

كتاب الجهاد
وفيه فصول
:
الأوّل :
فيمن يجب عليه
مسألة ١ : الجهاد واجب بالنصّ والإجماع.
قال الله تعالى ( كُتِبَ
عَلَيْكُمُ الْقِتالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ ) وقال تعالى (
فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ ) .
وقال رسول الله 6 : « غدوة في سبيل
الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها » .
وفيه فضل كثير.
قال ابن مسعود :
سألت النبي 6 : أيّ الأعمال أفضل؟ قال : « الصلاة لوقتها » قلت : ثمّ أيّ؟ قال : « برّ
الوالدين » قلت : ثمّ أيّ؟ قال : « الجهاد في سبيل الله » .
ومن طريق الخاصّة
: قول الباقر 7 : « إنّ النبي 6 قال : فوق كلّ ذي برّ برّ حتى يقتل في سبيل الله ، فإذا
قتل في سبيل الله فليس فوقه برّ ، وفوق كلّ ذي عقوق عقوق حتى يقتل أحد والديه [
فإذا قتل أحد والديه ] فليس فوقه عقوق » .
ولا خلاف بين
المسلمين في وجوبه ، ووجوبه على الكفاية عند عامّة
__________________
أهل العلم ، لقوله تعالى ( لا
يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ
وَالْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللهُ
الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ دَرَجَةً
وَكُلًّا وَعَدَ اللهُ الْحُسْنى ) وهو يدلّ على سقوط الذنب بتركه.
وحكي عن سعيد بن
المسيّب أنّه واجب على الأعيان ، لقوله تعالى : ( انْفِرُوا خِفافاً
وَثِقالاً ) .
وهي محمولة على ما
إذا استنفرهم الإمام ، لقول رسول الله 6 : « إذا استنفرتم فانفروا » .
ولأنّ النبي 6 كان يبعث السرايا
ويقيم هو وأصحابه.
ومعنى وجوبه على
الكفاية أنّ الخطاب به عامّ على جميع الناس ، فإذا قام به قوم تحصل الكفاية
بجهادهم ، سقط عن الباقين.
وفروض الكفايات
كثيرة مذكورة في مواضع ، وهو كلّ مهمّ ديني يريد الشرع حصوله ، ولا يقصد به عين من
يتولاّه ، ومن جملته إقامة الحجج العلميّة ، والجواب عن الشبهات ، والأمر بالمعروف
والنهي عن المنكر على خلاف يأتي ، والصناعات المهمّة ، كالخياطة والنساجة والبناء
__________________
وأشباهها ، ودفع
الضرر عن المسلمين ، والقضاء ، وتحمّل الشهادة ، وتجهيز الموتى ، وإنقاذ الغرقى ،
وردّ السلام.
مسألة ٢ : يتعيّن الجهاد في مواضع ثلاثة :
أ ـ إذا التقى
الزحفان وتقابل الصفّان ، حرم على من حضر الانصراف ،
وتعيّن عليه
الثبات ، لقوله تعالى ( يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ
الْأَدْبارَ ) الآية.
ب ـ إذا نزل
بالبلد الكفّار ، تعيّن على أهله قتالهم ودفعهم.
ج ـ إذا استنفر
الإمام قوما ، وجب النفير معه ،
لقوله تعالى ( يا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ما لَكُمْ إِذا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ
اللهِ اثّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ ) .
مسألة ٣ : والجهاد واجب في زمان دون زمان وفي مكان دون مكان.
فأمّا الزمان : فجميع
أيّام السنة ما عدا الأشهر الحرم ، لقوله تعالى :
( فَإِذَا انْسَلَخَ
الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ ) وهي ذو القعدة
وذو الحجّة والمحرّم ورجب ، فلا يبدأ المسلمون فيها بالقتال لمن يرى لها حرمة.
وأمّا المكان : فجميع
البقاع إلاّ الحرم ، لقوله تعالى ( وَلا تُقاتِلُوهُمْ
عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ حَتّى يُقاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قاتَلُوكُمْ
فَاقْتُلُوهُمْ ) .
__________________
وقال بعض الناس من
العامّة : إنّ ذلك منسوخ بجواز القتال في كلّ وقت ومكان ، لقوله تعالى (
فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ ) وبعث النبي 6 خالد بن الوليد
إلى الطائف في ذي القعدة .
وأصحابنا قالوا :
إنّ حكم ذلك باق فيمن يرى لهذه الأشهر وللحرم حرمة ، والعامّ قد يخصّ بغيره.
مسألة ٤ : أوجب الله تعالى في كتابه الهجرة عن بلاد الشرك وبقوله تعالى ( إِنَّ
الَّذِينَ تَوَفّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ
قالُوا كُنّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ
واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها ) .
والناس في الهجرة
على أقسام ثلاثة :
الأوّل
: من تجب عليه ، وهو
من كان مستضعفا من المسلمين بين الكفّار لا يمكنه إظهار دينه ولا عذر لهم من وجود
عجز عن نفقة وراحلة.
الثاني
: من لا تجب عليه
الهجرة من بلاد الكفّار لكن تستحبّ لهم ، وهو كلّ من كان من المسلمين ذا عشيرة
ورهط تحميه عن المشركين ، ويمكنه إظهار دينه والقيام بواجبه ، ويكون آمنا على نفسه
، كالعبّاس وإنّما استحبّ له المهاجرة لئلا يكثر سواد المشركين.
الثالث
: من تسقط عنه
الهجرة لأجل عذر من مرض أو ضعف أو
__________________
عدم نفقة ، فلا
جناح عليه ، لقوله تعالى ( إِلاَّ
الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ ) لأنّهم بمنزلة
المكرهين.
والهجرة باقية
أبدا ما دام الشرك باقيا ، لما روي عنه 7 أنّه قال : « لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة ، ولا
تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها » .
وقوله 7 : « لا هجرة بعد
الفتح » محمول على الهجرة من مكة ، لأنّها صارت دار الإسلام أبدا ،
ولا هجرة بعد الفتح فاضلة كفضلها قبل الفتح ، لقوله تعالى ( لا
يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ ) الآية.
مسألة ٥ : يشترط في وجوب الجهاد أمور ستّة : البلوغ والعقل والحرّيّة والذكورة والسلامة
من الضرر ووجود النفقة ، وليس الإسلام عندنا شرطا لوجوب شيء من فروع العبادات وإن
كان شرطا في صحّتها ، خلافا لأبي حنيفة .
والبلوغ والعقل
شرطان لوجوب سائر الفروع.
قال ابن عمر :
عرضت على رسول الله 6 يوم أحد وأنا ابن أربع
__________________
عشرة ، فلم يجزني
في المقاتلة .
والعبد لا يملك
نفسه ومشغول بخدمة مولاه.
وقد روي أنّ النبي
6 كان يبايع الحرّ على الإسلام والجهاد ، ويبايع العبد على الإسلام دون الجهاد .
ولافتقار المجاهد
إلى مال يملكه بحيث يصرفه في نفقته وزاده وحمله وسلاحه ، والعبد لا يملك شيئا ،
فهو أسوأ حالا من الفقير.
والنساء لا يجب
عليهنّ الجهاد ، لضعفهنّ عن القيام ، ولهذا لا يسهم لهنّ. ولا يجب على الخنثى
المشكل ، لعدم العلم بذكوريّته ، فلا يجب مع الشكّ في شرطه.
والمراد من
السلامة من الضرر السلامة من المرض والعمى والعرج ، قال الله تعالى ( لَيْسَ
عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ
حَرَجٌ ) .
ولا يسقط عن
الأعور ولا عمّن عرجه يسير يتمكّن معه من الركوب والمشي من غير مشقّة ، ولا عمّن
مرضه يسير لا يمنعه عنهما ، كوجع الضرس والصداع اليسير ، وإنّما يسقط عن ذي العرج
الفاحش والمرض الكثير.
وأمّا وجود النفقة
: فهو شرط ، لقوله تعالى ( لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ
وَلا عَلَى الْمَرْضى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ حَرَجٌ ) .
__________________
ويشترط في النفقة
الكفاية له ولعائلته مدّة غيبته ، ووجود سلاح يقاتل به ، وراحلة إن احتاج إليها ،
لقوله تعالى ( وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ
لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ ) .
ولو أخرج الإمام
معه العبيد بإذن ساداتهم ، والنساء والصبيان ، جاز الانتفاع بهم في سقي الماء
والطبخ ومداواة الجرحى ، وكان النبي 6 يخرج معه أمّ سليم وغيرها من نساء الأنصار .
ولا يخرج المجنون
، لعدم النفع به.
مسألة ٦ : وأقلّ ما يفعل الجهاد في كلّ عام مرّة واحدة.
قال الله تعالى ( فَإِذَا
انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ
وَجَدْتُمُوهُمْ ) أوجب بعد انسلاخ الأشهر الحرم الجهاد. والأصل عدم التكرار.
ولأنّ الجزية تجب
على أهل الذمّة في كلّ عام ، وهي بدل عن النصرة ، فكذلك مبدلها ، وهو الجهاد.
ولأنّ تركهم أكثر
من ذلك يوجب تقويتهم وتسلّطهم ، فيجب في كلّ عام إلاّ من عذر ، مثل أن يكون
بالمسلمين ضعف في عدد أو عدّة أو ينتظر الإمام مددا يستعين به أو يكون في الطريق
مانع أو عدم علف يحتاجون إليه أو عدم ماء أو يحسن رأي العدوّ في الإسلام ويطمع في
إسلامهم إن أخّر قتالهم ونحو ذلك ممّا يرى المصلحة معه بترك القتال ، فيجوز تركه
بهدنة
__________________
وغير هدنة ، فقد
صالح النبي 6 قريشا عشر سنين وأخّر قتالهم حتى نقضوا عهده ، وأخّر قتال قبائل من العرب
بغير هدنة .
ولو احتاج الإمام
إلى القتال في عام أكثر من مرّة ، وجب ذلك ، لأنّه فرض كفاية ، فوجب منه ما دعت
الحاجة إليه.
مسألة ٧ : الغزو في البحر أفضل من غزو البرّ ، لما فيه من عظم المشقّة وكثرة الخطر ، فإنّه
بين خطر العدوّ وخطر الغرق ، ولا يتمكّن من الفرار إلاّ مع أصحابه ، وقد روي عن
رسول الله 6 أنّه قال : « شهيد البحر مثل شهيدي البرّ » .
وقتال أهل الكتاب
أفضل من قتال غيرهم وقد روى العامّة عن رسول الله 6 أنّه قال لأمّ خلاد : « إنّ ابنك له أجر شهيدين » قالت :
ولم ذاك يا رسول الله؟ قال : « لأنّه قتله أهل الكتاب » .
والأولى أن يبدأ
بقتال من يلي دار الإسلام ، لقوله تعالى ( قاتِلُوا الَّذِينَ
يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفّارِ ) إلاّ أن يكون الخوف من الأبعد أكثر فيبدأ بهم.
والجهاد في ابتداء
الإسلام لم يكن واجبا ، بل منعهم الله تعالى منه وأمر المسلمين بالصبر على أذى
الكفّار والاحتمال منهم على ما قال تعالى : ( لَتُبْلَوُنَّ فِي
أَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ) ـ إلى قوله تعالى ـ ( وَإِنْ تَصْبِرُوا
وَتَتَّقُوا فَإِنَّ
__________________
ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ) ثمّ لمّا قويت
شوكة الإسلام أذن الله تعالى في قتال من يقاتل ، فقال (
وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ ) ثمّ أباح ابتداء
القتال في غير الأشهر الحرم ثمّ أمر به من غير شرط في حقّ من لا يرى حرمة للحرم
والأشهر الحرم بقوله تعالى ( وَاقْتُلُوهُمْ
حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ ) .
وكان فرض الجهاد
في المدينة على الكفاية في ابتداء الوجوب عندنا ، وهو أحد وجهي الشافعيّة ،
والثاني : أنّه كان فرض عين .
وأمّا بعد النبي 6 فالكفّار إن
كانوا قاطنين في بلادهم غير قاصدين لقتال المسلمين ، فالجهاد لهم فرض كفاية لا فرض
عين ، وإلاّ لتعطّلت المعايش.
والكفاية تحصل
بشيئين :
أحدهما : أن يبعث الإمام في كلّ ثغر جماعة يقومون بحرب من بإزائهم من
الكفّار ويحصل بهم القصد من امتناع دخولهم إلينا ، وينبغي أن يحتاط بأحكام الحصون
وحفر الخنادق ونحوها ويرتّب في كلّ ناحية أميرا قيّما بأمور الجهاد وحراسة
المسلمين.
والثاني : أن يدخل دار الكفّار غازيا بنفسه أو يبعث جيشا يؤمّر عليهم من فيه
كفاية ، اقتداء برسول الله 6 ، حيث كان يبعث السرايا
__________________
والجيوش .
وأقلّه في كلّ سنة
مرّة ، وما زاد فهو أفضل.
وقال بعض
الشافعيّة : تجب إدامته بحسب الإمكان بحيث لا يبقى إلاّ مسلم أو مسالم .
وليس بجيّد ، لأنّ
الغالب أنّ الأموال والعدد لا توفّي تجهيز الجيوش أكثر من مرّة واحدة في السنة.
ولأنّ النبي 6 فعل ذلك ، فإنّ
غزاة بدر كانت في السنة الثانية من الهجرة ، وغزاة أحد في الثالثة ، وغزاة ذات
الرقاع في الرابعة ، وغزاة الخندق في الخامسة ، وغزاة بني المصطلق في السادسة ،
وفتح خيبر في السابعة ، وفتح مكة في الثامنة ، وغزاة تبوك في التاسعة .
وإن لم يستقرّ
الكفّار في بلادهم بل قصدوا بلدة من بلاد المسلمين . قاصدين لها ،
فالوجه أنّ الوجوب لا يتعيّن وصفه ، بل يكون فرض كفاية ـ وهو أحد وجهي الشافعيّة ـ فإن قام به
البعض ، وإلاّ وجب على الأعيان. ويستوي في ذلك الغني والفقير والحرّ والعبد ، ولا
يحتاج إلى إذن سيّده. والثاني : أنّه فرض عين .
__________________
فإن حصلت المقاومة
من غير مرافقة العبيد ، فللشافعيّة وجهان ، أحدهما : أنّ الحكم كذلك ، لتقوى
القلوب وتعظم الشوكة وتشتدّ النكاية في الكفّار. والثاني : أنّه لا ينحلّ الحجر
عنه ، لأنّ في الأحرار غنية عنهم .
ولو أحوج الحال
إلى الاستعانة بالنساء ، وجب.
ولو لم يتمكّن أهل
البلد من التأهّب والتجمّع ، فمن وقف عليه كافر أو كفّار وعلم أنّه يقتل ، وجب
عليه المدافعة عن نفسه بقدر ما يمكنه ، سواء الذكر والأنثى ، والحرّ والعبد ،
السليم والأعمى والأعرج ، ولو لم يعلم القتل بل جوّز السلامة وأن يؤسر إن استسلم
وإن امتنع قتل ، وجب عليه الاستسلام ، فإنّ الأسر يحتمل معه الخلاص.
ولو امتدّت الأيدي
إلى المرأة ، وجب عليها الدفع وإن قتلت ، لأنّ المكره على الزنا لا
تحلّ له المطاوعة .
والبلاد القريبة
من تلك البلدة يجب عليهم النفور إليها مع عجز أهلها لا مع عدم العجز ، وهو أحد
وجهي الشافعيّة ، والثاني : أنّه يجب .
وأمّا البلاد
البعيدة : فإن احتيج إلى مساعدتهم ، وجب عليهم النفور ، وإلاّ فلا.
وللشافعيّة وجهان
، أحدهما ، عدم الوجوب على من بعد عن مسافة القصر. و [ الثاني : ] يجب على الأقربين
فالأقربين إلى أن يكفّوا ويأمن أهل
__________________
البلدة .
وينبغي للأقربين
التثبّت إلى لحوق الآخرين مع احتمال الحال ذلك.
ولا يشترط وجدان
الركوب فيمن يكون بلده دون مسافة القصر مع قدرته.
وأمّا من بعد إلى
مسافة القصر : فللشافعيّة وجهان : عدم الاشتراط ، لشدّة الخطب ، وثبوته كالحجّ . وكذا الوجهان في
اشتراط الزاد .
مسألة ٨ : لو نزل الكفّار في خراب أو على جبل في دار الإسلام بعيد عن البلدان ، احتمل
مساواته لنزولهم في البلد ، لأنّه من دار الإسلام ، وعدمه ، لأنّ الديار تشرف
بسكون المسلمين.
وللشافعيّة وجهان .
ولو أسروا مسلما
أو جماعة من المسلمين ، فالوجه : أنّه كدخول دار الإسلام ، لأنّ سبب حرمة دار
الإسلام حرمة المسلمين ، فالاستيلاء على المسلمين أعظم من الاستيلاء على دارهم.
ويحتمل المنع ،
لأنّ إعداد الجيش وتجهيز الجند لواحد يقع في الأسر بعيد.
وللشافعيّة وجهان .
__________________
ولو كانوا على
القرب من دار الإسلام وتوقّعنا استخلاص الاسراء لو مشينا إليهم ، وجب. ولو توغّلوا
في دار الكفر ولم يمكن التسارع إليهم ، انتظرنا الإمكان.
مسألة
٩ : الجهاد قسمان :
أحدهما : أن يكون للدعاء إلى الإسلام ، ولا يجوز إلاّ بإذن الإمام العادل أو من نصبه
لذلك ، عند علمائنا أجمع ، لأنّه أعرف بشرائط الدعاء وما يدعوهم إليه من التكاليف
دون غيره.
قال بشير : قلت
للصادق 7 : رأيت في المنام أنّي قلت لك : إنّ القتال مع غير الإمام المفروض طاعته حرام
مثل الميتة والدم ولحم الخنزير ، فقلت : نعم ، هو كذلك ، فقال الصادق 7 : « هو كذلك هو
كذلك » .
وقال أحمد : يجب
مع كلّ إمام برّ وفاجر ، لرواية أبي هريرة عن النبي 6 أنّه قال : « الجهاد واجب عليكم مع كلّ إمام برّا كان أو
فاجرا » .
وهو محمول على
القسم الثاني من نوعي الجهاد ، مع أنّ أبا هريرة طعن في حديثه ، ولهذا أدّبه عمر على كثرة حديثه ،
ولو لا التهمة في حديثه لما فعل عمر به ذلك ، خصوصا مع معارضته للكتاب العزيز حيث
__________________
يقول ( وَلا
تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النّارُ ) والفاجر ظالم.
ووجوب هذا القسم
على الكفاية على ما تقدّم ، فينبغي للإمام أو نائبه اعتماد النصفة بينهم ، فلا
يكرّر الغزو على قوم دون قوم.
والثاني : أن يدهم المسلمين العدو ، فيجب على الأعيان عند قوم وعلى الكفاية عند آخرين ،
وقد سبق .
مسألة ١٠ : قد عرفت أن ردّ السلام واجب على الكفاية على الجماعة ، وهو فرض عين على
الواحد ، فابتداؤه مستحبّ. ولا يستحبّ على المصلّي عند بعض الشافعيّة ولا على من
يقضي حاجته ولا في الحمّام .
ولو أجاب الجميع
دفعة واحدة ، كانوا مؤدّين فرض كفاية ، كما يلحقهم الذمّ بأجمعهم لو تركوا.
ولو تعاقبوا ،
فالوجه : أن الفرض يسقط بالأوّل.
وقال بعض
الشافعيّة : إنّ المتأخّر يكون مؤديا لفرض كفاية . وليس بجيّد.
ولو سلّم على شخص
أو جماعة فردّ عليه غيرهم ، لم يسقط الفرض عمّن سلّم عليه. وابتداء السلام سنّة
على الكفاية.
ولو سلّم واحد من
جماعة على واحد من جماعة أخرى ، كفى ذلك.
__________________
لإقامة السنّة.
ولو سلّم في بعض
الأحوال التي لا يستحبّ فيها السلام ، فالوجه : وجوب الردّ ، عملا بالعموم ، خلافا
للشافعيّة .
وإذا سلّم على
المصلّي ، وجب عليه الجواب.
وقالت الشافعيّة :
لا يجيب حتى يفرغ من الصلاة ، ويجوز أن يجيب في الصلاة بالإشارة .
وعندنا يجيب بمثل
ما سلّم عليه ، فيقول في الجواب : السلام عليكم ، ولا يقول : وعليكم السلام.
وأمّا من يقضي
الحاجة ، فالقرب منه ومكالمته بعيد عن الأدب والمروءة.
وأمّا الحمّام :
فإنّه موضع التنظيف والدلك ، فلا تليق التحيّة بحالهم.
والمشغول بالأكل
إن كانت اللقمة في فيه واحتاج في المضغ والبلع إلى زمان يمنعه عن الجواب ، لم يسنّ
التسليم عليه ، وأمّا بعد الابتلاع وقبل وضع لقمة أخرى في فيه فلا منع.
وبعض الشافعيّة
منع مطلقا . وبعضهم سوّغه مطلقا .
ولا يمنع المعامل
وقت المعاملة والمساومة من التسليم عليه ، لأنّ
__________________
أغلب أحوال الناس
ذلك.
ولا بدّ في السلام
وجوابه من رفع الصوت بقدر ما يحصل به السماع.
وصيغته : السلام
عليكم. ويقوم مقامه : سلام عليكم. ولو قال : عليكم السلام ، لم يكن مسلما ، إنّما
هي صيغة جواب. ويراعى صيغة الجمع وإن كان السلام على واحد خطابا له. ولو أخلّ
بصيغة الجمع ، حصل أصل السنّة.
وصيغة الجواب :
وعليكم السلام. ولو قال : وعليك السلام ، للواحد ، جاز. ولو ترك حرف العطف وقال :
عليكم السلام ، فهو جواب ، خلافا لبعض الشافعيّة .
ولو تلاقى اثنان
فسلّم كلّ واحد منهما على الآخر ، وجب على كلّ واحد منهما جواب الآخر ، ولا يحصل
الجواب بالسلام وإن ترتّب السلامان.
ولو قال المجيب :
وعليك ، ففي كونه جوابا نظر من حيث إنّه لا تعرّض للسلام فيه ، ومن حيث إنّه يكون
جوابا للعطف ورجوعا إلى قول : السلام. ولو قال : عليكم ، لم يكن جوابا.
وكمال السلام أن
يقول : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وكمال الجواب أن يقول : وعليكم السلام
ورحمة الله وبركاته.
وينبغي أن يكون
الجواب متّصلا بالسلام ليعدّ جوابا له ، كما في قبول الإيجاب في العقود.
ولو ناداه من وراء
ستر أو حائط وقال : السلام عليكم يا فلان ، أو
__________________
كتب كتابا وسلّم
فيه عليه ، أو أرسل رسولا فقال : سلّم على فلان ، فبلغه الكتاب والرسالة ، قال بعض
الشافعية : يجب عليه الجواب ، لأنّ تحيّة الغائب إنّما تكون بالمناداة أو الكتاب
أو الرسالة ، وقد قال تعالى ( وَإِذا حُيِّيتُمْ
بِتَحِيَّةٍ ) الآية .
والوجه أنّه إن
سمع النداء ، وجب الجواب ، وإلاّ فلا.
وما يعتاده الناس
من السلام عند القيام ومفارقة الجماعة دعاء لا تحيّة يستحبّ الجواب عنه ولا يجب.
ويكره أن يخصّ
طائفة من الجمع بالسلام. ولو سلّم عليه جماعة فقال : وعليكم السلام ، وقصد الردّ
عليهم جميعا ، جاز ، وسقط الفرض في حقّ الجميع.
ويستحبّ أن يسلّم
الراكب على الماشي ، والقائم على الجالس ، والطائفة القليلة على الكثيرة. ولا يكره
أن يبتدئ الماشي والجالس.
ولو سلّم على
الأصمّ ، أتى باللفظ ، لقدرته عليه ، وأشار باليد ليحصل الإفهام. ولو لم يضمّ
الإشارة ، لم يستحقّ الجواب. وكذا في جواب الأصمّ ينبغي أن يجمع بين اللفظ
والإشارة.
وسلام الأخرس بالإشارة
معتدّ به ، وكذا ردّه السلام.
ولا يجب على الصبي
ردّ السلام ، لأنّه ليس مكلّفا. ولو سلّم على جماعة فيهم صبي فردّ الصبي ، لم يسقط
الفرض بجوابه. ولو سلّم الصبي ،
__________________
فالأقرب وجوب
الردّ عليه ، وهو أحد وجهي الشافعيّة .
وسلام النساء على
النساء كسلام الرجال على الرجال. ولو سلّم رجل على امرأة أو بالعكس ، فإن كان
بينهما زوجيّة أو محرميّة أو كانت عجوزا خارجة عن مظنّة الفتنة ، ثبت استحقاق
الجواب ، وإلاّ فلا.
ويستحبّ لمن دخل
دار نفسه أن يسلّم على أهله. وكذا من دخل مسجدا أو بيتا لا أحد فيه يقول : السلام
علينا وعلى عباد الله الصالحين.
ولا يسلّم على أهل
الذمّة ابتداء. ولو سلّم عليه ذمّيّ أو من لم يعرفه فبان ذمّيّا ، ردّ بغير السلام
بأن يقول : هداك الله ، أو : أنعم الله صباحك ، أو : أطال الله بقاءك. ولو ردّ
بالسلام ، لم يزد في الجواب على قوله : وعليك.
والتحيّة بتقبيل
اليد وانحناء الظهر لا أصل له في الشرع ، لكن لا يمنع الذمّيّ من تعظيم المسلّم
بهما. ولا يكره التعظيم بهما لزهد وعلم وكبر سنّ. وروي أنّ أعرابيّا قعد عند رسول
الله 6 ، فاستحسن كلامه ، فاستأذنه في أن يقبّل وجهه ، فأذن له ، ثمّ استأذن في أنّ يقبّل يده ، فأذن
له ، ثمّ استأذنه في أن يسجد له ، فلم يأذن له .
وتستحبّ المصافحة.
ويكره للداخل أن
يطمع في قيام القوم لكن يستحبّ لهم أن يكرموه.
والأقرب : جواز
السلام بالفارسيّة.
__________________
مسألة ١١ : روي عن رسول الله 6 أنّه قال : « حقّ المؤمن على المؤمن ستّ : أن يسلّم عليه
إذا لقيه ، وأن يجيبه إذا دعاه ، وأن يسمّته إذا عطس ، وأن يعوده إذا مرض ، وأن
يشيّع جنازته إذا مات ، وأن لا يظنّ فيه إلاّ خيرا » .
واستحباب التسميت
على الكفاية. وإنّما يستحبّ إذا قال العاطس : الحمد لله ، فيقول المسمّت له :
يرحمك الله ، أو ما شابهه. ويكرّر التسميت إذا تكرّر العطس إلاّ أن يكون لمرض ،
فيقول : عافاك الله.
ويستحبّ للعاطس أن
يجيبه ، فيقول : يغفر الله لك ، وشبهه. ولا يجب الجواب هنا ، بخلاف ردّ السلام ،
لأنّ التسميت إنّما هو للعاطس ولا عطاس بالمسمّت ، والتحيّة تشمل الطرفين.
وتستحبّ زيارة
القادم ومعانقته ، فإنه رسول الله 6 عانق جعفرا ـ لمّا قدم من الحبشة .
مسألة ١٢ : يسقط فرض الجهاد بالعجز ، وهو قسمان : حسّي ، كالمرض والفقر والصبا والجنون
والأنوثة والعرج المانع من المشي سواء قدر على الركوب أو لا ، لأنّ الدابّة قد
تهلك.
وللشافعيّة وجه :
أنّ العرج لا يؤثّر في حقّ الراكب مع قدرته على الركوب . وليس بشيء.
ولا فرق بين أن
يكون العرج في رجل واحدة أو في الرّجلين معا.
__________________
وقال أبو حنيفة :
لا أثر للعرج في رجل واحدة .
ولا جهاد على
الأقطع والأشلّ ، لعدم تمكّنهما من الضرب والاتّقاء. ومفقود معظم الأصابع كالأقطع
ولا يسقط عن الأعشى وضعيف البصر إذا كان يدرك الشخص ويمكنه أن يتّقي السلاح.
ويسقط عن الفقير ،
وهو الذي لا يجد ما ينفق في طريقه ذهابا وعودا ولا ما يركب عليه.
ويشترط نفقة أهله
وعياله ذهابا وعودا. ومن لا أهل له ولا عشيرة يشترط في حقّه نفقة الإياب أيضا.
وقال بعض
الشافعيّة : لا يشترط ، لأنّ سفر الغزو سفر الموت .
وهو غلط ، لأنّ
الغالب في الظنّ الإياب ، ولأنّ وجود ذلك معه يوجب له نشاطا وقوّة.
ولو كان القتال
على رأس البلد أو قريبا منه ، لم يشترط نفقة الطريق.
ويجب اشتراط
الراحلة مع الحاجة. ويجب أن يكون جميع ذلك فاضلا عن نفقة من تلزمه نفقته.
ولا يشترط أمن
الطريق من طلائع الكفّار ، لأنّا مأمورون بقتالهم.
ولو كان من متلصّصي
المسلمين ، فللشافعيّة وجهان ، أحدهما : أنّه يمنع الوجوب ، كما في الحجّ ،
وأصحّهما : أنّه لا يمنع ، لأنّ قتال المتلصّص أهمّ وأولى .
__________________
ولو بذل للفقير ما
يحتاج إليه ، لم يجب القبول إلاّ أن يكون الباذل الإمام ، فعليه أن يقبل ويجاهد ،
لأنّ ما يأخذه من الإمام حقّه.
والذمّي لا يكلّف
الخروج إلاّ مع الحاجة ، لأنّه بذل الجزية لنذب عنه لا ليذبّ عنّا.
القسم الثاني : المانع الشرعي مع القدرة. وأقسامه ثلاثة :
الأوّل : الرقّ ، فلا يجب على العبد وإن أمره سيّده بذلك ، لأنّه ليس من أهل الجهاد ،
والملك لا يقتضي التعرّض للهلاك ، وليس القتال من الاستخدام المستحقّ للسيّد على
العبد ، ولا يلزمه الذبّ عن سيّده عند الخوف على روحه إذا لم يجب الدفع عن الغير ،
بل السيّد في ذلك كالأجانب. نعم ، للسيّد استصحابه في سفر الجهاد وغيره ليخدمه
ويسوس دوابّه ويحفظ متاعه.
والمدبّر والمكاتب
والمتحرّر بعضه كالقنّ.
الثاني : الدّين ، فلا يجب على من عليه دين حالّ لمسلم أو ذمّي الخروج إلى الجهاد مع
قدرته على الدّين إلاّ بإذن ربّ الدّين. وله منعه منه ، لأنّ مطالبته تتوجّه عليه
، والحبس إن امتنع من أدائه ، ولأنّ الدّين فرض متعيّن عليه ، فلا يترك بفرض
الكفاية.
ولو كان معسرا ،
فالوجه : أنّه ليس له منعه من الجهاد ، لأنّه لا مطالبة له عليه في الحال ، وهو
أحد قولي الشافعيّة ، ومذهب مالك. والثاني : المنع ، لأنّه يرجو اليسار فيؤدّي وفي
الجهاد خطر الهلاك .
__________________
ولو استناب
المديون من يقضي الدّين من مال حاضر ، فله الخروج ، لأنّ صاحب الدّين يصل إلى حقّه
في الحال ، أمّا لو أمره بالقضاء من مال غائب ، فإنّه لا يجوز له الخروج بغير إذنه
، لأنّه قد لا يصل إليه.
وإذا أذن ربّ
المال في الخروج ، جاز له ، ولحق بأصحاب فرض الكفاية ، وهو أحد قولي الشافعيّة .
ولو كان الدّين
مؤجّلا ، فليس لصاحبه منعه من الخروج ، كما ليس له منعه من الأسفار ، وهو أحد قولي
الشافعيّة وقول مالك. والثاني : أنّ له منعه ـ وبه قال أحمد ـ لأنّ الجهاد يقصد
فيه الشهادة التي تفوت بها النفس ، فيفوت الحقّ بفواتها .
وروي أنّ رجلا جاء
إلى رسول الله 6 ، فقال : يا رسول الله إن قتلت في سبيل الله صابرا محتسبا
يكفّر عنّي خطاياي؟ قال : « نعم ، إلاّ الدّين ، فإنّ جبرئيل قال لي ذلك » .
وفوات النفس غير
معلوم ، ولا دلالة في الحديث على المطلوب.
وللشافعيّة طريقة
أخرى هي أنّه إن لم يخلّف وفاء ، فليس له الخروج إلاّ بإذن ربّ الدّين ، وإن خلّف
، فوجهان ، لأنّه قد يتلف ولا يصل إلى ربّ
__________________
الدّين .
ولبعضهم وجه آخر :
إن كان الأجل يدوم إلى أن يرجع ، فلا منع ، وإن كان يحلّ قبل أن يرجع ، فوجهان .
وهل ركوب البحر
كسفر الجهاد؟ قال بعض الشافعيّة : نعم ، لخطره .
وليس بجيّد ، لأنّ
راكب البحر يغلب السلامة ويطلب الغنيمة ، والغازي يعرّض نفسه للشهادة.
الثالث : الأبوّة ، فمن كان له أبوان مسلمان أو أحدهما ليس له الجهاد إلاّ بإذنهما أو
بإذن الحيّ منهما ، سواء الأب والامّ في ذلك ، وهو قول عامّة أهل العلم ، لما رواه ابن
عباس عن النبي 6 ، أنّه قال : جاء رجل إلى النبي 6 ، فقال : يا رسول
الله أجاهد؟ فقال : « ألك أبوان؟ » قال : نعم ، قال : « ففيهما فجاهد » .
وفي رواية : جئت
أبايعك على الهجرة وتركت أبويّ يبكيان ، قال :
__________________
« ارجع إليهما
فأضحكهما كما أبكيتهما » .
وهاجر رجل إلى
رسول الله 6 ، فقال له رسول الله 6 : « هل لك باليمن أحد؟ » قال : نعم ، أبواي ، قال : « أذنا
لك؟ » قال : لا ، قال : « فارجع فاستأذنهما ، فإن أذنا لك فجاهد ، وإلاّ فبرّهما »
.
ولأنّ الجهاد فرض
كفاية وبرّ الوالدين فرض عين ، فيقدّم وهو بشرط الإسلام.
ولو كانا مشركين
أو الحيّ منهما ، لم يفتقر إلى إذنهما ـ وبه قال الشافعي وأحمد ـ للتهمة الظاهرة
بالميل إلى ملّته في الكفر ، وكان ولد عبد الله بن أبيّ بن سلول يغزو مع رسول الله
6 ، ومعلوم أنّ أباه كان يكره ذلك ، فإنّه كان يخذل الأجانب ويمنعهم عن الجهاد ، وكذا أصحاب
رسول الله 6 كانوا يجاهدون وفيهم من له أبوان كافران من غير استئذانهما ، منهم أبو بكر ،
وأبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة كان مع النبي 6 يوم بدر وأبوه رئيس المشركين يومئذ قتل ببدر ، وأبو عبيدة
قتل أباه في الجهاد فأنزل الله تعالى ( لا تَجِدُ قَوْماً ) الآية.
__________________
وقال الثوري : ولا
يغزو إلاّ بإذنهما ، لعموم الأخبار . وهو مخصوص بما قلناه.
فروع :
أ ـ لو كان أبواه رقيقين ، فعموم
كلام الشيخ يقتضي اعتبار إذنهما ، للعموم ، ولأنّهما مسلمان فأشبها
الحرّين.
ويحتمل عدم اعتبار
إذنهما ، لانتفاء ولايتهما.
ب ـ لو كانا مجنونين ، فلا
عبرة بإذنهما.
ج ـ هل الجدّان كالأبوين؟
الأقرب ذلك. وللشافعيّة وجهان .
ولو كانا مع
الأبوين ، ففي اشتراط إذن الجدّ مع الأب والجدّة مع الأمّ إشكال ينشأ من أنّ
القريب يحجب البعيد ، ومن أنّ البرّ إلى البعيد لا يخصّ بحالة فقدان القريب.
د ـ لو تعيّن الجهاد عليه ،
لم يعتبر إذن الأبوين ولا غيرهما من أصحاب الدّين والسيّد ، وكذلك كلّ الفرائض لا
طاعة لهما في تركها ، كالصلاة والحجّ ، لأنّه عبادة تعيّنت عليه ، فلا يعتبر إذن
الأبوين فيها ، وقال تعالى ( وَلِلّهِ عَلَى
النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ ) ولم يشترط إذن الأبوين.
هـ ـ لو أذن أبواه في الغزو
وشرطا عليه ترك القتال فحضر ، تعيّن عليه وسقط شرطهما ـ وبه قال الأوزاعي وأحمد
وابن المنذر ـ لأنّه صار
__________________
واجبا ، فلم يبق
لهما في تركه طاعة.
ولو خرج بغير
إذنهما فحضر القتال ثمّ بدا له الرجوع ، لم يجز له ذلك.
و ـ ليس للأبوين المنع من سفر
الحجّ الواجب ، لأنّه على الفور ، وليس الخوف فيه كالخوف في الغزو.
وللشافعي قول إنّ
لهما المنع ، لأنّ الحجّ على التراخي وبرّ الوالدين على الفور . والصغرى ممنوعة.
وكذا ليس لهما
المنع من سفره في طلب العلم الواجب عليه ، ولا يجب عليه استئذانهما كالحجّ.
ولو كان فرض كفاية
بأن خرج طالبا لدرجة الفتوى وفي بلده من يشتغل بالفتوى ، احتمل أنّ لهما المنع ،
لتعيّن البرّ عليه ، وعدمه ، لبعد الحجر على المكلّف وحبسه.
ولو لم يكن هناك
من يشتغل بالفتوى لكن خرج مع جماعة لذلك ، فالأقرب عدم الاحتياج إلى الإذن ، لأنّه
لم يوجد في الحال من يقوم بالغرض ، والخارجون معه قد لا يحصل لهم المقصود. ولو لم
يخرج معه أحد ، لم يفتقر إلى الإذن ، لأنّه يؤدّي فرضا ، كما لو خرج لغزو تعيّن
عليه.
ولو أمكنه التعلّم
في بلده ، فإن توقّع في سفره زيادة فراغ أو إرشاد أستاذ ، احتمل عدم افتقاره إلى
الإذن.
وأمّا سفر التجارة
: فإن كان قصيرا ، لم يمنع منه ، وإن كان طويلا وفيه خوف ، اشترط إذنهما ، وإلاّ
احتمل ذلك تحرّزا من تأذّيهما. ولأنّ لهما منعه
__________________
من حجّة التطوّع
مع أنّه عبادة فيكون منعهما من المباح أولى ، وعدمه ، لأنّه بامتناعه ينقطع عن
معاشه ويضطرب أمره.
والأقرب : أنّ
الأب الكافر كالمسلم في هذه الأسفار ، بخلاف سفر الجهاد [ ولا فرق بين الحرّ ] والرقيق ، لشمول
معنى البرّ والشفقة.
ز ـ لو خرج للجهاد بإذن صاحب
الدّين أو الأبوين ثمّ رجعوا أو كان الأبوان كافرين فأسلما بعد خروجه من غير إذن
وعلم بالحال ، فإن لم يشرع في القتال ولم يحضر الرفقة بعد ، فإنّه
ينصرف إلاّ إذا خاف على نفسه أو ماله أو خاف من انصرافه كسر المسلمين.
ولو لم يمكنه
الانصراف ، للخوف وأمكنه الإقامة في قرية في الطريق إلى أن يرجع جيش المسلمين ،
لزمه أن يقيم ، لأنّ غرض الراجعين عن الإذن أن لا يقاتل ، وهو أحد وجهي الشافعيّة
، والثاني : عدم الوجوب ، لما يناله من وحشة مفارقة الرفقة وإبطال أهبة الجهاد
عليه .
ولو كان الرجوع
بعد الشروع في القتال ، احتمل وجوب الرجوع ، لأنّ حقّ الراجعين عن الإذن أولى
بالرعاية ، لأنّه فرض عين والجهاد فرض كفاية ، ولأنّ حقّهم أسبق ، ولأنّ حقّ
الآدمي مبني على المضايقة ، فهو أولى بالمحافظة ، وعدمه ، لوجوب الثبات على من حضر
القتال ، لقوله تعالى : ( إِذا لَقِيتُمْ
فِئَةً فَاثْبُتُوا ) ولأنّه ربما يكسر قلوب المسلمين ويشوّش الجهاد.
وللشافعي قولان . ولبعض أصحابه
فرق بين رجوع الأبوين وصاحب الدّين ، لعظم شأن الدّين والاحتياط للمظالم .
ح ـ من شرط عليه الاستئذان
إذا خرج بغير إذن ، لزمه الانصراف ما لم يشرع في القتال ، لأنّ سفره معصية ، إلاّ
أن يخاف على نفسه أو ماله ، فإن شرع في القتال ، فللشافعية وجهان . وهذه الصورة
أولى بوجوب الانصراف ، لأنّ ابتداء الخروج كان معصية.
ولو خرج العبد
بغير إذن سيّده ، لزمه الرجوع ما لم يحضر الواقعة ، فإن حضر ، فللشافعية قولان .
ولو مرض الحرّ بعد
خروجه أو عرج أو فني زاده أو هلكت دابّته ، تخيّر بين الانصراف والمضيّ ما لم يحضر
الوقعة.
ولو حضر الوقعة ،
لزمه الثبات ، للآية ، وهو أحد قولي الشافعي ، والثاني : أنّه يجوز الرجوع ،
لعدم تمكّنه من القتال .
والوجه أن يقال :
إن كان الانصراف لا يورث إعلالا وتخاذلا في الجند ، جاز ، وإلاّ فلا.
ولو أمكنه القتال
راجلا بعد موت الدابّة في الوقعة ، وجب ، وإلاّ فلا. وكذا إذا انقطع سلاحه وانكسر
في الواقعة وأمكنه القتال بالحجارة ، وجب ، وإلاّ فلا.
__________________
وحيث سوّغنا
الانصراف لرجوع ربّ الدّين أو الأبوين عن الإذن أو لمرض ونحوه ، ليس للسلطان منعه
منه إلاّ أن يتّفق ذلك لجماعة وكان يخاف من انصرافهم الخلل في المسلمين.
ولو انصراف لذهاب
نفقة أو هلاك دابة ثمّ قدر على النفقة والدابّة في بلاد الكفر ، فعليه أن يرجع إلى
المجاهدين. وإن كان قد فارق بلاد الكفر ، قال الشافعي : لم يلزمه الرجوع إليهم .
ولو خرج للجهاد
وبه عذر من مرض وغيره ثمّ زال عذره وصار من أهل فرض الجهاد ، لم يجز له الرجوع عن
الغزو. وكذا لو حدث العذر وزال قبل أن ينصرف.
ط ـ من شرع في القتال ولا عذر
له تلزمه المصابرة ، ويحرم الانصراف ، لما فيه من التخذيل وكسر قلوب المجاهدين.
وطالب العلم إذا
اشتغل بالتعلّم وآنس الرشد من نفسه ، هل يحرم عليه الرجوع؟ يحتمل ذلك ، لأنّه فرض
كفاية شرع فيه فيلزمه بالشروع.
والأقرب : المنع ،
لأنّ الشروع لا يغيّر حكم المشروع فيه ، بخلاف الجهاد ، لأنّ في الرجوع تخذيل
المجاهدين وكسر قلوبهم ، وترك التعلّم ليس فيه ذلك. ولأنّ كلّ مسألة مطلوبة برأسها
منقطعة عن غيرها ، وليست العلوم كالخصلة الواحدة ، بخلاف الجهاد.
وفي وجوب إتمام
صلاة الجنازة بالشروع وجهان ، أحدهما :
__________________
عدمه ، كالشروع في
التطوّع لا يلزم به إتمامه و [ ثانيهما ] : وجوبه ، لأنّ الصلاة كالخصلة الواحدة ،
ولما في الرجوع من هتك حرمة الميّت.
مسألة ١٣ : العلم إمّا فرض عين أو فرض كفاية أو مستحبّ أو حرام.
فالأوّل
: العلم بإثبات
الصانع تعالى وصفاته وما يجب له ويمتنع عليه ، ونبوّة نبيّنا محمد 6 وثبوت عصمته
وإمامة من تجب إمامته وما يجب له ويمتنع عليه ، والمعاد. ولا يكفي في ذلك التقليد
، بل لا بدّ من العلم المستند إلى الأدلّة والبراهين.
ولا يجب على
الأعيان دفع الشبهات فيها ، وذلك إنّما يتمّ بعلم الكلام.
وقالت الشافعية :
العلم المترجم بعلم الكلام ليس بفرض عين ، وما كان الصحابة يشتغلون به .
والثاني : العلم بالفقه وفروع الأحكام ، وعلم أصول الفقه وكيفيّة
الاستدلال والبراهين ، والنحو واللغة والتصريف ، والتعمّق في أصول الدين بحيث
يقتدر على دفع شبه المبطلين والقيام بجواب الشبه وردّ العقائد الفاسدة ، وعلم أصول
الفقه ، وعلم الحديث ومعرفة الرجال بالعدالة وضدّها ، والانتهاء في معرفة الأحكام
إلى أن يصلح للإفتاء والقضاء. ولا يكفي المفتي الواحد في البلد ، لعسر مراجعته على
جميع الناس. وعلم الطبّ ، للحاجة إليه في المعالجة ، وعلم الحساب ، للاحتياج إليه
في المعاملات وقسم الوصايا والمواريث. ومن حصل له شبهة ، وجب عليه
__________________
السعي في حلّها.
والمستحب : الزيادة على ما يجب على الكفاية في كلّ علم.
والحرام : ما اشتمل على وجه قبح ، كعلم الفلسفة لغير النقض ، وعلم
الموسيقى وغير ذلك ممّا نهى الشرع عن تعلّمه ، كالسحر ، وعلم القيافة والكهانة
وغيرها.
مسألة ١٤ : قد عرفت أنّ من شرط الجهاد دعاء الإمام العادل إليه.
ولو كان الجهاد
للدفع ، وجب مطلقا ، سواء كان هناك إمام أو لا.
ولو كان الإمام
جائرا ، جاز القيام معه إذا قصد الدفع عن نفسه وعن المؤمنين ، كما لو كان المسلم
في دار الكفّار بأمان ودهمهم عدوّ خشي على نفسه ، وجب عليه مساعدتهم في دفعه ، لما
رواه طلحة بن زيد عن الصادق 7 ، قال : سألته عن رجل دخل أرض الحرب بأمان فغزا القوم
الذين دخل عليهم قوم آخرون ، قال : « على المسلم أن يمنع عن نفسه وماله ويقاتل على
حكم الله وحكم رسوله ، وأمّا أن يقاتل الكفّار على حكم الجور وسنّتهم فلا يحلّ له ذلك
» .
وكذا كلّ من خاف
على نفسه يجب عليه الجهاد.
ومن خاف على ماله
يجوز له الجهاد إذا غلب السلامة.
مسألة ١٥ : لا يجب على من وجب عليه الجهاد إيقاعه مباشرة إلاّ أن يعيّنه الإمام للخروج ،
فتحرم عليه الاستنابة بأجرة وغيرها ، ولا يجوز له حينئذ أن يغزو بجعل ، فإن أخذ
جعلا ، ردّه على صاحبه. ولو لم يعيّنه ، لم تجب المباشرة بل يجوز أن يستنيب غيره
بإجارة أو غيرها ، وتكون
__________________
الإجارة صحيحة ،
ولا يلزم المستأجر ردّ الأجرة ، عند علمائنا ، لما رواه العامّة : أنّ النبي 6 قال : « من جهّز
غازيا كان له كمثل أجره » .
ومن طريق الخاصّة
: قول الباقر 7 : « إنّ عليّا 7 سئل عن الإجعال للغزو ، فقال : لا بأس به أن يغزو الرجل عن
الرجل ويأخذ منه الجعل » .
ولأنّ الضرورة قد
تدعو إليه ، فكان سائغا كغيره.
وقال الشافعي : لا
تنعقد الإجارة ، ويجب عليه ردّ الأجرة إلى صاحبها ، لتعيّن الجهاد عليه بحضوره
الصف ، فلا يجوز أخذ الأجرة عليه .
وينتقض بالحجّ ،
فإنّه إذا حضر مكة ، تعيّن عليه الإحرام ، ومع هذا جاز أن يقع الإحرام المتعيّن
عليه عن غيره ، فكذا هنا.
وقال عطاء ومجاهد
وسعيد بن المسيّب : من اعطي شيئا من المال يستعين به في الغزو ، فإن اعطي لغزوة
بعينها فما فضل بعد الغزو فهو له ، لأنّه أعطاه على سبيل الإعانة والنفقة لا على
سبيل الإجارة ، فكان الفاضل له .
وإن أعطاه شيئا
لينفقه في الجهاد مطلقا ففضل منه فضل ، أنفقه في جهاد آخر ، لأنّه أعطاه الجميع
لينفقه في جهة قربة ، فلزمه إنفاق الجميع فيها.
__________________
وإذا اعطي شيئا
ليستعين به في الغزو ، لا يترك لأهله منه شيئا.
قال أحمد : لأنّه
ليس يملكه إلاّ أن يصير إلى رأس مغزاة فيكون كهيئة ماله فيبعث إلى عياله منه ، ولا
يتصرّف فيه قبل الخروج لئلاّ يتخلّف عن الغزو فلا يكون مستحقّا لما أنفقه إلاّ أن
يشتري منه سلاحا أو آلة غزو .
وإذا حمل رجلا على
دابّة غازية ، فإذا رجع من الغزو ، فهي له ، إلاّ أن يقول : هي حبس ، فلا يجوز
بيعها إلاّ مع عدم صلاحيتها للغزو ، فتباع وتجعل في حبس آخر.
قال أحمد : وكذلك
المسجد إذا ضاق بأهله أو كان في مكان لا ينتفع به ، جاز بيعه وجعل ثمنه في مكان
ينتفع به ، وكذا الأضحية إذا أبدلها بخير منها .
ولو أعطاه إيّاها
ليغزو عليها ، فإذا غزا عليها ، قال أحمد : ملكها كما يملك النفقة المدفوعة إليه ،
ويصنع بثمنها ما شاء .
وكان مالك لا يرى
أن ينتفع بثمنها في غير الغزو .
وليس للغازي أن
يركب دوابّ السبيل في حوائجه ، بل يركبها ويستعملها في الغزو.
وسهم الفرس الحبيس
لمن غزا عليه.
وكره بعضهم إنزاء
الفرس الحبيس .
ولا يباع الفرس
الحبيس إلاّ من علّة ، إذا عطب يصير للطحن ،
__________________
ويصرف ثمنه في
مثله أو ينفق ثمنه على الدوابّ الحبيس.
ولا يجوز لمن وجب
عليه الجهاد بتعيين الإمام أو بنذر المباشرة أن يجاهد عن غيره بجعل ، فإن فعل وقع
عنه ووجب عليه ردّ الجعل إلى صاحبه.
قال الشيخ :
للنائب ثواب الجهاد وللمستأجر ثواب النفقة ، وأمّا ما يأخذه أهل الديوان من
الأرزاق فليس اجرة ، بل يجاهدون لأنفسهم ويأخذون حقّا جعله الله لهم ، فإن كانوا
أرصدوا أنفسهم للقتال وأقاموا في الثغور ، فهم أهل الفيء لهم سهم من الفيء يدفع
إليهم ، وإن كانوا مقيمين في بلادهم يغزون إذا خيفوا ، فهم أهل
الصدقات يدفع إليهم سهم منها .
وتستحبّ إعانة
المجاهدين ، وفي مساعدتهم فضل عظيم من السلطان والعوام وكلّ أحد.
روى الباقر 7 عن رسول الله 6 ، قال : « من
بلّغ رسالة غاز كان كمن أعتق رقبة وهو شريكه » .
__________________
الفصل الثاني
فيمن يجب جهاده ، وكيفية
الجهاد
وفيه مباحث :
الأوّل : من يجب جهاده.
مسألة ١٦ : الذين يجب جهادهم قسمان : مسلمون خرجوا عن طاعة الإمام وبغوا عليه ، وكفّار ،
وهم قسمان : أهل كتاب أو شبهة كتاب ، كاليهود والنصارى والمجوس وغيرهم من أصناف
الكفّار ، كالدهرية وعبّاد الأوثان والنيران ، ومنكري ما يعلم ثبوته من الدين
ضرورة ، كالفلاسفة وغيرهم.
قال الله تعالى : ( وَإِنْ
طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ
بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتّى تَفِيءَ
إِلى أَمْرِ اللهِ ) وقال تعالى ( قاتِلُوا الَّذِينَ
لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ
اللهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا
الْكِتابَ حَتّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ ) وقال تعالى : (
فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ ) وقال ( فَضَرْبَ
الرِّقابِ ) . دلّت هذه الآيات على وجوب جهاد الأصناف السابقة.
__________________
وروى العامّة عن
النبي 6 قال : « من أعطى إماما صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه ما استطاع ، فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر » .
وكان 7 يقول لمن يبعثه
على جيش أو سريّة : « إذا لقيت عدوّك من المشركين فادعهم إلى إحدى ثلاث خصال
فأيّتهم أجابوك إليها فاقبل منهم وكفّ عنهم : ادعهم إلى الإسلام ،
فإن أجابوك فاقبل منهم وكفّ عنهم ، فإن هم أبوا فادعهم إلى إعطاء الجزية ، فإن
أجابوك فاقبل منهم وكفّ عنهم ، فإن أبوا فاستعن بالله عليهم وقاتلهم » .
ومن طريق الخاصّة
: قول الباقر 7 : « بعث الله محمّدا 6 بخمسة أسياف ، ثلاثة منها شاهرة لا تغمد إلى أن( تَضَعَ
الْحَرْبُ أَوْزارَها ) ، ولن( تَضَعَ الْحَرْبُ
أَوْزارَها ) حتى تطلع الشمس من مغربها ، فيومئذ( لا
يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ ) ، وسيف منها
مكفوف ، وسيف منها مغمود سلّه إلى غيرنا وحكمه إلينا ، فأمّا السيوف الثلاثة
الشاهرة : فسيف على مشركي العرب ، قال الله تعالى : ( فَاقْتُلُوا
الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ
__________________
وَجَدْتُمُوهُمْ ) فهؤلاء لا يقبل
منهم إلاّ القتل أو الدخول في الإسلام ، والسيف الثاني على أهل الذمّة ، قال الله
تعالى ( قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ
وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ ) الآية ، فهؤلاء لا يقبل منهم إلاّ الجزية أو القتل ،
والسيف الثالث سيف على مشركي العجم يعني الترك والخزر والديلم ، قال الله تعالى ( فَضَرْبَ
الرِّقابِ حَتّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ ) فهؤلاء لا يقبل منهم إلاّ القتل أو الدخول في الإسلام ،
ولا يحلّ لنا نكاحهم ما داموا في الحرب ، وأمّا السيف المكفوف على أهل البغي
والتأويل ، قال الله تعالى : ( وَإِنْ طائِفَتانِ
مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما ) ـ إلى قوله ـ ( حَتّى
تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللهِ ) فلمّا نزلت هذه الآية قال رسول الله 6 : إنّ منكم من
يقاتل بعدي على التأويل كما قاتلت على التنزيل ، فسئل النبي 6 من هو؟ قال : هو
خاصف النعل ـ يعني أمير المؤمنين 7 ـ قال عمّار بن ياسر : قاتلت بهذه الراية مع رسول
الله 6 ثلاثا وهذه الرابعة ، والله لو ضربونا حتى يبلغوا بنا السعفات من هجر لعلمنا أنّا على
الحقّ وأنّهم على الباطل » الحديث.
مسألة ١٧ : كلّ من يجب جهاده فالواجب على المسلمين النفور إليهم
__________________
إمّا لكفّهم أو
لنقلهم إلى الإسلام ، فإن بدأوا بالقتال ، وجب جهادهم.
وإنّما يجب قتال
من يطلب إسلامه بعد دعائهم إلى محاسن الإسلام والتزامهم بشرائعه ، فإن فعلوا وإلاّ
قوتلوا.
والداعي إنّما هو
الإمام أو من نصبه.
قال أمير المؤمنين
7 : « بعثني رسول الله 6 إلى اليمن ، فقال : يا علي لا تقاتل أحدا حتى تدعوه ، وايم
الله لأن يهدي الله على يديك رجلا خير لك ممّا طلعت عليه الشمس وغربت ، ولك ولاؤه
يا علي » .
وإنّما يشترط
تقدّم الدعاء في حقّ من لم تبلغه الدعوة ولا عرف بعثة الرسول ، فيدعوهم إلى
الإسلام ومحاسنه ، وإظهار الشهادتين ، والإقرار بالتوحيد والعدل والنبوّة والإمامة
وأصول العبادات وجميع شرائع الإسلام ، فإن أجابوا وإلاّ قتلوا ، لقوله 7 : « يا على لا
تقاتل أحدا حتى تدعوه » .
أمّا من بلغته
الدعوة وعرف البعثة ولم يقرّ بالإسلام فيجوز قتالهم ابتداء من غير دعاء ، لأنّه
معلوم عندهم حيث بلغتهم دعوة النبي 6 ، وعلموا أنّه يدعوهم إلى الإيمان وأنّ من لم يقبل منه
قاتله ومن قبل منه آمنه ، فهؤلاء حرب للمسلمين يجوز قتالهم ابتداء ، فإنّ النبي 6 أغار على بني
المصطلق وهم غارّون آمنون ، وإبلهم تسقى على الماء .
وقال سلمة بن
الأكوع : أمرنا رسول الله 6 ، فغزونا ناسا من المشركين فبيّتناهم .
__________________
والدعاء أفضل ،
لما رواه العامّة : أنّ النبي 6 أمر عليّا 7 حين أعطاه الراية يوم خيبر وبعثه إلى قتالهم أن يدعوهم ، وقد بلغتهم
الدعوة ، ودعا سلمان أهل فارس ، ودعا علي 7 عمرو بن [ عبد ] ودّ العامري فلم يسلم مع بلوغه الدعوة .
ومن طريق الخاصّة
: قول الصادق 7 : « لمّا بعث النبي 6 عليّا 7 إلى اليمن قال : يا علي لا تقاتل أحدا حتى تدعوه » وهو عامّ.
ولو بدر إنسان
فقتل واحدا من الكفّار قبل بلوغ الدعوة إليه ، أساء ، ولا قود عليه ولا دية ،
للأصل ، وبه قال أبو حنيفة وأحمد ، وهو قياس قول مالك .
وقال الشافعي :
يجب ضمانه ، لأنه كافر أصلي محقون الدم ، لحرمته ، فوجب ضمانه ، كالذمّي .
والفرق أنّ الذمّي
التزم قبول الجزية فحرم قتله ، أمّا هنا فلم يعلم
__________________
ذلك منه ، فلا يجب
له الضمان ، لأنّه كافر لا عهد له ، كالحربي.
مسألة ١٨ : أصناف الكفّار ثلاثة : أهل الكتاب ، وهم اليهود والنصارى لهم التوراة
والإنجيل ، فهؤلاء يطلب منهم إمّا الإسلام أو الجزية ، فإن لم يسلموا وبذلوا
الجزية ، حرم قتالهم إجماعا ، لقوله تعالى ( قاتِلُوا ) ـ إلى قوله ـ ( حَتّى
يُعْطُوا الْجِزْيَةَ ) .
ومن له شبهة كتاب
، وهم المجوس كان لهم نبي قتلوه وكتاب حرقوه ، وحكمهم حكم أهل الذمّة إجماعا إن
أسلموا ، وإلاّ طلب منهم الجزية ، فإن بذلوها ، كفّ عنهم وأقرّوا على دينهم ،
وإلاّ قتلوا. قال 7 : « سنّوا بهم سنّة أهل الكتاب » .
ومن لا كتاب له
ولا شبهة ، كعبّاد الأوثان وغيرهم ممّن عدا أهل الكتاب والمجوس ، فإنّه لا يقبل
منهم إلاّ الإسلام خاصّة ، ولو بذلوا الجزية ، لم تقبل منهم ، عند علمائنا كافّة ـ
وبه قال الشافعي وأحمد في إحدى الروايتين ـ لقوله تعالى ( قاتِلُوا
الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً ) .
وقوله 7 : « أمرت أن
أقاتل الناس حتى يقولوا : لا إله إلاّ الله »
__________________
خرج منه القسمان
الأوّلان ، فيبقى الباقي على أصله.
ولأنّ قوله 7 في المجوس : « سنّوا
بهم سنّة أهل الكتاب » يقتضي تخصيص أهل الكتاب بأخذ الجزية ، إذ لو شاركهم غيرهم
لم تختصّ الإضافة بهم.
ولأنّ كفر من عدا الثلاثة
أشدّ ، لإنكارهم الصانع تعالى وجميع الرسل ولم تكن لهم شبهة كتاب ، فلا يساوون من
له كتاب واعتراف بالله تعالى ، كالمرتدّ.
وقال أبو حنيفة :
يقبل من عبدة الأوثان من العجم الجزية ، ولا تقبل من العرب إلاّ الإسلام ـ وهو
رواية عن أحمد ـ لأنّهم يقرّون على دينهم بالاسترقاق فأقرّوا بالجزية ،
كأهل الكتاب والمجوس .
وقال مالك :
الجزية تقبل من جميع الكفّار إلاّ كفّار قريش ، لأنّ النبي 7 كان يوصي من يبعث
من الأمراء بالدعاء إلى ثلاث خصال من جملتها الجزية ، وهو عامّ في
جميع الكفّار .
__________________
ونمنع إقرارهم على
دينهم بالاسترقاق ، والأمر بقبول الجزية مخصوص بأهل الذمّة.
إذا عرفت هذا ،
فإن كان الكفّار ممّن لا يؤخذ منهم الجزية ، عرض الأمير عليهم الإسلام ، فإن أسلموا
، حقنوا دماءهم وأموالهم ، وإن أبوا ، قاتلهم وسبى ذراريهم ونساءهم وغنم أموالهم
وقسّمها ، على ما يأتي ، وإن كانوا ممّن يؤخذ منهم الجزية ، دعاهم إلى الإسلام ،
فإن أجابوا ، كفّ عنهم ، وإن أبوا ، دعاهم إلى إعطاء الجزية ، فإن بذلوها ، قبل
منهم الجزية ، وإن امتنعوا ، قاتلهم وسبى ذراريهم ونساءهم وغنم أموالهم وقسّمها
على المستحقّين.
البحث الثاني : في الجند.
مسألة ١٩ : إذا عيّن الإمام شخصا للجهاد معه ، وجب عليه طاعته ، وحرم عليه التخلّف عنه ،
سواء وجب عليه أوّلا الدعاء أو لا ، ولو لم يعيّن ، لم يجب عليه الاّ على الكفاية
، إلاّ أن يدهم المسلمين عدوّ يخشى منه على النفس والمال ويخاف على بيضة الإسلام ،
فيجب على كلّ متمكّن الجهاد ، سواء أذن له الإمام أو لا ، وسواء كان مقلاّ أو
مكثرا ، ولا يجوز لأحد التخلّف إلاّ مع الحاجة إلى تخلّفه ، كحفظ المكان والأهل
والمال أو منع الإمام له من الخروج.
فإن أمكن استخراج
إذن الإمام في جهاد فرض العين ، وجب ، لأنّه أعرف ، وأمر الحرب موكول إليه ، لعلمه
بكثرة العدوّ وقلّته ، ولو لم يمكن استئذانه ، لغيبته ومفاجاة العدوّ ، وجب الخروج
بغير إذن.
وإذا نادى الإمام
بالنفير والصلاة ، فإن كان العدو بعيدا ، صلوا ثمّ
خرجوا ، وإن كان
قريبا يخشى من التأخّر بالصلاة ، خرجوا وصلّوا على ظهور دوابّهم ، ولو كانوا في
الصلاة ، أتمّوها ، وكذا يتمّون خطبة الجمعة.
وإذا نادى بالصلاة
جامعه لحدوث أمر يحتاج إلى المشورة ، لم يتخلّف أحد إلاّ لعذر. ولا ينبغي أن تنفر
الخيل إلاّ عن حقيقة الأمر.
مسألة ٢٠ : إذا بعث الإمام سريّة ،
استحبّ له أن يؤمّر عليهم أميرا ثقة جلدا ،
ويأمرهم بطاعته
ويوصيه بهم ، وأن يأخذ البيعة على الجند حتى لا يفرّوا ، وأن يبعث الطلائع ويتجسّس
أخبار الكفّار ، ويكون الأمير له شفقة ونظر على المسلمين.
ولو كان القائد
معروفا بشرب الخمر أو غيره من المعاصي ، لم ينفروا معه ، ولو كان شجاعا ذا رأي ،
جاز النفور معه ، لقوله 7 : « إنّ الله ليؤيّد هذا الدين بالرجل الفاجر » هذا كلّه مع
الحاجة إلى النفير من غير إذن الإمام العادل ، أمّا مع عدم الحاجة فلا يجوز بحال.
وإذا احتاج إلى
إخراج النساء لمداراة المرضى وشبهها ، استحبّ له أن يخرج العجائز ، ويكره إخراج
الشوابّ منهنّ حذرا من ظفر الكفّار بهم فينالوا منهنّ الفاحشة ، فإن احتاج إلى
إخراجهنّ ، جاز ، فإنّ رسول الله 6 خرج بعائشة في غزوات .
مسألة ٢١ : تجوز الاستعانة بأهل الذمّة وبالمشرك المأمون غائلته إذا
__________________
كان في المسلمين
قلّة ، فإنّ رسول الله 6 استعان بصفوان بن أميّة على حرب هوازن قبل إسلامه ، واستعان بيهود
بني قينقاع ورضخ لهم .
ولو لم يكن مأمونا
أو كان بالمسلمين كثرة ، لم يستعن بهم.
قال الله تعالى ( وَما
كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً ) .
وقال 7 : « إنّا لا
نستعين بالمشركين على المشركين » وأراد 7 مع فقد أحد الشرطين.
ولأنّهم مغضوب
عليهم ، فلا تحصل النصرة بهم ، ومع عدم الأمن منهم لا يجوز استصحابهم. وهذا كلّه
مذهب الشافعي .
وله قول آخر :
جواز الاستعانة بشرط كثرة المسلمين بحيث لو خان المستعان بهم وانضمّوا إلى الكفّار
، تمكّن المسلمون من مقاومتهم جميعا .
ومنع ابن المنذر
من الاستعانة بالمشركين مطلقا . وعن أحمد روايتان .
ويجوز أن يستعين
بالعبيد مع إذن السادة ، وبالمراهقين ، والذمّيّ إذا
__________________
حضر بإذن ، رضخ له
، وبغير إذن لا يرضخ.
وللشافعي في
استحقاقه الرضخ مع عدم الإذن قولان ، ولو نهي لم يستحق .
مسألة ٢٢ : لا يجوز للإمام ولا للأمير من قبله أن يخرج معه من يخذّل الناس ويثبّطهم عن الغزو
ويدهدههم في الخروج ، كمن يقول : الحرّ شديد أو البرد ، والمشقّة
عظيمة ، والمسافة بعيدة ، والكفّار كثيرون والمسلمون أقلّ ولا يؤمن هزيمتهم. ولا
المرجف ، وهو الذي يقول : هلكت سريّة المسلمين ولا طاقة لكم بهم ولهم قوّة وشوكة
ومدد وصبر ، ولا يثبت لهم مقاتل. ونحوه ، ولا من يعين على المسلمين بالتجسّس
للكفّار ومكاتبتهم بأخبار المسلمين ، واطّلاعهم على عوراتهم وإيواء جاسوسهم ، ولا
من يوقع العداوة بين المسلمين ويمشي بينهم بالنميمة ويسعى بالفساد ، لقوله تعالى ( لَوْ
خَرَجُوا فِيكُمْ ما زادُوكُمْ إِلاّ خَبالاً وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ
يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ ) .
فإن خرج واحد منهم
، لم يسهم له ولا يرضخ ، ولو قتل كافرا ، لم يستحق سلبه وإن أظهر إعانة المسلمين ،
لأنّه نفاق.
ولو كان الأمير
أحد هؤلاء ، لم يخرج الناس معه ، لأنّ التابع يمنع منه فالمتبوع أولى ، لأنّه أكثر
ضررا.
__________________
مسألة ٢٣ : إذا خرج
الإمام بالنفير ، عقد الرايات ، فجعل كلّ فريق تحت راية ، وجعل لكلّ من تابعه
شعارا يتميّز به عندهم حتى لا يقتل بعضهم بعضا بيانا ، ويدخل دار الحرب بجماعته ،
لأنّه أحوط وأهيب ، وأن ينتظر الضعفاء فيسير على مسيرهم إلاّ مع الحاجة إلى قوّة السير
، ويدعو عند التقاء الصفّين ، ويكبّر من غير إسراف من رفع الصوت ، وأن يحرّض الناس
على القتال وعلى الصبر والثبات.
ولو تجدّد عذر أحد
معه ، فإن كان لمرض في نفسه ، كان له الانصراف وإن كان بعد التقاء الصفين ، لعدم
تمكّنه من القتال ، وإن كان لغير مرض ، كرجوع صاحب الدّين أو أحد الأبوين ، فإن
كان بعد التقاء الصفّين ، لم يجز الانصراف ، وإن كان قبله ، جاز.
ولا ينبغي له أن
يقتل أباه الكافر بل يتوقّاه ، لقوله تعالى : ( وَصاحِبْهُما فِي
الدُّنْيا مَعْرُوفاً ) إلاّ أن يسبّ النبي 6 ، فإنّ أبا عبيدة قتل أباه حين سبّ رسول الله 6 ، فلمّا قال له
النبي 6 : « لم قتلته؟ » قال : سمعته يسبّك. فسكت عنه .
ولا يميل الأمير
مع موافقة في المذهب والنسب على مخالفه فيهما ، لئلاّ يكسر قلوب غيرهم فيخذلونه
عند الحاجة.
وينبغي أن يستشير
بأصحاب الرأي من أصحابه ، للاية .
ويتخيّر لأصحابه
المنازل الجيّدة وموارد المياه ومواضع العشب.
__________________
ويحمل من نفقت دابّته إذا كان
فضل معه أو مع أتباعه.
ولو خاف رجل تلف
آخر لموت دابّته ، احتمل وجوب بذل فاضل مركوبه ليحيى به صاحبه ، كما يجب بذل فاضل
الطعام للمضطرّ ، وتخليصه من عدوّه.
ويجوز العقبة بأن
يكون الفرس الواحد لاثنين ، لما فيه من الإرفاق.
مسألة ٢٤ : قد بيّنا أنّه لا يخرج المخذّل وشبهه ، فإن نهاه الإمام عن الخروج فخرج ، لم
يستحق اجرة ولا رضخا ، لأنّه متّهم بموالاة أهل دينه ، وللإمام أن
يعزّره إذا رآه.
ولو لم يأمره ولا
نهاه ، لم يستحق رضخا عندنا ـ وهو أصحّ وجهي الشافعية ـ لأنّه ليس من
أهل الذبّ عن الدين ، بل هو متّهم بالخيانة.
والثاني : أنّه
يستحقّ ، لأنّه بالعهد المؤبّد صار من أهل الدار وأهل نصرتها .
وليس بشيء ، لأنّ
المخذّل أقوى منه في دفع التهمة عنه.
وليس له إخراج
نساء أهل الذمّة ولا ذراريهم ، لأنّه لا قتال فيهم ولا رأي ولا يتبرّك بدعائهم.
وللشافعي قولان .
فعلى الجواز هل له
أن يرضخ لهنّ؟ وجهان ، أحدهما : المنع .
__________________
وأخرج النبي 6 معه عبد الله بن
أبيّ مع ظهور التخذيل منه ، لأنّ النبي 6 كان يطّلع بالوحي على أفعاله فلا يتضرّر بكيده.
ولو قهر الإمام
جماعة من المسلمين على الخروج والجهاد معه ، لم يستحقّوا اجرة ، قاله بعض
الشافعيّة .
والوجه : أنّه إن
كان الجهاد تعيّن عليهم ، فلا اجرة لهم ، وإلاّ فلهم الأجرة من حين إخراجهم إلى أن يحضروا الوقعة
، والأقرب : إلى فراغ القتال.
وللإمام استئجار
عبيد المسلمين بإذن ساداتهم ، كالأحرار.
وللشافعيّة قولان
، هذا أحدهما . والثاني : أن يقال : إن جوّزنا استئجار الأحرار ، جاز
استئجار العبيد ، وإلاّ فوجهان مخرّجان مبنيّان على أنّه إذا وطئ الكفّار طرفا من
بلاد الإسلام هل يتعيّن الجهاد على العبيد؟ إن قلنا : نعم ، فهم من أهل فرض الجهاد
، فإذا وقفوا في الصفّ ، وقع عنهم ، وإلاّ جاز استئجارهم .
__________________
ولو أخرج العبيد
قهرا ، فإن كان مع الحاجة ، فلا اجرة ، وإلاّ لزمته الأجرة من يوم الإخراج إلى
العود إلى ساداتهم.
وللإمام أن يستعمل
الذمّي للجهاد بمال يبذله إمّا على وجه الإجارة أو الجعالة.
وللشافعيّة وجهان
، أحدهما : أنّه جعالة ، لجهالة أعمال القتال. وأصحّهما عندهم : الإجارة ، ولا
يضرّ جهالة الأعمال ، فإن المقصود القتال على ما يتّفق والمقاصد هي المرغّبة .
إذا عرفت هذا. فلا
حجر في قدر الأجرة ، بل يجوز بما يتراضيان عليه ـ وهو أصحّ وجهي الشافعيّة ـ كغيرها من
الإجارات.
والثاني : أنّه لا
يجوز أن يبلغ به سهم راجل ، لأنّه ليس من أهل فرض الجهاد ، فلا يعطى سهم راجل ،
كالمرأة.
وعلى هذا الوجه
يحكم بفسخ العقد والردّ إلى أجرة المثل إذا ظهر أنّ الأجرة أزيد من سهم من الغنيمة
، وإلاّ ففي الابتداء لا ندري قدر الغنيمة وسهم الراجل .
والأقرب : أنّ
لآحاد المسلمين استيجار الذمّي للجهاد.
وأصحّ وجهي
الشافعيّة : المنع ، لأنّ الآحاد لا يتولّون المصالح العامّة خصوصا والذمي مخالف
في الدين وقد يخون إذا حضر ، فليفوّض أمره إلى الإمام .
__________________
مسألة ٢٥ : لو أخرج الإمام أهل الذمّة ، فالأولى أن يعيّن لهم أجرة ، فإن ذكر شيئا
مجهولا ، مثل : نرضيكم ونعطيكم ما تستعينون به ، وجب اجرة المثل.
وإن أخرجهم قهرا ،
وجب اجرة المثل كالاستئجار في سائر الأعمال. ولو خرجوا باختيارهم ولم يسمّ لهم
شيئا ، فهو موضع الرضخ ، وسيأتي بيان محلّه.
وأما الأجرة
الواجبة سواء كانت مسمّاة أو اجرة المثل : فالأقرب خروجها من رأس مال الغنيمة ، إذ
لحضورهم أثر في تحصيل الغنيمة ، فيخرج منها ما يدفع إليهم ، كسائر المؤن ، وهو أحد
وجوه الشافعيّة .
والثاني
: أنّه من خمس الخمس
سهم المصالح ، لأنهم يحضرون للمصلحة لا أنّهم من أهل الجهاد .
والثالث
: أنّها تؤدّى من
أربعة أخماس الغنيمة ، لأنها تؤدّى بالقتال ، كسهام الغانمين .
ولو أخرجهم الإمام
قهرا ثمّ خلّى سبيلهم قبل أن يقفوا في الصف ، أو فرّوا ولم يقفوا ، فلا اجرة لهم
عن الذهاب وإن تعطّلت منافعهم في الرجوع ، لأنّه لا حبس هناك ولا استئجار.
__________________
ولو وقف المقهورون
على الخروج ولم يقاتلوا ، فالأقرب أنّ لهم اجرة الوقوف والحضور ، لأنّه كالقتال في
استحقاق سهم الغنيمة ، وكذا في استحقاق اجرة الجهاد ، وهو أحد وجهي الشافعيّة .
وأظهرهما عندهم :
المنع ، لأنّ الأجرة في مقابلة العمل ، والفائدة المقصودة لم تحصل .
ويحتمل أن يقال :
إن استؤجروا للقتال ، فلا اجرة ، وإلاّ فلهم.
البحث الثالث : في كيفيّة
القتال.
مسألة ٢٦ : الجهاد أمر كلّي من أعظم أركان الإسلام يحتاج فيه إلى المساعدة والاعتضاد
والاستعداد والفكر في الحيل وغيرها ، فيجب أن يكون أمره موكولا إلى نظر الإمام
واجتهاده ، ويجب على الرعايا طاعته والانقياد لقوله فيما يراه ، فيبدأ بترتيب قوم
على أطراف البلاد رجالا كفايا ليقوموا بإزاء من يليهم من المشركين ، وبعمل الحصون
والخنادق وجميع ما فيه حراسة المسلمين ، ويجعل في كلّ ناحية أميرا يقلّده أمر
الحروب وتدبير الجهاد ، ويكون ثقة مأمونا على المسلمين ذا رأي وتدبير في الحرب ،
وله شجاعة وقوّة وعقل ومكايدة.
ولو احتاجوا إلى
مدد ، استحبّ للإمام ترغيب الناس في المقام عندهم والتردّد إليهم كلّ وقت ،
ليأمنوا فساد الكفّار ويستغنوا عن طلب الجيوش.
فإن رأى الإمام
بالمسلمين قلّة يحتاج معها إلى المهادنة ، هادنهم ،
__________________
وإلاّ جاهدهم مع
القدرة في كلّ سنة مرّة ، وإن كان أكثر منه ، كان أفضل. ويبدأ بقتال الأقرب إلاّ
أن يكون الأبعد أشدّ خطرا فيبدأ به.
مسألة ٢٧ : إذا التقى الصفّان ، وجب الثبات وحرم الهرب.
قال الله تعالى ( يا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا
تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ ) وقال تعالى ( يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا ) .
وعدّ رسول الله 6 الفرار من الزحف
من الكبائر .
ويجوز الهرب في
أحوال ثلاثة :
الاولى : أن يزيد عدد
الكفّار على ضعف عدد المسلمين ، لقوله تعالى ( الْآنَ خَفَّفَ اللهُ
عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صابِرَةٌ
يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ ) .
وما رواه العامّة
عن ابن عباس ، قال : من فرّ من اثنين فقد فرّ ، ومن فر من ثلاثة فما فرّ .
ومن طريق الخاصّة
: قول الصادق 7 : « من فرّ من رجلين في القتال من الزحف فقد فرّ ، ومن فرّ
من ثلاثة في القتال من الزحف فلم يفرّ » .
__________________
ولو لم يزد عدد
المشركين على الضعف لكن غلب على ظنّ المسلمين الهلاك إن ثبتوا ، قيل : يجب الثبات
، لقوله تعالى ( إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً
فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ ) .
وقيل : يجوز ،
لقوله تعالى ( وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى
التَّهْلُكَةِ ) .
ولو غلب على ظنّه
الأسر ، فالأولى أن يقاتل حتى يقتل ، ولا يسلّم نفسه للأسر ، لئلاّ يعذّبه الكفّار
بالاستخدام.
ولو زاد المشركون
على ضعف المسلمين ، لم يجب الثبات إجماعا.
ولو غلب على ظنّ
المسلمين الظفر بهم ، استحب الثبات ولا يجب ، لأنهم لا يأمنون التلف.
ولو غلب على ظنّ
المسلمين العطب ، قيل : يجب الانصراف ، لقوله تعالى ( وَلا تُلْقُوا
بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ) .
وقيل : لا يجب ،
تحصيلا للشهادة .
وقيل : إن كان في
الثبات الهلاك المحض من غير نكاية فيهم ، لزم
__________________
الفرار ، وإن كان
في الثبات نكاية فيهم ، فوجهان .
ولو قصده رجل وظنّ
أنّه إن ثبت قتله ، وجب الهرب. ولو ظنّ الهلاك مع الثبات والانصراف ، فالأولى الثبات
، تحصيلا لثواب الصبر ، ولجواز الظفر ، لقوله تعالى ( كَمْ مِنْ فِئَةٍ
قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللهِ ) .
ولو انفرد اثنان
بواحد من المسلمين ، قيل : يجب الثبات .
وقيل : لا يجب ،
لأنّ وجوب الثبات مع تعدد المسلمين ، فيقوى قلب كلّ واحد منهم بصاحبه .
وقيل : إن طلباه ،
كان له الفرار ، لأنّه غير متأهّب للقتال ، وإن طلبهما ولم يطلباه ، لم يجز ، لأنّ
طلبهما والحمل عليهما شروع في الجهاد فلا يجوز الإعراض .
وفي جواز فرار
مائة بطل من المسلمين من مائتي بطل وواحد من ضعفاء الكفّار إشكال ينشأ : من مراعاة
العدد ، ومن المقاومة لو ثبتوا ، والعدد مراعى مع تقارب الأوصاف.
وللشافعيّة وجهان .
وكذا الإشكال في
عكسه ، وهو : فرار مائة من ضعفاء المسلمين من
__________________
مائة وتسعة وتسعين
من أبطال الكفّار ، فإن راعينا صورة العدد ، لم يجز ، وإلاّ جاز.
ويجوز للنساء
الفرار ، لأنّهنّ لسن من أهل فرض الجهاد ، وكذا الصبي والمجنون. ويأثم السكران.
ولو قصد الكفّار
بلدا فتحصّن أهله إلى تحصيل نجدة وقوّة ، لم يأثموا ، إنّما الإثم على من ولّى بعد
اللقاء.
الحالة الثانية : أن يترك لا بنيّة الهرب ، بل يتحرّف للقتال.
قال الله تعالى ( إِلاّ
مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ ) .
والمتحرّف للقتال
هو الذي ينصرف ليكمن في موضع ثمّ يهجم ، أو يكون في مضيق فيتحرّف حتى يتبعه العدوّ
إلى موضع واسع ليسهل القتال فيه ، أو يرى الصواب في التحوّل من الواسع إلى الضيق ،
أو لينحرف عن مقابلة الشمس أو الريح ، أو يرتفع عن هابط ، أو يمضي إلى موارد
المياه من المواضع المعطشة ، أو ليستند إلى جبل ، أو شبهه.
الحالة الثالثة : أن يتحيّز إلى فئة ، وهو الذي ينصرف على قصد أن يذهب إلى طائفة ليستنجد بها
في القتال.
ولا فرق بين أن
تكون الطائفة قليلة أو كثيرة ، للعموم ، ولا بين أن تكون المسافة قصيرة أو طويلة ،
وهو أحد وجهي الشافعيّة. والثاني : أنّه يجب أن تكون المسافة قصيرة ليتصور
الاستنجاد بها في هذا القتال وإتمامه .
وهل يجب عليه
تحقيق ما عزم عليه بالقتال مع الفئة التي تحيّز
__________________
إليها؟ للشافعيّة
وجهان :
أصحّهما عندهم :
لا ، لأنّ العزم عليه رخّص له [ في ] الانصراف ، فلا حجر عليه بعد ذلك ، والجهاد لا يجب قضاؤه ،
ولا فرق بين أن يخاف عجز المسلمين أو لا.
والثاني : نعم ،
لدلالة الآية على العزم على القتال ، والرخصة منوطة بالعزم ، ولا يمكن مخادعة الله
تعالى في العزم .
وقال بعض
الشافعيّة : إنّما يجوز التحيّز إلى فئة إذا استشعر المتحرّف عجزا محوجا إلى
الاستنجاد لضعف جند الإسلام ، فإن لم يكن كذلك ، فلا . والعموم يخالفه.
وقال بعضهم : لا
يجوز الانصراف من صفّ القتال إن كان فيه انكسار المسلمين ، فإن لم يكن ، جاز
التحيّز للمتحرّف للقتال والمتحيز إلى فئة .
إذا عرفت هذا ،
فالاستثناء إنّما هو حالة القدرة والتمكّن من القتال ، فينحصر الاستثناء فيهما ،
أمّا العاجز بمرض أو عدم سلاح فله أن ينصرف بكلّ حال.
ولو أمكنه الرمي
بالحجارة ، احتمل وجوب الثبات.
وللشافعيّة وجهان .
والمتحيّز إلى فئة
بعيدة لا يشارك الغانمين في غنيمة فارق قبل
__________________
اغتنامها ، ولو
فارق بعد غنيمة البعض ، شارك فيه دون الباقي.
أمّا لو تحيّز إلى
فئة قريبة ، فإنّه يشارك الغانمين في المغنوم بعد مفارقته ـ وهو أحد وجهي الشافعي ـ لأنّه لا يفوّت
نصرته والاستنجاد به ، فهو كالسريّة يشارك جند الإمام فيما يغنمون ، وإنّما يسقط
الانهزام الحقّ إذا اتّفق قبل القسمة ، أمّا إذا غنموا شيئا واقتسموه ثمّ انهزم
بعضهم ، لم يسترد منه ما أخذ.
مسألة ٢٨ : ينبغي للإمام أن يوصي الأمير المنفذ مع الجيش بتقوى الله تعالى والرفق
بالمسلمين.
قال الصادق 7 : « كان رسول
الله 6 إذا أراد أن يبعث سريّة دعاهم فأجلسهم بين يديه ، ثمّ يقول : سيروا بسم الله
وبالله وفي سبيل الله وعلى ملّة رسول الله 6 لا تغلّوا ولا تمثلوا ولا تغدروا ولا تقتلوا شيخا فانيا
ولا صبيّا ولا امرأة ، ولا تقطعوا شجرا إلاّ أن تضطرّوا إليها ، وأيّما رجل من
أدنى المسلمين وأفضلهم نظر إلى رجل من المشركين فهو جار حتى يسمع كلام الله ، فإن
تبعكم فأخوكم في دينكم ، وإن أبى فأبلغوه مأمنه ، ثمّ استعينوا بالله عليه » .
وينبغي أن يوصيه
بأن لا يحملهم على مهلكة ولا يكلّفهم نقب حصن يخاف من سقوطه عليهم ولا دخول مطمورة
يخشى من موتهم تحتها ، فإن فعل شيئا من ذلك ، فقد أساء ، وليستغفر الله تعالى.
ولا يجب عليه عقل
ولا دية ولا كفّارة إذا أصيب واحد منهم بطاعته ، لأنّه فعله باختياره ومعرفته ،
فلا يكون ضامنا.
__________________
مسألة ٢٩ : لا يجوز قتل صبيان الكفّار ونسائهم إذا لم يقاتلوا ، لأنّ النبي 6 نهى عن قتل
النساء والصبيان .
والمجنون كالصبي ،
والخنثى المشكل كالمرأة. فإن قاتلوا ، جاز قتلهم مع الضرورة لا بدونها.
ولو أسر منهم
مراهق وجهل بلوغه ، كشف عن مؤتزره ، فإن لم ينبت ، فحكمه حكم الصبيان ، وإن أنبت ،
حكم ببلوغه ، وبه قال الشافعي ، خلافا لأبي حنيفة .
وهل هو بلوغ أو
دليل؟ الأقرب : الثاني. وللشافعي وجهان .
ولو قال الأسير :
استعجلت الشعر بالدواء ، بني على القولين ، فإن قلنا : إنّه عين البلوغ ، فلا عبرة
بما يقوله ، وهو بالغ ، وإن قلنا : إنّه دليل ـ وهو الأظهر ـ صدّق بيمينه ويحكم بالصّغر.
وفي اليمين إشكال
، لأنّ تحليف من يدّعي الصّغر بعيد.
وقال بعض
الشافعيّة : إنّ اليمين استظهار واحتياط لا أنّها واجبة .
وقال الباقون : لا
بدّ من اليمين ، لأنّ الدليل الظاهر قائم ، فلا يترك بمجرّد قول المأسور .
والاعتماد من شعر
العانة على الخشن دون الضعيف الذي لا يحوج
__________________
إلى الحلق.
ويحتمل عندي أنّ
شعر الإبط الخشن والوجه يلحقان بشعر العانة.
ونبات الشارب
كاللحية ، ولا أثر لاخضرار الشارب.
مسألة ٣٠ : الشيخ من المحاربين إن كان ذا رأي وقتال ، جاز قتله إجماعا. وكذا إن كان فيه
قتال ولا رأي له ، أو كان له رأي ولا قتال فيه ، لأن دريد [ بن ] الصمّة قتل يوم
حنين ، وكان له مائة وخمسون سنة ، وكان له معرفة بالحرب ، وكان المشركون يحملونه
معهم في قفص حديد ليعرّفهم كيفيّة القتال ، فقتله المسلمون ، ولم ينكر عليهم النبي
6 .
وإن لم يكن له رأي
ولا قتال ، لم يجز قتله عندنا ـ وبه قال أبو حنيفة ومالك والثوري والليث والأوزاعي
وأبو ثور ـ لما رواه العامّة عن النبي 6 ، قال : « لا تقتلوا شيخا فانيا » .
ومن طريق الخاصّة
: قول الصادق 7 : « .. ولا تقتلوا شيخا فانيا ولا صبيّا ولا امرأة » .
ولأنّه لا ضرر فيه
من حيث المخاصمة ومن حيث المشورة ، فأشبه
__________________
المرأة وقد أشار
النبي 6 إلى هذه العلّة فقال : « ما بالها قتلت وهي لا تقاتل » .
وقال أحمد : يقتل.
وبه قال المزني ـ وللشافعي قولان ـ لعموم قوله تعالى ( فَاقْتُلُوا
الْمُشْرِكِينَ ) .
وهو مخصوص بالصبي
والمرأة إجماعا فكذا بالفاني.
مسألة ٣١ : الرهبان وأصحاب الصوامع يقتلون إن كان لهم قوّة أو رأي أو كانوا شبّانا.
وللشافعي قولان ـ وفي
معناهم العميان والزمنى ومقطوعي الأيدي والأرجل ـ أحدهما : الجواز ، كما قلناه ـ وبه
قال أحمد والمزني وأبو إسحاق ـ للعموم .
والثاني : أنّه لا
يجوز قتلهم ـ وبه قال أبو حنيفة ومالك ـ لما روي أنّه 7 قال : « لا تقتلوا النساء ولا أصحاب الصوامع » .
__________________
ولا فرق بين أن
يحضر ذو الرأي من الشيوخ والرهبان في صفّ القتال أو لا يحضر في جواز قتله ، ولا
بين أن نجده في بلاده وغازيا في جواز قتله.
وللشافعي قولان في
أرباب الحرف والصناعات ، أقواهما : جواز قتلهم ، لأنّ أكثر الناس أصحاب حرف
وصناعات .
وأمّا الزمنى
والعميان والمعرضون عن القتال كالرهبان : فالأقوى عنده ترك قتله .
وفي السوقة
للشافعيّة طريقان :
أحدهما : أنّ فيهم
قولين ، لأنّهم لا يمارسون القتال ، ولا يتعاطون الأسلحة.
والثاني : أنّهم
يقتلون ، لقدرتهم على القتال.
وفرّعوا على
القولين : فإن جوّزوا قتلهم ، جوّزوا استرقاقهم وسبي نسائهم وذراريهم واغتنام
أموالهم ، وإن منعوه ، ففي استرقاقهم طرق ، أظهرها : أنّهم يرقون بنفس الأسر ،
كالنساء والصبيان.
والثاني : أن فيهم
قولين كالأسير إذا أسلم قبل الاسترقاق ، ففي قول : لا يسترق . وفي آخر :
يتخيّر الإمام بين الاسترقاق والمنّ والفداء.
والثالث : أنّه لا
يجوز استرقاقهم بل يتركون ولا يتعرّض لهم .
ولو ترهّبت المرأة
، ففي جواز سبيها عندهم وجهان بناء على القولين
__________________
في جواز قتل
الراهب .
ولا يقتل رسول
الكافر.
روى العامّة عن
ابن مسعود : أنّ رجلين أتيا النبي 6 رسولين لمسيلمة ، فقال لهما : « اشهدا أنّي رسول الله »
فقالا : نشهد أنّ مسيلمة رسول الله ، فقال النبي 6 : « لو كنت قاتلا رسولا لضربت عنقكما » .
والفلاّح يقتل ،
عندنا ، للعموم ، لأنّه يطلب منه الإسلام ، وبه قال الشافعي ، خلافا لأحمد .
مسألة ٣٢ : إذا نزل الإمام على بلد ، جاز له محاصرته بمنع السابلة دخولا وخروجا
ومحاصرتهم في القلاع والحصون وتشديد الأمر عليهم ، لقوله تعالى (
وَاحْصُرُوهُمْ ) .
وحاصر رسول الله 6 أهل الطائف شهرا .
ولأنّهم ربما
رغبوا في الإسلام وعرفوا محاسنه.
وكذا يجوز نصب
المناجيق على قلاعهم ورمي الأحجار وهدم الحيطان وإن كان فيهم النساء والصبيان ،
لأنّ النبي 6 نصب على أهل الطائف منجنيقا وكان فيهم نساء وصبيان. رواه العامّة .
__________________
ومن طريق الخاصّة
: رواية حفص بن غياث ، قال : كتب إليّ بعض إخواني أن أسأل أبا عبد الله 7 عن مدينة من
مدائن الحرب هل يجوز أن يرسل عليهم الماء أو يحرقون بالنيران أو يرمون بالمنجنيق
حتى يقتلوا وفيهم النساء والصبيان والشيخ الكبير والأسارى من المسلمين والتجّار؟ فقال
: « يفعل ذلك ، ولا يمسك عنهم لهؤلاء ، ولا دية عليهم ولا كفّارة » .
ولأنّه في محلّ
الضرورة فكان سائغا.
ونهي النبي 6 عن قتل النساء
والصبيان مصروف إلى قتلهم صبرا ، لأنّه 7 رماهم بالمنجنيق
في الطائف .
ويجوز تخريب
حصونهم وبيوتهم ، لأنّ النبي 6 خرّب حصون بني النضير وخيبر وهدم ديارهم .
مسألة ٣٣ : يجوز قتل المشركين كيف اتّفق ، كإلقاء النار إليهم وقذفهم بها ورميهم بالنفط
مع الحاجة ، عند أكثر العلماء ـ خلافا لبعضهم ـ لأنّ أبا بكر أمر بتحريق أهل الردّة ،
وفعله خالد بن الوليد بأمره .
ومن طريق الخاصّة
: قول الصادق 7 : « يفعل ذلك » لمّا سئل عن
__________________
إحراقهم بالنار .
وهل يجوز مع عدم
الحاجة؟ ظاهر كلام الشيخ ـ ; ـ يقتضيه ، لأنّه
سبب في هلاكهم ، كالقتل بالسيف.
ومنع بعض العامّة منه ،
لما رواه حمزة الأسلمي أنّ رسول الله 6 أمّره على سريّة ، قال : فخرجت فيها ، فقال : « إن أخذتم
فلانا فأحرقوه بالنار » فوليت ، فناداني ، فرجعت ، فقال : « إن أخذتم فلانا
فاقتلوه ولا تحرقوه ، فإنّه لا يعذّب بالنار إلاّ ربّ النار » .
وهو غير محلّ
النزاع ، لأنّه لا يجوز قتل الأسير بغير السيف.
وكذا يجوز تغريقهم
بإرسال الماء إليهم وفتح البثوق عليهم لكن يكره مع القدرة عليهم بغيره.
وهل يجوز إلقاء
السمّ في بلادهم؟ منع الشيخ منه ، لأنّ النبي 6 نهى أن يلقى السمّ في بلاد المشركين .
والأقوى : الجواز
: ويحمل النهي على الكراهة.
وبالجملة ، يجوز
قتالهم بجميع أسباب القتل ، كرمي الحيّات القواتل والعقارب وكلّ ما فيه ضرر.
__________________
مسألة ٣٤ : يكره تبييت العدوّ غارّين ليلا ، وإنّما يلاقون بالنهار ، ولو احتيج إليه فعل
، لما روى العامّة عن النبي 6 كان إذا طرق العدوّ ليلا لم يغر حتى يصبح .
ومن طريق الخاصّة
: قول الصادق 7 : « ما بيّت رسول الله 6 عدوّا قطّ ليلا » .
إذا عرفت هذا ،
فيستحبّ أن يكون القتال بعد الزوال ، لأنّه ربما يحضر وقت صلاة الظهر فلا يمكنهم
أداؤها ، بخلاف العشاءين ، لأنّهم يمتنعون عن القتال بدخول الليل.
قال الصادق 7 : « كان علي 7 لا يقاتل حتى
تزول الشمس » .
ويكره قطع الشجر
والنخل. ولو احتاج إليه ، جاز في قول عامّة العلماء ـ خلافا لأحمد ـ لقوله تعالى ( ما قَطَعْتُمْ مِنْ
لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوها قائِمَةً عَلى أُصُولِها فَبِإِذْنِ اللهِ ) قال ابن عباس :
اللينة : النخلة غير الجعرور .
وما رواه العامّة
: أنّ النبي 6 قطع الشجر بالطائف ونخلهم ، وقطع
__________________
النخل بخيبر ،
وقطع شجر بني المصطلق وأحرق .
وأمّا الكراهة :
فلقول الصادق 7 ـ في الحسن ـ : « كان رسول الله 6 يقول : لا تقطعوا
شجرا إلاّ أن تضطرّوا إليها » .
ولو غلب على الظنّ
حصوله للمسلمين ، كره قطعه. وللشافعي قولان .
ولو فتحها قهرا ،
لم يجز القطع والتخريب ، لأنّها صارت غنيمة للمسلمين. وكذا لا يجوز لو فتحت صلحا
على أن يكون لنا أو لهم.
ولو غنمنا أموالهم
وخفنا لحوقهم واستردادهم ، جاز هلاكها.
ويجوز قتل دوابّهم
حالة الحرب ، لما فيه من التوصّل إلى قتلهم وهربهم ، ولأنّه يجوز قتل الصبيان
والنساء وأسارى المسلمين لو تترّسوا بهم فالدوابّ أولى ، أمّا في غير حال الحرب
فلا ينبغي ـ وبه قال الأوزاعي والليث والشافعي وأبو ثور ـ لما رواه
العامّة عن النبي 6 أنّه نهى عن قتل شيء من الدوابّ صبرا .
ومن طريق الخاصّة
: قول الصادق 7 في وصيّة النبي 6 : « ولا تعقروا البهائم ما يؤكل لحمه إلاّ ما لا بدّ لكم
من أكله » .
__________________
ولأنّه حيوان ذو
حرمة ، فلا يجوز قتله لمغايظة الكفّار ، كالنساء والصبيان.
ويجوز عقر الدوابّ للأكل مع
الحاجة إن كان لا يتّخذ إلاّ للأكل ، كالدجاج والحمام إجماعا. ولو كان يحتاج إليه
للقتال كالخيل ، فكذا مع الحاجة ، خلافا لبعض العامّة .
ولو أذن الإمام في
ذبحها ، جاز إجماعا.
ولو عجز المسلمون
عن سوقه وأخذه ، جاز ذبحه للانتفاع به مع الحاجة وعدمها.
ولو غنم المسلمون
خيل الكفّار ثمّ لحقوا بهم وخافوا استرجاعها ، لم يجز قتلها ولا عقرها ، لما تقدّم
، أمّا لو خافوا حصول قوّة لهم علينا ، جاز عقرها.
وقال أبو حنيفة
ومالك : يجوز إتلاف الخيول بكلّ حال مغايظة للكفّار .
مسألة ٣٥ : لو تترّس الكفّار بنسائهم وصبيانهم ، فإن دعت الضرورة إلى الرمي بأن كانت
الحرب ملتحمة وخيف لو تركوا لغلبوا ، جاز قتالهم ، ولا يقصد قتل الترس ولا يكفّ
عنهم لأجل التّرس.
ولقول الصادق 7 : « ولا يمسك
عنهم لهؤلاء » لمّا سئل عن قتلهم وفيهم النساء والصبيان والشيخ الكبير والأسارى من
المسلمين .
__________________
ولأنّ ترك التّرس
يؤدّي إلى تعطيل الجهاد ، ولئلاّ يتّخذوا ذلك ذريعة إليه.
وإن لم تكن
الضرورة داعية إلى قتلهم بأن كانوا يدفعون بهم عن أنفسهم ولم تكن الحرب ملتحمة
وكان المشركون في حصن متحصّنين أو كانوا من وراء خندق كافّين عن القتال ، فالأقرب
: كراهية قتلهم ، للنهي عن قتل النساء والصبيان ، ونحن في غنية عن قتلهم ، وهو أحد
قولي الشافعي .
