Description: E:BOOKSBook-LibraryENDQUEUEAthar-Khaled-Walad-Waledimagespage0001.png


Description: E:BOOKSBook-LibraryENDQUEUEAthar-Khaled-Walad-Waledimagespage0002.png


Description: E:BOOKSBook-LibraryENDQUEUEAthar-Khaled-Walad-Waledimagespage0003.png


Description: E:BOOKSBook-LibraryENDQUEUEAthar-Khaled-Walad-Waledimagespage0004.png


التّمهيد

الاسلام دين الله الخالد قد أنزلت شريعته من السماء جاء لسعادة البشر وكماله وايصاله الى مطلق الكمال والكمال المطلق بتهذيبه وتعليمه البيان وتعديل الغرائز والقوى المكنونة في جبلّته وتنظيم حياته الفردية والاجتماعية على صعيد القسط والموازنة بين ما أودع الله في طبعه وطبيعته وكونه وتحكيم الأسس التربوية في بيئته و علاقاته في اطار التقوى والورع والخط المتبلور بالاستقامة وعدم الانحراف والمنصب في اساليب الهداية والارشاد ، والهادف الى الخير والاحسان والمتفتح أزهاره بالكفاح وبالنّضال والجهاد .

فالاسلام دين الانسانية ، ينظم بأحكامه وتشريعاته العادلة وقوانينه القويمة وجميع شئون الحياة ، في مختلف الحقول الفردية والاجتماعية من الثقافة والسياسية والاقتصاد والأخلاق المجتمع وغير ذلك ، وانّه يطرح برامجه السامية متماشية مع كل عصر وفي كل مواطن فيربّى الأمم والشعوب تربية سامية صالحة ، وفي مساره لا يعترضه الهبوط والسّكون إذ يبتنى صرحه الشامخ على الفطرة والسجايا الانسانية .

وما من صغيرة أو كبيرة الّا وللاسلام العظيم فيه حكم ودستور وتشريع رصين ، فانّه يعلّمنا كيف نعيش وكيف يكون الانسان متقمّصاً برداء الانسانية وينظّم حياته الفردية والاجتماعية ، ومنها علاقاته مع الآخرين ، واليكم قرّائنا الأعزاء نموذج حيّ وصورة بارزة من تلك المفاهيم السامية


والحقائق الناصعة ، وتلك علاقة الآباء والأبناء وبالعكس ومَن ثَمّ حقوقهم وما يجب عليهم كلّ اتجاه الآخر ، بلا ظلم وتعدّي ولا اجحاف وافراط بل في أُفق المحبة والمودّة وعالم الصفاء والصداقة وعدم توتر علاقات الابوّة والبنوّة ، فانّا جعلناكم أُمّةً وسطاً .

وإنّ علاقة الأبوين والأولاد لهي محط أنظار علماء النفس والمجتمع ، بل وللفقهاء مباحث قيّمة تدور حول الوالدين والأبناء في مسائل فقهية فرعية عديدة في كتاب الحج والحدود والنكاح ، وأكثر أبواب الفقه ، ولو أردنا جمعها لأدّى ذلك الى كتاب ضخم ، ولو أردنا تحقيقها والبحث حولها مسبغاً جامعاً لوصل بنا الأمر الى تأليف عشرات من الكتب والرسائل .

وزبدة المخاض أنّ للولد على الوالدين حقوقاً كما للوالدين على الأولاد حقوقاً ، كما هو معلوم ذلك في جميع الأديان السماوية والأنظمة الاجتماعية والقوانين البشرية ـ وان كانت ناقصة ـ .

وأمّا في الشريعة الاسلامية السمحاء ، فنرى ما يعجب الناظر ويدهش المحقق وذلك في كيفية بناء العلاقة ورصانتها وتحكيمها في المجتمع والاشرة وحتى الانسان نفسه .

والجدير بالذكر انّ الولاية للأب وانّ علا دون الام ، ولكنّ المحبة والشفقة والعطوفة للأُمّ أوّلاً ثمّ الأب ، وهناك لطائف وأسرار كثيرة في بيان علاقة الأبّوة والبنوّة من زاوية الاسلام العظيم يقف عليها مطالعنا الكريم في هذا السفر الجليل .

اذ قد تصدّى والدي المرحوم سماحة العلّامة آية الله السيد علي بن الحسين العلوي تغمّده الله برحمته الواسعة وأسكنه فسيح جنانه


باسلوب شيّق وقلم بارع وتنسيق لطيف وتبويب ظريف لبيان وظائف الآباء والأبناء في كتابه القيّم ( الأثر الخالد في الولد والوالد ) مستلهماً ذلك من الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة النبوية والولوية من الرسول الأكرم والعترة الطاهرة عليهم السلام ، اذ خلّف رسول الله صلّى الله عليه وآله وترك لنا من بعده الثّقلين ، كتاب الله وعترته وهما الرّكنان الأساسيان للاسلام ، بل الاسلام كلّه ، بتشريع الرسول الأكرم منجي عالم البشرية من حضيض الجهل والشقاء الى وادي السعادة الخصبة بالعلم والايمان .

جزى الله المؤلف خير الجزاء وأحسن العطاء وأجزل الثناء ، ووفقنا الله لما يحبّ ويرضى وقد نقّحتُ الكتاب وأضفت عليه فصولاً والله من وراء القصد ، وما توفيقي الّا بالله العلّي العظيم .

عادل العلوي

ايران ـ قم المقدّسة ـ الحوزة العلمية


الاهداء

اليكم صاحب الزمان ، امامنا المنتظر الحجة الثاني عشر أرواحنا فداه وعجّل الله فرجه الشريف .

الى كلّ والد وما ولد .

الى الشباب الناهض المتعطّش لمعارف الاسلام .

الى طلّاب السعادة وروّاد الحياة الرغيدة .

اليكم هذه الفصول قبسات من نور .

" المؤلف "


الائمة الاطهٰار ولد الرّسول الاكرم

لا يشكّ أحد أن الأئمّة الاثني عشر هم اولاد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم من فاطمة سلام الله عليها . وقد صّرح هو صلّى الله عليه وآله بذلك في مواطن عديدة من كلامه .

كما لا شكّ ولا ريب أنّهم عليهم السلام من علي بن أبي طالب عليه السلام وفاطمه عليها السلام .

ولكن بما أن ائمّتنا عليهم السلام لم يدعوا أمرا الّا وبيّنوه لنا لنكن على بصيرة من أمرنا . لذا حدّثونا بهذا وبيّنوا لنا ان الأئمّة محدّثون ايضا . يعني يطلعهم الله تعالى بواسطة حديث الملائكة معهم وذلك ليس على الله بعزيز . وهو جلّت عظمته القائل :

وَمَا كَانَ اللَّـهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَـٰكِنَّ اللَّـهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَاءُ ( آل عمران ـ ١٧٩ ) .

١ ـ ابوعلي الأشعري ، عن الحسن بن عبيد الله ، عن الحسن بن موسى الخشّاب ، عن علي بن سماعه ، عن علي بن الحسن بن رباط ، عن ابنه أذينة ، عن زرارة : قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول : الاثنا عشر الامام من آل محمّد صلوات الله عليهم كلّهم محدّث من ولد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ، وولد علي بن أبي طالب عليه السلام فرسول الله صلّى الله عليه وآله وعليّ عليه السلام هما الوالدان الكافي ج ١ ، ص ٤٤٨ ، باب ما جاء في الاثنى عشر (ع) الحديث ١٤ .


الاولاد والسعادة :

الانسان منذ نعومه اظافره يحب السعاده ويهرب من الشقاء ، فانّه يسعى ويجد بكلّ قواه لنيل السعادة والعيش الرغيد المفعم بالراحة والهناء ويحاول بكلّ طاقاته أن يسعد نفسه أولا ثمّ اسرته ومجتمعه والحق سعادة الانسان والمجتمع في نظام الاسلام الشامل الذي سنّه الله وأنزله والبشرية منذ ميلادها وحتى اليوم وغداً لم تجد نظاماً رصينا في قوانينه ومقاصده وطريقه كالدين الاسلامي القويم اذ هو دين الله والفطرة .

والاسلام جاء لإسعاد الانسان وإدارة دقة السفينة البشرية وسوقها نحو ساحلها المأمون وشاطئها المأمول شاطىء السعادة والعدالة والحرية وساحل الرفاه والسلام والتقدّم والازدهار والوصول الى الكمال المطلق وتوحيد الله الأعظم .

والنصر حليف الاسلام شاءت الأعداء أم أبت والله متم نوره ولو كره المشركون ، وقد أمرنا أن ندعو لسعادة أولادنا ونطلب من الله ذلك وهم أجنّة في بطون أمهاتهم .

بحار الأنوار ج ٥ ص ١٥٥ : باسناده عن كتاب علل الشرائع عن مولانا أمير المؤمنين عليه السلام ، قال : تعتلج النطفتان في الرحم فأيهما كانت أكثر جاءت تشبهها فان كانت نطفة المرأة أكثر جاءت تشبه أخواله وان كانت نطفة الرجل أكثر جاءت تشبه أعمامه ، وقال : تحول النطفة في الرحم


أربعين يوما فمن أراد أن يدعو الله عز وجل ففي تلك الأربعين قبل أن تخلق ثم يبعث الله عز وجل ملك الأرحام فيأخذها فيصعد بها الى الله عزوجل فيقف منه ما شاء الله فيقول : الهي أشقيّ أم سعيد ؟ فيوحى الله عزوجل من ذلك ما يشاء ، ويكتب الملك فيقول اللّهمّ كم رزقه وما أجله ؟ ثمّ يكتبه ويكتب كلّ شيء يصيبه في الدنيا بين عينيه ثمّ يرجع به فيردّه في الرحم فذلك الله عز وجل : ( مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا ) .

نهج الفصاحة ص ٢٦٠ حديث ١٢٥٧ : عن رسول الله صلّى الله عليه وآله قال : ثلاث من سعادةَ المرء المسلم في الدنيا : الجار الصالح والمسكن الواسع والمركب البهي .

انّ الله تعالى وكّل بالرحم ملكا يقول : أي رب نطفة أي رب علقة ، أي رب مضغة ، فاذا أراد أن يقضى خلقها ، قال : أي رب شقي أو سعيد ذكر أو انثى ؟ فما الرّزق فما الأجل ؟ فيكتب كذلك في بطن أُمّه .


العزيز في كل مكان

هناك اشياء عزيزة ، كالدرهم والدينار مثلا ، فكثيرا ما يعدو الانسان بك قواه ليصطادهما ، فلا يقادان له ، ولا يعتكفان بساحته ، واذا ضفر بهذين العزيزين ، تراه يصرفهما بكل سهولة ورغبة في الأعز منهما ، كأن لا عزّة لهما على طول الخط . . . وهناك أشياء عزيزة ايضا ، لكن لا كالدرهم والدينار ، ولا يجمعهما وجه شبه ابدا . منها : الولد الرشيد ، المعين لأبويه على حروف الزمان ، والأخذ بايديهما عند العجز والكبر ، فمثله النعمة الكبرى ، والجوهرة الثمينة ، بل انه هو النفس العزيزة وأعّز منها . فيا أيها الأولاد كونوا للآباء عونا وزينا حتّى تعزّوا في الدنيا والآخرة .

١ ـ قال الامام الصادق عليه السلام : ثلاثة اشياء في كل زمان عزيزة وهي الاخاء في الله تعالى ، والزوجة الصالحة الاليفة تعينه في دين الله عزّ وجلّ : والولد الرشيد ، ومن وجد الثلاثة فقد اصاب خير الدارين ، والحظ الأوفر من الدنيا والآخرة . الخ ، جاء في كتاب مصباح الشريعه ، الباب الخامس والخمسون ص ٣٦ .


المقوم

لا بد لكل شيئ من مقوّم ، فالفرد ـ مثلاً ـ لا يقوّمه الّا النوع ، والنوع لا يقوّمه الّا الجنس والفصل وهكذا . ولا يوجد في الدنيا ما لا مقوّم له . هكذا شاءت ارادة الله تعالى ، لذا نرى أنّ قوّام بعض الاشياء ببعض بحيث لو لا المقوّم ـ بكسره الواو ـ لما وجد المقوّم ـ بفتح الواو ـ .

١ ـ من ذلك قيل أن سبعه أشياء لا قوّام لها الّا بسبعة : منها : الولد بوالده . . . . معدن الجواهر ص ٦٠ .


عمارة الدّنيا

الدنيا تعمّر بأشياء اهمها التناسل وبقاء النسل وتتبعها امور لا تنفك عنها لتلازمها مع حياة الأفراد مثل الصنايع والمهن والعمارة والعمل والكد والتجارة والفقر والغنى والحاجة والسلطان بمعنى ليتخذ بعضهم بعضا سخريا .

١ ـ قال احد العلماء : أن عمارة الدنيا منوطة بستة احوال : منها : الحنو على الاولاد الذي لو زال من البشر لزال سبب التربية وكان في ذلك الهلاك . . . معدن الجواهر ، باب ذكر ما جاء في ستة ، ص ٥٦ .

٢ ـ قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم : يا ابا ذر : أن الله يصلح بصلاح العبد ولده وولد ولده ، ويحفظه في دويرته والدور حوله ما دام فيهم . . . . پندهاي گرانمايه پيغمبر ص ٣٨ الحديث ٧٨ .


حرث الدّنيا البنون

انّ ما يحرث الانسان في هذه الحياة ينتج له في هذه وفي بعدها .

أما الذي ينتج في هذه ، فهو المال والولد . فاذا كان المال من حلال فهنيئا له ما يستفيد منه .

وأما الذي ينتج له في تلك ، فهو العمل الصالح الذي قدّمه و زرعه في دنياه .

وعلى هذا يقول رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لأبي ذر :

١ ـ يا أبا ذر : حرث الآخرة العمل الصالح . حرث الدنيا المال والبنون . . . . پندهاى گرانمايه پيغمبر ، ص ٣١ الحديث ٥٨ .


لذّة الولد

من الحالات النفسانية التي تعتري الانسان هي اللذة ، واللذة لها شعب وموارد كثيرة لا تعد ، ومن مواردها المهمّة لذة الوالد من الولد بقدّه وجماله وأدبه وكماله ونطقه ومشيه وريحه وخلقه وما اشبه .

١ ـ لذا قيل : اطيب الروائح ريحان ، ريح جسد تحبه وريح ولد تمرّ به . . . . معدن الجواهر باب ذكر ما جاء في اثنين ٢٩ .


الولد نعمة

يهنّأ الانسان على نعم الله تبارك وتعالى ، وأي نعمه اكبر و أعظم من ولد يهبه المولى الكريم جلّ جلاله لأبوين عطوفين حنينين ، يتّبعا انفسهما في نشأه ونموّه وتربيته ، ويخافا عليه من أصغر حادث يربّيه او يؤذيه الى أن يبلغ اشدّه . فياليته يفطن ويبرّ بهما بعد تلك التي مضت ، وهو يسير الى الرشد ، والتهاني تتر على أبويه .

١ ـ من أقوال امير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه ، قال : في رجل هنّاه بولد شكرت الواهب ، وبورك لك في الموهوب ، وبلغ اشدّه ، ورزقت برّه . جاء في كتاب درر الكلم ، في حرف الشين بلفظ شكر ، ص ١٨٣ .


الولد ريحٰانه

الريحان زرع من الخضروات معطّر ، تميل اليه النفس وترتاح من شمّهة الروح . والولد غُصن شبّهوه بشطب الريحان ، فالأبوان لمّا ينظران الى ولدهما يستشمّا منه ما هو اعطر من الريحان في المعنى و نفوسهما ، وما الذّ من أن يكبر الولد ويمشي أمام ابويه ـ لا سيّما اذا كان صالحا ـ فقد تقل أن رجلا جاء الى البيت الهاشمي يسئل عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ، وكان بعده وفاته صلّى الله عليه وآله وسلّم والرجل لا يعلم فلما علم حزن حزنا شديدا ، فقال له الحسين عليه السلام روحي فداه ، ما معناه : أتريد أن تنظر الى من يشبه الرسول صلّى الله عليه وآله ، خِلقا وخلقا ومنطقا ، فجاء به الى أن أراه عليا الاكبر عليه السلام ، ففرح الرجل ، ثم سئله الحسين صلوات الله عليه ، ايها الرجل ما الذّ اللذائذ ؟ . فقال : أن يكون عندك ولد كهذا فيمشي أمامك ، ثم قال الحسين عليه السلام ما أشدّ الأحزان فقال فقدك كهذا الولد ، الى آخره . . . لعن الله الظالمين لكم يا آل محمّد صلوات الله وسلامه عليكم أجمعين الى يوم الدين .

١ ـ قال النبي العظيم صلّى الله عليه وآله وسلّم : الولد ريحانة . وريحانتاي الحسن والحسين عليهم صلوات الله تعالى . . . . غوالي الدرر ، حرف الواو ، ص ١٦٨ .


الانس بالولد

لا شكّ ولا ريب في أن الانسان يأنس ببعض الأشياء المطبوعة ، حيث تتماشى مع طبيعته ، كذلك لا شكّ في أن المطبوعات تختلف و تتمايز عنده ، فبعضها تطابق ذوقه مأة بالمأة ، وبعضها الآخر أقل من الأول ، وهكذا ، هذا كله من الغرائز الأولية والفطرية للبشر .

ثم ان الناس يختلفون حسب اختلاف أذواقهم ، فترى الشيئ المحبوب عند هذا لم يكن محبوبا عند الآخرين ، والمرغوب عند الآخر لم يرغب فيه بعضهم ، والمثل السائر يقول : لو لا اختلاف الأذواق لبارت السلع .

ومن الجدير بالذكر : أنّه مع اختلاف اذواقهم ، وروحيّاتهم ، و أوضاعهم ، وبيآتهم ، كلّهم قد اتّحدوا في أمر واحد ـ وحتى شاركهم به الحيوانات ـ وهو الأنس بالولد ، فالكبير والصغير ، والغني و الفقير ، والأبيض والأسود ، والشريف والوضيع ، كل يأنس بطفله ، و يراه ابدع المخلوقات .

يقال أنّه : قيل للغراب : جئنا بأجمل الفراخ ، فجاء بفرخه ، في حين أن فرخ الغراب من اقبح الفراخ ، فقسّ على هذا : فعلل وتَفعللَ .

١ ـ أبو علي الأشعري ، عن محمّد بن سالم ، عن أحمد بن النضر ، عن عمرو بن شمر ، عن جابر عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : أتى


رجل رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ، فقال : يا رسول الله انّي راغب في الجهاد ، نشيط ، قال : فقال له النبي صلّى الله عليه وآله و سلّم : فجاهد في سبيل الله ، فانّك ان تقتل تكن حيّا عند الله ترزق ، و ان تمت فقد وقع أجرك على الله ، وان رجعت ، رجعت من الذنوب كما ولدت ، قال : يا رسول الله ( صلى الله عليه وآله الكرام البرره ) ان لي والدين كبيرين يزعمان أنهما يأنسان بي ، ويكرهان خروجي ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله الطاهرين : فقرّ مع والديك ، فو الذي نفسي بيده ، لأنسهما بك يوما وليلة خير من جهاد سنة . . . . الكافي ج ٢ ، ص ١٢٨ ، باب البر ، الحديث ١٠ .


شباهة الولد

لابد للولد أن يشبه أمّا الأعمام واما الاخوال ، ولهذا الشبه أسرار عجيبة والاسلام العظيم كاشف الاسرار ، ما من معضلة الّا ويحلّها الاسلام لأنه جاء الكمال البشرية ، لذا ترى ( بونابرت نابليون ) يقول : ( ان أملي الوحيد في الحياة هي أن اعيش حتى تتاح لي الفرصة لأجمع الحكماء والمفكرين من أقطار العالم لأضع معهم دستورا متحد الشكل على اساس من تعاليم القرآن الرفيعة ، لأن هذه التعاليم هي التي يمكنها أن تقود الناس الى الخير والسعادة والرفاه ) (١) . هذا هو الاسلام وهذه شهادات اعاظم العالم له .

١ ـ وأمّا شبه الولد واخواله : فاذا سبق نطفة الرجل نطفة المرءة الى الرحم خرج شبه الولد الى أعمامه ، ومن نطفة الرجل يكون العظم والعصب . واذا سبق نطفة المرءة نطفة الرجل الى الرحم ، خرج يشبه الى اخواله ، ومن نطفتها يكون الشعر والجلد واللحم لأنها صفراء رقيقة . . . . علل الشرائع ، العلّة الثالثة ، ص ١

__________________

(١) الاسلام ابدا .


الاجتناب عن ولد الزّنا

لا ينبغي للعاقل أن يخالط كل من عرض له ، وانما ينبغي له الانتقاء ، فان الناس صناديق مغلقة ، لا يدري ما تحتويه ، وقد علّمتنا التجارب أنّ ما تضر هي اكثر بكثير مما تنفع ، فيا ولدي عليك بالتأني فيما تختار ، وعليك بالتأمّل فيمن تترك ، وكن على هون في مسيرك الصعب ، واعلم أن الحذر ينجي من الخطر .

١ ـ حدثنا محمد بن علي ماجيلويه (رض) قال : حدثنا محمد بن يحيى العطار ، عن محمد بن احمد ، عن سهل بن زياد ، عم محمد بن سنان ، عن عبيد الله بن عبد الله الدهقان ، عن ورست ، عن أبي ابراهيم عليه صلوات رب العالمين ، قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله و سلّم : خمسة يجتنبون على كل حال : المجذوم والأبرص والمجنون وولد الزنا . والأعرابي . . . . الخصال ، باب الخمسه ، ص ٢٣٣ ، الحديث ٤٢ .


شراكة الشّيطان

لعن الله ابليس ، انّه لا يترك الانسان في كل المجالات ، في العبادات والمعاملات والمجاملات ، وفي الاحوال والابدان ، فالكيّس كل الكيّس من اتقى شرّه وابتعد عنه بالاستعاذة منه بالله العظيم في كل وقت وآن ، حتى عند الاصابة فانّه من اخطر الأمور ، وأثره من أسوء الأثار ، فالحذار الحذار .

١ ـ قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم : انّ الله حرّم الجنّة على كل فاحش بذئ ، قليل الحياء ، لا يبالي ما قال وما قيل فيه ، أمّا أنّه ان تنسبه لم تجده الّا لبغي او شرك شيطان . قيل : يا رسول الله وفي الناس شياطين ؟ . قال صلى الله عليه وآله وسلّم : نعم ، أو ما تقرأ قول الله عزّ وجلّ : ( وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ ) . الاسراء آية ٦٤ . . . تحف العقول ، مواعظ النبي (ص) : ص ٣١ .


تاثير المأكولات في الاولاد

أشياء ينبغي تعلّمها واستعمالها وهي مؤثّرة في الولد ، وأخرى ينبغي تعلّمها والعمل بها فهي ايضا لها الأثر الوضعي بالنسبة للولد ، بل الاولاد ، وكلاهما اي العمل والاستعمال يؤثّران في الاولاد سواء كانوا في الصلب او في الرحم أو مولودين صغارا أم كبارا . فاليك بعض ما فيها التأثير الحسن ان شاء الله تعالى .

١ ـ قال أمير المؤمنين عليه السلام في حديث الاربعمائة : أكل السفرجل قوّة للقلب الضعيف ، ويطيب المعدة ، ويزيد في قوّة الفوآد و يشجع الجبان ، ويحسن الولد . . . المواعظ العددية ، ص ٢٨٩ .

٢ ـ وقال عليه السلام : حنّكو اولادكم بالتمر ، هكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم ( بالحسن وبالحسين عليهما السلام ) . . . المواعظ العددية ، باب الاربعمائة ، ص ٣٠٨ .

٣ ـ قال أمير المؤمنين عليه صلوات رب العالمين : عن سيد الخلائق اجمعين صلى الله عليه وآله وسلّم : وتوّقوا على اولادكم لبن البغي من النساء ، والمجنونة ، فان اللبن يعدي . . . . المواعظ العددية ، باب الاربعمائة ، ص ٢٩١ .


٤ ـ وقال عليه السلام : اختنوا اولادكم يوم السابع لا يمنعكم حر و لا برد . . . . نفس المصدر ، ص ٣٠٧ .


البشائر

البشارة هي الخبر المسرّ المفرح الذي يرتاح اليه الانسان وكل ما كانت البشارة من جليل او عظيم كانت هي الأخرى أجلّ واعظم وذات قيمة كبيرة . ومن هنا يعلم أنّ اكبر البشائر هي ما كانت من المصدر الا لاهى ، والتي يبشّر بها الخلّاق المتعال .

لكن ، مع ذلك كلّه ، ترى أنّ من البشائر ما يعكس فيها المطلوب فيبدّل الفرح بالحزن ، والسرور بالهمّ والغمّ ، وذلك كما كان في زمن الجاهلية الأولى . والقرآن الكريم يحدّثنا بكلا الأمرين .

١ ـ إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّـهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ ، اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ ، وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ * و يُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ * قَالَتْ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ ، قَالَ كَذَٰلِكِ اللَّـهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ، إِذَا قَضَىٰ أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ ( آل عمران ـ ٤٧ ) .

٢ ـ وَيَجْعَلُونَ لِلَّـهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ ، وَلَهُم مَّا يَشْتَهُونَ * وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِالْأُنثَىٰ ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَىٰ مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ ، أَيُمْسِكُهُ عَلَىٰ هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ ؟ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ( النحل ـ ٥٩ ) .


وليمة المولود

كل انسان لابد له من سرور يدخله عند اسباغ نعمة من الله تعالى عليه ، وأيّ نعمة بعد الايمان بالله تعالى هي اعظم واكبر من نعمة ولد صالح يستعين به الأب على دينه ودنياه ، والولد هو السبب المباشر الوحيد في بقاء نسل الأب ، وهو أقرب الأرحام اليه ، وقد جاء في الكتاب العزيز آيات عديدة في الرحم وصلتها ، فلأجل هذا كلّه يفرح الوالد يوم له الولد ، وقد سنّ رسول الله صلّى الله عليه و آله وسلّم ما يعبر عن الفرح والسرور عند الوالدين ، الا وهي الوليمة .

١ ـ حدثنا محمد بن علي ماجيلويه (رض) قال : حدثنا الاعمّى محمد بن أبي القاسم ، عن احمد بن أبي عبد الله البرقي ، عن سجادة العابد واسمه الحسن بن علي بن أبي عثمان ، عن موسى بن بكر ، قال ابو الحسن الاول عليه الصلاة والسلام : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم : لا وليمة الّا في خمس : أ : في عرس . ب : او غرس . ج : او عذار . د : او وكار . هـ : او ركاز . فأما العرس : فالتزويج . والخرس : النفاس بالولد . والعذار : الختان . والوكار : الرجل يشترى الدار . والركاز : الذي يقدم من مكّة . . . . الخصال ، باب الخمسة ، ص ٢٥٤ ، الحديث ٩١ . ومثله الحديث ٩٢ فراجع .


تسمية الاولاد

احدى موارد التعارف هو الاسم ، وهو أهم من بقية اسباب التعارف ، فالناس أنه لو لا الاسم لما احضرت المعاني الكلية والجزئية باسهل مؤنة في الذهن ، مثلا لو كنت في بلد ما ، واردت احضار الفيل في ذهن صاحبك ، كيف يمكن تناوله من غابات الهند ، وكيف يمكنك ادخاله في ذهن صاحبك ، فتبين أن الاسم له اهميّة كبيرة جدا بالنسبة الى جميع الأشياء والموجودات ، فمن هذا يلزم أن نسمى كل شيئ ليعرف وجوده الخارجي بوجوده اللفظي ، منه الجنين في بطن أمّه فيستحب أن يسمى كي يثبت في دفتره الامة المرحومة . . . .

١ ـ قال أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام : سمّوا اولادكم ، فان لم تدروا أذكرهم أم انثى فسمّوهم بالأسماء التي تكون للذكر والانثى ، فان اسقاطكم اذا لقوكم في القيامة ولم تسمّوهم ، يقول لأبيه الا سمّيتني وقد سمّى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم محسناً قبل أن يولد . . . . المواعظ العددية ، باب الاربعمائة ، ص ٣٠٥ .


الكُنية من الادب

انّ العرف قد جعل لكل موضوع علاقات ، وجعل علامات للاحترام بالنسبة الى الآخرين ، فمثلا : جعل علامة احترام الوارد ، القيام أمامه واحترام الراجل أن يبدأه الراكب بالسلام ، وهلّم جرّا علامات الاحترام كثيرة وكثيرة جدا . وقد قرر الاسلام العظيم ما لا ينافيه من أعراف الناس ، فقلّل وكثّر ، وجرح وأعدل ، ونفى وأثبت ، وأسس ما لم يكن يدركه الناس من قبل ، وكل ذلك بأمر من السماء ، على لسان خير البريّة محمّد صلى الله عليه وآله وسلّم ، وآله الميامين عليهم صلوات الملك العلّام . فمن تعاليمهم السّامية ، الأدب الرفيع ، حيث أن الرجل ينادي بكنيته اجلالا واعظاما له . فتمسّك بهم تسعد .

١ ـ علي بن ابراهيم ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : من السنّة والبر ان يكنّى الرجل بأسم أبيه . . . . الكافي ، ج ٢ ، ص ١٣٠ ، باب البر ، الحديث ١٦ .


الولد الصّالح

يخلف المرء في ثلاثة احدهما الولد ، فان من لم يكن له ولد لا ذِكر له بعد الموت ، ولو أن هناك آثار اخرى تكون ذكرى له ، ولكن الولد اثر اكبر واكبر لا سيّما ان كان من الصالحين ، فانّه يحيى والده في كل حين ، ربي لا تذرني فردا وانت خير الوارثين ، فعليه امرنا بطلب الولد كي يكون لنا ثمراً جنيّا ان شاء الله تعالى .

١ ـ قال أمير المؤمنين عليه افضل تحيات رب العالمين : عن النبي صلى الله عليه وآله قال : اكاثر بكم الأمم غداً . . . . المواعظ العددية باب الاربعمائة ، ص ٢٩١ .

٢ ـ هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ ، قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ * فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ ، أَنَّ اللَّـهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَىٰ مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللَّـهِ ، وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ * قَالَ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ ، قَالَ كَذَٰلِكَ اللَّـهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ ( آل عمران ـ ٤٠ ) .


الكمال

لكل شيئ زينة في الدنيا وزينة المرء كمال الأدب .

مما يجب على الولد أن يكون مؤدّبا في كل حال وكل حين ، لا سيّما وبالخصوص عند والديه ، فان الأدب عند الوالدين مما يزيد ، في توفيق الانسان ، لذا ترى القرآن الكريم ينادي بأعلى صوته :

١ ـ وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ، وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا ، فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا . . . . ( بني اسرائيل ـ ٢٣ ) .

٢ ـ قال ـ أي ابو ولاد الحناط ـ ثم قال ابو عبد الله عليه الصلاة والسلام : وأمّا قول الله تعالى ( إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا ، فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا ) قال عليه السلام : ان اضجراك فلا تقل لهما أف ، ولا تنهرهما ان ضرباك . قال عليه السلام : ( وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا ) : قال عليه السلام : ان ضرباك فقل لهما غفر الله لكما ، فذلك منك قول كريم . . . . ذرايع البيان ، الآفه الثامنة ، ص ١٧٤ .

٣ ـ قال مجاهد معناه ان بلغا عندك من الكبر ما يبولان ويحدثان


فلا تتقذّرهما ، وامط عنهما كما كانا يميطان عنك في حال الصغر ، و المتبرم ويكثر قول أف ، وهي كلمة تدل على الضجر . . . . مجمع البيان ج ٦ ، ص ٤٠٩ ، ذيل آية ( وَقَضَىٰ رَبُّكَ ) من سورة بني اسرائيل .


افضل الاعمال للولد

الأعمال على شطرين : اعمال ذات فضيلة ، واعمال ذات رذيلة . أما الرذائل فلسنا هنا بصددها . وأما الفضائل : فهي من الكلّي المشك ، أي لها مراتب متعددة ، فبعضها افضل من البعض الآخر . ان قلت : كيف نرتّب هذا الترتيب ؟ . قلنا هذا ترتيب رتّبه المولى جلّ وعلا شأنه ، وهو أعلم بالمصالح ، فكلما كانت المصلحة فيها أتم وأكمل فهي افضل ، وهذا ما يحكم به العقل والنقل . وما بعد الحقّ الّا الضلال .

١ ـ حدثنا أبي (رض) قال : حدثنا علي بن الحسين السعد آبادي ، عن احمد بن أبي عبد الله البرقي ، عن محمد بن احمد الأيادي ، عن عبد الله بن محمد ، عن عمرو بن شمر ، عن ابان بن محمد عن محمد بن علي عليهما السلام ، قال : ما من عمل افضل يوم النحر من دم مسفوك ، او مشى في بر الوالدين ، أو ذى رحم قاطع يأخذ عليه بالفضل ويبدأه بالسلام ، او رجل اطعم من صالح نسكه ودعا الى بقيّتها جيرانه من اليتامى واهل المسكنة والمملوك ، وتعاهد الأسراء . . . . الخصال ، باب الخمسة ، ص ٢٤٢ ، الحديث ٨٦ .


نصيحة الوالد لولده

لا ناصح كالأب بالنسبة الى ولده ، ولا يتصوّر أنّ هناك اب يبخل على ولده بالنصيحة ، ومن المستحيل أن يخرج الولد من قلب ابيه مهما كلّف الأمر ، لذا ترى الآباء يبالغون في نصح ابنائهم جزاهم الله خيرا .

١ ـ قال العباس بن عبد المطلب لابنه : يا بني لا تعلم العلم لثلاث خصال : لتمارى به ، ولترائى فيه ، ولتباهى به . ولا تدعه لثلاث خصال : لرغبة في الجهل ، ولزهد في العلم ، ولاستحياء في التعليم . . . . معدن الجواهر ص ٣٦ .

