بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

والحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على محمّد وآله الطاهرين

فصل :

في الاستصحاب

وقبل الورود في البحث عنه ينبغي التكلّم في جهات :

الأولى : في تعريفه ، وقد عرّف بتعاريف عديدة :

قال الشيخ قدس‌سره : أسدّها وأخصرها هو : إبقاء ما كان (١).

وعرّفه صاحب الكفاية بأنّه هو : الحكم ببقاء حكم أو موضوع متيقّن الحدوث في السابق ، مشكوك البقاء في اللاحق. وادّعى أنّ كلّ التعاريف يشير إلى هذا المعنى الواحد والمفهوم الفارد (٢).

والتحقيق : أنّه لا يمكن أن يعرّف الاستصحاب بتعريف ينطبق على جميع الأقوال ، فإنّه لو كان من الأمارات ـ كما ذهب إليه المتقدّمون من الأصوليّين ـ لا يصحّ تعريفه بأنّه الحكم بالبقاء ، ضرورة أنّه على ذلك كاشف عن الحكم الشرعي من حيث إفادته للظنّ نوعا أو شخصا ، وحكم الشارع ببقاء ما كان مدلول للاستصحاب ، ومنكشف بهذا الكاشف ، لا أنّه نفس الاستصحاب ، فعلى هذا القول لا بدّ من تعريفه بما عرّفه بعض (٣) ـ على ما حكى الشيخ (٤) قدس‌سره ـ من أنّه كون حكم أو وصف يقينيّ الحصول في الآن السابق ، مشكوك البقاء في الآن اللاحق.

__________________

(١) فرائد الأصول : ٣١٨.

(٢) كفاية الأصول : ٤٣٥.

(٣) هو المحقّق القمّي في القوانين ٢ : ٥٣.

(٤) فرائد الأصول : ٣١٨.

ولا يرد عليه ما أورده الشيخ قدس‌سره من أنّ هذا محقّق مورد الاستصحاب لا نفسه (١) ، وذلك لأنّ ما هو أمارة ومفيد للظنّ هو نفس هذه الحالة ، وأركان الأمارة شاملة لنفس الظنّ أيضا ، فإنّ أماريّة الخبر ـ مثلا ـ من حيث إفادته الظنّ ، فكون نفس الظنّ أمارة أولى ، فلا بدّ من تعريفه بنحو يشمله أيضا.

ولو كان من الأصول ـ كما هو الصحيح ـ فتعريفه بأنّه الحكم ببقاء اليقين السابق عملا حين الشكّ تعبّدا هو الصحيح على ما يستفاد من روايات الباب ، وأمّا الحكم ببقاء المتيقّن فليس منه أثر في الروايات ، فكما أنّ الشارع تعبّد كثير الشكّ بعدم كونه شاكّا مع كونه شاكّا وجدانا ، فيجب عليه أن يعمل عمل المتيقّن ، كذلك تعبّد في المقام ببقاء اليقين ، وعدم انتقاضه بالشكّ ، فمع كونه شاكّا وجدانا حكم الشارع ببقاء يقينه تعبّدا ، فيجب عليه أن يعمل على يقينه.

الجهة الثانية : في أنّ البحث عن حجّيّته مسألة أصوليّة أم لا (١)؟

والميزان في المسألة الأصوليّة ـ كما مرّ غير مرّة ـ هو أن يستنبط منها حكم

__________________

(١) فرائد الأصول : ٣١٨.

(٢) ظاهر هذا الكلام والمستفاد من كلمات الأعاظم هو كون البحث عن حجّيّة الاستصحاب مسألة أصوليّة إن ثبتت حجّيّته مطلقا ، أي سواء كان في الأحكام أم في الموضوعات ، وكونه مسألة فقهيّة إن ثبتت حجّيّته في الأخير فقط ، هذا هو المستفاد من الكلمات.

ولكنّه غير صحيح ، لأنّ نتيجة البحث لا تؤثّر في حقيقته وتصييره أصوليّة أو فقهيّة ، كما أنّ البحث عن حجّيّة خبر الواحد مسألة أصوليّة ولو كانت النتيجة هي عدم حجّيّته. وكذا سائر المسائل.

فالبحث عن حجّيّة الاستصحاب مسألة أصوليّة ولو كانت النتيجة هي حجّيّته في الموضوعات فقط ، وكون قاعدة واحدة أصوليّة وفقهيّة باعتبارين لا يوجب كون البحث كذلك ، فإنّ البحث عامّ ومسألة أصوليّة مطلقا ولو كانت الحجّيّة مختصّة بقسم خاصّ من الاستصحاب ، فلا مجال للقول بأنّ «البحث عن حجّيّته» أيّ شيء؟

وبعبارة أخرى : إنّ البحث عن كون الاستصحاب باعتبارين مسألة أصوليّة أو قاعدة فقهيّة أو مسألة أصوليّة وفقهيّة معا نفسه مسألة أصوليّة. (م).

فرعي كلّي إلهي بلا مدخليّة شيء آخر ، مثلا : حجّيّة خبر الواحد مسألة أصوليّة ، حيث إنّه بعد تعبّد الشارع بطريقيّته إذا قام خبر على وجوب الجمعة ، فالمجتهد يجب أن يعمل به ، وعمله به هو فتياه بوجوب الجمعة ، والمقلّد ـ بمقتضى أدلّة وجوب التقليد ـ يجب أن يعمل على طبق فتوى مجتهده ، فوجوب الجمعة ـ الّذي هو حكم كلّي ـ استنبط من مجرّد تحقّق موضوع مسألة حجّيّة خبر عند المجتهد بلا مدخليّة شيء آخر.

والاستصحاب في الأحكام الكلّيّة أيضا كذلك ، فإنّ الميزان هو يقين المجتهد وشكّه ، فإذا تيقّن المجتهد بوجوب الجمعة في زمان ، وشكّ بعد ذلك في نسخه وعدمه ، يتحقّق له موضوع «لا تنقض اليقين بالشكّ» فيجب عليه إبقاء يقينه عملا ، بمعنى العمل بيقينه السابق فعلا ، وعمله به هو فتياه بوجوب الجمعة كما كان يفتي به حال كونه متيقّنا به ، والمقلّد ـ سواء كان له يقين وشكّ أو كان غافلا محضا ـ يجب أن يعمل بفتيا مجتهده بوجوب الجمعة ، بمقتضى أدلّة وجوب التقليد ، ولا اعتبار بيقينه وشكّه أصلا ، فالمجتهد يفتي بمجرّد تحقّق موضوع الاستصحاب كما يفتي بمجرّد تحقّق موضوع مسألة حجّيّة خبر الواحد.

وأمّا الاستصحاب في الموضوعات الخارجيّة ـ كاستصحاب بقاء نجاسة الثوب ـ فهو مسألة فقهيّة ، حيث إنّ الميزان هو يقين كلّ شخص ، وشكّه ، فإذا تحقّق موضوعه عند المجتهد ، وجب العمل بيقينه ، وعمله ليس هو الفتوى بنجاسة الثوب ، بل هو ترتيب آثار النجاسة عليه ، وإذا تحقّق عند المقلّد ـ سواء كان للمجتهد يقين وشكّ أم لا ـ يجب أن يعمل بمقتضى الحالة السابقة.

ولا مانع من كون قاعدة واحدة أصوليّة وفقهيّة باعتبارين ، كما أنّ دليل حجّيّة خبر الواحد لو كان شاملا للموضوعات الخارجيّة ـ كما هو كذلك إلّا في

موارد دلّ الدليل الخاصّ على اعتبار التعدّد فيها ـ تصير مسألة حجّيّة خبر الواحد أصوليّة وفقهيّة باعتبارين.

الجهة الثالثة : في الفرق بين قاعدة الاستصحاب وقاعدة اليقين وقاعدة المقتضي والمانع.

فنقول : إذا كان متعلّق اليقين مباينا لمتعلّق الشكّ ذاتا وصفة مع ارتباط بينهما ـ بأن يكونا جزءين من أجزاء علّة واحدة أو غير ذلك ، لا أن يكون اليقين متعلّقا بوجود النار ، والشكّ متعلّقا بطلوع الفجر ـ وكان زمان الشكّ واليقين واحدا ، فهو مورد قاعدة المقتضي والمانع.

وإن كان المتعلّقان أمرا واحدا ذاتا ، فإن كانا مغايرين صفة وخصوصيّة ـ بأن تعلّق اليقين بعدالة زيد من حيث الحدوث في يوم الجمعة ، وتعلّق الشكّ أيضا بعدالة زيد لكن من حيث بقائها إلى زمان الشكّ ـ فهو مورد الاستصحاب.

ولازم اتّحاد المتعلّقين ذاتا والتغاير صفة هو اختلاف زماني المتعلّقين واجتماع زماني اليقين والشكّ ، بمعنى أن المستصحب ـ بالكسر ـ حين إجراء الاستصحاب يكون متيقّنا وشاكّا معا سواء حدث الشكّ واليقين في زمان واحد ، أو حدث اليقين بعد الشكّ ، أو العكس ، فقوام الاستصحاب هو اجتماع الشكّ واليقين في زمان واحد وهو زمان الإجراء.

وإن كانا متّحدين صفة أيضا ، كما يكونان متّحدين ذاتا ـ ولازمه تغاير زماني الشكّ واليقين ، فإنّهما ضدّان لا يمكن اجتماعهما مع اتّحاد متعلّقيهما ذاتا وصفة في زمان واحد ـ فهو على قسمين :

قسم يكون اليقين فيه سابقا على الشكّ ، وهو مورد قاعدة اليقين ، كما إذا تيقّن بعدالة زيد يوم الجمعة ، وشكّ يوم السبت في أنّه هل كان عادلا يوم الجمعة أم لا؟ وفي الحقيقة يشكّ في أنّ يقينه بعدالة زيد هل كان يقينا أو جهلا

مركّبا؟ فالشكّ قهرا يسري إلى اليقين ، ولذا يسمّى هذا القسم بالشكّ الساري أيضا.

وقسم آخر يكون الشكّ فيه سابقا على اليقين ، وهو يسمّى بالاستصحاب القهقرى ، ولا دليل على حجّيّته في شيء من أدلّة الاستصحاب ، فإنّ الأخبار ـ على ما سيجيء ـ دالّة على حرمة نقض اليقين بالشكّ ، لا نقض الشكّ باليقين ، وبناء العقلاء وسيرتهم أيضا لم يثبت في مثله.

نعم ، بناء العقلاء مستقرّ في مورد واحد ، وهو استصحاب عدم نقل الألفاظ الظاهرة فيما نفهمه فعلا من المعاني ، ونحتمل أن تكون في الأزمنة السابقة ظاهرة في غير ما نفهمها الآن ، ضرورة أنّ العقلاء يبنون على بقاء الألفاظ على ما هي ظاهرة فيه فعلا في الأزمنة السابقة ، ويحكمون بأنّ مراد المتكلّم بها ليس إلّا ما يفهم منها فعلا ، ولا يصغون إلى احتمال إرادة خلاف ذلك في ذلك الزمان.

ثمّ إنّ المراد من المقتضي والمانع إمّا التكويني منهما كاقتضاء النار للإحراق ومانعيّة الرطوبة عنه تكوينا.

ومثاله في الفقه هو ما إذا شكّ في وصول الماء إلى البشرة في الوضوء أو الغسل من جهة الشكّ في وجود مانع عن الوصول كالقير ونحوه ، فالقائل بحجّيّة هذه القاعدة يحكم بصحّة الغسل أو الوضوء لو أراد هذا المعنى من المقتضي والمانع ، فإنّ المقتضي التكويني ـ وهو إجراء الماء على الأعضاء ـ محرز ، والمانع التكويني ـ وهو وجود القير ونحوه ـ مشكوك ، فيحكم بوجود المقتضى بالفتح.

وهكذا الشكّ في طهارة مخرج البول من جهة الشكّ في خروج الوذي بعد البول حتى يحتاج إلى الاختبار ولا يطهر بصبّ الماء ، وعدم خروجه حتى

لا يحتاج إلى ذلك ويطهر به ، فإنّ الوذي مانع تكويني عن المقتضي التكويني لوصول الماء إلى مخرج البول وهو الصبّ.

أو التشريعي منهما ، بمعنى موضوع الحكم وما اعتبر عدمه في ترتّب الحكم عليه ، ومثاله في الفقه ملاقاة النجاسة ، التي يستفاد من أدلّتها أنّها مقتضية للنجاسة وموضوعة لها ، وأنّ الكرّيّة أو الاتّصال بالمادّة مانع وعاصم عن الانفعال ، وكم له في الفقه من نظير.

أو المراد من المقتضي ما هو ملاك الحكم ، ومن المانع ما يزاحم ملاك الحكم ، مثلا : لو فرضنا أنّ ملاك الحكم بوجوب إكرام زيد العالم هو علمه ، وأنّ ظهور الفسق يزاحم هذا الملاك.

وبالجملة ، المراد من المقتضي والمانع لا بدّ وأن يكون أحد هذه الأمور ، ولا نعلم أنّ مراد القائل بحجّيّة القاعدة أيّ منها؟ هل الأوّل أو الثاني أو الثالث أو ما يعمّ الجميع ، أو الاثنين منها؟ ونتكلّم على جميع التقادير بعد ذكر أدلّة الاستصحاب إن شاء الله.

ولا يخفى أنّ مراد الشيخ قدس‌سره من المقتضي والمانع في تفصيله جريان الاستصحاب بين الشكّ في المقتضي والمانع ليس شيئا من هذه الأمور ، وسيجيء المراد منهما.

إذا عرفت ذلك ، نقول : إنّ الشيخ قدس‌سره قسّم الاستصحاب ـ من حيث المستصحب باعتبار كونه حكما ـ كلّيّا أو جزئيّا ، تكليفيّا أو وضعيّا ـ أو موضوعا ، ومن حيث دليل المستصحب ـ على تقدير كونه حكما ـ باعتبار كونه الكتاب ، أو السنّة ، أو الإجماع ، أو العقل ، ومن حيث الشكّ باعتبار أنّه في المقتضي ، أو وجود المانع ، أو مانعيّة الموجود ـ بتقسيمات ، ونقل عن القوم تفصيلات ، واختار هو قدس‌سره التفصيل بين الشكّ في المقتضي ، فحكم بعدم

جريان الاستصحاب فيه ، وبين الشكّ في المانع ، فحكم بالجريان فيما كان المستصحب موضوعا أو كان حكما مستفادا من غير العقل ، وأمّا المستفاد من العقل فلا يجري فيه (١).

والمختار عندنا هو جريان الاستصحاب في الموضوعات والأحكام الجزئيّة مطلقا دون الأحكام الكلّيّة ، كنجاسة الماء المتغيّر ، بعد زوال تغيّره ، إلّا استصحاب عدم النسخ ، فعلى هذا يكون الاستصحاب هو قاعدة فقهيّة لا يستنبط منها الحكم الكلّي ، فالأولى ذكر أدلّة الباب ، وبيان ما يستفاد منها.

فنقول : قد استدلّ على حجّيّة الاستصحاب بوجوه :

الأوّل : استقرار بناء العقلاء وسيرتهم على العمل على طبق الحالة السابقة ، ولم يثبت الردع ، وهو دليل على الإمضاء.

وفيه : أنّ بناءهم على ذلك ليس لمحض التعبّد بأن عمل واحد منهم بذلك جزافا ، فتبعه الباقي ، بل لأجل الاطمئنان بالبقاء ، أو الغفلة ، أو الرجاء ، ولم تستقرّ سيرتهم على ذلك لأجل غير هذه الأمور من الظنّ بالبقاء نوعا أو شخصا ، ضرورة أنّ الاستصحاب دائما لا يفيد الظنّ ولو نوعا.

ودعوى شيخنا الأستاذ قدس‌سره ـ من أنّه لو لا العمل بالاستصحاب ، لاختلّ النظام (٢) ـ لا وجه لها ، ضرورة أنّ المنكرين لحجّيّة الاستصحاب مطلقا جماعة كثيرة ، ولم تختلّ أمور معاشهم ومعادهم.

ثمّ إنّ صاحب الكفاية أشكل في المقام على التمسّك بالسيرة بأنّها مردوعة بما دلّ من الكتاب والسنّة على النهي عن اتّباع غير العلم (٣).

__________________

(١) فرائد الأصول : ٣٢٢ ـ ٣٢٨.

(٢) أجود التقريرات ٢ : ٣٥٧.

(٣) كفاية الأصول : ٤٣٩.

وهذا الكلام يناقض ما سبق منه قدس‌سره في بحث حجّيّة خبر الواحد ، فإنّه جعل عمدة أدلّة حجّيّة الخبر هي السيرة.

وأورد على نفسه بأنّ السيرة مردوعة بالآيات الناهية عن اتّباع غير العلم.

وأجاب بأنّ رادعيّتها للسيرة دوريّة ، مع «إن قلت» و «قلت» (١) إلى آخر ما أفاده في المتن.

وذكر في هامش الكتاب ما حاصله : أنّه لو سلّمت دوريّة كلّ من مخصّصيّة السيرة للآيات ورادعيّتها للسيرة ، يكفينا استصحاب حجّيّة السيرة الممضاة قبل نزول الآيات بزمان (٢).

وقد ذكرنا هناك أنّ الآيات لا تصلح للرادعيّة لا من جهة الدور ، بل من جهة أنّ العقلاء حيث لا يرون العمل بخبر الثقة مصداقا للعمل بغير العلم ، لأنّه علم في نظرهم ، لا يمكن ردعهم عن سيرتهم بمثل هذه العمومات ، بل يحتاج الردع إلى دليل خاصّ ، كما أنّ القياس معمول به عند العقلاء في الجملة لا بمثابة خبر الثقة ، وقد وردت خمسمائة رواية ـ على ما أفاده بعض أساتيذنا ـ على النهي عن العمل به ، وأنّه موجب لمحق الدين.

وذكرنا أيضا أنّ الاستصحاب أيضا يكون دليلا على حجّيّة السيرة على العمل بخبر الثقة دون السيرة على العمل بالاستصحاب ، إذ لا يمكن إثبات حجّيّة الاستصحاب بنفس الاستصحاب.

الوجه الثاني : هو دعوى الإجماع عليه من جماعة.

ولا يخفى ما فيه ، مع الغضّ عن أنّ نقل الإجماع لا دليل على حجّيّته ، ولا يكون مشمولا لأدلّة حجّيّة خبر الواحد ، فإنّها لا تشمل الإخبار عن حدس ،

__________________

(١) كفاية الأصول : ٣٤٨ ـ ٣٤٩.

(٢) كفاية الأصول : ٤٣٩ الهامش (١).

إذ من المحتمل بل المظنون أنّ مدرك المجمعين ليس إلّا هذه الأدلّة.

الوجه الثالث : الأخبار ، وهي العمدة في الباب :

منها : صحاح ثلاث لزرارة ، ولا ينبغي الإشكال في سندها من حيث الإضمار ، فان الشيخ (١) قدس‌سره ومن تأخّر عنه تلقّوها بالقبول وجعلوها صحيحة من جهة أنّ راويها مثل زرارة الّذي هو من الفقهاء ، ومن أجلّة أصحاب الصادق والباقر سلام الله عليهما ، ولا يحتمل في حقّه أن ينقل عن غير الإمام عليه‌السلام ، بل الإضمار نشأ من تقطيع المقطّعين وتقسيمهم فقرات رواية واحدة مشتملة على أسئلة متعدّدة ـ عبّرت بمثل «سئل الصادق عليه‌السلام عن كذا» و «سأله عن كذا» و «سألته عن كذا» وذكر اسم الإمام عليه‌السلام في الأولى منها ـ على الأبواب من دون ذكر قرينة على مرجع الضمير بأن يذكر المقطّع بعد «سأله» بين القوسين (أي الباقر عليه‌السلام) مثلا.

هذا ، مضافا إلى أنّ الشيخ قدس‌سره نقلها في تنبيهات الاستصحاب ـ عن النراقي أو التوني (٢) ـ مسندة وإن نقلها في أوّل الاستصحاب مضمرة. وهذا غريب منه.

ونقل بحر العلوم أيضا في فوائده ، الأولى والثانية عن الباقر عليه‌السلام ، والثالثة عن أحدهما (٣) سلام الله عليهما.

وبالجملة ، لا إشكال في سندها ، فينبغي التكلّم في دلالتها.

فالصحيحة الأولى : قال : قلت له : الرّجل ينام وهو على وضوء ، أتوجب الخفقة والخفقتان عليه الوضوء؟ قال : «يا زرارة! قد تنام العين ،

__________________

(١) فرائد الأصول : ٣٢٩ ـ ٣٣١.

(٢) لم نعثر على النقل المذكور ، في فرائد الأصول.

(٣) الفوائد الأصولية : ١١٠.

ولا ينام القلب والاذن ، وإذا نامت العين والاذن ، فقد وجب الوضوء» قلت : فإن حرّك في جنبه شيء وهو لا يعلم؟ قال : «لا ، حتى يستيقن أنّه قد نام ، حتى يجيء من ذلك أمر بيّن ، وإلّا فإنّه على يقين من وضوئه ، ولا ينقض اليقين بالشكّ أبدا ، ولكنّه ينقضه بيقين آخر» (١).

ولا يخفى أنّ صدر هذه الرواية سؤال عن الشبهة الحكميّة ، فإنّ قوله : أتوجب الخفقة والخفقتان عليه الوضوء؟ سؤال عن حكم الخفقة والخفقتين إمّا لعدم معلوميّة مفهوم النوم واحتمال شموله لهما ، أو لمعلوميّة مفهوم النوم واحتمال أن تكون الخفقة والخفقتان أيضا موجبتين للوضوء ، وجواب الإمام عليه‌السلام بقوله : «قد تنام العين» إلى آخره ، جواب عن الحكم الواقعي ، وبيان لأنّ النوم الّذي هو موجب للوضوء هو النوم الغالب على الحاسّتين : الاذن والعين ، لا غير.

ثمّ السؤال بعد ذلك عن الشبهة الموضوعيّة ، فإنّه بعد ما عرف أنّ النوم الموجب للوضوء هو الغالب على العين والاذن ، قال : «فإنّ حرّك في جنبه شيء وهو لا يعلم؟» ، فإنّ عدم إدراكه لذلك يحتمل أن يكون لأجل تحقّق النوم ، ويحتمل أن يكون لأجل مشغوليّة القلب حين النوم بالأفكار المناسبة له ، والجواب عن هذا السؤال بقوله عليه‌السلام : «لا» إلى آخره ، حكم ظاهري.

وبالجملة ، مورد الاستدلال هو السؤال الثاني وجوابه ، ولا شبهة في دلالته على حجّيّة الاستصحاب في باب الوضوء ، كما عنونه الأصحاب بالخصوص في باب الطهارة ، وإنّما الإشكال في أنّه هل تستفاد منها كبرى كلّيّة تدلّ على حجّيّة الاستصحاب في جميع الأبواب أو لا؟

__________________

(١) التهذيب ١ : ٨ ـ ١١ ، الوسائل ١ : ٢٤٥ ، الباب ١ من أبواب نواقض الوضوء ، الحديث ١.

والحقّ هو الأوّل ، فإنّ ظاهر قوله : «فإنّه على يقين من وضوئه» بعد قوله : «وإلّا» أنه علّة للجزاء ـ كما أفاده الشيخ (١) قدس‌سره ـ لا نفس الجزاء ـ كما أفاده شيخنا الأستاذ (٢) قدس‌سره ـ والجزاء محذوف معلوم من قوله عليه‌السلام : «لا» بعد قول زرارة : «فإن حرّك في جنبه شيء».

ونظائره كثيرة ، كقوله تعالى : (فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ)(٣) ، وقوله تعالى : (وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ)(٤) فإنّ الجزاء في الأوّل : «فلا تحزن» وفي الثاني : «فلا يضرّ الله» مثلا ، والمذكور علّة للجزاء لا نفسه.

ولا يمكن جعله جزاء ، فإنّه إمّا إخبار عن أنّ غير المستيقن على يقين من وضوئه ، أو إنشاء ، بمعنى أنّه يمضي على يقينه ، ولا يمكن الالتزام بشيء منهما.

أمّا الأوّل : فلأنّ المتيقّن وغيره مشتركان في أنّهما على يقين من الوضوء ، فإنّ المفروض حدوث اليقين بالوضوء ، والاستيقان بالنوم رافع للشكّ في البقاء ، فأيّ خصوصيّة لذكر غير المستيقن فقط؟

وأمّا الثاني : فلأنّ الجملة الخبريّة تستعمل في مقام الإنشاء إن كانت من قبيل «هي طالق» كما ورد النصّ (٥) على ذلك ، و «هذا ملك لك» إن لم نعتبر الماضويّة في العقود ، أو كانت جملة فعليّة ، مثل : «يعيد صلاته» وغيره ممّا أخبر فيه عن وقوع المادّة خارجا كناية عن شدّة محبوبيته وتأكّد طلبه.

__________________

(١) فرائد الأصول : ٣٢٩.

(٢) أجود التقريرات ٢ : ٣٥٩.

(٣) آل عمران : ١٨٤.

(٤) آل عمران : ٩٧.

(٥) انظر : الوسائل ٢٢ : ٤١ أحاديث الباب ١٦ من أبواب مقدّمات الطلاق.

وأمّا الجملة الاسميّة مثل «زيد قائم» : فلم نظفر على مورد واحد استعملت في مقام الطلب بحيث يكون معنى «زيد قائم» أنّه يجب القيام على زيد.

ثمّ لو سلّمت صحّة الاستعمال ، فلا يصحّ في المقام ، إذ لازمه طلب الكون على اليقين من الوضوء ، وأين هذا من طلب المضيّ على اليقين ، الّذي هو المدّعى؟

ثمّ إنّ جعل جملة «فإنّه على يقين من وضوئه» توطئة للجزاء ، وجعل قوله : «ولا ينقض اليقين» إلى آخره ، نفس الجزاء أيضا لا يصحّ ، لعدم صلاحية جملة «لا ينقض» ـ مع اقترانها بالواو ـ لذلك.

نعم ، لو لم تكن الواو في البين ، لكان ذلك ممكنا ، وكان المعنى أنّه لأجل كونه على يقين من وضوئه لا ينقض اليقين بالشكّ.

فظهر أنّ الصحيح ما أفاده شيخنا الأنصاري من أنّ الجزاء محذوف ، والمذكور علّة للجزاء. وعلى ذلك تستفاد من الرواية قاعدة كلّيّة لا تختصّ بباب دون باب ، إذ لازم الاختصاص بخصوص باب الوضوء أن يكون التعليل لغوا محضا ، فإنّه على ذلك إعادة لما ذكر أوّلا من وجوب إبقاء اليقين بالوضوء عملا ، من غير زيادة.

وما أفاده شيخنا الأستاذ قدس‌سره ـ من أنّه تستفاد منه قاعدة كلّيّة في خصوص باب الوضوء شاملة لمورد الرواية ـ وهو الشكّ في ناقضيّة النوم ـ ولغيره أيضا من ناقضيّة شيء آخر (١) ـ غير تامّ ، إذ أيّ خصوصيّة لليقين بالوضوء حتى يعلّل بأنّه لا ينقض بالشكّ؟ والمناسب للتعليل أن يكون بأمر ارتكازي لا تعبّدي

__________________

(١) أجود التقريرات ٢ : ٣٥٩.

محض.

فظهر أنّه لا ريب في أنّه جملة «فإنّه على يقين» إلى آخرها ، علّة الجزاء ، ونفس الجزاء محذوف.

ولا يرد عليه ما أفاده شيخنا الأستاذ من أنّه يلزم على هذا ، التكرار في الجواب ، وبيان الحكم مرّتين بلا فائدة في البين (١) ، وذلك لأنّ جواب قوله : «وإلّا» محذوف ، ومعه كيف يلزم التكرار!؟ نعم ، لو كان مذكورا لكان لهذا الكلام مجال.

وبالجملة ، تستفاد من الرواية قاعدة كلّيّة غير مختصّة بباب دون باب بلا شبهة وارتياب ، ولا يتوقّف ذلك على كون جملة «فإنّه على يقين من وضوئه» علّة الجزاء ، بل لو تنزّلنا وقلنا بأنّها نفس الجزاء أيضا ، يتمّ ما ذكرنا بمقتضى قوله : «ولا ينقض اليقين بالشكّ».

وتوهّم إرادة اليقين بالوضوء بالخصوص من «لا ينقض اليقين» بقرينة ما فرضنا أنّه جزاء ، وهو قوله : «فإنّه على يقين من وضوئه» مدفوع أوّلا (١) : بأنّ اليقين ـ كالظنّ والإرادة والقدرة والشوق ـ من الصفات الحقيقيّة ذات الإضافة التي لكلّ منها طرفان : موضوع تقوم فيه ، فإنّها أعراض يحتاج وجودها إلى موضوع كسائر الأعراض ، ومتعلّق تتعلّق به ، فلا يتحقّق يقين في الخارج إلّا ويتعلّق بشيء ، وذكر مثل هذا المتعلّق لا يدلّ على تقييد الحكم.

نعم ، لو كان القيد مثل «في الدار» في قولنا : «إذا ضربت في الدار فكذا»

__________________

(١) أجود التقريرات ٢ : ٣٥٨ ـ ٣٥٩.

(٢) لا إشكال في كون اليقين من الصفات الحقيقيّة وكونه تعلّقيّ الوجود وله موضوع ومتعلّق لكن يكفي في تحقّقه متعلّق ما ، فإذا أخذ أو أريد أمر خاصّ كالوضوء ، فالحكم يختصّ به ، ولا يصحّ التعدّي منه إلى غيره كما فيما نحن فيه ، فإنّ الظاهر بقرينة المقام وتقدّم الوضوء هو تعلّق اليقين بالوضوء لا شيء عامّ. (م).

لكان موجبا لتقييد الحكم.

وثانيا (١) : بأنّ مناسبة الحكم والموضوع تقتضي تعلّق النقض بمطلق اليقين ، فإنّ النقض ـ كما سيجيء ـ لا يتعلّق إلّا بالأمر المبرم المحكم ، كالعهد ، فيقال : نقضت العهد ، وأيّ مناسبة لليقين بالوضوء بالخصوص مع النقض؟ بل يناسب تعلّق النقض بمطلق اليقين.

وثالثا (٢) : بأنّ قوله : «لا ينقض اليقين بالشكّ أبدا» سيّما مع لفظ «أبدا» وتطبيقه على غير الوضوء أيضا في روايات أخر قضيّة ارتكازية للعقلاء ، وتقرير لما هو المرتكز في أذهانهم من عدم رفع اليد عن الأمر المبرم بواسطة أمر غير مبرم ، ضرورة أنّ كلّ عاقل يأخذ بالمبرم ولا يتركه إذا دار الأمر بينه وبين الأخذ بغير المبرم.

ولا ينافي هذا إنكار استقرار بناء العقلاء ، وجريان سيرتهم على العمل

__________________

(١) لا بأس في هذا في مقام تأييد التعميم ، أمّا كونه قرينة لصرف الظهور فغير صحيح ، لأنّ القرينة ما يصرف اللفظ عن الظهور الّذي لولاها لكان ظاهرا فيه ، نحو «يرمي» في «رأيت أسدا يرمي» وليس الأمر هكذا فيما نحن فيه ، فإنّ اليقين ظاهر في اليقين بالوضوء ، ولا يوجب هذا صرف ظهوره فيه عنه إلى غيره عند العرف. (م).

(٢) الحقّ أنّ تطبيق هذه الكبرى في روايات أخر على غير الوضوء لا يوجب ظهورها هنا في غيره ، فإنّ المنفصل من القرائن لا يصرف ظهور «اليقين» الظاهر في اليقين بالوضوء عنه إلى غيره حتى يكون المراد من اليقين هو الأعمّ فيثبت حجّيّة الاستصحاب في غير الوضوء أيضا.

وبعبارة أخرى : لا تكون تلك الروايات بمنزلة «يرمي» في «رأيت أسدا يرمي» الّذي يصرف ظهور «أسد» في الحيوان المفترس.

وأمّا قوله : «أبدا» فظهوره في الدوام ممّا لا إشكال فيه ، لكن ليس فيه دلالة على المدّعى ، فإنّ صحّة استعماله في الخاصّ أيضا لا تنكر ، فإنّه يصحّ أن يقال : اليقين بالوضوء لا ينقض بالشكّ أبدا. وإذا قال : لا أتوضّأ من ماء غير الأنبوب أبدا ، ليس معناه أنّي لا أغتسل منه أيضا ولا أشرب وهكذا. (م).

بالاستصحاب ، فإنّ المدّعى أنّ هذه الكبرى ـ وهي عدم رفع اليد عن الأمر المبرم بواسطة أمر غير مبرم ـ ارتكازيّة لكلّ عاقل ، وأمّا تطبيقها على اليقين بالحدوث والشكّ في البقاء مع تعدّد المتعلّق ، فهو تعبّد محض بحيث لو طبّقها غير الشارع على مورد الاستصحاب ، لأنكرناه غاية الإنكار ، وكثيرا ما طبّق في الروايات كبرى كلّيّة على مورد نأخذ فيه بالكبرى ونترك المورد ، كما في قول الصادق عليه‌السلام ـ على ما روي ـ للسفّاح حين سأله عن اليوم المشكوك في أنّه من رمضان أو شوّال : «ذلك إلى إمام المسلمين إن صمت صمنا ، وإن أفطرت أفطرنا» (١).

وهكذا قول الإمام عليه‌السلام في جواب من سأله عن حلفه بالطلاق والعتاق وصدقة ما يملك مكرها : «رفع ما استكرهوا عليه» (٢).

بقي الكلام في أمور :

الأوّل : أنّ الشيخ قدس‌سره فصّل بين الشكّ في المقتضي ، فالتزم بعدم جريان الاستصحاب فيه ، وبين الشكّ في الرافع ، فذهب إلى الجريان (٣) ، وفي جملة من عباراته في المكاسب تمسّك بالاستصحاب ، وأشكل عليه بأنّه من الشكّ في المقتضي ، الّذي لا يقول بجريان الاستصحاب فيه. ومن جملتها تمسّكه بالاستصحاب في باب بيع المعاطاة (٤) ، ولا بدّ من بيان أنّ مراده قدس‌سره من المقتضي أيّ شيء يكون حتى نرى أنّ الإشكالات في محلّها أو لا؟

__________________

(١) الكافي ٤ : ٨٣ ـ ٧ ، الوسائل ١٠ : ١٣٢ ، الباب ٥٧ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، الحديث ٥.

(٢) المحاسن : ٣٣٩ ـ ١٢٤ ، الوسائل ٢٣ : ٢٢٦ ، الباب ١٢ من أبواب كتاب الأيمان ، الحديث ١٢.

(٣) فرائد الأصول : ٣٢٨.

(٤) المكاسب : ٨٥.

فنقول : إنّ مراده قدس‌سره من المقتضي ليس هو المقتضي التكويني ، لما ذكرنا في بحث الواجب التعليقي والواجب المشروط من أنّ مقتضي الحكم ، وعلّة الجعل ليس إلّا إرادة الشارع واختياره ، وأمّا الأمور التكوينيّة الخارجيّة ـ كالدلوك ـ فهي أجنبيّة عن التأثير في جعل الشارع.

ولا المقتضي التشريعي ، بمعنى موضوع الحكم ، إذ اعتبار إحراز المقتضي بهذا المعنى ليس إلّا اعتبار اتّحاد القضيّة المشكوكة والمتيقّنة ، الّذي التزم به في آخر الاستصحاب (١) ، ولا ريب في اعتباره ، إذ الحكم بثبوت حكم المتيقّن للمشكوك مع عدم إحراز الموضوع ليس من الاستصحاب في شيء ، بل إسراء حكم من موضوع إلى موضوع آخر ، الّذي هو داخل في القياس.

ولا المقتضي الملاكي بمعنى أنّه لا بدّ في جريان الاستصحاب من إحراز ملاك الحكم في زمان الشكّ ، ضرورة أنّ ذلك يحتاج إلى علم الغيب ، إذ لا طريق لنا إلى استكشاف ملاكات الأحكام غير نفس الأحكام.

هذا ، مضافا إلى أنّا إن أحرزنا ملاك الحكم ، لا يبقى لنا الشكّ في الحكم حتى نحتاج إلى الاستصحاب ، مع أنّ الشيخ يجري الاستصحاب في الأمور العدميّة (٢) ، والأمر العدمي ليس له ملاك حتى يلزم إحرازه.

وأنّ (٣) البحث عن حجّيّة الاستصحاب لا يبتنى على تبعيّة الأحكام للمصالح والمفاسد ، بل يجري حتى على قول الأشعري بعدم تبعيّتها لها.

فاتّضح أنّ شيئا من المعاني الثلاثة للمقتضي لا يراد منه ، بل مراده منه

__________________

(١) فرائد الأصول : ٣٩٩ ـ ٤٠٠.

(٢) فرائد الأصول : ٣٦١.

(٣) عطف على قوله : أنّ ذلك ...

ـ على ما يظهر من بعض عبائره في باب الخيارات من المكاسب (١) ، ومن كلام المحقّق الخوانساري (٢) ـ هو مقتضى الجري والاستصحاب لا مقتضي المستصحب والمتيقّن.

والظاهر أنّ أوّل من أبدى هذا التفصيل ـ فيما نعلم ـ هو المحقّق الخوانساري ، والشيخ قدس‌سره تبعه على ذلك.

وتوضيح ذلك أنّ المستصحب إمّا حكم أو موضوع ، ونفرض الكلام أوّلا في الحكم ، ثمّ نتكلّم في الموضوع ، فنقول : إنّ الحكم إمّا غير مغيا بغاية مخصوصة زمانيّة ، كطهارة الثوب ونجاسته ، فإنّ الثوب إذا تنجّس لا يرتفع حكمه بنفسه ، وليست له غاية زمانيّة بحيث يرتفع بواسطة حصولها. وبعبارة أخرى : يكون الحكم بحيث لو بقي جميع ما في العالم على حاله ، ولم تصر الموجودات معدومة ، والمعدومات موجودة ، ليبقى على حاله ، ولا يرتفع إلى الأبد ، ومثاله الظاهر العقد الدائمي.

وإمّا مغيا بغاية مخصوصة زمانيّة ، كما في (أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ)(٣) ، فإنّ وجوب الصوم ليس مرسلا بحيث يبقى إلى الأبد لو لا وجود شيء ، أو عدم شيء رافع له ، بل هو مغيا بوجود الليل ، فنفس الزمان رافع له ، ولا يحتاج إلى رافع آخر ، ومثاله الظاهر العقد المنقطع.

وإمّا مهمل بحسب الظاهر ، بمعنى أنّه لا يعلم أنّه في الواقع هل جعل مغيا بغاية أو مرسلا كما في خيار الغبن؟

والشيخ قدس‌سره يجري الاستصحاب في القسم الأوّل ، مثلا : إذا قال الزوج :

__________________

(١) المكاسب : ٢٤٣.

(٢) مشارق الشموس : ٧٥ ـ ٧٧.

(٣) البقرة : ١٨٧.

«أنت خلية» أو «بريّة» فشكّ في ارتفاع الزوجيّة بهذين اللفظين وعدمه ، فهو عند الشيخ من الشكّ في الرافع ، ويجري استصحاب بقاء الزوجيّة.

والأخير عند الشيخ قدس‌سره من الشكّ في المقتضي ، فلا يجري استصحاب بقاء خيار الغبن عند مضيّ زمان التمكّن من الفسخ ، وعدمه ، إذ لا يعلم أنّ الخيار هل جعله الشارع مرسلا وغير مغيا بغاية أو جعله مغيا بزمان خاصّ؟.

وأمّا القسم الثاني : فإن كانت الغاية معلومة ، فالحكم معلوم وجوده قبل حصول الغاية ، ومعلوم عدمه وارتفاعه بعده ، وإن شكّ في حصول الغاية ، فهو على ثلاثة أقسام ، فإنّ الشبهة إمّا مفهوميّة ، أو حكميّة ، أو موضوعيّة.

فالأوّل : كما في الغروب الّذي هو غاية لوجوب الظهرين بحسب الروايات ، فإنّ مفهومه لا يعلم أنّه هو استتار القرص عن الأنظار ، أو وصول الشمس إلى الأفق الحقيقي ، الملازم لذهاب الحمرة؟ وهذا القسم أيضا ملحق بما يكون الحكم فيه مهملا في عدم جريان الاستصحاب ، لأنّ أمد الحكم غير معلوم ، واستمراره إلى ذهاب الحمرة مشكوك.

والثاني : كما في غاية وجوب العشاءين ، فإنّه قيل : إنّها نصف الليل. وقيل : طلوع الفجر ، فلا يعلم أنّ الشارع جعل أيّا منهما غاية له ، وهذا أيضا ملحق بسابقه ومن الشكّ في المقتضي.

والثالث : كما إذا شكّ في طلوع الشمس ـ الّذي هو غاية لوجوب صلاة الصبح ـ بواسطة أمور خارجيّة ، وهذا ممّا يجري فيه الاستصحاب بناء على جريان الاستصحاب في الزمانيّات ، فإنّه ليس من الشكّ في المقتضي ، ضرورة أنّ المقتضي معلوم ، وهو وجوب الصلاة بين طلوع الفجر وطلوع الشمس ، وإنّما الشكّ في تحقّق الغاية وهي طلوع الشمس.

فتلخّص أنّ الشيخ قدس‌سره يدّعي جريان الاستصحاب فيما يكون الحكم

مرسلا ، وما يكون مغيا بغاية شكّ في حصولها بشبهة موضوعيّة ، وعدم جريانه فيما يكون مهملا وما يكون مغيا بغاية شكّ في حصولها من جهة الشبهة المفهوميّة أو الحكميّة. ويتّضح لمن تتبّع موارد تمسّك الشيخ قدس‌سره بالاستصحاب في المكاسب أنّ جميعها من موارد الشكّ في الرافع ، وأنّ شيئا من الإشكالات غير وارد عليه.

ومن ذلك حكمه بعدم فسخ العقد ، واستصحاب بقاء العوضين على ملك مالكيهما بمجرّد قول أحد المتبايعين : «فسخت» في البيع المعاطاتي بعد تلف إحدى العينين (١) ، فإنّ الملكيّة الحاصلة بالمعاطاة ممّا لا يرتفع بنفسه ، ويحتاج رفعه إلى رافع غير الزمان ، فلا يكون الشكّ فيها من الشكّ في المقتضي ، وهكذا حكمه باستصحاب طهارة المتيمّم الواجد للماء في أثناء صلاته (٢) ، فإنّ الطهارة أيضا ممّا لا يرتفع إلّا برافع ، وغير ذلك ممّا يظفر عليه المتتبّع.

وبالجملة ، يظهر من ملاحظة كلماته قدس‌سره في موارد يجري الاستصحاب فيها وفيما لا يجريه فيه أنّ مراده قدس‌سره من الشكّ في المقتضي هو الشكّ في مقتضي الجري العملي ، والعمل على وفق المتيقّن. هذا ما يظهر لنا من دعوى الشيخ قدس‌سره في المقام.

وأمّا الوجه فيما أفاده من التفصيل فهو أنّ المراد من اليقين ليس هو المتيقّن ـ وإن كان يظهر من جملة عبائره ـ فإنّه لا علاقة بينهما مصحّحة لاستعماله فيه ، فإرادة المتيقّن من اليقين تعدّ من الأغلاط ، لكنّ الاستدلال لا يتوقّف على عدم إرادة المتيقّن من اليقين ، وليس المراد منه هو تلك الصفة

__________________

(١) انظر على سبيل المثال : المكاسب : ٩١.

(٢) لم نعثر عليه.

الخاصّة القائمة بالنفس ، ضرورة أنّ اليقين بعدالة زيد إذا لوحظ نفسه مع قطع النّظر عن الزمان فهو منتقض قطعا ، فلا معنى لحرمة نقضه ، وإذا لوحظ مع ظرفه ، فبالنسبة إلى ظرف الحدوث باق قطعا ، فإنّ اليقين بعدالة زيد في يوم الجمعة الآن أيضا موجود ، إذ الكلام ليس في الشكّ الساري ، وبالنسبة إلى ظرف البقاء مرتفع جزما ، فما معنى حرمة نقضه؟ بل المراد منه هو اليقين بما هو مقتض للجري العملي ، والحركة على طبق المتيقّن به ، فإنّ الإنسان ـ بمقتضى جبلّته وطبيعته الأوّليّة ـ جالب لما ينفعه ، ومتحرّك نحو ما تيقّن أنّه نافع له ، ودافع لما هو مضرّ له.

ثمّ إنّ اليقين له مزيّة على العلم والقطع ، فإنّه ـ على ما يظهر من موارد استعمالاته ـ يطلق على ما له ثبوت واستمساك وإبرام في النّفس ، فإنّه من «يقن الأمر» من باب «تعب» : إذا ثبت ، ولا يطلق إلّا على ما حصل العلم به بمقدّمات وتعب ، ولذا لا يطلق (١) على الله تبارك وتعالى أنّه متيقّن ، وهذا بخلاف القطع ، فإنّه في مقابل الترديد ، ومعناه الوقوف ، فكأنّ القاطع انقطع ووقف على

__________________

(١) أقول : إن كانت لهذه العناوين : العلم ، والقطع ، واليقين خصوصيّة اعتباريّة ، لا توجب عدم صحّة إطلاق بعضها على البارئ تعالى ، بل إطلاقها عليه تعالى صحيح. نعم إطلاق «القاطع» و «المتيقّن» على نحو العلم عليه تعالى غير صحيح لكن ذلك من حيث توقيفيّة أسماء الله تعالى لا أن يكون غير صحيح واقعا ، فإطلاق «القاطع» و «المتيقّن» كإطلاق «العالم» بلا فرق إلّا أنّ هذا ورد في القرآن والأدعية وأنّهما لم يردا ، ولا يكون هذا فارقا في صحّة الإطلاق واقعا ، ولذا لا يوجب إطلاق «القاطع» و «المتيقّن» عليه تعالى كفرا ، ولا فرق بينها فيما نحن فيه أيضا. هذا أوّلا.

وثانيا : أنّ لازمه أنّه لو كان المستصحب مقطوعا أو معلوما ، لما كان يجري الاستصحاب ، وليس كذلك.

وثالثا : كثيرا ما يستعمل الأعاظم كلمة العلم والقطع مكان اليقين ، وهذا كاشف عن أنّ كلّها بمعنى واحد. (م).

المقطوع ، وبخلاف العلم ، فإنّه الانكشاف في مقابل الجهل والظلمة ، وليس لمقابل اليقين لفظ خاصّ يعبّر عنه ، بل مقابله مطلق الأمر الّذي لا ثبوت ولا استمساك له من الشكّ أو الظنّ اللذين يزولان بأدنى شيء.

ولفظ «النقض» (١) لا يسند إلّا إلى ما له ثبوت واستمساك ، كالعهد والبيعة ، ولذا لا يصحّ إسناده إلى العلم والقطع بأن يقال : لا تنقض العلم أو القطع ، فالعناية المصحّحة لإسناد النقض إلى اليقين ما ذكرنا من أنّه أخذ في معنى اليقين الإبرام والاستمساك.

فحينئذ نقول : إذا كان اليقين مقتضيا للجري والعمل على طبقه لو لا الشكّ كاليقين بالطهارة واليقين بالزوجيّة الدائميّة ـ فإنّا لو فرضنا عدم الشكّ في البقاء ، لكانت الطهارة والزوجيّة باقيتين في عمود الزمان إلى الأبد ، فإنّ شيئا منهما غير محدود بحدّ زماني ، وهكذا الشكّ في تحقّق الغاية في الشبهة الموضوعيّة كالشكّ في تحقّق غاية وجوب الصبح ـ وهي طلوع الشمس ـ من جهة الأمور الخارجيّة ـ فنقض مثل هذا اليقين منحصر بالشكّ ، إذ لولاه لكان المتيقّن عاملا بيقينه بحسب جبلّته.

وأمّا إذا لم يكن اليقين كذلك ، بل كان بحيث لو فرض محالا عدم وجود الشكّ أيضا ، لما كان باقيا إلى الأبد ، بل كان من أوّل الأمر مقتضيا للجري في أمد خاصّ ، وهذا كخيار الغبن ممّا لا يعلم أنّه مرسل أو محدود في عمود الزمان ، أو

__________________

(١) أقول : لزوم تعلّق النقض على شيء خاصّ كأن يكون له ثبوت واستمساك غير صحيح. نعم ، كثيرا ما يكون الأمر كذلك لكن كثرة الاستعمال غير كون مفهومه كذلك ، بل استعماله في بعض الموارد غير صحيح ولو كان ما أسند إليه مستمسكا كالحديد ، فإنّه لا يصحّ أن يقال : انقض الحديد ، فليس كلّ ما كان مستمسكا كان استعمال النقض بالنسبة إليه صحيحا ، وكذا ليس كلّ ما ليس له استمساك أن يكون استعماله فيه غير صحيح ، بل تختلف الموارد. (م).

وجوب العشاءين المردّدة غايته بين نصف الليل وطلوع الفجر ، ووجوب الظهرين ، المردّدة غايته من حيث المفهوم بين استتار القرص وذهاب الحمرة ، فنقض مثل هذا اليقين ليس نقضا لليقين بالشكّ ، إذ لو فرض محالا عدم وجود الشكّ في البقاء أيضا ، لما كان اليقين مقتضيا للجري وموجبا لبقاء الخيار بعد ساعة مثلا في الأوّل ، أو بقاء الوجوب ـ أي وجوب العشاءين ـ إلى طلوع الفجر في الثاني ، وبقاء وجوب الظهرين إلى ذهاب الحمرة في الثالث ، فالشكّ في هذه الموارد ليس موجبا لعدم الجري على طبق اليقين في زمان الشكّ ، بل اليقين من أوّل الأمر لم يكن مقتضيا للجري أزيد من المقدار المتيقّن.

والحاصل : أنّ أخبار الباب لا تشمل موارد لا يكون للمستصحب فيها بقاء واستمرار في عمود الزمان لو لا وجود شيء أو عدم شيء ، إذ النقض في هذه الموارد ليس نقضا لليقين بالشكّ ، بل هي شاملة لموارد يكون للمستصحب فيها اقتضاء للجري لو لا الشكّ ، كالشكّ في وجود الرافع أو رافعيّته ، أو تحقّق الغاية موضوعا ، إذ النقض في هذه الموارد نقض لليقين بالشكّ.

بقي شيء ، وهو : أنّ شيخنا الأستاذ قدس‌سره بعد ما بنى على ما بنى عليه الشيخ قدس‌سره من التفصيل ، أورد على نفسه سؤالا ، وهو : أنّ الروايات التي ذكر فيها لفظ «النقض» أو ما يلحق به ـ مثل قوله عليه‌السلام : «اليقين لا يدخله الشكّ» كما في رواية (١) ، أو «لا يدفع بالشكّ» كما في أخرى (٢) ، فإنّ (٣) الدخول أو الدفع فرع

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٥١ ـ ٣٥٢ ـ ٣ ، التهذيب ٢ : ١٨٦ ـ ٧٤٠ ، الاستبصار ١ : ٣٧٣ ـ ١٤١٦ ، الوسائل ٨ : ٢١٦ ـ ٢١٧ ، الباب ١٠ من أبواب الخلل ، الحديث ٣.

(٢) الإرشاد ـ للمفيد ـ ١ : ٣٠٢ ، مستدرك الوسائل ١ : ٢٢٨ ، الباب ١ من أبواب نواقض الوضوء ، الحديث ٤.

(٣) وجه الإلحاق. (م).

اقتضاء اليقين للجري في نفسه ، وإلّا فإن كان اليقين غير مقتض لذلك من أوّل الأمر ، بل يزول بنفسه في عمود الزمان ، فلا يقين حتى لا يدخل أو لا يدفع بالشكّ ـ غير شاملة لمورد الشكّ في المقتضي ، لا أنّها تكون مانعة عن جريان الاستصحاب ، فتبقى الروايات التي ليس فيها لفظ «النقض» ـ مثل قوله عليه‌السلام في رواية محمد بن مسلم : «من كان على يقين فشكّ فليمض على يقينه» (١) إلى آخره ، وغير ذلك ممّا أمر بالمضيّ على طبق اليقين السابق ـ على عمومها من شمولها للشكّ في المقتضي أيضا.

وأجاب عن ذلك : بأنّ التعدّي عن موارد هذه الروايات من الشكّ في الطهارة وغير ذلك إنّما يقتصر عليه بمقدار نقطع بعدم الخصوصيّة له ، وأمّا الشكّ في المقتضي فنحتمل ـ احتمالا قويّا ـ أن تكون له خصوصيّة لا يجري معها فيه الاستصحاب ، ولا نقطع بعدم الفرق بينه وبين الشكّ في الرافع ، فلا يمكن التمسّك بها على ذلك (٢). هذا ملخّص مرام الشيخ وشيخنا الأستاذ قدس‌سرهما ، وما يمكن أن يقال في توجيه ما أفاداه في المقام.

لكنّ التحقيق عدم اختصاص الحجّيّة بموارد الشكّ في الرافع وموارد الشكّ في الغاية فيما كانت الشبهة فيه مصداقيّة ، بل مقتضى القاعدة هو التعميم ، وذلك لأنّ لازم هذا التقريب أن لا يجري الاستصحاب في موارد الشكّ في الغاية في الشبهة المصداقيّة أيضا ، فإنّ اليقين بوجوب صلاة الصبح من الأوّل لم يكن مقتضيا للجري العملي بالنسبة إلى زمان الشكّ سيّما إذا كان الشكّ بين الأقلّ والأكثر ، مثلا : لو شككنا أنّ ما بين الطلوعين في هذا الفصل

__________________

(١) الخصال : ٦١٩ ، الوسائل ١ : ٢٤٦ ـ ٢٤٧ ، الباب ١ من أبواب نواقض الوضوء ، الحديث ٦.

(٢) أجود التقريرات ٢ : ٣٧٨ ـ ٣٨١.

مقدار ساعتين إلّا الربع ، أو ساعة ونصف ، فاليقين بوجوب صلاة الصبح من الأوّل محدود بساعة ونصف ، فالمقتضي قاصر عن زمان الشكّ من الأوّل.

وهكذا لازمه أن لا يجري الاستصحاب في موارد الشكّ في النسخ بناء على ما هو الحقّ من أنّ حقيقة النسخ هي الدفع ، وأنّ الحكم من الأوّل غير مرسل ، وله أمد خاصّ لم يبيّن إلّا زمان ورود دليل الناسخ ، فإنّ مقتضي الجري العملي فيه أيضا قاصر من الأوّل ، مع أنّه نقل الاتّفاق على جريان الاستصحاب فيه ، بل ادّعى المحدّث الأسترآبادي ثبوت الضرورة على ذلك (١).

هذا ، مضافا إلى أنّ ما ذكر من التقريب جار في جميع موارد الشكّ في الرافع ، بداهة أنّه في الزوجيّة أو الملكيّة في المعاطاة وغير ذلك ـ ممّا يكون مرسلا في عمود الزمان ـ أيضا لم يكن اليقين مرسلا ، بل الزوجيّة بعد قول الزوج : «أنت خلية» أو «بريّة» أو الملكيّة بعد قول أحد المتبايعين : «فسخت» لم تكن متيقّنة من أوّل الأمر حتى يحرم نقض اليقين المتعلّق بها بالشكّ.

وبالجملة ، اليقين في جميع الموارد محدود ، غاية الأمر أنّ حدّه هو الزمان في موارد ـ وسمّيناه بالشكّ في المقتضي ـ والزماني في غيرها ، فلازم هذا التقريب إنكار الاستصحاب مطلقا حتى في الشكّ في الغاية فيما كانت الشبهة فيه مصداقيّة ، مع أنّ مورد بعض روايات الاستصحاب ذلك على ما سيجيء ، فإنّ قوله عليه‌السلام : «صم للرؤية وأفطر للرؤية» (٢) مورده الشكّ في حصول الغاية مع أنّ وجوب الصوم لا يعلم تعلّقه من الأوّل بأزيد من تسعة وعشرين يوما ، فالمقتضي بالقياس إلى اليوم الثلاثين قاصر من أوّل الأمر.

__________________

(١) كما في فرائد الأصول : ٣٤٧.

(٢) التهذيب ٤ : ١٥٩ ـ ٤٤٥ ، الاستبصار ٢ : ٦٤ ـ ٢١٠ ، الوسائل ١٠ : ٢٥٥ ـ ٢٥٦ ، الباب ٣ من أبواب أحكام شهر رمضان ، الحديث ١٣.

وحلّ المطلب : أنّ الأمر في الاستصحاب وصدق نقض اليقين بالشكّ لو كان مبنيّا على الدقّة ، لكان الأمر كما أفاده ، وقد عرفت أنّ لازمه إنكار حجّيّة الاستصحاب بالمرّة.

وأمّا لو كان الأمر مبنيّا على المسامحة العرفيّة ، وأنّ نقض اليقين بالشكّ عرفا هو رفع اليد عملا عن اليقين بشيء في زمان ـ كعدالة زيد في يوم الجمعة ـ بواسطة الشكّ في بقاء ذلك الشيء بعينه بعد ذلك الزمان ولا يعتبر أزيد من ذلك في اعتبار الاستصحاب ، فلا بدّ من التعميم بالنسبة إلى جميع الموارد ، ولا وجه للتفصيل ، وحيث لا يمكن إنكار الاستصحاب على الإطلاق ، فلا مناص عن عدم الفرق بين الشكّ في المقتضي والمانع ، والعناية المصحّحة لاستعمال النقض وإسناده إلى اليقين في جميع الموارد هي أنّ اليقين أمر مبرم مستحكم في قبال الظنّ والشكّ اللذين لا يكونان كذلك.

ثمّ لو أغمضنا عن جميع ذلك ، فما ذكر إنّما يتمّ في استصحاب الأحكام التي اعتبار إرسالها وتقييدها بيد الشارع ، وأمّا في الموضوعات التي ليست كذلك فيرد عليه ما أورده الشيخ نفسه على المحقّق القمّي (١) من أنّه يلزم الهرج والمرج في الفقه ، إذ في غالب الموارد لا يعلم مقدار الاستعداد ، ولا يدخل تحت ضابطة ، ويتفاوت الحال بالنسبة إلى الصحيح والمريض ، والضعيف والقويّ ، والشابّ والشائب ، وغير ذلك من الحالات التي يختلف مقدار الاستعداد باختلافها.

بقي الكلام فيما أفاده من التفصيل بين ما كان دليل المستصحب هو الكتاب أو السنّة أو الإجماع ، فيجري الاستصحاب ، وبين ما كان دليله هو العقل

__________________

(١) لم نعثر عليه في مظانّه.

فلا يجري (١).

فنقول : إنّ الشبهة في هذه الموارد تارة موضوعيّة وأخرى حكميّة.

أمّا الموضوعيّة : فعبارة الشيخ قدس‌سره فيها مشوّشة ، وقد استظهر من كلامه أنّه يجري الاستصحاب ـ بناء على اعتبار الاستصحاب من باب الظنّ ـ فيما إذا كان المستصحب هو إضرار السمّ ـ مثلا ـ الّذي حكم العقل بقبح شربه ، فيجري الاستصحاب ، لأنّه يحصل منه الظنّ بالضرر ، فيترتّب عليه حكم العقل بقبح الشرب ، ولا يجري بناء على اعتباره من باب التعبّد (٢).

وفيه : أنّ الاستصحاب على تقدير إفادته للظنّ لا يفيد إلّا الظنّ النوعيّ ، وموضوع الحكم بالقبح هو الظنّ الشخصي بالضرر لا غير.

هذا ، مضافا إلى أنّ موضوع حكم العقل بالقبح هو خوف الضرر ، المجتمع مع احتماله أيضا ، لا خصوص الظنّ بالضرر.

والتحقيق : أنّ الاستصحاب في الشبهة الموضوعيّة جار بلا إشكال ، فإنّ موضوع حكم العقل ـ بعد ما أحرز له بالوجدان أو بالتعبّد الاستصحابي ـ يترتّب عليه حكمه لا محالة ، مثلا : لو فرضنا أنّ العقل استقلّ بأنّ من كان مستقيما في دينه وعادلا ، يحسن إكرامه ، فإذا كان زيد ـ مثلا ـ عادلا مستقيما في دينه في زمان ثمّ شككنا في بقائه على استقامته وعدالته ، فلا مانع من استصحاب عدالته ، وبعد حكم الشارع بعدالته يحكم العقل بحسن إكرامه.

وأمّا الشبهة الحكميّة : فوجه عدم جريان الاستصحاب فيها أنّ المناط في الجريان وعدمه في جميع الموارد هو صدق نقض اليقين بالشكّ عرفا ، لا من باب أنّ العرف نبيّ مشرّع ، بل من جهة أنّه المقصود بالخطابات الإلهية

__________________

(١) فرائد الأصول : ٣٢٥.

(٢) فرائد الأصول : ٣٧٨ ـ ٣٧٩.

الشرعيّة ، ففهمه هو المتّبع في استفادة الأحكام ، ومن المعلوم أنّه لا يصدق نقض اليقين بالشكّ إلّا إذا كان المتيقّن بنظر العرف عين المشكوك.

وحينئذ إن أخذت في موضوع الحكم قيود وخصوصيّات ، فتارة تكون هذه القيود ـ كلّا أو بعضا ـ بنظر العرف ممّا له دخل في الحكم ، وممّا يكون قوام الحكم به ، وهذا كما في قيد «المجتهد» المأخوذ في موضوع وجوب التقليد ، فإنّ العرف يرى أنّه من مقوّمات الموضوع بحيث ينتفي بانتفائه ، ولذا لا يتأمّل ـ فيما إذا زال اجتهاد شخص بسبب النسيان أو الجنون أو غير ذلك ـ في عدم شمول الحكم له ، ولو حكم الشارع بوجوب تقليده في هذا الحال أيضا ، يرى هذا حكما جديدا في موضوع جديد ، لإبقاء للحكم السابق ، ففي مثل ذلك لا يجري الاستصحاب قطعا ، لعدم صدق النقض عرفا يقينا.

وأخرى لا تكون كذلك ، وليس القيد ممّا يكون قوام الموضوع به عرفا ، وهذا كما في قيد «التغيّر» المأخوذ في موضوع نجاسة الماء المتغيّر ، فإنّ العرف لا يرى التغيّر إلّا علّة لحدوث النجاسة ، والموضوع في نظره هو الماء لا غير ، ولذا لو حكم الشارع بنجاسة الماء المتغيّر ، بعد زوال تغيّره ، يرى هذا الحكم بقاء للحكم السابق ، لا حكما جديدا في موضوع جديد ، وفي مثله لا ريب في جريان الاستصحاب ، لصدق النقض عرفا.

وثالثة يشكّ العرف في صدق النقض من جهة الشكّ في أنّ القيد ممّا له دخل في الموضوع كالاجتهاد ، أو ممّا يكون علّة لحدوث الحكم كالتغيّر ، وفي مثله لا يجري الاستصحاب من جهة الشكّ في صدق النقض ، فالتمسّك ب «لا تنقض» تمسّك بالعامّ في الشبهة المصداقيّة ، ففي كلّ مورد لم يصدق فيه نقض اليقين بالشكّ ، أو شكّ في ذلك لا يجري الاستصحاب ، وهذا لا يصدق فيما إذا شكّ في بقاء الحكم الّذي مدركه العقل بمقدّمتين :

الأولى : أنّ العقل الحاكم ، بل كلّ حاكم ومقنّن لا يعقل أن لا يدري موضوع حكمه وقانونه ، وأنّ أيّ شيء له دخل في حكمه ، وأيّ شيء ليس كذلك ، فالعقل إذا حكم بحكم على موضوع ، يكون جميع ما أخذ في الموضوع من القيود والخصوصيّات ممّا له دخل في حكمه ، وممّا له قوام موضوع حكمه ، فإذا انتفى قيد من القيود ، يرتفع موضوع حكمه ، ويقطع بأنّه لا حكم له.

الثانية : أنّ الحكم الشرعي الثابت لهذا الموضوع بتبع حكم العقل بقاعدة الملازمة أيضا يرتفع بارتفاع موضوع الّذي هو عين موضوع حكم العقل بسبب انتفاء قيد من قيوده ، فالموضوع إن كان باقيا بجميع قيوده ، فلا شكّ في بقاء الحكم أيضا ، وإن لم يكن باقيا كذلك ، يقطع بارتفاع الحكم ، فنقض اليقين باليقين لا بالشكّ (١).

وأجاب شيخنا الأستاذ قدس‌سره عن مقدّمته الأولى بأنّ حكم العقل ليس مركّبا من قضيّة إيجابيّة وقضيّة أخرى سلبيّة ، بمعنى أنّه يحكم بوجود ملاك الحكم الشرعي في هذا الموضوع مع هذه الخصوصيّات العشر ، ويحكم أيضا بعدم الملاك فيما إذا انتفت واحدة منها حتى يكون حكمه إمّا مقطوع الوجود أو مقطوع العدم ، بل العقل يدرك أنّ هذا الموضوع مع هذه الخصوصيّات العشر ، فيه ملاك الحكم الشرعي ، وفي صورة انتفاء إحداها لا يدرك وجود الملاك ، لا أنّه يدرك عدمه ، فإذا كان الموضوع باقيا بنظر العرف ، ويحتمل أنّ مناط حكم الشارع أعمّ من مناط حكم العقل ، فلا مانع من استصحاب الحكم الشرعي (٢).

وهذا الجواب غير تامّ ، إذ مراد الشيخ من الحكم العقلي في المقام ـ على

__________________

(١) فرائد الأصول : ٣٧٨ ـ ٣٧٩.

(٢) أجود التقريرات ٢ : ٣٥١ ـ ٣٥٢.

ما هو صريح عبارته (١) وتمثيله بحكم العقل بقبح العقاب بلا بيان وقبح الظلم ـ هو ما استقلّ العقل به ولو لم يكن في العالم شرع ودين ، لا ما يدركه من ملاكات الأحكام ، ضرورة أنّ العقل إذا أدرك ملاك الحكم وعلّته التامّة ، فلا محالة يقطع بالحكم الشرعي ، ولا مجال للبحث عن ثبوت الملازمة بين الحكمين ، إذ لم يستشكل عاقل في منتجيّة الشكل الأوّل حتى الأشعري ، وإدراك العلّة إدراك للمعلوم ، والقطع بالملزوم قطع بلازمه لا محالة.

وبالجملة ، ما أفاده الشيخ في المقدّمة الأولى تامّ لا إشكال فيه.

نعم ، يرد على مقدّمته الثانية ما أورده شيخنا الأستاذ (٢) قدس‌سره من أنّه لو كان الأمر في الاستصحاب مبنيّا على المسامحة العرفية لا على الدقّة العقليّة ، يجري استصحاب الحكم الشرعي التابع للحكم العقلي ولو انتفى بعض القيود التي لها دخل في مناط حكم العقل ، إذ يمكن أن يكون ملاك الحكم الشرعي قائما بالأعمّ من الواجد والفاقد ، فإذا كان الموضوع باقيا عرفا وكان محكوما بحكم شرعي في زمان وشكّ فيه بعد ، يصدق نقض اليقين بالشكّ ، فيجري الاستصحاب بلا إشكال.

وبالجملة ، في كلّ مورد صدق فيه نقض اليقين بالشكّ عرفا ، يجري الاستصحاب ، فلا وجه للتفصيلات المذكورة في المقام.

نعم ، هناك تفصيل ـ أشرنا إليه سابقا وأنّه المختار وفاقا للفاضل النراقي (٣) وقاطبة المحدّثين ـ وهو جريان الاستصحاب في الشبهات الموضوعيّة ، والأحكام الكلّيّة التي نشأ الشكّ فيها من الشكّ في النسخ وعدمه ، والأحكام

__________________

(١) فرائد الأصول : ٣٧٨.

(٢) أجود التقريرات ٢ : ٣٥٢ ـ ٣٥٣.

(٣) مناهج الأصول : ٢٤١ ـ ٢٤٢.

الجزئية كطهارة الثوب ونجاسته ، وعدم جريانه في الأحكام الكلّيّة التي نشأ الشكّ فيها من الشكّ في سعة دائرة الجعل وضيقها كنجاسة الماء المتغيّر ، بعد زوال تغيّره من قبل نفسه.

وتوضيح ذلك : أنّه قد مرّ غير مرّة أنّ للحكم مرحلتين :

الأولى : مرحلة الجعل. وفي هذه المرحلة يوجد الحكم بعد ما لم يكن موجودا ، ويجعل ـ مثلا ـ وجوب الحجّ على المكلّف المستطيع الّذي لوحظ مفروض الوجود ، فيقال : إنّه جعل وجوب الحجّ في الشريعة المقدّسة.

والثانية : مرحلة المجعول. وهذه المرحلة مرحلة انقلاب موضوع الحكم ـ وهو المكلّف المستطيع في المثال ـ من عالم الفرض والتقدير إلى عالم الواقع والتحقيق ، فإذا وجد في الخارج مستطيع جامع لجميع شرائط الوجوب ، يقال : إنّ الحجّ وجب عليه ، وجعل على عهدته ، فهو مجعول في حقّه ، ونحن نسمّيهما بالاعتبار والمعتبر ـ وقد ذكرنا هناك أنّه ليس من باب الإيجاد والوجود ، وأنّه نظير الإيصاء بملكيّة زيد لشيء بعد الموت ، فلا مانع من تأخّر المعتبر عن الاعتبار ـ وإن شئت ، فسمّهما بالجعل والمجعول ، والإنشاء والفعليّة ، ولا مناقشة في الاصطلاح.

وبعد ذلك نقول : إذا شككنا في بقاء اعتبار الشارع لحلّيّة البيع مثلا بعد ما اعتبرها يقينا ، يصدق نقض اليقين بالشكّ ، فيجري الاستصحاب ، ونحكم ببقاء اعتبار حلّيّة البيع ، وليس منشأ الشكّ في بقاء الجعل والاعتبار على ما هو عليه من سعته وضيقه إلّا الشكّ في النسخ وعدمه ، فهذا الاستصحاب عبارة أخرى عن استصحاب عدم النسخ.

وإذا تحقّق في الخارج بيع ، وانتقل العوضان من كلّ من المتبايعين إلى الآخر ، ثمّ شككنا في بقاء هذا المعتبر ـ وهو الملكيّة التي اعتبرها الشارع لهما

بسبب البيع ـ وعدمه ، نستصحب بقاءه ، وهذا هو استصحاب المجعول والمعتبر ، ونحن نسمّيه باستصحاب الحكم الفعلي ، وهكذا استصحاب بقاء نجاسة الثوب ، وبقاء الوضوء ، ومنشأ الشكّ في هذه الأحكام ليس إلّا الأمور الخارجيّة ، وإلّا فالحكم من الحلّيّة أو الطهارة ـ أي الوضوء ـ أو نجاسة ملاقي النجس لا شكّ في جعله في الشريعة ، والشكّ في هذين القسمين ليس في سعة الحكم وضيقه ، بل الحكم على ما هو عليه من السعة والضيق معلوم الحدوث ، وإنّما الشكّ في بقائه من جهة النسخ أو من جهة أمور خارجيّة.

وإذا شككنا في بقاء الحكم الشرعي من جهة الشكّ في سعة دائرة الجعل وضيقها كما إذا شكّ في بقاء نجاسة الماء المتغيّر ، بعد زوال تغيّره ، فإنّ منشأ الشكّ هو أنّ حكم النجاسة هل هو حكم وسيع يشمل حال ثبوت التغيّر للماء وحال زواله أو أنّه حكم ضيق متعلّق بالماء المتغيّر ما دام متغيّرا دون ما إذا زال تغيّره؟ وفي هذا القسم ـ كما أفاده الفاضل النراقي (١) ـ لا يجري الاستصحاب ، لا من جهة عدم شمول دليله له ، بل من جهة المعارضة بين استصحاب عدم الجعل ، واستصحاب المجعول ، فإنّ عندنا يقينين وشكّين : يقينا متعلّقا بنجاسة هذا الماء الشخصي حال تغيّره ، ونشكّ في بقائه ، فيشمله «لا تنقض اليقين بالشكّ» ويقينا آخر متعلّقا بعدم جعل هذا الحكم في زمان ، إذ نقطع بأنّ الماء المتغيّر لم يكن محكوما بحكم النجاسة في زمان لا حال تغيّره ولا حال زوال تغيّره ، فصار محكوما بالنجاسة حال تغيّره ، وجعلت له النجاسة في هذا الحال قطعا ، ونشكّ في أنّه هل حكم بالنجاسة وجعل له هذا الحكم بعد زوال تغيّره أيضا أم لا؟ مقتضى «لا تنقض اليقين بالشكّ» أنّه لم تجعل له النجاسة في

__________________

(١) مناهج الأصول : ٢٤١ ـ ٢٤٢.

حال الزوال ، ولم يعتبر له هذا الحكم.

ونظير ذلك ما مثّل به الفاضل النراقي (١) قدس‌سره من أنّه إذا علم بوجوب الجلوس إلى زوال يوم الجمعة ، وشكّ في وجوبه بعد الزوال ، يعارض استصحاب الحكم المجعول ـ أي وجوب الجلوس ، المتيقّن قبل الزوال ـ باستصحاب عدم جعل الوجوب أزيد من هذه المدّة المعلومة.

وعلى هذا التقريب لا يرد عليه ما أورده صاحب الكفاية من أنّه لو كانت العبرة في تعيين الموضوع بالدقّة ونظر العقل ، لا يجري إلّا استصحاب عدم وجوب الجلوس ، وأمّا إذا كانت العبرة بنظر العرف ، فلا مجال إلّا لاستصحاب الوجوب (٢).

وهكذا لا يرد عليه ما أورده الشيخ قدس‌سره من أنّ الزمان إن أخذ قيدا ، فلا مجال إلّا لاستصحاب عدم الوجوب ، وإن أخذ ظرفا ، فلا مجال إلّا لاستصحاب وجوب الجلوس ، فالجمع بينهما يشبه الجمع بين النقيضين (٣).

وذلك لأنّ ظاهر كلامه قدس‌سره ما ذكرنا من أنّ استصحاب عدم الجعل أزيد من وجوب هذه المدّة المعلومة يعارض استصحاب المجعول والحكم الفعلي الّذي هو الوجوب قبل الزوال ، ولكلّ من الاستصحابين يقين وشكّ مستقلّ ، لا أنّ استصحاب ثبوت المجعول يعارض استصحاب عدمه الأزلي حتى يرد عليه ما ذكر.

ولا مورد أيضا للإيراد الّذي أورده النراقي (٤) على نفسه ـ وأجاب عنه ـ من

__________________

(١) مناهج الأصول : ٢٤٢.

(٢) كفاية الأصول : ٤٦٦.

(٣) فرائد الأصول : ٣٧٧.

(٤) مناهج الأصول : ٢٤٢.

أنّ الشكّ في استصحاب عدم الوجوب غير متّصل باليقين ، ضرورة أنّه لا يعتبر اتّصال الشكّ باليقين في الاستصحاب ، ولذا نستصحب العدالة المتيقّنة بعد أن نمنا ، بل المعتبر اتّصال المشكوك بالمتيقّن.

فالصحيح هو ما أفاده النراقي قدس‌سره من ثبوت التعارض بين الاستصحابين في أمثال المقام.

وأوضح من ذلك : ما إذا كان الحكم المشكوك في سعة دائرته وضيقها انحلاليّا ، كحرمة الوطء ، فإنّ كلّ فرد من أفراد الوطء في الخارج له إطاعة وعصيان ، فإذا علمنا بحرمة أفراد الوطء ، التي تتحقّق في زمان الحيض ، وشككنا في حرمة الأفراد المتحقّقة بعد النقاء قبل الاغتسال من جهة تردّد (يَطْهُرْنَ) بين قراءته بالتشديد وقراءته بالتخفيف ، فتعارض استصحاب عدم جعل الحرمة لهذه الأفراد المشكوكة من الوطء مع استصحاب حرمة الوطء ، المتيقّنة قبل النقاء واضح ، إذ ليس التكليف هنا تكليفا واحدا حتى يتوهّم أنّه لا مجال لاستصحاب عدم الجعل.

هذا ، وقد ذكر وتوهّم عدم معارضة الاستصحابين لأمور :

الأوّل : أنّ استصحاب عدم جعل النجاسة لهذا الماء مثلا في مرتبته معارض باستصحاب عدم جعل الطهارة له أيضا ، فيبقى استصحاب الحكم الفعلي الّذي هو النجاسة الثابتة قبل زوال التغيّر بلا معارض.

وفيه أوّلا : أنّ استصحاب عدم جعل الطهارة لا يجري حتى يعارض استصحاب عدم جعل النجاسة ، فإنّ مقتضى أدلّة البراءة ـ من قوله : «ما حجب الله علمه عن العباد فهو موضوع عنهم» (١) وقوله : «لا يكلّف الله نفسا إلّا ما

__________________

(١) الكافي ١ : ١٦٤ ـ ٣ ، التوحيد : ٤١٣ ـ ٩ ، الوسائل ٢٧ : ١٦٣ ، الباب ١٢ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ٣٣.

آتاها» (١) وما يظهر من رواية عكاشة (٢) ـ المذكورة في قاعدة الميسور ـ عند السؤال عن تكرار الحجّ من أنّ الهلاك بكثرة السؤال ، وأنّ المكلّف لا بدّ أن يأتمر بأمر الشارع وينتهي عن نهيه دون أن يسأل عمّا لم يأمر به ولم ينه عنه ـ هو : أنّ الأشياء في أوّل الشريعة كانت مباحة ومرخّصا فيها وإنّما جعلت الأحكام الإلزاميّة تدريجا وشيئا فشيئا ، فكلّ حكم إلزامي كان مسبوقا بالإباحة فالنجاسة أيضا كانت مسبوقة بالطهارة ، فاستصحاب عدم جعل النجاسة ليس له معارض في مرتبته.

وثانيا : أنّ استصحاب عدم جعل الطهارة لو سلّم جريانه ، فلا مانع من استصحاب عدم جعل النجاسة أيضا ، إذ لا تلزم من إجراء الاستصحابين مخالفة عمليّة ، ولا من التعبّد بهما التعبّد بالمتناقضين أو الضدّين ، وسيجيء ـ إن شاء الله في آخر الاستصحاب ـ أنّ التمانع بين الاستصحابين ليس إلّا من جهة المخالفة العمليّة أو التعبّد بالضدّين أو المتناقضين ، كما في استصحاب طهارة كلا المائعين اللذين يعلم بنجاسة أحدهما لملاقاته البول مثلا ، فإنّه تلزم منه مخالفة عمليّة ، وكاستصحاب النجاسة والطهارة فيما إذا عرضت له الحالتان واشتبهت المتقدّمة منهما بالمتأخّرة ، فإنّ التعبّد بهما تعبّد بالضدّين ، وأمّا إذا لم يلزم شيء من ذلك ، كاستصحاب نجاسة المائعين النجسين اللذين علم بإصابة المطر لأحدهما إجمالا ، فلا محذور في إجراء استصحاب النجاسة في كليهما ، والمقام من هذا القبيل.

وثالثا : لو سلّمنا التعارض ، فاستصحاب عدم جعل النجاسة إنّما يعارض كلا الاستصحابين ، وهما : استصحاب عدم جعل الطهارة ،

__________________

(١) الكافي ٤ : ٥٦ ـ ٨ ، الوسائل ٢١ : ٥٥٦ ، الباب ٢٨ من أبواب النفقات ، الحديث ٣.

(٢) انظر مجمع البيان ٣ ـ ٤ : ٣٨٦ ، والدرّ المنثور ـ للسيوطي ـ ٣ : ٢٠٦.

واستصحاب بقاء النجاسة المجعولة له قبل زوال تغيّره ، وذلك لأنّ الشبهة ـ على الفرض ـ حكميّة ، والميزان فيها ـ كما ذكرنا ـ إنّما هو يقين المجتهد وشكّه ، وفي المقام تحصل للمجتهد آن الالتفات إلى هذا الحكم ثلاثة يقينات وثلاثة شكوك في عرض واحد وفي مرتبة واحدة ، فتتعارض الاستصحابات الثلاثة بأجمعها في عرض واحد.

الثاني : دعوى أنّ استصحاب النجاسة ليس في مرتبة استصحاب عدم جعل النجاسة ، فإنّ الشكّ فيها مسبّب عن الشكّ في سعة دائرة الجعل وضيقها ، فهو محكوم لا يجري مع وجود الأصل الحاكم ، وهو استصحاب عدم جعل النجاسة.

وبالجملة ، لا تعارض في البين ، أي بين استصحاب عدم الجعل واستصحاب بقاء النجاسة المجعولة ، بل إمّا يجري استصحاب النجاسة المجعولة فقط على تقدير تعارض الاستصحابين في مرتبة الجعل ، أو استصحاب عدم جعل النجاسة فقط على تقدير عدم تعارضه مع استصحاب عدم جعل الطهارة ، لكونه حاكما على استصحاب النجاسة المجعولة.

وهذه الدعوى ساقطة ، فإنّ الاستصحاب المسبّبي وإن كان في طول الاستصحاب السببي ومتأخّرا عنه في الرتبة إلّا أنّ كلّ ما يكون الشكّ فيه سببا للشكّ في غيره لا يكون استصحابه مقدّما على استصحاب الغير المسبّب شكّه عنه ما لم تكن السببيّة شرعيّة ، والسببيّة في المقام ليست بشرعيّة ، ضرورة أنّ رفع الشكّ في نجاسة الماء المتغيّر ، بعد زوال تغيّره لا يكون أثرا شرعيّا لاستصحاب عدم جعل النجاسة له ، بل ممّا يترتّب عليه عقلا ومن لوازمه القهرية ، وليس كالحكم بطهارة الثوب المغسول بالماء المستصحب الطهارة ، التي هي من الآثار الشرعيّة للطهارة الاستصحابيّة.

الثالث : ما أفاده شيخنا الأستاذ قدس‌سره من أنّ استصحاب عدم جعل النجاسة أو عدم جعل الوجوب فيما بعد الزوال ليس له أثر ، فإنّ عدم الجعل كالجعل لا يترتّب عليه أثر ما لم يصر المجعول فعليّا في حقّ المكلّف ، مثلا : جعل الحجّ على المستطيع أو عدم جعله عليه لا يترتّب عليه أثر ـ وهو لزوم التحرّك عن هذا التحريك عقلا ، أو جواز ترك الحجّ ـ ما لم يصر هذا التكليف فعليّا بأن وجد جميع شرائطه التي منها الاستطاعة ، فاستصحاب عدم الجعل بنفسه ليس له أثر ، وإجراؤه لإثبات عدم المجعول الّذي له أثر يكون من الأصل المثبت الّذي لا نقول به (١).

وهذا الّذي أفاده غير تامّ ، لما ذكرنا في بحث البراءة من أنّ نسبة استصحاب عدم المجعول إلى استصحاب عدم الجعل ليست من نسبة اللوازم العقليّة إلى ملزوماتها ، إذ ليس هناك وجودان حتى يكون أحدهما لازما للآخر ، بل هناك وجود واحد ، وهو استصحاب عدم اعتبار الشارع ، وعدم جعله للنجاسة ، والأثر العقلي ـ الّذي هو الترخيص في الاستعمال وعدم لزوم الاجتناب ـ إنّما يترتّب على نفس عدم الجعل ، بمعنى عدم اعتبار الشارع نجاسة الماء المتغيّر ، بعد زوال تغيّره.

بيان ذلك أنّ الاعتبار نظير التصوّر ، فكما يمكن أن نتصوّر الموجود بالفعل ونحكم عليه بشيء ، ونتصوّر أيضا أمرا متأخّرا ، ونحكم عليه بشيء ، فنقول : قيام زيد غدا حسن ، كذلك يمكن اعتبار أمر بالفعل بحيث يكون زمان واحد ظرفا للاعتبار والمعتبر معا ، واعتبار أمر متأخّر ، فعلا بحيث يكون ظرف الاعتبار متقدّما على ظرف المعتبر ، والأوّل نظير اعتبار ملكيّة عين من الأعيان

__________________

(١) أجود التقريرات ٢ : ٤٠٤ ـ ٤٠٦.

لشخص ببيع ونحوه ، والثاني نظير الإيصاء ، فإنّه اعتبار للملكيّة بعد الموت ، والواجب المشروط أيضا حقيقته ترجع إلى هذا ، فإنّه يعتبر قبل الزوال وجوب الصلاة عند الدلوك ، أو يعتبر ـ حين يعتبر ـ وجوب الحجّ عند حصول الاستطاعة ، وفرقه مع الواجب التعليقي على هذا ظاهر ، فإنّ الواجب التعليقي نظير إجارة العين المستأجرة سنة ، فإنّ الموجر بالفعل يعتبر ملكيّة المنفعة للمستأجر ، لكن زمان متعلّق معتبره ـ وهو المنفعة بعد انقضاء سنة ـ متأخّر.

والحاصل : أنّ زمان الاعتبار والمعتبر في الواجب التعليقي واحد ، وإنّما يكون متعلّق المعتبر متأخّرا ، وزمان الاعتبار في الواجب المشروط فعليّ ، وأنّ المعتبر مقيّد بالزمان المتأخّر أو زمانيّ كذلك.

وبالجملة ، إذا اعتبر الشارع كون فعل على ذمّة المكلّف ، وجعله على عهدته في أيّ وعاء من الأوعية ، فما دام هذا الاعتبار باقيا ، يترتّب عليه حكم العقل بوجوب الانبعاث عن بعث المولى ولزوم إطاعته في ظرفه ، وإذا ثبت عدم الاعتبار ولو بالأصل ، فلا بعث حتى يحكم العقل بلزوم الانبعاث عنه ، فإذا استصحبنا عدم جعل وجوب الجلوس بعد الزوال ، فالعقل يحكم بعدم استحقاق العقاب على ترك الجلوس في ظرفه ، وهذا عين استصحاب عدم المجعول لا أمر ملازم له.

وممّا يوضّح ذلك : أنّه لم يستشكل أحد في استصحاب عدم النسخ عند الشكّ في النسخ ، مع أنّ استصحاب بقاء الجعل وعدم نسخه لو لم يترتّب عليه أثر فإثباته لبقاء المجعول الّذي يترتّب عليه الأثر من الأصل المثبت.

هذا ، ولكن مع ذلك لا نوافق النراقي قدس‌سره على الإطلاق ، بل نفصل بين ما كان المستصحب حكما إلزاميّا أو مستتبعا له كالنجاسة ، وما لم يكن كذلك ، بل كان حكما غير إلزامي أو ما يستتبع ذلك ، كما في الطهارة عن الحدث ،

المستصحبة عند خروج المذي ، فنلتزم بعدم الجريان في الأوّل ، للتعارض ، وبالجريان في الثاني ، لعدم تعارض استصحاب عدم الجعل مع استصحاب المجعول في هذا القسم ، بل هو ممّا يعاضده ويؤكّده ، فإنّ المستصحب في استصحاب الحكم الفعلي إذا كان الإباحة ـ مثلا ـ فالاستصحاب في مقام الجعل يقتضي ذلك ، إذ الأصل عدم جعل حكم إلزامي على هذا المشكوك وبقاؤه على حالته الأولى التي هي الإباحة ، وهكذا استصحاب بقاء الوضوء ، وعدم ارتفاع الطهارة الحاصلة منه لا يعارضه الاستصحاب في مقام الجعل ، بل الاستصحاب في هذا المقام يعاضده ، فإنّا نعلم بناقضيّة أمور ستّة : البول ، والغائط ، إلى آخرها ، ونشكّ في أنّ الشارع هل جعل المذي أيضا ناقضا للوضوء ، أو لا؟ فنستصحب عدم جعل الناقضيّة له.

ومن ذلك ظهر ما في جعله قدس‌سره هذا المثال مثالا لتعارض الاستصحابين ، نظرا إلى تعارض استصحاب بقاء الطهارة وعدم ارتفاعها بخروج المذي مع استصحاب عدم جعل الوضوء المتعقّب بالمذي موجبا للطهارة وسببا لها ، إذ لا ريب في سببيّة الوضوء للطهارة ، وأنّ الشارع جعله موجبا لها ، وأنّه لو لا وجود رافع ، ليبقى قطعا ، وإنّما الشكّ في بقائه من جهة احتمال جعل الناقضيّة للمذي كجعلها للبول ، فالأصل الجاري في مقام الجعل هو أصالة عدم جعل الناقضيّة للمذي ، لا أصالة عدم جعل الوضوء المتعقّب بالمذي موجبا للطهارة ، فالأصلان متعاضدان.

وبالجملة ، في كلّ مورد يكون فيه الحكم الفعلي المشكوك بقاؤه لأجل الشكّ في سعة دائرة الجعل وعدمها حكما غير إلزامي أو مستتبعا لحكم كذلك ، فالاستصحاب في مقام الجعل معاضد له ، فيجريان معا بلا محذور ، وكلّما يكون الحكم المذكور حكما إلزاميّا يكون الاستصحاب في مقام الجعل منافيا

له ، فيقع التعارض بينهما ، فلا يجري شيء منهما. وهذا واضح لا سترة عليه.

بقي في المقام توهّم بارد نتعرّض له تبعا لشيخنا الأستاذ ـ وإن لم يقبله لذلك ـ وهو : أنّ غاية ما يدلّ عليه «لا تنقض اليقين بالشكّ» هو سلب العموم وأنّ مجموع أفراد اليقين لا ينقض بالشكّ ، لا عموم السلب وأنّ شيئا من أفراد اليقين لا يجوز نقضه بالشكّ كما هو المدّعى (١).

وفيه ـ مضافا إلى ظهور كلّ عامّ في العموم الاستغراقي لا المجموعي كما مرّ في بحث العامّ والخاصّ ـ أنّه إنّما يتمّ لو ورد السلب على العموم ، كما في «ليس كلّ رجل بعادل» لا فيما يستفاد العموم من السلب ، كما في المقام ، فإنّ العموم يستفاد من وقوع الجنس في سياق النفي أو النهي ، وليس «اليقين» عامّا ورد عليه النفي أو النهي حتى يكون سلبا للعموم.

هذا ، مع أنّه لا ينطبق على مورد الرواية ، إذ لا يصحّ الجواب عن قول زرارة : «فإن حرّك في جنبه شيء وهو لا يعلم» بقوله عليه‌السلام : «لا ، حتى يستيقن أنّه قد نام حتى يجيء من ذلك أمر بيّن ، وإلّا فإنّه على يقين من وضوئه ولا ينقض اليقين أبدا بالشكّ» (٢) ضرورة أنّ المنهي حينئذ هو نقض مجموع أفراد اليقين بالشكّ ، فلزرارة أن يقول : أنا أنقض هذا اليقين ولا أنقض يقينا آخر إن شاء الله. هذا كلّه في الصحيحة الأولى لزرارة.

أمّا صحيحته الثانية : فهي أنّه قال : قلت له : أصاب ثوبي دم رعاف أو غيره أو شيء من المني (٣) ، إلى آخرها.

__________________

(١) أجود التقريرات ٢ : ٣٦٠ ـ ٣٦١.

(٢) التهذيب ١ : ٨ ـ ١١ ، الوسائل ١ : ٢٤٥ ، الباب ١ من أبواب نواقض الوضوء ، الحديث ١.

(٣) التهذيب ١ : ٤٢١ ـ ١٣٣٥ ، الاستبصار ١ : ١٨٣ ـ ٦٤١ ، الوسائل ٣ : ٤٨٢ ـ ٤٨٣ ، الباب ٤٤ من أبواب النجاسات ، الحديث ١.

وتستفاد من هذه الرواية الشريفة جملة من الفروع :

منها : وجوب إعادة الصلاة الواقعة في الثوب النجس ـ المعلوم تفصيلا ـ نسيانا ، ويستفاد من بعض الروايات أنّ الإعادة عقوبة لما توانى في الغسل حتى نسي وصلّى (١).

ومنها : عدم وجوب إعادة الصلاة فيما إذا ظنّ المصلّي بالنجاسة فصلّى ثمّ انكشف وقوعها في النجس.

ومنها : وجوب الإعادة فيما إذا علم إجمالا بنجاسة موضع من ثوبه أو بدنه ، وأنّه يجب الاجتناب عن النجس المعلوم بالإجمال ، وتجب إزالة جميع أطرافه للصلاة.

ومنها : عدم وجوب الفحص والنّظر فيما إذا شكّ في النجاسة.

ومنها : حكم من رأي النجاسة في أثناء الصلاة بأقسامه الثلاثة :

١ ـ مع العلم بحدوث النجاسة قبل الصلاة ونسيانها حتى تذكّر في أثنائها.

٢ ـ وعدم العلم بها قبل الصلاة والعلم في الأثناء بحدوثها قبل الصلاة.

٣ ـ وهذه الصورة مع احتمال حدوثها في أثنائها.

ففي الأوّل : حكم بوجوب النقض ، وإعادة الصلاة ، وهكذا في الثاني ، ولكنّ المشهور على الظاهر أفتوا بالصحّة من جهة وجود المعارض.

وأمّا دعوى الأولويّة ، وأنّ الحكم بالصحّة بعد الفراغ يوجب الحكم بها في الأثناء بطريق أولى ، فممنوعة بعد ورود النصّ الصحيح على الإعادة لو لا كونه معارضا.

وفي الثالث : حكم بعدم وجوب النقض ووجوب الإزالة أو النزع أو

__________________

(١) التهذيب ١ : ٢٥٤ ـ ٢٥٥ ـ ٧٣٨ ، الاستبصار ١ : ١٨٢ ـ ٦٣٨ ، الوسائل ٣ : ٤٨٠ ـ ٤٨١ ، الباب ٤٢ من أبواب النجاسات ، الحديث ٥.

التبديل في الأثناء إذا لم يكن ذلك موجبا لبطلان الصلاة من جهة الاستدبار أو الفعل الكثير أو غير ذلك ، والبناء على الصلاة من غير إعادة. وهذا القسم يستفاد من الرواية صريحا كالقسم الأوّل.

وأمّا القسم الثاني فيستفاد من قوله عليه‌السلام : «لأنّك لا تدري لعلّه شيء أوقع عليك» (١) فيفهم من هذا التعليل أنّه لو لم يحتمل وقوعها في الأثناء بل علم وقوعها قبل الصلاة ، يجب نقض الصلاة واستئنافها بعد الإزالة.

ومحلّ الاستشهاد من هذه الرواية موردان :

أحدهما : قوله عليه‌السلام في ذيل هذه الفقرة : «فليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشكّ أبدا».

والآخر : قوله عليه‌السلام عند قول زرارة : «لم ذلك؟» وسؤاله عن وجه حكم الإمام عليه‌السلام بغسل ما صلّى فيه بظنّ الإصابة ونظره وعدم رؤيته وعدم وجوب إعادة الصلاة : «لأنّك كنت على يقين من طهارتك فشككت ، وليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشكّ أبدا».

وتقريب الاستدلال بها هو عين التقريب المتقدّم في صحيحته الأولى ، فلا إشكال في دلالتها على حجّيّة الاستصحاب ، بل دلالتها أوضح من الأولى ، لمكان لفظ «ليس ينبغي لك» الظاهر في أنّ العاقل ليس من شأنه ذلك ، فتكون أظهر في عدم الاختصاص بباب دون باب ، وإنّما الإشكال في تطبيق هذه الكبرى المذكورة في الصدر على موردها ، وهو عدم إعادة الصلاة مع العلم بوقوعها في النجس ، مع أنّ الإعادة مع ذلك ليست من نقض اليقين بالشكّ ، بل من نقض اليقين باليقين.

__________________

(١) التهذيب ١ : ٤٢١ ـ ٤٢٢ ـ ١٣٣٥ ، الاستبصار ١ : ١٨٣ ـ ٦٤١ ، الوسائل ٣ : ٤٨٢ ـ ٤٨٣ ، الباب ٤٤ من أبواب النجاسات ، الحديث ١.

نعم ، لو كان التعليل تعليلا لجواز الدخول في الصلاة ، لكان منطبقا على المورد ، لكنّه ليس كذلك.

وتوهّم انطباقه على قاعدة اليقين بحمل اليقين على اليقين الحاصل بعد النّظر والرؤية ، لا اليقين بالطهارة قبل ظن الإصابة ، واضح الدفع ، إذ فيه ـ مضافا إلى أنّه خلاف الظاهر في نفسه ـ أنّ عدم الرؤية أعمّ من حصول اليقين بالعدم ولم يفرض في الرواية أنّه بعد النّظر وعدم الرؤية حصل اليقين بالعدم ، مع أنّه لو سلّم ذلك ، لا ينطبق على قاعدة اليقين أيضا ، فإنّها متقوّمة بأمرين : اليقين المنقلب إلى الشكّ بقاء ، والشكّ المتعلّق بنفس ما تعلّق به اليقين ، وليس شيء منهما في المقام ، فإنّ المفروض حصول العلم بالنجاسة ، فلا شكّ حتى يكون ساريا وموجبا لانقلاب اليقين السابق.

والحاصل : أنّه لا يمكن انطباق التعليل على قاعدة اليقين بوجه من الوجوه ، وأمّا انطباقه على قاعدة الاستصحاب فممّا لا شبهة فيه ، فلا بدّ من بيان وجه تطبيق التعليل على المورد وإن لا يضرّ عدم إمكان توجيهه بصحّة الاستدلال بها على الاستصحاب.

وقبل ذلك ينبغي أن نرى أنّ الطهارة شرط لصحّة الصلاة أو النجاسة مانعة؟ وعلى تقدير كون الطهارة شرطا هل هو الطهارة بوجودها الواقعي ، أو الإحرازي؟ ولا يخفى أنّه لا يمكن أن تكون الطهارة شرطا والنجاسة أيضا مانعة ، لما مرّ في بعض المباحث السابقة من أنّ الضدّين ـ سيّما مع عدم الثالث لهما ـ لا يمكن اعتبار أحدهما شرطا والآخر مانعا ، لأنّ اعتبار أحدهما مغن عن الآخر ، فجعل الآخر لغو محض لا فائدة فيه أصلا.

والظاهر أنّه لا تترتّب على هذا البحث ثمرة عمليّة أصلا ، فإنّ الغافل عن حكم الصلاة في الثوب النجس لا ينبغي الشكّ في صحّة صلاته الواقعة في

النجس ، ولا تكون الطهارة شرطا في حقّه ، ولا النجاسة مانعة ، والملتفت إن كان ناسيا ، فلا ريب في وجوب إعادة صلاته ، وإن كان شاكّا ، فلا شبهة في أنّه لا يجوز له الدخول في الصلاة ما لم يحرز الطهارة بمحرز ولو كان أصلا سواء كانت الطهارة شرطا أو النجاسة مانعة.

وتوهّم أنّ الثمرة تظهر فيما إذا صلّى صلاتين في ثوبين ـ أي كلّ صلاة في ثوب ـ يعلم إجمالا بنجاسة أحدهما ، ثمّ انكشفت نجاسة كليهما ، فعلى القول بمانعيّة النجاسة تصحّ إحدى الصلاتين ، وعلى الشرطيّة تبطل كلتاهما ، لأنّ المصلّي لم يكن محرزا للطهارة في شيء منهما ، والمفروض أنّ الثوبين في الواقع كانا نجسين ، فلم يقع شيء من الصلاتين مع الطهارة لا الطهارة الواقعيّة ، فإنّه المفروض ، ولا الطهارة المحرزة ، لمكان العلم الإجمالي بنجاسة أحد الثوبين ، الموجب لتساقط الأصول في أطرافه.

ويدفع هذا التوهّم ما مرّ في بعض المباحث السابقة من أنّ منجّزيّة العلم الإجمالي تكون بمقدار المعلوم بالإجمال ، فإذا علمنا بحرمة أحد مائعين أو نجاسته ، وشككنا في حرمة الآخر أو نجاسته ، فالعلم بالنسبة إلى واحد منهما منجّز ، وأمّا الآخر المشكوك فلا مانع من إجراء الأصل فيه والحكم بأنّ أحد هذين حرام أو نجس بالقطع ، والآخر حلال أو طاهر بحكم الشارع ، غاية الأمر أنّه لا يميّز الحرام من الحلال والنجس من الطاهر.

ولذا يحكم بفراغ ذمّة من صلّى فريضته ـ كالظهر ـ في كلّ من الثوبين ـ بناء على عدم تقديم الامتثال التفصيليّ على الإجمالي مع التمكّن ـ لأنّه يعلم بوقوع طبيعيّ صلاة الظهر في طبيعيّ الثوب الطاهر وإن لا يميّز أنّه هو الأوّل أو الثاني.

وبالجملة ، هذه الثمرة ليست بمثمرة ، بل إحدى الصلاتين وقعت

صحيحة سواء قلنا بمانعيّة النجاسة أو شرطيّة الطهارة.

وكيف كان فمقتضى ظواهر بعض الأخبار وإن كان مانعيّة النجاسة إلّا أنّ المستفاد من جميعها هو شرطية الطهارة ، فإنّه ورد «لا صلاة إلّا بطهور» في رواية مذيّلة بذيل يكون قرينة على أنّ الطهور المراد منه هو ما يتطهّر به ، وهو الماء مثلا ، كالوضوء لما يتوضّأ به ، والوقود لما يتوقّد به ، وإن كان هذا اللفظ يستعمل في الطهارات الثلاث أيضا لكن في هذه الرواية مستعمل في الطهارة الخبثيّة ، فالمراد أنّه لا صلاة إلّا باستعمال الماء وغيره في إزالة الخبث بقرينة ذيلها الّذي مضمونه أو لفظه أنّه «يجزئك في الاستنجاء ثلاثة أحجار وبذلك جرت السنّة» (١).

ثمّ إنّ شيخنا الأستاذ قدس‌سره ـ على ما كتبناه ـ ذهب إلى أنّ الشرط هو الأعمّ من الطهارة المحرزة بمحرز ـ ولو كان أصلا ـ والطهارة الواقعيّة (٢). والأمر كذلك ، إذ لا يصحّ جعل الشرط خصوص الطهارة المحرزة ، فإنّ لازمه بطلان صلاة من صلّى في الثوب النجس وكان مضطرّا إلى الصلاة فيه ، أو قلنا بتقدّم الصلاة في الثوب النجس على الصلاة عاريا في ظرف الانحصار مع تمشّي قصد القربة منه بأن اعتقد انحصاره ثمّ انكشف وجود ثوب آخر طاهر له لم يعلم به حال الصلاة مع أنّه لا شبهة في الصحّة بمقتضى الروايات.

فلنرجع إلى وجه تطبيق التعليل على المورد ، فنقول : إن كان التعليل ناظرا إلى حال الفراغ من الصلاة ، والعلم بوقوعها في النجس ، فلا يمكن تصحيحها أصلا ، فإنّه على هذا يكون من السالبة بانتفاء الموضوع ، إذ لا شكّ

__________________

(١) التهذيب ١ : ٤٩ ـ ٥٠ ـ ١٤٤ و ٢٠٩ ـ ٦٠٥ ، الاستبصار ١ : ٥٥ ـ ١٦٠ ، الوسائل ١ : ٣١٥ ، الباب ٩ من أبواب أحكام الخلوة ، الحديث ١.

(٢) أجود التقريرات ٢ : ٣٦٣ ـ ٣٦٤.

في هذا الحال في النجاسة حتى يحرم نقض اليقين بالطهارة به ، بل الموجود هو العلم بالنجاسة ، فلا مناص عن أن يكون التعليل بملاحظة ما قبل الصلاة ، وبالنسبة إلى جواز الدخول فيها ، ودالّا على أنّ من كان على يقين من طهارته لا ينبغي أن ينقض يقينه بالشكّ في الطهارة بعد ذلك ، بل يجوز له الدخول في الصلاة.

نعم ، عدم وجوب الإعادة من جهة كبرى مستفادة من الخارج ، وهي : أنّ من جاز له الدخول في الصلاة بمجوّز شرعي ، لا تجب عليه الإعادة ، فتكون إعادة الصلاة مع معلوميّة هذه الكبرى من نقض اليقين بالشكّ ، إذ لا وجه لها حينئذ إلّا عدم حجّيّة الاستصحاب ، وجواز نقض اليقين بالشكّ كما هو واضح.

بقي الكلام في أنّ توسعة الشرط في المقام هل هي أمر مغاير لإجزاء الأمر الظاهري ، أو أنّهما أمر واحد وإنّما الاختلاف في التعبير فقط؟

فنقول : لا بدّ للمكلّف في جميع حالاته وأوقاته أن يستند إلى حجّة من قبل الشارع.

فتارة تكون له الحجّة حدوثا وبقاء ، كما إذا أخبرت البيّنة بكون القبلة في طرف فصلّى إليه ، فإنّه لو سئل عنه وقيل له : لما ذا صلّيت إلى هذا الطرف مع أنّك كنت شاكّا في أنّه القبلة؟ يجيب بأنّي اعتمدت على ما جعله الشارع حجّة لي ، وهو إخبار البيّنة بأنّ هذا الطرف قبلة. ولو سئل عنه : إنّك لما ذا لا تعيد صلاتك مع أنّ الوقت بعد باق وأنت لم تكن متيقّنا بإتيان الصلاة إلى القبلة؟ يجيب بعين هذا الجواب أيضا.

وأخرى تكون له الحجّة بقاء فقط ، كما إذا صلّى إلى طرف معتقدا بكونه قبلة ، ثمّ شكّ في ذلك ، فأخبرت البيّنة بكونه قبلة ، فإنّه يستند في عدم إعادته للصلاة إلى هذه الحجّة ، وجميع موارد قاعدتي الفراغ والتجاوز من هذا القبيل.

وثالثة تكون له الحجّة حدوثا لا بقاء ، كما إذا ظهر فسق البيّنة التي أخبرته بشيء ، أو قطع بعدم مطابقة المخبر به للواقع ، فإنّه لا حجّة له في ظرف البقاء ، فما دامت الحجّة باقية يجزئ ما أتى به عن الواقع. وهذا القسم من الإجزاء نسمّيه بالإجزاء الظاهري بمعنى حكم الشارع بمطابقة عمله للواقع وصحّته في مقام الظاهر ، وفي ظرف الشكّ والجهل بكونه صحيحا ومطابقا للواقع ، فهو متقوّم بالشكّ.

وأمّا الإجزاء الواقعي بمعنى حكم الشارع بصحّة المأتيّ به ومطابقته للواقع واقعا ولو انكشف الخلاف فهو ملازم لسقوط الواقع في حقّ الآتي بالعمل ، إذ لا معنى لبقاء الواقع وفساد عمله مع عدم لزوم الإتيان بالواقع ، ضرورة أنّ الحكم بأنّ المأتيّ به فاسد وأنّ الأمر المتعلّق به باق ومع ذلك لا يجب امتثاله ويكتفى بهذا الفاسد عن المأمور به ، مناقضة ظاهرة ، فلا محالة يكون الإجزاء الواقعي في الشبهات الحكميّة ملازما للتصويب ، وكون الحكم الواقعي من الأوّل مقيّدا بعدم ذلك ، وثابتا في حقّ غير الآتي بهذا العمل ، وفي الشبهات الموضوعيّة مساوقا للتوسعة والتعميم ، وأنّ الطهارة ـ مثلا ـ ليس وجودها الواقعي شرطا لا غير ، بل الشرط هو الأعمّ من وجودها الواقعي والإحرازي.

وحيث دلّت الأدلّة على صحّة صلاة من صلّى ـ باستصحاب الطهارة أو بشيء آخر من البيّنة وغيرها ـ في الثوب النجس ، وأنّه لا تجب عليه الإعادة حتى بعد انكشاف مخالفة الاستصحاب للواقع ، فلا مناص عن الالتزام بتوسعة الشرط وتعميمه للواقعي والإحرازي منه ، وإلّا لا يعقل الحكم بالإجزاء واقعا وعدم وجوب الإعادة حتى مع انكشاف الخلاف ، كما عرفت.

فاتّضح أنّ التعميم وتوسعة الشرط ليس إلّا اقتضاء الأمر الظاهري

للإجزاء ، غاية الأمر أنّه في خصوص هذا المقام ، أي باب الطهارة عن الخبث.

وظهر أنّه لا وجه لإيراد صاحب الكفاية والشيخ قدس‌سرهما على القائل بأنّ التعليل بلحاظ اقتضاء الأمر الظاهري للإجزاء : بأنّه لو كان كذلك ، لكان الأنسب بل المتعيّن هو التعليل بذلك ، لا بنقض اليقين بالشكّ (١). ولا لإيراد شيخنا الأستاذ عليهما بأنّ حسن التعليل وانطباقه على المورد كما يتمّ بتوسعة الشرط ، كذلك يتمّ باقتضاء الأمر الظاهري للإجزاء (٢).

وأمّا الصحيحة الثالثة لزرارة : فهي قوله عليه‌السلام : «إذا لم يدر في ثلاث هو أو في أربع وقد أحرز الثلاث ، قام فأضاف إليها أخرى ، ولا شيء عليه ، ولا ينقض اليقين بالشكّ» (٣) إلى آخره.

وقد استدلّ بهذه الرواية على حجّيّة الاستصحاب في كلّ باب ، وأنّ «لا ينقض» وإن كان ضميره راجعا إلى الشاكّ بين الثلاث والأربع إلّا أنّ ذيل الرواية ـ سيّما قوله عليه‌السلام : «ولا يعتدّ بالشكّ في حال من الحالات» ـ قرينة على عدم اختصاص الحكم بباب دون باب ، وأنّ مثل اليقين لا ينبغي نقضه بالشكّ في حال من الحالات.

والشيخ قدس‌سره أسقط هذه الرواية عن دلالتها على حجّيّة الاستصحاب وادّعى أنّ مفادها هو قاعدة البناء على الأكثر ، نظير قوله عليه‌السلام : «إذا شككت فابن على اليقين» قلت : هذا أصل؟ قال : «نعم» (٤) ، نظرا إلى أنّ مقتضى حملها على الاستصحاب هو إتيان الركعة المشكوكة متّصلة ، وهو ينافي مذهب العدليّة ،

__________________

(١) كفاية الأصول : ٤٤٨ ، فرائد الأصول : ٣٣١.

(٢) أجود التقريرات ٢ : ٣٦٦.

(٣) الكافي ٣ : ٣٥١ ـ ٣٥٢ ـ ٣ ، التهذيب ٢ : ١٨٦ ـ ٧٤٠ ، الاستبصار ١ : ٣٧٣ ـ ١٤١٦ ، الوسائل ٨ : ٢١٦ ـ ٢١٧ ، الباب ١٠ من أبواب الخلل ، الحديث ٣.

(٤) الفقيه ١ : ٢٣١ ـ ١٠٢٥ ، الوسائل ٨ : ٢١٢ ، الباب ٨ من أبواب الخلل ، الحديث ٢.

ويوافق مذهب العامّة ، وحمل كبرى «لا تنقض» إلى آخره ، على بيان الحكم الواقعي وتطبيقها على مورد الاستصحاب أيضا ينافي صدر الرواية ، الحاكم بأنّ الركعة المشكوكة لا بدّ أن تؤتى بفاتحة الكتاب ، وظاهره هو وجوب ذلك تعيينا لأن تحسب المشكوكة ـ على تقدير زيادتها وتماميّة الصلاة في الواقع ـ صلاة مستقلّة ، إذ لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب.

هذا ، مضافا إلى أنّ أصل التقيّة خلاف الظاهر. مع أنّ حمل المورد وتطبيق الكبرى عليه على التقيّة وحمل أصل الكبرى على بيان الحكم الواقعي أيضا خلاف الظاهر ، ففي الحمل على التقيّة خلاف الظاهر من جهات (١).

وأشكل عليه صاحب الكفاية بأنّ لزوم إتيان الركعة المشكوكة مفصولة لا ينافي الاستصحاب ، فإنّ مقتضى الاستصحاب عدم إتيان الركعة الرابعة ، ولزوم الإتيان بها مطلقا مفصولة أو موصولة ، غاية الأمر أنّ الأدلّة الأخر الدالّة على لزوم الإتيان بها مفصولة تنافي إطلاق هذه الرواية فتقيّد بها (٢).

وأيّد بعض الأساطين كلام الشيخ قدس‌سره بما حاصله : أنّ الاستصحاب ملغى في باب الصلاة ولو لم يكن دليل على لزوم الفصل ، فإنّ غاية ما يترتّب على الاستصحاب هو عدم الإتيان بالركعة الرابعة ، وهو لا يثبت أنّ ما يأتي به بعد ذلك هي الركعة الرابعة ، ولا بدّ أن يقع التشهّد والتسليم في الركعة الرابعة ، فما لم يحرز كون ما يأتي به هو الركعة الرابعة ـ إمّا بالوجدان أو بالتعبّد ـ لإحراز وقوع التشهّد والتسليم في محلّهما لا يقطع بفراغ الذمّة. ومن ذلك نحكم في جميع موارد الشكوك ـ غير ما هو منصوص بالخصوص ـ بالبطلان (٣).

__________________

(١) فرائد الأصول : ٣٣١ ـ ٣٣٢.

(٢) كفاية الأصول : ٤٥٠.

(٣) نهاية الدراية ٥ : ٨٢.

وفي أصل الكلام والإشكال والتأييد نظر.

أمّا التأييد : فلأنّ الظاهر أنّه ليس لنا دليل على لزوم إتيان التشهّد والتسليم في الركعة الرابعة بهذا العنوان ، والمعتبر هو إتيان جميع أجزاء الصلاة مرتّبة من غير زيادة ولا نقيصة ، ولزوم إتيان التشهّد والتسليم في الركعة الرابعة من جهة أنّ إتيانهما في الركعة الثالثة موجب للنقيصة ، وفي الخامسة موجب للزيادة ، لا من جهة أنّه مدلول لدليل بهذا العنوان.

هذا ، مضافا إلى أنّ هذا الشاكّ إذا رفع رأسه من السجدة الثانية من الركعة التي أتى بها بمقتضى الاستصحاب يعلم إجمالا بأنّه مضى عليه زمان رفع رأسه من السجدة الثانية من الركعة الرابعة ، ويشكّ في أنّه هل انتقل من هذه الحالة إلى حالة الدخول في الركعة الخامسة أو لم ينتقل إلى ذلك؟ فيستصحب بقاءه على تلك الحالة ، وهي حالة رفع الرّأس من سجدة الركعة الرابعة ، فيجب عليه التشهّد والتسليم ، ويقعان في محلّهما بمقتضى الاستصحاب ، وهذا نظير ما إذا علم بأنّه كان محدثا بالحدث الأكبر أو الأصغر ثمّ تطهّر قبل ربع ساعة أو ساعة ، وشكّ في ارتفاع حدثه ، ولا محذور في هذا الاستصحاب على ما يأتي ـ إن شاء الله ـ في القسم الثاني من أقسام استصحاب الكلّي ، كما إذا علم بدخول أحد مردّد بين زيد وعمرو في الدار وشكّ في بقاء الداخل ، ونبيّن ـ إن شاء الله ـ أنّ الاستصحاب جار ، والمستصحب هو الفرد الداخل المعلوم عند الله ، وتسميته باستصحاب الكلّي مع كون المستصحب هو الفرد باعتبار أنّ الأثر للجامع بإلغاء خصوصيّة الزيديّة والعمريّة ، والجهل بالخصوصيّة غير مانع عن استصحاب الخاصّ.

ولا يفرّق بين أن تكون الخصوصيّة المجهولة هي خصوصيّة نفس المستصحب كما ذكر ، أو تكون خصوصيّة زمان حدوثه ، كما إذا علم بوقوع

عقد متعة بمدّة شهر ، وتردّد أمره بين وقوعه قبل شهر حتى يكون منقضيا قطعا ، أو قبل عشرة أيّام حتى يكون باقيا يقينا ، فيستصحب بقاؤه وإن كان منشأ الشكّ هو الشكّ في زمان الحدوث ، والمقام من هذا القبيل ، فإنّ زمان حدوث المستصحب ـ وهو الفراغ عن الركعة الرابعة يعني رفع الرّأس عن سجدتها ـ مشكوك ، والشكّ في البقاء ـ أي بقاء حالة عدم الانتقال إلى الخامسة ـ ناش من هذا الشكّ.

ومن ذلك موارد تبادل الحالتين على المكلّف ، مثل ما إذا علم بالطهارة والحدث ، وشكّ في المتقدّم منهما ، فإنّ الشكّ في بقاء كلّ منهما ناش من الشكّ في زمان حدوثه.

وبالجملة ، لا إشكال في استصحاب بقاء الحادث اليقيني الحدوث إذا شكّ في بقائه من جهة الشكّ في زمان حدوثه.

نعم ، على مسلك صاحب الكفاية ـ من اعتبار اتّصال زمان الشكّ بزمان اليقين ، وأنّه لا بدّ من زمان معيّن يشار إليه تفصيلا ، ويقال : إنّه كان على يقين منه في ذلك الزمان ، فشكّ ـ لا يجري الاستصحاب في هذه الموارد ، لكن يأتي ـ إن شاء الله ـ أنّه لا يعتبر ذلك في الاستصحاب ، ففي موارد تبادل الحالتين لو فرض وجود الأثر لأحد المستصحبين دون الآخر ، يجري الاستصحاب فيما له الأثر دون الآخر على مسلكنا دون مسلك صاحب الكفاية.

ويترتّب على هذا البحث ثمر مهمّ في باب الإرث ، فإذا شككنا في موت الغائب الّذي له أخ يرثه مثلا من جهة الشكّ في زمان تولّده ، وأنّه هل تولّد قبل مائة وخمسين حتى لا يبقى قطعا ، أو خمسين حتى يمكن بقاؤه إلى الآن؟ نستصحب بقاءه ، ويترتّب عليه أنّه يرث من أخيه الميّت بالفعل ، وعلى مسلك صاحب الكفاية لا يجري الاستصحاب.

وهكذا في موارد تبادل الحالتين لو كان لأحد الاستصحابين أثر دون الآخر ، يجري فيما له الأثر على مسلكنا ، ولا يجري على مسلكه ، كما أنّه فيما إذا كان لكلّ منهما أثر ، يجري في كليهما ، ويتساقط الأصلان بالتعارض على مسلكنا ، ولا يجري في شيء منهما على مسلكه قدس‌سره ، وكيف كان فلا إشكال في هذا الاستصحاب على ما نبيّنه إن شاء الله.

وبذلك ظهر أن مقتضى القاعدة في موارد الشكوك في باب الصلاة مع قطع النّظر عن الأدلّة الخاصّة هو الحكم بالصحّة بمقتضى الاستصحاب.

وأمّا إشكال صاحب الكفاية : فيدفعه أنّه لا إطلاق للرواية من حيث الفصل والوصل ، بل ظاهرها أنّ الشاكّ بين الثلاث والأربع يبني على يقينه عملا ، وعلى أنّه لم يأت بالرابعة ، ويعمل عمل من لم يأت بالرابعة ، ومن المعلوم أنّ من لم يأت بالرابعة يأت بها متّصلة لا منفصلة.

