
بسم الله الرحمن الرحيم :
|
«أثبتنا في أول
الجزء الأول الكلمة النورية التي كانت بقلم تلميذ المؤلف آية الله الامام الشيخ
محمد الحسين آل كاشف الغطاء ـ طاب ثراه ـ ، ونثبت هنا ترجمة المؤلف لتلميذه
الآخر مؤلف كتاب الذريعة سماحة آية الله الشيخ آغابزرك الطهراني ـ مد ظله ـ وقد
طبعت هذه الترجمة في الجزء الأول من نقباء البشر ص ٨٥»
|
الشيخ احمد الشيرازي
هو المولى الأجل
الشيخ أحمد بن علي محمد الشريف بن محمد حسين الشريف بن الحاج محمد ، كان من علماء
النجف الفقهاء وحكمائها المحققين ، تلمذ على السيد المجدد الشيرازي بسامراء سنين
ورجع الى شيراز ، ثم اعرض عن أهلها وعاد الى النجف مشغولا بالتدريس والتعليم قرأت
عليه شطرا من مباحث الأوامر ومبحث الضد من كتاب الفصول أول ورودي الى النجف سنة
١٣١٣ ه ، وكنت قرأته في طهران غير أني كنت معتقدا بأنه لا يخرج من حق تلك
المساءلة إلا الحكيم ، فكنت أحضر درسه مع لفيف من الطلاب يقرب من عشرين ، فوجدته
خيرا ممن كنت قرأتها عليه في طهران ، وكانت تولية مدرسة القوام بيده ، وكان يدرّس
فيها ويقيم الجماعة في الصحن الشريف.
له تصانيف : منها
حاشية نفسية جليلة على الفصول الى آخر بحث العام والخاص سمعت أنها طبعت ، وله
رسالة في إثبات سيادة الشريف واستحقاقه الخمس ، وهي رسالة جليلة لم يكتب مثلها فى
بابها ، وله رسالة فى اللباس المشكوك رأيتها عند صهره العالم الجليل السيد علي
الموسوي الكازروني القائم مقامه.
وتوفي
المترجم في النجف سنة ١٣٣٢ ه ، ودفن في الحجرة الشمالية الواقعة بعد باب
العبايجية والمتصلة بباب مسجد الخضراء.
قوله
«قده» : هذا إذا تعينت ـ الخ.
يعني إذا تعينت
كلمة «شاء» للفعلية يتمشى ما ذكر من اعتبار الفتحة في آخرها حتى لا تعد كلمة «انشاء»
مفردا ، وأما اذا كان «شاء» مصدرا واسما معربا ويكون إن مخففة من المثقلة أو يكون
شرطية يؤتى بشرطها بعد كلمة «شاء» كما في قوله تعالى : «وإن أحد من المشركين
استجارك» ، فلا يعتبر في آخر كلمة «شاء» شىء حتى يحصل الخروج عن عدّها مفردا ،
فبقي النقض بحاله.
قوله
«قده» : بأن هذا الحد تعريف ـ الخ.
حاصل الدفع : ان
الموقوف هو معرفة لفظ المفرد والموقوف عليه هو المعنى المفرد ، فاختلف طرفا الدور.
بيانه : إن المعرّف والمحدود في قولنا «المفرد كذا» هو لفظ المفرد ، وهذا هو
المراد من قوله ـ قدسسره ـ : «تعريف لفظي»
أي شرح وتحديد لفظ المفرد ، والمفرد في حدّ الكلمة صفة للمعنى ، فيكون المراد به
المعنى المفرد.
ولا يخفى أن
الصواب أن يقول ـ قدسسره ـ : انما هو
المعنى المفرد ، لا معنى المفرد ، إلا أن يكون من قبيل إضافة الموصوف الى الصفة.
ويمكن دفع الدور
بوجه آخر مطرد في نظائر المقام ايضا ، وهو انه لا شبهة في أنه في الحدود الحقيقية
التي هي جواب ما الحقيقية إذا لزم الدور لا يحصل المقصود من القول الشارح والمعرف
والحد من معرفة المحدود بكنهه وحقيقته ، وأما الشروح الاسمية والتعاريف اللفظية
التي هي جواب ما الشارحة ـ الذي يعبر عنه بالفارسية ب «پاسخ پرسش نخستين» ـ فان
الغرض منها تمييز المحدود
والمشروح من بين
المعاني المرتكزة في الذهن في الجملة ، وهو يحصل بتبديله بشيء آخر يكون أوضح وأظهر
، وإن كان ذلك الشيء الآخر لو أريد معرفته بكنهه استلزم الدور المستحيل ، وذلك كما
في قول الحكماء «الوجود هو الثابت العين» أو «الذي يخبر عنه».
ولا يخفى أنه دائر
دورا محالا لو أريد التعريف الحقيقي ، ولكن غرضهم شرح الاسم كما هم مصرحون به ، ففيما نحن فيه
ونظائره من جميع تعاريف الفقهاء والأصوليين وغيرهم ما عدا الحكماء لا يلزم دور
بالنسبة الى مقام شرح الاسم ، كما هو محط نظرهم ووظيفتهم ، وإن لزم بالنسبة الى
مقام تعريف الحقيقة وجواب ما الحقيقية الذي هو موكول على ذمة الفلسفة الأولى ـ فافهم
مستمدا من المعلم الشديد القوى.
قوله
«قده» : قد يطلق اللفظ ويراد ـ الخ.
مراده ـ قدسسره ـ من النوع مقيدا
هو الصنف. توضيح مرامه وتبيين مراده : ان المستعمل فيه والمطلق عليه والمراد من
اللفظ إما أن يكون نوعه وإما أن يكون صنفه وإما أن يكون فردا آخر يماثله ـ وبعبارة
اخرى مثله ـ وإما أن يكون نفسه.
مثال الأول أن
يقال : «ضرب موضوع لكذا» إذا أريد بلفظة ضرب طبيعة تلك اللفظة من غير تقييدها بصنف
كلي ولا مشخص جزئي.
ومثال الثاني أن
يقال : «ضرب في قولك زيد ضرب خبر» إذا أريد تلك الطبيعة مقيدة بلحاظ كونها مسندة
ومحمولة على وجه كلي.
ومثال الثالث أن
يقال : «زيد في قولك ضرب زيد فاعل» اذا أريد تلك الطبيعة متشخصة بتشخص خاص ، ولا
شبهة في أن تشخص
المطلق والمستعمل
مغاير لتشخص المطلق عليه والمستعمل فيه ، لأن المستعمل المطلق لهما إما أن يكون
شخصا واحدا أو اثنين ، فإن كان الأول فلا ريب فى أن زمان الاطلاقين والاستعمالين
متعدد والزمان من جملة المشخصات فاذا كان المشخصات متعددا مغايرا فلا ريب في تعدد
الاشخاص. وإن كان الثاني فلا ريب في أن تعدد العلة قاضية بتعدد المعلول ، لامتناع
توارد العلل واجتماعها وتعاقبها وتبادلها على معلول واحد ، فاذا اختلف لفظا زيد
المطلق والمطلق عليه وتغايرا بالمشخصات والعوارض مع اتفاقهما في طبيعة واحدة ـ وهي
طبيعة لفظة زيد ـ فتحقق المثلان ، إذ المعتبر في التماثل التغاير والاندراج تحت طبيعة
واحدة قد كان من غيرية تماثل ، ولذا قيل «كل ندّ ضد كما أن كل ضدّ ندّ».
ومثال الرابع أن
يقال : «زيد لفظ» اذا أريد بلفظ زيد شخص نفسه لا النوع ولا الصنف ولا الفرد
المماثل. هذا محصل مرامه زيد في اكرامه.
ولا يخفى ما في
قوله ـ قدسسره ـ في القسم الثالث
، حيث أن ظاهر كلامه بل نصه أن اللفظ المطلق واللفظ المطلق عليه فردان متماثلان ،
ولا شبهة في أن التماثل من أقسام الغيرية ، وكيف يدل أحد المتغايرين بما هما
متغايران على الآخر ، وكذلك إن كان المراد باللفظ المطلق في القسمين الأولين الفرد
يلزم دلالة الفرد بما هو فرد على النوع والصنف ، فيلزم ما ذكرنا من دلالة احد
المتغايرين على الآخر وان كان المراد به النوع والصنف ، فان كان المراد بهما النوع
والصنف اللذان هما مدلولان له فيلزم اتحاد الدال والمدلول ، وإن كان غيرهما يلزم
ما ذكرنا من دلالة احد المتغايرين على الآخر.
والحق أن الدال
بما هو دال عنوان حاك ومفهوم ، فان في المدلول الذي هو المعنون والمحكي عنه
والمصداق المغنى فيه ، والحكاية بما هي حكاية ليست بشيء حتى يتصف بشيء ، بل الشيء
هو المحكي عنه ، ففيما نحن فيه لا يتصف اللفظ المطلق بشىء من النوعية والصنفية
والفردية ، فلا يلزم محذور. نعم إذا لوحظ في نفسه واستؤنف النظر اليه ـ وبعبارة
اخرى : جعل ما فيه ينظر لا ما به ينظر ـ يتصف بالامور المذكورة وغيرها ، فالصواب أن
يقول في القسم الثالث : وقد يطلق على فرد ، وحينئذ فيبقى سؤال الفرق بين القسمين
الأخيرين ، حيث أن المطلق عليه فيهما هو الفرد من غير اعتبار المثلية في أحدهما
للمطلق واعتبار النفسية في الآخر حتى يحصل الفرق ، فأقول :
ليس الأمر في
القسم الرابع كما زعمه ـ قدسسره ـ من أن فيه مطلقا
عليه ، وهو يكون شخص نفس المطلق ، بل ليس فيه فرد وشخص يكون مطلقا عليه وإلّا لدار
دورا مستحيلا ، إذ اطلاق اللفظ موقوف على تحقق ذلك الفرد المطلق عليه ، وتحقق ذلك
الفرد حيث لم يكن له تحقق آخر وراء تحققه باطلاق اللفظ موقوف على إطلاق اللفظ ،
فهذا دور واضح صريح ، وسنعود اليه عن قريب إن شاء الله تعالى ، فظهر الفرق.
إن قلت : لا نسلم
أنه لا يجوز دلالة المتغايرين على الآخر ، وسند هذا المنع جميع أقسام المجازات.
قلت : فرق واضع
بين ما نحن فيه وبين المجازات ، فان فيها لم تستعمل الحقائق فيها وإلّا لزم اجتماع
الضدين. نعم استعملت الالفاظ التي كانت حقائق فيها ، فليس فى الألفاظ معاني أخر
وراء معانيها المجازية تكون الألفاظ باعتبارها دالة على المعاني المجازية ، ولم
تلحظ في نفس تلك الألفاظ
مغايرة للمعاني
المجازية في مقام دلالتها عليها ، فلا يلزم في المجازات دلالة احد المتغايرين على
الآخر ، بخلاف ما نحن فيه ، حيث لاحظ «قده» فيه في اللفظ المطلق كونه فردا آخر
مماثلا للفظ المطلق عليه ، فان المماثلة من الطرفين فيلزم المحذور.
مع أن لنا أن نمنع
المجازات وكونها من الدلالات اللفظية. وبيانه : انه لا شبهة في أن بين المعاني الحقيقية والمعاني المجازية
علقة لزومية وتكافؤ عقلي من العلية والمعلولية والاشتراك في علة واحدة ، ففي
المجازات التي يطلق فيها اللفظ الموضوع للسبب على المسبب وبالعكس العلقة هي العلية
والمعلولية ، وفى غيرها الذي فيه الحالية والمحلية والكلية والجزئية والعموم
والخصوص وغيرها العلقة هي الاشتراك في العلة ، اذ الحالية والمحلية وما يليهما
ويماثلهما من مقولة الاضافة وبينهما تضايف ، والمتضايفان معلولان لعلة واحدة
ومتكافئان تحققا وتعقلا ومتلازمان ذهنا وخارجا. وعلى هذا فذات المعنى الحقيقي
والمعنى المجازي ـ وإن لم يكونا متلازمين ـ إلّا انهما بواسطة تلك الاضافات صارا
متلازمين ، وتلك الإضافات وسائط في الثبوت كما لا يخفى. فالمضافان متلازمان ، سواء
كانت على وجه التضايف المشهوري أو الحقيقي. مثلا : في لفظ «الميزاب» هذا لا ينتقل
الذهن منه الى الماء ما لم يلحظ كون ذاك محلا لهذا.
فاذا تحقق عندك ما
ذكرناه وأوضحناه بأوضح بيان ظهر لك انه اذا انتقل الذهن الى المعنى الحقيقي من أي
طريق حصل ذلك الانتقال وبأي سبب تحقق تحقق العلم بالمعني الذي يسميه القوم معنى
مجازيا ، وليس لخصوص اللفظ مدخل ، فليس له مدخل في الدلالة فضلا عن استعماله فيه ،
فليست هذه الدلالة لفظية وضعية.
ومن هنا انقدح
الشك في كون الدلالة الالتزامية وضعية لفظية ـ كما لا يخفى. والحق أن الدلالة
التضمنية والالتزامية والمجازية كلها عقلية.
هذا كله بالنسبة
الى مطلق الدلالة ، وأما بالنسبة الى الدلالة الاستعمالية فنقول يمكن أن يقال ان
اللفظ في جميع الموارد التي يسميه القوم فيها مجازا لم يستعمل الا في معناه
الحقيقي ، ويكون الغرض منه الانتقال الى المعنى المجازي بانتقال عقلي ، ولما كان
الظاهر من ذكر لفظ وارادة معنى منه واستعماله فيه أن يكون ذلك المعنى الذي مراد من
اللفظ مرادا واقعيا ومقصودا للمتكلم في الواقع ، فيؤتى بالقرينة للصرف عن هذا
الظهور ، وتعيين المعنى الذي هو مراد من بين المعاني المجازية ، فعندنا القرينة
صارفة عن ظهور الكلام في كونه لبيان المرام النفس الأمري والمراد الواقعي ، وعند
القوم صارفة للكلام عن ظهور كون المستعمل فيه هو الموضوع له.
وإن شئت قلت : إن
المجازات كلها تكون من قبيل الكناية التى هي ذكر الملزوم لينتقل منه الى اللازم ،
إلّا أن في المجاز الكنائي اللزوم متحقق بين ذاتي المعنيين ، وفي سائر المجازات
بينهما ملحوظين مع تلك الجهات والعنوانات والحيثيات الموجبة للعلقة الذاتية
والتكافؤ العقلي اللزومي من الحالية والمحلية وغيرهما.
لا يقال : إن تلك
الجهات لم تكن في المعنى الموضوع له مأخوذة ، فاذا اعتبرت في المستعمل فيه يكون
مجازا. هذا خلف.
لأنا نقول : لا
نعتبر نحن تلك الحيثيات فى المستعمل فيه ، بل نعتبرها محققة للزوم المعنيين ، ونحن
لا نقول بالانتقال الدائمي من اللفظ الى المعنى المجازي حتى نحتاج الى اعتبار تلك
الحيثيات في مدلول اللفظ ، بل اللفظ مستعمل في معناه الحقيقي ، واذا تحقق اللزوم
يحصل الانتقال. فظهر انه
لا مجاز في
الوجودات اللفظية والكتبية ، كما انه لا مجاز في الوجودات العينية والذهنية ـ فافهم
إن كنت من أهله واشكر ربك مفيض الخيرات.
فظهر مما ذكرنا أن
لا مجاز حتى نحتاج الى الوضع الشخصي أو النوعي أو يقال جوازه طبعي كما يقول ـ قدسسره ـ به.
قوله
«قده» : ففي صحته بدون تأويل ـ الخ.
مراده بالتأويل ما
سيشير اليه من جواز كون الدال على اللفظ فى قولك «زيد» مبتدأ مقدرا ، ويكون الغرض
من ذكر زيد تعيين المشار اليه فقط ويكون الكلام في قوة قولنا زيد هذا اللفظ مبتدأ.
قوله
«قده» : لاستلزامه اتحاد الدال ـ الخ.
بيانه : أنه إما
أن يكون المراد من لفظ «زيد» خصوص لفظ زيد فيلزم الاتحاد ، وإما أن يكون المراد
منه ما اخذ محمولا ـ اعني لفظه ـ وحينئذ فليس إلّا لفظه والنسبة ، فيلزم تركب
القضية من جزءين ، بل يلزم بساطتها لأن النسبة التي هي جزء للقضية انما هي نسبة
خاصة متحققة بين الطرفين ، وحيث لا يكون إلّا طرف فمن اين تتحقق النسبة ، وتحققها
فرع تحقق الطرفين والمنتسبين ، والتالي باطل للزوم الخلف المحال.
هذا بيان مرامه ـ قدسسره ـ ، ولا يخفى ما
فيه ، إذ لا شبهة في أنه كما قد يكون المخبر عنه نفس المعنى وذاته مع قطع النظر عن
كونه مدلولا للفظ ـ كما في القضية المعقولة ـ بل قد يكون عاقد تلك القضية اسم فلا
يخطر بباله لفظ اصلا ، وقد يكون المخبر عنه المعنى بايقاع لفظ عليه وكونه مدلولا
له ومفهوما منه كذلك قد يكون نفس اللفظ من غير
حكايته عن معنى
ولا دلالته عليه.
فظهر أن زيدا في
قولنا «زيد لفظ» لم يستعمل في شيء ولم يرد شيء منه اصلا ، حتى يلزم منه ما زعمه «قده»
من التركب أو الاتحاد مضافا الى انه في فرضه ـ قدسسره ـ تركب القضية في
جزءين من الخلف ما لا يخفى بعد ما كان المفروض في كلامه كون زيد مطلقا ومرادا به
شخص نفسه ، إلا أن يكون الضمير في قوله «ففي صحته» راجعا الى قولك «زيد لفظ» من
غير اعتبار كون زيد مطلقا على شخص نفسه فيكون استخداما.
قوله
«قده» : وإلا لكانت جميع الألفاظ موضوعة.
فيه نظر ، لأن
المراد بالوضع المأخوذ في التالى إما أن يكون الوضع لخصوص المعاني أو يكون للاعم
من الألفاظ والمعاني ، فعلى الأول ـ وان كان التالي واللازم باطلا ـ الا أنا نمنع
الملازمة ، لأن الذي يلزم من كون هذه الدلالة ليست الا كون جميع الألفاظ ـ حتى
المهملات ـ موضوعة بالنسبة الى الألفاظ ولا محذور فيه ، ولا يلزم كونها موضوعة
بالنسبة الى المعاني ، وعلى الثاني وإن كانت الملازمة حقة إلا أن فساد التالي
وبطلان اللازم ممنوع ، لأن الذي هو ظاهر الفساد كون المهملات موضوعة للمعاني ،
وأما كونها موضوعة للالفاظ فلا.
قوله
«قده» : وهو مما لم يقل به أحد.
لا يخفى أن عدم
قول احد بشيء لا يلزم منه أن يكون ذلك الشيء باطلا ، ففيما نحن فيه لا يلزم أن
يكون التالي مرفوعا حتى يستنتج منه رفع المقدم.
قوله
«قده» : إلا أن يفسر الدلالة العقلية بمعنى آخر.
مراده من «بمعنى
آخر» ما سيجيء منه من تفسيرها بما لا يكون للطبع والوضع مدخل فيه.
قوله
«قده» : على أن مجرد الدلالة ـ الخ.
الظاهر أنه ـ قدسسره ـ أراد أن مجرد
الدلالة على شيء لا يصحح ارادته من الدال باطلاقه عليه واستعماله فيه ، وإلّا لجاز
أن يستعمل ديز مثلا في اللافظ لدلالته عليه ، فاذا استعمل في اللافظ وكان له صفات
متحدة معه وجودا ـ كالقيام والقعود والتكلم وغيرها ـ صح أن تحمل عليه لأن مناط
الحمل وملاكه هو الهوهوية والاتحاد في الوجود وهو حاصل ، فيكون الكلام في قوة
قولنا : اللافظ متكلم أو قائم أو غيرهما ، مع انه لا يصح ديز متكلم مثلا ، ورفع
التالي منتج لرفع المقدم.
وفيه : انه إنما
لا يصح اذا لم يكن معه قرينة تدل على أن المراد من الدال والمستعمل فيه هو المدلول
، وأما اذا قامت القرينة فيصح بلا اشكال إذ كما يصح أن يقال اللافظ قائم مثلا يصح
ما هو بمنزلته وقوته.
وحاصل كلامنا : إن
المراد من الجواز فى قوله «لجاز أن يقال ديز متكلم» إن كان بلا قرينة فالملازمة
ممنوعة ، لأن صحة ارادة معنى لم يكن موضوعا له من لفظ لا يستلزم الجواز بلا قرينة
، كما في جميع أقسام المجازات ، وان كان المراد منه الجواز مع القرينة فالملازمة ـ
وإن كانت حقة ـ إلا أنا نمنع فساد التالي وبطلان اللازم.
ويحتمل أن يكون
مراده ـ قدسسره ـ من الارادة في
قوله «لا يصحح الارادة» مطلقها وإن لم تكن باستعمال الدال في مدلوله ، ويكون تقريب
كلامه نظير السابق
ودفعه نظيره.
فإنا نقول في مقام
التنظر في كلامه : ان المراد بالجواز المأخوذ في التالي ان كان الجواز بلا قرينة
دالة على التجوز في الاسناد والحذف فالملازمة ممنوعة وان كان معها فبطلان التالي
ممنوع ـ كما لا يخفى.
قوله
«قده» : ليلزم الاشتراك ـ الخ.
فساد التالي ممنوع
كما مرت الاشارة اليه منا ، إلّا أن يكون مراده فساد التالي لمخالفته لأصالة عدم
تعدد الوضع والاشتراك.
وحاصل مراد التفتازاني
: انكار الوضع التعييني التخصصي فرارا من لزوم الاشتراك ، والقول بالوضع التعيني
التخصصي الناشئ من كثرة الاستعمال ، لجريان طريقتهم واتفاق كلمتهم على اطلاق
الألفاظ وارادة نفسها ولا يلزم الاشتراك ، لأن في المنقول بالغلبة والموضوع بالوضع
التخصصي يهجر المنقول عنه.
وفيه : انه ان
التزم بهجر المنقول عنه فيما نحن فيه لزم أن يكون اطلاق الألفاظ واستعمالها في
معانيها مجازا ، وفساد التالي واضح ، وان لم يلتزم بالهجر فمع انه خلف محال مستلزم
للاشتراك ، مع امكان أن يقال بلزوم الاشتراك وان التزم بالهجر لتعدد المعاني من الصنف
والنوع والفرد المماثل وشخص اللفظ.
قوله
«قده» : فهو غلط ـ الخ.
فيه منع واضح ،
لأنه كما يصح التكلم باللفظ المهمل اذا تعلق به غرض وداع كذلك يصح الاطلاق
والاستعمال بدون ما يصحح من المناسبة والعلاقة ، وفي المقام لما مست الحاجة الى
التعبير عن الألفاظ ولم يكن لفظ موضوعا لها ولا مناسبا إياها فلا جرم استعملت
الألفاظ في أنفسها ،
فهو يكون لداع
عقلائي وغرض صحيح عقلي ، فلا يكون غلطا لا يلتزم به ذو مسكة.
قوله
«قده» : مع بعده جدا ـ الخ.
فيه : انه لا بعد
فيه بعد ما علم أن المناط هو التعبير عن الألفاظ والخصوصية ملغاة. وهذا نظير ما
يقول به المشهور من الوضع النوعي والترخيص الكلي للمجازات ، إذ معلوم أن الواضع لا
ينادي بأعلى صوته أيها الناس اعلموا أني وضعت كذا لكذا ... بل يستعمل لفظا في معنى
ويعلم منه الوضع ، وفي الوضع النوعي لم يصدر منه الاستعمال إلّا بالنسبة الى بعض
الألفاظ ، فمن اين يعلم الوضع النوعي إلا بالنحو الذي ذكرناه وهذا ما يساعد عليه
البرهان بل الوجدان.
قوله
«قده» : فانقدح ـ الخ.
لا قدح اصلا بعد
ما كان الحصر إضافيا بالنسبة الى الدلالة على المعاني دون الألفاظ ، مع انه لو كان
الحصر حقيقيا يمكن درج هذه الدلالة في الوضعية أو العقلية ، لأنه ـ قدسسره ـ أذعن بأن هذه
الدلالة إنما تستفاد من اللفظ بواسطة قرائن مقامية أو مقالية. ولا شبهة في أن
دلالة القرائن المقالية مثلا وضعية ، وهي علة وواسطة في ثبوت الدلالة لهذه الألفاظ
، فصح إسناد الوضع اليها ونسبتها اليه. ونظير ما ذكرنا نقول في القرائن المقامية.
قوله
«قده» : وكذلك ينقدح ـ الخ.
لا قدح اصلا بعد
كون الحصر إضافيا يكون بالنسبة الى الدلالة على المعاني دون الألفاظ.
قوله
«قده» : فلجواز أن يكون المرجح ـ الخ.
لا شبهة فى أن
الوهم والخيال لا ينتقلان الى المعاني ولا الى الألفاظ الا بالتدريج ، لامتناع
احاطتها بالجزئيات دفعة ، فاذا انتقل الذهن الى لفظ ومعنى دون غيرهما فالسبق هو
المرجح ، واذا انتقل من لفظ الى لفظ ومن معنى الى معنى. ولا شبهة في أن بالانتقال
يحصل الذهول عن المنتقل عنه ويحصل الالتفات الى المنتقل اليه ، فالالتفات الى
المنتقل اليه هو المرجح لوضعه ، أو للوضع له دون غيره.
قوله
«قده» : فهو بظاهره مبني ـ الخ.
لأن الارادة لا
تكون مرجحة لتساويها بالنسبة الى الكل ، فيبقى الشيء بلا مرجح. مضافا الى انه لو
فرض كون الارادة مرجحة إلا أن تعلقها كما جاز بالنسبة الى هذا جاز بالنسبة الى ذاك
، فيلزم الترجيح بلا مرجح بالنسبة الى الارادة نفسها وإن لم يلزم بالنسبة الى
المراد.
قوله
«قده» : فلجواز أن يشترك الضدان ـ الخ.
توضيحه : انه يجوز
أن يكون للضدين معنى مشتركا ذاتيا ـ يعنى جنسا ـ لأن ما به الاشتراك الذاتي هو
الجنس ، ويكون ذلك الجنس جنسا للفظ أيضا ، وهو المعنى بكون مناسبة ذاتية بين اللفظ
المشترك والمعنى المشترك الذاتي.
ويحتمل أن يكون
مراده ـ قدسسره ـ اندراجها تحت
جنس آخر لا كون احدهما ـ وهو المعنى المشترك الذاتي الذي هو جنس للضدين ـ جنسا
للآخر وهو اللفظ المشترك.
فعلى الاحتمال الأول
يكون اللفظ مناسبا ذاتيا للضدين ، لأن ما هو الجنس له جنس لهما ، فيشتركان في معنى
واحد جنسي وما به الاشتراك الذاتي. وعلى الاحتمال الثاني يكون اللفظ المشترك
مناسبا للمعنى الذاتى ، لاندراجها تحت جنس واحد ، فيكون جنس ذلك اللفظ جنس هذا
المعنى الذاتي والمعنى الذاتي جنسا للضدين ، فيكون اللفظ مناسبا ذاتيا لهما ، إذ
جنس الجنس جنس.
ولا يخفى ما فيه ،
إذ ما به الاشتراك الذاتي والمعنى الجنسي لا يكون ما به المناسبة بين النوعين بما
هما متغايران ولا بين الضدين بما هما ضدان ، فليس بين الضدين والنوعين مناسبة إلّا
بما هما مشتركان لا بما هما متمايزان.
وبعبارة اخرى :
الجنس الطبيعي ـ سواء كان قريبا أو بعيدا ـ هو الماهية من حيث هي المتحيثة
بالحيثية الإطلاقية المسلوب عنها جميع النقائض فلا يكون هذا الضد ولا لا هذا؟؟؟
الضد ، وكذلك بالنسبة الى الضد الآخر.
قوله
«قده» : أو يكون للفظ ـ الخ.
فيه ما لا يخفى ،
إذ الجهة الذاتية الامتيازية ليس إلّا الفصل بالنسبة الى النوع والمشخص بالنسبة
الى الفرد والهوية الشخصية ، ولا يعقل أن يكون لنوع واحد فصلان ولا لفرد فارد
مشخصان ، ولا سيما على ما هو الحق عندنا من أن الفصل الحقيقي هو الوجود ، وكذلك
التشخص والمشخص ليس إلّا الوجود وبالوجود ، مضافا الى لزوم اجتماع الضدين في اللفظ
المشترك المفروض ، اذ الجهة الذاتية المناسبة لأحد الضدين لا محالة ضد للجهة
الذاتية المناسبة للضد الآخر.
قوله
«قده» : فيتناول ـ الخ.
لا يخفى ما في هذا
الاستدلال من الدور والمصادرة ، لأن العلم بوضعه تعالى للألفاظ موقوف على العلم
بتعليمه تعالى لها كما هو المفروض ، والعلم بتعليمه تعالى لها موقوف على العلم
بوضعه تعالى لها ، اذ ما لم يضعها الله تعالى لم تصر علامة فلم تصر معلمة ، ضرورة
تقدم الموضوع على المحمول والمعروض على العارض طبعا.
قوله
«قده» : والتعليم فرع الوضع.
من تتمة الدليل ،
وحاصل مراده «قده» : أن تعليم الألفاظ ـ على ما هو المفروض من عموم الأسماء
وشمولها لها ـ موقوف وفرع على وضعه تعالى لها حتى تصير أسماء وعلامات للمعاني.
ويمكن أن يجعل كون
التعليم فرع الوضع مبدأ للبرهان من غير حاجة الى النظر فى المراد من الأسماء وكون
المراد بها المعنى العرفي أو اللغوي. وحاصله : انه تعالى علم الأسماء بأى معنى تكون ، والتعليم
لا يكون إلّا بالتعبير عن المقاصد والمرادات بالألفاظ الموضوعة ، فالتعليم فرع
الوضع وموقوف عليه ، فيكون الوضع سابقا.
وفيه ما لا يخفى ،
إذ لا نسلم أن التعليم لا يكون إلّا بالألفاظ الموضوعة ولا سيما بالنسبة اليه
تعالى.
قوله
«قده» : بتقريب ما مر.
يعني من كون
التعليم فرع الوضع. وحاصله : ان الموضوع والمعروض سابقان على المحمول والعارض طبعا
، فلا بد وأن تتحقق الأسماء بالمعنى العرفي حتى يتعلق بها التعليم ، وتحققها لا
يكون إلّا بالوضع.
قوله
«قده» : ولعدم قائل بالفصل.
