض) فحاصله
ان عدم رادعية الآيات عن السيرة أيضاً دوري فإن عدم رادعيتها عنها يتوقف على
مخصصية السيرة لها وإلّا فتكون الآيات رادعة عنها ومخصصية السيرة لها يتوقف على
عدم رادعيتها عنها وإلّا فلا تكون السيرة مخصصة لها وهو دور محال كما في رادعية
الآيات عنها.
(واما الحل)
فحاصله ان رادعية الآيات عن السيرة ومخصصية السيرة للآيات هما ضدان لا يجتمعان
خارجاً فوجود كل منهما مع عدم الآخر متلازمان في عرض واحد ليس لأحدهما توقف على
الآخر وذلك لعدم العلية والمعلولية بينهما كما تقدم تفصيله في بحث الضد فهما من
قبيل استقبال الجنوب واستدبار الشمال فكما ان استقبال الجنوب لا يتوقف على استدبار
الشمال واستدبار الشمال لا يتوقف على استقبال الجنوب بل يتوقفان على علة ثالثة وهي
التي توجدهما دفعة واحدة فكذلك في المقام وجود كل من الرادعية والمخصصية مع عدم
الآخر في عرض واحد لا يتوقف أحدهما على الآخر فلا رادعية الآيات تتوقف على عدم
مخصصية السيرة لها كما ادعى المصنف ولا عدم رادعية الآيات تتوقف على مخصصية السيرة
لها كما ادعينا نحن في النقض عليه بل توجدان الطرفان أعني وجود كل من الرادعية
والمخصصية مع عدم الآخر بتحقق علتهما في الخارج دفعة واحدة فلا الرادعية دورية ولا
عدم الرادعية وعلى هذا.
(فالحق) في مقام
الجواب عن رادعية الآيات عن السيرة بعد الاعتراف بصلاحيتها للردع عنها من دون لزوم
دور محال (ان يقال) انا نعلم من الخارج بخروج خبر الثقة بل مطلق الوثوق والاطمئنان
عن تحت الآيات الناهية إذ العمل بخبر الثقة مع استقرار سيرة العقلاء عليه طراً
ومعاملتهم معه معاملة العلم واليقين جميعاً في عامة أمورهم العادية ومنها الأمور
الدينية لو كان مبغوضاً محرماً شرعاً
لكان الشارع ينهى
عنه بأدلة خاصة صادرة في شأنه كثيراً ولم يكتف في الردع عنها بعموم تلك الآيات
الناهية (ألا ترى) ان القياس ظن محرم شرعاً وكيف نهى الشارع عنه وبالغ في تحريمه
وإبطاله حتى ورد في حقه مئات من الأخبار بحيث عرف كل مجتهد بل كل شيعي حرمة القياس
وفساده مع ان العمل بالقياس ليس مثل العمل بخبر الثقة مما يعم به البلوى ويكون من
شأن كل أحد بل هو من شأن خصوص أهل الفتوى والاجتهاد والنّظر والاستنباط فلو كان
العمل بخبر الثقة محرماً مبغوضاً كالعمل بالقياس لورد في تحريمه ألوف من الأخبار
ولم يسمع انه ورد في النهي عنه خبر واحد فضلا عن أخبار كثيرة بل قد عرفت منا ورود
الأخبار المتواترة في جواز العمل به غير انها دليل مستقل لا ربط لها بسيرة العقلاء
(هذا تمام الكلام) في الجواب عن رادعية الآيات الناهية.
(واما الجواب) عن
رادعية الروايات فقد عرفت شرحه عند الجواب عن استدلال المانعين بها وانها بين ما
لا يقبل التخصيص والحمل على خبر غير الثقة وبين ما يقبل التخصيص.
(اما الطائفة
الأولى) فهي محمولة على الخبر المخالف لنص الكتاب وصريحه بشهادة القطع بصدور
الأخبار الكثيرة المخالفة لظاهر الكتاب.
(واما الطائفة
الثانية) فهي محمولة على خبر غير الثقة بشهادة الأخبار المتواترة الآمرة بالعمل
بخبر الثقة فإذا كانت محمولة على غير الثقة فلا تكون الروايات رادعة عن السيرة
العقلائية غير انه يرد حينئذ ان التخلص عن رادعية الروايات عن السيرة يكون بوسيلة
الاخبار المتواترة الآمرة بالعمل بخبر الثقة فلولاها لم تتم السيرة ولم تكن هي
دليلا مستقلا برأسه فتأمل جيداً فان المقام لا يخلو عن دقة.
(قوله فانه مضافاً إلى
انها وردت إرشاداً ... إلخ)
إشارة إلى الجواب
الأول من الأجوبة الثلاثة عن رادعية الآيات وقد عرفت منا
ما يؤيده غير انه
كان جواباً عن رادعية الآيات فقط دون الروايات.
(قوله ولو سلم فانما
المتيقن لو لا انه المنصرف إليه ... إلخ)
إشارة إلى الجواب
الثاني من الأجوبة الثلاثة المتقدمة وقد عرفت منا ضعفه من وجهين
(قوله لا يكاد يكون
الردع بها الا على وجه دائر ... إلخ)
إشارة إلى الجواب
الثالث من الأجوبة المتقدمة وقد أشرنا انه عمدة الأجوبة ولكنك قد عرفت منا ضعفه
أيضاً نقضاً وحلا فلا تنس.
(قوله لا يقال علي هذا
لا يكون اعتبار خبر الثقة بالسيرة أيضاً الا على وجه دائر ... إلخ)
إشارة إلى النقض
الّذي أوردناه نحن على الجواب الثالث (ومحصله) ان اعتبار خبر الثقة بالسيرة مما
يتوقف على عدم رادعية الآيات عنها وهو دوري كرادعيتها عنها عيناً بمعنى ان عدم
رادعيتها عنها يتوقف على مخصصية السيرة لها ومخصصية السيرة لها يتوقف على عدم
رادعيتها عنها وهو دور محال (غير ان المصنف) لم يعجبه هذا النقض فأجاب عنه بما
حاصله انه يكفي في اعتبار خبر الثقة بالسيرة عدم ثبوت ما يصلح للردع عنها لا ثبوت
عدم رادعية الآيات عنها كي يتوقف ذلك على مخصصية السيرة لها ومخصصية السيرة لها
يتوقف على عدم رادعية الآيات عنها ويلزم الدور المحال كما انه يكفي أيضاً عدم ثبوت
ما يصلح للردع عن السيرة في مخصصية السيرة للآيات فان ما جرت عليه السيرة متبع ما
لم ينهض دليل على المنع عن اتباعه (وفيه) انه لو صح ذلك وتم لكفى أيضاً في رادعية
الآيات عن السيرة عدم ثبوت ما يصلح لتخصيصها فان عموم تلك الآيات متبع ما لم ينهض
دليل على المنع عن اتباعه.
(قوله كما يكفى في
تخصيصها لها ذلك ... إلخ)
أي كما يكفي في
تخصيص السيرة للآيات عدم ثبوت الردع عنها وقد عرفت منا النقض آنفاً فلا تغفل.
(قوله فافهم وتأمل ...
إلخ)
يظهر من تعليقته
على الكتاب ان هذا إشارة إلى أن خبر الثقة حجة متبعة ولو قيل بسقوط كل من السيرة
وإطلاق الآيات الناهية عن الاعتبار بسبب دوران الأمر بين ردعها به وتقييده بها
وذلك لاستصحاب حجيته الثابتة قبل نزول الآيتين يعني بهما قوله تعالى ولا تقف ما
ليس لك به علم وقوله تعالى ان الظن لا يغني من الحق شيئاً أقول إذا اعترف المصنف
بسقوط كل من السيرة والإطلاق عن الاعتبار للسبب المذكور فهو مساوق لرفع اليد عن
دليلية السيرة لحجية خبر الثقة ويكون تشبثاً بالاستصحاب كما لا يخفى.
في الوجوه العقلية التي أقيمت على حجية
خبر الواحد وبيان الوجه الأول منها
(قوله فصل في الوجوه
العقلية التي أقيمت على حجية الخبر الواحد أحدها انه يعلم إجمالا ... إلخ)
هذا الوجه الأول
هو من الشيخ أعلى الله مقامه وكان يعتمد عليه سابقاً على ما صرح به (وملخصه) انه
لا شك للمتتبع في أحوال الرّواة المذكورة في تراجمهم وفي كيفية اهتمام أرباب الكتب
من المشايخ الثلاثة ومن تقدمهم في تنقيح ما أودعوه في كتبهم وعدم اكتفائهم بأخذ
الرواية من كتاب وإيداعها في تصانيفهم حذراً من كون ذلك الكتاب مدسوساً فيه من بعض
الكذابين أن أكثر الأخبار بل جلها الا ما شذ وندر صادر عن الأئمة عليهمالسلام فإذا ثبت العلم الإجمالي بوجود الأخبار الصادرة فيجب بحكم
العقل العمل بكل خبر مظنون الصدور لأن تحصيل الواقع
الّذي يجب العمل
به إذا لم يمكن على وجه العلم تعين المصير إلى الظن في تعيينه توصلا إلى العمل
بالأخبار الصادرة بل ربما يدعي وجوب العمل بكل واحد منها مع عدم المعارض والعمل
بمظنون الصدور أو بمظنون المطابقة للواقع من المتعارضين (انتهى) ملخصه (ثم ان
الشيخ) بنفسه قد أورد على هذا الوجه أموراً.
(الأول) ما ملخصه
ان وجوب العمل بالأخبار الصادرة عن الأئمة عليهمالسلام ليس إلا من جهة كاشفيتها عن أحكام الله الواقعية المدلول
عليها بتلك الأخبار (وعليه) فالعلم الإجمالي بالأخبار الصادرة فيما بأيدينا من
الأخبار يساوق العلم الإجمالي بالتكاليف الشرعية وحينئذ (فنقول) ان العلم الإجمالي
بها ليس مختصاً بالأخبار بل العلم الإجمالي بها حاصل في مجموع ما بأيدينا من
الأخبار والأمارات الأخر كالشهرة في الفتوى ونحوها فهنا علم إجمالي حاصل في
الاخبار وعلم إجمالي حاصل بملاحظة مجموع الاخبار وساير الأمارات ولذا لو فرضنا عزل
طائفة من الاخبار بمقدار المعلوم بالإجمال فيها وضممنا إلى الباقي ساير الأمارات
كان العلم الإجمالي باقياً على حاله فلو كان العلم الإجمالي مختصاً بالأخبار فقط
لانحل العلم الإجمالي بمجرد عزل طائفة منها بمقدار المعلوم بالإجمال فيها وان انضم
إلى الباقي ساير الأمارات (ونظير المقام) ما إذا علمنا إجمالا بوجود شياة محرمة في
خصوص السود من الغنم وعلمنا أيضاً بوجود شياة محرمة في مجموع القطيع من السود
والبيض جميعاً فإذا عزلنا من السود بمقدار المعلوم بالإجمال فيه وضممنا إلى الباقي
باقي القطيع كان العلم الإجمالي باقياً على حاله فلو كان العلم الإجمالي مختصاً
بالسود فقط لانحل العلم الإجمالي بمجرد عزل مقدار منه بمقدار المعلوم بالإجمال فيه
وان انضم إلى الباقي باقي القطيع (وعليه) فاللازم في المقام وكل مقام آخر كان من
هذا القبيل هو مراعاة العلم الإجمالي الكبير الأوسع ففي المقام لا بد أولا من
الاحتياط في مجموع الأخبار وساير الأمارات ومع تعذره أو تعسره أو قيام الدليل على
عدم وجوبه يرجع إلى كل ما أفاد الظن بصدور الحكم عن الحجة
سواء كان خبراً أو
شهرة أو غيرهما فهذا الدليل مما لا يفيد حجية خصوص الخبر وانما يفيد حجية كل ما ظن
منه بصدور الحكم عن الحجة وان لم يكن خبراً.
(الثاني) ما ملخصه
ان اللازم من هذا العلم الإجمالي هو العمل بالظن في مضمون تلك الأخبار لا العمل
بالظن في صدور تلك الأخبار وذلك لما عرفت من ان العمل بالخبر الصادر انما هو
باعتبار كون مضمونه حكم الله الّذي يجب العمل به وحينئذ فكلما ظن بمضمون خبر منها
ولو من جهة الشهرة على طبقه يؤخذ به ولو لم يكن مظنون الصدور وكل خبر لم يحصل الظن
بكون مضمونه حكم الله لا يؤخذ به ولو كان مظنون الصدور كما في الخبر الّذي ظن
بصدوره تقية فالعبرة هي بظن مطابقة الخبر للواقع لا بظن صدوره.
(الثالث) وهو عمدة
الأمور الثلاثة ما ملخصه انه لا يثبت بهذا الدليل الا وجوب العمل بالخبر المثبت
للتكليف واما الخبر النافي للتكليف فلا يجب العلم به وإن جاز ذلك قطعاً وهكذا لا
يثبت به حجية الاخبار على وجه ينهض لصرف ظواهر الكتاب والسنة القطعية وانما يجب
العمل بمثبته احتياطاً من جهة العلم الإجمالي بالصدور ومعنى حجية الخبر هو كونه
دليلا متبعاً في مخالفة الأصول العملية واللفظية مطلقاً أي سواء كان الخبر مثبتاً
للتكليف أو نافياً له وسواء كان الأصل اللفظي هي أصالة العموم أو أصالة الإطلاق أو
أصالة الحقيقة وهذا المعنى مما لا يكاد يثبت بالدليل المذكور كما لا يخفى.
(أقول)
اما الإيراد
الثالث فهو وارد إنصافاً لا محيط عنه ولا مفر (ومن هنا) قد ارتضاه المصنف كما
ستعرف ذلك وجعله جواباً عن هذا الوجه الأول.
(واما الإيراد
الثاني) فهو غير مهم فان المقصود من الاستدلال بهذا الوجه هو حجية الخبر ولو في
الجملة سواء كان مظنون الصدور أو مظنون المطابقة ومن هنا ليس عنه في كلام المصنف
عين ولا أثر.
(واما الإيراد
الأول) وهو دعوى ان لنا علمين إجماليين أحدهما في خصوص الأخبار والآخر في مجموع ما
بأيدينا من الاخبار وساير الأمارات وان اللازم هو مراعاة العلم الإجمالي الكبير
الأوسع فينتج حجية كل أمارة ولو لم يكن خبراً فهو غير وارد إنصافاً فإنا وان كنا
نعلم إجمالا في بدو الأمر بوجود تكاليف شرعية في مجموع ما بأيدينا من الاخبار
وساير الأمارات ولكن بعد التتبع في أحوال الرّواة والتأمل في كيفية اهتمام أرباب
الكتب من المشايخ الثلاثة ومن تقدمهم في تنقيح ما أودعوه في كتبهم إلى غير ذلك مما
ذكر عند الاستدلال بهذا الوجه الأول نعلم إجمالا بصدور كثير من الاخبار التي
بأيدينا بمقدار المعلوم بالإجمال من التكاليف الشرعية في المجموع فينحل العلم
الإجمالي الكبير قهراً إلى العلم الإجمالي الصغير في خصوص الاخبار فيجب الاحتياط
أو التنزل إلى الظن في خصوص الاخبار لا في مجموع ما بأيدينا من الاخبار وساير
الأمارات (ومن هنا عدل المصنف) في بيان هذا الوجه الأول عن النحو الّذي قرره الشيخ
إلى نحو يسلم من هذا الإيراد أي من تعدد العلم الإجمالي ولزوم مراعاة العلم
الإجمالي الكبير الأوسع (فقال) أحدها انه يعلم إجمالا بصدور كثير مما بأيدينا من
الأخبار من الأئمة الأطهار بمقدار واف بمعظم الفقه بحيث لو علم تفصيلا ذاك المقدار
لانحل علمنا الإجمالي بثبوت التكاليف بين الروايات وساير الأمارات إلى العلم
التفصيليّ بالتكاليف في مضامين الاخبار إلى آخره يعني بذلك انحلال العلم الإجمالي
الكبير الموجود في المجموع إلى العلم الإجمالي الصغير المختص بالأخبار كما سيأتي
تصريحه به في آخر هذا الوجه فانتظر.
(قوله ولازم ذلك لزوم
العمل على وفق جميع الأخبار المثبتة ... إلخ)
(نعم) لازم ذلك هو
ما ذكره المصنف ولكن فيما كان العلم الإجمالي بالصدور متعلقاً بالأخبار المثبتة
للتكليف وإلّا فمجرد العلم الإجمالي بالصدور مما لا يجدي شيئاً بعد جواز كون
الصادر بتمامه في الاخبار النافية (وقد تفطن الشيخ أعلى الله مقامه) لهذه النكتة (فقال)
فيما أفاده في تقريب الوجه المذكور (ما لفظه)
ثم إن هذا العلم
الإجمالي انما هو متعلق بالأخبار المخالفة للأصل المجردة عن القرينة وإلّا فالعلم
بوجود مطلق الصادر لا ينفع (انتهى) ويعني بالأخبار المخالفة للأصل الاخبار المثبتة
للتكليف على خلاف أصل البراءة كما انه يعني بالأخبار المجردة عن القرينة الاخبار
الغير المحفوفة بالقرينة القطعية التي هي محل الكلام بين المشهور وبين السيد واتباعه.
(قوله وجواز العمل على
طبق النافي منها فيما إذا لم يكن في المسألة أصل مثبت له ... إلخ)
أو عموم أو إطلاق
مثبت له من الكتاب أو السنة بل ولا خبر مثبت له فان الاحتياط في الأخبار بمقتضى
العلم الإجمالي بصدور كثير منها مما يقتضي الأخذ بالمثبت منها مطلقاً ولو عند
تعارض المثبت مع النافي.
(قوله من قاعدة
الاشتغال أو الاستصحاب ... إلخ)
فإذا علمنا إجمالا
بوجوب الظهر أو الجمعة ووجب الإتيان بكليهما للاشتغال وقام خبر من تلك الأخبار
التي نعلم إجمالا بصدور كثير منها على نفي وجوب الجمعة لم يجز العلم بالخبر النافي
(وهكذا) إذا استصحبنا وجوب صلاة الجمعة وقام خبر منها على نفيه لم يجز العمل
بالنافي.
(قوله بناء على جريانه
في أطراف علم إجمالا بانتقاض الحالة السابقة في بعضها ... إلخ)
(وفي الابتناء
المذكور) ما لا يخفى فان الاستصحاب وان كان لا يجري في أطراف علم إجمالا بانتقاض
الحالة السابقة في بعضها كما سيأتي وجهه في صدر قاعدة الاشتغال وفي خاتمة
الاستصحاب إن شاء الله تعالى (فإذا كانت) هناك أو اني متعددة نعلم تفصيلا بطهارة
كل منها ثم علمنا إجمالا انه تنجس بعضها بدم أو بول ونحوهما فلا يجري استصحاب
الطهارة في شيء من تلك الأواني بعد العلم الإجمالي بانتقاض الحالة السابقة في
بعضها (وهكذا إذا كانت) الحالة السابقة هي
النجاسة وعلم
إجمالا انه قد طهر بعضها بكرّ أو مطر ونحوهما فلا تجري استصحاب النجاسة في شيء
منها وإن وجب الاحتياط حينئذ في الجميع للعلم الإجمالي بنجاسة بعضها (ولكن هذا كله)
غير مربوط بالمقام فإن الإخبار النافية هب انا نعلم إجمالا بصدور كثير منها ولكن
لم يتم أركان استصحاب التكليف من اليقين السابق والشك اللاحق في جميعها كي لا يجري
الاستصحاب حينئذ في شيء منها لا كلا ولا بعضاً بل تمت في بعضها فيجري فيه بلا مانع
ولا مزاحم فتأمل جيداً.
(قوله أو قيام أمارة
معتبرة على انتقاضها فيه ... إلخ)
في العبارة مسامحة
واضحة والصحيح بمقتضى العطف على قوله علم إجمالا بانتقاض الحالة السابقة في بعضها
هكذا أو قام أمارة معتبرة على انتقاضها فيه.
(وفيه انه لا يكاد
ينهض على حجية الخبر بحيث يقدم تخصيصاً أو تقييداً أو ترجيحاً على غيره من عموم أو
إطلاق أو مثل مفهوم ... إلخ)
إشارة إلى الإيراد
الثالث مما أورده الشيخ أعلى الله مقامه على الوجه الأول وقد أشرنا انه ارتضاه
المصنف من بين الإيرادات الثلاثة وجعله جواباً عن هذا الوجه الأول فتذكر.
(أقول)
إن مقتضي العلم
الإجمالي بصدور كثير مما بأيدينا من الاخبار وان كان هو مجرد الاحتياط ووجوب العلم
بالأخبار المثبتة وجواز العمل على طبق النافي لا حجية الخبر بحيث يقدم على العام
تخصيصاً وعلى المطلق تقييداً وعلى المفهوم ترجيحاً وعلى الأصول العلمية حكومة أو
وروداً (ولكن) يعامل لا محالة مع الأخبار المثبتة معاملة التقديم فإذا كان في
المسألة عموم أو إطلاق أو مفهوم أو ظهور أو أصل عملي يقتضي نفي التكليف وكان في
الأخبار خبر يثبت التكليف فلا بدّ من العمل بالخبر المثبت فان معنى الاحتياط
بمقتضى العلم الإجمالي بالصدور ان يفرض كل خبر مثبت للتكليف صادراً واقعاً.
(نعم) الخبر
النافي لا يقدم ولا يعامل معه معاملة التقديم إذ لو كان في المسألة عموم أو إطلاق
أو مفهوم أو ظهور أو أصل عملي يثبت التكليف وكان في الأخبار ما ينفيه لم يجز العمل
بالنافي فان الاخبار النافية هب انا نعلم إجمالا بصدور كثير منها ولكن لا نعلم
بصدور جميعها فلعل هذا الخبر النافي هو من الاخبار الغير الصادرة فلا يمكن رفع
اليد عن الحجة المثبتة للتكليف من العموم أو الإطلاق أو المفهوم أو الظهور أو
الأصل العملي والأخذ بالخبر النافي الّذي لا يعلم صدوره ولم يقم على اعتباره دليل
سوى العلم الإجمالي بصدور جملة مما بأيدينا من الاخبار فافهم جيداً فان المقام لا
يخلو عن دقة.
(قوله وإن كان يسلم
عما أورد عليه من ان لازمه الاحتياط في ساير الأمارات ... إلخ)
إشارة إلى الإيراد
الأول مما أورده الشيخ على الوجه الأول وقد بينا لك عدم وروده وأشرنا ان من هنا
عدل المصنف في بيان هذا الوجه عن النحو الّذي قرره الشيخ إلى نحو يسلم من هذا
الإيراد.
(قوله لما عرفت من
انحلال العلم الإجمالي بينهما بما علم بين الأخبار بالخصوص ولو بالإجمال ... إلخ)
قد أشرنا قبلا ان
المصنف يعني بقوله أحدها انه يعلم إجمالا إلى آخره انحلال العلم الإجمالي الكبير
الموجود في مجموع ما بأيدينا من الاخبار وساير الأمارات إلى العلم الإجمالي الصغير
المختص بالأخبار كما أشرنا أيضاً انه سيأتي تصريحه بذلك في آخر هذا الوجه فهذا هو
تصريحه به فتذكر.
في الوجه الثاني من الوجوه العقلية التي
أقيمت على حجية خبر الواحد
(قوله ثانيها ما ذكره
في الوافية مستدلا على حجية الاخبار الموجودة في الكتب المعتمدة للشيعة ... إلخ)
(قال الشيخ) أعلى
الله مقامه بعد ما فرغ من الوجه الأول (ما لفظه) الثاني ما ذكره في الوافية مستدلا
على حجية الخبر الموجود في الكتب المعتمدة للشيعة كالكتب الأربعة مع عمل جمع به من
غير رد ظاهر بوجوه الأول انا نقطع ببقاء التكليف إلى يوم القيامة (ثم ساق) الكلام
مثل ما ساق المصنف في الكتاب عيناً.
(قوله وأورد عليه أولا
بأن العم الإجمالي حاصل بوجود الأجزاء والشرائط بين جميع الأخبار ... إلخ)
هذا الإيراد من
الشيخ أعلى الله مقامه (وقد لخصه) المصنف ولم يذكره بعينه قال بعد ما فرغ من نقل
عبارة الوافية (ما لفظه) ويرد عليه أولا ان العلم الإجمالي حاصل بوجود الإجزاء
والشرائط بين جميع الاخبار لا خصوص الاخبار المشروطة بما ذكره ومجرد وجود العلم
الإجمالي في تلك الطائفة الخاصة لا يوجب خروج غيرها عن أطراف العلم الإجمالي كما
عرفت في الجواب الأول عن الوجه الأول وإلّا لما أمكن إخراج بعض هذه الطائفة الخاصة
ودعوى العلم الإجمالي في الباقي كأخبار العدول مثلا فاللازم حينئذ اما الاحتياط
والعمل بكل خبر دل على جزئية شيء أو شرطيته واما العمل بكل خبر ظن صدوره مما دل
على الجزئية أو الشرطية (انتهى).
(أقول)
(أولا) ان الظاهر
من عبارة الوافية ليس دعوى العلم الإجمالي بوجود الأجزاء والشرائط والموانع في
خصوص الأخبار المشروطة بما ذكره بل ظاهره انسداد باب العلم بجل الأجزاء والشرائط
والموانع وانه لا طريق لنا في الوصول إليها سوى العمل بالخبر الغير القطعي بحيث لو
لم يعمل بخبر الواحد لخرجت تلك الأمور أعني مثل الصلاة والزكاة والصوم والحج
وغيرها عن كونها تلك الأمور وهذا غير دعوى العلم الإجمالي بوجود الأجزاء والشرائط
والموانع في خصوص الاخبار المشروطة بما ذكره (وعليه) فالصحيح في الإيراد عليه أن
يقال انه لو تم الدليل المذكور لثبت به حجية مطلق الخبر الغير القطعي لا حجية خصوص
الاخبار المشروطة بما ذكره.
(وثانياً) لو سلم
ان الظاهر من عبارة الوافية هو ما ذكره الشيخ أعلى الله مقامه فالعلم الإجمالي
بوجود الأجزاء والشرائط والموانع في بدو الأمر وان كان حاصلا بين جميع الأخبار
ولكن بعد التأمل التام في اهتمام أرباب الكتب الأربعة من المشايخ الثلاثة في تنقيح
ما أودعوه في كتبهم يعلم إجمالا بصدور كثير من اخبارها الا ما شذ بمقدار كاف
بالأجزاء والشرائط والموانع أي بمقدار المعلوم بالإجمال في مجموع الأخبار فينحل
العلم الإجمالي الكبير إلى العلم الإجمالي الصغير المختص باخبار الكتب الأربعة بل
بأخبارها المشروطة بما ذكره الوافية (وإليه أشار المصنف) بقوله قلت يمكن ان يقال
ان العلم الإجمالي وان كان حاصلا بين جميع الاخبار إلى آخره.
(قوله فاللازم حينئذ
اما الاحتياط أو العمل بكل ما دل على جزئية شيء أو شرطيته ... إلخ)
العبارة ناقصة
جداً والصحيح كما تقدم في عبارة الشيخ هكذا فاللازم حينئذ
الاحتياط والعمل
بكل خبر دل على جزئية شيء أو شرطيته واما العمل بكل خبر ظن صدوره مما دل على
الجزئية أو الشرطية.
(قوله قلت يمكن ان
يقال ان العلم الإجماليّ وان كان حاصلا بين جميع الأخبار ... إلخ)
قد عرفت شرح ذلك
آنفاً وانه عبارة أخرى عن الإيراد الثاني الّذي أوردناه على إيراد الشيخ أعلى الله
مقامه باختلاف يسير (وحاصله) ان العلم الإجمالي بوجود الإجزاء والشرائط والموانع
وان كان حاصلا في بدو الأمر بين جميع الاخبار إلّا ان العلم الإجمالي بوجود
الاخبار الصادرة بقدر الكفاية بين تلك الأخبار المشروطة بما ذكره الوافية أو العلم
باعتبار طائفة بقدر الكفاية بين تلك الاخبار المشروطة بما ذكره الوافية مما يوجب
انحلال ذلك العلم الإجمالي الكبير الموجود في جميع الاخبار إلى العلم الإجمالي
الصغير المختص بالأخبار المشروطة بما ذكره ... إلخ.
(قوله فتأمل ... إلخ)
ولعله إشارة إلى
قوله اللهم إلّا أن يمنع عن ذلك وادعى عدم الكفاية فيما علم بصدوره ... إلخ إذ لو
صح المنع المذكور لجرى ذلك حتى في الوجه الأول فيتم الإيراد الأول من الشيخ عليه
من أن لنا علمين إجماليين أحدهما في خصوص الاخبار والآخر في مجموع ما بأيدينا من
الأخبار وساير الأمارات فيجب الاحتياط في المجموع ... إلخ.
(قوله وثانياً بان
قضيته انما هو العمل بالأخبار المثبتة ... إلخ)
هذا الإيراد
الثاني من الشيخ أيضاً نقله المصنف بالمعنى ولم يذكره بلفظه (قال) أعلى الله مقامه
(ما لفظه) وثانياً ان مقتضي هذا الدليل وجوب العمل بالأخبار الدالة على الشرائط
والأجزاء دون الأخبار الدالة على عدمهما خصوصاً إذا اقتضى الأصل الشرطية والجزئية (انتهى).
(قوله دون الأخبار
النافية لهما ... إلخ)
وإن جاز العمل بها
كما تقدم في الوجه الأول ما لم يكن في المسألة ما يثبتهما ولو كان أصلا.
(قوله والأولى أن يورد
عليه بأن قضيته انما هو الاحتياط بالأخبار المثبتة فيما لم تقم حجة معتبرة على
نفيهما من عموم دليل أو إطلاقه ... إلخ)
بل لا يكفي عموم
دليل أو إطلاقه على نفي الجزئية أو الشرطية في رفع اليد عن الاخبار المثبتة ما لم
يقم دليل على نفيهما بالخصوص فان معنى الاحتياط كما تقدم في الوجه الأول بمقتضى
العلم الإجمالي بالصدور ان يفرض كل خبر من الاخبار المثبتة صادراً واقعاً فكما ان
الخبر المثبت لو كان صادراً واقعاً لخصص العموم النافي أو لقيد الإطلاق النافي
فكذلك ما فرض صدوره واقعاً للعلم الإجمالي بالصدور (وعليه) فالخبر المثبت وان لم
يكن حجة بحيث يقدم على العام تخصيصاً وعلى المطلق تقييداً ولكن يعامل معه معاملة
التقديم قهراً.
(نعم) الخبر
النافي مما لا يقدم ولا يعامل معه معاملة التقديم أصلا فان الاخبار النافية هب انا
نعلم إجمالا بصدور كثير منها ولكن لا نعلم بصدور كلها فلعل هذا الخبر النافي
للجزئية أو الشرطية أو المانعية كان مما لم يصدر واقعاً فلا يمكن رفع اليد عن
الحجة المثبتة لها من العموم أو الإطلاق بل الأصل أيضاً كالاشتغال أو الاستصحاب
بما لم يعلم صدوره ولا اعتباره سوى انا نعلم إجمالا بصدور كثير. منها فافهم جيداً.
في الوجه الثالث من الوجوه العقلية التي
أقيمت على حجية خبر الواحد
(قوله ثالثها ما أفاده
بعض المحققين ... إلخ)
(قال الشيخ) أعلى
الله مقامه الثالث ما ذكره بعض المحققين من المعاصرين في حاشيته على المعالم
لإثبات حجية الظن الحاصل من الخبر لا مطلقاً وقد لخصناه لطوله وملخصه ان وجوب
العمل بالكتاب والسنة ثابت بالإجماع بل الضرورة والاخبار المتواترة وبقاء هذا
التكليف أيضاً بالنسبة إلينا أيضاً ثابت بالأدلة المذكورة وحينئذ فإن أمكن الرجوع
إليهما على وجه يحصل العلم منهما بحكم أو الظن الخاصّ به فهو وإلّا فالمتبع هو
الرجوع إليهما على وجه يحصل الظن منهما (قال) هذا حاصله (انتهى).
(أقول)
اما بعض المحققين
فهو أخو الفصول صاحب هداية المسترشدين وهي الحاشية المعروفة على المعالم.
(واما تلخيص الشيخ)
لهذا الوجه فليس كما ينبغي بل قاصر عن تأدية ما أراده المحقق المذكور جداً (وتفصيله)
ان المحقق المذكور ذكر في صدر مسألة الإجماع مطالب خمسة (وقال) في خامسها (ما لفظه)
ان الحجة في معرفة الأحكام الشرعية في زمن الغيبة وانقطاع اليد من الرجوع إلى
أرباب العصمة وانسداد باب العلم بالاحكام الواقعية هل هي ظن المجتهد مطلقاً من أي
طريق حصل الا ما قام الدليل على عدم جواز الأخذ به بخصوصه من غير فرق بين الطرق
المفيدة للظن أو ان هناك طرق مخصوصة هي الحجة دون غيرها فيجب على المجتهد الأخذ
بها
دون ما عداها من
الظنون الحاصلة من الطرق التي لم يقم على جواز الأخذ بها بخصوصها حجة (إلى ان قال)
ان الّذي يستفاد من كلام المعظم هو البناء على الوجه الثاني بل لا يبعد دعوى
اتفاقهم عليه حيث انه جرت طريقتهم على إثبات حجية كل من الظنون الخاصة بأدلة
مخصوصة (إلى ان ذكر من المعظم) وجوهاً أربعة لإبطال حجية مطلق الظن (ثم ذكر من عند
نفسه) وجوهاً ثمانية لإبطال ذلك ولكن أكثرها ينفع لحجية الظن بالطريق لا حجية
الظنون الخاصة وهو كما ترى خلط بين نزاعين معروفين.
(أحدهما) بين
الانفتاحيين والانسداديين.
(والآخر) بين نفس
الانسداديين بعضهم مع بعض.
(فتارة) يقع
الكلام في انه بعد انسداد باب العلم بمعظم الأحكام في زمان الغيبة هل الحجة مطلق
الظن أو لنا طرق مخصوصة وظنون خاصة منصوبة من قبل الشارع بأدلة قاطعة يعبر عنها
بالعلمي.
(وأخرى) يقع
الكلام في انه بعد تسليم انسداد باب العلم والعلمي جميعاً هل الحجة بوسيلة مقدمات
الانسداد هي مطلق الظن سواء كان بالواقع أو بالطريق أو هي خصوص الظن بالطريق أو
خصوص الظن بالواقع فعنوان بحثه أعلى الله مقامه مما يعطي النزاع على الوجه الأول
ولكن أكثر الوجوه الثمانية التي أقامها من عند نفسه هو مما يساعد النزاع على الوجه
الثاني (وكيف كان) ان من جملة الوجوه الثمانية التي أقامها لإبطال حجية مطلق الظن
هو هذا الوجه الّذي لخصه الشيخ وجعله ثالث الوجوه العقلية التي أقيمت على حجية خبر
الواحد وقد جعله المحقق المذكور سادس الوجوه الثمانية وقد حكى عنه انه جعله من
أقواها ولم أحققه ولم أجد صدق النسبة (وعلى كل حال) ملخصه على النحو الّذي لا يقصر
عن تأدية مراده (انه) قد دلت الأخبار القطعية والإجماع المعلوم من الشيعة على وجوب
الرجوع إلى الكتاب والسنة وحينئذ فإن أمكن الرجوع إليهما بنحو يحصل العلم
بالحكم فهو وإلّا
فان كان هناك طريق خاص أي طريق علم طريقيته للرجوع إليهما تعين الأخذ به وإلّا فان
كان هناك طريق ظني أي طريق ظن طريقيته للرجوع إليهما فيجب الأخذ به تنزلا من العلم
بالطريق إلى الظن به وإلّا فيجب الرجوع إليهما بنحو يظن منهما بالحكم أي ولو لم
يحصل من طريق ظن طريقيته (انتهى) ملخصه
(ثم إن) الظاهر من
بعض كلمات المحقق المذكور بل صريحه ان المراد من السنة هي الاخبار الحاكية عنها (قال
قدسسره) بعد فصل طويل عن الاستدلال المذكور (ما لفظه) لا ريب ان
السنة المقطوعة بها أقل قليل وما يدل على وجوب الرجوع إلى السنة في زماننا هذا
يفيد أكثر من ذلك للقطع بوجوب رجوعنا اليوم في تفاصيل الأحكام إلى الكتب الأربعة
وغيرها من الكتب المعتمدة في الجملة بإجماع الفرقة (إلى ان قال) فلا وجه للقول
بالاقتصار على السنة المقطوعة وبذلك يتم التقريب المذكور (انتهى).
(وعليه) فيكون
محصل الاستدلال هكذا أي دلت الاخبار القطعية والإجماع من الشيعة على وجوب الرجوع
إلى الكتاب وأخبار الكتب المعتمدة في الجملة فإن أمكن الرجوع إليهما بنحو يحصل
العلم بالحكم أو ما بحكمه من الظن الخاصّ المعلوم اعتباره فهو وإلّا وجب الرجوع
إليهما بالاخذ بالطريق المظنون اعتباره تنزلا من العلم بالطريق إلى الظن به وان لم
يمكن وجب الرجوع إليهما بالاخذ بالطريق المفيد للظن بالحكم ولو لم يظن اعتباره (هذا
ملخص كلامه) ومحصل مرامه (والفرق) بينه وبين ما لخصه الشيخ أعلى الله مقامه ان
الشيخ تنزل من العلم بالحكم والظن الخاصّ إلى الظن بالحكم والمحقق المذكور تنزل
بعد العلم بالحكم والظن الخاصّ إلى الظن المظنون اعتباره ثم إلى الظن بالحكم.
(قوله بما ملخصه انا
نعلم بكوننا مكلفين بالرجوع إلى الكتاب والسنة إلى آخره)
إن المصنف أيضاً
لم يلخص كلام المحقق المذكور كما ينبغي فانه بمقتضى قوله فإن
تمكنا من الرجوع
إليهما على نحو يحصل العلم بالحكم أو ما بحكمه فلا بدّ من الرجوع إليهما كذلك
وإلّا فلا محيص عن الرجوع على نحو يحصل الظن به ... إلخ انه قد تنزل كما تقدم من
الشيخ من العلم بالحكم وما بحكمه من الظن الخاصّ إلى الظن بالحكم والمحقق المذكور
قد تنزل منهما إلى الظن المظنون اعتباره ثم إلى الظن بالحكم
(قوله في الخروج عن
عهدة هذا التكليف ... إلخ)
وهو وجوب الرجوع
إلى الكتاب والسنة.
(قوله فلو لم يتمكن من
القطع بالصدور أو الاعتبار فلا بدّ من التنزل إلى الظن بأحدهما ... إلخ)
بيان لقوله وإلّا
فلا محيص عن الرجوع ... إلخ (وبعبارة أخرى) بيان لعدم التمكن من الرجوع إليهما على
نحو يحصل العلم بالحكم أو ما بحكمه من الظن الخاصّ (فيقول) إنه لو لم يتمكن من
القطع بالصدور في الخبر كي يفيد العلم بالحكم ولو بعد الفراغ عن الدلالة والجهة أو
لم يتمكن من القطع بالاعتبار كي يفيد ما بحكم العلم من الظن الخاصّ فلا بدّ من
التنزل إلى الظن بالصدور أو إلى الظن بالاعتبار (هذا) ولكن ليس في كلام المحقق
المذكور من التنزل إلى الظن بالصدور عين ولا أثر فلا تغفل.
(قوله وفيه ان قضيته
بقاء التكليف فعلا بالرجوع إلى الاخبار الحاكية للسنة كما صرح بأنها المراد منها
... إلخ)
وحاصل الرد ان
مقتضي وجوب الرجوع إلى الاخبار الحاكية للسنة هو الاقتصار في الرجوع على الخبر
المتيقن اعتباره أي الظن الخاصّ المقطوع اعتباره فإن وفي بمعظم الفقه فهو وإلّا
أضيف إليه الخبر المتيقن اعتباره بالإضافة إلى ما سواه كالخبر الصحيح بالنسبة إلى
الموثق والموثق بالنسبة إلى الحسن وهكذا لو كان هناك المتيقن اعتباره بالإضافة
وإلّا بأن كانت الاخبار كلها متساوية فاللازم هو
الاحتياط من وجوب
الأخذ بالخبر المثبت للتكليف وجواز الأخذ بالخبر النافي للتكليف على نحو تقدم
وعرفت في الوجه الأول والثاني.
(أقول)
لا وجه للتنزل إلى
المتيقن اعتباره بالإضافة مع التمكن من الاحتياط فان المتيقن اعتباره بالإضافة ليس
إلّا مظنون الاعتبار نعم إذا تعذر الاحتياط أو تعسر فتتنزل إلى المتيقن اعتباره
بالإضافة لو كان وإلّا فنتنزل إلى كل خبر ظن اعتباره أو أوجب الظن بالحكم شخصاً
فتأمل جيداً.
(قوله لا الرجوع إلى
ما ظن اعتباره ... إلخ)
المستفاد من هذه
العبارة ان المحقق المذكور تنزل من العلم بالحكم وما بحكمه إلى ما ظن اعتباره كما
ان المستفاد من عبارته المتقدمة وإلّا فلا محيص عن الرجوع على نحو يحصل الظن به ...
إلخ هو ان المحقق المذكور قد تنزل من العلم بالحكم وما بحكمه إلى الظن بالحكم لا
إلى ما ظن اعتباره وهو لا يخلو عن تناقض (والصحيح) ما عرفته منا من انه تنزل من
العلم بالحكم وما بحكمه إلى ما ظن اعتباره ثم إلى الظن بالحكم.
(قوله وذلك للتمكن من
الرجوع علماً تفصيلا أو إجمالا ... إلخ)
علة للتنزل من
المتيقن بالاعتبار إلى المتيقن اعتباره بالإضافة لو كان وإلّا فإلى الاحتياط لا
التنزل إلى ما ظن اعتباره كما فعل المحقق المذكور فالرجوع العلمي التفصيليّ في نظر
المصنف هو الرجوع إلى الاخبار المتيقن بالاعتبار ثم إلى المتيقن اعتباره بالإضافة
والرجوع العلمي الإجمالي عبارة عن الرجوع إليها بنحو الاحتياط من وجوب الأخذ
بالمثبت وجواز العمل على طبق النافي على النحو المتقدم شرحه في الوجه الأول
والثاني.
(قوله هذا مع ان مجال
المنع ... إلخ)
هذا رد ثاني على
الوجه الثالث فلا تغفل.
(قوله واما الإيراد
عليه ... إلخ)
هذا الإيراد من
الشيخ أعلى الله مقامه (قال) في أواخر الرد على هذا الوجه الثالث (ما لفظه) نعم لو
ادعى الضرورة على وجوب الرجوع إلى تلك الحكايات الغير العلمية يعني بها الاخبار
لأجل الخروج عن الدين لو طرحت بالكلية (يرد عليه) انه ان أراد لزوم الخروج عن
الدين من جهة العلم بمطابقة كثير منها للتكاليف الواقعية التي يعلم بعدم جواز رفع
اليد عند الجهل بها تفصيلا فهذا يرجع إلى دليل الانسداد الّذي ذكروه لحجية الظن
ومفاده ليس إلّا حجية كل أمارة كاشفة عن التكليف الواقعي (وان أراد) لزومه من جهة
خصوص العلم الإجمالي بصدور أكثر هذه الاخبار حتى لا يثبت بها غير الخبر الظني من
الظنون ليصير دليلا عقلياً على حجية خصوص الخبر فهذا الوجه يرجع إلى الوجه الأول
الّذي قدمناه وقدمنا الجواب عنه فراجع (انتهى).
(فيقول المصنف) إن
ملاكه ليس هو العلم الإجمالي بتكاليف واقعية ولا العلم الإجمالي بصدور كثير من
الاخبار بل ملاكه العلم بوجوب الرجوع إليها وان لم نعلم إجمالا بوجود تكاليف
واقعية فيها ليكون مرجعه إلى دليل الانسداد ولا بصدور كثير منها قطعاً ليكون مرجعه
إلى الوجه الأول فتأمل جيداً.
في الوجوه التي أقاموها على حجية مطلق
الظن وبيان الأول منها
(قوله فصل في الوجوه
التي أقاموها على حجية الظن وهي أربعة الأول ان في مخالفة المجتهد لما ظنه ... إلخ)
(قال) الشيخ أعلى
الله مقامه بعد ما فرغ من الوجوه العقلية التي أقيمت على حجية
خبر الواحد وهي
الوجوه الثلاثة المتقدمة (ما لفظه) فلنشرع في الأدلة التي أقاموها على حجية الظن
من غير خصوصية للخبر (إلى ان قال) وهي أربعة الأول ان في مخالفة المجتهد لما ظنه
من الحكم الوجوبيّ أو التحريمي مظنة للضرر ودفع الضرر المظنون لازم اما الصغرى
فلأن الظن بالوجوب ظن باستحقاق العقاب على الترك كما ان الظن بالحرمة ظن باستحقاق
العقاب على الفعل أو لأن الظن بالوجوب ظن بوجود المفسدة في الترك كما ان الظن
بالحرمة ظن بالمفسدة في الفعل بناء على قول العدلية بتبعية الأحكام للمصالح
والمفاسد وقد جعل في النهاية كلا من الضررين دليلا مستقلا على المطلب (انتهى).
