
قوله
«قده» : نعم اذا ورد ـ الخ :
يعني في مورد وجود
الدليل على التصرف في أحد الدليلين يقصر التصرف فيه ولا ينظر الى بعده ولا الى
قربه لا بحسب النوع ولا بحسب الشخص ، ولا يتصرف في الآخر وان كان قريبا نوعا
وشخصا.
قوله
«قده» : لئلا تفوت الفائدة ـ الخ.
مراده أن غرض
المدون وان كان حصول الانفهام فات ذلك الغرض ولم تحصل الفائدة ، وان لم يكن حصوله
لزم الاغراء بالجهل ، وهذا واضح :
قوله
«قده» : فان فيه وجوها تسعة.
لأنه يحتمل أن
يكون يطهر في قوله «يطهر» مجردا مبنيا للفاعل وان يكون مزيدا فيه مبنيا للفاعل أو
للمفعول ، ولا يحتمل ـ بناء على كونه مجردا ـ ان يكون مبنيا للمفعول ، إذ هو لازم
غير متعد لا يصح أخذه مبنيا للمفعول ، فصارت الأقسام ثلاثة ، وكذا يطهر في قوله «لا
يطهر» محتمل للوجوه الثلاثة ، واذا ضربت الثلاثة في الثلاثة يصير حاصل الضرب تسعة
: وان امتنع بعضها ـ وهو ما اذا كانا متوافقين متماثلين ـ وهو ثلاثة منها للزوم
التناقض :
ويمكن تصوير
الوجوه التسعة بنحو آخر ، وهو أن قوله «يطهر» إما أن يكونا مجردين أو مزيدا فيهما
أو مختلفين ، وكذلك إما أن يكونا مبنيين للفاعل أو مبنيين للمفعول أو مختلفين ،
فاذا ضربت تلك الثلاثة في هذه الثلاثة صار الحاصل تسعة :
قوله
«قده» : ويؤيده ما قيل ـ الخ.
إنما لم يقل «ويدل
عليه» لأن المتيقن من قولهم «الحقيقة أرجح من المجاز» هو صورة العلم بالوضع والشك
في تعيين المراد لا في الصورة المفروضة ، حيث أن المراد معلوم والشك في الموضوع له.
قوله
«قده» : ان اقتضى حجيته مطلقا ـ الخ.
بيانه : ان الدليل
الدال على حجية هذا الظن إن دل على حجيته مطلقا وإن دل ما هو أقوى منه على خلافه.
وبعبارة أخرى دل على حجيته على وجه العلية التامة لهذا الظن بالنسبة الى مؤداه ،
فلا وجه لتخصيص الدليل وافراده في هذا المقام الذي هو ما لو اتحد المستعمل فيه
وجهل الموضوع له بهذا الاشتراط ـ يعني اشتراط الفحص ، وبعبارة أخرى ابقاء الدليل
بالنسبة الى سائر المقامات على اطلاقه وافادته العلية التامة ـ وان كان حقا لا
محذور فيه ، إلّا ان تقييده بالنسبة الى المقام باشتراط الفحص وعدم الحجية عند
وجود ما هو أقوى على خلافه ـ بأن يكون بالنسبة الى المقام دالا على المقتضى دون
العلة التامة ـ لا وجه له ، إذ ليس دليل يدل على هذا الاشتراط ، وكون الظن الأقوى
مانعا بعد ما فرض كون الدليل دالا على وجه العلية التامة والاطلاق ، بل يلزم الخلف
والتناقض كما لا يخفى ، وان لم يدل الدال على حجية هذا الظن على حجيته مطلقا وعلى
وجه العلية التامة بأن دل على حجيته في الجملة وعلى وجه الاقتضاء الذى لا ينافي
وجود المانع ، فلا ريب في أن وجود المقتضي لا يكفي في تحقق المقتضي بل لا بد من
احراز عدم المانع ، فان الاشتراط حق إلّا أنه لا اختصاص له بهذا المقام فلا وجه
لتخصيصه بهذا المقام ،
إلّا أن يكون
المعاصر المشترط معمما للاشتراط بالنسبة الى سائر المقامات أيضا ، وتعرضه لذكره في
المقام لكون المقام من صغرياته ، وكلمات القوم ـ رضوان الله عليهم ـ ايضا لا ينافى
هذا الاشتراط ، لكون غرضهم بيان المقتضي لا العلة التامة ـ فافهم.
قوله
«قده» : وفيه ما عرفت.
إذ المراد بالشيوع
والغلبة ان كان بحسب الاستعمال والوجود والوقوع فممنوع ، وان كان بحسب المعنى
والمفهوم فهو معارض بأكثرية الاستعمال في المعنى الحقيقي ، وبعد تعارضهما يبقى
اصالة الحقيقة ـ يعني ظهور اتباع الواضع بحاله ـ مع ان منع توقف المجاز الاعلى
الوضع كالحقيقة فيه ما لا يخفى ، اذ المجاز موقوف على العلاقة والنقل والقرينة
أيضا كما ذكره «قده» سابقا.
وفيه نظر واضح ،
إذ ليس في كلام معاصره ـ وهو المحقق القمي «قده» ـ مما ذكره «قده» عين ولا اثر حتى
يرد عليه ما أورده عليه ، بل انما توقف لكون الاستعمال أعم من الحقيقة. اللهم إلّا
أن يقال : لا وجه لكون الاستعمال أعم من الحقيقة بعد كون ظاهر الاستعمال والمتبادر منه
الحقيقة الا بمعارضته بما ذكر ، فيرد عليه ما أورد عليه.
ولكن نقول : يمكن أن
يمنع المحقق كون المتبادر من الاستعمال الحقيقة ، فلا يحتاج الى ابداء المعارض حتى
يمنع المعارض. وبالجملة لا وجه لما أورده قدسسره على المعاصر.
قوله
«قده» : اذ المجاز الذي لا حقيقة له ـ الخ.
يعني ان المجاز
بلا حقيقة غير واقع وان قلنا بامكانه :
قوله
«قده» : فيبعد حمل الاستعمال عليه.
يعني فاذا كان
بعيدا نادرا فلا يعارض ظهور الحقيقة ، فلا وجه للتوقف.
قوله
«قده» : يتوقف على سبق الاستعمال ـ الخ.
لا يخفى ان هذا
الأصل معارض ، اذ كما ان الأصل عدم سبق الاستعمال في حقيقة غيره كذلك الأصل عدم
سبق الاستعمال فيه ، فلا يحرز عدم الحقيقة حتى يلزم المجاز بلا حقيقة ، غاية الأمر
وقصواه ان وجود الحقيقة غير معلوم لا انه معلوم العدم.
إلا أن يقال : ان
وجود الحقيقة شرط فلا بد من احرازه. ولكن فيه : انه اذا أراد اثبات المجاز فلا بد
من احراز شرطه ، ولكن لما كان مقصود القمي «قده» احتمال المجازية فيكفيه احتمال
الحقيقة.
قوله
«قده» : وكان هذا الأصل ـ الخ.
يعني ان المحقق
القمي «قده» لما رأى في بعض الموارد اللفظ مستعملا في معناه المجازي وكان الأصل
عند الشك عدم الاستعمال في المعنى الحقيقي التجأ الى منع توقف المجاز على الحقيقة.
ولا يخفى ما فيه ،
لأن المحقق القمي «قده» منع التوقف ، لأن المجاز هي الكلمة المستعملة في غير ما
وضعت له ، فيحتاج الى الوضع ويكفيه ولا يحتاج الى الاستعمال فيما وضعت له ، حتى
تتحقق الحقيقة ، فهو «قده» يقول بمنع التوقف وان تحققت الحقيقة ، ولا يحتاج «قده»
في منع التوقف الى احراز عدم الحقيقة ولو بالأصل حتى يقال انه لما احرز
عدمها بالأصل منع
من التوقف. وهذا واضح لا سترة عليه.
قوله
«قده» : وظني انه لا حاجة اليه ـ الخ.
توضيحه : انه مع
لحاظ هذا الأصل واعتباره لا حاجة الى منع توقف المجاز على الحقيقة ، وليس هذا الأصل
محوجا الى المنع المذكور كما زعمه المعاصر «قده» ، بل يصح ان يلتزم بتوقف المجاز
على الحقيقة لأنا في الغالب نعلم اجمالا سبق الاستعمال على هذا المعنى وكونه في
هذا المعنى ليس بأولى من كونه في غيره ، فلا يتعين كونه في هذا المعنى المجازي حتى
يتحقق المجاز بلا حقيقة.
وبعبارة أخرى :
بعد العلم الاجمالي باستعمال سابق لا يصح اجراء أصل عدم الاستعمال في المعنى
الحقيقي.
هذا الأصل بمعارضه
، وهو أصل عدم الاستعمال المجازى ، ولا يحرز عدم الحقيقة حتى يكون المجاز بلا
حقيقة.
وقوله قدسسره «فلا يتوقف على
المنع المذكور» يعنى لا يتوقف المجاز عليه ولا يخفى ما فيه ، لأنه بناء على التوقف
يكون وجود الحقيقة شرطا في المجاز ولا بد من احرازه ، وبمجرد أنه ليس الاستعمال في
المعنى الحقيقي لا تحرز الحقيقة بل هي مشكوكة ، وان اريد احرازها بأصالة عدم
استعمالها في هذا المعنى المجازي فلا ريب في انها معارضة بمثلها ، وهي أصالة عدم
استعمالها في المعنى الحقيقي. ولعله «قده» أشار الى ما ذكرنا بأمره بالتدبر.
قوله
«قده» : ويؤيده اصالة ـ الخ.
لا يخفى أن
المفهوم الأعم فيما نحن فيه لا بد فيه من ملاحظة العموم والكلية
ولا يكفي فيه عدم
الملاحظة ، اذ المفهوم الذي لا يلاحظ فيه لا يكون قسيما ومقابلا للخاص ، اذ الكلي
الطبيعي والمعنى اللابشرط لا ينافي الفرد وألف شرط ، فالأصلان في طرفي الأعم
والأخص متعارضان.
قوله
«قده» : وأما أصالة عدم ـ الخ.
فيه : ان هذا
تعيين للحادث بالأصل. وبعبارة أخرى : الأمر دائر فيما نحن فيه بين الأقل والأكثر
المفهوميين ، فلا يصح تعيين الأقل بالأصل وليس كالأقل والأكثر المصداقيين ، اذ لا
ريب في انه لو كان الملحوظ للوضع خصوصيات مطلق الاخراج أو خصوص الأقل لم يكن الا
تعيين واحد ، فيكون المحتملان بمنزلة المتباينين.
وبيان ذلك اجمالا
انه بناء على كون الوضع في الاستثناء ونظائره عاما والموضوع له خاصا على مذهبه «قده»
على خلاف التحقيق عندنا من كون الموضوع له أيضا عاما لا يعقل أن يكون الموضوع له
متصورا على وجه التفصيل كل بتصور على حدة ، لامتناع احاطة المتناهي بغير المتناهي.
وبعبارة أخرى : لا
يعقل أن يكون متصورا على وجه الكثرة المحضة حتى يقال : انه في مقام التصور
التفصيلي التعاقبي التدريجي الأقل معلوم بحسب التصور والوضع بإزائه والأكثر مشكوك
بحسبها والأصل عدمهما ، بل الموضوع له لا بد وأن يكون متصورا بالوجه وعلى وجه
الاجمال ، ويكون الوضع بإزاء ذلك المتصور بالوجه او بإزاء ذلك الوجه من حيث
الحكاية عن ذيه لا على وجه القضية الطبيعية ، حيث أن الحكم فيها على الطبيعة ولا
يلاحظ فيها السراية وهو الأفراد بل على وجه القضية المحصورة.
وعلى الوجه الأول ـ
وهو كون الموضوع له هو المتصور بالوجه ـ
لا شبهة في أن
الوجه هو الواسطة في العروض للتصور بالنسبة الى ذي الوجه ويكون الوصف بالنسبة الى
ذي الوجه وصفا بحال المتعلق ، فلا تكون الخصوصيات ـ وهي ذات الوجه ـ متصورة بما هي
خصوصيات فلا يكون المتصور الا الوجه ، فلا بد وأن يكون هو الموضوع له ، وهو مع انه
خلاف للفرض ـ حيث ان المفروض أن الموضوع له هو الخاص فصار عاما ـ وحيث ان المفروض
كون هذا الوجه مقابلا للوجه الثاني فصار آئلا اليه ، لا شبهة في انه لا يستلزم
تصورا زائدا ووصفا آخر على حدة لو كان الموضوع له هو الاخراج ، اذ لا شبهة في أن
تصور الشيء وتصور أعم منه لا يكون في تصور أعمهما تصورا. مثلا : اذا تصورنا
الحيوان وتصورنا الانسان فليس في تصورنا الحيوان تصورا زائدا ، بل لو تصورنا أعم
الأشياء وأشمل العامات مفهوما ـ وهو مفهوم الشيء العام ـ ليس فيه تصور زائد على
تصور الخاص ، بل الأمر بالعكس.
نعم الأكثرية تكون
بحسب المفهوم لا بحسب المصداق ، بحسب الحمل الأولي الذاتي لا بحسب الحمل الشائع
الصناعي ، فيكون المتصور بالذات واحدا والوضع الذي يكون بإزائه فاردا ، مثل ما اذا
كان الوضع لإخراج الأقل.
ومن هذا البيان
الواضح ظهر حال الوجه الثاني ، وحال ما اذا كان مراده بالوضع الذي أجرى الأصل فيه
بالنسبة الى المورد المشكوك الوضع الذي يكون بمعنى آلة لحاظ الوضع أيضا ، اذ الذي
ذكرنا كان بالنسبة الى ما اذا كان المراد بالوضع هو تعيين اللفظ للدلالة على
المعنى بنفسه.
فظهر انه لا مجال
للأصل هنا أصلا حتى نحتاج هنا الى ما أفاده من نهوض أصالة الحقيقة حجة عليه ، نظرا
الى أن المدار في مباحث
الألفاظ على الظن
، وهو حاصل من أصالة الحقيقة ـ فافهم ما ذكرنا فانه قلّ من يهتدي الى مغزاه.
قوله
«قده» : بنفسه عن غيره.
لا يخفى أن النافي
للوضع عن الغير هو أصل عدم تعدد الوضع دون ظاهر الاستعمال ، إلّا أن يقال : ان
ظاهر الاستعمال ظهورا ناشئا عن غلبة اتحاد المعنى وقلة تكثر المعنى هو النفي عن
الغير ، ولكن هذا خلاف ظاهر كلماته «قده» حيث يتمسك في نفي الوضع الزائد بالأصل.
قوله
«قده» : اذا علم الوضع للجزء.
مقصوده «قده» ان
الجزء المفروض ـ وان كان ذا العلاقة مع الكل ويصح استعمال اللفظ الموضوع للكل فيه
مجازا ، لأن استعمال الكل في الجزء غير مشروط بشيء مما اشترط في عكسه من انتفاء
الكل بانتفائه ـ الا أنا نعلم حسب الفرض ان اللفظ موضوع لهذا الجزء فلا يحتمل فيه
المجازية ، واما الكل ـ وان احتمل فيه المجازية اذا استعمل اللفظ الموضوع للجزء
فيه ـ إلّا انه ليس فيه علاقة ، اذ المفروض انه ليس فيه علاقة اذ لا بد في هذه
العلاقة من كون الجزء الذي هو موضوع له للفظ الذي استعير لفظه للكل أن يكون ذلك
الجزء مما ينتفي بانتفائه الكل ، فانتفى احتمال المجازية في الكل بالنسبة الى
الجزء.
قوله
«قده» : وبعد ثبوت الوضع ـ الخ.
كلمة «بعد» بضم
الباء لا فتحها ، ووجه البعد انه مستلزم للمجاز بلا حقيقة ، والمجاز بلا حقيقة وان
كان جائزا واقعا إلا انه نادر جدا
فيبعد حمل
الاستعمال عليه كما أشار اليه في المورد الثاني من موارد القاعدة الأولى.
قوله
«قده» : وأيضا سبب التجوز معلوم الحصول ـ الخ.
توضيحه : ان سبب
التجوز هو التخصيص النوعي عند وجود العلاقة والجواز الطبعي عنده «قده» موجود ،
وسبب الاشتراك ـ وهو الوضع ـ غير معلوم الوجود ، والأولى اسناد المسبب المعلوم ـ وهو
المعنى المستعمل فيه الذي لا شبهة في استناده الى سبب ما ـ الى السبب المعلوم دون
السبب الغير المعلوم.
وفيه : انه إن
أراد من السبب العلة الناقصة والمقتضي فلا شبهة في أن هذا يرجع الى الاستحسان ، اذ
لا شبهة في أن الشيء لا يوجد ولا يتحقق بمجرد وجود المقتضي والعلة الناقصة ،
والمقتضي مع وجدان الشرائط وفقدان جميع الموانع.
وبالجملة جميع ما
يعتبر في وجود الشيء من علل قوامه وعلل وجوده وما يشترط فيه وجودا وعدما ، فكون
سبب التجوز معلوما ممنوع ، لأن من شرائطه ملاحظة العلامة وهي غير معلومة ، وسيجيء
منا ان شاء الله عن قريب فساد توهمه «قده» ارتفاع الشك في ملاحظة العلاقة باجراء
الأصل في تعدد الوضع بزعم كونهما سببا ومسببا ومزيلا ومزالا ، وحكومة الأصل الجاري
في السبب على الأصل الجاري في المسبب.
وبيان الفساد كما
سيجيء هو كونهما في عرض واحد لا انهما يكونان طوليين مرتبين. وبالجملة فلما كان
الشرط غير معلوم فالعلة التامة غير معلومة ، غاية الأمر وقصواه إن في التجوز تحقق
المقتضي وشرائطه وهو وجود العلاقة ، وأما ملاحظتها فغير متحققة ، وهذا لا يكون
مناطا للفرق
اذ المقصود هو
تحقق العلة في احدهما وعدم تحققها بالنسبة الى الآخر ، وهو لم يحصل.
قوله
«قده» : نعم لو ثبت اجمالا ـ الخ.
أي لو ثبت الزائد اجمالا
صح التعيين بالأصل كما في الصورة السابقة للتعدد ، وهي ما لو استعمل اللفظ في
معنيين لا يكون بينهما علاقة التجاوز أو تحققت العلاقة للذي علم انه موضوع له.
وحاصل مراده ـ قدسسره ـ بقوله : «نعم» ـ
الخ ، بيان الفرق بين صورة يكون احتمال الاشتراك فيه بدويا كما فيما ذكره موردا
للقاعدة الثانية وبين صورة يكون احتماله مقرونا بالعلم الاجمالي بالوضع ويكون الشك
في تعيين الموضوع له كما في الصورة السابقة بأنه ليس مقتضى الاستعمال الا التعيين
للموضوع له لا الاثبات له ، فظاهر الاستعمال معين لا مثبت.
ويحتمل ـ على بعد ـ
أن يكون المراد بالصورة السابقة صورة اتحاد المعنى ، ويكون الكاف في قوله «كما في
الصورة» للتشبيه والتنظير لا التمثيل كما لا يخفى.
قوله
«قده» : ولأن سلم ان الاستعمال ـ الخ.
الأظهر بل الظاهر
أن يكون ناظرا الى تعليل الحكم المستدرك بأن مقتضى الاستعمال ليس أزيد من التعيين
لا الاثبات. وبيانه : أنا لو سلمنا ان الاستعمال مثبت وظاهر في الحقيقة من دون
حاجة الى العلم بالوضع بل لو لم يكن به صح اثباته بالاستعمال ، فلا فرق في صورة
احتمال الاشتراك بين العلم بالوضع كما في الصورة السابقة وبين عدمه كما في الصورة
الأخيرة اذ المناط هو الاستعمال ليس إلّا ، وهو متحقق فيهما.
الا انا مع ذلك
نقول : يمكن الفرق بما ذكره ـ قدسسره ـ ويكون حاصل فرقه
هذا إبداء المانع بعد تسليم المقتضي ، كما ان فرقه السابق انما هو بانتفاء المقتضى
وعدمه.
هذا كله ظاهر بناء
على ان يكون المراد بالصورة السابقة هنا وفي السابق هو صورة احتمال الاشتراك مع
العلم الاجمالي ، وأما اذا كان المراد صورة اتحاد المعني فلا يرتبط قوله «ولئن سلم»
ـ الخ بما علل به قوله «نعم» ـ الخ ، إلّا بأن يتكلف بأن يقال بخلاف الصورة
السابقة وما نظر بها وقيس بها ، وهو صورة احتمال الاشتراك مع العلم الاجمالي
بالوضع أو يفكك في المراد من الصورة السابقة في الموضعين بأن يراد بها في الأول
صورة اتحاد المعنى ، وفي الثاني صورة احتمال الاشتراك مع العلم الاجمالي.
ويحتمل بعيدا أن
يكون قوله «ولئن سلم» ـ الخ ، ناظرا الى الفرق بين متحد المعنى ومتكثر المعنى.
وبيانه : أنا لا نسلم أولا ان الاستعمال ظاهر في الحقيقة في صورة تعدد المعنى
لقصور المقتضي ، ولئن سلم نقول : يمكن الفرق بابداء المانع ، وحينئذ فاما أن يكون المراد
بالصورة السابقة في الموضعين صورة اتحاد المعنى ، واما أن يراد في الموضعين صورة
تكثر المعنى مع العلم الاجمالي ، ويتكلف في ارتباط قوله «بخلاف الصورة السابقة»
بما نحن فيه بأن يقال : بخلاف الصورة السابقة وما ألحق بها أولى منها واما أن
يفكك.
ونحن ـ وان كثرنا
الوجوه والاحتمالات تشحيذا للذهن وتقوية للفكر ـ إلّا أن الظاهر هو كون قوله «ولئن
سلم» ـ الخ ، ناظر الى ما علل قوله «نعم» ـ الخ ، وكون المراد بالصورة السابقة في
الموضعين هو صورة تعدد المعنى مع العلم الاجمالي ، ويكون الكاف في قوله «كما في
الصورة السابقة» للتمثيل لا للتشبيه ـ فافهم بعون الله تعالى.
قوله
«قده» : وما يقال من أن أصالة عدم ـ الخ.
لا يخفى ان المصنف
ـ قدسسره ـ زعم أن الشكين
سببي ومسببي ومزيل ومزال ، وزعم ان الشك في ملاحظة العلاقة يزول بعد ما اجري الأصل
بالنسبة الى عدم تعدد الوضع ، فلا يبقى مجال ومورد للأصل بالنسبة الى ملاحظة
العلاقة ، اذ مورد الأصل هو الشك. وبالجملة الأصل السببي وارد على المسببي ، وأحال
بيانه الى ما سيذكره في مبحث الاستصحاب.
ونحن نقول :
الكبرى وان كانت ثابتة محققة إلّا أن الصغرى ممنوعة اذ ليس ما نحن فيه تحت الأوسط
، إذ هما متلازمان عرضيين كما لا يخفى وأشرنا اليه سابقا فلا نطيل بالاعادة.
(تنبيه وتتميم)
الحق أن يقال : إن
ظهور الاستعمال في جميع الموارد في الحقيقة لو سلم فلا نسلم حجيته الا في تعيين
المراد بعد العلم بالوضع لا في تشخيص الوضع واثباته ، اذ المتيقن قيام الاجماع
واتفاق ارباب اللسان في المحاورات على الأخذ به في الأول دون الثاني ، فيقتصر في
الثاني على ما عينوه له من التبادر وغيره ، فالحق في دفع التدافع بين القاعدتين أن
يقال على مذاق القوم : إن مورد القاعدة الأولى هو تشخيص المراد بعد العلم بالوضع ،
ومورد القاعدة الثانية هو تعيين الوضع وتشخيصه.
والذي أرى بطلان
القاعدة الأولى رأسا ، وليس الاتكال في تشخيص المراد أبدا على الظن والظهور بل
الاتكال على القطع والعلم. وبيان ذلك اجمالا هو : ان اقوال القوم في الأخذ
بالظواهر خمسة : السببية المطلقة ،
والسببية المقيدة
، والظن النوعي المطلق ، والظن النوعي المقيد ، والظن الشخصي الفعلي. ولا ريب في
أن الأخذ بما وراء العلم لا بد له من دليل قاطع ، والدليل على ما ذكروه ليس إلا
اجماع العقلاء وارباب اللسان ، ولا شبهة في أنه في غالب الموارد يحصل للسامع العلم
بالمراد. نعم قد يتفق للسامع الشك من قبل نفسه او بتشكيك مشكك ، وحينئذ فلا شبهة
في انه يتوقف ولا يحكم بشيء ولا يأخذ بالظاهر ما لم ينضم اليه مقدمة عقلية ، وهي
قبح تأخير البيان عن وقت الحاجة وفي مورد جريانها ، ويكون المتكلم حكيما لا يصدر
منه القبيح والسامع مرادا افهامه ، ويكون المقام مقام الحاجة الى البيان يحصل
القطع بالمراد ، وأما في غيره فلا يحكم بشيء ولا يأخذ بالظن ولا ظاهر ، هذا أقل
قليل بالنسبة الى الموارد التي تفيد العلم.
والذي يكشف عن أن
الأخذ بالمداليل اللفظ ليس من باب ما ذكره القوم أن الصبيان الذين بلغوا إلى أول
درجة التمييز بل والبهائم يفهمون المرادات من غير علم لهم ببناء العقلاء وأرباب
اللسان ، ولا يكون لهم عقل يكون بحسبه بانين على الأخذ بظواهر الفطرة وان لم يكن
لهم علم ببناء غيرهم. وهذا الذي ذكرناه واضح لمن راجع وجدانه وخلى ذهنه عن الشبهات
ـ فافهم وتأمل جدا.
قوله
«قده» : وقد يفصل في المقام.
أي في مورد
القاعدة الثانية.
قوله
«قده» : وهذا التعليل وإن قرره المفصل ـ الخ.
الفرق بين
المستفاد والمستفاد منه يمكن أن يكون المفصل قرر التعليل
في صورة يكون
احتمال الاشتراك والمجازية في المعاني ، والمصنف «قده» قرره في المعنيين.
ويحتمل أن يكون
الفرق بين المفصل اجراه في القدر المشترك الظاهر منه هو القدر المشترك الذاتي ،
والمصنف «قده» اجراه في الأعم الذي هو أعم منه ومن العرضي. ويشهد لهذا الفرق عطفه «قده»
للقدر المشترك على العام في قوله فيما بعد «فوضعه للعام أو للقدر المشترك» بأو
المقتضية للمغايرة ـ فافهم إن شاء الله تعالى.
قوله
«قده» : وأصالة عدم الوضع ـ الخ.
مقصوده من عدم
حصول مجوز التجوز هو عدم تحقق العلاقة ، وان كان الواضع رخص أو الطبع رخص في
استعمال اللفظ في غير معناه عند وجود العلاقة على سبيل الكلية ، إلّا ان الشك في
وجود العلاقة وتحققها. وبعبارة أخرى : الكبرى الكلية وان كانت معلومة إلّا أن الشك
في كون ما نحن فيه من صغرياته وتعلق تلك الكبرى به.
والفرق بين قوله ـ
قدسسره ـ سابقا «عدم تحقق
العلاقة المعتبرة» وقوله هنا «عدم حصول مجوز التجوز» مع انا قلنا ان المراد به
ايضا عدم تحقق العلاقة هو أن العدم المذكور في السابق كان ثابتا بالغلبة وهنا
بالأصل ـ فافهم.
قوله
«قده» : فان المتبادر منه ـ الخ.
يعني ان المتبادر
من الباء الموضوعة للسببية في قولنا «بوضع» هو السبب بلا واسطة اولا وبالذات ،
والاستعمال المجازي الوضع سببه بواسطة الموضوع له.
قوله
«قده» : أو لأن الظاهر منه ـ الخ.
يعني ان الظاهر من
الباء السببية المستقلة ، وليس الوضع في الاستعمال المجازي سببا مستقلا ، بل يحتاج
الى وجود العلاقة.
قوله
«قده» : فانه وان كان لمسماهما تعلق ـ الخ.
لا يخفى ما فيه ،
اذ لا يلزم منه أن يكون جميع أفعال المكلفين معاني شرعية لحكم الشارع عليها بأحكام
، بل هي أولى بكونها معاني شرعية ، لأن الأحكام ثابتة لها ووصف لها بحال بأنفسها ،
بخلاف الحسن والحسين حيث أن الأحكام ثابتة لأتباعهما والاعتراف بامامتهما وعصمتهما
، فيكون الحكم والوصف بحال المتعلق.
قوله
«قده» : بناء على انها حقائق ـ الخ.
المراد بالمعاني
الشخصية المعاني الجزئية الحقيقية كالصراط والميزان والجنة والمراد بالمعاني
المخصوصة المعاني الكلية النوعية كالحساب ، حيث ان الحساب لكل احد شخص مغاير لحساب
آخر.
قوله
«قده» : لأن الغرض الداعي ـ الخ.
لا يخفي ما فيه ،
لأن بيان الآثار والأحكام لا يقتضي وضع لفظ لموضوع بعد ما كان اللفظ موضوعا له ،
ولا شبهة ولا ريب في انه لم يضع الشارع لفظا لهذه المعاني المذكورة بعد ما وضع
الواضع ألفاظا بإزائها غاية الأمر وقصواه ان الناس كانوا جاهلين بأن في ما وراء
هذا العالم الحسي الدنيوي عالما آخر واخبر الشارع به وبوجود مصاديق الميزان
والحساب
والصراط وغيرها
فيه.
قوله
«قده» : على التقديرين الأخيرين.
يعنى تقدير كون
واضع اللغات مما عدا الألفاظ المبحوث عنها غيره تعالى ، وتقدير كونه اياه تعالى.
قوله
«قده» : ما اذا كانت منقولات.
سواء كانت تعيينية
أو تعينية.
قوله
«قده» : ومنه يظهر ـ الخ.
يعني من قولهم في
الاحتجاج. ووجه الظهور انهم اثبتوا باحتجاجهم ما لا يعرف اهل اللغة معناه دون غيره
، فيظهر انهم قائلون بثبوت النوع الثاني ، وهو ما لا يعرف اهل اللغة معناه دون
النوعين الأخيرين.
قوله
«قده» : على تقدير تسليمه.
يعني لا نسلم أولا
انتفاء العلاقة لوجود علاقة السببية والمسببية ، اذ الايمان سبب للعبادة.
قوله
«قده» : فالوجهان متقاربان ـ الخ.
النسبة بين
الوجهين هي العموم والخصوص المطلق ، اذ الأول يشتمل ما كان حقيقة عند المتشرعة بعد
زمان وقوع النزاع. ومنه يظهر وجه أوفقيته بالاعتبار ، اذ الوجه الثاني لا يشتمل
بعض ما يمكن جريان النزاع فيه
قوله
«قده» : ولا ينافي ذلك ـ الخ.
بيان المنافاة :
انه اذا كانت حقائق لغوية فلا بد وأن يكون معانيها معلومات عند أهل اللغة ، واذا
كانت معلومة عند اهلها فيستعلم بالرجوع اليهم فلا تكون توقيفية لا يمكن العلم بها
الا بالتلقي.
وأما بيان عدم
المنافاة فهو أن العلم بالوجه يكفي في مقام الوضع ولا يحتاج الى اكتناه الموضوع له
، ففيما نحن فيه العلم بكنه تلك الحقائق لا يحصل بالرجوع الى اهل اللغة ، بل لا بد
من التلقي من صاحب الوحي وان حصل العلم بوجهها بالرجوع اليهم.
ولا يخفى انه لا
وجه لتوهم المنافاة اصلا حتى يحتاج الى الجواب الذي ذكره ، لأنه «قده» ردد الواضع
بين اشخاص يكونون هم المرجع والمعول في العلم بتلك الحقائق لا يكون معول غيرهم ،
فلو كانت حقائق لغوية يستعلم من الرجوع اليهم ولا ينافي بوظيفتها وتوقيفيتها على
التلقي من الوحي. نعم لو فرض الواضع غيرهم اتجهت المنافاة واحتيج الى الجواب
المذكور ـ فافهم.
قوله
«قده» : على أن كلامه ظاهر ـ الخ.
جواب آخر عن قول
القائل لا سبيل الى المنع بعد وقوع الفعل. وحاصله : ان المستدل اراد بالتبادر المدعى التبادر بالنسبة
الى زمانه لا بالنسبة الى زمان الشارع حتى يتجه قول القائل لا سبيل الى المنع بعد
وقوع نقل التبادر من هذا المدعى وحجية نقله ، فالكلام المذكور مع هذا المدعي
المستدل من منع التبادر مناقشة ظاهرية لا واقعية لها ، اذ ليس مراد المستدل دعوى
التبادر بالنسبة الى زمان الشارع حتى يمنع.
ويمكن أن يكون
الضمير في قوله «معه» راجعا الى ظهور كلام المستدل في دعوى التبادر بالنسبة الى
زمانه.
قوله
«قده» : سلمنا لكن لا نسلم ـ الخ.
ناظر الى قوله :
وان كان بالنسبة الى زمان الشارع فممنوع.
قوله
«قده» : والجواب أن يرجع هذا الوجه ـ الخ.
فيه : انه ليس
مرجعه الى الاستحسان بل الى البرهان العقلي ، لأنه اذا دار الأمر بين الوضع وتكرير
القرينة ، فلا ريب في أن في تكريرها كلفة ليس في الوضع فيكون مرجوحا والوضع راجحا
، وترجيح المرجوح على الراجح قبيح لا يصدر من الحكيم. وايضا في الوضع ليس نقض
للفرض وهو الافهام ـ بخلاف التجوز ، اذ ربما تخفى القرينة فيختل الفهم فينتقض
الفرض ، ولا ريب في قبح نقض الفرض.
قوله
«قده» : ولو بنصب قرينة عامة ـ الخ.
أورد عليه بعض
المعاصرين «قده» في بدائعه بأن قرينة المجاز لا بد أن يكون سببا لانتقال الذهن من
اللفظ الى معنى بعد الانتقال الى معنى آخر يحصل بالانتقالين اثره المقصود من وجوه
البلاغة والمبالغة. وأنت خبير بأن هذا المعنى غير موجود في القرينة العامة
المنصوبة قبل الاستعمال ، فلا يكون على حد سائر قرائن المجاز ، فليس هي الا إعلاما
للمتكلم لما يبني عليه من الالتزام بتعبير المعانى الجديدة بالألفاظ المعهودة ،
وهل هذا الا وضع هذه الألفاظ لتلك المعاني وضعا تعيينيا ، اذ المراد بالوضع
التعييني ليس هو انشاء التعيين لفظا ، بل المراد به هو البناء على ان يكون الكاشف
عن
ذلك المعنى المعين
في اصطلاحه ذلك اللفظ المخصوص :
والعجيب انه لم
يلتفت الى أن ما اجاب به التزام بمقالة المستدل من حيث لا يشعر ، لأنا نعلم أن
القوم لو تسالموا على ما ابداه لارتفع النزاع بينهم ـ انتهى.
وفيه ما لا يخفى ،
اذ الأمر وان كان كما ذكره في المراد بالوضع التعييني وعدم احتياج الوضع الى لفظ
مخصوص إلّا ان الشارع اذا كان مراده استعمال تلك الألفاظ المتنازع فيها في معانيها
مجازا حسب الفرض وكان مراده من قوله «كلما اطلق» ـ الخ ، نصب القرينة على ارادة
المعاني المجازية حسبما هو المفروض في كلام المصنف ، حيث قال : معانيها الشرعية
مجازا كيف يعقل أن يكون وضعا وحقيقة ، اللهم إلّا أن يكون على وجه الخلف والانقلاب
واجتماع النقيضين.
والعجب كل العجب
من تعجبه منه «قدهما» واستناد عدم الشعور والالتفات اليه الذي يكون مغالطة بالعرض
وبالأمور الخارجية ـ فافهم إن كنت من أهله.
قوله
«قده» : وان انضم الى ذلك النقل.
أي الإخبار بوقوع
النقل.
قوله
«قده» : فتأمل.
وجه الأمر بالتأمل
هو ان المستدل بالاستقراء لم يرد اثبات النقل بالملازمة العقلية الموجبة للعلم حتى
يمنع بابداء احتمال البناء على التجوز ، بل اراد أن الاستقراء المذكور يحصل منه
الظن بالنقل ولا يضره الاحتمال المذكور كما لا يخفى.
وايضا انكار
الثمرة بالنسبة الى مصطلحات ارباب العلوم والصنائع فيه ما لا يخفى ، اذ لا ريب في
انه اذا ثبت النقل يحمل ألفاظهم على مصطلحاتهم كما هو واضح.
قوله
«قده» : ولا يذهب عليك ان الاستقراء ـ الخ.
لأن الاستقراء
المذكور لاثبات الوضع هو الاستقراء المصطلح الذي هو استقراء حال الجزئيات او
اكثرها لاثبات الحكم لكليها ، ويكون الحكم في المستقرإ فيها معلوما وانما الشك في
ثبوته للكلى. مثلا : رفع الفاعل ونصب المفعول في الموارد التي تتبع وتصفح فيها
معلوم وانما الشك في الكلية ، والاستقراء الذي ذكر هنا ليس فيه اثبات حكم لكلي ولا
الموارد المستقرأة فيها معلوم الحكم ، اذ المقصود اثبات الوضع والنقل التعيني ،
وليس هذا معلوما في الموارد المذكورة ، بل المعلوم فيها استعمال الشارع تلك
الألفاظ في معانيها الشرعية.
قوله
«قده» : بعد ما تبين الحال واتضح وجه المقال.
يعني ظهران وجه
مقالة المثبتين هو الأمور الواضحة الفساد من غير انتهاء الى توصيف شرعي وبيان تعبدي.
ومعلوم ان مثل هذا الاجماع ليس بحجة.
قوله
«قده» : نقض لكلام الفريقين واحداث قول في البين أما انه نقض لكلام الثاني فلأن هذا المستدل اراد اثبات
الحقيقة الشرعية ، واما انه نقض لكلام المثبت فلان المثبت مراده اثبات النقل
للشارع وهذا المستدل اثبت شيئا آخر وهو الوضع قبل زمان الشارع.
وبهذا البيان ظهر
انه احداث قول آخر في البين.
قوله
«قده» : والجواب ان الغلبة في لسان الشارع ـ الخ اورد عليه بعض المعاصرين «قده» في بدائعه بأن اثر هذا
الجواب بين ، لأن الالتزام به لا يقدح فيما هو غرض المثبتين من حمل الألفاظ غير
المعلومة المراد على المعاني الشرعية بل تحققه ولم يعلم من حالهم ايضا دعواهم
استقلال استعمال الشارع في افادة الوضع والمؤاخذة عليهم بظاهر حدودهم لها مع وضوح
المراد بالنسبة الى الثمرة ليست من دأب المحصلين الذين منهم المجيب في زعمه ـ انتهى.
وفيه من المغالطة
في العرض بالأمور الخارجية حيث شنع «قده» على المصنف بقوله «في زعمه» ما لا يخفى ،
مضافا الى ان المصنف قدسسره هنا انما هو بصدد بيان تحقق الحقيقة الشرعية وعدمه لا في
مقام ترتب الثمرة وعدمه ، وهو قدسسره عالم ومصرح في مقام بيان الثمرة بانتفاء الثمرة بين القول
بنفي الحقيقة الشرعية مع حصول النقل في زمانه صلىاللهعليهوآله وبين القول بالوضع التعييني او التعيني له صلىاللهعليهوآله.
والعجب ان هذا
المحقق المعاصر قدسسره قد صرح في موضع آخر بأن معرفة مصداق الحقيقة الشرعية شيء
وترتب الثمرة على تقدير المعرفة شيء آخر ، وكأنه قدسسره قد غفل عن هذا.
قوله
«قده» : القول الأول بل الثاني.
المراد بالقول
الأول هو القول بصيرورة هذه الألفاظ حقيقة عند المتشرعة في زمان الشارع ، والمراد
بالقول الثاني هو قول من خصه بالألفاظ المتداولة.
قوله
«قده» : ويمكن رده بأن النقل ـ الخ.
فيه : انه وان كان
الأمر كذلك فيما اذا حصل النقل باستعمال الشارع واستعمال اصحابه ، الا انا نقول :
لا ريب في ان استعمال الشارع اذا فرض خمسين مرة او مائة وكان جزء لمحقق النقل فلا
ريب في ان اصحابه لكثرتهم في يوم واحد ، بل آن واحد يصدر منهم الاستعمال ازيد مما
ذكر فيستغنى عن استعماله ويحصل الحقيقة المتشرعة كما لا يخفى.
قوله
«قده» : مع ما فيه من الخروج عن المعنى المتنازع فيه يحتمل ان يكون مرتبطا بقوله «ويمكن رده» فيكون ايراد آخر
على الجواب ، محصله : ان هذا النحو المنقول الحاصل من غلبة الاستعمال فى لسانه صلىاللهعليهوآلهوسلم واتباعه في زمانه خارج عن المتنازع فيه في الحقيقة
المتشرعة ، حيث اختلفوا في ثبوتها في زمانه مطلقا او مع كونها كثيرة الدوران او
عدمها مطلقا ، لأن هذا النزاع في الحقيقة المتشرعية الحاصلة بغلبة الاستعمال في
لسان المتشرعة فقط دون لسانه ولسانهم.
ويحتمل ان يكون
مرتبطا بقوله «والجواب» ولعله الأظهر ، فيكون جوابا آخر عن الوجه السابع لاثبات
الحقيقة الشرعية ، وحاصله ان هذا الوجه مثبت للوضع التعيني ومحل النزاع هو الوضع
التعييني كما استظهره سابقا من مثبتي المتقدمين.
قوله
«قده» : لأن الشرط خارج عن حقيقة المشروط.
فيه : ان الشرط ـ وان
كان خارجا ـ إلّا ان التقييد لما كان داخلا اوجب اختلاف الماهية. وبعبارة اخرى :
الماهية النوعية وان لم تختلف باختلاف
القيود المشخصات
إلّا ان الحقائق الصنفية لا شبهة في اختلافها باختلاف المصنفات ، كما لا ريب في
اختلاف الهويات الشخصية باختلاف المشخصات والعوارض المشخصة.
قوله
«قده» : وفيه نظر.
اما منع الاطراد
في المقام الأول بأن الشارع لم يجعل إلا شرائطه وهو لا يقتضي الاختلاف في الماهية
، ففيه : انا لا نسلم انه لم يجعل إلّا بشرائط بل جعل لها اجزاء ايضا فتختلف
الماهية. ولو سلم فلا نسلم انه لا يقتضي الاختلاف في الماهية كما ذكرناه آنفا ،
إلّا ان يكون من باب الجدل واخذ مسلم الخصم وهو المستدل ، حيث اذعن في استدلاله
بأن اختلاف الشرط لا يوجب اختلاف الماهية.
واما منع الاطراد
في المقام الثانى بأن مفاهيم تلك الألفاظ غير معهودة من اهل اللغة ، ففيه ان
الشارع لم يجعل لتلك الألفاظ معاني أخر ، بل من مصاديقها التي غفل عنها اهل اللغة
، وليس في هذا جعل للماهية واختراع لها كما هو واضح.
قوله
«قده» : وهو انما يقتضي ـ الخ.
لأن مفاد الأصل
ليس إلّا الحكم الظاهري ، بخلاف الوجهين الآتيين حيث انه اثبت المطلوب فيهما
بالقياس الشرطي وبين فساد التالي ورفعه واقعا ، فاستنتج من رفع التالي واقعا رفع
المقدم واقعا كما لا يخفى. هذا بيان مرامه قدسسره ، ولكن سنشير الى ما فيه بالنسبة الى الوجه الأول من
الوجهين الآتيين.
قوله
«قده» : المراد هو الوجه الأول ـ الخ.
توضيح مرامه قدسسره : انا نختار ان المراد تفهيم المعاني من حيث كونها منقولة
اليها ، وندعي انه على تقدير النقل يلزم تفهيم ذات المعنى وكونه منقولا اليه. أما
وجه الأول فلأن فهم المعنى شرط التكليف ، وأما وجه الثاني فلأنه لولاه لزم انتفاء
فائدة الوضع ، وانما تركوا هذه المقدمة المبينة لوجه الثاني اتكالا على وضوحها.
ولكن فيه انه لا حاجة الى الالتزام بطي المقدمة ، بل الوجه المذكور في الاستدلال
مثبت للوجه الثاني ايضا. وبعبارة اخرى واسطة في الاثبات ولم اثباتي بالنسبة الى
لزوم تفهيم المعاني المتحيثة بحيثية كونها منقولا اليها. بيانه : ان الشارع لو وضع
ونقل تلك الألفاظ الى هذه المعاني فلا محالة بملاحظة تعيينه ووضعه وتخصيصه لها بها
كلما اراد تلك المعاني استعمل تلك الألفاظ وعبر بها ، فاذا لم يفهم المخاطبين نقله
ووضعه فهم يحملون تلك الألفاظ على معانيها اللغوية فلا يفهمون التكليف ، وحيث ان
شرط التكليف العلم فلا بد للشارع تفهيمهم واعلامهم اذ لا طريق لهذا العلم الا
باعلامه.
بل يمكن ان نقول :
نحن نختار ان المراد شق ثالث ، وهو ان المراد تفهيم الألفاظ الموضوعة والمنقولة
بارجاع الضمير في فهمها اليها دون ذوات المعاني ، ولا هي بما هي متحيثة بحيثية
كونها منقولا اليها. ووجه الملازمة في القضية الشرطية وبيان لزوم تفهيم الألفاظ
الموضوعة من حيث كونها موضوعة قد ظهر حيث ان العلم شرط التكليف ولا يحصل إلّا بهذا
التفهيم كما ذكرنا.
هذا بالنسبة الى
المخاطبين وأما بالنسبة الى غيرهم فلا ريب في ان شرط تكليفهم ايضا العلم ، ولو لم
ينقل المخاطبون نقل الألفاظ ووضعها.
وبعبارة اخرى
الألفاظ الموضوعة المنقولة مع الوصف العنواني لغيرهم لحمل ذلك الغير تلك الألفاظ
على معانيها اللغوية فلم يحصل له العلم بالتكليف ، وهذا ظاهر لا سترة عليه.
قوله
«قده» : اذ الشركة في التكليف لا يقتضي ـ الخ.
فيه نظر يظهر مما
ذكرنا آنفا ، لأن المخاطبين حيث ان المفروض تفهيم الشارع النقل لا مناص لهم من
اتباعه في استعمالاتهم ، حيث انهم تابعون له ولا يقصرون عن اهل سائر اللغات حيث
يتبعون واضعها ، فاذا اتبعوا وضعه في استعمالاتهم ولم ينقل النقل لغيرهم فلا محالة
يحمل الغير تلك الألفاظ المستعملة للمخاطبين في بيان الشرعيات على المعانى اللغوية
فلم يحصل له العلم ، فكان اللازم عليهم نقل النقل ، وهذا ظاهر لا ريب فيه.
قوله
«قده» : غرض النافي ـ الخ.
لأنه لو كان غرضه
بيان عدم الدليل على الوقوع لم يحتج الى تجشم الاستدلال بالقياس الشرطي الاستثنائي
بل يكفيه اظهار الجهل والشك كما لا يخفى. ولكن فيه ان ظاهر استدلاله وان كان ذلك
إلّا ان دليله لا يساعد على ذلك ، لأنه اراد استنتاج مطلوبه من القضايا الشرطية
المنتهية بالأخرة الى قضية شرطية بين ارتفاع احد شقي تاليها بوجهين ، وهو كون
الآحاد لا يفيد القطع وكون العادة في مثله تقتضي التواتر.
ولا ريب في ان
الوجه الأول لا يقتضي إلّا ان النقل بالآحاد لا يفيد القطع بالمنقول ، وهو نقل
الشارع ووضعه ، فيصير النقل مشكوكا مجهولا وأما الوجه الآخر فلا شبهة في ان
المستدل لما بين الارتفاع بالامتناع العادي فهو محتمل للوقوع على خلاف العادة فلا
يكون الارتفاع مقطوعا ، وهذا
واضح لا شبهة فيه
ولا ريب يعتريه.
قوله
«قده» : ففي المنع المذكور ـ الخ.
اذ بعد منع
الملازمة لا يلزم من رفع التالي رفع المقدم ، ومعلوم ان المقدم في القضية الشرطية
الثانية تال في القضية الشرطية الأولى ، فلا يكون التالي في هذه القضية معلوم
الارتفاع حتى يستنتج من رفعه رفع المقدم وهو النقل ، وهو مقصود النافي كما لا
يخفى.
قوله
«قده» : ولا يلزم من منع الملازمة ـ الخ.
دفع لتوهم حاصله :
ان منع الملازمة مستلزم لنفي احد الطرفين على سبيل منع الخلو ، اذ لو تحقق الطرفان
لا يعقل منع الملازمة ، ولو انتفى احد الطرفين لم تتحقق الملازمة ، اذ لا يعقل
تحققها مع انتفاء اللازم او الملزوم ، وحينئذ فاذا انتفى فيما نحن فيه المقدم سواء
انتفى التالي ايضا اولا والمفروض ان هذا المقدم تال في القضية الشرطية الأولى
فتاليها مرتفع يستنتج منه ارتفاع المقدم وهو وقوع النقل ، فمنع الملازمة لم يجد.
ووجه الدفع ان
المتوهم توهم ان منع الملازمة يكون في القضية الشرطية اللزومية فزعم ما زعم ،
والحال ان المقصود ابداء احتمال كون القضية اتفاقية ، ولا شبهة في ان منع الملازمة
فيها لا يقتضي ارتفاع احد طرفيها بل مع تحقق الطرفين يمنع الملازمة ـ فافهم بعونه
تعالى.
قوله
«قده» : مع ان ادلة المثبتين ـ الخ.
الظاهر انه مرتبط
بقوله «لانا نقول» ويكون جوابا عن قول القائل لا سبيل لنا الى اثبات النقل. ومحصله
ان الدليل على اثبات الوضع والنقل
ليس منحصرا في
النقل والاخبار والحكاية حتى لا يثبت الوضع بسبب عدم النقل ، بل لا ثبات الوضع
والنقل طرق اخرى وادلة أخر.
ويحتمل على بعد
غاية البعد على ان يكون مرتبطا بقوله قدسسره «والجواب منع
الملازمة الثانية» ، وحاصله ان ظاهر المستدل هو نفي الوضع التعييني ، فأجاب قدسسره بأن الوضع ليس منحصرا في التعيين بل اعم منه ومن التعيين.
وهذا الدليل لو تم انما ينفي الأخص ، ونفي الاخص لا يستلزم نفى الأعم ، فجاز الوضع
التعيني ، بل الدليل مثبت له.
والفرق بين
الوجهين ان النقل في قوله لا تختص بالنقل في الأول مثبت بالكسر وفي الثاني مثبت
بالفتح. وبعبارة اخرى في احدهما إثباتي وواسطة في الاثبات وفي الآخر نتيجة ـ فافهم
بعون الله تعالى.
قوله
«قده» : ان العربي اعم ـ الخ.
لا يخفى ما فيه ،
اذ وضع غير واضع لغة العرب ليستعمله في لغته فلا ريب في انه ليس إلّا العربي ولا
ينسب الى ذلك الغير اصلا. وبعبارة اخرى اذا كان غير الواضع وضع باعتبار كونه تابعا
له فالوضع وضع له ولا ينسب الى غيره ، فما نحن فيه اذا كان وضع الشارع لهذه
الألفاظ باعتبار عدم استقلاله بل باعتبار تبعية الواضع لا ليكون حقيقة شرعية ووضع
شرعي هذا خلف.
بل من هنا انقدح وانكشف
شيء آخر خلج ببالي القاصر ، وهو انه لو علمنا وضع الشارع لهذه الألفاظ للمعاني بأن
صرح بأني وضعت هذه لتلك لما صح لنا الحكم بالحقيقة الشرعية والوضع الشرعي إلّا اذا
علم انه وضع بما هو مستقل لا بما هو تابع ، بل ظهر صحة انكار الحقائق العرفية
العامة والعرفية
الخاصة من النحوية والفقهية والأصولية الا في صورة العلم بكون هؤلاء الواضعين لم
يلاحظوا التبعية بل لاحظوا الاستقلال. فظهر أن الحق في ثبوت الحقيقة الشرعية
والمتشرعة وعدمه هو العدم.
ولا يذهب عليك ان
ما ذكرنا انما هو انكار للتسمية بالحقيقة الكذائية وليس انكار لأصل الوضع وترتب
الثمرة المترتبة عليه كما هو ظاهر ـ فافهم واغتنم.
قوله
«قده» : سلمنا لكن ـ الخ.
فيه ما لا يخفى ،
اذ مع فرض كون الواضع للغة العرب وهذه الألفاظ هو الله تعالى لا يصح كون هذه
الألفاظ عربية مع تحقق الوضع الشرعي على ما هو مقصود المجيب ، اذ لا شبهة في تفاوت
الأحكام والآثار بتفاوت الحيثيات ولو لا الحيثيات لبطلت الحكمة. ولا شبهة في تفاوت
كونه شارعا يضع اللفظ بحسبه وكونه واضعا يضع بحسبه.
قوله
«قده» : لأن المراد أن اسلوبه عربي.
لا يخفى انه خلاف
الظاهر ، والقرينة التي ابداها فيها ما لا يخفى ، اذ لا ريب في ان الواضع الأصلي
رخص اتباعه في وضع ألفاظ للمعاني التي لم يضع بإزائها لفظا ، وفي التعريب واستعمال
ألفاظ الاعلام بالشرط المذكور ، وكل هذا ينسب الى ذلك الواضع الأصلي ، فعلى هذا لا
يقدح اشتمال القرآن على ألفاظ معربة واعلام عجمية في عربيته ، وفي بعض الألفاظ
الذي ليس فيه تعريب ولا من الأعلام فلعله يكون من باب توافق اللغتين.
وبالجملة في تلك
الموارد تلك الألفاظ عربية امضائية ، وهذا بخلاف
الألفاظ المبحوث
عنها ، حيث ان الشارع لم يضعها بما هو تابع للواضع الأصلي وإلّا لكانت عربية لغوية
شرعيه «هف» ، ففي اشتمال القرآن عليها خروجه عن كونه عربيا.
قوله
«قده» : وكلامهم هذا يقتضي ـ الخ.
حمل قدسسره كلامهم على ان الاستعمالات الشخصية لها حقائق ومجازات
فعليتان بالاعتبارين ، فأورد قدسسره عليهم بأن الاستعمال الجزئي ان كان باعتبار العلاقة فهو
مجاز لغوي لا غير ، وان كان باعتبار الوضع الشرعي فهو حقيقة شرعية فعلية لا غير ،
فليس الاستعمال الجزئي مجمعا للاعتبارين ، وان كان باعتبارهما معا ففيه ـ مع بعده ـ
موجب لاسناد العبث الى الشارع.
ولكن فيه ان
مرادهم ليس إلّا ان تلك الالفاظ لها حقائق ومجازات بحسب اختلاف الموارد. وبعبارة اخرى
يصح ان تصير حقيقة وان تصير مجازا كل في مورد ، وان لم يقع الاستعمال في القرآن
إلّا باعتبار المجازية اللغوية ، لئلا يلزم خروج القرآن عن كونه عربيا.
وهذا الجواب الذي
اجاب به قدسسره لقوله سابقا ، ويمكن ان يجاب ايضا بمنع الملازمة ـ الخ.
قوله
«قده» : يتضمن اسناد عبث الى الشارع ـ الخ.
لا يخفى ما فيه ،
لأنه ليس في احد الاعتبارين غنية عن الاعتبار الآخر حتى يكون لغوا عبثا ، لأنه لما
كان احد الاعتبارين محققا لوضعه ومحصلا لغرضه من النقل والوضع والآخر محققا لعربية
القرآن فلا بد من اعتبارهما ، بل يكون ترجيح احدهما على الآخر ترجيحا بلا مرجح ،
فيكون
الاقتصار على
احدهما قبيحا.
قوله
«قده» : والظاهر من طريقة الأكثرين ـ الخ.
فيه : أما اولا
فلأن التنافي بين الحقيقة والمجاز انما هو في المجاز بحسب اصطلاح البيانيين ، حيث
جعلوا المجاز مقابل الكناية ، وأما بحسب الاصطلاح الأصولي فليس بينهما تنافيا.
وثانيا لو سلم التنافي مطلقا فانما هو بين الحقيقة والمجاز اذا كان معنيان احدهما
حقيقي والآخر مجازي ، وأما اذا كان معنى واحد ذاتا مختلف اعتبارا ـ كما فيما نحن
فيه حيث ان المستعمل فيه ليس إلّا المعنى الواحد وهو المعنى الشرعي يختلف اعتبارا ـ
فليس فيه تناف بين وصفي الحقيقة والمجاز ـ فافهم بعون الله تعالى.
قوله
«قده» : ويجعل الضمير للسورة.
يمكن ان يقال :
يمتنع ان يجعل الضمير راجعا الى مجموع القرآن للزوم الدور المحال. بيانه : ان قوله
تعالى (إِنَّا أَنْزَلْناهُ) متأخر عن مجموع القرآن لتأخر الراجع وهو الضمير عن المرجع
، ومجموع القرآن متأخر عن قوله تعالى (إِنَّا أَنْزَلْناهُ) لتأخر المجموع عن الفاتحة وتوقفه عليها.
ولكن يمكن التفصي
عنه بأن القرآن اسم للمجموع الذي هو اعم من ان يكون جميع اجزائه محققة الوجود او
بعضها محقق الوجود وبعضها مقدر الوجود ، نظير القضية الحقيقية ـ فافهم.
قوله
«قده» : بأن القرآن موضوع ـ الخ.
يعنى انه مما يكون
جزؤه مشاركا لكله في الحد والاسم. وبعبارة اخرى مما يكون جزؤه جزئية ، وذلك كالجسم
والماء ونظائرهما حيث ان
جزء الجسم جسم كما
ان كله جسم ، وجزء الماء ماء كما ان كله ماء.
قوله
«قده» : من غير حاجة الى اعتبار زائد.
من مجاز حذف او
مجاز في الكلمة ، بأن يقدر بعض او يستعمل لفظ القرآن الموضوع للكل في الجزء مجازا.
قوله
«قده» : لأن لفظ القرآن ـ الخ.
فيه منع واضح ،
لأنا لا نسلم ان الله تعالى وضع لفظ القرآن لهذا الذي بين الدفتين ، بل كلما اطلق
لفظ القرآن في كلامه تعالى يكون من باب التوصيف لا من باب التسمية وان صار هذا
اللفظ في هذا الكتاب العزيز السماوي بالغلبة. والحاصل ان المراد من لفظ القرآن في
القرآن الكريم ليس إلّا المعنى اللغوي الذي هو موضوع للقدر المشترك كما لا يخفى.
قوله
«قده» : بل مسامحة عرضية في التعليق.
ويحتمل ان يكون
مجازا في الكلمة او في الحذف كما اشرنا اليه آنفا.
قوله
«قده» : مع انه ان اريد بالسورة ما فيها هذا اللفظ الخ.
الظاهر انه قدسسره يريد بهذا اللفظ لفظ القرآن ، ومقصوده انه لو أريد بالسورة
التي مرجع الضمير في قوله تعالى (إِنَّا أَنْزَلْناهُ) هذه السورة التي فيها قرآنا عربيا فالاشكال الذي هو
الاشتمال على ما ليس بعربي باق ، ولو أريد غيرها فبعيد عن مساق الآية كما لا يخفى.
ولكن لا يذهب عليك
ان بقاء الاشكال موقوف على اشتمال هذه السورة على الألفاظ المتنازع في كونها حقيقة
شرعية ام لا ـ فليراجع.