٢ ـ ومن كلام لقمان لابنه : ثلاثة لا تعرفهم الّا عند ثلاثة : لا تعرف الحليم الّا عند الغضب ، والشجاع الّا عند الحرب ، ولا اخاك الّا عند الحاجة . . . . معدن الجواهر ص ٣٧ .


نصح الآباء للابناء

من المعلوم لزوم نصح الأبناء على الاباء ولما كان التعبّد لله اولى من كل شئ لزم على الأبناء ايضاً نصح الآباء في هذا المورد ، لذا ترى ابراهيم عليه السلام ينصح آذر ـ سواء كان عمّه او جدّه لامّه كما جاء في التفسير ـ فكلاهما يسمّون أب عند العرب .

١ ـ قال تعالى : إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ . ( ٤٢ ـ مريم )

٢ ـ يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي . ( ٤٣ ـ مريم )

٣ ـ يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ . ( ٤٤ ـ مريم )

٤ ـ يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَـٰنِ . ( ٤٥ ـ مريم )


الاطٰاعة

لو نظرنا الى أبعاد اطاعة الوالدين لرأيناها ابعد مما تتصور ، و ذلك على لسان القرآن الكريم حيث قال : حاكيا عن اسميٰعيل ذبيح الله :

١ ـ قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ . ( ١٠٢ ـ الصافات ) وهو ـ اي ابراهيم عليه السلام يريد ذبحه .

٢ ـ عن الراوندي ، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم : أنّه قال : ـ في حديث الى أن قال ـ وان امراك ان تخرج من اهلك و مالك فاخرج ولا تحزنهما . . . ذرايع البيان ، ص ٢٠٠ ، تكملة .

٣ ـ وقال صلى الله عليه وآله وسلّم : طاعة الله طاعة الوالد . . . غوالي الدرر ، حرف الطاء ، ص ١٠٧ .

٤ ـ وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ . . . ( بني اسرائيل ٢٤ ) .

٥ ـ وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا . . . ( العنكبوت ـ ٨ ) .

٦ ـ قال « الصادق عليه السلام » : ( واخفض لهما جناح الذل


من الرحمة ) قال : لا تملأ عينيك من النظر اليهما الّا برأفة ورحمة ، و لا ترفع صوتك فوق اصواتهما ، ولا يدك فوق ايديهما ، ولا تقدّم قدّامهما . . . مجمع البيان ، ج ٦ ، ص ٤٠٩ ، ذيل آية ( وَقَضَىٰ رَبُّكَ ) من سورة بني اسرائيل .

٧ ـ محمد بن يحيى ، عن احمد بن محمد بن عيسى ، وعلي بن ابراهيم ، عن أبيه جميعا ، عن الحسين بن محبوب ، عن أبي ولّاد الحنّاط ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام ، عن قول الله عزّ وجلّ : ( وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ) ما هذا الاحسان ؟ . فقال عليه الصلاة والسلام : الاحسان أن تحسن صحبتهما وأن لا تكلفهما أن يسألاك شيئا مما ممّا يجتاجان اليه ، وان كانا مستغنيين ، أليس يقول عزّ وجلّ : ( لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّىٰ تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ) قال : ثم قال أبو عبد الله عليه أفضل التحيات ، وأما قول الله عزّ وجلّ : ( إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا ) . قال سلام الله عليه : ان اضجراك فلا تقل لهما أف ، ولا تنهرهما ان ضرباك . قال : ( وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا ) قال عليه السلام : ان ضرباك فقل لهما : غفر الله لكما ، فذلك منك قول كريم ، قال : ( وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ ) قال عليه السلام لا تملأ عينيك من النظر اليهما الّا برحمة ورقّة ولا ترفع صوتك فوق اصواتهما ، ولا يدك فوق ايديهما ، ولا تقدّم قدّامهما . . . . الكافي ، ج ٢ ، ص ١٢٦ ، باب البر ، الحديث ١ .

٨ ـ ابن محبوب ، عن خالد بن نافع التجلّى ، عن محمد بن مروان قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : انّ رجلا أتى النبي صلى الله


عليه وآله وسلّم ، فقال : يا رسول الله أوصني ! فقال صلّى الله عليه وآله وسلّم : لا تشرك بالله شيئا وان حرّقت بالنار وعذّبت الّا وقلبك مطمئن بالايمان ، ووالديك فأطعهما وبرّهما ، حيّين كانا أو ميّتين ، وان أمراك أن تخرج من أهلك ومالك فافعل ، فانّ ذلك من الايمان . . . الكافي ، ج ٢ ، ص ١٢٦ ، باب البر ، الحديث ٢ .


وصايا الآباءِ للابناءِ

من حق الولد على الوالد أن يوصيه بما ينفعه ويرشده ويأدّبه ، كي لا يكون عضوا فاسدا في المجتمع وعاله وكلّا عليه ، ولكي يكون بعده احد الثلاثة الذين يخلف بهم المرء وهو الولد الصالح ، ولو صلح الولد لكان عاملا مهمّا في جلب الرحمة لوالديه بعد الموت ، وهذا هو المطلوب .

١ ـ اوصى حكيم ولده فقال : يا بني احذر خصلة واحدة تسلم ، واتبع خصلة واحدة تغنم : لا تدخل مداخل السوء تتهم ، واشكر تدم لك النعم واعلم أن العز في خصلة واحدة ، وهي طاعة الله ، والذل في خلصة واحدة ، وهي معصية الله ، والغنا في خصلة واحدة وهو الرضا بقسم الله ، والفقر في خصلة واحدة ، وهي استقلال نعم الله ، والناس يا بني يتفاضلون بشئ واحد وهو العقل ، ويتميّزون بشئ واحد وهو العلم ، ويفوزون بشئ واحد وهو العمل ، ويسودون بشئ واحد وهو الحلم . فعليك يا بني في دينك بشئ واحد وهو الازدياد ، وفي دنياك بشئ واحد وهو الاقتصاد . معدن الجواهر ص ٢٤ .

٢ ـ قال لقمان لابنه : يا بني أنهاك عن شيئين ، عن الكسل والضجر ، فانك اذا كسلت لم تؤدي حقا ، واذا ضجرت لم تصبر على حق . معدن الجواهر ص ٢٧ .


٣ ـ أوصى حكيم ولده فقال : يا بني إن أردت الخلاص فعليك بشيئين : لا تضع ما عندك الّا في حقه ، ولا تأخذ ما ليس لك الّا بحقّه . تحصّن يا بني من الساعي عليك بشيئين : بالمداراة وحسن المعاشرة ، فانك لا تعدم احد شيئين : اما صداقة تحدث بينكما تؤمنك شرّه ، واما فرصة تظفرك به . معدن الجواهر . . باب ذكر ما جاء في اثنين ـ ص ٢٩ .

٤ ـ وصية أخرى : يا بني احفظ عنّي ثلاثة : وقّر أباك تطل أيامك ، وقّر امك ترى لبنيك بنينا ، ولا تحد النظر الى والديك فتعقهما . معدن الجواهر ص ٣٧ .

٥ ـ واعلم يا بني : أن الايام ثلاثة : أمس : يوم ماضي كأن لم يكن ، وغد : يوم منتظر كأن قد أتى ، واليوم : مقيم بغنيمة الّا كآيس لتزود الخيرات وتقطعه الفجرة بالأماني ، مع أنها ليست ايام ولكنها ساعات ، وليست ساعات ولكنها اوقات أقل من ارتداد الطرف . معدن الجواهر ص ٣٧ .

٦ ـ واعلم ان الناس في الدنيا بين ثلاثة احوال حسنات وسيئات و لذات ، وفي الآخرة بين ثلاثة احوال درجات ودركات ومحاسبات ، فمن عمل في الدنيا بالحسنات نال في الآخرة الدرجات ، ومن ترك في الدنيا السيئآت نجى في الآخرة من الدركات ، ومن هجر في الدنيا اللذات خلص في الآخرة من المحاسبات . . . معدن الجواهر . . باب ذكر ما جاء في ثلاثة . ص ٣٧ .


٧ ـ واعلم يا بُني : ان انصف الناس من جمع ثلاثا : تواضعا عن رفعة وزهداً عن قدرةٍ ، وانصافاً عن قوةٍ . وعليك بالقنوع ، ففيه ثلاث خلال : صيانة النفس ، وعز القدر ، وطرح مؤن الاستكبار . ولا تضع المعروف الى ثلاثة : اللئيم فانه بمنزلة السبخة ، والفاحش فانه يرى أن الذي صنعت اليه انما هو مخافة الفحشة ، والاحمق فانه لا يعرف ما اسديت اليه . . . ( نفس المصدر ) .

٨ ـ واعلم أن الشكر ثلاث منازل : هو لمن فوقك بالطاعة ، ولنظيرك بالمكافأة ، ولمن دونك بالإفضال . . . ( نفس المصدر ) .

٩ ـ لا تطلب حاجتك يا بني من ثلاثة : لا من كذاب فانه يقربها بالقول ويباعدها بالفعل ، ولا من احمق فانه يريد أن ينفعك فيضرّك ، ولا ممن له أكلة من جهة رجل فانه يؤثر اكلته على حاجّتك . . . ( نفس المصدر ) .

١٠ ـ اياك يا بني والكذب ، فان المرء لا يكذب الّا من ثلاثة اشياء : اما لمهانة نفسه ، او لسخافة رأيه او لغلبة جهله . . . ( نفس المصدر ) .

١١ ـ واحذر مشاورة ثلاثة : الجاهل . والحاسد . وصاحب الهوى . . . ( نفس المصدر ) .

١٢ ـ واعلم أن ثلاثة أفضل ما كان لا غناء بهم عن ثلاثة : احزم ما يكون الرجل لا غنى به عن مشاورة ذوي الرأي ، وأعف ما تكون المَرئة لا غنى بها عن الزوج ، واوفر ما تكون الدابّة لا غنى بها عن الوسط . . . ( نفس


المصدر ) .

١٣ ـ ثلاث هن للكافر مثل ما هن للمسلم : من استشارك فانصح له ، ومن ائتمنك على أمانة فأدها اليه ، ومن كان بينك وبينه رحم فصلها . . . معدن الجواهر ص ٣٨ .

١٤ ـ قال عليه السلام عند وفاته لولده الحسن عليه السلام : يا بني احفظ عني اربعا : قال عليه السلام : وما هن يا ابتى ؟ قال : اعلم أن اغنى الغنى العقل ، واكبر الفقر الحمق ، واوحش الوحشة العجب ، و اكرم الحسب حسن الخلق . . . الجواهر ص ٤٢ .

١٥ ـ اوصى حكيم ولده فقال : خذ يا بني بأربعة واترك أربعة . فقال : وما هن ؟ فقال : خذ حسن الحديث اذا حدثت ، وحسن الاستماع اذا حدثت ، وأيسر المروئة اذا خولفت ، وبحسن البشر اذا لقيت . واترك محادثة اللئيم ، ومنازعة اللجوج ، ومما راه السفيه ، و مصاحبة الماقت .

واحذر اربع خصال فثمرتهن اربع مكروهات : اللجاجة والعجلة و العجب والشره ، فأما اللجاجة فثمرتها الندامة ، وأما العجلة فثمرتها الحيرة ، وأما العجب فثمرته البغضة ، وأما الشره فثمرته الفقر .

وكن من اربعة على حذر : من الكريم اذا اهنته ، ومن العاقل اذا أهجته ، ومن الاحمق اذا مازجته ، ومن الفاجر اذا صاحبته .

واحتفظ من اربع نفسك تأمن ما ينزل بغيرك : العجلة ، واللجاج ، والعجب ، والتواني .


واعلم انه من اعطى اربعة لم يمنع اربعا : من اعطى الشكر لم يحرم المزيد ، ومن اعطى التوبة لم يحرم القبول ، ومن اعطى الاستخارة لم يمنع الخيرة ، ومن اعطى المشوره لم يمنع الصواب . . . معدن الجواهر ص ٤٥ .

١٦ ـ يا بني توقّ خمس خصال تأمن الندم : العجلة قبل الاقتدار ، والتثبّط مع سقوط الاعذار ، واذاعة السّر قبل التمام ، والاستعانة بالحسدة وأهل الفساد ، والعمل بالهوى وميل الطباع . . . معدن الجواهر ص ٥٢ .

١٧ ـ قال لقمان : يا بني احثك على ست خصال ليس منها خصلة الا تقرّبك الى رضوان الله تعالى وتباعدك من سخطه : الأولة ان تعبد الله لا تشرك به شيئا ، الثانية الرضا بقدر الله تعالى فيما احببت او كرهت والثالثة تحب في الله وتبغض في الله ، والرابعة تحب للناس ما تحب لنفسك ، والخامسة كظم الغيظ والاحسان الى من اساء اليك ، والسادسة ترك الهوى ومخالفة الردى . . . معدن الجواهر ص ٥٥ .

١٨ ـ ستة تحتاج الى سته اشياء : حسن الظن يحتاج الى القبول ، والحسب يحتاج الى الأدب ، والسرور يحتاج الى الامن ، والقراتة تحتاج الى الصداقة ، والشرف يحتاج الى التواضع ، والنجدة تحتاج الى الجد . . . معدن الجواهر ص ٥٥ .

١٩ ـ اوصى حكيم ولده فقال : يا بني اعلم أن اصعب ما على الانسان


ستة اشياء : ان يعرف نفسه ، ويعلم عيبه ، ويكتم سره ، ويهجر هواه ، و يخالف شهوته ، ويمسك عن القول فيما الا يعنيه . . . نفس المصدر .

٢٠ ـ ست خصال لا يطيقها الا من كانت نفسه شريفة : الثبات عند حدوث النعمة الكبيرة ، والصبر عند نزول الرزية العظيمة ، وجذب النفس الى العقل عند دواعي الشهوة ، ومداومة كتمان السرّ ، والصبر على الجوع ، واحتمال الجار . . . نفس المصدر .

٢١ ـ وأعلم أن النبل في ستة اشياء : مؤاخاه الأكفاء ، ومداراة الأعداء ، والحذر من السقطة ، واليقظة من الورطة ، وتجرع الغصّة ، ومعالجة الفرصة . . . . نفس المصدر .

٢٢ ـ وأعلم أن السخيّ من كانت فيه ست خصال : أن يكون مسروراً ببذله ، متبرعا بعطائه ، لا يتبعه منّا ولا أذى ، ولا يطلب عليه عوضا من دنيا ، يرى أنّه لما فعله مؤدّ له فرضا ، ويعتقد أن الذي يقبل عطاءه قاضي له حقا . . . . نفس المصدر .

٢٣ ـ فأما حق النعمة عليك فتشتمل على ست خصال : المعرفة بها ، وذكر ما يناسي منها عندك ، ومعرفة موليها ، وأن ينسبها اليه ، وأن يحسن لباسها ، وأن يقابل مسديها بالشكر عليها . . . . نفس المصدر .

٢٤ ـ وأوصيك يا ولدي بست خصال فيها تمام العلم ونظام الادب : الأولى : ألّا تنازع من فوقك . والثانية : أن لا تتعاطى ما لا تنال . الثالثة :


أن لا تقول ما لا تعلم . الرابعة : أن لا يخالف لسانك ما في قلبك . الخامسة أن لا يخالف قولك فعلك . السادسة : أن لا تدع الأمر اذا اقبل وأن لا تطلبه اذا أدبر . . . . نفس المصدر .

٢٥ ـ واحذر العجلة فان العرب كانت تسميها أمّ الندامات ، وذلك ان فيها ست خصال : يقول صاحبها قبل أن يعلم ، ويجيب قبل ان يفهم ، ويعزم فبل ان يفكّر ، ويقطع قبل ان يقدر ، ويحمد قبل أن يجرّب ، و يذم قبل ان يحمد . وهذه الخلال لا تكون في أحد الّا صحب الندامة و عدم السلامة . . . نفس المصدر .

٢٦ ـ واعلم ان ستة اشياء ينفين الحزن : استماع العلم ، ومحادثة الاصدقاء ، والمشي في الخُضرة ، والجلوس على الماء الجاري ، والتأسّي بذوي المصائب ، وحمر الايام . . . نفس المصدر .

٢٧ ـ وستة اشياء من مات فيها قاتل نفسه : من أكل طعاما قد اكله مرارا فلم يوافقه ، ومن أكل طعاما فوق ما تطيقه معدته ، ومن أكل قبل أن يستبرء ما أكل ، ومن رأى بعض اخلاط جسده قد هجم بهيجان ووجد لذلك دلائل فلم يستدركها بالادوية المسكنة ، وأن اطال حبس الحاجة اذا هاجت به ، ومن اقام بالمكان الوحش وحده . . نفس المصدر .

٢٨ ـ واعلم أن من رضى بستة اشياء صفت له دنياه وصح له دينه : من رضى ببلده ، ومنزله ، وزوجته ، ومعيشته ، وما قسم الله له من رزقه ، وما يقضيه الله عليه ان آلمه وخالف أمله . . . معدن الجواهر ص ٥٧ ،


باب ذكر ما جاء في ستة .

٢٩ ـ اوصى حكيم ولده فقال : اعلم يا بني أنه لا خير في سبعة الّا بسبعة : لا خير في قول الّا بفعل ، ولا في منظر الّا بمخبره ، ولا في ملك الّا بجودٍ ، ولا في صداقة الّا بوفاء ، ولا في فقه الّا بورع ، ولا في عمل الّا بنيّة ، ولا في حياة الّا بصحةٍ وأمن . . . . معدن الجواهر ، ص ٦٠ ، باب ذكر ما جاء في سبعة .

٣٠ ـ واعلم أن سبعة اشياء تؤدي الى فساد العقل : الكفاية التامة والتعظيم ، والشرف ، واهمال الفكر ، والأنفة في التعليم ، وشرب الخمر ، وملازمة النساء ، ومخالطة الجهال . . . نفس المصدر ص ٦١ .

٣١ ـ وسبعة اشياء يا ولدي لا تحسن بك أن تهملهن : زوجتك ما وافقتك ، ومعيشتك ما كفتك ، ودارك ما وسعتك ، وثيابك ما سترتك ، و دابتك ما حملتك ، وصاحبك ما انصفك ، وجليسك ما فهم عنك . . . نفس المصدر .

٣٢ ـ وليس صديقك صديقك الّا في سبعة اشياء : في اهلك ، و ولدك ، وعلتك ، ونكبتك ، وغيبتك ، وقلتك ، وبعد وفاتك . . . نفس المصدر .

٣٣ ـ اوصى حكيم ولده فقال : تحصّن يا بني من ثمان بثمان : بالعدل في المنطق من ملامة الجلساء ، وبالروية في القول من الخطاء ، وبحسن


اللفظ من البذاء ، وبالانصاف من الاعتداء ، وبلين الكنف من الجفاء ، وبالتودد من ضغائن الاعداء ، وبالمقاربة من الاستطالة ، الى آخره . . . معدن الجواهر ، ص ٦٥ ، باب ذكر ما جاء في ثمانية .

٣٤ ـ واعلم أن من كان منه ثمانية كان له من الله ثمانية : من اتقى الله تعالى وقاه ، ومن توكل عليه كفاه ، ومن اقرضه وفاه ، ومن سأله اعطاه ، ومن عمل بما يرضيه رضاه ، ومن صبر على محارمه حباه ، ومن انفق في سبيله جازاه . الاخيرة لا توجد في الاصل . . . نفس المصدر .

٣٥ ـ وثمانية اشياء لا تنفع الّا بثمانية : لا العقل الّا بالورع ، ولا الحفظ الّا بالعمل ، ولا شدة البطش الّا بقوه القلب ، ولا الجمال الّا بالحلاوة ، ولا السرور الّا بالأمن ، ولا الحسب الّا بالأدب ، ولا الحفظ الّا بالكفاية ، ولا المروّة الا بالتواضع . . . نفس المصدر .

٣٦ ـ اوصى حكيم ولده فقال : اعلم يا بني أن العجب لتسعة اشياء : لمن عرف الله تعالى ولم يطعه ، ولمن رجا ثوابه ولم يعمل ، ولمن خاف عقابه ولم يحترز ، ولمن عرف شرف العلم ورضى لنفسه بالجهل ، ولمن صرف جميع همّته الى عمارة الدنيا مع علمه بفراقه لها ، ولمن عرف الآخرة وخرب مستقرّه منها مع علمه بانتقاله اليها ، ولمن جر في ميدان امله وهو لا يعلم متى يعثر بأجله ، ولمن غفل عن النظر في عواقبه وهو يعلم أنه لا يغفل عنه ، ولمن يهنيه في دار الدنيا عيشه وهو لا يدري الى ما يصير أمره . . . معدن الجواهر ، ص ٦٩ ، باب ما جاء في تسعة .

٣٧ ـ يا بني عليك بتسع خلال تسد في الناس وهو : العلم ، و


الادب ، والفقه ، والعفة ، والامانة ، والوقار ، والحزم ، والحياء ، و الكرم . وهي عشرة من الاصل . . . نفس المصدر .

٣٨ ـ يا بني صن تسعة بتسعة : صن عقلك بالعلم ، وجهلك بالحلم ، ودينك بمخالفة الهوى ، ومروتك بالعفاف ، وعرضك بالكرم ، ومنزلتك بالتواضع ، ومعيشتك بحسن التكسب ، ونهضتك بترك العجب ، ونعم الله تعالى عليك بالشكر . . . نفس المصدر .

٣٩ ـ واعلم يا بني أن الحكماء ما ذمّوا شيئا ذمّهم لتسع : الكذب والغضب ، والجزع ، والحسد ، والخيانة ، والبخل ، والعجلة ، و سوء الخلق ، والجهل .

ولا مَدحوا شيئاً مدحهم لتسع : الصدق ، والحلم ، والصبر ، و الرضا بالقسم ، والوفاء ، والكرم والتأيد ، وحسن الخلق ، والعلم . . . . نفس المصدر .

٤٠ ـ واحذر يا بني مشاورة تسعة فان الرأي منهم عازب : البخيل والجبان ، والحريص ، والحسود ، وذي الهوى ، والكثير القصود مع النساء ، ومعلم الصبيان ، والمبتلى بامرأة سليطة . نقصت واحده وهي من الاصل . . . معدن الجواهر ، باب ذكر ما جاء في تسعة ص ٦٩ .

٤١ ـ اوصى حكيم ولده فقال : يا بني اوصيك بعشرة : لا تستكثر من عيب ، فانه من اكثر من شيئ عرف به ، ولا تأسف على اثم ، فانه شيئ وقيته واقلل مما يشين ، تزدد مما يزين ،


ومخاطبة السفلة فانهم يفرون ولا يشكون ، تعاب باستصحابهم ، ولا تحمد على اصطناعهم ، ولا تتجاوز بالأمور حدودها ، واذا انكرت امرك فأمسك ، وجانب هواك فانه اضر ما اتبعت ، واعمل بالحق فانه لا يضيق معه شيئ ولا ينعت فيه عاقل ، وليكن خوف بطانتك لك أشد من أنفسهم لك . . . معدن الجواهر باب العشرة ، ص ٧٢ .

٤٢ ـ واحفظ عني عشرة : اعلم أن الصدق قوة ، والكذب عجز ، و السر أمانة ، والجوار قرابة ، والمعرفة صداقة ، والعمل تجربة ، والخلق عبادة ، والصمت زين ، والشح فقر ، والسخاء غنى . . . معدن الجواهر باب ذكر ما جاء عشره ، ص ٧٢ .

٤٣ ـ وفي ( الاختصاص ) عن مولانا الصادق عليه افضل الصلاة والسلام : عن امير المؤمنين عليه صلوات الله ، في وصيه لابنه محمد بن الحنفية : واعلم أن اللسان كلب عقور ، ان حليته عقر ، ورب كلمة سلبت نعمة . فاخزن لسانك كما تخزن ذهبك وورقك . . . ذرايع البيان ص ٩ ، المقالة الثانية .

٤٤ ـ حدثنا اب (رض) قال : حدثنا سعد بن عبد الله قال : حدثني القاسم بن محمد ، عن سليمان بن داود ، قال : حدثني حماد بن عيسى ، عن ابي عبد الله عليه السلام قال : قال لقمان لابنه ، يا بني لكل شيئ علامة يعرف بها ، ويشهد عليها .

وأن للدين ثلاث علامات : العلم ، والايمان ، والعمل به .

وللايمان ثلاث علامات : الايمان بالله ، وكتبه ، ورسله .


وللعالم ثلاث علامات : العلم بالله ، وبما يحب ، وبما يكره .

وللعامل ثلاث علامات : الصلوة ، والصيام ، والزكوة .

وللمتكلف ثلاث علامات : ينازع من فوقه ، ويقول ما لا يعلم ، ويتعاطا فيما لا ينال .

وللظالم ثلاث علامات : يظلم من فوقه بالمعصية ، ومن دونه بالغلبة ، ويعين الظّلمة .

وللمنافق ثلاث علامات : يخالف لسانه قلبه ، وقلبه فعله وعلانيته سريرته .

وللآثم ثلاث علامات : يخون ، ويكذب ، ويخالف ما يقول .

وللمرائي ثلاث علامات : يكسل اذا كان وحده ، وينشط اذا كان الناس عنده ويتعرض في كل امر للمحمدة .

وللحاسد ثلاث علامات : يغتاب اذا غاب ، ويتملّق اذا شهد ، و يشمت بالمصيبة .

وللمسرف ثلاث علامات : يشتري ما ليس له ، ويلبس ما ليس له ، ويأكل ما ليس له .

وللكسلان ثلاث علامات : يتوانى حتى يفرط ، ويفرط حتى يضيع ويضيع حتى يأثم .

وللغافل ثلاث علامات : السهو ، واللهو ، والنسيان .

قال حمّاد بن عيسى : قال ابو عبد الله عليه السلام : ولكل واحدة من هذه العلامات شعب ، يبلغ العلم بها اكثر من الف باب ، والف باب ، والف باب . فكن يا حماد طالبا للعلم في آناء الليل واطراف النهار ، فان اردت ان تقرّ عينك ، وتنال خير الدنيا والآخرة ، فاقطع الطمع مما في ايدي الناس ، وعد نفسك في الموتى ، ولا تحدثن


نفسك انك فوق احد من الناس ، واخزن لسانك كما تخزن مالك . . . الخصال ، باب الثلاثة ، ص ٩٦ ، الحديث ١١٣ .

٤٥ ـ حدثنا ابي (رض) قال : حدثنا سعد بن عبد الله ، عن القاسم بن محمد ، عن سليمان بن داود ، قال : حدثني حماد بن عيسى ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قال امير المؤمنين عليه افضل الصلاة والسلام : كان فيما وعظ به لقمان ابنه أن قال له : يا بني ليعتبر من قصر يقينه ، وضعفت نيته في طلب الرزق ، ان الله تبارك وتعالى خلقه في ثلاثة احوال من أمره ، وآتاه رزقه ، ولم يكن له في واحدة منها كسب ولا حيلة . ان الله تبارك وتعالى سيرزقه في الحال الرابعة ، اما اول ذلك فانه كان في رحم أمّه يرزقه هناك في قرار مكين ، حيث لا يؤذيه حرّ ولا برد ، ثم اخرجه من ذلك واجرى له رزقا من لبن امّه ، يكفيه به ويربيه وينعشه من غير حول به ولا قوة ، ثم فطم من ذلك ، فاجرى له رزقاً من كسب أبويه برأفة ورحمة له من قلوبهما ، لا يملكان غير ذلك ، حتى أنهما يؤثرانه على انفسهما في أحوال كثيرة ، حتى اذا كبر وعقل و اكتسب لنفسه ضاق به أمره ، وظن الضنون بربّه ، وجحد الحقوق في ماله ، وقتر على نفسه وعياله ، مخافة اقتار رزق ، وسوء ظن ، ويقين بالخلف من الله تبارك وتعالى في العاجل والآجل ، فبئس العبد هذا يا بُني . . . . الخصال ، باب الثلاثة ، ص ٩٦ ، الحديث ١١٤ .


جزاء الوالد

لما كان الوالد السبب المباشر في اتيان الولد الى عالم الوجود ، ـ والوجود من اهمّ نعم الله تعالى على الانسان وليس هناك فضل لا يجازى ، كان على الولد ان يجازن والده بأحسن ما يمكن ولو أن حق الوالد لا يؤدّى ولا يمكن تأديته على ما يفى حقه ولكن لا يترك الميسور بالمعسور .

١ ـ قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم : لا يجزى ولد والده الا بشيئ واحد ، وهو أن يجده مملوكا فيشتريه ويعتقه . . . معدن الجواهر ، باب ما جاء في واحد ، ص ٢١ .

٢ ـ قال الصادق عليه السلام لاحد اصحابه وقد ذكر المسير : أن المأمور له من ذلك ثمانية : منها سر سنتين بر والديك . . . معدن الجواهر ، باب ذكر ما جاء في ثمانية ، ص ٦٤ .

٣ ـ وفي الكافي مسندا عن سويد بن غفلة قال : قال أمير المؤمنين عليه السلام : ان ابي آدم اذا كان في آخر يوم من ايام الدنيا ، واول يوم من أيام الآخرة ، مثّل ، له ماله وولده وعمله ـ الى أن قال ـ فيلتفت الى ولده ، فيقول : والله اني كنت لكم محبا واني كنت عليكم محاميا


فماذا لي عندكم ؟ . فيقولون : نؤدّيك الى حفرتك نواريك فيها . . . الخ . تسلية الفوآد في أحوال البرزخ ، ص ٨٩ .

٤ ـ محمّد بن يحيى ، عن احمد بن محمّد ، عن محمّد بن اسماعيل بن بزيع ، عن حنان بن سدير ، عن أبيه ، قال : قلت لأبي جعفر عليه صلوات الله : هل يجزى الولد والده ؟ فقال عليه السلام : ليس له جزاء الّا في خصلتين : يكون الوالد مملوكا فيشتريه ابنه فيعتقه ، أو يكون عليه دين فيقضيه عنه . . . . الكافي ، ج ٢ ص ١٣٠ ، باب البر ، الحديث ١٩ .


نهى الله عن المحارم

هناك امور نهى الله سبحانه وتعالى عن اتيانها ، فهي ممنوعة على العِبّاد ، والممنوع بلسان الشرع المقّدس يقال له حرام ، ولا ريب أن الله تعالى لا يحرّم على عبّاده امرا الّا مضرّة عليهم ، كما لا يوجب عليهم امرا الّا وفيه مصلحة لهم ، فمن ائتمر بأوامر الله تعالى فقد سعد في الدنيا والآخره ، ومن عصى ـ والعياذ بالله ـ فقد هلك وهوى ومما حرّم علينا ، هو ما جاء في الكتاب الكريم :

١ ـ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ ، وَ أُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ ، وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ ، فَإِن لَّمْ تَكُونُوا دَخَلْتُم بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ ، وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ ، وَأَن تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ ، إِنَّ اللَّـهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا ( النساء ـ ٢٣ ) .


الدافع الى الجنّة

قد جعل الله تبارك وتعزز لكل شيئ سببا ، فاحدى أسباب دخول الجنة هو دفع بعض الأشخاص وذلك لبعض الأعمال الذي قاموا بها في دار الدنيا ، وأهمّها البر بالوالدين ، فانّه السبب الرئيسي في دخول الجنة . هكذا اقتضت حكمة الله تعالى .

١ ـ علي بن ابراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن سيف ، عن أبي عبد الله عليه صلوات الله ، قال سلام الله عليه : يأتي يوم القيامة شيئ مثل الكبّة ، فيدفع في ظهر المؤمن فيدخله الجنّة ، فيقال : هذا البر . . . . الكافي ، ج ٢ ، ص ١٢٦ ، باب البر ، الحديث ٣ . . .

أقول : كلمه البر مطلقة ولكن بقرينة أنها جائت مع روايات البر بالوالدين يمكن تقييدها بهما ، وان قلت بالأعميّة : قلنا : فليكن أشخص أفرادها الوالدين .


الخُلود

كلنا يعلم أن هناك جنّة ونار ، وثواب وعقاب ، وكذلك ايضا كلنا يعلم أن من أهل النار من يخلد فيها ، وأن أهل الجنة من الخالدين فيها ابدا ، وقسم ثالث هم الذين لم يخلّدوا في النار ، لهم مدة معيّنة يسكنونها ، ثم ينجون منها ، ويتنعمون بنعيم الجنة ، وهذه الفرق الثالثة لا يرون ما هم عليه الّا بأعمالهم التي قاموا بأتيانها في دار الدنيا ، ولكن هناك قسم من الخالدين في الجنة بلا عمل عملوه في الدنيا ، وهم كما قاله الشيخ المفيد اعلى الله مقامه الشريف في شرح اعتقادات الصدوق :

١ ـ ( قال عليه الرحمة ) الجنة دار النعيم لا يلحق من دخلها نصب ، ولا يلحقهم فيها لغوب ، جعلها الله دارا لمن عرفه وعبده ، و نعيمها دائم لا انقطاع له ، والساكنون فيها على أضراب :

فمنهم من اخلص لله تعالى ، فذلك الذي يدخلها على امان من عذاب الله تعالى .

ومنهم من خلط عمله الصالح بأعمال سيّئة ، كأن يسوف منها التوبة فاخترمته المنيّة قبل ذلك ، فلحقه ضرب من العقاب في عاجله وآجله ، أو في عاجله دون آجله ، ثم سكن الجنة بعد عفو او عقاب .

ومنهم من يتفضّل عليه بغير عمل سلفا منه في الدنيا ، وهم الوالدان


المخلّدون الذين جعل الله تعالى تصرّفهم لحوائج أهل الجنة ثوابا للعالمين ، وليس في تصرّفهم مشّاق عليهم ولا كلفة ، لأنهم مطبوعون اذ ذاك على المسارة بتصرّفهم في حوائج أهل الدنيا .