(أقول)
ولو قال المستدل
أو لأن الظن بالوجوب ظن بفوت المصلحة في الترك كان أنسب بقوله بناء على قول
العدلية بتبعية الأحكام للمصالح والمفاسد (كما ان) الشيخ أعلى الله مقامه لو ذكر
الكبرى في كلامه المتقدم وقال واما الكبرى فلاستقلال العقل بدفع الضرر المظنون كان
أنسب بقوله اما الصغرى فلان الظن بالوجوب إلى آخره (ومن هنا يعرف) ان عبارة المصنف
في تقرير هذا الوجه مع اختصارها أجمع وأتم فانه قد أشار إلى عدل قوله اما الصغرى
... إلخ بقوله واما الكبرى إلى آخره وإن لم يؤشر إلى فوت المصلحة وقال أو الظن
بالمفسدة فيها أي في المخالفة ولو أشار أيضاً إلى فوت المصلحة كان أنسب بقوله
الآتي في مقام الجواب واما تفويت المصلحة فلا شبهة في انه ليس فيه مضرة ... إلخ.
(قوله ولو لم نقل
بالتحسين والتقبيح لوضوح عدم انحصار ملاك حكمه بهما ... إلخ)
رد على ما أجاب به
الحاجبي وغيره عن هذا الوجه (قال الشيخ) بعد ان نقل الوجه المذكور (ما لفظه) وأجيب
عنه بوجوه أحدها ما عن الحاجبي وتبعه غيره من منع الكبرى وان دفع الضرر المظنون
إذا قلنا بالتحسين والتقبيح العقليين احتياط
مستحسن لا واجب (انتهى)
(وحاصل رد المصنف) عليه ان ملاك حكم العقل لا ينحصر بالتحسين والتقبيح كي يبتني
استقلاله بدفع الضرر المظنون على القول بالتحسين والتقبيح بل التزام العقل بدفع
الضرر المظنون بل المحتمل بما هو مظنون أو محتمل ولو لم نقل بالتحسين والتقبيح هو
كالالتزام بفعل ما استقل بحسنه أو بترك ما استقل بقبحه إذا قيل بالتحسين والتقبيح (وقد
استشهد المصنف) لذلك بإطباق العقلاء كافة على دفع الضرر المظنون مع خلافهم في
التحسين والتقبيح العقليين فلو كان ملاك حكمه منحصراً بهما لم يطبقوا على الأول مع
خلافهم في الثاني
(أقول)
بل الظاهر ان ملاك
حكم العقل منحصر بالتحسين والتقبيح فقط بمعنى انه لا يستقل بإتيان شيء أو بتركه
على وجه الإلزام أو على غير وجه الإلزام الا بمناط اندراجه تحت إحدى هاتين
الكبريين أي التحسين والتقبيح فحكمه بدفع الضرر المظنون لا يكون إلّا بملاك
استقلاله بحسنه كما ان حكمه بفعل ما استقل بحسنه لا يكون إلّا بهذا الملاك أيضاً (واما
إطباق العقلاء) على دفع الضرر المظنون مع خلافهم في التحسين والتقبيح فهو مما لا
يشهد بعدم حصر ملاك حكمه بهما بل يشهد باشتباه من لا يقول من العقلاء بالتحسين
والتقبيح مع التزامه بدفع الضرر المظنون (وعليه) فالصحيح في رد الحاجبي ان يقال إن
استقلال العقل بدفع الضرر المظنون وان كان مما يبتني على القول بالتحسين والتقبيح
ولكن استقلاله به ليس بنحو الاستحسان بل بنحو البت والإلزام فهو احتياط متعين لا
مستحسن (وقد أشار الشيخ) أعلى الله مقامه إلى هذه الجهة فقال فيما أفاده في رد
الحاجبي (ما لفظه) ولا يبعد عن الحاجبي ان يشتبه عليه حكم العقل الإلزامي بغيره
بعد أن اشتبه عليه أصل حكم العقل بالحسن والقبح والمكابرة في الأول ليس بأعظم منها
في الثاني (انتهى).
(ثم إن الشيخ)
أعلى الله مقامه قد نقل في الجواب عن الوجه المذكور جوابين آخرين غير جواب
الحاجبي.
(قال ثانيهما) ما
يظهر من العدة والغنية وغيرهما من ان الحكم المذكور مختص بالأمور الدنيوية فلا
يجري في الأخروية مثل العقاب (قال) وهذا كسابقه في الضعف يعني به جواب الحاجبي (قال)
فإن المعيار هو التضرر مع ان المضار الأخروية أعظم.
(إلى ان قال
ثالثها) النقض بالأمارات التي قام الدليل القطعي على عدم اعتبارها كخبر الفاسق
والقياس على مذهب الإمامية.
(أقول)
اما الجواب الثاني
فيرد عليه مضافاً إلى ما أورده الشيخ عليه من ان المضار الأخروية أعظم ان الضرر في
الشق الثاني من كلام المستدل وهو المفسدة كان دنيوياً قطعاً فلا يتم الجواب
المذكور على الشق الثاني.
(واما الجواب
الثالث) فالإنصاف ان النقض بالأمارات التي قام الدليل القطعي على المنع عنها في
غير محله فإن الأمارة بعد قيام الدليل القطعي على المنع عنها ليس في مخالفتها مظنة
للعقاب بل ولا احتماله.
(نعم فيها) مظنة
المفسدة أو احتمالها ولكن في مخالفة المنع الشرعي عن العمل بها مفسدة قطعية كما لا
يخفى (والصحيح) في النقض على المستدل بالوجه الأول هو النقض بظن الوجوب أو الحرمة
في الشبهات الموضوعية فان في مخالفته مظنة للضرر سواء كان هو العقاب أو المفسدة
فما به الجواب فيها عقاباً ومفسدة كان به الجواب في الشبهات الحكمية أيضاً.
(قوله والصواب في
الجواب هو منع الصغرى ... إلخ)
لا الكبرى كما فعل
الحاجبي وتقدم (وحاصل الجواب) بطوله ان قول المستدل إن في مخالفة المجتهد لما ظنه
من الحكم الوجوبيّ أو التحريمي مظنة للضرر ممنوع إذ المراد بالضرر (ان كان هو
العقاب) فلا ملازمة بين الظن بالتكليف والظن بالعقاب على مخالفته إذ لا ملازمة بين
نفس التكليف وبين العقاب كي يستلزم الظن
بالتكليف الظن
بالعقاب كيف وقد يكون التكليف في الشبهات البدوية التي لا حجة فيها على التكليف
ولا عقاب على مخالفته قطعاً للبراءة عنه شرعاً وعقلا كما سيأتي بل الملازمة انما
تكون بين التكليف المنجز بسبب العلم أو العلمي وبين استحقاق العقاب على عصيانه
ومجرد الظن به بلا دليل على اعتباره مما لا يتنجز به التكليف كي يستحق العقاب على
عصيانه (وان كان المراد من الضرر) هو المفسدة فالظن بالتكليف وان كان ظناً
بالمفسدة في مخالفته ولكن المفسدة مما لا تكون ضرراً دائماً على فاعله بل يجوز ان
تكون هي مجرد القبح والحزازة في الفعل على نحو يذم فاعله من دون ان يكون ضرراً
عليه كما يتفق ذلك في بعض المحرمات فإذا جاز أن يكون بعض المفاسد من هذا القبيل
فالظن بالتكليف مما لا يستلزم الظن بالضرر كي يستقل العقل بدفعه (وفيه) ان الظن
بالحرمة حينئذ وان لم يستلزم الظن بالضرر ولكنه يستلزم احتمال الضرر لجواز ان تكون
المفسدة المظنونة هي من الأضرار الواردة على فاعلها ودفع الضرر المحتمل لازم كدفع
الضرر المظنون بمقتضى اعتراف المصنف به كما سيأتي حيث يقول ودعوى استقلاله بدفع
الضرر المشكوك كالمظنون قريبة جداً (وعليه) فيختل الجواب عن الصغرى قهراً ولا بد
من ذكر جواب آخر في المقام لتضعيف الاستدلال (هذا كله) حاصل جواب المصنف.
(واما الشيخ أعلى
الله مقامه) فقد أجاب عن العقاب بمنع الصغرى على نحو ما تقدم من المصنف آنفاً وعن
المفسدة بمنع الصغرى أيضاً بمعنى ان الظن بالحرمة لا يساوق الظن بالمفسدة نظراً
إلى ان فعل الحرام ليس علة تامة للمفسدة لاحتمال تداركها بمصلحة فعل آخر لا يعلمه
المكلف أو يعلمه بإعلام الشارع نظير الكفارة والتوبة وغيرهما من الحسنات التي
تذهبن السيئات (ثم أورد) على ذلك وضعفه (إلى ان قال) والأولى أن يقال إن الضرر
يعني به المفسدة وان كان مظنوناً إلّا ان حكم الشارع قطعاً أو ظناً بالرجوع في
مورد الظن إلى البراءة أو الاستصحاب وترخيصه لترك مراعاة الظن أوجب القطع أو الظن
بتدارك ذلك الضرر المظنون
وإلّا كان ترخيص
العمل على الأصل المخالف للظن إلقاء في المفسدة (وفيه) ان ترخيص الشارع في ترك
العمل بالظن بالتكليف والرجوع إلى البراءة أو الاستصحاب مما لا يجب ان يكون لمصلحة
يتدارك بها المفسدة المظنونة على تقدير إصابة الظن ولعله لمصلحة أهم تكون هي في
جعل الأصل والعمل به من دون ان يتدارك بها المفسدة المظنونة أصلا وقد تقدم منا في
إمكان التعبد بالأمارات الغير العلمية ما له نفع بالمقام فراجع.
(أقول)
والصواب في الجواب
عن المفسدة ان يقال إنه على فرض تسليم كونها ضرراً دائماً على فاعلها ليساوق الظن
بالحرمة الظن بالضرر (ان الضرر) المظنون مما لا يجب دفعه بحكم العقل على وجه
الإطلاق في كل مورد ومقام (وتوضيحه) ان الضرر ان كان من الإضرار المهمة جداً كقتل
أو حرق أو هتك عرض أو عذاب أخروي ونحو ذلك فهذا مما يجب بحكم العقل دفع مظنونه
ومحتمله بل وموهومه فضلا عن مظنونه ومحتمله واما إذا كان الضرر دون ذلك مما لا يهم
فلم يعلم استقلال العقل بوجوب دفع مظنونه فضلا عن محتمله أو موهومه ما لم يكن
مقطوعاً متيقناً قد أحرز بالقطع واليقين ليستقل العقل بوجوب دفعه وان كان يسيراً
جزئياً (ومن هنا يظهر) ان العبرة في حكم العقل بوجوب الدفع وعدمه هو قوة المحتمل
وعدم قوته لا قوة الاحتمال وعدم قوته كما هو ظاهر الأصحاب حيث أطبقوا على وجوب دفع
الضرر المظنون واختلفوا في المحتمل منه وأطبقوا على عدم وجوب دفع موهومه (ثم انه
من الواضح) ان الضرر الّذي يظنه المجتهد في الشبهات التحريمية بسبب الظن بالحرمة
ليس هو من الإضرار المهمة التي يستقل العقل بوجوب دفع مظنونها ومحتملها بل
وموهومها فضلا عن مظنونها ومحتملها من قبيل القتل أو الحرق وشبههما بل هو دون ذلك
جداً فلم يعلم استقلاله به إلّا إذا اشتد الظن وبلغ
مرتبة الوثوق
والاطمئنان فيعامل معهما معاملة العلم واليقين حينئذ ولا بأس به ولا كلام فتأمل
جيداً.
(قوله إلّا ان يقال إن
العقل وإن لم يستقل بتنجزه بمجرده ... إلخ)
أصل الإشكال من
الشيخ أعلى الله مقامه (وحاصله) ان القطع بعدم العقاب كما في الشبهات البدوية التي
لا حجة فيها على التكليف انما هو لاستقلال العقل بقبح العقاب مع الشك في التكليف
واما مع الظن بالتكليف فالعقل وإن لم يستقل بتنجز التكليف به ولكن لا يستقل أيضاً
بقبح العقاب فيحتمل العقاب حينئذ (وظاهر الشيخ) في المقام وإن كان هو الترديد في
دفع الضرر المحتمل حيث يقول نعم لو ادعى ان دفع الضرر المشكوك لازم توجه فيما نحن
فيه الحكم بلزوم الاحتراز في صورة الظن بناء على عدم ثبوت الدليل على نفي العقاب
عند الظن فيصير وجوده محتملا فيجب دفعه (ولكن ظاهر المصنف) بل صريحه هو تسليم دفع
الضرر المحتمل فيلزمه الإشكال حينئذ حيث يقول كما تقدم قبلا ودعوى استقلاله بدفع
الضرر المشكوك كالمظنون قريبة جداً لا سيما إذا كان هو العقوبة الأخروية كما لا
يخفى انتهى.
(أقول)
والحق ان هذا
الإشكال غير وارد من أصله إذ لا فرق في استقلال العقل بقبح العقاب بين ان يكون
التكليف مشكوكاً أو مظنوناً بعد ان لم يكن دليل من الشرع ولا من العقل على اعتبار
هذا الظن فإن المعيار في انقطاع حكم العقل بقبح العقاب كما سيأتي في أصل البراءة
هو تحقق البيان على التكليف من علم أو علمي أي ما قام الدليل على اعتباره لا مجرد
الظن بالتكليف ولو لم يقم دليل على اعتباره (والعجب من الشيخ والمصنف) انهما كيف
تنازلا لهذا الإشكال واعترفا بعدم استقلال العقل بقبح العقاب بمجرد الظن الغير
المعتبر بالتكليف حتى يحتمل العقاب ويقع الكلام في دفع الضرر المحتمل مع ان قبح
العقاب بلا بيان أوضح من الشمس وإطلاق
اللابيان على كل
من الوهم والشك والظن الغير المعتبر مثل ذلك إلّا ان الإنسان محل السهو والنسيان.
(قوله واما تفويت
المصلحة فلا شبهة في انه ليس فيه مضرة ... إلخ)
وحاصله ان الظن
بالوجوب مما لا يساوق إلّا الظن بفوت المصلحة في المخالفة وهو ليس ضرراً على
تاركها كي يجب دفع مظنونه بحكم العقل.
(قوله هذا مع منع كون
الأحكام تابعة للمصالح والمفاسد في المأمور بها والمنهي عنها بل انما هي تابعة
لمصالح فيها كما حققناه في بعض فوائدنا إلى آخره)
إشارة إلى منع
الصغرى بنحو آخر غير ما تقدم كله (وحاصله) ان الأحكام مما لا تتبع المصالح
والمفاسد في الأفعال كي يستلزم الظن بالجواب أو الحرمة الظن بالمفسدة في المخالفة
بل تتبع المصالح والمفاسد في نفس الأحكام كما حققه المصنف في بعض فوائده.
(وفيه أولا) ان
التحقيق في خلاف ذلك إذ لا يعقل ان تكون المصالح والمفاسد في نفس الأحكام من دون
دخل للفعل فيهما أصلا بحيث إذا حكم المولى حصلت المصلحة أو دفعت المفسدة من دون
انتظار لامتثال المكلف أبداً.
(نعم) يعقل ان
تكون المصلحة في مجموع الحكم والفعل جميعاً كما إذا أمر المولى برفع حجر ثقيل لا
فائدة في رفعه سوى اختبار عبده من حيث الطاعة والعصيان فهذا الغرض لا يكاد يحصل
بمجرد الأمر من دون فعل المكلف أو تركه في الخارج كما انه لا يكاد يحصل بمجرد فعله
أو تركه في الخارج من دون الأمر به في قبال ما إذا كانت المصالح والمفاسد في نفس
الأفعال من دون دخل للأمر والنهي فيهما أصلا سوى كونهما كاشفين عنهما طريقين
إليهما كما في أكثر الواجبات فإن التوصليات إذا فرض إتيان العبد بها من دون ان
يأمر بها المولى فقد حصل بها الملاك والغرض وهكذا في التعبديات إذ تمشي منه قصد
القربة من دون حاجة
إلى الأمر بها كما
في العبادات التي يستقل العقل بحسنها ويدرك رجحانها من دون حاجة إلى الأمر بها من
قبيل الخضوع والخشوع والسجود ونحو ذلك.
(وثانياً) لو سلم
انه يعقل ان تكون المصالح والمفاسد في نفس الأحكام من دون دخل للفعل فيهما أصلا
فهذا مجرد فرض وتصوير وليست الواجبات والمحرمات الشرعية من هذا القبيل قطعاً بعد
ما ورد كثير من الأخبار في علل الواجبات والمحرمات الكاشفة عن وجود المصالح
والمفاسد في نفس الأفعال دون الأحكام (هذا كله) مضافاً إلى ما في قوله في المأمور
بها والمنهي عنها من المسامحة الواضحة من ناحية العبارة إذ لا وجه لتأنيث الضمير
الا بالعود إلى الأحكام ولا محصل للمأمور بالأحكام والمنهي عن الأحكام كما لا
يخفى.
(قوله وبالجملة ليست
المفسدة ولا المنفعة الفائتة اللتان في الأفعال وأنيط بهما الأحكام بمضرة ... إلخ)
(وفيه) ان ظاهر ما
تقدم منه من ان المفسدة ليست بضرر على كل حال ضرورة ان كلما يوجب قبح الفعل من
المفاسد لا يلزم ان يكون من الضرر على فاعله بل ربما يوجب حزازة ومنقصة في الفعل
بحيث يذم عليه فاعله بلا ضرر عليه أصلا كما لا يخفى ... إلخ هو تسليم كون المفسدة
من الأضرار أحياناً غير انها لا تكون كذلك دائماً لا انها ليست بمضرة مطلقاً ضرورة
ان أكثر المفاسد التي تكون في المحرمات هي من الأضرار الواردة على فاعله إما في
جسمه أو في عرضه أو في عقله أو في ماله وقلما يتفق أن تكون هي مجرد الحزازة
والمنقصة في الفعل بلا ضرر عليه أصلا
(قوله ولا استقلال
للعقل بقبح فعل ما فيه احتمال المفسدة أو فعل ما فيه احتمال المصلحة ... إلخ)
دفع لما قد يقال
من ان المفسدة والمنفعة الفائتة وإن لم تكونا بمضرة فلا مجال لقاعدة دفع الضرر
المظنون هاهنا ولكن عند الظن بالحرمة تكون المفسدة مظنونة قطعاً وان لم يكن الضرر
مظنوناً وهكذا عند ظن الوجوب يكون فوت المصلحة مظنوناً
قهراً بلا شبهة
والعقل يستقل بقبح ما فيه مظنة المفسدة أو مظنة فوت المصلحة وان لم تكونا بمضرة (وحاصل
الدفع) هو نفي استقلال العقل بذلك وان استقل بقبح ما فيه المفسدة أو فيه فوت
المصلحة وهو غير استقلاله بقبح ما فيه مظنة المفسدة أو مظنة فوت المصلحة.
(قوله فافهم ... إلخ)
ولعله إشارة إلى
ضعف قوله المتقدم فلا مجال لقاعدة دفع الضرر المظنون هاهنا أصلا ... إلخ فان
المصنف تقدم منه كما أشير آنفاً ما ظاهره بل صريحه تسليم كون المفسدة من الأضرار
أحياناً غير انها لا تكون كذلك دائماً فإذا جاز كون المفسدة من الأضرار أحياناً
فالظن بالحرمة مما يساوق احتمال الضرر وقد اعترف المصنف بوجوب دفع الضرر المحتمل
كالمظنون عيناً حيث قال ودعوى استقلاله بدفع الضرر المشكوك كالمظنون قريبة جداً
فتأمل جيداً.
في الوجه الثاني من الوجوه التي أقاموها
على حجية مطلق الظن
(قوله الثاني انه لو
لم يؤخذ بالظن لزم ترجيح المرجوح على الراجح وهو قبيح وفيه انه لا يكاد يلزم منه
ذلك الا فيما إذا كان الأخذ بالظن أو بطرفه لازماً مع عدم إمكان الجمع بينهما عقلا
أو عدم وجوبه شرعاً ... إلخ)
الشيخ أعلى الله
مقامه بعد ان ذكر هذا الوجه الثاني من انه لو لم يؤخذ بالظن لزم ترجيح المرجوح على
الراجح وهو قبيح (قال ما هذا لفظه) وربما يجاب عنه بمنع قبح ترجيح المرجوح على
الراجح إذ المرجوح قد يوافق الاحتياط فالأخذ به حسن عقلا (ثم أورد) على الجواب
المذكور بما حاصله ان العمل بالمرجوح المطابق
للاحتياط جمع بين
الراجح والمرجوح لا ترجيح للمرجوح على الراجح فإذا ظن عدم وجوب شيء فالإتيان به
احتياطاً ليس أخذاً بالوهم وطرحاً للظن بل هو جمع بينهما إذ الإتيان لا ينافي عدم
الوجوب (ثم قال) ما حاصله ان الأولى ان يجاب عنه
(أولا) بالنقض
بكثير من الظنون المحرمة العمل بالإجماع والضرورة.
(وثانياً) بالحل
بمعنى انا نسلم قبح ترجيح المرجوح على الراجح ولكن ذلك فيما إذا دار الأمر بينهما
بأن تنجز التكليف بالواقع ولم يمكن الاحتياط بالجمع بينهما كما إذا تعلق التكليف
بالذهاب إلى بغداد وتردد الأمر بين طريقين أحدهما مظنون الإيصال والآخر موهوم
الإيصال فيجب حينئذ الأخذ بالظن دون الوهم لقبح ترجيح المرجوح على الراجح (واما إذا
لم يتنجز) التكليف بالواقع (أو تنجز) وأمكن الاحتياط بينهما كما إذا تعلق التكليف
بإكرام العالم وتردد العالم بين شخصين كان أحدهما مظنون العالمية والآخر موهوم
العالمية حيث يمكن الاحتياط فيه بالجمع بين إكراميهما فلا يكاد يدور الأمر بين
الراجح والمرجوح كي يجب الأخذ بالراجح دون المرجوح بل جاز الرجوع في الأول إلى
البراءة وفي الثاني إلى الاحتياط والدور ان في المقام مما لا يثبت إلّا بإبطال
البراءة وعدم وجوب الاحتياط وهما يتوقفان على دليل الانسداد الآتي.
(أقول)
هذا كله مضافاً
إلى ما يرد على المستدل من النقض بالظن بالتكليف في الشبهات الموضوعية حيث يجوز
فيها ترك العمل بالظن بلا كلام فما به الجواب فيها يكون هو الجواب في الشبهات
الحكمية (ثم إن) من تمام ما ذكر إلى هنا يعرف ان مراد المصنف من قوله الا فيما إذا
كان الأخذ بالظن أو بطرفه لازماً مع عدم إمكان الجمع بينهما عقلا هو ما إذا تنجز
التكليف بالواقع ولم يمكن الاحتياط فيه أصلا كما في مثال الشيخ بتعلق التكليف
بالذهاب إلى بغداد مع تردد الأمر فيه بين طريقين أحدهما مظنون الإيصال والآخر
موهوم الإيصال غير ان المصنف قد أضاف إلى
ذلك قوله أو عدم
وجوبه شرعاً يعني به من جهة العسر والحرج المنفيين (ثم إن) حاصل جواب المصنف عن
هذا الوجه الثاني ان لزوم ترجيح المرجوح على الراجح انما يكون إذا دار امر المجتهد
في الشبهات الحكمية بين الأخذ بالظن أو الوهم ولا يكاد يدور الأمر بينهما إلّا
بمقدمات الانسداد الآتية وإلّا فاللازم هو ترك العمل بالظن والوهم جميعاً والرجوع
إلى العلم أو العلمي أو الاحتياط أو البراءة أو غيرهما على حسب اختلاف الأشخاص
والأحوال كما ستطلع على حقيقة الحال وهو جيد
في الوجه الثالث من الوجوه التي أقاموها
على حجية مطلق الظن
(قوله الثالث ما عن
السيد الطباطبائي قدسسره من انه لا ريب في
وجود واجبات ومحرمات ... إلخ)
قال الشيخ أعلى
الله مقامه الثالث ما حكاه الأستاذ عن أستاذه السيد الطباطبائي من انه لا ريب في
وجود واجبات ومحرمات كثيرة (وساق العبارة) مثل ما ساق المصنف عيناً في الكتاب (ومحصله)
انا نعلم إجمالا بوجود واجبات ومحرمات كثيرة بين المشتبهات ومقتضي ذلك هو الاحتياط
التام في المجموع أي في المظنونات والمشكوكات والموهومات بأن نأتي بكل ما كان
وجوبه مظنوناً أو مشكوكاً أو موهوماً ونترك كل ما كانت حرمته مظنونة أو مشكوكة أو
موهومة ولكن مقتضي قاعدة الحرج عدم وجوب الاحتياط كذلك فالجمع بين قاعدتي الاحتياط
والحرج يقتضي الاقتصار في الاحتياط على المظنونات فقط دون المشكوكات والموهومات
لئلا يلزم العسر والحرج إذ الجمع على غير هذا الوجه بإخراج بعض المظنونات لدفع
الحرج وإدخال بعض المشكوكات والموهومات باطل إجماعاً.
(قوله ولا يخفى ما فيه
من القدح والفساد فانه بعض مقدمات دليل الانسداد ولا يكاد ينتج بدون سائر مقدماته
ومعه لا يكون دليل آخر ... إلخ)
وتوضيح القدح
والفساد ان هذا الوجه الثالث هو عبارة عن الانسداد الناقص (فدعوى) العلم الإجمالي
بوجود واجبات ومحرمات بين المشتبهات هي نفس المقدمة الأولى كما ستأتي (ودعوى) عدم
وجوب الاحتياط في الجميع نظراً إلى كونه عسرياً حرجياً هي بعض المقدمة الرابعة كما
ستعرف (ودعوى) ان إخراج بعض المظنونات وإدخال بعض المشكوكات والموهومات باطل
إجماعاً هي عين المقدمة الخامسة كما ستجيء ومن الواضح المعلوم ان المقدمات الناقصة
مما لا تنتج شيئاً ما لم ينضم إليها ساير المقدمات (من انسداد باب العلم والعلمي)
إلى كثير من الواجبات والمحرمات (وعدم جواز إهمالها) وترك التعرض لامتثالها رأساً (وعدم
جواز الرجوع) إلى الأصل العملي في كل مسألة بمقتضى حالها أو إلى فتوى مجتهد آخر
انفتاحي كما ان من الواضح أيضاً ان مع الانضمام إليها لا تكون هي شيئاً آخر غير
دليل الانسداد الآتي (هذا حاصل) جواب المصنف عن هذا الوجه الثالث (وقريب) منه ما
أجاب به الشيخ أعلى الله مقامه (قال ما لفظه) وفيه انه راجع إلى دليل الانسداد
الآتي إذ ما من مقدمة من مقدمات ذلك الدليل الا وهي يحتاج إليها في إتمام هذا
الدليل فراجع وتأمل (انتهى) موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه
في الوجه الرابع من الوجوه التي أقاموها
على حجية مطلق الظن المعروف بدليل الانسداد
(قوله الرابع دليل
الانسداد وهو مؤلف من مقدمات يستقل العقل مع تحققها بكفاية الإطاعة الظنية ... إلخ)
إن الإطاعة الظنية
هي الإتيان بكل ما ظن وجوبه وترك كل ما ظن حرمته من بين المشتبهات في قبال الإطاعة
الشكية أو الوهمية وهي الإتيان بكل ما شك وجوبه وترك كل ما شك حرمته من بين
المشتبهات أو الإتيان بكل ما وهم وجوبه وترك كل ما وهم حرمته من بين المشتبهات وكل
من الظنية والشكية والوهمية هو في قبال الإطاعة العلمية التفصيلية المتعذرة في حال
الانسداد وهي الإتيان بكل واجب واقعي وترك كل حرام واقعي وفي قبال الإطاعة العلمية
الإجمالية وهي الاحتياط التام في المشتبهات بإتيان كل ما ظن أو شك أو وهم وجوبه
وترك كل ما ظن أو شك أو وهم حرمته وهو اما لا يجوز عقلا في حال الانسداد لإخلالها
بالنظام أو لا تجب شرعاً لكونه مما يوجب الحرج على الأنام.
(قوله حكومة أو كشفاً
... إلخ)
إشارة إلى النزاع
الآتي بين الانسداديين بعضهم مع بعض وهو ان مقتضي مقدمات الانسداد على تقدير صحتها
وسلامتها وإنتاجها حجية الظن لا التبعيض في الاحتياط كما ستعرف هل هو استقلال
العقل بحجية الظن في حال الانسداد كاستقلاله بحجية العلم في حال الانفتاح أو ان
مقتضاه هو استكشاف كون الظن في حال الانسداد طريقاً منصوباً من قبل الشارع كالظنون
الخاصة الوافية بمعظم الفقه عند الانفتاحيين
(قوله وهي خمسة أولها
انه يعلم إجمالا بثبوت تكاليف كثيرة فعلية في الشريعة ... إلخ)
أي نعلم إجمالا
بوجود واجبات ومحرمات كثيرة في مجموع المشتبهات وهذه المقدمة الأولى هي بديهية كما
سيأتي اعتراف المصنف بها ولعل من هنا لم يتعرضها الشيخ أعلى الله مقامه وذكر من
المقدمات الخمس أربعة من الثانية وبعدها.
(قوله ثانيها انه قد
انسد علينا باب العلم والعلمي إلى كثير منها ... إلخ)
إن العلمي عبارة
عن الظن الخاصّ الّذي قام الدليل القطعي على اعتباره وثبت حجيته بالعلم واليقين (ومن
هنا) عبر عنه الشيخ بالظن الخاصّ (قال) المقدمة الأولى وهي الثانية من المصنف
انسداد باب العلم والظن الخاصّ في معظم المسائل الفقهية ... إلخ وكيف كان هذه هي
عمدة مقدمات الانسداد وأهمها من بين الكل وبها سميت المقدمات مقدمات الانسداد بل
ذكر الشيخ أعلى الله مقامه عند التكلم حول هذه المقدمة ان الظاهر المصرح به في
كلمات بعض ان ثبوت هذه المقدمة مما يكفي في حجية الظن المطلق للإجماع عليه على
تقدير انسداد باب الظن الخاصّ (قال) ولذا لم يذكر صاحب المعالم وصاحب الوافية في
إثبات حجية الظن الخبري غير انسداد باب العلم واما الاحتمالات الآتية في ضمن
المقدمات الآتية من الرجوع بعد انسداد باب العلم والظن الخاصّ إلى شيء آخر غير
الظن فانما هي أمور احتملها بعض المدققين من متأخري المتأخرين أولهم فيما أعلم
المحقق جمال الدين الخوانساري حيث أورد على دليل الانسداد باحتمال الرجوع إلى
البراءة واحتمال الرجوع إلى الاحتياط وزاد عليها بعض من تأخر احتمالات أخر (انتهى).
(قوله ثالثها انه لا
يجوز لنا إهمالها وعدم التعرض لامتثالها أصلا إلى آخره)
(قال الشيخ) أعلى
الله مقامه الثانية يعني بها الثالثة من المصنف انه لا يجوز لنا إهمال الأحكام
المشتبهة وترك التعرض لامتثالها بنحو من أنحاء امتثال الجاهل العاجز
عن العلم
التفصيليّ بان نقتصر في الإطاعة على التكاليف القليلة المعلومة تفصيلا أو بالظن
الخاصّ القائم مقام العلم بنص الشارع ونجعل أنفسنا في تلك الموارد ممن لا حكم عليه
فيها كالأطفال والبهائم أو ممن حكمه فيها الرجوع إلى أصالة العدم (انتهى) ومقصوده
من أصالة العدم على ما يستفاد من كلماته الشريفة عند التكلم حول هذه المقدمة هي
البراءة (ثم ان لتوضيح المقام) ينبغي ذكر مقدمة مختصرة وهي ان امتثال الواجبات
والمحرمات الكثيرة المعلومة بالإجمال في مجموع المشتبهات على أنحاء عديدة بعضها
عقلية وبعضها شرعية (فمن الأنحاء العقلية) الامتثال العلمي التفصيليّ بأن نأتي بكل
واجب واقعي منها ونترك كل حرام واقعي منها.
(ومنها) الامتثال
العلمي الإجمالي بأن نحتاط في تمام المشتبهات ونأتي بكل ما ظن أو شك أو وهم وجوبه
ونترك كل ما ظن أو شك أو وهم حرمته.
(ومنها) الامتثال
الظني بأن نأتي بكل ما ظن وجوبه ونترك كل ما ظن حرمته (ومنها) الامتثال الشكي بأن
نأتي بكل ما شك وجوبه ونترك كل ما شك حرمته.
(ومنها) الامتثال
الوهمي بأن نأتي بكل ما وهم وجوبه ونترك كل ما وهم حرمته (ومن الأنحاء الشرعية)
ولو كان بعضها ممزوجاً بالعقلية أن نأتي بكل ما قام الظن الخاصّ المنصوب من قبل
الشرع على وجوبه ونترك كل ما قام الظن الخاصّ المنصوب من قبل الشرع على حرمته.
(ومنها) ان نرجع
في كل مسألة إلى الأصل العملي المعتبر فيها المناسب لحالها سواء كان شرعياً أو
عقلياً كان مثبتاً للتكليف كاستصحاب التكليف أو الاحتياط الخاصّ بنفس المسألة كما
إذا تردد الواجب بين الظهر والجمعة أو كان نافياً للتكليف كالبراءة أو استصحاب عدم
التكليف أو لم يكن مثبتاً للتكليف ولا نافياً له كأصالة التخيير عند دوران الأمر
بين المحذورين.
(ومنها) أن نرجع
في كل مسألة إلى فتوى مجتهد آخر انفتاحي هذا حاصل
المقدمة وإذا
عرفتها (فنقول) إن مقصود الانسدادي من هذه المقدمة الثالثة انه بعد ما انسد باب
النحو الأول من الأنحاء العقلية للامتثال وهكذا النحو الأول من الأنحاء الشرعية
وذلك لما ادعاه في المقدمة الثانية من انسداد باب كل من العلم والعلمي أي الظن
الخاصّ إلى كثير من تلك التكاليف فلا يمكن ترك التعرض لامتثالها بالمرة بل يجب
التعرض لامتثالها بأحد الأنحاء الباقية لا محالة وهي ستة فينسد بالمقدمة الرابعة
النحو الثاني من الأنحاء العقلية وهكذا الثاني والثالث من الأنحاء الشرعية
وبالمقدمة الخامسة النحو الرابع والخامس من الأنحاء العقلية فينحصر الطريق قهراً
بالنحو الثالث من العقلية وهو الامتثال الظني وهذا هو مطلوب الانسدادي كما لا
يخفى.
(قوله رابعها انه لا
يجب علينا الاحتياط في أطراف علمنا بل لا يجوز في الجملة كما لا يجوز الرجوع إلى
الأصل في المسألة من استصحاب وتخيير وبراءة واحتياط ولا إلى فتوى العالم بحكمها ...
إلخ)
هذه المقدمة
الرابعة تشتمل على فقرات ثلاث.
(الأولى) عدم وجوب
الاحتياط بل عدم جوازه في الجملة أي فيما كان مخلا بالنظام فوق العسر كما سيأتي
التنصيص عليه.
(الثانية) عدم
جواز الرجوع في كل مسألة إلى الأصل العملي المناسب لحالها
(الثالثة) عدم
جواز الرجوع إلى فتوى مجتهد آخر انفتاحي (ثم إن) مقصود الانسدادي من هذه المقدمة
الرابعة كما أشرنا آنفاً هو سد أنحاء ثلاثة من الأنحاء المتقدمة للامتثال كما انه
سد في المقدمة الثانية وهي انسداد باب العلم والعلمي نحوين آخرين منها فيدور الأمر
قهراً بين الأنحاء الباقية وهي ثلاثة من تلك الأنحاء (إما الامتثال الظني) (أو
الشكي) (أو الوهمي).
(قوله خامسها انه كان
ترجيح المرجوح على الراجح قبيحاً فيستقل العقل حينئذ بلزوم الإطاعة الظنية ... إلخ)
مقصود الانسدادي
من هذه المقدمة الخامسة بعد ما دار الأمر في مقام امتثال التكاليف المعلومة
بالإجمال بين أحد الأنحاء الثلاثة المتقدمة آنفاً (إما الامتثال الظني) (أو الشكي)
(أو الوهمي) انه يتعين من بينها الامتثال الظني لرجحانه على الشكي والوهمي وقبح
ترجيح المرجوح على الراجح.
(أقول)
ويرد (أولا) على
هذه المقدمات الخمس بطولها ان هذه المقدمات ليست هي بأجمعها صحيحة سالمة كي تنتج
حجية الظن بل بعضها سقيمة فاسدة كما ستعرف شرحه عند التكلم حول كل مقدمة على حدة
والنتيجة تتبع أخس المقدمات فإذا بطل إحداها بطلت النتيجة.
(وثانياً) لو سلم
صحة الكل وسلامة الجميع فهي لا تنتج حجية الظن بل التبعيض في الاحتياط في خصوص
المظنونات دون المشكوكات والموهومات من جهة العسر والحرج أو اختلال النظام وليس
معنى وجوب الاحتياط في خصوص المظنونات حجية الظن بالتكليف كما انه ليس معنى عدم
وجوب الاحتياط في موهومات التكليف حجية الظن بعدم التكليف فان ملاك الوجوب في
الأول هو الاحتياط وملاك عدم الوجوب في الثاني هو دفع العسر أو اختلال النظام ولذا
لا يختص عدم وجوب الاحتياط بموهومات التكليف فقط بل يجري حتى في مشكوكات التكليف
أيضاً فلو كانت المقدمات مما تنتج هي حجية الظن لكان الظن يخصص عمومات الكتاب أو
السنة ويقيد إطلاقاتهما جميعاً سواء كان الظن مثبتاً للتكليف وكان العموم الإطلاق
نافيين له أو كان الأمر بالعكس مع ان الظن الانسدادي لا يكاد يكون المثبت منه
مخصصاً للعمومات ولا مقيداً للإطلاقات وإن وجب العمل به من باب الاحتياط فضلا عما
إذا كان نافياً للتكليف.
(وثالثاً) ان رفع
اليد عن الاحتياط في خصوص الموهومات فقط مما يكفي لدفع العسر أو اختلال النظام فلا
موجب لحصر الاحتياط بالمظنونات فقط كما يظهر من الانسدادي وسماه بالإطاعة الظنية
تارة وبحجية الظن أخرى بل يجب رعاية الاحتياط في المظنونات والمشكوكات جميعاً كما
يظهر ذلك من الشيخ أيضاً أعلى الله مقامه عند التكلم حول المقدمة الثالثة أعني
الرابعة من المصنف (قال ما لفظه) ويندفع العسر بترخيص موافقة الظنون المخالفة
للاحتياط كلا أو بعضاً بمعنى عدم وجوب مراعاة الاحتمالات الموهومة لأنها الأولى
بالإهمال إذا ساغ لدفع الحرج بترك الاحتياط في مقدار ما من المحتملات يندفع به
العسر ويبقى الاحتياط على حاله في الزائد على هذا المقدار (انتهى) بل ويظهر منه
أعلى الله مقامه في بحث إهمال النتيجة وكليتها في المعمم الثالث عند قوله ثم إن
العقل حاكم بأن الظن القوي الاطمئناني أقرب إلى العلم عند تعذره ... إلخ انه يجب
الاحتياط في المظنونات والمشكوكات والموهومات كلها الا في الموهومات التي كان الظن
الاطمئناني بخلاف التكليف لا في مطلق الموهومات ولو كان مطلق الظن بخلافه وذلك
لاندفاع العسر برفع اليد عن الاحتياط بهذا المقدار فقط فراجع تمام كلامه زيد في
علو مقامه
الكلام حول المقدمة الأولى
من مقدمات الانسداد
(قوله اما المقدمة
الأولى فهي وإن كانت بديهية إلّا انه قد عرفت انحلال العلم الإجماليّ ... إلخ)
شروع في التكلم
حول كل مقدمة على حدة ليعلم صحيحها من فاسدها وسالمها من سقيمها (وحاصل كلام
المصنف) بمزيد توضيح منا حول هذه المقدمة الأولى وهي
العلم الإجمالي
بثبوت تكاليف كثيرة في الشريعة في مجموع المشتبهات انك قد عرفت في الوجه الأول من
الوجوه العقلية التي أقيمت على حجية خبر الواحد ان العلم الإجمالي الكبير الموجود
في مجموع الأخبار وساير الأمارات منحل إلى العلم الإجمالي الصغير في خصوص الاخبار
كما انك قد عرفت في الوجه الثاني منها ان العلم الإجمالي الموجود في مجموع الأخبار
منحل إلى العلم الإجمالي الأصغر في خصوص الأخبار الموجودة في الكتب المعتمدة
للشيعة كالكتب الأربعة ونحوها ومعه لا موجب للاحتياط في غير موارد تلك الاخبار
أصلا ومن الواضح المعلوم ان الاحتياط في مواردها بمعنى الأخذ بكل خبر منها دل على
التكليف من وجوب أو حرمة هو مما لا يوجب العسر والحرج فضلا عن الاختلال بالنظام.
الكلام حول المقدمة الثانية
من مقدمات الانسداد
(قوله واما المقدمة
الثانية فاما بالنسبة إلى العلم فهي بالنسبة إلى أمثال زماننا بينة وجدانية ...
إلخ)
قد أشرنا فيما
تقدم ان هذه هي عمدة مقدمات الانسداد وأهمها من بين الكل وبها سميت المقدمات
مقدمات الانسداد بل ادعى انها مما تكفي في حجية الظن المطلق بلا حاجة إلى ساير
المقدمات أصلا (وعليه) فإذا بطلت هذه المقدمة فقد بطلت النتيجة من أصلها وانهدم
الأساس بتمامه (وعلى كل حال) حاصل كلام المصنف حول هذه المقدمة الثانية ان دعوى
انسداد باب العلم بمعظم المسائل الفقهية وان كانت هي مسلمة يعرفها كل من تصدي
للاجتهاد والاستنباط ولكن دعوى انسداد باب العلمي أي الظن الخاصّ المعتبر بدليل قطعي
غير مسلمة بعد ما عرفت
نهوض الأدلة
المتقدمة الثلاثة على حجية خبر الثقة من الأخبار المتواترة وسيرة المسلمين على
العمل به في أمورهم الدينية وأخذهم المسائل الشرعية وسيرة العقلاء بما هم عقلاء
كافة على العمل به في عامة أمورهم ومنها الأمور الدينية ومن الواضح المعلوم ان خبر
الثقة بحمد الله واف بمعظم الفقه كاف بمهماته وأغلب مسائله وفروعه (وعليه) فلا
تنتج المقدمات شيئاً مما يرومه الانسدادي أصلا (هذا كله) مضافاً إلى أنها لو تمت
المقدمات لم تنتج الا التبعيض في الاحتياط كما تقدم وعرفت لا حجية الظن.
الكلام حول المقدمة الثالثة
من مقدمات الانسداد
(قوله واما الثالثة
فهي قطعية ولو لم نقل بكون العلم الإجمالي منجزاً مطلقاً أو فيما جاز أو وجب
الاقتحام في بعض أطرافه كما في المقام ... إلخ)
(الشيخ) أعلى الله
مقامه قد استدل لقطعية هذه المقدمة وعدم جواز ترك التعرض لامتثال التكاليف
المعلومة بالإجمال بالمرة بنحو من الأنحاء بعد انسداد باب العلم والعلمي بها (بوجوه)
بالإجماع القطعي وبلزوم الخروج عن الدين لو أهملت الأحكام بالمرة وبالعلم الإجمالي
المقتضي للاحتياط (قال) واما المقدمة الثانية يعني بها ثالثة المصنف وهي عدم جواز
إهمال الوقائع المشتبهة على كثرتها وترك التعرض لامتثالها بنحو من الأنحاء فيدل
عليه وجوه.
(الأول) الإجماع
القطعي على ان المرجع على تقدير انسداد باب العلم وعدم ثبوت الدليل على حجية اخبار
الآحاد بالخصوص ليس هي البراءة وإجراء أصالة العدم في كل حكم بل لا بد من التعرض
لامتثال الأحكام المجهولة بوجه ما إلى ان قال
(الثاني) ان
الرجوع في جميع تلك الوقائع إلى نفي الحكم مستلزم للمخالفة القطعية الكثيرة المعبر
عنها في لسان جمع من مشايخنا بالخروج عن الدين بمعنى ان المقتصر على التدين
بالمعلومات التارك للأحكام المجهولة جاعلا لها كالمعدومة يكاد يعد خارجاً عن الدين
لقلة المعلومات التي أخذ بها وكثرة المجهولات التي أعرض عنها وهذا أمر يقطع
ببطلانه كل أحد بعد الالتفات إلى كثرة المجهولات إلى ان قال.