والثاني : المنع ،
للنهي .
وليس بجيّد ،
لأنّه يجوز نصب المنجنيق على القلعة وإن كان يصيبهم.
ولو تترّسوا بهم
وهم في القلعة ، فكذلك. وللشافعي قولان .
أمّا لو تترّسوا
بمسلم ، فإن لم تكن الحرب قائمة ، لم يجز الرمي ، وكذا لو أمكنت القدرة عليهم بدون
الرمي أو أمن شرّهم ، فلو خالفوا ورموا ، كان الحكم فيه كالحكم في غير هذا المكان
: إن كان القتل عمدا ، وجب القود والكفّارة على قاتله ، وإن كان خطأ ، فالدية على
عاقلته والكفّارة عليه.
ولو كان حال
التحام الحرب ، جاز رميهم ، ويقصد بالرمي المشركين لا المسلمين ، للضرورة إلى ذلك
بأن يخاف منهم لو تركوا. ولو لم يخف
__________________
منهم لكن لا يقدر
عليهم إلاّ بالرمي ، فالأولى الجواز أيضا ـ وبه قال الشافعي ـ لأنّ تركهم
يفضي إلى تعطيل الجهاد.
وللشافعي قول آخر
: إنّه لا يجوز قتلهم إذا لم يمكن ضرب الكفّار إلاّ بضرب المسلم ، سواء خفنا منهم
أو لم نخف ، لأنّ غاية ما فيه أنّا نخاف على أنفسنا ، ودم المسلم لا يباح بالخوف ،
كما في صورة الإكراه .
وقال الليث
والأوزاعي : لا يجوز رميهم مع عدم الخوف ، لقوله تعالى ( وَلَوْ لا
رِجالٌ مُؤْمِنُونَ ) .
قال الليث : ترك
فتح حصن يقدر على فتحه أفضل من قتل مسلم بغير حقّ .
وفرّق بعض
الشافعيّة بين التترّس بمسلم واحد وبين التترّس بطائفة من المسلمين ، لأنه يتساهل
في أشخاص من الأسارى ، بخلاف الكلّيّات .
فروع :
أ ـ لو رمى فأصاب
مسلما ولم يعلم أنّه مسلم والحرب قائمة ، فلا دية ، لأنّه مأمور بالرمي ، فلا
يجامع العقوبة. ولأنّه يؤدّي إلى بطلان الجهاد ،
__________________
لجواز أن يكون كلّ
واحد يقصده مسلما فيمتنع من الرمي.
ب ـ لو علمه مسلما
ورمى قاصدا للمشركين ولم يمكنه التوقّي فأصابه وقتله ، فلا قود عليه إجماعا ، لأنّ
القصاص مع تجويز الرمي متنافيان. ولأنّه لم يقصده ، ولا تجب الدية أيضا عندنا ـ وهو
أحد قولي الشافعي وقول أبي حنيفة وإحدى الروايتين عن أحمد ـ لقوله تعالى : ( فَإِنْ
كانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ
) ولم يذكر الدية ، فلا تكون واجبة.
والثاني للشافعي
وأحمد : تجب الدية ، لقوله تعالى ( وَمَنْ قَتَلَ
مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى
أَهْلِهِ ) .
وآيتنا أخصّ
فتقدّم.
وأمّا الكفّارة :
فالحقّ وجوبها ، لقوله تعالى ( فَإِنْ كانَ مِنْ
قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ ) وهو قول الشافعي
وأحمد .
وقال أبو حنيفة :
لا تجب الكفّارة ، لأنّه كمباح الدم .
ونمنع القياس
خصوصا مع معارضة الكتاب.
وللشافعي قول آخر
: إنّه إن علمه مسلما ، لزمته الدية وإلاّ فلا ،
__________________
والفرق أنّه إذا
علم إسلامه ، أمكنه التوقّي عنه والرمي إلى غيره فغلظ عليه .
وقال بعض أصحابه :
إن قصده بعينه ، لزمته الدية ، سواء علمه مسلما أو لا ، وإن لم يقصده بعينه بل رمى
إلى الصفّ ، لم تلزم .
وقال بعض
الشافعيّة : إن علم أنّ هناك مسلما ، وجبت الدية ، سواء قصده بعينه أو لم يقصده ،
وإن لم يعلم ، فقولان .
وعن أبي حنيفة :
لا دية ولا كفّارة .
ج ـ قالت
الشافعيّة : إن قلنا : لا يجوز الرمي فرمى فقتل ، ففي وجوب القصاص طريقان :
أحدهما : أنّه على
قولين ، كالمكره إذا قتل.
والثاني : القطع
بالوجوب ، كالمضطرّ إذا قتل إنسانا وأكله. ويفارق المكره بأنّه ملجأ إلى القتل ،
وهنا بخلافه ، ولأنّ هناك من يحال عليه وهو المكره ، وليس ها هنا غيره .
د ـ لو تترّس
الكفّار بذمّي أو مستأمن أو عبد ، فالحكم في جواز الرمي والدية والكفّارة على ما
تقدّم ، لكنّ الواجب في العبد القيمة لا الدية.
وقال بعض
الشافعيّة : لو تترّس كافر بترس مسلم أو ركب فرسه
__________________
فرمى إليه مسلم فأتلفه
، فإن كان في غير التحام القتال ، فعليه الضمان ، وإن كان في حال الالتحام ، فإن
أمكنه أن لا يصيب الترس والفرس فأصابه ، ضمن ، وإن لم يمكنه الدفع إلاّ بإصابته ،
فإن جعلناه كالمكره ، لم يضمن ، لأنّ المكره في المال يكون طريقا في الضمان ، وهنا
لا ضمان على الحربي حتى يجعل المسلم طريقا ، وإن جعلناه مختارا ، لزمه الضمان .
مسألة ٣٦ : إذا حاصر الإمام حصنا ، لم يكن له الانصراف إلاّ بأحد أمور خمسة :
الأوّل
: أن يسلموا
فيحرزوا بالإسلام دماءهم وأموالهم.
قال رسول الله 6 : « أمرت أن
أقاتل الناس حتى يقولوا : لا إله إلاّ الله ، فإذا قالوها عصموا دماءهم وأموالهم
إلاّ بحقّها » .
الثاني
: أن يبذلوا مالا
على الترك ، فإن كان جزية وهم من أهلها ، قبلت منهم ، وإن لم تكن جزية بل كانوا
حربيّين ، قبل مع المصلحة ، وإلاّ فلا.
الثالث
: أن يفتحه ويملكه
ويقهرهم عليه.
الرابع
: أن يرى من
المصلحة الانصراف إمّا بتضرّر المسلمين بالإقامة أو بحصول اليأس منه ، كما روي أنّ
النبي 7 حاصر أهل الطائف فلم ينل منهم شيئا ، فقال 7 : « إنّا قافلون إن شاء الله غدا » فقال المسلمون : أنرجع
ولم نفتحه؟ فقال 7 : « اغدوا على القتال » فغدوا عليه فأصابهم الجراح ، فقال
__________________
لهم رسول الله 6 : « إنّا قافلون غدا » فأعجبهم ، فقفل (١) رسول الله 6 .
الخامس
: أن ينزلوا على
حكم حاكم فيجوز ،
لأنّ النبي 6 لمّا حاصر بني
قريظة رضوا بأن ينزلوا على حكم سعد بن معاذ ، فأجابهم 7 إلى ذلك .
مسألة ٣٧ : لا يجوز التمثيل بالكفّار ولا الغدر بهم ولا الغلول منهم ، لقول النبي 6 في حديث الصادق 7 : « لا تغلّوا
ولا تمثلوا ولا تغدروا » .
مسألة ٣٨ : المبارزة مشروعة غير مكروهة ، عند عامّة العلماء ـ إلاّ الحسن
البصري ، فإنّه لم يعرفها وكرهها ـ لأنّ العامّة رووا أنّ عليّا 7 بارز يوم خيبر
فقتل مرحبا ، وبارز عمرو بن عبد ودّ يوم الخندق فقتله ، وبارز عليّ 7 وحمزة وعبيدة بن
الحارث يوم بدر بإذن النبي 7 ، ولم يزل أصحاب رسول الله 6 يبارزون في عصر النبي 7 وبعده ولم ينكره أحد ، فكان إجماعا.
ومن طريق الخاصّة
: قول الصادق 7 : « دعا رجل بعض بني هاشم إلى البراز ، فأبى أن يبارزه ،
فقال له أمير المؤمنين 7 : ما منعك أن تبارزه؟ فقال : كان فارس العرب وخشيت أن
يقتلني ، فقال له أمير
__________________
المؤمنين 7 : فإنّه بغى عليك
ولو بارزته لقتلته ، ولو بغى جبل على جبل لهدّ الباغي » .
مسألة ٣٩ : ينبغي للمسلم أن لا يطلب المبارزة إلاّ بإذن الإمام إذا أمكن ـ وبه قال
الثوري وإسحاق وأحمد ـ لأنّ الإمام أعرف بفرسانه وفرسان المشركين ومن يصلح
للمبارزة ومن لا يصلح ومن يكون قرنا للكافر ومن لا يكون ، فربما تضرّر المسلمون.
بكسر قلوبهم عند عجز صاحبهم ، فينبغي تفويضه إلى الإمام ليختار للمبارزة من يرتضيه
لها ، فيكون أحفظ لقلوب المسلمين وكسر قلوب الكفّار.
ولأنّ عليّا 7 وحمزة وعبيدة
استأذنوا النبي 7 يوم بدر ، رواه العامّة .
ومن طريق الخاصّة
: أنّ أمير المؤمنين 7 سئل عن المبارزة بين الصفّين بغير إذن الإمام ، قال : « لا
بأس بذلك ، ولكن لا يطلب ذلك إلاّ بإذن الإمام » .
ورخّص فيها مطلقا
من غير إذن الإمام مالك والشافعي وابن المنذر ، لأنّ أبا قتادة قال : بارزت رجلا
يوم خيبر فقتلته. ولم يعلم أنّه استأذن النبي 7 .
__________________
وهي حكاية حال لا
عموم لها. ولاحتمال أن يكون المشرك سأل المبارزة ، لا أنّ أبا قتادة طلبها.
ويؤيّده : قول
الصادق 7 : « إنّ الحسن بن علي 8 دعا رجلا إلى المبارزة ، فعلم أمير المؤمنين 7 ، فقال له : لئن
عدت إلى مثلها لأعاقبنّك ، ولئن دعاك أحد إلى مثلها فلم تجبه لأعاقبنّك ، أما علمت
أنّه بغى » .
وقد ظهر من هذا أن
طلب المبارزة ممنوع منه بغير إذن الإمام ، وفعلها سائغ من دون إذنه.
مسألة ٤٠ : إذا خرج علج يطلب البراز ، استحبّ لمن فيه قوّة ( أن يبارزه ) بإذن الإمام ،
وينبغي للإمام أن يأذن له في ذلك ، لأنّ في تركه ضعف قلوب المسلمين واجتراء
المشركين ، وفي الخروج ردّ عن المسلمين وإظهار قوّتهم وشجاعتهم.
فانقسمت أربعة أقسام :
الأوّل : أن تكون
واجبة ، وهي ما إذا ألزم الإمام بها.
الثاني : أن تكون
مستحبّة ، وهي أن يخرج ( رجل من المشركين ) فيطلب المبارزة ، فيستحبّ ( لمن فيه قوّة ) من المسلمين
الخروج إليه.
الثالث : أن تكون
مكروهة ، وهي أن يخرج الضعيف من المسلمين
__________________
الذي لا يعلم من
نفسه المقاومة.
الرابع
: أن تكون مباحة ، وهي
أن يخرج ابتداء فيبارز.
مسألة ٤١ : إذا خرج المشرك وطلب المبارزة ، جاز لكلّ أحد رميه وقتله ، لأنّه مشرك لا
أمان له ولا عهد إلاّ أن تكون العادة بينهم جارية أن من خرج يطلب المبارزة لا
يتعرّض له ، فيجري مجرى الشرط ، فإن خرج إليه أحد يبارزه بشرط أن لا يعينه عليه
سواه ، وجب الوفاء له بالشرط ، لقوله 7 : « المؤمنون عند شروطهم » .
فإن انهزم المسلم
تاركا للقتال أو مثخنا بالجراح ، جاز قتاله ، لأنّ المسلم إذا صار إلى هذه الحالة
فقد انقضى القتال ، والمشرك شرط الأمان ما دام في القتال وقد زال.
ولو شرط المشرك أن
لا يقاتل حتى يرجع إلى صفّه ، وجب الوفاء له إلاّ أن يترك المسلم قتاله أو يثخنه
بالجراح فيرجع فيتبعه فيقتله ، أو يخشى عليه منه فيمنع ويدفع عن المسلم ويقاتل إن
امتنع من الكفّ عنه إلاّ بالقتال ، لأنّه نقض الشرط وأبطل أمانه بمنعهم من تخليصه.
ولو أعان المشركون
صاحبهم ، كان على المسلمين إعانة صاحبهم ، ويقاتلون من أعان عليه ، ولا يقاتلونه ،
لأنّ النقض ليس من جهته.
وإن كان قد شرط أن
لا يقاتله غير مبارزه ، وجب الوفاء له. فإن استنجد أصحابه فأعانوه ، فقد نقض أمانه
، ويقاتل معهم. ولو منعهم فلم يمتنعوا ، فأمانه باق ، فلا يجوز قتاله ولكن يقاتل
أصحابه.
هذا إذا أعانوه
بغير قوله ، ولو سكت ولم ينههم عن إعانته ، فقد
__________________
نقض أمانه ، لأنّ
سكوته يدلّ على الرضى بذلك ، أمّا لو استنجدهم ، فإنّه يجوز قتاله مطلقا.
ولو طلب المشرك
المبارزة ولم يشترط ، جاز معونة قرنه. ولو شرط أن لا يقاتله غيره ، وجب الوفاء
له. فإن فرّ المسلم وطلبه الحربي ، جاز دفعه ، سواء فرّ المسلم مختارا أو لإثخانه
بالجراح.
ويجوز لهم معاونة
المسلم مع إثخانه.
وقال الأوزاعي :
ليس لهم ذلك .
وهو غلط ، لأنّ
عليّا 7 وحمزة أعانا عبيدة بن الحارث على قتل شيبة بن ربيعة حين أثخن عبيدة .
ولو لم يطلبه
المشرك ، لم تجز محاربته ، لأنّه لم ينقض شرطا.
وقيل : يجوز قتاله
ما لم يشترط الأمان حتى يعود إلى فئته .
مسألة ٤٢ : تجوز المخادعة في الحرب وأن يخدع المبارز قرنه ليتوصّل بذلك إلى قتله إجماعا.
روى العامّة أنّ
عمرو بن عبد ودّ بارز عليّا 7 ، فقال : ما أحبّ ذلك يا بن أخي ، فقال علي 7 : « لكنّي أحبّ
أن أقتلك » فغضب عمرو وأقبل إليه ، فقال علي 7 : « ما برزت لأقاتل اثنين » فالتفت عمرو ، فوثب علي 7 فضربه ، فقال
عمرو : خدعتني ، فقال علي 7 : « الحرب خدعة » .
__________________
ومن طريق الخاصّة
: قول الباقر 7 : « إنّ عليّا 7 كان يقول : لئن تخطفني الطير أحبّ إليّ من أن أقول على
رسول الله 6 ما لم يقل ، سمعت رسول الله 6 يقول : الحرب خدعة » .
مسألة ٤٣ : يكره تبييت العدوّ ليلا ،
وإنّما يلاقون بالنهار ، إلاّ مع الحاجة إلى التبييت فيبيّتهم.
ويستحبّ أن يلاقوا
بالنهار ، ويبدأ بالقتال بعد الزوال ، ويكره قبله إلاّ مع الحاجة.
ويكره أن يعرقب
الدابّة ، وإن وقفت به ، ذبحها ولا يعرقبها.
وأمّا نقل رءوس
المشركين إلى بلاد الإسلام : فإن اشتمل على نكاية في الكفّار ، لم يكن مكروها.
وكذا إن أريد معرفة المسلمين بموته ، فإنّ أبا جهل لمّا قتل حمل رأسه . وإن لم يكن كذلك
، كان مكروها ، لأنّه لم ينقل إلى رسول الله 6 رأس كافر قطّ.
وللشافعي وجهان :
الكراهة وعدمها .
__________________
الفصل الثالث
في الأمان
وفيه مباحث :
الأوّل : في تعريفه وتسويغه.
عقد الأمان ترك
القتال إجابة لسؤال الكفّار بالإمهال ، وهو جائز إجماعا.
قال الله تعالى ( وَإِنْ
أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ حَتّى يَسْمَعَ كَلامَ اللهِ
ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ) .
وروى العامّة :
أنّ النبي 6 أمّن المشركين يوم الحديبيّة ، وعقد معهم الصلح .
ومن طريق الخاصّة
: ما رواه السكوني عن الصادق 7 ، قال : قلت : ما معنى قول النبي 6 : « يسعى بذمّتهم
أدناهم »؟ قال « لو أنّ جيشا من المسلمين حاصروا قوما من المشركين
فأشرب رجل فقال : أعطوني الأمان حتى ألقى صاحبكم فأناظره ، فأعطاه الأمان
أدناهم ، وجب على أفضلهم الوفاء به » .
__________________
ولا خلاف بين
المسلمين في ذلك.
مسألة ٤٤ : إنّما يجوز عقد الأمان مع اعتبار المصلحة ، فلو اقتضت المصلحة ترك الأمان وأن
لا يجابوا إليه ، لم يفعل ، لأنّه مصلحة في بعض الأحوال ومكيدة من مكايد القتال في
المبارزة ، فإذا لم تكن مصلحة ، لم يجز فعله ، وسواء في ذلك عقد الأمان لمشرك واحد
أو لجماعة كثيرة ، فإنّه جائز مع المصلحة إجماعا.
ومن طلب الأمان من
الكفّار ليسمع كلام الله ويعرف شرائع الإسلام ، وجب أن يعطى أمانا ثم يردّ إلى
مأمنه ، للآية .
ويجوز أن يعقد
الأمان لرسول المشركين وللمستأمن ، لأنّ النبي 6 كان يؤمن رسل المشركين . ولأنّ الحاجة تدعو إلى المراسلة ، ولو قتلوا رسلهم لقتلوا
رسلنا فتفوت المصلحة.
ولا تقدّر مدّة
العقد لهما بقدر ، بل يجوز مطلقا ومقيّدا بزمان طويل أو قصير نظرا إلى المصلحة.
البحث الثاني : في العاقد.
مسألة ٤٥ : يجوز للإمام عقد الصلح إجماعا ، لأنّ أمور الحرب موكولة إليه كما كانت موكولة
إلى رسول الله 6 ، فإن رأى المصلحة في عقده لواحد ، فعل ، وكذا لأهل حصن أو
قرية أو بلد أو إقليم ولجميع الكفّار بحسب المصلحة ، لعموم ولايته ، ولا نعلم فيه
خلافا.
__________________
وأمّا نائبه : فإن
كانت ولايته عامّة ، كان له ذلك أيضا ، وإن لم تكن عامّة ، جاز عقد أمانه لجميع من
في ولايته ولآحادهم ، وأمّا غير ولايته : فحكمه حكم آحاد الرعايا.
وأمّا آحاد الرعية
: فيصحّ أمان الواحد منهم للواحد من المشركين وللعدد اليسير ، كالعشرة والقافلة
القليلة والحصن الصغير ، لعموم قوله 7 : « ويسعى بذمّتهم أدناهم » .
ولقول الصادق 7 : « إنّ عليّا 7 أجاز أمان عبد
مملوك لأهل حصن ، وقال : هو من المؤمنين » .
ولأنّ علّة تسويغه
للواحد ـ وهو استمالته إلى الإسلام مع الأمن منه ـ موجود في العدد اليسير.
أمّا العدد الكثير
من المشركين فإنّه موكول إلى الإمام خاصّة ، لأنّ في تسويغه للواحد من المسلمين
تعطيلا للجهاد على الإمام وتقوية للكفّار.
مسألة ٤٦ : يصحّ عقد الأمان من الحرّ والعبد المأذون له في الجهاد وغير المأذون ، عند
علمائنا أجمع ـ وبه قال أكثر العلماء والثوري والأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق ،
وهو مروي عن علي 7 ، وعن عمر ـ لما رواه العامّة عن النبي 6 أنّه قال : « ذمّة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم
__________________
فمن أخفر مسلما فعليه لعنة
الله والملائكة والناس أجمعين ، لا يقبل منه صرف ولا عدل » .
ومن طريق الخاصّة
: قول الصادق 7 : « إنّ عليّا 7 أجاز أمان عبد مملوك لأهل حصن وقال : هو من المؤمنين » .
ولأنّه مسلم مكلّف
غير متّهم في حقّ المسلمين ، فصحّ أمانه ، كالحرّ.
وقال أبو حنيفة
وأبو يوسف : لا يصحّ أمان العبد إلاّ أن يكون مأذونا له في القتال ، لأنّه لا يجب
عليه الجهاد ، فلا يصحّ أمانه ، كالصبي .
وينتقض بالمرأة
والمأذون له.
مسألة ٤٧ : يصح أمان المرأة إجماعا ، لأنّ النبي 6 أجاز أمان أمّ هاني ، وقال : « إنّما يجير على المسلمين
أدناهم » .
وأمّا المجنون فلا
ينعقد أمانه ، لرفع القلم عنه.
وكذا الصبي لا
ينعقد أمانه وإن كان مميّزا مراهقا ـ وبه قال الشافعي وأبو حنيفة ـ لرفع القلم
عنه.
__________________
وقال مالك وأحمد :
يصحّ أمان المراهق ، لقوله 7 : « إنّما يجير على المسلمين أدناهم » .
وليس حجّة ، لعدم
إسلامه حقيقة وإنّما هو تمرين.
وأمّا المكره فلا
ينعقد أمانه إجماعا ، وكذا من زال عقله بنوم أو سكر أو إغماء أو غير ذلك ، لعدم
معرفته بمصلحة المسلمين ، فأشبه المجنون.
وأمّا الكافر فلا
ينعقد أمانه وإن كان ذمّيّا ، لأنّ النبي 6 قال : « ذمّة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم » فجعل الذمّة
للمسلمين. ولأنّه متّهم على المسلمين.
وأمّا الأسير من
المسلمين فإذا عقد أمانا باختياره ، نفذ ، وبه قال الشافعي وأحمد . وكذا يجوز أمان
التاجر والأجير في دار الحرب.
وقال الثوري : لا
يصحّ أمان أحد منهم . والعموم يبطله.
والشيخ الهمّ
والسفيه ينعقد أمانهما ـ وبه قال الشافعي ـ للعموم.
مسألة ٤٨ : إذا انعقد الأمان ، وجب الوفاء به على حسب ما شرط فيه من وقت وغيره ما لم
يخالف المشروع بالإجماع.
قال الباقر 7 : « ما من رجل
آمن رجلا على ذمّة ثمّ قتله إلاّ جاء يوم القيامة يحمل لواء الغدر » .
__________________
ولو انعقد فاسدا ،
لم يجب الوفاء به إجماعا ، كأمان الصبي والمجنون ، وكما إذا تضمّن الذمام شرطا لا
يسوغ الوفاء به.
وفي هذه الحالات
كلّها يجب ردّ الحربي إلى مأمنه ، ولا يجوز قتله ، لأنّه اعتقد صحّة الأمان ، وهو
معذور ، لعدم علمه بأحكام الإسلام.
وكذا كلّ حربي دخل
دار الإسلام بشبهة الأمان ، كمن سمع لفظا فاعتقده أمانا ، أو صحب رفقة فتوهّمها
أمانا ، أو طلبوا أمانا فقال المسلمون : لا نذمّكم ، فاعتقدوا أنّهم أذمّوهم ، فلا
يجوز قتلهم ، بل يردّون إلى مأمنهم ، لقول الصادق و الكاظم 8 : « لو أنّ قوما
حاصروا مدينة فسألوهم الأمان ، فقالوا : لا ، فظنّوا أنّهم قالوا : نعم ، فنزلوا
إليهم ، كانوا آمنين » .
البحث الثالث : فيما ينعقد به
الأمان.
مسألة ٤٩ : الأمان ينعقد بالعبارة والمراسلة والإشارة المفهمة والمكاتبة.
وقد ورد في الشرع
للعبارة صيغتان : أجرتك ، وأمّنتك.
قال الله تعالى ( وَإِنْ
أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ ) .
وقال النبي 6 : « من دخل دار
أبي سفيان فهو آمن ، ومن أغلق بابه فهو آمن » .
__________________
وينعقد الأمان بأي
اللفظين وقع ، وبما يؤدي معناهما ، مثل : أذممتك ، أو : أنت في ذمّة الإسلام ،
سواء أدّى بالصريح أو بالكناية مع القصد بلغة العرب أو غيرها ، فلو قال بالفارسيّة
: « مترس » ـ أي : لا تخف ـ فهو آمن.
أمّا قوله : لا
بأس عليك ، أو : لا تخف ، أو : لا تذهل ، أو : لا تحزن ، وما شاكله : فإن علم من
قصده الأمان ، فهو أمان ، لأنّ المراعي القصد لا اللفظ ، وإن لم يقصد ، لم يكن
أمانا إلاّ أنّهم لو سكنوا إلى ذلك ودخلوا ، لم يتعرّض لهم ويردّون إلى مأمنهم.
وكذا لو أومأ مسلم
إلى مشرك بما توهّمه أمانا فأخلد إليه ودخل دار الإسلام.
ولو أشار المسلم
إليهم بما يرونه أمانا وقال : أردت به الأمان ، فهو أمان ، وإن قال : لم أرد به الأمان ، فالقول
قوله ، لأنّه أبصر بنيّته ، فيرجع إليه.
ولو دخل بسفارة أو
لسماع كلام الله ، لم يفتقر إلى عقد أمان ، بل ذلك القصد يؤمنه. وقصد التجارة لا
يؤمنه وإن ظنّه أمانا.
ولو قال الوالي :
أمّنت من قصد التجارة ، صحّ.
ولو خرج الكفّار
من حصنهم بناء على هذه الإشارة وتوهّمهم أنّها أمان ، لم يجز قتلهم.
ولو مات المسلم
ولم يبيّن أو غاب ، كانوا آمنين وردّوا إلى مأمنهم ثمّ يصيرون حربا.
__________________
ولو قال للكافر :
قف ، أو : قم ، أو : ألق سلاحك ، فليس أمانا ، خلافا لبعض العامّة .
وقال الأوزاعي :
إن ادّعى الكافر أنّه أمان ، أو قال : إنّما وقفت لندائك ، فهو آمن ، وإن لم
يدّع ذلك ، فليس أمانا .
وهو غلط ، لأنّه
لفظ لا يشعر منه الأمان ولا يستعمل فيه دائما ، فإنّه إنّما يستعمل غالبا للإرهاب
والتخويف ، فيصدّق المسلم ، فإن قال : قصدت الأمان ، فهو أمان ، وإن قال : لم أرده
، سئل الكافر فإن قال : اعتقدته أمانا ، ردّ إلى مأمنه ، ولم يجز قتله ، وإن لم
يعتقده ، فليس بأمان ، ولو ردّ الكافر الأمان ، ارتدّ الأمان ، وإن قبل صحّ ، ولا
يكفي سكوته ، بل لا بدّ من قبوله ولو بالفعل.
ولو أشار عليهم
مسلم في صفّ الكفّار فانحاز إلى صفّ المسلمين وتفاهما الأمان ، فهو أمان ، وإن ظنّ
الكافر أنّه أراد الأمان والمسلم لم يرده ، فلا يغتال بل يلحق بمأمنه ، ولو قال :
ما فهمت الأمان ، اغتيل.
مسألة ٥٠ : يجوز الأمان بالمراسلة.
وينبغي لأمير
العسكر أن يتخير للرسالة رجلا مسلما أمينا عدلا ، ولا يكون خائنا ولا ذمّيا ولا
حربيّا مستأمنا ، لقوله تعالى ( وَلا تَرْكَنُوا
إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا ) .
وأنكر عمر على أبي
موسى الأشعري لمّا اتّخذ كاتبا نصرانيّا ، وقال :
__________________
اتّخذت بطانة من
دون المؤمنين وقد قال الله تعالى ( يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ
خَبالاً ) أي : لا يقصّرون في فساد أموركم.
وينبغي أن يكون
بصيرا بالأمور عارفا بمواقع أداء الرسالة.
وإذا أرسل الأمير
رسولا مسلما فذهب الرسول إلى أمير المشركين فبلّغه الرسالة ، ثمّ قال له : إنّي
أرسل على لساني إليك الأمان ولأهل ملّتك فافتح الباب ، ثمّ ناوله كتابا صنعه على
لسان الأمير وقرأه بمحضر من المسلمين ، فلمّا فتحوا ودخل المسلمون وشرعوا في السبي
، فقال لهم أمير المشركين : إنّ رسولكم أخبرنا أنّ أميركم أمّننا ، وشهد أولئك المسلمون على مقالته ،
كانوا آمنين ، ولم يجز سبيهم ، لعسر التمييز بين الحقّ والاحتيال في حقّ المبعوث
إليه ، إذا الاعتماد على خبره ، فيجعل كأنّه صدق بعد ما تثبت رسالته ، لئلاّ يؤدّي
إلى الغرور في حقّهم وهو حرام.
مسألة ٥١ : لو أرسل الأمير إليهم من يخبرهم بأمانة ثمّ رجع الرسول فأخبره بأداء الرسالة
، فهم آمنون وإن لم يعلم المسلمون التبليغ ، لأنّ البناء إنّما هو على الظاهر
فيما لا يمكن الوقوف على حقيقته ، ولأنّ قول الرسول يحتمل الصدق ، فتثبت شبهة
التبليغ.
ولو كتب من ليس
برسول كتابا فيه أمانهم وقرأه عليهم وقال : إنّي رسول الأمير إليكم ، لم يكن أمانا
من جهته ، لأنّه ليس للواحد من
__________________
المسلمين أن يؤمّن
حصنا كبيرا ، ولا من جهة الإمام ، لأنّه ليس برسوله ، ولا غرور هنا ، لأنّ التقصير
من جهتهم حيث عوّلوا على قول مجهول لم يعتضد بشهادة أحد من المسلمين.
ولو ناداهم من صفّ
المسلمين مسلم ـ وهم قليلون يصحّ أمان الواحد لهم ـ إنّي رسول الأمير إليكم وإنّه
أمنكم ، كان أمانا من جهته ، لأنّ من يملك الأمان إذا أخبر عمّن يملك الأمان ، كان
أمانا صحيحا ، لأنّه على تقدير صدقه يكون أمانا من جهة المخبر عنه ، وعلى تقدير
كذبه يكون أمانا من جهته.
مسألة ٥٢ : إذا أمّن الإمام أو نائبه المشركين ثمّ بعث ( إليهم رسولا ) لينبذ إليهم
ويخبرهم نقض العهد ، فجاء الرسول وأخبر بإعلامهم ، لم يعرّض لهم حتى يعلموا ذلك
بشاهدين ، لأنّ خبره دائر بين الصدق والكذب ، وليس بحجّة في نقض العهد ، لتعلّقه
باستباحة السبي واستحلال الأموال والفروج والدماء ، وهو لا يثبت مع الشبهة ، بخلاف
الأمان ، فإنّ قوله حجّة فيه ، لتعلّقه بحفظ الأموال وحراسة الأنفس وحقن الدماء ،
وهو يثبت مع الشبهة.
فلو أغار المسلمون
فقالوا : لم يبلغنا خبر رسولكم ، فالقول قولهم ، لأنّهم أنكروا نبذ الأمان ،
والأصل معهم ، فيصار إلى قولهم ، لأنّ في وسع الإمام أن ينفذ إليهم مع الرسول
شاهدين.
أمّا لو كتب
الإمام إليهم نقض العهد وسيّره مع رسوله وشاهدين ، فقرأه عليهم بالعربيّة واحتاجوا
إلى ترجمان يترجم بلسانهم ، وشهد الآخران
__________________
عليهم ، فادّعوا
أنّ الترجمان لم يخبرهم بنقض العهد بل أخبرهم بأنّ الإمام زاد في مدّة الأمان ، لم يلتفت إليهم ، لأنّ
الإمام أتى بما في وسعه من الإخبار بالنقض والشهادة ، وإنّما التقصير من جهتهم حيث
اختاروا للترجمة خائنا ، إلاّ أن يعلم من حضر من المسلمين أنّ الترجمان خان فيقبل
قولهم.
ولو خاف الإمام أن
يكون الرسول قد رأى عورة للمسلمين يدلّ عليها العدوّ ، جاز له منعه من الرجوع ،
وكذا يمنع التاجر لو انكشف على عورة ينبغي إخفاؤها عن المشركين ، ويجعل عليهما
حرسا يحرسونهما نظرا للمسلمين ودفعا للفتنة عنهم.
ولو خاف هربهما مع
احتياجه إلى حفظهما ، جاز له أن يقيّدهما حتى تنقضي الحاجة.
ولو لم يخف الإمام
منهما ، أنفذهما ، فإن خافا من اللصوص ، سيّر معهما من يبلغهما مأمنهما ، لقوله
تعالى ( ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ) .
ويجوز الاستئجار
عليه من بيت المال ، وكذا مئونتهما من بيت المال حال منعهما.
البحث الرابع : في وقت الأمان.
مسألة ٥٣ : وقت الأمان قبل الأسر ، فيجوز عقده لآحاد المشركين قبل الأسر إجماعا.
وهل يجوز لآحاد
المسلمين عقد الأمان بعد الأسر؟ منعه علماؤنا
__________________
وأكثر أهل العلم ، لأنّه قد ثبت
للمسلمين حقّ استرقاقه ، فلا يجوز إبطاله. ولأنّ المشرك إذا وقع في الأسر ، يتخيّر
الإمام فيه بين أشياء تأتي ، ومع الأمن يبطل التخيير ، فلا يجوز إبطال ذلك عليه.
وقال الأوزاعي :
يصحّ عقده بعد الأسر ، لأنّ زينب بنت رسول الله 6 أجارت زوجها أبا العاص بن الربيع ، فأجاز النبي 6 أمانها .
وليس حجّة ، لأنّ
للإمام ذلك فكيف النبي 6 ، والنزاع في آحاد المسلمين.
مسألة ٥٤ : يجوز للإمام أن يؤمّن الأسير بعد الاستيلاء عليه والأسر ، لأن النبي 6 أجاز أمان زينب
لزوجها . ولأنّ للإمام أن يمنّ عليه فيطلقه والأمان دون ذلك ، بخلاف آحاد
المسلمين.
ولو حصل الكافر في
مضيق أو في حصن فلحقه المسلمون ، صحّ الأمان ، لأنّه بعد على الامتناع.
ولو أقرّ المسلم
بأمان المشرك ، فإن كان في وقت يصحّ منه إنشاء الأمان ، صحّ إقراره وقبل منه
إجماعا ، وإن كان في وقت لا يصحّ منه إنشاؤه كما لو أقرّ بعد الأسر ـ لم يقبل قوله
إلاّ أن تقوم بيّنة بأمانه قبل الأسر.
ولو شهد جماعة من
المسلمين أنّهم أمّنوه ، لم يقبل ، لأنّهم يشهدون
__________________
على فعلهم. وبه
قال الشافعي .
وقال بعض العامّة
: يقبل ، لأنّهم عدول من المسلمين غير متّهمين شهدوا بأمانه ، فوجب أن يقبل ، كما
لو شهدوا على غيرهم أنّه أمّنه .
أمّا لو شهد بعضهم
أنّ البعض الآخر أمّنه ، قبل.
مسألة ٥٥ : لو جاء مسلم بمشرك فادّعى أنّه أسره وادّعى الكافر أنّه أمّنه ، قدّم قول
المسلم ، لاعتضاده بأصالة إباحة دمه وعدم الأمان.
وقيل : يقبل قول
الأسير ، لاحتمال صدقه ، فيكون شبهة في حقن دمه .
وقيل : يرجع إلى
شاهد الحال ، فإن كان الكافر ذا قوّة ومعه سلاحه ، فالظاهر صدقه ، وإلاّ فالظاهر
كذبه .
ولو صدّقه المسلم
، لم يقبل ، لأنّه لا يقدر على أمانه ولا يملكه ، فلا يقبل إقراره به.
وقيل : يقبل ،
لأنّه كافر لم يثبت أسره ولا نازعه فيه منازع ، فقبل قوله في الأمان . ولا بأس به.
ولو أشرف جيش
الإسلام على الظهور فاستذمّ الخصم ، جاز مع نظر المصلحة. ولو استذمّوا بعد حصولهم
في الأسر فأذم ، لم يصح على ما قلنا. ولو ادّعى الحربيّ الأمان فأنكر المسلم ،
فالقول قول المسلم ، لأصالة
__________________
عدم الأمان وإباحة
دم المشرك. ولو حيل بينه وبين الجواب بموت أو إغماء ، لم تسمع دعوى الحربيّ. وفي
الحالين يردّ إلى مأمنه ثم هو حرب.
مسألة ٥٦ : شرط الأمان أن لا يزيد على سنة إلاّ مع الحاجة ، ويصحّ على أربعة أشهر وفوق
ذلك إلى السنة.
وللشافعي فيما بين
السنة وأربعة أشهر قولان .
ولو أمّن جاسوسا
أو من فيه مضرّة ، لم يصح. ولا تشترط المصلحة في عقد الأمان ، بل يكفي عدم المضرّة
في الصحّة.
ويصحّ الأمان بجعل
وغيره ، فلو حصر المسلمون حصنا فقال لهم رجل : أمّنوني أفتح لكم الحصن ، جاز أن
يعطوه أمانا إجماعا. فإن أمّنوه ، لم يجز لهم نقض أمانه ، فإن أشكل القائل وادّعاه
كلّ واحد من أهل الحصن ، فإن عرف صاحب الأمان ، عمل على ما عرف ، وإن لم يعرف ، لم
يقتل واحد منهم ، لاحتمال صدق كلّ واحد وقد حصل اشتباه المحرّم بالمحلّل فيما لا
ضرورة إليه ، فكان الكلّ حراما ، كالأجنبيّة المشتبهة بالأخت.
قال الشافعي :
ويحرم استرقاقهم ، لما قلنا في القتل ، فإنّ استرقاق من لا يحلّ استرقاقه محرّم .
وقال بعض العامّة
: يقرع فيخرج صاحب الأمان ويسترق الباقي ، لأنّ الحقّ لواحد وقد اشتبه ، كما لو
أعتق عبدا من عشرة ثم اشتبه ، بخلاف
__________________
القتل ، فإنّ
الاحتياط فيه أبلغ من الاحتياط في الاسترقاق .
قال الأوزاعي : لو
أسلم واحد من أهل الحصن قبل فتحه وكانوا عشرة فاسترقّ علينا ثمّ أشكل
فادّعى كلّ واحد منهم أنّه الذي أسلم ، سعى كلّ واحد منهم في قيمة نفسه ، وترك له
عشر قيمته .
البحث الخامس : فيما يدخل في
الأمان.
مسألة ٥٧ : إذا نادى المشركون بالأمان ، وكانت المصلحة تقتضيه ، أمّنهم ، وإلاّ فلا.
فإذا طلبوا الأمان لأنفسهم ، كانوا مأمونين على أنفسهم.
وللشافعي في
السراية إلى ما معه من أهل ومال لو قال : أمّنتك ، قولان .
ولو طلبوا أمانا لأهليهم فقالوا :
أمّنوا أهلينا ، فقال لهم المسلمون : أمّنّاهم ، فهم فيء وأهلهم آمنون ، لأنّهم لم
يذكروا أنفسهم صريحا ولا كناية ، فلا يتناولهم الأمان.
أمّا لو قالوا :
نخرج على أن نراوضكم في الأمان على أهلنا فقالوا لهم : اخرجوا ،
فهم آمنون وأهلهم ، لأنّهم بأمرهم بالخروج
للمراوضة على
الأمان أمّنوهم ، ولهذا لو لم يتّفق بينهم أمر ، كان عليهم أن يردّوهم إلى مأمنهم.
مسألة ٥٨ : لو قالوا : أمّنوا على ذرّيّتنا ، فأمّنوهم على ذلك ، فهم آمنون وأولادهم
وأولاد أبنائهم وإن سفلوا ، لعموم اسم الذرّيّة جميع هؤلاء.
والأقرب : دخول
أولاد البنات ، لقوله تعالى ( وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ ) ـ إلى قوله ـ ( وَعِيسى ) .
ولأنّ الذرّيّة
اسم للفرع المتولّد من الأصل ، والأب والامّ أصلان في إيجاد الولد ، بل التولّد
والتفرّع في جانب الامّ أرجح ، لأنّ ماء الفحل يصير مستهلكا في الرحم وإنّما
يتولّد منها بواسطة ماء الفحل.
ولو قالوا : أمّنونا على
أولادنا ، ففي دخول أولاد البنات إشكال.
مسألة ٥٩ : لو قالوا : أمّنونا على إخوتنا ولهم إخوة وأخوات ، فهم آمنون ، لتناول اسم
الإخوة الذكر والأنثى عند الاجتماع.
قال الله تعالى ( وَإِنْ
كانُوا إِخْوَةً رِجالاً وَنِساءً ) .
ولا تدخل الأخوات
بانفرادهنّ ، لأنّ اسم الذكور لا يتناولهنّ منفردات.
وكذا لو قالوا :
أمّنونا على أبنائنا ، دخل فيه الذكور والإناث ولا يتناول الإناث بانفرادهنّ إلاّ
إذا كان المضاف إليه أبا القبيلة ، والمراد به النسبة إلى القبيلة.
ولو تقدّم من
المستأمن لفظ يدلّ على طلب الأمان لهنّ ، انصراف
__________________
الأمان إليهنّ وإن
كان بلفظ الذكور ، مثل : ليس لي إلاّ هؤلاء البنات والأخوات وأمّنوني على بنيّ و إخوتي.
ولو قالوا : أمّنونا على
آبائنا ، ولهم آباء وأمّهات ، دخلوا جميعا في الأمان ، لتناول اسم الآباء لهما.
قال الله تعالى (
وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ ) .
وكذا لو كان لهم أب واحد وأمّهات
شتّى ، لتناول الاسم للجميع من حيث الاستعمال.
وهل يدخل الأجداد
في الآباء؟ الأولى ذلك ، لأنّ الأب يطلق عليه من حيث إنه أب الأب ، ويكفي في
الإضافة أدنى ملابسة.
وقال أبو حنيفة :
لا يدخلون ، لأنّ اسم الأب لا يتناول الأجداد حقيقة ولا بطريق
التبعيّة ، لأنّهم أصول الآباء يختصّون باسم خاصّ ، فلا يتناولهم اسم الآباء على
وجه التبعيّة لفروعهم.
ولو قالوا :
أمّنونا على أبنائنا ، دخل فيه أبناء الأبناء أيضا ، لأنّ اسم الابن يتناول ابن
الابن ، لأنّه طلب الأمان لمن يضاف إليه بالنبوّة ، إلاّ أنّه ناقص في الإضافة والنسبة
إليه ، لأنّه يضاف إليه بواسطة الابن ، لأنّه متفرّع عنه ومتولّد بواسطة الابن ،
والإضافة الناقصة كافية في إثبات الأمان ، لأنّه يحتاط في إثباته ، لأنّ موجبه
حرمة الاسترقاق ، والشبهة ملحقة بالحقيقة في موضع الاحتياط ، بخلاف الوصيّة ، فإنّ
الشبهة فيها غير كافية في
__________________
الاستحقاق ، لثبوت
مزاحمة الوارث .
وهذا كلّه إنّما
هو بلسان العرب ، فالحكم متعلّق به مع استعماله ، لكنّا قد بيّنّا أنّ صيغة الأمان
يكفي فيها أيّ لغة كانت ، فلو كان بعض اللغات يتناول ما أخرجناه في بعض هذه الصور
وطلب الأمان بتلك اللغة ، دخل فيه ما أخرجناه.
وكذا لو اعتقد
المشرك دخول من أخرجناه في الأمان حتى خرج بهم ، لم يجز التعرّض لهم ، لأنّهم
دخلوا إلينا بشبهة الأمان ، فيردّون إلى مأمنهم ثمّ يصيرون حربا.
مسألة ٦٠ : يصحّ عقد الأمان للمرأة على قصد العصمة عن الاسترقاق ـ وهو أحد وجهي الشافعي
ـ للأصل ، ولأنّه غرض مقصود ، ويصحّ على سبيل التبعيّة فجاز على سبيل
الاستقلال.
والثاني : لا يصحّ
، لأنّه تابع .
وإذا أمّن الأسير
من أسره ، فهو فاسد ، لأنّه كالمكره ، إلاّ أن يعلم اختياره في ذلك.
ولو أمّن غيره ،
جاز ـ وللشافعيّة وجهان ـ ويلزمه حكمه وان لم يلزم غيره ، فلو أمّنهم وأمّنوه بشرط
أن لا يخرج من دارهم ، لزمه الخروج مهما قدر ، قالت الشافعيّة : و إن حلف بالطلاق
والعتاق والأيمان المغلّظة ، لكن يكفّر عن يمينه ودعه يقع طلاقه وعتاقه ، فلا رخصة
في المقام حيث
__________________
يذلّ المسلم ولكن عند
الخروج لا يغتالهم إن أمّنهم .
ولو اتبعه قوم ،
فله دفعهم وقتالهم دون غيرهم. ولو شرطوا عليه الرجوع ، لم يلزمه. ولو شرط إنفاذ
مال ، لم يلزمه. وإن كان قد اشترى منهم شيئا ولزمه الثمن ، وجب إنفاذه.
وإن أكره على
الشراء ، فعليه ردّ العين ، قاله الشافعي في الجديد.
وقال في القديم :
يتخيّر بين ردّ العين أو الثمن ، إذ يقف العقد على إجازته .
مسألة ٦١ : لو قال : اعقدوا الأمان على أهل حصني على أن أفتحه لكم ، فأمّنوه على ذلك ،
فهو آمن وأهل الحصن آمنون.
وقال الحنفيّة :
أموالهم كلّها فيء ، لأنّ الأمان بشرط فتح الباب لا تدخل فيه الأموال لا بالتنصيص
ولا التبعيّة للنفوس ، لأنّه لم تبق للمسلمين حينئذ فائدة في فتح الباب ، وإنّما
قصدوا بذلك التوسل إلى استغنام أموالهم .
ولو قال : اعقدوا
لي الأمان على أهل حصني على أن أدلّكم على طريق موضع كذا ، ففعلوا ففتحوا الباب ،
فجميع النفوس والأموال تدخل في الأمان ، لأنّ شرط الأمان هنا جرى على الدلالة لا
على فتح الباب ، فيكون كلامه بيانا أنّه يدلّهم ليتمكّنوا في الدار في حصنه مع أهل
الحصن ، فتدخل الأموال تبعا للنفوس ، لأنّه لا يمكنهم المقام فيه إلاّ بالمال ،
بخلاف الصورة
__________________
الأولى ، لأنّ في
اشتراط فتح الباب دلالة على أنّ الذين يتناولهم الأمان غير
مقرّين بالسكنى في الحصن ، وإنّما تدخل الأموال في الأمان ، لأنّ التمكّن من
المقام يكون بالأموال ، وإذا انعدم السكنى لم تدخل الأموال في الأمان.
ولو قال : اعقدوا
لي الأمان على أن تدخلوا فيه فتصلّوا ، دخل الأموال في الأمان ، لأنّ فيه تصريحا
بفائدة فتح الباب ، وهو الصلاة فيه دون إزعاج أهله ، وقد يرغب المسلمون في الصلاة
في ذلك المكان إمّا لينتقل الخبر بأنّ المسلمين صلّوا جماعة في الحصن الفلاني
فيدخل الرعب في قلوب باقي المشركين ، أو ليكونوا قد عبدوا الله في مكان لم يعبده
في ذلك المكان أهله ، ومكان العبادة شاهدة للمؤمن يوم القيامة.
ولو قال : أمّنوني
على قلعتي أو مدينتي ، فأمّنوه ، دخل المال والأنفس فيه وإن كان تنصيص الأمان
إنّما هو عليهما لا غير ، لأنّ المقصود من هذا الأمان بقاء القلعة والمدينة على ما
كانتا عليه عرفا ويكون هو المتصرّف والمتغلّب ، وليس غرضه إبقاء عين القلعة أو المدينة
مع إفناء أهلهما ونهب الأموال.
ولو قال : أمّنوني
على ألف درهم من مالي على أن أفتح لكم الحصن ، فهو آمن على ما طلب ، ويكون الباقي
فيئا. ولو لم يف ماله بالألف ، لم يكن له زيادة على ماله. ولو لم يكن له دراهم
ولكنّه كان له عروض ، أعطى من ذلك ما يساوي ألفا ، لأنّه شرط في الأمان جزءا من
ماله والأموال كلّها جنس واحد في صفة الماليّة.
أمّا لو قال :
أمنّوني على ألف درهم من مالي على أن أفتح لكم الحصن ، فهو آمن على ما طلب ، ويكون
الباقي فيئا. ولو لم يف ما له بالألف ، لم يكن له زيادة على ما له. ولو لم يكن له
دراهم ولكنّه كان له عروض ، أعطى من ذلك ما يساوي ألفا ، لأنّه شرط في الأمان جزءا
من ماله والأموال كلّها جنس واحد في صفة الماليّة.
أمّا لو قال :
عليّ ألف درهم من دراهمي ، ولا دراهم له ، كان لغوا ، لأنّه شرط جزءا من دراهمه
ولا دراهم له ، فلا يصادف الأمان محلاّ ، فيكون لغوا.
__________________
البحث السادس : في الأحكام.
مسألة
٦٢ :
قد بيّنا أنّ من عقد أمانا لكافر ، وجب عليه الوفاء به ، ولا يجوز له الغدر ، فإن نقضه ، كان غادرا آثما ، ويجب على الإمام منعه
عن النقض إن عرف بالأمان.
إذا عرفت هذا فلو
عقد لحربيّ الأمان ليسكن دار الإسلام ، وجب الوفاء له ، ودخل ماله
تبعا له في الأمان وإن لم يذكره ، لأن الأمان يقتضي الكفّ عنه ، وأخذ ماله يوجب
دخول الضرر عليه ، فيكون نقضا للأمان ، وهو حرام. ولو شرط الأمان لماله ، كان ذلك
تأكيدا.
ولو دخل الحربيّ دار
الإسلام بغير أمان ومعه متاع ، فهو حرب لا أمان له في نفسه ولا في ماله ، إلاّ أن
يعتقد أنّ دخوله بمتاعه على سبيل التجارة أمان له ، فإنّه لا يكون أمانا ، ويردّ
إلى مأمنه.
ولو ركب المسلمون
في البحر فاستقبلهم فيه تجّار كفّار من أرض العدوّ يريدون بلاد الإسلام ، قال بعض
العامّة : لم يقاتلوا ولم يعرّضوا . وفيه نظر.
مسألة ٦٣ : لو دخل الحربيّ دار الإسلام بتجارة معتقدا أنّه أمان ، فهو آمن حتى يرجع إلى
مأمنه ، ويعامل بالبيع والشراء ، ولا يسأل عن شيء ، وإن لم تكن معه تجارة وقال :
جئت مستأمنا ، لم يقبل منه ، ويكون الإمام مخيّرا فيه. وبه قال الأوزاعي والشافعي .
ولو كان ممّن ضلّ
الطريق أو حملته الريح في المركب إلينا ، كان فيئا.
وقيل : يكون لآخذه
.
ولو دخل دار
الإسلام بأمان ، دخل أمان ماله ، فلو عاد إلى دار الحرب
__________________
بنيّة الرجوع إلى
دار الإسلام ، فالأمان باق ، لأنّه على نيّة الإقامة في دار الإسلام ، وإن كان
للاستيطان في دار الحرب ، بطل في نفسه دون ماله ، لأنّه بدخوله دار الإسلام وأخذ
الأمان ثبت الأمان في ماله الذي معه ، فإذا بطل في نفسه بمعنى لم يوجد في المال ـ وهو
الدخول في دار الحرب ـ بقي الأمان في ماله ، لاختصاص المقتضي بالنفس. أمّا لو أخذه
معه إلى دار الحرب ، فإنّه ينتقض الأمان فيه كما ينتقض في نفسه. ولو لم يأخذه
فأنفذ في طلبه ، بعث به إليه تحقيقا للأمان فيه. ويصحّ تصرّفه فيه ببيع وهبة
وغيرهما.
ولو مات في دار
الحرب أو قتل ، انتقل إلى وارثه ، فإن كان مسلما ، ملكه مستقرّا ، وإن كان حربيّا
، انتقل إليه وانتقض فيه الأمان ـ وبه قال أبو حنيفة ـ لأنّه مال
لكافر لا أمان بيننا وبينه في نفسه ولا في ماله ، فيكون كسائر أموال أهل الحرب.
وقال أحمد : لا
يبطل الأمان ، بل يكون باقيا ـ وبه قال المزني ، وللشافعيّة قولان ـ لأنّ الأمان
حقّ لازم متعلّق بالمال ، فإذا انتقل إلى الوارث ، انتقل بحقّه ، كسائر الحقوق من
الرهن والضمان والشفعة .
ونمنع ملازمته
للمال ، لأنّ الأمان تعلّق بصاحبه وقد مات ، فيزول الأمان المتعلق به.
مسألة ٦٤ : إذا مات الحربيّ في دار الحرب وقد أخذ الأمان لإقامته
__________________
في دار الإسلام
وأقام بها ، تبعه ماله ، وزوال الأمان عنه بموته كما قلناه ، فينتقل إلى الإمام
خاصّة من الفيء ، لأنّه لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب ، ولا أخذ بالسيف ، فهو
بمنزلة ميراث من لا وارث له.
ونقل المزني عن
الشافعي أنّه يكون غنيمة .
وهو ممنوع ، لأنّه
لم يؤخذ بالقهر والغلبة.
وينتقل المال إلى
وارث الحربيّ ، سواء كان الوارث في دار الإسلام أو في دار الحرب ، فإن كان الوارث
حربيّا في الدارين ، صار فيئا للإمام على ما قلناه.
وقال الشافعي في
أحد الوجهين : لا ينتقل إلى وارثه في دار الإسلام ، لأنّه مع اختلاف الدارين يسقط
الميراث . وليس بجيّد.
وكذا الذمي إذا
مات وله ولد في دار الإسلام وولد في دار الحرب ، كان ميراثه لهما.
ولو كان له ولد في
دار الإسلام ، صار ماله له ، ولو كان في دار الحرب ، انتقل ماله إليه ، وصار فيئا.
ولو دخل دار
الإسلام فعقد أمانا لنفسه ثمّ مات في دار الإسلام وله مال ، فإن كان وارثه مسلما ،
ملكه ، وإن كان كافرا في دار الحرب ، انتقل المال إليه ، وصار فيئا ، لأنّه مال
لكافر لا أمان بيننا وبينه ، فيكون فيئا.
وقال بعض
الشافعيّة : يردّ إلى وارثه. واختلفوا على طريقين ، منهم
__________________
من قال : فيه
للشافعي قولان ، كما لو مات في دار الحرب. ومنهم من قال هنا : يردّ قولا واحدا ،
لأنّه إذا رجع إلى دار الحرب فقد بطل أمانه ، وهنا مات وأمانه باق ، وحينئذ ينتقل
إلى الإمام ، لأنّه لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب. وكذا لو لم يكن له وارث .
مسألة ٦٥ : لو كان للحربيّ أمان فترك ماله ونقض الأمان ولحق بدار الحرب ، فإنّ الأمان
باق في ماله ، فإن رجع ليأخذ ماله ، جاز سبيه.
وقال بعض
الشافعيّة : لا يجوز ، ويكون الأمان ثابتا ، لأنّا لو سبيناه أبطلنا ملكه ،
وأسقطنا حكم الأمان في ماله .
وليس بجيّد ، لأنّ
ثبوت الأمان لماله لا يثبت له الأمان ، كما لو دخل إلى دار الإسلام بأمان ثم خرج
إلى دار الحرب ، فإنّ الأمان باق في المال دونه ، وكما لو أدخل ماله بأمان وهو في
دار الحرب ، فإنّ الأمان لا يثبت له لو دخل دار الإسلام ويثبت لماله.
ولو أسر الحربي الذي
لماله أمان ، لم يزل الأمان عن ماله.
ثمّ لا يخلو إمّا
أن يمنّ عليه الإمام أو يسترقّه أو يفاديه أو يقتله ، فإن قتله ، انتقل إلى وارثه
المسلم إن كان ، وإلاّ فإلى الحربي وصار فيئا ، فإن فأداه أو منّ عليه ، ردّ ماله
إليه ، وإن استرقّه ، زال ملكه عنه ، لأنّ المملوك لا يملك شيئا وصار فيئا ، وإن
أعتق بعد ذلك ، لم يردّ إليه ، وكذا لو مات لم يردّ على ورثته ، سواء كانوا مسلمين
أو كفّار ، لأنّه لم يترك شيئا.
مسألة ٦٦ : إذا دخل المسلم أرض العدوّ بأمان فسرق شيئا ، وجب
__________________
عليه ردّه على أربابه ، لأنّهم
أعطوه الأمان بشرط أن يترك خيانتهم وإن لم يكن ذلك مذكورا صريحا ، فإنّه معلوم من
حيث المعنى.
ولو أسر المشركون
مسلما ثمّ أطلقوه بأمان على أن يقيم في دارهم ويسلمون من خيانته ، حرمت عليه
أموالهم بالشرط ، ولا يجوز عليه المقام مع القدرة على الهجرة.
ولو لم يؤمّنوه
ولكن استرقّوه واستخدموه ، فله الهرب وأخذ ما أمكنه من مالهم ، لأنّهم قهروه على
نفسه ولم يملكوه بذلك ، فجاز له قهرهم.
ولو أطلقوه على
مال ، لم يجب الوفاء به ، لأنّ الحرّ لا قيمة له.
ولو دخل المسلم
دار الحرب بأمان فاقترض من حربيّ مالا وعاد إلينا ودخل صاحب المال بأمان ، كان
عليه ردّه إليه ، لأنّ مقتضى الأمان الكفّ عن أموالهم.
ولو اقترض حربيّ
من حربيّ مالا ثمّ دخل المقترض إلينا بأمان ، كان عليه ردّه إليه ، لأنّ الأصل
وجوب الردّ ، ولا دليل على براءة الذمّة منه.
ولو تزوج الحربيّ
بحربيّة وأمهرها مهرا ، وجب عليه ردّه عليها.
وكذا لو أسلما معا
وترافعا إلينا ، فإنّا نلزم الزوج المهر إن كان ممّا يصحّ للمسلمين تملّكه ، وإلاّ
وجب عليه قيمته خاصّة .
ولو تزوّج الحربيّ
بحربيّة ثمّ أسلم الحربيّ خاصّة والمهر في ذمته ، لم يكن للزوجة مطالبته به ،
لأنّها أهل حرب ولا أمان لها على هذا المهر.
وكذا لو ماتت ولها
ورثة كفّار ، لم يكن لهم أيضا المطالبة به ، لما مرّ في الزوجة. ولو كان الورثة
مسلمين ، كان لهم المطالبة به.
ولو ماتت الحربيّة
ثمّ أسلم الزوج بعد موتها ، كان لوارثها المسلم
__________________
مطالبة الزوج
بالمهر ، وليس للحربيّ مطالبته به. وكذا لو أسلمت قبله ثمّ ماتت ، طالبه وارثها
المسلم دون الحربيّ.
ولو دخل المسلم أو
الحربيّ دار الحرب مستأمنا فخرج بمال من مالهم اشترى به شيئا ، لم يتعرّض له ،
سواء كان مع المسلم أو الذمي ، لأنّه أمانة معهم ، وللحربيّ أمان.
ولو دفع الحربيّ
إلى الذمي في دار الإسلام شيئا وديعة ، كان في أمان إجماعا.
مسألة ٦٧ : إذا خلّى المشركون أسيرا مسلما من أيديهم واستحلفوه على أن يبعث إليهم فداء
عنه ، أو يعود إليهم ، فإن كان كرها ، لم يلزمه الوفاء لهم برجوع ولا فدية إجماعا
، لأنّه مكره ، وإن ( لم يكن مكرها ) لم يجب الوفاء بالمال ـ وبه قال الشافعي ـ لأنّه حرّ لا
يستحقّون بدله ، فلا يجب الوفاء بشرطه.
وقال عطاء والحسن
والزهري والنخعي والثوري والأوزاعي وأحمد : يجب الوفاء به ، لقوله تعالى (
وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللهِ إِذا عاهَدْتُمْ ) .
وليس حجّة ، لأنّه
ليس على إطلاقه إجماعا ، بل المعتبر فيه المصلحة الدينيّة.
ولو عجز عن المال
، لم يجز له الرجوع إليهم ، سواء كان رجلا أو امرأة.
أمّا المرأة :
فأجمعوا على تحريم رجوعها إليهم.
وأمّا الرجل :
فعندنا كذلك ـ وبه قال الحسن البصري والنخعي والثوري والشافعي وأحمد في إحدى
الروايتين ـ لأنّ الرجوع إليهم معصية ، فلا يلزمه بالشرط ، كما لو
كان امرأة.
وقال الزهري
والأوزاعي وأحمد في رواية : يلزمه الرجوع ، لأنّ النبي 6 عاهد قريشا على ردّ من جاءه مسلما . وهو ممنوع.
مسألة ٦٨ : المستأمن إذا نقض العهد ورجع إلى داره ، فما خلّفه عندنا من وديعة ودين فهو
باق في عهدة الأمان إلى أن يموت.
وللشافعي أربعة
أوجه : أحدها : أنّه فيء. والثاني : أنّه في أمانه إلى أن يموت ، فإن مات فهو فيء.
والثالث : أنّه في أمانه ، فإن مات فهو لوارثه. الرابع : أنّه في أمانه ، لأنّ عقد
الأمان للمال مقصود ، وإلاّ فينتقض أيضا تابعا لنفسه .
والرقّ كالموت في
الرقيق ، فإن قلنا : يبقى أمانه بعد الرقّ ، فلو عتق ردّ عليه ، ولو مات رقيقا ،
فهو فيء ، إذا لا إرث من الرقيق.
وفيه قول آخر لهم
مخرّج : إنّه لورثته .
ومهما جعلناه
للوارث فله أن يدخل بلادنا لطلبه من غير عقد أمان ، وهذا العذر يؤمّنه ،
كقصد السفارة.
__________________
البحث السابع : في التحكيم.
مسألة ٦٩ : إذا حصر الإمام بلدا ، جاز أن يعقد عليهم أن ينزلوا على حكمه ، فيحكم فيهم
بما يراه هو أو بعض أصحابه إجماعا ، لأنّ النبي 6 لمّا حاصر بني قريظة رضوا بأن ينزلوا على حكم سعد بن معاذ
، فأجابهم النبي 6 إلى ذلك .
وهل يجوز للإمام
إنزالهم على حكم الله تعالى؟ قال علماؤنا بالمنع ـ وبه قال محمد بن الحسن ـ لما رواه
العامّة عن النبي 6 ، قال : « إذا حاصرتم حصنا أو مدينة فأرادوكم أن تنزلوهم
على حكم الله فلا تنزلوهم ، فإنّكم لا تدرون ما حكم الله تعالى فيهم ، ولكن
أنزلوهم على حكمكم ثم اقضوا فيهم ما رأيتم » .
ومن طريق الخاصّة
: قول الصادق 7 في وصيّة النبي 6 : « وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن ينزلوا على حكم الله
فلا تنزلهم ولكن أنزلهم على حكمي ثمّ اقض بينهم بعد بما شئتم فإنّكم إن أنزلتموهم
على حكم الله لم تدروا تصيبوا حكم الله فيهم أم لا » .
ولأنّ حكم الله
تعالى في الرجال : القتل أو المنّ أو المنّ أو الاسترقاق أو المفاداة ، وفي النساء
: الاسترقاق أو المنّ ، فيكون مجهولا ، فكان الإنزال
__________________
على حكم الله
مجهولا ، فكان باطلا.
وقال أبو يوسف :
يجوز ذلك ، لأنّ حكم الله تعالى معلوم ، لأنّه في حقّ الكفرة : القتل في المقاتلين
، والاسترقاق في ذراريهم ، والاستغنام في أموالهم .
ونحن نقول : حكم
الله تعالى معلوم في حقّ قوم ممتنعين ومع الظهور عليهم ، أمّا في حقّ قوم ممتنعين
تركوا منعتهم باختيارهم فمجهول.
مسألة ٧٠ : يجوز أن ينزلوا على حكم الإمام أو بعض أصحابه فيحكم فيهم بما يرى بلا خلاف ، فإنّ
النبي 6 أجاب بني قريظة لمّا رضوا بأن ينزلوا على حكم سعد بن معاذ ، فحكم بقتل الرجال
وسبي الذراري ، فقال له النبي 6 : « لقد حكم بما حكم الله تعالى به فوق سبعة أرقعة » .
قال الخليل :
الرقيع اسم سماء هذه الدنيا ، ويقال : كلّ واحدة رقيع للأخرى ، فهي أرقعة .
مسألة ٧١ : يشترط في الحاكم سبعة : الحرّيّة والإسلام والبلوغ والعقل والذكوريّة والفقه
والعدالة. فالعبد ليس مظنّة للفراغ في نظر أمور الناس وكيفيّة القتال وما يتعلّق
به من المصالح ، لاشتغال وقته بخدمة مولاه. والكافر لا شفقة له في حقّ المسلمين
ولا يؤمن عليهم. والصبي جاهل بالأمور الخفيّة المنوطة بالحرب ، وكذا المجنون.
والمرأة قاصرة النظر قليلة المعرفة بمواقع الحروب ومصالحها . والجاهل قد يحكم
بما لا يجوز شرعا. والفاسق ظالم فيدخل تحت قوله تعالى ( وَلا
تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا ) .
__________________
ولا يشترط الفقه
بجميع المسائل ، بل بما يتعلّق بالجهاد.
ويجوز أن يكون
أعمى ـ وبه قال الشافعي وأحمد ـ لأنّ المقصود رأيه دون بصره ، والرأي لا يفتقر إلى
البصر.
وقال أبو حنيفة :
لا يجوز ، لأنّه لا يصلح للقضاء.
والفرق : احتياج
القاضي إلى معرفة المتداعين بالبصر ، مع أنّا نمنع الحكم في الأصل.
وكذا يجوز أن يكون
محدودا في القذف مع التوبة ، لاجتماعه الشرائط ، خلافا لأبي حنيفة .
ويجوز على حكم
أسير معهم مسلم ، لارتفاع القهر بالردّ إليه.
وقال أبو حنيفة :
لا يجوز ، لأنّه مقهور. وهو ممنوع.
ولو كان المسلم
عندهم أو عندنا حسن الرأي فيهم ، احتمل الجواز على كراهيّة ، لأنّه جامع للصفات ،
والمنع ، للتهمة.
ولو نزلوا على حكم
رجل غير معيّن ويتعيّن باختيارهم ، جاز ، فإن اختاروا من يجوز حكمه ، قبل ، وإلاّ
فلا ، وبه قال أبو حنيفة .
وقال الشافعي : لا
يجوز إسناد الاختيار إليهم ، لأنّهم قد يختارون من لا يصلح للتحكيم ، أمّا لو
جعلوا اختيار التعيين إلى الإمام ، جاز إجماعا ، لأنّه لا يختار إلاّ من يصلح
للتحكيم .
ويجوز أن يكون
الحاكم اثنين إجماعا ، فإن اتّفقا ، جاز. ولو مات أحدهما ، لم يحكم الآخر إلاّ بعد
الاتّفاق عليه أو تعيين غيره. ولو اختلفا ،
__________________
لم ينفذ حكم
أحدهما إلاّ أن يتّفقا.
ويجوز أن يكون
الحاكم أكثر من اثنين إجماعا.
ولو كان أحدهما
كافرا ، لم يجز ، لأنّ الكافر لا يركن إليه لا حالة الجمع ولا الانفراد.
ولو مات الحاكم
الواحد قبل الحكم ، لم يحكم غيره إلاّ أن يتّفقوا على من يقوم مقامه ، فإن اتّفقوا
، ردّوا إلى مأمنهم.
ولو رضوا بتحكيم
فاقد أحد الشرائط ورضي به الجيش ونزلوا على ذلك إلينا ثمّ ظهر عدم صلاحيته ، لم
يحكم ، وردّوا إلى مأمنهم ، ويكونون على الحصار كما كانوا.
مسألة ٧٢ : وينفذ ما يحكم به الحاكم ما لم يخالف مشروعا ، ويشترط أن يكون الحظّ للمسلمين. فإن
حكم بقتل الرجال وسبي النساء والذرّيّة وغنيمة المال ، نفذ إجماعا ، كقضيّة سعد ، وإن حكم
باسترقاق الرجال وسبي النساء والولدان وأخذ الأموال ، جاز أيضا ، وإن حكم بالمنّ
وترك السبي بكلّ حال ، جاز أيضا إذا رآه حظّا ، لأنّه قد يكون مصلحة للمسلمين ،
وكما يجوز للإمام أن يمنّ على الأسارى مع المصلحة جاز للحاكم.
وإن حكم بعقد
الذمّة وأداء الجزية ، جاز ، لأنّهم رضوا به ، فينفذ كغيره من الأحكام ، وهو أحد
قولي الشافعي .
وفي الآخر : لا
يلزم ، لأنّ عقد الذمّة عقد معاوضة ، فلا يثبت إلاّ بالتراضي ، ولهذا لا يسوغ
للإمام إجبار الأسير على إعطاء الجزية .
__________________
والفرق : أنّ
الأسير لم يرض بفعل الإمام وهؤلاء قد رضوا.
وإن حكم عليهم
بالفداء ، جاز كما جاز للإمام.
ولو حكم بالمنّ
على الذريّة ، قال بعض العامّة : لا يجوز ، لأنّ الإمام لا يملك المنّ على
الذرّيّة إذا سبوا فكذا الحاكم .
وقال بعضهم : يجوز
، لأنّهم لم يتعيّنوا للسبي ، بخلاف من سبي ، فإنّه يصير رقيقا بنفس السبي .
وإن حكم على من
أسلم بالاسترقاق ومن أقام على الكفر بالقتل ، جاز. ولو أراد أن يسترقّ بعد ذلك من
أقام على الكفر ، لم يكن له ذلك ، لأنّه لم يدخل على هذا الشرط. وإن أراد أن يمنّ
عليه ، جاز ، لأنّه ليس فيه إبطال شيء شرطه ، بل فيه إسقاط ما كان شرطا من القتل.
ولو حكم بالقتل
وأخذ الأموال وسبي الذرّية ورأى الإمام أن يمنّ على الرجال أو على بعضهم ، جاز ،
لأنّ سعدا حكم على بني قريظة بقتل الرجال ، ثمّ إنّ ثابت بن قيس الأنصاري سأل
النبي 6 أن يهب له الزبير ابن باطا اليهودي من بني قريظة ففعل ، بخلاف مال
الغنيمة إذا حازه المسلمون ، فإنّ ملكهم قد استقرّ عليه.
مسألة ٧٣ : إذا نزلوا على حكم الحاكم فأسلموا قبل حكمه ، عصموا أموالهم ودماءهم وذراريهم
من الاستغنام والقتل والسبي ، لأنّهم أسلموا وهم أحرار لم يسترقّوا وأموالهم لم
تغنم.
ولو أسلموا بعد
الحكم عليهم ، فإن حكم بقتل الرجال وسبي الذراري ونهب الأموال ، نفذ الحكم إلاّ
القتل ، فإنّهم لا يقتلون ، لقوله 7 :
__________________
« أمرت أن أقاتل
الناس حتى يقولوا : لا إله إلاّ الله ، فإذا قالوها عصموا منّي دماءهم » .
ولو أراد الإمام
استرقاقهم بعد الإسلام ، لم يجز ، لأنّهم ما نزلوا على هذا الحكم ، بل وجب القتل
بالحكم وسقط بالإسلام.
وقال بعض العامّة
: يجوز استرقاقهم كما لو أسلموا بعد الأسر .
وليس بجيّد ، لأنّ
الأسير قد ثبت للإمام استرقاقه.
ويكون المال على
ما حكم به من الاستغنام ، وتسترقّ الذرّيّة.
وإذا حكم بقتل
الرجال وسبي النساء والذرّيّة وأخذ المال ، كان المال غنيمة ، ويجب فيه الخمس ، لأنّه
أخذ بالقهر والسيف.
مسألة ٧٤ : لو دخل حربيّ إلينا بأمان فقال له الإمام : إن رجعت إلى دار الحرب ، وإلاّ
حكمت عليك حكم أهل الذمّة ، فأقام سنة ، جاز أن يأخذ منه الجزية.
وإن قال له : اخرج
إلى دار الحرب ، فإن أقمت عندنا صيّرت نفسك ذميّا ، فأقام سنة ، ثمّ قال : أقمت
لحاجة ، قبل قوله ، ولم يجز أخذ الجزية منه ، بل يردّ إلى مأمنه ، لأصالة براءة
الذمّة.
قال الشيخ : وإن
قلنا : إنّه يصير ذمّيا ، كان قويّا ، لأنّه خالف الإمام .
ولو حكم الحاكم
بالردّ ، لم يجز ، لأنّه غير مشروع وقد قلنا : إنّ حكم الحاكم يشترط فيه المشروعيّة.
__________________
ولو اتّفقوا على
حاكم جامع للشرائط ، جاز أن يحكم إجماعا ، كما تقدّم ، ولا يجب عليه الحكم سواء
قبل التحكيم أو لم يقبله ، بل يجوز له أن يخرج نفسه من الحكومة ، لأنّه دخل
باختياره ، فجاز أن يخرج باختياره.
ولو حكم الحاكم
بغير السائغ ، لم ينفذ ، فإن رجع وحكم بالسائغ ، فالوجه نفوذه ، لأنّ الأوّل لا
اعتبار به في نظر الشرع ، فلا يخرجه عن الحكومة ، كما لو وكّله المالك في بيع سلعة
بألف فباعها بخمسمائة ثمّ باعها بألف.
وقال أبو حنيفة :
لا يجوز حكمه استحسانا .
وينفذ حكم الحاكم
على الإمام ، فليس للإمام أن يقضي بما فوقه ، وله أن يقضي بما دونه ، فإنه قضى
بغير القتل ، فليس للإمام القتل ، وإن قضى بالقتل ، فهل له الاسترقاق وفيه ذلّ
مؤبّد؟ للشافعيّة وجهان .
وكذا الوجهان لو
حكم بقبول الجزية فهل يجبرون وهو عقد مراضاة؟ فإن قلنا : يلزمهم ، فمنعهم كمنع أهل
الذمّة الجزية .
ولو حكم بالإرقاق
فأسلم واحد منهم قبل الإرقاق ، ففي جواز إرقاقه للشافعيّة وجهان .
وكذا الخلاف في
كلّ كافر لا يرقّ بنفس الأسر إذا أسلم قبل الإرقاق .
ولو شرط أن يسلّم
إليه مائة نفر فعدّ مائة ، قتلناه ، لأنّه وفّى المائة.
__________________
الفصل الرابع
في الغنائم
وفيه بابان :
الأوّل : في
أقسامها.
الغنيمة هي
الفائدة المكتسبة سواء اكتسبت برأس مال وشبهه ، كأرباح التجارات والزراعات
والصناعات وغيرها ، أو اكتسبت بالقتال والمحاربة ، وقد مضى حكم الأوّل ،
والبحث هنا في القسم الثاني.
وأقسامه ثلاثة :
ما ينقل ويحوّل ، كالأمتعة والأقمشة والدوابّ والنقدين وغيرها ، وما لا ينقل ولا
يحوّل ، كالأراضي ، وما هو سبي ، كالنساء والأطفال.
البحث الأوّل : فيما ينقل
ويحوّل.
مسألة ٧٥ : الغنيمة من دار الحرب ما أخذت بالغلبة والحرب وإيجاف الخيل والركاب.
وأمّا الفيء فهو
مشتقّ من « فاء يفيء » إذا رجع ، والمراد به في قوله تعالى ( ما أَفاءَ
اللهُ عَلى رَسُولِهِ ) ما حصل ورجع عليه من غير قتال ولا إيجاف بخيل ولا ركاب ،
وما هذا حكمه فهو للرسول 7 خاصّة ولمن قام بعده من الأئمّة 7 دون غيرهم.
وما يؤخذ بالفزع ،
مثل أن ينزل المسلمون على حصن أو قلعة
__________________
فيهرب أهله
ويتركون أموالهم فيه فزعا ، فإنّه يكون من جملة الغنائم التي تخمّس ، وأربعة
الأخماس للمقاتلة ، كالغنائم.
وقال الشافعي :
إنّ ذلك من جملة الفيء ، لأنّ القتال ما حصل فيه .
قال الشيخ : وهو
الأقوى .
وقد كانت الغنيمة
محرّمة فيما تقدّم من الشرائع ، وكانوا يجمعون الغنيمة فتنزل النار من السماء
فتأكلها ، فلمّا أرسل الله محمّدا 6 أنعم بها عليه ، فجعلها له خاصّة.
قال الله تعالى (
يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلّهِ وَالرَّسُولِ ) .
وروي عن النبي 6 أنّه قال : «
أحلّ لي الخمس ولم يحل لأحد قبلي .. وجعلت لي الغنائم » .
وقال 7 : « أعطيت خمسا
لم يعطهنّ أحد قبلي » وذكر من جملتها « أحلّت لي الغنائم » فاعطي 7 الغنائم بقوله ( قُلِ
الْأَنْفالُ لِلّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللهَ وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ ) نزلت يوم بدر
لمّا تنازعوا في الغنائم ، فقسّمها رسول الله 6 وأدخل معهم جماعة لم يحضروا الوقعة ، لأنّها كانت له 7 يصنع بها ما شاء
، ثمّ نسخ ذلك وجعلت للغانمين أربعة
__________________
أخماسها ، والخمس
الباقي لمستحقّه ، ولا نعلم فيه خلافا.
مسألة ٧٦ : ما يحويه العسكر ممّا ينقل ويحوّل إن لم يصح تملّكه للمسلمين كالخمور
والخنازير ، فليس غنيمة ، وما يصحّ تملكه غنيمة إن أخذته الفئة المجاهدة على سبيل
الغلبة دون ما يختلس ويسرق ، فإنّه خاصّ للمختلس ، ودون ما ينجلي عنه الكفّار من
غير قتال ، فإنّه فيء ، ودون اللقطة ، فإنّها لآخذها.
أمّا الغنيمة :
فهي للغانمين خاصّة يخرج منها الخمس لأربابه ، والباقي للغانمين.
وأمّا الأشياء
المباحة في الأصل ـ كالصيود والأحجار والأشجار ـ فإن لم يكن عليها أثر لهم ، فهي لواجدها ، وليست غنيمة ، وبه قال
الشافعي ومكحول والأوزاعي ، خلافا لأبي حنيفة والثوري حيث جعلاها للمسلمين .
ولو كان عليها أثر ـ كالطير
المقصوص والأشجار المقطوعة والأحجار المنحوتة ـ فهي غنيمة.
__________________
ولو وجد في دار
الحرب شيء يحتمل أن يكون للمسلمين والكفّار ـ كالخيمة والسلاح ـ فالوجه : أنّه
لقطة.
وقال الشيخ :
يعرّف سنة ثمّ يلحق بالغنيمة . وبه قال أحمد .
فإن وجد قدح منحوت
في الصحراء فعرفه المسلمون ، فهو لهم ، وإلاّ فغنيمة ، لأنّه في دارهم.
ولو وجد صيدا في
أرضهم لا مالك له واحتاج إلى أكله ، فإنّه له ، ولا يردّه إجماعا ، لأنّه لو وجد
طعاما مملوكا للكفّار ، كان له أكله إذا احتاج إليه ، فالصيد المباح أولى.
ولو أخذ من بيوتهم
أو خارجها ما لا قيمة له في أرضهم كالمسنّ ، فهو أحقّ به إجماعا. ولو صار له قيمة بنقله أو معالجته ،
فكذلك ، وبه قال أحمد ومكحول والأوزاعي والشافعي .
وقال الثوري : إذا
دخل به دار الإسلام ، دفعه في المغنم ، وإن عالجه فصار له ثمن ، اعطي بقدر عمله فيه ، ودفع في
المغنم .
وليس شيئا ، لأنّ
القيمة صارت له بعلمه ونقله ، فلم يكن غنيمة حال أخذه.
__________________
ولو ترك صاحب
المغنم شيئا من الغنيمة عجزا عن حمله فقال : من حمله فهو له ، جاز
، وصار لآخذه. وبه قال مالك ، خلافا لبعض العامّة .
ولو وجد في أرضهم
ركازا ، فإن كان في موضع يقدر عليه بنفسه ، فهو له ، كما لو وجده في دار الإسلام ،
يخرج خمسه ، والباقي له.
وإن لم يقدر عليه
إلاّ بجماعة المسلمين ، فإن كان في مواتهم ، قال الشافعي : يكون كما لو وجده في
دار الإسلام ، وإلاّ فهو غنيمة .
وقال مالك
والأوزاعي والليث وأحمد : هو غنيمة ، سواء كان في مواتهم أو غير مواتهم ، لأنّه
مال مشترك ظهر عليه بقوّة جيش المسلمين ، فكان غنيمة ، كالأموال الظاهرة .
مسألة ٧٧ : لا يجوز التصرّف في شيء من الغنيمة قبل القسمة إلاّ ما لا بدّ للغانمين منه
، كالطعام ، وضابطه : القوت وما يصلح به القوت ، كاللحم والشحم ، وكلّ طعام يعتاد
أكله ، وعلف الدوابّ : التبن والشعير وما في معناهما ، إجماعا ، إلاّ من شذّ ـ وبه قال سعيد
بن المسيّب وعطاء والحسن البصري والشعبي والثوري والأوزاعي ومالك والشافعي وأحمد
وأصحاب الرأي ـ لما رواه العامّة عن ابن عمر ، قال : كنّا نصيب العسل
__________________
والفواكه في مغازينا
فنأكله ولا نرفعه .
ومن طريق الخاصّة
: قول الصادق 7 في وصيّة النبي 6 :
« ولا تحرقوا زرعا
لأنّكم لا تدرون لعلّكم تحتاجون إليه ، ولا تعقروا من البهائم ما يؤكل لحمه إلاّ
ما لا بدّ لكم من أكله » .
ولأنّ الحاجة
تشتدّ إلى ذلك ، فإنّ نقل الميرة عسر جدّا ، وقسمته تستلزم عدم الانتفاع بما يحصل منه.
وقال الزهري : لا
يؤخذ إلاّ بإذن الإمام ، لأنّه غنيمة ، فهو لأربابه .
وهو ممنوع ،
لاشتداد الحاجة.
وهل يجوز أخذ
الطعام أو العلف مع عدم الحاجة؟ الوجه : المنع ، لأنّه مغنوم لجماعة الغانمين غير
محتاج إليه ، فأشبه سائر الأموال. نعم ، لهم التزوّد لقطع المسافة بين أيديهم.
وقال بعض العامّة
: يجوز مع عدم الحاجة أيضا ، لأن عمر سوّغ الأكل ، ولم يقيّد بالحاجة.
والحيوان المأكول
يجوز ذبحه والأكل منه مع الحاجة ، ولا تجب القيمة ، لأصالة البراءة.
__________________
ولا فرق بين الغنم
وغيرها.
وقال بعض
الشافعيّة : ما يمكن سوقه يساق ، وأمّا الغنم فتذبح ، لأنّها كالأطعمة ، ولهذا قال
7 حين سئل عن ضالّتها : « هي لك أو لأخيك أو للذئب » .
وقال بعض العامّة
: تجب القيمة ، لندور الحاجة إليه ، بخلاف الطعام .
وليس بشيء ، لأنا
فرضنا الحاجة.
وإذا ذبح الحيوان
للأكل ، ردّ الجلود إلى المغنم ، ولا يجوز استعمالها ، لعدم الحاجة إليها. ولو
استعمل الجلد في سقاء أو نعل أو شراك ، ردّه إلى المغنم مع اجرة المثل لمدّة
استعماله وأرش نقص أجزائه بالاستعمال. ولو زادت قيمته بالصنعة ، فلا شيء له ،
لأنّه متعدّ.
وأمّا ما عدا
الطعام والعلف واللحم فلا يجوز تناوله ولا استعماله ولا الانفراد به ، لقوله 7 : « أدّوا الخيط
والمخيط فإنّ الغلول عار ونار وشنار يوم القيامة » .
وللشافعيّة في
الفواكه وجهان .
__________________
ويمكن الفرق بين
ما يسرع إليه الفساد ويشقّ نقله وبين غيره.
وأمّا الدهن
المأكول فيجوز استعماله في الطعام مع الحاجة ، لأنّه نوع من الطعام. ولو كان غير
مأكول ، فإن احتاج إلى أن يدهن به أو دابّته ، لم يكن له ذلك إلاّ بالقيمة ، قاله
الشافعي ، لأنّه ممّا لا تعمّ الحاجة إليه ، ولا هو طعام ولا علف .
وقال بعض العامّة
: يجوز ، لأنّ الحاجة إليه في إصلاح بدنه ودابّته كالحاجة إلى الطعام والعلف .
ويجوز أن يأكل ما
يتداوى به أو يشربه ـ كالجلاب والسكنجبين وغيرهما ـ عند الحاجة ، لأنّه من الطعام.
وقال أصحاب
الشافعي : ليس له تناوله ، لأنّه ليس قوتا ولا يصلح به القوت .
والوجه : الجواز ،
لأنّه يحتاج إليه ، فأشبه الفواكه.
وليس له غسل ثوبه
بالصابون ، لأنّه ليس طعاما ولا علفا ، وإنّما يراد للتحسين والتزيين لا للضرورة.
ولا يجوز الانتفاع
بجلودهم ولا اتّخاذ النعال منها ولا الجرب ولا الخيوط ولا الحبال ـ وبه قال الشافعي ـ لأنّه مال
غنيمة لا تعمّ الحاجة
__________________
إليه ، فلا يختصّ
به البعض.
ورخّص مالك في
الحبل يتّخذ من الشعر ، والنعل والخفّ يتخذ من جلود البقر .
مسألة ٧٨ : الكتب التي لهم : فإن كان الانتفاع بها حلالا ـ كالطبّ
والأدب والحساب
والتواريخ ـ فهي غنيمة ، وإن حرم الانتفاع بها ـ مثل كتب الكفر والهجو والفحش
المحض ـ فلا يترك بحاله ، بل يغسل إن كان على رقّ أو كاغذ ثخين
يمكن غسله ، ثمّ هو كسائر أموال الغنيمة ، وإن لم يكن ، أبطلت منفعته بالتمزيق ،
ثم الممزّق كسائر الأموال ، فإنّ للممزّق قيمة وإن قلّت.
وكذا كتب التوراة
والإنجيل ، لأنّها مبدّلة محرّفة ، فلا يجوز الانتفاع بها ، وإنّما تقرّ في أيدي
أهل الذمّة ، لاعتقادهم ، كما يقرّون على الخمر.
والأولى أنّها لا
تحرق ، لما فيها من أسماء الله تعالى.
وأمّا جوارح الصيد
ـ كالفهد والبازي وكلب الصيد ـ فغنيمة. ولو لم يرغب فيها أحد من الغانمين ، جاز
إرسالها وإعطاؤها غير الغانمين. ولو رغب فيها بعض الغانمين ، دفعت إليه ، ولا تحسب
عليه من نصيبه ، لأنّه لا قيمة لها. وإن رغب فيها الجميع ، قسّمت ، ولو تعذّرت
القسمة أو تنازعوا في الجيّد منها ، أقرع بينهم.
وقال بعض
الشافعيّة : إنّ الإمام يخصّ بالكلاب من شاء .
__________________
قالوا : وللإمام
أن يسلّمها إلى واحد من المسلمين لعلمه باحتياجه إليه ، ولا يكون
محسوبا عليه .
واعترض عليه :
بأنّ الكلب منتفع به ، فليكن حقّ اليد فيه لجميعهم ، كما أنّ من مات وله كلب ، لا
يستبدّ به بعض الورثة .
وقال بعضهم : إن
أراده بعض الغانمين أو بعض أهل الخمس ولم ينازع فيه ، سلّم إليه ، وإن تنازعوا ،
فإن وجدنا كلابا وأمكنت القسمة عددا ، قسّمت وإلاّ أقرع بينهم ، وقد تعتبر قيمتها
عند من يرى لها قيمة أو ينظر إلى منافعها .
ولو وجدوا خنازير
، قتلوها ، لحصول الأذى منها.
ولو وجدوا خمرا ،
أراقوه ، ولو كان لظروفه قيمة ، أخذوها غنيمة ، إلاّ أن تزيد مئونة الحمل على
قيمتها أو تساويها فيتلفها عليهم.
ولا يجوز لبس ثياب
الغنيمة ولا ركوب دوابّها ، لأنّه مال مغنوم ، فلا يختصّ به أحد.
ولو كان للغازي
دوابّ أو رقيق ، جاز له أن يطعمهم ممّا يجوز له أكله ، سواء كانوا للقنية أو
للتجارة ، للحاجة ، بخلاف ما لو كان معه بزاة أو صقور ، لعدم الحاجة إليها ، بخلاف
الخيل.
ولا يجوز استعمال
أسلحة الكفّار إلاّ أن يضطرّ إليه في القتال ، فإذا انقضى الحرب ، ردّه إلى المغنم
، وبه قال الشافعي .
__________________
وقال أبو حنيفة :
يجوز استعمال أسلحتهم .
ولو جمعت الغنائم
وثبتت يد المسلمين عليها وفيها طعام أو علف ، لم يجز لأحد أخذه إلاّ لضرورة ، لأنّا أبحنا له
الأخذ قبل استيلاء يد المسلمين عليها مع الضرورة ، فبعد الاستيلاء أولى. ولأنّ
الغانمين ملكوها بالحيازة ، فخرجت عن المباحات ، فلا يجوز الأكل منها إلاّ أن لا
يجد غيره ، لأنّ حفظ النفس واجب ، سواء حيزت في دار الحرب أو دار الإسلام.
وقال بعض العامّة
: إن حيزت في دار الحرب ، جاز الأكل ، كما جاز قبل الحيازة ، لأنّ دار الحرب مظنّة
الحاجة .
وهو غلط ، لأنّ
المسلمين ملكوه ، فلا يباح أخذه إلا بإذن. ولأنّ الحيازة في دار الحرب تثبت الملك
، كالحيازة في دار الإسلام ، ولهذا جاز قسمته ، وتثبت فيه أحكام الملك.
مسألة ٧٩ : لو فضل معه من الطعام فضلة فأدخله دار الإسلام ، ردّه إلى المغنم وإن قلّ ، فإن
كانت الغنيمة لم تقسّم ، ردّ في المغنم ، وإن قسّمت ، ردّه إلى الإمام ، فإن أمكن
تفريقه كالغنيمة ، فرّق ، وإن لم يمكن ، لتفرّق الغانمين وقلّة ذلك ، احتمل جعله
في المصالح.
ولا خلاف في وجوب
ردّ الكثير ، لأنّ المباح أخذ ما يحتاج إليه في دار الحرب ، فالفاضل غير محتاج
إليه ، فيردّ.
__________________
وأما القليل فكذلك
ـ وهو أحد قولي الشافعي وقول أبي حنيفة وأبي ثور وابن المنذر وأحمد في إحدى
الروايتين ـ لقوله 7 : « أدّوا الخيط والمخيط » .
ولأنّه مال لم
يقسّم ، فأشبه الكثير.
وقال مالك : يكون
مباحا لا يجب ردّه إلى المغنم ـ وبه قال الأوزاعي وعطاء الخراساني ومكحول والشافعي
في القول الآخر ، وأحمد في الرواية الأخرى ـ لأنّه أبيح إمساكه عن القسمة ، فأبيح
في دار الإسلام ، كمباحات دار الحرب .
والفرق ظاهر.
وعن أبي حنيفة
أنّه إن كان ذلك قبل قسمة الغنيمة ، ردّه إلى المغنم ، وإن كان بعدها ، باعه
وتصدّق بثمنه .
مسألة ٨٠ : ما يؤخذ من أموال المشركين حال الحرب بالقهر ، فهو
__________________
للمقاتلة يؤخذ منه
الخمس ، والباقي للغانمين. وما تأخذه سريّة بغير إذن الإمام ، فهو للإمام خاصّة
عندنا. وما يتركه المشركون فزعا ويفارقونه من غير حرب ، فهو للإمام أيضا. وما يؤخذ
صلحا أو جزية ، فهو للمجاهدين ، ومع عدمهم يقسم في فقراء المسلمين ، وما يؤخذ غيلة
من أهل الحرب إن كان في زمان الهدنة ، أعيد إليهم ، فإن لم يكن كان لآخذه ، وفيه
الخمس. ومن مات من أهل الحرب وخلّف مالا فماله للإمام إذا لم يكن له وارث.
وقال بعض
الشافعيّة : لو دخل واحد أو شرذمة دار الحرب مستخفين وأخذوا مالا على صورة السرقة
، كان ملكا لآخذه خاصّة ، لأنّ السارق يقصد تملك المال وإثبات اليد عليه ، ومال
الحربي غير معصوم ، فكأنّه غير مملوك ، وصار سبيله سبيل الاستيلاء على المباحات ،
بخلاف مال الغنيمة ، فإنّه وإن حصل في يد الغانمين فليس مقصودهم التملّك ، إذ لا
يجوز التغرّر بالمهج لاكتساب الأموال ، وإنّما الغرض الأعظم رفع كلمة الله تعالى ،
وقمع أعداء الدين ، وللقصد أثر ظاهر فيما يملك بالاستيلاء .
وقال بعضهم : إنّه
غنيمة مخمّسة ، كأنّهم جعلوا دخوله دار الحرب وتغريره بنفسه قائما مقام القتال ،
ولهذا قالوا : لو غزت طائفة بغير إذن الإمام متلصّصين وأخذت مالا ، فهو غنيمة
مخمّسة .
وروي عن أبي حنيفة
أنّه لا يخمّس ، بل ينفردون به إذا لم يكن لهم قوّة وامتناع .
وفي رواية أخرى :
يؤخذ الجميع منهم ، ويجعل في بيت المال .
وقال بعض
الشافعيّة : إذا دخل الرجل الواحد دار الحرب وأخذ من
__________________
حربيّ مالا
بالقتال ، أخذ منه الخمس ، والباقي له ، وإن أخذه على جهة السوم ثمّ جحد أو هرب ،
فهو له خاصّة ولا خمس .
وقال بعضهم : ما
يؤخذ بالاختلاس يملك المختلسون أربعة أخماسه ، لأنّهم ما وصلوا إليها إلاّ بتغرير
أنفسهم ، كما لو قاتلوا .
وعن أبي إسحاق أنّ
المختلس يكون فيئا ، لأنّه حصل بغير إيجاف خيل ولا ركاب ، كما هو مذهبنا.
وقال بعضهم : هذا
إذا دخل الواحد أو النفر اليسير دار الحرب وأخذوا ، فأمّا إذا أخذ بعض الجند
الداخلين بسرقة واختلاس ، فهو غلول ، لأنّهم قالوا : ما يهديه الكافر إلى الإمام
أو إلى واحد من المسلمين والحرب قائمة لا ينفرد به المهدى إليه ، بل يكون غنيمة ،
بخلاف ما إذا أهدى من دار الحرب إلى دار الإسلام .
وقال أبو حنيفة :
إنّه ينفرد المهدى إليه بالهديّة بكلّ حال .
والمال الضائع
الذي يؤخذ على هيئة اللقطة إن علم أنّه للكفّار ، قال بعض الشافعيّة : إنّه يكون
لواجده ، لأنّه ليس مأخوذا بقوّة الجند أو قوّة الإسلام حتى يكون فيئا ، ولا
بالقتال حتى يكون غنيمة .
__________________
وقال بعضهم : يكون
غنيمة لا يختصّ به الآخذ .
ولو أمكن أن يكون
للمسلمين ، وجب تعريفه يوما أو يومين ، لأنّه يكفي إنهاء التعريف إلى الأجناد إذا
لم يكن مسلم سواهم ، ولا ينظر إلى الاحتمال ( بطروق التجّار ) .
وقال بعضهم : إنّه
يعرّف سنة على ما هو قاعدة التعريف .
وقال بعضهم : لو
وجد ضالّة في دار الحرب ، فهو غنيمة ، فالخمس لأهله ، والباقي له ولمن معه. ولو
وجد ضالّة لحربيّ في دار الإسلام ، لا يختصّ هو به ، بل يكون فيئا. وكذا لو دخل
صبي أو امرأة بلادنا فأخذه رجل ، يكون فيئا. ولو دخل منهم رجل فأخذه مسلم ، يكون
غنيمة ، لأنّ لآخذه مئونة ، ويرى الإمام فيه رأيه ، فإن رأى استرقاقه ، كان الخمس
لأهله ، والباقي لمن أخذه ، بخلاف الضالّة ، لأنّها مال الكفّار حصل في أيدينا من
غير قتال .
مسألة ٨١ : لو أتلف بعض الغانمين من طعام الغنيمة شيئا ، ضمن لأنّه لم يستعمله في الوجه
السائغ شرعا ، وما يأخذه لا يملكه بالأخذ ولكن أبيح له الأخذ والأكل.
ولو أخذ بعض
الغانمين فوق ما يحتاج إليه وأضاف به غانما أو غانمين ، جاز ، وليس فيه إلاّ إتعاب
نفسه بالطبخ وإصلاح الطعام.
__________________
وليس له أن يضيف
غير الغانمين ، فإن فعل ، فعلى الآكل الضمان إن كان عالما ، وإن كان جاهلا ،
استقرّ الضمان على المضيف.
ولو لحق الجند مدد
بعد انقضاء القتال وحيازة الغنيمة ، فالوجه : أنّ لهم الأكل في موضع يشاركون في
القسمة. وللشافعيّة وجهان ، أحدهما : الجواز ، لحصوله في دار الحرب التي هي مظنّة
عزّة الطعام. وأصحّهما عندهم : المنع ، لأنّه معهم كغير الضيف .
مسألة ٨٢ : إنّما يسوغ للغانمين أكل ما سوّغناه إذا كانوا في دار الحرب التي تعزّ فيها
الأطعمة على المسلمين ، فإذا انتهوا إلى عمران دار الإسلام وتمكنوا من الشراء ،
أمسكوا.
ولو خرجوا عن دار
الحرب ولم ينتهوا إلى عمران دار الإسلام ، فالأقرب جواز الأكل ، لبقاء الحاجة
الداعية إليه ، فإنّهم لا يجدون من يبيعهم ولا يصادفون سوقا. وهو أحد وجهي
الشافعيّة .
والثاني : المنع ،
لأنّ مظنّة الحاجة دار الحرب ، فيناط الحكم بها .
ولو وجدوا سوقا في
دار الحرب وتمكّنوا من الشراء ، احتمل جواز الأكل ، للعموم.
وهو أظهر وجهي
الشافعيّة ، لأنّهم جعلوا دار الحرب في إباحة الطعام بمنزلة السفر في الرخص ، فإنّ
الرخص وإن ثبتت لمشقّة السفر
__________________
فالمترفّه الذي لا
مشقّة عليه يشارك فيها من حصلت له المشقّة .
وليس للغانم أن
يقرض ما أخذه من الطعام أو العلف من غير الغانمين أو يبيعه ، فإن فعل ، فعلى من
أخذه ردّه إلى المغنم. فإن أقرضه غانما آخر ، فليس ذلك قرضا حقيقيّا ، لأنّ الآخذ
لا يملك ما يأخذه حتى يملّكه غيره. وحينئذ فالأقرب أنّه ليس للمقرض مطالبة المقترض
بالعين أو المثل ما داما في دار الحرب ، ولا يلزم الآخذ الردّ ، لأنّ المستقرض من
أهل الاستحقاق أيضا ، فإذا حصل في يده ، فكأنّه أخذه بنفسه. وهو أحد وجهي
الشافعيّة .
والثاني : أنّ له
مطالبته بالعين أو المثل ما داما في دار الحرب ، لأنّه إذا أخذه صار أحق به ، ولم
تزل يده عنه إلاّ ببدل.