تعدّد الآباءِ

يظهر أنّ الانسان لم يكن له والد واحد فحسب ، وانّما الواحد هو الأب الذي يولده ، وبعده أب علّمك وأب زوّجك ، وهناك والد آخر ذو قدر ورفعة ، يدلّنا عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم حين يقول :

العلم خدين المؤمن ـ الى أن يقول ـ والرفق والده ، والبر أخوه ـ الى آخره ـ . تحف العقول عن آل الرسول (ص) . مواعظ النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم . ص ٣٢ .


نكاح المرأه ذات الاولاد

لا شك أن كل رجل يريد المرأة وان كانت ثيبا ، وان من بعض الثيّبات ذوات أولاد ، فهل يصلح للرجل أن يقدم على مثلها ؟ . . كلا . . يقول ارباب هذا الفن : ان النساء على ثلاث . الباكر ، وهي التي لم تر زوجا ، فان تزوجتها يكن حبّها جميعه لك وحدك . الثيب ، وهي على قسمين : من رأت زوجا ولم تلد منه ، فانك ان تزوجتها يكن نصف حبّها لك والنصف الآخر بقي عند الناكح الأول . ومن رأت زوجا وولدت منه ، فانك ان ابتليت بها لم تصب من حبّها ذرّة ، فانه انقسم نصفين : نصف للناكح والباقي لأولاده ، فما بقي لك شيئ الّا الأوامر الصادرة منها ، والطعن عليك ومدح من قبلك ، وهذه الاخيرة تسمى اللفوت ـ يعني تلتفت الى فراخها ـ وليس لك منها ومن ولدها نصيب . فايّاك واحذر .

١ ـ حدثنا ابو الحسن محمد بن عمر البصري ، قال : حدثنا ابو الحسن علي بن الحسن بن البندار التميمي الطبري باسفرانين في الجامع قال : حدثنا ابو نصر محمد بن يوسف الطوسي بطبران ، قال : حدثنا أبي ، قال : حدثنا علي بن حشرم المروزي ، قال : حدثنا الفضل بن موسى السناني المروزي ، قال : قال ابو حنيفه النعمان بن ثابت : افيدك حديثاً طريفاً لم تسمع اطرف منه ، قال : فقلت نعم ، قال ابو


حنيفة : اخبرني حماد بن أبي سليمان ، عن ابراهيم النخعي ، عن عبد الله بن نجيبه ، عن زيد بن ثابت ، قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم : يا زيد تزوجت ، قال : قلت لا ! قال صلى الله عليه و آله وسلّم تزوج تستعف مع عفتك ، ولا تتزوّجن خمسا ، قال زيد : من هنّ يا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم ؟ . . . فقال رسول الله صلوات الله عليه وعلى اهل بيته الطاهرين : لا تتزوجن ، شهبرة ، ولا لهبرة ، ولا نهبرة ، ولا هيدرة ، ولا نقوتا . . . فقال زيد : يا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم ، ما عرفت مما قلت شيئا ، واني بأمرهنّ لجاهل ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم : ألستم عربا ؟ أما الشهبرة فالزرقاء البذية . . وأما اللهبرة فالطويلة المهزولة . . . وأما النهبرة فالقصيرة الذميمة . . وأما الهيدرة فالعجوز المدبرة . . وأما اللفوت فذات الولد من غيرك . . . . الخصال ، باب الخمسة ، ص ٢٥٧ ، الحديث ٩٨ .


الفرار من الولد

الولد عزيز جداً بحيث نرى بعضهم يفديه روحه ، ولكن لكل شيئ حدّ ، ولكل مسير ايقاف ، أما بالنسبة للدنيا فحدّ حب الولد الدين ، فاذا خيّر المؤمن بين ترك الدين او الولد ، فلا شك أنه يترك الولد ، و يحافظ على دينه . وأما بالنسبة للآخرة التي هي دار جزاء وبقاء فكل ينادي وانفساه ، فلا والد يجزى عن ولده ، ولا مولود هو جاز عن والده شيئا ، والأمر يومئذ لله تعالى . فهناك ترى الغرار مما لا يطاق من سنن المرسلين . ربنا ارحمنا برحمتك ، وأرنا شفعائنا في بحبوحة جنتك ، واهدنا وذرياتنا بهدايتك ، يا ارحم الراحمين .

١ ـ حدثنا ابو الحسن محمد بن عمرو بن على بن عبد الله البصري بايلاق ، قال : حدثنا ابو عبد الله محمد بن عبد الله بن احمد بن جبلة الواعظ ، قال : حدثنا أبي ، قال : حدثنا علي بن موسى الرضا عليه السلام ، قال : حدثنا موسى بن جعفر عليه السلام ، قال : حدثنا جعفر بن محمد عليه السلام ، قال : حدثنا محمد بن علي عليه السلام ، قال : حدثنا علي بن الحسين عليه السلام ، قال : حدثنا الحسين بن علي عليهم السلام ، قال : كان علي ابن ابي طالب عليه السلام بالكوفة في الجامع ، اذ قام اليه رجل من اهل الشام ، فسأله عن مسائل ، فكان فيما سئله أن قال أن قال اخبرني عن قول الله عزّ وجلّ ( يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ


وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ ) من هم ؟ فقال عليه السلام : قابيل يفر من هابيل ، والذي يفر من أمه موسى ، والذي يفر من ابيه ابراهيم على نبينا وآله وعليه السلام ، والذي يفر من صاحبته لوط عليه السلام ، و الذي يفر من ابنه نوح ، يفر من ابنه كنعان .

قال الصدوق رحمه الله تعالى انما يفر موسى من أمّه خشية أن يكون قصّر فيما وجب عليه من حقّها . وابراهيم عليه السلام انما يفر من الأب المربي المشرك لا من الأب الوالد وهو تاريخ . . . . الخصال ، باب الخمسة ، ص ٢٥٩ ، الحديث ١٠٢ .

اقول : ان الفرار يشمل الجميع حسب ما يتصور لان القرآن الكريم و ان كان له شأن نزول ، او خصوصية مورد ، الّا أنه يعمّ الموارد ويشمل الجميع . نعم يمكن أن يكون أول من يفر هم هؤلاء الذين عدّ هم أمير المؤمنين عليّ عليه افضل الصلاة والسلام . ودليلنا : ان لفظ ( المرء ) اسم جنس ، و( الـ ) يفيد العموم .


اللّعن

اللعن هو الطرد من رحمة الله تعالى ، وأي شيئ أمرّ وأنكى من الطرد ، نعوذ بالله من تلكم الأعمال التي توجب ذلك ، وهي كثير ، منها وأهمّها ما جاء في الحديث الشريف المتعلّق بالولد ووالديه ، و الولد والوالدة والتفرقة بينهما ، فهذه اشدّ موارد اللعن ، لعن الله آل اميّه كيف فرّقوا بين الأمّهات وأبنائها . فهذه المخدّرة أم القاسم ابن الحسن المجتبى عليه السلام ترى ولدها بين حوافر الخيول . وهذه المصونة أم علي الاكبر ابن الحسين الشهيد عليه السلام تراى ولدها مقطّعا بالسيوف اربا اربا وقد فارق امّه . وهذه التقية أم الرضيع ترى ولدها يتلظى من العطش ثم عند طلب الماء يرمي بسهم من حرملة لعنه الله فيذبح من الوريد الى الوريد وهو على يد المظلوم أبي عبد الله روحي فداه ، وهكذا امّهات أخرى في كربلاء تثكل وتفارق أولادها ، كل ذلك ليحكم يزيد بن معاوية عليه وعلى آله لعائن أهل السموات و الارضين ، لعائن الله والملائكة والناس اجمعين آمين .

١ ـ قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم : لعن الله من فرّق بين الوالدة وولدها . . . . غوالي الدرر ، حرف اللام ، ص ١٤٣ .

٢ ـ قال ايضا صلى الله عليه وآله وسلّم : لعن الله من لعن والديه . . . . المصدر السابق .


الممقوت

كل شيئ في الدنيا يكون ممقوتا في بعض الأوان والحالات ومن بعض الوجوه ، كما يكون ممدوحا ومستحسنا في الحالات والوجوه المعاكسة للوجوه والحالات والاوقات الأول .

ومن الاشياء المهمّة التي تؤخذ بنظر الاعتبار الكلّي هي الأموال و الاولاد ، وهذه تارة تكون زينة الحياة الدنيا ، وأخرى تكون فتنة و امتحانا ، ثالثة تكون وزرا ووبالا ، حيث يمقته العقلاء ، وحتّى تمقت في بعض الآيات والروايات .

١ ـ ( قول النبي صلى الله عليه وآله ) يا أبا ذر : انّي قد دعوت الله جلّ جلاله أن يجعل رزق من يحبّني الكفاف ، وأن يعطي من يبغضني كثرة المال والولد . . . . پندهاى گرانمايهٔ پيغمبر گرامى ، ص ٣٠ ، الحديث ٥٦ .


الوأد

( وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ ) ( التكوير ـ ٨ ) كانت المظالم ـ في زمن الجاهلية ـ علت فوق الهامات ، فلا رادع ولا مانع ، وكان من جملتها وأو البنات ، كي لا يؤسروا في الغزوات ، لأن الغزو كان من شيمة الأعراب ، فهذه الطائفة تغزوا تلك ، وذي القبيلة تغزوا ذي ، ونيران الحرب والجهل قد أحرق الطريّ واليابس ، فأنجاهم الله برجل منهم ، هو أشرف الخلائق من الأولين والآخرين ، أبي القاسم الأمين ، محمّد الهاشمي العربي المكّي المدنّي الابطحي التهامي ، الذي قلب صفحة الشرك ، والظلم ، والكفر ، والنفاق ، الى التوحيد ، و العدل ، والايمان ، والسلام ، والاسلام ، فلا جهل ، ولا غزو ، ولا واد فالعلم حلّ مكان الجهل ، والاستقرار حلّ مكان الغزو ، والدّلال و المحبّة حلّت مكان الوأد ، فجزاك الله يا رسول الله عنّا خيرا ، صلّى عليك مليك السماء .

١ ـ الوشّاء عن أحمد بن عائذ ، عن أبي خديجه ، عن أبي عبد الله عليه أفضل السلام ، قال : جاء رجل الى النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم ، فقال : انّي قد ولدت بنتا ، وربيتها ، حتى اذا بلغت ، فألبستها ، وحلّيتها ، ثم جئت بها الى قليب فدفعتها في جوفه ، وكان آخر ما سمعت منها ، وهي تقول : يا أبتاه !‍ فما كفّارة ذلك ؟ قال صلى


الله عليه وآله : ألك أمّ حيّة ؟ قال : لا ، قال صلى الله عليه وآله وسلّم : فلك خالة حيّة ، قال : نعم ، قال صلّى الله عليه وآله وسلّم : فأبررها ، فانها بمنزلة الأم ، يكفّر عنك ما صنعت ، قال أبو خديجه : قلت لأبي عبد الله صلوات الله عليه : متى كان هذا ؟ فقال عليه السلام : كان في الجاهليّة ، وكانوا يقتلون البنات مخافة أن يسبين ، فيلدون في قوم آخرين . . . . الكافي ، ج ٢ ، ص ١٣٠ ، باب البر ، الحديث ٨ .


موجبات الرحمة على الوالد

ان الانسان مهما كانت له حسنات ومهما عمل الخيرات فانه مع ذلك محتاج كل الاحتياج الى رحمة الله تعالى . ولا ينبغي ان يكتفى الانسان بما قدّم ايام حياته لآخرته ، صحيح أنّ السراج يوضع أمام المرء ليرى طريقه ولكن الاحتياج اكثر مما يتصوّر ، فعليه ينبغي للرجل النبيه أن لا يقصّر في تربية ولده كي ينشأ نشأة صالحة حتى يكون بعده سببا لغفران ذنوب والديه بطلب المغفرة والدعاء ولا ينقطع الثواب بعد الوفاة .

١ ـ قال رسول الله صلى الله عليه وآله : سبعة اشياء يكتب للعبد ثوابها بعد وفاته : منها : وخلّف ولداً صالحا يستغفر له بعد وفاته . . معدن الجواهر ، باب ذكر ما جاء في سبعة ، ص ٥٩ .

٢ ـ روى عن العالم عليه السلام أنه قال : ثمانية اشياء من كنّ فيه أدخله الله تعالى الجنّة ونشر عليه الرحمة : منها : وأحسن تربية ولده . . . معدن الجواهر ، باب ذكر ما جاء في ثمانية ص ٦٤ .

٣ ـ قال نبي الرحمة صلى الله عليه وآله وسلّم : رحم الله والدا اعان ولده على برّه . . . غوالي الدرر ، حرف الراء ، ص ٧٧ .


٤ ـ وفي الخصال عن امير المؤمنين عليه الصلاة والسلام قال : ما من الشيعة عبد يقارف نهيناه عنه فيموت حتى يبتلى ببلية تمحص بها ذنوبه ، امّا في مال ، وامّا في ولد ، وامّا في نفسه ، حتى يلقى الله عزّ وجلّ وما له ذنب ، وانّه ليبقى عليه الشيئ من ذنوبه فيشدّد عليه عند موته . . . . تسلية الفوآد ، في سكرات الموت ، ص ٤٧ .

٥ ـ وعن الصادق عليه السلام ، عن آبائه عليهم السلام ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم : مرّ عيسى بن مريم بقبر يعذّب صاحبه ، ثم مرّ به من قابل فاذا هو ليس يعذّب ، فقال على نبينا وآله وعليه السلام : يا ربّ مررت بهذا القبر عام أوّل فكان صاحبه يعذّب ، ثم مررت به العام فاذا هو ليس يعذّب ، فأوحى الله عزّ وجلّ اليه : يا روح الله أنه ادرك له ولد صالح ، فأصلح طريقا ، وآوى يتيما فغفرت له بما عمل ابنه . . . . تسلية الفوآد ، في احوال البرزخ ، ص ٨٦ .

٦ ـ في الخصال ابواب الستة ص ٢٦٣ ، الحديث ٩ . مسندا عن الصادق عليه السلام قال : ست خصال ينتفع بها المؤمن بعد موته : ولد صالح يستغفر له ، ومصحف يقرأ فيه ، وقليب يحفره ، وغرس يغرسه ، و صدقة ماء يجريه ، وسنّة حسنة يؤخذ بها من بعده . . . . تسلية الفوآد فيما يلحق الرجل بعد موته ص ١٣٤ .

٧ ـ وفي البحار مسندا عن الصادق عليه السلام قال : ليس يتّبع الرجل بعد موته الى يوم القيامة من الأجر الّا ثلاث خصال : صدقة أجراها في حياته فهي تجري بعد موته الى يوم القيامة صدقة موقوفة لا


تورث ، أو سنة هدى سنّها فكان يعمل بها وعمل بها في بعده غيره او ولد صالح يستغفر له . . . . تسلية الفوآد : نفس المصدر .

٨ ـ وعن الصادق عليه السلام ، قال : خير ما يخلفه الرجل بعده ثلاثة : ولد بارّ يستغفر له ، وسنّة خير يقتدى به فيها ، وصدقة تجري من بعده . . . . تسلية الفوآد ، نفس المصدر .

سخط الله ورضاه

جاء في تاج العروس : السخط : ضد الرضا : وهو الكراهة للشيىء وعدم الرضا به . وقد سخط : كفرح . يسخط سخطا وتسخط ، اي كره وتكرّه ، والمسخوط المكروه . وتقول كلما عملت له عملا تسخّطه أي تكرّهه ولم يرضه . وهناك اعمال تصدر من العبد لم يكن لله فيها رضا فيسخطها بل ويسخط العبد كذلك . منها الولد يسخط والديه .

١ ـ عن الراوندي ، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم أنّه قال : من أسخط والديه فقد اسخط الله ، ومن اغضبهما فقد اغضب الله « تعالى » . . . ذرايع البيان ص ٢٠٠ ، تكملة .


جند العقل

انّ للعقل جنوداً يحرسونه من الآفات ، ويساعدونه في الملمّات ، ولقد منّ الله تعالى على العقل بهذه الجنود المجنّدة كي لا تبقى عليه حجة ، وله الحجة البالغة تبارك ، وتعالى ، وفي هاتيك الجنود ـ وقد ذكرها المسعودي في كتابه اثبات الوصيّة ـ .

١ ـ هو البر بالوالدين :

( اقول ) ثم بلغ عدد الجنود كما عدّها ( ٨١ ) جنديا كل منهم يكفى لأن يقود الانسان الى شاطئ الخير والسلامة والسعادة .


الشّكر

من الواجب على كل ذي لبّ شكر المنعم ، وقد اوجبه العقل و النقل . أما العقل : لا شك ولا ريب أنه يحكم بوجوب الشكر عند اسد آل النعمة ، ومن لم يشكر المنعم فقد ظلمه . وأما النقل : فقد جاء في الأخبار الكثيرة ما يدل على وجوب شكر المنعم ، وأنّ هل جزاء الاحسان الّا الاحسان ، وأن من لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق . ثم من يستحق الشكر بعد الله سبحانه وتعالى اكثر من الوالدين ، فانهما السبب الظاهري في وجود الانسان وأي نعمة هي أولى واكبر وأفضل من نعمة الوجود وكان الانسان معدما لو لا اقتضاء حكمة الله عزّ و جلّ جعل الابوين جزء علة ايجاده ، فعليه يجب الشكر للوالدين كما يجب لله تعالى . وهو القائل تعزّز وتقدّس : ( أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ ) ( لقمان ـ ١٤ ) .

١ ـ حدّثنا محمّد بن علي ماجيلويه (رض) قال : حدّثني أبي عن احمد ين أبي عبد الله البرقي ، عن السياري ، عن الحارث بن ولهاث ، عن ابيه ، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال : ان الله عزّ وجلّ أمر بثلاثة ، مقرون بها ثلاثة أخرى : أمر بالصلاة والزكوة فمن صلى ولم يزّك لم تقبل منه صلاة ، وأمر بالشكر له وللوالدين فمن لم يشكر والديه لم يشكر الله ، وأمر باتقاء الله وصلة الرحم فمن لم يصل رحمه لم يتق الله عزّ وجّل . . . الخصال باب الثلاثة ، ص ١٢٣ الحديث ١٩٦ .


البرّ والبٰارّ

من أفضل الطاعات البرّ ، ومن افضل البرّ برّ الوالدين ، فمرحى لمن برّ والديه ، وطوبى له ، فان الجنّة مأواه ، والنار بعيدة عنه ، و هو من السعداء ، وقد جرّبنا من كان برّا بوالديه في زماننا هذا و رأيناه يعيش في سعة الرزق وتغدو وتروح عليه الايام وهو في بحبوحة النعيم ، سواء كان ثريا أم لا ، وسواء كان عاملا أم رب عمل ، والحكايات على هذه كثيرة وكثيرة جدّا ، ليس المقام مقام السرد ، لخوف الخروج عن صلب الموضوع ، لكن كيف ما تعامل ابويك يعاملك ابناؤك .

١ ـ حدّثنا محّمد بن الحسن بن احمد بن الوليد (رض) قال : حدّثنا محمّد بن الحسن الصفّار ، عن محمّد بن عبد الجبار ، عن عبد الرحمن بن أبي نجران ، عن الحسن بن علي بن رباط ، عن أبي بكر الخضرمي ، عن بعض اصحابه ، عن ابي عبد الله عليه السلام قال : برّوا آبائكم يبركم ابنائكم ، وعفوا عن الناس تعف نسائكم . . . الخصال ص ٤٤ ، باب الاثنين ، الحديث ٧٥ .

٢ ـ حدّثنا ابي (رض) قال : حدّثني علي بن موسى بن جعفر بن أبي جعفر الكميداني ، عن احمد بن محمّد بن عيسى ، عن محمّد بن أبي عمير ، عن الحسين بن مصعب الهمداني قال : سمعت أبا عبد الله


عليه السلام يقول : ثلاثة لا عذر رحد فيها : اداء الامانة الى البرّ و الفاجر ، والوفاء بالعهد للبر والفاجر ، وبر الوالدين برّين كانا أو فاجرين . . . المصدر السابق ص ٩٨ ، باب الثلاثة ، الحديث ١١٨ ، و عن علي بن ابراهيم ، نفس المتن : الكافي ، ج ٢٠ ، ص ١٢٩ ، باب البر الحديث ١٥ .

٣ ـ حدّثنا أبي (رض) قال : حدّثنا عبد الله بن جعفر الحميري ، عن محمّد بن الحسين بن ابي الخطاب ، عن الحسن بني محبوب ، عن عنبسة بن مصعب قال : سمعت ابا عبد الله عليه السلام يقول : ثلاث لم يجعل الله تعالى لاحدٍ من الناس فهنّ رخصة : بر الوالدين برّان كانا او فاجرين ، ووفاء بالعهد للبر والفاجر ، واداء الامانة الى البر و الفاجر . . . . المصدر السابق ص ١٠١ ، باب الثلاثة ، الحديث ١٢٩ .

٤ ـ اخبرني الخليل بن احمد السجزي ، قال : اخبرنا ابو القاسم البغوي ، قال : حدّثني علي يعني ابن الجعد ، قال : اخبرنا شعبة ، قال : اخبرني الوليد بن الغيران بن حريث ، قال : سمعت أبا عمرو الشيباني ، قال : حدّثني صاحب هذا الدار ، واشار بيده الى دار عبد الله بن مسعود ، قال : سألت رسول الله صلّى الله عليه وآله و سلّم ، اي الاعمال احب الى الله عز وجل ؟ . قال صلى الله عليه وآله : الصلوة لوقتها . قلت ثم أي شيئ ؟ . قال صلى الله عليه وآله : بر الوالدين . قلت ثم أيّ شيئ ؟ . قال صلى الله عليه وآله : الجهاد في سبيل الله عز وجل . قال فحدثني بهذا ، ولو استزدته لزادني . . . . الخصال ، باب الثلاثة ص ١٢٩ الحديث ٢١٣ .


٥ ـ قال منقذ البشر صلى الله عليه وآله وسلّم : برّ الوالدين يورث رضا الرحمن . . . غوالي الدرر ، حرف الباء ، ص ١٥ .

٦ ـ وقال صلى الله عليه وآله وسلّم : بر الوالدين يجزى عن الجهاد . . . . نفس المصدر . . .

٧ ـ وقال ايضا صلى الله عليه وآله وسلّم : سيّد الأبرار يوم القيامة رجل برّ والديه بعد موتهما . . . المصدر السابق ، حرف السين ، ص ٩٠ .

٨ ـ وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُن جَبَّارًا عَصِيًّا . . . ( مريم ـ آيه ١٤ ) .

٩ ـ وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا . . . ( العنكبوت ـ ٨ ) .

١٠ ـ الحسين بن محمّد ، عن معلى بن محمّد ، عن الوشّاء ، عن منصور بن حازم ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : قلت : أي الأعمال أفضل ؟ . قال صلوات الله وسلامه عليه : الصلاة لوقتها ، وبرّ الوالدين ، والجهاد في سبيل الله عزّ وجلّ . . . . الكافي ، ج ٢ ، ص ١٢٧ باب البر ، الحديث ٤ .

١١ ـ عده من اصحابنا ، عن احمد بن محمّد خالد ، عن ابيه ، عن عبد الله بن بحر ، عن عبد الله ابن مسكان ، عمّن رواه ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : قال ـ وأنا عنده ـ لعبد الواحد


الأنصاري في برّ الوالدين في قول الله عزّ وجلّ : « وبالوالدين إحساناً » ـ الى أن قال عليه السلام ـ ( وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ ( حسنا ) وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا ) فقال عليه صلوات الله : انّ ذلك اعظم « من » يأمر بصلتهما وحقّهما على كل حال « وان جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم » ؟ . فقال عليه السلام : لا بل أمر بصلتهما وأن جاهداه على الشرك ما زاد حقّهما الّا عظما . . . الكافي ، ج ٢ ، ص ١٢٧ ، باب البر ، الحديث ٦ .

١٢ ـ محمّد بن يحيى ، عن احمد بن محمّد بن عيسى ، عن علي بن الحكم ، وعدّه من اصحابنا ، عن احمد بن أبي عبد الله ، عن اسماعيل بن مهران ، جميعا عن سيف بن عميرة ، عن عبد الله بن مسكان عن عمّار بن حيّان ، قال : خبّرت أبا عبد الله عليه السلام ، ببر اسماعيل ابني بي ، فقال : لقد كنت أحبّه ، وقد ازددت له حبّا ، ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم ، أتته اخت له من الرضاعة ، فلمّا نظر اليها سرّ بها ، وبسط ملحفته لها ، فأجلسها عليها ، ثم أقبل يحدّثها ، و يضحك في وجهها ، ثم قامت وذهبت ، وجاء أخوها فلم يصنع به ما صنع بها ، فقيل له : يا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم صنعت بأخته ما لم تصنع به وهو رجل ؟ ! فقال صلى الله عليه وآله وسلّم : لأنها كانت أبر بوالديها منه . . . . الكافي ، ج ٢ ، ص ١٢٩ ، باب البر ، الحديث ١٢ .

١٣ ـ عنه « اي محمّد بن يحيى » عن علي بن الحكم ، عن سيف


بن عميرة ، عن أبي الصبّاح ، عن جابر ، قال : سمعت رجلا يقول لأبي عبد الله عليه السلام : انّ لي أبوين مخالفين ؟ . فقال عليه السلام : برّهما كما تبرّ المسلمين عن يتولّانا . . . . الكافي ، ج ٢ ، ص ١٢٩ ، باب البّر ، الحديث ١٤ .

١٤ ـ عنه ـ البرقي ـ عن محمّد بن علي ، عن عبد الرحمان بن محمّد الأسدي ، عن حريب الغزال ، عن صدقة القتاب ، عن الحسن البصري ، قال : كنت مع أبي جعفر عليه السلام بمنى ، وقد مات رجل من قريش فقال عليه السلام : يا أبا سعد قم بنا الى جنازته ، فلمّا دخلنا المقابر قال عليه السلام : ألا اخبركم بخمس خصال هي من البرّ ، والبرّ يدعوا الى الجنّة . قلت بلى . قال عليه السلام : اخفاء المصيبة وكتمانها ، والصدقة تعطيها بيمينك لا تعلم بها شمالك ، وبرّ الوالدين ، فانّ برّهما لله رضى ، والاكثار من قول : ( لا حول ولا قوة الّا بالله العلي العظيم ) فانّه من كنوز الجنّة ، والحبّ لمحمّد وآل محمّد صلى الله عليه وآله وسلّم أجمعين . . . . المحاسن ، كتاب الاشكال والقرائن ، ص ٨ ، الحديث ٢٧ .


برّ الوالدين

ان الله تبارك وتعالى يرحم عباده ، وجعل لكل شيئ شيئا ولنزول رحمته على عباده ايضا اسباب ، منها اشفاق الاولاد ابويهما . . .

١ ـ قال سيّدنا الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلّم : اربع خصال من كنّ فيه ادخله الله تعالى جنّته ونشر عليه رحمته : منها : من اشفق على والديه . . . معدن الجواهر ، باب ذكر ما جاء في اربعة ، ص ٣٩ .

٢ ـ وقال صلى الله عليه وآله وسلّم : من ألهم أربعة اشياء : من برّ والديه ، أنسئ في أجله ، ووسع عليه في رزقه ، ومنع بعقله ، وسهل عليه في ساقته يريد به الموت ، ولقّن حجته في قبره . . . معدن الجواهر باب ذكر ما جاء في اربعة ، ص ٤٠ .

٣ ـ روى عن العالم عليه السلام أنه قال : ثمانية اشياء من كنّ فيه ادخله الله تعالى الجنّة ونشر عليه الرحمة : منها : وبرّ والديه . معدن الجواهر ، باب ذكر ما جاء في اربعة ، ص ٦٤ .

٤ ـ وقال « رسول الله » صلى الله عليه وآله وسلّم : تفتح ابواب


السماء بالرحمة في اربع مواضع : عند نزول المطر ، وعند نظر الولد في وجه الوالدين . وعند فتح باب الكعبة . وعند النكاح . . . سفينة البحار ، باب الزاء بعده الواو ، ص ٥٦١ .

٥ ـ قال امير المؤمنين عليه الصلاة والسلام : الله رحيم بعباده و من رحمته أنه خلق مائه رحمة ، وجعل منها رحمة واحدة في الخلق كلّهم ، فبها يتراحم الناس ، وترحم الوالدة ولدها ، وتحنن الأمهات من الحيوانات على أولادها . . . الى آخره الحديث . . . تسلية الفوآد فصل في الشفاعة ص ١٩٥ .


البرّ بالاُمّ

مما يجب على الولد هو أن يبرّ بأبويه ، ولكن فرق بين الأم والأب ، فان حق الأم اكثر لأنها حملت وارضعت وربّت وسهرت الليال ، كل ذلك في سبيل راحة الولد ، حتى كبر وشاب ، وصار يستلذ بلذة الوجود ، والآن حان وقت اداء الحق ، فيجب البر بها اكثر فأكثر .

١ ـ قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم : أمّك أمّك أمّك ! ثم أباك ! ثم الأقرب ! فالأقرب . . . . غوالي الدرر ، حرف الالف ، ص ١٣ .

٢ ـ قال صلى الله عليه وآله وسلّم ايضا : الجنّة تحت أقدام الأمهات . . . . المصدر السابق ، حرف الجيم ، ص ٤٢ .

٣ ـ عن عائشة ، قالت : قلت : « يا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم » فأي الناس اعظم حقا على الرجل ؟ . قال صلى الله عليه وآله وسلّم : أمه . . . . ذرايع البيان ، الآفة الثامنة ، ص ١٩٧ ، نقلا عن المستدرك للحاكم .

٤ ـ علي بن ابراهيم ، عن ابيه ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، عن أبي عبد الله عليه الصلاة والسلام والتحيات والبركات ، قال : جاء رجل الى النبي صلى الله عليه وآله وسلّم .


جاء رجل الى النبي صلى الله عليه وآله وسلّم تسليماً كثيرا كثيرا ، فقال يا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم من أبر ؟ . قال صلوات الله عليه وعلى آله : أمك ، قال : ثم من ؟ قال أمّك ، قال ثم من ؟ أمّك ، قال : ثم من ؟ . قال صلى الله عليه وآله : أباك . . . . الكافي ، ج ٢ ، ص ١٢٧ ، باب البر ، الحديث ٩ .

٥ ـ عده من اصحابنا ، عن احمد بن محمد بن خالد ، عن علي بن الحكم ، عن معاوية بن وهب ، عن زكريا بن ابراهيم ، قال : كنت نصرانيا سلمت ، وحججت ، فدخلت على أبي عبد الله عليه السلام ، فقلت : اني النصرانية ، واني اسلمت ، فقال عليه السلام : وأي شيئ رأيت في الاسلام ؟ قلت : قول الله عزّ وجلّ : « مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَٰكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَن نَّشَاءُ » فقال عليه السلام : لقد هداك الله تعالى ، ثم قال عليه السلام : اللهم اهده ـ ثلاثا ـ سل عمّا شئت يا بني ، فقلت : ان أبي وأمي على النصرانية وأهل بيتي ، وأمي مكفوفة البصر ، فأكون معهم ، وآكل في آنيتهم ؟ . فقال عليه السلام : يأكلون لحم الخنزير ؟ . فقلت لا ، ولا يمسّونه ، فقال عليه السلام : لا بأس ، فانظر أمك فبرّها ، فاذا ماتت فلا تكلها الى غيرك ، كن أنت الذي تقوم بشأنها ، و لا تخبرنّ احدا أنّك أتيتني ، حتى تأتيني بمنى ان شاء الله ، قال : فأتيته بمنى والناس حوله كأنه معلّم صبيان ، هذا يسأله وهذا يسأله ، فلما قدمت الكوفة الصفت لأمي ، وكنت اطعمها ، وأفلّى ثوبها ورأسها ، وأخدمها ، فقالت لي : يا بني ما كنت تصنع بي هذا وانت على ديني فما الذي أرى منك منذ هاجرت فدخلت في الحنيفية ؟ . فقلت : رجل من ولد نبينا أمرني بهذا ، فقالت هذا الرجل هو نبي ؟ . فقلت : لا ، و


لكنه ابن نبيّ ، فقالت : يا بنيّ ان هذا نبيّ ، ان هذه وصايا الانبياء ، فقلت : يا أمّه ، انّه ليس يكون بعد نبينا نبيّ ، ولكنه ابنه ، فقالت : يا بنيّ دينك خير دين ، أعرضه عليّ ، فعرضته عليها ، فدخلت في الاسلام وعلمتها ، فصلّت الظهر والعصر والمغرب والعشاء الآخرة ، ثم عرض لها عارض في الليل ، فقالت : يا بنيّ أعد عليّ ما علمتني ، فأعدته عليها ، فأقرّت به وماتت ، فلمّا اصبحت كان المسلمون الذين غسّلوها ، وكنت أنا الذي صليت عليها ، ونزلت في قبرها . . . . الكافي ، ج ٢ ، ص ١٢٨ ، باب البر ، الحديث ١١ .

٦ ـ الحسين بن محمد ، عن معلّى بن محمد ، وعليّ بن محمد ، عن صالح بن أبي حمّاد ، جميعا عن الوشاء ، عن أحمد بن عائذ ، عن أبي خديجه سالم بن مكروم ، عن معلى بن خنيس ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : جاء وسأل النبي صلى الله عليه وآله وسلّم عن برّ الوالدين ، فقال صلى الله عليه وآله وسلّم : ابرر أمك ، أبرر أمك ، أبرر أمك ، أبرر أباك ، أبرر أباك ، أبرر أباك ، وبدأ بالأم قبل الأب . . . . الكافي ، ج ٢ ، ص ١٣٠ ، باب البر ، الحديث ١٧ .