في التمسك في
أمثال المقام بالاجماع وعدم القول بالفصل ما لا يخفى.
قوله
«قده» : التجوز في التعليق ـ الخ.
المراد بالمجاز فى
الاسناد والكلمة والحذف على طريق اللف والنشر المرتب.
قوله
«قده» : فتدبر.
وجه التدبر : أن
الأسماء لا شبهة فى انها عناوين وتعابير فانية في مسمياتها ، وليست شيئا على
حيالها وأمرا في قبالها ، اذ الحكاية ليست بشىء بل الشيء هو المحكي عنه.
وبعبارة اخرى
وبيان برهاني آخر : لو كانت الأسماء ملحوظة فى انفسها كانت مسميات هذا خلف ، وفي
أخبار الأئمة المعصومين عليهمالسلام ما يوافق هذا الذي ساق اليه البرهان ، ويعاضده من حكمهم عليهمالسلام بكفر العابد للاسم دون المسمى وإلحاد. وباشراك عابدهما ،
وبتوحيد العابد بالمسمى بايقاع الاسم عليه.
ومما يؤيد ما
ذكرنا الحلف بأسمائه تعالى والاستعانة والابتداء بها كما لا يخفى.
فاذا ظهر هذا اتضح
وبان أنه اذا أريد من الأسماء صفات الحقائق وخواص الطبائع لا يلزم محذور مجاز
الاسناد والكلمة والتقدير.
وليعلم أن المراد
بالأسماء ليس ما يقابل الألقاب والكنى ، بل المراد العنوانات الحاكية عن حقائق
الأشياء وذواتها وأعراضها ذاتياتها وعوارضها
فيصير المراد من
الآية انه تعالى جعل آدم عليهالسلام عالما بحقيقة كل شيء وليس في هذا ارتكاب لخلاف ظاهر أصلا
ويكون تأويلا وبطنا ـ فافهم بعون الله وحسن تأييده.
قوله
«قده» والضمير في عرضهم راجع ـ الخ.
دفع لما عسى أن
يقال : إن المجاز لا بأس بارتكابه اذا قامت عليه القرينة ، وهنا القرينة قائمة ،
وهي قوله تعالى : (عَرَضَهُمْ) ، اذ الضمير راجع الى الأسماء ، فيدل على كون المراد بها
ليس معناها الحقيقي ، فلا بد من ارتكاب التجوز.
فأجاب «قده» بأن
الضمير ليس راجعا الى الأسماء حتى يصير قرينة صارفة ، والدليل على ذلك قوله تعالى
: (بِأَسْماءِ هؤُلاءِ) ، إذ لو كان الضمير راجعا الى الأسماء لكان الكلام في قوله
تعالى في قوة قولنا («ثُمَّ عَرَضَهُمْ
عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ».)
ولا يخفى عدم
سلاسته مضافا الى الامتناع العقلي لأن يكون للاسم اسم ، لأنه إما أن يكون لبعض
الأسماء اسم دون بعض فيلزم الترجيح بلا مرجح ، أو يكون لكل اسم فيلزم الدور أو
التسلسل كما لا يخفى.
ولكن في هذا الدفع
ما لا يخفى ، إذ بعد ما كان المراد بالاسماء صفات الحقائق وخواص الطبائع وحقائق
الاسماء فيكون المراد بها المسميات ، فصح رجوع الضمير اليها وملائمة قوله تعالى (بِأَسْماءِ هؤُلاءِ) ، ولا ينافيه حتى يكون قرينة صارفة عن رجوع الضمير اليها.
قوله
«قده» : بأصالة عدم سبق الحادث.
إن كان المراد
بالحادث وضع الألفاظ ـ بتقريب أن وضعها من مخلوق سابق مسبوق بالعدم الأزلي ـ فيستصحب
عدمه الى زمان تيقن وجوده ، ولا شبهة أنه قبل تعليمه تعالى مشكوك وجوده ، فعدمه
يكون باقيا.
ففيه : انه معارض
بأن وضعها من الله تعالى يكون أيضا حادثا مسبوقا بالعدم مستصحبا ذلك العدم ، فيكون
تعيينا لأحد الحادثين بالأصل وإن كان المراد بالحادث مخلوق السابق بنحو ما مر من
التقريب ، ففيه : أن اليقين السابق بعدم المخلوق سابق على التعليم انتقض باليقين
بوجود آدم عليهالسلام سابقا على التعليم إن لم يكن وجود غيره عليهالسلام من الجان وغيره متيقنا ، فليجز أن يكون واضعا للالفاظ قبل
تعليمه تعالى.
قوله
«قده» : فلو كان الواضع هو الله تعالى ـ الخ.
إن شئت قلت فيلزم
الخلف ، وإن شئت قلت فيلزم الدور.
قوله
«قده» : الجمهور على أن المجاز ـ الخ.
اعلم ان جواز
المجاز إما وضعي جعلي وإما طبعي ، والأول إما نوعي وإما شخصي ، وكل واحد منهما إما
بالذات وإما بالعرض ، والمراد بما بالذات هو وضع اللفظ للمعنى المجازي بوضع على
حدة غير وضعه للمعنى الحقيقي ، فيكون هناك جعلان ووضعان كلاهما بالذات ، وإن كان
أحد الوضعين بملاحظة احد المعنيين للآخر. والمراد بما بالعرض أن يكون هناك جعل
واحد ووضع فارد يتعلق باللفظ والمعنى الحقيقي بالذات ، ثم يستتبع
المجاز فيصير
محمولا موضوعا بالتبع وبالعرض.
وهذا نظير جعل
لوازم الماهيات والوجودات حيث انه تبع لجعل ملزوماتها كما في الزوجية حيث انها
مجعولة بجعل الأربعة ، وكما في المهيات حيث انها مجعولة بعين جعل الوجودات ، بناء
على مذهبنا من أصالة الوجود جعلا وتحققا.
اذا تحقق هذا
فنقول : أما كون جواز المجاز طبعيا ـ بمعنى كون طباع المستعملين مقتضيا للجواز
والرخصة مع قطع النظر عن كل اصطلاح ومواضعة كما هو ظاهر كلامه «قده» بل نصه وصريحه
كما سيأتي منه في آخر الفصل ـ فهو باطل عندنا ، لأن المراد بالطبع إما أن يكون هو
الطبيعة العديمة الشعور العادمة الدرك المشترك فيها جميع أرباب اللغات ، وإما أن
يكون هو الطبيعة المسخرة للنفس الصادرة منها أفاعيلها بالمشيئة والإرادة :
أما الأول فلا ريب
في بطلانه ، ضرورة أن هذا الجواز ليس من الأفعال الطبعية ، مع انه لو كان منها
لاستوى فيه جميع أرباب اللغات ، وهو «قده» أذعن ببطلان التالي وفساد اللازم ، وأنه
رب مجاز يكون في لغة حسنا وفي لغة اخرى قبيحا.
وأما الثاني فهو
أيضا باطل ، لأن هذا الجواز بناء عليه يكون صادرا من النفس عن مشية وإرادة ، فيكون
وضعيا لا طبعيا. هذا خلف ، مضافا الى انه إما أن يكون صدوره عن المستعمل بعنوان
أنه تبع للواضع وينزل نفسه منزلة نفسه واستعماله استعماله ووضعه وضعه ، وإما لا
يكون ، فعلى الثاني يكون لغة اخرى وحقيقة هذا أيضا خلف ، وعلى الأول فنقول :
إن الذي ثبت من
حال الواضع الاصلي هو رضاه بوضع الالفاظ من قبله وتوسيع دائرة لغته فيما اذا حدث
معنى من المعاني لم يضع الواضع
الاصلي لفظا
بإزائه ، ولا بد لاهل لسانه وأرباب لغته من التعبير عنه وتفهيمه ، وأما اذا كانت
المعاني قد وضع لها ألفاظا ـ كما فيما نحن فيه حيث أن المفروض أن تلك المعاني
المجازية قد وضع لها ألفاظا خاصة بها فلا يحتاج الى ألفاظ المعاني الأخر ، فلا ريب
أنا لا نقطع برضاه بذلك الوضع والجعل من قبله ، بل نقطع بخلافه ، كما هو الشأن في
جميع التوقيفيات والتوظيفيات من الشرعية وغيرها ، فيكون هذا الوضع من المستعمل
بواسطة طبعه حقيقة ولغة اخرى ، فلا يكون هذا المجاز مجازا عربيا مثلا ، هذا خلف
وأما الوضع الشخصي
للمجازات فهو أيضا باطل عندنا ، لان ترخيص الواضع لاشخاص المجازات ليس بالتنصيص
والنقل كما هو واضح ، مضافا الى انه لو كان بالتنصيص لزم إحاطة المتناهي بغير
المتناهي ، والتالي باطل بالبديهة فالمتلو والمقدم مثله. بيان الملازمة : ان
المدارك الجزئية والمشاعر الحسية لا شبهة في تناهيها ، إذ القوى الجسمانية متناهية
التأثير والتأثر كما هو مبرهن عليه ، ولا أقل من تناهيها بالموت وشبهه ، ولا ريب
في عدم تناهي المجازات الشخصية ، فكيف يحيط المتناهي بغير المتناهي ، وليس وضع
نوعي وإدراك عقلي بهما يتصحح الإحاطة ، فاذا لم يكن الترخيص بالتنصيص فلا بد وأن
يكون بالاستعمال الصادر من الواضع ، فإما أن يكون هذا الاستعمال عين شخص الاستعمال
من المستعملين وإما أن يكون فردا آخر مماثلا له ، والأول باطل لأنه مع استلزامه صدور
الغير المتناهي عن المتناهي إذ لا شبهة في أن اشخاص الاستعمالات المجازية غير
متناهية والواضع متناه فيلزم ما ذكرنا ، وقد أشير الى بطلانه وفساده مستلزم للدور
المحال ، لأن صحة استعمال هذا المستعمل مثلا موقوفة على ترخيص الواضع ، وترخيصه
موقوف على صحة هذا الاستعمال.
وأما الثاني فهو
مستلزم للخلف المحال. بيان الملازمة : ان ترخيص احد المتماثلين لا يكون رخيصا
للآخر ، لأن التماثل من أقسام الغيرية ، ولا يكون ترخيص أحد المتغايرين ترخيصا
للآخر بداهة ، فلا بد وان تلغى الخصوصيتان المقتضيتان للمغايرة فحينئذ يصير الوضع
والترخيص نوعيا وقد فرضناه شخصيا «هف».
وأما الوضع النوعي
والترخيص الكلي فهو ـ وإن كان أقل محذورا من الوضع الشخصى والترخيص الجزئي ـ إلا
أنه أيضا فاسد ، لأنا نعلم أن ذلك الترخيص لم يكن بالتنصيص ، وإلّا كان جواز
الاستعمال المجازي موقوفا على بلوغ التنصيص الينا ، والتالي باطل بالبديهة ، فلا
بد وان يكون الاستعمال على وجه يكشف عن رضاه الكلي وترخيصه النوعي ، فهو ـ وان لم
يكن معلوم العدم ـ فلا شبهة في أنا لا نعلم من الواضع استعمال اللفظ مورد فضلا عن
استعماله في موارد كثيرة يصحح ذلك الاستعمال أنواع المجازات بل لا نقطع بوضعه
لجميع الألفاظ الحقيقة فضلا عن استعمالها في معانيها ، فاذا بطل كون الوضع النوعي
باستعمال الواضع فلا بد وأن يكون باستعمال المستعملين التابعين له ، وهو ايضا فاسد
لما اشرنا اليه من عدم رضاء الواضع بوضعهم بعد ما وضعت لتلك المعاني ألفاظ حقيقة ،
وان فرض استقلال المستعملين يلزم الخلف ـ كما مر.
وأنا اقول من رأس
في بطلان الوضع والجعل للمجاز بجميع أقسامه من الوضع والجعل النوعي والشخصي : انه
لا ريب في أن الجعليات والوضعيات تختلف غاية الاختلاف ، فرب مجعول عند طائفة
نقيضها مجعول عند طائفة أخرى ، وليس جعلي وضعي يتفق جميع أهل العالم عليه إلّا اذا
فرض تواطئهم على جعل شيء ووضعه ، وهو ـ وان كان ممكنا ذاتيا ـ إلّا أنه
ممتنع بالغير ،
بداهة اختلاف الآراء والأهواء ، ولا ريب في أن هذا الذي يسميه القوم مجازا إنما
اتفقت على كلياتها جميع أهل اللغات وأرباب الألسنة المختلفة ، فلا يكون بالوضع
والجعل.
هذا كله حال الجعل
والوضع بالذات ، وأما الجعل بالعرض فلا ريب في أنه اذا كان شيء لازما لشيء يكون
مجعول ذلك اللازم بعين جعل ملزومه بالعرض والتبع ، وأما اذا كان شيء مناسبا لشيء
آخر فليس جعله عين جعل مناسبه بالبداهة. وفيما نحن فيه يكون احد المعنيين ـ الحقيقي
والمجازي ـ مناسبا للآخر لا لازما له على مذاق القوم ، فلا يكون جعله جعله فضلا عن
جعل قالبه ولفظه.
فاذا ظهر بطلان
كون صحة المجاز بالطبع وبالوضع فهو بالعقل ، فتكون الدلالة عقلية لا على وجه
استعمال الألفاظ الحقيقة في المعاني المجازية بل على وجه استعمالها في معانيها
الحقيقية ، لينتقل منها الى غيرها وتكون القرينة دالة على ملاحظة ما يوجب العلقة
الذاتية والتكافؤ العقلي الجائي من قبل ما يسميه القوم علائق المجاز ، وتكون
القرينة أيضا صارفة لظهور الكلام في كونه بيانا للمراد الواقعي.
والقوم قد اختلط عليهم
ـ قدس الله اسرارهم ـ الدلالة العقلية بالوضعية ، والمراد الواقعي بالمراد الذي
استعمل فيه اللفظ وأريد منه ، والمراد الحاصل من مجموع الكلام بالمراد الحاصل من
مفرده. وهذا الذي ذكرناه مما تفردنا به ، ولا اعلم على وجه البسيط من له علم بذلك
، فان صار مقبولا عند أهل العلم فهو من بركات جدى الامي الذي أنا لاجئ به ولائذ
بقبره وساكن مشهده الغروي ـ روحى له الفداء.
قوله
«قده» : وربما فصل بعض الأفاضل ـ الخ.
الظاهر منه كونه
تفصيلا في الوضع النوعي والشخصى بين الموارد ، لكنه لا يصح لوضوح انه لا يلزم في
الأول المقتصر فيه على المنقول أن يكون وضعه شخصيا وفي الثاني أن يكون نوعيا وكذا
العكس ، فالمقصود التفصيل بناء على الوضع النوعي بين الموارد.
ويكون حاصل إيراده
«قده» عليه : ان كان مراد المفصل هو التفصيل بين الموارد بكون بعضها صغرى لكبرى هي
قولنا «كل معنى يكون بينه وبين المعنى الحقيقي علاقة معتبرة يصح استعمال لفظ ذلك
المعنى الحقيقي في هذا المعنى الآخر المجازي دون البعض الآخر» فله وجه إن ثبت أن
القوم في مقام حصر ، وان كان مراده التفصيل في الكبرى ـ بأن يكون بعض المعاني التي
يكون بينها وبين المعاني الحقيقية علاقة معتبرة ومناسبة مصححة يصح التجوز بالنسبة
اليه دون البعض الآخر ـ فضعفه ظاهر لأنه ترجيح بلا مرجح بعد ما كان المصحح للتجوز
هو العلاقة ، وهي متحققة في الكل.
قوله
«قده» : كالحياة للعلم.
بناء على كونهما
من الكيفيات النفسانية والهيئات الحالة في النفس العارضة عليها.
قوله
«قده» : في محلين أو حيزين.
لعل مراده «قده»
بالحيز المكان الطبيعي وبالمحل مطلق المكان.
قوله
«قده» : ويعبر عنها بعلاقة المشاكلة أيضا.
أي كما يعبر عنها
بعلاقة المجاورة.
قوله
«قده» : وان حصولها بعد الاستعمال ـ الخ.
حاصله لزوم الدور
المحال ، لأن الاستعمال موقوف على علاقة المجاورة في الذكر ، وهذه العلاقة موقوفة
على هذا الاستعمال ، فهو دور ظاهر صريح.
وحاصل ما اجاب به «قده»
اختلاف الموقوف والموقوف عليه بالشأنية والفعلية ، فهذا الاستعمال موقوف على
المجاورة الشأنية ، وهي ليست موقوفة على الاستعمال ، والموقوف عليه هى المجاورة
الفعلية وليست هي موقوفة عليها.
ولا يخفى ما فيه
من الضعف ، لأنه اذا جاز اعتبار هذه العلاقة شأنية جاز اعتبار سائر العلائق شأنية
وإلّا لزم الترجيح من غير مرجح ، والتالي باطل بالبداهة فالمقدم والمتلو مثله.
قوله
«قده» : فتنزل ما فيه ـ الى قوله ـ والعلاقة هي التضاد.
لا يخفى ما فيه من
الخلف والتناقض ، لأنه بملاحظة التنزيل يكون استعارة كما يشهد به قوله سابقا «واستعارة
لفظه له» والاستعارة علاقتها المشابهة ، فكيف تكون العلاقة التضاد وتكون مجازا
مرسلا.
قوله
«قده» : بالتأويل المذكور.
يعنى التنزيل
المزبور.
قوله
«قده» : واعلم أن من جملة العلائق ـ الخ.
يمكن أن يقال :
هذه العلاقة دورية ، لأن الاستعمال موقوف على هذه العلاقة وهي موقوفة على
الاستعمال.
ويمكن أن يدفع بأن
هذا الدور نوعي لا شخصي. بيانه : أن طرفى الدور قد يكونان شخصا واحد وقد يكونان
واحدا بالنوع ، وذلك كتوقف البيضة على الدجاجة والدجاجة على البيضة ، فالموقوف
والموقوف عليه شخصان متغايران وفردان متفاوتان وإن كانا متحدين بالنوع. وفيما نحن
فيه نقول شخص هذا الاستعمال الخاص موقوف على علاقة الاستعمال ، وهي موقوفة على
استعمال خاص آخر سابق على هذا الاستعمال الخاص ، غاية الأمر وقصوا ان الاستعمالين
مندرجان تحت نوع واحد ، وهو ليس دورا مستحيلا.
ولكن لنا أن ننقل
الكلام الى أول استعمال بوجد لا يكون قبله استعمال آخر ، ففي هذا الفرض يكون الدور
شخصيا مستحيلا سواء كان الاستعمال علة تامة محققة للعلاقة أو علة ناقصة بالنسبة
اليها ، كما لا يخفى.
مضافا الى انه في
الفرض الذي ذكره ـ قدسسره ـ من عدم العلاقة
المعتبرة وانضمام خصوصيات ونكات في بعض الموارد ان كانت تلك الخصوصيات والنكات
مكملة لتلك العلاقة الغير المعتبرة فالعلاقة حاصلة بدون الاستعمال إن لم تكن جائية
من قبل هذا الاستعمال وقد فرضنا حصول العلاقة بهذا باستعمال ، هذا خلف. وإن كانت
آتية من قبل هذا الاستعمال فيدور ، وإن لم تكن تلك الخصوصيات مكملة للعلاقة فيكون
الاستعمال لا لعلاقة فيكون غلطا ، وقد سبق منه في الرد على التفتازانى الاعتراف
بأن وقوع الاستعمال بلا علاقة معتبرة غلط لا يلتزم به ذو مسكة ، ولا أدري كيف
التزم به هنا.
قوله
«قده» : قد يوجب تحقق العلاقة ـ الخ.
يعنى بعد تكرير
الاستعمال وحصول الغنى عن ملاحظة تلك الخصوصيات والنكات ، بل وتلك العلاقة الغير
المعتبرة.
قوله
«قده» : وكثيرا ما يوجب الاستعمال ـ الخ.
وهذا قبل التكرر
والغنى المذكورين.
قوله
«قده» : فيظهر ضعفه مما قررناه.
يعني من كون
الاستعمال علاقة ، وقد توهم المتخيل انحصار العلائق في غيره ، فزعم أن في تلك
الموارد التي ذكرها لم تكن علاقة ، فاضطر الى القول بأن الواضع رخص الاستعمال بلا
علاقة ، ولم يتفطن بأن الترخيص الذي لا يكون لا لعلاقة يكون وضعا حقيقا لا مجازيا
، هذا خلف.
قوله
«قده» : وإن لزم مخالفتهم على الأول ـ الخ.
مراده ـ قدسسره ـ بالأول هو ما
اختاره من اعتبار علاقة الاستعمال ويقابله ما تخيله المتخيل من عدم اعتبارها ،
يعني انه بناء على التخيل المزبور يكون كلما تحققت العلاقة تحققت بين المعنيين ،
فلا يكون فيه مخالفة للقوم وأما بناء على اعتبار علاقة الاستعمال فالعلاقة حاصلة
بين اللفظ والمعنى بسبب الاستعمال ، فيكون فيه مخالفة للقوم حيث اعتبروا العلاقة
بين المعنيين والأمر سهل.
وليت شعري كيف هون
الخطب وسهل الأمر هنا وادرج ما كان علاقته علاقة الاستعمال على زعمه في المجاز مع
عدم كون العلاقة بين المعنيين وانكر كون اطلاق اللفظ على اللفظ من المجاز ، وقدح
به حصر القوم الاستعمال الصحيح في الحقيقة والمجاز ، وعلل عدم كون ذلك الاطلاق مجازا
بعدم تحقق العلاقة بين المعنيين ، والحال انه في المقام أيضا كذلك ، غاية الأمر
انه يكون في المقام متحققة بين اللفظ والمعنى وفي المقام السابق يكون بين
اللفظين ـ فافهم
بعون الله وحسن تأييده.
قوله
«قده» : ثم انهم إن أرادوا ـ الخ.
الاحتمالات التي
احتملها «قده» في كلام القوم المعتبرين لأنواع العلائق أربعة : لأنهم إما اعتبروها
لا لخصوصية فيها بل لكونها محققة محصلة للمناسبة وتكون المناسبة هي المناط وعليها
المدار ، ويكون ذكر أنواع العلائق لكونها من مظانها ، وهذا هو الاحتمال الأول ،
وإما اعتبروها بخصوصها لمزية فيها ، وهذا يحتمل وجوها ثلاثة : لأنها إما تعتبر على
وجه الاطلاق والإرسال ـ اعني اعم من أن يكون بحيث يقبلها الطبع أولا ـ او تعتبر
بشرط قبول الطبع لها أو تعتبر على وجه الاهمال والاجمال وفي الجملة.
والأول من هذه
الثلاثة إن شئت سمه بأخذها العلائق على وجه اللابشرطية القسمية ، لأنها وان كانت
مأخوذة بلحاظ الوجود دون أنفسها وماهياتها إلّا انها تجري فيها أيضا اعتبارات
الماهية من اللابشرط بكلا قسميه ـ المقسمي والقسمي وبشرط شيء وشرط لا ـ وان شئت سم
القضية المعقودة من اعتبار تلك العلائق على وجه الاطلاق قضية كلية محصورة مسورة
بالسور الكلي.
وثانيها إن شئت
سمه ببشرط شيء والمخلوطة كما ان الاول يسمى مطلقة ، وان شئت سم القضية المعقودة
على هذا الوجه بالجزئية.
وثالثها إن شئت
سمه باللابشرط المقسمي وان شئت سم القضية المعقودة بناء على هذا الوجه بالمهملة.
قوله
«قده» : أو لخصوصية المحل.
المراد بالمحل محل
ترخيص الواضع وتجويزه للعلاقة ، وهو اللفظ بالنسبة الى المعنى المجازي.
ويحتمل أن يكون
المراد به محل العلاقة ، وهي لما كانت امرا إضافيا ومعنى نسبيا واقعا بين المعنيين
الحقيقي والمجازي كانا محلا لها اولا وبالذات ولما كان اللفظ قالبا للمعنى وفانيا
فيه كان محلا بالعرض.
ولا يخفى أن كون
عدم الاطراد لخصوصية المحل انما يكون بكون تلك الخصوصية مانعة عن تأثير المقتضى
وهو العلاقة ، وحينئذ فلا وجه لجعل خصوصية المحل قسيما للمانع ، إذ هو مستلزم لجعل
قسم الشيء قسيما له ، فيلزم الخلف والتناقض.
اللهم إلّا أن
يريد بالمانع الخارجي ما يكون خارجا عن المحل ايضا كما انه خارج عن المقتضي لا
خصوص الخارج عن المقتضي. أو يقال : ان عدم ترتب المقتضي على المقتضي كما قد يكون لوجود المانع
كذلك قد يكون لعدم الشرط ، فيمكن أن يكون المراد كون المحل بملاحظة الخصوصية منشأ
لاعتبار عدم الشرط وراسما له ذهنا ويكون عين ذلك العدم خارجا ، فتصح المقابلة ، إذ
هي بين وجود المانع وعدم الشرط.
والمراد من قوله :
«أو عدم اكتفاء الواضع» ـ الخ ، إبداء قصور المقتضي وعدمه ، ويكون حاصل الاعتذار :
ان عدم الاطراد إما أن يكون لوجود المانع أو لعدم الشرط أو عدم المقتضي.
قوله
«قده» : وتأثير المحل فيه غير معقول.
لأنه لا نعني
بالمحل الا ما كان مصححا للمقبول ومهيأ له ، فاذا كان
مانعا منه ومنافيا
له لزم أن لا يكون محلا ، هذا خلف.
إن قلت : قد يكون
المحل مقصورا ومكتسيا بكسوة صورة تكون مضادة ومقابلة لصورة المقتضي ، فيكون مانعا
عن تأثير المقتضي. مثلا : الجسم المتهيئ بالهيئة السوادية بما هو اسود مانع عن قبول
البياض ، إلّا أن يزول عنه فيصح له قبول البياض ، فكيف منعت كون المحل مانعا ، فهل
هذا إلّا اشتباه مجموع العارض والمعروض بالمعروض.
قلت : الأمر كما
ذكرت ، ولكن فيما نحن فيه ليس للمحل خصوصية مانعة بعد فرض كون المعنيين بينهما
مناسبة وعلاقة ، وكون اللفظ قالبا للمعنى ، ولو كان المحل مانعا في بعض الموارد
لمنع في جميعها ، ولو فرض كون اللفظ قالبا للمعنى الحقيقي ومختصا به مانعا لم يجز
الاشتراك اللفظي ولم يجز الترخيص بالنسبة الى مورد من الموارد.
قوله
«قده» : ودعوى عدم اكتفاء ـ الخ.
يعني بعد ما فرض
اطلاق الرخصة يكون عدم الاكتفاء خلفا محالا.
قوله
«قده» : وقد اشرنا الى فساده.
حيث قال : للقطع
بأن ليس هناك نقل ينتمي الى الواضع ولا ادعاه أحد.
قوله
«قده» : الفرق بين ما يضعف ـ الخ.
وجه الفرق بين قولنا
«زيد أسد» وقولنا «زيد الأسد» في كون التشبيه في الأول ضعيفا بعيدا وفي الثاني
قريبا هو أن الظاهر من قولنا «اسد» هو كونه
نكرة وكون تنوينه
للتنكير ، فيصير المعنى كون زيد فردا للاسد على البدلية ، فاذا قدرت أداة التشبيه
يصير المعنى كون زيد شبيها بالفرد البدلي للاسد ، ولا شبهة في أن افراد الأسد على
حد سواء في كونها مشبها بها ، ولا معنى لاعتبار البدلية فيها قيد ، فلا بد وأن
يحمل التنوين على التمكن حتى يصح الحمل على التشبيه كما يصح حمله على الحمل بلا
تشبيه. ولا شبهة في انه لما كان الحمل على التشبيه مبنيا على كون التنوين المتمكن
وكان بعيدا فلا جرم كان التشبيه بعيدا ، بخلاف قولنا «زيد الأسد» حيث أن الأسد
معرف بتعريف الجنس ، فيصح فيه الاعتباران : التشبيه ، والحمل.
وأما وجه امتناع
التشبيه في قوله «أسد دم الأسد الهزبر خضابه» فهو أن المشبه به لا بد وان يكون
مساويا للمشبه أو أقوى ، فاذا كان دم الأسد خضابا للمشبه فيكون المشبه به اضعف ،
فيجتمع فيه الضدان بل المتناقضان كما لا يخفى.
ولكن فيه : ان
العبرة في التشبيه بكون المشبه به أقوى أو مساويا للمشبه في الظاهر ويحسب نظر
السامع ، وأما بالنظر الى الواقع فلا ، ففيما نحن فيه نقول : ان القوة مثلا فيما
نحن فيه انما هو بحسب الظاهر ، وأما الضعف واللاقوة فهو بحسب الواقع أو نظر
المتكلم ، فلا تناقض أصلا لاختلاف المحمول وتعدده.
قوله
«قده» : من اطلاق الملزوم على اللازم.
فيه منع واضح ،
لأن الشجاع ليس بلازم للاسد بل الشجاعة لازمة له كما لا يخفى.
قوله
«قده» : ووجهه التفتازاني.
أي وجه دخول
المشبه في جنس المشبه به حتى في الاعلام الشخصية المشتملة على نوع وصفية كحاتم.
قوله
«قده» : وإلّا فتبعية.
كالفعل وما يشتق
منه من اسم الفاعل والمفعول والصفة المشبهة وأفعل التفضيل وغيرها ، وكالحرف حيث أن
الاستعارة والتشبيه في الفعل والمشتق منه لمعنى المصدر وفي الحرف لمعنى متعلقه.
قوله
«قده» : لكن يشكل ـ الخ.
هذا الاشكال مندفع
، لأن المراد بقولهم من غير اعتبار وصف الوصف الزائد المتعلق بهذا الذات بقرينة
تعميمهم لاسم الجنس الى اسم العين كالأسد واسم المعنى كالقتل ، وحينئذ فيدخل العلم
بعد التأويل في اسم الجنس ، فانه وان لوحظ فيه معنى الوصفية إلّا أن هذا المعنى
الوصفى محقق لاسم الجنس لا وصف زائد على معناه.
قوله
«قده» : ونحن نقول : إن أرادوا ـ الخ.
ايراد على ما زعمه
محققو علم البيان ، بأنه إما أن يكون مرادهم إبقاء علاقة المشابهة بالكلية فهو
مخالف لما ذكروه في تقسيم المجاز الى الاستعارة والمجاز المرسل ولما ذكروه في
تحديد الاستعارة ، وإما أن يكون مرادهم اعتبار علاقة المشابهة بشرط تحقق التأويل
المذكور ، فيلزم أن تكون علاقة المشابهة أضعف العلائق وأوهنها ، حيث اعتبر في
اعتبار علاقة المشابهة
شيء آخر ولم يعتبر
في سائر العلائق شيء.