وعلى هذا الوجه له
مطالبته بردّ مثله من المغنم لا من خالص ملكه ، فلو ردّ عليه من خالص ملكه ، لم
يأخذه المقرض ، لأنّ غير المملوك لا يقابل بالمملوك حتى لو لم يكن في المغنم طعام
آخر سقطت المطالبة. وإذا ردّ من المغنم ، صار الأوّل أحقّ به ، لحصوله في يده.
وعلى هذا الوجه
إذا دخلوا دار الإسلام انقطعت حقوق الغانمين عن أطعمة المغنم ، فيردّ المستقرض على
الإمام.
وإذا دخلوا دار
الإسلام وقد بقي عين القرض في يد المستقرض ، بني على أنّ الباقي من طعام المغنم هل
يجب ردّه إلى المغنم؟ إن قلنا : نعم ، ردّه إلى المغنم ، وإن قلنا : لا ، فإن
جعلنا للقرض اعتبارا ، فيردّه إلى المقرض ، وإن قلنا : لا اعتبار له ، فلا يلزمه
شيء .
مسألة ٨٣ : لو باع الغانم ما أخذه من غانم آخر بمال آخر أخذه من
__________________
الغنيمة ، فهو
إبدال مباح بمباح ، كإبدال الضيوف لقمة بلقمة ، وكلّ منهما أولى بما تناوله من يد الآخر.
ولو تبايعا صاعا
بصاعين ، لم يكن ذلك ربا ، لأنّه ليس معاوضة حقيقيّة ، بل هو كما لو كان في يد
عبده طعام فتقابضا صاعا بصاعين.
قال بعض الشافعيّة
: من جعل للقرض اعتبارا يلزمه أن يجعل للبيع اعتبارا حتى يجب على الآخذ تسليم صاع إلى بائعه. وإن
تبايعا صاعا بصاعين ، فإن سلم بائع الصاع الصاع ، لم يملك إلاّ طلب صاع تشبيها
بالقرض ، وإن سلّم المشتري الصاعين ، لم يطلب إلاّ صاعا ، وملك الزائد على البذل .
إذا عرفت هذا ،
فالمأخوذ حيث قلنا : إنّه مباح للغانم غير مملوك فليس له أن يأكل طعامه ويصرف
المأخوذ إلى حاجة أخرى بدلا عن طعامه ، كما لا يتصرّف الضيف فيما قدّم إليه إلاّ
بالأكل.
ولو قلّ الطعام
وخاف قائد الجيش الازدحام والتنازع عليه ، جعله تحت يده وقسّمه على المحتاجين على
إقدار الحاجات.
مسألة ٨٤ : الأقرب أنّ حقّ الغانم من الغنيمة يسقط بالإعراض عن الغنيمة وتركها قبل
القسمة ، لأنّ المقصود الأعظم من الجهاد إعلاء الدين والذبّ عن الملّة ، والغنيمة
تابعة ، فمن أعرض عنها فقد أخلص عمله بعض الإخلاص ، وجرّد قصده للمقصد الأعظم.
ولأنّ الغنيمة لا تملك قبل القسمة ، بل تملك إن تملّك على قول ، فالحقّ فيه
كحقّ الشفعة.
__________________
وبالجملة ، إن
قلنا : تملك إن تملّك فهو كحقّ الشفعة ، وإن قلنا : تملك ، فلا ينبغي أن يكون
مستقرّا ، ليتمكّن من تمحيض الجهاد ليحصل المقصد الأعظم ، فلو قال أحد الغانمين :
وهبت نصيبي من الغانمين ، صحّ ، وكان إسقاطا لحقّه الثابت له ، وهو قول بعض
الشافعيّة .
وقال بعضهم : إنّه
إن أراد الإسقاط ، صحّ ، وإن أراد التمليك ، لم يصح ، لأنّه مجهول .
مسألة ٨٥ : إذا حاز المسلمون الغنائم وجمعوها ، ثبت حقّهم فيها ، وملكوها ، سواء جمعوها
في دار الحرب أو في دار الإسلام ـ وبه قال الشافعي ـ لأنّه يجوز
القسمة في دار الحرب.
وقال أبو حنيفة :
إذا حازوها في دار الحرب ، لا تملك ، وإنّما تملك بعد إحرازها في دار الإسلام . وليس بجيّد.
ومع الحيازة يثبت
لكلّ واحد منهم حقّ الملك.
وقيل : لا يملك
إلاّ باختيار التملّك ، لأنّه لو قال واحد : أسقطت حقّي ، سقط ، ولو كان ملكا له ،
لم يزل بذلك ، كما لو قال الوارث : أسقطت حقّي في الميراث ، لم يسقط ، لثبوت الملك
له واستقراره .
وفيه نظر ، لأنّه
بالحيازة قد زال ملك الكفّار عنها ، ولا يزول إلاّ إلى المسلمين. نعم ، ملك كلّ
واحد منهم غير مستقرّ في شيء بعينه ، أو جزء
__________________
مشاع ، بل للإمام
أن يعيّن نصيب كلّ واحد بغير اختياره ، بل هو ملك ضعيف.
مسألة ٨٦ : من غلّ من الغنيمة شيئا ، ردّه إلى المغنم ، ولا يحرق رحله ـ وبه قال مالك
والليث والشافعي وأصحاب الرأي ـ لأنّ النبي 6 لم يحرق رحل الغالّ . ولأنّ فيه إضاعة المال ، ولم يثبت لها نظير في الشرع.
وقال الحسن البصري
وفقهاء الشام منهم ، مكحول والأوزاعي : إنّه يحرق رحله ، إلاّ المصحف وما فيه روح
، لما رواه عمر عن النبي 6 قال : « إذا وجدتم الرجل قد غلّ فأحرقوا متاعه واضربوه » .
ونمنع صحّة السند.
قال أحمد : ولا
تحرق آلة الدابّة ، كالسرج وغيره ، لأنّه يحتاج إليه للانتفاع .
وقال الأوزاعي :
يحرق سرجه .
__________________
ولا تحرق ثياب
الغالّ التي عليه إجماعا ، لأنّه لا يجوز تركه عريانا ، ولا ما غلّ من الغنيمة
إجماعا ، لأنّه مال المسلمين ، ولا يحرق سلاحه ، لأنّه يحتاج إليه للقتال ، وهو
منفعة للمسلمين عامّة ، ولا نفقته. ولو أبقت النار شيئا ـ كالحديد ـ فهو لمالكه ،
للاستصحاب.
ولا تحرق كتب
العلم والأحاديث ، لأنّه نفع يرجع إلى الدين ، وليس القصد بالإحراق إضراره في
دينه.
ولو لم يحرق متاعه
حتى تجدّد له آخر ، لم يحرق المتجدّد إجماعا.
وكذا لو مات لم
يحرق رحله إجماعا ، لأنّها عقوبة ، فتسقط بالموت.
قال أحمد : ولو
باعه أو وهبه ، نقض البيع والهبة وأحرق . ولو كان الغالّ صبيّا ، لم يحرق إجماعا.
وكذا لو كان عبدا
، لأنّ المتاع لسيده ، فلا يعاقب بجناية عبده.
ولو غلّت امرأة أو
ذمي ، قال أحمد : يحرق متاعهما .
ولو أنكر الغلول
وادّعى ابتياعه ، لم يحرق متاعه إجماعا ، إلاّ أن يثبت بالإقرار أو البيّنة ،
فيحرق عند أحمد .
ولا يحرم الغالّ
سهمه من الغنيمة ، سواء كان صبيّا أو بالغا ، لأنّ سبب الاستحقاق ـ وهو حضور الحرب
ـ ثابت ، والغلول لا يصلح مانعا ، كغيره من أنواع الفسوق ، وهو إحدى الروايتين عن
أحمد .
وفي الثانية :
يحرم سهمه .
وقال الأوزاعي :
إن كان صبيّا ، حرم سهمه .
وإذا أخذ سهمه ،
لم يحرق إجماعا.
__________________
مسألة ٨٧ : إذا تاب الغالّ قبل القسمة ، وجب ردّ ما غلّة في المغنم إجماعا ، لأنّه حقّ
لغيره ، فيجب عليه ردّه إلى أربابه.
ولو تاب بعد
القسمة ، فكذلك ـ وبه قال الشافعي ـ لأنّه مال لغيره ، فيجب ردّه إلى أربابه ، كما لو تاب
قبل القسمة.
وقال مالك : إذا
تاب بعد القسمة ، أدّى خمسه إلى الإمام ، وتصدّق بالباقي ـ وبه قال الحسن البصري ـ
بناء على فعل معاوية . وليس حجّة.
فإن تمكّن الإمام
من قسمته ، فعل ، وإلاّ تصدّق به بعد الخمس ، لأنّ تركه تضييع له وتعطيل لمنفعته
التي خلق لها ، ولا يتخفّف به شيء من إثم الغالّ ، وفي الصدقة به نفع لمن يصل
إليه من المساكين ، وما يحصل من أجر الصدقة يصل إلى صاحبه ، فيذهب به الإثم عن
الغالّ ، فيكون أولى.
مسألة ٨٨ : لو سرق من الغنيمة شيئا ، فإن كان له نصيب من الغنيمة بقدره أو أزيد بما لا
يبلغ نصاب القطع ، لم يجب عليه القطع ، لأنّه وإن لم يملكه لكن شبهة الشركة درأت
عنه الحدّ ، وإن زاد على نصيبه بمقدار النصاب الذي يجب فيه القطع ، وجب عليه القطع
، لأنّه سارق.
هذا إذا لم يعزل
منه الخمس ، ولو عزل الإمام الخمس ثم سرق ولم يكن من أهل الخمس ، فإن كان من الخمس
، قطع ، وإن كان من أربعة الأخماس ، قطع إن زاد على نصيبه بقدر النصاب.
__________________
وللشافعي وجهان :
أحدهما : إذا سرق
من أربعة الأخماس ما يزيد على نصيبه بقدر النصاب ، وجب القطع.
والثاني : لا يقطع
، لأنّ حقّه لم يتعيّن ، فكلّ جزء مشترك بينه وبينهم ، فكان كالمال المشترك ـ وهو
رواية عندنا ـ ولأنّا لو قلنا : إنّه يقطع في المشترك ، فإنه لا يقطع هنا ، لأنّ
حقّ كلّ واحد من الغانمين متعلّق بجميع المغنم ، لأنّه يجوز أن يعرض الباقون ،
فيكون الكلّ له. وعلى كلّ حال فيستردّ المسروق إن كان [ باقيا ، وبدله إن كان ] تالفا ، ويجعل في
المغنم .
ولو كان السارق
عبدا ، فهو كالحرّ ، لأنّه يرضخ له ، فإن كان ما سرقه أزيد ممّا يرضخ له بقدر
النصاب ، وجب القطع ، وإلاّ فلا. وكذا المرأة.
ولو سرق عبد
الغنيمة منها ، لم يقطع ، لئلاّ يزيد ضرر الغانمين. نعم ، يؤدّب حسما للجرأة.
ولو كان السارق
ممّن لم يحضر الوقعة ، فلا نصيب له منها ، فيقطع.
ولو كان أحد
الغانمين ابنا للسارق ، لم يقطع إلاّ إذا زاد ما سرقه عن نصيب ولده بمقدار النصاب
، لأنّ مال الولد في حكم ماله.
ولو كان السارق
سيّد عبد [ له نصيب ] في الغنيمة ، كان حكمه حكم
__________________
من له نصيب ، لأنّ
مال العبد لسيّده. وبذلك كلّه قال الشافعي وأبو حنيفة . وزاد الشافعي :
الابن إذا سرق وللأب سهم في الغنيمة أو أحد الزوجين . وزاد أبو حنيفة
: إذا كان لذي رحم محرم منه فيها حقّ ، لم يقطع .
والغالّ هو الذي
يكتم ما أخذه من الغنيمة ولا يطّلع الإمام عليه ولا يضعه مع الغنيمة. ولا ينزّل
منزلة السارق في القطع ، إلاّ أن يغلّ على وجه السرقة ، فإنّ الغلول أخذ مال لا
حافظ له ولا يطّلع عليه غالبا ، والسرقة أخذ مال محفوظ.
والسارق عندنا لا
يحرق رحله.
وقال بعض العامّة
: يحرق .
مسألة ٨٩ : ليس لأحد الغانمين أن يبيع غانما آخر شيئا من الغنيمة ، فإن باعه ، لم يصح
لأنّ نصيبه مجهول ، وكذا وقوعه في نصيبه. وكذا لا يصحّ لو كان طعاما ، لأنّ إباحة
التناول لا تقتضي إباحة البيع ، فيقرّ في يد المشتري ، وليس للمشتري ردّه إلى
البائع ولا للبائع قهره عليه ، لأنّه أمانة في يدهما لجميع المسلمين. ولو لم يكن
من الغانمين. لم تقرّ يده عليه.
ولو أقرضه الغانم
لمن لا سهم له ، لم يصح ، واستعيد من القابض. وكذا لو باعه منه. وكذا لو جاء رجل
من غير الغانمين فأخذ من طعام الغنيمة ، لم تقرّ يده عليه ، إذ لا نصيب له ، وعليه
ضمانه.
__________________
ولو باعه من غير
الغانمين ، بطل البيع ، واستعيد.
ويجوز للإمام أن
يبيع من الغنيمة شيئا قبل القسمة لمصلحة ، فلو عاد الكفّار وأخذوا المبيع من
المشتري في دار الحرب ، فضمانه على المشتري ، وبه قال الشافعي وأحمد في إحدى
الروايتين.
وفي الأخرى : ينفسخ
البيع ، ويكون من ضمان أهل الغنيمة ، فإن كان المشتري قد وزن الثمن ، استعاده ،
وإلاّ سقط إن كان [ لا ] لتفريط منه ، وإن كان لتفريط منه ، مثل أن خرج به من
العسكر وحده ، فكقولنا .
وليس بجيّد ، لأنّ
التلف في يد المشتري ، فلا يرجع بالضمان على غيره ، كغيره من المبيعات.
وإذا قسّمت
الغنائم في دار الحرب ، جاز لكلّ من أخذ منهم التصرّف فيه كيف شاء بالبيع وغيره ،
فلو باع بعضهم شيئا فغلب المشتري عليه ، لم يضمنه البائع.
ولأحمد روايتان .
ويجوز لأمير الجيش
أن يشتري من مال الغنيمة شيئا قبل القسمة وبعدها.
وقال أحمد : ليس
له ذلك ، لأنّه يحابي .
ويندفع الخيال
بأخذه بالقيمة العدل.
مسألة ٩٠ : لا يسقط حقّ الغانم من الغنيمة بالإعراض بعد القسمة ،
__________________
كسائر الأملاك ،
وأمّا قبلها فالأقرب سقوطه.
ولو أفرز الخمس
ولم تقسّم الأخماس الأربعة بعد ، فالأقرب أنّ الإعراض مسقط ، لأنّ إفراز الخمس لا
يعيّن حقوق الواحد فالواحد من الغانمين ، فلا يلزمهم في حقوقهم عكس ما كانوا عليه
من قبل ، وهو أصحّ قولي الشافعي .
والثاني : أنّه لا
يسقط ، لأنّ بإفراز الخمس تتميّز حقوقهم عن الجهات العامّة ، ويصير الباقي لهم ،
كسائر الأملاك المشتركة .
وقال بعض
الشافعيّة : إذا استقسم الغانمون الإمام ، لم يسقط حقّ أحدهم بالإعراض ، لأنّه
يشعر باختيار التملّك وتأكيد الحق ، دون ما إذا استبدّ الإمام بإفراز الخمس ،
فإنّهم لم يحدثوا ما يشعر بقصد التملّك .
ولو قال : اخترت الغنيمة
، ففي منعه من الإعراض للشافعيّة وجهان :
أحدهما : لا ، فقد
يتغيّر الرأي في الشيء المقدور عليه ، والاستقرار لا يحصل قبل القسمة.
والثاني : نعم ،
كما أنّ ذا الخيار في العقود إذا اختيار أحد الطرفين لا يعدل إلى الآخر .
ولو أعرض الغانمون
بأجمعهم ففي صحّة إعراضهم لهم وجهان :
أحدهما : لا يصحّ
، وإلاّ لاستحقها أرباب الخمس ، فيزيد حقّهم والله تعالى قد عيّن لهم الخمس.
وأصحهما : الصحّة
، وتصرف الأخماس الأربعة إلى مصارف
__________________
الخمس ، لأنّ
المعنى المصحّح للإعراض يشمل الواحد والجمع .
وأمّا الخمس :
فسهم الله تعالى وسهم رسوله وسهم ذوي القربى للإمام عندنا خاصّة ، فيصحّ إعراضه ،
كما يصحّ إعراض الغانم.
وعند العامّة أنّ
سهم ذوي القربى لكلّ من يستحقّ الخمس.
وفي صحّة إعراضهم
وجهان :
أحدهما : يصحّ ،
كما يصحّ إعراض الغانمين.
والثاني : المنع ،
لأنّ سهمهم منحة أثبتها الله تعالى لهم من غير معاناة وشهود وقعة ، فليسوا
كالغانمين الذين يحمل حضورهم على إعلاء الكلمة .
والمفلس الذي حجر
عليه القاضي لإحاطة الديون به يصح إعراضه ، لأنّ اختيار التملّك بمنزلة ابتداء
الاكتساب ، وليس على المفلس الاكتساب.
وفي صحّة اعراض
السفيه المحجور عليه نظر ، أقربه : أنّه ليس له إسقاط الملك ولا إسقاط حقّ الملك ،
فلو صار رشيدا قبل القسمة وانفكّ عنه الحجر ، صحّ إعراضه.
ولا يصحّ إعراض
الصبي عن الرضخ ولا إعراض الوليّ عنه ، فإن بلغ قبل القسمة ، صحّ إعراضه.
ولا يصحّ إعراض
العبد عن الرضخ ، ويصحّ إعراض السيّد ، فإنّه حقّه.
والأقرب : صحّة
إعراض السالب عن السلب ـ وهو أصحّ وجهي الشافعي ـ كإعراض
الغانمين.
والثاني : لا يصحّ
، لأنّه متعيّن له ، فأشبه الوارث .
مسألة ٩١ : من أعرض من الغانمين يقدّر كأنّه لم يحضر الوقعة ،
__________________
ويقسّم المال
أخماسا : خمسه لمستحقّيه ، وأربعة أخماس لباقي الغانمين ، وهو أصحّ قولي الشافعي .
والثاني : أنّ
نصيب المعرض يضمّ إلى الخمس ، لأنّ الغنائم في الأصل لله تعالى ، لقوله تعالى ( قُلِ
الْأَنْفالُ لِلّهِ ) فمن أعرض رجعت حصّته إلى أصلها .
ولو مات واحد من
الغانمين ولم يعرض ، انتقل حقّه إلى الورثة ، لأنّه ثبت له ملك أو حقّ ملك ،
وكلاهما موروث ، فإن شاءوا أعرضوا ، وإن شاءوا طلبوا.
وللشافعيّة ثلاثة
أوجه في أنّه هل يملك الغانمون قبل القسمة؟
أظهرها : أنّهم لا
يملكون بل يملكون إن تملّكوا ، بدليل صحّة الإعراض ، ولو ملكوا بالاستيلاء ، لما
سقط عنهم بالإعراض. ولأنّ للإمام أن يخص كلّ طائفة بنوع من المال ، ولو ملكوا لم
يجز إبطال حقّهم عن بعض الأنواع بغير اختيارهم.
والثاني : يملكون
بالحيازة والاستيلاء ، لأنّ الاستيلاء على ما ليس بمعصوم من الأموال سبب للملك . ولأنّ ملك
الكفّار زال بالاستيلاء ، فلو لم يملكه الغانمون ، بقي الملك لا مالك له. نعم
، هو ملك ضعيف يسقط بالإعراض ، ولا تجب الزكاة فيه قبل اختيار التملّك على الأظهر.
والثالث : أنّ
ملكهم موقوف ، إن سلمت الغنيمة إلى أن اقتسموا ، ظهر
__________________
أنّهم ملكوها
بالاستيلاء ، وإلاّ بان بالموت أو الأعراض عدم الملك ، لأنّ قصد الاستيلاء على
المال لا يتحقّق إلاّ بالقسمة ، لما تقدم من أنّ الغرض إعلاء كلمة الله تعالى ،
فإذا اقتسموا تبيّنّا قصد التملّك بالاستيلاء.
وإذا قلنا بالوقف
، قال الجويني : لا نقول : نتبين بالقسمة أنّ حصّة كلّ واحد من الغانمين على
التعيين صارت ملكا بالاستيلاء ، بل نقول : إذا اقتسموا ، تبيّنّا أنّهم ملكوا
الغنائم أوّلا ملكا مشاعا ثمّ تتميّز الحصص بالقسمة .
مسألة ٩٢ : لو وقع في المغنم من يعتق على بعض الغانمين ، لم يعتق حصّته ما لم يقع في
حصّته ، ولم يمنعه ذلك عن الإعراض ، قاله بعض الشافعيّة .
وقال الشيخ : الذي
يقتضيه المذهب أن نقول : ينعتق منه نصيبه منه ، ويكون الباقي للغانمين . وبه قال أحمد .
وقال الشافعي :
إنّه لا ينعتق عليه لا كلّه ولا بعضه . وهو مقتضى قول أبي حنيفة .
لنا : ما تقدّم من
أنّ الملك يثبت للغانمين بالاستيلاء التامّ وقد وجد ،
__________________
ولأنّ ملك الكفّار
قد زال ولا يزول إلاّ إلى المسلمين ، وهو أحدهم ، فيكون له نصيب مشاع في الغنيمة ،
فينعتق عليه ذلك النصيب.
احتجّ الشافعي :
بأنّه لم يحصل تملّك تام ، إذ للإمام أن يعطيه حصّته من غيره ، فنصيبه غير متميّز
من الغنيمة.
قال الشيخ :
والأوّل أقوى .
ثمّ قال الشيخ : ينعتق نصيبه ،
ولا يلزمه قيمة ما يبقى للغانمين ، لأصالة البراءة ، ولا دليل على شغلها . والقياس على
المعتق باطل ، لأنّ هناك إنّما وجب عليه التقويم ، لأنّ العتق صدر عنه.
أمّا لو جعله
الإمام في نصيبه أو نصيب جماعة هو أحدهم ، فإنّه ينعتق نصيبه قولا واحد.
ولو رضي بالقسمة ،
فالأقرب التقويم عليه ، لأنّ ملكه برضاه.
هذا إذا كان موسرا
، ولو كان معسرا ، عتق قدر نصيبه ، ولم يقوّم عليه الباقي.
ولو أسر أباه
منفردا به ، لم ينعتق عليه ، لأنّ الأسير لا يصير رقيقا بالأسر ، بل باختيار
الإمام ، لأنّ للإمام حقّ الاختيار إن شاء قتله ، وإن شاء استرقّه ، وان شاء منّ
عليه ، وإن شاء فأداه ، فإن اختار الإمام استرقاقه ، عتق على السبابي أربعة أخماسه
، وقوّم الخمس عليه إن كان موسرا ، قاله بعض الشافعيّة .
قال : ولو أسر
امّه ، أو ابنه الصغير ، فإنّه يصير رقيقا بالأسر ، فإن
__________________
اختار تملّكهما ،
عتق عليه أربعة أخماسهما ، وقوّم الباقي عليه إن كان موسرا ، وإن كان معسرا ، رقّ
الباقي ، وإن لم يختر التملّك ، كان أربعة الأخماس لمصالح المسلمين وخمسه لأهل
الخمس .
قال : ولو أنّ
حربيا باع من المسلمين امرأته وقد قهرها ، جاز. ولو باع أباه أو ابنه بعد قهرهما ،
لم يجز ، لأنّه إذا قهر زوجته ، ملكها ، فيصحّ بيعها ، وإذا قهر أباه أو ابنه ،
ملكه فعتق عليه فلا يجوز بيعه .
ولو أعتق بعض
الغانمين عبدا من الغنيمة قبل القسمة ، فإن كان ممّن لم يثبت فيه الرقّ ، كالرجل
قبل استرقاقه ، لم يعتق ، لأنّه 7 قال : « لا عتق إلاّ في ملك » وإن كان ممّن
يملك ، كالصبي والمرأة ، فالوجه عندنا أنّه يعتق عليه قدر حصّته ويسري إلى الباقي
، فيقوّم عليه ، ويطرح باقي القيمة في المغنم.
هذا إذا كان موسرا
، وإن كان معسرا ، عتق عليه قدر نصيبه ، لأنّه موسر بقدر حصّته من الغنيمة ، فإن
كان بقدر حصّته من الغنيمة ، عتق ولم يأخذ من الغنيمة شيئا ، وإن كان دون حصّته ، أخذ باقي نصيبه
، وإن كان أكثر ، عتق قدر نصيبه.
ولو أعتق عبدا آخر
وفضل من حقّه عن الأوّل شيء ، عتق بقدره من
__________________
الثاني ، وإن لم
يفضل شيء ، كان عتق الثاني باطلا.
مسألة ٩٣ : ليس للغانم وطء جارية المغنم قبل القسمة ، فإن وطئ عالما بالتحريم ، حدّ بقدر
نصيب غيره من الغانمين قلّوا أو كثروا ، وبه قال مالك وأبو ثور والشافعي في القديم
.
وقال الشافعي وأبو
حنيفة وأحمد : لا حدّ ، للشبهة .
قال الشافعي : بل
يعزّر ، ولا ينفذ الاستيلاد في نصيبه. وإن قلنا : يملك ، ففي نفوذه للشافعيّة
وجهان ، لضعف الملك .
وقيل : إن قلنا :
يملك ، نفذ ، وإن قلنا : لا يملك ، فوجهان ، كاستيلاد الأب جارية الابن ، فإن نفذ
في نصيبه وهو موسر بما يخصّه من الغنيمة أو بغيره ، سرى ، والولد جميعه حرّ ، وفي
وجوب قيمة حصّة غيره من الولد إشكال ينشأ من أنّه ينتقل الملك إليه قبل العلوق أو
بعده؟
وأمّا الحدّ : فلا
يجب ، والمهر يجب جميعه إن قلنا : لا ملك له ، ويوضع في المغنم ، وإن قلنا : يملك
، حطّ عنه قدر حصّته .
__________________
ولو وطئها جاهلا
بالتحريم ، فلا حدّ إجماعا ، لأنّ الشركة شبهة ، وهو غير عالم. وأمّا المهر : فقال
الشيخ : لا يجب عليه المهر ، لعدم الدلالة على شغل الذمّة به .
وقال الشافعي :
يجب عليه ، لأنه وطئ في غير ملك سقط فيه الحدّ عن الواطئ ، فيجب المهر ، كوطء
الأب جارية ابنه .
ولو أوجبنا المهر
ثمّ قسّمت الغنيمة فحصلت الجارية في نصيبه ، لم يسقط ، لأنّه وجب بالوطي السابق.
ولو أحبلها ، قال
الشيخ : يكون حكم ولدها حكمها ، فيكون له منه بقدر نصيبه من الغنيمة ، ويقوّم
بقيّة سهم الغانمين عليه ، ويلزمه سهم الغانمين ، وينظر فإن كانت القيمة قدر حقّه
، فقد استوفى حقّه ، وإن كان أقلّ ، أعطي تمام حقّه ، وإن كان أكثر ، ردّ الفضل ،
ويلحق به الولد لحوقا صحيحا ، لأنّه شبهة ، وتكون الجارية أمّ ولده . وبه قال الشافعي
وأحمد .
وقال أبو حنيفة :
يكون الولد رقيقا ولا يلحق نسبه ، لأنّ وطيه لم يصادف
__________________
ملكا ، لأنّ
الغانم يملك بالقسمة .
وليس بجيّد ، لأنّ
ملكهم يتحقّق بالاستيلاء ، فلهم نصيب.
قال الشيخ : هذه
الجارية تصير أمّ ولده في الحال . وبه قال أحمد .
وقال الشافعي : لا
تصير أمّ ولد في الحال ، لأنّها ليست ملكا له ، فإذا ملكها بعد ذلك ، ففي صيرورتها
أمّ ولد قولان .
فعلى قول الشيخ
تقوّم الجارية عليه ، ويغرم سهم الغانمين . وبه قال أحمد . وللشافعي قولان .
قال الشيخ : إذا
وضعت ، نظر فإن كانت قوّمت عليه قبل الوضع ، فلا يقوّم عليه الولد ، لأنّ الولد
إنّما يقوّم إذا وضعت وفي هذه الحال وضعته في ملكه ، وإن كانت بعد لم تقوّم عليه ،
قوّمت هي والولد معا بعد الوضع ، وأسقط منه نصيبه ، وأغرم الباقي للغانمين ، لأنّه منع من
رقّه ، لشبهة بالوطي.
__________________
وعن أحمد روايتان
:
إحداهما : أنّه
تلزمه قيمته حين الوضع تطرح في المغنم ، لأنّه فوّت رقّه ، فأشبه ولد المغرور.
والثانية : لا
ضمان عليه بقيمته ، لأنّه ملكها حين علقت ، ولم يثبت ملك الغانمين في الولد بحال ،
فأشبه ولد الأب من جارية ابنه إذا وطئها ، ولأنّه يعتق حين علوقه ولا قيمة له
حينئذ .
والحقّ ما قاله
الشيخ ، لأنّها قبل التقويم ملك الغانمين. ونمنع عتقه من حين علوقه ، وبعد التقويم
ولدت على ملكه ، فكان الولد له ، ولا قيمة عليه للغانمين.
ولو وطئها وهو
معسر ، قال الشيخ : تقوّم عليه مع ولدها ، ويستسعى في نصيب الباقين ، فإن لم يسع
في ذلك ، كان له من الجارية مقدار نصيبه والباقي للغانمين ، ويكون الولد حرّا
بمقدار نصيبه ، والباقي يكون مملوكا لهم ، والجارية أمّ ولد وإن ملكها فيما بعد .
وقال بعض العامّة
: إذا وطئها وهو معسر ، كان في ذمّته قيمتها وتصير أمّ ولد ، لأنّه استيلاد جعل
بعضها أمّ ولد ، فجعل جميعها أمّ ولد ، كاستيلاد جارية الابن .
وقال آخرون : يحسب
عليه قدر حصّته من الغنيمة ، ويصير ذلك المقدار أمّ ولد ، والباقي رقيق للغانمين .
__________________
ولو وطئ الأب
جارية من المغنم وليس له نصيب فيها بل لولده ، كان الحكم فيه كما لو وطئ الابن.
البحث الثاني : في الأسارى.
مسألة ٩٤ : الأسارى ضربان : ذكور وإناث ، والذكور إمّا بالغون أو أطفال ،
وهم من لم يبلغ
خمس عشرة سنة.
فالنساء والأطفال
يملكون بالسبي ، ولا يجوز قتلهم إجماعا ، لأنّ النبي 6 نهى عن قتل النساء والولدان . ويكون حكمهم مع
السبي حكم سائر أموال الغنيمة : الخمس لأهله ، والباقي للغانمين.
ولو أشكل أمر
الصبي في البلوغ وعدمه ، اعتبر بالإنبات ، فإن أنبت الشعر الخشن على عانته ، حكم
ببلوغه ، وإن لم ينبت ذلك ، جعل من جملة الذرّيّة ، لأنّ سعد بن معاذ حكم في بني
قريظة بهذا ، وأجازه النبي 6 .
ومن طريق الخاصّة
: رواية الباقر 7 ، قال : « إنّ رسول الله 6 عرضهم يومئذ على العانات ، فمن وجده أنبت قتله ، ومن لم
يجده أنبت ألحقه بالذراري » .
وأمّا البالغون
الأحرار : فإن أسروا قبل تقضي الحرب وانقضاء القتال ، لم يجز إبقاؤهم بفداء ولا
بغيره ، ولا استرقاقهم ، بل يتخيّر الإمام بين قتلهم
__________________
وبين قطع أيديهم
وأرجلهم من خلاف فيتركهم حتى ينزفوا بالدم ويموتوا.
وإن أسروا بعد أن
وضعت( الْحَرْبُ أَوْزارَها ) وانقضى القتال ،
لم يجز قتلهم ، ويتخيّر الإمام بين أن يمنّ عليهم فيطلقهم ، وبين أن يفاديهم على
مال ويدفعونه إليه ، ويخلص به رقابهم من العبوديّة ، وبين أن يسترقّهم ويستعبدهم.
ذهب إليه علماؤنا أجمع.
وقال الشافعي :
يتخيّر الإمام بين أربعة أشياء : أن يقتلهم صبرا بضرب الرقبة ، لا بالتحريق ولا
بالتغريق ، ولا يمثّل بهم ، أو يمنّ عليهم بتخلية سبيلهم ، أو يفاديهم بالرجال أو
بالمال على ما يراه من المصلحة لا على اختيار الشهوة ، أو يسترقّهم ، ويكون مال
الفداء ورقابهم إذا استرقّوا كسائر أموال الغنيمة . وهو رواية عن
أحمد ، ولم يفرّقوا بين أن يستأسروا قبل انقضاء القتال أو بعده.
وقال أبو حنيفة :
ليس له المنّ والفداء ، بل يتخيّر بين القتل والاسترقاق لا غير .
وقال أبو يوسف :
لا يجوز المنّ ، ويجوز الفداء بالرجال دون الأموال .
__________________
وقال مالك :
يتخيّر بين القتل والاسترقاق والفداء بالرجال دون المال . وهو رواية عن
أحمد ، وبه قال الأوزاعي وأبو ثور .
وفي رواية عن مالك
: لا يجوز المنّ بغير فداء .
وحكي عن الحسن
البصري وعطاء وسعيد بن جبير كراهة قتل الأسارى .
لنا : قوله تعالى ( فَإِمّا
مَنًّا بَعْدُ وَإِمّا فِداءً ) .
وقتل رسول الله 6 يوم بدر عقبة بن
أبي معيط والنضر بن الحارث .
وروى العامّة : أن
النبي 6 قتل عقبة صبرا . وقتل أبا عزّة يوم أحد . ومنّ على ثمامة
بن أثال . وقال في أسارى بدر : « لو كان مطعم ابن عدي حيّا ثمّ
سألني في هؤلاء النتنى لأطلقتهم له » وفادى أسارى
__________________
بدر ـ وكانوا
ثلاثة وسبعين رجلا ـ كلّ واحد بأربعمائة . وفادى رجلا أسره أصحابه برجلين أسرتهما ثقيف من أصحابه .
ومن طريق الخاصّة
: قول الصادق 7 : « لم يقتل رسول الله 6 رجلا صبرا قطّ غير رجل واحد عقبة بن أبي معيط ، وطعن ابن
أبي خلف فمات بعد ذلك » .
ولأنّ كلّ خصلة من
هذه الخصال قد تكون أصلح من غيرها في بعض الأسرى ، فإنّ ذا القوّة والنكاية في
المسلمين قتله أنفع وبقاؤه أضرّ ، والضعيف ذا المال لا قدرة له على الحرب ، ففداؤه
أصلح للمسلمين ، ومنهم من هو حسن الرأي في الإسلام ويرجى إسلامه ، فالمنّ عليه
أولى أو يرجى بالمنّ عليه المنّ على الأسارى من المسلمين ، أو يحصل بخدمته
نفع ويؤمن ضرره ، كالصبيان والنساء ، فاسترقاقه أولى ، والإمام أعرف بهذه المصالح
، فكان النظر إليه في ذلك كلّه.
وأمّا الذي يدلّ
على التفصيل : قول الصادق 7 : « كان أبي يقول : إنّ للحرب حكمين : إذا كانت الحرب
قائمة لم تضع أوزارها ولم تضجر أهلها ، فكلّ أسير أخذ في تلك الحال فإنّ الإمام
فيه بالخيار إن شاء ضرب عنقه ، وإن شاء قطع يده ورجله من خلاف بغير حسم وتركه
يتشحّط في دمه حتى يموت » إلى أن قال : « والحكم الآخر : إذا وضعت( الْحَرْبُ
أَوْزارَها ) وأثخن أهلها فكلّ أسير أخذ على تلك الحال وكان في أيديهم
فالإمام فيه
__________________
بالخيار إن شاء
منّ عليهم ، وإن شاء فاداهم أنفسهم ، وإن شاء استعبدهم ، فصاروا
عبيدا » .
احتجّ مالك بأنّه
لا مصلحة في المنّ بغير عوض . وهو ممنوع.
واحتجّ عطاء بقوله
تعالى ( فَشُدُّوا الْوَثاقَ فَإِمّا مَنًّا بَعْدُ
وَإِمّا فِداءً ) فخيّره بعد الأسر بين هذين لا غير .
وهو تخيير في
الأسير بعد انقضاء الحرب.
واحتجّ أبو حنيفة :
بقوله تعالى ( فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ
وَجَدْتُمُوهُمْ ) بعد قوله ( فَإِمّا مَنًّا
بَعْدُ وَإِمّا فِداءً ) لأنّ آية المنّ نزلت بمكة وآية القتل نزلت بالمدينة في آخر
سورة نزلت ، وهي براءة ، فيكون ناسخا .
ونمنع النسخ ،
فإنّ العامّ والخاصّ إذا تعارضا ، عمل بالعامّ في غير صورة الخاصّ.
وهذا التخيير ثابت
في كلّ أصناف الكفّار ، سواء كانوا ممّن يقر على دينه بالجزية ، كأهل الكتاب ، أو
لا ، كأهل الحرب ـ وبه قال الشافعي ـ لأنّ الحربيّ كافر أصلي ، فجاز استرقاقه كالكتابيّ ،
ولأنّ حديث الصادق 7
__________________
عامّ في كلّ أسير.
وقال الشيخ : إن
أسر رجل بالغ ، فإن كان من أهل الكتاب أو ممّن له شبهة كتاب ، فالإمام مخيّر فيه
على ما مضى بين الأشياء الثلاثة ، وإن كان من عبدة الأوثان ، تخيّر الإمام فيه بين
المفادة والمنّ ، ويسقط الاسترقاق . وبه قال أبو سعيد الإصطخري . وعن أحمد
روايتان .
وقال أبو حنيفة :
يجوز في العجم دون العرب . وهو قول الشافعي في القديم .
واحتجّ الشيخ
بأنّه لا يجوز له إقرارهم بالجزية ، فلا يجوز له إقرارهم بالاسترقاق.
ونمنع الملازمة ،
ويبطل بالنساء والصبيان ، فإنّهم يسترقّون ولا يقرّون بالجزية.
وهذا التخيير
تخيير مصلحة واجتهاد لا تخيير شهوة ، فمتى رأى الإمام المصلحة في خصلة من هذه
الخصال ، تعيّنت عليه ، ولم يجز العدول عنها ، ولو تساوت المصالح ، تخيّر تخيير
شهوة.
وقال مالك : القتل
أولى .
__________________
مسألة ٩٥ : الأقرب جواز استرقاق بعض الشخص ، والفداء والمنّ في الباقي.
وللشافعية وجهان
بناء على القولين في أنّ أحد الشريكين إذا أولد الجارية المشتركة وهو معسر ، يكون
الولد كلّه حرّا ، أو يكون بقدر نصيب الشريك رقيقا؟ فعلى تقدير عدم الجواز قالوا :
إذا ضرب الرقّ على بعضه ، رقّ الكلّ. وقال بعضهم : يجوز أن يقال : لا يرقّ شيء .
وإن اختار الفداء
، جاز الفداء بالمال سلاحا كان أو غيره. ويجوز أن يفدي بأسارى المسلمين. ويجوز أن
يفديهم بأسلحتنا في أيديهم ، ولا يجوز ردّ أسلحتهم في أيدينا بمال يبذلونه ، كما
لا يجوز بيع السلاح منهم. وفي جواز ردّها بأسارى المسلمين وجهان ، والأقرب عندي :
الجواز.
وأمّا العبيد إذا
وقعوا في الأسر ، كانوا كسائر الأموال المغنومة لا يتخيّر الإمام فيهم ، لأنّ عبد
الحربي ماله ، لأنّه لو أسلم في دار الحرب ولم يخرج ولا قهر سيّده ، لم يزل ملك
الحربيّ عنه ، وإذا سباه المسلمون ، كان عبدا مسلما لا يجوز المنّ عليه ، ويجوز
استرقاقه ، ولو لا أنّه مال ، لجاز تخلية سبيله كالحرّ ، ولما جاز استرقاقه ،
لأنّه مسلم. وهذا قول أكثر الشافعيّة .
وقال بعضهم : لو
رأى الإمام قتله ، لشرّه وقوّته ، قتله وضمن قيمته للغانمين .
والأولى عندي جواز
قتله من غير ضمان ، دفعا لشرّه.
مسألة ٩٦ : لو أسلم الأسير بعد الأسر ، سقط عنه القتل إجماعا ، لما
__________________
رواه العامّة من
قوله 7 : « أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا : لا إله إلاّ الله ، فإذا قالوها عصموا
منّي دماءهم » الحديث.
ومن طريق الخاصّة
: قول زين العابدين 7 : « الأسير إذا أسلم فقد حقن دمه وصار قنّا » .
وهل بسقوط القتل
يصير رقّا أو يتخيّر الإمام في باقي الجهات؟ للشافعيّة قولان :
أحدهما : يسترقّ
بنفس الإسلام ـ وبه قال أحمد ـ لأنّه أسير يحرم قتله ، فيجب استرقاقه ، كالمرأة.
والثاني : التخيير
بين المنّ والفداء والاسترقاق ـ وهو قول الشيخ ـ لأن أصحاب رسول الله 6 أسروا رجلا من بني عقيل فأوثقوه وطرحوه في الحرّة ، فمرّ
به النبي 6 ، فقال : يا محمّد على م أخذت وأخذت سابقة الحاج؟ فقال : «
أخذت بجريرة حلفائك من ثقيف » وكانت ثقيف قد أسرت رجلين من المسلمين ، ومضى النبي 6 ، فناداه يا
محمّد يا محمّد ، فقال له : « ما شأنك؟ » فقال : إنّي مسلم ، فقال : « لو قلتها
وأنت تملك أمرك لأفلحت كلّ الفلاح » وفادى به النبي 6 الرجلين ، ولو صار رقيقا ، لم يفاد به .
__________________
وعند الشافعي
يسترقّ بنفس الإسلام ، ولا يمنّ عليه ولا يفادي به إلاّ بإذن الغانمين ، لأنّه صار
مالا لهم .
وإذا فادى به مالا
أو رجالا ، جاز ليخلص من الرقّ ، فإن فأداه بالرجال ، جاز بشرط أن تكون له عشيرة
تحميه من المشركين حيث صار مسلما ، وإلاّ لم يجز له ردّه. والمال
الذي يفادي به يكون غنيمة للغانمين.
مسألة ٩٧ : لو أسلم الأسير قبل الظفر به ووقوعه في الأسر ، لم يجز قتله إجماعا ، ولا
استرقاقه ولا المفاداة به ، لأنّه أسلم قبل أن يقهر بالسبي ، فلا يثبت فيه التخيير.
ولا فرق بين أن
يسلم وهو محصور في حصن أو مصبور أو رمى نفسه في بئر وقد قرب الفتح ، وبين أن يسلم
في حال أمنه ـ وبه قال الشافعي ـ لأنّه لم يحصل في أيدي المسلمين بعد ، ويكون دمه محقونا
لا سبيل لأحد عليه ، ويحقن ماله من الاستغنام وذريّته من الأسر ، ويحكم بإسلامهم
تبعا له.
وقال أبو حنيفة :
إسلامه بعد المحاصرة ودنوّ الفتح لا يعصم نفسه
__________________
عن الاسترقاق ولا
ماله عن الاغتنام .
ولا فرق بين مال
ومال.
وقال أبو حنيفة :
إسلامه يحرز ما في يده من الأموال دون العقارات. وهو الذي يذهب إليه ،
لأنّها بقعة من دار الحرب ، فجاز اغتنامها ، كما لو كانت لحربي .
ولا فرق بين أن
يكون في دار الإسلام أو دار الحرب ، وبه قال الشافعي .
وقال مالك : إذا
أسلم في دار الإسلام ، عصم ماله الذي معه في دار الإسلام دون ما معه في دار الحرب .
وليس بجيّد ،
لعموم الخبر .
وقال أبو حنيفة :
الحربي إذا دخل دار الإسلام وله أولاد صغار في دار الحرب ، يجوز سبيهم .
والحمل كالمنفصل ،
وبه قال الشافعي .
__________________
وجوّز أبو حنيفة
استرقاق الحمل تبعا للأم .
وليس بجيّد ،
لأنّه مسلم بإسلام أبيه ، فأشبه المنفصل.
ولو سبيت الزوجة
وهي حامل وقد أسلم أبوه ، حكم بإسلام الحمل وحرّيّته ـ وبه قال الشافعي وأحمد ـ كالمولود.
وقال أبو حنيفة :
يحكم برقّه مع امّه ، لأنّ الأم سرى إليها الرقّ بالسبي فيسري إلى الحمل ، لأنّ ما
سرى إليه العتق سرى إليه الرقّ ، كسائر أعضائها .
والفرق : عدم
انفراد الأعضاء بحكم عن الأصل ، بخلاف الحمل.
وهل يحرز ولد ابنه
الصغير؟ إشكال ينشأ من مشابهة الجدّ للأب ، ومن مفارقته إيّاه ، كالميراث.
وللشافعيّة وجهان .
ولهم ثالث : أنّ
الوجهين فيما إذا كان الأب ميّتا ، فأمّا إذا كان الأب حيّا ، لم يحرز الجدّ .
وقيل : الوجهان في
الصغير الذي أبوه حيّ ، فإن كان ميّتا ، أحرز الجدّ ، وجها واحدا .
والمجانين من
الأولاد كالصغار. ولو بلغ عاقلا ثمّ جنّ ، فالأقرب أنّه
__________________
يحرز.
وللشافعيّة وجهان .
ولو أسلمت المرأة
قبل الظفر ، أحرزت نفسها ومالها وأولادها الصغار ، وهو أحد قولي الشافعي. وفي
الثاني : لا تحرزهم ، وبه قال مالك .
وأمّا الأولاد
البالغون العاقلون فلا يحرزهم إسلام أحد من الأبوين ، لاستقلالهم بالإسلام.
مسألة ٩٨ : لو استأجر مسلم من حربيّ أرضه في دار الحرب ، صحّت الإجارة ،
فلو غنمها
المسلمون ، كانت غنيمة ، وكانت المنافع للمستأجر ، لأنّه ملكها بالعقد ، فلا يبطل
بتجديد الملك بالاستغنام ، كالبيع.
ولو أسلم وزوجته
حامل ، عصم الحمل على ما تقدّم. ويجوز استرقاق الزوجة ـ وهو أحد وجهي الشافعي ـ كما لو لم تكن
زوجة مسلم. والثاني : لا تسترقّ ، لما فيه من إبطال حقّه .
ولو أعتق المسلم
عبده الذمّي مطلقا إن جوّزنا بغير نذر فلحق بدار الحرب ثمّ أسر ، احتمل جواز
استرقاقه ، لإطلاق إذن الاسترقاق ، وعدمه ، لأنّ للمسلم عليه ولاء ، واسترقاقه
يقتضي إبطاله عنه ، فلا يجوز استرقاقه ، كما لو أبق وهو مملوك.
ولو كان لذمي في
دار الإسلام عبد ذمّي فأعتقه ، صحّ عتقه ، فإن لحق بدار الحرب فأسر ، جاز استرقاقه
عندنا إجماعا ، وهو أحد وجهي
__________________
الشافعي .
والثاني : المنع ،
لتعلّق ولاء الذمّي به .
وليس بجيّد ، لأنّ
سيّده لو لحق بدار الحرب ، جاز استرقاقه فهو أولى ، وسقط حقّه بلحوق معتقه.
مسألة ٩٩ : لو أسلم عبد الذمّي أو أمته في دار الحرب ثمّ أسلم مولاه ، فإن خرج إلينا قبل
مولاه ، فهو حرّ ، وإن خرج بعده ، فهو على الرقّيّة ، لما رواه العامّة عن أبي
سعيد الأعسم ، قال : قضى رسول الله 6 في العبد وسيّده قضيّتين : قضى أن العبد إذا خرج من دار
الحرب قبل سيّده أنّه حرّ ، فإن خرج سيّده بعد ، لم يردّ عليه ، وقضى أنّ السيّد
إذا خرج قبل العبد ثمّ خرج العبد ، ردّ على سيّده .
ومن طريق الخاصّة
: قول الباقر 7 : « إنّ النبي 6 حيث حاصر أهل الطائف قال : أيّما عبد خرج إلينا قبل مولاه
فهو حرّ ، وأيّما عبد خرج إلينا بعد مولاه فهو عبد » .
ولأنّه بخروجه
إلينا قبل مولاه يكون قد قهره على نفسه فيكون قد ملكها ، لأنّ القهر يقتضي التملّك
، فكان حرّا ، أمّا لو خرج مولاه أوّلا ، فإنّ العبد يكون قد رضي ببقائه في
العبوديّة حيث لم يقهره على نفسه بالخروج ، فكان باقيا على الرقّيّة.
__________________
قال الشيخ : وإن
قلنا : إنّه يصير حرّا على كلّ حال ، كان قويّا .
ولو خرج إلينا قبل
مولاه مسلما ، ملك نفسه ، لما قلناه.
ولو كان سيّده
صبيّا أو امرأة ولم يسلم حتى غنمت وقد حارب معنا ، جاز أن يملك مولاه. وكذا لو أسر
سيّده وأولاده وأخذ ماله وخرج إلينا ، فهو حرّ ، والمال له والسبي رقيقه.
ولو لم يخرج قبل
مولاه ، فإن أسلم مولاه ، كان باقيا على الرقّيّة له ، وإن لم يسلم حتى غنم
المسلمون العبد ، كان غنيمة للمسلمين كافّة.
ولو أسلمت أمّ ولد
الحربيّ وخرجت إلينا ، عتقت ، لأنّها بالقهر ملكت نفسها ، وتستبرئ نفسها ، وهو قول
أكثر العلماء .
وقال أبو حنيفة :
تتزوج إن شاءت من غير استبراء .
وليس بجيّد ،
لأنّها أمّ ولد منكوحة للمولى عتقت ، فلا يجوز لها أن تتزوّج من غير استبراء ، كما
لو كانت لذمّي.
ولو أسلم العبد ولم
يخرج إلينا ، فإن بقي مولاه على الكفر حتى غنم ، انتقل إلى المسلمين ، وزال ملك
مولاه عنه ، وإن أسلم مولاه ، كان باقيا على ملكيّته.
ولو عقد لنفسه
أمانا ، لم يقرّ المسلم على ملكه ، لقوله تعالى ( وَلَنْ يَجْعَلَ
اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً ) .
وكذا حكم المدبّر
والمكاتب المشروط والمطلق وأمّ الولد في ذلك كلّه على السواء.
__________________
مسألة ١٠٠
: لا يجوز لغير الإمام قتل الأسير بغير قول الإمام قبل أن
يرى الإمام رأيه فيه ، فإن قتله مسلم أو ذميّ ، فلا قصاص ولا دية ولا كفّارة ،
لأنّه لا أمان له ، وهو حرّ إلاّ أن يسترقّ ، وبه قال الشافعي .
وقال الأوزاعي ،
تجب عليه الدية ، لتعلّق حقّ الغانمين به ، ولهذا يجوز للإمام أن يفاديه
بالمال ويكون لهم.
وليس بجيّد ، لأنّ
الحق إنّما يتعلّق بالبدل لا به ، فإنّه حرّ لا ملك لهم فيه ، نعم ، يعزّر قاتله.
ويجب أن يطعم
الأسير ويسقى وإن أريد قتله بعد بلحظة ، لقول الصادق 7 : « الأسير يطعم وإن كان يقدّم للقتل » .
ولو عجز الأسير عن
المشي ولم يكن مع المسلم ما يركبه ، لم يجب قتله ، لأنّه لا يدري ما حكم الإمام
فيه ، لقول زين العابدين 7 : « إذا أخذت أسيرا فعجز عن المشي ولم يكن معك محمل فأرسله
ولا تقتله فإنك لا تدري ما حكم الإمام فيه » .
ويكره قتل من يجب
قتله صبرا من الاسراء وغيرهم ، ومعناه أنّه يحبس للقتل ، فإن أريد قتله ، قتل
على غير ذلك الوجه ، لقول الصادق 7 ـ في الصحيح ـ : « لم يقتل رسول الله 6 رجلا صبرا قطّ
غير رجل واحد
__________________
عقبة بن أبي معيط
» .
ولو وقع في الأسر امرأة أو صبي
فقتل ، وجبت قيمته على القاتل ، لأنّه صار مالا بنفس الأسر.
مسألة ١٠١
: الحميل هو الذي يجلب من بلاد الشرك ، فإن جلب منهم قوم
تعارفوا بينهم بما يوجب التوارث ، قبل قولهم بذلك ، سواء كان ذلك قبل العتق أو
بعده ، ويورثون على ذلك ، لتعذّر إقامة البيّنة عليه من المسلمين ، وقوله 7 : « إقرار
العقلاء على أنفسهم جائز » .
وسواء كان النسب
نسب الوالدين والولد أو من يتقرّب بهما إلاّ أنّه لا يتعدّى ذلك إلى غيرهم ، ولا
يقبل إقرارهم به.
فإذا أخذ الطفل من
بلاد الشرك ، كان رقيقا ، فإذا أعتقه السابي ، نفذ عتقه ، قاله الشافعي. [ قال ] : وثبت له الولاء عليه.
فإن أقرّ هذا المعتق بنسب ، نظرت فإن اعترف بنسب أب أو جدّ أو أخ أو ابن عمّ ، لم
يقبل منه إلاّ ببيّنة ، لأنّه يبطل حقّ المولى من الولاء . وهو حسن.
قال : ولو أقرّ
بولد ، ففيه ثلاثة أوجه : أحدها : لا يقبل إقراره ، لما تقدّم. والثاني : يقبل ،
لأنّه يملك أن يستولد فملك الإقرار بالولد. والثالث : إن أمكن أن يكون ولد له بعد
عتقه ، قبل ، لأنّه يملك الاستيلاد بعد عتقه ولا يملكه قبل ذلك .
__________________
مسألة ١٠٢
: إذا سبي من لم يبلغ ، صار رقيقا في الحال ، فإن سبي مع
أبويه الكافرين ، كان على دينهما ـ وبه قال أبو حنيفة ومالك والشافعي ـ لقوله 7 : « كلّ مولود
يولد على الفطرة وإنّما أبواه يهوّدانه وينصّرانه ويمجسانه » وهما معه.
وقال الأوزاعي :
يكون مسلما ، لأنّ السابي يكون أحقّ به ، فإنّه يملكه بالسبي ، وتزول ولاية أبويه
عنه ، وينقطع ميراثه منهما وميراثهما منه ، فيكون تابعا له في الإسلام ، كما لو
انفرد السابي به .
ونمنع من الأصل ،
وملك السابي لا يمنعه اتّباعه لأبويه ، فإنّه لو كان لمسلم عبد وأمة كافران ،
فزوّجه منها ، فإنّ الولد يكون كافرا وإن كان المالك مسلما.
وإن سبي منفردا عن
أبويه ، قال الشيخ : يتبع السابي في الإسلام . وهو قول العامّة كافّة ، لأنّ الكفر إنّما يثبت له تبعا لأبويه وقد انقطعت
تبعيّته لهما ، لانقطاعه عنهما وإخراجه عن دارهما ومصيره إلى دار الإسلام تبعا
لسابيه المسلم ، فكان تابعا له في دينه.
قال الشيخ :
وحينئذ لا يباع إلاّ من مسلم ، فإن بيع من كافر ، بطل البيع .
__________________
وإن سبي مع أحد
أبويه ، قال الشيخ : يتبع أحد أبويه في الكفر . وبه قال الشافعي وأبو حنيفة وأحمد في رواية ، لأنّه لم
ينفرد عن أحد أبويه ، فلم يحكم بإسلامه ، كما لو سبي معهما .
وقال الأوزاعي
وأحمد في الرواية الأخرى : يحكم بإسلامه ، لقوله 7 : « كلّ مولود يولد على الفطرة » الحديث ، وهو
يدلّ من حيث المفهوم على أنّه لا يتبع أحدهما ، لأنّ الحكم متى علّق على شيئين لا
يثبت بأحدهما ، والتهويد قد ثبت بهما ، فإذا كان معه أحدهما ، لم يهوّده. ولأنّه
يتبع سابيه منفردا فيتبعه مع أحد أبويه ، كما لو أسلم أحد الأبوين .
ودلالة المفهوم
ضعيفة ، ونمنع قوله : إنّه يتبع السابي.
قال الشيخ : لو
مات أبو الطفل المسبيّ معهما ، لم يحكم بإسلامه ، وجاز بيعه على المسلمين ، ويكره
بيعه على الكافر ، لأنّه بحكم الكافر فجاز بيعه على الكافر .
وقال أحمد : لو
مات أبواه أو أحدهما ، حكم بإسلامه ، لقوله 7 : « كلّ مولود » الحديث ، وهو يدلّ على أنّه إذا ماتا أو مات أحدهما ، حكم
بإسلامه ، لأنّ العلّة إذا عدمت عدم المعلول .
__________________
احتجّ الشيخ :
بأنّه مولود بين كافرين ، فإذا ماتا أو مات أحدهما ، لم يحكم بإسلامه ، كما لو
كانا في دار الحرب ، ولأنّه كافر أصلي ، فلم يحكم بإسلامه بموت أبويه ، كالبالغ.
مسألة ١٠٣
: إذا سبيت المرأة وولدها الصغير ، كره التفرقة بينهما ، بل
ينبغي للإمام أن يدفعهما إلى واحد ، فإن لم يبلغ سهمه قيمتهما ، دفعهما إليه
واستعاد الفاضل ، أو يجعلهما في الخمس ، فإن لم يفعل ، باعهما وردّ قيمتهما في
المغنم.
وقال بعض علمائنا
: لا تجوز التفرقة .
وأطبق العامّة على
المنع من التفرقة ، لقول النبي 7 : « من فرّق بين والدة وولدها فرّق الله بينه وبين أحبّته
يوم القيامة » .
ولو رضيت الأمّ
بالتفرقة ، كره ذلك أيضا ، لما فيه من الإضرار بالولد. وحكم البيع كذلك.
وتجوز التفرقة بين
الولد والوالد ، قاله الشيخ ـ وبه قال بعض
__________________
الشافعيّة ـ لأنّه ليس من
أهل الحضانة بنفسه ، ولأصالة الجواز ، ولم يرد فيه نصّ بالمنع ولا معنى النصّ ،
لأنّ الأمّ أشفق من الأب وأقلّ صبرا ، ولهذا قدّمت في الحضانة ، فافترقا.
ومنع أبو حنيفة
والشافعي منه ، لأنّه أحد الأبوين ، فأشبه الأمّ .
والفرق ما تقدّم.
وإنّما تكره
التفرقة بين الامّ والولد الصغير ، فإذا بلغ سبع سنين ، جازت التفرقة ، قاله الشيخ
ـ وبه قال مالك والشافعي في قول ـ لأنّه في تلك الحال يستغني عن الامّ.
وقال بعض علمائنا
: إذا استغنى الولد عن الامّ ، جازت التفرقة . وبه قال الأوزاعي والليث بن سعد .
وقال أبو ثور :
إذا كان يلبس ثيابه وحده ويتوضّأ وحده ، لأنّه حينئذ يستغني عن الامّ .
__________________
وقال الشافعي في
القول الآخر : لا يجوز التفريق بينهما إلى أن يبلغ ـ وبه قال أحمد وأصحاب الرأي ـ لقول
النبي 7 : « لا يفرّق بين الوالدة وولدها » فقيل : إلى متى؟ قال : « حتى يبلغ الغلام
وتحيض الجارية » .
ولأنّ ما دون
البلوغ مولّى عليه ، فأشبه الطفل .
وتجوز التفرقة بين
البالغ وامّه إجماعا.
وعن أحمد روايتان
، إحداهما : المنع .
ولو فرّق بينهما
بالبيع ، قال الشيخ : إنّه محرّم ويصحّ البيع . وبه قال أبو حنيفة ، لقوله تعالى ( أَوْفُوا
بِالْعُقُودِ ) وأصالة الصحّة ، وعدم اقتضاء النهي الفساد في المعاملات ،
ولأنّ النهي في هذا العقد لا لمعنى في المعقود عليه ، فأشبه البيع وقت النداء.
وقال الشافعي : لا
ينعقد البيع. وبه قال أحمد .
__________________
مسألة ١٠٤
: قال الشيخ : لا يفرّق بين الولد والجدّة أمّ الأمّ ،
لأنّها بمنزلة الأمّ في الحضانة .
وقال أكثر العامّة
: لا يفرّق بين الولد والجدّ للأب أيضا ، وكذا الجدّة له أو الجدّ للأمّ ، لأنّهما
بمنزلة الأبوين ، فإنّ الجدّ أب والجدّة أمّ ، ولهذا يقومان مقامهما في استحقاق
الحضانة والميراث فقاما مقامهما في تحريم التفريق .
قال الشيخ : تجوز
التفرقة بين الأخوين والأختين . وبه قال مالك والليث بن سعد والشافعي وابن المنذر ، للأصل
، ولأنّها قرابة لا تمنع الشهادة ، فلم يحرم التفريق ، كقرابة ابن العمّ .
وقال أحمد : لا
تجوز ـ وبه قال أصحاب الرأي ـ لأنّه ذو رحم محرم ، فلم يجز التفريق بينهما ،
كالولد والوالد .
والفرق : قوّة
الشفقة وضعفها.
__________________
قال الشيخ : تجوز
التفرقة بين من خرج من عمود الوالدين من فوق وأسفل ، كالإخوة وأولادهم ، والأعمام
وأولادهم وسائر الأقارب . وهو قول أكثر العلماء ، للأصل.
وقال أبو حنيفة :
لا تجوز التفرقة بينه وبين كلّ ذي رحم محرم ، كالعمّة ( مع ) ابن أخيها والخالة مع
ابن أختها بالقياس على الأبوين . وهو باطل.
وتجوز التفرقة بين
الرحم غير المحرم إجماعا ، وكذا بين الامّ وولدها من الرضاع أو أخته منه ، لأنّ
القرابة به لا توجب نفقة ولا ميراثا ، فلا تمنع التفريق ، كالصداقة.
وتجوز التفرقة
بينهما في العتق ، فتعتق الامّ دون الولد ، وبالعكس.
وكذا تجوز التفرقة
في الفداء إجماعا ، لأنّ العتق لا تفرقة فيه في المكان ، والفداء تخليص ، كالعتق.
ولو اشترى من
المغنم اثنين أو أكثر وحسبوا عليه بنصيبه بناء على أنّهم أقارب تحرم التفرقة بينهم
فظهر عدم النسب بينهم ، وجب عليه ردّ الفضل الذي فيهم على المغنم ، لأنّ قيمتهم
تزيد بذلك ، فإنّ من اشترى اثنين على أنّ أحدهما أمّ ، يحرم الجمع في الوطء
والتفرقة بينهما ، فتقلّ قيمتها لذلك ، فإذا ظهر أنّ إحداهما أجنبيّة ، أبيح له
وطؤها والتفريق ، فتكثر القيمة ، فيردّ الفضل ، كما لو اشتراهما فوجد معهما حليّا.
__________________
ولو جنت جارية
وتعلّق الأرش برقبتها ولها ولد صغير لم يتعلّق به أرش ، فإن فداها السيّد ، فلا
كلام ، وإن امتنع ، قال الشيخ : لم يجز بيعها دون ولدها ، لاشتماله على التفرقة ،
لكن يباعان معا ، ويعطى المجنيّ عليه ما يقابل قيمة جارية ذات ولد ، والباقي
للسيّد ، فلو كانت قيمة الجارية ـ ولها ولد ـ دون ولدها مائة وقيمة ولدها خمسون ،
خصّ الجارية ثلثا الثمن ، فإن وفي بالأرش ، وإلاّ فلا شيء غيره ، وإن زاد ، ردّ
الفضل على السيّد .
قال : ولو كانت
الجارية حاملا بحرّ وامتنع سيّدها من الفداء ، لم يجز بيعها ، وتصبر حتى تضع ،
ويكون الحكم كما لو كان منفصلا ، وإن كانت حاملا بمملوك ، جاز بيعهما معا ، كالمنفصل
.
قال : لو باع
جارية حاملا إلى أجل ففلس المشتري وقد وضعت ولدا مملوكا من زنا أو زوج ، فهل له
الرجوع فيها دون ولدها؟ وجهان :
أحدهما : ليس له :
لأنّه تفريق بينها وبين ولدها ، ويتخيّر بين أن يعطي قيمة ولدها ويأخذهما ، وبين
أن يدع ويضرب مع الغرماء بالثمن.
والثاني : له
الرجوع فيها ، لأنّه ليس تفرقة ، فإنّهما يباعان معا وينفرد هو بحصّتها .
قال : ولو ابتاع
جارية فأتت بولد مملوك في يد المشتري وعلم بعيبها ، لم يكن له ردّها بالعيب ،
لأنّه تفريق ، ولا يلزمه ردّ الولد ، لأنّه ملكه وسقط الردّ ، ويكون له الأرش ،
فإن علم بالعيب وهي حامل ، تخيّر بين الردّ والأرش .
مسألة ١٠٥
: لو سبيت امرأة وولدها ، لم يفرّق بينهما ، فإن وفي
__________________
نصيب أحد بهما ،
دفعا إليه ، وإلاّ اشترك مع الإمام فيهما ، أو باعهما وجعل ثمنهما في المغنم.
فإن فرّق بينهما
في القسمة ، لم يصح.
وللشافعي قولان
كما في البيع .
وعلى القول بصحّته
قال بعض أصحابه : لا يقرّان على التفريق ولكن يقال لهما : إن رضيتما ببيع الآخر
ليجتمعا في الملك فذاك ، وإلاّ فسخنا البيع .
وقال بعضهم : يقال
للبائع : إمّا أن تتطوّع بتسليم الآخر ، أو فسخ البيع ، فإن تطوّع بالتسليم فامتنع
المشتري من القبول ، فسخ البيع .
ولو كان له أمّ
وجدة فبيع مع الامّ ، اندفع المحذور ، وإن بيع مع الجدّة وقطع عن الامّ ، فللشافعي
قولان .
وله قولان في
تعدّي التحريم إلى سائر المحارم ، كالأخ والعمّ .
ولو ألجأت الضرورة
إلى التفرقة ، جاز ، كما لو كانت الأمّ حرّة ، جاز بيع الولد. ولو كانت الامّ
لواحد والولد لآخر ، فله أن ينفرد ببيع ما يملكه.
مسألة ١٠٦
: إذا أسر المشرك وله زوجة لم تؤسر ، فالزوجيّة باقية ،
__________________
للاستصحاب. ولأنّ
النبي 6 سبى يوم بدر سبعين رجلا من الكفّار ، فمنّ على بعضهم وفادى بعضا ، فلم يحكم عليهم
بفسخ أنكحتهم ، وبه قال أكثر العلماء.
وقال أبو حنيفة :
ينفسخ النكاح ، لافتراق الزوجين في الدار ، وطروّ الملك على أحدهما ، فانفسخ
النكاح ، كما لو سبيت المرأة وحدها .
وليس بجيّد ، لأنّ
الملك لا يحصل بنفس الأسر بل باختيار الإمام له.
إذا ثبت هذا ، فإن
منّ الإمام عليه أو فأداه ، فالزوجيّة باقية ، وإن استرقّه ، انفسخت.
ولو أسر الزوجان
معا ، انفسخ النكاح عندنا ـ وبه قال مالك والثوري والليث والشافعي وأبو ثور ـ لقوله تعالى (
وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلاّ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ) (
وَالْمُحْصَناتُ ) : المزوّجات( إِلاّ ما مَلَكَتْ
أَيْمانُكُمْ ) بالسبي.
قال أبو سعيد
الخدري : نزلت هذه الآية في سبي أو طاس .
وقال ابن عباس :
إلاّ ذوات الأزواج من المسبيّات .
ولأنّ النبي 6 قال في سبي أو
طاس : « لا توطأ حامل حتى تضع ،
__________________
ولا حائل حتى تحيض
» وأباح الوطء بعد وضع الحامل واستبراء الحائل ، ولو كان النكاح باقيا ، حرم
الوطء.
وقال أبو حنيفة
والأوزاعي وأحمد : لا ينفسخ ، لأنّ الرقّ لا يمنع ابتداء النكاح فلا يقطع استدامته
، كالعتق .
والجواب : البحث
في استجداد الملك ، وهو عندنا موجب لفسخ النكاح ، والفرق واقع بين الابتداء
والاستدامة.
ولو أسرت الزوجة
وحدها ، انفسخ النكاح إجماعا ، ولا فرق بين أن يسبى الزوج بعدها بيوم أو أزيد أو
أنقص.
وقال أبو حنيفة :
إن سبي بعدها بيوم ، لم ينفسخ النكاح .
وليس بجيّد ، لأنّ
المقتضي للفسخ موجود وهو السبي ، فانفسخ النكاح ، كما لو حصل السبي بعد شهر.
ولا فرق بين أن
يسبيهما واحد أو اثنان.
والوجه : أنّه إذا
سباهما واحد وملكهما معا ، لا ينفسخ النكاح إلاّ بفسخه ، وكذا لو بيعا من واحد.
ولو كان الأسير
طفلا ، انفسخ النكاح في الحال ، كالمرأة ، لتجدّد الملك بالأسر ، بخلاف البالغ.
__________________
ولو كان الزوجان
مملوكين ، قيل : لا ينفسخ النكاح ، لعدم حدوث رقّ فيهما ، لأنّه كان ثابتا قبل
السبي .
والوجه : أنّ
الغانم يتخيّر ، كما لو بيعا عليه.
مسألة ١٠٧
: قد ذكرنا فيما تقدّم أنّ الغانم
الموسر إذا وطئ جارية المغنم ، تكون أمّ ولد في الحال عند الشيخ.
وللشافعيّة طريقان
: إن قلنا : إنّ الغانمين لا يملكون قبل القسمة ، فلا ينفذ الاستيلاد في نصيبه ،
لأنّ نفوذه لم يصادف الملك. وإن قلنا : يملكون ، ففي نفوذ الاستيلاد وجهان ، لأنّه
ملك ضعيف. ويقرب الوجهان لضعف الملك من الوجهين في نفوذ الاستيلاد للمشتري في زمن
الخيار إذا حكمنا بثبوت الملك.
الطريق الثاني :
إن قلنا بثبوت الملك ، قطعنا بنفوذ الاستيلاد ، وإلاّ فقولان كالقولين في استيلاد
الأب جارية الابن. وقد تجعل هذه الصورة أولى بنفوذ الاستيلاد ، لأنّ حقّ الابن أقوى من حقّ سائر
الغانمين ، وحقّ الأب أضعف من حقّ الغانم الواطئ.
ويخرج من الطريقين
قولان في نفوذ الاستيلاد في نصيبه.
وإذا قيل به ، فلو
ملك الجارية بالوقوع في سهمه أو بسبب آخر يوما ، ففي نفوذ الاستيلاد حينئذ قولان .
__________________
وقال بعض الشافعيّة : ان
كانوا محصورين ولم يغنموا غير تلك الجارية ، قطع بنفوذ الاستيلاد في حصّته منها ،
بخلاف ما إذا كان في الغنيمة غيرها ، فإنّه يحتمل جعل الجارية لغيره.
وإذا نفذ
الاستيلاد في نصيبه سرى مع يساره إلى الباقي ، وتحصل السراية بنفس العلوق أو بأداء
قيمة نصيب الشريك؟ قولان.
ويحصل يسار الواطئ
بحصّته في المغنم إذا غنموا غيرها ، فإن لم تف حصّته من غير الجارية بالقيمة ،
حصلت السراية بمقدار حصّته.
ويمكن أن يخرج على
أنّ الملك في الغنيمة هل يحصل قبل القسمة؟ إن قلنا : لا يملك ، لم يكن موسرا
بالحصّة ، فإنّ الحكم بغناه موقوف على أن لا يعرض ويستقرّ ملكه ، فإن أعرض ،
تبيّنّا أنّه لم يكن غنيّا ، ولا نقول : إنّ حقّ السراية يلزمه اختيار التملّك ،
فإنّ الاختيار بمثابة ابتداء الاكتساب.
وإن لم يحكم
بالاستيلاد ، فإن تأخّرت القسمة حتى وضعت ، قال بعضهم : تجعل الجارية في المغنم
وتدخل في القسمة ، فإن دخلها نقص بالولادة ، لزمه الأرش ، وقبل الوضع الجارية حامل
بحر. وبيع هذه الجارية لا يصحّ ، والقسمة عندهم بيع ، فكيف يمكن دخول القسمة فيها!؟
وقال بعضهم : تسلّم هذه الجارية بحصّته [ إليه ] إذا كانت حصّته
تفي بقيمتها أو أزيد .
__________________
وقيل : تؤخذ
قيمتها وتلقى في المغنم ، لأنّه بالإحبال فرّق بينها وبين الغانمين .
وأمّا إذا كان
الواطئ معسرا ، فقد سبق قول الشيخ فيه.
وقالت الشافعيّة :
يثبت الاستيلاد في حصّته ولا يسري ، ويخلق الولد كلّه حرّا في قول ، لأنّ الشبهة
تعمّ الجارية ، وحرّيّة الولد تثبت بالشبهة. وإن لم يثبت الاستيلاد ، كما لو وطئ
جارية الغير بظنّ أنّها جاريته أو زوجته ، ينعقد الولد حرّا ، ولا يثبت الاستيلاد.
وفي قول آخر :
الحرّيّة في قدر حصّته ، كالاستيلاد في قدرها ، وليس كالوطء بالشبهة ، فإنّ الشبهة
حصلت من الظنّ ، وهو لا يتبعّض ، والشبهة هنا حصلت من جهة استحقاق المستولد ملكا
أو ولاية ملك ، وهو متبعّض.
فإن قلنا : لا
يعتق من الولد إلاّ قدر حصّته من الامّ ، فلو ملك باقي الجارية من بعد ، بقي الرقّ
فيه ، لأنّها علقت برقيق في غير الملك. وإن قلنا : جميعه حرّ ففي ثبوت الاستيلاد
في باقيها إذا ملكه قولان ، لأنّه أولدها حرّا في غير الملك .
البحث الثالث : في أحكام
الأرضين.
مسألة ١٠٨
: الأرضون على أربعة أقسام :
الأوّل : ما يملك بالاستغنام من الكفّار ويؤخذ قهرا بالسيف ، وهي تملك بالاستيلاء كما
تملك المنقولات ، وتكون للمسلمين قاطبة لا تختصّ
__________________
بها المقاتلة ، بل
يشاركهم غيرهم من المسلمين ، ولا يفضّل الغانمون على غيرهم أيضا ، بل هي للمسلمين
قاطبة ، ذهب إليه علماؤنا أجمع ـ وبه قال مالك ـ لما رواه العامّة عن النبي 6 أنّه فتح هوازن ولم يقسّمها .
ومن طريق الخاصّة
: قول الكاظم 7 في حديث طويل : « والأرض التي فتحت عنوة ـ إلى قوله ـ ويأخذ
الباقي ، فيكون ذلك أرزاق أعوانه على دين الله وفي مصلحة ما ينوبه من تقوية
الإسلام وتقوية الدين في وجوه الجهاد وغير ذلك ممّا فيه مصلحة العامّة ، وليس
لنفسه من ذلك قليل ولا كثير » يعني الإمام.
وقال الشافعي :
يقسّم بين الغانمين كسائر الأموال. وبه قال أنس بن مالك والزبير وبلال .
وقال الثوري :
يتخيّر الإمام بين القسمة والوقف على المسلمين . ورواه العامّة عن علي 7 .
وقال أبو حنيفة :
يتخيّر الإمام بين قسمتها ووقفها وأن يقرّ أهلها عليها ويضرب عليهم الخراج يصير
حقّا على رقبة الأرض لا يسقط بالإسلام .
__________________
الثاني : أرض من أسلم أهلها عليها طوعا من غير قتال ، فتترك في أيديهم ملكا لهم يصحّ
لهم التصرّف فيها بالبيع والشراء والوقف وسائر أنواع التصرّف إذا عمروها وقاموا
بعمارتها. ويؤخذ منهم العشر أو نصف العشر زكاة إذا بلغ النصاب ، فإن تركوا عمارتها
وتركوها خرابا ، كانت للمسلمين قاطبة ، وجاز للإمام أن يقبّلها ممّن يعمرها بالنصف
أو الثلث أو الربع ، وكان على المتقبّل بعد إخراج حقّ القبالة مئونة الأرض إذا بقي
معه النصاب العشر أو نصف العشر ، ثمّ على الإمام أن يعطي أربابها حقّ الرقبة ،
لرواية الرضا 7.
الثالث : أرض الصلح ، وهي كلّ أرض صالح أهلها عليها ، وهي أرض الجزية يلزمهم ما
يصالحهم الإمام عليه من نصف أو ثلث أو غيره ، وليس عليهم غيره. فإذا أسلم أربابها
، كان حكم أرضيهم حكم أرض من أسلم أهلها عليها طوعا ، ويسقط عنهم مال الصلح ،
لأنّه جزية وقد سقطت بالإسلام ، فلأربابها التصرّف فيها بالبيع وغيره.
وللإمام أن يزيد
وينقص بعد انقضاء مدّة الصلح حسب ما يراه من زيادة الجزية ونقصانها.
ولو باعها المالك
من مسلم ، صحّ ، وانتقل ما عليها إلى رقبة البائع.
هذا إذا صولحوا
على أنّ الأرض لهم ، أمّا لو صولحوا على أنّ الأرض للمسلمين وعلى أعناقهم الجزية ،
كان حكمها حكم الأرض المفتوحة عنوة عامرها للمسلمين ومواتها للإمام.
الرابع : أرض الأنفال ، وهي أرض انجلى أهلها عنها طوعا وتركوها ،
__________________
أو كانت مواتا
لغير المالك فأحييت ، أو كانت آجاما وغيرها ممّا لا تزرع فاستحدثت مزارع ، فإنّها
كلها للإمام خاصّة ليس لأحد معه فيها نصيب ، فكان له التصرّف فيها بالبيع وغيره حسب
ما يراه ، وكان له أن يقبّلها بما يراه من نصف أو ثلث أو ربع.
ويجوز له نزعها من
يد متقبّلها إذا انقضت مدّة الضمان ، إلاّ ما أحييت بعد موتها ، فإنّ من أحياها
أولى بالتصرّف فيها إذا تقبّلها بما يتقبّلها غيره ، فإن أبي ، كان للإمام نزعها
من يده ، وتقبيلها لمن يراه ، وعلى المتقبّل بعد إخراج مال القبالة فيما يحصل في
حصّته العشر أو نصف العشر.
قال الشيخ : وكلّ
موضع أوجبنا فيه العشر أو نصف العشر من أقسام الأرضين إذا أخرج الإنسان مئونته
ومئونة عياله لسنته ، وجب عليه فيما بقي بعد ذلك الخمس لأهله .
مسألة ١٠٩
: الأرض المأخوذة بالسيف عنوة يقبّلها الإمام لمن يقوم
بعمارتها بما يراه من النصف وغيره ، وعلى المتقبّل إخراج مال القبالة وحقّ الرقبة
، وفيما يفضل في يده إذا كان نصابا العشر أو نصفه ، فلا يصحّ التصرّف في هذه الأرض
بالبيع والشراء والوقف وغير ذلك.
وللإمام أن ينقله
من متقبّل إلى غيره إذا انقضت مدّة قبالته ، وله التصرّف فيه بما يراه من مصلحة
المسلمين ، وارتفاع هذه الأرض ينصرف إلى المسلمين بأجمعهم وفي مصالحهم ، لقول
الرضا 7 : « وما أخذ بالسيف فذلك للإمام يقبّله بالذي يرى ، كما صنع رسول الله 6 بخيبر ، قبّل
أرضها ونخلها ، والناس يقولون : لا تصلح قبالة الأرض والنخل إذا كان
__________________
البياض أكثر من
السواد وقد قبّل رسول الله 6 خيبر ، وعليهم في حصصهم العشر أو نصف العشر » .
إذا عرفت هذا ،
فإنّ هذه الأرض للمسلمين قاطبة إن كانت محياة وقت الفتح ، لا يصحّ بيعها ولا هبتها
ولا وقفها ، بل يصرف الإمام حاصلها في المصالح ، كسدّ الثغور ومعونة الغزاة وبناء
القناطر وأرزاق القضاة والولاة وصاحب الديوان وغير ذلك من المصالح.
وأمّا الموات منها
وقت الفتح فهي للإمام خاصّة ، ولا يجوز لأحد إحياؤه إلاّ بإذنه إن كان ظاهرا. ولو
تصرّف فيها أحد من غير إذنه ، كان عليه طسقها ، وحال الغيبة يملكها المتصرّف من
غير إذن ، لأنّ عمر بن يزيد روى ـ في الصحيح ـ أنّه سمع رجلا يسأل الصادق 7 عن رجل أخذ أرضا
مواتا تركها أهلها فعمّرها وأكرى أنهارها وبنى فيها بيوتا وغرس فيها نخلا وشجرا ،
قال : فقال أبو عبد الله 7 : « كان أمير المؤمنين 7 يقول :
من أحيى أرضا من
المؤمنين فهي له ، وعليه طسقها يؤديه إلى الإمام في حال الهدنة ، فإذا ظهر القائم 7 فليوطّن نفسه على
أن تؤخذ منه » إذا عرفت هذا ، فإذا زرع فيها أحد أو بنى أو غرس ، صحّ له
بيع ماله فيها من الآثار وحقّ الاختصاص بالتصرّف ، لا بيع الرقبة ، لأنّها ملك
المسلمين قاطبة.
روى أبو بردة بن
رجا أنّه سأل الصادق 7 : كيف ترى في شراء أرض الخراج؟ قال : « ومن يبيع ذلك!؟ هي
أرض المسلمين » قلت :
__________________
يبيعها الذي هي في
يده ، قال : « ويصنع بخراج المسلمين ما ذا؟ » ثمّ قال : « لا بأس اشتر حقّه منها
ويحوّل حقّ المسلمين عليه ، ولعلّه يكون أقوى عليها وأملأ بخراجها منه » .
مسألة ١١٠
: الأرض الخربة والموات ورءوس الجبال وبطون الأودية والآجام
من الأنفال يختصّ بها الإمام ليس لأحد التصرّف فيها إلاّ بإذنه حال ظهوره 7 ، ويجوز للشيعة
حال الغيبة التصرّف فيها ، لأنّهم : أباحوا شيعتهم ذلك.
وأمّا أرض مكّة :
فالظاهر من المذهب أنّ النبي 6 فتحها بالسيف ثمّ آمنهم بعد ذلك ـ وبه قال أبو حنيفة ومالك
والأوزاعي ـ لأنّ العامّة رووا عن النبي 6 أنّه قال لأهل
مكّة : « ما تروني صانعا بكم؟ » فقالوا : أخ كريم وابن أخ كريم ، فقال : « أقول
كما قال أخي يوسف( لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ
اللهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرّاحِمِينَ ) أنتم الطلقاء » .
ومن طريق الخاصّة
: رواية صفوان بن يحيى وأحمد بن محمد بن أبي نصر قالا : ذكرنا له الكوفة ، إلى أن
قال : « إنّ أهل الطائف أسلموا وجعلوا عليهم العشر ونصف العشر ، وإن أهل مكّة
دخلها رسول الله 6
__________________
عنوة وكانوا أسراء
في يده فأعتقهم وقال : اذهبوا فأنتم الطلقاء » .
وقال الشافعي :
إنّه 7 فتحها صلحا بأمان قدّمه لهم قبل دخوله . وهو منقول عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ومجاهد .
وأمّا أرض السواد
ـ وهي الأرض المغنومة من الفرس ، التي فتحها عمر بن الخطّاب ، وهي سواد العراق ،
وحدّه في العرض من منقطع الجبال بـ « حلوان » إلى طرف القادسيّة ، المتّصل بـ «
عذيب » من أرض العرب ، ومن تخوم الموصل طولا إلى ساحل البحر ببلاد عبّادان من شرقي
دجلة ، فأمّا الغربي الذي تليه البصرة إنّما هو إسلامي ، مثل [ شط ] عثمان بن أبي
العاص وما والاها كانت سباخا ومواتا ، فأحياها عثمان بن أبي العاص. وسمّيت سوادا ،
لأنّ الجيش لمّا خرجوا من البادية رأوا هذه الأرض والتفاف شجرها سمّوها السواد
لذلك. ولمّا فتحها عمر بعث عمّار بن ياسر على صلاتهم أميرا ، وابن مسعود قاضيا ،
واليا على بيت المال ، وعثمان بن حنيف على مساحة الأرض ، وفرض للثلاثة في كلّ يوم
شاة ، شطرها مع السواقط لعمّار ، وشطرها للآخرين ، وقال : ما أرى قرية تؤخذ منها
كلّ يوم شاة إلاّ سريع في خرابها ـ قال الشيخ : الذي يقتضيه المذهب أنّ
__________________
الأرض التي فتحت
عنوة يخرج خمسها لأرباب الخمس ، والأربعة الأخماس الباقية للمسلمين قاطبة الغانمين
وغيرهم ، ويقبّلها الإمام لمن شاء ، ويأخذ ارتفاعها يصرفه في مصالح المسلمين.
ولا يصحّ بيع شيء
من هذه الأرض ولا هبته ولا معاوضته ولا تملّكه ولا وقفه ولا رهنه ولا إجارته ولا إرثه. ولا يصحّ أن يبنى
دورا ومساجد وسقايات ولا غير ذلك من أنواع التصرّف الذي يتبع الملك ، ومتى فعل شيء
من ذلك كان التصرّف باطلا ، وهو باق على الأصل.
ثمّ قال : وعلى
الرواية التي رواها أصحابنا أنّ كلّ عسكر أو فرقة غزت بغير إذن الإمام فغنمت تكون
الغنيمة للإمام خاصّة ، تكون هذه الأرضون [ وغيرها ممّا فتحت ] بعد الرسول 6 إلاّ ما فتح في
أيّام أمير المؤمنين 7 إن صحّ شيء من ذلك يكون للإمام خاصّة ، ويكون من جملة
الأنفال التي له خاصّة لا يشركه فيها غيره .
قال الشيخ ـ ووافقه
الشافعي ـ : إنّ عثمان بن حنيف مسح أرض الخراج ، واختلفوا ، فقال
الساجي : اثنان وثلاثون ألف ألف جريب. وقال أبو عبيدة : ستّة وثلاثون ألف ألف
جريب. ثمّ ضرب على كلّ جريب نخل عشرة دراهم ، وعلى الكرم ثمانية دراهم ، وعلى جريب
الشجر والرطبة ستّة دراهم ، وعلى الحنطة أربعة دراهم ، وعلى الشعير درهمين. ثم كتب
بذلك إلى عمر ، فأمضاه .
__________________
وأبو حنيفة
وافقهما إلاّ في الحنطة والشعير ، فإنّه قال : يؤخذ من الحنطة قفيز ودرهمان ، ومن
الشعير قفيز ودرهم .
وقال أحمد : يؤخذ
من كلّ واحد منهما قفيز ودرهم ، لقوله 7 :
« منعت العراق قفيزها
ودرهمها » معناه : ستمنع.
وقال بعض
الشافعيّة : إنّ سواد العراق فتح صلحا . وهو محكي عن أبي حنيفة .
وقال بعضهم :
اشتبه الأمر عليّ فلا أدري أفتح عنوة أو صلحا .
ثمّ اختلفت
الشافعيّة ، فقال بعضهم : إنّ عمر جعل الأربعة الأخماس الباقية من الأرض لأهل
الخمس عوضا عن نصيبهم من المنقولات من الغنيمة ، فصارت الأرض لأهل الخمس
والمنقولات للغانمين .
وقال بعضهم : إنّه
قسّمها بين الغانمين ولم يخصّها بأهل الخمس ثمّ استطاب قلوبهم عنها واستردّها .
[ ثمّ اختلفوا ] فقال الأكثرون :
إنّه بعد ردّها وقفها على المسلمين وآجرها من أهلها ، والخراج المضروب عليها اجرة منجّمة تؤدّي في
كلّ سنة. وهو نصّ الشافعي في كتاب الرهن .
__________________
قال سفيان الثوري
: جعل عمر السواد وقفا على المسلمين ما تناسلوا .
وقال بعضهم : إنّه
باعها من أهلها والخراج ثمن منجّم ، لأنّه لم يزل الناس يبيعون أرض السواد ويشترون
من غير إنكار .
وقال آخرون من
الشافعيّة : ما فعله عمر عدول عن الأصل الممهّد ، فإنّه يشترط في الإجارة ضبط
المدّة ، وفي البيع ضبط جملة الثمن ، لكن قالوا : إنّها بالاسترداد رجعت إلى حكم
أموال الكفّار ، والإمام يفعل للمصلحة الكلّيّة في أموال الكفّار ما لا يجوز مثله
في أموال المسلمين ، فرأى عمر المصلحة لئلاّ يشتغلوا بالعمارة والزراعة عن الجهاد .
وقال بعضهم : إنّه
وقفها وقفا لا مؤبّدا محرّما ، بل جعلها موقوفة على مصالح المسلمين ليؤدّي ملاّكها
على تداول الأيدي وتبدّلها بالبيع والشراء خراجا ينتفع به المسلمون ، فيجوز بيعها
وهبتها ورهنها على الثاني لا الأوّل ، ويجوز على الوجهين لأربابها إجارتها مدّة
معلومة .
وهل لهم الإجارة
المؤبّدة بمال يتراضيان عليه؟ جوزه بعضهم تبعا لفعل عمر ، وقال : من استحلّ منفعة
على جهة لم يبعد أن يملك إخراج نفسه من البين وإحلال غيره محلّه .
ومنع بعضهم .
__________________
والفاسد في إجارة
عمر احتمل لمصلحة كلّيّة ، والجزئيّات ليست كالكلّيّات ، فلا يجوز لغير سكّانها أن
يزعج واحدا من السكّان ويقول : أنا أستغلّها واعطي الخراج ، لأنّه مالك رقبتها إرثا على أحد الوجهين ،
ومالك منفعتها على الآخر ، لعقد بعض أجداده مع عمر ، والإجارة لازمة لا تنفسخ
بالموت.
هذا فيما يزرع
ويغرس من الأراضي ، وأمّا المساكن والدور : فإن قلنا : إنّ تلك الأراضي مبيعة من
أربابها ، فكذا المساكن والدور ، وإن قلنا : موقوفة ، فوجهان .
مسألة ١١١
: إذا نزل الإمام على بلد فحاصره وأرادوا الصلح على أن يكون
البلد لهم وكانوا من أهل الكتاب ، جاز له أن يصالحهم بشروط ثلاثة : بذل الجزية ،
وأن يجري عليهم أحكام المسلمين ، وأن لا يجتمعوا مع مشرك على قتال المسلمين.
وتكون أرضهم ملكا
لهم [ يصحّ لهم ] التصرّف فيها بجميع الأنواع.
ويجوز للمسلمين
استئجارها منهم ، لأنّها ملك له وتكون الأجرة له والخراج عليه .
ولو باعها من مسلم
، صحّ البيع ، وبه قال أبو حنيفة والشافعي .
وقال مالك : لا
يصحّ ، لأنّه يؤدّي إلى إسقاط الخراج ، وهو غير
__________________
جائز ، لأنّه حقّ
للمسلمين .
وليس بجيّد ،
لأنّه لا يسقط بل ينتقل ما كان على الأرض إلى رقبته.
فحينئذ إذا
اشتراها المسلم ، انتقل ما كان عليها من الخراج إلى رقبة الذّميّ ، وبه قال
الشافعي .
وقال أبو حنيفة :
يكون متعلّقا بالأرض ، لأنّ عنده لا يسقط بالإسلام .
تذنيب : كلّ أرض ترك أهلها عمارتها ، كان للإمام تقبيلها ممّن يقوم بها ، وعليه طسقها
لأربابها ، لأنّه مصلحة لهم ، فكان سائغا.
وكلّ أرض موات سبق
إليها سابق فعمرها وأحياها ، كان أحقّ بها إذا لم يكن لها مالك معروف ، فإن كان
لها مالك معروف ، وجب عليه طسقها لمالكها.
وإذا استأجر مسلم
دارا من حربيّ ثمّ فتحت تلك الأرض ، لم تبطل الإجارة ، لأنّ حقّ المسلم تعلّق بها
، وتملّكها المسلمون ، لأنّها من الغنائم.
__________________
الباب الثاني : في كيفية
قسمة الغنيمة
وفيه مباحث :
الأوّل : ما ينبغي تقديمه ، وهي
الديون والجعائل والسّلب والرضخ والخمس.
والنظر في هذا
البحث مختصّ بالأوّل ، فنقول : إذا كان لمسلم على حربيّ دين فاسترقّ الحربيّ ، لم
يسقط الدّين عنه ـ وبه قال الشافعي ـ عملا باستصحاب البقاء ، وعدم سقوط ما ثبت في الذمّة
شرعا.
وقال أبو حنيفة :
يسقط ، لأنّ المسترقّ انقلب عمّا كان عليه وكأنّه قد عدم ثمّ وجد .
نعم ، لو كان
الدّين للسابي وملكه ، فالأقوى سقوطه ، إذ لا يتحقّق للمولى شيء على عبده ، كما
لو كان له على عبد غيره دين فملكه ، وهو أحد وجهي الشافعيّة .
والثاني : لا يسقط
في صورة السبي ولا في المشتري ، وإذا لم يسقط ، فيقضى من المال المغنوم بعد
استرقاقه ، ويقدّم الدّين على الغنيمة كما يقدّم على الوصيّة وإن زال ملكه بالرقّ
، كما أنّ دين المرتدّ يقضى من ماله وإن
__________________
حكمنا بزوال ملكه
، ولأنّ الرقّ بمثابة الحجر أو الموت ، فيوجب تعلّق الديون بالمال .
وإن غنم المال قبل
استرقاقه ، ملكه الغانمون ، ولم ينعكس الدّين عليه ، كما لو انتقل بوجه آخر.
وإن غنم مع
استرقاقه ، احتمل تقديم الدّين على حقّ الغانمين ، كما يقدّم في التركة على حقوق
الورثة. وتقديم الغنيمة ، لأنّ ملك الغانمين يتعلّق بعين المال ، والدّين في
الذمّة ، والمتعلّق بالعين متقدّم على المتعلّق بالذمّة ، كما إذا جنى العبد
المرهون ، يقدّم حقّ المجنيّ عليه على حقّ المرتهن.
ولا تتحقّق
الجمعيّة بين الاغتنام والأسر في حقّ الرجال في هذا الحكم ، فإنّ المال يملك بنفس
الأخذ ، والرقّ لا يحصل بنفس الأسر للرجال الكاملين ، ولكن يظهر ذلك في حقّ النسوة
وفيما إذا فرض الاغتنام مع إرقاق الإمام بعد الأسر.
وإذا لم يوجد مال
يقضى منه ، فهو في ذمّته إلى أن يعتق.
وهل يحلّ الدّين
المؤجّل بالرقّ؟ وجهان ، كالوجهين في الحلول بالفلس ، والرقّ أولى بالحلول ،
لأنّه أشبه بالموت ، فإنّه يزيل الملك ويقطع النكاح.
هذا إذا كان
الدّين لمسلم ، وإن كان لذمّيّ ، فكذلك ، لأنّه محترم كأعيان أموال الذمّي ، وهو
قول بعض الشافعيّة .
وقال بعضهم بسقوطه
.
وإن كان لحربيّ
واسترقّ المديون ، فالأقرب : سقوط الدّين ، لأنّ
__________________
ملتزم الدّين
انتقل من كونه حربيّا لا يجري عليه حكم إلى كونه رقيقا ليس له على نفسه حكم ، وهو
قول بعض الشافعيّة .
وقال بعضهم : لا
يسقط ، كما لو أسلم من عليه الدّين أو قبل الأمان ، ويجعل الرقّ كأمان يحدث .
هذا إذا استرقّ من
عليه الدّين ، أمّا لو استرقّ من له الدّين ، فلا تبرأ ذمّة من عليه الدّين ، بل
هو كودائع الحربيّ المسبيّ ، وكما لو استقرض مسلم من حربيّ مالا ، أو اشترى منه
سهما والتزم الثمن ثمّ استرقّ مستحقّ الدّين ، فإنّ الدّين لا يسقط عن ذمّة المسلم
عند بعض الشافعيّة .
وقال بعضهم : لو
كان لحربيّ على حربيّ دين فاسترق أحدهما ، يسقط ، لزوال ملكه .
ولو قهر المديون
ربّ المال ، سقط ، لأنّ الدار دار حرب حتى إذا قهر العبد سيّده ، يصير حرّا ،
ويصير السيّد عبدا. ولو قهرت الزوجة زوجها ، انفسخ النكاح.
وقال بعض الشافعيّة
: إن كان دين المسترقّ على مسلم ، يطالب به ، كما يطالب بودائعه ، لأنّه ملتزم ،
وإن كان على حربي ، يسقط ، لأنّ المستحقّ قد زال ملكه ، والحربيّ غير ملتزم حتى
يطالب .
ولو استقرض حربيّ
من حربيّ أو التزم بالشراء ثمنا ثمّ أسلما أو قبلا الجزية أو الأمان معا أو على
الترتيب ، استمرّ الاستحقاق عند بعض
__________________
الشافعيّة .
ونصّ الشافعي على
أنّه لو ماتت زوجة الحربيّ فجاءنا مسلما أو مستأمنا فجاء ورثتها يطلبون مهرها ، لم
يكن لهم فيه شيء .
ولأصحابه طريقان :
أحدهما : أنّ فيهما قولين نقلا وتخريجا.
أصحّهما : أنّه
يبقى الاستحقاق ، فيستدام حكم العقد بعد الإسلام.
والثاني : المنع ،
لبعد أن يمكّن الحربيّ من مطالبة المسلم أو الذمي في دارنا.
والطريق الثاني :
القطع بالقول الأوّل ، وبه قال ابن سريج من الشافعيّة. وحمل نصّه الثاني على ما
إذا سمى لها خمرا أو خنزيرا وقبضته في الكفر .
ولو أتلف حربي
مالا على حربيّ أو غصبه ثمّ أسلما أو أسلم المتلف ، فوجهان :
أصحّهما : أنّه لا
يطالب بالضمان ، لأنّه لم يلتزم شيئا ، والإسلام يجبّ ما قبله ، والإتلاف ليس عقدا
يستدام ، بخلاف الملتزم بها ، ولأنّ الحربيّ إذا قهر حربيّا على ماله ، ملكه ،
والإتلاف نوع من القهر.
والثاني : يطالب ،
لأنّه لازم في شرعهم ، فكأنّهم تراضوا عليه .
ولو جنى الحربيّ
على مسلم فاسترقّ ، فأرش الجناية في ذمّته
__________________
لا يتحوّل إلى
رقبته ، بخلاف المكاتب إذا جنى يكون الأرش في ذمّته يؤدّيه من الكسب ، فإن عجز
وعاد قنّا ، تحوّل الأرش إلى رقبته.
والفرق : أنّ
الرقّ ـ الذي هو محلّ تعلّق الأرش ـ كان موجودا في حال الكتابة إلاّ أن الكتابة
المانعة من البيع منعت من التعلّق ، فإذا عجز ، ارتفع المانع وثبت التعلّق ، وفي الحربيّ
لم يكن عند الإتلاف رقّ وإنّما حدث بعده.
البحث الثاني : في الجعائل.
مسألة ١١٢
: يجوز للإمام أن يجعل جعلا لمن يدله على مصلحة من مصالح
المسلمين ، كسهولة طريق أو ماء في مفازة أو موضع فتح القلعة أو مال يأخذه أو عدوّ
يغير عليه أو ثغر يدخل منه بلا خلاف ، وقد استأجر النبي 6 في الهجرة من
دلّهم على الطريق .
ويستحقّ المجعول
له الجعل بنفس الفعل الذي جعل له الجعل مسلما كان أو كافرا.
فإن كانت الجعالة
عينا ممّا في يده ، وجب أن تكون معلومة بالمشاهدة أو الوصف الرافع للجهالة ، وإن
كانت دينا ، وجب أن تكون معلومة الوصف والقدر ، وإلاّ لزم الغرر وأفضى إلى
التنازع.
وإن كانت من مال
المشركين ، جاز أن يكون معلوما ومجهولا جهالة لا تمنع التسليم ، ولا يفضي إلى
التنازع ، مثل : من دلّ على القلعة الفلانية فله جارية منها ، أو جارية فلان ،
لأنّ النبي 6 جعل للسريّة الثلث أو الربع ممّا غنموا . ولا نعلم فيه خلافا ، وصحّت هذه المشارطة مع جهلها ،
__________________
للحاجة ، بل الجعل
نفسه غير مملوك ولا معلوم ولا مقدور على تسليمه.