٧ ـ علي بن ابراهيم ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس بن عبد الرحمن ، عن عمرو بن شمر ، عن جابر ، قال : أتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم فقال : اني رجل شاب نشيط ، وأحب الجهاد ، ولي والدة تكره ذلك ؟ . فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلّم : ارجع فكن مع والدتك ، فو الذي بعثني بالحق « نبيا » لأُنسها بك ليلة خير من جهادك في سبيل الله سنة . . . . الكافي ، ج ٢ ، ص ١٣٠ ، باب البر ، الحديث ٢٠ .


رضا الاُمّ وسخطهٰا

ان في رضاء الأم وسخطها آثار عجيبة ، رأيناها في زماننا هذا ـ القرن الرابع عشر ـ وآثارها بعضاً تتعلق بالدنيا ، وبعضاً تتعلق بالآخرة ، تتعلق بالفقر والغنى ، والتوفيق وعدمه ، وطول العمر و قصيره ، وبركة النسل وعدمه ، وسعة الصدر وضيقه ، وهكذا الأم تؤثّر في جميع مرافق الحياة من الخير والشرّ ، والسعادة والشقاء ، الى ابعد الحدود ، والى ما شاء الله تعالى .

١ ـ وحكى انّه كان في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلّم شاب يسمى علقمة ، وكان كثير الاجتهاد في طاعة الله ، في الصلاة والصوم و الصدقة ، فمرض واشتد مرضه ، فأرسلت امرأته الى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم : ان زوجي علقمة في النزع فأردت أن اعلمك يا رسول الله بحاله . فأرسل النبي صلى الله عليه وآله وسلّم عمارا وصهيبا و بلالا ، وقال صلى الله عليه وآله وسلّم : امضوا اليه ولقّنوه الشهادة ، فمضوا اليه ودخلوا عليه فوجدوه في النزاع ، فجعلوا يلقّنونه : لا اله الّا الله . ولسانه لا ينطق بها فارسلوا الى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم يخبرونه أنه لا ينطق لسانه بالشهادة . فقال صلّى الله عليه وآله وسلّم : هل من ابويه أحد حي ؟ . قيل : يا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم أم كبير السنّ ، فأرسل اليها رسول الله صلى الله عليه


منّي ! . فانطلق بلال فسمع علقمة من داخل الدار يقول : لا اله الّا الله . فدخل بلال فقال : يا هؤلاء ان سخط أم علقمة حجب لسانه عن الشهادة ، وان ارضاها اطلق لسانه . ثم مات علقمة من يومه ، فحضره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم ، فأمر بغسله وكفّنّه ، ثم صلّى عليه ، وحضر دفنه ، ثم قام صلى الله عليه وآله وسلّم على شفير قبره ، و قال صلى الله عليه وآله وسلّم : يا معشر المهاجرين والأنصار ، من فضّل زوجته على أمّه فعليه لعنة الله والملائكة والناس اجمعين ، لا يقيل الله منه صرفا ولا عدلا ، الّا أن يتوب لله عزّ وجلّ ، ويحسن اليها ويطلب رضاها فرضى الله في رضاها ، وسخط الله في سخطها . . . الى آخره . . . . ذرايع البيان ، الآفة الثامنة ص ١٨٦ .


معنى العٰاق والعقوق

لكل أُمة لغة ، ولكل لغة ألفاظ ، وقد وضعت الالفاظ بأز امعان ، اما الالفاظ العربية ، ولغتها فهي معجزة اللغات والالفاظ ، وقد اعجزت ارباب الفنّ باتقانها وتنسيقها ، لا سيما القرآن الكريم ، كلام الله المجيد ، معجزة الدهر الذي تعدد منه التحدي بالنسبة الى جميع اهل اللسان ، فهو القائل : قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَىٰ أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَـٰذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا . . ( بني اسرائيل ـ ٨٨ ) .

أما لفظ العقول ومعناه : فقد جاء في المجمع ، في مادة ( عقق ) : أدنى العقوق ( أف ) عق الولد اباه ، يعق ، عقوقا . من باب عقد : اذا آذاه وعصاه ، وترك الاحسان اليه وهو البر له . واصله من العق : و هو الشق والقطع .

١ ـ وهو من المعاصي الكبيرة مما أوعد الله عليه ، والاخبار به مصرّحة بأن العاق لا يدخل الجنّة ، وحاله حال مدمن الخمر ، والمنان لفعل الخير . . . . ذرايع البيان ، ص ١٩٨ ، تكمله .

٢ ـ عن ( الجعفريات ) قال رسول الله صلى الله عليه وآله : من احزن والديه فقد عقّهما . . . . ذرايع البيان ، ص ١٩٩ ، تكملة .


٣ ـ عن النبي صلى الله عليه وآله وسلّم : أنّه قال : ثلاثه لا يحجبون عن النار : العاق لوالديه . والمدمن من الخمر . والمنان بعطائه . قيل : يا رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين ، وما عقوق الوالدين ؟ . . قال صلى الله عليه وآله وسلّم : يأمران فلا يطيعهما . ويسألانه فيحرمانهما . واذا هما لم يعظهما بحق ما يلزمهما . . . . نفس المصدر ، ص ٢٠٠ .


عاق الوالدين

انّ موجبات عقاب الله تعالى لعبده كثيرة وهو اشدّ المعاقبين في موضع النكال والنقمة ومن موارد عقابه الأليم ـ أعاذنا منه ـ عدم اطاعة الوالدين وأذاهم وعقوقهم وما يشينهم ، فاتق النار ايها الولد البار .

١ ـ قال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم : ثلاثة لا يدخلون الجنّة : منهم : العاق . معدن الجواهر ، ص ٣١ ، باب ذكر ما جاء في ثلاثة .

٢ ـ قال امير المؤمنين سلام الله عليه : من ظلم يتيما عقّ اولاده . . . درر الكلم ، حرف الميم ، ص ٢٣٩ .

٣ ـ عن مولانا الصادق عليه افضل الصلاة والسلام : لا يدخل الجنّة العاق لوالديه ، والمدمن من الخمر ، والمنان بالفعال الخير اذا عمله . . . . ذرايع البيان ، ص ١٩٨ ، تكلمه .

٤ ـ عن شيخنا المفيد باسناده عن أبي اسحق الهمداني ، عن أبيه ، عن سيّد الموحدين أمير المؤمنين عليه السلام ، « قال » قال


رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم : ثلاثة من الذنوب تعجل عقوبتها و لا تأخر الى الآخره : عقوق الوالدين . والبغي على الناس . وكفر الاحسان . . . . ذرايع البيان ، ص ١٩٩ .

٥ ـ وفي رواية « الكراچي » : ملعون ملعون من ضرب والديه ، ملعون من عقّ والديه ، ملعون من قاطع رحمه . . . المصدر السابق .

٦ ـ عن مولانا الباقر عليه الصلاه والسلام : اياكم والعقوق فان الجنة يوجد ريحها من مسيرة مائة سنة ، وما يجدها عاق ، ولا قاطع رحم . . . نفس المصدر .


عقّ الوالدين

لا يتخيّل أن العقوق الذي هو تعرّض الى عقاب الله وعذابه يكون من جهة الوالدين فحسب ، وانّما هو من الجهتين ، يعني أنّه كما يعقّ الوالدان ولدهما ، كذلك الولد يعقّ والديه اذا ظلماه وهو برّ بهما ، فانّ الله تبارك وتعالى عدل محض ، فلم يجعل حقّا لاحد على احد الّا وجعل مثله للطرف الآخر ، واليك الحديث المتضمّن هذا المعنى .

١ ـ حدّثنا أبي (رض) قال : حدّثنا علي بن ابراهيم بن هاشم ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن جعفر بن محمّد ، عن ابيه ، عن آبائه ، عن علي صلوات الله عليهم اجمعين قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم : يلزم الوالدين من العقوق لولدهما ، اذا كان الولد صالحاً ما يلزم الولد لهما . . . الخصال ، باب الاثنين ، ص ٤٥ ، الحديث ٧٧ .


Description: E:BOOKSBook-LibraryENDQUEUEAthar-Khaled-Walad-Waledimagesrafed.jpg


حقّ الوالدين

ذوي الحقوق كثيرون ، ولكن اكبر الحقوق واعظمها واولاها حق الله سبحانه وتعالى ، ورسوله عليه وآله الصلاة والسلام ، واولياءه عليهم صلوات ربّ الارباب ، لأن اعظم النعم واكبرها من هؤلاء ، فالله تعالى حدّث عن نِعمه ولا حرج ( وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّـهِ لَا تُحْصُوهَا ـ ابراهيم ـ ٣٤ ) وأما الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، فكم قاسى المحن واحتمل المصائب والأذى في سبيل هداية وسعادة البشر ، حتى قال صلى الله عليه وآله وسلّم : ما اوذي نبي مثل ما اوذيت . وأما الأولياء أئمة الخلق وهداه الحق المصطفين المنتجبين صلوات الله عليهم اجمعين ، فسل عنهم التأريخ والعلم والانسانية لترى اياديهم على كل ذي وجود من يومهم الى آخر الدنيا ، بل وحتى في الآخرة و نعيمها ، فاز من تمسّك بهم ونجى ، وخسر من تركهم وهوى ، اللهم احينا حياتهم وامتنا مماتهم ، واحشرنا معهم بحقّهم عليك وحقك عليهم آمين آمين يا رب العالمين .

١ ـ قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم : حقّ عليّ على المسلمين كحق الوالد على ولده . . . . غوالي الدرر ، حرف الحاء ، ص ٤٩ .

٢ ـ وقال صلى الله عليه وآله وسلّم ايضا : انا وعلي أبوا هذه


الأمّة . . . نفس المصدر .

٣ ـ علي بن ابراهيم ، عن محمد بن عيسى بن عبيد ، عن يونس بن عبد الرحمن ، عن درست بن أبي منصور ، عن أبي الحسن موسى على آبائه وأبنائه وعليه افضل التحيات والبركات من الله تعالى ، قال : سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وآله البررة الكرام ؟ . ما حق الوالد على ولده ؟ . قال صلوات الله المتعال عليه وآله الطاهرين : لا يسمّيه باسمه ، ولا يمشي بين يديه ، ولا يجلس قبله ، ولا يستسبّ له . . . . . الكافي ، ج ٢ ، ص ١٢٧ ، باب البر ، الحديث ٥ .

٤ ـ عدة من اصحابنا ، عن احمد بن محمد بن خالد ، عن أبيه عن عبد الله بن بخر ، عن عبد الله بن مكان ، عنم رواه ، عن أبي عبد الله عليه الصلاة والسلام ، قال : قال ـ وأنا عنده ـ لعبد الواحد الأنصاري في برّ الوالدين في قول الله عزّ وجلّ : ( وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ) ـ فظننّا أنها الآية التي في بني اسرائيل ( وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ « وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا » ) فلمّا كان بعد سألته ؟ . فقال : هي التي في لقمان ( وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ « حسنا » وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا ) فقال : ان ذلك أعظم « من » أن يأمر بصلتهما وحقّهما على كل حال ( وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ) ؟ . فقال : لا بل يأمر بصلتهما وان جاهداه على الشرك ماذا وحقّهما الّا عظما . . . الكافي ج ٢ ، ص ١٢٧ ، باب البر ، الحديث ٦ .


اعالة الاولاد

ان موضوع الاعالة موضوع مهّم جدّا ، وقد درسه وتدارسه علماء الاقتصاد من زمن غير قريب ، ولهم فيه الكلام الطويل من نفض وابرام ، ودفع ودخل ، فمنهم من اوجب النفقة ـ اي اعالة الاولاد ـ وهو ما وافق الاحكام الاسلامية ، وطبعاً بحدود حدّدها الشرع الشريف ـ راجع كتاب النكاح في الفقه ـ ، وفهم من لا يوجبها ، بل يشكّلها و يعرفها بشكل لا طائل تحته مهما بحثنا ونبحث . وانا اذ أسلمنا وجهنا لله تعالى ، ما لنا وأقوال المخلوق له جلّ وعلا في أمور قد شرّع لها نهجا قويما مستقيما ، كما قد أعضينا عن التفلسف فيما وجب علينا تعبدا .

١ ـ حدّثنا محمّد بن الحسن بن احمد الوليد (رض) قال : حدّثنا محمّد بن الحسن الصفّار قال : حدّثنا محمّد بن عيسى بن عبيد ، عن زكريا المؤمن ، رفعه الى ابي عبد الله الصلاة والسلام قال : من عال ابنتين او اختين او عمتين او خالتين حجبتاه من النار . . الخصال ص ٣٠ ، باب الاثنين ، الحديث ١٤ .


النفقة على الوالد

من الواضع المهمّه في الشرع المقدّس ، هو موضوع النفقه ، و هذا الموضوع الذي قد اقلق أدفعه المفكرين العصريّين ، فانهم كلما يحاولون أن يجعلوا النفقه كلّ على عاتقه ، ويقنّنوا بهذا الصدد قانونا يرون العيب والنقص باوزان في ما يرمون اليه ، فان أيّ كفه يرجحونها تبقى الأخرى موجوحه ، ويبان الخلل في دستورهم ، فلا مفرّ الّا الى المشرّع الخالق ، ولا مناص الّا الالتجاء الى ما سنّه هو جلّت عظمته ، فلن تجد لسنة الله تبديلا ، ولن تجد لسنته الله تحويلا .

١ ـ حدّثنا أبي ، ومحمد بن الحسن (رض) قالا : حدّثنا محمد بن يحيى العطار ، واحمد بن ادريس جميعا عن محمد بن احمد ، عن موسى بن عمر ، عن عبد الله بن المغيرة ، عن حريز ، عن أبي عبد الله عليه الصلاة والسلام ، قال ( حريز ) قلت من الذي أجبر عليه وتلزمني نفقته : قال عليه السلام : الوالدان ، الولد ، والزوجة . . . الخصال ، باب الاربعة ، ص ٢٠١ ، الحديث ١٠٩ .

٢ ـ حدّثنا محمد بن الحسن (رض) ، قال : حدّثنا محمّد بن يحيى العطار ، عن محمد بن احمد ، عن أبي اسحاق ابراهيم بن هاشم عن أبي طالب عبد الله بن الصلت القمي ، عن عدة من اصحابنا ، يرفعونه


الى أبي عبد الله عليه التحيّات الزاكيات من الله ، أنه قال عليه السلام : خمسة لا يعطون من الزكوة ، الولد . والوالدين . والمرأة . والمملوك . لأنّه يجبر « الرجل » على النفقه عليهم . . . . الخصال ، باب الخمسة ، ص ٢٣٤ ، الحديث ٤٥ .

٣ ـ يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَ الْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ، وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّـهَ بِهِ عَلِيمٌ ( البقرة ـ ٢١٥ ) .


الدّعاءِ

لكل شيئ ـ مهما صغر أو كبر ـ أثر ، والآثار تتعلق بالدنيا و الآخرة ، ومما روئي منه اعجب الآثار هو الدعاء ، فقد جرّب أن بعض الأدعية تشقّ طريقها الى الاستجابة كالسيف الصارم ، كيف لا يكون كذلك والدعاء اتصال مباشر بذات الجلالة تبارك وتعالى . ولا شك أن العاء من البعض اقرب الى هدف الاستجابه .

١ ـ حفظ عنهم عليهم السلام : أن ستة لا تحجب لهم عن الله تعالى دعوة : منهم الوالد البار لولده ، والولد الصالح لوالده . . . . معدن الجواهر ، باب ما جاء في ستة ، ص ٥٥ .

٢ ـ حدثنا ابو الحسين محمّد بن علي بن الشاة ، قال : حدثنا ابو حامد احمد بن الحسين ، قال : حدّثنا ابو يزيد احمد بن خالد الخالدي ، عن محمّد بن احمد بن صالح التميمي ، قال : حدثنا أبي ، قال : حدثني انس بن محمد ابو مالك ، عن ابيه عن جعفر بن محمد ، عن ابيه ، عن جدّه ، عن علي بن ابيطالب عليهم السلام ، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلّم أنه قال : في وصيته له ، يا علي اربعة لا تردّ لهم دعوة : امام عادل ، ووالد لولده ، والرجل يدعو لأخيه بظهر الغيب ، والمظلوم يقول الله جل جلاله وعزتي وجلالي لانتصرّن لك ، ولو بعد


حين . . . الخصال ، باب الاربعة ، ص ١٥٧ ، الحديث ٤ .

٣ ـ عن « الجعفريات » قال رسول الله صلى الله عليه وآله و سلّم : ايّاكم ودعوة الوالد ! فانها ترفع فوق السحاب حتى ينظر الله اليها ، فيقول : اليّ حتى استجيب له ، فايّاكم ودعوة الوالد فانها احدّ من السيف . . . . ذرايع البيان ، ص ١٩٩ ، تكملة .

٤ ـ عن « الجعفريات » عن الراوندي بسند طويل ، عن سلمة بن وردان ، قالت : سمعت أنس بن مالك يقول : ارتقى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم المنبر درجة ، فقال : آمين . ثم ارتقى الدرجة الثانية ، فقال : آمين . ثم ارتقى الدرجة الثالثة ، فقال : آمين . ثم استوى فجلس . فقال اصحابه على ما أمّنت يا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم ؟ فقال : أتاني جبرائيل فقال : رغم أنف امرئ ذكرت عنده فلم يصل عليك ، فقلت آمين . فقال : رغم انف امرئ ادرك ابويه فلم يدخل الجنّة ، فقلت آمين . فقال : رغم انف امرئ ادرك شهر رمضان فلم يغفر له ، فقلت آمين . . . . ذرايع البيان ، ص ٢٠٠ ، تكمله .

٥ ـ قال سيد الانام صلى الله عليه وآله وسلّم : ثلاث دعوات لا ترد أ ـ دعوة الوالد لولده . ب ـ ودعوة الصائم . ج ـ ودعوة المسافر . . . غوالي الدرر ، حرف الثاء ، ص ٣٠ .

٦ ـ قال ايضا صلى الله عليه وآله وسلّم : دعاء الوالد لولده كدعاء النبي لأمته . . . . المصدر السابق ، حرف الدال ص ٦٠ .


٧ ـ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا . . . ( بني اسرائيل ـ ٢٤ ) .

٨ ـ قال صاحب مجمع البيان : معناه أدع لهما بالمغفرة والرحمة في حياتهما وبعد مماتهما جزاء لتربيتهما ايّاك في صباك ، وهذا ان كانا مؤمنين ، وفي هذا دلالة أنّ دعاء الولد لوالده الميّت مسموع والّا لم يكن للامر به معنى . . . . ج ٦ ، ص ٤١٠ ، ذيل آيه ( وقل رب ) من سوره بني اسرائيل .

٩ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن معمّر بن خلّاد ، قال : قلت لأبي الحسن الرضا عليه وعلى آبائه وأبنائه الصلاة والسلام والتحيات والبركات الى يوم الدين ، آمين ، ادعو لوالديّ اذا كانا لا يعرفان الحق ؟ . قال عليه السلام أدع لهما ، وتصدّق عنهما ، وان كانا حيين لا يعرفان الحق فدارهما ، فان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم ، قال : انّ الله بعثني بالرحمة لا بالعقوق . . . الكافي ج ٢ ، ص ١٢٧ ، باب البر ، الحديث ٨ .


حقوق الوالدين

هل يمكن لعبد يؤدى حقوق الله كما هو حقّه ؟ . كلّا ثمّ كلّا . ولمّا كان حق الوالدين مشتق من حق الله تبارك وتقدّس كيف يمكن اداءه ! وبغض النظر عن اداء الحق كلّه ، يظن أن لا يمكن اداء قسط ضئيل منه ، فالويل كل الويل للذين لا يسعون في اداء هذا الحق العظيم .

١ ـ قال الصادق عليه وعلى آبائه وأبنائه الصلوة والسلام : برّ الوالدين من حسن معرفة العبد بالله ، اذ لا عبادة اسرع بلوغا لصاحبها الى رضا الله من برّ الوالدين المؤمنين لوجه الله تعالى ، لأن حق الوالدين مشتق من حق الله تعالى ، اذا كانا على منهاج الدين والسنة ، ولا يكونان يمنعان الولد من طاعة الله تعالى الى طاعتهما « معصيته خ ل » ومن اليقين الى الشك ، ومن الزهد الى الدنيا ، ولا يدعو أنّه الى خلاف ذلك ، فاذا كانا كذلك ـ أي يدعوان الى خلاف طاعة الله تعالى ـ فمعصيتهما طاعتهما معصية ، قال الله تعالى وتقدّس : ( وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ ) ( لقمان : ١٥ ) . جاء في كتاب مصباح الشريعة ، الباب الثاني والسبعون ، ص ٤٨ .

٢ ـ وأما في باب المصاحبة « العشرة خ ل » فقاربهما وارفق


بهما واحتمل اذا هما بحق « بنحو خ ل » ما احتملا عنك في حال صغرك ، ولا تظيّق عليهما فيما قد وسّع الله عليك من المأكول والملبوس ولا تحوّل وجهك « بوجهك خ ل » عنهما ، ولا ترفع صوتك فوق صوتهما ، فان تعظيمهما من أمر الله ، وقل لهما باحسن القول ، و الطف بهما ، فان الله لا يضيع أجر المحسنين .

٣ ـ قال رسول الانسانية صلى الله عليه وآله وسلّم : يا علي ! رضا الله من رضا الوالدين . . . . غوالي الدرر ، حرف الياء ص ١٧٢ .

٤ ـ قال صلى الله عليه وآله وسلّم : يا علي ! سخط الله في سخط الوالدين . . . . نفس المصدر .


حقّ الولد على الوالد

كما أن للوالد حق على الولد ، كذلك للولد حق على الوالد ، ولو أن كلاهما عرف حق صاحبه وأدّاه لازداد خيرهما وذهب عنهما ما يسوئهما ، ولشملتها رحمة الله تعالى في الدنيا والآخرة ، وما المطلوب سواها .

١ ـ ثم من حق الولد على الوالد ما قاله أحد الحكماء : اعلم أن لولدك عليك سبعة حقوق : تتخيّر أمه ، واسمه ، وظئره ( المرضعة ) ، و تعلّمه كتاب الله عزّ وجلّ ، والخط ، والحساب ، والسباحه . . . . معدن الجواهر ، باب ما جاء في سبعة ، ص ٦١ .

٢ ـ قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم : حق الولد على الوالد أن يحسن اسمه . . . . غوالى الدرر ، حرف الحاء ، ص ٤٩ .


( الفريضة )

من الفرائض ما لا مانع من مبادلتها بغيرها ، مثل خصال كفّارة الصوم مثلا . فالمكلّف ان عجز عن صوم شهرين متتابعين ، له أن يبدّلها بالعتق او الاطعام . ومنها ما لا مجال لتبديلها مع بقاء عنوانها الأولى كما أن للفرائض درجات وأحجام ، فمنها ما تكن صغيرة ومنها ما تكن اكبر ، ومن كبرائها برّ الوالدين التي لا تتبدل بغيرها من البرّ و الحسنات .

١ ـ من كلمات مولانا امير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه أنه قال بر الوالدين اكبر فريضة ، جاء في كتاب درر الكلم .

٢ ـ وقال تعالى : وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا . . . . النساء آية ٣٦ . . والبقرة آيه ٨٣ . . والأنعام آية ١٥١ . والاسراء آية ٢٣ .

٣ ـ قال شيخنا العلامة المجلسي « ره » في ج ١٦ ص ١٤ من ( بحار الانوار ) نقلا عن الكافي مسندا عن علي بن ابراهيم وابن محبوب وأبي ولاد الحنّاط (رض) أنه قال : سألت ابا عبد الله عليه السلام عن قول الله عزّ وجلّ ( وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ) ما هذا الاحسان ؟ فقال عليه السلام : الاحسان ، ان تحسن صحبتهما ، وأن


لا تكلّفهما أن يسألانك شيئا مما يحتاجان اليه ، وان كانا مستغنين عنه ، اليس يقول الله تعالى ( لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّىٰ تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ) . . . ذرايع البيان ، الآفة الثامنة ، ص ١٧٢ .


العبادة

الكلام في العباده مفروغ عنه ، لأن الباري جلّ جلاله لم يكن يخلق الخلق الّا لأجلها ، وهو تبارك وتقدّس القائل في محكم التنزيل : ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ) ( الذاريات ـ ٥٦ ) . ولكن ما هي ؟ . ان مصاديق العباده كثيرة وكثيرة جدا بحيث لا يمكن عدّها وحصرها ، لأنّه يمنن للانسان أن يجعل كل اعماله صغيرة او كبيرة من عبادة الله جلّ جلاله وعلا ، لأن الأعمال بالنيات . ومن العبادات المرموقة التي لا محيص منها حب الأبوين .

١ ـ قال النبي صلوات الله عليه وعلى آله المعصومين : نظر الولد الى والديه حبّا لهما عبادة . . . غوالي الدرر ، حرف النون ، ص ١٥٦ . وتحف العقول ، مواعظ النبي صلى الله عليه وآله وسلّم ص ١٣٢ .

٢ ـ من لا يحضره الفقيه : روي أنّ النظر الى الكعبه عبادة ، والنظر الى الوالدين عبادة ، والنظر الى المصحف من قرائه عبادة ، والنظر الى وجه العالم عبادة ، والنظر الى آل محمّد صلوات الله عليهم عبادة . . . . زندگاني سلطان على وهلال بن على ، ص ٧ .


احب الانباءِ

الواقع أن حب الوالدين لا يختلف بالنسبة لاولادهم ، الّا أنه هناك مزايا ذاتية في بعض الاولاد وهي مما تؤهّلهم لأن يكونوا اقرب الى قلب الوالدين ، او أن في طباعهم حسنات توجب لهم حنان الوالدين اكثر ، وبغضّ النظر عن هذه الأمور لا فرق بين الاولاد صغيرهم وكبيرهم وذرهم وانثاهم كلّهم زينة في هذه الحياة .

١ ـ قال لؤي بن غالب لامرأته : اي بنيك احب اليك ؟ قالت : احبّهم اليّ الذي اجتمع فيه ثمان خصال : منها : ولا يغيّر تبرّه عقوق . . . . . معدن الجواهر ص ٦٤ .


درجات العقوق

العقوق ما يقابل البر ، وكما أن البرّ له درجات ، كذلك العقوق له درجات ، وهذه الدرجات والمراتب تظهر عند الأبناء حين يعصون أبويهم ، أو يؤذونهم ـ والعياذ بالله ـ فكل ما كان الأذى أشدا ، تكون مرتبه العاق أمراً ، وهكذا الى أن تصل النوبة الى عقوق ليس فوقه عقوق . وهذا ما قرّره الامام الصادق جعفر بن محمّد صلوات الله عليهما وعلى آبائهما وأبنائهما الطيبين الطاهرين ، حيث جاء في الحديث :

١ ـ حدّثنا محمّد بن الحسن بن احمد بن الوليد (رض) قال : حدّثنا محمّد بن الحسن الصفار ، عن العباس بن معروف ، عن أبي همّام اسماعيل بن همّام ، عن محمّد بن سعيد بن غزوان ، عن اسماعيل بن مسلم السكوني ، عن جعفر بن محمّد ، عن ابيه عليهما السلام ، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلّم قال : فوق كل برّ برّ حتى يقتل الرجل في سبيل الله عزّ وجلّ ، فاذا قتل في سبيل الله فليس فوقه برّ وفوق كل عقوق عقوق ، حتى يقتل الرجل احد والديه ، فاذا قتل احدهما فليس فوقه عقوق . . . الخصال ص ٩ ، باب الواحد ، الحديث ٣١ .

٢ ـ حدّثنا أبي (رض) قال : حدّثنا محمّد بن يحيى العطار قال :


حدّثني ايوب بن نوح عن محمّد بن سنان ، عن موسى بن بكر الواسطي قال : قلت لأبي الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام : الرجل يقول لابنه او لابنته بأبي أنت وأمي ، أو بأبوي . أترى بذلك بأسا ؟ . فقال عليه السلام : ان كان ابواه حيين ، فأرى ذلك عقوقا ، وان كانا قد ماتا فلا بأس . قال : ثم قال عليه السلام : كان جعفر عليه السلام يقول : سعد أمرؤ لم يمت حتّى يرى خلفه من بعده ، وقد والله أراني الله خلفي من بعدي . . . الخصال ، ص ٢٢ ، باب الواحد ، الحديث ٩٤ .

٣ ـ حدّثنا ابي (رض) قال : حدّثنا احمد بن ادريس ، عن محمّد بن أحمد ، عن محمّد بن السندي ، عن علي بن الحكم ، عن محمّد بن فضيل عن شريس الوابشي ، عن جابر ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم : ان الجنّة ليوجد ريحها من مسيرة خمسمائه ، عام ولا يجدها عاق ولا ديوث ، قيل يا رسول الله وما الديوث ؟ . قال صلى الله عليه وآله وسلّم : تزني امرأته وهو يعلم . . الخصال ، باب الاثنين ، ص ٣٠ ، الحديث ١٥ .

٤ ـ حدّثنا ابو احمد محمّد بن جعفر البنداء ، قال : جعفر بن محمّد بن نوح ، قال : حدّثنا محمّد بن عمرو ، قال : حدّثنا يزيد بن زريع ، قال : حدّثنا بشر بن نمير ، عن القاسم بن عبد الرحمن ، عن أبي امامة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم : اربعة لا ينظر الله اليهم يوم القيامة : عاق ، ومنّان ، ومكذب بالقدر ، ومدّ من خمر . . . الخصال ، باب الاربعه ، ص ١٦٢ ، الحديث ١٨ .

٥ ـ حدّثنا محمّد بن الحسن بن احمد بن الوليد رضي الله عنه ،


قال : حدّثنا محمّد بن الحسن الصفّار ، عن ايوب بن نوح وابراهيم بن هاشم جميعا عن محمّد بن ابي عمير ، عن بعض اصحابه عن ابي عبد الله عليه السلام ، قال : وجدنا في كتاب علي عليه السلام أن الكبائر خمس : الشرك بالله عزّ وجلّ . وعقوق الوالدين . وأكل الربا بعد البيّنة . والفرار من الزحف . والتعرّب بعد الهجرة . . . . الخصال ، باب الخمسة ، ص ٢٢٣ ، الحديث ١٦ .

٦ ـ عن ابراهيم بن أبي البلاد ، عن ابيه ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : لو علم الله شيئا أدني من ( اف ) لنهى عنه ، وهو من العقوق ، وهو أدنى العقوق ، ومن العقوق ان ينظر الرجل الى والدين يحدّ النظر اليهما . . . ذرايع البيان ، ص ٢٠٠ ، تكملة .

٧ ـ روى أن موسى عليه السلام ، قال : يا ربّ أين صديقي فلان الشهيد ) . قال جلّ وعلا : « هو » في النار . قال عليه السلام : أو ليس قد وعدت الشهداء الجنّة ؟ . قال تعالى : بلى ، ولكن كان مصرّا على عقوق الوالدين ، وأنا لا أقبل مع العقوق عملاً . . . . المصدر السابق .

٨ ـ قال نبي الاسلام المحبوب صلى الله عليه وآله وسلّم : يا بان معجّلان عقوبتهما في الدنيا : البغى ، والعقوق . . . غوالي الدرر ، حرف الباء ، ص ١٤ .

٩ ـ وقال صلى الله عليه وآله وسلّم ايضا : ثلث قد حرّم الله عليهم


الجنّة : أ ـ مدمن الخمر . ب ـ والعاق . ج ـ والديوث . . . المصدر السابق ، حرف الثاء ، ص ٣٠ .

١٠ ـ وقال صلى الله عليه وآله وسلّم : ثلثة لا يحجبون النار : أ ـ المنّان . ب ـ وعاق والديه . ج ـ ومدمن خمر . . . . المصدر السابق ص ٣٢ .

١١ ـ وقال صلى الله عليه وآله وسلّم : شر الاولاد : العاق لوالديه . . . . المصدر السابق ، حرف الشين ، ص ٩٤ .

قال أمير المؤمنين صلوات الله عليه وعلى ذراريه اجمعين : من أحزن والديه فقد عقّهما . . . . المواعظ العددية ، باب الاربعمائة ص ٢٩٥ .

١٣ ـ وفي كتاب ( الكبائر ) للحافظ محمّد بن احمد بن عثمان بن قايماز الذهبي ، التركماني الفارقي الأصل ، الدمشقي الشافعي ، المتوفى سنه ٧٤٨ هـ ص ٤٠ في الكبيرة الثامنة ، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلّم : لو علم الله شيئا أدنى من الأُفّ لنهى عنه ، فليعمل العاق ما شاء أن يعمل فلن يدخل الجنّة ، فليعمل البار ما شاء أن يعمل فلن يدخل النار . . . . ذرايع البيان ، الآفة الثامنة ، ص ١٧٦ .

١٤ ـ وروى عن علي بن موسى الرضا عليه وعلى آبائه وابنائه الصلاة والسلام ، عن ابيه ، عن جدّه أبي عبد الله عليهم السلام ، قال : لو علم الله لفظة أوجز في ترك عقوق الوالدين من أفّ لأتى به . . . .


مجمع البيان ، ج ٦ ، ص ٤٠٩ ، ذيل آية ( وَقَضَىٰ رَبُّكَ ) من سورة بني اسرائيل .

١٥ ـ فيه ايضا : وفي رواية اخرى عنه ، قال عليه السلام : أدنى العقوق أف ولو علم الله شيئا أيسر منه وأهون منه لنهى عنه . . . نفس المصدر .

١٦ ـ فيه ايضا : وفي خبر آخر فليعمل العاق ما يشاء أن يعمل فلن يدخل الجنّة ، فالمعنى : لا تؤذهما بقليل ولا كثير . . . . نفس المصدر .