ولكن فيه أنه يمكن
أن يكون مرادهم اعتبار التأويل المذكور لكونه محققا لعلاقة المشابهة لأشياء أخر
يغايرها ، فيكون في طولها لا في عرضها بل هو هي. بيانه : ان المشابهة إما أن تكون
في النوع واما ان تكون في الجنس واما ان تكون في الكم وإما أن تكون في الكيف وإما
أن تكون في الوضع وإما أن تكون في الأعراض الستة النسبية الأخرى ، وهي تسمى تماثلا
وتجانسا وتساويا وتشابها وتوازيا وتناسبا على طريق اللف والنشر المرتبين.
ولا يخفى ان
المتشابهين بالتشابه بالمعنى الأعم من هذه الأقسام هما المتحدان المندرجان تجت جنس
من هذه الأجناس أو النوع الذي يعبر عنه بالجنس أيضا بمعنى مطلق الكلي ، ويكون ذلك
المندرج فيه جهة واحدة وواسطة في عروض الوحدة للمتشابهين المندرجين.
وإذا ظهر لك هذا
فمرادهم من جنس المشبه به هو هذا المعنى الذي هو جهة وحدة لهما لا ذات المشبه به ،
فلا يرد شيء اصلا كما لا يخفى.
قوله
«قده» : الرابع أن يكون بمعنى الجواد ـ الخ.
في كونه مجازا
مرسلا ما لا يخفى ، اذ الجود لازم لحاتم لا الجواد كما هو واضح.
قوله
«قده» : انه من المجاز اللفظي ـ الخ.
يمكن بيان مراد
السكاكي بحيث يندفع عنه ايراد القوم ، فأقول مستعينا بالله :
لا شبهة في انه في
التشبيه لفظا المشبه والمشبه به مستعملان في معروضي التشبيه ـ
أعني ذاتي المشبه
والمشبه به ـ لا في مجموعي العارض والمعروض ـ اعني الذاتين مع وصفهما العنواني ـ وإلّا
لدار دورا مستحيلا.
بيان الملازمة :
انه لا شبهة في أن في التشبيه لا يكفي التشبيه المضمر في النفس بل لا بد من تشبيه
في عالم اللفظ حتى يحصل الفرق بينه وبين الاستعارة التي يكون تشبيها في عالم النفس
فقط ، وحينئذ نقول : في قولنا مثلا «زيد كالأسد» ان هذا التشبيه اللفظي موقوف على
زيد وأسد ، فاذا أخذ في معناهما هذا التشبيه دار كما هو واضح. فظهر أن اللفظين
مستعملان في في المعروضين ، ثم يستفاد من مجموع القضية كون المعروضين موصوفين
بالعارض وكونهما مشبها ومشبها به ، ويفهم من هذا التشبيه اللفظي التشبيه المضمر في
النفس ، ولا يمكن اخذ التشبيه المضمر في النفس قيدا للمعنى المستعمل فيه ، وإلّا
لدار بالنسبة الى مقام العلم والانكشاف ، لأن العلم بالتشبيه المضمر في النفس
موقوف على العلم بالتشبيه اللفظي. ضرورة انه لا طريق الى العلم بما في النفس من
المقاصد غالبا الا بالتعبير اللفظي ، وذلك العلم بالتشبيه للفظي موقوف على العلم
بالمعنيين المأخوذين فيهما التشبيه المضمر في النفس حسب الفرض ، ضرورة توقف العلم
بالمعنى الاضافى النسبي على العلم بأطرافه. فاذا تحقق أن المعنيين لم يؤخذ فيهما
التشبيه مطلقا ـ سواء كان التشبيه اللفظي ام النفساني ـ ظهر أن اللفظين مستعملان
فيما وصفا له وهذا بخلاف الاستعارة ، حيث أن أداة التشبيه لا تكون فيها مذكورة ولا
مقدرة ، فلا بد وأن يكون التشبيه مأخوذا في المعنيين ، فلا جرم أن يكون لفظ المنية
الموضوع لذات الموت المستعمل في الموت الذي هو مشبه بالسبع بما هو مشبه مجازا ،
حيث ان الموت الذي هو مشبه بالسبع كأنه فرد للسبع لا فرد للمنية.
وبهذا البيان
الواضح ظهر معنى قول السكاكى ، لأن المنية في الفرض المذكور لم يطلق الا على السبع
بادعاء السبعية لها ، واندفع ما اورده القوم عليه.
نعم يرد عليه انه
بناء على ما ذكرنا تكون الاستعارة المصرحة أيضا مجازا لغويا ، حيث أن لفظ أسد كان
موضوعا لذات الحيوان المفترس وقد استعمل فيها مقيدة بكونها مشبها بها على ما هو
المفروض ، فيكون مجازا.
قوله
«قده» : وظنى أن السكاكي يدعي ـ الخ.
فيه : ان لفظ
الانسان المأخوذ بمعنى الضاحك المستعمل في الانسان مثلا إما أن يكون مستعملا في
الضاحك أولا ، أولا يكون على سبيل الانفصال الحقيقي والتعاند الواقعي ، فعلى
الثاني لا يكون مجازا لا بالنسبة الى معنى الضاحك ولا بالنسبة الى معنى الانسان ،
لأن المجاز هي الكلمة المستعملة ، ولا استعمال في معنى الضاحك على ما هو المفروض ،
فلا يكون مجازا بالنسبة اليه ولا اختصاص للفظ الانسان به ، كما انه لا اختصاص له
به أيضا ، فيكون اللفظ باقيا على معناه الأصلي مستعملا فيه ، فلا يكون مجازا
بالنسبة الى الانسان أيضا.
وعلى الأول فإما
أن يكون استعماله في ضاحك باستعمال آخر مغاير لاستعماله في الانسان أولا يكون ،
فعلى الأول فهو ـ وإن كان مجازا بالنسبة الى الضاحك ـ إلّا انه لما كانت القرينة
لازمة في المجاز واختصاص اللفظ بالمعنى ، فلا جرم اذا استعمل في معنى الانسان فلا
شبهة في أن تلك القرينة غير باقية في حال استعماله في الانسان ، فيكون اللفظ خاليا
عن القرينة باقيا
على معناه الأصلي ، هذا خلف ، مضافا الى انه يلزم انسباك المجاز من المجاز كما هو
واضح.
وعلى الثاني فإما
أن يكون استعماله في معنى الانسان في طول استعماله في الضاحك أو يكون في عرضه ،
فعلى الاول يلزم انسباك المجاز من المجاز واستعمال اللفظ في المعنيين المجازيين
إلّا أن يكون من باب الاطلاق لا الاستعمال وعلى الثاني ـ مع انه خلف حيث انه اذا
كان معنى الانسان في عرض الضاحك ولم يكن مترتبا عليه وفي طوله ـ يكون اللفظ حقيقة
فيه ، وقد فرض كونه مجازا ، هذا خلف يلزم استعمال اللفظ في اكثر من معنى واحد ـ فأفهم
بعون الله وحسن تأييده.
قوله
«قده» : لكنه عندي لا يبتني ـ الخ.
فيه : انه إما أن
يكون المركب عين مفرداته واجزائه أو غيرها ، فعلى الأول كما تصحح به وضعه فلا
يحتاج الى وضع آخر ، فهو مجعول موضوع بعين مجعولية المفردات وموضوعيتها ، وتصحح به
كونه حقيقة أيضا ، فليتصحح به مجازيته ، بمعنى أن مجازيته تكون تابعة لمجازية
مفرداته فلا يكون مجازا آخر.
وعلى الثاني كيف
يكون وضع احد المتغايرين مصححا ومحققا لوضع الآخر ، والمفروض انه لا وضع على حدة
للمركب ، فاذا لم يكن موضوعا اصلا لا بجعل المفردات ولا بجعل آخر فلا يكون مجازا ،
إذ المجاز هي الكلمة المستعملة في غير ما وضعت له ، فلزم الخلف والتناقض.
وأما نحن فانا وان
انكرنا وضع المركبات الا انا منكرون للمجاز رأسا كما سلف بيانه منا مفصلا مشبعا ،
فالذي يسمونه مجازا مركبا مستعمل
في معاني مفرداته
الحقيقية ، ثم ينتقل الذهن بدلالة عقلية لا بدلالة لفظية وضعية الى المعنى الذي
يسمونه معنى مجازيا مستعملا فيه ، فنحن بعون الله في فسحة وسعة ، فلله الحمد
والمنة.
قوله
«قده» : لقاعدة الوضع أو الطبع.
الأول ناظر الى
مقالة القوم في المجاز من كون دلالتها وضعية ، والثاني ناظر الى قوله فيه من كونها
طبعية.
قوله
«قده» : وأيضا لو كان المركب ـ الخ.
فيه منع للملازمة
، اذ العلم الاجمالي والانتقال الاندماجي مشوب بالجهل ، يعني يكون علما بالشيء
ببعض جهاته دون البعض الآخر ، ولا شبهة في امتناع العلم التفصيلي والعلم الاجمالي
، ضرورة امتناع اجتماع النقيضين وكذا حصول العلم الاجمالي بعد حصول العلم التفصيلي
مع بقائه للزوم اجتماع النقيضين أيضا.
نعم يمكن حصول
التفصيل بعد الاجمال ، بمعنى زواله وحصول التفصيل ، ففيما نحن فيه كيف يمكن تحقق
الانتقالين الاجمالي والتفصيلي مع كونهما معين في الوجود أو حصول الإجمال بعد
التفصيل بملاحظة تحقق المركب ومعناه بعد تحقق المفردات ومعناها ، مضافا الى ان
الجمع بين هذا الدليل والدليل السابق مستلزم للتناقض ، إذ مبنى الدليل الأول كون
المركب عين المفرد لفظا ومعنى ، إذ لو كان غيره لكانت الحاجة ماسة الى التعبير عن
هذا المعنى المغاير بلفظ آخر ووضع آخر ، ومبنى هذا الدليل كون المركب غيره ، اذ لو
كان عينه لما حصل الانتقالان ، فلزم
التناقض. إلّا أن
يكون غرضه «قده» إبطال كلا الشقين ، ويكون المجموع دليلا واحدا ، إلا انه لا
يلائمه قوله «وأيضا» كما لا يخفى.
قوله
«قده» : مع أن الحصر منقوض ـ الخ.
فيه : انه يمكن
جعل الحصر إضافيا بالنسبة الى اطلاق اللفظ على المعنى لا بالنسبة الى اطلاقه على
اللفظ ، كما انه «قده» جعل الحصر اضافيا بالنسبة الى اللفظ المفرد الذي يبقى على
افراده ، وحينئذ فلا نقض ـ فتأمل.
قوله
«قده» : وظاهر أن صحة المجاز ـ الخ.
لأنه يصح قولنا
مثلا «اراك تقدم رجلا وتؤخر أخرى» في حق متردد لا يكون مقدما لرجل ومؤخرا أخرى ،
كما يصح في مورد يكون كذلك ، فيتحقق الاسناد.
فظهر أن اسناد
التقديم والتأخير الى المخاطب ليس موقوفا عليه للمجاز المركب وإلّا لما تخلف ،
ضرورة استحالة تخلف الموقوف عن الموقوف عليه والمعلول عن علته.
قوله
«قده» : فان ذلك على تقدير صحته في هذا المقام.
أظهر ـ قدسسره ـ التردد في صحة
اعتبار التجوز في الهيئة بالنسبة الى غير متهيئها ، وفي السابق جوز في قولنا «رأيت
اسدا» أن يكون المراد بالاسد طبيعة الحيوان المفترس وبالتنوين فردا على البدلية من
الرجل الشجاع ، فيكون التجوز في التنوين ، فاعتبر التجوز في الهيئة واللاحق
بالنسبة الى غير
المتهيئ والملحوق به ، فهل هذا إلّا تناقض؟!
قوله
«قده» : مع أن القرينة المذكورة ـ الخ.
فيه : انه إن اراد
أنها لا تنافي ارادة الحقيقة ـ إذ الكلام يصير في قوة كلامين والقضية بمنزلة
قضيتين ، فكأنه قال «رأيت أسدا يرمي واسدا يفترس» ـ فلا شبهة أن كلمة يرمي صارت
صارفة عن ارادة المعنى الموضوع له بحسب الاستعمال الأول وان لم تصرف عن ارادته
باستعمال آخر وارادة اخرى.
وان اراد ـ قدسسره ـ انها مع التنزيل
المذكور غير منافية لارادة الحقيقة فيلزم استعمال اللفظ في اكثر من معنى واحد وهو
غير جائز ، إلا أن يكون مراده «قده» الجدل مع خصمه القائل بجوازه ، حيث جوز في
الكناية استعمال لفظها في اللازم مع الملزوم أو مع جواز إرادته معه ، ولكن الجدل
لا يغني عن الحق شيئا.
قوله
«قده» : موضوعة بإزاء النسبة الذهنية ـ الخ.
فيه : أنه إن اراد
بالنسبة الذهنية النسبة التي تسمى في عرف الميزانيين بنسبة بين بين فلا شبهة في أن
فيها ليس كشف عن الواقع وإراءة اصلا بل لا واقع لها الا نفسها ، فلا يتصور فيها
مطابقة للواقع. مضافا الى أن القضية اللفظية المعقودة للاخبار بها ليس فيها إخبار
أصلا ، إذ ليس في تلك القضية الا الموضوع والمحمول أو تصورهما ، والنسبة التى هي
من سنخ التصور على ما هو المفروض ، فلزم الخلف.
مضافا الى انه «قده»
بعد ما جعل الهيئة اللفظية لتلك النسبة التي هي من سنخ التصور إما أن يجعل الموضوع
والمحمول ذواتهما أو تصورهما ،
فعلى الأول يلزم
التفكيك والترجيح بلا مرجح كما لا يخفى ، وعلى الثاني يلزم كون مدلول تلك القضية
المعاني الذهنية والمتصورات النفسية والوجدان يكذبه ، وان اخذت تلك المعاني
والمتصورات حاكية عن الواقع ، إذ لا شبهة في انه لا ينتقل الذهن الا الى الواقع لا
انه ينتقل اولا الى تلك المعاني ثم بوساطتها ينتقل الى الواقع ، وان اراد بها
الاذعان بوقوع النسبة أولا وقوعها فهو ـ مع أن الوجدان يكذبه ـ يرد عليه أن
الموضوع له للنسبة اللفظية على هذا يكون الاذعان والاعتقاد مع المطابقة للواقع.
فكيف انكر هذا في
قوله «أو مع الواقع» إلّا أن يكون مراده ـ قدسسره ـ إنكار أخذ
المطابقة للاعتقاد والواقع بلحاظ انها عين الاعتقاد والاذعان ، ولم يعتبر المطابقة
اصلا ـ فافهم.
قوله
«قده» : علم بها أو لم يعلم.
فيه : انه اذا لم
يعلم بالمطابقة فكيف تكون النسبة الذهنية كاشفة عن الواقع.
قوله
«قده» : وإلّا لزم أن لا يكون ـ الخ.
فيه : انه ان اراد
«قده» انتفاء المعنى بحسب الوجود والتحقق والصدق فالملازمة ـ وان كانت حقة ـ إلّا
ان فساد التالى ممنوع ، اذ لا يلزم أن تكون المعانى الموضوع لها واقعة في الأعيان
ومتحققة في الخارج كما نشاهد في شريك الباري واجتماع النقيضين والعنقاء ، وان أراد
«قده» انتفاء المعنى بحسب المفهوم فاللازم ـ وان كان باطلا فاسدا ـ إلّا أن
الملازمة ممنوعة. فظهر انه لا يلزم تال فاسد ولازم باطل على كون الهيئة
اللفظية موضوعة
للنسبة الواقعية ، مع ان التبادر والوجدان يصدقه.
قوله
«قده» : وليس في صحة السلب دلالة عليه.
بيان المنفي : انه
لو لم تكن الهيئة اللفظية للنسبة الواقعية لما صح السلب. بيان الملازمة : انه لو كانت للنسبة الذهنية ـ وهو المعني
بالمقدم ـ في تلك القضية الشرطية لما صح سلب القيام عن زيد مثلا في مقام تكذيب من
قال «زيد قائم» ، إذ القائل لم يزد على الإخبار بتلك النسبة الذهنية ، وهو عالم
بما في نفسه وفي عالم ذهنه ، والمكذب غير مطلع ولا عالم بخلافه فكيف يكذبه. وأما
فساد التالي فلانه يصح بلا شبهة ولا ريب في مقام تكذيبه لمن علم كونه مخالفا
للواقع ان يقول «زيد ليس بقائم» ، وفساد التالي واللازم يقتضي بفساد المتلو
والملزوم ، فاذا كان المقدم باطلا يكون نقيضه ـ وهو كون الهيئة للنسبة الواقعية ـ حقا
، لامتناع ارتفاع النقيضين
وأما بيان النفي :
فهو أن الملازمة ممنوعة ، اذ لو كانت الهيئة للنسبة الذهنية المأخوذة باعتبار
إراءة الواقع والكشف عنه صح السلب والتكذيب. نعم اذا كانت للنسبة من حيث هي لم يصح
السلب ، فهذا القياس الشرطي الاستثنائي يجدى في ابطال كونها موضوعا لها ولا يجدي
في ابطال كون النسبة المأخوذة مرآة وكاشفا موضوعا لها كما لا يخفى.
وببيان آخر : صحة
السلب ليس لازما مساويا لكون النسبة الواقعية موضوعا لها حتى يستدل بها عليه ، بل
هي لازم اعم منها ومن النسبة الذهنية المأخوذة مرآة وكاشفا ـ فافهم بعون الله
تعالى.
قوله
«قده» : ومنها ما معناه التسبب الاعدادي.
السبب المعد يطلق
على معنيين : «الأول» ـ ما تركب من الوجود والعدم ،
كالخطوات التي هي سبب للوصول الى المقصد ، وما اليه الحركة حيث انها مركبة الذات
من وجود شيء وعدم آخر ومتصرمة الهوية ومتقضية الذات ومتدرجة الوجود ، ويقابله
السبب الغير المعد.
«والثاني» ـ ما لا
يكون موجدا حقيقيا ، وهذا المعنى أعم مطلقا من المعنى الاول ، وبهذا المعنى يكون
كل سبب ـ عدا واجب الوجود ـ معدا ، اذ هو المعطى للوجود والفياض للجود لا غير ، «هل
من خالق غير الله» ، والمراد من المعد في المقام هو هذا المعنى.
قوله
«قده» : وهكذا.
يعنى في الرابع ،
اعم من الموجد الحقيقي والسبب الإعدادي.
قوله
«قده» : ومنشؤه عدم الفرق ـ الخ.
حاصله : انه اختلط
عليهم الأمر حيث خلطوا بين الفعل والفاعل اللغويين ـ يعنى الايجاد والموجد ـ وبينهما
بالمعنى العرفى الخاصى والاصطلاحي النحوي ، حيث انهما بحسب هذا العرف بمعني مطلق
الفعل وان كان قبولا فضلا عن كونه اعدادا ، ومطلق الفاعل بمعنى الذي اسند اليه
الفعل وإن كان معدا أو قابلا ، فلما رأوا الفاعل في قولنا «سرني رؤيتك» و «طلعت
الشمس» غير موجد بل هو معد في الاول وقابل في الثاني توهموا أن الاسناد فيهما الى
غير ما هو له ، ولم يدروا أن المناط لما كان هو الفاعل
بالمعنى الأعم لا
الأخص فالاسناد فيهما الى ما هو له. فالمغالطة ناشئة من الاشتراك الاسمي كما لا
يخفى.
وأنت خبير بما فيه
، حيث يلزم منه أن يكون المسند اليه في قولنا «أنبت الربيع البقل» لا يكون فاعلا
نحويا اصطلاحيا حتى يصح أن يكون الاسناد فيه الى غير ما هو له ، وفساده غير خفي.
وهذا كله بناء على
أن يكون مراده «قده» من المعنى الاصطلاحي الاصطلاح النحوى ، ولا أرى لغير النحوي
اصطلاحا في الفعل والفاعل ، لأن المعانيين إنما يعبرون بالمسند والمسند اليه ،
والحكماء وان استعملوا الفاعل إلّا انه ليس لهم عرف خاص فيه بل يريدون منه المعنى
اللغوي ويقابلونه بالقابل.
وأنا لا أرى لما
اسنده «قده» الى قوم توهما ، لأن أهل العرف واللغة لا يفرقون اصلا بين الايجاد
الحقيقي والايجاد الإعدادي. نعم يفرقون بين الفاعل والقابل ، فلا شبهة في أن كل
مصدر ومبدأ لا يكون موضوعا للقبول فهو موضوع للايجاد الحقيقي بحسب اللغة والعرف ،
فعلى هذا فليس بين قولنا «سرني رؤيتك» و «أنبت الربيع البقل» فرق اصلا ، حيث أنهما
موضوعان للايجاد. وأما قولنا «طلعت الشمس» فربما يتوهم أن الطلوع بمعنى القبول ،
نظرا الى انه لازم للحركة التي هي مقبولة للجرم الشمسي وهو قابل لها لا فاعل فيكون
قابلا له ايضا ، ضرورة كون القابل للملزوم قابلا للازم ، إلّا أن ما توهم ـ وان
كان حقا بالنسبة الى المادة الشمسية ـ إلّا انه غير صحيح بالنسبة الى طبيعة الشمس
، لأن تلك الطبيعة فاعلة للحركة التي هي ملزومة للطلوع ، فيكون الطلوع فعلا للشمس
لا قبولا ، وإن كان ذلك الايجاد لتلك الطبيعة باعتبار كونها مسخرة بأيدي
ملائكة مدبرات
امرا ، فمعنى قولنا «طلعت الشمس» أو جدت الشمس الطلوع لجرمها ، وإن كان هذا
الايجاد والجعل بتبع الحركة لا بالذات ، كما انا اذا قلنا «طلع زيد أو خرج من
الدار» فليس معناه أن غير زيد أوجد الخروج والطلوع فيه فيكون قابلا ، بل معناه أن
زيدا نفسه أوجد الخروج أو الطلوع.
فظهر أنه لا فرق
بين قولنا «أنبت الربيع البقل» وبين «طلعت الشمس» وظهر أنه لا مغالطة ولا خلط. وإن
أغمضنا عما ذكرنا وقلنا بكون ما ذكره قوم توهما وخلطا وغلطا فليس منشأ الخلط
والمغالطة ما ذكره «قده» كما ظهر مما ذكرنا ، بل المنشأ عدم الفرق بين ما هو له
بالمعنى الاعم من الموجد والمعد والقابل وبين المعنى الأخص وهو الموجد ، فمرادنا
هو المعنى الأعم فتوهم المتوهم المعنى الأخص ، فاذا كان المبدأ الاشتقاقي دالا على
الايجاد واسند الى الموجد الحقيقي أو كان دالا على الاعداد واسند الى المعد او كان
دالا على القبول واسند الى القابل فهو اسناد الى ما هو له ، ولا يكون مجازا عقليا
، واذا اختلف المبدأ الذي هو المسند والمسند اليه بأي نحو من هذه الاختلافات يكون
مجازا عقليا ، ففي قولنا «سرني رؤيتك» لما كان السرور أعم من الايجاد والاعداد حسب
الفرض ، فاذا أوجد الاعداد وأسند الى الرؤية التي هي معد تكون حقيقة عقلية لا
مجازا عقليا. والمتوهم لما توهم أنه يلزم أن يكون ما هو له ـ وهو المسند اليه ـ فاعلا
حقيقيا وموجدا في كل مورد توهم أن الاسناد مجاز عقلي. وقس عليه الحال في «طلعت
الشمس» حيث أن الطلوع للقبول وأسند الى القابل وهو الشمس فيكون حقيقة عقلية ،
والمتوهم لما نظر الى أن الشمس ليست موجدا حقيقيا فقال بالمجاز العقلي.
ولا يخفى أن هذا
الذى ذكرنا ليس مبنيا على اصطلاح كما بنى «قده» المغالطة عليه ، بل لو عقد عاقد
قضية معقولة من غير عقد قضية ملحوظة يكون اسناد السرور الى الرؤية والطلوع الى
الشمس حقيقة عقلية عندنا ومجازا عقليا عند المتوهم مع قطع النظر عن كل لفظ واصطلاح
، سواء سمي الاسناد في القضية المعقولة مجازا عقليا أو حقيقة عرفية في عرف
المعانيين ام لا. والغرض تصوير مورد يحصل فيه المغالطة مع عدم تحقق اصطلاح فاذا
تحققت المغالطة في القضية المعقولة مع عدم تحقق لفظ واصطلاح فلا محالة يكون ما به
المغالطة فيها موجودا ، فليكن هو بعينه مناطا ومنشأ للمغالطة في القضية الملفوظة ـ
فافهم بعون الله تعالى إن كنت من أهله.
قوله
«قده» : فلان المراد معناه الحقيقي على ما مر.
يعني من كون
النسبة اللفظية موضوعة للنسبة الذهنية من حيث إراءتها للواقع وكشفها عنه بشهادة
التبادر ، ويحتمل على بعد أن يكون موضع الحوالة والمحال عليه قوله ـ قدسسره ـ سابقا في رد
المحقق الشريف ، لأن الاسناد اللفظي في تقدم وتأخر موضوع لاسناد المعنى الذي أريد
من حدثى التقدم والتأخر الى المخاطب ، لأن هذا التعليل بعد إلغاء الخصوصية بتنقيح
المناط القطعي يصير بمنزلة أن يقال : إن الاسناد اللفظي موضوع لاسناد المعنى الذي
أريد من المادة التي هي متهيئة بذلك الاسناد اللفظي الى المسند اليه ، ولا شبهة في
تحقق هذا المعنى فيما نحن فيه على الاحتمال الاول في قولنا «أنبت الربيع البقل» ،
فيكون الاسناد حقيقة كما لا يخفى.
قوله
«قده» : والفرق بين هذا الوجه ـ الخ.
لا شبهة انه في
السابق ايضا يتحقق المجاز العقلي ، لأنه بعد التأويل بتنزيل الربيع منزلة الموجد
الحقيقي وتشبيهه به أيضا لا يكون الإنبات بمعنى الايجاد والجعل والافاضة حكما
للربيع واثرا له ومسندا اليه فيكون مجازا عقليا ، كما انه في هذا الوجه بعد ادعاء
كون الربيع فاعلا حقيقيا للانبات وتشبيهه به تصحيحا للاسناد يتحقق التأويل في
الربيع أيضا ، ففي الوجهين يتحقق التأويل في الربيع مع تحقق المجاز العقلي ، فلا
يكون بينهما فرق أصلا.
اللهم إلّا أن
يفرق بينهما بأن المادة لما كانت علة ناقصة للهيئة والهيئة معلولة لها فلا جرم اذا
اعتبر أمر في العلة فلا محالة معتبر في معلولها ، ضرورة أن المعلول جاء من قبل
العلة وتابع له في جميع الامور الواقعية والاعتبارية ، بخلاف العلة حيث انها غير
جائية من ناحية المعلول ولا تابعة له فلا يكون الاعتباريات والواقعيات لها ثابتة
له ، ففي السابق ـ وان استلزم التأويل في الربيع الادعاء والتأويل للاسناد ـ إلا أن
في هذا الوجه التأويل والادعاء انما يكون لتصحيح الاسناد ولا يتسرى منه الى المسند
اليه ـ وهو الربيع.
ولكن في هذا الفرق
ما لا يخفى ، لأن العلية ليست بصدور مباين عن مباين ، وإلّا لزم أن يكون شيء علة
لكل شيء بل هي من السنخية والمناسبة في الحقيقة ، فالعلة مسانخة لمعلولها والمعلول
مسانخ لعلته ، غاية الأمر وقصواه أن العلة لا بد وأن تكون اقوى وآكد والمعلول أضعف
، فكل حكم واثر من الاعتباريات والواقعيات ثبت للعلة فهو ثابت للمعلول وبالعكس ،
إلّا أن يكون شيء ثابتا للعلة بما هي قوية وللمعلول بما هو ضعيف ، وحينئذ
يحصل الانفكاك
والتغاير ، وحينئذ فنقول فيما نحن فيه :
لا يخفى أن
الادعاء والتأويل بالنسبة الى المعلول ـ وهو الاسناد ـ ليس ثابتا له بما هو معلول
وضعيف فليس مختصا به ، ولذا قد حصل التأويل والادعاء في الوجه السابق بالنسبة الى
الربيع أيضا ، وهو أحد أجزاء العلة للهيئة.
فظهر أن التأويل
والادعاء في الوجهين يكون بالنسبة الى الاسناد والربيع والعلة والمعلول كليهما ،
فارتفع الفرق. نعم يمكن أن يفرق بينهما بأن في الوجه السابق اعتبار التأويل أولا
وبالذات للعلة ـ وهو الربيع ـ وثانيا وبالعرض للمعلول ـ وهو الاسناد ـ وفي هذا
الوجه بالعكس ـ فافهم ما ذكرنا فانه لا يخلو عن غموض وخفاء.
قوله
«قده» : الثالث ـ أن ينزل تسببه الإعدادي ـ الخ.
توضيحه : انه يشبه
التسبب الاعدادى الذي للربيع منزلة التسبب الفاعلي الذي يكون للموجد الحقيقي عزّ
اسمه ، فيستعار اللفظ الذي يكون للتسبب الفاعلي ـ وهو الإنبات ـ للتسبب الاعدادي ،
ويعبر بذلك اللفظ الموضوع للمشبه به عن المشبه فيكون استعارة مصرحة. ولما كانت
الهيئة اللفظية في أنبت موضوعة لاسناد الايجاد الحقيقي للنبات وهنا استعملت في
اسناد التسبب الاعدادي ـ على ما هو المفروض من استعمال المادة في التسبب الإعدادي ـ
فلا جرم تكون الهيئة مستعملة في غير ما وضعت له ، فيكون مجازا لغويا ولا يكون
مجازا عقليا ، إذ اسناد التسبب الاعدادي الذي أريد من المادة الى الربيع اسناد الى
ما هو له.
ويكون حاصل الفرق
بين هذا الوجه والوجهين السابقين كون المجاز
في الاسناد فيهما
فيكون مجازا عقليا ، وهذا الوجه يكون المجاز فيه في الهيئة ويكون مجازا لغويا.
وأنت خبير بما فيه
، إذ الهيئة اللفظية موضوعة لاسناد ما اريد من مدخولها والمتهيئ بها ، سواء كان
معنى مجازيا للمدخول او حقيقيا الى المسند اليه ، وهذا حال الهيئة بحسب وضعها
النوعي وليس لهيئة «أنبت» وضع شخصي يدعى التجوز بالنسبة اليه. وهذا كله واضح لا
سترة عليه.