وأمّا أصل كلام الشيخ قدس‌سره ففيه : أنّه لا منافاة بينها وبين الأدلّة الأخر الدالّة على لزوم الإتيان بالركعة المشكوكة مفصولة بفاتحة الكتاب ، لما ذكرنا آنفا من أنّ الإجزاء لو كان واقعيّا فلازمه تبدّل الواقع ، والإجزاء في المقام واقعي ، حيث لا تجب إعادة الصلاة بمقتضى الروايات لو انكشف ـ بعد العمل بالوظيفة الظاهرية من البناء على الأكثر وركعة الاحتياط ـ أنّه أتى بثلاث ركعات ، فمن ذلك يعلم أنّ الحكم الواقعي في حقّ من نقص من صلاته ركعة وكان حين العمل شاكّا هو الإتيان بركعة منفصلة بعد الصلاة ، فإذا انكشفت تماميّة صلاته ، فما أتى به يحسب نافلة ، وإذا انكشف نقصانها ، فقد أتى بوظيفته الواقعيّة ، فإنّ المستفاد من الروايات أنّه ليس عليه شيء ، وأنّ الشارع ألغى زيادة التكبيرة والتشهّد والتسليم ، وحسب الركعة المفصولة رابعة لصلاته ، فموضوع هذا

الحكم الواقعي ـ وهو لزوم الإتيان بركعة مفصولة ـ متقوّم بأمرين : أحدهما : كون المصلّي شاكّا ، والآخر : كونه غير آت بالرابعة ، والأوّل موجود ومحرز بالوجدان ، إذ المفروض أنّه شاكّ ، والثاني يحرزه بالاستصحاب ، فبه يتمّ موضوع هذا الحكم الواقعي ، فأيّ منافاة بين الاستصحاب وما استقرّ عليه المذهب من لزوم الإتيان مفصولة؟

هذا ، مضافا إلى أنّ في الرواية أيضا إشعارا بذلك ، فإنّ قوله عليه‌السلام : «قام فأضاف إليها أخرى» بقرينة صدره ـ وهو قوله : قلت له : من لم يدر في أربع هو أم في ثنتين وقد أحرز الثنتين؟ قال : «يركع ركعتين وأربع سجدات وهو قائم بفاتحة الكتاب ويتشهّد» (١) إلى آخره ـ الآمر بإتيان الركعتين بفاتحة الكتاب مشعر بأنّ الركعة المضافة إليها هي من سنخ هاتين الركعتين اللتين أمر بإتيانهما بفاتحة الكتاب.

وهكذا قوله عليه‌السلام في ذيل الرواية : «ولا يدخل الشكّ في اليقين ، ولا يخلط أحدهما بالآخر» (٢) له ظهور قويّ في أنّ المراد من عدم إدخال الشكّ في اليقين وعدم خلط أحدهما بالآخر هو عدم وصل الركعة المشكوكة بالركعات المتيقّنة.

فاتّضح أنّه لا تقصر هذه الصحيحة عن الصحيحتين المتقدّمتين في الدلالة على حجّيّة الاستصحاب.

وممّا استدلّ به لحجّيّة الاستصحاب قوله عليه‌السلام : في رواية موثّقة عمّار : «إذا شككت فابن علي اليقين» قلت : هذا أصل؟ قال : «نعم» (٣).

__________________

(١ و ٢) تقدّم تخريجه في ص ٥٣ ، الهامش (٣).

(٣) تقدّم تخريجه في ص ٥٣ ، الهامش (٣).

وذهب الشيخ قدس‌سره إلى أنّها أجنبيّة عن محلّ الكلام ، وإنّما مفادها هو قاعدة البناء على الأكثر والعمل بما علّمه عليه‌السلام من ركعة الاحتياط تحصيلا لليقين بالبراءة (١).

وفيه : أنّه لم ترد الرواية في باب الصلاة ، وذكر الفقهاء إيّاها في ذلك الباب لا يدلّ على ذلك مع كونها مطلقة ، فلا يتوهّم التنافي بينها وبين الروايات الأخر الواردة في باب الشكوك ، فإنّها قاعدة كلّيّة يمكن تخصيصها وإخراج باب الصلاة عنها بمقتضى ما دلّ في باب الصلاة على لزوم البناء على الأكثر.

مضافا إلى ما عرفت من أنّه لا ينافي الاستصحاب ، مع أنّه لا معنى لحمل الرواية على قاعدة البناء على الأكثر ، ولزوم تحصيل اليقين بالبراءة ، ضرورة أنّه ليس معنى «ابن علي اليقين» أنّه حصل اليقين ، بل ظاهره أنّه ابن علي يقينك من حيث الجري العملي.

وتوهّم انطباقها على قاعدة اليقين مدفوع بأنّ ظاهرها هو أنّه ابن علي اليقين الموجود حال البناء ، كما في «لا تشرب الخمر» الظاهر في الخمر الموجود حال الشرب ، لا ما كان خمرا في زمان وصار خلّا حال الشرب ، وهكذا «أكرم العالم» ظاهر في وجوب إكرام العالم حال الإكرام.

ومن الواضح أنّ اليقين في قاعدة اليقين لا يكون موجودا حال الشكّ وحال البناء ، ولا يصحّ إطلاق اليقين على اليقين المتبدّل بالشكّ في زمان الشكّ ولو قلنا بأنّ المشتقّ حقيقة في الأعمّ ، إذ «اليقين» من الجوامد كالبياض ، ولا يصحّ إطلاق البياض على السواد المتبدّل عن البياض.

والحاصل : أنّ هذه الرواية أيضا لا إشكال في دلالتها على المطلوب.

__________________

(١) فرائد الأصول : ٣٣٢.

وممّا استدلّ به أيضا : روايتان مرويّتان عن أمير المؤمنين عليه‌السلام :

إحداهما : قوله عليه‌السلام : «من كان على يقين فشكّ فليمض على يقينه» (١) إلى آخره.

والأخرى : قوله عليه‌السلام : «من كان على يقين فأصابه شكّ» (٢) إلى آخره.

وأورد على الاستدلال بهما بأنّهما ظاهرتان في اختلاف زماني الشكّ واليقين بقرينة «من كان» و «فأصابه شكّ» و «فشكّ» ولا يعتبر ذلك في الاستصحاب ، فهما ـ بهذه القرينة وقرينة حذف المتعلّق ، الظاهر في اتّحاد متعلّقي اليقين والشكّ ـ منطبقتان على قاعدة اليقين لا الاستصحاب (٣).

وفيه : أنّ الغالب في موارد الاستصحاب هو : اختلاف زماني اليقين والشكّ حدوثا ، وسبق حدوث اليقين على الشكّ ـ وإن كان يمكن سبق حدوث الشكّ أيضا ـ وإن كان زماناهما متّحدين بقاء ، فهذه الغلبة الخارجيّة صارت سببا للتعبير عن قاعدة الاستصحاب بما يكون ظاهرا في سبق زمان اليقين على زمان الشكّ ، ولذا قال عليه‌السلام في الرواية السابقة : «لأنّك كنت على يقين ، فشككت».

هذا ، مع أنّ ظاهر قوله عليه‌السلام : «فليمض على يقينه» أنّ اليقين محفوظ حال المضيّ ، وهو في القاعدة غير محفوظ ، بل يزول وينعدم بمجرّد الشكّ ، فلا تنطبق الروايتان إلّا على الاستصحاب.

وذكر الشيخ قدس‌سره في هامش الرسالة ـ ونسبه بعض إلى سيّد مشايخنا

__________________

(١) الخصال : ٦١٩ ، الوسائل ١ : ٢٤٦ ـ ٢٤٧ ، الباب ١ من أبواب نواقض الوضوء ، الحديث ٦.

(٢) الإرشاد ـ للمفيد ـ ١ : ٣٠٢ ، مستدرك الوسائل ١ : ٢٢٨ ، الباب ١ من أبواب نواقض الوضوء ، الحديث ٤.

(٣) المورد هو الشيخ الأعظم الأنصاري قدس‌سره في فرائد الأصول : ٣٣٣.

الشيرازي قدس‌سره ـ : أنّ الزمان في قاعدة اليقين قيد ، وفي الاستصحاب ظرف. وظاهر أنّ ظاهر الروايتين هو كون الزمان ظرفا لليقين السابق لا قيدا ، فتنطبق الروايتان على الاستصحاب (١).

وفيه : أنّ الزمان لا يكون قيدا في قاعدة اليقين ، إذ لو كنّا عالمين بالطهارة أوّل طلوع الشمس ، ثمّ شككنا بنحو الشكّ الساري في ذلك ، يكون المورد من موارد قاعدة اليقين ، مع أنّ الزمان ليس قيدا في الطهارة.

نعم ، يعتبر في الاستصحاب أن يكون الزمان ظرفا ، فالصحيح ما ذكرنا من الوجه ، فلا إشكال في دلالتهما أيضا على المطلوب إلّا أنّهما ليستا بصحيحتين ولا بموثّقتين ، إذ في سندهما قاسم بن يحيى ، وقد ضعّفه العلّامة (٢) وابن الغضائري (٣) وإن كان تضعيف ابن الغضائري لا اعتبار به ، لكونه كثير التشكيك ، وإنّما المعتنى به مدحه.

ورواية الموثّقين عنه لا تجعله موثّقا ما لم يعلم أنّهم ممّن لا يروي إلّا عن ثقة كابن أبي عمير ، أو لم يعلم أنّهم من مشايخ الإجازة كعبد الواحد بن عبدوس راوي نافلة العشاء ، فإنّه من مشايخ إجازة الصدوق.

وممّا استدلّ به على المطلوب : مكاتبة علي بن محمد القاساني ، قال : كتبت إليه وأنا بالمدينة أسأله عن اليوم الّذي يشكّ فيه من رمضان ، هل يصام أم لا؟ فكتب عليه‌السلام : «اليقين لا يدخله الشكّ ، صم للرؤية وأفطر للرؤية» (٤).

__________________

(١) ما جاء في هاشم بعض طبعات الرسائل بعنوان «صح» أدرج في متن الفرائد : ٣٣٣.

(٢) خلاصة الأقوال : ٣٨٩ ـ ١٥٦٣ (القسم الثاني).

(٣) تنقيح المقال ٢ : ٢٦ (باب القاف).

(٤) التهذيب ٤ : ١٥٩ ـ ٤٤٥ ، الاستبصار ٢ : ٦٤ ـ ٢١٠ ، الوسائل ١٠ : ٢٥٥ ـ ٢٥٦ ، الباب ٣ من أبواب أحكام شهر رمضان ، الحديث ١٣.

واستدلّ بها الشيخ قدس‌سره على حجّيّة الاستصحاب ، وجعلها أظهر الروايات ، ودلالتها على الاستصحاب بملاحظة كون المراد من اليقين هو اليقين بعدم دخول رمضان ، وعدم ظهور هلال شوّال (١).

وأورد عليه صاحب الكفاية بأنّ المراد من اليقين هو اليقين بدخول رمضان ، وأنّه لا بدّ في وجوب الصوم ووجوب الإفطار من اليقين بدخول رمضان وخروجه ، ولا يصحّ الصوم بدون اليقين بذلك ، وهذا المعنى ممّا تشهد عليه الأخبار الكثيرة ، المدّعى تواترها ، الواردة في يوم الشكّ ، وأنّه يعتبر في صوم رمضان أن يكون مع اليقين بدخول الشهر (٢).

وأيّده شيخنا الأستاذ أيضا بأنّ دلالتها على الاستصحاب مبنيّة على كون الدخول في قوله عليه‌السلام : «اليقين لا يدخله الشكّ» بمعنى النقض ، وليس كذلك (٣).

والظاهر أنّ الاستدلال بالرواية تامّ لا إشكال فيه ، فإنّ النقض ـ كما فسّره الشيخ (٤) قدس‌سره ـ هو رفع الهيئة الاتّصاليّة للشيء ، يقال : انتقض الجدار : إذا تفرّقت أجزاؤه ، والدخول يستعمل في هذا المعنى كثيرا.

قال المحقّق الطوسي : «أدلّة وجود العقول مدخولة» (٥).

وتقدّم في رواية زرارة قوله عليه‌السلام : «ولا يدخل الشكّ في اليقين» (٦).

__________________

(١) فرائد الأصول : ٣٣٤.

(٢) كفاية الأصول : ٤٥٢.

(٣) أجود التقريرات ٢ : ٣٧٣.

(٤) فرائد الأصول : ٣٣٦.

(٥) تجريد الاعتقاد بشرح كشف المراد : ١٣١.

(٦) الكافي ٣ : ٣٥١ ـ ٣٥٢ ـ ٣ ، التهذيب ٢ : ـ ١٨٦ ـ ٧٤٠ ، الاستبصار ١ : ٣٧٣ ـ ١٤١٦ ، ـ

ووجهه أنّ دخول الشيء في الشيء المتّصلة أجزاؤه لا يمكن إلّا بتفرّق أجزائه ورفع هيئتها الاتّصاليّة ، فلا يتمّ ما أفاده شيخنا الأستاذ قدس‌سره.

وأمّا ما أفاده صاحب الكفاية ففيه : أنّ الرواية لا يمكن حملها على مفاد تلك الروايات ، وهو اعتبار اليقين بدخول رمضان ، والصوم مع اليقين بوجوبه ، فإنّ تفريع قوله عليه‌السلام : «صم للرؤية وأفطر للرؤية» على قوله : «اليقين لا يدخله الشكّ» لا يناسب ذلك ، فإنّ الصوم في أوّل الشهر يمكن أن يقع مع اليقين بوجوبه بأن لا يصوم يوم الشكّ في أنّه من شعبان أو رمضان بعنوان أنّه من رمضان ، وأمّا آخر الشهر ويوم الشكّ في أنّه من رمضان أو شوّال فأمره دائر بين المحذورين : الوجوب ، والحرمة ، فلا يمكن أن يصوم فيه مع اليقين بأنّه من رمضان ، فلا معنى لتفريع قوله : «أفطر للرؤية» على قوله : «اليقين لا يدخله الشكّ» بهذا المعنى من اليقين.

ومن جملة ما استدلّ به على حجّيّة الاستصحاب : قوله عليه‌السلام : «كلّ شيء نظيف حتى تعلم أنّه قذر» (١) وقوله عليه‌السلام : «الماء كلّه طاهر حتى يعلم أنّه قذر» (٢) وقوله عليه‌السلام : «كلّ شيء لك حلال حتى تعرف أنّه حرام» (٣).

ومحتملات هذه الروايات بحسب التصوّر العقلي سبعة وإن كان الممكن

__________________

ـ الوسائل ٨ : ٢١٦ ـ ٢١٧ ، الباب ١٠ من أبواب الخلل ، الحديث ٣. وتقدّم صدر الحديث في ص ٥٣ ، الهامش (٣).

(١) التهذيب ١ : ٢٨٤ ـ ٢٨٥ ـ ٨٣٢ ، الوسائل ٣ : ٤٦٧ ، الباب ٣٧ من أبواب النجاسات ، الحديث ٤.

(٢) الكافي ٣ : ١ ـ ٢ و ٣ ، التهذيب ١ : ٢١٥ ـ ٦١٩ ، و ٢١٦ ـ ٦٢١ ، الوسائل ١ : ١٣٤ ، الباب ١ من أبواب الماء المطلق ، الحديث ٥.

(٣) الكافي ٥ : ٣١٣ ـ ٤٠ ، التهذيب ٧ : ٢٢٦ ـ ٩٨٩ ، الوسائل ١٧ : ٨٩ ، الباب ٤ من أبواب ما يكتسب به ، الحديث ٤.

منها في مقام الإثبات أربعة :

الأوّل : كونها مسوقة لبيان الطهارة والحلّيّة الواقعيّتين للأشياء فقط.

الثاني : كونها مسوقة لبيان قاعدتي الطهارة والحلّ فقط.

الثالث : كونها مسوقة لبيان قاعدة الاستصحاب.

الرابع : كونها مسوقة لبيان قاعدتي الطهارة والحلّيّة واستصحابهما معا ، واختاره صاحب الفصول (١).

الخامس : سوقها لبيان الطهارة والحلّيّة الواقعيّتين بحسب صدرها واستصحابهما بحسب ذيلها ، وقد اختاره صاحب الكفاية (٢) فيها.

السادس : سوقها لبيان الطهارة والحلّيّة الواقعيّتين والظاهريّتين.

السابع ـ وهو ما اختاره صاحب الكفاية في حاشية الرسائل (٣) ـ : أنّها تدلّ بصدرها على قاعدتي الطهارة والحلّيّة ، والطهارة والحلّيّة الواقعيّتين معا وبغايتها تدلّ على قاعدة الاستصحاب.

وأفاد في وجه ذلك أنّ «الشيء» المدخول ل «كلّ» في الروايات الثلاث لا شكّ في شموله للمشتبه ، مثل المائع المردّد بين كونه بولا وماء ، كما يشمل المائع المتيقّن كونه ماء ، والمحمول ـ وهو «حلال» أو «طاهر» ـ بالقياس إلى الأوّل حكم ظاهري ، وبالنسبة إلى الثاني حكم واقعي.

ثمّ أورد على نفسه : بأنّ الشكّ والعلم بالموضوع الخارجي ليس من حالات ذلك الموضوع ، بل من حالات المكلّف ، فكيف يكون الموضوع المشتبه مشمولا ل «كلّ شيء حلال»!؟.

__________________

(١) الفصول : ٣٧٣.

(٢) كفاية الأصول : ٤٥٢ ـ ٤٥٣.

(٣) حاشية فرائد الأصول : ١٨٥ ـ ١٨٦.

وأجاب : بأنّه لا ينبغي الريب في أنّ المائع ـ الّذي لا يعلم حاله ـ شيء من الأشياء ، فإذا حكم بكونه حلالا ، لا يكون هذا الحكم إلّا ظاهريّا.

وأفاد في وجه دلالتها على الاستصحاب : أنّها بغايتها تدلّ على استمرار الحكم الواقعي أو الظاهري إلى حصول اليقين بخلافه ، فمفادها بحسب الغاية مفاد «لا تنقض اليقين بالشكّ» (١).

وأورد عليه شيخنا الأستاذ قدس‌سره : بأنّه لا يمكن دلالة الروايات بصدرها على بيان الحكم الواقعي والقاعدة كليهما بوجوه :

الأوّل : أنّ الحكم الثابت للعموم ك «أكرم كلّ عالم» لا يثبت لجميع أفراد العالم مأخوذة في كلّ فرد الخصوصيّة الفرديّة بحيث يكون الحكم ثابتا لزيد العالم بزيديته ولعمرو بعمريته ، وهكذا ، بل الحكم ثابت لطبيعيّ العالم ملغى عنه جميع الخصوصيّات ومرفوضا عنه جميع القيود ، ف «شيء» في «كلّ شيء نظيف» أو «حلال» وإن كان في نفسه شاملا للمشتبه أيضا إلّا أنّ الموضوع للحكم الواقعي هو الشيء مرفوضا عنه جميع القيود ، وغير ملحوظة فيه خصوصيّة من الخصوصيّات ، وهذا بخلاف الموضوع للحكم الظاهري ، فإنّه هو الشيء ملحوظا فيه كونه مشتبه الحكم ، فدلالة الرواية على الحكم الواقعي للأشياء بعناوينها الأوّليّة وعلى الحكم الظاهري لها بعنوان أنّها مشكوكة ومشتبهة الحكم متوقّفة على كون عنوان «كون الشيء مشتبه الحكم» ملحوظا وغير ملحوظ ، وهو واضح البطلان ، فالمائع المردّد بين الماء والبول بما هو مشتبه ومشكوك الحكم لا يشمله «كلّ شيء حلال» حيث إنّ ظاهره أنّه لبيان حكم الشيء بعنوانه الأوّلي ومن حيث هو ، لا بعنوان الثانوي وبما أنّه مشكوك

__________________

(١) حاشية فرائد الأصول : ١٨٥ ـ ١٨٦.

الحكم ، وإن أريد التمسّك به لإثبات حلّيّته الواقعيّة ، فهو تمسّك بالعامّ في الشبهة المصداقيّة ، إذ المفروض أنّه يحتمل أن يكون بولا وداخلا في أفراد المخصّص الّذي هو الأعيان النجسة ومنها البول.

الثاني : أنّ الحكم الظاهري ، وهكذا موضوعه متأخّر عن الحكم الواقعي وموضوعه بمرتبتين ، فإنّ موضوع الحكم الظاهري هو الشكّ في الحكم الواقعي ، فهو متأخّر عن الشكّ تأخّر الحكم عن موضوعه ، والشكّ متأخّر عن الحكم الواقعي تأخّر كلّ متعلّق عن متعلّقه ، وهكذا موضوع الحكم الظاهري ـ وهو الشكّ في الحكم الواقعي ـ متأخّر عن الحكم الواقعي تأخّر المتعلّق عن متعلّقه ، والحكم الواقعي متأخّر عن موضوعه تأخّر الحكم عن موضوعه ، فكلّ من الحكم الظاهري وموضوعه متأخّر عن كلّ من الحكم الواقعي وموضوعه بمرتبتين ، وما يكون كذلك ـ أي في طول الحكم الواقعي بمرتبتين ـ كيف يمكن إنشاؤه في عرض الحكم الواقعي بكلام واحد! (١) ولعلّ هذا الإيراد مبنيّ على أنّ الإنشاء بمعنى الإيجاد ، وأنّ الحكم يوجد باللفظ ، وهو نحو من الوجود ، وقد قرّرنا في مقرّه أن ليس الإنشاء إلّا إبراز الاعتبار النفسانيّ ، فإذا اعتبر الإنسان في نفسه ملكيّة شيء لشخص ، يقول : «بعتك» وبهذا اللفظ يبرز ما اعتبره في نفسه ، كما أنّ الإخبار أيضا ليس إلّا إظهار ما في النّفس من قصد حكاية المعنى ، وليست له كاشفيّة عن الخارج أصلا لا تامّا ولا ناقصا ، بل كلّ من الإخبار والإنشاء له كاشفيّة عمّا في نفس المخبر والمنشئ من قصد الحكاية في الأوّل ، واعتبار الملكيّة أو غيرها من الأمور الاعتباريّة في الثاني ، وهذه المرحلة مرحلة الدلالة والكاشفيّة في الإخبار

__________________

(١) أجود التقريرات ٢ : ٣٧٤ ـ ٣٧٥.

والإنشاء ، ولا يحتمل الصدق والكذب في شيء منهما ، واحتمال الصدق والكذب ناش من احتمال مطابقة قصد المخبر للواقع وعدمه في الإخبار دون الإنشاء.

وعلى ذلك فيمكن للمولى أن يعتبر أوّلا طهارة الماء بعنوانه الأوّلي ، ثمّ يعتبر طهارة ما يشكّ في كونه ماء أو غيره ، ثمّ يبرز هذين الاعتبارين الطوليّين بمبرز واحد.

الثالث : أنّ «كلّ شيء لك حلال» أو «طاهر» إن كان لبيان الحكم الواقعي ، فلا يمكن أن يكون العلم غاية له إلّا بما هو طريق إلى ما هو غاية حقيقة بأن يكون المراد من قوله : «حتى تعلم أنّه قذر» حتى يلاقي البول أو ينقلب إلى عنوان نجس أو غير ذلك.

وإن كان لبيان الحكم الظاهري ، فالعلم بما هو وباللحاظ الاستقلالي غاية ، ولا يمكن الجمع بين اللحاظين في استعمال واحد (١).

وهذا الإشكال أيضا غير تامّ ، فإنّ صاحب الكفاية قدس‌سره لم يجعل «حتى تعلم» غاية للحكم الواقعي ولا للحكم الظاهري ، بل جعله غاية لاستمرار الحكم ، ويدّعي أنّ قوله : «حتى تعلم» يدلّ على أنّ الحكم الثابت في الشريعة ـ واقعيّا كان أو ظاهريّا ـ مستمرّ إلى حصول العلم بطروّ ضدّه ، فالعمدة هي الإشكال الأوّل ، وإلّا فمع قطع النّظر عنه لا يرد عليه شيء.

بقي الكلام فيما أفاده في الكفاية من دلالة الروايات بصدرها على الحكم الواقعي ، وبذيلها على الاستصحاب (٢).

__________________

(١) أجود التقريرات ٢ : ٣٧٥.

(٢) كفاية الأصول : ٤٥٢ ـ ٤٥٣.

وحاصل ما أفاده أنّ «كلّ شيء حلال» أو «طاهر» يدلّ على أنّ كلّ جسم من الأجسام طاهر ، وهكذا كلّ فعل من الأفعال ـ سواء تعلّق بموضوع ، كالشرب المتعلّق بالماء وغيره ، أو لم يتعلّق بموضوع ، كالتكلّم ـ حلال ، بطهارة واقعيّة وحلّيّة كذلك ، وقوله عليه‌السلام بعد ذلك : «حتى تعلم أنّه قذر» أو «قذر» و «حتى تعرف أنّه حرام بعينه» يدلّ بالدلالة الالتزاميّة على أنّ هذا الحكم الثابت من الطهارة والحلّيّة مستمرّ إلى حصول العلم بالنجاسة والحرمة.

وفيه : أنّ كلّ قيد في الكلام إمّا راجع إلى الموضوع المذكور في الكلام ، أو المحمول ، أو النسبة الحكميّة ، فإنّ أجزاء القضيّة ليست إلّا ثلاثة :

فإن كان راجعا إلى الموضوع ـ كقوله تعالى : (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ)(١) بناء على رجوع قيد (إِلَى الْمَرافِقِ) إلى الموضوع ، وهو اليد ، وأنّه تحديد للمغسول ، لا للغسل ، بمعنى أنّ اليد التي يجب غسلها حدّها إلى المرفق ، ونظيره كثير في العرف ، نحو «اكنس المسجد إلى نصفه» و «اغسل الثوب إلى ذيله» و «بعتك هذه الدار إلى الجدار» ـ فلا يكون له مفهوم إلّا بناء على حجّيّة مفهوم الوصف.

وهكذا إن كان راجعا إلى متعلّق الحكم ، كقوله تعالى : (ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ)(٢) بناء على رجوع القيد إلى الإتمام ، وأنّ متعلّق الوجوب هو إتمام الصيام إلى الليل ، فإنّه أيضا لا مفهوم له ، لعدم منافاة ثبوت الحكم لموضوع مقيّد أو فعل مقيّد مع ثبوته للمطلق أيضا.

وإن كان راجعا إلى الحكم أو النسبة الحكميّة بأن يقال : إنّ الصوم محكوم

__________________

(١) المائدة : ٦.

(٢) البقرة : ١٨٧.

بالوجوب المستمرّ إلى الليل ، فالقضيّة ذات مفهوم.

ففي المقام إن كانت الغاية قيدا للموضوع ـ وهو «الشيء» ـ حتى يكون المعنى أنّ كلّ شيء ما دام مشكوكا ولم يحصل العلم بنجاسته وحلّيّته طاهر أو حلال ، فمن الواضح أنّها أجنبيّة عن الاستصحاب ، ومفادها ليس إلّا قاعدتي الطهارة والحلّيّة.

وإن كانت الغاية راجعة إلى الحكم أو النسبة الحكميّة ـ بأن كان المعنى أنّ كلّ شيء إلى زمان حصول العلم طاهر أو حلال أو أنّ كلّ شيء محكوم بالطهارة المستمرّة إلى زمان حصول العلم بالنجاسة ، أو محكوم بالحلّيّة المستمرّة إلى زمان حصول العلم بالحرمة ـ فالغاية وإن كان لها مفهوم ، فتدلّ على عدم ثبوت الحكم بعد حصول الغاية ، وثبوته ما لم تحصل إلّا أنّ مفادها حينئذ هو أنّ الشيء محكوم بالطهارة المستمرّة أو الحلّيّة المستمرّة إلى زمان حصول العلم بالنجاسة أو الحرمة ، وأين هذا من الاستصحاب؟ إذ الاستصحاب هو استمرار الحكم الثابت ، لا جعل الحكم المستمرّ ، نظير جعل وجوب الصوم المستمرّ إلى الليل.

وحيث إنّ الحكم الواقعي لا يكون مغيا بالعلم بل غايته إمّا النسخ أو ملاقاة النجاسة مثلا أو الانقلاب أو الاستحالة أو غير ذلك ممّا يكون غاية للطهارة الواقعيّة والحلّيّة الواقعيّة ، فهذا الوجه أيضا يرجع ـ مع اعوجاج ـ إلى الوجه السابق ، وهو رجوع القيد إلى الموضوع.

والحاصل : أنّه لا تستفاد قاعدة الاستصحاب من الروايات ، بل مفادها ليس إلّا قاعدتي الحلّ والطهارة.

نعم ، لو كانت العبارة هكذا «كلّ شيء طاهر وهذا الحكم ثابت ومستمرّ

حتى يعلم أنّه قذر» لكانت دالّة على الأمرين لكنّها ليست كذلك.

ومن ذلك ظهر ما في كلام صاحب الفصول من جعل الروايات دالّة على القاعدة والاستصحاب (١) ، وما في كلام الشيخ قدس‌سره في خصوص رواية «الماء كلّه طاهر حتى يعلم أنّه قذر» وادّعائه دلالتها على الاستصحاب ، نظرا إلى أنّ الماء بحسب خلقته الأوّليّة طاهر ، ولم يكن ماء لم يكن طاهرا بحسب الأصل ، وكان مردّدا بين النجاسة والطهارة بخلاف سائر الأشياء ، فالماء دائما حالته السابقة هي الطهارة ، فهذه الرواية تدلّ على أنّ الماء باق على طهارته الأوّليّة الأصليّة ما لم يعلم بعروض النجاسة عليه (٢).

وذلك لأنّ ما ذكرنا ردّا على صاحب الكفاية من رجوع القيد إلى الموضوع أو الحكم ـ إلى آخره ـ يرد عليهما حرفا بحرف ، فاتّضح عدم دلالة شيء من الروايات على استصحاب الطهارة والحلّيّة حتى يسرى إلى غيرهما بعدم القول بالفصل ، بل المستفاد منها هو قاعدتا الحلّ والطهارة في جميع الأشياء أو في خصوص الماء المشكوكة طهارته ونجاسته.

بقيت من الروايات رواية أخرى واردة فيمن يعير ثوبه الذّمّي وهو يعلم أنّه يشرب الخمر ويأكل الخنزير ، قال : فهل عليّ أن أغسله؟ فقال : «لا ، لأنّك أعرته إيّاه وهو طاهر ولم تستيقن أنّه نجّسه» (٣).

ودلالتها على الاستصحاب في موردها تامّة ، فإنّ الإمام عليه‌السلام حكم بطهارة الثوب مستندا إلى طهارته السابقة ، وعدم اليقين بارتفاعها ، لا بمجرّد

__________________

(١) الفصول : ٣٧٣.

(٢) فرائد الأصول : ٣٣٦.

(٣) التهذيب ٢ : ٣٦١ ـ ١٤٩٥ ، الاستبصار ١ : ٣٩٢ ـ ١٤٩٧ ، الوسائل ٣ : ٥٢١ ، الباب ٧٤ من أبواب النجاسات ، الحديث ١.

الشكّ فيها ، فإن تمّ بعدم القول بالفصل فهو ، وإلّا ففي الروايات السابقة غنيّ وكفاية.

ثمّ إنّ المحقّق السبزواري قدس‌سره فصّل بين الشكّ في أصل وجود الرافع ، فالتزم بجريان الاستصحاب فيه ، وبين الشكّ في رافعيّة الموجود ـ سواء كانت الشبهة حكميّة ، كما إذا شكّ في المعاطاة بعد فسخ أحد المتعاملين في بقاء كلّ من العوضين على مالك مالكه قبل الفسخ ، وعدمه ، أو موضوعيّة ، كما إذا شكّ في بقاء الطهارة لخروج رطوبة مردّدة بين البول والمذي ـ فالتزم بعدم جريانه فيه بدعوى أنّ نقض اليقين في أمثال هذه الموارد يكون باليقين ، لا بالشكّ ، إذ الّذي أوقفنا عن العمل على طبق الحالة السابقة والجري على مقتضاها ليس هو الشكّ في رافعيّة الفسخ أو المردّد بين المذي والبول ، ضرورة أنّ هذا الشكّ كان موجودا قبل تحقّق الفسخ وخروج الرطوبة أيضا ، وكنّا نستصحب قبل ذلك قطعا ، بل الّذي أوقفنا عن العمل على طبق الحالة السابقة هو وجود أمر يقيني ، وهو الفسخ وخروج الرطوبة ، فنقض اليقين يكون باليقين لا بالشكّ (١).

وفيه : أنّ كلّ يقين لا يمكن أن يكون ناقضا لليقين ، وإلّا فاليقين بطلوع الشمس أيضا يمكن أن يكون ناقضا ، بل لا بدّ من يقين متعلّق بخلاف ما تعلّق به اليقين السابق حتى يجوز رفع اليد عنه بواسطته.

وما أفاده قدس‌سره من أنّ النقض ليس بالشكّ في رافعيّة الفسخ أو الرطوبة ، لكونه موجودا قبل ، فهو مغالطة واضحة ، فإنّ النتيجة تابعة لأخسّ المقدّمتين ، فإذا كانت الكبرى قطعيّة وانطباق الكبرى على الصغرى أيضا قطعيّا ، فلا محاله ينتج القياس نتيجة قطعيّة ، أمّا لو كان أحد الأمرين أو كلاهما مشكوكا أو مظنونا ،

__________________

(١) ذخيرة المعاد : ١١٥ ـ ١١٦.

فلا محالة ينتج القياس نتيجة ظنّيّة أو مشكوكة ، فمشكوكيّة النتيجة ناشئة من مشكوكيّة إحدى المقدّمتين ، وفي المقام صغرى القياس ـ وهي تحقّق الفسخ أو خروج الرطوبة ـ قطعيّة ، وأمّا الكبرى ـ وهي رافعيّة الفسخ أو الرطوبة ـ مشكوكة ، فالنتيجة أيضا ـ وهي انفساخ العقد وارتفاع الطهارة ـ مشكوكة ، والشكّ فيها مسبّب عن الشكّ في كبرى القياس ، والنقض إنّما يكون بهذا الشكّ الحاصل من ضمّ صغرى قطعيّة إلى كبرى مشكوكة.

ثمّ من التفصيلات التفصيل بين الأحكام التكليفيّة والوضعيّة ، وينبغي التكلّم أوّلا في أنّ الحكم الوضعي هل هو مجعول مستقلّ حتى يمكن استصحابه مستقلّا ، أو تابع ومنتزع عن حكم تكليفي حتى يحتاج استصحابه إلى وجود أثر له؟

وتوضيح الكلام يقتضي تقديم أمور :

الأوّل : أنّ الحكم ـ كما مرّ مرارا ـ ليست حقيقته إلّا الاعتبار ممّن بيده الاعتبار ، فإن كان متعلّق هذا الاعتبار جعل الفعل على ذمّة المكلّف ، الّذي هو الوجوب ، أو جعل المكلّف محروما عن الفعل ، الّذي هو الحرمة ، أو جعله مطلق العنان ، الّذي هو الإباحة ، فالحكم تكليفي ، وإلّا فوضعي ، كاعتبار كون شخص محيطا بشيء ومسلّطا عليه ومالكا له.

ولا شغل لنا في تحقيق أنّ الملكيّة من مقولة الإضافة أو بمعنى الجدة ، وهذه أمور اعتباريّة تتحقّق في عالم الاعتبار في مقابل تحقّقها خارجا.

الثاني : أنّ الوجودات الخارجيّة الموجودة في عالم الأعيان كما أنّها على قسمين : متأصّلة ، وهي الجواهر والأعراض بأجمعها التي يعبّر عنها بالمقولات باعتبار أنّها يقال علي الأشياء التي بحذائها ، وانتزاعيّة ، وهي ما لا يكون بحذائه في الخارج شيء يقال عليه ، بل ينتزع عن شيء آخر ، وهي كالعلّيّة المنتزعة

عن ذات العلّة ، والمعلوليّة المنتزعة عن ذات المعلول ، ومثل العناوين الاشتقاقيّة بأجمعها ، فإنّ العالم ـ مثلا ـ ليس بحذائه في الخارج شيء ، بل هذا العنوان ينتزع عن وجود جوهر هو الإنسان ، وعرض قائم به ، وهو العلم ، كذلك الوجودات الاعتباريّة على قسمين : متأصّلة ، كالوجوب والحرمة والرخصة ، والملكيّة والرقّيّة وغير ذلك من الأحكام التكليفيّة والوضعيّة ، وانتزاعيّة ، كالسببيّة والمسبّبيّة والشرطيّة والمشروطيّة وغيرها ، فإنّ الوجودات في القسم الأوّل وإن كانت اعتباريّة إلّا أنّ لها تأصّلا في عالم الاعتبار ، بخلاف الوجودات في القسم الثاني ، فإنّها ليس لها تقرّر وتأصّل ، لا في العين ولا في عالم الاعتبار ، بل هي أمور ليس بحذائها شيء ، تنتزع عمّا أخذ في أصل التكليف أو متعلّق التكليف من القيود ، مثلا : عند اعتبار المولى وجوب الصلاة عند دلوك الشمس ، وقوله : «إذا زالت الشمس فصلّ» حيث أخذ الدلوك مفروض الوجود ، وجعله قيدا للوجوب ، ينتزع عنوان السببيّة ، ويقال : إنّ الدلوك سبب لوجوب الصلاة ، وهكذا إذا اعتبر الفراق عند الطلاق ، تنتزع السببيّة عن الطلاق ، وعند أمره بعتق الرقبة المؤمنة تنتزع شرطيّة الإيمان للمأمور به ، وعند اعتباره ثبوت الصلاة المقيّدة بعدم وقوعها حال الحيض ، وقوله : «دعي الصلاة أيّام أقرائك» (١) تنتزع المانعيّة للحيض.

الثالث : أنّ نسبة المعتبر إلى الاعتبار كنسبة الماهيّة إلى الوجود.

إذا عرفت هذه الأمور ، نقول : إنّ السببيّة والشرطيّة والمانعيّة وغير ذلك ممّا يبحث عنه في المقام بأجمعها أمور انتزاعيّة لا تقرّر ولا تأصّل لها في وعاء من الأوعية ، منتزعة عمّا أخذ في المعتبر الّذي هو الحكم وضعيّا كان أو تكليفيّا

__________________

(١) الكافي ٣ : ٨٨ ـ ١ ، التهذيب ١ : ٣٨٤ ـ ١١٨٣ ، الوسائل ٢ : ٢٨٧ ، الباب ٧ من أبواب الحيض ، الحديث ٢.

أو في متعلّق المعتبر ، الّذي هو المأمور به والمكلّف به من القيود ، ولا واقع لها إلّا ذلك ، ولا يعقل أن يكون المجعول والمعتبر مسبّبا عن سبب تكويني حقيقي ، وإلّا ينقلب عن كونه مجعولا تشريعيّا ويصير من الموجودات الخارجيّة.

والحاصل : أنّ هذه الأمور بمعناها الواقعي لا يعقل أن تكون دخيلة في المجعول الشرعي ، الّذي هو أمر اعتباري ، وبغير ذلك المعنى لا تكون إلّا أمورا منتزعة عمّا تقيّد به المعتبر أو متعلّقه. وبعبارة أخرى : التكليف أو المكلّف به وجودا أو عدما ، ولا فرق في ذلك بين الأحكام التكليفيّة والوضعيّة كما عرفت من الأمثلة المتقدّمة.

نعم ، جرى الاصطلاح على تسمية قيود التكليف وما اعتبر وجودها أو عدمها فيه ، وهكذا المكلّف به بالشرائط والموانع ، وتسمية قيود الوضع بالأسباب.

ومن ذلك ظهر عدم تماميّة ما أفاده صاحب الكفاية في المقام من أنّ سبب التكليف وشرطه ومانعة أمور واقعيّة غير قابلة للجعل التشريعي أصلا لا مستقلّا ولا تبعا.

هذا كلّه بالنسبة إلى مقام المجعول والمعتبر ، وأمّا الاعتبار : فقد عرفت أنّه فعل من أفعال النّفس ، كالتصوّر والبناء والتفكّر والتدبّر وغيرها من أفعالها ، فهو من الأمور المتأصّلة ، وليس هو أيضا اعتباريّا حتى يلزم التسلسل أو الدور ، بل هو كسائر الأفعال لا بدّ له من سبب حقيقي وسائر ما يعتبر في تحقّق الأمور المتأصّلة ، وهو أجنبيّ عن محلّ الكلام.

وقد ظهر من ذلك أنّ ما أفاده صاحب الكفاية في الشرط المتأخّر من أنّ

شرائط التكليف كلّها شرائط للّحاظ (١) ، وهكذا ما أفاده في باب جواز أمر الآمر مع علمه بانتفاء شرطه (٢) ، خلط لمقام الجعل بمقام المجعول ولشرط الاعتبار بشرط المعتبر ، فإنّ لحاظ جميع ما له دخل في التكليف أو الوضع شرط في مقام الاعتبار الّذي هو فعل من أفعال المولى ، لا في المعتبر الّذي هو الحكم ، كما لا يخفى.

فتلخّص من جميع ما ذكرنا أنّ هذه الأمور بأجمعها أمور انتزاعيّة. وأمّا الأمور الاعتباريّة فهي نفس الأحكام التكليفيّة أو الوضعيّة ، وقد عرفت الفرق بينهما ، ولا وجه للخلط بينهما وجعل الأمر الاعتباري مرادفا للأمر الانتزاعي ، وإطلاق أحدهما على الآخر.

وبالجملة ، السببيّة والشرطيّة والمانعيّة للتكليف أو المكلّف به ، التي يبحث عنها في المقام قابلة للجعل بتبع جعل منشأ انتزاعها وهو الأمر بالصلاة عند الدلوك ، أو الحجّ عند الاستطاعة ، أو الصوم عند عدم الحيض والسفر ، وليس لحاظ هذه الأمور شرطا للتكليف ، بل الدلوك بواقعه وحقيقته له دخل في التكليف ، وكذلك واقع الاستطاعة شرط لوجوب الحجّ ، وواقع الحيض والسفر مانع عن وجوب الصوم.

بقي الكلام فيما أفاده الشيخ قدس‌سره من أنّ سائر الأحكام الوضعيّة مثل الملكيّة والزوجيّة والرقّيّة والوقفيّة وغيرها ليست مجعولة بالاستقلال ، بل هي مجعولة بالتبع ، فإنّها منتزعة عن أحكام تكليفية (٣).

__________________

(١) كفاية الأصول : ١١٨ ـ ١٢٠. يعني أنّ الشّرط هو لحاظ ما يسمّى الشرط لا نفسه بوجوده الخارجي.

(٢) كفاية الأصول : ١٦٩ ـ ١٧٠.

(٣) فرائد الأصول : ٣٥٠ ـ ٣٥١.

وما أفاده غير تامّ أوّلا : بأنّ الالتزام بأنّها منتزعة عن الأحكام التكليفيّة وإن كان ممكنا إلّا أنّه مع إمكان جعلها مستقلّة واعتبارها بالأصالة ـ كما يعتبرها العقلاء كذلك ـ التزام بلا ملزم ، وشعر بلا ضرورة.

وثانيا : بأنّ الأحكام التكليفيّة بحسب ظواهر الأدلّة متفرّعة على هذه الأحكام ، ضرورة أنّ الحكم بجواز التصرّف في ملك نفسه ، وعدم جوازه في ملك غيره ، وجواز الوطء مع زوجته ، وعدم جوازه مع الأجنبيّة متفرّع على الملكيّة وعدمها ، والزوجيّة وعدمها في الأدلّة ، لا العكس.

وثالثا : بأنّا لا نجد في مورد حكما تكليفيّا واحدا أو اثنين أو ثلاثا يكون ملازما لهذه العناوين حتى يصحّ انتزاعها عنه ، بل كلّما نفرض حكما تكليفيّا ، يكون أعمّ من وجه من هذه العناوين ، مثلا : ربما يكون جواز التصرّف ثابتا والملكيّة غير ثابتة ، كما إذا كان مأذونا من قبل المالك أو مضطرّا إلى التصرّف ، وربما يكون بالعكس ، كما إذا كان المالك محجورا عن التصرّف لسفه وغيره ، وهكذا جواز الوطء قد يكون ثابتا بدون الزوجيّة ، كملك اليمين ، وقد يكون بالعكس ، كما إذا عرض مانع لا يجوز معه الوطء من مرض أو حيض أو حلف أو غير ذلك.

وتوهّم انتزاع هذه العناوين عن مجموع الأحكام المترتّبة عليها واضح الفساد ، إذ لازمه زوال الملكيّة مثلا مع زوال أحد أحكامها.

ورابعا : بأنّه لعلّ هذا في بعض الأحكام الوضعيّة من المستحيل كالحجّيّة ، فإنّ أيّ حكم تكليفي يفرض انتزاعها عنه يسقط بالعصيان مع أنّ الحجّيّة لا تسقط بالعصيان.

وخامسا : بأنّ لازم ذلك هو عدم جريان الاستصحاب بالنسبة إلى ما لم يكن سابقا ثابتا من الآثار والأحكام ، فلا يجري استصحاب بقاء الزوجيّة فيما

إذا عقد شخص على صغيرة وشكّ حال البلوغ في بقاء علقة الزوجيّة وعدمها ، فإنّ استصحاب بقائها بلحاظ هذا الأثر ـ أي جواز الوطء ـ لا يمكن ، فإنّه يتبع استصحاب الحكم ، والمفروض انتفاء جواز الوطء في حال الصغر. نعم ، بناء على الاستصحاب التعليقي لا محذور فيه.

وهذا بخلاف ما قلنا من أنّ الزوجيّة بنفسها مجعولة ، فإنّ الاستصحاب يجري بلا إشكال ولو لم يكن للزوجيّة المستصحبة هذا الأثر حال وجودها ، لما سيجيء من كفاية وجود الأثر للمستصحب بقاء وحال الاستصحاب أو بعده ، مثلا : يجري استصحاب حياة الولد حال موت أبيه ، ويرتّب عليه إرثه منه وإن لم يكن للمستصحب أثر حال حياة أبيه.

ثمّ إنّه وقع النزاع في بعض الأحكام الوضعيّة كالطهارة والنجاسة في أنّهما هل هما أمران واقعيّان كشف عنهما الشارع أو لا ، بل هما كسائر الأحكام الوضعيّة مجعولتان ، وممّا اعتبره الشارع؟

ذهب الشيخ قدس‌سره إلى الأوّل (١).

وفيه ـ مضافا إلى أنّه خلاف ظواهر الأدلّة ، فإنّ ظاهر «الماء كلّه طاهر» أو «البول نجس» هو أنّ الطهارة حكم ، وأنّ الشارع بما هو شارع حكم بطهارة الماء ، لا بما أنّه عالم بالغيب ، وكذلك النجاسة ، كما في قوله : «هذا ملك» أو «ذاك زوج» ـ أنّه خلاف الوجدان ، إذ أيّ أمر واقعي ـ لا يرى ولا يسمع ولا يدرك بأيّة آلة ولو بوضع ميكرسكوب ـ يوجد بمجرّد الشهادتين ، وينعدم بمجرّد كلمة ردّة ولو كان الرادّ من أنظف الناس؟

وإن كان المراد أنّهما أمران اعتباريّان اعتبرهما الشارع كالنظافة والقذارة

__________________

(١) فرائد الأصول : ٣٥٠ ـ ٣٥١.

العرفيتين اللتين يعتبرهما العرف والعقلاء ، وأنّ هذا الاعتبار لمصلحة واقعيّة أو مفسدة كذلك مترتّبة على الطاهر والنجس ، فكلّ حكم شرعي يكون كذلك ولا يختصّ بهما ، ويشهد لذلك أيضا حكم الشارع بطهارة المشكوك ، كما يستفاد من قوله عليه‌السلام : «كلّ شيء نظيف حتى تعلم أنّه قذر» (١) ضرورة أنّ حمله على الإخبار لا يمكن ، لأنّه خلاف الواقع ، فلا بدّ من حمله على الإنشاء ، وأنّه اعتبر الطهارة الظاهريّة للمشكوك.

وتوهّم كونه تنزيلا نظير «الفقّاع خمر» أو «الطواف بالبيت صلاة» فاسد ، إذ لازمه ترتّب جميع آثار الطاهر الواقعي على المشكوك في ظرف الشكّ وعدم العلم بالقذارة ، فلو توضّأ بماء مشكوك النجاسة ثمّ انكشفت نجاسته ، فوضوؤه صحيح يجوز له الدخول في الصلاة مع هذا الوضوء وإن لا يجوز أن يتوضّأ بعد ذلك من هذا الماء ، ومن البعيد التزام الشيخ قدس‌سره أو غيره ممّن يقول بمقالته بذلك ، مع دلالة موثّقة عمّار (٢) على خلاف ذلك أيضا.

وممّا وقع النزاع فيه الصحّة والفساد ، فقيل : إنّهما أمران واقعيّان لا تنالهما يد الجعل. وقيل : كلاهما مجعول.

وفصّل صاحب الكفاية بين العبادات ، فذهب إلى أنّ الصحّة فيها بمعنى انطباق المأمور به على المأتيّ به ، وهو أمر واقعي غير قابل للجعل ، وبين المعاملات ، فالتزم بأنّ الصحّة فيها بمعنى ترتّب الأثر ، وهو أمر قابل للجعل ، فهي مجعولة بتبع جعل الملكيّة أو الزوجيّة وغير ذلك من الأحكام الوضعيّة (٣).

وفيه : ما أشرنا إليه سابقا من أنّ الصحّة والفساد وصفان للموجود

__________________

(١ و ٢) التهذيب ١ : ٢٨٤ ـ ٢٨٥ ـ ٨٣٢ ، الوسائل ٣ : ٤٦٧ ، الباب ٣٧ من أبواب النجاسات ، الحديث ٤.

(٣) كفاية الأصول : ٢٢١ ـ ٢٢٢.

الخارجي ، ولا يمكن اتّصاف الكلّي بهما ، فإذا وجد ما أمر به المولى على ما هو عليه في الخارج ، ينتزع عنوان الصحّة من انطباق الكلّي المأمور به على الموجود الخارجي المأتيّ به ، وعنوان الفساد من عدم انطباقه عليه ، وهكذا في المعاملات ، فإذا اعتبر المولى الملكيّة عند البيع الصادر عن البالغ العاقل المالك ، أو المأذون منه من دون غرر ولا ربا إلى آخر ما يعتبره ويجعله موضوعا للملكيّة بنحو القضيّة الحقيقيّة ، وانطبق هذا الموضوع الكلّي على المعاملة الخارجيّة ، ينتزع عنوان الصحّة ، ومع عدمه ينتزع عنوان الفساد ، فهما أمران انتزاعيّان ينتزعان من الانطباق وعدمه ، وليسا بمجعولين لا في العبادات ولا في المعاملات.

نعم ، الصحّة الظاهريّة ـ كما في موارد قاعدتي الفراغ والتجاوز عند الشكّ في الانطباق في العبادات ، وهكذا في المعاملات في موارد أصالة الصحّة ـ أمر مجعول بتبع جعل نفس الانطباق ، فإنّ الشارع يعتبر انطباق المأمور به على الصلاة التي شكّ فيها بعد الفراغ مثلا ، وهكذا يرى ما جعله موضوعا للملكيّة منطبقا على المعاملة الواقعة المشكوكة ، فهما دائما تنتزعان من الانطباق وعدمه ، غاية الأمر أنّ الصحّة الواقعيّة والفساد الواقعي ينتزعان من الانطباق الخارجي الواقعي ، والظاهري منهما ينتزع من انطباق الجعل ، فالأليق بالتحقيق هو التفصيل بين الواقعي منهما والقول بعدم كونه مجعولا ، والظاهري منهما والقول بمجعوليّته.

وممّا وقع الكلام في أنّه حكم وضعي أو لا : العزيمة والرخصة.

والتحقيق أنّهما أجنبيّتان عن الحكم الوضعي ، فإنّ معنى أنّ سقوط الأذان عند كذا رخصة أنّه لا تكون مطلوبيته بتلك المرتبة الراقية التي كانت في غير هذا المورد ولكن لم يسقط عن المحبوبيّة بل في هذا المورد أيضا مستحبّ

ومشروع ، ومعنى كونه عزيمة أنّه غير مشروع ، ولا بدّ من تركه ، وأين هذا من الحكم الوضعي؟

ثمّ إنّ مثل الصلاة والصوم والحجّ وغير ذلك من المركّبات الاعتباريّة التي سمّاها الشهيد قدس‌سره بالماهيّات المخترعة الجعليّة (١) ، وتبعه غيره ، واختاره شيخنا الأستاذ (٢) قدس‌سره أيضا ، نظرا إلى أنّها مجعولة للشارع.

والتحقيق أنّها غير مجعولة ، فإنّ ماهيّة الصلاة مثلا مركّبة من الأمور المتباينة والماهيّات المختلفة حقيقتها ، كالقراءة والركوع والسجود وغير ذلك ، والشارع باعتبار ترتّب مصلحة واحدة وغرض ملزم واحد على هذه الأمور لاحظها في مقام التصوّر أمرا واحدا ، ففي مرحلة التصوّر لم تنلها يد الجعل تشريعا ، بل أوجدها وجعلها في النّفس تكوينا ، فإنّ تصوّر كلّ ماهيّة من الماهيّات جعل تكوينيّ لها في عالم النّفس ، وإيجاد لها فيه ، وهكذا في مرحلة إدراك أنّ هذه الأمور المتباينة يترتّب عليها غرض ملزم واحد ومصلحة واحدة ، فإنّ هذا الإدراك أيضا أمر واقعي غير قابل للجعل ، وبعد ما رأى هذه الأمور شيئا واحدا باعتبار ترتّب غرض واحد يجعلها في ذمّة المكلّف ، ويعتبر كونها في عهدته ورقبته ، وهذا الجعل عين جعل الوجوب لها ، فليس وراء جعل الحكم في هذه الماهيّات أمر آخر يكون مجعولا شرعيّا.

ثمّ إنّ شيخنا الأستاذ قدس‌سره ذهب إلى أنّ الحكم الوضعي لا بدّ وأن يكون مجعولا بنحو القضيّة الحقيقيّة ، كقوله تعالى : (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ)(٣) أمّا المجعول بنحو القضيّة الشخصيّة ك «جعلت زيدا

__________________

(١) القواعد والفوائد ١ : ١٥٨.

(٢) أجود التقريرات ٢ : ٣٨٢ و ٣٨٣.

(٣) الأنفال : ٧٥.

قاضيا» أو «واليا» فليس من الحكم الوضعي (١).

وما أفاده قدس‌سره من الفرق إن كان مجرّد اصطلاح ، فلا مناقشة فيه ، وإن كان من جهة أنّ تحته مطلبا ، فليس الأمر كذلك ، فإنّ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «اخرجوا مع جيش أسامة» (٢) أمر مولوي تجب بحكم العقل إطاعته مع أنّه شخصي متوجّه إلى أولئك الثلاثة دون سائر المسلمين ، وهكذا بالقياس إلى الحكم الوضعي ، فكما يمكن أن يكون الحكم تكليفيّا أو وضعيّا مجعولا بنحو القضيّة الحقيقيّة كذلك يمكن أن يكون مجعولا بنحو القضيّة الشخصيّة.

فتحصّل من جميع ما ذكر أنّ الأحكام الوضعيّة كلّها مجعولة إمّا مستقلّة أو تبعا ، ولا مانع من استصحابها.

نعم ، الحكم الوضعي المجعول تبعا ـ كالجزئيّة والشرطيّة ونحوهما ـ لا فائدة في استصحابه ، لوجود الأصل الحاكم في مورده دائما ، وهو الاستصحاب في طرف منشأ انتزاعه الّذي هو الأمر بالمركّب ، فإذا شكّ في بقاء شرطيّة الوضوء للصلاة مثلا وعدمه ، فاستصحاب بقاء الإيجاب المتعلّق بالصلاة المتقيّدة بالطهارة حاكم على استصحاب بقاء الشرطيّة ، لكونها منتزعة عن ذلك الأمر ، وقد يعبّر من جهة سهولة التعبير باستصحاب الشرطيّة.

ولا يخفى أنّ الشرطيّة أو الجزئيّة بعد هذا الاستصحاب جزئيّة ظاهريّة وشرطيّة كذلك ، كما أنّ الأمر بالمقيّد بالطهارة أو المركّب من السورة وغيرها أمر ظاهري.

ومن مطاوي ما ذكرنا ظهر أنّ شيئا من التفاصيل المذكورة التي منها التفصيل بين الحكم الوضعي وغيره لا يرجع إلى محصّل ، والتحقيق ما اخترناه

__________________

(١) أجود التقريرات ٢ : ٣٨٣.

(٢) انظر تاريخ الطبري ٢ : ١٨٦ ، والسيرة النبوية ـ لابن هشام ـ ٤ : ٣٠٠ ، نقلا بالمعنى.

من التفصيل.

وينبغي التنبيه على أمور :

الأوّل : قد تقدّم الفرق بين القواعد الثلاث : قاعدة الاستصحاب ، وقاعدة اليقين ، وقاعدة المقتضي والمانع ، وأنّ قوام الاستصحاب باتّحاد زماني الشكّ واليقين بمعنى أنّه لا بدّ من زمان يكون المكلّف فيه شاكّا ومتيقّنا حتى يمكنه أن يمضي على يقينه ، ولا يرفع اليد عنه لشكّه ، فكلّما كان للمكلّف في زمان واحد يقين وشكّ متّحدان في المتعلّق ذاتا دون زمانا ، يجري الاستصحاب ، سواء كان اليقين سابقا على الشكّ حدوثا أو مقارنا أو متأخّرا ، وسواء كان اليقين متعلّقا بوجود شيء سابقا والشكّ متعلّقا ببقائه إلى الآن أو كان اليقين متعلّقا بشيء كحياة زيد ـ مثلا ـ فعلا وشكّ في أنّه باق إلى غد أم لا ، وذلك من جهة إطلاق أدلّة الاستصحاب ، ولم نر أحدا تعرّض لذلك.

نعم ، نسب شيخنا الأستاذ قدس‌سره في بحث المقدّمات المفوّتة لمناسبة إنكار هذا الاستصحاب إلى صاحب الجواهر (١).

وكيف كان فلا إشكال في شمول الروايات لذلك أيضا إذا كان للمستصحب أثر فعلا ، لا ما لا يكون له أثر ، فإنّه لا يجري الاستصحاب من جهة اللغويّة ، وتترتّب على ذلك فروع كثيرة في الفقه :

منها : مسألة جواز البدار لذوي الأعذار ، فيكون البدار على هذا على القاعدة ، فمن يكون عاجزا عن الصلاة قائما عند الزوال ، يستصحب عجزه إلى الغروب ، فيفرض نفسه متيقّنا بالعجز إلى الغروب ، ويعمل عمل المتيقّن ، ولو لا ذلك لكان البدار تشريعا ، لعدم جواز الصلاة قاعدا لمن لم يحرز عجزه

__________________

(١) أجود التقريرات ١ : ١٥٨.

في مجموع الوقت ، لاحتمال رفع عجزه وتمكّنه من الإتيان بالصلاة قائما فيما بين الحدّين.

نعم ، استفدنا من الروايات عدم جواز البدار في خصوص التيمّم على عكس صاحب العروة ، حيث أفتى بالجواز في التيمّم وبعدمه في غيره (١).

وبالجملة ، القاعدة تقتضي ـ لو لا الدليل الخاصّ ـ جواز البدار.

التنبيه الثاني : تعتبر في الاستصحاب فعليّة موضوعه ، وهو اليقين والشكّ ، كما هو شأن كلّ قضيّة حقيقيّة ، فإنّها ترجع إلى قضيّة مشروطة مقدّمها وجود موضوعها وتاليها ثبوت المحمول له ، فما لم يصر الموضوع فعليّا ، لم يصر الحكم فعليّا ، فلو فرض انتفاء اليقين والشكّ أو انتفاء أحدهما ، لا يجري الاستصحاب ، ولا يكفي وجودهما تقديرا ، بمعنى أنّ المكلّف كان بحيث لو التفت كان يحصل له اليقين والشكّ ، كما لا يكفي وجود الشكّ التقديري للحكم بالبناء على الأكثر في الشكّ بين الثلاث والأربع ، ففي موارد الغفلة لا مورد لجريان الاستصحاب ولو كان اليقين والشكّ حاصلين على تقدير الالتفات.

ثمّ إنّ الشيخ قدس‌سره فرّع على ذلك فرعين :

أحدهما : أنّه لو تيقّن بالحدث ثمّ غفل وصلّى فشكّ بعد الفراغ أنّه هل توضّأ قبل الصلاة أو لا؟ فله شكّان : شكّ تقديري في حال قبل الفراغ عن الصلاة ، وشكّ فعلي في حال الفراغ ، والشكّ الأوّل ليس موضوعا للاستصحاب ، والثاني وإن كان موضوعا للاستصحاب إلّا أنّ قاعدة الفراغ حيث وردت في مورد الاستصحاب حاكمة عليه ، فيحكم بصحّة الصلاة من هذه

__________________

(١) العروة الوثقى : المسألة ٣ من أحكام التيمّم ، والمسألة ٢٢ من أحكام القيام.

الجهة.

والثاني : أنّه لو تيقّن بالحدث وشكّ في بقائه وصلّى بعد ما غفل عن ذلك ، فإنّ كان يقطع بعدم وضوئه بعد ما شكّ قبل الصلاة ، يحكم ببطلان صلاته ، لعدم جريان القاعدة في مورد اقتضاء أصل آخر بطلان الصلاة قبلها أو حالها ، والاستصحاب قبل دخوله في الصلاة جرى في حقّه من حيث تحقّق موضوعه ، فكان قبل الصلاة محكوما بالحدث ، وإن كان يحتمل التوضّؤ بعد ما شكّ قبل الصلاة ، فتجري القاعدة ، فإنّه شكّ آخر غير الشكّ الأوّل الّذي قلنا بعدم جريان قاعدة الفراغ بالقياس إليه (١).

هذا ، وفي كلا التفريعين نظر.

أمّا الأوّل : فلأنّ القاعدة وإن كانت مقدّمة ـ فيما جرت ـ على الاستصحاب إمّا حكومة ـ كما هو التحقيق ـ أو تخصيصا على وجه ضعيف إلّا أنّها لو كانت أمارة ـ كما استظهرناه من قوله عليه‌السلام : «بلى قد ركعت» (٢) وقوله عليه‌السلام : «هو حين يتوضّأ أذكر منه حين يشكّ» (٣) وقوله عليه‌السلام مضمونا : «هو حينما صلّى أقرب إلى الواقع أو الحقّ من حين الفراغ» (٤) وهو أيضا مقتضى طبع الفاعل الّذي بصدد الإتيان ، فإنّ الإخلال العمدي خلاف ظاهر من يكون بصدد الإتيان تامّا ، والإخلال السهوي أيضا خلاف الأصل ، وكثيرا ما ينسى الإنسان ما تعشّى أو تغدّى به قبل يومين بحيث لو سئل يبقى شاكّا مع كونه ملتفتا

__________________

(١) فرائد الأصول : ٣٢١ ـ ٣٢٢.

(٢) التهذيب ٢ : ١٥١ ـ ٥٩٢ ، الاستبصار ١ : ٣٥٧ ـ ١٣٥٤ ، الوسائل ٦ : ٣١٧ ، الباب ١٣ من أبواب الركوع ، الحديث ٣.

(٣) التهذيب ١ : ١٠١ ـ ٢٦٥ ، الوسائل ١ : ٤٧١ ، الباب ٤٢ من أبواب الوضوء ، الحديث ٧.

(٤) الفقيه ١ : ٢٣١ ـ ١٠٢٧ ، الوسائل ٨ : ٢٤٦ ، الباب ٢٧ من أبواب الخلل ، الحديث ٣.

إلى ذلك حال عشائه أو غدائه ـ فلا مورد لقاعدة الفراغ أصلا ، إذ هو يعلم بأنّه كان غافلا حين العمل ، ولا يحتمل كونه في مقام إتيان العمل صحيحا ، فهذا المورد مورد للاستصحاب ، للشكّ الفعلي في بقاء الحدث المتيقّن سابقا ، فيستصحب بقاؤه ويحكم ببطلان الصلاة ، ولا حكومة للقاعدة عليه بالبديهة ، لأنّ حكومتها عليه فيما جرت لا فيما لم تجر.

وإن بنينا على عدم أماريّتها ، وأنّها جارية حتى في موارد الغفلة بحيث يكفي احتمال مصادفة المأتيّ به للمأمور به اتّفاقا ، فالقاعدة حاكمة على الاستصحاب ولو فرضنا أن موضوعه هو الأعمّ من الشكّ التقديري والفعلي ، إذ القاعدة على ذلك واردة مورد الشكّ التقديري ، لأنّه موجود في جميع موارد الغفلة ، فصحّة الصلاة في هذا الفرع مبنيّة على أماريّة القاعدة وعدمها لا غير.

وأمّا الفرع الثاني : فلأنّ الحدث الاستصحابي باق ببقاء موضوع الاستصحاب ، وهو اليقين والشكّ ، ويزول بزواله ، فحيث زال الشكّ في بقاء الحدث قبل الصلاة ، فزال الحكم الاستصحابي أيضا ، وهو الحدث ، فلا يكون بطلان الصلاة مستندا إليه ، بل بطلانها من جهة أنّ قاعدة الفراغ غير جارية ، لأنّ ظاهر أدلّتها جريانها في مورد حدوث الشكّ بعد الفراغ ، والشكّ في بقاء الحدث وإن كان بالدقّة العقليّة حادثا بعد الصلاة ، وكان الحادث بعد الصلاة فردا آخر من الشكّ غير ما حدث قبل الصلاة وزال إلّا أنّ هذا الشكّ في نظر العرف هو عين الشكّ السابق لا أمر مغاير له ، فلا تشمله أدلّة القاعدة ، ولا يكون موردا لها.

نعم ، ما أفاده من جريان القاعدة في صورة احتمال الوضوء بعد الشكّ في الحدث متين جدّاً.

التنبيه الثالث : في أنّ الاستصحاب هل يجري فيما ثبت بأمارة أو أصل

وشكّ في بقائه أو لا؟ ومنشأ الإشكال أخذ اليقين في موضوع الاستصحاب ، وأنّ الأمارة أو الأصل لا يحصل اليقين بمقتضاه حتى يستصحب بقاؤه عند الشكّ فيه ، فإذا أخبرت البيّنة بطهارة شيء ، أو استصحبت طهارته ، أو حكم بطهارته بقاعدة الطهارة ، فهل يمكن استصحاب هذه الطهارة الثابتة بإخبار البيّنة ، أو الاستصحاب ، أو قاعدة الطهارة عند الشكّ في بقائها لأجل احتمال ملاقاته للبول مثلا أو لا؟

وهذا الإشكال مبنيّ على ما هو المعروف من أنّ حجّيّة الأمارات من باب الطريقيّة ، وأنّها توجب تنجّز الواقع على تقدير ثبوته ، فإنّ مؤدّى الأمارة لم يتعلّق اليقين بحدوثه حتى يشمله عند الشكّ «لا تنقض اليقين بالشكّ» بل يجري هذا الإشكال على مبنى السببيّة أيضا على وجه ، فإنّ السببيّة يمكن تصويرها على وجهين :

أحدهما : كون قيام الأمارة سببا لحدوث المصلحة في ذات الفعل بحيث يكون قيام الأمارة واسطة في الثبوت ، فيكون حدوث تلك المصلحة موجبا لجعل الحكم على طبقها ظاهرا ، وعلى هذا الوجه لا إشكال في استصحاب حكم ثبت بالأمارة في زمان وشكّ في بقائه ، فإنّ الحكم الظاهري متيقّن الثبوت مشكوك البقاء ، فأركان الاستصحاب تامّة تشملها أدلّته.

وثانيهما : أن يكون قيام الأمارة سببا لحدوث المصلحة في الفعل بعنوان أنّه مؤدّى الأمارة بحيث يكون قيام الأمارة واسطة في العروض ، فلقيام الأمارة دخل في ثبوت الحكم الظاهري على هذا ، فإذا شكّ في بقاء ما أدّى إليه الأمارة لا يمكن استصحاب ما ثبت ، فإنّه زال بزوال الأمارة ، إذ المفروض تقوّمه بعنوان قيام الأمارة الزائل حين الشكّ ، نظير الشكّ في بقاء نجاسة الغسالة ـ الثابتة في حقّ المقلّد بإفتاء مجتهده بنجاستها ـ بعد ما رجع المجتهد عن فتواه ،

فإنّها كانت نجسة بما أنّها مفتى بها ، فلا مجال لاستصحابها بعد ما رجع المفتي عن فتواه ، لأنّه إسراء حكم من موضوع إلى موضوع آخر ، لعدم وجود حالة سابقة متيقّنة للمشكوك بعنوانه حتى يمكن استصحابه ، بل المشكوك كان محكوما بحكم النجاسة لا بعنوانه بل بعنوان أنّه مفتى به.

وبالجملة ، الإشكال جار على مبنى الطريقيّة والسببيّة على الوجه الثاني.

وقد تصدّى لدفع هذا الإشكال صاحب الكفاية قدس‌سره بأنّ أدلّة الاستصحاب ناظرة إلى مرحلة البقاء ، وتثبت الملازمة بين الحدوث والبقاء ، وأنّ ما ثبت يدوم. وبعبارة أخرى : دليل الاستصحاب منجّز بقاء ، كما أنّ الأمارة منجّزة للواقع على تقدير ثبوته حدوثا ، فعند قيام الأمارة على الحدوث وتنجّز الواقع حدوثا بدليل الأمارة يثبت تنجّزه بقاء أيضا بدليل الاستصحاب.

والحاصل : أنّ احتمال الثبوت احتمالا منجّزا كاف في الاستصحاب ، فكما أنّ الشارع إذا أثبت الملازمة بين وجوب القصر ووجوب الإفطار بقوله : «إذا قصّرت أفطرت وإذا أفطرت قصّرت» وقام دليل على وجوب القصر في موضع خاصّ ، نحكم بوجوب الإفطار أيضا بمقتضى تلك الملازمة التعبّديّة كذلك في المقام إذا قامت أمارة على حكم وشكّ في بقائه على تقدير ثبوته ، يحكم بالبقاء بمقتضى تلك الملازمة التعبّديّة التي أثبتها الشارع بين الحدوث والبقاء ، إذا المنجّز للملزوم أو الملازم منجّز للّازم أو الملازم أيضا إذا كانت الملازمة شرعيّة.

ثمّ أورد على نفسه بأنّ اليقين أخذ في موضوع الاستصحاب ، فكيف يستصحب ما لا يكون المكلّف على يقين من حدوثه!؟

وأجاب عنه بأنّ اليقين أخذ في موضوع الاستصحاب بما أنّه طريق إلى

الواقع ، نظير التبيّن في قوله تعالى : (حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ)(١) فقوله عليه‌السلام : «اليقين لا ينقض» أو «لا يدفع بالشكّ» (٢) عبارة أخرى عن أنّ ما ثبت يدوم ، كما أنّ الآية عبارة أخرى عن «حتى يطلع الفجر» (٣). هذا حاصل ما أفاده بتوضيح منّا.

والظاهر أنّه لا يمكن تتميمه وإصلاحه ، إذ يرد عليه : أوّلا : أنّه مخالف لظواهر الأخبار ، فإنّ ظاهر «اليقين لا ينقض» أو «لا يدفع بالشكّ» أنّه لا ترفع اليد عن اليقين الّذي هو أمر مبرم من حيث الجري العملي بواسطة الشكّ الّذي هو أمر غير مبرم ، وبذلك صحّ هو قدس‌سره عناية إسناد النقض إلى اليقين ، والقول بأنّ معناه أنّ ما ثبت يدوم ، إلغاء لليقين والشكّ بالمرّة.

وثانيا : إن كان المراد جعل الملازمة الظاهريّة ـ كما هو ظاهر كلامه قدس‌سره ـ بمعنى أنّ الشارع جعل المنجّز للحدوث منجّزا للبقاء ، فلازمه جريان الاستصحاب فيما إذا تنجّزت نجاسة أحد الشيئين بالعلم الإجمالي ، وانحلّ بالعلم التفصيليّ بنجاسة أحدهما المعيّن ، إذ الطرف الآخر كان له منجّز حدوثا ، فتستصحب نجاسته المنجّزة على تقدير ثبوتها ، بل لازمه أن لا يكون إشكال بعض المحدّثين ـ من عدم جريان أصل البراءة في الشبهات الحكميّة ، للعلم الإجمالي بوجود تكاليف يحتمل أن يكون المشتبه أحدها ـ قابلا للدفع ، إذ دفع الإشكال بالانحلال بالظفر بمقدار المعلوم بالإجمال ليس له مجال بعد ما كان لها منجّز حدوثا ، بل لا بدّ من استصحاب ما كان منجّزا على تقدير ثبوته ، ويكون

__________________

(١) البقرة : ١٨٧.

(٢) الإرشاد ـ للمفيد ـ ١ : ٣٠٢ ، مستدرك الوسائل ١ : ٢٢٨ ، الباب ١ من أبواب نواقض الوضوء ، الحديث ٤.

(٣) كفاية الأصول : ٤٦٠ ـ ٤٦١.

حال هذا العلم الإجمالي حال العلم الإجمالي الّذي فقد بعض أطرافه في عدم سقوطه عن المنجّزيّة ، وهكذا لازمه الالتزام بقاعدة اليقين ، فلو تيقّنّا بعدالة زيد يوم الجمعة ثمّ شككنا في عدالته في ذلك اليوم ، فاليقين الّذي كان منجّزا للحدوث يكون منجّزا للبقاء أيضا.

وإن كان المراد الملازمة الواقعيّة ، فإمّا أن تكون تلك إخبارا عن أنّ كلّ ما ثبت يدوم ، فهو خلاف الواقع ، ولا يحتمل في نفسه ولا في كلامه قدس‌سره. وإمّا أن تكون إنشاء وجعلا للملازمة بين حدوث الحكم الواقعي وبقائه ، فلازمه كون الاستصحاب من الأمارات ، فإنّ مفاده على هذا إبقاء ما ثبت واقعا بحيث لو دلّ دليل آخر على عدم البقاء يكون معارضا بالاستصحاب.

فالتحقيق في الجواب عن الإشكال أن يقال : إنّ الكلام تارة يقع في الأصول المحرزة وغير المحرزة ، وأخرى في الأمارات.

أمّا الأصول فالحقّ فيها هو التفصيل بين ما كان متعرّضا للبقاء ، وما لم يكن كذلك.

فإن كان متعرّضا للبقاء كالطهارة أو الحلّيّة الثابتة بأصالة الطهارة ، وأصالة الحلّ للثوب أو المائع المحتملة خمريته ، فلا يجري الاستصحاب ، فإنّ مقتضى قوله عليه‌السلام : «كلّ شيء نظيف» (١) أو «كلّ شيء لك حلال حتى تعلم أنّه قذر» أو «تعرف أنّه حرام بعينه» (٢) أنّ هذا الحكم الظاهري من الحلّيّة أو الطهارة حكم مستمرّ إلى زمان حصول العلم بخلافه ، فغاية هذا الحكم الظاهري المستمرّ هي حصول العلم بالخلاف ، كما أنّ غاية الحكم الواقعي المستمرّ المستفاد من قوله تعالى : (ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ)(٣) هي دخول الليل ،

__________________

(١ و ٢) تقدّم تخريجهما في ص ٦٣ ، الهامش (١) و (٣).

(٣) البقرة : ١٨٧.

فإذا حكمنا بطهارة الثوب وحلّيّة المائع بأصالتي الطهارة والحلّ ثمّ بعد ذلك شككنا في عروض النجاسة للثوب أو الحرمة للمائع بموجب آخر ، نحكم ببقاء الطهارة والحلّيّة بنفس أصالة الطهارة وقاعدة الحلّ ، لعدم حصول الغاية ، فإنّ رافع هذا الحكم الظاهري وغايته ليس إلّا العلم بالخلاف ، فيبقى الحكم ما لم تحصل غايته ـ ولو شكّ مرّات عديدة في عروض ما يوجب النجاسة أو الحرمة ـ ولا يكون بعد ذلك موضوع للاستصحاب ، لعدم الشكّ في البقاء.

ودعوى أنّ الاستصحاب حاكم على أصالتي الحلّ والطهارة ، فمع جريان الاستصحاب لا يبقى مجال للأصل المحكوم ، لا معنى لها ، إذ حكومة الاستصحاب في فرض تماميّة أركانه ، وجريانه ، لا في مثل المقام الّذي يقطع ببقاء ما كان من الطهارة والحلّيّة.

وهكذا الكلام في الحكم أو الموضوع الظاهري الّذي ثبت بالاستصحاب ، فإنّ غاية دليل الاستصحاب أيضا هي العلم ، فالمجعول هو حكم ظاهري مستمرّ لا يرتفع إلّا بالعلم ، فلا معنى لاستصحاب الطهارة المستصحبة بالشكّ في عروض ما يوجب زوالها ثانيا ، أو الحياة المستصحبة بذلك ، لتكفّل نفس الاستصحاب الأوّل للبقاء إلى حصول العلم بالخلاف ، والفرض عدمه.

وإن لم يكن الأصل متعرّضا للبقاء ، فيستصحب ما ثبت بالأصل ، كما إذا غسلنا ثوبنا بالماء الطاهر بقاعدة الطهارة أو الاستصحاب ثمّ شككنا ـ بعد طهارة الثوب بمقتضى ضمّ الوجدان إلى الأصل ـ في عروض ما يوجب نجاسته ، نستصحب بقاء تلك الطهارة ، وذلك لأنّ استصحاب طهارة الماء أو أصالة طهارته لا يكون متعرّضا إلّا لحدوث طهارة الثوب المغسول به ، لا لحدوثها وبقائها ، فنحتاج في إثبات بقائها مع الشكّ إلى الاستصحاب.

وهذا الكلام جار في جميع آثار الأصول ، التي يشكّ في عروض موجب لزوالها ، فيستصحب بقاء ملكيّة المشتري للمبيع المنتقل إليه بمقتضى استصحاب ملكيّة البائع ، ويستصحب بقاء ملكيّة من ورث باستصحاب حياته إذا شكّ في عروض ما يوجب زوال ذلك ، وهكذا.

فاتّضح أنّ مؤدّى الأصول إمّا لا يجري فيه الاستصحاب ، أو يجري وتكون أركانه تامّة من اليقين بالحدوث والشكّ في البقاء.

وأمّا الأمارات فإن بنينا على ما بنى عليه صاحب الكفاية قدس‌سره من أنّ المجعول في باب الأمارات هو التنجيز والتعذير (١) ، نبقى في الإشكال ، ولا يمكننا دفعه ، لأنّ قيام الأمارة على هذا لا يوجب اليقين بالمؤدّى ، فلا يقين بالحدوث ، ولا شكّ في البقاء أيضا ، فإنّه على تقدير لم يثبت ، وقد عرفت أنّ ما أجاب به لا يرفع غائلة الإشكال.

ولكن إن بنينا على ما هو التحقيق من كون المجعول فيها هو العلم والواسطيّة في الإثبات ، فيرتفع الإشكال من أصله ، فإنّ العلم حينئذ له فردان : تكويني ، وتشريعي ، وفي مورد الأمارة وإن لم يكن علم تكويني ويقين وجداني إلّا أنّ اليقين التشريعي موجود ، فإذا شكّ في بقاء المتيقّن ، يتمّ كلا ركني الاستصحاب.

وقد أثبتنا في مبحث القطع (٢) مفصّلا أنّ التنجيز غير قابل للجعل.

وإجماله : أنّ قاعدة قبح العقاب بلا بيان قاعدة عقليّة غير قابلة للتخصيص ، ولا يمكن أن يقال : إنّ العقاب بلا بيان في المورد الفلاني غير قبيح ، فلا يمكن جعل شيء منجّزا إذا لم يكن بيانا للواقع لتكون القاعدة

__________________

(١) كفاية الأصول : ٣١٩ ، حاشية فرائد الأصول : ٤١.

(٢) راجع ج ٣ ص ٥٠ ـ ٥٢.

مخصّصة به ، بل لا بدّ في ذلك من التصرّف في موضوع القاعدة ، وجعل ما لا يكون بيانا علما وبيانا تشريعا كي يكون خروجه عن القاعدة من باب التخصّص لا التخصيص ، فالأمارة علم في نظر الشارع واعتباره وإن لم يكن كذلك تكوينا ، كما أنّ العصير العنبي إذا غلى خمر في اعتبار الشارع ، كما يستفاد من قوله عليه‌السلام : «تلك الخمرة المنتنة» (١) فجميع ما يترتّب على العلم الوجداني من الآثار تترتّب على الأمارة أيضا ، ومن الآثار كونه موضوعا لحرمة النقض ، فإنّه من آثار نفس اليقين ، بل ترتّب آثار نفس اليقين على الأمارة أولى من ترتّب آثار المتيقّن ، الّذي يكون من جهة محرزيّة الأمارة وكاشفيتها عن الواقع ، فكيف لا تترتّب عليها آثار نفس الإحراز والكشف!؟

ولا يحتاج هذا إلى دليل آخر ، مضافا إلى ظهور قوله عليه‌السلام : «لا عذر لأحد في التشكيك فيما يرويه عنّا ثقاتنا» (٢) وقوله عليه‌السلام : «ما أدّيا عنّي فعنّي يؤدّيان» (٣) في ذلك ، وأنّ مثل هذه الطرق من البيّنة العادلة أو خبر الثقة علم في اعتبار العقلاء أيضا.

وبالجملة ، التنجّز من لوازم وصول التكليف وبيانه عقلا ، فما لم يتحقّق البيان وجدانا أو تعبّدا لا تنجّز ، فما لم يعط الشارع الأمارة صفة الطريقيّة والكاشفيّة والوسطيّة في الإثبات لا تكون منجّزة ، فإذا كانت الأمارة طريقا وعلما وبيانا ويقينا تعبّدا ، فلا إشكال في استصحاب ما أدّت إليه عند الشكّ في

__________________

(١) الكافي ١ : ٣٥٠ ـ ٦ ، و ٦ : ٤١٦ ـ ٣ ، التهذيب ١ : ٢٢٠ ـ ٦٢٩ ، الوسائل ١ : ٢٠٣ ، الباب ٢ من أبواب الماء المضاف ، الحديث ٢.

(٢) اختيار معرفة الرّجال : ٥٣٥ ـ ٥٣٦ ـ ١٠٢٠ ، الوسائل ٢٧ : ١٤٩ ـ ١٥٠ ، الباب ١١ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ٤٠.

(٣) الكافي ١ : ٣٢٩ ـ ٣٣٠ ـ ١ ، الوسائل ٢٧ : ١٣٨ ، الباب ١١ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ٤.

بقائه ، ولا يلزم من ذلك اجتماع اللحاظين في استعمال واحد كما ذكره في الكفاية في مبحث القطع (١) ، فإنّه يلزم لو كان دليل الأمارة متكفّلا للتنزيل ، وقد مرّ هناك أنّه لا تنزيل أصلا ، بل دليل الأمارة يجعلها علما تعبّدا ، ويعطيها صفة الطريقيّة والوسطيّة في الإثبات ، فيتحقّق بذلك مصداق آخر للعلم وهو الأمارة ، وتترتّب عليها آثاره ، كما لا إشكال في وجوب النقض بالأمارة المؤدّية إلى خلاف الحالة السابقة ، وليس لأحد أن يقول : لا يجوز لك أن تنقض اليقين بطهارة ثوبك مثلا إلّا باليقين ، والبيّنة القائمة على نجاسته ليست من اليقين.

التنبيه الرابع : المستصحب إمّا شخصي أو كلّي. والمراد بالشخصي ما كان لخصوصيّاته دخل في ترتّب الأثر المرغوب منه شرعا ، كما أنّ المراد بالكلّي ما كان ملغاة عنه الخصوصيّات ، ولم يكن لها دخل في الأثر المطلوب منه ، سواء كان من الموجودات المتأصّلة ، كالجواهر والأعراض المسمّاة بالمقولات العشر ، أو من العناوين الانتزاعيّة ، كعنوان العالم والعادل وغير ذلك ، ولا يبتني هذا البحث على وجود الكلّي الطبيعي ، بل لو قلنا بعدم ذلك أيضا ، يجري البحث ، بل المقصود استصحاب ما كان له أثر شرعي ، ولا يكون للخصوصيّة الفرديّة دخل في هذا الأثر ، مثلا : حرمة مسّ كتابة القرآن أثر مشترك بين الحدث الأكبر والأصغر ، وخصوصيّة الأكبريّة والأصغريّة لا دخل لها في ترتّب هذا الأثر ، والغرض صدق نقض اليقين بالشكّ إذا كان هذا الأمر متيقّن الحدوث مشكوك البقاء ، كان الكلّي الطبيعي موجودا في الخارج أو لم يكن ، وليس البحث بحثا فلسفيّا مبنيّا على ذلك ، بل البحث أصولي مبنيّ على صدق نقض اليقين بالشكّ عرفا ، فلو فرض عدم وجود الكلّي الطبيعي في الخارج ،

__________________

(١) كفاية الأصول : ٣٠٦.

فهو بحسب الدقّة العقليّة الفلسفيّة ، لا بالنظر العرفي الّذي هو المتّبع هنا ، وهم يحكمون بأنّ الإنسان موجود ، ولذا يقال : «رأيت إنسانا» كما يقال : «رأيت عالما» مع أنّ العالم وغيره من العناوين الاشتقاقيّة عنوان انتزاعي ليس له غير وجود منشأ انتزاعه ـ وهو وجود الجوهر والعرض ـ وجود ثالث.

وبالجملة ، ما له الأثر أو نفس الأثر إذا كان ثابتا ـ بأيّ نحو من الثبوت ـ وشكّ في بقائه يشمله «لا تنقض اليقين بالشكّ» سواء في ذلك ، الوجود المتأصّل وبالعرض.

وبعد ذلك نقول : إنّ استصحاب الكلّي يتصوّر على أقسام أربعة :

الأوّل : ما كان متحقّقا في ضمن فرد معيّن شخصي باعتبار ترتّب أثر خاصّ على نفس الكلّي من دون مدخليّة الخصوصيّة الفرديّة فيه ، كاستصحاب طبيعيّ الحدث فيما إذا تيقّن أحد بالجنابة وشكّ في اغتساله منها ، فإنّ خصوصيّة كون الحدث حدث جنابة لا دخل لها في ترتّب أثر عدم جواز مسّ كتابة القرآن أصلا ، فلا معنى لاستصحاب خصوص الجنابة لترتيب هذا الأثر ، ولا بدّ من استصحاب كلّي الحدث المتيقّن سابقا ، كما أنّ استصحاب طبيعيّ الحدث لا معنى له لترتيب أثر عدم جواز اللبث في المساجد ، فإنّه أثر لخصوص حدث الجنابة لا كلّي الحدث وطبيعيّة.

الثاني : استصحاب ما كان متحقّقا في ضمن الفرد المردّد بين كونه مقطوع الزوال ومقطوع البقاء ، كما إذا خرجت منه رطوبة مردّدة بين البول والمنيّ ، فإن كانت بولا ، يرتفع بالوضوء قطعا ، وإن كانت منيّا ، لا يرتفع قطعا ، ويلحق بذلك ما كان متحقّقا في ضمن الفرد المردّد بين مقطوع الارتفاع ومحتمل البقاء ، كما إذا علم بوجود إنسان في الدار ونشكّ في أنّه كان زيدا حتى لا يبقى قطعا ، لأنّا نراه خارج الدار الآن ، أو كان عمرا حتى يحتمل بقاؤه

وخروجه. ولم يذكره الشيخ وصاحب الكفاية قدس‌سرهما ، والمحتمل بل الظاهر أنّ اقتصارهما على مقطوع البقاء من باب التمثيل ، وإلّا فالمناط هو الشكّ في البقاء ، الموجود على كلّ تقدير.

الثالث : ما كان متحقّقا في ضمن فرد قطع بارتفاعه لكن شكّ في بقاء الكلّي من جهة احتمال تحقّق فرد آخر مقارنا مع وجوده أو مقارنا لارتفاعه ، كما إذا علمنا بوجود زيد في الدار وعلمنا أيضا بخروجه ولكن نحتمل أنّ عمرا أيضا كان موجودا فيها ، أو لم يكن ولكن دخل فيها عند خروج زيد منها بحيث لم تخل الدار زمانا من وجود إنسان فيها.

الرابع ـ وهو المتوسّط بين الثاني والثالث ـ : ما كان متحقّقا في ضمن فرد مقطوع الارتفاع ، ولكن يعلم بوجود فرد معنون بعنوان يحتمل كونه نفس ذلك الفرد حتى كان مقطوع الارتفاع أو هو فرد آخر مغاير له حتى كان مقطوع البقاء ، كما إذا علم بحدوث جنابة ليلة الخميس ثمّ بعد ذلك رأى منيّا في ثوبه وشكّ في أنّه من تلك الجنابة أو من جنابة أخرى غيرها ، وكما إذا علمنا بوجود متكلّم في الدار وشككنا في بقاء كلّي المتكلّم من جهة أنّا نرى زيدا خارجها ونحتمل أنّه هو المتكلّم فيها ، الّذي كنّا نسمع صوته قبل ذلك ، ونحتمل كون المتكلّم شخصا آخر غيره.

والفرق بينه وبين الثاني هو أنّ اليقين في القسم الثاني تعلّق بعنوان واحد مردّد ، وفي هذا القسم تعلّق بعنوانين : أحدهما بحدوث الجنابة ليلة الخميس ، والآخر بوجود سبب الجنابة في الثوب وهو المنيّ ، وإلّا فكلّ من القسمين مشترك في أنّ الكلّي مقطوع البقاء على تقدير ، ومقطوع الارتفاع على تقدير آخر.

كما أنّ الفرق بينه وبين الثالث هو أنّ احتمال فرد آخر من الكلّي في القسم

الثالث وبقاء الكلّي بسببه مقرون بالقطع بكونه فردا آخر مغايرا لما تحقّق الكلّي في ضمنه أوّلا ، بخلاف احتمال وجود فرد آخر من الكلّي في هذا القسم ، فإنّه غير مقرون بهذا القطع ، بل يحتمل كونه عين ذلك الفرد الّذي تحقّق الكلّي في ضمنه ، والأمر المشترك بين هذين القسمين هو احتمال البقاء لاحتمال وجود فرد آخر للكلّي.

ولا يخفى أنّ هذا القسم الأخير مستدرك من كلام الشيخ قدس‌سره ، فإنّه قسّم استصحاب الكلّي إلى ثلاثة أقسام (١).

وكيف كان ، فلا إشكال في جريان استصحاب الكلّي في القسم الأوّل ، وصدق نقض اليقين بالشكّ بالنسبة إلى الكلّي المتحقّق في ضمن الفرد الخاصّ كصدقه على اليقين والشكّ المتعلّقين بنفس الخاصّ بخصوصيته ، فيجري استصحاب الكلّي المتحقّق في ضمنه إذا ترتّب أثر على نفس الكلّي من دون مدخلية للخصوصيّة.

وكذا لا إشكال في جريان الاستصحاب في القسم الثاني لترتيب آثار الكلّي ، فيستصحب بقاء الحدث وتترتّب عليه حرمة مسّ كتابة القرآن بمقتضى قوله تعالى : (لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ)(٢).

ولا بأس بتسمية هذا باستصحاب الفرد المردّد كما عبّر به السيّد في حاشية المكاسب (٣) ولا يرد عليه أنّ الفرد المردّد لا وجود له ذاتا لا ظاهرا ولا واقعا ، فإنّ المقصود الفرد المردّد عندنا المعلوم عند الله تعالى ، وهذا عنوان مشير إلى تلك الحصّة من الحدث ، المتخصّصة بخصوصيّة مجهولة لنا نظير

__________________

(١) فرائد الأصول : ٣٧١.

(٢) الواقعة : ٧٩.

(٣) حاشية صاحب العروة على المكاسب : ٧٣.

عنوان «من يدقّ الباب».

هذا ، وقد استشكل في هذا الاستصحاب بأنّ الشكّ في بقاء الكلّي وارتفاعه ناش ومسبّب عن احتمال حدوث الحدث الأكبر وعدمه ، ضرورة أنّا لو كنّا قاطعين بعدم حدوثه ، لم يكن لنا شكّ في بقاء الحدث بعد ما توضّأنا ، فإذا ارتفع احتمال حدوث الأكبر بالأصل ، وضممنا هذا الأصل بالوجدان وهو الوضوء ، نقطع بارتفاع الحدث وعدم بقائه.

وفيه أوّلا : أنّ الشكّ في البقاء لا يكون مسبّبا عن احتمال حدوث الأكبر ، بل مسبّب عن الشكّ في صفة الحادث ، وكونه هو الأكبر أو الأصغر ، وذلك لأنّ الحدوث عبارة عن الوجود بعد العدم كما أنّ البقاء هو الوجود بعد الوجود ، ووجود الحدث متيقّن لا شكّ فيه وأنّ الشكّ في عدمه بعد وجوده في ضمن حادث ، وأيّ أصل يثبت أنّ الحادث هو الأكبر أو الأصغر ، والخارج هو البول أو المنيّ؟

وهذا الجواب مبنيّ على عدم جريان الاستصحاب في الأعدام الأزليّة ، وأمّا على القول بجريانه فيها كما بنينا عليه فلا يتمّ هذا الجواب ، إذ لنا استصحاب عدم كون الحادث بولا ، وأنّه لم يتّصف بالبوليّة حين حدوثه كما لم يكن متّصفا بها قبل حدوثه ، فلا إشكال من هذه الجهة.

ونظير ذلك ما إذا شكّ في النجس الملاقي لشيء هل هو بول حتى يحتاج ملاقيه إلى الغسل مرّتين ، أو ليس ببول حتى يدخل في الإطلاقات الدالّة على وجوب الغسل مرّة؟ فيستصحب عدم اتّصاف ذلك النجس بالبوليّة ، وتشمله الإطلاقات.

وهكذا إذا شكّ في شيء أنّه إناء حتى يجب غسله عند تنجّسه ثلاث مرّات ، أو غير إناء حتى يكفي مرّة واحدة أو مرّتين ، يستصحب عدم اتّصافه

بهذا الوصف ، فيغسل مرّتين للبول ومرّة لغيره.

وثانيا : أنّ استصحاب عدم حدوث الحدث الأكبر معارض باستصحاب عدم حدوث الأصغر ، فيبقى استصحاب الكلّي بلا معارض.

وأجاب بهذا الجواب شيخنا الأستاذ (١) قدس‌سره ، وهو تامّ في مثل هذا المثال ممّا كان لكلّ من الفردين ـ كالحدث الأصغر والأكبر ، ونعبّر عنهما بالفرد الطويل والقصير ـ أثر ، كوجوب الوضوء في الأوّل ، ووجوب الغسل أو حرمة المكث في المساجد في الثاني ، ولكن لا نحتاج إلى إجراء الاستصحاب وإلقاء التعارض بينهما ، فإنّ نفس العلم الإجمالي بأحد التكليفين كاف في تنجّزه.

وأمّا فيما لا يترتّب أثر إلّا على الكلّي ، فيتمّ استصحاب عدم حدوث الفرد الطويل بلا كونه معارضا ، فإنّ له أثرا ـ وهو رفع الحدث ـ بضمّه إلى الوجدان ، وهو ارتفاع الفرد القصير قطعا على تقدير وجوده بالوضوء مثلا ، وليس لاستصحاب عدم حدوث الفرد القصير أثر على الفرض حتى يعارضه.

وثالثا ـ وهو الجواب الصحيح ـ : أنّ الشكّ في بقاء الكلّي وإن كان مسبّبا عن كون الحادث هو الفرد الطويل أو عن حدوث الفرد الطويل إلّا أنّ الاستصحاب في الشكّ السببي يكون حاكما على المسبّبي على تقدير كون التسبّب شرعيّا بحيث يكون جريانه في السبب موجبا لزوال الشكّ المسبّبي ، كما إذا غسل الثوب المتنجّس ، بالماء المستصحب الطهارة ، فإنّ طهارة الثوب المغسول به من آثار طهارة الماء شرعا ، فباستصحاب طهارة الماء وضمّ هذا التعبّد بذاك الوجدان يلتئم موضوع الحكم بطهارة المتنجّس ، إذ المفروض أنّا غسلناه بالوجدان بالماء الطاهر بحكم الشارع ، فلا شكّ لنا بعد ذلك في

__________________

(١) أجود التقريرات ٢ : ٣٩٣.

طهارته ، فنقض اليقين بنجاسته السابقة يكون باليقين بطهارته لا بالشكّ.

وهكذا في الشكّ في كون النجس الملاقي للثوب هو البول أو الدم بضمّ استصحاب عدم كون الحادث بولا بما تحقّق بالوجدان وهو الغسل مرّة ، فيدخل فيما يدلّ على كفاية الغسل مرّة في المتنجّس بغير البول من الإطلاقات ، ويرتفع الشكّ في نجاسته بعد ذلك ، ولا يبقى مجال لاستصحاب بقاء النجاسة. وهكذا الكلام في مسألة الشكّ في كون شيء إناء.

وأمّا إذا لم يكن التسبّب شرعيّا كما في المقام ، حيث إنّ ارتفاع الكلّي وعدم بقائه بسبب عدم حدوث الفرد الطويل أو عدم كون الحادث طويلا عقليّ ، فاستصحاب عدم كون الحادث هو الفرد الطويل وإن كان جاريا فيما إذا كان له أثر إلّا أنّه ليس حاكما على استصحاب بقاء الكلّي ، لعدم كون التسبّب شرعيّا.

ثمّ إنّ صاحب الكفاية قدس‌سره أجاب عن هذا الإشكال بأجوبة ثلاثة :

أحدها : ما ذكرنا في الجواب الأوّل.

والآخر : ما ذكرنا أخيرا من أنّ التسبّب عقليّ.

والثالث : قوله : «مع أنّ بقاء القدر المشترك إنّما هو بعين بقاء الخاصّ الّذي في ضمنه لا أنّه من لوازمه» (١). ولم يظهر لنا إلى الآن المراد من هذه العبارة ، فإنّ وجود الكلّي وإن كان عين وجود فرده ، وبقاءه ـ الّذي هو عبارة عن وجود الثاني ـ أيضا عين بقاء الفرد إلّا أنّ الشكّ في بقاء الكلّي ليس عين الشكّ في حدوث الفرد الباقي أو كون الحادث فردا باقيا طويلا ، بل هو ملازم له ومسبّب عنه.

__________________

(١) كفاية الأصول : ٤٦١ ـ ٤٦٢.

ثمّ اعلم أنّ محلّ الكلام في هذا القسم ما إذا كان الفرد من أوّل وجوده مردّدا بين الطويل والقصير ولم يكن مسبوقا بأحدهما ، فلو كان خروج الرطوبة المردّدة بين البول والمنيّ مسبوقا بناقض آخر وهو النوم مثلا ، لا يجري استصحاب الحدث الكلّي بعد الوضوء ، وذلك لوجود الاستصحاب الحاكم عليه ، وهو استصحاب بقاء الحدث الأوّل على حالته الأولى ، وعدم انقلابه إلى الحدث الأكبر لو قلنا بأنّ الحدثين من قبيل المتضادّين ، أو عدم تبدّله بمرتبة أقوى ، وآكد منه لو قلنا بأنّهما مختلفان بالشدّة والضعف ، أو عدم مقارنة الأكبر معه لو قلنا بأنّهما من قبيل المتخالفين كالحلاوة والحمرة.

وبالجملة ، على جميع التقادير والأقوال يجري الاستصحاب ، فيثبت أنّه غير جنب وغير محدث بالحدث الأكبر ، وحيث يكون محدثا بالوجدان يضمّ إليه هذا التعبّد بأنّه غير جنب ويترتّب عليه وجوب الوضوء ، فإنّ الله تعالى حكم بحكمين على موضوعين في قوله تعالى : (إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ)(١) إلى آخره ، وقوله تعالى : (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا)(٢) : وجوب الغسل على الجنب ، ووجوب الوضوء على غير الجنب بمقتضى المقابلة ، فالمحدث الّذي لا يكون جنبا حكمه وجوب الوضوء ، فإذا أثبتنا الموضوع بضمّ الوجدان إلى الأصل ، وتوضّأنا ، لا يبقى لنا بعد ذلك شكّ في بقاء الحدث الكلّي حتى نستصحبه ، بل يكون نقض اليقين باليقين.

فالصحيح ما في العروة في هذا الفرع ، أي الفرق بين خروج الرطوبة المردّدة من المتوضّئ ، فيستصحب بقاء الحدث الكلّي بعد أن اغتسل فقط أو توضّأ فقط ، وبين خروجها من المحدث فيكفيه الوضوء خاصّة (٣).

__________________

(١ و ٢) المائدة : ٦.

(٣) العروة الوثقى ، فصل في الاستبراء ، المسألة ٨.

ثمّ إنّ للسيد الصدر شبهة تسمّى بالشبهة العبائيّة ، لما مثّل لها بالعباء ، وهي أنّا لو فرضنا أنّه تنجّس أحد طرفي العباء إمّا الأعلى أو الأسفل ، ثمّ غسلنا الأعلى منهما ، فلازم جريان الاستصحاب في القسم الثاني نجاسة ما يلاقي هذا العباء بكلا طرفيه ، فإنّ استصحاب بقاء كلّي النجاسة جار ، حيث إنّها مردّدة بين مقطوعة البقاء لو كانت في الطرف الأسفل ، ومقطوعة الارتفاع لو كانت في الطرف الأعلى ، وتترتّب على هذا الاستصحاب نجاسة الماء القليل الّذي ندخل هذا العباء فيه بجميعه مع أنّ الماء لم يلاق إلّا مقطوع الطهارة وهو الطرف الأعلى ، ومشكوك النجاسة ، الّذي هو الطرف الأسفل الّذي لم يكن موجبا لنجاسة الماء لو كان ملاقيا له فقط.

وبعبارة أخرى : بناء على طهارة ملاقي الشبهة المحصورة لا يمكن الحكم بنجاسة الماء الملاقي ، لأنّ المفروض أنّه لاقى أحد طرفي الشبهة ومقطوع الطهارة ، فالجمع بين القول بجريان الاستصحاب في القسم الثاني ، والقول بعدم تنجّس ملاقي الشبهة المحصورة لا يمكن.

وأجاب شيخنا الأستاذ قدس‌سره عنها بجوابين :

الأوّل : ما أفاده في الدورة السابقة من أنّ المتيقّن في القسم الثاني لا بدّ أن يكون بهويّته وحقيقته مردّدا بين مقطوع البقاء ومقطوع الارتفاع ، وأمّا لو كان الترديد لا من هذا الحيث ، بل من حيث محلّه كما في المقام ، فهو شبيه باستصحاب الفرد المردّد ، وليس من استصحاب الكلّي ، مثلا : لو علمنا بوجود زيد في الدار إمّا في طرفها الشرقي أو الغربي ثمّ انهدم الطرف الشرقي ، لا يمكن استصحاب بقاء كلّي الإنسان.

ونظير ذلك ما لو علم بوجود درهم مخصوص ل «زيد» في جملة دراهم

عشر ثمّ ضاع أو سرق أحدها ، فإنّه لا يمكن استصحاب درهم زيد (١).

وهذا الّذي أفاده غريب منه قدس‌سره ، إذ لا نحتاج إلى استصحاب الكلّي في هذه الأمثلة بل نستصحب استصحاب الشخص ، ونقول : كنّا على يقين من وجود زيد في الدار ، والآن نشكّ في بقائه فنستصحب بقاءه.

وهل يلتزم قدس‌سره بعدم جريان استصحاب حياة «زيد» في المثال لو كان مجتهدا ومقلّدا ويحكم بوجوب الرجوع عن تقليده على مقلّديه؟

وأمّا عدم جريان استصحاب بقاء الدرهم فهو من جهة المعارضة ، فإنّه معارض باستصحاب بقاء التسعة الأخر التي تكون لعمرو مثلا.

الثاني : ما أجاب به في الدورة الأخيرة ، وهو أنّ لاستصحاب بقاء الكلّي ـ أي كلّي النجاسة في الثوب ـ أثرين : أحدهما : عدم جواز الصلاة معه. والآخر : نجاسة ملاقي جميع أطرافه. وشيء منهما لا يترتّب في المقام.

أمّا عدم جواز الصلاة فليس من جهة الاستصحاب ، بل يكفي نفس العلم الإجمالي بنجاسة أحد طرفيه ، فمع قطع النّظر عن الاستصحاب أيضا لم تكن الصلاة فيه جائزة.

وأمّا نجاسة ملاقيه فلا تترتّب على استصحاب وجود النجاسة في العباء إلّا على القول بالأصل المثبت ، فإنّ موضوع الحكم بنجاسة الملاقي هو مركّب من جزءين : الملاقاة وكونها مع النجس ، والجزء الأوّل وإن كان محرزا في المقام بالوجدان إلّا أنّ الجزء الثاني لا يكون محرزا لا بالوجدان وهو واضح ، ولا بالأصل ، لأنّ ملاقاة الماء للطرف الأعلى ملاقاة للطاهر اليقيني ، وملاقاته للطرف الأسفل ملاقاة لما وجب عنه الاجتناب بحكم العقل بمقتضى كونه طرفا

__________________

(١) فوائد الأصول ٤ : ٤٢١ ـ ٤٢٢.

للعلم الإجمالي ، لا ملاقاة لما حكم الشارع بنجاسته ، إذ لا أصل لنا في هذا الطرف يثبت نجاسته حتى يلتئم الموضوع المركّب ـ وهو ملاقاة الماء للنجس ـ أحد جزأيه بالوجدان والآخر بالأصل ، لأنّ استصحاب وجود النجاسة في العباء لا يثبت نجاسة الطرف الأسفل حتى تكون ملاقاة الماء ملاقاة للنجس بحكم الشارع (١).

وهذا نظير ما أفاده الشيخ قدس‌سره في الرسائل لعلّه في بحث الأصل المثبت من أنّ استصحاب وجود الكرّ في الحوض لا يثبت مغسوليّة الثوب الواقع فيه حتى يحكم بطهارته ، بخلاف استصحاب كرّيّة الماء الموجود (٢).

وهذا الوجه وإن لم يكن بمثابة الأوّل في الغرابة إلّا أنّه أيضا غير تامّ ، لأنّا نستصحب الاستصحاب الشخصي ، ونقول : موضع الملاقاة من هذا العباء ولو كان خيطا واحدا كان نجسا ، والآن نشكّ في ارتفاع نجاسته فنستصحب بقاءها ، فالماء لاقى بالوجدان ما حكم الشارع بنجاسته وهو ذلك الخيط ، فالتحقيق هو الحكم بنجاسة ملاقي جميع أطرافه ، وينبغي أن يسمّى هذا بالتحقيق العبائي لا الشبهة العبائية.

وأمّا جريان أصالة الطهارة في ملاقي الشبهة المحصورة فهو فيما لم يكن فيه أصل حاكم في البين مثبت لنجاسته كما في المقام.

ثمّ إنّ الأقوال المذكورة في استصحاب الشخص جارية في استصحاب الكلّي أيضا ، فمن فصّل بين الشكّ في المقتضي والشكّ في المانع ـ كالشيخ قدس‌سره ـ لا بدّ له من التفصيل في المقامين ، فذكره استصحاب بقاء

__________________

(١) أجود التقريرات ٢ : ٣٩٤ ـ ٣٩٥.

(٢) فرائد الأصول : ٣٨٦.

الحيوان المردّد بين البق والفيل (١) ـ الّذي هو من الشكّ في المقتضي ـ من باب المثال للقسم الثاني لا من جهة الفرق بين استصحاب الكلّي والشخص في ذلك.

أمّا القسم الثالث ـ وهو الشكّ في بقاء الكلّي لأجل احتمال قيام فرد آخر من الكلّي مقام الفرد المقطوع ارتفاعه ـ فهو على قسمين : الأوّل : أن يكون الشكّ لاحتمال قيام فرد آخر مقارنا لوجود الفرد الأوّل. والثاني : ما يكون ذلك لاحتمال قيامه مقارنا لارتفاعه ، فهل يجري الاستصحاب مطلقا أو لا يجري مطلقا أو التفصيل بين القسم الأوّل فيجري ، والثاني فلا يجري ، كما فصّل به الشيخ (٢) قدس‌سره؟

الحقّ هو الثاني ، وذلك لأنّ الكلّي الطبيعي ـ سواء قلنا بكونه موجودا في الخارج بوجود تأصّلي أو بوجود بالعرض ، وأنّ المتأصّل في الوجود هو الفرد ـ له إضافة خاصّة إلى كلّ فرد من أفراده ، وهو شيء واحد وموجود فارد يضاف تارة إلى زيد ، وأخرى إلى عمرو ، وثالثة إلى بكر ، فالمضاف واحد والمضاف إليه وهكذا الإضافة متعدّد ، ووجود الطبيعي المضاف إلى زيد مغاير لوجوده المضاف إلى عمرو ، وإلّا لصحّ حمل زيد على عمرو بجامع الإنسان ، فالماهيّة النوعيّة المضافة إلى شخص مغايرة للماهيّة النوعيّة المضافة إلى شخص آخر ، كما أنّ الماهيّة الجنسيّة ـ كالحيوان ـ المضافة إلى نوع ـ كالبقر ـ مغايرة للماهيّة الجنسية المضافة إلى نوع آخر ، كالغنم ، وهكذا في الجنس البعيد بالقياس إلى الحيوان والشجر ، ولا بدّ في الاستصحاب من إبقاء اليقين عملا على النحو الّذي كان ثابتا ، ومن الواضح أنّ اليقين بوجود طبيعي الإنسان المضاف إلى زيد

__________________

(١) فرائد الأصول : ٣٧١. لم يعيّن في هذا الموضع مصداق الحيوان المردّد.

(٢) فرائد الأصول : ٣٧٢.

غير اليقين بوجوده المضاف إلى فرد آخر ، فإذا فرضنا القطع بارتفاع الفرد الّذي تحقّق الكلّي في ضمنه ، والمضاف إليه الكلّي ـ وهو زيد ـ نقطع أيضا بارتفاع طبيعي الإنسان المضاف إليه ، فما كان متيقّنا ـ وهو الوجود الطبيعي المضاف إلى زيد ـ قد ارتفع قطعا ، وما نحتمل وجوده ـ وهو وجوده المضاف إلى فرد آخر مقارنا للأوّل وجودا أو ارتفاعا ـ فهو أمر آخر مغاير لما كنّا على يقين منه ، والاستصحاب ليس إلّا إبقاء ما كان عملا على النحو الّذي كان.

وبهذا البيان ظهر عدم تماميّة ما أفاده الشيخ قدس‌سره من أنّ وجود الفرد سبب للعلم بوجود الكلّي ، فبوجود زيد في الدار علمنا بوجود الإنسان فيها ، فإذا احتملنا وجود عمرو أيضا فيها مقارنا لوجود زيد ، فبارتفاع وجود زيد وخروجه لا نقطع بارتفاع وجود الإنسان ، وخلوّها عن الإنسان ، بل بعد نحن على شكّ من ذلك فنستصحب بقاءه (١) ، فإنّ العلم بوجود فرد من الإنسان ك «زيد» ليس سببا للعلم بوجود طبيعي الإنسان على الإطلاق ، بل هو سبب للعلم بوجوده مضافا إلى زيد ، ومن الواضح أنّ هذا العلم يرتفع بالعلم بارتفاع وجود المضاف إليه ، فالإنصاف أنّ مثل هذا لم يكن مترقّبا من مثل الشيخ قدس‌سره المؤسّس لهذه القواعد.

ثمّ إنّ شيخنا الأستاذ وصاحب الكفاية قدس‌سرهما ذكرا أنّ الاستصحاب في القسم الثاني من القسم الثالث جار إذا كان الحادث المحتمل مرتبة أخرى من مراتب المعلوم ارتفاعه ، كما إذا احتملنا قيام السواد الضعيف مقام السواد الشديد عند ارتفاعه ، وذلك لأنّ اختلاف المراتب في الشدّة والضعف لا يوجب اختلافا في الوجود لا حقيقة ولا عرفا ، ضرورة أنّ المرتبة الضعيفة

__________________

(١) فرائد الأصول : ٣٧٢.

من السواد ليست مغايرة للمرتبة الشديدة منه لا حقيقة ولا عرفا ، فلا مانع من استصحاب طبيعي السواد المشترك بين المرتبة المتيقّنة الزوال والمرتبة المشكوكة البقاء ، ونظيره في العرف كثير أيضا ، فإذا علمنا بأنّ زيدا كان متحرّكا بحركة سريعة ، وعلمنا بانتفائها بهذه المرتبة واحتملنا تبدّلها بحركة خفيفة ، نستصحب بقاء طبيعي الحركة (١).

هذا ، وفي تسمية هذا الاستصحاب باستصحاب الكلّي ، وعدّه من القسم الثالث مسامحة واضحة ، فإنّ هذا الاستصحاب استصحاب لشخص السواد المتيقّن سابقا ، ضرورة أنّ المراتب المختلفة للسواد ليست أفرادا له حتى يكون من استصحاب الكلّي ، بل تكون من حالاته وعوارضه ، فيكون من قبيل استصحاب حياة زيد مع العلم بانتفاء صحّته ، ولو جعلناها من قبيل الأفراد ، يلزم أن تكون هناك ماهيّات غير متناهية ، محصورة بين حاصرين : المبدأ والمنتهى ، فإنّ مراتبه المتنازلة والمتصاعدة غير متناهية.

وهذا من أحد أدلّة بطلان أصالة الماهيّة ، فإنّ لازم تأصّلها أيضا ذلك ، لأنّ المتحرّك بالحركة الكمّيّة كالإنسان من مبدئه إلى منتهاه أو الكيفيّة كالسواد والبياض على هذا القول ، له ماهيّات غير متناهية محصورة بين حاصرين ، إذ أيّ مرتبة من الكمّ أو الكيف يفرض فله مرتبة أخرى دونها أو فوقها ، فلا مناص عن كون هذا الاستصحاب استصحاب للفرد والشخص لا استصحابا للكلّي ذي الأفراد والأشخاص.

ثمّ إنّ للفاضل التوني قدس‌سره كلاما نقله الشيخ قدس‌سره لمناسبة في المقام في مسألة الشكّ في تذكية اللحم المطروح أو الجلد المجلوب من بلد الكفر ، وهو

__________________

(١) أجود التقريرات ٢ : ٣٩٥ ، كفاية الأصول : ٤٦٢ ـ ٤٦٣.

أنّه ذكر قدس‌سره أنّ اللحم المطروح الّذي شكّ في تذكيته وعدمها محكوم بالحلّيّة والطهارة دون الحرمة والنجاسة ، وأفاد في ذلك وجهين :

أحدهما ـ وهو غير مربوط بمحلّ الكلام بل يناسب بحث البراءة ـ : أنّ موضوع هذين الحكمين ـ أعني الحرمة والنجاسة ـ هو عنوان «الميتة» وهو أمر وجودي لا يمكن إحرازه باستصحاب عدم وقوع التذكية على الحيوان الخارجي إلّا على القول بالأصل المثبت ، ولو سلّم فهو معارض باستصحاب عدم كونه ميتة ، فيرجع إلى أصالتي الحلّ والطهارة.

وأجاب عنه الشيخ قدس‌سره أوّلا : بأنّ الميتة عنوان عدمي ، وهو غير المذكّى ، ولذا ما لم يسمّ عند ذبحه أو لم يتحقّق فيه شرط آخر من شرائط التذكية يحكم بنجاسته وحرمته مع أنّه لم يمت حتف الأنف ، فيكفي استصحاب عدم التذكية في ترتّب الحكمين ، ولا يعارض هذا الاستصحاب استصحاب عدم كونه ميتة ، الّذي مرجعه إلى استصحاب عدم عدم وقوع التذكية عليه ، فإنّ المتيقّن السابق هو عدم وقوع التذكية لا عدم عدم ذلك كما هو واضح.

وثانيا : بأنّا لو سلّمنا كون الميتة عنوانا وجوديّا وهو ما مات حتف أنفه ، لا نسلّم كون موضوع الحكمين هو الميتة ، بل الموضوع هو الجامع بين ما مات حتف أنفه وما لم يذكّ بتذكية شرعيّة بمقتضى قوله تعالى : (إِلَّا ما ذَكَّيْتُمْ)(١) فكلّ ما لم يذكّ بتذكية شرعيّة ـ سواء مات حتف أنفه أو بسبب غير شرعي ـ فهو محكوم بالحرمة والنجاسة ، فلا نحتاج إلى إثبات عنوان الميتة (٢).

هذا ، وقد مرّ في بحث البراءة أنّ موضوع حكم الحرمة ـ كما أفاده الشيخ وشيخنا الأستاذ قدس‌سرهما ـ هو غير المذكّى وما لم يستند موته إلى سبب شرعي إلّا

__________________

(١) المائدة : ٣.

(٢) فرائد الأصول : ٣٧٢.

أنّ موضوع حكم النجاسة في لسان الأدلّة هو عنوان الميتة ، وليس في شيء من الروايات وغيرها كون عنوان غير المذكّى موضوعا للنجاسة إلّا رواية واحدة يتوهّم منها ذلك ، ورفعنا هذا التوهّم هناك ، وعنوان الميتة ـ كما فسّره صاحب المصباح بأنّه ما استند موته إلى غير سبب شرعي (١) ـ أمر وجودي لا يمكن إثباته باستصحاب عدم التذكية وعدم استناد موته إلى سبب شرعي ، فإنّ لازمه العقلي هو استناده إلى سبب غير شرعي ولا أقلّ من احتمال كونه أمرا وجوديّا ، فالحقّ بالقياس إلى حكم النجاسة مع الفاضل التوني قدس‌سره.

الثاني ـ وهو الّذي يناسب المقام ـ : أنّ عدم التذكية له فردان : فرد مقترن بحياة الحيوان ، وهو لا يكون موضوعا لحكم النجاسة. وآخر مقترن بزهوق الروح عنه ، وهو الموضوع للحكمين ، والفرد الأوّل مقطوع الارتفاع غاية الأمر أنّه نحتمل وجود الفرد الآخر منه مقارنا لارتفاع الفرد الأوّل ، فاستصحاب كلّي عدم التذكية ـ ولو فرض أنّ موضوع الحرمة والنجاسة هو غير المذكّى ـ من استصحاب الكلّي في القسم الثالث الّذي لا نقول بجريانه.

وفيه : أنّه ليس العدم المقترن بالحياة فردا لعدم التذكية ، والعدم المقترن بالموت فردا آخر ، ضرورة أنّ العدم أمر واحد مستمرّ حال الحياة والممات ، كما أنّ قيام زيد وقت طلوع الشمس إلى الزوال ومنه إلى الغروب ليس إلّا قياما واحدا شخصيّا مستمرّا لا أنّه كلّي ذو فردين ، فاستصحاب عدم وقوع التذكية إلى زمان زهوق الروح استصحاب شخصي ، ويلتئم الموضوع المركّب من خروج الروح وعدم التذكية بضميمته إلى أمر وجداني وهو خروج الروح ، ولا يعتبر في الاستصحاب وجود الأثر للمتيقّن حدوثا ، بل يكفي

__________________

(١) المصباح المنير : ٥٨٤.

وجوده بقاء ، وفي المقام وإن لا يكون للمتيقّن ـ وهو عدم التذكية حال الحياة ـ أثر النجاسة إلّا أنّه يكفي في استصحابه وجوده بقاء حال الموت.