(الثالث) انه لو
سلمنا ان الرجوع إلى البراءة لا يوجب شيئاً مما ذكر من المحذور البديهي وهو الخروج
عن الدين فنقول انه لا دليل على الرجوع إلى البراءة من جهة العلم الإجمالي بوجود
الواجبات والمحرمات فان أدلتها مختصة بغير هذه الصورة ونحن نعلم إجمالا ان في
المظنونات واجبات كثيرة ومحرمات كثيرة والفرق بين هذا الوجه وسابقه ان الوجه
السابق كان مبنياً على لزوم المخالفة القطعية الكثيرة المعبر عنها بالخروج عن
الدين وهو محذور مستقل وان قلنا بجواز العمل بالأصل في صورة لزوم مطلق المخالفة
القطعية وهذا الوجه مبني على ان مطلق المخالفة القطعية غير جائز وأصل البراءة في
مقابلها غير جار ما لم يصل المعلوم الإجمالي إلى حد الشبهة الغير المحصورة (انتهى)
كلامه هذا كله من أمر الشيخ أعلى الله مقامه
(واما المصنف) فلم
يستدل لقطعية هذه المقدمة الثالثة الا بالوجه الأول والثاني من الوجوه المتقدمة (وقد
أشار) إلى الوجه الأول بقوله ومما يلزم تركه إجماعاً يعني به ترك إهمال معظم
الأحكام (وأشار) إلى الوجه الثاني بقوله وذلك لأن إهمال معظم الأحكام وعدم
الاجتناب كثيراً عن الحرام مما يقطع بأنه مرغوب عنه شرعاً فعبر عن المخالفة
القطعية الكثيرة بعدم الاجتناب كثيراً عن الحرام وعبر عن كونها أمراً يقطع ببطلانه
كل أحد بأنه مما يقطع بأنه مرغوب عنه شرعاً.
(واما الوجه
الثالث) وهو العلم الإجمالي بالواجبات والمحرمات فلم يستدل به نظراً إلى انه مما
لا يجدي لوجوب الاحتياط وعدم جواز الإهمال بالمرة بعد
فرض جواز الاقتحام
في بعض الأطراف لدفع العسر بل فرض وجوب الاقتحام فيه لدفع اختلال النظام فانا إذا
علمنا إجمالا بوجود الحرام مثلا في أطراف نضطر إلى ارتكاب بعضها فلا يكاد يؤثر هذا
العلم شيئاً أبداً بل يجوز ارتكاب الكل اما البعض المضطر إليه فواضح واما ما عداه
فلكون الشك فيه بدوياً لجواز ان يكون الحرام المعلوم بالإجمال هو البعض المضطر
إليه (وقد أشار المصنف) إلى كون المقام من هذا القبيل بقوله فيما جاز أو وجوب
الاقتحام في بعض أطرافه كما في المقام ... إلخ.
(أقول)
(اما الوجه الأول)
من الوجوه الثلاثة المتقدمة وهو الإجماع فلا يخلو عن مناقشة فان الظاهر ان الإجماع
على تقدير تسليمه مما له مدرك واضح وهو العلم الإجمالي بالتكاليف في المشتبهات من
الواجبات والمحرمات لا رأى الإمام عليهالسلام الواصل إلينا خلفاً عن سلف وقرناً بعد قرن.
(واما الوجه
الثاني) وهو لزوم المخالفة القطعية الكثيرة المعبر عنها بالخروج عن الدين فهو ليس
وجهاً مستقلا في قبال العلم الإجمالي بالواجبات والمحرمات المقتضي للاحتياط في
المشتبهات فانا لو جوزنا المخالفة القطعية للتكاليف المعلومة بالإجمال فلا فرق
حينئذ بين قليلها وكثيرها ودعوى ان المخالفة الكثيرة خروج عن الدين هي أشبه شيء
بالتخويف والترهيب كما لا يخفى.
(واما الوجه
الثالث) وهو العلم الإجمالي بالتكاليف فالظاهر انه مما لا بأس به (ودعوى) انه بعد
جواز الاقتحام أو وجوبه في بعض الأطراف لدفع العسر أو لدفع اختلال النظام مما لا
يؤثر شيئاً (ضعيفة) جداً فانا في المقام وان نعلم بجواز الاقتحام في المشكوكات
والموهومات أو بوجوبه لدفع العسر أو لدفع اختلال النظام ولكن العلم الإجمالي مما
لا ينحل بذلك بل باق على حاله في خصوص المظنونات بمعنى انا لا نحتمل ان يكون تمام
التكاليف المعلومة بالإجمال بأجمعها
في المشكوكات
والموهومات المرخصة فيها ويكون المظنونات بتمامها خالية عن التكاليف بل نعلم
إجمالا بوجود مقدار من الواجبات والمحرمات لو لا أكثرها في خصوص المظنونات مثل ما
نعلم بهما في المجموع وهو المقتضي للاحتياط عقلا (وقد أشار) الشيخ أعلى الله مقامه
إلى هذه النكتة في كلامه المتقدم حيث قال ونحن نعلم ان في المظنونات واجبات كثيرة
ومحرمات ... إلخ.
(وبالجملة) إن
الوجه الوجيه لعدم جواز الإهمال بالمرة ووجوب مراعاة الاحتياط ولو في الجملة في
بعض الأطراف هو العلم الإجمالي بالتكاليف في خصوص المظنونات بعد أن جاز أو وجب
الاقتحام في المشكوكات والموهومات لدفع العسر أو لدفع اختلال النظام فتدبر جيداً.
(قوله وذلك لأن إهمال
معظم الأحكام وعدم الاجتناب كثيراً عن الحرام مما يقطع بأنه مرغوب عنه شرعا ...
إلخ)
إشارة إلى الوجه
الثاني من الوجوه الثلاثة التي ذكرها الشيخ أعلى الله مقامه وقد قدمه المصنف في
الذّكر على الوجه الأول ولا بأس به.
(قوله ومما يلزم تركه
إجماعاً ... إلخ)
إشارة إلى الوجه
الأول من الوجوه الثلاثة التي ذكرها الشيخ أعلى الله مقامه وقد أخره المصنف في
الذّكر عن الوجه الثاني ولا بأس به أيضاً.
(قوله ان قلت إذا لم
يكن العلم بها منجزاً لها للزوم الاقتحام في بعض الأطراف كما أشير إليه فهل كان
العقاب على المخالفة في ساير الأطراف حينئذ على تقدير المصادفة الا عقاباً بلا
بيان ... إلخ)
مقصود المستشكل من
هذا الإشكال انه إذا لم نقل بكون العلم الإجمالي منجزاً ولو في خصوص ما جاز أو وجب
الاقتحام في بعض الأطراف كما في المقام لدفع العسر أو لدفع اختلال النظام كما أشير
قبلا فما الموجب لمراعاة الاحتياط في بقية الأطراف وعدم جواز الإهمال بالمرة وهل
البراءة حينئذ في ساير الأطراف إلّا بلا
مزاحم لكون الشك
فيها بدوياً لاحتمال كون التكاليف المعلومة بالإجمال بأجمعها في الطرف المرخص فيه
نظير ما تقدم في العلم الإجمالي بوجود الحرام في أطراف نضطر إلى ارتكاب بعضها
عيناً وهل العقاب حينئذ على المخالفة في ساير الأطراف على تقدير المصادفة الا
عقاباً بلا بيان وذلك لانتفاء العلم الإجمالي وانحلاله من أصله (فيقول المصنف) نعم
لا موجب للاحتياط في بقية الأطراف من ناحية العلم الإجمالي بعد ما جاز أو وجب
الاقتحام في بعض الأطراف ولكنا نعلم بوجوب الاحتياط بنحو اللم من شدة اهتمام
الشارع بتكاليفه (مضافاً) إلى صحة دعوى الإجماع عليه وانه لا يجوز الإهمال رأساً
في هذا الحال أي بعد ما جاز أو وجب الاقتحام في بعض الأطراف لدفع العسر أو لدفع
اختلال النظام.
(أقول)
إن المصنف قبل ذكر
هذا الإشكال قد بين ان وجه وجوب الاحتياط في الجملة وعدم جواز الإهمال بالمرة هو
امران.
(أحدهما) ان إهمال
معظم الأحكام وعدم الاجتناب كثيراً عن الحرام مما يقطع بأنه مرغوب عنه شرعاً ...
إلخ.
(ثانيهما) انه يجب
ترك الإهمال إجماعاً ... إلخ ومعه لا يكاد يبقى مجال لهذا الإشكال وجوابه أصلا
فانه لم يعتمد في وجه وجوب الاحتياط في الجملة وعدم جواز الإهمال بالمرة على العلم
الإجمالي كي يشكل عليه بأنه بعد ما جاز أو وجب الاقتحام في بعض الأطراف لا يكاد
يؤثر هذا العلم الإجمالي شيئاً أبداً فلما ذا يحتاط في بقية الأطراف فيجاب عنه بأن
الاحتياط في بقية الأطراف انما هو لوجوبه شرعاً المستكشف لما من شدة اهتمام الشارع
بتكاليفه أو لصحة دعوى الإجماع على عدم جواز الإهمال في هذا الحال أبداً فتأمل
جيداً.
الكلام حول المقدمة الرابعة
من مقدمات الانسداد
(قوله واما المقدمة
الرابعة فهي بالنسبة إلى عدم وجوب الاحتياط التام بلا كلام فيما يوجب عسرة اختلال
النظام واما فيما لا يوجب فمحل نظر بل منع ... إلخ)
قد عرفت فيما تقدم
ان المقدمة الرابعة تشتمل على فقرات ثلاث (عدم وجوب) الاحتياط التام في أطراف
العلم الإجمالي بل عدم جوازه في الجملة (وعدم جواز) الرجوع في كل مسألة إلى الأصل
العملي المناسب لها من استصحاب أو تخيير أو براءة أو اشتغال (وعدم جواز) الرجوع
إلى فتوى مجتهد آخر انفتاحي فحينئذ نتكلم حول الفقرة الأولى (فنقول) اما الشيخ
أعلى الله مقامه فقد اختار عدم وجوب الاحتياط التام في المقام كما يقول به
الانسدادي وذلك لوجهين.
(أحدهما) الإجماع
القطعي على عدم وجوبه في المقام نظير ما تقدم من الإجماع القطعي على عدم جواز
الإهمال بالمرة.
(وثانيهما) لزوم
العسر الشديد والحرج الأكيد من الاحتياط التام وذلك لكثرة ما يحتمل موهوماً وجوبه
خصوصاً في أبواب الطهارة والصلاة.
(أقول)
إن دعوى عدم وجوب
الاحتياط التام في المقام استناداً إلى العسر الشديد والحرج الأكيد هي في محلها
ولكن دعوى الإجماع القطعي مما لا يخلو عن مناقشة فان الظاهر ان الإجماع المذكور
على تقدير تسليمه مما له مدرك واضح نظير ما تقدم في الإجماع على عدم جواز الإهمال
بالمرة غايته ان المدرك هناك كان هو العلم الإجمالي بالتكاليف
وهاهنا هو العسر
الشديد والحرج الأكيد (وعلى كل حال) ان أدلة العسر والحرج هي كافية في إسقاط وجوب
الاحتياط التام في المقام من دون حاجة إلى دعوى الإجماع القطعي عليه الكاشف عن رأي
الإمام عليهالسلام (هذا كله من أمر
الشيخ) في التكلم حول الاحتياط التام.
(واما مختار
المصنف) فحاصله ان الاحتياط التام في أطراف العلم الإجمالي إذا كان عسرة بحد
الإخلال بالنظام فهذا غير واجب بلا كلام واما إذا كان دون ذلك بان كان الاحتياط
مما يوجب العسر فقط بلا إخلال بالنظام فعدم وجوبه محل نظر بل منع نظراً إلى ان
أدلة الحرج وهكذا أدلة الضرر وان كانت حاكمة على دليل التكليف والوضع رافعة لهما
فيما كانا حرجيين أو ضرريين وتوجب حصرهما بما إذا لم يلزم منهما حرج أو ضرر (لكن
ذلك) إذا كان نفس متعلق التكليف حرجياً أو ضررياً كالوضوء أو الغسل في البرد
الشديد أو القيام في صلاة المريض أو الحج للشيخ الكبير وأمثال ذلك.
(واما إذا) كان
متعلق التكليف بنفسه في كمال السهولة ولكن الجمع بين محتملاته احتياطاً من جهة
العلم الإجمالي هو الّذي أوجب العسر أو الضرر كما إذا تردد الماء المطلق للوضوء
بين ألف إناء مثلا فهاهنا لا تكون أدلة الحرج حاكمة على قاعدة الاحتياط إذ العسر
لازم من حكم العقل بالجمع بين المحتملات للعلم الإجمالي بالتكليف وليس لازماً من
التكليف الشرعي كي يرتفع بالحرج أو الضرر نعم لو كان الاحتياط بحكم الشرع وقد أوجب
العسر والحرج لكثرة الأطراف أمكن القول حينئذ بسقوطه ولكنه مجرد فرض كما لا يخفى
فانه ليس إلّا بحكم العقل دون الشرع.
(أقول)
الظاهر انه لا فرق
في الحرج أو الضرر بين أن يلزم من نفس متعلق التكليف أو من الجمع بين محتملاته
بحكم العقل للعلم الإجمالي بالتكليف فان الحرج أو الضرر
على كل حال متوجه
من ناحية التكليف الشرعي إذ لولاه لم يحكم العقل بوجوب الجمع بين محتملاته كي يلزم
منه الحرج أو الضرر (وعليه) فكل من الحرج والضرر مرتفع مطلقاً سواء كان لازماً من
نفس متعلق التكليف أو من الجمع بين محتملاته بحكم العقل (وإلى هذا قد أشار المصنف)
بقوله نعم لو كان معناه نفي الحكم الناشئ من قبله العسر كما قيل لكانت قاعدة نفيه
محكمة على قاعدة الاحتياط لأن العسر حينئذ يكون من قبل التكاليف المجهولة فتكون
منفية بنفيه (انتهى).
(وبالجملة) لا شك
في ان الاحتياط التام بعد العلم الإجمالي بالتكاليف في المشتبهات بإتيان كل ما ظن
أو شك أو وهم وجوبه وترك كل ما ظن أو شك أو وهم حرمته هو مما يوجب العسر الشديد
والحرج الأكيد وهما منفيان في الشريعة السمحاء بلا شبهة بل إذا أوجب ذلك اختلال
النظام فهو منفي بحكم العقل أيضاً مضافاً إلى الشرع وعليه فوجوب الاحتياط التام في
المقام باطل بلا كلام.
(قوله من ان التوفيق
بين دليلهما ودليل التكليف أو الوضع المتعلقين بما يعمهما هو نفيهما عنهما بلسان
نفيهما ... إلخ)
أي من ان التوفيق
بين دليل الضرر والعسر ودليل التكليف والوضع المتعلقين بما يعم الضرر والعسر هو
نفي التكليف والوضع عن المتعلقين بلسان نفي الضرر والعسر
(قوله ولا يخفى إنه
على هذا لا وجه لدعوى استقلال العقل بوجوب الاحتياط في بعض الأطراف ... إلخ)
أي ولا يخفى انه
بناء على حكومة أدلة العسر والحرج على قاعدة الاحتياط في المقام لكونها عسرية
حرجية وجاز أو وجب الاقتحام في بعض الأطراف كالمشكوكات والموهومات لدفع الحرج أو
لدفع اختلال النظام فلا يبقى موجب لمراعاة الاحتياط في بقية الأطراف أي في
المظنونات كما سبق في ان قلت المتقدم وذلك لصيرورة الشك فيها بدوياً لجواز ان يكون
التكاليف المعلومة بالإجمال كلها في خصوص الأطراف المرخصة فيها فان الاحتياط انما
وجب هو للعلم الإجمالي فإذا انحل العلم
الإجمالي وصار
الشك بدوياً فلا موجب للاحتياط أصلا ولو في بعض الأطراف (وعليه) ففي مراعاة
الاحتياط في المظنونات لا بد من دعوى وجوبه شرعاً اما لاستكشافه بنحو اللم من شدة
اهتمام الشارع بتكاليفه أو للإجماع عليه في هذا الحال كما سبق في جواب ان قلت
المتقدم فتذكر.
(قوله واما الرجوع إلى
الأصول فبالنسبة إلى الأصول المثبتة من احتياط أو استصحاب مثبت للتكليف فلا مانع
عن إجرائها عقلا ... إلخ)
هذه هي الفقرة
الثانية من المقدمة الرابعة وهي الرجوع في كل مسألة إلى الأصل العملي المناسب لها
من استصحاب أو تخيير أو براءة أو اشتغال (قال الشيخ) أعلى الله مقامه (ما لفظه)
واما الرجوع في كل واقعة إلى ما يقتضيه الأصل في تلك الواقعة (إلى ان قال) فيرد
هذا الوجه ان العلم الإجمالي بوجود الواجبات والمحرمات يمنع عن إجراء البراءة أو
الاستصحاب المطابق لها المخالف للاحتياط بل وكذا العلم الإجمالي بوجود غير
الواجبات والمحرمات في الاستصحابات المطابقة للاحتياط يمنع عن العمل بالاستصحابات
من حيث انها استصحابات وان كان لا يمنع من العمل بها من حيث الاحتياط لكن الاحتياط
في جميع ذلك يوجب العسر (قال) وبالجملة فالعمل بالأصول النافية للتكليف في مواردها
مستلزم للمخالفة القطعية الكثيرة وبالأصول المثبتة للتكليف من الاحتياط والاستصحاب
مستلزم للحرج وهذا لكثرة المشتبهات في المقامين كما لا يخفى على المتأمل (انتهى)
كلامه رفع مقامه (وملخصه) لدى التدبر ان العلم الإجمالي بوجود الواجبات والمحرمات
مما يمنع عن الأصول النافية للتكليف من البراءة والاستصحابات المطابقة لها (كما ان
العسر) والحرج هما يمنعان عن الأصول المثبتة للتكليف من الاحتياط والاستصحابات
المطابقة له (هذا مضافاً) إلى ما في خصوص الاستصحابات المطابقة للاحتياط من وجه
آخر للمنع وهو العلم الإجمالي بوجود غير الواجبات والمحرمات فيها المانع عن العمل
بها من حيث انها استصحابات.
(أقول)
اما العلم
الإجمالي بوجود الواجبات والمحرمات فلا بدّ من تعميمه إلى موارد الأصول النافية
أيضاً نظراً إلى قلة موارد الأصول المثبتة وانها بالنسبة إلى التكاليف الكثيرة
المعلومة بالإجمال أقل قليل وإلّا فمجرد العلم الإجمالي بوجود الواجبات والمحرمات
في مجموع المشتبهات مع احتمال كونهما جميعاً في موارد الأصول المثبتة للتكليف من
الاحتياط والاستصحابات المطابقة له مما لا يمنع عن الأصول النافية بل يجري حينئذ
كل من الأصول المثبتة والنافية جميعاً وينحل العلم الإجمالي من أصله (نظير) ما إذا
علمنا إجمالا بوقوع النجس في أحد الأواني الثلاثة وكانت الحالة السابقة في اثنين
منها الطهارة وفي واحد منها النجاسة فيجري استصحاب الطهارة في الاثنين واستصحاب
النجاسة في الثالث وينحل العلم الإجمالي من أصله.
(واما العلم
الإجمالي) بوجود غير الواجبات والمحرمات في الاستصحابات المطابقة للاحتياط فهو غير
معلوم وذلك لجواز بقاء التكليف في تمام استصحابات التكليف على حاله (ومجرد العلم
الإجمالي) بوجود غير الواجبات والمحرمات في مجموع المشتبهات مع احتمال كونه بتمامه
في موارد الأصول النافية (مما لا يجدي) في عدم جريان الاستصحابات المطابقة
للاحتياط بل تجري الاستصحابات المثبتة بل والنافية أيضاً لو لم يكن مانع آخر عنها
وينحل العلم الإجمالي بالعدم من أصله.
(واما دعوى) ان
العمل بالأصول المثبتة من الاحتياط والاستصحابات المطابقة له مستلزم للعسر والحرج
فهي ممنوعة جداً فانها ليست من الكثرة بحد لو عمل بها لزم العسر كما لا يخفى (هذا
مضافاً) إلى ان الشيخ أعلى الله مقامه لم يتعرض حكم أصالة التخيير أصلا والظاهر
انه لا مانع عن جريانها كأصالة الاحتياط والاستصحابات المطابقة لها عيناً.
(وبالجملة) إن
الأصول النافية مما لا تجري للعلم الإجمالي بوجود الواجبات والمحرمات في مواردها
ولكن الأصول المثبتة أي الاحتياط الخاصّ بالمسألة من جهة
العلم الإجمالي
بالتكليف فيها كالعلم الإجمالي بوجوب القصر والإتمام في مورد خاص والاستصحابات
المطابقة للاحتياط فيما كان للتكليف حالة سابقة كاستصحاب وجوب صلاة الجمعة ونحوها
وهكذا أصالة التخيير فيما إذا دار الأمر بين المحذورين مما لا مانع عن جريانها
أبداً (هذا كله محصل كلام الشيخ) وما فيه من النقض والإبرام.
(واما المصنف)
فحاصل كلامه أن الأصول المثبتة للتكليف من الاحتياط والاستصحابات المطابقة له مما
لا مانع عن جريانها عقلا فإذا علم مثلا إجمالا بوجوب القصر أو الإتمام جرت قاعدة
الاحتياط وإذا شك في بقاء وجوب صلاة الجمعة جرت قاعدة الاستصحاب (اما الأول) فلحكم
العقل (واما الثاني) فلعموم النقل وإن قيل بعدم جريان الاستصحاب في أطراف العلم
الإجمالي من جهة المناقضة بين صدر دليل الاستصحاب وذيله كما سيأتي من الشيخ في
تعارض الاستصحابين إن شاء الله تعالى فانه لو علم مثلا إجمالا بوجود النجس في أحد
الإناءين وكانا في السابق طاهرين لم يمكن استصحاب طهارتهما جميعاً إذ لو استصحب
طهارتهما كذلك عملا بقوله عليهالسلام لا ينقض اليقين بالشك كان ذلك طرحاً لقوله عليهالسلام ولكن ينقضه بيقين آخر وقد تيقنا إجمالا بانتقاض الحالة
السابقة في أحدهما (والسر في عموم النقل) وان قيل بعدم جريان الاستصحاب في أطراف
العلم الإجمالي من جهة المناقضة ان المجتهد الّذي يجري الاستصحاب المثبت للتكليف
في المشتبهات ممن لا شك له فعلا الا في هذا الطرف الملتفت إليه لا في ساير الأطراف
كي يتم أركانه في الجميع ولم يمكن إجرائه في الكل من جهة المناقضة بين الصدر
والذيل بل ولا في البعض لمعارضة الطرف الآخر معه.
(أقول)
إن من الجائز ان
يحصل للمجتهد حين الاستصحاب التفات إلى تمام موارد الاستصحابات المثبتة للتكليف
نظراً إلى قلتها وحصرها بموارد معدودة فيصير
الشك حينئذ في
الجميع فعلياً فيمنع عنها (ولعله) إليه أشار أخيراً بقوله فافهم (والصحيح) في وجه
جريان الاستصحابات المثبتة للتكليف هو ما أشرنا إليه من المنع عن العلم الإجمالي
بوجود غير الواجبات والمحرمات فيها هذا كله حاصل كلام المصنف في الأصول المثبتة.
(واما الأصول
النافية) فحاصل كلامه فيها انه لا مانع أيضاً عن جريانها من ناحية لزوم التناقض
بين صدر الدليل وذيله بعد عدم فعلية الشك في تمام الأطراف دفعة واحدة ان لم يكن
مانع آخر عنه شرعاً أو عقلا كالعلم الإجمالي بالتكليف ولا مانع عنه كذلك إذا كان
مجموع موارد الأصول المثبتة للتكليف بضميمة ما علم حكمه تفصيلا أو نهض عليه الظن
الخاصّ المعتبر بالخصوص بمقدار المعلوم بالإجمال بل بمقدار لا يبقى معه شيء مهم
يوجب استكشاف وجوب الاحتياط فان الانسدادي وإن أنكر انفتاح باب العلم والعلمي
بمعظم المسائل الفقهية ولكن لا ينكر العلم ببعض المسائل التي يعرف حكمها من الكتاب
أو السنة أو من العقل أو الإجماع كما لا ينكر أيضاً بعض الظنون الخاصة المعتبرة
بالخصوص كظاهر الكتاب والسنة وان أنكر وجود الظن الخاصّ الوافي بمعظم الفقه كخبر
الثقة ونحوه (هذا إذا كان) مجموع موارد الأصول المثبتة بضميمة ما علم حكمه تفصيلا
أو نهض عليه الظن الخاصّ المعتبر بالخصوص بمقدار المعلوم بالإجمال من التكاليف
وإلّا فاللازم هو الاحتياط في خصوص مجاري الأصول النافية مطلقاً ولو من موهومات
التكليف إلّا بمقدار رفع اختلال النظام أو رفع العسر لا الاحتياط في محتملات
التكليف مطلقاً ولو كانت في موارد الأصول المثبتة فان العمل بالتكاليف فيها يكون
من باب قيام الحجة عليها وهي الأصول العملية لا من باب الاحتياط كما لا يخفى.
(أقول)
اما عدم فعلية
الشك في تمام الأطراف دفعة واحدة فقد عرفت ضعفه (واما)
انحلال العلم
الإجمالي بالتكاليف بدعوى كون مجموع موارد الأصول المثبتة مع الضميمة بمقدار
المعلوم بالإجمال من التكاليف فأضعف فإن موارد الأصول المثبتة مع الضميمة ليست
إلّا أقل قليل بالنسبة إلى التكاليف المعلومة بالإجمال في مجموع المشتبهات (نعم
دعوى) انه إذا لم ينحل العلم الإجمالي كان خصوص موارد الأصول النافية محلا
للاحتياط دون المثبتة هي في محلها فان العمل في موارد المثبتة يكون بملاك قيام
الحجة على التكليف وهي الأصول العملية لا بملاك الاحتياط من جهة العلم الإجمالي
بالتكاليف (وعلى كل حال) قد تحصل لك من جميع ما ذكر إلى هنا انه يجوز الرجوع في
المسألة إلى الأصول العملية المثبتة للتكليف من الاحتياط والاستصحابات المطابقة له
بل وإلى أصالة التخيير أيضاً ولا يجوز الرجوع فيها إلى الأصول النافية أصلا فتدبر
جيداً فان المقام لا يخلو عن دقة.
(قوله فافهم ... إلخ)
قد أشير آنفاً إلى
وجه قوله فافهم فلا تغفل.
(قوله لو لم يكن هناك
مانع عقلا أو شرعاً ... إلخ)
المانع عن الأصول
النافية هو العلم الإجمالي بالتكاليف ولعل قوله عقلا أو شرعاً إشارة إلى ان العلم
الإجمالي بالتكليف ان كان تأثيره في التنجيز بنحو العقلية التامة بحيث لا يمكن
الترخيص من الشرع في أطرافه لا كلا ولا بعضاً للزوم المناقضة أو احتمالها المحال
فالمانع عقلي واما إذا كان تأثيره فيه بنحو الاقتضاء بحيث جاز الترخيص من الشرع
فيها كلا أو بعضاً بلا لزوم المناقضة أو احتمالها المحال غايته انه لم يرد من الشرع
دليل يصلح بظاهره للجريان في أطرافه كلا أو بعضاً فالمانع شرعي بمعنى انه كان له
ان يمنع عن تأثيره ولم يفعل بل أقره على حاله وقد تقدم منا في العلم الإجمالي ما
له نفع تام في تحقيق هذا المقام فراجع ولا نعيد.
(قوله ومن الواضح انه
يختلف باختلاف الأشخاص والأحوال إلى آخره)
فرب شخص كان ما
علمه تفصيلا أو نهض عليه علمي هو بمقدار كثير لو انضم إلى موارد الأصول المثبتة
لانحل العلم الإجمالي بالتكاليف من أصله ولم يبق له مانع عن الأصول النافية أصلا
بخلاف شخص آخر وهكذا قد يتفق الاختلاف باختلاف الأحوال والأزمان فرب حال وزمان أمكن
فيه تحصيل العلم التفصيليّ أو العلمي بمقدار لو انضم إلى الأصول المثبتة لانحل
العلم الإجمالي بالتكاليف من أصله بخلاف حال آخر وزمان غيره وهذا واضح.
(قوله ولو من مظنونات
عدم التكليف محلا للاحتياط فعلا ويرفع اليد عنه فيها كلا أو بعضاً بمقدار رفع
الاختلال أو رفع العسر ... إلخ)
(مقصوده) من
مظنونات عدم التكليف هو موهومات التكليف (كما ان مقصوده) من رفع اليد عن الاحتياط
فيها كلا أو بعضاً بمقدار رفع الاختلال أو رفع العسر هو الرد على الانسدادي
الملتزم بالاحتياط في خصوص مظنونات التكليف وقد رفع اليد عنه في المشكوكات
والموهومات جميعاً فيشير بقوله هذا إلى انه لا ملزم لرفع اليد عن الاحتياط في
المشكوكات بل ولا في الموهومات إلّا بمقدار رفع العسر أو الإخلال بالنظام (وقد
تقدم) منا هذا الإشكال على الانسدادي عند بيان المقدمة الخامسة وذكرنا عبارة الشيخ
فيه أيضاً بل ذكرنا منه عبارتين يظهر من إحداهما رفع اليد عن الاحتياط في خصوص
الموهومات كلا أو بعضاً بمقدار دفع العسر ومن أخراهما رفع اليد عن الاحتياط في
الموهومات التي كان الظن الاطمئناني بخلاف التكليف لا مطلق الظن فراجع.
(قوله لا محتملات
التكليف مطلقاً ... إلخ)
عطف على موارد
أصول النافية أي كما ظهر انه لو لم ينحل بذلك كان خصوص موارد أصول النافية مطلقاً
ولو من موهومات التكليف محلا للاحتياط لا محتملات
التكليف مطلقاً
ولو كانت في موارد الأصول المثبتة فان العمل في موارد الأصول المثبتة كما أشير
آنفاً يكون بملاك قيام الحجة على التكليف وهي الأصول العملية المعتبرة لا بملاك
الاحتياط من جهة العلم الإجمالي بالتكاليف (ويحتمل ضعيفاً) ان يكون عطفاً على قوله
فيها كلا أو بعضاً أي ويرفع اليد عن الاحتياط في موهومات التكليف كلا أو بعضاً
بمقدار رفع الاختلال أو رفع العسر لا في محتملات التكليف مطلقاً أي في المشكوكات
والموهومات جميعاً كما زعم الانسدادي.
(قوله واما الرجوع إلى
فتوى العالم فلا يكاد يجوز ... إلخ)
هذه هي الفقرة
الثالثة من المقدمة الرابعة وهي الرجوع إلى فتوى مجتهد آخر انفتاحي (قال الشيخ)
أعلى الله مقامه واما رجوع هذا الجاهل الّذي انسد عليه باب العلم في المسائل
المشتبهة إلى فتوى العالم بها وتقليده فيها فهو باطل لوجهين (أحدهما) الإجماع
القطعي (والثاني) ان الجاهل الّذي وظيفته الرجوع إلى العالم هو الجاهل العاجز عن
الفحص واما الجاهل الّذي يبذل الجهد وشاهد مستند العالم وغلطه في استناده إليه
واعتقاده عنه فلا دليل على حجية فتواه بالنسبة إليه وليست فتواه من الطرق المقررة
لهذا الجاهل (انتهى) موضع الحاجة من كلامه.
(والمصنف) قدسسره وإن لم يؤشر إلى الوجه الأول وكأنه لضعفه ولكنه قد أشار
إلى الوجه الثاني بقوله واما الرجوع إلى فتوى العالم فلا يكاد يجوز ضرورة انه لا
يجوز إلّا للجاهل لا للفاضل الّذي يرى خطأ من يدعي انفتاح باب العلم والعلمي فهل
يكون رجوعه إليه بنظره الا من قبيل رجوع الفاضل إلى الجاهل (انتهى).
الكلام حول المقدمة الخامسة
من مقدمات الانسداد
(قوله واما المقدمة
الخامسة فلاستقلال العقل بها وانه لا يجوز التنزل إلى آخره)
وحاصل كلام المصنف
هنا هو تسليم المقدمة الخامسة وهي كون ترجيح المرجوح على الراجح قبيحاً وذلك
لاستقلال العقل بها وانه لا يجوز التنزل بعد عدم التمكن من الإطاعة العلمية يعني
بها الإجمالية وهي الاحتياط التام أو عدم وجوبها الا إلى الإطاعة الظنية دون
الشكية أو الوهمية وذلك لبداهة مرجوحيتهما بالنسبة إليها.
(أقول)
نعم إن العقل
يستقل بقبح ترجيح المرجوح على الراجح ولكن لا يستقل بعد عدم التمكن من الإطاعة
العلمية أو عدم وجوبها بالتنزل إلى خصوص الإطاعة الظنية دون الشكية أو الوهمية بل
إلى الإطاعة الظنية والشكية جميعاً دون الوهمية وذلك لما عرفت عند بيان المقدمة
الخامسة من اندفاع العسر برفع اليد عن الاحتياط في خصوص الموهومات فقط وانه لا
موجب لحصر الاحتياط بالمظنونات فقط الّذي سماه الانسدادي بالإطاعة الظنية تارة
وبحجية الظن أخرى بل يحتاط في المظنونات والمشكوكات جميعاً بل عرفت منا كفاية رفع
اليد عن الاحتياط في بعض الموهومات فقط واندفاع العسر بهذا المقدار خاصة كما تقدم
من الشيخ أعلى الله مقامه بل ومن المصنف أيضاً آنفاً حيث قال ويرفع اليد عنه فيها
أي في مظنونات عدم التكليف يعني بها الموهومات كلا أو بعضاً بمقدار رفع الاختلال
أو رفع العسر ... إلخ (وعلى هذا) فالواجب هو التنزل إلى الإطاعة الظنية والشكية
وشيء من الوهمية
جميعاً لا إلى
خصوص الظنية فقط (فما يظهر من المصنف) في المقام من تسليم عدم جواز التنزل بعد عدم
التمكن من الإطاعة العلمية أو عدم وجوبها الا إلى الإطاعة الظنية دون الشكية أو
الوهمية هو في غير محله جداً فتدبر جيداً.
(قوله لكنك عرفت عدم
وصول النوبة إلى الإطاعة الاحتمالية إلى آخره)
استدراك عن تسليم
المقدمة الخامسة (وحاصله) ان المقدمة الخامسة وان كانت هي مسلمة لا ريب فيها وذلك
لاستقلال العقل بها وانه لا يجوز التنزل بعد عدم التمكن من الإطاعة العلمية أو عدم
وجوبها الا إلى الإطاعة الظنية دون الشكية أو الوهمية ولكنك قد عرفت عدم وصول
النوبة إلى الإطاعة الاحتمالية كي تقدم الظنية على الشكية والوهمية (وذلك) لما
أورده المصنف على المقدمة الأولى من انحلال العلم الإجمالي الكبير الموجود في
مجموع المشتبهات إلى العلم الإجمالي الصغير بل الأصغر الموجود في خصوص اخبار الكتب
المعتمدة للشيعة وان الاحتياط فيها مما لا يوجب العسر فضلا عن اختلال النظام بل (وما
أورده) على المقدمة الرابعة أيضاً على الفقرة الثانية منها وهي عدم جواز الرجوع في
كل مسألة إلى الأصل العملي المناسب لها من جواز الرجوع إلى الأصول العملية مطلقاً
ولو كانت نافية إذا كان العلم الإجمالي بالتكاليف الشرعية منحلا من جهة كون موارد
الأصول المثبتة مع ما علم تفصيلا أو نهض عليه الظن الخاصّ بمقدار المعلوم بالإجمال
من التكاليف وإلّا فيرجع إلى الأصول المثبتة فقط وكان حينئذ خصوص موارد الأصول
النافية محلا للاحتياط وترجيح مظنونات التكليف فيها على غيرها لا موارد الأصول
العملية مطلقاً ولو كانت مثبتة.
(أقول)
كان من اللازم أن
يؤشر المصنف إلى ما أورده على المقدمة الثانية أيضاً وهي انسداد باب العلم والعلمي
فانها كما أشرنا من قبل هي عمدة مقدمات الانسداد وأهمها وبها
سميت المقدمات
مقدمات الانسداد بل ادعي كفايتها لحجية الظن المطلق كما تقدم وقد أبطلها المصنف
بمنع انسداد باب العلمي بقوله لما عرفت من نهوض الأدلة على حجية خبر يوثق بصدقة
وهو بحمد الله وأف بمعظم الفقه لا سيما بضميمة ما علم تفصيلا كما لا يخفى ... إلخ
وعلى هذا فكانت المقدمة الثانية هي أحق بالإشارة إلى ما أورد عليها من غيرها فلا
تغفل أنت كما غفل المصنف قدسسره.
(قوله لوجود المقتضى
وفقد المانع عنه ... إلخ)
(اما المقتضي) فهو
حكم العقل وعموم النقل المتقدمين في كلامه السابق حول الرجوع إلى الأصول العملية.
(واما المانع) فهو
العلم الإجمالي بالتكاليف الّذي قد ادعي انحلاله لو كان مجموع موارد الأصول
المثبتة بضميمة ما علم تفصيلا أو نهض عليه الظن الخاصّ المعتبر بمقدار المعلوم
بالإجمال.
(قوله وترجيح مظنونات
التكليف فيها على غيرها ... إلخ)
بل المصنف لم يرجح
مظنونات التكليف في موارد الأصول النافية على غيرها حيث حكم بالاحتياط فيها جميعاً
الا في موهومات التكليف فلم يحتط فيها بمقدار رفع الاختلال أو رفع العسر (فقال)
فيما تقدم آنفاً ما لفظه كما ظهر انه لو لم ينحل بذلك كان خصوص موارد أصول النافية
مطلقاً ولو من مظنونات عدم التكليف محلا للاحتياط فعلا ويرفع اليد عنه فيها كلا أو
بعضاً بمقدار رفع الاختلال أو رفع العسر ... إلخ.
(قوله ولو بعد استكشاف
وجوب الاحتياط في الجملة شرعاً بعد عدم وجوب الاحتياط التام شرعاً أو عقلا على ما
عرفت تفصيله ... إلخ)
إشارة إلى دفع ما
قد يقال من انه إذا جاز أو وجب الاقتحام في بعض أطراف العلم الإجمالي لدفع العسر
أو لدفع اختلال النظام فلا موجب للاحتياط في بقية لأطراف كي يحكم العقل بترجيح
مظنونات التكليف فيها على غيرها ولو في خصوص
موارد الأصول
النافية فانه ليس إلّا من قبيل ما إذا علمنا إجمالا بوجود النجس في أطراف نضطر إلى
شرب بعضها فكما ان العلم الإجمالي هنا مما لا يؤثر شيئاً لجواز كون المعلوم
بالإجمال في الطرف المرخص فيه فكذلك في المقام لا يؤثر شيئاً عيناً (فيقول في دفعه)
كما أشير غير مرة نعم لا موجب للاحتياط في بقية الأطراف إلّا أنه نحن نستكشف وجوبه
شرعاً في الجملة أي في خصوص مظنونات التكليف لما من شدة اهتمام الشارع بتكاليفه أو
من الإجماع القطعي عليه على ما تقدم تفصيل كل من الإشكال ودفعه بصورة إن قلت وقلت
في ذيل التكلم حول المقدمة الثالثة (ومن هنا) قال المصنف على ما عرفت تفصيله يعني
به الإشارة إلى هناك فتأمل جيداً.
في الظن بالطريق والظن بالواقع
(قوله فصل هل قضية
المقدمات على تقدير سلامتها هي حجية الظن بالواقع أو بالطريق أو بهما أقوال ...
إلخ)
(وحاصل الكلام) ان
مقتضي مقدمات الانسداد على تقدير سلامة الجميع وصحة الكل واقتضائها حجية الظن لا
التبعيض في الاحتياط كما عرفت شرحه (هل هو حجية الظن بالواقع) أي بالحكم الشرعي
الفرعي مثل ان يحصل الظن بوجوب غسل الجمعة أو بوجوب الاستعاذة في الصلاة ونحو ذلك (أو
حجية الظن بالطريق) أي بالمسألة الأصولية مثل ان يحصل الظن بحجية خبر الثقة أو
بحجية الظواهر ونحو ذلك (أو حجية الظن بكليهما جميعاً) فيه أقوال (قد اختار الشيخ)
أعلى الله مقامه القول الأخير (وتبعه المصنف) (قال في الرسائل) وينبغي التنبيه على
أمور الأول انك قد عرفت ان قضية المقدمات المذكورة وجوب الامتثال الظني للأحكام
المجهولة فاعلم انه لا فرق في الامتثال الظني بين تحصيل الظن بالحكم الفرعي
الواقعي
كأن يحصل من شهرة
القدماء الظن بنجاسة العصير العنبي وبين تحصيل الظن بالحكم الفرعي الظاهري كأن
يحصل من أمارة الظن بحجية أمر لا يفيد الظن كالقرعة مثلا فإذا ظن حجية القرعة حصل
الامتثال الظني في مورد القرعة وإن لم يحصل ظن بالحكم الواقعي إلّا انه حصل ظن
ببراءة ذمة المكلف في الواقعة الخاصة وليس الواقع بما هو واقع مقصوداً للمكلف الا
من حيث كون تحققه مبرئاً للذمة فكما انه لا فرق في مقام التمكن من العلم بين تحصيل
العلم بنفس الواقع وبين تحصيل العلم بموافقة طريق علم كون سلوكه مبرئاً للذمة في
نظر الشارع فكذا لا فرق عند تعذر العلم بين الظن بتحقق الواقع وبين الظن ببراءة
الذّمّة في نظر الشارع (انتهى) كلامه رفع مقامه (وملخصه) انه كما لا فرق في حال
الانفتاح بين الإتيان بالواقع المعلوم أو الإتيان بمؤدى طريق معلوم وان كلا منهما
مبرأ قطعي فكذلك في حال الانسداد لا فرق بين الإتيان بالواقع المظنون أو الإتيان
بمؤدى طريق مظنون فان كلا منهما مبرأ ظني (هذا) ملخص ما أفاده الشيخ في وجه حجية
كل من الظن بالواقع والظن بالطريق.
(واما المصنف)
فملخص كلامه انه لا شبهة في استقلال العقل بأنه كلما كان القطع به مؤمناً في حال
الانفتاح كان الظن به مؤمناً في حال الانسداد وان المؤمن في حال الانفتاح كان كل
من القطع بإتيان المكلف به الواقعي والقطع بإتيان المكلف به الظاهري الجعلي أي
مؤدي الطريق المجعول من قبل الشارع فالمؤمن في حال الانسداد هو كل من الظن بإتيان
المكلف به الواقعي والظن بإتيان المكلف به الظاهري الجعلي ومن المعلوم ان مقتضي
ذلك هو حجية الظن في تعيين كل من الواقع والطريق جميعاً (ثم إن المصنف) وان لم
يصرح في الكتاب بكون المؤمن في حال الانسداد هو كل من الظن بإتيان المكلف به
الواقعي والظن بإتيان المكلف به الظاهري الجعلي (ولكن) صرح بأنه كلما كان القطع به
مؤمناً في حال الانفتاح كان الظن به مؤمناً في حال الانسداد وأن المؤمن في حال
الانفتاح
هو كل من القطع
بإتيان المكلف به الواقعي والقطع بإتيان المكلف به الظاهري الجعلي ولازم التصريحين
هو ما ذكرناه من كون المؤمن في حال الانسداد هو الظن بإتيان المكلف به الواقعي أو
الظن بإتيان المكلف به الظاهري الجعلي وهو تعبير لا يخلو عن مناقشة فان الظن
بالإتيان.
(تارة) ينشأ من
جهة كون الإتيان ظنياً وهذا ليس بمراد المصنف قطعاً.
(وأخرى) ينشأ من
جهة كون المأتي به ظنياً وهذا هو مراد المصنف ولكن التعبير قاصر.
(والأولى) في
التعبير ان يقال لا شبهة في ان المؤمن في حال الانفتاح هو كل من الإتيان بالمكلف
به الواقعي القطعي والإتيان بالمكلف به الظاهري القطعي فهكذا في حال الانسداد يكون
المؤمن هو كل من الإتيان بالمكلف به الواقعي الظني والإتيان بالمكلف به الظاهري
الظني.
ويمكن تقرير حجية
كل من الظن بالواقع والظن بالطريق بنحو ثالث أسهل بأن يقال لا شبهة في انه في حال
الانفتاح كان كل من العلم بالواقع والعلم بالطريق الشرعي القائم على الواقع حجية
بمعنى انه كان منجزاً للواقع عند الإصابة وعذراً لفوته عند الخطأ (فهكذا) في حال
الانسداد يكون كل من الظن بالواقع والظن بالطريق الشرعي القائم على الواقع حجة
بمعنى كونه منجزاً للواقع عند الإصابة وعذراً لفوته عند الخطأ وذلك لاستقلال العقل
بأنه كلما كان العلم به حجة في حال الانفتاح كان الظن به حجة في حال الانسداد.