(تتميم مقال لتوضيح حال)
الذي يخطر بالبال
عاجلا أن في قولنا «أنبت الربيع البقل» احتمالات يحتمل الاستعارة بالكناية في
الربيع كما احتمله «قده» فى الوجه الأول ، ويحتمل الاستعارة المصرحة بجعل الربيع
مشبها به لكون وجه الشبه ـ وهو مطلق التسبب فيه ـ اظهر منه فيه تعالى ولذا أذعن به
المليون والطبيعيون والدهريون ، كما يحتمل الاستعارة المصرحة في أنبت على ما
احتمله «قده» في الوجه الثالث ، ويحتمل أن تكون الاستعارة في أنبت مكنية بجعل
الايجاد الحقيقي للنبات مشبها والتسبب الاعدادي الذي هو للربيع مشبها به لكون وجه
الشبه فيه اظهر ويكون ذكر الربيع استعارة تخييلية ، ويحتمل أن يكون كل من انبت
والربيع باقيا على حاله ويكون المجاز في الاسناد ويكون مجازيا عقليا ، ويحتمل
التجوز في الهيئة اللفظية التي هي موضوعة للاسناد باستعمالها في الظرفية ـ أي انبت
المنبت الحقيقي في الربيع ـ ويكون مجازا لغويا.
قوله
«قده» : على ما يرشد اليه حجتهم.
حيث استدل النافي
للملازمة بالمجاز اللغوي دون العرفي العامي والخاصي وعمم المجاز الى المركب
والمفرد في مقام الاستدلال.
وأنت خبير بأنه
يمكن أن يكون الاستدلال بالمجاز اللغوي من باب التمثيل لا الخصوصية ، كما يشهد به
إطلاق الوضع في كلام المثبت ، حيث قال بعري الوضع عن الفائدة ، ولم يقل بعرى الوضع
اللغوي عنها.
قوله
«قده» : وأجيب تارة ـ الخ.
المجيب حمل
الفائدة في كلام المستدل ـ حيث قال بعري الوضع عن الفائدة ـ على الغاية المترتبة
على الشيء ، فأجاب أولا بأن الغاية المترتبة على الوضع متعددة ، وهي الاستعمال
وصحة التجوز ، فاذا ارتفع فائدة الاستعمال دون فائدة الأخرى لا يلزم ارتفاع
الفائدة مطلقا ، ضرورة أن الأعم لا يرتفع بارتفاع الأخص ، فالملازمة في الاستدلال
ممنوعة.
وأجاب عن الثاني
بمنع بطلان التالي ، إذ لا يلزم أن يترتب على الشيء فائدة ، ولكن يمكن أن تحمل
الفائدة على العلة الغائية ، فحينئذ يصير بطلان التالي قطعيا غير قابل للانكار
لبطلان الترجيح من غير مرجح وحينئذ ينحصر الجواب في منع الملازمة بنحو آخر غير ما
منع به المجيب ، وهو أن العلة الغائية موجودة ـ وهو الاستعمال ـ بوجوده الذهني
المثالي الشبحي الظلي ، ولا يحتاج الى الوجود العيني الأصيل ـ كما هو واضح.
قوله
«قده» : ويمكن المناقشة في الاول ـ الخ.
حاصلها : انه بعد
ما انتفت فائدة الاستعمال ـ حسب الفرض ـ
وكان فائدة الوضع
للمعنى المجازي اكثر من فائدة صحة التجوز فاذا لوحظت صحة التجوز لزم ترجيح المرجوح
على الراجح ، وهو المعني بقوله : «فالعدول عنه اخلال بالحكمة» ، ومن بطلان التالي
ورفعه يستنتج بطلان المقدم ورفعه ، فصحة التجوز باطلة فاذا بطلت هذه الفائدة للوضع
ـ والمفروض انه لم يكن فائدة اخرى ـ ثبتت الملازمة في قول المستدل لو لم يستلزمها
تعري الوضع عن الفائدة.
ويمكن أن يقال :
ليس بلازم أن يعتبر كون فائدة الوضع للمعنى المجازي اكثر من فائدة صحة التجوز ، بل
لو كانت مساوية لها لكفى ، اذ بعد تعارض الفائدتين لم تبق فائدة صحة التجوز سليمة
، فتتحقق الملازمة في قياس المستدل الشرطي كما هو واضح.
قوله
«قده» : راجع الى الجهل بحاله.
يعني اذا لم يعلم
عدم ترتبه ، وان علم يلزم العبث والترجيح بلا مرجح
قوله
«قده» : والوجهان كما ترى.
يعني بهما ثبوت أن
الواضع ليس هو الله تعالى ، وان الوضع ليس بإلهامه تعالى. وواضح انهما غير ثابتين.
ويحتمل أن يكون
بالوجهين وجهي المناقشة ، وحينئذ يكون وجه النظر في المناقشة الاولى انا لا نسلم
أرجحية فائدة الوضع للمعنى المجازي ولا مساواته ، بل هي مرجوحة بالنسبة الى صحة
التجوز ، اذ المعاني المجازية غالبا كثيرة فيحتاج الوضع لها الى أوضاع متعددة
مخالفة للاصل ، فان لوحظت هذه الفائدة دون صحة التجوز يلزم ترجيح المرجوح على
الراجح فاذن لا بد أن تلاحظ صحة التجوز ، فصح منع الملازمة في قياس المستدل
وأما وجه النظر في
المناقشة الثانية فهو انه ليس على المانع اثبات ان الواضع ليس هو الله تعالى وأن
الوضع ليس بإلهامه تعالى ، بل يكفي المانع الشك. نعم يلزم المستدل أن يثبت على
سبيل منع الخلو أن الواضع هو الله تعالى أو الوضع بإلهامه تعالى كما هو واضح.
قوله
«قده» : بل يجري في نظائرهما مما لا حصر له.
يعني فاذا كان مما
لا حصر له فلا يمكن النقض باحداث الاستعمال في المعنى الحقيقي كما هو واضح.
قوله
«قده» : لا نسلم أن الهيئة موضوعة ـ الخ.
لا يخفى عليك انه
مناقض لصريح ما تقدم منه في الوجه الثالث من الوجوه المحتملة في «أنبت الربيع
البقل» من ارتكاب التجوز اللغوي في الهيئة اللفظية بمجرد كون الفاعل غير حقيقي.
قوله
«قده» : لكن قد سبق ـ الخ.
يعنى قد تقدم في
الوجه الثالث في «انبت الربيع» جواز التجوز في الهيئة في مثل الغرض المذكور يعني «أنبت
الربيع البقل» ، ومراده ـ قدسسره ـ سبق مطلق التجوز
في الهيئة وخصوص التجوز باستعمال الهيئة الموضوعة للاسناد في الظرفية كما هو واضح.
قوله
«قده» : ويستعمل فيه مجازا أو يطلق ـ الخ.
مراده ـ قدسسره ـ بالوجه الأول
استعمال الحرب في الانسان ،
فيصير المعنى قام
الانسان على ساق. ومراده بالوجه الثاني أن يستعمل الحرب في الانسان فيكون مجازا ،
ثم يطلق الحرب المستعمل في الانسان على الحرب ، فيكون هذا الاطلاق مجازا بعين
مجازية استعمال الحرب في الانسان. وهذا بناء على ما وجه به «قده» كلام السكاكي ،
حيث قال في الاستعارة بالكناية انها مجاز لغوي وقد سبق بيانه ، وانما اعتبر ـ قدسسره ـ الاطلاق دون الاستعمال
لئلا يلزم سبك المجاز من المجاز.
قوله
«قده» : موضوع لرقيق القلب ـ الخ.
يمكن أن يمنع وضعه
أولا لرقيق القلب ، بل هو موضوع أولا له تعالى ، وليس كتاب اللغة عندي موجودا حتى
اراجع اليه ، ولكن يدفع بأنه لا يحتاج في وضعه الأصلي الى الوضع الشخصي بل يكفي الوضع.
ولاشبهة في أن مبدأ الاشتقاق للرحمن هو الرحمة ، وهي موضوعة لرقة القلب ، والهيئة
موضوعة للتلبس بالمبدإ ، فيصير معنى الرحمن رقيق القلب.
قوله
«قده» : واستعمل فيه تعالى مجازا.
فيه منع واضح ،
لجواز أن يكون مستعملا فيه حقيقة بوضع آخر ويكون مشتركا لفظيا ، وفي باب تعارض
الأحوال ـ وإن قيل بتقديم المجاز على الاشتراك ـ إلّا أن الوجوه التي ذكرت للتقديم
مع كونها معارضة بوجوه مرجحة للاشتراك غير ناهضة لاثبات الأوضاع.
قوله
«قده» : واستعمل فيه تعالى من حيث الخصوصية.
فيه منع واضح ، إذ
الاستعمال غير معلوم ، فلعله يكون من باب
الاطلاق والانطباق
، فيكون حقيقة.
قوله
«قده» : لوقوعه بعد النقل ـ الخ.
لا يخفى ما في هذا
الجواب من الخلف المحال والتناقض المستحيل ، لأن محل النزاع وموضع الخلاف في
الملازمة نفيا واثباتا هو الحقيقة السابقة على المجاز وهذا المجيب لما كان منتصرا
للنافي وابطل كون اطلاق الرحمن على مسيلمة حقيقة يكون الموضوع له مهجورا متروكا ،
فلا يصح استعمال اللفظ فيه حتى يكون حقيقة ، ولم ينكر سبقها على المجاز ، فمع
كونها سابقة حسب الفرض وكون المعنى الموضوع له مهجورا متروكا يلزم كون الرحمن فيه
تعالى حقيقة ، وقد فرض مجازا وكون المعنى الموضوع له مهجورا متروكا وغير متروك
ومهجور. وهذا ما ذكرنا من التالي الفاسد واللازم المحال. نعم اذا اعتبر الهجر بعد
التجوز لا يلزم شيء مما ذكرنا إلّا انه يكون الحقيقة بعد المجاز ، فيكون خروجا عن
محل النزاع ، فلا يحتاج الى هذا الجواب ـ فافهم.
قوله
«قده» : فلا يصلح ـ الخ.
قد حمل كلام
القائل على ان المستعمل لما كان كافرا متعنتا في كفره لم يصح استعماله فلا تتحقق
الحقيقة ، فما ورد عليه بما حاصله : انه ليس من شرط صحة الاستعمال وتحقق الحقيقة
والمجاز كون المستعمل مسلما ، فتتحقق الحقيقة.
وأنت خبير بأن مراد
القائل انه ادعى كفر المستعمل وتعنته في كفره في استعمال لفظ الرحمن في مسيلمة
كاستعماله فيه تعالى ، فغرضه انكار كونه مستعملا في المعنى الحقيقي بل هو مستعمل
في المعنى المجازي ، وليس
غرضه تسلم
استعماله في المعنى الموضوع له ، إلا انه ينكر صحته. وهذا الذي ذكرنا في بيان مراد
هذا القائل هو مراد التفتازاني ، فلا يرد عليه أيضا ما اورده «قده» كما لا يخفى.
(تتميم مقام بتحقيق كلام)
وأنا أقول :
القائل بالملازمة بين الحقيقة والمجاز إما أن يريد بالملازمة اللزوم العقلي
والتكافؤ الطبيعي والعلقة اللزومية ـ وبعبارة اخرى اللزوم بالمعنى المصطلح ـ وإما
أن يريد بها مجرد عدم الانفكاك وان كان بنحو التقارن في الوجود والصحابة الاتفاقية
ولم يكن بنحو العلية :
فان اراد الأول
فلا شبهة في أنه إما أن يكون علة على نحو العلية الحقيقة للمجاز أو بالعكس أو
يكونا معلولي علة واحدة ، وكلها باطلة أما الأول فلان الحقيقة السابقة ـ على ما هو
محل النزاع ـ لا يكون علة للمجاز ، سواء أريد من السبق السبق الزماني كما هو
الظاهر أو السبق الذاتي ، لأنه اذا كان السبق الزماني لزم تخلف المعلول علته عن
التامة كما هو واضح وهو محال ، ولذا وجب أن تكون العلة والمعلول عن معين في الوجود
وبحسب الزمان ويكون بينهما معية زمانية ، واذا كان السبق الذاتي لزم أن يكون بمجرد
تحقق الحقيقة أن يتحقق المجاز بلا لحوق وتأخر زماني ، وفساده غني عن البيان.
وأما الثاني فلان
المجاز إن كان متأخرا بحسب الزمان عن الحقيقة ـ بأن يكون سبقها عليه زمانيا ـ يلزم
وجود المعلول قبل وجود علته ، وهو في معنى وجود الشيء بلا علة ، وان كان المجاز
متأخرا بحسب الذات ـ بأن يكون سبق الحقيقة سبقا ذاتيا ـ يلزم أن يكون المجاز
متأخرا ذاتا
ومتقدما ذاتا ،
حيث فرض كونه علة للحقيقة ، فيلزم أن يكون شيء واحد علة ومعلولا ومتقدما ومتأخرا.
وأما الثالث فلان
تلك العلة الواحدة إن كانت هي الوضع لزم أن تتحقق الحقيقة والمجاز كلاهما بمجرد
الوضع ، وان كانت اياه مع الاستعمال لزم أن يتحقق المجاز بمجرد تحقق الحقيقة ،
وفساد التاليين كتحقق الملازمتين غني عن البيان.
وان اراد الثاني ـ
وهو كون المراد بالملازمة مجرد عدم الانفكاك وان كان بنحو الصحابة الاتفاقية ـ فهو
أيضا باطل ، لأن المقارنة الاتفاقية إما أن تكون بحسب ذاتي المتقارنين أو بحسب
وجوديهما : أما الاول فهو كمقارنة ناهقية الفرس لناطقية الانسان ، لأنه لما كان
الذاتي لا يختلف ولا يتخلف وكانت الذات والذاتيات في جميع العوالم وكافة النشآت
محفوظة بحيث لو جاز تقرر الماهيات منفكة عن كافة الوجودات لكانت هي نفسها
وذاتياتها لا جرم كانت هاتان القضيتان «كلما كان الفرس ناهقا كان الانسان ناطقا»
بنحو التقارن بحسب شيئية الماهية ، وبهذا المعنى لا ريب في انتفائه في المقام ، مع
انه لو كان لزم كون المجاز مقارنا للحقيقة غير منفك عنها والتالى باطل قطعا.
واما الثانى فهو
مقارنة احد الشيئين للآخر بحسب أوضاع الكون ونشأة الوجود ، بحيث لا يوجد احدهما
بدون الآخر. ولا ريب في انه في المقام ليس كلما تحققت الحقيقة تحقق المجاز ولو على
وجه التقارن بحسب أوضاع العالم.
هذا كله مضافا الى
انتفاء الثمرة بين القول بالملازمة ونفيها ، فان الذي يمكن أن يكون ثمرة أن يطلق
لفظ ويكون معه قرينة صارفة عن
المعنى الموضوع له
، فاذا انتفت الملازمة فيحمل على المعنى المجازي ، وعلى القول بثبوت الملازمة لا
يحمل عليه لئلا يلزم المجاز بلا حقيقة.
وأنا اقول : اذا
استلزم الوضع الحقيقة ـ كما هو لازم قول المثبت للملازمة حيث قال : لعري الوضع عن
الفائدة فكان الحقيقة واجبا تحققها بحسب وضع العالم سواء وجد مجاز أم لم يوجد ـ فلو
تم هذا الاستدلال تكون الحقيقة متحققة لا محالة ، فلا يلزم مجاز بلا حقيقة ، مع
أنا نقول :اذا تحققت الملازمة ـ ولو بالمعنى الأعم ـ فبوجود أحد المتلازمين يستكشف
وجود الآخر ، ففيما نحن فيه نقول : يستكشف بهذا الاستعمال المجازي وجود الحقيقة ،
فلا يلزم المجاز بلا حقيقة.
ولكن يمكن النظر في
هذا الوجه الأخير ، لأن علمنا بصحة هذا المجاز ـ على القول بالملازمة ـ موقوف على
العلم بالحقيقة ، والعلم بالحقيقة اذا كان موقوفا على العلم بهذا المجاز وصحته لزم
الدور المحال. وهذا الذي ذكرنا كله مما تفردنا بتحقيقه ، فله الحمد والمنة.
قوله
«قده» : والظاهر أن النزاع في الألفاظ ـ الخ.
المراد بالأصلية
ما كان بوضع الواضع الأصلي دون تابعيه ، فتخرج الأعلام الشخصية ونحوها ، والمراد
بما يجري مجراها ما كان بوضع المتابع الذي يكون حكيما مطلعا على جميع اوضاع لغة
الواضع الأصلي دون من لم يكن حكيما او لم يكن مطلعا.
ووجه تخصيص النزاع
: انه لا ريب فى أن محل النزاع إنما يعلم على سبيل منع الخلو من الاقوال أو من
الاستدلالات أو من بيان الثمرة ، وهنا لما كان المذكور فى استدلال الموجب أنه بعد
نفاد الألفاظ وتناهيها وبقاء
المعاني لعدم
تناهيها إن لم توضع تلك الالفاظ الموضوعة ثانيا بإزاء المعاني الباقية لزم الإخلال
بالمصلحة التي تضمنها الوضع. ولا ريب في أن الواضع اذا لم يكن حكيما لم يبال
بالإخلال بالمصلحة ، والمذكور في الاستدلال المحيل انه يلزم من الاشتراك الاخلال
بالتفهيم المقصود ، ولا شبهة في انه اذا لم يكن حكيما لم يكترث بهذا الإخلال ، كما
انه اذا لم يكن مطلعا على جميع اوضاع الواضع الأصلي لم يكن هذا اللازم ـ وهو
الإخلال بالتفهيم ـ باطلا ، فلا بد وأن يخصص محل النزاع ويحدد حريم الخلاف بما
ذكره «قده»
قوله
«قده» : لم يتوجه القول ـ الخ.
لعدم لزوم الإخلال
بالتفهيم كما هو واضح.
قوله
«قده» : ثم المراد بالوجوب ـ الخ.
بيان هذا المرام
وتوضيح هذا المقام هو : ان المراد بالامكان هنا ليس هو الامكان الوقوعي ، بمعنى ما
لا يلزم من فرض وقوعه محال ، الذي هو أخص من الامكان الذاتي ، لأن المعاول الأول
للواجب تعالى عدمه ممكن ذاتي وليس ممكنا وقوعيا لاستلزامه المحال وهو عدم الواجب ،
لأن عدم المعلول لا يكون إلّا بعدم علته ، اذ علة الوجود وجود وعلة الماهية ماهية
وعلة العدم عدم.
وانما قلنا انه
ليس المراد الامكان الوقوعي إذ ليس يقابله الا الامتناع الوقوعي ، إذ لا واسطة بين
السلب والايجاب المطلقين وإلّا ارتفع النقيضان ، وفي المقام قد ذكر في الأقوال
القول بالوجوب ، وليس لنا وجوب وقوعي بل الواجب الوقوع ولازم التحقق لا يكون إلّا
ممكنا وقوعيا ، فلا يكون
في المسألة إلا
قولان الامتناع والامكان ، إلا أن يقال : لما كان الامكان الوقوعي شاملا للواجب
الوقوع وللممكن الباقي على صرافة امكانه وسذاجة ذاته يجوز أن يراد به أحد فرديه
ويقابل بالفرد الآخر ، وهو الوجوب. ولا يخفى ما فيه.
ولا يمكن أن يكون
المراد بالامكان الامكان الغيري ، بقرينة أن المراد من الوجوب والامتناع الغيريان
، كما هو واضح وسيظهر بيانه عن قريب إن شاء الله تعالى. لأن الامكان الغيري محال
ممتنع ، لأن الشيء الذي يصير ممكنا بالغير فلا محالة يكون على وجه الانفصال
الحقيقي والتعاند الذاتي إما ممكنا او واجبا أو ممتنعا بالذات ، فعلى الاول يكون
اعتبار الغير لغوا وعلى الأخيرين يلزم الانقلاب ، فبقي أن يكون المراد بالامكان الامكان
الذاتي وبالوجوب والامتناع الغيريان ، ويكون وجه المقابلة ـ مع انه لا يقابلهما
كما في التجريد ، قال : ومعروض ما بالغير منهما ممكن ـ هو أن القائل بالوجوب لما
قال بالوجوب الغيري الجائي من قبل المصلحة المقتضية للوضع وانه لو لم تراع لزم
الاخلال بالمصلحة ، والقائل بالامتناع قال بالامتناع الجائي من قبل الاخلال بمصلحة
التفهيم ، فأنكر القائل بالامكان هذين الوجوب والامتناع الجائيين من قبل ما ذكراه
، ولم ينكر الوجوب الجائي من قبل شيء آخر.
وبالحقيقة لما كان
القائل بالامكان قائلا بالوقوع ـ ومعلوم ان الشيء ما لم يجب لم يوجد ، بمعنى ان
الممكن ما لم يسد جميع أنحاء عدمه ولم ينسد ثغور أعدامه بوجدان المقتضى والشروط
وفقدان الموانع لم يوجد ولا يكفيه الأولوية الذاتية والغيرية كافية كانت أو غير
كافية ، اذ ما لم يبلغ الى حد الوجوب لا ينقطع السؤال بأنه لم وجد؟ وهذا الوجوب هو
الضرورة السابقة
والوجوب الجائي من
قبل العلة ، فالقائل بالامكان قائل بالوجوب الغيرى إلّا انه يقول ليس الوجوب جائيا
من قبل ما ذكره الخصم بل من قبل شيء آخر مثل التفنن في المحاورات والتوسع فى
اللغات وحصول المحسن البديعي المسمى بالترصيع وغير ذلك.
وبهذا البيان
الواضح ظهر معنى قوله ـ قدسسره ـ «لاختلاف معنى
الوجوب» ، وليس المراد انه يكون في مقام الوجوب الجائي من قبل العلة وفي مقام آخر
شيء آخر ، بل المراد أن المقصود في المقامين هو الوجوب الجائي من قبل العلة إلّا
أن كيفية المجيء مختلفة ـ فافهم بعون الله وحسن تأييده إن كنت من اهله.
قوله
«قده» : على اصلهم المعروف ـ الخ.
اذ بناء عليه لا
يكون مصلحة ملزمة مقتضية للوجوب ، ولا مفسدة ملزمة مقتضية للامتناع.
قوله
«قده» : لعدم عدم ما يقتضي ـ الخ.
ليس المراد انه
لما لم يكن ما يقتضي الوجوب ولا الامتناع فنحكم بامكانه ، اذ الأصل فيما لا دليل
على وجوبه وامتناعه هو الامكان ، كما قال الحكماء «كلما قرع سمعك من الغرائب فذره
في بقعة الامكان ما لم يذرك عنه قائم البرهان» ، اذ لا شبهة في انه بمجرد عدم
الوقوف على الدليل والواسطة في الاثبات للوجوب والامتناع لا يصح الحكم عليه
بالامكان لجواز أن يكون واجبا او ممتنعا ولم يطلع على دليله.
ومعنى الامكان هو
الاحتمال والشك لا الحكم بالإمكان ، فاذا قيل
لك مثلا «هو ليس
في الاشياء بوالج ولا عنها بخارج» أو يقال «مع كل شيء لا بمقارنة وغير كل شيء لا
بمزايلة» ولم يقم برهان عليه نفيا وإثباتا فقل «يمكن» بمعنى يحتمل لا بمعنى ان هذا
الأمر ممكن ، اذ لا ريب في انه واجب ، بل مراده «قده» انه بعد ما كان الامكان
الذاتي للاشتراك مسلما بيننا والخصم يدعي الوجوب أو الامتناع الغيريين الجائيين من
قبل ما ذكره وظهر فساد ما ادعاه الخصم ، فالاشتراك باق على امكانه الذاتي بالنسبة
الى ما ذكره الخصم لا بالنسبة الى الواقع ـ فافهم إن شاء الله تعالى.
قوله
«قده» : وإلّا لكان الواحد بالحقيقة ـ الخ.
فساد التالي فيما
نحن فيه ممنوع. بيانه : ان الواحد قد يكون واحدا عدديا شخصيا مضيقا محدودا كزيد ،
ولا شبهة في انه لا يتصف بالصفات المتقابلة وقد يكون واحدا حقيقيا ووجود جمعيا.
وبعبارة اخرى يكون واحدا بالوحدة الحقة الحقيقية ، وذلك كحقيقة الوجود حيث أنها
حقيقة سعية جمعية ، فليجز أن يكون بعض مراتبها ممكنا لا بالامكان الذاتي بل
بالامكان الفقري ، وبعض مراتبه الأخر واجبا.
وهذا واضح لا سترة
عليه ، وهذا المنع للتالي متجه ، سواء اخترنا أن المسمى بالموجود فى الممكن
والواجب هو الصفة على خلاف التحقيق من اثبات الماهية له تعالى ، أو اخترنا أن
المسمى به في الممكن صفة زائدة على الماهية ، وفي الواجب تعالى ذاته المقدسة بناء
على مذاق التحقيق من عينية الوجود لذاته المقدسة ، وكون مهيته آنية وهو شق قد
اعوزه المستدل.
وبعبارة اخرى :
معنى الموجود ما يعبر عنه بالفارسية ب «هست» الذي هو عين في الواجب وزائد في
الممكن.
ويمكن إقامة برهان
على اثبات الاشتراك المعنوي في لفظ الموجود يعارض به الدليل الذي استفيد من كلام
المستدل للاشتراك اللفظي ، وهو أنه لو لم يكن الموجود مشتركا معنويا لكان مشتركا
لفظيا ، والملازمة ظاهرة. وأما بيان بطلان التالي : فلانه اذا قلنا الله تعالى
موجود فإما أن يراد المعنى الذي يطلق على الممكن ، وهو ما يعبر عنه بالفارسية ب «هست»
فقد جاء الاشتراك المعنوى ، وإما أن يراد به المعنى المقابل والمقابل للمعنى الذي
يعبر عنه بالفارسية ب «هست» ليس إلّا ما يعبر عنه بالفارسية ب «نيست» فيلزم أن
يكون تعالى معدوما وإلّا ارتفع النقيضان.
قوله
«قده» : وهي على تقدير صحة صدورها ـ الخ.
وجه عدم صحة
الصدور أن الأوضاع الغير المتناهية موقوفة على العلم بأمور غير متناهية ، والموقوف
عليه الغير المتناهيين لا يصدران من الواضع المتناهي ، لاستحالة صدور غير المتناهي
عن المتناهي. ومعلوم أن القوى الجسمانية متناهية التأثير والتأثر.
قوله
«قده» : لامتناع تعقل امور ـ الخ.
هذا الامتناع
بالنسبة الى المستعمل ، كما ان الامتناع الذي ذكرنا في وجه عدم صحة الصدور بالنسبة
الى الواضع. ولكن يمكن منع هذا الامتناع لأن المستعمل إن كان واحدا اتجه ما ذكره «قده»
، ولكن المستعملين غير متناهين فيمكن صدور غير المتناهي منهم ـ كما لا يخفى.
قوله
«قده» : بالنظر الى كلياتها ـ الخ.
يعني من الأجناس
العالية والأنواع المتوسطة بل السافلة.
قوله
«قده» : إلّا أن هذا لا يصحح ظاهر كلامه.
وجهه : ان الظاهر
من كلامه كون الألفاظ مطلقا متناهية ، والتقييد بالقدر الذي ينتفع به خلاف الظاهر.
قوله
«قده» : لأن الاختلاف في صفتي الايجاب ـ الخ.
توضيحه : ان
الوجوب والامكان من المعاني الانتزاعية والمفاهيم الاعتبارية ليس لها في الخارج
شيء يحاذيها ويوازيها ، فهي موجودات لوجود منشأ انتزاعها لا لوجود ما بإزائها.
وبعبارة اخرى : هي
من المعقولات الثانوية الفلسفية التي عروضها في الذهن واتصافها في الخارج. وبتعبير
آخر : يكون الخارج ظرفا لانفسها لا لوجودها. وببيان آخر : يكون وعاء لوجودها
الرابط لا لوجودها النفسي ، والمعاني الاعتبارية الانتزاعية لا يوجب تكثرها
وتعددها تكثر منشأ انتزاعها واعتبارها وتعددها ، إذ لا يوجب تعدد المنتزع تعدد
المنتزع منه ، لجواز انتزاع معان عديدة ومفاهيم متعددة من شيء واحد. ففيما نحن فيه
نقول :
إن الوجوب
والامكان ـ وان كانا متعددين ـ إلّا أن منشأ انتزاعهما وهو الصفة التي تكون مسماة
بموجود ومعنى له واحد ، فجاء الاشتراك المعنوي
وقوله «إذ عند
التحقيق» الى آخره ، بيان لكون الوجوب والامكان اعتباريين كسائر الاعتباريات.
ومحصله : ان كون الشيء اعتباريا بكونه
متحققا بتحقق منشأ
انتزاعه لا بتحقق آخر ، وهذا حاصل في الوجوب والامكان.
وأنت خبير بما فيه
، إذ المعاني الاعتبارية إن لم تكن متقابلة لم يوجب تعددها تعدد منشأ انتزاعها ،
وأما اذا كانت متقابلة متناقضة ـ كما في الوجوب والامكان حيث أن الوجوب ضرورة
الوجود والامكان لا ضرورته ـ فبينهما تناقض فكيف يكون منشأ انتزاعهما واحدا وإلا
لزم اجتماع النقيضين واذا كان منشأ انتزاعهما متعددا فرارا عن لزوم اجتماع
النقيضين جاء الاشتراك اللفظى ، مضافا الى انه يلزم مما ذكره من كون الوجوب
اعتباريا أن يكون وجوب الواجب عزّ اسمه اعتباريا من غير أن يكون له مصداق عيني ،
وهذا مما لا يمكن أن يلتزم به ، بل هو ـ جل مجده ـ حقيقة الوجوب ومصداقه العيني ،
فاذا فرضنا تلك الصفة التي هي مسماة بالموجود عين حقيقة الوجوب ومصداقه فكيف يمكن
أن يكون عين الممكن وامكانه ، فلا يكون امرا واحدا.
فالحق في الجواب
عن الدليل هو ما اشرنا اليه آنفا ، وهو أن المسمى بالموجود هو الوجود بالحقيقة ،
وهو لما كان امرا واحدا حقيقيا حق الوحدة وكليا سعيا له مراتب مشكلة ضعيفة وشديدة
فنسلم تعدده المرتبي وتكثره الطولي ، ومع ذلك نقول : هذه الكثرة وذاك التعدد صحح
بهما اجتماع النقيضين ، اذ النقيضان لم يجتمعا في مرتبة واحدة بل اجتمعا في حقيقة
فاردة ، ولا يضر ذلك التعدد والتكثر بالاشتراك المعنوي ، اذ ما به الامتياز
والافتراق في الوجود عين ما به الامتياز والاتفاق ، ولم يتخلل ما هو من غير سنخه
في البين اصلا.