أمّا القسم الرابع ـ وهو ما إذا تعلّق اليقين بالكلّي بعنوانين قبالا للقسم الثالث الّذي كان الكلّي متيقّنا بعنوان واحد ، وعلم بارتفاع الفرد المعلوم تحقّقه في ضمنه قبالا للقسم الثاني الّذي لم يعلم بارتفاع الفرد الّذي تحقّق الكلّي في ضمنه ، مثل ما إذا علمنا بوجود الإنسان في الدار في ضمن زيد بعنوان كونه زيدا وعلمنا بخروجه منها أيضا ثمّ علمنا بوجود متكلّم فيها قبل خروج زيد نحتمل كونه زيدا وكونه شخصا آخر غيره ـ فالظاهر جريان الاستصحاب فيه ، وذلك لأنّ لنا يقينين كلّ منهما متعلّق بعنوان ، وانتقض أحدهما قطعا وهو اليقين بوجود الإنسان في الدار بعنوان كونه زيدا ونشكّ في انتقاض الآخر وهو اليقين بوجود الإنسان فيها بعنوان كونه متكلّما ، فنستصحب بقاءه ، ولا يعتبر في الاستصحاب أن يكون المستصحب بخصوصيته معلوما لنا ، بل كلّما تيقّنّا بشيء وشككنا في بقائه ، نستصحبه ـ إذا ترتّب عليه أثر ـ بمقتضى «لا تنقض اليقين بالشكّ» ففي المثال السابق ، الجنابة بعنوان ليلة الخميس وإن كانت مرتفعة قطعا إلّا أنّ الجنابة بعنوان آخر ـ وهي المسبّبة عن المنيّ المرئي في الثوب ، التي تعلّق بها اليقين أيضا ـ مشكوكة البقاء ، فتستصحب ، غاية الأمر هي كون هذا الاستصحاب معارضا باستصحاب بقاء الطهارة الحاصلة بالاغتسال عن الجنابة بالعنوان الأوّل ، وهو بحث آخر. والمقصود بيان جريان هذا الاستصحاب حتى يتّبع في مورد عدم المعارضة ، ويرجع إلى الأصول الأخر بعد تساقط الاستصحابين في مورد المعارضة.

ومن قبيل المقام ما إذا توضّأ ثمّ أحدث وتيقّن بوضوء ثان يحتمل كونه رافعا حتى يكون على الطهارة وأن يكون تجديديّا حتى يكون محدثا ، فإنّ

الطهارة بعنوان حدوثها بعد الوضوء الأوّل مقطوعة الارتفاع ، وهي بعنوان كونها ثابتة يقينا بعد الوضوء الثاني مشكوكة البقاء ، فنستصحبها وإن كان معارضا باستصحاب بقاء الحدث الحادث بعد الوضوء الأوّل ، ويتفرّع على ذلك فروع كثيرة في الفقه.

ثمّ إنّ للمحقّق الهمداني كلاما ، وهو أنّه فصّل قدس‌سره بين صورة العلم بتعدّد السبب واحتمال التعاقب ـ كما إذا علم بأنّ المنيّ المرئي في الثوب سبب آخر للجنابة لكن احتمل كونه متعاقبا للسبب الأوّل بحيث اغتسل منها ، أو حدث بعد الاغتسال عن السبب الأوّل ـ فالتزم قدس‌سره بجريان استصحاب الجنابة الحاصلة بالسبب الثاني ، للعلم بمغايرته للأوّل والشكّ في ارتفاع أثره ، وبين ما ذكرنا ـ من صورة احتمال التعدّد واحتمال كون المرئي هو عين السبب الأوّل ـ فالتزم بعدم جريان استصحاب الجنابة ، لعدم العلم بأزيد من جنابة واحدة اغتسل منها يقينا (١).

وممّا ذكرنا ظهر عدم الفرق بين الصورتين وأنّ نقض اليقين بالشكّ يصدق في الصورة الثانية أيضا ، لأنّه متيقّن بجنابته حين خروج هذا الأثر ، وهذه الجنابة بهذا العنوان مشكوكة البقاء ، فتستصحب. وقد ذكرنا أنّه لا يلزم في جريان الاستصحاب تعلّق اليقين بالمستصحب بخصوصيته.

نعم ، لو قلنا باعتبار اتّصال زمان الشكّ بزمان اليقين في الاستصحاب ، لا يجري في المقام ، وهو بحث آخر.

ثمّ إنّه ربما يناقش في جريان هذا الاستصحاب بأنّه يحتمل في الصورتين أن ينتقض اليقين باليقين ، إذ يحتمل تعاقب السببين في الصورة

__________________

(١) مصباح الفقيه (كتاب الطهارة) ١ : ٢٢٢ ـ ٢٢٣.

الأولى ، واتّحاد سبب الجنابة في الصورة الثانية ، ومعه يحتمل أن يكون النقض باليقين لا بالشكّ ، فالشبهة مصداقيّة ، فإنّا نشكّ في كون هذا النقض ـ بمعنى رفع اليد عن آثار الجنابة ـ مصداقا لنقض اليقين بالشكّ ، لاحتمال كونه نقضا له بيقين مثله.

ويأتي الجواب عن هذه الشبهة في أواخر الاستصحاب ، وأنّ صفة اليقين من الصفات الوجدانيّة التي لا تقبل شكّ المكلّف فيها ، فإذا علم بموت زيد واحتمل كونه مقلّده ، لا يعقل كونه محتملا لحصول اليقين له بموت مقلّده.

ثمّ إنّه ربما يورد على ما أفاده الشيخ قدس‌سره ـ من جريان الاستصحاب في القسم الثاني إذا احتمل بقاء الكلّي من جهة احتمال حدوث فرد له مقارنا لوجود الفرد الّذي تحقّق الكلّي في ضمنه (١) ـ بأنّ لازمه جريان استصحاب كلّي الحدث فيما إذا نام المكلّف واحتمل الاحتلام ، فإنّه يحتمل حدوث الحدث الأكبر مقارنا لوجود الحدث الأصغر وهو النوم ، فيستصحب كلّي الحدث بعد التوضّؤ.

ويندفع هذا الإيراد بما ذكرنا آنفا من أنّ موضوع وجوب الوضوء هو المحدث بالحدث الأصغر غير المقترن بالحدث الأكبر ، وفي المقام يحرز أحد جزأي الموضوع ـ وهو عدم اقتران النوم بالجنابة ـ بالاستصحاب ، وجزؤه الآخر ـ وهو النوم ـ محرز بالوجدان ، فيلتئم الموضوع المركّب ، ويرتّب عليه وجوب الوضوء دون الغسل.

التنبيه الخامس : في استصحاب الزمان والزماني الّذي كالزمان في كونه غير قارّ بالذات ، فالكلام يقع في مقامين :

__________________

(١) فرائد الأصول : ٣٧١.

الأوّل : في استصحاب نفس الزمان. ولا ريب في أنّ الزمان وما يشبهه من الحركة في الأين أو الكمّ أو الكيف ، له نحو وجود طبعه وواقعه أن يتصرّم وينقضي جزء منه ويوجد جزء آخر ، والتصرّم والانقضاء شيئا فشيئا ممّا تتقوّم به ذات الزمان وشبهه بحيث لو بقي الجزء الأوّل من الزمان أو الحركة مثلا ولم يتصرّم ، يخرج عن كونه مصداقا لهذه الحقيقة ، فلا مانع من استصحاب بقاء هذا الموجود ـ كاليوم والليل والشهر والسنة والدهر ـ إذا ترتّب على بقائه أثر.

ولو أغمضنا عن ذلك وقلنا بأنّ النهار وشبهه ليس موجودا واحدا بل هو وجودات متغايرة متعاقبة وآنات غير متجزّئة ينعدم بعض ويوجد آخر ، فإنّما يكون ذلك بحسب الدقّة الفلسفيّة ، وأمّا بالنظر العرفي المتّبع في باب تشخيص المفاهيم التي منها مفهوم «النقض» فلا ريب في كونها موجودا واحدا ، فيصدق نقض اليقين بالشكّ.

هذا في استصحاب بقاء الزمان وشبهه ، أمّا استصحاب عدم حدوثه كعدم طلوع الفجر مثلا ، إذا ترتّب عليه أثر شرعي ، فالأمر فيه أوضح ، ولعلّ ما ذكرنا ـ من أنّ الزمان وشبهه ، له نحو وجود قوامه بالتصرّم والتقضّي ـ هو مراد صاحب الكفاية من الحركة التوسّطيّة حيث قسّم الحركة إليها وإلى القطعيّة (١) ، وإلّا فما أفاده خلاف الاصطلاح ، وكيف كان ، فجريان الاستصحاب غير مبنيّ على هذه الاصطلاحات ، بل هو مبنيّ على صدق النقض كما عرفت.

ولا يفرّق في ذلك بين ما إذا كان الشكّ في بقاء الزمان ونحوه ناشئا من الشكّ في انتهاء حدّه المعلوم لنا ، كما إذا علمنا بأنّ اليوم ليس بأزيد من عشرة

__________________

(١) كفاية الأصول : ٤٦٤.

ساعة وشككنا في بقائه من جهة الشكّ في بقاء شيء من هذا المقدار ومضيّه بتمامه ، وبين ما إذا كان الشكّ في البقاء لأجل الشكّ في مقدار استعداده ، وأنّه عشرة ساعة أو إحدى عشرة ساعة مثلا ، والأوّل من قبيل الشكّ في الرافع ، والثاني من قبيل الشكّ في المقتضي.

ثمّ إنّ استصحاب بقاء الزمان من النهار ونحوه بنحو مفاد «كان» التامّة وأنّ النهار أو شهر رمضان كان موجودا سابقا والآن كما كان لا يثبت أنّ هذا الزمان من النهار أو من رمضان ، فإذا كان الزمان قيدا للحكم فقط دون متعلّقه ، فلا إشكال في ترتّب الحكم على استصحاب بقاء الزمان.

وأمّا إذا كان الزمان قيدا للحكم ومتعلّقه ـ كما في صوم شهر رمضان والصلوات اليومية الأدائية ، فإنّ شهر رمضان كما يكون قيدا لوجوب الصوم كذلك يكون قيدا للواجب ، بمعنى أنّ الصوم لا بدّ أن يقع في نهار رمضان ، وهكذا صلاة الظهر ، الأدائيّة كما يكون الدلوك قيدا لوجوبها كذلك يكون ما بين الحدّين : الزوال والغروب قيدا للواجب ، بمعنى أنّه لا بدّ من إيقاعها في هذا الزمان ـ فيشكل الأمر في استصحابه ، فإنّ استصحابه بنحو مفاد «كان» التامّة لا يثبت كون الزمان من النهار أو رمضان ، فلا يمكن إحراز وقوع الصلاة أو الصوم في النهار أو شهر رمضان ، واستصحابه بنحو مفاد «كان» الناقصة لا يمكن ، لعدم وجود الحالة السابقة ، فإنّ المستصحب من أوّل وجوده وحدوثه يشكّ في كونه من النهار أو الليل من رمضان أو شوّال.

والشيخ قدس‌سره تمسّك في أمثال هذه الموارد بالاستصحاب الحكمي وأنّ الصوم أو الصلاة الأدائيّة قبل ذلك كان واجبا علينا ، ولم يكن الوجوب ساقطا

فالآن كما كان (١).

وما أفاده وإن كان لا مانع منه من جهة بقاء الموضوع ، فإنّ الموضوع هو المكلّف إلّا أنّ الشكّ في بقاء الوجوب مسبّب عن الشكّ في كون هذا الزمان رمضان أو نهارا ، إذ لا يجب الصوم في الشوّال والليل ، فإن أثبت استصحاب الزمان ذلك ، فلا فائدة لاستصحاب الحكم ، نظير استصحاب كون المائع خمرا ، المغني عن استصحاب حرمته ، وإن لم يثبت ذلك ، فلا يثبت استصحاب وجوب الصوم أو الصلاة الأدائيّة أنّ الإمساك أو الصلاة واقع في رمضان أو قبل الغروب.

وبذلك ظهر عدم تماميّة ما أفاده شيخنا الأستاذ توجيها لكلام الشيخ قدس‌سره من إدراج المشكوك في المتعلّق واستصحاب بقاء وجوب الصوم في رمضان ووجوب الصلاة الأدائيّة وعدم سقوطه (٢) ، وذلك لأنّه لا يثبت كون الواقع صوم رمضان أو الصلاة أداء.

وأجاب عن هذا الإشكال في الكفاية بأنّا نستصحب اتّصاف الإمساك بكونه في النهار بنحو مفاد «كان» الناقصة ، ونقول : الإمساك قبل ذلك كان متّصفا بكونه في النهار والآن كما كان (٣).

ولا يخفى أنّ هذا لا يتمّ إلّا فيما إذا كان الاتّصاف ، له حالة سابقة كالمثال ، وأمّا إذا لم تكن له حالة سابقة كما إذا كان مفطرا قبل ذلك نسيانا أو عصيانا ، وهكذا في مثل صلاة الظهر والعصر ، فلا يتمّ ذلك إلّا بناء على الاستصحاب التعليقي بأن يقال : هذا الإمساك أو الصلاة لو كان قبل ذلك ، لكان

__________________

(١) فرائد الأصول : ٣٧٥.

(٢) أجود التقريرات ٢ : ٤٠٠ ـ ٤٠١.

(٣) كفاية الأصول : ٤٦٥.

إمساكا في النهار أو كانت الصلاة أدائيّة فالآن كما كان ، لكنّ الاستصحاب التعليقي على تقدير صحّته لا يجري في الموضوعات ، بل يختصّ بالأحكام ، كما سيجيء إن شاء الله.

فالتحقيق في الجواب أن يقال : أوّلا : إنّ ما يستفاد من الأدلّة أنّ مثل الصوم والصلاة متقيّد بأمر عدمي ، فإنّ قوله عليه‌السلام : «إذا زالت الشمس ، فقد دخل الوقتان» كما في رواية (١) أو «وقت الصلاتين ـ كما في أخرى ـ ثمّ أنت في وقت منهما حتى تغيب الشمس» (٢) يدلّ على أنّ الصلاة متقيّدة بأمر عدمي وهو عدم غيبوبة الشمس ، وأنّ المكلّف مختار في هذه المدّة ، أي من الزوال إلى غيبوبة الشمس ، وله أن يأتي بها في أيّ جزء منها ، ومن المعلوم أنّ غيبوبة الشمس أمر مسبوق بالعدم ، فإذا استصحبنا عدمها وأتينا بالصلاة ، فقد أتينا بالصلاة الأدائيّة بحكم الشارع ، إذ معنى قوله عليه‌السلام : «أنت في وقت منهما حتى تغيب الشمس» أنّ الصلاة أدائيّة ما لم تغرب الشمس ، فإذا أحرزنا أحد جزأي الموضوع ـ وهو الصلاة ـ بالوجدان وجزءه الآخر بالأصل ـ وهو عدم غروب الشمس ـ يلتئم الموضوع ، ويترتّب عليه حكمه من كونها أدائيّة. وعين هذا التعبير وارد في صلاتي المغرب والعشاء ، وهكذا في صلاة الصبح. ويدلّ على ذلك أدلّة الصوم ، كقوله تعالى : (ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ)(٣).

وبالجملة ، جميع هذه التعبيرات ـ من قوله عليه‌السلام : «حتى تغيب

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٤٠ ـ ٦٤٨ ، التهذيب ٢ : ١٩ ـ ٥٤ ، الوسائل ٤ : ١٢٥ ، الباب ٤ من أبواب المواقيت ، الحديث ١.

(٢) الكافي ٣ : ٢٧٦ ، الحديث ٥ وذيله ، الوسائل ٤ : ١٣٠ ، الباب ٤ من أبواب المواقيت ، الحديث ٢١ و ٢٢.

(٣) البقرة : ١٨٧.

الشمس» (١) أو «حتى ينتصف الليل» (٢) أو «حتى يطلع الفجر» (٣) أو «حتى تطلع الشمس» (٤) أو (ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ)(٥) ـ دالّة على أنّ المأخوذ في الواجب هو أمر عدمي ، وإذا كان كذلك ، يمكن إثبات نفس ما أخذ في الواجب بالأصل ، ولا يكون الأصل مثبتا ، ويلتئم الموضوع بضمّه إلى الوجدان.

وثانيا : نقول ـ لو سلّم كون المأخوذ في الواجب هو الأمر الوجوديّ ، بمعنى أنّ المأمور به هو الصلاة في النهار والصوم في النهار وأمثال ذلك ـ : إنّ الموضوع المركّب إن كان مركّبا من العرض ومحلّه ك «الماء الكرّ» و «زيد العالم» فحيث إنّ وجود العرض وجود رابطي ووجوده في نفسه عين وجوده في محلّه وموضوعه ، فلا يلتئم الموضوع المركّب في مثل ذلك بضمّ الوجدان إلى الأصل إلّا باستصحاب وجود العرض بنحو مفاد «كان» الناقصة بأن يقال : زيد كان متّصفا بالعلم في زمان ، وبعبارة أخرى : كان عرض العلم قائما به في زمان والآن كما كان ، إذ الارتباط بين العرض ومحلّه ذاتي وتقيّد الموضوع به واقعي ، ونعبّر عن هذا الارتباط بالاتّصاف ، إذ لا معنى لاتّصاف زيد بالعالميّة وتقيّده بالعلم إلّا قيام هذا العرض ـ الّذي هو العلم ـ به ، وفي مثل ذلك لا يلتئم الموضوع باستصحاب وجود العرض بنحو مفاد «كان» التامّة ، فلا فائدة في استصحاب وجود العلم في الدار أو وجود الكرّ في الحوض ، إذ لا يثبت بذلك أنّ زيدا الموجود فيها عالم أو الماء الموجود فيه كرّ ، والموضوع على الفرض

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٢٥٦ ـ ١٠١٥ ، الاستبصار ١ : ٢٦٠ ـ ٩٣٣ ، الوسائل ٤ : ١٥٩ ، الباب ١٠ من أبواب المواقيت ، الحديث ٩.

(٢) التهذيب ٢ : ٢٦٢ ـ ١٠٤٥ ، الاستبصار ١ : ٢٦٩ ـ ٩٧٣ ، الوسائل ٤ : ١٥٦ ـ ١٥٧ ، الباب ١٠ من أبواب المواقيت ، الحديث ٣.

(٣ و ٤) نفس المصادر في الهامش (١).

(٥) البقرة : ١٨٧.

هو الماء المتّصف بالكرّيّة وزيد القائم به العلم ، لا وجود الماء وزيد ووجود الكريّة والعلم ولو في موضوع آخر.

وإن لم يكن كذلك ـ سواء كان مركّبا من جوهرين ، كما إذا قال : إذا وجد زيد وعمرو فتصدّق بكذا ، أو من عرضين في موضوعين ، كما إذا كان مركّبا من موت زيد وحياة أبيه أو ولده ، أو من عرضين في موضوع واحد ، كما إذا كان مركّبا من عدالة زيد وعلمه بأن يقال : زيد العالم العادل يجب إكرامه ـ فيلتئم الموضوع بضمّ الوجدان إلى استصحاب أحد الجزءين بنحو مفاد «كان» التامّة بأن نحرز عدالة زيد بالاستصحاب ونضمّها إلى ما أحرزناه بالوجدان وهو علمه ، وذلك لأنّ تقيّد أحد الجزءين في هذه الصور الثلاث لا معنى له بعد ما لم يكن ارتباط ذاتي بينهما إلّا اجتماعهما في الوجود في زمان واحد لا بمفهوم الاجتماع بل بواقعه بأن يكون الموضوع عبارة عن عدالة زيد في زمان يكون فيه عالما أيضا ، فإذا أحرزنا علمه في زمان بالوجدان واستصحبنا عدالته إلى ذلك الزمان ، يلتئم الموضوع.

نعم ، لو أعملت في الدليل عناية ، وجعل الموضوع عنوانا بسيطا منتزعا عن أمرين أو أكثر كعناوين : السبق واللحوق والاقتران والاجتماع ، فلا مجال لإثبات الموضوع بضمّ الوجدان إلى الأصل ، إذ لا يثبت بالأصل تحقّق العنوان البسيط ولكنّ الموضوع في مثله ليس بمركّب ، بل هو أمر بسيط محقّقه أمران.

واحتمل الشيخ قدس‌سره أن تكون كذلك مسألة صحّة صلاة المأموم مع الشكّ في إدراكه ركوع الإمام ، لأنّ الموضوع هو عنوان إدراك المأموم لركوع الإمام ـ فتبطل صلاته ، لعدم إحراز هذا العنوان البسيط بضميمة الأصل إلى الوجدان ـ لا مجرّد كون الإمام راكعا والمأموم كذلك حتى يمكن ذلك (١).

__________________

(١) كتاب الصلاة : ٣٢٠ ـ ٣٢١.

وبما ذكرنا ظهر أنّ تقييد الصلاة بالطهارة وغيرها من القيود لا معنى له إلّا وجودها في زمان كون المصلّي متوضّئا بأن تجتمع طهارة النّفس أو بدن المصلّي مع الصلاة في زمان واحد بواقع الاجتماع لا بمفهومه ، وهكذا تقييد الصلاة بوقوعها في النهار لا معنى له إلّا أن تكون الصلاة والنهار مجتمعين في الوجود بأن يكون الزمان ـ وهو النهار مثلا ـ موجودا والصلاة أيضا موجودة في حال وجوده.

نعم ، لا يكونان موجودين في زمان واحد ، إذ ليس للزمان زمان ، فمن باب ضيق التعبير نعبّر باجتماعهما في الوجود ، فإذا استصحبنا النهار وأتينا الصلاة ، فقد تحقّق كلا جزأي الموضوع أحدهما بالوجدان والآخر بالأصل.

وبالجملة ، طبع الأمر بإيقاع فعل في زمان خاصّ لا يقتضي إلّا أنّ هذه الحصّة الخاصّة من الفعل ـ وهي المجتمعة مع هذا الزمان ـ مشتملة على المصلحة الإلزاميّة ، ولا ارتباط بينهما إلّا بهذا الاعتبار ، فتقيّد الواجب بالزمان ـ سواء كان بقيد وجودي كالنهار أو عدمي كعدم غروب الشمس ـ لا يمنع من التئام الموضوع المركّب بضميمة الوجدان إلى الأصل.

والسرّ في ذلك أنّ المقيّد بالزمان ليس من قبيل المركّب من العرض ومحلّه ، بل هما من قبيل عرضين في محلّ واحد ، فإنّ الصلاة من مقولة الفعل ، والزمان من مقولة متى ، وكلاهما قائم بالمكلّف.

المقام الثاني : في استصحاب الزمانيّات التدريجيّة ممّا هو كالزمان يوجد منه جزء بعد ما انعدم منه جزء آخر ، كالحركة والتكلّم وجريان الماء وسيلان الدم ونحو ذلك.

أمّا الحركة : فقد عرفت أنّها كالزمان في كون قوامها بالتصرّم والتقضّي ، فهي بين المبدأ والمنتهى موجودة واحدة حقيقة وعرفا ، فلا ريب في

استصحاب بقائها فيما إذا علم بتحقّقها وشكّ في بقائها.

والشكّ في البقاء تارة لأجل الشكّ في وجود مانع وصارف عنها بعد إحراز مقدار استعداد منشأها ، كما إذا علم بانقداح داع لزيد للحركة من النجف إلى كربلاء ، وتحرّك ، وشكّ في بقائها ، وأخرى لأجل الشكّ في مقدار اقتضاء منشأها ، كما إذا علمنا بأنّه ركب السيّارة ، وتحرّك ، ولم نعلم أنّه بنى على أيّ مقدار من الحركة ، وثالثة لأجل الشكّ في قيام داع ومنشأ آخر لها بعد العلم بارتفاع المنشأ الأوّل.

وشيخنا الأستاذ قدس‌سره بنى على جريانه في الأوّل وهكذا الثاني على القول بجريانه في الشكّ في المقتضي ، وأمّا الأخير فالتزم بعدم جريانه حتى على القول المذكور ، نظرا إلى أنّ الحركة لا بدّ لها من حافظ وحدة حتى يمكن استصحابها ، وإلّا فلا يكون من الاستصحاب ، بل من إسراء حكم من موضوع إلى آخر ، ووحدة الحركة وتعدّدها إنّما تكون بوحدة مبدئها وتعدّده ، ففي القسمين الأوّلين حيث يكون لها داع ومنشأ واحد ، فالحركة حركة واحدة يمكن استصحابها إذا شكّ في بقائها ، وأمّا في القسم الأخير فحيث لها داعيان على تقدير بقائها فحركتان إحداهما مقطوعة الارتفاع بارتفاع داعيها ، والأخرى مشكوكة الحدوث ، فلا يمكن استصحابها (١).

هذا ، والظاهر جريان الاستصحاب في جميع الأقسام ، لما عرفت من أنّ الحركة المتّصلة بين المبدأ والمنتهى حركة واحدة حقيقة ، إذ الاتّصال مساوق للوحدة ، واستناد موجود واحد حدوثا إلى سبب وبقاء إلى سبب آخر لا يجعله موجودين وشيئين ، ولذا لا يشمل دليل «من زاد في صلاته» إلى آخره ، من أراد

__________________

(١) أجود التقريرات ٢ : ٤٠٢ ـ ٤٠٣.

أن يسجد في صلاته بمقدار ربع دقيقة مثلا ، ثمّ إذا سجد انقدح له داع آخر إلى تطويل سجدته ، وطوّلها ، ضرورة أنّه لا يقال : إنّه سجد سجدتين ، بل يقال : سجد سجدة واحدة طويلة.

وتوهّم أنّ الشكّ في بقاء الحركة مسبّب عن الشكّ في حدوث داع آخر غير الأوّل ، والأصل عدمه ، فلا يمكن الحكم بالبقاء ظاهر الجواب ، فإنّ استصحاب عدم حدوث داع آخر للحركة لا يثبت السكون وعدم الحركة كما هو ظاهر.

ثمّ إنّ صاحب الكفاية ذكر أنّه لا يضرّ تخلّل السكون في البين بما لا يخلّ بالاتّصال عرفا وإن انفصل حقيقة (١).

وفيه : أنّ الحركة إن كانت بطيئة كنموّ الشجر وحركة الإنسان من صغره إلى كبره ، فالاتّصال حقيقي أيضا ولا يصدق السكون على شيء منها لا حقيقة ولا عرفا.

وإن كان المراد تخلّل ما يصدق عليه السكون ، فهو يضرّ بالوحدة العرفية ، كما إذا علم بسكون المتحرّك بوقوعه على الأرض بمقدار آن ، فلا وجه للاستصحاب بعد العلم بارتفاع الحركة وانقلابها إلى ضدّها.

ومن هنا ظهر عدم تماميّة ما أفاده بعض من عاصرناه وأصرّ عليه من صحّة استصحاب الماء الجاري من التلمبات المتّصلة بمبدإ من شط أو غيره ولا يضرّ انقطاعها في البين بالاتّصال العرفي.

وذلك لأنّ عدم رؤية العرف الانقطاع من جهة سرعة حركة الدولاب لا يفيد شيئا ، فإنّهم يحكمون بالاتّصال من جهة جهلهم وعدم إدراكهم

__________________

(١) كفاية الأصول : ٤٦٤.

الانقطاع.

نعم ، تخلّل السكون في بعض الموارد لا ينافي الاتّصال العرفي ، كما في المسافر ، فإنّه لا يتحرّك دائما ، فيصحّ استصحاب كون زيد مسافرا ما لم يعلم بانقلابه إلى ضدّه ، ولا يضرّ العلم بكونه واقفا في أثناء الطريق كثيرا.

وأمّا مثل جريان الدم وسيلان الماء فهو أيضا كالحركة في كون التقضّي والتصرّم في قوامه وحقيقته ، وأنّ الاتّصال فيه مساوق للوحدة ، بل هو عين الحركة ، فلا مانع من استصحاب بقاء الجريان والسيلان إذا ترتّب عليه أثر شرعي. والكلام في الشكّ في المقتضي والرافع هو الكلام المتقدّم.

نعم ، الغالب في هذه الموارد هو عدم العلم بمقدار استعداد الرحم ومنبع الماء ، فيكون الشكّ فيها بحسب الغالب شكّا في المقتضي.

وأمّا التكلّم وشبهه كالصلاة وقراءة القرآن فحيث إنّ تخلّل السكون فيها ضروري ، لعدم إمكان التكلّم ـ من غير تخلّل نفس في البين ـ مقدار دقيقة عادة فضلا عن مقدار ساعة وأكثر ، فالوحدة فيها وحدة اعتباريّة ليست بحقيقيّة ، مثل الخطبة والقصيدة والسورة ، فإنّها ـ مع كون كلّ منها مركّبا من وجودات متغايرة ـ لها وحدة اعتباريّة عرفيّة ، وهكذا الصلاة ـ مع كونها مركّبة من ماهيّات متباينة بعضها من مقولة الفعل ، وبعضها الآخر من مقولة الكيف المسموع وغير ذلك ـ أمر واحد باعتبار الشرع ، وبهذا الاعتبار يمكن استصحاب بقاء المتكلّم والمصلّي والقارئ على حال تكلّمه وصلاته وقراءته إذا ترتّب على ذلك أثر شرعي ، ولا تنافيه السكونات المتخلّلة ، حيث إنّها كالعدم في نظر العرف ، ولذا يرون المصلّي في الآنات ـ التي لا يكون فيها مشغولا بأجزاء الصلاة ـ مصلّيا أيضا ، فيصحّ استصحاب اشتغال زيد بقراءة سورة البقرة مثلا ، إذا علم بشروعه فيها وشكّ في أنّه هل أتمّها أم لا ، لاحتمال عروض مانع عن الإتمام ، كما أنّه

يمكن أن يكون من الشكّ في المقتضي ، كما إذا علم بشروعه في قراءة القرآن وشكّ في أنّه هل رفع اليد عنها أم لا ، مع عدم العلم بأنّه بنى على قراءة أيّ مقدار من القرآن ، ويمكن أيضا استصحاب الكلّي بجميع أقسامه ، فيمكن استصحاب القسم الأوّل من الكلّي في المثال المتقدّم ، وإذا تردّدت السورة التي شرع فيها بين القصيرة والطويلة ، كان من القسم الثاني ، كما أنّه إذا شكّ في الشروع في أخرى مع القطع بتماميّة الأولى ، كان من القسم الثالث.

هذا كلّه في الزماني الّذي يكون متدرّج الوجود بالذات. أمّا الزماني الّذي تدرّجه بالعرض وباعتبار الزمان ـ كالقيام من الزوال إلى الغروب مثلا ، الّذي هو موجود واحد ، وليس الموجود منه حال الزوال بموجود مغاير للموجود منه حال الغروب ـ فالشكّ في بقاء حكمه يتصوّر على أقسام :

الأوّل : ما إذا كان ناشئا من الشكّ في بقاء الزمان الّذي جعل قيدا له ، فالشبهة في هذا القسم موضوعيّة ، وقد مرّ الإشكال في استصحاب بقاء الزمان ، والجواب عنه.

الثاني : ما إذا نشأ الشكّ في بقاء الحكم من الشكّ في حصول ما جعل غاية للفعل ، لإجماله ـ كالغروب في الظهرين ، فإنّه بضرورة الدين غاية لهما لكنّه اختلف في أنّه هل هو معنى يحصل ويتحقّق باستتار القرص عن الأبصار والأنظار ، أو بذهاب الحمرة عن قمّة الرّأس؟ ـ فالشبهة في مثله مفهوميّة ، بمعنى أنّ الشبهة حكميّة نشأت من عدم معلوميّة مفهوم الغاية ، كالغروب في المثال ، أو نشأ لأجل الشكّ في حصول الغاية لا لعدم معلوميّة مفهومها ، بل لتعارض الأدلّة ، كما في القدم والقدمين لنافلة الزوال.

والحقّ هو عدم جريان الاستصحاب في هذا القسم لا استصحاب الحكم ولا استصحاب الموضوع.

أمّا استصحاب الحكم : فعدم جريانه ـ بناء على اختصاص أدلّة الاستصحاب بموارد الشكّ في الرافع ، وعدم شمولها لموارد الشكّ في المقتضي ـ واضح ، فإنّ مقتضي الجري على اليقين بالوجوب في عمود الزمان إلى ذهاب الحمرة مشكوك من أوّل الأمر.

وأمّا بناء على التعميم : فلأنّ دليل الاستصحاب ناظر إلى إبقاء اليقين بشيء في ظرف الشكّ فيه بعينه عملا ، فاتّحاد متعلّقي اليقين والشكّ ممّا لا بدّ منه ، ومن المعلوم أنّ الفعل المقيّد بزمان خاصّ مغاير عند العرف له مقيّدا بزمان آخر ، فكما تكون الصلاة في المسجد مغايرة للصلاة في الدار عرفا ، كذلك الصلاة قبل الاستتار مغايرة لها قبل ذهاب الحمرة وبعد الاستتار ، والوجوب المتعلّق بكلّ منهما مغاير لما يتعلّق بالآخر ، فإذا شكّ في مفهوم الغروب ، يشكّ في بقاء الموضوع ، فلا يحرز شمول دليل الاستصحاب له ، لعدم إحراز بقاء الموضوع واتّحاد القضيّة المشكوكة والمتيقّنة ، فالتمسّك بدليل الاستصحاب فيه تمسّك بالعامّ في الشبهة المصداقيّة.

وأمّا استصحاب الموضوع فعدم جريانه من جهة ما ذكرنا مرارا من أنّه لا بدّ في الاستصحاب من الشكّ في بقاء ما كان متيقّنا سابقا ، وفي المقام ليس شيء كنّا على يقين منه ونشكّ في بقائه حتّى نستصحبه ، فإنّ استتار القرص نقطع بحصوله ، وذهاب الحمرة أيضا نقطع بعدم تحقّقه ، ولا شكّ لنا في شيء منهما ، إنّما الشكّ في كون الغاية هي هذا أو ذاك.

وأمّا استصحاب عدم حصول الغاية بما هي غاية وبوصف كونها غاية فهو عبارة أخرى عن الاستصحاب الحكمي ، وتبديل لفظ بلفظ ، ليس شيئا مغايرا له.

وهذا الإشكال سار في جميع الشبهات الحكميّة ، مثلا : إذا علمنا

بوجوب إكرام زيد العالم واحتملنا دخل وصف العلم في موضوع وجوب الإكرام ، لا يمكن استصحاب الوجوب بعد زوال علمه ، ولا استصحاب بقاء الموضوع ، إذ لا نشكّ في بقاء زيد ولا في ارتفاع علمه ، واستصحاب موضوع وجوب الإكرام بوصف موضوعيته عبارة أخرى عن استصحاب حكمه.

الثالث من الأقسام : ما إذا كان الشكّ في بقاء الحكم ناشئا من العلم بانقضاء زمان الواجب واحتمال بقائه بعد ذلك الزمان أيضا ، وقد تقدّم البحث في ذلك مفصّلا في مبحث البراءة ، وأنّ استصحابي الوجود والعدم متعارضان عند الفاضل النراقي ، واخترنا جريان استصحاب الوجود دون العدم وفاقا للشيخ قدس‌سره ، وخلافا لشيخنا الأستاذ قدس‌سره ، حيث أنكر كليهما ورجع إلى البراءة فلا نعيده.

الرابع : ما إذا كان احتمال البقاء لأجل تعدّد المطلوب واحتمال أنّ طبيعيّ الصلاة مثلا مطلوب بطلب ، وخصوصيّة إيقاعها في الوقت مطلوبة بطلب آخر ، نظير نذر إيقاع الصلاة في أوّل وقتها ، حيث إنّ الصلاة فيما بين الحدّين مطلوبة بطلب ، وخصوصيّة إيقاعها في أوّل الوقت مطلوبة بالأمر النذري ، والاستصحاب في هذا القسم لا مانع منه ، فإنّه من القسم الثاني من أقسام استصحاب الكلّي ، لأنّ وجوب طبيعيّ الصلاة ، المردّد بين الاستقلالي والضمني معلوم لنا ، وبعد الوقت نشكّ في بقائه ، لاحتمال كونه وجوبا استقلاليّا فنستصحبه ، فلو فرض عدم ورود نصّ ظاهر في التقييد بالوقت ووحدة الطلب ، فلا مانع من هذا الاستصحاب بناء على ما بنى عليه القوم من جريان الاستصحاب في الأحكام الكلّيّة ، فعلى ذلك لا يحتاج وجوب القضاء في ظرف الشكّ وعدم استظهاره من دليل ، إلى دليل خاصّ ، بل لا بدّ من القول بتبعيّة القضاء للأداء.

نعم ، لا يجري لو أنكرنا جريانه في الأحكام كما أنكرناه.

التنبيه السادس : أنّ المستصحب ربما يكون حكما ثابتا على موضوع فعليّ على كلّ تقدير ، وشكّ في بقائه ، ويسمّى هذا بالاستصحاب التنجيزي ، وربما يكون حكما ثابتا على موضوع على تقدير وبعنوان خاصّ ، وشكّ في بقائه على نحو ثبوته من كونه على تقدير ، لزوال العنوان ، ويسمّى هذا بالاستصحاب التعليقي والتقديري.

والشكّ في بقاء الحكم من غير جهة النسخ لا محالة يكون من جهة انقلاب وجود إلى عدم أو عدم إلى وجود ، بمعنى زوال عنوان مأخوذ في الموضوع وخصوصيّة كذلك أو قيام صفة لم تكن قائمة به ، وإلّا فلو لم يتغيّر الموضوع بوجه ويبقى على حاله من غير زيادة ولا نقصان ، لا يعقل الشكّ في بقاء حكمه ـ بعدم عدم احتمال النسخ ـ إلّا من جهة احتمال البداء بمعناه الحقيقي الّذي هو ظهور ما خفي ، وهو مستحيل في حقّه تعالى.

وليعلم أنّ النزاع في جريان الاستصحاب التعليقي وعدمه مبنيّ على القول بجريان الاستصحاب في الأحكام الكلّيّة الإلهيّة ، وأمّا على ما أنكرناه من جهة معارضته باستصحاب عدم الجعل فلا يبقى لهذا النزاع مجال أصلا.

ثمّ إنّ العنوان المأخوذ في موضوع الحكم إمّا يكون ممّا لا دخل له في ثبوت الحكم أصلا ، بل هو في نظر العرف معرّف للمعنون ـ سواء صدق عليه هذا العنوان أم لا ـ بحيث لو تبدّل الموضوع وزال عنه ذلك العنوان وتلك الخصوصيّة المأخوذة فيه ، لا يشكّ العرف في ثبوت الحكم له ، مثلا : عنوان العنب أو الحنطة ليس له دخل في ثبوت الحلّيّة للعنب أو الحنطة بحيث لو صار العنب زبيبا أو الحنطة دقيقا ، يشكّ العرف في شمول دليل حلّيّة العنب له أو دليل حلّيّة الحنطة ، بل نفس هذا الدليل في نظر العرف دليل على حلّيّتهما أيضا.

وإمّا يكون عند العرف من مقوّمات الموضوع بحيث يرى الحكم الثابت له عند زوال ذلك العنوان حكما آخر ثابتا لموضوع آخر ، لا بقاء للحكم الأوّل ، كعنوان الكلب ، فإنّ زوال هذا العنوان بصيرورة الكلب ملحا موجب لزوال الحكم عنه ، فإذا ثبت حكم النجاسة له بعد ذلك أيضا ، لا يكون بقاء للحكم الأوّل عند العرف ، إذ لا يرى موضوعه موضوعا للحكم الأوّل ، فإنّ هذا الملح ليس كلبا بل هو شبيه بالكلب وبصورته كالحجر المصنوع بصورة الكلب.

وإمّا لا يكون من مقوّمات الموضوع كالثاني ، ولا من قبيل المعرّف كالأوّل ، بل هو وسط بينهما ، ويكون زواله موجبا للشكّ في بقاء الحكم الأوّل بحيث لو دلّ دليل على ثبوت الحكم له بعد زوال عنوانه ، يراه العرف بقاء للحكم الأوّل ، لا حكما مغايرا له. وهذا هو مورد لاستصحاب الحكم تنجيزيّا أو تعليقيّا ، كعنوان «التغيّر» في الماء المتغيّر.

ومن هنا ظهر أنّ ما جعلوه مثالا للاستصحاب التعليقي ـ وهو استصحاب بقاء الحرمة الثابتة للزبيب على تقدير الغليان حال عنبيته ـ ليس من مورد الاستصحاب التعليقي في شيء ، فإنّ العنوان المأخوذ في موضوع الحرمة في الأدلّة ليس عنوان «العنب» حتى تستصحب حرمته التقديريّة بعد صيرورته زبيبا ، بل المأخوذ هو عنوان «العصير» وعصير الشيء لغة وعرفا ما يستخرج منه بالعصر من الماء ، ومن المعلوم أنّ الزبيب ليس له ماء ، والماء الممتزج والمختلط بأجزائه ليس عصيرا له.

وكيف كان ، فالعنوان المأخوذ في موضوع الحكم المستصحب تنجيزيّا كان أو تقديريّا لا بدّ وأن يكون من القسم الثالث المتوسّط بين القسمين الأوّلين.

وبعد ذلك نقول : قد مرّ مرارا أنّ الاستصحاب متوقّف على اليقين بحكم أو موضوع ذي حكم ، والشكّ في بقائه ، والشكّ في بقاء الحكم ناش من أحد

أمور ثلاثة ولا رابع لها كما تقدّم :

الأوّل : الشكّ في مقام الجعل من جهة احتمال النسخ ، ولا شكّ في جريان الاستصحاب في هذا القسم ، ولا تعتبر فيه فعليّة الموضوع كما لا تعتبر في أصل مقام الجعل ، فكما لا يعتبر وجود زان خارجا لجعل وجوب جلده ثمانين جلدة بقوله تعالى : (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ)(١) كذلك عند احتمال نسخ هذا الحكم لا يعتبر وجود الموضوع ، بل يستصحب هذا الحكم على نحو ثبوته. ولا فرق في ذلك بين الحكم التنجيزي والتعليقي ، فتستصحب أيضا حرمة عصير العنب على تقدير غليانه عند احتمال النسخ.

الثاني : الأمور الخارجيّة ، كاحتمال إصابة المطر لما علمنا بنجاسته. وهذا أيضا ممّا لا ريب فيه.

الثالث : الشكّ في مقام الجعل من غير جهة احتمال النسخ ، بل من جهة الشكّ في سعة دائرة الجعل وضيقها كالشكّ في نجاسة الماء المتغيّر ، بعد زوال تغيّره ، فإنّ منشأه الجهل بأنّ المجعول هو نجاسة الماء المتغيّر ما دام متغيّرا أو أنّه نجاسته ولو زال عنه التغيّر ، ولا مانع من الاستصحاب في هذا القسم أيضا بناء على جريانه في الأحكام الكلّيّة ، ومورد الاستصحاب التعليقي هو هذا القسم ، فإنّ الشكّ في بقاء حرمة عصير العنب على تقدير غليانه عند صيرورته زبيبا ليس من جهة احتمال النسخ ، ولا من جهة الأمور الخارجيّة بعد العلم بمقدار المجعول ، بل الشكّ في بقاء حرمته التقديريّة في الحالة الثانية من جهة الشكّ في مقدار المجعول ، وأنّه هل هو الحرمة في حال عنبيته فقط أو فيها وفي

__________________

(١) النور : ٢.

حال صيرورته زبيبا أيضا؟

واستصحاب الحكم التعليقي في هذا القسم أساسه وجودا وعدما مبنيّ على ما مرّ في بحث الواجب المشروط من أنّ الشروط في الواجبات المشروطة ، مثل «إن استطعت فحجّ» أو «إذا بلغ الماء قدر كرّ لم ينجّسه شيء» وغيرهما هل هي راجعة إلى قيود الموضوع ـ بمعنى أنّ فعليّة الحكم تتوقّف على وجود الشرط كما تتوقّف على وجود المكلّف خارجا بحيث لا يكون قبله حكم من قبل الشارع ، فالمثالان راجعان إلى قولنا : «المكلّف المستطيع يجب عليه الحجّ» أو «الماء الكرّ لا ينفعل ولا ينجّسه شيء» ولا فرق بين التعبيرين إلّا استفادة المفهوم من الأوّل دون الثاني في مقام الإثبات والدلالة ، وإلّا فليس في مقام الثبوت إلّا فرض وجود الاستطاعة كفرض وجود نفس المكلّف ـ أو لا تكون كذلك ، بل راجعة إلى الحكم ، بمعنى أنّ الحكم ـ كوجوب الحجّ ـ ثابت وفعليّ عند وجود المكلّف ، لكن كان حكما على تقدير ، وبعبارة أخرى : وجوب الحجّ على تقدير الاستطاعة ثابت على المكلّف وفعليّ في حقّه.

فإن قلنا بالأوّل ، لا يجري الاستصحاب التعليقي. وإن قلنا بالثاني ، يجري ، ونقول : الحرمة التقديريّة كانت ثابتة لعصير العنب حال عنبيته ، والآن نشكّ في بقائها بواسطة صيرورته زبيبا ويابسا فنستصحبها ، وحيث بيّنّا هناك بطلان هذا الوجه وأثبتنا الوجه الأوّل ، أي رجوع الشروط إلى قيود الموضوع ـ لا بمعنى رجوعه إلى المتعلّق كما نسب إلى الشيخ (١) حتى يرجع إلى الواجب التعليقي ـ فلا وجه لجريان الاستصحاب التعليقي ، لعدم اليقين بتحقّق شيء والشكّ في بقائه في المقام حتى نستصحبه ، فإنّ المفروض عدم احتمال

__________________

(١) الناسب هو المحقّق النائيني. انظر : أجود التقريرات ١ : ١٣٠.

النسخ ، وعدم تحقّق الموضوع المركّب الّذي هو العصير المغليّ حتى نستصحب حكمه الفعلي ، وما تحقّق خارجا ـ وهو العصير ـ لم يكن له حكم ـ أي حكم الحرمة والنجاسة ـ في الشريعة ، فإنّه أحد جزأي الموضوع.

نعم ، على تقدير انضمام جزئه الآخر يترتّب عليه حكما عقلا كسائر الموضوعات المركّبة الشرعيّة والخارجيّة ، مثلا : إزالة الشعر أثر للنورة عقلا إذا امتزج معها الماء والزرنيخ.

ثمّ إنّ الشيخ قدس‌سره أرجع الاستصحاب التعليقي في هذه الموارد إلى الاستصحاب التنجيزي ، وجعل المستصحب في المثال هو السببيّة والملازمة بين الغليان والحرمة (١).

وتعجّب منه شيخنا الأستاذ (٢) قدس‌سره. وتعجّبه في محلّه ، حيث إنّه مصرّ على عدم مجعوليّة الأحكام الوضعيّة بالخصوص مثل السببيّة مستقلّة ، والتزم بأنّها منتزعة عن الأحكام التكليفيّة ، فكيف يجري استصحاب السببيّة المنتزعة عن الحكم التكليفي مع عدم جريانه في منشأ انتزاعه!؟

وفي بعض كلماته ـ ولعلّه في باب الوصيّة من ملحقات المكاسب ـ أنكر قدس‌سره جريان الاستصحاب التعليقي في العقود التعليقيّة ، مثل التدبير والوصيّة والمسابقة إذا شكّ في كونها لازمة لا تنفسخ بفسخ أحد المتعاقدين بعد العقد أو جائزة تنفسخ به (٣).

وقال شيخنا الأستاذ : يا ليته عكس الأمر ، واختار المنع عن جريان

__________________

(١) فرائد الأصول : ٣٨٠.

(٢) أجود التقريرات ٢ : ٤١٣.

(٣) لم نعثر عليه في باب الوصيّة من ملحقات المكاسب.

الاستصحاب التعليقي في المقام ، والصحّة في العقود التعليقيّة (١).

والحقّ مع شيخنا الأستاذ قدس‌سره ، وذلك لأنّ الاستصحاب التعليقي في العقود التعليقيّة يكون نظير استصحاب بقاء الجعل في الأحكام ، فإنّ الملكيّة ـ مثلا ـ اعتبار من العاقد وجعل منه ، كما أنّ الوجوب وغيره من الأحكام التكليفيّة اعتبار وجعل من الشارع ، والفسخ في الأوّل بمنزلة النسخ في الثاني.

نعم ، لا أثر لاعتبار المتعاقدين من دون إمضاء الشارع بقوله : (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)(٢) ونحوه ، فكما يستصحب بقاء وجوب الحجّ على تقدير الاستطاعة عند احتمال نسخه ونستصحب بقاء الجعل كذلك بعد ما أمضى الشارع اعتبار الموصي وجعله ، ودخل عقد الوصيّة حدوثا تحت قوله تعالى : (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)(٣) نستصحب بقاء هذا الإمضاء عند احتمال ارتفاعه بارتفاع اعتبار الموصي ورفع يده عن جعله بفسخه.

وبعبارة أخرى : إذا شككنا في أنّ إمضاء الشارع للملكيّة على تقدير الموت ـ مثلا ـ المجعولة بجعل الموصي هل هو تابع لجعل الموصي حدوثا وبقاء بحيث لو رفع اليد عن جعله واعتباره رفع الشارع أيضا اليد عن إمضائه فيكون فسخه نسخا لإمضاء الشارع أيضا ، أو أنّه تابع له حدوثا فقط ، فلا أثر لفسخه بعد العقد ويكون نظير التغيّر المشكوك كونه علّة للنجاسة حدوثا وبقاء أو حدوثا فقط؟ نحكم ببقاء ما حدث على نحو حدوثه ، وهو حكم الشارع بوجوب الوفاء بعقد الوصيّة ، الّذي صار فعليّا بفعليّة موضوعه وهو العقد بشرائطه في مقابل ما لا يكون ممضى عند الشارع أصلا لا بقاء ولا حدوثا ، كالوصيّة بمحرّم من المحرّمات الإلهيّة.

__________________

(١) أجود التقريرات ٢ : ٤١١ ، فوائد الأصول ٢ : ٤٦٢.

(٢ و ٣) المائدة : ١.

وبالجملة ، بناء على جريان الاستصحاب في الأحكام الكلّيّة لا إشكال في جريان الاستصحاب التعليقي في العقود التعليقيّة ، لتحقّق أركانه فيها ، بخلاف المقام ، فإنّ موضوع الحكم مركّب من جزءين : العنب وغليانه ، ولا شكّ لنا في مقام الجعل ، ولا نحتمل نسخ حرمة العنب على تقدير غليانه حتى نستصحبها ، ولا في مقام المجعول عند تحقّق موضوعه المركّب بكلا جزأيه ، وهو غليان العنب ، بل نقطع بالحرمة ، وأمّا مع تحقّق أحد جزأيه بأن تحقّق العنب أو غليان الزبيب دون العنب فلا يقين لنا بالحكم ، بل نقطع بعدم الحكم ، فأيّ شيء نستصحبه؟

نعم ، نحتمل حرمة الزبيب المغليّ وبعبارة أخرى : نحتمل سعة دائرة جعل الحرمة وتعميمها للمغليّ من العنب في كلتا حالتيه : حالة عنبيته وحالة زبيبيته ، لكن ليست لها حالة سابقة حتى نستصحبها ، فإنّ تحقّق الحرمة بتحقّق كلا جزأي الموضوع ، المفقود في المقام ، نظير ما إذا ترتّب وجوب الصدقة على مجيء زيد وعمرو وجاء أحدهما دون الآخر ، فإنّه لا يترتّب عليه وجوب الصدقة ، فلا أثر لتحقّق أحد الجزءين إلّا أثر عقلي ، وهو ترتّب حكمه عليه عند انضمام جزئه الآخر.

وما أفاده الشيخ قدس‌سره من استصحاب السببيّة (١) يرد عليه : أوّلا : ما ذكرنا من أنّ السببيّة أمر انتزاعي على مبناه لا يصحّ استصحابه إلّا بتبع استصحاب منشأ انتزاعها ، الّذي هو الحكم بالحرمة عند غليان العصير.

وثانيا : أنّ تحقّق السببيّة إنّما هو بتحقّق سبب الحرمة ، وهو مركّب من أمرين : العنب وغليانه ، والمتيقّن السابق في الزبيب لم يكن إلّا أحدهما وهو

__________________

(١) فرائد الأصول : ٣٨٠.

العنب ، وواضح أنّه بمجرّده لا يكون سببا للحرمة حتى نستصحب سببيّته المتيقّنة سابقا.

بقي شيئان :

الأوّل : أنّه ربّما يتوهّم تعارض استصحاب الحرمة التعليقيّة للزبيب مع استصحاب حلّيّته الثابتة قبل الغليان بالقطع.

وأجيب عن ذلك بوجهين :

الأوّل : ما أفاده شيخنا الأستاذ قدس‌سره في الدورة الأخيرة من أنّ استصحاب الحرمة حاكم على استصحاب الحلّيّة ، فإنّ الشكّ في حلّيّته بعد الغليان مسبّب عن الشكّ في حرمته على تقدير الغليان ، إذ لو لا احتمال الحرمة عند الغليان لكنّا قاطعين بالحلّيّة ، فلا موجب للشكّ في الحلّيّة إلّا الشكّ في الحرمة التعليقيّة ، فإذا جرى الاستصحاب في السبب ، يرتفع موضوع جريانه في المسبّب فلا تعارض (١).

وهذا الجواب غير تامّ ـ كما أفاده صاحب الكفاية في هامش الكفاية (٢) ـ :

أوّلا : بأنّ الشكّ في أحدهما ليس مسبّبا عن الشكّ في الآخر ، إذ ليس لنا إلّا شكّ واحد ، وهو الشكّ في حكم الزبيب ، وأنّه هل هو الحرمة عند الغليان والحلّيّة المغيّاة بالغليان أو لا حرمة أصلا بل الحكم هو الحلّيّة المطلقة؟ وهذا الشكّ الواحد مسبوق بيقينين في حالة العنبيّة : اليقين بالحرمة على تقدير الغليان ، واليقين بالحلّيّة المغيّاة ، وليس الشكّ بعد غليان الزبيب شكّا آخر مغايرا للشكّ في الحلّيّة المغيّاة والحرمة على تقدير الغليان ، الثابتتين قبل الغليان بل هو هو بعينه ، فإذا لم يكن الشكّ متعدّدا ، فأين السببيّة والمسبّبيّة؟

__________________

(١) أجود التقريرات ٢ : ٤١٣ ـ ٤١٤.

(٢) كفاية الأصول : ٤٦٩.

وثانيا : بأنّ الاستصحاب السببي يكون حاكما على المسبّبي فيما إذا كان أحد طرفي المشكوك بالشكّ المسبّبي من آثار الاستصحاب السببي ، وبعبارة أخرى : فيما إذا كان الترتّب شرعيّا ، كما في طهارة الثوب النجس المغسول بالماء المستصحب الطهارة ، وليس كلّ أصل سببي حاكما على الأصل المسبّبي ما لم يكن كذلك ، والمقام ليس كذلك ، فإنّ عدم الحلّيّة ليس من آثار استصحاب الحرمة شرعا ، بل يكون من لوازمه العقليّة من جهة التضادّ بين الحرمة والحلّيّة وعدم إمكان اجتماعهما ، ووجود أحد الضدّين مستلزم لعدم الآخر عقلا ، فموضوع استصحاب بقاء الحلّيّة ـ وهو الشكّ ـ باق ، فيجري ويعارض استصحاب الحرمة.

ولشيخنا الأستاذ قدس‌سره تقريب آخر في دورته السابقة ، وهو : أنّ استصحاب الحرمة على تقدير الغليان بنفسه تعبّد بأمرين : الأوّل : فعليّة الحرمة عند الغليان ، والثاني : عدم حلّيّة الزبيب بعد الغليان ، إذ لا معنى للحكم بالحرمة مع عدم الحكم بعدم الحلّيّة والإباحة ، وحينئذ لا شكّ في الحلّيّة بعد الغليان حتى نستصحبها ، بل نقطع بالتعبّد الاستصحابي بعدم الحلّيّة ، ولا يلزم في الأصل السببي الجاري في الشبهات الحكميّة أن يكون الترتّب شرعيّا ، وإنّما هو معتبر في الأصول السببيّة الجارية في الشبهات الموضوعيّة (١).

وفيه : أنّ لنا حكمين نقطع بكون أحدهما عامّا والآخر خاصّا ، ولا نميّز العامّ من الخاصّ ، إذ نعلم إجمالا إمّا بعموم الحرمة التقديريّة للعنب والزبيب وخصوص الحلّيّة بما قبل الغليان فيهما ، أو بعموم الحلّيّة للزبيب قبل الغليان وبعده وخصوص الحرمة التقديرية للعنب ، فكما يمكننا إثبات عموم الحرمة

__________________

(١) فوائد الأصول ٤ : ٤٧٦ ـ ٤٧٧.

وعدم الإباحة للزبيب بالاستصحاب التعليقي يمكننا إثبات عموم الحلّيّة لما قبل الغليان وما بعده بالاستصحاب التنجيزي ، أي استصحاب الحلّيّة الثابتة قبل الغليان ، فلما ذا يتقدّم الأوّل على الثاني؟

والجواب الثاني ـ وهو الصحيح ـ ما أفاده في الكفاية (١) ، وتوضيح ما أفاده وتبيين ما أراده من عبارته ـ وإن كانت قاصرة عن بيان مرامه ـ هو أنّ استصحاب الحلّيّة يجري فيما إذا لم يكن أصل موضوعي يثبت كونها مغيّاة بالغليان ، ومعه لا مورد لاستصحابها بعد الغليان ، نظير ما ذكرنا في القسم الثاني من استصحاب الكلّي من أنّه لا يجري إذا أثبت بالأصل كون الحدث الموجود هو الحدث الأصغر ، وفي المقام كذلك ، لأنّ حلّيّة الزبيب أمر قطعي لا نشكّ فيها ، فإنّه من الطيّبات التي أحلّها الله تعالى قطعا ، ولا نحتاج في إثباتها إلى استصحاب الحلّيّة الثابتة له قبل صيرورته زبيبا.

نعم ، نشكّ في أنّ هذه الحلّيّة في حال الزبيبيّة هل هي الحلّيّة الثابتة له في حال العنبيّة ، التي كانت مغيّاة بالغليان ، أو أنّها حلّيّة جديدة غير تلك الحلّيّة؟ فإذا استصحبنا تلك الحلّيّة المغيّاة وحكمنا بأنّ الحلّيّة الموجودة في هذا الحال أيضا هي الحلّيّة المغيّاة بالغليان ، فلا معنى بعد ذلك لاستصحابها بعد الغليان ، إذ لا نحتمل ـ بعد كونها مغيّاة ـ بقاءها بعد حصول الغاية حتى نستصحبها.

وبعبارة أخرى : نستصحب كلّ ما كان ثابتا للعنب من الحرمة على تقدير الغليان ، والحلّيّة المغيّاة في حال عنبيته وصفة الزبيبيّة له ، ونقول : قبل صيرورته زبيبا يحرم بالغليان وتزول عنه الحلّيّة فالآن كما كان.

الثاني : هل يجري الاستصحاب التعليقي ـ على القول به ـ في خصوص

__________________

(١) كفاية الأصول : ٤٦٨ ـ ٤٦٩.

الأحكام أو يعمّ الموضوعات ومتعلّقات الأحكام أيضا ، فإذا شككنا في ثوب أنّه من المأكول أو من غيره هل يمكن القول بصحّة الصلاة فيه بأن يقال : إنّ هذه الصلاة التي نأتي بها في الثوب المشكوك كانت بحيث لو وقعت قبل لبس هذا الثوب لم تكن واقعة في غير المأكول وصحيحة يقينا فالآن كما كانت ، أو لا يمكن؟

ذهب شيخنا الأستاذ إلى الثاني ، نظرا إلى اختلال الركن الركين من الاستصحاب ، وهو بقاء الموضوع ، فإنّ ما نريد استصحابه التعليقي ـ وهو صحّة الصلاة ـ لم يكن متحقّقا سابقا كما أنّ الأمر في المثال المعروف للاستصحاب التعليقي أيضا كذلك ، فإنّ موضوع الحرمة التعليقيّة ـ وهو عصير العنب ، الّذي هو ماء متكوّن فيه ـ غير محرز بل مقطوع العدم في عصير الزبيب ، الّذي هو ماء خارجي يمتزج بأجزاء الزبيب ويسمّى عصير الزبيب (١).

هذا ، وما أفاده من لزوم إحراز الموضوع في الاستصحاب ، وأنّه ركن ركين ، وما ناقش في المثال المعروف تامّ في محلّه ، أمّا ما أفاده من عدم إحراز الموضوع في مثال الصلاة في اللباس المشكوك ففيه : أنّ الموضوع ليس هو الصلاة الخارجية ، لعدم كونها متعلّقة للوجوب قطعا ، بل الموضوع هو طبيعيّ الصلاة ، وحينئذ نقول : كان طبيعيّ الصلاة قبل ساعة بحيث لو أوجد لا وجد في المأكول والآن كما كان.

ولكنّ التحقيق عدم الجريان ، لما مرّ غير مرّة من أنّ المستصحب لا بدّ وأن يكون موضوعا ذا حكم أو حكما شرعيّا ، والصلاة بوجودها الفرضي لا تكون حكما ولا موضوعة لحكم من الأحكام ، فإنّ سقوط الأمر وغيره من

__________________

(١) أجود التقريرات ٢ : ٤١٣.

الآثار إنّما هو أثر للصلاة بوجودها الخارجي ، فالصلاة وإن كانت قبل ساعة بحيث لو وقعت لوقعت في المأكول أو بحيث لو وقعت لم تكن واقعة في غير المأكول إلّا أنّ هذه القضيّة الفرضيّة التعليقيّة ليس لها أثر أصلا ، فلا يمكن استصحابها ، وهكذا لا يمكن استصحاب الغسل على تقدير وقوع الثوب في الحوض بأن يقال : هذا الثوب الواقع في الحوض لو وقع قبل ساعة لغسل يقينا فالآن كما كان ، لأنّ الطهارة من آثار الغسل الخارجي لا الفرضي ، وإلّا لاسترحنا من غسل المتنجّسات بفرض الغسل.

فتلخّص من جميع ما ذكرنا أنّ الاستصحاب التعليقي لا يجري ـ على القول به ـ في الموضوعات ، بل يختصّ بالأحكام ، فإنّ الحكم التقديري نفسه أثر قابل للاستصحاب دون الموضوع التقديري ، فالبناء على جريان الاستصحاب في الموضوع التقديري بناء فاسد مبنيّ على بناء فاسد آخر ، وهو جريان أصل الاستصحاب التعليقي ، وهو أيضا مبنيّ على بناء فاسد ثالث ، وهو جريان الاستصحاب في الأحكام الكلّيّة.

التنبيه السابع : في استصحاب أحكام هذه الشريعة عند الشكّ في النسخ ، ويلحق بذلك استصحاب أحكام الشرائع السابقة.

وهنا إشكال مشترك في المقامين ، وهو أنّ الموضوع غير باق ، حيث إنّ من كانت صلاة الجمعة ـ مثلا ـ واجبة عليه في أوّل الشريعة وزمان الحضور قد مات ، والموجود في زمان الغيبة لم تكن صلاة الجمعة واجبة عليه في زمان حتى يستصحب في حقّه. وهكذا الكلام في أحكام الشرائع السابقة.

وأجاب عنه الشيخ قدس‌سره : أوّلا : بأنّا نفرض الكلام فيمن أدرك الزمانين : زمان الغيبة وزمان الحضور ، وأدرك الشريعتين ، وإذا جرى الاستصحاب في

حقّه ، يثبت الحكم للباقي بقاعدة الاشتراك (١).

وفيه : أنّه لو دلّ دليل على ثبوت حكم في حقّ المدرك للزمانين ، فالأمر كما أفاده ، أمّا ثبوت ذلك بالأصل في حقّه فلا يوجب ثبوته في حقّ غيره ممّن لا يكون له يقين وشكّ. وبعبارة أخرى : قاعدة الاشتراك لا بدّ في جريانها من إحراز اتّحاد الصنف ، وتثبت بها الأحكام ـ الثابتة في حقّ بعض أفراد المكلّفين في لسان الأدلّة ـ في حقّ غيره ممّن يكون متّحدا معه صنفا لا غير من يكون كذلك ، فإذا سأل سائل عن حكم الذهاب بريدا والإياب بريدا فأجابه الإمام عليه‌السلام بوجوب القصر ، نعمّم الحكم بالقاعدة لغير هذا الرّجل السائل من المسافرين ، لا الحاضرين ، فمقتضى القاعدة هو جريان استصحاب أحكام هذه الشريعة في حقّ كلّ من يكون على يقين منها وشكّ في بقائها ، لا من لا يقين له بثبوتها في حقّه أصلا.

وثانيا : بأنّ الحكم ثابت لطبيعيّ المكلّف من غير مدخليّة أشخاص المكلّفين في ذلك (٢).

والظاهر أنّ غرضه قدس‌سره أنّ الأحكام جعلت بنحو القضايا الحقيقيّة على أفراد المكلّفين من غير خصوصيّة لبعض دون بعض وجماعة دون جماعة ، فإذا علمنا بجعل حكم في هذه الشريعة أو في الشرائع السابقة ـ بحيث لو لم نحتمل نسخه ، لكان فعليّا في حقّنا أيضا ، وشكّنا في بقائه من جهة احتمال النسخ ـ فلا مانع من استصحابه ، لتماميّة أركانه كما لا يخفى.

وإشكال آخر مختصّ باستصحاب أحكام الشرائع السابقة ، وهو أنّا نعلم إجمالا بنسخ كثير منها ، ونحتمل أن يكون المشكوك من المنسوخ ، ولا يجري

__________________

(١) فرائد الأصول : ٣٨١.

(٢) فرائد الأصول : ٣٨١.

الاستصحاب ولا غيره من الأصول في أطراف العلم الإجمالي.

وجوابه ظاهر ، فإنّ العلم الإجمالي وإن كان موجودا إلّا أنّه انحلّ بالظفر بالمقدار المعلوم بل أكثر.

ثمّ إنّ شيخنا الأستاذ قدس‌سره استشكل في جريان استصحاب أحكام الشرائع السابقة بدعوى أنّ الشرائع السابقة إن كانت منسوخة بجميع أحكامها ـ بأن كانت أحكام الشرائع اللاحقة أحكاما جديدة بعضها مغاير وبعضها مماثل لها ـ فعدم الجريان واضح ، وإن لم تكن كذلك ، فاستصحاب بقاء ما شكّ في نسخه لا يثبت كونه ممضى في شريعتنا (١).

وفيه : أنّ نسخ شريعة لا يكون إلّا بتبديل بعض أحكامها ، حيث إنّ الأنبياء صلوات الله عليهم ـ سفراء من الله لا يبلّغون إلّا الأحكام الإلهيّة التي جعلها الله تعالى على عباده ، فهم صلوات الله عليهم ـ بلا تشبيه من قبيل وزراء سلطان واحد في أنّ اللاحق ينسخ من قوانين السابق ما أمره السلطان بنسخة ، ويبقى الباقي على حاله ، لا من قبيل وزراء سلاطين متعدّدة في كون كلّ منهم يجعل قوانين برأسه ربما يوافق بعضها ما جعله الآخر اتّفاقا.

ثمّ لا يكون الاستصحاب مثبتا ، ضرورة أنّه بنفسه إمضاء ، وهل يكون التعبّد بعدم نقض اليقين بثبوت حكم في الشريعة السابقة بالشكّ ـ الّذي هو أحد مصاديق «لا تنقض اليقين بالشكّ» الثابت في شريعتنا ـ إلّا إمضاء لثبوته في شريعتنا؟

هذا ، ولكنّ الإشكال في أصل استصحاب عدم النسخ ، فإنّ النسخ لو كانت حقيقته رفعا ، لكان الاستصحاب جاريا بلا إشكال ، لكنّه مستلزم

__________________

(١) أجود التقريرات ٢ : ٤١٥.

للبداء بمعناه الحقيقي الّذي هو ظهور ما خفي ، المستحيل في حقّه تعالى ، فلا محالة تكون حقيقته دفعا ، وإذا كان كذلك ، فلا يقين بالجعل بالنسبة إلى من يكون في زمن الغيبة أو في زمان الشريعة اللاحقة حتى يستصحب بقاؤه.

وما ادّعاه المحدّث الأسترآبادي من الإجماع بل دعوى الضرورة على ذلك ، إن أراد استصحاب ما احتمل نسخه ، فإثباته بالإجماع فضلا عن الضرورة مشكل جدّاً. وإن أراد مجرّد بقاء الأحكام وعدم ارتفاعها باحتمال نسخها لا من جهة الاستصحاب ، فهو متين من جهة قيام الدليل على استمرار الأحكام إلى يوم القيامة ، مضافا إلى كفاية نفس الإطلاقات ، حيث لم يقيّد وجوب الحجّ وغيره بزمان خاصّ ، ولم أذكر موردا ممّا نشكّ في نسخه لا يكون لدليله إطلاق ، فظهر أنّ ما سلّمناه سابقا من جريان استصحاب عدم النسخ في غير محلّه.

التنبيه الثامن : أنّه هل تترتّب بالاستصحاب آثار نفس المستصحب وآثار لوازمه العقليّة أو العاديّة معا ، أو لا يترتّب إلّا آثار نفس المستصحب؟

وليعلم أنّ محلّ البحث ما يكون للمستصحب لازم بقاء فقط ، أمّا إذا كان اللازم العقلي أو العادي لازما له حدوثا وبقاء ، فيكفي استصحاب نفس اللازم لترتيب آثاره ، فإنّه أيضا متيقّن الحدوث مشكوك البقاء كملزومه.

ثمّ إنّ صاحب الكفاية جعل منشأ النزاع والخلاف هو أنّ مفاد أخبار الاستصحاب هل هو التعبّد بالمستصحب وتنزيله بلحاظ أثر نفسه فقط حتى تكون آثار لوازمه خارجة عن دائرة التنزيل والتعبّد ، أو يكون مفادها هو تنزيل المستصحب بلوازمه ، أو يكون تنزيله بلحاظ مطلق أثره ـ ولو كان مع الواسطة ـ حتى تكون آثار لوازمه متعبّدا بها إمّا بتبع التعبّد بلوازمه كما في الوجه الثاني ، أو

بنفسها كما في الوجه الأخير ، حيث إنّ نفس اللوازم ـ عليه ـ غير ملحوظة (١)؟ ولا فرق بين الوجهين الأخيرين إلّا من حيث اختلاف لسان الدليل.

ومثاله المعروف ما مثّل به الشيخ قدس‌سره من أنّه إذا فرضنا أنّ زيدا مريض نائم تحت اللحاف فجاء أحد وسلّ سيفه وقدّه بنصفين وشككنا في حياته في هذا الحال وعدمها ، فاستصحاب بقاء الحياة إلى زمان وقوع السيف عليه إن كان مثبتا للازمه ـ وهو القتل العمدي ـ يترتّب عليه حكمه ، وهو جواز الاقتصاص من القاتل ، وغيره من الأحكام ، وإلّا فلا يترتّب عليه (٢).

وقبل الورود في البحث لا بدّ من بيان ما به تفرق الأمارات عن الأصول.

فنقول : صريح كلام الشيخ وشيخنا الأستاذ قدس‌سرهما هو أنّ الفرق من جهة أنّ الأمارة لم يؤخذ الشكّ والجهل في موضوعها ، وإنّما يكون موردها الجهل ، وهذا بخلاف الأصول ، فإنّ الشكّ أخذ في موضوعها (٣). وبهذا جعل قدس‌سره الأصول متأخّرة عن الأمارات بمرتبتين.

ثمّ إنّ شيخنا الأستاذ قدس‌سره فرّق أيضا بينهما بأنّ المجعول في باب الأمارات هو نفس الكاشفيّة والمحرزيّة ، بخلاف باب الأصول ، فإنّه هو الجري العملي الّذي هو أثر اليقين والإحراز (٤).

وصاحب الكفاية جعل المجعول في باب الأصول هو الحكم المماثل للمستصحب إن كان حكما ، والحكم المماثل لحكم موضوعه إن كان موضوعا (٥).

__________________

(١) كفاية الأصول : ٤٧٢.

(٢) فرائد الأصول : ٣٨٦.

(٣) فرائد الأصول : ١٩٠ ـ ١٩١ ، أجود التقريرات ٢ : ٤١٥.

(٤) أجود التقريرات ٢ : ٤١٦.

(٥) كفاية الأصول : ٤٧٢.

والتحقيق : أنّ المجعول في باب الاستصحاب هو نفس اليقين ، وأنّ الشارع تعبّدنا بإبقاء نفس اليقين بقوله : «لا تنقض اليقين» والجري العملي إنّما هو من آثار التعبّد ببقاء اليقين ، لا أنّه نفس المتعبّد به ، فيرد على شيخنا الأستاذ قدس‌سره نظير ما أورده هو قدس‌سره على صاحب الكفاية في باب حجّيّة الأمارات من أنّ المجعول فيها ليس صفة المنجّزيّة ، بل المجعول هو صفة المحرزيّة ، والمنجّزيّة من آثارها (١).

وما أفاده صاحب الكفاية من جعل الحكم المماثل وإن كان ممكنا في مقام الثبوت إلّا أنّه مشكل في مقام الإثبات ودلالة الدليل ، حيث إنّ ظاهر «لا تنقض اليقين» هو الحكم بإبقاء اليقين لترتيب آثاره لا غير.

وأنّ (٢) الجهل مأخوذ في موضوع أدلّة اعتبار الأمارات والأصول ، وذلك لما تقدّم من أوّل بحث التعبّدي والتوصّلي إلى هنا مرارا من أنّ الجاعل للحكم ـ ولو كان غير حكيم ـ لا يعقل أن لا يدري موضوع حكمه ، ويستحيل مع التفاته إلى انقسام موضوع حكمه إلى قسمين أو الأقسام أن يحكم على موضوع مهمل بل إمّا يعمّم حكمه لجميع الأقسام أو يخصّصه بقسم دون قسم ، ولا يبتنى هذا على إمكان تقييد متعلّق الحكم بالانقسامات اللاحقة بالحكم وإن أثبتنا إمكانه في محلّه ، فإنّ تقييد موضوع دليل الأمارة بالجاهل بالواقع من الانقسامات السابقة على الحكم بحجّيّة الأمارة ، فدليل الأمارة لا بدّ وأن يكون إمّا عامّا للعالم بالواقع والجاهل به أو يكون مختصّا بالجاهل ، وحيث لا يمكن شموله للعالم ، لاستلزامه التصويب فلا محالة يختصّ بالجاهل ، فالجهل كما أخذ في موضوع الأصول كذلك أخذ في موضوع الأمارات ، فهذا الفرق غير فارق ، بل الفرق

__________________

(١) أجود التقريرات ٢ : ٧٦.

(٢) عطف على قوله : أنّ المجعول ...

بينهما أنّ دليل الأمارة أخذ الشكّ والجهل في موضوعه حدوثا فقط ، بخلاف دليل الاستصحاب وغيره من الأصول ، فإنّ الشكّ أخذ في موضوعه حدوثا وبقاء.

بيان ذلك : أنّ الأمارة بإعانة دليل اعتبارها مزيلة للجهل ، وعلم تعبّدي ، فالمكلّف قبل قيام الأمارة جاهل بالحكم الواقعي ، وبقيامها يصير عالما به تعبّدا. ويستفاد ذلك من قوله تعالى : (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ)(١) بناء على دلالته على حجّيّة الفتوى أو مطلق خبر الواحد ، حيث أخذ في موضوعه عدم العلم ، كما أنّه يستفاد عدم كون من قامت عنده الأمارة جاهلا من إطلاق «العارف» و «الفقيه» و «العالم» عليه في قوله عليه‌السلام : «انظروا إلى من روى حديثنا» إلى أن قال : «وعرف أحكامنا» (٢) فإنّ معرفة الأحكام ليست بالعلم إلّا نادرا بل تكون بهذه الطرق المنصوبة. وقوله عليه‌السلام : «أنتم أفقه الناس إذا عرفتم معاني كلامنا» (٣) حيث إنّ معرفة معاني كلامهم عليهم‌السلام ليست على وجه العلم الوجداني ، ويمكن استفادة ذلك من قوله تعالى : (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) بناء على أنّ المراد : فاسألوهم كي تعلموا بالسؤال ، ومن المعلوم أنّ قول المفتي أو المخبر الواحد لا يوجب العلم الوجداني.

وبالجملة ، الأمارة أخذ الجهل في موضوع دليل اعتبارها حدوثا ولكنّها مزيلة له بقاء ، وهذا بخلاف دليل الاستصحاب ، فإنّ الجهل والشكّ أخذ في موضوعه حدوثا وبقاء ، حيث إنّ الشارع يعترف بمقتضى قوله : «من كان على

__________________

(١) النحل : ٤٣ ، الأنبياء : ٧.

(٢) الكافي ١ : ٤٧ ـ ١٠ و ٧ : ٤١٢ ـ ٥ ، التهذيب ٦ : ٢١٨ ـ ٥١٤ و ٣٠١ ـ ٨٤٥ ، الوسائل ٢٧ : ١٣٦ ، الباب ١١ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ١.

(٣) معاني الأخبار : ١ ـ ١ ، الوسائل ٢٧ : ١١٧ ، الباب ٩ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ٢٧.

يقين فشكّ» أنّ المستصحب ـ بالكسر ـ شاكّ ، ففي عين اعتبار كونه متيقّنا بمقتضى قوله : «لا تنقض اليقين» اعتبر كونه شاكّا أيضا بمقتضى قوله : «فشكّ» ولا تنافي بين الاعتبارين وإن كان اليقين والشكّ لا يجتمعان بوجودهما الخارجي إلّا أنّه لا مانع من اجتماعهما بوجودهما الاعتباري.

وبذلك ظهر وجه تقدّم الأمارة على الاستصحاب وسائر الأصول ، فإنّ دليل الاستصحاب يعيّن حكم من كان جاهلا ، ومن قامت عنده الأمارة لا يكون جاهلا.

وبعبارة أخرى : الاستصحاب أمارة حيث لا أمارة ، نظير ما ذكروه في الغلبة من أنّها أمارة حيث لا أمارة.

هذا ، ولكنّ الإنصاف عدم تماميّة ما ذكرنا من أنّ الشارع اعتبر الشاكّ متيقّنا في البقاء في عين اعتباره شاكّا ، فإنّه ممنوع ثبوتا وإثباتا.

والّذي يقتضيه النّظر الدّقيق هو أنّ الاستصحاب مشترك مع الأمارة في الأماريّة والكاشفيّة ، وعدم كون المستصحب شاكّا في نظر الشارع بقاء ، ومع ملاحظة دليل «لا تنقض» ـ وإن كان شاكّا مع قطع النّظر عنه ـ فهو متيقّن في نظر الشارع بنفس دليل «لا تنقض» كما هو شأن كلّ متعلّق حكم أو موضوعه بالنسبة إليه ، مثلا : الصلاة غير واجبة مع قطع النّظر عن (أَقِيمُوا الصَّلاةَ)(١) وواجبة مع ملاحظته ، فدليل الاستصحاب كدليل الأمارة مزيل للشكّ بقاء ، كما أنّ الجهل والشكّ مأخوذ في موضوع دليل كلّ منهما ، والشارع تمّم كاشفيّة ما له كشف ناقص في الاستصحاب ، حيث جعل اليقين ـ الّذي كان كاشفا حدوثا فقط ـ كاشفا بقاء أيضا ، كما تمّم نقض كاشفيّة الأمارة ، فكلّ منهما أمارة كاشفة

__________________

(١) الروم : ٣١.

عن الواقع ، ومع ذلك تقدّم الأمارات على الاستصحاب كما يقدّم الاستصحاب على الأصول.

أمّا وجه تقديم الاستصحاب على الأصول الثلاثة فهو عين وجه تقديم غيره من الأمارات عليها ، وهو أنّ المأخوذ في موضوع الأصول هو الشكّ والجهل ، والاستصحاب رافع للشكّ ومحرز للواقع كغيره من الأمارات ، فبعد جريانه يرتفع موضوع الأصول ، فيتقدّم عليها تقدّم الحاكم على المحكوم.

وأمّا وجه تقديم الأمارات على الاستصحاب ـ مع كونه أيضا أمارة ـ فهو أنّ كلّا من الدليلين وإن كان أخذ الجهل في موضوعه إلّا أنّ دليل الأمارة مطلق من حيث اللفظ ، وإطلاقه شامل لموارد ثلاثة : مورد العلم الوجداني على الخلاف ، والعلم التعبّدي عليه ، والجهل بالواقع ـ وهذا بخلاف دليل الاستصحاب ، حيث إنّه مختصّ بمورد الجهل والشكّ ، الظاهر في مورد عدم العلم بجميع مراتبه حتى التعبّدي منه ـ ولا مقيّد لفظي لإطلاق دليل الأمارة ، بل هو مقيّد بالدليل العقلي بغير مورد العلم بالواقع ، للزوم التصويب ، والقدر المتيقّن من التقييد هو التقييد بغير مورد العلم الوجداني بالواقع ، أمّا مورد الجهل بالواقع ومورد العلم التعبّدي الحاصل بدليل الاستصحاب فهما باقيان تحت إطلاق دليل الأمارة ، فتقدّم الأمارة على الاستصحاب مع كونه أيضا أمارة من جهة أنّ موضوعه هو الجهل والشكّ ، ودليل الأمارة مثل قوله عليه‌السلام : «لا عذر لأحد في التشكيك فيما يرويه عنّا ثقاتنا» (١) رافع لموضوعه ، حيث إنّ ظاهر أخذ الشكّ في لسان دليل الاستصحاب هو أخذه من كلّ جهة بحيث لم يكن للشاكّ وجدانا علم بالواقع أصلا ولو تعبّدا ، وقد عرفت أنّ موضوع دليل الأمارة

__________________

(١) اختيار معرفة الرّجال : ٥٣٥ ـ ٥٣٦ ـ ١٠٢٠ ، الوسائل ٢٧ : ١٤٩ ـ ١٥٠ ، الباب ١١ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ٤٠.

لا يرتفع بالعلم التعبّدي الاستصحابي ، بل يشمل دليلها العالم بالعلم الوجداني والتعبّدي ، والجاهل ، غاية الأمر أنّه خرج عن تحته العالم بالعلم الوجداني بالدليل العقلي. هذا أوّلا.

وثانيا : نقول : سيجيء إن شاء الله في بحث التعارض أنّ تقديم أحد العامّين أو المطلقين المتعارضين على الآخر إذا استلزم إخراج أكثر الأفراد عن تحته وإبقاء الفرد النادر المستهجن ، دون العكس ، يتعيّن العكس في مقام التقديم ، وهذا نظير تقديم دليل الاستصحاب على قاعدة الفراغ ، حيث إنّه ما من مورد من مواردها ـ إلّا نادرا ـ إلّا ويجري فيه الاستصحاب ، فتقديم دليل الاستصحاب يوجب تخصيص دليلها بالفرد النادر المستهجن ، والمقام من هذا القبيل ، فإنّ البيّنة أو الثقة مثلا لا محالة يخبر عن أمر حادث مسبوق بالعدم ، والأصل عدم حدوث ما أخبر بحدوثه ، فلو قدّمنا دليل الاستصحاب على دليل الأمارة ، يلزم تخصيص دليلها بموارد لا يجري فيها الاستصحاب ، وهي نادرة جدّاً ، فالتخصيص مستهجن لا يصار إليه.

ثمّ إنّ صاحب الكفاية أفاد في وجه ما هو المعروف من حجّيّة مثبتات الأمارات دون الأصول أنّ الأمارات حيث إنّها مخبرة عن الواقع ، والإخبار بالشيء إخبار بلوازمه أيضا ، والدلالات الالتزاميّة للكلام كالدلالات المطابقيّة ، فإذا أخبرت البيّنة بأنّ زيدا أكل السمّ ، يدلّ بالمطابقة على أكله السمّ وبالالتزام على موته بذلك ، فحجّيّة إخبارها شرعا تستدعي ثبوت موته أيضا. وهذا بخلاف الأصول ، فإنّه لا حكاية فيها ، فلا بدّ من الاقتصار على مقدار ما ثبت التعبّد به (١).

__________________

(١) كفاية الأصول : ٤٧٣.

وفيه : أنّ هذا إنّما يتمّ فيما يكون الإخبار عن الملزوم إخبارا عن لازمه بأن يكون اللزوم لزوما بيّنا بالمعنى الأخص بحيث يلزم من تصوّر الملزوم تصوّر اللازم ، كالإخبار عن طلوع الشمس ، الملازم للإخبار عن وجود النهار ، وأمّا فيما لا يكون كذلك ممّا لا يكون المخبر ملتفتا إليه من اللوازم ، فليس الإخبار عن الملزوم إخبارا عنه وحكاية عنه حتى يشمله دليل حجّيّة الخبر ، فإنّ الإخبار والحكاية متقوّم بالقصد ، ولذا لا يكفر من تكلّم بكلام لازمه تكذيب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله مع عدم التفاته إلى الملازمة.

وشيخنا الأستاذ قدس‌سره أفاد في المقام أنّ دليل الأمارة يثبت علما تعبّديّا بالملزوم ، ومن المعلوم أنّ العلم بالملزوم مع العلم بالملازمة وجدانا ينتج العلم باللازم وجدانا ، مثلا : العلم بالتغيّر والعلم بملازمته للحدوث ينتج العلم بحدوث ما علم بتغيّره ، فإذا كانت الأمارة علما بالملزوم تعبّدا ، فبضميمة علمنا الوجداني بالملازمة نعلم باللازم أيضا وجدانا ، وأمّا الاستصحاب ـ فحيث لا يكون المجعول فيه هو العلم ، بل تعلّق التعبّد بالجري العملي على طبق اليقين السابق ـ لا يقتضي إلّا ترتيب آثار ما هو متيقّن ، واللازم لم يكن متيقّنا في السابق حتى يجب الجري على طبقه ، وإلّا لما احتجنا إلى استصحاب الملزوم في ترتيب آثار اللازم ، بل استصحبنا نفس اللازم. وبهذا ظهر أنّ التعبّد لم يقع بإبقاء المستصحب بلوازمه ، حيث لم تكن متيقّنة في السابق.

والكلمة المعروفة ـ من أنّ أثر الأثر أثر ـ مختصّة بما إذا كانت جميع الآثار عقليّة أو شرعيّة بأن كان الأثر الأخير معلولا لسابقه تكوينا وهو أيضا كان معلولا تكوينا أيضا لما قبله وهكذا حتى ينتهي إلى الأوّل ، كما في الموت المعلول لأكل السمّ ، المسبّب عن تقديم الطعام المسموم إلى الآكل ، أو تشريعا ، كنجاسة الثوب الملاقي للماء الملاقي للبول ، وأمّا إذا كان أحد الأثرين مثلا شرعيّا

والآخر عقليّا ، فهذا الكلام ساقط من أصله ، ضرورة أنّ جواز القصاص ـ الّذي هو أثر شرعي للقتل الّذي هو أثر عقلي لبقاء حياة زيد النائم تحت اللحاف إلى زمان قدّه نصفين ـ ليس أثرا لبقاء الحياة (١).

وهذا الّذي أفاده قدس‌سره لا يمكن المساعدة عليه ، إذ العلم الوجداني بالملزوم وإن كان بعد العلم بالملازمة يوجب العلم باللازم إلّا أنّ العلم بالملزوم تعبّدا مع العلم الوجداني بالملازمة لا يستلزم العلم باللازم لا وجدانا ، ضرورة أنّا نحتمل موت زيد في المثال ـ إذا أخبرت البيّنة بحياته حال قدّه نصفين بالسيف ـ قبل وقوع السيف عليه ، ولا تعبّدا ، بداهة أنّ التعبّد بوجود الملزوم لا يستلزم التعبّد بوجود لازمه بل هو تابع لدلالة الدليل.

وأيضا ما أفاده من أنّ المجعول في باب الاستصحاب هو الجري العملي على طبق اليقين السابق قد عرفت أنّه خلاف ظاهر الأخبار. وقد اختار قدس‌سره في مبحث القطع أنّ المجعول في الاستصحاب هو صفة المحرزيّة والوسطيّة في الإثبات والعلم من حيث الجري العملي (٢) ، فإذا كان المجعول في البابين أمرا واحدا ، فما الفارق في المقام؟

فالتحقيق : أنّ ما اشتهر من حجّيّة مثبتات الأمارات دون الأصول ممّا لا أصل له ولا يبتني على أساس صحيح ، بل مثبتات الأمارات أيضا في نفسها غير حجّة ما لم يدلّ دليل من الخارج على حجّيّتها. وكلا القسمين ـ أي ما دلّ دليل خارجي على حجّيّة مثبتاته وما لم يدلّ دليل كذلك عليها من الأمارات ـ موجود.

فمن القسم الأوّل : باب الحكايات بأجمعها من أخبار الآحاد والبيّنات

__________________

(١) أجود التقريرات ٢ : ٤١٦ ـ ٤١٨.

(٢) أجود التقريرات ٢ : ١٢ و ١٤.

والأقارير ، فإنّ السيرة القطعيّة العقلائيّة جرت على الأخذ بلوازمها ولو مع ألف واسطة.

ومن القسم الثاني : فتوى الفقهاء ـ كما هو المنصوص ـ بحجّيّة الظنّ للمتحيّر في القبلة مع أنّه لم يفت أحد ـ فيما نعلم ـ بثبوت لازمه ، وهو دخول الوقت وجواز الصلاة بمجرّد وصول الشمس إلى النقطة التي يظنّ أنّ القبلة في طرفها إذا كان وصولها إلى طرف القبلة ظهر ذلك المكان.

وبعد ذلك ينبغي التنبيه على أمرين :

الأوّل : ذكر كاشف الغطاء قدس‌سره أنّه لو بنينا على حجّيّة الأصل المثبت في نفسه وشمول أدلّة الأصول لمثبتاتها أيضا ، لا يمكن الالتزام بحجّيّتها لمانع ، وهو معارضة استصحاب بقاء الملزوم ، المثبت لوجود لازمه باستصحاب عدم حدوث لازمه ، فلو كان المقتضي لشمول أدلّة الأصول لمثبتاتها موجودا لكانت المعارضة الدائميّة تمنع عن ذلك ، فإنّ الشكّ في وجود اللازم دائما مسبوق بيقينين : استصحاب أحدهما مثبت له ، وهو اليقين بوجود الملزوم ، والآخر ينفيه ، وهو اليقين بعدم حدوث اللازم في زمان (١).

وأجاب عنه شيخنا الأنصاري قدس‌سره بأنّ استصحاب بقاء الملزوم ، المثبت للّازم حاكم على استصحاب عدم حدوث اللازم ، إذا الشكّ في وجود اللازم وعدمه لا منشأ له إلّا الشكّ في بقاء الملزوم ، فإنّا لو تيقّنّا بحياة زيد إلى زمان وقوع سيف الضارب عليه ، لا نشكّ في استناد قتله إلى الضارب أصلا (٢).

وما أفاده قدس‌سره ـ كما أفاد شيخنا الأستاذ (٣) قدس‌سره ـ تامّ من وجه وغير تامّ من

__________________

(١) كشف الغطاء : ٣٥.

(٢) فرائد الأصول : ٣٨٤.

(٣) أجود التقريرات ٢ : ٤١٨ ـ ٤١٩.

وجه آخر ، فإنّ وجه حجّيّة الأصل المثبت لو كان ثبوت التعبّد بكلّ من اللازم والملزوم بدليل واحد نظير الحكم الانحلالي ، فما أفاده غير تامّ ، إذ الشكّ في ثبوت اللازم وإن كان مسبّبا عن الشكّ في ثبوت ملزومه إلّا أنّ التسبّب ليس بشرعي ، وبدونه لا يكون الأصل السببي حاكما ، لما مرّ غير مرّة من أنّه لا بدّ في حكومته أن يكون المشكوك بالشكّ المسبّبي من الآثار الشرعيّة للمشكوك بالشكّ السببي ، والمفروض في المقام أنّه من اللوازم العقليّة أو العاديّة له لا من آثاره الشرعيّة.

ولو كان الوجه ثبوت التعبّد بالملزوم بما له من الأثر بلا واسطة أو مع الواسطة بدعوى أنّ أثر أثر الشيء أثر لذلك الشيء ، فما أفاده تامّ ، إذ على هذا الوجه ليس في البين إلّا تعبّد واحد متعلّق بالملزوم بجميع آثاره ، فإذا ثبت الملزوم بالتعبّد الاستصحابي ، يثبت بجميع آثاره ، ومنها أثر اللازم ، ويكون هذا الاستصحاب حاكما على استصحاب عدم حدوث اللازم ، إذ التسبّب على هذا شرعي ، فإنّ المفروض أنّ التعبّد بأثر الملزوم بعينه تعبّد بأثر لازمه ، فيكون مثل التعبّد بطهارة الثوب النجس المغسول بالماء المستصحب الطهارة ، وهذا بخلافه على الوجه الأوّل ، فإنّ التعبّد ـ عليه ـ متعدّد : تعبّد ببقاء الملزوم ، وآخر بحدوث لازمه ، فإذا فرضنا في التعبّد الثاني أنّ عدم حدوث اللازم أيضا متيقّن ومشكوك ، يشمله دليل الاستصحاب في نفسه ، فيتعارض الاستصحابان.

الأمر الثاني : التزم شيخنا الأنصاري قدس‌سره بحجّيّة الأصل المثبت إذا كانت الواسطة خفيّة بحيث يرى العرف الأثر أثرا لذي الواسطة (١).

وتبعه صاحب الكفاية في ذلك ، وزاد عليه ما إذا كانت الواسطة جليّة

__________________

(١) فرائد الأصول : ٣٨٦.

بمرتبة من الجلاء يكون التعبّد بذيها مستلزما للتعبّد بها عند العرف. وبيّن لذلك موردين :

أحدهما : ما يكون بينهما تضايف ، كالفوقيّة والتحتيّة ، والتقدّم والتأخّر ، فإنّ المتضايفين متكافئان لا ينفكّ أحدهما عن الآخر في مقام القوّة والفعليّة ، فإذا فرض أنّ زيدا أبو عمرو بالقوّة ، فلا محالة يكون عمرو أيضا ابن زيد بالقوّة ، وهكذا في مقام الفعليّة ، فالتعبّد بأبوّة زيد بنظر العرف مستلزم للتعبّد ببنوّة عمرو ، فإنّ الأبوّة والبنوّة عندهم مطلب واحد يعبّر عنه بتعبيرين ، وهكذا غيرهما من المتضايفات.

والآخر : ما يكون أحدهما معلولا للآخر أو كان كلاهما معلولا لعلّة ثالثة ، كوجود النهار ، المعلول لطلوع الشمس ، أو وجود النهار والضوء المعلولين لطلوع الشمس ، فإنّ التفكيك كما لا يمكن بين المعلول والعلّة أو المعلولين لعلّة ثالثة واقعا ، كذلك لا يمكن عرفا بحسب التعبّد (١).

وهذا الّذي أفاده وإن كان تامّا كبرى إلّا أنّه لا صغرى لهذه الكبرى ، ضرورة أنّ المتضايفين لا يعقل التفكيك بينهما قوّة وفعلا ويقينا وظنّا وشكّا ، فإذا فرض اليقين بأبوّة زيد لعمرو ، لا يعقل عدم حصول اليقين ببنوّة عمرو له ، وهكذا في الظنّ والشكّ ، فأيّ مورد يعقل تحقّق موضوع الاستصحاب ـ من اليقين والشكّ ـ في أحد المتضايفين وعدم تحقّقه في المتضايف الآخر حتى يدخل في تلك الكبرى؟ وهكذا الكلام في العلّة والمعلول والمعلولين لعلّة ثالثة حرفا بحرف.

ثمّ إنّ ما أفاده شيخنا الأنصاري قدس‌سره ـ من اعتبار الأصل المثبت إن كانت

__________________

(١) كفاية الأصول : ٤٧٢ (الهامش) و ٤٧٣.

الواسطة خفيّة ـ غير تامّ أيضا ، فإنّ الأثر إن كان ـ بحسب متفاهم العرف بمناسبة الحكم والموضوع ـ أثرا لذي الواسطة ، فهو خارج عن الأصل المثبت بالمرّة ، وإن كان الأثر أثرا للواسطة حقيقة وإنّما العرف يتسامح ويعدّه أثرا لذي الواسطة ، فلا اعتبار بهذا الأصل أصلا ، فإنّ العرف مرجع لتشخيص المفاهيم وأخذها منه ، وبعد أخذ أصل المفهوم أو سعته وضيقه منه ـ ولو كان ذلك من جهة القرائن الحاليّة أو المقاليّة ، فإنّ الميزان هو انفهام المعنى من اللفظ وإن لم يكن معنى حقيقيّا له ـ لا يعتنى بالمسامحات العرفيّة ، بل لا بدّ بعد ذلك من اتّباعهم في نظرهم الدقّي لا المسامحي ، فإنّهم ربما يتسامحون في باب الأوزان والأعداد ، ويعدّون الألف إلّا واحدا مثلا ألفا ، ويقولون : جاء ألف من العساكر ، ولكن لو أنكر على القائل منكر ، لم ينكر عليه.

والحاصل : أنّ العرف مرجع في فهم أصل المعنى أو سعته وضيقه ولو بالقرائن مقاليّة أو حاليّة ، ومن جملة القرائن الحاليّة مناسبة الحكم والموضوع ، كما في قوله عليه‌السلام : «لا تصلّ فيما لا يؤكل لحمه» (١) فإنّ لفظ «ما» وإن كان عامّا يشمل الإنسان وغيره إلّا أنّ النهي حيث إنّه متعلّق بالإنسان ـ وهو آكل لا مأكول ـ لا يفهم منه عرفا بهذه المناسبة بطلان الصلاة في شعر الإنسان ، فيضيّق مفهوم «ما لا يؤكل» وإن كان عامّا ، ويختصّ بغير الإنسان بهذه القرينة الحاليّة.

ثمّ إنّ الشيخ قدس‌سره ذكر أمثلة لخفاء الواسطة :

منها : استصحاب بقاء الرطوبة في الثوب المغسول الواقع على الأرض النجسة لإثبات نجاسته من جهة السراية (٢).

__________________

(١) الفقيه ٤ : ٢٦٥ ـ ٨٢٤ ، الوسائل ٤ : ٣٤٦ ـ ٣٤٧ ، الباب ٢ من أبواب لباس المصلّي ، الحديث ٦.

(٢) فرائد الأصول : ٣٨٦.

وفيه : أنّه لا بدّ من أن ينظر إلى أدلّة تنجّس الملاقي للنجس ، ومعرفة أنّ الموضوع للنجاسة هل هو مجرّد نجاسة أحد الجسمين وتماسّه مع الجسم الرطب. أو أنّ الموضوع هو انتقال بعض أجزاء النجس إلى الجسم الطاهر ، المعبّر عنه في اصطلاح الفقهاء بالسراية؟ ولا يكاد يستفاد شيء منهما من روايات الباب على كثرتها ، وإنّما أوكل أمر ذلك إلى العرف. والموضوع بحسب فهمهم ـ على ما هو الشأن في القذارات العرفيّة ـ هو السراية.

وكيف كان ، فإن كان الموضوع هو الأوّل ، فالمقام داخل في الموضوعات المركّبة ، فإنّ أحد جزأي الموضوع ـ وهو المماسّة ـ محرز بالوجدان ، وجزءه الآخر ـ وهو رطوبة الثوب ـ محرز بالاستصحاب ، فيترتّب عليه حكمه ، وهو نجاسته ، ولا واسطة في البين لا خفيّة ولا جليّة.

وإن كان هو الثاني ، فحيث إنّه عنوان بسيط لازم لتحقّق الجزءين فاستصحاب بقاء رطوبة الثوب بعد إحراز مماسّته للأرض النجسة من أوضح أنحاء الأصل المثبت.

هذا كلّه في غير الحيوان ، أمّا في الحيوان : فإن بنينا على تنجّسه بالملاقاة وأنّ زوال عين النجس أو المتنجّس عن بدنه مطهّر له ، كما هو المشهور ، فلا إشكال في استصحاب بقاء الرطوبة النجسة في رجل البقّ أو البعوضة مثلا ، إذا كان الثوب أو البدن الملاقي مع لأجل الحيوان مرطوبا بحيث تسري النجاسة منها إليه ، فإنّ الملاقاة وجدانيّة ونجاسة بدن الحيوان مستصحبة ، فيلتئم الموضوع المركّب.

وإن بنينا على عدم تنجّسه بذلك وأنّ النجس هو البول أو الدم الّذي أصاب بدنه وأمّا بدنه فهو طاهر ، فلا يجري الاستصحاب ولو قلنا بأنّ موضوع التنجّس مركّب من مجرّد الملاقاة ورطوبة النجس أو الملاقي ولو لم تكن سراية

في البين ، إذ استصحاب بقاء البول في رجل الذباب أو منقار الديك مثلا ، لا يثبت ملاقاة الماء ـ الّذي وقع فيه الذباب أو منقار الديك ـ للنجس.

والفرق : أنّ الملاقاة في غير الحيوان وجدانيّة على هذا القول ـ أي القول بعدم ترتّب النجاسة على السراية ـ بخلاف الحيوان ، فإنّ المعلوم هو ملاقاة الماء لمنقار الديك ، والمفروض أنّه لا أثر لها في تنجّسه ، وإنّما الأثر لملاقاته للبول الّذي أصاب المنقار ، وهي غير معلومة لنا بالوجدان ، واستصحاب بقاء البول على المنقار لا يثبت ملاقاة الماء للبول.

فاتّضح الفرق بين الحيوان وغيره ، وظهر عدم تماميّة ما أفاده شيخنا الأستاذ قدس‌سره من جريان الاستصحاب في الحيوان وغيره لو قلنا بتركّب الموضوع من الملاقاة والرطوبة ، وعدم جريانه فيهما لو لم نقل بذلك وقلنا بالسراية (١).

ومنها : استصحاب عدم دخول رمضان أو شوّال لإثبات كون الغد أوّل رمضان أو الشوّال وترتّب أحكام أوّل الشهر ، وهكذا ثانية وثالثة إلى آخره (٢).

وأجاب شيخنا الأستاذ قدس‌سره عنه بأنّه لا يبتنى على الأصل المثبت ، وذلك أنّ ما دلّ على توقّف ثبوت أوّل الشهر على الرؤية أو مضيّ ثلاثين يوما من الشهر السابق حاكم على أدلّة الأحكام الثابتة بعنوان أوّل الشهر (٣).

وما أفاده وإن كان تامّا بضميمة عدم القول بالفصل بين وجوب الصيام وغيره من أحكام أوّل الشهر وسائر الأحكام الثابتة بعنوان ثاني الشهر وثالثة إلى آخره إلّا أنّا لا نحتاج إليه ، إذ يمكننا استصحاب بقاء أوّل الشهر بعد مضيّ دقيقة أو أقلّ من اليوم الّذي نتيقّن أنّه من شوّال ونشكّ في أنّه أوّله أو ثانيه.

__________________

(١) أجود التقريرات ٢ : ٤٢٠ ـ ٤٢١.

(٢) فرائد الأصول : ٣٨٧.

(٣) أجود التقريرات ٢ : ٤٢١ ـ ٤٢٢.

ولا يرد على هذا إلّا الإشكال الجاري في استصحاب الزمان في الزمانيّات بأنّ استصحاب بقاء النهار لا يثبت كون هذا الزمان نهارا ، وهكذا في المقام استصحاب بقاء أوّل الشهر لا يثبت أنّ هذا اليوم أوّل الشهر.

والجواب هو الجواب ، وما ذكرنا جار في جميع أيّام الشهر ولياليه ، بخلاف ما أفاده شيخنا الأستاذ قدس‌سره ، فإنّه في غير الأوّل يحتاج إلى ضميمة عدم القول بالفصل.

وتوهّم تركّب موضوع تلك الأحكام من كون اليوم من شوّال وعدم كون سابقه منه فيمكن إحرازه بضمّ الوجدان إلى أصالة عدم كون اليوم السابق من شوّال ، واضح الدفع ، ضرورة أنّ عنوان أوّل الشهر ، الّذي هو موضوع لتلك الأحكام عنوان بسيط منتزع عمّا ذكر ، كما هو واضح لا يخفى.

ومنها : استصحاب عدم وجود الحاجب في أعضاء الوضوء أو الغسل لإثبات تحقّق الغسل ووصول الماء إلى البشرة ، أو في محلّ المتنجّس لإثبات تحقّق الغسل (١).

وهذا الأصل مثبت ، ودعوى خفاء الواسطة قد عرفت ما فيها ، وأنّه لا فرق بين خفاء الواسطة وعدمه في عدم حجّيّة الأصل المثبت.

وربما يتوهّم استقرار السيرة على عدم الاعتناء باحتمال وجود الحاجب.

وفيه : أنّ السيرة غير متحقّقة إلّا في مورد الاطمئنان بعدم وجود الحاجب أو في مورد الغفلة عنه ، وعلى فرض تحقّقها في غيرهما فهي ناشئة من فتاوى الفقهاء بذلك لتخيّل حجّيّة الأصل المثبت أو غير ذلك. وبالجملة إثبات السيرة المتّصلة بزمان المعصوم عليه‌السلام الكاشفة عن رضاه عليه‌السلام بذلك دونه خرط القتاد.

__________________

(١) فرائد الأصول : ٣٨٧.

وممّا تخيّل ابتناؤه على القول بالأصل المثبت ما ذكروه فيما إذا جنى أحد على أحد فمات المجنيّ عليه وادّعى الوارث أنّه مات بالسراية والجاني أنّه شرب السمّ وموته مستند إليه ، من أنّ الاحتمالين متساويان ، أي احتمال الموت بالسراية وشرب السمّ ، والأصلين متعارضان ، أي أصالة عدم سراية الجناية وعدم تحقّق سبب ضمان الدّية ، وأصالة عدم شرب السمّ. ويلحق بذلك الفرع السابق ، وهو ما إذا قدّ المريض نصفين.

والتحقيق : أنّ الموضوع في الفرعين إن كان بسيطا ـ وهو عنوان القتل ـ فلا يكاد يمكن إحرازه باستصحاب عدم شرب السمّ ، مضافا إلى أنّه معارض باستصحاب عدم تحقّق سبب ضمان دية النّفس ، أو بقاء الحياة إلى زمان القدّ في الفرع الثاني مع أنّه أيضا معارض.

وإن كان مركّبا من الجناية وعدم شرب السمّ في الأوّل ، ومن القدّ والحياة في الثاني ، فباستصحاب عدم شرب السمّ وبقاء الحياة وضمّه إلى الوجدان يلتئم الموضوع ، ولا تصل النوبة إلى استصحاب عدم تحقّق سبب ضمان دية النّفس أو سبب جواز القصاص ، فإنّ الشكّ فيه مسبّب عن الشكّ في شرب السمّ وبقاء الحياة ، فإذا جرى الاستصحاب السببي يزول الشكّ المسبّبي.

ومن الموارد المذكورة : ما إذا كان مال أحد تحت يد آخر ، وادّعى المالك أنّ يده يد ضمان ، وادّعى الآخر أنّ يده يد مجّان ، فقدّموا قول المالك ، وحكموا بالضمان (١). ويتفرّع عليه فروع :

منها : ما إذا ادّعى المالك أنّه غصب ، والآخر أنّه مأذون في التصرّف.

ومنها : ما إذا ادّعى المالك أنّه باعه ، وادّعى الآخر أنّه وهبه.

__________________

(١) أجود التقريرات ٢ : ٤٢٢.

ومنها : ما إذا ادّعى المالك أنّه آجره ، وادّعى الآخر أنّه أعاره.

وتوهّم بعض أنّ القول بتقديم قول المالك مبنيّ على الأصل المثبت. وآخر أنّه مبنيّ على قاعدة المقتضي والمانع. وثالث أنّه مبنيّ على جواز التمسّك بالعامّ في الشبهات المصداقيّة.

وأنكر جميع ذلك شيخنا الأستاذ قدس‌سره ، وذهب إلى أنّ تقديم قول المالك من جهة أنّ موضوع الضمان مركّب من التسلّط على المال والتصرّف فيه ، وعدم اقتران التصرّف برضاء مالكه ، والتصرّف معلوم بالوجدان ، فإذا ضممنا إليه استصحاب عدم مقارنته لرضا مالكه ، يتمّ الموضوع ويحكم بالضمان (١).

وما أفاده إنّما يصحّ في الفرع الأوّل. وأمّا في الفرعين الآخرين فلا ، فإنّ التصرّف جائز ومقرون برضاء مالكه على كلّ تقدير ، فإنّهما اتّفقا في الفرع الثاني على أنّ المال ملك للمتصرّف ، وفي الثالث اتّفقا على اقتران التصرّف بالرضى ، غاية الأمر أنّ المالك يدّعي ضمان المتصرّف بالمسمّى وهو ينكره.

نعم ، في الفرع الثاني إن كانت الهبة بغير ذي رحم ، فللمالك أن يرجع ويستردّ العين ، لكنّه مطلب آخر لا ربط له بالمقام.

بقي فرعان آخران : أحدهما : الشكّ في تقدّم إسلام الوارث على موت مورّثه وتأخّره. والآخر : الشكّ في تقدّم الملاقاة على الكرّيّة وتأخّرها عنها ، وسيجيء الكلام فيهما إن شاء الله.

ثمّ إنّ صاحب الكفاية قدس‌سره استثنى موارد من الأصل المثبت :

منها : استصحاب الفرد لترتيب آثار الكلّي (٢) ، كاستصحاب خمريّة مائع خارجي لترتيب آثار كلّي الخمر من حرمة الشرب والنجاسة وغير ذلك ، وذلك

__________________

(١) أجود التقريرات ٢ : ٤٢٣.

(٢) كفاية الأصول : ٤٧٤.

من جهة أنّ وجود الكلّي عين وجود فرده ومتّحد معه ، فليست واسطة عقليّة في البين حتى يكون الأصل مثبتا.

وفيه : أنّ الكلّي وإن كان متّحدا مع الفرد وجودا إلّا أنّه معرّف لمصاديقه الخارجيّة ، لما مرّ مرارا من أنّ الأحكام ثابتة على موضوعاتها بنحو القضايا الحقيقيّة ، فحرمة الشرب مترتّبة على طبيعيّ الخمر بما أنّه معرّف لمصاديقه الخارجيّة ، والمطهّريّة ثابتة لكلّي الماء كذلك ، فالمياه الخارجيّة كلّها موضوعات لهذا الحكم ، غاية الأمر أنّ الخصوصيّات الخارجيّة ـ من كون الماء ماء بحر أو نهر أو ملك زيد أو عمرو ـ خارجة عن حيّز الحكم ، بل كلّ ماء بمائيته وطبيعته محكوم بهذا الحكم ، فالأثر مترتّب على نفس الفرد ، ويترتّب على استصحاب الفرد أثره ، كما في جميع الاستصحابات الموضوعيّة ، كان الكلّي الطبيعي موجودا في الخارج أو لم يكن ، وكان متّحدا مع فرده أو لم يكن.

ومنها : استصحاب منشأ انتزاع أمر انتزاعي لترتيب آثار الأمر الانتزاعي ، كالملكيّة والزوجيّة ممّا يكون من الخارج المحمول لا ما يكون من المحمول بالضميمة كالأبيض والأسود (١).

وما أفاده غير معلوم المراد ، ويحتمل فيه وجهان :

الأوّل : أن يكون مراده استصحاب كون الدار ـ مثلا ـ ملكا لزيد إذا كان بقاء ملكا له لترتيب آثار الملكيّة عليه من جواز اشترائها واستئجارها والتصرّف فيها بإذنه وغير ذلك ، فإن أراد ذلك ، فهو عين الاستثناء الأوّل وليس أمرا مغايرا له ، ضرورة عدم الفرق بين استصحاب ملكيّة زيد للدار لترتيب آثار كلّي الملكيّة ، واستصحاب خمريّة مائع لترتيب آثار كلّي الخمر.

__________________

(١) كفاية الأصول : ٤٧٤.

نعم ، الخمر والماء وأمثال ذلك من الكلّيّات المتأصّلة الخارجيّة ، والملكيّة والزوجيّة وأمثالهما من الكلّيّات الاعتباريّة ، ومجرّد ذلك لا يوجب استثناءه ثانيا.

الثاني : أن يكون مراده استصحاب ذات منشأ الانتزاع ، كاستصحاب بقاء نفس المال لترتيب الأمر الانتزاعي عليه إذا قطع بترتّبه عليه على تقدير بقائه ، كما إذا علمنا بوجود ثوب كذائي سابقا ، وعلمنا أيضا بأنّه لو كان باقيا إلى الآن انتقل إلى زيد يقينا بشراء أو غيره ، فنستصحب وجوده إلى الآن لنحكم بملكيّة زيد له.

وإن أراد هذا ـ كما هو أوفق بعبارته في الكفاية ـ فهو من أوضح أنحاء الأصل المثبت.

ومنها : ما أفاده من أنّ استصحاب الشرط لترتيب الشرطيّة ، واستصحاب المانع لترتيب المانعيّة ليس بمثبت ، وفرّع ذلك على جواز استصحاب نفس الشرطيّة والمانعيّة والجزئيّة لكونها أيضا قابلة للواضع والرفع ، غاية الأمر أنّه لا يكون مستقلّا بل بتبع منشأ انتزاعها (١).

والظاهر عدم تماميّة ما أفاده أصلا وفرعا.

أمّا الأصل ـ وهو جواز استصحاب نفس الجزئيّة والشرطيّة للمأمور به ـ فلما عرفت سابقا من عدم تصوّر اليقين والشكّ فيهما من دون يقين وشكّ في منشأ انتزاعهما ، وهو الأمر بالمركّب والأمر بالمقيّد ، ومعه لا تصل النوبة إلى استصحاب نفس الجزئيّة والشرطيّة ، فإذا شكّ في بقاء السورة على جزئيّتها ، فلا بدّ من الاستصحاب في سبب هذا الشكّ ، وهو استصحاب عدم نسخ الأمر

__________________

(١) كفاية الأصول : ٤٧٤.

بالمركّب من السورة وغيرها.

وأمّا الفرع ـ وهو استصحاب وجود الشرط لترتيب الشرطيّة ـ فهو من الغرائب ، إذ الشرطيّة ليست من أحكام وجود الشرط خارجا بحيث لم تصر فعليّة إلّا بفعليّة وجود الشرط ، كإباحة الماء ، التي لا تصير فعليّة إلّا بفعليّة وجود الماء ، بل الوضوء ـ مثلا ـ شرط للصلاة سواء توضّأ المصلّي أم لا ، والسورة جزء للصلاة تحقّقت في الخارج أم لا.

والظاهر أنّه قدس‌سره في مقام دفع إشكال استصحاب وجود الشرط ، الّذي هو من العويصات ، فإنّه ليس بحكم ولا موضوع ذي حكم ، إذ لا أثر له إلّا جواز الدخول في الصلاة ، ومطابقة المأتيّ به للمأمور به ، وهو أثر عقلي له لا شرعي ، ولا يندفع بما أفاده.

فالتحقيق في الجواب : أنّ هذه الكلمة المعروفة من أنّ المستصحب لا بدّ وأن يكون حكما شرعيّا أو موضوعا ذا حكم ممّا لا أصل لها ، إذ لم ترد في آية ولا رواية ، بل المستصحب لا بدّ وأن يكون قابلا للتعبّد إمّا بنفسه أو بالواسطة ، فكلّ ما كان كذلك تشمله أدلّة الاستصحاب ولا قصور فيها ، وكما يكون الشيء في مقام الجعل والإثبات قابلا للتصرّف الشرعي كذلك يكون في مقام الامتثال والإسقاط أيضا كذلك كما هو واقع في موارد قاعدة الفراغ ، حيث إنّ الشارع اكتفى بالامتثال الاحتمالي ، وحكم بمطابقة المأتيّ به للمأمور به وإسقاطه عنه ، وفي المقام أيضا للشارع أن يقنع في مقام الامتثال بالصلاة المقترنة بالطهارة الاحتماليّة ، فلا مانع من شمول دليل الاستصحاب للمقام ، واكتفاء الشارع في مقام الامتثال بوجود الشرط احتمالا ، فإذا صلّينا مع الطهارة الاستصحابيّة ، فقد صلّينا في زمان حكم الشارع بطهارتنا ، وأحرزنا أحد جزأي الموضوع بالوجدان والآخر بالأصل.

ومنها : ما أفاده من أنّ الأثر الّذي نستصحبه أو نرتّبه على المستصحب لا يفرّق فيه بين أن يكون وجوديّا أو عدميّا ، إذ لا ملزم لاعتبار كون المستصحب حكم شرعيّا أو موضوعا ذا حكم شرعي ، بل الميزان هو أن يكون المستصحب قابلا للتعبّد بنفسه أو باعتبار أثره.

وفرّع على ذلك أنّ استصحاب عدم المنع عن الفعل لا إشكال فيه ، ولا يكون مثبتا كما أفاده الشيخ قدس‌سره في الرسالة ، نظرا إلى أنّ عدم استحقاق العقاب من اللوازم العقليّة لعدم المنع (١).

وما أفاده أوّلا ـ من أنّ الالتزام بكون المستصحب حكما أو موضوعا ذا حكم بلا ملزم ـ فالأمر كما أفاده.

وأمّا ما فرّع عليه من الإشكال على الشيخ قدس‌سره فمن المحتمل قويّا أنّه من اشتباه القلم ، إذ الشيخ قدس‌سره عقد بحثا مستقلّا لعدم الفرق بين كون الأثر وجوديّا أو عدميّا (٢) ، ويستفاد ذلك من مواضع متعدّدة من كلماته (٣) ، ومع ذلك كيف يتوهّم الشيخ قدس‌سره اختصاص اعتبار الاستصحاب بما إذا كان الأثر وجوديّا!؟ ولا ينبغي أن يتوهّم ذلك أيضا ، فإنّه المؤسّس لأغلب هذه الأمور.

والصواب : تفريع هذا الفرع على ما أفاده في التنبيه الآتي من أنّ الأثر العقلي أو العادي إنّما لا يترتّب على المستصحب إذا كان أثرا له بوجوده الواقعي ، أمّا إذا كان أثرا للأعمّ من وجود المستصحب واقعا أو ظاهرا ـ كعدم استحقاق العقاب الّذي هو أثر لعدم الإلزام الشرعي سواء كان ظاهريّا أو واقعيّا ـ فيترتّب عليه لا محالة ، فلا يكون استصحاب عدم المنع عن الفعل وهكذا

__________________

(١) كفاية الأصول : ٤٧٥ ، وانظر : فرائد الأصول : ٢٠٤.

(٢) فرائد الأصول : ٣٢٢.

(٣) منها ما في ص ٣٦١ من فرائد الأصول.

استصحاب عدم الحرمة للحكم بعدم استحقاق العقاب على الفعل والترك مثبتا ، كما لا يكون استصحاب الوجوب أو الحرمة لترتيب وجوب الموافقة وحرمة المخالفة مثبتا.

والسرّ في ذلك أنّ موضوع حكم العقل باستحقاق العقاب وعدم استحقاقه هو مخالفة تكليف المولى أو عدم مخالفته ، كان التكليف واقعيّا أو ظاهريّا ، فإذا ثبت التكليف ـ ولو ظاهرا ـ يتحقّق موضوع حكم العقل باستحقاق العقاب على مخالفته ، وإذا ثبت عدم التكليف ـ ولو ظاهرا ـ يتحقّق موضوع حكم العقل بعدم استحقاق العقاب على الفعل أو الترك.