حيّيان او ميّتان

يظن البعض من الأبناء أن الوالدين ان توفيّا انقضت العلاقة بينه وبينهما فلا حقّ ولا حقوق ولا عقوق ، لكن يجب أن ينبّه هؤلاء بأن العلاقة التي صاغتها السماء غير قابلة للانفصام فهي باقية حتى الأبد ، وحتى الأبوين كالقلاوة المطوّقة للجيد ، فلا خلاص ولا مناص ، ويجب البر بهما واداء حقّهما حيّين كانا أو ميّتين ، ويمكن أن يقال ان حقّهما وهما متوفّيان آكد من حقّهما في أيام حياتهما لأنهما بعد هذه الحياة تقصر أيديهما عن العمل فيستحقّا النجدة بالخير والخيرات من الحج والصلوات ، والصوم والصدقات ، والصلاة المتتاليات ، ومن ثم يدعوان للانسان ، وعلى الله الاستجابة والغفران .

١ ـ عنه « اي عدة من اصحابنا » عن محمّد بن علي ، عن الحكم بن مسكين ، عن محمّد بن مروان ، قال : قال أبو عبد الله عليه أفضل الصلاة والسلام : ما يمنع الرجل منكم أن يبّر والديه حيّين وميّتين ؟ . يصلّى عنهما ، ويتصدّق عنهما ، ويحج عنهما ، ويصوم عنهما ، فيكون الذي صنع لهما ، وله مثل ذلك ، فيزيده الله عزّ وجلّ ببرّه وصلته خيرا كثيرا . . . . الكافي ، ج ٢ ، ص ١٢٧ ، باب البر ، الحديث ٧ .

٢ ـ الحسين بن محمّد ، عن معلى بن محمّد ، عن الحسن بن علي


عن عبد الله بن سنان ، عن محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه الصلاه والسلام ، قال : ان العبد ليكون بارا بوالديه في حياتهما ، ثم يموتان فلا يقضى عنهما ويوفّهما ، ولا يستغفر لهما ، فيكتبه الله عاقا ، وانّه ليكون عاقا لهما في حياتهما ، غير بار بهما ، فاذا ماتا قضى دينهما ، و استغفر لهما ، فيكتبه الله عزّ وجلّ بارا . . . . الكافي ج ٢ ، ص ١٣٠ ، باب البر ، الحديث ٢١ .


الجنة

لو فكّرنا قليلاً وامعنّا النظر لرأينا الجنّة هي غاية الغايات ، وهي لا تحصل الّا بأمور ، وأهمّها خدمة الوالدين ورضاهما ، فانّ الجنّة تحت اقدام الأمهات ، فلا يسعنا الّا أن نخدم والدينا ، سواء في حياتهم او بعد وفاتهم ، وان كانت طريقة الخدمة تختلف عند الحياة وبعد الممات ، الّا اننا مسؤلون في كلتا الحالتين ، فالنهيئ أنفسا ، ولنستمع الى ما جاء من كبرائنا ، اهل بيت العصمة ، وموضع الرسالة محمّد وآله الطاهرين ، صلوات الله عليهم اجمعين .

١ ـ حدّثنا محمد بن علي ماجيلويه (رض) قال : حدّثني عمّي محمد بن أبي القاسم ، عن احمد عن محمد بن خالد ، عن الحسن بن محبوب عن عبد الله بن سنان ، عن ابي حمزة الثمالي ، عن أبي جعفر عليه السلام ، قال : اربع من كنّ فيه ، بني الله له بيتا في الجنة : من آوى اليتيم ، ورحم الضعيف ، واشفق على والديه ، ورفق بمملوكه . . . . الخصال ، باب الاربعة ، ص ١٨٠ ، الحديث ٥٣ . وفي المحاسن ، البرقي عن ابن محبوب ، كتاب الاشكال والقرائن ، الحديث ٢٣ ص ٧ .

٢ ـ حدّثنا احمد بن علي بن ابراهيم بن هاشم ، عن ابيه ، عن جدّه ، عن عبد الله بن ميمون ، عن جعفر بن محمد ، عن ابيه عليهما


السلام ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم : اربع من كنّ فيه ، نشر الله عليه كنفه وادخله الجنة في رحمته : حسن خلق يعيش به في الناس ، ورفق بالمكروب ، وشفقة على الوالدين ، واحسان الى المملوك . . . . الخصال باب الاربعة ، الحديث ٥٧ ص ١٨١ .

٣ ـ وقد ورد عن الرسول الأعظم محمّد صلى الله عليه وآله وسلّم من اصبح مرضيا لأبويه ، اصبح له بابان مفتوحان الى الجنّة ، ومن أمسى فمثل ذلك ، وان ظلما ، وان ظلما ، وان ظلما . . . . ذرايع البيان ، الآفة الثامنة ، ص ١٧٨ .


النّار

نعوذ بالله من النار ومن غضب الجبّار ، ان المعاصي كثيرة ، و بعضها كبيرة ، ومن اكبرها سخط الوالدين ، فانه داء وبيل ، من ابتلى لا ينجيه ملك مقرّب ، فهذا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم يحذّرنا من سخط الوالدين وينذرنا النار وغضب الجبار . اللهم أرض عنا والدنيا بمحمّد وآله الأطهار صلواتك عليهم أجمعين .

١ ـ وقد ورد عن الرسول الاعظم محمّد صلى الله عليه وآله وسلّم : ومن اصبح مسخطاً لأبويه ، أصبح له بابان مفتوحان الى النار ، ومن أمسى مثل ذلك ، وان كان واحداً فواحد ، وان ظلما ، وان ظلما ، و ان ظلما . . . . ذرايع البيان الآفة الثامنة ، ص ١٧٨ .


وآله ، وقال للرسول : قل لها : ان قدرت على المسير الى رسول الله صلى الله عليه وآله ، والّا فقرّي في المنزل حتى يأتيك ، فجاء اليها الرسول فأخبرها بقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم . فقالت : نفسي له الفداء ، انا احق بأتيانه ، فتوكأن على عصى ، واتت الى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم ، فسلّمت ، فردّ عليها السلام ، و قال لها : يا أم علقمة أصدقيني ، وان كذبتيني جاء الوحي من الله تعالى ، كيف كان حال ولدك علقمة ؟ . قالت : يا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم ، كثير الصلاة وكثير الصيام ، وكثير الصدقة . قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم : فما حالك ؟ . قال : يا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم انا عليه ساخطة . قال صلى الله عليه وآله وسلّم : ولِمَ ؟ قالت : يا رسول الله يؤثر عليّ زوجته ويعصيني . فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم : ان سخط أم علقمة حجب لسان علقمة عن الشهادة ، ثم قال صلى الله عليه وآله وسلّم : يا بلال انطق واجمع لي حطبا كثيراً ! قالت : يا رسول الله صلى وما تصنع به ؟ . قال صلى الله عليه وآله وسلّم : احرقه بالنار بين يديك . قالت : يا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم ولدي لا يحتمل قلبي أن تحرقه بالنار بين يدي . قال صلى الله عليه وآله وسلّم : يا أم علقمة عذاب الله اشّد وأبقى ، فان سرّك أن يغفر الله له فارضي عنه . فوالذي نفسي بيده لا ينتفع علقمة بصلاته ولا بصدقته ما دمت عليه ساخطة . فقالت : يا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم : اني اشهد الله تعالى وملائكته ومن حضرني من المسلمين : اني قد رضيت عن ولدي علقمة . فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم : انطلق يا بلال اليه فانظر هل يستطيع أن يقول : لا اله الّا الله . أم لا ، فلعلّ أم علقمة تكلمت بما ليس في قلبها حياء


الجنّة من النّار

الوقاية خير من العلاج ، والحمية رأس السلامة ، فمن توقّى واحتمى سلم . هذه احاديث من الرسول والآل صلوات الله وسلامه وبركاته عليه وعليهم اجمعين . أمامكم فتوقّوا بها ، واحتموا بمباديها ، فانها خير وقايه للمتقين ، وامنع حماية للمحتمين . قد اوضحوا لنا الطريق واناروه وعلّمونا ما لم نكن نعلم ، فها ، طرق الجنّة ، وذى مهاوى النار ـ و العياذ بالله ـ . ومما علّمونا هو خدمة الأبوين فانها وقاية وحمية ، و جنّة من النار . اللهم اجعل محبتنا لآبائنا الكرام جنّة لنا من النار ، بمحمّد وعترته الطيّبين الأطهار ، صلواتك عليهم اجمعين ، آمين .

١ ـ محمد بن يحيى عن احمد بن محمّد بن عيسى عن علي بن الحكم ، عن سيف بن عميره ، عن عبد الله بن مسكان ، عن ابراهيم بن شعيب ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه أفضل السلام : انّ أبي قد كبر جدا وضعف ، فنحن نحمله اذا أراد الحاجة ، فقال : ان استطعت أن تلى ذلك منه فافعل ، ولقّمه بيدك ، فانه جنّة لك غدا . . . الكافي ج ٢ ، ص ١٢٩ ، باب البر ، الحديث ١٣ .


كفران النّعمة

الانسان كفور ، لم يقم وزنا لأنعم الله تعالى ، في حين انّ أنعمه جلّت عظمته لا تعد ولا تحصى ، واكثر من ذلك أنّه يكفر ، وهذا يكون سببا لقطع الرّحمة ، وقلّة البركة ، وعدم رضى المولى جلّ جلاله ، والى آخر ما ينشأ من هذه القضية من مآسي ، ومحن يشيب لها الاطفال و اعظم الكفران ، أن الفجرة من بنى الانسان نسبوا الى الله ما لا ينبغي ، طالع ما قاله رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم .

١ ـ يا ابا ذر : انّ الله جلّ ثناءه لمّا خلق الأرض ، وخلق ما فيها من الشّجر ، لم تكن في الأرض شجرة يأتيها بنوا آدم الّا اصابوا منها منفعة ، فلم تزل الأرض والشجر كذلك ، حتى تكلّم فجرة بني آدم بالكلمة العظيمة ، قولهم : ( اتخذ الله ولدا ) فلمّا قالوها اقشعرّت الأرض ، وذهبت منفعة الأشجار . . . پندهاى گرانمايهٔ پيغمبر ، ص ٤٠ ، الحديث ٨٢ .


المضر

أعاذنا الله تعالى من أن نكون من المضرّين أو المتضررين ، فالأنسان ان لم يحفظه الله تعالى من شرور نفسه الأمّارة بالسوء ، سيكون و العياذ بالله امّا والد سوء ، أو ولد سوء ، وكلاهما مما يبعثان على شقاءه في الدنيا والآخرة ، اجارنا الله تعالى وأبنائنا من سوء السريرة وعقوق الوالدين .

١ ـ من اقوال سيّد الوصيين أمير المؤمنين عليه السلام قال : والد السوء يعرّ السلف ويفسد الخلف . هذا بالنسبة الى الوالد ، وأمّا بالنسبه الى الولد : قال عليه السلام : ولد السوء يهدم السلف ويشين الشرف . وقال عليه السلام أيضاً : ولد عقوق محنة وشوم . . . درر الكلم ، حرف الواو ، ص ٢٨٧ .


لا ضرر ولا ضرار

من القواعد المسلّمة التي سنّها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم هي قاعدة لا ضرر ولا ضرار ، وهذه كانت في قصة سمرة بن جندب مع أحد الأنصار الذي كان قد باعه دارا فيها نخلة ، وكان يأتيها سمرة كل يوم فاستثقل الأنصاري الأمر ، فشكا الى النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم ، فبعث النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم الى سمرة واحضره ، فقال له : بعه النخلة ، فأبي سمرة ، واخيرا أمر رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بقلع النخلة واعطائها ايّاه ، وقال : لا ضرر ولا ضرار في الاسلام . وفيما نحن فيه احدى مصاديق الضرر والضرار ، فقال العلي القدير جلّت قدرته :

١ ـ وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا ، لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا ، وَلَا مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ ، وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَٰلِكَ ، فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا ، وَإِنْ أَرَدتُّمْ أَن تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُم مَّا آتَيْتُم بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّـهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّـهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ( البقرة ـ ٢٣٣ ) .


الهرب بعد الطلب

لقد خلق الانسان هلوعاً ، يحرص على سلامته مهما كلّف الأمر ، و يبخل بماله مهما قلّ أو كثر ، وتهزّمه أصغر صعوبة ، ويخيفه أقلّ شين وليس له صبر ولا تصبّر على مكاره الدهر ، حتى ولو كان يضرّه في دينه أو دنياه ، وهذا ديدنه من قديم الزمان ، يمتنع عن الخير ، ويجزع من الشرّ ، فما صلح من هذا النوع الّا القليل ، اولئك الذين هداهم الله تعالى فاهتدوا ، وهدوا الى صراط السويّ ، والباقون لا يعبئون بقول ولا فعل ، ها هو القرآن الكريم يحدّثنا عن بعضهم ، وهم الذين طلبوا من نبيّ لهم أن يبعث لهم ملكا يقاتلون معه في سبيل الله تعالى محتجّين بطردهم عن ديارهم ، وابنائهم ، ولكن لمّا حصص الحق و حان وقت العمل تولّوا الّا قليلا منهم ، فهربوا بعد الطلب .

١ ـ أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ مِن بَعْدِ مُوسَىٰ إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَّهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ ، . . . ، وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا ، فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِّنْهُمْ ، وَاللَّـهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ . . . . ( البقرة ـ ٢٤٦ ) .


اولاد ابليس

هكذا اقتضت حكمة الله سبحانه وتعالى أن يكون المولّدون ثلاثة ، وكل يولد حسب ما تقتضيه طبيعته الأولية ، ثم انه يمكن لاولادهم أن يختاروا غيرما هم عليه ، فمثلا ابليس لا يلد الّا الكافر ، ولكن آمن أحد اولاده واسمه هام بن هيم بن لاقيس بن ابليس وهذا خلاف ما تقتضيه ذاته .

١ ـ حدّثنا محمّد بن الحسن بن احمد بن الوليد (رض) قال : حدّثنا محمّد بن الحسن الصفّار ، قال : حدّثنا احمد بن محمّد بن عيسى ، عن محمّد بن اسماعيل ، عن الحسن بن طريف عن أبي عبد الرحمن ، عن معاويه بن عمّار ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : الاباء ثلاثه : ١ ـ آدم : ولد مؤمنا . ٢ ـ والجان : ولد مؤمنا وكافرا . ٣ ـ وابليس : ولد كافرا . وليس فيهم نتاج ، انمّا يبيض ويفرخ ، وولده ذكور ، ليس فيهم اناث . . . الخصال ، باب الثلاثة ، ص ١٢٠ ، الحديث ١٨٦ .


الذّل

هناك أمور كثيرة تسبب ذل الانسان ، كالجهل والحمق وحقارة النفس وما اشبه . ومن هذه الامور تتعلق بشخص الانسان ، يعني يتمكن دفعها ان اراد ، ومنها ما لا تتعلق بشخصه ، وانما هي مرتبطة بالقضاء والقدر مثل اليتم والفقر وعدم الشخصية وما اشبه ، وقد اخبرنا بذلك صادق آل محمّد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين .

١ ـ حدّثنا احمد بن محمّد بن الهيثم العجلي (رض) قال : حدّثنا ابو العباس احمد بن يحيى بن زكريا القطان ، قال : حدّثنا بكر بن عبد الله بن حبيب ، قال : حدّثنا تميم بن بهلون ، عن ابيه ، عن عبيد الله بن الفضل الهاشمي ، قال : قال ابو عبد الله عليه السلام ثلاثة من عازهم ذل : ـ الوالد . والسلطان . والغريم . . . الخصال ، باب الثلاثة ، ص ١٥٥ ، الحديث ٢٧١ .


توابع المرء

لا بدّ للانسان من الرّحيل ، فانّ هذه الحياة ليست مقاماً للمقام ، كل من عليها فان ، أمّا ، فاذا يبقى وماذا يأخذ ؟ . يقول الناس ما ترك ، وتقول الملائكة ما قدّم ؟ . أمّا ما تركه فهو للوارث يتنعّم به ، وأما الذي يأخذه وهو تابع وباق اليه : هي ثلاث : قالها الامام ابو عبد الله جعفر بن محمّد الصادق عليه السلام .

١ ـ حدّثنا أبي (رض) قال : حدّثنا عبد الله بن جعفر الحميري ، عن احمد بن محمّد بن عيسى ، عن الحسن بن محبوب ، عن على بن رئاب ، عن الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : ليس تبيّع الرجل بعد موته من الأجر الّا ثلاث خصال : صدقة اجراها في حياته فهي تجري بعد موته الى يوم القيمة وصدقة موقوفة الّا تورّث ، او هدى سنّها فكان يعمل بها وعمل بها من بعده غيره ، او ولد صالح يستغفر له . . . . الخصال ، باب الثلاثة ، ص ١١٩ ، الحديث ١٨٤ . اقول : هنيئاً لمن رزقه الله هذه فانه لا ينالها الّا ذو حظ عظيم ، فيا ليتنا لم نحرم منها ان شاء الله تعالى .


نقص العيش

هناك أسباب تنقص العيش ، وتنهك الجسم ، وتتعب القلب ، و تضل العقل ، أجارنا الله تعالى منها جميعا ، وقد نبّهنا عليها أئمتنا سادات البشر صلوات الله وتحيّاته عليهم اجمعين كي نحذر منها جهد امكاننا حتى لا نبتلى في الحياة فتفوتنا السعادة لا سمح الله .

١ ـ حدّثنا أبي (رض) قال : حدّثنا محمّد بن يحيى العطار ، عن محمد بن احمد ، قال : حدثني ابو عبد الله الرازي عن سجادة ، عن درست ، عن أبي خالد السجتاني ، عن أبي عبد الله عليه صلوات الله ، قال : خمس خصال ـ الى أن قال عليه السلام ـ من فقد واحدة منهنّ لم يزل ناقص العيش ، زائل العقل ، مشغول القلب . فأولها صحة البدن . والثانية الأمن . والثالثه السعة في الرزق . والرابعة الانيس الموافق ، قلت : وما الأنيس الموافق ؟ . قال عليه السلام : الزوجة الصالحة ، والولد الصالح ، والخليط الصالح ، والخامسة و هي تجمع هذه الخصال ، الدعة اي الراحة والسعة في الحياة . . . الخصال ، باب الخمسة ، ص ٢٣١ ، الحديث ٣٤ . وقد نقلنا هذا الحديث في فصل نقص العيش لجهة اخرى فيه .


التمتع بالولد بعد الموت

لماذا نحب الولد ؟ . لأنا نتمتع به ، ويمكن أن يدوم هذا التمتع ويتصل سلكه الى الآخرة ، الى بعد هذا التمتع المنقطع ، والتمتع هناك دائم والالتذاذ باقي ، لكن بشرط أن يربي الأب الولد حسب ما يرتضيه الله جلّ وعلا ذكره ، فان تعب عليه وربّاه تربية صالحة ، يكون الولد له رحمة ، وان تركه في الوسط المنحرف المنجرف فضلّ عن الصواب ، فانه يتحمل التبعة ويكون الولد عليه نقمة ـ والعياذ بالله ـ ربنا اصلحنا وذرياتنا واجعلنا مسلمين لك انك على كل شيئ قدير .

١ ـ حدثنا أبي (رض) قال : حدثنا سعد بن عبد الله ، قال : حدثنا محمد بن عيسى بن عبيد ، عن محمد بن شعيب الصيرفي ، عن الهيثم أبي كهمس ، عن ابيعبد الله عليه السلام ، قال : ست خصال ينتفع بها المؤمن بعد موته : ولد صالح يستعفر له . ومصحف يقرء فيه . وقليب ( بئر ) يحفره . وغرس يغرسه . وصدقه ماء يجريه . وسنّة


حسنة يؤخذ بها بعده . . . . الخصال ، باب الستة ، ص ٢٦٣ ، الحديث ٩ .

الرّعاية

الرعاية أمر يحسّنه العقل والنقل ، ومن حسنات المرء أن يكون مراعيا لمن له أدنى صلة به ، فان الرعاية دليل العظمة وجلالة القدر ، فمن يكون عظيما في نفسه ، جليل القدر ، لا تفوته رعاية المحقّين ، من الايتام والمستضعفين .

١ ـ فقد قال أمير المؤمنين ، وقائد الغر المحجّلين عليه السلام : من رعى الأيتام رعيّ في يتيمه . جاء في كتاب درر الكلم ، ص ٢٥٥ .


الاقوال

توجد اقوال كثيرة من الانبياء والائمّة عليهم السلام مما يخص الولد والوالد ولا تخلو من حكمة ثابتة او سنة عادلة او فلسفة متقنة او منطق سليم وما اشبه ، فعلينا وعلى من يأتي بعدنا الاستفادة والاستزادة منها فان العلم حياة القلوب .

١ ـ قال بعض الحكماء : رأيت أمور الناس على خمسة أوجه : منها : القضاء والقدر ، وهو على خمسة اقسام ، الأهل والولد والمال و السلطان والعمر . . . معدن الجواهر ص ٥١ .

٢ ـ قيل أنس المرء في خمسة اشياء : منه : الولد البار . . . معدن الجواهر ص ٥١ .


الكبٰائِر

ان المعاصي ـ كما قسّمت في الشرع ـ على ضربين : الكبائر و الصغائر ، وقال بعض الأعلام انه لا توجد صغائر ، فكل معصية بالنسبة الى ما تحتها كبيرة . واما بالنسبة للكبائر فهناك أقوال . قال بعضهم : هي ما ذكر عقابها في القرآن . وقد عدّها أئمّتنا عليهم السلام باعداد مختلفة ويمكن الجمع بين اقوالهم عليهم السلام بأن نقول : كانوا عليهم السلام يراعون الزمان والمكان والسائل في اجوبتهم والّا فكل المعاصي كبيرة بالنسبة الى الأصغر منها ، والموارد تختلف .

١ ـ ففي مورد قال الامام الصادق عليه السلام : الكبائر سبع فينا أنزلت ومنّا استحلّت : منها : عقوق الوالدين . . . معدن الجواهر ص ٥٩ .

٢ ـ روى عن النبي صلى الله عليه وآله وسلّم قال : الكبائر تسعة : منها : وعقوق الوالدين . . . معدن الجواهر ص ٦٦ .

٣ ـ وأرسل ـ اي في عيون اخبار الرضا عليه السلام ـ عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم : ألا اخبركم بأكبر الكبائر : الاشراك بالله وعقوق الوالدين ، وقول الزور ـ أي الكذب ـ . . . مكاسب الشيخ


الانصاري قدّس سرّه ، الكذب ، ص ١٦٠ ، الطبعة الجديدة . . وقال في التعليقة : راجع احياء العلوم للغزالي ، الجزء ٣ . ص ١٣٥ ، سطر ١٢ ، وفي المصدر : ألا انبئكم ، بدل ألا اخبركم .

٤ ـ وفيه « اي كتاب الجعفريات » عنه صلى الله عليه وآله و سلّم : من اكبر الكبائر : الشرك بالله ، وعقوق الوالدين . . . . ذرايع البيان ، تكملة الآفة الثامنة ، ص ٢٠٠ .


الجبن

من الصفات الرذيلة صفة الجبن ، وهي من اخسّ الرذائل ، وأن تمكّنت ـ والعياذ بالله ـ من الانسان ، تجعله يهرب من كل شيئ ، حتى ممّا له فيه الخير ، وحتى من أغر الناس عليه وهو الأب مثلا ، فيا أبنائنا نوصيكم أن لا تكونوا جبناء ، فتهربوا من المسؤلية ، ولا تكونوا متهوّرين فتعثوا في الأرض الفساد ، فخير الأمور اواسطها ، واختار الوسط وكونوا شجعان لا تهربوا من الطاعة ولا تركبوا المعصية .

١ ـ حدّثنا محمد بن الحسن (رض) قال : حدّثنا سعد بن عبد الله ، عن محمّد بن عيسى بن عبيد ، عن القاسم بن يوسف أخي احمد بن يوسف بن القاسم الكاتب ، عن حنان بن سدير الصيرفي ، عن سدير الصيرفي قال : قال ابو جعفر عليه الصلاة والسلام : لا تقارن ولا تواخي اربعة : الأحمق ، والبخيل ، والجبان ، والكذّاب ، أما الأحمق فانّه يريد ان ينفعك فيضرك . وأما البخيل فانه يأخذ منك ولا يعطيك . وأما الجبان فانه يهرب عنك وعن والديه . وأما الكذّاب فانّه يصدق ولا يصدق . . . الخصال ، باب الاربعة ، ص ١٩٨ ، الحديث ١٠٠ .


سنن عبد المطلّب

ان لله في خلقه شئون . كان قبل البعثة رجال عظماء ، يدينون لله تعالى بأحسن وجه ، والناس تائهون في وديان الجهالة والضلالة ، وهؤلاء المتدينون قد تمسّكوا بالعروة الوثقى ، أي تمسّكوا بارادة السماء والله سبحانه وتعالى هداهم الى اصوب الطرق والحبها ، فسنّوا سننا كبيرة وعظيمة بين الناس ، فأمضاها رب الأرباب تعالى وتقدّس ، و بقيت حتى البعثة وبعدها والى يوم القيامة ، ما كان لله ينمو . هكذا و الّا فلا . فمن هؤلاء العظماء جدّنا شيخ بني هاشم ، عبد المطلب رضوان الله تعالى عليه ، وجزاه عنّا خيراً .

١ ـ حدّثنا محمد بن علي بن الشاه ، قال : حدثنا ابو حامد ، قال حدثنا ابو يزيد ، قال : حدثنا محمد بن احمد بن صالح التميمي ، عن ابيه قال : حدثنا أنس بن محمد ابو مالك ، عن ابيه ، عن جعفر بن محمد عن ابيه ، عن جدّه ، عن علي بن أبي طالب عليه السلام ، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلّم ، أنه قال صلى الله عليه وآله وسلّم : في وصيته له ، يا علي ان عبد المطلب سنّ في الجاهلية خمس سنن أجراها الله له في الاسلام أ ـ حرّم نساء الآباء على الأبناء ، فأنزل الله عزّ وجلّ ( وَلَا تَنكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاءِ ) . ب ـ ووجد كنزاً فأخرج منه الخمس وتصدّق به ، فأنزل الله عزّ وجلّ ( وَاعْلَمُوا أَنَّمَا


غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّـهِ خُمُسَهُ . . . الى آخره . ج ـ ولمّا حفر زمزم سمّاها سقاية الحاج ، فأنزل الله عزّ وجلّ ( أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَ عِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ) . . . الآية . د ـ وسنّ في القتل مائة من الابل ، فأجرى الله عزّ وجلّ ذلك في الاسلام . هـ ـ ولم يكن الطواف عدد عند قريش ، فسنّ فيهم عبد المطلب سبعة اشواط ، فأجري الله تعالى ذلك في الاسلام . . . يا علي ان عبد المطلب كان لا يسقسم بالازلام ، ولا يعبد الأصنام ، ولا يأكل ما ذبح على النصب ويقول : أنا على دين أبي ابراهيم على نبينا وآله وعليه السلام . . . الخصال ، باب الخمسة ، ص ٢٥٤ ، الحديث ٩٠ .

٢ ـ قال سيد الموحّدين وقائد الغرِّ المحجّلين امير المؤمنين فداه روحي وارواح العالمين صلوات الله وسلامه عليه وعلى ابنائه الطاهرين الى يوم الدين : عقّوا عن اولادكم يوم السابع وتصدقوا بوزن شعرهم فضّة على مسلم ، وكذلك فعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم بالحسن والحسين عليهما السلام وسائر ولده عليهم السلام . . المواعظ العددية ، باب الاربعمائة ، ص ٢٩٤ .


ذبح الولد

من العجيب الذي لا يكاد يصدّق ـ لو لا الايمان ـ أن نبيّا من اولى العزم يرى في المنام أنه يذبح ولده ، ثم يقصد تصديق منامه ، و تلّه للجبين ، وناديناه ان يا ابراهيم قد صدّقت الرؤيا . وهكذا سيّد قريش عبد المطلب رضوان الله تعالى عليه ينذر ذبح ولده العاشر و هو عبد الله أبو النبي صلى الله عليه وآله وسلّم ، فيفدي بمائة من الابل كما أفدي اسماعيل بذبح عظيم ، فبهذه وذاك يدفع عنهما الذبح ويبقى الفخر مدى الزمان حتى يقول رسول الله صلى الله عليه وآله : أنا ابن الذبيحين .

١ ـ حدّثنا احمد بن الحسن القطّان ، قال : اخبرنا احمد بن محمّد سعيد الكوفي ، قال : علي بن الحسن بن علي بن فضال ، عن ابيه قال : سألت ابا الحسن علي بن موسى الرضا عليه الصلاة والسلام عن معنى قول النبي صلى الله عليه وآله وسلّم انا ابن الذبيحين ، قال عليه السلام : يعني اسماعيل بن ابراهيم الخليل عليه السلام ، وعبد الله بن عبد المطلّب . أما اسماعيل فهو الغلام الحليم الذي بشّر الله به ابراهيم ، فلّما ابلغ معه السعي ، قال يا بني اني أرى في المنام أني اذبحك ، فانظر ماذا ترى ، قال يا أبت افعل ما تؤمر ، ولم يقل له يا ابت افعل ما رأيت ، ستجدني ان شاء الله من الصابرين ، فلّما عزم


على ذبحه فداه الله بذبح عظيم ، بكبش املح يأكل في سواد ، ويشرب في سواد ، وينظر في سواد ، ويمشي في سواد ، ويبول ويبعر في سواد ، وكان يرتع قبل ذلك في رياض الجنة اربعين عاماً ، وما خرج من رحم انثى ، وانّما قال الله جلّ وعزّ له كن فكان ليفدى به اسماعيل ، فكلّما يذبح بمنى فهو فدية لاسماعيل الى يوم القيامة ، فهذا احد الذبيحين . وأمّا الآخر ، فان عبد المطلب كان تعلق بحلقة باب الكعبة ودعا الله عزّ وجلّ أن يرزقه عشرة بنين ، ونذر لله عزّ وجلّ ان يذبح واحداً منهم متى اجاب الله دعوته ، فلما بلغوا عشرة « اولاد » قال قد وفى الله لي ، فلأوفّين لله عزّ وجلّ ، فأدخل ولده الكعبة ، واسهم بينهم ، فخرج سهم عبد الله أبي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم ، وكان احبّ ولده اليه ، ثمّ اجالها ثانية ، فخرج سهم عبد الله ، ثم اجالها ثالثه ، فخرج سهم عبد الله ، فأخذه وحبسه ، وعزم على ذبحه فاجتمعت قريش وقنّعته من ذلك ، واجتمع نساء عبد المطلب يبكين و يصحن ، فقالت له ابنته عاتكة ، يا ابتاه اعذر فيما بينك وبين الله عزّ و جلّ في قتل ابنك ، قال فكيف اعذر يا بنيّة فانك مباركة ؟ . قالت اعمد اليّ تلك السوائم التي لك في الحرم ، فاضرب بالقداح على ابنك وعلى الابل ، واعط ربك حتى يرضى ، فبعث عبد المطلب الى ابله ، فأحضرها وعزل منها عشراً ، وضرب بالسهام فخرج سهم عبد الله ، فما زال يزيد عشراً عشرا حتى بلغت مائة ، فضرب فخرج السهم على الابل ، فكبرت قريش تكبيرة ارتجت لها جبال تهامة ، فقال عبد المطلب لا ، حتى اضرب بالقدّاح ثلاث مرّاة ، فضرب ثلاثا ، كل ذلك يخرج السهم على الابل ، فلمّا كان في الثالثة ، اجتذبه الزبير وابو طالب واخوانه من تحت رجليه فحملوه وقد انسلخت جلده خدّه الذي كان على الارض ، واقبلوا


يرفعونه ، ويقبّلونه ، ويمسحون عنه التراب ، وأمر عبد المطلب ان تنجر الابل بالخرورة ، ولا يمنع احد منها ، وكانت مائة . وكانت لعبد المطلب خمس سنن اجراها الله عزّ وجلّ في الاسلام : حرّم نساء الآباء على الابناء ، وسنّ الديه في القتل من الابل ، وكان يطوف بالبيت سبعة أشواط ، ووجد كنز فاخرج منه الخُمس ، وسمى زمزم كما حفرها سقاية الحاج ، ولو ان عبد المطلب كان حجه ، وأنّ عزمه على ذبح ابنه عبد الله شبيه بعزم ابراهيم على نبينا وآله وعليه على ذبح ابنه اسماعيل لما افتخر النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم بالانتساب اليهما لأجل أنهما الذبيحان ، في قوله صلى الله عليه وآله وسلّم انا ابن الذبيحين ، والعلّة التي من اجلها رفع الله عزّ وجلّ الذبح عن اسماعيل هي العلّة التي من اجلها رفع الذبح عن عبد الله ، وهي كون النبي صلى الله عليه وآله وسلّم والأئمّة عليهم السلام في صلبيهما فببركة النبي والأئمّة عليهم السلام رفع الله الذبح عنهما ، فلم تجر السنة في الناس بقتل اولادهم ولو لا ذلك لوجب على الناس كل اضحى التقرّب الى الله تعالى ذكره بقتل اولادهم ، وكلّما يتقرّب الناس به الى الله عزّ وجّل من اضحية فهو فداء لاسماعيل الى يوم القيمة . . . . الخصال ، باب الاثنين ، ص ٤٥ ، الحديث ٧٨ .