ويمكن ان يقال في
الشق الأول ـ وهو رجوع الضمير الى هذه الآية ـ يلزم الدور المحال ، كما يظهر بيانه
مما ذكرنا سابقا وذكرنا دفعه.
ويحتمل ان يكون
مراده بهذا اللفظ اللفظ المبحوث عن كونه حقيقة شرعية ام لا. وحاصل مرامه قدسسره انه لو اريد بالسورة التي هي مرجع للضمير سورة فيها
الألفاظ المتنازع فيها يبقى الاشكال بحاله ، اذ ما بعضه عربي وبعضه غير عربي فليس
كله عربيا ، ولو اريد غيرها فبعيد عن مساق الآية لاستلزامه فرارا عن بقاء الاشكال
لتقييد السورة التي مرجع الضمير بالسورة التي لا يكون فيها هذه الألفاظ ، ولا يخفي
بعده.
قوله
«قده» : ولم يتجه عليه الاشكال.
لأن أما وجه
اندفاع الاشكال الأول وهو ان القرآن اسم للمجموع فقط فواضح ، لانه بحسب اللغة على
ما هو المفروض لم يوضع للمجموع ، وأما الاشكال الثاني فلا ريب فى عدم اندفاعه ، اذ
مناط الاشكال الثانى وملاكه على الوجهين اللذين احتملناهما في كلامه قدسسره ليس إلّا اشتمال القرآن العزيز على ما هو ليس بعربى فلا
يكون كله عربيا. وهذا لا يندفع بكون المراد بالقرآن معناه اللغوي كما لا يخفي.
والأوجه الأظهر
بقرينة جلالة قدره قدسسره ونبالة فضله ان يكون مراده بالاشكال الثاني غير المعنيين
اللذين احتملناهما في قوله «مع انه اريد بالسورة ما فيها هذا اللفظ» فالاشكال وارد
باعتباره ايضا ، وهو ان يكون المراد بهذا اللفظ لفظ قرآنا. وبعبارة اخرى لفظ (إِنَّا أَنْزَلْناهُ قُرْآناً
عَرَبِيًّا) ، ومراده بالاشكال نظير الاشكال الذي ذكره المعترض ، وهو
ان السورة ليست قرآنا.
بيان الاشكال هنا
: ان الضمير في (إِنَّا أَنْزَلْناهُ) لا بد وان يكون
راجعا الى غير هذه
الآية من هذه السورة ، للزوم الدور المحال لو رجع الى جميع هذه السورة كما ذكرنا ،
فاذا رجع الى غير هذه الآية فيكون بعض السورة وبعض السورة ليس بقرآن وان فرض
الاشتراك المعنوي فيه ، لأن الاشتراك المعنوي فيه انما هو بين الكل والسورة ، وبعض
السورة ليست بكل ولا سورة فليست بقرآن ، وحينئذ يستقيم قوله ولم يتجه عليه اشكالان
اذ بناء على كون المراد بالقرآن المعنى اللغوي لا ريب في انه يصدق على بعض السورة
القرآن كما يصدق على جميعها وعلى المجموع كما هو واضح.
ولكن يرد عليه ان
المجيب لم يقل بالاشتراك المعنوي بين المجموع والسورة بل ادعاه بين الكل والبعض ،
ولا ريب ان بعض السورة بعض القرآن ايضا ، فيصدق عليه القرآن حسب الفرض من اشتراكه
المعنوي ، مع انا لو سلمنا ان المجيب ادعى الاشتراك بين المجموع والسورة لا غير لا
نسلم امتناع رجوع الضمير الى جميع هذه السورة. والدور المتوهم بينا اندفاعه ، إلّا
ان يدعى قصور الدلالة بحسب المتفاهم العرفي ، ولا يخفي ما فيه من عدم القصور عرفا.
ويحتمل ان يكون
مراده قدسسره بهذا اللفظ لفظ «قرآنا» ومراده بالاشكال الثاني هو اشتمال
القرآن العزيز على ما ليس بعربى. ووجهه هوان لفظ القرآن وضعه الشارع لهذا الكتاب
العزيز ، فيكون حقيقة شرعية فيه فيلزم ما ذكر من اللازم. ووجه اندفاع هذا الاشكال
بناء على ان المراد بالقرآن معناه اللغوي واضح.
ولا يذهب عليك انه
لا وجه ولا وقع لهذا الاشكال اصلا ، اذ كون واضع لفظ القرآن هو الشارع لا يقتضي ان
يكون حقيقة شرعية ، لأنه لم يضعه من حيث انه شارع كما هو واضح ـ فافهم واغتنم.
قوله
«قده» : ويمكن حمل كلام المجيب عليه بتكلف.
وجه كونه تكلفا ان
الأمر اذا دار بين الحمل على المعنى اللغوي والمعنى العرفي فلا بد وان يحمل على
المعنى العرفي ، ولا ريب في ان القرآن بحسب المعنى العرفي الخاصي حقيقة في هذا
الكتاب العزيز ، ولما كان المجيب من اهل هذا العرف الخاص فلا بد وان يحمل لفظ
القرآن في كلامه على هذا المعنى العرفي الخاصي دون المعنى اللغوى. مضافا الى انه
في الجواب الثاني قال بأنه مشترك بين القدر المشترك والمجموع من حيث المجموع ، ولا
ريب في انه لم يوضع للمجموع من حيث المجموع بحسب اللغة ولا ادعاه احد.
ولكن فيه : ان لفظ
القرآن في كلام المجيب المراد به هو اللفظ الواقع في كلامه تعالى ، فكأنه يقول لفظ
القرآن الواقع في كلامه موضوع لكذا ، ولا ريب في انه لم يثبت من الله تعالى وضع
لهذا اللفظ اصلا كما اشرنا اليه سابقا ، فيكون غرض المجيب هو بيان المعنى اللغوى
لا غير.
واما الذي ذكر في
العلاوة ففيه ان مراد المجيب بحسب الجواب الثاني هو ان القرآن بحسب اللغة موضوع
للقدر المشترك بين الكل والجزء وبحسب العرف الخاص موضع للمجموع ، وحينئذ فليس في
كلامه ما ينافي حمل كلامه الذي دفع به الاشكال على المعنى اللغوى ـ فافهم مستمدا
من الله تعالى.
قوله
«قده» : ان تم.
يحتمل ان يكون المراد
: ان تم كون تأخر الاستعمال عن زمن النقل او تم وتحقق الغالب ، او تمت وتحققت
الغلبة ، والأمر في التذكير والتأنيث سهل.
ويحتمل ان يكون
المراد ان تم النقل ، يعني ان اثبات التأخر عن النقل موقوف على تحقق النقل كما لا
يخفى ، ضرورة ان التقدم والتأخر مضافان حقيقيان ، والمتقدم والمتأخر مضافان
مشهوران ، والمضافان مطلقا متكافئان تحققا وتعقلا. وبعبارة اخرى : متلازمان بحسب
نشأة الخارج وموطن الذهن
ويحتمل ان يكون
المراد ان تم الاثبات بالغلبة ، بناء على كفاية الظن في مباحث الألفاظ.
قوله
«قده» : وبأصالة التأخر.
هذا اذا كان تاريخ
النقل معلوما وتاريخ الاستعمال مجهولا ، واما اذا كانا مجهولى التاريخ فالأصلان
فيهما متعارضان كما لا يخفى.
قوله
«قده» : لانتقاضه بيقين سبق الاستعمال في الجملة ـ الخ
ليس مراده
بالاستعمال السابق المتيقن المعلوم اجمالا هو الاستعمال في المعنى الموضوع له
اللغوي ، ويكون تحقيقه للغلبة باعتبار كون الغالب لا بد له من فرد نادر ، لأنه
بناء على هذا لا يكون فرق في عدم جريان اصالة التأخر بين الوضع التعييني والوضع
التعيني ، لتحقق هذا الاستعمال في المعنى اللغوي فيهما سابقا عليهما ، والحال انه «قده»
فرق بينهما حيث اجرى الأصل بناء على الوضع التعيني من غير مناقشة ، ومنع من اجرائه
بناء على الوضع التعيني بناء على ما فهمه المصنف من كلامه ، ولم يحضرني كلامه ،
فيكون حاصل كلامه : ان اصالة التأخر منقوضة بالعلم الاجمالي بالاستعمالات السابقة
في المعني الشرعي المحققة للغلبة المحققة للوضع التعيني ، ولا شبهة في انه لو اجرى
الأصل في بعض الموارد المشكوكة التي هي اطراف العلم الاجمالي دون البعض الآخر يكون
ترجيحا بلا مرجح وتخصيصا بلا مخصص ، وان
اجرى في جميعها
يكون مناقضا للعلم الاجمالي ، فلا مورد للاصل المذكور اصلا
قوله
«قده» : يقين السبق المحصل للغلبة ـ الخ.
توضيحه : ان العلم
الاجمالي بالاستعمالات السابقة في المعنى الشرعي التي بها تحصل الغلبة غير مناف
لترتب الثمرة بل مؤكد لها ، لأنه ـ وان بنينا على الغلبة ـ فيكون المستعمل فيه
والمراد هو المعنى الشرعي ، وان اجرينا الأصل فالمراد ايضا هو المعنى الشرعي. وهذا
بخلاف القول بالنفي مطلقا فانه بناء عليه لا بد وان يحمل على المعنى اللغوي ،
فظهرت الثمرة وبدت الفائدة.
نعم لا تترتب
الفائدة باعتبار كون المعنى المستعمل فيه معنى حقيقيا اذ بناء على الغلبة يكون
المعنى المستعمل فيه الشرعي معنى مجازيا ، فيكون اثر منع الثمرة باعتبار كون
المعنى حقيقيا هينا بعد تحقق اصل الثمرة.
وفيه : انه لا ريب
في انتفاء اصل الثمرة رأسا ، لأنه بناء على الغلبة يكون الاستعمالات السابقة مجازا
مشهورا ، ولا شبهة في ان الحق تقديم الحقيقة على المجاز المشهور ، وحينئذ فاذا شك
في ان المراد هو المعنى الحقيقي اللغوي او الشرعي المجازى ـ كما فيما نحن فيه ـ فيحمل
على المعنى الحقيقي لأصالة الحقيقة ، كما انه على القول بالنفي مطلقا يحمل على
المعنى الحقيقي اللغوي فانتفت الثمرة ، بل القائل بالنفي المطلق ايضا لا ينكر كون
هذه الألفاظ المبحوث عنها صارت مجازا لغويا مشهورا ومع ذلك يحملها على المعاني
اللغوية دون الشرعية.
ثم لو اغمضنا عن
ذلك فلنا ان نقول : لعل مراد بعض محققي المتأخرين من انتفاء الثمرة انتفاء الثمرة
الحاصلة باعتبار الأصل وملاحظته وان لم ترتفع الثمرة رأسا واصلا ، إلّا ان ذلك
المحمل على المعنى الشرعي ليس
بمعونة اصالة
التأخر بل للعلم اجمالا بالاستعمال في المعنى الشرعي ـ فافهم واغتنم
قوله
«قده» : على تقدير تسليمه.
يحتمل ان يكون
مراده انا لا نسلم اولا ان العلم الاجمالي يرفع الأصل لأن هذا العلم الاجمالي فيما
نحن فيه مؤكد لترتب الأثر على الأصل لا مناف له حتى يرفعه ، ولو فرض العلم
الاجمالي منافيا للأصل لا نسلم انه يرفعه بل الرافع له ليس إلّا العلم التفصيلي ،
ولو سلم فكذا.
قوله
«قده» : وهو ممنوع.
لأن العلم
الاجمالي بشيء لا ينافي الظن التفصيلي بالخلاف. وفيه ما لا يخفى لأنه اذا ظن في
جميع اطراف العلم الاجمالي بالخلاف تفصيلا فكيف يجتمع معه العلم الاجمالي على
الخلاف ، اذ يؤول الى اجتماع العلم والظن بطرفي النقيض في شىء واحد كما لا يخفى.
نعم لا ينافي العلم الاجمالي مع الظن التفصيلي بالخلاف في بعض اطراف العلم
الاجمالي كما هو واضح.
قوله
«قده» : فالجواب عنه ما مر.
اشارة الى قوله
سابقا «وايضا انما يرفع اليقين الاجمالي حكم الأصل على تقدير تسليمه اذا أدى عدم
حصول الظن به» الى آخر ما قال.
ويحتمل ان يكون
اشارة الى ما مر منه قدسسره هنا من ان استعمال الشارع تلك الألفاظ في غير معانيها
زائدا على القدر المعلوم غير ثابت.
وحاصل الجواب هو
ان ذلك العلم الاجمالي ينحل الى علم تفصيلي بالنسبة الى القدر المعلوم وشك بدوي
بالنسبة الى الزائد ، فيجرى الأصل بالنسبة الى الزائد من غير معارض.
قوله
«قده» : ووجهه ظاهر.
لأنه مع البقاء
على المعنى اللغوي ـ على ما هو المفروض ـ لم يكن وضع للمعنى الشرعي ، والنزاع على
ما استظهره قدسسره مختص بما اذا كان وضع للمعنى الشرعي ، وهذا بخلاف ما اذا
قال الباقلانى بتحقق الوضع بالنسبة الى الزمان المتأخر ، فالنزاع جار فيه لتحقق
مورده.
قوله
«قده» : هل الأصل استعمال الشارع ـ الخ.
يعني بمقتضى اصالة
الحقيقة على القول بثبوت الحقيقة الشرعية او الغلبة على القول بعدمها ، بمعنى ان
الغالب في الصحيح بحيث صار مجازا شايعا راجحا يحمل اللفظ عليه عند تحقق الصارف عن
ارادة المعنى الحقيقي.
وظهر مما ذكرنا من
بيان الأصل ومناطه اندفاع ما اورده عليه بعض المعاصرين «قده» في بدائعه بقوله :
قلت في هذا احالة الكلام الى امر مجهول ، اذ الأصل في الاستعمال بعد عدم الوضع كيف
يكون هو الصحيح او الأعم وما المعيار في كون بعض المجازات اصلا بالنسبة الى
الباقي. والحاصل ان التجوز في الصحيح والفاسد عند النافين امر مسلم ، فجعل الأصل هو
الأول او الثاني لا يرجع الى محصل الا بعد بيان ما هو المناط في كون بعض المجازات
اصلا بعد القرينة الصارفة بالنسبة الى ما عداه حتى يرجع النزاع الى الاختلاف في ان
ذلك المناط موجود في المعنى الصحيح او الأعم.
قوله
«قده» : لكنه بعيد عن التحرير المعروف.
مراده قدسسره من التحرير المعروف هو قولهم «هل هي اسام للصحيحة او الأعم»
فيكون قوله «قولهم» الخ ، بيانا للبعد.
وفي تقريرات بحث
شيخنا الأعظم قدسسره منع دلالة الاسم على الوضع : ثم بعد التسليم ان الوجه في
اختصاص العنوان النزاع انما هو من القائلين بثبوت الحقيقة الشرعية ، وانما تبعهم
في العنوان من لا يقول بها جريا على ما هو المعنون في كلامهم محافظة لما قد يتطرق
اليه من الاختلال
ومنه يظهر الوجه
في اختصاص الأدلة ، فانها تابعة لما هو الواقع في العنوان. وفيه ان اللفظ لا يكون
اسما لشيء ما لم يكن له اختصاص به ، ولا يحصل الاختصاص ما لم يتحقق الوضع ، اذ
بمجرد استعمال اللفظ ـ وان بلغ بالغلبة والشيوع الى حد المجاز المشهور الغالب ـ لا
يحصل اختصاص كما لا يخفى.
وفيما ذكر في وجه
الاختصاص بعد التصديق بكون عنوان النزاع انما هو من القائلين بثبوت الحقيقة
الشرعية انه مستلزم للترجيح بلا مرجح اذ الفرار من الاختلال الحاصل من تغيير
العنوان موجب للوقوع في الاختلال الحاصل من عدمه باعتبار ايهام اختصاص النزاع
بثبوت الحقيقة الشرعية ، فما ابداه غير ممكن الوقوع ، وعلى فرض امكانه فلا ينبغي
رفع اليد من ظهور العنوان في الاختصاص ، ولو فرض اجمال العنوان فما الدليل على
تعميم النزاع وتسريته الى القول بعدم الحقيقة الشرعية.
وقد كتب المصنف قدسسره في هامش الكتاب هنا حاشية ، وهي فيه : انك اذا أمعنت النظر
في كلام بعض المعاصرين في كتابه القوانين عرفت ان مراده ان الألفاظ التي وقع
النزاع فيها وحصل فيها الوضع في لسان المتشرعة في المعاني المستحدثة وصارت اسامى
لها هل الأصل في استعمال الشارع كون استعمالها في الصحيحة فيكون عند المتشرعة
حقيقة فيها بخصوصها
او الأعم فيكون
فيه حقيقة لأن الوضع عندهم تبعي لاستعماله ، ولا ينافي الاصل المذكور قولهم اسامى
او موضوعة للمعاني المستحدثة ، فتأمل جيدا ـ انتهت.
وفيه انه وان اشعر
قول المحقق القمي قدسسره بل يكتفى فيه ثبوت الحقيقة المتشرعة بكون الاسمية
باعتبارها ـ وان لم يكن وضع من الشارع وحقيقة شرعية ـ إلّا ان حق التعبير عن
العنوان على هذا أن يقال : الألفاظ التي هي اسام عند المتشرعة هل مستعملة في
الصحيحة عند الشارع او الأعم يعني ان الأصل في استعماله ما ذا ، فالمنافاة بين
تعميم النزاع وقولهم «هل هي اسام» الخ باقية. ولعله قدسسره اشار الى ما ذكرنا بأمره بالتأمل في آخر الحاشية.
والذي يخالج ببالى
القاصر ان مراد المحقق القمى «قده» ليس تعميم عنوان النزاع بل مراده امكان تعميم
النزاع وان كان العنوان مختصا بالقول بثبوت الحقيقة الشرعية وكذلك الأدلة ، ويرشد
الى ما ذكرنا قوله قدسسره في القوانين : فالنزاع في الحقيقة في انه متى اطلق لفظ دال
على تلك الماهية المحدثة فهل يراد الصحيحة منها او الأعم ، يعنى ان النزاع ـ وان
كان بحسب الظاهر والصورة مختصا بالقول بالوضع ـ إلّا انه بحسب الحقيقة والمعنى
واللب في انه ـ الخ. فافهم بعون الله وحسن تأييده.
قوله
«قده» : ويساعد على ما ذكرنا ـ الخ.
يعني يساعد على
الاختصاص التمسك بالتبادر وغيره من علائم الحقائق والمجازات.
قوله
«قده» : في المقامين.
اي في مقام تبادر
المعانى الصحيحة ومقام صحة السلب عن غير الصحيحة
قوله
«قده» : ولا ينبغي التأمل في حجية مثل هذا الظهور
فيه ما لا يخفى ،
لأنه ظن مطلق لا ينبغي الركون اليه والاعتماد عليه فالأولى في دفع قول القائل بأنه
يجوز الخ ، ان يقال كما قيل سابقا بأن التجوز في الصحيح اقتصار على مقدار الحاجة ،
ويقرر هذا الدليل بشراشره على وجه يخرج عن التشبث بالاستحسان والظن بل يصير بصورة
البرهان ، بأن يقال بعد الحاجة الى الوضع والتجوز ففي صورة الوضع لو لم يوضع
للصحيحة لزم اختلال فهم المراد في الموارد التي هي اهم موارد الاستعمال ولزم
التخطى عن مقدار الحاجة. واللازم الأول باطل ، لاستلزامه نقض الفرض من الوضع
وترجيح المرجوح على الراجح ، حيث ان تفهيم المراد وتبيين المقصود راجح لمن اراد
البيان والاخلال به مرجوح. واللازم الثاني ايضا باطل لاستلزامه الترجيح بلا مرجح ،
اذ الحاجة مرجحة وداعية الى الوضع ، وفي صورة التجوز لو لم يتجوز عن الصحيحة لزم
اللازم الثاني وبطلانه غني عن البيان بعد البيان.
ولكن فيه منع
الملازمة في المقامين ، لجواز الاتكال على القرائن لا سيما المقامية منها الغير
المحتاجة الى مئونة وكلفة ، فلا يلزم الاختلال المزبور. ولا ريب في ان موارد الحاجة الى التعبير عن المعنى الأعم ان
لم يكن اكثر عن الموارد التي يحتاج فيها الى التعبير عن الصحيح فلا يقصر عنها كما
لا يخفى.
وبهذا ظهر اندفاع
ما افاده شيخنا الأعظم «قده» على ما في تقريرات
بحثه حيث جعل مساس
الحاجة الى التعبير عن الصحيح حكمة مقتضية للوضع له ، قال في مقام الاحتجاج : وهو
من وجوه : احدها ـ وهو المعتمد ـ قضاء الوجدان الخالى عن شوائب الريب بذلك ، فانا
اذا راجعنا وجداننا بعد تتبع اوضاع المركبات العرفية والعادية واستقرائها وفرضنا
انفسنا واضعين للفظ لمعنى مخترع مركب نجد من انفسنا في مقام الوضع عدم التخطى عن
الوضع لما هو المركب العام ، فانه هو الذي يقتضى حكمة الوضع ، وهي مساس الحاجة الى
التعبير عنها كثيرا والحكم عليها بما هو من لوازمه وآثاره ان يكون موضوعا له ،
واما استعماله في الناقص فلا نجده إلّا مسامحة تنزيلا للمعدوم منزلة الموجود ، فان
الحاجة ماسة الى التعبير عن المراتب الناقصة ايضا ، وليس من دأبهم ان يضعوا لها
بأجمعها اسماء مخصوصة ، فتوسعوا في اطلاق اللفظ الموضوع للتمام على تلك المراتب
الناقصة من باب المسامحة والتنزيل ، فليس هناك مجاز الا في امر عقلي.
ويرشدك الى ما
ذكرنا ملاحظة استعمال لفظ الاجماع في الاصطلاح على الكاشف عن قول الحجة ، مع
اطباقهم على ان المعنى المصطلح عليه هو اتفاق جميع الأمة من اهل الحل والعقد ، وهو
ظاهر.
ثم ان الناقص الذي
يستعمل فيه اللفظ بعد المسامحة على وجهين : الأول ان يكون الباقي مما يترتب عليه ما يترتب على التام
ويوجد فيه الخاصية بدون الجزء الفاقد ايضا كما عرفت في الاجماع ، فان خاصيته اتفاق
الكل موجودة في اتفاق البعض الكاشف عن قول الحجة. والثاني ان لا يكون كذلك ، بل
تزول الخاصية بزوال الجزء الفاقد ، كما هو قضية الجزئية غالبا فالأول في نظر العرف
صار عين الموضوع له بحيث لا يلتفتون إلى التسامح في اطلاقه ، فلا حاجة الى ملاحظة
القرينة الصارفة ، بخلاف القسم الثاني فان استعمال اللفظ الموضوع للتمام في الناقص
لا يكون إلّا بواسطة التسامح
والالتفات اليه ،
فهو مجاز عقلي ـ انتهى.
توضيح الاندفاع :
ان الحاجة كما انها ماسة الى التعبير عن الصحيح كذلك ماسة الى التعبير عن الأعم ،
كما اذعن به في قوله «فان الحاجة ماسة الى التعبير عن المراتب الناقصة ايضا» مضافا
الى عدم ملائمة اجزاء الكلام ، فان الظاهر من قوله «قضاء الوجدان» كون هذا الحكم
من الوجدانيات ، ومن قوله «بعد تتبع اوضاع المركبات» كونه استقرائيا ، ومن قوله «فانه
هو الذي يقتضى حكمة الوضع» كونه نظريا برهانيا.
ولا يخفى ما بينها
من التهافت ، لأن الوجدانيات قسم من قسمى المشاهدات ، وهما الحسيات والوجدانيات ،
والمشاهدات قسم من الأقسام الستة للضروريات ، وهي البديهيات الأولية والمشاهدات
والفطريات والتجربيات والمتواترات والحدسيات. والاستقراء فيما نحن فيه لا شبهة في
انه ناقص لأن الموارد المستقرأ فيها هي ما عدا المركبات الشرعية وألفاظها ، وهما
بعد مشكوكتان يراد بالاستقراء تبيين حالهما ، فلا يفيد هذا الاستقراء لكونه ناقصا
إلّا الظن ان اريد تبيين حال الأوضاع الشرعية. وان اريد استعلام حال وضعنا فلا
معنى لاستعلامها بالاستقراء ، بداهة ان اوضاعنا غير خفية علينا حتى يستعلم
بالاستقراء.
ومقتضى التعليل
بقوله «فانه هو الذي يقتضي» الخ ، كون الحكمة ـ وهي مساس الحاجة ـ واسطة في
الاثبات ولم الاثبات لكون الوضع للصحيح ولا ريب في انه واسطة للثبوت ايضا ، فيكون
الحكم برهانيا. اللهم إلّا ان يراد بالوجدان المعنى اللغوي ، فيبقى التهافت بين
الأخير كما لا يخفى.
ومع الغض عن ذلك
كله نقول كما تفطن به «قده» في تتمة كلامه التي لم ننقلها : ان ما ذكر لا يقضى
بكون وضع الشارع لتلك الألفاظ مطابقا لما نجده من انفسنا ، وان اجاب قدسسره عن هذا بأنا نقطع
بأن الشارع انما
لم يسلك في اوضاعه ـ على تقدير ثبوتها ـ مسلكا آخر غير ما هو المعهود من انفسنا في
اوضاعنا. ولكنه واضح الاندفاع ، وادعاء القطع عهدته على مدعيه.
ولا ريب في ان
الأفعال الصادرة عن المختارين معللة بأغراض ودواع غير منضبطة لا يطلع عليها غالبا
غير علام الغيوب ، فمن اين يعلم ان الداعي الذي دعانا الى الوضع للصحيح هو الذي
دعا الشارع الى الوضع له.
ان قلت : لأن حكم
الأمثال فيما يجوز واحد. قلت : لا نسلم ان هذا مقتضى المثلية ، بل مقتضاها ليس
إلّا الصدور لداع ، واما الصدور لهذا الداعي او لذلك الداعي فهو مقتضى الشخص لا
النوع ، فلم يبق الا الاستقراء الناقص او القياس الفقهي الذي هو تمثيل ميزاني بلا
جامع بل مع الفارق ، بداهة انا لا نحتاج غالبا في المركبات العرفية او العادية الا
الى التعبير عن صحيحها بخلاف المركبات الشرعية حيث ان لها شرائط وموانع كثيرة ،
ومعلوم ان المشروط بوجود شيء او عدمه لا يكون إلّا الأعم ، لأن الوجدان للشرط
الوجودي والعدمي الذي هو الصحيح لا يكون مشروطا بذلك الشرط وإلّا لتأخر الشيء عن
نفسه.
وبالجملة المقصود
انه في المركبات الشرعية يكثر الاحتياج الى التعبير عن الأعم بخلاف غيرها من
المركبات.
وفيما ذكره قدسسره اخيرا ـ وهو أن يكون الباقي مما يترتب عليه ما يترتب على
التام ـ نظر واضح ، اذ لا يعقل ان يترتب على الجزء ما يترتب على الكل وإلّا كان ما
فرضناه جزءا آخر للكل غير جزء ، وهذا خلف او انقلاب او اجتماع للنقيضين كما لا
يخفى.
واما مثال الاجماع
فلا يخفى ان اتفاق جماعة من الأمة اذا كان كاشفا عن قول الحجة فيكون انضمام اتفاق
جماعة اخرى منها اليهم لغوا غير مفيد
لشيء اصلا ، فيكون
كالحجر الموضوع بجنب الانسان. وفيه ايضا مواقع أخر للنظر اعرضنا عنها مخافة
الاسهاب والاطناب.
قوله
«قده» : ما ورد في الأخبار المستفيضة ـ الخ.
الأولى ان يذكر
هذه الأخبار في الوجه الأول بيانا لصحة السلب كما لا يخفى. واورد على الاستدلال
بها ما اورد على كون صحة السلب علامة للمجاز من لزوم الدور ، والجواب الجواب.
قوله
«قده» : مما يدل بظاهره على نفي الماهية.
لكون كلمة «لا»
موضوعة لتبرئة الجنس ونفيه ، وفي تقريرات بحث شيخنا الأعظم قدسسره فالخبر المحذوف هو الموجود ، بل ربما نسب الى المحققين ان «لا»
غير محتاج الى الخبر ، فيكون العدم المستفاد منه عدما محموليا ، وهو اقرب لتسميته
بنفي الجنس ، حيث ان المنفي هو نفس الجنس لا وجوده وان صح الثاني ايضا ـ انتهى.
وفيه ما لا يخفى ،
اذ كلمة «لا» حرف ، ومعاني الحروف على مذاق القوم معان آلية غير مستقلة مرآتية بها
ينظر لا فيها ينظر فكيف يكون العدم المستفاد منه عدما محموليا ، والعدم المحمولي
هو مفاد معدوم ، وهو لا يكون إلّا من المعانى الاسمية.
وما ذكره «قده» في
وجه ما استقربه غير وجيه ، لأن نفى الجنس لا معنى له إلّا نفي وجوده ، لأن الجنس
له شيئية ماهية وشيئية وجود ، وشيئية ماهية ممتنعة الارتفاع مستحيلة الانتفاء ،
لأن ثبوت الشىء لنفسه ضروري وسلبه عن نفسه محال ، بحيث لو جاز تقرير الماهية منفكة
عن كافة الوجودات لكانت هي هي ، فلا معنى لنفي الجنس والماهية الا الارتفاع
عن صفحة الواقع
ومتن الاعيان. وبعبارة اخرى نفي وجوده.
ويمكن ان يوجه عدم
احتياج كلمة «لا» الى الخبر بوجه وجيه ، وهو انه من الواضح ان قاعدة الفرعية غير
جارية في الوجود المطلق ومفاد الهلية البسيطة بل جارية في الوجود المقيد ومفاد
الهلية المركبة ، اذ من الواضح ان قولنا زيد موجود او الانسان موجود ليس فيه ثبوت
شيء لشيء حتى يقال فيه : ثبوت شيء لشىء فرع ثبوت المثبت له وان لم يكن فرع ثبوت
الثابت بل هو ثبوت الشيء ، فالهلية البسيطة خارجة عن القاعدة تخصصا وموضوعا لا تخصيصا وحكما ، فبالحقيقة يكون
مفاد قولنا الانسان موجود تحقق الموضوع ووجد لا انه بعد ما تحقق الموضوع ووجد في
ظرف الانصاف ووعائه ـ وهو الخارج ـ تحقيق المحمول بل ليس إلّا تحقق الموضوع اذ
الوجود ليس الا كون الماهية وتحققها لا كون شيء وتحققه لها كما هو واضح ، فليس فيه
في الحقيقة موضوع ومحمول ومبتدأ وخبر ومسند ومسند اليه ، فاذا كان هذا حال القضية
الايجابية الحملية في الهلية البسيطة من عدم خبر ومسند لها بالحقيقة إلّا بحسب ضيق
العبارة فكيف حال السلبية منها. فعلى ما ذكرنا لا يكون مفاد كلمة «لا» النافية للجنس الا
نفي وجود الموضوع لا نفي شيء عن الموضوع وليس فيه قطع ربط وسلب حمل ـ فاحتفظ بهذا
واشكر ربك فانه نفيس فالحمد لله تعالى.
قوله
«قده» : ان جميع العبادات الخ ـ.
هذا القياس مرتب
على هيئة الشكل الثانى ، حيث ان الحد الأوسط محمول في المقدمتين ، ونتيجة هذا
القياس هو قولنا «لا شيء من العبادة بفاسدة» وينعكس بالعكس المستوى الى قولنا «لا
شيء من الفاسد بعبادة» وهو الذي ذكره المصنف قدسسره نتيجة ، وهو ليس نتيجة بل هو
عكس مستوى للنتيجة
، اذ السالبة الكلية تنعكس نفسها وإلّا لزم سلب الشىء عن نفسه.
قوله
«قده» : ولو قيل بالفرق ـ الخ.
مراده باسم
العبادة هى لفظ العبادة فالاضافة بيانية ، ومراده بأسامى العبادات هى لفظ الصلاة
والصوم ونحوهما. وبيان مرامه : ان ما ذكر من كون العبادة ما رجح فعله على تركه
انما هو معنى لفظ العبادة ، وأما اسامى العبادات فلا نسلم ان معانيها ما رجح فعله
على تركه بل هى اعم.
والحاصل انا نمنع
الصغرى وهو قولنا «جميع العبادات مطلوبة للشارع» ان اريد بها مداليل أسامى
العبادات ، وان اريد بها مدلول لفظ العبادة فالصغرى وان كانت مسلمة حقة إلّا انها
اجنبية عما نحن بصدده. وبعبارة اخرى يكون القياس حقا منتجا لنتيجة حقة لا يكون
مطلوب القائس المستدل ، اذ النتيجة تكون «لا شىء من العبادة بفاسدة» اي لا يكون
شىء من مصاديق مدلول لفظ العبادة بفاسدة ، ولا ربط له بمداليل اسامى العبادة وهو
المقصود والاستدلال.
ولكن في الفرق بين
اسم العبادة واسامى العبادات ما لا يخفى ، حيث ان المفروض ان اسامى العبادات كلفظ
الصلاة والصوم ونحوهما اسام لما هو مدلول العبادة ، والعبادة حسب الفرض ما رجح فعله
على تركه ، فارتفع الفرق من البين ، إلّا ان يكون اطلاق العبادة في قولهم «اسامى
العبادات» اطلاقا مجازيا ، وهو خلاف الظاهر ـ فافهم بعون الله وحسن تأييده.
قوله
«قده» : كان لها وجه ضبط في المعنى الموضوع له ـ الخ.
فيه : انه ان كان
المراد بالصحيحة وما رادفها الصحيحة المفهومية فاما
ان يراد الماهية
المطلقة الصحيحة اية ماهية كانت ـ وبعبارة اخرى الشيئية العامة الصحيحة ـ فلا ريب
في ان المعنى المتصور الموضوع له وان كان منضبطا إلّا ان هذا المعنى من المعقولات
الثانوية الفلسفية ، والصلاة وامثالها من المعقولات الأولية ، فلا يكون هذا المعنى
معنى لفظ الصلاة وامثالها ، مضافا الى ان هذا المعنى اعم من معنى الصلاة فلا يكون
معنى لها. وإما ان يراد الماهية الحاصلة الصحيحة التي هي من المعقولات الأولية ـ وبعبارة
اخرى ماهية الصلاة صحيحة مثلا ـ فالمعنى لا يكون منضبطا ، فان ماهية الصلاة غير
منضبطة ، مضافا الى انه لا وجه لاعتبار الصحيحة وهى من المعقولات الثانوية
الفلسفية ، والعناوين الثانوية الانتزاعية قيد المعنى لفظ الصلاة مثلا كما لا
يخفى. وان كان المراد الصحيحة المصداقية فيكون المعنى ماهية الصلاة مثلا التى هى
مصداق لتمامية الاجزاء والشرائط والصحة ، فهو وان كان سالما من محذور اعتبار
المعقول الثانوي فى المعنى الذي هو معقول اول إلّا انه غير منضبط ، اذ مصاديق
الصحة مختلفة غاية الاختلاف بحسب احوال المكلف من السفر والحضر والاختيار
والاضطرار والتمكن وعدمه ، بحيث لا يكون جامع ضابط.
بل انا اقول : اذا
كان للصحيحي جامع ضابط كالصحيحة مثلا فليكن للأعمي ، لأنه لا ريب فى انه اذا كانت
الصحيحة معنى متعقلا منضبطا كانت الفاسدة ـ وهى عدم الصحيحة وعدم الملكة ايضا ـ معنى
منفعلا منضبطا ، لأن تعقل اعدام الملكات والقينات وانضباطها بتعقل ملكاتها
وانضباطها ، فاذا كان القسمان ـ وهما الصحيحة والفاسدة ـ منقطعين منضبطين كان
المقسم لهما وهو الأعم كذلك ، وهو ظاهر لأن الخاص لا ينفك تحققا وتعقلا من العام
والمقيد عن المطلق بل هو هو ، فاذا كان العام والمطلق غير متعقل ولا منضبط كيف
يكون الخاص والمقيد متعقلا منضبطا ، وهو
واضح لا سترة
عليه.
ومن العجب ما فى
تقريرات بحث شيخنا الأعظم «قده» من ادعاء عدم امكان جامع مشترك ضابط على المذهب
وعدم معقوليته ، حيث قال : اذ لا يعقل القدر المشترك بين الزائد والناقص على وجه يكون
الزائد ايضا من حقيقة القدر المشترك ولا تكون الزيادة من اجزاء الفرد. وتوضيحه : ان القدر المشترك
بين الزائد والناقص تارة يراد به ان تكون الزيادة في الفرد الزائد داخلا في حقيقة
الفرد خارجا عن حقيقة القدر المشترك ، وتكون الزيادة معتبرة بالنسبة الى نفس القدر
المشترك لو قلنا بامكان وجوده مع قطع النظر عن لحوق شىء مخصص له من الفصول او شىء
آخر ، وبالنسبة الى الفرد الآخر الزائد على القدر المشترك ايضا لو قلنا بامتناع
وجود القدر المشترك من دون لحوق المخصص. وتارة يراد به ان تكون الزيادة داخلة في
حقيقة القدر المشترك ، فيكون ماهية واحدة تارة زائدة وتارة ناقصة ، والأول لو قلنا
بامكانه ومعقوليته فهو مما لا يلتزم به القائل المذكور لظهور كلماته طرا فى ان
الصحيحة من حقيقة الصلاة كالفاسدة ، فاطلاق لفظ الصلاة على كل واحدة من الصحيحة
والفاسدة ليس من باب استعمال اللفظ الموضوع للكلى فى الفرد ليكون حقيقة فى وجه
ومجازا فى آخر ، والثاني غير معقول ، ضرورة امتناع اختلاف معنى واحد بالزيادة
والنقصان.
فان قلت : ما
ذكرته مبنى على امتناع التشكيك فى الذاتيات ولم يثبت ذلك ، كيف وقد ذهب جماعة من
اهل المعقول الى امكانه. قلت : ما ذكرنا باطل وان قلنا بامكان التشكيك ، ضرورة
وجود الفرق بين المقامين ، فان القائل بامكانه انما يقول به فيما كان الزائد بعينه
من جنس الناقص ويكون ما به الامتياز فيه عين ما به الاشتراك ومن سنخه ، بخلاف
المقام فان الزائد مباين للناقص وهو مستحيل بالضرورة.
فان قلت : نحن لا
نقول بأن تلك الأركان المخصوصة قدر مشترك بين الزائد والناقص ليلزم ما ذكر من
المحذور ، بل نقول ان لفظ الصلاة مثلا موضوعة للاركان المخصوصة وباقى الاجزاء
خارجة عنها وعن المسمى لكن مقارنتها لغيرها لا يمنع من صدق اللفظ على مسماه.
قلت : ذلك ايضا
مما لا يلتزم به القائل المذكور ، اذ بناء على ذلك يصير استعمال اللفظ فى الصحيحة
المستجمعة للشرائط والاجزاء من قبيل استعمال اللفظ الموضوع للجزء فى الكل وهو مجاز
قطعا ، والظاهر من كلامه كونه حقيقة ، بل واستعماله فى الفاسدة مع الزيادة على
الأركان ايضا مجاز. ولا وجه لما يتوهم من انه يمكن ان يكون الاستعمال المذكور
حقيقة ، من قبيل استعمال الحيوان الموضوع للجزء فى الانسان ، لأن استعماله فى
الحيوان الناطق مجاز ولو بملاحظة علاقة الكل والفرد فكيف بملاحظة علاقة الكل
والجزء ، وهو في غاية الظهور ـ انتهى.
وحاصل تصويراته قدسسره للزائد ثلاثة : الأول ان يكون الفرد الناقص وهو القدر
المشترك ، والثانى ان يكون الزائد والناقص حقيقة واحدة وماهية فاردة ، والثالث ان
يكون الزائد مركبا وكلا والناقص جزءا ـ على ما يستفاد من قوله فان قلت وقوله قلت ـ
فيكون الزائد مباينا للناقص مباينة الكل للجزء فى الحقيقة والماهية ، بخلاف الوجه
الأول حيث انهما مشتركان مندرجان تحت ماهية واحدة ويكونان متماثلين ، وبخلاف الوجه
الثاني حيث انهما حقيقة واحدة وماهية فاردة.
وفيه : اولا ـ انه
قدسسره اعوزه قسم آخر ، وهو ان يكون الزائد صنفا مغايرا للناقص ،
وهذا القسم الحق المطابق للواقع. ولا تتوهم ان مراده بالفرد هو الجزء الاضافى
فيشمل الصنف لا الجزء الحقيقى ، لأنه لا يلائمه قوله : لو قلنا بامكان وجود القدر
المشترك ـ الخ ، وقوله :
لو قلنا بامتناع
وجوده ـ الخ ، حيث ان الاصناف بعد باقية على الكلية غير بالغة الى حد الوجود كما
لا يخفى. والحاصل انا نختار ان الزائد والناقص ـ وبعبارة اخرى الصحيح والفاسد ـ صنفان
متغايران ، ولا شبهة في انه يكفى فى تصنيف الانواع القيود الوجودية وعدمها ،
فالزنجية وغيرها صنفتان للانسان ولا يحتاج الى اعتبار الرومية. ففيما نحن فيه نقول
: الأجزاء المعينة التي تعين بتصوير مذهب الأعمى ان لوحظت بشرط سائر الأجزاء
والشرائط تصير صنفا وان لوحظت بشرط لا تصير صنفا آخر ، والصنفان كلاهما من تلك
الحقيقة ، وهي صادقة عليها صدقا حقيقيا ويكون اطلاق لفظ تلك الحقيقة وارادة
الصنفين من باب الاطلاق والانطباق ومن باب تعدد الدال والمدلول لا من باب
الاستعمال ووحدة الدال ، ولم يظهر لنا من كلام الأعمّي الذهاب الى كون الاطلاق على
الصنفين لو كان من باب الاستعمال من باب الحقيقة حتى لا يمكن ان يكون مراده من
القول بالأعم هذا النحو من التصوير ، بل القول بالأعمية ينادى بأعلى صوته بكون
الاطلاق من باب الكلية والانطباق.
وبهذا البيان
الواضح والتبيان اللائح ظهر انه لو كان مراد الأعمي الوجه الأول من تصويراته قدسسره الثلاثة لا يتجه عليه شىء ، وأما الامتناع الذي زعمه «قده»
في هذا الوجه حيث اشار اليه بقوله «لو قلنا بامكانه ومعقوليته» فيرد عليه انه لا
امتناع في ان يوجد القدر المشترك النوعي بلا لحوق شىء آخر ، وذلك كما ورد في
الأخبار «ان لله تحت العرش ثورا أو ديكا» ، وأذعنت جماعة من اهل المعقول بالمثل
النورية الافلاطونية وارباب الانواع ، واذعنوا بأن لكل نوع فردين فرد مجرد ابداعى
وفرد متجرم مادى. ولا شبهة في انه على مذهبهم تحقق القدر المشترك النوعى فى المادة
بشرط لحوق المادة واستعدادها وفى المجرد بشرط لا. ولست
اريد اثبات تجرد
تلك الأفراد النورية وربات الطلاسم ، بل مقصودى انه لم يقم برهان على استحالة وجود
القدر المشترك النوعى بدون لحوق شىء ، بل قالوا بوقوعه فضلا عن امكانه.
ان قلت : مراده قدسسره من اعتبار لحوق شىء اعم من الوجودى والعدمى ، وانت اذعنت
بأنه لا يتحقق القدر المشترك بلا لحوق شرط لا والتجرد.
قلت : ان كان
الأمر كما ذكر لم يبق مورد لم يلحق القدر المشترك شىء فلا حاجة الى تحمل اعتبار
الزيادة بالنسبة الى الفرد الآخر الزائد على القدر المشترك ، كما هو صريح كلامه قدسسره ، مع ان هذا التمحل لا يجدى اصلا ، اذ الكلام عائد بالنسبة
الى ذلك الفرد الآخر الزائد على قدر المشترك الذي قيست الزيادة فى الفرد الزائد
المبحوث عنه بالنسبة اليه ، فيقال لا يعقل نسبة هذه الزيادة ايضا الى القدر
المشترك لعدم امكان وجود القدر المشترك بدون لحوق شىء فيتسلسل او يدور كما لا
يخفى.
وثانيا : ان فرقه قدسسره فى الوجه الثالث بين المقام ومقام التشكيك الذي قال به
جماعة من اهل المعقول فى الذاتيات غير وجيه ، لأن فى المقام ايضا الكامل من سنخ
الناقص وما به الاشتراك عين ما به الامتياز وما به الافتراق عين ما به الاتفاق ،
لوضوح انه ليس المراد من كون الكامل والناقص والشديد والضعيف متسانخين كونهما بما
احدهما كامل بما هو كامل والآخر ناقص ضعيف بما هو ناقص وضعيف متسانخين واحدهما عين
الآخر لوضوح بطلانه وبداهة فساده ، بل المراد كونهما باعتبار الغاء الحدود شيئا
واحدا ، والأمر فيما نحن فيه كذلك ، اذ للاعمي ان يدعى ان الصلاة مثلا اسم لنحو
خاص من الخضوع والعطف ، فالناقص صلاة والزائد الكامل ايضا صلاة ، ومع الغاء حد
النقص والحدود الأخر وملاحظة
طبيعة الخضوع
احدهما من سنخ الآخر وان كانا بملاحظة حدود انفسهما متغايرين متخالفين ومع ذلك
احدهما اشد واكمل من الأخر.
وليوضح ذلك بمثال
فنقول : اذا كان نور ضعيف سراجى ونور آخر اشد واقوى ناشئا من السراج والقناديل
والمشاعل والقمر ، فلا ريب في تحقق التشكيك بينهما مع انهما بما هما هما متخالفان
، إلا انهما بما هما نور احدهما عين الآخر.
ولا يذهب عليك انا
في كل مقام نقول بالتشكيك فانما هو باعتبار الوجود او في الوجود نفسه ، وإلّا
فالماهية غير قابلة للتشكيك بلا شك ، فالوجود واسطة فى عروض التشكيك للماهية وهما.
ثالثا : ان الوجه
الثالث الذي نصوره لتصوير مذهب الأعمي من اخذ الناقص جزءا والزائد كلا باطل ، لأن
الأركان المخصوصة المفروضة موضوعا لها إما ان تؤخذ بشرط لا فيكون الموضوع له هو
الفاسد دون الأعم ، وان اخذت لا بشرط رجع الى الوجه الاول ويكون من باب الكلى
والفرد دون الجزء والكل ، ولما كان الكلى جزءا والفرد كلا زعم انه تصوير آخر.
ومع الغض عن ذلك
نقول : لو كان جزءا وكلا لم يلزم ان يكون اطلاق ذلك الموضوع للجزء على الكل مجازا
لم لا يجوز ان يكون من باب تعدد الدال والمدلول لا من باب وحدة الدال والاستعمال
فى الكل ـ فافهم واغتم واشكر ربك ، وقد خرجنا عن طور التعليق لكون المسألة من
المهمات ، فالحمد لله على ما ألهم والشكر له على ما انعم.
قوله
«قده» : حيث ادعى ـ الخ.
فيه ان المحقق
القمى قدسسره لم يدع ما ذكره ولا اذعن به ،
بل قال : يمكن ان
يستفاد مما ذكرنا في هذا المقام من باب التأييد والاشارة والاشعار كون ماهية
الصلاة مثلا هو التكبير والقيام والركوع والسجود ـ انتهى. ومع ذلك فقد امر بالتأمل
في آخر كلامه.
قوله
«قده» : للقطع ـ الخ.
بيان للانتقاض
الطردى ، وقوله «مع انها لو كانت» الخ ، بيان للانتقاض العكس.
قوله
«قده» : وليس في تسميتها اركانا ـ الخ.
لأن مصطلحهم فى
الركون هو كون زيادته كنقيصته عمدا او سهوا مبطلا ، وليس المراد كونه محققا للمسمى
والماهية. وفيه ان وجه الاشعار هو ان سائر الأجزاء لو كانت معتبرة في المسمى وتحقق
الماهية لكانت نقيصتها السهوية ايضا مبطلة ، اذ لا فرق في انتفاء الماهية بانتفاء
اجزائها بين انتفاء الاجزاء بالعمد او بالسهو ، اذ الكل عدم عند عدم اجزائها.
فمن هنا ظهر ان
المحقق للماهية والمعتبر في حقيقتها والملحوظ في صدقها هو غير هذه الاجزاء ـ فافهم.
قوله
«قده» : فلا يلزم الدور.
حيث لم يعتبر صدق
اللفظ حتى يدور.
قوله
«قده» : والتقييد على خلاف الأصل.
فيه : ان التقييد
لا يوجب تجوزا حتى يكون مخالفا للأصل. وببيان آخر : ليس التقييد مانعا بل عدمه شرط
ـ فافهم بعون الله.
قوله
«قده» لا عبرة بهذا الأصل ونظائره ـ الخ.
لأن هذا من الأصول
المرادية لا الأوضاعية. وبعبارة اخرى واضحة نقول : ان اصالة عدم التقييد واصالة
عدم التخصيص واصالة الحقيقة انما يتبع حيثما تميزت الأوضاع عن غيرها والحقائق عن
المجازات وشك في المراد والمستعمل فيه دون ما اذا لم يصل الموضوع له ـ كما فيما
نحن فيه.
قوله
«قده» : وهى بعد الاطلاع.
كلمة «بعد» بضم
الباء.
قوله
«قده» : ان فرض اختصاص الوضع بالصحيحة يأبى ـ الخ.
لأن فرض اختصاص
الوضع بالصحيحة يستلزم ان يكون صدق الاسم على الفاسد مجازا ، فاذا كان حقيقة حسبما
فرض يلزم اجتماع الضدين ، وهو محال.
وان شئت قلت : فرض
اختصاص الوضع بالصحيحة يقتضى ان لا يكون صدق الاسم على الفاسد حقيقة ، فاذا كان
حقيقة فاما ان يقال حقيقة وليس بلا حقيقة فهذا خلف للفرض محال ، وإما ان يقال
الحقيقة واللاحقيقة واحدة فهذا انقلاب محال ، وإما ان يقال بهما وبتغايرهما
واجتماعهما فهو اجتماع للنقيضين وهو ايضا محال.
ومراده قدسسره بقوله «إلّا ان يدعى انقلاب الوضع حينئذ» الخ تصوير اجتماع
هذين النقيضين بسبب تكثر الجهة وتعدد الحيثية ، يعني يصدق ليس حقيقة باعتبار الوضع
الأصلي ويصدق انه حقيقة بحسب مساعدة العرف. ووجه عدم امكان الالتزام به ان مساعدة العرف ان لم يكن على
الوضع
الثانوى ـ ولو على
وجه التعين والتخصص ـ فلا يصح صدق انه حقيقة ، وان كانت على الوضع الثانوى فاللفظ
مشترك لفظي ان لوحظ الوضع الأصلى الأولى والثانوى العرفى ، وان لوحظ كل واحد على
حدة فاللفظ موضوع بحسب كل وضع لمعنى خاص لا انه موضوع عام جامع شامل ، وكلاهما
خلف.
قوله
«قده» : مع ما يتبعه من البدن ـ الخ.
يعنى ان المادة
البدنية معتبرة على وجه العموم والابهام ، ويكون لها عرض عريض ، فبتبدلها لم يتبدل
الموضوع له وبنقصان مقدارها وكمها لم ينقص الموضوع له ، اذ لم يؤخذ فيه حد محدود
ومقدار معين.
قوله
«قده» : وليس الوضع فى جميع المركبات بهذه المثابة.
يمكن ان يقال ان
بنى الأمر على الدقة العقلية والمداقة الفلسفية كما بنى قدسسره عليه فى وضع لفظ «زيد» مثلا من كون البدن مأخوذا على وجه
الابهام والعموم فليكن الأمر فى سائر المركبات كالسرير والبيت والمعاجين
والاطريفلات والجوارش كذلك ، اذ حينئذ كل منها لا محالة يكون صورة إما نوعية
جوهرية او عرضية ، فيقال : ان ألفاظها موضوعة لتلك الصورة مع ما يتبعها من المادة
الغير محدودة بحد ، فيصدق عليه حقيقة عند نقصان جزء منها ـ ولا سيما ان قيل شيئية
الشىء بصورته لا بمادته وشيئية الشىء بكماله وتمامه لا بنقصه وامكانه ، والمادة
حامل امكان الشىء والصورة فعلية الشىء ـ فافهم بعون الله تعالى.
قوله
«قده» : فيرجع الى التحقيق الى ما ذكرنا.
لأن لفظ الصلاة
مثلا عند الاطلاق والتجرد عن القرائن يكون ظاهرا فى الصحيحة ، سواء كان الظهور
ظهورا وضعيا ذاتيا حاقيا كما يقول به المصنف «قده» او كان ظهورا اطلاقيا عرضيا ،
فالمآل والمرجع واحد.
قوله
«قده» : ومعه لا يتم الأولية المدعاة.
لأنه بعد ما كانت
مستعملة فى خصوص الصحيحة لو كانت موضوعة للأعم لم تكن حقيقة في خصوص الصحيحة ، فلا
بد من الوضع لها ايضا فيلزم الاشتراك اللفظى وهو مخالف للأصل.
قوله
«قده» : وأما فساده فظاهر.
اي ضرورى وجدانى.
ومراده بفساد التالي وبطلانه هو امتناعه الغيرى لا امتناعه الذاتى. وبعبارة اخرى :
هو عدم وقوعه ووجوده بانتفاء علته وعدمها لا عدم امكانه ، ومعلوم ان عدم وقوع
التالى بعد تحقيق الملازمة وصدقها مستلزم لعدم وقوع المقدم ، وهو المقصود من
القياس الشرطى هنا.
قوله
«قده» : انا لا نعتبر الصحة جزءا ـ الخ.
يمكن ان يكون
مراده قدسسره ان الذى تعلق الطلب به ـ وان كان هو الصحيحة والماهية
المقيدة بالصحة ـ إلّا ان الصحة والتقييد بها خارجان عنه بناء على مذهبه ، كما
تكرر التصريح به فى الكتاب من خروج القيد والتقييد عن المقيد وان كنا لا نتعقله ،
وحينئذ فلا تكرار ، بل يندفع الدور ايضا ، ولكن المبنى فاسد.
ويمكن ان يكون
مراده قدسسره ان الموضوع له الذى تعلق الطلب به هو الفعل من حيث هو
والصحة من توابعه ولوازمه كما سيصرح به فى متعلق الطلب الواقعى.
ولكن فيه ان هذا
خلف للفرض ، اذ المفروض هو ان الموضوع له هو الفعل الصحيح لا الفعل من حيث هو هو ،
إلّا ان يكون مراده بيان المستعمل فيه لا الموضوع له. وحاصله منع الملازمة فى تلك
القضية الشرطية بأنه لم لا يجوز أن يكون المستعمل فيه هو الفعل من حيث هو لا الفعل
من حيث هو صحيح ، وحينئذ فلا يلزم تكرار بل ولا يلزم دور.
قوله
«قده» : ثم المراد بالصحة ـ الخ.
بيان لدفع الدور ،
وحاصله ان الأمر الظاهرى لما كان غير مقتض للاجزاء فالصحة لا تكون الا موافقة
الأمر الواقعى والطلب النفس الأمرى وحينئذ فنقول : الصحة المأخوذة فى مداليل اسامى
العبادات هى موافقة الأمر الواقعى ، فالأمر الظاهرى لما كان متعلقا بالعبادات فهو
متأخر عن الصحة تأخر العارض عن معروضه وعن قيوده وموقوف عليها ، وهذه الصحة لما
كانت صحة واقعية فلا يتوقف على الأمر الواقعى ، فاختلف طرفا الدور.
وان قرر الدور
بالنسبة الى الأمر الواقعى بتقريب ان الأمر الواقعى موقوف على الصحة الواقعية وهى
موقوفة على الأمر الواقعى ، فنقول : ان الأمر الواقعى لا يتوقف على الصحة الواقعية
بل على الفعل من حيث هو وتكون الصحة الواقعية من توابعها ولوازمها وشئونها وآثارها
وان لم يسم ذلك الفعل صلاة وليس في ذلك العالم اطلاق لفظ وتسمية. نعم بعد ما تعلق
الأمر الواقعى بذلك الفعل حصل الصحة الواقعية التى هى مأخوذة
في مدلول لفظ
الصلاة حصل الوضع والتسمية واطلق على ذلك الفعل الصلاة.
او نقول : ان
الأمر الواقعي يتعلق بالفعل الصحيح الذى يكون صحته بهذا الأمر والطلب لا بأمر سابق
فلا دور ، اذ ليس إلّا الموقوف والمتأخر وليس موقوف عليه وسابق ، ومفسدة الدور
تقدم الشى على نفسه وتأخره عن نفسه ، وبعبارة اخرى اجتماع الضدين.
ولكن فيه ان محذور
الدور على التصوير الأخير باق غير مندفع اصلا اذ الفعل الصحيح بهذا الأمر لما كان
صحته ناشئا وحاصلا عن هذا الأمر فيكون هنا الأمر سابقا سبقا ذاتيا ولا يحتاج الى
السبق الزمانى ، وهذا الأمر لما كان متعلقا بالفعل الصحيح يكون متأخرا ، وهذا دور
ظاهر كما لا يخفى.
والذى يخالج ببالي
القاصر فى دفع الدور بل التكرار ـ مضافا الى ما اشرت اليه من منع الملازمة فى
القضية الشرطية لأن اللازم الذي ذكر لازم للاستعمال فى الصحيح فى متعلق الاوامر
سواء كان حقيقة او مجازا وليس لازم للوضع مع عدم الاستعمال فيما وضع له ـ فلم لا
يكون لزوم المحالين الذاتي والغيرى قرينة صارفة عن ارادة الصحيح لو كان موضوعا له
، فلا يلزم شىء ان الصحة هى موافقة الأمر ، ولا ريب فى ان الصحة المأخوذة فى
الموضوع له المتعلق للأمر هى الموافقة المفهومية دون المصداقية ، لأن الموافقة
المصداقية انما هى باتيان المأمور به فى الخارج على طبق ما امر به فيكون المأمور
به موجودا فى الخارج فلا يتعلق به الطلب لأنه طلب للحاصل ، فلا بد وان يكون المراد
بها الموافقة المفهومية ، فيكون حاصل الأمر : اوجد ماهية الصلاة موافقة للأمر ، يعنى اوجد الموافقة
وحصلها فى الخارج ولا ريب فى ان مفهوم الموافقة لا يتوقف على وجود امر في الخارج
فضلا
عن كونه هذا الأمر
المتعلق ، فالأمر موقوف على الموافقة المفهومية التى يكيفها الأمر المفهومي ، وهى
لا تتوقف على هذا الأمر. نعم الموافقة المصداقية متأخرة عن هذا الأمر وموقوفة عليه
، فاحتفظ به فانه نفيس.
وأما ما اجاب به
شيخنا الأعظم قدسسره على ما فى تقريرات بحثه لبعض الأعاظم عن المحذورين فلا
يخلو عن النظر ، قال : والجواب ما تقدم مرارا من ان المراد من الصحة المعتبرة فى
المقام ، وعليه فلا تكرار ولا دور. نعم يرد ذلك فيما اذا كان المراد من الصحة موافقة الأمر ـ انتهى.