وإنّما تثبت
الجعالة بحسب الحاجة ، لأنّ الغنيمة يستحقّها الغانمون ، فلا تصرف إلى غيرهم إلاّ
مع الحاجة. فإن كان المال منه ، مثل : من دلّنا على ثغر القلعة فله دينار ، وجب
دفع الجعل بنفس الدلالة ، ولا يتوقّف على فتح القلعة ، خلافا لبعض الشافعيّة . وإن قال : من
الغنيمة ، استحقّ بالدلالة والفتح معا ، لأنّ جعالة شيء منها يقتضي اشتراط فتحها
حكما.
مسألة ١١٣
: لو شرط جارية معيّنة من القلعة ثمّ فتحت على أمان وكانت من
الجملة ، فإن اتّفق المجعول له وأربابها على بذلها أو إمساكها بعوض ، جاز ، وإن
تعاسرا ، قال الشيخ : تفسخ الهدنة ، ويردّون إلى مأمنهم . وهو قول بعض
الشافعيّة . وعندي فيه نظر.
ولو لم يستثن
المصالح في الصلح الجارية ، أخذت منه وسلّمت إلى الدالّ.
وإن كان المصالح
قد استثنى جماعة من أهله يختارهم فاختار الجارية منهم ، فالصلح صحيح ، خلافا لبعض
الشافعيّة ، فإنّه قال : يبطل ، لأنّ الجارية مستحقّة للدالّ .
وليس بجيّد ،
لإمكان إمضائه بالتراضي.
__________________
فإن اختار الدالّ قيمتها
، مضى الصلح ، وسلّم إليه القيمة ، لتعذّر تسليم العين إليه. وإن امتنع ، فإن
اختار صاحب القلعة دفعها إلى الدالّ وأخذ قيمتها ، دفعت الجارية إلى الدالّ ،
وسلّم إلى صاحب القلعة قيمتها ، ويكون جارية مجرى الرضخ ، وكان الصلح ماضيا. وإن
امتنع كلّ منهما ، فسخ الصلح عند الشيخ ، لتعذّر إمضائه ، لأنّ حقّ الدالّ سابق ، ولا يمكن الجمع
بينه وبين الصلح ، ولصاحب القلعة أن يحصن قلعته كما كانت من غير زيادة ، وهو مذهب
الشافعي .
والوجه : دفع
القيمة ، كما لو أسلمت الجارية قبل دفعها إليه ، لما في فسخ الصلح من تضرّر المسلمين.
ورعاية حكمة دفع ضرر يسير عن صاحب العين في مقابلة ثبوت ضرر عظيم في حقّ المسلمين
كافّة ، فإنّه ربما لا يمكن فتح القلعة بها مناف لحكمة الشارع.
مسألة ١١٤
: لو فتحت القلعة عنوة أو صلحا ولم تكن الجارية داخلة في
الهدنة ، فإن كانت الجارية باقية على الكفر ، سلّمت إليه ، عملا بالشرط.
وإن أسلمت قبل
الصلح والأسر ، دفع إلى الدالّ قيمتها ، لأنّ النبي 6 صالح أهل مكة عام الحديبيّة على أنّ من جاء منهم مسلما
ردّه إليهم ، فلمّا جاءت مسلمات منعه الله تعالى من ردّهنّ ( إلى الكفّار ) وأمره بردّ
مهورهنّ على أزواجهنّ ، وفسخ ما كان عقده 7 من الهدنة .
__________________
ولو أسلمت بعد
الأسر ، فإن كان المجعول له مسلما ، سلّمت إليه بالشرط ، فإنّها رقّ ، وإن كان
كافرا ، لم تسلّم إليه بل قيمتها ، وهو أحد قولي الشافعي.
وفي الآخر : تسلّم
إليه ، ويطالب بإزالة الملك ، لأن الكافر لا يستديم ملك المسلم .
ولو ماتت الجارية
قبل الظفر أو بعده ، قال الشيخ : لا تدفع إليه قيمتها ، لأنّ الشرط اقتضى إمكان
تسليمها ، وهو غير ممكن ، فلا يجب له العوض ، كما لو لم تفتح القلعة . وهو أحد وجهي
الشافعي .
وفي الآخر : تدفع
إليه القيمة ، كما لو أسلمت .
وليس بجيّد ،
لأنّه علّق حقّه على شيء معيّن وتلف من غير تفريط ، فسقط حقّه ، بخلاف المسلمة ،
لإمكان تسليمها لكنّ الشرع منع منه.
ولو كان الدليل
جماعة ، كانت الجارية بينهم.
إذا عرفت هذا ،
فإنّ الجارية تسلّم إلى الكافر إن ظفرنا بها ، فإن لم تفتح القلعة ، لعجز ، أو
تجاوزناها مع القدرة ، فلا شيء له علينا وإن أتمّ الدلالة ، إلاّ إذا رجعنا إلى
الفتح بعلامته.
ولو فتحها طائفة
أخرى سمعوا العلامة ، فلا شيء عليهم ، إذ لم يجر معهم الشرط.
وإن لم تكن فيها
جارية ، فلا شيء له ، وكذا إن كانت قد ماتت قبل
__________________
المعاقدة.
وإن ماتت بعد
الظفر وقبل التسليم ، فعلينا البدل إمّا اجرة المثل أو قيمة الجارية.
وللشافعيّة فيه
وجهان بناء على أنّ الجعل المعيّن يضمن ضمان العقد أو ضمان اليد ، كالصداق .
وإن ماتت قبل
الظفر وبعد العقد ، ففي وجوب البدل للشافعي قولان .
ولو لم يحصل من
القلعة شيء إلاّ تلك الجارية ، ففي وجوب التسليم للشافعيّة وجهان .
مسألة ١١٥
: يجوز للإمام ونائبه أن يبعث سريّة تغير على العدوّ وقت
دخوله دار الحرب ، ويجعل لهم الربع بعد الخمس ، فما قدمت به يخرج خمسه والباقي يعطي
السريّة منه ربع الباقي ثمّ يقسّم الباقي بين الجيش والسريّة أيضا.
وكذا إذا قفل من دار الحرب مع
الجيش فأنفذ سريّة تغير ، وجعل لهم الثلث بعد الخمس ، جاز ، فإذا قدمت السريّة بشيء
، أخرج خمسه ثم اعطى السريّة ثلث الباقي ثمّ قسّم الباقي بين الجيش والسريّة معه ـ
وبه قال الحسن البصري والأوزاعي وأحمد ـ لما رواه العامّة : أنّ النبي 6 كان
__________________
ينفلهم إذا خرجوا
بادين بالربع وينفلهم إذا قفلوا بالثلث .
وقال حبيب بن
مسلمة الفهري : شهدت رسول الله 6 نفل الربع في البداءة والثلث في الرجعة .
ولأنّ فيه مصلحة
للمسلمين ، فكان سائغا ، كالسّلب.
وقال عمرو بن شعيب
: لا نفل بعد رسول الله 6 ، لأنّ الله تعالى خصّه بالأنفال ، فقال (
يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلّهِ وَالرَّسُولِ ) فخصّه بها .
وهو باطل ، لأنّ
ما ثبت للنبي 6 ثبت للأئمّة بعده ما لم يقم دليل على التخصيص.
وقال مالك وسعيد
بن المسيّب : لا نفل إلاّ من الخمس .
وقال الشافعي :
يخرج من خمس الخمس .
مسألة ١١٦
: وإنّما يستحقّ هذا البدل بالشرط السابق ، فإن لم يشترطه الإمام
ولا نائبه ، فلا نفل ، لأنّ الأصل تسوية الغانمين ، وإنّما يثبت النفل مع قلّة
المسلمين وكثرة المشركين ، فيشترط الإمام التنفيل لمن يعمل مصلحة ، تحريضا لهم على
القتال ، ولو كانوا مستظهرين عليهم ، فلا حاجة
__________________
إليه ، فإنّ أكثر
مغازي رسول الله 6 لم تكن فيها أنفال.
ولو رأى التنفيل
بدون الربع أو الثلث ، فعل.
وهل تجوز الزيادة
عليهما ؟ منع منه الأوزاعي ومكحول وأكثر العامّة ، لأنّ النبي 6 انتهى إلى الثلث ، فلا ينبغي
تجاوزه .
وقال الشافعي :
يجوز ، لأنّه نفل مرّة الربع ومرّة الثلث ومرّة نصف السدس ، فعلم انتفاء الضابط ،
وأنّه موكول إلى نظر الإمام .
وليس حجّة ،
لاتّفاق الوقائع على عدم الزيادة ، فكان ضابطا فيه ، ومع ذلك فإنّه يناقض قوله :
إنّه يخرج من خمس الخمس ، فلو شرط نائب الإمام زيادة على الثلث ، ردّ إليه على
الأوّل ، ولزم الوفاء على الثاني.
وقد اختلف في
تأويل البداءة والرجعة ، فقيل : البداءة أوّل سريّة ، والرجعة : الثانية .
وقيل : البداءة :
السريّة عند دخول الجيش إلى دار الحرب ، والرجعة : عند قفول الجيش .
وإنّما زادهم في
الرجعة ، للمشقّة ، فإنّ الجيش في البداءة ردء للسريّة تابع لها ، والجيش مستريح والعدوّ خائف ، وربّما
كان غارّا ، وفي
__________________
الرجعة لا ردء
للسريّة ، لانصراف الجيش ، والعدوّ مستيقظ على حذر.
وكما يجوز التنفيل
للسريّة يجوز لبعض الجيش ، لبلائه أو لمكروه تحمّله ، دون سائر الجيش ، فلو نفذ
الإمام سريّة فأتى بعضهم بشيء وبعضهم لم يأت ، كان للوالي أن يخصّ الذين جاءوا
بشيء دون الآخرين مع الشرط.
وقال أحمد : يجوز
من غير شرط .
مسألة ١١٧
: لو قال الأمير : من طلع هذا الحصن أو هدم هذا السور أو نقب
هذا البيت أو فعل كذا فله كذا ، أو من جاء بأسير فله كذا ، جاز في قول عامّة
العلماء ، لقوله 7 : « من قتل قتيلا فله سلبه » .
ولاشتماله على
المصلحة والتحريض على القتال ، فجاز ، كزيادة السهم للفارس والسّلب لقاتله.
وكره مالك ذلك ولم
يره ، وقال : لا نفل إلاّ بعد إحراز الغنيمة ، لأنّ القتال على هذا الوجه إنّما هو
للدنيا .
وهو منقوض بالسّلب
، واستحقاق السهم من الغنيمة ، وزيادة سهم الفارس.
وإنّما يجوز
التنفيل مع المصلحة للمسلمين ، فلو انتفت لم يجز.
والنفل لا يختصّ
بنوع من المال ، لأنّ النبي 7 جعل الثلث أو
__________________
الربع ، وهو عام في كلّ
مغنوم.
وقال الأوزاعي :
لا نفل في الدراهم والدنانير ، لأنّ القاتل لا يستحقّ النفل فيهما ، فكذا غيره .
وليس بشيء ، لأنّ
القاتل إنّما نفل السّلب ، وليس الدراهم والدنانير من السّلب.
ولو قال : من رجع
إلى الساقة فله دينار ، جاز ، لأنّ في الرجوع إليهم منفعة.
ويستوي في النفل
الفارس والراجل إلاّ أن يفضّل بعضهم في القسم ، فيستحق قدر المسمّى ، لأنّ النفل
شيء رضخ للفعل فكيف صدر عن الفاعل استحقّ.
ولو بعث الإمام
سريّة ونفلهم بالثلث بعد الخمس ثمّ إنّ أمير السريّة نفل قوما منهم لفتح الحصن أو
للمبارزة بغير إذن الإمام ، فإن نفلهم من حصّة السريّة أو من سهامهم بعد النفل ،
جاز ، ولو نفلهم من سهم العسكر ، لم يجز ، لأنّه أمير على السريّة لا على العسكر.
هذا إذا خرج الجيش
مع السريّة ، أمّا لو لم يخرج ، جاز تنفيله ، لأن الغنيمة كلّها للسريّة ، ولا
يشاركهم الجيش ، لاختصاص السريّة بالجهاد.
ولو بعث أمير
السريّة سريّة من السريّة ونفل لهم أقلّ من النفل الأوّل أو أكثر ، جاز من حصّة
أصحاب السريّة لا من حصّة العسكر ، إلاّ أن يكون أمير العسكر أذن له في التنفيل ،
فحينئذ يكون نائبا عن الأمير.
__________________
ولو فقد رجل من
السريّة فقام هناك بعضهم لطلبه وبعضهم ذهب حتى أصاب الغنائم ثمّ رجعوا إلى أصحابهم
ووجدوا المفقود ، فكلّهم شركاء في النفل ، لأنهم فارقوا العسكر جملة وأحرزوا
المصاب بالعسكر جملة ، فكانوا بمنزلة ما لو باشر القتال بعضهم ، وبعضهم كان ردءا
لهم.
ولو أصاب الرجل
المفقود غنيمة والذين أقاموا لانتظاره غنيمة والسريّة غنيمة ثمّ التقوا ، فالنفل
من جميع ذلك بينهم بالسويّة ، كما لو لم يفترقوا ، لأنّهم اشتركوا في الإحراز.
ولو تفرّقت
السريّة سريّتين وبعدت إحداهما عن الأخرى بحيث لا تقدر إحداهما على عون الأخرى ثمّ
أصابت كلّ سريّة غنيمة أو أصابت إحداهما دون الأخرى ثمّ التقتا ، فالنفل من جميع
ذلك بينهم بالسويّة ، ولو لم يلتقوا إلاّ عند العسكر ، فلكلّ فريق النفل ممّا
أصابوا خاصّة.
ولو أصابت السريّة
الغنائم ثمّ لم يقدروا على الرجوع إلى العسكر فخرجوا إلى دار الإسلام من موضع آخر
، قيل : تكون الغنيمة كلّها لهم تقسّم على سهام الغنيمة ، لأنّهم تفرّدوا بالإحراز
إلى دار الإسلام ، وهو سبب في التملّك ، وإذا صارت الغنيمة كلّها لهم ، بطل
التنفيل.
ولو قال الإمام :
من أخذ شيئا فهو له ، احتمل الجواز ـ وهو قول أبي حنيفة ، وأحد قولي الشافعي ـ لأنّ النبي 6 قال يوم بدر : «
من أخذ شيئا فهو له » .
__________________
واحتمل المنع ـ وهو
الثاني للشافعي ـ لأنّ من أجاز ذلك أسقط حقّ أهل الخمس من خمسه ، ومن
يستحقّ جزءا من الغنيمة لم يجز للإمام ( أن يشترط ) إسقاطه ، كما لو
شرط الغنيمة لغير الغانمين.
مسألة ١١٨
: لو بعث سريّتين يمنة ويسرة ونفل إحداهما
بالثلث والأخرى بالربع ، جاز ، لاختلاف المصلحة باختلاف البعد والقرب ، وسهولة أحد
الطريقين وصعوبة الآخر ، والأمن والخوف ، واختلاف المبعوث إليهم في القوّة والضعف.
فلو بعث واحدا مع
سريّة الربع فخرج مع سريّة الثلث ، فلا شيء له في السريّة التي خرج إليها بغير
إذن الإمام ، والتي أذن له بالخروج إليها لم يخرج.
واستحسن أبو حنيفة
أن يجعل له مع سريّة الثلث مقدار ما سمّى له ، وهو الربع .
أمّا لو ضلّ رجل
من إحدى السريّتين فوقع في الأخرى فأصاب الغنيمة ، فالوجه أنّه يشاركهم ، فيأخذ من
السريّة التي وقع فيها ، لا من التي خرج معها.
ولو بعث سريّة
ونفلهم بالربع ثمّ أرسل أخرى وقال لهم : الحقوا
__________________
بأصحابكم فما
أصبتم فأنتم شركاؤهم ، فلحقوا السريّة الاولى وقد كانوا غنموا غنيمة ثم غنموا معهم
غنيمة أخرى جميعا ، فنفل الغنيمة الثانية لهم جميعا ، ونفل الغنيمة الاولى للسريّة
الأولى ، لأنّ حقّ النفلين يتأكّد في المصاب بالإصابة ، فلا يثبت حقّ للسريّة في
الغنيمة الاولى ، فلا يملك الإمام إشراك الثانية فيما أصابت الأولى ، لأنّه يتضمّن
إبطال حقّ التأكّد ، وحقّ السرية الأولى لم يثبت على وجه الخصوص في الغنيمة
الثانية حين لحق بها الثانية ، بل يثبت حقّ السريّتين بإصابتهما ، فصحّ الاشتراك.
هذا إذا أخبرت
السريّة الثانية الأولى بالتنفيل أو أخبروا بعضهم ولو أميرهم ، ولو
لم يخبروهم ، قال أبو حنيفة : تكون الغنيمتان للأولى ، لأنّ الشركة تشتمل على الضرر
والغرور بالأولى ، فلا تصحّ إلاّ بعد العلم .
قال ابن الجنيد :
لو غنمت السريّة المنفلة فأحاط بها العدوّ ، فأنجدهم المسلمون ، شركوهم في النفل
ما لم يحرزوه في العسكر.
مسألة ١١٩
: يصحّ التنفيل بالشيء المجهول ، فلو قال : من جاء بشيء فله منه طائفة ، فجاء
رجل بمتاع ، نفله الإمام بما يراه مصلحة.
ولو قال : من جاء
بشيء فله منه قليل أو يسير أو شيء منه ، فله أن يعطيه أقلّ من النصف ، لأنّ
القليل واليسير يتناول ما دون النصف ، لأنّ مثله لا يكون يسيرا ، وكذا « الشيء »
يفهم منه في الغالب القلّة ، فصار كما لو قال : قليلا.
__________________
ولو قال : من جاء
بشيء فله جزؤه ، فله أن ينفله بالنصف وما دونه دون ما فوقه ، لأنّ الجزء اسم
للبعض منه إلى النصف ، يقال : جزء من جزءين ، ويقال لأكثر من النصف : جزءان من
ثلثه ، فدلّ على أنّ ما زاد على النصف لا يكون جزءا.
ولو قال : من جاء
بشيء فله سهم رجل ، كان له أن يعطيه سهم راجل لا فارس ، لأنه المتيقّن.
قال محمّد بن
الحسن الشيباني : لو قال : من جاء بألف درهم فله ألفا درهم ، فجاء بالألف ، لم يكن
له أكثر من ألف.
ولو قال : من جاء
بالأسير فله الأسير وألف ، لزمه دفعهما ، لأنّه في الأوّل قصد تحصيل المال لا غير
، فلا يعطيه إلاّ ما أصابه من المال ، وفي الثاني مقصوده كسر شوكتهم بأخذ الأسير .
قال ابن الجنيد :
لو قال : من جاء بأسير فله مائة درهم ، كان ذلك من الغنيمة أو في رقبة الأسير أو
بيت مال المسلمين.
مسألة ١٢٠
: لو قال : من أصاب ذهبا أو فضّة فهو له ، فأصاب سيفا محلّى
بأحدهما ، كان له الحلية دون السيف والجفن ، لأنّهما متغايران ، والجعل إنّما وقع
بأحدهما.
ولو أصاب خاتما ،
نزع فصّه للغنيمة ، وكان الخاتم له.
ولو أصاب أبوابا
فيها مسامير فضّة لو نزعت لهلكت الأبواب ، قال محمد : لا شيء له ، لأنّ المسمار
مغيب في الباب ، فصار كالمستهلك .
ولو قال : من أصاب
قزّا فهو له ، فأصاب جبّة محشوة بقزّ ، فلا شيء له ، لأنّ الحشو مغيب في الجبّة ،
والمغيب لا عبرة به.
__________________
أمّا لو قال : من
أصاب ثوب قزّ فهو له ، فأصاب رجل جبة بطانتها ثوب قزّ أو ظهارتها ، فله الثوب القزّ
، والآخر غنيمة.
ولو قال : من أصاب
جبّة حرير فهو له ، فأصاب جبّة ظهارتها وبطانتها حرير ، فهي له. وكذا لو كانت
الظهارة حريرا ، أمّا لو كانت البطانة حريرا ، فلا شيء له.
ولو صعد رجل السور
يقاتل المسلمين ، فقال الإمام : من صعد السطح فأخذه فهو له وخمسمائة ، فصعد رجل
فأخذه ، لزمه دفعه ودفع خمسمائة. ولو سقط الرجل من السور فقتله رجل خارج الحصن ،
فلا شيء له ، لأنّ قصد الجعالة إظهار الجلادة والجرأة.
ولو رماه رجل
فطرحه من السور ، قال محمّد : يستحقّ ذلك ، لأنّ القصد ليس هو الصعود بل فعل يؤثّر
في السقوط لإظهار كسر قلوبهم .
ولو صعد إليه فسقط
داخل الحصن فقتله ، فله النفل ، لأنّه أتى بالمطلوب وزيادة.
ولو التقى الصفّان
، فقال الأمير : من جاء برأس فله كذا ، انصرف إلى رءوس الرجال دون الصبيان ، أمّا
لو انهزم الكفّار فقال : من جاء برأس فله كذا ، فجاء رجل بسبي أو برأس فله النفل.
ولو ادّعى قتله
فقيل : بل كان ميّتا ، حلف واعطي النفل.
ولو جاء برأس لا
يعلم كفره وإسلامه ، لم يعط حتى يعلم كفره. ولو ادّعى آخر أنّه قتله ، فالقول قول
الآتي به مع اليمين ، فلو نكل فلا نفل.
وفي استحقاق
المدّعي إشكال ينشأ من أنّ نكوله إقرار بأنّ المدّعي
__________________
قتله ، وهو إقرار
بإبطال حقّ نفسه وإثبات الحقّ للمدّعي ، وإقراره حجّة عليه لا على غيره ، ومن أنّ
الحقّ ثابت له يكون الرأس في يده ، فإذا نكل عن اليمين ، فقد جعل ماله من الحقّ
إلى المدّعي ، وله هذه الولاية ، فصار ذلك للمدّعي.
مسألة ١٢١
: لو قال : من دخل باب هذه المدينة فله ألف ، فاقتحم ( جماعة
من المسلمين ) فدخلوها ، استحقّ كلّ واحد منهم ألفا ، لأنّه شرط لكلّ
داخل ، بخلاف : من دخل فله الربع ، فدخل عشرة ، فلهم الربع الواحد ، لأنّ الربع اسم
لجزء واحد من المال. ولو دخل واحد ثمّ آخر ، اشتركوا في النفل ، لتعلّق الاستحقاق
بالدخول حالة الخوف.
ولو قال : من دخل
فله جارية ، فدخلوا فإذا هناك جارية واحدة ، فلكل واحد قيمة جارية وسط ، أمّا لو
قال : جارية من جواريهم ، فليس لهم إلاّ ما وجد ، فرقا بين المضاف والمطلق.
ولو قال : من دخل
أولا فله ثلاثة ، ومن دخل ثانيا فله اثنان ، ومن دخل ثالثا فله واحد ، فدخلوا على
التعاقب ، فلكل منهم ما سماه ، لأنّ التفاوت في النفل مع التفاوت في الخوف جائز.
ولو دخلوا دفعة ،
بطل نفل الأوّل والثاني ، وكان لهم جميعا نفل الثالث ، لأنّ الأوّل هو المتقدّم ،
والثاني من تقدّمه واحد ولم يوجد ، والثالث إذا سبقه اثنان أو قارناه ، كان ثالثا
، لأنّ خوف الثالث إذا قارنه اثنان فوق خوفه إذا تقدّمه اثنان ، فيكون فعله أشقّ ،
فاستحقاقه أولى.
فلو دخل اثنان
أوّل مرّة ، بطل نفل الأوّل ، ونفل الثاني يكون لهما ،
__________________
لانعدام الأوّليّة
بالمقارنة ، بخلاف الثاني ، فإنّه يصدق مع المسبوقيّة والمقارنة.
ولو قال : من دخل
أوّلا من المسلمين فله كذا ، فدخله ذمّي ثمّ مسلم ، استحقّ المسلم ، لأنّ أوّليّة
الذمّي لا تمنع هذه الصفة ، كالدابّة ، أمّا لو قال : من دخل من المسلمين أوّلا من
الناس ، لم يستحقّ.
البحث الثالث : في السّلب.
مسألة ١٢٢
: يجوز للإمام أن يجعل للقاتل سلب المقتول إجماعا ، لأنّ
النبي 6 قال يوم حنين : « من قتل قتيلا فله سلبه » فقتل أبو طلحة يومئذ عشرين
فأخذ سلبهم ، رواه العامّة .
ومن طريق الخاصّة
: رواية عبد الله بن ميمون ، قال : أتي علي 7 بأسير يوم صفّين فبايعه ، فقال علي 7 : « لا أقتلك
إنّي أخاف الله ربّ العالمين » فخلّى سبيله ، وأعطى سلبه الذي جاء به . وإذا أخذ الآتي
السّلب فالقاتل أولى.
ولأنّ فيه مصلحة
عظيمة تنشأ من التحريض على القتال.
مسألة ١٢٣
: وإنّما يستحقّ القاتل السّلب بشروط :
الأوّل : أن يخصّه الإمام به ويشرطه له ـ وبه قال أبو حنيفة والثوري
__________________
ومالك وأحمد في
رواية ـ لأنّ السّلب جعل تحريضا على القتال ، فلا يستحقّه إلاّ بشرط الإمام ،
كالنفل.
وقال الأوزاعي
والليث والشافعي وإسحاق وأبو عبيد وأبو ثور وابن الجنيد من علمائنا ، وأحمد في
الرواية الأخرى : يخصّ به القاتل ، سواء قال الإمام أو لم يقل ، لما تقدّم من
الرواية .
وليس فيها دلالة
على عدم الشرط قبل ابتداء القتال ، فجاز أن يكون الرسول 6 شرط له ذلك أوّلا
، وإذا شرط له السّلب ، جاز له أخذه وإن لم يأذن له الإمام.
وقال الأوزاعي :
يشترط إذن الإمام. وإن لم يشرطه . في الاستحقاق. قال : لأنّه مجتهد فيه ، فلا ينفذ أمره فيه
إلاّ بإذن الإمام .
الثاني : أن يكون المقتول من المقاتلة الذين يجوز قتلهم ، فلو قتل امرأة أو صبيّا أو
شيخا فانيا لا رأي له ونحوهم ممّن لم يقاتل ، لم يستحقّ سلبه إجماعا ، لأنّ قتل
هؤلاء منهيّ عنه ، فلا يستحقّ به نفل. ولو قتل
__________________
أحدهم وهو مقاتل ،
استحقّ سلبه ، لأنّه يجوز قتله إذا كان يقاتل ، فيدخل تحت عموم الخبر.
الثالث : أن يكون المقتول ممتنعا ، فلو قتل أسيرا له أو لغيره ، أو من أثخن بالجراح
وعجز عن المقاومة ، لم يستحقّ سلبه ـ وبه قال الشافعي وأحمد ومكحول ـ لأنّ ابني
عفراء أثخنا أبا جهل يوم بدر فأجاز عليه عبد الله بن مسعود فجعل رسول الله 6 سلبه لابني عفراء
، ولم يعط ابن مسعود شيئا .
ولأنّه لم يغرّر
بنفسه في دفع شرّه.
وقال أبو ثور
وداود : يستحقّ سلبه على أيّ وجه قتله ، لعموم الخبر .
والخبر محمول على
القاتل حالة الامتناع.
ولو قطع يدي رجل
ورجليه وقتله آخر ، فالسّلب للقاطع دون القاتل ، لأنّه الذي منع شرّه عن المسلمين.
ولو قطع يديه أو
رجليه وقتله آخر ، قال الشيخ : السّلب للقاتل ، لأنّه لم يصيّره بالقطع ممتنعا ،
فإنّ مقطوع اليدين يمتنع بالعدو ، ومقطوع الرّجلين يمتنع برمي يديه .
__________________
وقال بعض العامّة :
يخصّ القاطع ، لأنّه عطّله .
وليس جيّدا ، لما
قاله الشيخ.
وقال بعضهم : يكون
غنيمة ، لأنّ القاطع لم يكف شرّه كلّه ، والقاتل قتل مثخنا .
أمّا لو قطع يده
ورجله من خلاف ثمّ قتله آخر ، فإن كان القاطع يمنع شرّه أجمع بقطع العوضين ،
فالسّلب له ، وإلاّ فللقاتل.
ولو عانق رجل رجلا
فقتله آخر ، فالسّلب للقاتل ـ وبه قال الشافعي ـ لأنّ المعانق ليس قاتلا ، والقاتل كفى المسلمين شرّه.
وقال الأوزاعي :
للمعانق .
الرابع : القتل أو الإثخان بالجراح بحيث يجعله معطّلا في حكم المقتول ، فلو أسر رجلا ،
لم يستحق سلبه وإن قتله الإمام أو لم يقتله ، لأنّه 6 جعل السّلب للقاتل .
وقال مكحول : من
أسر مشركا ، استحقّ سلبه .
وقال بعض العامّة
: إن استبقاه الإمام ، كان له فداؤه أو رقبته وسلبه ، لأنّه كفى المسلمين شرّه ،
لأنّ الأسر أصعب من القتل ، وقد كفى المسلمين شرّه .
__________________
وليس جيّدا ، لأنّ
الجعل للقتل لا للأسر. نعم ، لو شرط الإمام السّلب لمن استأسر ، استحقّ سلبه .
الخامس : أن يغرّر القاتل بنفسه في قتله بأن يبارز إلى صفّ المشركين أو إلى مبارزة من
يبارزهم ، فيكون له السّلب ، فلو لم يغرّر بنفسه ، مثل أن يرمي سهما في صفّ
المشركين من صفّ المسلمين فيقتل مشركا ، لم يكن له سلبه ، لأنّ القصد التحريض على
القتال ومبارزة الرجال ولا يحصل إلاّ بالتغرير.
ولو حمل جماعة من
المسلمين على مشرك فقتلوه. فالسّلب في الغنيمة ، لأنّهم باجتماعهم لم يغرّروا
بأنفسهم في قتله.
ولو اشترك اثنان
في قتله بأن ضرباه فقتلاه أو جرحاه فمات من جرحهما ، فالسّلب لهما ـ وبه قال
الشافعي وأبو حنيفة وأحمد في رواية ـ لأنّ قوله 6 : « من قتل قتيلا فله سلبه » يتناول الاثنين
والواحد على حد واحد ، فلا وجه للتخصيص.
وقال أحمد في
رواية : يكون غنيمة ، لأنّ سبب استحقاق السّلب التغرير ، ولا يحصل بقتل الاثنين .
وهو ممنوع ، فقد
يحصل التغرير بالاثنين.
ولو اشترك اثنان
في ضربه وكان أحدهما أبلغ في قتله من الآخر ، قال
__________________
بعض العامّة :
يكون السّلب له ، لأنّ أبا جهل ضربه معاذ بن عمرو بن الجموح ومعاذ بن عفراء وأتيا
النبي 6 فأخبراه ، فقال : « كلاكما قتله » وقضى بسلبه لمعاذ بن عمرو بن الجموح .
السادس : أن يقتله والحرب قائمة ، سواء قتله مقبلا أو مدبرا ، أمّا لو انهزم المشركون
فقتله ، لم يستحقّ السّلب ، بل كان غنيمة ، إذ لا تغرير حينئذ ، بخلاف ما لو قتله
مدبرا والحرب قائمة لأنّ التغرير موجود ، فإنّ الحرب كرّ وفرّ. وبه قال الشافعي .
وقال أبو ثور
وداود : لا يشترط قيام الحرب بل يستحقّ القاتل السّلب مطلقا .
وليس بجيّد ، لأنّ
ابن مسعود ذفف على أبي جهل فلم يعطه النبي 6 سلبه .
وإن شرطنا في
المبارزة إذن الإمام ، لم يستحقّ القاتل السّلب إلاّ مع إذنه في المبارزة ، وإلاّ
استحقّ.
السابع : أن يكون القاتل له نصيب من الغنيمة أمّا سهم أو رضخ ، ولو لم يكن له نصيب ولا
رضخ له الإمام شيئا بأن يكون مخذلا كعبد الله بن
__________________
أبيّ ، أو يكون
معينا على المسلمين أو مرجفا ، لم يستحقّ سلبا ، لأنّ ترك السهم من حيث إنّه عاون
على المسلمين ، فلا يستحقّ السّلب ، أو يكون لنقص فيه ، كالمرأة والمجنون ، فالذي
قوّاه الشيخ استحقاق السّلب ، لعموم الخبر . وهو أحد قولي الشافعي ، وفي الآخر : لا يستحقّ ، لأنّ
السهم آكد من السّلب ، للإجماع على استحقاق السهم دون السّلب ، فإذا انتفى السهم
انتفى السّلب .
والصبي عندنا يسهم
له ، فيستحقّ السّلب.
وللشافعي قولان .
ومن يستحقّ الرضخ
ـ كالمرأة والعبد والكافر ـ فالأقوى استحقاقه للسّلب ، للعموم ، ولأنّه من أهل
الغنيمة.
وللشافعي قولان .
والعاصي بالقتال ـ
كالداخل بغير إذن الإمام أو بنهي أبويه عنه مع عدم تعيينه ـ لا يستحقّ السّلب.
ولو قتل العبد ،
استحقّ مولاه سلبه. ولو خرج بغير إذن مولاه ، قال بعض الجمهور : لا سلب له ، لأنّه
عاص .
مسألة ١٢٤
: اختلف علماؤنا في السّلب هل يخمّس أم لا؟ على قولين :
أحدهما : يجب فيه
الخمس ، وبه قال ابن عباس والأوزاعي
__________________
ومكحول .
والثاني : لا يجب
، وهو قويّ ، لأنّه 7 قضى بالسّلب للقاتل ، ولم يخمّس السّلب ، وبه قال الشافعي وابن المنذر وابن
جرير وأحمد ، للعموم .
وقال إسحاق : إن
كان السّلب كثيرا ، خمّس ، وإلاّ فلا. وهو قول عمر .
ونمنع أنّه غنيمة
، فلا يدخل تحت عموم الآية ، ولو سلّم فالعامّ يخصّ بالسنّة.
إذا عرفت هذا ،
فالسّلب يستحقّه القاتل من أصل الغنيمة ـ وبه قال الشافعي ومالك في إحدى الروايتين
ـ لأن النبي 6 جعل السّلب للقاتل مطلقا ، ولم ينقل أنّه جعله من خمس الخمس.
وفي الرواية
الثانية عن مالك أنّه يحسب من خمس الخمس الذي هو سهم المصالح ، لأنّه استحقّه
القاتل للتحريض على القتال ، فكان من سهم
__________________
المصالح ، كالنفل .
ونمنع ثبوت الحكم
في الأصل ، مع أنّ النبي 6 لم يقدّره ولم يستعلم قيمته ، ولو وجب احتسابه من خمس
الخمس ، لوجب العلم بقدره وقيمته.
وأمّا النفل :
فيستحقّه من قوطع عليه بعد الفعل ويخمّس عليه ، لأنّ النبي 6 قال : « لا نفل
إلاّ بعد الخمس » .
ولقوله تعالى (
وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ ) .
ويستحقّه المجعول
له زائدا عن سهمه الراتب له ، ولا يتقدّر بقدر ، بل هو موكول إلى الإمام ، قلّ أو
كثر.
والنفل يكون إمّا بأن
يبذل الإمام من سهم نفسه الذي هو الأنفال ، أو يجعله من الغنيمة.
ولو جعل الإمام
نفلا على فعل مصلحة فتبرّع من يقوم بها مجّانا ، لم يكن له أن ينفل. وكذا لو وجد
من ينتدب بنفل أقلّ ، لم يكن له أن ينفل الأكثر ، إلاّ أن يعلم الإمام أنّ طالب
النفل الأكثر أنكى للعدوّ وأبلغ في مقصوده.
مسألة ١٢٥
: السّلب كلّ مال متّصل بالمقتول ممّا يحتاج إليه في القتال
، كالثياب والعمامة والقلنسوة والدرع والمغفر والبيضة والجوشن والسلاح ، كالسيف
والرمح والسكّين ، فهذا كلّه سلب يستحقّه القاتل إجماعا.
__________________
وأمّا ما لا يحتاج
إليه في القتال ممّا هو متّصل به وإنّما يتّخذ للزينة أو غيرها ، كالتاج والسوار
والطرق والهميان الذي للنفقة ، والمنطقة ، فهل يكون سلبا أم لا؟ تردد الشيخ فيه ،
وقوّى كونه سلبا ـ وهو قول أحمد وأحد قولي الشافعي ـ لأنّه لابس له
، فهو سلب في الحقيقة ، فيدخل تحت عموم الخبر .
وقال الشافعي في
الآخر : إنّه لا يكون سلبا ، لأنّه لا يحتاج إليه في القتال ، فأشبه المنفصل .
والحكم معلّق على
الاسم الذي يندرج فيه صورة النزاع دون صورة النقص ، فافترقا.
والدابّة التي
يركبها من السّلب وإن لم يكن راكبا لها إذا كانت بيده ـ وبه قال الشافعي وأحمد في
إحدى الروايتين ـ لأنّه يستعان بها في الحرب ، فأشبهت السلاح.
__________________
وفي رواية عن أحمد
أنّها ليست سلبا ، لأنّ السّلب ما كان على بدنه .
وينتقض بالسيف
والرمح.
وكذا ما على
الدابة من سرج ولجام وجميع آلاتها وحلية تلك الآلات من السّلب ، لأنّه تابع لها ،
ويستعان به في القتال.
ولو كانت الدابة
في منزله أو مع غيره أو منفلتة ، لم تكن سلبا ، كالسلاح الذي ليس معه.
ولو كان راكبا
عليها فصرعه عنها ثمّ قتله بعد نزوله عنها ، فهي من السّلب.
ولو كان ماسكا
بعنانها غير راكب ، قال ابن الجنيد : تكون من السّلب ـ وبه قال الشافعي وأحمد في
رواية ـ لأنّه يتمكّن من القتال عليها ، فأشبهت ما في يده من السيف والرمح.
وفي رواية عن أحمد
: أنّها ليست سلبا ، لأنّه ليس راكبا عليها ، فأشبه ما لو كانت في يد غلامه .
وأمّا الجنيب الذي يساق خلفه :
فليس من السّلب ، لأنّ يده ليست عليه.
ولو كان راكبا
دابّة وفي يده جنيب له ، قال ابن الجنيد : يكون من
__________________
السّلب ، لأنّه
ممّا يستعان به على القتال ويده عليه ، فكان سلبا ، كالفرس المركوب. وهو أحد قولي
الشافعي .
والثاني : لا يكون
سلبا ، لأنّه لا يمكن ركوبهما معا ، فلا يكون سلبا .
ويجوز سلب القتلى
وتركهم عراة ، لأنّ النبي 6 قال في قتيل سلمة ابن الأكوع : « له سلبه أجمع » .
قال ابن الجنيد :
ولا أختار أن يجرّد الكافر في السّلب.
وكرهه الثوري ، ولم يكرهه
الأوزاعي .
ولم يكن أمير
المؤمنين 7 يأخذ سلب أحد عند مباشرته للحروب.
مسألة ١٢٦
: الأقرب افتقار مدّعي السّلب إلى بيّنة بالقتل ـ خلافا
للأوزاعي ـ لقوله 7 : « من قتل قتيلا له عليه بيّنة فله سلبه » .
ولأنّه مدّع ،
فافتقر إلى البيّنة.
احتج : بأنّ النبي
7 قبل قول أبي قتادة .
وليس حجّة ، لأنّ
خصمه أقرّ له فاكتفى بإقراره.
وهل يفتقر الى
شاهدين؟ قال به أحمد ، لأنّ النبي 7 اعتبر البيّنة ، وإطلاقها ينصرف إلى شاهدين ، ولأنّها دعوى قتل ، فاعتبر
شاهدان ، كقتل
__________________
العمد .
وقال بعض العامّة
: يقبل شاهد ويمين ، لأنّها دعوى مال. ويحتمل قبول شاهد من غير يمين ، لأنّ النبي 7 قبل قول الذي شهد
لأبي قتادة من غير يمين .
مسألة ١٢٧
: لو قال الإمام : من أخذ شيئا فهو له ، جاز ـ وهو أحد قولي
الشافعي ، وبه قال أبو حنيفة ـ لأنّ النبي 6 قال يوم بدر : « من أخذ شيئا فهو له » .
والثاني : المنع ،
وإلاّ سقط حقّ أهل الخمس من خمسه ، ومن يستحقّ جزءا من الغنيمة لم يجز للإمام أن
يشترط إسقاطه ، كما لو شرط الغنيمة لغير الغانمين. وتأوّل الخبر بأنّ غنائم بدر لم
تكن للغانمين ، لأنّ الآية نزلت بعدها ، ولهذا قسيم رسول الله 6 لمن لم يحضرها .
قال الشيخ : لو
قال الإمام قبل لقاء العدوّ : من أخذ شيئا من الغنيمة فهو له بعد الخمس ، كان
جائزا ، لأنّه معصوم وفعله حجّة .
__________________
البحث الرابع : في الرضخ.
مسألة
١٢٨ :
لا سهم للنساء في الغنيمة ، بل يرضخ لهنّ الإمام ما يراه ، للحاجة إليهنّ في معالجة الطبخ ومداواة المرضى وغير ذلك ، فيدفع
إليهنّ الإمام من الغنيمة شيئا دون السهم ، وله أن يسوّي بين النساء في الرضخ ،
وأن يفضّل مع المصلحة ، عند علمائنا أجمع ، وأكثر العلماء ، لما رواه
العامّة : أنّ النبي 7 كان يغزو بالنساء فيداوين الجرحى ، ويحذين من الغنيمة ،
وأمّا السهم فلم يضرب لهنّ .
ومن طريق الخاصّة
: قول أحدهما 8 : « إنّ رسول الله 6 خرج بالنساء في الحرب يداوين الجرحى ، ولم يقسّم لهنّ من
الفيء شيئا ولكن نفلهنّ » .
ولأنّهنّ لسن من
أهل القتال ، ولهذا لم يجب عليهنّ فرضه.
وقال الأوزاعي :
يسهم للنساء ، لأنّ النبي 7 ضرب لسهلة بنت عاصم يوم حنين بسهم ، فقال رجل من القوم :
أعطيت سهلة مثل سهمي .
__________________
وليس حجّة ، لأنّ
في الحديث : أنّها ولدت ، فأعطاها النبي 6 لها ولولدها ، وعندنا يسهم للمولود كالرجل.
مسألة ١٢٩
: لا سهم للعبيد ، بل يرضخ لهم الإمام ما يراه مصلحة وإن
جاهدوا ، وبه قال أكثر العلماء ، لما رواه العامّة عن ابن عباس في المرأة والمملوك يحضران
الفتح ليس لهما سهم ، وقد يرضخ لهما .
ولأنّه ليس من أهل
القتال ، فلا يجب عليه الجهاد ، فأشبه المرأة.
وقال أبو ثور :
يسهم للعبد ـ وهو مرويّ عن عمر بن عبد العزيز والحسن البصري والنخعي ـ لأنّ حرمة
العبد في الدين كحرمة الحرّ ، وفيه من العناء ما فيه ، فأسهم له كالحرّ .
والفرق : أنّ
الحرّ يجب عليه الجهاد ، والحرّيّة مظنّة الفراغ للنظر والفكر في
مصالح المسلمين ، بخلافه.
ولا فرق بين العبد
المأذون له وغيره في عدم الإسهام ، بل يرضخ لهما.
وقال ابن الجنيد :
يسهم للعبد المأذون ـ وبه قال الأوزاعي وأبو ثور ـ
__________________
وغير المأذون لا
يسهم له إجماعا.
ثمّ إن كره مولاه
الغزو ، لم يرضخ له ، لعصيانه ، وإن عرف منه الإباحة ، استحقّ الرضخ كالمأذون.
ولو أعتق العبد
قبل انقضاء الحرب ، أسهم له.
ولو قتل سيّد
المدبّر قبل تقضي الحرب وهو يخرج من الثلث ، عتق وأسهم له مع حضوره.
ومن نصفه حر قيل :
يرضخ له بقدر ما فيه من الرقّ ، ويسهم له بقدر ما فيه من الحرّيّة ، لأنّه ممّا
يمكن تنصيفه فينصف كالميراث .
وقيل : يرضخ له ،
لأنّه ليس من أهل وجوب القتال ، فأشبه الرقيق .
والخنثى المشكل
يرضخ له ، لعدم علم الذكوريّة ، ولعدم وجوب الجهاد عليه .
وقيل : له نصف سهم
ونصف الرضخ ، كالميراث .
ولو ظهر حاله وعلم
أنّه رجل ، أتمّ له سهم الرجل ، سواء انكشف قبل تقضي الحرب أو بعده ، أو قبل
القسمة أو بعدها ، لأنّه قد ظهر لنا استحقاقه للسهم واعطي دون حقّه.
مسألة ١٣٠
: يسهم للصبي إذا حضر الحرب وإن ولد بعد الحيازة قبل القسمة
، كالرجل المقاتل ، عند علمائنا أجمع ـ وبه قال الأوزاعي ـ
__________________
لما رواه العامّة
: أنّ النبي 6 أسهم للصبيان بخيبر . وأسهم أئمّة المسلمين كل مولود ولد في دار الحرب.
ومن طريق الخاصّة
: قول أمير المؤمنين 7 : « إذا ولد المولود في أرض الحرب قسّم له ممّا أفاء الله
عليه » .
ولأنّه حرّ ذكر حضر القتال ، وله
حكم المسلمين ، فيسهم له كالرجل. ولأنّ في إسهامه بعثا له بعد البلوغ على الجهاد ،
فيكون لطفا له فيجب. ولأنّه معرّض للتلف ، فأشبه المحارب.
وقال مالك : يسهم
له إذا قاتل وقدر عليه ومثله قد بلغ القتال .
وقال أبو حنيفة
والشافعي والثوري والليث وأحمد وأبو ثور : لا يسهم له ، بل يرضخ وعن القاسم وسالم
ليس شيء ، لأنه ليس من أهل القتال ، فلم يسهم له ، كالعبد .
والفرق : أنّ
المظنّة للاستحقاق ـ وهي الحرّيّة والذكورة ـ تثبت له ،
__________________
فيثبت الحكم.
مسألة ١٣١
: الكافر لا يسهم له ، بل يرضخ له الإمام ما يراه ، عند
علمائنا ـ وبه قال أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد في رواية ـ لأنّه ليس من
أهل الجهاد ، لأنّه لا يخلص نيّته للمسلمين ، فلا يساويهم في الاستحقاق.
وقال الثوري
والزهري وإسحاق : يسهم له ، كالمسلم ـ وهو رواية عن أحمد ـ لما رواه الزهري أنّ
رسول الله 6 استعان بناس من اليهود في حربه فأسهم لهم .
ولأنّ الكفر نقص
في الدين ، فلم يمنع استحقاق السهم ، كالفسق .
ويحتمل أن يكون
الراوي سمّى الرضخ إسهاما. والفرق بين الكفر والفسق ظاهر.
وإنّما يستحقّ
الكافر الرضخ عندنا أو السهم عند آخرين لو خرج إلى القتال بإذن الإمام. ولو خرج
بغير إذنه ، لم يسهم له ولم يرضخ إجماعا ، لأنّه غير مأمون على الدين.
ولو غزا جماعة من
الكفّار بانفرادهم فغنموا ، فغنيمتهم للإمام ، لما يأتي من أنّ الغنيمة بغير إذن
الإمام له.
وقال بعض العامّة
: غنيمتهم لهم ولا خمس فيها ، لأنّه اكتساب مباح لم يؤخذ على وجه الجهاد ، فكان
كالاحتطاب .
__________________
وقال بعضهم : فيه
الخمس ، لأنّه غنيمة قوم من أهل دار الإسلام ، فأشبه غنيمة المسلمين .
ويجوز أن يستعين
الإمام بالمشركين في الجهاد ـ وبه قال الشافعي وجماعة من العلماء ـ لأنّ النبي 6 استعان بناس من اليهود في حربه .
وقال ابن المنذر :
لا يستعان بهم . وعن أحمد روايتان .
ويشترط أن يكون
المستعان به من المشركين في الحرب حسن الرأي في المسلمين مأمون الضرر.
مسألة ١٣٢
: لا حدّ معيّن للرضخ ، بل هو موكول إلى نظر الإمام لكن لا
يبلغ للفارس سهم فارس ولا للراجل سهم راجل ، كما لا يبلغ بالتعزير الحدّ.
وينبغي أن يفضّل
بعضهم على بعض بحسب مراتبهم وكثرة النفع به وضدّ ذلك ، ولا يسوّى بينهم في السهام
، لأنّ السهم منصوص عليه غير موكول إلى الاجتهاد فلم يختلف ، كالحدّ والدية ،
والرضخ مجتهد فيه ،
__________________
فاختلف ،
كالتعزير.
قال الشيخ : الرضخ
، يكون من أصل الغنيمة ـ وهو أحد أقوال الشافعي ـ لأنّهم
يستحقّون ذلك لمعاونة الغانمين في تحصيل الغنيمة ، فكانوا كالحفّاظ والناقلين تكون
أجرتهم من الأصل. ولو أعطاهم الإمام ذلك من ماله من الأنفال وحصّته من الخمس ، جاز.
والثاني للشافعي :
يكون من أربعة الأخماس ، لأنّهم يستحقّون ذلك بحضورهم الوقعة ، فأشبهوا الغانمين .
والثالث : أنّه
يدفع من سهم المصالح ، لأنه مستحقّ الرضخ ليس من أصحاب السهم ولا من أصحاب الخمس ،
فلم يكن الدفع إليه إلاّ على وجه المصلحة ، فكان من سهم المصالح .
ولو استأجر الإمام
أهل الذمّة للقتال ، جاز ، ولا يبيّن المدّة ، لأنّ ذكر المدّة غرر ، فربما زادت
مدّة الحرب أو نقصت ، وعفي عن الجهالة هنا ، لموضع الحاجة. فإن لم يكن قتال ، لم
يستحقّوا شيئا ، وإن كان قتال ، فإن قاتلوا ، استحقّوا الأجرة ، وإلاّ فإشكال ينشأ
من أنّه منوط بالعمل ولم يوجد ، ومن أنّه يستحقّ بالحضور ، لأنّه
بمنزلة القتال في حقّ المسلم يستحقّ به السهم ، فكذا هنا. والأول أقوى.
ولو زادت الأجرة
على سهم الراجل أو الفارس ، احتمل أن يعطى ما
__________________
يكون رضخا من
الغنيمة ، وما زاد يكون من سهم المصالح ، وأن يدفع ذلك كلّه من الغنيمة ، لجريانه
مجرى المئونة التي لا يعتبر فيها النقصان عن السهم.
ولو غزا الرجل
بغير إذن الإمام ، أخطأ. ولو غنم مع العسكر ، فسهمه للإمام. ولو غزا بغير إذن
أبويه أو بغير إذن صاحب الدّين ، استحقّ السهم ، لتعيّن الجهاد عليه بالحضور.
مسألة ١٣٣
: قال الشيخ : ليس للأعراب من الغنيمة شيء وإن قاتلوا مع
المهاجرين ، بل يرضخ لهم الإمام بحسب ما يراه مصلحة .
ونعني بالأعراب من
أظهر الإسلام ولم يصفه ، وصولح على إعفائه عن المهاجرة وترك النصيب.
ويجوز أن يعطيهم
الإمام من سهم ابن السبيل من الصدقة ، لأنّ الاسم يتناولهم.
ومنعه ابن إدريس ،
وأوجب لهم النصيب كغيرهم من المقاتلة .
والشيخ استدلّ
بقول الصادق 7 : « إنّ رسول الله 6 إنّما صالح الأعراب على أن يدعهم في ديارهم ولا يهاجروا
على إن دهمه من عدوّه دهم أن يستنفرهم فيقاتل بهم وليس لهم في الغنيمة نصيب » .
ولا نعلم صحّة سند
هذه الرواية.
__________________
البحث الخامس : في كيفية القسمة.
مسألة
١٣٤ :
أوّل ما يبدأ الإمام بعد إحراز الغنيمة بدفع ما تقدّم من السّلب ، لأنّ حقّه متعلّق
بالعين ، ثمّ اجرة الحمّال والحافظ والناقل والراعي ، لأنّ ذلك من مؤنها يؤخذ من
أصلها ، ثمّ الرضخ إن قلنا : إنّه يخرج من أصل الغنيمة ، ثمّ يفرز خمس الباقي
لأهله ، وتقسّم أربعة الأخماس الباقية بين الغانمين.
وتقدّم قسمة
الغنيمة على قسمة الخمس ، لأنّ مستحقّ الغنيمة حاضرون ، ويقف رجوعهم وانصرافهم إلى
مواطنهم على قسمة الغنيمة ، وأهل الخمس غيّاب في مواطنهم. ولأنّ الغنيمة حصلت
باجتهاد الغانمين فكأنّها بعوض ، فكانت آكد من الخمس.
مسألة ١٣٥
: للإمام أن يصطفي لنفسه من الغنيمة ما يختاره ، كفرس جواد
وثوب مرتفع وجارية حسناء وسيف قاطع وغير ذلك ممّا لا يضرّ بالعسكر ، عند علمائنا
أجمع ، لما رواه العامّة : أنّ النبي 6 كان يصطفي من الغنائم الجارية والفرس وما أشبههما في غزاة
خيبر وغيرها .
ومن طريق الخاصّة
: قول الصادق 7 : « نحن قوم فرض الله طاعتنا ، لنا الأنفال ، ولنا صفو
الأموال » .
وسأله أبو بصير عن
صفو المال ، فقال : « الإمام يأخذ الجارية الحسناء والمركب الفاره والسيف القاطع
والدّرع قبل أن تقسّم الغنيمة ، هذا صفو
__________________
المال » .
وهذا الحقّ عندنا
ثابت للإمام بعد النبي 6 ، لمشاركته إيّاه في تحمّل الأثقال وإتمام ذوي الحقوق مؤونتهم
مع قصور حقّهم.
وقالت العامّة :
إنّه مختصّ بالنبي 7 يبطل بموته .
وهل الاصطفاء قبل
الخمس أو بعده؟ فهم ممّا تقدّم في الرضخ.
مسألة ١٣٦
: إذا أخرج الإمام من الغنيمة الرضخ والجعائل واجرة الحافظ وغيره
وما تحتاج الغنيمة إليه من النفقة مدة بقائها ، يقسّم الباقي بين الغانمين خاصّة
ممّا ينقل ويحوّل من الأموال الحاضرة ، للراجل سهم وللفارس سهمان.
ولا خلاف بين
العلماء في أن الراجل له سهم ، واختلفوا في الفارس.
فقال أكثر علمائنا
: إنّه يستحقّ سهمين : سهم له ، وسهم لفرسه . وبه قال أبو حنيفة .
وقال ابن الجنيد من
علمائنا : للفارس ثلاثة أسهم : سهمان لفرسه ، وسهم له. وهو قول أكثر العامّة ،
ونقله العامّة عن علي 7 ، وبه قال عمر
__________________
ابن عبد العزيز
والحسن البصري وابن سيرين وحبيب بن أبي ثابت ومالك ومن تبعه من أهل المدينة ،
والثوري والليث ومن تبعه من أهل مصر ، والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور وأبو يوسف
ومحمّد .
لنا : ما رواه
العامّة عن المقداد ، قال : أعطاني رسول الله 6 سهمين : سهم لي وسهم لفرسي .
ومن طريق الخاصّة
: قول الصادق 7 : « للفارس سهمان ، وللراجل سهم » .
ولأنّه حيوان ذو
سهم ، فلا يزاد على الواحد ، كالآدمي.
وما رواه العامّة
عن ابن عبّاس أنّ النبي 6 أعطى للفارس ثلاثة أسهم .
وما رواه الخاصّة
: أنّ عليّا 7 كان يجعل للفارس ثلاثة أسهم ، فمحمول على صاحب الأفراس الكثيرة ، لما رواه الباقر 7 : « أنّ عليا 7 كان يسهم للفارس
ثلاثة أسهم : سهمين لفرسيه ، وسهما له ، ويجعل للراجل سهما » .
__________________
إذا عرفت هذا ،
فإنّه يعطى ذو الفرسين فما زاد ثلاثة أسهم : سهما له وسهمين لأفراسه ، ولا يزاد
على السهمين وإن كثرت الأفراس ـ وبه قال أحمد ـ لما رواه العامّة أنّ رسول الله 6 كان يسهم للخيل ،
وكان لا يسهم للرجل فوق فرسين وإن كان معه عشرة أفراس .
ومن طريق الخاصّة
: رواية الحسين بن عبد الله عن أبيه عن جدّه عن أمير المؤمنين 7 ، قال : « إذا
كان مع الرجل أفراس في غزو لم يسهم إلاّ لفرسين منها » .
وقال أبو حنيفة
ومالك والشافعي : لا يسهم لأكثر من فرس واحد ، لأنّ النبي 7 لم يسهم لأفراس
الزبير إلاّ لواحد .
وهو معارض بما روي
عن الزبير أنّه 7 أسهم له عن فرسين .
مسألة ١٣٧
: ويسهم للفرس سواء كان عتيقا ـ وهو الذي أبواه
__________________
عتيقان عربيّان
كريمان ـ أو برذونا ـ وهو الذي أبواه أعجميّان ـ أو مقرفا ـ وهو الذي أبوه برذون
وامّه عتيقة ـ أو هجينا ، وهو عكس البرذون ـ وبه قال الشافعي ومالك وأبو حنيفة ـ لصدق اسم الفرس
في الجميع. ولأنّه حيوان ذو سهم ، فاستوى الفاره وغيره ، كالآدمي.
وقال الأوزاعي :
لا يسهم للبرذون ، ويسهم للمقرف والهجين سهم واحد .
وعن أحمد روايات :
إحداها : يسهم لما
عدا العربي سهم واحد. وهو قول الحسن البصري.
الثانية : أنّه
يسهم له مثل سهم العربي. وبه قال عمر بن عبد العزيز والثوري.
الثالثة : أنّها
إن أدركت إدراك العراب ، أسهم لها ، مثل الفرس العربي ، وإلاّ فلا.
الرابعة : أنّه لا
يسهم لها .
__________________
وعن أبي يوسف
روايتان :
إحداهما : أنّه
يسهم له ، كالعربي.
الثانية : أنّه
يسهم له سهم واحد ، لأنّ البرذون لا كر له ولا فرّ ، فأشبه البعير.
وقد بيّنّا عدم
اعتبار التفاضل في السهام بشدّة البلاء في الحرب.
مسألة ١٣٨
: لا يسهم لغير الخيل من الإبل والبغال والحمير والفيلة
وغيرها ، عند علمائنا ـ وهو قول عامّة العلماء ، ومذهب الفقهاء في القديم والحديث ـ لأنّه لم ينقل عن النبي 6 إسهام غير الخيل مع أنّه كان معه يوم بدر سبعون بعيرا . ولأنّ الفرس له
كرّ وفرّ وطلب وهرب ، بخلاف غيرها.
وحكي عن الحسن
البصري أنّه قال : يسهم للإبل خاصّة .
وعن أحمد روايتان
:
إحداهما : أنّه
يسهم للبعير سهم واحد ، ولصاحبه سهم آخر.
والثانية : أنّه
إن عجز عن ركوب الخيل فركب البعير ، أسهم له ثلاثة أسهم : سهمان لبعيره. وسهم له ،
وإن أمكنه الغزو على الفرس ، لم يسهم لبعيره ، لقوله تعالى ( فَما
أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ ) وهي
__________________
الإبل. ولأنّه
حيوان تجوز المسابقة عليه بعوض ، فيسهم له ، كالفرس .
ولا دلالة ( في
الآية ) على إسهام الركاب ، والجامع لا يصلح للعلّيّة ، لنقضه
بالبغال والحمير ، ولا فرق بين أن تقوم الإبل مقام الخيل أو تزيد في العمل.
ويسهم للخيل مع
حضورها الوقعة وإن لم يقاتل عليها ولا احتيج إليها في القتال ، لأنّه أحضرها
للقتال ولزم عليها مئونة.
ولو كانت الغنيمة
من فتح حصن أو مدينة ، فالقسمة فيها كالقسمة في غنائم دار الحرب
ـ وبه قال الشافعي ـ لأنّ النبي 6 قسّم غنائم خيبر للفارس ثلاثة أسهم ، وللراجل سهمين ، وهي حصون .
ولأنّ الحاجة قد
تدعو إلى الخيل بأن ينزل أهل الحصن فيقاتلوا خارجه ، فيسهم له.
ولو حاربوا في
السفن وفيهم الرجالة وأصحاب الخيل ، قسّمت الغنيمة كما تقسّم في البرّ ، للراجل
سهم ، وللفارس سهمان ، سواء احتاجوا إلى الخيل أو لا ، للرواية عن الصادق 7 لمّا سأله حفص بن
غياث عن سريّة في سفينة قاتلوا ولم يركبوا الفرس كيف تقسّم؟ فقال 7 : « للفارس سهمان
، وللراجل سهم » .
__________________
مسألة ١٣٩
: يسهم للفرس المستعار للغزو ، والسهم للمستعير ـ وبه قال
الشافعي وأحمد في إحدى الروايتين ـ لأنه متمكّن من الغزو عليه شرعا وعقلا ، فأشبه المستأجر.
ولأنّ سهم الفرس لمنفعته ، وهي مملوكة للمستعير.
وقال بعض الحنفيّة
: السهم للمالك. وهو رواية عن أحمد . وقال بعضهم : لا يسهم للفرس ، لأنّ السهم
نماء الفرس ، فأشبه الولد . ولأنّ مالكه لا يستحقّ شيئا فكذا فرسه ، كالمخذّل .
والفرق : أنّ
النماء والولد غير مأذون له فيه ، بخلاف الغزو. والمخذّل لا يستحقّ سهما بالحضور ،
للخذلان ، بخلاف المستعير ، فإنّ صاحب الفرس لو حضر لاستحقّ سهما ، وإنّما منع ،
للغيبة ، فلا قياس ، للاختلاف في العلّة.
ولا نعلم خلافا في
استحقاق المستأجر لسهم الفرس إذا استأجره للغزو.
ولو استعار فرسا
لغير الغزو فغزا عليه ، استحقّ السهم الذي له ، وأمّا ( سهم الفرس ) فكالفرس المغصوب.
ولو استأجره لغير
الغزو فغزا عليه ، سقط سهم الفرس ، لأنّه
__________________
كالغاصب.
ولو كان المستأجر
أو المستعير ممّن لا سهم له ، كالمرجف والمخذّل ، أو له رضخ ، كالمرأة والعبد ،
كان حكمه حكم فرسه المملوكة ، وقد تقدّم .
مسألة ١٤٠
: لو غصب فرسا فقاتل عليه ، استحقّ الغاصب سهم راجل.
وأمّا سهم الفرس :
فإن كان صاحبه حاضرا في الحرب ، فالسهم له ، وإلاّ فلا شيء له ، لأنّه مع الحضور
قاتل على فرسه من يستحقّ السهم ، فاستحقّ السهم ، كما لو كان مع صاحبه ، وإذا ثبت
أنّ للفرس سهما ، ثبت لمالكه ، لأنّ النبي 6 جعل للفرس سهما ولصاحبه سهما ، وما كان للفرس كان لمالكه.
وأمّا مع الغيبة :
فإنّ الغاصب لا يملك منفعة الفرس ، والمالك لم يحضر ، فلا يستحقّ سهما ، فلا
يستحقّ فرسه.
وقال بعض
الشافعيّة : يسهم للغاصب ، وعليه اجرة الفرس لمالكه ، لأنّ الفرس كالآلة ، فكان
حاصلها لمستعملها ، كما لو غصب سيفا فقاتل به ، أو قدوما فاحتطب به .
والفرق : أنّ
السيف والقدوم لا شيء لهما ، والفرس جعل لها النبي 6
__________________
سهما ، ولمّا لم
تكن الفرس أهلا للتملّك كان السهم لمالكها.
وقال بعض الحنفيّة
: لا سهم للفرس. وهو قول بعض الشافعيّة .
إذا عرفت هذا ،
فإنّه يجب على الغاصب اجرة المثل ، سواء كان صاحبه حاضرا أو غائبا.
ولو كان الغاصب
ممّن لا سهم له كالمرجف ، فسهم الفرس لمالكه إن كان حاضرا ، وإلاّ فلا شيء له.
وقال بعض العامّة
: حكم المغصوب حكم فرسه ، لأنّ الفرس يتبع الفارس في حكمه ، فيتبعه إذا كان مغصوبا
، قياسا على فرسه .
وليس بجيّد ، لأنّ
النقص في الفارس والجناية منه ، فاختصّ المنع به وبتوابعه ، كفرسه التابعة له ،
بخلاف المغصوب.
وكذا البحث لو غزا
العبد بغير إذن مولاه على فرس مولاه.
ولو غزا جماعة على
فرس واحدة بالتناوب ، قال ابن الجنيد : يعطى كلّ واحد سهم راجل ثمّ يقسّم بينهم
سهم فرس واحدة. وهو حسن.
مسألة ١٤١
: لو غزا العبد بإذن مولاه على فرس مولاه ، رضخ للعبد ، وأسهم
للفرس. والسهم والرضخ لسيّده . ولو كان معه فرسان ، رضخ له ، وأسهم لفرسيه ـ وبه قال
أحمد ـ لأنّه فرس حضر الوقعة وخوصم عليه ، فاستحقّ مالكه السهم ، كما لو كان
الراكب هو السيّد.
وقال أبو حنيفة
والشافعي : لا سهم للفرس : لأنّه تحت من لا سهم
__________________
له ، فلم يسهم له
، كما لو كان تحت مخذّل .
والفرق : أنّ
المخذّل لا يستحقّ شيئا بالحضور ، ففرسه أولى بعدم الاستحقاق.
ولو غزا الصبي على
فرس ، أسهم له ولفرسه على خلاف بيننا وبين العامّة في استحقاق الصبي السهم.
ولو غزت المرأة أو
الكافر على فرس لهما ، فالأقرب أنّهما يرضخان أزيد من رضخ الراجل من صنفهما وأقلّ
من سهم الفارس ، لأنّا قد بيّنّا أنّه لا يبلغ بالرضخ للفارس سهم فارس. ولأنّ سهم
الفرس له ، فإذا لم يستحقّ هو بحضوره سهما ففرسه أولى ، بخلاف العبد ، فإنّ الفرس
هناك لغيره وهو السيّد.
ولو غزا المرجف أو
المخذّل على فرس ، فلا شيء له ولا لفرسه.
ولو غزا العبد
بغير إذن مولاه ، لم يرضخ له ، لأنّه عاص.
مسألة ١٤٢
: ينبغي للإمام أن يتعاهد خيل المجاهدين ـ التي تدخل دار
الحرب ـ ويعتبرها ، فيأذن في استصحاب ما يصلح للقتال ، ويمنع من استصحاب ما لا
يصلح له ، لأنّه كلّ وضرر ، كالحطم ـ وهو الذي يتكسّر من الهزال ، والقحم ـ بفتح
القاف وسكون الحاء ـ وهو الكبير السنّ الهرم الفاني ، والضرع ـ بفتح الضاد والراء
ـ وهو الصغير الضعيف الذي لا يمكن القتال عليه ، والأعجف ، وهو المهزول ، والرازح
، وهو الذي لا حراك به من الهزال.
فلو ادخل فرس من
هذه ، قال الشيخ : يسهم له ـ وبه قال
__________________
الشافعي ـ لعموم الأخبار
، ولأنّ كلّ جنس يسهم له فإنّه يستوي فيه القويّ والضعيف ، كالآدمي.
وقال ابن الجنيد
منّا : لا يسهم له ـ وبه قال مالك وأحمد ، وقول للشافعي ـ لأنّه لا ينتفع
به ، فأشبه المخذّل.
والمريض يسهم له
إذا لم يخرج بمرضه عن كونه من أهل الجهاد ، كالمحموم وصاحب الصداع ، لأنّه من أهل
الجهاد ، ويعين عليه برأيه وتكبيره ودعائه.
وإن خرج ، كالزمن والأشلّ
والمفلوج ، فهل يسهم له؟ قال الشيخ : يسهم له ، عندنا ، سواء منع مرضه من الجهاد
أولا ، كالطفل .
ولو نكس الفرس
بصاحبه في حملته أو مبارزته ، أسهم له ، ولم يمنع بذلك من الإسهام.
ولو استأجر أجيرا
للحرب ثمّ دخلا معا دار الحرب ، أسهم لهما معا ، سواء كانت الأجرة في الذمّة أو معيّنة
، ويستحقّ مع ذلك الأجرة. ولو لم يحضر المستأجر ، استحقّ المؤجر السهم والأجرة ،
لأنّ الإسهام يستحقّ
__________________
بالحضور.
مسألة ١٤٣
: الاعتبار بكونه فارسا وقت الحيازة للغنيمة ، لا بدخوله
المعركة. فلو دخل دار الحرب فارسا ثمّ ذهب فرسه قبل حيازة الغنيمة ، فلا سهم لفرسه. ولو دخل راجلا
فأحرزت الغنيمة وهو فارس ، فله سهم فارس ـ وبه قال الشافعي والأوزاعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور وابن
عمر ـ لأنّه حيوان يسهم له ، فاعتبر وجوده حال القتال ، كالآدمي.
وقال أبو حنيفة :
الاعتبار بدخول دار الحرب ، فإن دخل فارسا ، فله سهم فارس وإن نفق فرسه قبل القتال
، وإن دخل راجلا ، فله سهم راجل وإن استفاد فرسا فقاتل عليه .
وعنه رواية أخرى
كقولنا ، لأنّه دخل الحرب بنيّة القتال ، فلا يتغيّر سهمه بذهاب دابّته أو حصول
دابّة أخرى له ، كما لو كان ذلك بعد القتال .
والفرق تقدّم.
ولو دخل الحرب
فارسا فمات فرسه بعد تقضّي الحرب قبل حيازة الغنائم ، للشافعي قولان مبنيّان على أنّ
ملك الغنيمة هل يتحقّق بانقضاء
__________________
الحرب أو الحيازة؟
وكذا لو وهب فرسه
أو أعاره أو باعه ، البحث في ذلك كلّه واحد.
قال الشيخ : هذا إذا
كان الحرب في دار الكفر ، فأمّا إذا كان في دار الإسلام ، فلا خلاف في أنّه لا
يسهم إلاّ للفرس الذي يحضر القتال .
مسألة ١٤٤
: من مات من الغزاة أو قتل قبل حيازة الغنيمة وتقضّي القتال
، فلا سهم له. وإن مات بعد ذلك ، فسهمه لورثته ـ وبه قال أحمد ـ لأنّه إذا مات
قبل حيازة الغنيمة ، فقد مات قبل ملكها وثبوت اليد عليها ، فلم يستحقّ شيئا ، وإن
مات بعده ، فقد مات بعد الاستيلاء عليها في حال لو قسّمت صحّت قسمتها وملك سهمه ،
فاستحقّ السهم ، كما لو مات بعد إحرازها في دار الإسلام ، وإذا استحقّ السهم ،
انتقل إلى ورثته ، كغيره من الحقوق.
وقال أبو حنيفة :
إن مات قبل إحراز الغنيمة في دار الإسلام أو قسمتها في دار الحرب ، فلا سهم له ،
لأنّ ملك المسلمين لا يتمّ إلاّ بذلك .
ونمنع ذلك ، بل
يملك بالاستيلاء والحيازة.
وقال الشافعي وأبو
ثور ، إن حضر القتال ، أسهم له ، سواء مات قبل حيازة الغنيمة أو بعدها ، وإن لم
يحضر ، فلا سهم له ـ ونحوه قال مالك
__________________
والليث بن سعد ـ لقوله 7 : « الغنيمة لمن
شهد الوقعة » .
( ونحن نقول ) بموجبه ، فإنّ من
قتل قبل تقضّي الحرب لم يشهد الوقعة بكمالها.
مسألة ١٤٥
: لا يجوز تفضيل بعض الغانمين في القسمة على بعض ، بل
يقسّم للفارس سهمان ، وللراجل سهم ، ولذي الأفراس ثلاثة ، سواء حاربوا أو لا إذا حضروا للحرب لا
للتخذيل وشبهه ، ولا يفضّل أحد لشدّة بلائه وحربه ، عند علمائنا ـ وبه قال الشافعي
وأحمد ـ لقوله تعالى : ( وَاعْلَمُوا أَنَّما
غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ ) أضاف الباقي إلى
الغانمين فاستووا فيه ، عملا بالظاهر.
ولأنّه 7 قسّم للفارس
سهمين وثلاثة على تفاوتهم في عدد الخيل ، وللراجل سهما .
من طريق الخاصّة :
قول الصادق 7 وقد سئل عن قسم بيت المال : « أهل الإسلام هم أبناء الإسلام أسوّي بينهم في
العطاء وفضائلهم بينهم وبين
__________________
الله ، أجملهم
كبني رجل واحد لا يفضّل أحد منهم لفضله وصلاحه في الميراث على آخر ضعيف منقوص » .
وقال مالك : يجوز
أن يفضّل بعض الغانمين على بعض ، ويعطى من لم يحضر الوقعة ، لأنّ النبي 7 أعطى من غنيمة
بدر من لم يشهدها .
وقال أبو حنيفة :
يجوز أن يفضّل ، ولا يعطى من لم يحضر الوقعة ، لقوله 7 : « من أخذ شيئا فهو له » .
والجواب : أنّه
ورد في قضيّة بدر ، وغنائمها لم تكن للغانمين.
قال الشيخ : إذا
قال الإمام : من أخذ شيئا فهو له ، جاز ، لأنّه معصوم وفعله حجّة .
ونحن لا ننازعه ،
بل هل لنائبه ذلك؟ للشافعي قولان :
أحدهما : الجواز ،
لأنّ النبي 7 قاله في غزاة بدر.
والثاني : المنع ،
لأنّه 7 قسّم الغنائم للفارس سهمين وللراجل سهما. وقضيّة بدر منسوخة .
مسألة ١٤٦
: الغنيمة تستحقّ بالحضور قبل القسمة ، فلو غنم المسلمون ثمّ
لحقهم مدد قبل تقضي الحرب ، أسهم له إجماعا ، وإن كان بعده وبعد
__________________
القسمة ، فلا شيء
له إجماعا.
وإن كان بعد
انقضاء الحرب وحيازة الغنيمة قبل القسمة ، أسهم له ، عندنا ـ وبه قال أبو حنيفة ـ لرواية حفص بن
غياث أنّه سأل الصادق 7 عن الجيش إذا غزوا أرض الحرب فغنموا غنيمة ثم لحقهم جيش
آخر قبل أن يخرجوا إلى دار الإسلام ولم يلقوا عدوّا حتى يخرجوا إلى دار الإسلام. فهل
يشاركونهم فيها؟ قال : « نعم » .
ولأنّهم اجتمعوا
على الغنيمة في دار الحرب ، فأسهم لهم ، كما لو حضروا القتال.
وقال الشافعي : لا
يسهم له ـ وبه قال أحمد ـ لأنّ النبي 6 لم يقسّم لأبان بن سعيد بن العاص وأصحابه لمّا قدموا إلى
رسول الله 6 بخيبر بعد أن فتحها .
وهي حكاية حال ،
فجاز أن يكونوا قد حضروا بعد القسمة.
مسألة ١٤٧
: إذا لحق الأسير بالمسلمين ، فإن كان بعد تقضّي الحرب وقسمة
الغنيمة ، لم يسهم له إجماعا ، لأنّ المدد لو لحقهم بعد القسمة لم يسهم له فكذا
الأسير.
وإن لحق بهم بعد
انقضاء الحرب فقاتل مع المسلمين ، استحقّ السهم
__________________
عندنا ، وهو قول
العلماء لا نعلم فيه خلافا.
وإن لم يقاتل ،
أسهم له ـ وهو أحد قولي الشافعي ـ لأنّه لو قاتل استحقّ السهم إجماعا ، وكلّ من يستحقّ مع
القتال يستحقّ مع عدمه إذا حضر الوقعة ، كغير الأسير.
وقال أبو حنيفة :
لا يسهم له ـ وهو ثاني الشافعي ـ لأنّه حضر ليتخلّص من القتل والأسر لا للقتال ،
فأشبه المرأة .
وينتقض بما لو
قاتل ، ولأنّ الاعتبار بالحضور مع كونه من أهل القتال ، لا بالقتال.
ولو دخل التجار أو
الصنّاع مع المجاهدين دار الحرب كالبقّال والبيطار والخيّاط وغيرهم من أتباع
العسكر ، فإن قصدوا الجهاد مع التجارة أو الصناعة ، استحقّوا ، وإن لم يقصدوا ،
فإن جاهدوا ، استحقّوا ، وإن لم يجاهدوا ، قال الشيخ : لا يسهم لهم بحال ، لأنّهم لم
يدخلوا للجهاد والنبي 6 قال : « الأعمال بالنيّات » .
ولو اشتبه الحال ،
قال الشيخ : الظاهر أنّه يسهم لهم ، لأنّهم
__________________
حضروا ، والسهم
يستحقّ بالحضور .
وللشافعي قولان : الإسهام
وعدمه.
واختلف أصحابه ،
فقال بعضهم : القولان فيما إذا لم يقاتلوا ، ولو قاتلوا ، استحقّوا قولا واحدا ،
كالأسير. ومنهم من قال : القولان فيما إذا قاتلوا ، وإن لم يقاتلوا لم يستحقّوا
قولا واحدا. ومنهم من قال : القولان في الصورتين .
وقال أبو حنيفة :
إن قاتلوا ، استحقّوا ، وإن لم يقاتلوا ، لم يستحقّوا .
مسألة ١٤٨
: الجيش إذا خرج غازيا من بلد فبعث الإمام منه سريّة فغنمت
السريّة ، شاركهم الجيش ، ولو غنم الجيش ، شاركتهم السريّة في غنيمته ، وهو قول
العلماء كافّة إلاّ الحسن البصري ، فإنّه حكي فيه أنّه قال : تنفرد
السريّة بما غنمت .
وفعل النبي 7 حيث أشرك بين
السريّة ـ التي بعثها قبل أوطاس فغنمت ـ وبين الجيش يبطل قوله.
ولأنّه 7 كان ينفل في
البداءة الربع وفي الرجعة الثلث . وهو يدلّ
__________________
على اشتراكهم فيما
سواه.
وقوله 7 : « الغنيمة لمن
شهد الوقعة » مسلّم ، فإنّ المراد الحضور حقيقة أو حكما ، كالمدد .
ولو بعث الإمام من
الجيش سريّتين إلى جهة واحدة فغنمتا ، اشترك الجيش والسريّتان إجماعا.
ولو اختلفت الجهة
، قال الشيخ : اشترك الجميع ـ وهو قول بعض الشافعيّة ـ كما لو اتّفقت
الجهة ، وهما من جيش واحد ، فاشتركوا.
وقال بعض
الشافعيّة : لا تتشارك السريتان ، وكلّ واحدة منهما مع الجيش كالجيش الواحد ،
فأمّا إحداهما مع الأخرى فكالمنفردتين لا تقاسم إحداهما الأخرى .
ولو بعث الإمام
سريّة وهو مقيم ببلد الإسلام ، فغنمت ، اختصّت بالغنيمة إجماعا ، ولا يشاركهم
الإمام ولا جيشه. وكذا لو بعث جيشا وهو مقيم بالبلد ، لم يشاركه ، لأنّ النبي 6 كان يبعث السرايا
وهو مقيم بالمدينة ولا يشاركهم في الغنيمة .
__________________
ولو بعث سريّتين
وهو مقيم ببلد أو بعث جيشين ، فكلّ واحد منهما مختصّ بما غنمه ، لأنّ كلّ سرية
انفردت بالغزو والغنيمة ، بخلاف ما لو بعث بالسريّتين من الجيش الواحد
، لأنّه ردء لكلّ واحدة منهما. ولو اجتمعت السريتان فغنمتا ، كانتا جيشا واحدا.
ولو بعث لمصلحة
الجيش رسولا أو دليلا أو طليعة أو جاسوسا فغنم الجيش قبل رجوعه إليهم ثمّ رجع إليهم
، فالذي يقتضيه مذهبنا أنّه يسهم له ، لأنّ القتال ليس شرطا ـ وهو أحد وجهي
الشافعيّة ـ لأنّه كان في مصلحتهم ، وخاطر بنفسه بما هو أكثر من
الثبات في الصفّ ، فشارك.
والثاني : لا يسهم
له ، لأنّه لم يحضر الاغتنام .
ولو غنم أهل
الكتاب ، نظر ، فإن كان الإمام أذن لهم في الدخول إلى دار الحرب ، فالحكم على ما
شرطه ، وإن لم يأذن ، فغنيمتهم للإمام ، عندنا.
وقال الشافعي :
ينزعه منهم ويرضخ لهم. وله قول آخر : إنّه يقرّهم عليه ، كما لو غلب بعض المشركين
على بعض .
قال ابن الجنيد :
إذا وقع النفير فخرج أهل المدينة متقاطرون فانهزم العدوّ وغنم أوائل المسلمين ،
كان كلّ من خرج أو تهيّأ للخروج وأقام في المدينة من المقاتلة لحراستها من مكيدة
العدوّ شركاء في الغنيمة.
__________________
وكذا لو حاصرهم
العدوّ فباشر حربه بعض أهل المدينة إلى أن ظفروا وغنموه إذا كانوا مشتركين في
المعونة لهم والحفظ للمدينة وأهلها ، فإن كان الذين هزموا العدوّ قد لقوه على ثمان فراسخ
من المدينة فقاتلوه وغنموه ، كانت الغنيمة لهم دون من كان في المدينة ، الذين لم
يعاونوهم خارجها.
مسألة ١٤٩
: اختلف علماؤنا في أولويّة موضع القسمة ، فقال الشيخ :
تستحبّ القسمة في أرض العدوّ ، ويكره تأخيرها إلاّ لعذر من خوف المشركين أو الكمين
في الطريق أو قلّة علف أو انقطاع ميرة .
وقال ابن الجنيد :
الاختيار إلينا أن لا نقسّم إلاّ بعد الخروج من دار الحرب.
وبجواز القسمة في
دار الحرب قال مالك والأوزاعي والشافعي وأحمد وأبو ثور وابن المنذر ، لما رواه
العامّة عن أبي إسحاق الفزاري ، قال : قلت للأوزاعي : هل قسّم رسول الله 6 شيئا من الغنائم
بالمدينة؟ قال : لا أعلمه إنّما كان الناس يبيعون غنائمهم
ويقسّمونها في أرض عدوّهم ،
__________________
ولم يقفل رسول الله 6 عن غزاة قطّ أصاب
فيها غنيمة إلاّ خمّسه وقسّمه من قبل أن يقفل ، من ذلك غزاة بني المصطلق وهوازن
وخيبر .
ومن طريق الخاصّة
: قول الشيخ : إنّ رسول الله 6 قسّم غنائم بدر بشعب من شعاب الصفراء قريب من بدر ، وكان
ذلك دار حرب .
ولأنّ كلّ موضع
جاز فيه الاغتنام جازت فيه القسمة ، كدار الإسلام.
وقال أصحاب الرأي
: لا يقسّم إلاّ في دار الإسلام ، لأنّ الملك لا يتمّ عليها إلاّ بالاستيلاء
التامّ ، ولا يحصل ذلك إلاّ بإحرازها في دار الإسلام . ونمنع الكبرى.
ولو قسّمت ، قال :
أساء القاسم وجازت قسمته ، لأنّها مسألة اجتهاديّة ينفذ حكم الحاكم فيها
إذا وافق قول بعض المجتهدين .
واحتجاج ابن
الجنيد من علمائنا ـ بأنّ رسول الله 6 إنّما قسّم غنائم حنين والطائف بعد خروجه من ديارهم إلى الجعرانة ـ لا يدلّ على
مطلوبه ، لأنّها حكاية حال ، فجاز وقوعها لعذر.
__________________
قال ابن الجنيد :
ولو صارت دار أهل الحرب دار ذمّة تجري فيها أحكام المسلمين فأراد الوالي قسمتها
مكانه ، فعل ، كما قسّم رسول الله 6 بعض غنائم خيبر قبل أن يرحل عنهم .
قال : ولو غزا
المشركون المسلمين فهزمهم المسلمون وغنموهم ، قسّموا غنائمهم مكانهم إن اختاروا
ذلك قبل إدخالها المدن. ولو كان المشركون بادية أو متنقّلة ولا دار لهم فغزاهم
المسلمون فغنموهم ، كان قسمتها إلى الوالي إن شاء قسّمها مكانه ، وإن شاء قسّم
بعضها وأخّر بعضها ، كما قسّم رسول الله 6 المغنم بخيبر .
مسألة ١٥٠
: يكره للإمام أن يقيم الحدّ في أرض العدوّ ، بل يؤخّره حتى
يعود إلى دار الإسلام ثمّ يقيم عليه الحدّ ـ وبه قال أبو حنيفة وأحمد ـ لئلاّ تحمل
المحدود الغيرة فيدخل إلى دار الحرب.
وقال الشافعي
ومالك : لا يؤخّره ، ولا يسقط عنه الحدّ ، سواء كان الإمام مع العسكر أو لا .
وإن رأى الوالي في
تقديم الحدّ مصلحة ، قدمه سواء كان مستحقّ الحدّ أسيرا ، أو أسلم فيهم ولم يخرج
إلينا ، أو خرج من عندنا لتجارة وغيرها.
أمّا لو قتل مسلما
فإنّه يقتصّ منه في دار الحرب ـ وبه قال الشافعي
__________________
ومالك وأحمد ـ لعموم الأمر
بالحدّ والقصاص. ولأنّ المقتضي لإيجاب القصاص موجود ، والمانع من التقديم ـ وهو
خوف اللحاق بالعدوّ ـ مفقود. ولأنّ كلّ موضع حرم فيه الزنا وجب فيه حدّ الزنا ،
كدار الإسلام.
وقال أبو حنيفة :
لا يجب عليه القصاص ولا الحدّ إلاّ أن يكون معه إمام أو نائب عن الإمام ، لأنّه مع
غيبة الإمام ونائبه لا يد للإمام عليه ، فلا يجب عليه الحدّ بالزنا ، كالحربيّ .
ونمنع من ثبوت حكم
الأصل ، ويفرق بأنّ الحربيّ غير ملتزم بأحكام الإسلام ، بخلاف المسلم.
مسألة ١٥١
: المشركون لا يملكون أموال المسلمين بالاستغنام ، فلو غنموا
ثمّ ظفر بهم المسلمون فأخذوا منهم ما كانوا أخذوا منهم ، فإنّ الأولاد تردّ إليهم
بعد إقامة البيّنة ، ولا يسترقّون إجماعا.
وأمّا العبيد
والأموال : فإن أقام أربابها البيّنة بها قبل القسمة ، ردّت عليهم بأعيانها ، ولا
يغرم الإمام للمقاتلة شيئا في قول عامّة أهل العلم ، خلافا للزهري
وعمرو بن دينار ، فإنّهما احتجّا : بأنّ الكفّار ملكوه باستيلائهم فصار غنيمة ،
كسائر أموالهم .
وهو خطأ ، فإنّا
بيّنّا أن الكفّار لا يملكون مال المسلم بالاستغنام.
وإن جاءوا
بالبيّنة بعد القسمة ، فلعلمائنا قولان :
أحدهما : أنّه
يردّ على أربابه ، ويرد الإمام قيمة ذلك للمقاتلة من
__________________
بيت المال. اختاره
الشيخ ـ وبه قال أبو بكر وابن عمر وسعد بن أبي وقّاص وربيعة والشافعي وابن المنذر ـ لما رواه
العامة عن ابن عمر أنّه ذهب فرس له فأخذها العدوّ فظهر عليه المسلمون ، فردّ عليه
في زمن النبي 6 .
ومن طريق الخاصّة
: ما رواه هشام بن سالم ـ في الصحيح ـ أنّه سأل الصادق 7 عن الترك يغيرون
على المسلمين فيأخذون أولادهم فيسرقون منهم أيردّ عليهم؟ قال : « نعم ، والمسلم
أخو المسلم ، والمسلم أحقّ بماله أينما وجده » .
الثاني
: أنّه يكون
للمقاتلة ، ويعطي الإمام أربابها أثمانها من بيت مال المسلمين. وهو قول للشيخ أيضا ، وبه قال
أبو حنيفة والثوري والأوزاعي ومالك وأحمد في رواية. وفي أخرى : لا حقّ لصاحبه فيه
بحال. ونقله العامّة عن علي 7 وعمر والليث وعطاء والنخعي .
احتجّ الشيخ بما
رواه هشام بن سالم عن بعض أصحاب الصادق 7
__________________
في السبي يأخذ
العدوّ من المسلمين في القتل من أولاد المسلمين [ أو من مماليكهم ] فيحوزونه ، ثمّ
إنّ المسلمين بعد قاتلوهم فظفروا بهم فسبوهم وأخذوا منهم ما أخذوا من مماليك
المسلمين وأولادهم الذين أخذوهم من المسلمين فكيف يصنع فيما كانوا أخذوه من أولاد
المسلمين ومماليكهم؟ قال : فقال : « أما أولاد المسلمين فلا يقام في سهام المسلمين
ولكن يردّ إلى أبيه أو إلى أخيه أو إلى امّه بشهود ، وأمّا المماليك فإنّهم يقامون
في سهام المسلمين فيباعون ، ويعطى مواليهم قيمة أثمانهم من بيت المال » .
وهو مرسل ، وروايتنا أصحّ
طريقا.
واحتجّ أبو حنيفة
بما رواه ابن عباس أنّ رجلا وجد بعيرا [ له ] كان المشركون أصابوه ، فقال له النبي 6 : « إن أصبته قبل
أن نقسمه فهو لك ، وإن أصبته بعد ما قسم أخذته بالقيمة » .
وهو معارض بما
رويناه من طريق العامّة .
ولو أخذ المال أحد
الرعيّة نهبة أو سرقة أو بغير شيء ، فصاحبه أحقّ به بغير شيء ـ وبه
قال الشافعي وأحمد ـ لما رواه العامّة : أنّ قوما أغاروا على سرح النبي 6 ، فأخذوا ناقته
وجارية من الأنصار ، فأقامت
__________________
عندهم أيّاما ثمّ
خرجت في بعض الليل ، قالت : فما وضعت يدي على ناقة إلاّ رغت حتى وضعتها على
ناقة ذلول فامتطيتها ثمّ توجّهت إلى المدينة ونذرت إن نجّاني الله عليها أن أذبحها
، فلمّا قدمت المدينة استعرفت الناقة فإذا هي ناقة رسول الله 6 ، فأخذها ، فقلت
: يا رسول الله إنّي نذرت أن أنحرها ، فقال : « بئس ما جازيتيها ، لا نذر في
معصية الله » .
وقال أبو حنيفة :
لا يأخذه إلاّ بالقيمة ، لأنّه صار ملك الواحد بعينه ، فأشبه ما لم قسم . ونمنع الصغرى.
ولو اشتراه المسلم
من العدوّ ، بطل الشراء ، وكان لصاحبه أخذه بغير شيء ، لأنّ المشرك لا يملك مال
المسلم بالاستغنام.
وقال أحمد : ليس
لصاحبه أخذه إلاّ بثمنه ، لرواية عن عمر .
وليست حجّة.
ولو أبق عبد لمسلم
إلى دار الحرب فأخذوه ، لم يملكوه بأخذه ـ وبه قال الشافعي وأبو حنيفة ـ لما تقدّم .
__________________
وقال مالك وأحمد
وأبو يوسف ومحمد : يملكونه .
ولو أسلم المشرك
الذي في يده مال المسلم ، أخذ منه بغير قيمة.
ولو دخل مسلم دار
الحرب فسرقه أو نهبه أو اشتراه ثمّ أخرجه إلى دار الإسلام ، فصاحبه أحقّ به ، ولا
تلزمه قيمة ، ولو أعتقه من هو في يده أو تصرّف فيه ببيع أو غيره ، كان
باطلا.
ولو غنم المسلمون
من المشركين شيئا عليه علامة المسلمين فلم يعلم صاحبه ، فهو غنيمة بناء على ظاهر
الحكم باليد ، وبه قال الثوري والأوزاعي .
وقال الشافعي :
يوقف حتى يجيء صاحبه .
ولو وجد شيء
موسوم عليه : حبس في سبيل الله ، قال الثوري : يقسم ما لم يأت صاحبه .
وقال الشافعي :
يردّ كما كان ، لأنّه قد عرف مصرفه ـ وهو الحبس ـ فهو بمنزلة ما لو عرف صاحبه .
ولو أصيب غلام في بلاد
الشرك فقال : أنا لفلان من بلاد المسلمين ، ففي قبول قوله من غير بيّنة نظر. وكذا البحث لو اعترف
المشرك بما في يده لمسلم. لكنّ الوجه هنا القبول قبل الاستغنام.
ولو كان في يد
مسلم مال مستأجر أو مستعار من مسلم ثمّ وجده المستأجر أو المستعير ، كان له المطالبة
به قبل القسمة وبعدها ، لأنّ ملك
__________________
المسلم لا يزول
بالاستغنام ، فلا تزول توابعه.
وقال أبو حنيفة :
ليس له الأخذ ، لأنّه لا حقّ له في العين لا ملكا ولا يدا ، بل حقّه في الحفظ وقد
بطل بخروجه عن ملك صاحبه . وهو ممنوع.
ولو دخل حربيّ دار
الإسلام بأمان فاشترى عبدا مسلما ثمّ لحق بدار الحرب فغنمه المسلمون ، كان
باقيا على ملك البائع ، لفساد البيع ، فيردّ على المالك ، ويردّ المسلم عليه الثمن
الذي أخذه ، لأنّه في أمان. ولو تلف العبد ، كان للسيّد القيمة ، وعليه ردّ ثمنه ،
ويترادّان الفضل.
ولو أسلم الحربيّ
في دار الحرب وله مال وعقار ، أو دخل مسلم دار الحرب واشترى بها عقارا أو مالا ثمّ
غزاهم المسلمون فظهروا على ماله وعقاره ، لم يملكوه ، وكان باقيا عليه إن كان
المال ممّا ينقل ويحوّل ، وأمّا العقار فإنّه غنيمة ، وبه قال الشافعي ومالك وأحمد
في غير العقار ، وقالوا في العقار : إنّه كغيره ، لأنّه مال مسلم ، فلا يجوز
اغتنامه ، كما لو كان في دار الإسلام .
وقال أبو حنيفة :
العقار يغنم ، وأمّا غيره فإن كان في يده أو يد مسلم أو ذمّيّ ، لم يغنم ، وإن كان
في يد حربيّ ، غنم .
مسألة ١٥٢
: لو فرّ المسلمون من الزحف قبل القسمة ، لم يكن لهم
__________________
نصيب في الغنيمة
ما لم يعودوا قبل القسمة ، لأنّهم عصوا بالفرار ، وتركوا الدفع عنها.
ولو فروا بعد
القسمة ، لم يؤثر في ملكهم الحاصل بالقسمة ، لأنهم ملكوا ما حازوا بالقسمة ، فلا
يزول ملكهم بالهرب.
ولو هربوا قبل
القسمة فذكروا أنّهم ولّوا متحرّفين لقتال أو متحيّزين إلى فئة ، فالوجه : أنّ لهم
سهامهم فيما غنم قبل الفرار ولا شيء لهم فيما غنم بعده ما لم يلحقوا القسمة.
والأجير على
القتال يستحق الأجرة بالعقد والسهم بالحضور. ولو حضر المستأجر أيضا ، استحقّ هو
أيضا.
وعن أحمد روايتان
: إحداهما هذا ، والأخرى : أنّه لا يسهم للأجير ، لأنّ غزوة بعوض ، فكأنّه واقع من
غيره ، فلا يستحقّ شيئا .
وينتقض بالمرصد
للقتال.
والأجير على العمل
إن كان في الذمّة كأن يستأجره لخياطة ثوب أو غيره في ذمّته ، فإذا حضر الأجير
الوقعة ، استحقّ السهم إجماعا ، لأنّه حضر الوقعة وهو من أهل القتال ، وإنّما في
ذمّته حقّ لغيره ، فلا يمنعه من استحقاق السهم ، كما لو كان عليه دين.
وإن كان قد
استأجره مدّة معلومة لخدمة أو لغيرها ، فإن خرج بإذن المستأجر ، استحقّ السهم
بالحضور ، وإلاّ فلا ، لأنّه عاص بالجهاد ، فلا يستحقّ سهما ، اللهم إلاّ أن
يتعيّن عليه فإنّه يستحق السهم.
إذا ثبت هذا ،
فإنّ السهم يملكه في الصورة التي قلنا باستحقاقه لها ، ليس للمؤجر عليه سبيل.
__________________
وللشافعي في
الثاني ثلاثة أقوال :
أحدها : أنّه
يستحقّ السهم ، لقول النبي 7 : « الغنيمة لمن شهد الوقعة » .
ولأنّ الأجرة تستحقّ
بالمنفعة والسهم بحضور الوقعة وقد وجد.
الثاني : أنّه
يرضخ له ولا يسهم ، لأنّه قد حضر الوقعة مستحقّ المنفعة ، فلا يسهم له ، كالعبد.
الثالث : يخيّر
الأجير بين ترك الأجرة والإسهام وبين العكس ، لأنّ كلّ واحد من الأجرة والسهم
يستحقّ بمنافعه ، ولا يجوز أن يستحقّهما لمعنى واحد ، فأيّهما طلب استحقّه .
قال : وتكون
الأجرة ـ التي يخيّر بينها وبين السهم ـ الأجرة التي تقابل مدّة القتال ، ويخيّر
قبل القتال وبعده ، أمّا قبل القتال فيقال له : إن أردت الجهاد فاقصده واطرح
الأجرة ، وإن أردت الأجرة فاطرح الجهاد ، ويقال بعد القتال : إن قصدت الجهاد ،
أسهم لك وتركت الأجرة ، وإن كنت قصدت الخدمة ، أعطيت الأجرة دون الغنيمة .
ولو استؤجر للخدمة
في الغزو أو أكرى دوابّه له وخرج معها وشهد الوقعة ، استحقّ السهم ـ وبه قال الليث
ومالك وابن المنذر ـ لقوله 7 : « الغنيمة لمن شهد الوقعة » .
__________________
وقال الأوزاعي
وإسحاق : لا يسهم له .
وعن أحمد روايتان .
ولو آجر نفسه لحفظ
الغنيمة أو سوق الدوابّ التي من المغنم ، أو رعيها ، جاز ، وحلّت له الأجرة ، ولا
يجوز له ركوب دوابّ الغنيمة إلاّ أن يشرطه في الإجارة.
ولو دفع إلى
المؤجر فرسا ليغزو عليها ، لم يملكها بذلك ، لأصالة بقاء الملك على صاحبه.
وقال أحمد :
يملكها به . وليس جيّدا.
مسألة ١٥٣
: لو اشترى المسلم أسيرا من يد العدوّ ، فإن كان
بإذنه ، دفع ما أدّاه المشتري إلى البائع إجماعا ، لأنّه أدّاه بإذنه ، فصار نائبا
عنه في الشراء ، ووكيلا في ابتياع نفسه.
وإن اشتراه بغير
إذنه ، لم يجب على الأسير دفع الثمن إلى المشتري ـ وبه قال الثوري والشافعي وابن
المنذر ـ لأنّه متبرّع.
وقال مالك : يجب
دفع الثمن كالأوّل ـ وبه قال الحسن البصري والنخعي والزهري وأحمد ـ لأنّ عمر قال
في حديث : وأيّما حرّ اشتراه التجّار فإنّه تردّ إليهم رءوس أموالهم ، فإنّ الحرّ
لا يباع ولا يشترى. فحكم للتجّار برءوس أموالهم .
وهو محمول على
إذنهم.
__________________
فلو أذن له في
الشراء وأداء الثمن ثمّ اختلفا في قدره ، فالقول قول الأسير ـ وبه قال الشافعي ـ لأنّه منكر.
وقال الأوزاعي :
يقدّم قول المشتري ، لأنّهما اختلفا في فعله وهو أعلم به .
وهو ممنوع ،
وإنّما اختلفا في القدر المأذون فيه ، وهو فعل الأسير ، فهو أعلم به.