وبالجملة ، هذا الفرع لا يندرج تحت الكبرى التي أفادها في التنبيه الثامن (١) في كلامه ، إذ لا ربط له بها أصلا وإنّما هو من متفرّعات الكبرى التي أفادها في التنبيه التاسع في الكتاب (٢) ، وما ذكره فيه متين جدّاً.

ثمّ إنّه قدس‌سره نبّه في التنبيه العاشر في كلامه على أنّ الغافل ربّما يتخيّل أنّ المستصحب لا بدّ وأن يكون حدوثا قابلا للتعبّد بنفسه أو باعتبار أثره ، وهو خيال فاسد ، حيث إنّ أدلّة الاستصحاب لا تكون متعرّضة لحال الحدوث أصلا ، بل هي متعرّضة لحال البقاء وتعبّد بالبقاء ، فإذا فرضنا أنّ إباحة شرب التتن وعدم المنع عنه لم يكن قابلا للتعبّد في الأزل ، لعدم تعلّق القدرة عليه من جهة عدم قابليّة المحلّ ، يصحّ استصحاب عدم المنع الأزلي إلى ما بعد ورود الشرع والشريعة ، لكونه قابلا للتعبّد حينئذ ، وهكذا في استصحاب الموضوع إذا فرضنا أنّ مائعا كان خمرا قبل نزول آية حرمة الخمر ، وشككنا في بقائه على خمريته إلى زمان نزول الآية ، نستصحب خمريته ، وذلك لصدق نقض اليقين

__________________

(١) كفاية الأصول : ٤٧٤.

(٢) كفاية الأصول : ٤٧٥ ـ ٤٧٦.

بالشكّ في جميع ذلك ، وهكذا إذا لم يكن لحياة زيد في زمان أثر أصلا وكان حيّا في ذلك الزمان ثمّ مات أبوه بعد ذلك ، نستصحب حياته إلى حين موت أبيه ونحكم بإرثه منه (١).

وهذا الّذي أفاده أيضا تامّ لا ينبغي الإشكال فيه.

التنبيه التاسع ـ في كلامنا ، الحادي عشر في كلام صاحب الكفاية (٢) ـ : في الشكّ في تقدّم الحادث وتأخّره بعد القطع بحدوثه.

فنقول : إن كان الشكّ في تقدّم الحادث وتأخّره بملاحظة عمود الزمان فقط لا بملاحظة الحادث الآخر ـ كما إذا علمنا بحدوث جنابة إمّا يوم السبت أو الأحد ـ فلا إشكال في استصحاب عدم هذا الحادث إلى زمان نعلم بتحقّقه فيه ، فنستصحب عدم حدوث الجنابة إلى يوم الأحد ، وتترتّب آثار عدم الجنابة في يوم السبت ولكن لا تترتّب على هذا الاستصحاب آثار تأخّر الحادث عن الزمان المشكوك تحقّقه فيه ، ولا آثار حدوثه في الزمان المتيقّن تحقّقه فيه إلّا على القول بالأصل المثبت أو خفاء الواسطة وأمثال ذلك.

وإن كان الشكّ فيهما بملاحظة الحادث الآخر ـ كما إذا شكّ في تقدّم موت أحد المتوارثين على موت الآخر وتأخّره عنه ـ فهل يجري الاستصحاب فيهما ، أو لا يجري في شيء منهما ، أو يفصّل بين مجهول التاريخ فيجري ومعلومه فلا يجري ـ كما يظهر من كلام الشيخ (٣) قدس‌سره ـ؟ وجوه.

وصور المسألة ثمان ، فإنّ الحادثين إمّا كلاهما مجهول التاريخ ، أو أحدهما معلوم التاريخ فقط ، والأثر في كلّ منهما إمّا للوجود أو للعدم ، وهو

__________________

(١ و ٢) كفاية الأصول : ٤٧٦.

(٣) كفاية الأصول : ٤٧٦.

على جميع التقادير إمّا مترتّب على المستصحب بمفاد «كان» أو «ليس» التامّتين أو بمفاد «كان» أو «ليس» الناقصتين ، فلكلّ من مجهولي التاريخ ومعلومه أربع صور.

وقبل الورود في بيان أحكام صور المسألة نقدّم أمرا قد تقدّم مرارا ، وإجماله : أنّ الموضوع المركّب إذا أحرز أحد جزأيه بالوجدان وجزؤه الآخر بالأصل يلتئم ويتمّ ، وهكذا الكلام في المتعلّق ، فإنّهما من واد واحد ، لكن هذا إذا لم يكن عنوان بسيط مأخوذا في الموضوع.

وربّما يستشكل في ذلك بأن الأصل الجاري في أحد جزأي المركّب معارض دائما باستصحاب عدم تحقّق تمام الموضوع المركّب ، المتيقّن في زمان ما ، مثلا : إذا كان موضوع جواز التقليد العالم العادل وفرضنا أنّ زيدا في أوّل بلوغه كان عادلا ولم يكن عالما ثمّ صادر بعد ذلك عالما وفي هذا الحال شككنا في بقائه على عدالته السابقة وعدمه ، فكما يجري استصحاب كونه عادلا ويتمّ الموضوع بضمّه إلى كونه عالما المعلوم لنا بالوجدان كذلك يجري استصحاب عدم اتّصافه بهاتين الصفتين وعدم كونه عالما عادلا ، المتيقّن سابقا في زمان ما.

وأجاب عنه شيخنا الأستاذ قدس‌سره : بأنّ الشكّ في تحقّق المركّب وعدمه لا منشأ له إلّا الشكّ في بقاء العدالة ، فإذا جرى الأصل في السبب ، لا تصل النوبة إلى الأصل المسبّبي (١).

وما أفاده ـ من كون الشكّ في تحقّق المركّب وعدمه مسبّبا من الشكّ في بقاء أحد جزأيه ـ متين إلّا أنّ السببيّة ليست بشرعيّة في المقام.

__________________

(١) أجود التقريرات ٢ : ٤٢٦.

فالتحقيق في الجواب : أنّ هذا مغالطة محضة ، فإنّ الموضوع إن كان عنوانا بسيطا منتزعا من جزءين ، فلا يجري إلّا استصحاب عدم التحقّق فقط.

وإن كان مركّبا من نفس الجزءين ، فإذا علم بتحقّق أحدهما وأحرز الآخر بالأصل فأيّ معنى لاستصحاب عدم تحقّقهما؟ ففرض جريان الاستصحابين والمعارضة بينهما فرض اجتماع الضدّين : كون الموضوع بسيطا ومركّبا.

وبعد ذلك نتكلّم في حكم الصور ، ونقدّم صور مجهولي التاريخ.

فنقول : أمّا إذا كان الأثر للوجود ، فإن كان مترتّبا عليه بنحو مفاد «كان» التامّة وكان لأحد الحادثين ، تجري أصالة عدم التقدّم مثلا في ذي الأثر ، ويمكن فرض ذلك فيما إذا شككنا في تقدّم موت أحد الأخوين على موت الآخر ، اللذين لأحدهما ولد دون الآخر ، فإنّ الولد يرث من الآخر على تقدير تقدّم موته عليه دون العكس.

وإن كان الأثر لكليهما كما في باب المسابقة ، فإنّ العوض للسابق أيّا من كان ، فإن علم بالسبق ولم تحتمل المقارنة ، يجري الأصل في كلّ منهما ويتعارضان ، فلا يحكم باستحقاق العوض لواحد منهما. وإن احتملت المقارنة ، يجري كلا الاستصحابين ، ونقول مثلا : الأصل عدم تقدّم زيد على عمرو ، والأصل عدم تقدّم عمرو على زيد ، ونحكم بعدم استحقاق كلّ منهما.

وإن كان الأثر مترتّبا على وجود أحد الحادثين بمفاد «كان» الناقصة ، كما إذا أوصى للمتقدّم ولادة من مولوديه شيئا واشتبه ، فذهب صاحب الكفاية إلى عدم جريان الاستصحاب في شيء منهما ، لأنّ الاتّصاف بالتقدّم ليست له حالة سابقة ، فأركان الاستصحاب غير تامّة ، وهذا بخلاف الصورة السابقة ، فإنّ عدم

الجريان فيها لمكان المعارضة لا لعدم تماميّة أركانه (١).

وما أفاده تامّ إن أردنا إجراء الاستصحاب لترتيب آثار الاتّصاف ، وأمّا إن كان المقصود منه نفي آثار الاتّصاف ، فأركانه تامّة ، إذ عدم الاتّصاف ، له حالة سابقة يقينيّة فنستصحبه ، ونحكم بعدم ترتّب آثار الاتّصاف كما نستصحب عدم اتّصاف المرأة بكونها من قريش لنفي آثار القرشيّة من أنّها تحيض إلى ستّين.

والحاصل : أنّه لا إشكال في تماميّة أركان الاستصحاب بناء على ما بنينا عليه وفاقا له في بحث العامّ والخاصّ وللشيخ قدس‌سره من جريان الاستصحاب في الأعدام الأزليّة (٢) ، وأنّه أليق بالتحقيق ، فما أفاده في المقام لعلّه سهو من قلمه الشريف أو اشتباه في التطبيق.

وأمّا إذا كان الأثر مترتّبا على العدم ، فإن كان بمفاد «ليس» الناقصة ، فلا إشكال في عدم جريان الاستصحاب لترتيب آثار العدم ، فإنّ ما يكون موضوعا للأثر ـ وهو العدم النعتيّ والسالبة المعدولة ـ ليست له حالة سابقة ، وما تكون له حالة سابقة ـ وهو العدم المحمولي والسلب المحصّل ـ لا يكون موضوعا للأثر على الفرض ، ولا يثبت باستصحاب العدم المحمولي العدم النعتيّ إلّا على القول بالأصل المثبت. وأمّا الاستصحاب لنفي آثار العدم النعتيّ فلا إشكال في جريانه ، لأنّ الاتّصاف بالعدم كالاتّصاف بالوجود مسبوق بالعدم ، ويصحّ أن يقال : إنّ زيدا قبل وجوده لم يكن متّصفا بالبصر ولا متّصفا بالعمى وعدم البصر ، فباستصحاب عدم الاتّصاف بالعدم تنفي آثار الاتّصاف بالعدم.

ومن هنا ظهر ما في كلام صاحب الكفاية من عدم الجريان في هذا

__________________

(١) كفاية الأصول : ٤٧٧ ـ ٤٧٨.

(٢) كفاية الأصول : ٢٦١ ، مطارح الأنظار : ١٩٤.

القسم (١) ، وأنّه تامّ على تقدير إرادة ترتيب آثار العدم النعتيّ عليه ، وغير تامّ على تقدير إرادة نفي آثار العدم النعتيّ.

وإن كان بمفاد «ليس» التامّة ، ففيه خلاف ، وتترتّب على هذا ثمرة مهمّة في باب الإرث وغيره ، فإذا فرضنا أنّ موضوع الإرث مركّب من إسلام القريب في زمان موت مورّثه ، فإن قلنا بجريان الاستصحاب في كلا الحادثين ـ لو لا التعارض ـ في هذا القسم ، فلا محالة يجري في مورد لم يكن فيه تعارض في البين ، كما إذا كان الأثر مختصّا بعدم أحد الحادثين فقط دون الآخر ، فيجري عدم إسلام الوارث إلى زمان موت مورّثه وقسمة تركته ، ويترتّب عليه عدم الإرث ، ولا يجري استصحاب عدم موت المورّث إلى زمان إسلام قريبه ، فإنّه ليس موضوعا لحكم شرعي ، ولا يثبت بهذا الاستصحاب موته في زمان إسلامه إلّا على القول بالأصل المثبت.

ولو لم نقل بجريانه في هذا القسم حتى مع عدم التعارض ، فلا يجري في الفرض المزبور في ذي الأثر أيضا.

وبالجملة ، ذهب صاحب الكفاية قدس‌سره إلى عدم الجريان ، نظرا إلى اعتبار اتّصال زمان الشكّ بزمان اليقين (٢) ، واستفاد ذلك من كلمة «فاء» في قوله عليه‌السلام : «من كان على يقين فشكّ» (٣) وقوله عليه‌السلام مضمونا : «لأنّك كنت على يقين من وضوئك فشككت» (٤) فلا بدّ من إحراز اتّصال زمان الشكّ بزمان اليقين وعدم

__________________

(١) كفاية الأصول : ٤٧٨.

(٢) كفاية الأصول : ٤٧٨ ـ ٤٧٩.

(٣) الخصال : ٦١٩ ، الوسائل ١ : ٢٤٦ ـ ٢٤٧ ، الباب ١ من أبواب نواقض الوضوء ، الحديث ٦.

(٤) التهذيب ١ : ٤٢١ ـ ٤٢٢ ـ ١٣٣٥ ، علل الشرائع : ٣٦١ ، الباب ٨ ، الحديث ١ ، الوسائل ٣ : ٤٦٦ ، الباب ٣٧ من أبواب النجاسات ، الحديث ١.

الفصل بينهما بيقين آخر ، فلو علم بالفصل ـ كما إذا علم بنجاسة ثوبه بعد العلم بطهارته ثمّ شكّ في بقائها ـ لا مجرى إلّا لاستصحاب النجاسة إذا احتمل طهارته بعد نجاسته ، ولا معنى لمعارضة استصحاب النجاسة لاستصحاب الطهارة ، فإنّ اليقين بالطهارة والشكّ في بقائها وإن كان متحقّقين إلّا أنّه انفصل زمان الشكّ عن زمان اليقين بتخلّل اليقين بالنجاسة في البين.

ولو احتمل الفصل بأن علم حدوث حادثين ، ولم يعلم تقدّم أحدهما بالخصوص على الآخر ، فلا يجري الاستصحاب في شيء منهما بعد ما لم يكن الأثر مترتّبا على كلّ منهما بلحاظ عمود الزمان ، لعدم خصوصيّة يوم دون يوم في إرث الوارث من مورّثه ، بل الأثر مترتّب على عدم كلّ منهما في زمان حدوث الآخر ، لأنّ التمسّك بأدلّة الاستصحاب في مثله بعد اعتبار الاتّصال في موضوعه تمسّك بالعامّ في الشبهة المصداقيّة سيّما في مثل المقام الّذي لا يكون التقييد بدليل منفصل بل يكون بالمتّصل ، فإنّه لا يجوز بلا كلام.

والحاصل : أنّ المستفاد من أخبار الاستصحاب ببركة كلمة «فاء» أنّه يعتبر عدم فصل زمان بين زماني اليقين والشكّ ، فلو تخلّل أو احتمل تخلّل زمان لا يكون زمان اليقين ولا زمان الشكّ ، لا تشمله أدلّة الاستصحاب ـ كما في فرض العلم بالتخلّل ـ أو لا يعلم شمولها له كما في صورة احتماله ، ففي المثال المتقدّم إذا فرضنا أنّ يوم الجمعة لم يتحقّق فيه موت ولا إسلام ، ويوم السبت زمان تحقّق أحدهما ، والأحد زمان تحقّق الآخر ، فإن كان الموت في علم الله تعالى حادثا يوم السبت ، فزمان الشكّ في إسلام الوارث متّصل بزمان اليقين بعدمه وهو يوم الجمعة. وأمّا إن كان الموت في علم الله حادثا يوم الأحد ، فقد تخلّل زمان ـ وهو يوم السبت ـ بين زمان اليقين بعدم الإسلام ـ الّذي هو يوم الجمعة ـ وزمان الشكّ في حدوثه ، وهو يوم الأحد ، وهذا الزمان المتخلّل

لا يكون زمان اليقين بعدم الإسلام ، إذ المفروض تحقّق الإسلام فيه ، ولا زمان الشكّ في حدوث الإسلام ، إذ الفرض كون زمان الشكّ في حدوثه هو يوم الأحد ، وحيث إنّا نحتمل وجدانا حدوث الموت يوم الأحد فنحتمل انفصال الزمانين والتخلّل في البين ، فلا يمكن التمسّك ب «لا تنقض اليقين بالشكّ» لمثل المقام ، لعدم العلم بشموله له ، وعدم إمكان كون العامّ محرزا لموضوع نفسه (١). هذا ملخّص ما أفاده في متن الكفاية وهامشها بتوضيح منّا.

وفيه : أنّه إن كانت العبرة بعدم تخلّل زمان بين الزمانين ـ أي زماني المشكوك والمتيقّن ـ واقعا ، فلازمه أن لا يكون شيء من الحادثين مشكوكا في زمان أصلا ، فإنّ الإسلام مقطوع التحقّق يوم السبت إن كان الموت حادثا يوم الأحد واقعا ، ومعلوم البقاء يوم الأحد ، وإن كان العكس فالعكس ، فأين زمان الشكّ فيه؟

وإن كانت العبرة بفعليّة الشكّ واليقين في زمان واحد ، وأنّ المكلّف لا بدّ في زمان إجراء الاستصحاب أن يكون على اليقين بتحقّق الكفر سابقا والشكّ في بقائه ، فلا يعقل احتمال الانفصال ، فإنّ اليقين والشكّ صفتان وجدانيّتان غير قابلتين لدخول الشكّ فيهما ، فكلّ أحد يعرف أنّه شاكّ أو متيقّن ، فيوم الأحد ـ في المثال المتقدّم ـ هو زمان اليقين بعدم الإسلام يوم الجمعة ، وهذا اليوم بعينه زمان الشكّ في حدوث الإسلام بعد يوم الجمعة إلى زمان حدوث الموت واقعا ، ولا يعقل احتمال انفصال زمان الشكّ عن زمان اليقين ، فإنّ معنى انفصاله عنه جزما أو احتمالا أن يفصل اليقين بخلاف الحالة السابقة بين اليقين والشكّ جزما أو احتمالا ، ومن المعلوم أنّه يوم الأحد في المثال يعلم بعدم

__________________

(١) كفاية الأصول : ٤٧٨ ـ ٤٧٩.

تحقّق الإسلام قبل يومين ، ويعلم أيضا بتحقّق الموت بعد الجمعة ، والشكّ حاصل بالوجدان في هذا الآن ـ الّذي هو آن اليقين بعدم الإسلام ـ في انقلاب ذلك العدم السابق إلى الوجود ، وبقاء الكفر إلى زمان حدوث الموت وعدمه ، وبالضرورة في هذا الآن لا يعلم بضدّ الحالة السابقة ، أي حدوث الإسلام في زمان الموت ، وبالوجدان لا يحتمل أن يكون الآن متيقّنا بعروض ضدّ الحالة السابقة في زمان الموت ، بل الآن بالوجدان متيقّن بعدم الإسلام قبل زمان الموت وشاكّ في حدوثه إلى زمان الموت.

وبالجملة ، معنى اتّصال زمان الشكّ بزمان اليقين هو عدم فصل اليقين بالخلاف بعد اليقين المتعلّق بالأمر السابق حتى يصدق نقض اليقين بالشكّ ، إذ مع حصول اليقين بالخلاف يكون من نقض اليقين باليقين ، وهذا المعنى ممّا لا يعقل الشكّ في مصداقه ، فإنّ الشبهة المصداقيّة تتصوّر في الموضوعات الواقعيّة النّفس الأمريّة لا في الصفات الوجدانيّة التي لا مئونة لإحرازها إلّا الرجوع إلى الوجدان ، وموضوع دليل الاستصحاب بل جميع الأصول وكلّ ما أخذ في موضوعه اليقين أو الظنّ أو الشكّ أو غير ذلك من الصفات الوجدانيّة.

نعم ، هناك شبهة راجعة إلى المقام ، وهي أنّ الشكّ في حدوث الإسلام في زمان الموت وبالعكس لا يحصل ولا يتحقّق إلّا بعد العلم بحدوث كلا الحادثين ، فقبل ذلك ـ أي قبل العلم بحدوث الموت والإسلام ـ لا شكّ في حدوث الإسلام في زمان الموت ، ولا شكّ في حدوث الموت في زمان الإسلام ، حيث إنّه لا موضوع له بدونه ، فزمان اليقين بعدم الإسلام في المثال المتقدّم هو يوم الجمعة ، ولا يحصل الشكّ في حدوث الإسلام في زمان الموت إلّا يوم الأحد الّذي هو يوم العلم بحدوث كلا الحادثين ، فقد تخلّل يوم السبت بين زماني اليقين والشكّ قطعا.

وجواب هذه الشبهة قد ظهر ممّا ذكرنا آنفا من أنّ الميزان في باب الاستصحاب هو الشكّ في بقاء ما كان على يقين منه بالفعل بوجوده سابقا سواء كان حدوث اليقين بالفعل أيضا أو سابقا على زمان الشكّ أو متأخّرا عنه ، ومن المعلوم أنّ اليقين بالعدم والشكّ في انقلابه إلى الوجود كلاهما موجود يوم الأحد ولم يتخلّل بينهما زمان.

ثمّ إنّ بعض الموارد توهّم كونه من الشبهة المصداقيّة لنقض اليقين بالشكّ.

أحدها : ما ذكره بعض الأكابر من أنّه إذا تيقّن بطهارة ثوبه وشكّ في بقائها واحتمل حصول القطع له بنجاسته بعد القطع بطهارته ، لا يجري الاستصحاب ، لاحتمال حصول النقض وانتفاء موضوع الاستصحاب.

وفيه ـ مضافا إلى أنّه منقوض بجميع الأمور القصديّة العباديّة وغيرها ممّا لا يتحقّق إلّا بالقصد والالتفات ، فإنّ لازم ما ذكره هو عدم جريان استصحاب هذه الأمور إذا كان متيقّنا بها سابقا واحتمل ارتفاعها ، فإنّ ارتفاعها لا يمكن إلّا بالعلم بتحقّقه والالتفات والقصد إليه ، فاحتمال الارتفاع ملازم لاحتمال العلم بالارتفاع ، مثلا : من كان على يقين من جنابته واحتمل اغتساله منها ليس له استصحابها ، لأنّه يحتمل حصول النقض ليقينه السابق ، والقطع بارتفاع جنابته على تقدير اغتساله منها ـ أنّ الميزان كما ذكرنا آنفا هو تحقّق اليقين حين الشكّ في البقاء ، ولا اعتبار باليقين الحادث في السابق ، بل المناط هو سبق متعلّق اليقين ، ولا معنى لاحتمال انتقاض اليقين الفعلي بالجنابة السابقة.

وثانيها : ما أفاده شيخنا الأستاذ قدس‌سره في بعض موارد العلم الإجمالي بخلاف الحالة السابقة ، وحاصل ما أفاده : أنّه إذا فرضنا نجاسة إناءين وحصل العلم الإجمالي بطهارة أحدهما ، فأمر متعلّق هذا العلم لا يخلو عن أحد أقسام

ثلاثة :

الأوّل : أن لا يكون تعيّن للمعلوم إلّا بعنوان «أحدهما» حتى في علم الله تعالى.

الثاني : ما كان المعلوم متعيّنا تفصيلا بجميع خصوصيّاته الخارجيّة ومميّزاته كأن طهّر أحدهما المعيّن ثمّ اشتبه الطاهر بالنجس.

الثالث : ما كان وسطا بينهما بأن كان متعيّنا بوجه من التعيّن ، كما إذا علم بإصابة المطر للإناء الواقع خارج السطح ولا معرّف له إلّا عنوان كونه خارج السطح.

ثمّ بنى قدس‌سره على عدم جريان الاستصحاب في شيء من الأقسام (١) ، خلافا للسيّد صاحب العروة ، حيث أجرى الاستصحاب في الجميع (٢).

وإنكاره قدس‌سره جريان الاستصحاب في القسم الأوّل مبنيّ على ما بنى عليه من عدم جريان الأصول التنزيليّة في جميع أطراف العلم الإجمالي ولو لم تلزم منه مخالفة قطعيّة عمليّة.

وقد أبطلنا هذا المبنى سابقا وبنينا على جريان الأصول مطلقا في جميع أطراف العلم الإجمالي إذا لم يلزم منه المحذور المذكور ، ولا يفرّق بين أن يكون الاستصحاب أصلا أو أمارة لا تكون مثبتاتها حجّة.

وأمّا إنكاره جريان الاستصحاب في القسمين الأخيرين فهو بملاك آخر ، وهو احتمال حصول النقض في كلّ من الطرفين.

بيان ذلك : أنّ العلم بالنجاسة ، المتعلّق بكلّ واحد من الإناءين قد انتقض في أحدهما المعيّن والمشخّص ـ الّذي له تعيّن في الواقع ـ بالعلم التفصيليّ

__________________

(١) أجود التقريرات ٢ : ٤٢٩ ـ ٤٣١.

(٢) العروة الوثقى (فصل في طريق ثبوت النجاسة) المسألة ٢.

بطهارته ، فقد سقط الاستصحاب في ذلك الفرد قطعا ، وبعد الاشتباه نحتمل في كلّ واحد أنّه هو الّذي سقط الاستصحاب فيه بحصول النقض ، فيحتمل في كلّ أن يكون نقض اليقين باليقين لا بالشكّ ، ولا يفرّق بين القسمين الأخيرين في ذلك ، فإنّ الملاك هو تعلّق اليقين بالطهارة بالشخص ، وهو متحقّق فيهما ، ولا يلزم أن يكون مشخّصا بجميع خصوصيّاته ، وهذا بخلاف القسم الأوّل ، فإنّ المعلوم فيه لا تعيّن ولا تشخّص له حتى في علم الله ، ولذا لا يمكن تعيينه ـ لو انكشفت طهارة كلا الإناءين ـ لأحد أصلا ، فلم يحصل النقض بالنسبة إلى شيء من الفردين.

ثمّ رتّب قدس‌سره على ما أفاده أثرا فقهيّا ، وهو عدم جريان استصحاب نجاسة الدم المشكوك كونه من الباقي في الذبيحة ـ بعد خروج الدم المتعارف منه ـ أو من الخارج ، وذلك لحصول القطع التفصيليّ بطهارة الباقي وسقوط استصحاب النجاسة فيه ، ويحتمل أن يكون المشكوك هو من الباقي الّذي سقط الاستصحاب فيه (١).

هذا ، ولكن لا يخفى ما فيه ، فإنّ الإناء الّذي علم بطهارته تفصيلا بعنوانه المعلوم ـ كإناء زيد أو الإناء الّذي كان خارج السطح ـ لا يجري فيه الاستصحاب قطعا ، فإنّه معلوم الطهارة ، لكن نشير إلى كلّ واحد من الإناءين ونقول : كنّا على يقين من نجاسته سابقا ونكون الآن شاكّين فيها فنستصحبها ، ولا معنى لقولنا : لعلّنا لم نكن بشاكّين فيها ، واحتمال انطباق إناء زيد ـ المعلومة لنا طهارته ـ على كلّ واحد من الإناءين بالخصوص لا يجعلنا متيقّنين بطهارة ما نشكّ وجدانا في بقائه على نجاسته السابقة.

__________________

(١) أجود التقريرات ٢ : ٤٣١ ـ ٤٣٢.

وتوضيح الحال بالمثال أن يقال : إنّه إذا فرضنا أنّا نرى من البعيد جسد أحد وعلمنا بموته ونحتمل أن يكون هذا الشخص هو مورّثنا أو مقلّدنا ألسنا نستصحب حياة مورّثنا أو مقلّدنا؟ وهل استشكل أحد في جريان هذا الاستصحاب لأجل احتمال انطباق من علمنا بموته على من كنّا على يقين من حياته؟

وبالجملة ، موضوع الاستصحاب حيث إنّه اليقين والشكّ إمّا أن يعلم بتحقّقه أو يعلم بعدم تحقّقه ، وأمّا الشكّ في ذلك فلا يعقل في مورد أصلا.

فظهر أنّ ما جعله صاحب الكفاية وبعض الأكابر وشيخنا الأستاذ قدس‌سره من الموارد الثلاثة من الشبهة المصداقيّة لموضوع دليل الاستصحاب ليس على ما ينبغي.

وظهر أيضا جريان الاستصحاب في جميع صور مجهولي التاريخ في نفسه ، وأنّ عدم الجريان مستند إلى المعارضة لا إلى وجود المانع في نفسه ، وقد عرفت أنّ الصورة الرابعة من هذه الصور ـ وهي ما كان الموضوع مركّبا من وجود أحد الحادثين وعدم الآخر في زمانه ـ مسألة مهمّة تترتّب عليها فروع مهمّة ، منها : باب الإرث ، فينفى الإرث باستصحاب عدم الإسلام إلى زمان الموت ، لعدم كونه معارضا باستصحاب بقاء الحياة إلى زمان الإسلام ، لعدم كون الحياة في حال الإسلام موضوعا لحكم شرعي ، وعدم إثبات هذا الاستصحاب تحقّق الموت في زمان الإسلام ، فلا يتمّ ما أفاده شيخنا الأستاذ من المعارضة (١). هذا كلّه في مجهولي التاريخ.

وأمّا ما كان أحدهما معلوم التاريخ فيجري الاستصحاب في الثلاث الأول

__________________

(١) أجود التقريرات ٢ : ٤٢٧ و ٤٣٢ و ٤٣٤.

منها في معلوم التاريخ ومجهوله ، ويسقطان بالتعارض إن لم تحتمل المقارنة ، وإلّا فيجريان معا. وإن كان الأثر لأحدهما فقط ، يجري فيه خاصّة.

وصاحب الكفاية يمنع عن جريان الاستصحاب فيما منع عنه في مجهولي التاريخ ، وهو ما كان الأثر مترتّبا على وجود كلّ منهما بنحو مفاد «كان» الناقصة ، أو مترتّبا على العدم بمفاد «ليس» الناقصة (١). والجواب هو الجواب.

وأمّا الصورة الأخيرة ـ وهي ما كان الأثر مترتّبا على عدم أحدهما في زمان وجود الآخر بمفاد «ليس» التامّة وكان أحدهما معلوم التاريخ ـ فيجري في مجهول التاريخ بلا إشكال ، لاتّصال زمان الشكّ بزمان اليقين حتى على مذهب صاحب الكفاية ، فإذا كان تاريخ الموت يوم السبت ، يستصحب عدم الإسلام إلى هذا اليوم وينفى الإرث.

وأمّا في معلوم التاريخ : فصاحب الكفاية قدس‌سره قد منع عن جريان الاستصحاب فيه ، لما بنى عليه من اعتبار اتّصال زمان الشكّ بزمان اليقين (٢). وقد عرفت ما فيه.

والتحقيق عدم المانع من الاستصحاب لو لا المعارضة ، فنقول : الأصل عدم تحقّق الموت إلى زمان الإسلام ، لأنّ زمان الموت وإن كان معلوما فليس لنا شكّ فيه في عمود الزمان إلّا أنّ معلوميته بهذا العنوان لا تنافي كونه مشكوكا بعنوان آخر ، وهو عنوان تحقّقه في زمان الإسلام الواقعي ، فإنّا نكون شاكّين فيه بهذا العنوان بالوجدان بعد ما كنّا على يقين من عدمه ، والميزان في باب الاستصحاب هو وجود الشكّ واليقين واجتماعهما في شيء بعنوان وإن كان معلوما غير مشكوك بعنوان آخر ، كما مثّلنا له آنفا باستصحاب حياة المقلّد ولو

__________________

(١) كفاية الأصول : ٤٧٧ ـ ٤٧٨.

(٢) كفاية الأصول : ٤٧٩ ـ ٤٨٠.

احتملنا انطباق من علمنا بموته عليه.

وبالجملة ، العلم بتحقّق الموت يوم السبت والإسلام في زمان آخر منشأ للشكّ في تأخّر الإسلام عن الموت وتقدّمه عليه ، لتساوي الاحتمالين عندنا ولا يجعل المشكوك متيقّنا.

ومن ذلك ظهر ما في كلام شيخنا الأستاذ قدس‌سره حيث أنكر الاستصحاب في معلوم التاريخ.

وتلخّص من جميع ما ذكرناه أنّ الاستصحاب في نفسه جار في جميع صور المقام ، كان أحد الحادثين معلوم التاريخ أو كانا مجهولي التاريخ ، وعدم الجريان مستند إلى المعارضة لا غير.

ثمّ إنّ شيخنا الأستاذ قدس‌سره ذهب إلى نجاسة ماء تواردت عليه حالتان : الكرّيّة ، والملاقاة بعد ما كان قليلا ، سواء كانتا مجهولتي التاريخ أو كان تاريخ الملاقاة معلوما دون الكرّيّة أو العكس.

أمّا في مجهولتي التاريخ : فلأنّ استصحاب عدم الكرّيّة إلى زمان الملاقاة جار ، وتترتّب عليه نجاسة الماء ، لتحقّق كلا جزأي موضوع النجاسة : أحدهما بالوجدان ـ وهو الملاقاة ـ والآخر بالاستصحاب ، وهو القلّة وعدم الكرّيّة في زمان الملاقاة. ولا يعارض هذا الاستصحاب باستصحاب عدم حصول الملاقاة إلى زمان الكرّيّة ، فإنّه لا يثبت كون الملاقاة بعد الكرّيّة حتى يحكم بالطهارة.

وأمّا فيما كان تاريخ الملاقاة معلوما فحيث لا يجري الاستصحاب في معلوم التاريخ على مبناه فاستصحاب عدم حصول الكرّيّة إلى زمان الملاقاة يجري بلا معارض ، وتترتّب عليه أيضا نجاسة الماء.

وأمّا إذا كان تاريخ الكرّيّة معلوما ، فأصالة عدم الكرّيّة إلى زمان الملاقاة وإن كانت لا تجري في نفسها إلّا أنّ أصالة عدم حصول الملاقاة إلى زمان الكرّيّة

أيضا لا تثبت سبق الكرّيّة على الملاقاة ، وسبق العاصميّة للماء ـ ولو آناً ما ـ معتبر في عدم تأثير ملاقاة النجس ، وإذا لم تثبت بالاستصحاب لا نجاسة هذا الماء ولا طهارته ، فلا بدّ من الحكم بنجاسته لا من باب التمسّك بالعامّ في الشبهة المصداقيّة ، بل من باب أنّ عدم التنجيس علّق في قوله عليه‌السلام : «إذا بلغ الماء قدر كرّ لا ينجّسه شيء» (١) على موضوع الكرّ ، والحكم في المخصّص ـ سواء كان متّصلا أو منفصلا ـ إذا علّق على أمر وجودي ، فلا بدّ من إحراز ذلك الأمر الوجوديّ بحسب الفهم العرفي.

مثلا : إذا قال المولى : «لا تعط أحدا هذا المال إلّا إذا كان فقيرا» أو «لا تأذن لأحد في دخول داري إلّا إذا كان صديقا لي» لا يشكّ العرف في لزوم إحراز الفقر في جواز الإعطاء ، ولزوم إحراز الصداقة في جواز الإذن للدخول ، ولا يرونه معذورا إذا أعطى من يشكّ في فقره ، أو أذن من يشكّ في صداقته لو كان غنيّا أو غير صديق.

وبالجملة ، بنى على النجاسة في الصورة الأخيرة لهذه الكبرى ، كما بنى على عدم عفو الدم المشكوك كونه أقلّ من الدرهم أو أزيد ، وعلى حرمة النّظر إلى المرأة المشكوك كونها أجنبيّة لذلك أيضا (٢).

هذا ، ولكن لا يخفى عدم تماميّة ما أفاده ، والظاهر استناد عدم الجريان في جميع الصور الثلاث إلى التعارض ، وإلّا فلا مانع في نفسه من الجريان أصلا ، فإنّ منعه قدس‌سره عن جريان استصحاب عدم الملاقاة إلى زمان الكرّيّة لأجل كونه مثبتا في الصورة الأولى والثالثة ، في غير محلّه ، فإنّ الماء القليل إذا لم يلاق

__________________

(١) الكافي ٣ : ٢ ـ ١ ، الفقيه ١ : ٨ ـ ١٢ ، التهذيب ١ : ٣٩ ـ ٤٠ ـ ١٠٧ ، الاستبصار ١ : ٦ ـ ١ ، الوسائل ١ : ١٥٨ ـ ١٥٩ ، الباب ٩ من أبواب الماء المطلق ، الحديث ١.

(٢) أجود التقريرات ٢ : ٤٣٥ ـ ٤٣٦.

النجس طاهر بلا إشكال ، فباستصحاب عدم الملاقاة في زمان القلّة يحكم بطهارته ، ولا نحتاج إلى إثبات بعديّة الملاقاة عن الكرّيّة ، ومنعه عن جريان الاستصحاب في معلوم التاريخ أيضا قد عرفت ما فيه ، ففي جميع الصور الثلاث يجري الاستصحابان : أحدهما يقتضي طهارة الماء ، والآخر نجاسته ، فيسقطان من جهة المعارضة.

ويبقى الكلام في الكبرى التي أفادها ، والظاهر أنّه لا أساس لها ، فإنّ مثل عدم جواز إعطاء المال لمشكوك الفقر أو عدم جواز الإذن في دخول الدار لمشكوك الصداقة من جهة عدم إحراز الإذن الّذي هو موضوع لجواز التصرّف في مال الغير ، فإنّ إعطاء مال الغير لأحد ، وإدخال الغير في ملك المالك تصرّف في ملك الغير ، فلا بدّ من إحراز إذنه.

هذا بالنظر البدوي ، وإلّا ففي غالب موارد تعليق الحكم الترخيصي في المخصّص على أمر وجودي يوجد أصل موضوعي يحرز به عدم تحقّق ذلك الأمر الوجوديّ ، فإنّه ـ أيّا ما كان ـ حادث مسبوق بالعدم ولو أزلا ، فبأصالة عدم فقر المشكوك أو صداقته ، أو أصالة عدم حصول العلقة الزوجيّة أو عدم تحقّق النسب وسبب الحلّ في المرأة المشكوك كونها زوجة أو من المحرّمات النسبيّة يثبت عدم تحقّق عنوان المخصّص ، وبذلك يدخل في موضوع العامّ ، فإذا فرضنا عدم وجود أصل موضوعي يثبت عدم تحقّق عنوان المخصّص ، فمقتضى القاعدة هو البراءة ، لكونه شبهة في الموضوع ، فلا يمكن الحكم بنجاسة الماء المشكوك الكرّيّة ، الملاقي للنجس في المثال المتقدّم بعد تعارض الاستصحابين ، بل لا بدّ من الحكم بطهارته بقاعدة الطهارة.

هذا ، مع أنّ الإحراز لا يكون قيدا مأخوذا في موضوع عدم الانفعال بحيث يكون عدم الانفعال حكما مترتّبا على الماء المحرز الكرّيّة ، وإلّا تلزم

نجاسة الكرّ الواقعي بملاقاته للنجس حين عدم إحراز كرّيّته ، وهو قدس‌سره أيضا لا يلتزم بذلك بل يصرّح بخلافه ، فلا بدّ أن يكون طريقا إلى الواقع ، وحينئذ فالمحكوم بعدم الانفعال هو الكرّ الواقعي ، وبالانفعال هو ما يكون قليلا واقعا ، فالمشكوك ـ على ما أفاده ـ محكوم بحكم ظاهريّ هو الانفعال ، وكيف يمكن استفادة الحكم الواقعي للمعلوم وغيره ، والحكم الظاهري للمشكوك من قوله عليه‌السلام : «إذا بلغ الماء قدر كرّ لا ينجّسه شيء»!؟

هذا كلّه في الموضوعات المركّبة ، أمّا إن كان الأثر مترتّبا لا على الموضوع المركّب من وجود أحد الحادثين في زمان عدم الآخر أو العكس ، بل الأثر كان مترتّبا على المتأخّر من الحادثين المتضادّين في الوجود ، كالقيام والقعود ، والفسق والعدالة ، والحدث والطهارة وغير ذلك ممّا لا يمكن اجتماعهما في زمان واحد ، ووجود أحدهما ملازم لانتفاء الآخر ، ففي جريان الاستصحاب فيهما في نفسه لو لا التعارض مطلقا ، أو عدم الجريان في نفسه مطلقا بمعنى عدم تماميّة أركانه ، أو التفصيل بين معلوم التاريخ ومجهوله وجوه تقدّمت في الموضوعات المركّبة ، فصاحب الكفاية يمنع عن جريان الاستصحاب في مجهولي التاريخ ، لعدم اتّصال زمان الشكّ بزمان اليقين (١). لكنّ بين المقامين فرقا من جهة أنّ هناك كان زمانا يعلم بتحقّق كلا الحادثين فيه ، والانفصال باعتبار تخلّل زمان بين زماني المشكوك والمتيقّن ، بخلاف المقام ، فإنّا إذا علمنا بتحقّق وضوء وحدث فيما بين طلوع الشمس والزوال ولم نعلم المتأخّر منهما ، ففي أيّ آن أشرنا إليه من الزوال إلى الطلوع نحن على شكّ من الوضوء والحدث ، ولا علم لنا في هذا القوس النزولي من الزمان

__________________

(١) كفاية الأصول : ٤٧٨ ـ ٤٧٩.

بأحدهما في جزء منه أصلا ، فعدم اتّصال زمان الشكّ بزمان اليقين في المقام بهذا الاعتبار ، فإنّه ليس زمان معيّن عندنا نعلم بتحقّق الحدث أو الطهارة فيه حتى يكون زمان الشكّ متّصلا به ، بل أيّ زمان فرض فهو زمان الشكّ.

ولكن لا يخفى ما في هذا الكلام ، إذ لا يعتبر في الاستصحاب أن يكون زمان المتيقّن معلوما لنا بشخصه ، بل الاعتبار باليقين السابق والشكّ اللاحق ، ولذا لم يستشكل أحد في استصحاب ما لم يعلم زمان تحقّقه تفصيلا في غير مورد العلم الإجمالي ، كالحدث المعلوم تحقّقه إجمالا فيما بين الطلوعين ، وشكّ في ارتفاعه شكّا بدويّا.

والحاصل : أنّه لم يعتبر أحد العلم تفصيلا بزمان المتيقّن يومه وساعته ودقيقته ، فعلى ذلك نقول : كنّا على يقين من الحدث في زمان مجهول عندنا المعلوم عند الله تعالى ، والآن نحن على شكّ من بقائه ، فنستصحبه ، وهكذا بالنسبة إلى الوضوء ، فالصحيح جريان الاستصحابين ، لتماميّة أركانهما ، وتساقطهما بالتعارض. هذا في مجهولي التاريخ.

وأمّا إذا كان تاريخ أحدهما معلوما بأن نعلم بتحقّق وضوء في الساعة الخامسة من النهار ونعلم أيضا بتحقّق نوم مثلا قبله أو بعده ، فصاحب الكفاية بنى على جريان الاستصحاب في معلوم التاريخ دون مجهوله على مبناه من اعتبار اتّصال زمان الشكّ بزمان اليقين المعلوم تفصيلا (١). ووافقه الشيخ (٢) قدس‌سره وغيره لكن بملاك آخر.

وغاية ما يمكن أن يقال في توجيهه : إنّ هذا الفرع متفرّع على القسم

__________________

(١) انظر : كفاية الأصول : ٤٧٩ ـ ٤٨٠.

(٢) انظر ما يأتي في ص ١٨٢ عند قوله : ثمّ إنّ ما نسبناه ، إلى آخره. وكذا ما تقدّم في ص ١٦٢ عند قوله : أو يفصّل بين مجهول التاريخ ، إلى آخره.

الرابع من أقسام استصحاب الكلّي الّذي تصوّرناه ومثّلنا له بما إذا رأى أثر جنابة على ثوبه ليلة الخميس واغتسل منه ثمّ رأى بعد ذلك أثرا آخر في ثوبه ويحتمل أن يكون حاصلا بعد الموجب الأوّل الّذي اغتسل منه وأن يكون موجبا ثانيا حصل بعد الغسل من الموجب الأوّل ، وذكرنا الخلاف في أنّه هل هو من القسم الثالث أو الثاني؟ وألحقه جماعة بالثالث ، نظرا إلى أنّه إن كان حاصلا قبل الغسل ، فقد ارتفع قطعا ، واحتمال حدوثه بعد الغسل احتمال لحدوث سبب آخر للجنابة بعد القطع بزوال السبب الأوّل.

هذا ، ولكن نحن نستصحب طبيعيّ الحدث المتحقّق عند الأثر الثاني كان مسبّبا عنه أو عن الأوّل ، فالصواب إلحاقه بالقسم الثاني ، وعليه فلا مانع من استصحاب الحدث والطهارة كليهما في المقام ، غاية الأمر أنّهما يسقطان بالتعارض ، ولكن لا بدّ له من الوضوء للصلاة بمقتضى قاعدة الاشتغال.

نعم ، في الحدث الأكبر والغسل إذا شكّ في المتأخّر منهما تجري أصالة البراءة عن حرمة المكث في المسجد بعد تعارض الاستصحابين ، كما أنّه في الشكّ في تأخّر ملاقاة البول عن غسل الثوب وتقدّمها يرجع إلى قاعدة الطهارة.

ومن هنا ظهر وجه ما نسب إلى العلّامة قدس‌سره ـ من الأخذ بضدّ الحالة السابقة ـ والجواب عنه ، فإنّ وجهه عين ما ذكر ـ من القطع بزوال الحالة السابقة على الحالتين ، مثلا : إذا قام عن نومه صباحا وعلم بأنّه نام مرّة ثانية وتوضّأ أيضا إمّا قبل النوم الثاني أو بعده ، فإن نام قبله فقد وقع الحدث على الحدث ولا يؤثّر ، واحتمال حدوث النوم بعد الوضوء احتمال حدوث سبب آخر للوضوء بعد ارتفاع الأوّل ـ والجواب هو الجواب.

ثمّ إنّ هناك فرعا يتفرّع على هذا البحث قد تعرّض له صاحب الكفاية في

باب اجتماع الأمر والنهي (١) ، وهو أنّه إذا علم إجمالا بنجاسة أحد الماءين ، وردت الرواية على أنّه يهريقهما ويتيمّم (٢). وجعله صاحب الكفاية مقتضى القاعدة ، نظرا إلى أنّ المكلّف بسبب الوضوء بأحدهما ثمّ غسل أعضاء وضوئه بالثاني والوضوء به أيضا يبتلى بنجاسة البدن بمقتضى الاستصحاب ، حيث إنّه بعد صبّ الماء الثاني لغسل العضو وقبل انفصال غسالته يعلم تفصيلا بنجاسة بدنه وبعد انفصال الغسالة يشكّ في زوالها فتستصحب ، ولا يعارض هذا الاستصحاب باستصحاب الطهارة التي علم بعد انفصال غسالة الماء الثاني بتحقّقها في زمان ، إذ ليس لهذا اليقين زمان معيّن فلا يتّصل زمان الشكّ بزمانه.

ولكنّك عرفت عدم اعتبار ذلك في الاستصحاب ، فنشير إلى الزمان الواقعي الّذي في علم الله كان العضو طاهرا فيه ونستصحب تلك الطهارة ، فإذا تعارض الاستصحابان ، يرجع إلى قاعدة الطهارة ، لكن في خصوص مورد الرواية خصوصيّة توجب ورودها على طبق القاعدة غير ما أفاده ، وهي وجود العلم الإجمالي بعد غسل أحد الأعضاء بالماء الثاني بنجاسة المغسول أو غيره ممّا لم يغسله بعد ، مثلا : إذا صبّ الماء الثاني على وجهه ، يعلم إجمالا إمّا بنجاسة وجهه إن كان النجس هو الماء الثاني ، أو بنجاسة يده إن كان النجس هو الماء الأوّل ، وبهذا ظهر عدم الفرق بين كون الثاني كرّا أو قليلا ، إذ الوضوء تدريجي يحصل شيئا فشيئا.

ثمّ إنّه ربّما نسب إلى العلّامة قدس‌سره القول بالأخذ بنفس الحالة السابقة على الحالتين.

__________________

(١) كفاية الأصول : ٢١٦.

(٢) الكافي ٣ : ١٠ ـ ٦ ، التهذيب ١ : ٢٢٩ ـ ٦٦٢ ، الاستبصار ١ : ٢١ ـ ٤٨ ، الوسائل ١ : ١٥١ ، الباب ٨ من أبواب الماء المطلق ، الحديث ٢.

وهو بظاهره بيّن الفساد ، فلا بدّ من توجيهه.

وربّما يفصّل تفصيل آخر في هذه المسألة عكس تفصيل صاحب الكفاية ، وهو جريان الاستصحاب في مجهول التاريخ ـ أي استصحاب عدمه ـ دون معلومه ، نقله الشيخ قدس‌سره عن بعض في الرسائل ، وأورد عليه بأنّ استصحاب عدم الوضوء إلى الزمان المعلوم تحقّق الحدث فيه كالظهر ـ مثلا ـ لا يثبت حدوث الوضوء بعد الحدث ، وهكذا العكس ، يعني ما إذا كان تاريخ الوضوء معلوما (١).

ثمّ إنّ ما نسبناه إلى الشيخ قدس‌سره ـ من إنكار جريان الاستصحاب في مجهول التاريخ دون معلومه اعتمادا على نقل شيخنا الأستاذ قدس‌سره (٢) ونسبته إليه ـ لا يستفاد من شيء من كلماته في طهارته ورسالته بل ظاهرها ـ لو لا صريحها ـ جريان الاستصحاب فيهما ، فالظاهر أنّ النسبة ليست بصحيحة.

نعم ، يقول الشيخ بهذا التفصيل في الحادثين اللذين يكون الأثر مترتّبا على عدم أحدهما عند وجود الآخر.

التنبيه العاشر : ربّما يقال باستصحاب الصحّة عند الشكّ في المانعيّة ، فيقال : قبل حدوث التبسّم في أثناء الصلاة كانت الصلاة متّصفة بالصحّة فالآن كما كانت.

وأورد على هذا القول الشيخ قدس‌سره بأنّ المراد إن كان صحّة الكلّ بمعنى مطابقة المأتيّ به للمأمور به ، فالشكّ فيها شكّ في الحدوث لا في البقاء ، فلا معنى لاستصحابها.

وإن كان المراد استصحاب صحّة الأجزاء السابقة بمعنى قابليّتها لانضمام

__________________

(١) فرائد الأصول : ٣٨٨.

(٢) نسب المحقّق النائيني إلى الشيخ قدس‌سرهما عكس التفصيل ، انظر : أجود التقريرات ٢ : ٤٢٤.

سائر الأجزاء بشرائطها إليها ، فهي مقطوعة ، إذ الشيء لا ينقلب عمّا هو عليه ، مضافا إلى أنّ القطع بها لا يفيد شيئا فضلا عن استصحابها ، حيث لا يثبت بها انضمام ما لحق بما سبق ، فلا مناص عن الرجوع إلى أصل آخر من البراءة أو الاشتغال على الخلاف في الشكّ في الأقلّ والأكثر الارتباطيّين.

نعم ، لو قلنا بالاستصحاب التعليقي حتى في الموضوعات ، لتمّ هذا الاستصحاب ، لكن قد مرّ أنّه في الأحكام ممنوع فضلا عن الموضوعات.

ثمّ إنّه قدس‌سره فرّق بين المانع والقاطع بدعوى أنّ المانع ما اعتبر عدمه في الصلاة ـ مثلا ـ والقاطع ما يكون قاطعا عند الشارع للهيئة الاتّصاليّة الثابتة لأجزاء الصلاة ، كالقهقهة والاستدبار وخروج الحدث وغيرها ممّا عبّر عنها في لسان الروايات بالقاطع ، واستصحاب الصحّة في الأوّل غير تامّ ، لما عرفت ، ولا مانع منه في الثاني ، فعند الشكّ في قاطعيّة التبسّم نقول : قبل حدوث التبسّم كانت الهيئة الاتّصاليّة متحقّقة للصلاة فنستصحبها (١).

وفيه أوّلا : أنّ القاطع أيضا ليس إلّا ما اعتبر عدمه في الواجب ، والفرق ليس إلّا في التعبير.

وثانيا : لو سلّم الفرق ، فلا محالة يكون بزيادة خصوصيّة في القاطع ، مضافا إلى ما في المانع بحيث تكون للقاطع حيثيّتان : حيثيّة قطعه للهيئة الاتّصاليّة ، وحيثيّة اعتبار عدمه في الواجب ، فلو فرض جريان الاستصحاب بالحيثيّة الأولى ، فلا يمكن جريانه بالحيثيّة الثانية ، فلا بدّ مع ذلك من الوقف والرجوع إلى أصل آخر من البراءة أو الاشتغال على الخلاف.

وثالثا : لو فرضنا تباينهما وعدم وجود الحيثيّة الثانية في القاطع بل كان

__________________

(١) فرائد الأصول : ٣٨٩ ـ ٣٩٠.

معناه ما يقطع الهيئة الاتّصاليّة فقط من دون اعتبار عدمه في الصلاة ، نقول : المستصحب أيّ شيء هو؟ فإنّ الهيئة الاتّصاليّة لجميع الأجزاء مشكوكة الحدوث ، والهيئة الاتّصاليّة للأجزاء السابقة مقطوعة التحقّق ، ولا يفيد القطع بها اتّصال ما لحق بما سبق فضلا عن استصحابها.

وبالجملة ، يرد عليه ما أورده في المانع حرفا بحرف ، فالصحيح عدم صحّة استصحاب الصحّة في المانع والقاطع.

نعم ، لو كانت الشبهة موضوعيّة لا حكميّة ، يصحّ الاستصحاب ويتمّ الموضوع المركّب بضمّه إلى الوجدان ، مثلا : إذا علمنا بقاطعيّة القهقهة وشككنا في كون الصادر منّا كذلك ، أو في أصل صدورها ، نستصحب عدمها ، ونحكم بمطابقة المأتيّ به للمأمور به لإحراز عدم القهقهة بالأصل ، وغيره من الأجزاء والشرائط بالوجدان.

التنبيه الحادي عشر : يعتبر في جريان الاستصحاب أمور أربعة : اليقين السابق ، والشكّ اللاحق ، ووجود أثر يمكن ترتيبه على المستصحب في زمان الشكّ ، والدليل على حجّيّة الاستصحاب ، فإذا تمّت هذه الأمور ، يجري الاستصحاب بلا إشكال ، ولا فرق في ذلك بين أن يكون المستصحب من الأفعال الجوارحيّة وأن يكون من الأفعال الجوانحيّة ، كالأمور الاعتقاديّة إذا لم يكن المطلوب فيها هو اليقين الوجداني ، لصدق نقض اليقين بالشكّ في جميع ذلك ، وأمّا إذا كان المطلوب فيها هو العلم واليقين الوجدانيّين ، كالنبوّة والإمامة ، فلا يمكن استصحابها ، لعدم وجود أثر للنبوّة الاستصحابيّة.

وبذلك ظهر ما في تمسّك الكتابي بالاستصحاب ، فإنّه إمّا يتمسّك به إقناعا وإظهارا لمعذوريّته في اعتقاده أو إلزاما للمسلم وعلى كلّ تقدير إمّا يستصحب نبوّة موسى ـ مثلا ـ أو يستصحب الأحكام الثابتة في شريعته عليه‌السلام.

فإن أراد أن يجعل الاستصحاب حجّة فيما بينه وبين الله ، فحقيق بأن يقال : إنّه أوهن من بيت العنكبوت.

أمّا استصحاب نبوّة موسى عليه‌السلام : فلما ذكر من اعتبار أمور أربعة في جريان الاستصحاب ، وليس في هذا الاستصحاب إلّا اليقين والشكّ ، حيث إنّ اعترافه بالشكّ في انتهاء أمد نبوّة موسى عليه‌السلام ـ مع كونها ممّا يطلب فيها اليقين ـ اعتراف بعدم وجود أثر للمستصحب. ثمّ على فرض وجود أثر له لا دليل على حجّيّة الاستصحاب في شريعته.

وأمّا استصحاب الأحكام : فلا أثر له أيضا ، لأنّ الشبهة حكميّة ، والاستصحاب أصل لا يجري إلّا بعد الفحص واليأس عن الظفر بالدليل ، وبالفحص يحصل له العلم بنسخ جملة منها. هذا مضافا إلى عدم الدليل في شريعته عليه‌السلام على حجّيّة الاستصحاب.

وإن أراد إلزام المسلم فلا يوجد شيء من الأمور الأربعة في استصحاب النبوّة :

أوّلا : لعدم يقين المسلم بنبوّة موسى عليه‌السلام وسائر النبوّات إلّا من طريق الإسلام ، ولولاه لأمكنت المناقشة في جميعها ، لعدم اقترانها بمعجزة باقية كنبوّة نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهذا مضمون ما ذكره أبو الحسن مولانا الرضا عليه‌السلام في جواب الجاثليق (١) ، ولا يحتاج إلى تأويل.

ولا يرد على ظاهره ما أورده الشيخ قدس‌سره من أنّ موسى بن عمران شخص واحد وجزئي حقيقي اعترف المسلمون وأهل الكتاب بنبوّته (٢) ، وذلك لأنّ هذا الشخص الخاصّ لا ريب في وجوده وإنّما الإشكال في نبوّته لو لا ثبوتها بطريق

__________________

(١) الاحتجاج ٢ : ٤٠٤ ، وعنه في البحار ١٠ : ٣٠٢.

(٢) فرائد الأصول : ٣٩١.

الإسلام.

وثانيا : لا شكّ للمسلم على فرض يقينه بنبوّة موسى عليه‌السلام ـ في بقائها ، لأنّه قاطع بانتهاء أمدها ، وإلّا لا يكون مسلما.

وثالثا : لو فرض الشكّ ، فلا أثر لهذا الاستصحاب.

ورابعا : لا دليل على حجّيّته في مثل أمر النبوّة لا في الإسلام ولا في غيره.

نعم ، لو دلّ دليل في الشريعتين أو شريعة الإسلام فقط على حجّيّة الاستصحاب في مثل أمر النبوّة ، لكان لإلزام الكتابي مع قطع النّظر عن الإشكالات السابقة وجه إلّا أنّ الشأن في إثبات ذلك.

وإن أراد إلزام المسلم باستصحاب أحكام الشريعة السابقة ، فلا يتمّ أيضا شيء من الأركان. ووجهه ظهر من سابقه.

وممّا ذكر ظهر ما في تفصيل صاحب الكفاية بين أن تكون النبوّة من المناصب المجعولة ، فيمكن استصحابها ، وأن تكون ناشئة من كمال النّفس بمرتبة تتّصل باللوح المحو والإثبات بل اللوح المحفوظ ، فلا يمكن (١) ، وأنّه لا فرق في البين ولا يجري الاستصحاب في شيء من الصورتين ، لأنّ النبوّة ممّا يكون المطلوب فيها المعرفة واليقين الوجدانيّين ، فلا أثر لاستصحابها.

التنبيه الثاني عشر : لا إشكال في عدم جواز التمسّك بالاستصحاب وغيره من الأصول مع وجود دليل موافق أو مخالف له ولو كان عامّا أو إطلاقا ، لمكان ارتفاع موضوع الأصل ـ وهو الشكّ ـ بوجوده ، فهو حاكم عليه أو وارد ، على الكلام.

__________________

(١) كفاية الأصول : ٤٨١ ـ ٤٨٢.

وإنّما وقع الكلام والإشكال فيما إذا خصّص العامّ أو المطلق المفيد للعموم من جهتين : الأفرادي والأزماني ، بمخصّص في بعض الأزمان في أنّه هل هو من موارد التمسّك بالعامّ ، والحكم بأنّ الفرد الخارج محكوم بحكم العامّ فيما بعد زمان التخصيص ، أو من موارد التمسّك باستصحاب حكم المخصّص؟

وهذا البحث بحث نفيس ، له كثير فائدة في الفقه سيّما في باب الخيارات ، فإذا شكّ في خيار الغبن أنّه فوري ينقضي بمجرّد ظهور الغبن وعدم إعمال ذي الخيار خياره مع تمكّنه منه ، أو أنّه باق حتى مع التسامح والتساهل؟ يجري هذا الكلام.

وتمسّك المحقّق الثاني قدس‌سره بعموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)(١) وحكم بفورية الخيار (٢).

واستشكل عليه الشيخ قدس‌سره ، وحاصل إشكاله ـ على ما هو ظاهر كلامه في رسالته ـ هو أنّ الدليل الدالّ على حكم العامّ إن أخذ الزمان فيه ظرفا للحكم بحيث يكون الحكم حكما واحدا مستمرّا ، له إطاعة واحدة وعصيان واحد بنحو العامّ المجموعي نظير وجوب الإمساك من الفجر إلى المغرب ، فالمورد مورد للتمسّك بالاستصحاب ، ولا يجوز التمسّك بالعامّ ولو لم يكن الاستصحاب جاريا لمانع من ابتلائه بمعارض ونحوه ، لخروج العقد الغبني ـ مثلا ـ عن تحت العامّ في زمان ، وعوده بعد ذلك وشموله له يحتاج إلى دليل.

وإن أخذ قيدا للحكم ومفرّدا له بنحو العامّ الاستغراقي بحيث يكون هناك أحكام متعدّدة بحسب تعدّد الأزمان ، ويكون لكلّ منها إطاعة وعصيان

__________________

(١) المائدة : ١.

(٢) جامع المقاصد ٤ : ٣٨.

مستقلّان ، نظير وجوب صوم شهر رمضان ، فالمورد مورد للتمسّك بالعموم ، ولا يجوز التمسّك بالاستصحاب ولو فرض عدم جواز التمسّك بالعموم لمانع من ابتلائه بمعارض ونحوه ، لأنّه قياس وإسراء حكم من موضوع إلى آخر ، وليس من الاستصحاب في شيء (١).

هذا ، وصاحب الكفاية (٢) أورد على إطلاق كلام الشيخ قدس‌سره نفيا وإثباتا وفصّل تفصيلا آخر ، وحاصله : أنّه لا بدّ من النّظر إلى دليل العامّ ودليل المخصّص كليهما ، فإن أخذ الزمان في كلّ منهما قيدا ومفرّدا ، فلا بدّ من التمسّك بالعامّ لا الاستصحاب ولو كان العامّ مبتلى بالمعارض.

وإن أخذ في كلّ منهما ظرفا ، فلا بدّ من التمسّك بالاستصحاب لا العامّ ولو كان الاستصحاب مبتلى بالمعارض.

وإن أخذ في العامّ قيدا وفي الخاصّ ظرفا ، فالمورد مورد التمسّك بالعامّ ، لكن إذا كان العامّ مبتلى بالمعارض ، فلا مانع من التمسّك بالاستصحاب.

وإن أخذ في العامّ ظرفا وفي الخاصّ قيدا على عكس سابقه ، فلا يجوز التمسّك بالعامّ ، لانقطاع حكمه ، وعدم الدليل على عوده ثانيا ، ولا يجوز التمسّك بالاستصحاب أيضا ، لأنّه من القياس.

ثمّ استثنى قدس‌سره من القسم الثاني ما إذا كان الخاصّ غير قاطع لحكم العامّ بأن كان مخصّصا له من أوّل الأمر ، كدليل خيار المجلس ، فحكم بجواز التمسّك بالعامّ بعد ذلك الزمان.

وعمدة الفرق وسرّه أنّ القول بعدم جواز التمسّك بالعامّ في هذا الفرض

__________________

(١) فرائد الأصول : ٣٩٥ ـ ٣٩٦.

(٢) كفاية الأصول : ٤٨٣ ـ ٤٨٤.

مستلزم للتخصيص الأفرادي وخروج هذا الفرد عن تحت العامّ بالمرّة ، وهذا بخلاف ما إذا كان التخصيص من الوسط ، كخيار الغبن ، فإنّ العقد الغبني كان تحت عموم (أَوْفُوا)(١) في زمان ، فإذا تمسّك بالاستصحاب بعد ذلك الزمان ولم يتمسّك بالعامّ ، لم يلزم منه تخصيص العامّ تخصيصا أفراديّا بل كان عمومه الأفرادي باقيا ، غاية الأمر أنّه في زمان قصير.

والحاصل : أنّه إذا كان لدليل عمومان : أفراديّ وأزمانيّ ، فمقتضى أصالة العموم إبقاؤه على عمومه الأفرادي والأزماني ما لم يقطع بالتخصيص ، فإذا قطع بالتخصيص الأزماني وشكّ في تخصيصه الأفرادي ، فلا بدّ من الحكم ببقاء عمومه الأفرادي.

وما أفاده أخيرا من الاستثناء تامّ ـ مع قطع النّظر عمّا سيجيء ـ فيما إذا كان العمومان ـ الأفرادي والأزماني ـ مستفادين من دليلين بأن كان دليل دالّا على لزوم العقد في الجملة ، ودليل آخر دالّا على استمرار هذا اللزوم ، وأمّا إذا كان كلّ من اللزوم والاستمرار مستفادا من نفس دليل (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)(٢) ـ كما هو كذلك ، فإنّ مادّة «الوفاء» الّذي هو بمعنى الإتمام والإنهاء إلى الآخر وعدم رفع اليد عمّا التزم به بنفسها يستفاد منها كلا الأمرين ـ فلا يتمّ هذا الكلام ، حيث إنّ العامّ إذا خرج عن تحته ـ بمقتضى دليل خيار المجلس ـ عقد في زمان وحكم بعدم وجوب إتمام العقد وإنهائه إلى آخره وجواز رفع اليد عنه وفسخه ، فبأيّ دليل بعد ذلك نحكم بوجوب الإتمام والإنهاء؟

ثمّ إنّ لشيخنا الأستاذ قدس‌سره تفصيلا آخر في المقام في مقام بيان مراد الشيخ قدس‌سره ، وادّعى أنّ ظاهر كلامه في الرسائل غير مراد ، وبه دفع جميع

__________________

(١ و ٢) المائدة : ١.

الإشكالات الواردة عليه قدس‌سره.

وحاصل ما أفاده : أنّ كلّ قضيّة من القضايا الشرعيّة مشتمل على موضوع ومتعلّق وحكم ، والموضوع ربّما يكون أمرا واحدا وربّما يكون أكثر ، مثلا : قضيّة (لا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً)(١) مشتملة على موضوعين : المغتاب ـ بالفتح ـ والمغتاب ـ بالكسر ـ وعلى متعلّق هو الغيبة ، وحكم هو الحرمة. والموضوع دائما يكون مفروض الوجود ، وحيث يكون غالبا من الجواهر كالمكلّف والخمر ، لا يكون الزمان مفرّدا أو مكثّرا له ، ضرورة أنّ الخمر الموجود يوم السبت لا يصير يوم الأحد فردا آخر من الخمر ، وهذا بخلاف المتعلّق ، كالإكرام ، فإنّ الزمان مفرّد له ويكون الإكرام يوم السبت فردا من الإكرام ، والإكرام يوم الأحد فردا آخر منه. وبذلك ظهر أنّ العموم الأزماني لا يتصوّر في الموضوع ، وأنّه كما يتصوّر في الحكم كذلك يتصوّر في المتعلّق ، فيمكن أن يكون الزمان ظرفا أو قيدا للمتعلّق بنحو العامّ الاستغراقي أو المجموعي ، كما يمكن أن يكون ظرفا أو قيدا للحكم ، مثلا : يمكن أن يقال : الإكرام في كلّ يوم واجب ، كما يمكن أن يقال : الإكرام واجب ووجوبه مستمرّ في كلّ يوم ، فالحكم في الأوّل وارد على العموم ، والعموم في الثاني وارد على الحكم ، فيكون الحكم موضوعا للحكم بالاستمرار.

والفرق بينهما ـ مع كونهما متضايفين بمعنى أنّ استمرار الحكم ملازم لاستمرار المتعلّق وبالعكس ـ من جهتين :

الأولى : أنّ الدليل المتكفّل لبيان الحكم بنفسه متكفّل للعموم الأزماني إذا لوحظ في ناحية المتعلّق ، وأمّا إذا لوحظ في ناحية الحكم ، فلا يمكن تكفّل

__________________

(١) الحجرات : ١٢.

دليل الحكم بنفسه لاستمراره أيضا ، بل لا بدّ لذلك من دليل آخر ، وذلك لما ذكرنا من أنّ الحكم إذا كان مصبّا للعموم الأزماني يكون موضوعا للحكم بالاستمرار ، فلا بدّ من أخذه مفروض الوجود ثمّ الحكم باستمراره ، فكيف يمكن الحكم باستمرار حكم بنفس إنشائه!؟

الثانية : أنّ الاستمرار إذا لوحظ في جانب المتعلّق سواء كان بنحو العامّ الاستغراقي أو المجموعي فخرج ـ مثلا ـ إكرام زيد العالم في يوم السبت من عموم «العلماء في كلّ يوم يجب إكرامهم» وشككنا في خروجه بعد ذلك الزمان أيضا ، فلا بدّ من التمسّك بأصالة العموم ، إذ لا فرق بين الأفراد العرضيّة ، كإكرام زيد وعمرو وبكر ، والأفراد الطولية ، كإكرام زيد يوم السبت وإكرامه يوم الأحد ، فإذا خصّ العامّ بفرد من الأفراد الطوليّة أو العرضيّة أو جزء من الأجزاء في المجموعي منه وشكّ في تخصيص أكثر من ذلك ، فعموم العامّ ـ استغراقيّا كان أو مجموعيّا ـ محكّم بالنسبة إلى الباقي.

وأمّا إذا لوحظ في طرف الحكم ، فلا يمكن التمسّك بالعامّ المتكفّل لبيان استمرار الحكم عند الشكّ في التخصيص ، إذ الشكّ في التخصيص مساوق للشكّ في ثبوت الحكم للفرد المشكوك ، وإذا شكّ في ثبوته ، فلم يحرز وجوده حتى يحكم باستمراره ، إذ الدليل الثاني يحكم باستمرار الحلّيّة مثلا ، فلا بدّ من أن تكون الحلّيّة محرزة ومفروضة الوجود حتى يمكن إثبات استمرارها به ، فالتمسّك به ـ أي بدليل استمرار الحكم ـ لإثبات استمرار الحكم المشكوك نظير التمسّك ب «حلال محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله حلال إلى يوم القيامة» لإثبات استمرار حلّيّة شرب التتن ، المشكوكة حلّيّته (١).

__________________

(١) أجود التقريرات ٢ : ٤٣٩ ـ ٤٤١. والرواية في الكافي ١ : ٥٨ ـ ١٩ و ٢ : ١٧ ـ ١٨ ـ ٢.

هذا ، وللنظر فيما أفاده مجال ، لأنّ ما أفاده من عدم إمكان تكفّل دليل الحكم لبيان استمراره إنّما يتمّ بالنسبة إلى مقام استمرار الجعل ، فإنّ نفس دليل (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ)(١) لا يمكن أن يتكفّل لاستمرار هذا الجعل ، وأنّه مستمرّ لا ينسخ ، بل لا بدّ لإثبات ذلك من التمسّك بدليل آخر لفظي ، ك «حلال محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله حلال إلى يوم القيامة» أو أصل عملي ، كاستصحاب عدم النسخ.

أمّا استمرار المجعول وسعة دائرته وضيقها ـ الّذي هو مركز البحث ومحلّ النزاع ، إذ لا نزاع في نسخ حكم خيار الغبن وعدم نسخه ـ فيمكن تكفّل دليل واحد له بلا ريب ، كما في إنشاء الزوجيّة الدائميّة ، مثلا : يمكن جعل وجوب الحجّ في كلّ سنة بإنشاء واحد ، كما يمكن جعل وجوبه مرّة واحدة في العمر. وهذا واضح جدّاً.

ثمّ لو سلّمنا الفرق المذكور ، فلا نسلّم الفرق الثاني في المقام ، أي صحّة التمسّك بالعموم إذا لوحظ الاستمرار في المتعلّق ، وعدم صحّته إذا لوحظ في الحكم ، إذ العقد الغبني كان عقدا لازما عند ظهور الغبن يقينا ، فموضوع الحكم باستمرار اللزوم ـ وهو العقد اللازم ـ قد تحقّق ، فلا بدّ من الحكم باستمرار اللزوم في جميع الأزمنة إلّا زمان خرج بالدليل.

هذا ، مضافا إلى ما تقدّم في بحث التعبّدي والتوصّلي من أنّ الزمان دائما يكون ملحوظا في المتعلّق دون الحكم إلّا في مرحلة الجعل.

وبالجملة ، هذا التفصيل الّذي أفاده لا يمكن المساعدة عليه. وكلام الشيخ يأباه أيضا ، بل صرّح بخلافه في مواضع من كلامه (٢) ، وبعد ذلك لا يبقى

__________________

(١) آل عمران : ٩٧.

(٢) انظر على سبيل المثال : فرائد الأصول : ٣٩٥.

مجال لبيان حكم مورد الشكّ في ورود الحكم على العموم أو العكس ، فإنّه بلا فائدة.

والتحقيق الحقيق بالتصديق : هو لزوم التمسّك بالعامّ في جميع الصور.

بيان ذلك : أنّ الدليل إذا كان له ظهور في العموم الأزماني ، فلا مناص عن اتّباع هذا الظهور وعدم رفع اليد عنه إلّا بمقدار عارضه دليل أقوى منه ، ولا فرق في ذلك بين العموم الاستغراقي والمجموعي ، وأن يكون خروج الخارج من أوّل الأمر أو الوسط أو الآخر ، فإذا ورد «أكرم العلماء في كلّ يوم» وورد أيضا «لا تكرم زيدا العالم يوم السبت» لم يصادم ظهور العامّ إلّا بهذا المقدار ، يعني إكرام زيد يوم السبت ، فتكشف هذه القرينة المنفصلة عن أنّ المراد الجدّي من العامّ من الأوّل غير هذا الفرد في هذا اليوم ، وهكذا في العامّ المجموعي إذا قال المولى : «أكرم هؤلاء العشرة» أو «بع جميع كتبي» ثمّ قال : «لا تكرم زيدا من هذه العشرة» أو قال : «لا تبع الكتاب الفلاني» فإنّه لا ينبغي الشكّ في لزوم إكرام التسعة الباقية ، وبيع سائر الكتب.

ومن هذا القبيل ورود دليل على وجوب السورة في الصلاة مع ورود دليل آخر على عدم وجوبها على المستعجل وهكذا ورود دليل على لزوم الجهر في الصبح والمغرب والعشاء وورود دليل آخر على كون خصوص النساء بالخيار ، وهل يتوهّم أحد عدم جواز التمسّك بالدليل العامّ الّذي عمومه مجموعي ، واعتبر مجموع تلك الأجزاء والشرائط لإثبات اعتبار باقي الأجزاء والشرائط؟

ودعوى أنّ الحكم حيث كان واحدا متعلّقا بعشرة أجزاء مثلا ، وعلم من دليل آخر عدم كون العشرة مأمورا بها ولم يدلّ الدليل الأوّل على كون التسعة مأمورا بها ، فيجوز ترك جميع الأجزاء بالمرّة واضحة الفساد ، لما عرفت من أنّ

الدليل الثاني قرينة منفصلة على أنّ المراد الجدّي من الدليل الأوّل هو وجوب تسعة أجزاء لا غير ، كما إذا بيّن ذلك بالاستثناء المتّصل ، ففي جميع الموارد لا بدّ من التمسّك بالعامّ فيما لم يقطع بخروجه ، أو لم يدلّ دليل أقوى على خروجه ، ولا فرق بين الأفراد العرضيّة والطوليّة ، كما عرفت.

هذا ، وفي الآية المباركة (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)(١) خصوصيّة لمادّة «الوفاء» ـ الّذي قلنا : إنّه بمعنى الإتمام والإنهاء إلى الآخر ، يقال : «الدرهم الوافي» أي : الكامل التامّ. والوفاء بالعهد والوعد : إبقاؤه وعدم نقضه ، ولازم عدم النقض العمل بما عهد ووعد ـ وهي أنّ الأمر بالوفاء إمّا مولويّ أو إرشاد إلى لزوم العقد وعدم انفساخه بالفسخ ، وعلى كلّ حال يستفاد من الآية المباركة لزوم العقد إمّا مطابقة أو التزاما ، واللزوم حكم واحد غير قابل للتعدّد بحسب الأزمنة ، فكلّ عقد ، له لزوم واحد ووفاء فارد ، فعموم الآية من جهة الأزمان مجموعيّ ، فإذا خرج عقد في زمان بدليل لم يكن له إطلاق ـ كدليل خيار الغبن ، فإنّ دليله إجماع أو «لا ضرر» ـ يتمسّك بعموم الآية ، ويحكم بفوريّته.

التنبيه الثالث عشر : الشكّ المأخوذ في أخبار الاستصحاب هو بحسب اللغة والعرف خلاف اليقين ، وإطلاقه على الاحتمال المتساوي الطرفين اصطلاح من المنطقيّين أو غيرهم ، فمع الظنّ بالخلاف أيضا يجري الاستصحاب.

ولو فرض كون معناه الاحتمال المتساوي الطرفين بحسب اللغة والعرف ، ففي نفس أخبار الباب قرائن على كون المراد منه خلاف اليقين ، فإنّ قوله عليه‌السلام في صحيحة زرارة بعد السؤال عنه : عمّا إذا حرّك في جنبه شيء وهو

__________________

(١) المائدة : ١.

لا يعلم : «لا ، حتى يستيقن أنّه قد نام» (١) يدلّ على أنّ الوضوء لا ينقض ما لم يستيقن بالناقض.

وجعله عليه‌السلام هذه صغرى لقوله عليه‌السلام : «ولا تنقض اليقين بالشكّ» (٢) ـ مع أنّ هذا ، أي تحريك شيء في جنب الشخص أمارة غالبيّة بل دائميّة مفيدة للظنّ بالناقض ـ دليل على أنّ نقض اليقين بالظنّ بالخلاف مصداق لنقض اليقين ، فيدلّ على عدم اختصاص ذلك بالوضوء. وهذا مراد صاحب الكفاية (٣) وإن كان في عبارته تشويش واضطراب.

وقد استدلّ الشيخ قدس‌سره على ذلك بوجهين آخرين :

الأوّل : الإجماع.

وفيه ـ مع تسليمه وعدم وهنه بمخالفة الشيخ البهائي وغيره ـ : أنّ المجمعين لعلّهم استندوا إلى ظواهر الأخبار.

الثاني : أنّ الظنّ غير المعتبر وجوده كعدمه إن كان كالقياس ممّا علم بعدم اعتباره ، وإن شكّ في اعتباره ، فمرجع رفع اليد عن اليقين السابق به إلى نقض اليقين بالشكّ (٤).

ويرد عليه : ما أورده صاحب الكفاية (٥) من أنّ هناك أمرين قد خلط أحدهما بالآخر ، إذ عدم اعتبار الظنّ أمر ، وترتيب آثار الشكّ عليه أمر آخر ، فإذا فرضنا أخذ الشكّ في موضوع الاستصحاب ، فمع الظنّ غير المعتبر لا يجوز العمل بالظنّ ، ولا يجري الاستصحاب أيضا ، لعدم تحقّق موضوعه ، فلا بدّ من

__________________

(١ و ٢) التهذيب ١ : ٨ ـ ١١ ، الوسائل ١ : ٢٤٥ ، الباب ١ من أبواب نواقض الوضوء ، الحديث ١.

(٣) انظر : كفاية الأصول : ٤٨٤ ـ ٤٨٥.

(٤) فرائد الأصول : ٣٩٨.

(٥) كفاية الأصول : ٤٨٥ ـ ٤٨٦.

الرجوع إلى أصل آخر من الأصول.

تتمّة : يعتبر في جريان الاستصحاب بقاء الموضوع ، وعدم قيام أمارة ولو على وفاقه ، فهاهنا مقامان :

الأوّل : في اعتبار بقاء الموضوع بمعنى اتّحاد القضيّة المشكوكة مع المتيقّنة بموضوعها ومحمولها ونسبتها ـ والتعبير عنه ببقاء الموضوع من باب أنّ الموضوع بوصف موضوعيته يستلزم ذلك ، أو باعتبار أنّ الموضوع أكبر أجزاء القضيّة ـ وفي أنّ هذا الاتّحاد هل هو بنظر العرف ، أو بحسب دليل الحكم ، أو بنظر العقل؟

أمّا اعتبار بقاء الموضوع فيدلّ عليه ـ كما أفاده صاحب الكفاية (١) ـ أخذ نقض اليقين بالشكّ في أدلّة الاستصحاب ، ولا يحتاج إلى زيادة بيان وإقامة برهان.

وما علّله به شيخنا الأنصاري قدس‌سره ـ من أنّه لولاه يلزم انتقال العرض من موضوع إلى موضوع آخر وهو محال (٢) ، كما أفاده شيخنا الأستاذ (٣) قدس‌سره ـ تبعيد للمسافة ، مع عدم تماميته في نفسه ، إذ المستصحب لا يكون دائما من الأعراض ، فإنّه ربّما يكون من الجواهر ، وربّما يكون من الأمور الاعتباريّة ، كالملكيّة والرقّيّة والزوجيّة وغير ذلك.

مع أنّ استحالته خارجا لا تستلزم استحالته تعبّدا باعتبار آثاره الشرعيّة ، ضرورة أنّه لا مانع ولا محذور في تعبّد الشارع بعدالة ابن زيد عند الشكّ فيها إذا كان على يقين من عدالة أبيه ، فيحكم بلزوم ترتيب آثارها عند ذلك.

__________________

(١) كفاية الأصول : ٤٨٦.

(٢) فرائد الأصول : ٤٠٠.

(٣) أجود التقريرات ٢ : ٤٤٦.

وبالجملة ، تفصيل الكلام : أنّ المستصحب إمّا أن يكون حكما أو موضوعا ، وعلى الثاني إمّا أن يكون المحمول الثابت للموضوع من المحمولات الأوّليّة ، أي ما كان ثبوته له بنحو مفاد «كان» التامّة أو «ليس» التامّة ، وإمّا أن يكون من المحمولات الثانويّة ، أي ما كان ثبوته له بنحو مفاد «كان» الناقصة ، والأوّل كاستصحاب نفس وجود زيد وحياته والثاني كاستصحاب عدالته وقيامه وغير ذلك من أوصافه.

ولا فرق في الثاني بين أن يكون ثبوت المحمول للموضوع بلا واسطة أو بواسطة ثبوت محمول آخر له ـ كقيام زيد ، فإنّه يتوقّف على أن يكون زيد مستوي الخلقة ، قادرا على القيام حال الشكّ ـ لأنّه لا دخل له فيما نحن بصدده.

ثمّ إنّه لا إشكال في استصحاب الموضوع بنحو مفاد «كان» التامّة أو «ليس» التامّة في عدم لزوم إحراز وجود الموضوع أو عدمه ، ضرورة أنّه بعد إحرازه لا يبقى مجال للاستصحاب ، فيكفي في هذا الاستصحاب نفس تصوّر الماهيّة ، فيحكم بوجودها أو عدمها إذا كان ذلك متيقّنا في زمان وشكّ في بقائه.

وأمّا استصحابه بمفاد «كان» الناقصة فعلى أقسام ، إذ الشكّ تارة يكون في المحمول المترتّب الثانوي فقط ، كما إذا شكّ في عدالة زيد مع إحراز حياته ، ولا إشكال في جريان الاستصحاب في هذا القسم.

وأخرى يكون الشكّ في المحمول الثانوي والأوّلي كليهما ، كالشكّ في حياة زيد وعدالته ، وهو على قسمين : ما إذا كان الشكّ في العدالة ـ مثلا ـ مسبّبا عن الشكّ في وجود زيد وحياته بحيث لو قطع بحياته لقطع بعدالته أيضا ، وما إذا لم يكن كذلك بحيث لو فرض القطع بحياته أيضا يشكّ في عدالته.

وربّما يستشكل في جريان الاستصحاب في هذين القسمين ، نظرا إلى أنّ العدالة لا يمكن استصحابها ، لعدم إحراز وجود موضوعها وهو زيد ،

واستصحاب حياة زيد وإن كان ممكنا إلّا أنّه لا تترتّب عليه آثار عدالته ، ولا تثبت به عدالته.

ولكن لنا أن نستصحب الوجود الخاصّ ، وهو وجود زيد المتّصف بالعدالة ، الّذي كنّا على يقين منه ونكون الآن شاكّين فيه ، بل في القسم الأخير يمكننا استصحاب كلّ من حياة زيد وعدالته مستقلّا ، كما نستصحب كلّا من وصفي الإطلاق والكرّيّة فيما إذا شككنا في بقاء الماء ـ الّذي كنّا على يقين من إطلاقه وكرّيّته ـ على إطلاقه وكرّيّته وعدم بقائه على ذلك ، إذ الاستصحاب كما يجري في أصل الموضوع البسيط كذلك يجري في جزء الموضوع المركّب إذا كان جزؤه الآخر محرزا بالوجدان أو بالأصل ، فيجري الاستصحاب فيما إذا كان كلا جزأي الموضوع المركّب مشكوك البقاء ، فيحرز بقاء كلّ منهما بالاستصحاب ، ويلتئم الموضوع المركّب بذلك ، وكلّ ذلك من جهة صدق نقض اليقين بالشكّ ، فلا ينبغي الإشكال في جريان الاستصحاب في جميع أقسام الاستصحاب الموضوعي.

نعم ، لا يجري الاستصحاب لترتيب الآثار التي لا تترتّب إلّا بعد وجود الموضوع خارجا لا استصحابا ، كجواز القصاص ، وجواز الاقتداء ، ووجوب الحدّ وأمثال ذلك ، فلا يترتّب على استصحاب حياة زيد مثل هذه الآثار ، فإنّه لغو لا معنى له كما لا يخفى.

وعلى الأوّل ـ أي ما كان المستصحب حكما ـ فهو أيضا إمّا أن يكون من قبيل المحمول الأوّلي أو من قبيل المحمول المترتّب والثانوي.

فإن كان من قبيل الأوّل بأن كان الشكّ في بقاء الحكم راجعا إلى مرتبة الجعل وأنّه نسخ أو لا ، فلا إشكال في جريان الاستصحاب فيه على ما ذكروه من الضرورة على جريانه فيه.

وإن كان من قبيل الثاني ، فإن كان الشكّ راجعا إلى مرتبة المجعول ، فلا محالة يكون منشأ الشكّ هو الأمور الخارجيّة ، كالشكّ في بقاء وجوب الصوم على من احتمل حدوث مرض فيه بالصوم مضرّ ، وكالشكّ في بقاء الطهارة ، لاحتمال حدوث ناقض من النواقض ، كالبول أو المنيّ ، والاستصحاب في منشأ الشكّ في هذا القسم ـ كاستصحاب عدم حدوث المرض أو عدم حدوث البول ـ مغن عن استصحاب الحكم.

وإن كان الشكّ راجعا إلى مرتبة الجعل لكن من غير جهة النسخ ، بل لأجل الشكّ في سعة دائرة الموضوع وضيقها ، فلا بدّ من النّظر في أنّ العبرة في بقاء الموضوع هل هو بنظر العقل أو لسان الدليل أو العرف؟

فإذا قطع بارتفاع الموضوع على جميع التقادير من جهة انقلاب قيد وجودي يحتمل دخله في موضوع الحكم ، إلى العدم ، أو عدميّ كذلك إلى الوجود ـ كما إذا قطع بارتفاع الموضوع كالكلب الّذي وقع في المملحة فصار ملحا فاحتملنا نجاسته من جهة احتمال أنّ الموضوع الواقعي هو المادّة المشتركة بين الصورتين لا المادّة المتصوّرة بخصوص الصورة الكلبية ، إذ الملح الّذي يكون بصورة الكلب مغاير للكلب عقلا وعرفا ودليلا ـ فواضح أنّه لا يجري استصحاب الحكم ، ولا معنى لاستصحاب الموضوع ، إذ ما كان متيقّن النجاسة ـ وهو الكلب ـ قد ارتفع قطعا ، وما يكون باقيا يقينا ـ وهو المادّة المشتركة بين الصورتين ـ لم يكن متيقّن النجاسة ، فأي شيء نستصحبه؟ واستصحاب بقاء معروض النجاسة ، وبعبارة أخرى : استصحاب الموضوع بوصف الموضوعيّة عبارة أخرى عن استصحاب الحكم. وهذا الكلام سار في جميع الشبهات المفهوميّة.

وأمّا إذا شكّ في ارتفاعه وبقائه على بعض التقادير ، فيختلف الحال

باختلاف المباني ، وهذا كما إذا ورد «إنّ الماء إذا تغيّر ينفعل» أو ورد «إنّ الماء المتغيّر ينفعل» ، فإنّ الموضوع في الأوّل عند زوال التغيّر بنفسه مرتفع عقلا ـ بداهة أنّ تغاير «الماء بشرط التغيّر» و «بشرط عدم التغيّر» عقلا هو تغاير «بشرط شيء» و «بشرط لا» ـ وباق عرفا ودليلا ، أمّا دليلا : فواضح ، وأمّا عرفا : فلأنّ العرف يرى التغيّر من حالات الماء وأنّ الماء هو الموضوع ، والموضوع في الثاني عند زوال التغيّر مرتفع عقلا ودليلا ، وباق عرفا ، كما لا يخفى.

ثمّ إنّ الشيخ قدس‌سره خصّ جريان الاستصحاب بموارد الشكّ في الرافع بناء على كون العبرة بنظر العقل (١).

وأورد عليه بأنّه على مبناه ـ من إنكار جريان الاستصحاب في موارد الشكّ في المقتضي ـ لا وجه لهذا البناء ، إذ الاختصاص ثابت بيننا على كون العبرة بنظر العقل أو العرف أو لسان الدليل.

وصاحب الكفاية (٢) أفاد أنّ الالتزام بكون العبرة بنظر العقل مساوق لإنكار جريان الاستصحاب في الشبهات الحكميّة بالمرّة ولو كان من جهة الشكّ في الرافع ، إذ الشكّ في بقاء الحكم من غير جهة النسخ لا يعقل بعد استحالة البداء إلّا لأجل صيرورة الموضوع عادما لما كان واجدا له أو واجدا لما كان عادما له من الخصوصيّة التي يحتمل دخلها في موضوع الحكم.

ولشيخنا الأستاذ قدس‌سره كلام وجّه به كلام الشيخ قدس‌سره. وحاصله : أنّ الرافع ، له إطلاقان :

أحدهما : ما يكون مقابلا للمقتضي ، وهو بهذا المعنى ما يكون عدمه دخيلا في الموضوع ، ويكون الحكم بدونه باقيا إلى الأبد. وبالجملة ، ما يكون

__________________

(١) فرائد الأصول : ٤٠١.

(٢) كفاية الأصول : ٤٨٧.

مانعا عن تأثير المقتضي.

والثاني : ما يكون معدما للشيء بعد وجوده ، كخروج البول الّذي يكون ناقضا للوضوء ، وحصول النقاء أو الاغتسال الموجب لارتفاع حرمة الوطء ، والأوّل يعبّر عنه بالرافع والثاني بالغاية.

والشكّ في الرافع بالإطلاق الأوّل ملازم للشكّ في بقاء الموضوع عقلا ، لاحتمال أخذ عدمه في الموضوع ، فلا يجري الاستصحاب على القول بكون العبرة في البقاء بنظر العقل ، فلا يمكن استصحاب نجاسة الماء المتغيّر ، بعد زوال تغيّره ، ويجري إن كانت العبرة بنظر العرف ، ولا يكون الشكّ في الرافع بالإطلاق الثاني ملازما للشكّ في بقاء الموضوع ، إذ معدم الشيء لا يعقل أن يكون عدمه دخيلا فيه ، فيجري استصحاب الحكم إذا كان الشكّ في بقائه ناشئا من الشكّ في الرافع بهذا المعنى.

ثمّ أفاد قدس‌سره أنّ كلام الشيخ قدس‌سره ناظر إلى الرافع بالإطلاق الثاني ، وبه يندفع كلا الإشكالين عن الشيخ (١) قدس‌سره.

هذا ، ولكنّ الحقّ مع صاحب الكفاية ، فإنّ باب موضوعات الأحكام ليس باب التأثير والتأثّر ، والتعبير بالمقتضي والشرط والمانع والرافع لا يكون إلّا من باب التقريب والتشبيه ، ضرورة أنّ جميع ذلك تنتهي إلى جعل الشارع ، فما لم يجعل الشارع البول ناقضا للوضوء ورافعا ، لا يكون رافعا ، وهكذا ما لم يجعل الشارع الطلاق رافعا ، لا معنى لرافعيّته ، فلا معنى للرافع إلّا ما يكون عدمه دخيلا في الموضوع ، مثلا : الموضوع للزوجيّة هو المرأة المتزوّجة التي لم يطلّقها زوجها ، فبناء على كون العبرة بنظر العقل في بقاء الموضوع لا بدّ

__________________

(١) أجود التقريرات ٢ : ٤٤٨ ـ ٤٤٩.

ـ كما أفاده صاحب الكفاية ـ من اختصاص جريان الاستصحاب بالشبهات الموضوعيّة بأجمعها إلّا في بعض الموارد ، كاستصحاب كرّيّة ماء نقص منه مقدار قليل.

وقد يقال : إنّ القول باعتبار نظر العرف أو العقل في مقابل لسان الدليل ممّا لا وجه له ، فإنّ العقل لا يكون نبيّا مشرّعا ، ولا طريق له في فهم ما له دخل في الحكم. ونظر العرف إن كان المراد نظره فيما يفهمه من الدليل ، فليس شيئا غير الدليل حتى يجعل مقابلا له ، وإن كان المراد نظره المسامحي ـ بعد أخذ المفهوم بالنظر الدقّي العرفي ـ في التطبيقات الخارجيّة كمسامحته في باب الأوزان ، فيقول من عنده منّ من الحنطة إلّا مثاقيل : «عندي منّ من الحنطة» فواضح أنّ العرف ليس نبيّا مشرّعا ، ولا يعتنى بمسامحاته في تطبيق ما جعله الشارع موضوعا للحكم ، على الخارجيّات.

وهذا الإشكال نشأ من عدم التفرقة بين الحدوث والبقاء ، وهو تامّ في مرحلة الحدوث ، لما ذكر ، أمّا في مرحلة البقاء ـ التي هي محلّ الكلام ـ فالمقابلة واضحة.

توضيح ذلك : أنّا تارة نتكلّم فيما جعله الشارع موضوعا للحكم ابتداء ونرجع إلى العرف في تشخيص ذلك. وأخرى نتكلّم ـ بعد أخذ الموضوع بجميع قيوده وخصوصيّاته من الدليل وتعيين مفهومه من العرف بنظره الدقّي ـ في بقاء هذا الموضوع إذا انقلب بعض قيوده الوجوديّة إلى العدم أو بعض قيوده العدميّة إلى الوجود ، واختلاف الموضوع الدليلي والعرفي وتقابلهما يكون في هذه المرحلة ، مثلا : إذا ورد «الماء إذا تغيّر ينجس» فإذا زال تغيّره بنفسه ، يكون الموضوع ـ الّذي هو الماء ـ باقيا دليلا وعرفا. وإذا ورد «الماء المتغيّر ينجس» فالموضوع الدليلي عند زوال التغيّر غير باق ، بخلاف الموضوع

العرفي بمعنى أنّ العرف حيث لا يرى التغيّر من مقوّمات الموضوع يرى أنّ الموضوع الأوّل لم يرتفع بعد ، وإذا علم بأنّ الشارع حكم بنجاسة هذا الماء الزائل تغيّره ، يرى هذا الحكم بقاء للحكم الأوّل لا حكما حادثا في موضوع جديد ، وهذا بخلاف ما إذا حكم الشارع بنجاسة الكلب ـ الّذي صار في المملحة ملحا ـ بعد صيرورته كذلك ، فإنّه يرى هذا الحكم حكما جديدا مغايرا للحكم الأوّل على موضوع غير الموضوع الأوّل ، ويقول : الشارع حكم بنجاسة شيئين : الكلب والملح المنقلب من الكلب. وهكذا في حكم جواز التقليد أو جواز الاقتداء بالقياس إلى المجتهد أو العادل بعد ما صار عاميّا أو فاسقا ، فإنّه يرى العامي أو الفاسق موضوعا آخر مغايرا للمجتهد أو العادل ولو أخذ في الدليل بنحو الشرطيّة بأن قال : «المكلّف إذا كان مجتهدا أو عادلا يجوز تقليده أو الاقتداء به».

نعم ، يفرّق بين الأخذ بنحو الشرطيّة وغيره في أخذ المفهوم وعدمه ، مثلا : إذا ورد «إذا سافرت فقصّر» يحكم بانتفاء الحكم عند انتفاء الشرط ، بخلاف ما إذا ورد «المسافر يقصّر» فلا يحكم بذلك إلّا بناء على مفهوم الوصف ، فمن سافر أوّل الوقت وحضر في آخره يصلّي على الأوّل قصرا في آخره ، وعلى الثاني تماما.

وبالجملة ، الخصوصيّات والقيود المأخوذة في موضوع ربّما تكون عند العرف من مقوّمات الموضوع ، وربّما لا تكون منها ، فما يكون من قبيل الأوّل ـ سواء أخذ شرطا أو عنوانا ـ لا يكون الموضوع المتحصّص به عند انتفائه باقيا عرفا. وما يكون من قبيل الثاني يكون الموضوع المتحصّص به عند زواله باقيا عرفا من دون فرق أيضا بين أخذه شرطا أو عنوانا في لسان الدليل.

ومن هذا الباب الحكم ببطلان البيع فيما إذا باع أمة فبانت عبدا ، أو باع

ذهبا فبان نحاسا ، أو باع جلدين من شرح اللمعة فبأنا جلدين من كتاب اللغة ، من دون فرق بين أن يجعل ذلك عنوانا في مقام إنشاء البيع أو شرطا بأن يقول : «بعتك هذا على أن يكون ذهبا» فإنّ متعلّق البيع في جميع ذلك أمر ظهر أنّه مغاير له في الحقيقة والماهيّة عند العرف ، وهذا بخلاف ما إذا باع عبدا كاتبا أو على أنّه كاتب فبان أمّيّا ، فإنّه يحكم بصحّة البيع ، لعدم كون الكتابة من مقوّمات العبد عرفا.

إذا عرفت اختلاف الحال في كون الاعتبار في بقاء الموضوع بنظر العقل أو العرف أو لسان الدليل ، فاعلم أنّ موضوع الاستصحاب هو نقض اليقين بالشكّ بمقتضى قوله عليه‌السلام : «لا تنقض اليقين بالشكّ» (١) ومعلوم أنّ المخاطب بهذا الخطاب هو العرف لا الفلاسفة ، فلا اعتبار بالتدقيقات الفلسفيّة في صدق موضوعه ، فكما تؤخذ موضوعات سائر الأحكام من العرف كذلك هذا الموضوع.

وبالجملة ، عدم جواز نقض اليقين بالشكّ وظيفة ظاهريّة جعلها الشارع لعامّة المكلّفين ، فالمتّبع فهمهم فيما وظّفوا به ، ولا فرق بين الوظيفة الظاهريّة والواقعيّة في ذلك ، فالميزان في بقاء الموضوع ـ الّذي لا يصدق بدونه نقض اليقين بالشكّ ـ هو نظر العرف ، فإذا قطع بالبقاء عرفا ، يشمله دليل الاستصحاب ، أمّا إذا قطع بالارتفاع أو شكّ فيه كما في التراب الّذي صار آجرا أو الخشب الّذي صار فحما ، فلا يشمله دليل الاستصحاب.

هذا كلّه مع قطع النّظر عمّا بنينا عليه سابقا من عدم جريان الاستصحاب في الأحكام الكلّيّة مطلقا إلّا استصحاب عدم النسخ ، وإلّا فنظر العرف ملغى في

__________________

(١) التهذيب ١ : ٨ ـ ١١ ، الوسائل ١ : ٢٤٥ ، الباب ١ من أبواب نواقض الوضوء ، الحديث ١.

الحكم بالبقاء في الأحكام ، بل لا بدّ من اتّباع نظر العقل ولسان الدليل في الحكم بالبقاء.

ثمّ إنّ أخبار الباب لا ريب في شمولها للاستصحاب ، لورودها في مورده.

وهل تشمل قاعدة اليقين أيضا ، أو تكون شاملة للاستصحاب ولقاعدة المقتضي والمانع ، أو تعمّ الاستصحاب وكلتا القاعدتين؟

ذهب الشيخ قدس‌سره إلى عدم شمولها لشيء من القاعدتين واختصاصها بمورد الاستصحاب (١).

ووافقه شيخنا الأستاذ قدس‌سره ، وأفاد في وجه عدم شمولها لقاعدة اليقين وجوها :

أحدها : أنّ التعبّد تعلّق بالحدوث في قاعدة اليقين ، وبالبقاء بعد مفروغيّة الحدوث في الاستصحاب. وبعبارة أخرى : أخذ الحدوث في قاعدة الاستصحاب مفروض الوجود ، فإنّ الاستصحاب تعبّد بالبقاء ، ولا نظر له إلى الحدوث ، وفي قاعدة اليقين هو المتعبّد به ، فكيف يمكن أن يؤخذ الحدوث في استعمال واحد مفروض الوجود وغير مفروضة!؟ (٢).

ويندفع بأنّ ظاهر أخبار الباب أنّ طبيعيّ اليقين أينما سرى وبأيّ شيء تعلّق لا ينقض بطبيعيّ الشكّ أينما تحقّق وبأيّ شيء تعلّق ، وهذا يختلف باختلاف الموارد ، ففي مورد الاستصحاب ـ حيث إنّ الشكّ في البقاء ـ فالتعبّد فيه يكون تعبّدا بالبقاء ، وهو في مورد القاعدة متعلّق بعين ما تعلّق به اليقين ، فمعنى حرمة نقض اليقين بالشكّ فيه هو التعبّد بالحدوث وإلغاء الشكّ المتعلّق

__________________

(١) فرائد الأصول : ٤٠٤ ـ ٤٠٥.

(٢) أجود التقريرات ٢ : ٤٥١.

به ، كما أنّه ربّما يكون اليقين في باب الاستصحاب متعلّقا بعدالة زيد مثلا ، وربّما يتعلّق بعدمها ، فكما تشمل الأخبار اليقين بالوجود واليقين بالعدم في باب الاستصحاب ـ والتعبّد بالقياس إلى أحدهما تعبّد بالوجود ، وبالإضافة إلى الآخر تعبّد بالعدم ، ولا يضرّ تناقض الوجود والعدم ، لشمول الدليل لهما ـ كذلك تشمل الشكّ في الحدوث والشكّ في البقاء ، وليس أمره أعظم من اليقين المتعلّق بالوجود تارة وبالعدم أخرى.

ثانيها : أنّ اليقين في أخبار الباب وإن كان يشمل جميع أفراده المتعدّدة إلّا أنّ تعدّد اليقين حيث يكون بتعدّد متعلّقاته من عدالة زيد وفسق عمرو وكرّيّة ماء ـ ومن المعلوم أنّ اليقين في باب الاستصحاب وفي قاعدة اليقين فرد واحد ، حيث يكون متعلّقه شيئا واحدا ، مثلا : اليقين في كلّ منهما متعلّق بعدالة زيد في يوم الجمعة ، غاية الأمر أنّ الشكّ في أحدهما متعلّق ببقائها ، وفي الآخر بأصل وجودها يوم الجمعة ـ لا يكون معنى لشمول الأخبار لهما ، إذ لا تعدّد في اليقين فيهما حتى يكون الشمول بهذا الاعتبار.

وتوهّم أنّ الشمول يمكن باعتبار إطلاقه الأحوالي ، فإنّ اليقين تارة يتعلّق الشكّ بنفسه وأنّه كان يقينا أو جهلا مركّبا. وأخرى ببقاء متعلّقه مدفوع بأنّ اليقين في ظرف الحكم بحرمة النقض والتعبّد بالبقاء في باب الاستصحاب ـ وهو زمان الشكّ ـ باق ، وفي قاعدة اليقين زائل ، فهو في أحدهما كائن فعلا وفي الآخر كان سابقا ، زائل فعلا ، ولا يمكن شمول «اليقين» لما كان يقينا ، فإنّه من الجوامد كالإنسان ، واستعمالها في غير المتلبّس غلط محض ، والقول بصحّة الاستعمال فيمن قضى ـ لو سلّم مختصّ بالأعراض ولا يعمّ الجوامد.

نعم ، يمكن استعماله في اليقين في قاعدته بلحاظ حال التلبّس إذا لوحظ على وجه الموضوعيّة ، لكنّ الأمر ليس كذلك ، بل اليقين أخذ في كلّ من

الاستصحاب والقاعدة على وجه الطريقيّة (١).

وهذا الوجه أيضا كسابقه ، فإنّ معنى «لا تنقض اليقين بالشكّ» أنّه افرض نفسك متيقّنة ، وهذا يختلف باختلاف الموارد ، ففي مورد الاستصحاب حيث يكون الشكّ في البقاء ، فلا بدّ من فرض النّفس متيقّنة بالبقاء ، وفي قاعدة اليقين لا بدّ من فرضها متيقّنة بالحدوث ، لتعلّق الشكّ به.

وما ذكره أخيرا ـ من إمكان الاستعمال بلحاظ حال التلبّس إذا أخذ اليقين موضوعا ـ وإن كان تامّا إلّا أنّه غير محتاج إليه في المقام ، والاستعمال بهذا اللحاظ يصحّ ولو أخذ اليقين على وجه الطريقيّة.

ثالثها : أنّ الزمان في باب الاستصحاب أخذ ظرفا ، وفي قاعدة اليقين أخذ موضوعا ، ولا يمكن الجميع بين لحاظ الشيء ظرفا وعدمه كذلك في استعمال واحد (٢).

وجوابه أيضا ظهر ممّا ذكرنا ، فإنّه إذا كانت الوظيفة عدم نقض طبيعيّ اليقين بطبيعيّ الشكّ ، فموضوع الحكم هو اليقين والشكّ المرتبط به من دون نظر إلى متعلّقه ، وأنّه مقيّد بالزمان أو غير مقيّد ، بل اليقين ـ كان متعلّقه مقيّدا بالزمان أو غير مقيّد به ـ لا بدّ وأن لا ينقض بالشكّ.

فظهر أنّ المانع الثبوتي مفقود في المقام ولا محذور في شمول دليل واحد لكلتا القاعدتين ، إلّا أنّ ظاهر أخبار الباب بقرينة موردها هو الاختصاص بالاستصحاب ، فإنّ اليقين والشكّ أخذا موضوعين للحكم بحرمة النقض ، ومن المعلوم أنّ موضوع كلّ حكم لا بدّ من تحقّقه خارجا في كونه محكوما بالحكم ، ولا يكفي تحقّقه في زمان للحكم به في أيّ زمان ، مثلا : لا يكفي كون

__________________

(١) أجود التقريرات ٢ : ٤٥١ ـ ٤٥٢.

(٢) أجود التقريرات ٢ : ٤٥٢.

زيد عالما يوم الجمعة في وجوب إكرامه يوم السبت بمقتضى «أكرم كلّ عالم» مع صيرورته عاميّا فيه ، فلا بدّ من تحقّق اليقين والشكّ في زمان حتى يحكم بحرمة نقضه به في هذا الزمان ، واليقين في باب الاستصحاب موجود في ظرف الشكّ أيضا ، بخلاف قاعدة اليقين ، فإنّه زائل لا يكون في البين إلّا الشكّ.

ثمّ إنّ شمول أخبار الباب لقاعدة المقتضي والمانع أيضا لا مانع منه ثبوتا لكنّ ظاهر الروايات أنّ متعلّق اليقين والشكّ أمر واحد ، فلا تعمّ ما إذا كان اليقين متعلّقا بوجود المقتضي ، والشكّ متعلّقا بوجود شيء آخر هو المانع ، بل لو فرضنا ظهورها في التعميم ، لا يمكن القول بحجّيّة قاعدة المقتضي والمانع ، إذ استصحاب عدم وجود المقتضى دائما موجود في موردها ، فهي معارضة بالاستصحاب دائما ، فتسقط عن الحجّيّة بالمعارضة ، فيلزم من شمولها وحجّيّتها عدمهما ، ومن ذلك نستكشف عدم الشمول. وعين هذا البيان جار في قاعدة اليقين أيضا ، إذ استصحاب عدم اليقين وعدم تحقّق حدوث ما شكّ في حدوثه جار دائما في موردها ويعارضها.

المقام الثاني : أنّه لا إشكال في جريان الاستصحاب فيما إذا لم تكن الحالة السابقة متيقّنة باليقين الوجداني ، بل كانت متيقّنة باليقين التعبّدي ، كالأمارة والبيّنة ، فإنّه فرد من اليقين في نظر الشارع ، فيشمله «لا تنقض اليقين بالشكّ» كما لا إشكال ولا خلاف في تقدم الأمارات على الاستصحاب وغيره من الأصول موافقة كانت لمؤدّاها أو مخالفة.

وإنّما الإشكال في وجه ذلك ، وأنّه بالتخصيص ، أو التخصّص ، أو الحكومة ، كما أفاده الشيخ (١) قدس‌سره ، أو الورود ، كما أفاده في الكفاية (٢).

__________________

(١) فرائد الأصول : ٤٠٧.

(٢) كفاية الأصول : ٤٨٨.

وعبارة الكفاية يحتمل أن يراد منها أحد وجوه ثلاثة :

الأوّل : أنّ المراد باليقين ـ الّذي جعل غاية للاستصحاب ـ هو مطلق الحجّة شرعيّة كانت ، كالأمارة ، أو عقليّة ، كالعلم الوجداني ، فإذا كانت الحجّة غاية للاستصحاب ، فالعمل بالأمارة عند قيامها على الخلاف نقض لليقين بالحجّة لا بالشكّ ، فموضوع الاستصحاب مرتفع وجدانا بقيام الأمارة ، فإنّ موضوعه اليقين والشكّ وعدم وجود حجّة في البين.

الثاني : أنّ المستفاد من دليل الاستصحاب هو حرمة رفع اليد عن اليقين السابق بالشكّ ، ومن المعلوم أنّ العمل بالأمارة في مورد الاستصحاب ليس من نقض اليقين بالشكّ بل بالأمارة.

الثالث : أنّ الأمارة حيث نعلم بحجّيّتها فالعمل بها في مورد الاستصحاب نقض لليقين باليقين ، لا بالشكّ.

هذا ، وكلّ ذلك خلاف ظاهر أدلّة الاستصحاب ، حيث إنّ اليقين ظاهره اليقين الوجداني ، وإرادة مطلق الحجّة عنه وإن كانت ممكنة إلّا أنّها تحتاج إلى عناية وقرينة مفقودة في المقام ، فلا وجه للوجه الأوّل.

وأمّا الثاني : فإنّه لو جعلت «الباء» في قوله : «لا تنقض اليقين بالشكّ» للسببيّة ـ بأن يكون مفاده أنّ النقض المسبّب عن الشكّ والمستند إليه حرام ، أمّا لو كان النقض مسبّبا عن أمر آخر ومستندا إلى شيء آخر غير الشكّ من أمارة أو استدعاء مؤمن أو غير ذلك ، فلا بأس به ـ لكان لتوهّم الورود وجه إلّا أنّه لا يمكن الالتزام بذلك.

أمّا لو كان المستفاد من مقابلة «ولكنّه تنقضه بيقين آخر مثله» أنّ المراد من الشكّ في قوله : «لا تنقض اليقين بالشكّ» خلاف اليقين ـ كما هو الظاهر ـ فالعمل بالأمارة أيضا من مصاديق العمل بخلاف اليقين.

وأمّا الوجه الثالث : فأمره أفحش ، حيث إنّ ظاهر الدليل أنّ الغاية هي اليقين بخلاف ما تيقّن به سابقا ، لا اليقين بأمر آخر ، ومن المعلوم أنّ قيام البيّنة على الطهارة ـ في استصحاب النجاسة ـ لا يوجب اليقين بها ، واليقين بالحجّيّة ـ أي حجّيّة بيّنة الطهارة ـ ليس يقينا بالطهارة.

وبالجملة ، هذه الوجوه كلّها خلاف ظاهر الدليل ، مضافا إلى أنّ لازمها هو التخصّص لا الورود ، فإنّ الورود اصطلاحا هو ارتفاع موضوع دليل المورود بنفس جعل المولى وتعبّده ، أمّا لو كان ارتفاع الموضوع وجدانا غير مسبّب عن ثبوت التعبّد ولا ثبوت المتعبّد به ، فهو تخصّص لا غير ، كخروج زيد الجاهل عن موضوع «أكرم العلماء» والأمر في جميع هذه الوجوه كذلك ، فإنّ ارتفاع موضوع الاستصحاب لا يكون في شيء من هذه الوجوه مستندا إلى نفس التعبّد بالأمارة ـ وإن كان متيقّنا ـ حتى يكون ورودا ، إذ التعبّد تعلّق بكلّ من الاستصحاب والأمارة في عرض واحد ، فإذا لم يكن ارتفاع الموضوع على وجه الحكومة أيضا على ما بنى عليه ، فلا محالة يتعيّن التخصّص ، كما لا يخفى على المتأمّل.

والتحقيق هو ما أفاده شيخنا الأستاذ وفاقا للشيخ (١) قدس‌سرهما من كون التقدّم على وجه الحكومة لا الورود ولا التخصيص ولا التخصّص.

توضيحه : أنّ الدليلين المتنافيين إن كان أحدهما بمدلوله اللفظي ناظرا إلى الآخر ، كما في قوله عليه‌السلام : «الفقيه لا يعيد صلاته» مع قوله عليه‌السلام بعد ذلك : «إنّما عنيت بذلك الشكّ بين الثلاث والأربع» (٢) فهو من أوضح موارد الحكومة.

__________________

(١) أجود التقريرات ٢ : ٤٥٣ ـ ٤٥٤ ، فرائد الأصول : ٤٠٧.

(٢) تقدّم الحديث وذكر مصادره والتعليق عليه في ج ٣ ص ٥٥٦ والهامش (١).

وإن لم يكن بمدلوله اللفظي ناظرا إلى الآخر ، فإن لم يكن أحدهما رافعا لموضوع الآخر ، فإن كان أحدهما فقط رافعا لحكم الآخر عن موضوعه ك «أكرم العلماء» و «لا تكرم الفسّاق منهم» فهو مورد التخصيص. وإن كان كلّ منهما رافعا للحكم عن موضوع الآخر ، كالعامّين من وجه ، فتقديم أحدهما أيضا لمرجّح على الآخر من باب التخصيص.

وإن كان أحدهما رافعا لموضوع الآخر ، فإن كان الرفع مستندا إلى نفس التعبّد والجعل دون متعلّق التعبّد وإن لا ينفكّ التعبّد عن متعلّق وعمّا يتعبّد به ، فهو مورد الورود ، كما في تقدّم الأمارات على الأصول العقليّة من البراءة والاحتياط والتخيير على القول بالتخيير العقلي ، فإنّ موضوع البراءة العقليّة ـ مثلا ـ هو عدم البيان ، فبنفس التعبّد بالأمارة ـ الّذي هو بيان من الشارع وثابت لنا وجدانا ، ضرورة أنّه نظير الفرض والتنزيل الّذي يكون متعلّقه من المفروض أو المنزّل عليه فرضيّا وتنزيليّا لا نفس الفرض والتنزيل ، فإنّه وجداني ـ يرتفع موضوع قاعدة قبح العقاب بلا بيان وينقلب عدم البيان إلى البيان الوجداني.

وإن كان الرفع مستندا إلى ثبوت المتعبّد به لا ثبوت التعبّد ، فهو مورد الحكومة ، أي قسم منها غير ما ذكرنا أوّلا ، وهذا كما في تقدّم أدلّة الأمارات على جميع الأصول الشرعيّة ، فإنّ الشكّ أخذ في موضوع الأصول دون الأمارات ، ولا يرتفع الشكّ عند قيام الأمارة في مورد أصل إلّا بثبوت المشكوك بالتعبّد بالأمارة وأنّها علم تشريعا ، وأمّا بمجرّد نفس التعبّد بالأمارة ـ مع قطع النّظر عن متعلّقه وما يتعبّد به وهو كون الأمارة فردا من العلم ـ لا يرتفع الشكّ كما هو واضح.

فاتّضح من جميع ما ذكرنا أنّ تقدّم الأمارات على الأصول بعينه من قبيل تقدّم «لا شكّ لكثير الشكّ» ـ مثلا ـ على أدلّة الشكوك.

ونزيد ـ توضيحا ـ أنّه لا يمكن أن يكون حكم متكفّلا لإثبات موضوعه أو نفيه بل لا بدّ من أن يثبت وينفى من الخارج أو بدليل آخر غير الدليل المتكفّل لنفس هذا الحكم ، فدليل «من شكّ بين الثلاث والأربع فكذا» لا يتعرّض إلّا لحكم الشاكّ ، بين الثلاث والأربع ، كما أنّ أدلّة الأصول أيضا لا تتعرّض إلّا لبيان وظيفة الشاكّ ، فإن دلّ دليل آخر على أن لا شكّ لكثير الشكّ ، أو أنّ خبر العادل علم ، فقد خرج عن تحت أدلّة الشكوك كثير الشكّ ، وعن تحت أدلّة الأصول من أخبره العادل على طبق مقتضى الأصل أو خلافه بالتعبّد الشرعي ، يعني بما تعبّد به الشارع من عدم كون كثير الشكّ شاكّا ، وعدم كون من أخبره العادل شاكّا ، وهذا معنى الحكومة.

فتلخّص ممّا ذكرنا أنّ تقدّم الأدلّة القطعيّة على جميع الأصول ـ عقليّة أو شرعيّة ـ بالتخصّص ، وتقدّم الأمارات التعبّديّة على الأصول العقليّة بالورود ، وعلى الأصول الشرعيّة بالحكومة لا بالورود ولا غيره من التخصيص أو التخصّص ، وهذا واضح لمن تصوّر حقائق هذه الأمور وأماز بعضها عن بعض.

ومن هنا ظهر وجه تقدّم الاستصحاب على قاعدتي الطهارة والحلّ ، والبراءة وغير ذلك ممّا أخذ الشكّ في موضوعه ، فإنّ الاستصحاب وإن كان الشكّ مأخوذا في موضوعه أيضا إلّا أنّ دليله ـ حيث يفرض الشاكّ متيقّنا في ظرف البقاء ، وأنّه بقاء متيقّن في نظر الشارع ـ يرفع الشكّ الّذي هو موضوع لسائر الأصول بقاء ، فهو ناف لموضوع سائر الأصول ، وأدلّة الأصول مثبتة للحكم على تقدير وجود موضوعها ، فالأوّل ينفي شيئا لا يثبته الآخر ، والآخر يثبت شيئا لا ينفيه الأوّل ، فلا تعارض بينهما ، فلا تلاحظ النسبة بين دليليهما ولو كانت عموما من وجه ، فيقدّم دليل الاستصحاب على سائر الأصول الشرعيّة بالحكومة ، وكذلك يقدّم على جميع الأصول العقليّة بالورود ، فإنّ

نفس التعبّد بالمستصحب يكون بيانا ومؤمّنا وصالحا للترجيح ، فلا يبقى موضوع للبراءة والاحتياط والتخيير العقلي.

خاتمة : في تعارض الاستصحابين.

التعاند والتنافي بين الاستصحابين إمّا أن يكون من جهة التكاذب والعلم بمخالفة أحدهما للواقع ، أو من جهة عدم قدرة المكلّف على العمل بكلا الاستصحابين ، وإلّا فيحتمل صدق كليهما وموافقتهما معا للواقع.