ولا يحتاج في
الجواب الى المبالغة في كون الوجوب والامكان اعتباريين
كما ارتكبه «قده»
، بل لو كانا عينيين يجاب عن الاستدلال كما ذكرنا ولكن يكون الامكان هو الامكان
الفقري الجاري في الوجود لا الامكان الذاتي ، اذ الامكان هو لا ضرورة الوجود
والعدم وتساوي النسبتين ، وليس نسبة الشيء الى نفسه كنسبة نقيضه اليه ، والوجود
كيف يتساوى نسبة العدم والوجود اليه ـ فافهم إن شاء الله تعالى.
قوله
«قده» : احتج من أحال الاشتراك ـ الخ.
لي برهان عقلي على
استحالة الاشتراك اللفظي ، وبيانه موقوف على مقدمة وهي : انه لا ريب في أن العلية
ليست بصدور مباين عن مباين ، وإلّا لكان كل شيء علة لكل شيء ، بل هي بنحو السنخية
والمناسبة ، فاذا كان الأمر كذلك فلا يجوز صدور الكثير عن الواحد وإلّا لكان الواحد
كثيرا ، هذا خلف ، اذ ما به يسانخ ذلك الواحد هذا غير ما به يسانخ ذاك ، وهذا ما
اردنا من الملازمة. وأما كيفية صدور الأشياء مع كثرتها عن الواجب تعالى فليس هنا
موضع بيانه.
اذا تحققت هذه
المقدمة فنقول : لا ريب في أن اللفظ الموضوع علة للانتقال والدلالة للعالم بالوضع
، غاية الأمر انه يكون علة جعلية وضعية وليست حقيقية ، فاذا كان اشتراك لفظي فان
كان الدال هو اللفظ فقط جاء صدور الكثير عن الواحد ، اذ الدلالة على المعنيين
مستندة اليه ولو كانت على سبيل الاقتضاء دون الفعلية ، وان كان هو اللفظ الموضوع
لهذا والموضوع لذلك فمع انه مستلزم للدور ـ لأنه لما كان دلالة هذا الدال بالوضع
فلا بد وأن يتعلق به الوضع فيصير الحاصل تعلق الوضع باللفظ الموضوع ، فالوضع موقوف
على اللفظ الموضوع توقف العارض على معروضه واللفظ الموضوع موقوف
على الوضع توقف
المقيد على قيده فجاء الدور ـ مستلزم للخلف أيضا ، ضرورة أن اللفظ الموضوع لهذا
المعنى مقيدا بالوصف العنواني مغاير له مقيدا بكونه موضوعا لذاك ، فاللفظان
متعددان ولو بلحاظ عارضيهما فالمعنى متعدد والموضوع متعدد فأين الاشتراك؟ وان كان
الموضوع لأحد المعنيين هو اللفظ المقيد ببعض وجوداته والآخر هو المقيد ببعض
وجوداته الآخر كان الموضوع ايضا متعددا.
ويمكن أن يقال
بكون هذا القياس مغالطيا وليس برهانيا يقينيا ، لأنا نختار كون الدال هو اللفظ
الموضوع ، ولا يلزم منه دور ولا خلف : أما الأول فلأن كون الدلالة وضعية لا تقتضي أن يكون بوضع
آخر غير ما اخذ في الدال وهو اللفظ الموضوع ، فاللفظ الموضوع موقوف على الوضع وليس
الوضع موقوفا على اللفظ الموضوع. وأما الثاني فلأن ما ذكرناه في وجه لزوم الخلف
مقتضاه كون الدال متعددا ولم يقتض كون ذات اللفظ متعددا والمفروض تعدده.
وببيان آخر وعبارة
اخرى : المتعدد هو اللفظ مع وصف موضوعيته لهذا المعنى وموضوعيته لذلك المعنى ،
والواحد هو اللفظ مع قطع النظر عن وصفه العنواني ـ فتبصر.
(برهان آخر)
وهو أنه لا ريب في
ان الوضع ـ كما عرّفوه ـ هو تعيين اللفظ وتخصيصه للدلالة على المعنى ، فاللفظ اذا
صار مختصا بمعنى فلا يكون لمعنى آخر ولا يمكن وجود اختصاص آخر فيه وإلّا لزم
اجتماع المثلين أو الضدين ولا ريب في أن المتقابلين وان كانا اعتباريين اذا تحقق
احدهما في موضوع يستحيل تحقق الآخر فيه ، فلا بد من ارتفاع احدهما حتى يتحقق الآخر
،
ففيما نحن فيه لا
بد من صرف النظر عن الاختصاص الأول وتجريد اللفظ عنه واخذه بشرط لا بالنسبة اليه
حتى يتصحح الوضع الثاني ، فمن اين جاء الاشتراك بعد ذهاب المعنى الاول إلّا ان
يريد احد بالاشتراك اللفظي هذا.
فان قيل : ان
الاختصاص الذي يكون للفظ في المشترك اضافي بمعنى اعتبار الاختصاص بالنسبة الى غير
معاني المشترك ، فلا ينافيه الاختصاص الملحوظ بالنسبة الى معنى آخر من معاني
المشترك لعدم التقابل.
لأنا نقول : مع ان
الواضع قد لا يكون ملتفتا الى انه سيضع هذا اللفظ بإزاء معنى آخر حتى يصير
الاختصاص اضافيا يلزم عدم حصول الاختصاص بالنسبة الى المعنى الأول وعدم دلالة
اللفظ عليه ، اذ لو حصل الاختصاص بالنسبة اليه لزم اجتماع الاختصاصين في موضوع
واحد ، وهو محال لكونه اجتماعا للمتقابلين كما هو ظاهر.
وبالجملة نحن لا
نضايق من حصول اختصاصين للفظ من واضعين وحصول اختصاص له بعد ذهاب اختصاص كان فيه
من واضع ، وأما حصولهما من واضع واحد فمستحيل. واذا تحقق ما ذكرنا ظهر ما في
النزاع المعروف بينهم من جواز استعمال اللفظ المشترك في اكثر من معنى واحد وعدم
جوازه.
وذكر بعض
المعاصرين في تشريح اصوله وجها لاستحالة الاشتراك اللفظي على القول بكون الوضع هو
جعل الملازمة الذهنية بين اللفظ والمعنى وهو لزوم تحقق الملازمتين الذهنيتين
المستقلتين ، لأن اللفظ إن لم يكن ملازما لتصور المعنيين بعد الوضعين فهو انكار
لوقوع الاشتراك ، لأن ما لم يقع كيف يجعل وكيف يتعلق به الارادة حتى يجعل ، وان
كان ملازما
لتصور المعنيين
دفعة بحيث صارت ملازمة واحدة فهي غير مقصودة للواضع ولا هو ناظر اليها ، فكيف تصير
مجعولة من طرف الواضع مع عدم تعلق نظره بها وانما كان نظره متعلقا بكل واحد من
المعنيين في حالة انفراده فلا بد من تحقق الملازمة مع كل واحد بانفراده ، فتصير
نتيجة الوضعين الملازمتين المستقلتين ـ يعنى حصول الملازمة بين اللفظ وبين احد
المعنيين بانفراده ـ وهو محال.
وفيه ما لا يخفى ،
لأن منع كون غرض الواضع ونظره ومقصوده هو كون اللفظ ملازما لتصور المعنيين دفعة
مطلقا وعلى سبيل السلب الكلي واضح المنع ، ولا ريب في أن الايجاب الجزئي يكفي
نقيضا للسلب الكلي فيتحقق الاشتراك اللفظي في موارد يكون مقصود الواضع جعل الملازمة
لتصور المعنيين دفعة ، مضافا الى انه لا يلزم أن يكون مقصوده خصوص تحقق مورد
الملازمة مع المعنيين معا او خصوص الملازمة مع كل واحد بانفراده ، بل الأعم منهما
المتحقق بتحققهما ـ فافهم وتنظر.
قوله
«قده» واحتج بأمرين ـ الخ.
لا يخفى ان هذين
الأمرين بمنزلة قياسين شرطيين يستنتج من رفع تالي كل واحد منهما رفع المقدم على
تقدير ، والمطلوب هو رفع المقدم بجميع تقاديره ، وهو لا يحصل إلّا بالأمرين معا ،
فيكون كل منهما قياسا مغالطيا من باب اخذ ما ليس بعلة مكان العلة.
وتوضيحه : ان
الأمر الأول في قوة أن يقال : لو وقع الترادف لزم العبث والترجيح بلا مرجح. والامر
الثاني بمنزلة أن يقال : لو وقع لزم تحصيل الحاصل. ولا يخفى أن الملازمة في القضية
الشرطية الأولى
لا تكون الا على
تقدير كون المرادف الآخر غير مفيد لما افاده مرادفه والشرطية الثانية لا يكون إلّا
على تقدير كونه مفيدا لما افاده ، ففى كل من القياسين الشرطيين لا يلزم من بطلان
تاليه الا رفع المقدم على بعض انحائه ، فيجوز أن يكون المقدم حقا على بعض انحائه
الآخر ، فلا ينتج رفع المقدم مطلقا ، اذ رفع الاخص لا يستلزم رفع الأعم ، فلا بد
وأن يؤخذ الأمران قياسا شرطيا واحدا يؤخذ في تاليه امران على سبيل الانفصال
الحقيقي والتعاند الواقعي يكون رفعهما لازما مساويا لرفع المقدم ، بأن يقال : لو
وقع الترادف لزم العبث او تحصيل الحاصل ان لم يفهم المرادف الآخر ما افهمه مرادفه
أو افهم ما افهمه على طريق اللف والنشر المرتبين.
وببيان آخر يقال :
لو وقع الترادف لزم ارتفاع النقيضين ، اذ بطلان العبث مستلزم لبطلان عدم الافهام ،
وبطلان تحصيل الحاصل مستلزم لبطلان الافهام ، فالافهام وعدمه باطلان مرتفعان عن
الواقع لو كان الترادف حقا ، وفساد التالي يقضي بفساد المقدم ، فثبتت النتيجة ـ فافهم
إن شاء الله تعالى.
قوله
«قده» : كما في الأسباب المتعددة ـ الخ.
غرضه «قده» تنظير
سبب العلم بسبب العين ، وحاصله ان الحاصل بكل سبب غير الحاصل بالسبب الآخر شخصا
وان اتحدا نوعا ، فلا محذور وأنا اقول : ان لزوم تحصيل الحاصل عبارة اخرى عن لزوم
توارد العلتين على معلول شخصي واحد. وحاصل ما اجاب به «قده» وان كان انكار وحدة
المعلول شخصا الا انا نقول : لنا أن نفرض وحدة المعلول شخصا ، كما اذا تكلم
انسانان معا بمرادفين وحصل الانتقال والدلالة ولا يعقل أن يقال هنا دلالتان شخصا
بل دلالة واحدة فيلزم تحصيل الحاصل وتوارد العلتين المستقلتين على معلول واحد
شخصي.
إن قلت : لا يلزم
من لزوم المحال ـ وهو التوارد في الترادف في مورد ـ إلّا بطلان الترادف في ذلك
المورد ، وأما بالنسبة الى جميع الموارد فلا ، اذ السلب الجزئي لا يستلزم السلب
الكلي بل يمكن ان يجامعه ايجاب جزئي.
قلت : اولا ـ إن
القائل بوقوع الترادف في الألفاظ المترادفة لم يقيده بحال فيها دون حال بل هو قائل
بوقوعه فيه مطلقا ، وكذلك الواضع لم يخصص العلية الجعلية التي اعطاها باللفظ
المرادف بحال دون حال بل أطلق ، ومعلوم ان استحالة توارد العلتين على معلول واحد
شخصي ليست معلومة لكل احد ، وعلى تقدير معلوميته لكل احد لا يلزم أن يكون ملتفتا
اليه حين وضع المترادفين حتى يضيق دائرة وضعه. فتبين ان المقصود هو الايجاب الكلي
بالنسبة الى الالفاظ المترادفة ، والسلب الجزئي يناقضه.
وثانيا نقول :
محذور التوارد لازم على الترادف في جميع الموارد حتى في مورد يكون شخص الانتقال
الحاصل من احد المترادفين غير الحاصل من الآخر. وبيانه يحتاج الى مقدمة ، وهي : ان
توارد العلتين على معلول واحد شخصي محال ، سواء كان على وجه الاجتماع او التعاقب
او التبادل ، والمراد بالتعاقب أن يزول احدى العلتين وتتعقبه اخرى ، وبالتبادل أن
يكون كل واحدة منهما علة على البدلية ، بمعنى انه يجوز لمعلول شخصي واحد أن تكون
هذه علة ويجوز أن تكون اخرى وان لم يقع إلّا احدهما ، والبرهان على الاستحالة في
الكل هو أن الخصوصية في هذه العلة ان كانت معتبرة مأخوذة في عليتها فلم تكن الأخرى
علة ، وان كانت الخصوصية التي في الأخرى معتبرة فلم تكن هذه علة ، وكلاهما خلف ،
فبقي أن القدر المشترك بينهما علة.
فاذا تحققت هذه
المقدمة فنقول : في مورد حصل الانتقال والدلالة من مرادف ولم يحصل من المرادف
الآخر إن لم يجز حصول
الانتقال من
المرادف الآخر ، فيكون كل من اللذين فرضناهما مترادفين وعلة لشخص على حدة ، فيكون
معنى اللفظين مختلفا متعددا ، هذا خلف ، وان جاز حصول الانتقال لزم التوارد على
سبيل التبادل وهو ايضا محال ، فلا بد وأن يكون للفظين المترادفين قدر مشترك حتى
يكون العلة للمعلول الواحد واحدا ، ولا قدر مشترك في اللفظين المترادفين أصلا وعلى
فرض تحققه يكون اللفظ واحدا والمعنى واحدا ، اذ المفروض إلقاء خصوصية اللفظين
فرارا عن لزوم توارد العلتين على معلول واحد شخصي وهذا خلف ، اذ المفروض كون اللفظ
متعددا وصار واحدا. فظهر مما حققنا كون الترادف عندنا ممتنعا وقوعيا ـ فافهم
واستقم واشكر ربك فله الحمد والمنة.
قوله
«قده» : وكان الحكم إيجابا جزئيا.
انما قيد بكون
الحكم ايجابا جزئيا لأنه لا يصح بالنسبة الى التعريف الحقيقي وجواب ما الحقيقية
كما بينه «قده» ، ولا يصح ايضا كليا بالنسبة الى التعريف اللفظي وجواب ما الشارحة
، اذ هو على اقسام : فقد يقال «سعدانة نبت» ولا شبهة في عدم الترادف للاختلاف
بالخصوص والعموم ، وقد يقال «الانسان حيوان ناطق» لأن ما يكون معرفا حقيقيا وجوابا
لما الحقيقية بعد احراز الوجود يكون هو تعريفا لفظيا وجوابا لما الشارحة قبل
احرازه ولا شبهة في اختلاف هذا الحد والمحدود بالاجمال والتفصيل فلا يكونان
مترادفين ، وقد يقال «الغضنفر الأسد» فهذا هو الترادف فتحقق الايجابي الجزئي.
قوله
«قده» : وقد يجاب بأن المنع لاختلاط ـ الخ.
المجيب قد فهم من
الصحة المأخوذة في التالي الصحة بحسب اللغة فمنع من الملازمة في صورة اختلاط
اللغتين ، لعدم ترخيص الواضع ورضاه في اختلاط لغته بلغة اخرى ، وأما في صورة لا
يلزم فيها الاختلاط فتتحقق الملازمة ، وحينئذ فلا يرد عليه ما اورده بقوله : «وهو
ضعيف» ـ الخ ، كما لا يخفى.
قوله
«قده» : وجوابه انا قد نجد ـ الخ.
يمكن أن يقال : ان
العلة على قسمين : علة العين ، وعلة العلم. ولا شبهة في ان قطع النظر عن الأول قطع
النظر عن معلوله ، اذ المعلول وجود رابط لا نفسية له اصلا ، مثلا قطع النظر عن
الشمس قطع النظر عن ضوئه ، وحرارته ، وأما الثاني فقطع النظر عنه عين النظر اليه
وتصوره والعلم به ، والمفروض أن تصوره والعلم به علة للعلم ، اذ علة العلم لا يكون
إلّا علما ، مثلا القياس علة للعلم بالنتيجة ، فقطع النظر عن القياس عين تصوره
والعلم به ، وهو مستلزم للعلم بالنتيجة فكيف ينفك عنه؟
ففيما نحن فيه
نقول : ان العلم بالشهرة موجب للتبادر والانسباق ، وهما من مقولة العلم ، وقطع
النظر عن الشهرة عين الالتفات اليها ، فيحصل منها التبادر والانسباق ولا ينفكان
منه ، وهذا معنى قول النافي «فقطع النظر عن الشهرة لا يخرجه عن تبادره» يعني لكون
قطع النظر عنها عين ملاحظتها ، فاندفع قوله قدسسره : ويمتنع مع قطع النظر عنها.
ويمكن الذب عنه :
بأن هذا القطع للنظر ـ وان كان نظرا ولحاظا بالحمل الشائع الصناعي المتعارفي ـ إلّا
انه قطع النظر وعدم النظر بالحمل
الأولي الذاتي.
وبعبارة اخرى : التخلية تخلية والتجريد تجريد بالحمل الأولي وان كان تحلية وخلطا
بالشائع الصناعي.
ولكن أنت خبير
بعدم اجداء هذا المقدار من الفرق ، اذ بعد عدم انفكاك هذا الحمل الأولي عن الشائع
المتعارفى لا ينفك الانسباق عن الشهرة وان قطع النظر عنها.
قوله
«قده» : نعم لقائل أن يقول ـ الخ.
الفرق واضح ، فان
الشهرة في المجاز المشهور واسطة في عروض الدلالة والتبادر والانسباق للمجاز بحيث
يصح سلب هذه الأمور عنه ، بخلاف المنقول فان الشهرة واسطة في الاثبات بالنسبة اليه
ولا يصح السلب بالنسبة اليه ، اذ المعنى بعد تحقق النقل صار معنى للفظ المنقول
ومختصا به واللفظ مختصا به فالتبادر من اللفظ ، بخلاف المجاز المشهور حيث لم يصر
اللفظ مختصا بالمعنى المجازي ، فالتبادر ليس من اللفظ.
وقد لاح لي شك في
اصل كون الشهرة سببا للتبادر في المجاز المشهور ، وهو انه اذا كان لفظ مشتركا بين
معنيين على مذاق القوم ثم نقل بالغلبة من احدهما الى معنى ثالث فلا ريب في ان
اللفظ يصير مشتركا بين ذلك المعنى الآخر الذي لم ينقل عنه والمعنى الثالث ، ولا
ريب في أن المعنى الثالث بعينه لا يتبادر الى الذهن ، ضرورة ان في المشترك لا
يتبادر احد المعاني بينه والحال ان الشهرة متحققة بالنسبة اليه ، فكيف يوجب الشهرة
انسباق المعنى المجازي ولا توجب هي بعينها انسباق المعنى الحقيقي مع ضعف تلك
الشهرة والمعنى المجازي وقوة هذه والمعنى الحقيقي ـ فافهم بعون الله تعالى إن كنت
من اهله.
قوله
«قده» : ويمكن دفعه ـ الخ.
فيه : انه اذا قنع
ـ قدسسره ـ في المجاز
المشهور بالملاحظة الاجمالية للشهرة فليقنع بها لها في المنقول ، ولا شبهة في أن
في ملاحظة الاختصاص ملاحظة بسببه اجمالا ، اذ في ملاحظة المعلول ملاحظة لعلته
اجمالا.
قوله
«قده» : ومما حققناه يظهر ضعف ـ الخ.
اقول : قد ظهر مما
حققناه وبيناه في وجه الفرق تمامية ما ذكره المعاصر المذكور وعدم ورود شيء عليه.
قوله
«قده» : والجواب أن ذلك تبادر ـ الخ.
فيه : ان التلفظ
عين اللفظ بمعنى الملفوظ ، لأن التأثير عين الأثر ذاتا وان كان غيره اعتبارا ،
وذلك لضرورة أن ليس من المؤثر في الخارج شيئا تأثير وأثر ، بل صدر منه شيء واحد ان
لوحظ متدليا اليه سمي تأثيرا وان لوحظ متدليا الى المتأثر يسمى اثرا ، وذلك
كالوجود والايجاد في التكوينيات والوجوب والايجاب في التشريعيات.
ثم لو سلمنا تغاير
التلفظ واللفظ فلا ريب أن اللفظ يدل على التلفظ والتلفظ يدل على اللافظ ، فاللفظ
يدل على اللافظ ، غاية الأمر انه يكون بالواسطة فالنقض باق بحاله.
قوله
«قده» : والجواب ان المتبادر ـ الخ.
فيه : ان المتبادر
اذا كان كل واحد مما صدق عليه احد المعاني لزم كون المشترك مجازا في ذوات المعاني
، لأنه بحسب التبادر يكون الموضوع
له هو المعنى
المقيد بالاستيعاب الشمولي والكل الافرادي وكونه مصداق أحد المعاني ، فيكون غيره
وهو ذات المعنى مجازا.
وان اراد ـ قدسسره ـ ذوات المعاني
فلا وجه لتقييدها بما ذكره ، اذ ذوات المعاني تكون معروضة للكل الأفرادي وللكل
المجموعي ويعرضها مفهوم احد المعاني ومفهوم جميع المعاني. فالصواب ان يقول «قده» :
ان المتبادر هناك انما هو المعاني ، ويمكن ان يكون مراده ـ قدسسره ـ ما ذكرنا.
قوله
«قده» : فلا يستقيم الجواب المذكور.
لأن التبادر ـ وهي
الدلالة المنسبقة بناء على القول المذكور ـ لا يكون مستندا الى اللفظ فقط بل الى
القرينة ايضا.
قوله
«قده» : لجواز أن يكون علامة الشيء اخص.
يعني ان العلامة
خاصة الشيء ، والخاصة قد تكون شاملة فتكون مساوية لذيها ، وقد تكون غير شاملة
فتكون اخص منه ، فينتقل منها الى ذيها في مورد تتحقق تلك الخاصة الغير الشاملة.
وفيما نحن فيه اذا تحقق التبادر تحقق الوضع ، وليس كلما يتحقق الوضع يتحقق التبادر
، فهذه مغالطة ناشئة من ايهام الانعكاس.
قوله
«قده» : على أن الأصل يجوز انخرامه ـ الخ.
لأن الأصل دليل
حيث لا دليل. وبعبارة اخرى : يعتبر في موضع الأصل الجهل والشك ، وحيث يتحقق الدليل
يرتفع موضوع الأصل ويكون الدليل واردا عليه او حاكما ، فاذا كان كذلك فلا تطرد هذه
العلامة ،
والعلامة لا بد
وأن تكون مطردة.
ولا يخفى ان كلامه
ـ قدسسره ـ هذا مناقض لما تقدم
منه آنفا من جواز كون العلامة اخص ، حيث لا معنى للاخصية الا عدم الإطراد. هذا إن
كان مراده من عدم الاطراد عدمه بالنسبة الى مطلق موارد عدم التبادر ، وان اراد
خصوص مورد يحتمل فيه الاشتراك اللفظي المحتاج نفيه الى الأصل فلا ريب في كون
العلامة مطردة بالنسبة الى جميع موارد تكون محتاجة الى الاصل وهو جار فيها ، فلا
يحتاج الى جعل الأصل طريقا لا جزء من العلامة كما صنع «قده» ، مع بداهة أن الشيء
اذا كان مبنيا على امر خلافي او غير مطرد يكون ذلك الشيء لا محالة خلافيا او غير
مطرد ، فلا يجدى جعل الأصل طريقا كما لا يخفى.
قوله
«قده» : والجواب أن ما يتوقف عليه ـ الخ.
فيه : انه اذا كان
التبادر ناشئا من العلم الاجمالي بالوضع فكيف يصير منشأ للعلم التفصيلي بالوضع
وكيف يعقل أن يصير الاجمال منشأ للتفصيل وهو واضح غير خفي.
قوله
«قده» : على ان ما يتوقف ـ الخ.
حاصله ان العلم
بالوضع موقوف على العلم بالتبادر لا على نفسه ، ضرورة أن العلم بذي الخاصة يحصل من
العلم بها ، وأما مجرد وجودها العينى فليس موجبا للعلم بذيها ، والعلم بالتبادر
ليس موقوفا على العلم بالوضع بل يحصل من الرجوع الى المحاورات والى تنصيص اللغويين
الناشئ من التبادر.
وفيه : ان التبادر
ان اخذ تبادر الجاهل المستعلم بالعلامة فلا شبهة في بقاء الدور وعدم ارتفاعه وان
اعتبر العلم به في كونه علامة ، ضرورة ان علم الجاهل بالتبادر عنده موقوف على
التبادر عنده والتبادر عنده موقوف على العلم بالوضع ، فبقى الدور بحاله. مضافا الى
ان التبادر لو حصل للمستعلم حصل العلم بالوضع له ولا يحتاج الى العلم به ، بداهة
ان التبادر من مقولة العلم والخاصة اذا كانت علما يحصل العلم بذيها من نفسها ولا
يحتاج الى علم آخر. وبعبارة اخرى : العلم البسيط يكفي ولا يحتاج الى العلم المركب
نعم اذا كانت
الخاصة من مقولة اخرى غير العلم فلا بد في العلم بذيها من العلم بها ولا يكفى
نفسها ، وهذا واضح. مع انه لو كان الموقوف عليه هو العلم بالتبادر الذي للمستعلم كان نفس
التبادر أيضا موقوفا عليه ، بداهة توقف العلم بالشيء على ذلك الشيء ، والتبادر
الذي للمستعلم يكون موقوفا على العلم بالوضع ولا مجال لانكاره.
وان اخذ تبادر
العالم الغير المستعمل فلا شبهة في ارتفاع الدور ، وان قيل بأن الموقوف عليه للعلم
بالوضع هو نفس التبادر ، لأن العلم بالوضع للجاهل موقوف على التبادر للعالم
والتبادر للعالم موقوف على علمه بالوضع دون علم الجاهل ، فطرفا الدور مختلفان شخصا
وان اتحدا نوعا ، فان شئت فقل : الدور نوعي لا شخصي.
فظهر أن الحق في
جواب الدور هو كون العلامة تبادر العالم للجاهل ولا محذور فيه اصلا لا تبادر
الجاهل للجاهل ولا تبادر العالم للعالم ولا تبادر الجاهل للعالم كما هو واضح.
قوله
«قده» : لا يقال مجرد التبادر ـ الخ.
يمكن ان يقال : ان
الامر وان كان كذلك إلّا انه بعد ما كان التبادر بقرينة خفية لازمة فهو كاف فيما
هو المهم في النظر من استنباط الأحكام اذ مناط الظهور سواء كان ذاتيا او عرضيا
مسببا عن القرينة ، والظهور العرضي حاصل في المفروض.
قوله
«قده» : ذلك ان تمسك ـ الخ.
يمكن ان يورد عليه
بأن المراد بهذا الأصل ان كان نفي الوجود النفسي للقرينة بأن يقال : ان القرينة
كانت مسبوقة بالعدم فيستصحب ذلك العدم ففيه : ان ذلك العدم ـ وان كان متيقنا ـ إلّا
انه ليس مشكوكا بقاؤه لليقين بوجود قرينة ما في العالم ، مضافا الى انه لو صح هذا
الاستصحاب من هذه الجهة لكان مثبتا ، لأنه لا بد أن يقال : فكان التبادر بلا
قرينة. وبعبارة اخرى : فيحتاج الى اثبات الوجود الرابطي لعدم القرينة ، وان كان نفي
الوجود الرابطي فهو ليس متيقنا سابقا ، لأنه لم يتيقن في السابق في التبادر كونه بلا
قرينة ، إلّا أن يقال بعد اختيار الشق الاخير : بأن الغرض استصحاب العدم الرابطي
بالنسبة الى اللفظ الموضوع قبل الاستعمال ويكون الأصل طريقا الى العلامة لانفسها
ولا جزء منها كما سيصرح به ، إلّا انه قد ظهر فساده مما بينا. او يقال بعد اختيار
الشق الأول بأن الأصل المثبت في مباحث الألفاظ حجة ، اذ ليس حجيته بالتعبد الشرعي
حتى لا يكون مثبته حجة.
قوله
«قده» : ولا يشكل بأن الأصل ـ الخ.
قد ظهر فساد
الاشكال وجوابه مما بيناه سابقا ، فلا نطيل بالاعادة
قوله
«قده» : ومنها ان اللوازم التبعية ـ الخ.
فيه : ان تبادرها
لما كان تبعا لملزوماتها امكن أن يقال : بكون اللوازم حقيقة ، أي معاني حقيقية
للفظ الموضوع للملزوم اذا كانت مرادة بالتبع غاية الامر انه يكون حقيقة بالتبع ،
كما ان تبادره بالتبع ولا يقتضى أن يكون حقيقة اذا كانت ملحوظة على الاستقلال
مستعملا فيه اللفظ كما لا يخفى.
قوله
«قده» : والتبادر المذكور ـ الخ.
فيه : ان التبادر
المذكور وان كان اولا من المعنى إلّا أنه من اللفظ ثانيا وبالتبع ، فصح ان يقال :
ان التبادر من اللفظ ، وذلك لسراية احكام المعنى الى اللفظ كتقسيمه الى الكلي
والجزئي وغيرهما باعتبار المعنى.
وان شئت فقل : ان
اللفظ باعتبار حكايته عن المعنى فان فيه ومتحد معه ، وحكم احد المتحدين يسري الى
الآخر.
وان شئت فقل : ان
المعنى واسطة في ثبوت احكامه للفظ لا واسطة في العروض ، ففيما نحن فيه يصح القول
بكون التبادر من اللفظ ولا يصح السلب كما لا يخفى.
قوله
«قده» : ولا يخفى ما فيه.
لأن المعاصر ـ قدسسره ـ كما قيد المعنى
الذي يصح سلبه أو لا يصح
بالحقيقي فلزوم
الدور عليه ظاهر ، مضافا الى ان المراد من قوله «والأصل في الاستعمال الحقيقة» على
ما فهمه المصنف على الظاهر انه في موارد لا يصح السلب فيها ويحمل المعاني أو يصح
السلب فلا يحمل اذا شك في المعنى الحقيقي ، فبأصالة الحقيقة يحرز كونه حقيقة ،
فيعلم كون المسلوب معنى حقيقيا ، فيستدل منه على كون المعنى المسلوب عنه مجازيا او
يعلم كون المحمول الذي لم يصح سلبه معنى حقيقيا ، فيستكشف منه ان المسلوب منه معنى
حقيقي ، فلا حاجة الى التقييد بقولنا «في نفس الأمر».