٢ ـ حدّثنا احمد بن هارون الفاصي ، وجعفر بن محمّد بن مسرور (رض) قالا : حدّثنا محمّد بن جعفر بن بطة ، عن محمّد بن حسن الصفار ، عن العباس بن معروف ، عن حماد بن عيسى ، عن حريز ، عمن اخره ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : أول من سوهم عليه مريم بنت عمران ، وهو قول الله عز وجل ( وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ


أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ ) ( آل عمران ـ ٤٤ ) ، والسهام ستة . ثم استهموا في يونس لما ركب مع القوم ، فوقفت السفينة في اللجّة ، فاستهموا فوقع السهم على يونس ثلاث مرّات ، قال : فمضى يونس الى صدر السفينة ، فاذا الحوت فاتح فاه ، فرمى بنفسه . ثم كان عبد المطلب ولد له تسعة فنذر في العاشر ، ان يرزقه الله تعالى غلاماً أن يذبحه ، قال عليه السلام : فلمّا ولد عبد الله لم يكن يقدر أن يذبحه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم في صلبه ، فجاء بعشر من الابل وساهم عليها وعلى عبد الله ، فخرج السهام على عبد الله ، فزاد عشرا ، فلم يزل السهام يخرج على عبد الله ويزيد عشرا ، فلمّا « لأن » بلغت مائة خرجت السهام على الابل ، فقال عبد المطلب ما انصفت ربي فأعاد السهام ثلاثاً فخرجت على الابل ، فقال الآن علمت أن ربي قد رضى ، فنحرها . . . الخصال ، باب الثلاثة ، ص ١٢٤ ، الحديث ١٩٨ .


المصائِب

الدنيا دار محفوفة بالبلاء والمصائب ، فلا يسلم نزّالها ، ولا بد لكل انسان عاش وجه البسيطة أن يصاب بها ، فمن صبر ظفر ، ومن لجّ كفر .

١ ـ قال الحسن بن علي عليهما السلام : مصائب الدنيا اربع : منها موت الوالد وهو قاصم الظهر ، وموت الولد وهو صدع الفوآد . . . . معدن الجواهر ، باب ذكر ماء في اربعة ، ص ٤٢ .


الفقدان

لا شك ولا ريب أن الولد قطعة من الكبد ، فهو اذ يمشي على الأرض يتحرّك كبد والديه بتحرّك قدميه ، وما من أبوين الّا ويعقدان آمالاً على ولدهما ، متى يجنيا ثمره ، ويرو أثره . فالله الله من ساعة يدنوا اليه هادم اللذات ومفرّق الجماعات ، الملك المقرّب عند الملك العلّام ، فسيتردّ الأمانة ، وعندها تشب النيران في قلوب الأهل و الأحبة والاخوان ، فتحرق كبد الأبوين بلهب الفقد والفرقة .

١ ـ قال أمير المؤمنين عليه صلوة رب العالمين ، فقد الولد محرّق الكبد . جاء في درر الكلم حرف الفاء ، ص ٢٠٩ .

٢ ـ حدّثنا ابو احمد محمّد بن جعفر البنداد ، قال : حدّثنا أبو العبّاس الحمّادي ، قال : حدّثنا محمّد بن علي الصايغ ، قال : حدّثنا عمرو بن سهل وبن زنجلة الرازي ، قال : حدّثنا الوليد بن مسلم ، عن الاوزاعي ، عن أبي سلام الأسود ، عن ابي سالم راعي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم أنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم يقول خمس ما أثقلهنّ في الميزان : سبحان الله . والحمد لله ولا الۤه الّا الله . والله أكبر . والولد الصالح يتوفّى لمسلم فيصبر و يحتسب . . . . الخصال ، باب الخمسة ، ص ٢١٧ ، الحديث ١ .


٣ ـ ( أقول ) كان خمسة من المشركين قد استهزؤا بالنبي صلى الله عليه وآله وسلّم ، فأنزل الله تعالى بلاءه عليهم في آن واحد ، و نزلت الآيه الكريمه ( إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ ) . حدّثنا احمد بن الحسن القطّان ، قال : حدّثنا ابو القاسم عبد الرحمن بن محمّد الحسني ، قال : حدّثنا ابو العبّاس محمّد بن علي الخراساني ، قال : حدثنا ابو سعيد سهل بن صالح العيّاشي ، عن ابيه ، وابراهيم بن عبد الرحمن الأبلي ، قال حدثنا موسى بن جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم الصلاة والسلام ، قال : حدّثني أبي جعفر بن محمّد ، قال : حدّثني أبي محمّد بن علي قال : حدّثني أبي علي بن الحسين ، قال : حدّثني أبي الحسين بن علي عليهم السلام جميعا ، أن أمير المؤمنين عليه أفضل الصلاة والسلام ، قال : ليهودي من يهود الشام ـ الى أنّ قال ـ وأما الأسود بن عبد يغوث . . . الى آخر في القصّه . . . قال مصنّف الكتاب ـ يعني الخصال ـ ويقال في خبر آخر في الأسود قول آخر ، يقال أن النّبي صلى الله عليه وآله وسلّم كان قد دعا عليه ان يعمي الله بصره ، وأن يثكله ولده ، فلمّا كان في ذلك اليوم ـ اي يوم نزول البلاء على النفرات الخمس ـ جاء حتى صار الى كدا ـ وهو جبل في أسفل مكة عن طريق اليمن ـ فأتاه جبرئيل عليه السلام بورقة خضراء ، فضرب بها وجهه فعمى ، وبقى حتى اشكله الله عزّ وجلّ ولده يوم بدر ، ثم مات ( عليه ما يستحق من العذاب ) .


التعزيه

لا بد من تعزية من يصاب بمصيبة ، وأيّ مصيبة أدهى وأشد من فقد الولد ، فلقلبه الله ، وعظّم الله تعالى اجره ، وأجزل ثوابه ، و أجمل صبره ، وأخذ بيده يوم لا ينفع مال ولا بنون ، ان شاء الله تعالى وتقدّس .

١ ـ عزّى أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام من ربّ الأنام رجلا مات له ولد : ورزق ولد ، فقال عليه السلام : عظّم الله اجرك فيما اباد ، و بارك لك فيما افاد . جاء في كتاب درر الكلم ، في حرف العين ص ٢٠٥ .


الاحتساب

ينبغي بل يجب على كل مسلم فطن أن يعلم أنّ كل ما عنده هو من عند الله تعالى ، وأنّ لله حق في كل ما ملّكه وسلّطه عليه ما دام في قيد الحياة ، فلا يبخل بمال ولا ولد ولا أهل ولا نفس ، ويعطي ، و ان كان الجميع ، في سبيل الله ، ولا تأخذه في الله شح نفس ، او غلّ يد ، فان العبد وما في يده كان لمولاه .

١ ـ قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم يوما : أيها الناس ما لرقوب فيكم ؟ . قالوا : الرجل يموت ولم يترك ولداً . فقال صلى الله عليه وآله وسلّم : بل الرقوب حق الرقوب رجل مات ولم يقدّم من ولده احداً يحتسبه عند الله تعالى ، وان كانوا كثيرا بعده . . . . تحف العقول ، مواعظ النبي ، ص ٣٣ .


قانون الوراثه

انّ حكم قانون الوراثة يجري في الآباء والابناء ، بمعنى أنّه اذا كان في الوالد طبيعة أو عيب يرثه الولد ، ولو كان بعد عدة أظهر ، و قد جرّب هذا المعنى وثبت علميا .

لذا كان أئمّتنا عليهم السلام يخبرون عن أفراد أشياء ويأمرون شيعتهم بانتظارها فيهم أو في اولادهم .

وهكذا يكون العكس ، بمعنى أنه ينسب لشخص أمر ولا يكون فيه ولكن كان في أبيه أو أحد آبائه .

١ ـ محمّد بن اسماعيل ، عن الفضل بن شاذان ، عن حمّاد بن عيسى عن ابراهيم بن عمر اليماني ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : اذا قلنا في رجل قولاً فلم يكن فيه ، وكان في ولده أو ولد ولده ، فلا تنكروا ذلك ، فان الله تعالى يفعل ما يشاء . الكافي ج ١ ، باب في انه اذا قيل في الرجل ، ص ٤٥٠ ، الحديث ٢ .

٢ ـ الحسين بن علي ، عن معلى بن محمّد ، عن الوشاء ، عن احمد بن عائذ ، عن أبي خديجة قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : قد يقوم الرجل بعدل او بجور ، وينسب اليه ، ولم يكن قام به . فيكون ذلك ابنه او ابن ابنه من بعده . فهو هو . الكافي ج ١ ، باب في انه اذا قيل في الرجل ، ص ٤٥٠ ، الحديث ٣ .


السُّلطة الماليّه

ان سلطة الأب على الولد مما لا يتنازع فيه اثنان ، ولمّا كان الأب هو السبب المباشر ظاهرا في كينونة ابنه كان له حق التصرّف في أمواله ومع عدم علمه ، لذا جاء في شرايع الاسلام :

١ ـ في قطع يد السارق : أن لا يكون والداً من ولده ، ويقطع يد الولد لو سرق من الوالد .


ارث الوالدين

كما أنّ الوالدين يورثان الابناء ، كذلك الابناء تورّث ـ في بعض الأحايين ـ الوالدين والمشرّع الجليل جلّت عظمته لم يهمل حقّا لأحد مهما صغرا وكبر .

١ ـ قال تعالى في محكم كتابه الكريم : يُوصِيكُمُ اللَّـهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ فَإِن كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ ، وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ ، فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ ، فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ ، آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا ، فَرِيضَةً مِّنَ اللَّـهِ إِنَّ اللَّـهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا ( النساء ـ ١١ ) .


الارث للولد

لا بد للآباء توريث أبنائهم . أما المال فليس بمهم ، والمهم الادب والحكمة والمعرفة وما اشبه . والخير كل الخير في توريث العلم .

١ ـ قال ابو ذرجمهر : ما ورّثت الآباء الابناء خيرا من ثلاثة اشياء : الادب النافع ، والاخوان الصالحون ، والثناء الجميل . . . معدن الجواهر ص ٣٦ .

٢ ـ من كلمات امير المؤمنين عليه الصلاة والسلام : اين من جمع فأكثر ، واعتقب ، واعتقد ونظر ، بزعمه للولد . . . في كتاب درر الكلم في حرف الألف ، بألف الاستفهام .

٣ ـ وقال تعالى بالنسبة للمال : لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ . . . ( النساء آيه ٧ ) .

٤ ـ وقال تعالى : يُوصِيكُمُ اللَّـهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ . . . ( النساء آية ١١ ) .

٥ ـ وقال القدير جلّت قدرته : وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ . . . ( النساء الآية ٣٣ ) .


ارث الاُنثى

ان الانسان يورّث ، والتوريث له أفراد متنوعة ، فبعض يورث العلم والأدب ، وبعض يورث الشرّ في الورثه كما رأيناه بأم اعيننا في زماننا هذا ، فان قبل اعوام مات احدهم واوصا ابنه الاكبر بأنه يبعد عن العلماء فانهم يتحيّلون عليه وعلى اخوته ويأخذون بعض اموالهم باسم الحقوق الشرعية ، وهو مات ولم يؤدّى فلسا واحدا لهؤلاءه هكذا زرع التباغض والتباعد في قلوب اولاده بالنسبة للعلماء ولأهل الدين ولكن ربك بالمرصاد فما مضت الليالي والأيام الّا وقضى على ولده الاكبر بالسرطان وتشتت الباقون هداهم الله تعالى . اما بالنسبه لتوريث المال فقد حدّد الله تعالى للذكور والاناث ، كل حسب ما تقتضيه المصلحة العامة والخاصة .

١ ـ قال عزّ من قائل : لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا . . . النساء آية ٧ .

٢ ـ وقال تبارك وتعالى يُوصِيكُمُ اللَّـهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ فَإِن كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ


فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ ، آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا ، فَرِيضَةً مِّنَ اللَّـهِ ، إِنَّ اللَّـهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا . . . . . ( النساء ـ ١١ ) .


خِتٰامُهُ مِسْك

هذا ما وجدته لوالدي قدس سره من كتابه ( الاثر الخالد ) ، و قد طبعته على ما وجدته ، وقد طبعه بيده بالتايپ ـ ولكي يكون ختامه مسك ، إرتأيتُ ان اختمه بدعائين من الصحيفة السجادية لمولانا وامامنا الامام علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام ، ولكي تعم الفائدة ، نقلتها من كتاب ( في ظلال الصحيفة السجادية ) للكاتب الشهير الشيخ محمد جواد مغنية ( قُدّس سرّهُ ) ثم أردفتُهما بلمحةٍ من حياة السيد الوالد من كتاب ( الكوكب الدُّري في حياة السيد العلوي ) .

أملي من القراء الكرام ان يذكروه بالدعاء وبفاتحةٍ وسورةٍ مباركةٍ من كتاب الله الكريم ، ولهم من الله الاجر و الثواب ، ومن أسرته ألف شكر ، ودمتم بخير .

العبد

عادل العلوي

ايران ـ قم ـ ص ب ٣٦٣٤


Description: E:BOOKSBook-LibraryENDQUEUEAthar-Khaled-Walad-Waledimagesrafed.jpg


ـ ٢٤ ـ

لأبويه

أللّهُمَّ صَلّ عَلى مُحَمّدٍ عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ ، وَأهْلِ بَيْتِهِ الطّاهِرينَ ، وَاخْصُصْهُمْ بِأفْضَل صَلواتِكَ وَرَحْمَتِكَ وَبَرَكَاتِكَ وَسَلامِكَ ؛ وَاخْصُصِ اللّهُمَّ وَالديَّ بِالْكَرامَةِ لَدَيْكَ ، وَالصَّلاةِ مِنْكَ يَا أرْحَمَ الرّاحِمينَ .

أللّهُمَّ صَلّ عَلى مُحَمّدٍ وَآلِهِ ، وَألْهِمْني عِلْمَ مَا يَجِبُ لَهُمَا عَلَيَّ إلْهَاماً ، وَاجْمَعْ لي عِلْمَ ذَلِكَ كُلّهُ تَمَاماً ، ثُمَّ اسْتَعْمِلْني بِمَا تُلْهِمُني مِنْهُ ، وَوَفّقْني للنّفُوذ فِيمَا تُبْصّرُني مِنْ عِلْمِهِ ، حَتّى لا يفُوتَني اسْتِعْمَالُ شيءٍ عَلّمْتِنيهِ ، وَلا تَثْقُلَ أرْكاني عَنِ الْحَفُوفِ فِيمَا ألْهَمْتَنِيهِ .

( وألهمني علم ما يجب لهما . . . ) العلم بالحلال والحرام لا ينبع من داخل الانسان وأوهامه ، وإنما يؤخذ من الوحي أو من يمضيه الوحي ويقره ، ولذا طلب الإمام من الله سبحانه أن يرشده ويهديه إلى ما يجب عليه لوالديه ، ويتلخص هذا الواجب بطاعتهما في كل شيء الا في معصية الله حيث لا طاعة


لمخلوق في معصية الخالق ، وبهذا نجد تفسير الآية ٨ من العنكبوت : ( وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا ) وغيرها من آيات هذا الباب وأحاديثه .

وبالمناسبة أُشير ، لمجرد التنبيه والتحذير ، أني أعرف شيخاً باسمه وشخصه يحلل ويحرم ويحكم بالفروج والأموال بوحي من فهمه ووهمه ، أما الدرس والمراجعة والمطالعة فهي للذين يسيرون على الطريق لا لمن يطفر بلا رابطة وواصلة ! ومع هذا يؤمن ويوقن أنه ألمع من تخرج من مدرسة الإمام جعفر الصادق (ع) ! أعاذنا الله من مضغ هذا الهواء .

( واجمع لي علم ذلك . . . ) إشارة إلى واجبات الوالدين بالكامل ، والمعنى إجعلني عالماً بكل ما عليّ لهما ( ثم استعملني بما تلهمني ، ووفقني للنفوذ . . . ) بعد أن طلب الإمام من الله الهداية إلى العلم بالواجبات سأله التوفيق الى العمل بموجب العلم ، لأن الهدف الأساس من كل علم هو التنفيذ والتطبيق ، وبتعبير فيلسوف معاصر : « ليست المعرفة بناءات ـ أو بنايات ـ تبنى بالذهن ليتعلمها الإنسان ، ثم يأوي إلى مخدعه ليستريح » وكفى .

( ولا تثقل أركاني عن الحفوف . . . ) المراد بالثقل هنا الكسل والفتور وبالأركان الأعضاء التي يتركب منها البدن ، وبالحفوف الخدمة ، من حفف الخدم حوله أي أحدقوا به ، والمعنى : هب لي من لدنك قوة ونشاطاً في طاعة والدي ومرضاتهما .

أللّهُمَّ صَلّ عَلى مُحَمّدٍ وَآلِهِ ، كَمَا شَرّفْتَنَا بِهِ ، وَصَلّ عَلى مُحَمّدٍ وَآلِهِ ، كَمَا أوْجَبْتَ لنَا الْحَقَّ عَلى الْخَلْقِ بِسَبَبِهِ .


أللّهُمَّ اجْعَلْني أهَابُهُمَا هَيْبَةَ السّلْطَانِ الْعَسُوفِ ، وَأبَرّهُمَا بِرَّ الأمّ الرَّؤوفِ ؛ وَاجْعَلْ طَاعَتي لِوالدَيَّ وَبِرّي بِهِمَا أقَرّ لِعَيْني مِنْ رَقْدَةِ الْوَسْنَانِ ، وَأثْلَجَ لِصَدْري مِنْ شَربَةِ الظّمآنِ ؛ حَتّى أوثِرَ عَلى هَوايَ هَواهُمَا ، وَأُقَدّمَ عَلى رِضايَ رِضاهُمَا ، وَأسْتَكْثِرَ بِرَّهُمَا بي وَإن قَلَّ ، وَأسْتَقِلَّ بِرّي بِهِمَا وَإنْ كَثُرَ .

( أللهم صل على محمد وآله كما شرفتنا به ) أي بميراثنا لعلمه ، وعملنا بسنته ، وسيرنا على طريقته ، لا بمجرد الإنتساب إليه ، قال سبحانه : « فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ ـ ١٠١ المؤمنون . . . إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّـهِ أَتْقَاكُمْ ـ ١٣ الحجرات » . وسئل الرسول الأعظم (ص) عن أحب الناس إلى الله ؟ فقال : « أنفعهم للناس » . ويأتي في الدعاء ٤٢ : « لترفعنا فوق من لم يطق حمله » أي حمل علم الكتاب والسنة ( كما أوجبت لنا الحق على الخلق بسببه ) يشير بهذا الى الآية ٢٣ من الشورى : « قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ » وما وجبت هذه المودة إلا لأن أهل البيت (ع) امتداد لجدهم الرسول (ص) علماً وعملا وسيرة وسريرة .

( أللهم اجعلني أهابهما هيبة السلطان العسوف ) : الظلوم ، يهاب والديه على دنوه منهما وعلمه بأنهما أرأف به من نفسه . ولا غرابة ، إنها هيبة التعظيم والتقدير ، لا هيبة الخوف من العقاب العسير ، هيبة الأبوة التي لا يشعر بها إلا العارفون . كانت فاطمة (ع) بضعة من النبي (ص) ، وأحب الخلق إلى قلبه ومع هذا كانت تقول : ما استطعت أن أُكلم أبي من هيبته ( وأبرهما


بر الأم . . . ) ولا شيء عند الأبوين أغلى وأثمن من بر الإبن بهما ، علماً بأنه وفاء لدين سابق . . . ومع هذا يسعدان به سعادة الغارس بثمرات غرسه ، وبهذه السعادة نفسها يشعر الإبن البار اذا تأكد من سعادة أبويه به ، ورضاهما عنه .

( الوسنان ) : من أخذ النعاس ( واستكثر برهما بي وان قل ، واستقل بري بهما وإن كثر ) الخير منه ضئيل وصغير بالغاً ما بلغ ، ومنهما جليل وكبير وإن كان حبة من خردل ؟! وليس هذا تواضعاً ، بل إيماناً وعظمة نفس ، وشعوراً حياً بمسؤولية التكليف ، وهو أمره تعالى : « أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ ـ ١٤ لقمان » وكل شيء قليل في جنب الله والشكر له لمن قرن شكره بشكره . وهكذا العظيم يستصغر الحسنة منه وإن كبرت ، ويستكبر السيئة وإن صغرت على العكس تماماً من الحقير ، وفي الحديث الشريف : « المؤمن يرى ذنبه فوقه كالجبل ، يخاف أن يقع عليه ، والمنافق يرى ذنبه كذباب مر على أنفه فأطاره » . وقال قائل لأحد المتقين حقاً : رأيت في منامي أنك في الجنة . فقال له : ويحك أما وجد الشيطان من يسخر منه غيري وغيرك ؟ .

أللّهُمَّ خَفّضْ لَهُمَا صوتي ، وَأطِبْ لَهُمَا كَلامي ، وَألِنْ لَهُمَا عَريكَتي ، وَاعْطِفْ عَلَيْهِمَا قَلْبي ، وَصَيّرني بِهِمَا رَفيقاً ، وَعَلَيْهِمَا شَفِيقاً ؛ أللّهُمَّ اشْكُرْ لَهُمَا تَربِيَتي ، وَأثِبْهُمَا عَلى تَكْرِمَتي ، وَاحْفَظْ لَهُمَا مَا حَفِظَاه مِنّي في صِغَري .

أللّهُمَّ وَمَا مَسّهُمَا مِنّي مِنْ أذىً ، أوْ خَلَصَ إلَيْهِمَا عَنّي مِنْ مَكْرُوهٍ ، أوْ ضاعَ قِبَلي لَهُمَا مِنْ


حَقّ . . . فاجْعَلْهُ حِطّةً لِذُنوبِهِمَا ، وَعُلُوّاً في دَرَجَاتِهِمَا ، وَزِيَادَةً في حَسَنَاتِهِمَا ؛ يَا مُبَدّلَ السّيّئاتِ بِأضْعَافِهَا مِنَ الْحَسَنَاتِ .

( أللهم خفّض لهما صوتي ) غض الصوت وخفضه من الآداب الشرعية والعرفية ، بخاصة عند مخاطبة الكبار وأهل المكانة . وفي الآية ١٩ من لقمان : « وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ » ( وأطب لهما كلامي ) قال سبحانه : « فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا ـ ٢٣ الأسراء » على أن الكلمة الطيبة بوجه عام كالشجرة الطيبة « أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ ـ ٢٥ إبراهيم » ( عريكتي ) طبيعي ( رفيقاً ) : لطيفاً لا فظاً غليظاً .

( أللهم واشكر لهما . . . ) أجزهما بالإحسان إحساناً ، وبالسيئات عفواً وغفراناً ( واحفظ لهما ما حفظاه مني في صغري ) أجزل لهما الأجر والثواب على ما لقيا من التعب والعناء في سبيلي رضيعاً وصبياً . وقال رجل للنبي (ص) : إن أبوي بلغا من الكبر عتياً ، وأنا أُولي منهما ـ أُباشر ـ ما وليا مني في الصغر فهل قضيت حقهما ؟ قال : لا ، فإنهما كانا يفعلان ذلك وهما يحبان بقاءك ، وأنت تفعله ، وتريد موتهما ( أللهم وما مسهما مني من أذى . . . ) كل ما أصابهما بسبي من مكروه ( فاجعله حطة ) : محواً ( لذنوبهما وعلواً ) لمقامهما عندك بحيث يكون شقاؤهما بي في الدنيا سبباً لسعادتهما في الآخرة .

( يا مبدل السيئات بأضعافها حسنات ) لمحو السيئات العديد من الطرق ، منها التوبة ، ومنها إصلاح ذات البين وكل عمل نافع مفيد للفرد والجماعة ، ومنها المرض فإنه يحط السيئات ، ويحتها حت الأوراق ، على حد تعبير


نهج البلاغة ، ومنها العدوان حيث يتحمل المعتدي سيئات المعتدى عليه ، وأيضاً يأخد هذا حسنات ذاك ، وسبقت الإشارة إلى ذلك في الدعاء ٢٢ عند تفسير « تقاضي به من حسناتي وتضاعف به من سيئاتي » .

أللّهُمَّ وَمَا تَعَدَّيَا عَلَيَّ فيِهِ مِنْ قَوْلٍ ، أوْ أسْرَفا عَلَيَّ فِيهِ مِنْ فِعْلٍ ، أوْ ضَيّعَاهُ لي مِنْ حَقٍّ ، أوْ قَصّرا بي عَنْهُ مِنْ واجِبٍ . . . فَقَدْ وَهَبْتُهُ لَهُمَا ، وَجُدْتُ بِهِ عَلَيْهِمَا ، وَرَغِبْتُ إلَيْك في وَضْعِ تَبِعَتِهِ عَنْهُمَا ، فإنّي لا أتّهِمُهُمَا عَلى نَفْسي ، وَلا أسْتَبْطِئُهُمَا في بِرّي ، وَلا أكْرَهُ مَا تَوَلّيَاهُ مِنْ أمْرِي يَا رَبّ ؛ فَهُمَا أوْجَبُ حَقّاً عَلَيّ ، وَأقْدَمُ إحْسَاناً إلَيَّ ، وَأعظَمُ مِنّةً لَدَيَّ . . . مِنْ أنْ أُقَاصّهُمَا بِعَدْلٍ ، أوْ أُجَازِيَهُمَا عَلى سِئْلٍ .

أيْنَ إذاً يَا إلَهي طُولُ شُغْلِهِمَا بتَربِيَتي ! ؟ وَأيْنَ شِدَّةُ تَعَبِهِمَا في حِراسَتي ؟ ! وَأيْنَ إقْتَارُهُمَا عَلى أنْفُسِهِمَا للتَوْسِعَةِ عَلَيَّ ؟ ! هَيْهَاتَ مَا يَسْتَوفِيَانِ مِنّي حَقّهُمَا ، وَلا أُدْرِكُ مَا يَجِبُ عَلَيَّ لَهُمَا ، وَلا أنَا بِقَاضٍ وَظيفَةَ خِدْمَتِهِمَا .

( أللهم وما تعديا علي فيه . . . ) كما أوجب سبحانه حقوقاً للوالدين على والولد ، أوجب أيضاً حقوقاً له عليهما ، ومن أهمل وقصّر استحق اللوم والعقاب والداً كان أو ولداً ، والامام السجاد (ع) يتجاوز ويتنازل عما


افترضه الله له على أبويه ، وحملهما من حقه أياً كان نوعه ويكون ، وعبّر عن هذا التسامح والتجاوز بقوله : ( وهبته لهما . . . ) أسألك اللهم أن لا تؤاخذ أبوي على أي شيء يتصل بي من قريب أو بعيد ( فإني لا أتهمهما على نفسي . . . ) هما عندي وفي عقيدتي من الناصحين المخلصين لا تواني منهما في حقي ولا تقصير ( ولا أكره ما توليا من أمري ) مهما أتى من المحبوب محبوب ، والعكس بالعكس .

( فهما أوجب حقاً علي وإحساناً إلي . . . ) لي حق ولهما حق ، ولكن حقهما أقدم وأعظم ( من أن أُقاصهما بعدل . . . ) لا مقاصة عادلة إلا مع المساواة ، ولا مكان لها بين المنعم والمنعم عليه . ومن هنا يُقتل الولد بوالده ، ولا يُقتل الوالد بالولد .

( أين اذن يا إلهي طول شغلهما . . . ) لقد تحملا الضيق والشدة لأعيش في سعة ، والتعب والعناء لأكون في راحة ، والذل والهوان من أجل سعادتي ( هيهات ) بفتح التاء وكسرها وضمها : إسم فعل بمعنى بعدُ ( ما يستوفيان حقهما . . . ) أُقر وأعترف بالعجز عن القيام بحقهما مهما اجتهدت وبالغت ، لأنه جسيم وعظيم .

وبعدُ ، فمن أراد أن يستدرك ما فرط من حق أبويه بعد موتهما ، فليستغفر الله لهما ، ويقض دينهما ، ان كان عليهما شيء منه لله أو للناس وإلا تصدق عنهما بما يستطيع . وفي الحديث : من الأبرار يوم القيامة رجل بر والديه بعد موتهما .

فَصَلّ عَلى مُحَمّدٍ وَآلِهِ ؛ وَأعِنّي يَا خَيْرَ مَنْ أسْتَعينُ بِهِ ، وَوَفِّقْني يَا أهْدى مَنْ رُغِبَ إلَيْهِ ،


وَلا تَجْعَلْني في أهْلِ الْعُقُوقِ لِلآباءِ وَالأمّهَاتِ يَوْمَ تُجْزى كُلّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ .

أللّهُمَّ صَلّ عَلى مُحَمّدٍ وَآلِهِ وَذُرّيّتِهِ ، وَاخْصُصْ أبَويَّ بِأفْضَلِ مَا خَصَصْتَ بِهِ آباءَ عِبَادِكَ الْمُؤمِنِينَ وَأمّهَاتِهِمْ ؛ يَا أرْحَمَ الرَّاحِمينَ .

( وأعني يا خير من أستعين به . . . ) كل أدعية أهل البيت (ع) ومناجاتهم ، تهدف إلى طلب الهداية والعون والتوفيق للعلم بالحق والخير والعمل بموجبه ، لأن التوفيق هو الأصل والمنطلق لكل نفع وصلاح دنيا وآخرة ( ولا تجعلني في أهل العقوق ) : العصيان والتمرد ( للآباء والأمهات ) ولا أدري كيف يعق الولد والديه ، وهو على علم اليقين أنهما أرحم به من نفسه ، وأنهما يضحيان بالنفس والنفيس من أجله ، ولا يجزي الإحسان بالإساءة إلا من فيه طبع الحية والعقرب .

( وصل على محمد وآله وذريته ) قيل : الذرية أخص من الآل ، لأن الآل لكل ذي رحم ، والذرية للنسل فقط . ولكن المراد هنا العكس ، لأن القصد من كلمة الآل في الصلاة عليه وعليهم ، المعصومون بالخصوص ، أما الصلاة على الذرية فتعم كل مؤمن صالح من نسل الرسول الأعظم (ص) ( واخصص أبوي بأفضل ) ما تخص به المقربين لديك .

أللّهُمَّ لا تُنْسِني ذِكْرَهُمَا في أدْبَارِ صَلَواتي ، وفي إنىً مِنْ آنَاءِ لَيْلي ، وفي كُلّ سَاعَةٍ مِنْ سَاعَاتِ نَهَاري .


أللّهُمَّ صَلّ عَلى مُحَمّدٍ وَآلِهِ ؛ وَاغْفِرْ لي بِدُعَائي لَهُمَا وَاغْفِرْ لَهُمَا بِبِرّهِمَا بي مَغْفِرَةً حَتْماً ؛ وَارْضَ عَنْهُمَا بِشَفَاعَتي لَهُمَا رِضىً عَزْماً ، وَبَلّغْهُمَا بِالْكَرامَةِ مَواطِنَ السّلامَةِ .

أللّهُمَّ وَإنْ سَبَقَتْ مَغْفِرَتُكَ لَهُمَا فَشَفّعْهُمَا فيَّ ، وَإنْ سَبَقَتْ مَغْفِرَتُكَ لي فَشَفّعْني فِيهِما ، حَتّى نَجْتَمِعَ بِرَأفتِكَ في دارِ كَرامَتِكَ وَمَحَلّ مَغْفِرَتِكَ وَرَحْمَتِكَ .

إنّكَ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ، وَالْمَنّ الْقَديمِ ، وَأنْتَ أرْحَمُ الرَّاحِمينَ .

( أللهم لا تنسني ذكرهما في أدبار صلواتي ) كان الشعب العاملي ، المعروف الآن بجنوب لبنان ، من أشد الناس ولاءً لأهل البيت (ع) وأحرصهم على حفظ مناقبهم وآثارهم ، وبخاصة الأدعية حيث يكررونها صباح مساء ، وكان من عادة العامليين أن يقرأوا سورة الفاتحة بعد الصلاة ، ويهدون ثوابها إلى الأبوين ، وما زال الكثير منهم على ذلك . وغير بعيد أن يكون المصدر هذا الدعاء بالذات ( وفي آناء من آناء ليلي وفي كل ساعة . . . ) لا تنسني ذكرهما في أي وقت وحين .

( واغفر لي . . . ) اجعل ثوابي عندك على البر بهما ، وثوابهما على البر بي ـ مغفرتك ورحمتك لي ولهما ( حتماً ) : غفراناً محتوماً ( رضىً عزماً ) : معزوماً أي مقصوداً ( وبلغهما بالكرامة ومواطن السلامة ) تكرم


عليهما بالجنة وتفضل ( وإن سبقت مغفرتك لهما . . . ) إن تك منزلتهما لديك أعلى وأرفع من مكانتي فارحمني بشفاعتهما ، وإن تك منزلتي أعلى فارحمهما بشفاعتي ( حتى نجتمع ) في جنانك ، ونسعد برضوانك .

والخلاصة أن للوالدين حقوقاً تمتاز عن أكثر الحقوق حتى عن حق المؤمن على المؤمن ولو كان الأبوان مشركين بنص القرآن الكريم : « وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا ـ ١٥ لقمان » .


ـ ٢٥ ـ

لولده

أللّهُمَّ وَمُنَّ عَلَيَّ بِبَقَاءِ وُلْدي ، وَبِإصْلاحِهِم ليَ وَبِإمْتَاعي بِهِمْ ؛ إلَهي امْدُدْ لي في أعْمَارِهِمْ ، وَزِدْ لي في آجَالِهِم ْ ، وَرَبّ لي صَغِيرَهُمْ ، وَقَوّ لي ضَعِيفَهُمْ ، وَأصِحَّ لي أبْدانَهُمْ وَأدْيَانَهُمْ وَأخْلاقَهُمْ ، وَعَافِهِمْ في أنْفُسِهِم وَفي جَوارِحِهِمْ وَفي كُلّ ما عُنِيتُ بِهِ مِنْ أمْرِهِمْ ، وَأدْرِرْ لي وَعَلى يَدي أرْزاقَهُمْ ؛ وَاجْعَلْهُمْ أبْراراً أتْقِيَاءَ بُصَراءَ سَامِعينَ مُطِيعينَ لَكَ ، وَلأوْلِيَائِكَ مُحبِّينَ مُنَاصِحينَ ، وَلِجَميعِ أعْدَائِكَ مُعَانِدينَ وَمُبْغِضينَ ؛ آمينَ . . .