فإن لم يكن التعاند من جهة التكاذب بل كان من جهة المزاحمة ـ كما إذا كان المكلّف على يقين من نجاسة المجسد وأيضا على يقين من اشتغال ذمّته بصلاة مع سعة الوقت وشكّ بعد ذلك في بقاء نجاسة المسجد واشتغال ذمّته بالصلاة ، فاستصحاب كلّ من نجاسة المسجد واشتغال الذمّة يحتمل موافقته للواقع ولا علم بكذب أحدهما إلّا أنّ بين التكليف بوجوب الإزالة والتكليف بالصلاة مزاحمة في مقام الامتثال ـ يجري كلا الاستصحابين ، وبعد الجريان يدخل في صغرى باب التزاحم ، ويعمل بمرجّحات بابه ، التي منها الأهمّيّة ، فيجب الأخذ بالأهمّ مثلا ، وعلى تقدير عصيان الأهمّ والاشتغال بالمهمّ يدخل في باب الترتّب.

لا يقال : الرجوع إلى المرجّحات لا يتمّ فيما كان ذو المرجّح وغيره مشمولين لدليل واحد ، كدليل «لا تنقض اليقين بالشكّ» فإنّ نسبته إلى كلّ من الاستصحابين على السواء.

فإنّه يقال : دليل الاستصحاب يشمل كلا الاستصحابين في عرض واحد ، وبعد ثبوت المستصحبين بالتعبّد تقع المزاحمة بينهما ، كما في الثبوت الوجداني.

وإن كان التعاند من جهة التكاذب ، فهو على أقسام :

الأوّل : ما كان المشكوك في أحد الاستصحابين ممّا يترتّب على المستصحب الآخر ، وكان الشكّ فيه مسبّبا عن الشكّ في الآخر ، ولا إشكال في تقدّم الأصل السببي على المسبّبي ، كما سيجيء وجهه.

والمراد بالسببيّة السببيّة الشرعيّة لا التكوينيّة ، إذ لا مانع من شمول الدليل للعلّة والمعلول معا في عرض واحد ، وهكذا المراد بالتسبّب الشرعي ما كان جريان الأصل في السبب موجبا لارتفاع موضوع الأصل المسبّبي ، كما في المثال المعروف ، وهو غسل الثوب النجس بالماء المستصحب الطهارة ، فإنّ الشكّ في طهارة الثوب مسبّب شرعا عن الشكّ في طهارة الماء ، واستصحاب الطهارة في الماء موجب لارتفاع موضوع استصحاب نجاسة الثوب ، فإنّ الثوب ـ بعد حكم الشارع بطهارة الماء المغسول به ـ غسل بالماء الطاهر بحكم الشارع ، فلا يبقى لنا شكّ بعد ذلك في طهارته ، وأمّا مجرّد كون التسبّب شرعيّا من دون أن يكون جريان الأصل في السبب رافعا لموضوع الأصل المسبّبي فلا يفيد في حكومة الأصل السببي على المسبّبي ، كما إذا صلّينا في وبر حيوان لا نعلم أنّه محلّل الأكل أو محرّمه ، فإنّ الشكّ في صحّة الصلاة وإن كان مسبّبا عن الشكّ في كون الوبر ممّا لا يؤكل أو غيره إلّا أنّ استصحاب عدم التذكية لا يثبت أنّ الوبر من ذلك القسم الخاصّ الّذي هو محرّم الأكل ومانع عن صحّة الصلاة ، فإنّ النهي تعلّق بواقع غير المأكول وقسم خاصّ من الحيوان ، كالأرنب وغيره ، لا بالأعمّ من الوجود الواقعي والظاهري ، فلا يكون الأصل السببي ـ وهو استصحاب عدم التذكية ـ رافعا للشكّ في صحّة الصلاة وموجبا للعلم ببطلانها من جهة وقوعها فيما لا يؤكل ، وهذا بخلاف طهارة الثوب ، فإنّها من آثار طهارة الماء المغسول به ، الأعمّ من الظاهريّة والواقعيّة.

وبالجملة ، الميزان في تقدّم أحد الاستصحابين على الآخر بالحكومة هو

كون أحدهما رافعا لموضوع الآخر.

وأحسن ما قيل في وجه التقدّم هو ما أفاده صاحب الكفاية (١) من أنّ الاستصحاب في الشكّ السببي ، وشمول دليله له ، لتماميّة أركانه بلا محذور ، وهذا بخلاف شموله للشكّ المسبّبي ، فإنّ شموله له مستلزم لعدم شموله للشكّ السببي ، إذ معه لا يبقى للأصل المسبّبي موضوع ، ويخرج عن بحث دليل الاستصحاب تخصيصا.

وعدم شمول دليل الاستصحاب للشكّ السببي مع تحقّق اليقين والشكّ وجدانا إمّا بلا وجه أو على وجه دوري ، إذ عدم الشمول جزافا بلا وجه ، ومن جهة الشمول للشكّ المسبّبي دور واضح.

وتوهّم أنّ الحكومة لا بدّ وأن تكون بين الدليلين حتى يكون أحدهما ناظرا إلى الآخر وشارحا لمدلوله ، وهذا المعنى لا يعقل في دليل الاستصحابين ، مثل «لا تنقض» فإنّه دليل واحد ينحلّ إلى أحكام عديدة لا إلى أدلّة متعدّدة ، مدفوع بأنّ الحكومة لا تنحصر فيما ذكر ، بل منها ما يكون أحد الدليلين رافعا لموضوع الآخر ، والمقام من هذا القبيل ، وهو لا يتوقّف على التعدّد ، كما لا يخفى.

هذا كلّه فيما إذا كان الأصل السببي أصلا تنزيليّا ، كالاستصحاب ، وأمّا إن كان مثل قاعدة الطهارة ـ كما إذا غسلنا ثوبنا بالماء المشكوك الطهارة والنجاسة ولم تكن له حالة سابقة ، فإنّ الأصل السببي هنا هو أصالة الطهارة لا استصحابها ـ فهو حاكم على الأصل المسبّبي بالمعنى الآخر من الحكومة غير كونه رافعا لموضوع الآخر ، وهو أنّ دليل طهارة الماء ظاهرا بمدلوله المطابقي

__________________

(١) كفاية الأصول : ٤٩٠ ـ ٤٩١.

دالّ على طهارة ما يغسل به ، إذ جعل الطهارة للماء ظاهرا مع عدم ترتّب شيء من آثار الطهارة الواقعيّة عليه من رافعيته للحدث والخبث لغو محض ، فدليل الأصل السببي في مثل هذا الفرض بمدلوله اللفظي ناظر إلى دليل الأصل المسبّبي وأنّ معلوم النجاسة يطهر بغسله بالماء المشكوك الطهارة.

فتلخّص : أنّ الأصل السببي ولو كان أضعف الأصول يتقدّم على الأصل المسبّبي ولو كان من أقواها ، وهذا نظير ما مرّ مرارا من أنّ ظهور القرينة ـ ولو كان أضعف الظهورات ـ مقدّم على ظهور ذيها ، وتقدّم أصالة الطهارة في الماء ـ المقتضية لطهارة الثوب الّذي غسل به ـ على استصحاب نجاسة الثوب بعينه من قبيل تقدّم ظهور «يرمي» على ظهور «أسد».

وتوهّم أنّ استصحاب نجاسة الثوب أيضا من آثاره نجاسة الماء قبل الغسل ، فأصالة الطهارة في الماء تقتضي طهارة الثوب ، واستصحاب النجاسة في الثوب أيضا يقتضي نجاسة الماء قبل الغسل ، فما وجه تقديم الأوّل على الثاني؟ واضح الدفع ، إذ نجاسة الماء من اللوازم العقليّة للتعبّد بنجاسة الثوب بخلاف العكس.

هذا ، مضافا إلى أنّه لا يلتفت إلى مثل ذلك بعد كون دليل أصالة الطهارة ناظرا إلى دليل الاستصحاب ، كما لا ينظر إلى ظهور «أسد» في الحيوان المفترس ، الملازم لكون المراد من «يرمي» هو رمي التراب لا رمي النبل ، لأنّ قرينة «يرمي» ـ الظاهر في رمي النبل ـ ناظرة ومبيّنة لما هو المراد من لفظ «أسد».

هذا ، وقد ذكر شيخنا الأستاذ (١) قدس‌سره وغيره وجوها أخر لتقدّم الأصل

__________________

(١) انظر : أجود التقريرات ٢ : ٤٩٥ ـ ٤٩٨.

السببي على المسبّبي ، كلّها قابل للمناقشة.

القسم الثاني : ما كان التعاند من جهة التكاذب ، ولم يكن أحد الشكّين مسبّبا عن الآخر ، كما إذا علم إجمالا بنجاسة أحد كأسين ، وهذا على قسمين :

الأوّل : ما إذا لزمت من جريان الأصلين مخالفة قطعيّة عمليّة ، كما إذا كانت الحالة السابقة في المثال هي الطهارة في كلا الطرفين ، فإنّ استصحاب الطهارة في كلّ منهما تلزم منه معاملة الطهارة مع معلوم النجاسة ، ففي هذا القسم يتساقط الأصلان كلاهما ، لما عرفت في بحث الاشتغال من أنّ شمول دليل الأصل لكلا الطرفين مستلزم للترخيص في المعصية ، ولأحدهما معيّنا دون الآخر ترجيح بلا مرجّح ، ولأحدهما لا بعينه لا دليل عليه ، وهكذا الكلام فيما كان الأصل الجاري في الطرفين أو أحدهما أصالة الطهارة بأن لم تكن حالة سابقة معلومة في البين أو كانت في أحدهما.

الثاني : ما لم تلزم منه مخالفة قطعيّة عمليّة ، كما إذا كانت الحالة السابقة في المثال هي النجاسة في كلا الطرفين.

وذهب الشيخ قدس‌سره إلى عدم جريان شيء من الأصلين ، لمانع في مقام الإثبات ، وهو أنّ أدلّة الاستصحاب وإن كانت بصدرها ـ وهو «لا تنقض اليقين بالشكّ» وما يشبهه في المضمون ـ عامّة لكلّ شكّ لا حق حتى ما كان مقرونا بالعلم الإجمالي إلّا أنّها لمّا كانت مذيّلة بذيل «ولكن تنقضه بيقين آخر» واليقين مطلق شامل لليقين التفصيليّ والإجمالي ، كان مقتضاه لزوم نقض اليقين باليقين بالخلاف ولو كان إجماليّا.

وأورد عليه بإيرادين واردين :

أحدهما : أنّ المتيقّن والمشكوك هو كلّ واحد من الكأسين بخصوصه ، ومن الواضح أنّه لم تعلم طهارة هذا بخصوصه وذاك بخصوصه ، وإنّما المعلوم

هو طهارة أحدهما ، وهو لا يكون ناقضا لليقين السابق ، إذ الناقض ـ بمقتضى المقابلة بين الصدر والذيل ـ هو اليقين بخلاف ما تعلّق به اليقين السابق ، مثلا : إذا تعلّق اليقين السابق بنجاسة الكأس الأبيض ، فناقضه هو طهارة هذا الكأس بعينه ، لا طهارة أحد الكأسين ، المحتمل انطباقه على هذا الكأس.

نعم ، لو أردنا استصحاب نجاسة أحدهما لا بعينه بمعنى غير المعيّن عندنا المعيّن في الواقع ، لكان العلم بطهارة ذلك المعيّن الواقعي غير المتميّز والمجمل عندنا ناقضا له.

ثانيهما : سلّمنا إجمال ما كان مذيّلا بهذا الذيل من أدلّة الاستصحاب فأيّ مانع من شمول ما ليس فيه هذا الذيل للمقام؟ إذ إجمال دليل لا يسري إلى دليل آخر منفصل عنه.

ووافق الشيخ قدس‌سره شيخنا الأستاذ ـ قدّس الله نفسه ـ في ذلك ، لا لما ذكره ، بل لمانع ثبوتي ، وهو أنّ الاستصحاب حيث إنّه من الأصول المحرزة فمعنى استصحاب النجاسة في كلا الكأسين هو التعبّد ببقاء نجاسة كلّ منهما ، وهذا ممّا نعلم بخلافه ، ولا يعقل التعبّد بما يعلم بخلافه (١).

ويرد عليه أوّلا : النقض بجريان قاعدة الفراغ ـ التي هي من الأصول المحرزة ، بل قوّى هو قدس‌سره أماريّته (٢) ـ واستصحاب الحدث فيما إذا صلّى من يعلم بكونه محدثا قبل الصلاة ويحتمل أنّه توضّأ قبلها وصلّى مع الوضوء ، فإنّ قاعدة الفراغ حاكمة بصحّة صلاته الماضية ، واستصحاب الحدث حاكم بوجوب الوضوء لصلاته الآتية ، ولم يستشكل هو قدس‌سره ولا غيره ظاهرا في جريان كلا الأصلين مع العلم الوجداني بخلاف ما أدّيا إليه.

__________________

(١) أجود التقريرات ٢ : ٤٩٩.

(٢) أجود التقريرات ٢ : ٤٦٣.

وثانيا : أنّه كم فرق بين التعبّد بنجاسة مجموع الكأسين ، والتعبّد بنجاسة هذا بخصوصه وذاك بخصوصه ، فإنّ الأوّل غير معقول ، لأنّا نقطع بعدم نجاسة المجموع فكيف نتعبّد بنجاسته!؟ وهذا بخلاف الثاني ، فإنّ هذا الإناء بخصوصه لا نعلم بطهارته ، فالتعبّد بنجاسته لا محذور فيه ، وذاك الإناء بالخصوص أيضا لا نعلم بطهارته ، فالتعبّد بنجاسته أيضا لا محذور فيه ، غاية الأمر أنّه يلزم العلم بأنّ الشارع تعبّدنا بمعاملة النجاسة مع الطاهر الواقعي ، وهذا ليس بمحذور ، كما تعبّدنا بوجوب الاحتياط عن مالين نعلم إجمالا بكون أحدهما مال الغير والآخر لنا ، وبحرمة النّظر إلى المرأتين اللتين نعلم إجمالا بكون إحداهما فقط أجنبيّة ، وبحرمة قتل شخصين نعلم بمحقونيّة دم أحدهما ومهدوريّة دم الآخر.

والعجب أنّه قدس‌سره بنى على جريان استصحاب طهارة البدن وبقاء الحدث عند الوضوء بمائع مردّد بين البول والماء ، مع أنّا نعلم وجدانا بخلاف مؤدّاهما.

ومجرّد اختلاف مؤدّى الأصلين لا يوجب الفرق ، بل لو كان العلم الوجداني بخلاف مؤدّى الأصلين مانعا عن الجريان ، لكان مانعا مطلقا ، اختلف مؤدّاهما أو اتّفقا ، لزمت مخالفة عمليّة أو لم تلزم ، كان الأصل من الأصول المحرزة أو غيرها ، وإن لم يكن مانعا ، فلا بدّ من الالتزام بالجريان مطلقا إلّا فيما لزمت منه مخالفة عمليّة.

فالتحقيق : ما أفاده صاحب الكفاية من أنّ الملاك في الجريان وعدمه هو لزوم المخالفة القطعيّة ، وعدمه (١).

نعم ، لو علمنا من إجماع أو غيره التلازم بين أمرين واقعا وظاهرا ،

__________________

(١) كفاية الأصول : ٤٩٢.

يتساقط الأصلان مطلقا ، ومثاله المعروف ـ الّذي هو منحصر ظاهرا ـ هو الماء الطاهر المتمّم كرّا بماء نجس أو العكس ، فإنّ استصحاب طهارة الطاهر ونجاسة النجس مخالف لما ادّعوا من الإجماع على أنّ الماء الواحد لا يختلف حكمه.

هذا كلّه في تعارض الاستصحابين ، وتعارض الاستصحاب مع غيره من الأصول من أصالة الطهارة وأصالة الحلّ وأصالة الإباحة وأمثالها ، وأمّا تعارضه مع أصالة الصحّة في عمل الغير ، وأصالة الصحّة في عمل نفس المكلّف المعبّر عنها بقاعدتي الفراغ والتجاوز : فمنهم من بنى على تقدّمها على الاستصحاب تقدّم الأمارة على الأصل ، نظرا إلى كونها أمارات ، كما يستفاد ذلك من قوله عليه‌السلام : «بلى قد ركعت» (١) وقوله عليه‌السلام فيمن شكّ في الوضوء بعد ما فرغ : «هو حين يتوضّأ أذكر منه حين يشكّ» (٢) وغير ذلك ، وأنّ ظاهر حال المريد لإتيان مركّب تامّا أنّه في مقام العمل يأتي بتمامه وإن كان غافلا حينه على طبق إرادته الارتكازيّة الإجماليّة ، لأنّها تابعة للإرادة التفصيليّة. واحتمال الإخلال العمدي على خلاف الظاهر والسهوي بعيد لا يعتنى به ، فاعتبر الشارع هذا الظاهر واعتنى به.

وهذا الوجه تامّ على تقدير كون الاستصحاب أصلا ، وأمّا على ما بنينا عليه من كونه أيضا أمارة أو على القول بكون كلّ من قاعدة الفراغ والاستصحاب أصلا فلا.

__________________

(١) التهذيب ٢ : ١٥١ ـ ٥٩٢ ، الاستبصار ١ : ٣٥٧ ـ ١٣٥٤ ، الوسائل ٦ : ٣١٧ ـ ٣١٨ ، الباب ١٣ من أبواب الركوع ، الحديث ٣.

(٢) التهذيب ١ : ١٠١ ـ ٢٦٥ ، الوسائل ١ : ٤٧١ ، الباب ٤٢ من أبواب الوضوء ، الحديث ٧.

ومنهم من بنى ـ كشيخنا الأستاذ (١) قدس‌سره ـ على حكومتها على الاستصحاب ولو سلّم كونها أيضا أصلا كالاستصحاب بدعوى أنّ دليلها ناظر إلى دليله ، ومبيّن للزوم الحكم بالصحّة فيما شكّ في الإتيان بعد اليقين بعدمه إذا فرغ أو تجاوز ، فهو بمدلوله المطابقي يدلّ على حكم الشكّ المسبوق باليقين بعد الفراغ والتجاوز.

وفيه : أنّه لا بدّ في الحكومة بهذا المعنى من أن يكون دليل الحاكم لغوا لو لا ورود دليل المحكوم ولو متأخّرا ، كما في «لا شكّ لكثير الشكّ» ، فإنّه ـ لو لا وجود دليل متكفّل لبيان أحكام للشكّ ، سابق أو لا حق عليه ليكون ناظرا إليه ـ لغو محض لا تترتّب عليه فائدة أصلا. وهكذا أدلّة الحرج والضرر ، فإنّ صحّتها أيضا متوقّفة على وجود أحكام في الشريعة ، وفي المقام ليس الأمر كذلك ، ضرورة صحّة التعبّد بعدم الاعتناء بالشكّ بعد الفراغ أو التجاوز ولو لم يكن الاستصحاب مجعولا أصلا ، فالصحيح ـ على تقدير كون كلتيهما أمارتين كما هو الصحيح أو أصلين ـ أنّ تقديم دليل الاستصحاب على دليلها موجب للغويّة دليلها ، لاختصاص دليلها حينئذ بموارد نادرة لا يناسب مثل هذا الاهتمام لأجلها ، إذ ما من مورد غالبا من موارد قاعدتي الفراغ والتجاوز وأصالة الصحّة في عمل الغير إلّا وهو مورد لجريان استصحاب عدم الإتيان ، فبتقديم دليل الاستصحاب على دليلها لا يبقى له إلّا موردان :

أحدهما : ما إذا شكّ بعد الفراغ في أنّه صلّى بلا طهارة أو معها ، وكانت له قبل الصلاة حالتان متبادلتان لا يجري فيهما الاستصحاب ، للتعارض أو لعدم اتّصال زمان الشكّ بزمان اليقين.

__________________

(١) أجود التقريرات ٢ : ٤٦٣ ـ ٤٦٤.

ثانيهما : ما إذا شكّ في حدوث قاطع من القواطع منه ، كالقهقهة والتكلّم بكلام آدميّ والبكاء والاستدبار وغير ذلك من القواطع ، فإنّ الاستصحاب في هذه الموارد موافق لقاعدتي الفراغ والتجاوز.

ومن الواضح أنّ اختصاص القاعدة بالمورد الأوّل هو اختصاصها بفرد واحد ومورد نادر ، واختصاصها بالثاني أيضا لغو لا فائدة فيه ، إذ التعبّد بالاستصحاب مغن عنها ، فاللازم هو تخصيص دليل الاستصحاب بغير موارد القاعدة ، وهو إلى ما شاء الله ، فتقدّم القاعدة على الاستصحاب على هذا من باب التخصيص لا الحكومة.

هذا ، مضافا إلى ورود القاعدة في مورد الاستصحاب كما يظهر ذلك بمراجعة أخبار الباب ، فهذا أيضا وجه آخر للزوم تخصيص دليل الاستصحاب دون دليلها.

وبهذا ظهر أيضا وجه تقديم قاعدة اليد على الاستصحاب على تقدير كونهما أمارتين أو أصلين ، فإنّ تقديم دليل الاستصحاب على دليلها أيضا موجب لتخصيص دليلها بالفرد النادر دون العكس ، كما عرفت في قاعدة الفراغ ، فالتقديم من هذه الجهة ، لا لما أفاده شيخنا الأستاذ قدس‌سره من الحكومة.

نعم ، يجري الاستصحاب دون قاعدة اليد في موردين :

أحدهما : ما إذا اعترف ذو اليد في مورد التداعي بأنّ المال انتقل من المدّعي إليه ، فحينئذ تنقلب الدعوى ، ويصير المدّعي منكرا وذو اليد مدّعيا ، فعليه البيّنة على الانتقال ، لاستصحاب عدم الانتقال.

وثانيهما : ما إذا كان حال اليد معلومة من كونها يد غصب أو أمانة أو عارية أو إجارة أو غير ذلك ، فشكّ في انقلابها إلى اليد المالكيّة وعدمه وانتقال المال إليه وعدمه ، فيجري أيضا استصحاب عدم الانتقال دون قاعدة اليد.

وذلك لا لما أفاده شيخنا الأستاذ قدس‌سره ـ من أنّ عدم جريان قاعدة اليد من جهة أنّ الاستصحاب محرز لحال اليد ، وأنّها لم تنقلب عمّا هي عليه من عدم كونها مالكيّة (١) ـ فإنّه غير تامّ ، لعدم أخذ الشكّ في موضوع قاعدة اليد في لسان الدليل ، بل اليد مطلقة جعلها الشارع أمارة للملكيّة ، بل لعدم شمول دليل اليد للمقام ، فإنّ دليلها إمّا السيرة أو الروايات ، مثل قوله عليه‌السلام : «لو لا ذلك ، لما قام للمسلمين سوق» (٢). وشيء منهما لا يشمل المقام ، أمّا عدم شمول السيرة : فواضح. وأمّا الروايات : فلانصرافها إلى غير هذين الموردين ، فإنّها في مقام بيان أنّ اليد لو لم تكن حجّة ، للزمت على الناس من الصباح إلى المساء إقامة البيّنات على مالكيّتهم لما يبيعونه ، وهو مستلزم لتعطيل السوق.

بقي الكلام في تعارض الاستصحاب مع القرعة. وقد ذكر لتقدّم الاستصحاب في موردها عليها وجوه :

منها : ما ذكره صاحب الكفاية (٣) وغيره من أنّ دليل الاستصحاب أخصّ من دليلها ، لأخذ اليقين السابق في موضوع دليله دون دليلها.

وأورد عليه بأنّ النسبة عموم من وجه ، لخروج الأحكام عن تحت دليل القرعة بالإجماع ، بخلاف دليل الاستصحاب.

وأجابوا بأنّ دليل القرعة عامّ قد ورد عليه مخصّصان ، فهو عامّ بالنسبة إلى كلّ منهما : معقد الإجماع ، ودليل الاستصحاب.

وفيه : أنّه بعد فرض القطع من إجماع أو غيره بأنّ المراد الجدّي من العامّ كذا ، فلا بدّ من ملاحظة النسبة بين المخصّص اللفظي وما يراد من العامّ على ما

__________________

(١) أجود التقريرات ٢ : ٤٥٦ ـ ٤٥٧.

(٢) الكافي ٧ : ٣٨٧ ـ ١ ، الفقيه ٣ : ٣١ ـ ٩٢ ، التهذيب ٦ : ٢٦١ ـ ٢٦٢ ـ ٦٩٥ ، الوسائل ٢٧ : ٢٩٢ ـ ٢٩٣ ، الباب ٢٥ من أبواب كيفيّة الحكم ، الحديث ٢.

(٣) كفاية الأصول : ٤٩٣.

سيظهر إن شاء الله في بحث التعارض في باب انقلاب النسبة.

هذا ، مضافا إلى أنّه إنّما يتمّ على تقدير كون المراد من «المشكل» و «المشتبه» هو المجهول ، وسيجيء أنّه غير تامّ.

ومنها : أنّ دليل القرعة حيث خصّص كثيرا وتخصيص الأكثر مستهجن ، فنستكشف من ذلك أنّ موضوعه مقيّد بقيد لا نعلمه ، فيصير مجملا لا يمكن التمسّك به إلّا بالمقدار المتيقّن ممّا عمل به الأصحاب ، وهو مختصّ بغير مورد جريان الاستصحاب على خلافه.

وفيه : أنّه أيضا مبنيّ على كون المراد من «المشتبه» و «المشكل» هو المجهول ، وليس كذلك.

ومنها : أنّ معنى «المشتبه» و «المشكل» عرفا ولغة هو الملتبس ، يقال : أشكل عليه الأمر : أي التبس عليه. وبالجملة ، مفهوم «المشتبه» و «المشكل» ليس من المشكلات والمشتبهات ، بل يعرفه كلّ أحد ، وهو : ما لم يعرف حكمه ولم يبيّن حاله ، ولذا في مورد لا يمكن فيه للفقيه استنباط حكم موضوع واقعيّا أو ظاهريّا يكتب في رسالته : أنّ هذه المسألة مشكلة. أو : فيها إشكال ، وأمثال ذلك. ومن هنا يختصّ دليل القرعة بموارد لم يرد فيها من الشارع بيان للحكم لا تأسيسا ولا إمضاء ، فما علم حكمه الواقعي أو الظاهري بالاستصحاب أو غيره ولو بأضعف الأصول ، أو الإمضائي ـ كموارد العلم الإجمالي والشبهات البدويّة قبل الفحص حيث علمت فيه الوظيفة من الشارع ـ لا يصدق عليه أنّه مشكل أو مشتبه ، فتختصّ موارد القرعة بما إذا لم يكن شيء ممّا ذكر ، كما إذا نذر لأحد مالا ، ولم يعلم أنّ المنذور له زيد أو عمرو ، أو أوصى الميّت مالا لشخص خاصّ وتردّد الموصى له بين الشخصين ، وهكذا فيما إذا علم إجمالا بأنّ الواقف وقف مزرعة خاصّة للسادة أو الطلبة ، أو طلّق الزوج إحدى زوجتيه

واشتبهت المطلّقة عنده ، وغير ذلك ممّا لم تعلم الوظيفة فيه لا واقعا ولا ظاهرا.

وإذا فرض مورد علمت الوظيفة فيه ، ومع ذلك تعبّدنا الشارع بالقرعة ، كما ورد في قطيع غنم إحدى شياهه موطوءة (١) ، فهو إلحاق حكميّ ، لأنّه مورد للقرعة من باب أنّه مشكل ومشتبه.

ثمّ إنّه يستفاد من بعض روايات القرعة أنّ موردها ما إذا كان له واقع معيّن عند الله واشتبه في الظاهر (٢) ، فإذا قال : «إحدى زوجتيّ طالق» من دون أن يقصد إحداهما بالخصوص ، لا يصحّ تعيينها بالقرعة ، ولو فرض التعبّد بها ، فهو أيضا إلحاق حكميّ.

ومن ذلك ظهر ما في كلام شيخنا الأستاذ قدس‌سره حيث عمّ مورد القرعة بما إذا لم يكن له واقع معيّن أيضا استظهارا لما يكون كذلك وورد فيه التعبّد بها (٣) ، وقد عرفت أنّه إلحاق حكميّ.

فاتّضح من جميع ما ذكرنا أنّه لا تجري القرعة في شيء من موارد الاستصحاب ، ولا يجري هو في مواردها ، فهما مختلفان من حيث المورد ، ولا وجه لملاحظة النسبة مع كونهما كذلك.

هذا تمام الكلام في بحث الاستصحاب. والحمد لله أوّلا وآخرا ، والصلاة والسلام على محمد وآله أجمعين. ولعنة الله على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.

تاريخ : الأحد ٢٤ شعبان المعظّم ـ ١٣٦٩ ه‍ ، ق.

__________________

(١) تحف العقول : ٣٥٩ ، الوسائل ٢٤ : ١٧٠ ، الباب ٣٠ من أبواب الأطعمة المحرّمة ، الحديث ٤.

(٢) انظر الفقيه ٣ : ٥٢ ـ ١٧٤ ، التهذيب ٦ : ٢٣٨ ـ ٥٨٤ و ٢٤٠ ـ ٥٩٣ ، الوسائل ٢٧ : ٢٥٧ ـ ٢٦٠ ، الباب ١٣ من أبواب القرعة ، الحديث ٤ و ١١.

(٣) أجود التقريرات ٢ : ٤٩٤.

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله ربّ العالمين ، والصلاة والسلام على خير خلقه ، محمد وآله الطاهرين ، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين.

أمّا بعد ، فالبحث في قاعدة الفراغ. والكلام فيها ـ قبل الورود في البحث ـ يقع في أمور :

الأوّل : في أنّها هل هي من القواعد الفقهيّة أو الأصوليّة؟

فنقول : الميزان في كون القاعدة قاعدة أصوليّة هو أن يستنتج منها ـ إذا انضمّت إليها صغرى من صغرياتها ـ حكم كلّي إلهي قابل لإلقائه إلى المقلّدين وإلى عامّة الناس ، ويكون تطبيق الكبرى على الصغرى من شئون المجتهد ، ولا حظّ للمقلّد في ذلك ، وهذا كمسألة حجّيّة خبر الواحد وقاعدتي الحلّ والبراءة في الشبهات الحكميّة ، مثلا : إذا أخبر زرارة بوجوب السورة ، تصير صغرى قاعدة حجّيّة خبر الواحد وجدانيّة ، فيقال : السورة ممّا أخبر العادل بوجوبها في صلاة الفريضة : وكلّ ما أخبر العادل بوجوبه فهو واجب أو إخباره علم بالوجوب أو منجّز للواقع على اختلاف المشارب في معنى الحجّيّة من جعل الحكم المماثل أو الطريقيّة أو المنجّزيّة ، هذا هو ميزان القاعدة الأصوليّة.

وأمّا القاعدة الفقهيّة فهي ما يكون بنفسه كذلك ، أي حكما كلّيّا إلهيّا قابلا للإلقاء إلى عامّة الناس ، ويكون تطبيقها على صغرياتها من وظائف المقلّد ، ولا فائدة لعلم المفتي بالصغرى ما لم يعلم المقلّد بها ، وهذا كقاعدة الطهارة المضروبة لكلّ ما شكّ في طهارته ونجاسته من الموضوعات من جهة الشبهة الخارجيّة ، فإنّها بنفسها حكم كلّي ، وفعليّة هذا الحكم تابعة لفعليّة موضوعه

لكلّ أحد ، فلو فرض أنّ المقلّد شاكّ في نجاسة شيء فهو بنفسه يجري قاعدة الطهارة بعد فتوى مفتيه بذلك ، ولو لم يحصل له شكّ فلا يجري ، ولا عبرة بعلم المجتهد وعدمه ، فلو أخبر بنجاسة ثوب مقلّده وكان هو شاكّا ، يكون محكوما بالطهارة بقاعدتها إلّا على القول بكفاية شهادة الواحد في الموضوعات ، فيصير إخباره حجّة عليها من هذه الجهة لا من حيث هو مفت.

وقاعدة الفراغ تكون كذلك ، لأنّها بنفسها حكم كلّي قابل لإلقائه إلى عامّة الناس ، موضوعها هو الشكّ بعد الفراغ عن العمل المأمور به ، وتطبيقها على صغراها بيد المقلّد ، فإذا حصل الشكّ بعد الفراغ للمقلّد .... (١). الامتثال ، يجريها بعد فتوى مفتيه بذلك ولو علم مفتيه بعدم إتيانه المأمور به على ما هو عليه.

الثاني : في أنّ روايات الباب ، منها ما هي خاصّة بخصوص مورد ، كالصلاة والطهور ، وهي كثيرة. ومنها ما هي عامّة لا تختصّ بمورد دون مورد ، ومجموعها ستّة :

١ ـ ما رواه زرارة ـ في الصحيح ـ عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «إذا خرجت من شيء ثمّ دخلت في غيره فشكّك ليس بشيء» (٢).

٢ ـ رواية إسماعيل بن جابر عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «إن شكّ في الركوع بعد ما سجد فليمض ، وإن شكّ في السجود بعد ما قام فليمض ، كلّ شيء شكّ فيه ممّا قد جاوزه ودخل في غيره فليمض عليه» (٣).

__________________

(١) محلّ النقاط في الأصل مخروم.

(٢) التهذيب ٢ : ٣٥٢ ـ ١٤٥٩ ، الوسائل ٨ : ٢٣٧ ، الباب ٢٣ من أبواب الخلل ، الحديث ١.

(٣) التهذيب ٢ : ١٥٣ ـ ٦٠٢ ، الاستبصار ١ : ٣٥٨ ـ ١٣٥٩ ، الوسائل ٦ : ٣١٧ ـ ٣١٨ ، الباب ١٣ من أبواب الركوع ، الحديث ٤.

٣ ـ موثّقة ابن بكير : «كلّ ما شككت فيه ممّا قد مضى فأمضه كما هو» (١).

٤ ـ موثّقة ابن أبي يعفور : «إذا شككت في شيء من الوضوء وقد دخلت في غيره فشكّك ليس بشيء إنّما الشكّ إذا كنت في شيء لم تجزه» (٢).

٥ ـ قوله عليه‌السلام فيمن شكّ في الوضوء بعد ما فرغ : «هو حين يتوضّأ أذكر منه حين يشكّ» (٣).

٦ ـ ما رواه في الفقيه عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنّه قال : «إن شكّ الرّجل بعد ما صلّى فلم يدر ثلاثا صلّى أم أربعا وكان يقينه حين انصرف أنّه كان قد أتمّ ، لم يعد الصلاة وكان حين انصرف أقرب إلى الحقّ منه بعد ذلك» (٤).

والعموم في الروايتين الأخيرتين ـ مع ورودهما في الوضوء والصلاة بالخصوص ـ مستفاد من قوله في الأخيرة : «وكان حين انصرف ـ أي حين سلّم أقرب إلى الحقّ منه بعد ذلك» إذ يعلم منه أنّ المناط هو كونه أقرب إلى الحقّ حين الاشتغال بالعمل ، حيث هو حينئذ ملتفت إلى عمله ، فلو لم يأت بالرابعة لم يسلّم. ومن قوله فيما قبل الأخيرة : «هو حين يتوضّأ» إلى آخره ، فإنّه يعلم منه أنّ المناط هو أذكريّة العامل حين العمل منه بعد الفراغ منه.

الثالث : في أنّ هذه القاعدة هل هي من الأمارات أو الأصول؟ يستفاد من

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣٤٤ ـ ١٤٢٦ ، الوسائل ٨ : ٢٣٧ ـ ٢٣٨ ، الباب ٢٣ من أبواب الخلل ، الحديث ٣.

(٢) التهذيب ١ : ١٠١ ـ ٢٦٢ ، الوسائل ١ : ٤٦٩ ـ ٤٧٠ ، الباب ٤٢ من أبواب الوضوء ، الحديث ٢.

(٣) التهذيب ١ : ١٠١ ـ ٢٦٥ ، الوسائل ١ : ٤٧١ ، الباب ٤٢ من أبواب الوضوء ، الحديث ٧.

(٤) الفقيه ١ : ٢٣١ ـ ١٠٢٧ ، الوسائل ٨ : ٢٤٦ ، الباب ٢٧ من أبواب الخلل ، الحديث ٣.

الروايتين الأخيرتين السابقتين أنّها من الأمارات ، وأنّ عدم الاعتناء بالشكّ بعد الفراغ من جهة كاشفيّته بالنسبة إلى القاصد لإتيان المركّب تامّ الأجزاء والشرائط ، عن الإتيان على طبق إرادته الأوّليّة كشفا نوعيّا ، إذ الغالب أنّ الإنسان حين فعله ملتفت إلى جميع خصوصيّاته ومزاياه وبعد ذلك ينسى ، مثلا : إذا كتب مكتوبا إلى صديقه ، فمعلوم أنّه حين الكتابة ملتفت إلى جميع ما يكتب من الخصوصيّات ولكن بعد يوم إذا سئل عن بعض الخصوصيّات و «أنّك كتبت قضيّة كذا أو لا؟» يقول : «نسيت». وهذا واضح حتى أنّ الإنسان غالبا لا يعلم أنّ غداه قبل يومين ما ذا؟ إذا لم يكن معتادا بأكل شيء خاصّ.

وبالجملة ، ظاهر حال المريد لإتيان فعل هو أنّه ملتفت حين إتيانه ويأتي به على طبق إرادته ، واحتمال الإخلال سهوا أو غفلة خلاف الظاهر ، والشارع اعتنى بهذا الظهور ، وجعله حجّة ، على ما يظهر من قوله : «أذكر منه حين يشكّ» وقوله : «أقرب إلى الحقّ منه بعد ذلك» وإن كانت الروايات الأخر ساكتة عن ذلك ، بمعنى أنّه لا يستفاد منها شيء لا أماريّة القاعدة ولا كونها أصلا ، فإنّها في مقام بيان التعبّد بعدم الاعتناء بالشكّ بعد الفراغ ، ولا يستفاد أنّه لمجرّد التعبّد أو من جهة الكاشفيّة النوعيّة ، لكن فيهما غنى وكفاية ، فلا إشكال في كونها أمارة.

إلّا أنّ هنا إشكالا وهو أنّ لازم أماريّتها حجّيّة لوازمها العقليّة ، فلازم جريان قاعدة الفراغ في صلاة لأجل الشكّ في كونها مع الطهور أو لا هو صحّة الإتيان بصلاة أخرى بلا تحصيل طهور مع أنّه لا يمكن الالتزام به ، ولم يفتوا به أيضا ، لأنّ الصلاة الثانية غير ماضية ، والمكلّف لم يفرغ ولم يخرج منها ، فكيف يشملها ما أخذت فيه عناوين «المضيّ» و «الفراغ» و «الخروج من العمل والدخول في غيره» من الروايات!؟.

ودفع هذا الإشكال منحصر بما ذكرنا في بحث الاستصحاب من أنّ هذا الكلام المشهور «مثبتات الأمارات حجّة دون الأصول» ممّا لا أصل له ، بل الحجّيّة تابعة لمقدار دلالة الدليل بلا فرق بين كون الدليل دليل حجّيّة الأصل أو الأمارة ، والمقدار المستفاد من دليل حجّيّة الأمارات هو حجّيّتها في مدلولاتها المطابقيّة ، وأمّا مدلولاتها الالتزاميّة فلا تثبت بنفس دليل حجّيّتها ، بل لا بدّ له من دليل آخر ، وهو موجود في البيّنات والأقارير والإخبارات ، ولذا جعل الظنّ حجّة في باب القبلة بمقتضى قوله عليه‌السلام مضمونا : «يجزئ التحرّي أبدا إذا لم يعلم أين وجه القبلة» (١) مع أنّ لازمه ـ وهو دخول الوقت ـ لا يثبت.

وبالجملة ، أماريّة قاعدة الفراغ كأماريّة الاستصحاب ، التي قلنا بها ، فكما لا تكون في لوازمه حجّة مع كونه أمارة على المختار ، كذلك لا تكون في لوازمها حجّة ، لعدم استفادتها من دليل حجّيّتها.

وبعد ذلك يقع الكلام في مسائل :

الأولى : في عموم الأخبار وخصوصها.

لا إشكال في عموم قاعدة الفراغ لجميع العبادات والمعاملات : العقود والإيقاعات ، وعدم اختصاصها بخصوص الصلاة والطهارات الثلاث ، لعموم رواياتها.

وأمّا قاعدة التجاوز : فصريح كلام شيخنا الأنصاري قدس‌سره هو عمومها أيضا غاية الأمر أنّه خرجت منها الطهارات الثلاث ، الوضوء بالنصّ وغيره بعدم القول بالفصل (٢).

__________________

(١) الكافي ٣ : ٢٨٥ ـ ٧ ، التهذيب ٢ : ٤٥ ـ ١٤٦ ، الاستبصار ١ : ٢٩٥ ـ ١٠٨٧ ، الوسائل ٤ : ٣٠٧ ، الباب ٦ من أبواب القبلة ، الحديث ١.

(٢) فرائد الأصول : ٤١٢.

وشيخنا الأستاذ قدس‌سره بنى على أنّه ليس لها عموم ، وأنّ خروج الطهارات الثلاث بالتخصّص لا التخصيص (١).

والمناسب صرف عنان الكلام إلى أنّ قاعدتي التجاوز والفراغ هل هما قاعدة واحدة نحن سمّيناها باسمين ، أو أنّهما قاعدتان؟ حتى يتّضح المرام ، لشدّة ارتباطه بالمقام حتى قيل : إنّ النزاع في العموم والخصوص مبنيّ على الاتّحاد وعدمه ، فعلى الاتّحاد عامّة وعلى العدم خاصّة بخصوص الصلاة دون غيرها.

فنقول : قد استشكل على الاتّحاد بوجوه :

الأوّل : أنّ مفاد قاعدة الفراغ هو التعبّد بصحّة العمل مع كون أصل الوجود مفروضا ، ومفاد قاعدة التجاوز هو التعبّد بأصل الوجود ، فالجمع بينهما في دليل واحد مستلزم لاستعمال اللفظ في أكثر من معنى بل أفحش ، إذ كيف يمكن في دليل واحد فرض شيء موردا للتعبّد ، وخارجا عن دائرته وأخذه مفروض الوجود!؟

وأجيب : بأنّ الشكّ في صحّة الشيء مرجعه إلى الشكّ في وجود الصحيح ، فالتعبّد تعلّق بأصل الوجود وبمفاد «كان» التامّة في كلتا القاعدتين ، ولم يؤخذ الوجود مفروضا في إحداهما وموردا للتعبّد في الأخرى. هذا ما أجاب به الشيخ (٢) قدس‌سره عن هذا الإشكال.

وقد أورد عليه شيخنا الأستاذ قدس‌سره بوجهين :

الأوّل : أنّه خلاف ظواهر الأدلّة ، فإنّ ظاهر قوله عليه‌السلام : «فأمضه كما هو» هو الحكم بصحّة الماضي لا بوجود الصحيح ، فإرجاعه إلى ذلك يشبه الأكل

__________________

(١) أجود التقريرات ٢ : ٤٦٨.

(٢) فرائد الأصول : ٤١٤.

من القفا.

الثاني : ما أفاده تبعا لصاحب الكفاية من أنّ ما ذكر إنّما يتمّ في العبادات ، حيث إنّ همّ العقل فيها ليس إلّا العلم بتحقّق المأمور به في الخارج ووجود الصلاة الصحيحة مثلا ، وأمّا كون الصلاة الخارجيّة صحيحة فلا همّ للعقل في ذلك. وبعبارة أخرى : لا غرض للعقل إلّا الخروج عن عهدة تكليف المولى ، وهو يحصل بالتعبّد بوجود الصلاة الصحيحة ، ولا حاجة في ذلك إلى إثبات كون المأتيّ بها صحيحة.

نعم ، ربّما يتعلّق غرضه بذلك من جهة نذر وشبهه.

وأمّا في المعاملات فالغرض متعلّق بصحّة الموجود لا بوجود الصحيح ، والتعبّد بوجود الصحيح لا يثبت صحّة الموجود (١).

وما أفاده أوّلا تامّ ، بخلاف الإيراد الثاني ، إذ الغرض في المعاملات أيضا متعلّق بوجود الصحيح ، ضرورة أنّ التعبّد بوجود عقد نكاح صحيح متعلّق بامرأة معيّنة يكفي لترتيب آثار الزوجيّة من وجوب الإنفاق وغيره ، ولا حاجة إلى إثبات صحّة العقد الواقع ، وهكذا في البيع وغيره من المعاملات ، فالآثار نوعا تترتّب على وجود الصحيح لا صحّة الموجود بلا فرق بين العبادات والمعاملات.

والتحقيق : أنّ هذا الإشكال ساقط من أصله ، لما مرّ مرارا من أنّ الإطلاق ـ سواء كان شموليّا كما في (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ)(٢) أو بدليّا كما في «أعتق رقبة» حيث يكون المطلوب صرف وجود الرقبة ـ معناه رفض القيود وإلغاؤها لا أخذها والجمع فيها ، بمعنى أنّ المتكلّم يلاحظ طبيعة البيع ، ويلاحظ أيضا

__________________

(١) أجود التقريرات ٢ : ٤٦٤ ـ ٤٦٥.

(٢) البقرة : ٢٧٥.

جميع خصوصيّاتها المتخصّصة بها ويلغيها ، فيحكم بحلّيّة طبيعة البيع أينما سرت ، وهكذا في المطلق البدلي ، غاية الأمر أنّه يحكم بمطلوبيّة عتق صرف وجود الرقبة. وبالجملة ، القيود ملحوظة في المطلق مطلقا لحاظ الإلغاء لا لحاظ الدخل.

فحينئذ نقول : قوله عليه‌السلام : «كلّ ما شككت فيه ممّا قد مضى فأمضه كما هو» (١) دالّ على أنّ طبيعيّ الشكّ ـ المتعلّق بالشيء الماضي ملغى عنه جميع الخصوصيّات : خصوصية كون المشكوك وجود الشيء أو صحّته أو غير ذلك من الخصوصيّات ـ لا يعتنى به ، فموضوع الحكم بعدم الاعتناء مطلق ، غير ملحوظ فيه شيء من الخصوصيّتين ، لعدم دخلهما في الحكم ، فلم يؤخذ فيه شيء منهما حتى يقال : لا يمكن الجمع بينهما في اللحاظ في استعمال واحد.

وممّا يشهد على ذلك : أنّه لم يتوهّم أحد جريان هذا الإشكال في شمول دليل البيّنة للبيّنة المخبرة بوجود الركوع مثلا ، والبيّنة المخبرة بصحّة الركوع المأتيّ به مع أنّهما من باب واحد ، وسرّه ما ذكرنا من أنّ الموضوع مطلق ، وإنّما الاختلاف في خصوصيّاته التي لا دخل لها في الحكم ، وتكون ملغاة غير ملحوظة ، فإخبار البيّنة بشيء موضوع للحكم بالحجّيّة من دون نظر إلى أنّ المحاجّ به أيّ شيء : وجود شيء أو صحّته أو فساده؟

نعم ، هناك شبهة أخرى غير قابلة للدفع ، ومن جهتها لا بدّ من الالتزام بتعدّد القاعدتين ، وهي ما أفاده الشيخ قدس‌سره من أنّ ظاهر الشكّ في الشيء هو الشكّ في أصل وجوده لا في صحّته بعد الفراغ عن أصل وجوده ، فظاهر «إذا شككت في شيء ممّا قد مضى» هو الشكّ في وجود الشيء ، وجعل قاعدة

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣٤٤ ـ ١٤٢٦ ، الوسائل ٨ : ٢٣٧ ـ ٢٣٨ ، الباب ٢٣ من أبواب الخلل ، الحديث ٣.

التجاوز ودلالته على الشكّ في صحّة الموجود تحتاج إلى عناية ، والجمع بين ما يحتاج إلى العناية وما لا يحتاج إليها في دليل واحد لا يمكن (١).

هذا ، مضافا إلى أنّ وصف الصحّة لا معنى لمضيّه ، فلا يشمله قوله : «إذا شككت في شيء ممّا قد مضى» وحيث إنّ بعض الروايات ورد في مورد الشكّ في الصحّة ، فلا بدّ من ارتكاب (٢) فيه ، وجعله دليلا لقاعدة الفراغ ، وجعل غيره ممّا لم يرد في مورد الشكّ في الصحّة دليلا لقاعدة التجاوز ، فلا محيص عن الالتزام بقاعدتين.

هذا ، ولكنّ التحقيق الحقيق بالتصديق : أنّ هذه الشبهة أيضا مندفعة ، وأنّ الشكّ في الصحّة أيضا راجع إلى الشكّ في الوجود ، وذلك لأنّ وصف الصحّة أمر منتزع عن كون العمل تامّ الأجزاء والشرائط ، فالشكّ في الصحّة في الحقيقة شكّ في تحقّق جزء أو شرط ، وعدمه ، فإنّ الشكّ في صحّة الصلاة إمّا من جهة الشكّ في إتيان ركوعها أو سجودها أو تحقّق الاستقبال أو الموالاة أو غير ذلك من الأجزاء والشرائط ، ولا منشأ له غير ذلك ، وبعد الفراغ حقيقة يكون مصداقا للشكّ في الشيء بعد التجاوز ، فيشمله قوله عليه‌السلام : «كلّ ما شككت فيه ممّا قد مضى فأمضه كما هو» وغير ذلك من أخبار الباب.

لا يقال : لازم ذلك جريان قاعدة الفراغ عند الشكّ في صحّة الصلاة من جهة كونها مع الطهارة ، وعدمه في منشأ الانتزاع وهو الطهور ، فالتعبّد يتعلّق بوجود الطهور ، فيصحّ إتيان صلاة أخرى بلا استئناف طهور ، وهو خلاف فتاوى الأصحاب.

فإنّه يقال : في جوابه تقريبان راجعان إلى شيء واحد :

__________________

(١) فرائد الأصول : ٤١٠.

(٢) كذا في الأصل.

الأوّل : أنّ شرط كلّ صلاة هو اقترانها بالطهور لا اقتران صلاة أخرى به ، فإذا شكّ في صحّة صلاة الظهر من جهة اقترانها بالطهور ، والشارع تعبّدنا بتحقّق الشرط ، فقد تعلّق التعبّد باقتران صلاة الظهر بالطهور ، وبقاء الطهارة واقتران صلاة العصر أيضا بها لازم عقلي لاقتران صلاة الظهر بها ، وقاعدة الفراغ لا تثبت لوازمها.

الثاني : أنّ الطهارة وإن كانت أمرا بسيطا إلّا أنّها من حيث كونها زمانيّة تتجزّأ وتتكثّر بحصص كثيرة حسب تكثّر أجزاء الزمان ، ومن المعلوم أنّ شرط صلاة الصبح مثلا ، ليس هو وجود الطهور من أوّل طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ـ وإن كان الطهور أمرا وحدانيّا يبقى ويستمرّ في الزمان ما لم يتحقّق الناقض ـ بل حصّة خاصّة من تلك الحصص الموجودة فيما بين الطلوعين مثلا ، وهي الحصّة المقترنة بصلاة الصبح ، فإذا شكّ في صلاة الصبح من جهة كونها مع الطهور ، فقاعدة الفراغ تقتضي وجود تلك الحصّة الخاصّة من الطهارة المقترنة بصلاة الصبح ، ولا تثبت وجود الحصص الأخر وإن كانت متلازمة في الوجود.

فالحقّ الحقيق بالقبول هو اتّحاد القاعدتين ورجوع الشكّ في الصحّة إلى الشكّ في الوجود ، كما أفاده الشيخ (١) قدس‌سره ، وأنّ الأخبار العامّة شاملة للموردين : موردي قاعدتي التجاوز والفراغ. وخروج الطهارات الثلاث بالتخصيص ، كما أفاده الشيخ قدس‌سره (٢) ، لا بالتخصّص ، كما أفاده شيخنا الأستاذ (٣) قدس‌سره.

الإشكال الثاني على اتّحاد القاعدتين : ما أفاده شيخنا الأستاذ قدس‌سره من أنّ

__________________

(١) فرائد الأصول : ٤١٤.

(٢) فرائد الأصول : ٤١٢.

(٣) أجود التقريرات ٢ : ٤٦٨.

الأجزاء في قاعدة الفراغ لوحظت لحاظ الاندكاك في الكلّ ، فإنّ الملحوظ الاستقلالي في مقام التعبّد بصحّة المركّب هو نفس المركّب بما هو مركّب وأمر وحداني ، وفي قاعدة التجاوز لوحظت استقلالا ، ولا يمكن الجمع بين اللحاظ الاستقلالي والاندكاكي في استعمال واحد (١).

وفيه أوّلا : أنّ قاعدة الفراغ كما تجري في المركّب عند الشكّ في صحّته ، كذلك تجري في أجزائه من الركوع والسجود وغير ذلك إذا أتى بالجزء وشكّ في صحّته ، فالإشكال مشترك الورود ، فلا بدّ من الجواب عنه حتى لو قلنا بتعدّد القاعدتين ، فإنّ شمول قاعدة الفراغ للمركّب والأجزاء مستلزم للجمع بين اللحاظين.

وثانيا : أنّ سبق الأجزاء على المركّب وتقدّمها عليه بالطبع وكونها بمنزلة المادّة والمركّب بمنزلة الصورة لا يوجب شيء من ذلك عدم شمول الدليل لهما ، وهل يتوهّم عدم شمول قولنا : «كلّ فعل اختياري مسبوق بالتصوّر» للمركّب والأجزاء بدعوى أنّ الشمول مستلزم للجمع بين اللحاظين؟

وحلّه : ما ذكرنا من أنّ الإطلاق معناه رفض القيود لا أخذها ، فأيّ مانع لشمول قوله عليه‌السلام : «كلّ ما شككت فيه ممّا قد مضى فأمضه كما هو» (٢) للمركّب والأجزاء بعد كون كلّ من خصوصيّة الكلّيّة والجزئيّة ملغى وغير ملحوظ؟ فمع عدم اللحاظ أصلا أيّ معنى للجمع بين اللحاظين؟

وثالثا : أنّ ما ذكر لو سلّم إنّما يجري لو قلنا باختلاف موردي القاعدتين ، وأمّا على ما اخترناه ـ من اتّحاد موردهما ، لرجوع الشكّ في الصحّة إلى الشكّ

__________________

(١) أجود التقريرات ٢ : ٤٦٥.

(٢) التهذيب ٢ : ٣٤٤ ـ ١٤٢٦ ، الوسائل ٨ : ٢٣٧ ـ ٢٣٨ ، الباب ٢٣ من أبواب الخلل ، الحديث ٣.

في وجود الجزء أو الشرط ـ فهذا الإشكال ساقط من أصله ، إذ الشكّ في صحّة المركّب أيضا شكّ في تحقّق جزء من أجزائه أو شرط من شرائطه ، فالملحوظ هو الجزء أو الشرط لا المركّب.

الوجه الثالث من وجوه الإشكال : ما أفاده شيخنا الأستاذ قدس‌سره ، ومذكور في كلام الشيخ قدس‌سره أيضا من أنّ التعابير المذكورة في الروايات من «التجاوز» و «المضيّ» و «الخروج من الشيء» في مورد قاعدة الفراغ على نحو الحقيقة ، وفي مورد قاعدة التجاوز باعتبار التجاوز عن المحلّ ، فإسناد المضيّ وأمثاله إلى المشكوك فيه إسناد مجازي وإلى غير ما هو له ، فالقول بشمول دليل واحد لكلا الموردين مستلزم للجمع بين الإسناد الحقيقي والمجازي في استعمال واحد ، وكون إسناد المضيّ وشبهه إلى المشكوك فيه حقيقيّا إذا كان المشكوك فيه وصف الصحّة ومجازيّا إن كان نفس العمل ، وكيف يمكن الجمع بينهما في دليل واحد (١)

وفيه : أنّ الإسناد مجازي على كلّ حال ، لما ذكرنا من أنّ الصحّة أمر انتزاعي ، والشكّ فيها ناش من الشكّ في منشأ انتزاعها من وجود شيء ممّا اعتبر في المأمور به مثلا ، جزءا أو شرطا ، فالتجاوز باعتبار المحلّ لا محالة.

وممّا يوضّح ما ذكرنا ظهور الروايات في كون المضيّ متعلّقا بنفس المشكوك فيه ، ضرورة رجوع الضمير في قوله عليه‌السلام : «امضه كما هو» إلى المشكوك فيه ، وكما أنّ المشكوك فيه في مورد قاعدة التجاوز غير ماض حقيقة وإنّما الماضي هو محلّه كذلك المشكوك فيه في مورد قاعدة الفراغ ـ وهو وصف الصحّة ـ غير ماض ، وإنّما الماضي هو ذات العمل الّذي هو معلوم أنّه

__________________

(١) أجود التقريرات ٢ : ٤٦٧ ، فرائد الأصول : ٤١٠.

لم يتعلّق به شكّ أصلا.

وأيضا الشاهد على ذلك قوله عليه‌السلام : «كلّ ما مضى من صلاتك وطهورك فأمضه كما هو» (١) حيث أضيف لفظ الصلاة إلى ضمير الخطاب ، ولم يعبّر بلفظ «من الصلاة» و «من الطهور» فالمراد بالصلاة والطهور في هذه الرواية ـ ولو قلنا بأنّ ألفاظ العبادات أسام للأعمّ من الصحيح والفاسد ـ هو الصلاة المأمور بها والطهور المأمور به ، الّذي يكون تامّ الأجزاء والشرائط ، فإنّه هو طهوره وصلاته لا الفاسد منهما ، ومن الضروري أنّه في مورد قاعدة الفراغ لم تمض صلاته وطهوره حقيقة ، إذ لا يعلم أنّ المأتيّ بها هي صلاته المأمور بها أم لا حتى يصدق إسناد المضيّ إليها على نحو الحقيقة ، فلا مناص عن إسناد المضيّ إلى محلّها حقيقة وإليها مجازا. وبالجملة ، الإسناد مجازي على كلّ تقدير ولو قلنا بتعدّد القاعدتين.

الرابع من وجوه الإشكال : ما أفاده شيخنا الأستاذ ، ومذكور في كلام الشيخ قدس‌سره أيضا ، وهو : أنّ لازم اتّحاد القاعدتين التنافي والتناقض بين المفهوم والمنطوق فيما إذا شكّ في الركوع بعد ما سجد مثلا ، فإنّه مورد لقاعدة التجاوز ومحكوم بعدم الاعتناء به بمقتضى مفهوم قوله عليه‌السلام : «إنّما الشكّ إذا كنت في شيء لم تجزه» (٢) ومورد للاعتناء بمقتضى منطوقه ، حيث إنّ الصلاة ـ لكونها بجميع أجزائها وشرائطها ذات مصلحة واحدة ، ولها امتثال واحد وعصيان واحد ـ عمل واحد ، فالشكّ في الركوع بعد ما سجد شكّ قبل تماميّة العمل

__________________

(١) التهذيب ١ : ٣٦٤ ـ ١١٠٤ ، الوسائل ١ : ٤٧١ ، الباب ٤٢ من أبواب الوضوء ، الحديث ٦.

(٢) التهذيب ١ : ١٠١ ـ ٢٦٢ ، الوسائل ١ : ٤٦٩ ـ ٤٧٠ ، الباب ٤٢ من أبواب الوضوء ، الحديث ٢.

وقبل التجاوز عن المحلّ.

وهذا بخلاف ما إذا قلنا بتعدّدهما ، فإنّه لا محذور فيه ، حيث إنّ المجعول الأوّلي هو قاعدة الفراغ ، والتعبّد تعلّق بعدم الاعتناء بالشكّ بعد التجاوز عن العمل والمضيّ عنه ، غاية الأمر أنّ الشكّ في الجزء بعد الدخول في جزء آخر وقبل تماميّة العمل ـ مع أنّه شكّ قبل التجاوز ـ جعل بالحكومة والتنزيل المولوي من الشكّ بعد التجاوز ، فدليل قاعدة التجاوز مخصّص لبّا لمفهوم دليل قاعدة الفراغ ومخرج لهذا الفرد عن عموم مفهومه بلسان الحكومة وجعل الشكّ قبل التجاوز تعبّدا شكّا بعد التجاوز ، فلا تنافي بينهما ، ولا يمكن الالتزام بمثل هذه الحكومة في دليل واحد وقاعدة واحدة ، ولا محذور فيه في الدليلين المتكفّلين لبيان قاعدتين (١).

وفيه : أنّه لو كان لنا شكّ واحد ذو وجهين من جهة كان موردا للمفهوم ومن جهة أخرى موردا للمنطوق ، لكان لما ذكر وجه ، لكنّ النّظر الدّقيق يقضي بأنّ هناك شكّين أحدهما مسبّب عن الآخر ، إذ لنا شكّ في الركوع بعد الإتيان بالسجود ، وهذا شكّ بعد التجاوز ومحكوم بعدم الاعتناء ، وشكّ آخر في صحّة الأجزاء اللاحقة ، وهو مسبّب عن الشكّ الأوّل ، حيث لا منشأ له إلّا احتمال عدم الإتيان بالركوع وإلّا فلو علمنا بإتيانه لعلمنا بصحّة الأجزاء اللاحقة ووقوعها في موقعها ، فبعد التعبّد بإتيان الركوع يرتفع الشكّ في صحّة السجود والتشهّد وغير ذلك من الأجزاء اللاحقة ، فلا يكون بعد ذلك موردا لمفهوم قاعدة الفراغ حتى يتحقّق التنافي بين المنطوق والمفهوم ، فاتّضح من جميع ما ذكرنا اتّحاد القاعدتين وعدم ما يصلح للالتزام بتعدّدهما.

__________________

(١) أجود التقريرات ٢ : ٤٦٥ ـ ٤٦٦ ، فرائد الأصول : ٤١١ ـ ٤١٢.

نعم ، هناك رواية واحدة ربّما يتوهّم كونها مؤيّدة لما أفاده شيخنا الأستاذ قدس‌سره من كون المجعول الأوّلي هو قاعدة الفراغ ، وإنّما ألحقت بها قاعدة التجاوز بالحكومة ، وهي رواية موثّقة ابن أبي يعفور «إذا شككت في شيء من الوضوء وقد دخلت في غيره فشكّك ليس بشيء ، إنّما الشكّ إذا كنت في شيء لم تجزه» (١) بناء على رجوع الضمير في «غيره» إلى الوضوء ، فإنّه بناء على هذا يستفاد من الرواية حكم كلّي ، وهو الاعتناء بالشكّ قبل الفراغ والتجاوز عن العمل ، وعدم الاعتناء به بعد ذلك ، فإنّ ظاهرها أنّ الإمام ـ سلام الله عليه ـ في مقام إعطاء ضابط كلّي جار في جميع موارد الشكّ ، لا أنّه حكم مختصّ بالوضوء ، بل الظاهر أنّه عليه‌السلام طبّق هذا الضابط الكلّي على مورد الوضوء ، فمقتضى هذه الرواية أنّ الشكّ في أثناء العمل لا بدّ من الاعتناء به ، خرج عن هذا العموم خصوص الصلاة بدليل خاصّ.

وفيه : أنّ هذه الرواية لا بدّ من رفع اليد عنها بصحيحتي زرارة (٢) وإسماعيل بن جابر (٣) ، فإنّهما صريحتان في أنّ الشكّ في أثناء العمل بعد التجاوز عن المشكوك فيه لا يعتنى به ، فإنّ موردهما هو الشكّ في الأثناء فتقدّمان ، لأقوائيّة سندهما.

هذا ، مضافا إلى احتمال رجوع الضمير إلى الشيء المشكوك فيه في قوله عليه‌السلام : «إذا شككت في شيء من الوضوء» والعلم الخارجي بأنّ الشكّ في

__________________

(١) التهذيب ١ : ١٠١ ـ ٢٦٢ ، الوسائل ١ : ٤٦٩ ـ ٤٧٠ ، الباب ٤٢ من أبواب الوضوء ، الحديث ٢.

(٢) التهذيب ٢ : ٣٥٢ ـ ١٤٥٩ ، الوسائل ٨ : ٢٣٧ ، الباب ٢٣ من أبواب الخلل ، الحديث ١.

(٣) التهذيب ٢ : ١٥٣ ـ ٦٠٢ ، الاستبصار ١ : ٣٥٨ ـ ١٣٥٩ ، الوسائل ٦ : ٣١٧ ـ ٣١٨ ، الباب ١٣ من أبواب الركوع ، الحديث ٤.

أثناء الوضوء مورد للاعتناء لا يجعل الرواية ظاهرة فيما ذكر ، فالرواية مجملة لا يمكن التمسّك بها ، فتبقى الروايات الأخر دالّة على المطلوب ، وهو مجعوليّة كبرى واحدة هي عدم الاعتناء بالشكّ في الشيء الماضي ، سواء كان المشكوك فيه هو المركّب أو أجزاءه.

إذا عرفت اتّحاد القاعدتين وأنّه لا اثنينيّة في البين ، فاعلم أنّ الروايات كما هي عامّة في مورد الشكّ بعد الفراغ لجميع العبادات وعامّة العقود والإيقاعات بل المعاملات بالمعنى الأخصّ ، كذلك عامّة في مورد قاعدة التجاوز لجميع ذلك ، غاية الأمر أنّه خرجت الطهارات الثلاث عن هذا العموم على كلام سنتكلّم فيها إن شاء الله. وهذا على ما اخترناه ـ من اتّحادهما ـ ظاهر.

وأمّا على التعدّد : فربّما يقال باختصاص قاعدة التجاوز بخصوص أجزاء الصلاة دون غيرها ، كما هو صريح كلام شيخنا الأستاذ (١) وصاحب الكفاية في حاشيته على الرسائل (٢) على ما ببالي من السابق ، لأنّ دليلها منحصر بالروايتين اللتين أشرنا إليهما ، وهما صحيحتا زرارة وإسماعيل بن جابر ، والأولى وإن كانت مطلقة ، لقوله عليه‌السلام : «إذا خرجت من شيء ودخلت في غيره فشكّك ليس بشيء» (٣) والثانية عامّة ، لقوله عليه‌السلام : «كلّ شيء شكّ فيه وقد جاوزه ودخل في غيره فليمض عليه» (٤) إلّا أنّه لا يصحّ الأخذ بإطلاق الأولى وعموم الثانية.

أمّا الأوّل : فلوجود القدر المتيقّن في مقام التخاطب ، وهو السؤال عن أجزاء خصوص الصلاة من الأذان والقراءة والركوع ، وهو مانع من الأخذ بالإطلاق.

__________________

(١) أجود التقريرات ٢ : ٤٦٨.

(٢) حاشية فرائد الأصول : ٢٣٧.

(٣) تقدّم تخريجهما في ص ٢٤١.

(٤) تقدّم تخريجهما في ص ٢٤١.

وأمّا الثاني : فلأنّ سعة دائرة العموم وضيقها تابعة لما يراد من أداة العموم ، فلفظة «كلّ» عامّة لكلّ ما يراد من مدخولها ، وعموم «الشيء» ـ الّذي هو المدخول للفظة «كلّ» في المقام ـ لأجزاء الصلاة وغيرها إنّما هو بالإطلاق ومقدّمات الحكمة ، وهو ممنوع في المقام ، لوجود القدر المتيقّن في مقام التخاطب ، وهو قوله عليه‌السلام قبل ذكر هذه الكبرى : «إن شكّ في الركوع بعد ما سجد فليمض ، وإن شكّ في السجود بعد ما قام فليمض» (١).

هذا ، ولكن لا يخفى ما فيه ، فإنّه مبتن على مبنيين اختارهما صاحب الكفاية (٢) :

أحدهما : مانعيّة وجود القدر المتيقّن في مقام التخاطب عن الأخذ بالإطلاق.

وثانيهما : عدم شمول لفظة «كلّ» وأمثالها إلّا لما يراد من مدخولها.

وقد بيّنّا في مباحث الألفاظ فساد كلا المبنيين وأنّ لازم الأوّل عدم جواز الأخذ بشيء من المطلقات في الفقه إلّا ما شذّ وندر ، إذ الغالب هو وجود قدر متيقّن في البين لا أقلّ من مورد الرواية ، مثلا : إذا سئل الإمام عليه‌السلام ـ كما سئل ـ : عن الصلاة في الفنك والسنجاب والسمّور ، فأجاب : «بأنّ كلّ شيء ممّا حرّم الله أكله فالصلاة في شعره ووبره وألبانه وروثه وكلّ شيء منه فاسدة» (٣) لا يمكن التعدّي عن هذه الثلاثة إلى غيرها من أنواع ما لا يؤكل لحمه ، لتيقّنها

__________________

(١) التهذيب ٢ : ١٥٣ ـ ٦٠٢ ، الاستبصار ١ : ٣٥٨ ـ ١٣٥٩ ، الوسائل ٦ : ٣١٧ ـ ٣١٨ ، الباب ١٣ من أبواب الركوع ، الحديث ٤.

(٢) انظر : كفاية الأصول : ٢٥٤ و ٢٨٧.

(٣) الكافي ٣ : ٣٩٧ ـ ١ ، التهذيب ٢ : ٢٠٩ ـ ٨١٨ ، الوسائل ٤ : ٣٤٥ ، الباب ٢ من أبواب لباس المصلّي ، الحديث ١.

في مقام التخاطب دون غيرها ، مع أنّه لا يشكّ أحد من العرف في استفادة العموم ، وهل يتوهّم أحد ـ إذا سئل الإمام عليه‌السلام : عن إكرام زيد العالم ، فأجاب : «كلّ عالم يجب إكرامه» أو «يجب إكرام العالم» ـ اختصاص الحكم بزيد؟

وبيّنّا هناك أنّ لفظة «كلّ» بنفسها متكفّلة لتسرية الحكم لكلّ ما ينطبق عليه مدخولها ويصدق عليه ، ولا حاجة إلى إجراء مقدّمات الحكمة في نفس المدخول ، بل المدخول على ما هو عليه ـ من كونه كلّيّا طبيعيّا قابلا للصدق على كثيرين ونعبّر عنه باللابشرط المقسمي ـ بجميع أفراده القابل صدقه عليها والممكن انطباقه عليها مشمول للحكم ببركة لفظة «كلّ» لا غير ، فلا مانع من الأخذ بإطلاق الرواية الأولى وعموم الثانية ، الحاكمين بعدم الاعتناء بالشكّ في الشيء الماضي في أثناء العمل أو بعده ، ولا بدّ من الخروج عن هذا العموم من التماس دليل عليه.

نعم ، لو كان المطلق أو مدخول «كلّ» منصرفا إلى القدر المتيقّن أو غيره ، لكان الحكم مختصّا بالمنصرف إليه ، كما إذا ورد «لا تصلّ في شعر الحيوان المحرّم أكله» فإنّه منصرف عن الإنسان وإن كان بمعناه اللغوي يشمله أيضا.

المسألة الثانية : لا إشكال في اعتبار الدخول في الغير في مورد الشكّ في أصل وجود الشيء ، الّذي نعبّر عنه بقاعدة التجاوز ، وذلك ـ مضافا إلى اعتباره في صحيحتي زرارة وإسماعيل بن جابر (١) صريحا ـ من جهة أنّ عناوين «التجاوز» و «المضيّ» و «الخروج عن الشيء» ـ التي اعتبرت في الروايات وعلّق الحكم عليها ـ لا تتحقّق إلّا بذلك ، فإنّ المراد من المضيّ ـ كما عرفت ـ هو المضيّ عن محلّ المشكوك فيه لا نفسه ، ومن المعلوم أنّه مع عدم الدخول

__________________

(١) تقدّم تخريجهما في ص ٢٤١ ، الهامش (٢ و ٣).

فيما جعله الشارع مرتّبا على المشكوك فيه ـ بحيث لو أتى به قبل الإتيان بالمشكوك فيه لم يكن آتيا بالمأمور به على ما هو عليه ـ لا يصدق «التجاوز» و «المضيّ» و «الخروج عن المشكوك» ومحلّه بعد باق ، فلا بدّ من الإتيان به.

وأمّا قاعدة الفراغ : فبعض الروايات قيّد بذلك ، كالصحيحتين المتقدّمتين (١) ، وصدر موثّقة ابن أبي يعفور (٢) ، وبعضها مطلق ، كقوله عليه‌السلام : «كلّ ما شككت فيه ممّا قد مضى فأمضه كما هو» (٣) وذيل موثّقة ابن أبي يعفور «إنّما الشكّ إذا كنت في شيء لم تجزه» (٤).

فمنهم من أخذ بالمطلقات ، ومنهم : من ـ كشيخنا الأستاذ قدس‌سره ـ حمل المطلق على المقيّد (٥) ، لا بقاعدة حمل المطلق على المقيّد ـ فإنّه مختصّ بما إذا كان الحكم ثابتا للمطلق بنحو صرف الوجود ك «أعتق رقبة» و «أعتق رقبة مؤمنة» لا بنحو الانحلال والشمول ، كما في «المسكر حرام» و «الخمر حرام» والمقام من قبيل الثاني ، ولا تنافي بين المطلق والمقيّد حتى يحمل الأوّل على الثاني ـ بل لوجوه أخر :

أحدها : ما اختاره شيخنا الأستاذ قدس‌سره من أنّ الأخذ بالروايات المقيّدة وترجيحها على المطلقة منها من جهة أنّ المطلقات في نفسها غير تامّة ، لأنّ المطلق إذا كان مقولا بالتشكيك ولم يكن صدقه على بعض الأفراد في عرض صدقه على البعض الآخر كلفظ «الحيوان» ـ فإنّ مفهومه مفهوم تشكيكي

__________________

(١) تقدّمتا في ص ٢٤٢.

(٢ و ٤) تقدّم تخريجها في ص ٢٤١ ، الهامش (١).

(٣) تقدّم تخريجها في ص ٢٤١ ، الهامش (١).

(٥) أجود التقريرات ٢ : ٤٧٠.

لا يكون صدقه على أفراده على السويّة ، بل يكون بالنسبة إلى بعض ظاهرا وإلى آخر خفيّا ، كصدقه على الإنسان ، فإنّه خفيّ محتاج إلى التدقيق الّذي لا يعمله العرف ، بل إذا قيل فيما إذا قدم إنسان عظيم الشأن : جاء الحيوان ، يعدّ غلطا أو ركيكا ، والمطلق في المقام يكون كذلك ، حيث يكون صدقه على مورد الدخول في الغير جليّا وعلى مورد حصول الفراغ وعدم الدخول في الغير خفيّا ـ لا يكون المطلق ظاهرا في الإطلاق بالنسبة إليه.

والحاصل : أنّه لا بدّ في الأخذ بالمطلق من أن يكون ظاهرا في الإطلاق ، ومع عدم الظهور بالقياس إلى فرد ـ ولو لم يكن منصرفا عنه ـ لا يصحّ الأخذ به (١).

وفيه : أنّ التشكيك إن كان في الخفاء والجلاء ، كان الأمر كما أفاده ، أمّا لو كان في مراتب الظهور وكان جميع المراتب ظاهرة ، غاية الأمر أنّ بعض المراتب أظهر من الآخر ـ كما في صدق الإنسان على العالم الخبير البصير ، فإنّه أظهر من صدقه على الجاهل الفاقد لجميع الصفات والكمالات المرغوبة من الإنسان مع أنّ صدقه عليه أيضا ظاهر ـ فلا مانع من الأخذ بالإطلاق ، ولا توجب أظهريّة بعض الأفراد ظهور المطلق فيه وعدم ظهور في الفرد الظاهر ، كما هو ظاهر ، إذ لو كان هذا مانعا من الأخذ بالإطلاق ، لم يمكن الأخذ بالإطلاق في غالب المطلقات ، إذ المطلق المتواطئ قليل جدّاً.

وبالجملة ، صدق المطلق في المقام على مورد الدخول في الغير وإن كان أظهر إلّا أنّ صدقه على مورد مجرّد حصول الفراغ أيضا ظاهر ، فلا وجه لعدم ظهور المطلق فيه.

__________________

(١) أجود التقريرات ٢ : ٤٧١.

وثانيها : أنّ تقديم الروايات المقيّدة من جهة وجود القدر المتيقّن في مقام التخاطب.

وفيه أوّلا : أنّه غير مانع من الأخذ بالإطلاق ، كما حقّق في محلّه.

وثانيا : أنّه لا صغرى له في المقام ، حيث إنّ المراد أنّ اللفظ يكون له قدر متيقّن في مقام التخاطب ، وليس لقوله عليه‌السلام : «كلّ ما شككت فيه ممّا قد مضى فأمضه كما هو» (١) قدر متيقّن في مقام التخاطب ، بل الحكم له قدر متيقّن وجميع مطلقات العالم لحكمها قدر متيقّن.

وثالثا : أنّ هذا ـ لو سلّم جار في المطلق لا في العامّ كما في المقام ، إذ قوله عليه‌السلام : «كلّ ما شككت فيه» (٢) إلى آخره ، عامّ لا مطلق.

وثالثها : أنّ التقديم من جهة كون الغالب في موارد الشكّ في قاعدة الفراغ هو الدخول في الغير ، فيحمل المطلق على الفرد الغالب.

وفيه أوّلا : أنّ مجرّد الغلبة الخارجيّة لا يوجب ذلك ما لم يكن المطلق منصرفا إلى الفرد الغالب.

وثانيا : أنّه ـ لو سلّم جار في المطلق لا في العامّ ، كما عرفت ، فإذن تكون المطلقات محكّمة.

هذا ، ولكنّ الّذي ينبغي أن يقال : إنّ من يعتبر الدخول في الغير إن أراد من «الغير» مطلق الغير ، أي مجرّد الانتقال من المشكوك فيه إلى حالة أخرى وشيء آخر ولو لم يكن مترتّبا على المشكوك فيه شرعا ، فهو معتبر في قاعدتي التجاوز والفراغ ولو لم تكن لنا رواية مقيّدة أصلا ، ضرورة توقّف تحقّق

__________________

(١ و ٢) التهذيب ٢ : ٣٤٤ ـ ١٤٢٦ ، الوسائل ٨ : ٢٣٧ ـ ٢٣٨ ، الباب ٢٣ من أبواب الخلل ، الحديث ٣.

عناوين «المضي» و «التجاوز» و «الخروج عن الشيء» المأخوذة في الروايات على الدخول في الغير بهذا المعنى حتى في قاعدة الفراغ ، إذ كما لا يصدق الشكّ في الشيء الماضي لو شكّ في أصل وجود التكبيرة قبل الدخول في القراءة ، حيث إنّ أصل وجودها مشكوك فيه ، فلا معنى لكونه ماضيا ، ومحلّه المقرّر له شرعا أيضا باق غير ماض ، كذلك لا يصدق الشكّ في الشيء الماضي لو شكّ في صحّة التكبيرة حال اشتغاله بها من دون الانتقال إلى مطلق حالة أخرى ، الملازم للفراغ عنها ، فالدخول في الغير بهذا المعنى معتبر في كلتا القاعدتين سواء جعلناهما واحدة أو اثنتين ، غاية الأمر أنّه حيث إنّ هذا الاعتبار لمكان صدق عنواني «المضيّ» و «التجاوز» فلا محالة لا بدّ من النّظر إلى صدقهما ، ونرى أنّهما لا يصدقان في الشكّ في أصل وجود الشيء إلّا بالدخول فيما ترتّب عليه شرعا ، ويصدقان في مورد الشكّ في وصف صحّة الشيء بعد الفراغ عن أصل وجوده مع الدخول في مطلق الغير ولو لم يكن مترتّبا عليه شرعا ، والفراغ ملازم دائما للدخول في الغير بهذا المعنى ، فلا ينافي القول باتّحاد القاعدتين القول بالتفصيل ، واعتبار الدخول في «الغير» المترتّب في مورد الشكّ في أصل وجود الشيء ، واعتبار الدخول في مطلق الغير في مورد الشكّ في وصف الصحّة ، فإنّ ذلك من جهة تفاوت صدق عنواني «المضي» و «التجاوز» في الموردين.

ومن ذلك ظهر أنّ القيود في الروايات المقيّدة للتوضيح لا للاحتراز. وظهر أيضا أنّ صدر موثّقة ابن أبي يعفور ، الّذي قيّد بالدخول في الغير لا يكون معارضا لذيلها الّذي علّق الحكم فيه على عنوان «التجاوز».

وإن أراد اعتبار الدخول في «الغير» المترتّب ، فلا دليل عليه ، إذ لم يعتبر ذلك في شيء من الروايات ، وإنّما اعتبرناه في مورد قاعدة التجاوز من جهة

توقّف صدق عنواني «المضي» و «التجاوز» عليه.

نعم ، ربّما يتوهّم دلالة رواية زرارة على ذلك من جهة قوله عليه‌السلام : «فإذا قمت من الوضوء وفرغت عنه وقد صرت في حال أخرى في الصلاة أو في غيرها فشككت في بعض ما سمّى الله ممّا أوجب الله عليك وضوءه لا شيء عليك» (١) حيث اعتبر ـ مضافا إلى الفراغ الملازم للدخول في مطلق الغير ـ الدخول في «الغير» الخاصّ المترتّب كالصلاة وغيرها ممّا يكون الوضوء شرطا له صحّة أو كمالا.

ولكن يرد عليه أوّلا : أنّ الرواية واردة في مورد الوضوء ، والتعدّي عنه يحتاج إلى القطع بعدم الخصوصيّة ، وأنّى لنا بإثبات ذلك؟

وثانيا : أنّه لا دلالة للرواية على ذلك حتى في موردها ، إذ صدرها يدلّ مفهوما على عدم اعتبار أزيد من الفراغ ، فلو لم نقل بأنّ الذيل سيق لأجل بيان محقّق الفراغ لا اعتبار أمر آخر ، فلا أقلّ من المعارضة بين الصدر والذيل ، فتسقط عن الحجّيّة ، فتأمّل.

وثالثا : أنّها معارضة بقوله عليه‌السلام فيمن شكّ في الوضوء بعد ما فرغ : «هو حين يتوضّأ أذكر منه حين يشكّ» (٢) وقوله عليه‌السلام في رواية محمد بن مسلم فيمن شكّ بين الثلاث والأربع بعد ما صلّى وكان متيقّنا حينما سلّم بأنّه قد أتمّ : «لم يعد الصلاة وكان حين انصرف أقرب إلى الحقّ منه بعد ذلك» (٣) حيث إنّه يستفاد منهما أنّ الملاك في عدم الاعتناء بالشكّ هو كون الآتي بالعمل حين

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٣ ـ ٢ ، التهذيب ١ : ١٠٠ ـ ٢٦١ ، الوسائل ١ : ٤٦٩ ، الباب ٤٢ من أبواب الوضوء ، الحديث ١.

(٢) التهذيب ١ : ١٠١ ـ ٢٦٥ ، الوسائل ١ : ٤٧١ ، الباب ٤٢ من أبواب الوضوء ، الحديث ٧.

(٣) الفقيه ١ : ٢٣١ ـ ١٠٢٧ ، الوسائل ٨ : ٢٤٦ ، الباب ٢٧ من أبواب الخلل ، الحديث ٣.

الاشتغال به أذكر ، وأقرب إلى الحقّ منه بعد ذلك ، ومنه استكشفنا أماريّة القاعدة ، فمقتضى هاتين الروايتين هو عدم الاعتناء بالشكّ بعد الفراغ بمجرّد احتمال الأذكريّة والأقربيّة إلى الحقّ.

وبالجملة ، لا دليل على اعتبار الدخول في الغير المترتّب إلّا من حيث صدق عنواني «المضي» و «التجاوز» في مورد قاعدة التجاوز.

ومن ذلك ظهر أنّ ما أفتى به بعض من عدم الاعتناء بالشكّ في صحّة التكبيرة قبل الدخول في القراءة هو الصحيح.

ورابعا : أنّ الرواية معرض عنها ، حيث تدلّ على أنّ الشاكّ في صحّة الوضوء بعد مضيّ ساعة أو ساعتين ـ مثلا ـ عن وقت وضوئه وقبل الدخول في الصلاة يعتني بشكّه ، ولا يجري في حقّه قاعدة الفراغ ، وهو غير معروف من مذهب الأصحاب.

المسألة الثالثة : أنّ المراد من «الغير» ـ الّذي اعتبرنا الدخول فيه لصدق عنوان «المضي» وشبهه ـ ما هو أعمّ من الأجزاء المستقلّة بالعنوان ، كالتكبير والقراءة والركوع والسجود ، وما لا يستقلّ بعنوان مخصوص ، كأجزاء الأجزاء ، فلو شكّ في قراءة الآية الأولى من فاتحة الكتاب بعد ما شرع في الآية الثانية ، لا يعتني بشكّه. وهذا على ما اخترناه من اتّحاد القاعدتين واضح ، لأنّ الملاك في عدم الاعتناء هو تعلّق الشكّ بما قد مضى ، وهو متحقّق في المقام.

وأمّا على ما اختاره شيخنا الأستاذ قدس‌سره من أنّ المجعول الأوّلي هو قاعدة الفراغ ، ومورد الشكّ في أصل الوجود المعبّر عنه بقاعدة التجاوز ملحق بموردها بالحكومة والتنزيل المولويّ (١) ، فربما يقال بكون المراد بالغير في

__________________

(١) أجود التقريرات ٢ : ٤٦٦.

قاعدة التجاوز هو ما يكون مستقلّا بالعنوان دون غيره.

وذهب إليه شيخنا الأستاذ قدس‌سره ، وأفاد في وجه ذلك أنّ دليل التنزيل قاصر عن شموله لما لا يكون مستقلّا بالعنوان ، فإنّه منحصر بصحيحتي زرارة وإسماعيل بن جابر ، وحكم عليه‌السلام في الأولى بالمضيّ في صلاته إذا شكّ في الأذان بعد ما كبّر أو في القراءة بعد ما ركع أو في الركوع بعد ما سجد (١). وحكم بذلك في الثانية إن شكّ في الركوع بعد ما سجد وفي السجود بعد ما قام (٢) ، فنزّل ما له عنوان مستقلّ من الأجزاء منزلة المركّب دون غيره (٣).

وفيه : أنّ الأمثلة المذكورة وإن كانت كلّها من العناوين المستقلّة إلّا أنّه ـ سلام الله عليه ـ حكم بعدم الاعتناء بالشكّ فيما قد مضى وخرج عنه بنحو الإطلاق في الأولى والعموم في الثانية ، فإطلاق الأولى وعموم الثانية شاملان للشكّ فيما قد مضى مع الدخول فيما لا يستقلّ بالعنوان أيضا. وإن أراد الأخذ بالقدر المتيقّن في مقام التخاطب ، فهو ـ مضافا إلى عدم صحّته في نفسه ـ يجري في المطلق دون العامّ ، ورواية محمد بن مسلم عامّة.

ثمّ إنّه لو اقتصر على موارد الأمثلة المذكورة في الروايتين ولم يتمسّك بالكبرى العامّة ، فلا وجه للحكم بعدم الاعتناء بالشكّ في الفاتحة بعد ما شرع في السورة ، فإنّه غير مذكور في الروايتين ، ولا دليل على أنّها أيضا نزّلت منزلة المركّب ، وإن كان التمسّك بالإطلاق والعامّ ، فلا وجه للتخصيص بالدخول في «الغير» المستقلّ.

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣٥٢ ـ ١٤٥٩ ، الوسائل ٨ : ٢٣٧ ، الباب ٢٣ من أبواب الخلل ، الحديث ١.

(٢) التهذيب ٢ : ١٥٣ ـ ٦٠٢ ، الاستبصار ١ : ٣٥٨ ـ ١٣٥٩ ، الوسائل ٦ : ٣١٧ ـ ٣١٨ ، الباب ١٣ من أبواب الركوع ، الحديث ٤.

(٣) أجود التقريرات ٢ : ٤٧٣.

وبالجملة ، لا وجه لاعتبار كون الغير ممّا يستقلّ بالعنوان حتى على مختاره قدس‌سره أيضا.

نعم ، لو شكّ فيما له كمال ارتباط بما دخل فيه ـ كما إذا شكّ في حال الاشتغال بقراءة الكلمة الأخيرة من آية في أنّه قرأ أوّلها أو لا ـ فلا بدّ من الاعتناء به ، لأنّ المضيّ الحقيقي والدقّي وإن كان محقّقا إلّا أنّ الميزان هو صدق المضيّ عرفا ، والعرف يرى مجموع الآية المرتبط بعض كلماتها ببعض شيئا واحدا.

وأوضح من ذلك في لزوم الاعتناء به الشكّ في حال الاشتغال بقراءة آخر كلمة في أنّه قرأ حرف أوّلها أو لا.

المسألة الرابعة : لا إشكال في كون الشكّ في السجود بعد ما دخل في التشهّد من الشكّ بعد التجاوز ، وممّا لا يعتنى به حتى على القول باعتبار الدخول في «الغير» المستقلّ بالعنوان ، فإنّ التشهّد يكون كذلك.

وتوهّم لزوم الاعتناء به من جهة أنّه اعتبر في الروايتين الشكّ في السجود بعد ما قام لا بعد ما شرع في التشهّد فاسد ، فإنّ المثال فرض في الركعة الأولى ، حيث إنّ السؤال عن الشكّ في الأذان بعد ما كبّر ، والتكبير بعد ما قرأ ، إلى أن ينتهي إلى الشكّ في السجود بعد ما قام.

المسألة الخامسة : الدخول في مقدّمات الأفعال لا اعتبار به في مورد قاعدة التجاوز ، لما عرفت من أنّ المضيّ في موردها لا بدّ وأن يلاحظ بالنسبة إلى محلّ المشكوك ، ومن المعلوم أنّه لم يمض محلّ الركوع ما لم يصل إلى حدّ السجود ، وهكذا لم يمض محلّ السجود ما لم يستو قائما ، فالشكّ في الركوع حال الهويّ وفي السجود حال النهوض لا بدّ من الاعتناء به ، لعدم كونهما ممّا يترتّب على الركوع والسجود شرعا. بل قيل : إنّه لا يعقل كونهما من الأجزاء المترتّبة التي تعلّق بها التكليف ، فإنّ تعلّقه بهما ـ مع كونهما ممّا لا بدّ منهما

عقلا ـ لغو ، وهذا نظير إنكار الوجوب الشرعي للمقدّمة.

ثمّ لو فرضنا شمول قاعدة التجاوز للشكّ في حال النهوض ، تخصّص بصحيحة عبد الرحمن ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : رجل رفع رأسه عن السجود ، فشكّ قبل أن يستوي جالسا ، فلم يدر أسجد أم لم يسجد ، قال عليه‌السلام : «يسجد» قلت : فرجل نهض من سجوده فشكّ قبل أن يستوي قائما ، فلم يدر أسجد أم لم يسجد ، قال عليه‌السلام : «يسجد» (١).

نعم ، هناك صحيحة أخرى لعبد الرحمن (٢) أيضا ادّعي ظهورها في عدم الاعتناء بالشكّ في الركوع حال الهويّ إلى السجود ، فلو دلّت على ذلك تتبّع في موردها ، إلّا أنّ الظاهر عدم دلالتها على ما ذكر ، فإنّ قوله فيها : «رجل أهوى إلى السجود فلا يدري أركع أم لم يركع» ظاهره تحقّق الهويّ لا الشروع فيه ، حيث إنّه بصيغة الماضي ، وفرق بين «أهوى» إلى السجود فشكّ وبين «يهوي» إلى السجود فشكّ ، فإنّ الأوّل ظاهر في كون الشكّ حال السجود ، والثاني ظاهر في تحقّق الشكّ حال الهويّ ، كالفرق بين «صلّى فلان» و «فعل كذا» و «يصلّي» و «يفعل كذا» والحاصل : أنّه أهوى إلى السجود معناه سقط إلى السجود ، فقوله عليه‌السلام في الجواب : «قد ركع» يكون على طبق القاعدة ، فظهر أنّ الشكّ في حال الهويّ كالشكّ في حال النهوض ، فلا بدّ من الاعتناء به على طبق القاعدة ، وأنّ تفصيل صاحب المدارك بين الفرعين والقول بعدم الاعتناء في الأوّل عملا بالرواية وبالاعتناء في الثاني (٣) ليس على ما ينبغي ، لعدم ظهور الرواية في

__________________

(١) التهذيب ٢ : ١٥٣ ـ ٦٠٣ ، الاستبصار ١ : ٣٦١ ـ ٣٦٢ ـ ١٣٧١ ، الوسائل ٦ : ٣٦٩ ، الباب ١٥ من أبواب السجود ، الحديث ٦.

(٢) التهذيب ٢ : ١٥١ ـ ٥٩٦ ، الاستبصار ١ : ٣٥٨ ـ ١٣٥٨ ، الوسائل ٦ : ٣١٨ ، الباب ١٣ من أبواب الركوع ، الحديث ٦.

(٣) مدارك الأحكام ٤ : ٢٤٩ ـ ٢٥٠.

السؤال عن الشكّ حال الهويّ ، بل ظاهرها هو السؤال عن الشكّ حال السجود ، ولا أقلّ من الإجمال.

وممّا ذكرنا ظهر أيضا فساد ما أورد على صاحب المدارك قدس‌سره من أنّ هذا التفصيل من الجميع بين المتناقضين ، إذ لو اكتفي بالدخول في المقدّمات ، فلا بدّ من القول بعدم الاعتناء في كلا الفرعين ، ولو لم يكتف فلا بدّ من القول بالاعتناء في كليهما ، ولا وجه للتفصيل ، فإنّ مرجعه إلى القول باعتبار الدخول في المقدّمات وعدم الاعتبار.

وجه الفساد : أنّ الاعتبار بالدخول في المقدّمات وعدمه ليس من القواعد العقليّة غير القابلة للتخصيص ، فمن الممكن اعتباره في بعض المقدّمات بورود النصّ الخاصّ دون بعض.

ثمّ إنّ شيخنا الأستاذ قدس‌سره سلّم ظهور الرواية في حصول الشكّ بعد الشروع إلى الهويّ وقبل الوصول إلى السجود ، ولكن ادّعى أنّ هذا الظهور بالإطلاق ، حيث تشمل الرواية بإطلاقها مورد الشكّ بعد الشروع في الهويّ وقبل الوصول إلى السجود ، ومورد الوصول إلى حدّ السجود. وهذا الإطلاق يقيّد بصحيحة زرارة (١) ، الحاكمة ـ بمقتضى ورودها في مقام التحديد ـ بالاعتناء بالشكّ في حال الهويّ قبل الوصول إلى السجود (٢).

وقد عرفت عدم ورودها في مقام التحديد ، وأنّ ما ذكر فيها من الموارد من باب المثال ، مضافا إلى ما عرفت من عدم ظهور للرواية ـ أي صحيحة عبد الرحمن ـ حتى نحتاج إلى استعمال دليل مقيّد لإطلاقها.

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣٥٢ ـ ١٤٥٩ ، الوسائل ٨ : ٢٣٧ ، الباب ٢٣ من أبواب الخلل ، الحديث ١.

(٢) أجود التقريرات ٢ : ٤٧٣ ـ ٤٧٤.

فرع : لو شكّ في حال القيام بعد انحنائه للركوع في أنّ انحناءه كان بمقدار الواجب أو لا ، وبعبارة أخرى : إذا شكّ في صحّة الركوع في حال القيام ، تجري فيه قاعدة التجاوز ، لأنّ الشكّ يكون فيما قد مضى في حال الدخول في «الغير» المترتّب على الركوع شرعا وهو القيام بعده ، حيث إنّه من واجبات الصلاة ، فيشمله جميع عناوين الروايات من «التجاوز» و «المضي» و «الخروج عن الشيء» وأمثال ذلك ، مضافا إلى ورود صحيحة فضيل (١) على ذلك.

لكن ذهب صاحب الحدائق إلى لزوم الاعتناء قاعدة ونصّا (٢).

والظاهر أنّه من اشتباه القيام المتّصل بالركوع ـ الّذي قيل بركنيّته ـ بهذا القيام ، فإنّ الشكّ في الركوع في حال القيام قبل الركوع مورد للاعتناء قاعدة ونصّا.

المسألة السادسة : لو شكّ في أنّه سلّم لصلاته أو لا ، ذهب شيخنا الأستاذ قدس‌سره إلى جريان قاعدة الفراغ في جميع صوره (٣).

والحقّ هو التفصيل ، فإنّه تارة يكون الشكّ بعد الدخول فيما هو مترتّب على الصلاة شرعا من واجب كصلاة العصر ، أو مستحبّ كالتعقيب. وأخرى يكون بعد الدخول في أمر مباح أو مستحبّ غير مربوط بالصلاة. وثالثة بعد الدخول فيما ينافي الصلاة بمطلق وجوده سهوا أو عمدا ، كالاستدبار. ورابعة بعد الدخول فيما ينافي الصلاة عمدا فقط.

فإن كان بعد الدخول فيما هو مترتّب شرعا عليها ، فلا ينبغي الشكّ في

__________________

(١) التهذيب ٢ : ١٥١ ـ ٥٩٢ ، الاستبصار ١ : ٣٥٧ ـ ١٣٥٤ ، الوسائل ٦ : ٣١٧ ، الباب ١٣ من أبواب الركوع ، الحديث ٣.

(٢) الحدائق الناضرة ٩ : ١٩١ ـ ١٩٢.

(٣) أجود التقريرات ٢ : ٤٧١ ـ ٤٧٣.

جريان قاعدة التجاوز ، لصدق «المضيّ» وغير ذلك من العناوين المأخوذة في الروايات.

وإن كان بعد الدخول في أمر مباح ، كمطالعة كتاب ونحوها ، أو مستحبّ غير مربوط بها ، فلا ينبغي الشكّ في وجوب الاعتناء به ، وعدم جريان شيء من القاعدتين : لا الفراغ ولا التجاوز ، لأنّه يحتمل وجدانا أن يكون بعد في الصلاة وأن لا تكون صلاته ماضية ، فمع الشكّ في الفراغ والمضيّ كيف يجري فيه قاعدتي الفراغ والتجاوز!؟ والحاصل : أنّ الشبهة مصداقيّة لا يصحّ التمسّك بالعامّ فيها.

وإن كان بعد الدخول فيما ينافي الصلاة بمطلق وجوده ، فهو من أوضح مصاديق الشكّ في صحّة العمل الماضي ، إذ لا يحتمل أن يكون فعلا في الصلاة ، لتحقّق المخرج عنها ، فالشكّ فيما خرج عنه وفيما قد مضى وجاوزه ، فتشمله الروايات.

وإن كان بعد الدخول فيما ينافي الصلاة بوجوده العمدي فقط ، المعبّر عنه بالمنافيات العمديّة ، كالتكلّم ، فلا بدّ من الاعتناء به ، لأنّ التكلّم ـ مع العلم بأنّه لم يسلّم لا يكون بمطلق وجوده منافيا للصلاة ، والمفروض أنّه تكلّم غافلا عن كونه في الصلاة وعدمه ، فيحتمل أن يكون الآن غير فارغ عن الصلاة وأن يكون هذا الكلام من الكلام السهوي في أثناء الصلاة ، الّذي لا يكون مبطلا لها ولا موجبا لمضيّها وخروجه عنها ، والتمسّك بقاعدة التجاوز مع الشكّ في تحقّق موضوعها ـ وهو الفراغ والتجاوز ـ تمسّك بالعامّ في الشبهة المصداقيّة.

المسألة السابعة : أنّ الشكّ في صحّة المأتيّ به يتصوّر على وجوه :

الأوّل : أن يكون احتمال الصحّة لأجل تصادف أمر قهري غير مستند إلى اختيار الفاعل كما إذا علم بأنّه كان حين العمل غافلا ولكن يحتمل ـ لغلبة الماء ـ

وصول الماء إلى ما تحت خاتمه عند الغسل أو الوضوء ، فإنّ غلبة الماء أمر خارجي قهري غير مستند إلى اختياره.

والظاهر عدم شمول الروايات لهذه الصورة بناء على ما اخترناه من كون حجّيّة القاعدة من باب الكاشفيّة ، وأنّ الشارع أمضى تلك الكاشفيّة النوعيّة بمقتضى قوله عليه‌السلام : «هو حين يتوضّأ أذكر منه حين يشكّ» (١) و «كان حين انصرف أقرب إلى الحقّ منه بعد ذلك» (٢) ومن المعلوم أنّ الغافل المحض لا يكون مشمولا للرواية ، ووصول الماء قهرا وصدفة إلى ما تحت خاتمه من دون اختياره غير مستند إلى أذكريّته ، إذ الفرض أنّه كان غافلا حين العمل.

الثاني : أن يكون الشكّ في صحّة العمل من جهة الشكّ في كون المأتيّ به هل وقع في الخارج مطابقا للمأمور به ، وأنّه عمل بوظيفته أم لا؟ وبعبارة أخرى : يحتمل غفلته حال العمل عن الإتيان بما هو وظيفته.

ولا فرق في هذه الصورة بين أن يكون الشكّ لأجل الشبهة الموضوعيّة ـ كما إذا شكّ في أنّه صلّى بلا سورة أو معها ، أو صلّى بلا ركوع أو معه مع العلم بأنّ الركوع والسورة جزءان من الصلاة ـ أو لأجل الشبهة الحكميّة ، كما إذا علم بأنّه صلّى بلا سورة ويشكّ في أنّ السورة جزء أو لا ، لكن يحتمل أن يكون عمله مستندا إلى فتوى من لا يرى وجوب السورة ، فإنّ الشكّ في كلّ منهما راجع إلى الشكّ في انطباق المأمور به على المأتيّ به بذاته أو بلونه وعدمه.

وهذه الصورة بكلا قسميها هي القدر المتيقّن من روايات الباب ، فإنّ احتمال الأذكريّة والأقربيّة إلى الحقّ موجود في كلا القسمين ، غاية الأمر أنّه

__________________

(١) التهذيب ١ : ١٠١ ـ ٢٦٥ ، الوسائل ١ : ٤٧١ ، الباب ٤٢ من أبواب الوضوء ، الحديث ٧.

(٢) الفقيه ١ : ٢٣١ ـ ١٠٢٧ ، الوسائل ٨ : ٢٤٦ ، الباب ٢٧ من أبواب الخلل ، الحديث ٣.

بالقياس إلى ذات العمل في القسم الأوّل ، وبالقياس إلى وصف العمل ولونه ـ ككونه عن تقليد صحيح ـ في القسم الثاني.

ومن ذلك ظهر أنّه لو عمل عملا بلا اجتهاد ولا تقليد لكن يحتمل مطابقته للواقع من جهة احتمال أنّه احتاط فيه ، يكون مشمولا لقاعدة الفراغ أيضا.

الثالث : أن يكون الشكّ في صحّة المأتيّ به لأجل أمر خارج عن اختياره ، بمعنى أنّه يعلم بما أتى به بجميع خصوصيّاته لكن يحتمل صحّته لاحتمال تطابق المأمور به معه قهرا. وهذا هو الّذي يعبّر عنه بما كانت صورة العمل محفوظة عند العامل ، كما إذا علم بأنّه توضّأ بمائع خارجي خاصّ وشكّ في أنّ ما توضّأ به ماء أو غير ماء ، أو صلّى إلى طرف وبعد فراغه شكّ في أنّ القبلة كانت في هذا الطرف الّذي صلّى إليه أو كانت في خلافه أو يمينه أو يساره. والظاهر عدم شمول الروايات لهذه الصورة أيضا ، فإنّ القطع حال الصلاة بأنّ هذا الطرف قبلة لا يفيد شيئا فضلا عن احتمال كونه ملتفتا حال العمل واحتمال كونه قاطعا بكون القبلة في هذا الطرف.

وبالجملة ، احتمال الأذكريّة يفيد في مقام يكون القطع بها فيه موجبا لبراءة الذمّة يقينا ، والقطع بها في المقام لا يفيد ذلك فضلا عن احتمالها.

وهذا القسم أيضا لا فرق فيه بين الشبهة الموضوعيّة ، كالمثالين المذكورين ، وبين الشبهة الحكميّة ، كما إذا توضّأ بماء الورد ـ مثلا ـ ثمّ شكّ في أنّ الوضوء معه صحيح أم لا ، فإنّ القطع بصحّة الوضوء معه حال العمل لا يفيد مع الشكّ في صحّته معه بعده فضلا عن احتمال كونه قاطعا بصحّة الوضوء معه.

فتلخّص ممّا ذكرنا أنّ جريان قاعدة الفراغ منحصر بما إذا كان الشكّ في

انطباق المأمور به الواقعي أو الظاهري على المأتيّ به من جهة الجهل بنفس المأتيّ به أو صفته مع احتمال الأذكريّة حال العمل ، وأنّه لا مورد لها في غير هذه الصورة.

وظهر أنّ ما أفاده قدس‌سره ـ من جريان القاعدة فيما إذا علم بغفلته حين العمل وكانت صورة العمل غير محفوظة مع إصراره على أماريّة القاعدة ـ من الجمع بين المتناقضين ، إذ أيّ كاشفيّة لعمل الغافل المحض عن كونه مطابقا للمأمور به؟ وقد حمل قدس‌سره قوله عليه‌السلام : «هو حين يتوضّأ أذكر منه حين يشكّ» (١) على كونه حكمة دون علّة (٢). وقد أطال الكلام في بحث اللباس المشكوك (٣) في ضابطة تميز حكمة التشريع عن علّته بما لا يمكن المساعدة عليه ، بل الميزان هو الظهور العرفي وعدمه ، ومن المعلوم أنّ ظاهر قوله عليه‌السلام : «هو حين يتوضّأ» إلى آخره بمقتضى الفهم العرفي هو التعليل ، وأنّ ملاك عدم الاعتناء هو الأذكريّة حال العمل ، فلا يجري في حقّ الغافل المحض.

المسألة الثامنة : لا إشكال في جريان قاعدة الفراغ فيما إذا شكّ بعد الصلاة ـ مثلا ـ في أنّه صلّى مستقبلا أو متطهّرا ، وبالجملة واجدا للشرائط المعتبرة في الصلاة أم لا.

لكن هذا إذا كان الشكّ في الصحّة ناشئا من الشكّ في تحقّق شرط من شرائط المأمور به وعدمه ، كالاستقبال والطهور والموالاة وغير ذلك ، أمّا إذا كان ناشئا من الشكّ في تحقّق شرط من شرائط التكليف ، كما إذا صلّى ثمّ شكّ في أنّه أتى بها قبل طلوع الفجر أو بعده ، ففيه تفصيل ، فإنّ المصلّي إمّا يعلم

__________________

(١) تقدّم تخريجه في ص ٢٥٧ ، الهامش (١).

(٢) أجود التقريرات ٢ : ٤٨٠ ـ ٤٨١.

(٣) رسالة الصلاة في المشكوك : ١٧ وما بعدها.

بدخول الوقت حال الشكّ أو لا.

فإن كان عالما بحصول الشرط حال شكّه في عمله الماضي ، فلا مانع من جريان القاعدة ، إذ المكلّف يعلم بأنّه صار مكلّفا بصلاة الصبح يقينا وإنّما أتى بصلاة لا يعلم بوقوعها قبل الوقت أو بعده ، فمقتضى الأذكريّة أنّه أتى بها بعد دخول الوقت ، فإنّ إيقاع الصلاة قبل الوقت وبعده فعل اختياري للمكلّف ، فإذا كان أذكر بمقتضى التعبّد ، يوقعها بعد الوقت.

وإن كان حال شكّه في عمله الماضي أيضا في شكّ بحيث لو أراد أن يحتاط بإعادة العمل لا يفيده ولا يعلم ببراءة ذمّته ، فلا معنى لجريان القاعدة ، فإنّها ناظرة إلى مقام الامتثال ومتكفّلة للتعبّد بانطباق المأمور به اليقيني على المأتيّ به لا للتعبّد بوجود الأمر ، والمفروض أنّ المكلّف بعد في شكّ من وجود الأمر ، والقاعدة أجنبيّة عن إثبات ذلك.

فما أفاده في العروة (١) من التفصيل في هذا الفرع ـ أي الشكّ في وقوع الصلاة قبل الوقت أو بعده ـ متين جدّاً وإن كان تعليله يوهم خلاف مراده لكن مراده ما ذكرنا ، فلا يرد عليه ما أورده بعض الأكابر في حاشيته.

هذا كلّه فيما إذا كان الشكّ بعد الفراغ ، وأمّا في الأثناء : ففيه تفصيل ، فإنّ الشرائط على ثلاثة أقسام :

منها : الشرائط المتقدّمة ، كشرطيّة الإقامة لصحّة الصلاة على قول. ومن هذا القبيل : الطهارات الثلاث على القول بأنّ الشرط نفس الغسلتين والمسحتين في الوضوء ، ونفس تلك الأفعال في الغسل والتيمّم ، وأمّا على ما استظهرناه ممّا ورد في أنّ كذا ينقض الوضوء ، وكذا لا ينقض الوضوء ، وهكذا من لفظ

__________________

(١) العروة الوثقى ، فصل في أحكام الأوقات ، المسألة ٧.

«النقض» الوارد في رواية زرارة (١) في باب الاستصحاب من أنّه عبارة عن أمر مستمرّ حاصل من تلك الأفعال ، لا نفسها ، فإنّها توجد وتنعدم ، ولا معنى لكون شيء ناقضا لها ، فالطهارات تكون من الشرائط المقارنة ، وشرط صلاة الصبح مثلا ـ كما أشرنا إليه ـ هو تلك الحصّة المقارنة لصلاة الصبح من ذلك الأمر المستمرّ ، وأمّا الطهارة الموجودة قبلها وبعدها فهي خارجة عن الصلاة ، أجنبيّة عن كونها شرطا لها.

ومنها : الشرائط المقارنة ، وهي على قسمين :

الأوّل : ما يكون شرطا لمجموع الصلاة مثلا ، بحيث يكون شرطا حتى في السكونات المتخلّلة ، كالاستقبال.

الثاني : ما يكون شرطا لخصوص الأجزاء لا للعمل ، كالاستقرار والنيّة.

أمّا الأوّل : فلا إشكال في جريان قاعدة الفراغ فيه إذا كان محرزا للشرط بالنسبة إلى ما بيده ، مثلا : إذا شكّ حينما يكون ساجدا مستقبل القبلة في أنّ ركوعه هل كان عن استقبال أو لا؟ تشمله قاعدة الفراغ بلا إشكال ، لصدق «المضيّ» و «التجاوز» أمّا إذا كان شاكّا حتى بالنسبة إلى ما في يده من الجزء ، فلا وجه لجريان القاعدة لا بالنسبة إلى الشرط ، لأنّ وجوده مشكوك ولم يمض محلّه الشرعي بالنسبة إلى ما بيده ، وبدونه لا يفيد جريانها بالقياس إلى الأجزاء السابقة ، ولا بالنسبة إلى المشروط وهي الصلاة مثلا ، إذ المفروض أنّه لم يفرغ منها.

ومن هذا القبيل الطهارة بناء على ما اخترناه من كونها من الشرائط

__________________

(١) التهذيب ١ : ٨ ـ ١١ ، الوسائل ١ : ٢٤٥ ، الباب ١ من أبواب نواقض الوضوء ، الحديث ١.

المقارنة ، فلا تجري قاعدة الفراغ إذا شكّ فيها ، لعدم صدق المضيّ ، فلا وجه لما قيل من أنّه إذا كان الماء عنده ، يتوضّأ ويتمّ صلاته ، لما عرفت من أنّها شرط للعمل حتى في السكونات المتخلّلة ، فلا يفيد إحراز الشرط بقاعدة الفراغ فيما مضى من الأجزاء ، وبالوجدان فيما يأتي ، للزوم إحرازه في هذا السكون المتخلّل بينهما.

وربما يقال بأنّ الطهارة وإن كانت من الشرائط المقارنة إلّا أنّها مسبّبة شرعا عن الغسلات والمسحات ، فلا مانع من جريان القاعدة بالنسبة إلى سببها ، فإنّ محلّه الشرعي قبل الصلاة ، كما يستفاد من قوله تعالى : (إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ)(١) إلى آخر الآية.

لكن لا يخفى ما فيه ، فإنّ سببها ليس له محلّ شرعي ، بل حيث لا يمكن عقلا إتيان الصلاة مع الطهارة بدون إيجاد سببها قبل الصلاة ، فلا بدّ من تحصيله قبل الصلاة فليس له محلّ شرعي بل محلّه عقلي ولا اعتبار به ولا بالمحلّ العادي ، وإلّا يلزم تأسيس فقه جديد كما قيل.

وتوهّم أنّ مقتضى التعليل بالأذكريّة اعتبار المحلّ العادي والعقلي أيضا مدفوع بأنّ التعدّي عن مورد العلّة إنّما يكون فيما يناسبه ويسانخه لا مطلقا ، ضرورة أنّه لا يتعدّى عن تعليل «لا تأكل الرمّان» بأنّه حامض إلى مطلق استعمال الحامض بل يتعدّى إلى أكل كلّ حامض ، والتعليل في المقام لعدم الاعتناء تعليل بالشكّ فيما مضى من أجزاء الوضوء وغيرها من المقدّمات الداخليّة ، فلا بدّ من التعدّي عنه إلى الشكّ فيما مضى من الأجزاء أو المقدّمات الداخليّة في كلّ مركّب وضوءا كان أو غيره ، ولا يجوز التعدّي حتى إلى ما هو خارج عن

__________________

(١) المائدة : ٦.

المركّب من المقدّمات.

وأمّا القسم الثاني ـ وهو ما يكون شرطا لخصوص أجزاء العمل ، كالاستقرار والموالاة والنيّة ، سواء كانت بمعنى قصد القربة أو قصد عنوان العمل ، فإنّه لا يعتبر في غير الأجزاء ، ولذا لو نوى الخلاف في السكونات المتخلّلة ، لا يضرّ بصحّة صلاته ـ فلا مانع في خصوص الشكّ في الاستقرار من جريان قاعدة الفراغ بالقياس إلى ما مضى من الأجزاء ، فإذا انضمّ الباقي من الشرائط إلى الماضي ، تصحّ الصلاة ، وهذا بلا فرق بين أن يكون محرزا للشرط بالنسبة إلى ما بيده أو لا إذا أتى به وبما بعده صحيحا.

وأمّا الموالاة : فتارة يراد منها الموالاة بين الأجزاء المستقلّة ، كالتكبير والقراءة والركوع والسجود ، واعتبارها بهذا المعنى شرعي كما اعتبرت في الصلاة والوضوء دون الغسل الترتيبي. وأخرى يراد منها الموالاة بين أجزاء كلمة واحدة أو كلمات كلام واحد مرتبط بعضها ببعض.

والشكّ فيها بالمعنى الأوّل مورد لقاعدة الفراغ إذا أحرز تحقّقها فيما بيده ، مثلا : إذا شكّ في السجود بعد إحراز تحقّق الموالاة بينه وبين الركوع في أنّه هل تحقّقت الموالاة بين الركوع وما قبله من الأجزاء أو لا؟ تجري قاعدة الفراغ ، وأمّا إذا كان حال السجود شاكّا في أنّ سجوده كان عن موالاة بينه وبين ما قبله ، فلا يكون موردا لقاعدة الفراغ ، لعدم صدق المضيّ والتجاوز.

نعم ، بما أنّ اعتبار الموالاة ليس مدلولا لدليل لفظي أخذ فيه عنوان وجودي بل مدركه الإجماع ، وأنّ حقيقة الموالاة هي عدم الفصل الطويل ، يمكن استصحاب هذا العدم المتحقّق سابقا.

وأمّا الموالاة بالمعنى الثاني : فحيث إنّها عقليّة ، بمعنى أنّها من مقوّمات تحقّق الكلمة ، وبدونها لا تتحقّق ، فالشكّ فيها يرجع إلى الشكّ في وجود

أصل الكلمة أو الكلام ، وتجري قاعدة الفراغ بعد الدخول في «الغير» المترتّب ، ولا تجري بدونه.

وأمّا النيّة : فإن كانت بمعنى قصد القربة ، فاعتبارها شرعيّ على ما اخترناه في محلّه ، والشكّ في تحقّقها بعد إتيان الجزء مورد لقاعدة الفراغ ولو لم يدخل في «الغير» المترتّب ، لصدق عنوان المضيّ ، بخلاف الشكّ فيها حال إتيان الجزء ، فإنّه لا يكون كذلك ، لعدم صدق المضيّ.

وإن كانت بمعنى قصد عنوان الفعل ، فاعتبارها عقليّ ، والشكّ فيها راجع إلى الشكّ في أصل وجود المشكوكة صحّته من هذه الجهة ، فلو شكّ في صحّة جزء من هذه الجهة بأنّ شكّ مثلا في صحّة الركوع من جهة أنّه أتى به بقصد صلاة الظهر أو لا ، فإن دخل في «الغير» المترتّب بأن كان شكّه في المثال المذكور في حال السجدة ، تجري قاعدة التجاوز ، وإن كان شكّه في صحّة الركوع بعد الفراغ منه ، لا يكون موردا لقاعدة التجاوز ، لعدم صدق المضيّ والتجاوز.

المسألة التاسعة : أنّ إطلاق الروايات وإن كان يشمل صورة الشكّ في الصحّة مع احتمال الإخلال عمدا إلّا أنّ مقتضى التعليل بالأذكريّة والأقربيّة إلى الواقع عدم جريان القاعدة في هذه الصورة ، كما لا تجري في صورة الغفلة المحضة واحتمال تحقّق الجزء أو الشرط قهرا وصدفة مع شمول الإطلاق لها أيضا ، لصدق الشكّ في الشيء الماضي في كلتا الصورتين.

والحاصل : أنّ مقتضى قوله عليه‌السلام : «كلّ ما شككت فيه ممّا قد مضى» (١) إلى آخره ، وإن كان التعميم وجريان القاعدة حتى مع احتمال الإخلال

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣٤٤ ـ ١٤٢٦ ، الوسائل ٨ : ٢٣٧ ـ ٢٣٨ ، الباب ٢٣ من أبواب الخلل ، الحديث ٣.

عمدا أو مع العلم بالغفلة حين العمل إلّا أنّ التعليل يخصّص العموم بغير هذين الموردين ، فإذا شكّ في صحّة ما أتى به واحتمل أنّه لم يأت بركوع صلاته عمدا ، لا تجري القاعدة ، فلا بدّ من الإعادة بمقتضى قاعدة الاشتغال ، فإنّ الشكّ في مقام الامتثال ، وهو مورد للاشتغال.

نعم ، لو شكّ في ذلك بعد خروج الوقت ، فليس عليه القضاء ، لأنّ القضاء تكليف جديد ، وهو مشكوك على الفرض ، ففرق بين الوقت وخارج الوقت ، إذ نتيجة عدم جريان قاعدة الفراغ في الوقت هي الاشتغال ، لكون الشكّ في امتثال التكليف المعلوم ، وفي خارج الوقت هي البراءة عن القضاء ، لكون الشكّ في أصل التكليف بالقضاء.

واستصحاب عدم الإتيان بالمأمور به في الوقت لا يثبت به عنوان «الفوت» الّذي هو موضوع القضاء ، إذ الفوت ـ سواء كان أمرا وجوديّا أو عدميّا ـ عنوان ملازم لعدم الإتيان لا أنّه عينه.

بقي الكلام في عموم القاعدة للشكّ في أجزاء الطهارات الثلاث ، وعدمه ، وعلى تقدير عدم عمومها لها هل يعمّ غير الموارد المنصوصة في الوضوء بالخصوص ، كالشكّ في صحّة الجزء الماضي ، أو لا؟ مثل ما إذا شكّ في حال غسل اليد في أنّه غسل الوجه نكسا ومن الأسفل إلى الأعلى أو من الأعلى إلى الأسفل.