(قوله وان المؤمن في
حال الانفتاح هو القطع بإتيان المكلف به الواقعي بما هو كذلك لا بما هو معلوم
ومؤدى الطريق ومتعلق العلم وهو طريق شرعاً وعقلا ... إلخ)
(مقصوده) من قوله
لا بما هو معلوم ومؤدي الطريق ... إلخ هو الرد على المحقق صاحب الحاشية فانه كما
سيأتي في الوجه الأول من وجهي الظن بالطريق قائل
بصرف التكاليف عن
الواقع إلى مؤديات الطرق وتقييد الواقع بأداء الطريق له (قال) فيما يأتي ذكره ما
لفظه وحصول البراءة في صورة العلم بأداء الواقع إنما هو لحصول الأمرين به نظراً
إلى أداء الواقع وكونه من الوجه المقرر لكون العلم طريقاً إلى الواقع في حكم العقل
والشرع.
(فيقول المصنف)
مشيراً إلى الرد عليه ان المؤمن في حال الانفتاح بمقتضى حكم العقل هو القطع بإتيان
المكلف به الواقعي بما هو هو لا بما هو مؤدي الطريق العقلي والشرعي يعني القطع كيف
وقد عرفت ان القطع طريق بنفسه لا تناله يد الجعل التشريعي لا نفياً ولا إثباتاً لا
إحداثاً ولا إمضاء كيف والإمضاء فرع جواز الرد كما لا يخفى.
(قوله ولا يخفى ان
قضية ذلك هو التنزل إلى الظن بكل واحد من الواقع والطريق ... إلخ)
وفيه ان مقتضي ما
ذكره قدسسره هو التنزل في حال الانسداد إلى الظن بكل من الإتيان
بالمكلف به الواقعي والإتيان بالمكلف به الظاهري الجعلي لا التنزل إلى الظن بكل
واحد من الواقع والطريق.
(نعم) مقتضي
التنزل إلى الظن بكل من الإتيان بالمكلف به الواقعي والإتيان بالمكلف به الظاهري
الجعلي هو حجية الظن بكل واحد من الواقع والطريق جميعاً
في بيان ما استدل به لحجية الظن
بالواقع دون غيره
(قوله ولا منشأ لتوهم
الاختصاص بالظن بالواقع الا توهم انه قضية اختصاص المقدمات بالفروع ... إلخ)
قد ذكر الشيخ أعلى
الله مقامه منشأ توهم الاختصاص بالظن بالواقع في التنبيه الثالث من تنبيهات
الانسداد (قال ما هذا لفظه) ثم انه قد ظهر مما ذكرنا ان الظن في المسائل الأصولية
العملية حجة بالنسبة إلى ما يتولد منه من الظن بالحكم الفرعي الواقعي أو الظاهري
وربما منع منه غير واحد من مشايخنا رضوان الله عليهم وما استند إليه أو يصح
الاستناد إليه للمنع أمران.
(أحدهما) أصالة
الحرمة وعدم شمول دليل الانسداد لأن دليل الانسداد (اما ان يجري) في خصوص المسائل
الأصولية كما يجري في خصوص الفروع (واما أن يقرر) دليل الانسداد بالنسبة إلى جميع
الأحكام الشرعية فيثبت حجية الظن في الجميع ويندرج فيها المسائل الأصولية (واما ان
يجري) في خصوص المسائل الفرعية فيثبت به اعتبار الظن في خصوص الفروع لكن الظن
بالمسألة الأصولية يستلزم الظن بالمسألة الفرعية التي تبتني عليها وهذه الوجوه بين
ما لا يصح وبين ما لا يجدي.
(اما الأول) فهو
غير صحيح لأن المسائل الأصولية التي ينسد فيها باب العلم ليست في أنفسها من الكثرة
بحيث يستلزم من إجراء الأصول فيها محذور كان يلزم من إجراء الأصول في المسائل
الفرعية التي انسد فيها باب العلم إلى ان قال.
(واما الثاني) وهو
إجراء دليل الانسداد في مطلق الأحكام الشرعية فرعية
كانت أو أصلية فهو
غير مجد لأن النتيجة وهو العمل بالظن لا يثبت عمومه من حيث موارد الظن الا
بالإجماع المركب أو الترجيح بلا مرجح بأن يقال ان العمل بالظن في الطهارات دون
الدّيات مثلا ترجيح بلا مرجح ومخالف للإجماع وهذان الوجهان مفقودان في التعميم
والتسوية بين المسائل الفرعية والمسائل الأصولية اما فقد الإجماع فواضح لأن
المشهور كما قيل على عدم اعتبار الظن في الأصول واما وجود المرجح فلأن الاهتمام
بالمطالب الأصولية أكثر لابتناء الفروع عليها وكلما كانت المسألة مهمة كان
الاهتمام فيها أكثر والتحفظ عن الخطأ فيها آكد إلى ان قال.
(واما الثالث) وهو
اختصاص مقدمات الانسداد ونتيجتها بالمسائل الفرعية إلّا ان الظن بالمسألة الفرعية
قد يتولد من الظن بالمسألة الأصولية فالمسألة الأصولية بمنزلة المسائل اللغوية
يعتبر الظن فيها من حيث كونه منشأ للظن بالحكم الفرعي ففيه ان الظن بالمسألة
الأصولية ان كان منشأ للظن بالحكم الفرعي الواقعي كالباحثة عن الموضوعات المستنبطة
والمسائل العقلية مثل وجوب المقدمة وامتناع اجتماع الأمر والنهي فقد اعترفنا بحجية
الظن فيها واما ما لا يتعلق بذلك وتكون باحثة عن أحوال الدليل من حيث الاعتبار في
نفسه أو عند المعارضة وهي التي منعنا عن حجية الظن فيها فليس يتولد عن الظن فيها
الظن بالحكم الفرعي الواقعي وانما ينشأ منه الظن بالحكم الفرعي الظاهري وهو مما لم
يقتض انسداد باب العلم بالاحكام الواقعية العمل بالظن فيه فان انسداد باب العلم في
حكم العصير العنبي انما يقتضي العمل بالظن في ذلك الحكم المنسد لا في حكم العصير
من حيث أخبر عادل بحرمته إلى ان قال
(الثاني من دليلي
المنع) هو الشهرة المحققة والإجماع المنقول على عدم حجية الظن في مسائل أصول الفقه
وهي مسألة أصولية فلو كان الظن فيها حجة وجب الأخذ بالشهرة ونقل الإجماع في
المسألة (انتهى الاستدلال بطوله) والمقصود من الموضوعات المستنبطة هو مثل كون
الصعيد مطلق وجه الأرض أو كون الراوي
عادلا أو ثقة أو
أن زرارة في سند الحديث هو ابن أعين لا ابن لطيفة إلى غير ذلك من الموضوعات التي
تترتب عليها الأحكام الشرعية.
(ثم إن الشيخ)
أعلى الله مقامه قد أجاب عن الأمر الأول (بما حاصله) ان دليل الانسداد وارد على
أصالة حرمة العمل بالظن أي رافع لموضوعه وهو الانفتاح من أصله فإن الظن انما يحرم
العمل به في حال الانفتاح واما في حال الانسداد فهو حجة قطعاً إما حكومة أو كشفاً
على الخلاف الّذي أشير إليه فيما تقدم ويأتي تفصيله مشروحاً (واما الشقوق) الثلاثة
المذكورة في وجه عدم شمول دليل الانسداد للظن بالطريق فالمختار منها هو الشق
الثالث أي نختار جريان الانسداد في الأحكام الفرعية وان الظن في المسائل الأصولية
مستلزم للظن في المسألة الفرعية (وما ذكره) المستدل من كون اللازم منه هو الظن
بالحكم الفرعي الظاهري صحيح إلّا ان ما ذكره من أن انسداد باب العلم في الأحكام
الواقعية لا يقتضي إلّا اعتبار الظن بالحكم الفرعي الواقعي غير صحيح بل الانسداد
في الأحكام الفرعية الواقعية يقتضي اعتبار الظن بالحكم الفرعي الواقعي والظاهري
جميعاً نظراً إلى ان كلا من الامتثال الظني للحكم الواقعي والظاهري مسقط للواقعي
في ظرف الانسداد كما ان كلا من الامتثال العلمي للحكم الواقعي والظاهري مسقط عن
الواقعي في حال الانفتاح بعد كون الظاهري بدلا عن الواقعي.
(وأجاب عن الأمر
الثاني) بوجوه خمسة أوجهها الأول وهو المنع عن الشهرة والإجماع نظراً إلى ان
المسألة من المستحدثات فدعوى الإجماع فيها مساوقة لدعوى الشهرة (هذا كله) من أمر
الشيخ أعلى الله مقامه.
(واما المصنف) فلم
يؤشر إلى الأمر الثاني أصلا وأشار إلى الأمر الأول فقط وقد اختار فيه الشق الثالث
كما اختاره الشيخ عيناً من اختصاص المقدمات بالأحكام الفرعية (ولكن قد أجاب عنه)
بما محصله ان المؤمن بحكم العقل في هذا الحال هو كل من الظن بإتيان المكلف به
الواقعي والظن بإتيان المكلف به الظاهري
الجعلي الّذي هو
مؤدي الطريق.
(قوله وان كان باب
العلم في غالب الأصول مفتوحاً ... إلخ)
أي فيما سوى مسألة
الطرق الشرعية كمسألة خبر الواحد وغيره إذ لو كان باب العلم في الأصول مفتوحاً حتى
في مسألة الطرق لكان باب العلمي بالاحكام الشرعية الفرعية مفتوحاً قطعاً ولم تتم
المقدمات في الفروع أصلا.
في الوجه الأول مما استدل به لحجية
الظن بالطريق دون غيره
(قوله كما أن منشأ
توهم الاختصاص بالظن بالطريق وجهان أحدهما ما أفاده بعض الفحول ... إلخ)
(اما بعض الفحول)
فهو المحقق صاحب الحاشية.
(واما ما أفاده)
فهو عبارة عن الوجه الثاني من الوجوه الثمانية التي أقامها على إبطال حجية مطلق
الظن وإثبات حجية الظنون الخاصة والطرق المخصوصة وقد أشرنا إليها في ثالث الوجوه
العقلية التي أقيمت على حجية خبر الواحد وأن أكثرها ينفع لحجية الظن بالطريق لا
حجية الظنون الخاصة والمدارك المخصوصة (قال) في الوجه الثاني منها (ما هذا لفظه)
الثاني انه كما قرر الشارع أحياناً واقعة كذا قرر طريقاً للوصول إليها إما العلم
بالواقع أو مطلق الظن أو غيرهما قبل انسداد باب العلم أو بعده وحينئذ فان كان سبيل
العلم بذلك الطريق مفتوحاً فالواجب الأخذ به والجري على مقتضاه ولا يجوز الأخذ
بغيره مما لا يقطع معه بالوصول إلى الواقع من غير خلاف بين الفريقين وإن انسد سبيل
العلم به تعين الرجوع إلى الظن به فيكون ما ظن انه طريق مقرر من الشارع طريقاً
قطعياً حينئذ
إلى الواقع (إلى
ان قال) معترضاً على نفسه ويمكن الإيراد في المقام بأنه كما انسد سبيل العلم
بالطريق المقرر كذا انسد سبيل العلم بالاحكام المقررة في الشريعة وكما ننتقل من
العلم بالطريق المقرر بعد انسداد سبيله إلى الظن به فكذا ننتقل من العلم بالاحكام
الشرعية إلى ظنها تنزلا من العلم إلى الظن في المقامين لكون العلم طريقاً قطعياً
إلى الأمرين فبعد انسداد طريقه يؤخذ بالظن بهما فغاية ما يستفاد إذن من الوجه
المذكور كون الظن بالطريق أيضا حجة كالظن بالواقع ولا يستفاد منه حجية خصوص ظنون
الخاصة دون مطلق الظن بل قضية ما ذكر حجية الأمرين ولا يأبى عنه القائل بحجية مطلق
الظن (إلى ان قال) قلت لو كان أداء التكليف المتعلق بكل من الفعل والطريق المقرر
مستقلا صح ذلك لقيام الظن في كل من التكليفين مقام العلم به مع قطع النّظر عن
الآخر واما إذا كان أحد التكليفين منوطاً بالآخر مقيداً له فمجرد حصول الظن
بأحدهما من دون حصول ظن بالآخر الّذي قيد به لا يقتضي الحكم بالبراءة وحصول
البراءة في صورة العلم بأداء الواقع انما هو لحصول الأمرين به نظراً إلى أداء
الواقع وكونه من الوجه المقرر لكون العلم طريقاً إلى الواقع في حكم العقل والشرع (انتهى
موضع الحاجة) من كلامه أعلى الله مقامه (وملخصه) يرجع إلى أمرين.
(أحدهما) العلم
الإجمالي بنصب طرق مخصوصة للوصول إلى الواقعيات وانسداد باب العلم بها والتنزل من
العلم فيها إلى الظن بها.
(ثانيهما) ان
التكاليف الواقعية بعد نصب الطرق للوصول إليها مصروفة عن الواقعيات إلى مؤديات
الطرق ومقيدة بأداء الطرق لها وهذا هو المشتهر على الألسن بالصرف والتقييد (وقد
صرح) في بعض عبائره في المقام بان المطلوب أداء ما هو الواقع لكن من الطريق الّذي
قرره الشارع ... إلخ ونتيجة هذين الأمرين جميعاً هو حجية خصوص الظن بالطريق دون
الظن بالواقع وهذا واضح.
(قوله وتبعه في الفصول
قال فيها إنا كما نقطع بأنا مكلفون ... إلخ)
ان ما أفاده في
الفصول وإن كان مرجعه إلى ما ذكره بعض الفحول وهو أخوه المحقق صاحب الحاشية ولكن
يغايره في العبارة جداً بل في المضمون يسيراً حتى ادعى انه لم يسبقني إلى هذا
الوجه أحد (ثم إن المصنف) تبعاً للشيخ قد نقل عبارة الفصول دون المحقق ولعله
لسهولة الاطلاع عليها ولكن أسقط منها ما هو عمدتها ولعله سهواً من بين قوله وكلفنا
تكليفاً فعلياً بالعمل بمؤدى طرق مخصوصة وبين قوله وحيث انه لا سبيل غالباً ...
إلخ وهو قوله ومرجع هذين القطعين عند التحقيق إلى أمر واحد وهو القطع بأنا مكلفون
تكليفاً فعلياً بالعمل بمؤدى طرق مخصوصة ... إلخ فان الّذي يستفاد منه الصرف
والتقييد ويبتني عليه حجية خصوص الظن بالطريق دون الظن بالواقع هو هذه العبارة كما
صرح به الشيخ لا غيرها (قال) في الجواب الخامس عن الفصول كما سيأتي (ما لفظه) وكأن
المستدل توهم ان مجرد نصب الطريق ولو مع عروض الاشتباه فيه موجب لصرف التكليف عن
الواقع إلى العمل بمؤدى الطريق كما ينبئ عنه قوله وحاصل القطعين إلى أمر واحد وهو
التكليف الفعلي بالعمل بمؤديات الطرق (انتهى) وكأن الشيخ نقل عبارة الفصول بالمعنى
لا بلفظه وإلّا فهو مخالف لما نقلناه آنفا (وعلى كل حال) ان مرجع كلام الفصول
أيضاً ككلام أخيه المحقق صاحب الحاشية إلى أمرين.
(أحدهما) العلم
الإجمالي بنصب طرق مخصوصة للوصول بها إلى الأحكام الواقعية وانسداد باب العلم
والعلمي بتلك الطرق والتنزل من العلم بها إلى الظن.
(ثانيهما) صرف
التكاليف عن الواقعيات بعد نصب الطرق المخصوصة إلى مؤديات الطرق وتقييد الواقعيات
بأداء الطريق لها فيكون المكلف به حينئذ شيئاً واحداً وهو الواقع الّذي أداه
الطريق دون غيره.
(قوله ولا بطريق معين
يقطع من السمع بحكم الشارع بقيامه أو بقيام طريقه مقام القطع ... إلخ)
الطريق الّذي يقطع
من السمع بحكم الشارع بقيامه مقام القطع هو كخبر الثقة عند الانفتاحي حيث يقطع
باعتباره وحجيته بوسيلة الأخبار المتواترة والسيرة العقلائية بل الآيات التي استدل
بها لحجية خبر الواحد واما الطريق الّذي يقطع من السمع بحكم الشارع بقيام طريقه أي
بقيام دليله مقام القطع هو كالقرعة إذا فرض قيام خبر الثقة على اعتبارها وحجيتها.
(قوله وفيه أولا بعد
تسليم العلم بنصب طرق خاصة ... إلخ)
إشارة إلى الجواب
الأول من أجوبة الشيخ أعلى الله مقامه عن الفصول (قال ما لفظه) وفيه أولا إمكان
منع نصب الشارع طرقاً خاصة للأحكام الواقعية كيف وإلّا لكان وضوح تلك الطرق كالشمس
في رابعة النهار لتوفر الدواعي بين المسلمين على ضبطها لاحتياج كل مكلف إلى
معرفتها أكثر من حاجته إلى صلواته الخمس واحتمال اختفائها مع ذلك لعروض دواعي
الاختفاء إذ ليس الحاجة إلى معرفة الطريق أكثر من الحاجة إلى معرفة المرجع بعد
النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم مدفوع بالفرق بينهما كما لا يخفى وكيف كان فيكفي في رد
الاستدلال احتمال عدم نصب الطريق الخاصّ للأحكام وإرجاع امتثالها إلى ما يحكم به
العقلاء وجرى عليه ديدنهم في امتثال أحكام الملوك والموالي ... إلخ.
(قوله باقية فيما
بأيدينا من الطرق الغير العلمية ... إلخ)
إشارة إلى الجواب
الثاني للشيخ أعلى الله مقامه (قال ما لفظه) وثانياً سلمنا نصب الطرق لكن بقاء ذلك
الطريق لنا غير معلوم بيان ذلك ان ما حكم بطريقيته لعله قسم من الأخبار وليس منه
بأيدينا اليوم الا قليل كأن يكون الطريق المنصوب هو الخبر المفيد للاطمئنان الفعلي
بالصدور الّذي كان كثيراً في الزمان السابق لكثرة القرائن ولا ريب في ندرة هذا
القسم في هذا الزمان أو خبر العادل أو الثقة الثابت
عدالته أو وثاقته
بالقطع أو البينة الشرعية أو الشياع مع إفادته الظن الفعلي بالحكم ويمكن دعوى ندرة
هذا القسم في هذا الزمان إذ غاية الأمر أن نجد الراوي في الكتب الرجالية محكي
التعديل بوسائط عديدة من مثل الكشي والنجاشي وغيرهما ومن المعلوم ان مثل هذا لا
تعد بينة شرعية ... إلخ.
(قوله وعدم وجود
المتيقن بينها أصلا ... إلخ)
إشارة إلى الجواب
الثالث للشيخ أعلى الله مقامه (قال ما لفظه) وثالثاً سلمنا نصب الطريق ووجوده في
جملة ما بأيدينا من الطرق الظنية من أقسام الخبر والإجماع المنقول والشهرة وظهور
الإجماع والاستقراء والأولوية الظنية إلّا ان اللازم من ذلك هو الأخذ بما هو
المتيقن من هذه فإن وفي بغالب الأحكام اقتصر عليه وإلّا فالمتيقن من الباقي مثلا
الخبر الصحيح والإجماع المنقول متيقن بالنسبة إلى الشهرة وما بعدها من الأمارات إذ
لم يقل أحد بحجية الشهرة وما بعدها دون الخبر الصحيح والإجماع المنقول فلا معنى
لتعيين الطريق بالظن بعد وجود القدر المتيقن ووجوب الرجوع في المشكوك إلى أصالة
حرمة العمل ... إلخ.
(قوله إن قضية ذلك هو
الاحتياط في أطراف هذه الطرق المعلومة بالإجمال لا تعيينها بالظن ... إلخ)
إشارة إلى الجواب
الرابع للشيخ أعلى الله مقامه (قال ما لفظه) ورابعاً سلمنا عدم وجود القدر المتيقن
لكن اللازم من ذلك وجوب الاحتياط لأنه مقدم على العمل بالظن لما عرفت من تقديم
الامتثال العلمي على الظني ... إلخ.
(قوله لا يقال الغرض
هو عدم وجوب الاحتياط بل عدم جوازه إلى آخره)
حاصل الإشكال انه
كيف نحتاط في أطراف هذه الطرق المعلومة بالإجمال والمفروض في مقدمات الانسداد كما
تقدم قبلا عدم وجوب الاحتياط بل عدم جوازه إذا كان عسرة مخلا بالنظام (فيجيب عنه)
بان المفروض هو عدم وجوب
الاحتياط في أطراف
العلم الإجمالي بالتكاليف لا عدم وجوب الاحتياط في أطراف العلم الإجمالي بالطرق (وقد
أشار الشيخ) أعلى الله مقامه إلى هذا الإشكال وجوابه مختصراً في ذيل الجواب الرابع
فراجع.
(ثم إن المصنف) قد
ذكر في وجه عدم لزوم العسر من الاحتياط في أطراف العلم الإجمالي بالطرق وجهاً
طويلا وهو ان مقتضي الاحتياط في أطراف العلم الإجمالي بالطرق هو جواز رفع اليد عنه
في مواضع عديدة.
(منها) في موارد
عدم قيام الطرق على شيء فيرجع فيها إلى الأصل العملي ولو كان نافياً للتكليف
كالبراءة (وأشار إليه) بقوله فان قضية هذا الاحتياط هو جواز رفع اليد عنه في غير
مواردها والرجوع إلى الأصل فيها ولو كان نافياً للتكليف ... إلخ.
(ومنها) موارد
نهوض الطرق بأجمعها على نفي التكليف ففيها أيضاً يرفع اليد عن الاحتياط (وأشار
إليه) بقوله وكذا فيما إذا نهض الكل على نفيه ... إلخ
(ومنها) موارد
تعارض فردين من أحد أطراف العلم الإجمالي بالطرق كفر دين من الخبر أو الإجماع المنقول
أو الشهرة في الفتوى أو غير ذلك بنحو النفي والإثبات بأن قال مثلا أحدهما يجب
والآخر لا يجب أو قال أحدهما يحرم والآخر لا يحرم مع كون الترجيح للنافي بل مع
التساوي وعدم رجحان المثبت لكن في خصوص الخبر واما في غيره من ساير الطرق فيرفع
اليد عن الاحتياط بمجرد التعارض ولو كان المثبت راجحاً بناء على عدم ثبوت الترجيح
في غير الأخبار من الطرق (وأشار إلى ذلك) كله بقوله وكذا فيما إذا تعارض فردان من
بعض الأطراف فيه نفياً وإثباتاً مع ثبوت المرجح للنافي بل مع عدم رجحان المثبت ...
إلخ
(ومنها) موارد
تعارض طريقين من الطرق المعلومة بالإجمال بنحو الوجوب والتحريم بأن قال مثلا
أحدهما يجب والآخر يحرم (وقد أشار إلى ذلك) بقوله وكذا لو تعارض اثنان منها في
الوجوب والتحريم ... إلخ.
(ومنها) موارد عدم
جريان الأصول المثبتة للتكليف كالاستصحابات المثبتة له من جهة العلم الإجمالي
بانتقاض الحالة السابقة في أحدها أي بارتفاع التكليف في بعضها (وأشار إليه) بقوله
وكذا كل مورد لم يجر فيه الأصل المثبت للعلم بانتقاض الحالة السابقة فيه إجمالا ...
إلخ (وفيه) ان الاستصحابات المثبتة وان كانت لا تجري حينئذ للعلم الإجمالي
بالانتقاض في بعضها ولكن رفع اليد عن الاحتياط فيها مما لا يمكن وذلك للعلم
الإجمالي بالتكليف في بعضها وإذا احتمل فرضاً ارتفاع التكليف في الكل فيستصحب
بقائه ويحتاط وهذا واضح (ثم إن الظاهر) ان وجه فرض المصنف التعارض بنحو النفي
والإثبات في فردين من بعض أطراف العلم الإجمالي لا في طريقين من أطراف العلم
الإجمالي انه لو تعارض طريقان بنحو النفي والإثبات وجب بمقتضى العلم الإجمالي
بالطريق المعتبر الاحتياط والأخذ بالطريق المثبت دون النافي وهذا بخلاف ما إذا
تعارض فردان من طرف واحد فان هذا الطرف الواحد إن لم يكن ثبوتاً هو الطريق المعتبر
المعلوم بالإجمالي فهو وإلّا فكما أن فرد من هذا الطريق المعتبر مما يثبت التكليف
فكذلك فرد آخر منه ينفيه فيتعارضان الفردان ويتساقطان ولا يبقى مانع عن الرجوع إلى
الأصل ولو كان نافياً.
(قوله لأن الفرض إنما
هو عدم وجوب الاحتياط التام في أطراف الأحكام ... إلخ)
هذا جواب عن لا
يقال المتقدم وقد عرفت شرحه بما لا مزيد عليه فلا تغفل.
(قوله فافهم ... إلخ)
ولعله إشارة إلى
ضعف قوله فان المرجع في جميع ما ذكر من موارد التعارض هو الأصل الجاري فيها ولو
كان نافياً ... إلخ فان المتعارضين إذا كانا فردين من الخبر لم يسقطا بالتعارض
قطعاً كي يرجع إلى الأصل العملي وذلك لأن المتعارضين من الأخبار لا بد من الأخذ
بأحدهما لا محالة بمقتضى الاخبار العلاجية إما ترجيحاً
أو تخييراً كما
سيأتي تحقيقه في محله (ويحتمل) أيضاً أن يكون إشارة إلى ضعف قوله لعدم نهوض طريق
معتبر ولا ما هو من أطراف العلم به على خلافه ... إلخ فانه إذا تعارض فردان من بعض
الأطراف أو طريقان من الطرق المعلومة بالإجمال صدق نهوض ما هو من أطراف العلم
بالطريق على خلاف الأصل النافي للتكليف فتأمل جيداً.
(قوله وثانياً لو سلم
ان قضيته لزوم التنزل إلى الظن ... إلخ)
إشارة إلى الجواب
الخامس للشيخ أعلى الله مقامه (قال ما لفظه) وخامساً سلمنا العلم الإجمالي بوجود
الطريق المجعول وعدم المتيقن وعدم وجوب الاحتياط لكن نقول ان ذلك لا يوجب تعيين
العمل بالظن في مسألة تعيين الطريق فقط بل هو مجوز له كما يجوز العمل بالظن في
المسألة الفرعية (إلى ان قال) وكأن المستدل يعني به الفصول توهم ان مجرد نصب
الطريق ولو مع عروض الاشتباه فيه موجب لصرف التكليف عن الواقع إلى العمل بمؤدى
الطريق كما ينبئ عنه قوله وحاصل القطعين إلى أمر واحد وهو التكليف الفعلي بالعمل
بمؤديات الطرق وسيأتي مزيد توضيح لاندفاع هذا التوهم إن شاء الله تعالى (انتهى)
موضع الحاجة من كلامه (وملخصه) ان الدليل المذكور على تقدير تسليمه مما لا يثبت به
الا حجية الظن بالطريق كحجية الظن بالواقع لا حصر الحجية بالظن بالطريق فقط إلّا
بتوهم ان مجرد نصب الطريق مما يستدعي الصرف والتقييد وهو توهم سيأتي قريباً دفعه.
(ثم إن المصنف) قد
أجاب بما يؤدي هذا الجواب بلفظ آخر (فقال ما حاصله) إنا سلمنا أن مقتضي الدليل
المذكور لزوم التنزل إلى الظن في تعيين الطرق المعلومة بالإجمال لكن لا وجه لحصر
الحجية بالظن بالطريق فقط فإنه ليس أقرب من الظن بكونه مؤدي طريق معتبر إجمالا من
دون ظن في الخارج بحجية طريق على التفصيل أصلا ولا هو أقرب من الظن بالواقع كما لا
يخفى فان الخصم على الظاهر كما ينكر حجية الظن بالواقع كذلك ينكر حجية الظن بكونه
مؤدي
طريق معتبر إجمالا
من دون ظن في الخارج بحجية طريق تفصيلا.
في الصرف والتقييد والجواب عنهما
(قوله لا يقال انما لا
يكون أقرب من الظن بالواقع إذا لم يصرف التكليف الفعلي عنه إلى مؤديات الطرق ...
إلخ)
إشارة إلى الجزء
الثاني من دليل الفصول بل ودليل المحقق صاحب الحاشية أيضا وهو الصرف والتقييد وقد
عرفت ان الفصول قد أفادهما بتلك العبارة التي أسقطها المصنف سهواً وانه لو لا الجزء
الثاني لم يتم الاستدلال من أصله ولم ينفع للقول بالظن بالطريق أصلا كما عرفت ان
الشيخ أيضا قد أشار في جوابه الخامس إلى الصرف والتقييد وانه قال سيأتي مزيد توضيح
لاندفاع هذا التوهم إن شاء الله تعالى (انتهى).
(قوله ولو بنحو
التقييد ... إلخ)
فإن الصرف على قسمين.
(فتارة) يدعي ان
نصب الطريق مما يوجب صرف التكاليف عن الواقعيات إلى مؤديات الطرق بحيث لا يبقى في
البين واقع يشترك فيه الكل تصيبه الأمارات تارة وتخطئه أخرى وهذا تصويب باطل بل
محال كما سيأتي التصريح به من المصنف
(وأخرى) يدعي ان
نصب الطريق مما يوجب صرف التكاليف إلى الواقعيات التي أدتها الطرق ويوجب حصرها بها
وإهمال ما لم تؤده الطرق رأساً (وبعبارة أخرى) يدعي ان نصب الطرق مما يوجب تقييد
الواقع بأداء الطريق له واشتراطه به بعد أن كان مطلقاً غير مشروط به فالطريق الّذي
أخطأ الواقع لا تكليف فيه واقعاً والواقع الّذي لم يؤده الطريق ليس بفعلي قطعاً
وإن كان إنشائياً وإن شئت قلت تقديرياً أي لو أداه الطريق لصار فعلياً وهذا أيضاً
باطل كما ستعرف ولكنه
ليس بتصويب وظاهر
عبارة الفصول المتقدمة التي أسقطها المصنف سهواً بل وصريح المحقق صاحب الحاشية هو
القسم الثاني من الصرف أي الصرف بنحو التقييد
(قوله فإن الالتزام به
بعيد ... إلخ)
هذا جواب عن خصوص
الصرف ولكنه يجري عن التقييد أيضاً كما سينبه عليه المصنف بقوله ومن هنا انقدح ان
التقييد أيضاً غير سديد (وحاصله) ان الصرف لو لم يكن تصويباً محالا فلا أقل من
كونه مجمعاً على بطلانه ضرورة ان الإتيان بالواقع بما هو هو إذا علم به يجزي ويكفي
قطعاً وان لم يكن مؤدي طريق من الطرق المنصوبة فلو كانت التكاليف بمجرد نصب الطرق
مصروفة إلى مؤديات الطرق ولم يكن هناك واقع سواها أو كانت مصروفة إلى الواقعيات
التي أدتها الطرق لما أجزأ وكفى (ودعوى) ان إجزاءه انما هو لأجل كونه مؤدي الطريق
العقلي والشرعي أي العلم كما تقدم في كلام المحقق صاحب الحاشية حيث قال وحصول
البراءة في صورة العلم بأداء الواقع انما هو لحصول الأمرين به نظراً إلى أداء
الواقع وكونه من الوجه المقرر لكون العلم طريقاً إلى الواقع في حكم العقل والشرع (فقد
عرفت) ضعفها في صدر البحث وان المصنف قد أشار إليه هناك بقوله وذلك لأن العقل قد
استقل بأن الإتيان بالمكلف به الحقيقي بما هو هو لا بما هو مؤدي الطريق مبرأ للذمة
قطعاً كيف وقد عرفت ان القطع بنفسه طريق لا يكاد تناله يد الجعل إحداثاً وإمضاء
إثباتاً ونفياً.
(قوله مع ان الالتزام
بذلك غير مفيد ... إلخ)
هذا جواب آخر عن
الصرف يجري عن التقييد أيضاً كالجواب الأول بعينه (وحاصله) بمزيد توضيح منا ان
الظن بالواقع في الأمور التي هي محل الابتلاء للمكلفين ومعرض السؤال عن المعصومين
أو عن أصحابهم العارفين بالحلال والحرام مما لا ينفك عادة عن الظن بوقوعه مؤدي
طريق معتبر إجمالا وانه قد أداه أحد الطرق المنصوبة في طول هذه المدة المديدة (ومن
المعلوم) ان الظن كذلك مما يجدي
بمقتضى ما ذهب
إليه الخصم من ان النصب يقتضي الصرف إلى مؤديات الطرق وتقييد الواقع بأداء الطريق
له وذلك لحصول القيد حينئذ وتحقق الشرط إجمالا ولو لم يعلم الطريق الّذي قد أدى
الواقع تفصيلا بنحو التعيين.
(قوله والظن بالطريق
ما لم يظن بإصابة الواقع غير مجد بناء على التقييد إلى آخره)
هذا جواب يختص
بالتقييد فقط (وحاصله) انه بناء على التقييد لا يكاد يجدي مجرد الظن بالطريق ما لم
يظن بإصابته للواقع فإن المكلف به بناء عليه هو الواقع الّذي أداه الطريق لا مطلق
المؤدي نعم لو قيل بالصرف فمجرد الظن بالطريق مما يجدي فإن المكلف به حينئذ هو
المؤدي خاصة لا أمر آخر.
(قوله هذا مع عدم
مساعدة نصب الطريق على الصرف ولا على التقييد إلى آخره)
إشارة إلى ما أجاب
به الشيخ أعلى الله مقامه عن الصرف والتقييد جميعاً (وقد تقدم) في جوابه الخامس عن
الفصول قوله وكأن المستدل توهم ان مجرد نصب الطريق ولو مع عروض الاشتباه فيه موجب
لصرف التكليف عن الواقع إلى العمل بمؤدى الطريق (إلى ان قال) وسيأتي مزيد توضيح
لاندفاع هذا التوهم إن شاء الله تعالى وهذا هو موضع دفعه (قال) وقد عرفت مما ذكرنا
ان نصب هذه الطرق ليس إلّا لأجل كشفها الغالبي عن الواقع ومطابقتها له فإذا دار
الأمر بين إعمال الظن في تعيينها أو في تعيين الواقع لم يكن رجحان للأول ثم إذا
فرضنا ان نصبها ليس لمجرد الكشف بل لأجل مصلحة يتدارك بها مصلحة الواقع لكن ليس
مفاد نصبها تقييد الواقع بها واعتبار مساعدتها في إرادة الواقع بل مؤدي وجوب العمل
بها جعلها عين الواقع ولو بحكم الشارع لا قيداً له (والحاصل) انه فرق بين أن يكون
مرجع نصب هذه الطرق إلى قول الشارع لا أريد من الواقع الا ما ساعد عليه ذلك الطريق
فينحصر التكليف الفعلي حينئذ في مؤديات الطرق ولازمه إهمال
ما لم يؤد إليه
الطرق من الواقع سواء انفتح باب العلم بالطريق أم انسد وبين أن يكون التكليف
الفعلي بالواقع باقياً على حاله إلّا ان الشارع حكم بوجوب البناء على كون مؤدي
الطريق هو ذلك الواقع فمؤدى هذه الطرق واقع جعلي فإذا انسد طريق العلم إليه ودار
الأمر بين الظن بالواقع الحقيقي وبين الظن بما جعله الشارع واقعاً فلا ترجيح إذ
الترجيح مبني على إغماض الشارع عن الواقع (انتهى) وملخصه ان نصب الطرق مما لا
يقتضي تقييد الواقع بأداء الطريق له ولا تضييق دائرته بما إذا ساعده الطريق بل
مقتضاه تنزيل مؤديات الطرق منزلة الواقع فهو مما يوجب توسعة دائرة الواقع بإضافة
الواقع التنزيلي الجعلي إليه لا تضييق دائرته وحصره بالواقع الّذي أداه الطريق
فتأمل جيداً.
(قوله غايته ان العلم
الإجمالي بنصب طرق وافية يوجب انحلال العلم بالتكاليف الواقعية ... إلخ)
(وحاصل الإشكال)
بمزيد توضيح منا ان غاية ما يمكن أن يقال في المقام إن العلم الإجمالي بنصب طرق
وافية بمقدار المعلوم بالإجمال من التكاليف الواقعية في مجموع المشتبهات مما يوجب
انحلال العلم الإجمالي الكبير إلى العلم الإجمالي الصغير بما في مؤديات الطرق
والأمارات فإذا علمنا مثلا إجمالا بوجود عشرة شياة محرمة في مجموع القطيع ثم علمنا
إجمالا بوجود عشرة شياة محرمة في قسم خاص من القطيع كالسود منها فينحل العلم
الإجمالي الكبير المنتشر في المجموع إلى العلم الإجمالي الصغير في خصوص السود منه (إلا
ان الّذي يدفع الإشكال) ان انحلال العلم الإجمالي الكبير في المقام المنتشر في
مجموع المشتبهات إلى العلم الإجمالي الصغير في خصوص مؤديات الطرق والأمارات وان
كان مما يوجب سقوط الواقعيات التي لم تؤدها الطرق عن التنجز رأساً لعدم بقاء العلم
الإجمالي فيها على حاله فلا يبقى مقتض لحجية الظن بها أصلا إلا ان هذا انما يكون
إذا وجب علينا رعاية العلم الإجمالي بنصب الطرق والفرض عدم وجوبها بل عدم جوازها
لإخلالها بالنظام
فتبقى الواقعيات
على تنجزها ولو بملاك قد أشير إليه عند التكلم حول المقدمة الثالثة من وجوب
الاحتياط شرعا ولو في الجملة برعاية المظنونات فقط خاصة المستكشف ذلك من شدة
اهتمام الشارع بتكاليفه وعدم رضائه بالإهمال رأساً (فإذاً يكون) الظن بالواقع
باقياً على حجيته كالظن بالطريق عيناً بل يكون الظن بالواقع أولى لكونه أقرب إلى
ما به اهتمام الشارع من التكاليف الواقعية ولا أقل من كونه مساوياً معه فيما يهم
العقل من سقوط المؤاخذة وتحصيل الأمن من العقوبة (هذا كله مضافاً) إلى ما عرفت من
ان الظن بالواقع لا يكاد ينفك عادة عن الظن بوقوعه مؤدي طريق معتبر إجمالا وانه
مما يجدي بمقتضى مذهب الخصم من الصرف والتقييد وذلك لحصول القيد حينئذ وتحقق الشرط
إجمالا وهو أداء الطريق له وإن لم يعلم بخصوص الطريق الّذي قد أدى الواقع تفصيلا.
(أقول)
ويرد على المصنف.
(أولا) ان انحلال
العلم الإجمالي الكبير إلى ما في مؤديات الطرق هو مما يوجب سقوط الواقعيات عن
التنجز مطلقاً سواء وجب رعاية العلم الإجمالي بالنصب أم لم يجب لأجل لزوم العسر أو
الإخلال بالنظام غايته انه إن وجب لم يكن الظن حجة أصلا سواء كان بالطريق أو
بالواقع وإن لم يجب لأحد الأمرين كان خصوص الظن بالطريق حجة دون غيره.
(وثانياً) لو سلم
ان الانحلال انما يوجب سقوط الواقعيات عن التنجز في خصوص ما إذا وجب رعاية العلم
الإجمالي بالنصب لا مطلقاً ففرض المصنف كان رعايته حيث أطال الكلام حول وجوب
الاحتياط في أطراف العلم الإجمالي بالطرق وانه مما لا يوجب العسر والحرج أصلا وان
كان فرض الخصم عدم لزوم الاحتياط أو عدم جوازه (وعليه) فالمصنف ملزم بالاحتياط في
الطرق لا محالة.
(وبالجملة) بعد
تسليم العلم الإجمالي بنصب طرق باقية فيما بأيدينا وافية
بمقدار المعلوم
بالإجمال من التكاليف لا محيص عن انحلال العلم الإجمالي الكبير إلى العلم الإجمالي
الصغير بما في مؤديات الطرق والأمارات فإذا انحل العلم الإجمالي الكبير لم يبق
موجب لحجية الظن بالواقع أصلا فان كان في الطرق المعلومة بالإجمال قدر متيقن يفي
بمعظم الفقه أخذنا به وإلّا فنحتاط في أطراف العلم الإجمالي بها ان لم يتعسر وإلّا
تنزلنا منه إلى الظن في تعيينها فيكون خصوص الظن بالطريق حجة دون الظن بالواقع إلّا
ان ذلك لا من جهة الصرف والتقييد كما زعم الخصم بل من جهة انحلال العلم الإجمالي
الكبير إلى العلم الإجمالي الصغير بما في مؤديات الطرق ولكن الشأن في إثبات وجود
العلم الإجمالي بنصب طرق باقية فيما بأيدينا وافية بمقدار المعلوم بالإجمال من
التكاليف الشرعية كي يوجب الانحلال وعدم حجية الظن بالواقع أصلا فتأمل جيداً فإن
المقام لا يخلو عن دقة.
في الوجه الثاني مما استدل به لحجية
الظن بالطريق دون غيره
(قوله ثانيهما ما اختص
به بعض المحققين ... إلخ)
اما بعض المحققين
فهو المحقق صاحب الحاشية أخو الفصول واما ما اختص به من الوجه فهو الوجه الأول من
الوجوه الثمانية التي أقامها على إبطال حجية مطلق الظن وإثبات حجية الظنون الخاصة
والطرق المخصوصة وقد أشرنا إليها في ثالث الوجوه العقلية التي أقيمت على حجية خبر
الواحد وأن أكثرها مما ينفع لحجية الظن بالطريق لا حجية الظنون الخاصة (وقد ذكر
المصنف) بعض كلام المحقق في هذا الوجه بلفظه وذكر الشيخ أكثر من ذلك (وعلى كل حال)
ملخصه انه لا ريب في كوننا مكلفين بالاحكام الشرعية وان الواجب علينا أولا هو
تحصيل العلم بتفريغ الذّمّة
في حكم المكلف
بالكسر وهو الشارع بأن نأتي بمؤديات طرق نقطع بنصبها من قبله سواء حصل معه العلم
بأداء الواقع أم لا وحينئذ فإن صح لنا تحصيل العلم بتفريغ الذّمّة في حكمه بان كان
هناك طرق نقطع بنصبها ونأتي بمؤدياتها فلا إشكال في وجوبه وإن انسد باب العلم بذلك
بأن لم يكن هناك طرق نقطع بنصبها وجب علينا تحصيل الظن بتفريغ الذّمّة في حكمه بأن
نأتي بمؤديات طرق نظن نصبها من قبله تنزلا من العلم بالتفريغ في حكمه إلى الظن به
بحكم العقل لا إلى الظن بأداء الواقع بان نأتي بما ظن وجوبه أو نترك ما ظن حرمته
من دون قيام طريق مظنون الاعتبار عليه (هذا ملخص كلامه) زيد في علو مقامه.
(قوله بعد انسداد سبيل
العلم والقطع ببقاء التكليف ... إلخ)
أي بعد انسداد
سبيل العلم وبعد القطع ببقاء التكليف.
(قوله كما يدعيه
القائل بأصالة حجية الظن ... إلخ)
أي حجية الظن
مطلقاً سواء كان بالطريق أو بالواقع.
(قوله وفيه أولا ان
الحاكم على الاستقلال في باب تفريغ الذّمّة إلى آخره)
(وحاصل الجواب
الأول) ان الحاكم على الاستقلال في باب تفريغ الذّمّة هو العقل لا الشرع إذ ليس له
حكم مولوي في هذا الباب ولو حكم كان بتبع حكم العقل إرشاداً وقد عرفت في صدر البحث
عند قوله وذلك لأن العقل قد استقل إلى آخره استقلال العقل بأن الإتيان بالمكلف به
الواقعي بما هو هو مفرغ للذمة كالإتيان بالمكلف به الظاهري الجعلي (وعليه) فعند
الانسداد يكون كلا من الظن بإتيان المكلف به الواقعي والظن بإتيان المكلف به
الظاهري الجعلي ظناً بتفريغ الذّمّة ولا ينحصر الظن به بالظن بإتيان المكلف به
الظاهري الجعلي.
(أقول)
هذا مضافاً إلى
أنه صح أن يقال إن العلم بتفريغ الذّمّة في حكم الشارع إذا كان يحصل بإتيان المكلف
به الظاهري الجعلي فحصوله بإتيان المكلف به الواقعي الحقيقي بطريق
أولى فإن حكمه
بالتفريغ عند الإتيان بالمكلف به الجعلي ليس إلّا من جهة انه منزل منزلة المكلف به
الواقعي الحقيقي (وعليه) فإذا انسد باب العلم بتفريغ الذّمّة في حكمه فنتنزل من
العلم به إلى الظن به وهو يحصل بكل من الإتيان بالمكلف به الواقعي المظنون
والإتيان بالمكلف به الجعلي المظنون (هذا) وسيأتي من المصنف جواب ثاني مرجعه إلى
ذلك فانتظر يسيراً.