واشار بقوله «ما
مر» الى ما ذكره سابقا بقوله : ليس المراد به ـ يعنى بلفظ الصحيح ـ ما هو المنسوب
الى الفقهاء من ان الصحيح ما اسقط القضاء ، او الى المتكلمين من انه ما وافق
الشريعة ، اذ الصحة على الوجهين من الصفات الاعتبارية المنتزعة عن محالها بعد تعلق
الأمر بها ، ولا يعقل ان يكون داخلا فى الموضوع له ، بل المراد به الماهية الجعلية
الجامعة للاجزاء والشرائط التى لها مدخل فى ترتيب ما هو الباعث على الأمر بها
ويعبر عنه بالفارسية بدرست ـ انتهى كلامه رفع مقامه.
وفيه مضافا الى ما
ظهر من كلامنا من امكان اخذ الموافقة المفهومية فى الموضوع له والذي لا يعقل اخذه
فيه هو المصداقية ان ما ذكره لا يلائم مذاقه قدسسره من تبعية الأحكام الوضعية للاحكام التكليفية. بيان هو ان
الجامعية للأجزاء والشرائط موقوفة عليهما ، وحيث ان الأجزاء والشرائط مأخوذان مع
الوصف العنوانى فهما موقوفان على الجزئية والشرطية وحيث ان المفروض ان الاحكام
الوضعية تابعة ومنتزعة فلا جرم تتوقف الجزئية والشرطية على الأمر. وهذا دور ، غاية
الأمر وقصواه انه مضمر.
ان قلت : ان الدور
نوعى ، لأن الأحكام التكليفية التى هى موقوفين عليها للجزئية والشرطية هى الخطابات
الاصلية المتعلقة بالأجزاء والشرائط
لا ذلك الأمر
المتعلق بالكل ، فاختلف طرفا الدور شخصا وان اتحدا نوعا والمناط فى استحالة الدور
هو الاتحاد الشخصي.
قلت : فعلى هذا
يلغو الأمر بالكل ، اذ بعد ما امر بالاجزاء بأسرها والشرائط برمتها على وجه يستفاد
منه الجزئية والشرطية فأى حاجة الى الأمر كما هو واضح لمن تدبر وانصف ، فاما يلزم
اللغو واما يلزم الدور ـ فافهم ما ذكرنا واعرف قدره فلله الحمد والمنة.
قوله
«قده» : فليس فى شىء منهما ـ الخ.
اى ليس فى شىء من
لفظى الصلاة والاعادة دلالة. ويحتمل ان يكون الضمير راجعا الى الأمر باعادة الصلاة
وسائر الألفاظ.
قوله
«قده» او هو ممتنع.
لأن التكليف لا
يتعلق بالممتنع لاشتراط كون المكلف به مقدورا والممتنع غير مقدور.
قوله
«قده» : لكن هذا انما يتم ـ الخ.
وأما اذا كان
العمل غير مطلوب على الوجه المنهى عنه قبل النهى ويكون الفرض من النهى الكشف عن
عدم مطلوبيته فلا يتم ما ذكر ، اذ يكون اللفظ مستعملا فى الفاسد حال النهى.
قوله
«قده» : وما يستلزم وجوده عدمه فهو محال.
لأنه مع كونه
اجتماعا للنقيضين بحسب الواقع ومتن الاعيان مستلزم لكون الشيء عدمه ، اذ العلية لا
تكون الا بالسنخية والمناسبة وإلّا لكان
كل شىء علة لكل
شىء ، فاذا كانت العلية بالسنخية فيلزم ان يكون الشىء عدمه ليكون علة لعدمه ، اذ
علة العدم عدم وعلة الوجود وجود وعلة الماهية ماهية ، فيلزم سلب الشىء عن نفسه ،
والحال ان ثبوت الشىء لنفسه ضرورى وسلبه عن نفسه محال ـ فافهم ما ذكرنا.
قوله
: «قده» وفيه نظر ظاهر.
لأن المراد بالأعم
هنا هى الماهية اللابشرطية المقسمية الارسالية الابهامية لا اللابشرطية القسمية
المقيدة بالكلية والارسال حتى يستلزم النذر بها تعلقه بالصحيح ايضا.
وان شئت فقل :
المراد هنا الماهية اللابشرطية التى تسمى بالمطلقة ، لا الماهية المشروطة بشىء
المسماة بالمخلوطة.
قوله
«قده» : ان النذر حينئذ انما يتعلق بالصحيحة ـ الخ.
غرضه قدسسره ابداء امكان كون المراد من الصحة الصحة قبل النذر لا الصحة
المطلقة ، فاذا امتنع كون المراد الصحة المطلقة لاستلزامه كون الشىء مستلزما لعدمه
فتحقق ذلك الامكان العام في ضمن الوجوب. وهذا المراد من الحصر المستفاد من كلمة «انما»
، وعلى هذا لا يلزم محذور لأن انعقاد النذر موقوف على الصحة قبل النذر ، وهي ليست
موقوفة على عدم النذر ، بل الموقوف على عدمه هو الصحة المطلقة.
وببيان آخر نقول :
كما انه اذا كان شىء جائيا من قبل المحمول يمتنع اخذه قيدا للموضوع ، لاستلزامه
الدور ، لأن المحمول موقوف على الموضوع ، والموضوع لما كان مقيدا بقيد جاء من
ناحية المحمول موقوف على المحمول ، وهذا دور ، كذلك اذا كان شىء مستلزما لعدم
المحمول
يمتنع اخذه في
الموضوع ، لاستلزامه استلزام وجود الشىء لعدمه ، كما فيما نحن فيه ، لأن النذر
وانعقاده موقوف على الصحة ، والصحة المطلقة موقوفة على عدم انعقاد النذر ، فامتنع
اخذ الصحة المطلقة في متعلق النذر ، فوجب اخذ الصحة قبل النذر.
ولا يمكن ان يقال
: كما دفعت الدور في مسألة اخذ نية القربة والامتثال في متعلقات الأوامر العبادية
ونظائرها بالفرق بين الوجود المحقق المعتبر في القضية الخارجية والمقدار المعتبر
في الحقيقية ، فان الأمر بالصلاة مثلا موقوف على الوجود المقدر للصلاة ولجميع
قيودها ، ومن جملة قيودها نية القربة ، وليس وجودها المقدر موقوفا على الأمر بل
وجودها المحقق موقوف عليه ، فليدفع به محذور استلزم وجود الشىء لعدمه هنا ، فان
النذر موقوف على الوجود المقدر للصحة المطلقة ، وهو ليس موقوفا على عدم النذر ، بل
الوجود المحقق لها موقوف على عدم فلا محذور.
لأنا نقول : فرق
واضح بين المسألتين ، فان مسألة الدور لما كان المفروض ان القيد يكون صائبا من
ناحية الأمر مثلا ففرض وجوده يكون مطابقا للواقع ، فيحصل الوجود المقدر ، بمعنى
تجويز العقل ومنعقد القضية الحقيقية ، وأما فيما نحن فيه فلما كانت الصحة ممتنعة
بعد النذر فوجودها المقدر لا يكون إلّا بمجرد فرض العقل وتقديره من غير مطابقة
للواقع ، فلا تنعقد القضية الحقيقية ، فلا مناص الا اخذها بمنزلة القضية الذهنية ،
مثل اجتماع النقيضين مغاير لاجتماع الضدين ، ومعلوم ان مقصود الناذر ليس ترك
الوجود الذهني الغير المطابق للواقع للصلاة ، فظهر ان اخذ الصحة المطلقة في متعلق
النذر مستلزم لاستلزام وجود الشىء لنفيه.
قوله
«قده» : والمعتبر في صحة تعلق النذر امكانه ـ الخ دفع لما يمكن ان يقال : ان متعلق النذر لا بد وان يكون
ممكنا مقدورا للناذر.
وحاصل الدفع انه
يكفي كونه ممكنا مقدورا على تقدير عدم تعلق النذر به ، ولا يلزم كونه مقدورا مطلقا
، غاية الأمر انه يمتنع الحنث ، اذ لا يتحقق من الناذر صلاة صحيحة بعد وقوع النذر
للفساد الجائي من قبل النذر.
وفيه : انه ان
اراد قدسسره كفاية امكان متعلق النذر والقدرة عليه قبل النذر فلا ريب
في بطلانه ، لأن القدرة شرط لا بد من تحققها حين الفعل والترك ولا يكفى القدرة
قبلها ، فلو نذر أن يصلي فيما بعد وكان حين النذر وقبله غير قادر وتحققت القدرة
حين الفعل ولو كان تحققها على سبيل فرض المحال بسبب النذر لكفى ، ولو نذر ان لا
يصلى ـ كما فيما نحن فيه ـ وكان حين النذر وقبله قادرا وتحقق عدم القدرة والامتناع
بعده ولو كان بسبب النذر لم ينعقد النذر ، لكون متعلق النذر ممتنعا وغير مقدور.
وان اراد قدسسره كفاية امكان متعلق النذر والقدرة عليه بعد وقوع النذر ولو
كان على تقدير عدم النذر. وبعبارة اخرى : يكفى الامكان المعلق ولا يلزم ان يكون
امكان محقق فعلي ، ففيه انه لما كان المعلق عليه ـ وهو عدم النذر ـ ممتنعا غيريا
فلا جرم ان يكون المعلق ممتنعا لا يصح ان يكون متعلقا للنذر. اللهم إلّا ان يقال :
ان هذا الامتناع جاء من قبل الفعل الاختياري للنذر وهو نذره ، فالصحة مقدورة له
لكون النذر وجودا وعدما مقدورا له ـ فافهم ما ذكرنا حق فهم بعون الله تعالى.
قوله
«قده» : وهو لا يكون إلّا مع زعمه ـ الخ يعنى الا مع الجهل المركب بالحكم الوضعي وهو الفساد ، او
مع الذهول والغفلة عنه لا مع الالتفات والشك ، لأن الشك موجب للتزلزل في كونه
مقربا ، فلا يتمكن من نية التقرب والجزم به.
قوله
: «قده» لجواز ان يكون الاختلاف فيها ـ الخ لعله قدسسره زعم ان الصحيحة هي الصحيحة المفهومية ، ولا شبهة في ان
مفهوم الصحيح مفهوم كلي يكون تلك الأقسام جزئيات اضافية له ، ولا ريب في ان كل كلي
فهو بالنسبة الى جزئياته سواء كانت حقيقية او اضافية ماهية واحدة مشتركة فيها ،
والجزئيات مشتملة عليه وعلى عوارض طارئة ولواحق عارضة عليه.
ولكنك خبير بأن
الصحة المفهومية من الاعتبارات الانتزاعية ، وهي من المعقولات الثانوية الفلسفية
ليس يصح ان تكون متعلقة للتكليف إلّا باعتبار منشأ انتزاعها ـ وبعبارة اخرى إلّا
باعتبار الحكاية عن مصداقها. وبالجملة الذي يصح ان يكون متعلقا للتكليف هو الصحيح
المصداقي او المفهومي باعتباره الحكائى. ليت شعرى ما تلك الصحيحة المصداقية
الواحدة الفاردة المشتركة بين الاقسام ، بحيث يكون ما عدا تلك الصحيحة الذي اشتمل
الاقسام عليه عوارض لا حقة وطوارئ عارضة.
قوله
«قده» : لكن لا نسلم بطلان التالي ـ الخ.
بطلان التالي واضح
، لأنه يلزم الاشتراك اللفظى وايّ اشتراك.
قوله
«قده» : واما عن الثاني فبالمنع ـ الخ.
فيه : إنه اولا
ليس في كلام المحقق القمى قدسسره كلمة «ايضا» فيكون من تتمة الوجه الأول لا وجها ثانيا ،
وأما ثانيا فلأن زوال الشرط وان اوجب زوال المشروط إلّا انه لا يوجب انتفاء الاسم
، وان يدعى المحقق ان الاسم اسم لذات المشروط وهي باقية لا للمشروط بوصفه العنواني
حتى يوجب انتفاء المسمى انتفاء الاسم.
قوله
«قده» : بل الذي تقتضيه ـ الخ.
كلمة «بل» للترقي
، يعنى علاوة على انه لا يمكن نفي المشكوك بالأصل يجب الاتيان به لوجوب المقدمة
العلمية.
قوله
«قده» : فيظهر الثمرة ـ الخ.
تفريع على المنفى
لا النفي. وبيان ظهور الثمرة انه بناء على ان الاصل المذكور بجعل الاجزاء والشرائط
المشكوكتين اجزاء وشرائط للماهية ، فتصير الماهية متبينة والاجزاء والشرائط
معلومتين ويزول الشك ، بخلاف ما اذا كان المراد بالأصل المذكور مجرد توقف العلم
بالبراءة على الاتيان بهما.
قوله
«قده» : فيلزمه ما يلزم ـ الخ.
فيه : ان الاشتغال
بالزائد على الأعم بناء على مذهب المتوقف غير معلوم ، وقاعدة الاشتغال لا تقتضي
الا الفراغ عما علم الاشتغال به.
قوله
«قده» : وفي حكمه ما لو شك ـ الخ.
يعنى وفي حكم الشك
في الصدق ما اذا كان إطلاق الخطاب المتعلق بالماهية مشكوكا بسبب اقترانه بما يوجب
الشك فيه من شهرة او اطلاق آخر.
قوله
«قده» : كما مر التنبيه عليه.
في قوله «وفي حكمه
ما لو شك في شموله اطلاق الخطاب» ، فانه استفيد منه انه اذا كان الاطلاق مشكوكا
يمنع من اجراء الأصل المذكور واذا كان معلوما لا يمنع فظهر منه ان المناط هو
الاطلاق ، حيث ان النفي وجودا وعدما يدور مداره لا الاصل ، اذ لو كان الأصل هو
المناط لجرى فيما اذا شك في الصدق او الاطلاق ، اذ لا يعتبر في دلالة دليل كالاصل
انضمامه الى دليل آخر كالاطلاق.
قوله
«قده» : ثم قضية ما قررناه اولا ـ الخ.
يعنى مقتضى
التحقيق الذي ذكرناه ثانيا من ظهور الثمرة في التمسك بالاطلاق وعدمه وان كان هو
الفرق بين الصحيحي والأعمي إلّا ان مقتضى ما قررنا اولا من التمسك بالأصل هو عدم
الفرق بينهما في عدم جريان الاصل في نفي الجزء والشرط المشكوكين ، وهذا على مذهبه
من الاشتغال وعدم الفرق بناء عليه بين الصحيحي والأعمى ، ويكون قوله «مطلقا» بناء
على هذا المعنى قيدا لقوله «عدم جريان» ومراده من الاطلاق التسوية بين الصحيحي
والأعمى.
ويحتمل ان يكون
المرادان قضية ما قررناه اولا من ان الاصل لا يحرز به الجزء والشرط وجودا وعدما ،
بل مقتضاه ليس إلّا وجوب الاتيان
وعدمه عدم جريان
الأصل في نفي الجزء والشرط المشكوكين وتبيين حالهما وحال الماهية حيث لا يقوم دليل
على النفى مطلقا ، اي سواء كان المنفي جزءا او شرطا. وهذا بخلاف التحقيق الذي
ذكرناه ثانيا ، اذ الاطلاق يحرز به الماهية وحال الجزء والشرط المشكوكين.
والمعاصر على
المعنى الأول يخالف المصنف قدسسره في اجراء الاشتغال
وان وافقه في التسوية بين الصحيحي والأعمى ، وعلى المعنى الثاني يخالفه فى القول
بعدم تبيين الماهية بالأصل ويقول بتعيينها به ـ فافهم.
قوله
«قده» : سلمنا ان اصل الاشتغال ـ الخ.
مرتبط بقوله :
كذلك يمكن رفعه عنها بأصل الاشتغال.
قوله
«قده» : فاتضح الفرق بين المقامين.
حاصله الفرق بين
الاقل والاكثر الارتباطيين والاستقلاليين بناء على مذهبه من الفرق بينهما.
قوله
«قده» : بين الشك في قدح العارض ـ الخ.
وبعبارة اخرى :
بين الشك في مانعية الموجود او وجود المانع ، والمثال الأول مثال للشك في وجود
المانع ، والمثالان الاخيران كلاهما للشك في مانعية الموجود ، إلّا ان المانع في
الأول منهما مانع من الطهارة وفي الثاني مانع من الصلاة على تقدير المانعية.
قوله
«قده» : لأن الاستصحاب على ما نحققه ـ الخ.
مقصوده ان
الاستصحاب انما يكون حجة في المانع وجودا ووصفا
دون الشك في
المقتضي ، والمثالان الاولان الشك فيهما شك في المانع بعد احراز المقتضي ، اذ
الطهارة من شأنها البقاء ما لم يرفعها رافع ولم يمنع منها مانع بخلاف المثال
الأخير حيث انه ليس فيه ما يقتضي البقاء إلا الاشتغال فيستصحب.
وفيه : ان الشك
فيه ايضا في المانع ، اذ الأعدام الازلية باقية ما لم يرفعها رافع ولم يتحقق علة
الوجود والتحقق ، فالعدم المتيقن السابق لمانعية الوجود مستصحب الى ان يتحقق
ارتفاعه ، واما الشك في الاشتغال فهو ناشئ ومسبب عن الشك في مانعية الموجود ، فاذا
ارتفع الشك عن مانعيته بالأصل زال الاشتغال وحصل اليقين بفراغ الذمة ، فلا مورد
لاستصحاب الاشتغال بعد اليقين الشرعي بالفراغ.
قوله
«قده» : واما عدم المانع ـ الخ.
فيه : ان الشك في
المطلوبية على تقدير اشتمال الفعل على مشكوك المانعية ناش عن الشك في المانعية ،
فاذا زال الشك عن المانعية زال الشك عن المطلوبية. وبالجملة ليس بينهما تعارض
وتخالف حتى يتساقطا ويرجع الى استصحاب الاشتغال وقاعدته ، بل احدهما حاكم على
الآخر. وبما ذكرنا ظهر ما في قوله «وهو خلاف قضية الاستصحاب».
قوله
«قده» : لأنه ان اريد اثبات ـ الخ.
توضيح المقام
وتبيين المرام هو ان المستدل جعل العمل ـ وهو الصلاة مثلا ـ امرا وحدانيا ، حيث
انه موجود على سبيل التدريج. ومن المقرر المحقق في محله عند اهله ان ما لا وحدة له
لا وجود له ، بل الوجود والوحدة مساوقان مفهوما عين مصداقا ، فذلك العمل من اول
الأمر موجود الى
التالي علي سبيل
التدريج ، ولا ريب في ان وجود كل شىء بحسبه ، فوجود القار لا بد وان يكون قارا ،
ووجود الفار لا بد وان يكون فارا غير قار ، والباحث عن حقائق الاشياء والطالب لنيل
الواقع وادراكه لا بد وان يطلب لكل شىء نحو وجوده دون وجود غيره ، ففي كل الأمور
التدريجية ـ لا سيما الزمان بتحقق مباديها واوائلها يصدق بالحقيقة العقلية ذلك
الشىء ، فأول الزمان زمان وثانيه زمان وهكذا ، واول اليوم يوم واول السفر سفر واول
الحركة حركة ، ولو لا ما ذكرنا لما تحقق الأمر التدريجى ، اذ لو لوحظ الأجزاء ولم
يلحظ ذلك الوجود الواحد الفار والأمر الوحداني فالجزء الأول اذا وجد لم توجد
الأجزاء الباقية ، فلا يصدق ذلك الشيء التدريجي والجزء الثاني اذا وجد انعدم الجزء
الأول والأجزاء الأخر بعد غير موجودة فلا يتحقق ذلك الشىء ، وهكذا الى ان يتحقق
الجزء الأخير ، وحينئذ يكون ما عداه غير موجود بل كان موجودا ، واذا ارتفع الجزء
الأخير ايضا ارتفعت الأجزاء بأسرها ورمتها وجمتها ، فأين ذلك الشيء الموجود
التدريجي.
والحاصل ان النظر
الى الأجزاء وتجزية الأمر التدريجي من اغاليط الوهم واكاذيبه وليس دقة عقلية
ومداقة فلسفية. مع انه لو كان دقة عقلية فلا ريب في انه ليس بناء الأحكام الشرعية
على التدقيقات العقلية وهذا واضح.
ولا ريب فى انه
يصدق عرفا اليوم بمجرد وجود اول جزء منه ، فيقال وجد اليوم الكذائى ، وليس المراد
وجد جزء منه ، وفى الدعاء «اسألك هذا اليوم الذي جعلته للمسلمين عيدا» فلو لوحظ
ذلك الجزء من يوم العيد الذي هو موجود حين قراءة هذا الدعاء فهو ليس بعيد بل جزء
عيد وسائر الأجزاء غير موجودة.
وبالجملة فالذي
ذكرناه واضح عقلا وعرفا ، فاذا تحققت هذه المقدمة العظيمة الجدوى كثيرة النفع
فنقول : المستدل في الصلاة مثلا حين طرو المانع الاحتمالي انها كانت صحيحة سابقا
مشكوكة الصحة لاحقا فنستصحب الصحة ، فأركان الاستصحاب كلها متحققة. ومحصل كلام
المصنف قدسسره في رده ان المقصود من استصحاب صحة الصلاة مثلا ان كان صحة
الأجزاء المأتي بها بعد طرو المانع المحتمل فهو وان لم يكن مثبتا ، اذ ليس صحة
الأجزاء المأتي بها الا صحة الصلاة ، إلّا انه غير مجد ، لأن البراءة انما تحصل بفعل
الكل ، وان كان المقصود اثبات عدم مانعية الطارئ او صحة بقية الأجزاء او الكل
بمعنى الآحاد بالأسر لا الكل المجموعي فانه المستصحب لا اثره والمثبت به لا الثابت
، فالأصل بالنسبة اليها مثبت وليس بحجة.
ووجه كونه مثبتا
وملزوما لها واضح ، اذ صحة الصلاة التي هي المستصحب ملازمة لهذه الأمور وان لم يكن
صحة الأجزاء المأتى بها وان كانت محرزة وجدانا فضلا عن كونها محرزة بالأصل غير
ملازمة لها. وبعبارة اخرى : لا ملازمة واقعا ولا ظاهرا بين صحة الأجزاء المأتى بها وهذه
الامور.
وبهذا البيان
الواضح المنار لاح ما في كلام شيخنا المعظم «قده» في رسالة البراءة وفي رسالته
الاستصحابية ، حيث زعم ان المستصحب هو صحة الاجزاء المأتي بها ، فأورد قدسسره انه لا مجال لاستصحابها ، اذ يعتبر في الاستصحاب اليقين
السابق والشك اللاحق ، وهنا وان كان يقين سابق إلّا انه ليس فيه شك لا حق ، اذ
الأجزاء المأتى بها وقعت صحيحة فيستحيل ان تنقلب عن شأنها.
ومع الغض عن ذلك
وجريان الاستصحاب لا ملازمة واقعا
ولا ظاهرا بين صحة
الجزاء المأتي بها وهذه الأمور. وانت تعلم ان المستصحب هو صحة العمل لا صحة بعضه
المأتى به ليرد ما ذكره قدسسره على المصنف ، ولكن يرد على المصنف ان المقصود من استصحاب
صحة العمل ليس شيئا مما ذكره ، بل هو صحة العمل بمعنى الكل المجموعي الذي هو نفس
العمل المستصحب صحتها ، فيترتب عليه الأثر الشرعي ، وهو عدم وجوب الاعادة. إلّا ان
يقال : ان عدم وجوب الاعادة كوجوبها ليس اثرا شرعيا بل اثر عقلي ، إلّا انه لو تم
هذا يكون ايرادا على استصحاب الصحة لا تصحيح لما اورده المصنف ـ فافهم ما ذكرنا
واعرف قدره ولا ترخص مهره.
قوله
«قده» : فالحق ان الفعل لا يستقل ـ الخ.
حمل قدسسره اصل العدم على اصل العدم عند عدم الدليل. وبعبارة اخرى :
على عدم الدليل دليل على العدم ، فأورد بأنه لا يكون حجة الا حيث يعلم الدم ، اذ
الظن الحاصل منه لا يكون حجة ، وليس المقام مما يحصل فيه العلم بالعدم ، اذ واضح
ان مجرد عدم الدليل لا يدل على العدم ، اذ عدم الوجدان لا يدل على عدم الوجود.
قوله
«قده» : نعم يمكن استفادة ذلك من النقل.
مقصوده من النقل
المستفاد منه هو قوله «ما حجب الله علمه عن العباد فهو موضوع عنهم» ونظائره كما
سيصرح به عن قريب في الوجه السابع بقوله : «وثانيا ان من الأصول المتداولة
المعروفة ما يعبرون عنه بأصالة العدم» ـ الخ.
قوله
«قده» : لأنه انما يقتضى ـ الخ.
اختلفت الكلمة في
ان نتيجة دليل الانسداد هل هي حجية الظن في الطريق او الظن بالواقع او هما.
وبعبارة اخرى : حجية الظن بالحكم الظاهري او الواقعي او هما؟ فمختار المصنف واخوه
المحقق قدسسرهما هو الأول ، واليه اشار بقوله «انما يقتضى» الخ. ومختار
شريف العلماء هو الثاني ، ومختار شيخنا الأجل هو الثالث.
قوله
«قده» : قضاء لحكم الشرطية.
يعنى مشروطية
التكليف بالماهيات الواقعية بمساعدة الطريق على معرفتها
قوله
«قده» : لأن ما كان لنا اليه طريق ـ الخ.
لما كان مقصود
المستدل حكومة خبر الحجب على قاعد الاشتغال بتقريب ان قاعدة الاشتغال من باب حكم
العقل بوجوب دفع الضرر والعقاب المحتمل ، وبعد ما امننا الشارع بحديث الحجب حيث ان
الحكم الواقعي في مورد الاشتغال محجوب عنا فهو موضوع عنا ، فلا يبقى مجال لاحتمال
العقاب ، فاحتمال العقاب وان لم يرتفع حقيقة وواقعا إلّا انه مرتفع حكما. وكانت تمامية مرامه
موقوفة على كون المراد بالحجب حجب الحكم الواقعي لا الأعم كما هو واضح ، استدل
عليه بأنه لو كان المراد الأعم لما تحقق الحجب فلا يبقى مورد للخبر ، فأراد المصنف
قدسسره معارضته بأنه لو كان المراد الأخص لدلت الرواية على عدم
حجية الادلة الظاهرية حيث ان الحكم الواقعي المحجوب لما كان موضوعا عنا فليس حكم
يلزم علينا تحصيله بالطرق الظنية والامارات العلمية. وبالجملة الجواب المعارضي
يكون
بالاستدلال بدليل
يكون منتجا لنقيض النتيجة المطلوبة للمستدل ، فلا يعلم حقيقة النتيجة المطلوبة.
والحاصل انه يصير رواية الحجب مجملة لا يجوز التمسك بها.
وفيه : ان الجواب
المعارضي باطل ، والملازمة المدعاة فيها ممنوعة ، لأن مفاد ادلة جعل الامارات
الظنية والطرق العلمية هو جعل مؤداها واقعا والغاء احتمال الخلاف تنزيل المؤدى
منزلة الواقع ، ففي مورد قيام الأدلة الظاهرية ليس الواقع محجوبا ولو تنزيلا ،
فتكون الأدلة الدالة على حجية الطرق الظنية شارحة لرواية الحجب مبينة لها حاكمة
عليها ، فيرتفع الحجب ولو حكما. وهذا بخلاف قاعدة الاشتغال ، اذ ليس فيها جعل وجوب
دفع الضرر المحتمل بمنزلة الواقع كما هو واضح ، فالواقع محجوب وموضوع عندنا ، فلا
يحتمل الضرر والعقاب ، فيرتفع الاشتغال كما هو واضح.
ومما ذكرنا من وجه
تقديم الامارات الظنية على حديث الرفع ـ وهو الحكومة ـ ظهر ما في مقدمة القضية
الشرطية في قوله «ولو التزم تخصيصها» ـ الخ اذ وجه التقديم هو الحكومة لا التخصيص
، مضافا الى منع الملازمة فيها لأن تخصيص رواية الحجب بأدلة الطرق لا يستلزم
تخصيصها بقاعدة الاشتغال المبنية على احتمال العقاب لورود تلك الرواية عليها كما
هو ظاهر.
قوله
«قده» : بل التحقيق.
مقصوده ان التمسك
برواية الحجب لنفي الحكم التكليفى كما رامه المستدل باطل وعلى خلاف التحقيق ، لما
ظهر من انه بعد ما حكم العقل بوجوب الاتيان بالأجزاء والشرائط المشكوكة لم يكن حجب
، فالتحقيق التمسك بها لنفي الحكم الوضعي ، يعني جزئية الجزء المشكوك وشرطية الشرط
المشكوك ، فاذا كانا منفى الجزئية والشرطية فلا يجب الاتيان بهما ، وقاعدة
الاشتغال لا تثبت
جزئيتهما وشرطيتهما حتى تكون معارضة للرواية ، بل مجرد بقاء الاشتغال وعدم البراءة
في الظاهر. وبالجملة وجوب الاتيان بهما. ولا شبهة في انه بعد تبين حال الجزء والشرط المشكوكين بل
تبين حال الماهية لا مجال لقاعدة الاشتغال ، فتكون الرواية واردة عليها.
فظهر ان مورد
الاشتغال الحجب على الوجه الأعم بالنسبة الى الحكم الوضعي متحقق فتشمله الرواية ،
بخلاف مورد قيام الامارة على الجزئية حيث لا حجب ظاهرا فلا حجب على الوجه الأعم.
قوله
«قده» : فمقتضى عموم ـ الخ.
يمكن ان يقال : ان
اثبات ماهية العبادات بنفى الجزئية والشرطية المشكوكتين لا يجوز لكونه اصلا مثبتا.
لكنه مندفع بأن هذا بناء على مذاقه قدسسره من ان المانع من حجية الأصل المثبت في الاستصحاب هو كون
اخبارها مسوقة لتفريع الاحكام الشرعية دون العادية وان استتبعت احكاما شرعية بخلاف
رواية الحجب. وبعبارة اخرى : اطلاق اخبار الاستصحاب منصرف الى الأحكام الشرعية
بخلاف اطلاق رواية الحجب ، ولذا قال في مباحث الأدلة العقلية : ان المفهوم من
اخبار الباب ـ يعني خبر الحجب ونظائره ـ رفع الحكم المجهول واثبات ما يترتب عليه
من الأحكام الشرعية وغيرها بما يترتب عليه احكام شرعية ، عملا بظاهر الاطلاق
السالم عما يقتضيه صرفه هنا عنه ، اذ الوجه الذي قررناه في منع اطلاق اخبار
الاستصحاب غير متطرق الى اطلاق هذه الأخبار ولو لا ذلك لما التزمنا بالاطلاق هناك
ايضا ـ انتهى كلامه رفع مقامه.
قوله
«قده» : ما يعبر عنه ـ الخ.
الذي يظهر منه قدسسره ان اصالة العدم وعدم الدليل دليل العدم عبارتان عن شىء
واحد واصل فارد ، ولشيخنا الاجل قدسسره فى رسالة البراءة مع المصنف من اراد الوقوف عليها فليراجع.
قوله
«قده» : كما عرفت مما ذكرناه.
حيث قال سابقا فى
بيان الثمرة بين الصحيحي والأعمي : والتحقيق عندي ان اصل البراءة وما فى معناه من
الأصول الظاهرية كأصل العدم يتساوى نسبة جريانه فى نفي الأجزاء والشرائط المشكوك
فيهما الى القول بالصحة والقول بالأعم لشموله النفي والاثبات لهما.
قوله
«قده» : ولنا في المقام كلام آخر ـ الخ.
حيث قال قدسسره بعد تعميم رواية الحجب ونظائره الى الأحكام الوضعية : هذا تحقيق ما ادى
اليه نظري سابقا ، والذي ادى نظري اليه لا حقا فساد هذا الوجه ، فان الظاهر من
اخبار الوضع والرفع وما فى معناهما انما هو وضع المؤاخذة والعقوبة ورفعهما ، فيدل
على رفع الوجوب والتحريم الفعليين فى حق الجاهل خاصة دون غيرهما ، وحملهما على رفع
نفس الحكم وتعميمه الى حكم الوضع مع بعده عن سياق الرواية مناف لما تقرر عند
الاصحاب من ان احكام الوضع لا تدور مدار العلم.
الى ان قال : ثم
نؤكد الكلام فى منع دلالة هذه الأخبار على اصالة عدم الجزئية والشرطية وما في
معناهما بالنسبة الى ما شك فى اتصافه بذلك بأن مرجع عدم وضع الجزئية والشرطية فى
الجزء والشرط المشكوك فيهما
الى عدم وضع
المركب من ذلك الجزء والمشروط بذلك الشرط ، فان عدم جزئية الجزء بمعنى عدم كليته
وعلى قياسه الشرط والمشروط ، ولا ريب في عدم جريان اصل العدم بالنسبة الى المركب
والمشروط ، لأن اصالة عدم وضع الأكثر في مرتبة اصالة عدم وضع الأقل واصالة عدم وضع
المقيد في مرتبة اصالة عدم وضع المطلق يعارضهما العلم الاجمالي بوضع احدهما ،
فيسقطان عن درجة الاعتبار ، فكذا ما يرجع الى ذلك مما لا يغايره إلّا بمجرد
المفهوم. سلمنا مغايرتهما بغير المفهوم ، لكن لا خفاء في ان الجزئية والشرطية لا
يستدعيان وضعا مغايرا لوضع الكل والمشروط ، بل هما اعتباران عقليان متفرعان على
وضع الكل والمشروط ، وعدهما من الحكم الشرعي مبنى على مراعاة هذا الاعتبار وإلّا
فليسا عند التحقيق منه ، فلا ينصرف الوضع والرفع في الأخبار اليهما. سلمنا لكن لا
ريب في أن الجزئية والشرطية كما ينتزعان من اعتبار الجزء في الكل والشرط مع
المشروط كذلك ينتزع عدمهما من عدم اعتبارهما ، فيكون عدمهما ايضا حكما وضعيا
كثبوتهما ونسبة عدم العلم الى كل منهما بالخصوص ، فلا وجه لترجيح اعمال الأصل
بالنسبة الى احدهما بالخصوص مع العلم بانتقاض الأصل بالنسبة الى احدهما لا على
التعيين ، فسقط الاستدلال بأخبار الوضع والرفع وما في معناهما ـ انتهى كلامه رفع
مقامه. ولو لا خوف الاطالة والاسهاب لتعرضنا لما فيه فافهم.
قوله
«قده» : وأما ما يقال.
القائل هو الوحيد
البهبهاني قدسسره في فوائده العتيقة.
قوله
«قده» : او انه على تقدير فساد دليله ـ الخ.
عطف على قوله «بأن
المقصود» ويكون الشرط الذي هو مقابل لقوله «ان كان مساعدة المخالف» الخ محذوفا ،
ويكون حاصل مرامه انا ندفع الثاني بأن المخالف على تقدير فساد دليله يرى التوقف او
الاحتياط ان لم يكن المقصود مساعدته على حجة الخصم ، فلا تصير الماهية اجماعية.
وببيان آخر لعله
يكون اوضح : ان كان المقصود لزوم مساعدة المخالف على حجة الخصم فهو ممنوع ، لجواز
عدم تحقق المركب عند المخالف ، فيختار قولا آخر او يتوقف او يحتاط ، وان لم يكن
المقصود المساعدة المزبورة فهو وان كان حقا إلّا انه لا يصير الماهية اجماعية ، اذ
المفروض ان المخالف لا يلزمه المساعدة لعدم تحقق الاجماع عنده فيتوقف او يحتاط.
ولا يخفى ان عدم
تحقق الاجماع معتبر في الشقين ، وليس قوله «او انه على تقدير فساد دليله» الخ
معطوفا على قوله «لجواز عدم تحقق» الخ ، لأنه يكون بمقتضى المقابلة بناء على تحقق
الاجماع ، ومعه لا معنى للتوقف والاحتياط كما هو واضح ، مضافا الى انه يبقى قوله «ان
كان المقصود مساعدة المخالف» الخ ، بلا شق آخر ـ فأفهم بعون الله تعالى.
قوله
«قده» : على انه لا خفاء في ان المخالف ـ الخ.
ناظر الى قوله : «ففيه
ان تسليم المخالف» ، ويكون ايرادا آخر على الوحيد البهبهاني قدسسره ، ويكون محصل الايراد ان المراد ببطلان دليل المخالف
المأخوذ في القضية الشرطية ـ وهي قوله «لو كان دليله باطلا لكان الحق مع خصمه» ليس
هو البطلان بحسب اعتقاد الخصم ، لعدم تحقق الملازمة بينه وبين كون الحق مع الخصم
كما هو واضح ، فالمراد
بالبطلان هو
البطلان بحسب الواقع ونفس الأمر ، ومعلوم انه غير معلوم ولا محقق ، فلا يتحقق وضع
المقدم حتى ينتج وضع التالي ، غاية الأمر ان الخصم يظن البطلان بحسب الواقع ، وهذا
لا يوجب القطع بالمساعدة.
قوله
«قده» : مع ان بطلان الدليل ـ الخ.
مرتبط ايضا بقوله «ففيه
ان تسليم المخالف» وحاصله ان بطلان الدليل لا يستلزم بطلان المدعى ، لجواز ان يكون
المدعى حقا وان كانت جميع الأدلة المقامة عليها باطلة ، بل وان لم يكن عليه اصلا ،
اذ لا يلزم ان يكون كل شيء حق ان يكون له واسطة في الاثبات ولم اثباتي فعلا كما هو
واضح ، فالقطع ببطلان الدليل بل عدمه اصلا لا يوجب القطع ببطلان المدعى كما هو
واضح.
وبهذا البيان
الواضح ظهر الفرق بين هذا الايراد والايراد الأوّل ، حيث ان المفروض في الايراد
احتمال وجود دليل آخر بخلافه هنا ـ فافهم.
قوله
«قده» : لأنه ان عول ـ الخ.
يعني انه ان عول
في صدق الاسم على التبادر الظاهري والانسباق المجازي فلا فرق بين فوات الجزء
والشرط في صدق الاسم ، وان عول على التبادر التحقيقي والانسباق الحقيقي كما سلف في
الاحتجاج على الوضع للصحيح بالتبادر فلا فرق في عدم الصدق بينهما ، فالفرق تحكم.
قوله
«قده» : واما ما ثبت لها في الشرع ـ الخ.
دفع لتوهم ، وحاصل
التوهم انه لا مناص من الالتزام بالنقل ، لأن
معاني المعاملات
قد ثبت لها في الشرع شرائط لم يشترط بها في العرف واللغة ، فالمعاني المعاملية
بملاحظة تلك الشرائط معان غير المعاني اللغوية والعرفية فلا بد من التزام نقل تلك
الألفاظ الى هذه المعاني.
وحاصل الدفع ان
اشتراط الشارع تلك الشرائط انما هو من باب تخطئة اهل العرف في التطبيق لا من باب
اعتبار ماهية اخرى ومعنى آخر. وبعبارة اخرى : ألفاظ المعاملات باقية على معانيها اللغوية
، وهى الآثار او العقد المتتبع للآثار ، إلّا ان اهل العرف زعموا حصولها بدون تلك
الشرائط والشارع بين خطأهم ، فليس فيه نقل اصلا.
قوله
«قده» : وأما لو تحرم في الصلاة.
يعنى اتى بتكبيرة
الاحرام فيها لم يحنث لبطلان الصلاة بزيادة الركن وهو تكبيرة الاحرام المأتي بها بعد
الاتيان بها في اول الصلاة.
ويحتمل ان يكون
المراد من قوله «تحرم في الصلاة» الاتيان بتكبيرة الاحرام في اول الصلاة مع مانع
من الدخول فيها ، فيكون قوله «مع مانع من الدخول» قيدا لقوله «تحرم ودخل».
والمعنى الأخير هو
الذي ينبغي ان يكون مراده قدسسره ، اذ بناء على المعنى الأول دخل في الصلاة الصحيحة غاية
الأمر انه افسده بعد ذلك بالتكبيرة ، فلم يبق فرق بينه وبين افساده بسائر المفسدات
ـ فافهم.
قوله
«قده» : الظاهر انه يريد ـ الخ.
يمكن ان الظاهر
انه ليس مراد الشهيد اطلاق اللفظ لا على وجه الحقيقة ولا الأعم ولا في المطلوبات
الشرعية ، اذ ليس في كلامه ذكر اللفظ والاسم اصلا ، والمهيات الجعلية ليس إلّا
الحقائق الاختراعية والمسميات
الشرعية دون
الألفاظ والأسماء ، ومراده قدسسره انه لا تطلق ولا تحمل المهيات الجعلية على الفاسدة ، يعني
ان الفاسدة ليست تلك الماهية مع قطع النظر عن اللفظ واطلاقه الا الحج ، حيث ان
الأمر بالمضي فيه كناية عن تماميته وصحته ، فيكون فاسده ايضا من تلك الماهية ،
وذلك لأن الأمور الجعلية والمهيات الاختراعية مئونة جعلها سهلة يختلف الجعل حسب
اختلاف المصالح والدواعي ، فجاز أن يكون الحج ماهية قبل الافساد شيئا وبعد الافساد
شيئا آخر ، وهذا بناء على كون الحج به فاسدا فرضا ، والمأتي به في العام القابل
عقوبة ، وحينئذ فيصح الاستثناء ولا ينتقض بالصوم ، حيث انه ليس فيه ما يدل على
الصحة والتمامية بعد الفساد ، غاية الأمر انه يجب الامساك لا الصوم.
ان قلت : بناء على
ما ذكر ايضا لا يصح استثناء خصوص الحج لأن الجاهل بالقصر والاتمام والسفر والحضر
اذا أتى بخلاف وظيفته ، فالذي هو فاسد يكون تاما صحيحا ومن تلك الماهية في حقه.
قلت : لا نسلم ان
وظيفته خلاف المأتى به ، فلا يكون الا صحيحا.
ان قلت : فعلى هذا
تكون الأحكام الوضعية المعتبرة في المهيات الجعلية من الجزئية والشرطية وغيرهما
مجعولة في حق العالم دون الجاهل ، فيلزم التصويب والدور ، حيث انه واضح انه لو اخذ
العلم في موضوعات الأحكام ـ اعم من كونها وضعية او تكليفية ـ تكون الأحكام تابعة
للعلم بها ، فيكون العلم محققا لها فيلزم التصويب ، وحيث ان العلم بالأحكام تابع
لها متأخر عنها لأن العلم تابع للمعلوم فيدور ، فلأجل الفرار عن التصويب والدور لا
بد من القول بأن الأحكام ثابتة في حق العالم والجاهل ، فيكون ما اتى به الجاهل في
المسألتين فاسدا.
قلت : قد تحقق
عندنا انه يمكن ان يكون العلم شرطا لأصل الحكم
وتحققه لا لخصوص
تنجزه ، لأن العلم المأخوذ في موضوعات الأحكام ليس خصوص وجوده المحقق المعتبر في
القضية الخارجية ، بل الأعم منه ومن المقدر المعتبر في القضية الحقيقية ، وحينئذ
فلا يلزم شيء من التاليين الفاسدين التصويب والدور ، لأن المصوبة يقولون بتبعية
الأحكام للوجود المحقق للعلم وقبله لا يكون حكم ، ونحن نقول قبل العلم في الخارج
يتحقق الحكم لتحقق موضوعه ، وهو الوجود المقدر للعلم. وظهر ايضا اندفاع الدور ،
لأن الحكم موقوف على الوجود المقدر للعلم بالحكم ، وهو لا يتوقف على الحكم ،
والمتوقف عليه هو الوجود المحقق للعلم ـ فافهم ما ذكرنا فاني لا اعلم احدا له علم
بهذا.
ان قلت : فعلى هذا
لا يكون الجاهل في المسألتين آثما معاقبا.
قلت : يجوز ان
يكون التعلم فى حقه واجبا نفسيا يعاقب على تركه ـ فافهم ما ذكرنا بعون الله وحسن
تأييده.
قوله
«قده» : ولا الاطلاق في الأوامر الشرعية كما توهمه بعض المعاصرين.
لا ريب في ان
مراده الشهيد قدسسره لو كان مقصوده اطلاق اسامي المهيات الجعلية عليها ـ كما
لعله يشعر به او يدل عليه لفظ الاطلاق وقوله «لأنها تسمى صلاة» هو الإطلاق في
الأوامر الشرعية والمطلوبات وان الاطلاق على الوجه الأعم على الفاسد لا مجال
لانكاره فكيف ينكره والاطلاق على وجه الحقيقة لا يلائمه الاستثناء ، فبملاحظة
هاتين القرينتين يتعين ارادة الاطلاق في متعلقات الأوامر ومرادات اهل الشرع ،
مضافا الى ظهور التعليل في هذا كما لا يخفى.
قوله
«قده» : لأنه ان اراد بالفاسد ـ الخ.
توضيحه ان المراد
بالفاسد ان كان ما لا يكون صحيحا صحة مأخوذة في الذات والماهية على وجه العينية او
الشرطية ـ بمعنى انها ليست عينا لها ولا جزءا منها حيث انها طارئة عليها من قبل
الأمر وعارضة عليها من ناحيته ـ فلا تكون ذاتية لها وإلّا لكان العرضي ذاتيا ، هذا
خلف. وبعبارة اخرى : الماهية من حيث هي ليست إلّا هي ، واذا سألت عنها بكلا طرفي
النقيض فالجواب الصحيح السلب لكل شيء ، فكل شيء في حد ذاته وحرم نفسه ليس إلّا هو
، فالماهية الجعلية المتعلقة للأوامر لا تكون صحيحة بهذا المعنى ، فلو كانت صحيحة
بهذا المعنى يلزم التناقض ، فاذا لم تكن صحيحة فيكون متعلق الأوامر ما ليس بصحيح ،
فكيف يعقل ان ينكره الشهيد.
هذا كله ان اعتبرت
الصحة الصحة بحسب مرتبة الذات وحريم الماهية ، وان اعتبرت الصحة بحسب الواقع وعالم
التحقيق فالماهية وان كانت صحيحة بحسب الواقع حيث انها متعلقة للأوامر ، وان لم
تكن صحيحة بحسب الذات والماهية فيكون متعلق الاوامر هو الصحيح ، إلّا انه لا يلزم
ان يكون صحته متقدمة على الأمر.
وظهر من بياننا ان
قوله «وان اعتبرت الصحة بحسب الواقع» عطف بحسب المعنى. هذا غاية توجيه كلامه
وتوضيح مرامه.
وفيه اولا النقض ،
حيث انه قدسسره قائل بكون اسامي العبادات اسامي للصحيحة ، ولا ريب في ان
متعلق الأوامر على مذهب الصحيحي هو الصحيح ، بل على القول بالأعم لا يكون المراد
والمطلوب الا الصحيح فما هو الجواب فهو الجواب. وثانيا بالحل باختيار كون المراد
بالصحة
الصحة بحسب الواقع
دون مرتبة الماهية والذات ، ولم يظهر من الشهيد قدسسره اعتبار تقدمها على الأمر حتى يرد عليه شيء ، او باختيار ان
المراد بالصحة هي تمامية الذات والجامعية لجميع الأجزاء والشرائط دون ما ردد «قده»
فيه الأمر والشقوق المحتملة في كلامه ، فلا يرد شيء اصلا.
قوله
«قده» : فهذا مع بعده عن مساق كلامه ـ الخ.
وجه البعد انه ليس
فى كلامه اشارة الى تعدد الأمر ، بل الظاهر منه وحدته ، ووجه عدم صحة تفريع مسألة
الحنث هو انه ليس فيها إلّا امر واحد كما هو واضح. وفيه ما لا يخفى ، اذ لا ريب في
ان فى مسألة الحج الأمر متعدد.
واما وجه التفريع
فهو انه اذا كان الفاسد ما كان فاسدا بالنسبة الى امر آخر ، ولا ريب في صدق هذا
المعنى على متعلق الحلف ، فيكون صحيحا ويحصل الحنث ، اذ الصحة بهذا لا تستدعي تعدد
الأمر ـ فافهم إن شاء الله تعالى.
قوله
«قده» : لامتناع تعلق الأمر اللاحق بالفعل السابق.
لأن الفعل السابق
عدم والمعدوم لا يعاد بعينه ، فيمتنع تعلق الأمر به لامتناع طلب الممتنع ـ فافهم.
قوله
«قده» : وان يكون عطفا على الماهية الجعلية.
ولكن يبعده ان
الأنسب على هذا ان يقول «لا تطلقان» لا «لا تطلق» كما هو واضح.
قوله
«قده» : وكيف كان فلا اشارة في كلامه ـ الخ.
فيه : ان مراد
المحقق القمي قدسسره من الحقائق الشرعية هي المهيات الجعلية لا الحقيقة مقابل
المجاز.
وحاصل مرامه هو
انه بناء على كون سائر العقود معطوفا على الصلاة والصوم يكون سائر العقود ايضا
مجعولا ، فيكون من الحقائق الجعلية.
والعجب كل العجب
من المصنف «قده» حيث حمل الحقيقة في كلام المحقق القمى في بيان علائم الحقائق
والمجازات في ذيل بيان دفع الدور عن صحة السلب حيث قال : لا يقال ان المجازات قد
تتعدد فنفى الحقيقة لا يوجب تعيين بعضها على الحقيقة بمعنى الماهية ، مع ان المراد
الحقيقة مقابل المجاز. وهنا حمل الحقائق في كلامه على المقابل للمجاز والحال ان
لمراد المهيات ـ فافهم.
قوله
«قده» : بأنه لولاه للزم الكذب ـ الخ.
لأنه لو لم يسبقه
صيغة اخرى لزم الأول ، ولو سبقته تسلسل كما هو واضح. وفيه منع الملازمة لجواز كونه
اخبارا عما انشأه المنشئ في عالم نفسه. مثلا في البيع لا شبهة في ان البائع في
عالم نفسه يبدل مالا بمال وليس معنى البيع الا هذا ثم يخبر عنه ، فلا يلزم شيء من
المحذورين.
ان قلت : اذا تحقق
البيع بالانشاء النفساني والايجاب القلبي فيلزم ان لا يحتاج الى صيغة ومن اي طريق
يحصل العلم بتلك المبادلة كان كافيا ، وهذا إن أمكن التزامه في البيع فلا يمكن
الالتزام به في النكاح وإلّا لزم ان لا يكون فرق بينه وبين الزنا ، حيث انه لا فرق
بينهما إلّا بتحقق الصيغة في احدهما.
قلت : اما في
البيع فلا نستوحش من الالتزام بعدم الاحتياج الى صيغة اصلا الا من باب كونها كاشفة
عن الانشاء القلبي ، وتكون حالتها كحال سائر الكواشف ، وأما في النكاح فالعمدة هو
قيام الاجماع على اعتبار خصوص الصيغة ، لا انتفاء الفرق بين النكاح والسفاح لو لا
اعتبار الصيغة كما زعمه صاحب الجواهر ، لوضوح الفرق بينهما ، حيث ان في النكاح
يحدث علقة بينهما بالانشاء النفساني وهي علقة ارتباطية خاصة بخلاف السفاح كما هو
واضح ، ومع قيام الاجماع على اعتبار الصيغة فلا يلزمنا ايضا ان نلتزم بكون الصيغة
للانشاء ، بل نقول : ان النكاح هو الانشاء الخاص النفساني المنكشف بخصوص الاخبار
عنه بقولنا «انكحت وزوجت».
ولا تتوهم ان هذا
اعتراف بكون «انكحت» للإنشاء ، اذ النكاح لم يحصل الا بقولنا «انكحت» وإلّا لم
يحتج الى قولنا «انكحت» ، لأن هذا النحو من التحقق بالصيغة لا يستلزم كونها مجردة
عن معناها وهو الاخبار الى الانشاء ، بل الأمر النفساني والانشاء القلبي مقتض ،
والصيغة التي هي اخبار عن المقتضي شرط لتحقق المقتضى ، فاذا تحققت الصيغة تحقق
النكاح. وهذا بوجه نظير قولنا «زيد قائم» ، حيث انه مع كونه اخبارا غير منسلخ عن
هذا الشأن به يتحقق قرع الاسماع.
وهذا كله مع ظهور
انه ليس علاقة ظاهرة ولا مناسبة واضحة بين الاخبار والانشاء بل بين الاخبار وما به
الانشاء ، حيث ان المفروض ان الصيغة ما به الانشاء ، وهذا كله واضح لا سترة عليه.
قوله
«قده» او ندعي ـ الخ.
عطف بحسب المعنى ،
فكأنه قال : واضح الاندفاع لأنا ندعي كون الصيغة مستعملة فى الانشاء مجازا فبطلت
الملازمة ، او ندعي ان هذه
الألفاظ ـ الخ.
وهذا أيضا منع للملازمة كما لا يخفى.
قوله
«قده» : بطريق الحقيقة مطلقا.
اي سواء كان في
المفرد أو في التثنية والجمع. وهذا هو المراد بالاطلاق في قوله الآتي «بطريق
المجاز مطلقا».
قوله
«قده» : ويقع على وجوه.
لا يخفى ان ما عدا
الوجه الأخير ليس فيه استعمال اكثر من معنى واحد الا على سبيل المجاز وضرب من
التسامح ، ويكون ذلك المعنى الواحد ـ وهو مفهوم المسمى في الوجه الأول وأحد
المعانى في الثاني والمجموع في الثالث ـ واسطة في عروض الاستعمال بالنسبة الى ذوات
المعانى ولا واسطة في الثبوت وبالحقيقة ليس الاستعمال في اكثر من معنى واحد الا في
الاخير ، فينبغي ان يقتصر عليه.
والفرق بين الوجوه
الأربعة هو ان الوجه الأول بمنزلة العام المنطقي والمطلق الأصولي ، والثاني هو
بمنزلة العام البدلي ، والثالث بمنزلة العام المجموعي ، والرابع بمنزلة العام
الأفرادي والمستوعب الشمولي. وبلسان آخر الفرق بين الثلاثة الأخيرة هو ان اولها
مأخوذ بشرط البدلية والترديد ، وثانيها مأخوذ بشرط الاجتماع ، واخيرها ملحوظ لا
بشرط ، والمعانى مأخوذة آحادا بالأسر.
قوله
«قده» : ضرورة ان ما وضع له اللفظ ـ الخ.
فيه ما لا يخفى ،
لأن اللفظ ليس موضوعا للمعنى المقيد بكونه بعينه بل للمعنى اللابشرطي. وتوضيحه :
ان لفظة «رجل» معرى عن اللواحق ان وضعت لطبيعة الرجل ملحوظة فيها التعين بالنسبة
الى الفرد ، ويكون
الفرد ملحوظا
بعينه ، فاذا لحقها تنوين التنكير التي مفادها البدلية والترديد واللابعينية فان
بقى التعين والتعيينية المفروضة في المعرى عن اللواحق لزم التناقض ، وان لم يبق
فيكون رجل في المنون بتنوين التنكير مجازا ، وهذا مما لا يلتزم به احد.
فظهر ان المعنى هو
المعنى اللابشرطي ، فاذا نون لفظ رجل يصير لا بعينه ، واذا اقترن بدال آخر يدل على
التعين كاسناد المجيء في قولنا «جاء رجل» يصير المعنى اللابشرطي بعينه ، وحينئذ
فنقول : لفظ العين موضوع للمعنى لا بشرط ولا بقيد بعينه ، فاذا لحقه تنوين التنكير
لا يصير المعنى لا بعينه ، فلفظ العين مستعمل في معناه الحقيقي ، غاية الأمر
وقصواه انه لو كان التنوين التنكيري موضوعا للبدلية والترديد بالنسبة الى افراد
معنى واحد دون المعانى المتعددة لزم التجوز في التنوين ، فظهر ان الحق مع السكاكى ـ
فافهم ما ذكرنا حق فهم.
قوله
«قده» : بل التحقيق ـ الخ.
لما كان ما ذكرنا
قبل هذا دالا على عدم جواز هذا النحو من الاستعمال ـ اي عدم صحته ـ وكان النزاع في
الصحة والوقوع بعد الفراغ عن الامكان فأوهم امكانه فأضرب عنه واظهر عدم امكانه
وعدم معقوليته.
قوله
«قده» : ما لم يضمن او يقدر معنى ازيد ـ الخ.
وجه فساد التضمين
ان في مورد التضمين لا بد ان يراد معنى اللفظ ويضمن ويشرب معنى شيء آخر ، وهنا لا
يمكن هذا ، لأن المعنى مأخوذ بعينه ، فاذا اخذ لا بعينه على وجه التضمين والاشراب
لزم التناقض.
ووجه فساد التقدير
والحذف ان المفروض ان لفظ العين مثلا مستعمل
في احد المعاني لا
بعينه ، فيكون المراد به احد المعاني ، فاذا قدر احد المعاني فلا بد ان يراد بلفظ
العين اللفظ دون احد المعانى ، فيلزم الخلف ـ فافهم ما ذكرنا.
قوله
«قده» : وقد ينزل كلام السكاكي ـ الخ.
فيه : ان كان
مقصود المنزل ان السكاكى يقول بوضع المشترك لمفهوم احد المعاني حتى يكون حقيقة اذا
أريد البدلية ففيه ما ذكره المصنف سابقا بقوله «ضرورة ان ما وضع له اللفظ كل واحد
منها بعينه» فلم ينفع التنزيل المذكور ، وان كان مقصوده ان السكاكى يقول بوضع
اللفظ للمعنى بعينه فتكون ارادة احد المعاني مجازا ، فلا تصح ايضا مقالة السكاكى.
قوله
«قده» : وأما نحو مررت بأحمدكم ـ الخ.
دفع توهم ، وحاصل
التوهم ان الاعلام المشتركة مشترك لفظي ومع ذلك ينون بتنوين التنكير ويضاف الى
المعارف والاضافة فرع الابهام والبدلية والترديد ، وانت قلت ليس في المشترك معنى
جامع وقدر مشترك يصح اخذ الترديد والبدلية بالنسبة اليه ، فما هو جوابك فهو جوابنا
في سائر المشتركات.
وحاصل الدفع ان
العلم المشترك مؤول بالمسمى ، ولو لا التأويل لما صح النكارة والاضافة.
قوله
«قده» : سواء تعلق الحكم به ايضا من حيث المجموع ـ الخ.
ان اراد قدسسره من التعميم والتسوية التعميم بحسب الواقع ، يعنى ان اللفظ
وان استعمل في المجموع واريد منه المجموع إلّا ان الحكم بحسب
الواقع يمكن ان
يكون متعلقا به وان يكون متعلقا بكل واحد ، ففيه انه بناء على الثاني يلزم الكذب
وخلاف الواقع ، وان اراد التعميم والتسوية بحسب القضية اللفظية ففيه انه كيف بعقل
مع كون موضوع القضية اللفظية هو المجموع ان يتعلق الحكم اللفظى في كل قضية بكل
واحد واحد ، فيصير الموضوع بلا محمول والمحمول بلا موضوع ، هذا خلف.
قوله
«قده» : على الوجه الأخير.
مراده بالوجه
الأخير هو ارادة المجموع من حيث المجموع الذي هو من قبيل الكل لأجزائه.
قوله
«قده» : بقول مطلق.
اى من غير فرق بين
المفرد والتثنية والجمع ، وبين كون المعنى المجازي مجازيا للمعنى المراد.
قوله
«قده» : ولا فرق حينئذ ـ الخ.
في التعميم
والتسوية نظير ما مر.
قوله
«قده» : وهو غير مستقيم طردا وعكسا.