( أللهم ومنّ عليّ ببقاء ولدي ) يتمنى الوالد طول الحياة لولده ، لأنه امتداد لوجوده وذكره وأجله وعمره ( وبإصلاحهم لي ) اجعلهم من أهل الإيمان والصلاح كي يطيعوك شاكرين ، ويسمعوا مني غير عاصين ( وبامتناعي بهم . . . ) أتقوى بهم في شيخوختي ، ويخدموني في ضعفي وعلتي ( وربّ لي صغيرهم ) مدني بالعون من فضلك على تربيتهم تربية صالحة نافعة .


التوكل في العمل لا في البطالة والكسل

( وقوّ لي ضعيفهم وأصح . . . ) أسألك يا إلهي أن يكون أولادي بالكامل اصحاء آقوياء وأبراراً أتقياء . . . وليس معنى هذا أن يهمل الوالد شأن أولاده بالمرة ، ويترك تدبيرهم لله وهو واقف ينظر ويتفرج ، بل معناه أن يأخذ للأمر هبته من أجلهم ويكافح بلا كلل وملل ، في سبيلهم متوكلاً على الله مستعيناً به في التوفيق وبلوغ الغاية ، والله سبحانه لا يضيع أجر من أحسن عملاً ، كيف وقد أمر بالجهاد والنضال وقال فيما قال : « اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّـهُ عَمَلَكُمْ ـ ١٠٥ التوبة » وندد بمن يعيش كلا على سواه في الآية ٧٦ من النحل .

وما من شك أن من ترك الكدح والعمل مع طاقته وقدرته بزعم الإتكال على الله ـ فقد تمرد على أمره تعالى ، ووضع رأيه فوق مشيئة الخالق وإرادته من حيث يريد أو لا يريد ، وتواتر عن الرسول الأعظم (ص) : « إعقلها وتوكل » وقال حكيم قديم : إن الله سبحانه أمرنا بالتوكل عليه في العمل لا في البطالة والكسل . وبكلام آخر أن التربية من صنع الإنسان ، ولها أُسس وقوانين تماماً كالصناعة والزراعة وغيرهما ، والإمام (ع) في دعائه هذا يسأل الله سبحانه أن يهد له السبيل إلى التنفيد والقيام بما فرضه عليه من تربية الأولاد والعناية بهم والكدح من أجلهم ، وسبق الكلام عن ذلك في الدعاء رقم ٢٠ وأيضاً قد يأتي بأُسلوب ثالث أو رابع .


أجهل الناس بالله

( وأدرر على يدي أرزاقهم ) ما داموا صغاراً وأطفالاً حتى إذا بلغوا أشدهم سعوا في الأرض وأكلوا من كد اليمين . وفيه إيماء إلى أنه ينبغي للإنسان أن يحتاط ويحترز من أن يترك أيتاماً بلا مال ولا راعٍ وكفيل ، وفي الحديث : « إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس » وقريب منه قوله تعالى : « وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّىٰ يُغْنِيَهُمُ اللَّـهُ مِن فَضْلِهِ ـ ٣٣ النور » .

وأجهل خلق الله بالله ودينه وسنته وشريعته ، من ترك العلاج للشفاء ، والسعي للرزق زاعماً ـ بلسان حاله وأفعاله ـ أنه قد أخذ من الله عهداً أن يعطيه ما يحتاج بمجرد نية التوكل دون أن يسرح ويتزحزح ! إن الله سبحانه هو الذي يشفي المريض ، ما في ذلك ريب ، ولكن بالعلاج ، ويطعم الجائع ولكن بالسعي تماماً كما يخلق الحيوان من النطفة والشجرة من النواة والليل والنهار من دوران الأرض . . . وهكذا كل ما في السموات والأرض من أسباب ومسببات ، تُرد إلى السبب الأول الذي خلق فسوى والذي قدر فهدى .

أللّهُمَّ اشْدُدْ بِهِمْ عَضُدي ، وَأقِمْ بِهِمْ أوَدي ، وَكَثّر بِهِمْ عدَدَي ، وَزَيّنْ بِهِمْ مَحْضَري ، وَأحْي بِهِمْ ذِكْري ، وَاكْفِني بِهِمْ في غَيْبَتي ، وَأعِنّي بِهِمْ عَلى حَاجَتي ، وَاجْعَلْهُمْ لي مُحِبّينَ ، وَعَلَيَّ حَدبِينَ مُقْبِلينَ مُسْتَقِيمينَ لي ، مُطيعينَ غَيْرَ عَاصينَ وَلا عَاقّينَ وَلا مُخَالِفينَ وَلا خَاطِئينَ ؛


وأعِنّي عَلى تَرْبِيَتِهِمْ وَتَأدِيبِهِمْ وَبِرّهِمْ ، وَهَبْ لي مِنْ لَدُنْكَ مَعَهُمْ أوْلاداً ذُكُوراً ، وَاجْعَلْ ذلِكَ خَيْراً لي ، وَاجْعَلْهُمْ لي عَوْناً عَلى ما سَألْتُكَ .

هذا الجزء من الدعاء واضح لا يحتاج إلى الشرح والتفسير ، وأيضاً تقدم بالحرف أو بالمضمون في هذا الفصل وغيره ، ولذا نكتفي بالإشارة إلى المراد من بعض المفردات ، والفرق بين عطف الوالد على ولده ، وعطف هذا على أبيه ، ثم نذكر ما يهدف إليه الإمام بإشارة خاطفة .

( عضدي ) العضد : الساعد وهو من المرفق إلى الكتف ، والمراد به هنا القوة والمساعدة ، قال سبحانه : « سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ ـ ٣٥ القصص » أي يساعدك ويعينك ( أودي ) : ثقلي وحملي ، قال عز من قائل : « وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا ـ ٢٥٥ البقرة » أي لا يثقله حفظهما ( حدبين ) : مشفقين .

بين عطف الوالد والولد

أوصى سبحانه الولد بوالديه ، وأمره بالعطف عليهما ، ولم يوص الوالد بشيء من ذلك . والسر واضح ، لأن الولد بضعة من الوالد بل هو نفسه ولا عكس ، قال الإمام أمير المؤمنين (ع) لولده الإمام الحسن (ع) : « وجدتك بعضي ، بل وجدتك كلي حتى لو أن شيئاً أصابك أصابني » وكتب ولد لوالده : جُعلت فداك . فكتب إليه والده : لا تقل مثل هذا ، فأنت على يومي أصبر مني على يومك . ومن الأمثال عندنا في جبل عامل : قلبي على ولدي وقلب ولدي على الحجر . وقال سبحانه : « إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ ـ ١٤ التغابن » وما قال : إن من آبائكم


وأُمهاتكم عدواً لكم فاحذروهم . لأن عاطفة الوالدين ذاتية كما أشرنا ، أما عاطفة الولد نحو أبويه فهي في ـ الغالب ـ مجرد المصلحة ، وقد تكون هذه المصلحة في موت والده . فينقلب عليه عدواً كما أشارت آية التغابن ، وفي الأشعار :

أرى ولد الفتى كلا عليه

لقد سعد الذي أمسى عقيما

فإما أن تربيه عدواً

وإما أن تخلفه يتيما

وكنت ذات يوم في « التكسي » ذاهباً إلى المطبعة ، وفيها مراهقان ، فسمعت أحدهما يقول للآخر : هنيئاً لك ، أبوك من ذوي الأملاك والأموال . فقال له علناً وبكل صراحة ووقاحة : « لكن العكروت ما كان يموت » والكثير من الجيل الجديد على هذه الطوية والسجية .

وبعد ، فان الولد إما نعيم ليس كمثله إلا الجنة ، وإما جحيم دونه عذاب الحريق ، والويل كل الويل لمن ابتلاه الله بامرأة سوء وولد عاق . . . والإمام (ع) يدعو الله ويناشده في أن يمده ويسعده بأولاد يحبهم ويحبونه ، أذلة عليه وعلى المؤمنين ، أعزة على أعداء الله وأعدائه ، وزين له في مغيبه ومحضره وفي الحديث : « ان الله سبحانه رفع العذاب عن رجل ، أدرك له ولد صالح ، فأصلح طريقاً ، وآوى يتيماً » .

وَأعِذْني وَذُرّيّتي مِنَ الشّيْطَانِ الرَّجِيمِ ، فَإنّكَ خَلَقْتَنَا وَأمَرْتَنَا وَنَهَيْتَنَا ، وَرَغّبْتَنَا في ثَوابِ مَا أمَرْتَنَا ؛ وَرَهّبْتَنَا عِقَابَهُ ، وَجَعَلْتَ لَنَا عَدواً يَكيدُنَا ، سَلّطْتَهُ مِنّا عَلى مَا لَمْ تسَلّطْنَا عَلَيْهِ مِنْهُ ، أسْكَنْتَهُ صُدُورَنَا ، وَأجْرَيْتَهُ مَجَاريَ


دِمَائِنَا ، لا يَغْفُلُ إنْ غَفَلْنَا ، وَلا يَنْسى إنْ نَسينَا ، يُؤمِنُنَا عِقابَكَ ، وَيُخَوّفُنَا بِغَيْرِكَ ؛ إنْ هَمَمْنَا بِفَاحِشَةٍ شَجّعَنَا عَلَيْهَا ، وَإنْ هَمَمْنَا بِعَمَلٍ صالِحٍ ثَبّطَنَا عَنْهُ ، يَتَعَرَّضُ لَنَا بِالشّهَواتِ ، وَيَنْصِبُ لَنَا بالشّبُهَاتِ ، إنْ وَعَدَنَا كَذَبَنَا ، وَإنْ مَنّانَا أخْلَفَنَا ، وَإلَّا تَصْرِفْ عَنّا كَيْدَهُ . . . يُضِلّنَا ، وَإلَّا تَقِنَا خَبَالَهُ . . . يَسْتَزِلّنَا .

أللّهُمَّ فَاقْهَرْ سُلْطَانَهُ عَنّا بِسُلْطانِكَ ، حَتّى تَحْبِسَهُ عَنّا بكَثْرَةِ الدّعَاءِ لَكَ فَنُصْبِحَ مِنْ كَيْدِهِ في الْمَعْصومينَ بِكَ .

( وأعذني وذريتي . . . ) واضح ، وتقدم بالحرف في الدعاء ٢٣ ( فانك خلقتنا وأمرتنا . . . . ) خلق سبحانه الإنسان ، ومنحه العقل والقدرة والحرية ، وبهذا العناصر الثلاثه مجتمعة يستحق الثواب على الطاعة والعقاب على المعصية ( ورهبتنا عقابه ) أي خوفتنا عقاب عصيان ما أمرتنا به نهيتنا عنه ( وجعلت لنا عدواً ) وهو الوسواس الخناس الذي يغلي في الصدور من الحقد والحسد والعزم على غيرهما من المآثم . . . والدليل على إرادة هذا المعنى قوله : أسكنته صدورنا ، وأجريته مجاري دمائنا ، أما قوله : ( سلطته منا على ما لم تسلطنا عليه ) فمعناه أن هذا الواسواس الخبيث لا هو يذهب من تلقائه ، ولا نحن نستطيع الفرار منه . . . وهذا صحيح لا ريب فيه ، ومن أجل ذلك لا يحاسب سبحانه ويعاقب على أي شيء يدور ويمور في النفس من الإفكار والنوايا السوداء إلا إذا ظهرت وتجسمت في قول أو فعل .


( يؤمننا عقابك ) يضمن لنا الأمن والأمان من غضبك وعذابك ( ويخوفنا بغيرك ) ومن ذلك أن الله سبحانه قال : « يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الْأَرْضِ ـ ٢٦٧ البقرة » والنفس الأمارة أو الوسواس يخوفنا الفقر ، إن أطعنا وأنفقنا ( وإن هممنا بفاحشة شجعنا عليها . . . ) يشير بهذا الى جهاد النفس التي تحاول التغلب بالهوى على العقل والتقوى ( ونصب لنا بالشبهات ) أظهر لنا الأفكار الخاطئة التي تُلبس الحق ثوب الباطل والباطل ثوب الحق ، وتوقع السذج البسطاء في الشك والحيرة .

( إن وعدنا كذبنا . . . ) يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إلا غروراً ١٢٠ النساء ( وإلا تصرف عنا كيده يضلنا ) إقتباس من الآية ٣٣ يوسف : « وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ » أي إن لم تعني على نفسي أكن من الجاهلين ( وإلا تقنا خباله ) : فساده ( يستزلنا ) يوقعنا بالزلل والخطايا ( فاقهر سلطانه عنا بسلطانك . . . ) هب لنا من لدنك صبراً عن الحرام ، ونصراً على الهوى حتى لا نعصيك في جميع الحالات ( تحبسه عنا بكثرة الدعاء لك ) حثثت على الدعاء ، ووعدت بالإجابة ، وقد دعونا أن تصد عنا كل مكروه ، وتوسلنا بك وأكثرنا ، فكن لدعائنا مجيباً ، ومن ندائنا قريباً .

أللّهُمَّ أعْطنِي كُلَّ سُؤلي ، وَاقْضِ لي حَوائِجي ، وَلا تَمْنَعْني الإجَابَةَ وَقَدْ ضَمِنْتَهَا لي ؛ ولا تَحْجُبْ دُعَائي عَنْكَ ، وَقَدْ أمَرتَني بِهِ .

وَامْنُنْ عَلَيَّ بِكُلّ مَا يُصْلِحُني في دُنْيَايَ وَآخِرَتي مَا ذَكَرْتُ مِنْهُ وَمَا نَسِيتُ ؛ أو أظْهَرْتُ أوْ أخْفَيْتُ أوْ أعْلَنْتُ أوْ أسْرَرْتُ .


وَاجْعَلْني في جَميع ذَلِكَ مِنَ الْمُصلِحين بِسُؤالي إيّاكَ ، المُنْجِحِينَ بِالطّلَبِ إلَيْكَ ، غَيْرِ الْمَمْنُوعِينَ بِالتّوَكّلِ عَلَيْكَ ، الْمَعَوَّدينَ بالتّعَوّذِ بِكَ ، الرّابِحينَ في التّجَارَةِ عَلَيْكَ ، الْمُجَارينَ بِعِزّكَ ؛ الْموسَعِ عَلَيْهِمُ الرّزْقُ الحَلالُ مِنْ فَضْلِكَ الْواسِعِ بِجُودِكَ وكَرَمِكَ ؛ الْمُعَزّينَ مِنَ الذّلّ بِكَ ، وَالْمُجَارينَ مِنَ الظّلْمِ بعَدْلِكَ ، وَالْمُعَافَينَ مِنَ الْبَلاءِ بِرَحْمَتِكَ ، وَالْمُغْنَيْنَ مِنَ الْفَقْرِ : بِغِنَاكَ ، وَالْمَعْصومِينَ مِنَ الذّنوبِ وَالزَّلَلِ وَالْخَطَإ بتَقْواكَ ، وَالْمُوفّقينَ لِلْخَيْرِ وَالرّشْدِ وَالصَّوابِ بِطَاعَتِكَ ، وَالْمُحَالِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الذّنوبِ بقُدْرَتِكَ ، التَّارِكينَ لِكُلّ مَعْصِيَتِكَ السّاكِنينَ في جِوارِكَ .

( أللهم اعطني كل سؤلي . . . ) مطلوبي وهو قضاء حوائجي ، فقد أنزلتها بك دون سواك ( ولا تمنعني الإجابة ، وقد ضمنتها لي ) بقولك : « ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ـ ٦٠ غافر » ثم بيّن الإمام (ع) هذه الحوائج بقوله : « وامنن علي بكل ما يصلحني . . . هذا هو هم المؤمن وهمته : الصلاح وعمل الخير في الدنيا ، والنجاة والخلاص في الآخرة ، لا التكاثر والتفاخر ( ما ذكرت منه وما نسيت . . . ) واضح ، وتقدم مثله في الدعاء ٢٢ .

( واجعلني في جميع ذلك من المصلحين بسؤالي إياك . . . ) أسترشدك


بدعائي لكل ما فيه صلاحي في الدنيا وفوزي في الآخرة ( غير الممنزعين بالتوكل عليك ) أنت يا إلهي تسمع الشاكين إليك ، ولا تمنع المتوكلين عليك ، وأنا منهم ، وأيضاً أنا من ( المعودين بالتعوذ بك ) لقد عوّدت الذين يتعوذون بك ويلوذون ، أن لا تردهم خائبين ( الرابحين في التجارة عليك ) أي منك كقوله تعالى : « الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ ـ ٢ المطففين » أي من الناس ، والمجرور متعلق بالرابحين ، والمعنى من عمل صالحاً لوجه الله تعالى زاده من فضله ، والإمام يسأل الله أن يجعله من العاملين له لسواه ، ومن ( المجارين بعزك ) : المحفوظين بعناية الله وحراسته ( الموسع عليهم الرزق الحلال . . . ) ولا شيء أجل وأحل من لقمة يأكلها المرء بكدحه وسعيه لا بالرياء ورداء الصلحاء .

( المعزين من الذل بك ) أي بطاعتك ، وكم من أناس طلبوا العز بالنسب والثراء والخداع والرياء فاتضعوا وذلوا ( والمجازين من الظلم بعدلك ) أجرني بعدلك وقدرتك من كل ظالم ( والمعافين من البلاء برحمتك . . . ) ارحمني برحمتك ، وامنن عليّ قبل البلاء بعافيتك ، وأيضاً اغنني بفضلك عن الناس ، وأبعدني بعنايتك عن الخطأ والخطيئة ، ووفقني للعمل بطاعتك . . . وكل ذلك تقدم مراراً وتكراراً . وأخيراً اجعلني في الآخرة من ( الساكنين بجوارك ) ومن سكن في جوار العظيم الكريم فهو حرز حارز ، وحصن مانع من كل سوء .

أللّهُمَّ أعْطِنَا جَميعَ ذَلِكَ بِتَوفِيقِكَ وَرَحْمَتِكَ ، وَأعِذْنَا مِنْ عَذابِ السّعيرِ ، وَاعْطِ جَميعَ الْمُسْلِمينَ وَالمُسْلِمَاتِ وَالْمؤمِنينَ وَالْمُؤمِنَاتِ مِثْلَ الّذي


سَألْتُكَ لِنَفْسي وَلِوُلْدي في عَاجِلِ الدّنْيَا وَآجِلِ الآخِرَةِ .

إنّكَ قَريبٌ مُجيبٌ سَميعٌ عَليمٌ عَفوٌ غَفُورٌ رؤُوفٌ رَحِيمٌ ؛ وآتِنَا في الدّنْيَا حَسَنَةً ، وَفي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذابَ النّارِ .

( أللهم اعطنا جميع ذلك . . . ) إشارة إلى كل ما تقدم من صحة الأبدان والأديان إلى وفرة الأرزاق والسكنى في جوار الرحمن ( واعط جميع المسلمين والمسلمات . . . ) ختم الإمام دعاءه هذا بالرجاء أن يوفق سبحانه ويسهل السبيل الى ما ذكر وسأل لنفسه ولذويه وأهل التوحيد ، لأن من أخص خصائص المؤمن أن يكون تعاونياً مع الجميع . وفي الحديث : المؤمن يحب لغيره ما يحب لنفسه . . . المؤمنون كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى » هذا ، إلى أن العلاقة ما بين أفراد المجتمع الواحد حتمية لتشابك المصالح ووحدة المصير . ( وآتنا في الدنيا حسنة . . . ) تقدم مثله في آخر الدعاء ٢٠ .


الكوكب الدرّي

في حياة السيد العلوي

لمحة خاطفة من حياة آية الله المجاهد السيد علي بن الحسين العلوي " قدس سره " بمناسبة أربعين وفاته .

وقد أقدمنا على تأليف هذه المجموعة التي تمثل نواحي مختلفة من نواحي حياته تجسيدا وبقاء لآثاره ومآثره .

( وآثارنا تدل علينا

فانظروا بعدنا الى الآثار )

وزبدة الكلام ان هذه المجموعة كشذرة من عقد نحر وقطرة من ماء بحر فعذرا من هفوة القلم وزلة القدم .


بسم الله الرحمن الرحيم

« وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّـهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّـهِ »

« النساء ١٠٠ »

نبأ مفجع وخبر موجع ويوم كئيب حزين ، فتّت الأكباد ، وأضرم الخلد ، وأدمى العين ، وأذبل الفؤاد ، وخيّب الآمال .

ايها القلم الحزين ، ما بالك والحزن انقضى ظهرك ، وأضاق صدرك وأدمى مقلتك ، وأجّجَ لهيب الفراق في أحشائك . . .

فراق الحبيب

إنه الشّعلة الوهاجة تنير كل سُبل الخير وطريق الهداية ودروب الصلاح ، انه رجل الدين المجاهد ، والمفكّر الإسلامي ، العلامة الحجة آية الله السيد علي بن الحسين العلوي طاب مضجعه ونوّر الله قبره .

أفل كوكبه الدريّ ، وغابت شمسه الزاهيّة ، وودّع الدنيا الفانيّة ، في ليلة وضُحها ، وفجئنا بما لم يكن بالحسبان ولم يخطر على البال قط ، بنبأ مُفجع . . .

فبَهت الناس ، وصعقوا من هذا النبأ المؤلم ، ولكنهم سرعان ما هبّوا . . .

فعلت الأصوات من الحناجر ، والحسرات من القلوب والكل لا يصدق بعد ، ولكن شاءت الأقدار ، أن تصدقه ، وحكم الله لا


غالب له .

فكانت الثلمة العظيمة في الإسلام ، والفقدان الفادح في الأمة والفراغ العصيب في صحبه وأخوانه لا يسدّها شيء ، وليس لنا الّا الإستسلام لأمر الله الحكيم ، والقلوب مضرمة مفجعة بنار الفراق الطويل ، والعيون مذرفة دموع الحزن والكآبة والعزاء ، والناس يلهجون له بحسن الثناء ، ويعَزّون الأهل والأقرباء ، والأحباء ، ولمّا يصدّقون الخبر المفجع .

سيدي ومولاي :

يحق لنا جميعا أن نترك الحناجر هاتفة صارخة والدموع سائلة ساخنة وننادي وا أبتاه . . وا سيّداه . . . . . . وا مصلحاه . . . !!!

عزّ والله علينا فراقك وعزّ على الأرواح والقلوب أن ترثيك ، وكنا نشعر بقوة نعتمد عليها ، ونستلهم من مغزها روح الجهاد والنضال فأين هي الآن ؟

سيدي أبتاه :

ما دار في خلدي أن اكتب ما اكتب ! وَدمي الحزين ينزف من عيني أيحق لي أن اكتب عن حياتك البطوليّة والصمود ، حياة العلم والعمل ، وأنت لن تموت ؟ سيدي العلوي انك خالد في التأريخ اذ عشت للإسلام والأمة الإسلاميّة .


لا تأخذك في الله لومة لائم ، اذ لا تخشى الّا الله ولا تهاب الّا الحق ، فأنك المجاهد الورع والعابد العالم والمصلح القتفاني في الله وخدمة خلقه .

ماذا اكتب عن حياتك ، وحياتك مليئة بالعمل المتواصل والكفاح المرير حتى مضيت الى ربّك قرير العين .

وقد خلّفت أمّة من الناس تحمل روحك وقلبك الحنون ، خلّفت علماء من طلبتك الكرام ، وشباباً ناهضاً ، وثروة علميّة من مطبوع وغير مطبوع ، خلّفت مواكب ومدارس إسلاميّة ، تربي الأجيال وتسمو بهم مدارج الكمال .

سيدي لم ولن تموت ولك المآثر الخالدة في المجتمع والنفوس ، لن تموت ولك كتب قيمة وشباب طاهر يسير نحو الهدف الذي كنت ترمي اليه ، وذلك حكومة الإسلام واقامة الحق والعدل في المجتمع .

فنم قرير العين ، فانا كما عهدت مخلصون .

مولاي سكنتَ الفراديس وجنّات عرضها السّموات والأرض .

وسرعان ما غاب شمسك النير .

الله اكبر . . .

لن أنسىٰ تلك السويعة المريرة التي كنت بجنبك أقبل يديك الكريمة كرّات ودموع حبستها في حَدقة العين ، كي لا تحزن وأنت على سرير المستشفى ، توصى ولدك ، ولم يكن بالحسبان أن


نفقدك .

وفراق الأحبة والله أصعب .

لن أنسى آخر لحظة من الوداع الحزين عندما كانت يدي بين يديك الخالدة بمدادك الذي أفضل من دماء الشهداء تضغط عليها حبّاً وحناناً وشفقةً .

آه ساعة كئيبة ، لا أنساه مدى الحياة يحزّ قلبي ويأجّج لهيب الفراق في صدري فوا أسفاه على ذلك القلب الحنون المفقود ، وما يُجدي الأسف ولكن لا حول ولا قوّه الّا بالله العلي العظيم .

وما كان قيس فقده فقد واحد

ولكنّه بنيان قوم تهدّما

سيدي :

في هذا الظرف العصيب الذي تمرّ به الأمة الإسلاميّة ، في عراقنا المضطهد ، في هذه المرحلة الرساليّة الشاقة ، وفي هذه الأجواء التي تكالبت فيها على الإسلام والمسلمين كل قوى الألحاد والصهيونيّة ولا سيّما العفلقيّة في العراق الحزين .

في هذه الفترة الحاسمة المحتاجة الى جهابذة مفكرين مصلحين ، ومجاهدين صابرين ، وقاده أمناء ، أصيبت الأمة في كبدها بفقدك الغالي العزيز ، وانها لم تكن فاجعة آل العلوي فحسب انها فجيعة ايران والعراق فجيعة كل محب وموالي لأهل البيت عليهم السلام .


سيدي :

عذراً من روحك الطاهرة الزكيّة ، بأي المفاخر من حياتك أبدأ وبأيّ المناهج أشرع وأنت أبو المفاخر .

كنتَ النور تَغمر من روادك بضيائك الزاهر ، وَوَسع قلبك مشاكل الأمة ولم تغفل عنها لحظة حتى الأجل .

واستقبلت المصاعب والمتاعب بصدر رحب ، شُرح بالإسلام ، اذ تُؤمن بأنّ الجنة مأواك والنعيم نهاية حياتك .

وأخيراً الى شعبك الحزين بفقدك أقدّم لمحة خاطفة من أبعاد حياتك الخالدة .

ولعلنا نوفق أن نشير الى لمحات وشذرات من سجل حياتك طاب ثراك وقدس الله روحك .

وانا لله وانّا اليه راجعون

الحزين الكئيب


مولده وحياته العائليّة :

ولد فقيدنا الراحل الى جوار رحمة ربّه الكريم في اليوم الثاني من محّرم الحرام عام ١٣٤٦ هجري قمري المصادف ٢٣ / ٦ / ١٩٢٧ ميلادي في محلّة ( ام النوّمي ) في بلدة الكاظميّة المقدسة ، وترعرع في أحضان الأيمان والتقوى ، وتغذّىٰ من ثدي العلم والعمل ، حيث انحدر من سلالة طيّبة طاهرة في التقوى والفضيلة ، في أرحام طاهرة وأصلاب شامخة ، وكان خيرة اولاد أبيه الصالح المتّقي الوقور السيد حسين قدس سرّه ذكوراً واناثاً في النشاط والحيويّة والذكاء ، والعمل الدائب والجهد المتواصل ، ونسبه الشريف وشجرته المباركة تصل الى الإمام السجّاد ، زين العابدين مولانا وسيدنا الإمام علي بن الحسين عليه السلام .

ويأتيك التفصيل بقلمه وخطّه الشريف ، ولقد اقترن أبان بلوغه بأبنة عمّه ، وتُوفيت في الثامن عشر من عمرها وخلفت ثلاث ذكور وماتوا ، ورأى المصائب العظيمة حتى اشتهر بين مجتمعه بالوليّ الصبور ، وكانت المصائب تصبّ عليه حتى مماته لكثرة ايمانه وعمله . . . ثمّ تزوج السيدة العلويّة سليلة الكرام ، المنحدرة من سلالة الرسول ، وآل البتول ( عليهم السلام ) التي جاهدت معه طيلة عمره في خط العلم والعمل الجهادي حتى شهد في حقها ، فقيدنا الراحل امام جمع من طلابه ، اذ كان يتكلّم حول المرأة فقال : انّ نصف ما لي من العلم والشرف


والثواب فهو لأم أولادي حيث إنها ساعدتني وساندتني في العمل وطلب العلم .

وهي بنت رجل الدين ، صاحب المواكب الحسينية ، المتقى الورع ، كبير قومه السيد محمد الحسيني المشهور في النجف الأشرف .

فأنجبت له خمسة اولاد ذكور وأربعة أناث ، بعدما ماتا لهما طفلان صغيران .

وعندما ترعرعوا بلغوا الحلم والشباب ، أُستشهد لهما أربعة في آن واحد في سائحةٍ مؤلمةٍ في طريق الدعاء لأنتصار الثورة الإسلاميّة وقائدها ، وهم :

ثقه الإسلام السيد عامر العلوي

السيد عقيل العلوي

بنت العلى العلوي

بنت الأيمان العلوي

٢١ سنة

١٥ سنة

١٦ سنة

١٢ سنة

والباقون حجج الإسلام السيد عادل الدين العلوي

السيد عماد الدين العلوي

السيد عارف العلوي

وبنتان

وكان عطوفاً على أولاده ، ويريد الخير والصلاح لهم دوماً ، وحتى كان يضحّي بنفسه من أجلهم ، كما لنا في ذلك قضايا


تأريخّية .

فَقَدَ أربعة من أفلاذ كبده وبعد أربعة أعوام فارق الدنيا بنوبة قلبيّة ، ثلاث مرات في ثلاث ليالٍ متواليّة وقُرب الساعة الثانيّة والنصف بعد منتصف الليل ، مسية يوم الأحد ، أرتحل الى رحمة ربه في مقعد صدقٍ عند مليك مقتدر .

فانا لله وانّا إليه راجعون .

Description: E:BOOKSBook-LibraryENDQUEUEAthar-Khaled-Walad-Waledimagespage0177.png


Description: E:BOOKSBook-LibraryENDQUEUEAthar-Khaled-Walad-Waledimagespage0178.png

وأخوتي الأعزاء في ليلة الأنقلاب جرعوا كأس الشهادة عندما ذهبوا . . . ليدعوا ربهم بنصرة الإسلام ونجاح ثوره الإمام الخميني .

١ ـ حجة الإسلام سيد عامر العلوي

( عمره ٢١ سنة )

٢ ـ السيد عقيل العلوي

( عمره ١٥ سنة )

٣ ـ بنت العلي العلوي صاحبه كتاب الحجاب بالفارسي

( عمرها ١٦ سنة )

٤ ـ بنت الإيمان العلوي

( ١٢ سنة ) قدس سرهم


حياته العلميّة والعمليّة :

منذ نعومة اظافره ـ قدس سره ـ كان يحب العلم والعمل به ، له طموح يتسامى مع عزمه ونشاطه ، ولعلّ النبوغ والطموح أبرز سمة تميّزت بها شخصية فقيدنا الراحل السيد العلوي طاب ثراه ، فقد عرف الوسط العلمي والحوزات العلميّة ، بذكائه وولعه في طلب العلم ، منذ صباه ، فأقام على التعلّم والتعليم ولا يبالي بالكوارث والمشاكل التي تصبّ عليه كالوابل ، بل حُبّاً وشَوقاً ينتهي شوطاً بعد شوطٍ من كعبة آماله وأُمنياته ، فقد تعلّم القرآن وختمه في المكتب وهو صبي ترك اللّعب واللهو لأهله ، وفاق أترابه لما يحمل من ذكاء وحيويّة ، فدخل المدرسة ليتعلم العلوم الجديدة كالحساب والهندسة وما شابه ، وذلك في ( مدرسة اخوت ) في الكاظميّة المقدسة ثم دخل في سلك طلبة العلوم الدينيّة القديمة ، شوقاً للإسلام وحبّاً لمفاهيمه وتعاليمه القيّمة ، وفاق أقرانه وزملائه لمثابرته وعمله المتواصل ونشاطه المستمر ، وأخذ حظاً وافراً من العلوم الإسلاميّة كالنحو والصرف والمنطق والفقه والأصول والتفسير وما شابه ، وتوّج بالعمّة المباركة وزيّ رجال الدين ، في الجامع الهاشمي ، على يد سماحة آية الله المجاهد الفقيد السعيد السيد اسماعيل الصدر طاب ثراه ، بعدما حاز على رتبة الأستاذيّة وأصبح الأستاذ الأوحد في الجامع الهاشمي ، فشاع صيته في الكاظميّة المقدسة


وبغداد وأصبح منهلاً عَذِباً للشباب وطلاب الجامعات وطلبة العلوم القديمة ، وكان إمام جامع الهاشمي ، ومصباح بحبوحته ، ونائب السيد اسماعيل الصدر ، وأخذ يشق طريقه في العلم والعمل ، والتأليف والتصنيف ، لكي يصل القمة وأقصى مدارج الكمال ، والفقاهة ، لنبوغه وطموحه الذي قلّما له مثيل ، فطوى المراحل الثلاثة في دراسة العلوم القديمة من المقدمات والسطح والخارج ، حيث تَلمّذ في الأوّلين على يد العلامة النحرير الشيخ حامد الواعظي وآية الله السيد اسماعيل الصدر في العراق ، ومَن ثَمَّ هُجِّرَ الى ايران الأسلام ، فقصد الحوزة العلميّة في مدينة قم المقدّسة الثائرة ضدّ الطغاة والجبابرة ، وحضر درس الخارج لآيه الله العظمى السيد محمد رضا الگلبايگاني ، وآية الله العظمى السيد شهاب الدين المرعشي النجفي دام ظلّهما الوارف ، وَجاور كريمةَ أهل البيت السيدة المعصومة الطاهرة بنت رسول الله السيدة فاطمة بنت موسى بن جعفر عليهم السلام ، واشتغل مدرساً في الحوزة العلميّة كما كان في العراق منذ اكثر من ثلاثين سنة ، حتى تَخرّج على يديه الكريمتين وأنفاسه القدسيّة ، كثير من المؤلّفين والشعراء ورجال الدين الواعين المخلصين .