(قوله وان القطع به
حقيقة أو تعبداً مؤمن جزماً ... إلخ)
القطع بالواقع
الحقيقي هو القطع بالمكلف به الواقعي كما ان القطع بالواقع التعبدي هو القطع
بالمكلف به الجعلي وقد تقدم في صدر البحث ان في حال الانفتاح يكون كل من القطع
بإتيان المكلف به الواقعي والجعلي مؤمناً من العقوبة كما تقدم أيضاً ان كلما كان
القطع به مؤمناً في حال الانفتاح كان الظن به مؤمناً في حال الانسداد
(قوله ثانياً سلمنا
ذلك لكن حكمه بتفريغ الذّمّة ... إلخ)
(وحاصل الجواب
الثاني) انه سلمنا ان للشارع في هذا الباب حكم مولوي ولكن حكمه بتفريغ الذّمّة عند
الإتيان بمؤدى الطريق المنصوب ليس إلّا بدعوى ان نصب الطريق مما يستلزم الحكم
بالتفريغ مع ان دعوى ان التكليف بالواقع أيضاً يستلزم حكمه بالتفريغ عند الإتيان
به هي أولى من الدعوى الأولى بلا كلام.
(قوله إن قلت كيف
يستلزم الظن بالواقع مع انه ربما يقطع بعدم حكمه به معه كما إذا كان من القياس ...
إلخ)
(وحاصل الإشكال)
انه كيف يستلزم الظن بالواقع الظن بحكمه بالتفريغ مع انه قد يقطع بعدم حكمه
بالتفريغ مع حصول الظن بالواقع كما إذا حصل الظن به من القياس (وهذا) بخلاف الظن
بالطريق فان الظن به مما يستلزم الظن بحكمه بالتفريغ لا محالة وإن كان حاصلا من
القياس فإذا حصل الظن بطريقية خبر الثقة مثلا فهو مما يستلزم الظن بحكمه بالتفريغ
وإن كان الظن بطريقيته قد نشأ من القياس (فيجيب عنه) بأن الظن بالواقع أيضاً مما
يستلزم الظن بحكمه بالتفريغ وإن كان
حاصلا من القياس
ولا ينافي ذلك مع القطع بعدم حجية القياس شرعاً (وقد علل) الاستلزام في تعليقته
على الكتاب بما ملخصه هو الملازمة العقلية بين الإتيان بما كلف به واقعاً وحكمه
بفراغ الذّمّة يقيناً.
(قوله وعدم كون المكلف
معذوراً إذا عمل به فيهما إذا أخطأ ... إلخ)
أي وعدم كون
المكلف معذوراً إذا عمل بالقياس في كل من الظن بالواقع والظن بالطريق إذا أخطأ
القياس وفات بسببه تكليف إلزامي من وجوب أو حرمة لعدم كونه حجة ليكون عذراً عند
الخطأ.
(قوله بل كان مستحقاً
للعقاب ولو فيما أصاب لو بنى على حجيته والاقتصار عليه لتجريه فافهم ... إلخ)
أقول بل يمكن ان
يقال ان العامل بالقياس هو ممن يستحق العقاب لا على التجري بل على المعصية مطلقاً
ولو فيما أصاب فان نفس العمل بالقياس والركون إليه واتخاذه طريقاً ومسلكاً محرم
شرعاً بالأخبار المتواترة كالخمر والميسر ونحوهما.
(نعم إذا تحرك)
على طبق القياس لا على نحو الاستناد بل من باب الاحتياط كما إذا قام على وجوب شيء
أو حرمته فأتى به في الأول وتركه في الثاني برجاء كونه واجباً أو حراماً واقعاً
كان ذلك حسناً جداً سواء أصاب الواقع أو أخطأ إذ ليس ذلك من العمل بالقياس أصلا
كما لا يخفى.
(قوله وثالثاً سلمنا
ان الظن بالواقع لا يستلزم الظن به لكن قضيته إلى آخره)
(وحاصل الجواب
الثالث) انه سلمنا ان الظن بالواقع مما لا يستلزم الظن بتفريغ الذّمّة في حكم
الشارع ولكن مقتضي ذلك ان يكون كلا من الظن بأنه مؤدي طريق معتبر إجمالا والظن
بالطريق حجة قطعاً لا خصوص الظن بالطريق فقط إذ كما ان الإتيان بمؤدى طريق ظن نصبه
شرعاً هو مما يوجب الظن بتفريغ الذّمّة في حكم الشارع فكذلك الإتيان بما ظن كونه
مؤدي طريق معتبر إجمالا من دون
ظن تفصيلي بالطريق
الّذي قام عليه خارجاً هو مما يوجب الظن بتفريغ الذّمّة في حكمه أيضاً وقد عرفت
قبلا ان الظن بالواقع ولو في خصوص التكاليف التي هي محل الابتلاء لا يكاد ينفك عن
الظن بكونه مؤدي طريق معتبر إجمالا (وعليه) فلا تبقى ثمرة للنزاع بيننا وبين الخصم
أصلا إذ لا يبقى فرق بين الظن بالطريق أو الظن بالواقع من حيث حصول الظن بالأخرة
بتفريغ الذّمّة في حكم الشارع فتأمل جيداً.
في الكشف والحكومة
(قوله فصل لا يخفى عدم
مساعدة مقدمات الانسداد على الدلالة على كون الظن طريقاً منصوباً شرعاً ... إلخ)
(المقصود الأصلي)
من عقد هذا الفصل هو البحث عن إهمال النتيجة وكليتها كما ستعرف تفصيله ولكن حيث
يتوقف تحقيق الكلام فيه على البحث عن الكشف والحكومة فشرع المصنف أولا في البحث
عنهما ثم شرع في البحث عن المقصد الأصلي غير ان المناسب كان أن يفتتح الكلام أولا
بأصل المقصد ثم يشرع في تحقيق الكشف والحكومة كما فعل الشيخ أعلى الله مقامه (وعلى
كل حال) حاصل الكلام ان مقتضي مقدمات الانسداد على تقدير القول بسلامة الجميع وصحة
الكل واقتضائها حجية الظن لا التبعيض في الاحتياط كما عرفت (هل هو استكشاف) كون
الظن في حال الانسداد طريقاً منصوباً من قبل الشارع للوصول إلى التكاليف المعلومة
بالإجمال (أو ان مقتضاها) استقلال العقل في الحكم بكون الظن حجة في حال الانسداد
كاستقلاله بكون العلم حجة في حال الانفتاح (مختار المصنف) تبعاً للشيخ هو الثاني
وهو الحق كما ستعرف (وقد استدل له) المصنف بما حاصله ان مع مقدمات الخمس لا يجب
على الشارع أن ينصب الظن طريقاً إلى التكاليف وذلك
لجواز اكتفائه بما
استقل به العقل في هذا الحال من حجية الظن (وعليه) فلا موجب لاستكشاف كون الظن
طريقاً منصوباً من قبله في مقام الإثبات وإن جاز نصبه ثبوتاً (وقد أشار إلى ذلك)
كله بقوله ضرورة انه معها لا يجب عقلا على الشارع أن ينصب طريقاً لجواز اجتزائه
بما استقل به العقل في هذا الحال انتهى (وأصل هذا الدليل) من الشيخ أعلى الله
مقامه (قال) بعد ما بين تقرير الكشف والحكومة (ما لفظه) إذا عرفت ذلك فنقول الحق
في تقرير دليل الانسداد هو التقرير الثاني وان التقرير على وجه الكشف فاسد أما
أولا فلان المقدمات المذكورة لا تستلزم جعل الشارع للظن مطلقاً أو بشرط حصوله من
أسباب خاصة حجة لجواز ان لا يجعل الشارع طريقاً للامتثال بعد تعذر العلم أصلا (إلى
ان قال) وهو أيضاً طريق العقلاء في التكاليف العرفية حيث يعملون بالظن في تكاليفهم
العرفية مع القطع بعدم جعل طريق لها من جانب الموالي ولا يجب على الموالي نصب
الطريق عند تعذر العلم نعم يجب عليهم الرضا بحكم العقل (انتهى) موضع الحاجة من
كلامه رفع مقامه.
(قوله ولا مجال
لاستكشاف نصب الشارع من حكم العقل لقاعدة الملازمة ... إلخ)
إشارة إلى دفع ما
أورده الشيخ على نفسه بقوله وتوهم انه يلزم على هذا انفكاك حكم العقل عن حكم الشرع
... إلخ (وتوضيحه) ان الشيخ كما أشير آنفاً بعد ما بين تقريري الكشف والحكومة
جميعاً قد اختار التقرير الثاني (واستدل) على فساد الكشف بأمور أوجهها ما ذكرناه
بلفظه وكان ظاهره كما عرفت كما هو ظاهر المصنف أيضاً في بدو الأمر هو جواز نصب
الشارع الظن طريقاً في حال الانسداد ثبوتاً غير انه لا دليل عليه إثباتاً ولكن في
أثناء بيانه تقرير الحكومة يظهر منه كما يظهر من المصنف أيضاً ان نصب الشارع الظن
طريقاً مما يمتنع ثبوتاً نظراً إلى ان حجية الظن معناه وجوب الإطاعة الظنية وكما
ان نفس الإطاعة مما يمتنع تعلق الحكم
الشرعي بها إلّا
إرشاداً فكذلك كيفية الإطاعة عيناً ومعنى كيفية الإطاعة هو كون الواجب منها في حال
الانفتاح هي الإطاعة العلمية وفي حال الانسداد هي الإطاعة الظنية (ثم أورد على
نفسه) بما حاصله انه على هذا يلزم التفكيك بين حكم العقل والشرع فأجاب عنه بأن
الملازمة بينهما انما يكون في مورد قابل لحكم الشرع والإطاعة والمعصية مما لا
يقبلان حكم الشرع إلّا إرشاداً نظراً إلى امتناع تعلق إرادة مستقلة بفعل الأولى
وترك الثانية غير إرادة فعل الواجبات وترك المحرمات.
(ثم إن المصنف) قد
سلك مسلك الشيخ في الجواب عن لزوم التفكيك بين حكم العقل والشرع فأجاب عنه بمثل ما
أجاب به الشيخ من ان الملازمة انما تكون في مورد قابل لحكم الشرع والمورد في
المقام غير قابل له غير ان المصنف قرر وجه عدم قابلية المورد لحكم الشرع بنحو آخر
غير استحالة تعلق الإرادة المستقلة به (فقال) ما حاصله ان الإطاعة الظنية التي
يستقل بها العقل في حال الانسداد لها جزءان.
(أحدهما) عدم جواز
مؤاخذة الشارع بأزيد منها.
(ثانيهما) عدم
جواز اقتصار المكلف بما دونها.
(اما الجزء الأول)
وهو مؤاخذة الشارع بأزيد منها فغير قابل لحكم نفسه.
(واما الجزء
الثاني) وهو اقتصار المكلف بما دونها فهو مما يستقل العقل بكونه قبيحاً موجباً
للعقاب ومع استقلال العقل به يكون نهي الشارع عنه إرشادياً لا محالة لا مولوياً
نظير ما تقدم منه في الفور والتراخي من استقلال العقل بحسن المسارعة والاستباق وان
مع استقلاله بحسنهما تكون الآيات والروايات الواردة في مقام البعث نحوهما إرشاداً
لا محالة إلى حسنهما العقلي أي من دون أن يترتب على موافقة الأمر بهما قرب ولا
ثواب ولا على مخالفته بعد ولا عقاب بل يكون الأمر بهما لما يترتب على المادة
بنفسها ولو لم يكن هناك أمر بها كما هو الشأن في الأوامر الإرشادية.
(أقول)
وفي كل من كلامي
الشيخ والمصنف إلى هنا ما لا يخفى نظراً إلى ما عرفته منا في الفور والتراخي
مشروحاً من ان الضابط في الإرشادية هو ان لا يكون الأمر أو النهي بداعي الإرادة أو
الكراهة المنقدحة في نفس الآمر أو الناهي كي يستتبع القرب والثواب أو البعد
والعقاب بل كان لمحض الإرشاد إلى ما في الفعل من الخواصّ والآثار والمنافع والمضار
نظير أمر الطبيب بشرب المسهل ونهيه عن استعمال الحامض وان هذا المعنى وإن كان قد
يتحقق في الموالي العرفية لجواز أن لا يكون المنافع أو المضار عائدة إلى الآمر أو
إلى من يمس به كي يوجب انقداح الإرادة أو الكراهة في نفسه على طبقها ولكن في
الموالي الشرعية لا يكاد يمكن ذلك نظراً إلى ان شدة لطفهم بالعباد مما توجب ان
تكون المصالح أو المفاسد العائدة إليهم كالمصالح أو المفاسد العائدة إلى أنفسهم أو
إلى من يمس بهم موجبة لانقداح الإرادة أو الكراهة في أنفسهم المقدسة على طبقها (وعليه)
فجميع الأوامر والنواهي الشرعية مولوية ناشئة عن الإرادة والكراهة حتى في مثل
الأمر بالإطاعة والنهي عن المعصية (ومجرد) امتناع تعلق إرادة مستقلة بفعل الأولى
وترك الثانية غير إرادة فعل الواجبات وترك المحرمات لأجل عدم كون الإطاعة والمعصية
أمراً آخر غير فعل الواجبات وترك المحرمات (مما لا يوجب) ان يكون الأمر والنهي
المتعلقين بهما إرشاديين فإن ملاك الإرشادية هو خلو الأمر أو النهي عن الإرادة أو
الكراهة القلبية لا عدم تعلق الإرادة المستقلة بهما ومن المعلوم ان الأمر بهما غير
خاليين عن الإرادة أو الكراهة وان كانت هي عين الإرادة أو الكراهة الموجودة في
الواجبات أو المحرمات (ومن هنا) إذا أتى المكلف بالواجبات وترك جميع المحرمات لا
بداعي الأوامر والنواهي المتعلقة بهما بل بداعي الأمر بالإطاعة والنهي عن المعصية
لوقع الفعل مقرباً وعبادة وان كان الفعل عبادياً فلو لم يكن الأمر بالإطاعة
مولوياً ناشئاً عن إرادة نفسانية موجبة للقرب والبعد لم يقع الفعل عبادة ومقرباً
بسبب قصده
(كما ان مجرد)
استقلال العقل بحسن الأولى وقبح الثانية (مما لا يوجب) كون الأمر والنهي المتعلقين
بهما إرشاديين ما دامت الإرادة منقدحة في نفس المولى على طبق حكم العقل بفعل
الأولى وترك الثانية (وعلى هذا كله) فالحق في دفع توهم لزوم التفكيك ليس هو دعوى
ان الملازمة انما تكون في مورد قابل لحكم الشرع والمورد غير قابل له بل دعوى ان
الملازمة بين حكم العقل والشرع ليس معناها كما زعمه الخصم من انه كلما حكم به
العقل وجب أن يحكم به الشرع أيضاً وذلك لجواز اجتزائه بحكم العقل فقط بل معناها هو
رضائه بحكم العقل بحيث لو سأل عما حكم به العقل لحكم على طبقه أيضاً وهذا المعنى
هو موجود في المقام بلا كلام إذ لو سأل عن حجية الظن في حال الانسداد لحكم بحجيته
أيضاً على طبق حكم العقل بها عيناً.
(وبالجملة إن)
الصواب الّذي لا يمكن التخطي عنه هو ان العقل في حال الانسداد بنفسه مما يستقل في
الحكم بحجية الظن وبوجوب متابعته ومعه لا موجب لاستكشاف كون الظن طريقاً منصوباً
من قبل الشارع إثباتاً بعد جواز اجتزائه بما حكم به العقل وإن جاز كونه طريقاً
منصوباً من قبل الشارع أيضاً ثبوتاً وواقعاً فتدبر جيداً فان المقام لا يخلو عن
دقة.
(قوله واقتصار المكلف
بما دونها لما كان بنفسه موجباً للعقاب مطلقاً إلى آخره)
أي سواء أصاب الظن
أو أخطأ بناء على التجري.
(قوله كان حكم الشارع
فيه مولوياً بلا ملاك يوجبه كما لا يخفى ولا بأس به إرشادياً ... إلخ)
أي كان حكم الشارع
في عدم جواز اقتصار المكلف بما دون الإطاعة الظنية إرشادياً لا مولوياً (والسر)
فيه بنظره هو ما أشير إليه من ان العقل مهما استقل بحسن شيء أو بقبحه كان لا محالة
امر الشارع به أو نهيه عنه إرشاداً إلى حسنه أو قبحه العقلي فيكون الأمر أو النهي
لما يترتب على المادة بنفسها من دون أن يترتب على موافقته
قرب ولا ثواب أو
بعد ولا عقاب ولكن قد عرفت منا ضعف ذلك بما لا مزيد عليه فلا نعيد.
(قوله وصحة نصبه
الطريق وجعله في كل حال ... إلخ)
إشارة إلى دفع ما
قد يقال من انه من الواضح صحة نصب الشارع طريقاً للوصول إلى تكاليفه الواقعية في
كل حال ومنه حال الانسداد وهذا مما ينافي ما تقدم آنفاً من كون الظن طريقاً عند
الانسداد عقلا لا شرعاً (فيجيب عنه) بأن صحة نصبه الطريق في كل حال مما لا ينافي
استقلال العقل بوجوب الإطاعة الظنية في حال الانسداد كاستقلاله بوجوب الإطاعة
العلمية في حال الانفتاح من دون استكشاف حكم الشارع به إلّا إرشاداً لا مولوياً
بقاعدة الملازمة وذلك لما عرفت من انها لا تكون الا في مورد قابل لحكم الشرع
والمقام ليس بقابل له.
هل النتيجة مهملة أو كلية
(قوله وعليها فلا
إهمال في النتيجة أصلا سبباً ومورداً ومرتبة ... إلخ)
هذا شروع في البحث
عن المقصد الأصلي من عقد هذا الفصل وهو البحث عن إهمال النتيجة وكليتها وقد عبر
عنه الشيخ بأهم الأمور في هذا الباب (وحاصل) الكلام فيه ان مقدمات الانسداد على
القول بسلامة الجميع وصحة الكل واقتضائها حجية الظن لا التبعيض في الاحتياط كما
عرفت (هل هي تقتضي) حجية الظن بنحو القضية المهملة من حيث السبب والمورد والمرتبة
على نحو تحتاج النتيجة إلى معمم يعممها إلى جميع الأسباب والأمارات وإلى جميع
الموارد والمسائل الفقهية وإلى جميع مراتب الظن من الضعيف والقوي والأقوى أو إلى
مخصص يخصصها ببعض الأسباب وبعض الموارد وبعض المراتب (أو تقتضي) حجية الظن بنحو
القضية الكلية بحيث لا تحتاج في التعميم إلى شيء أصلا واما احتمال كون القضية
مهملة إلى الآخر
بلا معمم يعممها أو مخصص يخصصها فلا يكاد يقول به أحد إذ يئول ذلك إلى لغوية دليل
الانسداد رأساً (ثم إن هذا كله) مقتضي ما يظهر من صدر عبارة الشيخ في عنوان البحث
حيث جعل في قبال القول بإهمال النتيجة القول بكليتها (وهو كما ترى ضعيف) إذ ليس في
المسألة قولان لا غيرهما قول بالإهمال وقول بالكلية بل وفيها قول ثالث أيضاً وهو
كون النتيجة جزئية مختصة ببعض الأسباب أو ببعض الموارد أو ببعض المراتب لا مهملة
ولا كلية (وعليه) فالأولى أن يجعل في قبال القول بإهمال النتيجة القول بعدم
إهمالها أي بتعيينها سواء كانت كلية أو جزئية (وقد أجاد) أعلى الله مقامه في
تعبيره الأخير حيث قال فهنا مقامات الأول في كون نتيجة دليل الانسداد مهملة أو
معينة ... إلخ فجعل التعيين مطلقاً في قبال الإهمال (وعلى كل حال) الصحيح في عنوان
البحث ان يقال هكذا هل النتيجة مهملة بحيث تحتاج إلى معمم لها أو مخصص لها أو
معينة لا تحتاج إلى شيء سواء كانت كلية أو جزئية.
(فيقول المصنف) إن
بناء على تقرير المقدمات على نحو الحكومة لا إهمال في النتيجة أصلا لا سبباً ولا
مورداً ولا مرتبة إذ لا يعقل تطرق الإهمال في حكم العقل بحيث يشتبه عليه سعة حكمه
وضيقه.
(فبالنسبة إلى
الأسباب) تكون كلية إذ لا تفاوت في نظره بين سبب وسبب (واما بالنسبة إلى الموارد)
فجزئية معينة حيث يستقل العقل بحجية الظن وإن شئت قلت بكفاية الإطاعة الظنية في
خصوص ما ليس للشارع فيه مزيد اهتمام واما فيما فيه مزيد الاهتمام كما في الفروج
والدماء بل وساير حقوق الناس من الأموال وغيرها فيستقل العقل بوجوب الاحتياط فيها.
(واما بالنسبة إلى
المرتبة) فجزئية أيضاً معينة حيث يستقل العقل بحجية مرتبة الاطمئنان من الظن إذا
كان متعلقاً بنفي التكليف فيرفع اليد عنده عن الاحتياط واما إذا كان الظن بنفيه
عادياً لا اطمئنانياً فيجب الاحتياط بمراعاة احتمال التكليف
ولو كان موهوماً
نعم إذا لم يكف هذا المقدار من رفع اليد عن الاحتياط في دفع العسر فيرفع اليد عنه
في مطلق ما قام الظن بنفي التكليف ولو كان عادياً أي في مطلق الموهومات.
(أقول)
إن قلنا ان مقتضي
مقدمات الانسداد هو التبعيض في الاحتياط كما عرفت شرحه مفصلا فما ادعاه المصنف هنا
من التنزل إلى خصوص مرتبة الاطمئنان من الظن إذا كان متعلقاً بنفي التكليف هو في
محله إذ مرجعها حينئذ إلى الاحتياط في المظنونات والمشكوكات وبعض الموهومات أي
التي كان الظن العادي على نفي التكليف ورفع اليد عن الاحتياط لدفع العسر في خصوص
الموهومات التي كان الظن الاطمئناني على نفي التكليف (واما إذا قلنا) ان مقتضاها
هو حجية الظن كما هو مفروض البحث ولو كان الفرض فاسداً فلا وجه للتنزل إلى خصوص
مرتبة الاطمئنان من الظن إذا كان متعلقاً بنفي التكليف بل نتنزل إلى مرتبة
الاطمئنان من الظن مطلقاً ولو كان متعلقاً بثبوت التكليف إلّا إذا لم يكن الظن
الاطمئناني بمقدار وأف فنتعدى إلى الأقرب إليه لا إلى مطلق الظن (هذا كله مختار
المصنف) في إهمال النتيجة وعدمه بناء على تقرير الحكومة.
(واما مختار الشيخ)
على هذا التقرير فهو ان النتيجة كلية (سبباً) كما أفاد المصنف عيناً وهكذا كلية (مورداً)
بدعوى انه لا فرق في نظر العقل في باب الإطاعة والعصيان بين واجبات الفروع من أول
الفقه إلى آخره ولا بين محرماتها وهو كما ترى ضعيف لما عرفت من مزيد الاهتمام في
باب الفروج والدماء ونحوهما (واما بحسب المرتبة) فهي جزئية على النحو الّذي أفاد
المصنف أيضاً أي ان الحجة في خصوص الظن بنفي التكليف هو الاطمئناني منه وان كان
الظاهر من إطلاق عبارته في المقام هو التنزل إلى الاطمئناني منه مطلقاً سواء كان
متعلقاً بنفي التكليف أو بوجوده ولكن المستفاد من كلماته الشريفة بعد الفراغ عن
المعمم
الثالث هو التنزل
إلى الاطمئناني منه في خصوص الظن بنفي التكليف لا مطلقاً فيكون نتيجته هو الاحتياط
في المظنونات والمشكوكات وبعض الموهومات الا الموهومات التي كان الظن الاطمئناني
فيها على نفي التكليف (وعليه) فيرد عليه حينئذ نفس ما أوردناه على المصنف عيناً (هذا
تمام الكلام) في مختار المصنف والشيخ جميعاً في إهمال النتيجة وعدمه على تقرير
الحكومة.
(قوله إلّا بلزوم
التنزل إلى مرتبة الاطمئنان من الظن بعدم التكليف إلى آخره)
في بعض النسخ
المطبوع أخيراً قد أسقطت كلمة بعدم التكليف (وعليه) فلا يبقى مجال لما أوردناه على
المصنف من انه لا وجه للتنزل إلى خصوص مرتبة الاطمئنان من الظن إذا كان متعلقاً
بنفي التكليف ولكن الظاهر ان هذا الإسقاط ليس من المصنف بقرينة قوله بعده الا على
تقدير عدم كفايتها في دفع محذور العسر ... إلخ فانه أقوى شاهد على ان المراد من
قوله إلى مرتبة الاطمئنان من الظن هو الظن بعدم التكليف فانها التي جاز ان لا تكفي
في دفع محذور العسر لا مرتبة الاطمئنان من الظن بوجود التكليف كما لا يخفى.
(قوله واما على تقرير
الكشف فلو قيل بكون النتيجة هو نصب الطريق الواصل بنفسه ... إلخ)
قد عرفت آنفاً
مختار المصنف والشيخ جميعاً في إهمال النتيجة وعدمه على تقرير الحكومة (واما على
تقرير الكشف) فحاصل مختار المصنف انه.
(تارة) نقول ان
نتيجة المقدمات هو استكشاف نصب الطريق الواصل إلينا بنفسه.
(وأخرى) نقول ان
نتيجتها هو استكشاف نصب الطريق الواصل إلينا ولو بطريقه أي بانسداد آخر.
(وثالثة) نقول إن
نتيجتها هو استكشاف نصب الطريق إجمالا ولو لم يصل
إلينا أصلا لا
بنفسه ولا بطريقه وإن أمكن وصولنا إليه بالاحتياط كما ستعرف.
(فان قلنا) إن
النتيجة هو استكشاف نصب الطريق الواصل إلينا بنفسه (فلا إهمال) في النتيجة بالنسبة
إلى الأسباب أصلا فالكل حجة إذا لم يكن بينها متيقن الاعتبار أي بمقدار وأف وإلّا
بان كان بينها متيقن الاعتبار كذلك فالحجة هي خصوص المتيقن منها دون ما سواه
فيقتصر عليه (وهكذا الأمر) بالنسبة إلى الموارد فلا إهمال في النتيجة بل كلية
ويكون الظن حجة في جميع المسائل الفقهية وإلّا لزم عدم الوصول إلينا ولو لأجل
التردد والتحير (واما بحسب المرتبة) فالنتيجة مهملة لأجل احتمال حجية خصوص
الاطمئناني من الظن إذا كان وافياً دون ما سواه فيقتصر عليه أيضاً.
(وان قلنا) إن
النتيجة هو استكشاف نصب الطريق الواصل إلينا ولو بطريقه أي بانسداد آخر (فلا إهمال)
أيضاً في النتيجة بحسب الأسباب إذا لم يكن بينها تفاوت أصلا أو كانت الأسباب
منحصرة بواحد ففي الأول كلية وفي الثاني جزئية وإلّا بان كانت الأسباب متفاوتة غير
منحصرة بواحد فان كان بينها متيقن الاعتبار أي بمقدار واف فيقتصر عليه وإلّا
فنتعدى إلى مظنون الاعتبار بإجراء انسداد ثاني لحجية الظن بالاعتبار فان كان الظن
بالاعتبار واحداً أو متعدداً غير متفاوت أو متفاوتاً باليقين بالاعتبار بمقدار وأف
فهو وإلّا فنجري انسداد ثالث لحجية الظن في تعيين الظن بالاعتبار وهكذا إلى أن
ينتهي الأمر بالأخرة اما إلى ظن واحد أو إلى ظنون متعددة غير متفاوتة أو متفاوتة
باليقين بالاعتبار بمقدار وأف فيقتصر عليه (واما بحسب الموارد والمراتب) فكما إذا
كانت النتيجة هي الطريق الواصل بنفسه فكلية بالنسبة إلى الموارد ومهملة بالنسبة
إلى المراتب
(وان قلنا) إن
النتيجة هو استكشاف نصب الطريق إجمالا ولو لم يصل إلينا أصلا لا بنفسه ولا بطريقه
أي بانسداد آخر فالنتيجة مهملة لا محالة سبباً ومورداً ومرتبة ولا محيص حينئذ في
وصولنا إليه من الاحتياط التام في أطراف
الطرق فنأخذ بكل
ما احتمل طريقيته سواء كان مظنون الطريقية أو مشكوك الطريقية أو موهوم الطريقية
إذا لم يكن بينها متيقن الاعتبار بمقدار وأف ولم يلزم من الاحتياط فيها محذور
العسر أو اختلال النظام وإلّا فان كان بينها متيقن الاعتبار بمقدار وأف فالأخذ به
متعين وان كان عبارة المصنف قاصرة عن تأدية هذا المعنى وإلّا بأن لم يكن بينها
المتيقن بمقدار وأف ولزم المحذور من الاحتياط التام فيها فيجب عند ذلك التنزل إلى
حكومة العقل بالاستقلال أي إلى ما حكم به العقل في مقام الامتثال كما صرح به في
تعليقته على الرسائل من الاكتفاء بالإطاعة الظنية ورفع اليد حينئذ عن الكشف نظراً
إلى ان استكشاف الطريق ولو لم يصل إلينا أصلا مع فرض عدم المتيقن بمقدار وأف ولزوم
المحذور من الاحتياط التام في الطرق مما لا يثمر شيئاً بل يئول إلى لغوية الانسداد
رأساً فنضطر حينئذ إلى التنزل إلى ما حكم به العقل واستقل به اللب (هذا كله ملخص
كلام المصنف) على تقرير الكشف (ولا يخفى) انه لم يعين الوظيفة بناء على الطريق ولو
لم يصل أصلا بالنسبة إلى الموارد والمراتب وأهملهما رأساً وكأنه غفل عنهما (واما
مختار الشيخ) على الكشف فحاصله ان النتيجة كلية بحسب المورد بدعوى الإجماع القطعي
على ان العمل بالظن لا يفرق فيه بين أبواب الفقه ومهملة بحسب الأسباب والمرتبة
فتدبر جيداً.
(أقول)
إن التفصيل بين
الطريق الواصل بنفسه والطريق الواصل بطريقه والطريق ولو لم يصل إلينا أصلا ليس عنه
في كلام الشيخ أعلى الله مقامه ومن تقدم عليه عين ولا أثر وانما هو شيء أحدثه
المصنف قدسسره بل حكى عن بعض الأعاظم من تلامذة المصنف أن هذا التفصيل
أصله من والدي رحمهالله قد ألقاه عليه في مجلس الدرس من قبل طبع الكفاية وتأليفها
بمدة فارتضاه المصنف وأدرجه في الكتاب (وعلى كل حال) بعد الغض عما في هذا التفصيل
ان في مختار المصنف على تقرير
الكشف وتحقيقه في
كل من الواصل بنفسه أو بطريقه أو ولو لم يصل أصلا مواقع للنظر ولعلها تظهر بالتدبر
وإمعان النّظر من غير حاجة إلى إطالة الكلام بمزيد النقض والإبرام سيما مع كون
البحث هاهنا قليل نفعه غير جليل فائدته فالإعراض عنه أولى.
(قوله ودعوى الإجماع
على التعميم بحسبها في مثل هذه المسألة المستحدثة مجازفة جداً ... إلخ)
هذا رد على الشيخ
أعلى الله مقامه (قال) بعد تقريري الكشف والحكومة (ما لفظه) ثم إن هذين التقريرين
مشتركان في الدلالة على التعميم من حيث الموارد يعني المسائل إذ على الأول يدعي
الإجماع القطعي على ان العمل بالظن لا يفرق فيه بين أبواب الفقه وعلى الثاني يقال
إن العقل مستقل بعدم الفرق في باب الإطاعة والمعصية بين واجبات الفروع من أول
الفقه إلى آخره ولا بين محرماتها كذلك انتهى
(فيقول المصنف) إن
النتيجة بحسب الموارد كلية على الطريق الواصل بنفسه لكنه من جهة كون التردد في
مواردها مما ينافي الوصول كما لا يخفى لا من جهة الإجماع القطعي على التعميم فان
المسألة مستحدثة جداً لا يحصل فيها اتفاق الجميع كي يستكشف به رأي الإمام عليهالسلام.
(قوله وهم ودفع لعلك
تقول ان القدر المتيقن الوافي لو كان في البين لما كان مجال لدليل الانسداد ...
إلخ)
(وحاصل الوهم) انه
تقدم على الكشف والطريق الواصل بنفسه وهكذا على الطريق الواصل بطريقه انه لا إهمال
في النتيجة بحسب الأسباب لو لم يكن بينها متيقن الاعتبار أي بمقدار وأف وهكذا تقدم
على الطريق ولو لم يصل أصلا ان النتيجة مهملة فلا بدّ من الاحتياط التام في أطراف
الطرق ما لم يكن بينها متيقن الاعتبار أي بمقدار وأف ولم يلزم منه محذور وحينئذ قد
يقال انه ما معنى هذا الظن المتيقن الاعتبار بمقدار وأف إذ لو كان في الظنون ظن
متيقن الاعتبار بمقدار وأف
لمنع ذلك عن دليل
الانسداد من أصله كيف ومن مقدماته انسداد باب العلمي بمعظم الأحكام وهو الظن
المعلوم اعتباره المعبر عنه بالظن الخاصّ (وقد أفاد الشيخ) أعلى الله مقامه في دفع
هذا التوهم ما حاصله ان المراد من اليقين بالاعتبار هو اليقين بالاعتبار من ناحية
الانسداد والمراد من الظن الخاصّ الّذي ينافي الانسداد هو الظن المعلوم اعتباره مع
قطع النّظر عن الانسداد (قال) في صدر المقام الثاني عند الشروع في المعمم الأول (ما
لفظه) وقد يتوهم ان هذا المقدار المتيقن حينئذ من الظنون الخاصة للقطع التفصيليّ
بحجيته لاندفاعه بأن المراد من الظن الخاصّ ما علم حجيته بغير دليل الانسداد فتأمل
(انتهى) (ثم إن) ظاهر قول المصنف في مقام الدفع لكنك غفلت عن ان المراد ما إذا كان
اليقين بالاعتبار من قبله ... إلخ هو عين ما أفاده الشيخ في المقام (ولكن الظاهر)
من قوله لأجل اليقين بأنه لو كان شيء حجة شرعاً كان هذا الشيء حجة قطعاً بداهة ان
الدليل على أحد المتلازمين انما هو الدليل على الآخر لا الدليل على الملازمة ...
إلخ ان مقصوده من اليقين بالاعتبار في المقام هو اليقين التقديري أي لو كان شيء
حجة شرعاً كان هذا حجة قطعاً وان مجرد الملازمة مما لا يوجب اليقين التنجيزي كي
ينافي الانسداد بداهة ان الدليل على أحد المتلازمين كضوء العالم انما هو الدليل
على الآخر كوجود النهار لا الدليل على الملازمة أي كلما كان العالم مضيئاً فالنهار
موجود (وفيه ما لا يخفى) فان الدليل في المقام وهو الانسداد قائم على أحد
المتلازمين وهو كون شيء حجة شرعاً فيكون دليلا على الآخر قهراً وهو كون هذا حجة
قطعاً لا قائم على مجرد الملازمة (وان شئت قلت) ان اليقين بالاعتبار في المقام
تنجيزي غير انه حصل من ناحية الانسداد لا تقديري (وعليه) فالحق في مقام الدفع هو
ما أفاده الشيخ كما عرفت آنفاً (هذا) مضافاً إلى ان اليقين بالاعتبار هنا لو كان
تقديرياً فالمتيقن بالاعتبار لا يكون أمراً آخر غير مظنون الاعتبار فلما ذا قد عطف
المصنف في الطريق الواصل بطريقه مظنون الاعتبار على متيقن الاعتبار (حيث قال)
وإلّا
فلا بدّ من
الاقتصار على متيقن الاعتبار منها أو مظنونه بإجراء مقدمات دليل الانسداد ... إلخ.
في معممات النتيجة سبباً ومرتبة بناء على
الكشف والإهمال
(قوله ثم لا يخفى ان
الظن باعتبار الظن بالخصوص يوجب اليقين باعتباره ... إلخ)
ولتوضيح المقام لا
بد من تمهيد مقدمة وهي ان الشيخ أعلى الله مقامه (لما اختار) كما تقدم ان النتيجة
على الكشف كلية بحسب الموارد يعني بها المسائل الفقهية بدعوى الإجماع القطعي على
ان العمل بالظن لا يفرق فيه بين أبواب الفقه وانها مهملة بحسب الأسباب والمرتبة (ذكر
من القوم) للتعميم من جهة الأسباب والمرتبة وجوهاً (قال) في صدر المقام الثاني (ما
لفظه) اما على تقدير كون العقل كاشفاً عن حكم الشارع بحجية الظن في الجملة فقد
عرفت ان الإهمال بحسب الأسباب والمرتبة ويذكر للتعميم من جهتهما وجوه.
(الأول) عدم
المرجح لبعضها على بعض فيثبت التعميم لبطلان الترجيح بلا مرجح والإجماع على بطلان
التخيير والتعميم بهذا الوجه يحتاج إلى ذكر ما يصلح أن يكون مرجحاً وإبطاله (إلى
ان قال) إذا تمهد فنقول ما يصلح أن يكون معيناً أو مرجحاً أحد أمور ثلاثة.
(الأول) كون بعض
الظنون متيقناً بالنسبة إلى الباقي بمعنى كونه واجب العمل قطعاً على كل تقدير
فيؤخذ به ويطرح الباقي للشك في حجيته.
(إلى ان قال
الثاني) كون بعض الظنون أقوى من بعض فيتعين العمل عليه
(إلى ان قال
الثالث) كون بعض الظنون مظنون الحجية فانه في مقام دوران الأمر بينه وبين غيره
يكون أولى من غيره إما لكونه أقرب إلى الحجية من غيره (إلى ان قال) وإما لكونه
أقرب إلى إحراز مصلحة الواقع (إلى ان قال) هذه غاية ما يمكن ان يقال في ترجيح بعض
الظنون على بعض لكن نقول ان المسلم من هذه في الترجيح لا ينفع والّذي ينفع غير
مسلم كونه مرجحاً (قال توضيح ذلك) هو ان المرجح الأول وهو تيقن البعض بالنسبة إلى
الباقي وان كان من المرجحات بل لا يقال له المرجح لكونه معلوم الحجية تفصيلا وغيره
مشكوك الحجية فيبقى تحت الأصل لكنه لا ينفع لقلته وعدم كفايته لأن القدر المتيقن
من هذه الأمارات هو الخبر الّذي زكي جميع رواته بعدلين ولم يعمل في تصحيح رجاله
ولا في تمييز مشتركاته بظن أضعف نوعاً من ساير الأمارات الآخر ولم يوهن لمعارضة
شيء منها وكان معمولا به عند الأصحاب كلا أو جلا مفيداً للظن الاطمئناني بالصدور (إلى
ان قال واما المرجح الثاني) وهو كون بعضها أقوى ظناً من الباقي ففيه ان ضبط مرتبة
خاصة له متعسر أو متعذر لأن القوة والضعف إضافيان وليس تعارض القوي مع الضعيف هنا
في متعلق واحد حتى يذهب الظن من الأضعف ويبقى في الأمارة الأخرى نعم يوجد مرتبة
خاصة وهو الظن الاطمئناني الملحق بالعلم حكماً بل موضوعاً لكنه نادر التحقق (قال
علي ان) كون القوة معينة للقضية المجملة محل منع إذ لا يستحيل ان يعتبر الشارع في
حال الانسداد ظناً يكون أضعف من غيره كما هو المشاهد في الظنون الخاصة فانها ليست
على الإطلاق أقوى من غيرها بالبديهة (إلى ان قال) واما المرجح الثالث وهو الظن
باعتبار بعض فيؤخذ به لأحد الوجهين المتقدمين يعني بهما إما لكون مظنون الحجية
اقرب إلى الحجية من غيره أو اقرب إلى إحراز مصلحة الواقع (ففيه) مع ان الوجه
الثاني لا يفيد لزوم التقديم بل أولويته ان الترجيح على هذا الوجه يعني به الوجه
الثاني كما ستعرف يشبه الترجيح بالقوة والضعف في ان مداره على الأقرب إلى الواقع
وحينئذ فإذا
فرضنا كون الظن
الّذي لم يظن بحجيته أقوى ظناً بمراتب من الظن الّذي ظن حجيته فليس بناء العقلاء
على ترجيح الثاني فيرجع الأمر إلى لزوم ملاحظة الموارد الخاصة وعدم وجود ضابطة
كلية بحيث يؤخذ بها في ترجيح الظن المظنون الاعتبار نعم لو فرض تساوي أبعاض الظنون
دائماً من حيث القوة والضعف كان ذلك المرجح بنفسه منضبطاً ولكن الفرض مستبعد بل
مستحيل (إلى ان قال) واما الوجه الأول المذكور في تقريب ترجيح مظنون الاعتبار على
غيره.
(ففيه أولا) انه
لا أمارة تفيد الظن بحجية أمارة على الإطلاق يعني بذلك انه لا أمارة لنا تكون هي
مظنونة الاعتبار على وجه الإطلاق فان الأمارات التي تفيد الظن بحجية أمارة هي
مختلفة جداً فبعضها يعتبر شيئاً في حجيتها وبعضها شيئاً آخر وهكذا.
(إلى ان قال
وثانياً) انه لا دليل على اعتبار مطلق الظن في مسألة تعيين هذا الظن المجمل.
(أقول)
لا يخفى انه إذا
تم بطلان المرجح الأول بمعنى عدم كفايته وتم بطلان هذا المرجح الثالث ثبت التعميم
بالنسبة إلى الأسباب وإذا ثبت بطلان المرجح الثاني ثبت التعميم بالنسبة إلى
المرتبة والظاهر ان إليه ناظر قول الشيخ فيما تقدم ويذكر للتعميم من جهتهما وجوه
... إلخ وإلّا فالمعمم الثاني والثالث كما ستعرفهما راجعان إلى الأسباب فقط دون
المرتبة (ثم إن الشيخ) أعلى الله مقامه بعد قوله المتقدم وثانياً انه لا دليل على
اعتبار مطلق الظن ... إلخ ساق كلاماً طويلا (إلى ان قال).
(الثاني) من طرق
التعميم ما سلكه غير واحد من المعاصرين من عدم الكفاية ثم أفاد في وجه ذلك (ما
ملخصه) انهم اعترفوا بعد تقسيم الظنون إلى مظنون الاعتبار ومشكوكه وموهومه بأن
مقتضي القاعدة بعد إهمال النتيجة الاقتصار على مظنون الاعتبار ثم على المشكوك ثم
يتعدى إلى الموهوم لكن الظنون المظنونة الاعتبار
غير كافية إما
بأنفسها بناء على انحصارها في الاخبار الصحيحة بتزكية عدلين وإما لأجل العلم
الإجمالي بمخالفة كثير من ظواهرها للمعاني المرادة منها ووجود مخصصاتها ومقيداتها
والقرائن لمجازاتها في الظنون المشكوكة الاعتبار (فلا بدّ) بمقتضى قاعدة الانسداد
ولزوم المحذور من الرجوع إلى الأصول من التعدي إلى الظنون المشكوكة الاعتبار التي
دلت على إرادة خلاف الظاهر في ظواهر مظنون الاعتبار فيعمل بما هو مشكوك الاعتبار
مما هو مخصص لعمومات مظنون الاعتبار ومقيد لإطلاقاته وقرائن لمجازاته فإذا وجب
العمل بهذه الطائفة من مشكوك الاعتبار ثبت وجوب العمل لغيرها مما ليس فيها معارضة
لظواهر الأمارات المظنونة الاعتبار بالإجماع المركب بل بالأولوية القطعية لأنه إذا
وجب العمل بمشكوك الاعتبار الّذي له معارضة لظاهر مظنون الاعتبار فالعمل بما ليس
له معارض أولى (ثم نقول) بعين ذلك كله في التعدي إلى موهوم الاعتبار أيضاً طابق
النعل بالنعل (ثم أورد عليه الشيخ) أعلى الله مقامه (بما هذا لفظه) ففيه.
(أولا) انه مبني
على زعم كون مظنون الاعتبار منحصراً في الخبر الصحيح بتزكية عدلين وليس كذلك بل
الأمارات الظنية من الشهرة وما دل على اعتبار قول الثقة مضافاً إلى ما استفيد من
سيرة القدماء في العمل بما يوجب سكون النّفس من الروايات وفي تشخيص أحول الرواة
يوجب الظن القوي بحجية الخبر الصحيح بتزكية عدل واحد والخبر الموثق والضعيف
المنجبر بالشهرة من حيث الرواية ومن المعلوم كفاية ذلك وعدم لزوم محذور من الرجوع
في موارد فقد تلك الأمارة إلى الأصول.