فيه : انه مستقيم
طرده وعكسه ، اما استقامة طرده فلأن الظاهر من المعنيين او المعانى في عبارة
المعالم هو ذاتهما لا المجموع بما هو مجموع ولا المعنى العام الشامل كما هو ظاهر ،
واما استقامة عكسه فلما ظهر مما بينا آنفا انه لو استعمل اللفظ فى كل واحد فلا يصح
ان يتعلق الحكم بالمجموع للزوم الكذب وخلاف الواقع او الخلف ـ فافهم واستقم.
قوله
«قده» : ثم النزاع في المقام ـ الخ.
فيه : ان المراد
بالمعنيين او المعانى الحقيقية لا بد وان يكون حقيقيا باستعمال آخر دون هذا
الاستعمال وإلّا لدار دورا محالا ، لأن الاستعمال فى المعنيين الحقيقيين مثلا يكون
موقوفا على كونهما حقيقيين ، فلو توقف كونهما حقيقيين على هذا الاستعمال فيدور ،
فلا بد وان يكون المراد كونهما حقيقيين باستعمال آخر فرارا عن الدور المستحيل ،
فاذا كان الأمر كذلك فلا ينافى صيرورتهما مجازيين بسبب هذا الاستعمال. وظهر الفرق
بين هذا النزاع والنزاعين الآتيين ، حيث ان المعنى المجازي فيهما مجازي قبل
الاستعمال المبحوث عنه وهنا كان حقيقيا قبل هذا الاستعمال وبهذا الاستعمال صار
مجازا.
هذا كله مضافا الى
الحقيقة والمجاز فى هذه النزاعات عنوانا وقيدا بل يكون معرفا وكاشفا عن الموضوع له
وغيره ، فينبغى صرف الكلام اليهما فنقول :
ان الاستعمال في
المعنى الموضوع له مثلا موقوف على المعنى الموضوع له ، ولا ريب في ان المعنى
الموضوع له موضوع له مع قطع النظر عن الاستعمال الطارئ عليه ، وإلّا مع كونه
مخالفا للوجدان حيث انه معلوم وجدانا عدم مأخوذية الاستعمال في الموضوع له مستلزم
للدور ، لأن المعنى الموضوع له اذا كان موضوعا له بملاحظة الاستعمال الطارئ يكون
موقوفا على الاستعمال المزبور ، والحال انه موقوف على المعنى الموضوع له ، وهذا ما
رمناه مع لزوم الدور المحال.
فظهر انه لا وجه
لما افاده قدسسره من خروج القول بجواز الاستعمال في المعنيين او المعاني
مجازا عن هذا النزاع ودخوله في النزاع الآتى. والمغالطة ناشئة من اخذ ما بالعرض مكان ما بالذات ـ فافهم
ما ذكرنا حق فهم.
قوله
«قده» : لا يختص مورده بالغرض المذكور.
يعني بما يكون
المستعمل فيه معنى حقيقيا ألغي قيد وحدته واستعمل اللفظ فيه مجازا ، بل يشمل سائر
المجازات. وبعبارة اخرى : لا يختص بما يكون المعنى المجازي علاقة مع المعنى
الحقيقي علاقة الكل والجزء ، ويكون اللفظ المستعمل في المعنى المجازي موضوعا للكل
، بل يشمل سائر المجازات التي علائقها غير ما ذكر ، فيكون الاعتبار المذكور من
جزئيات تلك.
قوله
«قده» : وذلك بأن يقال ـ الخ.
وتوضيحه هو ان
اللفظ اذا اطلق واريد به كل من المعنيين او المعانى على وجه الاستقلال ـ اى بعنوان
هذا وذاك والآحاد بالاسر الذي هو محل النزاع لا على الوجوه الأخر التي هي خارجة عن
محل النزاع ومورد التشاح فان كان استعماله في كل واحد بملاحظ مدخليته في الموضوع
له في الجملة ، سواء كانت مدخليته فيه بكونه تمام الموضوع له او بكونه جزئه بناء
على اعتبار الوحدة في الموضوع له وإلقائها في المستعمل فيه على الثاني وعدم
اعتبارها على الأول : سواء كان الاعتماد في الاستعمال على الوضع فقط بناء على كونه
تمام الموضوع له وكون الاستعمال حقيقة او على مراعاة الحقيقة ايضا كمراعاة الوضع
بناء على كونه جزء الموضوع له ، فهو النزاع الذي نحن فيه.
وظهر من بياننا ان
قوله «في الجملة» قيد لقوله «وضعه له» ، ومقصوده من ملاحظة وضعه له ليس الوضع
المصحح للتجوز والالم يحصل الفرق بين النزاعات كما هو مرامه قدسسره ، بل اعتبار الوضع له في الجملة في المستعمل فيه ،
والتسوية المذكورة في كلامه ليس بيانا لقوله «في الجملة»
بل تعميم وتسوية
بالنسبة الى الاستعمال وان كان استعماله في كل بدون تلك الملاحظة ، او كان في
البعض بدونها وفي البعض بملاحظتها ، فهما النزاعان الآتيان.
فظهر ان الاستعمال
فى المعنى الحقيقي فى صورة كون الاستعمال فى الكل بملاحظة تلك الملاحظة ، وفي صورة
كونه فى البعض باعتبارها وفى البعض بدونها يمكن ان يكون على وجه الحقيقة ان كان
الاعتماد فى الاستعمال على الوضع فقط وكون المعنى تمام الموضوع له وان يكون على
وجه المجاز ان كان الاعتماد فى الاستعمال على مراعاة العلاقة ايضا وكون المعنى
المستعمل فيه جزء ما وضع له.
ولا يذهب عليك انه
بناء على ما ذكره «قده» يلزم ان يكون ما اذا كان لفظ موضوعا لمركب حقيقي وكان لذلك
المركب جزءان ينتفي ذلك المركب بانتفاء كل واحد منهما ، واستعمال ذلك اللفظ في
الجزءين المذكورين داخلا في النزاع الذي نحن فيه وفساد اللازم كتحقق الملازمة مما
لا يخفى.
ولا يخفى عليك
الفرق بين ما حققناه فى تغاير النزاعات الثلاثة وبين ما ذكره قدسسره ، حيث انه يلغى عنوان الحقيقة فى بيان النزاع كما صرح به ،
ونحن لا نلغيه ، بل نقول : ان زوال عنوان الحقيقة ربما يجيء من ناحية الاستعمال وجانبه لا ان الاستعمال وقع فى المجاز ،
والفرق واضح. مضافا الى انه لا يرد علينا الايراد الذي اوردناه عليه قدسسره آنفا بقولنا : ولا يذهب عليك ـ الخ ، حيث ان الجزءين لم يكونا قبل هذا
الاستعمال معنيين حقيقيين كما لا يخفى ـ فافهم واغتنم.
قوله
«قده» : يتصور على وجهين : الاول ـ الخ.
لا يخفى ان الوجه
الأول يرجع الى ثلاثة اقسام ، اذ القسم الثاني منه ـ
وهو اعتبار التعدد
بالنسبة الى اللفظ ـ إما يعتبر معه فردية المعنى للتثنية والجمع اولا ، فهو يصير
قسمين ، اما القسم الأول فلا يتصور فيه التعميم والتسوية بعد ما كان المفروض فيه
اعتبار التعدد بالنسبة الى افراد كل واحد من المعنيين او المعانى ، بخلاف القسم
الثاني حيث ان التعدد الذي هو لازم للتثنية مثلا يعتبر بالنسبة الى اللفظ ، فاللفظ
فرد للتثنية مثلا ومحقق لها ، فيمكن ان يعتبر معه ايضا كون فرد المعنى ايضا محققا
لها او لم يعتبر ، فمعنى عينين مثلا على القسم الأول فردان من الذهب وفردان من
الفضة وهكذا ، وهذا بأن يراد من لفظ المفرد ـ وهو عين ـ معنيان او ازيد ، ثم يراد
بأداة التثنية تعدد فردين من كل معنى من تلك المعانى ، ومعنى عينين على الشق الأول
من القسم الثاني لفظان من لفظ عين يكون كل منهما مرادا منه معنيان او ازيد ويعتبر
فردان من افراد كل معنى ايضا ، فاذا اريد من لفظ مثلا الذهب والفضة او اكثر ومن
آخر الجارية والباكية او ازيد ، فيكون حاصل المعنى فردان من الذهب وفردان من الفضة
او غيرهما ايضا وفردان من الجارية والباكية او غيرهما ، واما الشق الثانى من القسم
الثاني فيلغي التعدد بالنسبة الى افراد كل معنى ويكون حاصل ذهب وفضة او غيرهما حسب
ما اريد من احد لفظي العين باكية وجارية وغيرهما حسب ما اريد من اللفظ الآخر.
هذا كله حال الوجه
الأول ، واما الوجه الثانى فالتعميم والتسوية يمكن بالنسبة الى قسميه ، فيصير
اقسامه اربعة : اما القسم الأول منه فهو ان يعتبر التعدد المقصود بالتثنية مثلا
بالنسبة الى المعنيين ، فيكون معنى عينين ذهب وفضة ، سواء اعتبر التعدد بالنسبة
الى افراد كل من المعنيين فيصير فردين من الذهب وفردين من الفضة ام لم يعتبر فيصير
المعنى ذهب وفضة.
والفرق بين هذا
القسم والقسم الأول من الوجه الأول واضح ، حيث
يعتبر التعدد
بالنسبة الى افراد كل معنى في هذا القسم ، اذ المعنى على هذا ذهب وفضة وعلى القسم
الأول من الوجه الأول فردان من الذهب وفردان من الفضة ، وأما اذا اعتبر في هذا
القسم ايضا التعدد بالنسبة الى افراد كل معنى فالمعنى وان كان فيهما فردان من
الذهب وفردان من الفضة إلّا أن المعنى في القسم الأول من الوجه الأول لا ينحصر في
المعنيين ، فيجوز أن يراد بلفظ المفرد للتثنية ازيد من المعنيين ، وهذا بخلاف ما
نحن فيه حيث ان التعدد جاء من قبل أداة التثنية فلا يراد الا المعنيان.
وأما القسم الثاني
من الوجه الثاني فهو أن يعتبر التعدد المقصود بالتثنية مثلا بالنسبة الى اللفظين ،
ويكون كل منهما مرادا منه معنى واحدا.
والفرق بين هذا
القسم والقسم الثاني من الوجه الأول هو ان التعدد الملحوظ هنا بالنسبة الى اللفظين
المراد بكل منهما معنى واحد ، اذ المفروض كون التعدد جائيا من قبل أداة التثنية ،
وليس مفادها إلّا الاثنينية. وهذا بخلاف القسم الثاني من الوجه الأول ، حيث ان لفظ
المفرد مستعمل في اكثر من معنى واحد ، فيكون معنى عينين مثلا لفظان من عين يمكن ان
يراد من لفظ منه الذهب والفضة والجارية والباكية وغيرها ، ومن آخر معانى اخرى ،
بخلاف الأمر هنا حيث ان معنى عينين لفظان اريد من لفظ الذهب مثلا ليس إلّا ومن آخر
الفضة مثلا لا غير ، وحينئذ أن اعتبرت الفردية للمعنى معه يصير المعنى فردان من
الذهب وفردان من الفضة لا غير ، وان لم يعتبر يصير المعنى ذهب وفضة.
قوله
«قده» : كما يشير اليه حجتهم.
حيث يقولون : ان
التثنية والجمع في قوة تكرير المفرد ، فكما يجوز ان يراد به عند تكريره معان
متعددة ويقولون انهما بدلان عند التعدد
فيجوز ارادة
المعانى المختلفة منهما. ولا ريب في ظهور هذه الكلمات في القسم الثانى من الوجه
الثانى.
قوله
«قده» : ثم قضية اطلاق كلماتهم ـ الخ.
فيه ما لا يخفى ،
اذ المعنى التركيبي لا يكون إلّا للفظ المركب ، والمعنى الافرادى لا يكون لا للفظ
المفرد ، فاذا أريد المعنيان فلا يلزم استعمال لفظ واحد في معنيين ، بل استعمال
لفظان احدهما مفرد والآخر مركب في معنيين ، ولا محذور فيه.
والعجب من تعجبه قدسسره من القوم حيث انهم لم يتفطنوا لاندراج ذلك في عنوان الباب
ولا لشمول ادلته له.
قوله
«قده» : من غير فرق بين الأقسام المذكورة.
اي اللفظ المشترك
بين المعنيين الافراديين والتركيبيين والافرادي والتركيبي والمشترك والمنقول
والمرتجل والموضوع بالوضع العام والموضوع له الخاص.
قوله
«قده» : فلا يكون اللفظ مستعملا ـ الخ.
فيه : انه لا ريب
في ان ما كان جائيا من قبل الوضع وناحيته لا يعقل ان يؤخذ في الموضوع له للزوم
الدور المستحيل ، لأن الوضع موقوف على الموضوع له ، ولو كان الموضوع له مأخوذا بما
هو موضوع له كان موقوفا على الوضع ، فهذا دور ظاهر ، فاذا كان الأمر كذلك فالقصر
والحصر الذي هو مفاد الوضع ليس معتبرا في الموضوع له ، بل الموضوع له هو ذات
المعنى من غير اعتبار القصر والحصر فيه ، فلو استعمل اللفظ في المعنيين لم يكن
اللفظ مستعملا الا في الموضوع ، غاية الأمر وقصواه
ان هذا الاستعمال
غلط ، لأنه نقض لوضع الواضع ويلزم على المستعمل التابع له ان يكون استعماله تابعا
له ، فاذا لم يكن تابعا له يكون غلطا باطلا ، فكان الأولى ان يقتصر قدسسره على قوله «ففي الجمع بينهما نقض لهما».
اللهم إلّا ان
يدفع الدور بما دفعنا الدور به في نظائر المقام من اعتبار الوجود المقدر في
الموقوف عليه والوجود المحقق في الموقوف ، بأن يقال : ان الوجود المحقق للقصر موقوف على المعنى الموضوع له
باعتبار الوجود المقدر للقصر ، وهو ليس موقوفا على القصر ، بل الموقوف عليه هو
الموضوع له باعتبار الوجود المحقق. ولكن الدور وان اندفع إلّا ان من المعلوم عدم
اعتبار الوجود المقدر للقصر في الموضوع له ـ فافهم.
قوله
«قده» : لأنا نقول الوضع تخصيص جعلي ـ الخ.
توضيحه : ان
امتناع الاشتراك الذي ادعاه القائل إما ان يكون من حيث نفس الوضع وإما ان يكون من
حيث الحكمة وإما من حيث الاستعمال المترتب على الوضع ـ على سبيل منع الخلو غير
المنافي للاجتماع والاستحالة للاشتراك لاحدى تلك الجهات :
أما الأول فلأن
الوضع تخصيص جعلى وامر توظيفي ويدور مدار الجعل والتوصيف ، وليس له مئونة زائدة ،
فلا استحالة في توارد معان متعددة على اللفظ الواحد.
وأما الثانى فلعدم
ترتب قبح عليه. وظهر ان قوله قدسسره «ولا من حيث
الحكمة» عطف بحسب المعنى على قوله «في نفسه» ، فكأنه قال : لا من حيث نفسه.
وأما الثالث فلأنه
لا يلزم مراعاة ما قرره الواضع الا المستعمل التابع
لوضعه ، فيلزمه
مراعاة ما قرره الواضع في عالم متابعته له ، فقوله قدسسره «في متابعته له»
متعلل بقوله «يلزم» كما هو واضح ، فلا يلزم تلك المراعاة لغير المستعمل التابع ،
سواء قلنا بأن الموضوع ـ وهو اللفظ ـ مقيد بكونه مستعملا على حسب وضعه ، حيث ان
الموضوع مقيد بكون استعماله على وجه تبعية وضعه ولم يرخص غيره ، او قلنا بأن
الموضوع مطلق. حيث ان من الواضح ان مقتضى الوضع لا يلزم لغير التابع ، لعدم ما يدل
على اعتباره على اطلاقه ولو بالنسبة الى غير التابع. ومعلوم ان الواضع لا يتبع في شيء
من اوضاعه الا ذلك الوضع دون وضع آخر ، فقوله «وضعا آخر» تميز ، فاذا لم يتبع الا
من حيث ذلك الوضع دون الوضع الآخر فلا يلزم الواضع الاستعمال في اكثر من معنى واحد
حتى يكون منشأ لاستحالة الاشتراك اللفظي باعتبار ترتب هذا الاستعمال عليه ، اذ هذا
الاستعمال لم ينشأ من وضعه بل نشأ من ارادة المستعمل الغير التابع بحسب ميله
الجزافي ، بحيث لو لم يكن وضع في البين لاستعمل. هذا غاية توضيح كلامه وتبيين
مرامه.
وفيه : ان ما ذكره
وان كان استيفاء للشقوق المحتملة لوجه استحالة الاشتراك اللفظي إلّا انه تطويل
للمسافة وابداء احتمالات ليست مراد القائل ، بل الوجه في الاستحالة هو الامتناع من
حيث الوضع ، وهو ظاهر لا يعتريه ريب ، لأن الوضع وان كان تخصيصا جعليا وتوظيفا
وضعيا إلّا انه يمتنع ان يجتمع فردان منه في لفظ واحد ، لأن الواضع بعد ما قصر
اللفظ على معنى ـ بمعنى انه لا يكون بغيره ان قصره على معنى آخر ـ فإما ان يصرف
النظر عن القصر الأول ويبطله فلا يكون اشتراك وقد فرضناه هذا خلف ، وإما ان لا
يبطله ولا يصرف النظر عنه فيلزم التناقض في كل منهما ، حيث ان اللفظ بالنسبة الى
كل معنى لا يكون لغيره ويكون لغيره ، وهذا تناقض صريح وتهافت
بحت. فالحق الذي
لا يعتريه ريب هو امتناع الاشتراك اللفظي من واضع واحد.
نعم يتصور أن يضع
لفظا واحدا بوضع واحد لمعان مختلفة ، فيكون القصر والحصر بالنسبة الى ما عدا تلك
المعاني. ولكن هذا ليس بالاشتراك اللفظي الذي يقول به القوم ، حيث انهم يعتبرون
اوضاعا متعددة.
وبمثل البيان الذي
ذكرناه في وجه استحالة الاشتراك اللفظي يتبين استحالة المجاز ايضا على حسب ما
تخيله القوم من احتياجه الى الوضع النوعي او الوضع الشخصي ، حيث ان الوضع للمعنى
الحقيقي لا يقتضي ان لا يكون غيره ، فكيف يكون غيره ، ولا مناص من لزوم الخلف او
التناقض ان كان ولا بد من القول بالمجاز إلّا بالقول بعدم احتياج المجاز الى الوضع
اصلا لا نوعا ولا شخصا بل يكفيه الوضع للمعنى الحقيقي ، اذ الوضع للشيء وضع لما
يناسبه ويلائمه بلا حاجة الى وضع آخر.
هذا مضافا الى ما
في اعتبار الاستعمال على حسب الوضع في اللفظ في قوله «سواء قلنا بأن الواضع انما
يضع اللفظ الذي يستعمل على حسب وضعه» من الدور كما لا يخفى ، إلّا ان يدفع بما
اشرنا اليه آنفا من اعتبار الوجود المقدر للوضع في الموقوف عليه ، فلا دور كما لا
يخفى.
قوله
«قده» : لجواز أن يكون ـ الخ.
فيه : ان اللزوم
لا يكون إلّا بمناسبة اللازم للملزوم وإلّا لزم ان يكون كل شيء لازما لكل شيء
والتالي واضح البطلان فكذا المقدم ، فاذا كان الأمر كذلك فكيف يمكن ان يكون لشيء
واحد ليس فيه كثرة لوازم عديدة ، وإلّا لجاز صدور الكثير عن الواحد ، فلا بد وان
يعتبر في اللفظ الواحد جهات كثيرة ، والمفروض انه ليس فيه كثرة إلّا باعتبار الوضع
والحال انهما لا
يجتمعان لتناقضهما ، فكيف يكون ملزوما للوازم عديدة. مضافا الى انه لا معنى لجعل معنى لازما للفظ إلّا بجعل
اللفظ ملزوما له وهو لا يحصل إلّا بالاختصاص.
قوله
«قده» : وفيه نظر ـ الخ.
فيه : ان مراد
المحقق القمي قدسسره من حال الوحدة وحين الانفراد هو الحيثية الصرفة والظرفية
البحتة لا الشرطية ، ويكون مقصوده ان الوضع لما كان توقيفيا توظيفيا لا بد أن
يقتصر على ما بلغ فيه الرخصة ، وهو ليس إلّا المعنى في حال الوحدة دون غيرها ،
فيكون مراده قدسسره هو ما ذكره المصنف قبيل هذا بقوله «الثالث» الخ.
والعجب من المصنف «قده»
حيث ذهل عن مراد المحقق القمي مع وضوح مرامه بحيث لا يحتمل غيره ، حيث قال :
والحاصل ان المعنى الحقيقي توقيفي لا يجوز التعدي فيه عما علم وضع الواضع له ،
وفيما نحن فيه لا نعلم كون غير المعنى الواحد موضوعا له اللفظ فلا رخصة لنا في
استعمال اللفظ بعنوان الحقيقة الا في المعنى حالة الوحدة لا بشرط الوحدة ـ انتهى
كلامه رفع مقامه.
قوله
«قده» : لو تمت لدلت على نفيه مجازا أيضا.
يعنى في محل
النزاع ، حيث انه لم يستعمل اللفظ في شيء من معانيه وليس مراده اثبات الملازمة مطلقا
، كيف وانتفاؤها في غير محل النزاع وتحقق المجازية فيه معلوم غير قابل للانكار.
ووجه عدم تمامية
الحجة المشار اليه بقوله «لو تمت» النظر الآتي في قوله «وفيه نظر» ، مضافا الى انه
اعوزها شق آخر ، وهو ارادة كل واحد من
معانيه ايضا في
صورة ارادة المجموع مجازا.
قوله
«قده» : فنختار كلا من التقديرين الآخرين.
يعنى انه في صورة
الوضع للمجموع واستعمال اللفظ فيه كان تقديران : الأول ارادته فقط ، والثاني ارادة
كل واحد ايضا. فنختار الثاني ، وفي صورة عدم الوضع للمجموع كان ايضا تقديران :
ارادته فقط ، وارادة كل واحد ايضا. فنختار الثاني ايضا.
قوله
«قده» : اذ لا نسلم ـ الخ.
توضيحه : أن
المراد بقول المحتج ان ارادة كل واحد يقتضي الاكتفاء ان كان الاكتفاء به فيما اريد
من اللفظ ولو بارادة اخرى بمعنى انه لا يجوز ارادة معنى آخر ، فهو غير مسلم بل
المسلم اقتضاء الاكتفاء فيما لم يرد غيره فلا يجتمع اقتضاء الاكتفاء واللااكتفاء ،
اذ في صورة ارادة الغير ايضا ليس اقتضاء الاكتفاء ، وفي صورة عدم ارادة الغير لا
يكون إلّا اقتضاء الاكتفاء ، فلم يجتمعا.
وان كان مراد
المحتج هو الاكتفاء به بحسب ارادته فقط فالاكتفاء واللااكتفاء وان اجتمعا ، حيث ان
المفروض ان ارادة كل واحد يقتضي بحسب ارادته الاكتفاء وارادة المجموع يقتضي
اللااكتفاء ، إلّا ان لزوم التناقض مسلم ، لأن الحيثية متعددة والجهة متكثرة حسب
تكثر ارادة كل واحد وارادة المجموع. هذا غاية توضيح مرامه قدسسره.
وفيه ما لا يخفى ،
اذ المراد بكل واحد لما كان هو ذات المعانى من غير ملاحظة شيء معها ـ وبعبارة اخرى
الآحاد بالأسر ، وبعبارة ثالثة المعاني اللابشرطية بالنسبة الى اعتبار الوحدة
واعتبار الاجتماع ـ فليس فيه
اقتضاء اصلا لا
بحسب ارادته ولا بحسب ارادة غيره.
فظهر فساد قوله قدسسره «وانما يقتضيه لو
لم يكن غيره مرادا ايضا» حيث ان غيره لو لم يكن مرادا ايضا لم يكن فيه اقتضاء كما
هو واضح. وكذا فساد قوله «وان اريد الاكتفاء به بحسب ارادته» فلزوم التناقض مسلم ،
حيث انه سلم اقتضاء الاكتفاء به بحسب ارادته ، إلّا انه منع لزوم التناقض.
فالحق في الجواب
عن الحجة هو أن يقال بعد اختيار التقديرين الأخيرين : ان ارادة كل واحد من المعاني
ليس فيه اقتضاء ، فليس فيه منافاة مع ارادة المجموع وان كان فيه اقتضاء اللااكتفاء
، اذ اللابشرط لا ينافي ألف شرط ، ولا اقتضاء ليس اقتضاء قابلا.
مضافا الى انه
نقول : لا يلزم ان يستعمل اللفظ في المجموع بعنوان الحقيقة او المجاز حتى يلزم
التناقض ، بل يكفي الاستعمال في كل واحد واحد من المعاني ، ولا يلزم شيء.
قوله
«قده» : مضافا الى ما في الايراد من الخروج عن محل النزاع.
فيه ما مر من عدم
الخروج عنه ، حيث ان هذه المجازية جاءت من قبل هذا الاستعمال ، فالمعنى مع قطع
النظر عن هذا الاستعمال معنى حقيقي كما لا يخفى.
قوله
«قده» : مضافا الى شمول بعض الأدلة السابقة.
وهو ما عدا الوجه
الأول والأخير.
قوله
«قده» : ولو اريد بالمعنى الحقيقي ـ الخ.
فيه : انه مناقض
لما تقدم منه ، لأن مراده من ارادة المعنى الحقيقي وان تجرد عن الوصف هو ما ذكره
سابقا في بيان الفرق بين النزاعات الثلاثة بقوله : نعم يمكن إلغاء جهة كون
الاستعمال في المعنى الحقيقي على وجه الحقيقة. وقد صرح هناك بأنه يمكن حينئذ ان
يكون استعمال اللفظ في المعنى الحقيقي بطريق الحقيقة وان يكون بطريق المجاز ، فكيف
انكر هنا ان يكون مجازا ، فهل هذا إلّا التناقض. مضافا الى كون انكاره هنا مخالف
للواقع.
قوله
«قده» : ولا فرق بين ان يعتبر ـ الخ.
يعني لا فرق في
عدم جواز ارادة التعدد في لفظ المفرد من أداة التثنية والجمع ، او ارادة التعدد
بالنسبة الى ما اريد من اللفظ وما لم يرد منه بين الاقتصار في التعدد على الجميع ،
بأن يرد مثلا من العينين الذهب والفضة او اعتبار التعدد بالنسبة الى افراد كل واحد
من المعاني ايضا ، بأن يراد فردان من الذهب وفردان من الفضة.
قوله
«قده» : على ان الوحدة ان اريد بها ـ الخ.
توضيحه ان الوحدة سواء
كانت مفهوما او مصداقا ، وسواء اعتبرت بالنسبة الى المعنى او الارادة بالنسبة الى
الاستعمال ان اريد بها الوحدة اللابشرطية التي يتصف بها المعنى والارادة
والاستعمال في حدود انفسها وحريم ذواتها ولا تخلو عنها ، فاعتبارها مع كونه لغوا ،
اذ تلك الأمور لا تنفك عن هذا النحو من الوحدة حتى يحتاج الى اعتبارها غير مجد ولا
نافع ، لأن
الوحدة اللابشرطية
لا يكون مناقضا للاجتماع فضلا عن الآحاد بالأسر وذات المجموع ، والآحاد بالأسر
وذات المجموع هو المعنى بقوله «جواز ارادة جميع الوحدات».
قوله
«قده» : وان اعتبرت معنى خبريا ـ الخ.
وجه الاذعان بلزوم
التناقض على هذا الاعتبار إما انه بناء على ان التناقض لا يكون إلّا في القضايا ،
وإما لأن الوحدة على هذا الاعتبار تكون مأخوذة بشرط لا ، فتكون مناقضة لارادة
الجميع ، وكلا الوجهين فاسدان :
أما الأول فلأنه
مع كونه مخالفا للواقع ـ حيث ان التناقض كما يكون في القضايا يكون في المفردات ـ مناف
لما سيصرح به في قوله «وغاية توجيه كلامهم» الخ ، حيث يلتزم بلزوم التناقض وصحة
التنافي مع عدم اعتبار القضية.
وأما الثاني فلأن
الوحدة بشرط لا لا تكون مناقضة للآحاد بالأسر وذات المجموع ـ وبعبارة اخرى كل واحد
من المعاني ـ نعم يناقض المجموع وليس كلامنا فيه ، مضافا الى انه كان اللازم عليه
قدس سرة اخذ الوحدة في صورة اعتبارها معنى اخباريا وفي صورة اعتبارها معنى افراديا
على نهج واحد وطور فارد ، لا أنه يأخذ الوحدة بناء على الافراد بمعنى اللابشرط
وعلى الاخبار بمعنى البشرطلائي ، ولا شبهة في انه اذا أخذت الوحدة بناء على اعتبار
كونها معنى خبريا لا بشرط انتفى التناقض ولم يحصل التنافي ، كما انه بناء على اخذ
الوحدة بشرط لا يذعن قدسسره بالتناقض مع عدم كونها معني جزميا ـ فافهم واستقم.
قوله
«قده» : ومع ذلك لا يثبت المنع من حيث الوضع.
لأن المنع انما
جاء من قبل الموضوع له لا الوضع. وفيه انه لما كان
للواضع ان يلغي
اعتبار الوحدة في الموضع له ويضع اللفظ بإزاء ذات المعنى ولم يفعل بل وضع اللفظ
بإزاء المعنى الواحد صح ان يسند المنع اليه والى وضعه ـ فافهم.
قوله
«قده» : وغاية توجيه كلامهم ـ الخ.
محصله هو انه لو
اخذت الوحدة بشرط لا صح ما رامه المستدل من التنافي ولا يلزم عليه الاشكال المذكور
، وهو كون اخذها لغوا وجواز ارادة جميع الوحدات ، لأن الوحدة بشرط اعتبار زائد ليس
في الشىء في حد نفسه وحريم ذاته ، وهو ينافى الجميع بداهة تنافي بشرط لا والجميع ،
وانما لم يعتبر الوحدة بشرط لا بالنسبة الى المعنى ، لأن المعنى بحسب الواقع ومتن
الأعيان لا يكون منفردا عن غيره. هذا توضيح مرامه.
وفيه : ان الوحدة
بشرط لا منافية للاجتماع وليست منافية للجميع ، اي ذوات المعاني والآحاد بالأسر
كما اشرنا اليه ـ فافهم بعون الله.
قوله
«قده» : لكنهما ضعيفان.
يعني اخذ الوحدة
معنى اسميا واخذها معنى حرفيا. ويحتمل ان يكون المراد اخذ وحدة الاستعمال واخذ
وحدة الارادة ـ فتدبر.
قوله
«قده» : مع ان ما ذكروه على تقدير تسليمه ـ الخ.
يعنى ان الدليل
اخص من المدعى ، حيث انه لا يجري فيما اذا وضع اللفظ لمعنيين من غير ملاحظة امر
آخر.
وفيه : انه لما
كان مقصود الأصولي استعلام حال الاستعمالات الواقعية في الكتاب والسنة التابعة
لوضع واضع خاص لا بالنسبة الى كل استعمال
وكل وضع حتى الوضع
الذي فرضه المصنف ، فلا محالة يكون الدليل مساويا للمدعى على زعم المستدل.
قوله
«قده» : وان كان مشاركا معه في الضعف.
حيث ان لا يتبادر
الوحدة ولو على وجه الشرطية والتقييد.
قوله
«قده» : فان القائل المذكور ان لم يعتبر الاتحاد المعنوي ـ الخ.
توضيحه ان القائل
المذكور ان لم يعتبر الاتحاد المعنوي في التثنية والجمع كان مجوزا لاستعمال اللفظ
في أكثر من معنى في التثنية والجمع على نحوين : «الأول»
ان يستعمل لفظ المفرد في اكثر من معنى واحد ويعتبر التعدد المستفاد من التثنية
والجمع بالنسبة الى افراد كل معنى ، ويكون الاتحاد فيهما اتحادا معنويا. «الثاني»
ان يستعمل التثنية والجمع ويراد من ارادتهما لفظان في التثنية وألفاظ في الجمع
ويراد لكل لفظ معنى ، ويكون الاتحاد فيها اتحادا لفظيا.
وكأن تجويزه اعم
من تجويزه صاحب المعالم قدسسره على ما يقتضيه بيان صاحب المعالم حيث قال : لأنهما في قوة
تكرير المفرد بالعطف فيجوز اخذه بمعان مختلفه ـ انتهى كلامه ، حيث انه صريح في
التجويز في النحو الثاني دون الأول ، فلا يكون موافقا للقول المذكور ، فان المدعى
للأخص لا يكون موافقا للمدعى للاعم وان اعتبر القائل المذكور الاتحاد المعنوي ،
فيكون تجويزه في التثنية والجمع في خصوص النحو الأول للاتحاد المعنوي المعتبر عنده
دون النحو الثاني لعدم الاتحاد المذكور ، وتجويز صاحب المعالم قدسسره يكون في النحو الثاني ، وبينهما تباين فكيف تتحقق
الموافقة.
وفيه انا نختار
القسم الأول ونقول : لما كان جواز الاستعمال على النحو الأول مبنيا على الجواز في
المفرد وقد انكره صاحب المعالم فيبقى النحو الثاني لا غير ، فلا يكون مدعى صاحب
المعالم اخص بل يكون مساويا ـ فافهم ان كنت من اهله.
قوله
«قده» : ولو سلم فمخالفة الاستعمال المذكور ـ الخ.
يعني يدور الأمر
بين المخالفة للأصليين ، لأنه ان حمل على احد المعاني لا بعينه لزم الاجمال ، وهو
مخالف للأصل بمعنى الراجح ، حيث ان الظاهر الراجح من حال المتكلم كونه مبنيا
لمقاصده قاصدا تفهيمها ، لا انه بصدد الابهام والاجمال ، وان حمل على جميع المعانى
يكون ايضا مخالفا للأصل بمعنى الراجح ، حيث ان الغالب الراجح استعمال اللفظ في
معنى واحد دون الجميع ، فيكون ارادة الجميع نادرا مرجوحا. وهذه المخالفة ان لم تكن
تزيد على تلك المخالفة باعتبار امكان ادعاء عدم وقوع الاستعمال في الجميع لا ندرته
فلا تقصر عنها ، فتتعارض الاصلان فيجب الوقف.
وفيه : انه لا
تعارض اصلا ، لأن المتكلم اذا كان في مقام تفهيم المقاصد وإلقاء المطالب والتعبير
عما في الضمير واحرز ذلك فالاجمال نقض لفرضه. وبعبارة اخرى يلزم اجتماع النقيضين ،
فلزوم الاجمال مساوق للزوم اجتماع النقيضين وهو ممتنع. وهذا بخلاف الاستعمال في
الجميع ، اذ غاية الأمر انه غير واقع ، وانى يعارض عدم الوقوع للامتناع والاستحالة
ـ فافهم بعون الله ان كنت من اهله.
قوله
«قده» : فليس فيه ما يوجب كونه على الحقيقة.
فيه : انه لا
يحتاج كونه حقيقة الى مئونة زائدة على استعمال اللفظ
في المعنى الحقيقي
، وهو حاصل بلا ريب كما هو واضح.
قوله
«قده» : فهو ظهور بالقرينة.
فيه : ان مقصود هذا
القائل بالظهور في الجميع ـ وهو الشافعي ـ من عدم القرينة عدم القرينة المنافية
لارادة الجميع ، لا القرينة المذكورة لارادتها. والشاهد على ما ذكرناه هو ما حكي
عنه انه قال : ولا يحمل على احدهما ـ اي احد المعنيين ـ إلّا بقرينة ، وهو عام
فيهما ـ انتهى المحكي.
وقال العضدي في
شرحه : والعام عنده ـ اى عند الشافعي ـ قسمان : قسم متفق الحقيقة ، وقسم مختلف الحقيقة ـ انتهى.
ولا ريب في ان
العام لا يحتاج في افادة العموم الا الى عدم القرينة المنافية له ، وهذا ظاهر لا
ريب فيه.
قوله
«قده» : من غير تكلف.
والتكليف هو أن
يقال : ان الحكم وان تعلق باللفظ إلّا ان اللفظ لما كان قالبا للمسمى وحاكيا عنه
وفانيا فيه سرى الحكم اليه ، اذ الحكاية ليست بشيء بل الشيء هو المحكي عنه.
قوله
«قده» لأن الاثبات قد يفيد العموم.
كما اذا كان
المتكلم بصدد بيان مرامه ولم يقم قرينة على ارادة احد المعاني ، فحينئذ لا بد وان
يحمل على جميع المعاني اذ لو حمل على ارادة احد المعاني لا بعينه لزم الاجمال ،
ولو اريد احد المعاني بعينه لزم الترجيح بلا مرجح ، نظير المطلق الذي يحمل على
جميع معانيه اذا انضم اليه مقدمات دليل الحكمة.
ولا يذهب عليك ان
هذا مع قطع النظر عما سلف منه ذكره «قده»
من تعارض الأصلين
ووجوب التوقف ، ويكون إلزاما للخصم القائل بعدم مخالفة الاستعمال في اكثر من معنى
للأصل وجوازه.
قوله
«قده» : فاذا يكون الدليل اعم من المدعى من وجه.
لجريان الدليل في
الاثبات المفيد للعموم.
قوله
«قده» : واخص من وجه.
لعدم جريان الدليل
في العلم ، حيث انه لا يفيد العموم وان وقع في سياق النفي.
قوله
«قده» : وان كان القول المذكور ـ الخ.
عطف بحسب المعنى ،
فكأنه قدسسره قال : ان كان القول المذكور ـ اى جواز الاستعمال في اكثر
من معنى واحد في النفي الشامل للعلم ايضا ـ مبنيا على مذهب المشهور المنصور ، وهو
كون اللفظ المشترك للمعاني بعينها ، فالمعنى حق.
والتوجيه الذى
تعسفه الدافع بأن مقصود المستدل ان المشترك في صلوحه لكل معنى من المعاني على
البدلية ، كالنكرة فاذا وقع في سياق النفي افاد العموم وإلّا يدور مدار التنكير ،
باطل حيث انه خلاف الفرض ، اذا المفروض ان المشترك مدلوله احد المعاني بعينه ، وان
كان القول المذكور مبينا على مذهب السكاكي فالتوجيه وان كان حقا ليس فيه خلف للفرض
إلّا ان المبنى باطل ، لأن المشترك موضوع للمعاني بعينها.
مضافا الى ان هذا
بظاهره يوجب الخروج عن محل البحث ، لأن محل النزاع هو ارادة كل واحد واحد من
المعانى لا بعنوان البدلية. وفيه : ان
هذا لا يوجب
الخروج عن محل البحث ، لأن المعنى على سبيل البدلية اذا وقع في سياق النفي افاد
نفي جميع المعاني بعينها ، فاستعمل اللفظ واريد جميع المعاني لا على البدلية.
ولعله لأجل ما ذكرنا قال قدسسره «يوجب بظاهره»
فافهم وتأمل فان هنا شيئا.
قوله
«قده» : خروج عن محل البحث.
فيه ما مر من عدم
الخروج عنه ، لأن المجازية جاءت من قبل الاستعمال وناحيته لا ان اللفظ استعمل في
معنى مجازي ـ فافهم.
قوله
«قده» : غير مستقيم طردا وعكسا.
قد مر أنه مستقيم
طرده وعكسه فلا نعيد.
قوله
«قده» : لنا ان هذا الاستعمال ليس على الحقيقة قطعا.
ليت شعري ما الفرق
بين احتمال الحقيقة واحتمال المجاز ، حيث قطع قدسسره بانتفاء الأول من غير اقامة دليل ، واحتاج في نفي الثاني
الى الدليل ، والملاك واحد حيث ان المفروض ان اللفظ مستعمل في المعنيين احدهما
حقيقي والآخر مجازى ، فاذا كان القطع بانتفاء الحقيقة من جهة وجود المجاز فليقطع
بانتفاء المجاز من جهة تحقق الحقيقة. والدليل الذي اقامه على المجاز جار في نفي
الحقيقة ـ فافهم.
قوله
«قده» : لا يخفى ما فيه.
لا يخفى ما فيه ،
لأن مقصود ذلك البعض من اهل التدقيق ليس التأويل في كلام اهل البيان حتى يقال ان
ذلك التأويل معيار في
كلامهم ، بل
مقصوده ان قولهم ليس بحجة ، والمعتبر في المجاز كذا ، ولا لزوم معاندة قرينة
لارادة حقيقة لو بارادة اخرى منضمة ، وان قالوا به فهو ممنوع بل مصادرة ، وحينئذ
لا يرد عليه شىء.
قوله
«قده» : مع ان وجود القرينة المعاندة ـ الخ.
مقصوده قدسسره هو ان ما ذكره ذلك المدقق قلنا اولا انه تأويل بعيد في
كلام اهل البيان يحتاج الى القرينة وليست ، وهنا نقول القرينة قائمة على خلافه ،
لأنهم بصدد بيان الفرق بين المجاز والكناية ، وهذا المعنى ذكره ذلك المدقق لكلامهم
يصلح فرقا على ما هو المعروف في معنى الكناية ، حيث ان المعنى الحقيقي فيها لما
كان مرادا وجائز الارادة فقرينتها تكون مانعة عن ارادته بدلا ، فلم يبق فرق بين
المجاز والكناية ، بخلاف ما اذا قلنا بكون قرينة المجاز معاندة لارادة الحقيقة
مطلقا ولو بارادة اخرى منضمة ، فتحصل الفرق. فبقرينة كونهم في صدد بيان الفرق لا
بد أن يكون مرادهم ما ذكرنا لا ما ذكره ذلك المدقق. نعم يصح ما ذكره بناء على مذهب
البعض في الكناية ، حيث اعتبر جواز ارادة الحقيقة بدلا ، فيكون المنفى في المجاز
هو هذا ، ويكون قرينة معاندة لارادة الحقيقة بدلا. فيتم الفرق.
ولكن فيه ان مقصود
ذلك المدقق كما اشرنا اليه هو بيان الواقع لا بيان مرام اهل البيان ، حتى يقال انه
لا يصلح فارقا ـ فافهم واستقم.
قوله
«قده» : ان المراد بالمجاز المبحوث عنه ـ الخ.
يعني ان المراد
بالمجاز بحسب اصطلاح الأصوليين اعم منه بحسب مصطلح المعانيين حيث انه يشمل الكناية
، وفي الكناية ـ وهي قسم من المجاز بحسب مصطلح الأصولي ـ ليس قرينة لارادة المعنى
الحقيقي ، بل بجواز اداته ايضا ، فلم
يصح الاستدلال على
عدم جواز الاستعمال مطلقا كما هو المدعى.
قوله
«قده» : اللهم إلّا ان يجعل مقابلتها ـ الخ.
الضمير في قوله «عليه»
راجع الى الاحتمال الأول ، وفي قوله «مقابلتها» اما راجع الى المجاز باعتبار كونه
الكلمة المستعملة في غير ما وضعت له ، واما راجع الى القرينة المعاندة باعتبار ان
المجاز وان جعل قسيما ومقابلا للكناية إلّا ان القرينة المعاندة لما كانت واسطة في
عروض المقابلة والمعاندة له بحيث يصح سلب المعاندة والمقابلة عنه ـ كما هو الملاك
في كون الشىء واسطة في عروض شيء لشيء يعني يصح سلب ما فيه الوساطة عن ذي الواسطة
ولا يصح السلب عن الواسطة ـ فصح اسناد المقابلة اليها ، ووجه كون المقابلة قرينة
على الاحتمال الأول هو أن الكناية لا بد فيها من جواز ارادة الملزوم. ومعلوم ان
ارادة الملزوم تارة يكون على وجه الحقيقة ، بأن يكون اللفظ المستعمل في اللازم
موضوعا للملزوم ، وتارة اخرى يكون على وجه المجاز ، بأن يكون موضوعا لمعنى ثالث
وراء اللازم والملزوم ، او يكون موضوعا للملزوم والثالث على وجه الاشتراك اللفظي
ويكون مستعملا في الملزوم مجازا باعتبار ملاحظة العلاقة مع المعنى الثالث. والقوم اعتبروا في
الكناية جواز ارادة الملزوم مطلقا دون خصوص ارادته حقيقة ، فالمجاز المقابل لها لا
بد فيه ان لا يجوز فيه ارادة المعنى الحقيقي ولو مجازا قضية للتقابل ، اذ الظاهر
من التقابل هو المقابلة التامة ـ فافهم واستعن بربك الأعلى عزوجل.
قوله
«قده» : فاذا اعتبر دخوله.
يعنى في المستعمل
فيه.
قوله
«قده» : كان مجازا.
لأن اللفظ لم يوضع
لهما. فيه : انه حق انه لم يوضع لهما بل وضع لأحدهما ، إلّا انه لم يستعمل فيهما
مجتمعا حتى يلزم التجوز المطلق ، لأن المفروض انه استعمل في الموضوع له وفي الغير
الموضوع له على ما هو محل النزاع ، فلا يكون الا حقيقة ومجازا.
قوله
«قده» : فاطلاقه المنع ـ الخ.
يعني اطلاق المنع
من الاستعمال بالاعتبار المذكور ، اي باعتبار المعنى الحقيقي والمجازي ، بحيث يشمل
الاطلاق التثنية والجمع ليس في محله.
وفيه : انه لعله
اعتمد في التقييد على ما ذكره في النزاع الماضي السابق. ويمكن ان يقال ايضا : فرق بين المبحث السابق وما نحن فيه ،
حيث ان المجاز لما كان ملزوما لقرينة معاندة للحقيقة على زعمه «قده» لم يجوّز
الاستعمال هنا في التثنية والجمع ، بخلاف المبحث السابق حيث لم يكن فيه مجاز
ومعاندة ـ فافهم وتأمل.
قوله
«قده» : يلزمه القول ـ الخ.
فيه ما سلف ذكره
منا من ان اللفظ المفرد غير اللفظ المركب ، فيكون لفظان استعملا في معنيين ولا
محذور فيه ، ولا يكون لفظ واحد مستعملا في معنيين.
قوله
«قده» : فلجواز ان يكون بطون القرآن ـ الخ.
مقصوده ان بطون
القرآن ليست معان أخر في قبال الظاهر وحياله ، بل تكون هي اياه ، ومراده بعين
ارادته لا بارادة اخرى لا بالذات ولا
بالتبع ، وان لم
تساعد افهامنا على التوفيق بينهما ويكون مغايرتها كمغايرة افراد الكلى له وافراد
المطلق له. وهذا بخلاف الوجه الثاني حيث ان البطون بحسبه معان اخرى لازمة للظهر
مرادة بارادته بالتبع والعرض ، وليست اللفظ مستعملة فيها بل في ظهرها ، ويكون
الدلالة على بقية المعاني من باب التنبيه والايماء الذي هو قسم من اقسام المنطوق
الغير الصريح وسيجيء بيانها تفصيلا ، واما البيان الاجمالي فهو : ان ما يدل عليه
اللفظ ان لم يكن مقصودا للمتكلم في الخطاب ـ كما في دلالة الآيتين على اقل الحمل ـ
فدلالته دلالة الاشارة وان كان مقصودا له فيه ، فان توقف صدق الكلام او صحته عليه
كحديث الرفع ، فالدلالة دلالة الاقتضاء وان اقترن ذلك المدلول بما يستبعد معه
ارادة ذلك المدلول ، كقول النبي صلىاللهعليهوآله «فكفر» بعد سؤال
الأعرابي ، فدلالته دلالة الايماء.
قوله
«قده» : مع احتمال ان يكون القرآن ـ الخ.
هذا الوجه والوجه
الآتى مع غاية سخافتهما ـ ولا سيما الأول منهما حيث انه مستلزم لاستعمال الله
تعالى الألفاظ القرآنية في معنى ولم يرد منها شيئا ـ مستلزم لكون البطون ظهرا ،
حيث انها متساوية الأقدام ليست بينها خفاء وظهور وترتب واستلزام ، وان كانت تلك
المعاني بعضها خفي وبعضها ظاهر ، فلما كانت في عرض واحد فلا يكون الخفي بطنا للجلي
، وهذا خلف مستحيل ، فكان الأولى ترك ذكرهما في الكتاب.
قوله
«قده» : فلأن الحكاية فيه ـ الخ.
مقصوده قدسسره هو ان الحكاية فيه لو كان باستعمال لفظ الداعي في لفظ
القرآن لكان مفردا لا يصح السكوت عليه ، اما الملازمة فلوضوح
ان قولنا ضرب في «ضرب
زيد» مثلا لما كان حاكيا عن اللفظ ومستعملا فيه كان مفردا لا يصح السكوت عليه ،
إلّا ان يقال فعل مثلا ، فكذا ما نحن فيه. واما بطلان التالي فواضح ، حيث يصح سكوت
الداعي المزبور بعد الاستعمال المذكور فلا بد وان تكون الحكاية بنحو آخر ، وهو ان
يوجد الداعي لفظا ويستعمله فيما اراده من الدعاء ، بانيا على ان هذا اللفظ هو لفظ
القرآن ماهية ونوعا ومماثلة وجودا وشخصا ، لأن هذا اللفظ المصادر من هذا الداعي
بلا ريب غير اللفظ القرآن الصادر من الله تعالى شخصا ووجودا ، لأن الزمان من جملة
المشخصات فضلا عن الفاعل والقابل ، إلّا أن هذا اللفظ وذلك اللفظ من نوع واحد
وماهية فاردة ، واتحاد النوعي والتغاير الفردي والبناء عليهما يصحح الحكاية ، ولكن
اللفظ لم يستعمل الا في معنى واحد.
هذا محصل مرامه.
وفيه ما لا يخفى ، اذ ما ذكره تصويرا للحكاية اخيرا لا ينبغي ان يركن اليه ، لأن
الأفراد المتماثلة المتغايرة شخصا وفردا المتحدة ماهية ونوعا لا يكون بعضها حاكيا
عن بعض ، اذ فى الحكاية لا بد وان يكون الحاكي فانيا في المحكي عنه وما به ينظر لا
ما فيه ينظر ومعنى آليا لا مستقلا ، فلا بد وأن يستأنف النظر ، والبناء على كون
هذا عين ذاك ماهية وغيره وجودا لا يصحح الحكاية بعد أن لم يصحح واقعية المبنى
ووجوده الواقعي ، والوجود البنائي لا يزيد على الوجود الواقعي ، فانحصرت الحكاية
فى الوجه الأول.
وفساد التالي
المأخوذ في القضية الشرطية ـ وهو كونه مفردا ـ ممنوع ، لأن المقصود قد يكون
الحكاية عن اللفظ ثم بعد الحكاية يكون المقصود الاخبار عن المحكي عنه فهنا لا يصح
السكوت ، وقد يكون المقصود مجرد الحكاية وليس المقصود إخبارا عن المحكي عنه كما
فيما نحن فيه ، فيصح السكوت. بل لا ريب في ان قراءة القارئ القرآن يكون من هذا
القبيل
للبرهان الذي
اشرنا اليه. فالقارئ يتكلم بهذه الألفاظ الفانية في ألفاظ القرآن الحاكية عنها
القابلة لها المستعملة فيها ، ومع ذلك يصح السكوت عليها.
ومن العجب غفلته قدسسره عن ان الحكاية قد تكون عن المفرد ولا تحتاج الى شيء اصلا ،
كالصورة العكسية المرآتية الحاكية عن العاكس ، فظهر المطلوب غاية الظهور وانكشف
غاية الانكشاف.
قوله
«قده» : لأمكن التفصي ـ الخ.
فيه انه إما ان
يقصد الداعي المعنى اولا ، أما الثاني فباطل للزوم الخلف ، حيث ان المفروض انه قصد
الدعاء بالقرآن ، وأما الأول فإما ان يكون اللفظ دالا على معناه القرآني اولا ،
والثاني ايضا باطل للزوم الخلف المحال ، حيث ان المفروض كونه قرآنا فلزم كونه غير
قرآن ، اذ اللفظ الذي لا يكون حاكيا عن معناه القرآني ودالا عليه لم يكن قرآنا وقد
فرضناه قرآنا ، وهذا خلف. واما الثاني فيلزم كون اللفظ الواحد دالا على معنيين
والمفروض عدم جوازه ، فهذا أيضا خلف محال.
فظهر مما حققناه
هنا والحاشية السابقة انه بناء على عدم جواز استعمال اللفظ في الأكثر لا يصح قصد
الدعاء بالقرآن. نعم يصح ان يوجد الداعي لفظا مشابها للقرآن متحدا معه في الحقيقة
والماهية مختلفا معه بالعوارض المشخصة واللواحق المفردة من غير جعله واعتباره
قرآنا بل من باب انه لا بد وان ينشئ لفظا ، ولما كان لفظ القرآن احسن الألفاظ وافصحها فلا جرم
ينشئ مماثله ويدعو به ، وهذا ليس من قصد الدعاء بالقرآن ـ فافهم واغتنم.
قوله
«قده» : بل يكفي مجرد دلالته ولو بالالتزام.
فيه : ان اللفظ
الذي أريد منه معنى لا يدل اصلا ولو بالالتزام على معنى آخر ، واي لزوم عقلي او
عرفي بين الذهب والجارية مثلا في المشترك اللفظي ، واي لزوم بين الرجل الشجاع
والحيوان المفترس ، بل الحق ان المرجع مدلول عليه بالقرينة لا باللفظ الذي ذكر
اولا ، وليس من شرط صحة الضمير سبق ذكر من المرجع لا لفظا ولا معنى ، بل يكفيه كون
المرجع معلوما.
قوله
«قده» : فدخل الحلب والطلب ـ الخ.
يعني دخل في حد
المشتق الحلب والحلب والقتل والمقتل ، حيث لم يؤخذ فيه المغايرة بين المشتق
والمشتق منه بحسب المعنى ، بل المناسبة وهي متحققة مع بقية قيود الحد.
وفيه : ان الظاهر
من المناسبة كون المعنيين بينهما نحو من المغايرة وإلّا لكان اتحادا لا مناسبة كما
لا يخفى.
قوله
«قده» : ومنهم من انكر الاشتقاق في ذلك.
اي في نحو حلب
وحلب وقتل ومقتل مما لم يكن بين المشتق ومبدئه مغايرة اصلا بحسب المعنى.
قوله
«قده» : باضافة الأصل الى ضمير اللفظ.
يعني باضافة لفظ
الأصل المأخوذ في الحد الى ضمير راجع الى اللفظ المأخوذ فيه ، بأن قال : لفظ وافق
أصله ـ الى آخر الحد.
قوله
«قده» : وقد اشكل على هذا الحد بلزوم الدور.
كتب قدسسره في الهامش : لا يخفى عليك ان لزوم الدور على الحد المذكور
انما هو ان فسر الأصل باللفظ المأخوذ منه لفظ آخر ، فان اخذ اللفظ من لفظ آخر هو
الاشتقاق ، واما اذا فسر باللفظ الموضوع بالوضع الابتدائي فلا يلزم الدور إلّا اذا
انحصر طريق معرفة كون لفظ موضوعا ابتداء في اشتقاق لفظ آخر منه فتأمل ـ انتهى.
وفيه : ان المراد
بكون اللفظ موضوعا بالوضع الابتدائي ليس مجرد كون لفظ سابقا على غيره بحسب الوضع
وإلّا لزم ان يكون اول لفظ وضعه الواضع اصلا لجميع ما وضعه بعده وهكذا ، وفساده
اوضح من ان يبين ، فلا بد وان يكون الغرض هو الابتدائية بحسب الأخذ والاشتقاق ،
فلزم الدور ايضا. ولعله قدسسره الى ما ذكرنا اشار بأمره بالتأمل ـ فتبصر واستقم.
قوله
«قده» : بأن المراد بالأصل هو الأصل الجزئي.
فساده ظاهر ، لأن
ما وافق اصلا جزئيا لا يكون إلّا مشتقا جزئيا ، فيكون الحد المشتق الجزئي والمحدود
المشتق الكلي ، فلم يحصل المطابقة والمساواة بين الحد والمحدود ، مع ان التعريف
للماهية وبالماهية والجزئي لا يكون كاسبا ولا مكتسبا.
قوله
«قده» : فيلزم الدور.
غاية الأمر انه
مضمر بواسطة تقريره هو أن معرفة الاشتقاق الكلي موقوفة على معرفة الأصل الجزئي ،
ومعرفة الأصل الجزئي موقوفة على
معرفة الأصل الكلي
، ومعرفة الأصل موقوفة على معرفة الاشتقاق الكلي.
قوله
«قده» : من حيث كونه اشتقاقا جزئيا.
يعني فلما كان
التوقف من حيث كونه اشتقاقا جزئيا فلا محالة يتوقف الاشتقاق الجزئي على الاشتقاق.
قوله
«قده» : لزم الدور.
هذا الدور أيضا
مضمر بواسطة تقريره هو أن معرفة الاشتقاق الكلي موقوفة على معرفة الأصل الجزئي ،
ومعرفة الأصل الجزئي موقوفة على معرفة الاشتقاق الجزئي ، ومعرفة الاشتقاق الجزئي
موقوفة على معرفة الاشتقاق الكلي.
قوله
«قده» : وايضا الغرض ـ الخ.
ذانك الدوران كانا
بالنسبة الى الحد والمحدود ، وهذا التقرير انما هو بالنسبة الى الغرض ، والمقصود
من الحد دون نفسه ، وهذا الدور ظاهر مصرح. تقريره ان معرفة جزئيات الاشتقاق الكلي التي هي الغرض
والمقصد موقوفة على معرفة الأصل الجزئي ، ومعرفة الأصل الجزئي موقوفة على معرفة
الاشتقاق الجزئي.
قوله
«قده» : بأن هذا الحد تعريفه لفظي ـ الخ.
فيه : ان هذا خلف
للغرض ، حيث ان المفروض ان معرفة الأصل موقوفة على معرفة الاشتقاق ولم يحصل من
طريق آخر ، والزام الدور انما هو على هذا التقدير ، مضافا الى انه اذا كان معنى
الأصل والفرع معلوما
فأي حاجة الى اخذ
الحد تعريفا لفظيا ، اذ لو كان حدا حقيقيا لم يلزم دور ايضا كما هو واضح.
ولعله لما ذكرنا
عده قدسسره على خلاف التحقيق حيث قال : والتحقيق ان ايجاب ـ الخ.
ويمكن ان يقال :
ان الدور مسلم اذا كان الغرض اكتناه حقيقة المشتق ونيل ذاتياته ، وبعبارة اخرى درك
جواب ما الحقيقية ، وأما اذا كان الغرض شرح اسمه وتعريف لفظه فيكفيه تصور الأول
والفرع اجمالا ولا يلزم الدور ، اذ هو حاصل ، فكون الحد دوريا بالنسبة الى جواب ما
الحقيقية غير مستلزم لكونه دورا بالنسبة الى شرح الاسم وجواب ما الشارحة الذي يقال
له بالفارسية «پاسخ پرسش نخستين». ولعل مقصوده قدسسره من قوله «ويمكن» هو الذي ذكرناه وان قصرته عبارته الشريفة ـ
فافهم ما ذكرنا حق فهم.
قوله
«قده» : فلا يلزم الدور.
اذ معرفة الخاص
موقوفة على معرفة العام ومعرفة العام ليست موقوفة على معرفة الخاص كما هو واضح.
قوله
«قده» : وهو يتناول ما اذا اتحد المعنى ـ الخ.
فيه ما سبق منا
آنفا من ان ظاهر المناسبة يقتضي نحوا من المغايرة فلا تغفل.