وقد اتّفقت الروايات والفتاوى على لزوم الاعتبار بالشكّ في أجزاء الوضوء في الجملة ، وقد اختلفت كلماتهم في كون الغسل والتيمّم ملحقين به في ذلك أم لا ، وقد ذكر للإلحاق وجهان :

الأوّل : ما أفاده شيخنا الأستاذ قدس‌سره من أنّ المجعول بالأصالة هو قاعدة الفراغ ، وقاعدة التجاوز ملحقة بها بالحكومة وبالتعبّد المولوي ، فلا بدّ من

الاقتصار في الإلحاق على مورد التعبّد ، ولم يثبت التعبّد في الطهارات الثلاث مطلقا ، فلا بدّ من الاعتناء بالشكّ فيها قبل الفراغ منها (١).

وقد عرفت عدم تماميّة مبناه قدس‌سره ، وأنّ القاعدتين مجعولتان بجعل واحد ، فلا إشكال في دخولها تحت الكبرى المجعولة ، فلا يتمّ ما أفاده من أنّه متى كان داخلا حتى يحتاج خروجه إلى دليل؟ (٢).

والثاني : ما أفاده الشيخ قدس‌سره من أنّ الشارع اعتبر كلّا منها شيئا واحدا باعتبار وحدة أثره ، فغسل الوجه واليدين ومسح الرّأس والقدمين وإن كانت أمورا متعدّدة حقيقة إلّا أنّها أمر واحد في اعتبار الشارع ونظره ، فمن هذه الجهة لا تجري القاعدة في الشكّ في أجزائها (٣).

وهذا الّذي أفاده نظير ما ذكرنا في الشكّ في صحّة كلمة واحدة أو كلام واحد مربوط بعضها ببعض قبل تماميته ، لاحتمال الإخلال بالحرف الأوّل أو الكلمة الأولى ، فإنّ الشكّ وإن كان في الشيء الماضي حقيقة إلّا أنّ حروف الكلمة الواحدة أو كلمات كلام واحد ، مرتبط بعضها ببعض عند العرف شيء واحد ، فلا يصدق المضيّ عرفا.

ولكن لا يخفى ما فيه ، إذ لازمه عدم جريان القاعدة في شيء من المركّبات الارتباطيّة ، فإنّ الصلاة أيضا في نظر الشارع واعتباره أمر واحد ، لوحدة الغرض المتعلّق بها ، ولا يلتزم به أحد ، فلا يصلح هذان الوجهان للمانعيّة عن عموم القاعدة ولا إجماع محقّقا في البين ، بل ذهب صاحب الجواهر قدس‌سره إلى عموم القاعدة لغير الموارد المنصوصة من الوضوء مدّعيا عدم

__________________

(١) أجود التقريرات ٢ : ٤٦٦.

(٢) أجود التقريرات ٢ : ٤٦٨.

(٣) فرائد الأصول : ٤١٢ ـ ٤١٣.

تعرّض الأصحاب لتخصيص القاعدة بالقياس إلى غير الموارد المنصوصة من الوضوء (١) ، وإن ذكر الشيخ قدس‌سره في طهارته (٢) جملة من الفقهاء المتعرّضين لذلك لكن غايته هي الشهرة الفتوائية ، وهي لا تفيد ، فالصحيح ما ذهب أو مال إليه صاحب الجواهر قدس‌سره من تعميم قاعدة الفراغ والتجاوز لغير الوضوء من الغسل والتيمّم ، وخروج خصوص الوضوء عنه لكن مطلقا لا خصوص الشكّ في أصل وجود الجزء السابق الّذي هو المنصوص ، كما توهّمه صاحب الجواهر ، وذلك لأنّ قوله عليه‌السلام مضمونا : «إذا شككت في شيء ممّا أوجبه الله وسمّاه في كتابه من وضوئك فكذا» (٣) وإن كان ظاهره هو الشكّ في أصل الوجود إلّا أنّك عرفت سابقا أنّ الشكّ في صحّة الشيء بعينه هو الشكّ في أصل وجود المأمور به وتحقّقه ، إذ الفاسد من غسل الوجه مثلا ليس بمأمور به ، فلا وجه للتفصيل في الوضوء ، بل لا بدّ من التفصيل بين الوضوء وغيره من الغسل والتيمّم ، والالتزام بعدم الجريان في الوضوء مطلقا. هذا تمام الكلام في قاعدة الفراغ.

__________________

(١) جواهر الكلام ٢ : ٣٦٢.

(٢) كتاب الطهارة : ١٦٤.

(٣) الكافي ٣ : ٣٣ ـ ١ ، التهذيب ١ : ١٠٠ ـ ٢٦١ ، الوسائل ١ : ٤٦٩ ، الباب ٤٢ من أبواب الوضوء ، الحديث ١.

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله ربّ العالمين ، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين.

الكلام في أصالة الصحّة في فعل الغير.

لا إشكال ولا كلام في حجّيّة أصالة الصحّة في الجملة ، وتقدّمها على الاستصحاب ـ الجاري في موردها ، كاستصحاب عدم انتقال المبيع إلى المشتري وعدم انتقال الثمن إلى البائع ، المعبّر عنه بأصالة الفساد ـ نحو تقدّم لا أقلّ من أن يكون التقدّم لأجل وجود أصالة الفساد في جميع موارد أصالة الصحّة ، وإنّما الكلام يقع في جهات :

الأولى : أنّ المراد بأصالة الصحّة إن كان حمل فعل الغير على الصحيح من حيث التكليف بمعنى حمله على الجائز والمباح والحسن في مقابل القبيح والحرام ، فهو وإن كان ممّا لا شبهة فيه ، لتظافر الآيات والروايات على ذلك إلّا أنّه خارج عن محلّ الكلام.

وإن كان المراد حمل الفعل على الصحيح من حيث الوضع ، بمعنى ترتيب أثر الصحيح عليه خارجا ـ كما إذا رأينا أنّ أحدا يصلّي على جنازة فاكتفينا بصلاته بأصالة الصحّة ـ فلا يدلّ عليه شيء من الآيات والروايات المذكورة ، والإجماع القولي تحصيله في كلّ مورد مورد صعب مستصعب ، وإنّما عمدة دليلها هي السيرة القطعيّة المعبّر عنها بالإجماع العملي ، المؤيّدة بالتعليل الوارد في ذيل الرواية الدالّة على حجّيّة اليد بأنّه «لو لا ذلك لما قام

للمسلمين سوق» (١) إذ لم يعهد من أحد من المسلمين التحقيق والتفتيش عن حال معاملة المسلم وإحراز صحّتها وواجديّتها لشرائط الصحّة ، بل إذا اشترى أحد شيئا من أحد ومات في ليلته يحكمون بإرث وارث المشتري المبيع وبمالكيّة البائع للثمن بلا تأمّل.

ونسب إلى المحقّق الثاني التمسّك ب (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)(٢) و (تِجارَةً عَنْ تَراضٍ)(٣).

وفيه ـ مضافا إلى أنّه أخصّ من المدّعى ، حيث إنّ هذا الدليل مختصّ بباب المعاملات بالمعنى الأخصّ دون مثل غسل الثوب والعبادات ـ : أنّه مبنيّ على التمسّك بالعامّ في الشبهة المصداقيّة ، وهو غير جائز ، فإذا شككنا في أنّ البيع الفلاني ربويّ أو لا ، فالشكّ راجع إلى أنّه مصداق للخاصّ حتى لا يكون صحيحا ، أو العامّ حتى يكون صحيحا ، فلا يصحّ التمسّك بالعامّ لإثبات أنّه غير ربويّ.

الجهة الثانية : أنّ مورد أصالة الصحّة هو فعل الغير ، ومورد قاعدة الفراغ هو فعل نفس المكلّف ، ولذا لا تختصّ ببعد الفراغ عن العمل ، بل تجري في أثناء العمل أيضا ، فنحكم بسقوط صلاة الميّت عنّا إذا رأينا مسلما يصلّي عليه ، وهذا بخلاف قاعدة الفراغ ، حيث لا تجري في الأثناء ، بل لا بدّ من المضيّ والتجاوز عن العمل في جريانها ، وليست لنا قاعدة أخرى غير قاعدة الفراغ تسمّى بأصالة الصحّة في فعل نفس المكلّف.

__________________

(١) الكافي ٧ : ٣٨٧ ـ ١ ، الفقيه ٣ : ٣١ ـ ٩٢ ، التهذيب ٦ : ٢٦١ ـ ٢٦٢ ـ ٦٩٥ ، الوسائل ٢٧ : ٢٩٢ ـ ٢٩٣ ، الباب ٢٥ من أبواب كيفيّة الحكم ، الحديث ٢.

(٢) المائدة : ١.

(٣) النساء : ٢٩.

الجهة الثالثة : أنّ المراد من الصحّة هو الصحّة الواقعيّة لا الصحّة عند الفاعل ، كما نسبه الشيخ قدس‌سره إلى بعض المعاصرين (١) ـ وكتب بعض المحشّين أنّ المراد منه هو صاحب القوانين ـ فإنّ هذا الاحتمال ساقط من أصله ، ضرورة أنّ الصحيح عند الفاعل من حيث التكليف خارج عن محلّ الكلام ، ومن حيث الوضع لا تترتّب عليه فائدة أصلا.

الجهة الرابعة : في مقدار سعة دائرة موضوع أصالة الصحّة وضيقها ، وأنّها في أيّ مورد تجري وفي أيّ مورد لا تجري ، فنقول : إنّ الشكّ في صحّة فعل الغير يتصوّر على صور :

الأولى : ما إذا علم الشاكّ بجهل الفاعل بوجوه صحّة الفعل وفساده ، سواء كان في الشبهة الحكميّة ـ كما إذا علم أنّه لا يعلم اعتبار العربيّة في الصيغة وعدمه ـ أو في الشبهة الموضوعيّة ، كما إذا علم بأنّ ما اشتراه طرف للعلم الإجمالي بأن كان هو أو لحم آخر ميتة ، وسواء كان الجهل عذرا له أو لم يكن ، كما إذا علم الشاكّ بأنّ المشتري أيضا يعلم بأنّه طرف للعلم الإجمالي.

الثانية : ما إذا لم يعلم الشاكّ بحال الفاعل من حيث جهله بوجوه الصحّة وعدمه.

الثالثة : ما إذا علم بأنّه عالم بوجوه الصحّة والفساد. وهذه الصورة تنقسم إلى ثلاثة أقسام :

الأوّل : ما إذا علم باتّفاق النظرين تقليدا أو اجتهادا ، كما إذا علم بأنّه يرى اعتبار العربيّة أو الماضويّة في الصيغة وهو أيضا يعتبرها ، فاحتمال فساد فعله ناش من سهو أو خطأ أو عدم المبالاة.

__________________

(١) فرائد الأصول : ٤١٦.

القسم الثاني : ما إذا جهل اتّفاق النظرين واختلافهما.

القسم الثالث : ما إذا علم اختلاف النظرين إمّا بنحو التداخل بأن يرى أحدهما وجوب السورة والآخر استحبابها ، فإنّه يمكن أن يأتي بها استحبابا ، أو بنحو التباين بأن يرى الشاكّ وجوب الجهر في صلاة الجمعة مثلا ، والفاعل وجوب الإخفات فيها ، أو يرى أحدهما وجوب القصر في مورد ، والآخر وجوب الإتمام فيه.

أمّا الصورة الأولى : فلا ينبغي الشكّ في عدم جريان أصالة الصحّة فيها مطلقا ، للقطع بعدم جريان السيرة ـ التي هي عمدة الأدلّة ـ في المقام ، ولا أقلّ من الشكّ ، إذا لم يثبت ترتيب آثار الصحّة على فعل تحتمل صحّته بمجرّد الصدفة الخارجيّة ، إذ المفروض أنّ الفاعل لجهله لا يقدم على الصحيح ، ولو وقع صحيحا ، فإنّما هو من باب الصدفة والاتّفاق ، مع أنّ التعليل ـ الّذي علّل به جماعة على ما ذكره الشيخ (١) قدس‌سره حجّيّة أصالة الصحّة من أنّ ظاهر حال المسلم أن يأتي بالعمل صحيحا ـ لا يجري في هذه الصورة أيضا ، إذ ليس ظاهر حال الجاهل بالصحيح الإقدام عليه.

وأمّا الصورة الثانية : فقد تنظّر الشيخ قدس‌سره في جريان أصالة الصحّة فيها (٢).

لكنّ الظاهر أنّه لا ينبغي الإشكال في جريانها فيها ، إذ أكثر موارد أصالة الصحّة إنّما هو هذه الصورة ، ولولاها للزم العسر الشديد والحرج الأكيد.

وأمّا الصورة الثالثة : فلا ينبغي الإشكال في الجريان في القسم الأوّل منها ، وهو مورد اتّفاق النظرين : نظر الشاكّ ونظر الفاعل ، إذ هو القدر المتيقّن

__________________

(١) فرائد الأصول : ٤١٦.

(٢) فرائد الأصول : ٤١٧.

من جريان السيرة ، والتعليل المذكور أيضا جار فيه ، لفرض علم الفاعل بوجوه الصحّة والفساد.

وهكذا تجري في القسم الثاني من هذه الصورة ، وهو مورد الجهل باتّفاق النظرين واختلافهما مع أنّ التعليل المذكور أيضا جار فيه.

وأمّا القسم الثالث من هذه الصورة ـ وهو مورد اختلاف النظرين ـ فالظاهر عدم الجريان ، لعدم العلم بجريان السيرة بل ينبغي القطع بعدم جريانها في الشقّ الثاني منه ، وهو أن يكون اختلاف النّظر بنحو التباين ، فإنّ حمل فعله على الصحيح الواقعي مقتضاه الحكم بإقدامه على الفاسد عنده ، وهو ـ مع القطع بأنّه خلاف السيرة المستمرّة ـ ينافي ظهور حال المسلم في الإقدام على الصحيح ، المذكور في كلام جماعة من الفقهاء ، وعلى ذلك فلا يمكن الاقتداء بمن يختلف نظره مع المؤتمّ الاختلاف التبايني بل الاختلاف التداخلي إذا احتمل اقتصاره على أقلّ الواجب إلّا إذا ثبت أنّ موضوع جواز الاقتداء هو الصحّة عند الإمام لا الصحّة الواقعيّة ، وأنّى لنا بإثبات ذلك؟

الجهة الخامسة : في أنّ موضوع أصالة الصحّة في باب العقود والإيقاعات أيّ شيء هو؟ الاحتمالات ثلاثة :

الأوّل ـ وهو الّذي يظهر من كلام الشيخ قدس‌سره ـ : أن يكون مجرّد الالتزام العرفي ، فإذا صدر التزام عقدي أو إيقاعي من شخص ، يحكم بصحّته سواء كان الشكّ فيما هو ركن له عند العقلاء أو عند الشرع أو كان الشكّ في غير الأركان. وبعبارة أخرى : يكفي في جريان أصالة الصحّة إحراز مجرّد الالتزام العرفي ولو لم تحرز قابليّة العوضين لأن يتملّكا ، وأهليّة المتعاملين للتمليك والتملّك عند العقلاء أو عند الشرع ، فتجري أصالة الصحّة في مورد الشكّ في جنون المتعاملين أو بلوغهما ، وهكذا في مورد الشكّ في ماليّة العوضين أو

كونهما خمرا ، مع أنّ العقل ممّا به قوام العقد عند العقلاء ، فإنّهم لا يرتّبون الأثر على معاملة المجنون ، والبلوغ ممّا به قوام العقد عند الشارع وإن لم يكن كذلك عند العقلاء ، والماليّة كذلك عند العقلاء ، وعدم كون العوض خمرا كذلك عند الشارع.

الثاني ـ وهو الّذي يحتمل من كلام المحقّق الثاني والعلّامة قدس‌سرهما ـ : أن يكون الموضوع هو العقد العرفي العقلائي ، فكلّ ما رجع الشكّ فيه إلى غير ما يكون قوام العقد به عند العقلاء تجري فيه أصالة الصحّة ، وأمّا إذا كان الشكّ فيما له دخل في عقديّة العقد عندهم كالشكّ في حرّيّة المتعاملين أو جنونهما أو الشكّ في ماليّة العوضين ، فلا تجري ، فعلى هذا يكون موضوع أصالة الصحّة في الشبهات الموضوعيّة هو موضوع أصالة الإطلاق في الشبهات الحكميّة ، فكما إذا شكّ في اعتبار العربيّة أو الماضويّة في العقد يحكم بعدم اعتبارها بمقتضى إطلاق قوله تعالى : (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ)(١) لإحراز موضوعه وهو البيع العرفي ، ولا يجوز التمسّك به فيما يشكّ دخله في عقديّة العقد عرفا ، كذلك في أصالة الصحّة ، غاية الأمر أنّه يتمسّك بالإطلاق لرفع كلّ ما تحتمل شرطيته شرعا ، وبأصالة الصحّة لإثبات وجود ما هو شرط شرعا عند الشكّ في وجوده ولو كان المشكوك ممّا له قوام في العقد عند الشرع.

الثالث : هو ما يحتمل أيضا من كلام المحقّق الثاني والعلّامة قدس‌سرهما من أنّ الموضوع هو ما أحرز جميع ما له دخل في عقديّة العقد عند العقلاء والشرع من الشرائط ، فكلّ ما رجع الشكّ فيه إلى قابليّة المتعاقدين للتمليك والتملّك عرفا أو شرعا ـ كالشكّ في رشدهما أو عقلهما المعتبر في قوام العقد عرفا ، وكالشكّ

__________________

(١) البقرة : ٢٧٥.

في بلوغهما المعتبر في قوامه شرعا لا عرفا ـ أو إلى قابليّة العوضين لأن يتملّكا عرفا ـ كالشكّ في كون العوض خنفساء أو كونه حرّا ، فإنّ الماليّة من مقوّمات العقد عرفا ـ أو شرعا ، كالشكّ في كونه خمرا أو خلّا ، لا تجري أصالة الصحّة. وكلّ ما رجع الشكّ فيه إلى مقام الفعليّة بعد إحراز القابليّة ـ كالشكّ في كون المعاملة ربويّة أو لا ، أو في كونها غرريّة أو لا ـ تجري.

والضابط هو أنّ الشكّ إذا كان فيما هو خارج عن اختيار المتعاقدين ، فلا تجري ، وإذا كان فيما يكون تحت اختيارهما ، فتجري. والظاهر من كلام المحقّق الثاني والعلّامة قدس‌سرهما ـ بقرينة تمثيلهما لما لا تجري فيه أصالة الصحّة بالشكّ في بلوغ المتعاقدين ـ هو هذا المعنى ، لوضوح أنّ الشكّ في البلوغ شكّ فيما له قوام في العقد شرعا لا عرفا.

هذا ، وبما أنّ مدرك أصالة الصحّة ليس إلّا السيرة المستمرّة فلا بدّ من ملاحظة أنّ السيرة بأيّ مقدار متحقّقة؟ وهي في غير الأخير من الاحتمالات غير مقطوعة ، بل في بعض الموارد يقطع بعدم جريانها ، مثل ما إذا باع أحد ما لا يعلم أنّه خمر أو خلّ ، أو باع أحد مال اليتيم ولا يعلم أنّه وليّه أو وكيل لوليّه ، أولا ، أو باع أحد ما لا يكون تحت يده ولا يعلم كونه ملكا له ولا كونه وكيلا عن مالكه ، فإنّ من الضروري أنّ أحدا من المسلمين لا يقدم على الشراء في هذه الموارد بمقتضى أصالة الصحّة.

ويتفرّع على ذلك عدم جواز شراء ما يعلم بوقفيّته بمجرّد احتمال طروّ أحد من مسوّغات بيع الوقف ، فإنّ الوقف ممّا لا يكون قابلا للبيع إلّا إذا عرض له ما يسوّغ بيعه ، فما لم يحرز عروض ذلك لم تحرز قابليّته له ، فلا تجري أصالة الصحّة في بيع المتولّي له.

فتحصّل ممّا ذكرنا أنّ أيّ مورد رجع الشكّ فيه إلى أهليّة المتعاملين عرفا

أو شرعا أو قابليّة العوضين كذلك لا تجري أصالة الصحّة وتجري في غيره ، وذلك لعدم عموم أو إطلاق لفظي يمكن التعميم بسببه ، بل المدرك هو السيرة ، وهي غير متحقّقة في غير الشكّ في الفعليّة ، بل نقول : إحراز القابليّة معتبر في قاعدة اليد أيضا ، فلا تجري فيما لم تحرز أهليّة ذي اليد لتملّك ما في يده أو قابليّة ما في يده لأن يمتلك عرفا أو شرعا. وعبّر المحقّق الثاني عمّا ذكرنا بلزوم إحراز أركان العقد ، والعلّامة قدس‌سره بلزوم إحراز أهليّة المتعاملين ، وهو أحسن تعبير في المقام.

ومن العجيب أنّ الشيخ (١) قدس‌سره استشهد لعموم الموضوع وشموله للشكّ في الأركان بأنّا نرى أنّ المسلمين يعاملون بعضهم مع بعض مع احتمال أنّ ما يشتريه إنّما اشتراه بائعه في حال صغره ، فإنّ هذا لا ربط له بأصالة الصحّة ، وإنّما هو من جهة قاعدة اليد ، إذ لا يعتبر فيها إلّا أن يكون ذو اليد قابلا لتملّك ما في يده ، وما في يده قابلا لأن يتملّك له في حال كونه تحت يده ، واحتمال الانتقال إليه في حال صغره لا يزيد عن احتمال سرقته.

وممّا ذكرنا ظهر أنّه لو شكّ في أنّ مجري الصيغة ، الوكيل من قبل المالك في ذلك بالغ أو لا ، تجري أصالة الصحّة مع إحراز بلوغ المالك بناء على عدم اعتبار البلوغ في الوكيل في إجراء الصيغة ، بخلاف الشكّ في بلوغ نفس المالك ، فإنّه لا تجري فيه.

وظهر أنّ مدّعي الصحّة يقدّم قوله ، ولا يحتاج إلى إقامة البيّنة إذا كان منشأ الاختلاف هو الشكّ في الفعليّة بعد الاتّفاق في القابليّة.

__________________

(١) انظر : فرائد الأصول : ٤١٨.

وظهر أيضا أنّ غير المعاملات بالمعنى الأخصّ أيضا ملحق بها في ذلك ، فلو احتمل كفر من يصلّي على الميّت ، لا يحكم بصحّة صلاته بمقتضى أصالة الصحّة.

ثمّ إنّ الشيخ قدس‌سره بعد ما عمّم جريان أصالة الصحّة لمورد الشكّ في القابليّة أفاد تفصيلا بعد التنزّل ، وهو أنّ أصالة الصحّة جارية فيما له طرفان وأحرزت القابليّة في أحدهما ، كمطلق العقود والإيقاعات المسبوقة باستدعاء الغير ، وغير جارية في خصوص الإيقاعات الابتدائيّة غير المسبوقة باستدعائه ، فلو شكّ في صحّة معاملة من جهة الشكّ في بلوغ أحد المتعاملين ، فإجراء أصالة الصحّة في فعل من أحرز بلوغه كاف للحكم بصحّة الفعل ، وهكذا إذا ضمن أحد باستدعاء بالغ وشكّ في بلوغ الضامن ، فلو سلّم عدم جريان أصالة الصحّة في فعل الضامن للشكّ في بلوغه ، فلا مانع من إجرائها في فعل المستدعي الّذي علم ببلوغه ، فإنّ مقتضاها أنّ المسلم البالغ لا يعامل مع الصبي ، ولا يستدعي الضمان من غير البالغ ، وهذا بخلاف الضمان الابتدائي غير المسبوق باستدعاء المديون ، فإنّه لو اعتبرنا تماميّة أركان الصحيح ، لا تجري أصالة الصحّة في فعل الضامن ، للشكّ في بلوغه حال الضمان (١).

وفيه : ما لا يخفى ، فإنّه بعد تسليم اعتبار إحراز القابليّة لا وجه للتفصيل ، بل لا بدّ من القول بعدم الجريان حتى فيما له طرفان ، إذ أصالة الصحّة في فعل البالغ مقتضاها ليس إلّا أنّه بحيث لو انضمّ غيره ممّا له دخل في ترتّب الأثر المرغوب منه ، لترتّب عليه الأثر. وبعبارة أخرى : مقتضاها هو الصحّة التأهّليّة الشأنيّة لا الفعليّة.

__________________

(١) فرائد الأصول : ٤١٨.

وهذا نظير ما أفاده بعد ذلك من أنّه لا يترتّب على أصالة صحّة الإيجاب إلّا صحّة الفعل إذا تعقّبه القبول ، ولا يحكم بملكيّة المشتري بمجرّد الحكم بصحّة الإيجاب بمقتضى أصالة الصحّة (١) ، فإنّ أصالة الصحّة في فعل البائع البالغ أو المديون المستدعي للضمان لا ربط لها بانضمام شيء آخر من بلوغ المشتري والضامن حال الضمان الّذي له دخل أيضا في ترتّب الأثر.

ودعوى أنّ مقتضى أصالة الصحّة في فعل البالغ هو معاملته مع البالغ لا غير ، فيثبت بذلك بلوغ الطرفين ويحكم بصحّة المعاملة ، غير مفيدة ، فإنّ أصالة الصحّة بمعنى أنّه يفعل فعلا مباحا غير ممنوع شرعا مسلّمة لكن ليست هي محلّ البحث ، وبمعنى أنّه فعل فعلا صحيحا يترتّب عليه الأثر لا تقتضي أزيد ممّا يرجع إليه ولا يثبت تحقّق شيء آخر ممّا له دخل أيضا في ترتّب الأثر ، كالبلوغ في المثال.

وممّا ذكرنا ظهر أنّ أصالة صحّة عقد الفضولي لا تفيد ما لم تحرز إجازة من بيده الإجازة ، وهكذا أصالة صحّة عقد الهبة لا تفيد ما لم يحرز تحقّق القبض في الخارج ، فإنّ الإجازة والقبض أيضا ممّا له دخل في تأثير عقد الفضولي ، كما أنّ القبض له دخل في تأثير عقد الهبة ، ولولاه لم تحصل الملكيّة ، فلو وهب أحد مالا لأحد فمات الواهب وادّعى الوارث عدم تحقّق القبض ، والموهوب له تحقّقه ، لا يحكم بأصالة الصحّة أنّ هذا المال للموهوب له ، بل الأصل الحكمي ـ وهو أصالة عدم انتقاله إليه ـ يحكم بكونه للميّت ، فيرثه وارثه. وهكذا لو طلّق فضوليّ امرأة ، لا يجوز نكاحها بعد انقضاء عدّتها بمقتضى أصالة الصحّة.

__________________

(١) فرائد الأصول : ٤١٨ ـ ٤١٩.

والضابط الكلّي لما ذكرنا أنّ الأثر ـ كالملكيّة والزوجيّة وغيرهما ـ إذا كان مترتّبا على أمور متعدّدة ، فلا بدّ من إحراز ما لا تجري فيه أصالة الصحّة.

ومن هنا يظهر حكم الفرع المعروف من أنّه إذا أذن المرتهن ثمّ رجع وشكّ في تأخّر رجوعه عن بيع الراهن حتى يصحّ بيعه ، أو تقدّمه حتى يبطل ، وأنّه لا يصحّ التمسّك بأصالة الصحّة لا في الإذن ولا في البيع ولا في الرجوع ، فإنّ بعضا أثبت صحّة البيع بجريانها فيه وبعضا أثبتها بجريانها في الإذن وبعضا أثبت بطلان البيع بأصالة الصحّة في الرجوع.

وليس شيء من هذه الوجوه بتامّ ، أمّا أصالة الصحّة في الإذن : فمقتضاها ليس إلّا أنّه لو تعقّبه البيع تترتّب عليه الملكيّة. وأمّا أصالة الصحّة في الرجوع أيضا : فمقتضاها أنّه لو وقع بعده البيع لا تترتّب عليه الملكيّة ووقع باطلا. وأمّا أصالة الصحّة في البيع : فلا تفيد ما لم يحرز كونه مسبوقا بالإذن ، فبأصالة الصحّة لا يمكن إثبات شيء لا صحّة البيع ولا بطلانه. والأصل الموضوعي ـ وهو استصحاب بقاء الإذن إلى زمان وقوع البيع ـ وإن كان يثبت صحّة البيع إلّا أنّه معارض بأصل موضوعيّ آخر ، وهو استصحاب عدم حدوث البيع إلى زمان الرجوع ، المقتضي لعدم وقوع البيع في زمان يترتّب عليه الأثر فيه ، وهو زمان الإذن ، فتصل النوبة إلى الأصل الحكمي ، وهو أصالة بقاء كلّ ملك في ملك مالكه الأصلي وعدم انتقاله عنه إلى غيره ، فينتج بطلان البيع.

الجهة السادسة : أنّه لا بدّ في جريان أصالة الصحّة من إحراز أنّ الفاعل قصد ما هو جامع بين الصحيح والفاسد ، لترتيب أثر الصحيح ، فإذا كان الأثر مترتّبا على فعل خاصّ ، فلا بدّ من إحراز كون الفاعل قاصدا له سواء كان القصد ممّا له دخل في تحقّق عنوان الفعل ـ بأن كان الفعل من العناوين القصديّة كعنوان التعظيم والتوهين ـ أو لم يكن ، وسواء كان من العبادات أو غيرها.

أمّا ما كان من العناوين القصديّة فهو كنوع الصلوات ، فإنّ امتياز بعضها عن بعض ليس إلّا بالقصد ، إذ ما لم يقصد الظهر أو الأداء أو الصلاة عن الميّت لا يمتاز عن العصر والقضاء والصلاة عن نفسه.

وأمّا ما لم يكن كذلك فهو كغسل الثوب ، فإنّه لا دخل لقصد التطهير في حصول الطهارة به.

فلا تجري أصالة الصحّة في فعل لا يعلم أنّه صلاة النافلة أو الفريضة اليوميّة ، ولا يجوز الاقتداء بفاعله ، وأيضا لا يجوز الاكتفاء بفعل من نرى أنّه واقف بهيئة المصلّي على الميّت ولا نعلم أنّه قصد الصلاة عنه أو لا ، وهكذا لا يحكم بطهارة ثوب نجس رأينا أنّ مسلما يغسله واحتملنا أنّه لم يكن في مقام التطهير بل كان في مقام إزالة القذارة العرفيّة وأراد تطهيره بعد ذلك. وكلّ ذلك لما ذكرنا من أنّ مدرك هذا الأصل ليس دليلا لفظيّا عامّا أو مطلقا حتى نتمسّك بعمومه أو إطلاقه ، بل المدرك إنّما هو الإجماع العملي والسيرة المستمرّة ، والقدر المتيقّن منها هو غير هذه الموارد.

ومن هنا ظهر أنّ إحراز المستأجر للصلاة عن الميّت قصد الصلاة عن الميّت في فعله لازم ، وتجري أصالة الصحّة لو وقع الشكّ في صحّة صلاته من غير هذه الجهة ، ويترتّب عليها كلّ ما كان أثرا له من استحقاق النائب للأجرة ، وفراغ ذمّة الميّت ، وجواز استئجاره ثانيا لهذا العمل فيما يكون فراغ الذمّة شرطا لصحّة الإجارة ، كالحجّ.

والشيخ قدس‌سره فرّق بين الآثار بما ملخّصه أنّ فعل النائب ، له اعتباران ولكلّ أثر :

أحدهما : أنّه فعل لنفس النائب من حيث إنّه يصدق حقيقة أنّه صلّى ، ولو قيل : لم يصلّ هو ، لعدّ قائله كاذبا ، وبهذا الاعتبار لا بدّ أن يراعي في صلاته

وظيفة نفسه ، فيأتي بما يراه جزءا أو شرطا لصلاته ولو لم يكن موافقا للمنوب عنه ، ولذا لو كان النائب رجلا ، يجب عليه الجهر في صلواته الجهريّة ولو كان نائبا عن امرأة ، ولا يجب عليه ستر جميع البدن إلّا ما استثني ، بل يجب عليه ستر خصوص العورتين ، وهكذا في باقي الشرائط.

وثانيهما : أنّه فعل للمنوب عنه ببدنه التنزيلي ، وبهذا الاعتبار لا بدّ أن يراعي موافقته لما فات عنه من أنّه صلاة القصر أو التمام.

والفاعل بفعله بالاعتبار الأوّل يستحقّ الأجرة ، وأصالة الصحّة تجري فيه بهذا الاعتبار ، فيحكم باستحقاقه للأجرة. وهو بالاعتبار الثاني موجب لفراغ ذمّة الميّت ، ولا تجري فيه بهذا الاعتبار أصالة الصحّة ، ضرورة أنّه بهذا الاعتبار ليس فعلا للنائب بل فعلا للمنوب عنه ، فلا يحكم بفراغ ذمّة الميّت حتى يحرز إتيانه صحيحا (١).

وهذا من مثله من الغرائب ، فإنّ الفاعل لو علم أنّه أتى بالفعل وأنّه قصد النيابة وشكّ في صحّة ما أتى به وعدمها ، فجريان أصالة الصحّة في فعله يثبت أنّه صلّى عن الميّت صحيحة ، وليس متعلّق الإجارة إلّا الصلاة عن الميّت صحيحة ، وليس المفرّغ لذمّة الميّت إلّا هي بعينها ، فلو حكم بتحقّقها بأصالة الصحّة ، يترتّب عليها كلا الأثرين.

ولو لم يعلم أنّه أتى بالفعل ، أو علم ذلك لكن لم يعلم أنّه صلّى عن الميّت أو صلاة نفسه ، فلا تثبت أصالة الصحّة أنّه صلّى مع احتمال أنّه لم يصلّ أصلا ، ولا تثبت أنّه صلّى عن الميّت مع احتمال أنّه صلّى صلاة نفسه ، وكما لا يحكم بفراغ ذمّة الميّت لا يحكم باستحقاق الفاعل للأجرة ، إذ لم يثبت إتيانه

__________________

(١) فرائد الأصول : ٤٢٠.

بمتعلّق الإجارة لا بالوجدان ولا بالأصل ، فظهر أنّ التفريق بين الأثرين تحكّم.

بقي شيء ، وهو أنّ قصد الفاعل من أين يستكشف؟ هل يكفي في إحرازه إخبار الفاعل أو الوثوق به أو عدالته؟ أوسطها أوسطها ، فإنّ الأوّل لا دليل على حجّيّته بمجرّده.

ودعوى قبول قوله فيه من جهة أنّه ممّا لا يعلم إلّا من قبله ، مدفوعة : بأنّه لم يدلّ دليل على أنّ كلّ ما لا يعلم إلّا من قبل المخبر يكتفي فيه بإخباره ، وإنّما هو مختصّ ببعض الموارد وليس المقام منه.

وهكذا الثالث ، فإنّ العدالة معتبرة في البيّنة في باب الشهادات تعبّدا وفي بعض موارد أخر كإمام الجماعة ، ولا يكتفى فيها بأعلى مراتب الوثاقة ، ولا دليل على اعتبار العدالة في غير موارد خاصّة منصوصة.

وأمّا الثاني فالاكتفاء به لأجل قيام سيرة العقلاء كافّة على العمل بخبر الثقة وترتيب الآثار عليه.

الجهة السابعة : أنّ أصالة الصحّة بما أنّ حجّيّتها من باب السيرة لا تكون لوازمها وملزوماتها العقليّة أو العاديّة ثابتة ، وإنّما يثبت بها الأثر الشرعي المترتّب على المشكوك بلا واسطة ، سواء قلنا بكونها أمارة أو أصلا محرزا أو أصلا تعبّديّا محضا ، كأصالة البراءة ، لعدم قيام السيرة على إثبات اللوازم والملزومات بها ، فلو رجع النزاع بين المترافعين إلى ثبوت لازم العقد الصحيح وعدمه ، لا يقدّم قول مدّعي صحّة العقد بأصالة الصحّة ، بل لا بدّ له من إقامة البيّنة.

وهنا فروع تعرّض لها الشيخ قدس‌سره :

أحدها : ما فرّعه على عدم حجّيّة مثبتات أصالة الصحّة من أنّه لو شكّ في أنّ الشراء كان بما لا يملك كالخمر والخنزير أو بما يملك كالشاة ، لا يحكم

بانتقال الشاة إلى ملكه ، فإنّه لازم عقلي لصحّة المعاملة (١).

وظاهر كلامه قدس‌سره أنّ أصالة الصحّة جارية لكن لا يترتّب عليها لازمها العقلي.

وفيه : مسامحة واضحة ، فإنّ أصالة الصحّة لا تجري في المثال ، لما مرّ من أنّ إحراز قابليّة العوضين للتملّك لازم لجريانها ، وعلى فرض التنزّل فلا يثبت بأصالة الصحّة انتقال الشاة إلى البائع ، فإنّه لازم عقلي للصحّة.

ثانيها : ما نقله الشيخ قدس‌سره عن العلّامة (٢) قدس‌سره من أنّه لو قال المالك : آجرتك هذه الدار مثلا كلّ شهر بدرهم ، وقال المستأجر : بل سنة بدينار ، لا يحكم بأصالة الصحّة بكون المالك مستحقّا للدينار والمستأجر مستحقّا لاستيفاء منفعة السنة ، فإنّ كلّا منهما لازم عقليّ للصحّة.

هذا من جهة ربط الفرع بالمقام ، وأمّا الكلام في أصل هذا الفرع : فتارة يقع في حكمه في نفسه ، وأخرى في حكمه في مقام الترافع.

أمّا حكم إجارة كلّ شهر بدرهم ونظائره ممّا هو متعارف في هذه الأزمنة ففيه قولان : البطلان حتى بالقياس إلى الشهر الأوّل ، لجهل مدّة الإجارة ، والصحّة في الشهر الأوّل فقط ، لانحلال هذه الإجارة إلى إجارة الشهر الأوّل وغيره ، فلا مانع من صحّتها في الشهر الأوّل ، لمعلوميّة المدّة ومال الإجارة فيه.

وهذا نظير بيع ما يملك وما لا يملك ، أو بيع ما يملك وما لا يملك صفقة واحدة ، إذ قرّر في محلّه أنّ الصحّة في المملوك وفيما يملك هي مقتضى القاعدة ، لانحلال البيع إلى بعين ، فبطلان أحدهما أو توقّفه على إجازة المالك لا يضرّ بصحّة الآخر ولزومه. وهذا القول هو الحقّ الحقيق بالتصديق.

__________________

(١) فرائد الأصول : ٤٢٠.

(٢) فرائد الأصول : ٤٢٠ ـ ٤٢١ ، وانظر : قواعد الأحكام ١ : ٢٣٦.

وأمّا الكلام من حيث الترافع : فإن قلنا ببطلان إجارة كلّ شهر بدرهم ، فأحدهما يدّعي الصحّة والآخر ينكرها ، وبما أنّ الصحّة من لوازمها العقليّة تعلّق الإجارة بمدّة سنة وبمبلغ دينار لا يقدّم قول مدّعيها بل عليه البيّنة.

وإن قلنا بصحّتها في الشهر الأوّل فقط ، فيصير من باب التداعي ، إذ كلّ منهما يدّعي شيئا ينكره الآخر ، وليس النفي والإثبات واردين على مورد واحد ، فيعمل على طبق قاعدة التداعي.

وممّا ذكرنا ظهر أن لا خصوصيّة لإجارة كلّ شهر بدرهم في المقام ، بل لو كان صحيحا لصحّ في المقام وغيره ، وإلّا فلا يصحّ في مورد أصلا ، فإضافة لفظة «هنا» ـ كما في كلام جامع المقاصد (١) ـ ليست في محلّها.

ثالثها : ما نقله الشيخ أيضا عن العلّامة (٢) قدس‌سره من أنّه لو ادّعى المالك مجهوليّة مدّة الإجارة ومال الإجارة كليهما أو أحدهما ، وادّعى المستأجر معلوميّتهما أو معلوميّة أحدهما ، فالمستأجر مدّع للصحّة ولكن لا تثبت دعواه من كون المدّة كذا مقدار أو مال الإجارة كذا مبلغ ، فإنّه لازم عقلي للصحّة.

وذكر جامع المقاصد في شرح قول العلّامة : «يقدّم قول مدّعي الصحّة ما لم يتضمّن دعوى» ما حاصله : أنّ المراد أنّه يقدّم قوله إذا لم يدّع المستأجر ثمنا أزيد من أجرة المثل (٣).

وذكر شيخنا الأستاذ قدس‌سره أنّ الكلام في هذه الصورة ، إذ في صورة مساواة أجرة المثل لما يدّعيه المستأجر لا فائدة للنزاع ، إذ المستأجر على كلّ حال

__________________

(١) انظر جامع المقاصد ٧ : ٣٠٩. ولا يخفى أنّ كلمة «هنا» وردت في كلام العلّامة في قواعد الأحكام ١ : ٢٣٦.

(٢) فرائد الأصول : ٤٢١ ، وانظر : قواعد الأحكام ١ : ٢٣٦.

(٣) جامع المقاصد ٧ : ٣١٠.

ـ سواء كانت الإجارة صحيحة أو باطلة ـ ملزم بردّ مقدار أجرة المثل ، غاية الأمر أنّه على تقدير الصحّة يكون هو المسمّى ، وعلى تقدير البطلان يكون أجرة المثل (١).

وما أفاده تامّ لو كان النزاع بعد استيفاء المنفعة ، أمّا قبله ففائدة النزاع أنّ المالك يدّعي بطلان الإجارة ، فلو لم يقم المستأجر بيّنة على الصحّة ، يحلف المالك ، ويأخذ العين من يد المستأجر ، ويؤجرها شخصا آخر بأزيد ممّا يدّعيه المستأجر.

الجهة الثامنة : لا إشكال في تقدّم أصالة الصحّة على الاستصحاب الحكمي الجاري في موردها ، سواء قلنا بكونها أمارة أو أصلا محرزا أو أصلا تعبّديّا محضا ، وذلك لما مرّ في قاعدة الفراغ من أنّ تقدّم الاستصحابات الجارية في مواردها يوجب اختصاصها بفرد نادر ، فلا يبقى مورد لها إلّا نادرا ، وهو صورة تبادل الحالتين والجهل بالمتأخّرة منهما ، فلا مناص عن تقدّمها على الاستصحاب الحكمي ، غاية الأمر أنّه لو كانت أمارة ، فمن باب الحكومة ، ولو كانت أصلا ، فمن باب التخصيص.

وأمّا تقدّمها على الاستصحابات الموضوعيّة الجارية في مواردها ، وعدمه فقد أطال الشيخ وشيخنا الأستاذ (٢) قدس‌سرهما الكلام فيه إطالة بلا طائل ، وفصّلا تفصيلا ـ بين ما كانت أصالة الصحّة أمارة فتقدّم ، وأصلا محرزا فيتعارضان ، ويرجع إلى الأصل الحكمي ، وأصلا غير محرز فيقدّم الاستصحاب ـ لا يرجع إلى محصّل ، فإنّ كلّ ذلك ـ بعد ما كان مدركها هو السيرة ـ شعر بلا ضرورة ، فاللازم ملاحظة أنّ أيّ مورد تجري فيه السيرة ،

__________________

(١) أجود التقريرات ٢ : ٤٨٨ ـ ٤٨٩.

(٢) انظر : فرائد الأصول : ٤٢١ وما بعدها ، وأجود التقريرات ٢ : ٤٨٩ ـ ٤٩٣.

فيلتزم بجريان أصالة الصحّة ، سواء كان الأصل المخالف لها أصلا حكميّا أو موضوعيّا ، وأيّ مورد لا تجري فيه مطلقا ، مثلا : نرى أنّ المسلمين يعاملون معاملة الملك فيما إذا اشتراه أحد بوكالة في إجزاء الصيغة ولا يعتنون باحتمال عدم بلوغ مجري الصيغة بناء على اعتباره فيه مع وجود الأصل الموضوعي المقتضي لعدم الملك ، وهكذا يشترون ما يحتملون كونه متنجّسا من الثوب والإناء وغير ذلك ممّا علم أنّه تنجّس في زمان لا محالة ولا يعتنون بهذا الاحتمال ، وهذا بناء على اعتبار الإعلام في بيع المتنجّس ، وبالجملة ، المناط كلّ المناط هو جريان السيرة وعدمه.

* * *

الكلام في قاعدة اليد

لا إشكال في أنّ الاستيلاء على شيء ـ بمعنى كونه تحت اليد وتحت التصرّف ـ أمارة غالبيّة عند العقلاء على ملك ذي اليد والمتصرّف ، وأنّهم لا يعتنون باحتمال كونه ملكا للغير.

ولا إشكال أيضا في أنّ الشارع أمضى هذه السيرة ، فتقدّم قاعدة اليد على الاستصحابات الحكميّة الجارية في موردها بالحكومة ، ولو كانت أصولا محرزة أو غير محرزة ، تقدّم عليها أيضا ، لما مرّ في أصالة الصحّة من أنّه لولاه لزم تخصيصها بالفرد النادر.

والروايات الدالّة على اعتبار اليد كثيرة :

منها : رواية حفص ، الواردة فيمن سأل عن جواز الشهادة باليد ، فإنّه بعد ما أجاب عليه‌السلام بالجواز قال السائل ما مضمونه : إنّي أشهد بأنّه في يده ولا أشهد بأنّه ملك له ، فأجاب الإمام عليه‌السلام ما مضمونه قريبا : «إنّك إذا اشتريت منه أما تحلف أنّه ملك له؟» قال : نعم ، فقال : «لو لا ذلك لما قام للمسلمين سوق» (١).

وهذه الرواية وإن لم يعمل بها في موردها ، فإنّ المشهور على عدم جواز الشهادة باليد إلّا أنّها تدلّ على اعتبار اليد وأنّه لو لا الحكم بملكيّة ذي اليد لما في يده ، لما قام للمسلمين سوق ، ومن هذه الجهة تكون معمولا بها ، فلا مانع من التمسّك بها.

__________________

(١) الكافي ٧ : ٣٨٧ ـ ١ ، الفقيه ٣ : ٣١ ـ ٩٢ ، التهذيب ٦ : ٢٦١ ـ ٢٦٢ ـ ٦٩٥ ، الوسائل ٢٧ : ٢٩٢ ـ ٢٩٣ ، الباب ٢٥ من أبواب كيفيّة الحكم ، الحديث ٢.

والمناقشة فيها بأنّها لا تدلّ إلّا على كون اليد أصلا تعبّديّا اعتبره الشارع حفظا لنظام المسلمين تكون في محلّها لو لم يكن للرواية هذا الصدر ، فإنّ صدرها دالّ على أنّه عليه‌السلام أمضى ما كان مرتكزا للسائل من الاشتراء بلا تحقيق عن كونه ملكا لمن في يده ، ومن المعلوم أنّه إمضاء لما عليه العقلاء من كاشفيّة اليد عن الملك.

ومنها : ما ورد فيمن اشترى من السوق عبدا ، فادّعى أنّه كان حرّا قهر فبيع ، فحكم عليه‌السلام بجواز شرائه ما لم يقم بيّنة على كونه حرّا (١). ومثل هذه الرواية ورد في الجارية (٢) أيضا.

ومنها : رواية مسعدة بن صدقة ، ومضمونها أو لفظها أنّ «كلّ شيء لك حلال حتى تعرف الحرام منه بعينه ، وذلك مثل الثوب يكون عليك ولعلّه سرقة ، والحرّ يكون عندك ولعلّه عبد قهر فبيع» (٣) إلى آخرها ، فإنّ الظاهر أنّها لبيان قاعدة الحلّ ، والأمثلة المذكورة تنظير لها ، فالإمام عليه‌السلام على هذا في مقام بيان أنّك لا تكون مأمورا بالواقعيّات ، ما شككت في كونه حلالا حلال لك ، وهذا نظير أنّك لا تفتّش في حال اليد وتشتري من ذي اليد الثوب ومن يدّعي كونه عبدا مع احتمال أنّ ما اشتريت لم يكن ملكا له واقعا.

واحتمال كون «حلال» خبرا لمجموع قوله : «كلّ شيء لك» على أن يكون المعنى كلّ شيء عندك وتحت تصرّفك مثل ثوبك وعبدك وامرأتك فهو

__________________

(١) الفقيه ٣ : ١٤٠ ـ ٦١٤ ، التهذيب ٧ : ٧٤ ـ ٣١٧ ، الوسائل ١٨ : ٢٥٠ ، الباب ٥ من أبواب بيع الحيوان ، الحديث ١.

(٢) الكافي ٥ : ٢١١ ـ ١٣ ، الفقيه ٣ : ١٤٠ ـ ٦١٣ ، التهذيب ٧ : ٧٤ ـ ٣١٨ ، الوسائل ١٨ : ٢٥٠ ، الباب ٥ من أبواب بيع الحيوان ، الحديث ٢.

(٣) الكافي ٥ : ٣١٣ ـ ٤٠ ، التهذيب ٧ : ٢٢٦ ـ ٩٨٩ ، الوسائل ١٧ : ٨٩ ، الباب ٤ من أبواب ما يكتسب به ، الحديث ٤.

حلال لك ، ساقط لا يعتنى به ، فإنّه خلاف الظاهر جدّاً.

ومنها : ما ورد في محاجّة أمير المؤمنين عليه‌السلام مع أبي بكر في أمر فدك من أنّه قال لأبي بكر : «تحكم فينا بخلاف حكم الله في المسلمين؟» قال : لا ، قال عليه‌السلام : «فإن كان في يد المسلمين شيء يملكونه فادّعيت أنا فيه ، من تسأل البيّنة؟» قال : إيّاك كنت أسأل على ما تدّعيه ، قال عليه‌السلام : «فإذا كان في يدي شيء فادّعى المسلمون تسألني البيّنة على ما في يدي وقد ملكته في حياة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وبعده ولم تسأل المؤمنين على ما ادّعوا عليّ كما سألتني البيّنة على ما ادّعيت عليهم؟» (١) إلى آخره ، فتمسّك عليه‌السلام باليد ، وأنّها أمارة على الملك ما لم تقم بيّنة على خلافه.

ودعوى أنّها تدلّ على أنّ من ادّعى ملكيّته لما في يد الغير تطلب منه البيّنة لا أنّه يحكم بملكيّة ذي اليد لما في يده ، مدفوعة بأنّه عليه‌السلام في مقام أنّه ملك لي بمقتضى اليد ومن ادّعى خلافه فعليه البيّنة ، ولو لم يحكم بملكيّة ذي اليد فلما ذا لا تطلب منه البيّنة وتطلب من غيره؟

ومنها : ما ورد من أنّ «البيّنة على المدّعي واليمين على من أنكر» (٢) فإنّه لا وجه لطلب البيّنة من غير ذي اليد إلّا كون ذيها مالكا لما في يده بمقتضاها ما لم يعلم خلافها بالبيّنة.

ومنها : ما ورد موثّقا من أنّ «من استولى على شيء فهو له» (٣) ولو لا صدر

__________________

(١) علل الشرائع : ١٩١ ، الباب ١٥١ ، الحديث ١ ، تفسير القمّي ٢ : ١٥٦ ، الوسائل ٢٧ : ٢٩٣ ، الباب ٢٥ من أبواب كيفيّة الحكم ، الحديث ٣.

(٢) سنن البيهقي ١٠ : ٢٥٢ ، كنز العمّال ٦ : ١٨٧ ـ ١٥٢٨٢ ، تفسير القمّي ٢ : ١٥٦ ، الوسائل ٢٧ : ٢٩٣ ، الباب ٢٥ من أبواب كيفيّة الحكم ، الحديث ٣. وفي الأخيرين بتفاوت يسير.

(٣) التهذيب ٩ : ٣٠٢ ـ ١٠٧٩ ، الوسائل ٢٦ : ٢١٦ ، الباب ٨ من أبواب ميراث الأزواج ، ـ

هذه الرواية لأمكنت المناقشة فيها بأنّ مساقها مساق «من حاز ملك» وأنّ مفادها أنّ من استولى على شيء من ماء الشطّ أو غيره من المباحات الأصليّة فهو له. وبعبارة أخرى : مفادها هو الملكيّة الواقعيّة بالاستيلاء والحيازة لا الظاهريّة المستكشفة بكونه تحت يده ، فمعنى «له» أنّه له واقعا لا أنّه له ظاهرا ، ولكن صدرها قرينة على المطلوب ، فإنّه في امرأة ماتت عن زوجها أو رجل مات عن زوجته فلا يعلم أنّ أثاث البيت لأيّ منهما ، فحكم عليه‌السلام بأنّ ما كان من مختصّات المرأة أو الرّجل فهو له أو لها ، وما كان مشتركا بينهما فمشترك بينهما.

وجه القرينيّة : أنّه عليه‌السلام حكم بأنّ ما كان من مختصّات المرأة ـ من الزينة والثياب وغيرها ـ وكانت هي تتصرّف فيه فقط وكان تحت يدها لا تحت يد زوجها فهو لها ، لكونها مستولية عليه وكان تحت تصرّفها ، وما كان مشتركا بينهما وتحت تصرّف كليهما كان لهما ، لكون اليد والاستيلاء مشتركا بينهما.

هذه مجموع روايات الباب ، ولا إطلاق لغير الأخيرة منها يمكن أن يتمسّك به في موارد الشكّ ممّا لم تقم سيرة عليه ، لكونها ناظرة إلى الأيادي المتعارفة الموافقة للسيرة ، وبهذا المقدار يحصل النظام ولا يعطّل سوق المسلمين.

نعم ، الرواية الأخيرة يمكن القول بكونها مطلقة قابلة لذلك.

والأولى صرف عنان الكلام إلى تنقيح موارد الشكّ ، ونقتصر على الكلام في جهتين :

الأولى : في أنّ اليد إذا كانت لها حالة سابقة معلومة من كونها يد غصب أو أمانة وعارية أو إجارة واحتمل انقلابها إلى يد الملك بسبب من الأسباب هل

__________________

ـ الحديث ٣.

تكون حجّة أم لا؟ لا شكّ في عدم جريان السيرة في هذه الموارد ، والظاهر أنّ عدم الاعتبار ممّا هو متسالم عليه بين الفقهاء أيضا.

إنّما الإشكال في وجه علمي محض ، وأنّه لما ذا لا يكون ما ذكر مشمولا لقوله عليه‌السلام : «من استولى على شيء فهو له» (١)؟

ويمكن الجواب بوجهين :

أحدهما : إنكار الإطلاق فيه ، فإنّ ظاهره أنّ من استولى على شيء فهو له من حين استيلائه ، وفي هذه الموارد نعلم أنّه ليس له من حين استيلائه.

ثانيهما : أنّ استصحاب حال اليد من كونها بد غصب مثلا يعارض اليد لو سلّم شمول إطلاق الدليل لهذه الموارد ، فتسقط اليد بالتعارض ويرجع إلى الأصل الحكمي ، وهو أصالة عدم انتقال الملك إلى ذي اليد.

ولكن هذا التقريب غير تامّ ، إذ بعد تسليم إطلاق الرواية لحال الحدوث والبقاء فهو بمنزلة أن يقال : الاستيلاء أمارة للملك في الحدوث والبقاء ، ومعه لا مجال للتمسّك بالاستصحاب ، فإنّ إطلاق الدليل رافع للشكّ ، فيرتفع موضوع الاستصحاب ، فلا معنى لمعارضته لقاعدة اليد ، كما أنّ الوجه الّذي أفاده شيخنا الأستاذ (٢) قدس‌سره أيضا غير تامّ ، وهو أنّ استصحاب حال اليد مقدّم على اليد لو سلّم شمول إطلاق دليلها لهذه الموارد ، وذلك لأنّ ما ذكرنا من تقدّم القاعدة على الاستصحاب هو في الاستصحاب الحكمي النافي لما تثبته اليد من الملكيّة ، وأمّا الاستصحاب الموضوعي ـ مثل أصالة بقاء اليد على ما كانت عليه من كونها يد غصب أو إجارة أو أمانة ـ فهو يثبت حال اليد ويخرجها عن موضوع دليل اليد ، ضرورة أنّ موضوعه هو اليد المشكوكة الحال التي لا يعلم

__________________

(١) تقدّم تخريجه في ص ٢٨٩ ، الهامش (٣).

(٢) أجود التقريرات ٢ : ٤٥٦ ـ ٤٥٧.

أنّها يد ملك أو غيرها لا ما هو معلوم أنّها يد غصب ، فإذا تعبّدنا الشارع بالتعبّد الاستصحابي أنّها يد غصب مثلا ، يرتفع موضوع دليل اليد ، فيتقدّم الاستصحاب على دليل اليد بالحكومة.

ووجه عدم التماميّة : أنّ دليل اليد لم يؤخذ الشكّ في موضوعه ، كدليل الاستصحاب ، فإنّ قوله : «من استولى على شيء فهو له» (١) شامل حتى لصورة العلم بالخلاف ، ولكن خرجت هذه الصورة عقلا ، فلا يفرق بين الاستصحاب الموضوعي والحكمي في كون كلّ منهما محكوما بدليل اليد.

فالأولى هو الاقتصار في الجواب على الوجه الأوّل ووجه آخر ، وهو : أنّ قوله عليه‌السلام مضمونا : «ألست تشتريه منه وتحلف على أنّه لك؟» في رواية حفص (٢) يدلّ على أنّ العمل باليد وكاشفيّتها عن الملك قضيّة ارتكازيّة أمضاها الشارع.

وشمول «من استولى» وعمومه لهذه الموارد بعد ما ثبت أنّ مجعوليّة قاعدة اليد ليست لمجرّد التعبّد بل لأنّ لها كاشفيّة عند العقلاء بعيد جدّاً ، لضرورة عدم كاشفيّة عند العقلاء لليد المعلوم كونها يد غصب سابقا.

الجهة الثانية : في أنّه هل يعتبر في جريان القاعدة إحراز قابليّة ما في اليد للتملّك أو يكفي عدم العلم بكونه غير قابل للتملّك أو تجري ولو في صورة العلم بكونه غير قابل للتملّك في الزمان السابق واحتمل طروّ القابليّة بعد ذلك كما في الأوقاف؟

والظاهر عدم لزوم إحراز القابليّة ، بل يكفي احتمالها لكن فيما لم يكن

__________________

(١) تقدّم تخريجه في ص ٢٨٩ ، الهامش (٣).

(٢) الكافي ٧ : ٣٨٧ ـ ١ ، الفقيه ٣ : ٣١ ـ ٩٢ ، التهذيب ٦ : ٢٦١ ـ ٦٩٥ ، الوسائل ٢٧ : ٢٩٢ ـ ٢٩٣ ، الباب ٢٥ من أبواب كيفيّة الحكم ، الحديث ٢.

مسبوقا بالعلم بعدم القابليّة ، كالأوقاف التي احتملت قابليّتها للتملّك بقاء.

أمّا في غير الأوقاف : فلصريح الروايتين المتقدّمتين (١) إحداهما واردة في رجل يدخل السوق فيشتري عبدا ثمّ يدّعي العبد أنّه كان حرّا قهر فبيع ، فحكم عليه‌السلام بجواز الشراء ما لم يقم البيّنة على كونه حرّا. والأخرى أيضا واردة في حادثة بهذا المضمون ، فمقتضاهما أنّ مجرّد اليد أمارة على الملك وكون ما في اليد قابلا للتملّك.

ولأنّ اليد حيث إنّها أمارة على الملك فبالدلالة الالتزاميّة تدلّ على كون ما في اليد قابلا للتملّك.

وأمّا عدم جريانها فيما كان مسبوقا بالعلم بعدم القابليّة : فلعدم كاشفيّة لمثل هذه اليد عند العقلاء وعدم شمول الروايات له.

أمّا غير رواية «من استولى على شيء فهو له» فظاهر.

وأمّا هي فلا تشمل أيضا بقرينة صدرها الوارد في أثاث البيت ، المانع عن ظهور الذيل في الإطلاق بالإضافة إلى غير ما هو من سنخ أثاث البيت ممّا لا يكون مسبوقا بالعلم بوقفيّتها.

هذا ، ولكنّه فرق بين الأوقاف والأراضي المفتوحة عنوة ، فإنّها وإن كانت ملكا لجميع المسلمين ولا يجوز لهم بيعها وشراؤها إلّا أنّ وليّ الأمر أو نائبه ، له أن يملّكها ويبيعها لمصلحة عامّة راجعة إلى المسلمين ، فإذا احتمل انتقالها ـ ولو بعشرين واسطة ـ إلى ذي اليد ، يحكم بملكيّته.

تذييل : قد ذكرنا أنّ اليد المشكوكة الحال من حين الاستيلاء أمارة للملكيّة بمقتضى سيرة العقلاء والروايات ، وذكرنا أن لا سيرة في الأيادي

__________________

(١) تقدّمتا في ص ٢٨٨.

المعلومة حالها سابقا ، ولا تكون مشمولة للروايات أيضا ، فهل يلحق بالعلم بحال اليد سابقا العلم بحال المال بأن علمنا أو قام دليل آخر على أنّه كان قبل ذلك لغير ذي اليد يقينا واحتملنا انتقاله إليه حين حدوث اليد؟

صور المسألة تسع ، فإنّ ملكيّة غير ذي اليد للمال إمّا أن يعلم بالعلم الوجداني أو البيّنة أو الإقرار ، وكلّ من هذه الثلاث إمّا أن يكون في مورد الدعوى والمرافعة أو لا ، وفي مورد الدعوى إمّا أن يكون العلم أو البيّنة أو الإقرار متعلّقا بملكيّة المدّعي أو شخص آخر أجنبيّ عن الدعوى.

أمّا ما لم يكن في مورد الدعوى من الصور الثلاث : فلا إشكال في كون اليد أمارة للملكيّة الفعليّة ، ولا يضرّها ثبوت كون المال سابقا للغير ، فإنّ الملكيّة السابقة لغير ذي اليد لا تنافي ملكيّته فعلا بمقتضى اليد.

وأمّا ما كان في مورد الدعوى وكان المدّعي للملكيّة أجنبيّا من الصور الثلاث : فلا إشكال فيه أيضا ، إذ لا ربط له بالمال ، فإنّ المفروض أنّ العلم أو البيّنة أو الإقرار لم يتعلّق بكون المال له بل تعلّق بكون المال لشخص آخر لا يدّعي شيئا.

وأمّا الصور الثلاث التي ثبت بالعلم أو البيّنة أو الإقرار أنّ المدّعي هو الّذي كان سابقا مالكا للمال : فلا إشكال في الصورة الأولى منها ، وهي صورة علم الحاكم بذلك ، سواء قلنا بأنّ الحكم يحكم بالأيمان والبيّنات ولها موضوعيّة بالإضافة إلى الحكم لا بعلمه على ما يستفاد من قوله عليه‌السلام : «إنّما أقضي بينكم بالأيمان والبيّنات» (١) أو قلنا بأنّه يحكم بعلمه الوجداني أيضا ، إذ على كلّ حال لا يعلم الحاكم بالملكيّة الفعليّة للمدّعي ، فيحتاج إلى

__________________

(١) الكافي ٧ : ٤١٤ ـ ١ ، التهذيب ٦ : ٢٢٩ ـ ٥٥٢ ، الوسائل ٢٧ : ٢٣٢ ، الباب ٢ من أبواب كيفية الحكم ، الحديث ١.

الاستصحاب ، وقد عرفت أنّه محكوم باليد كما هو المفروض.

وأمّا الصورة الثانية منها ـ وهي صورة الثبوت بالبيّنة ـ فذهب جماعة ، منهم : شيخنا الأستاذ قدس‌سره إلى أنّها كالصورة السابقة وأنّ البيّنة لا تزيد عن العلم الوجداني ، بل ذكر أنّ البيّنة لو شهدت بالملكيّة الفعليّة ، وعلمنا بأنّ مدركها هو الاستصحاب ، لا تنقلب الدعوى ، إذ نعلم بشهادتهما بالاستصحاب المحكوم باليد في نظر الشارع (١).

وذهب جماعة أخرى إلى انقلاب الدعوى وصيرورة ذي اليد مدّعيا والمدّعي منكرا ، نظرا إلى جواز الشهادة بالاستصحاب. وهو الحقّ الحقيق بالتصديق ، للروايات الكثيرة الدالّة على ذلك.

منها : ما ورد في قضاء ابن أبي ليلى الملعون ما مضمونه : أنّ رجلا غاب عن أهله وأولاده ثلاثين سنة فهل يجوز لنا الشهادة عند ابن أبي ليلى بأنّ هذه الدار له ، وأنّه لم يتزوّج ثانيا ولم تكن له أولاد غير هذه مع أنّا نحتمل أنّه نقل داره إلى غيره وتزوّج بزوجة أخرى وصار له أولاد أخر؟ فقال عليه‌السلام : «نعم» (٢) وغير ذلك من الروايات.

مضافا إلى كفاية نفس ما دلّ على أنّ القضاء لا بدّ أن يكون بالأيمان والبيّنات ، ضرورة أنّ الشهادة بالملكيّة الفعليّة تحتاج إلى العلم بالغيب ، وأنّ كلّ بيّنة يشهد بمقتضى الاستصحاب ، فإنّ غايته أنّه يعلم بملكيّة المدّعي قبل يوم أو يومين ويحتمل انتقاله إلى غيره بعد ذلك ، فلولاه لزم تعطيل باب القضاء رأسا.

__________________

(١) أجود التقريرات ٢ : ٤٥٩ ـ ٤٦٠.

(٢) انظر الكافي ٧ : ٣٨٧ ـ ٢ و ٤ ، والتهذيب ٦ : ٢٦٢ ـ ٦٩٦ و ٦٩٨ ، والوسائل ٢٧ : ٣٣٦ ، الباب ١٧ من أبواب الشهادات ، الحديث ١ و ٢.

وأمّا الصورة الثالثة منها ـ وهي صورة الثبوت بإقرار ذي اليد ـ فالصحيح فيها انقلاب الدعوى ، فعلى ذي اليد أن يثبت انتقاله إليه بسبب من الأسباب ، فإنّ إقرار متضمّن لدعوى الانتقال إليه.

وهل يلحق الإقرار للمورّث بالإقرار لنفس المدّعي؟ الظاهر لا ، لثبوت السيرة على الأخذ بمقتضى اليد في ذلك ومطالبة المدّعي بالإثبات ، ضرورة أنّه لا تسمع عند العقلاء دعوى من يقول : إنّ هذه الدار التي بيد زيد إرث لي من جدّي الأعلى بعشرين واسطة.

والوجه الاعتباري ـ الّذي أفاده شيخنا الأستاذ قدس‌سره من أنّ الملكيّة كخيط اعتباري اتّصل أحد طرفيه بالمالك والآخر بالمال ، وفي البيع يتبدّل الطرف المتّصل بالمال وفي الإرث الطرف المتّصل بالمالك ، فيكون الوارث بمنزلة المورّث ، والإقرار له بمنزلة الإقرار للوارث (١) ـ لا يفيد ولا يمكن إثبات الحكم الشرعي به.

وبذلك ظهر شأن أبي بكر في مطالبة البيّنة عن فاطمة عليها‌السلام في أمر فدك التي أقرّت ـ سلام الله عليها ـ أنّها كانت لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وادّعت ـ بأبي وأمّي فداها ـ أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ملّكها إيّاها عليها‌السلام ، فإنّه لو سلّمت بفرض المحال ـ وكيف المحال ـ ولاية أبي بكر على المسلمين ، وفرض أنّ ما ابتدعه واختلقه كذبا على الله ورسوله ـ من أنّه قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : «نحن معاشر الأنبياء لا نورّث ذهبا ولا فضّة ، وإنّما نورّث العلم والحكمة ، وأنّ ما تركناه صدقة وفيء للمسلمين» ـ صدر من النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، لا تصحّ مطالبة البيّنة ، ضرورة أنّها مخالفة لما هو كالضروري ويعرفه أدنى مسلم من «أنّ البيّنة على المدّعي واليمين على من

__________________

(١) أجود التقريرات ٢ : ٤٦١ ـ ٤٦٢.

أنكر» وذلك لأنّ غايته بعد التنزيل والتنزيل أنّ أبا بكر ادّعى من قبل المسلمين أنّ فدك فيء للمسلمين وصدقة ولم يدّع أحد أنّ المسلمين وارثون للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله دون ابنته وبضعة منه. والإلحاق لو تمّ إنّما يتمّ في الإرث لا في الوصيّة والصدقة ونحوهما.

وليعلم أنّ هذه الرواية مرويّة عن طرقنا (١) أيضا ، وما قلنا : إنّه كذب وافتراء هو ذيلها ، وهو : «ما تركناه صدقة وفيء للمسلمين» ومعنى الرواية بدون هذا الذيل المجعول ظاهر ، ولا يكاد يخفى عدم دلالتها على أنّ الأنبياء لا يورّثون حتى ثيابهم ، إذ لا أقلّ من أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عند موته ، له ثوب لابسه ، فالمقصود أنّ الأنبياء ليس همّهم كسائر الناس في جمع المال والذهب والفضّة وتوريثهم ذلك ، بل همّهم هو تعليم العلوم الإلهيّة ، وعمدة توريثهم هو العلم والحكمة.

هذا تمام الكلام في قاعدة اليد وأصالة الصحّة. والحمد لله أوّلا وآخرا ، والصلاة على محمّد وآله الطيّبين الطاهرين ، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين من الآن إلى قيام يوم الدين.

__________________

(١) انظر : الكافي ١ : ٣٤ ـ ١ ، وبصائر الدرجات : ٣ ـ ٢ ، وثواب الأعمال : ١٥٩ ـ ١٦٠ ـ ١ ، وأمالي الصدوق : ٥٨ ـ ٩ ، وعمّا عدا الأوّل في البحار ١ : ١٦٤ ـ ٢.

المقصد الثامن :

في تعارض الأدلّة

والأمارات

فصل :

في مفهوم التعارض وموارده.

لا يخفى أنّ هذا البحث من أهمّ المباحث الأصوليّة ، وله فوائد كثيرة في الفقه ، لاحتياج جلّ الفروع الفقهيّة إليه. ولا إشكال في كونه من المسائل الأصوليّة ، لوقوعه في طريق الاستنباط ، بمعنى أنّه يستنتج منه الحكم الكلّي من بعد ضمّ صغراه إليه.

ثمّ إنّ التعارض عبارة عن تنافي مدلولي الدليلين بحيث لا يمكن اجتماعهما في موردهما بالذات أو بالعرض من جهة التناقض بأن يكون مدلول أحدهما وجوب شيء ، والآخر عدم وجوبه ، أو من جهة التضادّ بأن يكون مدلول الآخر استحبابه.

ونعني ب «بالذات» عدم إمكان الاجتماع بين المدلولين المطابقيّين ، كالمثالين المذكورين ، و «بالعرض» عدم اجتماع المدلول المطابقي في أحدهما مع المدلول الالتزامي في الآخر ، كما إذا كان مدلول دليل وجوب الظهر في يوم الجمعة ومدلول آخر وجوب الجمعة فيه ، فإنّ وجوب كلتا الصلاتين ممّا لا محذور فيه لكن ـ بما أنّ الإجماع قام على عدم وجوب أزيد من خمس صلوات في كلّ يوم وليلة ، ولا شكّ في الأربع الأخر غير الظهر ـ يدلّ دليل وجوب الظهر بالالتزام على عدم وجوب الجمعة وهكذا العكس ، فيقع التنافي بين المدلول المطابقي من أحدهما والالتزامي من الآخر.

وبالجملة ، لا بدّ في تحقّق التعارض من عدم إمكان الجمع بين مدلولي الدليلين ذاتا أو عرضا ، وبدونه لا تعارض.

فلا تعارض بين «أكرم العلماء» و «لا تكرم زيدا الجاهل» لعدم التنافي وخروج زيد عن تحت دليل العامّ بالتخصّص يعني وجدانا من غير مئونة تعبّد.

ولا تعارض أيضا بين أدلّة الأمارات والأصول العقليّة من البراءة والاشتغال والتخيير ، لورودها عليها ، بمعنى ارتفاع موضوع الأصول العقليّة وجدانا ـ وهو عدم البيان وعدم الأمن من العقاب وعدم المرجّح ـ بمجرّد تعبّد الشارع ، فإنّ نفس تعبّد الشارع بخمريّة ما شكّ في خمريّته بقيام البيّنة على خمريّته مثلا بيان من الشارع ، فبالوجدان لا موضوع لقاعدة قبح العقاب بلا بيان. وفي بعض الكلمات يطلق على هذا الحكومة ، ويطلق على بعض موارد الحكومة الورود ، ولا مشاحّة في الاصطلاح.

كما لا تعارض أيضا بين دليل حرمة الرّبا و «لا ربا بين الوالد والولد» وما يشبهه ، فإنّ الثاني حاكم على الأوّل ، بمعنى أنّه رافع لموضوعه.

وللحكومة أقسام كلّها خارج عن باب التعارض :

الأوّل : ما يكون أحد الدليلين بمدلوله اللفظي شارحا للمراد من الآخر بلفظ «عنيت» و «أردت» وشبههما ، كما في رواية «الفقيه لا يعيد صلاته» المفسّرة بأنّه «إنّما عنيت بذلك ، الشكّ بين الثلاث والأربع» (١).

الثاني : أن يكون دليل الحاكم ناظرا إلى دليل المحكوم ، ومتصرّفا فيه إمّا في عقد وضعه أو في عقد حمله بحيث لو لم يكن دليل المحكوم واردا ولو بعد ورود دليل الحاكم ، لصار دليل الحاكم لغوا.

وما يكون ناظرا إلى عقد الوضع ورافعا لموضوع دليل المحكوم كثير في الفقه ، كما في «لا شكّ لكثير الشكّ» الرافع لموضوع أدلّة الشكوك.

__________________

(١) تقدّمت الرواية والإشارة إلى مصادرها والتعليق عليها في ج ٣ ص ٥٥٦ والهامش (١).

وما يكون ناظرا إلى عقد الحمل ورافعا لمحمول دليل المحكوم ، كما في دليل «لا ضرر في الإسلام» و (ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) الناظرين إلى أدلّة الأحكام ، الرافعين لقسم خاصّ منها ، وهو الحرجيّ والضرريّ منها.

الثالث : أن يكون دليل الحاكم رافعا لموضوع دليل المحكوم بلا نظر في البين ، وهذا كما في حكومة أدلّة الأمارات على أدلّة الأصول الشرعيّة بناء على ما اخترناه من أنّ المجعول في باب الأمارات نفس العلم والكاشفيّة والطريقيّة ، فإنّ موضوع أصالة البراءة مثلا هو الشكّ ، وبعد قيام الأمارة على وجوب السورة مثلا لا يكون المكلّف شاكّا في نظر الشارع.

والفرق بين هذا القسم من الحكومة والورود : أنّ ارتفاع الموضوع في باب الورود وجداني ، ومنشؤه أمر وجداني آخر ، وهو التعبّد بخمريّة المائع المشكوك ، فإنّ نفس التعبّد قطعي وجداني ليس بتعبّدي ، وفي باب الحكومة تعبّدي منشؤه متعلّق ذلك التعبّد الوجداني ، وهو خمريّة المشكوك.

وبالجملة ، نفس التعبّد بمنزلة العلم والصورة وأنّه وجداني ، وارتفاع الموضوع به ورود ، والمتعبّد به بمنزلة المعلوم والمتصوّر الّذي لا يكون ثابتا بالوجدان ، وإنّما هو ثابت بواسطة التعبّد وبواسطة الصورة ، وارتفاع الموضوع بمثله حكومة. وإن شئت سمّه بالورود ، لعدم اختلاف الحكم باختلاف الاسم.

والجامع بين جميع أقسام الحكومة أن يكون أحد الدليلين إمّا ناظرا إلى عقد حمل الدليل الآخر أو رافعا لموضوعه رفعا تعبّديّا.

ومن الواضح أن لا تنافي بين دليلي الحاكم والمحكوم بجميع أقسام الحكومة ، لعدم انحفاظ وحدة الموضوع في بعض والمحمول في آخر ، وهي ممّا لا بدّ منه في حصول التنافي والتعاند.

وهكذا لا تعارض بين الخاصّ والعامّ ، بل بين كلّ دليلين يكون أحدهما أظهر من الآخر ، فإنّ الأظهر يكون قرينة عرفيّة على المراد من الآخر ، بل يكون الخاصّ حاكما من جهة ، كما أنّ دليل الحاكم يكون مخصّصا من جهة ، لكن فرق بين التخصيصين وبين الحكومتين.

توضيح ذلك : أنّ حجّيّة خبر الواحد بمعنى جواز العمل به متوقّفة على إحراز أمور ثلاثة : الصدور من المعصوم عليه‌السلام ، وإرادة الظهور ، وجهة الصدور من كونه غير صادر تقيّة أو سخريّة أو غير ذلك ، بل صدر لبيان الحكم الواقعي ، والمتكفّل لإثبات الأمر الأوّل هو أدلّة حجّيّة خبر الواحد ، والمتكفّل لإثبات الأمرين الآخرين بناء العقلاء على حمل كلام كلّ متكلّم عاقل على كونه مستعملا فيما هو ظاهر فيه ، وعلى أنّ مراده الجدّي مطابق لمراده الاستعمالي ، ومن المعلوم أنّ هذه السيرة جارية فيما إذا لم تقم قرينة على المراد متّصلة أو منفصلة ، ومع قيام القرينة على خلاف الظاهر لا يعملون بأصالة الظهور ، لعدم الشكّ في المراد حينئذ ، فبقيام القرينة يرتفع موضوع الأصل العقلائي ، وهو أصالة الظهور في ذي القرينة ، ومن المعلوم أنّ الخاصّ قرينة عرفيّة على ما يراد من العامّ ، فإن كان متّصلا بالكلام ، لا ينعقد للكلام ظهور إلّا في الخاصّ ، وإن كان منفصلا ، فالظهور وإن كان ينعقد له إلّا أنّ الخاصّ قرينة على عدم إرادته ، وبه يرتفع الشكّ في إرادة العموم ، الّذي هو موضوع أصالة العموم ، فيصحّ أن يقال : إنّ الخاصّ حاكم ، لكونه موجب لارتفاع موضوع أصالة العموم ، كما يصحّ أن يقال : إنّ دليل الحاكم مخصّص ، لتخصيصه الحكم في دليل المحكوم ببعض أفراد موضوعه بلسان نفي الحكم أو نفي الموضوع.

والفرق بين الحكومتين : أنّ دليل الخاصّ حاكم على دليل حجّيّة ظهور العامّ ، وهو أصالة العموم عند الشكّ في العموم ، ورافع لموضوعه ، لا على

نفس دليل العامّ ، ودليل الحاكم رافع لموضوع نفس دليل المحكوم.

والفرق بين التخصيصين : أنّ دليل الحاكم في تخصيصه رافع لموضوع دليل المحكوم أو ناظر إلى عقد حمله ، بخلاف دليل الخاصّ ، فإنّه لا يكون رافعا لموضوع العامّ ولا ناظرا إلى محموله.

والحاصل : أنّه لا إشكال في خروج هذه الموارد ـ أي موارد التخصيص ـ عن باب التعارض ، لعدم التنافي بين الدليلين عرفا ، لحكومة دليل الخاصّ على ما يستكشف منه عموم العامّ ، وهو أصالة الظهور ، بل وروده عليه في بعض الموارد ، وهو ما إذا كان الخاصّ قطعيّا من بعض الجهات الثلاث سندا ودلالة وجهة ، إذ يرتفع الشكّ في العموم حينئذ وجدانا.

وهذا بلا فرق بين ما فسّرنا التعارض بما فسّره به الشيخ قدس‌سره من أنّه هو التنافي بين مدلولي الدليلين (١) ، أو فسّرناه بما فسّر به صاحب الكفاية قدس‌سره من أنّه هو التنافي بينهما في مقام الدلالة والإثبات (٢) ، إذ لا دلالة للعامّ على العموم بعد قيام الخاصّ ، ضرورة أنّ الدلالة من جهة أصالة الظهور ، وقد عرفت أنّ موضوعها يرتفع بورود الخاصّ ، فلا وجه لما اختاره صاحب الحدائق ، ومال إليه صاحب الكفاية على ما أذكره من السابق من ملاحظة المرجّحات بين العامّ والخاصّ ، بل الصحيح هو خروج كلّ دليلين يكون أحدهما نصّا أو أظهر من الآخر عن باب التعارض ، لما عرفت من كونه قرينة عرفيّة على المراد من الآخر ، ومعه يرتفع التنافي والتعارض.

وهكذا لا تعارض بين المتزاحمين.

توضيح ذلك : أنّ التزاحم إمّا أن يكون في مرحلة الملاك بأن يكون لفعل

__________________

(١) فرائد الأصول : ٤٣١.

(٢) كفاية الأصول : ٤٩٦.

واحد ملاك الوجوب والحرمة ، فلا محالة يقع الكسر والانكسار ، فإن كان الملاكان متساويين ، يتخيّر المولى بين الإيجاب والتحريم. وإن كان أحدهما أزيد بمقدار لازم التحصيل ، فلا بدّ له من الإيجاب إن كانت الزيادة في ملاك الوجوب ، والتحريم إن كانت في ملاك الحرمة ، أو أزيد بمقدار غير لازم التحصيل ، فيجعله مستحبّا أو مكروها. وهذا خارج عن محلّ الكلام. أو يكون في مرحلة الامتثال بأن يكون هناك تكليفان لا يمكن امتثال كليهما ، لعدم القدرة على ذلك. وهذا هو محلّ الكلام.

والفرق بينه وبين التعارض أوضح من أن يخفى ، فإنّ لازم التعارض هو التكاذب والعلم بكذب أحد المدلولين ، فلو كان أحدهما وجوب السورة ، والآخر عدم وجوبها ، يعلم بعدم جعل كليهما ، وهذا بخلاف التزاحم بين امتثال دليل «لا تغصب» ودليل «أنقذ الغريق» ، إذ لا علم بكذب أحدهما بل يعلم بصدق كليهما وجعلهما في الشريعة المقدّسة ، بل مورد هذا القسم من التزاحم هو ثبوت الحكمين في الشريعة ـ سواء كانا تابعين لمصلحة في أنفسهما أو متعلّقيهما أو لم يكونا تابعين لمصلحة أصلا ، كما هو مذهب الأشعري ، إذ لا يفرق فيما نحن بصدده أصلا ـ واتّفق في مورد عدم قدرة المكلّف على امتثالهما ، لكون امتثال كلّ معجزا عن امتثال الآخر ، ومن المعلوم أن لا تنافي بين هذين التكليفين أصلا.

أمّا على ما اخترناه ـ من عدم اشتراط التكاليف بالقدرة وإطلاقها من هذه الجهة ، وإنّما العقل لا يحكم بتنجيزها في حقّ العاجز ـ فواضح ، إذ المفروض عدم اشتراط التكاليف بالقدرة ، فيصير كلّ منهما فعليّا في حقّه ، غاية الأمر أنّه لا يحكم إلّا بتنجّز أحدهما.

وأمّا على المشهور من اشتراطها بها كالبلوغ : فلأنّ التنافي يتحقّق في

صورة انحفاظ الموضوع في كليهما ، كما في «أكرم العلماء» و «لا تكرم فسّاق العلماء» فإنّا لو قدّمنا أحدهما في مورد الاجتماع ـ وهو العالم الفاسق ـ فقد أخرجناه عن تحت الدليل الآخر مع كونه موضوعا له ، فالتقديم في الحقيقة تخصيص ، وهذا بخلاف المقام ، فإنّ امتثال أحد الدليلين وصرف القدرة فيه موجب لارتفاع موضوع الآخر ، لارتفاع قيد من قيوده ، وهو القدرة ، فأيّ منافاة بينهما بعد ما كان كلّ منهما مشروطا بالقدرة؟ فإذا صرفت في أحدهما ، لا يصير الآخر فعليّا أصلا ، لعدم فعليّة موضوعه بتمامه.

فتلخّص ممّا ذكرنا أنّ باب التزاحم مغاير لباب التعارض ولا ربط لأحدهما بالآخر ، فإنّ التعارض هو التكاذب في مدلولي الدليلين والعلم بكذب أحدهما ، والتزاحم مورده العلم بثبوت تكليفين وجدانا أو تعبّدا والعجز عن امتثالهما معا ، ولو فرضت القدرة على امتثالهما ، لوجوب امتثالهما ، فالتزاحم مختصّ بالعاجز ، بخلاف التعارض ، فإنّ استحالة التعبّد بالمتناقضين أو الضدّين لا تختصّ بشخص دون شخص.

فما في بعض الكلمات ـ من أنّ الأصل في التمانع بين التكليفين هل هو التعارض أو التزاحم؟ ـ على ما قال شيخنا الأستاذ (١) قدس‌سره كالقول بأنّ الأصل في الأشياء هل هو الطهارة أو صحّة الفضولي ، ضرورة أنّه لا جامع بينهما حتى يسأل عن الفرق.

ثمّ إنّ لشيخنا الأستاذ قدس‌سره كلاما ، وهو أنّ التزاحم بين التكليفين غالبا يكون في مورد عدم القدرة ، وربّما يكون في غيره من جهة العلم بعدم مطابقة أحد الخطابين للواقع ، ومثّل لذلك بما إذا ملك خمسا وعشرين إبلا في أوّل

__________________

(١) أجود التقريرات ٢ : ٥٠٥.

المحرّم مثلا ، ومضت عليه ستّة أشهر ، ثم ملك على رأس ستّة أشهر أوّل الرجب إبلا واحدة فتمّ نصاب السادس ، فبعد مضيّ سنة على خمس وعشرين تجب خمس شياة ، وبعد ذلك بستّة أشهر أوّل الرجب الآتي يجب بنت مخاض بمقتضى مضيّ الحول على نصاب السادس ، وهو ستّ وعشرون ، وبما أنّا نعلم أنّه لا تجب الزكاة في سنة واحدة مرّتين فيقع التزاحم بين التكليفين (١).

وما أدري ما الّذي دعاه إلى ذلك؟ وأيّ فرق بينه وبين قيام دليلين أحدهما على وجوب الظهر ، والآخر على وجوب الجمعة يومها وعلم بعدم وجوب كليهما من الخارج؟ فإنّ المقام بعينه من هذا القبيل ، إذ لا مانع من التكليف بأداء الزكاة في سنة مرّتين مع القدرة عليه.

ولما ذا لا يكون المقام من باب تعارض المدلول المطابقي لأحد الخطابين مع المدلول الالتزامي من الآخر؟ للعلم بعدم وجوب زكاة مال واحد في سنة واحدة مرّتين ، حيث إنّ المدلول المطابقي لدليل وجوب خمس شياة يعارض المدلول الالتزامي من دليل وجوب بنت مخاض عند الرجب الآتي ، وهو عدم وجوب خمس شياة في أوّل المحرّم الآتي الّذي هو زمان مضيّ الحول على خمس وعشرين ، وهكذا العكس ، فنعلم بكذب أحد الدليلين ، وعدم ثبوت أحد التكليفين : إمّا التكليف بوجوب خمس شياة ، أو وجوب بنت مخاض. وبالجملة ، نحن لا نتعقّل التزاحم في غير موارد العجز عن الامتثال.

__________________

(١) أجود التقريرات ٢ : ٥٠٤.

فصل :

في مقتضى القاعدة في باب التعارض في غير مورد أخبار علاج التعارض ـ وهو مورد تعارض الخبرين ـ ومقتضى القاعدة في باب التزاحم.

أمّا مقتضى القاعدة في غير مورد تعارض الخبرين ـ كما إذا كان المتعارضان ظاهري مقطوعي الصدور أو شهرتين أو شهرة وإجماعا منقولا أو بيّنتين في موضوع من الموضوعات ـ فهو التساقط والرجوع إلى الأصل العملي ، فإنّ الكاشفيّة الفعليّة غير معقولة ، إذ المفروض هو التناقض بين المدلولين والمنكشفين أو التضادّ بينهما ، والمحال لا يمكن أن يقع موردا للتعبّد لا ابتداء ولا إمضاء ، كما هو الغالب ، فإنّ غالب الأمارات بل كلّها طرق عقلائيّة أمضاها الشارع ، ضرورة أنّه لا يعقل التعبّد بوجوب السورة وعدمه في الشريعة المقدّسة ، وشمول دليل التعبّد لأحدهما المعيّن دون الآخر ترجيح بلا مرجّح ، لفرض جامعيّة كلّ لشرائط الحجّيّة في نفسه.

وهل يمكن التعبّد بأحدهما لا بعينه لنفي الثالث حتى لا يصحّ التمسّك بأصالة الإباحة إذا كان مدلول أحدهما هو التحريم ومدلول الآخر هو الوجوب أو لا؟ ذهب جماعة ، منهم : الشيخ وصاحب الكفاية وشيخنا الأستاذ ـ قدّست أسرارهم ـ إلى الأوّل (١). وذكر لذلك تقريبان :

أحدهما لصاحب الكفاية من أنّ محتمل الصدق منهما لا مانع من شمول دليل الحجّيّة له ولو كان غير متميّز.

__________________

(١) فرائد الأصول : ٤٣٨ ـ ٤٣٩ ، كفاية الأصول : ٤٩٩ ، فوائد الأصول ٤ : ٧٥٥.

نعم ، حيث لا يتميّز معلوم الكذب عن غيره المشمول لدليل الحجّيّة فلا أثر له إلّا نفي الثالث (١).

ثانيهما لشيخنا الأستاذ قدس‌سره من أنّ ما يدلّ على الوجوب يدلّ بالالتزام على نفي الأحكام الأخر ، وهكذا ما يدلّ على الحرمة ، وتعارضهما ليس إلّا في مدلوليهما المطابقيّين ، وأمّا نفي الإباحة والكراهة والاستحباب فيدلّ عليه كلّ منهما بالالتزام ، ولا تعارض بينهما فيه ، فلا وجه لتساقطهما عن الحجّيّة إلّا بمقدار المعارضة (٢).

وليعلم أنّ محلّ الخلاف ما إذا لم يعلم وجدانا بصدق أحدهما ومطابقته للواقع ، وإلّا فلا إشكال ولا خلاف في نفي الثالث.

والجواب عن الأوّل : ما أفاده الشيخ قدس‌سره في بحث الاشتغال من أنّ شمول دليل الأصل النافي للتكليف في أطراف العلم الإجمالي بالتكليف بتمامها لا يمكن ، لاستلزامه المخالفة القطعيّة ، وشموله لبعض منها معيّنا دون بعض ترجيح بلا مرجّح ، إذ لا قصور في مشموليّة كلّ منها في نفسه لدليل الأصل ، ولا ترجيح بينها من هذه الجهة ، وأحد الأطراف لا بعينه ليس أمرا مغايرا لها حتى يشمله الدليل (٣). وهذا الكلام جار في المقام أيضا ، فإنّ كلّا من البيّنتين المتعارضتين ـ مثلا ـ في نفسه قابل لأن يشمله الدليل بلا تفاوت بينهما من هذه الجهة ، والتعبّد بطريقيّة كلتيهما غير معقول ، وإحداهما معيّنة دون الأخرى ترجيح بلا مرجّح ، وإحداهما لا بعينها ليست فردا ثالثا من البيّنة يشمله دليل الحجّيّة بل إنّما هي عنوان ينتزع منهما.

__________________

(١) كفاية الأصول : ٤٩٩.

(٢) فوائد الأصول ٤ : ٧٥٥.

(٣) فرائد الأصول : ٢٤٩.

نعم ، هناك شبهة عويصة هي شمول الدليل لأحدهما تخييرا ، وأجبنا عنها هناك مفصّلا ، فراجع (١).

والجواب عن الثاني : أنّ ما أفاده تامّ لو كان المدلول الالتزامي تابعا للمطابقي في مقام الدلالة والإثبات فقط دون مقام الحجّيّة لكن ليس الأمر كذلك ، والشاهد على ذلك ملاحظة بناء العقلاء والسيرة المتشرّعة على العمل بالبيّنة ، مثلا : إذا أخبرت البيّنة بإصابة البول للثوب ، فقد أخبرت بالالتزام بنجاسة الثوب ، فهل يحكم بنجاسة الثوب إذا علم بكذب البيّنة؟ وإذا كان مال في يد زيد وادّعى كلّ من عمرو وبكر أنّه له ، وأقام كلّ على دعواه بيّنة ، فهل يحكم بكون المال مجهول المالك وينتزع من يد زيد من جهة تساقط البيّنتين في المدلول المطابقي لا في المدلول الالتزامي ، وهو عدم كون المال لزيد؟

وحلّه : أنّ المدلول الالتزامي الّذي أخبرت به البيّنة التزاما ليس إلّا الحصّة الملازمة للمدلول المطابقي ، فإنّ الإخبار بطلوع الشمس إخبار بوجود الضوء الملازم لطلوع الشمس لا بمطلق الضوء ، وهكذا الإخبار بإصابة البول للثوب إخبار بالالتزام عن النجاسة الملازمة لإصابة البول لا مطلقا ، وهكذا إخبار البيّنة بكون المال لعمرو أو بكر إخبار بالالتزام بعدم ملكيّة زيد له ، الملازم لملكيّة عمرو أو بكر لا مطلقا ، فإذا فرض القطع بكذب الخبر في مدلوله المطابقي وسقوطه عن الكاشفيّة بالقياس إليه ، يقطع بكذبه في مدلوله الالتزامي أيضا ، ومن الواضح أنّ دليل الحجّيّة لا يشمل ما لا يكون مدلولا للبيّنة لا مطابقة ولا التزاما ، وهو تلك الحصّة من النجاسة غير الملازمة لإصابة البول ، التي أخبرت بها ، وأمّا شموله لهذه الحصّة الملازمة فمعلوم أنّه بتبع شموله لما يلازمها من

__________________

(١) راجع ج ٣ ص ٣٧٦ وما بعدها في مبحث أصالة الاشتغال.

إصابة البول للثوب ، فإذا سقطت حجّيّتها من جهة التعارض في المدلول المطابقي ، تسقط فيما كان تبعا له بالضرورة.

فتلخّص ممّا ذكرنا أنّه لا يمكن نفي الثالث لا بأحد المتعارضين ولا بكليهما بالقياس إلى مدلوليهما الالتزاميّين. أمّا بأحدهما لا بعينه : فلعدم كونه أمرا ثالثا مشمولا لدليل الحجّيّة. وأمّا المدلول الالتزامي فهو وإن كان نفي الإباحة ـ مثلا ـ عند تعارض دليل الوجوب والحرمة إلّا أنّه ليس مطلق عدم الإباحة بل خصوص عدم الإباحة ، الملازم للوجوب في أحد الدليلين ، وعدم الإباحة ، الملازم للحرمة ، وسقوط دليل الوجوب والحرمة عن الحجّيّة في الوجوب والحرمة ملازم لسقوطهما عن الحجّيّة في نفي الإباحة ، الملازم لكلّ منهما. وأمّا حصّة أخرى من عدم الإباحة فلم تكن مدلولة لهما حتى تنفي بهما.

هذا كلّه على مبنى الطريقيّة ، وأمّا على السببيّة : فذهب الشيخ قدس‌سره مطلقا وصاحب الكفاية وشيخنا الأستاذ قدس‌سرهما في الجملة إلى دخول الدليلين المتعارضين في باب التزاحم (١).

والحقّ هو التفصيل.

توضيحه : أنّ السببيّة تارة يراد منها السببيّة العدليّة التي التزم بعضهم بها فرارا عن شبهة «ابن قبة» ـ من كون التعبّد بالأمارة موجبا لتفويت المصلحة والإلقاء في المفسدة في مورد عدم الإصابة ـ وهي الالتزام بكون قيام الأمارة موجبا لحدوث مصلحة في سلوكها بمقدار يتدارك به ما فات بسبب العمل بالأمارة لا أزيد منه ، فيختلف بحسب اختلاف الموارد شدّة وضعفا وسعة وضيقا ، فإن فاتت بسبب العمل بها مصلحة فضيلة الوقت فقط بأن انكشف

__________________

(١) فرائد الأصول : ٤٣٩ ، كفاية الأصول : ٤٩٩ ـ ٥٠٠ ، أجود التقريرات ١ : ٢٧١ ، فوائد الأصول ٤ : ٧٥٨.

الخلاف في الوقت وظهر بعد إتيان الجمعة مثلا بمقتضى دليل أنّ الواجب الواقعي في حقّه هو الظهر ، تتدارك مصلحة فضيلة الوقت فقط ، التي فاتت منه بسبب العمل بالأمارة ، فيجب عليه إتيان الظهر في الوقت. وإن انكشف بعد مضيّ الوقت ، فيتدارك ما فات من مصلحة الوقت بسببه لا أزيد ، فيجب عليه قضاء الظهر ، لعدم فوت مصلحة أصل الفعل بسببه حتى يلزم تداركها. وإن لم ينكشف الخلاف أصلا إلى آخر عمره ، فتتدارك مصلحة الظهر بتمامها وكمالها.

وأخرى يراد منها السببيّة الباطلة التي التزم بها الأشاعرة والمعتزلة ، وهي أنّ قيام الأمارة موجب لصيرورة متعلّق المؤدّى متعلّقا للغرض ، أو موجب لحدوث مصلحة فيه أو في نفس الأمر بالعمل على طبق الأمارة ، والجامع بين السببيّة المعتزليّة والسببيّة الأشعريّة أن يكون مؤدّى الأمارة هو حكما واقعيّا ناشئا عن ملاك مسبّب عن قيام الأمارة. والفارق بينهما أنّ الأشعري ليس عنده حكم واقعي إلّا ما أدّت إليه الأمارة ، والمعتزلي يقول بانقلاب الحكم الواقعي بقاء بسبب قيام الأمارة.

فإن كان المراد منها هو الأولى ، فعدم الدخول في باب التزاحم واضح ، فإنّ السببيّة بهذا المعنى عين الطريقيّة ، إذ لها كاشفيّة وطريقيّة تحدث في سلوكها مصلحة يتدارك بها ما فات ، ومن المعلوم أن لا كاشفيّة للمتعارضين ، لسقوط كاشفيّتهما بواسطة التعارض ، كما عرفت ، فلا موضوع لحدوث المصلحة حينئذ ، فيدخل في باب التعارض لا محالة.

وإن كان المراد منها هو الثانية ، فتارة يقال بأنّ قيام الأمارة نظير العناوين الثانويّة ـ كالاضطرار والسفر ـ يوجب تعنون الفعل أو الترك بعنوان يكون به متعلّقا للغرض أو ذا مصلحة ، وأخرى يقال بأنّه موجب لحدوث مصلحة في نفس أمر المولى بالعمل على طبق الأمارة بلا حدوث مصلحة في نفس

المتعلّق ، إذ يمكن أن لا تكون مصلحة في العمل بقول العادل مثلا أصلا لكن تكون في أمر المولى بالعمل بقوله ، فإنّه احترام له وتجليل لشأنه ، مثلا : إلزام المولى عبده بالعمل بقول ضيفه ، له مصلحة ولو أمر الضيف بما لا مصلحة له أصلا ، إذ نفس الأمر بالعمل بقول الضيف تكريم وتعظيم لشأنه وخلافه إهانة به.

وعلى كلّ تقدير إمّا تؤدّي الأمارتان إلى الإلزام بضدّين لهما ثالث ، كالقيام والقعود ، أو ضدّين ليس لهما ثالث ، كالحركة والسكون ، أو إلى حكمين متناقضين ، كإيجاب شيء وعدم إيجابه بعينه ، أو حكمين متضادّين ، كإيجاب شيء وتحريم هذا الشيء بعينه ، فهذه أربع صور.

فإن كان قيام الأمارة نظير عنوان الاضطرار موجبا لحدوث مصلحة مثلا في نفس الفعل أو الترك ، فصورة واحدة من الصور الأربع ـ وهي صورة الإلزام بضدّين لهما ثالث ـ تدخل في باب التزاحم لا محالة ، إذ المفروض حدوث المصلحة في القيام والقعود كليهما بسبب قيام الأمارة على وجوبه ، ولا مانع من جعل كلا التكليفين ، غاية الأمر أنّه لا يقدر المكلّف على امتثال كليهما ، فيقع التزاحم في مقام الامتثال (١).

وأمّا باقي الصور فلا يعقل فيه التزاحم ، إذ إيجاب ضدّين ليس لهما ثالث كليهما تكليف بما لا يطاق ، وأحدهما تخييرا طلب للحاصل ، لعدم خلوّ المأمور عن الحركة والسكون ، وهكذا جعل حكمين متناقضين أو متضادّين يرجع إلى الإلزام بالفعل والترك معا ، أو الإلزام بالفعل والرخصة في الترك ، وجعل أحدهما تخييرا طلب للحاصل ، وكلاهما محال في حقّ الحكيم تعالى ،

__________________

(١) رجع السيّد الأستاذ دام بقاؤه في هذه الدورة وذهب إلى التعارض في هذا الفرض أيضا ، وهكذا فيما سيأتي من فرض حدوث مصلحة في عقد القلب من السببيّة. (م).

فلا مناص في هذه الصور الثلاث عن جعل أحدهما معيّنا ، فيخرج عن باب التزاحم ، ويدخل في باب التعارض الّذي ملاكه هو التكاذب في مقام الجعل ، فلا وجه لجعلها من باب التزاحم.

وهكذا لا وجه لما أفاده صاحب الكفاية في صورة قيام الأمارتين على حكمين متناقضين ـ كالوجوب وعدم الوجوب ـ من أنّه يؤخذ بما يقتضي الإلزام (١).

وذلك لأنّ ما يدلّ على عدم الوجوب أيضا موجب لحدوث مصلحة معدمة لما يقتضي الوجوب من المصلحة حتى يصحّ جعل عدم الوجوب بسببه ، فهنا مصلحتان : إحداهما مقتضية لجعل الوجوب ، والأخرى لجعل عدم الوجوب ، فيدخل جميع الصور الأربع إلّا الأولى منها في باب التعارض.

نعم لو التزمنا بالسببيّة الباطلة وبباطل آخر ـ وهو أنّ المجعول في باب الأمارات هو وجوب عقد القلب والالتزام بمؤدّى الأمارة وتصديقه قلبا المستلزم للعمل على طبقه خارجا ـ فجميع الصور تدخل في باب التزاحم ، إذ الّذي تحدث فيه المصلحة حينئذ هو الأمر القلبي من الالتزام وتصديق مؤدّى الأمارة ، فكلّ من الالتزامين ، له مصلحة مقتضية لوجوبه ، ولا مانع من إيجاب المولى كليهما ، غاية الأمر أنّه مشروط عقلا بالقدرة ، فيقع التزاحم بينهما في مقام الامتثال ، لكن هذا الالتزام التزام بباطل في باطل.

وإن كان قيام الأمارة موجبا لحدوث مصلحة في نفس إلزام المولى ، فيكون جميع الصور خارجة عن باب التزاحم الّذي هو محلّ الكلام ، إذ على ذلك يكون التزاحم في مقام الجعل ، ففي الصورة الأولى يجعل كلّا منهما

__________________

(١) كفاية الأصول : ٤٩٩ ـ ٥٠٠.

مشروطا بترك الآخر ، فيستوفى بذلك كلتا المصلحتين ، فيخرج عن باب التعارض أيضا ، وفي الباقي حيث لا يعقل جعل كلا التكليفين لا مطلقا ولا مشروطا ، ولا يصحّ عدم جعل شيء منهما ، لاستلزامه تفويت مصلحة يمكن المكلّف استيفاؤها ، فلا بدّ أن يختار إحداهما ويجعل على طبقها ، وحيث لا يعلم أنّه اختار مصلحة الإيجاب أو مصلحة التحريم فلا محالة يدخل في باب دوران الأمر بين المحذورين.

وليعلم أنّ ما يكون داخلا في باب التزاحم من الصور يكون الحكم فيه هو التخيير ، وليس موردا للرجوع إلى مرجّحات باب التزاحم ، لتساويهما في ملاك الحجّيّة وملاك إحداث المصلحة بلا تفاوت بينهما.

ثمّ لا يخفى أنّ التفصيل بين ما كان قيام الأمارة سببا لحدوث المصلحة في فعل المكلّف وبين ما كان سببا لحدوثها في نفس فعل المولى لم يوجد في كلام القائلين بالسببيّة فيما رأيناه ، وذكرناه تتميما لأطراف الكلام ومحتملاته.

ثمّ إنّهم ذكروا لترجيح أحد المتزاحمين أمورا :

الأوّل : أن يكون أحد التكليفين موسّعا كالصلاة ، والآخر مضيّقا كالإزالة ، فإنّهم ذكروا أنّ المضيّق ـ ولو كان أقلّ الواجبات كردّ السلام ـ يقدّم على الموسّع ولو كان بمرتبة لم يكن واجب أهمّ منه.

وفيه : أنّه لا يكون من باب التزاحم أصلا ، إذ الموسّع لا يكون موردا للإلزام في خصوص وقت المضيّق حتى يقع التزاحم بينهما ، فإنّ متعلّق الأمر طبيعيّ الصلاة لا خصوص الفرد المزاحم للإزالة ، بل تقرّر في محلّه أنّه لا يكون من باب الترتّب أيضا.

الثاني : أن يكون أحدهما تعيينيّا والآخر تخييريّا ، كما إذا أفطر عامدا في شهر رمضان فوجب عليه الإطعام مخيّرا بينه وبين الصيام والعتق وكان مديونا

لمن يطالبه ، وما عنده من المال لا يفي إلّا بالإطعام أو أداء الدين ، فحينئذ يجب عليه أداء الدين وصرف القدرة فيه.

والجواب عنه ظهر ممّا مرّ آنفا ، فإنّ الإطعام ليس بالخصوص واجبا حتى يزاحم أداء الدين ، بل الواجب أحد أمور ثلاثة ، والمكلّف قادر على امتثال كلا التكليفين بلا تزاحم في البين ، فيصرف المال في أداء الدين ويصوم شهرين متتابعين مثلا.

الثالث : أن يكون أحدهما مشروطا بالقدرة شرعا ، كالصلاة مع الوضوء ، والآخر مشروطا بالقدرة عقلا ، كغسل البدن النجس ، فيقدّم الثاني بحكم العقل لو كان عنده ماء لا يمكن إلّا صرفه في أحدهما ، فإنّ القدرة فيما يكون مشروطا بها شرعا لها دخل في الملاك بحيث لا مصلحة للفعل أصلا مع العجز ، وفيما يكون مشروطا بها عقلا لا دخل لها في الملاك أصلا ، فالفعل له مصلحة حتى في حال العجز بحيث لو عجز عنه المكلّف تفوته هذه المصلحة ، وهذا كالصوم ، فإنّه ذو مصلحة حتى في حقّ المريض على ما يستفاد من بعض أدعية شهر رمضان ، فصرف القدرة فيما هو مشروط بها شرعا دون الآخر موجب لتفويت مصلحة الواجب المطلق ، وهذا بخلاف العكس ، فإنّ صرف القدرة في المطلق معجّز مولوي عن الآخر ، وموجب لعدم صيرورة الآخر ذا مصلحة وذا ملاك ، إذ المفروض هو دخل القدرة في ملاكه.

وهذا المرجّح لا إشكال فيه إلّا أنّ المثال المذكور لا ينطبق عليه ، فإنّ غسل البدن أيضا مشروط بالقدرة شرعا ، إذ العاجز عن الصلاة مع البدن الطاهر تجب عليه الصلاة في البدن النجس ، فالأولى هو التمثيل بما إذا وجب عليه صرف الماء لحفظ نفس أو دفع ضرر واجب الدفع ، فيتعيّن صرفه فيه دون الوضوء.

الرابع : أن يكون أحدهما أهمّ من الآخر ، كما إذا كان أحد الغريقين نبيّا أو وصيّا والآخر مؤمنا ، فإنّ العقل مستقلّ حينئذ بصرف القدرة في الأهمّ ، ويكون أمر المهمّ ساقطا على القول بعدم إمكان الترتّب ، أو إطلاقه ساقطا ، فيكون مشروطا بعدم الاشتغال بالأهمّ على القول بمعقوليّة الترتّب.

الخامس : أن يكون أحدهما سابقا زمانا ، كما إذا دار الأمر بين إفطار أوّل الشهر وآخره ، فيجب الصوم في الأوّل والإفطار في آخره ، لأنّه أوّل الشهر لا يكون عاجزا عن الصوم ، ولا يحكم العقل بحفظ القدرة للتكليف المتأخّر في مثل المقام ، فيبقى إطلاق الدليل على حاله ، فأيّ عذر له في مخالفة التكليف الفعلي مع قدرته على امتثاله؟ ومجرّد كونه معجّزا عن امتثال تكليف آخر في المستقبل لا يسوّغ عصيان هذا التكليف.

نعم ، لو كان التكليف الآتي أهمّ منه ، وجب حفظ القدرة له بعصيان السابق في الزمان ، كما إذا أكره إمّا على قتل خادم المولى فعلا أو نفس المولى بعد ساعة ، فالعقل مستقلّ بلزوم قتل الخادم فعلا لحفظ نفس المولى ، ومن هذا القبيل التوسّط في الأرض المغصوبة لإنقاذ الغريق ، فإنّه سابق في الزمان على الإنقاذ ومع ذلك لا يحرم بل يجب ، حفظا للقدرة على الإنقاذ.

وليعلم أنّ الكلام فيما إذا كان كلا التكليفين فعليّا ، كمثال الصوم بناء على القول بوجوب صوم الشهر بأجمعه عند دخول الشهر بنحو الواجب التعليقي ، لا ما إذا كان الوجوب المتأخّر مشروطا ، فإنّه خارج عن باب التزاحم ، كما لا يخفى.

ثمّ إنّ جماعة ـ منهم : شيخنا الأستاذ (١) قدس‌سره ـ ألحقوا عدم القدرة على

__________________

(١) أجود التقريرات ١ : ٢٧٨ و ٢٨١ ـ ٢٨٣.

امتثال التكليفين الغيريّين بعدم القدرة على امتثال التكليفين المستقلّين في كونه من باب التزاحم ، ففيما إذا دار أمر المكلّف بين أن يصلّي قائما فلا يقدر على الركوع والسجود إلّا إيماء وأن يصلّي جالسا مع الركوع والسجود ، أفتى بعضهم بوجوب الصلاة قائما مومئا للركوع والسجود ، نظرا إلى سبق القيام في الزمان على الركوع والسجود. وبعض بالعكس ، نظرا إلى أهمّيّة الركوع والسجود.

وصاحب العروة أفتى بالتخيير واحتاط بتكرار الصلاة. وهذا الفرع مذكور في العروة في مقامين : في مكان المصلّي وفي القيام (١).

ولشيخنا الأستاذ قدس‌سره حاشيتان متناقضتان كلّ في مقام ، ففي إحداهما أفتى بوجوب الصلاة قائما مومئا ، وفي الأخرى بوجوبها قاعدا مع الركوع والسجود.

والتحقيق : أنّ التكليفين غير المستقلّين غير ملحقين بباب التزاحم ، ولا تعمل فيهما مرجّحات باب التزاحم بل داخلان في باب التعارض.

توضيحه : أنّ القاعدة الأوّليّة عند العجز عن إتيان شيء ممّا له دخل في المركّب الارتباطي هي سقوط الأمر المتعلّق به ، لعدم القدرة على المجموع الّذي كان مأمورا به ، وعدم كون ما هو المقدور مأمورا به ، خرجنا عن هذه القاعدة في الصلاة بالإجماع والضرورة و «الصلاة لا تسقط بحال» المستفاد من بعض الروايات ، فعلمنا أنّ العجز عن بعض أجزائها مثلا لا يوجب سقوط أصل التكليف بالصلاة ، بل تجب الصلاة على العاجز أيضا ، ولكن بعد سقوط الأمر المتعلّق بالمجموع لا بدّ من التماس دليل على كون صلاته هي ما عدا غير المقدور من الأجزاء ، فإذا راجعنا الأدلّة ، نرى أنّ ما دلّ على أنّ التكبيرة جزء

__________________

(١) العروة الوثقى : الشرط السادس من شرائط مكان المصلّي. وفصل في القيام ، المسألة ١٧.

للصلاة مطلق ، وبإطلاقه يشمل كلّ صلاة ، وهكذا ما دلّ على جزئيّة القراءة والركوع والسجود والتشهّد إلى غير ذلك من أجزاء الصلاة وشرائطها مطلق ، ومقتضاه جزئيّة هذه الأمور وشرطيّتها لكلّ صلاة بلا تفاوت بين الصلوات ، فإذا عجز عن شيء خاصّ كالقراءة ، يعلم بتقييد إطلاق ما دلّ على جزئيّتها لكلّ صلاة ، فيعلم بأنّ القراءة ليست بجزء لصلاة العاجز عنها ، ويبقى إطلاق باقي أدلّة الأجزاء والشرائط على حاله بالنسبة إليها.

فليس لأحد أن يقول : إنّ العاجز عن القراءة بأيّ دليل تجب عليه الصلاة بلا قراءة ، مشتملة على سائر الأجزاء والشرائط مع أنّ الأمر بالقراءة ، الّذي سقط بالعجز ، بعينه هو الأمر المتعلّق بالركوع والسجود وغيرهما ، إذ الفرض وحدة الأمر وانبساط هذا الواحد على جميع الأجزاء؟

لأنّا نقول : بعد ما علم أنّ عليه صلاة في هذا الحال تكفينا إطلاقات أدلّة أجزاء الصلاة وشرائطها في إثبات جزئيّة غير القراءة لصلاته أيضا.

هذا إذا عجز عن أمر معيّن أو أمور كذلك ، أمّا إذا عجز عن أحد أمرين أو أمور كالفرع المزبور ، فحيث نعلم بأنّ كلّا من القيام والركوع والسجود لا يكون جزءا لصلاته ، إذ المفروض عجزه عن ذلك ، فيعلم بسقوط أحد الإطلاقين إمّا إطلاق دليل القيام أو إطلاق دليل الركوع والسجود ، فيتعارض الدليلان ويتكاذبان.

وبعبارة أخرى : نعلم بأنّ المجعول في حقّ هذا الشخص إمّا الصلاة جالسا مع الركوع والسجود أو الصلاة قائما مومئا لهما ، فنعلم بكذب أحد الإطلاقين ، فمقتضى القاعدة هو سقوطهما على ما يأتي إن شاء الله من عدم الرجوع إلى المرجّحات السنديّة في العامّين من وجه ، وأنّ الحكم فيهما في مورد الاجتماع هو التساقط والرجوع إلى الأصل العملي ، وهو في المقام

يقتضي البراءة عن جزئيّة كلّ بخصوصه ، ونتيجتها هي التخيير.

ولكن ما ذكرنا مختصّ بما إذا كان كلا الدليلين لفظيّا دالّا بالعموم الوضعي أو الإطلاقي ، أمّا لو كان أحدهما لبّيّا كدليل شرطيّة الاستقرار في الصلاة ، والآخر لفظيّا كدليل الركوع ، يقدّم الدليل اللفظي ، وهكذا إذا كان أحدهما بالعموم الوضعي والآخر بمقدّمات الحكمة ، يقدّم الوضعي.

فظهر ممّا ذكرنا أنّ الحقّ مع صاحب العروة في الفرع المذكور من أنّ الحكم هو التخيير ، فلا يقاس المقام بتكليفين مستقلّين ، لوضوح الفرق بينهما ، فإنّ هنا أمرا واحدا متعلّقا بشخص واحد لا يعلم متعلّقه في مقام الجعل ، وأنّه هل هو الصلاة قائما أو جالسا؟ وفي فرض العصيان يعاقب بعقاب واحد ، وهناك تكليفين مستقلّين متعلّق كلّ منهما بشيء مقدور للمكلّف في نفسه ، غاية الأمر أنّه يزاحم امتثال أحدهما امتثال الآخر ، وفي فرض العصيان يعاقب بعقابين بمعنى العقاب على الجمع في الترك.

فإذا كان المقام من باب التعارض لا التزاحم ، فلا وجه لملاحظة مرجّحات باب التزاحم من السبق في الزمان أو الأهمّيّة أو غير ذلك ، فيجوز للمكلّف اختيار أيّ منهما شاء ، ولا وجه أيضا للاحتياط اللزومي في سعة الوقت كما في العروة.

نعم ، وردت رواية في خصوص القيام من أنّه «إذا قوي فليقم» (١) يستفاد منها أنّ أيّ زمان يكون فيه قادرا على القيام يجب ، وإذا عجز يجلس ، فعلى هذا لو دار الأمر بين القيام في الركعة الأولى والجلوس في الثانية وبين العكس ،

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤١٠ ـ ٣ ، التهذيب ٢ : ١٦٩ ـ ٦٧٣ ، و ٣ : ١٧٧ ـ ٤٠٠ ، الوسائل ٥ : ٤٩٥ ، الباب ٦ من أبواب القيام ، الحديث ٣.

فلا بدّ من القيام في الأولى والجلوس في الثانية بمقتضى الرواية.

ثمّ إنّك عرفت أنّ ظهور القرينة مقدّم على ظهور ذيها بالحكومة أو الورود ، لأنّه رافع لموضوع أصالة الظهور في الآخر ، وأنّ القرينة المتّصلة مانعة عن أصل انعقاد الظهور ، والمنفصلة مانعة عن حجّيّة ما انعقد له ظهور ، ورافعة لموضوع أصالة انطباق ظاهر كلام المتكلّم لمراده الواقعي ، فكلّ ما يحسب عند العرف قرينة بوجوده المتّصل مانع عن انعقاد الظهور ، وبوجوده المنفصل رافع لحجّيّة الظاهر.

فربما يكون أحد المتعارضين بحسب قرائن شخصيّة ـ كلاميّة أو حاليّة ـ مقدّما على الآخر ، لكونه كاشفا عمّا يراد من الآخر ، وهذا لا يندرج تحت ضابط كلّي ، وما يكون تحت ضابط أمور :

الأوّل : ما مرّ من أنّ الخاصّ قرينة على ما يراد من العامّ ، وأنّ أصالة الظهور فيه رافعة لموضوع أصالة العموم.

الثاني : ما كانت دلالته على العموم بالوضع ، ك «أكرم كلّ عالم» فإنّه مقدّم على العموم الإطلاقي ، ك «لا تكرم الفاسق» سواء كانا شموليّين أو بدليّين أو مختلفين ، لكونه قرينة على خلاف الإطلاق دون العكس ، لأنّ حجّيّة ظهور المطلق في الإطلاق مبنيّة على تماميّة مقدّمات الحكمة ، ومنها : عدم نصب قرينة على الخلاف ، وهذا بخلاف العموم الوضعي ، فإنّه لا يتوقّف على شيء.

وبتعبير الشيخ قدس‌سره : دلالة العامّ الوضعي على العموم تنجيزيّة ، ودلالة المطلق الشمولي على الشمول تعليقيّة (١).

ومراده قدس‌سره من التنجيز والتعليق على الظاهر ـ والله العالم ـ هو عدم

__________________

(١) فرائد الأصول : ٤٥٧.

التوقّف على قرينة الحكمة ، وعدم التوقّف عليها.

وأورد صاحب الكفاية قدس‌سره في كفايته وحاشيته على الشيخ قدس‌سره بأنّ هذا يتمّ في المتّصل ، حيث يمنع العموم الوضعي عن انعقاد الظهور للمطلق في الإطلاق ، دون المنفصل ، إذ بعد انعقاد الظهور للمطلق لا ينقلب عمّا هو عليه ، فلا وجه لترجيح العموم الوضعي عليه مع كون كلّ منهما ظاهرا في العموم (١).