(وثانياً) ان
العلم الإجمالي الّذي ادعاه يرجع حاصله إلى العلم بمطابقة بعض مشكوكات الاعتبار
للواقع من جهة كشفها عن المرادات في مظنونات الاعتبار ومن المعلوم ان العمل بها
لأجل ذلك لا يوجب التعدي إلى ما ليس فيه هذه العلة أعني مشكوكات الاعتبار الغير
الكاشفة عن مرادات مظنونات الاعتبار (إلى ان قال)
ودعوى الإجماع لا
يخفى ما فيها لأن الحكم بالحجية في القسم الأول لعلة غير مطردة في القسم الثاني حكم
عقلي فعلم بعدم تعرض الإمام عليهالسلام له قولا ولا فعلا الا من باب تقرير حكم العقل والمفروض عدم
جريان حكم العقل في غير مورد العلة وهي وجود العلم الإجمالي ومن ذلك يعرف الكلام
في دعوى الأولوية فإن المناط في العمل بالقسم الأول إذا كان هو العلم الإجمالي فكيف
يتعدى إلى ما لا يوجد فيه المناط فضلا عن كونه أولى (إلى ان قال).
(الثالث) من طرق
التعميم ما ذكره بعض مشايخنا طاب ثراه من قاعدة الاشتغال بناء على ان الثابت من
دليل الانسداد وجوب العمل بالظن في الجملة فإذا لم يكن قدر متيقن كاف في الفقه وجب
العمل بكل ظن (إلى ان قال) ولكن فيه ان قاعدة الاشتغال في مسألة العمل بالظن
معارضة في بعض الموارد بقاعدة الاشتغال في المسألة الفرعية كما إذا اقتضى الاحتياط
في الفرع وجوب السورة وكان ظن مشكوك الاعتبار على عدم وجوبها فانه يجب مراعاة
قاعدة الاحتياط في الفروع وقراءة السورة لاحتمال وجوبها ولا ينافيه الاحتياط في
المسألة الأصولية (انتهى) هذا كله ملخص الكلام في المعممات الثلاثة التي ذكروها
لتعميم جهتي الأسباب والمرتبة جميعاً وظاهر الشيخ أعلى الله مقامه هو تسليم المعمم
الأول وإن أورد على كل من المعمم الثاني والثالث بما تقدم وعرفت.
(واما المصنف) فهو
لم يتعرض المعمم الثاني من أصله.
(كما ان المعمم
الثالث) سيأتي تعرضه له في أواخر البحث.
(واما المعمم
الأول) فقد عرفت ان التعميم به مما يبتني على إبطال المرجحات الثلاثة وهي كون بعض
الظنون متيقناً بالنسبة إلى الباقي وكون بعض الظنون أقوى من بعض وكون بعض الظنون
مظنون الحجية.
(اما المرجح الأول)
فلم يتعرضه في المقام سوى ما أشار إليه في ضمن كلماته السابقة بقوله لو لم يكن
بينها ما هو المتيقن ... إلخ أو بقوله فلا بدّ من
الاقتصار على
متيقن الاعتبار منها ... إلخ ونحو ذلك.
(واما المرجح
الثالث) وهو الظن باعتبار بعض الظنون فحاصل كلامه فيه انه مما يوجب اليقين
بالاعتبار على الطريق الواصل بنفسه وإلّا يلزم عدم الوصول كما لا يخفى (وقد تقدم
منه) انه على الطريق الواصل بنفسه لا إهمال في النتيجة بحسب الأسباب فالكل حجة لو
لم يكن بينها متيقن الاعتبار فإذا ادعى في المقام ان الظن بالاعتبار مما يوجب
اليقين بالاعتبار فقهراً تكون النتيجة على الطريق الواصل بنفسه جزئية بحسب الأسباب
لا كلية بمعنى انه تختص الحجية بمتيقن الاعتبار ولو من ناحية الانسداد دون غيره.
(واما المرجح
الثاني) وهو كون بعض الظنون أقوى من بعض فهو أيضاً كالظن بالاعتبار مما يوجب
اليقين بالاعتبار على الطريق الواصل بنفسه (وإليه أشار) بقوله الآتي ومن هنا ظهر
حال القوة ... إلخ فقهراً تكون النتيجة على الطريق الواصل بنفسه جزئية أيضاً بحسب
المرتبة لا كلية بمعنى انه تختص الحجية بالمرتبة القوية من الظن دون غيرها (وإن
تقدم منه) قبلا ان النتيجة مهملة بحسب المرتبة على الطريق الواصل بنفسه (فقال)
واما بحسب المرتبة ففيها إهمال لأجل احتمال حجية خصوص الاطمئناني منه إذا كان
وافياً فلا بدّ من الاقتصار عليه ... إلخ (هذا كله) حال السبب والمرتبة على الطريق
الواصل بنفسه واما على غيره فقد تقدم كلام المصنف فيه فلا نعيد.
(قوله ولعل نظر من رجح
بهما إلى هذا الفرض وكان منع شيخنا العلامة أعلى الله مقامه ... إلخ)
هذا بعيد جداً لما
عرفت من ان التفصيل بين الطريق الواصل بنفسه والطريق الواصل بطريقه والطريق ولو لم
يصل أصلا لم يكن عنه في كلام الشيخ أعلى الله مقامه ومن تقدم عليه عين ولا أثر
وانما هو شيء أحدثه المصنف ومعه كيف يمكن التوفيق بين كلام من رجح بالظن بالاعتبار
ورجح بالقوة وبين كلام من منع عن الترجيح
بهما كالشيخ أعلى
الله مقامه بما ذكره المصنف من ان نظر المرجح بهما إلى فرض الطريق الواصل بنفسه وان
نظر المانع عن الترجيح بهما إلى فرض الطريق الواصل ولو بطريقه أو الطريق ولو لم
يصل أصلا.
(قوله واما تعميم
النتيجة بان قضية العلم الإجمالي بالطريق هو الاحتياط في أطرافه ... إلخ)
رد على المعمم
الثالث المتقدم آنفاً (وحاصله) ان التعميم بقاعدة الاحتياط انما يتم على القول
بكون النتيجة هي نصب الطريق ولو لم يصل أصلا كما تقدم واما على القول بنصب الطريق
الواصل بنفسه أو بطريقه فقد عرفت التفصيل فيه من دون وجوب الاحتياط في الطرق أصلا.
(قوله مع ان التعميم
بذلك لا يوجب العمل الا على وفق المثبتات من الأطراف ... إلخ)
هذا رد ثاني على
المعمم الثالث وقد أخذه المصنف من الجواب المتقدم للشيخ (وحاصله) ان التعميم
بقاعدة الاحتياط مما لا يوجب إلّا العمل بالطرق المثبتة للتكليف لا الطرق النافية
فان الاحتياط في الطرق لا يقتضي رفع اليد عن الاحتياط في المسألة الفرعية إذا وجب
كما إذا اقتضى الاحتياط فيها وجوب السورة بأن لم نقل بالبراءة في الأقل والأكثر
الارتباطيين فانه لا ينافي الاحتياط فيها مع الاحتياط في الطرق كيف ويجوز الاحتياط
في المسألة الفرعية حتى مع قيام الحجة المعتبرة بالخصوص على نفي التكليف فكيف مع
قيام طريق لا نقطع باعتباره الا من جهة كونه من أطراف العلم الإجمالي بنصب الطريق
في الجملة.
(قوله الا فيما إذا
كان هناك ناف من جميع الأصناف ... إلخ)
بأن قام جميع
أصناف الأمارات والأسباب المفيدة للظن على نفي وجوب السورة في المثال المتقدم
فحينئذ يجوز رفع اليد عن الاحتياط في المسألة الفرعية والسر فيه انه إذا قام جميع
الأصناف على النفي فيكون في ضمنه الطريق المعلوم نصبه بالإجمال
فتكون الحجة قائمة
على نفي التكليف فلا يجب الاحتياط معه وان جاز الاحتياط مع ذلك عقلا بل يحسن ما لم
يحصل القطع بنفي التكليف واقعاً.
(قوله فافهم ... إلخ)
ولعله إشارة إلى
ضعف الرد الثاني فان القائل بالمعمم الثالث لم يعلم منه القول بالاحتياط حتى في
النافيات كي يتوجه إليه هذا الرد (وعليه) فينحصر الجواب عنه بالرد الأول فقط دون
غيره.
في إشكال خروج القياس عن عموم النتيجة
(قوله فصل قد اشتهر
الإشكال بالقطع بخروج القياس عن عموم نتيجة دليل الانسداد بتقرير الحكومة ... إلخ)
(وحاصل الكلام) في
هذا الفصل انه إذا قلنا بالانسداد على تقرير الكشف وعممنا النتيجة بأحد المعممات
السابقة فلا إشكال من ناحية خروج القياس عن عموم النتيجة فان الأدلة القائمة على
حرمة العمل بالقياس مما يوجب لنا ان نستكشف بمقدمات الانسداد نصب طريق ما سوى
القياس المحرم (واما إذا قلنا) بالانسداد على تقرير الحكومة وان العقل مما يستقل
في الحكم بحجية الظن في حال الانسداد كحكمه بحجية العلم في حال الانفتاح فيقع
الإشكال حينئذ من ناحية خروج القياس عن تحت عموم حكم العقل بحجية الظن وانه كيف
يخرج عن تحت عمومه مع ان حكم العقل مما لا يخصص ورفع حكمه عن موضوعه مما لا يمكن
إلّا إذا انتفى الموضوع فينتفي الحكم بانتفائه أو خرج الفرد عن تحت الحكم موضوعاً
فيسمى بالتخصص (والسر) في عدم جواز تخصيص حكم العقل كما يظهر من الشيخ أعلى الله
مقامه هو لزوم التناقض فان العقل إذا حكم حكماً عاماً بنحو يشمل هذا الفرد بعينه
ثم خصصنا حكمه ورفعناه عن هذا الفرد لزم التناقض بين حكمه وبين التخصيص وهذا بخلاف
التخصيص
في العمومات
اللفظية فان التناقض فيها صوري لا جدي وحكم العقل ليس من قبيل اللفظ كي يعقل فيه
التناقض الصوري (قال) أعلى الله مقامه في ذيل تقرير الإشكال (ما هذا لفظه) وهذا من
افراد ما اشتهر من ان الدليل العقلي لا يقبل التخصيص ومنشؤه لزوم التناقض ولا
يندفع إلّا بكون الفرد الخارج عن الحكم خارجاً عن الموضوع وهو التخصص وعدم التناقض
في تخصيص العمومات اللفظية انما هو لكون العموم صورياً فلا يلزم الا التناقض
الصوري (انتهى).
(قوله ويقبح على الآمر
والمأمور التعدي عنه ... إلخ)
بمعنى انه لا يجوز
مؤاخذة الشارع بأزيد من الإطاعة الظنية ولا يجوز اقتصار المكلف بما دونها وقد عرفت
تفصيل ذلك في الكشف والحكومة فتذكر.
(قوله فان المنع عن
العمل بما يقتضيه العقل من الظن أو خصوص الاطمئنان لو فرض ممكناً جرى في غير
القياس ... إلخ)
هذا لدى الحقيقة
إشكال ثاني في المقام (وحاصله) انا إذا جوزنا النهي عن مثل القياس لجري احتمال ذلك
في غير القياس أيضاً كالشهرة في الفتوى ونحوها غايته انه قد وصلنا النهي عن القياس
ولم يصلنا النهي عن غيره فإذا احتملنا النهي عن غيره سقط العقل عن الاستقلال
بحجيته قهراً ضرورة عدم اجتماع استقلاله في الحكم بحجيته مع احتمال النهي عنه
شرعاً فانه من قبيل احتمال المتناقضين كما لا يخفى ولا دافع لاحتمال النهي عنه الا
قبحه على الشارع في حال الانسداد فان احتمال صدور أمر ممكن ذاتاً عن الحكيم من
قبيل مؤاخذة من لا ذنب له ونحوه مما لا يرتفع إلّا بقبحه عليه فيستحيل صدوره منه
ووقوعه في الخارج وهذا واضح.
(قوله وأنت خبير بأنه
لا وقع لهذا الإشكال بعد وضوح كون حكم العقل بذلك معلقاً على عدم نصب الشارع
طريقاً وأصلا ... إلخ)
بل لهذا الإشكال
وقع عظيم جداً وقد اهتم به الأصحاب اهتماماً شديداً حتى ان الشيخ أعلى الله مقامه
قد ذكر من نفسه ومن غيره وجوهاً سبعة في دفعه (قال) بعد ما
فرغ من الوجوه
الآتية إن شاء الله تعالى هذه جملة ما حضرني من نفسي ومن غيري في دفع الإشكال
وعليك بالتأمل في هذا المجال والله العالم بحقيقة الحال انتهى (وعلى كل حال) حاصل
كلام المصنف في الجواب عن الإشكال بمزيد توضيح منا (انه كما لا إشكال) في ان
الشارع إذا نصب طريقاً خاصاً لا يفيد الظن وفرض انه لا ينافي الانسداد لعدم كونه
وافياً بمعظم الفقه فيجب متابعة هذا الطريق المنصوب في موارد قيامه وعدم الاعتناء
بالظن بالخلاف الحاصل في مورده من أمارة أخرى نظراً إلى كون حكم العقل بحجية الظن
معلقاً على عدم النصب وان معه ينتفي موضوعه ولا يبقى له حكومة واستقلال أصلا (فكذلك
لا إشكال) مع النهي عن الظن الحاصل من سبب خاص حرفاً بحرف فيرتفع به موضوع حكم
العقل ولا يبقى له حكومة واستقلال بالحجية أصلا نظراً إلى كون حكمه معلقاً على
عدمه.
(أقول)
نعم حكم العقل
بحجية الظن هو معلق على عدم النهي عن ظن حاصل من سبب خاص ولكن المصنف لم يبين السر
في كونه معلقاً عليه ومجرد قياس النهي على النصب مما لا يجدي بعد كون القياس مع
الفارق إذ مع النصب يتحقق العلمي في المسألة ولا حكم للعقل مع العلم أو العلمي
فيها بخلاف النهي (ودعوى) ان النهي يستلزم النصب فيما كان في مورده أصل شرعي كما
سيأتي من المصنف (انما يتم) إذا كان الأصل الشرعي مثبتاً للتكليف لا مطلقاً ولو
كان نافياً وذلك لما تقدم من عدم جواز الرجوع إلى الأصول النافية على الانسداد (ومن
هنا يظهر) انه لا وجه لتعجب المصنف كما سيأتي من تخصيصهم الإشكال بالنهي عن القياس
بعد وجود الفرق بينه وبين نصب طريق غير مفيد للظن (وعليه) فالصحيح في وجه تعليق
حكم العقل على عدم النهي ان يقال ان حكم العقل بحجية الظن في ظرف الانسداد ليس
إلّا من جهة العلم الإجمالي بالتكاليف الشرعية وتنجزها عليه بسبب العلم الإجمالي
بها وتعذر الاحتياط أو تعسره عليه ففي هذا الوعاء يحكم بمنجزية الظن عند
الإصابة وعذريته
عند الخطأ (ومن الواضح) ان مع نهي الشارع عن ظن خاص لا يكاد يحكم العقل بمنجزية
ذلك الظن عند الإصابة بل إذا أصاب وفات تكليف من تلك التكاليف المعلومة بالإجمال
بسبب ترك العمل به فهو في عهدة الشارع الّذي نهي عن اتباعه كما لا يكاد يحكم أيضاً
بعذريته عند الخطأ بل إذا أخطأ وفات تكليف من تلك التكاليف المعلومة بالإجمال بسبب
العمل به فهو في عهدة المكلف الّذي اتبعه مع نهي الشارع عنه فهذا هو السر في كون
حكم العقل بحجية الظن معلقاً على عدم نهي الشارع عنه لا مجرد قياس النهي على النصب
بعد ما عرفت وجود الفارق بينهما جداً فتدبر جيداً.
(قوله بداهة ان من
مقدمات حكمه عدم وجود علم ولا علمي ... إلخ)
قد عرفت ان هذا هو
الفارق بين النصب والنهي فبالنصب يتحقق العلمي ولا حكم للعقل مع تحقق العلمي كما
لا حكم له مع العلم أيضاً وهذا بخلاف النهي فلا يتحقق معه العلمي فقياس النهي على
النصب بقوله والنهي عن ظن حاصل من سبب ليس إلّا كنصب شيء ... إلخ قياس مع الفارق
كما أشرنا.
(قوله بل هو يستلزم
فيما كان في مورده أصل شرعي ... إلخ)
قد عرفت ان ذلك
انما يتم إذا كان الأصل الشرعي الّذي في مورده مثبتاً للتكليف لا مطلقاً ولو كان
نافياً فإذا اقتضى القياس عدم التكليف وكان في مورده استصحاب التكليف فالنهي عن
القياس حينئذ يستلزم نصب هذا الاستصحاب المثبت واما إذا اقتضى القياس وجود التكليف
وكان في مورده البراءة الشرعية المقتضية لنفي التكليف فالنهي عن القياس مما لا
يستلزم نصب هذه البراءة وذلك لما عرفت من عدم جواز الرجوع إلى الأصول النافية بعد
تمامية الانسداد بمقدماتها الخمس المتقدمة تفصيلها.
(قوله نعم لا بأس
بالإشكال فيه في نفسه كما أشكل فيه برأسه. إلخ)
أي نعم لا بأس
بالإشكال في النهي عن القياس في حد ذاته مع قطع النّظر عن
الانسداد وحكم
العقل بحجية الظن (كما أشكل) في النصب برأسه عند البحث عن إمكان التعبد بالأمارات
الغير العلمية وبيان الجواب عن المحاذير التي قيل أو يمكن أن يقال بلزومها من
التعبد بغير العلم غايته ان تلك المحاذير كانت تلزم هناك عند خطأ الطريق المنصوب
وفي المقام تلزم عند إصابة القياس المنهي عنه (فإذا أدى القياس) إلى وجوب شيء مثلا
وقد أصاب فيلزم من النهي عنه اجتماع الضدين أي الوجوب والحرمة في ذلك الشيء اما
الحرمة فلتحريم العمل بالقياس واما الوجوب فلفرض إصابة القياس مع الواقع وهكذا
يلزم منه تفويت المصلحة (وإذا ادى القياس) إلى حرمة شيء وقد أصاب فيلزم من النهي
عنه الأمر بالمتناقضين أي حرمة الشيء وحرمة تركه اما الأول فلإصابة القياس واما
الثاني فلحرمة العمل بالقياس وهكذا يلزم منه الإلقاء في المفسدة (وإذا أدى القياس)
إلى وجوب ضد الحرام وقد أصاب فيلزم من النهي عنه تحريم الضدين اما هذا الضد الّذي
ادى القياس إلى وجوبه فلحرمة العمل بالقياس واما حرمة الضد الآخر فلفرض إصابة
القياس الّذي أدى إلى وجوب ضد الحرام.
(نعم) محذور
اجتماع المثلين كان يلزم هناك عند إصابة الطريق المنصوب وهاهنا يلزم عند خطأ
القياس المنهي فإذا أدى إلى وجوب شيء حرام فيلزم من النهي عنه اجتماع الحرمتين في
هذا الشيء أي الحرمة الواقعية لفرض خطأ القياس وأدائه إلى وجوب ما هو الحرام
واقعاً والحرمة الناشئة من تحريم العمل بالقياس وهذا كله لدى التدبر واضح فتدبر.
(قوله واستلزام إمكان
المنع عنه لاحتمال المنع عن أمارة أخرى وقد اختفى علينا ... إلخ)
(جواب عن) الإشكال
الثاني الّذي قد أشار إليه المصنف في ذيل تقريره إشكال خروج القياس عن عموم
النتيجة بقوله فان المنع عن العمل بما يقتضيه العقل من الظن أو خصوص الاطمئنان لو
فرض ممكناً جرى في غير القياس فلا يكون العقل
مستقلا إذ لعله
نهي عن أمارة مثل ما نهى عن القياس واختفى علينا ... إلخ (وحاصل الجواب) ان إمكان
المنع عن القياس وان استلزم احتمال المنع عن أمارة أخرى وقد اختفى علينا وهو يوجب
سقوط العقل عن الحكم بالحجية ضرورة عدم اجتماع استقلال العقل بها مع احتمال المنع
الشرعي عنها ولكن ذلك بشرط كفاية بقية الأمارات بمعظم الفقه وإلّا فيستقل العقل
حينئذ بحجية هذه الأمارة قطعاً وبه يرتفع احتمال المنع الشرعي عنها في حال
الانسداد لا محالة.
(قوله وقياس حكم العقل
بكون الظن مناطاً للإطاعة في هذا الحال على حكمه بكون العلم مناطاً لها في حال
الانفتاح ... إلخ)
هذا جواب عما تقدم
في تقرير إشكال خروج القياس عن عموم النتيجة من انه كيف يجامع حكم العقل بكون الظن
كالعلم مناطاً للإطاعة والمعصية ... إلخ وحاصله ان الإشكال عبارة عن قياس حكم
العقل بحجية الظن في حال الانسداد على حكمه بحجية العلم في حال الانفتاح فكما ان
حكمه الثاني مما لا يقبل التخصيص ولا يمكن إخراج بعض افراد العلم عن تحته فكذلك
حكمه الأول مما لا يقبل التخصيص ولا يمكن إخراج بعض افراد الظن عن تحته وهذا قياس
مع الفارق فان حكمه بحجية العلم حكم تنجيزي فلا يقبل التخصيص أصلا بخلاف حكمه
بحجية الظن فإنه تعليقي أي من الأول معلق على عدم نهي الشارع عن ظن بالخصوص فإذا
نهي عنه كذلك انتفى حكم العقل لانتفاء موضوعه لا لارتفاع حكمه عن موضوعه كي يلزم
التخصيص
(قوله ثم لا يكاد
ينقضي تعجبي لم خصصوا الإشكال بالنهي عن القياس مع جريانه في الأمر بطريق غير مفيد
للظن ... إلخ)
قد عرفت منا انه
لا وجه لتعجب المصنف من حيث تخصيصهم الإشكال بالنهي عن القياس وان قياسه على النصب
والأمر بما لا يفيد الظن قياس مع الفارق إذ بالنصب يتحقق العلمي في المسألة ولا
حكم للعقل مع العلمي بخلاف النهي عن القياس فلا يتحقق به العلمي واما دعوى ان
النهي مما يستلزم النصب فقد عرفت ما فيها
فلا نعيد فلو لا
ما ذكرناه لك في وجه كون حكم العقل بحجية الظن معلقاً على عدم النهي لم يجد مجرد
قياس النهي على النصب أصلا.
في الوجوه السبعة التي ذكروها لدفع
إشكال خروج القياس عن عموم النتيجة
(قوله وقد انقدح بذلك
انه لا وقع للجواب عن الإشكال تارة بأن المنع عن القياس لأجل كونه غالب المخالفة
... إلخ)
قد أشرنا لدى
التعليق على قوله وأنت خبير بأنه لا وقع لهذا الإشكال ... إلخ ان الشيخ أعلى الله
مقامه قد ذكر من نفسه ومن غيره وجوهاً سبعة في دفع هذا الإشكال فهذا هو.
(الوجه السابع)
منها وهو على الظاهر مختاره الأخير كما انه صرح بأن الوجه السادس كان مختاره
السابق بعد وضوح ان شيئاً من بقية الوجوه ليس مختاره بشهادة الرد عليها الا السابع
منها فلم يرد عليه وعلى كل حال (قال أعلى الله مقامه) ما هذا لفظه الوجه السابع هو
ان خصوصية القياس من بين ساير الأمارات هي غلبة مخالفتها للواقع كما يشهد به قوله عليهالسلام ان السنة إذا قيست محق الدين وقوله عليهالسلام كان ما يفسده أكثر مما يصلحه وقوله ليس شيء أبعد من عقول
الرّجال من دين الله وغير ذلك وهذا المعنى خفي على العقل الحاكم بوجوب سلوك الطرق
الظنية عند فقد العلم فهو انما يحكم بها لإدراك أكثر الواقعيات المجهولة بها فإذا
كشف الشارع عن حال القياس وتبين عند العقل حال القياس حكم حكماً إجمالياً بعدم
جواز الركون إليه نعم إذا حصل الظن منه في خصوص مورد لا يحكم بترجيح غيره عليه في
مقام البراءة عن الواقع لكن يصح للشارع المنع عنه تعبداً
بحيث يظهر منه اني
ما أريد الواقعيات التي تضمنها فان الظن ليس كالعلم في عدم جواز تكليف الشخص بتركه
والأخذ بغيره (انتهى) موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه.
(فيقول المصنف) ما
حاصله انه لا وقع للجواب عن الإشكال بذلك فان كون القياس غالب المخالفة انما يصحح
المنع عن القياس في نفسه ولا يكاد يصححه حتى مع حكم العقل بحجية الظن بملاحظة
الانسداد.
(أقول)
نعم إن صدر الوجه
المذكور هو كما ذكر المصنف مما يصحح المنع عن القياس في نفسه ولكن الجملة الأخيرة
منه وهي قوله لكن يصح للشارع المنع عنه تعبداً بحيث يظهر منه إني ما أريد
الواقعيات التي تضمنها ... إلخ مما تصحح المنع عنه حتى مع حكم العقل بحجية الظن
بملاحظة الانسداد فإن مرجعها إلى ما ذكرناه في دفع الإشكال بمعنى ان الشارع إذا
منع عن القياس فإن أصاب وقد فات بمخالفته تكليف من التكاليف الواقعية فهو في عهدة
المولى الّذي منع عنه وإن أخطأ وقد فات بموافقته تكليف من التكاليف الواقعية فهو
في عهدة المكلف الّذي عمل به مع منع الشارع عنه ومن المعلوم ان مع هذا الحال لا
يكاد يستقل العقل ولو بملاحظة الانسداد بحجية الظن الحاصل منه بمعنى منجزيته
للتكليف عند الإصابة وعذريته للفوت عند الخطأ.
(قوله وأخرى بأن العمل
به يكون ذا مفسدة غالبة على مصلحة الواقع الثابتة عند الإصابة ... إلخ)
إشارة إلى :
(الوجه السادس) من
الوجوه السبعة التي ذكرها الشيخ من نفسه ومن غيره في دفع الإشكال (قال أعلى الله
مقامه) ما هذا لفظه الوجه السادس وهو الّذي اخترناه سابقاً وحاصله ان النهي يكشف
عن وجود مفسدة غالبة على المصلحة
الواقعية المدركة
على تقدير العمل به فالنهي عن الظنون الخاصة في مقابل حكم العقل بوجوب العمل بالظن
مع الانسداد نظير الأمر بالظنون الخاصة في مقابل حكم العقل بحرمة العمل به مع
الانفتاح (انتهى) موضع الحاجة من كلامه.
(فيقول المصنف) في
تضعيف هذا الجواب ما قاله في تضعيف الوجه السابق عيناً وكأنه لم يتأمل فيه كما هو
حقه وإلّا فهذا الوجه كما يصحح المنع عن القياس في نفسه فكذلك يصحح المنع عنه حتى
مع حكم العقل بحجية الظن بملاحظة الانسداد فان النهي عن القياس إذا كان لمفسدة
غالبة على المصالح الواقعية التي تؤديها القياس عند إصابته فلا محالة لا يحكم
العقل بحجيته ولو بملاحظة الانسداد فإن حكمه بحجيته في وعاء الانسداد ليس إلّا
للوصول به إلى التكاليف الواقعية التي علم بها إجمالا فإذا علم ان ما يصيبه في
العمل بالقياس من المفاسد أكثر مما يصيبه من المصالح رفع يده لا محالة عن الحكم
بحجيته واقتصر على الحكم بحجية ما عداه من الأمارات الظنية.
(نعم) يرد على هذا
الوجه انه ثبوتاً وان كان هو امراً معقولا في حد ذاته ولكنه إثباتاً مما لا دليل
عليه بل الدليل على خلافه (ومن هنا قال الشيخ) في تضعيفه (ما هذا لفظه) وهذا الوجه
وإن كان حسناً وقد اخترناه سابقاً إلّا ان ظاهر أكثر الاخبار الناهية عن القياس
انه لا مفسدة فيه الا الوقوع في خلاف الواقع وان كان بعضها ساكتاً عن ذلك وبعضها
ظاهراً في ثبوت المفسدة السلوكية إلّا ان دلالة الأكثر أظهر فهي الحاكمة على غيرها
كما يظهر لمن راجع الجميع فالنهي راجع إلى سلوكه من باب الطريقية (انتهى) موضع
الحاجة من كلامه رفع مقامه.
(قوله واما ما قيل في
جوابه من منع عموم المنع عنه بحال الانسداد إلى آخره)
إشارة إلى :
(الوجه الأول) من
الوجوه السبعة (قال الشيخ) عند الشروع في ذكر هذه
الوجوه (ما هذا
لفظه) اما المقام الأول يعني به خروج مثل القياس عن عموم النتيجة على تقرير
الحكومة فقد قيل في توجيهه أمور الأول ما مال إليه أو قال به بعض من منع حرمة
العمل بالقياس في أمثال زماننا ثم ذكر في توجيهه شرحاً مبسوطاً ملخصه ان الدليل
على الحرمة ان كان هي الاخبار المتواترة معنى في الحرمة فشيئاً منها لا يدل على
حرمة العمل به مع عدم التمكن من تحصيل العلم بالحكم ولا الطريق الشرعي وان كان هو
الإجماع بل الضرورة عند علماء المذهب كما ادعى فنقول انه كذلك إلّا ان دعوى
الإجماع والضرورة على الحرمة في كل زمان ممنوعة (ثم ذكر) أعلى الله مقامه في تضعيف
هذا الوجه (ما هذا لفظه) لكن الإنصاف ان إطلاق بعض الاخبار وجميع معاقد الإجماعات
يوجب الظن المتاخم بالعلم بل العلم بأنه أي القياس ليس مما يركن إليه في الدين مع
وجود الأمارات السمعية فهو حينئذ مما قام الدليل على عدم حجيته بل العمل بالقياس
المفيد للظن في مقابل الخبر الصحيح كما هو لازم القول بدخول القياس في مطلق الظن
المحكوم بحجيته ضروري البطلان في المذهب (انتهى) (ثم إن) المصنف قد أجاب عن هذا
الوجه بجوابين.
(الأول) ما أشار
إليه بقوله لدعوى الإجماع على عموم المنع مع إطلاق أدلته وعموم علته ... إلخ ويعني
بالعلة قوله عليهالسلام ان السنة إذا قيست محق الدين أو قوله عليهالسلام كان ما يفسده أكثر مما يصلحه ونحو ذلك وقد اقتبس هذا
الجواب من الجواب المتقدم للشيخ غير ان الشيخ لم يصرح بعموم العلة.
(الثاني) ما أجاب
به عن هذا الوجه والوجه الآتي جميعاً وهو قوله لا إشكال مع فرض أحد المنعين لكنه
غير فرض الإشكال ... إلخ (وحاصله) ان الوجهين المذكورين هما خارجان عن فرض الإشكال
إذ المفروض حرمة الظن القياسي حتى في حال الانسداد بمعنى انه يقع الكلام في ان
الظن القياسي بعد فرض حرمته في هذا الحال كيف خرج عن تحت عموم حكم العقل بحجية
الظن ومن المعلوم
ان مع هذا الفرض
لا يكاد يفيد الجواب بالمنع عن شمول المنع لهذا الحال أو بالمنع عن حصول الظن منه
بعد انكشاف حاله بما ورد في شأنه.
(قوله أو منع حصول
الظن منه بعد انكشاف حاله وان ما يفسده أكثر مما يصلحه ... إلخ)
إشارة إلى :
(الوجه الثاني) من
الوجوه السبعة (قال الشيخ) أعلى الله مقامه (ما لفظه) الثاني منع إفادة القياس
للظن خصوصاً بعد ملاحظة ان الشارع جمع في الحكم بين ما يتراءى مخالفة وفرق بين ما
يتخيل متآلفة وكفاك في هذا عموم ما ورد ان دين الله لا يصاب بالعقول وان السنة إذا
قيست محق الدين وانه لا شيء أبعد من عقول الرّجال من دين الله وغيرها مما دل على
غلبة مخالفة الواقع في العمل بالقياس وخصوص رواية أبان بن تغلب الواردة في دية
أصابع الرّجل والمرأة الآتية (ثم قال) مجيباً عنه (ما هذا لفظه) وفيه ان منع حصول
الظن من القياس في بعض الأحيان مكابرة مع الوجدان واما كثرة تفريق الشارع بين
المؤتلفات وتأليفه بين المختلفات فلا يؤثر في منع الظن لأن هذه الموارد بالنسبة
إلى موارد الجمع بين المؤتلفات أقل قليل نعم الإنصاف ان ما ذكر من الاخبار في منع
العمل بالقياس موهن قوي يوجب غالباً ارتفاع الظن الحاصل منه في بادي النّظر واما
منعه عن ذلك دائماً فلا كيف وقد يحصل من القياس القطع وهو المسمى عندهم بتنقيح
المناط القطعي (انتهى) موضع الحاجة من كلامه (ثم ان المصنف) قد أجاب عن هذا الوجه
الثاني بجوابين أيضاً.
(الأول) ما أشار
إليه بقوله وشهادة الوجدان بحصول الظن منه في بعض الأحيان ... إلخ وقد اقتبس هذا
الجواب من الجواب المتقدم للشيخ.
(الثاني) ما تقدم
آنفاً مما جعله جواباً ثانياً عن الوجه الأول والثاني جميعاً وهو قوله لا إشكال مع
فرض أحد المنعين لكنه غير فرض الإشكال ... إلخ وقد
تقدم تفصيله كما
هو حقه فلا نعيده ثانياً (ثم ان المصنف) حيث أشار إلى أغلب الوجوه السبعة أي
السابع والسادس والأول والثاني فلا بأس ان نشير هنا إلى بقية الوجوه وهي الثالث
والرابع والخامس فنقول (قال) الشيخ أعلى الله مقامه (ما لفظه) الثالث يعني به.
(الوجه الثالث) ان
باب العلم في مورد القياس ومثله مفتوح للعلم بأن الشارع أرجعنا في هذه الموارد إلى
الأصول اللفظية أو العملية فلا يقضي دليل الانسداد اعتبار ظن القياس في موارده (ثم
أجاب عنه) بما حاصله ان انفتاح باب العلم في مورد القياس انما حصل من جهة النهي عن
القياس والكلام فعلا في توجيه صحة النهي عنه
(أقول)
والأولى في الجواب
عن هذا الوجه أن يقال ان الأصول اللفظية ليست هي موجودة دائماً في مورد القياس كي
يؤخذ بها وينفتح بوسيلتها باب العلمي واما الأصول العملية فهي وان كانت موجودة
ولكن المفروض كما تقدم في مقدمات الانسداد عدم جواز الرجوع إلى النافي منها فلا
يتم الجواب (ثم إن الشيخ) أعلى الله مقامه بعد ما فرغ عن الوجه الثالث (قال ما
لفظه) الرابع يعني به.
(الوجه الرابع) ان
مقدمات دليل الانسداد أعني انسداد باب العلم مع العلم ببقاء التكليف انما توجب (ثم
ساق) كلاماً طويلا محصله ان مقدمات الانسداد لا تقتضي حجية الظن بما هو هو كي لا
تقبل التخصيص بل حجية الأسباب المفيدة له من قبيل الخبر والإجماع المنقول والشهرة
في الفتوى والاستقراء ونحو ذلك وهي قابلة للتخصيص فإذا تعارضت الأسباب بعضها مع
بعض فيؤخذ بالأقوى المفيد للظن دون الآخر الغير المفيد له إذ لا يعقل ان يفيد كلا
من المتعارضين ظناً على خلاف الآخر (وبعبارة أخرى) إذا لم تعارض الأسباب بعضها مع
بعض
فالمعتبر هو
الأسباب دون الظن وإذا تعارضت بعضها مع بعض فالمعتبر هو الظن دون الأسباب (وفيه).
(أولا) ان مقتضي
دليل الانسداد على القول به هو حجية الظن بما هو هو من أينما حصل ونشأ نظير العلم
في حال الانفتاح من أينما حصل ونشأ من دون نظر إلى الأسباب المفيدة له أصلا.
(وثانياً) لو سلم
ذلك فلا يكاد يجدي هذا في دفع الإشكال فإن العقل بعد ما حكم بحجية شيء سواء كان
ذلك نفس الظن أو الأسباب فحكمه لا يكاد يقبل التخصيص بمعنى انه لا يمكن رفع حكمه
عن موضوعه لما تقدم في صدر البحث من لزوم التناقض كما أفاد الشيخ أعلى الله مقامه.
(وثالثاً) لا معنى
للتفكيك بين حال التعارض وعدمه فعند عدم تعارض الأسباب يكون المعتبر هو الأسباب
وعند التعارض يكون المعتبر هو الظن فان المعتبر ان كان هو الأسباب فتكون هي معتبرة
إلى الآخر وان كان المعتبر هو الظن فيكون هو معتبراً من الأول وهذا واضح.
(ثم إن الشيخ)
أعلى الله مقامه بعد ما فرغ من الوجه الرابع (قال ما لفظه) الخامس يعني به.
(الوجه الخامس) ان
دليل الانسداد انما يثبت حجية الظن الّذي لم يقم على عدم حجيته دليل فخروج القياس
يكون على وجه التخصص دون التخصيص (ثم أخذ في توضيحه) بما حاصله ان العقل انما يحكم
بحجية الظن في حال الانسداد من جهة حصول البراءة الظنية وانها في هذا الحال تقوم
مقام البراءة العلمية فإذا قام الدليل على المنع عن ظن مخصوص كالقياس حصل القطع
بعدم البراءة بالعمل به فلا يبقى معه براءة ظنية حتى يحكم العقل بوجوبها بل يخرج
هو عن تحت حكم العقل موضوعاً وهذا نظير حكم العقل بحرمة العمل بالظن في حال
الانفتاح من جهة قبح الاكتفاء مما دون الامتثال العلمي فإذا قام الدليل على اعتبار
ظن خاص
فالعمل به يكون
امتثالا علمياً فهو يخرج عن تحت حكم العقل موضوعاً فما نحن فيه على العكس من ذلك
تحقيقاً.
(ثم إن الشيخ)
أعلى الله مقامه قد أجاب عن هذا الوجه (بما حاصله) ان النهي عن بعض الظنون (ان كان)
على وجه الطريقية فهو عند الانسداد كالأمر ببعض الظنون في حال الانفتاح قبيح عقلا
لكونه معرضاً لفوات الواقع فينتقض به الغرض (وإن كان على) وجه يكشف النهي عن مفسدة
في العمل بهذا الظن يغلب على مفسدة مخالفة الواقع اللازمة عند طرحه فهذا يرجع إلى
الوجه السادس
(أقول)
اما الأمر ببعض
الظنون في حال الانفتاح على وجه الطريقية فقد عرفت في محله انه مما لا قبح فيه
أصلا إذا كان الأمر به لمصحلة عائدة إلى النوع كالتسهيل وشبهه تكون هي أهم في نظر
الشارع من مفسدة مخالفة الواقع التي هي في موارد خطأ الظن وتعود إلى شخص المكلف من
غير ان يكون في سلوك هذا الطريق مصلحة يتدارك بها مفسدة مخالفة الواقع أصلا.
(واما النهي عن
بعض الظنون) في حال الانسداد على وجه الطريقية فيكفي في حسنه ملاحظة غلبة مخالفته
للواقع فإذا رأى الشارع انه إذا منع عن القياس واضطر المكلف إلى العمل في مورده
بسائر الأمارات والأصول فوقوعه في خلاف الواقع يكون أقل مما إذا عمل بالقياس فيحسن
حينئذ منعه عنه بلا كلام وقد صرح الشيخ بنفسه في الوجه السابع بعد عبارته المتقدمة
فيه ان المحسن لنهي الشارع عن سلوكه على وجه الطريقية كونه في علم الشارع مؤدياً
في الغالب إلى مخالفة الواقع إلى آخره (وعليه) فالأولى في تضعيف هذا الوجه الخامس
هو ان يقال إن مع المنع عن القياس لا تنعدم البراءة الظنية من أصلها بل قد تبقى
موجودة على حالها لحصول الظن منه أحياناً فيقع الإشكال حينئذ في خروجها عن تحت حكم
العقل بوجوبها فتدبر جيداً.
(قوله لا يكاد يكون في
دفع الإشكال بالقطع بخروج الظن الناشئ منه بمفيد ... إلخ)
كلمة بالقطع
متعلقة بالإشكال لا بدفع الإشكال أي لا يكاد يكون في دفع إشكال القطع بخروج الظن
الناشئ من القياس بمفيد.
في الظن المانع والممنوع
(قوله فصل إذا قام ظن
على عدم حجية ظن بالخصوص ... إلخ)
فإذا قامت الشهرة
مثلا على نهي الشارع عن الأولوية الظنية (فقال الشيخ) في وجوب العمل بالظن الممنوع
أو المانع أو الأقوى منهما أو التساقط وجوه بل أقوال (انتهى) (وحاصل) تحقيق المصنف
انه بعد ما تصورنا النهي عن بعض الظنون بالخصوص كالقياس في حال الانسداد صح أن
يقال إنه لا استقلال للعقل بحجية ظن قد احتمل المنع عنه بالخصوص شرعاً فضلا عما
إذا ظن المنع عنه كذلك وذلك لما عرفت في الفصل السابق من عدم اجتماع استقلال العقل
بحجية شيء مع احتمال المنع الشرعي عنه فلا بدّ حينئذ من الاقتصار على ظن نقطع بعدم
المنع عنه بالخصوص فإن كفى بمعظم الفقه فهو وإلّا فنضم إليه ما احتمل المنع عنه لا
مظنون المنع ويرتفع حينئذ احتمال المنع عنه شرعاً وينسد باب الاحتمال بملاحظة الانسداد
(ثم إن) في المقام مسلك آخر لتقديم الظن المانع وطرح الممنوع غير ما سلكه المصنف
وهو دوران الأمر بين التخصص والتخصيص بلا مخصص (وتفصيله) على ما يظهر من الشيخ
أعلى الله مقامه أن بعض من وافقه إما واقعاً وإما تنزلا في عدم الفرق في النتيجة
بين الظن بالواقع والظن بالطريق قد اختار في المقام وجوب طرح الظن الممنوع نظراً
إلى ان مفاد دليل الانسداد كما تقدم في الفصل السابق في ذيل الوجه الخامس هو
اعتبار كل ظن لم يقم على عدم اعتباره دليل معتبر والظن
الممنوع مما قام
على عدم اعتباره دليل معتبر وهو الظن المانع فانه معتبر بدليل الانسداد حيث لم يقم
دليل على المنع عنه فإن أخذنا بالظن المانع كان خروج الممنوع من باب التخصص فإنه
مما قام الدليل على المنع عنه وإن أخذنا بالممنوع كان طرح المانع من باب التخصيص
بلا مخصص إذ لا مخصص يخرجه عن تحت عموم النتيجة ومن الواضح المعلوم انه مهما دار
الأمر بين التخصص والتخصيص بلا مخصص كان الأول متعين كما سيأتي شرحه في وجه تقديم
الأصل السببي على المسببي إن شاء الله تعالى في أواخر الاستصحاب.
(وقد أورد الشيخ)
أعلى الله مقامه على هذا المسلك من وجهين وقد ساق فيهما كلاماً طويلا لا يخلو
مواضع منه عن نظر كما لا يخفى على من راجعها وأمعن النّظر (والحق) في المقام هو ما
عليه المصنف من وجوب الأخذ بالمانع وطرح الممنوع وذلك لمسلكين أحدهما ما سلكه
المصنف والآخر ما سلكه الآخر من دوران الأمر بين التخصص والتخصيص بلا مخصص فتأمل
جيداً.
(قوله وإلّا فبضميمة
ما لم يظن المنع عنه وإن احتمل مع قطع النّظر عن مقدمات الانسداد ... إلخ)
أي وإن لم يكف
فبضميمة ما احتمل المنع عنه مع قطع النّظر عن مقدمات الانسداد وان انسد باب هذا
الاحتمال مع مقدمات الانسداد.
(قوله ومنه انقدح انه
لا تتفاوت الحال لو قيل بكون النتيجة هي حجية الظن في الأصول أو في الفروع أو
فيهما فافهم ... إلخ)
أي وقد انقدح مما
تقدم من انه لا استقلال للعقل بحجية ظن قد احتمل المنع عنه فضلا عما إذا ظن ...
إلخ انه لا يتفاوت الحال في وجوب طرح الظن الممنوع والأخذ بالمانع بين ما لو قيل
ان نتيجة الانسداد هي حجية الظن بالطريق أو حجية الظن بالواقع أو بهما جميعاً وذلك
لأن القائل بحجية الظن بالواقع إذا احتمل المنع عن ظن بالخصوص فلا محالة يسقط
العقل عنده عن الاستقلال بالحجية لما قلناه
من عدم اجتماع
استقلال العقل بها مع احتمال المنع عنه شرعاً فضلا عن الظن به (ثم إن هذا كله) رد
في الحقيقة على الشيخ فإنه أعلى الله مقامه يظهر منه ان النزاع الجاري في المقام
مما يبتني على القول بحجية كل من الظن بالطريق والظن بالواقع واما لو قيل بحجية
خصوص الظن بالطريق فيؤخذ بالظن المانع بلا كلام كما انه لو قيل بحجية خصوص الظن
بالواقع فيؤخذ بالظن الممنوع بلا كلام.