فيرد عليه ان
اصالة الحقيقة من الاصول المرادية لا الأصول الوضعية ، يعني ان المعاني الحقيقية
اذا تميزت عن المجازية وشك في المراد فبمقتضى اصالة الحقيقة يحمل على الحقيقة ، لا
انه اذا شك في المعاني الحقيقة والمجازية وبعبارة : اخرى شك في ان الوضع لما ذا ،
فبالأصل المذكور يحرز الوضع والحقيقة وأنا أقول : مراد المحقق المعاصر «قده» ليس
ما فهمه المصنف «قده» بل مراده ان المراد بقولنا «صحة السلب وعدمه» هو الصحة
الواقعية الحقيقية لا الصحة التنزيلية المسامحية ، اذ الاصل الحقيقية ، فاذا حمل
الصحة بمقتضى اصالة الحقيقة على معناها الحقيقي فلا حاجة الى زيادة قولنا «في نفس
الأمر» وهو واضح لا غبار عليه. ولا شبهة في أن الاصل حينئذ يعمل لتشخيص المراد من
الصحة بعد ما تميزت حقيقتها عن مجازها.
وأما ايراد الدور
فمشترك الورود ، اذ لا ريب في انه لا فرق في وروده بين تقييد المعنى بالحقيقي
وعدمه ، وليس نظر المحقق «قده» فى بيان استدراك لفظ «في نفس الأمر» الى التقييد
بالحقيقي ، بل التقييد بيان لما هو الواقع ، ومحط النظر هو كون المراد بالصحة
المعنى الحقيقي ، فاذا كان ورود الدور مشتركا فلا بد للكل من الجواب ، وسيجيء
التعرض له ولدفعه
في كلام المصنف ـ قدسسره ـ.
قوله
«قده» : وكذلك العام اذا استعمل ـ الخ.
ليس المراد بالعام
والخاص ما هو مصطلح الأصوليين ، إذ لا ريب في أن العام الأصولي ـ سواء كان افراديا
او مجموعيا ـ يصح سلبه عن الخاص فيقال في حق زيد العالم هو ليس بكل عالم ، بل
المراد بهما المنطقيان كما لا يخفى.
قوله
«قده» : والتحقيق عندي ـ الخ.
توضيحه وتبيينه
يحتاج الى بيان الحمل وأقسامه فنقول : ان مناط الحمل وملاكه هو الهوهوية واتحاد ما
فان كان الاتحاد بحسب المفهوم والمعنى والماهية مع قطع النظر عن الوجود بحيث لو لم
يكن موجودا لصح الحمل فالحمل أولي ذاتي ، وانما سمي أوليا لكونه اولى الصدق أو
الكذب وذاتيا لكونه لا يجري إلّا في الذاتيات. ومعلوم انه لا بد من ملاحظة التغاير
بوجه ما ولو على نحو الاجمال والتفصيل كما في حمل الحد على المحدود ، كما يقال «الانسان
حيوان ناطق» ، وان كان الاتحاد بحسب الوجود والمصداق كما يقال «زيد كاتب» فالحمل
شايع صناعي متعارفي ، وانما سمي شايعا لكثرة هذا النحو من الحمل وقلة ذلك الحمل
كما هو واضح ، وصناعيا لكونه متداولا في الصناعات العلمية ، ومتعارفيا لتعارفه.
اذا ظهر هذا فنقول
: مراده ـ قدسسره ـ بالحمل المتعارف
بالمعنى الأعم هو ما كان فيه الاتحاد بحسب الوجود والتغاير بحسب المفهوم ،
وبالمعنى الأعم هو ما كان فيه الاتحاد بحسب الوجود ، سواء كان تغاير مفهومى او
اتحاد مفهومي وبعبارة اخرى : ما كان مناط الحمل وملاكه مجرد
الاتحاد الوجودي
الذي يجتمع مع التغاير بحسب المفهوم والاتحاد بحسبه فيشمل المتعارفي بالمعنى الأخص
والحمل الأولى الذاتي الذي لوحظ فيه الاتحاد بحسب الوجود.
وأما شرح مرامه ـ قدسسره ـ في بيان الفرق
بين اقسام الحمل بحسب استفادة الحقيقة فنقول : اذا كان الحمل أوليا ذاتيا ـ كما
يقال للحيوان المفترس «هو أسد» ـ فبهذا الحمل الذي هو مساوق لعدم صحة السلب يستعلم
كون الأسد موضوعا لهذا المعنى ويستعلم كونه حقيقة فيه مطلقا وفي جميع الموارد اذ
ليس مورد ولا اعتبار يكون الاسد فيه وباعتباره مجازا بالنسبة الى الحيوان المفترس
، اذ بعد ما فرض الموضوع له طبيعة الحيوان المفترس لا يمكن فرض الخصوصية الفردية
للزوم الخلف حتى يكون مجازا ، واذا كان الحمل شائعا صناعيا فلا شبهة في ان الموضوع
في قولنا مثلا «زيد كاتب» هو الخصوصية الفردية ، فبهذا الحمل الذي مساوق لعدم صحة
السلب يستكشف كون الكاتب حقيقة في زيد إن اطلق عليه لا أن يستعمل فيه. وبعبارة
اخرى : تكون حقيقة باعتبار اطلاقه وانطباقه عليه دون استعماله فيه ، فظهر انه تثبت
الحقيقة في الجملة لا مطلقا.
وأما اذا كان
الحمل بالمعنى الأعم الشامل للقسمين على وجه اللابشرطية المقسمية التي تكون في قوة
المهملة فلا شبهة في انه لما كان احد قسميه ـ وهو المتعارف بالمعنى الأخص ـ مثبتا
للحقيقة في الجملة لا مطلقا وكان هذا المعنى الاعم مرادا بين المعنى الاخص والحمل
الذاتي الذي لوحظ فيه الاتحاد بحسب الخارج فلا يثبت الا الحقيقة في الجملة ، وهو
واضح.
ولكني اقول : لا
فرق بين الاقسام في كونها مثبتة للحقيقة مطلقا ، لانه في القسم الثاني الذي حمل
الكاتب على زيد الذي هو فرد يكون مع الخصوصية لا ريب في انه يكون المراد بالمحمول
هو المفهوم الكلي للكاتب
لا المفهوم الجزئي
له ، لانه اذا كان مفهوما جزئيا يكون فردا ، فان كان فردا آخر غير زيد فلا يحمل
عليه لامتناع اتحاد المتحصلين ، وحمل المتباينين وان كان هو زيدا فيكون الحمل
اوليا ذاتيا ، وقد فرضناه شايعا صناعيا ، هذا خلف.
فظهر أن المراد هو
الكلي ، واذا كان كذلك فنقول : ان مفاد هذه القضية ليس إلّا ان هذا الكلي منطبق
على زيد وصادق عليه لا انه مستعمل فيه ، ولا شبهة في تحقق الحقيقة حيثما يتحقق
الاطلاق ، ولا تخلف فيه اصلا حتى يكون هذا الحمل مثبتا للحقيقة في الجملة.
ومن هذا البيان
الواضح ظهر حال القسم الثالث.
قوله
«قده» : لان الانسان يصح ـ الخ.
فيه : انه لا ريب
في انه لا يعتبر فيما هو مورد للحمل الذاتي ان لا يتحقق الاتحاد في الوجود ، اذ
عدم الاتحاد فيه ظاهر على وجه عدم الاعتبار لا اعتبار العدم ، فحينئذ اذا تحقق
الوجود فيكون موردا للحملين ففي قولنا «الانسان حيوان ناطق» اذا تحقق الوجود
فالحمل المتعارفي ايضا منعقد ، ولا يصح سلب الحيوان الناطق عن الانسان بالنظر الى
الحمل المتعارفي ، اذ لا يعتبر فيه أن يكون الموضوع والمحمول مختلفين مفهوما حتى
لا يتحقق الحمل المتعارفى هنا لاتحادهما مفهوما ، فيصح السلب بهذا الحمل بل
المعتبر فيه أن يكونا متحدين وجودا ، سواء اختلفا مفهوما ام لا ، وهذا المناط
موجود فكيف يصح السلب ـ فافهم بعون الله وحسن تأييده
__________________
قوله
«قده» : ولا يذهب عليك ـ الخ.
وجه عدم تعلق
التعليل بالمقدمة الثانية هو أن علتها هي اذ لو لم يعلم بخروج المعنى المبحوث عن
المعاني الحقيقية لم يعلم بصحة سلب الجميع ، لاحتمال ان يكون منها ، وهو غير مسلوب
، اذ الشيء لا يسلب عن نفسه ، اذ ثبوت الشيء لنفسه ضروري وسلبه عن نفسه محال.
ولا يخفى ما فيه ،
اذ قول المعاصر المذكور «لاحتمال الاشتراك» عبارة اخرى عن قولنا «لاحتمال أن يكون
منها» الذي علل به العلة للمقدمة الثانية ، ولا ريب في ان علة العلة علة فصح
التعليل. بل يمكن أن يقال : ليس التعليل علة للعلة ، بل هو نفسه علة ، اذ ما فرض
كونه علة ـ وهو قولنا «إذ لو لم يعلم بخروج المعنى» الخ ـ عين المقدمة الثانية
المعللة ، اذ لا معنى للتوقف الا ارتباط شيء بشيء وجودا وعدما ، اذ علة الوجود
وجود وعلة العدم عدم وعلة الماهية ماهية ، فلم يبق للتعليل الا قولنا «لاحتمال
الاشتراك أو ما هو بمنزلته» ـ فافهم إن شاء الله تعالى.
قوله
«قده» : لكن لا يخفى ما فيه.
مراده ـ قدسسره ـ مما فيه ما
سيصرح به من أن العلم بخروجه عن جميع المعاني الحقيقية هو العلم بكونه معنى مجازيا
، فالدور ظاهر مصرح.
ولكن لا يخفى ما
فيه ، اذ لا شبهة في أن بين المجاز والحقيقة تقابل
__________________
التضاد ،
والمتقابلان بأي نحو يكون تقابلهما يكون بين عدم احدهما ووجود الآخر تلازما ولا
يكون بينهما العينية. مثلا : عدم البياض علما وعينا ملازم لوجود السواد مثلا اذا
لم يكن واسطة ولا يكون عينه كما هو واضح ، ففيما نحن فيه نقول : العلم بالخروج عن
المعاني الحقيقية الذي هو مساوق لارتفاع المعاني الحقيقية عن المعنى المبحوث عنه
يلزمه العلم بكونه معنى مجازيا لا انه عينه كما هو واضح ، فالدور مضمر.
لكن يمكن أن يقال
: بناء على هذا البيان البرهاني لا يرتفع الدور أصلا ، اذ العلم بالخروج يكون
ملزوما وعلة للعلم بالمجازية ، ضرورة ان العلم بارتفاع احد المتقابلين علة للعلم
بوجود الآخر ، فاذا كان علة فلا يكون موقوفا على العلم بالمجازية ، اذ لا معنى
لكونه موقوفا الا كونه معلولا وقد فرضناه علة «هف» ، فاذا لم يكن موقوفا فلا دور
اصلا.
ويمكن الذب عنه
بأن المتقابلين كل من وجود احدهما وعدم الآخر اذا علم يلزمه العلم بالآخر ، وفيما
نحن فيه نقول : لو كان العلم بالخروج حاصلا كان علة للعلم بالمجازية لا معلولا له
وموقوفا عليه ، ولكن لما لم يكن معلوما ولم يكن طريق الى العلم به إلّا العلم
بالمجازية فلا جرم لزم الدور ، وهذا واضح.
قوله
«قده» : لأن الكلام في الاستعمال ـ الخ.
مقصوده دفع توهم
حاصله : ان الخروج عن المعاني الحقيقية ليس عين كون المعنى مجازيا ، لكون الخروج
اعم منه لتحقق الخروج في الغلط ولا يكون العام مساويا للخاص وعينا له.
وحاصل الدفع : انه
لما كان الكلام في الاستعمال الصحيح فخرج
الغلط ، فيصح دعوى
العينية ، اذ في مورد الاستعمال الصحيح المنتفي فيه احتمال الغلط يكون الخروج عين
كون المعنى مجازيا ، كما هو ظاهر.
وقوله «ولقصورها
عن افادة غير ذلك» بيان آخر للدفع ، وهو معطوف على قوله «لأن الكلام» ويحتمل على
بعد أن يكون معطوفا على قوله «اذ لا نعنى» وحاصل هذا البيان : ان هذه العلامة
قاصرة عن إفادة غير المجاز ولا تفيد الأعم منه ومن الغلط ، فاذا كانت قاصرة فيكون
ما تتوقف هي عليه ـ وهو الخروج ـ خاصا ، وهو كون المعنى مجازيا ، بداهة أن الخاص
لا يتوقف الا على الخاص ، فيصح دعوى العينية.
ولكن لا يخفى ما
في الدفع الثاني ، لأنه لا ريب في أن هذه العلامة لا تعين خصوص المجاز حتى يكون
الموقوف عليه لها خاصا بل امرا مرددا بين الغلط والمجاز ، فيكون الخروج الذي يكون
موقوفا عليه ايضا مرددا ، فلا يكون عينا للمجاز ، فلا بد في الجواب والدفع من
اعتبار كون الكلام في الاستعمال الصحيح كما لا يخفى.
قوله
«قده» : اذ هو في مرتبة العلم بالمجازية.
لا يخفى ما فيه :
أما أولا ـ فلكونه مناقضا لما تقدم منه عن قريب من دعوى العينية بين الخروج
والمجازية ، إلّا أن يكون مراده هنا ـ مع قطع النظر عما ذكرناه سابقا من كون
الكلام في الاستعمال الصحيح وقصور العلامة وهناك باعتباره ولحاظه ، فلا مناقضة.
إلّا انه يرد عليه انه اذا قطع النظر عما ذكره سابقا يكون الخروج عاما والمجازية
خاصا ، ولا شيء من العام في مرتبة الخاص لا بحسب الماهية ولا بحسب الوجود : أما
الأول فلأن ذاتيات الشيء متقدمة عليه بالتجوهر وبالمعنى وبالماهية لا في مرتبته ،
وأما الثاني فلان
العام عين الخاص بحسب الوجود.
وأما ثانيا ـ فلأنه
اذا كان شيء في مرتبة شيء آخر وكان ذلك الشيء الآخر موقوفا على امر فلا يلزم أن
يكون ذلك الشيء ايضا موقوفا على ذلك ، اذ ما مع الشيء لا يلزم أن يكون موقوفا على
ما يتوقف عليه الشيء لجواز أن تكون المعية بنحو الصحابة الاتفاقية. نعم اذا كانت
المعية بنحو الاشتراك والاتفاق في علة واحدة فلا محالة اذا كان احد المعنيين
موقوفا على شيء وكان الآخر أيضا موقوفا عليه.
ويمكن أن يقال :
ان المعية فيما نحن فيه بمعنى التلازم بناء على ما قررنا من التلازم بين الخروج
والمجازية علما وعينا ، فاذا كان العلم بالخروج موقوفا على شيء كانت المجازية أيضا
موقوفة عليه. ولكن فيه أن العلم بأحد المتلازمين اذا كان حاصلا من العلم بعلته
وموقوفا عليه فلا محالة يكون العلم بالملازم الآخر أيضا حاصلا من العلم بتلك العلة
وموقوفا عليه لاشتراكهما في العلة ، وأما اذا كان العلم بأحدهما حاصلا من العلم
بخاصته ومعلوله وموقوفا عليه فلا يكون العلم بالملازم الآخر حاصلا من العلم بتلك
الخاصة وموقوفا عليه. بداهة أن خاصة شيء لا يكون خاصة لشيء آخر للزوم الخلف.
وبعبارة اخرى :
خاصة الشيء معلول له ، والاستدلال بها عليه استدلال إني ، ولا شبهة في أن المعلول
لأحد المتلازمين لا يكون معلولا للآخر وإلّا لزم الخلف او توارد العلتين على معلول
واحد شخصى ، فاذا استدل بمعلول شيء على ذلك الشيء فكيف يستدل به على شيء آخر بهذا
اللحاظ.
قوله
«قده» : إلّا انه في الاول بين الأمر المستعلم وبين العلامة.
يعني ان طرفي
الدور هو العلامة والواسطة هي المستعلم ، بخلاف الوجه الثاني حيث أن الدور حاصل في
نفس العلامة ، بمعنى أن الامر المستعلم ليس له مدخلية في الدور ، إذ بيانه يكون
على هذا النحو : ان العلم بالخروج موقوف على صحة السلب ، وهي موقوفة على العلم
بالخروج على ما فرض سابقا من أن العلم بصحة سلب جميع المعاني يتوقف على العلم
بالخروج.
وإن شئت فقرر
الدور هكذا : وهو أن صحة السلب موقوفة على العلم بالخروج حسب الفرض السابق ،
والعلم بالخروج موقوف على صحة السلب بحسب ما فرض هنا من كون العلم بالخروج في
مرتبة العلم بالمجازية ، فيتوقف على ما يتوقف عليه ، وهو العلم بصحة السلب. وهو
بهذا التقرير ـ كما ترى ـ ليس للامر المستعلم فيه عين ولا أثر.
قوله
«قده» : لا خفاء في أن الغرض ـ الخ.
محصل مرامه من هذه
المقدمة وذيها هو أن ليس المقصود من هذه العلامة استعلام حال اللفظ بالنسبة الى
معنى لا يكون اللفظ بالنسبة اليه الا حقيقة فيكون حقيقة مطلقة لا سبيل لاحتمال
المجاز اليه حتى يحتاج في هذه العلامة الى اخذ جميع المعاني ، اذ لو اخذ البعض
ففيما اذا كان اللفظ مشتركا يصح عدم صحة سلب البعض مع انه مجاز بالنسبة الى المعنى
الآخر ، وأما اذا أخذ الجميع فاذا لم يكن معنى يصح سلبه ويختص بما اذا كان اللفظ
متحد المعنى فلا مجال لتطرق احتمال المجاز ، بل المقصود من هذه العلامة
انما هو استعلام
حاله بالنظر الى معنى يكون اللفظ بالنسبة اليه حقيقة ولو كانت في الجملة.
فاذا ظهر المقصود
من المقدمة فنقول : لما كان صحة السلب سلبا للحقيقة ، ومعلوم ان انتفاء الطبيعة
وارتفاعها لا يكون إلّا بانتفاء تمام أفرادها فلا جرم لا بد وأن يؤخذ المسلوب تمام
افراد طبيعة الحقيقة ، وهذا بخلاف عدم صحة السلب حيث انه في قوة الايجاب وبمنزلته
اذ سلب السلب ايجاب ، فاذا كان ايجابا للحقيقة فلا محالة يكتفى فيه بوجود فرد من
حقيقة الحقيقة وطبيعتها ، اذ تحقق الطبيعة بتحقق فرد ما وارتفاعها بارتفاع جميع
افرادها فلا جرم يكون الموجب بعض المعاني الحقيقية ، بل لا يعقل أن يكون جميعها
لامتناع ان يكون المعنى المقصود جميع المعاني وموضوعا لها وتكون هي محمولة عليه ،
وإلّا لزم أن يكون الواحد عين الكثير وأن يكون الشيء نفسه وغيره.
وبهذا ظهر الفرق
بين العلامتين واندفع ما زعمه المعاصر المذكور ـ قدسسره ـ هذا حاصل مقصود
المصنف «قده».
وأنا أقول : يمكن
أن يقال : لا يكفي هذا الفرق في ابطال اضمار الدور ، لأنه لا شبهة في أن عدم صحة
السلب نقيض لصحته ، ولا ريب في أن نقيض كل شيء رفعه ، فاذا كان المأخوذ في العين
والأصل جميع المعاني الحقيقية ـ على ما هو المفروض من اخذها في علامة المجاز ـ فلا
بد من اخذ الجميع في نقيضها وإلّا لم يكن نقيضا لها ، هذا خلف ، لست اعني انه لا
بد من ايجاب الكلي للمعاني بالنسبة الى المعنى المقصود حتى يرد عليه أن الايجاب
الجزئي يكفي في مناقضة السلب الكلي ، مع ان الايجاب الكلي فيما نحن فيه مستحيل كما
ذكرنا ، بل اعني ان النقيض بالذات لعلامة
المجاز لما كان
المأخوذ فيها جميع المعاني وكان سلبا كليا هو سلب هذا السلب الكلي فلا بد وأن
يتصور السلب الكلى حتى يتصور سلبه. وبعبارة اخرى : لا بد من تصور جميع المعاني
وسلبها حتى يتعلق بذلك السلب السلب وأما النقيض بالعرض ـ اعنى مصداق سلب السلب
الكلي الذي هو نقيض بالذات ـ فهو الايجاب الجزئي والايجاب الكلي وان كان لا يتحقق
هنا الايجاب الكلي بل الايجاب الجزئي ، ومعلوم أن العلامة ليس إلّا النقيض بالذات.
ولا يذهب عليك أن
ما ذكرنا من ان ايجاب الكلي نقيض بالعرض للسلب الكلي ليس منافيا لقول الميزانيين
من أن النقيض للسلب الكلي الايجاب الجزئي ، اذ مقصودهم الاكتفاء بأقل ما يتحقق به
التناقض.
وان قلت : ان
المراد من عدم صحة السلب هو النقيض بالعرض لا بالذات. قلت : هو خلاف للظاهر ، مع
انه لا يجدي في دفع الاشكال بعد ما عبر بالنقيض بالذات الذي اخذ فيه جميع المعاني.
فظهر بهذا البيان أن
المأخوذ في العلامتين جميع المعاني ، بل يمكن تعكيس ما ذكره المصنف «قده» من كون
علامة المجاز كلية وعلامة الحقيقة جزئية بأن السلب في علامة المجاز مأخوذ على وجه
العدول لا على وجه البسيط التحصيلي حتى يقتضي السلب الكلي ، والمأخوذ على وجه
العدول لا يكون إلّا ايجابا غير مقتض للكلية.
وبعبارة اخرى :
صحة السلب يكون بمعنى تحقق السلب ، ولا ريب في أن تحقق طبيعة السلب بتحقق فرد ما ،
وأما علامة الحقيقة فالسلب فيها مأخوذ على وجه البسيط التحصيلي فيكون مقيدا
للعموم.
ولعله لما ذكرنا
تفطن المحقق القمي «قده» حيث عبر في علامة المجاز
بالايجاب وفي
علامة الحقيقة بالسلب في القوانين لا في العبارة المحكية عنه «قده» في الكتاب. لكن
يمكن الذب عن التعكيس بأن السلب البسيط التحصيلي لا يقتضي إلّا العموم بالنسبة الى
مدلوله ، فجاز أن يكون المسلوب في علامة الحقيقة هو خصوص سلب بعض المعاني ـ فافهم
واستقم.
قوله
«قده» : أي في المعنى الذي يطلق ـ الخ.
اي في الحيوان
الناطق الذي وقع الاطلاق على البليد باعتباره لا في خصوص البليد ، إذ لا شبهة في
ان الاستعمال فيه يكون مجازا.
قوله
«قده» : لكن القوم لما اعتبروا ـ الخ.
فيه : انه ينبغي
العكس ، اذ علامة المجاز هي الأصل والعين وعلامة الحقيقة هي النقيض ، فيقال : اذا
اعتبر صحة السلب بالنسبة الى المعنى الحقيقي الذي اطلق اللفظ باعتباره فيعتبر
علامة الحقيقة ايضا في اللفظ المأخوذ بالاعتبار المذكور ليتوافق مورد العلامتين ،
مضافا الى ان فيما ذكره «قده» وان كان توافق مورد العلامتين إلّا ان فيه تخالف نفس
العلامتين ، حيث اعتبر في احداهما جميع المعاني وفي الأخرى بعضها ، وأما فيما ذكره
المحقق «قده» توافق انفسهما وان تخالف موردهما.
قوله
«قده» : مع ان اللفظ في إطلاقه ـ الخ.
ايراد آخر على اخذ
علامة المجاز باعتبار المعنى الحقيقي الذي اطلق اللفظ باعتباره في المعنى المقصود
، بأن اللفظ ان كان مأخوذا بحسب ذلك المعنى الحقيقي واطلق باعتباره على المعنى
المقصود فيصح في الاستعارة إلّا
انه خلاف الفرض ،
حيث فرض اطلاق اللفظ عليه مجازا وكون صحة السلب علامة له فصار حقيقة ، هذا خلف.
ولو سلم كون اللفظ في الاستعارة مجازا مع كونه مطلقا ومستعملا باعتبار المعنى
الحقيقى إلّا أن هذه العلامة ليست مقصورة على الاستعارة بل جارية في المجاز المرسل
ايضا مع انه لا يصح اطلاق اللفظ باعتبار ذلك المعنى الحقيقي وبحسبه على المعنى
المقصور فيه وان كان اللفظ مأخوذا باعتبار معنى آخر ، ويكون اعتبار المعنى الحقيقي
لتصحيح التجوز وحصول العلاقة فلا ريب في أن العلم بالمجازية حاصل من اعتبار
العلاقة ، فلا يحتاج الى إعمال العلامة.
وفيه : انه لو كان
المراد بالمعنى الحقيقي المذكور المعنى الحقيقي المعلوم تم ما ذكره من التقسيم الى
القسمين وابطال كل منهما ، وأما اذا كان المراد ذات المعنى الحقيقي الواقعي الغير
المعلوم لنا فيحتاج في العلم بالمجازية الى اعمال العلامة ، وليست المجازية معلومة
حتى تكون العلامة مستغنى عنها.
ولعل وجه امره «قده»
بالتدبر هو ما ذكرناه هنا وفي الحاشية السابقة ـ فافهم.
قوله
«قده» : لظاهره مبنى ـ الخ.
وجه الاستظهار :
انه لو لم يكن مورد العلامة مختصا بمتحد المعنى بل كان اعم منه ومن متكثر المعنى
لما احتاج الى اعتبار عدم معنى آخر يصح سلبه عن المعنى المقصود ، بل يكفي عدم صحة
سلب معنى وان كانت المعاني الأخر ايضا متحققة ، بل يكون اعتبار عدم معنى آخر مع
فرض تكثر المعنى انقلابا او خلفا او تناقضا. ومعلوم انه اذا كان متحد المعنى
فلا يكون اللفظ
فيه الا حقيقة لا غير ، اذ لا معنى آخر للفظ يصح سلبه عن المعنى المقصود حتى يكون
اللفظ بالنسبة اليه مجازا.
قوله
«قده» : وهذا مع ما فيه ـ الخ.
أما قلة الجدوى
فلاختصاص العلامة بمتحد المعنى وعدم جريانها في متكثر المعنى ، وأما المخالفة
لصريح كلمات القوم فلأن كلامهم ناقص في تعميم العلامة الى متكثر المعنى.
قوله
«قده» : لأن العلم بكون الانسان حقيقة ـ الخ.
لا يخفى ما في هذا
التقرير للدور ، لأن كون الانسان حقيقة لا غير في البليد بمنزلة قضيتين : احداهما
ان الانسان حقيقة في البليد ، والأخرى ان الانسان لا يكون غير الحقيقة في البليد.
ومعلوم ان العلم بكون الانسان حقيقة في البليد موقوف على العلم بعدم صحة سلب معنى
حقيقي للانسان عنه ولا يتوقف على العلم بعدم معنى آخر للانسان يصح سلبه عنه.
نعم المتوقف عليه
هو كون الانسان لا يكون غير الحقيقة في البليد ، فالمتوقف عليه ليس ذي العلامة وذو
العلامة ليس موقوفا عليه ، فهو مغالطة ناشئة من جمع المسألتين في مسألة.
قوله
«قده» : بل هو عينه ـ الخ.
توضيح الكلام : ان
العدم في قولنا «عدم صحة سلب جميع المعاني الحقيقية» وقولنا «عدم معنى حقيقى يصح
سلبه» إما أن يتعلق في كليهما بصحة السلب أو يتعلق فيهما بالمعنى الحقيقي او الأعم
منهما.
وبعبارة
اخرى : اذا أبرزنا كلا
القولين بصورتي القضية فتكون السالبة إما بانتفاء الموضوع او بانتفاء المحمول او
بانتفائهما بحسب اختلاف الموارد اعني ترتيب قضية سلبية عامة لكلا النحوين من السلب
باعتبار أن في بعض الموارد يكون بانتفاء الموضوع وفي بعضها بانتفاء المجموع ، لا
انه في مورد واحد يتحقق السلبان فيتحقق التناقض ، حيث ان سلب المحمول يستلزم وجود
الموضوع ، لأن القضية السالبة المحمول موجبة والموجبة تستدعي تحقق الموضوع ووجوده
، فكيف كان مع ارتفاعه وانتفائه فهل هو إلّا تناقض أو تفكيك في تعلق العدم في
القولين ، ويؤخذ في احدهما سلب الموضوع وفي الآخر سلب المحمول أو يؤخذ في احدهما على
الوجه الأعم وفي الآخر على الوجه الأخص.
أما الشقوق
الثلاثة الأول فلا ريب في تساوي القولين فيها حسب الغرض ، فلا توقف ولا ترتب
بينهما كما هو واضح ، وأما الشق الأخير فالقسم الأول منه لا يعقل الترتب فيه اصلا
، اذ التقابل وعدم الاجتماع بين سلب الموضوع وسلب المحمول متحقق فكيف يتوقف احدهما
على الآخر ، وأما القسم الثاني منه فلا ريب ان المورد الذي يستعلم حاله بالعلامة
لا يمكن فيه تحقق الوجه الأعم والوجه الأخص ، للمناقضة الحاصلة بين هذا الوجه
الأخص والأخص الآخر المشتمل عليه الأعم فلا يعقل الترتب بينهما. بل اقول : هذه
التشقيقات وابطالها تطويل للمناقشة.
والوجه الآخر في
ابطال التوقف هو انه لا ريب في أن عدم صحة سلب المعاني الحقيقية وعدم معنى يصح
سلبه لا يعقل أن يؤخذ باعتبار سلب المحمول مع تحقق المعاني المتعددة ، اذ لو كانت
المعاني المتعددة لجاز سلب بعضها عن المعنى المقصود وإلّا لكان الواحد كثيرا ،
والتالي واضح البطلان
فاذا أخذ السلب في
كليهما بانتفاء الموضوع فلا ترتب ولا توقف بينهما اذ هما يصيران واحدا ، واذا كانا
واحدا فلو فرض فيه التوقف والترتب لزم أن يكون شيء واحد متقدما ومتأخرا ـ فتبصر إن
شاء الله تعالى.
قوله
«قده» : ان لم يقصد الفرق بينهما ـ الخ.