مسألة ١٥٤
: إذا استولى أهل الحرب على أهل الذمّة فسبوهم وأخذوا
أموالهم ثمّ قدر عليهم المسلمون ، وجب ردّهم إلى ذمّتهم ، ولا يجوز استرقاقهم
إجماعا ، لأنّهم لم ينقضوا ذمّتهم ، فكانوا على أصل الحرّيّة ، وأموالهم كأموال
المسلمين.
قال علي 7 : « إنّما بذلوا
الجزية لتكون دماؤهم كدمائنا وأموالهم كأموالنا » .
فمتى علم صاحبها
قبل القسمة وجب ردّها إليه ، وإن علم بعدها ، فعلى ما تقدّم من الخلاف في أموال
المسلمين.
وهل يجب فداؤهم؟
قال بعض العامّة : نعم يجب مطلقا ، سواء كانوا في معونتنا أو لم يكونوا ـ وهو قول
عمر بن عبد العزيز والليث ـ لأنّا التزمنا حفظهم لمعاهدتهم وأخذ الجزية منهم ،
فلزمنا القتال عنهم ، فإذا عجزنا عن ذلك وأمكننا تخليصهم بالفدية ، وجب ، كمن يحرم
عليه إتلاف شيء فيتلفه فإنّه يغرمه .
__________________
وقال قوم منهم :
لا يجب فداؤهم إلاّ أن يكون الإمام قد استعان بهم في قتاله فسبوا ، لأنّه سبب في
أسرهم .
وإنّما يثبت ما
ذكرناه لو كانوا على شرائط الذمة ، ولو لم يكونوا ، استرقّوا بالسبي ، كالحربي.
ويجب فداء الأسارى
من المسلمين مع المكنة.
قال رسول الله 6 : « أطعموا
الجائع ، وعودوا المريض ، وفكّوا العاني » .
وفادى رسول الله 6 رجلين من
المسلمين برجل أخذه من بني عقيل .
البحث السادس : في أقسام
الغزاة.
الغزاة ضربان :
مطوّعة ، وهم الذين إذا
نشطوا غزوا ، وإن لم ينشطوا قعدوا لمعايشهم ، فهؤلاء لهم سهم الصدقات ، إذا غنموا
في دار الحرب شاركوا الغانمين وأسهم لهم.
والثاني : من أرصد نفسه للجهاد ، فهؤلاء لهم من الغنيمة أربعة الأخماس
، ويجوز عندنا أن يعطوا أيضا من الصدقة من سهم ابن السبيل.
__________________
مسألة ١٥٥
: ينبغي للإمام أن يتّخذ الديوان ـ وهو الدفتر الذي فيه
أسماء القبائل قبيلة قبيلة ـ ويكتب عطاياهم ، ويجعل لكلّ قبيلة عريفا ، ويجعل لهم
علامة بينهم ويعقد لهم ألوية ، لأنّ النبي 6 عرّف عام خيبر على كلّ عشرة عريفا ، وجعل يوم فتح
مكّة للمهاجرين شعارا ، وللأوس شعارا ، وللخزرج شعارا ، امتثالا لقوله
تعالى ( وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا
) .
فإذا أراد الإمام
القسمة ، قدّم الأقرب إلى رسول الله 6 فالأقرب ، فيقدّم بني هاشم على بني المطّلب ، وبني عبد شمس
على بني نوفل ، لأنّ عبد شمس أخو هاشم من الأبوين ، ونوفل أخوه من الأب ، ثمّ
يسوّي بين عبد العزّى وعبد الدار ، لأنّهما أخوا عبد مناف ، فإن استووا في القرب ،
قدّم أقدمهم هجرة ، فإن تساووا ، قدّم الأسنّ.
فإذا فرغ من عطايا
أقارب رسول الله 6 ، بدأ بالأنصار ، وقدمهم على جميع العرب ، فإذا فرغ من
الأنصار ، بدأ بالعرب ، فإذا فرغ من العرب ، قسّم على العجم ، وليس ذلك فرضا.
مسألة ١٥٦
: قال الشيخ : ذرّيّة المجاهدين إذا كانوا أحياء يعطون على
ما تقدّم ، فإذا مات المجاهد أو قتل وترك ذرّيّة أو امرأة ، فإنّهم يعطون كفايتهم
من بيت المال من الغنيمة ، فإذا بلغوا ، فإن أرصدوا نفوسهم للجهاد ، كانوا بحكمهم
، وإن اختاروا غيره ، خيّروا ما يختارونه ، وتسقط مراعاتهم ، وهكذا حكم المرأة لا
شيء لها .
__________________
وللشافعي في إعطاء
الذرّيّة والنساء بعد موته قولان :
أحدهما : أنّهم
يعطون ، لأنّه إذا لم يعط ذرّيّة بعده لم يجرّد نفسه للقتال ، فإنّه يخاف على
ذرّيّته الضياع ، لأنّا لا نعطيه إلاّ ما يكفيه ، لا ما يدّخره لهم.
والثاني : أنّهم
لا يعطون ، لأنّا إنّما نعطيهم تبعا للمجاهدين ، لا أنّهم من أهل الجهاد ، فإذا
مات ، انتفت تبعيّتهم للمجاهدين ، فلم يستحقّوا شيئا من الفيء .
مسألة ١٥٧
: ويحصي الإمام المقاتلة وهم بالغوا الحلم ، فيحصي فرسانهم
ورجالهم ليوفر عليهم على قدر كفايتهم ، ويحصي الذريّة وهم من لم يبلغ الحلم ،
ويحصي النساء ، ليعلم قدر كفايتهم.
قال ابن عمر :
عرضت على رسول الله 6 يوم أحد وأنا ابن أربع عشرة سنة ، وعرضت عليه يوم الخندق
وأنا ابن خمس عشرة سنة ، فأجازني .
ويقسّم عليهم في
السنة مرّة واحدة ، لأنّ الجزية والخراج ومستغل الأراضي التي انجلى عنها المشركون
إنّما تكون في السنة مرّة واحدة ، فكذلك القسمة.
ويعطي المولود ،
وتحسب مئونته من كفاية أبيه إلاّ أنّه يفرده بالعطاء ، وكلّما زادت سنّة زاد في
عطاء أبيه.
ويعطي كلّ قوم
منهم قدر كفايتهم بالنسبة إلى بلدهم ، لاختلاف
__________________
الأسعار في
البلدان. ويجوز أن يفضّل بعضهم على بعض في العطاء من سهم سبيل الله وابن السبيل لا
من الغنيمة.
ونقل العامّة عن
عليّ 7 أنّه سوّى بينهم في العطاء ، وأخرج العبيد فلم يعطهم شيئا ، لأنّهم استووا في
سبب الاستحقاق ـ وهو نصب أنفسهم للجهاد ـ فصاروا بمنزلة الغانمين .
قال الشيخ : وليس
للأعراب من الغنيمة شيء ، على ما تقدّم . واختاره الشافعي أيضا.
ويجب على من
استنهضه الإمام للجهاد النفور معه على ما تقدّم .
مسألة ١٥٨
: إذا مرض واحد من أهل الجهاد ، فإن لم يخرج به عن كونه من
أهل الجهاد ـ كالحمّى والصداع ـ لا يسقط عطاؤه ، لأنّه كالصحيح. وإن كان مرضا لا
يرجى زواله ـ كالزمن والفلج ـ خرج به عن المقاتلة ، وكان حكمه حكم الذرّيّة في
العطاء وسقوطه ، وقد تقدّم .
ولو مات المجاهد
بعد حئول الحول واستحقاق السهم ، كان لوارثه المطالبة بسهمه ، قاله الشيخ ، لأنّه استحقّه
بحؤول الحول ، والمجاهدون معيّنون ، بخلاف الفقراء ، فإنّهم غير معيّنين ، فلا يستحقّون
بحؤول الحول ، وللإمام أن يصرف إلى من شاء منهم ، بخلاف المجاهدين.
__________________
وللشافعي قول آخر
: إنّه إنّما يستحقّ بعد موته إذا صار المال إلى يد الوالي ، لأنّ الاستحقاق إنّما
هو بحصول المال لا بمضي الزمان .
مسألة ١٥٩
: قال الشيخ : ما يحتاج الكراع وآلات الحرب إليه يؤخذ من بيت
المال من مال المصالح ، وكذا رزق الحكّام وولاة الأحداث والصلاة وغيره
من وجوه الولايات والمصالح يخرج من ارتفاع الأراضي المفتوحة عنوة ومن سهم سبيل
الله ، ومن جملة ذلك ما يلزمه فيما يخصّه من الأنفال والفيء ، وهي جنايات من لا
عقل له ، ودية من لا يعرف قاتله وغير ذلك ممّا نقول : إنّه يلزم بيت المال .
ولو أهدى المشرك
إلى الإمام أو إلى رجل من المسلمين هديّة والحرب قائمة ، قال الشافعي : تكون غنيمة
، لأنّه إنّما أهدى ذلك من خوف الجيش ، وإن أهدى إليه قبل أن يرتحلوا من دار
الإسلام ، لم تكن غنيمة وانفرد بها .
وقال أبو حنيفة :
تكون للمهدي إليه على كلّ حال. وهو رواية عن أحمد .
__________________
الفصل الخامس : في أحكام
أهل الذمّة
وفيه مباحث :
الأوّل : في وجوب الجزية ومن
تؤخذ منه.
مسألة ١٦٠
: الجزية هي المال المأخوذ من أهل الكتاب لإقامتهم بدار
الإسلام ، في كلّ عام.
وهي واجبة بالنصّ
والإجماع.
قال الله تعالى ( حَتّى
يُعْطُوا الْجِزْيَةَ ) .
وما رواه العامّة
عن النبي 6 في وصيّة من يبعثه أميرا على سريّة أو جيش : « .. فإن أبوا فادعهم إلى إعطاء
الجزية » .
ومن طريق الخاصّة
: قول الصادق 7 : « .. فإن أبوا هاتين فادعهم إلى إعطاء الجزية » .
ولا خلاف بين
المسلمين في ذلك.
إذا عرفت هذا ،
فعقد الجزية أن يقول الإمام أو نائبه : أقررتكم بشرط الجزية والاستسلام. ويذكر
مقدار الجزية ، فيقول الذمّي : قبلت ، أو : رضيت ، وشبهه.
__________________
وقال بعض الشافعيّة
: لا يجب ذكر مقدار الجزية لكن ينزل على الأقلّ .
وقيل : لا يجب ذكر
الاستسلام ، نعم يجب ذكر كفّ اللسان عن الله تعالى ورسوله .
وفي صحته مؤقتا
قولان .
ولو قال : أقررتكم
ما شئت أنا ، فقولان قريبان ، وأولى بالجواز.
ولو قال : ما شئتم
، صحّ ، لأنّ عقد الجزية غير لازم من جانب الكفّار ، فإنّ لهم الالتحاق بدارهم متى
شاءوا.
مسألة ١٦١
: ويعقد الجزية لكلّ كتابيّ عاقل بالغ ذكر.
ونعني بالكتابي من
له كتاب حقيقة ، وهم اليهود والنصارى ، ومن له شبهة كتاب ، وهم المجوس ، فتؤخذ
الجزية من هؤلاء الأصناف الثلاثة بإجماع علماء الإسلام قديما وحديثا.
والكتاب إمّا
التوراة أو الإنجيل ، فأهل التوراة اليهود ، وأهل الإنجيل النصارى. وقد كانت
النصرانيّة في الجاهلية في ربيعة وغسّان وبعض قضاعة ، واليهوديّة في حمير وبني
كنانة وبني الحارث بن كعب وكندة ،
__________________
والمجوسيّة في
تميم ، وعبادة الأوثان ، والزندقة كانت في قريش وبني حنيفة.
وتؤخذ الجزية من
جميع اليهود وجميع النصارى على الشرائط الآتية ، سواء كانوا من المبدّلين أو غير
المبدّلين ، وسواء كانوا عربا أو عجما في قول علمائنا أجمع ـ وبه قال مالك
والأوزاعي والشافعي وأحمد وأبو ثور وابن المنذر ـ لعموم الآية . ولأنّ النبي 6 أخذ من أكيدر
دومة ، وهو رجل من غسّان أو كندة من العرب ، وأخذ من نصارى نجران ، وهم عرب ، وأمر معاذا أن يأخذ الجزية من أهل اليمن ، وهم كانوا
عربا.
وقال أبو يوسف :
لا تؤخذ الجزية من العرب .
والإجماع يبطله ،
فإنّ اليهود والنصارى من العرب سكنوا في زمن الصحابة والتابعين في بلاد الإسلام
ولا يجوز إقرارهم فيها بغير جزية.
__________________
مسألة ١٦٢
: تؤخذ الجزية ممّن دخل في دينهم من الكفّار إن كانوا قد
دخلوا فيه قبل النسخ والتبديل ، ومن نسله وذراريه ، ويقرون بالجزية ولو ولد بعد
النسخ.
ولو دخلوا في
دينهم بعد النسخ ، لم يقبل منهم إلاّ الإسلام ، ولا تؤخذ منهم الجزية ، عند
علمائنا ـ وبه قال الشافعي ـ لقوله 7 : « من بدّل دينه فاقتلوه » .
ولأنّه ابتغى دينا
غير الإسلام ، فلا يقبل منه ، لقوله تعالى ( وَمَنْ يَبْتَغِ
غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ ) .
وقال المزني :
يقرّ على دينه ، وتقبل منه الجزية مطلقا ، لقوله تعالى ( وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ
مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ) .
والمراد المشاركة
في الإثم والكفر دون إقراره على عقيدته.
ولا فرق بين أن
يكون المنتقل إلى دينهم ابن كتابيّين أو ابن وثنيّين أو ابن كتابيّ ووثنيّ في
التفصيل الذي فصّلناه.
ولو ولد بين أبوين
أحدهما تقبل منه الجزية والآخر لا تقبل ، ففي
__________________
قبول الجزية منه
تردّد.
مسألة ١٦٣
: المجوس تؤخذ منهم الجزية كاليهود والنصارى إجماعا ، لما
رواه العامّة أنّ رسول الله 6 قال : « سنّوا بهم سنّة أهل الكتاب » .
ومن طريق الخاصّة
: ما رواه علماؤنا أنّ الصادق 7 سئل عن المجوس أكان لهم نبي؟ قال : « نعم ، أما بلغك كتاب
رسول الله 6 إلى أهل مكة أسلموا وإلاّ نابذتكم بحرب ، فكتبوا إليه أن خذ منّا الجزية
ودعنا على عبادة الأوثان ، فكتب إليهم إنّي لست آخذ الجزية إلاّ من أهل الكتاب ،
فكتبوا إليه زعمت أنّك لا تأخذ الجزية إلاّ من أهل الكتاب ثمّ أخذت الجزية من مجوس
هجر ، فكتب إليهم رسول الله 6 إنّ المجوس كان لهم نبي فقتلوه وكتاب أحرقوه ، أتاهم
نبيّهم بكتابهم في اثني عشر ألف جلد ثور » .
فالروايات متظافرة
بأنّهم أهل كتاب ـ وبه قال الشافعي ـ لقول عليّ 7 : « أنا أعلم الناس بالمجوس كان لهم علم يعلّمونه وكتاب
يدرسونه » الحديث ، رواه العامّة .
__________________
ومن طرق الخاصّة :
ما تقدم .
وقال أبو حنيفة
وأحمد : لا كتاب لهم ، لقوله 7 : « سنوا بهم سنّة أهل الكتاب » .
ويحتمل أن يكون
المراد من له كتاب باق ، أو لأنّهم كانوا يعرفون التوراة والإنجيل.
مسألة ١٦٤
: لا يقبل من غير الأصناف الثلاثة من الكفّار إلاّ الإسلام ،
فلو بذل عبّاد الأصنام والنيران والشمس الجزية ، لم تقبل ، سواء العرب والعجم ـ وبه
قال الشافعي ـ لقوله تعالى ( فَاقْتُلُوا
الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ ) خرج منهم الثلاثة ، لنصّ خاصّ ، فبقي الباقي على عمومه.
وما رواه العامّة
عن النبي 6 : « أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا : لا إله إلاّ الله » الحديث.
__________________
ومن طريق الخاصّة
: قول الصادق 7 في حديث : « سيف على مشركي العرب ، قال الله تعالى (
فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ ) » الحديث.
وقال أبو حنيفة :
تقبل من جميع الكفّار إلاّ العرب ، لأنّهم يقرّون على دينهم بالاسترقاق فاقرّوا بالجزية
، كأهل الكتاب ، وأمّا العرب فلا تقبل منهم ، لأنّهم رهط النبي 7 ، فلا يقرّون على
غير دينه .
والفرق : أنّ أهل
الكتاب لهم حرمة بكتابهم ، بخلاف غيرهم من الكفّار ، والعرب قد بيّنّا أنّهم إن
كانوا يهودا أو نصارى أو مجوسا ، قبلت منهم الجزية ، وإلاّ فلا ، ولا فرق بين
العرب والعجم ، لأنّ الجزية تؤخذ بالدين لا بالنسب.
وقال أحمد : تقبل
من جميع الكفّار إلاّ عبدة الأوثان من العرب .
وقال مالك : تقبل
من جميعهم إلاّ مشركي قريش ، لأنّهم ارتدّوا .
وقال الأوزاعي
وسعيد بن عبد العزيز : إنّها تقبل من جميعهم ، لأنّ النبي 7 كان يبعث السريّة
ويوصيهم بالدعاء إلى الإسلام أو الجزية .
__________________
وهو عامّ في كلّ
كافر .
ونمنع العموم ، بل
الوصيّة في أهل الذمّة.
مسألة ١٦٥
: من عدا اليهود والنصارى والمجوس لا يقرون بالجزية بل لا
يقبل منهم إلاّ الإسلام وإن كان لهم كتاب ، كصحف إبراهيم وصحف آدم وإدريس ( وشيث )
وزبور داود ـ وهو أحد قولي الشافعي ـ لأنّها ليست كتبا منزلة على ما قيل ، بل هي وحي يوحى ،
ولأنّها مشتملة على مواعظ لا على أحكام مشروعة.
والقول الثاني
للشافعي : يقرّون بالجزية ، لقوله تعالى ( مِنَ الَّذِينَ
أُوتُوا الْكِتابَ ) .
وليس حجّة ، لأنّه
للعهد.
قال ابن الجنيد من
علمائنا : الصابئون تؤخذ منهم الجزية ويقرّون عليها ، كاليهود والنصارى ـ وهو أحد
قولي الشافعي ـ بناء على أنّهم من أهل الكتاب وإنّما يخالفونهم في فروع
المسائل لا في أصولها.
وقال أحمد : أنّهم
جنس من النصارى. وقال أيضا : أنّهم يسبتون ،
__________________
فهم من اليهود .
وقال مجاهد :
إنّهم من [ اليهود و ] النصارى .
وقال السدي :
إنّهم من أهل الكتاب .
وكذا السامرة ،
ومتى كانوا كذلك قبلت منهم الجزية.
وقد قيل عنهم :
إنّهم يقولون : إنّ الفلك حيّ ناطق ، وإنّ الكواكب السبعة السيّارة آلهة . ومتى كان الحال
كذلك لم يقرّوا على دينهم بالجزية.
وقال المفيد : وقد
اختلف فقهاء العامّة في الصابئين ومن ضارعهم في الكفر سوى من ذكرناه من الثالثة
الأصناف.
فقال مالك بن أنس
والأوزاعي : كلّ دين بعد الإسلام سوى اليهوديّة والنصرانيّة فهو مجوسيّة ، وحكم
أهله حكم المجوس. وروي عن عمر بن عبد العزيز أنّه قال : الصابئون مجوس. وقال
الشافعي وجماعة من أهل العراق : حكمهم حكم المجوس. وقال بعض أهل العراق : حكمهم
حكم النصارى.
قال : فأمّا نحن
فلا نجاوز بإيجاب الجزية إلى غير من عدّدناه ، لسنّة
__________________
رسول الله 6 فيهم ، والتوقيف
الوارد عنه في أحكامهم.
قال : وقد روي عن
أمير المؤمنين 7 أنّه قال : « المجوس إنما ألحقوا باليهود والنصارى في
الجزية والديات ، لأنّه كان لهم فيما مضى كتاب » ولو خلّينا والقياس ، لكانت
المانويّة والمزدقيّة والديصانيّة عندي بالمجوس أولى من الصابئين ، لأنّهم يذهبون
في أصولهم مذاهب تقارب المجوسيّة وتكاد تختلط بها.
وأمّا المرقونيّة
والماهانيّة : فإنّهم إلى النصرانيّة أقرب من المجوسيّة ، لقولهم في الروح والكلمة
والابن بقول النصارى وإن كانوا يوافقون الثنويّة في أصول أخر.
وأمّا الكينونيّة : فقولهم يقرب من
النصرانيّة لأصلهم في التثليث وإن كان أكثره لأهل الدهر.
وأمّا السمنيّة :
فتدخل في حكم مشركي العرب وتضارع مذاهبها قولها في التوحيد
للبارئ وعبادتهم سواه تقرّبا إليه وتعظيما فيما زعموا من عبادة الخلق لهم. وقد حكي
عنهم ما يدخلهم في جملة الثنويّة.
ثمّ قال : فأمّا
الصابئون فمنفردون بمذاهبهم ممّن عددناه ، لأنّ جمهورهم يوحّد الصانع في الأزل ،
ومنهم من يجعل معه هيولى في القدم صنع منها العالم ، فكانت عندهم الأصل ، ويعتقدون
في الفلك وما فيه : الحياة والنطق وأنّه المدبّر لما في العالم والدالّ عليه ،
وعظّموا الكواكب
__________________
وعبدوها من دون
الله تعالى ، وسمّاها بعضهم ملائكة ، وجعلها بعضهم آلهة ، وبنوا لها بيوتا
للعبادات ، وهؤلاء على طريق القياس إلى مشركي العرب وعبّاد الأوثان أقرب من المجوس
، لأنّهم وجّهوا عبادتهم إلى غير الله تعالى في التحقيق وعلى القصد والضمير ،
وسمّوا من عداه من خلقه بأسمائه ، جلّ عمّا يقول المبطلون.
والمجوس قصدت
بالعبادة الله تعالى على نيّاتهم في ذلك وضمائرهم وعقودهم وإن كانت عبادة الجميع
على أصولنا غير متوجّهة في الحقيقة إلى القديم ، ولم يسمّوا من أشركوا بينه وبين
الله تعالى في القدم باسم في معنى الإلهيّة ومقتضى العبادة ، بل من ألحقهم
بالنصارى أقرب في التشبيه ، لمشاركتهم إيّاهم في اعتقاد الإلهيّة في غير القديم ،
وتسميتهم له بذلك ، وهما : الروح عندهم ، والنطق الذي اعتقدوه [ في ] المسيح ، وليس
هذا موضع الردّ على متفقّهة العامّة فيما اجتنبوه من خلافنا فلنشرحه ، وإنّما ذكرنا
منه طرفا ، لتعلّقه بما تقدّم من وصف مذهبنا في الأصناف وبيّنّاه في التفصيل . هذا آخر كلام
شيخنا المفيد.
وللشافعي في
الصابئين والسامرة ـ وهم عنده مبتدعة النصارى
__________________
واليهود ـ قولان .
وقال بعض أصحابه :
إن كانوا كفرة دينهم ، فلا يقرّون ، وإن كانوا مبتدعة ، أقروا ، فلو عقدنا له
وأسلم منهم عدلان وشهدا بكفره ، تبيّن بطلان العقد ، ويغتال ، لتلبيسه .
والمتولّد بين
الكتابيّ والوثنيّ في مناكحته قولان للشافعي ، والصحيح عنده أنّه يقرّر .
ولو توثّن نصرانيّ
وله ولد صغير امّه نصرانيّة ، فله حكم التنصّر ، وإن كانت وثنيّة ، فهو تابع
للتوثّن أو يبقى عليه حكم التنصّر؟ للشافعي وجهان .
ولا يغتال إذا بلغ
وإن كان يغتال أبوه على الأصحّ عندهم .
ولا يحلّ وطء
سبايا غور ، لأنّهم ارتدّوا بعد الإسلام.
وفي استرقاقهم
خلاف بينهم ، والظاهر عندهم جواز استرقاق الوثنيّ وسبايا غور أولاد المرتدّين .
وأمّا عندنا فإنّ
ذبائح أهل الكتاب لا تحلّ إجماعا منّا. فأمّا مناكحتهم ففيه تفصيل يأتي إن شاء
الله تعالى.
مسألة ١٦٦
: بنو تغلب بن وائل من العرب من ربيعة بن نزار ، انتقلوا في
الجاهليّة إلى النصرانيّة. وانتقل أيضا من العرب قبيلتان أخريان ، وهم
__________________
تنوخ وبهراء ،
فصارت القبائل الثلاثة من أهل الكتاب ، تؤخذ منهم الجزية كافّة ، كما تؤخذ من
غيرهم ـ وبه قال علي 7 وعمر بن عبد العزيز ـ لأنّهم أهل كتاب ، فيدخلون تحت عموم الأمر بأخذ الجزية
من أهل الكتاب.
وقال أبو حنيفة :
لا تؤخذ منهم الجزية ، بل تؤخذ منهم الصدقة مضاعفة ، فيؤخذ من كلّ خمس من الإبل
شاتان ، ويؤخذ من كلّ عشرين دينارا دينار ، ومن كلّ مائتي درهم عشرة دراهم ، ومن
كلّ ما يجب فيه نصف العشر العشر وما يجب فيه العشر الخمس ـ وبه قال الشافعي وابن
أبي ليلى والحسن بن صالح بن حيّ وأحمد بن حنبل ـ لأنّ عمر ضعّف الصدقة عليهم .
وهي حكاية حال لا
عموم لها ، فجاز أن تكون المصلحة للمسلمين في كفّ أذاهم بذلك. ولأنّه كان يأخذ
جزية لا صدقة وزكاة. ولأنّه يؤدّي إلى أن يأخذ أقلّ من دينار بأن تكون صدقته أقلّ
من ذلك. ولأنّه يلزم أن يقيم بعض أهل الكتاب في بلد الإسلام مؤبّدا بغير عوض بأن
لا يكون له زرع ولا ماشية.
وروى العامّة عن
علي 7 أنّه قال : « لئن تفرّغت لبني تغلب ليكوننّ لي فيهم رأي ، لأقتلنّ مقاتلتهم ،
ولأسبيّن ذراريهم ، فقد نقضوا العهد ، وبرئت منهم الذمّة حين نصّروا أولادهم » .
__________________
إذا ثبت أنّ
المأخوذ جزية ، فلا تؤخذ من الصبيان والمجانين والنساء ـ وبه قال الشافعي ـ لما تقدّم ،
ولأنّ عمر قال : هؤلاء حمقى رضوا بالمعنى دون الاسم .
وقال عمر بن عبد
العزيز حيث لم يقبل من نصارى بني تغلب إلاّ الجزية : لا والله إلاّ الجزية ، وإلاّ
فقد أذنتكم بالحرب .
وقال أبو حنيفة :
إنّها صدقة تؤخذ مضاعفة من مال من يؤخذ منه الزكاة لو كان مسلما. وبه قال أحمد .
وعلى ما قلناه
يكون مصرفه مصرف الجزية.
ولو بذل التغلبيّ
الجزية وتحطّ عنه الصدقة ، قبل منه ، لأنّ المأخوذ منه عندنا جزية.
ومن قال : إنّه
صدقة قال : ليس لهم ذلك ، لئلاّ يغيّر الصلح .
أمّا الحربي من
التغلبيّين فإنّه إذا بذل الجزية ، قيل : قبلت منه ، لقوله 7 : « ادعهم إلى
إعطاء الجزية ، فإن أجابوك فاقبل منهم وكفّ عنهم » .
__________________
ولو أراد الإمام
نقض صلحهم وتجديد الجزية عليهم ، جاز ، خلافا لبعض العامّة .
مسألة ١٦٧
: لا تحلّ ذبائح بني تغلب ولا مناكحتهم كغيرهم من أهل الذمّة
ـ أمّا من أباح أكل ذبائح أهل الذمّة فقال الشافعي : لا يباح أكل ذبائح أهل الذمّة
من العرب كافّة ـ ونقله العامّة عن علي 7 وعطاء وسعيد ابن جبير والنخعي ، لأنّهم أهل
كتاب ، فلا تحلّ ذبائحهم على ما يأتي.
ولما رواه العامّة
عن علي 7 من التحريم .
ومن طريق الخاصّة
: رواية الحلبي ـ في الصحيح ـ أنّه سأل الصادق 7 عن ذبائح نصارى العرب هل تؤكل؟ فقال : « كان علي 7 ينهى عن أكل
ذبائحهم وصيدهم ، وقال : لا يذبح لك يهودي ولا نصراني أضحيتك » .
وقال الباقر 7 : « لا تأكل
ذبيحة نصارى العرب » .
وقال أبو حنيفة :
تحلّ ذبائحهم. وبه قال الحسن البصري والشعبي والزهري والحكم وحمّاد وإسحاق .
وعن أحمد روايتان .
__________________
مسألة ١٦٨
: وتؤخذ الجزية من أهل خيبر.
وما ذكره بعض أهل
الذمّة منهم أنّ معهم كتابا من النبي 6 بإسقاطها ، لا يلتفت إليهم ، لأنّه لم ينقله أحد من المسلمين.
قال ابن سريج :
ذكر أنّهم طولبوا بذلك ، فأخرجوا كتابا ذكروا أنّه بخطّ علي 7 كتبه عن رسول
الله 6 ، وكان فيه شهادة سعد بن معاذ ومعاوية. وتاريخه بعد موت سعد وقبل إسلام
معاوية ، فاستدلّ بذلك على بطلانه .
ولو غزا الإمام
قوما فادّعوا أنّهم أهل كتاب ، سألهم ، فإن قالوا : دخلنا أو دخل آباؤنا قبل نزول
القرآن في دينهم ، أخذ منهم الجزية ، وشرط عليهم نبذ العهد ، والمقاتلة لهم إن بان
كذبهم ، ولا يكلّفون البيّنة على ذلك ، ويقرّون بأخذ الجزية. فإن بان كذبهم ،
انتقض عهدهم ، ووجب قتالهم.
ويظهر كذبهم
باعترافهم بأجمعهم أنّهم عبّاد وثن. فإن اعترف بعضهم وأنكر الآخرون ، انتقض عهد
المعترف خاصّة دون غيره. ولا تقبل شهادتهم على الآخرين.
فإن أسلم منهم
اثنان وعدّلا ثمّ شهدا أنّهم ليسوا أهل ذمّة ، انتقض العهد.
ولو دخل عابد وثن
في دين أهل الكتاب قبل نزول القرآن وله ابنان صغير وكبير ، فأقاما على عبادة
الأوثان ثمّ جاء الإسلام ونسخ كتابهم ، فإنّ الصغير إذا بلغ وقال : إنّني على دين
أبي وأبذل الجزية ، أقرّ عليه وأخذ منه
__________________
الجزية ، لأنّه
تبع أبيه في الدين ، لصغره. وأمّا الكبير فإن أراد أن يقيم على دين أبيه ويبذل
الجزية ، لم يقبل ، لأنّ له حكم نفسه ، ولا يصحّ له الدخول في الدين بعد نسخه.
ولو دخل أبوهما في
دين أهل الكتاب ثمّ مات ثمّ جاء الإسلام وبلغ الصبي واختار دين أبيه ببذل الجزية ،
أقرّ عليه ، لأنّه تبعه في الدين ، فلا يسقط بموته. وأمّا الكبير فلا يقرّ بحال ،
لأنّ حكمه منفرد.
مسألة ١٦٩
: اختلف علماؤنا في الفقير.
فقال الشيخ : لا
تسقط عنه الجزية ، بل ينظر بها إلى وقت يساره ، ويؤخذ منه حينئذ ما يقرّر عليه في
كلّ عام حال فقره ـ وبه قال المزني والشافعي في قول ـ لعموم( حَتّى
يُعْطُوا الْجِزْيَةَ ) .
ولقوله 7 : « خذ من كلّ
حالم دينارا » وهو عامّ.
ولأنّ عليّا 7 وظف على الفقير
دينارا .
__________________
وقال المفيد وابن
الجنيد منّا : لا جزية عليه ـ وهو قول آخر للشافعي ـ لأنّ الجزية حقّ يجب بحؤول الحول ، فلا تجب على الفقير ،
كالزكاة والعقل .
والجواب : أنّ
الزكاة والعقل وجبا بطريق المواساة ، والجزية لحقن الدم والسكنى ، ولا فرق بين
الغني والفقير في ذلك.
وللشافعي قول ثالث
: إنّه يخرج من الدار .
إذا ثبت هذا ،
فالإمام يعقد لهم الذمّة على الجزية ، وتكون في ذمّته ، فإذا أيسر ، طولب بها.
مسألة ١٧٠
: وتسقط الجزية عن الصبي إجماعا ، لقوله 7 لمعاذ : « خذ من
كلّ حالم دينارا » دلّ بمفهومه على سقوط الجزية عن غير البالغ.
ومن طريق الخاصّة
: قول الصادق 7 في حديث : « والشيخ الفاني والمرأة والولدان في أرض الحرب من أجل ذلك
رفعت عنهم الجزية » .
وإذا بلغ بالإنبات
أو الاحتلام أو بلوغ خمس عشرة سنة وكان من
__________________
أهل الذمّة ، طولب
بالإسلام أو بذل الجزية ، فإن امتنع منهما ، صار حربا ، فإن اختار الجزية ، عقد
معه الإمام ما يراه ، ولا عبرة بجزية أبيه ، فإذا حال الحول من حين العقد عليه ،
أخذ ما شرط.
ولو كان الصبي ابن
وثنيّ وبلغ ، طولب بالإسلام خاصّة.
ولو بلغ مبذّرا ،
لم يزل الحجر عنه ، ويكون ماله في يد وليّه.
ولو أراد عقد
الأمان بالجزية أو المصير إلى دار الحرب ، أجيب ، وليس لوليّه منعه ، لأنّ الحجر
لا يتعلّق بحقن دمه وإباحته بل بماله ، كما لو أسلم أو ارتدّ.
ولو أراد أن يعقد
أمانا ببذل جزية كثيرة ، احتمل أن يكون للوليّ منعه ، لأنّ حقن دمه يمكن بالأقلّ.
ولو صالح الإمام
قوما على أن يؤدّوا الجزية عن أبنائهم غير ما يدفعون عن أنفسهم ، فإن كانوا يؤدون
الزائد من أموالهم ، جاز ، ويكون زيادة في جزيتهم ، وإن كان من مال أولادهم ، لم
يجز ، لأنّه تضييع لمالهم فيما ليس واجبا عليهم.
ولو بلغ سفيها ،
لم تسقط عنه الجزية ، ولا يقرّ في دار الإسلام بغير عوض ، للعموم .
ولو منعه وليّه ،
لم يقبل منه ، لأنّ مصلحته بقاء نفسه.
وإن لم يعقد أمانا
، نبذناه إلى دار الحرب وصار حربا.
مسألة ١٧١
: إذا عقد الإمام الجزية لرجل ، دخل هو وأولاده الصغار
وأمواله في الأمان ، فإذا بلغ أولاده ، لم يدخلوا في ذمّة أبيهم وجزيته
إلاّ
__________________
بعقد مستأنف ـ وبه
قال الشافعي ـ لأنّ الأب عقد الذمّة لنفسه ، وإنّما دخل أولاده الصغار
لمعنى الصغر ، فإذا بلغوا ، زال المقتضي للدخول.
وقال أحمد :
يدخلون بغير عقد متجدّد ، لأنّه عقد دخول فيه الصغير ، فإذا بلغ ،
لزمه ، كالإسلام .
والفرق : علوّ
الإسلام على غيره من الأديان ، فألزم به ، بخلاف الكفر.
إذا ثبت هذا ،
فإنّه يعقد له الأمان من حين البلوغ ، ولا اعتبار بجزية أبيه ، فإن كان أوّل حول
أقاربه ، استوفى منه معهم في آخر الحول ، وإن كان في أثناء الحول ، عقد له الذمّة
، فإذا جاء أصحابه وجاء الساعي ، فإن أعطى بقدر ما مضى من حوله ، أخذ منه ، وإن
امتنع حتى يحول الحول ، لم يجبر على الدفع.
ولو كان أحد أبوي
الطفل وثنيّا ، فإن كان الأب ، لحق به ، ولم تقبل منه الجزية بعد البلوغ ، بل يقهر
على الإسلام ، فإن امتنع ، ردّ إلى مأمنه في دار الحرب ، وصار حربا. وإن كانت
الامّ ، لحق بالأب ، وأقرّ في دار الإسلام بالجزية.
مسألة ١٧٢
: الجزية تسقط عن المجنون المطبق إجماعا ، لقوله 7 : « رفع القلم عن
ثلاثة ـ وعدّ ـ المجنون حتى يفيق » .
__________________
ولقول الصادق 7 : « جرت السنّة
أن لا تؤخذ الجزية من المعتوه ولا من المغلوب على عقله » .
ولأنّه محقون الدم
، ولا مقتضى لوجوب الجزية.
ولو كان الجنون
غير مطبق ، فإن لم يكن مضبوطا بأن تكون ساعة من أيّام أو من يوم ، اعتبر الأغلب ،
لعدم القدرة على ضبط الإفاقة. وإن كان مضبوطا بأن يجنّ يوما ويفيق يومين أو أقلّ
أو أكثر ، احتمل اعتبار الأغلب كالأوّل ـ وبه قال أبو حنيفة ـ لأنّ اعتبار
الأصول بالأغلب. وأن تلفّق أيّام إفاقته ، فإذا كملت حولا ، أخذت منه ، ويحتمل أن تؤخذ
في آخر كل حول بقدر ما أفاق فيه.
وكذا الاحتمالان
لو كان يجنّ ثلث الحول ويفيق ثلثيه أو بالعكس.
ولو تساوت أيّام
إفاقته وجنونه بأن يجنّ يوما ويفيق يوما ، أو يجنّ نصف الحول ويفيق نصفه ، فإنّ إفاقته
تلفّق ، لتعذّر الأغلب ، لعدمه هنا.
ولو كان يجنّ نصف
الحول ثمّ يفيق مستمرّا ، أو يفيق نصفه ثمّ يجنّ مستمرّا ، فعليه في الأوّل من
الجزية بقدر ما أفاق من الحول إذا استمرّت الإفاقة بعد الحول. وفي الثاني لا جزية
عليه ، لأنّه لم تتمّ الإفاقة حولا.
مسألة ١٧٣
: لا تؤخذ الجزية من النساء إجماعا ، لقوله 7 : « خذ من كلّ
حالم » خصّ الذّكر به.
__________________
ومن طريق الخاصّة
: قول الصادق 7 : « إنّ رسول الله 6 نهى عن قتل النساء » .
ولو بذلت امرأة
الجزية ، عرّفت أنّه لا جزية عليها ، فإن ذكرت أنّها تعلم ذلك وطلبت دفعه إلينا ،
جاز أخذه هبة لا جزية ، وتلزم على شرط لزوم الهبة. ولو شرطت ذلك على نفسها ، لم
تلزم ، بخلاف ما لو قدر الرجل أكثر ممّا قدّره الإمام عليه من الجزية ، لأنّه لا
حدّ للجزية قلّة ولا كثرة ، فلزمه ما التزم به.
ولو بعثت امرأة من
دار الحرب تطلب عقد الذمّة وتصير إلى دار الإسلام ، مكّنت منه ، وعقد لها بشرط
التزام أحكام الإسلام ، ولا يؤخذ منها شيء إلاّ أن تتبرّع به بعد معرفتها أنّه لا
شيء عليها. وإن أخذ منها شيء على غير ذلك ، يردّ عليها ، لأنّها بذلته معتقدة
أنّه عليها.
ولو كان في حصن
رجال ونساء وصبيان فامتنع الرجال من أداء الجزية وبذلوا أن يصالحوا على أنّ الجزية
على النساء والولدان ، لم يجز ، لأنّ النساء والصبيان مال والمال لا يؤخذ منه
الجزية ، ولا يجوز أخذ الجزية ممّن لا تجب عليه ويترك من تجب عليه. فإن صالحهم على
ذلك ، بطل الصلح ، ولا يلزم النساء شيء. ولو طلب النساء ذلك ويكون الرجال في أمان
، لم يصحّ.
ولو قتل الرجال أو
لم يكن في الحصن سوى النساء ، فطلبوا عقد الذمّة بالجزية ، لم يجز ، ويتوصّل إلى
فتح الحصن ويسبين ، لأنّهنّ أموال للمسلمين.
__________________
وقال الشيخ :
يلزمه عقد الذمّة لهنّ على أن تجري عليهنّ أحكام الإسلام ، ولا يأخذ منهنّ شيئا ،
فإن أخذ منهنّ شيئا ، ردّه عليهنّ .
ولو دخلت الحربية
دار الإسلام بأمان للتجارة ، لم يكن عليها أن تؤدّي شيئا وإن أقامت دائما بغير عوض
، بخلاف الرجل. ولو طلبت دخول الحجاز على أن تؤدّي شيئا ، جاز ، لأنّه ليس لها
دخول الحجاز.
مسألة ١٧٤
: تؤخذ الجزية من الشيخ الفاني والزمن ـ وهو أحد قولي
الشافعي ـ للعموم .
والثاني للشافعي :
لا تؤخذ .
وفي رواية حفص عن
الصادق 7 أنّها تسقط عن المقعد والشيخ الفاني والمرأة والولدان .
قال الشيخ : ولو
وقعوا في الأسر ، جاز للإمام قتلهم .
والأعمى مساو لهما
على الأقرب.
وتؤخذ من أهل
الصوامع والرهبان ـ وهو أحد قولي الشافعي ـ
__________________
للعموم . وقد فرض عمر بن
عبد العزيز على رهبان الديارات الجزية على كلّ راهب دينارين . ولأنّه كافر
صحيح قادر على الجزية ، فوجبت عليه ، كالشمّاس .
والثاني للشافعي :
لا جزية عليهم ، لأنّهم محقونون بدون الجزية ، فلا تجب ، كالنساء .
ونمنع الصغرى.
مسألة ١٧٥
: اختلف علماؤنا في إيجاب الجزية على المملوك ، فالمشهور :
عدم وجوبها عليهم ، وهو قول العامّة بأسرهم ، لقوله 7 : « لا جزية على العبد » .
ولأنّه مال ، فلا
تؤخذ منه الجزية ، كغيره من الحيوانات .
وقال قوم : لا
تسقط ، لقول الباقر 7 وقد سئل عن مملوك نصراني لرجل مسلم عليه جزية؟ قال : « نعم
» قلت : فيؤدّي عنه مولاه المسلم الجزية؟ قال : « نعم ، إنّما هو ماله يفديه إذا
أخذ يؤدّي عنه » .
__________________
ولأنّه مشرك ، فلا
يجوز أن يستوطن دار الإسلام بغير عوض ، كالحرّ.
ولا فرق بين أن
يكون العبد لمسلم أو ذمّي إن قلنا بوجوب الجزية عليه ، ويؤدّيها مولاه عنه.
ومنع بعض الجمهور
أخذ الجزية من عبد المسلم ، وإلاّ لزم أن يؤدّي المسلم الجزية .
وهو ضعيف ، لأنّه
يؤدّيها عن حقن دم العبد.
ولو كان نصفه حرّا
، وجب عليه عن نصفه الحرّ ، وفي نصفه الرقيق قولان ، فإن أوجبناه ، أخذ النصيب من
مولاه.
ولو أعتق العبد ،
فإن كان حربيّا ، قهر على الإسلام أو يردّ إلى دار الحرب ، قاله الشافعي .
وقال ابن الجنيد
منّا : لا يمكّن من اللحقوق بدار الحرب ، بل يسلم أو يحبس ، لأنّ في لحوقه بدار
الحرب معونة على المسلمين.
وإن كان ذميّا ،
لم يقرّ في دار الإسلام إلاّ بالجزية ، فإن لم يفعل ، ردّ إلى مأمنه بدار الحرب ،
عند الشافعي ، وحبس ، عند ابن الجنيد.
ولا خلاف بين
العلماء أنّه بعد العتق تلزمه الجزية لما يستقبل ، إلاّ ما روي عن أحمد أنّه يقرّ
بغير جزية ، سواء أعتقه المسلم أو الكافر ، وما روي عن مالك أنّه قال : لا جزية عليه إن كان المعتق
مسلما .
__________________
مسألة ١٧٦
: يجوز للرجل أن يستتبع في عقد الجزية من شاء من الأقارب وإن
لم يكن محارم ، دون الأجانب ، بأن يشترط ، فإن أطلق ، لم يتبعه إلاّ صغار أولاده
وزوجاته وعبيده ، لأنّهم أموال ، ولا تتبعه نسوة الأقارب.
وأمّا الأصهار
فالأقرب : عدم إلحاقهم بالأجانب.
وللشافعي وجهان .
وإذا بلغ الصبي أو
أفاق المجنون أو أعتق العبد فاستقلّوا ، فإمّا أن يؤدّوا الجزية أو يقتلوا بعد الردّ إلى مأمنهم.
والأقارب : أنّه يجب على
الصبي استئناف عقد لنفسه.
وللشافعيّة وجهان .
وإن اكتفي بعقد
أبيه ، لزمه مثل ما لزم الأب وإن كان فيه زيادة.
وإذا بلغ سفيها ،
عقد لنفسه بزيادة الدينار لحقن الدم ، ويصحّ من الوليّ بذل الدينار الزائد لحقن
دمه.
ومن يجنّ يوما
ويفيق يوما سبق حكمه.
وللشافعي أقوال :
__________________
أحدها : تلتقط
أيّام [ إفاقته ] وتكمل سنة ، ويؤخذ منه دينار.
والثاني : لا شيء.
والثالث :
كالعاقل.
والرابع : ينظر
إلى الأغلب.
والخامس : ينظر
إلى آخر السنة ، كما في تحمّل العقل. وإذا وقع مثله في الأسر ، نظر إلى وقت الأسر .
البحث الثاني : في مقدار
الجزية.
مسألة ١٧٧
: اختلف علماؤنا في أنّ للجزية قدرا معيّنا لا يجوز تغييره
على أقوال ثلاثة :
أحدها
: أنّ فيها مقدرا ،
وهو ما قدّره عليّ 7 : على الفقير اثنا عشر درهما ، وعلى المتوسّط أربعة وعشرون
، وعلى الغني ثمانية وأربعون في كلّ سنة ـ وبه قال أبو حنيفة وأحمد في رواية ـ لما رواه
العامّة : أنّ
__________________
النبي 7 أمر معاذا أن
يأخذ من كلّ حالم دينارا .
وما تقدّم من وضع علي 7 ، وكذا وضع عمر ، ولم يخالفهما
أحد ، فكان إجماعا.
الثاني
: أنّه ليس فيها
قدر موظّف لا قلّة ولا كثرة ، بل بحسب ما يراه الإمام من قلّة وكثرة بحسب المصلحة
، ذهب إليه أكثر علمائنا ، والثوري وأحمد في رواية ، لأنّ النبي 6 أمر معاذا أن
يأخذ من كلّ حالم دينارا . وصالح أهل نجران على ألفي حلّة ، النصف في صفر ، والنصف
في رجب . وما وضعه عليّ 7 وعمر . وصالح عمر بني تغلب على مثلي ما على المسلمين من الصدقة . وهو يدلّ على
عدم التقدير فيه.
__________________
ومن طريق الخاصّة
: رواية زرارة ـ الصحيحة ـ أنّه سأل الصادق 7 ما حدّ الجزية على أهل الكتاب؟ وهل عليهم في ذلك شيء
موظّف لا ينبغي أن يجاوز إلى غيره؟ فقال : « ذلك إلى الإمام يأخذ من كلّ إنسان
منهم ما شاء على قدر ما يطيق » الحديث.
الثالث
: أنّها لا تتقدّر
في طرف الزيادة ، وتتقدّر في طرف القلّة ، فلا يؤخذ من كلّ كتابيّ أقلّ من دينار ـ
وهو قول ابن الجنيد ، وأحمد في رواية ـ لأنّ عليّا 7 زاد على ما قرّره رسول الله 6 ولم ينقص منه ، فدلّ على أنّ الزيادة موكولة إلى نظره دون النقصان.
وقال الشافعي :
أنّها مقدّرة بدينار على الغني والفقير لا يجوز النقصان منه ، وتجوز الزيادة عليه
إن بذلها الذميّ .
وقال مالك : هي
مقدّرة في حقّ الغني بأربعين درهما ، وفي حقّ المتوسّط بعشرين درهما ، وفي حقّ
الفقير بعشرة دراهم .
__________________
مسألة ١٧٨
: تجب الجزية بآخر الحول ، ويجوز أخذها سلفا ـ وبه قال
الشافعي ـ لأنّه مال يتكرّر بتكرّر الحول ، وتؤخذ في آخر كلّ حول ،
فلا تجب بأوّله ، كالزكاة والدية.
وقال أبو حنيفة :
تجب بأوّله ، ويطالب بها عقيب العقد ، وتجب الثانية في أوّل الحول الثاني وهكذا ،
لقوله تعالى ( حَتّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ ) .
والمراد التزام
إعطائها ، لا نفس الأخذ والإعطاء حقيقة ، ولهذا يحرم قتالهم بمجرّد بذل الجزية قبل
أخذها إجماعا.
إذا عرفت هذا ،
فالجزية تؤخذ ممّا تيسّر من أموالهم من الأثمان والعروض على حسب قدرتهم ، ولا
يلزمهم شيء معيّن ، كذهب أو فضّة ـ وبه قال الشافعي ـ لأنّ النبي 6 لمّا بعث معاذا
إلى اليمن أمره أن يأخذ من كلّ حالم دينارا أو عدله معافري .
وأخذ النبي 6 من نصارى نجران
ألفي حلّة .
__________________
وكان عليّ 7 يأخذ الجنس ،
فيأخذ الحبال من صانعها ، والمسال من صانعها ، والإبر من صانعها ، ثمّ يدعو الناس فيعطيهم
الذهب والفضّة ، فيقتسمونه ، ثمّ يقول : « خذوا هذا فاقتسموا »
فيقولون : لا حاجة لنا فيه ، فيقول : « أخذتم خياره وتركتم شراره لتحملنّه » .
ولا تتداخل الجزية
، بل إذا اجتمعت عليه جزية سنتين أو أكثر ، استوفيت منه أجمع ـ وبه قال الشافعي
وأحمد ـ لأنّه حقّ ماليّ يجب في آخر كلّ حول ، فلا تتداخل ، كالدية والزكاة.
وقال أبو حنيفة :
تتداخل ، لأنّها عقوبة ، فتتداخل ، كالحدود .
والفرق : ما
تقدّم.
مسألة ١٧٩
: يتخيّر الإمام في وضع الجزية إن شاء على رءوسهم ، وإن شاء
على أرضيهم.
وهل له أن يجمع
بينهما فيأخذ عن رءوسهم شيئا وعن أرضيهم شيئا آخر؟ منع منه الشيخان وابن إدريس ، لأنّ محمد بن
مسلم سأل الصادق 7 :
__________________
أرأيت ما يأخذ
هؤلاء من الخمس من أرض الجزية ويأخذون من الدهاقين جزية رءوسهم ، أما عليهم في ذلك
شيء موظّف؟ فقال : « كان عليهم ما أجازوا على أنفسهم ، وليس للإمام أكثر من
الجزية ، إن شاء الإمام وضع على رءوسهم ، وليس على أموالهم شيء ، وإن شاء فعلى
أموالهم ، وليس على رءوسهم شيء » .
وفي حديث آخر قال
: « فإن أخذ من رءوسهم الجزية فلا سبيل على أراضيهم ، وإن أخذ من أراضيهم فلا سبيل
على رءوسهم » .
وقال أبو الصلاح :
يجوز الجمع بينهما ، لعدم تقدّر الجزية قلّة وكثرة ، فجاز أن يأخذ من أرضيهم ورءوسهم ، كما
يجوز أن يضعفها على رءوسهم. ولأنّه أنسب بالصّغار.
ونقول بموجب
الحديثين ، ونحملهما على ما إذا صالحهم على قدر معيّن ، فإن شاء أخذه من رءوسهم ،
ولا شيء حينئذ على أرضيهم ، وبالعكس.
مسألة ١٨٠
: يجوز أن يشترط عليهم في عقد الذمّة ضيافة من يمرّ بهم من
المسلمين إجماعا ، بل تستحبّ ، لأنّ النبي 6 ضرب على نصارى أيلة ثلاثمائة دينار ـ وكانوا ثلاثمائة نفر
ـ في كلّ سنة ، وأن يضيفوا من
__________________
يمرّ بهم من المسلمين
ثلاثة أيّام ، ولا يغشوا مسلما .
وشرط على نصارى
نجران إقراء رسله عشرين ليلة فما دونها ، وعارية ثلاثين فرسا وثلاثين بعيرا
وثلاثين درعا مضمونة إذا كان حدث باليمن .
ولأنّ الحاجة تدعو
إليه ، وربّما امتنعوا من مبايعة المسلمين معاندة وإضرارا.
ولو لم يشترط
الضيافة ، لم تكن واجبة ـ وبه قال الشافعي ـ للأصل. ولأنّ أصل الجزية إنّما تثبت بالتراضي ، فالضيافة
أولى.
وقال بعض العامّة
: تجب بغير شرط .
وتجوز لجميع
الطارقين ، ولا تختصّ بأهل الفيء ، خلافا لبعض الشافعيّة أنّه لا تجوز لغير
المجاهدين .
ويجب أن تكون
الضيافة زائدة على أقلّ ما يجب عليهم من الجزية ـ وهو أحد قولي الشافعي ـ فإنّ النبي 6 شرط زيادة على
الدينار الضيافة . والدينار عنده مقدار الجزية . ولأنّه لو شرط الضيافة من
__________________
الجزية ولم يمرّ
بهم أحد ، خرج الحول بغير جزية.
والثاني للشافعي :
تحتسب من الدينار الذي هو قدر الجزية عنده .
ويجب أن تكون
الضيافة المشترطة معلومة بأن يكون عدد من يطعمونه من المسلمين في كلّ سنة معلوما.
ويكون أكثر الضيافة لكلّ أحد ثلاثة أيّام.
والأقرب عندي :
جواز الزيادة مع الشرط.
ويجب أن يعيّن
القوت قدرا وجنسا ، وعطف الدوابّ كذلك. ولا يكلّفوا الذبيحة ، ولا الضيافة بأرفع
من طعامهم ، إلاّ مع الشرط.
وينبغي أن تكون
الضيافة على قدر الجزية ، فيكثرها على الغني ، ويقلّلها على الفقير ، ويوسّطها على
المتوسّط.
وينبغي أن يكون
نزول المسلمين في فواضل منازلهم وفي بيعهم وكنائسهم. ويؤمرون بأن يوسّعوا أبواب
البيع والكنائس ، وأن يعلوها ليدخلها المسلمون ركبانا ، فإن لم تسعهم بيوت
الأغنياء ، نزلوا في بيوت الفقراء ولا ضيافة عليهم. وإن لم تسعهم ، لم يكن لهم
إخراج أهلها منها. ومن سبق إلى منزل ، كان أحقّ به ، ولو اجتمعوا ، فالقرعة.
وإذا شرطت الضيافة
وامتنع بعضهم منها ، اجبر عليها . ولو امتنع الجميع ، قهروا وقوتلوا مع الحاجة ، فإن قاتلوا ، نقضوا العهد
وخرقوا
__________________
الذمّة ، فإن
طلبوا منه بعد ذلك العقد على أقلّ ما يراه الإمام أن يكون جزية لهم ، لزمه إجابتهم
، ولا يتعيّن الدينار.
مسألة ١٨١
: مع أداء الجزية لا يؤخذ سواها ، سواء اتّجروا في بلاد
الإسلام أو لم يتّجروا ، إلاّ في أرض الحجاز على ما يأتي ـ وبه قال الشافعي ـ لقوله تعالى ( حَتّى
يُعْطُوا الْجِزْيَةَ ) جعل إباحة الدم ممتدّا إلى إعطاء الجزية ، وما بعد الغاية
يخالف ما قبلها.
وما رواه العامّة
من قوله 7 : « فادعهم إلى الجزية ( فإن أطاعوك فاقبل منهم ) وكفّ عنهم » .
ومن طريق الخاصّة
: رواية محمد بن مسلم ـ في الصحيح ـ عن الباقر 7 في أهل الجزية أيؤخذ من أموالهم ومواشيهم شيء سوى الجزية؟
قال : « لا » .
وقال أحمد : إذا
خرج من بلده إلى أيّ بلد كان من بلاد الإسلام تاجرا ، أخذ منه نصف العشر ، لقوله 7 : « ليس على
المسلمين عشور ، إنّما العشور على اليهود والنصارى » .
__________________
ويحتمل أن يطلق
لفظ العشور على الجزية ، أو يحمل على المتّجرين بأرض الحجاز.
تذنيب
: مصرف الجزية هو
مصرف الغنيمة سواء ، لأنّه مال أخذ بالقهر والغلبة ، فكان مصرفه المجاهدين ،
كغنيمة دار الحرب.
مسألة ١٨٢
: اختلف في الصّغار. فقال ابن الجنيد : إنّه عبارة عن أن يشترط
عليهم وقت العقد إجراء أحكام المسلمين عليهم إذا كانت الخصومات بينهم وبين
المسلمين أو تحاكموا إلينا في خصوماتهم ، وأن تؤخذ منهم وهم قيام على الأرض.
[ و ] قال الشيخ :
الصّغار التزام أحكامنا وإجراؤها عليهم .
وقال الشافعي : هو
أن يطأطئ رأسه عند التسليم ، فيأخذ المستوفي بلحيته ويضربه في لهازمه ، وهو واجب في
أحد قوليه حتى لو وكّل مسلما بالأداء لم يجز. وإن ضمن المسلم الجزية ، لم يصحّ.
لكن يجوز إسقاط هذه الإهانة مع اسم الجزية عند المصلحة بتضعيف الصدقة. ويجوز ذلك
مع العرب والعجم. فيقول الإمام : أبدلت الجزية بضعف الصدقة ، فيكون ما يأخذه جزية
باسم الصدقة. فيأخذ من خمس من الإبل شاتين ، ومن خمس وعشرين بنتي مخاض ، وممّا سقت
السماء الخمس ، ومن مائتي درهم
__________________
عشرة دراهم ، ومن
عشرين دينارا دينارا ، ويأخذ من ستّ وثلاثين بنتي لبون ، فإن لم تكن ، فبنتي مخاض
، ومع كلّ واحدة شاتان أو عشرون درهما. ولا يضعّف الجبران ثانيا. والإمام أيضا
يعطي الجبران.
وهل يحطّ عنهم
الوقص؟ فيه ثلاثة أوجه له : أحدها : لا يحطّ فيأخذ من عشرين شاة شاة ، ومن مائة
درهم خمسة. والثاني : يحطّ. والثالث : لا يحطّ إلاّ إذا أدّى إلى التجزئة ، فيأخذ
من سبع من الإبل ونصف ثلاث شياه.
ثمّ على الإمام أن
ينظر فيما يحصل من الصدقة ، فإن لم يف بمال الجزية إذا قوبل بعدد رءوسهم ، زاد إلى
ثلاثة أضعاف وزيادة ، وله أن يقنع بنصف الصدقة [ و ] إن كان وافيا.
قال الشافعي :
ويجوز أخذ العشر من بضاعة تجّار أهل الحرب وتجوز الزيادة إن رأى ، والنقصان إلى
نصف العشر عن الميرة ترغيبا لهم في التكثير من كلّ ما يحتاج إليه المسلمون. وهل
يجوز حطّ أصله؟ خلاف.
وأمّا الذمّيّ فلا
يؤخذ من تجارته شيء إلاّ أن يتّجر في الحجاز ، ففيه خلاف.
ولا يؤخذ العشر في
السنة أكثر من مرّة ، وإنّما يؤخذ هذا من الحربيّ إذا دخل بهذا الشرط ، فلو دخل
بأمان من غير شرط ، فأصحّ الوجهين أنّه لا شيء عليهم.
__________________
وأمّا الخراج
فإنّما يكون إذا قرّرت أملاكهم عليهم بشرط الخراج ، ويسقط بالإسلام ، فإن ملّكناها
عليهم ورددناها بخراج ، فذلك اجرة لا تسقط بالإسلام كأراضي العراق .
مسألة ١٨٣
: إذا مات الذمّي بعد الحول ، لم تسقط عنه الجزية ، وأخذت من
تركته ـ وبه قال الشافعي ومالك ـ لأنّه مال استقرّ وجوبه عليه في حال حياته ، فلا يسقط
بالموت ، كسائر الديون.
وقال أبو حنيفة :
تسقط ـ وهو قول عمر بن عبد العزيز ، وعن أحمد روايتان ـ لأنّها عقوبة ، فسقطت
بالموت .
ونمنع أنّها عقوبة
وإن استلزمتها ، بل معاوضة ، لأنّها وجبت لحقن الدماء والمساكنة ، والحدّ يسقط
بالموت ، لفوات محلّه وتعذّر استيفائه ، بخلاف الجزية.
ولو مات في أثناء
الحول ، ففي مطالبته بالقسط نظر أقربه : المطالبة ـ وبه قال ابن الجنيد ـ لأنّ
الجزية معاوضة عن المساكنة ، وإنّما أخّرنا المطالبة إرفاقا ، ولو لم يمت لم يطالب
في أثناء السنة مع عقد العهد على أخذها في آخر السنة ، عملا بالشرط.
__________________
وتقدّم الجزية على
وصاياه. والوجه : مساواتها للدّين ، فتقسّط التركة عليهما مع القصور.
ولو لم يخلّف شيئا
، لم يطالب ورثته بشيء.
ولو مات قبل الحول
، لم يؤخذ من تركته شيء أيضا.
ولو أفلس ، ضرب
الإمام مع الغرماء بقدر الجزية.
ولو مات الذمّيّ
وقد استسلف منه عن السنة المقبلة ، ردّ على ورثته بقدر ما بقي من السنة.
مسألة ١٨٤
: لو أسلم الذميّ في أثناء الحول ، سقطت الجزية إجماعا منّا.
وإن أسلم بعد
الحول ، قال الشيخان وابن إدريس : تسقط ـ وبه قال مالك والثوري وأبو عبيد وأحمد وأصحاب الرأي ـ لقوله تعالى ( حَتّى
يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ ) أوجب الأخذ حالة
الصّغار ، ولا يتحقّق في حقّ المسلم ، فلا تثبت الجزية أيضا.
ولقوله تعالى ( قُلْ
لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ ) وهو عامّ.
__________________
وقوله 7 : « ليس على
المسلم جزية » .
وأسلم ذمّيّ فطولب
بالجزية وقيل له : إنّما أسلمت تعوّذا ، قال : إنّ في الإسلام معاذا ، فرفع إلى
عمر ، فقال عمر : إنّ في الإسلام معاذا ، وكتب أن لا تؤخذ منه الجزية .
ولأن الجزية صغار
، فلا تؤخذ ، كما لو أسلم قبل الحول.
وللشيخ قول آخر :
لا تسقط ، وبه قال الشافعي وأبو ثور وابن المنذر ، لأنّها دين
مستحقّ واستحقّت المطالبة به ، فلا يسقط بالإسلام ، كالخراج والدين .
والفرق : أنّها
عقوبة بسبب الكفر وصغار ، بخلاف الدّين.
ولا فرق بين أن
يسلم لتسقط عنه الجزية أو لا لذلك.
وفرّق الشيخ ،
فأوجب الجزية على التقدير الأوّل دون الثاني ، كما لو زنى ذمّيّ بمسلمة ، لا يسقط
عنه القتل بإسلامه .
ولو أسلم في أثناء
الحول ، سقطت عنه الجزية ، وهو أحد قولي
__________________
الشافعي . والثاني : يؤخذ
منه القسط .
ولو استسلف منه [
الجزية ] ثمّ أسلم في أثناء الحول ، ردّ عليه قسط باقي الحول.
وهل يردّ لما مضى؟
الأقرب : عدمه.
والفرق بين أن
يأخذ منه وأن لا يأخذ ظاهر ، لتحقّق الصّغار للمسلم في الثاني دون الأوّل.
البحث الثالث : فيما يشترط على
أهل الذمّة
مسألة ١٨٥
: لا يجوز عقد الذمّة المؤبّدة إلاّ بشرطين : التزام إعطاء
الجزية في كلّ حول ، والتزام أحكام الإسلام بمعنى وجوب قبولهم لما يحكم به
المسلمون من أداء حقّ أو ترك محرّم.
وعقد الذمّة
والهدنة لا يصحّ إلاّ من الإمام أو نائبه إجماعا.
ولو شرط عليهم في
الذمّة [ شرطا ] فاسدا ، مثل أن لا جزية عليهم ، وأن يظهروا المناكير ، أو
أن يسكنوا الحجاز ، أو يدخلوا الحرم أو المساجد ، أو
__________________
عدم الالتزام
بأحكام الإسلام ، لم يصحّ الشرط إجماعا. والأقرب : فساد العقد أيضا.
وينبغي للإمام أن
يشترط عليهم كلّ ما فيه نفع المسلمين ورفعتهم.
قال ابن الجنيد :
اختار أن يشترط عليهم أن لا يظهروا سبّا لنبيّنا 7 ، ولا لأحد من الأنبياء والملائكة ، ولا سبّ أحد من
المسلمين ، ولا يطعنوا في شيء من الشرائع ، ولا يظهروا شركهم في عيسى والعزير ،
ولا يرعون خنزيرا في شيء من أمصار الإسلام ، ولا يمثلوا ببهيمة ولا يذبحوها إلاّ
من حيث نصّ لهم في كتبهم على مذبحها ، ولا يقرّبوها لصنم ولا لشيء من المخلوقات ،
ولا يربوا مسلما ، ولا يعاملوه في بيع ولا إجارة ولا مساقاة ولا
مزارعة معاملة لا يجوز للمسلمين ، ولا يسقوا مسلما خمرا ، ولا يعطوه محرّما ، ولا
يقاتلوا مسلما ، ولا يعاونوا باغيا ، ولا ينقلوا أخبار المسلمين إلى أعدائهم ، ولا
يدلّوا على عوراتهم ، ولا يحيوا من بلاد المسلمين شيئا إلاّ بإذن
وإليهم ، فإن فعلوا ، كان للوالي إخراجه من أيديهم ، ولا ينكحوا مسلمة بعقد ولا
غيره ، ويشترط عليهم أيضا كلّ ما قلنا إنّه ليس بجائز لهم فعله ، كدخول الحرم ،
وسكنى الحجاز ، وغيرهما ، يقال : فمن فعل شيئا من
ذلك فقد نقض عهده ، وأحلّ دمه وماله ، وبرئت منه ذمّة الله وذمّة رسوله والمؤمنين.
مسألة ١٨٦
: جملة ما يشترط على أهل الذمّة ينقسم ستّة :
__________________
الأوّل : ما يجب شرطه ، ولا يجوز تركه ، وهو أمران : أحدهما : شرط الجزية عليهم ،
وثانيهما : التزام أحكام الإسلام ، ولا بدّ منهما معا لفظا ونطقا ، ولا يجوز
الإخلال بهما ولا بأحدهما ، فإن أغفل أحدهما ، لم تنعقد الجزية ، لقوله تعالى ( حَتّى
يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ ) والصّغار هو
التزام أحكام الإسلام.
ولقول الصادق 7 : « ولو منع الرجال وأبوا أن
يؤدّوا الجزية ، كانوا ناقضين للعهد ، وحلّت دماؤهم وقتلهم » .
الثاني : ما لا يجب شرطه لكنّ الإطلاق يقتضيه ، وهو : أن لا يفعلوا ما ينافي الأمان من
العزم على حرب المسلمين أو إمداد المشركين بالإعانة على حرب المسلمين ، لأنّهم إذا
قاتلونا ، وجب علينا قتالهم ، وهو ضدّ الأمان.
وهذان القسمان
ينتقض العهد بمخالفتهما ، سواء شرط ذلك في العقد أو لا.
الثالث : ما ينبغي اشتراطه فيما يجب عليهم الكفّ ، وهو سبعة : ترك الزنا بالمسلمة وعدم
إصابتها باسم النكاح ، وأن لا يفتنوا مسلما عن دينه ، ولا يقطع عليه الطريق ، ولا
يؤوي عين المشركين ، ولا يعين على المسلمين بدلالة أو بكتابة كتاب إلى أهل الحرب
بأخبار المسلمين ويطلعهم على عوراتهم ، ولا يقتلوا مسلما ولا مسلمة ، فإن فعلوا
شيئا من ذلك وكان تركه شرطا في العقد ، نقضوا العهد ، وإلاّ فلا.
__________________
ثمّ إن أوجب ما
فعلوه حدّا ، حدّهم الإمام ، وإن لم يوجبه ، عزرهم بحسب ما يراه.
وللشافعي قول آخر
: إنّه لا يكون نقضا للعهد مع الشرط ، لأنّ كلّ ما لا يكون فعله نقضا للعهد إذا لم يشترط لم يكن نقضا وإن
اشترط ، كإظهار الخمر والخنزير .
ونمنع الكلّية
وثبوت الحكم في الأصل.
وقال أبو حنيفة :
لا ينتقض العهد إلاّ بالامتناع من الإمام على وجه يتعذّر معه أخذ الجزية منهم .
وليس بجيّد ، لأنّ
الأمان وقع على هذا الشرط ، فيبطل ببطلانه.
ولأنّ عمر رفع
إليه رجل قد أراد استكراه امرأة مسلمة على الزنا ، فقال : ما على هذا صالحناكم.
ثمّ أمر به فصلب في بيت المقدس .
الرابع : ما فيه غضاضة على المسلمين ، وهو ذكر ربّهم أو كتابهم أو نبيّهم أو دينهم
بسوء.
فإن نالوا بالسبّ
لله تعالى أو رسوله ، وجب قتلهم ، وكان نقضا للعهد.
وإن نالوا بدون
السبّ أو ذكروا دين الإسلام أو كتاب الله تعالى بما
__________________
لا ينبغي ، فإن
كان قد شرط عليهم الكفّ عن ذلك ، كان نقضا للعهد ، وإلاّ فلا.
وقال بعض
الشافعيّة : يجب شرط ذلك ، فإن أهمل ، فسد عقد الذمّة ، لأنّه ممّا يقتضيه الصّغار
.
الخامس : ما يتضمّن المنكر ولا ضرر فيه على المسلمين ، وهو : أن لا
يحدثوا كنيسة ولا بيعة في دار الإسلام ، ولا يرفعوا أصواتهم بكتبهم ، ولا يضربوا
الناقوس ، ولا يطيلوا أبنيتهم على بناء المسلمين ، ولا يظهروا خمرا ولا خنزيرا في
دار الإسلام. فهذا كلّه يجب عليهم الكفّ عنه ، سواء شرط عليهم أو لا ، فإن خالفوا
وكان مشروطا عليهم ، انتقض أمانهم ، وإلاّ فلا ، بل يجب الحدّ أو التعزير ، لما
رواه العامّة عن عمر ، قال : من ضرب مسلما عمدا فقد خلع عهده .
ومن طريق الخاصّة
: قول الصادق 7 ـ في الصحيح ـ : « إنّ رسول الله 6 قبل الجزية من
أهل الجزية على أن لا يأكلوا الربا ، ولا يأكلوا لحم الخنزير ، ولا
ينكحوا الأخوات ولا بنات الأخ ، فمن فعل ذلك منهم برئت منه ذمّة الله وذمّة رسوله 6 ، وقال : ليست
لهم اليوم ذمّة » .
ولأنّه عقد منوط
بشرط ، فمتى لم يوجد الشرط زال حكم العقد ، كما لو امتنع من التزام قبول الجزية.
__________________
وقال الشيخ : لا
يكون نقضا للعهد وإن شرط عليهم . وبه قال الشافعي .
قال بعض أصحابه :
إنّما لا يكون نقضا ، لأنّه لا ضرر على المسلمين فيه .
وقال آخرون : لا
يكون نقضا ، لأنّهم يتديّنون به .
إذا عرفت هذا ،
فكلّ موضع قلنا : إنّه ينتقض عهدهم فأوّل ما يعمل أنّه يستوفي منهم موجب الجرم ،
ثمّ بعد ذلك يتخيّر الإمام بين القتل والاسترقاق والمنّ والفداء.
ويجوز له أن
يردّهم إلى مأمنهم في دار الحرب ويكونوا حربا لنا يفعل ذلك ما يراه صلاحا للمسلمين
، قاله الشيخ .
وللشافعي قولان :
أحدهما : أنّه
يردّ إلى مأمنه ، لأنّه دخل دار الإسلام بأمان ، فوجب ردّه ، كما لو دخل بأمان
صبي.
والثاني : يكون
للإمام قتله واسترقاقه ، لأنّه كافر لا أمان له ، فأشبه الحربيّ المتلصّص . وهو الأقرب عندي
، لأنّه فعل ما ينافي الأمان ، بخلاف من أمّنه صبي ، فإنّه يعتقده أمانا.
__________________
السادس : التميز عن المسلمين.
وينبغي للإمام أن
يشترط عليهم في عقد الذمّة التميز عن المسلمين في أربعة أشياء : في لباسهم ،
وشعورهم ، وركوبهم ، وكناهم.
أمّا اللباس :
فيلبسوا ما يخالف لونه سائر ألوان الثياب ، فعادة اليهود : العسلي ، وعادة النصارى
: الأدكن ، والمجوس : الأسود. ويكون هذا في ثوب واحد لا في الجميع. ويأخذهم بشدّ
الزنّار في وسط النصراني فوق الثياب ، واليهودي بوضع خرقة فوق عمامته
أو قلنسوته تخالف في اللون. ويجوز أن يلبسوا العمائم والطيلسان ، فإن لبسوا قلانس ، شدّوا في رأسها
علما ليخالف قلانس القضاة ، ويختم في رقبته خاتم رصاص أو نحاس أو حديد لا من ذهب
وفضّة ، أو يضع فيه جلجلا أو جرسا ليمتاز به عن المسلمين في الحمّام. وكذا يأمر
نساءهم بلبس شيء يفرق بينهنّ وبين المسلمات من شدّ الزنّار تحت الإزار. ويختم في
رقبتهنّ. ويغيّروا أحد الخفّين ، فيكون أحدهما أحمر والآخر أبيض. ولا يمنعون من
لبس فاخر الثياب.
وأمّا الشعور :
فلا يفرّقون شعورهم ، لأنّ النبي 6 فرّق شعره . ويحذفون مقاديم رءوسهم ، ويجزّون شعورهم.
وأمّا الركوب :
فلا يركبون الخيل ، لأنّه عزّ. ويركبون ما عداها بغير
__________________
سرج. ويركبون عرضا
، رجلاه إلى جانب وظهره إلى آخر. ويمنعون تقليد السيوف وحمل السلاح واتّخاذه.
وأمّا الكنى : فلا
يتكنّوا بكنى المسلمين ، كأبي القاسم ، وأبي عبد الله ، وأبي محمد ، وأبي الحسن ،
وشبهها. ولا يمنعون من جميع الكنى ، فإنّ النبي 6 قال لأسقف نجران : « أسلم أبا الحارث » .
مسألة ١٨٧
: من انتقض أمانه ، يتخيّر الإمام فيه بين المنّ والقتل
والاسترقاق والفداء على ما بيّنّاه. فإن أسلم قبل اختيار الإمام ، سقط ذلك كلّه
إلاّ ما يوجب حدّا أو قودا أو استعادة مال.
قال الشيخ : فإنّ
أصحابنا رووا أنّ إسلامه لا يسقط عنه الحدّ ، لأنّه حقّ ثبت في ذمّته فلا يسقط بإسلامه ، كالدّين.
ولو أسلم بعد
استرقاقه ، لم ينفعه في ترك الاسترقاق ، وكذا المفاداة.
وأمّا المستأمن ـ وهو
المعاهد في عرف الفقهاء ـ فهو الذي له أمان بغير ذمّة ، فللإمام أن يؤمنه دون
الحول بعوض وغيره. ولو أراد إقامة حول ، وجب العوض.
فإذا عقد له
الأمان ، فإن خاف منه الإمام الخيانة بإيواء عين المشركين وشبهه ، نبذ الإمام إليه
الأمان ، ويردّه إلى دار الحرب ، لقوله تعالى ( وَإِمّا تَخافَنَّ
مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ ) بخلاف أهل الذمّة
، فإنّه لا تنقض ذمّتهم بخوف الخيانة ، لالتزامهم بأحكام الإسلام من الحدود
__________________
وغيرها ، فيكون
ذلك مانعا لهم عن الخيانة.
والمعاهدون لا
يلزمهم حدّ ولا عقوبة ، فلا زاجر لهم عن الخيانة ، فجاز لنا نبذ عهدهم مع خوف
الخيانة.
وينبغي للإمام إذا
عقد الذمّة أن يكتب أسماءهم وأسماء آبائهم وعددهم وحليتهم ، ويعرّف على كلّ عشرة
منهم عريفا ليحفظ من يدخل فيهم ويخرج عنهم كأن يبلغ صغير أو يفيق مجنون أو يقدم
غائب أو يسلم واحد أو يموت ، ويجبي جزيتهم. وإن تولاّه بنفسه ، جاز.
مسألة ١٨٨
: لا يجوز أخذ الجزية ممّا لا يسوغ للمسلمين تملّكه ، كالخمر
والخنزير إجماعا. نعم ، يجوز أخذها من ثمن ذلك ، فلو باع ذمّيّ خمرا أو خنزيرا على ذمّيّ وقبض
الثمن ، جاز أخذه من الجزية ، لأنّا عقدنا الذمّة على تديّنهم بدينهم.
ولأنّ محمد بن
مسلم سأل الصادق 7 ـ في الصحيح ـ عن صدقات أهل الذمّة وما يؤخذ من جزيتهم من
ثمن خمورهم ولحم خنازيرهم وميتتهم ، قال : « عليهم الجزية في أموالهم تؤخذ من ثمن
لحم الخنزير أو الخمر ، وكلّما أخذوا منهم من ذلك فوزر ذلك عليهم ، وثمنه للمسلمين
حلال يأخذونه في جزيتهم » .
وإذا عقد لهم
الذمّة ، عصموا أنفسهم وأموالهم وأولادهم الأصاغر من القتل والصبي والنهب ما داموا
على الذمّة ، ولا يتعرّض لكنائسهم وخمورهم وخنازيرهم ما لم يظهروها.
__________________
ولو ترافعوا إلينا
في خصوماتهم ، تخيّر الحاكم بين الحكم عليهم بمقتضى شرع الإسلام وبين ردّهم إلى
حاكمهم.
ومن أراق من
المسلمين لهم خمرا أو قتل خنزيرا ، فإن كان مع تظاهرهم ، فلا شيء عليه ، وإلاّ
وجب عليه قيمته عند مستحليه.
وإذا مات الإمام
وقد ضرب لما قرّره من الجزية أمدا معيّنا أو اشترط الدوام ، وجب على القائم بعده
إمضاء ذلك إجماعا ، لأنّ الإمام معصوم. أمّا نائبه : فلو قرّرهم ثمّ مات المنوب
فإن كان ما قرّره صوابا ، وجب اتّباعه ، وإلاّ فسخ.
إذا ثبت هذا ،
فإنّ الثاني ينظر في عقدهم ، فإن كان صحيحا ، أقرّهم عليه ، لأنّه مؤبّد. وإن كان
فاسدا ، غيّره إلى الصحّة ، لأنّه منصوب لمصالح المسلمين.
ثمّ إن كان ما
عقده الأوّل ظاهرا معلوما ، اتّبع ، وإن لم يكن معلوما وشهد عدلان به ، عمل عليه ،
ولا تقبل شهادة بعضهم على بعض.
فإن اعترفوا
بالجزية وكانت دون الواجب ، لم يلتفت إليهم ، وطالبهم بالواجب ، فإن بذلوه ، وإلاّ
ردّهم إلى مأمنهم. وإن اعترفوا بالواجب ، أقرّهم عليه. وإن اتّهمهم في الزائد ،
حلّفهم.
ولو قيل باستئناف
العقد معهم ، لأنّ عقد الأوّل لم يثبت عنده ، كان حسنا.
مسألة ١٨٩
: قد بيّنّا أنّ أقلّ الجزية دينار عند بعض علمائنا قدره
اثنا عشر درهما نقرة مسكوكة أو مثقال. والدينار في غير الجزية يقابل بعشرة دراهم.
وللإمام أن يماكس
بالزيادة ما شاء. ولو لم يبذل إلاّ الدينار ، وجب
القبول. ولو بذل
الزيادة ثمّ علم عدم الوجوب ، لم ينفعه ، كالشراء بالعين ، إلاّ أن ينبذ العهد ثمّ
يرجع إلى بذل دينار.
وقيل : ينفع ، كما
يجوز ابتداء العقد به .
وقال بعض
الشافعيّة : الأصل في الجزية الدينار ، ولا يقبل الدراهم إلاّ بالسعر والقيمة ،
كما يجعل أصل نصاب الفضّة ربع دينار ، وتقوّم النقرة بالذهب كالسّلع ، ولا يجب على
الإمام أن يخبرهم عن أقلّ ما يجب عليهم .
وعلى القول بعدم
قبول الدينار لو التزموا بالزيادة أوّلا مع جهلهم بعدم اللزوم يكونون ناقضين للعهد
عند بعض الشافعيّة ، كما لو امتنعوا من أداء أصل الجزية. وحينئذ يبلغون
المأمن أو يقتلون؟ للشافعي قولان .
فإن قلنا : يبلغون
، فعادوا فطلبوا العهد بدينار ، أجيبوا إليه.
ثمّ إن كان النبذ
بعد مضي سنة ، لزمه ما التزمه بتمامه. وإن كان في أثناء السنة ، لزمه لما مضى قسطه
ممّا التزم.
وإذا ضرب على
الفقير دينارا ، وعلى المتوسّط دينارين ، وعلى الغني أربعة ، كان الاعتبار في هذه
الأحوال بوقت الأخذ لا بوقت العقد.
ولو قال بعضهم :
أنا فقير أو متوسّط ، قبل قوله إلاّ أن تكذّبه البيّنة.
مسألة ١٩٠
: إذا شرطت الضيافة عليهم ثمّ رأى الإمام نقلها إلى
__________________
الدنانير ، لم يجز
إلاّ برضاهم ، لأنّ الضيافة قد تكون أهون عليهم. وهو أحد قولي الشافعي .
والثاني : يجوز ،
لأنّ الأصل الدنانير .
فعليه إذا ردّت
إلى الدنانير ، فهل تكون في المصالح العامّة أو تختصّ بأهل الفيء؟ للشافعيّة
وجهان ، أظهرهما : الثاني ، لأنّ القياس في الضيافة الاختصاص أيضا إلاّ أنّ الحاجة
اقتضت التعميم ، فإذا ردّت إلى الأصل ، ثبت الاختصاص ، كما في الدينار المضروب
ابتداء .
وإنّما تشترط
الضيافة على الغني والمتوسّط ، دون الفقير ـ وهو أحد وجهي الشافعيّة ـ لأنّه قد
يتعسّر القيام بها. والثاني : يجوز كالجزية .
وعلى القول بأنّ
الضيافة من الجزية يجوز اشتراطها عليه لكن لا يزاد على دينار.
ولو أراد الضيف أن
يأخذ منهم ثمن الطعام ، لم يلزم. نعم ، له أن يأخذ الطعام ويذهب به ولا يأكل عندهم
، بخلاف طعام الوليمة ، فإنّه لا يجوز إخراجه ، لأنّ تلك معاوضة والوليمة تكرمة.
ولا يطالبهم بطعام
الثلاثة في اليوم الأوّل. ولو لم يأتوا بطعام اليوم فللضيف المطالبة به من الغد إن
جعلنا الضيافة محسوبة من الدينار.
ولا يلزمهم اجرة
الطبيب والحمّام وثمن الدواء.
ولو تنازعوا في
إنزال الضيف ، فالخيار له. ولو تزاحم الضيفان على واحد
__________________
من أهل الذمّة ،
فالخيار للذمّي. وليكن للضيفان عريف يرتّب أمورهم.
وإذا دفع الذمّيّ
الجزية ، أخرج يده من جيبه وحنى ظهره وطأطأ رأسه وصبّ ما معه في كفّة الميزان ،
ويأخذ المستوفي بلحيته ، ويضرب في لهزمتيه. واللهزمتان في اللّحيين : مجتمع اللحم
بين الماضغ والاذن. ويكفي الضرب في أحد الجانبين ولا يراعى الجمع بينهما بالهيئة
المذكورة.
وهل هي واجبة أو
مستحبّة؟ وجهان . وينبني عليهما جواز أن يوكّل الذمّي مسلما بأداء الجزية ،
وأن يضمن مسلم عن ذمّي ، وأن يحيل الذمّيّ على مسلم.
ولو وكّل الذمّيّ
ذمّيّا بالأداء ، قال الجويني : الوجه طرد الخلاف ، لأنّ كلّ واحد منهم يثبت معنى
الصّغار في نفسه .
ولو وكّل مسلما
بعقد الذمّة ، جاز ، فإنّ الصّغار يثبت عند الأداء دون العقد.
مسألة
١٩١ : قد بيّنّا الخلاف
فيما لو امتنع قوم من أهل ذمّة الكتاب من أداء الجزية باسمها وبدّلوا أداءها باسم
الصدقة ، فقال الشافعي وأبو حنيفة : يجوز . وقال مالك : لا يجوز .
وهل تسقط عنهم
الإهانة حينئذ؟ منع بعضهم منه .
__________________
ولا فرق في جواز
التبديل بين العرب والعجم ، فإنّ الحاجة واقتضاء الصدقة لا يختلف.
وعند الشافعي لا
تؤخذ من مال الصبيان والمجانين والنساء ، لأنّها جزية في الحقيقة وقال أبو حنيفة :
يجوز أخذها من النساء .
وينظر الإمام في
تضعيف الصدقة ، فإن نقص عن الجزية ، زاد إلى ثلاثة أضعاف وأكثر.
ولو كثروا وعسر
العدد ليعلم الوفاء ، ففي جواز الأخذ بغالب الظنّ وجهان ، والظاهر عند الشافعي
المنع ، وأنّه لا بدّ وأن يتحقّق أخذ دينار من كلّ رأس .
ويجوز الاقتصار
على تضعيف الصدقة إذا حصل الوفاء.
ولو شرط ضعف الصدقة وزاد
على دينار عن كلّ واحد ثمّ سألوا إسقاط الزيادة وإعادة اسم الجزية ، أجيبوا إليه ،
لأنّ الزيادة أثبتت لتغيّر. الاسم.
وللشافعيّة وجه
آخر : أنّهم لا يجابون إليه .
__________________
ومن ملك مائتين من
الإبل ، أخذ منه ثمان حقاق أو عشر بنات لبون.
ولا يفرق بأخذ
أربع حقاق وخمس بنات لبون ، كما لا يفرق في الصدقة عند الشافعي .
ويأخذ من ستّين من
البقر أربع تبيعات لا ثلاث مسنّات ، ولا يجعل كأنّه ملك مائة وعشرين من البقر ،
كما لا يجعل في مائتين من الإبل كأنّه ملك أربعمائة حتى يجوز التفريق بأخذ أربع
حقاق وخمس بنات لبون.
وفي تضعيف الجبران
عنده وجهان :
أحدهما : يضعّف ،
فيؤخذ مع [ كل بنت مخاض أربع شياه أو أربعون ] درهما ، لأنّه بعض الصدقة الموجودة.
وأصحّهما : المنع
، لما في تضعيف الجبران من تضعيف الضّعف ، فيؤخذ مع [ كل ] بنت مخاض شاتان
أو عشرون درهما .
ولو لم يوجد في
مال صاحب ستّ وثلاثين بنت لبون ، أخذ الإمام حقّتين ويردّ جبرانين.
ولا خلاف بينهم في
أنّ الجبران لا يضعّف هنا ، ويخرج الإمام الجبران
__________________
من الفيء ، كما
إذا أخذه ، ردّه إلى الفيء .
وهل يؤخذ من بعض
النصاب قسطه من واجب تمام النصاب ، كشاة من عشرين شاة ونصف شاة من عشر؟ فيه
للشافعي قولان :
أحدهما : نعم ،
قضيّة للتضعيف.
وأصحّهما عندهم :
المنع ، لأنّ الأثر عن عمر ورد في تضعيف ما يجب على المسلم لا في إيجاب ما لا يجب
فيه شيء على المسلم .
مسألة ١٩٢
: إذا استأذن الحربيّ في دخول دار الإسلام ، إذن له الإمام
إن كان يدخل للرسالة أو حمل ميرة أو متاع تشتد حاجة المسلمين إليه.
ولا يجوز توظيف
مال على الرسول والمستجير لسماع كلام الله تعالى ، فإنّ لهما الدخول من غير إذن.
وإن كان يدخل
لتجارة لا تشتدّ الحاجة إليها ، فيجوز أن يأذن له ، ويشترط عليه عشر ما معه من مال
التجارة ، لأنّه لمّا ارتفق بالتجارة جعل عليه في مقابلة إرفاقه شيء.
وإنّما يؤخذ العشر
من مال التجارة ، ولا يعشّر ما معه من ثوب ومركوب.
وللشافعيّة وجهان
في أنّه هل يجوز للإمام أن يزيد المشروط على العشر؟ أصحّهما عندهم : الجواز.
وكذا يجوز نقصها ،
فيردّ العشر إلى نصف العشر فما دون خصوصا فيما تكثر حاجة المسلمين إليه ، كالميرة .
ولو رأى أن يأذن
لهم ويرفع الضريبة أصلا ، ففي جوازه وجهان :
__________________
أحدهما : المنع ،
لئلا يتردّدوا ويرتفقوا بدار الإسلام من غير مال.
وأظهرهما : الجواز
لدعاء الحاجة إليه .
ثمّ إن شرط الأخذ
من تجارة الكافر ، أخذ ، سواء باع ماله أو لا. وإن شرط الأخذ من الثمن ، فلا يؤخذ
ما لم يبع.
وأمّا الذمّيّ فله
أن يتّجر فيما سوى الحجاز من بلاد الإسلام ، ولا يؤخذ من تجارته شيء إلاّ أن
يشترط عليه مع الجزية.
ثمّ الذمّيّ في
بلد الحجاز كالحربيّ في بلد الإسلام ـ ولا يؤخذ منهما في كلّ حول إلاّ مرّة واحدة
ـ إذا كان يدور في بلاد الإسلام تاجرا. ويكتب له وللذمّيّ براءة حتى لا يطالب في
بلد آخر قبل مضيّ الحول.
ولو رجع الحربيّ
إلى دار الحرب ثمّ عاد في الحول ، فوجهان :
أحدهما : أنّه
يؤخذ في كلّ مرّة ، لئلاّ يرتفق بدار الإسلام بلا عوض ، بخلاف الذمّيّ ، فإنّه في
قبضة الإمام.
والثاني : أنّه لا
يؤخذ إلاّ مرّة ، لأنّ الضريبة كالجزية .
ويتخيّر الإمام
فيما يضرب بين أن يستوفيها دفعة واحدة وبين أن يستوفيها في دفعات.
وما ذكرناه من أخذ
المال من تجارة الحربيّ أو الذمّيّ [ فيما ] إذا شرط عليه ذلك ، فأمّا إذا أذن للحربيّ في دخول دار
الإسلام أو الذمّيّ في دخول الحجاز بلا شرط ، فوجهان :
أحدهما : يؤخذ ،
حملا للمطلق على المعهود.
__________________
والثاني : المنع ،
لأنّهم لم يلتزموا .
وقال أبو حنيفة :
إن كانوا يأخذون من المسلمين إذا دخلوا دارهم تجّارا ، أخذ منهم مثل ما يأخذون وإن
لم يشترط ، وإلاّ فلا يؤخذ منهم .
واعترض عليه بأنّه
مجازاة غير الظالم. ولأنّه لو وجب أن نتابعهم في فعلهم ، لوجب أن نقتل من أمّنّاه
إذا قتلوا من أمّنوه .
مسألة
١٩٣ : إذا صالحنا طائفة
من الكفّار على أن تكون أراضيهم لهم ويؤدّون خراجا عن كلّ جريب في كلّ سنة شيئا ،
جاز ، ويطرد ملكهم.
قال الشافعي :
والمأخوذ جزية مصرفه مصرف الفيء ، والتوكيل بإعطائه كالتوكيل بإعطاء الجزية .
ويشترط أن يكون ما
يخصّ كلّ واحد من أهل الجزية قدر دينار إذا وزّع على عدد رءوسهم ، ويلزمهم ذلك ،
زرعوا أو لا.
ولا يؤخذ من أراضي
الصبيان والمجانين والنساء.
ولهم بيع تلك
الأراضي وهبتها وإجارتها.
ولو استأجر مسلم ،
فالأجرة للكافر ، والخراج عليه.
ولو باعها من مسلم
، انتقل الواجب إلى رقبة البائع ، ولا خراج على المشتري.
__________________
وعند أبي حنيفة
يلزمه الخراج .
وقال مالك : لا
يصحّ بيعها من مسلم .
ولو أسلموا بعد
الصلح ، سقط عنهم الخراج ـ خلافا لأبي حنيفة ـ وعليهم أن يؤدّوا عن الموات الذي يمنعوننا عنه دون ما لا
يمنعون عنه.
ولو أحيوا منه
شيئا بعد الصلح ، لم يلزمهم شيء لما أحيوا إلاّ إذا شرط عليهم أن يؤدّوا عمّا
يحيونه.
ولو صالحناهم على
أن تكون الأراضي لنا وهم يسكنونها ويؤدّون عن كلّ جريب كذا ، فهذا عقد إجارة ،
والمأخوذ أجرة ، فتجب معها الجزية ، ولا يشترط أن تبلغ دينارا عن كلّ رأس. وتؤخذ
من أراضي النساء والصبيان والمجانين. ويوكّل المسلم في أدائها. وليس لهم بيع تلك
الأراضي وهبتها ، ولهم إجارتها ، فإنّ المستأجر يؤجر.
البحث الرابع : في بقايا أحكام
المساكن والأبنية والمساجد.
مسألة ١٩٤
: قد بيّنّا أنّه لا يجوز للحربيّ دخول دار الإسلام إلاّ
بإذن الإمام خوفا من تضرّر المسلمين بالتجسيس وشراء سلاح وغير ذلك ، فإذا أذن
لمصلحة كأداء رسالة وتجارة ، جاز بعوض وغيره.
فإن دخل بغير أمان
، فقال : أتيت لرسالة ، قبل قوله ، لتعذّر إقامة البيّنة عليه.
__________________
ولو قال : أمّنني
مسلم ، قال الشيخ : لا يقبل إلاّ ببيّنة ، لإمكان إقامتها .
وقال بعض الشافعيّة
: يقبل ، كما لو قال : لرسالة .
والفرق : إمكان
إقامة البيّنة على الثاني دون الأوّل.
ولو دخل ولم يدّع
شيئا ، كان للإمام قتله واسترقاقه وأخذ ماله ، لأنّه حربيّ دخل دارنا بغير أمان
ولا عهد ، بخلاف الذمّي إذا دخل الحجاز بغير إذن ، لأنّ الذمّيّ محقون الدم ،
فيستصحب الحكم فيه ، بخلاف الحربيّ.
مسألة ١٩٥
: لا يجوز لكافر حربيّ أو ذمّيّ سكنى الحجاز إجماعا ، لقول
ابن عباس : أوصى رسول الله 6 بثلاثة أشياء ، قال : « أخرجوا المشركين من جزيرة العرب ،
وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم » ( قال : وسكت عن الثالث ) .
وقال 7 : « لا يجتمع
دينان في جزيرة العرب » .
والمراد بجزيرة
العرب في هذه الأخبار الحجاز خاصّة ، ونعني بالحجاز مكّة والمدينة وخيبر واليمامة
وينبع وفدك ومخاليفها .
وسمّي حجازا ،
لأنّه حجز بين نجد وتهامة.
__________________
وجزيرة العرب ما
بين عدن إلى ريف العراق طولا ، ومن جدّة والسواحل إلى أطراف الشام عرضا ، قاله
الأصمعي وأبو عبيد .
وقال أبو عبيدة :
هي من حفر أبي موسى إلى اليمن طولا ، ومن رمل « يبرين » إلى منقطع
السماوة عرضا .
قال الخليل : إنّما
قيل لها جزيرة العرب ، لأنّ بحر الحبش وبحر فارس والفرات أحاطت بها ، ونسبت إلى
العرب ، لأنّها أرضها ومسكنها ومعدنها .
وإنّما قلنا : إنّ
المراد بجزيرة العرب الحجاز خاصّة ، لأنّه لولاه لوجب إخراج أهل الذمّة من اليمن ،
وليس واجبا ، ولم يخرجهم عمر من اليمن وهي من جزيرة العرب ، وإنّما أوصى النبي 7 بإخراج أهل نجران
من جزيرة العرب ، لأنّه 7 صالحهم على ترك الربا ، فنقضوا العهد .
__________________
ويجوز لهم دخول
الحجاز بإذن الإمام ، وأن يقيموا ثلاثة أيّام ، فيجوز ( حينئذ أن ينتقل ) إلى غيره من بعض
مواضع الحجاز ، لأنّه لا مانع منه.
ولو مرض بالحجاز ،
جازت له الإقامة ، لمشقّة الانتقال عليه. ولو مات ، دفن فيه.
قال الشيخ : يجوز
له الاجتياز في أرض الحجاز بإذن وغيره .
ولو كان له دين ،
لم يكن له المقام أكثر من ثلاثة أيّام لاقتضائه ، بل يوكّل في قبضه.
قال الشيخ : ولا
يمنعه من ركوب بحر الحجاز ، لأنّه ليس بموضع إقامة ، ولا له حرمة ببعثة النبي 6 منه. ولو كان فيه
جزائر وجبال ، منعوا من سكناها ، وكذا حكم سواحل بحر الحجاز ، لأنّها في حكم
البلاد .
مسألة
١٩٦ : لا يجوز لهم دخول
الحرم لا اجتيازا ولا استيطانا ، قاله الشيخ ـ وبه قال الشافعي وأحمد ـ لقوله تعالى ( فَلا
يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ ) والمراد به الحرم ، لقوله تعالى ( وَإِنْ
خِفْتُمْ عَيْلَةً ) يريد ضررا بتأخّر الجلب عن الحرم ، ولقوله تعالى ( سُبْحانَ
الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ ) .
__________________
وقال أبو حنيفة :
يجوز [ لهم ] دخول الحرم والإقامة فيه مقام المسافر ، ولا يستوطنوه ،
ويجوز لهم دخول الكعبة ، لأنّ المنع من الاستيطان لا يمنع الدخول والتصرّف ،
كالحجاز .
ولم نستدلّ نحن
بمنع استيطان الحجاز على المنع من دخول الحرم ، بل استدللنا بالآية على وقوع الفرق
، فيبطل القياس.
إذا عرفت هذا ،
فإن قدم بميرة لأهل الحرم ، منع من الدخول ، فإن أراد أهل الحرم الشراء منه ،
خرجوا إلى الحلّ واشتروا منه.
ولو جاء رسولا ،
بعث الإمام ثقة يسمع كلامه ، ولو امتنع من أداء الرسالة إلاّ مشافهة ، خرج إليه
الإمام من الحرم لسماع كلامه ، فإن دخل بغير إذن عالما ، عزّر ، لا جاهلا.
فلو مرض في الحرم ،
نقله منه ، ولو مات ، لم يدفنه فيه ، بخلاف الحجاز.
فإن دفن في الحرم
، قال الشيخ : لا ينبش ، ويترك مكانه ، لعموم ورود منع النبش .
وقال الشافعي :
ينبش ويخرج إلى الحلّ إلاّ أن يتقطّع .
__________________
ولو صالحهم الإمام
على دخول الحرم بعوض ، قال الشيخ : جاز ، ووجب عليه دفع العوض. وإن كان خليفة
للإمام ووافقه على عوض فاسد ، بطل المسمّى ، وله اجرة المثل .
ومنع الشافعي من
ذلك كلّه وأبطل الصلح.
قال : فإن دخلوا
إلى الموضع الذي صالحهم عليه ، لم يردّ العوض ، لأنّه حصل لهم ما صالحهم عليه ،
وإنّما أوجب ما صالحهم عليه ، لأنّه لا يمكنهم الرجوع إلى عوض المثل ، فلزمهم
المسمّى وإن كان الصلح فاسدا. ولو وصلوا إلى بعض ما صالحهم على دخوله ، أخرجهم ،
وكان عليهم العوض بقدره .