قوله
«قده» : فترتقي الأقسام الى خمسة عشر قسما.
وهي هذه : الأول
زيادة حرف ، الثانى زيادة حركة ، الثالث
نقصان حرف ،
الرابع نقصان حركة ، الخامس زيادة حرف وحركة ، السادس زيادة حرف ونقصان حرف ،
السابع زيادة حرف ونقصان حركة ، الثامن زيادة حركة ونقصان حرف ، التاسع زيادة حركة
ونقصان حركة ، العاشر نقصان حرف ونقصان حركة ، الحادي عشر زيادة حرف زيادة حركة
نقصان حرف نقصان حرف ، الثاني عشر زيادة حرف زيادة حركة نقصان حركة ، الثالث عشر
زيادة حرف نقصان حرف نقصان حركة ، الرابع عشر زيادة حركة نقصان حرف نقصان حركة ،
الخامس عشر زيادة حرف زيادة حركة نقصان حرف نقصان حركة. فالاقسام الوحدانية اربعة
، والأقسام الثنائية ستة ، والأقسام الثلاثية اربعة ، والقسم الرباعي واحد.
والطريق السهل في بيان الأقسام الثلاثية هو ان الأمر الذي لوحظ التغيير به لما كان
اربعة فاذا قطع النظر عن كل واحد منهما يبقى ثلاثة ، ففي كل مرة يحط واحد معين
فيبقى الباقي ، فيحط الأربع اربع مرات ، فظهر كون اقسام الثلاثي اربعة.
قوله
«قده» : بل البحث هنا ـ الخ.
يعني ان البحث من
حيث الهيئة لا من حيث المادة لأنه وظيفة اللغوي ، ولا من حيث الكيفية للاشتقاق
لأنه وظيفة الصرفي.
قوله
«قده» : وفسر الحال بأواخر زمان الماضي ـ الخ.
الظاهر منه قدسسره كون هذا تفسيرا مغايرا للتفسير الأول ، وهو اوائل زمان
الاستقبال. ولكن لا يخفى انه يمكن كونهما تفسيرا واحدا ، حيث انه لا يعقل ان يكون
المراد بأواخر الماضي الجزء الآخر منه لأنه ماض قطعا فلا يكون حالا ، فلا بد وأن
يكون المراد بالآخر نفاد الماضي ، كما ان المراد بأوائل زمان الاستقبال لا يمكن ان
يكون الجزء الأول من
زمان الاستقبال
لأنه مستقبل جزما ، فالحال زمان يكون نفاد الماضي وسابقا سبقا ذاتيا على الاستقبال
ـ فافهم إن شاء الله ان كنت من اهله.
قوله
«قده» : فان عدم مساعدة ـ الخ.
لأن المأخوذ في
عنوان النزاع انما هو ان اطلاق المشتق على الذات المتصفة بمبدئه في الماضي ، ولا
ريب في ان المراد بالاطلاق الاستعمال ، ولا ريب ايضا في ان الافعال والمصادر
المزيدة لا تكون مطلقة ومستعملة في ذات متصفة بالمبدإ ، لان الذات ليست مأخوذة في
الأفعال والمصادر ، وليست الأفعال والمصادر عنوانا لها. وبعبارة اخرى ليس معنى
الافعال والمصادر المزيدة الذات المتلبسة بالمبدإ ولا عنوانا بسيطا للذات ، فلا
يشملها عنوان النزاع ، وهذا بخلاف سائر المشتقات ، مثلا مسجد مكان متلبس بالسجود ،
وهكذا فتبصر.
قوله
«قده» : واحتجاج بعضهم باطلاق اسم الفاعل عليه.
حيث يقول ـ كما
سيأتي ـ ان النحاة اطبقوا على انه اسم فاعل ، وظاهر التسمية يقتضي ان يكون الموصوف
فاعلا حقيقة.
قوله
«قده» : لعدم ملائمة جميع ما اورده ـ الخ.
يعني لا يلائم
التمثيل باسم الفاعل ، والاحتجاج باطلاق اسم الفاعل عليه مع تعميم النزاع لما عدا
اسم الفاعل وما بمعناه.
وفيه : ان التمثيل
لا يدل على الحصر ، وكذا الاحتجاج المذكور ، اذ مجرد انه كان يمكن التمسك باطلاق
بقية المشتقات ايضا ولم يتمسك به لا يصح ان يستظهر ان محل النزاع ومورد التشاح هو
خصوص اسم الفاعل
وما بمعناه مع
اطلاق عنوان النزاع ، مضافا الى ان بعضهم ذكر من الثمرة كراهة الوضوء بالماء
المسخن بالشمس بعد زوال سخونته وعدمها. فيظهر منه ان النزاع جار أيضا في عدا اسم
الفاعل ـ فافهم.
قوله
«قده» : خص موضوع النزاع ـ الخ.
يعنى ان اسم
الفاعل يكون على نحوين : قسم منه يكون بمعنى الحدوث كالضارب حيث لا يكون المقصود
بقاء الضرب وثبوته بل يكفي مجرد حدوثه ، وقسم آخر منه يكون بمعنى الثبوت والبقاء
كالمؤمن والكافر والأبيض والأسود والحر والعبد ، فخص التفتازانى النزاع بالأول ،
وأما الثانى فلا بد فيه من ثبوت المبدأ وعدم انقضائه وإلّا كان مجازا قولا واحدا ،
وهذا القسم الثاني قد يكون عدم ثبوته وبقائه بطريان ضد وجودي ، وهو المعبر عنه
بالمنافى ، كالأبيض يكون عدم بقاء المبدأ فيه بعروض السواد وهو ضد للبياض ، اذ
الضدان امران وجوديان يكون بينهما غاية الخلاف ، ويندرجان تحت جنس واحد قريب ، وقد
يكون بانتفاء المبدأ وتحقق نقيضه وعدمه كالمؤمن والكافر ، حيث ان الايمان يزول
بزوال الاعتقاد فيصير كافرا وان لم يعتقد بشيء ، فالكفر هو عدم الملكة ، وليس
يعتبر فيه وفي زوال الايمان طريان الاعتقاد بالباطل. وبعبارة اخرى يكفي في الكفر
الجهل البسيط بما يجب ان يعتقد به ولا يعتبر الجهل المركب ، وكذلك الحر والعبد ،
حيث ان الحرية هو زوال الرقية وعدمها ، وليست بعروض امر وجودي.
وبالجملة فالقسم
الثاني من اسم الفاعل الذي يكون بمعنى الثبوت والبقاء يعتبر في صدقه حقيقة في بعضه
عدم طريان الضد الوجودي وفي بعضه عدم ارتفاع المبدأ عنه واتصافه به بالفعل ـ فافهم.
قوله
«قده» : وبعضهم خصه ـ الخ.
هذا البعض خص
موضوع النزاع بما لم يتصف الحمل بالضد الوجودي وجعل المتصف به مجازا لا اتفاقا
مطلقا ، من غير فرق بين الاسم الفاعل بمعنى الحدوث او بمعنى الثبوت ، فالنسبة بين
هذا التخصيص وما منعه التفتازاني عموم وخصوص من وجه ، فالمورد الذي اجتمعت كلمتهما
على خروجه عن محل النزاع هو اسم الفاعل بمعنى الثبوت الذي اتصف بضد وجودي ، فهو
مجاز اتفاقا على قولهما ، والمورد الذي قال التفتازاني بخروجه عن محل النزاع هو
اسم الفاعل بمعنى الثبوت الذى لم يطرأ عليه ضد وجودي بل ارتفع المبدأ عنه ، فهو
قائل بكونه مجازا اتفاقا دون البعض ، والمورد الذي قال البعض بخروجه عن محل النزاع
هو اسم الفاعل بمعنى الحدوث الذي اتصف بالضد الوجودي ، فهو قائل بكونه محل وفاق
مجازيته دون العلامة التفتازاني ـ فتبصر.
قوله
«قده» : ان الاجماع لو كان منعقدا ـ الخ.
ربما ينسبق الى
الوهم ان المقدم في هذه القضية الشرطية ملزوم لنقيض تاليها ، فكيف ادعى الملازمة
بينه وبين عينه ، لأن الاجماع الشرعي لو كان منعقدا كان المنع عن التسمية للمنع
الشرعي دون الوضعي.
ولكن الوهم مندفع
بأن الاجماع الشرعي لما كان دليلا فكان الأولى ان يجيب بأن المنع لدليل ، ولم يفرق
بين الشرعي والوضعي ، لأنه اذا قام الدليل ـ ولو من جانب الواضع ـ فلا بد وان يتبع
ويقتص اثره ، وهذا لا يقتضي المنع في غير مورد الدليل ، ومورد الدليل هو المؤمن ،
فليس يصح اطلاقه على المنقضى عنه المبدأ ، واما البواقى فلم لا يصح اطلاقها.
والوجه الذي تشبث
به المحتج في التعدية والتسرية تخريج من عند نفسه واستنباط للعلة وقياس فلا يسمع.
والأظهر في وجه
الملازمة ومعنى العبارة هو أن الظاهر من لفظ الاجماع المستدل به لما كان ظاهرا في
اجماع العلماء الباحثين عن اوضاع الألفاظ وتميز الحقائق عن مجازاتها لا الاجماع
الشرعي ، وحمله المجيب على خلاف ظاهره ، ولو كان منعقدا لما تعسف واحتاج الى جواب
آخر ـ فافهم مستمدا من علام الغيوب.
قوله
«قده» : وان اريد اجماع اهل اللسان ـ الخ.
عطف بحسب المعنى ،
فكأنه قال : ان اريد اجماع اهل الشرع فكذا وان اريد اجماع العلماء فكذا ، على حسب
المعنيين اللذين احتملناهما في المعطوف عليه ، وان اريد اجماع اهل اللسان فهو لا
يقتضي ان لا يكون ما جمعوا عليه مخلا للخلاف بين العلماء ، لأن اجماعهم لما لم يكن
حجة جاز وقوع الخلاف فيما اجمعوا عليه.
وظهر بما ذكرنا من
كون المراد بوقوع الخلاف وقوعه من العلماء دون وقوعه من اهل اللسان ، فلا مجال
لتوهم ان هذه القضية الشرطية ايضا الملازمة ثابتة بين المقدم ونقيض التالي دون
المقدم وعين التالي وإلّا لزم اجتماع النقيضين.
قوله
«قده» : وفيه ان الكلام فى وضع المشتق من حيث نفسه ـ الخ.
مقصوده ان كلامنا
في وضع المشتق ليس من حيث مقتضى تركيبه بل من حيث نفسه ، ومعلوم ان كونه محكوما
عليه او محكوما به انما هو بحسب التركيب ،
ومع كونه بحسب
التركيب فلا ريب في ان تلك الدلالة ليست مستندة الى كونه محكوما عليه ، لحصول
الانتقاض في صورة ارادة العهد مع كونه محكوما عليه ، بل انما جاءت من قبل كون
المشتق كليا متناولا لجميع افراد طبيعته. وبعبارة اخرى مطلقا اريد به العموم بسبب
مقدمات دليل الحكمة. وبعبارة ثالثة جاءت من قبل كون الكلام من قبيل القضية
الحقيقية التي يكون المحمول فيها محمولا على جميع افراد طبيعة الموضوع ، سواء كانت
تلك الأفراد محققة او مقدرة لا من قبيل القضية الخارجية.
فظهر انه لو اعتبر
الكلية العموم والسراية والشمول بدل كونه محكوما عليه لكان اقرب ، اذ بها يتفاوت
الأمر دون كونه محكوما عليه ، وان كان ذلك الاعتبار ايضا فاسدا ، اذ التفاوت انما
جاء من قبل تركيب المشتق لا من قبل نفسه ، ومحل النزاع هو الثاني.
قوله
«قده» : لا يقتضي بظاهره تخصيصه بالمحكوم به.
لامكان جريان
النزاع في متعلقات الكلام وان لم يكن محكوما به. وفيه : انه ليس الغرض هو النزاع في المحكوم به ، بل الغرض
كون المحكوم عليه خارجا عن محل النزاع.
قوله
«قده» : سواء صادف حال النطق اولا.
اي سواء صادف زمان
الاتصاف حال النطق ام لا. ولا يذهب عليك ان الأقسام المحتملة تسعة لأن احتمالات
النطق ثلاثة واحتمالات الاتصاف والتلبس ايضا ثلاثة ، واذا ضربت الثلاثة في الثلاثة
يصير تسعة ، واحد منها مراد بقوله «صادف حال النطق» والثمانية الباقية داخلة في
قوله «ام لا» بأخذ السلب المستفاد منه اعم من السلب بانتفاء الموضوع منه
بانتفاء المحمول.
مثلا : اذا صادف
ماضي زمان التلبس او مستقبله حال النطق يكون السلب بانتفاء الموضوع ، اذ لا يكون
زمان الاتصاف مرادا حتى يكون السلب بانتفاء المحمول.
بل اقول : لا حاجة
الى اعتبار السلب اعم بل لا يكون إلّا بانتفاء المحمول ، لأن المناط في وجود
الموضوع هو وجوده النفسي الذي هو مفاد كان التامة ، وهو موجود هنا لأن زمان
الاتصاف موجود سواء اريد ام لم يرد. نعم الوجود الرابط الذي هو مفاد كان الناقصة
لمفهوم المراد بالنسبة الى زمان الانصاف غير موجود ، وهو غير مضر ولا قادح.
قوله
«قده» : ومن هنا يظهر.
اي من قولنا :
سواء صادف ام لا.
قوله
«قده» : والأولى ان تؤخذ الأزمنة الثلاثة ـ الخ.
يعني ان الماضي في
الوجه السابق هو ما كان الاطلاق باعتبار كونه بعد الانصاف وبعدية الاطلاق للانصاف
، وان كانت ملازمة لقبلية الاتصاف وما ضويته ، إلّا ان التعبير بها تعبير بما
يلازم الشيء ، فكان الأولى التعبير بنفس الشىء ، بأن يقال الماضى ما تقدم حال
التلبس على الاطلاق ، وكذا في الاستقبال بأن المستقبل ما تأخر حال التلبس عن
الاطلاق لا ما كان الاطلاق قبلها كما كان في الوجه السابق.
فظهر أن الفرق بين
الوجهين اعتباري ، وظهر ان المناط في بيان هذا الفرق الاعتباري هو ما ذكره قدسسره بقوله «فالماضي ما تقدم عليه» الخ ، لا ما ذكره بقوله «فالأولى»
، حيث ان ما ذكره بقوله «فالأولى»
الى قوله «فالماضى»
هو ما به الاتحاد بين الوجهين لا ما به الاختلاف كما لا يخفى. والحاصل ان قوله «فالماضى»
الخ ليس تفريعا على ما تقدم بعد تمامية بيانه كما هو ظاهر العبارة ، بل من متممات
الفرق بل هو الفارق ـ فافهم بعون الله.
قوله
«قده» : ان مفهوم الزمان خارج ـ الخ.
مقصوده بيان كيفية
اخذ الزمان في المشتق وبيان فرقه مع الفعل. وليعلم انه لا يمكن ان يكون وجه الفرق هو الوضع وعدمه ، بأن
يكون الزمان معتبرا في الموضوع له في الفعل وغير معتبر في المشتق ، كما ينبئ بهذا
قوله «وصفا» ، لأن الزمان ان لم يكن معتبرا في المشتق بحسب الوضع فكيف يتصور فيه
الحقيقة والمجاز بحسبه كما لا يخفى.
ولا يمكن ان يكون
وجه الفرق هو أن الزمان مقصود للواضع وغرضه في المشتق ومعتبر في الموضوع له في
الفعل ، كما يشعر به قوله «فالفاعل مثلا انما وضع ليطلق» الخ ، اذ نقض غرض الواضع
وقصده لا يوجب التجوز بعد ما لم يكن مأخوذا في الموضوع له ، غاية الأمر انه لا يصح
للتابع نقض غرض متبوعه للزوم الخلف او التناقض. فالذي هو مناط الفرق هو كون الزمان
جزءا من مدلول الفعل وقيدا خارجا من مدلول المشتق ، فيكون مراده قدسسره بقوله «باعتبار الصدق والاطلاق» كون المشتق باعتبار هيئته
مأخوذا في معناه الزمان على سبيل الشرطية والتقييد لا على نهج الشرطية والجزئية ـ فافهم
بعون ملهم الحق والصواب.
قوله
«قده» : ان كان مأخوذا من المبادئ المتعدية ـ الخ.
يمكن ان يكون
مراده من التعدية وعدمها ما هو بحسب مصطلح اهل
العربية ، ولكن لا
يلائمه التمثيل للأول بمتصرف حيث انه لازم بحسب الاصطلاح ، وللثاني بنحو عالم
وجاهل حيث انهما متعديان ، إلّا ان يقال بأن المقصود منهما التلبس بالعلم والجهل
من غير تعلق الغرض بتعلقهما بشيء خاص كما ربما يقال في اكول. ولكن الأظهر الأنسب
ان يكون مراده بالتعدية وعدمها المعنى اللغوي ، بأن يكون المراد وقوع فعل الفاعل
على شىء بحسب الخارج ، فلا ينتقض بمتصرف ، لأنه وقع من المتصرف بسبب تصرفه شىء على
غيره ، ولا ينتقض بعالم وجاهل حيث انه لم يقع من الفاعل فعل خارجي على الغير.
قوله
«قده» : ناشئ من تعدد الوضع.
بأن وضعت الهيئة
بالوضع النوعي للمبادئ المتعدية للقدر المشترك وبوضع نوعي آخر للمبادئ الغير
المتعدية لخصوص الحال.
قوله
«قده» : او من تركب الهيئة مع المواد المتعدية ـ الخ.
هذا انما يتم على
مقالة من ذهب الى الوضع للمركبات ، واما على مذهبه قدسسره كما هو الحق من عدم وضع لها فلا ، اذ بعد ما لم يكن تفاوت
في وضع الهيئة ولا في وضع المادة كما هو المفروض ، فمن اين يجىء الاختلاف
والتفاوت.
قوله
«قده» : بشأنية المبدأ وقوته.
لا تتوهم من لفظ «القوة»
و «الشأنية» ان المراد بهما القبول والاتصاف بل المراد الفاعلية والايجاد والايجاب
، والقوة تكون على قسمين : قوة منفعلة ، وقوة فاعلة. والمقصود هنا الثاني ، ونسبة
الشيء الى فاعله بالوجوب
والى قابله
بالامكان ـ فافهم.
قوله
«قده» : حيث لم يثبت استعمالها في خصوص الحال ـ الخ.
مقصوده قدسسره ان المشتق في المبادئ المتعدية لم يثبت استعماله في خصوص
الحال ، بل الثابت اطلاقه على الماضى وعليه ، فيكون من الموارد التي يكون المستعمل
فيه فيها واحدا ، والأصل فيها الحقيقة بالنسبة الى ذلك المعنى الواحد ، فيكون
مشتركا معنويا ، ولا يلزم محذور الاشتراك اللفظي ولا المجازي. واما المشتق في
المبادئ الغير المتعدية فقد ثبت استعماله في خصوص الحال ، فلو أريد اثبات المشترك
المعنوي فلا يكون من موارد تلك القاعدة ، اذ المعنى المستعمل الذي يمكن كونه
موضوعا له متعدد ، وهو القدر المشترك وخصوص الحال ، فلو كان حقيقة في القدر
المشترك فيلزم المجاز لو لم يكن موضوعا لخصوص الحال والحال انه استعمل فيه ، او
الاشتراك اللفظي لو كان موضوعا له ايضا.
قوله
«قده» : فبأن المدار في التسمية عندهم ـ الخ.
حاصله ان لفظ
الفاعل موضوع عند اهل العربية لما كان على زنة فاعل ولو كان ذلك الكائن على زنة
الفاعل مجازا ، فاطلاق اسم الفاعل عليه حقيقة وان كان ذلك المطلق عليه مجازا
باعتبار كونه لفظا موضوعا لخصوص الحال ، فاستعمل في غيره.
وبالجملة هناك
لفظان : احدهما حقيقة وهو لفظ الفاعل ، والآخر لفظ المشتق الذي هو مسمى بذلك الاسم
وهو فاعل ، وان كان هذا الآخر مجازا بالنسبة الى معناه ، فالمغالطة ناشئة من اخذ
ما بالعرض مكان ما بالذات فافهم واستقم.
قوله
«قده» : انه يصدق السلب المطلق ـ الخ.
توضيحه هو انه لا
ريب في انه يصح السلب في الحال ، وهو اخص من السلب المطلق ، ولا شبهة في انه اذا
صدق الأخص يصدق الأعم ، لأن الأخص لا ينفك عن الأعم والمطلق ، واذا صدق السلب
المطلق يتحقق علامة المجاز وخاصته.
فان قيل : ان
الثبوت في الحال اخص من الثبوت المطلق ، ونفي الأخص لا يستلزم سلب الأعم ، بداهة
ان انتفاء الخاص لا يستلزم انتفاء العام ، لامكان تحقق العام في ضمن خاص آخر ،
فاستنتج ان السلب في الحال لا يستلزم السلب المطلق ، وهو نقيض لما استنتج من
المقدمات السابقة.
قيل ان الحال ليس
قيدا للمنفى حتى يكون المنفى خاصا لا يستلزم نفيه نفى العام بل قيد للنفى ، فنقول
: ان النفى المقيد بكونه في الحال يستلزم النفى المطلق.
فان قيل : هو ايضا
لا يستلزمه. وبعبارة اخرى كما لا يستلزم نفى المقيد نفي المطلق كذلك لا يستلزم
النفى المقيد النفى المطلق ، لجواز تحقق نفى مقيد واثبات مقيد ، اذ من الواضح انه
يجوز ان ينفى في وقت شىء ويثبت في آخر. مثلا يقال «ليس إلّا ان زيدا بقائم وكان
امس قائما» ، ولا تناقض.
قيل : نعم لا
تناقض بحسب العقل ، حيث ان الزمان لما كان من المشخصات فبالحقيقة صار القيام
قيامين : قيام مسلوب في الحال ، وقيام مثبت فى الأمس. وهذا بخلاف ما نحن فيه ، حيث
ان المناط في صحة السلب عن المعنى المجازي هو خروجه عن المعنى الموضوع له ، وهو لا
يتفاوت
بمجرد اختلاف
الزمان وتفاوته ما لم ينضم اليه وضع آخر ، فاذا لم ينضم اليه الوضع وصح السلب في
الحال فيصح السلب في جميع الأوقات. وهذا هو المقصود من قوله : كيف لا ينافي وصريح
العرف واللغة يحكم بالتكاذب بينهما ، فاذا صح السلب المطلق كان مجازا.
ومحصل ما اجيب عن
هذا الذي انتهى اليه امر الاحتجاج هو ان المقصود ان كان صحة السلب وصدق السلب
المطلق بل المقيد بحسب اللغة بمعنى ان الخاص ليس بموضوع للمشتق فهو ممنوع ، اذ هو
اول الكلام ، اذ هو مصادرة على المطلوب الأول ، وان اريد صدق السلب بحسب العقل في
الحال فهو وان كان حقا إلّا انه لا ينافي كون المسلوب عنه عقلا موضوعا له يكون غير
مسلوب عنه وضعا كما هو واضح.
هذا توضيح المرام
في هذا المقام ، ولا يذهب عليك ان المصنف قدسسره ذكر الحجة والجواب عنها والايراد على الجواب كلها كأنها من
المحتج ، وهو بنفسه من باب سد الثغور اورد واجاب ، وليس الأمر كذلك كما لا يخفى
على من راجع عبارة العضدي حيث قال : المشترطون مطلقا قالوا لو كان المشتق حقيقة
بعد انقضائه لما صح نفيه ، وقد صح ، اذ يصح نفيه في الحال وانه يستلزم النفي مطلقا
، لأن النفي في الحال اخص من النفي في الجملة ، وكلما صح الملزوم صح اللازم.
والجواب لا نسلم ان نفيه في الحال يستلزم نفيه مطلقا ، فان الثبوت في الحال اخص من
الثبوت ، والمنفى في نفيه في الحال هو الثبوت في الحال ، وفي نفيه هو الثبوت مطلقا
، والثبوت في الحال اخص من الثبوت ، ولا شك ان نفي الاخص لا يستلزم نفي الأعم. وقد
يجاب عنه بأن المراد النفي المقيد بالحال لا نفي المقيد بالمآل. فان قيل : فاللازم
النفي في الجملة ولا ينافي الثبوت في الجملة. قلنا : ينافيه لغة للتكاذب لهما
عرفا. والجواب انه
لو ادعى صدقه على
اطلاقه لغة منعناه او عقلا فلا ينافي ـ انتهى.
ولا يخفى ان مراد
المحتج من الاطلاق في قوله «النفي مطلقا» هو الاطلاق اللابشرطي المقسمى لا الاطلاق
بمعنى الكلية والتعميم والمعنى بشرط بشيء ، كما يدل قوله «اخص من النفي في الجملة»
وكما في العبارة التي نقلها المصنف قدسسره ، وهو قوله «اعنى السلب في الجملة» وحينئذ فلا مجال
للايراد عليه بأن الثبوت في الحال اخص من الثبوت مطلقا ، ونفي الأخص لا يستلزم نفي
الأعم ، اذ لا شبهة في ان نفي الأخص لا يستلزم نفي الأعم المقيد بالكلية والتعميم
والبرهان في جميع الأفراد ، ولكن يستلزم نفي الأعم الغير المقيد بشىء الذي هو معنى
لا بشرطي الغير المرهون بالسريان والعموم ولا عدم العموم والسريان ، اذ لا ريب في
ان الخاص لا يوجد بدون العام والقسم بدون المقسم والجزئي بدون الكلي ، فالمغالطة
نشأت من عدم الفرق بين معنيي الاطلاق ، وحينئذ فيكون حاصل غرض المحتج انه اذا أطلق
المشتق في الحال على ذات انقضى المبدأ عنها ، فلا ريب في انه يصدق سلب المشتق في
الحال على المنقضى عنه المبدأ ، وحينئذ فقد تحقق صحة السلب فى الجملة ، وهي علاقة
المجاز وخاصته ، اذ لا يعتبر في صحة السلب على وجه الكلية والعموم وإلّا لم يتحقق
اصلا ، بداهة ان اللفظ لا يصح سلبه عن المعنى الموضوع له. وهنا وان كان الضرب
متحققا في الماضي وكان اطلاق الضارب في ذلك الزمان وباعتباره حقيقة لا يصح السلب
عنه إلّا انه يصح السلب في الحال ، فيكون ذلك الزمان محققا للحقيقة وهذا الزمان
محققا للمجاز. وهذا نظير الأسد ، حيث يصح سلبه عن الرجل الشجاع ولا يصح سلبه عن
الحيوان المفترس ، ولا يعتبر صحة السلب بالنسبة اليه بل لا يصح.
فظهر أن العلامة
صحة السلب المطلق بمعنى في الجملة لا بمعنى العموم
والكلية ، وظهر
أيضا من مطاوي كلامنا فساد ما اجيب به عن ذلك الايراد ، بأن المراد النفي المقيد
بالحال لا نفي المقيد بالحال ، ضرورة ان الحال اذا كان قيدا للنفي ايضا فلا يلزم
النفي المطلق بمعنى العموم والشمول والسريان. نعم يستلزم النفي المطلق بمعنى في الجملة ، فلا فرق اصلا
بين اخذ الحال قيدا للنفي او للمنفى.
وما وجهنا به
سابقا استلزام النفي المقيد للنفي المطلق بمعنى العموم ، فانما هو في خصوص المقام
ومن باب المقارنة الاتفاقية لا من باب الاستلزام ، لأنه لا ريب في انه اذا لم يكن
معنى موضوعا له ويصح السلب عنه في وقت ، فاذا قارنه الوضع في زمان آخر فلا يصح
السلب وان لم يقرنه الوضع فيصح السلب فى ذلك الزمان الآخر.
وبعبارة اخرى :
اذا لم يتحقق الشيء بوجوده النفسي او الرابطي في جميع الأوقات فلا ريب في ان عدمه
في كل وقت فرض ليس مستلزما لعدمه في وقت آخر لتساويهما ، فلا استلزام بينهما ، ولا
يكون عدمه في وقت خاص ايضا مستلزما للعدم المطلق بمعنى العموم والكلية ، فاذا اتفق
بقاء الأعدام بأسرها فلا محالة يتحقق العدم المطلق ولكنه لا يستند الى عدم خاص ،
غاية الأمر انه قد تحقق العدم حين تحقق العدم الخاص من باب الصحابة الاتفاقية ،
وإلّا فليس ذلك العدم المطلق مستندا الا الى عدم علة الوجودات.
وفيما نحن فيه اذا
صح السلب في الحال فلا ريب في انه باعتبار المعنى ليس بموضوع له ، فما لم يكن
المعنى موضوعا له ولم يصر اياه يصح السلب من غير فرق بين الحال وعدمه ، فليس السلب
مستندا في الحال الا على وجه المقارنة الاتفاقية. ولعل المجيب اراد هذا النحو من
الاستلزام ـ فافهم واستقم.
قوله
«قده» والتحقيق في الجواب ان يقال ـ الخ.
فيه اشعار بكون
الجواب الذي ذكره بقوله «واجيب بأنه ان اريد الصدق بحسب اللغة فممنوع» على خلاف
التحقيق. وجهه ان ذلك المجيب سلم استلزام قولنا «ليس بضارب الآن» لقولنا «ليس
بضارب» إلّا انه منع صدقه بحسب اللغة ، والمصنف قدسسره منع الاستلزام ، فيكون الاستلزام الذى سلمه المجيب باطلا.
وتوضيح هذا الجواب
التحقيقي هو انه ان اريد صدق قولنا «ليس بضارب الآن» مستلزم لصدق قولنا «ليس بضارب»
فهو ممنوع لأن قولنا «ليس بضارب» سلب الكلى والمطلق فيكون عاما. وبعبارة اخرى يكون
سلبا كليا ، وليس مجرد سلب مطلق اي سلبا في الجملة ومطلق السلب الذي هو متحقق في
ضمن السلب الجزئي. ولا شبهة ان الاستلزام انما هو في الثاني ، ضرورة ان الجزئي
يستلزم الكلي الطبيعي والماهية الابهامية ، والقضية الجزئية تستلزم القضية المهملة
، كما ان المهملة تستلزم الجزئية وتكون في قوتها ، واما الأول فلا ريب في عدم تحقق
الاستلزام ، بداهة ان السلب الجزئي لا يستلزم السلب الكلى والسالبة الجزئية لا
تستلزم السالبة الكلية ، لصدق السالبة الجزئية مع الموجبة الجزئية ، ومعلوم ان
الضارب لما كان موضوعا للقدر المشترك بين الماضي والحال فنفيه لا يصلح إلّا بنفي
فرديه ، والمفروض ان ايجاب المقيد متحقق لأنه تحقق زيد ضارب في الماضي. ومعلوم ان
الايجاب الجزئي متناقض للسلب الكلى ، وبعد ما تحقق الايجاب الجزئي فيرتفع السلب
الكلى ، ضرورة استحالة اجتماع النقيضين.
وان اريد أن صدق
قولنا «ليس بضارب الآن» مستلزم لصدق قولنا «ليس بضارب» في الجملة فالاستلزام مسلم
، لما ذكرنا من استلزام
الجزئية للمهملة
والجزئي للكلى الطبيعي والعام للخاص ، ولكن نمنع المنافاة بين قولنا ليس بضارب في
الجملة وقولنا الضرب ثابت في الجملة أو انه ضارب ، بداهة ان المهملتين المذكورتين
تكون في قوة جزئيتين ولا منافاة بين جزئيتين احداهما سالبة والأخرى موجبة ، فاذا
لم تتحقق المنافاة وصدق الايجاب الجزئي بالنسبة الى الماضي فلا يكون سلب بالنسبة اليه
وإلّا لزم اجتماع النقيضين ، فاذا لم يكن صحة السلب فلا يكون مجازا. هذا غاية
توجيه كلامه وتوضيح مرامه.
وانت خبير بأن هذا
الجواب ليس له مساس بالحجة على ما صنعه قدسسره ، حيث خلط الجواب عنها والايراد عليه بها ، اذ صار المحصل
بعد ما صنع ما صنع ان النقي المقيد والسلب المقيد يستلزم السلب المطلق لا ان نفي
المقيد يستلزم سلب المطلق ، فلا بد في الجواب من منع الاستلزام بين السلب المقيد
والسلب المطلق.
وهذا الجواب كما
هو ظاهر كلامه او صريحه هو منع الاستلزام بين السلب المقيد والسلب المطلق ، حيث
يقول : لأن ذلك السلب المطلق. ويقول : ففيه لا يصدق عقلا ولا لغة الا حيث ينتفي بكلا
فرديه.
وأما بناء على
الخلط فالجواب وان كان مرتبطا بأصل الحجة إلّا ان الشق الاول الذي ذكره في هذا
الجواب وهو قوله قدسسره «ان اريد ان صدق
قولنا ليس بضارب» الخ ، ليس إلّا ما ذكره قدسسره سابقا بقوله «لا يقال ثبوته في الحال اخص من ثبوته مطلقا»
فنفى الأخص لا يستلزم نفي الأعم.
اللهم إلّا ان
يقال جعله جوابا آخر ، هو ان ذلك المجيب ـ وهو العضدي الذي ذكر المصنف حاصل جوابه
بقوله «لا يقال» الخ ـ اقتصر على الشق الأول ، والمصنف «قده» ابدى الاحتمالين واظهر
الشقين ، وهما
كون المراد من
الاطلاق في قول المحتج الاطلاق المقيد بالعموم والسريان والشمول كما هو الشق الأول
، او الاطلاق اللابشرطي المقسمي كما هو الشق الثاني.
هذا كله مضافا الى
ان للمحتج ان الشق الثاني كما هو واقع مراده كما اشرنا اليه سابقا ، ويدل عليه قوله
«اعني السلب في الجملة» ، ولا يرد عليه ما اورد قدسسره ، فيقول المحتج مقصودى انه اذا صدق السلب في الحال صدق
السلب في الجملة ، واذا صدق السلب في الجملة يكون مجازا ، ولا ينافي كونه حقيقة
لاستحالة تخلف الخاصة عن ذيها ، بل وجود ضده وان لم يناف هذا السلب في الجملة
للايجاب في الجملة ، ضرورة عدم امتناع اجتماع السلب الجزئي والايجاب الجزئي ، ولم
يناف هذا السلب في الجملة الذي هو علامة المجاز بالنسبة الى الماضي ، لعدم صحة
السلب في الجملة بالنسبة الى المتلبس والمتصف بالمبدإ ، فيكون حقيقة فيه ، اذ لا
تقابل ولا امتناع في كون لفظ حقيقة بالنسبة الى معنى ومجاز بالنسبة الى آخر ـ فافهم
واشكر ربك الأعلى تبارك وتعالى فانه هو المفيض للخيرات ، له الحمد والمنة.
قوله
«قده» : واجيب بأن مبنى العرف ـ الخ.
الحق في الجواب أن
يقال : ان المبدأ باق لم ينقض ولم يتصرم بحسب الدقة العقلية والمداقة الفلسفية.
بيان ذلك : هو ان الباحث عن حقائق الأشياء لا بد وان يطلب لكل شيء وجوده الخاص به
وإلّا لم يكن شيء موجودا. مثلا : اذا طلب للممكن الوجود الخاص بالواجب عزّ اسمه لم
يكن وكذا العكس والعياذ بالله ، واذا طلب للموجودات القارة المجتمعة اجزاؤها في
الوجود الخارجي الوجود الغير القار لم تكن موجودة ،
وكذلك لا بد وان
يطلب للموجودات الغير القارة وجودها الخاص بها وإلا لم تكن موجودة فضلا عن بقائها
، ولا ريب في ان تلك الموجودات باقية ما دام جزء منها يكون باقيا ، بل لها الضرورة
بشرط المحمول ، فهي موجودة باقية بلا شائية مسامحة عرفية ، بل القول بانقضائها
وعدم بقائها مغالطة ناشئة من الخلط بين حال الشيء وحال اجزائه.
بل نقول : ان
الاتصال الوجداني مساوق للوحدة الشخصية ، فليس في مثل الحركة مثلا الا هوية واحدة
شخصية متصرمة مقتضية ، فليس وجودها ولا بقاؤها الا على وجه التصرم ونحو الانقضاء ـ
فافهم ما ذكرنا وان بعد عن الأفهام.
قوله
«قده» : ورجع نزاعه الى اللفظ ـ الخ.
يعني ان النزاع
يكون لفظيا يختلف مورد النفي والاثبات ، فمعتبر البقاء يعتبر البقاء العرفي
المسامحي ، والذي لا يعتبر البقاء يريد البقاء العرفي. وفيه نظر يظهر مما فصلناه
آنفا.
قوله
«قده» : ولكن لا ينهض دليله حينئذ على دعواه.
لكون دليله اخص من
مدعاه ومطلوبه كما هو ظاهر ، ويكون مغالطة ناشئة من أخذ ما ليس بعلة مكان علة.
قوله
«قده» : لا يثبت المدعى.
لأن مبادئها
بالحقيقة هي ملكات المبادئ لا نفس المبادئ ، وتلك الملكات باقية وان كانت المبادئ
منقضية ، فالمغالطة ناشئة من اشتباه ما بالعرض بما بالذات.
قوله
«قده» : مع ما ذكر من اغلبية الاتصاف ـ الخ.
يعني انه بناء على
اعتبار نفس المبادئ دون ملكاتها ليس في الأمثلة المذكورة اغلبية الاتصاف كما ذكره
المستدل. نعم بناء على اعتبار الملكات لا مناص من اعتبار اغلبية الاتصاف بنفس
المبادئ تحقيقا للملكة.
ويحتمل ان يكون
جوابا آخر على كلا التقديرين ، اما على الأول فقد ظهر ، وأما على الثاني فلأن
المبادئ لتلك الأمثلة بالحقيقة هي الملكات ، وليس فيها اغلبية الاتصاف بالملكات ،
وانما الأغلبية بالنسبة الى نفس المبادئ وهي ليست مبادئ لتلك الأمثلة ـ فافهم.
قوله
«قده» : وتفسير الشيء بلوازمه.
لأن المفروض ان
المشتق معنى بسيط منتزع من الذات ، ومعلوم انه لا بد للمنتزع من المنتزع منه ، وهو
من الذات.
قوله
«قده» : لأن المراد بالذات والشيء ان كان مفهومهما ـ الخ.
المراد بمفهومها
الشيء العلم ، والذات الشاملة المحمولة على الذوات الخاصة والاشياء المخصوصة. مثلا
يقال الانسان شيء وذات زيد شيء وهكذا.
والمراد من
مصداقها هو تلك الاشياء الخاصة والذوات المخصوصة.
قوله
«قده» : لا يناسب وقوعه محمولا.
لأن المناسب
للمحمول هو المفهوم دون المصداق والذات.
قوله
«قده» : ان ينقلب مادة الامكان.
الاضافة بيانية ،
يعني مادة هي الامكان.
قوله
«قده» : ويدفع الاشكال بأن كون الناطق ـ الخ.
فيه : انه مستلزم
للدور المحال ، لأن التجريد عن الذات موقوف على اخذه فصلا ، حيث انه لا سبيل الى
التجريد الا كونه فصلا ، فاذا كان اخذه فصلا موقوفا ومبنيا على التجريد حسب ما
اعترف به «قده» دار كما هو واضح.
مضافا الى القطع
بأن المشتق اذا كان فصلا او عرضيا لم يتفاوت اصلا بحسب اعتبار الذات وعدمه ، فليس
معنى ناطق إلّا ما يعبر عنه بالفارسية بگويا ، ومعنى عالم الا ما يعبر عنه
بالفارسية بدانا ، من غير فرق اصلا فليس للمنطقيين عرف خاص بهم في المشتق كما هو
واضح.
قوله
«قده» : ويجاب بأن المحمول ليس مصداق الشيء ـ الخ.
فيه : انه اذا لم
يكن ثبوت القيد ضروريا فينحل ذلك المحمول المقيد الى محمولين : احدهما مصداق الشيء
والذات الذي هو محمول على نفسه بالضرورة ، اذ ثبوت الشيء لنفسه ضروري وسلبه عن
نفسه محال. والآخر القيد المحمول على ذلك المصداق الذي هو المقيد بالامكان. مثلا قولنا «الانسان
كاتب» يصير في قوة ان يقال : الانسان انسان بالضرورة ، والانسان كاتب بالامكان ،
فلا تكون تلك القضية المنحلة ممكنة وقد فرضناها ممكنة «هف» ـ فافهم.
قوله
«قده» : لأن الذات المأخوذة ـ الخ.
مقصوده قدسسره ان تقيد تلك الذات ان كان واقعيا فلا محالة لا يكون إلّا
بتحقق اسباب ذلك التقيد وعلله ، لأن المتساويين ما لم يترجح احدهما بمنفصل لم يقع
، ومعلوم ان الممكن لا بد له من علة ، فاذا تحققت العلة للتقيد فلا محالة يكون
ضروريا ، اذ الممكن حين وجوده ضروري محفوف بالضرورتين : ضرورة جائية من قبل العلة
، وضرورة بشرط المحمول. فلا جرم يكون ذلك المحمول المقيد ضروريا وان لم يكن تقيد
تلك الذات واقعيا ، فلا محالة لا يكون إلّا بانتفاء علة التقيد وارتفاعها ، فيكون
عدم التقيد ضروريا بالضرورتين ، فأين الامكان وقوله زيد الكاتب خبر لزيد مقدر
محذوف بقرينة سابقه. هذا ملخص مرامه.
وفيه : اولا انه
يلزم على ما ذكره قدسسره ان لا تتحقق قضية ممكنة خاصة ، اذ كل شيء بحسب الواقع
والخارج إما ضروري وجوده او ضروري عدمه فلا امكان. وثانيا نقول : ان المناط في كون
القضية ممكنة هو قطع النظر عن اسباب وجود الشيء وعلل تحققه وجودا وعدما ، فاذا كان
الأمر كذلك ، فاذا كان التقييد ضروريا وجودا وعدما بحسب الواقع بملاحظة الأسباب
والعلل لا يخرج عن الامكان بحسب الذات الى الضرورة والبت كما لا يخفى.
فالأولى ان كان
ولا بد من تصوير الضرورة والبت ان يقال : ان القيد وان كان ثابتا للمقيد بالامكان
إلّا ان ذلك القيد الثابت للمقيد بالامكان يكون ثابتا بالضرورة ، اذ لا يمكن ان
يكون ثبوت الامكان للممكن بالامكان وإلّا لزم ان يكون ممكنا وقد فرضناه ممكنا «هف»
ـ فافهم واستقم.
قوله
«قده» : لأن لحوق مفهوم الشيء والذات ـ الخ.
لأن مفهومها من
العوارض الغير المتأخرة في الوجود كالسرعة والبطؤ والحركة والشدة والضعف للسواد
مثلا ، فلا يوجد سواد لا يكون شديدا ولا ضعيفا ثم يعرضه في الخارج الشدة او الضعف
، وهذا بخلاف السواد والبياض للجسم حيث انه يوجد بلا سواد ولا بياض ثم يعرضه
احدهما ، والقسم الأول عارض تحليلي تعملي عقلي وإلّا في الخارج ليس عروض وعارض
ومعروض وهو خارج محمول لا محمول بالضميمة ، فهو ينتزع من حاق ذات الشيء وصميمه بلا
حاجة الى ضميمة فكأنه ذاتي لمعروضه ، ولذا قال بعض اهل المعقول : ان الوجود العام
البديهي عين في الواجب وزائد في الممكن. وليس مقصوده ان ذات الواجب تعالى مفهوم
عام بديهي ، بل المراد ان ذلك المفهوم لما كان منتزعا من ذاته المقدسة بلا حاجة
الى حيثية تقييدية انضمامه بل ولا الى حيثية تعليلية فلا جرم كان كأنه عين ذاته
لأنه منتزع عن ذاته بذاته ، وهذا بخلاف الممكن حيث يحتاج الى تقييده بالوجود والى
جاعله ، فهو المحتاج الى الحيثيتين والمفتقر الى الجهتين ، فلا يكون مفهوم الوجود
عينا له فاذا كان الأمر كذلك فلا محالة يكون مفهوم الشيئية العامة والذات العام
منتزعا عن الذوات الخاصة بذواتها ، فيكون بمنزلة الذاتي لها فيكون ضروريا لها ،
فاذا أخذ المفهوم العام في المشتق لزم ان تنقلب مادة الامكان ضرورة ، فلا وجه
لتخصيص هذا التالي الفاسد بالثاني. هذا غاية تصحيح مرامه وتوضيح كلامه زيد في علو
مقامه.
وفيه : انه وان لم
يكن عروض خارجي إلّا انه يكفيه العروض الذهني ، لأنه بحسب التحليل والعمل العقلي
لا ريب في مغايرتهما ، ويمكن للذهن ان يعرض الشيئية على الأشياء الخاصة وان لا
يعرضه ، فيكون عروضه في الذهن بالامكان ، مضافا الى ان الشيئية العامة لا يمكن ان
ينتزع من لا اشياء
الخاصة ما لم يضع
الوجود قدمه في البين ، اذ ما ليس موجودا يكون ليسا ، وقد ساوق الشيء لدين الأيسا
، فهو يحتاج الى الحيثية التقييدية ـ فافهم واستقم واغتنم.
قوله
«قده» : بساطة مدلوله.
لأن مدلوله مركب
من المعنى إلهي والمادي ، مضافا الى احتمال ان يكون شيء آخر غير الذات والشىء
مأخوذا في مدلوله ، والدليل المذكور لا ينفيه.
وفيه : ان المراد
بالبساطة بالنسبة الى اعتبار الشىء والذات ، يعني لا يكونان مأخوذين في مدلولهما ،
والدليل المذكور يثبته ، وليس المراد البساطة من كل جهة كما لا يخفى. مضافا الى
انتفاء احتمال اخذ شيء آخر في مدلوله كما لا يخفى.
قوله
«قده» : ان الفرق بين المشتق ومبدئه ـ الخ.
توضيحه : ان الضرب
المعرى عن الهيئات ان لوحظ بشرط لا ـ اعنى لا يكون معه غيره ولا يتحد معه وجودا ـ فيكون
مصدرا لا يحمل على شىء ، اذ الملاك في الحمل والمناط فيه هو الاتحاد في الوجود ،
وكيف يتحد وجود شىء اخذ بشرط لا مع شىء آخر ، فمناط الهوهوية ـ وهو الاتحاد ـ غير
متحقق وان لوحظ لا بشرط ، ومعلوم ان لا بشرط لا ينافي ألف شرط فيجتمع مع ألف شرط ،
فلا ينافي ان يكون معه غيره ويتحد معه وجودا ، فيكون مشتقا عنوانا لشىء آخر حاكيا
عنه متحدا معه.
فظهر ان المشتق
ومبدأه متحدان ذاتا ومتغايران اعتبارا ـ اعني بحسب اعتباري لا بشرط وبشرط لا ـ وهكذا
يكون الأمر في كل عرض وعرضي ،
حيث ان الأول
مأخوذ بشرط لا كالبياض والثاني مأخوذ لا بشرط كالابيض وهكذا كالفرق بين المادة
والجنس حيث انهما شىء واحد ذاتا والتفاوت بالاعتبار. مثلا في الانسان شىء يعبر عنه
تارة بالبدن وتارة بالحيوان ، إلّا انه ان اخذ بشرط لا يكون مادة وبدنا وان اخذ لا
بشرط كان حيوانا ، وهكذا الفرق بين الصورة والفصل ، فان اخذ بشرط لا يكون في
الانسان نفسا ناطقة وان اخذ لا بشرط يكون فصلا ، فليس الفرق إلّا بالاعتبار ـ فافهم
مستمدا من الله تعالى ، فان الذي ذكر حق لا ريب فيه ولا شبهة تعتريه.
قوله
«قده» : وتحقيق المقام ان حمل الشىء ـ الخ.
ما ذكره من اعتبار
المغايرة بين الموضوع والمحمول في وعاء الحمل مما لا ريب فيه ، اذ لو لا ذلك لما
افاد الحمل شيئا ، وكذلك لا ريب في انه لا بد في الحمل من اتحاد ما ، ولكن ذلك
الاتحاد إما الاتحاد ذاتا كما في الحمل الأولى الذاتي او وجودا كما في الحمل
الشائع الصناعي ، فملاك الحمل في الحمل المتعارفي الذي هو المتعارف في العلوم لا
يكون إلّا الاتحاد في الوجود ، وهو المناط في الهوهوية ، ولا شبهة في انه لا تكفي
الوحدة الاعتبارية وإلّا لصلح حمل كل شيء اذا اخذ هذا المحمول عليه مع شىء ولوحظ
فيهما وحدة اعتبارا واخذ المحمول لا بشرط ، وفساده اوضح من ان يبين بل لا بد من
الوحدة بحسب الوجود ، مضافا الى ان الوحدة الاعتبارية حال المجموع وهو الموضوع
ووصفه له ولا ربط لها بالمحمول ، فالمحمول فيم اتحد مع الموضوع وما هو المناط
والملاك ، ولا يكفي اعتبار الحمل بالنسبة الى المجموع ، اذ المحمول ليس فيه جهة
اتحاد مع الموضوع. نعم للموضوع وحدة ولا دخل لها في المحمول.
وما تخيله قدسسره من كون وحدة الانسان اعتبارية وانما هو مركب حقيقة من بدن
ونفس يكونان متغايرين في الخارج فهو خلاف الواقع ، بداهة ان البدن والنفس ليسا
كالحجر والانسان فيكون البدن كالحجر الموضوع بجنب الانسان ، إلّا انهما لوحظا شيئا
واحدا وامرا فاردا ، بل هو شيء واحد حقيقة وإلّا لم يكن موجودا ، اذ ما لا وحدة له
لا وجود له ، والوحدة عين الوجود والوجود عين الوحدة. إلّا ان يلتزم بأن الانسان
غير موجود الا اعتبارا كما انه واحد اعتبارا. وفساده اوضح.
والحق الذي لا
مرية فيه ان التركيب من الأجزاء العينية وهما المادة والصورة اتحادى لا انضمامي.
فظهر ان الحق ما افاده اهل المعقول. وما حسبه قدسسره تحقيقا خلاف التحقيق ـ فافهم واستقم.
قوله
«قده» : ان مفاد المشتق باعتبار هيئة ـ الخ.
فيه منع واضح ، اذ
لا يخطر بالبال معنى ذو وصاحب اصلا. نعم لا نضايق من كونه لازما للمعنى ، مضافا الى
انه لو كان معنى هيئة المشتق ذو فلا شبهة في ان ذو بمعنى صاحب وصاحب مشتق ، فلا بد
وان يؤخذ في مدلوله صاحب آخر ، وهو ايضا مشتق فيتسلسل ـ فافهم.
قوله
«قده» : فكما ان المال ان اعتبر لا بشرط لا يصح.
فيه : ان المال
اللابشرطي ليس إلّا المتمول ، وهو يصح حمله. نعم هذا اللفظ لما كان موضوعا للمعنى
البشرطلائى فلا يحمل.
قوله
«قده» : ومجرد استقلال احدهما بالوجود ـ الخ.
دفع دخل ، وحاصل
الدخل ان الوجه في عدم صحة حمل المال انما
هو كونه مستقلا
بالوجود ، فلو لم يكن الاستقلال الوجودي لجاز الحمل ، فعدم صحة الحمل للاستقلال
وجودا. ومحصل الدفع ان المناط في صحة الحمل لما كان هو أخذ الشيء لا بشرط حسب
الفرض وهو موجود فليصح الحمل وان كان الفرق من جهات أخر ، اذ حصول الفرق لا يضر
بعد تحقيق المناط
وفيه ما لا يخفى ،
اذ الاستقلال الوجودي لا يجامع الاتحاد في الوجود الذى هو المناط في الحمل ، وليس
اعتبار لحاظ لا بشرط الا لكونه مصححا للاتحاد. فظهر ان الاستقلال في الوجود يصلح
فارقا لكونه مانعا عن الاتحاد المصحح للحمل.
قوله
«قده» : ولا يتوهم ان ذلك يؤدى ـ الخ.
حاصل المنفي هو ان
كون معنى هيئة المشتق مفاد ذو مؤد الى كون الفصول عرضية لأنواعها ، لأن الصحابة
التي هي مفاد ذو عرض عام للأشياء المصاحبة لشىء آخر ، فيلزم أن يكون الفصل عرضا
عاما. ومحصل النفي ان هذه المشتقات ليست بفصول حتى يلزم ما ذكر ، بل الفصول معان
ذاتية بها تحصل تلك الأنواع ، وهي ليست اعراضا عامة ، فما صار عرضا عاما ليس بفصل
وما هو فصل ليس بعرض عام فلا محذور. وهذه المشتقات المأخوذة فصولا لا بد وان يستعمل في تلك
المعانى مجازا او ينقل ويستعمل فيها ، فليس فيها ذو مأخوذا.
قوله
«قده» : ولا ينبغي التمسك باستعمال اهل المعقول في اثبات الوضع واللغة.
لأن استلزامه انما
هو بحسب عرفهم الخاص او استعمال مجازي لا يثبته الحقيقة والوضع. وفيه : اولا انا
نقطع بأن الميزاني واهل المعقول لم يتصرفوا
في هذه الألفاظ
اصلا ، بل هي باقية على معانيها اللغوية من غير فرق بين استعمالهم واستعمال اللغة.
وثانيا ان هذه الألفاظ اذ جردت عن مفاد هيئة المشتق وهو ذو أو ما شئت فسمه فكيف
يكون عنوانا لشىء آخر محمولا عليه ، وهذا واضح لا سترة فيه ـ فافهم واشكر المنعام
المفضال.
قوله
«قده» : يشترط في صدق المشتق حقيقة ـ الخ.
هذا الشرط واضح
بحيث كاد أن يلحق بالبديهيات ، ومرادنا بالقيام مجرد حصول المبدأ ولو على سبيل
العينية لا القيام الذي يقتضي المغايرة الوجودية بين القائم والقائم به. والذي
ينبه على هذا هو ان المبدأ لو لم يحصل له اصلا لم يكن فرق في صدق المشتقات. مثلا :
لم يكن فرق في صدق الضارب بين من تحقق منه الضرب ومن لم يتحقق ، اذ بعد عدم حصول
شىء له ولو كان تحقق الضرب منه وحصوله له انتفى الفرق بالكلية وهو واضح ، ومجرد
حصول المبدأ للغير او لنفسه لا يصحح الصدق على شىء وإلّا لصح في جميع الموارد ،
وفساده اوضح من ان يبين.
ومنه ظهر فساد
التفصيل بين كون المبدأ ذاتا وبين كونه صفة ، اذ المبدأ اذا كان ذاتا قائما بذاته
فمن ابن يتصحح صدق ما اشتق منه على شىء آخر. وبعبارة اخرى : اذا كان المبدأ موجودا
بوجود نفسي ولم يكن وجود رابطي او رابط بالنسبة الى شيء كيف يعقل ان يصدق عليه ،
وهو ظاهر لا سترة عليه.
واما ما توهم من
مثال البقال والحداد ففيه ما لا يخفى ، اذ البقال والحداد إما معناهما المنسوب الى
البقل والحديد فالمبدأ هو النسبة ، واما معناهما بائع البقل وصانع الحديد فالمبدأ
ليس إلّا البيع والصنع وهما قائمان بما صدقا عليه. ومن الواضح ان القاتل اذا
استعمل واريد منه مجازا الضارب
ضربا شديدا فلا بد
من قيام المعنى المجازى وهو الضارب بمن صدق عليه المشتق لا القتل بمعناه الحقيقي ،
وهكذا الأمر اذا كان التجوز في الهيئة ، فالتوهم المذكور مغالطة ناشئة من الخلط
بين المعنى الحقيقي والمجازي.
قوله
«قده» : من دون واسطة في العروض.
اعلم ان الواسطة
على قسمين : واسطة في الثبوت ، وواسطة في العروض.
أما الأول فهو كون
الواسطة قد لا يتصف بما فيه الوساطة مع اتصاف ذي الواسطة به في الحقيقة مطلقا ،
بحيث لا يصح سلب ما فيه الوساطة عن ذي الواسطة. وبعبارة اخرى : يكون ما فيه
الوساطة وصفا لذي الواسطة بحاله لا وصفا بحال متعلقه. وأما الثاني فهو ان يكون
الواسطة مناطا لا تصاف ذيها بما فيه الوساطة بالعرض والمجاز ، بحيث يصح سلب ما فيه
الوساطة عن ذي الواسطة ويكون اتصاف الواسطة بما فيه الوساطة بالذات والحقيقة ولا
يصح السلب. وبعبارة اخرى : يكون ما فيه الوساطة وصفا لذي الوساطة بحال متعلقه
وللواسطة وصفا لحالها.
وهي ـ اعني
الواسطة بالعرض ـ على انواع اربعة : يكون صحة السلب في بعضها اجلى كما في حركة
السفينة وحركة جالسها ، وفي بعضها جلية كما في ابيضية الجسم وابيضية البياض ، وفي
بعضها خفية كما في عروض التحصل للجنس بواسطة تحصل الفصل ، حيث ان الجنس لا مرتبة
له في التحقق يكون فيه خاليا عن تحقق الفصل لفناء كل جسم في فصله لا سيما في
البسائط الخارجية ومبهم في معينه ، وفي بعضها اخفى كما في عروض التحقق للكلي
الطبيعي والماهية بسبب الفرد والوجود. فصحة سلب التحقق انما هي بالنظر الدقيق
البرهاني فهي ضعيفة ، وثبوت الوجود والتحقق كاد أن يكون بالحقيقة.
فاذا ظهر لك ما
بيناه وفصلناه فاعلم ان الوساطة العروضية التي هي
قادحة في صدق
المشتق حقيقة لغوية انما هو القسم الأول منها ، وأما سائر الأقسام ـ ولا سيما
الأول منها ـ فصحة السلب انما هي بحسب العقل ، وأما بحسب العرف واللغة فلا يصح
السلب ، فلا يصح ان يقال للجسم انه ليس بأبيض بل البياض ابيض وهكذا ـ فأفهم وتبصر
واشكر.
قوله
«قده» : فلأنه مشترك الورود ـ الخ.
فيه : انه بناء
على العينية يلزم اشكالان : الأول ان الصفة لا بد وان تكون مغايرة للموصوف وعلى
العينية ترتفع المغايرة. والثاني انه اذا اعتبر في صدق المشتق قيام مبدئه بما صدق عليه
يرتفع القيام بناء على العينية. وليس هذا الاشكال مشترك الورود ، كما صرح به بقوله «فلأنه»
الخ ، بل اشكال اعتبار المغايرة وهو اشكال آخر مشترك الورود.
وأنا اقول في دفع
الاشكال الأول : انه يكفي في مغايرة الصفة للموصوف المغايرة بحسب المفهوم وهي
متحققة ، ولا يعتبر التغاير بحسب الوجود. وأما الأشكال الثانى فقد ظهر اندفاعه بما
اشرنا اليه من ان قيام المبدأ ليس بشرط ، بل مجرد حصول ـ ولو كان على وجه العينية ـ
وليس معنى المشتق واجد المبدأ لاستلزامه التسلسل كما اشرنا اليه. مضافا الى ظهور
كون الوجدان للمبدا لازم المشتق وليس مدلوله الا معنى بسيط وجداني يعبر عنه في
عالم مثلا بدأنا ، من غير فرق اصلا بين كون المبدأ عينا او غيرا. ومع قطع النظر عن
حصول القطع بعدم النقل في تلك الألفاظ بالنسبة اليه تعالى لا حاجة الى ارتكابه ،
كما هو ظاهر.