اعتبار التفصيل
بلحاظ المعاني واعتبارها بعناوينها الخاصة كالذهب والفضة والجارية والباكية وغير
ذلك ، والاجمال باعتبارها بعنوان واحد اجمالي كعنوان المعنى الحقيقى.
قوله
«قده» : وان اراد أن المعتبر ـ الخ.
عطف بحسب المعنى ،
فكأنه قال : ان اراد تخصيص مورد العلامة باللفظ الذي ينحصر معناه الحقيقي في معنى
واحد كما هو ظاهر كلامه ، وان اراد أن المعتبر ـ الخ. وتوضيحه : انه لا يلزم أن
يكون مورد العلامة متحد المعنى بل تشمل متكثر المعنى أيضا ، ويكون المراد من نفي
معنى آخر يصح سلبه نفي مورد كالكامل في الانسانية والناقص فيها يصح سلبه عن المعنى
المبحوث عنه ليكون علامة لكون اللفظ مجازا في ذلك المعنى من حيث الخصوصية ، اذ لا
شبهة في انه اذا كان مورد يصح سلبه عن المعنى المبحوث عنه فاللفظ اذا أريد منه ذلك
المعنى بقيد خصوصية ذلك المورد مجاز بلا ريب ، فيكون مجازا في الخصوصية ، بخلاف ما
اذا لم يكن خصوصية فاللفظ لا يستعمل إلّا في ذات المعنى المبحوث عنه وخصوصيته ،
فيكون حقيقة في الخصوصية ـ اى في خصوصية ذات المعنى ـ وحقيقة لا في خصوصية اخرى ،
اذ المفروض انتفائها.
قوله
«قده» : مع عدم استلزامه اضمار الدور ـ الخ.
لأن العلم بكون
الانسان حقيقة في خصوص الحيوان الناطق موقوف على العلم بعدم مورد يصح سلبه عن
الحيوان الناطق ، وهو موقوف على العلم بكون الانسان حقيقة في خصوص الحيوان الناطق
ولا يحتاج الى واسطة اخرى كما هو واضح.
بل أنا أقول :
يمكن منع تحقق الدور في هذا الفرض فضلا عن اضماره ، اذ يمتنع توقف العلم بعدم معنى
اي مورد يصح سلبه على العلم بكون الانسان حقيقة في خصوص الحيوان الناطق ، اذ يمكن
العلم العادي من الأسباب العادية بعدم تحقق ذلك المورد المفروض صحة سلبه لا من
العلم الذي فرض طرفا للدور كما هو واضح.
قوله
«قده» : ضرورة أن كل مورد من الخصوصيات ـ الخ.
توضيحه انه لا ريب
في ان اللفظ اذا كان حقيقة في ذات المعنى وخصوصية دون خصوصيات الموارد ، ولا شبهة
في انه لا يعقل ان لا يكون لمعنى كلي خصوصيات فردية ، فتلك الموارد الخاصة
والجزئيات الخارجية يصح سلبها عن المعنى المبحوث عنه بالحمل الأولي الذاتي ، فيكون
ذلك اللفظ مجازا في الخصوصية.
قوله
«قده» : ضرورة انه لا يصح سلب الانسان ـ الخ.
لا يخفى ما في
العبارة من القصور ، اذ المقصود حسب الفرض ليس إلّا عدم مورد للانسان يصح سلبه عن
المعنى المبحوث لا عدم صحة سلب الانسان كما لا يخفى ، فمراده «قده» انه لا يصح سلب
موارد الانسان
وخصوصياته بهذا
الحمل عن الكاتب والضاحك مع انه ليس حقيقة فيه بخصوصه ـ فافهم.
قوله
«قده» : منها أن المراد بصحة السلب ـ الخ.
الفرق بين هذا
الجواب والجواب الآتي أن المقصود من الجواب الآتي هو استعلام حال المستعمل فيه
والمراد به تشخيص المعنى الحقيقي والمجازي.
وبعبارة اخرى :
الغرض هو تشخيص أن المراد ما هو ، أهو المعنى الحقيقي أو المجازي؟ وفي هذا الجواب
المراد معلوم والمستعمل فيه واضح ولا يعلم كيفية الاستعمال وبالعلامة تستعلم
الكيفية.
وأما الفرق بين
هذين الجوابين وثاني الجوابين الآتيين من المحقق القمي «قده» هو أن غرضه هو
استعلام تحقق المعنى الكلي في ضمن الفرد وعدم تحققه فيه من غير نظر الى الاستعلام
وكيفيته على ما استظهره المصنف «قده» من كلامه «قده» بخلاف هذين الوجهين حيث أن
النظر في أحدهما الى تشخيص المراد وفي الآخر الى تشخيص كيفية المراد مع العلم بأصل
المراد. نعم لو أراد المحقق القمي «قده» تشخيص الكيفية على ما احتمله المصنف في
كلامه كما سيجيء رجع جوابه «قده» الى هذا الجواب كما هو واضح.
قوله
«قده» : ان العلامة حينئذ تختص ـ الخ.
توضيحه : ان ظاهر
كلام المجيب تعدد المعنى المسلوب عنه والمسلوب في علامتي الحقيقة والمجاز كما هو
واضح ، وهو في المجاز
حاصل وأما في
الحقيقة فاذا أطلق اللفظ على المعنى الذي هو غير الموضوع له ـ كما اذا أطلق
الانسان على زيد ـ ففيها أيضا حاصل اذا اعتبر فيها عدم صحة السلب باعتبار معنى وهو
الحيوان الناطق عن زيد ، وأما اذا أريد من الانسان مثلا الحيوان الناطق فليس فيه
اعتبار معنى آخر يكون عدم صحة السلب باعتباره ، وهو المعني بقوله ـ قدسسره ـ «وهو نفس المعنى
ابتداء لا باعتبار معنى آخر» ، ويكون قوله «ابتداء» قيدا لقوله «انما يطلق» يعني
اطلق ابتداء من دون وساطة معنى آخر على الحيوان الناطق ، فاذا كان الامر كذلك
فتصير العلامة مختصة بالإطلاق على الغير الموضوع له ولا يشمل الاطلاق على الموضوع
له ، وهو غير مناسب للمقام.
وأنا اقول : بل
تبطل علامة الحقيقة رأسا ، اذ في مورد فرض المصنف «قده» جريان علامتها هو مورد
اطلاق اللفظ على الخصوصية دون الاستعمال فيها ، اذ لا شبهة ان الاستعمال فيها لا
يكون إلّا مجازا ، وفي مورد الإطلاق لا شبهة في ان اللفظ لم يطلق الا على المعنى
الكلي ولم يستعمل الا فيه فيكون بلا واسطة ، غاية الأمر ان ذلك المعنى الكلي واسطة
في عروض الاطلاق والاستعمال في الخصوصية لا واسطة في الثبوت كما لا يخفى. اللهم
إلّا أن يقنع بهذه الوساطة العروضية في تصحيح علامة الحقيقة ـ فافهم إن شاء الله
تعالى.
ولا تتوهم رجوع ما
ذكرته الى الذي ذكره ـ قدسسره ـ بقوله الآتي «مع
ان هذا لا يستقيم» ـ الخ ، اذ هو ـ قدسسره ـ سلم تعدد المعنى
في الغرض وانكر تحقق عدم صحة السلب بالحمل الأولي ، بل يصح السلب بهذا الحمل. وأنا
انكرت تعدد المعنى وانكرت تحقق عدم صحة السلب
على النحو الذي
اعتبره المحيل من فرض تعدد المعنى ، ولا انكر تحققه الا على الوجه الذي اعتبره
المحيل ـ فافهم.
قوله
«قده» : ولو تعسف في التعميم اليه ـ الخ.
مقصوده ـ قدسسره ـ التعميم الى
اطلاق اللفظ على الموضوع له. وبعبارة اخرى : الى اطلاق اللفظ على المعنى ابتداء لا
باعتبار معنى آخر.
وحاصل بيان التعسف
: ان يعتبر السلب في علامة الحقيقة اعم من السلب باعتبار الموضوع والمحمول أو
يعتبر التعدد في صورة اطلاق اللفظ على المعنى ابتداء تعددا اعتباريا ، ويكون
المعنى الذي لا يصح السلب باعتباره غير المعنى الذي اعتبر عدم صحة السلب بالنسبة
اليه وعلامة له بالتغاير الاعتباري ، كما في موارد الحمل الأولي الذاتي ، حيث أن مع
أن الحمل يستدعي تغايرا ما لا تغاير ذاتا فاعتبروا التغاير الاعتباري كالتغاير
بالاجمال والتفصيل ، كما في حمل الحد على المحدود ، أو نحو آخر من التغاير كما في
قولهم «الماهية من حيث هي ليست إلّا هي» يعني أن الماهية التي يتوهم فيها كونها
غير نفسها لا تكون الا نفسها.
وأما بقاء اشكال
الدور مع هذا التعسف فبيانه : ان في صورة الاختصاص بتعدد المعنى فيكون المعنى
المقصود استعلام حاله غير المعنى المأخوذ في العلامة ، فلا يدور كما هو واضح. وأما
في صورة التعميم وفي فرضه في مورد وحدة المعنى فلا مناص من التزام الدور ، إذ المعنى
المقصود العلم به موقوف على العلم بعدم صحة المعنى الحقيقي ، ولما كان المعنى
الحقيقي عين المعنى المقصود حسب الفرض كان العلم بعدم صحة السلب موقوفا على المعنى
المقصود ، وهو واضح.
قوله
«قده» : على أن العلم بصحة السلب ـ الخ.
حاصله : انه لا
يجدي اعتبار معنى آخر واعتبار صحة السلب وعدمها في دفع الدور ، لأن العلم بالمعنى
الآخر المأخوذ في العلامة ـ وان لم يكن موقوفا على العلم بذي العلامة كما هو واضح ـ
إلّا ان العلم بالعلامة بعد موقوف على العلم بذيها. بيان ذلك : انه لا ريب في ان
العلم بالمقيد بما هو مقيد ـ اي مع الوصف العنواني ـ لا يحصل إلّا بالعلم بذات
مقيد والقيد والتقييد ولا يكفي العلم بالقيد فقط. وبعبارة اخرى : لا بد من العلم
بالوجود النفسي للمقيد والوجود النفسي للقيد والوجود الرابطي للتقييد ، بداهة انه
لا يحصل من العلم بزيد العلم بغلامه بل لا بد من العلم بذات الغلام والعلم باضافته
الى زيد أيضا.
فاذا تحقق هذا
فنقول : فيما نحن فيه العلم بالمعنى الآخر ـ وان كان حاصلا ـ الا انا لا نعلم بصحة
سلبه وعدمها إلّا بالعلم بخروج المعنى المقصود عنه وعدم خروجه ، حيث لا طريق آخر
لهذا العلم ، فاذا كان العلم بالخروج ـ وهو عبارة اخرى عن المجازية ـ حاصلا فأي
حاجة الى العلامة؟ فاذا لم يكن حاصلا وتوقف على صحة السلب على ما هو المفروض
بقي الدور بحاله.
قوله
«قده» : المراد بقوله باعتبار معنى ـ الخ.
لا يخفى ما في هذه
العبارة من الإغلاق ، فيمكن أن يكون المراد أن المقصود من قول المجيب باعتبار معنى
هو مجرد ملاحظة ذلك المعنى لا ملاحظة صحة السلب بالنسبة اليه ، ففي المثال المذكور
لا يلاحظ معنى الانسان في صحة السلب بل السلب يلحظ بالنسبة الى مفهوم الكاتب
بالنظر الى
زيد ، فصحة السلب
متحققة ولا انتقاض.
وهذا المعنى وان
كان ظاهرا بملاحظة قوله «مجرد ملاحظته كما لا يخفى» إلّا انه مع ما فيه من لغوية
اعتبار معنى آخر في العلامة كما هو واضح ، ومن التعسف الشديد حيث انه لا بد من
ارجاع الضمير في سلبه في قوله «باعتبار معنى يصح سلبه عنه» الى غير المعنى المعتبر
، وهو مفهوم الانسان فيما نحن فيه ، بل المعنى الحقيقي للكاتب لا يلائمه.
قوله
: ولا ريب في ان استعمال اللفظ في معناه المجازي ـ الخ.
حيث أن المعنى
الآخر المعتبر الملحوظ فيما نحن فيه ـ وهو الانسان ـ ليس معنى حقيقيا للكاتب كما
هو واضح. والأظهر أن يكون مراده أن المقصود بقوله «باعتبار معنى مجرد ملاحظته» أي
مجرد ملاحظة ذلك المعنى الحقيقي لا ملاحظة معنى آخر ، وحينئذ فلا يلاحظ في المثال
المذكور في صحة السلب الا مفهوم الكاتب دون مفهوم الانسان ، فحينئذ تلتئم اجزاء
الكلام إلّا انه لا حاجة الى قوله «ولا ريب في أن استعمال اللفظ» الى آخره ، بداهة
انه يكفي أن يقال : المعنى الذي اعتبر في صحة السلب هو المعنى الحقيقي ، ولا حاجة
في العلامة الى أن يقال : لا بد في المجاز من ملاحظة المعنى الحقيقي والعلاقة ، بل
يمكن أن يقال في مورد الاستعلام بالعلامة المجازية غير متحققة ، فكيف يقال لا بد
من كذا وكذا؟.
قوله
«قده» : اذ يصدق في المثال المذكور ـ الخ.
فيه ما لا يخفى ،
اذ بعد ما اخذ السلب بالمعنى الأعم ـ على ما هو المفروض ـ كيف يصح أن يقال : يصح
أن يسلب مفهوم الكاتب عن
زيد ، وما ادعاه
من الضرورة لا يجدى ، بداهة ان تغاير مفهومي الكاتب والانسان الذي يكون مرادا من
زيد لا يقتضى إلّا عدم انعقاد الحمل الأولي الذاتي بينهما لا الحمل بالمعنى الأعم
كما هو واضح.
قوله
«قده» : غاية الأمر أن يصدق ـ الخ.
فيه نظر ، اذ على
المعنيين اللذين احتملناهما في كلام القائل يكون المعنى الذي يلحظ السلب بالنسبة
اليه هو المعنى الحقيقي دون المعنى الآخر ونقض المصنف «قده» انما يصح بالنسبة الى
المعنى المجازي ، اذ لا شبهة في ان الانسان الذي لا يصح سلبه عن زيد في صورة
الاطلاق انما يكون معنى مجازيا للفظ الكاتب ، ولا ريب في أن المعنى المعتبر في
العلامة هو المعنى الغير التأويلي كما اذعن به «قده» ، وحينئذ فلا مجال للنقض ولا
لقوله «وليس هناك ما يعين» ـ الخ ، اذ المعين موجود ومحذور الفساد ـ وهو الانتقاض ـ
مرتفع كما لا يخفى.
قوله
«قده» : ان الاشكال المذكور انما يتمشى ـ الخ.
محصل هذا الجواب
هو انه ليس المراد من العلامة استعلام الحقائق والمجازات حتى يلزم الدور ، بل
المقصود استعلام المراد من اللفظ والمستعمل فيه له بعد تميز الحقائق والمجازات
ومعلوميتهما ، وحينئذ فلا دور ، اذ العلم بكون المراد من البدر مثلا في قول القائل
«طلع البدر علينا» هو حسن الوجه دون المعنى الحقيقي موقوف على العلم بصحة سلب
المعنى الحقيقي للبدر عن المورد ، أي مقام الخطاب ومحل الاستعمال دون المستعمل
فيه.
وبعبارة اخرى :
المكان الذي وقع هذا الاخبار بالنسبة اليه ـ وهو
الدار مثلا ـ دون
المراد من اللفظ ، اذ لو كان المراد السلب عن المستعمل فيه والمراد بقي الدور
بحاله ، اذ العلم بالمعنى الحقيقي وهو القيد للعلامة وان كان حاصلا بحسب الفرض
إلّا ان العلم بالعلامة وهي صحة السلب ـ وبعبارة أخرى هي المقيد ـ غير حاصل ، ولا
طريق للعلم بصحة سلب المعنى الحقيقي عن المستعمل فيه إلّا بالعلم به ، اذ لو لم
يعلم به لجاز أن أن يراد باللفظ المعنى الحقيقي فلا يصح سلبه عنه ، اذ سلب الشيء
عن نفسه محال كما ان ثبوت الشيء لنفسه ضروري ، فبقى الدور بحاله.
وأما لو كان
المراد السلب عن مورد الخطاب فالعلامة وقيدها معلومتان من غير توقف على العلم
بالمستعمل فيه ، أما القيد فهو حسب الفرض معلوم ، وأما العلامة فلأن المفروض السلب
عن المورد وهو حاصل بالعيان أو الوجدان. مثلا : فيما نحن فيه يشاهد الأفق ويرى عدم
طلوع البدر فلا يتوقف العلامة على ذيها حتى يدور كما هو واضح.
هذا غاية تقريب
مرام المجيب ، ولكن فيه ـ مضافا الى ما ذكره المصنف «قده» من الخروج عن محل البحث
اذ كلامنا في تشخيص الأوضاع والحقائق والمجازات دون تميز المرادات بعد تشخيص
الأوضاع ـ فالأصول الجارية في محل البحث أوضاعية لا مرادية ، وأما الأصول المرادية
فهي اصالة الحقيقة وما يجري مجراها ان العلم بصحة السلب عن المورد لا يشخص المراد
ولا يقتضى العلم به ، ضرورة انه يجوز أن يكون المتكلم اراد المعنى الحقيقي كذبا او
جهلا مركبا كما هو واضح.
قوله
«قده» : معللا بأن اللفظ الموضوع للعام ـ الخ.
مراده من العام
والخاص ليس ما هو المصطلح للأصولي كما قد توهم
ضرورة انه اذا
تحقق في مورد الخطاب عالم فيصح سلب كل عالم والعلماء عن المورد ، اذ كل عالم او العلماء
ليس بمتحقق ، فكيف يصح قول المحقق الشريف مع امتناع سلب المعنى الحقيقي عن المورد
، بل مراده العام والخاص الميزانيان ، ومعلوم انه اذا تحقق الخاص الميزاني تحقق
العام الميزاني ، لأن الكلي موجود بوجود الجزئي ، فيمتنع سلب العام عن المورد وهو
واضح.
قوله
«قده» : واعترض عليه المدقق الشيرازي ـ الخ.
يمكن ان يكون مراد
المحقق الشريف انه اذا تحقق عدم صحة السلب في مورد ولم تتحقق الحقيقة فيه كما في
العالم المستعمل في الخاص ، فلا يكون عدم صحة السلب خاصة للحقيقة بل عرضا عاما
لها. وبعبارة اخرى : لا يكون لازما مساويا لها بل اعم ، فلا يكون علامة ، وكيف
يستعلم بالعرض العام واللازم الأعم حال بعض معروضاته وملزوماته ، وهل يمكن ان
يستدل بالشيء على وجود خصوص الانسان وبالحرارة على وجود خصوص النار ، فلا يجوز أن
يتمسك بعدم صحة السلب في مورد الشك اصلا ، ولا حاجة الى تكثير مورد النقض كما صنعه
المصنف «قده» بل يكفى مورد واحد في بطلان العلامة وكونها عرضا عاما ولازما غير
مساو كما لا يخفى.
وحينئذ فيلزم أن
نقول ـ فرارا من بطلان العلامة رأسا ـ : بأن عدم صحة السلب علامة لتشخيص الوضع
والحقيقة دون تشخيص المراد والمستعمل فيه ، فيبقى الدور فيه بحاله وهو واضح ،
وحينئذ فلا مساس لما أورده المحقق الشيرازي عليه. نعم يرد على المحقق الشريف انه
كان ينبغي ان يرد
وفي التالي الفاسد
واللازم الباطل بين بطلان العلامة رأسا وبين بقاء الدور بحاله كما لا يخفى. إلّا
ان يقال : لما كان المفروض كونها علامة تكلم على تقديره لئلا يكون خروجا عن الفرض.
قوله
«قده» : وهو ان المهيات والحقائق المجازية ـ الخ.
عبارة القوانين في
هذا المقام هكذا : «لا يقال : ان المجازات قد تتعدد ، فنفي الحقيقة لا يوجب تعيين
بعضها» ـ انتهت العبارة. ولما كانت لعكس المقصود موهمة لأن المقصود هو انه اذا
كانت المجازات متعددة فنفى بعضها لا يوجب تعيين الحقيقة ، لجواز ارادة البعض الآخر
من المجازات ، تعسف المصنف «قده» في توجيهه وتأويله فحمل الحقيقة على الماهية
والذات كما هو مصطلح المعقول لا على الحقيقة المقابلة للمجاز كما هو مصطلح
الأصوليين ، وجعل المراد من الحقيقة بعض الحقائق المجازية ، وارجع الضمير في قول
المحقق القمي ـ قدسسره ـ «بعضها» الى
مطلق المعاني سواء كانت حقيقية او مجازية ، وجعل المراد من البعض خصوص الحقيقة.
ولا يخفى ما في
هذا التوجيه من التعسف الشديد والتكلف الأكيد ، حيث حمل اللفظ على غير عرف المتكلم
وارجع الضمير الى شيء غير مذكور في الكلام ولا مفهوم منه ، وعين البعض في الحقيقة
ولا معين.
والأوجه ان يقال :
ان في كلام المحقق «قده» مقدمة مطوية تركها اتكالا على ظهورها واعتمادا على وضوحها
، وهي هذه ، فنفى بعض المجازات لا يوجب تعيين الحقيقة لجواز ارادة البعض الآخر من
المجازات ، لتعددها ، ويكون حاصل مرامه هو انه في صورة تعدد المجازات كما أن نفي
الحقيقة
لا يوجب تعيين
بعضها كذلك نفي بعضها لا يوجب تعيين الحقيقة ، وهذا واضح لا سترة عليه.
قوله
«قده» : نعم غاية ما يمكن أن يقال ـ الخ.
لا يخفى ان هذا
الاشكال لو تم كان مشترك الورود بين هذا المجيب الذي اعتبر العلامة لتشخيص المراد
وبين غيره الذي اعتبرها لتشخيص الحقائق والمجازات ، اذ يمكن أن يقال : لو اعتبروا
صحة سلب المعنى الحقيقي أو الغير التأويلي علامة للمجاز وتشخيصه ناسب أن يعتبروا
صحة سلب المعنى الغير الحقيقي او التأويلي علامة للحقيقة وتشخيصها ، وهذا واضح ـ فتبصر.
قوله
«قده» : ولو أراد صحة سلب كونه معنى حقيقيا للفظ.
عطف بحسب المعنى ،
فكأنه قال : اذا كان المراد السلب بالحمل المتعارف فان أراد بالمعنى في صحة سلب
المعنى الحقيقي هو ذات المعنى ففيه كذا وان اراد به المعنى الذي هو مراد باللفظ
وهو المقصود بقوله كونه معنى حقيقيا ففيه انه يبقى اشكال الدور ، اذ لا ريب في
توقف العلم بصحة سلب المعنى الحقيقي المراد من اللفظ على العلم بعدم كونه مرادا من
اللفظ.
قوله
«قده» : فمع منافاته لجوابه الآتي.
مراده بالجواب
الآتي هو الجواب الثاني من الجوابين اللذين للمحقق القمى «قده» ، ومعلوم انه اذا
كان الشك في الاندراج وتحقق الطبيعة
فلا شبهة في أن
الحمل حمل متعارفي.
قوله
«قده» : لأن المجيب اعتبر السلب ـ الخ.
توضيحه : انه في
مورد الخطاب لا شبهة في أن العام متحقق بتحقق الخاص ، لانه اذا وجد الفرد الجزئي
فالكلي لا محالة موجود. ولا ريب في انه لا يصح سلب العام عن المورد وإلّا لزم جواز
سلب الشيء عن نفسه. ويمكن ان يقال : انه لا ريب في ان في المورد كما تحقق
العالم تحقق الخاص ولا ريب في صحة سلب العام عن المورد باعتبار تحقق الخاص ، فصح
ما قاله المحقق القمي «ره».
ولكن فيه : ان هذا
لا يصحح العلامة وهي عدم صحة السلب ، اذ لا ريب في انه في الفرض المذكور تحققت تلك
العلامة ايضا والحال انه مجاز فتبطل العلامة رأسا كما حققناه سابقا ، بل يمكن ان
يقال : تبطل علامة المجاز أيضا ، بداهة انه اذا أطلق العام على الخاص لا من باب
الاستعمال بل من باب الاطلاق والانطباق فيكون حقيقة بلا ريب ، مع انه يصح سلب
العام عن المورد بالحمل الأولى الذاتي وان لم يصح السلب عن المستعمل فيه ، فتحققت
صحة السلب ولم يتحقق المجاز.
فظهر أن صحة السلب
ليست خاصة للمجاز ولا لازما مساويا له ، بل يكون عرضا عاما ولازما غير مساو فلا
يكون علامة ، فظهر انه بناء على اعتبار السلب وعدمه بالنسبة الى المورد تبطل
العلامتان رأسا ـ فافهم إن شاء الله تعالى.
قوله
«قده» : ويمكن تقرير الجواب المذكور ـ الخ.
لما فهم ـ قدسسره ـ من قول المجيب ما
يفهم من اللفظ المجرد عن القرينة المعنى المتبادر المنسبق الى الذهن بجعل
المفهومية من اللفظ والتبادر منه قيدا للمعنى فأورد عليه : أولا بأنه بعد تحقق
التبادر فأي حاجة الى هذه العلامة ، وثانيا بلزوم الدور كما لزم في التبادر لأخذ
التبادر في هذه العلامة وهو موقوف على العلم بالوضع كما ظهر سابقا في بيان الدور
في التبادر ، فأراد «قده» هنا ارجاع الجواب الى ما سيذكره في دفع الدور من اختلاف
طرفي الدور بالاجمال والتفصيل حتى لا يرد عليه شيء. وحاصل الارجاع ان مراد المجيب
هو المعنى المنسبق الى الذهن اجمالا ، والعلم بالوضع الذي هو الموقوف وذو العلامة
هو العلم التفصيلي.
ولا يخفى ما فيه ،
اذ ليس في كلام المجيب ما يدل أو يشعر باعتبار الاجمال ، فالدور باق بحاله ، ومع
قطع النظر عن هذا فالايراد الأول الذي أورده «قده» على المجيب من انه بعد ما تحقق
التبادر فأي حاجة الى هذه العلامة باق لم يرتفع ، اذ معلوم ان التبادر ـ وهو العلم
الاجمالي على مذهبه «قده» ومذاقه ـ علامة للحقيقة وعلة للعلم تفصيلا ، فالحق أن
هذا الجواب باطل مطلقا ، سواء أراد المجيب بقوله «ما يفهم» الخ ، تقييد المعنى
بالمفهومية والانسباق والتبادر كما ظهر بطلانه ، أو اراد الكشف والتوضيح عن ذات
المعنى الحقيقي ، لأنه على هذا يصير الكلام في قوة صحة سلب المعنى الحقيقي وعدمها
، ولا خفاء في ورود الدور كما هو واضح ـ فافهم واستقم.
قوله
«قده» : وفيه أولا ان العلامة يكون ـ الخ.
فيه : انه ليس غرض
المجيب تصحيح العلامة على مذاق جميع القوم بل على مذاقه ، والشاهد على انه ليس
غرضه تصحيح ما قالوا انه ما صحح علامة الحقيقة والقوم اعترفوا بها. والحاصل : ان
مقصود المجيب تصحيح علامة المجاز بناء على مذهبه من خيرية المجاز من الاشتراك
وأصالة عدم تعدد الوضع.
قوله
«قده» : وثانيا ان الاصل المذكور ـ الخ.
توضيحه : انه اذا
لم يكن بين المعنى المستعمل فيه والمعنى الحقيقي المفروض علاقة فلا يكون المعنى
المستعمل فيه معنى مجازيا لهذا المعنى الحقيقي لعدم العلاقة والمناسبة ، فلا بد من
ارتكاب وضع آخر إما لمعنى آخر تتحقق العلاقة بينه وبين المستعمل فيه ليكون مجازا
بالنسبة اليه وإما للمستعمل فيه ، فلا مجرى لأصالة عدم تعدد الوضع وخيرية المجاز
من الاشتراك ، ولا يمكن اجراء الأصل بالنسبة الى المستعمل فيه لمعارضته بالأصل في
المعنى الحقيقي الآخر.
فظهر أن الأصل
المذكور لا يجري إلّا في مورد يكون بين المعنيين علاقة معتبرة ، فتكون العلامة
المأخوذ فيها الاصل مختصة بهذا المورد ، مع ان العلامة المذكورة لا تختص به لأن
القوم يجرونه في غيره.
وفيه : أولا ما مر
من أن غرض المجيب تصحيح العلامة في الجملة وعلى مذاقه فلا يبالي بالاختصاص ، وأي
محذور يلزم عليه. وثانيا ان مقصودنا معاشر الأصوليين من هذه العلائم بأسرها
وشراشرها وحذافيرها ليس إلّا العلم بالوضع وعدمه دون الحقائق والمجازات ، وتعبيرنا
في العنوان
بالحقائق
والمجازات مبني على الغالب. ومعلوم أن ليس الغرض الا تشخيص الأوضاع عن غيرها حتى
يحمل اللفظ المستعمل المجرد عن القرينة على المعنى الموضوع له وان لم يسبق هذا
الاستعمال استعمال آخر.
ومن المعلوم أن
التبادر ـ وهو من جملة العلائم بل اعظمها واتمها ـ ليس إلّا خاصة وعلامة للوضع ،
فاذا وضع الواضع لفظا فبأول استعماله يحصل التبادر للجاهل المستعلم ويعلم بالوضع
وليس حقيقة سابقة على هذا الاستعمال اصلا حسب الفرض.
إن قلت : تكفي
الحقيقة الحاصلة بهذا الاستعمال ، ولا يحتاج الى حقيقة سابقة عليه. قلت : لا شبهة
في أن الحقيقة هي الكلمة المستعملة فيما وضعت له ، وجميع قيود الحد معلوم وجودها
وجدانا ولا يحتاج الى العلامة الا الوضع في الفرض المذكور ، بل نقول في سائر
الموارد الأمر كذلك ـ فافهم بعون الله ملهم الصواب.
قوله
«قده» : فلان مجرد صحة سلب بعض المعاني ـ الخ.
يمكن أن يقال في
دفع هذا الاشكال ما اشرنا اليه آنفا من أن المقصود من العلامات كلها ليس إلّا
العلم بالوضع وعدمه ، ولا ريب في أنه اذا صح سلب بعض المعاني الحقيقية عن شيء يعلم
بكون ذلك الشيء غير ما وضع له وان تكن علاقة اصلا ، اذ لا يعتبر في الخروج عن
المعنى الموضوع له علاقة. نعم يعتبر في المجاز.