ولو صالح الإمام
الرجل أو المرأة على الدخول إلى الحجاز بعوض ، جاز ، لأنّ المرأة كالرجل في المنع.
ولو صالح المرأة
على سكنى دار الإسلام غير الحجاز بعوض ، لم يلزمها ذلك ، لأنّ لها المقام فيها
بغير عوض ، بخلاف الحجاز.
مسألة ١٩٧
: المسجد الحرام لا يجوز لمشرك ذمّيّ أو حربيّ دخوله إجماعا
، لقوله تعالى ( فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ ) .
وأمّا مساجد
الحجاز غير الحرم وسائر المساجد بالبلدان فحكمها واحد ، فذهبت الإماميّة إلى منعهم
من الدخول فيها بإذن مسلم وبغير إذنه ، ولا يحلّ للمسلم الإذن فيه ـ وهو إحدى
الروايتين عن أحمد ـ لأنّه
__________________
مسجد ، فلا يجوز
لهم الدخول إليه ، كالحرم.
ولقوله 7 : « جنّبوا
مساجدكم النجاسة » .
ولأنّ منعهم كان
مشهورا.
دخل أبو موسى على
عمر ومعه كتاب حساب عمله ، فقال عمر : ادع الذي كتبه ليقرأه ، قال : إنّه لا يدخل
المسجد ، قال : ولم لا يدخل؟ قال : لأنّه نصرانيّ ، فسكت . وهو يدلّ على
شهرته بينهم.
ولعدم انفكاكهم من
حدث الجنابة والحيض والنفاس ، وهذه الأحداث تمنع من المقام في المسجد فحدث الشرك
أولى. ولأنّهم ليسوا من أهل المساجد. ولأنّ منعهم من الدخول فيه إذلال لهم وقد
أمرنا به.
وقال أكثر العامّة
: يجوز لهم الدخول بإذن المسلم ، لأنّ النبي 7 أنزل وفد ثقيف في المسجد . وشدّ ثمامة بن
أثال الحنفي في سارية من المسجد .
ولو سلّم ، لكان
في صدر الإسلام.
__________________
ولو وفد قوم من
المشركين إلى الإمام ، أنزلهم في فضول منازل المسلمين ، فإن لم يكن ، جاز أن
ينزلهم في دار ضيافة إن كانت ، وإن لم تكن ، أسكنهم في أفنية الدور والطرقات ، ولا
يمكّنهم من الدخول في المساجد بحال.
مسألة ١٩٨ : البلاد التي ينفذ فيها حكم الإسلام على أقسام ثلاثة :
أحدها : ما أنشأه المسلمون وأحدثوه واختطّوه ، كالبصرة وبغداد والكوفة ، فلا يجوز
إحداث كنيسة فيها ولا بيعة ولا بيت صلاة للكفّار ، ولا صومعة راهب إجماعا ، لقول
ابن عباس : أيّما مصر مصره العرب فليس لأحد من أهل الذمّة أن يبني فيه بيعة ، وما
كان قبل ذلك فحقّ على المسلمين أن يقرّ لهم .
وفي حديث آخر :
أيّما مصر مصرته العرب فليس للعجم أن يبنوا فيه بيعة ، ولا يضربوا فيه ناقوسا ،
ولا يشربوا فيه خمرا ، ولا يتّخذوا فيه خنزيرا .
ولأنّه بلد
المسلمين وملكهم ، فلا يجوز لهم أن يبنوا فيه مجامع الكفر.
ولو صالحهم على
التمكّن من إحداثها ، بطل العقد.
فأمّا ما وجد من
البيع والكنائس في هذه البلاد ، مثل كنيسة الروم في بغداد ، فإنّها كانت في قرى
لأهل الذمّة فأقرّت على حالها ، أو كانت في برّيّة فاتّصل بها عمارة المسلمين. فإن
عرف إحداث شيء بعد بناء المسلمين وعمارتهم ، نقض.
__________________
الثاني : ما فتحه المسلمون عنوة ، وهو ملك المسلمين قاطبة ، فلا يجوز أيضا إحداث كنيسة
ولا بيعة ولا صومعة راهب ولا بيت صلاة للمشركين ، لأنّها صارت ملكا للمسلمين.
وأمّا ما كان
موجودا قبل الفتح : فإن هدمه المسلمون وقت الفتح ، لم يجز استجداده أيضا ، لأنّه
بمنزلة الأحداث في ملك المسلمين.
وإن لم يهدموه ،
قال الشيخ : لا يجوز إبقاؤه . وهو أحد قولي الشافعي ، لأنّ هذه البلاد ملك المسلمين ، فلا يجوز أن تكون فيها
بيعة ، كالبلاد التي أنشأها المسلمون.
والثاني : يجوز
إبقاؤها ، لقول ابن عباس : أيّما مصر مصرته العجم ففتحه الله على
العرب فنزلوه ، فإنّ للعجم ما في عهدهم.
ولأنّ الصحابة
فتحوا كثيرا من البلاد عنوة ، فلو يهدموا شيئا من الكنائس.
ولحصول الإجماع
عليه ، فإنّها موجودة في بلاد المسلمين من غير نكير .
الثالث : ما فتح صلحا ، فإن صالحهم على أنّ الأرض لهم ويأخذ منهم الخراج عليها ، فهنا
يجوز إقرارهم على بيعهم وكنائسهم وبيوت نيرانهم ومجتمع عباداتهم وإحداث ما شاءوا
من ذلك فيها وإنشائه وإظهار الخمور فيها والخنازير وضرب الناقوس والجهر بقراءة
التوراة والإنجيل ،
__________________
لأنّ ذلك لهم ،
وإنّما يمنعون من الأشياء الستّة السابقة من الزنا واللواط بالمسلمين وافتتان
المسلم عن دينه وقطع الطريق وإيواء عين المشركين وإعانتهم على المسلمين.
وإن صالحهم على أن
تكون الأرض للمسلمين ويؤدّون الجزية إلينا بسكناهم فيها ، فالحكم في البيع
والكنائس على ما يقع عليه الصلح.
فإن شرطنا لهم
إقرارهم على البيع والكنائس أو على إحداث ذلك وإنشائه ، جاز ، لأنّه إذا جاز أن
يصالحهم على أن تكون الأرض بأجمعها لهم ، جاز أن يكون بعض الأرض لهم بطريق الأولى.
وإن شرطنا عليهم
أن لا يحدثوا شيئا أو يخربوها ، جاز ذلك أيضا.
ولو لم نشترط شيئا
، لم يجز لهم تجديد شيء ، لأنّ الأرض للمسلمين.
وإذا شرط عليهم
التجديد والإحداث ، فينبغي أن يبيّن مواضع البيع والكنائس.
وأمّا البلاد التي
أحدثها الكفّار وحصلت تحت يدهم ، فإن أسلم أهلها ، كالمدينة واليمن ، فحكمها حكم
القسم الأوّل. وإن فتحت عنوة أو صلحا ، فقد تقدم.
إذا عرفت هذا ،
فكلّ موضع لا يجوز لهم إحداث شيء فيه إذا أحدثوا فيه ، جاز نقضه وتخريبه ، وكلّ
موضع لهم إقراره لا يجوز هدمه.
فلو انهدم هل يجوز
إعادته؟ تردّد الشيخ فيه.
وقال الشافعي :
يجوز لهم إعادته ـ وبه قال أبو حنيفة ـ لأنّهم
__________________
يقرّون عليها ،
وبناؤها كاستدامتها ، ولهذا يجوز تشييد حيطانها ورمّ ما تشعّث منها. ولأنّا
أقررناهم على التبقية ، فلو منعناهم من العمارة لخربت .
وقال بعض
الشافعيّة : لا يجوز لهم ذلك ـ وعن أحمد روايتان ـ لأنّه إحداث
للبيع والكنائس في دار الإسلام ، فلم يجز ، كما لو ابتدئ بناؤها ، ولقول النبي 6 : « لا تبنى
الكنيسة في دار الإسلام ، ولا يجدّد ما خرب منها » بخلاف رمّ ما
تشعّث ، لأنّه إبقاء واستدامة وهذا إحداث .
مسألة ١٩٩
: ظهر من هذا الاتّفاق على جواز رمّ ما تشعّث ممّا لهم
إبقاؤه وإصلاحه.
وهل يجب إخفاء
العمارة؟ للشافعيّة وجهان ، أصحّهما عندهم : العدم ، كما يجوز إبقاء الكنيسة ،
فحينئذ يجوز تطيينها من داخل وخارج وإعادة الجدار الساقط ، وعلى الأوّل يمنعون من
التطيين من خارج. وإذا أشرف الجدار على السقوط ، بنوا جدارا داخل الكنيسة ، وقد
تمسّ الحاجة
__________________
إلى بناء ثان
وثالث ، فينتهي الأمر إلى أن لا يبقى من الكنيسة شيء. ويمكن الجواب بإيقاع العمارة
ليلا .
ولو انهدمت
الكنيسة ، فللشافعي في جواز إعادتها وجهان :
أحدهما : المنع ،
لأنّ الإعادة ابتداء.
وأصحّهما عندهم : الجواز ـ وبه
قال أبو حنيفة وأحمد ـ لأنّ الكنيسة مبقاة لهم ، فلهم التصرّف في مكانها .
وإذا جوّزنا
إعادتها ، لم يكن لهم توسيع خطّتها ، لأنّ الزيادة كنيسة جديدة متّصلة بالأولى ،
وهو أصحّ وجهي الشافعي. والثاني : الجواز .
مسألة ٢٠٠
: دور أهل الذمّة على أقسام ثلاثة :
أحدها : دار محدثة ، وهو أن يشتري عرصة ويستأنف فيها بناء ، فليس له أن يعلو على بناء
المسلمين إجماعا ، لقوله 7 : « الإسلام يعلو ولا يعلى عليه » .
ولأنّه يشتمل على
اطّلاعهم على عورات المسلمين ، وعلى استكثارهم وازديادهم عليهم.
وللشافعيّة قول
بجوازه .
__________________
والمراد أن لا
يعلو على بناء جيرانه دون غيرهم.
وللشافعيّة قول :
إنّه لا يجوز أن يطيل بناءه على بناء أحد من المسلمين في ذلك البلد .
ولا فرق بين أن
يكون [ بناء ] الجار معتدلا أو في غاية الانخفاض.
ثمّ المنع لحقّ
الدّين لا لمحض حقّ الجار حتى [ يمنع ] وإن رضي الجار.
وهل يجوز أن يساوي
بناء المسلمين؟ قال الشيخ : ليس له ذلك ، بل يجب أن يقصر عنه ، لقوله 7 : « الإسلام يعلو
ولا يعلى عليه » ولا يتحقّق علوّ الإسلام بالمساواة. ولأنّا منعنا من
مساواتهم للمسلمين في اللباس والركوب فكذا هنا. وهو أحد وجهي الشافعي.
والثاني : الجواز
، لعدم الاستطالة على المسلمين .
وليس بجيّد ،
لأنّا منعناه المساواة في اللباس والركوب ، وأوجبنا التمييز ، فكذا هنا.
ولأنّ علوّ الإسلام لا يتحقّق معها.
__________________
ولو كان أهل
الذمّة في موضع منفرد ، كطرف بلدة ، منقطع عن العمارات ، فلا منع من رفع البناء.
وهو أحد وجهي الشافعيّة. والثاني : المنع ، كما يمنعون من ركوب الخيل .
الثاني : دار مبتاعة لها بناء رفيع ، فإنّها تترك على حالها من العلوّ إن كانت أعلى من
المسلمين ، لأنّه هكذا ملكها ، ولا يجب هدمها ، لأنّه لم يبنها وإنّما بناها
المسلمون ، فلم يعل على المسلمين شيئا.
وكذا لو كان
للذمّيّ دار عالية فاشترى المسلم دارا إلى جانبها اقصر منها ، أو بنى المسلم دارا
إلى جانبها أقصر منها ، فإنّه لا يجب على الذمّيّ هدم علوّه.
أمّا لو انهدمت دار
الذمّيّ ، العالية فأراد تجديدها ، لم يجز له العلوّ على المسلم إجماعا ، ولا
المساواة على الخلاف.
وكذا لو انهدم ما
علا منها وارتفع ، فإنّه لا يكون له إعادته.
ولو تشعّث منه شيء
ولم ينهدم ، جاز له رمّه وإصلاحه ، لأنّه استدامة وإبقاء لا تجديد.
الثالث : دار مجدّدة ، وحكمها حكم المحدثة سواء ، وقد تقدّم .
مسألة ٢٠١
: قد بيّنّا أنّهم يمنعون من ركوب الخيل ، لأنّه عزّ وقد
ضربت عليهم الذلّة.
وللشافعيّة وجه :
أنّهم لا يمنعون ، كما لا يمنعون من الثياب النفيسة. والأظهر : المنع .
__________________
واستثنى بعضهم عن
المنع البراذين الخسيسة .
وألحق بعضهم
البغال النفيسة بالخيل ، لما في ركوبها من التجمّل .
ولا يمنعون من
البهائم وإن كانت رفيعة القيمة.
ولا يركبون
بالسرج. وتكون ركبهم من الخشب دون الحديد.
ويمنعون من تقليد
السيوف وحمل السلاح ، ومن لجم الذهب والفضة.
وقال بعض
الشافعيّة : هذا كلّه في الذكور البالغين ، فأمّا النساء والصغار فلا يلزمون
الصّغار ، كما لا تضرب عليهم الجزية .
مسألة ٢٠٢
: لا ينبغي تصدير أهل الذمّة في المجالس ، ولا بدأتهم
بالسلام ، ولا يترك لهم صدر الطريق ، بل يلجئون إلى أضيق الطريق إذا كان المسلمون
يطرقون ، فإن خلت الطرق عن الزحمة ، فلا بأس.
قال 7 : « لا تبدءوا
اليهود والنصارى بالسلام ، فإذا لقيتم أحدهم في طريق فاضطرّوه إلى
أضيقه » .
وليكن التضييق
عليه بحيث لا يقع في وهدة ، ولا يصدم جدارا. ولا يوقّرون.
ولا يجوز أن يبدأ
من لقيه منهم بالسلام.
__________________
قال 7 : « إنّا غادون
غدا فلا تبدءوهم بالسلام ، وإن سلموا عليكم فقولوا : وعليكم » .
قالت عائشة : دخل
رهط من اليهود على النبي 6 وقالوا : السام عليك ، ففهمتها فقلت : وعليك السام واللعنة
والسخط ، فقال 7 : « مهلا يا عائشة ، فإنّ الله تعالى يحبّ الرفق في الأمور
كلّها » فقلت : يا رسول الله ألم تسمع ما قالوا؟ فقال : « قولي : وعليكم » . فعلى هذا لا
ينبغي أن يردّ بأزيد من قوله : وعليكم.
ولا تجوز مودّتهم.
قال الله تعالى ( لا تَجِدُ
قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ
وَرَسُولَهُ ) الآية.
ومنع بعض
الشافعيّة من دخول نساء أهل الذمّة الحمّام مع نساء المسلمين ، لأنّه احتساب في
الدين. وكذا منع من لبس أهل الذمّة الديباج .
والأقرب : عدم
المنع ، كما لا يمنع من رفيع القطن والكتّان.
مسألة ٢٠٣
: يجب على أهل الذمّة الانقياد لحكمنا ، فإذا فعلوا ما
يعتقدون تحريمه ، يجري عليهم حكم الله فيه ، ولا يعتبر فيه رضاهم ، كالزنا والسرقة
، فإنّهما محرّمان عندهم كما في شرعنا. وأمّا ما يستحلّونه
__________________
وهو محرّم عندنا
كالخمر ، فإن تظاهروا به ، حدّوا عليه ، وإلاّ فلا.
ولو نكح واحد من
المجوس محرما له ، لم يتعرّض له.
وتنتقض الذمّة
بقتال المسلمين سواء شرط عليهم الامتناع أو لا ، لأنّ عقد الذمّة الكفّ عن القتال
، فالقتال يناقضه.
ولو منعوا الجزية
والانقياد للأحكام ، انتقض العهد ، لأنّ عقد الذمّة بهما يتمّ ، ولذلك ( يشترط
التعرّض للجزية ) والانقياد للأحكام في ابتداء العقد ، وهو محمول على منعها
مع القدرة ، فأمّا العاجز المستمهل فلا ينتقض عهده.
ويحتمل أن يقال في
القادر : تؤخذ منه الجزية قهرا ، ولا يجعل الامتناع ناقضا ، كما لو امتنع عن دين.
وأمّا الامتناع من
إجراء الأحكام : فإن امتنع هاربا ، احتمل أن لا يكون ناقضا ، وان امتنع راكنا
إلى عدوّ وقوّة ، دعي إلى الاستسلام ، فإن نصب القتال ، انتقض عهده بالقتال.
وقال بعضهم : إنّ
الامتناع من البذل نقض العهد من الجماعة ومن الواحد ، والامتناع من الأداء مع
الاستمرار نقض من الجماعة دون الواحد ، لأنّه يسهل إجباره عليه .
وفي قطع الطريق أو
القتل الموجب للقصاص للشافعيّة طريقان :
__________________
أحدهما : أنّهما كالقتال ، لأنّ
شهر السلاح وقصد النفوس والأموال مجاهرة تناقض الأمان.
وأظهرهما : أنّهما
كالزنا بالمسلمة ، لأنّه ليس فيهما منابذة للمسلمين . ولا يلتحق بالمنابذة
التوثّب على رفقة أو شخص معيّن. ويجري الطريقان فيما إذا قذف مسلما .
وسواء قلنا :
ينتقض العهد بها أو لا ينتقض ، يقام عليهم بموجب ما فعلوه من حدّ أو تعزير.
فإن قتل الذمّيّ
لقتله مسلما أو لزناه وهو محصن ، فهل يصير ماله فيئا تفريعا على الحكم بالانتقاض؟
للشافعية وجهان .
وأمّا ذكر الرسول 6 بسوء إذا جاهروا
به فللشافعيّة فيه طريقان :
أحدهما : أنّه
ينتقض العهد به بلا خلاف ، كالقتال ، لأنّ ما يجب شرطه عليهم إذا خالفوه انتقض
العهد.
وأظهرهما عندهم :
أنّه كالزنا بالمسلمة ، ويجيء فيه الخلاف.
وطعنهم في الإسلام
وفي القرآن كذكرهم الرسول 7 بالسوء .
وقال بعضهم : إن
ذكر النبي 7 بسوء يعتقده أو يتديّن به بأن قال : إنّه ليس برسول ، وإنّه قتل اليهود بغير
حقّ ، أو نسبه إلى الكذب ، ففيه الخلاف ، وأمّا ذكره بما لا يعتقده ولا يتديّن به
، كما لو نسبه إلى الزنا ، أو
__________________
طعن في نسبه ،
فإنّه ينتقض به العهد ، سواء شرط عليهم الكفّ عنه أو لا .
وقال آخرون : إنّ
الخلاف فيما إذا طعنوا بما لا يتديّنون به ، فأمّا ما هو من قضيّة دينهم ، فلا
ينتقض العهد بإظهاره بلا خلاف ، ومن هذا القبيل قولهم في القرآن : إنّه ليس من عند
الله .
وذكر الله تعالى
بسوء كذكر رسول الله 6 بطريق الأولى لكنّهم جعلوا إظهار الشرك ، وقولهم : إنّه ثالث ثلاثة ، ومعتقدهم
في المسيح بمثابة إظهار الخمر والخنزير ، وقالوا : لا ينتقض العهد بها ، مع أنّ جميع
ذلك يتضمّن ذكر الله تعالى بالسوء ، ولا يستمرّ ذلك إلاّ على أنّ السوء الذي
يتديّنون به لا ينتقض العهد به.
مسألة ٢٠٤
: حيث حكمنا بانتقاض العهد فهل يبلغهم المأمن؟ للشافعي قولان
:
أحدهما : نعم ،
لأنّهم دخلوا دار الإسلام بأمان ، فيبلغون المأمن ، كمن دخل بأمان صبيّ.
وأصحّهما عندهم :
المنع ، بل يتخيّر الإمام فيمن انتقض عهده بين القتل والاسترقاق والمنّ والفداء ،
لأنّه كافر لا أمان له ، كالحربيّ ، بخلاف من أمّنه صبيّ ، فإنّه يعتقد لنفسه
أمانا ، وهنا فعل باختياره ما يوجب الانتقاض.
__________________
والقولان فيما إذا
انتقض الأمان بغير القتال ، فأمّا إذا نصبوا القتال ، صاروا حربا في دار الإسلام ،
فلا بدّ من استئصالهم .
البحث الخامس : في المهادنة
مسألة ٢٠٥
: المهادنة والموادعة والمعاهدة ألفاظ مترادفة معناها : وضع
القتال وترك الحرب مدّة بعوض وغير عوض.
وهي جائزة بالنص
والإجماع.
قال الله تعالى ( بَراءَةٌ
مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) وقال تعالى (
فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلى مُدَّتِهِمْ ) وقال تعالى ( وَإِنْ
جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها ) .
وصالح رسول الله 6 سهيل بن عمرو
بالحديبيّة على وضع القتال عشر سنين .
والإجماع واقع
عليه ، لاشتداد الحاجة إليه.
ويشترط في صحّة
عقد الذمّة أمور أربعة :
الأوّل : أن يتولاّه الإمام
أو من يأذن له ، لأنّه من الأمور العظام ، لما
__________________
فيه من ترك الجهاد
على الإطلاق أو في جهة من الجهات. ولأنّه لا بدّ فيه من رعاية مصلحة المسلمين والنظر
لهم ، والإمام هو الذي يتولّى الأمور العامّة.
هذا إذا كانت
المهادنة مع الكفّار مطلقا أو مع أهل إقليم ، كالهند والروم.
ويجوز لوالي
الإقليم المهادنة مع أهل قرية أو بلدة تلي ذلك الإقليم للحاجة ، وكأنّه مأذون فيه
بتفويض مصلحة الإقليم إليه.
فإن عقد المهادنة
واحد من المسلمين ، لم يصحّ ، فإن دخل قوم ممّن هادنهم دار الإسلام بناء على ذلك
العقد ، لم يقرّوا ولكن يلحقون مأمنهم ، لأنّهم دخلوا على اعتقاد أمان.
الثاني : أن يكون للمسلمين إليه حاجة ومصلحة إمّا لضعفهم عن المقاومة فينتظر الإمام
قوّتهم ، وإمّا لرجاء إسلام المشركين ، وإمّا لبذل الجزية منهم والتزام أحكام
الإسلام.
ولو لم تكن هناك
مصلحة للمسلمين بأن يكون في المسلمين قوّة وفي المشركين ضعف ويخشى قوّتهم
واجتماعهم إن لم يبادرهم بالقتال ، لم تجز له مهادنتهم ، بل يقاتلهم إلى أن يسلموا
أو يبذلوا الجزية إن كانوا أهل كتاب.
قال الله تعالى ( فَلا
تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ ) .
وإذا طلب الكفّار
الهدنة ، فإن كان فيها مضرّة على المسلمين ، لم تجز إجابتهم ، وإن لم تكن ، لم تجب
الإجابة أيضا. ويجتهد الإمام ويحافظ على
__________________
الأصلح من الإجابة
والترك فيفعله ، بخلاف الجزية ، فإنّ الإجابة فيها واجبة.
الثالث : أن يخلو العقد عن شرط فاسد ، وهو حقّ كلّ عقد ، فإن عقدها الإمام على شرط
فاسد ، مثل : أن يشترط ردّ النساء أو مهورهنّ ، أو ردّ السلاح المأخوذ منهم ، أو
دفع المال إليهم مع عدم الضرورة الداعية إلى ذلك ، أو أنّ لهم نقض الهدنة متى
شاءوا ، أو يشترط ردّ الصبيان أو الرجال ، أو أن لا ينزع اسراء المسلمين من أيديهم
، أو يردّ إليهم المسلم الذي أسروه وأفلت منهم ، أو شرط ترك مال مسلم في أيديهم ، فهذه الشروط كلّها
فاسدة يفسد بها عقد الهدنة ، كما يفسد عقد الذمّة باقتران الشروط الفاسدة به ، مثل
: أن يشترط عدم التزام أحكام المسلمين في أهل الذمّة ، أو إظهار الخمور والخنازير
، أو يأخذ الجزية بأقلّ ما يجب عليهم ، أو على أن يقيموا بالحجاز ، أو يدخلوا
الحرم. ويجب على من عقد معهم الصلح إبطاله ونقضه.
الرابع : المدة. ويجب ذكر المدة التي يهادنهم عليها. ولا يجوز له
مهادنتهم مطلقا ، لأنه يقتضي التأبيد ، والتأبيد باطل ، إلاّ أن يشترط الإمام
الخيار لنفسه في النقض متى شاء. وكذا لا يجوز إلى مدّة مجهولة ، وهذا أحد قولي
الشافعيّة .
والثاني : أنّه
إذا هادن مطلقا ، نزّل الإطلاق عند ضعف المسلمين على عشر سنين .
وأمّا عند القوّة
فقولان.
أحدهما : أنّه
يحمل على أربعة أشهر ، تنزيلا على الأقلّ.
__________________
والثاني على سنة ،
تنزيلا على الأكثر .
واعترضه بعضهم
بأنّه لا تجوز الهدنة مع القوّة إلى سنة بل أقلّ من سنة .
مسألة ٢٠٦
: إذا كان بالمسلمين قوّة ورأى الإمام المصلحة في المهادنة ،
هادن أربعة أشهر فما دون إجماعا.
قال الله تعالى ( فَسِيحُوا
فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ ) .
ولا يجوز أن يهادن
سنة ، لأنّها مدّة الجزية ، ولا يقرّر الكافر سنة بغير جزية.
وفيما بين الأربعة
الأشهر والسنة للشافعي قولان :
الجواز ، لأنّها
مدة تقصر عن مدّة الجزية كالأربعة.
وأصحّهما عندهم :
المنع ، لأنّ الله تعالى أمر بقتل المشركين مطلقا ، وأذن في الهدنة أربعة أشهر .
وأمّا إذا كان في
المسلمين ضعف ، فإنه تجوز الزيادة على السنة بحسب الحاجة إلى عشر سنين ، فإن رسول
الله 6 هادن قريشا بالحديبيّة عشر سنين ، وكان 7 قد خرج ليعتمر لا
ليقاتل ، وكان بمكّة
__________________
مستضعفون ، فأراد
أن يكثروا ويظهر المسلمون ، فهادنهم حتى كثروا وأظهر من بمكّة إسلامه.
قال الشعبي : لم
يكن في الإسلام فتح قبل صلح الحديبيّة .
ولا تجوز الزيادة
على عشر سنين عند الشيخ وابن الجنيد ـ وبه قال الشافعي ـ فإن اقتضت الحاجة
الزيادة ، استأنف عقدا.
وقال أبو حنيفة
وأحمد : لا تتقدّر الزيادة بعشر ، بل تجوز بحسب ما يراه الإمام ، لأنّه عقد يجوز
في العشر فجاز في الزيادة عليها ، كعقد الإجارة ولا بأس به.
وعلى الأوّل لو
صالح على أكثر من عشر سنين ، بطل الزائد خاصّة ، وصحّ في العشر ، وهو أحد قولي
الشافعي. والثاني : يبطل العقد بناء على تفريق الصفقة .
مسألة ٢٠٧
: إذا كان في المسلمين قوّة ، لم يجز للإمام أن يهادنهم أكثر
من سنة إجماعا ، لقوله تعالى ( فَإِذَا انْسَلَخَ
الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ ) ويجوز إلى أربعة
أشهر فما دون
__________________
إجماعا.
وتردّد الشيخ في
أكثر من أربعة أشهر وأقلّ من سنة ، ثمّ قال : والظاهر أنّه لا يجوز .
وللشافعي قولان .
وإذا شرط مدّة
معلومة ، لم يجز أن يشترط نقضها لمن شاء منهما ، لأنّه يفضي إلى ضدّ المقصود.
وهل يجوز أن يشترط
الإمام لنفسه دونهم؟ قال الشيخ وابن الجنيد : يجوز ـ وبه قال الشافعي ـ لأنّ النبي 6 لمّا فتح خيبر
عنوة بقي حصن منها ، فصالحوه على أن يقرّهم ما أقرّهم الله تعالى ، ففعل .
ولأنّه عقد شرّع
لمصلحة المسلمين فيتبع مظان المصلحة.
وقال بعض العامّة
: لا يجوز لأنّه عقد لازم ، فلا يجوز اشتراط نقضه ، كالبيع .
ونمنع الملازمة
والحكم في الأصل ، فإن العقود اللازمة عندنا يدخلها الخيار ، وهذا نوع خيار.
__________________
إذا ثبت هذا ، فلو
شرط الإمام لهم أن يقرّهم ما أقرّهم الله ، لم يجز ، لانقطاع الوحي بعد النبي 6 ، ويجوز أن يشترط
أن يقرّهم ما شاء.
مسألة ٢٠٨
: الهدنة ليست واجبة على كلّ تقدير ، لكنّها جائزة ، لقوله
تعالى ( وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها ) بل المسلم يتخيّر
في فعل ذلك برخصة قوله ( وَلا تُلْقُوا
بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ) وبما تقدّم ، وإن شاء ، قاتل حتى يلقى الله تعالى شهيدا [ عملا ] بقوله تعالى : ( وَقاتِلُوا
فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ ) وكذلك فعل مولانا
الحسين 7 ، والنفر الذين وجههم رسول الله 6 إلى هذيل وكانوا عشرة فقاتلوا مائة حتى قتلوا ولم يفلت
منهم أحد إلاّ خبيب ، فإنّه أسر وقتل بمكة .
وتجوز مهادنتهم
على غير مال إجماعا ، وكذا على مال يأخذه منهم إجماعا.
أمّا لو [ صالحهم
] على مال يدفعه إليهم ، فإن كان لضرورة ، مثل : أن يكون في أيدي المشركين أسير
مسلم يستهان به ويستخدم ويضرب ،
__________________
جاز للإمام بذل
المال واستنقاذه ، للمصلحة ، وكذا لو كان المسلمون في حصن وقد أحاط بهم المشركون
وأشرفوا على الظفر ، أو كانوا خارجين من المصر وقد أحاط بهم العدوّ أو كان مستظهرا
، جاز بذل المال.
وإن لم تكن هناك
ضرورة ، لم يجز بذل المال ، بل وجب القتال.
وهل يجب مع
الضرورة بذل المال؟ إشكال ، وإذا بذل المال ، لم يملكه الآخذ ، لأنّه أخذه بغير
حقّ.
ويجوز أن يهادنهم
عند الحاجة على وضع شيء من حقوق المسلمين في أموال المهادنين ، وكذا لو رأى
الإمام مع قوّته على العدوّ أن يضع بعض ما يجوز تملّكه من أموال المشركين بالقدرة
عليهم حفظا لأصحابه وتحرّزا من دوائر الحروب ، جاز.
مسألة ٢٠٩
: إذا عقد الهدنة ، وجب عليه حمايتهم من المسلمين وأهل
الذمّة ، لأنّه أمّنهم ممّن هو في قبضته وتحت يده ، كما أمّن من في يده منهم ،
فإنّ هذا فائدة العقد.
ولو أتلف مسلم أو
ذمّيّ عليهم شيئا ، وجبت قيمته.
ولا تجب حمايتهم
من أهل الحرب ولا حماية بعضهم من بعض ، لأنّ الهدنة هي التزام الكفّ عنهم فقط لا
مساعدتهم على عدوّهم.
ولو أغار عليهم
قوم من أهل الحرب فسبوهم ، لم يجب عليه استنقاذهم.
قال الشافعي : ليس
للمسلمين شراؤهم ، لأنّهم في عهدهم .
وقال أبو حنيفة :
يجوز ، لأنّه لا يجب أن يدفع عنهم ولا يحرم
__________________
استرقاقهم .
مسألة ٢١٠
: لو شرط الإمام ردّ من جاء مسلما من الرجال ، فجاء مسلم
فأرادوا أخذه ، فإن كان ذا عشيرة وقوّة تحميه وتمنعه عن الافتتان والدخول في دينهم
، جاز ردّه إليهم ولا يمنعهم منه ، عملا بالشرط ، وعدم الضرر عليه متحقّق ، إذ
التقدير ذلك بمعنى أنّه لا يمنعهم من أخذه إذا جاءوا في طلبه ، ولا يجبره الإمام
على المضيّ معهم ، وله أن يأمره في السرّ بالهرب منهم ومقاتلتهم.
وإن كان مستضعفا
لا يؤمن عليه الفتنة ، لم تجز إعادته عندنا ، وبه قال الشافعي .
وقال أحمد : تجوز .
وهو غلط ، ولهذا
لم نوجب على من له قوّة على إظهار دينه وإظهار شعائر الإسلام المهاجرة عن بلاد
الشرك ، وأوجبناها على المستضعف.
ولو شرط في الصلح
ردّ الرجال مطلقا ، لم يجز ، لأنّه يتناول من لا يؤمن افتتانه ومن يؤمن.
ولو جاء صبي ووصف
الإسلام ، لم يردّ ، لأنّه لا يؤمن افتتانه عند بلوغه. وكذا لو قدم مجنون.
فإذا بلغ الصبي أو
أفاق المجنون ، فإن وصفا الإسلام ، كانا مع المسلمين ، وإن وصفا الكفر ، فإن كان كفرا لا يقرّ أهله
عليه ، ألزما الإسلام
__________________
أو الردّ إلى
مأمنهما. وإن كان ممّا يقرّ أهله عليه ، ألزمناهما بالإسلام أو الجزية أو الردّ
إلى مأمنهما.
ولو جاء عبد ،
حكمنا بحرّيّته ، لأنّه قهر مولاه على نفسه. ولو جاء سيّده ، لم يردّ عليه ، لأنّه
مستضعف لا يؤمن عليه الافتتان ، ولا يردّ عليه قيمته.
وللشافعي في ردّ
القيمة قولان .
مسألة ٢١١
: لا يجوز ردّ النساء المهاجرات إلينا عليهم مطلقا إجماعا ، لقوله
تعالى ( إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ ) ـ إلى قوله ـ ( فَلا
تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفّارِ ) وسبب ذلك أنّ أمّ كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط جاءت مسلمة ،
فجاء أخواها يطلبانها ، فأنزل الله هذه الآية ، فقال النبي 6 : « إنّ الله منع
الصلح » .
إذا عرفت هذا ،
فلو صالحناهم على ردّ من جاء من النساء مسلمة ، كان الصلح باطلا. والفرق بينها
وبين الرجل من وجوه :
الأوّل
: لا يؤمن أن
يزوّجها وليّها بكافر فينالها.
الثاني
: لا تؤمن ، لضعف
عقلها من الافتتان في دينها.
الثالث
: عجزها عن الهرب
والنجاة بنفسها لو طلبته.
وإذا طلبت امرأة
أو صبيّة مسلمة الخروج من عند الكفّار ، جاز لكلّ
__________________
مسلم إخراجها ، وتعيّن
عليه ذلك مع المكنة ، لما فيه من استنقاذ المسلم.
مسألة ٢١٢
: إذا عقد الإمام الهدنة اليوم فإمّا أن يشترط فيه أن لا ردّ
لمن جاء مسلما ، أو يطلق ، أو يشترط الردّ.
فإن شرط عدم الردّ
، فلا ردّ ولا غرم. وكذا لو خصّص النساء بعدم الردّ.
وإن أطلق ولم
يشترط الردّ ولا عدمه ثمّ جاءت امرأة مسلمة منهم أو جاءت كافرة ثم أسلمت ، لم يجز
ردّها إجماعا. ثمّ إن جاء أبوها أو جدّها أو أخوها أو أحد أقاربها يطلبها ، لم
تدفع إليه لقوله تعالى ( فَلا تَرْجِعُوهُنَّ
إِلَى الْكُفّارِ ) .
ولو طلب أحدهم
مهرها ، لم يدفع إليه.
ولو جاء زوجها أو
وكيله يطلبها ، لم تردّ إليه إجماعا.
وإن طلب مهرها ولم يكن قد
سلّمه إليها ، فلا شيء له إجماعا.
وإن كان قد سلّمه
، ردّ عليه ما دفعه ، عند علمائنا ـ وهو أحد قولي الشافعي ـ لقوله تعالى (
وَآتُوهُمْ ما أَنْفَقُوا ) والمراد منه الصداق ،
__________________
وأيضا فإنّ البضع
متقوّم وهو حقّه ، فإذا حلنا بينه وبين حقّه ، لزمنا بدله.
والثاني : لا يردّ
عليه ـ وبه قال أبو حنيفة ومالك وأحمد والمزني ـ لأنّ بضع المرأة ليس بمال ، فلا
يدخل في الأمان ، ولهذا لو عقد الرجل الأمان لنفسه ، دخل فيه أمواله ، ولا يدخل
فيه زوجته .
وهو قياس ضعيف في
مقابلة النصّ فلا يسمع ، خصوصا مع تأكّد النصّ بعمله 7 ، فإنّه ردّ مهر من جاءت مسلمة في صلح الحديبيّة .
وإن شرط الردّ لمن
جاء منهم إليهم ، لم يجب (١) الردّ ، ووجب الغرم لما أنفق من المهر.
وللشافعي قولان أيضا.
مسألة ٢١٣
: إنّما يجب أن يردّ عليه ما دفعه من المهر لو قدمت المرأة
إلى بلد الإمام أو بلد خليفته ومنع من ردّها ، فأمّا إذا قدمت إلى غير بلدهما ،
وجب على المسلمين منعه من أخذها ، لأنّه من الأمر بالمعروف.
فإذا منع غير الإمام
وغير خليفته من ردّها ، لم يلزم الإمام أن يعطيهم شيئا ، سواء كان المانع من ردّها
العامّة أو رجال الإمام ، لأنّ البدل يعطيه الإمام من المصالح ولا تصرّف لغير
الإمام وخليفته فيه.
__________________
ولو سمّى مهرا
فاسدا وأقبضها إيّاه كخمر أو خنزير ، لم تكن له المطالبة به ولا بقيمته ، لأنّه ليس
بمال ولا قيمة له في شرعنا.
والمغروم هو الذي
دفعه الزوج من صداقها ، وهو قول أكثر الشافعيّة .
وقال بعضهم :
المغروم الأقلّ من مهر مثلها و [ ما بذله ] فإن كان مهر المثل أقلّ ، فالزيادة كالموهوب ، وإن كان
المبذول أقلّ ، فهو الذي فات عليه .
ولو لم يدفع إلاّ
بعضه ، لم يستحقّ إلاّ ذلك القدر.
ولو كان أعطاها
أكثر ممّا أصدقها أو أهدى إليها هدية أو أنفق في العرس أو أكرمها بمتاع ، لم يجب
ردّه ، لأنّه تطوّع به ، فلا يردّ عليه. ولأنّ هذا ليس ببدل عن البضع الذي حيل
بينه وبينه ، إنّما هو هبة محضة ، فلا يرجع بها ، كما لا يستحقّ ردّ ما أطعمها.
مسألة ٢١٤
: لو قدمت مسلمة إلى الإمام فجاء رجل وادّعى أنّها زوجته ، فإن
اعترفت له بالنكاح ، ثبت ، وإن أنكرت ، كان عليه إقامة البيّنة : شاهدان مسلمان
عدلان ، ولا يقبل شاهد وامرأتان ، ولا شاهد ويمين ، لأنه نكاح ، فلا يثبت إلاّ بذكرين.
فإذا ثبت النكاح
بالبيّنة أو باعترافها فادّعى أنّه سلّم إليها المهر ، فإن
__________________
صدّقته ، ثبت له ،
وإن أنكرت ، كان عليه البيّنة ، ويقبل فيه شاهد وامرأتان ، وشاهد ويمين ، لأنّه
مال ، ولا يقبل قول الكفّار في البابين وإن كثروا.
فإن لم تكن له
بيّنة ، كان القول قولها مع اليمين.
ولا يثبت الغرم
بمجرّد قوله : دفعت إليها صداقها أو كذا من صداقها ، وهو قول بعض الشافعيّة .
وقال بعضهم : لا
يمين عليها ، لأنّ الصداق على غيرها .
وقال بعضهم :
يتفحص الإمام عن مهر مثلها ، وقد يمكن معرفته من تجّار المسلمين الذين دخلوا دار
الحرب ، و من الأسارى ، ثمّ يحلف الرجل أنّه أصدقها ذلك القدر ،
وسلّمه .
وقال بعض
الشافعيّة : لو ادّعى الدفع وصدّقته ، لم يعتمد على قولها ولا يجعل حجّة علينا .
وقال بعضهم :
إقرارها بمثابة البيّنة .
مسألة ٢١٥
: لو قدمت مجنونة ، فإن كانت قد أسلمت قبل جنونها وقدمت ، لم
تردّ ، ويردّ مهرها ، لأنّها بحكم العاقلة في تفويت بضعها.
وإن كانت قد وصفت
الإسلام وأشكل علينا هل كان إسلامها حال عقلها أو جنونها؟ فإنّها لا تردّ أيضا ،
لاحتمال أن تكون قد وصفت الإسلام وهي مجنونة ، فإن أفاقت فأقرّت بالإسلام ، ردّ
مهرها عليه ، وإن أقرّت بالكفر ، ردّت عليه.
__________________
ولو جاءت مجنونة
ولم يخبر عنها بشيء ، لم تردّ عليه ، لأنّ الظاهر أنّها إنّما جاءت إلى دار
الإسلام لأنّها أسلمت ، ولا يردّ مهرها ، للشكّ ، فيجوز أن تفيق وتقول : إنّها لم
تزل كافرة ، فتردّ حينئذ ، فينبغي أن يتوقّف عن ردّها حتى تفيق ويتبيّن أمرها.
فإن أفاقت ، سئلت
، فإن ذكرت أنّها أسلمت ، أعطي المهر ومنع منها ، وإن ذكرت أنّها لم تزل كافرة ،
ردّت عليه.
وينبغي أن يحال
بينه وبينها حال جنونها ، لجواز أن تفيق فيصدّها عن الإسلام في أوّل زمان إفاقتها.
ولو جاءت صغيرة
ووصفت الإسلام ، لم تردّ إليهم ، لئلاّ تفتن عند بلوغها عن الإسلام. ولا يجب ردّ
المهر بل يتوقّف عن ردّه حتى تبلغ ، فإن بلغت وأقامت على الإسلام ، ردّ المهر ،
وان لم تقم ، ردّت هي وحدها ـ وهو أحد قولي الشافعي ـ لأنّ إسلامها
غير محكوم بصحّته. وإن قلنا بصحّة إسلام الصبي ، فظاهر ، فلا يجب ردّ مهرها ،
كالمجنونة إذا لم يعلم إسلامها حال إفاقتها أو حال جنونها ، فيحافظ على حرمة
الكلمة.
والثاني للشافعي :
أنّه يجب ردّ مهرها ، لأنّ وصفها بالإسلام يمنع من ردّها ، فوجب ردّ مهرها ، كالبالغة.
ثمّ فرّق بينها
وبين المجنونة : بأنّ المنع في المجنونة ، للشكّ في إسلامها ، وفي الصغيرة ، لوصف
الإسلام .
ونمنع ذلك ، فإنّ
وصف الإسلام لا يحكم به فيها ، وإنّما منعناه منها ، للشكّ في ثباتها عليه بعد
بلوغها ، فإذا بلغت فإن ثبتت على الإسلام ، رددنا
__________________
مهرها ، وإن وصفت
الكفر ، رددناها.
مسألة ٢١٦
: لو قدمت أمة مسلمة إلى الإمام ، صارت حرّة ، لأنّها قهرت
مولاها على نفسها ، فزال ملكه عنها ، كما لو قهر عبد حربي سيّده الحربيّ ، فإنّه
يصير حرّا. والهدنة إنّما تمنع من في قبضة الإمام من المسلمين وأهل الذمّة.
فإن جاء سيّدها
يطلبها ، لم تدفع إليه ، لأنّها صارت حرّة ، ولأنّها مسلمة. ولا يجب أيضا ردّ
قيمتها ، كالحرّة في الأصل ، وهو أحد قولي الشافعي .
والثاني : تردّ
قيمتها عليه ، لأنّ الهدنة اقتضت ردّ أموالهم عليهم ، وهذه من أموالهم ، فعلى هذا
تردّ على السيّد قيمتها لا ما اشتراها به .
فإن جاء زوجها
يطلبها ، لم تردّ عليه ، لما مضى. وإن طلب مهرها ، فإن كان حرّا ، ردّ عليه ، وان
كان عبدا ، لم يدفع إليه المهر حتى يحضر مولاه فيطالب به ، لأنّ المال حقّ له.
ولو حضر السيّد
دون العبد ، لم يدفع إليه شيء ، لأنّ المهر يجب للحيلولة بينها وبين الزوج ، فإذا
حضر الزوج وطالب ، ثبت المهر للمولى ، فيعتبر حضورهما معا.
ولو أسلمت ثمّ
فارقتهم ، قال بعض الشافعيّة : لا تصير حرّة ، لأنّهم في أمان [ منّا ] فأموالهم محظورة
علينا ، فلا يزول الملك عنها بالهجرة ،
__________________
بخلاف ما إذا
هاجرت ثمّ أسلمت ، فإنّ الهدنة لا توجب أمان بعضهم من بعض ، فجاز أن تملك نفسها
بالقهر .
ولم يتعرّض أكثرهم
لهذا التفصيل ، وأطلق الحكم بالعتق وإن أسلمت ثمّ فارقتهم ، لأنّ الهدنة جرت معنا
ولم تجر معها .
إذا عرفت هذا ،
فنقول : إن أوجبنا غرامة المهر والقيمة ، نظر ، فإن حضر الزوج والسيّد معا ، أخذ
كلّ واحد منهما حقّه ، وإن جاء أحدهما دون الآخر ، احتمل أنّا لا نغرم شيئا ، لأنّ
حقّ الردّ مشترك بينهما ولم يتمّ الطلب ، وأنّه نغرم حقّ الطالب ، لأنّ كلّ واحد
من الحقّين متميّز عن الآخر ، وأنّا نغرم للسيّد إن تفرّد بالطلب ، ولا نغرم
للزوج. والفرق أنّ حقّ اليد في الأمة المزوّجة للسيّد ، فإنّه له أن يسافر بها ،
وإذا لم ينفرد الزوج باليد ، لم يؤثّر طلبه على الانفراد.
وللشافعيّة ثلاثة
أقوال كالاحتمالات.
ولو كان زوج الأمة
عبدا ، فلها خيار الفسخ إذا [ عتقت ] فإن فسخت النكاح ، لم يغرم المهر ، لأنّ الحيلولة حصلت
بالفسخ ، وإن لم تفسخ ، غرم المهر.
ولا بدّ من حضور
السيّد والزوج معا وطلب الزوج المرأة والسيّد المهر ، فإن انفرد أحدهما ، لم يغرم
، لأنّ البضع ليس ملك السيّد ، والمهر غير مملوك للعبد.
__________________
مسألة ٢١٧
: لو قدمت مسلمة ثمّ ارتدّت ، وجب عليها أن تتوب ، فإن لم
تفعل ، حبست دائما ، وضربت أوقات الصلوات ، عندنا ، وقتلت ، عند العامّة على ما
سيأتي.
فإن جاء زوجها
وطلبها ، لم تردّ عليه ، لأنّه حكم لها بالإسلام أوّلا ثمّ ارتدّت ، فوجب حبسها ،
ويردّ عليه مهرها ، لأنّه حلنا بينه وبينها بالحبس.
وعند العامّة إن
جاء قبل القتل ، ردّ عليه مهرها ، للحيلولة بينه وبينها بالقتل ، وإن جاء بعد
قتلها ، لم يردّ عليه شيء ، لأنّا لم نحل بينه وبينها عند طلبه لها .
ولو ماتت مسلمة
قبل الطلب ، فلا غرم ، لأنّه لا منع بعد الطلب. وكذا لو مات الزوج قبل طلبها ،
لأنّ الحيلولة حصلت بالموت لا الإسلام.
ولو مات أحدهما
بعد المطالبة ، وجب ردّ المهر عليه ، لأنّ الموت حصل بعد الحيلولة ، فإن كانت هي
الميّتة ، ردّ المهر عليه ، وإن كان هو الميّت ، ردّ المهر على ورثته.
ولو قتلت قبل
الطلب ، فلا غرم ، كما لو ماتت ، وإن قتلت بعده ، ثبت الغرم.
ثمّ قال الجويني :
إنّ الغرم على القاتل ، لأنّه المانع بالقتل .
وفصّل بعضهم بأنّه
إن قتلها على الاتّصال بالطلب ، فالحكم ما ذكره ، وإن تأخّر القتل ، فقد استقرّ
الغرم علينا بالمنع ، فلا أثر للقتل بعده ، وفي الحالين لا حقّ للزوج فيما على
القاتل من القصاص أو الدية ، لأنّه
__________________
لا يرثها .
ولو جرحها جارح
قبل الطلب ثمّ طلبها الزوج وقد انتهت إلى حركة المذبوحين ، فهو كالطلب بعد الموت.
وإن بقيت فيها
حياة مستقرّة ، فالغرم على الجارح ، لأنّ فواتها يستند إلى الجرح ، أو في بيت
المال ، لحصول المنع في الحياة؟ للشافعيّة وجهان ، أصحّهما : الثاني ، ولا يسقط
الغرم .
ولو طلّقها الزوج
بعد قدومها مسلمة ، فإن كان بائنا أو خلعا قبل المطالبة ، لم يجب ردّ المهر إليه ،
لأنّ الحيلولة منه بالطلاق لا بالإسلام ، فقد تركها باختياره ، وإن كان بعد
المطالبة ، ردّ إليه ، لأنه قد استقرّ المهر له بالمطالبة والحيلولة.
وإن كان رجعيّا ،
لم يكن له المطالبة بالمهر ، لأنّه أجراها إلى البينونة ، أمّا لو راجعها ، فإنّه
يردّ عليه المهر مع المطالبة ، لأنّ له الرجعة في الرجعي ، وإنّما حال بينهما
الإسلام.
ولو ملكها بشرط أن
تطلّق نفسها على الفور ، فكالطلاق البائن.
وقال بعض الشافعيّة
: إنّه لو طلّقها رجعيّا ، استحقّ المهر بمجرّد الطلب من غير رجعة ، لأنّ الرجعة
فاسدة ، فلا معنى لاشتراطها .
وهو ممنوع ،
لتضمّن الرجعة قصد الإمساك وإن كانت رجعة الكافر للمسلمة باطلة.
مسألة ٢١٨
: لو جاءت امرأة مسلمة ثمّ جاء زوجها وأسلم ، نظر ، فإن أسلم
قبل انقضاء عدّتها ، كان على النكاح ، لأنّ امرأة مجوسيّة أسلمت قبل
__________________
زوجها ، فقال علي 7 : « أتسلم؟ » قال
: لا ، ففرّق بينهما ، ثمّ قال : « إن أسلمت قبل انقضاء عدّتها فهي امرأتك ، وإن
انقضت عدّتها قبل أن تسلم ثمّ أسلمت فأنت خاطب من الخطّاب » .
إذا عرفت هذا ،
فإن كان قد أخذ مهرها قبل إسلامه ثمّ أسلم في العدة ، ردّت إليه ، ووجب عليه ردّ
مهرها إليها ، لأنّ استحقاقه للمهر إنّما كان بسبب الحيلولة وقد زالت.
ولو أسلم بعد
انقضاء عدّتها ، لم يجمع بينهما وبانت منه.
ثمّ إن كان قد
طالب بالمهر قبل انقضاء عدّتها ، كان له المطالبة ، لأنّ الحيلولة حصلت قبل
إسلامه. فإن لم يكن طالب قبل انقضاء العدّة ، لم يكن له المطالبة بالمهر ، لأنّه
التزم حكم الإسلام ، وليس من حكم الإسلام المطالبة بالمهر بعد البينونة.
ولو كانت غير
مدخول بها وأسلمت ثمّ أسلم ، لم يكن له المطالبة بمهرها ، لأنّه أسلم بعد البينونة
، وحكم الإسلام يمنع من وجوب المطالبة في هذه الحالة.
مسألة ٢١٩
: كلّ موضع يجب فيه الردّ فإنّه يجب ردّ أقلّ الأمرين من
المسمّى في العقد والمقبوض ، فإن كان المقبوض أقلّ من المسمّى ، لم تجب الزيادة
على ما دفعه ، لقوله تعالى ( وَآتُوهُمْ ما
أَنْفَقُوا ) وإن كان المقبوض أكثر ، كان الزائد هبة ، فلا يجب ردّها.
فإن اختلفا في
المقبوض ، كان القول قولها مع اليمين وعدم البيّنة.
قال الشيخ : فإن
أعطيناه المهر لما ذكرناه فقامت البيّنة بأنّ
__________________
المقبوض كان أكثر
، كان له الرجوع بالفضل .
وفي هذا الإطلاق
نظر ، فإنّا لو دفعنا ما اعترفت به المرأة مع اليمين ، لم يكن له الرجوع بشيء.
تنبيهان :
الأوّل : كلّ موضع حكمنا بوجوب ردّ المهر فإنّه يكون من بيت مال المسلمين المعدّ
للمصالح ، لأنّ ذلك من مصالح المسلمين.
وللشافعيّة قولان
، أحدهما : محلّ الغرم خمس الخمس المعدّ للمصالح. والثاني : إن كان للمرأة مال ،
أخذ منها .
الثاني : لو شرطنا في الصلح ردّ من جاء مطلقا ، لم يصحّ على ما تقدّم. فإذا بطل ، لم
يردّ من جاءنا منهم ، رجلا كان أو امرأة ، ولا يردّ البدل عنها بحال ، لأنّ البدل
استحقّ بشرط ، وهو مفقود هنا ، كما لو جاءنا من غير هدنة.
مسألة ٢٢٠
: لو قدم إلينا عبد فأسلم ، صار حرّا ، فإذا جاء سيّده يطلبه
، لم يجب ردّه ولا ردّ ثمنه ، لأنّه صار حرّا بالإسلام ، ولا دليل على وجوب ردّ
ثمنه.
وإذا عقد الإمام
الهدنة ثمّ مات ، وجب على من بعده من الأئمة العمل بموجب ما شرطه الأوّل إلى أن
يخرج مدّة الهدنة ، ولا نعلم فيه خلافا ، لأنّه معصوم فعل مصلحة ، فوجب على القائم
بعده تقريرها إلى وقت خروج
__________________
مدّتها.
وإذا نزل الإمام
على بلد وعقد معهم صلحا على أن يكون البلد لهم ويضرب على أرضهم خراجا يكون بقدر
الجزية ويلتزمون أحكامنا ويجريها عليهم ، كان ذلك جائزا ، ويكون ذلك في الحقيقة
جزية ، فإذا أسلم واحد منهم ، سقط عنه ما ضرب على أرضه من الصلح ، وصارت الأرض
عشريّة ، لأنّ الإسلام يسقط الجزية.
ولو شرط عليهم أن
يأخذ منهم العشر من زرعهم على أنّه متى قصر ذلك عن أقلّ ما تقتضي المصلحة أن يكون جزية ، كان
جائزا ، فإن غلب في ظنّه أنّ العشر لا يفي بما توجبه المصلحة من الجزية ، لا يجوز
أن يعقد عليه.
وإن أطلق ولا يغلب
على ظنّه الزيادة والنقصان ، قال الشيخ : الظاهر من المذهب جوازه ، لأنّه من فروض
الإمام ، فإذا فعله ، كان صحيحا ، لأنّه معصوم .
مسألة ٢٢١
: إذا فسد عقد الهدنة إمّا لزيادة في المدّة أو التزام المال
أو غيرهما ، لم يمض ، ووجب نقضه ، لكن لا يجوز اغتيالهم ، بل يجب إنذارهم وإعلامهم
أوّلا. وإذا وقع صحيحا ، وجب الوفاء بالكفّ عنهم إلى انقضاء المدّة أو صدور خيانة منهم تقتضي
الانتقاض.
ولو عقد نائب
الإمام عقدا فاسدا ، كان على من بعده نقضه.
وقال بعض
الشافعيّة : إن كان فساده من طريق الاجتهاد ، لم يفسخه ،
__________________
وإن كان بنصّ أو
إجماع ، فسخه .
وينبغي للإمام إذا
عاهد أن يكتب كتابا يشهد عليه على عقد الهدنة ليعمل به من بعده. ولا بأس أن يقول
فيه : لكم ذمّة الله وذمّة رسوله وذمّتي. ومهما صرحوا بنقض العهد وقاتلوا المسلمين
أو آووا عينا عليهم أو كاتبوا أهل الحرب بأخبارهم أو قتلوا مسلما أو أخذوا مالا ،
فقد انتقض عهدهم.
البحث السادس : في تبديل أهل
الذمّة دينهم ، ونقض العهد.
مسألة ٢٢٢
: إذا انتقل ذمّيّ تقبل منه الجزية ـ كاليهودي أو النصراني
أو المجوسي ـ إلى دين يقرّ أهله عليه بالجزية ، كاليهودي يصير نصرانيّا أو
مجوسيّا ، أو بالعكس ، لعلمائنا قولان :
أحدهما : أنّه
يقبل منه ذلك ، ولا يجب قتله ، بل يجوز إقراره بالجزية ، لأنّ الكفر كالملة
الواحدة.
والثاني : لا يقرّ
، لقوله 7 : « من بدّل دينا فاقتلوه » ولقوله تعالى : ( وَمَنْ يَبْتَغِ
غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ ) .
__________________
فعلى الأوّل قال
الشيخ : لو انتقل إلى بعض المذاهب ، أقرّ على جميع أحكامه. وإن انتقل إلى المجوسية
، فمثل ذلك غير أنّا على أصلنا لا نجوّز مناكحتهم بحال ولا أكل ذبائحهم. ومن أجاز
أكل ذبائحهم من أصحابنا ينبغي أن يقول : إن انتقل إلى اليهوديّة أو النصرانيّة ، أكلت ذبيحته ،
وإن انتقل إلى المجوسيّة ، لا تؤكل ولا يناكح.
قال : وإذا قلنا :
لا يقرّ على ذلك ـ وهو الأقوى عندي ـ فإنّه يصير مرتدّا عن دينه .
تذنيب : إذا قلنا : لا يقرّ عليه ، فبأيّ شيء يطالب؟
منهم من يقول :
إنّه يطالب بالإسلام لا غير ، لاعترافه ببطلان ما كان عليه ، وما عدا دين الإسلام
باطل ، فلا يقرّ عليه .
ومنهم من يقول :
إنّه يطالب بالإسلام أو بدينه الأوّل .
وقوّى الشيخ
الأوّل . فعليه إن لم يرجع إلاّ إلى دينه الأوّل ، قتل ، ولم ينفذ
إلى دار الحرب ، لما فيه من تقوية أهل الحرب.
ولو انتقل من لا
يقرّ على دينه إلى دين من يقرّ أهله عليه ، كالوثني ينتقل إلى التهوّد أو التنصّر
، الأقوى : ثبوت الخلاف السابق فيه.
ولو انتقل الذمّيّ
إلى دين لا يقرّ أهله عليه ، لم يقرّ عليه إجماعا.
وما الذي يقبل منه؟
قيل : لا يقبل منه إلاّ الإسلام ـ وقوّاه الشيخ ـ
__________________
للآية والخبر .
وقيل : يقبل منه
الإسلام أو الدين الذي كان عليه ، لأنّه انتقل من دين يقرّ أهله عليه إلى ما لا
يقرّ أهله عليه ، فيقبل منه .
واستبعده ابن
الجنيد وقال : لا يقبل منه إلاّ الإسلام ، لأنّه بدخوله فيما لا يجوز إقراره عليه
قد أباح دمه ، وصار حكمه حكم المرتدّ.
وقيل : يقبل منه
الإسلام ، أو الرجوع إلى دينه الأوّل ، أو الانتقال إلى دين يقرّ أهله عليه ، لأنّ
الأديان المخالفة لدين الإسلام ملّة واحدة ، لأنّ جميعها كفر. وهو الأظهر عند
الشافعيّة .
قال الشيخ : وأمّا
أولاده : فإن كانوا كبارا ، أقرّوا على دينهم ، ولهم حكم نفوسهم ، وإن كانوا صغارا
، نظر في الأمّ ، فإن كانت على دين يقرّ أهله عليه ببذل الجزية ، أقرّ ولده الصغير
في دار الإسلام ، سواء ماتت الأمّ أو لم تمت ، وإن كانت على دين لا يقرّ أهله عليه
، كالوثنيّة وغيرها ، فإنّهم يقرّون أيضا ، لما سبق لهم من الذمّة ، والامّ لا يجب
عليها القتل .
مسألة ٢٢٣
: إذا عقد الإمام الهدنة ، وجب عليه الوفاء بما عقده ما لم
ينقضوها بلا خلاف نعلمه ، لقوله تعالى ( أَوْفُوا
بِالْعُقُودِ ) وقال تعالى ( فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ
عَهْدَهُمْ إِلى مُدَّتِهِمْ ) .
__________________
وقال رسول الله 6 : « من كان بينه
وبين قوم عهد فلا يشدّ عقدة ولا يحلّها حتى ينقضي أمدها أو ينبذ إليهم على سواء » .
ولو شرع المشركون
في نقض العهد ، فإن نقض الجميع ، وجب قتالهم ، لقوله تعالى ( فَمَا
اسْتَقامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ ) .
وإن نقض بعض ، نظر
فإن أنكر عليهم الباقون بقول أو فعل ظاهر ، أو اعتزلوهم أو راسلوا الإمام بأنّا
منكرون لفعلهم مقيمون على العهد ، كان العهد باقيا في حقّه.
وإن سكتوا على ما
فعل الناقضون ولم يوجد إنكار ولا تبرّ من ذلك ، كانوا كلّهم ناقضين للعهد ، لأنّ
سكوتهم دالّ على الرضا به ، كما لو عقد بعضهم الهدنة وسكت الباقون ، دلّ على رضاهم
، كذا هنا.
فإذا نقض الجميع ،
غزاهم الإمام وبيّتهم وأغار عليهم ، ويصيروا أهل حرب ليس لهم عقد هدنة. وإن كان من
بعض ، غزا الإمام الناقضين دون الباقين على العهد. ولو كانوا ممتزجين ، أمرهم
الإمام بالتمييز ليأخذ من نقض. ولو لم يتميّزوا فمن اعترف بأنّه نقض ، قتله ، ومن
لم يعترف بذلك ، لم يقتله وقبل قوله ، لتعذّر معرفته إلاّ منه.
ولو نقضوا العهد
ثمّ تابوا عنه ، قال ابن الجنيد : أرى القبول منهم.
مسألة ٢٢٤
: لو خاف الإمام من خيانة المهادنين وغدرهم بسبب أو أمارة
دلّته على ذلك ، جاز له نقض العهد.
__________________
قال الله تعالى ( وَإِمّا
تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ ) يعني أعلمهم بنقض
عهدهم حتى تصير أنت وهم سواء في العلم.
ولا يكفي وقوع ذلك
في قلبه حتى يكون عن أمارة تدلّ على ما خافه.
ولا تنتقض الهدنة
بنفس الخوف ، بل للإمام نقضها ، وهذا بخلاف الذمّي إذا خيف منه الخيانة ، فإن عقد
الذمّة لا ينتقض بذلك ، لأنّ عقد الذمّة يعقد لحقّ أهل الكتاب ، ولهذا يجب على
الإمام إجابتهم عليه ، وعقد الهدنة والأمان لمصلحة المسلمين لا لحقّهم ، فافترقا.
ولأن عقد الذمّة
آكد ، لأنّه عقد معاوضة ومؤبّد ، بخلاف الهدنة والأمان ، ولهذا لو نقض بعض أهل
الذمّة وسكت الباقون ، لم ينتقض عهدهم ، ولو كان في الهدنة ، انتقض.
ولأنّ أهل الذمّة
في قبضة الإمام ولا يخشى الضرر كثيرا من نقضهم ، بخلاف أهل الهدنة ، فإنّ الإمام
يخاف منهم الغارة على المسلمين والضرر الكثير.
مسألة ٢٢٥
: إذا انتقضت الهدنة لخوف الإمام ونبذ إليهم عهدهم ، ردّهم إلى مأمنهم ،
وصاروا حربا. فإن لم يبرحوا عن حصنهم ، جاز قتالهم بعد النبذ إليهم ، لأنّهم في
منعتهم كما كانوا قبل العقد. وإن كانوا قد نزلوا فصاروا في عسكر
المسلمين ، ردّهم الإمام إلى مأمنهم ، لأنّهم دخلوا إليه
__________________
من مأمنهم ، فعليه
( أن يردّهم ) إليه ، وإلاّ لكان خيانة من المسلمين ، والله لا يحبّ
الخائنين.
فإذا زال عقد
الهدنة ، نظر فيما زال به ، فإن لم يتضمّن وجوب حقّ عليه ، مثل أن يأوي لهم عينا
أو يخبرهم بخبر المسلمين ويطلعهم على عوراتهم ، ردّه إلى مأمنه ، ولا شيء عليه.
وإن كان يوجب حقّا ، فإن كان لآدميّ ، كقتل نفس أو إتلاف مال ، استوفي ذلك منه ،
وإن كان لله تعالى محضا ، كحدّ الزنا والشرب ، أقيم عليه أيضا ، عندنا ، خلافا
للعامّة ، وإن كان مشتركا ، كالسرقة ، أقيم عليه ، عندنا. وللعامّة
قولان .
مسألة ٢٢٦
: إذا عقد الإمام الذمّة للمشركين ، كان عليه أن يذبّ عنهم كلّ
من لو قصد المسلمين لزمه أن يذبّ عنهم. ولو عقد الهدنة لقوم منهم ، كان عليه أن
يكفّ عنهم كلّ من يجري عليه أحكامه من المسلمين وأهل الذمّة ، وليس عليه
أن يدفع عنهم أهل الحرب ولا بعضهم عن بعض.
والفرق : أنّ عقد
الذمّة يقتضي جري أحكامنا عليهم ، فكانوا كالمسلمين ، والهدنة عقد أمان لا يتضمّن
جري الأحكام ، فاقتضى أن يأمن من جهته من يجري عليه حكم الإمام دون غيره.
فإن شرط الإمام في
عقد الذمّة أن لا يدفع عنهم أهل الحرب ، فإن كانوا في وسط بلاد الإسلام ـ كالعراق
ـ أو في طرف بلاد الإسلام ، كان
__________________
الشرط فاسدا ،
لأنّه يجب عليه أن يمنع أهل الحرب من دخول دار الإسلام ، فلا يجوز أن يشترط خلافه.
وإن كانوا في دار الحرب أو بين دار الإسلام ودار الحرب ، كان الشرط جائزا ، لعدم
تضمّنه تمكين أهل الحرب من دار الإسلام.
إذا ثبت هذا ،
فمتى قصدهم أهل الحرب ولم يدفعهم عنهم حتى مضى حول ، فلا جزية عليهم ، لأنّ الجزية
تستحقّ بالدفع ، فإن سباهم أهل الحرب ، فعليه أن يردّ ما سبي منهم من الأموال ،
لأنّ عليه حفظ أموالهم. فإن كان في جملته خمر أو خنزير ، لم تلزمه استعادته ، لأنّه لا يحلّ
إمساكه.
وإذا أغار أهل
الحرب على أهل الهدنة وأخذوا أموالهم وظفر الإمام بأهل الحرب واستنقذ أموال أهل
الهدنة ، قال الشافعي : يردّها الإمام عليهم .
وكذا إذا اشترى
مسلم من أهل الحرب ما أخذوه من أهل الهدنة ، وجب ردّه عليهم ، لأنّه في عهد منه ،
فلا يجوز أن يتملّك ما سبي منهم ، كأهل الذمّة.
وقال أبو حنيفة :
لا يجب ردّ ما أخذوه من أهل الحرب من أموالهم ، لأنّه لا يجب عليه أن يدفعهم عنهم
، فلا يلزمه ردّ ما استنقذه منهم ، كما لو أغار أهل الحرب على أهل الحرب .
__________________
وقول أبي حنيفة
فيه قوّة.
مسألة ٢٢٧
: إذا انتقض العهد ، جاز قصد بلدهم وتبييتهم والإغارة عليهم
في بلادهم إن علموا أنّ ما أتوا به ناقض للعهد. وإن لم يعلموا ، فكذلك الحكم ، أو
لا يقاتلون إلاّ بعد الإنذار للشافعيّة وجهان .
والأولى أنّه إذا
لم يعلموا أنّه خيانة ، لا ينتقض العهد إلاّ إذا كان المأتيّ به ممّا لا يشكّ في
مضادّته للهدنة ، كالقتال.
فأمّا من دخل دارا
بأمان أو مهادنة ، فلا يغتال وإن انتقض عهده ، بل يبلغ المأمن.
ولو نقض السوقة العهد
ولم يعلم الرئيس والأشراف بذلك ، احتمل النقض في حقّ السوقة ، وعدمه ، لأنّه لا
اعتبار بعقدهم فكذا بنقضهم.
وللشافعيّة وجهان .
ولو نقض الرئيس
وامتنع الأتباع وأنكروا ، ففي الانتقاض في حقّهم للشافعي قولان ، أحدهما :
الانتقاض ، لأنّه لم يبق العهد في حقّ المتبوع فلا يبقى في حقّ التابع .
هذا حكم نقض عهد الهدنة ، وأمّا
نقض الذمّة : فنقضه من البعض ليس بنقض من الباقين ، وقد سلف الفرق.
والمعتبر في إبلاغ
الكافر المأمن أن يمنعه من المسلمين ويلحقه بأوّل بلاد الكفر ، ولا يلزم
إلحاقه ببلده الذي يسكنه فوق ذلك إلاّ أن يكون بين
__________________
أوّل بلاد الكفر
وبلده الذي يسكنه بلد للمسلمين يحتاج إلى المرور عليه.
وإذا هادنه الإمام
مدّة لضعف وخوف ثمّ زال الخوف وقوي المسلمون ، وجب البقاء عليه ، لقوله تعالى (
فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلى مُدَّتِهِمْ ) وإن كانت المدّة
عشر سنين.
ويجب على الذين
هادنّاهم الكفّ عن قبيح القول والعمل في حقّ المسلمين وبذل الجميل منهما. ولو
كانوا يكرمون المسلمين فصاروا يهينونهم ، أو يضيفون الرسل ويصلونهم فصاروا
يقطعونهم ، أو يعظّمون كتاب الإمام فصاروا يستخفّون ، أو نقصوا عمّا كانوا
يخاطبونه به ، سألهم الإمام عن سبب فعلهم ، فإن اعتذروا بما يجوز قبول مثله ، قبله
، وإن لم يذكروا عذرا ، أمرهم بالرجوع إلى عادتهم ، فإن امتنعوا ، أعلمهم بنقض
الهدنة ونقضها ، عند الشافعيّة .
وسبّ رسول الله 6 تنتقض به الهدنة
كالذمّة ، عند الشافعي ، خلافا لأبي حنيفة فيهما .
مسألة ٢٢٨
: لو كان تحت كافر عشر زوجات فأسلمن وهاجرن وجاء الزوج
يطلبهنّ ، أمر باختيار أربع منهنّ ، ويعطى مهورهنّ ، سواء اختار الأكثر مهرا أو
الأقلّ ، وسواء اختار من دفع إليهنّ المهر أو بعضه أو من لم يدفع إليهنّ ، فإذا
اختار من لم يدفع إليهنّ شيئا ، لم يرجع بشيء.
ولو جاءت مستولدة
، فهي كالأمة.
__________________
وأمّا المكاتبة :
فإن اقتضى الحال عتقها ، فكذلك ، وتبطل الكتابة ، وإلاّ فهي على كتابتها. فإن أدّت
مال الكتابة ، عتقت بالكتابة. قال الشافعي : وللسيّد الولاء . فإن عجزت ورقّت
، حسب ما أخذ من مال الكتابة بعد إسلامها من ضمانها ، ولا يحسب منه ما أخذ قبل
الإسلام.
مسألة ٢٢٩
: لو عقدنا الهدنة بشرط أن يردّوا من جاءهم منّا مرتدّا
ويسلّموه إلينا ، وجب عليهم الوفاء بما التزموه ، فإن امتنعوا ، كانوا ناقضين
للعهد.
وإن عقدنا بشرط أن
لا يردّوا من جاءهم ، ففي الجواز إشكال.
وللشافعي قولان :
أشهرهما : الجواز
، لأنّ النبي 6 شرط ذلك في مهادنة قريش .
والثاني : المنع ،
لإعلاء الإسلام ، وإقامة حكم المرتدّين [ عليه ] .
وقال بعضهم : هذا
الشرط يصحّ في حقّ الرجال دون النساء كما لو شرط ردّ من جاءنا مسلما ، لأنّ
الإبضاع يحتاط لها ، ويحرم على الكافر من المرتدّة ما يحرم على المسلم .
فإن أوجبنا الردّ
، فالذي عليهم التمكين والتخلية دون التسليم.
__________________
وكذا الحكم لو جرت
المهادنة مطلقا من غير تعرّض لردّ من ارتدّ بالنفي والإثبات.
وحيث لا يجب عليهم
التمكين ولا التسليم فعليهم مهر من ارتدّ من نساء المسلمين ، وقيمة من ارتدّ من
رقيقهم ، ولا يلزمهم غرم من ارتدّ من الرجال الأحرار.
ولو عاد المرتدّون
إلينا ، لم نردّ المهر ، ورددنا القيمة ، لأن الرقيق بدفع القيمة يصير ملكا لهم
والنساء لا يصرن زوجات.
وحيث يجب التمكين
دون التسليم فمكّنوا ، فلا غرم عليهم سواء وصلنا إلى المطلوبين أو لم نصل. وحيث
يجب التسليم فنطالبهم به عند الإمكان.
فإن فات التسليم
بالموت ، فعليهم الغرم.
وإن هربوا نظر إن
هربوا قبل القدرة على التسليم ، فلا يغرمون ، أو بعدها ، فيغرمون.
ولو هاجرت إلينا
امرأة منهم مسلمة وطلبها زوجها وجاءتهم امرأة منّا مرتدّة ، لا نغرم لزوج المسلمة
المهر ، ولكن نقول له : واحدة بواحدة ، ونجعل المهرين قصاصا ، ويدفع الإمام المهر
إلى زوج المرتدّة ، ويكتب إلى زعيمهم ليدفع مهرها إلى زوج المهاجرة المسلمة.
هذا إن تساوى
القدران ، ولو كان مهر المهاجرة أكثر ، صرفنا مقدار مهر المرتدّة منه إلى زوجها
والباقي إلى زوج المهاجرة. وإن كان مهر المرتدّة أكثر ، صرفنا مقدار مهر المهاجرة
إلى زوجها والباقي إلى زوج المرتدّة.
وبهذه المقاصّة
فسّر أكثر الشافعيّة قوله تعالى ( وَإِنْ فاتَكُمْ شَيْءٌ
مِنْ أَزْواجِكُمْ إِلَى الْكُفّارِ فَعاقَبْتُمْ فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ
أَزْواجُهُمْ مِثْلَ ما أَنْفَقُوا ) .
ولو قال زوج
المسلمة : لا ذنب لي في التحاق المرتدّة بدار المهادنين فلم منعتموني حقّي ، قلنا
: ليس لك حقّ على قياس أعواض المتلفات ، وإنّما نغرم لك بحكم المهادنة ، وأهل
المهادنة في موجب المهادنة كالشخص الواحد.
البحث السابع : في الحكم بين
المعاهدين والمهادنين.
مسألة ٢٣٠
: إذا تحاكم إلينا أهل الذمّة بعضهم مع بعض ، تخيّر الحاكم بين
الحكم بينهم على مقتضى حكم الإسلام وبين الإعراض عنهم ـ وبه قال مالك ـ لقوله تعالى ( فَإِنْ
جاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ ) .
ولقول الباقر 7 : « إنّ الحاكم
إذا أتاه أهل التوراة وأهل الإنجيل يتحاكمون إليه ، كان ذلك إليه إن شاء حكم بينهم
وإن شاء تركهم » .
ولأنّهما لا
يعتقدان صحّة الحكم ، فأشبها المستأمنين.
وقال المزني : يجب
الحكم ـ وللشافعي قولان ـ لقوله تعالى : ( وَأَنِ
__________________
احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ ) والأمر للوجوب.
ولأنّ دفع الظلم
عنهم واجب على الإمام ، والحكم بينهم دفع لذلك عنهم ، فلزمهم كالمسلمين .
وآيتنا أخصّ ،
والقياس باطل ، لأنّ المسلمين يعتقدون صحّة الحكم.
ولو تحاكم إلينا
ذمّيّ مع مسلم أو مستأمن مع مسلم ، وجب على الحاكم أن يحكم بينهما على ما يقتضيه
حكم الإسلام ، لأنّه يجب عليه حفظ المسلم من ظلم الذمّي ، وبالعكس.
ولو تحاكم إلينا
مستأمنان حربيّان من غير أهل الذمّة ، لم يجب على الحاكم أن يحكم بينهما إجماعا ،
لأنّه لا يجب على الإمام دفع بعضهم عن بعض ، بخلاف أهل الذمّة. ولأنّ أهل الذمّة
آكد حرمة ، فإنّهم يسكنون دار الإسلام على التأبيد.
مسألة ٢٣١
: إذا استعدى أحد الخصمين إلى الإمام ، أعداه على الآخر في
كلّ موضع يلزم الحاكم الحكم بينهما ، فإذا استدعى خصمه ، وجب عليه الحضور إلى مجلس
الحكم ، لأنّ هارون بن حمزة سأل الصادق 7 : رجلان من أهل الكتاب نصرانيّان أو يهوديّان كان بينهما
خصومة ، فقضى بينهما حاكم من حكّامهما بجوز فأبى الذي قضي عليه أن يقبل ، وسأل أن
يردّ إلى حكم المسلمين ، قال : « يردّ إلى حكم المسلمين » .
__________________
ويجب إذا حكم
بينهم أن يحكم بحكم المسلمين ، لقوله تعالى :
( وَإِنْ حَكَمْتَ
فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ ) وقال تعالى ( وَأَنِ احْكُمْ
بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ ) .
ولو جاءت ذمّيّة
تستعدي على زوجها الذمّيّ في طلاق أو ظهار أو إيلاء ، تخيّر في الحكم بينهم والردّ
إلى أهل نحلتهم ليحكموا بينهم بمذهبهم. فإن حكم بينهم ، حكم بحكم الإسلام ، ويمنعه
في الظهار من أن يقربها حتى يكفّر. ولا يجوز له أن يكفّر بالصوم ، لافتقاره إلى
نيّة القربة ، ولا بالعتق ، لتوقفه على ملك المسلم ، وهو لا يتحقّق في طرفه إلاّ
أن يسلم في يده أو يرثها ، بل بالإطعام.
مسألة ٢٣٢
: يجوز للمسلم أخذ مال من نصرانيّ مضاربة ، ولا يكره ذلك ، لأنّ
المسلم لا يتصرّف إلاّ فيما يسوغ.
ويكره للمسلم أن
يدفع إلى المشرك مالا مضاربة ، لأنّ الكافر قد يتصرّف بما لا يسوغ في الشرع ، فإن
فعل ، صحّ القراض.
وينبغي له إذا دفع
إليه المال أن يشترط عليه أن لا يتصرّف إلاّ بما يسوغ في شرعنا ، فإن شرط عليه ذلك
فابتاع خمرا أو خنزيرا ، فالشراء باطل ، سواء ابتاعه بعين المال أو في الذمّة ،
لأنّه خالف الشرط. ولا يجوز له أن يقبض الثمن ، فإن قبض الثمن ، ضمنه.
وإن لم يشترط عليه
ذلك بل دفع المال إليه مطلقا فابتاع ما لا يجوز ابتياعه ، فالبيع باطل ، فإن دفع
الثمن ، فعليه الضمان أيضا ، لأنّه ابتاع ما ليس بمباح عندنا.
وإطلاق العقد
يقتضي أن يبتاع لربّ المال ما يملكه ربّ المال ،
__________________
فإذا خالف ، ضمن.
فإن باع المضارب
ونضّ المال ، فإن علم ربّ المال أنّه تصرّف في محظور ، أو خالط محظورا ، لم يجز له
قبضه ، كما لو اختلطت أخته بأجنبيّات ، وإن علم أنّه عين المباح ، قبضه ، وإن شكّ
، جاز على كراهة.
ولو أكرى نفسه من
ذمّيّ ، فإن كانت الإجارة في الذمّة ، صحّ ، لأنّ الحقّ ثابت في ذمّته. وإن كانت
معيّنة ، فإن استأجره ليخدمه شهرا أو يبني له شهرا ، صحّ أيضا. وتكون أوقات
العبادة مستثناة منها.
مسألة ٢٣٣
: لو فعل الذمّيّ ما لا يجوز في شرع الإسلام ولا في شرعهم ـ
كالزنا واللواط والسرقة والقتل والقطع ـ كان الحكم في ذلك كالحكم بين المسلمين في
إقامة الحدود ، لأنّهم عقدوا الذمّة بشرط أن يجرى عليهم أحكام المسلمين.
وإن كان ما يجوز
في شرعهم ـ كشرب الخمر وأكل لحم الخنزير ونكاح المحارم ـ لم يتعرّض لهم ما لم
يظهروه ، لأنّا نقرّهم عليه ، وترك التعرّض لهم فيه ، لأنّهم عقدوا الذمّة وبذلوا
الجزية على هذا. فإن أظهروا ذلك وأعلنوه ، منعهم الإمام وأدّبهم على إظهاره.
قال الشيخ : وقد
روى أصحابنا أنّه يقيم عليهم الحدّ بذلك ، وهو الصحيح .
ولو جاء نصرانيّ
باع من مسلم خمرا أو اشترى منه خمرا ، أبطلناه بكلّ حال تقابضا أو لا ، ورددنا
الثمن إلى المشتري. فإن كان مسلما ، استرجع الثمن ، وأرقنا الخمر ، لأنّا لا نقضي
على المسلم بردّ الخمر ، وجاز إراقتها ، لأنّ الذمّيّ عصى بإخراجها إلى المسلم ،
فيعاقب بإراقتها عليه. وإن
__________________
كان المشتري
المشرك ، رددنا إليه الثمن ، ولا نأمر الذمّيّ بردّ الخمر ، بل يريقها ، لأنّها
ليست كمال الذمّيّ.
ونمنع المشرك من
شراء المصاحف إعزازا للقرآن ، فإن اشترى ، لم يصح البيع.
وقال بعض
الشافعيّة : يملكه ويلزم البيع .
والأوّل أنسب
بإعظام القرآن.
قال الشيخ : وكذا
حكم الدفاتر التي فيها أحاديث رسول الله 6 وآثار السلف وأقاويلهم ـ والأقوى عندي الكراهة ـ أمّا كتب
النحو واللغة والشعر وباقي الأدب : فإنّ شراءها جائز لهم ، إذ لا حرمة لها .
مسألة ٢٣٤
: لو أوصى مسلم لذمّي بعبد مسلم ، لم تصحّ الوصيّة ، لأنّ
المشرك لا يملك المسلم.
وقال بعض الناس : تصحّ الوصيّة ،
وتلزم برفع اليد عنه ، كما لو ابتاعه.
فعلى هذا لو أسلم
وقبل الوصيّة ، صحّ ، وملكه بعد موت الموصي.
وعلى الأوّل لا
يملكه وإن أسلم في حياة الموصي ، لأنّ الوصيّة وقعت في الأصل باطلة.
ولو كان العبد
مشركا فأسلم العبد قبل موت الموصي ثمّ مات ، فقبله الموصى له ، لم يملكه ، لأنّ
الاعتبار في الوصيّة حال اللزوم ، وهي حالة الوفاة.
وعلى القول الثاني
يملكه ويرفع يده عنه.
ولو أوصى الذمّي
ببناء كنيسة أو بيعة أو موضع عبادة لهم ، لم تصحّ ،
__________________
لأنّها في معصية.
وكذا لو أوصى أن
يستأجر خدما للبيعة والكنيسة ، أو يعمل صلبانا ، أو يشتري مصباحا أو يشتري أرضا
فيوقف عليها.
ولو أوصى الذمّيّ
ببناء كنيسة تنزلها المارّة من أهل الذمّة أو من غيرهم ، أو وقفها على قوم
يسكنونها ، أو جعل أجرتها للنصارى ، جازت الوصيّة ، لأنّ نزولهم ليس بمعصية ، إلاّ
أن تبنى لصلواتهم.
وكذا لو أوصى
للرهبان بشيء ، صحّت الوصيّة ، لجواز صدقة التطوّع عليهم.
ولو أوصى أن يكون
لنزول المارّة للصلاة فيه ، قيل : تبطل الوصيّة في الصلاة ، وتصحّ ( في نزول ) المارّة ، فتبنى
كنيسة بنصف الثلث لنزول المارّة خاصّة ، فإن لم يمكن ذلك ، بطلت الوصيّة .
وقيل : تبنى
الكنيسة بالثلث ، وتكون لنزول المارّة ، ويمنعون من الاجتماع للصلاة فيها .
ولو أوصى بشيء
تكتب به التوراة أو الإنجيل أو الزبور أو غير ذلك من الكتب القديمة ، بطلت الوصيّة
، لأنّها كتب محرّفة مبدّلة منسوخة.
وخرج رسول الله 6 يوما من داره
فوجد في يد عمر صحيفة ، فقال :
« ما هي؟ » فقال :
من التوراة ، فغضب عليه ورماها من يده ، وقال : « لو كان موسى أو عيسى حيّين لما
وسعهما إلاّ اتّباعي » .
إذا ثبت هذا ، فإنّه يكره
للمسلم اجرة رمّ ما يستهدم من الكنائس والبيع من بناء ونجارة وغير ذلك ، وليس
محرّما.
__________________
الفصل السادس : في قتال
أهل البغي
الأصل في ذلك قول
الله تعالى ( وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ
اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى
فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللهِ ) .
قيل : وردت في
طائفتين من الأنصار وقع بينهم [ قتال ] فلمّا نزلت ، قرأها عليهم رسول الله 6 فأقلعوا. وليس
فيها تعرّض للخروج والبغي على الإمام ، ولكن إذا أمرنا بقتال طائفة بغت على طائفة
أخرى ، فلأن نقاتل الذين بغوا على الإمام إلى أن يفيئوا إلى أمر الله أولى .
والمراد بالباغي
في عرف الفقهاء : المخالف للإمام العادل ، الخارج عن طاعته بالامتناع عن أداء ما
وجب عليه بالشرائط الآتية. وسمّي باغيا إمّا لتجاوزه الحدّ المرسوم له ، والبغي :
مجاوزة الحدّ.
وقيل : لأنّه ظالم
بذلك ، والبغي : الظلم. قال الله تعالى ( ثُمَّ بُغِيَ
عَلَيْهِ ) أي : ظلم .
وقيل : لطلبه
الاستعلاء على الإمام ، من قولهم : بغى الشيء ، أي : طلبه .
مسألة ٢٣٥
: قتال أهل البغي واجب بالنصّ والإجماع.
__________________
قال الله تعالى (
فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي ) .
وروى العامّة عن
النبي 6 قال : « من حمل علينا السلاح فليس منّا » .
ومن طريق الخاصّة
: قول علي 7 : « القتال قتالان : قتال لأهل الشرك لا ينفر عنهم حتى يسلموا أو يؤدّوا
الجزية عن يد وهم صاغرون ، وقتال لأهل الزيغ لا ينفر عنهم حتى يفيئوا إلى أمر الله
أو يقتلوا » .
ولا خلاف بين
المسلمين كافّة في وجوب جهاد البغاة ، وقد قاتل علي 7 ثلاث طوائف : أهل البصرة يوم الجمل : عائشة وطلحة والزبير
وعبد الله بن الزبير وغيرهم ، وهم الناكثون الذين بايعوه ونكثوا بيعته. وقاتل أهل
الشام معاوية ومن تابعه ، وهم القاسطون ، أي : الجائرون. وقاتل أهل النهروان :
الخوارج ، وهم المارقون ، وقد أخبره رسول الله 6 ، فقال : « تقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين » .
قال الشيخ :
وهؤلاء كلّهم عندنا محكوم بكفرهم ، لكن ظاهرهم الإسلام. وعند الفقهاء أنّهم مسلمون
لكن قاتلوا الإمام العادل ، فإنّ الإمامة كانت لعليّ 7 بعد عثمان عندهم .
والأصل في ذلك :
أنّ الإمامة عندنا من شرائط الإيمان ، فلا يستحقّ
__________________
الثواب الدائم
إلاّ به.
مسألة ٢٣٦
: قد جرت العادة بين الفقهاء أن يذكروا الإمامة في هذا
الموضع ليعرف الإمام الذي يجب اتّباعه ، ويصير الإنسان باغيا بالخروج عليه ،
وليست من علم الفقه ، بل هي من علم الكلام ، فلنذكر كلاما مختصرا ، فنقول يشترط
في الإمام أمور :
الأوّل : أن يكون مكلّفا ، فإنّ غيره مولّى عليه في خاصّة نفسه ، فكيف يلي أمر الأمّة!
الثاني
: أن يكون مسلما
ليراعي مصلحة المسلمين والإسلام ، وليحصل الوثوق بقوله ، ويصحّ الركون إليه ، فإنّ
غير المسلم ظالم وقد قال الله تعالى ( وَلا تَرْكَنُوا
إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا ) .
الثالث
: أن يكون عدلا ،
لما تقدّم ، فإنّ الفاسق ظالم ولا يجوز الركون إليه والمصير إلى قوله ، للنهي عنه
في قوله تعالى ( وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا ) . ولأنّ الفاسق
ظالم ، فلا ينال مرتبة الإمامة ، لقوله تعالى : ( لا يَنالُ عَهْدِي
الظّالِمِينَ ) .
الرابع
: أن يكون حرّا ، فإنّ
العبد مشغول بخدمة مولاه لا يتفرّغ للنظر في مصالح المسلمين. ولأنّ الإمامة رئاسة
عامّة والعبد مرءوس ، وهي من المناصب الجليلة ، فلا تليق به.
الخامس
: أن يكون ذكرا
ليهاب ، وليتمكّن من مخالطة الرجال ،
__________________
ويتفرّغ للنظر ،
فإنّ المرأة ناقصة العقل.
السادس : أن يكون عالما ، ليعرف
الأحكام ويعلّم الناس ، فلا يفوت الأمر عليه بالاستفتاء والمراجعة.
السابع
: أن يكون شجاعا ، ليغزو
بنفسه ، ويعالج الجيوش ، ويقوى على فتح البلاد ، ويحمي بيضة الإسلام.
الثامن
: أن يكون ذا رأي
وكفاية ، لافتقار قيام نظام النوع إليه.
التاسع
: أن يكون صحيح
السمع والبصر والنطق ، ليتمكّن من فصل الأمور. وهذه الشرائط غير مختلف فيها.
العاشر
: أن يكون صحيح
الأعضاء ، كاليد والرّجل والاذن. وبالجملة اشتراط سلامة الأعضاء من نقص يمنع من
استيفاء الحركة وسرعة النهوض. وهو أولى قولي الشافعيّة .
الحادي
عشر : أن يكون من قريش
، لقوله 7 : « الأئمة من قريش » وهو أظهر قولي الشافعيّة .
وخالف فيه الجويني
، مع أنّه لا خلاف في أنّ أبا بكر احتجّ على
__________________
الأنصار يوم
السقيفة به ، وبذلك أخذت الصحابة بعده.
قالت الشافعيّة :
فإن لم يوجد في قريش من يستجمع الصفات المعتبرة ، نصب كنانيّ ، فإن لم يوجد ، فرجل
من ولد إسماعيل 7 .
وهو باطل عندنا ،
لأنّ الإمامة عندنا محصورة في الاثني عشر : على ما يأتي.
ثمّ إنّ قريشا ولد
النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة ، فعلى قولهم : « إذا لم يوجد قرشي ، ينبغي نصب
كنانيّ » ينبغي أنّه إذا لم يوجد كنانيّ ، نصب خزيميّ وهكذا يرتقي إلى أب بعد أب
إلى أن ينتهي إلى إسماعيل 7.
فإن لم يوجد من
ولد إسماعيل من يصلح لذلك ، قال بعضهم : يولّى رجل من العجم .
وقال بعضهم :
يولّى جرهميّ ، وجرهم أصل العرب ، وفيهم تزوّج إسماعيل 7 حين أنزله أبوه 7 أرض مكة. فإن لم
يوجد جرهميّ ، فرجل من نسل إسحاق .
ولا يشترط أن يكون
هاشميّا عندهم .
الثاني عشر : يجب أن يكون الإمام معصوما عند الشيعة ، لأنّ المقتضي لوجوب الإمامة ونصب
الإمام جواز الخطأ على الأمّة ، المستلزم لاختلال النظام ، فإنّ الضرورة قاضية
بأنّ الاجتماع مظنّة التنازع والتغالب ، فإنّ كلّ
__________________
واحد من بني النوع
يشتهي ما يحتاج إليه ، ويغضب على من يزاحمه في ذلك ، وتدعوه شهوته وغضبه إلى الجور
على غيره ، فيقع من ذلك الهرج والمرج ، ويختلّ أمر الاجتماع ، مع أنّ الاجتماع
ضروريّ لنوع الإنسان ، فإنّ كلّ شخص لا يمكنه أن يعيش وحده ، لافتقاره إلى غذاء
وملبوس ومسكن ، وكلّها صناعيّة لا يمكن أن تصدر عن صانع واحد إلاّ في مدّة لا يمكن
أن يعيش تلك المدّة فاقدا لها ، أو يتعسر إن أمكن ، وإنّما يتيسّر لجماعة يتعاونون
ويتشاركون في تحصيلها ، يفرغ كلّ واحد منهم لصاحبه عن بعض ذلك ، فيتمّ النظام
بمعاوضة عمل بعمل ومعاوضة عمل بأجرة ، فلهذا قيل : الإنسان مدنيّ بالطبع ، فلا بدّ
حينئذ من سلطان قاهر ، مطاع ، نافذ الأمر ، متميّز عن غيره من بني النوع ، وليس
نصبه مفوضا إليه ، وإلاّ وقع المحذور ، ولا إلى العامّة ، لذلك أيضا ، بل يكون من
عند الله تعالى.
ولا يجوز وقوع
الخطأ منه ، وإلاّ لوجب أن يكون له إمام آخر ، ويتسلسل ، فلهذا وجب أن يكون معصوما.
ولأنّه تعالى أوجب
علينا طاعته وامتثال أوامره ، لقوله تعالى ( يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ
مِنْكُمْ ) وذلك عامّ في كلّ شيء ، فلو لم يكن معصوما ، لجاز أن يأمر
بالخطإ ، فإن وجب علينا اتّباعه ، لزم الأمر بالضدّين ، وهو محال ، وإن لم يجب ،
بطل العمل بالنصّ.
ويجب عندهم أن
يكون معصوما من أوّل عمره إلى آخره ، لسقوط محلّه
__________________
عند الناس لولاه.
الثالث عشر : أن يكون منصوصا
عليه من الله تعالى ، أو من النبي 6 ، أو ممّن ثبتت إمامته بالنصّ فيهما ، لأنّ العصمة من
الأمور الخفيّة التي لا يمكن الاطّلاع عليها ، فلو لم يكن منصوصا عليه ، لزم تكليف
ما لا يطاق. والنصّ من الله تعالى يعلم إمّا بالوحي على نبيّه 7 ، أو بخلق معجز على يده عقيب
ادّعائه الإمامة.
الرابع
عشر : أن يكون أفضل أهل
زمانه ، ليتحقّق التميز عن غيره.
ولا يجوز عندنا
تقديم المفضول على الفاضل ـ خلافا لكثير من العامّة ـ للعقل والنقل.
أمّا العقل : فإنّ
الضرورة قاضية بقبحه.
وأمّا النقل :
فقوله تعالى ( أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ
يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلاّ أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ) وهذه صيغة تعجّب
من الله تعالى ، دالّة على شدّة الإنكار ، لامتناعه في حقّه تعالى.
والأفضليّة تتحقّق
بالعلم والزهد والورع وشرف النسب والكرم والشجاعة وغير ذلك من الأخلاق الحميدة .
الخامس
عشر : أن يكون منزّها
عن القبائح ، لدلالة العصمة عليه. ولأنّه يكون مستحقّا للإهانة والإنكار عليه ،
فيسقط محلّه من قلوب العامّة ، فتبطل فائدة نصبه. وأن يكون منزّها عن الدناءات
والرذائل ، كاللعب
__________________
والأكل في الأسواق
وكشف الرأس بين الناس وغير ذلك ممّا يسقط محلّه ويوهن مرتبته. وأن يكون منزّها عن
دناءة الآباء وعهر الأمّهات. وقد خالفت العامّة في ذلك كلّه.
مسألة ٢٣٧
: وإنّما تنعقد الإمامة بالنصّ عندنا على ما سبق. ولا تنعقد
بالبيعة ، خلافا للعامّة بأسرهم ، فإنّهم أثبتوا إمامة أبي بكر بالبيعة ، ووافقونا
على صحّة الانعقاد بالنصّ ، لكنّهم جوّزوا انعقادها بأمور :
أحدها : البيعة . واختلفوا في عدد الذين تنعقد الإمامة ببيعتهم.
فقال بعضهم : لا
بدّ من أربعين ، لأنّ عهد الإمامة أعظم خطرا من عقد الجمعة ، وهذا العدد معتبر في
الجمعة عند الشافعيّة ففي البيعة أولى .
وقال بعض
الشافعيّة : إنّه يكفي أربعة ، لأنّه أكمل نصب الشهادات .
وقال بعضهم :
ثلاثة ، لأنّ الثلاثة مطلق الجمع ، فإذا اتّفقوا ، لم يجز مخالفة الجماعة .
وقال بعضهم :
اثنان ، لأنّ أقلّ الجمع اثنان .
وقال بعضهم : واحد
، لأنّ عمر بن الخطّاب بايع أبا بكر أوّلا ثمّ وافقه الصحابة .
وقال بعضهم :
يعتبر بيعة أهل الحلّ والعقد من العلماء والرؤساء ووجوه الناس الذين يسهل حضورهم ،
ولا يشترط اتّفاق أهل الحلّ والعقد في سائر البلاد ، بل إذا وصل الخبر إلى أهل
البلاد البعيدة ، فعليهم الموافقة والمتابعة . وعلى هذا فلا يتعيّن للاعتبار عدد ، بل لا يشترط العدد ،
فلو تعلّق الحلّ والعقد بواحد مطاع ، كفت بيعته لانعقاد الإمامة .
__________________
قالوا : ولا بد
وأن يكون الذين يبايعون بصفات الشهود حتى لو كان واحدا ، شرط ذلك فيه.
وهل يشترط في
البيعة حضور شاهدين؟ وجهان للشافعيّة.
ويشترط في انعقاد
البيعة أن يجيب الذين يبايعونه ، فإن امتنع ، لم تنعقد إمامته .
الأمر الثاني : استخلاف الإمام قبله ، وعهده إليه ، كما عهد أبو بكر إلى عمر. وانعقد الإجماع
بينهم على جوازه .
قالوا :
والاستخلاف أن يجعله خليفة في حياته ثمّ يخلفه بعد موته .
ولو أوصى له
بالإمامة من بعده ، ففيه وجهان عندهم ، لأنّه بالموت يخرج عن الولاية ، فلا يصحّ
منه تولية الغير .
ويشكل بأنّ مرادهم
بجعله خليفة في حياته إن كان استنابه ، فلا يكون عهدا إليه بالإمامة ، أو جعله
إماما في الحال ، فهذا إمّا خلع لنفسه أو اجتماع إمامين في وقت واحد ، أو جعله
إماما بعد موته ، وهذا معنى لفظ الوصيّة .
ولو جعل الأمر
شورى بين اثنين فصاعدا بعده ، كان كالاستخلاف ، إلاّ أنّ المستخلف غير معيّن ،
فيحتاج إلى تشاورهم اتّفاقهم على جعل واحد منهم خليفة ، كقضيّة عمر حيث جعل الأمر
شورى في ستّة .
ثمّ اختلفوا في
أنّه هل يشترط في المولّى شروط الإمامة من وقت العهد إليه حتى لو كان صغيرا أو
فاسقا عند العهد ، بالغا عدلا عند موت المولّي ، لم ينصب إماما إلاّ أن يبايعه أهل
الحلّ والعقد؟ وبعضهم لم يشترط ذلك .
__________________
ولو عهد إلى غائب
مجهول الحياة ، لم يصحّ. ولو كان معلوم الحياة ، صحّ.