قوله
«قده» : ومن هذا الباب.
اي من الباب الذي
لا يكون المبدأ مغايرا لذي المبدأ ، او من الباب
الذي لا يكون
المبدأ قائما بذي المبدأ. ووجههما ان المبدأ لاشتقاق الموجود هو الوجود ، والوجود
بناء على كونه الأصل في التحقق واعتبارية المهيات يكون هو المصداق للموجود حقيقة ،
ولا شبهة في ان المبدأ ـ وهو الوجود ـ عين لما صدق عليه المشتق ، اذ هو الوجود
ايضا ، فلا قيام ولا مغايرة. والأولى بناء على هذا أن يقول المصنف قدسسره «اطلاق الموجود
على الوجود» دون اطلاق الموجود على الشىء ، اذ الظاهر من الشىء هو الماهية.
ويمكن ان يكون
مراده قدسسره من قوله «بناء على العينية» معنى آخر دون اصالة الوجود
واعتبارية الماهية ، وهو عينية الوجود للماهية بحسب الخارج وان كان عارضا لها بحسب
الذهن والتصور ، فيكون مراده من الشىء الماهية ، ويكون مقصوده انه بناء على اتحاد
الوجود والماهية بحسب الهوية العينية لا يكون الوجود قائما بالماهية ولا مغايرا
لها وهي المصداق للمشتق.
وفيه انه ان كان
مراده من الاحتمال الأول ان المغايرة بحسب المفهوم والمصداق متحققة لأن المصداق
للمشتق هو الوجود العيني المصداقي والمبدأ المأخوذ في المشتق هو الوجود المفهومي
العام البديهي ، واما القيام فمع انا لسنا نعتبره ـ كما ظهر مما بيناه سابقا ـ نقول
: ان هذا المفهوم لا ريب في انه عارض لذلك المصداق قائم به ، غاية الأمر وقصواه
انه عارض غير متأخر في الوجود وخارج محمول لا عارض متأخر في الوجود ومحمول
بالضميمة. وان كان مراده الاحتمال الثاني فلا شبهة في مغايرة المبدأ لذيه ، اذ
المبدأ هو الوجود ومصداق المشتق هو الماهية ، ولا ريب في تغايرهما. وان لوحظ اتحادها
مع الوجود عينا وهوية آل الأمر الى كون الوجود ما صدق عليه المشتق. فظهر جوابه مما
ذكرنا آنفا في الاحتمال الأول.
وأما القيام فمع
كونه غير معتبر فنقول : يكفيه قيام الوجود بالماهية وعروضه لها ذهنا وبحسب التصور
الذهني ـ فافهم.
قوله
«قده» : ولا نسلم عدم قيامه به.
فيه : ان الخصم
برهن بزعمه على عدم قيام التأثير به تعالى ولا يكفي المنع. قال الحاجبي في مختصره
: قالوا اطلق الخالق على الله باعتبار المخلوق وهو الأثر ، لأن الخلق هو المخلوق ،
وإلّا لزم قدم العالم او التسلسل. وقال العضدي في شرحه : قالوا قد اطلق الخالق على
الله باعتبار الخلق وهو المخلوق ، اذ لو كان غيره لكان هو التأثير فان قدمه قدم
العالم ، اذ لا يتصور تأثير ولا اثر ، وان حدث احتاج الى تأثير آخر ولزم التسلسل.
واجاب العضدى تبعا للحاجبى فقال : ان القدرة تعلقا حادثا به الحدوث ضرورة ، وهذا
التعلق اذا نسب الى العالم فهو صدوره عن الخالق او الى القدرة فهو ايجاد بها له ،
او الى ذى القدرة فهو خلقه ، فالخلق كون الذات تعلقت قدرته به ، وهذه النسبة قائمة
بالخالق وباعتبارها اشتق له فيصح ما ذكرنا من الدليل على وجوب القيام ، لأنا لا
نعني به كونها صفة حقيقية ، بل سائر الصفات قائمة بمحالها ، وكذا ما ذكرتم من
الدليل على انه ليس امرا مغايرا للمخلوق ، فانه يدل على انه ليس امرا حقيقيا
مغايرا ، فكان الحمل على هذا واجبا جمعا للأدلة ـ انتهى.
وفيه ما لا يخفى ،
اذ نقول لم حدث تعلق القدرة ، وتعلق القدرة وان كان من الاضافات وليس صفة حقيقية
الا انا نقول : إما ان تكفي الذات المقدسة في تحققها أو لا تكفي ، ولا يخرج الشىء
عن طرفي المنفصلة الحقيقية وإلّا لزم ارتفاع النقيضين ، فان كان الأول فإما أن
يكون تعلق القدرة ايضا في الأزل فهو مع كونه خلف الفرض ـ حيث ان المفروض كونه
حادثا ـ يلزم منه قدم العالم كما لا يخفى ، وإما ان يكون فيما لا يزال ،
فيلزم منه تخلف
المعلول عن علته التامة ، فلا مناص إلّا بالقول يكون سبب حدوث التعلق حادثا فينقل الكلام اليه ويلزم التسلسل.
مضافا الى انه يلزم منه كون ذاته المقدسة جلت وعظمت محلا لحوادث لا تتناهى ، لأن
تلك الأسباب والعلل المتسلسلة الذاهبة الى غير النهاية ان كانت خارجة عن ذاته
الكريمة تعالت كانت من العالم ، فيلزم قدم العالم كما لا يخفى ، فلا بد وان تكون
غير خارجة عن ذاته فيلزم ما ذكرنا. فظهر بطلان ما ذكره العضدى في الجواب.
والجواب التحقيقي
يحتاج الى بيان حدوث العالم بشراشره وجمته ورمته وكله واجزائه وكليه وفرده وبيان
كيفية ربط الحادث بالقديم ، وليس هنا موضع ذكره ، وهذا المقدار ايضا خروج عن هذا
الفن ، إلّا ان الخصم ـ وهو المعتزلة ـ لما تشبعوا في انكار لزوم قيام المبدأ بذي
المبدأ بذيل هذه المطالب العقلية فلم يكن لنا مناص عن التعرض لها ، ولو ذكرنا
الجواب التحقيقي لصعب على الخصم دركه ، اذ هو عزيز المنال وبعيد الدرك ، فالذي
ينبغي ان يقال لهم هو الجواب المعارض فنقول :
إما ان يتحقق
ويحصل منه تعالى شىء بسببه تحقق الخلق بمعنى المخلوق اولا ، فعلى الثاني يلزم ان
يكون الممكن متحققا بلا شيء من جانب الواجب تعالى ، والحال ان المتساويين ما لم
يترجح احدهما بمنفصل لم يقع ، وكيف يعقل ان يخرج عن السواسية واستواء الطرفين ولا
ضرورة الجانبين الى احدهما بلا مرجح ، وهل هو الا ترجح بلا مرجح؟ ومعلوم ان ذات
الفاعل لا يكفي للايجاد على الأول ، فان كان ذلك الشىء ايضا مثل هذا المخلوق فيكون
حاله حاله فيتسلسل ، فلا بد وان ينتهي الى شىء لا يكون مخلوقا بل خلقا ولا مصنوعا
بل صنعا ولا موجدا بل ايجادا ولا اثرا بل
__________________
تأثيرا يكون قائما
بذاته.
فقد استنتجت من
هذه المقدمات نتيجة ، وهو ان المبدأ قائم بذاته المقدسة الذي يكون مصداقا للخالق ،
وتكون هذه النتيجة مناقضة لنتيجة الخصم ، فتكون معارضة.
ويمكن ان يجاب
بجواب حق تحقيقي ، وهو أنا لو سلمنا انه ليس شيء قائما بذاته وراء الخلق بمعنى
المخلوق فنقول : لا نسلم ان المخلوق ليس قائما به تعالى بل قائم به ، ولسنا نعنى
القيام الحلولي بل القيام الصدوري ، اذ لا يسع لمسلم ان يقول : ان المخلوق ليس
صادرا من الله تعالى ، وفي الدعاء «يا من كل شىء قائم به» ، مضافا الى ان الوجودات
الخاصة الامكانية وان تفاوتت ما بين انفسها بالنفسية والرابطية والرابط إلّا انها
بالنسبة الى الله تعالى ليست إلّا روابط صرفة لا نفسية لها اصلا ـ فافهم ما ذكرنا
حق فهم مستمدا من الله مفيض الخيرات ومنزل البركات.
قوله
«قده» : لكن قياما صدوريا.
فيه ما لا يخفى ،
اذ الجعل والتأثير ليس صادرا حتى يكون له القيام الصدوري ، بل هو فعله وصنعه لا
اثره ومصنوعه.
قوله
«قده» : وان اعتبر بمعنى المفعول ـ الخ.
فيه : انه بناء
على مذهبه قدسسره من اصالة الوجود جعلا وتحقيقا ـ كما سيصرح به في مبحث
اجتماع الامر والنهي ـ يكون المجعول له تعالى بالذات هو الوجود ، ولا شبهة في ان
الوجود عين الايجاد ذاتا ، والتفاوت بالاعتبار فبحسب التدلى الى الموجد يكون
ايجادا وباعتبار التدلي الى الموجد ـ بالفتح ـ يكون وجودا ، كما ان الايجاد
والوجود متحدان ذاتا
متغايران اعتبارا
كما يصرح به قدسسره مرارا ، فاذا كان الوجود عين الايجاد والايجاد ليس إلّا
التأثير الفعلي فيكون الخلق ايضا قائما به على وجه التأثير والايجاد ـ فافهم بعون
الله تعالى.
قوله
«قده» : ومما قررنا يظهر ـ الخ.
فيه : انه لم يظهر
مما قرره إلّا انه كلما صدق المشتق على شيء فالمبدأ قائم به ، وهذا لا يستلزم ان
يكون كلما كان المبدأ قائما بشىء يصدق المشتق عليه ، اذ العكس المستوي للموجبة
الكلية ليس إلّا الموجبة الجزئية دون الموجبة الكلية ، وليس هذا إلّا من باب ايهام
الانعكاس. وبعبارة اخرى : لما شرط في صدق المشتق على شىء قيام المبدأ فكلما تحقق
المشروط ـ وهو صدق المشتق ـ تحقق الشرط ـ وهو قيام المبدأ ـ ، ولا يلزم منه انه
كلما تحقق الشرط تحقق المشروط ، اذ لا يلزم من تحقق الشرط تحقق المشروط ، كما يعلم
من تحديد الشرط حيث حد بأنه ما يلزم من عدمه العدم ولا يلزم من وجوده الوجود.
قوله
«قده» : كما يظهر وجهه مما مر.
من ان السخي هو
الجواد الذي من شأنه البخل ، والفاضل هو العالم الذي من شأنه الجهل ، ولا ريب في
عدم قيام السخاء والفضل بهذين المعنيين بذاته الكريمة ، فيكون عدم اطلاقهما عليه
تعالى لعدم المقتضى ، كما ان عدم الاطلاق على الوجه الأول يكون للمانع.
قوله
«قده» : على خلاف القياس.
لأن مقتضى القياس
في جمع الأمران يجمع على امور دون الأوامر ،
لأن الأوامر جمع
آمرة كضوارب في جمع ضاربة دون الأمر كما هو واضح.
قوله
«قده» : فانهم يخصونه بالنوع الأول منه.
اى ما كان على
هيئة افعل ونظائره. وبعبارة اخرى : فعل الأمر الحاضر دون الغائب ، حيث يقولون بجزم
المضارع اذا وقع جزاء للأمر ، مثل قولك «اسلم تفلح». ومعلوم ان المضارع لا يقع
جزاء للامر الغائب ، فالأمر بحسب مصطلح النحاة يكون اخص مطلقا من الأمر الذي هو مصطلح
الصرفي والأصولي واهل المعاني.
وفيه : انه لم
يظهر من النحاة اصطلاح آخر وتخصيص ، بل الثابت منهم اطلاق الأمر على الأمر الحاضر
دون الاختصاص كما لا يخفى.
قوله
«قده» : ثم ان كثيرا منهم نقلوا الاتفاق على كونه حقيقة في هذا المعنى.
يعني لغة كما
سيظهر من كلامه.
قوله
«قده» : مع انهم لو ارادوا ـ الخ.
وأما اذا أرادوا
به المعنى المصدري فلا ريب في صحة الاشتقاق منه.
قوله
«قده» : فيرجع الى ما ذكرناه.
يعني من كون معناه
الطلب المخصوص. وفيه : ان الكلام النفسي لا فرق بينه وبين الكلام اللفظي على مقالة
الاشاعرة الا بالعينية والنفسية ، فاذا لم يكن الكلام اللفظي الموجود في الاعيان
طلبا مصدريا حديثا بل ما به الطلب فكذلك الكلام الموجود في النفس لا يكون إلّا ما
به الطلب
كما هو واضح.
قوله
«قده» : على تقدير تسليم أصله.
وجه التعليق هو
انه يمكن منع أصله اولا لأنه تمسك بالاستحسان في اثبات اللغة ، مضافا الى انه على
القول بالاشتراك المعنوي ايضا يلزم المجاز الذي هو خلاف الأصل فيما اذا أريد
خصوصية المعنيين كما هو واضح.
قوله
«قده» : الا مفهوم احدهما.
ومن الواضح ان
الموضوع له ليس إلّا هذا المفهوم ، بل المعنيان اللذان هما مصداقان لهذا المفهوم ،
مضافا الى انه لو كان هذا المقدار من الجامع كافيا في نفي الحقيقة والمجاز
والاشتراك اللفظي واثبات الاشتراك المعنوى لما تحقق الا الاشتراك المعنوى فى جميع
الموارد ، وفساده اوضح من ان يبين.
قوله
«قده» : وبقول غيره.
كقول القائل «أنا
آمرك بكذا» او «اطلب منك إلزاما كذا».
قوله
«قده» : ومن خصه بالنوع الأول.
يعني الطلب بالقول
المخصوص.
قوله
«قده» : يوجب اظهار المستعمل.
يعني سواء كان هو
الآمر كما اذا قال «أنا آمر بكذا» ، او غيره كما اذا قال «زيد امر بكذا» ،
فالمستعمل في الأول يظهر علو نفسه وفي
الثاني علو غيره.
قوله
«قده» : لجواز صدوره عن الدانى.
فيه منع واضح ، اذ
لا يعقل جعل الداني الشىء لازما حقيقة ، وما ذكره من الأمثلة لا شهادة فيه على
مطلوبه ، اذ الملزم الحقيقي فيها ليس إلّا العالي وهو الشارع او العقل ، ولو سلم
ان الملزم هو الداني فهو ليس ملزما حقيقيا بما هو دان بل بما هو عال لأجل كونه
تابعا للشرع ولسانا للعقل ـ فافهم إن شاء الله تعالى.
قوله
«قده» : او احدهما.
يعني كونه عاليا
في دعواه او دعوى من يسند اليه الأمر.
قوله
«قده» : على الوجوه المذكورة.
فعلى الوجهين ـ وهو
اعتبار كونه عاليا حقيقيا فقط وكفاية علوه في دعواه ـ يكون مجازا ، اذ ملأ فرعون
لم يكونوا عالين على فرعون لا حقيقة ولا بحسب دعواهم. وعلى الأخيرين يكون حقيقة
لعلوهم باعتبار دعوى المستعمل وهو فرعون ، اذ هو ادعى علوهم استمالة لهم.
قوله
«قده» : اذ لا نعنى بالاستعلاء الا طلب العلو ـ الخ.
توضيحه : هو ان
الاستعلاء الذى يكون في الأمر ليس إلّا باعتبار اطلاق لفظ موضوع للعالي وهو لفظ «ا
م ر» ، فلا محالة يظهر المطلق والمستعمل علو المطلق عليه والمستعمل فيه وان كان
المطلق غير المطلق عليه ، كأن تقول انت «امر زيد بكذا» فأنت تظهر علو زيد باطلاق
لفظ
موضوع للعالي
عليه. ومعلوم انك لا يكون لك حكم على مخاطب او غيره فضلا عن أن يكون ايجابا.
وفيه : انه لا ريب
في ان لفظ «ا م ر» يدل على الايجاب الاصطلاحي حسب ما يعترف به قدسسره فيما سيأتى ، حيث يختار توجه النزاع فيه الى الصورة
الأخيرة من الصور الثلاث المذكورة في كلام المحقق القمي قدسسره ، وهي افادة لفظ الأمر للايجاب الاصطلاحي ، وواضح ان مختار
المصنف «قده» هو افادته للايجاب ، فاذا كان مدلول لفظ الأمر هو الايجاب الاصطلاحي
فالأمر لا يكون امرا إلا بإظهاره علو نفسه ، لأنه لا يتحقق معنى الأمر إلّا بأن يقول
الآمر «اعاقبك على مخالفة امرى» ومعلوم ان هذا لا يكون بلا استعلاء من الآمر
واظهار علو نفسه. غاية الأمر وقصواه ان يقال : ان مدلول لفظ الأمر ليس إلّا مجرد
الالزام دون خصوص الايجاب الاصطلاحي. لكن نقول : ان مدلول لفظ الأمر لما كان هو
طلب العالي على سبيل الالزام فلا جرم يترتب على مخالفة الأمر العقاب ، اذ لا ريب
في ان مخالفة الزام العالي توجب العقاب ، فيكون ايجاب العقاب مدلولا التزاميا ،
كما انه على الاول مدلول تضمني ، فاذا كان ولا بد من ايجاب العقاب على اى نحو كان
فلا محالة يكون هذا الآمر مستعليا كما لا يخفى.
ومن هنا ظهر الفرق
بين الواجب والمندوب ، حيث انهما وان اشتركا في كون طلبهما ارشادا ودلالة على ما
هو طريق السداد إلّا ان الطلب في احدهما لا ينفك عن الاستعلاء دون الآخر ، فظهر
صحة مقالة المحقق القمي قدسسره من ان دلالة الأمر على الاستعلاء يقتضي الايجاب.
نعم ما يمكن ان
يقال عليه قدسسره ان دلالة الأمر على الاستعلاء موقوفة على دلالته على
الايجاب ، حيث انه لا طريق لنا على الدلالة على
الاستعلاء الا
الدلالة على الايجاب ، فاذا توقفت دلالته على الايجاب على دلالته على الاستعلاء ـ كما
هو مرامه قدسسره ومدعاه ـ لزم الدور المحال.
ولكنه مندفع بأن
الدلالة على الاستعلاء ليست موقوفة على دلالته على الايجاب بل على الوضع ، اذ لفظ
الأمر موضوع للطلب على سبيل الاستعلاء ـ فافهم وتبصر.
قوله
«قده» : لأنه ان اراد بالارشاد ـ الخ.
مقصوده قدسسره انه ان أراد بالإرشاد معناه اللغوي ـ أي الهداية والدلالة
على ما هو طريق السداد ـ فلا ريب في ان الإيجاب أيضا كذلك ، فلا يكون بينهما فرق ،
فان كان الإرشاد بهذا المعنى منافيا للوجوب فلا يكون وجوب. وان اراد به معناه
الاصطلاحي حيث يقولون إن هذا المطلب أو الأمر إرشادي لا مولوي ويعنون به ما لا
يترتب على موافقة طلبه ومخالفته شىء سوى ما يترتب على المرشد اليه ولو لم يكن أمر
كما في اوامر الطبيب ، فلا ريب في ان المندوب الشرعي ليس كذلك ، إذ يترتب على طلبه
الثواب. هذا محصل مرامه.
وفيه : انا نختار
الشق الأول ونقول : ليس مراده منافاة هذا المعنى للوجوب بل هو مشترك بينه وبين
الندب ، إلا إنه في الندب ليس إلا هذا ولم يكن فيه استعلاء أصلا ، وهذا بخلاف
الواجب حيث أن المتحقق فيه هو الاستعلاء أيضا كما ظهر مما بيناه وفصلناه آنفا ـ فافهم.
قوله
«قده» : وفيه نظر.
وجهه ان التقسيم
المذكور انما هو بالنظر الى صيغة الأمر دون مادة «أ م ر».
قوله
«قده» : ان الأصل المذكور لا ينهض ـ الخ.
لأنه إذا كان
موضوعا للقدر المشترك فان كان موضوعا لخصوص الإيجاب أيضا يلزم الاشتراك اللفظي وإن
لم يكن موضوعا له لزم المجاز ، وهذا بخلاف ما إذا لم يستعمل في خصوص الإيجاب بل
الثابت هو خصوص الاطلاق ، فاذا قلنا بوضعه للقدر المشترك لم يلزم مجاز ولا اشتراك
اذ لم يستعمل في خصوص الإيجاب ، فلعله يكون من باب الإطلاق دون الاستعمال.
قوله
«قده» : ولو مجازا.
كالجمل الخبرية
المستعملة في الطلب ، كما في قوله تعالى (وَالْوالِداتُ
يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ).
قوله
«قده» : وفرق بين الصورتين ـ الخ.
يعني إن المحقق
القمي قدسسره قد تناقض في كلامه حيث نفى الفرق بين الصورتين الاوليين
واثبته. وفيه إن مقصوده من نفي الفرق أولا هو نفى الفرق بينهما مقيسين الى الصورة
الأخيرة ، حيث إن الوجوب الاصطلاحي في الصورة الأخيرة إنما هو مفاد الصيغة المجردة
، بخلاف الصورتين حيث انه يمكن أن يقال : إن مفاد الصيغة المجردة ليس إلا مجرد
الحتم والالزام ، وترتيب الذم والعقاب فيهما ليس إلا من الخارج وقرينة المقام ،
ففي الصورة الأولى ليس الذم والعقاب فيهما ليس إلا من جهة صدور الصيغة من العالي ،
فمرجع الصورتين الأوليين باعتبار كونهما في قبال الصورة الأخيرة واحد ، وإن كان
بينهما فرق من جهة أخرى ، وهي إمكان كون دلالة الصيغة على مطلق الالزام في الصورة
الأولى من جهة صدورها عن
العالي بخلاف
الصورة الثانية ، وكذلك الفرق من جهة أخرى. فظهر انه لا تناقض أصلا ـ فافهم.
قوله
«قده» : فرمي الأكثرين به ـ الخ.
حيث جعل محل
النزاع هو الصورة الأخيرة ، ومعلوم ان الأكثر قائل بكون الصيغة للوجوب ، فيلزم أن
يكونوا قائلين بكون الصيغة للوجوب الاصطلاحي وكون المتلفظ بها عاليا.
قوله
«قده» : واعجب من ذلك انه استقرب ـ الخ.
وجه كونه اعجب
متابعته قدسسره لما رماهم به وتمسكه بحجتهم له والحال ان حجتهم لا تدل على
أزيد من دلالة الصيغة من مجرد الحتم والالزام.
قوله
«قده» : لكن مع تبديل المتلفظ به بعلو المسند اليه.
إذ علمت ان القائل
لو قال «زيد امر بكذا» فالمتلفظ لم يظهر علو نفسه بل علو زيد الذي أسند الأمر
اليه. نعم لو قال «أنا آمر بكذا» فيدل على علو نفسه إذ هو المسند إليه ، فالمدار
هو علو المسند اليه سواء اتحد المتلفظ مع المتلفظ به أم لا.
قوله
«قده» : حتى انه لو استعمله في الندب ـ الخ.
فيه : انه بمجرد
البناء على متابعة وضعه للوجوب لا يصير استعماله في الندب مجازا حتى يحتاج إلى
العلاقة. نعم استعماله في الندب لا يصح إلا بعد رفع اليد عن ذلك البناء وإلّا لزم
التناقض كما هو واضح.
قوله
«قده» : عملا بالأصل.
يعني أصل البراءة
عن الوجوب ، أو أصل عدم المنع من الترك ، بناء على ان الاستحباب مركب من جنس وجودي
وهو طلب الفعل وفصل عدمي وهو عدم المنع من الترك ، فالجنس متيقن والفصل وان كان
مشكوكا فيه إلا إنه محرز بالأصل ، فيتحقق الندب.
قوله
«قده» : وأما ما يقال.
كتب قدسسره في الهامش : كما عن صاحب الرياض
قوله
«قده» : اذ لا تعديل على الظواهر ـ الخ.
هو منع لكبرى ،
وهو كل ظاهر حجة بعد تسليم الصغرى ، والصواب منع الصغرى ، إذ في مورد الإجماع
والعقل من الأدلة اللبية لا ظهور أصلا بل ليس إلا القطع ، وإن أريد ظهور معقد
الإجماع رجع الى ظهور اللفظ الذي أخذ في معقد الإجماع.
قوله
«قده» : وأما التعويل على ظاهر الكتابة والاشارة ـ الخ.
فيه : انه لا ريب
في ان الكتابة والإشارة ليسا حاكيين إلا عن المعنى لا انهما حاكيان عن اللفظ الذى
هو حاك عن المعنى كما هو واضح ، فيكون الوجود الكتبي والإشاري واللفظي في عرض واحد
كلها حواك عن المعنى والوجود العيني ، لا ان الوجود اللفظي في طول الوجود الكتبي
والوجود الإشاري كما هو واضح ، ضرورة ان الإنسان لا ينتقل من الوجودين الكتبي
والإشارى الى الوجود اللفظي ، وإن وقع
أحيانا فهو من باب
المقارنة الاتفاقية ـ فافهم واستقم.
قوله
«قده» : استعمال الصيغة في القدر المشترك ثابت.
لأن المستعمل إن
كان هو القدر المشترك فالأمر واضح ، وان كان هو الخصوصيتين فلا ريب في ان
الخصوصيتين لا تنفكان عن القدر المشترك ، ضرورة ان القدر المشترك هو الكلي الطبيعي
والطبيعة اللابشرطية المقسمية الغير المرهونة بشيء ولا المقيدة بأمر التي تكون مع
الكلي والجزئي ولا تنافي مع ألف شرط ، فلا محالة تكون الصيغة مستعملة فيه ، ولا
يمكن أن يقال : كما ان الأصل عدم استعمال الصيغة في الخصوصيتين كذلك الأصل عدم
استعمالها في القدر المشترك ، لأنه كما ظهر الاستعمال في القدر المشترك ثابت
ومعلوم بالإجمال وانما الشك في الخصوصيتين ، فالأصل انما تجري بالنسبة اليهما
دونه.
قوله
«قده» : وفيه نظر.
وجهه ان المفروض
هو التنزل وتسليم المنافاة بين التبادرين ، ومعلوم إن المتنافيين والمتقابلين لما امتنعا أن يجتمعا
فلا بد وان يتحقق احدهما دون الآخر ، ولا شبهة في أن الإنسان لا يريب في وجدانياته
، فلا محالة إما أن يجد تبادر القدر المشترك وإما أن يجد تبادر الوجوب ، فان كان
الأول فبعد تحقق التبادر والعلم بالوضع لا مجال للتمسك بالأصل والقاعدة ، لأن مورد
الأصل ومجراه هو الشك ومع العلم يرتفع الشك ، فلا وجه للتشبث بالأصل وإن كان موافقا
له ، وإن كان الثاني فالأصل في التبادر أن يكون وضعيا حاقيا لا إطلاقيا ، فيكون
علامة لكون الصيغة حقيقة في خصوص الوجوب ، فلا مجال أيضا لهذا الأصل مع كونه
مخالفا لزوال الشك المأخوذ في مجرى الأصل وموضوعه.
قوله
«قده» : وقد استبعد بعضهم ـ الخ.
ربما يتراءى التناقض
والتهافت في كلام هذا البعض ، حيث يصرح في ذيل كلامه بامتناع الاستعمال في القدر
المشترك وعدم معقوليته وهنا استبعده ولازمه الإذعان والتصديق بالإمكان إلا أنه
بعيد وقوعه ، ولا يخفى ما في الامتناع والإمكان من التدافع. ولكنه مندفع بأن مراده
ان الاستعمال في القدر المشترك في كلام الشارع الذي لا يمكن الغفلة والذهول في حقه
ممتنع ، وفي كلام غيره الممكن في حقه الذهول والغفلة ممكن ، إلا انه لما كان مبنيا
على الغفلة وكان الأصل عدمها فكان بعيدا ، فلا تناقض حيث لا اتحاد في الموضوع ،
وقد اعتبر في التناقض وحدات ثمانية بل تسعة من جملتها وحدة الموضوع.
هذا ، وأنا أقول
الحق الذي لا يعتريه ريب ولا يعرضه وصمة شك : هو امتناع انشاء القدر المشترك وعدم معقولية استعمال اللفظ
فيه مطلقا من غير فرق بين الشارع وغيره.
وبيانه : هو انه
لا ريب في ان الاخبار والانشاء الطلبي ليس لهما موطن إلّا وعاء الخارج ونشأة
الأعيان ، وإنه ليس في الاخبار في مشهد الذهن إلا العلم ـ أعني تصور الموضوع
والمحمول والنسبة والاذعان ـ وليس العلم اخبارا كما هو واضح وإلّا لزم أن يكون كل
عالم بالقضية المعقولة مخبرا وإن لم يتكلم أبدا بالقضية الملفوظة. وفساده واضح ،
وليس في الإنشاء الطلبي في موطن النفس إلا إرادة المأمور به وكراهة المنهى عنه ،
غاية الأمر وقصواه إنه إذا أراد وجود الإخبار والإنشاء في الخارج ونشأة الأعيان في
قوالب الألفاظ فلا محالة يتصور تلك الألفاظ ، وهذا التصور أيضا من مقولة العلم.
ومن الواضح
المعلوم ان تلك الإرادة والكراهة ليست طلبا وإنشاء وإلا لكان كل مريد لشيء أو كاره
آمرا وناهيا وباعثا وزاجرا. وفساده أوضح من أن يبين ، إذ من الواضح انه إذا تصورت
شيئا من أفعالي وأذعنت بفائدته حصل الشوق اليه ويتأكد الشوق ويشتد ، والشوق المؤكد
المزبور هو الإرادة ، فيحصل إرادة ذلك الفعل مع انه لم يحصل طلب من أحد ولا أمر
به. ومعلوم إن الطلب لو كان عين الإرادة والكراهة المذكورتين لما انفك عنهما ،
لوجوب مساواة الحد للمحدود واستحالة تخلف الذاتي عن الذات ، والذاتي لا يختلف ولا
يتخلف ، بل الطلب ما يعبر عنه بالفارسية ب «خواستن از كسى» ، ومن المعلوم ان هذا
المعنى لا يتحقق إلا في الخارج كسائر المعاني التي هي نظيرة له كالأخذ والضرب
ونحوهما. وسيأتي إن شاء الله تعالى مزيد بيان لهذا في مبحث كون الطلب عين الإرادة أو
غيرها ، فاذا كان الأمر كذلك فنقول :
إن من المحقق في
مقره والمبين في محله إن علم العلة بمعلولها علم حضورى شهودي نوري ليس بارتسام
الصور ولا بحصولها في ذات العلة ، فالعلة تنال المعلول بالمشاهدة والحضور ، فيكون
علما حضوريا لا حصوليا.
فاذا تحققت هذه
المقدمات الواضحة المنار ساطعة الأنوار فنقول : إن المنشئ إذا قال افعل مثلا فلا يعقل أن لا يكون عالما
بانشائه ومنشئه ، ولا يحتاج الى تصور شىء لا مفهوم المنع من الترك ولا تأكد الطلب
ووثاقته ، إذ هذا التصور علم حصولي والمنشئ لا يحتاج الى العلم الحصولي. ومعلوم
انه ليس فرق بين أفراد المنشئ ، ولا يعقل الغفلة فى حق المنشئ بما هو منشئ ، فلا
يعقل تقسيمه الى الغافل وغيره. نعم يمكن ويعقل أن يسبق لسان أحد الى قوله افعل من
غير إرادة انشاء أصلا ، وليس الكلام فيه بل الكلام في من أنشأ.
ولو أغمضنا عن ذلك
كله فنقول : من الواضح الذي لا ينبغي أن يخفى على أوائل العقول إن الكلى الطبيعي
لا يتحقق إلا بالأفراد ، والفرد هو الواسطة في عروض التحقق والوجود له ولا في
الثبوت كما أشرنا اليه ، فاذا كان حال الكلي الطبيعي بعد تحقق الفرد هذا الحال
بحيث يصح سلب التحقق عنه فكيف لو لم يكن شىء في البين وكان الكلي الطبيعي الطبيعي
الجنسي ، كما فيما نحن فيه حيث ان طلب الفعل جنسي طبيعي للوجوب والندب وهما نوعان
له ولا يكفيان في وجود الجنس في الخارج ، بل يحتاج ذلك الجنس الطبيعي بعد تفصيله
بذينك الفصلين والتحصل النوعي الى عوارض مشخصة. فظهر استحالة وجود الطلب الذي هو
قدر مشترك بين الوجوب والندب في وعاء تحققه ووعاء وجوده ـ وهو الخارج ـ بدون
الضمائم واللواحق من الفصول والعوارض. وهذا ظاهر لا سترة عليه.
ولو تنزلنا
واغمضنا عن ذلك كله وسلمنا ان وعاء الطلب هو المشهد الذهني والموطن النفسي فنقول :
لا ينبغي أن يختلط عليك الأمر وتقول : لا ريب في ان النفس تنال الأجناس وإن كانت أجناسا عالية
قاصية بلا نيل شيء من الفصول واللواحق ، فيجوز أن ينشئ النفس الطلب المشترك بلا
إنشاء شيء آخر.
لأنا نقول : فرق
بين إدراكات النفس وإيجاداتها ، ومعلوم انها في مقام الإدراك لها نيل كل شىء على
حده ويحلل شيئا واحدا الى أمور عديدة ويدرك كل واحد على حده ، وهذا بخلاف
إيجاداتها وانشاءاتها وإن كانت في موطنها ومشهدها ، فيكون حالها حال الموجد
الخارجي ، إذ النفس من الموجدات الخارجية ، والموجود بايجاد الأمر الخارجي ليس إلا
خارجيا.
وهذا الذي ذكرناه
وإن كان من الواضحات عند أهله المرتاضين
بالعلوم إلّا انه
يحتاج الى تلطيف السر لأغلب الناس ، وهو بيد الله يؤتيه من يشاء ، فله الحمد
والمنة.
قوله
«قده» : فلأن الايجاب معنى بسيط.
فيه : انه مناقض
لقوله فيما سيأتى عن قريب من ان مرجع الايجاب الى الطلب المتأكد ، وقوله نعم لو
جعل المنع من الترك مجازا عن تأكد الطلب كان جزءا من الوجوب وفصلا له ، حيث انه قدسسره قد سلم كون المتأكد فصلا للوجوب حيث يصح كون المنع من
الترك الذي هو كناية عنه فصلا للوجوب ، ومع كون الوجوب مركبا من جنس وهو الطلب
وفصل وهو المتأكد كيف يدعى بساطته؟ فليس هذا إلّا التناقض.
وليس يمكن ان يقال
: ان تأكد الطلب ووثاقته لما كان من سنخ الطلب وحقيقته وليس شيئا خارجا عنه فلا
يكون الا الطلب ، وهو معنى بسيط ، اذ قد تقرر في مقره وتحقق في محله ان الميز قد
يكون بتمام الذات كما في الأجناس العالية وقد يكون ببعض الذات كما في الانواع
المتخالفة ، حيث ان تمايزها بالفصول وهي بعض الذات ، وقد يكون بالعوارض واللواحق
والمنضمات كما في الأفراد والأصناف والاشخاص كذلك قد يكون بالنقص والكمال في حقيقة
واحدة وماهية فاردة ، وذلك كالخط الطويل والقصير حيث ان ما زاد به احدهما هو كما
ساوى به الآخر ، فما به الافتراق هو ما به الاتفاق ، وما به الامتياز هو ما به
الاشتراك. ولا شبهة في ان هذا القسم لا يوجب التفاوت التركيب ، بل المتمايزان كل
واحد منهما بسيط ليس فيه تركيب اصلا ، فصح ما ذكره من البساطة وليس فيه تناقض
اصلا.
لأنا نقول : اولا
ان ما ذكر من الاختلاف بالنقص والكمال في حقيقته
انما هو حق طلق
وملك صدق للوجود ، لعدم جواز التشكيك في المهيات والمفاهيم ، وكلامنا في ماهية
الوجوب والندب. وثانيا ان ما ذكر وجها للبساطة مناف لقوله ، حيث انه قدسسره مصرح بتركيب الوجوب من الجنس والفصل ، وبناء على ما ذكر في
التوجيه ليس للوجوب فصل وليس امتيازه مع الندب بالفصل ، كما ظهر مما بيناه وفصلناه.
ويمكن ان يوجه
كلامه «قده» ويرفع التناقض بأن مراده بالبساطة عدم تركب الوجوب من طلب الفصل ومنع
الترك لا البساطة مطلقا فلا تناقض. وبعبارة اخرى : مقصوده البساطة الاضافية لا
الحقيقية ـ فتأمل.
قوله
«قده» : ولو كان الأمر حينئذ للقدر المشترك ـ الخ.
دفع لما عسى ان
يتوهم انه لعل امر المولى يكون مستعملا في القدر المشترك ، فلذا لا يخطر ببالهم
مفهوم الترك والمنع منه ، فلا يدل على انه اذا كان للوجوب لا يخطر ايضا مفهوم
الترك والمنع.
وحاصل الدفع ان
الأمر المذكور للوجوب وليس للقدر المشترك ، وإلّا لما ترتب الذم والعقاب على
المخالفة وقد ترتب ، وفساد التالي يستلزم فساد المقدم كما هو واضح.
قوله
«قده» : وان فسر بمعنى طلب الترك المتأكد.
يعنى ان فسر المنع
بالطلب المتأكد للترك ، فيكون راجعا الى الطلب المتأكد للفعل ، لأن المنع لما كان
بمعنى طلب الترك وكان متعلقا بالترك فيكون المعنى طلب ترك الترك المتأكد ، ولا
شبهة في ان ترك الترك هو الفعل فيكون الحاصل ما ذكر.
قوله
«قده» : وهذا لا يكون جزءا من طلب الفعل ـ الخ.
يعني طلب الفعل
المتأكد الذي هو حاصل المنع من الترك لا يكون جزءا من طلب الفعل وهو واضح ، بداهة
ان المركب لا يكون جزءا لجزئه والمقيد لا يكون جزءا من مطلقه ، بل الأمر بالعكس
ويكون طلب الفعل جزءا من طلب الفعل المتأكد ، كما هو واضح.
وما ذكره قدسسره وان كان حقا مطابقا للواقع إلّا انه لم يتوهم احد أن يكون
طلب الفعل المتأكد جزءا من طلب الفعل حتى يدفعه بقوله «وهذا لا يكون جزءا من طلب
الفعل» ، بل الذي زعم هو أن المنع من الترك فصل مقوم للوجوب ومقسم لطلب الفعل ،
فلما ارجع قدسسره المنع من الترك الى طلب الفعل المتأكد فكان الأولى أن يقول
: وهذا لا يكون فصلا مقسما لطلب الفعل بل طلب الفعل جزء منه ـ أي جنس له ـ كما هو
واضح ، فيكون ما فرض جنسا للوجوب جنسا لما فرض فصلا له «هف».
وفيه : انه لا
شبهة في أن المناط في الفصول والأجناس والأنواع هو شيئياتها بحسب المفهوم لا
الوجود والمصداق ، ولا شبهة من ان المنع من الترك الذي هو بمعنى طلب الترك الترك
المتأكد مفهوم مغاير لمفهوم طلب الفعل المتأكد ، وليس يرجع احدهما الى الآخر بحسب
المفهوم ، فيصح حمل مفهوم المنع من الترك فصلا لطلب الفعل بلا محذور اصلا.
والمغالطة نشأت من
اشتباه المفهوم بالمصداق وشيئية الماهية بشيئية الوجود ولو صح ما ذكره قدسسره لجرى مثله في الناطق مثلا ، حيث انه بحسب الوجود لا ينفك
عن الحيوان ، ويكون مرجع الناطق الى الحيوان الناطق فيصير الحيوان المفروض جنسا
للانسان جنسا لفصله «هف» ـ فافهم
ما ذكر واستقم.
قوله
«قده» : نعم لو جعل المنع من الترك ـ الخ.
فيه : ان انكار
كون المنع من الترك فصلا للوجوب لا يجدي مع تسلم كون المتأكد فصلا له وجعل المنع
من الترك كناية له ، لأن كلام ذلك المستبعد لاستعمال الأمر في القدر المشترك يتم
ايضا حيث نقول : ان الطالب اذا لم يكن غافلا عن تأكد الطلب ووثاقته فاما ان يريده
فيكون وجوبا أو لا يريده فيكون ندبا ، فما منعه قدسسره لم ينفعه أصلا.
قوله
«قده» : لا يوجب استعمال لفظه.
لأنا ولو فرضنا
امتناع انشاء القدر المشترك واستحالته إلّا انه لا يزيد في الامتناع والاستحالة
على شريك الباري ، حيث انه ممتنع الوجود ومستحيل التحقق في الأعيان ، ومع ذلك
يستعمل اللفظ فيه.
وفيه : انه لعله
توهم ان الانشاء الطلبي يكون له وجود آخر غير هذا الوجود اللفظي ، ويكون موطن آخر
يكون القدر المشترك فيه ممتنعا والخصوصيتان موجودتان ، ثم يستعمل اللفظ في موطن
آخر في ذلك الممتنع في موطنه ولم يعلم انه ليس للانشاء الطلبي وعاء الا هذا
الانشاء الذي يقع في عالم اللفظ ، فاذا امتنع انشاء القدر المشترك الطلبي فقد
امتنع الاستعمال بعين امتناعه ـ فافهم ما ذكره فانه لا يخلو عن غموض وخفاء.
قوله
«قده» : مع انه قد ورد في بعض أخبارنا ـ الخ.
فيه : ان الممتنع
هو انشاء القدر المشترك واستعمال اللفظ فيه إذا كان مجردا وبشرط لا أولا بشرط الذي
لا يكون متحققا في ضمن بشرط لا
وأما اللابشرط
المقسمى المتحقق في ضمن بشرط شيء فلا محذور فيه اصلا فيكون ذلك القدر المشترك
متفصلا بفصلين ومتحققا مع الخصوصيات ، وليس فيه محذور أصلا.
قوله
«قده» : ويمكن توجيهه بحيث يرجع ـ الخ.
بأن يراد
باستعماله تارة في الوجوب وأخرى في الندب اطلاقه عليهما لاستعماله فيهما ، فيكون
حاصله ان الثابت اطلاقه عليهما ولم يثبت استعماله فيهما ، فيكون من باب المتحد
المعنى المستعمل فيه ، فيكون الأصل فيه الحقيقة ولا يكون موضوعا للخصوصيتين ليلزم
الاشتراك ولا مستعملا فيهما بخصوصهما ليلزم المجاز.
قوله
«قده» : بل التجوز اللازم ـ الخ.
توضيحه ان المجاز
اللازم على تقدير الوضع للقدر المشترك واللازم على تقدير الوضع لاحدى الخصوصيتين
وان تساويا نوعا حيث انه على الأول نوعان وهما الخصوصيتان وعلى الثاني ايضا نوعان
وهما القدر المشترك والخصوصية الأخرى ، إلّا ان المجاز اللازم على الأول اكثر
افرادا واشخاصا من اللازم على الثاني ، لأن الاستعمال في الخصوصيتين كثير بخلاف
الاستعمال في القدر المشترك فانه قليل ، فيكون الوضع لاحدى الخصوصيتين أرجح من
الوضع للقدر المشترك ، لاستلزامه مجازا أقل واستلزام الوضع للقدر المشترك مجازا
اكثر ، فيكون مرجوحا.
وفيه : ان الوضع
لاحدى الخصوصيتين وان كان المجاز اللازم على تقديره لما لم يكن كثيرا جعل سببا
لرجحانه ، إلّا انه لما كان هذا المجاز قليلا نادرا يصير سببا لمرجوحيته ، حيث أنه
مستلزم لمجاز نادر ، بخلاف
الوضع للقدر
المشترك حيث انه مستلزم لمجاز شائع غالب.
قوله
«قده» : لأن المدار في ذلك على امكان ـ الخ.
يعنى ان المدار في
الكثرة والقلة ليس بحسب الوقوع ، ولا ريب في انه لم يثبت الاستعمال في الخصوصيتين
حتى يلزم التجوز فضلا عن كثرته وان امكن الاستعمال فيهما ، وهذا بخلاف الاستعمال
في القدر المشترك فانه ثابت معلوم ، فاذا كان اللفظ موضوعا لاحدى الخصوصيتين يلزم
التجوز في القدر المشترك قطعا ، واما اذا كان موضوعا للقدر المشترك فلم يقطع بلزوم
المجاز ـ فافهم.
قوله
«قده» : لأن الرجحان الثابت فيه ـ الخ.
توضيحه ان الأمر
في الرجحان يدور بين الرجحان المطلق المأخوذ بشرط لا والرجحان الحاصل بشرط احدى
الخصوصيتين ، فالأمر دائر بين المتباينين ، ولا متيقن في البين حتى يؤخذ به.
وفيه : ان الرجحان
فيما نحن فيه هو الرجحان اللابشرطي دون البشرطلائى ، ولذا يقول المصنف بانصراف
اطلاقه الى الوجوب ، ومعلوم ان الرجحان المأخوذ بشرط لا يكون قسيما ومقابلا للوجوب
، ولا يكون منصرفا اليه لاستحالة انصراف احد المتقابلين الى الآخر ضرورة ، ولا ريب
في ان الرجحان الملحوظ لا بشرط متيقن وان اريد الخصوصيتان ، اذ اللابشرط المقسمي
لا ينافي ألف شرط ويجتمع مع ألف شرط. والحاصل ان الأمر دائر بين الأقل والأكثر دون
المتباينين.
قوله
«قده» : حال المأمور به ـ الخ.
يعني حال المأمور
به باعتبار كونه مطلوبا وحال المأمور به باعتبار كونه مطلوبا منه.
قوله
«قده» : فاستعماله في كل فرد ـ الخ.
بيانه هو انه بعد
ما كان الموضوع له خاصا وهو كل فرد فرد من افراد الطلب فحينئذ ان استعمل في كل فرد
فرد من افراد الايجاب والندب على سبيل الاطلاق دون الاستعمال بأن اريد كل فرد
منهما من حيث انه طلب لا من حيث انه وجوب او ندب وفهم خصوصية الوجوبية والندبية
بدال الآخر ، فيكون من باب تعدد الدال والمدلول ، فيكون حقيقة ولو على سبيل
الاستعمال في الخصوصيتين وارادة الخصوصية من اللفظ بأن استعمل في الفرد مع ما
يلحقه من المنع من الترك والنقيض وعدمه ، فلا ريب في ان الاستعمال على الثاني ـ وهو
اعتبار عدم المنع من النقيض في الفرد المستعمل فيه ـ يكون مجازا ، لأن عدم المنع
من النقيض خارج عن الطلب الذي هو الموضوع له وقد اخذ في المستعمل فيه فيكون مجازا
، وأما على الاول ـ وهو اعتبار المنع من النقيض والترك مأخوذا في الفرد المستعمل
فيه ـ فان جعلنا المنع من النقيض فصلا للوجوب ويكون من سنخ الطلب ويكون كناية عن
تأكد الطلب ووثاقته ويكون حاله حال الحقائق المشكلة في كون ما به الامتياز فيهما
عن ما به الافتراق عين ما به الاتفاق ، ويكون الميز فيهما بالنقص والكمال في
الماهية كما اشرنا اليه آنفا فيكون حقيقة ، اذ لم يؤخذ في المستعمل فيه شيء خارج
عن الموضوع له ، اذ المفروض ان المنع من النقيض المأخوذ في المستعمل فيه يكون من سنخ
الطلب ومسانخا له فلم
يكن خارجا منه ،
وان لم يجعل المنع من النقيض من سنخ الطلب فلا ريب في كون الاستعمال مجازا اذا اخذ
في المستعمل فيه ما لم يكن مأخوذا في الموضوع له. هذا توضيح مرامه.
وانت خبير بأن
احدا من اهل المعقول لم يقل بكون الاختلاف في الحقائق المشككة بالفصل ، بل جعلوا
الاختلاف التشكيكي مقابلا للاختلاف بالفصول كما ظهر مما بيناه آنفا في بيان اقسام
ميز الأشياء ، ولكن الأمر سهل بعد وضوح المراد ـ فافهم واستقم.
قوله
«قده» : واعلم ايضا انا نريد ـ الخ.
مقصوده قدسسره دفع محذور ، وحاصل بيان المحذور انه يلزم بناء على ما ذكرت
من ان هيئة الأمر موضوعة لخصوصيات الطلب استعمال اللفظ في اكثر من معنى واحد اذا
تعلق الأمر والطلب بأشخاص متعددة او بأمور عديدة ، كأن يقال مخاطبا لجماعة «صلوا»
او يقال لشخص واحد «صل الفرائض والنوافل» حيث ان الموضوع في الأول خصوصيات الطلب
المتعلق بأشخاص متعددة ، فيكون الموضوع له متعددا حسب تعدد تلك الاشخاص والمفروض
الاستعمال فيها ، وفي الثاني خصوصيات الطلب المتعلق بأمور عديدة ، فيتعدد الموضوع
والمستعمل فيه حسب تعددها ، وهو ما رمناه من لزوم الاستعمال في اكثر من معنى واحد.
وحاصل بيان الدفع هو
ان مقصودنا من خصوصيات الطلب هو الطلب المقيد بالنسب الثلاث لا كل فرد من افراده
الحقيقية. وبعبارة اخرى المقصود هو الجزئي الاضافي لا الجزئي الحقيقي ، والمحذور
الذي لزم انما يلزم لو اريد الجزئي الحقيقي حيث يكون متعددا ، وأما الجزئي الاضافي
فهو كلى ليس فيه تعدد ، وهو مثلا الطلب المقيد بكلى المأمور به ، ولا ريب
في عدم تعددهما.
غاية الأمر وقصواه ان الذي ينطبق عليه ذلك الكلى وينتزع منه يكون متعددا ، تعدد
المنتزع منه لا يقتضي تعدد المنتزع ، وتكثر الأفراد لا يقتضي تكثر الكلى المنطبق
عليه وهذا ظاهر. هذا توضيح مرامه.
وفيه : ان ما ذكره
في الدفع مناف لما ذكره في مبحث استعمال اللفظ من اكثر من معنى واحد وفي مبحث
تحديد الوضع ، حيث صرح فيهما بكون ما يكون فيه الوضع عاما والموضوع له خاصا من
اقسام متكثر المعنى ، وبناء على وضع الهيئة للجزئي الاضافي يكون الموضوع له واحدا
مع انه قائل بكون الهيئة موضوعة بالوضع العام والموضوع فيه الخاص ، فليس هذا إلّا
التناقض. فان كان الاستعمال في اكثر من معنى واحد غير جائز وكان وضع الهيئة عاما
والموضوع له خاصا ـ على ما زعموا ـ فلا مناص من التزام الاستعمال في معنى مجازي
عام يشمل المعاني الحقيقية في الفرضين المذكورين ـ فافهم وتأمل تنل إن شاء الله
تعالى.
قوله
«قده» : فتأمل.
وجه التأمل هو انه
ان كان لفظ موضوعا للانكار صح ما ذكر من انصراف الاطلاق الى الفرد الكامل في
الانكار ، واما اذا كان لفظ موضوعا لمعنى وتعذر ارادته فلا بد وان يحمل على المعنى
المجازي ، فيلاحظ اقرب المجازات ويحمل عليه ان تحقق وإلّا لزم التوقف. وهكذا كما
فيما نحن فيه حيث تعذر فيه الاستفهام الحقيقي فلا بد وان يحمل على ما هو اقرب الى
المعنى الحقيقي ، ولا نسلم ان الانكار التوبيخي والذمي اقرب الى المعني الحقيقي من
الانكار اللومي كما هو واضح.
قوله
«قده» : وإلّا امكن دفعه.
يعني وان لم يكن
الواضع هو الله تعالى فلا مجال لأصالة عدم تعدد الوضع ، حيث ان تعدده معلوم ليس
مشكوكا يكون مجرى للأصل ، إلّا انه يمكن دفع اختلاف عرفنا وعرف الملائكة بأن ظاهر
الحكاية الموافقة للمحكى فاذا كان المحكى للوجوب فلا بد وان تكون الحكاية ايضا
للوجوب وإلّا لم يكن حكاية ـ هذا خلف.
قوله
«قده» : وفيه نظر.
وجهه ان الحكاية
وان كانت لازمة المطابقة للمحكى إلّا انها لا يلزم ان يكون بحسب الوضع ، فاذا كان
المحكى دالا عليه بالوضع والحقيقة فلا بد وان تكون الحكاية ايضا كذلك ، بل يلزم ان
تكون المطابقة بحسب المفاد والمؤدى ، وان كان الدال في الحكاية وإلّا مجازيا ،
وحينئذ فيجوز أن يكون «اسجدوا» مستعملا في الوجوب بعنوان المجاز وتكون القرينة
الذم والتوبيخ كما ظهر مما سبق في كلامه حيث قال : إلّا ان يقال استغنى عن حكايتها
بحكاية الذم على المخالفة.
قوله
«قده» : ويتجه عليه بعض المناقشات المتقدمة.
وهو ان هذا
الاستدلال مبني على ان يكون الطلب منه تعالى وقع بهذه اللفظ وهو ممنوع ، ولو سلم
فلعله كان محفوفا بالقرائن. ولو سلم فغاية ما يلزم ان يكون الأمر حقيقة في عرف
الملائكة ، وهو لا يستلزم ان يكون في عرفنا كذلك.
واما البعض الآخر
من المناقشات التي لا تتجه عليه فهو ان امتناع
حمل الاستفهام على
الحقيقي لا بعين حمله على التوبيخي لم لا يحمل على التقريري او على اللومي ، ومن
المعلوم ان هذا الاستدلال على الوجه الأخير لم يكن بالتشبث بذيل الاستفهام حتى يتجه
عليه ما ذكر كما لا يخفى.
قوله
«قده» : فلا يلزم الدور.
بيان الدور هو ان
كون مطلق الصيغة للوجوب موقوف على كون «فليحذر» للوجوب ، اذ لو لم يكن للوجوب جاز
ترك الحذر عن المخالفة بمخالفة الأمر ، فلا يكون الأمر للوجوب ، وكون «فليحذر»
للوجوب موقوف على كون مطلق الصيغة للوجوب ، فلزم الدور.
وبيان عدم لزوم
الدور واندفاعه هو كون «فليحذر» للوجوب ليس موقوفا على كون مطلق الصيغة للوجوب ،
بل هذا الأمر للوجوب قطعا وان لم يكن سائر الأوامر له ، لأن الأمر بالحذر لا يكون
إلّا مع وجود المقتضى للحذر ، ولا ريب في انه مع وجود المقتضى يحسن الحذر ووجب.
قوله
«قده» : اذ لا يصدق مخالفة ـ الخ.
فيه : انه اذا كان
المصدر المضاف مفيدا للعموم والاستيعاب الشمولي الافرادي وورد النفى المستفاد من
المخالفة اذ معناها عدم الاتيان والترك ، فلا ريب في انه يفيد سلب العموم لا عموم
السلب ، ولا شبهة في أن سلب العموم يصدق بالسلب الكلي كما هو مرامه قدسسره ، ويصدق بالسلب الجزئي الغير المنافي للايجاب الجزئي ،
فيكون معنى «فليحذر الذين لا يفعلون» كل أمر أمر بل يتركون بعضا ويفعلون بعضا ،
وكأنه (قده) زعم كون العموم قيدا للنفي والترك فيكون لعموم السلب ، وهو مغالطة
ناشئة من أخذ ما
بالعرض مكان ما بالذات ، وأخذ قيد المنفى والمتروك قيدا للنفي والترك.
ان قلت : إذا كان
المفاد هو سلب العموم كما اذعنت به واذعنت بأن سلب العموم أعم من عموم السلب
والسلب الكلي والسلب الجزئي الغير المنافي للايجاب الجزئي فيبطل الاستدلال بالآية
، لجواز أن يكون المراد بهذا السلب هو السلب المتحقق في ضمن السلب الكلي الذي يكون
مساوقا لترك المجموع ، وهو لا يدل على الوجوب لعدم جواز المخالفة في جميع
المندوبات.
قلت : أليس قد قرع
سمعك في الميزان ان القضية المهملة في قوة القضية الجزئية ، ومن الواضح ان سلب
العموم قضية مهملة ، لأن المسلوب وإن كان عاما إلّا ان القضية المشتملة على السلب
المذكور لما لم تكن مسورة بسور فلا جرم تكون مهملة وتكون في قوة قضية سالبة جزئية
، فيتم الاستدلال كما لا يخفى.
قوله
«قده» : إلّا ان يراد به العموم البدلي.
فيه : انه لما كان
هذا العام البدلي الذي هو بمنزلة النكرة وقوته واقعا في سياق النفي والترك
المستفاد من المخالفة فلا جرم يفيد عموم السلب لا سلب العموم ، اذ مفاد المدخول لم
يكن إلّا مفاد النكرة ، والعموم والشمول الاستيعابي لم يجيء الا من قبل النفي
فيفيد عموم السلب ويكون مفاده ترك الجميع ، فالبدلية التي هي مفاد النكرة مدخول
النفي والترك ، وكأنه قدسسره زعم كون البدلية قيدا للترك ، وهو مغالطة ايضا ناشئة من
أخذ ما بالعرض مكان ما بالذات ، واخذ قيد المنفي والمتروك قيدا للنفي والترك ـ فافهم.
قوله
«قده» : بشيء من الاعتبارين.
أي العموم
الافرادي والعموم البدلي. ويحتمل بعيدا أن يكون مراده العموم المجموعي والعموم
الافرادي.
قوله
«قده» : اما بتعليق الظرف المذكور ـ الخ.
وبعد التعليق
المذكور يحتاج الى تقدير لفظ المخالفة مضافا الى أمره ويحتاج أيضا الى تقدير مفعول
لقوله «يخالفون» والى ارتكاب التجوز في يخالفون ، إذ لا معنى للمجاز عن المخالفة
بعد وقوعها ، فيصير التقدير فليحذر الذين يخالفون أمره ، أي يريدون مخالفته او
اشرفوا على مخالفته عن مخالفة أمره. ولا يخفى ما فيه من التكلف وكثرة الحذف.
قوله
«قده» : أو بتقدير عن مخالفة أمره.
بجعل قوله تعالى «عن
أمره» مفعولا لقوله «يخالفون» على وجه التضمين والاشراب ، ويكون الظرف المتعلق
بقوله «فليحذر» وهو قوله عن مخالفة امره محذوفا ، فيكون التقدير فليحذر الذين
يخالفون عن أمره عن مخالفة أمره. ولا يخفى ما فيه أيضا من التكلف والتعسف.
قوله
«قده» : لأن الحذر عن الجنس ـ الخ.
لأن الحذر عنه هو
الترك له ، ولا ريب في ان انتفاء الطبيعة يكون بانتفاء جميع أفرادها وان كان تحقق
الطبيعة بتحقق فردها.
قوله
«قده» : يسمى في اللغة والعرف امرا.
لأنه وان قلنا
بكون الصيغة للقدر المشترك ـ كما هو مختاره قدسسره ـ إلا انه ينصرف
إلى الوجوب ، فيكون مصداقا للأمر حقيقة كما هو واضح.
قوله
«قده» : واثبات هذا القدر ـ الخ.