(قال أعلى الله
مقامه) بعد قوله المتقدم في صدر البحث وفي وجوب العمل بالظن الممنوع أو المانع أو
الأقوى منهما أو التساقط وجوه بل أقوال (ما لفظه) ذهب بعض مشايخنا إلى الأول أي
العمل بالظن الممنوع بناء منه على ما عرفت سابقاً من بناء غير واحد منهم إلى ان
دليل الانسداد لا يثبت اعتبار الظن في المسائل الأصولية التي منها مسألة حجية
الممنوع ولازم بعض المعاصرين الثاني أي العمل بالظن المانع بناء على ما عرفت منه
من ان اللازم بعد الانسداد تحصيل الظن بالطريق فلا عبرة بالظن بالواقع ما لم يقم
على اعتباره ظن (انتهى).
(أقول)
والظاهر ان الحق
مع المصنف فلا يتفاوت الحال في وجوب طرح الممنوع بين القول بالظن بالطريق أو
بالواقع أو بهما جميعاً بعد ما عرفت من عدم اجتماع استقلال العقل بحجية الظن مع
احتمال المنع عنه بالخصوص فضلا عن الظن به.
(نعم) لما خفي هذه
النكتة على القائل بالظن بالواقع ذهب إلى الأخذ بالممنوع دون المانع (ومن هنا) حكى
الشيخ كما تقدم آنفاً ذهاب بعض مشايخه إلى العمل بالظن الممنوع بناء منه على
مختاره من عدم اعتبار الظن بالطريق (وعليه) فالمسألة وان كانت مما لا ينبغي المصير
فيها الا إلى الأخذ بالمانع على كل حال نظراً إلى تلك النكتة ولكن ذلك مما لا
ينافي عدم مصير القائل بالظن بالواقع إلى طرح الممنوع لغفلته عن تلك النكتة (ولعل
المصنف) إلى هذا قد أشار أخيراً بقوله فافهم
في الظن بالحكم من أمارة متعلقة
بألفاظ الآية أو الرواية
(قوله فصل لا فرق في
نتيجة دليل الانسداد بين الظن بالحكم من أمارة عليه وبين الظن به من أمارة متعلقة
بألفاظ الآية أو الرواية ... إلخ)
(وحاصل) كلام
المصنف في هذا الفصل انه لا فرق في نتيجة دليل الانسداد بين حصول الظن بالحكم
الشرعي من أمارة عليه بلا واسطة كما إذا قامت الشهرة على وجوب شيء أو حرمته وبين
حصوله من أمارة متعلقة بألفاظ الكتاب أو السنة كما إذا قال اللغوي إن الصعيد هو
مطلق وجه الأرض فأورث الظن في قوله تعالى فتيمموا صعيداً طيباً بجواز التيمم
بالحجر مع وجود التراب الخالص (وقد صرح الشيخ) بهذا كله في الأمر الثالث من الأمور
التي نبه عليها بعد مقدمات الانسداد (قال) لا فرق في نتيجة مقدمات دليل الانسداد
بين الظن الحاصل أولا من الأمارة بالحكم الفرعي الكلي كالشهرة أو نقل الإجماع على
حكم وبين الحاصل به من أمارة متعلقة بألفاظ الدليل كان يحصل الظن من قوله تعالى
فتيمموا صعيداً بجواز التيمم بالحجر مع وجود التراب الخالص بسبب قول جماعة من أهل
اللغة ان الصعيد هو مطلق وجه الأرض (انتهى) (ثم إن) ظاهر الشيخ أعلى الله مقامه هو
حجية كل من الظنين عند من قال بحجية الظن بالحكم الشرعي لأجل الانسداد من غير حاجة
إلى إعمال انسداد آخر في الظنون المتعلقة بالألفاظ بأن يقال إن العلم فيها قليل
فلو بنى الأمر على إجراء الأصل لزم كذا وكذا ... إلخ بل لو انفتح باب العلم في
جميع الألفاظ الا في المورد الّذي قام فيه أمارة ظنية على بيان معنى لفظ خاص لوجب
فيه أيضاً العمل بالظن بالحكم الشرعي الحاصل من هذه الأمارة
القائمة على بيان
معنى اللفظ إذ لو انفتح باب العلم فيها حتى في المورد لأوجب ذلك انفتاح باب العلم
بالحكم الشرعي فيه ولمنع عن العمل فيه بمطلق الظن جداً.
(قوله ولا يخفى ان
اعتبار ما يورثه يختص بما إذا كان مما ينسد فيه باب العلم ... إلخ)
قد اقتبس المصنف
ذلك مما تقدم آنفاً من الشيخ أعلى الله مقامه (وحاصله) ان قول اللغوي بأن الصعيد
مثلا هو مطلق وجه الأرض المورث للظن بالحكم الشرعي هو حجة بشرط انسداد باب العلم
باللغة في خصوص لفظ الصعيد وان انفتح باب العلم بها في غير لفظ الصعيد من ساير
الألفاظ إذ لو انفتح باب العلم باللغات حتى في لفظ الصعيد لأوجب ذلك انفتاح باب
العلم بالحكم الشرعي فيه ولمنع عن العمل فيه بالظن قطعاً كما أشير آنفاً.
(قوله نعم لا يكاد
يترتب عليه أثر آخر من تعيين المراد في وصية أو إقرار أو غيرهما من الموضوعات
الخارجية ... إلخ)
أي نعم لا يكاد
يترتب على قول اللغوي أثر آخر غير تعيين مراد الشارع كتعيين مراد الموصي أو المقر
أو الناذر وشبهه كما إذا عين المراد من لفظ العقار الواقع في وصية أو إقرار أو
غيرهما مما هو من الموضوعات الخارجية كنذر وشبهه (والسر فيه) كما يظهر من الشيخ
أعلى الله مقامه ان مرجع العمل بقول اللغوي في ذلك إلى العمل بالظن في الموضوعات
الخارجية المترتبة عليها الأحكام الجزئية ولا دليل عليه فان العمل بقول اللغوي
المتعلق بألفاظ الكتاب أو الرواية كلفظ الصعيد ونحوه وان كان عملا بالظن في
الموضوعات الخارجية أيضاً ولكنها مما يترتب عليه الأحكام الشرعية الكلية فالظن بها
مما يؤخذ به من جهة إفادته الظن بالحكم الشرعي الكلي وهو حجة على الانسداد لا
الحكم الشرعي الجزئي (قال أعلى الله مقامه) وهو يعمل بذلك الظن أي المتعلق
بالألفاظ في ساير الثمرات المترتبة على تعيين معنى اللفظ في غير مقام تعيين الحكم
الشرعي الكلي كالوصايا والأقارير والنذر فيه إشكال والأقوى
العدم لأن مرجع
العمل بالظن فيها إلى العمل بالظن في الموضوعات الخارجية المترتبة عليها الأحكام
الجزئية الغير المحتاجة إلى بيان الشارع حتى يدخل فيما انسد فيه باب العلم وسيجيء
يعني في الأمر الرابع عدم اعتبار الظن فيها (انتهى) موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه.
(قوله الا فيما يثبت
فيه حجية مطلق الظن بالخصوص أو ذاك المخصوص ... إلخ)
استثناء عن
الموضوعات الخارجية أي لا يترتب على قول اللغوي أثر آخر من تعيين المراد في وصية
أو إقرار أو غيرهما مما هو من الموضوعات الخارجية الا في الموضوعات التي ثبت فيها
حجية مطلق الظن كالضرر على ما سيأتي في الفصل الآتي أو ثبت حجية قول اللغوي
بالخصوص وأنه من الظنون الخاصة فيتبع حينئذ حتى في الموضوعات الخارجية المترتبة
عليها الأحكام الجزئية (وقد أشار الشيخ) إلى الاستثناء الأخير بخصوصه فراجع عين
كلامه زيد في علو مقامه.
(قوله ومثله الظن
الحاصل بحكم شرعي كلي من الظن بموضوع خارجي كالظن بأن راوي الخبر هو زرارة بن أعين
مثلا لا آخر ... إلخ)
أي ومثل الظن
بالحكم من أمارة متعلقة بألفاظ الآية أو الرواية الظن الحاصل بحكم شرعي كلي من
الظن بموضوع خارجي كالظن بأن راوي الخبر هو زرارة ابن أعين المقبول روايته الصحيح
خبره لا ابن لطيفة (والسر فيه) ما أشير إليه في الجملة من ان الحجة على الانسداد
هو الظن بالحكم الشرعي الكلي سواء حصل ذلك من أمارة عليه بلا واسطة أو من أمارة
متعلقة بألفاظ الكتاب أو السنة أو بموضوع خارجي مخصوص مثل كون الراوي زرارة ابن
أعين لا غيره (وقد نبه عليه الشيخ) أعلى الله مقامه بقوله وكذا لا فرق بين الظن
الحاصل بالحكم الفرعي الكلي من نفس الأمارة أو عن أمارة متعلقة بالألفاظ وبين
الحاصل بالحكم الفرعي الكلي من الأمارة المتعلقة بالموضوع الخارجي ككون الراوي
عادلا أو مؤمناً حال الرواية وكون
زرارة هو ابن أعين
لا ابن لطيفة وكون علي بن الحكم هو الكوفي بقرينة رواية أحمد ابن محمد عنه فإن
جميع ذلك وان كان ظناً بالموضوع الخارجي إلّا انه لما كان منشأ للظن بالحكم الفرعي
الكلي الّذي انسد فيه باب العلم عمل به من هذه الجهة وإن لم نعمل به من سائر
الجهات المتعلقة بعدالة ذلك الرّجل أو بتشخيصه عند إطلاق اسمه المشترك (انتهى).
(قوله فانقدح ان
الظنون الرجالية مجدية في حال الانسداد ولو لم يقم دليل على اعتبار قول الرجالي لا
من باب الشهادة ولا من باب الرواية ... إلخ)
وقد أخذه من الشيخ
أعلى الله مقامه (قال) بعد عبارته المتقدمة آنفاً (ما لفظه) ومن هذا تبين ان
الظنون الرجالية معتبرة بقول مطلق عند من قال بمطلق الظن في الأحكام ولا يحتاج إلى
تعيين ان اعتبار قول أهل الرّجال من جهة دخولها في الشهادة أو الرواية (انتهى).
(قوله تنبيه لا يبعد
استقلال العقل بلزوم تقليل الاحتمالات المتطرقة إلى مثل السند أو الدلالة أو جهة
الصدور مهما أمكن ... إلخ)
(وحاصله) انه إذا
كان هناك خبر قائم على الحكم الشرعي الكلي وفيه احتمالات متطرقة إلى جهاته الثلاث
من السند والدلالة والجهة أي جهة الصدور وأمكن تقليل الاحتمالات المتطرقة في بعضها
بسد باب الاحتمال فيه بتحصيل علم أو علمي وجب ذلك عقلا ولا يجوز الاقتصار على الظن
الحاصل منه بلا سد باب الاحتمال في بعض جهاته التي أمكن فيه ذلك بتوهم انه مما لا
يجدي تقليل الاحتمالات بعد كون الحكم بالأخرة ظنياً لا قطعياً (والسر في ذلك) هو
عدم جواز التنزل في صورة الانسداد إلى الظن الضعيف مع التمكن من الظن القوي عقلا
فتأمل جيداً.
في عدم حجية الظن في تطبيق المأتي به
(قوله فصل انما الثابت
بمقدمات دليل الانسداد في الأحكام هو حجية الظن فيها لا حجيته في تطبيق المأتي به
في الخارج معها ... إلخ)
المقصود من عقد
هذا الفصل هو ان الثابت بمقدمات الانسداد هو حجية الظن في تعيين الأحكام الشرعية
لا حجية الظن في الإتيان بها أو في تطبيق المأتي به عليها فإذا ظن مثلا ان هذا
واجب شرعاً كان هذا الظن حجة قطعاً ولكن بعد ما ظن وجوبه إذا ظن إتيانه مع احتمال
انه لم يأت به أو علم إتيانه ولكن ظن بمطابقته للمأمور به مع احتمال عدم مطابقته
له لاختلال بعض أجزائه أو شرائطه لم يكن هذا الظن حجة قطعاً ولم يجز الاقتصار عليه
بلا كلام بتوهم ان الامتثال بالأخرة يكون ظنياً بعد العلم بالظن في تعيين أصل
الحكم الشرعي فلا يجدي تحصيل العلم بالإتيان أو بتطبيق المأتي به معه في الخارج (قال
الشيخ) أعلى الله مقامه بعد ما عنون أصل البحث (ما لفظه) مثلا إذا شككنا في وجوب
الجمعة أو الظهر جاز لنا تعيين الواجب الواقعي بالظن فلو ظننا وجوب الجمعة فلا
نعاقب على تقدير وجوب الظهر واقعاً لكن لا يلزم من ذلك حجية الظن في مقام العمل
على طبق ذلك الظن فإذا ظننا بعد مضي مقدار من الوقت بأنا قد أتينا بالجمعة في هذا
اليوم لكن احتمل نسيانها فلا يكفي الظن بالامتثال من هذه الجهة بمعنى انه إذا لم
نأت بها في الواقع ونسيناها قام الظن بالإتيان مقام العلم به بل يجب بحكم الأصل
وجوب الإتيان بها وكذلك لو ظننا بدخول الوقت وأتينا بالجمعة فلا يقتصر على هذا
الظن بمعنى عدم العقاب على تقدير مخالفة الظن للواقع بإتيان الجمعة قبل الزوال (إلى
ان قال) فظهر اندفاع توهم انه إذا بنى على الامتثال الظني للأحكام الواقعية فلا
يجدي إحراز العلم بانطباق الخارج على المفهوم لأن الامتثال يرجع بالآخرة إلى
الامتثال الظني (انتهى)
موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه.
(قوله نعم ربما يجري
نظير مقدمات الانسداد في الأحكام في بعض الموضوعات الخارجية ... إلخ)
أي نعم ربما يجري
نظير مقدمات الانسداد في الأحكام في بعض الموضوعات الخارجية فيكون الظن حجة في تعيينه
كما يكون حجة في تعيين الحكم الشرعي وهذا كما في موضوع الضرر (فنقول) إن باب العلم
بالضرر منسد غالباً إذ لا يعلم في الأغلب الا بعد تحققه ووقوعه وإجراء أصل العدم
في كلما احتمل كونه ضررياً مما يوجب المحذور وهو الوقوع في الضرر كثيراً ونحن نعلم
انه لا يرضى الشارع بذلك لشدة اهتمامه بالضرر وليس هو من قبيل النجاسة والطهارة
ونحوهما مما لا اهتمام به أصلا والاحتياط بترك كل ما احتمل كونه ضررياً غير واجب
شرعاً بل غير ممكن في بعض الموارد كما فيما دار الأمر فيه بين الوجوب والحرمة
كصيام شهر رمضان فان كان ضررياً فقد حرم وإن لم يكن ضررياً فقد وجب فلا محيص حينئذ
عن اتباع الظن في تعيين موارد الضرر فكلما ظن كونه ضررياً تركناه وكلما شك كونه
ضررياً فعلناه (وقد أشار الشيخ) أعلى الله مقامه إلى هذا كله مختصراً (قال) نعم قد
يوجد في الأمور الخارجية ما لا يبعد إجراء نظير دليل الانسداد فيه كما في موضوع
الضرر الّذي أنيط به أحكام كثيرة من جواز التيمم والإفطار وغيرهما فيقال إن باب
العلم بالضرر منسد غالباً إذ لا يعلم غالباً الا بعد تحققه وإجراء أصالة عدمه في
تلك الموارد توجب المحذور وهو الوقوع في الضرر غالباً فتعين إناطة الحكم فيه بالظن
(ثم قال) هذا إذا أنيط الحكم بنفس الضرر واما إذا أنيط بموضوع الخوف فلا حاجة إلى
ذلك بل يشمل حينئذ الشك أيضاً (ثم قال) ويمكن أن يجري مثل ذلك في مثل العدالة
والنسب وشبههما من الموضوعات التي تلزم من إجراء الأصول فيها مع عدم العلم الوقوع
في مخالفة الواقع كثيراً فافهم (انتهى) (ولعل) قوله فافهم إشارة إلى ضعف جريان
الانسداد في مثل العدالة والنسب وشبههما فإن
باب العلم أو
العلمي بهما غير منسد غالباً والله العالم.
(قوله فافهم ... إلخ)
ولعله إشارة إلى
ما أشار إليه الشيخ أعلى الله مقامه بقوله المتقدم آنفاً هذا إذا أنيط الحكم بنفس
الضرر وأما إذا أنيط بموضوع الخوف فلا حاجة إلى ذلك بل يشمل حينئذ الشك أيضاً.
في الظن بالأمور الاعتقادية
(قوله خاتمة يذكر فيها
أمران استطراداً الأول هل الظن كما يتبع عند الانسداد عقلا في الفروع العملية
المطلوب فيها أولا العمل بالجوارح يتبع في الأصول الاعتقادية المطلوب فيها عمل
الجوانح من الاعتقاد به وعقد القلب عليه وتحمله والانقياد له أولا ... إلخ)
ليس الكلام في هذا
الأمر الأول مقصوراً على اتباع خصوص الظن الانسدادي وعدمه في الأمور الاعتقادية
كما يظهر من المصنف بل الكلام هو في اتباع مطلق الظن فيها ولو كان ظناً خاصاً كما
ستعرف تفصيله (وعلى كل حال) ان توضيح المقام يستدعي ذكر (مقدمة) وهي ان الأمور
الاعتقادية المطلوب فيها عمل الجوانح من الاعتقاد بها وعقد القلب عليها وتحملها
والانقياد لها على قسمين كما صرح به الشيخ أعلى الله مقامه وإن لم يصرح بمثل ما
نصرح به.
(القسم الأول) ما
يجب على المكلف بحكم العقل تحصيل العلم واليقين به ثم يجب عليه بحكم العقل أيضاً
بعد العلم واليقين به الاعتقاد به وعقد القلب عليه وتحمله والانقياد له في قبال
الإنكار والجحود بعد العلم واليقين كما في الآية الشريفة فجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم
أو في قبال الوقف والتأمل بعد العلم واليقين كما يتفق ذلك كثيراً وهذا كما في (التوحيد)
و (النبوة) و (الإمامة) و (المعاد) فإن
العقل مما يستقل
بنفسه في الحكم بوجوب تحصيل العلم واليقين بهذه الأمور الأربعة لما في تركه من
احتمال الضرر فيجب دفعه كما ان العقل يستقل بنفسه أيضاً في الحكم بوجوب الاعتقاد
بتلك الأمور الأربعة وعقد القلب عليها وتحملها والانقياد لها بعد تحصيل العلم
واليقين بها لما في تركه من القبح فإن مجرد العلم واليقين بها من دون الاعتقاد بها
وعقد القلب عليها والتحمل والانقياد لها مما لا حسن له عقلا بل قبيح قطعاً لا سيما
إذا كان مقروناً بالإنكار والجحود (والظاهر انه يكتفي) في معرفة الرب جل وعلا
العلم الإجمالي بوجود الواجب المستجمع لتمام الكمالات المنزه عن جميع النقائص من
دون لزوم العلم التفصيليّ بالصفات الثبوتية والسلبية واحداً بعد واحد لعدم الدليل
عليه لا عقلا ولا شرعاً.
(قال الشيخ) أعلى
الله مقامه في أواخر ما أفاده في تمييز القسم الأول عن القسم الثاني الآتي (ما
لفظه) وبالجملة فالقول بأنه يكفي في الإيمان الاعتقاد بوجود الواجب الجامع
للكمالات المنزه عن النقائص وبنبوة محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم وبإمامة الأئمة عليهمالسلام والبراءة من أعدائهم والاعتقاد بالمعاد الجسماني (إلى ان
قال) غير بعيد بالنظر إلى الأخبار والسيرة المستمرة (انتهى) (ويكتفى أيضاً) في
معرفة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم والأئمة الاثنى عشر معرفتهم بنسبهم المعروف وان محمداً
رسول الله صلىاللهعليهوآله والأئمة الاثنى عشر أوصياؤه وحجج الله وإن لم يعلم
بعصمتهم.
(قال الشيخ) أعلى
الله مقامه ويكتفي في معرفة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم معرفة شخصه بالنسب المعروف المختص به والتصديق بنبوته
وصدقه فلا يعتبر في ذلك الاعتقاد بعصمته أعني كونه معصوماً بالملكة من أول عمره
إلى آخره (قال) قال أي الشهيد الثاني في المقاصد العلية ويمكن اعتبار ذلك لأن
الغرض المقصود من الرسالة لا يتم إلّا به فتنتفي الفائدة التي باعتبارها وجب إرسال
الرسل وهو ظاهر بعض كتب العقائد المصدرة بأن من جهل ما ذكروه فيها فليس مؤمناً مع
ذكرهم
ذلك والأول غير
بعيد عن الصواب (قال) الشيخ انتهى (إلى ان قال) ويكتفي في معرفة الأئمة عليهمالسلام معرفتهم بنسبهم المعروف والتصديق بأنهم أئمة يهدون بالحق
ويجب الانقياد إليهم والأخذ منهم وفي وجوب الزائد على ما ذكر من عصمتهم الوجهان
وقد ورد في بعض الأخبار تفسير معرفة حق الإمام بمعرفة كونه إماماً مفترض الطاعة (انتهى)
(ويكتفي) أيضاً في معرفة المعاد العلم الإجمالي بعود الخلائق إلى الله تعالى وانه
يجازيهم بما اكتسبوا فيثيب المؤمن بفضله ويعذب الكافر بعدله ولا يجب العلم بأكثر
من ذلك من تفاصيل البرزخ والمعاد من سؤال القبر والصراط والأعراف والحساب والكتاب
والميزان والحوض وإنطاق الجوارح وتطاير الكتب ونحو ذلك حتى انه لا دليل على وجوب
تحصيل العلم بكون المعاد جسمانياً لا روحياً.
(نعم) إذا حصل له
العلم بالمعاد الجسماني كما هو صريح (قوله تعالى) كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلوداً
غيرها (وقوله تعالى) قالوا لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الّذي أنطق
كل شيء إلى غير ذلك من الآيات الشريفة فليس له الوقف والتأمل وعدم الاعتقاد به
فانه مما ينافي الإيمان بلا كلام وهكذا الأمر في كل ضروري من ضروريات الدين بل
كلما أخبر به النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم مما مضى أو يأتي في الدنيا أو في الآخرة إذا حصل له العلم
واليقين به فليس له الوقف والتأمل فيه فانه مما لا يجتمع مع الإيمان بالنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم (ومن هنا يظهر) ان
الإقرار الإجمالي بما جاء به النبي صلىاللهعليهوآله الّذي قد أشير إليه في بعض الاخبار يكون من باب التأكيد
والإيضاح لا انه فرض مستقل غير الاعتراف بنبوة التي صلىاللهعليهوآلهوسلم بل هو من شئونه ولوازمه ولذا ليس منه في بعض الاخبار
الواردة في مقام بيان معنى الإيمان أو المؤمن عين ولا أثر (وقد ذكر الشيخ) أعلى
الله مقامه جملة من أخبار الطرفين فراجع.
(القسم الثاني) من
الأمور الاعتقادية ما لا يجب على المكلف تحصيل العلم
واليقين به لا
بحكم العقل ولا بحكم الشرع ولكن إذا حصل له العلم واليقين به أحياناً يجب عليه
بحكم العقل والشرع الاعتقاد به وعقد القلب عليه وتحمله والانقياد له ولا يجوز له
الإنكار والجحود أو الوقف والتأمل فيه بعد ما جاءه العلم واليقين وهذا كما في
تفاصيل البرزخ والمعاد من سؤال القبر والصراط والحساب والكتاب والميزان والحوض
والجنة والنار وغير ذلك مما أشير إليه بل كل شيء أخبر به النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم مما مضى أو يأتي من تكليف أو غير تكليف كاللوح والقلم
والعرش والكرسي ونحو ذلك إذا حصل له العلم واليقين به فليس له الإنكار والجحود أو
الوقف والتأمل فيه بل عليه الاعتقاد به وعقد القلب عليه والتحمل والانقياد له عقلا
وشرعاً وإلا فليس بمؤمن (هذا تمام الكلام) في المقدمة التي قد أشير إليها في صدر
البحث وإذا عرفتها.
(فنقول).
(اما القسم الأول)
فسيأتي الكلام فيه من حيث جواز اتباع الظن فيه وعدمه عند قول المصنف ثم انه لا
يجوز الاكتفاء بالظن فيما يجب معرفته عقلا أو شرعاً ... إلخ.
(واما القسم
الثاني) فظاهر الشيخ أعلى الله مقامه في بدو الأمر عدم جواز العمل بالظن فيه
مطلقاً ولو كان ظناً خاصاً بمعنى انه إذا حصل الظن ببعض تفاصيل البرزخ أو المعاد
فلا يجب الاعتقاد به وعقد القلب عليه بل يجب الوقف فيه للاخبار الكثيرة الناهية عن
القول بغير علم والآمرة بالتوقف وانه إذا جاءكم ما تعلمون فقولوا به وإذا جاءكم ما
لا تعلمون فها وأهوى بيده إلى فيه من دون فرق بين ان تكون الأمارة الموجبة للظن
خبراً صحيحاً أو غيره.
(ونقل عن شيخنا
الشهيد الثاني) في المقاصد العلية انه رحمهالله بعد أن ذكر عدم لزوم المعرفة بتفاصيل البرزخ والمعاد (قال)
واما ما ورد عنه صلىاللهعليهوآلهوسلم في ذلك من طرق الآحاد فلا يجب التصديق به مطلقاً وان كان
طريقه
صحيحاً لأن الخبر
الواحد ظني وقد اختلف في جواز العمل به في الأحكام الشرعية الظنية فكيف بالاحكام
الاعتقادية العلمية (انتهى) (ولكن ظاهره) بل صريحه أخيراً انه لا مانع من وجوب العمل
بالظن الخاصّ فيه (قال) بناء على ان هذا نوع عمل بالخبر فان ما دل على وجوب تصديق
العادل لا يأبى الشمول لمثل ذلك (ثم قال) ما محصله انه نعم لو كان العمل بالخبر لا
لأجل الدليل الخاصّ على وجوب العمل به بل من جهة الانسداد فلا وجه للعمل به إذ ليس
في المقام تكليف مطلق بالاعتقاد وعقد القلب كي يدعي ان التكليف ثابت وباب العلم
والعلمي بما يجب الاعتقاد به وعقد القلب عليه منسد فيجب التنزل إلى الظن في تعيين
ما يعتقد به ويعقد القلب عليه بل الاعتقاد وعقد القلب واجب على تقدير حصول العلم
بتلك التفاصيل بطبعه كما أشير إليه (هذا كله) من أمر الشيخ أعلى الله مقامه.
(واما المصنف) فلم
يتعرض حال الظن الخاصّ أصلا واما الظن المطلق الانسدادي فقال بعدم جواز اتباعه في
المقام بمسلك آخر غير ما سلكه الشيخ أعلى الله مقامه (وحاصله) انه لا تقاس الأمور
الاعتقادية المطلوب فيها عمل الجوانح بالفروع العملية المطلوب فيها عمل الجوارح
فإن الفروع العملية إذا انسد باب العلم فيها فلا يمكن العلم بمطابقة عمل الجوارح
مع الواقع إلّا بالاحتياط التام في الشبهات وهو اما يوجب العسر فلا يجب شرعاً أو
يوجب الإخلال بالنظام فيحرم عقلا وهذا بخلاف الأمور الاعتقادية فإنها إذا انسد باب
العلم فيها فيمكن العلم بمطابقة عمل الجوانح مع الواقع بالاعتقاد الإجمالي بما هو
واقعها وعقد القلب عليها من دون عسر ولا إخلال بالنظام فإذا حصل الظن بتفصيل من
تفاصيل البرزخ أو المعاد فيمكن ترك الاعتقاد به ويعتقد بما هو الواقع إجمالا ويعقد
القلب على ما هو الثابت في الحقيقة ونفس الأمر وهذا وان كان احتياطاً أيضاً ولكنه
خفيف المئونة لا يوجب العسر ولا الإخلال بالنظام كما لا يخفى.
(وبالجملة) إن
الاحتياط في الفروع العملية المطلوب فيها عمل الجوارح
بعد انسداد باب
العلم بها مما يوجب العسر أو الإخلال بالنظام فنتنزل فيها إلى العمل بالظن ولكن
الاحتياط في الأمور الاعتقادية سهل يسير فلا موجب للتنزل فيها إلى العمل بالظن
أصلا.
(أقول)
(اما العمل بالظن
الخاصّ) في هذا القسم الثاني من الأمور الاعتقادية كتفاصيل البرزخ والمعاد ونحوهما
فلا ملزم له بعد جواز الاعتقاد فيها بما هو الثابت في الواقع على إجماله وإن جاز
العمل على طبقه أيضاً بأن نعتقد على طبق ما أداه الظن الخاصّ بمقتضى حجيته
واعتباره فيكون عذراً عند الخطأ.
(واما العمل بالظن
الانسدادي) في هذا القسم الثاني فلا يجوز أصلا فإنا نقول.
(أولا) بمقالة
الشيخ أعلى الله مقامه من انه ليس في هذا القسم تكليف مطلق بوجوب الاعتقاد به وعقد
القلب عليه كي يدعي ان التكليف فيه ثابت وباب العلم بما يجب الاعتقاد به وعقد
القلب عليه منسد فنتنزل فيه من العلم إلى الظن بل يجب الاعتقاد به وعقد القلب عليه
عند حصول العلم به بطبعه.
(وثانياً) لو سلم
ثبوت تكليف مطلق فيه بوجوب الاعتقاد به وعقد القلب عليه فنقول بمقالة المصنف من ان
الاعتقاد وعقد القلب الإجمالي بما هو الواقع والثابت في نفس الأمر هنا امر ممكن
ميسور بلا عسر ولا إخلال بالنظام أصلا فلا وجه للتنزل فيه إلى الظن أبداً.
(قوله نعم يجب تحصيل
العلم في بعض الاعتقادات لو أمكن ... إلخ)
ثم الاعتقاد به
وعقد القلب عليه وتحمله والانقياد له وهذا هو القسم الأول من الأمور الاعتقادية
وقد أخره المصنف في الذّكر (واما التكلم فيه) من حيث جواز اتباع الظن فيه وعدمه
فسيأتي شرحه بعد هذا فانتظر.
(قوله كمعرفة الواجب تعالى
وصفاته ... إلخ)
قد عرفت ان الواجب
هو معرفة صفاته جل وعلا على نحو الإجمال دون التفصيل فإذا علم إجمالا بوجود الواجب
المستجمع لتمام الكمالات المنزه عن جميع النقائص أجزأ وكفى من دون لزوم علم تفصيلي
بصفاته الثبوتية والسلبية واحداً بعد واحد لعدم الدليل عليه لا عقلا ولا شرعاً.
(قوله أداء لشكر بعض
نعمائه ... إلخ)
إن تعليل وجوب
معرفته تعالى بكونها أداء لشكر بعض نعمائه مما لا يخلو عن مناقشة فإن العبد قبل أن
يعرف ربه لا يعلم بوجود منعم له كي يلزمه العقل بمعرفته أداء لشكر بعض نعمائه وبعد
معرفته له لا يعقل الإلزام بمعرفته سواء كان ذلك أداء لشكر بعض نعمائه أو لأمر آخر
(والصحيح) أن يقال إن العبد بمجرد أن التفت واحتمل ان له صانعاً قد صنعه يلزمه
العقل بوجوب معرفته لما في تركه من احتمال الضرر كما أشير في صدر البحث فتذكر.
(قوله ومعرفة أنبيائه
فإنهم وسائط نعمه وآلائه ... إلخ)
إن تعليل وجوب
معرفة الأنبياء وهكذا معرفة الإمام عليهالسلام كما سيأتي بكونهم وسائط نعمه وآلائه مما لا يخلو أيضاً عن
مناقشة (فإن) الموحد قبل أن يعرف النبي صلىاللهعليهوآله أو الإمام عليهالسلام هو ممن لا يعلم بوجود نبي أو إمام كي يلزمه العقل بمعرفته
لأجل ذلك وبعد ما عرفه لا يعقل الإلزام بمعرفته سواء كان ذلك لأجل كونهم وسائط
نعمه وآلائه أو لغير ذلك (والصحيح) ان يقال في وجوب معرفة النبي صلىاللهعليهوآله أو الإمام عليهالسلام بمثل ما قلناه في وجوب معرفة الله تعالى من ان الموحد
بمجرد ان التفت واحتمل وجود نبي صلىاللهعليهوآله أو امام عليهالسلام منصوب من قبل الله جل وعلا يلزمه العقل بوجوب معرفته
والفحص عنه والتدبر في أمره والنّظر في شأنه لما في تركها من احتمال الضرر جداً
كما سيأتي اعتراف المصنف به حيث يقول ولاحتمال الضرر في تركه ... إلخ.
(نعم) إذا علم إجمالا
بوجود نبي أو إمام وانه واسطة لنعمه وآلائه ولم يعرف شخصه على التفصيل لم يبعد
استقلال العقل حينئذ بوجوب معرفته كذلك أي على التفصيل لأجل كونه واسطة لنعمه
وآلائه (مضافاً) إلى ما في تركه من احتمال الضرر بل القطع به كما لا يخفى.
(قوله بل وكذا معرفة
الإمام عليهالسلام على وجه صحيح ...
إلخ)
(قال) في تعليقته
على الكتاب لدى التعليق على قوله على وجه صحيح (ما لفظه) وهو كون الإمامة كالنبوة
منصباً إلهياً يحتاج إلى تعيينه تعالى ونصبه لا انها من الفروع المتعلقة بافعال
المكلفين وهو الوجه الآخر (انتهى) (وقال) في هامش تعليقته على الرسائل مشيراً إلى
قوله في متن التعليقة على وجه صحيح (ما لفظه) وهو أن تكون الولاية منصباً إلهياً
لا ينالها الا من ارتضاه بسبب اتصافه بتمام الكمالات النفسيّة ومكارم الأخلاق
القدسية وكونه ذا نفس ملكوتية وقوة إلهية يظهر بها الكرامات وخوارق العادات وهي
تكون على ولايته شواهد وآيات لذوي الفكر والاعتبار من دون حاجة إلى تنصيص النبي صلىاللهعليهوآله الا لخفافيش الأبصار وان كان خبث الباطني وشقاوة الذات
يؤدي إلى مخالفته بالإنكار (انتهى) (ومحصل المجموع) مع ملاحظة ما في الكتاب من
قوله الآتي ولاحتمال الضرر في تركه ان وجوب معرفة الإمام عليهالسلام بناء على كون الإمامة منصباً إلهياً كما تعتقده الشيعة هو
مما يستقل به العقل ويحكم به اللب لكون الإمام حينئذ كالنبي صلىاللهعليهوآله واسطة لنعمه وآلائه ولاحتمال الضرر في ترك معرفته (واما
حكم الشرع) بوجوب معرفته لقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم كما سيأتي من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية فهو
مؤكد لحكم العقل من قبيل حكمه بوجوب معرفة الله ومعرفة رسوله لا حكماً شرعياً
مؤسساً من قبله كحكمه بوجوب الصلاة والزكاة وغيرهما (هذا) بناء على كون الإمامة
منصباً إلهياً (واما بناء) على عدم كونها منصباً إلهياً كما تعتقده العامة بل
الإمام ينصبه الناس كما ينصبون السلطان فهو مما حكم به الشرع
كحكمه بسائر
الواجبات والفرائض الشرعية لا مما استقل به العقل وحكم به اللب وهذا واضح.
(قوله ولا يجب عقلا
معرفة غير ما ذكر إلّا ما وجب شرعاً ... إلخ)
لم يذكر المصنف
سوى معرفة الله ومعرفة النبي صلىاللهعليهوآله ومعرفة الوصي أمراً آخر فإذا لم يجب عقلا معرفة غير ما ذكر
كان وجوب معرفة المعاد شرعياً قهراً وهو كما ترى ضعيف جداً فإن الملاك الموجود في
حكم العقل بوجوب معرفة الله ومعرفة النبي صلىاللهعليهوآله والوصي عليهالسلام وهو احتمال الضرر في الترك موجود بعينه في حكمه بوجوب
تحصيل العلم واليقين بالمعاد أيضاً كما لا يخفى.
(قوله كمعرفة الإمام عليهالسلام على وجه آخر غير
صحيح ... إلخ)
(قال في تعليقته)
على الرسائل مشيراً إلى ما دل النقل على وجوب الاعتقاد والتدين به (ما لفظه) وهذا
كمعرفة الإمام عليهالسلام على وجه لقوله عليه الصلاة والسلام من مات ولم يعرف إمام
زمانه مات ميتة جاهلية (انتهى).
(قوله وما لا دلالة
على وجوب معرفته بالخصوص لا من العقل ولا من النقل كان أصالة البراءة من وجوب
معرفته محكمة ولا دلالة لمثل قوله تعالى وما خلقت الجن والإنس الآية ... إلخ)
(إن الشيخ أعلى
الله مقامه) بعد أن فرغ من بيان قسمي الأمور الاعتقادية وتعرض حال اتباع الظن في
القسم الثاني منهما (قال ما لفظه) ثم إن الفرق بين القسمين المذكورين وتمييز ما
يجب تحصيل العلم به عما لا يجب في غاية الإشكال وقد ذكر العلامة في الباب الحادي
عشر فيما يجب معرفته على كل مكلف من تفاصيل التوحيد والنبوة والإمامة والمعاد
أموراً لا دليل على وجوبها كذلك مدعياً ان الجاهل بها عن نظر واستدلال خارج عن
ربقة الإيمان مستحق للعذاب الدائم وهو في غاية الإشكال (ثم قال) انتصاراً للعلامة
نعم يمكن أن يقال إن مقتضي عموم وجوب المعرفة مثل (قوله تعالى) وما خلقت الجن
والإنس الا ليعبدون أي ليعرفون
(وقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم ما أعلم شيئاً بعد المعرفة أفضل من هذه الصلوات الخمس بناء
على أن الأفضلية من الواجب خصوصاً مثل الصلاة تستلزم الوجوب (وكذا عمومات) وجوب
التفقه في الدين الشامل للمعارف بقرينة استشهاد الإمام عليهالسلام بها لوجوب النفر لمعرفة الإمام بعد موت الإمام السابق (وعمومات)
طلب العلم هو وجوب معرفة الله جل ذكره ومعرفة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم والإمام عليهالسلام ومعرفة ما جاء به النبي صلىاللهعليهوآله على كل قادر يتمكن من تحصيل العلم فيجب الفحص حتى يحصل
اليأس (إلى ان قال) ومن هنا قد يقال إن الاشتغال بالعلم المتكفل لمعرفة الله
ومعرفة أوليائه أهم من الاشتغال بعلم المسائل العملية بل هو المتعين لأن العمل يصح
عن تقليد فلا يكون الاشتغال بعلمه الا كفائياً بخلاف المعرفة (انتهى) (فيقول
المصنف) في دفع انتصار الشيخ للعلامة وبيان انه لا يجب معرفة ما لا دلالة على وجوب
معرفته بالخصوص لا من العقل ولا من النقل من تفاصيل التوحيد والنبوة والإمامة
والمعاد (ما ملخصه) انه لا دلالة لما ذكره الشيخ من الآيات والروايات على وجوب
معرفة ما ذكر من التفاصيل بالعموم (اما قوله تعالى) وما خلقت الجن والإنس ... إلخ
فلأن المستفاد منه هو خصوص معرفة الله لا معرفة من سواه (واما النبوي) وهو قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم ما أعلم شيئاً بعد المعرفة ... إلخ فلأنه في مقام بيان
فضيلة الصلاة وأهميتها وإن استفيد منه أصل وجوب المعرفة بلا كلام ولكن لا يستفاد
منه إطلاق لوجوب المعرفة ولا عموم (واما آية النفر) وهي قوله تعالى وما كان
المؤمنون لينفروا كافة فلو لا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين
ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون فهي في مقام بيان كيفية النفر للتفقه
لا في مقام بيان ما يجب فقهه ومعرفته (واما ما دل) على وجوب طلب العلم مثل قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم طلب العلم فريضة على كل مسلم فهو في صدد الحث على طلب
العلم لا في مقام بيان ما يجب علمه.
(أقول)
هذا كله مضافاً
إلى إن الشيخ أعلى الله مقامه قد رجع بنفسه أخيراً عن الالتزام بوجوب تحصيل العلم
بما ذكره العلامة من تفاصيل التوحيد والنبوة والإمامة والمعاد لكن لا لمناقشة في
عمومات ما ذكره من الآيات والروايات بل لأن تحصيل العلم بتلك التفاصيل لا يتمكن
منه الا المجتهد ومثله يحرم عليه التقليد فيجب عليه الاشتغال بتحصيل العلم
بالمسائل العملية (قال) هذا ولكن الإنصاف ممن جانب الاعتساف يقتضي الإذعان بعدم
التمكن من ذلك إلّا للأوحدي من الناس لأن المعرفة المذكورة لا يحصل إلّا بعد تحصيل
قوة استنباط المطالب من الاخبار وقوة نظرية أخرى لئلا يأخذ بالأخبار المخالفة
للبراهين العقلية ومثل هذا الشخص مجتهد في الفروع فيحرم عليه التقليد ودعوى جوازه
له للضرورة ليس بأولى من دعوى جواز ترك الاشتغال بالمعرفة التي لا يحصل غالباً
بالأعمال المبتنية على التقليد هذا إذا لم يتعين عليه الإفتاء والمرافعة لأجل قلة
المجتهدين واما في مثل زماننا فالأمر واضح (انتهى) موضع الحاجة من كلامه رفع
مقامه.
(قوله ثم إنه لا يجوز
الاكتفاء بالظن فيما يجب معرفته عقلا أو شرعاً حيث انه ليس بمعرفة قطعاً ... إلخ)
(إن الشيخ أعلى
الله مقامه) بعد ما بين قسمي الأمور الاعتقادية بنحو الإجمال (شرع) في جواز اتباع
الظن وعدمه في القسم الثاني (ثم شرع) في بيان الفرق والتمييز بين القسمين (ثم شرع)
في تحقيق القسم الأول فجعل الكلام فيه في مقامين (تارة) يقع الكلام بالنسبة إلى
القادر على تحصيل العلم (وأخرى) بالنسبة إلى العاجز (ثم شرع في القادر) وجعل
الكلام فيه في موضعين (في حكمه التكليفي) (وفي حكمه الوضعي) أي من حيث الإيمان
وعدمه إذا لم يحصل العلم واتبع الظن فكلام المصنف هذا إشارة إلى الكلام في الموضع
الأول من القادر وهو حكمه التكليفي (قال الشيخ) أعلى الله مقامه (ما لفظه) واما
القسم الأول الّذي يجب فيه
النّظر لتحصيل
الاعتقاد فالكلام فيه يقع تارة بالنسبة إلى القادر على تحصيل العلم وأخرى بالنسبة
إلى العاجز فهنا مقامان الأول في القادر والكلام في جواز عمله بالظن يقع في موضعين
الأول في حكمه التكليفي والثاني في حكمه الوضعي من حيث الإيمان وعدمه (ثم قال)
فنقول اما حكمه التكليفي فلا ينبغي التأمل في عدم جواز اقتصاره على العمل بالظن
فمن ظن نبوة نبينا صلىاللهعليهوآله أو بإمامة أحد من الأئمة فلا يجوز له الاقتصار فيجب عليه
مع التفطن لهذه المسألة زيادة النّظر ويجب على العلماء أمره بزيادة النّظر ليحصل
له العلم (إلى ان قال) والدليل على ما ذكرنا جميع الآيات والأخبار الدالة على وجوب
الإيمان والتفقه والعلم والمعرفة والتصديق والإقرار والشهادة والتدين وعدم الرخصة
في الجهل والشك ومتابعة الظن وهي أكثر من أن تحصى (انتهى) موضع الحاجة من كلامه
رفع مقامه.
(أقول)
ومن الغريب انه
أعلى الله مقامه قد استدل لعدم جواز الاقتصار على العمل بالظن ووجوب النّظر لتحصيل
العلم واليقين وزيادة النّظر بالآيات والأخبار الدالة على وجوب الإيمان والتفقه
والعلم والمعرفة ... إلخ فإن من ظن نبوة نبينا صلىاللهعليهوآلهوسلم وليس بقاطع بها كيف يعقل ان تكون الآيات والأخبار دليلا له
على وجوب تحصيل العلم وعدم جواز الاقتصار على الظن (والصحيح) هو ما أشار إليه
المصنف بقوله حيث انه ليس بمعرفة قطعاً ... إلخ.