فإن مات المستخلف
وهو غائب بعد [ استقدمه ] (١) أهل الاختيار ، فإن بعدت غيبته واستضرّ المسلمون
بتأخير النظر في أمورهم ، اختار أهل الحلّ والعقد نائبا له يبايعونه بالنيابة دون
الخلافة ، فإذا قدم ، انعزل النائب .
ولو خلع الخليفة
نفسه ، كان كما لو مات ، فتنتقل الخلافة إلى وليّ العهد على خلاف .
ويجوز أن يفرق بين
أن يقول : الخلافة بعد موتي لفلان ، أو بعد خلافتي .
واختلفوا في أنّه
هل يجوز العهد إلى الوالد والولد كما يجوز إلى غيرهما؟
فقال بعضهم بالمنع
كالتزكية والحكم لهما عندهم .
وقال آخرون بالفرق
بين الوالد والولد ، لأنّ الميل إلى الولد أشدّ .
واختلفوا في أنّ
وليّ العهد لو أراد أن ينقل ما إليه من ولاية العهد إلى غيره ، لم يجز ، لأنّه
إنّما يجوز له النظر وتثبت الولاية بعد موت المولي.
ولو عهد إلى اثنين
أو أكثر على الترتيب ، فقال : الخليفة بعدي فلان ،
__________________
وبعد موته فلان ،
جاز ، وانتقلت الخلافة إليهم على ما رتّب.
ولو مات الأوّل في
حياة الخليفة ، فالخلافة بعده للثاني. ولو مات الأوّل والثاني في حياته ، [ فهي ] للثالث على خلاف
، لأنّ المفهوم من اللفظ جعل الثاني خليفة بعد خلافة الأوّل .
ولو مات الخليفة
والثلاثة أحياء وصارت الخلافة إلى الأوّل فأراد أن يعهد بها إلى غير الآخرين ،
فالظاهر من مذهب الشافعي جوازه ، لأنّه إذا انتهت الخلافة إليه ، صار أملك بها
ويوصلها إلى من شاء ، بخلاف ما إذا مات ولم يعهد بها إلى أحد ، ليس لأهل البيعة أن
يبايعوا غير الثاني ، ويقدّم عهد الأوّل على اختيارهم.
وليس لأهل الشورى
أن يعيّنوا واحدا منهم في حياة الخليفة إلاّ أن يأذن لهم في ذلك ، فإن خافوا
انتشار الأمر بعده ، استأذنوه ، فإن أذن ، فعلوا.
وأنّه يجوز
للخليفة أن ينصّ على من يختار الخليفة بعده ، كما يجوز له أن يعهد إلى غيره حتى لا
يصحّ إلاّ اختيار من نصّ عليه ، كما لا يصحّ إلاّ تقليد من عهد إليه ، لأنّهما من
حقوق خلافته.
وإذا عهد بالخلافة
إلى غيره ، فالعهد موقوف على قبول المولّى . واختلفوا في وقت القبول.
فقيل : بعد موت
المولّي ، لأنّه وقت نظره وقيامه بالأمور .
والأصحّ عندهم :
أنّ وقته ما بين عهد المولّي وموته .
__________________
وقيل : إذا امتنع
المولى من القبول فيبايع غيره ، فكأنّه لا تولية .
وكذا إذا جعل
الأمر شورى فترك القوم الاختيار ، لا يجبرون عليه ، فكأنّه ما جعل الأمر إليهم .
الأمر الثالث : القهر والاستيلاء. فإذا مات الإمام فتصدّى للإمامة من يستجمع شرائطها من غير
استخلاف وبيعة ، وقهر الناس بشوكته وجنوده ، انعقدت الخلافة ، لانتظام الشمل بما
فعل .
ولو لم يكن
مستجمعا للشرائط بل كان فاسقا أو جاهلا ، فللشافعيّة وجهان ، أظهرهما : أنّ الحكم
كذلك وإن كان عاصيا بما فعل .
وهذا من أغرب
الأشياء إيجاب المعصية ، فهذا كلّه ساقط عندنا ، لأنّا قد بيّنّا أنّ الإمامة لا
تثبت إلاّ بالنصّ ، لوجوب العصمة ، وأنّ البيعة لا تصلح للتعيين. قال الله تعالى ( ما كانَ
لَهُمُ الْخِيَرَةُ ) والأمر الثالث أبلغ في المنع والبطلان.
مسألة ٢٣٨
: تجب طاعة الإمام عندنا وعند كلّ أحد أوجب نصب الإمام ما لم
يخالف المشروع ـ وهذا القيد يفتقر إليه غيرنا حيث جوّزوا إمامة الفاسق ـ لقوله
تعالى ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا
اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ) .
وقال 7 : « من نزع يده
من طاعة إمامه فإنّه يأتي يوم القيامة ولا حجّة
__________________
له » .
ولا فرق عندهم بين
أن يكون عادلا أو جائرا .
ولا يجوز عندهم
نصب إمامين في وقت واحد ، لما فيه من اختلاف الرأي وتفرّق الشمل .
وجوّز أبو إسحاق
من الشافعيّة نصب إمامين في إقليمين ، لأنّه قد يحدث في أحد الإقليمين ما يحتاج
إلى نظر الإمام ويفوت المقصود بسبب البعد .
فإن عقدت البيعة
لرجلين معا ، فالبيعتان باطلتان. وإن ترتّبتا ، فالثانية باطلة. وينظر إن جهل
الثاني ومن بايعه تقدم بيعة الأوّل ، لم يعزّر ، وإلاّ عزّر .
ولما روي من قوله 7 : « إذا بويع
الخليفتان فاقتلوا الأخير منهما » .
وتأوّله بعضهم بما
إذا أصرّ ولم يبايع الأوّل ، فإنّه يكون باغيا يقاتل .
وقال بعضهم : لا
تطيعوه ولا تقبلوا قوله ، فيكون كمن مات أو قتل .
ولو عرف سبق
أحدهما ولم يتعيّن ، أو لم يعلم أوقعا معا أو على التعاقب ، فالحكم كالجمعتين.
__________________
ولو سبق أحدهما
على التعيين واشتبه السابق ، وقف الأمر إلى أن ينكشف الحال ، فإن طالت المدّة أو
لم يمكن الانتظار ، قال بعض الشافعيّة : تبطل البيعتان ، وتستأنف بيعة أحدهما . وفي جواز العدول
إلى غيرهما خلاف .
وذكر أنّه لو
ادّعى كلّ منهما أنّه الأسبق ، لم تسمع الدعوى ولم يحلف [ الآخر ] لأنّ الحقّ
يتعلّق بجميع المسلمين. وأنّه لو قطعا التنازع وسلّم أحدهما [ الأمر ] إلى الآخر ، لم
تستقرّ الإمامة له ، بل لا بدّ من بيّنة تشهد بتقدّم بيعته. وأنّه لو أقرّ أحدهما
للآخر بتقدّم بيعته ، خرج منها المقرّ ، ولا بدّ من البيّنة ليستقرّ الأمر للآخر ،
فإن شهد له المقرّ مع آخر ، قبلت شهادته إن كان يدّعي اشتباه الأمر قبل الإقرار ،
وإن كان يدّعي التقدّم ، لم تسمع ، لما في القولين من التكاذب .
وإذا ثبتت الإمامة
بالقهر والغلبة فجاء آخر فقهره ، انعزل ، وصار القاهر إماما.
ولا يجوز خلع
الإمام بلا سبب ولو خلعوه ، لم ينفذ ، لأنّ الآراء تتغيّر ، فلا نأمن تكرّر
التولية والعزل ، وفي ذلك سقوط الهيبة والوقع من القلب.
ولو عزل الإمام
نفسه ، نظر إن عزل للعجز عن القيام بأمور المسلمين من
__________________
هرم أو مرض ،
انعزل عندهم. ثمّ إن ولّى غيره ، انعقدت الإمامة لمن ولاّه ، وإلاّ بايع الناس
غيره.
وإن عزل نفسه من
غير عذر ، ففي انعزاله وجهان :
أحدهما : ينعزل ،
ولا يكلّف أن يترك مصلحة نفسه محافظة على مصلحة غيره ، وصار كما لو لم يجب إلى
المبايعة ابتداء.
والثاني : المنع ،
لما روي أنّ أبا بكر قال : أقيلوني . ولو تمكّن من عزل نفسه ، لما طلب الإقالة .
وقال بعضهم :
للإمام أن يعزل وليّ العهد ، لأنّ الخلافة لم تنتقل إليه ، فلا يخشى من تبديله
الفساد والفتنة .
وقال بعضهم : ليس
له ذلك ما لم يتغيّر حاله وإن جاز له عزل من استنابه في إشغاله في الحال ، لأنّه
يستنيبه لنفسه ، واستخلاف وليّ العهد يتعلّق بالمسلمين عامّة ، فصار كأهل البيعة
يبايعون ، ولا يعزلون من بايعوه .
مسألة ٢٣٩
: الإمام عندنا لا يتحقّق منه صدور الفسق ، لأنّه واجب
العصمة من أوّل عمره إلى آخره.
أمّا من لم يشترط
عصمته ، فالأظهر عند الشافعيّة منهم : أنّ الإمام لا ينعزل بالفسق ، لأنّهم يجوزون
إمامة الفاسق ، فإذا كان لا يمنع الفسق من الابتداء فأولى أن لا يمنع من
الاستدامة. ولا ينعزل بالإغماء ، لأنّه
__________________
متوقّع الزوال.
قالوا : وينعزل
بالمرض الذي ينسيه العلوم ، وبالجنون .
وقال بعضهم : لو
كان الجنون منقطعا وكان زمان الإفاقة أكثر وتمكّن معه من القيام بالأمور ، لم
ينعزل. وينعزل بالعمى والصمم والخرس ، ولا ينعزل بثقل السمع وتمتمة اللسان .
وبينهم خلاف في
أنّهم هل يمنعان ابتداء التولية؟ وفي أنّ قطع إحدى اليدين أو الرّجلين هل يؤثّر في
الدوام .
مسألة ٢٤٠
: يثبت وصف البغي بشرائط ثلاثة :
أحدها : أن يكونوا في كثرة
ومنعة لا يمكن كفّهم وتفريق جمعهم إلاّ بإنفاق وتجهيز جيوش وقتال ، فأمّا إن
كانوا نفرا يسيرا كالواحد والاثنين والعشرة وكيدها كيد ضعيف. فليسوا أهل بغي ، وكانوا قطّاع
طريق ، ذهب إليه الشيخ في المبسوط وابن إدريس ، وهو مذهب الشافعي لأنّ عبد الرحمن بن ملجم لعنه الله لمّا جرح عليّا 7 ، قال لابنه
الحسن 7 : « إن برئت رأيت رأيي ، وإن مت فلا تمثلوا به » .
__________________
وقال بعض الجمهور
: يثبت لهم حكم البغاة إذا خرجوا عن قبضة الإمام . وفيه قوّة.
الثاني : أن يخرجوا عن قبضة الإمام منفردين عنه في بلد أو بادية ، أمّا لو كانوا معه
وفي قبضته ، فليسوا أهل بغي ، لأنّ عليّا 7 كان يخطب ، فقال رجل بباب المسجد : لا حكم إلاّ لله ،
تعريضا بعليّ 7 أنّه حكم في دين الله ، فقال عليّ 7 : « كلمة حقّ
أريد بها باطل ، لكم علينا ثلاث : أن لا نمنعكم مساجد الله أن تذكروا اسم الله
فيها ، ولا نمنعكم الفيء ما دامت أيديكم معنا ، ولا نبدؤكم بقتال » فقوله 7 : « ما دامت
أيديكم معنا » يعني لستم منفردين.
الثالث : أن يكونوا على
المباينة بتأويل سائغ عندهم بأن تقع لهم شبهة تقتضي الخروج على الإمام ، فأمّا
إذا لم يكن لهم تأويل سائغ وباينوا ، فهم قطّاع طريق حكمهم حكم المحارب.
والشافعيّة
اعتبروا في أهل البغي صفتين :
إحداهما : أن يكون لهم تأويل
يعتقدون بسببه جواز الخروج على الإمام ، أو منع الحقّ المتوجّه عليهم ، لأنّ من
خالف الإمام من غير تأويل ، كان معاندا ، ومن يتمسّك بالتأويل ، يطلب
الحقّ على اعتقاده ، ولا يكون معاندا ، فيثبت له نوع حرمة ، كما في حقّ من خرج على
عليّ 7 حيث اعتقدوا أنّه يعرف قتلة عثمان ، ويقدر عليهم ولا يقتصّ منهم ، لرضاه
__________________
بقتله ومواطأتهم
إيّاه.
وكذا مانعو أبي
بكر عن الزكاة ، حيث قالوا : أمرنا بدفع الزكاة إلى من صلاته سكن لنا ، وهو رسول
الله 6 ، وأنت لست كذلك.
والتأويل المشروط
في أهل البغي إذا كان بطلانه مظنونا ، فهو معتبر. وإن كان بطلانه مقطوعا به ،
فوجهان :
أظهرهما : أنّه لا
يعتبر ، كتأويل أهل الردّة.
والثاني : يعتبر ،
ويكتفى بغلطهم فيه .
قالوا : ولهذا كان
معاوية وأصحابه بغاة. واستدلّوا عليه : بقوله 7 : « إنّ عمّارا تقتله الفئة الباغية » .
ثمّ قالوا : إن
شرطنا في البغي أن يكون بطلان التأويل مظنونا ، كان معاوية [ مبطلا ] فيما ذهب إليه
ظنّا ، وإن شرطنا العلم ، قلنا : إنّ معاوية كان مبطلا قطعا .
وأمّا الخوارج :
فهم صنف مشهور من المبتدعة يعتقدون تكفير أصحاب الكبائر واستحقاق الخلود في النار
بها ، كشرب الخمر والزنا والقذف ، ويستحلّون دماء المسلمين وأموالهم ، إلاّ من خرج
معهم ، وطعنوا في
__________________
عليّ 7 وعثمان ، ولا
يجتمعون معهم في الجمعات والجماعات.
وللشافعيّة خلاف
في تكفيرهم .
وهل حكمهم إذا لم
يكفّروهم حكم أهل البغي ، أو حكم أهل الردّة؟ الأصحّ عندهم : الثاني ، وعلى هذا تنفذ
أحكامهم ، بخلاف أحكام البغاة.
وأكثر الشافعيّة :
[ على ] أنّه إن أظهر قوم رأي الخوارج وتجنّبوا الجماعات وكفّروا
الإمام ومن معه ، فإن لم يقاتلوا وكانوا في قبضة الإمام ، فلا يقتلون ولا يقاتلون ، لقول عليّ 7 للخارجيّ : « لكم
علينا ثلاث : أن لا نمنعكم مساجد الله أن تذكروا فيها اسم الله ، ولا نمنعكم الفيء
ما دامت أيديكم معنا ، ولا نبدؤكم بقتال » .
ثمّ إنّهم إن
صرّحوا بسبّ الإمام أو غيره من أهل العدل ، عزّروا ، وإن عرّضوا ، فوجهان .
وعندنا : أنّ
الخوارج كفّار وأنّ من سبّ الإمام وجب قتله.
ولو بعث الإمام
إليهم واليا فقتلوه ، فعليهم القصاص.
وهل يتحتّم قتل
قاتله ، كقاطع الطريق ، لأنّه شهر السلاح ، أو لا ، لأنّه لا يقصد إخافة الطريق؟
للشافعيّة أقوال ثلاثة ، أحدها : فيه وجهان .
__________________
الصفة الثانية : أن يكون لهم شوكة وعدد بحيث يحتاج الإمام في ردّهم إلى الطاعة إلى كلفة ببذل
مال وإعداد رجال ونصب قتال .
وشرط جماعة من
الشافعيّة في الشوكة أن ينفردوا ببلدة أو قرية أو موضع من الصحراء. وربما قالوا :
ينبغي أن يكونوا بحيث لا يحيط بهم أجناد الإمام .
والمحقّقون لم
يعتبروا ذلك ، بل اعتبروا استعصاءهم وخروجهم عن قبضة الإمام حتى لو تمكّنوا من
المقاومة ـ مع كونهم محفوفين بجند الإمام ـ قاوموهم .
وهل يشترط أن يكون
بينهم إمام منصوب أو منتصب؟ قولان : الأكثر على المنع ـ وهو قول أكثر الشافعيّة ـ لأنّه ثبت لأهل
الجمل وأهل النهروان حكم البغاة ولم يكن فيما بينهم إمام.
وقال بعضهم :
يعتبر في أهل البغي وراء ما سبق أمران : أن يمتنعوا من حكم الإمام ، وأن يظهروا
لأنفسهم حكما. ولا يعتبر أن يكون عددهم عدد أجناد الإمام ، بل يكفي أن يتوقّعوا
الظفر .
مسألة ٢٤١
: كلّ من خرج على إمام عادل ثبتت إمامته بالنصّ عندنا ، والاختيار
عند العامّة وجب قتاله إجماعا ، وإنّما يجب قتاله بعد البعث إليه والسؤال عن سبب
خروجه وإيضاح ما عرض له من الشبهة وحلّها له وكشف الصواب إلاّ أن يخاف كلبهم ولا
يمكنه ذلك في حقّهم ، أمّا
__________________
إذا أمكنه تعريفهم
، وجب عليه أن يعرّفهم.
فإذا عرّفهم ، فإن
رجعوا ، فلا بحث ، وإن لم يرجعوا ، قاتلهم ، لأنّ الله تعالى أمر بالصلح ، فقال ( فَأَصْلِحُوا
بَيْنَهُما ) قبل الأمر بالقتال.
ولأنّ الغرض كفّهم
ودفع شرّهم ، فإذا أمكن بمجرّد القول ، لم يعدل إلى القتل ، وإذا أمكن بالإثخان ،
لم يعدل إلى التذفيف ، فإن التحم القتال واشتدّ الحرب ، خرج الأمر عن الضبط.
ولمّا أراد أمير
المؤمنين عليّ 7 قتل الخوارج ، بعث إليهم عبد الله بن عباس ليناظرهم فلبس حلّة
حسنة ومضى إليهم ، فقال : هذا عليّ بن أبي طالب ابن عمّ رسول الله 6 ، وزوج ابنته
فاطمة 3 ، وقد عرفتم فضله ، فما تنقمون منه؟ قالوا : ثلاثا : إنّه حكّم في دين الله ،
وقتل ولم يسب ، فإمّا أن يقتل ويسبي أو لا يقتل ولا يسبي ، إذا حرمت أموالهم حرمت
دماؤهم ، والثالث : محا اسمه من الخلافة. فقال ابن عباس : إن خرج عنها رجعتم إليه؟
قالوا : نعم.
قال ابن عباس :
أمّا قولكم : حكّم في دين الله تعنون الحكمين بينه وبين معاوية ، وقد حكّم الله في
الدين ، فقال ( وَإِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما
فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها ) وقال ( يَحْكُمُ
بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ ) فحكم في أرنب قيمته درهم ، فبأن يحكم في هذا الأمر العظيم
أولى. فرجعوا عن هذا.
__________________
قال : وأمّا قولكم
: كيف قتل ولم يسب! فأيّكم لو كان معه فوقع في سهمه عائشة زوج النبي 6 ، فكيف يصنع وقد
قال الله تعالى ( وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ
بَعْدِهِ أَبَداً ) ؟ قالوا : رجعنا عن هذا.
قال : وقولكم :
محا اسمه من الخلافة ، تعنون أنّه لمّا وقعت المواقفة بينه وبين معاوية كتب بينهم
: هذا ما واقف عليه أمير المؤمنين عليّ معاوية ، قال له : لو كنت أمير المؤمنين ما
نازعناك ، فمحا اسمه ، فقال ابن عباس : إن كان محا اسمه من الخلافة ، فقد محا رسول
الله 6 اسمه من النبوّة لمّا قاضى سهيل بن عمرو بالحديبيّة كتب الكتاب علي : هذا ما
قاضى عليه رسول الله سهيل بن عمرو ، فقالوا له : لو كنت نبيّا ما خالفناك ، فقال
النبي 6 لعليّ : « امحه » فلم يفعل فقال لعليّ : « أرنيه » فأراه إيّاه ، فمحاه النبي
6 بإصبعه ، وقال : « ستدعى إلى مثلها » فرجع بعضهم ، وبقي منهم أربعة آلاف لم
يرجعوا ، فقاتلهم عليّ 7 فقتلهم .
مسألة ٢٤٢
: ويجب قتال أهل البغي على كلّ من ندبه الإمام لقتالهم عموما
أو خصوصا أو من نصبه الإمام. والتأخير عن قتالهم كبيرة.
ويجب على الكفاية
إذا قام به البعض سقط عن الباقين ما لم يستنهضه الإمام على التعيين فيجب عليه ،
ولا يكفيه قيام غيره ، كما قلنا في جهاد المشركين.
__________________
والفرار في حربهم
كالفرار في حرب المشركين ، تجب مصابرتهم حتى يفيئوا إلى الحقّ ويرجعوا إلى طاعة
الإمام أو يقتلوا ، بغير خلاف في ذلك. فإذا رجعوا ، حرم قتالهم ، لقوله تعالى ( حَتّى
تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللهِ ) وكذا إن ألقوا السلاح وتركوا القتال ، أمّا لو انهزموا ،
فإنّه يجب قتالهم إن كان لهم فئة يرجعون إليها.
ولو استعان أهل
البغي بنسائهم وصبيانهم وعبيدهم في القتال وقاتلوا معهم أهل العدل ، قوتلوا مع
الرجال وإن أتى القتل عليهم ، لأنّ العادل يقصد بقتاله الدفع عن نفسه وماله.
ولو أرادت امرأة
أو صبي قتل إنسان ، كان له قتالهما ودفعهما عن نفسه وإن أتى على أنفسهما.
مسألة ٢٤٣
: لو استعان أهل البغي بأهل الحرب وعقدوا لهم ذمّة أو أمانا
على هذا ، كان باطلا ، ولا ينعقد لهم أمان ولا ذمّة ، لأنّ من شرط عقد الذمّة
والأمان أن لا يجتمعوا على قتال المسلمين ، فحينئذ يقاتل الإمام وأهل العدل
المشركين مقبلين ومدبرين ، كالمنفردين عن أهل البغي. وإذا وقعوا في الأسر ، تخيّر
الإمام فيهم بين المنّ والفداء والاسترقاق والقتل.
وليس لأهل البغي
أن يتعرّضوا لهم ـ قاله الشيخ ـ من حيث إنّهم بذلوا لهم الأمان وإن كان فاسدا ، فلزمهم
الكفّ عنهم ، لاعتمادهم على قولهم ، لا من حيث صحّة أمانهم.
فإن استعانوا بأهل
الذمّة فعاونوهم وقاتلوا معهم أهل العدل ، راسلهم
__________________
الإمام وسألهم عن
فعلهم ، فإن ادّعوا الشبهة المحتملة بأن يدّعوا الجهل واعتقاد أنّ الطائفة من
المسلمين إذا طلبوا المعونة جازت معونتهم ، أو ادّعوا الإكراه على ذلك ، كانت
ذمّتهم باقية ، وقبل قولهم ، ولم يكن ذلك نقضا للعهد.
وإن لم يدّعوا
شيئا من ذلك ، انتقض عهدهم ، وخرقوا الذمّة ـ وهو أحد قولي الشافعي ـ لأنّهم لو
انفردوا وقاتلوا الإمام خرقوا الذمّة ، وانتقض عهدهم ، فكذا إذا قاتلوا مع أهل
البغي.
والثاني للشافعي :
لا يكون نقضا ، لجهل أهل الذمّة بالمحقّ ، فيكون شبهة .
وليس جيّدا ،
لاعتقادهم بطلان الطائفتين.
إذا عرفت هذا ،
فإنّه بمجرّد قتالهم مع أهل البغي من غير شبهة يجوز قتلهم مقبلين ومدبرين. ولو
أتلفوا أموالا وأنفسا ، ضمنوها عندنا.
وأمّا الشافعي في
أحد قوليه : فإنّه لا يجعل القتال نقضا ، فيكون حكمهم حكم أهل البغي في قتالهم
مقبلين لا مدبرين .
وأمّا ضمان
الأموال : فإنّ أهل الذمّة يضمنونها عنده قولا واحدا . وأمّا أهل البغي
: فقولان ، وفرّق بأمرين :
أحدهما : أنّ لأهل
البغي شبهة دون أهل الذمّة.
الثاني : أنّا
أسقطنا الضمان عن أهل البغي لئلاّ تحصل لهم نفرة عن
__________________
الرجوع إلى الحقّ
، وأمّا أهل الذمّة فلا يتحقّق هذا المعنى فيهم .
وأمّا نحن : فلا
فرق بينهما في وجوب الضمان عليهما.
وإن استعانوا
بالمستأمنين ، انتقض أمانهم ، وصاروا حربا لا أمان لهم. فإن ادّعوا الإكراه ، قبل
بالبيّنة لا بمجرّد الدعوى ، بخلاف أهل الذمّة ، لأنّ الذمّة أقوى حكما.
مسألة ٢٤٤
: يجوز للإمام أن يستعين بأهل الذمّة على حرب أهل البغي ، وبه
قال أصحاب الرأي .
وقال الشيخ في
المبسوط : ليس له ذلك . وهو خلاف ما عليه الأصحاب.
والشافعي خرّج ذلك
أيضا ، لأنّ أهل الذمّة يجوّزون قتل أهل البغي مقبلين ومدبرين وذلك لا يجوز .
وهو ممنوع على ما
يأتي تفصيله.
أمّا لو استعان من
المسلمين بمن يرى قتلهم مقبلين ومدبرين في موضع لا يجوز ذلك ، لم يجز إلاّ بأمرين
: أحدهما : فقد من يقوم مقامهم. الثاني : أن يكون مع الإمام قوّة متى علم منهم
قتلهم مدبرين كفّهم عنه.
مسألة ٢٤٥
: إذا افترق أهل البغي طائفتين ثمّ اقتتلوا ، فإن كان للإمام
قوّة على قهرهما ، فعل ، ولم يكن له معاونة إحداهما على الأخرى ، لأنّ كلّ
__________________
واحدة على خطأ ،
والإعانة على الخطأ من غير حاجة خطأ ، بل يقاتلهما معا حتى يعودوا إلى طاعته ، وإن
لم يتمكّن من ذلك ، تركهما ، فأيّهما قهرت الأخرى دعاها إلى الطاعة ، فإن أبت ،
قاتلهم.
وإن ضعف عنهما
وخاف من اجتماعهما عليه ، جاز أن يضمّ إحداهما إليه ويقاتل الأخرى ، ويقصد كسرها
ومنعها عن البغي ، لا معاونة من يقاتل معها. وينبغي أن يعاون التي هي إلى الحقّ
أقرب.
فإن انهزمت التي
قاتلها أو رجعت إلى طاعته ، كفّ عنها ، ولم يجز له قتال الطائفة الأخرى التي ضمّها
إليه إلاّ بعد دعائها إلى طاعته ، لأنّ ضمّها إليه يجري مجرى أمانه إيّاها.
مسألة ٢٤٦
: إذا لم يمكن دفع البغاة إلاّ بالقتل ، وجب ، ولا يقاتلون
بما يعمّ إتلافه ، كالنار والمنجنيق والتغريق ، لأنّ القصد بقتالهم فلجمعهم ورجوعهم
إلى الطاعة ، والنار تهلكهم وتقع على المقاتل وغيره ، ولا يجوز قتل من لا يقاتل.
ولو احتاج أهل
العدل إلى ذلك واضطرّوا إليه بأن يكون قد أحاط بهم البغاة من كلّ جانب وخافوا
اصطدامهم ، ولا يمكنهم التخلّص إلاّ برمي النار أو المنجنيق ، جاز ذلك. وكذا إن
رماهم أهل البغي بالنار أو المنجنيق ، جاز لأهل العدل رميهم به.
إذا عرفت هذا ،
فلا إثم على قاتلي أهل البغي إذا لم يندفعوا إلاّ به ، ولا ضمان مال ولا كفّارة ،
لأنّه امتثل الأمر بقتل مباح الدم ، لقوله تعالى : ( فَقاتِلُوا الَّتِي
تَبْغِي ) وإذا لم يضمنوا النفوس فالأموال أولى بعدم الضمان.
__________________
والقتيل من أهل
العدل شهيد ، لأنّه قتل في قتال أمر الله تعالى به ، ولا يغسّل ولا يكفّن ، ويصلّى
عليه ، عندنا ، لأنّه شهيد معركة أمر بالقتال فيها ، فأشبه معركة الكفّار.
وقال الأوزاعي
وابن المنذر : يغسّل ويصلّى عليه ، لأنّ النبي 6 أمر بالصلاة على من قال : لا إله إلاّ الله .
ونحن نقول بموجبه
، لأنّا نوجب الصلاة على الشهيد ، وليس في الخبر الأمر بالغسل والتكفين.
إذا ثبت هذا ،
فإنّ ما يتلفه أهل العدل من أموال أهل البغي حال الحرب غير مضمون ، لأنّه مأمور
بالقتال ، فلا يضمن ما يتولّد منه. ولا نعلم فيه خلافا ، لأنّ أبا بكر قال للذين
قاتلهم بعد ما تابوا : تدون قتلانا ، ولا ندي قتلاكم .
ولأنّهما فرقتان
من المسلمين : محقّة ومبطلة ، فلا تستويان في سقوط الغرم ، كقطّاع الطريق.
وأمّا ما يتلفه
أهل العدل من أموال أهل البغي قبل الشروع في القتال أو بعد تقضّي الحرب : فإنّه
يكون مضمونا ، لأنّه ليس لأهل العدل ذلك ، فكان إتلافا بغير حق ، فوجب عليهم
الضمان.
ويحتمل أن يقال :
إن احتاج أهل العدل إلى قتل أو إتلاف مال في تفرّقهم وتبديل كلمتهم ، جاز لهم ذلك
، ولا ضمان.
__________________
ولو أتلف أهل
البغي مال أهل العدل أو نفسه قبل الشروع في القتال أو بعد تقضّيه ، فإنّه يضمنه
إجماعا.
وأمّا ما يتلفه
الباغي على العادل من مال ونفس حالة الحرب : فإنّه مضمون عليه عندنا بالغرامة
والدية ـ وهو قول مالك وأحد قولي الشافعي ـ لقوله تعالى ( وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ
سَيِّئَةٌ مِثْلُها ) .
ولأنّها أموال
معصومة وأنفس معصومة أتلفت بغير حقّ ولا ضرورة ، فوجب ضمانها ، كالتالف في غير
الحرب.
وقال أبو حنيفة
وأحمد والشافعي في الثاني : لا يكون مضمونا لا في المال ولا في النفس ، لأنّه لم
ينقل عن عليّ 7 أنّه ضمّن أحدا من أهل البصرة ولا أهل الشام ما أتلفوه.
ولأنّ فيه تنفيرا عن طاعة الإمام ، فأشبه أهل الحرب .
ونمنع أنّه 7 لم يضمّن فجاز [
أنّه 7 ضمّن ] ولم ينقل ، أو لم يحصل إتلاف مال ، أو جهل المتلف. وعدم
الغرم يفضي إلى كثرة الفساد بإتلاف أموال أهل العدل ، مع أنّ الآية ـ وهي قوله
تعالى :
__________________
( النَّفْسَ
بِالنَّفْسِ ) وقوله تعالى ( وَمَنْ قُتِلَ
مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً ) ـ تدلّ على وجوب
الضمان.
ولأنّ الضمان
يتعلّق بأهل البغي قبل الحرب وبعده ، فكذا حالة الحرب ، لأنّها أكثر الحالات معصية
، فلا تتعقّب سقوط العقاب.
مسألة ٢٤٧
: لو قتل الباغي واحدا من أهل العدل ، وجب عليه القصاص ، لما
تقدّم من الآيات. ولعموم قوله 7 : « لو قتله ربيعة ومضر لأقدتهم به » .
وللشافعيّة طريقان
، أظهرهما : طرد القولين في وجوب المال. والثاني : القطع بالمنع ، لأنّ القصاص سقط
بالشبهة ، وتأويلهم موجب للشبهة .
وعلى القول بوجوب
القصاص لو آل الأمر إلى المال ، فهو في مال الباغي. وعلى القول بعدمه فهل سبيله
سبيل دية العمد حتى تجب في مال القاتل ولا تتأجّل ، أو دية شبيه العمد حتى تكون
على العاقلة وتتأجّل؟ لهم خلاف .
وتجب الكفّارة على
الباغي عندنا وعند الشافعي على تقدير حكمه [ بوجوب ] القصاص أو الدية
، وإلاّ فوجهان ، أشبههما عندهم :
__________________
المنع ، لأنّ
الكفّارة حقّ الله تعالى ، وهو أولى بالتساهل .
ولو استولى باغ
على أمة أو مستولدة لأهل العدل فوطئها ، فعليه الحدّ ، والولد رقيق بغير نسب.
وفي وجوب المهر مع
إكراهها قولان للشافعي .
قال الشيخ : لا
خلاف في أنّ الحربيّ إذا أتلف شيئا من أموال المسلمين ونفوسهم ثمّ أسلم ، فإنّه لا
يضمن ولا يقاد به .
وأمّا المرتدّ :
فإنّه يضمن عندنا ما أتلفه حالة الحرب أو قبلها أو بعدها.
وأمّا الشافعي
وأبو حنيفة : فأسقطا ضمان ما يتلفه حالة الحرب من مال ونفس .
وأمّا الذين
يخالفون الإمام بتأويل يعتقدونه ولا شوكة لهم ولا امتناع ، لقلّة عددهم ، فإنّه
يلزمهم ضمان ما أتلفوا من نفس ومال إن كان على صورة القتال. وإن لم يكن قتال ،
فكذلك عندنا ، خلافا للشافعي في أحد القولين .
وهو غلط ، إذ لا
تعجز كلّ شرذمة تريد إتلاف نفس أو مال أن تبدي تأويلا وتفعل من الفساد ما تشاء ،
وذلك يفضي إلى إبطال السياسات.
وأمّا الذين لهم
كثرة وشوكة ولا تأويل لهم : ففي ضمان ما أتلفوا من المال طريقان للشافعيّة :
__________________
أحدهما : القطع
بوجوبه ، لأنّهم ليسوا بأهل البغي ، كالذين لهم التأويل دون الشوكة.
وأظهرهما عندهم :
طرد القولين في الباغي .
وعندنا يجب عليهم
الضمان.
مسألة ٢٤٨
: قد بيّنّا أنّه ينبغي للإمام وعظ أهل البغي وأمرهم بالطاعة
لتكون كلمة أهل الدين واحدة ، فإن امتنعوا ، آذنهم بالقتال ، فإن طلبوا الإنظار ،
بحث الإمام عن حالهم واجتهد ، فإن عرف عزمهم على الطاعة وطلب الإنظار لحلّ الشبهة
، أنظرهم. وإن ظهر له أنّهم يقصدون استلحاق مدد ، لم ينظرهم. وإن سألوا ترك القتال
أبدا ، لم يجبهم.
وحيث لا يجوز
الإنظار لو بذلوا مالا أو رهنوا الأولاد والنساء ، لم يلتفت إليهم ، لأنّهم قد
يقوون في المدّة ، ويتغلّبون على أهل العدل ، ويستردّون ما بذلوا.
ولو كان بأهل
العدل ضعف ، أخّر الإمام القتال ، ولا يخطر بالناس.
مسألة ٢٤٩
: أهل البغي قسمان :
أحدهما : أن لا يكون لهم فئة يرجعون إليها ولا رئيس يلجئون إليه ، كأهل
البصرة ، وأصحاب الجمل.
والثاني : أن يكون لهم فئة يرجعون إليها ورئيس يعتضدون به ويجيش لهم الجيوش ، كأهل
الشام ، وأصحاب معاوية بصفّين.
فالأوّل لا يجاز
على جريحهم ، ولا يتبع مدبرهم ، ولا يقتل أسيرهم والثاني يجاز على جريحهم ، ويتبع
مدبرهم ، ويقتل أسيرهم ، سواء
__________________
كانت الفئة حاضرة
أو غائبة ، قريبة أو بعيدة ، ذهب إلى هذا التفصيل علماؤنا أجمع ـ وبه قال ابن عباس
وأبو حنيفة وأبو إسحاق من الشافعيّة ـ لأنّا لو لم نقتلهم لم نأمن عودهم وقتالهم.
[ و ] لأنّ حفص بن غياث
سأله عن طائفتين ، إحداهما باغية ، والأخرى عادلة ، فهزمت العادلة الباغية ، قال :
« ليس لأهل العدل أن يتبعوا مدبرا ، ولا يقتلوا أسيرا ، ولا يجيزوا على جريح » .
هذا إذا لم يبق من
أهل البغي أحد ولم تكن لهم فئة يرجعون إليها ، فإذا كانت لهم فئة يرجعون إليها ،
فإنّ أسيرهم يقتل ، ومدبرهم يتبع ، وجريحهم يجاز عليه.
وقال الشافعي : لا
يجاز على جريح الفريقين معا ، ولا يتبع مدبرهم ، ولا يقتل أسيرهم ، لقول عليّ 7 : « لا يذفّف على
جريح ، ولا يتبع مدبر » .
ونقول بموجبه ،
لأنّه قاله في الفئة التي لا رئيس لها.
__________________
مسألة ٢٥٠
: لو وقع أسير من أهل البغي في يد أهل العدل وكان شابّا من
أهل القتال ، جلدا ، حبس وعرض عليه المبايعة ، فإن بايع على الطاعة والحرب قائمة ،
قبل منه وأطلق. وإن لم يبايع ، ترك في الحبس.
فإذا انقضت الحرب
فإن تابوا وطرحوا السلاح وتركوا القتال أو ولّوا مدبرين إلى غير فئة ، أطلق. وإن
ولّوا مدبرين إلى فئة ، لم يطلق عندنا في الحال.
وقال بعضهم : يطلق
، لأنّه لا يتبع مدبرهم . وقد بيّنّا خلافه.
وهل يجوز قتله؟
الذي يقتضيه مذهبنا : التفصيل ، فإن كان ذا فئة ، جاز قتله ، وإلاّ فلا ـ وبه قال
أبو حنيفة ـ لأنّ في ذلك كسرا لهم.
وقال الشافعي : لا
يجوز قتله ، لأنّ ابن مسعود قال له رسول الله 6 : « يا بن أمّ
عبد ما حكم من بغى من أمّتي؟ » قلت : الله ورسوله أعلم ، قال : « لا يتبع مدبرهم ،
ولا يجاز على جريحهم ، ولا يقتل أسيرهم ، ولا يقسم فيئهم » .
وهو محمول على ما
إذا لم تكن له فئة.
ولو كان الأسير
صبيّا أو عبدا أو امرأة أطلقوا ، لأنّهم لا يطالبون بالبيعة ، لأنّهم ليسوا من أهل
الجهاد ، وإنّما يبايعون على الإسلام خاصّة.
وقال بعضهم :
يحبسون كالرجال ، لأنّ فيه كسر قلوبهم .
__________________
وكذا الزّمن
والشيخ الفاني.
ولو أسر كلّ من
الفريقين أسارى من الآخر ، جاز فداء أسارى أهل العدل بأسارى أهل البغي.
ولو امتنع أهل
البغي من المفاداة وحبسوهم ، جاز لأهل العدل حبس من معهم ، توصّلا إلى تخليص
أساراهم.
وقال بعض العامّة
: لا يجوز ، لأنّ الذنب في حبس أسارى أهل العدل لغيرهم .
ولو قتل أهل البغي
أسارى أهل العدل ، لم يجز لأهل العدل قتل أساراهم إذا لم تكن لهم فئة ، لأنّهم لا
يقتلون بجناية غيرهم.
مسألة ٢٥١
: أموال أهل البغي ، التي لم يحوها العسكر لا تخرج عن ملكهم
، ولا تجوز قسمتها بحال.
أمّا ما حواه
العسكر من السلاح والكراع والدوابّ والأثاث وغير ذلك : فللشيخ قولان :
أحدهما : أنّها
تقسّم بين أهل العدل ، وتكون غنيمة ، كأموال المشركين ، للفارس سهمان ، وللراجل
سهم ، ولذي الأفراس ثلاثة . وبه قال ابن الجنيد.
والثاني : أنّه لا
تحلّ قسمتها ، بل هي باقية على ملكهم لا تجوز قسمتها ولا استغنامها ، وبه قال السيّد
المرتضى وابن إدريس وكافّة
__________________
العلماء ، لما
رواه العامّة عن أبي أمامة ، قال : شهدت صفّين وكانوا لا يجيزون على جريح ، ولا
يقتلون مولّيا ، ولا يسلبون قتيلا .
وعن رسول الله 6 قال : « ولا يقسم
فيئهم » .
ومن طريق الخاصّة
: قول مروان بن الحكم : لمّا هزمنا عليّ ـ 7 ـ بالبصرة ردّ على الناس أموالهم ، من أقام بيّنة أعطاه ،
ومن لم يقم بيّنة أحلفه. قال : فقال له قائل : يا أمير المؤمنين اقسم الفيء بيننا
والسبي. [ قال : ] فلمّا أكثروا عليه قال : « أيّكم يأخذ أمّ المؤمنين في
سهمه؟ » فكفّوا .
وقول الصادق 7 : « كان في قتال
عليّ 7 على أهل القبلة بركة ، ولو لم يقاتلهم عليّ لم يدر أحد بعده كيف يسير فيهم » .
احتجّ الشيخ :
بسيرة عليّ 7 ، ولأنّهم أهل قتال فحلّت أموالهم ، كأهل الحرب.
والسيرة معارضة
بمثلها ، والفرق ما تقدّم.
ولا استبعاد في
الجمع بين القولين وتصديق نقلة السيرتين ، فيقال بالقسمة للأموال إذا كان لهم فئة
يرجعون إليها إضعافا لهم وحسما لمادّة
__________________
فسادهم ، وبعدمها
فيما إذا لم تكن لهم فئة ، لحصول الغرض فيهم من تفريق كلمتهم وتبدد شملهم. وهذا هو
الذي أعتمده.
إذا عرفت هذا ،
فإنّه لا يجوز سبي ذراري الفريقين من أهل البغي ولا تملّك نسائهم بلا خلاف بين
الأمّة في ذلك.
ولا يجوز لأهل
العدل الانتفاع بكراع أهل البغي ولا بسلاحهم بحال ، إلاّ في حال الضرورة ، كما لو
خاف بعض أهل العدل على نفسه ، وذهب سلاحه ، فإنّه يجوز أن يدفع عن نفسه بسلاحهم.
وكذا يركب دوابّهم مع الحاجة ، وهذا في الموضع الذي منعنا من قسمة أموالهم فيه ،
أمّا في غيره فالجواز أظهر.
مسألة ٢٥٢
: لو غلب أهل البغي على بلد فأخذوا الصدقات والجزية والخراج
، لم يقع ذلك موقعه ، لكن للإمام أن يجيز ذلك ، لأنّهم أخذوه ظلما وعدوانا ، فلا
يتعيّن في إبراء ذمّتهم ، كما لو غصبوهم مالا غير الجزية والصدقات.
وقال الشافعي وأبو
ثور من أصحاب الرأي : يقع ذلك موقعه ، فإذا ظهر أهل العدل بعد ذلك عليه ، لم
يكن لهم مطالبتهم بإعادة ذلك ، لأنّ عليّا 7 لمّا ظهر على البصرة ، لم يطالب بشيء ممّا جبوه .
ولا حجّة فيه ،
لما بيّنّا من أنّ للإمام إجازة ذلك ، للمشقّة الحاصلة من تكليف إعادة ذلك من
الناس خصوصا إذا أقاموا في البلد سنين متطاولة.
__________________
وأمّا الحدود إذا
أقاموها : قال الشيخ : لا تعاد عليهم مرّة أخرى ، للمشقّة .
مسألة ٢٥٣
: إذا زالت يد أهل البغي عن البلد وملكه أهل العدل فطالبهم
العادل بالصدقات فذكروا أنّهم استوفوا منهم ، فإن لم يجز الإمام ذلك ، طالبهم به
مرّة ثانية وإن أجازه ، فالأقرب : قبول قولهم بغير بيّنة ، لأنّ ربّ المال إذا
ادّعى إخراج زكاته ، قبلت دعواه بغير بيّنة.
وهل يحتاج إلى اليمين؟
قال بعض الشافعيّة : نعم ، لأنّه مدّع ، فلا تقبل دعواه بغير بيّنة ، لكن لمّا
تعسّر إثبات البينة ، افتقر إلى اليمين ، فإن نكل ، أخذت الزكاة ، لا بمجرّد
النكول ، بل بظاهر الوجوب عليه.
أمّا لو ادّعى
أداء الخراج ، قال الشيخ : لا يقبل قوله ، بخلاف الزكاة ، لأنّها تجب على سبيل
المواساة ، وأداؤها عبادة ، فلهذا قبل قوله في أدائها ، بخلاف الخراج ، فإنّه
معاوضة ، لأنّه ثمن أو اجرة ، فلا يقبل قوله في أدائه ، كغيره من المعاوضات .
ولو ادّعى أهل
الذمّة أداء الجزية إلى أهل البغي ، لم تقبل منهم ، لكفرهم ، ولأنّها معاوضة عن
المساكنة وحقن الدماء ، فلا يقبل قولهم فيه.
مسألة ٢٥٤
: أهل البغي عندنا فسّاق وبعضهم كفّار ، فلا تقبل شهادتهم
وإن كان عدلا في مذهبه ، لقوله تعالى ( إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ
بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا )
__________________
ولقوله تعالى ( وَلا
تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا ) .
وسواء في ذلك أن
يشهد لهم أو عليهم ، وسواء كان على طريق التديّن أو لا على وجه التديّن.
وقال أبو حنيفة :
تقبل شهادتهم ، وهم فسّاق ، لأنّ أهل البغي بخروجهم عن طاعة الإمام والبغي قد
فسقوا ولكن تقبل شهادتهم ، لأنّ فسقهم من جهة الدين ، فلا تردّ به الشهادة ، وقد
قبل شهادة الكفّار بعضهم على بعض .
وأطبق الجمهور
كافّة على قبول شهادتهم .
وقال أكثر العامّة
: أقبل شهادته إذا كان ممّن لا يرى أنّه يشهد لصاحبه بتصديقه كالخطّابيّة ، فإنّهم
يعتقدون تحريم الكذب والإقدام على اليمين الكاذبة ، فإذا كان لبعضهم حقّ على من
يجحده ولا شاهد له به فذكر ذلك لبعض أهل مذهبه وحلف له أنّه صادق فيما يدّعيه ،
ساغ له في مذهبه أن يشهد له بدعواه .
وعندنا لا تقبل
شهادة من خالف الحقّ من سائر الفرق على ما يأتي.
وأمّا الحكم
والقضاء بين الناس : فإنّه لا يجوز عندنا إلاّ بإذن الإمام أو من نصبه الإمام ،
فإذا نصب أهل البغي قاضيا ، لم ينفذه قضاؤه مطلقا ، سواء
__________________
حكم بحق أو باطل ،
لأنّه فاسق بمجرّد التولية ، والعدالة عندنا شرط في القضاء.
وقال أبو حنيفة :
إن كان قاضيهم ـ الذي نصبوه ـ من أهل العدل ، نفذ قضاؤه ، وإن كان من أهل البغي ،
لم ينفذ .
وقال الشافعي :
ينفذ مطلقا ، سواء كان من أهل البغي أو من أهل العدل إذا لم يستحلّ دماء أهل العدل
ولا أموالهم. وإن استحلّ ذلك ، لم ينفذ حكمه إجماعا .
وقال بعض
الشافعيّة : ينفذ قضاء أهل البغي مطلقا رعاية لمصلحة الرعايا .
وقال آخرون منهم :
من ولاّه صاحب الشوكة نفذ قضاؤه وإن كان جاهلا أو فاسقا .
ولو كتب قاضي
البغاة كتابا ، لم يجز لأحد من القضاة إنفاذه عندنا ، خلافا لبعض الشافعيّة .
وقال بعضهم :
يستحبّ أن لا يقبل ، استخفافا لهم وإهانة .
ولو كتب قاضيهم
بسماع البيّنة دون الحكم المبرم ، لم يحكم به قاضينا.
__________________
وللشافعي قولان :
أحدهما كما قلنا ،
لما فيه من معاونة أهل البغي وإقامة مناصبهم.
وأصحّهما عنده :
نعم ، لأنّ الكتاب الذي يرد يتعلّق برعايانا ، وإذا نفذ حكم قاضيهم لمصلحة رعاياهم
فلأن تراعى مصالح رعايانا أولى .
مسألة ٢٥٥
: من قتل من أهل العدل في المعركة لا يغسّل ولا يكفّن ،
ويصلى عليه ، عندنا.
ومن قتل من أهل
البغي لا يغسّل ولا يكفّن ولا يصلّى عليه ، عندنا ، لأنّه كافر.
وقال مالك
والشافعي وأحمد : يغسّل ويكفّن ويصلّى عليه ، لقوله 7 : « صلّوا على من قال : لا إله إلاّ الله » .
وليس عامّا عندهم
، لخروج الشهيد عنه. ولأنّ من لم يعترف بالنبوّة مخرج عنه.
وقال أصحاب الرأي
: إن لم تكن لهم فئة ، صلّي عليهم. وإن كان لهم فئة ، لم يصلّ عليهم ، لأنّه يجوز
قتلهم في هذه الحالة ، فأشبهوا الكفّار .
وقال أحمد : لا
يصلّى على الخوارج ، كالشهيد .
__________________
وقال مالك : لا
يصلّى على الأباضيّة ولا القدريّة وسائر [ أهل ] الأهواء .
مسألة ٢٥٦
: إذا فعل أهل البغي حال امتناعهم ما يوجب الحدّ ، أقيم عليهم
مع القدرة ـ وبه قال مالك والشافعي وأحمد وابن المنذر ـ لعموم الآيات
والأحاديث الدالّة على وجوب الحدّ مطلقا.
وقال أصحاب الرأي
: إذا امتنعوا بدار الحرب ، لم يجب الحدّ عليهم ولا على من عندهم من تاجر أو أسير
، لأنّهم خرجوا عن دار الإمام ، فأشبهوا أهل دار الحرب .
ونمنع ثبوت الحكم
في الأصل إن كان مسلما ، فإنّا نوجب عليه الحدّ لكن تكره إقامته في دار الحرب ،
فإذا جاء إلى دار الإسلام ، أقيم عليه.
ولأنّ كلّ موضع
تجب فيه العبادات في أوقاتها تجب الحدود فيه عند وجود أسبابها ، كدار العدل.
مسألة ٢٥٧
: يجوز للعادل قصد الباغي بالقتل ، لأنّه محكوم بكفره ، فجاز
قصده بالقتل ، كالحربيّ ، خلافا لبعض العامّة ، حيث منعوا منه ، بل يقصد دفعهم
وتفريق جمعهم .
قال ابن الجنيد :
لا يستحبّ أن يبدأ والي المسلمين أهل البغي بحرب وإن كان قد استحقّوا بفعلهم
المتقدّم القتل ، إلاّ أن يبدؤونا هم بالقتال ،
__________________
لجواز حدوث إرادة
التوبة ، فإنّ أمير المؤمنين 7 كان يقول في كلّ موطن : « لا تقاتلوا القوم حتى يبدؤوكم
فإنّكم بحمد الله على حجّة وترككم إيّاهم حتى يبدؤوكم حجّة أخرى » .
قال : ولا يستحبّ
بيات أحد من أهل البغي ولا قتاله غيلة ولا على غرّة حتى يبدروا ، وقد وصّى أمير
المؤمنين 7 الأشتر بذلك .
قال الشيخ : يكره
للعادل القصد إلى أبيه الباغي أو ذي رحمه . وهو قول أكثر العلماء ، لقوله تعالى ( وَإِنْ جاهَداكَ ) الآية.
ولأنّ أبا بكر
أراد قتل ابنه يوم أحد ، فنهاه النبي 6 عن ذلك ، وقال : « دعه ليلي قتله غيرك » .
وقال بعض العامّة
: لا يكره ، لأنّه قتل بحقّ ، فأشبه إقامة الحدود .
والفرق : بإمكان
الرجوع هنا ، بخلاف استيفاء الحدّ ، فإنّه يجب وإن تاب.
إذا عرفت هذا ،
فإن خالف وقتله ، كان جائزا ، لأنه مباح الدم ، فجاز
__________________
قتله ، كالكافر.
ولا يمنع العادل من ميراثه ـ وبه
قال أبو حنيفة ـ لأنّه قتله بحقّ ، فأشبه القصاص.
وقال الشافعي : لا
يرثه ـ وعن أحمد روايتان ـ لعموم قوله 7 : « ليس لقاتل شيء » .
والمراد ظلما ،
لأنّ القاتل حدّا أو قصاصا يرث إجماعا.
ولو قتل الباغي
العادل ، منع من الميراث ـ وبه قال الشافعي وأحمد ـ لأنّه قتله
بغير حقّ ، فلا يرثه ، كالعمد.
وقال أبو حنيفة :
لا يمنع من الميراث ، لأنّه قتله بتأويل ، فأشبه قتل العادل الباغي .
والفرق : بأنّ
العادل قتل الباغي بحق ، بخلاف العكس.
مسألة ٢٥٨
: من سبّ الله تعالى أو أحدا من أنبيائه أو ملائكته أو
الإمام ، وجب قتله ، عندنا ، لأنّه كافر بذلك. وقال الجمهور : يستتاب ويعزّر. وسيأتي
البحث فيه.
__________________
وأمّا
الردّة : فهي الخروج عن الملّة بالكفر ، فمانع الزكاة ليس بمرتد ،
ويجب قتاله حتى يدفع الزكاة ، فإن دفعها ، وإلاّ قتل.
ولو منعها مستحلاّ
للمنع ، كان مرتدّا. وكذا كلّ من اعتقد عدم وجوب ما علم من الدين ثبوته بالضرورة.
وقال بعض العامّة
: إنّ مانع الزكاة مرتدّ وإن كان مسلما . وليس بمعتمد.
فإذا أتلف المرتدّ
مالا أو نفسا حال ردّته ، ضمن ، سواء تحيّز به وصار في منعة أو لا ، لقوله تعالى ( فَمَنِ
اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ ) .
وما رواه العامّة
عن أبي بكر أنّه قال لأهل الردّة حين رجعوا : تردّون علينا ما أخذتم منّا ، ولا
نردّ عليكم ما أخذنا منكم ، وأن تدوا قتلانا ، ولا ندي قتلاكم ، قالوا : نعم .
وقال الشافعي : لا
ضمان عليه ـ وبه قال أحمد في الأنفس ، وقال في الأموال بقولنا ـ لأنّ تضمينهم
يؤدّي إلى تنفيرهم عن الرجوع إلى الإسلام ، فأشبهوا أهل البغي .
ونمنع الحكم في
الأصل ، ولأنّه يؤدّي إلى كثرة الفساد.
ولو قصد رجل رجلا
أو امرأة ، يريد نفسه أو ماله أو حريمه أو الفساد به ، فله أن يقاتله ويدفعه عن
نفسه بأقّل ما يمكنه دفعه به إجماعا وإن أتى ذلك على نفسه ، لقوله 7 : « من قتل دون
ماله فهو شهيد » .
__________________
والأقوى عندي :
أنّه إن ظنّ التلف ، وجب دفع المال والتوقّي به.
ولو قتل القاصد ،
لم يجب على القاتل قود ولا دية ولا كفّارة.
وهل يجب عليه أن
يدفع عن نفسه؟ الحقّ عندنا ذلك ، لقوله تعالى : ( وَلا تُلْقُوا
بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ) وهو أحد قولي الشافعي .
والثاني : لا يجب
، لأنّ عثمان بن عفّان استسلم للقتال مع القدرة على الدفع .
والثانية ممنوعة ،
مع أنّ فعله ليس حجّة.
أمّا المال فلا
يجب الدفاع عنه.
والمرأة والصبي
يجب عليهما الدفاع عن فرجهما ، لأنّ التمكين منهما محرّم ، وفي ترك الدفع نوع
تمكين.
ثمّ المدافع عن
نفسه وماله وفرجه إن أمكنه التخلّص بالهرب ، وجب ـ وهو أحد قولي الشافعي ـ لأنّه أسهل
طريق إلى الدفع.
والثاني : لا
يلزمه ، لأنّ إقامته في مكانه مباح له ، فلا يلزمه أن ينصرف عنه لأجل غيره .
وليس بجيّد ، لأنّ
في الانصراف حفظ النفس ، فوجب.
وكذا المضطرّ إلى
أكل ميتة أو نجاسة أو شرب نجس يجب عليه
__________________
تناوله لحفظ
الرمق. وهو أحد وجهي الشافعي .
والثاني : لا يجب
، لأنّه يتوقّى النجاسة .
وليس بجيّد ، لأنّ
النجاسة حكم شرعي وقد عفي عنه ، فلا يتلف نفسه لذلك.
__________________
الفصل السابع : في الأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر
مقدّمة : الأمر طلب الفعل بالقول على جهة الاستعلاء ، والنهي نقيضه. ولا يشترط العلوّ.
والمعروف هو الفعل الحسن المختصّ بوصف زائد على حسنه إذا عرف فاعله ذلك أو دلّ
عليه. والمنكر هو الفعل القبيح إذا عرف فاعله ذلك أو دلّ عليه.
والحسن ما للقادر
عليه المتمكّن منه ومن العلم بحسنه أن يفعله ، وأيضا ما لم يكن على صفة تؤثّر في
استحقاق الذمّ. والقبيح هو الذي ليس للمتمكّن منه ومن العلم بقبحه أن يفعله ، أو
الذي على صفة لها تأثير في استحقاق الذمّ.
والحسن شامل
للمباح والمندوب والواجب والمكروه ، والقبيح هو الحرام ، وقد يطلق في العرف الحسن
على ماله مدخل في استحقاق المدح ، فيتناول الواجب والمندوب خاصّة.
مسألة ٢٥٩
: في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فضل عظيم وثواب جزيل.
قال الله تعالى ( كُنْتُمْ
خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ
وَتَنْهَوْنَ
عَنِ الْمُنْكَرِ ) وقال تعالى ( لُعِنَ الَّذِينَ
كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى لِسانِ داوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذلِكَ
بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ. كانُوا لا يَتَناهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ
فَعَلُوهُ لَبِئْسَ ما كانُوا يَفْعَلُونَ ) .
وقال الصادق 7 : « إنّ رجلا من
خثعم جاء إلى رسول الله 6 ، فقال : يا رسول الله أخبرني ما أفضل الإسلام؟ قال :
الإيمان بالله ، قال : ثمّ ما ذا؟ قال : صلة الرحم ، قال : ثمّ ما ذا؟ قال : الأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر ، قال : فقال الرجل : فأيّ الأعمال أبغض إلى الله عزّ
وجلّ؟ قال : الشرك بالله ، قال : ثم ما ذا؟ قال : قطيعة الرحم ، قال : ثمّ ما ذا؟
قال : ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر » .
وقد حذّر الله
تعالى في كتابه عن ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في قوله ( لُعِنَ
الَّذِينَ كَفَرُوا ) الآية ، وقوله تعالى ( لا خَيْرَ فِي
كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ إِلاّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ
إِصْلاحٍ بَيْنَ النّاسِ ) .
وقال أبو الحسن 7 : « لتأمرنّ بالمعروف ولتنهنّ
عن المنكر أو
__________________
ليستعملنّ عليكم
شراركم فيدعو خياركم فلا يستجاب لهم » .
وقال الباقر 7 : « ويل لقوم لا
يدينون الله بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر » .
وقال الصادق 7 : « ما قدست امّة
لم تأخذ لضعيفها من قويّها بحقّه غير مضيع » .
وقال رسول الله 6 : « لا يزال
الناس بخير ما أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر وتعاونوا على البرّ ، فإذا لم
يفعلوا ذلك نزعت منهم البركات ، وسلّط بعضهم على بعض ، ولم يكن لهم ناصر في الأرض
ولا في السماء » .
وقال الصادق 7 لقوم من أصحابه :
« إنّه قد حقّ لي أن آخذ البريء منكم بالسقيم ، وكيف لا يحقّ لي ذلك!؟ وأنتم
يبلغكم عن الرجل منكم القبيح فلا تنكرون عليه ولا تهجرونه ولا تؤذونه حتى يتركه » .
مسألة
٢٦٠ : المعروف قسمان :
واجب وندب ، فالأمر بالواجب واجب ، وبالمندوب ندب. وأمّا المنكر فكلّه حرام ،
فالنهي عنه واجب ، ولا خلاف في ذلك.
__________________
قال الله تعالى (
وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ
) وقال ( خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ
وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ ) .
وقال الباقر 7 : « يكون في آخر
الزمان قوم يتبع فيهم قوم مراءون يتقرّؤون ويتنسّكون حدثاء سفهاء لا يوجبون
أمرا بمعروف ولا نهيا عن منكر إلاّ إذا أمنوا الضرر ، يطلبون لأنفسهم الرخص
والمعاذير ، يتبعون زلاّت العلماء وفساد علمهم ، يقبلون على الصلاة والصيام وما لا يكلمهم في نفس ولا مال
، ولو أضرّت الصلاة بسائر ما يعملون بأموالهم وأبدانهم لرفضوها كما رفضوا أتمّ
الفرائض وأشرفها ، إنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فريضة عظيمة بها تقام
الفرائض ، هناك يتمّ غضب الله عليهم فيعمّهم بعقابه فيهلك الأبرار في دار الفجّار
والصغار في دار الكبار ، إنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سبيل لأنبياء ومنهاج
الصالحين ، فريضة عظيمة بها تقام الفرائض ، وتأمن المذاهب ، وتحلّ المكاسب ، وتردّ
المظالم ، وتعمر الأرض ، وينتصف من الأعداء ، ويستقيم الأمر ، فأنكروا بقلوبكم ،
وألفظوا بألسنتكم ، وصكّوا بها جباههم ، ولا تخافوا في الله لومة لائم ، فإن
اتّعظوا وإلى الحقّ رجعوا ، فلا سبيل عليهم( إِنَّمَا السَّبِيلُ
عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ
أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ ) هنالك فجاهدوهم
__________________
بأبدانكم ،
وأبغضوهم بقلوبكم غير طالبين سلطانا ولا باغين مالا ولا مريدين بالظلم ظفرا حتى
يفيئوا إلى أمر الله ويمضوا على طاعته ».
قال : « أوحى الله
تعالى إلى شعيب النبي 6 إنّي لمعذّب من قومك مائة ألف ، أربعين ألفا من شرارهم ،
وستّين ألفا من خيارهم ، فقال : يا ربّ هؤلاء الأشرار فما بال الأخيار؟ فأوحى الله
عزّ وجلّ إليه : داهنوا أهل المعاصي ولم يغضبوا لغضبي » .
مسألة ٢٦١
: اختلف علماؤنا في وجوبهما.
فقال بعضهم : إنّه عقليّ ،
فإنّا كما نعلم وجوب ردّ الوديعة وقبح الظلم نعلم وجوب الأمر بالمعروف الواجب ،
ووجوب النهي عن المنكر.
وقال بعضهم : إنّه سمعيّ ،
لأنّه معلوم من دين النبي 6 ، وقد دلّ السمع عليهما كما تقدّم ، ولو وجبا بالعقل ، لما
ارتفع معروف ولما وقع منكر ، أو كان الله تعالى مخلاّ بالواجب ، والتالي بقسميه
باطل فالمقدّم مثله.
بيان الشرطيّة :
أنّ الأمر بالمعروف هو الحمل على فعل المعروف ، والنهي عن المنكر هو المنع منه ،
فلو كانا واجبين بالعقل ، لكانا واجبين على الله تعالى ، لأنّ كلّ واجب عقليّ
فإنّه يجب على كلّ من حصل فيه وجه الوجوب ، ولو وجبا على الله تعالى ، لزم أحد
الأمرين.
وأمّا بطلانهما
فظاهر.
__________________
أمّا الأوّل :
فلأنّه يلزم منه الإلجاء.
وأمّا الثاني :
فلأنّه تعالى حكيم يستحيل منه فعل القبيح والإخلال بالواجب.
لا
يقال : الإلجاء وارد
عليكم لو وجبا على المكلّف ، لأنّ الأمر هو الحمل ، والنهي هو المنع ، ولا فرق بين
صدورهما من الله تعالى أو المكلّف في اقتضائهما الإلجاء ، وهو يبطل التكليف.
لأنّا
نقول : منع المكلّف لا
يقتضي الإلجاء ، لأنّه لا يقتضي الامتناع ، بل هو مقرّب ، وهو يجري مجرى الحدود في
اللطفيّة ، ولهذا تقع القبائح مع حصول الإنكار.
مسألة ٢٦٢ : اختلف علماؤنا في وجوبهما على الأعيان أو على
الكفاية؟
فقال السيّد
المرتضى : إنّهما على الكفاية .
وقال الشيخ :
إنّهما على الأعيان ، لقوله 7 : « لتأمرنّ بالمعروف ولتنهنّ عن المنكر » وهو عامّ.
ونقول بموجبه ،
فإنّ الواجب على الكفاية يخاطب به الكلّ ، ويسقط بفعل البعض.
احتجّ السيّد :
بأنّ الغرض وقوع المعروف وارتفاع المنكر ، فمتى حصلا صار التعاطي لهما عبثا.
مسألة ٢٦٣
: شرائط وجوبه أربعة :
__________________
الأوّل : أن يعلم الآمر والناهي المعروف معروفا والمنكر منكرا لئلاّ يغلط فيأمر
بالمنكر وينهى عن المعروف.
الثاني : أن يجوّز تأثير إنكاره ، فلو غلب على ظنّه أو علم أنّه لا يؤثر ، لا يجب
الأمر بالمعروف ولا النهي عن المنكر. وهو شرط في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
باللسان واليد دون القلب.
قال الصادق 7 لمّا سئل عن الأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر أواجب هو على الأمّة جميعا؟ فقال : « لا » فقيل : ولم؟
قال : « إنّما هو على القويّ المطاع العالم بالمعروف من المنكر لا على الضّعفة
الذين لا يهتدون سبيلا » .
وقال الصادق 7 : « إنّما يؤمر
بالمعروف وينهى عن المنكر مؤمن فيتّعظ أو جاهل فيتعلّم ، فأما صاحب سيف وسوط فلا »
.
الثالث : أن يكون المأمور
أو المنهي مصرّا على الاستمرار ، فلو ظهر منه الإقلاع ، سقط الوجوب ، لزوال علّته.
الرابع : أن لا يكون في الإنكار مفسدة على الآمر ولا على أحد من المؤمنين بسببه ، فلو
ظنّ توجّه الضرر إليه أو إلى ماله أو إلى أحد من المسلمين ، سقط الوجوب.
مسألة ٢٦٤
: مراتب الإنكار ثلاثة :
الأولى : بالقلب ، وهو يجب
مطلقا ، وهو أوّل المراتب ، فإنّه إذا علم أنّ فاعله ينزجر بإظهار الكراهة ، وجب
عليه ذلك. وكذا لو عرف أنّه
__________________
لا يكفيه ذلك وعرف
الاكتفاء بنوع من الإعراض عنه والهجر ، وجب عليه ذلك ، لقول الصادق 7 في الحديث السابق
: « وكيف لا يحقّ لي ذلك!؟ وأنتم يبلغكم عن الرجل منكم القبيح فلا تنكرون
عليه ولا تهجرونه ولا تؤذونه حتى يتركه ».
الثانية : باللسان ، فإذا لم ينزجر بالقلب والإعراض والهجر ، أنكر باللسان بأن يعظه
ويزجره ويخوّفه ، ويتدرج في الإنكار بالأيسر من القول إلى الأصعب.
الثالثة : باليد ، فإذا لم
ينجع القول والوعظ والشتم ، أمر ونهى باليد بأن يضرب عليهما ، لقول الصادق 7 : « ما جعل الله
عزّ وجلّ بسط اللسان وكفّ اليد ولكن جعلهما يبسطان معا ويكفّان معا » .
ولو افتقر إلى
الجراح والقتل ، قال السيّد المرتضى : يجوز ذلك بغير إذن الامام .
وقال الشيخ : ظاهر
مذهب شيوخنا الإماميّة أنّ هذا الجنس من الإنكار لا يكون إلاّ للأئمّة أو لمن يأذن
له الإمام فيه.
قال : وكان
المرتضى يخالف في ذلك ويقول : يجوز فعل ذلك بغير إذنه ، لأنّ ما يفعل بإذنه يكون
مقصودا ، وهذا بخلاف ذلك ، لأنّه غير مقصود ، وإنّما قصده المدافعة والممانعة ،
فإن وقع ضرر ، فهو غير
__________________
مقصود . وقد أفتى الشيخ
بذلك أيضا في كتاب التبيان .
مسألة ٢٦٥
: لا يجوز لأحد إقامة الحدود إلاّ الإمام أو من نصبه
الإمام لإقامتها ، ولا يجوز لأحد سواهما إقامتها على حال.
وقد رخص في حال
غيبة الإمام أن يقيم الإنسان الحدّ على مملوكه إذا لم يخف ضررا على نفسه وماله
وغيره من المؤمنين ، وأمن بوائق الظالمين.
قال الشيخ : وقد
رخص أيضا في حال الغيبة إقامة الحدّ على ولده وزوجته إذا أمن الضرر .
ومنع ابن إدريس
ذلك في الولد والزوجة ، وسلّمه في العبد .
وفي رواية حفص بن
غياث أنّه سأل الصادق 7 : من يقيم الحدود؟ السلطان أو القاضي؟ فقال : « إقامة
الحدود إلى من إليه الحكم » . وهل يجوز للفقهاء إقامة الحدود في حال الغيبة؟ جزم به
الشيخان ، عملا بهذه الرواية ، كما يأتي أنّ للفقهاء
الحكم بين الناس ، فكان إليهم إقامة الحدود ، ولما في تعطيل الحدود من الفساد.
وقد روي أنّ من
استخلفه سلطان ظالم على قوم وجعل إليه إقامة
__________________
الحدود ، جاز له
أن يقيمها عليهم على الكمال ، ويعتقد أنّه إنّما يفعل ذلك بإذن سلطان الحقّ لا
بإذن سلطان الجور ، ويجب على المؤمنين معونته وتمكينه من ذلك ما لم يتعدّ الحقّ في
ذلك وما هو مشروع في شريعة الإسلام ، فإن تعدّى من جعل إليه الحقّ ، لم يجز له
القيام به ولا لأحد معونته على ذلك .
ومنع ابن إدريس ذلك .
نعم ، لو خاف
الإنسان على نفسه من ترك إقامتها ، جاز له ذلك ، للتقيّة ما لم يبلغ قتل النفوس ،
فإن بلغ الحال ذلك ، لم يجز فعله ، ولا تقيّة فيها على حال.
مسألة ٢٦٦
: الحكم والفتيا بين الناس منوط بنظر الإمام ، فلا يجوز لأحد
التعرّض له إلاّ بإذنه. وقد فوّض الأئمّة : ذلك إلى فقهاء شيعتهم ، المأمونين المحصّلين العارفين
بالأحكام ومداركها ، الباحثين عن مأخذ الشريعة ، القيّمين بنصب الأدلّة والأمارات
، لأنّ عمر بن حنظلة سأل الصادق 7 عن رجلين من أصحابنا تكون بينهما منازعة في دين أو ميراث
فتحاكما إلى الطاغوت أو إلى السلطان أيحلّ ذلك؟ فقال : « من تحاكم إلى الطاغوت فحكم له فإنّما
يأخذ سحتا وإن كان حقّه ثابتا ، لأنّه أخذ بحكم الطاغوت وقد أمر الله تعالى أن
يكفر به » قلت : كيف يصنعان؟ قال « انظروا إلى من كان منكم قد روى حديثنا ونظر في
__________________
حلالنا وحرامنا
وعرف أحكامنا فلترضوا به حاكما فإنّي قد جعلته عليكم حاكما ، فإذا حكم بحكمنا فلم
يقبل منه فإنّما بحكم الله استخفّ وعلينا ردّ ، والرادّ علينا رادّ على الله وهو
على حدّ الشرك بالله عزّ وجلّ » .
وروى أبو خديجة عن
الصادق 7 ، قال : « إيّاكم أن يحاكم بعضكم بعضا إلى أهل الجور ولكن انظروا إلى رجل
منكم يعلم شيئا من قضائنا فاجعلوه بينكم فإنّي جعلته قاضيا فتحاكموا إليه » .
إذا عرفت هذا ،
فينبغي لمن عرف الأحكام ومأخذها من الشيعة الحكم والإفتاء وله بذلك أجر عظيم ما لم
يخف في ذلك على نفسه أو على أحد من المؤمنين ، فإن خاف شيئا من ذلك ، لم يجز له
التعرّض بحال.
مسألة ٢٦٧
: لو طلب أحد الخصمين المرافعة إلى قضاة الجور ، كان متعدّيا
للحقّ ، مرتكبا للإثم ، مخالفا للإمام ، لقول الصادق 7 ـ في الصحيح ـ : « أيّما مؤمن قدّم مؤمنا في خصومة إلى قاض
أو سلطان جائر فقضى عليه بغير حكم الله فقد شركه في الإثم » .
ويجب على كلّ
متمكّن منع الطالب لقضاة الجور ، ومساعدة غريمه على المرافعة إلى قضاة الحقّ بلا
خلاف.
وإذا ترافع إلى
الفقيه ـ العارف بالأحكام ، الجامع لشرائط الحكم ـ خصمان ، وجب عليه الحكم بينهما
على مذهب أهل الحقّ ، ولا يجوز له أن يحكم بما يخالف الحقّ من المذاهب ، لقوله
تعالى : ( وَمَنْ
__________________
لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ
هُمُ الْكافِرُونَ ) .
وقول الصادق 7 ـ في الصحيح ـ :
« من حكم في درهمين بغير ما أنزل الله عزّ وجلّ فهو كافر بالله العظيم » .
إذا ثبت هذا ، فلو
اضطرّ إلى الحكم بمذهب أهل الخلاف بأن يكون قد اضطرّ إلى الولاية من قبلهم ولم
يتمكّن من إنفاذ الحكم بالحق ، جاز له ذلك ما لم يبلغ إلى الدماء ، فإنّه لا تقيّة
فيها ، ويجتهد في تنفيذ الأحكام على الوجه الحقّ ما أمكن ، للضرورة الداعية إليه.
ولقول زين
العابدين 7 : « إذا كنتم في أئمّة جور فاقضوا في أحكامهم ولا تشهروا أنفسكم فتقتلوا ،
وإن تعاملتم بأحكامنا كان خيرا لكم » .
إذا ثبت هذا ، فلو
تمكّن من إنفاذ الحكم بالحقّ وحكم بحكم أهل الخلاف ، كان آثما ضامنا ، لأنّ عليّا 7 اشتكى عينه فعاده
رسول الله 6 فإذا عليّ 7 يصيح ، فقال له النبي 6 : « أجزعا أم وجعا يا عليّ؟ » فقال : « يا رسول الله ما
وجعت وجعا أشدّ منه » قال : « يا عليّ إنّ ملك الموت إذا نزل ليقبض روح الفاجر
أنزل معه سفّودا من نار فيقبض روحه به ، فتصيح جهنّم » فاستوى
عليّ 7 جالسا فقال : « يا رسول الله أعد عليّ حديثك فقد أنساني وجعي ما قلت ، فهل
يصيب ذلك أحدا من أمّتك؟ » فقال : « نعم ، حكّاما جائرين ، وآكل مال اليتيم ،
وشاهد الزور » .
__________________
مسألة ٢٦٨
: يجوز لفقهاء الشيعة ، العارفين بمدارك الأحكام ، الجامعين
لشرائط الحكم الإفتاء بين الناس. ويجب عليهم ذلك حال غيبة الإمام 7 إذا أمنوا الضرر
ولم يخافوا على أنفسهم ولا على أحد من المؤمنين.
قال الله تعالى ( إِنَّ
الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ ) الآية ، وقال
تعالى ( فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ
مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا
رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ) .
وقال الباقر 7 : « لعن رسول
الله 6 من نظر إلى فرج امرأة لا تحلّ له ، ورجلا خان أخاه في امرأته ، ورجلا احتاج
الناس إليه لفقهه فسألهم الرشوة » .
إذا عرفت هذا ،
فإنّه يجب على المفتي الإفتاء عن معرفة لا عن تقليد. وإنّما يحلّ له الإفتاء بعد
المعرفة بالأحكام ومداركها والأصول والنحو الذي يحتاج إليه في ذلك ، واللغة المحتاج
إليها فيه ، ولا يحلّ له الإفتاء بغير علم ، لقول الباقر 7 ـ في الصحيح ـ :
« من أفتى الناس بغير علم ولا هدى من الله لعنته ملائكة الرحمة وملائكة العذاب ،
ولحقه وزر من عمل بفتياه » .
ولو خاف على نفسه
من الإفتاء بالحقّ ، جاز له ـ مع الضرر وخوفه ـ الإفتاء بمذاهب أهل الخلاف والسكوت
، لأنّا جوّزنا الحكم بمذهب
__________________
الخلاف للضرورة
فالإفتاء أولى.
ويجوز لفقهاء
الحقّ أن يجمّعوا بين الناس في الصلوات ، ويستحبّ ذلك استحبابا مؤكّدا مع الأمن.
وقد اختلف علماؤنا
في الجمعة حال الغيبة والأمن والتمكّن من الخطبتين على ما يسوغ ، فجوّزه بعض علمائنا ، ومنعه
آخرون .
ولا يجوز لأحد أن
يعرّض نفسه للتولّي من قبل الظالمين ، إلاّ أن يعلم أنّه لا يتعدّى الواجب ولا
يرتكب القبيح ويتمكّن من وضع الأشياء مواضعها ، فإن علم أو ظنّ أنّه يخلّ بشيء من
ذلك ، لم يجز له التعرّض لذلك مع الاختيار ، فإن أكره ، جاز له ، ويجتهد في تنفيذ
الأحكام على مذهب الحقّ ما أمكن.
__________________
الفصل الثامن : في الرباط
الرباط فيه فضل
كثير وثواب عظيم.
قال سلمان : سمعت
رسول الله 6 يقول : « رباط ليلة في سبيل الله خير من صيام شهر وقيامه ، فإن مات جرى عليه
عمله الذي كان يعمل ، واجري عليه رزقه ، وأمن الفتّان » .
ومعنى الرباط
الإقامة عند الثغر لحفظ بيضة الإسلام. وأقلّه ثلاثة أيّام ، وأكثره أربعون يوما ،
فإن زاد ، كان جهادا ثوابه ثواب المجاهدين.
وقال أحمد : لا
طرف له في القلّة .
وليس جيّدا ،
لأنّه لا يصدق على المجتاز في الثغر أنّه مرابط.
ولقول الباقر
والصادق 8 : « الرباط ثلاثة أيّام ، وأكثره أربعون يوما ، فإذا جاز ذلك فهو جهاد » .
والرباط حال ظهور
الإمام أشدّ استحبابا ، أمّا حال الغيبة فلا يتأكّد استحبابها وإن كانت مستحبّة ،
لأنّها لا تتضمّن قتالا ، بل حفظا وإعلاما.
وأفضل الرباط
المقام بأشدّ الثغور خوفا ، لشدّة الحاجة هناك ، وكثرة النفع بمقامه به.
__________________
فإن رابط حال ظهور
الإمام بإذنه وسوّغ له القتال ، جاز له ، وإن كان مستترا أو لم يسوّغ له القتال ،
لم يجز القتال ابتداء ، بل يمنع الكفّار من الدخول إلى دار الإسلام ، ويعلم
المسلمين بأحوالهم ، فإن قاتلوه ، جاز له مقاتلتهم ، ويقصد بذلك الدفع عن نفسه وعن
بيضة الإسلام.
مسألة ٢٦٩
: تستحبّ المرابطة بنفسه وغلامه وفرسه. ويكره له نقل
الذرّيّة والأهل إلى الثغور المخوفة ، لجواز استيلاء الكفّار عليهم ، وظفر العدوّ
بالذراري والنسوان مع ضعفهم عن الهرب.
ولو عجز عن
المرابطة بنفسه ، رابط فرسه أو غلامه أو جاريته ، أو أعان المرابطين.
وينبغي لأهل
الثغور أن يجتمعوا في المساجد للصلوات ، لأنّه ربما جاءهم الكفّار دفعة فخافوا
بسبب كثرتهم.
ويستحبّ الحرس في
سبيل الله.
قال ابن عباس :
سمعت رسول الله 6 يقول : « عينان لا تمسّهما النار : عين بكت من خشية الله ،
وعين باتت تحرس في سبيل الله » .
مسألة ٢٧٠
: لو نذر المرابطة ، وجب عليه الوفاء به ، سواء كان الإمام
ظاهرا أو غائبا ، لأنّه نذر في طاعة ، فيجب الوفاء به ، كغيره من الطاعات ، إلاّ
أنّه لا يبدأ العدوّ بالقتال ولا يجاهدهم إلاّ دفعا عن الإسلام والنفس ، لقول [
أبي الحسن ] 7 : « يرابط ولا يقاتل ، فإن خاف على بيضة الإسلام
__________________
والمسلمين قاتل ،
فيكون قتاله لنفسه لا للسلطان ، لأنّ في درس الإسلام درس ذكر محمد رسول الله 6 » .
ولو نذر أن يصرف شيئا
من ماله إلى المرابطين ، وجب الوفاء به ، سواء كان الإمام ظاهرا أو مستترا ، لأنّه
نذر في طاعة ، فوجب الوفاء به ، كغيره من الطاعات.
وقال الشيخ : إن
كان في حال ظهور الإمام ، وجب الوفاء به ، وإلاّ لم يجب ، إلاّ أن يخاف الشنعة من
تركه ، فيجب عليه حينئذ صرفه في المرابطة. وإذا لم يخف ، صرف في أبواب البرّ ، لرواية علي بن
مهزيار .
مسألة ٢٧١
: لو آجر نفسه لينوب عن غيره في المرابطة ، وجب عليه الوفاء
، لأنّها إجارة على فعل طاعة ، فلزمت ، كالجهاد. ولا فرق بين حال ظهور الإمام
وغيبته.
وقال الشيخ بذلك
حال ظهور الإمام ، وأمّا حال غيبته فلا يلزمه الوفاء بالعقد ، ويردّ على المؤجر ما
أخذه منه ، فإن لم يجده ، فعلى ورثته ، فإن لم يكن له ورثة ، لزمه الوفاء به .
والمعتمد : ما
قلناه ، غير أنّه لا يقصد بالجهاد الدعاء إلى الإسلام ، لأنّه مخصوص بالإمام
ونائبه ، بل يقصد الدفاع عن نفسه وعن الإسلام. ومتى قتل المرابط ، كان شهيدا.
__________________
تمّ الجزء السادس من كتاب تذكرة
الفقهاء بحمد الله ومنّه على يد مصنّفه العبد الفقير إلى الله تعالى ، حسن بن يوسف
بن المطهّر الحلّي أعانه الله على طاعته.
وفرغ من تصنيفه
وكتابته في ثاني عشري شهر ربيع الأوّل من سنة تسع عشرة وسبعمائة بالحلّة. ويتلوه
في الجزء السابع بتوفيق الله تعالى :
القاعدة الثانية
في العقود ، وفيه كتب : كتاب البيع ، وفيه مقاصد : الأوّل : في أركانه ، وفيه
فصول.
والحمد لله وحده ،
وصلّى الله على سيّدنا محمد وآله الطاهرين .