والصحيح ما أفاده الشيخ قدس‌سره ، فإنّ انعقاد الظهور مع الانفصال مقام ، وحجّيّة هذا الظهور وكون ظاهره مطابقا للمراد الجدّي مقام آخر. والأوّل ممّا لا إشكال فيه ، وإنّما الكلام في الثاني ، حيث إنّ مجرّد كون الكلام ظاهرا في معنى لا يفيد شيئا ما لم يكن حجّة عند العقلاء ، وهم لا يحكمون بحجّيّة ما كان له ظهور عند نصب قرينة منفصلة على الخلاف ، فإنّ بناءهم على كون ظاهر الكلام مرادا للمتكلّم ، وكون مراده الاستعمالي مطابقا لمراده الجدّي معلّق على عدم نصب قرينة على الخلاف إلى الأبد ، ومن المعلوم أنّ ما لم يكن الكلام ظاهرا في المراد الجدّي لم يكن حجّة ، ولذا لو قال المولى : «أكرم العلماء» وبعد مدّة علمنا من الخارج أنّه لا يريد إكرام العالم الفاسق أو صرّح هو بذلك ، لا يشكّ أحد في سقوطه عن الحجّيّة في العموم ، فالمطلق الشمولي المنفصل وإن كان ظاهرا في العموم إلّا أنّ هذا الظهور مع وجود العموم الوضعي ـ الّذي هو بمنزلة التصريح بإكرام كلّ واحد من أفراد العامّ ـ ليس بحجّة ، فإنّه يعدّ عرفا بيانا للمراد من المطلق ، فيسقط عن الحجّيّة بمقدار نصب القرينة على الخلاف ، وهو الفاسق العالم ، فيحكم بحرمة إكرام الفاسق غير العالم ، ويبقى عموم «أكرم كلّ عالم» على حاله ويرتفع التعارض.

__________________

(١) كفاية الأصول : ٥١٢ ـ ٥١٣ ، حاشية فرائد الأصول : ٢٧٦.

الثالث : ما ذكره شيخنا الأستاذ قدس‌سره من أنّ المطلق الشمولي مقدّم على المطلق البدلي ك «لا تكرم الفاسق» و «أكرم عالما» لوجوه :

أحدهما : أنّ تقديم المطلق البدلي مستلزم لإخراج فرد عن تحت حكم المطلق الشمولي دون العكس ، فإنّه لا يوجب ذلك ، إذ ليس له إلّا فرد واحد ، غاية الأمر أنّه يوجب تضييق دائرة هذا الفرد الواحد الّذي يكون المكلّف في سعة من اختياره على أيّ صفة كان (١).

ويرد عليه أمران :

أحدهما : أنّ هذا وجه اعتباري استحساني لا يصحّ أن يعدّ مرجّحا ، فإنّ إخراج الفرد كما يكون خلاف الظاهر كذلك تضييق ما يكون موسّعا أيضا خلاف الظاهر ، فأيّ مرجّح لأحدهما على الآخر؟

وثانيهما : أنّ تقديم المطلق الشمولي أيضا يستلزم الإخراج الفردي ، وذلك لما مرّ في بحث المطلق والمقيّد من أنّ المطلق البدلي ك «أكرم عالما» له ظهوران : أحدهما بالمطابقة ، وهو وجوب إكرام عالم ما ، والآخر بالالتزام ، وهو ترخيص تطبيق طبيعيّ العالم ـ الّذي حكم بإكرام صرف وجوده ـ على أيّ فرد شاء المكلّف ، فتقديم المطلق الشمولي وإن كان لا يخرج فردا عن تحت الحكم الإلزاميّ إلّا أنّه موجب لخروج الفرد الفاسق من العالم عن تحت الحكم الترخيصي ، وهو جواز تطبيق المأمور به على أيّ فرد يريد المكلّف.

ثانيها : أنّ الإطلاق في كلّ من البدلي والشمولي وإن كان من جهة مقدّمات الحكمة إلّا أنّ البدلي له مقدّمة أخرى غير ما كان مشتركا مع الشمولي ، وهو إحراز عدم تفاوت أفراد العالم في «أكرم عالما» وتساويها في حصول

__________________

(١) أجود التقريرات ١ : ١٦١ ـ ١٦٢.

الامتثال بأيّ فرد منها ، وهذا بخلاف المطلق الشمولي ، ك «لا تكرم الفاسق» فإنّه ليس كالبدلي حكما واحدا على موضوع واحد يكون أمر تطبيقه بيد المكلّف ، بل متكفّل لأحكام عديدة حسب تعدّد موضوعاته الخارجيّة ، فكلّ فرد من الفاسق محكوم بحكم مغاير لحكم الفرد الآخر ، ومن المعلوم أنّ أفراد الفاسق مختلفة من حيث مراتب الفسق ، والشارع حكم بمقتضى الإطلاق بحرمة إكرام جميع هذه الأفراد المختلفة في المبغوضيّة ، كاختلاف مبغوضيّة أخذ درهم من الرّبا أو درهمين منه ، واختلاف مبغوضيّة قتل المؤمن والمسلم والذمّيّ ، ففي المطلق الشمولي حيث سرى الحكم إلى جميع الأفراد على اختلاف مراتبها لا وجه لإحراز تساوي الأفراد ، وهذا بخلاف البدلي ، إذ لا يصحّ إكرام العالم الفاسق إلّا بعد إحراز كونه مساويا للعادل في حصول الامتثال به ، والمطلق الشمولي يمنع عن هذا التساوي (١).

وهذا الّذي أفاده تامّ على تقدير كون التخيير في المطلق البدلي عقليّا ، أمّا على ما اخترناه من كونه شرعيّا مستندا إلى كون المتكلّم في مقام البيان مع عدم بيان خصوصيّة فلا يفرق بينهما من جهة تماميّة مقدّمات الحكمة في كلّ منهما ، فالعالم الفاسق يكون موردا للتعارض ، فإنّه مساو لغيره في حصول الامتثال بمقتضى المطلق البدلي الدالّ على التخيير شرعا ، ولا يكون مساويا لغيره ، لكونه محرّم الإكرام بمقتضى العموم المستفاد من المطلق الشمولي.

وممّا يشهد على كون التخيير شرعيّا أنّه لو لم يكن المطلق البدلي مبتلى بالمعارض ، لا إشكال في حصول الامتثال بأيّ فرد كان ولو احتملنا مدخليّة شيء من خصوصيّات الأفراد وجودا أو عدما في الحكم ، فلو كان إحراز

__________________

(١) أجود التقريرات ١ : ١٦١ ـ ١٦٢ ، و ٢ : ٥١٣ ـ ٥١٤.

التساوي لازما ، لما صحّ التمسّك بالإطلاق مع هذا الاحتمال.

ثالثها : أنّ تقديم المطلق البدلي على الشمولي وبقاءه على إطلاقه متوقّف على عدم كون الشمولي بيانا لعدم تساوي الأفراد في البدلي في حصول الغرض ، وهو متوقّف على عدم إرادة الإطلاق من الشمولي ، وإلّا يكون بيانا ، وهو متوقّف على بقاء المطلق البدلي على إطلاقه ، فإطلاق المطلق البدلي توقّف على نفسه ، وهو دور محال (١).

وهذا بعينه هو الوجه الثاني بتقريب آخر ، وتماميّته متوقّفة على كون التخيير في المطلق البدلي عقليّا ، وقد عرفت أنّه شرعي.

ومن الموارد التي قدّم فيها أحد الظهورين المتعارضين لقرينيته : ما إذا كان أحدهما عامّا والآخر خاصّا ، ودار الأمر بين أن يكون المتأخّر ناسخا أو يكون الخاصّ مخصّصا ، سواء كان متقدّما أو متأخّرا. ولا ثمرة بالنسبة إلى ما بعد ورود المتأخّر إذا كان المتأخّر خاصّا ، فإنّه على كلّ تقدير يخرج عن حكم العامّ إمّا نسخا أو تخصيصا ، فلو ورد «أكرم العلماء» ثمّ بعد ذلك ورد «لا تكرم زيدا العالم» لا يجب إلّا إكرام غير زيد من العلماء ، سواء كان الثاني ناسخا للعموم أو مخصّصا له ، وهذا بخلاف ما إذا كان الخاصّ متقدّما ، فإنّ العمل بعد ورود العامّ على طبق العامّ لو كان ناسخا وعلى طبق الخاصّ لو كان مخصّصا.

وكيف كان فذكروا لتقديم الخاصّ وتعيّن التخصيص أمورا :

منها : قلّة النسخ وشيوع التخصيص.

ومنها : أنّ التعارض بين ظهور الخاصّ المتقدّم في الاستمرار وظهور العامّ المتأخّر في الاستغراق ، والخاصّ قرينة منفصلة على عدم إرادة الاستغراق

__________________

(١) أجود التقريرات ١ : ١٦١ ـ ١٦٢.

من العامّ.

وأورد شيخنا الأستاذ قدس‌سره بأنّ الدليل الواحد لا يعقل أن يكون بنفسه متكفّلا لبيان الحكم وبيان استمراره ، فإذا لا يكون الاستمرار إلّا مستفادا من استصحاب عدم النسخ ، ومن المعلوم أن لا وجه للتقديم لو كان استمرار حكم الخاصّ مستفادا من الاستصحاب ، فإنّه أصل عملي ، وظهور العموم في الاستغراق حاكم عليه ، فتقديم الخاصّ ليس من باب كونه ظاهرا في الاستمرار ، بل من باب أنّه بنفسه قرينة منفصلة على ما يراد من العامّ جدّاً ، ومعه لا يكون ظهور العامّ في الاستغراق حجّة حتى يكون ناسخا له ، كما أنّه لو كان الخاصّ متأخّرا أيضا يكون كذلك.

ولا قبح في تأخير البيان عن وقت الحاجة إذا كان عن مصلحة في التأخير ، ضرورة أنّ قبحه ليس كقبح الظلم الّذي لا يقبل التخصيص ، بل يكون كقبح الكذب ربّما يصير في بعض الموارد واجبا (١).

هذا ، ولنا كلام في المقام لا نتعرّض له ، لأنّ هذا البحث عندنا لغو من أصله ، ولا تترتّب عليه ثمرة بمقدار ذرّة ، وذلك لأنّ موضوع هذا البحث هو مقام الإثبات ، والنسخ والتخصيص راجعان إلى مقام الثبوت ، بمعنى أنّ الدليل المتأخّر لو كان دالّا على أنّ الشيء الفلاني من الآن حكمه كذا في الشريعة المقدّسة ولم يكن ناظرا إلى ما قبل زمان الورود ، لكان لهذا البحث مجال ، لكنّ الأمر ليس كذلك بالضرورة ، فإنّ المعصوم عليه‌السلام لا يبيّن إلّا حكم الشيء من أوّل جعله لا من حين بيانه ، ولذا لو سأله أحد عن حكم الصلاة في غير المأكول ، يجيب بأنّه «تجب إعادتها» و «يعيد صلاته» ولا يقول : إنّ هذا حكم ما سيأتي

__________________

(١) أجود التقريرات ٢ : ٥١٤ ـ ٥١٥.

لا ما مضى.

ثمّ ـ بعد التكلّم في التنافي بين الدليلين ، والفرق بين التنافي من جهة التزاحم والتنافي من جهة التعارض ، وبيان ما تقتضيه القاعدة في باب التزاحم من الترجيح أو التخيير ، وفي باب التعارض من الترجيح لو كان أحدهما أظهر ، والتساقط لو لم يكن ـ يقع الكلام في تعارض أكثر من دليلين ، وأنّه هل لا بدّ من ملاحظة النسبة ـ لو كان بعضها عامّا وبعضها خاصّا ـ قبل العلاج أو بعده؟ ويسمّى هذا البحث ببحث انقلاب النسبة.

وصاحب الكفاية قدس‌سره أنكره ، نظرا إلى أنّ النسبة إنّما هي بملاحظة الظهورات ، وتخصيص العامّ بمخصّص منفصل ـ ولو كان قطعيّا ـ لا ينثلم به ظهوره وإن انثلمت به حجّيّته (١).

ولنقدّم مقدّمة تهدم أساس هذا الإنكار ، فنقول : إنّ للّفظ دلالات ثلاثا :

الأولى : الدلالة التصوّريّة المسمّاة عند القوم بالدلالة الوضعيّة ، وهي دلالة اللفظ على معناه ولو كان صادرا عن لافظ بلا شعور واختيار ، أو علم أنّه لم يكن قاصدا لمعناه ، كما إذا قال : «الكلمة إمّا اسم كأسد ، أو فعل كضرب ، أو حرف كمن» فإنّه في هذا المقام لم يقصد من ألفاظ «أسد» و «ضرب» و «من» إلّا ألفاظها ولم يرد معناها.

الثانية : دلالة اللفظ على أنّ المتكلّم به في مقام تفهيم معناه ، المسمّاة عند القوم بالدلالة التصديقيّة ، وعندنا بالدلالة الوضعيّة ، لما قرّرناه في محلّه من أنّ الأولى دلالة أنسيّة ناشئة من أنس المخاطب بالمعنى ، فبمجرّد تصوّره أو سماعه ينتقل إلى معناه ، وأمّا الدلالة الوضعيّة فهي الدلالة الثانية ، لأنّ حقيقة

__________________

(١) كفاية الأصول : ٥١٤ ـ ٥١٥.

الوضع عندنا هو التعهّد ، وأنّه متى ما تكلّم بكلمة كذا أراد تفهيم معنى كذا.

الثالثة : دلالة اللفظ على أنّ ما قصد تفهيمه هو مراده الجدّي. وبعبارة أخرى : دلالته على مطابقة المراد الجدّي للمراد الاستعمالي. هذه أقسام الدلالات.

ولا ريب في أنّ الأولى منها لا تنثلم بالقرينة المتّصلة ولا بالمنفصلة ، كما لا ريب في أنّ الثانية تنثلم بالقرينة المتّصلة ، فإذا قال : «أكرم العلماء إلّا زيدا» لا يدلّ العامّ في هذا الكلام على العموم ، ولا يكون كاشفا مع احتفافه بقرينة «إلّا زيدا» عن قصد المتكلّم تفهيم العموم ، وحينئذ يرتفع موضوع الدلالة الثالثة ، فلا تدلّ هذه الجملة على أنّ المتكلّم أراد العموم جدّاً ، فإنّ الثالثة متوقّفة على دلالة اللفظ على قصد المتكلّم تفهيم العموم ، فبدونها لا موضوع للدلالة الثالثة.

وأمّا بالقرينة المنفصلة ـ بأن قال منفصلا عن قوله : «أكرم العلماء» : «لا تكرم زيدا» ـ فلا تنثلم الدلالة الثانية ، وإنّما تنثلم بذلك الدلالة الثالثة ، وهي دلالته على أنّ ما قصد تفهيمه من العموم مطابق لمراده الجدّي ـ وما يكون من بناء العقلاء هي هذه الدلالة الثالثة ، وعند القوم الثانية والثالثة كلتاهما من بناء العقلاء ، وليس لنا شغل في إثبات ذلك ، لعدم دخله فيما يهمّنا ـ وحينئذ نقول : إن كان المراد من القول المعروف : «إنّ الظهور لا ينثلم بالقرينة المنفصلة وإنّما تنثلم بها حجّيّته» أنّ الدلالة الثانية لا تنثلم ، وإنّما تنثلم الدلالة الثالثة ، فالأمر كما ذكروا ، ولازم ذلك هو انقلاب النسبة.

وإن كان المراد أنّ شيئا من الدلالات الثلاث لا ينثلم حتى الثالثة منها ، فهو غير صحيح ، إذ لا وجه ـ بعد عدم انثلامها ـ لعدم الحجّيّة ، فإنّ الحجّيّة هي بمعنى صحّة احتجاج المولى على عبده ، والعبد على مولاه ، ومن الواضح أنّ موضوعها هو الدلالة الثالثة ، فهي دائرة مدارها وجودا وعدما ، فلو علم بقرينة

منفصلة أنّ المولى لم يرد من كلامه العموم ، لم يصحّ للعبد ـ عند العقلاء ـ أن يحتجّ على المولى عند إكرامه زيدا ب «أنّك أتيت بكلام عامّ شامل له» وهكذا لا يصحّ للمولى أن يحتجّ على عبده بعموم كلامه لو لم يعمل به.

إذا عرفت ذلك ، فاعلم أنّ اللازم في باب التعارض هو ملاحظة النسبة بين الدليلين أو الأدلّة بعد الفراغ عن دليليّة كلّ في نفسه ، وإلّا فلا معنى لملاحظة النسبة بين ما هو حجّة ودليل وما ليس بهما ، فإذا فرض العلم بعدم حجّيّة العامّ في العموم بواسطة قرينة منفصلة ، فالعامّ وإن لم ينثلم ظهوره في العموم بذلك بمعنى أنّ الآن أيضا ظاهر في أنّ المتكلّم كان في مقام تفهيم العموم واستعمل اللفظ في العموم إلّا أنّ دلالته الثالثة وظهوره في أنّ المراد الجدّي مطابق للمراد الاستعمالي زالت وارتفعت بالقرينة المنفصلة ، ولا يحكم العقلاء بحجّيّته في العموم ، فلا معنى لملاحظة النسبة بين هذا العامّ الّذي لا يكون حجّة في العموم مع مجموع المخصّصات ، بل لا بدّ من تخصيص العامّ أوّلا بالمخصّص القطعي ثمّ بعد العلاج ملاحظة النسبة. ولعمري هذا واضح لا سترة عليه.

وما أفاده شيخنا الأستاذ قدس‌سره في المقام وفي بحث الترتّب من أنّ تصوّره ملازم لتصديقه كما أفاده.

ثمّ إنّ تعارض أكثر من دليلين ـ سواء استلزم انقلاب النسبة أو لا ـ له صور :

الأولى : ما إذا كان هناك عامّ له مخصّصان ، وهي على أقسام ثلاثة ولا رابع لها ، إذ النسبة بين الخاصّين إمّا هي التباين أو العموم والخصوص من وجه أو العموم والخصوص مطلقا.

أمّا الأوّل : فكما إذا قال : «أكرم العلماء» وورد أيضا «لا تكرم البصريّين

منهم» وفي دليل آخر «لا تكرم البغداديّين منهم» ولا بدّ في هذا القسم من تخصيص العامّ بكليهما ، والنسبة باقية على حالها بعد التخصيص بكلّ منهما ، فإنّ العالم غير البصريّ أعمّ مطلقا من العالم البغدادي ، والعالم غير البغدادي أيضا أعمّ مطلقا من العالم البصري ، فنسبة العامّ إليهما لا تنقلب ، خصّص بأحدهما أو بكلّ منهما.

ولكن هذا إذا بقي للعامّ بعد تخصيصه بمجموع المخصّصين مقدار يمكن انتهاء التخصيص إليه ، فلو لم يبق له مورد أو بقي بمقدار يقبح انتهاؤه إليه ، تقع المعارضة بين الأدلّة الثلاثة ، فإنّ كلّا منها نصّ في بعض مدلوله ، فيعلم إجمالا بكذب أحدها ، مثلا : إذا وصل بطريق موثوق به إلى العبد أنّ المولى أمرك ببيع جميع كتبه ، وأخبره ثقة آخر بأنّ المولى قال : «لا تبع كتب الأصول واجعلها وقفا للطلّاب» وأخبره أيضا ثقة آخر بأنّه قال : «لا تبع كتب الفقه وملّكها الطلّاب مجّانا» وفرضنا أن ليس للمولى كتاب غير كتب الفقه والأصول ، أو إذا كان فهو كتاب واحد مثل «المنجد» فالعلم الإجمالي حاصل بكذب أحد هذه الأخبار الثلاثة ، إذ صدور العامّ فقط ممكن ، وصدوره مع أحد المخصّصين أيضا ممكن ، وصدورهما بدون العامّ أيضا ممكن ، فلا علم إلّا بكذب أحدها ، فيعارض كلّ اثنين منها الثالث ، فلا بدّ من طرح واحد منها لا محالة ، فإن كان الجميع متساوية ، فهو مخيّر في طرح أيّ منها شاء ، وإن كان أحدها أضعف من الآخرين ، فلا بدّ من طرحه دونهما ، وإن كان الاثنان منها متساويين والثالث أقوى منهما ، فلا بدّ من الأخذ بالأقوى ، ومخيّر في أخذ أحد المتساويين.

وبالجملة ، لا مناص عن طرح واحد إمّا تعيّنا لو كان أضعف من غيره وإمّا تخييرا بينه وبين ما يكون مساويا له.

ومن ذلك ظهر عدم تماميّة ما أفاده صاحب الكفاية في حاشيته على الرسائل في المقام من أنّ العامّ لو كان أقوى من أحد الخاصّين وأضعف من الآخر ، فالحكم هو التخيير بين الأخذ به والأخذ بهما ، لمعارضته لهما وعدم أقوائيته عن كليهما (١) ، لما ذكرنا من أنّ المعارضة ليست بين العامّ وبين الخاصّين فقط ، بل كما أنّ العامّ معارض لهما كذلك العامّ مع أحد الخاصّين أيضا معارض للآخر ، فالتعارض بين كلّ اثنين منها والثالث ، فإذا كان أحد الخاصّين أضعف من العامّ ومن الخاصّ الآخر ، يتعيّن طرح الأضعف ، والأخذ بالعامّ والخاصّ الأقوى من العامّ والخاصّ الآخر.

وأمّا القسم الثاني : فهو كما إذا ورد «أكرم العلماء» وورد أيضا «لا تكرم النحويّين» وأيضا «لا تكرم الصرفيّين» فإنّ النسبة بين العامّ وكلّ من الخاصّين عموم مطلق ولكنّها بين نفس الخاصّين عموم من وجه ، والحكم في هذا القسم أيضا هو تخصيص العامّ بكلّ منهما ، لعدم وجود مرجّح لتقديم أحدهما ، ثمّ ملاحظة النسبة بين العامّ المخصّص والخاصّ الآخر ، فإنّ العامّ بحسب ظهوره في أنّ المراد الجدّي مطابق للمراد الاستعمالي كان شاملا لجميع العلماء على اختلاف أنواعهم وأصنافهم وأشخاصهم ، وكلّ من الخاصّين ، له كاشفيّة عن عدم مطابقة الإرادة الجدّيّة للإرادة الاستعماليّة في بعض مدلول العامّ ، ولا مرجّح لأحدهما على الآخر.

فإن قلت : إذا ورد أحد الخاصّين أوّلا ثمّ الآخر ، فالعامّ بعد ورود الخاصّ الأوّل لا يبقى له ظهور في أنّ العموم مراد جدّي ، فلا يكون حجّة في العموم ، فلا بدّ من ملاحظة العامّ ـ بعد تخصيصه بالأوّل ـ والخاصّ الآخر ، لا قبل

__________________

(١) حاشية فرائد الأصول : ٢٧٨.

ذلك ، ضرورة أنّ غير الحجّة لا يعارض الحجّة ، وحينئذ ربّما تنقلب النسبة إلى عموم من وجه كما في المثال ، فإنّ العالم غير النحوي ربّما يكون صرفيّا وربّما لا يكون ، كما أنّ العالم الصرفي ربّما يكون نحويّا أيضا وربّما لا يكون.

قلت : تقدّم زمان الصدور لا يوجب ذلك بعد ما كان كلّ من المتقدّم والمتأخّر كاشفا عن ثبوت الحكم من حين صدور العامّ ، فزمان الكاشف وإن كان مختلفا إلّا أنّ زمان المنكشف واحد ، وهذا كما إذا وصل كتاب من المولى إلى عبده أمره فيه ببيع جميع كتبه ، ثمّ وصل كتاب آخر أمره بوقف ما كان جلده أحمر من كتبه ، وكتاب آخر وصل إليه بعد ذلك الكتاب نهاه فيه عن بيع كتب الفقه ، وفرض أنّ النسبة بين النوعين من الكتاب عموم من وجه ، فإنّه لا يشكّ في أنّ المولى لم يرد من العامّ جدّاً بيع جميع الكتب حتى كتب الفقه وما كان أحمر الجلد بل أراد غير هذين النوعين.

نعم ، لو كان التخصيص بمقدار يقبح انتهاؤه إليه ، يقع التعارض ، ويأتي الكلام السابق في القسم الأوّل حرفا بحرف.

وأمّا القسم الثالث : فهو كما إذا ورد أن «لا ضمان في العارية» وورد أيضا «في عارية الذهب والفضّة ضمان» وورد أيضا «في عارية الدينار والدرهم ضمان» والحكم في هذا القسم أيضا كسابقيه هو تخصيص العامّ بكلّ من الخاصّين : الخاصّ الأعمّ ، والخاصّ الأخصّ بعين البيان السابق ، ولا وجه لتقديم الخاصّ الأخصّ وتخصيص العامّ به أوّلا ، لخروجه عنه على كلّ تقدير ، ثمّ ملاحظة النسبة بين العامّ والخاصّ الأعمّ حتى تنقلب النسبة أحيانا كما في المثال ، لما عرفت من أنّ كلّا منهما كاشف عن عدم مطابقة ظهور العامّ في المراد الجدّي بالإضافة إليه ولا تنافي بينهما.

نعم ، لو كان المخصّص الأخصّ متّصلا بالعامّ ، تصير النسبة بينه وبين

الخاصّ الأعمّ عموما من وجه ، مثلا : نفرض أنّه ورد «لا ضمان في العارية إلّا الدرهم والدينار» وورد أيضا «أنّ في عارية الذهب والفضّة ضمانا» فمورد الاجتماع هو الذهب والفضّة غير المسكوكين ، وحينئذ يرجع إلى القاعدة في العامّين من وجه من التساقط والرجوع إلى الأصل العملي أو الرجوع إلى المرجّحات إذا لم يكن عامّ فوقهما.

وأمّا إن كان ، كما إذا ورد «لا ضمان في العارية» فشيخنا الأستاذ قدس‌سره التزم بأنّه لا يصحّ تخصيصه بدليل «في عارية الذهب والفضّة ضمان» بتقريبين :

أحدهما : أنّ العامّ أيضا بعد ما علم ـ باستثناء الدرهم والدينار منه في دليل آخر ـ عدم إرادة العموم منه يكون طرفا للمعارضة وتكون النسبة بينه وبين «في عارية الذهب والفضّة ضمان» عموما من وجه ، فلا وجه لتخصيصه به.

ثانيهما : أنّ المخصّص الأعمّ لكونه مبتلى بالمعارض لا يصلح لأن يخصّص العامّ ، لعدم حجّيّته بسبب المعارضة ، فما لا يكون حجّة كيف يخصّص العامّ الّذي يكون حجّة في العموم ما لم تقم حجّة أقوى على خلافه!؟ (١) وما أفاده ثانيا وإن كان تامّا إلّا أنّ ما أفاده أوّلا من كون العامّ أيضا طرف المعارضة غير تامّ ، فإنّ «لا ضمان في العارية» عامّ ورد عليه مخصّصان ، فلو لم يكن تعارض بين المخصّصين ، لكنّا نخصّص العامّ بكليهما ، ولكن في المقام حيث تكون بين الخاصّين معارضة لا يدخل في تلك الكبرى ، فلا بدّ من الرجوع إلى ما تقتضيه القاعدة في العامّين من وجه من التساقط أو تقديم ذي المزيّة إن كان ، والتخيير إن لم يكن ، على الخلاف الآتي عن قريب إن شاء الله.

__________________

(١) أجود التقريرات ٢ : ٥٢٠ ـ ٥٢٢.

فإن قلنا بالتساقط ، يرجع إلى العموم الفوق ، ويحكم بعدم الضمان في مورد الاجتماع ، وإلّا فيخصّص العامّ بما قدّم تعيينا أو تخييرا. هذا ما تقتضيه القاعدة في المقام.

والأولى التكلّم في هذا الفرع ـ الّذي ذكرناه مثالا ـ مختصرا ، فنقول : ليس في روايات العارية ما استثني فيه الدرهم والدينار معا ، بل بعضهما مضمونه أن لا ضمان في العارية إذا لم يكن فيها شرط إلّا الدرهم (١). وبعضها أن لا ضمان في العارية إذا لم يكن فيها شرط إلّا الدينار (٢) وهما ـ بعد الجمع بينهما بتقييد إطلاق كلّ منهما بالآخر ـ بمنزلة رواية واحدة استثني فيها الدرهم والدينار معا.

وهنا رواية أخرى مضمونها أنّ في عارية الذهب والفضّة ضمانا (٣). ورواية ثالثة مضمونها أن لا ضمان في العارية (٤). وعلى ذلك يكون المقام من صغريات تلك الكبرى.

ولكن شيخنا الأستاذ قدس‌سره في الدورة السابقة خصّص العامّ بالدليل المثبت للضمان في مطلق الذهب والفضّة مع جعله أيضا من أطراف المعارضة ، لنكتة هي : أنّ تقديم العامّ الّذي تكون نسبته ـ بعد عدم إرادة العموم منه بالقياس إلى الدرهم والدينار ـ مع ما يدلّ على أنّ في عارية الذهب والفضّة ضمانا عموما من

__________________

(١) التهذيب ٧ : ١٨٤ ـ ٨٠٨ ، الوسائل ١٩ : ٩٦ ـ ٩٧ ، الباب ٣ من أبواب كتاب العارية ، الحديث ٣.

(٢) الكافي ٥ : ٢٣٨ ـ ٢ ، التهذيب ٧ : ١٨٣ ـ ٨٠٤ ، الاستبصار ٣ : ١٢٦ ـ ٤٤٨ ، الوسائل ١٩ : ٩٦ ، الباب ٣ من أبواب كتاب العارية ، الحديث ١.

(٣) الكافي ٥ : ٢٣٨ ـ ٣ ، الفقيه ٣ : ١٩٢ ـ ٨٧٤ ، التهذيب ٧ : ١٨٣ ـ ٨٠٦ و ١٨٣ ـ ١٨٤ ـ ٨٠٧ ، الاستبصار ٣ : ١٢٦ ـ ٤٥٠ ، الوسائل ١٩ : ٩٦ و ٩٧ ، الباب ٣ من أبواب كتاب العارية ، الحديث ٢ و ٤.

(٤) التهذيب ٧ : ١٨٢ ـ ٧٩٨ ، الاستبصار ٣ : ١٢٤ ـ ٤٤١ ، الوسائل ١٩ : ٩٣ ، الباب ١ من أبواب كتاب العارية ، ذيل الحديث ٦.

وجه ، والحكم بعدم الضمان إلّا في عارية الدرهم والدينار موجب لتقييد إطلاق الدليل الآخر ـ أي «في عارية الذهب والفضّة ضمان» ـ بالفرد النادر ، فإنّ عارية الدرهم والدينار نادرة جدّاً ، بخلاف عارية غيرهما من الذهب والفضّة ، فإنّها كثيرة شائعة (١).

وفي الدورة الأخيرة جعل المقام من قبيل ما إذا كان عامّ ورد عليه مخصّصان ، وحكم بلزوم تخصيص العامّ بكليهما ، وأنّ مقتضى القاعدة هو الحكم بالضمان في مطلق الذهب والفضّة ولو لم تكن تلك النكتة أيضا (٢).

وما أفاده قدس‌سره في الدورة السابقة من تقديم ما يثبت الضمان في عارية مطلق الذهب والفضّة ، للنكتة المذكورة فكما أفاده وإن كان ما ذكره من كون العامّ أيضا من أطراف المعارضة ليس بوجيه كما عرفت.

وأمّا ما أفاده في الدورة الأخيرة فلا وجه له أصلا ، لوضوح الفرق بين المقام وبين ما كان عامّ ورد عليه مخصّصان بينهما عموم من وجه ، وهو أنّ المخصّصين في المقام بينهما تعارض في المدلول ، فيثبت أحدهما في مورد الاجتماع ما ينفيه الآخر ، بخلافهما هناك ، فإنّ مورد الاجتماع ـ وهو النحويّ الصرفيّ في المثال السابق ـ له حكم واحد وهو حرمة الإكرام ، فهو محكوم بحرمة الإكرام في كلا الخاصّين ، فكم فرق بينه وبين المقام الّذي يكون مورد الاجتماع فيه ـ وهو عارية الذهب والفضّة غير المسكوكين ـ محكوما بالضمان في أحدهما وبعدمه في الآخر.

والمتحصّل ممّا استفدناه من رواية العارية أنّ عارية الذهب والفضّة فيها الضمان مطلقا اشترط أو لم يشترط ، كانا مسكوكين أو لا ، وعارية غيرهما فيها

__________________

(١) فوائد الأصول : ٧٤٨ ـ ٧٥٠.

(٢) أجود التقريرات ٢ : ٥٢٠ ـ ٥٢٢.

ضمان إن اشترط فيها وإلّا فلا.

الصورة الثانية من صور تعارض أكثر من دليلين : ما إذا كان هناك عامّان بينهما عموم من وجه ، ومخصّص ، وهي أيضا على أنحاء :

الأوّل : أن يكون المخصّص مخرجا لمادّة الاجتماع ، كما إذا كان أحد العامّين «لا تكرم الفسّاق» والعامّ الآخر «أكرم العلماء» والخاصّ «يستحبّ ـ أو ـ يكره ـ أو ـ يجوز إكرام العالم الفاسق» فكلّ من العامّين يخصّص بهذا الخاصّ ، فينحصر مورد «أكرم العلماء» بالعالم العادل ، ومورد «لا تكرم الفسّاق» بالفاسق غير العالم ، فيرتفع التعارض بينهما ، وتنقلب النسبة إلى التباين.

الثاني : أن يكون المخصّص مخرجا لمادّة الافتراق في أحد العامّين بأجمعها ، كما إذا كان أحد العامّين «يستحبّ إكرام العلماء» والعامّ الآخر «يحرم إكرام الفسّاق» والخاصّ «يجب إكرام العالم العادل» فيخصّص «يستحبّ إكرام العلماء» وينحصر مورده بالعالم الفاسق ، فيصير أخصّ مطلقا من «يحرم إكرام الفسّاق» وتنقلب النسبة إلى العموم المطلق.

الثالث : أن يكون المخصّص مخرجا لبعض أفراد مادّة الافتراق لا مخرجا لها بتمامها وكمالها ، كما إذا كان المخصّص في المثال السابق «يجب إكرام العالم العادل الهاشمي» فيخصّص «يستحبّ إكرام العلماء» به ، وينحصر مورده بالعالم الفاسق الهاشمي أو العادل غير الهاشمي أو الفاسق غير الهاشمي ، فتصير نسبته مع «يحرم إكرام الفسّاق» عموما من وجه ، ومادّة الاجتماع هي العالم الفاسق ، هاشميّا كان أو غيره ، فإنّه مستحبّ الإكرام بمقتضى أحدهما ، ومحرّم الإكرام بمقتضى الآخر.

الرابع : ما إذا أخرج المخصّص مادّتي الافتراق في كلا العامّين بأن كان أحد العامّين «يستحبّ إكرام العلماء» والعامّ الآخر «يكره إكرام الفسّاق»

ومخصّص دلّ على وجوب إكرام غير الفاسق من العلماء ، ومخصّص آخر دلّ على حرمة إكرام غير العالم من الفسّاق ، وحينئذ يكون مورد الاجتماع ـ وهو العالم الفاسق ـ محكوما بحكمين متضادّين : استحباب إكرامه وكراهته.

وظاهر كلام شيخنا الأستاذ قدس‌سره في هذا القسم بل صريحه هو تخصيص العامّين ، ومعاملة التعارض في خصوص مادّة الاجتماع (١).

ولكنّ الصحيح وقوع المعارضة بين الجميع ، للعلم إجمالا بكذب أحد هذه الأربع ، فيرجع إلى قاعدة باب التعارض.

الصورة الثالثة : ما إذا كان عامّان بينهما التباين ، ومخصّص. وهي على قسمين :

أحدهما : أن يكون المخصّص مخصّصا لأحد العامّين دون الآخر ، كما إذا كان أحد العامّين «أكرم البغداديّين» والعامّ الآخر «لا تكرم البغداديّين» والمخصّص «يجب إكرام العالم البغدادي» فيخصّص «لا تكرم البغداديّين» به وينحصر مورده بالبغداديّ غير العالم ، فتنقلب النسبة بعد هذا التخصيص إلى العموم المطلق ، فيخصّص «أكرم البغداديّين» بالعامّ الآخر الّذي صار أخصّ مطلقا منه ، وكان مفاده بعد العلاج «لا تكرم البغداديّين غير العالمين».

ومن هذا القبيل إرث الزوجة من العقار ، فإن طائفة من الروايات دلّت على أنّها لا ترث من العقار (٢) ، وطائفة أخرى على أنّها ترث من العقار (٣) ، ورواية مقطوعة لابن أذينة تدلّ على أنّها ترث إن كان لها ولد (٤) ، فيخصّص

__________________

(١) أجود التقريرات ٢ : ٥٢٠.

(٢) انظر الوسائل ٢٦ : ٢٠٥ ـ ٢١٢ ، أحاديث الباب ٦ من أبواب ميراث الأزواج.

(٣) الفقيه ٤ : ٢٥٢ ـ ٨١٢ ، التهذيب ٩ : ٣٠٠ ـ ١٠٧٥ ، الاستبصار ٤ : ١٥٤ ـ ٥٨١ ، الوسائل ٢٦ : ٢١٢ ـ ٢١٣ ، الباب ٧ من أبواب ميراث الأزواج ، الحديث ١.

(٤) الفقيه ٤ : ٢٥٢ ـ ٨١٣ ، التهذيب ٩ : ٣٠١ ـ ١٠٧٦ ، الاستبصار ٤ : ١٥٥ ـ ٥٨٢ ، ـ

ما دلّ على أنّها لا ترث بها ، وبعد ذلك يصير أخصّ مطلقا ممّا دلّ على أنّها ترث ، وفي هذا الفرع خصوصيّات ليس هنا محلّ ذكرها والغرض مجرّد التمثيل.

ثانيهما : أن يكون مخصّصان كلّ منهما يخرج مقدارا من أحد العامّين غير ما يخرجه الآخر بحيث يكون بينهما عموم من وجه ، كما إذا كان أحد المخصّصين «لا يجب إكرام الفاسق البغدادي» والآخر «لا يحرم إكرام البغدادي الفاسق الهاشمي» فيخصّص «أكرم البغداديّين» بالأوّل و «لا تكرم البغداديّين» بالثاني ، وبعد التخصيص تصير النسبة عموما من وجه ، ومادّة الاجتماع هي الجاهل العادل البغدادي ، فإنّه واجب الإكرام بمقتضى وجوب إكرام البغدادي غير الفاسق ، ومحرّم الإكرام بمقتضى حرمة إكرام البغدادي غير العالم ، فيعمل على قاعدة المتعارضين بالعموم من وجه.

وبالجملة ، الميزان الكلّي في تعارض أكثر من دليلين ابتداء هو أن ينظر ، فإن علم بكذب أحدها ، يقع التعارض بين الجميع ، وإلّا فيجمع بينها جمعا عرفيّا إن أمكن ، سواء انقلبت النسبة أو لا ، وتتشعّب من هذا فروع يظهر حكمها ممّا ذكر.

__________________

ـ الوسائل ٢٦ : ٢١٣ ، الباب ٧ من أبواب ميراث الأزواج ، الحديث ٢.

فصل :

قد ذكرنا أنّ التعارض إنّما يكون فيما إذا لم يمكن الجمع العرفي ، وهو إمّا أن يكون بنحو التباين أو العموم من وجه ، لا إشكال في عدم سقوط المتعارضين بالعموم من وجه في مادّتي الافتراق عن الحجّيّة ، ولم يقل أحد بذلك فيما نعلم ، وليس لأحد أن يقول به ، فإنّ رفع اليد عن الدليل بالمرّة بعد حجّيّته وعدم تعارضه بمجرّد عدم إمكان العمل بمقدار من مدلوله بلا وجه.

وأمّا المتباينان فعلى أقسام :

الأوّل : ما يكون كلّ منهما مقطوع الصدور ، فالتعارض يقع بين الظهورين ، مثلا : إذا علم بصدور كلّ من «أكرم العلماء» و «لا تكرم العلماء» أو «ثمن العذرة سحت» و «لا بأس ببيع العذرة» يعلم إجمالا بإرادة خلاف الظاهر من أحدهما ، فأصالة الظهور في كلّ منهما تعارض أصالة الظهور في الآخر ، لعدم إمكان التعبّد بكلا الظهورين ، فيصيران في حكم المجمل.

ولا يجوز التأويل والجمع بينهما بحمل أحدهما على شيء ، والآخر على شيء آخر على ما هو ظاهر الشيخ (١) قدس‌سره ، فإنّ المراد غير معلوم ، ولا بدّ في تعيينه من ظهور أو قرينة خارجيّة ، ولا يمكن تعيينه من عندنا ، فإنّه افتراء على الله. وهذا الكلام المعروف من أنّ «الجمع مهما أمكن أولى من الطرح» كلام شكيل لا معنى له لو كان المراد منه الجمع التبرّعي أو التورّعي ـ كما في بعض

__________________

(١) فرائد الأصول : ٤٣٤.

التعابير ـ بل الجمع بلا قرينة عرفيّة ، وحمل كلام الشارع على شيء ، وتأويله من عندنا على خلاف الورع.

نعم ، لو كان لأحد مقطوعي الصدور أو كليهما قدر متيقّن يعلم إرادته من الخارج ، يؤخذ به ، ولكن هذا من جهة القطع الخارجي ، ولا ربط له بدلالة اللفظ.

الثاني : أن يكون أحدهما مقطوع الصدور والآخر مظنون الصدور ، فيقع التعارض بين ظهور مقطوع الصدور وسند مظنون الصدور بما له من الظهور لا مجرّد السند ، فإنّ السند الساذج لا معنى للتعبّد به ، ولا يمكن الأخذ لا بظهور مقطوع الصدور ولا بسند مظنون الصدور.

لكن هذا مجرّد فرض ، فإنّا مأمورون بطرح ما خالف الكتاب والسنّة المتواترة أو القطعيّة ، وضربه على الجدار ، والقدر المتيقّن من هذه الأخبار الآمرة بالطرح هو ما كان مخالفا للكتاب والسنّة بنحو التباين.

الثالث : أن يكون كلاهما مظنون الصدور ، فالتعارض يقع بين سند كلّ منهما بما له من الظهور وسند الآخر كذلك ، والقاعدة فيه أيضا هي التساقط كما مرّ ، فالقاعدة الأوّليّة في الدليلين المتعارضين بنحو التباين هي التساقط ، لكنّه في غير الخبرين المتعارضين ، وأمّا فيهما فمضافا إلى عدم التساقط ووجوب الأخذ بأحدهما تعيينا أو تخييرا قد دلّت عليه الأخبار الكثيرة ، وهي ـ على ما في الكفاية ـ على طوائف :

منها : ما دلّ على التخيير مطلقا ، كخبر الحسن بن الجهم (١) ، وخبر

__________________

(١) الاحتجاج ٢ : ٢٦٤ ـ ٢٣٣ ، الوسائل ٢٧ : ١٢١ ، الباب ٩ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ٤٠.

الحارث بن المغيرة (١) ومكاتبة عبد الله بن محمّد (٢) ومكاتبة الحميري (٣) وغير ذلك.

ومنها : ما دلّ على التوقّف مطلقا (٤).

والظاهر : أنّه إن أراد بذلك ما دلّ على وجوب التوقّف في الشبهة ، فهي ـ على تقدير تسليم دلالتها ـ عامّة للخبرين وغيرهما ، فتخصّصها أخبار التخيير في الخبرين المتعارضين ، بالشبهة في مورد غيرهما. ولم يكن لنا غير أخبار التوقّف في مطلق الشبهة خبر دلّ على التوقّف في خصوص الخبرين المتعارضين.

نعم ، في مقبولة عمر بن حنظلة بعد فرض السائل تساوي الخبرين من جميع الجهات أمر الإمام عليه‌السلام بإرجاء الواقعة حتى يلقى إمامه (٥) ، ولكنّه في مورد لا بدّ من التوقّف فيه ، إذ مورده مورد المخاصمة ، ولا معنى للحكم بالتخيير في فرض التساوي بين الخبرين ، فإنّه لا يرفع النزاع ، بداهة أنّ كلّا من المتخاصمين يختار ما يوافق ميله إذا كان مخيّرا في الأخذ بأيّ الخبرين شاء.

وإن أراد بما دلّ على التوقّف ما عن الاحتجاج بسنده عن سماعة بن

__________________

(١) الاحتجاج ٢ : ٢٦٤ ـ ٢٣٤ ، الوسائل ٢٧ : ١٢٢ ، الباب ٩ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ٤١.

(٢) التهذيب ٣ : ٢٢٨ ـ ٥٨٣ ، الوسائل ٢٧ : ١٢٢ ، الباب ٩ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ٤٤.

(٣) الاحتجاج ٢ : ٥٦٩ ـ ٣٥٥ ، الوسائل ٢٧ : ١٢١ ، الباب ٩ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ٣٩.

(٤) انظر : الوسائل أحاديث الباب ١٢ من أبواب صفات القاضي.

(٥) الكافي ١ : ٦٧ ـ ٦٨ ـ ١٠ ، الفقيه ٣ : ٥ ـ ٦ ـ ٢ ، التهذيب ٦ : ٣٠١ ـ ٨٤٥ ، الوسائل ٢٧ : ١٠٦ ـ ١٠٧ ، الباب ٩ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ١.

مهران ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : يرد علينا حديثان واحد يأمرنا بالأخذ به ، والآخر ينهانا؟ قال عليه‌السلام : «لا تعمل بواحد منهما حتى تلقى صاحبك فتسأل» قلت : لا بدّ أن نعمل بواحد منهما ، قال عليه‌السلام : «خذ بما خالف العامّة» (١) ، فيرد عليه أوّلا : أنّ هذا الخبر أمر أوّلا بالتوقّف ثمّ بعد ما قال الراوي : «لا بدّ أن نعمل بواحد منهما» أمر بالأخذ بما خالف العامّة ، وهو مخالف لمقبولة عمر بن حنظلة ، حيث أمر فيها بالتوقّف بقوله : «فأرجه حتى تلقى إمامك» بعد ذكر مرجّحات ، منها : مخالفة العامّة. والعمل على المقبولة ، لكونها معمولا بها عند الأصحاب.

وثانيا : أنّه مختصّ بزمان الحضور ، ولا دلالة له على وجوب التوقّف في زمان الغيبة أيضا.

ومن الغريب ما أفاده شيخنا الأستاذ قدس‌سره في المقام من تقييد مطلقات التخيير بما دلّ على التوقّف في زمان الحضور (٢) ، فإنّ بعض روايات التخيير ـ كخبر الحارث بن المغيرة ـ مورده زمان الحضور ، والقدر المتيقّن من الباقي منها هو زمان الحضور ، فكيف يمكن صرفه إلى زمان إلى الغيبة ، المتأخّر عن زمان سؤال الراوي بكثير!؟

ومنها : ما دلّ على الأخذ بما هو موافق للاحتياط ، ولا يكون في أخبار الباب ما يدلّ على ذلك إلّا خبر غوالي اللئالي ، حيث أمر فيه ـ بعد ذكر مرجّحات ـ بالأخذ بما فيه الحائطة (٣).

__________________

(١) الاحتجاج ٢ : ٢٦٥ ـ ٢٣٥ ، الوسائل ٢٧ : ١٢٢ ، الباب ٩ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ٤٢.

(٢) فوائد الأصول ٤ : ٧٦٤ ـ ٧٦٥.

(٣) غوالي اللئالي ٤ : ١٣٣ ـ ٢٢٩ ، مستدرك الوسائل ١٧ : ٣٠٣ ، الباب ٩ من أبواب ـ

وقد خدش في كتابه ومؤلّفه. وذكر الشيخ قدس‌سره أنّه خدش فيه من ليس دأبه الخدشة في الروايات (١). والظاهر أنّه أراد به صاحب الحدائق (٢).

وأمّا أخبار التوقّف في مطلق الشبهة فلا ربط لها بالمقام.

ومنها : ما دلّ على الترجيح بمزايا مخصوصة ، وهي روايات اقتصر في بعضها على مرجّح واحد ، وفي بعضها على اثنين ، وفي بعضها على أكثر. وعمدتها وأجمعها هي المقبولة (٣) والمرفوعة (٤) ، وهما مختلفتان في ترتيب بعض المرجّحات ، ففي المقبولة قدّم الترجيح بصفات الراوي على الترجيح بالشهرة ، وبالعكس في مرفوعة زرارة.

وكيف كان فلا ريب في دلالة تلك الأخبار على التخيير في الخبرين المتعارضين في الجملة ، وإنّما الكلام في ثبوت التخيير مطلقا ومن أوّل الأمر ـ ولو وجدت المرجّحات المنصوصة ـ أو ثبوته بعد فقد المرجّحات.

ذهب صاحب الكفاية إلى الأوّل ، وحمل روايات الترجيح مع وجود المرجّحات على الاستحباب ، بل جعل بعض المرجّحات ـ كمخالفة العامّة وموافقة الكتاب ـ ممّا تمتاز به الحجّة عن غير الحجّة بدعوى أنّ ما خالف الكتاب ـ بمقتضى الروايات الآمرة بطرحه وضربه على الجدار ، وما دلّ على أنّه زخرف وباطل ـ ليس بحجّة ولو لم يكن له معارض ، فإنّ هذه الروايات آبية عن التخصيص ، وأنّ أصالة عدم الصدور تقيّة في الخبر الموافق للعامّة ـ مع الوثوق

__________________

ـ صفات القاضي ، الحديث ٢.

(١) فرائد الأصول : ٦٥ ـ ٦٦.

(٢) الحدائق الناضرة ١ : ٩٩.

(٣) الكافي ١ : ٦٧ ـ ٦٨ ـ ١٠ ، الفقيه ٣ : ٥ ـ ٢ ، التهذيب ٦ : ٣٠١ ـ ٨٤٥ ، الوسائل ٢٧ : ٣٠١ ، الباب ٩ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ١.

(٤) تقدّمت الإشارة إلى مصدرها في الهامش (٣) من ص ٣٤٤.

بصدوره كذلك أي تقيّة لو لا القطع به ـ غير جارية (١).

وما أفاده غريب منه قدس‌سره.

أمّا الوثوق أو القطع بصدور الموافق للعامّة تقيّة فلا أدري من أيّ سبب يحصل؟ ولو حصل فهو خارج عن محلّ الكلام ، فإنّ محلّ الكلام هو الخبران المتعارضان اللذان يحتمل صدق كلّ منهما وصدور كلّ منهما لبيان الحكم الواقعي بالطبع.

وما أفاده من أنّ «ما يخالف الكتاب أو يوافق العامّة فهو بنفسه غير حجّة» فهو خلط ، ومخالف لصريح المقبولة والمرفوعة ، حيث صرّح فيهما بالأخذ بما خالف العامّة وما وافق الكتاب بعد ذكر مرجّحات أخر ، فلو كان ما يخالف الكتاب أو يوافق العامّة بنفسه غير حجّة ، فلما ذا أمر بالأخذ به إذا كان مشهورا أو كان راويه أعدل وأفقه وأوثق؟

وأمّا إباء تلك الروايات عن التخصيص فكذلك إلّا أنّها لا ربط لها بالمقام ، فإنّها غير واردة في باب التعارض.

والمراد من المخالفة فيها هو المخالفة التباينيّة ، فعدمها من شرائط قبول الخبر ولو لم يكن معارضا.

والمراد من المخالفة التي ذكرت في روايات الباب هو المخالفة بنحو العموم والخصوص ، مثلا : إن وردت رواية «نهى النبي عن بيع الغرر» وأخرى «لا بأس ببيع الغرر» تكون الأولى مخالفة لعموم الكتاب ، والثانية موافقة له ، وهو (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ) فتقدّم الثانية.

وبالجملة ، تلك الأخبار ناظرة إلى شيء غير ما نظرت إليه هذه الأخبار ،

__________________

(١) كفاية الأصول : ٥٠٤ ـ ٥٠٦.

والمراد من المخالفة في تلك غير المراد منها في هذه ، فلا ينبغي خلط إحداهما بالأخرى.

هذا ، مضافا إلى أنّه مخالف لصريح المقبولة أيضا ، حيث صرّح فيها بتقديم المجمع عليه والمشهور على غيرهما ، وبعد التساوي من هذه الجهة رجّح المخالف للعامّة والموافق للكتاب على غيرهما ، فلو كان ذلك ـ أي عدم كون الخبر مخالفا للكتاب ـ من شرائط حجّيّة الخبر في نفسه لكان المخالف ساقطا من الأوّل.

وبالجملة ، المقبولة دليل قطعيّ على أنّ المراد بمخالفة الكتاب ليس هو المخالفة التباينيّة ، بل المخالفة بنحو العموم المطلق وشبهه ممّا نعلم بصدوره من الأئمة عليهم‌السلام قطعا ، وحينئذ كما نحتمل كون الصادر من الخبرين ما يوافق الكتاب ويخالف العامّة دون الآخر ، كذلك نحتمل صدور المخالف له والموافق لهم.

وأمّا وروده لبيان الحكم الواقعي دون الآخر ـ بأن لم يصدر أصلا أو أريد خلاف ظاهره على تقدير صدوره ـ فليس لنا قطع ولا اطمئنان بعدم صدور المخالف للكتاب والموافق للعامّة. هذا أحد الوجوه التي ذكرها قدس‌سره لإبطال الترجيح.

ومن الوجوه التي أفادها : أنّ حمل إطلاقات التخيير على مورد فقد المرجّحات ، وتقييدها بما إذا لم يكن مرجّح في البين لا يمكن ، لكونها في مقام الجواب عمّن سأل عن حكم المتعارضين ويكون موردا لحاجته (١).

ونضيف نحن إلى ما أفاده أنّ تقييد إطلاقات التخيير بما إذا فقدت

__________________

(١) كفاية الأصول : ٥٠٤ ـ ٥٠٦.

المرجّحات موجب لأن لا يبقى لها مورد إلّا نادرا ، إذ قلّما يتّفق تساوي الخبرين وعدم ترجيح أحدهما بمرجّح ما.

وفيه : أنّ دليل المقيّد بيان ، وقبح تأخير البيان عن وقت الحاجة ليس كقبح الظلم ، بل كقبح الّذي ربما يرتفع بمصلحة فيه ، وقد أفاد شيخنا الأستاذ قدس‌سره أنّا لم نجد إطلاقا أقوى من إطلاق قوله عليه‌السلام : «لا يضرّ الصائم ما صنع إذا اجتنب أربع خصال» (١) ومع ذلك نقيّده.

وأمّا عدم بقاء المورد فيلزم على القول بالتعدّي عن المرجّحات المنصوصة إلى مطلق ما يكون مرجّحا لا على القول المختار من الاقتصار على ما في الأخبار من المرجّحات الثلاث : الشهرة ، وموافقة الكتاب ، ومخالفة العامّة ، إذ ما يكون خاليا عن هذه الثلاث من الخبرين المتعارضين ـ ممّا لا يكونان بمشهورين وليس مضمونهما في الكتاب ويكون كلاهما موافقا أو مخالفا للعامّة ـ في غاية الكثرة.

ومن الوجوه التي أفادها : أنّ أجمع خبر للمزايا المنصوصة هو المقبولة والمرفوعة ، وهما ـ مضافا إلى أنّ المرفوعة ضعيفة سندا ـ واردتان في مورد الحكومة والتنازع والتخاصم ، والتعدّي إلى مورد الفتوى ـ الّذي هو محلّ الكلام ـ لا دليل عليه (٢).

وفيه ـ مضافا إلى كفاية غيرهما ممّا يدلّ على الترجيح بموافقة الكتاب ومخالفة العامّة ، ومضافا إلى عدم ورود المرفوعة في مورد الخصومة ـ : أنّ الإمام عليه‌السلام في المقبولة ـ بعد ما سقط حكم الحكمين بالتعارض والتساوي في

__________________

(١) الفقيه ٢ : ٦٧ ـ ٢٧٦ ، التهذيب ٤ : ٣١٨ ـ ٩٧١ ، الوسائل ١٠ : ٣١ ، الباب ١ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، الحديث ١.

(٢) كفاية الأصول : ٥٠٤ ـ ٥٠٥.

الصفات ـ أرجع المتخاصمين إلى الروايتين اللتين استند الحكمين إليهما ، وأمر بالأخذ بالمجمع عليه منهما ، ثمّ بالأخذ بما وافق الكتاب وخالف العامّة. وهذا الظهور في المقبولة ـ كما فهمه الأصحاب حتى الكليني قدس‌سره ، حيث إنّ عبارته التي نقلها الشيخ قدس‌سره في الرسائل ظاهرة في أنّه قائل بالتخيير بعد فقد المرجّحات الثلاث لا مطلقا (١) ـ ممّا لا ريب فيه.

ولا يضرّ بالمقصود أمر الإمام عليه‌السلام في ذيل الرواية بإرجاء الواقعة إلى لقاء الإمام عليه‌السلام ، لكونه في مورد لا بدّ فيه من الترجيح.

نعم ، ما أفاده ـ من أنّ المرفوعة ضعيفة ـ متين جدّاً ، فإنّها منقولة في كتاب غوالي اللئالي عن العلّامة عن زرارة ، ونقل أنّها ليست في شيء من كتب العلّامة أصلا ، لكونها رواية غير معلومة ، فلا معنى لانجبارها بعمل الأصحاب.

والحاصل : أنّها ضعيفة جدّاً ، لعدم ثبوت رواية العلّامة ، وعلى تقدير ثبوت نقله إيّاها عن زرارة لا تعلم الواسطة بينه وبين زرارة ، فلو كانت موجودة في كتبه ، لم نكن نقبلها فكيف إذا لم يثبت أصل وجودها.

وبالجملة ، الّذي نستفيده من الروايات هو وجوب الترجيح ، ولا نعرف في ذلك مخالفا إلّا صاحب الكفاية ، لما عرفت من أنّ الكليني قدس‌سره أيضا قائل بالتخيير بعد فقد المرجّحات الثلاث ، والسيّد الصدر شارح الوافية أيضا ليس من القائلين بالتخيير الّذي هو محلّ الكلام ، وهو التخيير في المسألة الأصوليّة ، بل هو ـ على ما يستفاد من كلامه ـ قائل بالتوقّف ، ومعناه الاحتياط في المسألة الأصوليّة وعدم الإفتاء لا بالترجيح ولا بالتخيير وإن كان قائلا به في مقام العمل وفي المسألة الفرعيّة. هذا كلّه في أصل وجوب الترجيح.

__________________

(١) فرائد الأصول : ٤٤٩.

بقي الكلام في جهات أخر :

الأولى : في عدد المرجّحات ، وهو منحصر بالشهرة ، ومخالفة العامّة ، وموافقة الكتاب. وأمّا صفات الراوي من الأصدقية والأفقهية فليست من المرجّحات ، لعدم كونها مذكورة في شيء من الروايات إلّا المرفوعة ، وقد عرفت أنّها في نهاية الضعف.

وأمّا ما ذكر في المقبولة فهو لترجيح حكم الحاكم الأفقه على غيره بما هو حاكم لا بما هو راو ، ولم يذكرها الكليني أيضا مع ذكره المقبولة في كتابه بل لم يذكرها أحد من المشايخ الثلاث مع أنّ المقبولة مرويّة عنهم.

واعتذار الشيخ قدس‌سره بأنّ عدم ذكرهم لها لعلّه من جهة وضوح اعتبارها (١) غريب ، ضرورة أنّ مخالفة العامّة وموافقة الكتاب تكونان أوضح من صفات الراوي بمراتب فعدم ذكرهما أولى.

وهكذا لا يسمع إلى ما نقله الشيخ عن بعض المحدّثين من أنّ عدم ذكر الكليني قدس‌سره لها من جهة أنّ روايات الكافي كلّها صحيحة عنده (٢) ، لأنّ دعوى أنّ روايات الكافي كلّها متساوية من جهة صفات رواته ـ بأن لم يكن تفاضل بينهم أصلا ـ دعوى غير معقولة.

نعم ، جميع الروايات كانت معتبرة في نظره ولو كان بعضها صحيحا وبعضها موثّقا ، بل تقسيم الخبر إلى الصحيح والموثّق والحسن وغير ذلك اصطلاح من العلّامة قدس‌سره ، ولم يكن ينظر من قبله إلى صفات الراوي ، بل كان يعمل بما في المجاميع المعتبرة مع عمل الأصحاب كائنا ما كان.

فاتّضح أنّ صفات الراوي ليست من المرجّحات ، لعدم الدليل على

__________________

(١ و ٢) فرائد الأصول : ٤٤٩.

اعتبارها ، بل نفس إطلاق المقبولة ـ حيث حكم بتقديم الأفقه ولو كان راوي الرواية التي تكون مستندة لحكم الحاكم غير الأفقه أفقه من راوي الرواية التي تكون مستندة للحاكم الأفقه ـ دليل على عدم اعتبارها كما لا يخفى ، بل المرجّحات منحصرة بالثلاث المذكورة ، كلّها في المقبولة ، وغير الشهرة منها في غيرها أيضا.

الجهة الثانية : في ترتيب هذه المرجّحات.

لا إشكال في تقديم الشهرة على غيرها ، لكونها أولى المرجّحات التي ذكرت في المقبولة.

ولا معارضة للمقبولة مع المرفوعة في ذلك ، لما عرفت من أنّ الحكم بتقديم الأفقه في المقبولة راجع إلى الحاكم من حيث هو حاكم لا من حيث هو راو ، فالشهرة هي أولى المرجّحات في المقبولة والمرفوعة ، ثمّ مخالفة العامّة وموافقة الكتاب معا مرجّحة ـ بعد فقدان المرجّح الأوّل ـ بمقتضى المقبولة ، ثمّ بعد ذلك أحد الأمرين منهما مرجّح بلا ترتيب بينهما ، وذلك لأنّ الإمام عليه‌السلام وإن حكم بتقديم ما له كلتا المزيّتين بعد كون الخبرين كليهما مشهورين إلّا أنّ الراوي حيث فرض بعد ذلك أنّهما كليهما عرفا الحكم من الكتاب والسنّة ، وأمره عليه‌السلام بالأخذ بما يخالف العامّة يعلم منه أنّ موافقة الكتاب أيضا ـ كمخالفة العامّة ـ بنفسها بلا انضمامها إلى مخالفة العامّة مرجّحة ، وإلّا لكان ضمّ موافقة الكتاب ـ مع كفاية مخالفة العامّة بنفسها ـ من قبيل ضمّ الحجر إلى جنب الإنسان. هذا ، مضافا إلى استفادة ذلك من غير المقبولة ممّا أمر بالأخذ بما يوافق الكتاب.

بقي ما إذا كان أحد الخبرين موافقا للكتاب ، والآخر مخالفا للعامّة ، وحكمه غير مذكور لا في المقبولة ولا في غيرها من روايات الترجيح ، فيبقى

تحت مطلقات التخيير ، لكن مقتضى ما حكي عن رسالة القطب الراوندي بسنده الصحيح عن الصادق عليه‌السلام ـ «إذا ورد عليكم حديثان مختلفان فاعرضوهما على كتاب الله ، فما وافق كتاب الله فخذوه وما خالف كتاب الله فذروه ، فإن لم تجدوهما في كتاب الله فاعرضوهما على أخبار العامّة ، فما وافق أخبارهم فردّوه وما خالف أخبارهم فخذوه» (١) الحديث ـ أنّه يتعيّن الأخذ بما يوافق الكتاب في هذه الصورة.

الجهة الثالثة : لا يكون توثيق أحد راويا من رواة رواية ، وجرح آخر إيّاه داخلا في الخبرين المتعارضين ، وهكذا تعارض أقوال اللغويّين في معنى ألفاظ الرواية بأن قال الصحاح : إنّ معنى اللفظ الكذائي كذا ، وقال القاموس على خلافه ، لأنّ مورد أخبار علاج التعارض هو الخبران المرويّان عن المعصوم لا مطلق الخبر.

الجهة الرابعة : نقل الشيخ (٢) قدس‌سره روايات في المقام مفادها الأخذ بأحدث الخبرين ، ومقتضاها أن تكون الأحدثية أيضا من المرجّحات. ولكن بعضها أجنبيّ عن المقام ، لكونه في مورد القطع بالصدور ، مثل ما (٣) ما دلّ على وجوب الأخذ بأحدث الحديثين اللذين يسمعهما بلا واسطة من الإمام عليه‌السلام ، ومعلوم أنّ الإمام عليه‌السلام أعرف وأعلم بوظيفة كلّ وقت ، فيجب أن يعمل بما عيّن من الوظيفة في الحال ولو كان مخالفا لما عيّنه قبل ذلك ، كما في قضيّة علي بن يقطين. وهذا لا ربط له بمحلّ الكلام ، الّذي هو ورود خبرين متعارضين

__________________

(١) كما في البحار ٢ : ٢٣٥ ـ ٢٠ والوسائل ٢٧ : ١١٨ ، الباب ٩ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ٢٩.

(٢) انظر فرائد الأصول : ٤٤٧.

(٣) الكافي ٢ : ٢١٨ ـ ٧ ، الوسائل ٢٧ : ١١٢ ، الباب ٩ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ١٧.

يحتمل صدقهما وكذبهما.

نعم ، بعضها لا يأبى عن ذلك ، كرواية معلّى بن خنيس : إذا جاء حديث عن أوّلكم وحديث عن آخركم بأيّهما نأخذ؟ (١) إلى آخره ، إلّا أنّها غير معمول بها ، ومخالفة لجميع الروايات الواردة في المقام من المقبولة وغيرها ، فهي ساقطة عن الحجّيّة.

الجهة الخامسة : هل التخيير في المقام تخيير في المسألة الأصوليّة أو الفرعية؟ بعض الأخبار لا يأبى عن الثاني ، كما عبّر بلفظ «بأيّة عملت» (٢) لكن ظاهر غيره التخيير في المسألة الأصوليّة ، حيث عبّر بلفظ «بأيّهما أخذت» (٣) ونحوه ، وظاهره أنّه مخيّر في أخذ أيّهما حجّة واختيار أحدهما دليلا له ، وأخبار الترجيح أيضا شاهدة على ذلك ، حيث لا إشكال في أنّها لترجيح أحدهما في مقام الحجّيّة وإسقاط الآخر ، وما يكون عند وجود المرجّح هو الوظيفة ـ وهو أخذ ذي المزيّة حجّة وإلغاء الآخر ـ يكون هو الوظيفة عند فقد المرجّح ، غاية الأمر أنّه يكون تخييرا.

والحاصل : أنّه بعد سقوط الخبرين عن الحجّيّة بالتعارض وخروجهما عن تحت أدلّة الحجّيّة بسقوطهما عن الطريقيّة والكاشفيّة الفعليّة تدلّ أخبار الترجيح على حجّيّة موافق الكتاب مثلا ، وكونه معيّنا طريقا وكاشفا ، وأخبار التخيير على أنّ ما يختاره المكلّف من المتساويين يكون هو طريقا وحجّة دون

__________________

(١) الكافي ١ : ٦٧ ـ ٩ ، الوسائل ٢٧ : ١٠٩ ، الباب ٩ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ٨.

(٢) التهذيب ٣ : ٢٢٨ ـ ٥٨٣ ، الوسائل ٢٧ : ١٢٢ ـ ١٢٣ ، الباب ٩ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ٤٤.

(٣) الاحتجاج ٢ : ٢٦٤ ـ ٢٣٣ ، الوسائل ٢٧ : ١٢١ ـ ١٢٢ ، الباب ٩ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ٤٠.

الآخر ، فاختيار المكلّف يكون جزءا أخيرا لموضوع الحجّيّة.

ثمّ إنّ الظاهر أنّ النزاع في كون التخيير ابتدائيّا أو استمراريّا مبتن على ذلك ، فإن قلنا بأنّ التخيير تخيير في المسألة الفرعيّة ، فلا إشكال في كونه استمراريّا ، إذ معناه أنّ المكلّف مخيّر ـ مثلا ـ في القصر والإتمام في المورد الّذي جاءه حديثان مختلفان في ذلك ، وإن قلنا بأنّه تخيير في المسألة الأصوليّة ، فلا إشكال في كونه ابتدائيّا ، لأنّ معناه أنّ ما اختاره هو الحجّة ، والآخر ساقط عن الحجّيّة ، وبعد سقوطه عنها عودها يحتاج إلى دليل.

وحيث استظهرنا من الأدلّة كونه تخييرا في المسألة الأصوليّة ـ بقرينة أخبار الترجيح أوّلا وظهور نفس أخبار التخيير ثانيا من جهة أنّ الأخذ بالخبر ظهوره في العمل بمضمونه وجعله سندا ومدركا وحجّة له ـ يكون التخيير ابتدائيا.

وقد ذكرنا أنّ ما عبّر بلفظ «بأيّ منهما عملت وسعك» مثلا غير آب عن التخيير في المسألة الفرعيّة ، والآن نقول : إنّ ظاهر العمل بالخبر أيضا هو الأخذ بمضمونه والالتزام بمدلوله ، ومن الواضح أنّ معنى الأخذ بأحد الخبرين ـ اللذين مفاد أحدهما وجوب فعل ، ومفاد الآخر إباحته ـ ليس هو إلّا الالتزام بمفاد أحدهما من الوجوب أو الإباحة ، وهكذا معنى العمل بأحدهما ليس إلّا العمل بمضمونه من الالتزام بالوجوب أو الإباحة ، فعلى ذلك مفاد جميع الأخبار متّحد ، وهو جعل أحدهما دليلا وحجّة باختياره ، ولا إشكال في صحّة جعل الشارع ما يكون فيه اقتضاء الطريقيّة طريقا ولو بعد اختيار المكلّف ، فقبل اختيار المكلّف لا يكون شيء منهما حجّة ، وبعد اختياره يجعله الشارع طريقا ، نظير ما إذا جعل الشارع الاستخارة طريقا إلى حكم ، فإنّه ممّا لا محذور فيه أصلا ، ولا يعقل جعل أحدهما طريقا قبل اختيار المكلّف ، فإنّ جعل الطريق

إلى المتناقضين غير معقول.

ثمّ إنّ صاحب الكفاية قدس‌سره أفاد في وجه استمراريّة التخيير ـ بعد ما اختار كون التخيير تخييرا في المسألة الأصوليّة ـ وجهين :

أحدهما : إطلاق أخبار التخيير ، لعدم التقييد فيها بالزمان الأوّل ، فمقتضاه ثبوت التخيير في جميع الأزمنة.

وثانيهما : استصحاب التخيير الثابت في الزمان الأوّل (١).

ولا يرجع شيء منهما إلى محصّل.

أمّا الاستصحاب : فلأنّه لو كان هناك استصحاب فهو استصحاب حجّيّة ما اختاره وصار باختياره حجّة فعليّة ، واستصحاب التخيير لازمه العقلي هو إلغاء حجّيّة الآخر.

وأمّا الإطلاق : فهو مفقود في المقام ، فإنّ خطاب «خذ بأيّهما شئت» مثلا خطاب بغير الآخذ بأحد الخبرين ، وبعد الأخذ بأحدهما يرتفع الموضوع.

وتوهّم أنّه بالنسبة إلى الزمان الثاني غير آخذ فاسد ، فإنّ ما دلّ أحد الخبرين على وجوبه ، والآخر على إباحته إمّا واجب في جميع الأزمنة أو مباح كذلك ، ومعنى الأخذ بأحد الخبرين هو الأخذ بالوجوب في جميع الأزمنة أو الإباحة كذلك.

هذا ، مضافا إلى أنّ ظاهر ما علّق الحكم فيه على مجيء الخبرين هو التخيير البدوي ، فإنّ مجيء الخبرين ليس له تعدّد ، بل هما جاءا مرّة واحدة ، وبعد الأخذ بأحدهما ليس للخبرين مجيء آخر حتى يحكم بالتخيير.

ثمّ إنّه فاتنا من بحث الترجيح شيء ينبغي استدراكه ، وهو أنّهم ـ أي

__________________

(١) كفاية الأصول : ٥٠٨.

القائلين بالترجيح ـ اختلفوا في الترتيب وعدمه ، والقائلون بالترتيب أيضا اختلفوا في تقدّم المجمع عليه وغيره من المرجّحات بعضها على بعض.

فذهب صاحب الكفاية إلى أنّه على القول بالترجيح لا ترتيب بين المرجّحات (١).

والمحقّق الميرزا حبيب الله الرشتي إلى تقدّم مخالفة العامّة على باقي المرجّحات ، نظرا إلى أنّ موافق العامّة ممّا يقطع أو يطمأنّ بعدم صدوره لبيان الحكم الواقعي (٢).

وشيخنا الأستاذ قدس‌سره إلى تقدّم المجمع عليه على مخالفة العامّة ، وهي على موافقة الكتاب ، نظرا إلى أنّ المرجّحات تنقسم إلى أقسام ثلاثة بعضها مترتّب على بعض : الصدوري ، والجهتي ، والمضموني ، إذ لا بدّ أوّلا من إحراز صدور الخبر ثمّ جهته وأنّه لبيان الحكم الواقعي ثمّ مضمونه وأنّ ظاهره مراد جدّي أو لا. والمجمع عليه من الأوّل ، ومخالفة العامّة من الثاني ، وموافقة الكتاب من الثالث (٣).

وكلّ ذلك انحراف عن جادّة الصواب ، إذ الترجيح لو كان بأيدينا ، لكان لما ذكر وجه ، لكن استفدنا الترجيح والترتيب من الروايات ، فجعل المجمع عليه مقدّما على غيره في المقبولة ، وجعلت موافقة الكتاب مقدّمة على مخالفة العامّة في الصحيحة المذكورة في كتاب القطب الراوندي.

والعجب من شيخنا الأستاذ حيث التفت إلى هذه الصحيحة وقال بأنّ العمل بها مشكل (٤).

__________________

(١) كفاية الأصول : ٥١٨.

(٢) بدائع الأفكار : ٤٥٥.

(٣) فوائد الأصول ٤ : ٧٧٩ ـ ٧٨٠.

(٤) فوائد الأصول ٤ : ٧٨٤.

فصل :

على القول بالترجيح الّذي هو المختار هو يقتصر فيه على المرجّحات المنصوصة من المجمع عليه وموافقة الكتاب ومخالفة العامّة ، أو يتعدّى إلى غيرها؟ الظاهر هو عدم التعدّي ، إذ لا مقيّد لإطلاقات التخيير إلّا هذه الروايات التي اقتصر فيها على هذه المرجّحات ، فلو كان شيء آخر مرجّحا أيضا للزم ذكره وبيانه ، فلما ذا بعد فرض السائل في المقبولة تساوي الخبرين من الجهات التي رجّح بها الإمام عليه‌السلام قال عليه‌السلام : «أرجه حتّى تلقى إمامك»؟

وقد تعدّى عنها الشيخ قدس‌سره إلى مطلق ما يكون موجبا لأقربيّة أحد الخبرين من الآخر من حيث الصدور. واستند له إلى وجهين :

أحدهما : التعليل بأنّ المجمع عليه ممّا لا ريب فيه. وتقريبه أنّ المراد من عدم الريب ليس هو عدم الريب حقيقة حتى يكون مقابله بيّن الغيّ ، لوضوح أنّ مقابلة يحتمل صدوره ، وليس من بيّن الغيّ ، بل المراد هو ما لا ريب فيه بالإضافة إلى الآخر ، وإذا كان أحد الخبرين ، له مزيّة توجب أقربيّته من الآخر من حيث الصدور ، يكون ممّا لا ريب فيه بالإضافة إلى الآخر (١).

وفيه : أنّ هناك شقّا ثالثا ، وهو كون المراد ما لا ريب فيه عرفا ، والرواية المشهورة المجمع عليها لا إشكال في كونها يصدق عليها إنّها ممّا لا ريب فيها عرفا.

هذا ، مضافا إلى أنّ العامّة لا يفهمون من «لا ريب» الإضافيّ منه ، ويحتاج

__________________

(١) فرائد الأصول : ٤٥٠.

إلى التقييد بأن يقال : فإنّ المجمع عليه لا ريب فيه بالإضافة إلى الآخر.

هذا ، مضافا إلى أنّ لازم ذلك التعدّي إلى كلّ ما يكون موجبا لأقربيّة أحدهما من الآخر صدورا ولو كان من جهة أنّ راوي أحدهما اثنان والآخر واحد ، أو أحد ينقل عن الآخر ويقول : سمعته قبل ساعة ، والآخر يقول : سمعته قبل يوم ، فإنّ ما كان راويه اثنين وما سمعه قبل ساعة أقرب صدورا من الآخر ، لأنّ احتمال الخطأ .. (١). فيه أقلّ من الآخر. ولا يناسب في ذلك هذا التعبير ، بل المناسب أن يقال : .. (٢). ما كان راويه أكثر لا ريب فيه ، إذ أيّ خصوصية .. (٣). إذا كان المناط هو أقربيّة أحدهما من حيث إنّ راويه أكثر؟ ولا أظنّ أن يلتزم الشيخ قدس‌سره بتقدّم ما كان راويه أكثر من الآخر .. (٤).

ثانيهما : التعليل بأنّ الرشد في خلافهم. وتقريبه أنّ الموافق للعامّة يحتمل صدوره بالوجدان ، فليس المراد أنّ المخالف لهم حقّ ورشد على الإطلاق والموافق لهم باطل وضلال على الإطلاق ، بل المراد أنّ المخالف فيه جهة ليست في الآخر ، بها يكون أقرب من الآخر إلى الواقع ، وهو حقّ بالإضافة إلى الآخر (٥).

وفيه : أنّ هذا اللفظ لم يرد في رواية حتى يستدلّ به ، والعجب من غفلة الشيخ قدس‌سره ومن بعده ، عن ذلك!

والّذي هو موجود في مرفوعة زرارة قوله : «فإنّ الحقّ فيما خالفهم» وهو وإن كان مرادفا لما ذكروه إلّا أنّها ضعيفة السند ، وليست مدركا لهم في باب الترجيح ، وفي المقبولة قوله : «ما خالف العامّة ففيه الرشاد» وهو بنفسه جواب

__________________

(١ ـ ٤) مكان النقاط مخروم في الأصل.

(٥) فرائد الأصول : ٤٥٠.

عن السؤال لا أنّه علّة للجواب ـ كما في المرفوعة ـ حتى يتعدّى منه إلى غيره.

هذا ، مضافا إلى أنّ الخبرين بعد ما كانا كلاهما مشهورين كما فرضه السائل وكان أحدهما مخالفا للعامّة يطمأنّ بصدورهما وأنّ الموافق صدر تقيّة ، فيصدق عرفا أنّ المخالف لهم هو حقّ ورشد والموافق باطل وضلال ، فالمراد من كون الرشد في الخبر المخالف لهم هو الرشد العرفي لا الإضافي.

مع أنّ المناط في الترجيح لو كان أقربيّة أحدهما من الآخر إلى الصدور ، لم يبق مورد لإطلاقات التخيير إلّا نادرا ، إذ قلّما يكون الخبران المتعارضان متساويين بحيث لا يكون في أحدهما شيء يوجب ذلك ولو كان راوي أحدهما اثنين والآخر واحدا ، فإنّ الأوّل أقرب إلى الصدور من الآخر.

هذا ، ولكن ما ذكرنا من أنّ الموافق يطمأنّ بصدوره تقيّة قابل للمناقشة ، إذ الاحتمالات كثيرة ، ونحتمل إرادة خلاف الظاهر من المخالف وصدور الموافق لبيان الحكم الواقعي ، فالأولى أن يقال : إنّ حمل «الرشد» في «فإنّ الرشد في خلافهم» ـ على تقدير صدوره ـ على الرشد الإضافي ـ كما أفاده الشيخ ـ بعيد عن الأذهان ، كما أنّ حمله على الحسن ـ بأن كان المعنى : فإنّ الحسن في مخالفتهم ـ بعيد عن اللفظ ، وظاهر اللفظ أنّ المخالف لهم مطابق للواقع وحقّ ، لكن من المعلوم أنّه ليس دائما كذلك ، فيعلم أنّ هذا التعليل لأجل الغلبة وأنّ الغالب هو موافقة الخبر الموافق لهم للتقيّة ، بل الغالب مخالفته للواقع إمّا لأجل أنّه صدر تقيّة في موارد تعارض الخبرين ، أو لأجل أنّ العامّة يتعمّدون الكذب على الله غالبا ولا يبالون به ، فالخبر الموافق لهم بحسب الغالب غير مطابق للواقع ، فالتعليل من جهة غلبة المطابقة في الخبر المخالف ، ولا بأس بالتعدّي لو فرض العلم في مورد بمثل هذه الغلبة إلّا أنّه ليس لنا طريق إلى ذلك في غير ما أخبر به الإمام عليه‌السلام ، وهو المخالف للعامّة.

تذييل : هل أخبار علاج التعارض شاملة للعامّين من وجه أو لا؟ فيه خلاف وإشكال.

ومنشأ الإشكال أنّ تقديم أحد العامّين من وجه تعيينا أو تخييرا موجب لإلغاء الحجّة بلا حجّة.

مثلا : تقديم «أكرم العلماء» على «لا تكرم الفسّاق» موجب لإلغاء «لا تكرم الفسّاق» في مورد الافتراق ـ يعني الفاسق غير العالم ـ بلا سبب وبلا حجّة ، إذ لا تعارض في مورد الافتراق.

وإن قدّم في بعض مدلوله ـ وهو خصوص مورد التعارض ـ لا تمام مدلوله ، فلازمه التفكيك في كلام واحد ، والالتزام بصدور بعضه دون بعض.

ومن هذه الجهة ذهب شيخنا الأستاذ قدس‌سره إلى الرجوع إلى المرجّحين الأخيرين : موافقة الكتاب ، ومخالفة العامّة ، وألغى المجمع عليه ، نظرا إلى أنّه مرجّح صدوريّ ، والكلام الواحد إمّا صادر بتمامه أو ليس بصادر ، فإذا لم يكن كونه مرجّحا لأحد العامّين من وجه بتمام مدلوله ، يرجع إلى المرجّحين الآخرين : الجهتي والمضموني (١).

ويرد عليه ما ذكرنا من أنّ الترجيح من جهة الصدور أوّلا ثمّ بالجهة ثمّ بالمضمون اجتهاد في مقابل النصّ ، إذ هو أرجعنا في الخبرين المتعارضين إلى المجمع عليه أوّلا ثمّ موافق الكتاب ثمّ مخالف العامّة ، فإن كان النصّ شاملا للعامّين من وجه ، فلا بدّ من الترجيح بكلّ من الثلاث على الترتيب ، وإلّا فلا بدّ من إلغاء الجميع لا الترجيح ببعض دون بعض.

فالتحقيق أن يقال : لا يخلو المقام عن ثلاثة أقسام :

__________________

(١) فوائد الأصول ٤ : ٧٩٢ ـ ٧٩٣.

الأوّل : أن يكون كلّ من دليلين بينهما عموم من وجه شاملا لمورد التعارض بنحو العموم الوضعي ، كما إذا كان أحدهما «أكرم كلّ عالم» والآخر «لا تكرم أيّ فاسق».

الثاني : أن يكون شمول كلّ له بنحو الإطلاق ، مثل «أكرم العالم» و «لا تكرم الفاسق».

الثالث : أن يكون أحدهما بنحو العموم والآخر بنحو الإطلاق.

وهذا القسم خارج عن محلّ الكلام ، وداخل فيما يكون أحدهما قرينة عرفيّة على الآخر ، كما مرّ.

ولنقدّم مقدّمتين لتوضيح الحال في القسمين الأوّلين :

الأولى : أنّ بعض الأحكام الشرعيّة حكم للدالّ وبعضها للمدلول.

فالأوّل : كحرمة الكذب ، فإذا قال أحد : «جاءني في يوم كذا ألف عالم» وفي الواقع لم يجئه أحد ، فكلامه هذا وإن كان منحلا إلى ألف إخبار في الحقيقة بدالّ واحد إلّا أنّه كذب واحد لا ألف كذب ، وهكذا إذا قال أحد : «كلّ زوج غير منقسم إلى متساويين» فهو كذب واحد وإن كان كلامه هذا منحلّا إلى الإخبارات غير المتناهية ، لأنّ العدد الزوج غير متناه ، وكلّها غير مطابق للواقع ، ومن الضروري أنّه لم يكذب بكلامه هذا بما لا يتناهى عددا ولم يعص بمعاص غير متناهية ، بل كذب واحد ومعصية واحدة.

والثاني : كحرمة الغيبة فإنّها حكم على المدلول ، فإذا فرضنا قال أحد : «كلّ واحد من أهل هذا البدل فاسق» فقد اغتاب بعدد أفراد هذا البلد ، ولكلّ أن يقول : لما ذا اغتبتني ولعلّي لم أكن فاسقا ولو كنت فاسقا لم أكن متجاهرا به؟

المقدّمة الثانية : أنّ الدليل الواحد قابل للتبعيض من حيث الحجّيّة ، وعليه بناء العقلاء أيضا ، مثلا إذا قامت بيّنة على أنّ هذه الدار لزيد وأقرّ زيد بأنّ

نصفها لعمرو ، فلا ريب في سقوط حجّيّة البيّنة في محاكم العرف والشرع بالنسبة إلى النصف ، فيحكم بمقتضاها بأنّه مالك لنصفها.

وبعد ذلك نقول : إنّ الحجّيّة ليست من آثار وأحكام الدالّ والكاشف حتى يقال : إنّ الدليل الواحد الدالّ على العموم إمّا حجّة أو ليس بحجّة ، بل من أحكام المنكشف والمدلول ، فإذا كانت لدليل واحد كاشفيّة في بعض مدلوله دون بعض للعلم بخلافه أو للتعارض ، يبقى على حجّيّته بالقياس إلى ما له كاشفيّة كالمثال السابق وكما في محلّ الكلام ، فإنّ سقوط كلّ من العامّين من وجه عن الكاشفيّة في مورد التعارض لا يضرّ بحجّيّته في موردي الافتراق.

ويوضّح ذلك أنّه لو صرّح بالعموم بأن ورد «أكرم العالم بقسميه العادل والفاسق» وورد أيضا «لا تكرم الفاسق بقسميه العالم والجاهل» فلا ريب في حجّيّتهما في العالم العادل والفاسق الجاهل.

وحينئذ نقول : إن كان شمول كلّ من العامّين من وجه لمورد التعارض بالعموم الوضعي ، فلا إشكال في شمول أخبار علاج التعارض لهما في مورده ، لصدق الخبرين المتعارضين حقيقة في مورد الاجتماع ، إذ الخبر ليس اسما للّفظ حتى يقال : إذا صدق يصدق في العامّين لا في خصوص مورد الاجتماع ، بل الخبر عبارة عن نقل حكم عن المعصوم عليه‌السلام ، نظير نقل فتاوى المجتهدين ، فحقيقة يصدق : جاءنا خبر على وجوب إكرام العالم الفاسق ، وخبر على حرمة إكرامه ، فيقدّم أحدهما بالترجيح أو التخيير.

وإن كان شمول كلّ له بالإطلاق ومقدّمات الحكمة ، فالقاعدة تقتضي التساقط والرجوع إلى العموم الفوق إن كان ، وإلّا فالرجوع إلى الأصول ، وذلك لأنّ راوي كلّ من الخبرين يخبر بأنّ الإمام عليه‌السلام علّق الحكم على الطبيعة ، وبهذا المقدار نصدّقه ، وأمّا أنّ هذا الحكم سار في جميع أفراد الطبيعة فليس ذلك

بإخباره بذلك بل هو ونحن في ذلك سواء ، فكما نحن نحكم بالسريان بإجراء مقدّمات الحكمة كذلك هو يجري المقدّمات ، وبمقتضاها يحكم بالسريان ، ولذا لو اعتبر الراوي في مقدّمات الحكمة ما لا نعتبره كما إذا اعتبر عدم وجود القدر المتيقّن في مقام التخاطب ، ولم يحكم بالإطلاق لذلك ، لحكمنا نحن بالإطلاق ، وعلى هذا فكلّ من «أكرم العالم» و «لا تكرم الفاسق» له ظهور في نفسه في الإطلاق ، ويتعارض الظهوران ، للعلم بعدم إرادة أحدهما ، أو عدم مطابقته للواقع ، وحيث لا يكون هذا التعارض من تعارض الخبرين ، لما عرفت من أنّ الراوي لا يخبر بالسريان ، فلا تشمله أخبار علاج التعارض ، ويتساقط الظهوران ، ويرجع إلى العموم الفوق أو الأصل.

بقي شيء ظهر من تضاعيف كلماتنا ، وهو معارضة الخبر للكتاب ، فإن كان الخبر المعارض للكتاب مخالفا له بنحو التباين ، يضرب على الجدار ويؤخذ بالكتاب. وإن كان مخالفا له بنحو العموم والخصوص والإطلاق والتقييد ، فلو كان وحده بلا معارض ، يخصّص أو يقيّد الكتاب ، ولو كان معارضا بما يوافق الكتاب يقدّم ما يوافقه.

ولو كان مخالفا للكتاب بنحو العموم من وجه ، فإن كان عموم كلّ بالوضع ، يؤخذ بعموم الكتاب ويضرب الخبر على الجدار في خصوص مورد الاجتماع لا مطلقا ، حيث إنّه بمدلوله التضمّني يباين الكتاب في مورد الاجتماع ، وأمّا في غيره فيؤخذ به ، إذ الفرض أنّه لا معارضة له للكتاب فيه أصلا. وإن كان عموم كلّ بالإطلاق ، يتساقط الظهوران في مورد الاجتماع ، كما مرّ.

خاتمة :

فيما يتعلّق بالاجتهاد والتقليد.

فصل :

عرّف الاجتهاد بتعاريف :

منها : استفراغ الوسع في تحصيل الظنّ بالحكم الشرعي.

وهذا التعريف من العامّة ، وهو ساقط عندنا ، للمنع عن العمل بالظنّ عموما وبالظنّ القياسي خصوصا.

وليعلم أنّ لفظ «الاجتهاد» بالمعنى المصطلح لم يرد في رواية موضوعا لحكم.

فالأولى تعريفه بما جعل به موضوعا للحكم الشرعي. وما تعلّق بالمجتهد في الروايات من الأحكام أحكام ثلاثة : حرمة تقليده الغير ، وجواز تقليد الغير إيّاه ، والقضاء.

أمّا حرمة تقليده الغير : فإن كان موضوعها من تكون له ملكة الاستنباط ولو لم يستنبط فعلا ـ كما نقل الشيخ دعوى الإجماع على ذلك عن صاحب الضوابط (١) ـ فنعرّف الاجتهاد ـ الّذي هو موضوع لهذا الحكم ـ ب «ملكة استنباط الأحكام عن أدلّتها التفصيليّة».

__________________

(١) قال في مصباح الأصول ٣ : ٤٣٥ : فادّعى شيخنا الأنصاري رحمه‌الله ـ في رسالته الخاصّة بمباحث الاجتهاد والتقليد ـ قيام الإجماع على عدم جواز رجوعه إلى الغير. انتهى. ولم نعثر على تلك الرسالة.

وإن كان موضوعها من يكون مستنبطا للحكم فعلا وعالما بالحكم فعلا عن دليله التفصيليّ ، فلا يجوز التقليد لمثل هذا الشخص ، فإنّه يرى خطأ غيره وجهله ، فرجوعه إلى من رجوع العالم إلى الجاهل ، فنعرّفه بأنّه «العلم بالحكم عن دليله التفصيليّ».

وأمّا جواز تقليد الغير إيّاه : فموضوعه بحسب الروايات والآيات هو عنوان «الفقيه» و «أهل الذّكر» و «العالم بالأحكام» عن أخبار الأئمّة المعصومين عليهم‌السلام وشبهها لا عن الجفر والرمل ونحوهما ، فلا بدّ من تعريف الاجتهاد الّذي هو موضوع لهذا الحكم بما عرّف به الفقهاء الفقه ، وهو العلم بالأحكام الشرعيّة عن أدلّتها التفصيليّة. فلو فرض أنّ أحدا لا يعرف من الأحكام إلّا حكما أو حكمين أو مقدارا لا يكون به مصداقا للفقيه وأهل الذّكر بالحمل الشائع ، لا يجوز للغير تقليده ، بل لا بدّ من معرفته بالأحكام بمقدار معتدّ به بحيث يصدق عليه عرفا أنّه فقيه وعالم ومن أهل الذّكر ، وهكذا لا يجوز تقليد من يكون عالما بالأحكام من طريق الرمل والجفر وشبههما وإن كان علمه حجّة له ، لكن هذا الشخص ليس موضوعا لهذا الحكم ـ يعني جواز تقليد الغير إيّاه ـ في الأدلّة.

وأمّا القضاء : فموضوعه في المقبولة هو «من روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا» (١) فلا بدّ من صدق هذه العناوين بأن كان عارفا بالأحكام بالمقدار المعتدّ به عن الطرق الشرعيّة لا عارفا بحكم أو حكمين ، ولا عارفا عن طريق الرمل ونحوه.

__________________

(١) الكافي ١ : ٦٧ ـ ١٠ و ٧ : ٤١٢ ـ ٥ ، التهذيب ٦ : ٢١٨ ـ ٥١٤ و ٣٠٢ ـ ٨٤٥ ، الوسائل ٢٧ : ١٣٦ ـ ١٣٧ ، الباب ١١ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ١.

نعم ، في بعض روايات القضاء «من عرف شيئا من قضايانا» (١).

ومن هنا ظهر أنّ من يرى انسداد باب العلم ـ كالمحقّق القمّي ـ لا يجوز له القضاء ، ولا يجوز أيضا للغير تقليده.

أمّا على الحكومة : فواضح ، فإنّ العمل بالظنّ على ذلك ليس عملا بالطريق الشرعي ، بل يكون نظير العمل بالظنّ في مورد اشتباه القبلة وضيق الوقت عن الصلاة إلى أزيد من جهة واحدة ، فاللازم هو الصلاة إلى الطرف الّذي يظنّ أنّ القبلة فيه بمعنى أنّه امتثال ظنّي في ظرف عدم التمكّن من الامتثال العلمي ، لحكم العقل بعدم وجوب أزيد من ذلك ، والعامل بالظنّ الانسدادي ليس عالما لا بالحكم الواقعي ولا بالحكم الظاهري ، وهو بنفسه يعترف بأنّه جاهل ، غاية الأمر أنّه لا يجوز له تقليد غيره ، فإنّه يرى القائل بالانفتاح جاهلا جهلا مركّبا.

وأمّا على الكشف : فهو وإن كان عالما بالحكم ، إذ الظنّ ـ على الكشف ـ طريق شرعي إلّا أنّه طريق لمن تمّت عنده مقدّمات دليل الانسداد ، التي منها بطلان تقليد الغير ، والمقلّد يجوز له تقليد الغير فكيف يصحّ له تقليد من لا يكون ظنّه حجّة إلّا لنفسه!؟ فإنّ التقليد باطل في حقّه لا المقلّد.

__________________

(١) الكافي ٧ : ٤١٢ ـ ٤ ، الفقيه ٣ : ٢ ـ ١ ، التهذيب ٦ : ٢١٩ ـ ٥١٦ ، الوسائل ٢٧ : ١٣ ، الباب ١ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ٥.

فصل :

ينقسم الاجتهاد إلى مطلق وتجزّ ، فالمطلق ما لا يكون مقيّدا ببعض الأحكام دون بعض ، بل يكون ساريا في جميع الأحكام ، والتجزّي ما يكون مقيّدا بذلك. والأولى التعبير بالاجتهاد المقيّد ، والتعبير بالتجزّي مسامحة ، فإنّ الاجتهاد ـ سواء عرّف بالعلم بالأحكام أو القدرة على استنباطها عن مداركها ـ عرض غير قابل للتجزئة.

وقد مرّ الكلام في المطلق ، وأنّه يحرم على المجتهد المطلق تقليده الغير ، ويجوز له الإفتاء والقضاء على التفصيل المتقدّم ، وأمّا التجزّي ففيه مواضع من الكلام :

الأوّل : في إمكانه. واختلف في ذلك ، فقيل باستحالته ، نظرا إلى أنّ الاجتهاد عبارة عن الملكة ، وهي بسيطة غير قابلة للتجزئة. وقيل بكونه ضروريّا ـ كما في الكفاية (١) ـ بدعوى أنّ الاجتهاد المطلق لا محالة مسبوق بالتجزّي ، لاستحالة الطفرة.

والحقّ هو إمكانه وبطلان القول بالاستحالة أو الوجوب.

أمّا إذا عرّف بالعلم بالأحكام : فواضح ، ضرورة إمكان العلم ببعض المسائل دون بعض.

وأمّا إذا عرّف بملكة الاستنباط والقدرة عليه : فلأنّ النزاع ليس في لفظ التجزّي حتى يقال : إنّ الاجتهاد ملكة وهي بسيطة غير قابلة للتجزّي ، بل

__________________

(١) كفاية الأصول : ٥٣٣.

البحث في أنّه هل يمكن أن يوجد أحد يكون قادرا على استنباط مسائل باب من أبواب الفقه ، كباب الطهارة مثلا دون مسائل سائر الأبواب ، أو لا؟ ومن الواضح إمكان ذلك ، فإنّ القدرة على الاستنباط في كلّ مسألة مغايرة لها في أخرى ، فإذا فرض شخص لا يعرف اللغة وليس له اطّلاع في النقليّات أصلا لكنّه طويل الباع وكثير الاطّلاع في العقليّات ولمهارته فيها استنبط مسائل اجتماع الأمر والنهي ومقدّمة الواجب واقتضاء الأمر بالشيء النهي عن الضدّ والترتّب وغير ذلك من المسائل العقليّة غير المربوطة بمعرفة اللغات والروايات ، فهو مجتهد في هذه المسائل دون غيرها.

ومن ذلك ظهر الجواب عمّا في الكفاية ، فإنّ الطفرة وإن كانت مستحيلة كما قرّر في محلّه إلّا أنّها غير متصوّرة في مثل المقام الّذي لا ترتّب بين المسائل ، لتغاير كلّ قدرة مع قدرة أخرى متعلّقة باستنباط مسألة أخرى ، فمن الممكن حصول القدرة على استنباط مسألتين معا ، كما يمكن حصول القدرة على استنباط إحداهما دون أخرى أو قبل حصولها على استنباط المسألة الثانية.

وبالجملة ، حيث لا ترتّب بين المسائل فلا تتصوّر فيه الطفرة ، فإنّها مختصّة بما يكون متدرّجا في الوجود ولا يعقل وجوده دفعة واحدة ، كالمشي في المكانين.

نعم ، الاستنباط الخارجي لا محالة يكون متدرّجا في الوجود ، ولا يعقل استنباط جميع المسائل دفعة واحدة ، وهذا بخلاف الملكة والقدرة على استنباط جميع المسائل ، حيث لا محذور في حصولها دفعة واحدة أصلا.

الموضع الثاني : في أنّه هل يحرم على المتجزّي تقليده الغير فيما استنبطه من الأحكام أو لا؟ ولا ريب في حرمة ذلك ، فإنّ رجوعه إلى غير مع علمه بخطئه من رجوع العالم إلى الجاهل ورجوع البصير إلى الأعمي ، وكيف

يكون قول من يرى خطأه حجّة في حقّه!؟

الموضع الثالث : في جواز رجوع الغير إليه فيما استنبطه ، وعدمه.

ولا ريب في جوازه لو كان مدرك جواز التقليد بناء العقلاء ، لجريان سيرتهم على ذلك ، كما إذا كان طبيب متخصّصا في طبابة العين دون سائر الأعضاء ، فإنّه يرجع إليه في ذلك ولو لم تكن له معرفة بحال سائر الأعضاء أصلا ، بل ربّما يجب الرجوع إليه إذا كان أعلم من غيره في ذلك.

وأمّا إذا كان المدرك هو الروايات والآيات الممضية للسيرة مع اعتبار أمور أخر ، فلا بدّ من صدق ما أخذ في الروايات موضوعا لهذا الحكم من عنوان «الفقيه» و «العالم» و «أهل الذّكر» و «العارف بالأحكام» ومن المعلوم عدم صدق ذلك على العارف بحكم أو حكمين.

نعم ، يصدق على العارف بالأحكام بالمقدار المعتدّ به ولو لم يكن عارفا بجميع الأحكام.

* * *

فصل :

يتوقّف الاجتهاد على معرفة اللغة والصرف والنحو بمقدار يتوقّف فهم معنى الروايات وآيات الأحكام عليه ، ولا يلزم أزيد من ذلك ، كمعرفة الفرق بين الحال والتميز والبدل وعطف البيان وغير ذلك ممّا لا يوجب الجهل بها الجهل بمعنى الكلام ، وعلى معرفة علم الرّجال في الجملة لمعرفة الرّواة وتميز ثقاتهم عن غيرهم ولكنّ الاحتياج إليه قليل جدّاً ، لما قرّر في محلّه من كفاية كون الرواية موثوقا بها بأن تكون معمولا بها عند الأصحاب ، فإذا كانت كذلك ، تكون حجّة ولو كان رواتها مجهولي الحال بل معلومي القدح ، وعدم حجّيّة الرواية التي أعرض عنها الأصحاب ولو كان جميع رواتها معدّلين بعدلين ، فإذا لا ينظر إلى حال الرّواة مع عمل الأصحاب أو إعراضهم ، بل يعمل بها أو تطرح.

فالاحتياج إلى علم الرّجال إنّما يختصّ بما إذا لم يثبت أحد الأمرين لا العمل ولا الإعراض بأن كان الفرع غير معنون في كلام الأصحاب ووردت فيه رواية ، أو كان معنونا ولكنّ الرواية الواردة فيه لم تكن موجودة في المجاميع ، فحينئذ لا بدّ من إحراز وثاقة رواة الرواية بالرجوع إلى علم الرّجال ، ومن المعلوم أنّه في غاية الندرة.

نعم ، لو قلنا بمقالة صاحب المدارك من اختصاص حجّيّة الروايات بما إذا كان جميع رواتها معدّلين بعدلين ، لكان الاحتياج إلى علم الرّجال كثيرا جدّاً.

وهكذا لا بدّ من معرفة علم الأصول من مباحث الألفاظ ومباحث الحجج والأصول العمليّة والتعادل والتراجيح ، وهي العمدة في مقام الاستنباط ، ولا بدّ من معرفة ذلك بالاجتهاد لا تقليدا عن الشيخ قدس‌سره أو غيره من علماء الأصول ،

فإنّ استنباط الحكم عن مدرك تقليدي حقيقته هي التقليد ، وليس من الاجتهاد في شيء ، إذ النتيجة تابعة لأخسّ المقدّمتين.

وبالجملة ، لا مناص عن معرفة هذه المباحث عن دليل واجتهاد ، وبما أنّها لم تدوّن في علم من العلوم دوّنها الأصوليّون على حدة ، وسمّوها بعلم الأصول ، كما أنّ صاحب الحدائق دوّنها في مقدّمة كتابه ، وتدوينها على حدة لا يوجب كونها بدعة.

* * *

فصل :

لا ريب في ثبوت التخطئة في العقليّات ، فإذا رأى أحد جواز اجتماع الأمر والنهي ، والآخر امتناعه ، فلا محالة أحدهما مخطئ ، إذ الأمر الواحد لا يمكن أن يكون ممتنعا بالذات في حقّ أحد وممكنا بالذات في حقّ آخر.

وأمّا النقليّات : فأجمعت العدليّة على التخطئة فيها أيضا ، وادّعى بعضهم تواتر الأخبار على أنّ له ـ تبارك وتعالى ـ في كلّ واقعة حكما يشترك فيه العالم به والجاهل. ولو لم يكن في المقام إجماع ولم ترد الروايات أيضا ، لكان مقتضى القاعدة الأوّليّة هو التخطئة ، لأنّ أدلّة الأحكام مطلقة غير مقيّدة بالعالمين بها ، فمقتضى إطلاقها هو ثبوتها في الشريعة المقدّسة في حقّ جميع المكلّفين : العالمين بها والجاهلين ، ولا دخل للعلم والجهل في ثبوت الأحكام وفعليّتها.

نعم ، صاحب الكفاية قدس‌سره قد تكرّر في كلماته أنّ الأحكام قبل العلم بها أحكام إنشائيّة ، وفي بعض كلماته : أحكام فعليّة من بعض الجهات ، وبالعلم يصير فعليّا أو تتمّ فعليّته (١). وقد ذكرنا ما فيه في محلّه.

وبالجملة ، لا ريب في ثبوت التخطئة ولو على القول بالسببيّة التي يقول بها بعض العدليّة فرارا عن شبهة ابن قبة ، بمعنى أنّ قيام الأمارة سبب لحدوث مصلحة في سلوك الأمارة. وقد ذكرنا في محلّه أنّها عين الطريقيّة.

نعم ، السببيّة الأشعريّة والمعتزليّة ملازمة للتصويب ، ولكنّ الأولى محال ، والثانية مجمع على بطلانها ، كما قرّر في مقرّه.

__________________

(١) انظر : كفاية الأصول : ٣٢٠.

فصل :

إذا تبدّل رأي المجتهد ، فلا كلام فيما انقضى إذا لم يكن له أثر فعلا ، كما إذا ذبح ذبيحة بغير الحديد وأكلها ، ثمّ رأى بعد ذلك حرمتها.

وهكذا لا إشكال في حرمة العمل على طبق الاجتهاد الأوّل إذا كان الموضوع باقيا ، كما إذا ذبحها بغير حديد ولم يأكلها بعد ، فإنّه يحرم عليه أكلها حينما تبدّل رأيه بالحرمة.

وإنّما الإشكال فيما إذا لم يكن الموضوع باقيا ولكن له أثر فعلا ، كما إذا صلّى بغير سورة ثمّ رأى في الوقت أو خارجه وجوب السورة ، فهل تجب عليه إعادة الصلاة أو قضاؤها أو لا؟ وقد مرّ الكلام في ذلك مفصّلا في بحث الإجزاء ، وقلنا هناك : إنّ مقتضى القاعدة الأوّليّة هو عدم الإجزاء في جميع الموارد : العبادات والمعاملات إلّا أن يدلّ دليل في مورد خاصّ على الإجزاء ، كما في خصوص الصلاة ، فإنّ حديث «لا تعاد» (١) دلّ على عدم وجوب الصلاة من غير ناحية الإخلال بالخمس المستثناة في الحديث ، فبناء على ما اخترناه من شموله للجهل عن قصور أيضا مقتضاه هو عدم وجوب إعادة المجتهد الصلوات التي أتى بها بغير سورة بعد ما رأى وجوب السورة.

نعم ، لو صلّى مدّة عند استتار القرص ، ثمّ رأى أنّ وقت ذهاب الحمرة هو المغرب ، تجب عليه الإعادة أو القضاء ، لأنّ الوقت من الخمس المستثناة في الحديث.

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٨١ ـ ٨٥٧ ، التهذيب ٢ : ١٥٢ ـ ٥٩٧ ، الوسائل ٤ : ٣١٢ ، الباب ٩ من أبواب القبلة ، الحديث ١.

فصل :

في التقليد. وقد عرّف بتعاريف :

منها : ما في الكفاية من أنّه أخذ قول الغير للعمل به في الفرعيّات أو للالتزام به في الاعتقاديّات تعبّدا (١).

ومنها : ما هو أوسع من الأوّل ، وهو أنّه مجرّد الالتزام بالعمل بقول الغير ـ ولو لا يعلمه تفصيلا ـ فإذا التزم بالعمل على طبق رسالة مجتهد ، فهو تقليد ولو لم يتعلّم فتوى من فتاواه.

ومنها : أنّه هو نفس العمل على طبق رأي الغير ، وجعل الغير مسئولا في هذا العمل.

والصحيح هو الأخير ، وهو المناسب لمعناه اللغوي والعرفي الدارج فعلا ، يقال : «قلّد السيف زيدا» إذا جعله قلادة عليه. ومعنى التقليد في العمل جعل العمل على رقبة من يقلّده وعلى عهدته كالقلادة ، فقد استعير لفظ القلادة للعمل كما أنّ تقليد الدعاء والزيارة ، الّذي هو مستعمل في اللسان الدارج المتعارف فعلا فيقال : «قلّدتك الدعاء والزيارة» معناه جعلت الدعاء والزيارة على عهدتك ورقبتك ، فادع لي وزر. والمستفاد من بعض الروايات أيضا هو هذا المعنى ، كما دلّ على أنّ «على المفتي وزر من عمل بفتياه» (٢) وما ورد حينما سأل من استفتى أحدا في مسألة فأفتى بفتيا ثلاث مرّات : «على رقبتك؟»

__________________

(١) كفاية الأصول : ٥٣٩.

(٢) الكافي ٧ : ٤٠٩ ـ ٢ ، الوسائل ٢٧ : ٢٠ ، الباب ٤ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ١.

فلم يجبه المفتي ، من أنّه : «نعم على رقبته قال نعم أو لم يقل» (١).

وبالجملة ، المعنى الأخير هو الموافق للّغة والعرف والروايات.

وأمّا ما في الكفاية (٢) من أنّه لو كان التقليد عبارة عن نفس العمل ، للزم أن يكون العمل غير مسبوق بالتقليد فمن غرائب الكلام ، إذ لم ترد آية ولا رواية على وجوب التقليد قبل العمل حتى يعدّ عدم مسبوقيّته به محذورا من المحاذير.

والّذي يسهّل الخطب أنّ هذا النزاع ليس له أثر عملي أصلا ، إذ ليس التقليد بهذا اللفظ موضوعا لحكم من الأحكام في الأدلّة وإن وقع بهذا اللفظ متعلّقا للحكم في قوله عليه‌السلام في بعض الروايات : «فللعوامّ أن يقلّدوه» (٣).

ثمّ إنّ جواز التقليد ـ المساوق للوجوب التعييني في بعض الموارد كمورد لا يتمكّن فيه المكلّف من الاجتهاد ولا من العمل بالاحتياط ، لعدم معرفته بموارده ، أو لعدم كون المورد قابلا له ، والمساوق للوجوب التخييري بينه وبين أخويه أو بينه وبين أحد أخويه فيما إذا تمكّن من الاجتهاد والعمل بالاحتياط معا أو تمكّن من أحدهما فقط ـ ممّا لا ريب فيه ولا شبهة تعتريه ، لجريان السيرة القطعيّة العمليّة عليه من زمان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى زماننا هذا ، ضرورة أنّه لم يكن المسلمون بأجمعهم حاضرين عند النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أو الأئمّة سلام الله عليهم ، ولم يكن الطريق منحصرا بالسؤال عن المعصوم وبنقل الروايات عنهم سلام الله عليهم ، بل كانت سيرتهم على السؤال عن أحكام الدين عمّن تعلّم من

__________________

(١) الكافي ٧ : ٤٠٩ ـ ١ ، التهذيب ٦ : ٢٢٣ ـ ٥٣٠ ، الوسائل ٢٧ : ٢٢٠ ، الباب ٧ من أبواب آداب القاضي ، الحديث ٢.

(٢) كفاية الأصول : ٥٣٩.

(٣) الاحتجاج ٢ : ٥١١ ـ ٣٣٧ ، الوسائل ٢٧ : ١٣١ ، الباب ١٠ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ٢٠.

المعصوم عليه‌السلام ، ولم يكن بناء أصحاب الأئمّة ـ الذين تعلّموا منهم عليهم‌السلام أحكام الدين ـ الاقتصار ـ عند سؤال العوام عنهم عن الأحكام ـ على نقل الروايات في مقام جوابهم ، بل كان يسأل السائل مثلا عن السورة في الصلاة ، فيجاب بأنّها واجبة.

وهذا مضافا إلى دلالة آية النفر على ذلك بالتقريب الّذي تقدّم في بحث حجّيّة الخبر ، وإجماله أنّ المستفاد من الآية الشريفة وجوب قبول قول المنذر المتفقّه في الدين عند إنذاره بما تفقّه من الأحكام ، وتقييد وجوب القبول بصورة حصول العلم بالصدق بعيد وعلى خلاف الظاهر ، ودلالة بعض الروايات ، كما دلّ على وجوب اتّباع العلماء ، وما دلّ على أنّ للعوامّ تقليد الفقهاء ، ومفهوم ما دلّ على المنع عن الفتوى بغير علم ، وما دلّ على إظهاره عليه‌السلام المحبّة لأن يرى في أصحابه من يفتي الناس ، فإنّه بالمطابقة يدلّ على جواز الإفتاء ، وبالملازمة العرفيّة بين الحكمين ـ : جواز الإفتاء وجواز التقليد ـ يدلّ على جواز اتّباع المفتي والأخذ بفتواه.

فهذه الأدلّة مخصّصة لما دلّ على حرمة اتّباع غير العلم ، والذّم على التقليد من الآيات والروايات لو لا المناقشة في دلالة بعضها ، كقوله تعالى : (إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ)(١) ، فإنّ ذمّهم إنّما كان على تقليدهم من كان مثلهم في الجهل والضلالة كما تكون لذلك قرينة في نفس الآية الشريفة.

ثمّ إنّ قياس الأحكام الفرعيّة بالأصول الاعتقاديّة في عدم جواز التقليد ـ مع كونه قياسا باطلا ليس من مذهبنا ـ مع الفارق ، ضرورة كفاية معرفة الأصول

__________________

(١) الزخرف : ٢٣.

الاعتقاديّة عن دليل كلّ بحسب فهمه ولو كان مثل الدليل المعروف من العجوزة ، وهذا في غاية السهولة ، بخلاف المسائل الفرعيّة التي يكون الاجتهاد فيها في غاية الصعوبة وأشدّ من طول الجهاد.

* * *

فصل :

في وجوب تقليد الأفضل وعدمه. والكلام يقع في مقامين :

الأوّل : في وظيفة المقلّد.

والثاني : فيما يستفاد من الأدلّة.

أمّا المقام الأوّل : فلا شكّ في وجوب الرجوع إلى الأفضل ، لكونه متعيّن الحجّيّة ، بخلاف غير الأفضل ، حيث إنّه مشكوك الحجّيّة ، والشكّ في الحجّيّة مساوق لعدم الحجّيّة.

نعم ، لو استقلّ عقله بتساوي الأفضل وغيره في ذلك ، أو قلّد الأعلم في هذه المسألة وكانت فتواه جواز تقليد غير الأفضل ، لصحّ الرجوع إلى غير الأفضل في سائر المسائل.

وقد استشكل في العروة (١) في الرجوع إلى غير الأفضل حتى فيما إذا أفتى الأفضل بجوازه إلّا إذا استقلّ عقله بالتساوي.

ولا وجه للإشكال ، فإنّه في الحقيقة تقليد عن الأفضل.

وأمّا إذا أفتى الأفضل بعدم جواز تقليد المفضول وأفتى المفضول بجواز ذلك ، فلا يصحّ الرجوع إلى المفضول في ذلك ، فإنّ حجّيّة قوله هذا متوقّفة على جواز تقليده وعدم وجوب تقليد الأعلم ، وهو متوقّف على حجّيّة قوله وعدم وجوب تقليد الأفضل ، وهو دور واضح.

وأمّا المقام الثاني : ففيه موضعان :

__________________

(١) العروة الوثقى ، المسألة ٤٦ من أحكام التقليد والاجتهاد.

الأوّل : فيما إذا علم تفصيلا أو إجمالا بمخالفتهما وعلم أيضا بعدم موافقة فتوى المفضول للاحتياط. ولا إشكال في وجوب تقليد الأعلم في هذه الصورة ، لعدم شمول أدلّة جواز التقليد من السيرة وغيرها لهذه الصورة.

أمّا السيرة : فعلى الخلاف قطعا.

وأمّا الآيات والروايات : فلا يعقل شمولها لكليهما ، ولا لأحدهما ، كما مرّ في الخبرين المتعارضين ، فيتساقطان ، وبعد التساقط لا دليل على جواز تقليد المفضول ، ولا على التخيير ، وينحصر الدليل حينئذ ببناء العقلاء على اتّباع قول الأفضل.

الموضع الثاني : فيما إذا احتمل المخالفة احتمالا بدويّا. والظاهر جواز تقليد المفضول في هذه الصورة ، لشمول الأدلّة لها أيضا حتى السيرة ، فإنّ بناء العقلاء ليس على الرجوع إلى الأفضل من أرباب الصنائع بحيث يبقى غير الأفضل منهم قاعدين في دارهم لا يرجع إليهم أحد.

وأمّا توهّم كون الشبهة مصداقيّة ، لأنّ الأدلّة اللفظيّة لا تشمل صورة المخالفة فمع الاحتمال يحتمل عدم الشمول ، فمدفوع : بأنّ هذا الاحتمال مدفوع بالأصل ، فإنّ الأصل عدم حصول المخالفة بينهما.

هذا ، وقد استدلّ على وجوب الرجوع إلى الأعلم في هذه الصورة أيضا بوجوه كلّها ضعيفة :

منها : المقبولة (١).

وفيه أوّلا : أنّ موردها الحكومة ، فالحكم على طبقها في مورد الفتوى قياس.

__________________

(١) الكافي ١ : ٦٧ ـ ٦٨ ـ ١٠ ، الفقيه ٣ : ٥ ـ ٢ ، التهذيب ٦ : ٣٠١ ـ ٨٤٥ ، الوسائل ٢٧ : ١٠٦ ـ ١٠٧ ، الباب ٩ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ١.

وثانيا : أنّه قدّم في المقبولة قول من لا يكون قوله مقدّما في باب الفتوى قطعا كالأورع ، فإنّ مقتضاها هو وجوب الرجوع إليه ولو كان غيره أعلم منه.

وثالثا : أنّ مقتضاها هو وجوب الرجوع إلى الأفضل من الاثنين ، والمدّعى لزوم الرجوع إلى أفضل الناس جميعا.

ومن ذلك ظهر الجواب عمّا يدلّ على ذمّ من يفتي وفي المصر من هو أفضل منه. وهكذا ظهر الجواب عن المنقول عن أمير المؤمنين عليه‌السلام : «اختر للحكم بين الناس أفضل رعيّتك» (١) فإنّ الكلام في وجوب الرجوع إلى الأفضل من جميع الناس لا الأفضل من علماء مصر من الأمصار.

هذا ، مضافا إلى أنّ موردهما كمورد المقبولة مورد الحكومة ، والتعدّي قياس مع الفارق.

ومنها : أنّ قول الأفضل أقرب من غيره ، فيلزم الأخذ به عقلا.

وفيه أوّلا : منع الصغرى على إطلاقها ، إذ كثيرا ما يكون غير الأفضل قوله أقرب منه ، لاعتضاد بعضهم ببعض ، وهل يكون قول فقيه واحد يكون أعلم من مائة فقيه أقرب إلى الحقّ من قول هذا الجمّ الغفير الذين يفتون على خلاف الأعلم ويرون خلاف ما يراه!؟

وثانيا : أنّه لم يعلم أنّ تمام مناط حجّيّة قول الأعلم هو أقربيّته إلى الواقع.

نعم ، لو كان المدرك لوجوب التقليد بناء العقلاء أو السيرة من دون تصرّف من الشارع ، لكانت هذه الكبرى تامّة.

بقي شيء ، وهو أنّهم ذكروا ـ فيما إذا علم إجمالا بأعلميّة أحد الشخصين ـ أنّه يتعيّن الأخذ بأحوط القولين. وهذا كما ذكروه. وفيما إذا لم يعلم

__________________

(١) نهج البلاغة ـ بشرح محمد عبده ـ : ٥٢٠.

إجمالا بذلك ذكروا أنّه يتعيّن تقليد مظنون الأعلميّة أو محتملها ، ويتخيّر إذا احتمل أعلميّة كلّ منهما.