(وبالجملة) إن
الأمور الاعتقادية التي يستقل العقل بوجوب تحصيل المعرفة بها من التوحيد والنبوة
والإمامة والمعاد هي مما لا يجوز العقل الاقتصار فيها على الظن مطلقاً سواء كان من
الظنون الخاصة أو المطلقة فإنه ليس بمعرفة قطعاً.
(قوله والمراد من
المجاهدة في قوله تعالى والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا هو المجاهدة مع النّفس
... إلخ)
(دفع) لما قد
يتوهم من انه ليس لنا عاجز عن قصور لغموضة المطلب مع قلة
الاستعداد كما
أفاد في المتن وذلك لقوله تعالى والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا (وحاصل الدفع)
انه ليس المراد من المجاهدة هو النّظر والاجتهاد في تحصيل العلم والمعرفة كي يقع
التوهم المذكور بل هو المجاهدة مع النّفس التي هي أكبر من الجهاد مع الكفار فتكون
الآية أجنبية عن المقام جداً.
(أقول)
إن المجاهدة في
الآية الشريفة لم يعلم كونها هي المجاهدة مع النّفس كما زعم المصنف وذلك لاحتمال
كونها هي المجاهدة مع الكفار مثلا.
(نعم) كونها بمعنى
النّظر والاجتهاد في تحصيل العلم والمعرفة كما زعم المتوهم ليس منه في التفسير عين
ولا أثر (ولو سلم احتماله فليس هو المتعين لما فيها من احتمال آخر أيضاً (قال
الطبرسي) أعلى الله مقامه في تفسير الآية في آخر العنكبوت (ما لفظه) والذين جاهدوا
فينا أي جاهدوا الكفار ابتغاء مرضاتنا وطاعة لنا وجاهدوا أنفسهم في هواها خوفاً
منا (وقيل) معناه اجتهدوا في عبادتنا رغبة في ثوابنا ورهبة من عقابنا لنهدينهم
سبلنا أي لنهدينهم السبل الموصلة إلى ثوابنا عن ابن عباس (وقيل) لنوفقنهم لازدياد
الطاعات فيزداد ثوابهم (وقيل) معناه والذين جاهدوا في إقامة السنة لنهدينهم سبل الجنة
(وقيل) معناه والذين يعملون بما يعلمون لنهدينهم إلى ما لا يعلمون (انتهى) موضع
الحاجة من كلامه زيد في علو مقامه.
(قوله فانه غالباً
بصدد إثبات ان ما وجد آباءه عليه هو الحق لا بصدد الحق فيكون مقصراً في اجتهاده ...
إلخ)
علة لأداء النّظر
والاجتهاد إلى الجهالة والضلالة إلّا إذا كانت هناك منه تعالى عناية وهذا التعليل
غالبي كما صرح به بقوله فانه غالباً ... إلخ بمعنى ان الغالب في وجه أداء النّظر
إلى الجهالة والضلالة هو كونه بصدد إثبات ان ما وجد آباءه عليه هو
الحق وإلّا فقد
يكون السبب هو القصور لأجل غموضة المطلب وقلة الاستعداد كما لا يخفى.
(قوله ثم لا استقلال
للعقل بوجوب تحصيل الظن مع اليأس عن تحصيل العلم فيما يجب تحصيله عقلا ... إلخ)
قد أشرنا آنفاً أن
الشيخ أعلى الله مقامه قد جعل الكلام في القسم الأول من الأمور الاعتقادية وهو
الّذي يجب تحصيل العلم واليقين به في مقامين فتكلم (تارة) في القادر على تحصيل
العلم (وأخرى) في العاجز وانه جعل الكلام في القادر في موضعين (في حكمه التكليفي)
وقد عرفته (وفي حكمه الموضوعي) أي من حيث الإيمان وعدمه وقد بقي (ثم إنه أعلى الله
مقامه) جعل الكلام في العاجز في مواضع ثلاثة (في تحقق) موضوع العاجز (وفي وجوب)
تحصيل الظن مع العجز عن العلم وعدمه (وفي حكمه الوضعي) أي من حيث الإيمان وعدمه
فكلام المصنف هذا إشارة إلى الموضع الثاني من الكلام في العاجز (وحاصله) ان ما يجب
تحصيل العلم فيه عقلا مع الإمكان لا يستقل العقل بوجوب تحصيل الظن فيه مع العجز
وذلك لما أشير إليه فيما تقدم من ان الأمور الاعتقادية إذا انسد فيها باب العلم
فلا ملزم فيها للتنزل إلى الظن لإمكان الاعتقاد بما هو الواقع إجمالا والانقياد له
من دون عسر ولا إخلال بالنظام بخلاف الفروع العملية فلا يمكن العلم بمطابقة العمل
فيها مع الواقع بعد الانسداد إلّا بالاحتياط التام وهو اما عسري لا يجب شرعاً أو
مخل بالنظام فيحرم عقلا فنتنزل فيها قهراً إلى الظن (واما) ما يجب تحصيل العلم فيه
شرعاً مع الإمكان لا عقلا كمعرفة الإمام عليهالسلام على وجه غير صحيح أو معرفة المعاد على ما استفدناه من ظاهر
كلام المصنف فلا دلالة من النقل على وجوب تحصيل الظن فيه مع العجز بل الأدلة
الدالة على حرمة اتباع الظن دليل على عدم جوازه.
(أقول)
اما ما أفاده في
وجه عدم استقلال العقل بوجوب تحصيل الظن مع العجز عن
تحصيل العلم فلا
يتم الا في القسم الثاني من الأمور الاعتقادية مما لا يجب تحصيل العلم واليقين فيه
إلّا إذا حصل العلم بطبعه فيجب حينئذ الاعتقاد على طبقه وعقد القلب على وفقه ففي
مثله صح ان يقال إنه إذا انسد باب العلم فيه فلا وجه لاتباع الظن والاعتقاد على
طبقه بل يعتقد بما هو الواقع إجمالا كما تقدم (واما فيما يجب تحصيل العلم) واليقين
فيه عقلا إذا انسد باب العلم فيه ولم يمكن تحصيله فلا يكاد يقنع العقل بالجهل
المحض والشك الصرف بل يستقل فيه لا محالة بتحصيل الظن إذا أمكن فانه خير من الجهل
المحض كما لا يخفى.
(واما ما أفاده)
في وجه عدم حكم الشرع بتحصيل الظن مع العجز عن تحصيل العلم فيما يجب تحصيله شرعاً
لا عقلا من انه لا دلالة من النقل على وجوبه (ففيه) ان حكم العقل بوجوب تحصيل الظن
عند العجز عن تحصيل العلم مما يكفي (واما الآيات) الدالة على حرمة العمل بالظن فهي
في حال التمكن من العلم لا في حال العجز عنه وإلّا لمنع عن الظن الانسدادي في
المسائل الفقهية أيضاً (هذا كله) من امر المصنف (واما الشيخ) أعلى الله مقامه فهو
موافق مع المصنف في عدم وجوب تحصيل الظن مع العجز عن العلم نظراً إلى ان المقصود
فيما نحن فيه هو الاعتقاد فإذا عجز عنه فلا دليل على وجوب تحصيل الظن الّذي لا
يغني عن الحق شيئاً فيندرج تحت عموم قولهم إذا جاءكم ما لا تعلمون فها وأهوى بيده
إلى فيه نعم لو رجع الجاهل بحكم هذه المسألة إلى العالم ورأى العالم منه التمكن من
تحصيل الظن بالحق ولم يخف عليه إفضاء نظره الظني إلى الباطل فلا يبعد وجوب إلزامه
بالتحصيل لأن انكشاف الحق ولو ظناً أولى من البقاء على الشك فيه.
(قوله وقد انقدح من
مطاوي ما ذكرنا أن القاصر يكون في الاعتقاديات للغفلة أو عدم الاستعداد للاجتهاد
فيها ... إلخ)
إشارة إلى الموضع
الأول من المواضع الثلاثة التي عقدها الشيخ في العاجز وهو تحقق موضوعه في الخارج (قال
أعلى الله مقامه) المقام الثاني في غير المتمكن من
العلم والكلام فيه
(تارة) في تحقيق موضوعه في الخارج (وأخرى) في انه يجب عليه مع اليأس من العلم
تحصيل الظن أم لا.
(وثالثة) في حكمه
الوضعي قبل الظن وبعده (انتهى) وقد تقدم الإشارة إلى ذلك كله آنفاً فتذكر (ثم لا
يخفى) ان كلمة (يكون) في قول المصنف ان القاصر يكون ... إلخ هي تامة لا ناقصة فلا
تغفل.
(قوله ولا يصغى إلى ما
ربما قيل بعدم وجود القاصر فيها ... إلخ)
(قال الشيخ) أعلى
الله مقامه بعد عبارته المتقدمة آنفاً (ما لفظه) اما الأول فقد يقال فيه بعدم وجود
العاجز نظراً إلى العمومات الدالة على حصر الناس في المؤمن والكافر مع ما دل على
خلود الكافرين بأجمعهم في النار بضميمة حكم العقل بقبح عقاب الجاهل القاصر فيكشف
ذلك عن تقصير كل غير مؤمن وأن من تراه قاصراً عاجزاً عن العلم قد تمكن من تحصيل
العلم بالحق ولو في زمان ما وان كان عاجزاً قبل ذلك أو بعده والعقل لا يقبح عقاب
مثل هذا الشخص ولهذا ادعى غير واحد في مسألة التخطئة والتصويب الإجماع على ان
المخطئ في العقائد غير معذور (ثم قال) في رد هذا القائل (ما لفظه) ولكن الّذي
يقتضيه الإنصاف شهادة الوجدان بقصور بعض المكلفين وقد تقدم عن الكليني ما يشير إلى
ذلك يعني به ما تقدم منه من انه رضوان الله عليه في ديباجة الكافي قسم الناس إلى
أهل الصحة والسلامة وأهل المرض والزمانة وذكر وضع التكليف عن الفرقة الأخيرة (ثم
قال) وسيجيء من الشيخ في العدة من كون القاصر من التحصيل بمنزلة البهائم هذا مع
ورود الأخبار المستفيضة بثبوت الواسطة بين المؤمن والكافر وقضية مناظرة زرارة
وغيره مع الإمام عليهالسلام في ذلك مذكورة في الكافي ومورد الإجماع على ان المخطئ آثم
هو المجتهد الباذل جهده بزعمه فلا ينافي كون الغافل والملتفت العاجز عن بذل الجهد
معذوراً غير آثم (انتهى).
(أقول)
ويعني بالمجتهد
الباذل جهده بزعمه المجتهد المقصر في بذل جهده كما انه يعني بالأخبار المستفيضة
الاخبار المروية في الوافي في كتاب الإيمان والكفر في باب وجوه الضلال والمتزلزلة
بين الإيمان والكفر وفي هذا الباب مناظرة زرارة وغيره مع الإمام عليهالسلام ثم راجع باب أصناف الناس أيضاً وفيه اخبار المستضعفين
ويظهر من أكثر اخبارها ان المستضعف هو من ليس له قوة مميزة يميز بها بين الحق
والباطل كأغلب النساء والأطفال ويظهر من جملة منها ان المستضعف هو من لم يطلع على
اختلاف الناس في المذاهب وهي على كل حال حجة قاطعة على من أنكر وجود القاصر في
الخارج فتأمل الأخبار جيداً.
(قوله لكنه انما يكون
معذوراً غير معاقب على عدم معرفة الحق إذا لم يكن يعانده ... إلخ)
استدراك عن قوله
فيكون معذوراً عقلا أي القاصر.
(قوله واما بيان حكم
الجاهل من حيث الكفر والإسلام فهو مع عدم مناسبته خارج عن وضع الرسالة ... إلخ)
قد عرفت مما تقدم
انه بقي الكلام في الموضع الثاني من القادر وهو حكمه الوضعي من حيث الإيمان وعدمه
بل وبقي الكلام في الموضع الثالث من العاجز وهو حكمه الوضعي أيضاً من حيث الإيمان
وعدمه فقول المصنف هذا إشارة إلى كلا الموضعين جميعاً أي الجاهل القادر على تحصيل
العلم والجاهل العاجز عن تحصيل العلم (فيقول) إن بيان حكم الجاهل من حيث الكفر
والإسلام مع انه غير مناسب مع المقام لتناسبه مع أبواب النجاسات من الفقه خارج عن
وضع الرسالة لما يستلزمه من التطويل (هذا كله) من أمر المصنف (واما الشيخ) أعلى
الله مقامه فملخص كلامه في الموضعين ان الجاهل سواء كان قادراً على تحصيل العلم أو
عاجزاً عنه ليس بمؤمن وذلك للاخبار المفسرة للإيمان بالإقرار والشهادة والتدين
والمعرفة وغير ذلك من العبائر
الظاهرة في العلم
وإن أقر في الظاهر بما هو مناط الإسلام بناء على أن الإقرار الظاهري مشروط باحتمال
اعتقاده لما يقر به حتى يكون أمارة على الاعتقاد الباطني (وهل يحكم بكفره ونجاسته)
حينئذ أم لا وجهان (فإطلاق) ما دل على أن الشاك وغير المؤمن كافر (وهكذا ظاهر) ما
دل من الكتاب والسنة على حصر المكلف في المؤمن والكافر (يقتضي كفره) (وتقييد) كفر
الشاك في غير واحد من الاخبار بالجحود (ودلالة الاخبار) المستفيضة على ثبوت
الواسطة بين الكفر والإيمان وقد أطلق عليه في الأخبار الضلال وان كانت أكثرها دالة
على الواسطة بين المؤمن بالمعنى الأخص والكفر كالعامة ولكن يظهر من بعضها الواسطة
بين الإسلام والكفر (يقتضي عدم كفره) (ثم ذكر) جملة من الاخبار المقيدة لكفر الشاك
بالجحود (مثل رواية) محمد بن مسلم قال سأل أبو بصير أبا عبد الله عليهالسلام قال ما تقول فيمن شك في الله قال كافر يا أبا محمد قال فشك
في رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قال كافر ثم التفت إلى زرارة فقال انما يكفر إذا جحد (قال
وفي رواية أخرى) لو ان الناس إذا جهلوا وقفوا ولم يجحدوا لم يكفروا (إلى أن قال)
ويؤيد هذا (رواية زرارة) الواردة في تفسير قوله تعالى وآخرون مرجون لأمر الله عن
أبي جعفر عليهالسلام قال قوم كانوا مشركين فقتلوا مثل حمزة وجعفر وأشباههما من
المؤمنين ثم إنهم دخلوا في الإسلام فوحدوا الله وتركوا الشرك ولم يعرفوا الإيمان
بقلوبهم فيكونوا مؤمنين فيجب لهم الجنة ولم يكونوا على جحودهم فيكفروا فيجب لهم
النار فهم على تلك الحالة إما يعذبهم وإما يتوب عليهم (قال) وقريب منها غيرها (انتهى).
__________________
(أقول)
إن الجاهل بما يجب
تحصيل العلم واليقين به من التوحيد والنبوة والإمامة والمعاد لا يكاد يتفاوت الأمر
فيه من حيث حكمه الوضعي أي الكفر والإيمان بين كونه قادراً على تحصيل العلم أو
عاجزاً عنه كما أفاد الشيخ أعلى الله مقامه ولكن يتفاوت الأمر فيه بين كونه شاكاً
محضاً أو شاكاً جاحداً في الظاهر (اما الشاك الجاحد) في الظاهر فلا إشكال في كفره (واما
الشاك المحض) من دون جحود ولا إنكار فلا إشكال في عدم إيمانه وإسلامه كما أفاد
الشيخ أيضا (نعم إذا) أقر في الظاهر بما هو مناط الإسلام لم يبعد الحكم بإسلامه
كما في المنافقين في صدر الإسلام الذين كان النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم والمسلمون جميعاً يعاملون معهم معاملة الإسلام مع علمهم
بعدم إيمانهم باطناً (واما الحكم بكفر الشاك المحض) ما لم يجحد بعد ملاحظة الأخبار
المذكورة المقيدة للكفر بالجحود سيما مع كون الكفر في اللغة هو الجحود (ففي غاية
الإشكال) كما يظهر من الشيخ أيضاً في بعض عبائره (واما الحكم بنجاسته) فهو مبني
على كون الطهارة مترتبة على الإسلام أو النجاسة مترتبة على الكفر فعلى الأول لا
إشكال في نجاسته وعلى الثاني يكون الحكم بنجاسته كالحكم بكفره مشكلا جداً.
(وبالجملة) إن
الشاك الجاحد في الظاهر كافر والشاك المقر في الظاهر بما هو مناط الإسلام مسلم
والشاك المحض الّذي لا يجحد ولا يقر ليس بمسلم بلا كلام ولكن الحكم بكفره ونجاسته
مشكل شرعاً مع الاخبار المذكورة (هذا كله) فيما سوى الإمامة من التوحيد والنبوة
والمعاد (واما الإمامة) فالظاهر انه لا إشكال في إسلام من شك فيها بل وإن جحدها
وذلك للسيرة القطعية المتصلة بعصر المعصومين عليهمالسلام على المعاملة معهم معاملة المسلمين مع جحودهم للإمامة (واما
قوله عليهالسلام) لو ان الناس إذا جهلوا وقفوا ولم يجحدوا لم يكفروا فهو
وان كان إطلاقه مما يفضي بكفر الجاحد لمثل الإمامة ولكن لا بد من حمل
الرواية على
الجحود في مثل التوحيد والنبوة والمعاد لا مطلق الأمور الاعتقادية وذلك للسيرة
المتقدمة والله العالم.
(بقي شيء) وهو انه
إذا حصل الجزم واليقين فيما يجب معرفته عن تقليد لا عن نظر واجتهاد فهل يكفي ذلك
أو لا بد من النّظر والاجتهاد جزماً (قال الشيخ أعلى الله مقامه) ظاهر الأكثر
الثاني (قال) بل ادعى عليه العلامة رحمهالله في الباب الحادي عشر الإجماع حيث قال أجمع العلماء على
وجوب معرفة الله وصفاته الثبوتية وما يصح عليه وما يمتنع عنه والنبوة والإمامة
والمعاد بالدليل لا بالتقليد فإن صريحه ان المعرفة بالتقليد غير كافية ومثلها
عبارة الشهيد الأول والمحقق الثاني وأصرح منهما عبارة المحقق في المعارج حيث استدل
على بطلان التقليد بأنه جزم في غير محله (إلى ان قال) أعلى الله مقامه وكيف كان
فالأقوى كفاية الجزم الحاصل من التقليد لعدم الدليل على اعتبار الزائد على المعرفة
والتصديق والاعتقاد وتقييدها بطريق خاص لا دليل عليه (قال) مع ان الإنصاف ان
النّظر والاستدلال بالبراهين العقلية للشخص المتفطن لوجوب النّظر في الأصول لا
يفيد بنفسه الجزم لكثرة الشبه الحادثة في النّفس والمدونة في الكتب حتى انهم ذكروا
شبهاً يصعب الجواب عنها للمحققين الصارفين لأعمارهم في فن الكلام فكيف حال المشتغل
به مقداراً من الزمان لأجل تصحيح عقائده ليشتغل بعد ذلك بأمور معاشه ومعاده خصوصاً
والشيطان يغتنم الفرصة لإلقاء الشبهات والتشكيك في البديهيات وقد شاهدنا جماعة قد
صرفوا أعمارهم ولم يحصلوا منه شيئاً الا القليل (انتهى) كلامه رفع مقامه.
هل يحصل الجبر أو الوهن أو الترجيح
بالظن الغير المعتبر
(قوله الثاني الظن
الّذي لم يقم على حجيته دليل هل يجبر به ضعف السند أو الدلالة ... إلخ)
إن الظن الّذي لم
يقم على حجيته دليل بالخصوص هو كالاستقراء والشهرة في الفتوى والأولوية الظنية
ونحو ذلك من الظنون المندرجة تحت أصالة حرمة العمل بالظن (واما الظن) الّذي قام
على عدم حجيته دليل بالخصوص كالقياس فسيأتي الكلام فيه في آخر البحث فانتظر (ثم إن
الكلام) في هذا الأمر الثاني يقع في كل من الجبر والوهن والترجيح جميعاً كما ان
الكلام في الجبر يقع من جهتين من جهة السند تارة ومن جهة الدلالة أخرى بل الكلام
في الوهن أيضاً يقع من جهتين وان لم يظهر ذلك من الشيخ أعلى الله مقامه وعلى كل
حال ستعرف تفصيل الكل كما ينبغي إن شاء الله تعالى واحداً بعد واحد.
(قوله ومجمل القول في
ذلك ان العبرة بحصول الجبران أو الرجحان إلى آخره)
هاهنا يبين المصنف
الضابطة الكلية لكل من الجبر والوهن والترجيح بنحو الإجمال وأن الملاك في الجبر
والترجيح هو دخول المجبور أو الراجح بموافقة الظن الغير المعتبر تحت دليل الحجية
أو المرجحية كما ان الملاك في الوهن هو خروج الموهون بقيام الظن الغير المعتبر على
خلافه عن تحت دليل الحجية ثم يبين بعد ذلك عند قوله فلا يبعد جبر ضعف السند ...
إلخ حصول كل من الجبر والوهن والترجيح وعدمه بنحو التفصيل.
(قوله فلا ببعد جبر
ضعف السند في الخبر بالظن بصدوره أو بصحة مضمونه ... إلخ)
شروع في التكلم
حول حصول الجبر وعدمه على التفصيل وقد عرفت ان الكلام في الجبر يقع من جهتين من
جهة السند ومن جهة الدلالة (اما جهة السند) فحاصل كلامه فيها انه لا يبعد حصول
الجبر في الخبر بالظن الغير المعتبر إذا أوجب الوثوق بصدوره أو الوثوق بصحة مضمونه
فيندرج بذلك تحت ما دل على حجية ما يوثق به
(أقول)
قد عرفت منا فيما
تقدم ان الاعتماد في حجية خبر الواحد على أمرين (على الاخبار المتواترة) ومفادها
حجية خبر الثقة ولو لم يفد الوثوق (وعلى سيرة العقلاء) ومفادها حجية ما أفاد
الوثوق وان لم يكن من ثقة (وعليه) فإذا كان الخبر من ثقة فلا يحتاج إلى الجبر
بالظن الغير المعتبر أصلا وان كان من غير ثقة ولم يفد الوثوق فهذا مما يحتاج إلى
الجبر فإذا حصل من الظن الغير المعتبر وثوق بصدوره أو بصحة مضمونه اندرج بذلك تحت
ما دل على حجية ما يوثق به كما أفاد المصنف هذا تمام الكلام من جهة السند (واما
جهة الدلالة) فحاصل كلامه فيها عدم جبر الدلالة بالظن الغير المعتبر بمعنى انه إذا
كان الكلام ضعيفاً في الدلالة بمثابة لا يطلق على دلالته ظهور عرفي وإن أطلق عليها
الإشعار فلا يجدي قيام الظن الغير المعتبر على وفق دلالته فإن أقصى ما يوجبه ذلك
أن يورث الظن بالمراد ولا دليل على حجيته وانما الدليل قام على حجية ظهور الكلام
في المراد ولا يوجبه هو كما لا يخفى
(قوله فراجع أدلة
اعتبارها ... إلخ)
الظاهر انه لا وجه
لتأنيث الضمير والصحيح أن يقال فراجع أدلة اعتباره أي اعتبار الخبر.
(قوله وعدم وهن السند
بالظن بعدم صدوره وكذا عدم وهن دلالته مع ظهوره ... إلخ)
وحاصل كلامه في
الوهن انه لا يوهن السند ولا الدلالة بالظن الغير المعتبر أصلا وذلك لعدم اختصاص
دليل اعتبارهما بما إذا لم يكن ظن على خلافهما.
(قوله الا فيما كشف
بنحو معتبر عن ثبوت خلل في سنده أو وجود قرينة مانعة عن انعقاد ظهوره ... إلخ)
هذا في قبال ما
تقدم من قوله الا فيما أوجب القطع ولو إجمالا باحتفافه بما كان موجباً لظهوره فيه
... إلخ ففي المقام يقول وعدم وهن السند بالظن بعدم صدوره وكذا عدم وهن دلالته مع
ظهوره الا فيما كشف بنحو معتبر أي فيما أوجب القطع ولو إجمالا عن ثبوت خلل في سنده
أو وجود قرينة مانعة عن انعقاد ظهوره فيكون الظن الغير المعتبر حينئذ موهناً للسند
أو الدلالة.
(قوله لعدم اختصاص
دليل اعتبار خبر الثقة ولا دليل اعتبار الظهور إلى آخره)
علة لقوله المتقدم
وعدم وهن السند بالظن بعدم صدوره وكذا عدم وهن دلالته مع ظهوره ... إلخ.
(قوله واما الترجيح
بالظن فهو فرع دليل على الترجيح به ... إلخ)
(وحاصل كلامه) في
الترجيح ان ترجيح أحد المتعارضين بالظن الغير المعتبر فرع دليل على الترجيح به ولم
يقم دليل على الترجيح به وان ادعى شيخنا العلامة أعلى الله مقامه استفادته من
الاخبار الدالة على الترجيح بالمرجحات الخاصة على ما يأتي تفصيله في التعادل
والتراجيح إن شاء الله تعالى.
(أقول)
إن الشيخ أعلى
الله مقامه قد تكلم في الترجيح بالظن الغير المعتبر في مقامات ثلاثة.
(الأول) في ترجيح
ظهور أحد الدليلين به ولم يؤشر إليه المصنف ولعله
لوضوح ان الظن
الغير المعتبر كما تقدم انه مما لا يوجب الظهور فكذلك في المقام مما لا يوجب
الأظهرية.
(الثاني) في ترجيح
وجه الصدور به بمعنى انه إذا علم ان أحد الدليلين صادر لا لبيان الواقع إما للتقية
أو لغير التقية من المصالح المقتضية لبيان خلاف الواقع فهل يرجح وجه الصدور في
أحدهما بسبب ظن غير معتبر على طبقه أم لا ولم يؤشر إليه المصنف أيضاً.
(الثالث) في ترجيح
صدور أحد الدليلين به وتقديم سنده على الآخر (وقد اختار الشيخ) أعلى الله مقامه
الترجيح به لوجوه ثلاثة لم يؤشر المصنف الا إلى الأخير منها وهو استفادته من
الأخبار (قال أعلى الله مقامه) ما لفظه وكيف كان فالذي يمكن ان يستدل به للترجيح
بمطلق الظن الخارجي وجوه.
(الأول) قاعدة
الاشتغال لدوران الأمر بين التخيير وتعيين الموافق ... إلخ (والمقصود) من ذلك كما
سيأتي شرحه في التعادل والتراجيح انه بعد ما استفدنا من الإجماع والأخبار العلاجية
وجوب الأخذ بأحد الخبرين المتعارضين إما ترجيحاً أو تخييراً فلا محالة يدور الأمر
بين وجوب الأخذ بالراجح تعييناً وبين الأخذ به أو بالمرجوح تخييراً فالاشتغال
بوجوب الأخذ يقيني وهو يقتضي البراءة اليقينية وهي لا تحصل إلا بالاخذ بالراجح دون
المرجوح بل العلم الإجمالي بوجوب الأخذ اما بالراجح تعييناً أو بأحدهما تخييراً
حيث ينحل إلى العلم التفصيليّ بوجوب الأخذ بالراجح لا محالة والشك البدوي في وجوب
الأخذ بالمرجوح فلا يبقى مانع عن إجراء الأصل عن وجوب الأخذ بالمرجوح بلا شبهة كما
سيأتي تفصيله في بعض تنبيهات البراءة إن شاء الله تعالى (ثم ساق الكلام) أعلى الله
مقامه (إلى ان قال)
(الثاني) ظهور
الإجماع على ذلك كما استظهره بعض مشايخنا فتراهم يستدلون في موارد الترجيح ببعض
المرجحات الخارجية بإفادته للظن بمطابقة أحد الدليلين للواقع فكأن الكبرى وهي وجوب
الأخذ بمطلق ما يفيد الظن على طبق أحد الدليلين مسلمة عندهم (إلى ان قال).
(الثالث) ما يظهر
من بعض الاخبار من ان المناط في الترجيح كون أحد الخبرين أقرب مطابقة للواقع (إلى
ان قال) مثل ما دل على الترجيح بالأصدقية في الحديث كما في مقبولة ابن حنظلة فإنا
نعلم أن وجه الترجيح بهذه الصفة ليس الا كون الخبر الموصوف بها أقرب إلى الواقع من
خبر غير الموصوف بها لا لمجرد كون راوي أحدهما أصدق (إلى ان قال) ومثل ما دل على
ترجيح أوثق الخبرين فإن معنى الأوثقية شدة الاعتماد عليه وليس إلّا لكون خبره أوثق
فإذا حصل هذا المعنى في أحد الخبرين من مرجح خارجي اتبع (قال) ومما يستفاد منه
المطلب على وجه الظهور ما دل على ترجيح أحد الخبرين على الآخر بكونه مشهوراً بين
الأصحاب بحيث يعرفه كلهم وكون الآخر غير مشهور الرواية بينهم بل ينفرد بروايته
بعضهم دون بعض معللا ذلك بأن المجمع عليه لا ريب فيه فيدل على ان طرح الآخر لأجل
ثبوت الريب فيه لا لأنه لا ريب في بطلانه كما قد يتوهم وإلّا لم يكن معنى للتعارض
وتحير السائل (إلى ان قال) وحينئذ فيدل على رجحان كل خبر يكون نسبته إلى معارضه
مثل نسبة الخبر المجمع على روايته إلى الخبر الّذي اختص بروايته بعض دون بعض (إلى
ان قال) ومن المعلوم ان الخبر المعتضد بأمارة توجب الظن بمطابقته ومخالفة معارضه
للواقع نسبته إلى معارضه تلك النسبة (إلى ان قال) وأظهر من ذلك كله في إفادة
الترجيح بمطلق الظن ما دل من الأخبار العلاجية على الترجيح بمخالفة العامة بناء
على ان الوجه في الترجيح بها أحد وجهين أحدهما كون الخبر المخالف أبعد من التقية
كما علل به الشيخ والمحقق فيستفاد منه اعتبار كل قرينة خارجية توجب أبعدية أحدهما
عن خلاف الحق ولو كانت مثل الشهرة والاستقراء (إلى ان قال) الثاني كون الخبر
المخالف أقرب من حيث المظنون إلى الواقع والفرق بين الوجهين ان الأول كاشف عن وجه
صدور الخبر والثاني كاشف عن مطابقة مضمون أحدهما للواقع (إلى ان قال) فالظاهر انه
يحصل من المجموع دلالة لفظية تامة ولعل هذا الظهور المحصل من مجموع الأخبار
العلاجية هو الّذي دعى أصحابنا إلى العمل بكل ما يوجب رجحان أحد الخبرين على الآخر
بل يوجب في أحدهما
مزية مفقودة في الآخر ولو بمجرد كون خلاف الحق في أحدهما أبعد منه في الآخر كما هو
كذلك في كثير من المرجحات فما ظنه بعض المتأخرين من أصحابنا على العلامة وغيره من
متابعتهم في ذلك طريقة العامة ظن في غير المحل (انتهى) موضع الحاجة من كلامه أعلى
الله مقامه.
(أقول)
(اما الوجه الأول)
من الوجوه التي استدل بها الشيخ للترجيح بمطلق الظن أعني قاعدة الاشتغال (فهو حق)
لما سيأتي في التعادل والتراجيح من ان مقتضي القاعدة الأولية في تعارض الأمارتين
هو التساقط ومقتضي القاعدة الثانوية المستفادة من الإجماع والأخبار العلاجية
الدالين على وجوب الأخذ بأحد الخبرين المتعارضين إما ترجيحاً أو تخييراً هو
الاحتياط والاقتصار على الراجح للقطع بحجيته إما تعييناً وإنما تخييراً وللشك في
حجية المرجوح والأصل عدم حجية ما شك في حجيته (ولكن) مقتضي إطلاقات أخبار التخيير
الآتية في محلها إن شاء الله تعالى وعدم جواز تقييدها بأخبار الترجيح بمعنى عدم
جواز حملها مع تعددها على صورة فقد المرجحات جميعاً فانه من الحمل على النادر بل
المعدوم هو جواز العمل بكل من الراجح والمرجوح تخييراً فلا يبقى مجال لقاعدة
الاشتغال أصلا.
(واما الوجه
الثاني) وهو ظهور الإجماع على ذلك (ففيه) ان الترجيح بالمزايا المنصوصة الواردة في
لسان كثير من الأخبار ليس هو أمراً مسلماً إجماعياً وذلك لما سيأتي من مخالفة مثل
الكليني رضوان الله عليه ومصيره إلى التخيير وتصريحه في ديباجة الكافي بأنه لا نجد
شيئاً أوسع ولا أحوط من التخيير فكيف حينئذ بالترجيح بمطلق الظن الّذي لم ينص عليه
في الأخبار أصلا.
(واما الوجه
الثالث) وهو ظهور بعض الأخبار في ان المناط في الترجيح هو كون أحد الخبرين أقرب
مطابقة للواقع (ففيه) ان الاخبار الدالة مطابقة على الترجيح بالمزايا المنصوصة مما
نجيب عنها كما سيأتي شرحه بحملها على الاستحباب جمعاً بينها وبين اخبار التخيير
لما أشير آنفاً من عدم إمكان تقييد إطلاقات اخبار
التخيير وحملها مع
تعددها على صورة فقد المرجحات جميعاً فانه من الحمل على النادر بل المعدوم فكيف
ببعض الاخبار الدالة التزاماً على الترجيح بمطلق الظن لا مطابقة وهذا واضح.
(قوله بعد سقوط
الأمارتين بالتعارض من البين وعدم حجية واحد منهما بخصوصه وعنوانه وإن بقي أحدهما
بلا عنوان على حجيته ... إلخ)
إشارة إلى القاعدة
الأولية في تعارض الأمارتين التي أشرنا إليها آنفاً وسيأتي تفصيلها في محلها إن
شاء الله تعالى مبسوطاً (قال) في التعادل والتراجيح فصل التعارض وان كان لا يوجب
إلّا سقوط أحد المتعارضين عن الحجية رأساً حيث لا يوجب إلّا العلم بكذب أحدهما فلا
يكون هناك مانع عن حجية الآخر إلّا انه حيث كان بلا تعيين ولا عنوان واقعاً فانه
لم يعلم كذبه الا كذلك (إلى ان قال) لم يكن واحد منهما بحجة في خصوص مؤداه لعدم
التعين في الحجة أصلا كما لا يخفى (انتهى).
(قوله ومقدمات
الانسداد في الأحكام انما توجب حجية الظن بالحكم أو بالحجة لا الترجيح به ما لم
يوجب الظن بأحدهما ... إلخ)
دفع لما قد يتوهم
من كفاية مقدمات الانسداد الجارية في الأحكام للترجيح بالظن الغير المعتبر (فيقول)
ما حاصله ان مقدمات الانسداد الجارية في الأحكام انما توجب هي حجية الظن الغير
المعتبر المتعلق بالحكم أو بالطريق على ما عرفت تفصيله لا الترجيح به إلّا إذا
أوجب الظن بأحدهما كما إذا أوجبت الأمارة الغير المعتبرة القائمة على طبق أحد
الخبرين المتعارضين الظن بالحكم الشرعي الّذي هو في جانب الخبر المطابق لها أو
أوجبت الظن بأن الخبر المطابق لها هو طريق منصوب من قبل الشرع دون غيره فيؤخذ
حينئذ بالأمارة الغير المعتبرة من حيث انها ظن بالحكم أو بالطريق لا من حيث كونها
مرجحة لأحد الخبرين المتعارضين.
(قوله ومقدماته في
خصوص الترجيح لو جرت انما توجب حجية الظن في تعيين المرجح لا انه مرجح إلّا إذا ظن
انه أيضاً مرجح ... إلخ)
إشارة إلى ما
ادعاه الشيخ أعلى الله مقامه من جريان مقدمات الانسداد في الترجيح
بالظن الغير
المعتبر بعد الفراغ عن الوجوه المتقدمة التي أقامها على الترجيح به (قال) أعلى
الله مقامه (ما لفظه) ثم إن الاستفادة التي ذكرناها يعني بها استفادة الترجيح
بمطلق الظن من الأخبار العلاجية كما تقدمت في الوجه الثالث ان دخلت تحت الدلالة
اللفظية فلا إشكال في الاعتماد عليها وإن لم يبلغ هذا الحد بل لم يكن الا مجرد
الإشعار كان مؤيداً لما ذكرناه من ظهور الاتفاق يعني به ما ادعاه من ظهور الإجماع
على الترجيح بمطلق الظن في الوجه الثاني فإن لم يبلغ المجموع حد الحجية فلا أقل من
كونها أمارة مفيدة للظن بالمدعى ولا بد من العمل به لأن التكليف بالترجيح بين
المتعارضين ثابت لأن التخيير في جميع الموارد وعدم ملاحظة المرجحات يوجب مخالفة
الواقع في كثير من الموارد لأنا نعلم بوجوب الأخذ ببعض الاخبار المتعارضة وطرح
بعضها معيناً والمرجحات المنصوصة في الاخبار غير وافية مع ان تلك الاخبار معارض
بعضها بعضاً (إلى ان قال) وحاصل هذه المقدمات ثبوت التكليف بالترجيح وانتفاء
المرجح اليقيني وانتفاء ما دل الشرع على كونه مرجحاً فينحصر العمل في الظن بالمرجح
فكل ما ظن انه مرجح في نظر الشارع وجب الترجيح به وإلّا لوجب ترك الترجيح أو العمل
بما ظن من المتعارضين ان الشارع يرجح غيره عليه والأول مستلزم للعمل بالتخيير في
موارد كثيرة نعلم التكليف بوجوب الترجيح فيها والثاني ترجيح للمرجوح على الراجح (إلى
ان قال) وقبحه بديهي وحينئذ فإذا ظننا من الأمارات السابقة ان مجرد أقربية مضمون
أحد الخبرين إلى الواقع مرجح في نظر الشارع تعين الأخذ به (انتهى) موضع الحاجة من
كلامه رفع مقامه.
(فيقول المصنف)
وظاهره الاعتراض على الشيخ (ما محصله) ان مقدمات الانسداد في خصوص الترجيح لو جرت
إنما توجب هي حجية الظن في تعيين المرجح كما أوجبت في الأحكام الشرعية على القول
بالانسداد حجية الظن في تعيين التكاليف المعلومة بالإجمال لا كون الظن مرجحاً إلّا
إذا ظن أن الظن أيضاً مرجح.
(أقول)
إن مقصود الشيخ
أيضاً هو ذلك أي حجية الظن في تعيين المرجح وان الظن مما ظن انه مرجح حيث (قال)
فينحصر العمل في الظن بالمرجح (إلى ان قال) فإذا ظننا من الأمارات السابقة ان مجرد
أقربية مضمون أحد الخبرين إلى الواقع مرجح في نظر الشارع تعين الأخذ به ... إلخ (وعليه)
فلا وجه لاعتراض المصنف على الشيخ الا الاعتراض بمنع جريان المقدمات من أصلها في
مسألة الترجيح كما منعناها من قبل في الأحكام الشرعية.
(قوله هذا فيما لم يقم
على المنع عن العمل به بخصوصه دليل واما ما قام الدليل على المنع عنه كذلك كالقياس
فلا يكاد يكون به جبر أو وهن أو ترجيح ... إلخ)
قد أشرنا في صدر
البحث ان الظن الّذي قام على عدم حجيته دليل بالخصوص كالقياس فسيأتي الكلام فيه في
آخر البحث فهذا هو آخر البحث (وحاصل) كلام المصنف فيه انه لا يكون بالظن القياسي
جبر ولا وهن ولا ترجيح وذلك لدلالة دليل المنع على إلغاء الشارع له رأساً وعدم
جواز استعماله في الشرعيات أصلا ودخله في الجبر أو الوهن أو الترجيح نحو استعمال
له في الشرعيات كما لا يخفى (هذا كله) من أمر المصنف (واما الشيخ) أعلى الله مقامه
(فبالنسبة إلى الجبر) يظهر منه انه لا يفيده (قال ما لفظه) اما الأول يعني به ما
كان عدم اعتباره من جهة ورود النهي عنه بالخصوص كالقياس ونحوه فلا ينبغي التأمل في
عدم كونه مفيداً للجبر لعموم ما دل على عدم جواز الاعتناء به واستعماله في الدين (انتهى)
(وأما بالنسبة إلى الوهن) فيظهر منه انه لا إشكال في عدم الوهن بالقياس ان كان ما
يقابله مما يعتبر من باب إفادة الظن النوعيّ من غير اعتبار عدم الظن على خلافه
واما إذا كان اعتباره مشروطاً بإفادة الظن الشخصي أو بعدم الظن على الخلاف فيظهر
منه الميل إلى التفصيل بين ما كان الاشتراط من الشرع أو من العرف (فإن كان
الاشتراط) من الشرع كما إذا اعتبر الشارع الخبر المفيد للظن الشخصي
أو الخبر الّذي لا
ظن على خلافه فتأثير الظن بالخلاف حينئذ في وهن ما يقابله تأثير شرعي فإذا نهي
الشارع عن الظن القياسي فقد زال عنه هذا التأثير ويكون وجوده كالعدم فكأن المقابل
باق على ما هو عليه من إفادة الظن الشخصي أو عدم الظن على الخلاف فلا وهن بالقياس (واما
إذا كان الاشتراط) من العرف والعقلاء كما إذا اعتبروا الظاهر المفيد للظن بالمراد
أو الظاهر الّذي لا ظن على خلافه فتأثيره حينئذ في وهن المقابل ليس بشرعي كي بمجرد
النهي عن القياس يزول عنه هذا التأثير ولم يحصل به الوهن بل يحصل لا محالة به وهن
المقابل لفقد شرطه (ولكن الشيخ) يرجع عن هذا كله أخيراً بدعوى ان العقلاء إذا
علموا حال القياس ببيان الشارع لم يفرقوا بين الأمارة التي كان القياس على خلافها
وبين ما لم يكن كذلك (بل قال) أخيراً ما لفظه هذا كله مع استمرار السيرة على عدم
ملاحظة القياس في مورد من الموارد الفقهية وعدم الاعتناء به في الكتب الأصولية فلو
كان له أثر شرعي ولو في الوهن لوجب التعرض لأحكامه في الأصول والبحث والتفتيش عن
وجوده في كل مورد من موارد الفروع لأن الفحص عن الموهن كالفحص عن المعارض واجب وقد
تركه أصحابنا في الأصول والفروع بل تركوا روايات من اعتنى به منهم وان كان من
المؤسسين لتقرير الأصول وتحرير الفروع كالإسكافي الّذي نسب إليه ان بناء تدوين
أصول الفقه من الإمامية منه ومن العماني يعني ابن أبي عقيل (انتهى) (واما بالنسبة
إلى الترجيح) فيظهر منه عدم الترجيح بالقياس أصلا (قال ما لفظه) اما الأول يعني به
ما ورد النهي عنه بالخصوص كالقياس وشبهه فالظاهر من أصحابنا عدم الترجيح به نعم
يظهر من المعارج وجود القول به بين أصحابنا حيث قال في باب القياس ذهب ذاهب إلى ان
الخبرين إذا تعارضا وكان القياس موافقاً لما تضمنه أحدهما كان ذلك وجهاً يقتضي
ترجيح ذلك الخبر على معارضه (إلى ان قال) أعني الشيخ ومال إلى ذلك بعض سادة
مشايخنا المعاصرين بعض الميل والحق خلافه لأن رفع الخبر المرجوح بالقياس عمل به
حقيقة فانه لو لا القياس كان العمل به جائزاً والمقصود تحريم العمل به لأجل
القياس وأي عمل
أعظم من هذا (إلى ان قال) ويؤيد ما ذكرنا بل يدل عليه استمرار سيرة أصحابنا
الإمامية رضوان الله عليهم في الاستنباط على هجره وترك الاعتناء بما حصل لهم من
الظن القياسي أحياناً فضلا عن أن يتوقفوا في التخيير بين الخبرين المتعارضين مع
عدم مرجح آخر أو في الترجيح بمرجح موجود إلى أن يبحثوا عن القياس (انتهى).
(أقول)
إن القياس بعد
ملاحظة ما ورد في شأنه من الاخبار المتواترة في المنع عنه وإلغائه بالمرة مثل قوله
عليهالسلام إن أول من قاس إبليس أو غير ذلك من التعابير الشديدة لو لم
يكن موهناً للخبر المطابق له لم يكن جابراً له قطعاً فراجع الاخبار وتأملها بدقة
(قوله فيما لا يكون
لغيره أيضاً وكذا فيما يكون به أحدها ... إلخ)
العبارة ركيكة
جداً والصحيح هكذا كان لغيره أحدها أو لم يكن.
(قوله على إلغائه
الشارع رأساً ... إلخ)
وهذه العبارة لا
تقصر عن السابقة والصحيح هكذا على إلغاء الشارع له رأساً (هذا آخر) ما أراد الله لنا
إيراده في مباحث الظن وبه تم الجزء الثالث من عناية الأصول في شرح كفاية الأصول
اسأل الله تعالى أن يوفقني للأجزاء الباقية كما وفقني للأجزاء الماضية إنه خير
مسئول وأجود من أعطى.
|