ويمكن أن يكون هذا
مراد المحقق القمي «قده» مما اجاب به عن هذا الاشكال بأنه انما يرد لو أردنا كونه
مجازا بالفعل ـ الخ. يعني انا نريد اثبات عدم الوضع والخروج عن المعنى الموضوع له
الذي يصلح للمجازية
عند تحقق العلاقة
والغلطية عند عدمه ، وهذا كاف فيما اردنا ولا نريد اثبات المجاز حتى يحتاج الى
العلاقة. وبهذا اندفع ما سيورده «قده» على هذا المحقق «قده».
قوله
«قده» : لان العلامة حينئذ انما تفيد ـ الخ.
مقصوده «قده» هو
انه اذا كانت المجازية الشأنية المدلول عليها بالعلامة معلقة على وجود العلاقة
وتحقق المناسبة ، ولا ريب في أن وجودها مجهول ولم يعتبر العلم بها في العلامة
فتكون المجازية مجهولة ، اذ المعلق على المجهول مجهول ، والحال ان الغرض من
العلامة هو الاستعلام.
وفيه مع قطع النظر
عما ذكرنا آنفا في توجيه كلام المحقق القمي «قده» انه ان اراد من كون المعلق عليه
مجهولا كونه مجهولا بحسب المفهوم فلا ريب في وضوح بطلانه ، ضرورة معلومية مفهوم
وجود العلاقة ، وان اراد كونه مجهولا بحسب المصداق فلا ريب أيضا في بطلانه ، اذ لا
ريب فى انه اذا سلب معنى حقيقى للفظ عن شىء يلزمه العلم بوجود المناسبة والعلاقة
أو العلم باللزوم البين بالمعنى الأعم ان لم نقل بكونه بالمعنى الأخص ، فالمستعلم
يعلمهما من عند نفسه لا من الخارج ولا يحتاج الى اخذ العلم بالعلاقة فى العلامة.
نعم يرد على
المحقق القمي «قده» مع قطع النظر عما وجهنا به كلامه أن ظاهر كلامه ـ كما لا يخفى
على من راجع عبارة القوانين ـ هو ارادة تصحيح المجازية للفظ العين الموضوع للذهب
بالنسبة الى الميزان ، ولا ريب في أن تحقق العلاقة بينهما ممتنع ، والممتنع
والمعلق على الممتنع ممتنع فتكون تلك المجازية ممتنعة. نعم لو كان اراد المحقق
القمي «قده» اثبات المجاز
في الجملة ـ أعني
فى مورد تحقق العلاقة ـ بأن القول بأن العلامة خاصة وخاصة الشيء لا يلزم أن تكون
شاملة بل يجوز أن تكون غير شاملة.
وبعبارة اخرى :
اللازم كما قد يكون لازما مساويا للشيء قد يكون لازما أخص ، فيستدل بتلك الخاصة
الغير الشاملة على ذيها وبذلك اللازم الأخص على ملزومه ، ولا يلزم في العلامة أن
تكون مطردة مستوعبة ما لم يتوجه عليه شيء ، ولكن لا يلائمه عبارة القوانين ـ فافهم
إن شاء الله تعالى.
قوله
«قده» : لأنا نقول مثل ذلك ـ الخ.
يعني لا يتعلق غرض
العقلاء باستعلام المجاز الشأني او باستعلام مجازية المشترك ان اول بالمسمى بعلاقة
مستقلة ، خصوصا مع امكان الذب عن الدور المورد عليها بوجوه أخر ، فتعم العلامة
سائر أقسام المجاز ، وهو المجاز الذي لا يحتاج فيه الى التأويل بالمسمى.
قوله
«قده» : ولئن ينزل كلامه ـ الخ.
اختيار لشق آخر لا
يكون المعنى الذي اخذ في العلامة غير الذي يكون مستعلما ولا عينه ، بل يكون كليا
له وذلك المستعلم فردا له.
قوله
«قده» : إلّا أن يقال ان المقصود ـ الخ.
فيرجع الى الجواب
الأول عن الدور الذي ذكر في هذا الكتاب.
قوله
«قده» : مع عدم ملائمته ـ الخ.
يعني ان كان غرض
المجيب قصر العلامة على استعلام حال الاستعمال
في الفرد فهو غير
ملائم لظاهر المقام ، حيث أن الظاهر تعميم العلامة ، وان كان غرضه التعميم الى
مورد استعمال اللفظ وارادة نفس معناه أو غيره لا فردا منه فلا ينهض بدفع تمام
الاشكال لبقاء الاشكال لعدم ارتفاع الدور في غير صورة الاستعمال في الفرد.
قوله
«قده» : فتدبر.
وجه التدبر أن
العلم بالخروج وعدمه ليس بحاصل حسب الفرض ، حيث ان المفروض كونهما محتاجين الى
العلامة ، ففرض العلم خلف للفرض فكيف يقال : فلا يحتاج الى اعتبار صحة السلب
وعدمها؟
قوله
«قده» : فالعلم التفصيلي يتوقف ـ الخ.
حاصله : ان
الموقوف هو العلم التفصيلي والموقوف عليه هو العلم الاجمالي ، فاختلف طرفا الدور
فلا دور. وفيه ما اشرنا اليه سابقا في التبادر من أن الاجمال ابدا لا يكون منشأ
للتفصيل والعلم الاجمالي لا يكون إلّا العلم ببعض جهات الشيء مع مجهولية بعض
جهاتها الأخر ، والعلم التفصيلي هو العلم بجميع جهاته ، وكيف يكون الجهل علة
للعلم.
والحق في الجواب
عن الدور هو ان العلم الذي هو موقوف هو علم الجاهل بالوضع ، والذي هو موقوف عليه
هو علم العالم بالوضع. وبعبارة اخرى : صحة السلب وعدمها عند العالم علامة للجاهل ،
فلا دور كما لا يخفى ، وقد مر نظيره في التبادر.
قوله
«قده» : ولا بينه وبين مفهوم المعنى.
مراده من مفهوم
المعنى كون المعنى مقصودا من اللفظ معنيا به ، ولا شبهة أن هذا المفهوم ليس عين
ذات المعنى مفهوما وبالحمل الأولي الذاتي.
قوله
«قده» : على ما سنشير اليه.
من أن الحق أن
المجاز أيضا يطرد حيثما توجد علاقة معتبرة.
قوله
«قده» : على ما مر تحقيق القول فيه.
من انه مطرد ولا
حقيقة ولا مجاز.
قوله
«قده» : قلنا فاذا علمنا ـ الخ.
فيه : أولا النقض
بالتبادر وعدم صحة السلب ، حيث انه «قده» سلم فيهما ان المعنى الحقيقي والغير
التأويلي معلوم بالوجدان وبمراجعة المحاورات فيقال : اذا علم المعنى الحقيقي
والغير التأويلى فأي حاجة الى العلامتين. وثانيا الحل على مذاقه بأن المعنى الغير التأويلى والحقيقي
معلوم اجمالا والحاجة الى العلامة للعلم التفصيلي.
قوله
«قده» : وكأن هذا هو السر ـ الخ.
إن كان السر ما
ذكره «قده» كان اللازم أن يتركوا التبادر وعدم صحة السلب وان لا يعتبروهما علامة
للحقيقة ، كما ظهر مما ذكرنا آنفا.
قوله
«قده» : والاظهر عندي ـ الخ.
وجه فرق تفسيره «قده»
وتفسير القوم هو انه بناء على تفسيرهم يكون المعنى الحقيقي المستعلم والمعنى
الحقيقي المأخوذ في العلامة واحدا فيلزم الدور كما صرح به «قده» ، وأما على تفسيره
فالأمر المستعلم وذو العلامة هو القدر المشترك والمأخوذ ليس إلّا صحة اطلاق اللفظ
في الموارد المشكوكة ، وهو اخص من القدر المشترك لتحقق القدر المشترك في الموارد
المعلومة أيضا ، فاختلف طرفا الدور ، حيث أن احد الطرفين هو العام والآخر هو الخاص
، ولما كان معرفة الخاص موقوفة على العام اورد على تفسيره ـ قدسسره ـ ايضا الدور
بقوله : فان قيل فالعلامة حينئذ دورية. وأجاب بالاختلاف بالاجمال والتفصيل.
وأنت خبير بأنه لو
صح هذا الجواب لصح على تفسير القوم ايضا واندفع به الدور ، ولا يحتاج الى تغيير
التفسير ـ فافهم بعون الله تعالى.
قوله
«قده» : واعترض على طرده بلفظ الرحمن ـ الخ.
الظاهر أن مقصود
المعترض أن الرحمن موضوع لمطلق ذي الرحمة ولا يطلق إلّا على الله تعالى فلا يكون
مطردا. ويحتمل ان يكون مراده ان الرحمن موضوع لذي الرقة القلبية ، ولا يطلق على
هذا المعنى بل اطلق على الله تعالى مجازا ، فلا يكون مطردا ، لأنه لا يستعمل في
معناه الحقيقي اصلا. ولكن هذا بعيد من لفظ الاطراد كما لا يخفى.
قوله
«قده» : ان عدم الاطراد انما يعتبر ـ الخ.
مقصوده : ان
العلامة عدم الاطراد الذي يكون لعدم المقتضي وقصوره لا لوجود المانع ، وفي المورد
المذكور عدم الاطراد لوجود المانع.
قوله
«قده» : باستلزامه الدور حينئذ.
أي حين اذ كان عدم
الاطراد من غير مانع لغوي او شرعي. ووجه التقييد انه اذا كان عدم الاطراد لوجود
المانع من الاطراد فلا يتوقف العلم بعدم الاطراد على العلم بالمجازية بل يحصل من
العلم بوجود المانع كما هو واضح ، بخلاف ما اذا كان لقصور المقتضي وعدمه ، فانه
يتوقف على العلم بعدم الوضع الذي هو المقتضي للاطراد ، والعلم بعدم الوضع هو
المقصود استعلامه بالعلامة كما هو واضح ـ فيدور.
قوله
«قده» : ولمانع أن يمنع بعض مقدماته.
وهو أن عدم
الاطراد ممكن غير محسوس بذاته ولا بصفاته وآثاره لأنه لا شبهة ان الاطراد يحس
آثاره ، اذ لازم الاطراد هو الاستعمالات المطردة المحسوسة ، فيكون الاطراد أيضا
محسوسا ، واذا كان الاطراد محسوسا فعدمه ايضا محسوس ، ضرورة ان الشيء اذا كان
محسوسا فعدمه ايضا محسوس ، غاية الأمر انه محسوس بالعرض مثل الشجاعة المحسوسة
بآثارها وصفاتها مثل الاقدامات في معارك الحروب والغزوات ، فبعدم تلك الصفات
والآثار يعلم عدم الشجاعة ويحس غاية الأمر وقصواه ان العدم محسوس بالتبع وبالعرض
لمحسوسية الوجود ، مضافا الى منع أن كل ممكن يكون كذلك لا يعلم إلّا بسببه ، اذ
الممكن الذي لا يحس بذاته ولا بآثاره قد يعلم بغير سببه ، بل العلم به بادراك آخر
غير حسي كما هو واضح.
هذا إذا كان
المراد بالمحسوس المحسوس بالحواس الظاهرية ، وأما اذا كان المراد المعنى الأعم من
المدرك بالمدارك الظاهرية والباطنية الجزئيتين فيمكن منع كون عدم الاطراد غير
محسوس بذاته ، لأن عدم الاطراد من
المعاني الجزئية
التي مدركها الوهم ، والوهم مدرك المعاني واو أحيانا بذاتها بدون وساطة درك
لوازمها وآثارها ، وذلك مثل السخلة تدرك عداوة الذئب بلا رؤية شيء منه كما لا
يخفى.
ومع الاغماض عما
ذكرنا كله يمنع لزوم الدور ، لاختلاف طرفي الدور على مقالته «قده» بالاجمال
والتفصيل ، وعلى مقالتنا أيضا اندفاع الدور واضح ، كما ظهر مما ذكرنا سابقا.
قوله
«قده» : لاثبات حكم كليها ـ الخ.
مراده بالكلي هو
الطبيعة التي اندرجت تلك الجزئيات تحتها كطبيعة الحيوان مثلا في مثال تحريك الفك
الأسفل عند المضغ ، ومراده «قده» بما يلازم هو جميع الأفراد ، اذ اثبات الحكم
لجميع افراد الحيوان مثلا مستلزم لاثبات الحكم له.
والفرق بين
الوجهين واضح ، اذ المثبت له بالذات في الثاني هو الافراد والطبيعة مثبت لها
بالعرض ، وفي الأول المثبت له بالذات واولا هو الطبيعة ـ سواء كان بلحاظ الوجود ام
لم يكن ـ والفرد المثبت له ثانيا وبالعرض.
قوله
«قده» : ولكن هذا إنما يستقيم ـ الخ.
توضيحه : انا اذا
قلنا بأن العام المخصص حقيقة في الباقي كما هو مختاره «قده» ، فيكون الاستثناء
وصحته من غير بناء على التجوز والتأويل ، اذ المفروض انه حقيقة لا تأويل فيه. وأما
اذا قلنا بأنه مجاز فيه فيكون فيه التأويل ، فلا يستقيم كون الاستثناء وصحته من
غير بناء على التأويل.
وفيه ما لا يخفى ،
اذ لا ريب فى ان المراد بهذا التأويل المنفي التصرف في اللفظ الموضوع للخاص بارادة
العموم ليصح الاستثناء ، والتأويل اللازم من الاستثناء هو التصرف في اللفظ الموضوع
للعموم بارادة الخصوص.
وبعبارة اخرى :
التأويل المأخوذ عدمه في العلامة هو التأويل المبنائي وهذا التأويل الجائي من قبل
الاستثناء تأويل بنائي ، فاستقام على كلا القولين ان الاستثناء من غير بناء على
التأويل وان جاء التأويل والتجوز من قبله وناحيته ـ فافهم إن شاء الله تعالى.
قوله
«قده» : ويستند الى أن الاصل في القيد ـ الخ.
وأما اذا كان
توضيحيا كشفيا فيكون المقيد مساويا لقيده ، فلا يكون حقيقة فى المطلق.
قوله
«قده» : وهي كالقياس من الدلائل ـ الخ.
بيانه : هو أن
المراد بالعلامة هو الخاصة ، وهي العرض اللاحق لحقيقة واحدة وطبيعة فاردة ، وخاصة
الشيء هي اثره ولازمه ، فيكون الانتقال منها اليه انتقالا إنيا ، ولا ريب فى أن
أصالة عدم النقل مرجعها الى أصالة عدم تعدد الوضع وعدم الوضع آخر. ولا شبهة فى أن
الوضع الآخر سبب لحقيقة أخرى ، فيكون عدمه سببا لعدمها ، اذ كما أن علة الوجود
وجود وعلة الماهية ماهية فكذلك علة العدم عدم ، فيكون الانتقال انتقالا لميا.
هذا غاية توضيح
مرامه ، ولكن لا يخفى أن الاستقراء أيضا لا يكون خاصة وعلامة ، وكيف يكون
الاستقراء ـ وهو صفة المستقري ـ علامة خاصة للفظ المستقرإ له ، بل يكون الاستقراء
أيضا من الدلائل ، لأنه
في الحقيقة
بالاستقراء يحصل الاعتقاد الظني بأن العلة للحكم هو الكلي ، فيثبت الحكم له ظنا ،
ففي مثال المضغ يحصل الظن بأن العلة والمناط لتحريك الفك الأسفل عنده هو الحيوانية
، فيكون الانتقال والاستدلال لميا ، وكذا فيما نحن فيه كما لا يخفى ، فلا وجه لعدم
عده من الدلائل ـ فافهم إن شاء الله تعالى.
قوله
«قده» : مع ان الوجه الثاني لا يجرى ـ الخ.
لأن الاستصحاب
إنما يكون فيما اذا كان يقين سابق وشك لاحق وفي الفرض المذكور فى الكتاب اليقين
لاحق والشك سابق ، اذ لا شبهة في أن المعنى اللغوي أو الشرعي المشكوك سابق ، والمعنى
العرفي العامي المتيقن لاحق ، فاذا استصحب هذا المتيقن اللاحق الى زمان الشرع أو
اللغة فيكون على عكس الاستصحاب ، ولهذا يسمى في لسان الوحيد البهبهاني «قده»
بالاستصحاب القهقري وقد يسمى بالاستصحاب المعكوس.
ولكن فيه : انه
يمكن تقرير الأصل على وجه لا يكون معكوسا ، بأن يقال : إنا نتيقن أن للفظ في
الزمان السابق معنى ونشك في أنه هل هو باق أو مرتفع بتجدد وضع آخر لمعنى آخر ،
فنستصحب ذلك المعنى ، اذ الأصل عدم النقل وعدم وضع آخر ، غاية الأمر وقصواه انه
يكون اصلا مثبتا ، والأصل المثبت ـ وان لم يكن حجة بناء على التعبد بالاخبار حتى
في مباحث الالفاظ وان كان حجة فيها بناء على غيره ـ إلا ان المقصود أن المناقشة في
أصالة النقل لا تكون بناء على هذا التقرير بما ذكره من كونه على عكس الاستصحاب.
قوله
«قده» : ومع ذلك فهو إنما يصلح ـ الخ.
وجهه قد ظهر مما
بينا آنفا من انه انتقال لمي لا إني ، فيكون دليلا لا خاصة وعلامة.
قوله
«قده» : وهذا إنما يحتاج اليه ـ الخ.
توضيحه : انه اذا
علم أن اطلاق اللفظ على احد المعنيين على سبيل الحقيقة ولكن لم يعلم انه من حيث
الخصوصية أو من حيث تحقق القدر المشترك ، فيدور الأمر في المعنيين بين الاشتراك اللفظي
والحقيقة والمجاز والاشتراك المعنوي كما لا يخفى ، فباختلاف الجمع ينفى احتمال
الاشتراك المعنوى ، اذ المشترك المعنوي لا يختلف جمعه بخلاف المشترك اللفظي ، حيث
يجمع لفظ العين مثلا باعتبار أحد معانيه على أعين وباعتبار البعض الآخر على عيون ،
فاذا انتفى الاشتراك المعنوي باختلاف الجمع فينفى احتمال الاشتراك اللفظي بأصالة
عدم تعدد الوضع ، فيثبت المجاز. وأما اذا لم يحتمل الاشتراك المعنوى فلا يحتاج الى
ضميمة الاختلاف الجمعي كما هو واضح.
هذا توضيح مرامه «قده»
، ولكن لا يخفى أن الاختلاف الجمعي اذا لوحظ فكما ينتفي به احتمال الاشتراك
المعنوي كذلك ينتفي به احتمال المجاز ، إذ المجاز لا يختلف جمعه مع الحقيقة كما هو
واضح ، فأي حاجة الى أصالة عدم الاشتراك ـ فافهم إن شاء الله تعالى.
قوله
«قده» : كما سيأتي.
في الفصل الآتي من
ان الأصل في الاستعمال الحقيقة.
قوله
«قده» : وبأصالته للاول.
اي وبأصالة الثاني
وهو السكون للاول وهو الحركة ، اذ الساكن يحرك
قوله
«قده» : وقد يتطرق هذان الوجهان.
أي أصالة عدم حركة
العين وأصالة الثاني للاول.
قوله
«قده» : والأخير خاصة.
يعني أصالة الثاني
للاول.
قوله
«قده» : أخذا بأصالة تأخر الحادث.
لا يخفى أن التأخر
ليس متيقنا حتى يستصحب. نعم الاصل عدم وجود المجهول التاريخ في تاريخ وجود المعلوم
التاريخ ، وهو لا يثبت تأخر المجهول التأريخ لأنه اصل مثبت ، إلا أن يقال : إن
الأصول المثبتة حجة في مباحث الألفاظ.
قوله
«قده» : ومن هنا وقع ـ الخ.
أي من كون الأصل
تأخر الحادث ما لم يعتضد خلافه بشواهد خارجية وقع النزاع فيما تعارض العرف الخاص
الشرعي واللغة ، اذ تاريخ الاستعمال معلوم وهو زمان النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وتاريخ النقل غير معلوم فبعضهم نظر الى الأصل المزبور
فقدم اللغة ، وبعضهم نظر الى الشاهد الخارجي ـ وهو الاستقراء ـ فقدم العرف الشرعي
، وهو الذي قواه المصنف «قده» بملاحظة ان النظر في مباحث الألفاظ الى الظن ، وهو
لا يحصل من الأصل
في قبال الاستقراء المفيد للظن بالخلاف.
قوله
«قده» : وأما الرخصة أو الوضع الثانوي ـ الخ.
الترديد بحسب
العبارة والتعبير ، والمراد منها الوضع النوعي ، وأما الوضع الشخصي الذي ذهب اليه
بعض في المجاز فهو أيضا مشكوك في المورد المفروض الذي دار الأمر بين الاشتراك
والمجاز مسبوق بالعدم منفي بالأصل فيتعارض الأصلان ـ اعني أصالة عدم تعدد الوضع في
المشترك واصالة عدم الوضع الآخر في المجاز ـ كما لا يخفى.
قوله
«قده» : وفي هذا نظر.
لأن المجاز أيضا
يطرد كما سبق بيانه ، ويصح الاشتقاق منه كما لا يخفى. ولكن فيه ان المراد من الاشتقاق الاشتقاق المغاير ، ولا
شبهة في ان في المجاز وان صح الاشتقاق منه إلّا انه لا يكون اشتقاق مغاير للحقيقة
، بخلاف المشترك حيث انه قد يختلف الاشتقاق منه بحسب المعنيين كاختلاف العيون
والاعين
قوله
«قده» : من غير بناء على الهجر او حصوله.
توضيحه : انه قد
يكون الهجر مبنيا عليه ـ كما في المنقول بالغلبة ـ إذ ما لم يهجر المعنى الأصلي لم
يحصل الاختصاص والتعين بالمعنى الثاني ، فيكون الوضع التعيني التخصصي مبنيا والهجر
مبنيا عليه ، وقد يكون الهجر ويتحقق من غير بناء عليه بل من باب المقارنة الغير
اللزومية والصحابة الاتفاقية كما في المنقول بالوضع التعينى التخصيصي اذا هجر أهل
اللغة وارباب الاستعمال المعنى الأصلي المنقول ، منه وقد لا يتحقق هجر أصلا ،
فمراده «قده» انه اذا تحقق الهجر ـ كما في الصورتين الاوليين ـ فتكون
أصالة عدم ملاحظة
المناسبة معارضة بأصالة عدم الهجر ، سواء كان على وجه العلية والبناء عليه أو على
نحو الصحابة الاتفاقية ، بخلاف ما اذا لم يتحقق الهجر كما في الصورة الأخيرة ، فان
أصالة عدم ملاحظة المناسبة سليمة عن المعارض كما هو واضح ، فيرجح الاشتراك على
النقل.
قوله
«قده» : ومنه يظهر رجحان الاشتراك ـ الخ.
إذ لا بد في
الارتجال من ملاحظة عدم المناسبة ، والأصل عدم تلك الملاحظة.
قوله
«قده» : لأن وجوب الاضمار ـ الخ.
مراده ـ قدسسره ـ من بعض موارد
الاستعمال هو المورد الذي يدور الأمر فيه بين الاضمار والاشتراك ، ومقصوده «قده»
أن الشك في الإضمار وعدمه مسببي مزالى والشك في الاشتراك وعدمه سببي مزيلي ، وقد
تحقق في مقره ومحله أن الشك المسببي لا يكون مجرى الاستصحاب الا مع جريان الاستصحاب
في الشك السببي ، لزوال الشك المسببي وارتفاعه ، وحينئذ فنقول : اذا أحرز عدم
الاشتراك بالاصل فلا يبقى شك في وجوب الاضمار ، فلا يقال ان الأصل عدمه.
ولكن لا يخفى ان
الشكين في عرض واحد ويكونان مسببين عن العلم الاجمالي بلزوم ارتكاب خلاف أحد
الاصلين ، وليس احدهما في طول الآخر ومسببا عنه كما لا يخفى ، فيكون الأصلان
متعارضين.
ولو أغمضنا عن ذلك
وسلمنا كونهما طوليين فنقول : ان الاستصحاب اذا كان حجيته من باب التعدد والاخبار
فالأمر كما ذكر من تقديم
الاستصحاب السببي
على الاستصحاب المسببي دون التعارض ، اذ بناء على التعارض لا بد وان يكون احد
الموردين خارجا عن حكم العام الناطق بعدم جواز نقض اليقين بالشك لعدم جواز
إبقائهما تحته للتعارض ، بخلاف صورة تقديم الاستصحاب السببي فانه مشمول للعام
والشك المسببي زائل مرتفع لا يكون موردا للاستصحاب ، فلا يلزم الخروج عن حكم
العام.
وبعبارة اخرى :
يدور الأمر بين التخصيص والتخصص فيرجح التخصص على التخصيص ، لأنا متعبدون بأصالة
الحقيقة وأصالة العموم ما لم يدل دليل على خلافهما ، وأما اذا كان حجيته من باب
العقل ووصف الظن فلا ريب في أن العقل اذا حكم على موضوع عام وكان بعض افراد ذلك
الموضوع العام مقدما في الوجود على الآخر ـ سواء كان التقدم والتأخر زمانيين أو
بالذات ـ فلا يكون في شمول ذلك الحكم ترتب ولا في اندراجها تحته ترتب ، إذ القضية
المعقودة حينئذ تكون حقيقية لا خارجية فيكون شمول العام لجميع الأفراد على حد سواء
، سواء كانت تلك الأفراد محققة في الخارج أو مقدرة ، ولا شبهة في أن تلك القضية
قضية معقولة لا ملفوظة ، فاذا لم تكن لفظية فلا يدور الأمر بين التخصيص والتخصص
حتى يرجح التخصص على التخصيص.
ولا ريب في أن
الأصل الجاري في مباحث الألفاظ لا تكون حجيته من باب الاخبار ، لكونه من باب
الأصول المثبتة وهي ليست بحجة واقعا وعنده «قده» فلا يكون حجة الا من باب العقل.
وقد ظهر مما حققناه انه بناء عليه لا فرق بين الشك السببي والمسببي ، فلا مجال الا
للتعارض كما
هو واضح ـ فافهم
إن شاء الله بعونه وتأييده.
قوله
«قده» : ليست بحيث تصلح ـ الخ.
لأن مرجع التمسك
بالغلبة هو اثبات الوضع بالاستحسان ، وهو غير صحيح ، فلا يصلح لمعارضة الأصل
الثابت حجيته. وإن شئت فقل : ان الظاهر لا يصلح لمعارضة الاصل. فيبقى الاصل سليما عن
المعارض
إن قلت : إن الأصل
الجاري في مباحث الألفاظ لا بد وأن يفيد الظن ، ولا ريب في أن الظاهر إذا كان على
خلاف الأصل فلا محالة يرتفع مناط حجية الأصل وملاكه ، وهو وصف الظن.
قلت : لا نسلم أن
المناط هو الظن الفعلي الشخصي. بل المناط هو الظن النوعي ، وهو لا يرتفع مع قيام
الظن
الفعلي على
الخلاف.
قوله
«قده» : بل أولى منه.
بل ليس في التقييد
ارتكاب لتجوز ومخالفة أصل ، على ما هو الحق من استعمال المطلق في معناه الموضوع له
وانفهام التقييد من الخارج ، فيكون من باب تعدد الدال والمدلول.
قوله
«قده» : واعلم أن كلا من التخصيص ـ الخ.
مقصوده من التعميم
إنما هو التعميم بحسب أفراد كل نوع من الأنواع الثلاثة لا بحسب تلك الانواع. وقوله
«بالنسبة» متعلق بقوله «فيعتبر» ومرامه ـ قدسسره ـ أن الراجح
والمرجوح النوعيين قد يكون فرده قريبا راجحا وقد يكون بعيدا مرجوحا ، فاذا كان
نوعان مثلا احدهما راجح والآخر مرجوح فلا يخلو الفردان والشخصان المندرجان تحتهما
إما أن يكونا متماثلين في القرب والبعد والرجحان والمرجوحية ، وإما أن يكون فرد
النوع الراجح
قريبا راجحا وفرد النوع المرجوح بعيدا مرجوحا ، وإما أن يكون بالعكس : فعلى
الأولين لا اشكال في الترجيح النوعي ، اذ لم يزاحمه الترجيح الشخصي ، بل في الثاني
انضم الترجيح الشخصي الى الترجيح النوعي وقواه ، وأما الثالث ـ وهو كون فرد النوع
الراجح بعيدا وفرد النوع المرجوح قريبا ـ فلا يخلو إما أن يكون البعد النوعى في
مرجوح النوع أزيد من البعد الشخصي في راجح النوع فلا شبهة أيضا في تقديم الترجيح
النوعي واعتباره ، إذ بعد ملاحظة جهتى البعدين الشخصي والنوعي والكسر والانكسار
بينهما يبقى مقدار من البعد النوعي بلا معارض من البعد الشخصي في الآخر ، وبعد
ملاحظة جهتى القربين الشخصي والنوعي والكسر والانكسار بينهما يبقى مقدار من القرب
النوعي بلا معارض من القرب الشخصي في الآخر ، فيرجح القرب النوعي على البعد النوعي
، وإما أن يكون البعد النوعي انقص من البعد الشخصي في راجح النوع فيرجح بعيد النوع
على بعيد الشخص الذي هو راجح النوع ، اذ المفروض زيادة بعده الشخصي على البعد
النوعي ، فبعد ملاحظة الجهتين والكسر والانكسار بينهما يكون بعيد النوع قريبا
فيرجح ، وإما أن يكون البعد النوعي مساويا للبعد الشخصي في الراجح بحسب النوع
فيتوقف ، اذ المفروض أن في كل من النوعين قربا وبعدا ، ويكون القربان متساويين
والبعدان كذلك.
ولا شبهة في أن
الموارد مختلفة بحسب القرب الشخصى والبعد الشخصى والتساوي والاختلاف وليس ضابط
يركن اليه ، وإنما لم يتعرض «قده» للترجيح بحسب الجهات الشخصية والنوعية والتوقف
في الاشتراك والنقل مع انهما من الأحوال الخمسة لأنه ليس فيهما الا الترجيح بحسب
النوع ولا يكون فيهما قرب شخصي بحسب الموارد كما هو واضح ـ فافهم.
الى هنا نقف عن
الطبع سائلين المولى جل جلاله أن يوفقنا للالتقاء بالقارئ الكريم في الجزء الثالث
عن قريب إن شاء الله تعالى.
|
سبط المصنف
السيد محمد القانع
|
(لفت نظر)
لقد حدث خطأ في
ارقام صحائف ٥٧ ـ ٦٤ حيث رقمت اشتباها ٤١ ـ ٤٨ فمعذرة الى القارئ اللبيب.
|