__________________
فهرس الموضوعات
كتاب الجهاد................................................................. ٥
الأوّل : فيمن يجب عليه الجهاد................................................. ٧
وجوب الجهاد بالنص والاجماع.................................................... ٧
وجوب الجهاد على الكفاية....................................................... ٧
فروض الكفايات وتعريفها........................................................ ٨
مواضع تعين الجهاد ، الثلاثة....................................................... ٩
حرمة الجهاد في الحرم وفي الاشهر الحرم............................................ ٩
وجوب الهجرة عن بلاد الشرك وأقسام
الناس في الهجرة............................. ١٠
فيما يشترط في وجوب الجهاد................................................... ١١
في أن أقل ما يفعل الجهاد
في كل عام مرة واحدة................................... ١٣
أفضلية الغزو في البحر من
غزو البر............................................... ١٤
أفضلية قتال أهل الكتاب من
قتال غيرهم......................................... ١٤
في كفاية فرض الجهاد في
المدينة في ابتداء الوجوب................................. ١٥
فيما به تحصل الكفاية فيما
إذا كان الجهاد فرض كفاية............................. ١٥
فيما لو نزل الكفار في
خراب أو على جبل في دار الاسلام فهل يساوي ذلك لنزولهم في البلد؟ ١٨
الجهاد قسمان................................................................. ١٩
١ ـ أن يكون للدعاء إلى
الاسلام............................................ ١٩
٢ ـ أن يدهم المسلمين العدو فيجب الجهاد.................................... ٠٢
فيما يتعلق بالسلام ورده........................................................ ٢٠
فيما يتعلق ببعض حقوق
المؤمنين................................................. ٢٥
سقوط فرض الجهاد بالعجز
وهو قسمان.......................................... ٢٥
١ ـ العجز الحسي......................................................... ٢٥
٢ ـ العجز الشرعي مع القدرة وأقسامه ثلاثة................................. ٢٧
١ ـ الرقية................................................................ ٢٧
٢ ـ الدين................................................................. ٢٧
٣ ـ الابوة وعدم إذن الوالدين.............................................. ٢٩
فروع :.................................................................... ٣١
فيما لو كان أبواه رقيقين
فهل يعتبر إذنهما؟....................................... ٣١
عدم العبرة بإذن الوالدين
لو كانا مجنونين.......................................... ٣١
هل الجدان كالابوين في
اشتراط إذنهما؟.......................................... ٣١
عدم اعتبار إذن الوالدين
ولا غيرهما فيما لو تعين الجهاد عليه........................ ٣١
فيما لو أذن أبواه في
الغزو وشرطا عليه ترك القتال فحضر.......................... ٣١
ليس للابوين المنع من سفر
الحج الواجب.......................................... ٣٢
حكم السفر لطلب العلم
والتجارة بدون إذن الوالدين.............................. ٣٢
فيما لو خرج للجهاد بإذن
صاحب الدين أو الابوين ، ثم رجعوا عن إذنهم............ ٣٣
فيما إذا خرج من شرط عليه
الاستئذان بغير إذن.................................. ٣٤
فيما لو خرج العبد بغير
إذن سيده............................................... ٣٤
فيما لو مرض الحر بعد
خروجه أو عرج أو فني زاده أو هلكت دابته................. ٣٤
فيما لو انصرف لذهاب نفقة
أو هلاك دابة ثم قدر على النفقة والدابة في بلاد الكفر... ٣٥
فيما لو خرج للجهاد وبه
عذر ثم زال عذره....................................... ٣٥
في لزوم المصابرة وحرمة
الانصراف لمن شرع في القتال ولا عذر له................... ٣٥
هل يحرم على طالب العلم
بعد الاشتغال بالتعلم الرجوع؟........................... ٣٥
هل يجب إتمام صلاة الجنازة
بالشروع فيها؟....................................... ٣٥
أقسام العلم من حيث الحكم
وبيان مصاديقها...................................... ٣٦
وجوب الجهاد للدفع مطلقا
سواء كان هناك إمام أولا.............................. ٣٧
جواز القيام مع الامام
الجائز إذا قصد الدفع عن نفسه وعن المؤمنين................... ٣٧
وجوب الجهاد على من خاف
على نفسه.......................................... ٣٧
جواز الجهاد على من خاف
على ماله............................................. ٣٧
جواز استنابة الغير للجهاد
بإجارة ونحوها فيما إذا لم يعينه الامام للخروج............. ٣٧
في أنه لا يجوز لمن وجب
عليه الجهاد أن يجاهد عن غيره بجعل....................... ٤٠
استحباب إعانة المجاهدين
وفيها فضل عظيم....................................... ٤٠
الفصل الثاني : فيمن يجب جهاده ، وكيفية الجهاد............................... ٤١
الأوّل : من يجب جهاده...................................................... ٤١
في أن من يجب جهاده قسمان
: مسلمون خرجوا عن طاعة الامام وبغوا عليه وكفار من أهل الكتاب أو شبهة كتاب ٤١
في أن الواجب على المسلمين
النفور إلى كل من يجب جهاده........................ ٤٣
عدم جواز القتال إلا بعد
دعاء الكفار إلى محاسن الاسلام........................... ٤٤
جواز قتال من بلغته الدعوة
وعرف البعثة ولم يقر بالاسلام من غير دعاء.............. ٤٤
فيما لو بدر إنسان فقتل
واحدا من الكفار قبل بلوغ الدعوة إليه..................... ٤٥
في بيان أصناف الكفار ،
الثلاثة.................................................. ٤٦
فيمن تقبل منه الجزية........................................................... ٤٦
البحث الثاني : في الجند...................................................... ٤٨
فيما إذا عين الامام شخصا
للجهاد معه وجب عليه طاعته وحرم عليه التخلف عنه..... ٤٨
فيما إذا نادى الامام
بالنفير والصلاة.............................................. ٤٨
فيما إذا نادى بالصلاة
جامعة لحدوث أمر يحتاج إلى المشورة......................... ٤٩
في أن الامام إذا بعث سرية
استحب له أن يؤمر عليهم أميرا ثقة جلدا................ ٤٩
في أن القائد لو كان
معروفا بشرب الخمر أو غيره من المعاصي غير شجاع ذي رأي لم ينفروا معه ٤٩
في أن الامام إذا احتاج
إلى إخراج النساء لمداواة المرضى استحب له أن يخرج العجائز.. ٤٩
جواز الاستعانة بأهل الذمة
وبالمشرك المأمون غائلته إذا كان في المسلمين قلة........... ٤٩
جواز الاستعانة بالعبيد مع
إذن السادة وبالمراهقين.................................. ٥٠
في أنه لا يجوز للامام ولا
للامير من قبله أن يخرج معه من يخذل الناس ولا المرجف ولا من يوقع العداوة بين
المسلمين ٥١
فيما لو كان الامير أحد
هؤلاء لم يخرج الناس معه.................................. ٥١
فيما يفعله الامام إذا خرج
بالنفير................................................. ٥٢
فيما لو نهى الامام المخذل
وشبهه عن الخروج فخرج............................... ٥٣
فيما لو لم يأمره ولا نهاه
فخرج.................................................. ٥٣
في أنه ليس للامام إخراج
نساء أهل الذمة ولا ذراريهم............................. ٥٣
فيما لو قهر الامام جماعة
من المسلمين على الخروج والجهاد معه فهل يستحقون أجرة؟. ٥٤
في أنه للامام استئجار
عبيد المسلمين بإذن ساداتهم................................. ٥٤
فيما لو أخرج الامام
العبيد قهرا.................................................. ٥٥
في أنه للامام أن يستعمل
الذمي للجهاد بمال يبذله على وجه الاجارة أو الجعالة........ ٥٥
في أنه لا حجر في قدر
الاجرة................................................... ٥٥
في أنه لاحاد المسلمين
استئجار الذمي للجهاد...................................... ٥٥
في أنه لو أخرج الامام أهل
الذمة فالاولى تعيين الاجرة لهم.......................... ٥٦
البحث الثالث : في كيفيّة القتال.............................................. ٥٧
في أن الجهاد من أعظم
أركان الاسلام ويجب الاهتمام به........................... ٥٧
فيما إذا التقى الصفان وجب
الثبات وحرم الهرب.................................. ٥٨
في جواز الهرب في أحوال
ثلاثة................................................... ٥٨
١ ـ زيادة عدد الكفار على ضعف عدد المسلمين............................. ٥٨
في أنه لو لم يزد عدد
المشركين على الضعف لكن غلب على الظن الهلاك إن ثبتوا فهل يجب الثبات أم لا؟ ٥٩
فيما لو غلب على ظنه الاسر
فالاولى القتال حتى يقتل.............................. ٥٩
استحباب الثبات فيما لو
غلب على ظن المسلمين الظفر بالعدو...................... ٥٩
في أنه لو غلب على ظن
المسلمين العطب فهل يجب الانصراف أم لا؟................ ٥٩
فيما لو قصده رجل وظن أنه
لو ثبت قتله......................................... ٦٠
فيما لو ظن الهلاك مع
الثبات والانصراف......................................... ٦٠
فيما لو انفرد اثنان بواحد
من المسلمين فهل يجب الثبات أم لا؟...................... ٦٠
هل يجوز فرار مائة بطل من
المسلمين من مائتي بطل وواحد من ضعفاء الكفار؟........ ٦٠
في جواز الفرار للنساء
والصبي والمجنون............................................ ٦١
في أنه لو قصد الكفار بلدة
فتحصن أهليه إلى تحصيل نجدة ، لم يأثموا................. ٦١
٢ ـ ترك القتال بنية التحرف للقتال......................................... ٦١
٣ ـ التحيز إلى فئة......................................................... ٦١
في أن العاجز بمرض أو عدم
سلاح يجوز له الانصراف.............................. ٦٢
في أنه لو أمكنه الرمي
بالحجارة احتمل وجوب الثبات.............................. ٦٢
في أن المتحيز إلى فئة
بعيدة لا يشارك الغانمين في غنيمة فارق قبل اغتنامها............. ٢٦
فيما ينبغي للامام أن يوصي
به الامير المنفذ مع الجيش............................... ٦٣
عدم جواز قتل صبيان الكفار
ونسائهم إذا لم يقاتلوا وكذا المجنون منهم............... ٦٤
فيما لو اسر منهم مراهق
وجهل بلوغه............................................ ٦٤
جواز قتل الشيخ من
المحاربين إذا كان ذا رأي وقتال أو أحدهما...................... ٦٥
في أن الرهبان وأصحاب
الصوامع يقتلون إن كان لهم قوة أو رأي أو كانوا شبانا...... ٦٦
في أن رسول الكافر لا يقتل..................................................... ٦٨
في أن الفلاح يقتل.............................................................. ٦٨
في أنه إذا نزل الامام على
بلد جاز له محاصرته وتشديد الامر عليهم.................. ٦٨
في جواز نصب المناجيق على
القلاع ورمي الاحجار وهدم الحيطان................... ٦٨
جواز تخريب الحصون والبيوت.................................................. ٦٩
جواز قتل المشركين كيف
اتفق ولو برميهم بالنفط مع الحاجة....................... ٦٩
هل يجوز رميهم بالنفط مع
عدم الحاجة؟.......................................... ٧٠
جواز تغريقهم وفتح البثوق
عليهم................................................ ٧٠
هل يجوز إلقاء السم في
بلادهم؟................................................. ٧٠
كراهة تبييت العدو غارين
ليلا.................................................. ٧١
استحباب كون القتال بعد
الزوال................................................ ٧١
كراهة قطع الشجر والنخل...................................................... ٧١
جواز قتل دوابهم حالة
الحرب.................................................... ٧٢
جواز عقر الدواب للاكل مع
الحاجة............................................. ٧٣
في أنه لو أذن الامام في
ذبح الدواب جاز.......................................... ٧٣
في أنه لو عجز المسلمون عن
سوق الدابة وأخذها جاز ذبحها........................ ٧٣
في أنه لو غنم المسلمون
خيل الكفار ثم لحقوا بهم وخافوا استرجاعها لم يجز قتلها ولا عقرها ٧٣
في أنه لو تترس الكفار
بنسائهم وصبيانهم جاز قتالهم إن دعت الضرورة إلى الرمي ولا يقصد قتل الترس ٧٣
فيما لو تترس الكفار بمسلم...................................................... ٧٤
فروع :.................................................................... ٧٥
فيما لو رمى فأصاب مسلم
ولم يعلم أنه مسلم والحرب قائمة فلا دية................. ٧٥
فيما لو علمه مسلما ورمى
قاصدا للمشركين ولم يمكنه التوقي فأصابه وقتله فلا قود عليه ولا الدية وعليه
الكفارة ٧٦
فيما قاله الشافعية من
وجوب القصاص إن لم يجز الرمي............................ ٧٧
فيما لو تترس الكفار بذمي
أو مستأمن أو عبد..................................... ٧٧
فيما إذا حصر الامام حصنا
لم يكن له الانصراف إلا بأحد أمور خمسة............... ٧٨
عدم جواز التمثيل بالكفار
ولا الغدر بهم ولا الغلول................................ ٧٩
مشروعية المبارزة وعدم
كراهتها................................................. ٧٩
في أنه ينبغي للمسلم أن لا
يطلب المبارزة إلا بإذن الامام إذا أمكن................... ٨٠
أقسام المبارزة ، الاربعة......................................................... ٨١
فيما إذا خرج المشرك وطلب
المبارزة جاز لكل أحد رميه وقتله...................... ٨٢
فيما إذا خرج إليه أحد
يبارزه بشرط أن لا يعينه عليه سواء......................... ٨٢
فيما لو شرط المشرك أن لا
يقاتل حتى يرجع إلى صفه.............................. ٨٢
فيما لو أعان المشركون
صاحبهم كان على المسلمين إعانة صاحبهم ويقاتلون من أعان عليه ولا يقاتلونه ٨٢
فيما إذا شرط أن لا يقاتله
غير مبارزه............................................ ٨٢
فيما لو طلب المشرك
المبارزة ولم يشترط جاز معونة قرنه........................... ٨٣
في أنه يجوز للمسلمين
معاونة المسلم مع إثخانه..................................... ٨٣
في أنه لو لم يطلبه المشرك
لم تجز محاربته........................................... ٨٣
في جواز المخادعة في الحرب..................................................... ٨٣
كراهة تبييت العدو ليلا......................................................... ٨٤
استحباب التلاقي في النهار
وكراهة القتال قبل الزوال.............................. ٨٤
كراهة عرقبة الدابة............................................................. ٨٤
عدم كراهة نقل رؤوس
المشركين إلى بلاد الاسلام إن اشتمل على نكاية في الكفار.... ٨٤
الفصل الثالث : في الأمان.................................................... ٨٥
الأوّل : في تعريف الأمان وتسويغه............................................ ٨٥
جواز عقد الامان لترك
القتال.................................................... ٨٥
جواز عقد الامان مع اعتبار
المصلحة.............................................. ٨٦
جواز عقد الامان لرسول
المشركين وللمستأمن.................................... ٨٦
البحث الثاني : في العاقد..................................................... ٨٦
في أنه يجوز للامام عقد
الصلح................................................... ٨٦
جواز عقد الامان لواحد
ولاهل حصن أو قرية أو بلد أو إقليم ولجميع الكفار مع المصلحة ٨٦
جواز عقد الامان مع نائب
الامام لجميع من في ولايته ولاحادهم إن لم تكن ولايته عامة..... ٨٧
صحة أمان الواحد من
المسلمين للواحد من المشركين وللعد اليسير................... ٨٧
صحة عقد أمان من الحر
والعبد المأذون له في الجهاد وغير المأذون.................... ٨٧
صحة أمان المرأة وعدم صحة
أمان المجنون والصبي.................................. ٨٨
عدم صحة أمان المكره
والزائل عقله بنوم أو سكر أو إغماء أو غير ذلك.............. ٨٩
عدم صحة أمان الكافر وإن
كان ذميا............................................ ٨٩
جواز عقد الامان من الاسير
من المسلمين وكذا من التاجر والاجير في دار الحرب...... ٨٩
جواز عقد الامان من الشيخ
الهم والسفيه.......................................... ٨٩
في وجوب الوفاء بعقد
الامان.................................................... ٨٩
عدم وجوب الوفاء بعقد
الامان إذا انعقد فاسدا.................................... ٩٠
البحث الثالث : فيما ينعقد به الأمان.......................................... ٩٠
انعقاد الامان بالعبارة
والمراسلة والاشارة المفهمة والمكاتبة............................ ٩٠
انعقاد الامان بلفظ (
أجرتك ) و ( أمنتك ) وما يؤدي معناهما...................... ٩١
في أنه لو قال : لا بأس
عليك ، أو : لا تخف ، أو : لا تحزن ، لم يكن أمانا إن لم يعلم من قصده الامان ٩١
في أنه لو أشار المسلم
إليهم بما يرونه أمانا وقال : أردت به الامان ، فهو أمان......... ٩١
في أنه لو دخل بسفارة أو
لسماع كلام الله لم يفتقر إلى عقد أمان................... ٩١
في أنه لو قال الوالي :
أمنت من قصد التجارة صح................................. ٩١
في أنه لو قال للكافر : قف
أو : قم ، أو : ألق سلاحك ، فليس أمانا................ ٩٢
فيما لو أشار عليهم مسلم
في صف الكفار فانحاز إلى صف المسلمين وتفاهما الامان فهو أمان...... ٩٢
جواز الامان بالمراسلة........................................................... ٩٢
في أنه ينبغي لامير العسكر
أن يتخير للرسالة رجلا مسلما أمينا عدلا................. ٩٢
فيما لو أرسل الامير إليهم
من يخبرهم بأمانه ثم رجع الرسول فأخبره بأداء الرسالة فهم آمنون ٩٣
في أنه لو كتب من ليس برسول
كتابا فيه أمانهم وقال : إني رسول الامير إليكم لم يكن أمانا من جهته ولا من جهة
الامام ٩٣
فيما لو ناداهم مسلم إني
رسول الامير إليكم وإنه أمنكم كان أمانا من جهته.......... ٩٤
فيما إذا أمن الامام أو نائبه المشركين ثم بعث إليهم رسولا لينبذ
إليهم ويخبرهم
نقض العهد فجاء الرسول وأخبر بإعلامهم لم يعرض لهم حتى يعلموا ذلك بشاهدين........................................................... ٩٤
في أنه لو كتب الامام إليهم نقض العهد وسيره مع رسوله وشاهدين
فقرأه عليهم
بالعربية واحتاجوا إلى ترجمان يترجم بلسانهم فادعوا أن الترجمان لم يخبرهم
بنقض العهد بل أخبرهم
بزيادة الإمام في مدّة الأمان لم يلتفت إليهم.................. ٩٤
البحث الرابع : في وقت الأمان............................................... ٩٥
وقت الامان قبل الاسر......................................................... ٩٥
هل يجوز لآحاد المسلمين
عقد الامان بعد الاسر؟.................................. ٩٥
في أنه يجوز للامام أن
يؤمن الاسير بعد الاستيلاء عليه والاسر....................... ٩٦
صحة أمان الكافر فيما لو
حصل في مضيق أو في حصن............................ ٩٦
فيما لو أقر المسلم بأمان
المشرك يقبل منه إن كان في وقت يصح منه إنشاء الامان..... ٩٦
فيما لو شهد جماعة من
المسلمين أنهم أمنوه فهل يقبل منهم؟......................... ٩٦
في أنه يقبل شهادة بعض
المسلمين أن البعض الاخر أمنه............................ ٩٧
فيما لو جاء مسلم بمشرك
فادعى أنه أسره وادعى الكافر أن أمنه.................... ٩٧
فيما لو أشرف جيش الاسلام
على الظهور فاستذم الخصم.......................... ٩٧
فيما لو ادعى الحربي
الامان فأنكر المسلم.......................................... ٩٧
في أنه من شرط الامام عدم
زيادته على سنة بغير الحاجة وصحة الامان لمدة أربعة أشهر وفوق ذلك ٩٨
عدم صحة أمان الجاسوس أو
من فيه مضرة........................................ ٩٨
صحة الامان بجعل وغيره........................................................ ٩٨
البحث الخامس : فيما يدخل في الأمان........................................ ٩٩
فيما لو طلب المشركون
الأمان لأنفسهم كانوا مأمونين على أنفسهم................. ٩٩
فيما لو طلبوا أمانا
لاهليهم فقالوا : أمنوا أهلينا فقال لهم المسلمون : أمناهم فهم فئ وأهلهم آمنون ٩٩
فيما لو قالوا : نخرج على
أن نراوضكم في الأمان على أهلنا فقالوا لهم : اخرجوا فهم وأهلهم آمنون ٩٩
فيما لو قالوا : أمنونا
على ذريتنا فأمنوهم على ذلك فهم آمنون وأولاد أبنائهم وإن سفلوا وكذا أولاد البنات ١٠٠
فيما لو قالوا : أمنونا
على أولادنا فهل تدخل أولاد البنات؟....................... ١٠٠
فيما لو قالوا : أمنونا
على إخوتنا ولهم إخوة وأخوات فهم آمنون ولا تدخل الاخوات بانفرادهن ١٠٠
فيما لو قالوا : أمنونا
على أبنائنا دخل فيه الذكور والاناث ولا يتناول الاناث بانفرادهن... ١٠٠
فيما لو تقدم من المستأمن
لفظ يدل على طلب الامان لهن انصرف الامان إليهن وإن كان بلفظ الذكور ١٠٠
فيما لو قالوا : أمنونا
على آبائنا ولهم آباء وأمهات دخلوا جميعا في الامان............ ١٠١
هل يدخل الاجداد في الاباء؟.................................................. ١٠١
فيما لو قالوا : أمنونا
على أبنائنا دخل فيه أبناء الابناء............................. ١١٠
صحة عقد الامان للمرأة على
قصد العصمة عن الاسترقاق........................ ١٠٢
في أمان الاسير لمن أسره
أو غيره................................................ ١٠٢
فيما لو أمنهم وأمنوه بشرط
أن لا يخرج من دارهم............................... ١٠٢
فيما لو قال : اعقدوا
الامان على أهل حصني على أن أفتحه لكن فأمنوه على ذلك فهو وأهل الحصن آمنون ١٠٣
فيما لو قال : اعقدوا لي الامان على أهل حصني على أن أدلكم على
طريق موضع كذا
ففعلوا ففتحوا الباب فجميع النفوس والاموال تدخل في الامان.................................................................... ١٠٣
فيما لو قال : اعقدوا لي
الأمان على ان تدخلوا فيه فتصلوا دخل الأموال في الأمان........ ١٠٤
فيما لو قال : أمنوني على
قلعتي أو مدينتي فأمنوه دخل المال والانفس فيه............ ١٠٤
فيما لو قال : أمنوني على
ألف درهم من مالي على أن أفتح لكم الحصن فهو آمن على ما طلب ١٠٤
فيما لو قال : علي ألف
درهم من دراهمي ولا دراهم له كان الامان لغوا........... ١٠٤
البحث السادس : في الأحكام.............................................. ١٠٥
وجوب الوفاء بعقد الامان
وعدم جواز الغدر..................................... ١٠٥
فيما لو دخل الحربي دار
الاسلام بغير أمان ومعه متاع فهو حرب لا أمان له في نفسه ولا ماله ١٠٥
فيما لو ركب المسلمون في
البحر فاستقبلهم فيه تجار كفار من أرض العدو فهل يقاتلون؟ ١٠٥
فيما لو دخل الحربي دار
الاسلام بتجارة معتقدا أنه أمان فهو آمن حتى يرجع إلى مأمنه..... ١٠٥
فيما لو دخل دار الاسلام
بأمان دخل أمان ماله.................................. ١٠٥
فيما إذا مات الحربي في
دار الحرب وقد أخذ الامان لاقامته في دار الاسلام وأقام بها تبعه ماله ١٠٦
فيما لو دخل دار الاسلام
فعقد أمانا ثم مات في دار الاسلام وله مال............... ١٠٧
فيما لو كان للحربي أمان
فترك ماله ونقض الامان ولحق بدار الحرب فالامان باق في ماله ويجوز سبيه إن رجع
لاخذ ماله ١٠٨
في أنه لو أسر الحربي الذي
لماله أمان لم يزل الامان عن ماله....................... ١٠٨
فيما إذا دخل المسلم أرض
العدو بأمان فسرق شيئا وجب عليه رده على أربابه......... ١٠٨
فيما لو أسر المشركون مسلما ثم أطلقوه بأمان على أن يقيم في دارهم
حرمت عليه أموالهم بالشرط ولا يجوز
عليه المقام مع القدرة على الهجرة....................................................................... ١٠٩
في أن المشركين لو لم
يؤمنوا المسلم ولكن استرقوه واستخدموه فله الهرب وأخذ ما أمكنه من مالهم ١٠٩
فيما لو أطلقوه على مال لم
يجب الوفاء به....................................... ١٠٩
فيما لو دخل المسلم دار
الحرب بأمان فاقترض من حربي مالا وعاد إلى دار الاسلام ودخلها صاحب المال بأمان
كان عليه رده ١٠٩
فيما لو اقترص حربي من
حربي مالا ثم دخل المقترص إلى دار الاسلام بأمان كان عليه رده ١٠٩
فيما لو تزوج الحربي
بحربية وأمهرها مهرا وجب عليه رده عليها................... ١٠٩
فيما لو تزوج الحربي
بحربية ثم أسلم الحربي والمهر في ذمته لم يكن للزوجة مطالبته به.. ١٠٩
فيما لو ماتت الحربية ثم
أسلم الزوج بعد موتها فلوارثها المسلم مطالبة الزوج بالمهر.... ١٠٩
فيما لو دخل المسلم أو
الحربي دار الحرب مستأمنا فخرج بمال من مالهم اشترى به شيئا لم يتعرض له ١١٠
فيما لو دفع الحربي إلى
الذمي في الدار الإسلام شيئا وديعة كان في أمان............. ١١٠
فيما إذا خلي المشركون
أسيرا مسلما من أيديهم واستحلفوه على أن يبعث إليهم فداء عنه أو يعود إليهم ١١٠
في أنه لو عجز عن المال لم
يجز له الرجوع إليهم سواء الرجل أو المرأة............... ٠١١
في أن المستأمن إذا نقض
العهد ورجع إلى داره فما خلفه عندنا فهو باق في عهدة الامان ١١١
البحث السابع : في التحكيم................................................ ١١٢
فيما إذا حصر الامام بلدا
جاز أن يعقد عليهم أن ينزلوا على حكمه................ ١١٢
هل يجوز للامام إنزالهم
على حكم الله تعالى؟..................................... ١١٢
في أنه يجوز أن ينزلوا على
حكم الامام أو بعض أصحابه.......................... ١١٣
فيما يشترط في الحاكم من
الاوصاف........................................... ١١٣
جواز كون الحاكم أعمى...................................................... ١١٤
جواز كون الحاكم محدودا في
القذف مع التوبة................................... ١١٤
جواز إنزالهم على حكم أسير
معهم مسلم....................................... ١١٤
فيما لو نزلوا على حكم رجل
غير معين ويتعين باختيارهم جاز ويقبل حكمه إن كان ممن يجوز حكمه ١١٤
جواز كون الحاكم اثنين....................................................... ١١٤
في أن الحاكمين ينفذ
حكمهما إن اتفقا ، ولو مات أحدهما لم يحكم الاخر إلا بعد الاتفاق عليه أو تعيين
غيره ١١٤
جواز كون الحاكم أكثر من
اثنين.............................................. ١١٥
فيما لو كان أحد الحاكمين
كافرا لم يجز........................................ ١١٥
فيما لو مات الحاكم الواحد
قبل الحكم لم يحكم غيره إلا بعد الاتفاق على من يقوم مقامه ١١٥
فيما لو رضوا بتحكيم فاقد
أحد الشرائط ورضي به الجيش ونزلوا على ذلك إلينا ثم ظهر عدم صلاحيته لم يحكم وردوا
إلى مأمنهم............................................................................ ١١٥
في نفوذ ما يحكم به الحاكم
ما لم يخالف مشروعا ، واشتراط كون الحظ للمسلمين... ١١٥
فيما إذا نزلوا على حكم
الحاكم فأسلموا قبل حكمه عصموا أموالهم ودماءهم وذراريهم من الاستغنام والقتل
والسبي ١١٦
فيما يتعلق بإسلامهم بعد
الحكم عليهم.......................................... ١١٦
فيما لو دخل حربي إلينا
بأمان فقال له الامام : إن رجعت إلى دار الحرب وإلا حكمت عليك حكم أهل الذمة فأقام
سنة ١١٧
فيما لو قال له : اخرج إلى
دار الحرب فإن أقمت عندنا صيرت نفسك ذميا فأقام سنة ثم قال : أقمت لحاجة ١١٧
فيما لو اتفقوا على حكم
جامع للشرائط جاز الحكم ولم يجب..................... ١١٨
فيما لو حكم الحاكم بغير
السائغ ثم رجع وحكم بالسائغ.......................... ١١٨
في نفوذ حكم الحاكم على
الامام وللامام أن يقضي بما دون حكم الحاكم........... ١١٨
فيما لو شرط أن يسلم إليه
مائة نفر فعد مائة ، يقتل.............................. ١١٨
الفصل الرابع : في الغنائم.................................................. ١١٩
الباب الأول : فى أقسام الغنيمة............................................. ١١٩
تعريف الغنيمة............................................................... ١١٩
أقسام الغنيمة ، الثلاثة........................................................ ١١٩
البحث الأوّل : فيما ينقل ويحوّل............................................ ١١٩
في أن الغنيمة من دار
الحرب ما أخذت بالغلبة والحرب وإيجاف الخيل والركاب...... ١١٩
في تعريف الفئ............................................................... ١٩١
في أن ما يؤخذ بالفزع فإنه
من جملة الغنائم التي تخمس............................ ١١٩
في أن الغنيمة كانت محرمة
فيما تقدم من الشرائع................................. ١٢٠
في أن ما يحويه العسكر مما
ينقل ويحول إن لم يصح تملكه فليس غنيمة............... ١٢١
في أن ما تأخذه الفئة
المجاهدة على سبيل الاختلاس والسرقة أو ما ينجلي عنه الكفار من غير قتال أو اللقطة
فإنها ليست غنيمة ١٢١
في أن الاشياء المباحة في
الاصل إن لم يكن عليها أثر لهم فليست غنيمة.............. ١٢١
فيما لو وجد في دار الحرب
شئ يحتمل كونه للمسلمين والكفار فإنه لقطة.......... ١٢٢
فيما إذا وجد قدح منحوت في
الصحراء فعرفه المسلمون فهو لهم وإلا فغنيمة........ ١٢٢
فيما لو وجد صيدا في أرضهم
لا مالك له واحتاج إلى أكله فهو له................. ١٢٢
فيما لو أخذ من بيوتهم أو
خارجها ما لا قيمة له في أرضهم فهو أحق به............ ١٢٢
فيما لو ترك صاحب المغنم
شيئا من المغنم عجزا عن حمله فقال : من حمله فهو له ، جاز وصار لاخذه ١٢٣
فيما يتعلق بوجدان الركاز
في أرضهم........................................... ١٢٣
عدم جواز التصرف في شئ من
الغنيمة قبل القسمة إلا ما لابد للغانمين منه.......... ١٢٣
هل يجوز أخذ الطعام أو
العلف مع عدم الحاجة؟.................................. ١٢٤
جواز ذبح الحيوان المأكول
، والاكل منه مع الحاجة وعدم وجوب القيمة............ ١٢٤
فيما إذا ذبح الحيوان
للاكل رد الجلود إلى المغنم ولا يجوز استعمالها................. ١٢٥
عدم جواز تناول ما عدا
الطعام والعلف واللحم ولا استعماله ولا الانفراد به......... ١٢٥
فيما يتعلق بالدهن المأكول
وغير المأكول......................................... ١٢٦
جواز أكل وشرب ما يتداوى
به................................................ ١٢٦
عدم جواز غسل الثوب
بالصابون من الغنيمة.................................... ٦١٢
عدم جواز الانتفاع بالجلود
ولا اتخاذ النعال منها ولا الجرب ولا الخيوط ولا الحبال... ١٢٦
فيما يتعلق بالكتب التي
لهم.................................................... ١٢٧
في أن جوارح الصيد غنيمة.................................................... ١٢٧
في أنه لو وجدوا خنازير
قتلوها أو خمرا أراقوها.................................. ١٢٨
عدم جواز لبس ثياب الغنيمة
ولا ركوب دوابها.................................. ١٢٨
فيما لو كان للغازي دواب
أو رقيق جاز له إطعامهم مما يجوز له أكله............... ١٢٨
عدم جواز استعمال أسلحة
الكفار إلا أن يضطر إليه............................. ١٢٨
فيما لو جمعت الغنائم
وثبتت يد المسلمين عليها وفيها طعام أو علف لم يجز لاحد أخذه إلا لضرورة ١٢٩
فيما لو فضل معه من الطعام
فضلة فأدخله دار الاسلام رده إلى المغنم وإن قل........ ١٢٩
في أن ما يؤخذ من أموال
المشركين حال الحرب بالقهر فهو للمقاتلة................ ٣٠١
في أن ما تأخذه سرية بغير إذن
الامام فهو للامام................................. ١٣٠
في أن ما يتركه المشركون
فزعا فهو للامام...................................... ١٣٠
في أن ما يؤخذ صلحا أو
جزية فهو للمجاهدين.................................. ١٣٠
في أن ما يؤخذ غيلة من أهل
الحرب ولم يكن في زمان الهدنة فهو لاخذه............ ١٣٠
فيما إذا مات من أهل الحرب
من خلف مالا فماله للامام.......................... ١٣١
فيما يتعلق بالمال الضائع
الذي يؤخذ على هيئة اللقطة............................. ١٣٢
فيما لو أتلف بعض الغانمين
من طعام الغنيمة شيئا ضمن........................... ١٣٣
فيما لو أخذ بعض الغانمين
فوق ما يحتاج إليه وأضاف به غانما جاز................. ١٣٣
فيما يتعلق بلحوق مدد
للجند بعد انقضاء القتال وحيازة الغنيمة.................... ١٣٤
في أنه إنما يسوغ للغانمين
أكل ما يسوغ لهم إذا كانوا في دار الحرب................ ١٣٤
فيما لو خرجوا من دار
الحرب ولم ينتهوا إلى عمران دار الاسلام فهل يجوز الاكل؟.. ١٣٤
فيما لو وجدوا سوقا في دار
الحرب وتمكنوا من الشراء يجوز الاكل................. ١٣٤
في أنه ليس للغانم أن يقرض
ما أخذه من الطعام أو العلف من غير الغانمين أو بيعه.... ١٣٥
فيما لو باع الغانم ما
أخذه من غانم آخر بمال آخر أخذه من الغنيمة فهو إبدال مباح بمباح ١٣٥
في أنه لو تبايعا صاعا
بصاعين لم يكن ربا........................................ ١٣٦
هل يسقط حق الغانم من
الغنيمة بالاعراض عنها وتركها قبل القسمة؟.............. ١٣٦
فيما إذا حاز المسلمون
الغنائم وجمعوها ثبت حقهم فيها سواء جمعوها في دار الحرب أو في دار الاسلام ١٣٧
في أن من غل من الغنيمة لا
يحرق رحله ولا ثيابه ولا سلاحه...................... ١٦٦
فيما لو أبقت النار شيئا
فهو لمالكه.............................................. ١٣٨
في أنه لا تحرق الكتب
العلمية والحديثية......................................... ١٣٩
في أنه لو لم يحرق متاعه
حتى تجدد آخر لم يحرق المتجدد.......................... ١٣٩
في أنه لو مات الغال أو
كان صبيا أو عبدا لم يحرق متاعه.......................... ١٣٩
فيما لو غلت امرأة أو ذمي.................................................... ١٣٩
فيما لو أنكر الغلول وادعى
ابتياعه لم يحرق متاعه................................ ١٣٩
في أنه لا يحرم الغال سهمه
من الغنيمة........................................... ١٣٩
فيما إذا تاب الغال قبل
القسمة أو بعدها يجب رد ما غله في المغنم.................. ١٤٠
فيما يتعلق بسرقة شئ من
الغنيمة............................................... ١٤٠
في أنه ليس لاحد الغانمين
أن يبيغ غانما آخر شيئا من الغنيمة....................... ١٤٢
فيما لو أقرضه الغانم لمن
لا سهم له أو باعه منه لم يصح........................... ١٤٢
في بطلان بيع شئ من
الغنيمة من غير الغانمين.................................... ١٤٣
في أنه يجوز للامام بيع شئ
من الغنيمة قبل القسمة لمصلحة........................ ١٤٣
فيما إذا قسمت الغنائم في
دار الحرب جاز لكل من أخذ منهم التصرف فيه كيف شاء...... ١٤٣
جواز اشتراء أمير الجيش
شئيا من مال الغنيمة قبل القسمة وبعدها.................. ١٤٣
عدم سقوط حق الغانم من
الغنيمة بالاعراض بعد القسمة.......................... ١٤٣
في أنه لو افرز الخمس ولم
تقسم الاخماس الاربعة بعد فالاعراض مسقط للحق....... ١٤٤
في أن سهم الله تعالى وسهم
رسوله وسهم ذوي القربى للامام...................... ١٤٥
حكم إعراض السفيه المحجور
عليه.............................................. ١٤٥
عدم صحة إعراض الصبي عن
الرضخ ولا إعراض الولي عنه....................... ١٤٥
عدم صحة إعراض العبد عن
الرضخ وصحته من السيد........................... ١٤٥
صحة إعراض السالب عن السلب.............................................. ١٤٥
هل يضم نصيب المعرض إلى
الخمس؟........................................... ١٤٥
في انتقال حق الغانم الميت
غير المعرض عن حقه إلى ورثته.......................... ١٤٦
فيما لو وقع في المغنم من
يعتق على بعض الغانمين................................. ١٤٧
عدم جواز وطئ جارية المغنم
قبل القسمة وثبوت الحد بوطئها عالما بالتحريم بقدر النصيب ١٥٠
فيما لو أحبلها فهل يكون
حكم ولدها حكمها؟................................. ١٥١
هل تصير الجارية أم ولده
في الحال؟............................................. ١٥٢
فيما لو وطئها وهو معسر...................................................... ١٥٣
البحث الثاني : في الأسارى................................................. ١٥٤
في بيان أقسام الاسارى........................................................ ١٥٤
في أن النساء والاطفال
يملكون بالسبي ولا يجوز قتلهم............................. ١٥٤
فيما لو أشكل أمر الصبي في
البلوغ وعدمه...................................... ١٥٤
حكم البالغين الاحرار فيما
إذا اسروا قبل تقضي الحرب وانقضاء القتال أو بعده..... ١٥٤
في أن تخير الامام بين
المن على الاسارى والفداء والاسترقاق ثابت في كل أصناف الكفار ١٥٨
في أن هذا التخيير تخيير
مصلحة واجتهاد لا تخيير شهوة........................... ١٥٩
جواز استرقاق بعض الشخص
والفداء والمن في الباقي............................. ١٦٠
في سقوط قتل الاسير فيما
لو أسلم بعد الاسر.................................... ١٦٠
هل بسقوط القتل يصير رقا
أو يتخير الامام في باقي الجهات؟...................... ١٦١
فيما لو أسلم الاسير قبل
الظفر به ووقوعه في الاسر لم يجز قتله ولا استرقاقه ولا المفاداة به ١٦٢
فيما لو أسلمت المرأة قبل
الظفر أحرزت نفسها ومالها وأولادها الصغار............. ١٦٥
فيما لو استأجر مسلم من
حربي أرضه في دار الحرب صحت الاجارة وإذا غنمت الارض كانت المنافع للمستأجر ١٦٥
فيما لو أسلم وزوجته حامل
يجوز استرقاقها...................................... ١٦٥
فيما لو أعتق المسلم عبده
الذمي فلحق بدار الحرب ثم اسر فهل يجوز استرقاقه؟...... ١٦٥
فيما لو كان لذمي في دار
الاسلام عبد ذمي فأعتقه ولحق بدار الحرب فأسر يجوز استرقاقه ١٦٥
فيما يتعلق بإسلام عبد
الذمي أو أمته في دار الحرب ثم إسلام مولاه بعده............ ١٦٦
فيما لو خرج العبد إلينا
مسلما قبل مولاه........................................ ١٦٧
فيما لو كان سيد العبد
صبيا أو امرأة ولم يسلم حتى غنمت وقد حارب معنا........ ١٦٧
فيما إذا لم يخرج العبد
إلينا قبل مولاه كان باقيا على الرقية لمولاه إن أسلم.......... ١٦٧
فيما لو أسلمت أم ولد
الحربي وخرجت إلينا عتقت وتستبرئ نفسها............... ١٦٧
فيما يتعلق بإسلام العبد
وعدم خروجه إلينا...................................... ١٦٧
فيما لو عقد لنفسه أمانا
لم يقر المسلم على ملكه................................. ١٦٧
في أنه لا يجوز لغير الامام قتل الاسير بغير قول الامام قبل أن
يرى الامام
رأيه فيه وعدم وجوب القصاص ولا الدية ولا الكفارة فيما لو قتله مسلم أو ذمي................................................................ ١٦٨
وجوب إطعام الاسير وسقيه
وإن اريد قتله بعد بلحظة............................ ١٦٨
فيما لو عجز الاسير عن
المشي ولم يكن مع المسلم ما يركبه لم يجب قتله............ ١٦٨
كراهة قتل من يجب قتله
صبرا من الاسراء وغيرهم............................... ١٦٨
فيما لو وقع في الاسر
امرأة أو صبي فقتل........................................ ١٦٩
فيما إذا جلب من بلاد
الشرك قوم تعارفوا بينهم بما يوجب التوارث قبل قولهم بذلك. ١٦٩
في أنه إذا سبي من لم يبلغ
مع أحد أبويه الكافرين ، كان على دينهما............... ١٧٠
فيما إذا سبي منفردا عن
أبويه.................................................. ١٧٠
فيما إذا سبي مع أحد أبويه.................................................... ١٧١
فيما إذا سبيت المرأة
وولدها صغير كره التفرقة بينهما............................ ١٧٢
فيما إذا رضيت الام
بالتفرقة كره ذلك......................................... ١٧٢
في جواز التفرقة بين الولد
والوالد............................................... ١٧٢
في جواز التفرقة بين الام
وولدها إذا بلغ سبع سنين............................... ١٧٣
في جواز التفرقة بين
البالغ وأمه................................................. ١٧٤
فيما لو فرق بينهما بالبيع
فهل يصح البيع أم لا؟................................. ١٧٤
حكم التفريق بين الولد
والجدة أم الام........................................... ١٧٥
جواز التفرقة بين الاخوين
والاختين............................................. ١٧٥
جواز التفرقة بين من خرج
من عمود الوالدين من فوق وأسفل..................... ١٧٦
جواز التفرقة بين الرحم
غير المحرم وكذا بين الام وولدها من الرضاع أو أخته منه.... ١٧٦
جواز التفرقة بين الام
وولدها في العتق والفداء................................... ١٧٦
فيما لو اشترى من المغنم
اثنين أو أكثر وحسبوا عليه بنصيبه بناء على أنهم أقارب تحرم التفرقة بينهم فظهر
عدم النسب بينهم ١٧٦
فيما لو جنت جارية وتعلق
الارش برقبتها ولها ولد صغير لم يتعلق به أرش ولم يفدها السيد فهل يجوز بيعها دون
ولدها؟ ١٧٧
فيما لو كانت الجارية
حاملا بحر وامتنع سيدها من الفداء لم يجز بيعها.............. ١٧٧
فيما لو باع جارية حاملا
إلى أجل ففلس المشتري وقد وضعت مملوكا من زنا أو زوج فهل له الرجوع فيها دون ولدها؟ ١٧٧
فيما لو ابتاع جارية فأتت
بولد مملوك في يد المشتري وعلم بعيبها لم يكن له ردها بالعيب ولا يلزمه رد الولد ١٧٧
فيما إذا وفى نصيب أحد
بالام وولدها دفعا إليه وإلا اشترك مع الامام فيهما أو باعهما وجعل ثمنهما في
المغنم ١٧٧
فيما لو ألجأت الضرورة إلى
التفرقة بين الام وولدها جاز.......................... ١٧٨
فيما لو كانت الام لواحد
والولد لاخر فله الانفراد ببيع ما يملكه................... ١٧٨
فيما إذا أسر المشرك وله
زوجة لم تؤسر فالزوجية باقية............................ ١٧٨
فيما أذا أسر الزوجان معا
انفسخ النكاح........................................ ١٧٩
فيما إذا أسرت الزوجة
وحدها أو كان الاسير طفلا انفسخ النكاح................. ١٨٠
فيما لو كان الزوجان
مملوكين فهل ينفسخ النكاح أم لا؟......................... ١٨١
في أن الغانم الموسر إذا
وطئ جارية المغنم تكون أم ولد في الحال.................... ١٨١
فيما يتعلق بالواطئ المعسر..................................................... ١٨٣
البحث الثالث : في أحكام الأرضين......................................... ١٨٣
أقسام الارضين ، الاربعة...................................................... ١٨٣
١ ـ ما يملك بالاستغنام من الكفار ويؤخذ قهرا بالسيف...................... ١٨٣
في أن ما يملك بالاستغنام
يملك بالاستيلاء ويكون للمسلمين قاطبة لا تختص بها المقاتلة ١٨٣
٢ ـ أرض من أسلم أهلها عليها طوعا من غير قتال فتترك في أيديهم
ملكا لهم... ١٨٥
٣ ـ أرض الصلح وهي كل أرض صالح أهلها عليها.......................... ١٨٥
فيما لو باعها من مسلم صح
وانتقل ما عليها إلى رقبة البائع........................ ١٨٥
٤ ـ أرض الانفال وهي أرض انجلى أهلها عنها طوعا وتركوها أو كانت
مواتا لغير المالك فأحييت أو كانت آجاما وغيرها فاستحدثت مزارع.................................................................... ١٨٥
في أن الارض المأخوذة بالسيف عنوة يقبلها الامام لمن يقوم
بعمارتها بما يراه
من النصف وغيره وعلى المتقبل إخراج مال القبالة وحق الرقبة............................................................................ ١٨٦
في أن الارض المأخوذة
بالسيف للمسلمين إن كانت محياة وقت الفتح.............. ١٨٧
في أن الموات منها وقت
الفتح للامام خاصة...................................... ١٨٧
فيما إذا زرع فيها أحد أو
بنى أو غرس صح يبع ما له فيها من الاثار وحق الاختصاص بالتصرف دون بيع الرقبة. ١٨٧
في أن الارض الخربة
والموات ورؤوس الجبال وبطون الاودية والاجام من الانفال يختص بها الامام ١٨٨
حكم أرض مكة............................................................. ١٨٨
حكم أرض السواد........................................................... ١٨٩
فيما إذا نزل الامام على بلد فحاصره وأراد أهل البلد الصلح على أن
يكون البلد
لهم وكانوا من أهل الكتاب جاز له أن يصالحهم بشروط ثلاثة........................................................................ ١٩٣
تذنيب : في أن كل أرض ترك
أهلها عمارتها كان للامام تقبيلها ممن يقوم بها........ ١٩٤
في أن كل أرض موات سبق
إليها سابق فعمرها وأحياها كان أحق بها إذا لم يكن لها مالك معروف ١٩٤
فيما إذا استأجر مسلم دارا
من حربي ثم فتحت تلك الارض لم تبطل الاجارة........ ١٩٤
الباب الثاني : في كيفية قسمة الغنيمة........................................ ١٩٥
الأوّل : فيما ينبغي تقديمه ، وهي الديون والجعائل
والسّلب والرضخ والخمس.... ١٩٥
فيما إذا كان لمسلم على
حربي دين فاسترق الحربي لم يسقط الدين................. ١٩٥
فيما لو كان الدين للسابي
وملكه يسقط الدين................................... ١٩٥
فيما إذا كان لذمي دين على
حربي لم يسقط الدين............................... ١٩٦
فيما إذا كان الدين لحربي
واسترق المديون فهل يسقط الدين؟...................... ١٩٦
فيما إذا استرق من له
الدين فلا تبرأ ذمة من عليه الدين........................... ١٩٧
فيما لو قهر المديون رب
المال سقط الدين....................................... ١٩٧
فيما لو استقرض الحربي من
حربي أو التزم بالشراء ثمنا ثم أسلما أو قبلا الجزية أو الامان فهل يستمر
الاستحقاق أم لا؟ ١٩٧
فيما لو جنى الحربي على
مسلم فاسترق فأرش الجناية في ذمته لا يتحول إلى رقبته بخلاف المكاتب ١٩٨
البحث الثاني : في الجعائل................................................... ١٩٩
في أنه يجوز للإمام جعل
الجعل لمن يدل على مصلحة من مصالح المسلمين............ ١٩٩
في استحقاق المجعول له
الجعل بنفس الفعل الذي جعل له الجعل مسلما كان أو كافرا. ١٩٩
في أنه لو كانت الجعالة عينا مما في يده وجب أن تكون معلومة
بالمشاهدة أو
الوصف الرافع للجهالة ، وإن كان دينا وجب أن تكون معلومة الوصف والقدر............................................................... ١٩٩
في أنه لو كانت الجعالة من
مال المشركين يجوز أن تكون معلومة ومجهولة جهالة لا تمنع التسليم ١٩٩
في أن المال في الجعالة إن
كان من الجاعل وجب دفعه بنفس الدلالة ولا يتوقف على فتح القلعة مثلا ٢٠٠
في أنه لو كان المال من
الغنيمة استحق بالدلالة والفتح معا......................... ٢٠٠
فيما لو شرط جارية معينة
من القلعة ثم فتحت على أمان وكانت من الجملة......... ٢٠٠
فيما لو فتحت القلعة عنوة
أو صلحا ولم تكن الجارية داخلة في الهدنة............... ٢٠١
فيما لو ماتت الجارية قبل
الظفر أو بعده......................................... ٢٠٢
فيما لو كان الدليل جماعة
كانت الجارية بينهم................................... ٢٠٢
في أنه يجوز للامام أو نائبه بعث سرية تغير على العدو وقت دخوله
دار الحرب وجعل الربع أو الثلث لهم
بعد الخمس فيما إذا رجع من دار الحرب مع الجيش............................................................. ٢٠٣
في أنه إذا لم يشترط
الامام أو نائبه البدل فلا نفل................................. ٢٠٤
في أنه لو رأي الامام أو
نائبه التنفيل بدون الربع أو الثلث فعل..................... ٢٠٥
هل تجوز الزيادة على الربع
والثلث؟............................................ ٢٠٥
في تفيسر البداءة والرجعة...................................................... ٢٠٥
في أنه يجوز التنفيل لبعض
الجيش............................................... ٢٠٦
في أنه لو قال الامير : من
طلع هذا الحصن أو هدم هذا السور أو نقب هذا البيت أو من جاء بأسير فله كذا جاز ٢٠٦
في جواز التنفيل مع
المصلحة للمسلمين.......................................... ٢٠٦
في عدم اختصاص النقل بنوع
من المال.......................................... ٢٠٦
في استواء الفارس والراجل
في النفل إلا أن يفضل بعضهم في القسم................. ٢٠٧
فيم لو بعث الامام سرية وخرج الجيش معهم ثم إن أمير السرية نفل
قوما منهم لفتح
الحصن أو للمبارزة بغير إذن الامام جاز التنفيل لهم من حصة السرية أو من سهامهم بعد النفل.......................................... ٢٠٧
فيما لو بعث أمير السرية
سرية من السرية ونفل لهم أقل من النفل الاول جاز........ ٢٠٧
فيما لو فقد رجل من السرية فقام هناك بعضهم لطلبه وبعضهم ذهب حتى
أصاب الغنائم
ثم رجعوا إلى أصحابهم ووجدوا المفقود فكلهم شركاء في النفل.............................................................. ٢٠٨
فيما لو أصاب الرجل
المفقود غنيمة والذين أقاموا لانتظاره غنيمة والسرية غنيمة ثم التقوا فالنفل من
جميع ذلك بينهم بالسوية ٢٠٨
فيما لو تفرقت السرية سريتين وبعدن إحداهما عن الاخرى ثم أصابت كل
سرية غنيمة
أو أصابت إحداهما دون الاخرى ثم التقتا فالنفل من جميع ذلك بينهم بالسوية...................................................... ٢٠٨
فيما لو أصابت السرية
الغنائم ثم لم يقدروا على الرجوع إلى العسكر فخرجوا إلى دار الاسلام من موضع آخر
فهل تكون الغنيمة كلها لهم؟............................................................................ ٢٠٨
فيما لو قال الامام : من
أخذ شيئا فهو له فهل يجوز؟............................. ٢٠٨
فيما لو بعث سريتين يمنة
ويسرة ونفل إحداهما بالثلث والاخرى بالربع جاز......... ٢٠٩
فيما لو بعث واحدا مع سرية
الربع فخرج مع سرية الثلث فلا شئ له في السرية التي خرج إليها بغير إذن الامام ٢٠٩
فيما لو ضل رجل من إحدى
السريتين فوقع في الاخرى فأصاب الغنيمة فأنه يشاركهم ٢٠٩
فيما لو بعث سرية ونفهلم بالربع ثم أرسل أخرى وقال لهم : الحقوا
بأصحابكم فما
أصبتم فأنتم شركاؤهم فلحقوا السرية الاولى وقد كانوا غنموا غنيمة ثم غنموا معهم غنيمة أخرى جميعا فنل
الغنيمة الثانية لهم جميعا ونفل الغنيمة الاولى للسرية الاولى ٢٠٩
صحة التنفيل بالشئ المجهول.................................................... ٢١٠
فيما لو قال : من أصاب
ذهبا أو فضة فهو له ، فأصاب سيفا محلى بأحدهما كان له الحلية دون السيف ٢١١
فيما لو قال : من أصاب قزا
فهو له فأصاب جبة محشوة بقز فلا شئ له............. ٢١١
فيما لو قال : من أصاب ثوب
قز فهو له ، فأصاب جبة بطانتها ثوب قز أو ظهارتها فله الثوب القز ٢١٢
فيما لو قال : من أصاب جبة
حرير فهو له ، فأصاب ظهارتها وبطانتها أو ظهارتها حرير فهي له ٢١٢
فيما لو صعد رجل السور
يقاتل المسلمين فقال الامام : من صعد السطح فأخذه فهو له وخمسمائة فأخذ رجل لزمه
دفعه ودفع خمسمائة............................................................................ ٢١٢
فيما لو التقى الصفان فقال
الامير : من جاء برأس فله كذا انصرف إلى رؤوس الرجال دون الصبيان ٢١٢
فيما لو انهزم الكفار فقال
: من جاء برأس فله كذا فجاء رجل بسبي أو برأس فله النفل..... ٢١٢
فيما لو جاء برأس لا يعلم
كفره وإسلامه لم يعط حتى يعلم كفره.................. ٢١٢
فيما لو قال : من دخل باب
هذه المدينة فله ألف فاقتحم جماعة مسلمون فدخلوها... ٢١٣
فيما لو قال : من دخل فله
جارية فدخلوا....................................... ٢١٣
فيما لو قال : من دخل أولا فله ثلاثة ومن دخل ثانيا فله اثنان ومن
دخل ثالثا فله واحد فدخلوا على
التعاقب أو دفعة أو دخل اثنان أول مرة............................................................................ ٢١٣
فيما لو قال : من دخل أولا
من المسلمين فله كذا أو قال : من دخل من المسلمين أولا من الناس فدخله ذمي ثم مسلم ٢١٤
البحث الثالث : في السّلب................................................. ٢١٤
جواز جعل الامام سلب
المقتول للقاتل........................................... ٢١٤
في استحقاق القاتل السلب
بشروط............................................. ٢١٤
١ ـ أن يخصه الامام به ويشرطه له......................................... ٢١٤
٢ ـ أن يكون المقتول من المقاتلة الذين يجوز قتلهم........................... ٢١٥
٣ ـ أن يكون المقتول ممتنعا................................................ ٢١٦
٤ ـ القتل أو الاثخان..................................................... ٢١٧
٥ ـ أن يغرر القاتل بنفسه في قتله.......................................... ٢١٨
٦ ـ أن يقتله والحرب قائمة............................................... ٢١٩
٧ ـ أن يكون القاتل له نصيب من الغنيمة إما سهم أو رضخ.................. ٢١٩
هل يخمس السلب أم لا؟...................................................... ٢٢٠
في أن السلب يستحقه القاتل
من أصل الغنيمة.................................... ٢٢١
في أن السلب كل مال يتصل
بالمقتول مما يحتاج إليه في القتال...................... ٢٢٢
في أن ما لا يحتاج إليه في
القتال مما هو متصل به فهل يكون سلبا أم لا؟............. ٢٢٣
في أن الدابة التي يركبها
المقتول من السلب وإن لم يكن راكبا لها إذا كانت بيده..... ٢٢٣
في أن ما على الدابة من
سرج ولجام وغيرهما من السلب........................... ٢٢٤
في أنه لو كان راكبا عليها
فصرعه عنها ثم قتله بعد نزوله عنها فهي من السلب...... ٢٢٤
في أنه لو كان ماسكا
بعنانها غير راكب فهل تكون من السلب؟................... ٢٢٤
في أن الجنيب الذي يساق
خلفه ليس من السلب................................. ٢٢٤
فيما لو كان راكبا دابة
وفي يده جنيب له فهل يكون من السلب أم لا؟............. ٢٢٤
جواز سلب القتلى وتركهم
عراة............................................... ٢٢٥
افتقار مدعي السلب الى
بينة................................................... ٢٢٥
هل يفتقر مدعي السلب إلى
شاهدين؟.......................................... ٢٢٥
فيما لو قال الامام : من
أخذ شيئا فهو له جاز................................... ٢٢٦
البحث الرابع : في الرضخ................................................. ٢٢٧
في أنه لا سهم للنساء في
الغنيمة ولهن الرضخ.................................... ٢٢٧
في أنه لا سهم للعبيد وإن
جاهدوا ولهم الرضخ................................... ٢٢٨
هل يسهم للعبد المأذون أم
لا؟................................................. ٢٢٨
فيما لو اعتق العبد قبل
انقضاء الحرب أسهم له................................... ٢٢٩
فيما لو قتل سيد المدبر
قبل تقضي الحرب وهو يخرج من الثلث عتق واسهم له مع حضوره ٢٢٩
فيما إذا كان المقاتل نصفه
حرا فهل يسهم له؟................................... ٢٢٩
هل يرضخ للخنثى المشكل؟.................................................... ٢٢٩
فيما لو ظهر حال الخنثى
المشكل وعلم أنه رجل.................................. ٢٢٩
في أنه يسهم للصبي إذا حضر
الحرب وإن ولد بعد الحيازة وقبل القسمة............. ٢٢٩
في أنه لا يسهم للكافر
ويرضخ له الامام ما يراه.................................. ٢٣١
استحقاق الكافر الرضخ فيما
لو خرج إلى القتال بإذن الامام....................... ٢٣١
فيما لو غزا جماعة من
الكفار بانفرادهم فغنموا فغنيمتهم للامام.................... ٢٣١
جواز استعانة الامام
بالمشركين في الجهاد........................................ ٢٣٢
اشتراط كون المستعان به من
المشركين حسن الرأي مأمون الضرر................. ٢٣٢
في أنه لا حد معين للرضخ
بل هو موكول إلى نظر الامام.......................... ٢٣٢
في أنه ينبغي أن يفضل
بعضهم على بعض بحسب مراتبهم وكثرة النفع به........... ٢٣٢
في أن الرضخ هل يكون من
أصل الغنيمة؟....................................... ٢٣٣
جواز استئجار الامام أهل
الذمة للقتال.......................................... ٢٣٣
فيما لو غزا الرجل بغير
إذن الامام أخطأ ولو غنم مع العسكر فسهمه للامام........ ٢٣٤
فيما لو غزا بغير إذن
أبويه أو صاحب الدين استحق السهم........................ ٢٣٤
في قول الشيخ الطوسي : ليس
للاعراب من الغنيمة شئ وإن قاتلوا مع المهاجرين وبيان المراد من الاعراب ٢٣٤
البحث الخامس : في كيفية القسمة.......................................... ٢٣٥
في أنه يدفع السلب إلى
مستحقه قبل قسمة الغنيمة............................... ٢٣٥
تقديم أجرة الحمال والحافظ
والراعي والرضخ على قسمة الغنيمة................... ٢٣٥
تقديم قسمة الغنيمة على
قسمة الخمس.......................................... ٢٣٥
جواز اصطفاء الامام ما
يختاره من الغنيمة لنفسه.................................. ٢٣٥
في أن هذا الحق ثابت
للامام بعد النبي 9..................................... ٢٣٦
هل الاصطفاء بعد الخمس أو
قبله؟............................................. ٢٣٦
هل يستحق الفارس أكثر من
سهمين؟.......................................... ٢٣٦
في أنه يعطى ذو الفرسين
فما زاد ثلاثة أسهم.................................... ٢٣٨
في أنه يسهم للفرس سواء
كان عتيقا أو برذونا أو مقرفا أو هجينا.................. ٢٣٨
في أنه لا يسهم لغير الخيل
من الابل والبغال والحمير والفيلة وغيرها................. ٢٤٠
في أنه يسهم للخيل مع
حضورها الوقعة وإن لم يقاتل عليها ولا احتيج إليها في القتال. ٢٤١
فيما لو كانت الغنيمة من
فتح حصن أو مدينة فالقسمة فيها كالقسمة في غنائم دار الحرب ٢٤١
فيما لو حاربوا في السفن
وفيهم الرجالة وأصحاب الخيل.......................... ٢٤١
في أنه يسهم للفرس
المستعار للغزو والسهم للمستعير.............................. ٢٤١
في استحقاق المستأجر لسهم
الفرس إذا استأجره للغزو............................ ٢٤٢
فيما لو استعار فرسا لغير
الغزو فغزا عليه استحق السهم الذي له لا سهم الفرس..... ٢٤٢
فيما لو استأجر الفرس لغير
الغزو فغزا عليه سقط سهم الفرس..................... ٢٤٢
فيما لو كان المستأجر أو
المستعير ممن لا سهم له أوله رضخ....................... ٢٤٣
فيما لو غصب فرسا فقاتل
عليه استحق الغاصب سهم راجل وسهم الفرس لصاحبه إن كان حاضرا في الحرب ٢٤٣
فيما لو كان الغاصب ممن لا
سهم له فسهم الفرس لمالكه إن كان حاضرا........... ٢٤٤
فيما لو غزا العبد بغير إذن مولاه على فرس مولاه فسهم
الفرس لمولاه إن كان حاضرا..... ٢٤٤
فيما لو غزا جماعة على فرس
واحدة بالتناوب يعطى كل واحد سهم راجل ويقسم سهم الفرس بينهم ٢٤٤
فيما لو غزا العبد بإذن
مولاه على فرس مولاه رضخ للعبد واسهم للفرس والسهم والرضخ لسيده ٢٤٤
فيما لو غزا الصبي على فرس
أسهم له ولفرسه................................... ٢٤٥
فيما لو غزت المرأة أو
الكافر على فرس لهما يرضخان أزيد من رضخ الراجل من صنفهما وأقل من سهم الفارس ٢٤٥
فيما لو غزا المرجف أو
المخذل أو العبد بغير إذن مولاه فلا شئ له................. ٢٤٥
فيما ينبغي للامام من
تعاهد خيل المجاهدين والاذن في استصحاب ما يصلح للقتال وما لا يصلح له ٢٤٥
فيما لو ادخل من الخيل ما
لا يصلح للقتال عليه فهل يسهم له؟.................... ٢٤٥
في أن المريض لو لم يخرج
بمرضه عن أهل الجهاد يسهم له......................... ٢٤٦
فيما لو خرج المريض بمرضه
عن كونه من أهل الجهاد فهل يسهم له؟............... ٢٤٦
فيما لو نكس الفرس بصاحبه
يسهم له.......................................... ٢٤٦
فيما لو استأجر أجيرا
للحرب ودخلا معا دار الحرب اسهم لهما معا ويستحق الاجير الاجرة ٢٤٦
الاعتبار في الاسهام بكونه
فارسا وقت الحيازة للغنيمة............................. ٢٤٧
في أنه لو مات أحد من
الغزاة أو قتل قيل حيازة الغنيمة وتقضي القتال فلا سهم له وإن مات بعد ذلك فسهمه
لورثته ٢٤٨
عدم جواز تفضيل بعض
الغانمين في القسمة على بعض............................ ٢٤٩
هل لنائب الامام أن يقول :
من أخذ شيئا فهو له؟................................ ٢٥٠
فيما لو غنم المسلمون
ولحقهم مدد فيسهم له إن كان قبل تقضي الحرب وإن كان بعده وبعد القسمة فلا شئ له ٢٥٠
فيما إذا كان لحوق المدد
بعد انقضاء الحرب وحيازة الغنيمة وقبل القسمة فهل يسهم له؟ ٢٥١
فيما إذا لحق الاسير
بالمسلمين فلا يسهم له إن كان بعد تقضي الحرب وقسمة الغنيمة ٢٥١
فيما إذا لحق الاسير
بالمسلمين بعد انقضاء الحرب فقاتل مع المسلمين استحق السهم.. ٢٥١
فيما لو دخل التجار أو الصناع مع المجاهدين دار الحرب استحقوا
السهم إن قصدوا
الجهاد مع التجارة أو الصناعة وبيان حكم ما لو اشتبه الحال........................................................................ ٢٥٢
فيما إذا خرج الجيش غازيا
من بلد فبعث الامام من سرية فغنمت السرية شاركهم الجيش وكذا العكس ٢٥٣
فيما لو بعث الامام من الجيش
سريتين إلى جهة واحدة فغنمتا اشترك الجيش والسريتان ٢٥٤
حكم ما لو اختلفت الجهة..................................................... ٢٥٤
فيما لو بعث الامام سرية
أو جيشا وهو مقيم ببلد الاسلام فغنمت اختصت بالغنيمة....... ٢٥٤
فيما لو بعث سريتين وهو
مقيم ببلد أو بعث جيشين فكل واحد منهما مختص بما غنمه ٢٥٥
فيما لو بعث الامام لمصلحة
الجيش رسولا أو دليلا أو جاسوسا فغنم الجيش قبل رجوعه إليهم ثم رجع إليهم فإنه
يسهم له ٢٥٥
فيما لو غنم أهل الكتاب...................................................... ٢٥٥
حكم قسمة الغنيمة في دار
الحرب.............................................. ٢٥٦
كراهة إقامة الحد في أرض
العدو............................................... ٢٥٨
في أن المشركين لا يملكون
أموال المسلمين بالاستغنام............................. ٢٥٩
فيما لو أخذ المال أحد
الرعية نهبة أو سرقة فصاحبه أحق به....................... ٢٦١
فيما لو أبق عبد لمسلم إلى
دار الحرب فأخذوه لم يملكوه بأخذه..................... ٢٦٢
فيما لو أسلم المشرك الذي
في يده مال المسلم أخذ منه بغير قيمة................... ٢٦٣
فيما لو غنم المسلمون من
المشركين شيئا عليه علامة المسلمين فلم يعلم صاحبه فهو غنيمة ٢٦٣
فيما لو وجد شئ موسوم عليه
: حبس في سبيل الله............................... ٢٦٣
فيما لو أصيب غلام في بلاد
الشرك فقال : أنا لفلان من بلاد المسلمين فهل يقبل قوله من غير بينة؟ ٢٦٣
فيما لو كان في يد مسلم
مال مستأجر أو مستعار من مسلم ثم وجده المستأجر أو المستعير كان له المطالبة به
قبل القسمة وبعدها............................................................................ ٢٦٣
فيما لو دخل حربي دار
الاسلام بأمان فاشترى عبدا مسلما ثم لحق بدار الحرب فغنمه المسلمون كان باقيا على
ملك البائع ٢٦٤
فيما لو أسلم الحربي في دار الحرب وله مال وعقار أو دخل مسلم دار
الحرب واشترى
بها عقارا أو مالا ثم غزاهم المسلمون فظهروا على ماله وعقاره لم يملكوه والعقار غنيمة................................................. ٢٦٤
فيما لو فر المسلمون من
الزحف قبل القسمة لم يكن لهم نصيب في الغنيمة.......... ٢٦٤
فيما لو هربوا قبل القسمة
فذكروا انهم ولو متحرفين لقتال أو متحيزين إلى فئة فلهم سهامهم فيما غنم قبل الفرار ٢٦٥
في أن الاجير على القتال
يستحق الاجرة بالعقد والسهم بالحضور.................. ٢٦٥
فيما لو كان أجيرا على عمل
في الذمة وحضر الواقعة استحق السهم................ ٢٦٥
فيما إذا كان الاجير
مستأجرا لخدمة مدة معلومة يستحق السهم بالحضور إن خرج بإذن المستأجر ٢٦٥
فيما لو اشترى المسلم
أسيرا من يد العدو دفع ما أداه المشتري إلى البائع إن كان بإذنه ٢٦٧
فيما لو اشتراه بغير إذنه
فهل يجب على الاسير دفع الثمن إلى المشتري؟............. ٢٦٧
فيما إذا استولى أهل الحرب
على أهل الذمة فسبوهم وأخذوا أموالهم ثم قدر عليهم المسلمون وجب ردهم إلى ذمتهم
ولا يجوز استرقاقهم............................................................................ ٢٦٨
في فرض المسألة هل يجب
فداؤهم؟............................................. ٢٦٨
وجوب فداء الاسارى من
المسلمين مع المكنة..................................... ٢٦٩
البحث السادس : في أقسام الغزاة........................................... ٢٦٩
أقسام الغزاة : مطوّعة ومن أرصد نفسه للجهاد............................... ٢٦٩
في أنه ينبغي للامام اتخاذ
الديوان وكتابه العطايا وجعل عريف لكل قبيلة وجعل علامة لهم بينهم ٢٧٠
في أنه أراد الامام القسمة
قدم الاقرب إلى رسول الله 9 فالاقرب................ ٢٧٠
في أنه بعد الفراغ من
عطايا أقارب رسول الله 9 يبدأ بالانصار ثم العرب ثم العجم ٢٧٠
هل يعطى ذرية المجاهدين
والنساء؟.............................................. ٢٧٠
في إحصاء الامام المقاتلة
والتقسيم عليهم في السنة مرة واحدة...................... ٢٧١
في إعطاء المولود واحتساب
مؤونته من كفاية أبيه................................. ٢٧١
في إعطاء كل قوم بقدر
كفايتهم بالنسبة إلى بلدهم............................... ٢٧١
جواز تفضيل بعضهم على بعض
في العطاء من سهم سبيل الله وابن السبيل لا من الغنيمة ٢٧٢
في أنه ليس للاعراب من
الغنيمة شئ............................................ ٢٧٢
في وجوب النفور مع الامام
إذا استنهض الامام للجهاد............................ ٢٧٢
فيما إذا مرض واحد من أهل
الجهاد ولم يخرج به عن كونه من أهل الجهاد لا يسقط عطاؤه ٢٧٢
فيما لو مات المجاهد بعد
حؤول الحول واستحقاق السهم كان لوارثه المطالبة بسهمه.. ٢٧٢
في أن ما يحتاج الكراع
والات الحرب إليه يؤخذ من بيت المال من أموال المصالح..... ٢٧٣
يؤخذ من بيت المال من
أموال المصالح........................................... ٢٧٣
في أن رزق الحكام وولاة
الاحداث والصلاة وغيره يخرج من ارتفاع الاراضي المفتوحة عنوة ومن سهم سبيل الله ٢٧٣
في أن هدية المشرك إلى
الامام أو رجل من المسلمين والحرب قائمة هل تكون غنيمة أم لا؟ ٢٧٣
الفصل الخامس : في أحكام أهل الذمّة....................................... ٢٧٥
الأوّل : في وجوب الجزية ومن تؤخذ منه..................................... ٢٧٥
في تعريف الجزية............................................................. ٢٧٥
وجوب الجزية بالنص
والاجماع................................................ ٢٧٥
كيفية عقد الجزية ووجوب
ذكر مقدار الجزية.................................... ٢٧٥
في أنه يعقد الجزية لكل
كتابي عاقل بالغ ذكر وبيان المراد بالكتابي.................. ٢٧٦
في أنه تؤخذ الجزية من
جميع اليهود والنصارى عربا أو عجما...................... ٢٧٧
في أنه تؤخذ الجزية ممن
دخل من الكفار في دين اليهود أو النصارى قبل النسخ والتبديل ٢٧٨
فيما لو دخلوا في دينهم
بعد النسخ فلا يقبل منهم إلا الاسلام...................... ٢٧٨
المجوس تؤخذ منهم الجزية...................................................... ٢٧٩
في أن المجوس هل لهم كتاب
أم لا؟.............................................. ٢٧٩
في أنه لا يقبل من غير
اليهود والنصارى والمجوس إلا الاسلام....................... ٢٨٠
هل يقر من عدا اليهود
والنصارى والمجوس بالجزية وإن كان لهم كتاب؟............ ٢٨٢
فيمن انتقل من قبائل العرب
من الجاهلية إلى النصرانية............................. ٢٨٦
لا تؤخذ الجزية من الصبيان
والمجانين والنساء..................................... ٢٨٨
فيما لو بذل التغلبي
الجزية وتحط عنه الصدقة فهل يقبل منه؟....................... ٢٨٨
هل تقبل جزية الحربي من
التغلبيين؟............................................. ٢٨٨
عدم حلية ذبائح بني تغلب
ولا مناكحتهم....................................... ٢٨٩
تؤخذ الجزية من أهل خيبر..................................................... ٢٩٠
فيما لو غزا الامام قوما
فادعوا أنهم أهل كتاب يؤخذ منه الجزية إن قالوا : دخلنا أو دخل آباؤنا قبل نزول
القرآن في دينهم ٢٩٠
فيما إذا أسلم منهم اثنان
وعدلا ثم شهدا أنهم ليسوا أهل ذمة انتقض العهد.......... ٢٩٠
فيما لو دخل عابد وثن في دين أهل الكتاب قبل نزول القرآن وله
ابنان صغير وكبير
ثم جاء الاسلام فإن الصغير إذا بلغ وقال : إنني على دين أبي وأبذل الجزية أقر عليه وأخذ منه الجزية.................................. ٢٩٠
فيما لو دخل عابد وثن في
دين أهل الكتاب ثم مات ثم جاء الاسلام وبلغ ابنه الصبي واختار دين أبيه يبذل
الجزية أقر عليه ٢٩١
هل تسقط الجزية عن الفقير
أم لا؟............................................. ٢٩١
تسقط الجزية عن الصبي
إجماعا................................................. ٢٩٢
فيما إذا بلغ الصبي طولب
بالاسلام أو بذل الجزية................................ ٢٩٣
فيما لو كان الصبي ابن
وثني وبلغ طولب بالاسلام خاصة......................... ٢٩٣
فيما لو بلغ الصبي مبذرا
لم يزل الحجر عنه...................................... ٢٩٣
فيما لو أراد عقد الامان
بالجزية أو المصير إلى دار الحرب أجيب................... ٢٩٣
فيما لو أراد عقد الامان
ببذل جزية كثيرة احتمل منعه من جانب الولي............. ٢٩٣
فيما لو صالح الامام قوما
على أن يؤدوا الجزية عن أبنائهم غير ما يدفعون عن أنفسهم جاز إن كان الزائد من
أموالهم ٢٩٣
فيما لو بلغ الصبي سفيها
لم تسقط عنه الجزية ولا يقر في دار الاسلام بغير عوض.... ٢٩٣
فيما إذا عقد الامام
الجزية لرجل دخل هو وأولاده الصغار وأمواله في الضمان وإذا بلغ أولاده لم يدخلوا
في ذمة أبيهم إلا بعقد مستأنف............................................................................ ٢٩٣
فيما إذا كان أحد أبوي
الطفل وثنيا لحق الصبي بالاب إن كان وثنيا................ ٢٩٤
سقوط الجزية عن المجنون
المطبق إجماعا.......................................... ٢٩٤
فيما يتعلق بالمجنون غير
المطبق من حكم الجزية.................................... ٢٩٤
لا تؤخذ الجزية من النساء
إجماعا............................................... ٢٩٥
فيما لو بذلت امرأة الجزية
جاز أخذها هبة بعد تعريفها بعدم الجزية عليها وعلمها بذلك ٢٩٦
فيما لو بعثت امرأة من دار
الحرب تطلب عقد الذمة وتصير إلى دار الاسلام مكنت منه ٢٩٦
فيما لو كان في حصن رجال
ونساء وصبيان فامنتع الرجال من أداء الجزية وصالحوا على أن الجزية على النساء
والولدان لم يجز............................................................................ ٢٩٦
فيما لو قتل الرجال أو لم
يكن في الحصن سوى النساء وطلبن عقد الذمة بالجزية لم يجز ٢٩٦
فيما لو دخلت الحربية دار
الاسلام بأمان للتجارة لم يكن عليها أن تؤدي شيئا وإن أقامت دائما بغير عوض ٢٩٧
تؤخذ الجزية من الشيخ
الفاني والزمن والاعمى وأهل الصوامع والرهبان............. ٢٩٧
هل تجب الجزية على المملوك؟.................................................. ٢٩٨
في أنه يجوز للرجل أن
يستتبع في عقد الجزية من شاء من الاقارب وإن لم يكن محارم دون الاجانب ٣٠٠
في أن الاصهار هل يلحقون
بالاجانب؟......................................... ٣٠٠
فيما إذا بلغ الصبي أو
أفاق المجنون أو اعتق العبد فاستقلوا فإما أن يؤدوا الجزية أو يقتلوا بعد الرد إلى
مأمنهم ٣٠٠
فيما إذا بلغ الصبي سفيها
عقد لنفسه بزيادة الدينار لحقن دمه...................... ٣٠٠
البحث الثاني : في مقدار الجزية.............................................. ٣٠١
هل للجزية قدر معين لا
يجوز تغييره؟........................................... ٣٠١
وجوب الجزية بآخر الحول
وجواز أخذها سلفا................................... ٣٠٤
في أن الجزية تؤخذ مما
تيسر من الاثمان والعروض على حسب القدرة............... ٣٠٤
في عدم تداخل الجزية......................................................... ٣٠٥
في تخيير الامام في وضع
الجزية على الرؤوس أو على الارضين...................... ٣٠٥
هل للامام الجمع بين وضع
الجزية على الرؤوس والارضين؟........................ ٣٠٥
جواز اشتراط ضيافة من يمر
بهم من المسلمين في عقد الذمة........................ ٣٠٦
هل تجب الضيافة بغير شرط؟.................................................. ٣٠٧
جواز الضيافة لجميع
الطارقين.................................................. ٣٠٧
وجوب كون الضيافة زائدة
على أقل ما يجب من الجزية........................... ٣٠٧
وجوب كون الضيافة المشترطة
معلومة وأكثرها لكل أحد ثلاثة أيام................ ٣٠٨
وجوب تعيين القوت قدرا
وجنسا وعلف الدواب كذلك.......................... ٣٠٨
في أنه ينبغي أن تكون
الضيافة بمستوى قدر الجزية................................ ٣٠٨
في أنه ينبغي أن يكون نزول
المسلمين في فواضل منازلهم وفي بيعهم وكنائسهم....... ٣٠٨
فيما إذا شرطت الضيافة
وامتنع بعضهم أو جميعهم............................... ٣٠٨
لا يؤخذ سوى الجزية مع
أدائها................................................ ٣٠٩
مصرف الجزية هو مصرف
الغنيمة.............................................. ٣١٠
في تفسير ( الصغار
).......................................................... ٣١٠
فيما إذا مات الذمي بعد
الحول لم تسقط عنه الجزية.............................. ٣١٢
فيما لو مات الذمي في
أثناء الحول فهل يطالب بالقسط؟.......................... ٣١٢
في تقدم الجزية والدين على
الوصايا............................................. ٣١٣
فيما لو لم يخلف شيئا أو
مات قبل الحول لم يؤخذ شئ............................ ٣١٣
فيما لو أفلس ضرب الامام
مع الغرماء بقد الجزية................................. ٣١٣
فيما لو مات الذمي وقد
استسلف منه عن السنة المقبلة رد على ورثته بقدر ما بقي من السنة...... ٣١٣
سقوط الجزية عن الذمي فيما
لو أسلم في أثناء الحول............................. ٣١٣
هل تسقط الجزية عن الذمي
فيما لو أسلم بعد الحول؟............................ ٣١٣
هل تجب الجزية فيما لو
أسلم لاجل سقوط الجزية؟............................... ٣١٤
فيما لو استسلف منه الجزية
ثم أسلم في أثناء الحول رد عليه قسط باقي الحول........ ٣١٥
البحث الثاني : في مقدار الجزية.............................................. ٣١٥
عدم جواز عقد الذمة
المؤبدة إلا بشرطين : التزام إعطاء الجزية في كل حول والتزام أحكام الاسلام ٣١٥
عدم صحة عقد الذمة والهدنة
من غير الامام أو نائبه.............................. ٣١٥
فيما لو شرط عليهم في
الذمة شرطا فاسدا لم يصح الشرط ويفسد العقد............ ٣١٥
في أنه ينبغي للامام
اشتراط كل ما فيه نفع المسلمين ورفعتهم...................... ٣١٦
أقسام جملة ما يشترط على
أهل الذمة ، الستة................................... ٣١٦
١ ـ ما يجب شرطه ولا يجوز تركه.......................................... ٣١٧
٢ ـ ما لا يجب شرطه لكن الاطلاق يقتضيه................................. ٣١٧
٣ ـ ما ينبغي اشتراطه فيما يجب عليهم الكف............................... ٣١٧
٤ ـ ما فيه غضاضة على المسلمين.......................................... ٣١٨
٥ ـ ما يتضمن المنكر ولا ضرر فيه على المسلمين............................ ٣١٩
٦ ـ التميز عن المسلمين................................................... ٣٢١
عدم جواز أخذ الجزية مما
لا يسوغ للمسلمين تملكه وجواز أخذها من ثمن ذلك..... ٣٢٣
فيما لو ترافعوا إلينا في
خصوماتهم تخير الحاكم بين الحكم عليهم بمقضتى شرع الاسلام وبين ردهم إلى حاكمهم ٣٢٤
فيما لو أراق من المسلمين
لهم خمرا أو قتل خنزيرا لا شئ عليه إن كان مع تظاهرهم.. ٣٢٤
فيما إذا مات الامام وقد
ضرب لما قرره من الجزية أمدا معينا أو اشترط الدوام وجب على القائم بعده إمضاء ذلك ٣٢٤
في أن أقل الجزية دينار
قدره اثنا عشر درهما نقرة مسكوكة أو مثقال والدينار في غير الجزية يقابل بعشرة
دراهم ٣٢٤
فيما إذا ضرب الامام على
الفقير دينارا وعلى المتوسط دينارين وعلى الغني أربعة كان الاعتبار في هذه الاحوال
بوقت الاخذ لا بوقت العقد............................................................................ ٣٢٥
فيما إذا شرطت الضيافة
عليهم ثم رأى الامام نقلها إلى الدنانير لم يجز إلا برضاهم......... ٣٢٥
في اشتراط الضيافة على
الغني والمتوسط دون الفقير............................... ٣٢٦
في أنه لو أراد الضيف أخذ
ثمن الطعام منهم لم يلزم............................... ٣٢٦
في أن الضيف لا يطالبهم
بطعام الثلاثة في اليوم الاول............................. ٣٢٦
في أنه لا يلزمهم اجرة
الطبيب والحمام وثمن الدواء............................... ٣٢٦
فيما لو تنازعوا في إنزال
الضيف فالخيار له...................................... ٣٢٦
فيما لو تزاحم الضيفان على
واحد من أهل الذمة فالخيار للذمي.................... ٣٢٦
في كيفية دفع الجزية.......................................................... ٣٢٧
في توكيل الذمي مسلما أو
ذميا بأداء الجزية..................................... ٣٢٧
فيما لو امتنع قوم من أهل
الذمة من أداء الجزية باسمها وبدلوا أداءها باسم الصدقة فهل يجوز أم لا؟ ٣٢٧
في أنه هل تسقط عنهم
الاهانة حينئد؟.......................................... ٣٢٧
في أنه للامام تضعيف
الصدقة إن نقصت عن الجزية.............................. ٣٢٨
فيما لو شرط ضعف الصدقة
وزاد على دينار عن كل واحد ثم سألوا إسقاط الزيادة وإعادة اسم الجزية اجيبوا إليه ٣٢٨
في أنه يؤخذ ممن ملك
مائتين من الابل ثمان حقاق أو عشر بنات لبون............... ٣٢٩
في أنه يؤخذ من ستين من
البقر أربع تبيعات لا ثلاث مسنات...................... ٣٢٩
حكم تضعيف الجبران......................................................... ٣٢٩
فيما لو لم يوجد في مال
صاحب ست وثلاثين بنت لبون أخذ الامام حقتين ويرد جبرانين ٣٢٩
فيما إذا استأذن الحربي في
دخول دار الاسلام للرسالة أو حمل ميرة أو متاع تشتد حاجة المسلمين إليه إذن له
الامام ٣٣٠
عدم جواز توظيف مال على
الرسول والمستجير لسماع كلام الله تعالى.............. ٣٣٠
فيما لو دخل الحربي لتجارة
لا تشتد الحاجة إليها يجوز الاذن له واشتراط عشر ما معه عليه ٣٣٠
في جواز المصالحة مع طائفة
من الكفار على أن تكون أراضيهم لهم ويؤدون خراجا عن كل جريب في كل سنة شيئا ٣٣٢
لا يؤخذ من أراضي الصبيان
والمجانين والنساء شئ................................ ٣٣٢
فيما لو أسلموا بعد الصلح
سقط عنهم الخراج................................... ٣٣٣
فيما لو أحيوا شيئا من
الموات بعد الصلح لم يلزمهم شئ لما أحيوا................... ٣٣٣
فيما لو صالحناهم على أن
تكون الاراضي لنا وهم يسكنونها ويؤدون عن كل جريب كذا فهذا عقد إجارة والمأخوذ
أجرة وتجب معها الجزية....................................................................... ٣٣٣
البحث الرابع : في بقايا أحكام المساكن والأبنية والمساجد..................... ٣٣٣
فيما إذا دخل الحربي دار
الاسلام بغير أمان وقال : أتيت لرسالة قبل قوله........... ٣٣٣
فيما لو قال الحربي :
أمنني مسلم فهل يقبل قوله بغير بينة؟......................... ٣٣٤
فيما لو دخل الحربي دار
الاسلام ولم يدع شيئا كان للامام قتله واسترقاقه وأخذ ماله. ٣٣٤
عدم جواز سكنى الحجاز
للكافر الحربي أو الذمي................................. ٣٣٤
في بيان المراد بجزيرة
العرب في بعض الاخبار وكذا المراد بالحجاز................... ٣٣٤
بيان حدود جزيرة العرب...................................................... ٣٣٥
جواز دخول الكفار في
الحجاز بإذن الامام والاقامة ثلاثة أيام...................... ٣٣٦
فيما لو مرض الكافر
بالحجاز جازت له الاقامة.................................. ٣٣٦
فيما لو كان له دين لم يكن
له المقام أكثر من ثلاثة أيام لاقتضائه................... ٣٣٦
عدم جواز دخول الكفار في
الحرم لا اجتياز ولا استيطانا.......................... ٣٣٦
فيما إذا قدم الكافر بميرة
لاهل الحرم منع من الدخول............................. ٣٣٧
فيما لو جاء كافر رسولا
بعث الامام ثقة يسمع كلامه............................ ٣٣٧
فيما لو مرض الكافر في
الحرم نقله الامام منه ولو مات لم يدفنه فيه................. ٣٣٧
فيما إذا مات في الحرم
ودفن فيه فهل ينبش؟..................................... ٣٣٧
فيما لو صالحهم الامام على
دخول الحرم بعوض جاز............................. ٣٣٨
عدم جواز دخول المسجد
الحرام للمشرك........................................ ٣٣٨
عدم جواز دخول سائر
المساجد بالحجاز للمشرك بإذن مسلم وبغير إذنه............ ٣٣٨
فيما لو وفد قوم من
المشركين إلى الامام لا يمكنهم من الدخول في المساجد.......... ٣٤٠
أقسام البلاد التي ينفذ
فيها حكم الاسلام ، الثلاثة................................ ٣٤٠
١ ـ ما أنشأه المسلمون وأحدثوه........................................... ٣٤٠
٢ ـ ما فتحه المسلمون عنوة............................................... ٣٤١
٣ ـ ما فتح صلحا........................................................ ٣٤١
جواز رم ما تشعث مما لهم
إبقاؤه وإصلاحه...................................... ٣٤٣
هل يجب إخفاء العمارة؟...................................................... ٣٤٣
فيما لو انهدمت الكنيسة
فهل يجوز إعادتها؟...................................... ٣٤٤
أقسام دور أهل الذمة ،
الثلاثة................................................. ٣٤٤
١ ـ دار محدثة........................................................... ٣٤٤
٢ ـ دار مبتاعة لها بناء رفيع............................................... ٣٤٦
٣ ـ دار مجددة........................................................... ٣٤٦
في أن أهل الذمة يمنعون من
ركوب الخيل....................................... ٣٤٦
في أن أهل الذمة لا يمنعون
من البهائم وإن كانت رفيعة القيمة..................... ٣٤٧
في أنهم لا يركبون بالسرج
ويمنعون من تقليد السيوف وحمل السلاح ومن لجم الذهب والفضة ٣٤٧
في أنه لا ينبغي تصدير أهل
الذمة في المجالس ولا بدأتهم بالسلام ولا يترك لهم صدر الطريق ٣٤٧
عدم جواز مودة أهل الذمة.................................................... ٣٤٨
هل يمنع من دخول نساء أهل
الذمة الحمام مع نساء المسلمين ولبس أهل الذمة الديباج؟ ٣٤٨
وجوب الانقياد لحكمنا على
أهل الذمة......................................... ٣٤٨
فيما لو نكح واحد من
المجوس محرما له لم يتعرض................................. ٣٤٩
في انتقاض الذمة بقتال
المسلمين................................................ ٣٤٩
فيما لو منعوا الجزية
والانقياد للاحكام انتقض العهد.............................. ٣٤٩
فيما يتعلق بالامتناع من
إجراء الاحكام......................................... ٣٤٩
فيما إذا قتل الذمي لقتله
مسلما أو لزناه فهل يصير ماله فيئا؟...................... ٣٥٠
حكم ذكر رسول الله 9 بسوء متجاهر به وكذا
الطعن في الاسلام والقرآن....... ٣٥٠
حكم ذكر الله تعالى بسوء..................................................... ٣٥١
فيما إذا حكمنا بانتقاض
العهد فهل يبلغهم الامام المأمن؟.......................... ٣٥١
البحث الخامس : في المهادنة................................................ ٣٥٢
في معنى المهادنة............................................................... ٣٥٢
جواز المهادنة بالنص
والاجماع................................................. ٣٥٢
فيما يشترط في صحة عقد
المهادنة من الامور الاربعة............................. ٣٥٢
١ ـ أن يتولاه الامام أو من يأذن له........................................ ٣٥٢
٢ ـ أن يكون للمسلمين إليه حاجة ومصلحة................................ ٣٥٣
٣ ـ أن يخلو العقد عن شرط فاسد......................................... ٣٥٤
٤ ـ ذكر مدة المهادنة..................................................... ٣٥٤
جواز المهادنة لمدة أربعة
أشهر فما دون وعدم جوازها لمدة سنة..................... ٣٥٥
حكم المهادنة فيما بين الاربعة
الاشهر والسنة.................................... ٣٥٥
جواز المهادنة لمدة أكثر
من السنة إلى عشر سنين فيما إذا كان بالمسلمين ضعف...... ٣٥٥
عدم جواز الزيادة في
المهادنة على عشر سنين.................................... ٣٥٦
عدم جواز المهادنة لاكثر
من سنة فيما إذا كان في المسلمين قوة.................... ٣٥٦
فيما إذا شرط مدة معلومة
لم يجز اشتراط نقضها لمن شاء منهما.................... ٣٥٧
هل يجوز اشتراط الامام
النقض لنفسه دونهم؟.................................... ٣٥٧
عدم جواز اشتراط الامام
لهم أن يقرهم ما أقر الله تعالى وجواز اشتراط أن يقرهم ما شاء الامام ٣٥٨
عدم وجوب الهدنة وجوازها................................................... ٣٥٨
جواز المهادنة على غير مال
وعلى مال يأخذه منهم................................ ٣٥٨
فيما يتعلق بالمصالحة على
مال يدفعه الامام إليهم................................. ٣٥٩
جواز المهادنة عند الحاجة
على وضع شئ من حقوق المسلمين في أموال المهادنين...... ٣٥٩
وجوب حمايتهم من المسلمين
وأهل الذمة بعد عقد الهدنة.......................... ٣٥٩
فيما لو أتلف ذمي أو مسلم
عليهم شيئا وجبت قيمته............................. ٣٥٩
عدم وجوب حمايتهم من أهل
الحرب ولا حماية بعضهم من بعض.................. ٣٥٩
فيما لو أغار عليهم قوم من
أهل الحرب فسبوهم لم يجب على الامام استنقاذهم...... ٣٥٩
فيما يتعلق بشرط الامام رد
من جاء مسلما من الرجال فجاء مسلم................. ٣٦٠
عدم جواز شرط رد الرجال
مطلقا في الصلح.................................... ٣٦٠
فيما لو جاء صبي ووصف
الاسلام أو قدم مجنون لم يردا........................... ٣٦٠
فيما لو جاء عبد فهو محكوم
بالحرية............................................ ٣٦١
عدم جواز رد النساء
المهاجرات إلينا عليهم...................................... ٣٦١
بطلان الصلح على رد من جاء
من النساء مسلمة وبيان وجوه الفرق بينها وبين الرجل..... ٣٦١
فيما إذا طلبت امرأة أو
صبية مسلمة الخروج من عند الكفار جاز لكل مسلم إخراجها ٣٦١
فيما يتعلق بعقد الامام
للهدنة مطلقا أو اشتراطه الرد أو عدمه...................... ٣٦٢
فيما لو جاء زوج المرأة
المسلمة القادمة إلينا يطلبها لا ترد......................... ٣٦٢
فيما لو جاء زوج المرأة
يطلب مهرها رد عليه ما دفعه............................. ٣٦٢
فيما إذا شرط الرد لمن جاء
منهم إليهم لم يجب الرد ووجب الغرم لما أنفق من المهر... ٣٦٣
في أنه يجب رد ما دفعه من
المهر لو قدمت المرأة إلى بلد الامام أو بلد خليفته......... ٣٦٣
فيما لو سمى مهرا فاسدا
وأقبضها إياه لم تكن له المطالبة به ولا بقيمته............... ٣٦٤
في أن المغروم هو الذي
دفعه الزوج من صداقها.................................. ٣٦٤
فيما لو كان أعطاها أكثر
مما أصدقها أو أهدى إليها هدية لم يجب رده............. ٣٦٤
فيما يتعلق بقدوم مسلمة
إلى الامام وادعاء رجل أنها زوجته........................ ٣٦٤
فيما يتعلق بقدوم مجنونة
إلينا................................................... ٣٦٥
فيما يتعلق بمجئ صغيرة
إلينا................................................... ٣٦٦
فيما يتعلق بقدوم أمة
مسلمة إلى الامام.......................................... ٣٦٧
فيما لو قدمت مسلمة ثم
ارتدت وجب عليها أن تتوب وحبسها إن لم تفعل......... ٣٦٩
فيما إذا جاء زوج المرتدة
وطلبها لم ترد ويرد على الزوج مهرها................... ٣٦٩
فيما لو ماتت مسلمة قبل
الطلب أو مات الزوج قبل طلبها فلا غرم................ ٣٦٩
فيما لو مات أحدهما بعد
المطالبة وجب رد المهر عليه............................. ٣٦٩
فيما لو قتلت المرتدة قبل
الطلب أو بعده ثبت الغرم............................... ٣٦٩
فيما يتعلق بطلاق الزوج
زوجتها بعد قدومها مسلمة.............................. ٣٧٠
فيما يتعلق بمجئ امرأة
مسلمة ثم مجئ زوجها مسلما............................... ٣٧٠
في أنه كل موضع يجب فيه
الرد فإنه يجب رد أقل الامرين من المسمى في العقد والمقبوض ٣٧١
فيما إذا اختلفا في
المقبوض كان القول قولها مع اليمين............................. ٣٧١
تنبيهان :.................................................................. ٣٧٢
الأوّل : وجوب رد المهر من بيت مال المسلمين............................... ٣٧٢
الثاني : عدم صحة شرط رد من جاء مطلقا في الصلح......................... ٣٧٢
فيما لو قدم إلينا عبد
فأسلم صار حرا ولا يجب رده ولا رد ثمنه فيما إذا جاء سيده يطلبه ٣٧٢
فيما إذا عقد الامام
الهدنة ثم مات وجب على خليفته العمل بموجب ما شرطه الامام.. ٣٧٢
جواز عقد صلح الامام مع
أهل بلد على أن يكون البلد لهم ويضرب على أرضهم خراجا يكون بقدر الجزية ٣٧٣
وجوب نقض عقد الهدنة
الفاسد ووجوب الوفاء بالعقد إذا كان صحيحا............ ٣٧٣
فيما لو عقد نائب الامام
عقد فاسدا كان على من بعده نقضه..................... ٣٧٣
في أنه ينبغي للامام إذا
عاهد يكتب كتابا يشهد عليه على عقد الهدنة............... ٣٧٤
البحث السادس : في تبديل أهل الذمّة دينهم ، ونقض العهد................... ٣٧٤
فيما إذا انتقل ذمي إلى
دين يقر أهله عليه فهل يقبل منه ذلك؟..................... ٣٧٤
تذنيب : فيما إذا قلنا : لا يقر عليه فبأي شئ يطالب؟........................ ٣٧٥
فيما لو انتقل من لا يقر
على دينه إلى دين من يقر أهله عليه فهل يقبل منه؟......... ٣٧٥
فيما لو انتقل الذمي إلى
دين لا يقر أهله عليه لم يقر عليه وفيما الذي يقبل منه؟.......... ٣٧٥
فيما إذا عقد الامام
الهدنة وجب عليه الوفاء بما عقده ما لم ينقضوها................ ٣٧٦
فيما يتعلق بنقض المشركين
ـ جميعهم أو بعضهم ـ العهد........................ ٣٧٧
فيما لو نقضوا العهد ثم
تابوا................................................... ٣٧٧
فيما لو خاف الامام من
خيانة المهادنين وغدرهم جاز له نقض العهد............... ٣٧٧
في أنه لا تنتقض الهدنة
بنفس الخوف............................................ ٣٧٨
فيما يتعلق بانتقاض الهدنة...................................................... ٣٧٨
فيما يتعلق بعقد الامام
الذمة للمشركين......................................... ٣٧٩
فيما إذا انتقض العهد جاز
قصد بلدهم وتبيتهم والاغارة عليهم في بلادهم.......... ٣٨١
فيما إذا دخل واحد دارا
بأمان أو مهادنة فلا يغتال وإن انتقض عهده............... ٣٨١
فيما يتعلق بنقض السوقة
ولم يعلم الرئيس....................................... ٣٨١
فيما لو نقض الرئيس وامتنع
الاتباع وأنكروا..................................... ٣٨١
في أن المعتبر في إبلاغ
الكافر المأمن أن يمنعه من المسلمين ويلحقه بأول بلاد الكفر......... ٣٨١
فيما إذا هادنه الامام مدة
لضعف وخوف ثم زال الخوف وقوي المسلمون وجب البقاء عليه ٣٨٢
فيما يجب على الذين
هادناهم من الكف من قبيح القول والعمل في حق المسلمين وبذل الجميل منهما ٣٨٢
في انتقاض الهدنة والذمة
بسب رسول الله 9.................................. ٣٨٢
فيما لو كان تحت كافر عشر
زوجات فأسلمن وهاجرن وجاء الزوج يطلبهن أمر باختيار أربع منهن وإعطاء مهورهن ٣٨٢
فيما إذا عقدنا الهدنة
بشرط أن يردوا من جاءهم منا مرتدا وجب الوفاء به وإن امتنعوا كانوا ناقضين للعهد ٣٨٣
حكم عقد الهدنة بشرط أن لا
يردوا من جاءهم منا............................... ٣٨٣
فيما لو هاجرت إلينا امرأة
منهم مسلمة وطلبها زوجها وجاءتهم امرأة منا مرتدة لا نغرم لزوج المسلمة المهر ٣٨٤
البحث السابع : في الحكم بين المعاهدين والمهادنين............................ ٣٨٥
فيما إذا تحاكم إلينا أهل
الذمة بعضهم مع بعض تخير الحاكم بين الحكم بينهم على مقتضى حكم الاسلام وبين
الاعراض عنهم............................................................................ ٣٨٥
فيما لو تحاكم إلينا ذمي
مع مسلم أو مستأمن مع مسلم وجب على الحاكم الحكم بينهما على ما يقتضيه حكم الاسلام ٣٨٦
فيما لو تحاكم إلينا
مستأمنان حربيان من غير أهل الذمة لم يجب على الحاكم الحكم بينهما إجماعا ٣٨٦
فيما إذا استعدى أحد
الخصمين إلى الامام أعداه على الاخر في كل موضع يلزم الحاكم الحكم بينهما ٣٨٦
فيما لو جاءت ذمية تستعدي على زوجها الذمي في طلاق أو ظهار أو
إيلاء تخير
الحاكم في الحكم بينهم والرد إلى أهل نحلتهم ليحكموا بينهم بمذهبهم................................................................ ٣٨٧
جواز أخذ المسلم مال
النصراني مضاربة......................................... ٣٨٧
كراهة دفع المسلم إلى
المشرك مالا مضاربة...................................... ٣٨٧
فيما يتعلق بكراء المسلم
نفسه للذمي............................................ ٣٨٨
فيما لو فعل الذمي ما لا
يجوز في شرع الاسلام ولا في شرعهم كان الحكم في ذلك كالحكم بين المسلمين ٣٨٨
فيما يتعلق بفعلهم ما يجوز
في شرعهم........................................... ٣٨٨
فيما لو باع نصراني من
مسلم خمرا أو اشترى منه خمرا كان البيع باطلا............. ٣٨٨
في منع المشرك من شراء
المصاحف وعدم صحة بيعها منه.......................... ٣٨٩
كراهة بيع الدفاتر التي
فيها أحاديث رسول الله 9 من المشرك................... ٣٨٩
فيما لو أوصى مسلم لذمي
بعبد مسلم لم تصح الوصية............................ ٣٨٩
فيما لو أسلم الذمي وقبل
الوصية صح.......................................... ٣٨٩
فيما لو كان العبد مشركا
فأسلم العبد قبل موت الموصي ثم مات فقبله الموصى له.... ٣٨٩
فيما لو أوصى الذمي ببناء
كنيسة أو بيعة لم تصح الوصية......................... ٣٨٩
فيما لو أوصى أن يستأجر
خدما للبيعة والكنيسة و ... لم تصح الوصية............. ٣٩٠
فيما لو أوصى الذمي ببناء
كنيسة تنزلها المارة أو وقفها على قوم يسكنونها أو جعل اجرتها للنصارى جازت الوصية ٣٩٠
صحة الوصية للرهبان بشئ.................................................... ٣٩٠
فيما يتعلق بالايصاء ببناء
كنيسة لنزول المارة للصلاة فيها.......................... ٣٩٠
فيما لو أوصى الذمي بشئ
تكتب به التوراة أو الانجيل أو الزبور أو غير ذلك بطلت الوصية ٣٩٠
في أنه يكره للمسلم أجرة
رم ما يستهدم من الكنائس والبيع....................... ٣٩٠
الفصل السادس : في قتال أهل البغي........................................ ٣٩١
وجوب قتال أهل البغي بالنص
والاجماع........................................ ٣٩١
شرائط الإمام............................................................. ٣٩٣
١ ـ ٥ ـ كونه مكلفا ومسلما وعادلا وحرا وذكرا......................... ٣٩٣
٦ ـ ١١ ـ كونه عالما ، وشجاعا ، وذا رأي وكفاية ، وصحيح السمع
والبصر والنطق ، وصحيح الاعضاء كاليد والرجل وقرشيا......................................................................... ٣٩٤
١٢ ـ كونه معصوما...................................................... ٣٩٥
١٣ ـ ١٥ ـ كونه منصوصا عليه من الله تعالى أو من النبي 9 أو ممن ثبتت إمامته بالنص
وكونه أفضل أهل زمانه ، ومنزها عن القبائح................................................................... ٣٩٧
في انعقاد الامامة بالنص
دون البيعة............................................. ٣٩٨
في جواز انعقاد الامامة
عند العامة بامور......................................... ٣٩٨
١ ـ البيعة............................................................... ٣٩٨
٢ ـ استخلاف الإمام قبله وعهده إليه...................................... ٣٩٩
٣ ـ القهر والاستيلاء..................................................... ٤٠٢
وجوب طاعة الامام........................................................... ٤٠٢
عدم تحقق صدور الفسق من
الامام.............................................. ٤٠٥
ثبوت وصف البغي بشرائط
ثلاثة............................................... ٤٠٦
١ ـ كون أهل البغي في كثرة ومنعة لا يمكن كفهم وتفريق جمعهم
إلا بإنفاق وتجهيز جيوش ٤٠٦
٢ ـ خروج أهل البغي عن قبضة الامام منفردين عنه في بلد أو
بادية........... ٤٠٧
٣ ـ كونهم على المباينة بتأويل سائغ عندهم.................................. ٤٠٧
فيما اعتبره الشافعية في
أهل البغي من صفتين.................................... ٤٠٧
١ ـ أن يكون لهم تأويل يعتقدون بسببه جواز الخروج على الامام.............. ٤٠٧
في حكم الخوارج............................................................. ٤٠٨
٢ ـ أن يكون لهم شوكة وعدد بحيث يحتاج الامام في ردهم إلى
الطاعة إلى كلفة ببذل مال وإعداد رجال ونصب قتال ٤١٠
وجوب قتال من خرج على إمام
عادل بعد البعث إليه والسؤال عن سبب خروجه......... ٤١٠
وجوب قتال أهل البغي على
كل من ندبه الامام لقتالهم........................... ٤١٢
وجوب قتال أهل البغي على
الكفاية............................................ ٤١٢
فيما لو استعان أهل البغي
بنسائهم وصبيانهم وعبيدهم في القتال قوتلوا مع الرجال........ ٤١٣
فيما لو أرادت امرأة أو
صبي قتل إنسان كان له قتالهما............................ ٤١٣
فيما لو استعان أهل البغي
بأهل الحرب وعقدوا لهم ذمة أو أمانا كان باطلا.......... ٤١٣
فيما إذا استعانوا بأهل
الذمة فعاونوهم وقاتلوا معهم أهل العدل راسلهم الامام وسألهم عن فعلهم ٤١٣
فيما لو استعان أهل البغي
بالمستأمنين انتقض أمانهم وصاروا حربا.................. ٤١٥
جواز استعانة الامام بأهل
الذمة على حرب أهل البغي............................ ٤١٥
فيما يتعلق بافتراق أهل
البغي طائفتين واقتتالهم................................... ٤١٥
في أن أهل البغي لا
يقاتلون بما يعم إتلافه إن أمكن قتلهم......................... ٤١٦
في أن القتيل من أهل العدل
شهيد.............................................. ٤١٧
في أن ما يتلفه أهل العدل
من أموال أهل البغي حال الحرب غير مضمون............ ٤١٧
فيما لو أتلف أهل البغي
مال أهل العدل أو نفسه قبل الشروع في القتال أو حينه أو بعد تقضيه فإنه يضمنه ٤١٨
فيما لو قتل الباغي واحدا
من أهل العدل وجب عليه القصاص..................... ٤١٩
في وجوب الكفارة على
الباغي................................................. ٤١٩
فيما لو استولى باغ على
أمة أو مستولدة لاهل العدل فوطئها فعلية الحد والولد رقيق. ٤٢٠
في أن ما يتلفه المرتد
حالة الحرب أو قبلها أو بعدها فإنه يضمنه.................... ٤٢٠
فيما لو أتلف الذين
يخالفون الامام بتأويل من نفس أو مال فإنهم يضمنونه........... ٤٢٠
في أنه ينبغي للامام وعظ
أهل البغي وأمرهم بالطاعة فإن امتنعوا آذنهم بالقتال فإن طلبوا الانظار بحث الامام
عن حالهم ٤٢١
فيما لو كان بأهل العدل
ضعف أخر الامام القتال................................ ٤٢١
أهل البغي قسمان :........................................................... ٤٢١
١ ـ أن لا يكون لهم فئة يرجعون إليها ولا رئيس يلجؤون إليه................. ٤٢١
٢ ـ أن يكون لهم فئة يرجعون إليها ورئيس يعتضدون به...................... ٤٢١
في أنه لا يجاز على جريحهم
ولا يتبع مدبرهم ولا يقتل أسيرهم في القسم الاول ، وبالعكس في القسم الثاني ٤٢٢
فيما يتعلق بوقوع أسير من
أهل البغي في يد أهل العدل........................... ٤٢٣
فيما لو أسر كل من
الفريقين أسارى من الاخر جاز فداء أسارى أهل العدل باسارى أهل البغي ٤٢٤
فيما لو امتنع أهل البغي
من المفاداة وحبسوهم جاز لاهل العدل حبس من معهم...... ٤٢٤
فيما لو قتل أهل البغي
أسارى أهل العدل لم يجز لاهل العدل قتل أساراهم إذا لم تكن لهم فئة ٤٢٤
في أن أموال أهل البغي ،
التي لم يحوها العسكر لا تخرج عن ملكهم ولا تجوز قسمتها ٤٢٤
حكم ما حواه العسكر من
أموال أهل البغي...................................... ٤٢٤
عدم جواز سبي ذراري
الفريقين من أهل البغي ولا تملك نسائهم................... ٤٢٦
عدم جواز الانتفاع بكراع
أهل البغي ولا بسلاحهم.............................. ٤٢٦
فيما لو غلب أهل البغي على
بلد فأخذوا الصدقات والجزية والخراج لم يقع ذلك موقعه ٤٢٦
في أنه لو أقاموا الحدود
لا تعاد عليهم مرة أخرى................................. ٤٢٧
فيما يتعلق بزوال يد أهل
البغي عن البلد وتملك أهل العدل له وطلب العادل بالصدقات منهم ٤٢٧
عدم قبول شهادة أهل البغي
وإن كان عدلا في مذهبه............................. ٤٢٧
عدم قبول شهادة من خالف
الحق من سائر الفرق................................ ٤٢٨
عدم جواز الحكم والقضاء من
سائر الفرق إلا بإذن الامام أو من نصبه الامام........ ٤٢٨
فيما لو كتب قاضي البغاة
كتابا لم يجز لاحد من القضاة إنفاذه..................... ٤٢٩
فيما لو كتب قاضي البغاة
بسماع البينة دون الحكم المبرم لم يحكم به قاضينا......... ٤٢٩
في أن من قتل من أهل العدل
في المعركة لا يغسل ولا يكفن ويصلى عليه دون من قتل من أهل البغي فإنه لا يصلى
عليه أيضا ٤٣٠
فيما إذا فعل أهل البغي
حال امتناعهم ما يوجب الحد أقيم عليهم مع القدرة......... ٤٣١
في أنه يجوز للعادل قصد
الباغي بالقتل.......................................... ٤٣١
في أنه يكره للعادل قصد
أبيه الباغي أو ذي رحمه بالقتل.......................... ٤٣٢
في أنه لا يمنع العادل
القاتل من ميراث المقتول.................................... ٤٣٣
فيما لو قتل الباغي العادل
منع من الميراث........................................ ٤٣٣
وجوب قتل الساب لله تعالى
أو أحد من أنبيائه أو ملائكته أو الامام................ ٤٣٣
في تعريف الردة وعدم
ارتداد مانع الزكاة ووجوب قتاله حتى يدفع الزكاة........... ٤٣٤
فيما إذا أتلف المرتد مالا
أو نفسا حال ردته ضمن................................ ٤٣٤
فيما لو قصد رجل رجلا أو
أمراة يريد نفسه أو ماله أو حريمه أو الفساد به فله أن يقاتله ويدفعه عن نفسه ٤٣٤
في أن المرأة والصبي يجب
عليهما الدفاع عن فرجهما.............................. ٤٣٥
في أن المدافع عن نفسه
وماله وفرجه إن أمكنه التخلص بالهرب وجب.............. ٤٣٥
في أن المضطر إلى أكل ميتة
أو نجاسة أو شرب نجس يجب عليه تناوله............... ٤٣٥
الفصل السابع : في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.......................... ٤٣٧
مقدّمة : في معنى الامر والنهي
والمعروف والمنكر والحسن والقبيح................... ٤٣٧
في أن في الامر بالمعروف
والنهي عن المنكر فضلا عظيما وثوابا جزيلا............... ٤٣٧
فيما ورد من التحذير عن
ترك الامور بالمعروف والنهي عن المنكر.................. ٤٣٨
في أقسام المعروف من
الواجب والندب.......................................... ٤٣٩
في أن المنكر كله حرام........................................................ ٤٣٩
هل وجوب الامر بالمعروف
والنهي عن المنكر عقلي أو سمعي؟..................... ٤٤١
هل وجوب الامر بالمعروف
والنهي عن المنكر عيني أو كفائي؟..................... ٤٤٢
شرائط وجوب الامر والنهي................................................... ٤٤٢
١ ـ علم الامر والناهي بالمعروف والمنكر.................................... ٤٤٣
٢ ـ تجويز تأثير الانكار................................................... ٤٤٣
٣ ـ كون المأمور أو المنهي مصرا على الاستمرار............................ ٤٤٣
٤ ـ عدم كون مفسدة في الانكار على الامر ولا على أحد من
المؤمنين......... ٤٤٣
مراتب الانكار ، الثلاثة....................................................... ٤٤٣
١ ـ الانكار بالقلب...................................................... ٤٤٣
٢ ـ الانكار باللسان...................................................... ٤٤٤
٣ ـ الانكار باليد........................................................ ٤٤٤
فيما لو افتقر الانكار إلى
الجراح والقتل فهل يجوز ذلك؟.......................... ٤٤٤
عدم جواز إقامة الحدود
لاحد إلا للامام أو من نصبه الامام لاقامتها................ ٤٤٥
حكم إقامة الانسان الحد
على مملوكه وولده وزوجته حال غيبة الامام............... ٤٤٥
هل يجوز للفقهاء إقامة
الحدود في حال الغيبة؟.................................... ٤٤٥
في أن الحكم والفتيا بين
الناس منوط بنظر الامام.................................. ٤٤٦
تفويض الائمة : الحكم والفتيا بين الناس
إلى فقهاء شيعتهم.................... ٤٤٦
فيما لو طلب أحد الخصمين
المرافعة إلى قضاة الجور كان متعديا للحق مرتكبا للاثم.. ٤٤٧
وجوب منع الطالب لقضاة
الجور............................................... ٤٤٧
فيما إذا ترافع إلى الفقيه
الجامع للشرائط خصمان وجب عليه الحكم بينهما على مذهب أهل الحق فقط ٤٤٧
فيما يتعلق بتمكن القاضي
من إنفاذ الحكم بالحق وحكمه بحكم أهل الخلاف أو اضطراره إلى الحكم بمذهبهم ٤٤٨
جواز الافتاء لفقهاء
الشيعة الجامعين لشرائط الحكم ووجوب ذلك عليهم حال غيبة الامام 7 إذا أمنوا الضرر ٤٤٩
في وجوب الافتاء على
المفتي عن معرفة لا عن تقليد............................... ٤٤٩
فيما لو خاف على نفسه من
الافتاء بالحق جاز له الافتاء بمذاهب أهل الخلاف ، والسكوت ٤٤٩
جواز إقامة الجماعات في
الصلوات لفقهاء الشيعة واستحباب ذلك مؤكدا........... ٤٥٠
هل يجوز للفقهاء إقامة
صلاة الجمعة حال الغيبة مع الامن والتمكن من الخطبتين؟..... ٤٥٠
الفصل الثامن : في الرباط.................................................. ٤٥١
في أن في الرباط فضلا
كثيرا وثوابا جزيلا....................................... ٤٥١
في معنى الرباط............................................................... ٤٥١
في أقل الرباط وأكثره......................................................... ٤٥١
آكدية استحباب الرباط حال
ظهور الامام وعدمها حال غيبته..................... ٤٥١
في أن أفضل الرباط المقام
بأشد الثغور خوفا..................................... ٤٥١
فيما إذا رابط حال ظهور
الامام بإذن وسوغ له القتال جاز له دون ما إذا كان الامام مستترا أو لم يسوغ له
القتال ٤٥٢
استحباب المرابطة بنفسه
وغلامه وفرسه وكراهة نقل الذرية والاهل إلى الثغور المخوفة ٤٥٢
فيما لو عجز عن المرابطة
بنفسه رابط فرسه أو غلامه أو جاريته................... ٤٥٢
في أنه ينبغي لاهل الثغور
الاجتماع في المساجد للصلوات.......................... ٤٥٢
استحباب الحرس في سبيل
الله.................................................. ٤٥٢
فيما لو نذر المرابطة وجب
عليه الوفاء به سواء كان الامام ظاهرا أم لا.............. ٤٥٢
فيما لو نذر أن يصرف شيئا
من ماله إلى المرابطين وجب الوفاء به سواء كان الامام ظاهرا أم لا ٤٥٣
فيما لو آجر نفسه لينوب عن
غيره في المرابطة وجب الوفاء به سواء كان الامام ظاهرا أم لا ٤٥٣
فهرس الموضوعات ....................................................... ٤٥٥
|