لما توهم القائل
المذكور ـ على ما هو لازم كلامه ـ لزوم الدور المحال. وبيانه هو ان كون الصيغة
للوجوب موقوف على كونها مصداقا للأمر حتى تشمله الآية الكريمة ، وكونها مصداقا
للأمر موقوف على كونها للوجوب ، وهو دور ظاهر. أجاب قدسسره بأن كون الصيغة مصداقا للأمر ليس موقوف على كونها للوجوب ،
بل يعلم بمراجعة العرف واللغة
ولا يخفى أن الدور
المتوهم قد اندفع بمنع التوقف على كون الصيغة للوجوب كما هو ظاهر ، ويكون منع
التوقف على اثبات كون الأمر للوجوب وان كان حقا إلّا انه وقع تطفلا وتبعا ولم يكن
له دخل في دفع الدور كما هو ظاهر.
قوله
«قده» : بل بأحد الأمرين منه ومن اصابة الفتنة.
يعني فيكون العذاب
لترك الواجبات واصابة الفتنة لترك المندوبات ، فلا يكون فيه دلالة على كون الصيغة
للوجوب كما لا يخفى.
قوله
«قده» : مع ان من عذاب الآخرة ـ الخ.
فيه : انه لو ترتب
على بعض المكروهات العقاب ولو كان بعض انواعه لم يكن حد الحرام مانعا طاردا كما هو
واضح. ومعلوم ان مجرد
طول الحساب ليس
بعذاب ولا ألم أصلا كما هو واضح.
قوله
«قده» : وهذا كما ترى.
انما يرد على بيان
الدليل لا عليه ، لأن الظاهر من الآية الكريمة لما كان تحقق الفتنة والعذاب الأليم
والتحذير منهما ، لأن الالفاظ موضوعة للمعاني الواقعية دون المعلومة او المحتملة ،
فاللازم في مقام الاستدلال بالآية هو الشرطية الأولى ، وهو ان المقتضى للحذر لو
كان متحققا حسن ووجب ولا ريب في حقية هذه القضية الشرطية وصدق ملازمتها ، فينتج
بوضع مقدمها بسبب ظهور الآية فيه وضع تاليها ، وهو كاف وان كانت القضية الشرطية
الأخرى ، وهي قوله : وإلّا لم يحسن كاذبة ، اذ لا مدخلية لها في اثبات النتيجة
أصلا كما هو واضح.
قوله
«قده» : ويجرى فيه بعض ما مر من المناقشات.
وهو ان المفهوم من
مساق الآية هو كون الذم وترتب العصيان على مجرد مخالفة الأمر دون المحفوف منه
بالقرينة. واما البعض الآخر من المناقشات الذي لا يجرى فيه وقد كان جاريا في الآية
السابقة وهي (وَإِذا قِيلَ لَهُمُ
ارْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ) فهو ان المفهوم من مساق الآية انها ذم حيث أن المورد هنا
في هذه الآية ـ أي قوله (أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي) ـ لم ينكر كونها
ذما حتى يرد عليه ان الظاهر كونها ذما بخلاف الآية السابقة ولم يدع أيضا انها ذم
على شىء آخر كما ادعى في الآية السابقة انها ذم على تكذيب الرسل حتى يرد عليه ان
الظاهر كونها ذما على مخالفة الأمر.
قوله
«قده» : لان الرد الى الاستطاعة ـ الخ.
لأن الرد الى
الاستطاعة لازم أعم للوجوب لتحققه في الندب ، واللازم الأعم لا يدل على الملزوم
الأخص وهو ظاهر.
قوله
«قده» : إلّا اذا ثبت كون فأتوا ـ الخ.
وجه الدلالة على
الوجوب حينئذ هو ان الرد الى الاستطاعة بعد ما كان الاتيان واجبا لا ينفك عن
الوجوب فيدل عليه. وبعبارة أخرى : يصير اللازم لازما مساويا فيدل على الملزوم ، لأن الرد الى
الاستطاعة مقيدا بكونه في مورد الوجوب لازم مساو للوجوب.
ووجه لزوم الدور
هو ان كون مطلق الصيغة للوجوب موقوف على دلالة الرد الى الاستطاعة على الوجوب ،
ودلالة الرد الى الاستطاعة على الوجوب موقوف على كون «فأتوا» للوجوب ، ودلالة قوله
«فأتوا» على الوجوب موقوفة على كون مطلق الصيغة للوجوب ، وهو دور مضمر بواسطة.
قوله
«قده» : فالاحتمالات عشرة.
لأن احتمال
الوقتية واحد ، واحتمال الموصولة اثنان ، واحتمال الموصوفة أيضا اثنان فيصير
المجموع خمسة ، واحتمال الاستطاعة اثنان ، واذا ضربت احتمالي الاستطاعة في الخمسة
يصير عشرة.
قوله
«قده» : وان كان صدر الرواية ـ الخ.
والرواية هي هذه :
خطب رسول الله صلىاللهعليهوآله فقال :
«ان الله كتب
عليكم» الخ ، فقام عكاشة ـ ويروى سراقة ـ ابن مالك فقال : أفي كل عام يا رسول الله
، فأعرض عنه حتى اعاد مرتين او ثلاثا فقال : ويحك وما يؤمنك ان اقول نعم ، والله
لو قلت نعم لوجبت ولو وجبت ما استطعتم ولو تركتم لكفرتم فاتركوني ما تركتكم ،
وانما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم الى انبيائهم ، فاذا أمرتكم بشيء
فأتوا منه ما استطعتم ، واذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه.
ومقصوده قدسسره من بعض الاحتمالات الذي لا يساعد عليه صدر الرواية ـ على
ما سيصرح به في مبحث التكرار ـ هو ارادة الفرد او الجزء من كلمة ما ، سواء كانت
موصولة او موصوفة فيبقى احتمال الوقتية.
ووجه مساعدة صدر
الرواية على هذا الاحتمال دون غيره هو أن السائل في قوله «أفي كل عام يا رسول الله»
، انما سأل عن الوقت دون الفرد او الجزء. هذا ملخص مرامه.
وانت خبير بأن
الظاهر من الرواية السؤال عن تكرير ايجاد الطبيعة فكأنه قال أيجب الحج مكررا ،
وهذا معنى قوله «أفي كل عام» كما لا يخفى ، والنبي صلىاللهعليهوآله اجاب بنفي وجوب التكرير ، فالظاهر من الرواية ارادة الفرد
من كلمة ما وكون كلمة ما موصوفة وكلمة من في قوله «منه» للتبعيض ، ويكون من تبعيض
الجزئي للكلي لا الجزء للكل فيكون حاصل المقصود فأتوا فردا من كل ذلك الشىء يكون
ذلك الفرد مستطاعا ، ويكون المحصل التخيير بين افراد ذلك الشيء الكلي المأمور به
وانه يكفي ايجاد فرد ما ، اذ تحقق الطبيعة بتحقق فرد ما ، وهذا بخلاف المنهى عنه
حيث يجب ترك جميع افراده ، اذ انتفاء الطبيعة بانتفاء جميع الأفراد ولذا قال صلىاللهعليهوآله «واذا نهيتكم عن
شيء فاجتنبوه» ولم يقل فاجتنبوا منه ، وهذا كله ظاهر لا سترة عليه.
قوله
«قده» : والاستدلال انما يتم على الاحتمال ـ الخ.
مقصوده من
الاحتمال الأول هو كون كلمة ما وقتية ومن الأخير من الاحتمال الأخير هو كون المراد
من الاستطاعة المشية. ووجه كونه اخيرا من الاحتمال الأخير هو انه بين اولا
الاحتمالات في كلمة ما واخيرا الاحتمالان في المراد من الاستطاعة ، وكان الأخير من
الاحتمالي الاستطاعة هو المشية ، فيكون المشية هو الأخير من الأخير كما هو واضح.
ومقصوده قدسسره ان الاستدلال بالرواية على الندب لا يتم إلّا بكون كلمة ما
للوقتية وكون المراد من الاستطاعة المشية ، فيكون المعنى فأتوا منه في أي وقت شئتم
فيكون موكولا الى المشية فيكون دالا على الندب. وأما اذا كان موكولا الى الاستطاعة
فليس فيه دلالة على الندب كما هو واضح ، بل وكذا اذا كان موكولا الى المشية وكان
المراد من كلمة ما الفرد ، حيث انه يدل على الايكال الى المشية بالنسبة الى
الأفراد لا بالنسبة الى اصل الطبيعة فلا يدل على الندب ، واما اذا كان كلمة ما
كناية عن الجزء فهو أجنبي عما نحن فيه من كون الأمر للندب ، لأنه متعرض لحال
الاتيان بالجزء وطلبه لا كيفية الطلب وان لم يكن معلقا بمركب ذي اجزاء.
فظهر ان
الاحتمالات التي لا يجوز التمسك بالرواية بحسبها على دلالة الأمر على الوجوب تسعة
، والاحتمال الذي يجوز التمسك بها بحسبه واحد فتصير الرواية مجملة لا يجوز التمسك
بها. هذا توضيح مرامه.
وانت خبير بأن
الاحتمال الذي سلم قدسسره دلالة الرواية على دلالة الأمر على الندب ليس فيه دلالة
اصلا ، اذ بحسبه يكون التخيير والايكال الى المشية بالنسبة الى الوقت لا بالنسبة
الى اصل الفعل فيكون من باب الموسع وهذا ليس فيه دلالة على الندب ، اذ التوسع بحسب
الوقت والزمان
ليس لازما مساويا
للندب بل يتحقق في الوجوب ايضا ، فالانصاف ان الرواية لا دلالة فيها على ما رامه
المستدل اصلا. نعم لو قال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم فأتوا إن شئتم تمت الدلالة ـ فافهم واغتنم.
قوله
«قده» : كون الأمر للندب وهو غير الصيغة.
فيه انه مناف لما
ذكره سابقا من ان مدلول الصيغة المجردة عن القرائن الصادرة عن العالي يسمى في
العرف واللغة امرا.
قوله
«قده» : فبأن المقصود بيان ـ الخ.
يعنى ليس المراد
بكون الوجوب بالشرع هو كون الشرع واضعا الصيغة للدلالة على الوجوب حتى ينافي
المدعى ، بل المراد كون الشرع وصدور الصيغة عنه شرطا لدلالة الصيغة على الوجوب بعد
ما كان المقتضي للدلالة هو الوضع اللغوي ، بتقريب ان واضع اللغة وضع الصيغة
للدلالة على طلب الفعل مع المنع من النقيض والترك ، فيكون ذلك الوضع مقتضيا
للدلالة على الوجوب المصطلح ـ اعني ما يستحق تاركه العقاب ـ فاذا انضم الى ذلك
المقتضي ذلك الشرط ـ وهو الصدور عن العالي الذي هو الشارع ـ تتحقق العلة التامة
للوجوب المصطلح ، فالصيغة بالوضع اللغوي تدل على الوجوب المصطلح ، غاية الأمر
وقصواه ان الصدور عن العالي والشارع شرط. هذا مرامه قدسسره.
ولكن الأنسب ان
يقال في الجواب ان الوجوب الذي قلنا انه يثبت بالشرع هو الوجوب المصطلح ، والذي
نريد اثباته بحسب اللغة هو مطلق الالزام والحتم فلا منافاة وتناقض. وبهذا يندفع
التنافي وان قيل بوضع الشارع الصيغة للوجوب المصطلح دون واضع اللغة كما لا يخفي ـ فافهم
واستقم.
قوله
«قده» : نعم يرد على المجيب ـ الخ.
مقصوده هو انه على
هذا التوجيه الذي ذكر يكون الصدور على كل عال شرطا لتحقيق الدلالة على الوجوب
المصطلح ، حيث ان الصدور على العالي مطلقا من غير فرق يصير منشأ لتحقق تلك الدلالة
كما لا يخفى ، فلا وجه لتخصيصه بالشرع إلّا ان يكون مبنيا على مقالة الأشاعرة
النافين للتحسين والتقبيح العقليين ، اذ بناء على مقالتهم ليس استحقاق العقاب الا
في اوامر الشارع.
قوله
«قده» : على تقدير صحته.
فيه اشارة الى منع
صحته. ووجهه هو ان الاستعمال اعم من الحقيقة.
قوله
«قده» : من المجازات الراجحة المساوى احتمالها.
مقصوده قدسسره من الرجحان الرجحان بحسب الاستعمال او الرجحان على سائر
المجازات ، فلا يناقض التساوي بحسب الاحتمال كما لا يخفى.
قوله
«قده» : ولا سيما اذا كان الاشتهار بالقرينة.
وجه الخصوصية هو
انه اذا كان الاشتهار مع القرينة لا ينفع لمورد يكون خاليا عن القرينة وهو محط
النظر الأصولى ، اذ في مورد القرينة فلا شبهة في الحمل على ما يقتضيه القرينة ،
فلا بد من كون الكلام في المجرد عن القرينة ، ولا شبهة في ان المجاز المشهور مع
القرينة ليس مماثلا للمجرد عن القرينة حتى يحمل المجرد عن الشك عليه. وهذا معنى
قوله «والقرينة توهن اثر الشهرة» ، يعني ان اثر الشهرة وان كان الحمل عليها إلّا
ان القرينة تقدح في هذا الأثر كما قد ظهر مما بيناه.
قوله
«قده» : ما لم يثبت الاشتهار بحسب الواقع.
اذ لو لم يثبت
لجاز كونه نادرا بحسب الواقع وان كان كثيرا في الأخبار المأثورة ، فيكون نادرا
واقعا ، فلا يكون مجازا مشهورا حتى يقدم ويرجح على الحقيقة او يتوقف.
قوله
«قده» : لكن استعمال الأمر في الندب ـ الخ.
لا ينبغي ان يتوهم
ان هذا تكرار ، اذ قد ذكر في السابق امر الاقتران بالقرينة وكونها موهنة لأثر
الشهرة ، لأن الذي ذكر في السابق هو جعل هذا المجاز المشهور على قسمين : قسم يكون
مقترنا بالقرينة ، وقسم يكون مجردا عنها. وهنا ينكر وجود القسم المجرد ، وعلى فرض
وجوده فهو نادر لا يجدى الا نادرا لا ينبغي التعرض له.
قوله
«قده» : ان القرينة قد توجب التردد ـ الخ.
والشاهد عليه فيما
نحن فيه من المجاز المشهور هو انه لا ريب في ان المجاز المشهور قد يبلغ من كثرة
الاستعمال الى حد الحقيقة والوضع التخصصي التعيني ، ويصير الحقيقة الأولى مهجورة
متروكة ، ولا ريب في ان الضرورة قضت ببطلان الطفرة ، فلا بد ان يكون قبل الوصول
الى هذا الحد بالغا الى التساوي ، كما انه قبل البلوغ الى درجة التساوي يكون
احتمال الحقيقة راجحا ، فظهر بطلان انكار التساوي وقال «والتحقيق» ـ الخ.
قوله
«قده» : فرد من الطلب ـ الخ.
لأنه موجود عيني
خارجي ، والموجود في الاعيان لا يكون إلّا الفرد
لأن الشيء ما لم
يتشخص لم يوجد ، والفرد هو الواسطة في عروض التحقق والوجود للكلي الطبيعي.
قوله
«قده» : وذهبت الأشاعرة الى انه يغاير الارادة ـ الخ يعني ان الطلب والارادة متغايران مفهوما ليس احدهما عين
الآخر ، ولكن بحسب الوجود وان كانا لا ينفك احدهما عن الآخر غالبا إلّا انه قد
يفترقان ، وذلك كما في الأوامر الامتحانية وامر الكافر بالايمان ونعم العون
الانفكاك دليلا على المغايرة.
قوله
«قده» : وربما ساعدهم بعض المتأخرين ـ الخ.
يعني ان بعض
المتأخرين وافق الاشاعرة في المغايرة بينهما مفهوما وخالفهم في الانفكاك وجودا
ومصداقا ، يعني انهما متغايران بحسب المفهوم ولكنهما لا ينفكان وجودا ومصداقا.
قوله
«قده» : بأن الآمر قد يريد ـ الخ.
يعني لو ضرب سيد
عبده فأنكره احد فيعتذر السيد بضربه بمخالفته له فيأمره بفعل ولا يريد وقوعه بل
يريد عصيانه له ليتجه عذر السيد ولا يريد امتثاله وموافقته لنقضه لغرضه ومنافاته
لما ادعاه واعتذر به من المخالفة والعصيان. وعلى هذا فلا يخفى ما في عبارته من
القصور وكون كلمة في في قوله «في عدم طاعة المأمور» سببية. والحاصل انه في هذه
الصورة يكون الآمر كارها لوقوع الفعل تحصيلا لغرضه ، فاذا كان الطلب عين الارادة
يكون مريدا لوقوعه ، وبين الارادة والكراهة تضاد يمتنع اجتماعهما في شيء واحد ،
فلا بد وإن لا يكون الطلب عين الارادة فرارا عن المحذور.
قوله
«قده» : ان الأمر هناك ليس امرا حقيقيا ـ الخ.
مقصوده هو أنا اما
نقول بأن مقصودنا من كون الطلب عين الارادة في الطلب الحقيقي والأمر المعنوي دون
الأمر الصورى والطلب الظاهر الغير الحقيقي فلا يضرنا الانفكاك فى مورد اظهار العذر
، واما نقول الطلب عين الارادة مطلقا ولكن ان كان الطلب حقيقيا كان عين الارادة
الحقيقية وان كان صوريا كان عين الارادة الصورية ، فلا انفكاك اصلا.
قوله
«قده» : والتحقيق ان الأمر هناك امر حقيقي ـ الخ.
لما اذ عن المجيب
بكون الأمر هناك صوريا وكان هو مناط جوابه وملاكه وكان على خلاف التحقيق عند
المصنف قدسسره اعرض عنه وقال «والتحقيق» الخ. وحاصل مرامه قدسسره ان الارادة تكون على ضربين :
«الأول» ـ الارادة
التي تكون من الكيفيات النفسانية ، وهي الشوق المؤكد الذي يكون بعد تصور الشيء
والتصديق بفائدته ، وهي اذا تعلقت بشيء كوقوع فعل من احد يكون الظرف ـ وهو قولنا
من احد متعلقا بقولنا بالوقوع ـ ولا يصح تعلقه بالارادة ، لأن الشوق المؤكد الذي
هو الارادة لا يكون ناشئا من احد بل من اسبابه وعلله ، اي من تصور الشيء والتصديق
بفائدته وافاضة الله تعالى اياه ولا يكون متعلقا بأحد ، ويكون حاصله توقان النفس
واشتياقها الى ذلك الشيء من غير ان يكون فيه طلب من احد وارادته من شخص ، وهذا كما
اذا جاع انسان كريم النفس منيع الذات عزيز الهوية فهو يشتاق الى الطعام شوقا اكيدا
ويريده توقانا وكيدا ولا يطلبه ولا يريده من احد لعز نفسه وان بلغ الى الهلاك
والعطب. ومعلوم
ان هذه الارادة
ليست بارادة وإلّا لتسلسلت الارادات ذاهبة الى غير النهاية.
«والثاني» ـ ارادة
وقوع ذلك الشيء من احد وطلبه منه ، بأن يكون الظرف متعلقا بالارادة. وبعبارة
فارسية يكون الطلب من احد «خواستن از كسي» ، وهذا المعنى بلا شبهة يكون فعلا
اراديا مسبوقا بالارادة ، اذ لا ريب في ان الآمر يريد الطلب والارادة من احد ثم
يطلب ويريد وينشئها ويوقعها ويحدثها ، ولا ريب في ان هذا النحو من الارادة قد ينفك
عن ذلك الضرب الآخر منها ، وذلك كما في الأمثلة التي ذكرت من مثال الآمر المريد
لاظهار عذره وآمر الكافر بالايمان وغير ذلك. ومعلوم انه في مورد اظهار العذر لا يكون مريدا لوقوع ذلك
الشيء لمنافاته لغرضه ومع ذلك يطلبه من العبد ، فالمصلحة لوقوع الطلب موجودة ولكن
وقوع ذلك الشيء المطلوب ليس فيه مصلحة بل فيه مفسدة لمنافاته لغرضه وهذا بخلاف
الجائع العزيز النفس ، حيث ان المصلحة في حصول الطعام موجودة وليست متحققة في طلبه
بل فيه المفسدة لمنافاته لعز النفس ومناعتها.
والحاصل ان
الارادة التي نقول بعينية الطلب لها هو النحو الثاني منها ولا ريب في تحققه ووجوده
حتى في الأوامر الاختيارية ، واطلاع المأمور على غرض الآخر وان كان يخرج الأمر عن
الاختيار إلّا انه لا اثر له في تحقيق الأمر والطلب ، فالأمر امر حقيقي مطلقا وان
كان في صورة اطلاع المأمور على غرض الأمر لا يحصل الغرض احيانا.
وبهذا البيان
الواضح المنار والتبيان الساطعة الأنوار ظهران في صورة تعلق الظرف بالارادة
الارادة وان كان لها مفعول به إلّا ان المفعول به إلّا ان المفعول به لها ما تعلق
به هذا النحو من الارادة الذي مؤداه بالتعبير الفارسي بخواستن از كسي ، لا ما تعلق
به ذلك الضرب الآخر من الارادة هذا محصل مرامه قدسسره.
لكن لا يخفى انه
بناء على هذا يصير النزاع لفظيا يكون مورد النفي والاثبات مختلفا ، اذ الاشاعرة
انما ينكرون كون الطلب عين الارادة بالمعنى الأول كما ينادي به بأعلى صوت حججهم ،
وكما في كلام العضدي تبعا للحاجبى ان الأولى في ابطال كون الأمر هو الارادة انه لو
كان الأمر هو الارادة لوقعت المأمورات ، لأن الارادة تخصيص الفعل بحال حدوثه واذا
لم يوجد لم يحدث ، فلا يتصور تخصيصه بحال حدوثه ـ انتهى. وهو كما ترى صريح في كون
الارادة التي ينكرون كونها عين الطلب هو النحو الأول ، والمصنف قدسسره صحح العينية بالنسبة الى الضرب الآخر من الارادة مع اذ
غانه بعدم العينية بالنسبة الى الضرب الآخر ـ فافهم وتأمل تنل بعون الله تعالى.
قوله
«قده» : على ما حققناه آنفا.
من الفرق بين
الارادة التي يكون الطلب عينها والارادة التي هي من الكيفيات النفسانية ، فيكون
المثبت في قولنا اريد غير الارادة التي يكون الطلب عينها التي صارت في قولنا ولا
آمرك به.
قوله
«قده» : ان الممتنع باختيار المكلف ـ الخ.
حمل قدسسره الارادة في قول المستدل ولم يرده منه على الضرب الأخير
فأورد عليه بأن الامتناع بالاختيار لما لم يكن منافيا للاختيار ، بل يؤكده فلا
مانع من التكليف والطلب والارادة منه. وانت خبير بأنه ليس مراده ما فهمه قدسسره وحمل كلامه عليه ، وإلّا لتناقض كلامه حيث يقول آمر ولم
يرد ، اذ يصير في قوة أمر ولم يأمر ، بل مراده من الارادة هو الضرب الأول ، ولا
شبهة في استقامة كلامه وصحة تعليله ، اذ
الممتنع ولو كان
ممتنعا غيريا وبالاختيار يمتنع ان يكون وجوده متعلقا لارادته تعالى بالنحو الأول
من الارادة ، اذ بعد ما تعلقت ارادته عزّ شأنه بذلك الممتنع فاما ان يقع ذاك
الممتنع او لا ، فعلى الثاني يلزم تخلف الشيء المراد عن ارادته ، وعلى الأول يلزم
الخلف حيث فرضناه ممتنعا فصار واجبا ـ فافهم.
قوله
«قده» : ان الارادة على قسمين ـ الخ.
حاصله ان الارادة
التي تمتنع في حق ايمان الكافر هي الارادة التكوينية اذ لو اراد الله تعالى ايمانه
ارادة تكوينية لساق اسباب وجوده وعلل تحققه ومبادئ حصوله ، ومن المعلوم الواضح انه
بعد ما تحققت المبادئ والعلل القريبة والبعيدة يستحيل تخلف المعلول ضرورة ، فكأن
الواجب تحقق ايمان الكافر ، فلما كان غير متحقق يستكشف به عن عدم المبادئ والارادة
، اذ عدم المعلول واسطة في اثبات عدم العلة ، كما ان عدم العلة واسطة في ثبوت عدم
المعلول ، اذ علة العدم عدم. وبالجملة يعلم انه لو لم يتحقق منه عزّ اسمه ارادة
تكوينية بالنسبة الى ايمان الكافر ، واما الارادة التشريعية التكليفية فهي لما
كانت راجعة الى الرضا بالفعل وحبه فهي متحققة بالنسبة الى ايمان الكافر ، اذ هو
تعالى يحب ايمانه ويرضاه ، ولا يستلزم من حبه تعالى ورضاه به وقوعه ، والارادة
التي الطلب عينها هي بهذا المعنى ، وعدم تحقق الايمان من الكافر لا ينافي تحقق هذا
النحو من الارادة. هذا بيان مرامه قدسسره.
وفيه انه لا يلزم
ان يكون في الطلب والأمر الرضا بوقوع الفعل ومحبوبيته كما صرح به آنفا ، وجعل
الأوامر الامتحانية أوامر حقيقية لا أمرا صوريا ، مع ان الآمر لا يحب وقوع الفعل
ولا يرضاه لمنافاته لغرضه ،
فهذا الكلام منه
مع انه مناقض صريح لما سبق منه مخالف للواقع ، حيث ان من المعلوم المحقق مع انه لا
يلزم في الأمر والطلب أن يكون المصلحة في المأمور به والمطلوب بل يكفي وجودها في
الأمر والتكليف دون المأمور به والمكلف به ، فما ذكره «قده» مغالطة ناشئة من سوء
اعتبار الحمل ان جعل الأمر الذي هو الارادة التشريعية التكليفية هو الارادة من شخص
بضميمة كون الفعل محبوبا ومرضيا ، ووجه كونه من باب سوء اعتبار الحمل انه قد اخذ
مع الشيء ما ليس منه ، اذ ليس كون الفعل محبوبا مرضيا مأخوذا في الأمر. او مغالطة
ناشئة من اخذ ما بالعرض مكان ما بالذات ان جعل الأمر التكليفي التشريعي عبارة عن
محبوبية الفعل الرضا به ، ووجه كون المغالطة من باب اخذ ما بالعرض مكان ما بالذات
ان الرضا بالفعل ومحبوبيته ليس معنى الأمر قد يقارنه فجعل الأمر عبارة عن ذلك
المقارن وهذا بخلاف المغالطة على الوجه الأول حيث جعل المقارن والمقترن به معنى
الأمر ، فكان الأولى بل الصواب ان يفسر الارادة التشريعية التكليفية على النحو
الذي فسر الارادة التي الطلب عينها بأن القول ليس مفادها إلا الطلب من شخص ، وهذا
المعنى لا يلزم وقوع المطلوب في الخارج بل لا يلازم الرضا به ومحبوبيته ، وان تحقق
الرضا والمحبوبية فهو من باب المقارنة والصحابة الاتفاقية لا من جهة اخذهما في
الأمر والطلب.
فيصير محصل الجواب
عن مسألة امر الكافر انه طلب منه الايمان تشريعا بهذا المعنى الذى اشرنا اليه
الغير الملازم لكون الفعل محبوبا وان كان فى المثال المذكور محبوبا ولم يرد منه
تكوينا ، وهذا معنى ما ورد قريبا من هذا المضمون انه تعالى أمر ابليس بالسجود ولم
يشأ ولو شاء لسجد ، ونهى آدم عن اكل الشجرة وشاء ولو لم يشأ لم يأكل ، يعني انه
عزّ اسمه أمر ابليس بالسجود تشريعا ولم يشأ تكوينا ، ونهى آدم عن أكل الشجرة
تشريعا وشاء تكوينا ـ فافهم
ما ذكرنا ان كنت
من اهله.
قوله
«قده» : والعجب ان من خالفهم ـ الخ.
مقصوده قدسسره ان بعض المتأخرين كما سبق منه ساعد الأشاعرة ووافقهم في
مغايرة الطلب للارادة ونفي الاتحاد ، وخالفهم حيث قالوا بالانفكاك والمغايرة
باثبات الملازمة وعدم الانفكاك ، واحتج هذا البعض لنفي الاتحاد بالحجة الأولى ،
وهي على تقدير تماميتها دالة على الانفكاك وعدم الملازمة ، وهو نقيض مقصود هذا
البعض المحتج ، حيث انه قائل بالملازمة وعدم الانفكاك.
قوله
«قده» : فأورد عليهم بلزوم ـ الخ.
يعني حيث ان
الأشاعرة قالوا بأن الطلب غير الارادة ولم يبينوا ذلك الغير ولم يفسروه فأورد
عليهم بأنه يلزم وضع الظاهر ، وهو لفظ ظاهر لا خفاء فيه أصلا لمعنى يكون مضمرا
مخفيا لم يعلم انه ما هو.
قوله
«قده» : وهو غير واضح.
يحتمل ان يكون
الضمير راجعا الى كون الطلب نوعا من الميل ، يعني ان الأمر ليس كذلك بل الطلب عين
الارادة. ويحتمل ان يكون الضمير راجعا الى نوع من الميل ، يعني ان هذا المعنى ايضا
خفي مضمر غير واضح ، فيلزم ايضا وضع الظاهر بإزاء المضمر ، غاية الأمر وقصواه ان
الخفاء والاضمار في السابق كان أشد وآكد واقوى وهنا اضعف.
قوله
«قده» : وليس في قولك اوجبته فوجب دلالة ـ الخ.
دفع توهم ، وحاصل
التوهم هو ان الفاء للتفريع المفيد لترتب شيء وتفرعه على شيء آخر ، والمتفرع
والمتفرع عليه لا بد وان يكونا شيئين متغايرين ، وإلّا لزم تقدم الشيء على نفسه
وتأخره عن نفسه ، فوجب ان يكون الوجوب والايجاب متغايرين حتى يكون احدهما مقدما
والآخر مؤخرا.
وحاصل الدفع انه
اذا كان لشيء واحد اعتباران واقعيان يكون احدهما مقدما والآخر مؤخرا جاز أن يؤخر
ذلك الشىء بأحد الاعتبارين عن نفسه بالاعتبار الآخر ، اذ مرجعه تأخر احد
الاعتبارين عن الآخر ، ويكون الاعتباران واسطتين في عروض التقدم والتأخر لذلك
الشيء ، والأمر فيما نحن فيه من هذا القبيل. هذا محصل مرامه وتنقيح كلامه.
وفيه ان
الاعتبارين المذكورين لما كانا من العوارض التحليلية الغير المتأخرة عن ذات
معروضها فلا يعقل ان يكونا واسطتين في عروض التقدم والتأخر على معروضهما ، فان كان
واسطة فهي واسطة في الثبوت دون العروض ، فلزم المحذور ، وهو كون المعروض الواحد
متقدما ومتأخرا.
فالحق في الجواب
ان يقال : ان الايجاب والوجوب نحو خاص من الايجاد والوجود ، اذ هو الايجاد والوجود
في عالم التشريع ، والايجاد والوجود لا ريب في ان التقدم والتأخر بينهما يكون هو
التقدم بالحقيقة والتأخر بها ، فالوجود والايجاد وان كانا واحدا حقيقة ومصداقا وشخصا
وفردا ـ بمعنى انه ليس الاشخاص واحد ـ إلّا انه مع ذلك متقدم ومتأخر ولا محذور فيه
اصلا ، اذ بعد الاذعان بوقوع التشكيك في الوجود لا يبقى مجال ريب في كون شخص واحد
من الوجود متقدما ومتأخرا ، فمرجع الأمر الى تقدم بعض مراتب شخص واحد على بعض
مراتبه الأخر ، وكثرة
المراتب لا توجب
كثرة الذات كما هو واضح ـ فافهم ما ذكرنا حق فهم مستمدا من مفيض العلوم والخيرات ،
فانه عزيز المنال بعيد الدرك.
قوله
«قده» : ولا ينافي ذلك في كون الايجاب ـ الخ.
دفع لتوهم ، وحاصل
التوهم انه لا ريب في ان الايجاب من مقولة ان يفعل ، والفعل والوجوب من مقولة ان
ينفعل والانفعال ، وهاتان المقولتان من المقولات العشر المسماة في لسان اليونانيين
بقاطيقورياس ، اى المقولات العشر ، والمقولات العشر لما كانت اجناسا عالية قاصية
ليس وراءها جنس وإلّا لزم الخلف ، فلا جرم تكون لا محالة متباينة ليس فيها قدر مشترك
ذاتي ، فاذا كانت مقولتا الفعل والانفعال متباينتين فيستحيل ان يكون الايجاب
والوجوب واحدا ، وإلّا لزم أن يكون المتباينان غير متباينين ، هذا خلف.
بل أقول : كيف
يعقل أن يكون شيء واحد مندرجا تحت مقولتين ، وإلّا لزم أن يكون مجنسا بجنسين
متباينين لا يكون أحدهما في طول الآخر ، بل في عرض الآخر وهو مستحيل ، لأنه اما أن
يكون الذاتي الجنسي هو هذا الجنس فلا يكون الآخر جنسا ، أو يكون الآخر فلا يكون
هذا ، أولا يكون لخصوصية احدهما مدخلية في الجنسية ، فلا بد وان يكون قدر مشترك
ملغى عنه الخصوصيات يكون هو جنسا ، هذا خلف ، حيث ان المفروض إنه ليس قدر مشترك
بينهما.
وحاصل الدفع هو
أنا لا نريد اتحاد الوجوب والايجاب وجودا وذاتا حتى يلزم ما ذكر ، بل المقصود
انهما متحدان موردا بعد اختلافهما مفهوما ووجودا ، أما المغايرة المفهومية فواضح ،
وأما التغاير المصداقي والوجودى فلأن الايجاب صفة للموجب والوجوب صفة للواجب ،
والموجب والواجب
متغايران ذاتا
ووجودا ، فلا محالة تكون صفتهما متغايرتين وجودا ومصداقا فبقى ان يكون الاتحاد
بحسب المورد ـ اعني المنتزع منه ـ يعني ينتزع اعتبار الايجاب من شيء ينتزع منه
اعتبار الوجوب مع تغايرهما. هذا محصل مرامه زيد في علو مقامه.
وليت شعري ما
المراد بهذا المورد الواحد الذي يكون هو المنتزع منه ، فان كان المراد أمورا
مصداقيا يكون هو المنتزع منه لهذين الاعتبارين فهو حق ، ولكن يكون ذانك الاعتباران
من العوارض العقلية التحليلية التعملية الغير المتأخرة في الوجود عن ذلك الأمر
المصداقي ويكونان من العوارض التي تكون خارج محمول لا محمولات بالضميمة ، فلا
محالة يكون صفة له موجودان به وان جاز اخذهما عنوانين لا بشرطين لشيئين آخرين ،
وحينئذ فاذا كان الاعتباران متحدان بالذات والحقيقة والوجود مع ذلك الأمر الواحد
المصداقي يلزم المحذور ، بل قيل بشدة الارتباط بين الخارج المحمول ومعروضه ان ذلك
الخارج المحمول ذاتي لمعروضه ، فكأنه مضافا الى الاتحاد الوجودي والمصداقي متحدان
مفهوما. وان كان مراده من المورد مورد الخطاب بدون تحقق شىء وراء ذات الموجب وذات
الواجب فمع ان تحقق الايجاب والوجوب في الفرض المذكور غير معقول وإلّا لزم ان
يتحقق الوجوب قبل انشائه وجعله ، اذ ذات الواجب والموجب متحققان وليس حاجة الى شيء
آخر حسب الفرض ، يرد عليه كيف يعقل أن يكون هذا المورد المفروض مع عدم الجامع
للشتات فيه ، حيث ان المفروض انه ليس إلّا ذات الموجب وذات الواجب واحدا يكون منشأ
لاتحاد الايجاب والوجوب بحسبه. وهذا كله حق وصواب ليس فيه شك وارتياب.
فالحق في الجواب
عن محذور لزوم الاندراج تحت مقولتين والتجنس بجنسين هو أن يقال : ان الوجوب
والايجاب ليسا من المقولتين المذكورتين
بل ولا من سائر
المقولات ، لأنهما كما ذكرنا آنفا نحو من الوجود ، والوجود كما هو المحقق في محله
والمبين في مقره ليس جوهرا ولا عرضا ، وكيف يتوهم ان يكون الايجاب والوجوب
والايجاد والوجود من مقولتي الفعل والانفعال والحال ان المقولتين هما التأثير
والتأثر التدريجيان ، والايجاد والايجاب افاضة وصنع ليس فيه تدرج اصلا ، غاية ان
الايجاد افاضة في عالم التكوين والايجاب افاضة في عالم التشريع.
والحاصل : انه
ببديهة الوجدان نعلم ان الجاعل اذا جعل شيئا مثلا اذا كتب الكاتب فليس في الخارج
الا وجود ذلك الشىء والكتابة ، وهذا الوجود المصداقي العيني له اعتباران واقعيان :
احدهما صدور هذا الوجود من الجاعل وتدلى هذا الوجود بالجاعل فلا محالة يكون ايجادا
وجعلا ، وثانيهما تدلى ذلك الوجود بذلك الشيء فيكون وجودا له. فظهر ان الايجاب
والوجوب والايجاد والوجود وان اختلفت مفهوما إلّا انها متحدة مصداقا ووجودا ، وذلك
الوجود المصداقي الذي يكون هو المحكي عنه والمعنون ليس جوهرا ولا عرضا ، والمفاهيم
المذكورة لما كانت حاكية عنه ليست شيئا على خياله ، بل ظهر انها خارج محمولا قيل
في حقه انه ذاتي لمعروضه فأين الاندراج تحت مقولتين والتجنس بجنسين ـ فافهم واستقم
واغتنم واشكر ربك الأعلى فله عواقب الثناء تبارك وتعالى.
قوله
«قده» : كما في كثير من التأثيرات الاعدادية.
المعد يطلق على
نوعين :
«الأول» ـ ما كان
بوجوده وعدمه مقتضيا لوجود شىء ، وذلك كالخطوات حيث انها مركبة من وجود خطوة
وانعدام خطوة اخرى مقتضية للوصول الى المقصد وما اليه الحركة.
«والثاني» ـ ما
كان غير الفياض المطلق والجواد الحق من العلل والأسباب ، والمبرهن عليه انه لا
مؤثر في الوجود إلا الله ، ولا حول ولا قوة إلا بالله ، وهل من خالق غير الله ،
فغير جنابه الاقدس هو المعد والمهيأ لإفاضته جلت قدرته ، وهو الخالق ليس إلا.
فان كان مراد
المصنف قدسسره من الاعداد المعنى الأول فيكون حاصل مرامه ان في التأثيرات
الاعدادية لا محالة ينعدم التأثير ، حيث ان المعد مركب من الوجود والعدم ويبقى
الأثر ، وانما قال «في كثير» لأن التأثير المقارن للأثر غير منعدم ، وهذا كالخطوة
الأخيرة المقارنة للمقصد وما اليه الحركة ، وانما انعدمت الخطوات الأخر والتأثيرات
الأخرى.
وان كان مراده
المعنى الثاني فيكون حاصل مرامه ان التأثيرات الاعدادية بهذا المعنى وان كان قد
يكون التأثير مقارنا للاثر يزول بزواله ، ولكن الغالب ان الأثر يبقى مع زوال
التأثير ، وذلك كتسخن الماء حيث انه يبقى مدة مع انعدام التأثير بل المؤثر ـ تأمل
تنل إن شاء الله العزيز المتعال.
قوله
«قده» : وهما متغايران بحسب الزمان
يحتمل ان يكون
الضمير راجعا الى الكشف عن المدلول وتصحيح تحققه في الخارج ، يعني انه يحصل الكشف
والدلالة اولا ثم تصحيح التحقق في الخارج ثانيا. وهذا الاحتمال وان كان قريبا
بالنظر الى كلامه السابق حيث قال «كاشفة ومصححة» إلّا انه بعيد بالنظر الى قوله «واما
بحسب الرتبة» حيث لاحظ التغاير بين الدلالة والمدلول. ومع ذلك يرد عليه ان الكشف
هو الاعلام ، والاعلام مصحح للتحقق ، فالكشف لما كان هو المصحح للتحقق بالحمل
الشائع الصناعي المتعارف يستحيل تقدمه عليه لاستحالة تقدم احد المتحدين على الآخر
، وإلا تقدم الشىء على نفسه
وتأخر عنه ، وهذا
واضح.
ويحتمل ان يكون
الضمير راجعا الى الدلالة والمدلول ، ويكون القرب والبعد لهذا الاحتمال بالنظر الى
قوله السابق وقوله اللاحق عكسا للاحتمال الأول ، ويكون حاصل مقصوده ان الدلالة
والمدلول يتغايران زمانا ، ليسا معين في الزمان بل بينهما السبق واللحوق
الزمانيين.
وفيه : انه ان كان
مراده تقدم المدلول وسبقه زمانا على الدلالة فهو وان كان حقا بناء على مذهبه قدسسره من ان الصيغة الموضوعة لما في نفس المتكلم المنشئ من
المعنى المنشأ له ، وهو ارادة الفعل او الالزام به بالنسبة الى ذات المدلول حيث
انه لا ريب في سبقه على الاستعمال المتقدم على الدلالة إلا انه لا يصح بالنسبة الى
المدلول بما هو مدلول ـ اعني مع الوصف العنواني ـ فهو لا محالة يكون مع الدلالة ،
اذ يستحيل ان يتحقق أحد أطراف الاضافة بما هو طرفها بدون تحققها ولزوم الخلف او
اجتماع النقيضين ، وان كان مراده «قده» تقدم الدلالة بالتقدم الزماني على المدلول
فلا ريب في فساده ، لأن المدلول بما هو مدلول يستحيل أن ينفك عن الدلالة ،
والدلالة يستحيل ان تنفك عن المدلول بما هو مدلول ، فهما معان زمانا وان كان
بينهما السبق واللحوق الطبيعيين ـ فافهم.
قوله
«قده» : وأما بحسب الدلالة فالرتبة ـ الخ.
مقصوده قدسسره دفع دور يمكن ان يورد في المقام ، وحاصل بيان الدور هو ان
الدلالة موقوفة على المدلول وهو ظاهر ، والمدلول موقوف على الدلالة حيث انها مصححة
لتحققه ومحققة لوجوده ، وهو دور ظاهر صريح.
وحاصل دفع الدور
هو ان الدلالة موقوفة على المدلول لكن المدلول
لا يتوقف على
الدلالة بل يستلزم المدلول الدلالة ، بمعنى انه لا يصح وقوعه في الخارج. وهذه
العبارة مشتبه المراد مجمل المفهوم غير واضح المقصود يحتمل وجوها ، لأن الاستلزام
يكون على ضربين : تلازم اصطلاحي وهو كون الشىء بينهما علقة لزومية وتكافؤ عقلي
يستحيل عقلا انفكاك احدهما عن الآخر كالعلة والمعلول ومعلولي علة واحدة ، والضرب
الآخر هو مجرد عدم الانفكاك وان كان على وجه الصحابة والمقارنة الاتفاقية.
فان كان المراد
المعنى المصطلح فنقول : ان يكون المراد من الاستلزام الذي اثبته معلولية المدلول
للدلالة لأنه نفاه اولا حيث قال «ولا يتوقف المدلول على الدلالة» فلو اثبته ثانيا
لزم التناقض ، فبقى ان يكون الاستلزام المتحقق في ضمن علية المدلول للدلالة او
معلوليتهما لثالث ، وكلاهما باطلان : اما الأول فلأنه مع كونه تكرارا لقوله «فالدلالة تتوقف على
المدلول» كما هو ظاهر لا يلائمه التفسير بل يناقضه ، لأن الحاصل من العناية
والتفسير كون المدلول معلولا متحققا بالدلالة وهو تناقض. وأما الثانى فلأنه مع
كونه مناقضا لقوله السابق حيث أذعن بعلية المدلول للادلة وتوقفهما عليه فيكون
معلوليتهما لثالث تناقضا كما هو واضح.
وان كان المراد من
الاستلزام مجرد عدم الانفكاك ولو على وجه المقارنة الاتفاقية فهو مع كونه مناقضا
لقوله السابق حيث اذعن بالعلية مناقض للعناية والتفسير ، حيث انه يصرح بأن المدلول
لا يتحقق في الخارج بدون الدلالة ، وهو ظاهر في كون الدلالة سببا لتحقق المدلول في
الخارج.
اللهم ان يقال :
ان مراده هو الاستلزام المتحقق في ضمن علية المدلول للدلالة ، ويكون التكرير
تأكيدا وتثبيتا لانكار معلولية المدلول لها ، ويكون المقصود من العناية والتفسير
هو عدم تحقق المدلول بدون الدلالة الذي يكون من قبيل عدم تحقق العلة بدون المعلول
لا الذي يكون من قبيل عدم تحقق
المعلول بدون
العلة فيكون اقرارا بمعلولية المدل ليكون تناقضا.
ويكون حاصل دفع
الدور أن الدلالة موقوفة على المدلول وهو ليس موقوفا على الدلالة وليست مصححة
لتحققه ومحققة لوجوده ، بل غاية الأمر وقصواه ان المدلول والدلالة لا ينفكان ولا
يتحقق احدهما في الخارج بدون الآخر ، وليس هذا ملازما لكون المدلول معلولا للدلالة
وموقوفا عليها ، ضرورة ان كل علة لا تنفك وجودا عن معلولها ومع ذلك لا تكون معلولا
لمعلولها.
والذي الهمني ربي
وافاض على قلبي في دفع الدور هو أن الدلالة ليست موقوفة على المعنى الذي انشأه
المنشئ في عالم نفسه وصقع قلبه من الارادة من المكلف او الالزام منه كما زعمه
المصنف على ما سيصرح به من وضع الأمر بإزاء ذلك المعنى ، ضرورة انه ليس في عالم
النفس وموطن القلب للطلب حقيقة. نعم تتحقق الارادة والكراهة اللتان من الكيفيات
النفسانية وليستا من سنخ الطلب كما اوضحناه وفصلناه في بيان الفرق بين الطلب
والارادة ، ويتحقق ايضا تصور الصيغة والمعنى الذى يحصل به وينشئه. كيف ولو كان
المدلول معنى قائما بالنفس ينشأ فيها لا تكون الصيغة إنشاء بل تكون حكاية عما في
النفس «هف».
فظهر ان المراد
بالمدلول هنا هو المعنى الذي لا يكون موجودا في وعاء من اوعية الواقع لا في وعاء
الخارج وعالم اللفظ ليس إلا ، ولكن لما كان هذا المعنى متأخرا في الخارج عن اللفظ
ودلالته لأنه منشأ به والمدلول لا بد وان يكون متقدما على الدلالة ، ضرورة لزوم
تقدم المعنى الموضوع له على الوضع والدلالة المترتبة ، اذ العارض لا بد وان يتأخر
عن المعروض والمعروض لا بد وان يتقدم على العارض ، فلا جرم نقول : المتقدم على
الدلالة هو الوجود المقدر للمدلول كما هو الملاك في موضوع
الدلالة الحقيقية
، فالدلالة موقوفة على الوجود المقدر للمدلول ولا يتوقف الوجود المقدر للمدلول على
الدلالة بل يكفي تقدير العقل له وفرضه موجودا.
نعم الوجود المحقق
للمدلول موقوف على الدلالة ، حيث انه حاصل بها ولم يكن الوجود المحقق موقوفا عليه
حتى يلزم الدور.
ويمكن ان يدفع
الدور ببيان آخر ، وهو ان الدلالة موقوفة على ذات المدلول وهو ليس موقوفا على
المدلول بما هو مدلول ، اي مع الوصف العنواني. وبعبارة اخرى : الموقوف عليه هو
المعنى الذي هو مدلول بالحمل الأولي الذاتي ، والموقوف هو المعنى الذي هو مدلول
بالحمل الشائع الصناعي ، فاندفع الدور ـ فافهم إن شاء الله ما ذكرنا واسترحم الله
عزّ شأنه عسى أن يرحمنا ويتوب علينا.
قوله
«قده» : والتحقيق في دفعه هو ان يقال ـ الخ.
حاصله هو ان العلم
شرط التعلق دون التحقق ، فالدلالة موقوفة على تحقق المدلول وهو ليس موقوفا على
الدلالة ، اذ تحقق المدلول غير مشروط بالعلم والدلالة. نعم تعلق المدلول موقوف على
العلم والدلالة فلا دور.
وانت تعلم ان هذا
الجواب مبني على كون المدلول المتقدم على الدلالة هو المعنى المنشأ في عالم النفس
، وإلّا لم يكن تحققه متقدما على الدلالة ، بل وجوده المقدر او مهيته المحمولة على
نفسها بالحمل الأولى الذاتي ، وقد عرفت فساد المبنى بما لا مزيد عليه ، مضافا الى
ان لنا كلاما آخر تفردنا به في كون العلم شرط التعلق ، والذي يقوى في نفسي كونه
شرطا للتحقق ولا يلزم الدور ولا التصويب ولكن المقام لا يقتضي بيانه ـ تأمل تنل
إنشاء الله تعالى.
قوله
«قده» : ومما قررنا يظهر ـ الخ.
يعني مما قررنا من
كون الصيغة كاشفة عن مدلولها على حد كشف سائر المركبات عن مدلولها يظهر ان سائر
الكواشف كالاجماع والعقل ايضا يكشف عن تحقق مدلوله ووجوده ، حيث ان النظر الى
الصيغة ليس إلّا لكونها كاشفة ولا موضوعية لها ، وحينئذ فلا فرق بين الكواشف. هذا
محصل مرامه زيد في علو مقامه.
وفيه : انه ظهر
مما حققناه آنفا ان للفظ بخصوصه مدخلية وخصوصية وموضوعية فيما نحن فيه ، اذ
المدلول لا يحصل ولا يتحقق إلّا باللفظ حسب الفرض من انه انشاء ، ولو جعلنا
المدلول في عالم النفس وصقع القلب من المعنى المنشأ على ما زعمه ، ففيه ايضا انه
فرق واضح بين اللفظ والاجماع والعقل ، حيث ان الأول دال والأخيران دليل. وبعبارة
اخرى الأول كاشف والأخيران مثبتان. وبعبارة اخرى لعلها تكون اوضح ان الألفاظ تكون
قوالب للمعاني وحكايات عنها وما به ينظر اليها ، وشبه المعاني الآلية الحرفية
الغير الاستقلالية والقالب والحكاية ، وما ينظر ليس بشيء بل الشيء هو ذو القالب
والمحكي عنه وما اليه وفيه ينظر ، وأما الاجماع والعقل فهما امور مستقلة ينظر فيها
وتكون مع استقلالها لوازم لشيء وملزومات لآخر ، فتقتضي كون ذلك الآخر لازما لذلك
الشيء ، وهو النتيجة تبصر.
قوله
«قده» : وان تكرر الامر ـ الخ.
عطف على قوله «ان
الصيغة» ويكون المعنى «ومما قررنا يظهر» الخ ، وموضوع الحوالة ايضا هو قوله «صيغة
الأمر كاشفة عن مدلولها» ، اذ من المعلوم ان المكشوف لا بد وان يكون متقدما على
الكاشف. وكذا
قوله «فالدلالة
تتوقف على وجود المدلول». ووجه الظهور هو انه بعد ما تحقق ان المدلول معنى سابق
فلا مجال لتوهم كون الصيغة موضوعة لانشاء الطلب وايقاعه الذي هو متأخر عنها ، فاذا
لم تكن موضوعة لانشاء الطلب وايقاعه فلا يلزم عند التكرار الانسلاخ عن الموضوع له
فرارا عن تحصيل الحاصل ليلزم كونها مجازا. هذا توضيح مرامه.
وفيه فساد مبنى
الدفع ، ودعوى التبادر ممنوعة بل التبادر على خلافه كما لا يخفى. فالحق في الجواب
عن ذلك التوهم بعد تسليم مبنى التوهم وتسليم كون الصيغة موضوعة لانشاء الطلب
وايقاعه ، كما هو الحق عندنا ان يقال : ان كانت الهيئة موضوعة بالوضع العام
والموضوع له الخاص ـ كما هو رأي المتأخرين ـ فلا ريب في ان مدلول الصيغة التي جيء
بها للتأكيد هو شخص آخر وفرد آخر من انشاء الطلب وايقاعه ، وايجاد شخص عقاب شخص
آخر ليس تحصيلا للحاصل بل هو تحصيل آخر لشخص آخر.
نعم لو اوجد ذلك
الشيء بتمام مشخصاته حتى الزمان ثانيا كان تحصيلا للحاصل ، وليس الأمر كذلك فيما
نحن فيه بل هو ايجاد مع اختلاف الزمان بل بعض المشخصات الأخر ، وان كانت الهيئة
موضوعة بالوضع العام والموضوع له لعام ـ كما هو رأي القدماء والحق عندنا ـ فالمعنى
الموضوع له وان كان كله ليس فيه لحاظ الأشخاص حتى يمنع التحصيل للحاصل بالنسبة
اليها ، بل ربما يتوهم لزومه ، اذ كلى انشاء الطلب وايقاعه قد تحقق اولا ، فيكون
في لتكرير تحصيلا للحاصل.
الا انا نقول :
الممتنع هو تحصيل الحاصل بالنسبة الى شخص واحد وليس يمتنع بالنسبة الى الكلى
الواحد ، اذ الكلى الطبيعي والواحد النوعي عين الكثير الشخصي والعددى ، فيرجع
الأمر الى ايجاد فرد من الطبيعة عقيب فرد آخر ، ونسبة الطبيعي الى الأفراد ليست
كنسبة اب واحد الى
اولاد كما زعمه
الرجل الهمداني بل نسبة آباء الى اولاد ، وكان تكثر ايجاد افراد طبيعة واحدة
تحصيلا للحاصل يكون ممتنعا يوجب ان يقف الفيض من الله تعالى من ايجاد كل نوع
بايجاد فرد منه ، وحينئذ ينقطع الفيض عن الله تعالى عن ذلك علو كبيرا.
ولا يذهب عليك انه
مع قطع النظر عن جوابنا لا يجدى جواب المصنف قدسسره اصلا ، اذ لا شبهة في ان الصيغة الأولى تدل على ذلك المعنى
القائم بالنفس والمنشأ فيه بزعمه ، فاذا كررت تحصل الدلالة مرة اخرى فيكون تحصيلا
للحاصل ـ فافهم واغتنم واستقم.
قوله
«قده» : بعد مساعدة اطلاق اللفظ عليه.
ربما يورد على
التمسك بالاطلاق هنا بأن المورد غير قابل للتمسك به اذ لا بد من ان يكون المطلق
قابلا للتقييد والاطلاق. مثلا : يمكن تقييد الرقبة في قولنا «اعتق رقبة» بالايمان
ويمكن الاطلاق والتعميم ، فاذا لم يرد قيد يحكم بالاطلاق ، وهذا انما يصح في
القيود التي لم تكن جائية من قبل الأمر كما في المثال ، واما القيود التي تجيء من
ناحية الأمر والهيئة فلا يصح ان يعتبر في المادة ولا في متعلقاتها للزوم الدور
الواضح ، بداهة ان الأمر والهيئة موقوفة على المادة وذات المأمور به ، ضرورة توقف
العرض على معروضه وموضوعه والمحمول على موضوعه ، فاذا كانت المادة وذات المأمور به
او ما يتعلق بها مقيدة بقيد يكون جائيا من قبل الأمر والهيئة ـ على ما هو المفروض ـ
تكون موقوفة على الأمر والهيئة ، ضرورة توقف المقيد على قيده فيلزم الدور ، وهذا
كما فيما نحن فيه حيث ان التعبد وقصد الامتثال موقوف على الأمر كما هو واضح.
وهذا اذا كان
المقصود بالتمسك باطلاق المادة ، واما اذا كان
المقصود اطلاق
الهيئة فلا ريب في ان مفاد الهيئة لما كان معنى آليا مرآتيا غير مستقل في اللحاظ
ولم يكن ما فيه ينظر بل كان ما به ينظر فلا يتصف بكلية ولا جزئية ولا اطلاق ولا
تقييد.
هذا ما تداول في
ألسنة اهل العصر ، ولكن الذي اراه انه لا يلزم الدور اصلا من اخذ امثال هذه القيود
ايضا في المادة ومتعلق الأمر ، لأنه لا ريب ولا شبهة في ان الوجود المحقق للمادة
ومتعلق الأمر لا يعقل ان يكون متعلقا للأمر والهيئة وإلّا لكان تحصيلا للحاصل ،
وهو باطل ضرورة وبداهة. والذي ينبه على بطلانه واستحالته هو ان الذي يتعلق به
التحصيل والايجاد ثانيا إما أن يلحظ موجودا ام لا ، فان كان الأول فلا ريب في ان
له الضرورة بشرط المحمول بل الضرورة الجائية من ناحية العلة ، كما انه بلحاظ العدم
وفي حاله له ضرورة العدم بشرط المحمول ، ولا ريب في ان الضرورة مناط الغنى عن العلة
، اذ العلة المحوجة الى العلة هي الامكان ، والشيء بحسب صفحة الواقع ومتن الأعيان
ووعاء الخارج إما واجب او ممتنع ليس إلا ، وأما الامكان فهو ثابت في الماهية بحسب
مرتبة الماهية وان كان حين الوجود لا بلحاظه كما هو واضح عند اهله. وان كان الثاني
لزم الخلف ، حيث كان المفروض انه موجود فصار غير موجود ، فاذا تحقق استحالة اخذ
الوجود المحقق في متعلق الأمر ومادته فاعلم انه لا يصح ان يؤخذ الوجود الذهني اذ
لا شبهة في ان المطلوب في غالب الأوامر وجلها بل كلها ليس إلّا الوجود الخارجي حتى
في مثل واعلم واعتقد ، لأن الصورة المرتسمة الحاصلة في النفس او الصورة المنشأة
بإنشاء النفس وايجادها ـ وان كانت باعتبار حكايتها عن ذيها ومرآتيتها لها وكشفها
عن المعلوم بالعرض علما وامرا ذهنيا وكيفا نفسانيا على مذهب المشهور ـ إلّا انها
باعتبار قيامها بالنفس وهي من الموجودات العينية الخارجية قياما حلوليا او صدوريا
امر عيني وموجود خارجي ، ولا شبهة في ان قولنا
«صل» مثلا ليس
المطلوب ايجاد طبيعة الصلاة مثلا في الذهن وايجاد الفرد الذهني ، ولا يمكن ان تؤخذ
الماهية من حيث هي ، لأن الماهية من حيث هي ليست لا مطلوبة ولا لا مطلوبة ولا
واجبة ولا لا واجبة ولا مجعولة ولا لا مجعولة ولا موجودة ولا لا موجودة.
وبالجملة اذا سألت
عنها بكلا طرفي النقيض فالجواب الصحيح الصريح السلب لكل شيء ، فكيف يعقل ان يتعلق
مفاد الأمر ـ وهو طلب الايجاد ـ عليها ، وهو لا يعقل ان يوجد إلّا بايجاد الفساد ،
فالمحمول اولا وبالذات بالجعل البسيط هو الوجود والماهية مجعولة بالعرض وبالتبع له
، كما ان الوجود هو الأصل ايضا في التحقق ، فهو الأصل في المجعولية ، فالتحقق
والمجعولية يدوران مدار الوجود حيثما دار ، فتعين أن يكون المأخوذ في متعلق الأمر
ومادته هو الوجود المقدر للموضوع. وبعبارة اخرى : القضية المعقودة من مفاد الهيئة
ومدلول المادة وما يتعلق بها ليست قضية طبيعية ولا قضية خارجية ولا قضية ذهنية بل
حقيقة يكون المحمول فيها ثابتا لأفراد الموضوع اعم من ان تكون محققة او مقدرة ،
وذلك كقول النحوى «كل فاعل مرفوع» وقول الطبيعي «كل جسم طبيعي فله شكل طبيعي».