فحياته حياة العلم والعمل كلها تدل على السبق والتبحّر والتعمق في المفاهيم الإسلاميّة والرسالة المحمديّة ، فحاز مراتب


الكمال ، وأصبح كالشمس في رائعة النهار ، وكالقمر تَحفّه النجوم والكواكب من طلاب الفضيلة وروّاد العلم والكرامة والشرف فكان مورداً سائغاً للطلاب وعشاق الفضيلة والعلم والمعرفة ، وله المكانة الساميّة في الحوزات العلميّة سواء في النجف الأشرف أو المشهد المقدس أو قم الثائرة .

وهكذا كانت آثار المجد والعظمة والخلود ، ترافق فقيدنا الراحل في جميع أدرار حياته ، وبزغ نوره في الجماهير والأوساط العلميّة بعدما تحلّىٰ بالصفات الحميدة وهذّب نفسه وكسب والعلم ليعمل به أولاً ، ثم يعلّم الناس ثانياً ، ويهديهم الصراط المستقيم .

وسيبقىٰ خالداً مع الأيام بعلمه وقلمه النابظ المفعم بالحيويّة والإخلاص .

وقد ألّف في حياته المباركة اكثر من ( ٤٠ ) مؤلفاً ، تتجلّى فيه المفاهيم الاسلامية الغزيرة ، وسعة اطلاعه وجمال اسلوبه وحلاوة تعبيره ، وستبقى المكتبة الاسلامية تَضمّ بين أحضانها ما فاض من يراعه السيّال ، فهو يؤلف ويعمق الخط الاسلامي الأصيل ويستعرض المعارف والأصول الاسلامية في بيان سلس وتعبير جميل .

ولأن كانت مؤلفاته القيّمة وبحوثه الثمينة تمثل جانباً من جوانب جهاده في الاسلام العظيم ، فانّ لهذه المؤلفات فضلها


على المكتبة الإسلامية وتَيّار الفكر الإسلامي ، والأوساط العلميّة والجماهير المسلمة .

ففي مجال الفقه طبع من مؤلفاته :

١ ـ زكوة الفطرة

٢ ـ مخطط كتاب الارث

وفي علم الكلام :

٣ ـ الأصول الثلاثة

٤ ـ محاضرات في اصول الدين

وفي اصول الفقه :

٥ ـ دروس وحلول في شرح كفاية الأصول ، عشرة أجزاء جزءان قد طبعا .

٦ ـ لباب معالم الدين

وفي التربيّة والأخلاق والتوجيه الأسلامي :

٧ ـ العمل الجهادي ، وهو اوّل ما طبع من تأليفاته

٨ ـ الفارق

٩ ـ الكلمة الطيبة

١٠ ـ إختر لنفسك

١١ ـ العفاف على مذبح التبرجِ

١٢ ـ الرافد

كما انّ للعلامة العلوي دور رفيع في ( الشعر ) بقسميه القريض


والشعبي بلغتين العربي والفارسي ، فقد نظم في مختلف المناسبات والذكريات سيما مراثي أهل البيت عليهم السلام ورثاء ملحمة الطف واقعة كربلاء ، ومصائب سيد الشهداء وأهل بيته الأطهار عليهم السلام ، وقد طبع من أشعارة :

١٣ ـ ديوان العلوي الجزء الاول والثالث

واليكم قطعة شعرية من ديوانه الخالد :

حار الحجا من ينصر الاسلاما

من للعقيدة يرفع الأعلاما

من ذا يُضحى بالنفيس ونفسه

كي يحفظ القرآن والأحكاما

من ذا يكون طبيبِ امته ومن

يأتي يداوي الجرح كي يلتاما

صعب العلاج أما ترى من ضامن

يشفى الغليل ويبرء الأسقاما

كم نحمل الأرزاء في الدنيا وكم

نرجوا الزمان ونرتجي الأياما

الله أكبر ما رأينا أمة

صبرت ومنه تحملت آثاما

الداء داء الجهل اين دوائه

قد دام فينا داؤنا قد داما

*       *      *

الطب دين محمد وعلومه

والوصفة القرآن خذه مراما

والواصفون هم الذين تبيّنوا

سرّ الشفاء وحققوا الأحلاما

علماء دين الله حفاظ لما

قد جاء فيه : مبددوا الأوهاما

وقد طبع من تأليفاته القيمة باللغة الفارسيّة ، حاوياً تعاليم الإسلام القرآن الكريم :

١٤ ـ يادآورى


١٥ ـ رستگاران

١٦ ـ سوداگران

١٧ ـ پيگ رحمت

١٨ ـ باء بسملة

١٩ ـ تربيت از نظر قرآن و عترت

٢٠ ـ پاسخ أنديشه هاى جوانان ١ و ٢

٢١ ـ كتابخانة

٢٢ ـ رهنماى قرآن كريم

وأما المخطوطات سوف تطبع انشاء الله تعالى في المستقبل فمنها كما يلي :

٢٣ ـ الأثر الخالد في الولد والوالد

٢٤ ـ الجنسان

٢٥ ـ تفسير الإمام الصادق عليه السلام عدّة أجزاء

٢٦ ـ دروس وحلول من الثالث حتى العاشر

٢٧ ـ ديوان العلوي ( الجزء الثاني ) شعر شعبي

٢٨ ـ مقتطفات العلوي شعر قريض

٢٩ ـ دلبند نفس شعر فارسى

٣٠ ـ أشگ و آه شعر فارسى

٣١ ـ نداى آسمان

٣٢ ـ سخنان ماه مبارك رمضان


٣٣ ـ منتخب حوادث الأيّام في الإسلام

٣٤ ـ الرافد من الثاني فما فوق

٣٥ ـ الخير والسعادة

وغير ذلك من المؤلفات القيمة التي لها الأثر البالغ في الهام الشباب المسلم طريق العمل ومنهج البناء السليم .

فكرّسَ حياته لخدمة الإسلام ، متعلّماً وعالماً ، وعاملاً ، وكان خير مثالٍ يُحتذى به في التقوى والإخلاص والعلم والعمل .

لقد كان عالي الهمة صادق العزيمة واسع الإطلاع ثابت البيان .

تنظر اليه فترى وجهه سمة الوقار ، ويذكرك الله رويته ، ويزيد في علمك منطقه ، ويرغبك في الآخرة عمله ، ثم أرجع البصر كرّة ثانية فترى عليه مسحة الصالحين وهيبة المتقين وصمود المجاهدين وملامح المؤمنين .

ففقيدنا الراحل الى جوار رحمة ربّه الكريم ، لم يكتف بالدعوة الى الإسلام بالكلمة والعلم فقط وانّما تعدّاها الى العمل والتطبيق ، فكانت له مشاريع خيريّة قيّمة من محافل اسلامية ومواكب حسينيّة ومساجد يذكر فيها اسم الله ، وكتب توجيهيّة ونضال وكفاح لأجل المستضعفين والمحرومين ، ولأجل حكومة الإسلام وإعادة مجد المسلمين وتراثهم العظيم .

رحمك الله يا ابا عادل وانّا لفقدانك لمحزنون وقد خسرت


الأمة وجودك المبارك لا سيما في مثل هذه الأيام الحاسمة حيث الناس أحوج الى العالم المصلح المجاهد المخلص ، اكثر من كل شيء ، فَقَدانَك جسماً ولكن معك يا أبا عادل على نهجك ودربك ، درب الاسلام والتضحية والفداء ، ولا نقول في عزائنا وعظم المصاب وجلل الرزء الّا ما يرضى ربّنا .

« مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّـهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا »

" القرآن الكريم "

ونتحوقل ونسترجع ونحمد الله تعالى ، أن أَمدَّ في عمرك الزاهي بمواقف إسلامية رائعه ، مواقف المعتز بربّه والواثق من نصره ، ومضت حياتك الرساليّة على صورة تموج بالكفاح المستمر والنشاط الدائم ، فلم تتمهل ولم تتوقف عن الجهاد وطلب العلم والعمل به ، وانك قلت الحق وعملت ولم تبال بالوعد والوعيد ولم تُثني عزيمتك الالۤهية أسباب الأغراء والتهديد عما اعتقدت به ، بل كالجبل الأشمّ والبحر الهادئ والنسيم العليل والمنهل العذب .

وسنستمد من حياتك البطولية العلميّة والعمليّة وهي لنا نبراس وضاء تنير دروب النضال والجهاد ، ومعالم على الطريق الصائب والصراط المستقيم .

انّ الجيل المؤمن في أرض الإسلام في عراقنا الجريح


وايراننا المسلمة وكل مكان يذكرون مواقفك التي عزّ على الظالمين والحاسدين امتثالها .

وماذا أقول يا أبتاه : وقد تركتَ ورائك سيرة تُذكّر الناس بربّهم وتفاديهم لمبدئهم وعقيدتهم ورسالتهم الاسلاميّة .

فهنيئاً لك لقائك ربك الكريم في جنّات عرضها السموات والأرض عند مليك مقتدر وفزت فوزاً عظيماً ، ولكن أسفا لفقدك منّا .

فانا لله وانا راجعون .

لمثل هذا يذوب القلب من كمد

ان كان في القلب اسلام وايمان


حياته السياسيّة والثوريّة :

التأريخ يشهد أنّ علمائنا الأعلام هم قارعي الطغاة والجبابرة ، ومفنّدي خطط الإستعمار ومظاهره الفاتنة في البلاد الإسلاميّة .

كانوا السبّاقين لصد الهجوم الكافر على الدين والغزو الأستعماري بشتى أساليبه ، من السياسة والإقتصاد والثقافة والحضارة الفارغة .

فهم الدرع الحصين لوقاية الإسلام والمسلمين من الأنحراف والفساد والإنحطاط .

وفقيدنا المتفاني في سبيل الله ودينه القويم والأمة الإسلاميّة العظيمة ، منذ بلوغ الحلم كان متنفراً من الظلم والجور ـ حتى كُنّي بأبي عادل وسمّى ولده الأكبر عادل حبّاً للعدالة ـ فشاعراً وخطيباً وعالماً ، كتلة متفجرة ضدّ الأنظمة الفاسدة في مدى حياته في العراق الجرح النازف وايران الثورة الأسلاميّة .

فكان يرى السياسة من الأسلام والأسلام من السياسة ، اذ السياسة ليست منفصلة عن الأسلام بل هي منه واليه .

فحياته سياسة وثورة ، ثورة على الطغاة والمستكبرين والمترفين ، ثورة على الأستعمار والأمبرياليّة والصهيونيّة العالميّة .

ثورة على الفساد والظلم والجور والفحشاء والمنكر ، وصفحات حياته المشرقة تشهد بذلك ، واليكم لقطات من محاربته الطغاة


وحكام الجور :

عام ١٣٨٢ هـ في صحن الكاظمّين عليهما السلام في العراق ليلة السابع من محرم ، صعد المنبر شاعراً وخطيباً ، يُفند فيها زيف النظام القاسمي ويحاكم الدكتاتور عبد الكريم قاسم في قضيدة شعبيّة مطلعها ( أُنظرِ الأوضَاع واحْكُم بِالعَدلِ بِيْهَ ، لٰا تُخبِطِ المَيّ العَكِر ، أُنْظر الأوضاع وأحْكُم بِاْلعَدِلَ بِيْهَ ) وكانت للقصيدة الأثر البالغ في الجماهير المحتشدة في الصحن الشريف فأشعل فَتيلة الثورة ضدّ النظام القاسمي فأعتقلته السلطات ـ آنذاك ـ أربعة أشهر فحكم عليه بالأعدام ، فأبرق آية الله العظمى المرجع الديني الأعلى الإمام السيد محسن الحكيم قدس سره بأنّ ( السيد العلوي جزء من كياننا يُصيبَنا ما أصابه ) فأفرج عنه خوفاً من الإنتفاضه الشعبيّة الإسلاميّة بعدما دَسّوا السمّ في مأكله ولكن شاء الله أن يبقى حيّاً ، لخدمة الأمة الإسلاميّة وترويج دين الإسلام الحنيف .

وفي زمن النظام العارفي أخذ يحارب عبد السلام عارف وطائفيته المشؤومة وصعد المنبر في الجامع الهاشمي في الكاظميّة المقدسة ، وألقى على المسامع الواعيّة قصيدته الثائرة في مطلعٍ ( الطائفيّة فُرقة وشرور . . . ) ثمّ أخذ يحاكم عبد السلام هاتفاً صارخاً :

قِف كي نحاسب في جدٍّ ونَحتكما

الى متى ننبذُ الأخلاق والذِمَما


وعند النظام العفلقي العفن حاربهم بقلمه البتّار ، وبيانه الصارم ، حارب جلاوزة البعث والطغمة التكريتيّة ، ولا يبالي بالموت وقع عليه أم وقع على الموت ولا تأخذه في الله لومة لائم . . .

ولكن عام ١٣٩١ هجري هُجّر مع عائلته الى ايران إنتقاماً منه لما أبداه من بطولة وصمود وشجاعة وجهاد ، حتى قال في حقه الأمام الحكيم قدس سره ( انك البطل المجاهد ) وكفى . . .

وبعد تهجيره سكن وأستوطن مدينة العلم والثورة والفداء قم المقدسة وأخذ يحارب النظام البهلوي المقبور .

فلم يغب عن ذهن المجاهد العلامة العلوي طاب رمسه أن يواكب ويتعايش مع الجمهور الإيراني المسلم ، ويخوض صولاته الإنتخابية الحرّة لتأسيس الجمهوريّة الإسلامية بقياده الأمام الخميني العظيم .

فمعهم في شوارع النضال والمظاهرات المليونيّة ومعهم على صندوق الإنتخابات المتعدّدة في أدوار حاسمة ، ومعهم في التضحية والفداء ، وفي كل شيء ، إذ يَرى ذلك من أهم مسؤولياته الشرعيّة ، وكان يعشق الإمام الخميني ويقدسه فما رأه على لوحة أو شاشة التلفزة أو لقاء سعيد ، الّا وخاطبه بشغف ولَهفة ( روحي فداك ايها الأمام الحبيب ) .

فكرّس حياته للثورة الأسلاميّة وحكومة الأسلام التي كانت أمنيته الوحيدة في الحياة ، سواء في العراق المضطهد أو ايران


المسلمة .

وكان يستلذ المصائب والعذاب في سبيل مبدئه الحنيف ، فتلقى السجن والزنزانات برحابة صدره وبنفس صابرة محتسبة ، اذ تعلم أن ذنبها الوحيد ، الدعوة الى الله ، وجريمتها صيحة الحق والعدالة دَوّت في الضمائر ، أرسلها بلا هوادة تصرخ في وجوه الحُكّام الذين يحكمون المسلمين في البلاد الإسلاميّة : أن طبّقوا الإسلام ، وَدَستورنا القرآن ، وحكومتنا الله وعباده الصالحين ، لا شرقية ولا غربيّة ، أصلها ثابت وفرعها في السماء .

أيها البطل المجاهد فقيدنا الغالي ، لقد صبرتَ وصابَرتَ حتى أنتصرتَ وتحملتَ المشقة والعناء وكابدت الرُّهق والبأسَ ، ومع ذلك وقفتَ شامخاً على قمةِ الأعتزاز ورفضت أن تطلب العفو من الظالمين ، في بطولة المؤمن الذي فنى في حبّ الله ورسوله وأهل بيته عليهم السلام .

وحب الحق والعدالة والحرية الإنسانيّة ، وما هي الّا تربية المدرسة الأسلاميّة الخالدة التي يخرج منها كبارنا الأعلام على مرّ الدهور وتعاقب الأجيال .

فخرجت من السجن عزيزاً كريماً رغم أنف الظالمين ، موثوق الصلة بالسماء وربّها الرحيم .

ولدت مع المحرومين وعشت مع المستضعفين ، وتركت قلبك مع الفقراء ، ومنذ عنفوان شبابك كانت البراءة ترافق عيناك وانقضت


الأيام وأنت تسير على نهج الإسلام وخدمة المسلمين ، وشاركتهم آلامهم ، وتفجّر من قلبك الغَضب على الحكومات الجائرة في العراق وايران ، حتى أرتفعت راية الثورة الأسلاميّة تكافح الظلم والأستبداد ، وصَرختَ في وجه الأمبرياليّة والمتخاذلين : بالموت وأخيراً كنت تعايش القضية العراقيّة وبذلت الجهود لخلاص العراق من فاشستية صدام الكافر ، وشاركت في الدفاع عن المهجرين والمهاجرين الذين شرّدهم صدام وطغمته الفَجَرة من ديارهم ووطنهم العراق الجريح ترافق دوماً الأمين العام لمكتب الثورة الإسلاميّة في العراق العلامة الحجة المجاهد السيد المفدي السيد محمد باقر الحكيم وكنت عضده الأيمن .

كنت المشرف العام للهيئة الأدارية في الحسينيّة الكاظمية في طهران ، والحسينيّة النجفيّة في قم المقدسة ، فكنت عالماً حليماً شفيقاً عطوفاً وأخاً رؤوفاً خدوماً .

كنتَ دوماً تطلب الشهادة ، ومَن يطلب الشهادة لا يخاف الموت ولا يهابه ، ولم يكن الموت شبحاً مخيفاً في حياته كما قلتها على سرير المستشفى آخر ساعات حياتك ، حياة البطولة والشجاعة والجهاد والمثابرة ، حياة العقيدة والأيمان ، فَودَّعتَ الحياة بزهد وتقوى وورع واجتهاد ، وحَلّقَتْ روحك الطاهرة الى السماء عند مليك مقتدر مع الصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا .


فألف تحيّة وسلام لك يا من كان عملك وجهودك وجهدك وحياتك من أجل الفقراء والبؤساء ، من أجل الأسلام وترويج شريعة السماء السمحاء ، واقامة حدود الله في الأرض واعلاء كلمة الحق وأدحاض كلمة الباطل .

وأنت في التأريخ من أعزاء الخالدين ، وأروع مثالٍ للأخلاص والعمل الدائب والطموح المتسامى والخُلق الأسلامي والفكر العملاق والمؤلف المسؤول والمبلغ الواعي والداعيّة الصادق والعالم الحليم والخلوق الكريم والمسلم الثائر والمجاهد الشهم . . . والأب الحنون والأخ الشفيق والولد البار للأسلام والأمّة الإسلاميّة . . . وأنتم يا شباب الأسلام سيروا . . .

على درب فقيدنا الراحل السيد العلوي وأمثاله من المجاهدين الصابرين .

سيروا وعلى هامّة العزّ وقمة الخلود ، رَدّدوا أناشيد الجهاد والنضال وألحان الشهادة والقتل في سبيل الله . .

وأهتفوا الله اكبر والعزة لله ورسوله وللمؤمنين . . .

والموت للطغاة والجبابرة وحكام الجور والمستكبرين .

ان تنصروا الله ، الله ينصركم ويثبّت أقدامكم .

وعهداً لفقيدنا العلوي أن نخطوا خطاه ونحى آثاره ومآثره وأن نكون جنود الإسلام الأوفياء حتى تحرير عراقنا الكئيب من براثن البعث الصدامي الكافر ، ومخالب الإستعمار الأمريكي ،


والبريطاني والروسي وكلّ الأجانب عهداً لفقيدنا الغالي أن نحرّر العراق بقيادة قائد الأمة الأسلاميّة الأمام الخميني العظيم دام ظله ، والأسلام يومئذ يحكم العراق وكل البلاد المضطهدة إن شاء الله تعالى ، ونواصل الثورة حتى ظهور صاحب الأمر والزمان الأمام المهدي عجل الله تعالى فرجه وجعلنا من خِيَرةِ شيعته وأنصاره وأعوانه .

Description: E:BOOKSBook-LibraryENDQUEUEAthar-Khaled-Walad-Waledimagespage0194.png


حياته الأجتماعيّة والأخلاقيّة :

أروع مثالٍ كان يضربه شهيد الأسلام المفكر الأسلامي الأكبر مولنا الصدر قدس سرّه ، لرجل الدين والداعيّة الناجح : هو فقيدنا الراحل السيد العلوي طاب ثراه ، وحقاً كان ذاك . لنشاطاته الدينيّة وعمله الدؤوب المتواصل بلا هوادة ولا هوان ، وبكل إخلاص وتفادي ، فمنذ أن عرف نفسه أحسّ بالمسؤوليّة التي وضعها الأسلام على عاتقه ، فجاهد وضحّى بالنفس والنفيس في سبيل الأسلام والأمة الأسلاميّة وأصبح ملاذاً للمحرومين ، وملجأً للمستضعفين وعونا للفقراء والمساكين ، وأبا شفيقاً للشباب وأخا حنونا للشيبة ، وسعى سعيه في إصلاح الفرد والمجتمع أينما حلّ وأرتحل ، ورسم للأجيال خطوط النَّهضة الأصلاحيّة والاِنتفاضة الأجتماعيّة ضدّ الفساد والأنحطاط الخلقي ، وهذا جزء لازم على طريق الدعوة والحركة التي أرشدنا اليه الأسلام ، وبغيره يكون تصوّر الأصلاح والتغير والبناء سراب بقيع ، اذ الأسلام دين الأنسانيّة الصالح لكلّ زمان ومكان ، فكان يعتقد ويعمل بقول رسول الله صلى الله عليه وآله ( خير الناس مَن نَفع الناس ) .

فسيدنا الراحل ، ناضل وجاهد في سبيل إصلاح المجتمع من أجل العقيدة ومن أجل أحياء معالم الأسلام ونشر مفاهيمه الساميّة التي تهدي الرشاد وطريق الصواب .

جاهد بنفسه وبكل ما يملك من أجل الدين الأسلامي


وقرآنه الخالد ، فتركز عمله ـ بيانا وجوارحاً ـ على التربيّة والأصلاح كأجداده الطاهرين عليهم السلام وحزم نفسه لخدمة الأمة والشعوب والجماهير المؤمنة مهما كانت الظروف والأحوال ، وأستمر على العمل في هذا السبيل والطريق الوعر المليء بالأشواك ، رغم ما كان يمرّ به من مشاكل ماديّة وأجتماعيّة ، وجفاء الخَلق ، ومتاعب نَفسيّة وروحيّة واجهها بصمود ومثابرة وأيمان لا يلين ، وقوّة وعزم لا يفل ، وذلك شأن الدّاعي المؤمن الصادق دائماً .

انه يؤمن بالأسلام كمبدأ وعقيدة بكلّ وجوده وَدرس الأسلام حتى شهد عقله وقلبه انه لا طريق سليم لنجاة الشعوب المستضعفة من مكالب الطغاة ومخالب المستكبرين سوى الاسلام القويم اذ يهتف صارخا : كن للظالم خصماً وللمظلوم عوناً .

فالسعادة في الأسلام ، وكانت له في الأسلام مواقف مشرقة ناصعة لأهل الدين والأنسانيّة ، فانّه رجل العلم والعمل .

وفي كل صفحة من تأريخ الأسلام المجيد عظماء حملوا الرسالة الالهيّة بكل تفاد وبطولة ونبل وأخلاص .

اذ لا شك ولا ريب انّ عبٔ الأرشاد والأصلاح والترويج الأسلامي عبٔ ثقيل ، يقع على اكتاف العظماء المنتخبين في المجتمعات الإنسانيّة ، وهم دوماً الطريق المنير المتلألأ لأنقاذ الجمهور من ظلمات الجهل والشرك والفساد الى جنة الطهر


والعلم والتوحيد .

وكان فقيدنا العلوي واحد منهم ، واليكم نبذة يسيرة من خدماته الأجتماعيّة ومشاريعه الأسلاميّة والأصلاحيّة .

١ ـ تأسيس موكب ( الكاشانيون ) في الكاظمية المقدسة بمعيّة والده الماجد الرجل الحسيني الصالح السيد حسين قدس سرهما ، وأخيراً سُمِّى الموكب بأسم ( موكب الجوادين ) .

لأقامة المجالس الحسينيّة وعزاء جدّه الأطهر سيد الشهداء أبي عبد الله الحسين عليه السلام ، اذ المواكب الحسينيّة تعتبر مدرسة الأجيال المسلمة ، ودروسها الفداء والتضحيّة من أجل العقيدة فانّ الحياة عقيدة وجهاد .

٢ ـ موكب العبيديّة في الجامع العبيدي في بغداد .

٣ ـ موكب حي طارق في الجامع العلوي في بغداد ، العراق .

٤ ـ تأسيس ( هيئت علوي ـ قم ـ ايران الثورة عام ١٣٩١ ) .

٥ ـ تأسيس ( هيئت محلّه مسجد علوي / قم / ١٣٩٤ ) .

٦ ـ تأسيس ( الجامع العلوي ) في بغداد عام ١٣٨٨ هـ . ق .

٧ ـ تأسيس وبناء ( مسجد علوي ) في قم عام ١٣٩٣ .

٨ ـ مكتبه الإمام علي بن الحسين عليه السلام العامة في الجامع العلوي .

٩ ـ تأسيس ( كتابخانه عمومى الأمام علي بن الحسين عليه


السلام ) في ( مسجد علوي ) .

١٠ ـ مدرسة العلوي الدينيّة أسست عام ١٣٧٦ .

١١ ـ تأسيس وبناء ( مسجد بني هاشم ـ قم ـ عام ١٣٩٨ ) .

١٢ ـ تأسيس ( مجمع الآثار ) في ( مسجد علوي ) .

وله المشاريع الأسلاميّة الأخرى في ايران الثورة الأسلاميّة وعراقنا الجريح المضطهد تحت نير الطغاة صدام وجلاوزته وطغمته التكريتيّة ، خذلهم الله عاجلاً إن شاء الله تعالى .

وأما خلقه ـ رحمه الله ـ لربّما يعجز القلم عن وصفه ، فانّه حسن الخُلق ، طيّب القلب يحب العباد ويخدمهم ، رحيم شفيق صبور ، وله خصائص أخلاقيّة يمتاز بها عن الآخرين : مثل البساطة بتمام المعنى فلا تكلّف في حياته الأجتماعيّة ، ومثل الطهارة والقداسة حتى قال في حقه فقيد الأسلام آية الله السيد اسماعيل الصدر في مجمع من رجاله مشيراً الى السيد العلوي ( انّ هذا السيد أطهر من ماء السماء ) .

ثغره باسم دوماً حتى في الشدائد ، وكان يعتقد ويردد قول المعصوم عليه السلام ( المؤمن بشره في وجهه وحزنه في قلبه ) ومن خصائصه الصبر على البلايا والرزايا ، حتى ضرب المثل به سيما بعد فقد أربعة من أولاده الأبرياء وأفلاذ أكباده في ليلة واحدة .

في سانحة تُجرح القلوب وتكلم الأفئدة وتُقطر المَهادَماً ،


وذاك ليلة الثورة الإسلاميّة في ايران الحبيبة ليلة ( ٢١ بهمن ) حينما ذهبوا الأفلاذ الى مسجد جمكران ، مسجد صاحب الزمان ـ قريب قم المقدسة ـ ليدعوا لقائدهم المفدّى الأمام الخميني العظيم وثورته الأسلاميّة المجيدة بالنصر والنجاح ، فوافاهم الأجل عشيّة الجمعة قريباً من المسجد الشريف ، وجرعوا كأس الشهادة وسبحوا في دمائهم الطاهرة ، كي يسقوا شجرة الأسلام بالدماء ، ويرفعوا راية الأسلام خفاقة عالية ترفرف على ربوع العالم بأجسادهم الملطخة بالدماء الزكيّة عليهم سلام الله وقدس أرواحهم البريئة الطاهرة ، وأسكنهم مع أبيهم وحشرهم مع جدهم رسول الله صلى الله عليه وآله في فسيح جناته وفردوسه الأعلى مع الشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا .

ومن أخلاقه البارزة حبّه وولعه في طلب العلم وطموحه في طلب العلى والمعارف الساميّة ، والعمل المتواصل ليل نهار بلا فتور ولا جمود .

انه كان مع الشعب إذ يرى نفسه من الشعب والى الشعب يفكر في الجماهير اكثر ممّا كان يفكر بنفسه ، وحتى عائلته يجالس الجاهل ليعلّمه ، والعالم ليذكّره ، والفقير ليواسيه ، والغني ليوصيه بالفقراء ، والمقاتل في سبيل الله ليقوى معنوياته ، والشاب ليثقفه ، والجميع يعاشرهم بودٍّ وشفقةٍ ورحمةٍ ليهديهم الصراط المستقيم ويرشدهم الى أحكام القرآن وقوانين الأسلام .


وبهذا استحقّ أعجاب وحب الجماهير سيما الشباب الواعي المتعطش لمنهل علمه العذب . . . وأخيراً حياته مدرسة الأخلاق جيلاً بعد جيل . . .

فعاش سعيداً ومات سعيداً ويحشر سعيداً ان شاء الله .

واليكم البيان الذي أصدره مكتب السيد الحكيم ومؤسسة الشهيد الصدر في طهران يوم وفاته ثم يليه حياة الفقيد السعيد بقلمه المبارك وخطه الشريف وقد طبع أواخر كتابه ( لباب المعالم ) .

ثم ختاما كلمه الأسرة المفجوعة ( آل العلوي ) .

ونوافيكم لقطات مصوّرة من حياته الخالدة ولا حول ولا قوة الّا بالله العلي العظيم .

رحم الله من قرء سورة الفاتحة على روحه الطاهره ولكم جزيل الأجر والثواب .


Description: E:BOOKSBook-LibraryENDQUEUEAthar-Khaled-Walad-Waledimagespage0201.png


Description: E:BOOKSBook-LibraryENDQUEUEAthar-Khaled-Walad-Waledimagespage0202.png


الفِهْرست


Description: E:BOOKSBook-LibraryENDQUEUEAthar-Khaled-Walad-Waledimagesrafed.jpg


العنوان

الصفحة

العنوان

الصفحة

مقدمة المؤسسة

التمهيد

الاهداء

الائمة الاطهار ولد الرسول الاكرم (ص)

الاولاد والسعادة

العزيز في كل مكان

المقوم

عمارة الدّنيا

حرث الدّنيا البنون

لذّة الولد

الولد نعمة

الولد ريحانه

الانس بالولد

شباهة الولد

الاجتناب عن ولد الزّنا

شراكة الشيطان

تاثير الماكولات في الاولاد

البشائر

٣

٥

٨

٩

١٠

١٢

١٣

١٤

١٥

١٦

١٧

١٨

١٩

٢١

٢٢

٢٣

٢٤

٢٦

وليمة المولود

تسمية الاولاد

الكنية من الادب

الولد الصالح

الكمال

افضل الاعمال للولد

نصيحة الوالد لولده

نصح الاباء للابناء

الاطاعة

وصايا الاباء للابناء

جزاء الوالد

نهى الله عن المحارم

الدافع الى الجنة

الخلود

تعدد الاباء

نكاح المرأة ذات الاولاد

الفرار من الولد

اللّعن

المموقت

٢٧

٢٨

٢٩

٣٠

٣١

٣٣

٣٤

٣٥

٣٦

٣٩

٥٢

٥٤

٥٥

٥٦

٥٧

٥٨

٦٠

٦٢

٦٣


العنوان

الصفحة

العنوان

الصفحة

الوأد

موجبات الرحمة على الوالد

سخط الله ورضاه

جند العقل

الشكر

البرّ والبار

برّ الوالدين

البرّ بالأم

رضا الأم وسخطها

معنى العاق والعقوق

عاق الوالدين

عق الوالدين

حقوق الوالدين

اعالة الاولاد

النفقة على الوالد

الدّعاء

حقوق الوالدين

حق الولد على الوالد

الفريضة

العبادة

٦٤

٦٦

٦٨

٦٩

٩٧٠

٧١

٧٦

٧٨

٨١

٨٣

٨٥

٨٧

٨٩

٩١

٩٢

٩٤

٩٧

٩٩

١٠٠

١٠٢

احبّ الابناء

درجات العقوق

حيّيان او مييتان

الجنّة

النار

الجنة من النار

كفران النعمة

المضر

لا ضرر ولا ضرار

الهرب بعد الطلب

اولاد ابليس

الذل

توابع المرء

نقص العيش

التمتع بالولد بعد الموت

الرعاية

الاقوال

الكبائر

الجبن

سنن عبد المطلب

١٠٣

١٠٤

١٠٩

١١١

١١٣

١١٥

١١٦

١١٧

١١٨

١١٩

١٢٠

١٢١

١٢٢

١٢٣

١٢٤

١٢٥

١٢٦

١٢٧

١٢٩

١٣٠


العنوان

الصفحة

العنوان

الصفحة

ذبح الوالد

المصائب

الفقدان

التعزية

الاحتساب

قانون الوراثة

السلطة المالية

ارث الوالدين

١٣٢

١٣٦

١٣٧

١٣٩

١٤٠

١٤١

١٤٢

١٤٣

الارث للولد

ارث الانثى

ختامه مسك

الدعاء لأبويه

الدعاء لولده

لمحة من حياة السيد العلوي

الفهرست

١٤٤

١٤٥

١٤٧

١٤٩

١٥٩

١٦٩

٢٠٣

الأثر الخالد في الولد والوالد

المؤلف: السيد علي بن الحسين العلوي
الصفحات: 207