ومعلوم ان الموضوع في امثال القضايا ليس هو الوجود المحقق للموضوع وإلّا لكان
الحكم مقصورا عليه واقفا عنده لا يتخطاه ولا يتعداه ، وفساده اوضح من ان يبين.
ولما استحال فيما
نحن فيه وامتنع ان يلحظ الوجود المحقق في مادة الأمر ومتعلقه فلم يبق من موضوع
القضية الحقيقية الا الوجود المقدر الذي يفرضه العقل ويكون بحسب تجويزه ، وحينئذ
نقول : ان مفاد هيئة الأمر ليس موقوفا الا على الوجود المقدر ومتعلقها وقيوده مثل
الصلاة وقصد الامتثال بها ، ومن المعلوم الواضح ان الوجود المقدر للصلاة وقصد
الامتثال
المعتبر فيها لا
يتوقف على وجود الأمر وهيئته. نعم المتوقف عليه الوجود المحقق لقصد الامتثال وهو
لم يكن موقوفا عليه حتى يلزم الدور ، فاتضح اندفاع الدور اتضاحا.
وهذا الذي ذكرت في
دفع الدور مما تفردت به ولم ار الى الآن من تعرض لدفعه بل كأنهم ارسلوا وروده
ارسال المسلمات وتحيروا في تصحيح قصد اعتبار التقرب والامتثال ، وتعسفوا تعسفات
شديدة ، مثل ان الآمر يأمر اولا بما عدا قصد القربة من سائر الأجزاء والشرائط ، ثم
يأمر بقصد الامثال والتقرب وغير ذلك مما لا حاجة اليه اصلا بعد ما ذكرنا. فاتضح
انه يجوز التمسك بالاطلاق لدفع اعتبار التعبد وقصد التقرب فيما شك فيه والعذر في
الاطناب والاسهاب وذكر مبادئ عقلية ومقدمات ميزانية هو كون المسألة من المهمات ،
فاشكر ربك الأعلى فانه المنان بالعطيات على أهل مملكته ولا سيما على من لازمه ولجأ
اليه.
قوله
«قده» : كالايمان والنية.
الايمان لو احتاج
الى قصد الامتثال والداعي القربى فكان موقوفا عليه ، ومعلوم ان قصد الامتثال موقوف
على الايمان فيدور ، واما النية ـ اي نية التقرب ـ فلا يعقل ان يحتاج الى نية اخرى
، لأنها لو احتاجت اليها لكانت موقوفا عليها ، وتلك النية الأخرى لما كانت نية فهي
ايضا محتاجة وموقوفة على نية اخرى ، فان كانت هي النية الأولى التي كانت موقوفة
فيدور ، وان كانت غيرها فيتسلسل ، فلا بد وان ينتهي الى نية تقرب لا تحتاج الى نية
تقرب اخرى ، وهكذا الكلام في اصل مطلق النية فلا يحتاج الى نية وإلّا لدار او
تسلسل ، وهذا واضح.
قوله
«قده» : لم يلزم ان يعتبر ـ الخ.
أما الأول فواضح ،
لأن المفروض قيام الدليل على رجحانه وترتب الثواب عليه مطلقا. وأما الثاني فلأنه
اذا دل الدليل على كراهة تركه مطلقا فلا محالة يكون تركه مطلقا مرجوحا ، فاذا كان
تركه مطلقا مرجوحا يكون فعله مطلقا راجحا قضاء لحق المقابلة ، اذ بين الرجحان
والمرجوحية تقابل التضايف ، فاذا تحقق احد المتضايفين فلا محالة يتحقق المتضايف
الآخر ، والمتضايفان متكافئان تحققا وتعقلا واطلاقا وتقييدا وقوة وفعلا.
قوله
«قده» : لانتفاء رجحانه ـ الخ.
يعني لانتفاء
العلم برجحانه لا انتفاء نفسه ، لأن المفروض حصول الشك في التعبدية والتوصلية ،
وليس انتفاء الرجحان على تقدير عدم قصد القربة مقطوعا به. هذا توجيه كلامه زيد في
علو مقامه.
وفيه : انه اذا
جاز التمسك بالاطلاق لكون الواجب المشكوك فيه توصليا فليجز التمسك به لكون المندوب
المشكوك فيه توصليا ، فيحصل الدليل على رجحانه ـ فتبصر.
قوله
«قده» : والفرق بينه وبين الواجب ـ الخ.
توضيح الفرق هو ان
الواجب لما كان تركه موجبا للعقاب فلا محالة يكون مرجوحا ، فاذا كان الترك مرجوحا
فلا محالة يكون الفعل راجحا احقاقا لحق المقابلة كما ظهر مما بيناه وفصلناه آنفا ،
وهذا بخلاف المندوب المفروض حيث انه لم يدل دليل على رجحانه ولم يدل دليل على
كراهة تركه ومرجوحيته ليكون مستلزما لرجحان فعله قضاء لحق المقابلة ، فلا طريق
لنا الى العلم
برجحان فعله ، ولكن اذا اتى بالداعي القربى ونية التقرب يكون راجحا قطعا لترتب
الثواب والمدح عليه ، فيكون هو المندوب ليس إلا.
وليعلم انه ينبغي
ان يكون مراده قدسسره من الموجب في قوله «الموجب لمرجوحيته» هو الواسطة في
الاثبات واللم الإثباتي وسبب العلم دون الواسطة في الثبوت واللم الثبوتي وسبب
العين وإلّا لدار ، لأن استحقاق العقوبة على الترك موقوف على مرجوحيته ، فاذا
توقفت المرجوحية على استحقاق العقوبة ـ كما هو مقتضى كون الموجب واسطة في الثبوت ـ
دار كما هو واضح ، وهذا بخلاف ما اذا كان واسطة في الاثبات ، كما هو واضح. هذا
غاية توجيه كلامه وتصحيح مرامه.
وفيه : ان مرجوحية
ترك الواجب يكون على نحوين : مرجوحيته مطلقا ، ومرجوحيته على تركه على وجه التعبد
والتقرب. ولا شبهه في انه اذا كان تركه مطلقا مرجوحا يكون فعله مطلقا راجحا ، واذا
كان تركه على وجه التعبد مرجوحا يكون فعله على وجه التعبد راجحا ، فمرجوحية الترك
في مورد الشك في التوصلية والتعبدية لما كانت لازم اعم من التوصلية فلا يجدي في
اثباتها ، ضرورة عدم امكان اثبات الملزوم الأخص باللازم الأعم ، وان اريد اثبات
مرجوحية الترك مطلقا يكون رجحان الفعل مطلقا دار كما هو واضح ، فلا مناص الا
بالتمسك بالاطلاق ، وهو مشترك بين المندوب والواجب.
قوله
«قده» : ومما حققنا يتبين ـ الخ.
اي مما ذكرنا سابقا
من انه يعتبر في كون الترك مكروها كونه موجبا لمنقصة دينية او دنيوية موجبة لمنقصة
دينية او لخوفها ظهر ان ترك المندوب لا يستلزم الكراهة ، لجواز أن لا يكون موجبا
لمنقصة دينية بلا واسطة
ومعها او لخوفها.
قوله
«قده» : بل ربما يعد من قبيل الالزام بالمحال.
لأنه اذا قال لا
لي يتذكر المكلف المأمور كون الفعل له فيوقعه له.
وفيه منع واضح ،
اذ لازمه بين تذكرة المكلف والحظور بباله ان الفعل له وبيان ايقاعه له ، اذ من
الواضح انه لو قال افعل لي يلزم منه ان يوقفه له فكيف اذا قال افعل لا لي.
قوله
«قده» : وجوابه ان المطلوب ـ الخ.
حاصله : انا نختار
ان الآمر لا يقصد شيئا منهما ، ومطلوبه في الأوامر حصول الفعل مجردا ، اي على وجه
اللابشرطية وعدم اللحاظ والاعتبار لا على وجه البشرطلائية ولحاظ العدم ، كما يوهمه
لفظ «مجردا» وقول المحتج ، اذ لا يخرج عنهما.
فيه : انه ان اراد
انه لا مخرج عنهما بالنسبة الى الأمر ممنوع ، اذ بقى شق آخر ، وهو ان لا يقصد شيئا
منهما ، اذ من المعلوم ان نقيض القصد هو عدم القصد ، وان كان في صورة القصد لا
يخلو الأمر عن قصد احدهما ولكن بقى عدم القصد. وان اراد انه لا مخرج عنهما بالنسبة
الى المكلف والمأمور ، يعني انه إما ان يفعله للأمر أولا ولا واسطة بينهما اذ لا
واسطة بين النفي والايجاب المطلقين وإلّا لزم ارتفاع النقيضين كما هو واضح ، فهو
وان كان حقا إلّا انه لا يستلزم ان يكون معتبرا في متعلق الطلب بالفعل ، بداهة انه
لا يلزم المكلف والآمر ان يعتبر في متعلق طلبه كلما كان في الخارج ونشأة الوجود
والأعيان غير منفك عن ذلك المتعلق.
قوله
«قده» : وقبح التكليف بها مقيدا ـ الخ.
بيانه هو انه لا
ريب في ان الفعل مع قطع النظر عن تعلق الأمر يصح ان يفعل لا لأجل الأمر ولا
استحالة فيه اصلا ، وهذا كما ان الانفاق على واجب النفقة لا على وجه الامتثال يقع
من الكفار ولا استحالة فيه اصلا ، فالاستحالة المذكورة على تقدير تماميتها انما هي
لتعلق التكليف بذلك الفعل المقيد بكونه لا على وجه الامتثال وكونه لا لأجل الأمر ،
وهي اولا ممنوعة ، اذ لا استحالة في ان يطلب الآمر فعلا مقيدا بكونه لا له ، اذ
الطلب لما كان فعلا اختياريا لا بد في صدوره من الآمر من مرجح وداعى وعلة غائية
لبطلان الترجيح بلا مرجح ، ولا محالة فهو حاصل وان كان المطلوب مقيدا بكونه لا له
، اذ كون الفعل مقيدا لا للآمر لا يقتضي ان لا يكون بلا علة غائية ومرجح لوجود
المرجحات والعلل الغائية الأخرى فضلا عن اقتضائه لكون التكليف والطلب بلا مرجح ،
وثانيا نقول : لو سلمنا استحالة التكليف والطلب مقيدا إلّا انه لا استحالة
مطلقا كما هو واضح.
قوله
«قده» : والاخلاص بها لا يتم ـ الخ.
فيه ما فيه من
الدور المحال الواضح في اعتبار قصد الامتثال بالنسبة الى العقائد كما سبق بيانه
منا.
قوله
«قده» : لا يسقط التكليف ـ الخ.
حاصله انه لا ريب
في اعتبار موافقة المأمور به في سقوط التكليف ، والموافقة عمل من اعمال المكلف ،
فلا بد لها من نية بمقتضى قوله «انما
الأعمال بالنيات»
فاذا نوى الموافقة وقصدها فقد تحقق قصد الامتثال ، اذ لا معنى لقصد الامتثال الا
قصد الامتثال.
وحاصل ما اجاب به قدسسره هو ان الموافقة ليست من اعمال المكلف ، بل من لوازم عمله
على تقدير اطلاق الأمر وعناوينه الانتزاعية ، فاذا لم يكن عملا فلا تشمله الرواية
، فلا يعتبر فيه النية كي يتحقق الامتثال ، وانما قال على تقدير اطلاق الأمر اذ لو
كان الأمر مقيدا بالامتثال فبمجرد تطبيق ذلك العمل بدون قصد الامتثال على المأمور
به لا يتحقق الموافقة. هذا حاصل مرامه.
وفيه : ان
الموافقة وان كانت من اللوازم والأمور الاعتبارية إلّا انها لا ريب في كونها من
افعال المكلف لكون ملزومها ومنشأ انتزاعها فعلا ولا ريب في ان تطبيق شيء على شيء
انما هو فعل المطبق.
فالحق في الجواب
ان يقال : ان قصد الموافقة ليس قصدا للامتثال اذ قد يكون الغرض من التطبيق
والموافقة شيئا آخر كما لا يخفى.
قوله
«قده» : وقيل ان علق الأمر ـ الخ.
مثال المنطوق هو
قوله تعالى (فَإِذَا انْسَلَخَ
الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ) حيث ان علة عروض النهي عن قتال المشركين هو كون الأشهر
الأشهر الحرم ، وقد علق الأمر بقتلهم على زوالها ، ومثال المفهوم هو قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم «كنت نهيتكم عن ادخار
الأضاحي الا فادخروها» حيث لم يعلم علة النهي ولم يعلق الأمر بالادخار عليها.
ولا يخفى عليك ان
لهذا القائل ان يقول في صورة عدم التعليق على زوال علة عروض النهي بالاباحة او
يقول بالوجوب كما لا يخفى.
قوله
«قده» : لا سيما الأول.
وجه الخصوصية هو
ان النهي التنزيهي معنى مجازي للفظ الحظر ، فلو اريد منه ايضا فلا مناص من
استعماله في معنى عام مجازي يكون شاملا له وللمعنى الحقيقي على سبيل عموم المجاز
بناء على عدم جواز استعمال اللفظ في اكثر من معنى واحد ، وهذا بخلاف النهي الغيري
اذ هو حظر حقيقة
غاية الأمر وقصواه
ان اطلاق لفظ الحظر منصرف عنه الى غيره ، وأما ارادته منه فيكون على سبيل الحقيقة
ولا يحتاج الى عموم المجاز كما هو واضح.
قوله
«قده» : او لتأكيد ما دل عليه ـ الخ.
كما اذا قيل في
مورد الحظر عن شيء افعل افعل.
قوله
«قده» : ولو ظهورا بالفحوى.
يعني ولو كانت
استفادة كون الأمر لبيان رفع النهي بحسب القرائن المقامية والحالية. ويحتمل ان
يكون المراد بالفحوى الأولوية ، ويكون مقصوده تحقق الأولوية في صورة التأكيد ،
لأنه اذا كان المؤكد ـ وهو الأصل ـ لبيان رفع النهي فيكون التأكيد ـ وهو الفرع
والتبع له ـ بالأولوية اذ هو تبع صرف وظل بحت لا استقلال له اصلا ـ فتأمل.
قوله
«قده» : فقط.
سها سهوا بينا ،
اذ لا وجه لاختلاف الوضع حسب اختلاف المقامات والاستعمالات كما هو الحال في سائر
الألفاظ ، ولم يكد يوجد لفظ
اختلف وضعه بحسب
اختلاف موارد استعمالاته.
قوله
«قده» : مع مساعدة الأصل ـ الخ.
مقصوده بالأصل
اصالة البراءة ، ففي صورة ارادة الندب او الاباحة اذا احتمل ان يكون المراد الوجوب
فبأصالة البراءة عن الوجوب ينفي الوجوب ، فيتعين الاباحة او الندب ، ومعلوم انها
ليسا بمجرى لأصالة البراءة ليقع التعارض ، اذ اصل البراءة يختص بالتحريم والوجوب ،
وليس المراد اصل العدم ـ اعني استصحاب عدم ارادة عدم الوجوب ـ لأنه ان اريد
استصحاب عدم ارادة الوجوب على الوجه الكلي فمع انه ليس فيه شك لا حق ـ اذ لا شبهة
ولا ريب في انه وقع ارادة الوجوب على الوجه الكلي ولو في موارد أخر من ألفاظ أخر
فهو مثبت ـ اذ لا بد فيه من تطبيق ذلك الكلي على الفرد ، فيقال فلم يقع ارادة
الوجوب من هذا اللفظ. وان اريد استصحاب عدم ارادة الوجوب من هذا اللفظ على الوجه
الجزئي فليس فيه حالة سابقة متيقنة ، اذ هذا اللفظ ان اريد منه الوجوب فقد اريد
منه الوجوب فقد اريد من اول زمان تحققه ووجوده ولم يوجد اولا بلا ارادة الوجوب منه
ثم يشك في العروض كما لا يخفى.
هذا كله مضافا الى
ما لاح لي في بطلان الاستصحاب في الاستصحابات العدمية ، بناء على صحة حجية الأصل
المثبت ، وهو انه لا ريب في انه لا معنى في حكم الشارع بابقاء ما لم يكن مجعولا له
الا بابقاء اثره المجعول وانشاء حكم مماثل لحكم ذلك الشيء ، اذ الشيء اذا كان من
الأمور الواقعية فلا ريب في ان بقاءها كوجودها وعدمها تابع لعلتها ، فاذا لم تكن
العلة موجودة فلم يكن ذلك موجودا ، فلا يحكم ببقائها ووجودها كما هو واضح. ومن
الواضح المعلوم ان الأعدام الأزلية ليست لها الا عدم الحكم ، فليس لها
حكم مجعول حتى
يحكم الشارع ببقائها وينشئ حكما مماثلا لذلك الحكم.
واني قد عرضت هذا
الاشكال على بعض علماء العصر فلم يأت بشيء يليق ان يزبر ، ومع قطع النظر عن ذلك
كله فلا ريب في ان الاستصحاب فيما نحن فيه متعارض ، لأنه كما يقال الأصل عدم ارادة
الوجوب يقال الأصل عدم ارادة الندب او الاباحة ـ فتأمل تنل.
قوله
«قده» : وضعفه ظاهر.
لأنه قد ظهران
الغالب فيما كان حكم الشيء قبل الحظر الوجوب او الندب ان يكون الأمر الوارد بعده
ظاهرا فيه ، فلا يستقيم ادعاء شذوذه وغلبة الاباحة كما صنعه المجيب.
قوله
«قده» : لأن النهي عن المطلق ـ الخ.
لأن المطلق اذا
صار منهيا عنه يكون جميع وجوداته وكافة تحصلاته وتحققاته منهيا عنها ، لأن ارتفاع
الطبيعة يكون بارتفاع جميع افرادها ، فيكون المقيد ايضا منهيا عنه ، فاذا أمر به
بعد ما نهى عنه يكون المورد واحدا ، وهذا واضح.
قوله
«قده» : على ان اشتراط ـ الخ.
مثل قوله صلىاللهعليهوآله «ودعى الصلاة ايام
اقرائك» يكون الصلاة المنهى عنها مقيدة بكونها ايام الأفراد ، والأمر بها وقع
مطلقا ، وكذا سائر الأمثلة كما لا يخفى.
قوله
«قده» : فيتدافع قضية الجزءين.
المراد بالجزءين
هو الخروج والذهاب الى المكتب اللذان هما جزءان للمقيد وهو الخروج الى المكتب.
وبيان تدافع قضية الجزءين هو ان احد الجزءين ـ وهو الخروج ـ منهى عنه يقتضي صرف
الأمر بالخروج عن المكتب عن ظاهره ، لكون الوقوع عقيب الحظر قرينة عامة صارفة ،
وهذا بخلاف الجزء الآخر ، فانه لا ينافي كون الأمر للوجوب ، فاذا تدافع مقتضى
الجزءين وابتلى الذي هو يصلح للقرينة ـ وهو الجزء المنهى عنه بغيره ـ يسلم اصالة
الحقيقة عن القرينة الصارفة ، فيؤخذ بمقتضاها.
قوله
«قده» : فضعفه ظاهر لأن ـ الخ.
فالأولى في
التضعيف ان يقال : ليس في مقتضى الجزءين تدافع اصلا اذ مقتضى احد الجزءين ـ وهو
الخروج ـ هو صرف الأمر عن ظاهره ، وأما الجزء الآخر فليس فيه إلّا اللااقتضاه لا
اقتضاء العدم ، ومعلوم انه ليس بين الاقتضاء واللااقتضاء تدافع اصلا ، فاذا كان
الأمر كذلك فيكون الجزء المنهى عنه مقتضيا للصرف ، وليس له معارض اصلا. وهذا هو سر
عدم مساعدة فهم اهل العرف بين ما اذا كان المنهى جزءا للمأمور به او يكون هو
المأمور به.
وأنا اقول : ليس
مراد المحقق القمي قدسسره شيئا من الوجهين اللذين ذكرهما المصنف وضعفهما ، بل مراده قدسسره كون المأمور به غير مقترن ولا محفوف بقرينة يدل على الوجوب
، اذ الكلام في الأمر المجرد عن القرينة الواقع عقيب الحظر ، وهذه عبارته قدسسره : «ان محل النزاع هو ما اذا حظر عن شيء تحريما او تنزيها
ثم امر به من دون اكتنافه
بشيء يخرجه عن
حقيقة الجنسية او النوعية ، والمراد من قولنا : ان ما ورد الأمر به حينئذ ليس واجبا
بل انما هو مرخص فيه ان الوجوب لا يراد من هذا الأمر من حيث هو هذا الأمر ، ولا
نمنع من ثبوت الوجوب من موضع آخر ، فحينئذ نقول : مثل قول المولى للعبد بعد نهيه
عن الخروج عن المجلس اخرج الى المكتب خارج عن موضع النزاع ، فان الأمر ليس بعين ما
نهى عنه ، بل المحظور خروجه عن المحبس من حيث هو خروج عن المحبس ، والمأمور به هو
خروجه ذاهبا الى المكتب ، ولا يضر هذا بدلالة الأمر على الوجوب» انتهت.
ولا يخفى ان كلامه
قدسسره وان اوهم صدرا وذيلا غير المعنى الذي قلنا انه مراده ،
إلّا ان قوله «ان الوجوب لا يراد من هذا الأمر من حيث هو هذا الأمر ولا نمنع من
ثبوت الوجوب من موضع آخر» كالصريح فيما ذكرنا ، مضافا الى إشعار قوله «من دون
اكتنافه» بما ذكرنا فيكون المراد عدم اكتنافه بالقرينة الدالة على الوجوب ، ويكون
قوله «بشيء يخرجه عن حقيقة الجنسية او النوعية» كناية عن القرينة ـ فافهم واستقم.
قوله
«قده» : وهنا يتوقف في تعيين المرة والتكرار.
اى بعد الاذعان
بعدم الاشتراك.
قوله
«قده» : كما يشير اليه حججهم.
حيث يستدل القائل
بعدم الدلالة على المدة والتكرار بالتبادر ، وانه بناء على الوضع لكلتا الخصوصيتين
يلزم الاشتراك ولاحداهما يلزم المجاز وهما على خلاف الأصل ، فيتعين ان يكون للقدر
المشترك ليكون الاستعمال
فيهما على الحقيقة
، وكذا استدلال القائل بالمرة بالتبادر وقوله : وذلك آية كونه حقيقة في المرة.
قوله
«قده» : مع ان من المواد ـ الخ.
وذلك كمادة
التكرار والدوام والاستمرار ، وفي هذا التأييد ما لا يخفى اذ النزاع انما هو في
مورد الشك وموضع الاشتباه ، ولا يكون شك ولا اشتباه في مدلول الهيئة بحسب المرة
والتكرار ، مع كون المادة للدوام والتكرار كما هو واضح.
قوله
«قده» : استظهر الأول منهما بعض المعاصرين.
فيه ان المعاصر قدسسره لم يستظهر كون المراد بالمرة الفرد وبالتكرار الأفراد ، بل
الذي استظهره بعد تسليم كون المراد بالمرة الدفعة التي يعبر عنها بالفارسية بيك
بار هو كون المراد الدفعة المتحققة في ضمن الفرد الواحد لا مجرد كونه في زمان واحد
وان كان في ضمن افراد عديدة وهذه عبارته قدسسره : وإما لو أوجد افرادا متعددة في آن واحد مثل ان يقول
المأمور بالعتق لعبيده المتعددة «انتم احرار لوجه الله» فقيل على القول بالماهية
يحصل الامتثال بالجميع ، وأما على القول بالمرة فاما على القول الثاني فيها فيبنى
ذلك على جواز اجتماع الأمر والنهي مع اختلاف الجهة ، فان قلنا بجوازه ـ كما هو
الأصح ـ فيستخرج المطلوب بالقرعة لو احتيج الى التعيين ويكون غيره معصية ، فان
الظاهر ان المراد بالمرة هو الفرد الواحد لا مجرد كونه في الزمان الواحد ، وان لم
نقل بجوازه فلا فلا يحصل الامتثال اصلا ، وأما على القول الأول فلا اثم ويستخرج المطلوب
بالقرعة ايضا ، هذا وقد ذكرنا ان الاقوى بالنظر الى هذا القول ايضا
حصول الاثم ـ انتهت.
ومراده قدسسره من القول الأول في المرة هو كونها الماهية المقيدة بالوحدة
لا بشرط التكرار وعدمه ، فالزائد على المرة لا يكون مخالفة ولا امتثالا ، ومن
القول الثاني فيها هو كونها مقيدة بشرط لا وتكون الزيادة اثما ، وحاصل مراده انه
في صورة ايجاد الأفراد المتعددة دفعة وفي آن واحد ، فعلى القول بكون المرة بشرط لا
يكون الأمر بالاعتاق منحلا الى تكليفين امر ونهي عن الزائد ، فيكون الاعتاق الواحد
لعبيد متعددة موردا للأمر والنهي ، فعلى القول بجواز الاجتماع يكون فرد من الأفراد
مأمورا به ومعتقا ويكون غيره مأثوما به.
ولما كان مجال ان
يتوهم انه يجب ان يتحقق الامتثال والعتق بالنسبة الى الجميع ، لأن المرة وان كانت
بشرط لا إلّا ان النفي او النهي المستفاد منها انما هو بالنسبة الى الدفعات والمرات
الأخر وليس بالنسبة الى هذه الدفعة والمرة ، فهنا لم يكن إلا دفعة واحدة بشرط لا.
فأجاب بأن مجرد الدفعة والكون في آن واحد لا يكفي في تحقق المرة ، بل مراد القائل
بها هو الكون في آن واحد وزمان فارد مع كون الفرد واحدا ، فيكون النهي او النفي
المستفاد منه بالنسبة الى الأفراد الأخر ايضا. ووجه استظهار هذا من القائل بالمرة
هو انه لا ريب في انصراف اطلاق لفظ المرة الى ما كانت في ضمن فرد واحد كما هو
الغالب ، ويدل على ما ذكرنا لفظ مجرد في قوله قدسسره «لا مجرد كونه في
زمان واحد».
هذا كله مضافا الى
تصريحه قدسسره في حاشية منه على هامش الكتاب بكون المراد بكون المرة
الدفعة ، وبيان الفرق بين المرة والتكرار وبين الوحدة والتعدد اللتين هما عبارتان
اخريان عن الفرد والأفراد.
ثم لو سلمنا ظهور
عبارته قدسسره بل صراحتها في ما ذكره
المصنف «قده» كان
اللازم عليه ان ينسب ما استفاده الى القيل لا الى المعاصر ، لأن ما ذكره المعاصر
من قوله «على القول بالماهية» الى قوله «هذا مقول لقوله» والشاهد الصادق على ما
ذكرنا هو قوله عقيب هذا «وقد ذكرنا ان الأقوى» الخ ، حيث انه لو كان السابق كلاما
له لزم التناقض كما لا يخفى.
قوله
«قده» : فانه لا يقال لمن ضرب بسوطين دفعة ـ الخ.
يعني لو كان
المراد بالمرة الفرد وبالتكرار الأفراد لزم ان يقال لمن ضرب بسوطين دفعة انه ضرب
مرتين او مكررا ، حيث انه اوجد فردين من الضرب ، والتالي باطل فكذا المقدم.
وفيه منع واضح ،
اذ لا نسلم ان الضرب الواقع بسوطين ـ ولا سيما اذا أخذنا بيد واحدة ـ فردان من
الضرب لا عرفا ولا عقلا ، ولو بنى على ملاحظة كون ما به الضرب متعددا او كون الذي
وقع عليه الضرب متعددا ولو في نظر العقل لكان الضرب الواحد الواقع بيد واحدة
باعتبار تعدد الاصابع بل باعتبار اجزاء اليد وباعتبار اجزاء الجسم الذي وقع فيه
الضرب افرادا غير متناهية حسب قبول تكثر الجسم الى غير النهاية ، لاستحالة الجزء
الذي لا يتجزى والجوهر الفرد ، وليس المناط في تكثر الأفراد الا تعددها بحسب
الوجود العيني والتحقق الخارجي لا التكثر بحسب الاعتبار العقلي او الوهمي. هذا كله
ظاهر لمن ألقى السمع وهو شهيد.
قوله
«قده» : ولا قائل ظاهرا بوجوب الاتيان ـ الخ.
يعني لو كان
المراد بالتكرار الأفراد للزم القائل بالدلالة على التكرار اذا تمكن ان يقول بوجوب
ايجاد افراد متعددة دفعة اذا تمكن ، والملازمة
كفساد التالي
والمقدم واضحة. وفيه انه يجوزان يقول بالدلالة على التكرار اي الأفراد على سبيل
التعاقب دون الاجتماع ، فلا يلزمه ما ذكر ـ فافهم.
قوله
«قده» : في كلامهم تلويحات.
فيه : ان كلماتهم
المذكورة غير آبية عن الحمل على الأفراد ، والتلويح ليس حجة.
قوله
«قده» : مع انهم لو ارادوا بالفرد لكان الانسب ـ الخ.
فيه منع واضح ، اذ
كما انه اذا كان المراد بالتكرار الدفعات يجري هذا النزاع على القول بتعلق الأمر
بالطبيعة كما سيصرح به ، مع ان المرة والتكرار ليسا من صفات الطبيعة اولا وبالذات
وبالحقيقة كما انها ليس مأخوذين فيها ، لأن الماهية من حيث هي ليست إلّا هي ، بل
هما من العناوين اللاحقة لها باعتبار الايجاد ، فيكونان وصفين له بالحقيقة وبالذات
وللطبيعة ثانيا وبالعرض ، فكذلك اذا كان المراد بهما الفرد والأفراد يجري هذا
النزاع على القول المذكور ـ اعني تعلق الأفراد بالطبيعة ـ بأن يقال : بناء على القول
المذكور هل يقتضي تعلق الأمر بها بلحاظ تحققها ووجودها في ضمن فرد او بملاحظة
تحققها في ضمن افراد أو لا يقتضي شيئا منهما ، فيكونان على القول بهما وصفين لها
بملاحظة التحقق ، ويكون الوجود والتحقق واسطة في عروض الفرد او الأفراد للطبيعة ،
بل يكون وصف الوجود للطبيعة ألصق من وصف الايجاد لها ـ اعني ان ما كان وصفا للوجود
فيؤخذ وصفا للماهية ألصق وألزق من اخذ ما كان وصفا للايجاد وصفا للماهية ، لأن
الوجود اربط بالماهية من الايجاد بالنسبة اليهما وان كانا متحدين ذاتا متغايرين
اعتبارا. وبالجملة ان الوجود لما كان متحدا بالماهية
وحكم احد المتحدين
يسري الى الآخر فلا جرم يصح ان يوصف الطبيعة بالفرد او الأفراد ـ فافهم ان كنت من
اهله.
قوله
«قده» : وبهذا يندفع ما اورده المحشى الشيرازي ـ الخ.
مقصوده ان المحشى
الشيرازي توهم ان المراد بالمرة الفرد فأورد على الحاجبي بالتناقض ، حيث انه اذعن
بأن متعلق الأمر الفرد ونفى دلالة الأمر على المرة ، ولما كان المرة هو الفرد
فكأنه نفى دلالة الأمر على الفرد وهو تناقض.
وحاصل جواب المصنف
قدسسره انه قد ظهر أن المراد بالمرة الدفعة دون الفرد ، والقول
بتعلق الأمر بالفرد لا يلازم القول بالدفعة ، فله أن يقول بها وان يقول بالتكرار
وان لا يقول بشيء منهما ، فلا تناقض.
وحاصل جواب المحشي
الشيرازي على ما فهمه قدسسره انه ان كان المراد بالمرة هو الفرد بشرط لا فلا مناقضة ،
لأن ما اثبته الحاجبي بقوله بتعلق الأمر بالفرد هو الفرد لا بشرط وما نفاه بانكاره
المرة هو الفرد بشرط لا فلا تناقض.
وردّه المصنف بأن
الظاهر من المرة هو اللابشرط دون بشرط لا ، ولا اشعار في كلامهم به.
قوله
«قده» : بل اقول على تقدير تفسير المرة بالفرد ـ الخ.
هو قبل الاضراب
سلم لزوم التناقض على تقدير تفسير المرة بالفرد إلّا انه انكر المعلق عليه وقال
بأن المراد بها الدفعة ، وهنا يقول على تقدير تفسير المرة بالفرد ايضا لا مناقضة ،
لأن الحاجبي حيث قال بتعلق الأمر بالفرد اراد مطلق الفرد ، وحيث انكر الدلالة على
المرة بمعنى الفرد اراد
الفرد الواحد فلا
مناقضة اصلا. هذا الذي ذكرناه في هذه الحاشية والحاشية السابقة عليها بيان وتوضيح
لمرامه قدسسره.
وفيه : ان المحشى
الشيرازي لم يلزم التناقض على الحاجبي بناء على كون المرة بمعنى الفرد بل بناء على
كون المرة بمعنى الدفعة ، كما يشهد به التعليل المذكور في كلامه لبيان التناقض حيث
يقول : اذ لا شك ان الجزئي هو الماهية المقيدة بوحدة ما ، فكأنه يقول لا شك ان
الجزئي الفرد لما كان هو الماهية المقيدة بوحدة ما هو الملزوم للمرة فكيف ينكر
الدلالة على المرة ، ولو كان غرضه لزوم التناقض بناء على كون المراد بالمرة الفرد
لكان اللازم ان يقول فى مقام التعليل للتناقض : اذ المراد بالمرة الفرد ، كما لا يخفى.
ومع ذلك كله نقول
: لا يتفاوت الأمر في لزوم التناقض على الحاجبي بين تفسيري المرة ، ويكون مقصود
المحشي الشيرازي انه ان كان المراد بالمرة المرة لا بشرط فالقول معلق الأمر بالفرد
لا ينفك عن القول بالمرة لا بشرط بأي معنى اخذت ، اذ المراد بالفرد الذي هو متعلق
الأمر هو المعنى اللابشرطي ، وهو لا ينفك عن المرة التي بمعنى الدفعة اللابشرطية
وعين الفرد اللابشرطي ، فيكون النفي والاثبات تناقضا ، وهذا واضح لا سترة عليه.
نعم ان كان المراد
منها المرة بشرط لا فلا تناقض ، حيث يكون المثبت هي اللابشرطية والمنفى هو
البشرطلا ، وما اورده المصنف قدسسره عليه بأنه مما اشعار في كلامهم به مردود بأن الظاهر من
مقابلة المرة للتكرار هو اخذها بمعنى البشرطلا دون اللابشرط ، اذ المعنى اللابشرطي
ليس مقابلا للتكرار ، اذ لا بشرط لا ينافي ألف شرط بل هو كروح للتكرار ، كالوحدة
اللابشرطية التي هي راسمة لمراتب الاعداد دون الوحدة البشرطلائية
التي هي مقابلة
لها وقسيم لها وليس منها ، وبوجه المرة اللابشرط هي الحركة التوسطية الراسمة
للحركة القطعية والآن السيال الذي هو راسم للزمان والنقطة السيالة التي هي راسمة
للخط.
ومن العجب كل
العجب انه اعتبر المرة بشرط لا واجاب عن التناقض حيث قال : لأن المراد بالمرة
حينئذ إنما هو الفرد الواحد ، وقد انكره غاية الانكار وقال مما لا اشعار به في
كلامهم ، وهو تناقض صريح ـ فافهم ما ذكرنا ان كنت من اهله.
قوله
«قده» : ولا ينافي ذلك ـ الخ.
بيان لدفع توهم ،
وحاصل التوهم انه لو كان متعلق الأمر الطبيعة لكان لانكار الدلالة على المرة
والتكرار مجال ، اذ ليس للطبيعة مرة ولا تكرار ، وأما اذا كان متعلق الأمر هو
الفرد والفرد هو الوجود الخارجي او الماهية الموجودة الخارجية ، ولا ريب في ان
الوجود الخارجي لا ينفك عن المرة والتكرار ، وهذا حاله بحسب الخارج ، وكذا للحاظ
الطلب حيث ان الطالب اما ان يطلب المرة او التكرار ، فلا محالة مدلول الأمر على
احدهما.
وحاصل الدفع ان
عدم الانفكاك شيء عن شيء وجودا او طلبا لا يقتضي اعتباره في الوضع كما هو ظاهر.
قوله
«قده» : وهذا الاستدلال عندي غير مستقيم.
لأنه تمسك
بالاستحسان في اثبات اللغات.
قوله
«قده» : وفيه نظر ـ الخ.
فيه نظر ، اذ ليس
في النسخ الا ازالة ما كان ظاهره الدوام والاستمرار دون الرفع بحسب الواقع وإلّا
لم يتحقق اصلا للزوم الجهل على الله تعالى. ومعلوم ان الأمر الأول كان ظاهرا في دوام التكرار على ما هو
الفرض ، فاذا ورد أمر آخر يكون رافعا لدوامه واستمراره ، وهو المقصود بالتالي ـ فتبصر.
قوله
«قده» : لا يستقيم الاستدلال ـ الخ.
مقصوده انه بعد
منع ما يوجب القدح في الاستدلال لما كان المنع بالنسبة الى اصل الاستدلال باقيا لم
يستقم الاستدلال ، اذ يكفي في القدح فيه منع بعض مقدماته ، وبمجرد منع القادح لا
يستقيم الاستدلال. هذا حاصل مرامه.
وفيه : انه وان لم
يستقم الاستدلال ولكنه يرفع المعارضة فيما نحن فيه ويبقى منع الملازمة ، وبيان آخر
المجيب لما اجاب بجواب حلى منع به الملازمة بين المقدم والتالي ، وبجواب معارضى
اثبت به نقيض النتيجة ، فاذا منع الملازمة في الجواب المعارضى فينحصر الجواب في
الجواب الحلي ، فلا ينبغي عد الجواب جوابين.
والحاصل ان منع
الملازمة وادعاء كون فهم التكرار لعله يكون من الخارج يكفي ، ومنع هذا المنع
وادعاء كون فهم التكرار لعله يكون من الصيغة لا يصح الاستدلال. ولكنه لم يظهر
بطلانه بالمعارضة لبطلانها بمنع الملازمة فيها.
قوله
«قده» : لأن انتفاء الحقيقة كما يكون ـ الخ.
فيه : ان انتفاء
الحقيقة في بعض الأوقات لا يكون إلّا بانتفاء جميع الأفراد في ذلك الوقت ، فان كان
ذلك الانتفاء لأجل انه لا بد في انتفاء الحقيقة انتفاء جميع الأفراد وارتفاعها فلا
ريب في ان الزمان لما كان من المشخصات فلا بد من ارتفاع الطبيعة في جميع الأوقات
ليتحقق ارتفاع جميع الأفراد ، وان كان ذلك الانتفاء من جهة انه لا بد في ارتفاع
الحقيقة انتفاء جميع افرادها بالنسبة الى وقت دون جميع الأفراد ، فيبقى سؤال الفرق
بين الأفراد الواقعة في وقت حيث يعتبر ارتفاعها دون الأفراد الأخر. فالحق انه لا بد
في ارتفاع الطبيعة ارتفاع جميع افرادها بالنسبة الى جميع الأوقات وفي تحقق الطبيعة
تحقق فردها ولو في بعض الأوقات.
ومن المشهور
الواضح ان تحقق الطبيعة يتحقق فرديا وارتفاعها بارتفاع جميع الأفراد. والسر فيه ان
النظر في التحقق والارتفاع الى نظام الوجود واوعية الواقع ومراتب التحقق وظروف
الحصول ، فاذا حصل الشىء في وعائه يكفي في صدق تحققه ولا يلزم وجوده في غير وعائه
ومرتبة تحققه ، بل يستحيل ويمتنع ، اذ يصير ذلك الشىء غير نفسه ، هذا خلف. وهذا
بخلاف ارتفاعه عن الواقع ، فانه لا بد فيه من ارتفاعه من جميع اوعية الواقع وإلّا
لم يكن مرتفعا عن الواقع. ولنمثل بمثال عرفي ، وذلك كالكون في الدار فانه يصدق
بكونه في مكانه المخصوص واينه الخاص من الدار ، بخلاف عدم الكون فيها فانه لا يكون
إلّا بعدمه في جميع امكنته وايونه ـ فافهم ما ذكرنا إن شاء الله تعالى.
قوله
«قده» : وهنا كلام يأتي ذكره ـ الخ.
يحتمل ان يكون
اشارة الى ما سيذكره هناك من ان الترك في الجملة لا يصلح ان يكون غرضا من النهي
لحصوله ووقوعه من كل فاعل لا محالة ، فان كل زان يترك الزنا في الجملة وكل سارق
يترك السرقة في الجملة وهكذا ، وصيرورة النهي بالترك صالحا لأن يقصد به الامتثال
فيترتب عليه آثاره مما لا يعتد به في مثل المقام فائدة.
ويحتمل ان يكون
اشارة الى ما سيحققه هناك ايضا من ان الحق ان النهي بحسب اصل الوضع لا يدل إلّا على
طلب الترك ، ولهذا يصح تقييده بكل من الاستمرار وعدمه على الحقيقة ، وأما عند
الاطلاق فمقتضاه الدوام والاستمرار. وبعبارة اخرى : ان اعتبر النهي مجردا عن
الاطلاق والتقييد كان لطلب نفي الماهية مجردا عن الدوام وعدمه ، وان اعتبر مطلقا
كان لطلب نفي الماهية دائما.
قوله
«قده» : وهذا الإيراد مما لا مساس له بكلام المجيب ـ الخ.
توضيحه هو ان
المجيب المبدئ للفرق ان كان خصص المانعية عن التكرار بما يلزم فعله عقلا او شرعا
وقال ان اللازم الفعل عقلا او شرعا مانعا عن التكرار او مضادا له فلا يمكن ارادة
التكرار ، اتجه بما اورده المورد عليه بأن القائل بالتكرار يقول به حيث لا مانع
عقلي ولا شرعي ، وعند تحقق المانع العقلي او الشرعي لا يقول بالتكرار وعند انتفاء
المانع يقول به ، فلا مانع من التكرار الذي هو قائل به فلا يتحقق الفرق ، ولكن
المجيب ما خصص المانعية عن التكرار بالمانع العقلي او الشرعي ، بل
قال بتضاد الأفعال
الوجودية وتمانعها وان لم يكن لازم الفعل عقلا او شرعا والتمانع والتضاد مانع عن
التكرار ، واعتبار التمكن بحسب العقل او الشرع لا ينافي التضاد والتمانع ، اذ في
مورد لا يكون لازم الفعل عقلا او شرعا يتحقق الامكان بحسب العقل او الشرع ، ولا
يمكن التكرار للتضاد والتمانع. هذا ملخص مرامه ومنقح كلامه.
وفيه انه اذا لم
يكن مانع التكرار بما يجب فعله عقلا او شرعا فلا مانع بالقول بوجوب التكرار ،
ومجرد التضاد والتزاحم والتمانع بحسب الوجود لا يصلح فارقا ، اذ لا بد في الفارق
من كونه بحيث يمنع من جريان الحكم في المقيس عليه ، وإلّا فكل فرع ومقيس له جهة
فرق مع الأصل والمقيس عليه وإلّا لم يكن اصل وفرع ومقيس ومقيس عليه ولم يكونا
اثنين.
هذا ، ولا ريب في
ان التمانع والتضاد الوجودي لا يصلح مانعا عن التكرار فيما اذا لم يكن ما يجب فعله
عقلا او شرعا ، فيترك المضاد للمأمور به. وأما في صورة كون المضاد ما يلزم فعله عقلا او شرعا فلا
يقول القائل بالتكرار ، فالتكرار الذي هو قائل به لا مانع له اصلا ولا فارق ـ فتأمل
تنل إن شاء الله تعالى.
قوله
«قده» : لكن الوجه الثاني استحسان في قياس.
حيث قيس الأمر على
النهي اولا يجامع الطلب في الدلالة على الاستمرار ، ثم لما تعذر الاستمرار في
الأمر لأن المأمور به لا محالة له حد محدود ووقت موقوت لا يتعداه ، فكيف يعقل
استمراره ، فكان المناسب ان يدل على التكرار لأنه بمنزلة الاستمرار ، ولا شبهة في
ان القول بأن المناسب كان كذا استحسان.
قوله
«قده» : ان النهي عن الصد ـ الخ.
فان كان الأمر
امرا بالفعل دائما فيكون نهيا عن اضداده دائما ، وان كان امرا به في وقت ما كان
نهيا عن اضداده في ذلك ، فكون النهي الضمني للأمر للتكرار فرع كون الأمر للتكرار
فاثباته به دور ظاهر صريح مستحيل.
قوله
«قده» : لأنه من جملة المقارنات ـ الخ.
سيأتي ان الكعبي
توهم ان فعل الضد يكون مقدمة وجودية لترك الضد فزعم انتفاء المباح حيث انه يكون
مقدمة لترك حرام فيكون واجبا. وسيأتي دفعه بأن الصارف عن الحرام يكفي في تركه ولا يحتاج
الى فعل ضد وجودي. غاية الأمر وقصواه ان الانسان لما لم يخلو عن فعل من الأفعال
فيفعل فعلا وجوديا مضادا للحرام فيكون فعل الضد الوجودي من المقارنات الاتفاقية له
الصحابة الاتفاقية مع ترك الحرام من غير أن يكون بينهما علقة لزومية وتكافؤ عقلي.
ومقصود المصنف قدسسره انه اذا لم يكن بين ترك الضد وفعل الضد الآخر تلازم عقلي
فلا يقتضي كون النهي عن الضد للدوام كون الأمر بالفعل للدوام لعدم التلازم بينهما
، غاية الأمر انه لما كان بينهما الصحابة الاتفاقية وجب بحسب اوضاع الكون ان يكون
الأمر للدوام ايضا تحقيقا للمقارنة الاتفاقية ، فيكون الدوام للأمر واقعا وان لم
يكن واجبا ، لأنه ليس له مع ترك الضد علقة لزومية ، هذا منقح مرامه وموضح كلامه.
وفيه : ان لا ريب
في ان الشيء ما لم يجب لم يوجد وما لم يسد ثغور جميع انحاء عدمه يستحيل وقوعه ، اذ
الشيء لا يوجد بالأولوية الذاتية والغيرية
كافية كانت او غير
كافية ، فلا محالة يكون له علة وان كان من المقارنات الاتفاقية بالنسبة الى شيء
آخر. وبعبارة اخرى : الاتفاق سواء كان بمعنى وجود الشيء بلا مرجح غائي ومبدأ كما
لي او بمعنى وجوده بلا مرجح فاعلى باطل يقول الاتفاق جاهل السبب ، وانما الاتفاق
مع قطع النظر عن علته ولحاظه بالنسبة الى غيره ، وحينئذ نقول : ان الدوام للأمر
وان كان من المقارنات الاتفاقية للدوام للنهي الضمني عن اضداده إلّا انه لا بد له
من سبب موجب له وإلّا لزم وجود الشيء بلا علة ، والبداهة العقلية حاكمة بأن
المتساويين ما لم يترجح احدهما بمنفصل لم يقع ، وان الترجح بلا مرجح محال باطل ،
والمغالطة ناشئة من سوء اعتبار الحمل حيث اخذ غير الواجب بالنظر الى مقارنة غير
واجب مطلقا ـ فافهم واستقم واغتنم.
قوله
«قده» : وهذا الجواب لا يستقيم على اصلنا الآتي ـ الخ.
يعني ان هذا
الجواب انما يستقم بناء على تعلق الأمر بالطبيعة حيث يمكن ان يقال ان الأمر ليس
للمرة ولا للتكرار بل للقدر المشترك ، حيث ان الطبيعة من حيث هي ليس فيها مرة ولا
تكرار ، اذ لا ميز في صرف الشىء ، وصرف الشىء لا يتثنى ولا يتكرر ، وأما بناء على
تعلق الأمر بالفرد والفرد هو الوجود الخارجي العيني او الماهية الخارجية ، ولا ريب
في انه اما ان يكون متكررا او غير متكرر بل يكون متحققا مرة ، فاذا لم يكن التكرار
مطلوبا فلا محالة تكون المرة مطلوبة ، اذ لا واسطة بينهما بحسب الخارج ، فلا
يستقيم الجواب المذكور والقول بأن الأمر ليس للمرة. هذا توضيح مرامه.
وفيه انه لا ريب
في ان الأمر لا يتعلق بالوجود المقدر للفرد المحقق للفرد الخارجي وإلّا لكان طلبا
لتحصل الحاصل وايجاد الموجود وهو محال كما سلفت الاشارة منا اليه ، بل يتعلق
بالوجود المقدر للفرد العيني ،
كما هو المعتبر في
القضايا الحقيقية. ومن المعلوم الواضح ان الوجود المقدر انما يكون بحسب فرض العقل
وتجويزه ، فجاز أن لا يلاحظ العقل في الوجود المقدر الا مطلق الوجود من غير اعتبار
مرة ولا تكرار ، فيستقيم الجواب المذكور بناء على تعلق الأمر بالفرد ، فالمغالطة
ناشئة من الخلط بين الوجود المحقق والوجود المقدر. وبعبارة اخرى بين المفهوم
والمصداق ، اذ الذي لا ينفك عن المرة والتكرار هو الفرد المصداقي العيني ، والذي
هو متعلق الأمر هو مفهوم الفرد من حيث الحكاية عن الفرد العيني والوجود الخارجي.
وليس لك ان تتوهم
ان المتعلق للأمر اذا كان مفهوم الفرد كان هو القول بتعلق الأمر بالطبيعة ، اذ
مفهوم الفرد ايضا من الطبائع والمفهومات ، لأنا نقول : مفهوم الفرد لم يؤخذ من حيث
هو هو حتى يكون شيئا بل اخذ حكاية ، وحكاية الشيء ليست بشيء بل الشىء هو المحكي
عنه ، والحاكية فانية فيه متحدة معه ، وهذا بخلاف القول بتعلق الأمر بالطبيعة حيث
لوحظت في نفسها ومن حيث هي ، وبهذه الحيثية امتازت عن تعلق الأمر بالفرد ، ولو
لوحظت حاكية عن الفرد العيني فانية في الوجود الخارجي وانها ليست شيئا على حياله
بل يكون عنوانا له وحاكيا عنه يكون الأمر متعلقا بالفرد. وهذا الذي ذكرناه يحتاج الى جودة القريحة ولطافة السر ـ فافهم
مستمدا من الله تعالى.
قوله
«قده» : اما فساد الاعتراض فلأن مقصود العضدي ـ الخ.
توضيحه هو ان
المعترض حمل قول العضدي «ولو لا ذلك لما امتثل التكرار» على الامتثال الواحد
فاعترض عليه بمنع الملازمة ، لأن الامتثال الواحد كما يحصل على القول بالماهية
يحصل على القول بالمرة والمصنف قدسسره يقول ان مقصود العضدي هو الامتثالات المتعددة ، فتكون
الملازمة حقة
اذ الامتثال
المتعدد لا يحصل على القول بالمرة ، فظهر فساد الاعتراض ، اذ مبنى على معنى ليس
بمقصود العضدي. هذا بيان مرامه قدسسره.
وفيه انه ليت شعري
من اين حمل قول العضدي على الامتثالات المتعددة مع ان عبارته لو لم يكن ظاهرة في
الامتثال الواحد فلا تكون ظاهرة في الامتثال المتعدد ، مع انه لو كانت محمولة على
الامتثال المتعدد فيكون تلك القضية الشرطية ، وهي لو لا ذلك لما امتثل بالتكرار
ممنوعة الملازمة ايضا ، اذ يجوز أن يكون الامتثال المتعدد لكون الأمر للتكرار لا لكونه للماهية ،
ومع ذلك لا يكون التالي فيها مرفوعا لينتج رفع المقدم ، اذ الامتثال المتعدد الذي
هو نقيض التالي غير متحقق على ما سيصرح به من انه لا معنى للامتثال عقيب الامتثال
، وهذا بخلاف ما اذا حملت على الامتثال الواحد ، اذ يكون نقيض التالي حقا ينتج
نقيض المقدم لو تحققت الملازمة فلم يبق الا منع الملازمة ، فلم حمل قدسسره تلك العبارة على معنى يكثر فساده.
ثم لو سلمنا ظهور
عبارة العضدي في الامتثال المتعددة فلا نسلم ان بناء اعتراض المعترض على حملها على
الامتثال الواحد ، وليس في كلام المعترض ما يدل عليه ، والظاهر ان العناية
والتفسير من كلام المصنف دون المعترض كما يشهد به قوله يعني حيث لم يقل اعني ،
ويكون حاصل اعتراض المعترض ان الامتثال المتعدد يحصل على القول بالمرة بناء على
كونها هي المرة لا بشرط بالتكرار ، اذ يصدق على كل واحد من الآحاد انه مرة لا
بشرطية كما يحصل على القول بالماهية ـ فافهم ما ذكرنا حق فهم.
قوله
«قده» : وما ذكر المحشى الشيرازي ـ الخ.
توضيحه ان المحشى
الشيرازي صحح الامتثال المتعدد على القول بالمرة ، ودفع ما ذكر من ان هذا ـ يعني
حصول الامتثال المتعدد على القول بالمرة ـ
غير متجه بأن
المراد بالمرة الطبيعة المقيدة بالوحدة المطلقة ، فكما يصدق على المأتي به ثانيا
وثالثا وهكذا انه طبيعة كذلك يصدق عليه انه طبيعة مقيدة بالوحدة المطلقة ، اذ
المرة حصة من الطبيعة والحصة الكلي مقيدا يجىء بقيد جزء وقيد خارجي ، فهي ليست
إلّا الكلى والطبيعة ، ولا فرق بينهما إلّا بالاطلاق والتقييد ، فاذا حصل
الامتثالات المتعددة بالطبيعة فليحصل بالمرة ، والمصنف قدسسره ضعف ما ذكره المحشى الشيرازي بأن المفهوم من المرة ليس ما
ذكره بل الطبيعة المقيدة بالوحدة الشخصية ، وليس المراد بالوحدة الشخصية الشخص
الخارجي الذي لا يكون إلّا جزئيا خارجيا وفردا عينيا يمتنع فرض صدقه على الكثيرين
ولو على سبيل البدلية ، اذ ليس المراد طلب ايجاد شخص خاص ، بل المراد بها المرة
الصادقة على آحاد المرات على البدل ، ومن الواضح المعلوم ان هذا المعنى يمتنع ان
يحصل الامتثال به الا امتثالا واحدا. فظهر الفرق بين المرة والماهية في عدم امكان
حصول الامتثال المتعدد على القول بالمرة وامكانه على القول بالماهية. هذا تبيان
مرامه.
وفيه ان المرة
بهذا المعنى الذى يكون فيه اعتبار البدلية لا يكون إلّا المرة بشرط لا ، اذ لو لا
البشرطلائية فلم يكن مقيدا بالبدلية ، اذ اللابشرط لا ينافي الف شرط ، ولو كانت
المرة لا بشرط لم يناف الاجتماع مع الغير. ومقصود المحشى الشيرازى هو اخذ المرة لا
بشرط ، ومعلوم انه بناء على اخذها لا بشرط لا فرق بينها وبين القول بالماهية في
امكان تحقق الامتثال المتعدد وعدم امكانه.
ومن العجب كل
العجب ان المحشي الشيرازى لما اراد دفع التناقض السابق الذكر عن كلام الحاجبي ابدى
احتمال ان يكون المراد بالمرة هي المرة بشرط لا والمصنف «قده» انكر عليه غاية
الانكار ورد عليه بأن ذلك مما لا اشعار في كلامهم به وهنا اذعن واعترف ، فليس إلّا
التناقض الصريح
والتهافت الواضح.
قوله
«قده» : وأما فساد الجواب ـ الخ.
ان كان جواب
المجيب مبنيا على حمل الامتثال في كلام العضدي على الامتثال الواحد كما فهمه
المصنف قدسسره فتكون المرة المأخوذة بشرط لا ـ كما هو مبنى الجواب ـ مرة
بشرط لا تقييدية ، بأن يكون حصول الامتثال بالوحدة والمرة مشروطا بعدم حصول الزائد
، فيكون حصول الزائد مانعا عن تحقق الامتثال بالمرة ، ويظهر الفرق بين القول
بالماهية والقول بالمرة ، حيث انه على القول بالماهية يحصل الامتثال الواحد في
صورة التكرار بخلاف القول بالمرة على هذا النحو المأخوذ بشرط لا تقييدا لا تعددا
مطلوبيا ، فيرد عليه ما اورده المصنف قدسسره بأنه ليس في المرة دلالة على عدم مطلوبية الزائد فضلا عن
النهي عنه على وجه تعدد المطلوب ، فضلا عن النهي عنه على وجه التقييد كما هو واضح.
ولكن يمكن ان يكون جواب المجيب مبنيا على حمل الامتثال المتعدد ، ويكون المراد انه
بناء على اخذ المرة بشرط لا لا يحصل الامتثال المتعدد لكون الزائد مخالفا للأمر ،
ويكون المراد من المخالفة عدم الموافقة ، كما يقال «فلان خالف اباه» اي لم يوافقه
، ويكون حاصل المقصود انه لا يتحقق الامتثال بالنسبة الى الزائد ، اذ لا يكون امر
، فلا موافقة للأمر حتى يحصل الامتثال ، وهذا بخلاف القول بالماهية ، فانه يحصل
الامتثال بالزائد لكون الماهية متحققة ، فلا يرد عليه ما اورده عليه من انه لا
دلالة للمرة على النهي ولا على عدم المطلوبية اذ يكفي لعدم حصول الامتثال بالزائد
عدم الدلالة ولا يحتاج الى الدلالة على العدم كما لا يخفى.
قوله
«قده» : واما فساد التعليل ـ الخ.
مراده قدسسره بالتعليل هو قول العضدي «ولو لا ذلك لما امتثل بالتكرار» ،
ووجه الفساد هو ما سيأتي منه من انه في صورة التكرار لا ريب في سبق المرة ، فلا بد
من حصول الامتثال بها لكونها احد الأمرين اللذين فرض حصول الامتثال بأيهما وقع
بناء على القول بالماهية ، فاذا حصل الامتثال بها لم يبق وجه للامتثال بما زاد
عليها ، اذ الامتثال عقيب الامتثال مع وحدة الطلب غير معقول لأدائه الى تحصيل
الحاصل ، مضافا ان الامتثال بالزائد مستلزم للخلف او استعمال اللفظ في اكثر من
معنى واحد لأن حصول الامتثال بالزائد لا يكون إلّا بتحقق الأمر بالنسبة ، فذلك
الأمر إما وجوبي وإما ندبى ، فان كان الأول يلزم عدم الخروج عن العهدة اذ لو خرج
عن العهدة لم يبق وجوب ، وهذا خلف ، وان كان الثاني يلزم استعمال اللفظ في معنيين
: الوجوب بالنسبة الى المرة ، والندب بالنسبة الى الزائد.
قوله
«قده» : ما دام الوصف باقيا.
اى يكون وجوده
البقائي الواحد المستمر وان لم يصدق المتكرر منشأ للتكرار ايضا ، فيكون قوله قدسسره «وان لم يتكرر»
قيدا لهذا ايضا ،
قوله
«قده» : او بمجرد حصوله.
يعني يكون وجوده
الحدوثي بلا تكرار ولا بقاء منشأ للتكرار.
نجز والحمد لله
تعالى الجزء الثالث من كتاب «تعليقات الفصول في الأصول» للحبر العلامة الحجة الآية
الحاج الشيخ احمد الشيرازي قدسسره ، نسأله تعالى العون والتوفيق لطبع بقية الأجزاء وتقديمها
الى القراء الكرام.
|
سبط المؤلف
السيد محمد القانع
|
|