ولنا في جميع ذلك إشكال ، لما عرفت من عدم شمول الأدلّة لمورد التعارض بين الفتويين ، وعرفت أنّ مقتضى القاعدة حينئذ هو التساقط والرجوع إلى الأعلم ببناء العقلاء إن كان متعيّنا ، وأمّا عند الاشتباه كمورد الكلام فلا بدّ من الرجوع إلى الأصل ، ولا دليل على ما ذكروه ، فإنّ الظنّ بالأعلميّة لا يغني من الحق شيئا فضلا عن احتماله ، فالرجوع إلى مظنون الأعلميّة أو محتملها بلا وجه. وهكذا التخيير في صورة احتمال أعلميّة كلّ منهما ، فإنّه بلا دليل.

نعم ، لو ثبت إجماع على عدم وجوب الاحتياط على المقلّد مطلقا حتى في مورد الكلام ، لتمّ جميع ما ذكروه ، لكن دون إثباته خرط القتاد ، فإنّ الثابت به عدم وجوب الاحتياط في الأحكام لا مطلقا حتى في هذه الموارد ، فالمتعيّن هو الرجوع إلى الاحتياط ، أي الأخذ بأحوط القولين بعد قيام الإجماع على عدم وجوب الاحتياط الكلّي وإدراك الواقعيّات.

* * *

فصل :

اختلفوا في اشتراط الحياة في المفتي على أقوال عمدتها ثلاث : الاشتراط مطلقا ، وعدم الاشتراط مطلقا ، والتفصيل بين التقليد الابتدائي فيشترط والاستمراري فلا يشترط.

واستدلّ القائل بعدم الاشتراط بالاستصحاب بتقريب أنّه كان في زمان حياته جائز التقليد قطعا وكان رأيه حجّة ، وبموته يشكّ في جواز بقائه ، لاحتمال اشتراط الحياة في ذلك فالآن كما كان.

وهذا الاستصحاب لا إشكال فيه من حيث اليقين السابق ، لأنّ الحجّيّة بأيّ معنى كانت ـ سواء كانت بمعنى المنجّزيّة والمعذّريّة ، كما بنى عليه صاحب الكفاية (١) ، أو بمعنى العلم والطريقيّة ، كما ذهب إليه شيخنا الأستاذ (٢) قدس‌سره ، أو كان أمرا انتزاعيّا مجعولا بتبع جعل منشأ انتزاعه كإيجاب العمل على طبق المؤدّى ، كما يستفاد من بعض كلمات الشيخ قدس‌سره ـ حكم شرعي مجعول بنفسه أو بتبع جعل منشأ انتزاعه كان ثابتا قبل الموت يقينا.

وتوهّم أن لا يقين بثبوته سابقا إلّا بالنسبة إلى الموجودين في زمانه فاسد ، فإنّ فيه ـ مضافا إلى عدم تماميّته في التقليد الاستمراري ، وفي الابتدائي في حقّ من بلغ في زمان حياته ولم يقلّده فيه ـ : أنّ هذا الإشكال ليس إلّا إشكال استصحاب الأحكام الكلّيّة. والجواب هو الجواب. والكلام متمحّض فعلا في الإشكال من حيث احتمال اشتراط الحياة في المفتي مع الفراغ عن سائر

__________________

(١) كفاية الأصول : ٣١٩.

(٢) أجود التقريرات ٢ : ٧٥.

الجهات ، ولا ريب في حجّيّة رأي الميّت على الموجودين بالفعل لو كانوا في زمان حياته ، وأزيد من هذا المقدار ليس في استصحاب الأحكام الكلّيّة.

وهكذا لا إشكال من حيث الشكّ اللاحق ، لأنّ موضوع الحجّيّة في الأدلّة ليس هو الفقيه والعالم حتى يرتفع بالموت عند العرف بنحو يعدّ عوده يوم القيامة عندهم من إعادة المعدوم وإن لم يكن كذلك في الحقيقة ، بل الموضوع هو الرّأي ، كما أنّ موضوع حجّيّة الخبر والشهادة هو الرواية والشهادة ، وليست الحجّيّة دائرة مدار الرّأي حدوثا وبقاء ، بل الحجّيّة ثابتة إلى الأبد بمجرّد حدوث الرّأي لو لا احتمال اشتراط الحياة.

والحاصل : أنّ بعض موضوعات الأحكام يكون الحكم تابعا له وجودا وعدما ، كالخمر ، فإنّ زوال عنوان الخمريّة مساوق لزوال حرمته ، ولو كان بعد ذلك حراما ، لكان بحسب الفهم العرفي حكما جديدا لموضوع جديد ، وبعضها تكون الأحكام تابعة لحدوثه ، وبمجرّد الحدوث يبقى الحكم إلى الأبد ، كما في الرواية والشهادة عند بعض ، فإنّ مجرّد حدوثهما موضوع لوجوب القبول إلى الأبد فيبقى ولو مات الراوي والشاهد ، فلو كان موضوع الحجّيّة هو الفقيه والعالم مثلا ، لكان الحكم مرتفعا بالموت قطعا ولم يكن شكّ في البقاء ، لكنّ الأمر ليس كذلك ، فإنّ الموضوع هو الرّأي ، ونشكّ في حجّيّته بحدوثه ما دام الحياة أو إلى الأبد.

وأمّا ما في الكفاية من أنّ بقاء الرّأي ممّا لا بدّ منه في جواز التقليد ، ولذا لو زال أو تبدّل لارتفعت الحجّيّة قطعا (١) ، ففيه : أنّه لا فرق بين رأي المجتهد ورواية الراوي في موضوعيتهما للحكم في لسان الدليل ، فكما أنّ الرواية

__________________

(١) كفاية الأصول : ٥٤٥.

بحدوثها تكون موضوعا كذلك رأي المجتهد.

وأمّا زوال الحكم بتبدّل الرّأي فمن جهة أنّه حكم ظاهريّ يزول بانكشاف الخلاف ، والرواية والشهادة أيضا كذلك ، فإذا رجع الراوي عن روايته وقال : «اشتبهت في النقل» لارتفع حكمها. وهكذا الشاهد إذا رجع عن شهادته أو انكشف خطؤه.

وأمّا زوال الحكم بزوال الرّأي بجنون ونحوه فأوّلا بالإجماع كما ادّعي. وثانيا بالفرق بين الموت وغيره ، فإنّ الموت يكون كمالا للإنسان ، فالعرف وإن كان يرى الرّأي زائلا بالموت إلّا أنّه لا يرى صاحبه جاهلا عاميّا ، بل يزور قبره ويقبّل ضريحه مثلا ، وهذا بخلاف ما إذا زال رأيه بالجنون ، فإنّ تقليده عندهم تقليد للعاميّ بل لمن يلحق بالحيوانات.

والحاصل : أنّ مقتضى الاستصحاب هو حجّيّة الرّأي إلّا أن يدلّ دليل على خلافه من إجماع ونحوه ، ولولاه لكان اللازم هو القول بحجّيّة رأي من صار مجنونا أيضا.

فظهر أنّ الاستصحاب من حيث اليقين السابق والشكّ اللاحق لا إشكال فيه ، ولكن مع ذلك لا يجري ، لأمرين :

أحدهما : ما بنينا عليه سابقا من عدم جريان الاستصحاب في الأحكام الكلّيّة إذا نشأ الشكّ من سعة دائرة الجعل وضيقها.

ثانيهما : أنّ جريان الاستصحاب في مورد لم يكن فيه دليل في البين ، والدليل موجود في المقام ، وهو إطلاقات الأدلّة من الآيات والروايات ، فإنّ المنع عن كونها في مقام البيان من هذه الجهة بلا وجه ـ وليعلم أنّ المدّعى وجود الإطلاق فيما لم تعلم المخالفة بين الميّت والحيّ في الفتوى ، وسيجيء الكلام في مورد العلم بالمخالفة ـ فإنّها في مقام بيان المقلّد وما يعتبر فيه ،

والمستفاد منها حجّيّة قول «المقلّد» و «الفقيه» و «أهل الذّكر» و «المنذر» و «راوي الحديث» على اختلاف التعابير ، سواء كان المقلّد حيّا بعد الرجوع إليه أو لم يكن.

والسيرة المتشرّعة أيضا على ذلك ، إذ لم يكن التوقّف بعد ممات المرجوع إليه معهودا ممّن رجع إلى أصحاب الأئمّة وأخذ منهم حكما.

ولو لم تكن السيرة المتشرّعة على ذلك ، لكان في بناء العقلاء غنى وكفاية ، ومنكره منكر للأمر الضروري ، ضرورة عدم توقّفهم في أمورهم إذا راجعوا أهل الخبرة بمجرّد موت من رجعوا إليه ، فإذا راجعوا طبيبا فكتب نسخة وعيّن دواء ثمّ مات ، لم يراجعوا طبيبا آخر.

هذا ، لكنّ الإطلاقات غير شاملة لتقليد الميّت ابتداء ، بل ظاهرها بحسب عناوينها وما اعتبر فيها من القيود هو فعليّة هذه العناوين والقيود عند الرجوع إليه والسؤال عنه ، فلا بدّ من صدق عنوان «السؤال عن أهل الذّكر» و «الرجوع إلى رواة الحديث» و «النّظر إلى من عرف الأحكام» و «تقليد من يكون من الفقهاء صائنا لنفسه حافظا لدينه مخالفا لهواه» وأمثال هذه التعابير ، ومن المعلوم أن لا تصدق عرفا هذه العناوين بعد الموت.

نعم ، السيرة العقلائيّة جارية على الرجوع إلى رأي العالم مطلقا حتى ابتداء ، فإنّهم كما لا يتوقّفون فيما رجعوا إلى الحيّ بعد موته كذلك يرجعون إلى الميّت ابتداء إذا كان من أهل الخبرة ، فنرى أنّهم يرجعون إلى قانون «أبو علي سينا» فإذا رأوا أنّه عيّن فيه دواء لمرض خاصّ ، يعالجون به مع تشخيصه.

لكن هذه السيرة مردوعة إمّا بالإجماع ـ والظاهر كفاية هذا الإجماع ، إذ لم ينسب إلى أحد من الطبقة الأولى والطبقة الوسطى جواز تقليد الميّت ابتداء ، والقول بالجواز إنّما نشأ من بعض المتأخّرين بعد الشهيدين ،

والمحقّقين من الأصوليّين المحقّق القمّي في القوانين ، ومن الأخباريّين المحدّث الأسترآبادي والكاشاني ، ولا يضرّ خلافهم مع أنّ خلاف الأخباريّين من جهة أنّهم لا يرون أصل التقليد جائزا ، ويرون العمل بقول المفتي هو العمل بالرواية لا الفتوى.

وممّا يؤكّد هذا الإجماع أنّه بناء على ما ذكرنا من أنّه مع العلم بالمخالفة لا تشمل الأدلّة شيئا من الفتاوى المختلف .. (١). والدليل حينئذ منحصر بالسيرة ، وهي قائمة على تقليد الأعلم من غير فرق بين كونه حيّا أو ميّتا ، ولازم ذلك هو الرجوع في كلّ عصر إلى من يكون أعلم من الجميع كان حيّا أو ميّتا ، ففي عصر الشيخ الطوسي مثلا ، لا بدّ من الرجوع إليه في زمانه وبعده حتى يأتي زمان يوجد فيه أحد أعلم منه ، وهكذا إلى زماننا هذا ، فينحصر مرجع التقليد بأشخاص مخصوصة ، وهذا بعينه مذهب العامّة الذين حصروا مراجع تقليدهم بالأربع ، وبذلك تأخّروا في الفقه والأصول عن الشيعة تأخّرا فاحشا ، وهو ممّا يقطع بأنّ الخاصّة على خلافه ، بل ادّعي ـ وليس ببعيد ـ أنّ بقاء العلم في الشيعة إنّما هو من جهة عدم تجويز تقليد الميّت وتجديد نظرهم يوما فيوما في مدارك الأحكام ـ الّذي ادّعاه الأكابر على عدم جواز تقليد الميّت ، أو بالأدلّة اللفظيّة التي حصر جواز التقليد فيها بالعناوين التي قلنا : إنّ صدقها يتوقّف على حياة المفتي عند الرجوع إليه.

وبالجملة ، من ضمّ بعضها ـ وهو ما له مفهوم ، كقوله عليه‌السلام : «من كان من الفقهاء صائنا لنفسه» (٢) إلى آخره ـ إلى بعض يستفاد عدم جواز تقليد غير

__________________

(١) مكان النقاط مخروم في الأصل.

(٢) الاحتجاج ٢ : ٥١١ ـ ٣٣٧ ، الوسائل ٢٧ : ١٣١ ، الباب ١٠ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ٢٠.

المتّصف بالصفات المذكورة فيها.

هذا كلّه فيما إذا لم تعلّم مخالفة فتوى الميّت مع فتوى الحيّ ، أمّا فيما إذا علم بالمخالفة ، فلا ينبغي الشكّ في وجوب الرجوع إلى الحيّ إذا كان أعلم وكان قوله موافقا للاحتياط ، إذ أمر الميّت لا يزيد عن الحيّ ، والرجوع من غير الأعلم إلى الأعلم واجب حتى في الحيّ.

وأمّا إذا كان الميّت أعلم وكان قول الحيّ مخالفا للاحتياط بأن أفتى الميّت بوجوب السورة ، والحيّ بعدم وجوبها ، فالظاهر وجوب البقاء ، لما مرّ من سقوط دليل حجّيّة قول كلّ منهما بالمعارضة ، ولا دليل على جواز التقليد إلّا بناء العقلاء ، وهو على اتّباع قول الأعلم من غير فرق بين الحيّ والميّت.

نعم ، إذا كان قول الحيّ موافقا للاحتياط ، لا يجب البقاء بل يتخيّر.

وأمّا إذا لم تحرز أعلميّة أحدهما ، فلو كان إجماع على عدم وجوب الاحتياط ، يجوز البقاء ، كما يجوز الرجوع إلى الحيّ ، وإلّا ـ كما هو كذلك ـ يجب الاحتياط.

والحاصل : أنّه لا بدّ من فرض الميّت حيّا ، فيجري جميع ما جرى في المجتهدين المخالفين في الفتوى ، إذ لا خصوصيّة للميّت بعد شمول إطلاق الدليل له ، فتقع المعارضة بين فتواه وفتوى الحيّ ، ويجري فيه ما ذكرنا هناك.

بقي أمران :

الأوّل : أنّ التقليد وإن كان عبارة عن نفس العمل كما ذكرنا إلّا أنّ جواز البقاء لا يحتاج إلى العمل ، بل يكفي فيه التعلّم والسؤال والأخذ للعمل ، لشمول الأدلّة وجريان السيرة العقلائيّة ، فإنّ السيرة قائمة على العمل بمجرّد الأخذ والتعلّم.

وبالجملة ، العقلاء بعد الرجوع إلى من هو من أهل الخبرة فيما هو خبرة

فيه يعملون بقوله ولو مات ولم يعملوا به في زمان حياته.

والموضوع في الأدلّة هو «الرجوع إلى رواة الحديث» و «السؤال من أهل الذّكر» و «النّظر إلى من عرف الأحكام» وأمثال ذلك ، فإذا راجعه أو سأله ، يجوز له العمل بقوله ، ويكون حجّة عليه ـ ولو مات بعد ذلك ـ بمقتضى الإطلاق.

الثاني : أنّ معنى الأعلميّة والأفقهيّة بحسب لفظ «أعلم» و «أفقه» هو أكثر علما وفقها ، فإذا كان أحد عالما بألف مسألة من الفقه أو غيره ، وآخر بألفين ، يكون الثاني أعلم وأفقه ، والمراد من لفظ «أفقههما» في مقبولة عمر بن حنظلة (١) أيضا هذا المعنى ، فإنّه هو معناه العرفي.

لكن هذا المعنى غير مراد في المقام قطعا ، لما ذكرنا من أنّ الرجوع إلى الأعلم لا دليل له إلّا السيرة ، ومن المعلوم أنّ السيرة غير قائمة على الرجوع إلى الأعلم بهذا المعنى ، مثلا : إذا كان هناك طبيبان أحدهما طبيب العين فقط ، والآخر طبيب البدن بأجمعه ، لا يرجع العقلاء في مرض العين إلى خصوص من يكون طبيبا للعين ولغيرها من أجزاء البدن دون من يكون طبيبا للعين فقط ، بل يرجعون إليه أيضا إذا كان مساويا مع غيره في الحذاقة ، بل المراد منه في المقام هو من يكون أدقّ نظرا وأعرف بمزايا الكلام وقرائنه الداخليّة والخارجيّة ، كما هو كذلك في جميع الصناعات ، فنرى أنّ أحد الخيّاطين يخيط ثوبا كأنّه قالب البدن ، والآخر أيضا يخيط لكنّه ليس بهذه الجودة ، وهو الّذي جرت السيرة على الرجوع إليه مع الاختلاف ، فإذا كان هناك مجتهدان أحدهما عارف بجميع الأحكام عن اجتهاد ونظر ، والآخر عارف بمقدار أقلّ منه بكثير لكنّه أدقّ نظرا منه ـ والمراد بالدقّة هي الدقّة التي إذا اطّلع عليها العرف

__________________

(١) الكافي ١ : ٦٧ ـ ٦٨ ـ ١٠ ، الفقيه ٣ : ٥ ـ ٢ ، التهذيب ٦ : ٣٠١ ـ ٨٤٥ ، الوسائل ٢٧ : ١٠٦ ـ ١٠٧ ، الباب ٩ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ١.

يعدّونها في محلّها لا الدقّة الفلسفيّة ، فإنّها ربّما تنافي الاجتهاد ـ وأعرف منه بمزايا الكلام ، يكون الثاني أعلم منه ، ولا بدّ من الرجوع إليه مع الاختلاف ولو كان الأوّل أكثر علما منه.

هذا تمام الكلام في الاجتهاد والتقليد. والحمد لله خير ختام ، والصلاة على محمّد خير الأنام ، وعلى آله البررة الكرام.

وقد تمّ في ليلة الاثنين ، السادس والعشرين من شهر ذي الحجّة الحرام سنة ١٣٦٩ من الهجرة.

* * *

الفهارس العامّة

١ ـ فهرس الآيات القرآنية

٢ ـ فهرس الأحاديث

٣ ـ فهرس أسماء المعصومين عليهم السّلام

٤ ـ فهرس الأعلام

٥ ـ فهرس مصادر التحقيق

٦ ـ فهرس الموضوعات

١ ـ فهرس الآيات القرآنيّة

سورة البقرة «٢»

الآية

الرقم

الجزء

الصفحة

مثلهم كمثل الَّذي ...

١٧

١

٧٥

أقيموا الصلاة ...

٤٣

١

٢٨٧ ، ٢٩٧

٣

٤٦

أتأمرون الناس بالبرّ ...

٤٤

١

٢٦٠

وما ظلمونا

٥٧

٣

٣٤

لا ينال عهدي الظالمين

١٢٤

١

١٣٤ ، ١٥٣

إنّ الذين يكتمون ...

١٥٩

٣

٢١٨

كتب عليكم الصيام

١٨٣

١

٢٨٧

٣

٢٦٩ ، ٢٧٠

فمن شهد منكم الشهر ...

١٨٥

٢

٥٤ ، ٣٨٦

٣

١٨ ، ٤٣

كلوا واشربوا حتى ...

١٨٧

٣

٤٢

حتى يتبيّن لكم الخيط ...

١٨٧

٣

١٩٩

٤

٨٨

الآية

الرقم

الجزء

الصفحة

ثمّ أتمّوا الصيام ...

١٨٧

٢

٢٨٥

٤

٢٣ ، ٦٨ ، ٨٩ ، ١١٥ ، ١١٦

لا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة

١٩٥

٣

٣٠٧ ، ٥٦٥

لا رفث ولا فسوق ولا جدال ...

١٩٧

٣

٥٣٧ ، ٥٤١

المطلَّقات يتربّصن بأنفسهن ...

٢٢٨

٢

٣٥٩

ولا يحلّ لهنّ أن يكتمن ...

٢٢٨

٣

٢١٨

والوالدات يرضعن أولادهنّ ...

٢٣٣

٢

٢٤٨

أحلّ اللَّه البيع ...

٢٧٥

١

١٠٣ ، ١٠٦ ـ ١٠٩ ، ١١١ ـ ١١٣

٢

٢١٣ ، ٢٢٠ ، ٣٧٣ ، ٤٠٤ ، ٤١٩

٣

١٧٢ ، ١٨٠ ، ٢٢٨ ، ٣٨٧

٤

٢٣٣ ، ٢٧٤ ، ٣٤٦

حرّم الرّبا

٢٧٥

٢

٣٧٣

٣

١٧٢ ، ٥٥٧

لا يكلَّف اللَّه نفسا ...

٢٨٦

٣

٤٨٨

سورة آل عمران «٣»

ولله على الناس حجّ البيت ...

٩٧

١

٢٣٩ ، ٢٧٨

٢

١٥٦ ، ٢٧٢ ، ٣٥٥

٤

١٩٢

ومن كفر فإنّ الله غني ...

٩٧

٤

١٧

فإن كذّبوك فقد كذّب ...

١٨٤

٤

١٧

سورة النساء «٤»

الآية

الرقم

الجزء

الصفحة

واللاتي يأتين الفاحشة ...

١٥

٣

٤٨٧

وأمّهات نسائكم

٢٣

١

١٣٥

وربائبكم اللاتي في حجوركم ...

٢٣

١

١٣٤

وأن تجمعوا بين الأختين

٢٣

١

١٣٣

تجارة عن تراض

٢٩

١

١٠٨

٤

٢٧٠

فلم تجدوا

٤٣

٣

٥٦٨

أطيعوا الله وأطيعوا ...

٥٩

١

٢٩٧

٣

٣٢٦

سورة المائدة «٥»

أوفوا بالعقود

١

١

١٠٨ ، ١١٣ ، ١١٤

٢

٢١٣ ، ٢٢١ ، ٢٣٩

٣

٣٨٧

٤

١٣٠ ، ١٨٧ ، ١٨٩ ، ١٩٤ ، ٢٧٠

وإذا حللتم فاصطادوا

٢

١

٢٨٤

إلَّا ما ذكَّيتم

٣

٣

٣٢٠

٤

١٠٧

كلوا ممّا أمسكن

٤

٢

١٤٨

إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا ...

٦

٢

٨٤ ، ٩٠

٤

١٠٠ ، ٢٦٢

فاغسلوا وجوهكم وأيديكم ...

٦

٤

٦٨

الآية

الرقم

الجزء

الصفحة

وإن كنتم جُنباً فاطَّهّروا

٦

٣

٤٤٤

٤

١٠٠

فلم تجدوا ماء فتيمّموا ...

٦

٢

١٤٧ ، ١٦٨

السارق والسارقة فاقطعوا ...

٣٨

١

١٥٢

يد الله مغلولة غلَّت ...

٦٤

٢

٣٨٨

سورة الأنعام «٦»

كلوا ممّا ذكر اسم الله ...

١١٨

٣

٣٢٤

سورة الأنفال «٨»

الآن خفّف الله عنكم ...

٦٦

٢

٣٨٩

وأولوا الأرحام بعضهم ...

٧٥

٤

٨٠

سورة التوبة «٩»

ومنهم الذين يؤذون ...

٦١

٣

٢٢١

وما على المحسنين من ...

٩١

٣

٥٧٨

وما كان الله ليضلّ ...

١١٥

٣

٢٦٣

فلو لا نفر من كلّ فرقة ...

١٢٢

٢

٣٥

٣

٢١٢

سورة يونس «١٠»

إنّ الظنّ لا يغني ...

٣٦

٣

٢٢٨

الآية

الرقم

الجزء

الصفحة

قل ءا لله أذن لكم أم ...

٥٩

٣

١١٧ ، ٣٥٢

سورة هود «١١»

فاتّبعوا أمر فرعون وما أمر ...

٩٧

١

١٧٩

سورة الرعد «١٣»

يمحو الله ما يشاء ويثبت ...

٣٩

٢

٣٨٧

سورة النحل «١٦»

فاسئلوا أهل الذّكر ...

٤٣

٢

٣٥

٣

٢٢٠

٤

١٤٢

إنّ الله يأمر بالعدل ...

٩٠

١

٢٦٠

سورة الإسراء «١٧»

وما كنّا معذّبين حتى ...

١٥

٣

٢٦٣

فلا تقل لهما أُفٍّ ...

٢٣

٢

٢٤٨ ، ٣٦٣

لا تقف ما ليس لك ...

٣٦

٣

١١٣ ، ٢٢٨ ، ٢٣١ ، ٣٠٧

أقم الصلاة لدلوك ...

٧٨

١

٣١٥

٣

٤٦٧ ، ٤٦٨

سورة مريم «١٩»

ما كانت أمّك بغياً

٢٨

٣

٢٦٣

سورة طه «٢٠»

الآية

الرقم

الجزء

الصفحة

طه ما أنزلنا عليك ...

١ ، ٢

٣

٥٦٩ ، ٥٧١

سورة الحجّ «٢٢»

وليوفوا نذورهم

٢٩

٢

٣٣٨

ما جعل عليكم في الدين ...

٧٨

٣

٥٤٢ ، ٥٤٤

٤

٣٠٣

سورة النور «٢٤»

الزانية والزاني فاجلدوا ...

٢

١

١٥٢

٤

١٢٧

ولا تقبلوا لهم شهادة ...

٤

٣

٣٠٣

ولا تكرهوا فتياتكم على ...

٣٣

٢

٢٦٣

سورة الفرقان «٢٥»

وأنزلنا من السماء ماءً ...

٦٨

١

١٠٤ ، ١٠٥

سورة النمل «٢٧»

وجحدوا بها واستيقنتها ...

١٤

٣

٥٥

سورة القصص «٢٨»

جاء رجل من أقصى ...

٢٠

٢

٣٩٨

سورة العنكبوت «٢٩»

الآية

الرقم

الجزء

الصفحة

إنّ الصلاة تنهى عن الفحشاء ...

٤٥

١

٨٠ ، ٨٤

سورة الروم «٣٠»

أقيموا الصلاة

٣١

٤

١٤٣

سورة يس «٣٦»

إذا أراد شيئاً أن يقول ...

٨٢

١

١٩٦

سورة الزخرف «٤٣»

إنّا وجدنا آباءنا على ...

٢٣

٤

٣٨١

فذرهم يخوضوا ويلعبوا ...

٨٣

٢

٢٨٥

سورة الأحقاف «٤٦»

وحمله وفصاله ثلاثون ...

١٥

٢

٢٤٨

سورة الحجرات «٤٩»

إن جاءكم

٦

٣

١٨٢

أن تصيبوا قوماً ...

٦

٣

١٦٤ ، ١٧٧ ، ١٨٨

لا يغتب بعضكم بعضاً

١٢

٤

١٩٠

سورة الذاريات «٥١»

ما خلقت الجنّ والإنس ...

٥٦

١

٢٦٠

سورة الواقعة «٥٦»

الآية

الرقم

الجزء

الصفحة

لا يمسّه إلَّا المطهّرون

٧٩

٣

٥٣٧

٤

٩٦

سورة الجمعة «٦٢»

وذروا البيع ...

٩

٢

٢٢٠

سورة التحريم «٦٦»

قوا أنفسكم وأهليكم ...

٦

٣

٣٠٧

سورة المدّثّر «٧٤»

وكُنّا نكذّب بيوم الدين حتى ...

٤٦ ، ٤٧

٢

٢٨٦

سورة البيّنة «٩٨»

لم يكن الذين كفروا ...

١

١

٢٥٩

وما أمروا إلَّا ليعبدوا الله ...

٥

١

٢٥٩

٢ ـ فهرس الأحاديث

(أ)

الحديث

الجزء

الصفحة

اتّخذ ثوبا لصلاتك

٣

٣٢٢

اختر للحكم بين الناس أفضل ...

٤

٣٨٥

اخرجوا مع جيش أسامة

٤

٨١

أخوك دينك فاحتط لدينك

٣

٢٦٥ ، ٣٠٧ ، ٣٢٦

إذا التقى المسلمان بسيفيهما ...

٣

٣٢

إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ...

٣

٤٨٦ ، ٤٨٧

إذا بلغ الماء قدر كرّ لا ينجّسه ...

٢

٢٦٥ ، ٣٦٦

٣

١٨٧ ، ٢١٥

٤

١٧٦ ، ١٧٨

إذا خرجت من شيء ثمّ دخلت ...

٤

٢٢٨ ، ٢٤٢

إذا زالت الشمس فقد دخل الوقتان

٤

١١٥

إذا زالت الشمس فقد دخل وقت ...

٤

١١٥

إذا سهوت ـ شككت ـ في الأوّلتين ...

٣

٤٧

إذا شككت بين الثلاث والأربع ...

١

٣١٨

٢

٢١٨

الحديث

الجزء

الصفحة

إذا شككت فابن علي اليقين

٤

٥٣ ، ٥٨

إذا شككت في شيء ممّا أوجبه ...

٤

٢٦٧

إذا شككت في شيء من الوضوء ...

٤

٢٢٩ ، ٢٤١

إذا قوي فليقم

٤

٣٢١

إذا كان بنيّة صالحة يريد ...

٣

٥٠١

إذا لم يدر في ثلاث هو أو في ...

٤

٥٣

إذا ورد عليكم حديثان مختلفان ...

٤

٣٥٢

أرجه حتى تلقى إمامك

٤

٣٥٧

الإسلام يزيد ولا ينقص

٣

٥٢٨

الاسم ما أنبأ عن المسمّى ...

١

٤٩

الأعمال بالنيّات

١

٢٦٠

اغتسل للجمعة والجنابة

٣

٤٩٠

اغسل ثوبك من أبوال ...

٣

٢١٥

«أفسدها» في جواب من أخذ الخمر عن دينه

٢

٢١٤

ألست تشتريه منه وتحلف ...؟

٤

٢٩٢

أما يخاف أن يقلب اللَّه وجهه ...

٢

٢٣٣

امسح مقدّم رأسك

٢

٤١٠

أمن أجل مكان واحد تجعل فيه ...؟

٣

٣٩٤

أنتم أفقه الناس إذا عرفتم معاني ...

٤

١٤٢

انظروا إلى من روى حديثنا

٤

١٤٢

إن شكّ الرّجل بعد ما صلَّى ...

٤

٢٢٩

إن شكّ في الركوع بعد ما سجد ...

٤

٢٢٨ ، ٢٤٣

إنّ اللَّه تعالى حرّم الميتة والخمر ...

٣

٥٦٦

إنّ دين اللَّه لا يصاب بالعقول

٣

٧٠

إنّ الصلاة في وبر كلّ شيء حرام أكله ...

٣

٣٤٤ ، ٣٤٧

الحديث

الجزء

الصفحة

إنّ فلانا دسّ في كتب أصحاب أبي ...

٣

١٧٢

إنّ القرآن ظاهره قصّة ...

١

١٢٥

إنّك إذا اشتريت منه أما ...

٤

٢٨٧

إنّك رجل مضارّ ...

٣

٥٣٣ ، ٥٤٤ ، ٥٤٦ ، ٥٤٧

إنّ للقرآن ظهرا وبطنا

١

١٢٥

إنّما أقضي بينكم بالأيمان ...

٤

٢٩٤

إنّما الشكّ إذا كنت في شيء ...

٤

٢٣٩ ، ٢٤٥

إنّما عنيت ـ أردت ـ بذلك الشكّ بين الثلاث والأربع

٣

٢٠٩ ، ٥٥٦

٤

٢١٠ ، ٣٠٢

إنّ ماء البئر واسع لا يفسده ...

٣

٢١٥

إنّ المجاهد إن جاهد للَّه ...

١

٢٦١

إنّه لم يعص اللَّه وإنّما عصى ...

٢

٢٤٠

إنّ الودعيّ لو كان عنده لأحد درهم والآخر درهمان ... يأخذ صاحب ...

٣

٧١

(ب)

بأيّة عملت

٤

٣٥٣

بأيّهما أخذت

٤

٣٥٣

بلى قد ركعت

٢

٢١٨

٤

٨٤ ، ٢٢٠

بمثل هذا فاشهد أو دع

٣

٤٧

البيّنة على المدّعي واليمين ...

٤

٢٨٩

(ت)

تحكم فينا بخلاف حكم اللَّه ...؟

٤

٢٨٩

الحديث

الجزء

الصفحة

التراب أحد الطهورين

١

٣٠٨

٢

٨٧

تلك الخمرة المنتنة

٣

٥٥٦

٤

٩٢

(ج)

الجار كالنفس لا مضارّ ولا آثم

٣

٥٦٥

(ح)

حتى تعرف الحرام منه بعينه

٣

٨٢

حتى تطلع الشمس

٤

١١٦

حتى تغيب الشمس

٤

١١٥ ـ ١١٦

حتى يطلع الفجر

٤

١١٦

حتى ينتصف الليل

٤

١١٦

الحرف ما أوجد معنى في غيره ...

١

٤٥

حلال محمد حلال إلى يوم القيامة ...

٢

٣٨١

٤

١٩١ ، ١٩٢

(خ)

خذ بما اشتهر بين أصحابك ...

٣

١٦١ ـ ١٦٣

خلق اللَّه الأشياء بالمشيئة ...

١

٢٠٨

خلق اللَّه الماء طهورا ...

٢

٣٦٦

(د)

دعي الصلاة أيّام أقرائك

٤

٧٣

الحديث

الجزء

الصفحة

دين اللَّه أحقّ أن يقضى

٣

١١٤ ، ٤٠٩

(ذ)

ذلك إلى إمام المسلمين إن صمت ...

٤

٢١

(ر)

رفع عن أمّتي تسعة أشياء : الخطأ ...

٣

٢٦٥ ، ٢٧٢

رفع القلم عن الصبي حتى يحتلم

٣

٣٠٤

رفع القلم عن المجنون حتى يحتلم

٣

٣٠٤

رفع ما استكرهوا عليه

٤

٢١

رفع ما لا يعلمون

١

٢٧٠

٣ ٦٥ ، ١٢٥ ، ٣٥٤ ، ٤٧١

(ز)

زخرف ... لم أقله

٣

١٧١ ، ١٧٢

(س)

سأخبرك عن الجبن وغيره ...

٣

٢٨٧

السعيد سعيد في بطن أمّه ...

١

٢١٥

سين بلال شين

٣

٤٦٠

ص

صلّ واجعلها لما فات

١

٣٠٥

الصلاة ثلاثة أثلاث : ثلثها طهور ...

١

٩٥

صم للرؤية وأفطر للرؤية

٣

٤٣

الحديث

الجزء

الصفحة

الصوم جنّة من النار

١

٨٠

ع

«على رقبتك؟» ... «نعم على رقبته ...»

٤

٣٧٩ ـ ٣٨٠

على المفتي وزر من عمل بفتياه

٤

٣٧٩

(ف)

فإذا قمت من الوضوء وفرغت ...

٤

٢٤٩

فأمضه كما هو

٤

٢٣٢ ، ٢٣٨

فإنّ الحقّ فيما خالفهم

٤

٣٥٨

فإنّ المجمع عليه لا ريب فيه

٣

١٦٢

فانظروا إلى رجل قد روى حديثنا ...

٢

٣١٩

الفقّاع خمر استصغره الناس

٣

٥٥٦

فلتتّق اللَّه ولتترك الصلاة

٢

٢٣٣

فللعوام أن يقلَّدوه

٤

٣٨٠

فليس ينبغي لك أن تنقض ...

٤

٤٧

(ق)

قام فأضاف إليها أخرى

٤

٥٨

«قد ركع» في جواب السؤال عن حكم الشكّ في الركوع حال الهويّ إلى السجود

٤

٢٥٣

قد لا يقبل الصلاة إلَّا نصفها أو ثلثها

١

٣٠٦

قضى رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وآله بالشفعة بين الشركاء ...

٣

٥٣٠

قف عند الشبهة

٣

١٣ ، ٢٦٥ ، ٣٠٨

قليل تدوم عليه خير من كثير ...

٣

٣٤٩

الحديث

الجزء

الصفحة

 (ك)

كلّ أعمال البرّ بالصبر يرحمك اللَّه ...

٣

٣٢٢

كلّ حيوان يطير فلا بأس ببوله ...

٣

٢١٥

كلّ شيء شكّ فيه وقد جاوزه ...

٤

٢٤٢

كلّ شيء فيه حلال وحرام ...

٣

٢٨٦ ، ٢٨٧ ، ٣١٨ ، ٣٢٠ ، ٣٥٣ ، ٤٢٠ ، ٤٢٦ ، ٤٢٨

كلّ شيء لك حلال

٣

٢٦٦ ، ٢٦٧ ، ٢٨٣

كلّ شيء لك حلال حتى تعرف أنّه حرام

٣

٨١

٤

٦٣ ، ٨٩

كلّ شيء لك حلال حتى تعرف الحرام منه ...

٤

٢٨٨

كلّ شيء لك حلال حتى تعلم أنّه حرام ...

٣

٢٨٣

كلّ شيء ممّا حرّم اللَّه أكله فالصلاة ...

٤

٢٤٣

كلّ شيء مطلق حتى يرد فيه نهي

٢

٢٣٩ ، ٣٥٠

٣

٦٥ ، ٢٤٣ ، ٢٦٣ ، ٢٩٠ ، ٣١١

كلّ شيء نظيف حتى تعلم أنّه قذر

٣

٤٢٦ ، ٤٢٨

٤

٦٣ ، ٧٨ ، ٨٩

كلّ شيء هو لك حلال حتى تعلم ...

٢

٢٣٩ ، ٣٤٢

كلّ ما شككت فيه ممّا قد مضى ...

٤

٢٢٩ ، ٢٣٤ ، ٢٣٥ ، ٢٣٧ ، ٢٤٥ ، ٢٤٧ ، ٢٦٤

كلّ ما مضى من صلاتك وطهورك ...

٤

٢٣٩

(ل)

لأنّك كنت على يقين من طهارتك ـ وضوئك ـ ...

٤

٤٧ ، ٦٠ ، ١٦٦

الحديث

الجزء

الصفحة

لأنّك لا تدري لعلَّه شيء ...

٤

٤٧

لعن اللَّه شاربها وبائعها وغارسها

٢

٢١٣

لكلّ امرئ ما نوى

١

٢٦٠

لكن ينقضه بيقين آخر

٣

٨١

لم يعد الصلاة وكان حين ...

٤

٢٤٩

لو ركع المأموم والإمام راكع

٢

٣٢٨

لولا أن أشقّ على أمّتي لأمرتهم ...

١

١٩٢

٣

١٠٢

لولا آية في كتاب اللَّه ...

٢

٣٨٧

لولا ذلك لما قام للمسلمين سوق

٤

٢٢٣ ، ٢٦٩ ـ ٢٧٠

لا بأس بغسالة الاستنجاء

٢

٣٤٤

لا ، بل إنّما أنا شافع

١

١٨٨

«لا تأكله» في جواب قول السائل : وقعت فأرة في خابية فيها سمن ...

٣

٤٢١

لا تجتمع أمّتي على خطأ

٣

١٥٦

لا تدع الصلاة بحال

٢

١٣٨

لا تصلّ في الحرير

٣

٤٧١

لا تصلّ فيما لا يؤكل لحمه

٣

٤٧١

٤

١٥١

لا تصلّ في وبر ما لا يؤكل لحمه

٢

٢١٢

لا تعاد الصلاة ...

٢

٢١٩

٣

٤٦٨ ، ٤٧٧ ، ٤٨٦

٤

٣٧٧

لا تعمل بواحد منهما حتى تلقى صاحبك ...

٤

٣٤٤

لا تقرأ شيئا من العزائم في صلاتك ...

٣

٤٧٥

الحديث

الجزء

الصفحة

لا تنقض اليقين بالشكّ

٣

٥٧ ، ٥٩ ، ٢٠٩ ، ٣٧١

٤

٦٥

لا ، حتّى يستيقن أنّه قد نام ...

٤

٤٥ ، ١٩٥

لا ربا بين الزوج والزوجة

٣

٥٣٨

لا ربا بين الوالد والولد

٣

١٧٢ ، ٢٧٦ ، ٥٣٨ ، ٥٤١ ، ٥٥٧

لا ربا بين الوالدين

٢

٣٧٣

لا رهبانيّة في الإسلام

٣

٥٣٧ ، ٥٤٢

لا سبق إلَّا في حافر أو نصل

٣

٥٣٧

لا سهو في سهو

٣

٥٣٨

لا شكّ لكثير الشكّ

١

٣١٨

٣

٢٧٦ ، ٥٣٨ ، ٥٤١ ، ٥٥٨

لا شيء عليه وقد تمّت صلاته

٣

٥٢١

لا صلاة إلَّا بطهور

٢

٢٨٩ ، ٣١٧ ٤

لا صلاة إلَّا بفاتحة الكتاب

٢

٢٨٩ ، ٣١٧

٣

٤٦٧ ، ٤٧١ ، ٤٨٦

لا صدقة وذو رحم محتاج

٣

٥٤١

لا ضرر في الإسلام

٤

٣٠٣

لا ضرر ولا ضرار

٣

٥٢٧ ، ٥٣١ ، ٥٣٤ ـ ٥٣٦ ، ٥٤٨

لا ضرر ولا ضرار في الإسلام

٣

٥٢٧ ، ٥٢٨ ، ٥٤٥ ، ٥٥٧

لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق

٣

٥٣٧ ، ٥٤١

لا عذر لأحد في التشكيك فيما يرويه ...

٣

١٧١

٤

٩٢ ، ١٤٤

الحديث

الجزء

الصفحة

لا غيبة للمتجاهر

٣

٥٣٨

لا غيبة لمن ألقى جلباب الحياء

٣

٥٤١

لا ، لأنّك أعرته إيّاه وهو طاهر ...

٤

٧٠

لا نجش في الإسلام

٣

٥٣٧ ، ٥٤٢

لا يحلّ مال إلَّا من حيث أحلَّه اللَّه

٣

٤٢٠

لا يضرّ الصائم ما صنع إذا اجتنب ...

٤

٣٤٨

لا يكلَّف اللَّه نفسا إلَّا ما آتاها

٤

٣٩ ـ ٤٠

لا يمنع فضل ماء ليمنع فضل كلأ

٣

٥٣١

لا يمنع نفع الشيء

٣

٥٣١

(م)

ما أدّيا عنّي فعنّي يؤدّيان

٣

٥٣ ، ١٧١

٤

٩٢

ما جعل اللَّه ذلك إلَّا عند أهله

٣

١٣٢

ما حجب اللَّه علمه عن العباد ...

٣

٢٨١ ، ٥٧٤

٤

٣٩

ما خالف العامّة ففيه الرشاد

٤

٣٥٨

ما خالف كتاب اللَّه باطل ...

٢

٣٧٦

ما لا يدرك كلَّه لا يترك كلَّه

٣

٤٨٩

الماء كلَّه طاهر حتى يعلم أنّه قذر

٤

٦٣ ، ٧٠

المرأة إذا بلغت خمسين سنة لم تر حمرة ...

٢

٣٣٤

المسلم من سلم المسلمون من يده ...

٣

٥٦٥

من آوى إلى فراشه وذكر أنّه لم يتوضّأ ...

٣

٥٦٨

من استولى على شيء فهو له

٤

٢٨٩ ، ٢٩١ ـ ٢٩٣

من استيقن أنّه زاد في المكتوبة

٣

٤٧٧

الحديث

الجزء

الصفحة

من بلغه عن النبي صلَّى اللَّه عليه وآله ثواب على عمل ففعله ...

٣

٣٣٢

من ترك ما اشتبه عليه من الإثم ...

٣

٣٢٧

من حفظ على أمّتي أربعين حديثا

٣

٢١٤

من روى حديثنا ونظر في حلالنا ...

٤

٣٦٦

من زاد في صلاته ...

٢

٢٢٢

٣

٤٧٣ ، ٤٧٧

من عرف شيئا من قضايانا

٤

٣٦٧

من فاتته فريضة فليقضها ...

١

١٠٤

من كان على يقين فأصابه شكّ

٤

٦٠

من كان على يقين فشكّ فليمض ...

٤

٢٩ ، ٦٠ ، ١٦٦

من كان من الفقهاء صائنا لنفسه

٤

٣٩١

الميسور لا يسقط بالمعسور

٣

٤٩٤

(ن)

الناس في سعة ما لا يعلمون

٣

٢٨٩

الناس مسلَّطون على أموالهم

٣

٥٨٠

الناس معادن كمعادن الذهب ...

١

٢١٦

نحن معاشر الأنبياء لا نورّث ...

٤

٢٩٦

«نعم» في جواب السؤال عن حكم الشهادة عند ابن أبي ليلى ...

٤

٢٩٥

نهى عن بيع الغرر

٢

٣٧٣

٣

١٧٢ ، ٢٣٨

٤

٣٤٦

الحديث

الجزء

الصفحة

 (ه)

هلَّا تعلَّمت؟

٢

٣٦

هلَّا عملت؟ ... هلَّا تعلَّمت؟

٣

٥٠٨

هو حين يتوضّأ أذكر منه حين يشكّ

٤

٨٤ ، ٢٢٠ ، ٢٢٩ ، ٢٤٩ ، ٢٥٧ ، ٢٥٩

(و)

والأشياء كلَّها على هذا حتى يستبين ...

٣

١٤٦

وإن كنت من الأشقياء فامحني ...

١

٢١٥

وكان حين انصرف أقرب إلى الحقّ

٤

٨٤ ، ٢٢٩ ، ٢٥٧

وكمال التوحيد نفي الصفات عنه

١

١٧١

ولا تنقض اليقين بالشكّ

٤

١٩٥ ، ٢٠٤ ، ٢٠٩

ولا يدخل الشكّ في اليقين ...

٤

٥٨ ، ٦٢

ولا يعتد بالشكّ في حال ...

٤

٥٣

ويحك إنّما يعرف القرآن من ...

٣

١٣٢

(ي)

يا زرارة قد تنام العين ولا ينام ...

٤

١٥ ـ ١٦

يا محمد كذّب سمعك وبصرك ...

٣

٢٢٢

يا من دلّ على ذاته بذاته

١

٦٨

يؤتى بالعبد يوم القيامة فيقال ...

٢

٣٥٠

يجري كجري الشمس والقمر

١

١٢٥

يجزئ التحرّي أبدا إذا لم يعلم ...

٤

٢٣١

يجزئك في الاستنجاء ثلاثة أحجار ...

٤

٥٠

الحديث

الجزء

الصفحة

يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب

١

١٣٥

يركع ركعتين وأربع سجدات ...

٤

٥٨

«يسجد» في جواب السائل عن حكم الشكّ في السجود قبل أن يستوي جالسا أو قائما

٤

٢٥٣

يعلم أنّه قذر

٣

٨١

اليقين لا يدخله الشكّ

٤

٢٨ ، ٦١ ـ ٦٣

اليقين لا يدفع بالشكّ

٤

٢٨ ، ٨٨

٣ ـ فهرس أسماء المعصومين عليهم السّلام

المعصوم

الجزء

الصفحة

النبي محمد رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وآله

١

٣ ، ٧٨ ، ٧٩ ٢ ١٣ ، ٢٥٣ ، ٣٥٧ ، ٣٨١ ، ٣٨٢ ، ٣٨٧ ٣ ٣٠ ، ٦٤ ، ١٠٢ ، ١٣٤ ، ١٥٥ ، ٣٢٨ ، ٣٢٩ ، ٣٣٢ ، ٣٣٣ ، ٣٣٥ ، ٣٤٤ ، ٤٦٠ ، ٤٦١ ، ٤٨٨ ، ٥٢٨ ـ ٥٣١ ، ٥٣٤ ، ٥٣٥ ، ٥٤٨ ، ٥٥٨ ، ٥٦٩ ، ٥٧١ ، ٥٨٢

٤

١٤٦ ، ١٨٥ ، ٢٨٩ ، ٢٩٦ ، ٢٩٧ ، ٣٨٠

الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام

١

٤٥ ، ١٧١

٤

٦٠ ، ٢٨٩ ، ٣٨٥

فاطمة عليها السّلام

٤

٢٩٦

الإمام الحسين عليه السّلام

١

٢٢٤

٢

٤١٦

٣

٣٢٩ ، ٥٧١

الإمام الباقر عليه السّلام

٣

٢٨٧ ، ٤٢١

٤

١٥

المعصوم

الجزء

الصفحة

الإمام الصادق عليه السّلام

٢

٣٣٤ ، ٣٤٢

٣

١٧٢ ، ٤٤٤ ، ٥٣٠ ، ٥٣١ ، ٥٥٩

٤

١٥ ، ٢١ ، ٢٢٨ ، ٢٢٩ ، ٢٥٣ ، ٣٤٤ ، ٣٥٢

الإمام الرضا عليه السّلام

٣

٣٢٢

٤

١٨٥

الإمام الجواد عليه السّلام

٣

٣٢٢

النبي موسى عليه السّلام

١

٤١ ، ٢٠١

٤

١٨٤ ـ ١٨٦

النبي عيسى عليه السّلام

٣

٥٤٢

٤ ـ فهرس الأعلام

العلم

الجزء

الصفحة

(أ)

أبان بن تغلب

٣

٣٦ ، ٣٨ ، ٤٠

ابن الأثير

٣

٥٢٧ ، ٥٣٠

ابن إدريس

٣

١٧٠

ابن أذينة

٤

٣٣٨

ابن أبي عمير

٤

٦١

ابن أبي ليلى

٤

٢٩٥

ابن أبي يعفور

٤

٢٢٩ ، ٢٤١ ، ٢٤٥ ، ٢٤٨

ابن بزيع

٣

٢١٥

ابن بكير

٣

٣٤٧ ، ٥٣٦

ابن زهرة

٣

١٥٣ ، ١٧٠

ابن الغضائري

٤

٦١

ابن قبة

٣

٩٧ ، ١٠٠ ، ١٠٩

٤

٣١٢ ، ٣٧٥

ابن قولويه

٣

٢٨٣

العلم

الجزء

الصفحة

ابن مالك

١

٦٤

ابن مسكان

٣

٥٢٨ ، ٥٣٦

أبو بكر

٤

٢٨٩ ، ٢٩٦ ، ٢٩٧

أبو الحسن البصري

٢

١٢٠

أبو حنيفة

٢

٢٤١ ، ٢٤٣ ، ٢٨٩ ، ٢٩٠

٣

١٣٢ ، ١٣٣

أبو هشام

٢

٣٨

أحمد بن حنبل

٣

٥٣١

أحمد بن محمد بن خالد البرقي

٣

٥٦٧

إسماعيل بن جابر

٤

٢٤١ ، ٢٤٤ ، ٢٥١

(ب)

بحر العلوم

٤

١٥

بريرة

١

١٨٨

بعض الأساتيذ

٤

١٤

بعض الأساطين

١

١٨٢ ، ١٨٤ ، ٢٤١ ، ٢٤٢

٣

٣٠٦

٤

٥٤

بعض الأعاظم

٢

٣٣٦

٣

١٤٨ ، ١٥٣ ، ١٧٨

بعض الأكابر

١

١٨٣

٢

٥٨

٤

١٧٠ ، ١٧٣ ، ٢٦٠

بعض أهل النّظر

٢

٥٩

بعض الشافعية

٢

٢٨٣

العلم

الجزء

الصفحة

بعض المحدّثين

٤

٣٥٠

بعض المحشّين

٤

٢٧١

بعض المحقّقين

١

٨٥

٣

٩٤ ، ١٦٩ ، ١٩٤ ، ٢٤١ ، ٣٣٩ ٤٣٦

بعض المدقّقين

١

٨٧

بعض مشايخنا

١

٢٠٤ ، ٣٠٠

٢

٧٨ ، ٩٠ ، ٩٦ ، ١٠٨

بعض مشايخنا العظام

٢

٥٥

بعض مشايخنا المحقّقين

١

٢٣ ، ٦٣ ، ٨٦ ، ٩٠ ، ٢٥٥

٢

٩٦

بعض المعاصرين

٤

٢٧١

بلال

٣

٤٢١

(ت)

التفتازاني

١

١٨٤

ج

الجاثليق

٤

١٨٥

(ح)

الحارث بن المغيرة

٤

٣٤٣ ، ٣٤٤

الحسن بن الجهم

٤

٣٤٢

حفص

٤

٢٨٧

الحميري

٤

٣٤٣

العلم

الجزء

الصفحة

(ز)

زرارة

٣

١٦١ ، ١٦٢ ، ٢١٧ ، ٢٢٠ ، ٢٤٢ ، ٣٤٤ ، ٥٢٣ ، ٥٢٨ ، ٥٣٦ ، ٥٥٩

٤

١٥ ، ٤٥ ، ٤٧ ، ٦٢ ، ١٩٤ ، ٢٢٧ ، ٢٢٨ ، ٢٤١ ، ٢٤٤ ، ٢٤٩ ، ٢٥١ ، ٢٥٤ ، ٢٦١ ، ٣٤٥ ، ٣٤٩

(س)

السفاح

٤

٢١

السكاكي

١

١٢٦

السكوني

٣

٧١

سماعة بن مهران

٤

٣٤٤

سمرة بن جندب

٣

٥٣٠ ، ٥٣٤ ، ٥٣٥

السيّد الأستاذ (السيّد الخوئي)

١

١٥٥

٢

١٦٩ ، ٢٣٧ ، ٣٠٤ ، ٣٢٢

٣

٢٦ ، ٤١ ، ٢٨٣ ، ٣٢٤ ، ٤٦١ ، ٥٠٤

٤

٣١٤

السيّد الصدر

٢

١٥١

٤

١٠١ ، ٣٤٩

السيّد المحقّق (السيّد محمد الأصفهاني)

٢

٤٩

السيّد المرتضى

١

٢٨٤

٢

٧٧ ، ١٥٣ ، ١٧٠ ، ١٧٦ ، ٢٠٠ ـ ٢٠٥ ، ٢٢٧

سيّد مشايخنا الشيرازي

٤

٦٠

السيّد نعمة اللَّه الجزائري

٣

٦٩

العلم

الجزء

الصفحة

(ش)

شارح الكافية (الرضي)

١

٣٥

شارح المطالع

١

١٥٥

الشهيد الأوّل

٣

٣١٨

٤

٨٠

الشيباني

٢

٢٤١ ، ٢٤٣

الشيخ الأنصاري

١

١٧ ، ٩٩ ، ٢٣١ ، ٢٥٠ ، ٢٦٠ ، ٢٦٣ ، ٣٢١

٢

٢ ٢٢ ، ٤٤ ـ ٤٦ ، ٦٤ ، ٧١ ، ٧٢ ، ٧٩ ، ٨٠ ، ٨٩ ، ٩٠ ، ٩٤ ، ٩٥ ، ١٥١ ، ١٧٠ ، ٢٦٠ ، ٣٠٩ ، ٣٨٣ ، ٤٠٦

٣

٦ ، ٨ ، ٣٨ ـ ٤٠ ، ٤٣ ، ٤٥ ، ٧١ ، ٨١ ، ٨٨ ، ٩٠ ، ٩٣ ، ٩٥ ـ ٩٧ ، ٩٩ ، ١٠٠ ، ١٠٤ ، ١١٧ ، ١٢١ ، ١٢٤ ، ١٣٨ ، ١٤٣ ، ١٤٧ ، ١٤٨ ، ١٥١ ، ١٥٣ ، ١٥٩ ، ١٦٢ ، ١٦٨ ، ١٧٦ ـ ١٧٨ ، ١٨١ ، ١٨٢ ، ١٨٤ ، ١٩٥ ، ١٩٧ ، ٢١٠ ، ٢١٤ ، ٢٢٢ ، ٢٢٥ ، ٢٣٣ ، ٢٣٥ ، ٢٣٦ ، ٢٤٠ ، ٢٤١ ، ٢٥٠ ـ ٢٥٣ ، ٢٦٠ ، ٢٦٢ ، ٢٦٦ ، ٢٨٦ ، ٢٨٨ ـ ٢٩٠ ، ٢٩٢ ، ٢٩٨ ، ٣٠٠ ، ٣٠١ ، ٣٠٤ ، ٣١٠ ، ٣١٧ ، ٣١٨ ، ٣٣٦ ـ ٣٣٨ ، ٣٤٠ ، ٣٤٨ ، ٣٦٠ ، ٣٧١ ، ٣٧٣ ، ٣٧٩ ، ٣٨١ ، ٣٨٩ ، ٣٩٤ ـ ٣٩٨ ، ٤٠٦ ، ٤٠٧ ، ٤١١ ، ٤٢٠ ، ٤٢٣ ، ٤٢٤ ، ٤٣٥ ، ٤٤٢ ، ٤٤٧ ، ٤٥٠ ، ٤٦٧ ، ٤٧٩ ، ٤٨٣ ، ٤٩٦ ، ٥٠٢ ، ٥٠٤ ، ٥٢٧ ، ٥٣٤ ، ٥٣٨ ، ٥٣٩ ، ٥٤٤ ، ٥٤٩ ، ٥٦٢ ، ٥٦٥ ، ٥٧٦ ، ٥٧٨ ، ٥٧٩

العلم

الجزء

الصفحة

٤

٨ ، ١٢ ، ١٥ ، ١٨ ، ٢١ ـ ٢٥ ، ٢٨ ، ٢٩ ، ٣١ ، ٣٢ ، ٣٤ ، ٣٨ ، ٥٣ ، ٥٤ ، ٥٩ ، ٦٠ ، ٦٢ ، ٧٠ ، ٧٥ ، ٧٧ ، ٧٨ ، ٨٣ ، ٩٥ ، ٩٦ ، ١٠٣ ـ ١٠٧ ، ١١١ ، ١١٣ ، ١١٤ ، ١١٧ ، ١٢٤ ، ١٢٨ ، ١٢٩ ، ١٣١ ، ١٣٦ ، ١٤٠ ، ١٤٨ ـ ١٥١ ، ١٦٠ ، ١٦٢ ، ١٦٥ ، ١٧٩ ، ١٨٢ ، ١٨٥ ، ١٨٧ ـ ١٨٩ ، ١٩٢ ، ١٩٥ ، ١٩٦ ، ٢٠٠ ، ٢٠١ ، ٢٠٥ ، ٢٠٨ ، ٢١٠ ، ٢١٧ ، ٢١٨ ، ٢٣١ ، ٢٣٢ ، ٢٣٤ ، ٢٣٦ ، ٢٣٨ ، ٢٣٩ ، ٢٦٦ ، ٢٦٧ ، ٢٧١ ـ ٢٧٣ ، ٢٧٦ ، ٢٧٧ ، ٢٨٠ ، ٢٨٢ ـ ٢٨٥ ، ٣٠٥ ، ٣٠٩ ، ٣١٠ ، ٣١٢ ، ٣٢٢ ، ٣٢٣ ، ٣٤١ ، ٣٤٥ ، ٣٤٩ ، ٣٥٠ ، ٣٥٢ ، ٣٥٦ ـ ٣٥٩ ، ٣٦٥ ، ٣٧٣ ، ٣٨٧

الشيخ البهائي

١

٢٧٥

٢

١٣٩

٣

١٩٥

٤

٢١٤

الشيخ الرئيس (أبو علي سينا)

١

٣٠

٤

٦٥

شيخ الشريعة الأصفهاني

٣

٥٣١

الشيخ الصدوق

٣

٢٥٠ ، ٥٢٨ ، ٥٢٩

٤

٦١

الشيخ الطبرسي (صاحب مجمع البيان)

٣

١٧٠

الشيخ الطوسي

٢

١٥١

٤

٣٩١

العلم

الجزء

الصفحة

الشيخ المفيد

٢

٨٣

٣

٢٠٥ ـ ٢٠٨ ، ٢١٠

الشيخ موسى الخوانساري

٣

٥٥٨

ص

صاحب الإشارات

١

٢٣١

صاحب الإقبال

٢

٢٣٦

صاحب التقريرات

٢

٧٩

صاحب الجواهر

٢

٢١٠ ، ٢١٢

٤

٨٢ ، ٢٦٦ ، ٢٦٧

صاحب الحاشية (الشيخ محمد تقي)

٣

٩٤ ، ٢٤١

صاحب الحدائق

٤

٢٥٥ ، ٣٠٥ ، ٣٤٥ ، ٣٧٤

صاحب الرياض

٣

٥٨٠

صاحب الضوابط

٤

٣٦٥

صاحب العروة

١

٩٥

٢

١٦٩

٣

٥٦٧

٤

٨٣ ، ٩٦ ، ١٧١ ، ٣١٩ ، ٣٢١

صاحب الفصول

١

٦٦ ، ١٦٠ ، ١٦٣ ، ١٦٥ ، ١٦٧ ـ ١٦٩ ، ١٧٣ ، ١٧٥ ، ٢٨٧ ، ٢٨٩

٢

٤٦ ـ ٤٨ ، ٦٠ ، ٩٥ ، ٩٨ ، ١٠٢ ، ١٠٤ ، ١٠٥

٣

٣٣

٤

٦٤

صاحب القوانين (المحقّق القمّي)

١

٩١

٢

٧ ، ٨٤ ، ٣٥٦

العلم

الجزء

الصفحة

٣

٩٣ ، ١٢٨ ، ١٤٣ ، ٢٤٩ ، ٣٨١ ٤ ٣١ ، ٢٧١ ، ٣٦٧ ، ٣٩١

صاحب الكفاية (الآخوند الخراسانيّ)

٤

٣١ ، ٣٧١ ، ٣٦٧ ، ٣٩١ ،

١

١٧ ، ٢٥ ، ٢٧ ، ٣٥ ، ٣٦ ، ٦٢ ، ٧٢ ، ١٢٣ ، ١٢٨ ، ١٤٠ ، ١٤٢ ، ١٤٨ ، ١٦٣ ، ١٦٥ ، ١٦٧ ، ١٦٨ ، ١٧٣ ، ١٧٥ ، ١٨٤ ، ١٩١ ، ١٩٨ ، ٢١٩ ، ٢٢١ ، ٢٣٦ ، ٢٤٣ ، ٢٤٥ ، ٢٤٧ ، ٢٤٨ ، ٢٦٢ ، ٢٦٣ ، ٢٨٧ ، ٢٨٩ ، ٢٩٢ ، ٢٩٦ ، ٣٠٢ ـ ٣٠٥ ، ٣٠٩ ، ٣١٦ ، ٣٢١

٢

١٢ ، ١٣ ، ١٦ ، ١٧ ، ٢٣ ، ٣٤ ، ٥٠ ، ٦١ ، ٧٠ ، ٧٩ ، ٨٠ ، ٨٤ ، ٨٦ ، ٩٤ ، ٩٥ ، ٩٨ ، ١٠٨ ، ١١٦ ، ١١٧ ، ١٢٠ ، ١٤٢ ، ١٤٣ ، ١٨١ ، ١٨٣ ، ١٨٦ ، ١٨٧ ، ٢٠٠ ، ٢١٢ ، ٢١٥ ، ٢٢٦ ، ٢٢٨ ، ٢٤٢ ، ٢٥٧ ، ٢٦١ ، ٢٩٠ ، ٣٠٤ ، ٣١٢ ، ٣١٨ ، ٣٢١ ، ٣٢٦ ، ٣٤٧ ، ٣٥٩ ، ٣٦٩ ، ٣٧٠ ، ٣٧٧ ، ٣٨٠ ، ٣٨٣ ، ٣٩٣ ـ ٣٩٥ ، ٣٩٧ ، ٣٩٨ ، ٤٠١ ، ٤٠٧ ، ٤١١ ، ٤١٤

٣

٦ ، ٩ ، ٢٠ ، ٤٣ ، ٤٥ ، ٤٦ ، ٥٠ ، ٥٧ ، ٥٩ ، ٦٠ ، ٦٢ ، ٦٣ ، ٦٩ ، ٧٧ ، ٨٤ ، ٨٥ ، ٩٤ ـ ٩٦ ، ١٠٥ ، ١٠٩ ، ١١٨ ، ١٤١ ، ١٨٧ ، ٢٢٠ ، ٢٣٦ ، ٢٣٧ ، ٢٤٤ ، ٢٥٠ ـ ٢٥٤ ، ٢٦٢ ، ٢٩١ ، ٣١٢ ، ٣١٤ ، ٣٢١ ، ٣٢٥ ، ٣٣١ ، ٣٣٢ ، ٣٣٨ ، ٣٣٩ ، ٣٧٩ ، ٣٨٩ ، ٣٩٧ ، ٣٩٨ ، ٤٠٣ ، ٤٠٦ ، ٤١١ ، ٤٢٧ ، ٤٢٩ ، ٤٣١ ، ٤٣٢ ، ٤٤٢ ، ٤٤٨ ، ٤٥٢ ، ٤٥٣ ، ٤٦٤ ، ٤٦٥ ، ٤٩٠ ، ٥٠٣ ، ٥٠٥ ، ٥٠٨ ، ٥١٦ ،

العلم

الجزء

الصفحة

٤

٥٣٢ ، ٥٣٧ ، ٥٣٨ ، ٥٤٤ ، ٥٤٩ ، ٥٥٢ ، ٥٦٢ ، ٤ ٨ ، ١٣ ، ٣٨ ، ٥٣ ، ٥٤ ، ٥٦ ، ٥٧ ، ٦٢ ـ ٦٤ ، ٦٧ ، ٧٠ ، ٧٤ ، ٧٨ ، ٨٧ ، ٩١ ، ٩٥ ، ٩٩ ، ١٠٥ ، ١١٢ ، ١٢٠ ، ١٣٢ ، ١٣٩ ـ ١٤١ ، ١٤٥ ، ١٤٩ ، ١٥٦ ، ١٦٢ ، ١٦٤ ـ ١٦٦ ، ١٧٣ ، ١٧٤ ، ١٧٨ ـ ١٨٢ ، ١٨٦ ، ١٨٨ ، ١٩٥ ، ١٩٦ ، ٢٠٠ ـ ٢٠٢ ، ٢١٥ ، ٢١٩ ، ٢٢٣ ، ٢٣٣ ، ٢٤٢ ، ٢٤٣ ، ٣٠٥ ، ٣٠٩ ، ٣١٥ ، ٣٢٣ ، ٣٢٨ ، ٣٣٢ ، ٣٤٥ ، ٣٤٩ ، ٣٥٥ ، ٣٥٦ ، ٣٧٥ ، ٣٨٧

صاحب المدارك

٢

٣٦

٣

١٩٦ ، ٥٠٨

٤

٢٥٣ ، ٢٥٤ ، ٣٧٣

صاحب المصباح (المنير)

٤

١٠٨

صاحب المعالم

١

٥ ، ٢٢١

٢

٥ ، ٧٧ ، ٣٥٦

٣

٢٥٩

صاحب نجاة العباد

٣

٩١

صاحب الوافية

٣

٢٤٠

صاحب الوسائل

٣

٥٦٦

ع

عبادة بن الصامت

٣

٥٣١

عبد الرحمن

٤

٢٥٣ ، ٢٥٤

عبد الرحمن بن سالم

٣

٥٦٧

عبد اللَّه بن سليمان

٣

٢٨٧

العلم

الجزء

الصفحة

عبد اللَّه بن سنان

٣

٢٨٧

عبد اللَّه بن محمد

٤

٣٤٣

عبد الواحد بن عبدوس

٤

٦١

عثمان

٣

١٣٤

عقبة بن خالد

٣

٥٣٠ ، ٥٣١

عكاشة

٤

٤٠

العلَّامة الحلَّي

٤

٦١ ، ١٨٠ ، ١٨١ ، ٢٧٤ ـ ٢٧٦ ، ٢٨٣ ، ٢٨٤ ، ٣٤٩ ، ٣٥٠

علي بن محمّد القاساني

٤

٦١

عمّار

٤

٥٨ ، ٧٨

عمر بن حنظلة

٢

١٦١ ، ١٦٢

٤

٣٤٣ ، ٣٤٤ ، ٣٩٣

(ف)

الفاضل التوني

٣

٥٢٤

٤

١٥ ، ١٠٦ ، ١٠٨

الفاضل النراقي

٣

٣٢٤

٤

١٥ ، ٣٥ ، ٣٧ ـ ٣٩ ، ٤٣ ، ١٢٤

فخر الدين (صاحب الإيضاح)

١

١٢٨ ، ١٣٣

٢

٢٧٤

٣

٥٢٧

الفخر الرازي

١

٢٠٥

فضيل

٤

٢٥٥

(ق)

قاسم الصيقل

٣

٣٢٢

العلم

الجزء

الصفحة

قاسم بن يحيى

٤

٦١

القاضي (ابن البرّاج)

٣

١٧٠

قتادة

٣

١٣٢ ، ١٣٣

القطب الراوندي

٤

٣٥٢ ، ٣٥٦

(ك)

كاشف الغطاء

٢

١٧٠ ، ١٧١

٣

٥١٨ ٤ ١٤٨

الكليني

٣

١٣٠ ، ١٣١ ، ١٤٤ ، ٢٥٠

٤

٣٤٩ ، ٣٥٠

(م)

محمد بن أسلم

٣

٥٦٧

محمد بن مسلم

٣

٢١٧ ، ٢٢٠ ، ٢٤٢ ، ٥٥٩ ، ٥٦٧

٤

٢٩ ، ٢٢٩ ، ٢٤٩

المحدّث الأسترآبادي

٣

٦٩ ، ٢٦٣ ، ٣٠٥ ، ٣٠٨

٤

٣٠ ، ١٣٩ ، ٣٩٥

المحدّث الكاشاني

٤

٣٩١

المحقّق الأردبيلي

٢

٣٦

٣

٥٠٨

المحقّق الأصفهاني (الشيخ محمد حسين)

٢

٩٧

٣

٥٣٣

المحقّق الثاني

٢

١٣٩ ، ١٤١

العلم

الجزء

الصفحة

٤

١٨٧ ، ٢٧٤ ، ٢٧٥

المحقّق الخوانساري

٤

٢٣

المحقّق الدواني

١

١٦٣

المحقّق السبزواري

١

١٦ ، ١٦٨

٤

٧١

المحقّق الطوسي

١

٣٠

٤

٦٢

المحقّق الميرزا حبيب اللَّه الرشتي

٤

٣٥٦

المحقّق المير سيّد شريف

١

١٤٩ ، ١٥٥ ، ١٥٧ ، ١٥٩ ، ١٦٤

المحقّق النائيني

١

١٢ ، ٢٨ ، ٣٩ ، ٤١ ، ٤٣ ، ٦٢ ، ٦٦ ، ٧٣ ، ٧٧ ، ٨١ ، ٩٥ ، ٩٩ ، ١٠٨ ، ١٢٩ ، ١٤٢ ، ١٥٧ ، ١٥٩ ، ١٦٠ ، ١٦٨ ، ١٧٣ ، ١٧٤ ، ١٧٩ ، ٢٠٤ ، ٢٣٢ ، ٢٣٥ ، ٢٣٦ ، ٢٣٩ ، ٢٤٣ ، ٢٤٧ ، ٢٤٨ ، ٢٥١ ، ٢٥٩ ، ٢٦٢ ـ ٢٦٤ ، ٢٦٧ ، ٢٧٢ ، ٢٧٥ ، ٢٧٩

٢

٧ ، ١٠ ، ١٤ ، ١٦ ، ١٩ ، ٢٢ ، ٢٤ ، ٣٣ ، ٣٧ ، ٥٠ ، ٥١ ، ٥٤ ، ٦٢ ، ٦٣ ، ٦٨ ، ٧١ ، ٧٢ ، ٧٤ ، ٨١ ، ٨٣ ، ٨٤ ، ٨٨ ، ٩٩ ، ١٠٠ ، ١٠٨ ، ١١٩ ، ١٢٥ ، ١٢٨ ، ١٣٨ ، ١٤٢ ، ١٤٦ ، ١٦٦ ، ١٦٧ ، ١٧٠ ، ٢١٦ ، ٢٢٠ ، ٢٢٦ ، ٢٢٨ ، ٢٣٨ ، ٢٦١ ، ٢٧٠ ، ٢٧٥ ، ٢٨٥ ، ٣٠٩ ، ٣١٣ ، ٣١٧ ، ٣١٨ ، ٣٢١ ، ٣٢٣ ، ٣٢٦ ، ٣٣٥ ، ٣٣٨ ، ٣٤٨ ، ٣٥٩ ، ٣٦٠ ، ٣٦٣ ، ٣٨٣ ، ٤٠٠ ، ٤٠١ ، ٤١٨.

٣

١٧ ، ٢٠ ، ٢٧ ، ٣٤ ، ٣٦ ، ٣٧ ، ٥٠ ، ٥٢ ، ٥٩ ، ٦١ ـ ٦٣ ، ٦٧ ، ٨٤ ، ٨٥ ، ٨٧ ، ٨٩ ـ ٩١ ، ٩٦ ، ١٠٥ ،

العلم

الجزء

الصفحة

١٠٨ ، ١١٧ ، ١٢١ ، ١٢٣ ، ١٧٥ ، ١٩٠ ، ١٩٤ ، ١٩٥ ، ٢١٤ ، ٢٢٥ ، ٢٢٦ ، ٢٣٣ ، ٢٣٦ ، ٢٥٠ ، ٢٧٢ ، ٢٨٨ ، ٢٩١ ، ٢٩٢ ، ٢٩٩ ، ٣٠١ ، ٣٠٥ ، ٣١٤ ، ٣٢٠ ، ٣٢٥ ، ٣٢٦ ، ٣٣٦ ، ٣٣٧ ، ٣٥١ ـ ٣٥٣ ، ٣٦٣ ، ٣٦٨ ، ٣٧٦ ، ٣٨٢ ، ٣٨٦ ، ٣٨٩ ٣٩١ ، ٣٩٢ ، ٣٩٤ ، ٣٩٥ ، ٣٩٨ ، ٤٠٢ ، ٤٠٤ ، ٤٠٧ ، ٤٠٨ ، ٤١١ ، ٤١٤ ، ٤١٨ ، ٤٢٦ ، ٤٣٠ ، ٤٣٩ ، ٤٤٣ ، ٤٤٨ ، ٤٤٩ ، ٤٥١ ، ٤٥٣ ، ٤٥٥ ، ٤٥٨ ، ٤٦٠ ، ٤٦٢ ، ٤٨٣ ، ٤٩٧ ، ٥٠٠ ، ٥٠٢ ، ٥٠٤ ، ٥٠٥ ، ٥١٣ ، ٥١٨ ، ٥٢١ ، ٥٣٥ ، ٥٥٨ ، ٥٦٢ ، ٥٧٠ ـ ٥٧٢ ، ٥٧٤ ، ٥٧٦ ، ٥٨٠

٤

١٣ ، ١٨ ، ١٩ ، ٢٨ ، ٢٩ ، ٣٤ ، ٣٥ ، ٤٢ ، ٤٥ ، ٥٠ ، ٥٣ ، ٦٢ ، ٦٣ ، ٦٥ ، ٨٠ ، ٨٢ ، ٩٨ ، ١٠١ ، ١٠٥ ، ١٠٧ ، ١١٤ ، ١١٩ ، ١٢٤ ، ١٢٩ ، ١٣٠ ، ١٣٢ ، ١٣٣ ، ١٣٥ ، ١٣٨ ، ١٤٠ ، ١٤١ ، ١٤٦ ، ١٤٨ ، ١٥٣ ، ١٥٤ ، ١٥٦ ، ١٦٣ ، ١٧٠ ، ١٧٣ ، ١٧٥ ، ١٨٢ ، ١٨٩ ، ١٩٦ ، ٢٠٠ ، ٢٠٥ ، ٢١٠ ، ٢١٦ ، ٢١٨ ، ٢٢١ ـ ٢٢٣ ، ٢٢٥ ، ٢٣٢ ، ٢٣٦ ، ٢٣٨ ، ٢٣٩ ، ٢٤١ ، ٢٤٢ ، ٢٤٥ ، ٢٥٠ ، ٢٥١ ، ٢٥٤ ، ٢٥٥ ، ٢٦٥ ، ٢٨٤ ، ٢٨٥ ، ٢٩١ ، ٢٩٥ ، ٣٠٧ ، ٣٠٩ ، ٣١١ ، ٣١٨ ، ٣١٩ ، ٣٢٤ ، ٣٢٧ ، ٣٣٠ ، ٣٣٤ ، ٣٣٥ ، ٣٣٨ ، ٣٤٤ ، ٣٤٨ ، ٣٦٠ ، ٣٦٥ ، ٣٨٧

المحقّق النهاوندي

٢

٤٩

المحقّق الهمداني (الحاج آقا رضا)

٣

٣٢٢ ، ٥٦٧

العلم

الجزء

الصفحة

٤

١١٠

مسعدة بن صدقة

٣

١٤٦ ، ٢٨٣ ، ٢٨٨

٤

٢٨٨

المشكيني (محشّي الكفاية)

٢

٤٩

معلَّى بن خنيس

٤

٣٥٣

(ه)

هشام بن سالم

٣

٣٣٠

(و)

الوليد

٣

١٨١ ، ١٨٩ ، ١٩٨

(ي)

يعرب بن قحطان

١

٢٨

يونس بن عبد الرحمن

٣

١٧١

٥ ـ فهرس مصادر التحقيق

(أ)

١ ـ أجود التقريرات :

تأليف آية اللَّه العظمى السيّد أبو القاسم الموسوي الخوئي (تقرير أبحاث المحقّق النائيني) المتوفّى سنة ١٤١٣ ه ، نشر مكتبة المصطفوي ـ قم.

٢ ـ الاحتجاج :

تأليف أبي منصور أحمد بن علي بن أبي طالب من أعلام القرن السادس الهجري ، تحقيق الشيخ إبراهيم البهادري والشيخ محمد هادي به ، انتشارات أسوة التابعة لمنظَّمة الحجّ والأوقاف والشئون الخيريّة.

٣ ـ اختيار معرفة الرّجال :

تأليف الشيخ أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي ، المتوفّى سنة ٤٦٠ ه ، تصحيح وتعليق حسن المصطفوي ، نشر دانشگاه مشهد.

٤ ـ الأربعون حديثا :

تأليف الشيخ البهائي محمد بن الحسين العاملي ، المتوفّى سنة ١٠٣١ ه. تحقيق ونشر مؤسّسة النشر الإسلامي ، قم ـ إيران.

٥ ـ الإرشاد :

تأليف الشيخ المفيد أبي عبد اللَّه محمد بن محمد بن النعمان العكبري ، المتوفّى سنة ٤١٣ ه ، تحقيق مؤسّسة آل البيت عليهم السّلام لإحياء التراث ، قم ـ إيران ، نشر المؤتمر العالمي بمناسبة ذكرى ألفيّة الشيخ المفيد.

٦ ـ أساس البلاغة :

تأليف جار اللَّه أبي القاسم محمود بن عمر الزمخشري ، المتوفّى سنة ٥٣٨ ه ، تحقيق الأستاذ عبد الرحيم محمود.

٧ ـ الاستبصار :

تأليف الشيخ أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي ، المتوفّى سنة ٤٦٠ ه ، تحقيق وتعليق السيّد حسن الموسوي الخراسانيّ. نشر دار الكتب الإسلاميّة ١٣٩٠ ه.

٨ ـ الأسفار الأربعة :

تأليف صدر الدين محمد الشيرازي ، المتوفّى سنة ١٠٥٠ ه ، المطبعة الحيدريّة ـ طهران.

٩ ـ الإشارات والتنبيهات :

تأليف الشيخ أبي علي الحسين بن عبد اللَّه بن سينا ، المتوفّى سنة ٤٢٨ ه ، المطبعة الحيدريّة ـ طهران.

١٠ ـ الإقبال :

تأليف رضي الدين أبي القاسم علي بن موسى بن جعفر بن طاوس ، المتوفّى سنة ٦٦٤ ـ أو ـ ٦٦٨ ه ، الطبعة الثانية ، دار الكتب الإسلامية ـ طهران.

١١ ـ الأمالي :

تأليف الشيخ أبي جعفر الصدوق محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي ، المتوفّى سنة ٣٨١ ه ، منشورات الأعلمي ، بيروت ـ لبنان.

١٢ ـ الأمالي :

تأليف الشيخ المفيد أبي عبد اللَّه محمد بن محمد بن النعمان العكبري ، المتوفّى سنة ٤١٣ ه.

تحقيق الحسين أستاذ ولي ـ علي أكبر الغفّاري ، منشورات مؤسّسة النشر الإسلامي ، قم ـ إيران.

١٣ ـ الأمالي :

تأليف الشيخ أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي ، المتوفّى سنة ٤٦٠ ه ، تحقيق قسم الدراسات الإسلاميّة ـ مؤسّسة البعثة ـ نشر دار الثقافة.

١٤ ـ الأنوار النعمانيّة :

تأليف السيّد نعمة اللَّه الموسوي الجزائري ، المتوفّى سنة ١١١٢ ه ، مطبعة شركة چاپ ، تبريز ـ إيران.

١٥ ـ أوائل المقالات (ضمن مصنّفات الشيخ المفيد) :

تأليف الشيخ المفيد أبي عبد اللَّه محمد بن محمد بن النعمان العكبري ، المتوفّى سنة ٤١٣ ه ، تحقيق الشيخ إبراهيم الأنصاري ، نشر المؤتمر العالمي لألفيّة الشيخ المفيد.

١٦ ـ إيضاح الفوائد :

تأليف فخر المحقّقين محمد بن الحسن بن يوسف بن المطهّر العلَّامة الحلَّي ، المتوفّى سنة ٧٧١ ه ، تحقيق عدّة من العلماء ، المطبعة العلمية ، ١٣٨٧ ه ، قم ـ إيران.

(ب)

١٧ ـ بحار الأنوار :

تأليف المولى محمد باقر بن محمد تقي العلَّامة المجلسي ، المتوفّى سنة ١١١٠ ه ، نشر مؤسّسة الوفاء ، بيروت ـ لبنان.

١٨ ـ بصائر الدرجات :

تأليف المحدّث أبي جعفر محمد بن الحسن بن فروخ الصفّار ، المتوفّى سنة ٢٩٠ ه ، تصحيح وتعليق الميرزا محسن كوچه باغي التبريزي ، منشورات مكتبة آية اللَّه العظمى المرعشي النجفي ، ١٤٠٤ ه ، قم ـ إيران.

(ت)

١٩ ـ تاريخ الأمم والملوك (تاريخ الطبري) :

تأليف أبي جعفر محمد بن جرير الطبري ، المتوفّى سنة ٣١٠ ه ، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم ، نشر دار التراث ، بيروت ـ لبنان.

٢٠ ـ التبيان :

تأليف الشيخ أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي ، المتوفّى سنة ٤٦٠ ه ، تقديم البحّاثة الشيخ آغا بزرگ الطهراني ، نشر دار إحياء التراث العربي ، بيروت ـ لبنان.

٢١ ـ تجريد الاعتقاد (بشرح كشف المراد) :

تأليف محمد بن محمد بن الحسن الطوسي الجهرودي القمّي ، المتوفّى سنة ٦٧٢ ه ، تحقيق عبد اللَّه نوراني ، منشورات مكتبة المصطفوي ، قم ـ إيران.

٢٢ ـ تحف العقول :

تأليف أبي محمد الحسن بن علي بن الحسين بن شعبة الحرّاني من أعلام القرن الرابع الهجري ،

تقديم السيّد محمد صادق بحر العلوم ، منشورات المكتبة الحيدريّة ـ النجف الأشرف ٣٨٠ ه.

٢٣ ـ تذكرة الفقهاء :

تأليف جمال الدين الحسن بن يوسف بن المطهّر العلَّامة الحلَّي ، المتوفّى سنة ٧٢٦ ه ، الطبعة الحجرية ، منشورات المكتبة المرتضويّة لإحياء الآثار الجعفريّة.

٢٤ ـ تفسير العياشي :

تأليف محمد بن مسعود بن عياش السلمي السمرقندي من أعلام القرن الثالث الهجري ، تحقيق السيّد هاشم الرسولي المحلَّاتي ، المكتبة العلميّة الإسلاميّة.

٢٥ ـ تفسير القمّي :

تأليف أبي الحسن علي بن إبراهيم القمّي من أعلام القرن الرابع الهجري ، تحقيق السيّد طيّب الموسوي الجزائري ، نشر دار الكتاب ، قم ـ إيران.

٢٦ ـ تلخيص المحصّل (المعروف بنقد المحصّل) :

تأليف أبي جعفر نصير الدين محمد بن محمد بن الحسن الطوسي ، المتوفّى سنة ٦٧٢ ه ، انتشارات مؤسسه مطالعات إسلامي دانشگاه مك گيل ، شعبه تهران.

٢٧ ـ تنقيح المقال في أحوال الرّجال :

تأليف الشيخ عبد اللَّه بن محمد حسن المامقاني ، المتوفّى سنة ١٣٥١ ه ، الطبعة الحجريّة ، انتشارات جهان ـ تهران.

٢٨ ـ التهذيب (تهذيب الأحكام) :

تأليف الشيخ أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي ، المتوفّى سنة ٤٦٠ ه ، تحقيق وتعليق السيّد حسن الموسوي الخراسانيّ ، نشر دار الكتب الإسلاميّة ، ١٣٩٠ ه.

٢٩ ـ التوحيد :

تأليف الشيخ أبي جعفر الصدوق محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي ، المتوفّى سنة ٣٨١ ه ، تصحيح وتعليق السيّد هاشم الحسيني الطهراني ، مكتبة الصدوق ، طهران ١٣٨٧ ه.

(ث)

٣٠ ـ ثواب الأعمال :

تأليف الشيخ أبي جعفر الصدوق محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي ، المتوفّى سنة ٣٨١ ه ، تصحيح وتعليق علي أكبر الغفّاري ، نشر مكتبة الصدوق ـ طهران وكتاب فروشي كتبي نجفي ـ قم.

(ج)

٣١ ـ جامع أحاديث الشيعة :

ألَّف تحت إشراف آية اللَّه العظمى السيّد آغا حسين الطباطبائي البروجردي ، المتوفّى سنة ١٣٨٠ ه.

٣٢ ـ جامع المقاصد :

تأليف المحقّق الثاني علي بن الحسين بن عبد العالي الكركي ، المتوفّى سنة ٩٤٠ ه ، تحقيق ونشر مؤسّسة آل البيت عليهم السّلام لإحياء التراث ، قم ـ إيران.

٣٣ ـ جواهر الكلام :

تأليف الشيخ محمد حسن النجفي ، المتوفّى سنة ١٢٦٦ ه. الطبعة السابعة ، نشر دار إحياء التراث العربي ، بيروت ـ لبنان.

(ح)

٣٤ ـ حاشية الأسفار :

تأليف الحاج ملَّا هادي السبزواري ، المتوفّى سنة ١٢١٢ ه. نشر مكتبة المصطفوي.

٣٥ ـ حاشية شرح المطالع :

تأليف السيّد الشريف علي بن محمّد الجرجاني ، المتوفّى سنة ٨١٢ ه ، انتشارات كتبي نجفي.

٣٦ ـ حاشية فرائد الأصول :

تأليف الشيخ محمد كاظم الخراسانيّ ، المتوفّى سنة ١٣٢٩ ه ، منشورات بصيرتي ، قم ـ إيران.

٣٧ ـ حاشية المكاسب :

تأليف السيّد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي المتوفّى سنة ١٣٣٧ ه ، الطبعة الحجريّة ، مؤسّسة إسماعيليان ، قم ـ إيران.

٣٨ ـ الحدائق الناضرة :

تأليف الشيخ يوسف بن أحمد البحراني ، المتوفّى سنة ١٢٤٥ ه ، تحقيق وتعليق محمد تقي الإيرواني ، الطبعة الثالثة ١٤٠٥ ه ، نشر دار الأضواء ، بيروت ـ لبنان.

٣٩ ـ حلية الأولياء :

تأليف الحافظ أبي نعيم أحمد بن عبد اللَّه الأصفهاني ، المتوفّى سنة ٤٣٠ ه ، نشر دار الكتب العلميّة ، بيروت ـ لبنان.

(خ)

٤٠ ـ الخصال :

تأليف الشيخ أبي جعفر الصدوق محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي ، المتوفّى سنة

٣٨١ ه ، تعليق علي أكبر الغفّاري ، نشر مؤسّسة النشر الإسلامي ، قم ـ إيران.

٤١ ـ خلاصة الأقوال في معرفة الرّجال :

تأليف جمال الدين الحسن بن يوسف بن المطهّر العلَّامة الحلَّي ، المتوفّى سنة ٧٢٦ ه ، تحقيق مؤسّسة نشر الفقاهة ، الطبعة المحقّقة.

(د)

٤٢ ـ الدرّ المنثور :

تأليف عبد الرحمن بن الكمال جلال الدين السيوطي ، المتوفّى سنة ٩١١ ه ، نشر دار الفكر ، بيروت ـ لبنان.

٤٣ ـ دعائم الإسلام :

تأليف القاضي نعمان بن محمد التميمي المغربي ، المتوفّى سنة ٣٦٣ ه ، تحقيق آصف بن علي أصغر فيض ، دار المعارف ١٣٨٣ ه ١٩٦٣ م ، أفست مؤسّسة آل البيت عليهم السّلام لإحياء التراث ، قم ـ إيران.

(ذ)

٤٤ ـ ذخيرة المعاد :

تأليف المولى محمد باقر السبزواري ، المتوفّى سنة ١٠٩٠ ه ، الطبعة الحجرية ، نشر مؤسّسة آل البيت عليهم السّلام لإحياء التراث ، قم ـ إيران.

٤٥ ـ الذريعة إلى أصول الشريعة :

تأليف أبي القاسم علي بن الحسين الموسوي الشريف المرتضى ، المتوفّى سنة ٤٣٦ ه ، تحقيق أبو القاسم گرجى ، جامعة طهران ١٣٦٣ ه ، ش.

(ر)

٤٦ ـ رسالة الصلاة في المشكوك :

تأليف الميرزا محمد حسين الغروي النائيني ، المتوفّى سنة ١٣٥٥ ه ، نشر مؤسّسة آل البيت عليهم السّلام لإحياء التراث ، قم ـ إيران.

٤٧ ـ رسالة في قاعدة نفي الضرر المكاسب.

٤٨ ـ روضة الناظر :

تأليف عبد اللَّه بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي ، المتوفّى سنة ٦٢٠ ه ، تحقيق وتعليق الدكتور عبد الكريم بن علي بن محمد النملة ، نشر مكتبة الرشد ـ الرياض.

(ز)

٤٩ ـ زبدة الأصول :

تأليف الشيخ البهائي محمد بن حسين العاملي ، المتوفّى سنة ١٠٣١ ه ، الطبعة الحجرية.

(س)

٥٠ ـ السرائر :

تأليف أبي عبد اللَّه محمد بن منصور بن أحمد بن إدريس الحلَّي ، المتوفّى سنة ٥٩٨ ه ، تحقيق ونشر مؤسّسة النشر الإسلامي ، قم ـ إيران.

٥١ ـ سلاسل الذهب :

تأليف الإمام بدر الدين الزركشي ، المتوفّى سنة ٧٩٤ ه ، تحقيق محمد المختار بن محمد الأمين الشنقيطي ، نشر مكتبة ابن تيمية ـ القاهرة.

٥٢ ـ سنن ابن ماجة :

تأليف أبي عبد اللَّه محمد بن يزيد القزويني ابن ماجة ، المتوفّى سنة ٢٧٥ ه ، تعليق محمد فؤاد عبد الباقي ، نشر دار الفكر ، بيروت ـ لبنان.

٥٣ ـ سنن أبي داود :

تأليف الحافظ أبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني ، المتوفّى سنة ٢٧٥ ه ، تعليق محمد محي الدين عبد الحميد ، نشر دار الفكر ، بيروت ـ لبنان.

٥٤ ـ سنن البيهقي :

تأليف أبي بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي ، المتوفّى سنة ٤٥٨ ه ، نشر دار الفكر ، بيروت ـ لبنان.

٥٥ ـ سنن الترمذي :

تأليف محمد بن عيسى بن سورة الترمذي ، المتوفّى سنة ٢٩٧ ه ، تحقيق أحمد محمد شاكر ، نشر دار إحياء التراث العربي ، بيروت ـ لبنان.

٥٦ ـ سنن الدارقطني :

تأليف الحافظ علي بن عمر الدارقطني ، المتوفّى سنة ٣٨٥ ه ، نشر دار إحياء التراث العربي ، بيروت ـ لبنان.

٥٧ ـ سنن النسائي :

تأليف أبي عبد الرحمن أحمد بن علي بن شعيب النسائي ، المتوفّى سنة ٣٠٣ ه ، نشر دار الفكر ، بيروت ـ لبنان.

٥٨ ـ السيرة النبويّة :

تأليف أبي محمد عبد الملك بن هشام بن أيّوب الحميري ، المتوفّى سنة ٢١٣ ـ أو ـ ٢١٨ ه ، تحقيق مصطفى السقا ـ إبراهيم الأبياري ـ عبد الحفيظ شبلي ، منشورات مصطفوي ، قم ـ إيران ، ١٣٦٨ ه.

(ش)

٥٩ ـ شرائع الإسلام :

تأليف أبي القاسم نجم الدين جعفر بن الحسن بن يحيى بن سعيد الهذلي المحقّق الحلَّي ، المتوفّى سنة ٦٧٦ ه ، تحقيق وتعليق عبد الحسين محمد علي البقّال ، الطبعة الثالثة ، نشر مؤسّسة إسماعيليان.

٦٠ ـ شرح الكافية :

تأليف الشيخ رضي الدين محمد بن الحسن الأسترآبادي ، المتوفّى سنة ٦٨٦ ه ، نشر دار الكتب العلميّة ، بيروت ـ لبنان.

٦١ ـ شرح المطالع :

تأليف قطب الدين محمد بن محمد الرازي البويهي ، المتوفّى سنة ٧٦٦ ه ، الطبعة الحجريّة ، انتشارات كتبي نجفي ، قم ـ إيران.

٦٢ ـ شرح المواقف :

تأليف المحقّق السيّد الشريف علي بن محمد الجرجاني ، المتوفّى سنة ٨١٢ ه ، منشورات الشريف الرضي ، قم ـ إيران.

ص

٦٣ ـ الصحاح :

تأليف إسماعيل بن حمّاد الجوهري من أعلام القرن الرابع الهجري ، تحقيق أحمد عبد الغفور

عطَّار ، نشر دار العلم للملايين ، بيروت ـ لبنان.

٦٤ ـ صحيح البخاري :

تأليف أبي عبد اللَّه محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة البخاري ، المتوفّى سنة ٢٥٦ ه ، نشر دار الفكر ، بيروت ـ لبنان ، ١٤١١ ه.

٦٥ ـ صحيح مسلم :

تأليف أبي الحسين مسلم بن الحجّاج القشيري النيشابوري ، المتوفّى سنة ٢٦١ ه ، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي ، نشر دار الفكر ، بيروت ـ لبنان.

(ع)

٦٦ ـ عدة الأصول :

تأليف الشيخ أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي ، المتوفّى سنة ٤٦٠ ه ، الطبعة الحجريّة ، طبعة بمبي.

٦٧ ـ عدّة الداعي :

تأليف أحمد بن فهد الحلَّي ، المتوفّى سنة ٨٤١ ه ، تصحيح وتعليق أحمد الموحّدي القمّي.

٦٨ ـ العروة الوثقى :

تأليف السيّد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي ، المتوفّى سنة ١٣٣٧ ه.

٦٩ ـ العروة الوثقى :

تأليف السيّد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي ، مطبعة العرفان ، صيدا ، سنة ١٣٤٨ ه.

٧٠ ـ علل الشرائع :

تأليف الشيخ أبي جعفر الصدوق محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي ، المتوفّى سنة ٣٨١ ه ، تقديم السيّد محمد صادق بحر العلوم ، منشورات المكتبة الحيدرية ١٣٨٥ ه.

٧١ ـ عيون أخبار الرضا عليه السّلام :

تأليف الشيخ أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي ، المتوفّى سنة ٣٨١ ه ، تصحيح السيّد مهدي الحسيني اللاجوردي ، نشر انتشارات جهان ـ طهران.

(غ)

٧٢ ـ الغنية (ضمن الجوامع الفقهية) :

تأليف السيّد حمزة بن علي بن زهرة الحسيني ، المتوفّى سنة ٥٨٥ ، منشورات مكتبة آية اللَّه العظمى المرعشي النجفي ، قم ـ إيران.

٧٣ ـ غوالي اللئالي :

تأليف الشيخ محمد بن علي بن إبراهيم الأحسائي المعروف بابن أبي جمهور ، المتوفّى سنة ٩٤٠ ه ، تحقيق الشيخ مجتبى العراقي ، الطبعة الأولى ١٤٠٣ ه ، مطبعة سيد الشهداء.

(ف)

٧٤ ـ فرائد الأصول :

تأليف الشيخ مرتضى الأنصاري ، المتوفّى سنة ١٢٨١ ه ، الطبعة الحجرية ، نشر مطبوعات ديني ، قم ـ إيران.

٧٥ ـ الفصول الغرويّة :

تأليف الشيخ محمد حسين بن عبد الرحيم ، المتوفّى سنة ١٢٥٠ ه ، نشر دار إحياء العلوم الإسلامية ، ١٤٠٤ ه ، قم ـ إيران.

٧٦ ـ الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه السّلام :

تحقيق مؤسّسة آل البيت عليهم السّلام لإحياء التراث ، الطبعة الأولى ١٤٠٦ ه ، نشر المؤتمر العالمي للإمام الرضا عليه السّلام ، مشهد المقدّسة.

٧٧ ـ فوائد الأصول :

تأليف الشيخ محمد علي الكاظمي الخراسانيّ (تقرير أبحاث المحقّق النائيني) المتوفّى سنة ١٣٦٥ ه ، نشر مؤسّسة النشر الإسلامي ، قم ـ إيران.

٧٨ ـ الفوائد الأصوليّة :

تأليف السيّد محمد مهدي الطباطبائي العلَّامة بحر العلوم ، المتوفّى سنة ١٢١٢ ه ، الطبعة الحجريّة.

٧٩ ـ الفوائد المدنيّة :

تأليف المولى محمد أمين الأسترآبادي من أعلام القرن العاشر الهجري ، الطبعة الحجريّة ، المطبعة أمير ، نشر دار النشر لأهل البيت عليهم السّلام.

(ق)

٨٠ ـ قاعدة لا ضرر ولا ضرار :

تأليف الشيخ فتح اللَّه النمازي الشيرازي الشهير بشيخ الشريعة الأصفهاني ، المتوفّى سنة ١٣٣٩ ه ، تحقيق مؤسّسة آل البيت عليهم السّلام لإحياء التراث ، قم ـ إيران ، نشر دار الأضواء ، بيروت ـ لبنان.

٨١ ـ قرب الإسناد :

تأليف أبي العباس عبد اللَّه بن جعفر الحميري القمّي ، من أعلام القرن الثالث الهجري ، تحقيق ونشر مؤسّسة آل البيت عليهم السّلام لإحياء التراث ، الطبعة الأولى المحقّقة ١٤١٣ ه.

٨٢ ـ قواعد الأحكام :

تأليف جمال الدين الحسن بن يوسف بن المطهّر العلَّامة الحلَّي ، المتوفّى سنة ٧٢٦ ه ، منشورات الرضي ، قم ـ إيران.

٨٣ ـ القواعد والفوائد :

تأليف شمس الدين محمد بن مكَّي العاملي (الشهيد الأوّل) المستشهد سنة ٧٨٦ ه ، تحقيق السيّد عبد الهادي الحكيم ، منشورات مكتبة المفيد ، قم ـ إيران.

٨٤ ـ قوانين الأصول :

تأليف الميرزا أبي القاسم بن الحسن الجيلاني القمّي ، المتوفّى سنة ١٢٣١ ه ، الطبعة الحجريّة.

(ك)

٨٥ ـ الكافي :

تأليف الشيخ أبي جعفر محمد بن يعقوب بن إسحاق الكليني الرازي ، المتوفّى سنة ٣٢٩ ه ، تصحيح وتعليق علي أكبر الغفّاري ، الطبعة الثالثة ١٣٨٨ ه ، نشر دار الكتب الإسلامية.

٨٦ ـ الكامل في ضعفاء الرّجال :

تأليف الحافظ أبي أحمد عبد اللَّه بن عدي الجرجاني ، المتوفّى سنة ٣٦٥ ه ، الطبعة الثالثة ١٤٠٩ ه ، نشر دار الفكر ، بيروت ـ لبنان.

٨٧ ـ كتاب الصلاة :

تأليف الشيخ محمد تقي الآملي (تقرير أبحاث المحقّق النائيني) المتوفّى سنة ١٣٩١ ه ، مكتبة البوذرجمهري ـ المكتبة الحيدريّة ـ طهران.

٨٨ ـ الكشاف :

تأليف أبي القاسم جار اللَّه محمود بن عمر الزمخشري الخوارزمي ، المتوفّى سنة ٥٣٨ ه ، نشر دار الفكر ، بيروت ـ لبنان ـ ١٣٩٧ ه.

٨٩ ـ كشف الغطاء :

تأليف الشيخ جعفر بن الشيخ خضر الجناجي النجفي الحلَّي ، المتوفّى سنة ١٢٢٨ ه ، الطبعة الحجريّة ، طهران ١٣١٧ ه.

٩٠ ـ كفاية الأصول :

تأليف الشيخ محمد كاظم الخراسانيّ ، المتوفّى سنة ١٣٢٩ ه ، تحقيق ونشر مؤسّسة النشر الإسلامي ـ قم ١٤١٥ ه.

٩١ ـ كفاية الأصول (المحشّى) :

تأليف الشيخ محمد كاظم الخراسانيّ ، تحقيق الشيخ سامي الخفاجي ، والحواشي للشيخ الميرزا أبي الحسن المشكيني ، المتوفّى سنة ١٣٥٨ ه ، نشر دار الحكمة ، قم ـ إيران ١٤١٣ ه.

٩٢ ـ كمال الدين :

تأليف الشيخ أبي جعفر الصدوق محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي ، المتوفّى سنة ٣٨١ ه ، نشر مؤسّسة النشر الإسلامي ، قم ـ إيران ١٣٩٠ ه.

٩٣ ـ كنز العمّال :

تأليف علاء الدّين علي المتّقي بن حسام الدين الهندي ، المتوفّى سنة ٩٧٥ ه ، نشر مؤسّسة الرسالة ١٤٠٩ ه.

(ل)

٩٤ ـ لسان العرب :

تأليف جمال الدين محمد بن مكرم بن منظور المصري ، المتوفّى سنة ٧١١ ه ، نشر دار إحياء التراث العربي ، بيروت ـ لبنان ١٤٠٨ ه.

(م)

٩٥ ـ مجمع البحرين :

تأليف فخر الدين الطريحي ، المتوفّى سنة ١٠٨٥ ه ، تحقيق السيّد أحمد الحسيني ، نشر مؤسّسة الوفاء ، بيروت ـ لبنان.

٩٦ ـ مجمع البيان :

تأليف أمين الإسلام أبي علي الفضل بن الحسن الطبرسي ، المتوفّى سنة ٥٤٨ ه ، انتشارات ناصر خسرو ، طهران.

٩٧ ـ مجمع الفائدة والبرهان :

تأليف الشيخ أحمد بن محمد المحقّق الأردبيلي ، المتوفّى سنة ٩٩٣ ه ، تحقيق الحاج آغا مجتبى العراقي والحاج شيخ علي پناه الإشتهاردي والحاج آغا حسين اليزدي الأصفهاني ، نشر مؤسّسة النشر الإسلامي ، قم ـ إيران.

٩٨ ـ المحاسن :

تأليف أبي جعفر أحمد بن محمد بن خالد البرقي ، المتوفّى سنة ٢٧٤ ـ أو ـ ٢٨٠ ، تصحيح وتعليق السيّد جلال الدين الحسيني ، الطبعة الثانية ، نشر دار الكتب الإسلاميّة.

٩٩ ـ محاضرات في أصول الفقه :

تأليف الشيخ محمد إسحاق فيّاض (تقرير أبحاث السيّد الخوئي) نشر دار الهادي للمطبوعات ، قم ـ إيران ١٤١٠ ه.

١٠٠ ـ مختلف الشيعة في أحكام الشريعة :

تأليف جمال الدين الحسن بن يوسف بن المطهر العلَّامة الحلَّي ، المتوفّى سنة ٧٢٦ ه ، تحقيق ونشر مركز الأبحاث والدراسات الإسلامية ، قم ـ إيران.

١٠١ ـ مدارك الأحكام :

تأليف السيّد محمد بن علي الموسوي العاملي ، المتوفّى سنة ١٠٠٩ ، تحقيق ونشر مؤسّسة آل البيت عليهم السّلام لإحياء التراث فرع مشهد المقدّسة.

١٠٢ ـ المسائل الناصريّة (ضمن الجوامع الفقهية) :

تأليف أبي القاسم علي بن الحسين الموسوي الشريف المرتضى ، المتوفّى سنة ٤٣٦ ه ، الطبعة الحجرية ، نشر مكتبة آية اللَّه العظمى المرعشي ، قم ـ إيران.

١٠٣ ـ مستدرك الوسائل :

تأليف الشيخ ميرزا حسين المحدّث النوري ، المتوفّى سنة ١٣٢٠ ه ، الطبعة الأولى المحقّقة ، تحقيق ونشر مؤسّسة آل البيت عليهم السّلام لإحياء التراث ، قم ـ إيران.

١٠٤ ـ مستمسك العروة الوثقى :

تأليف آية اللَّه العظمى السيّد محسن الطباطبائي الحكيم ، المتوفّى سنة ١٣٩٠ ه ، نشر دار إحياء التراث العربي ، بيروت ـ لبنان.

١٠٥ ـ مسند أبي عوانة :

تأليف أبي عوانة يعقوب بن إسحاق الأسفراييني ، المتوفّى سنة ٣١٦ ه ، نشر دار المعرفة ، بيروت ـ لبنان.

١٠٦ ـ مسند أحمد :

تأليف أحمد بن محمد بن حنبل أبي عبد اللَّه الشيباني ، المتوفّى سنة ٢٤١ ه ، الطبعة المحقّقة ، نشر دار إحياء التراث العربي ، بيروت ـ لبنان.

١٠٧ ـ مشارق الشموس :

تأليف آغا حسين بن جمال الدين محمد الخوانساري ، المتوفّى سنة ١٠٩٩ ه ، الطبعة الحجريّة ، نشر مؤسّسة آل البيت عليهم السّلام لإحياء التراث ، قم ـ إيران.

١٠٨ ـ مصباح الفقيه :

تأليف العلَّامة الحاج آغا رضا الهمداني ، المتوفّى سنة ١٣٢٢ ه ، الطبعة الحجريّة ـ منشورات مكتبة الصدر ـ طهران.

١٠٩ ـ المصباح المنير :

تأليف أحمد بن محمد بن علي المقري الفيّومي ، المتوفّى سنة ٧٧٠ ه ، نشر مؤسّسة دار الهجرة ، قم ـ إيران.

١١٠ ـ المصنّف :

تأليف أبي بكر عبد الرزّاق بن همام الصنعاني ، المتوفّى سنة ٢١١ ه ، تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي ، منشورات المجلس العلمي في (سملك سورت) الهند.

١١١ ـ مطارح الأنظار :

تأليف الشيخ أبي القاسم الكلانتري ، الطبعة الحجريّة ، نشر مؤسّسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ، قم ـ إيران.

١١٢ ـ معالم الأصول (المعالم) :

تأليف جمال الدين حسن بن زين الدين ، المتوفّى سنة ١٠١١ ه ، تحقيق عبد الحسين محمد علي البقّال ، نشر دار الحكمة ، قم ـ إيران.

١١٣ ـ معاني الأخبار :

تأليف الشيخ أبي جعفر الصدوق محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي ، المتوفّى سنة ٣٨١ ه ، تعليق علي أكبر الغفّاري ، نشر مكتبة الصدوق ـ طهران.

١١٤ ـ المعتبر :

تأليف أبي القاسم نجم الدين جعفر بن الحسن بن يحيى بن سعيد الهذلي المحقّق الحلَّي ، المتوفّى سنة ٦٧٦ ه ، تصحيح وتعليق ثلَّة من الأفاضل ، نشر مؤسّسة سيّد الشهداء ، قم ـ إيران.

١١٥ ـ مقالات الأصول :

تأليف الشيخ آغا ضياء الدين العراقي ، المتوفّى سنة ١٣٦١ ه ، تحقيق الشيخ محسن العراقي ـ السيّد منذر الحكيم ، نشر مجمع الفكر الإسلامي ، قم ـ إيران.

١١٦ ـ المكاسب :

تأليف الشيخ مرتضى الأنصاري ، المتوفّى سنة ١٢٨١ ه ، الطبعة الحجريّة ، تبريز ـ إيران.

١١٧ ـ من لا يحضره الفقيه (الفقيه) :

تأليف الشيخ أبي جعفر الصدوق محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي ، المتوفّى سنة ٣٨١ ه ، تحقيق وتعليق السيّد حسن الموسوي الخراسانيّ ، نشر دار الكتب الإسلاميّة.

١١٨ ـ المناقب :

تأليف رشيد الدين محمد بن علي بن شهرآشوب ، المتوفّى سنة ٥٨٨ ه ، تصحيح السيّد هاشم الرسولي المحلَّاتي ، انتشارات علَّامة ، قم ـ إيران.

١١٩ ـ مناهج الأصول :

تأليف المولى أحمد بن محمد بن أبي ذر النراقي ، المتوفّى سنة ١٢٤٥ ه ، الطبعة الحجريّة.

١٢٠ ـ منية الطالب في حاشية المكاسب :

تأليف الشيخ موسى الخوانساري النجفي ، المتوفّى سنة ١٣٦٣ ه ، الطبعة الحجريّة ، المطبعة المرتضويّة في النجف الأشرف ١٣٥٧ ه.

١٢١ ـ المهذّب :

تأليف القاضي عبد العزيز بن البرّاج الطرابلسي ، المتوفّى سنة ٤٨١ ه ، إشراف الشيخ جعفر السبحاني ، نشر مؤسّسة النشر الإسلامي ، قم ـ إيران.

١٢٢ ـ نجاة العباد :

تأليف الشيخ محمد حسن النجفي ، المتوفّى سنة ١٢٦٦ ه ، الطبعة الحجريّة ١٣٢٣ ه.

١٢٣ ـ النهاية :

تأليف مجد الدين المبارك بن محمد الجزري ابن الأثير ، المتوفّى سنة ٦٠٦ ه ، تحقيق طاهر أحمد الزاوي ـ محمود محمد الطناحي ، نشر دار الفكر ، بيروت ـ لبنان.

١٢٤ ـ نهاية الأفكار :

تأليف الشيخ محمد تقي البروجردي (تقرير أبحاث آغا ضياء العراقي) المتوفّى سنة ١٣٩١ ه ، نشر مؤسّسة النشر الإسلامي ، قم ـ إيران.

١٢٥ ـ نهاية الدراية :

تأليف المحقّق الشيخ محمد حسين الأصفهاني ، المتوفّى سنة ١٣٦١ ه ، تحقيق ونشر مؤسّسة آل البيت عليهم السّلام لإحياء التراث ، قم ـ إيران.

١٢٦ ـ نهایة النهاية :

تأليف المحقّق ميرزا علي بن عبد الحسين الغروي الإيرواني ، المتوفّى سنة ١٣٥٤ ه ، نشر دار الكتب الشرقية ـ طهران.

١٢٧ ـ نهج البلاغة :

تأليف أبي الحسن الشريف الرضي محمد بن الحسين الموسوي ، المتوفّى سنة ٤٠٦ هـ.

(ه)

١٢٨ ـ هداية المسترشدين :

تأليف الشيخ محمّد تقي الاصفهاني ، المتوفّى سنة ١٢٤٨ ه ، الطبعة الحجرية ، شنشر مؤسّسة آل البیت علیهم السلام لإحياء التراث ، قم ـ ايران.

١٢٩ ـ الوافي :

تأليف محمد محسن المشتهر بالفيض الكاشاني ، المتوفّى سنة ١٠٩٤ ه ، تحقيق وتعليق ضياء الدين الحسيني العلاّمة الاصفهاني ، نشر مكتبة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام ، اصفهان ـ ايران.

١٣٠ ـ الوافية :

تأليف عبد الله بن محمد البشروي الخراساني الفاضل النوني ، المتوفّى سنة ١٠٧١ ه ، تحقيق السيّد محمد حسين الرضوي الكشميري ، نشر مجمع الفكر الإسلامي ، قم ـ ايران.

١٣١ ـ وسائل الشيعة :

تأليف محمد بن الحسن الحرّ العاملي ، المتوفّى سنة ١١٠٤ ه ، تحقيق ونشر مؤسّسة آل البیت علیهم السلام لإحياء التراث ، قم ـ ايران.

٦ ـ فهرس الموضوعات ـ ج ٤

الاستصحاب

في تعريف الاستصحاب وأنّ تعريفه بما ينطبق على جميع الأقوال غير ممكن................ ٧

في أنّ البحث عن حجّيّة الاستصحاب مسألة أصوليّة أم لا؟ وميزان كون المسألة اُصوليّة... ٨

عدم المانع من كون قاعدة واحدة اُصولية وفقهيّة باعتبارين.............................. ٩

في الفرق بين قاعدة الاستصحاب وقاعدة اليقين وقاعدة المقتضي والمانع................ ١٠

في المراد من المقتضى في قاعدة المقتضي والمانع وبيان أقسام المقتضي.................... ١١

في تقسيم الشيخ قدس سره الاستصحاب باعتبارات مختلفة منها تقسيمه باعتبار الشكّ ، واختيار جريانه في الشكّ في المانع       ١٢

في أنّ المختار في المقام هو جريان الاستصحاب في الموضوعات والأحكام الجزئيّة مطلقاً والكلّيّة إذا كان الشكّ في احتمال النسخ  ١٣

في الاستدلال على حجّيّة الاستصحاب بوجوه...................................... ١٣

الأول : بناء العقلاء وسيرتهم..................................................... ١٣

إشكال صاحب الكفاية على السيرة.............................................. ١٣

في أنّ الآیات لا تصلح للرادعية عن السيرة......................................... ١٤

الثاني : دعوى الإجماع والجواب عنه............................................... ١٤

الثالث ـ وهو العمدة ـ الأخبار منها صحاح ثلاث لزرارة.............................. ١٥

في الاستدلال بصحيحة زرارة ، الأولى............................................. ١٥

بقي الكلام في اُمور............................................................. ٢١

الأول : في تفصيل الشيخ قدس سره بين الشكّ في المقتضي والشكّ في الرافع........... ٢١

في ذكر أقسام المقتضي.......................................................... ٢٢

في بيان مراد الشيخ قدس سره من المقتضي وأنّ أول من فصّل بين الشكّ في الرافع والشكّ في المقتضي هو المحقّق الخوانساري      ٢٢ ـ ٢٣

في توضيح الشكّ في المقتضي والشكّ في الرافع...................................... ٢٣

في بيان وجه تفصيل الشيخ قدس سره بين الشكّ في المقتضي والشكّ في الرافع.......... ٢٥

في بيان حقيقة اليقين والنقض اللذين اقتضيا تفصيل الشيخ قدس سره................. ٢٦

في أنّ أخبار الباب لا تشمل الشكّ في المقتضي عند الشيخ قدس سره................. ٢٨

في الإشكال على الشيخ قدس سره بأنّ ما ليس فيه لفظ «النقض» شامل للشكّ في المقتضي ٢٨

في جواب المحقّق النائيني قدس سره عن الإشكال المذكور.............................. ٢٩

في أنّ التحقيق هو عدم اختصاص الحجّيّة بالشكّ في الرافع........................... ٢٩

في تفصيل الشيخ قدس سره بين كون دليل المستصحب هو العقل وكونه غيره بالجريان في الثاني دون الأول     ٣١

في أنّ التحقيق هو جربان الاستصحاب في الشبهة الموضوعيّة وإن كان دليل المستصحب هو العقل   ٣٢

في وجه عدم جريان الاستصحاب في الشبهة الحكميّة إذا كان دليل المستصحب هو العقل ٣٢

في بيان المقدّمتين اللتين ذكرهما الشيخ قدس سره لمدّعاه.............................. ٣٤

في جواب المحقّق النائيني قدس سره عن مقدّمته الأولى................................ ٣٤

في عدم تماميّة الإشكال المذكور على المقدّمة الاُولى للشيخ قدس سره................... ٣٤

في التفصيل بين جريان الاستصحاب في الشبهة الموضوعيّة والأحكام الجزئية والكلّية إذا كان الشكّ في النسخ وعدم جريانه في غير ذلك.............................................................................. ٣٥

في توضيح التفصيل المختار....................................................... ٣٦

في أن استصحاب عدم الجعل واستصحاب المجعول في مورد الشكّ في بقاء الحكم من جهة الشكّ في سعة دائرة الجعل متعارضان دائماً.............................................................................. ٣٧

في توهّم عدم معارضة الاستصحابين المذكورين والجواب عنه........................... ٣٩

في أنّ عدم جريان الاستصحاب في الحكم الكلّي مختصّ بما إذا كان المستحصب حكماً إلزامياً أو مستتباً له    ٤٢

في نقل توهّم بارد في المقام تبعاً لشيخنا الاستاذ قدس سره والجواب عنه................. ٤٥

الصحيحة الثانية لزرارة ، المستفاد منها جمله من الفروع منها : حجّيّة الاستصحاب...... ٤٥

في تعيين مورد الاستشهاد بالصحيحة لحجّيّة الاستصحاب وتقريب الاستدلال بها....... ٤٧

في دفع توهّم انطباق التعليل المذكور في الصحيحة على قاعدة اليقين دون الاستصحاب.. ٤٨

في وجه انطباق التعليل المذكور في الصحيحة على مورد الاستصحاب وذكر مقدّمة هي أنّه هل الطهارة لصحّة الصلاة أو النجاسة مانعة عنها.......................................................................... ٤٨

في عدم ترتّب ثمرة عمليّة على البحث عن شرطيّة الطهارة أو مانعيّة النجاسة............ ٤٨

في توهّم ظهور الثمرة ودفعه...................................................... ٤٩

في أنّ الشرط هو الطهارة الأعمّ من المحرزة والواقعيّة.................................. ٥٠

في أنّ توسعة الشرط هل هي أمر مغاير للإجزاء أو عينه والاختلاف في التعبير.......... ٥١

الصحيحة الثالثة لزرارة والاستدلال بها على حجّيّة الاستصحاب في كلّ باب........... ٥٣

في إسقاط الشيخ قدس سره للصحيحة عن دلالتها على حجّيّة الاستصحاب........... ٥٣

في إشكال صاحب الكفاية على الشيخ قدس سره بأنّ إتيان الركعة مفصولة لا ينافي الاستصحاب    ٥٤

في تأييد صاحب نهاية الدراية كلام الشيخ قدس سره بأنّ الاستصحاب ملغى في باب الصلاة ٥٤

في وجه النظر لتأييد المحقق الاصفهاني لكلام الشيخ قدس سره........................ ٥٥

في الإشارة إلى عدم جريان الاستصحاب في موارد تبادل الحالتين على مسلك صاحب الكفاية ٥٦

في الإشارة إلى ثمرة استصحاب ما هو مردّد بين مقطوع الارتفاع ومقطوع البقاء أو محتمله. ٥٦

في وجه النظر في إشكال صاحب الكفاية على الشيخ قدس سره...................... ٥٧

في وجه النظر في إشكال الشيخ قدس سره على دلالة الصحيحة الثالثة على حجّيّة الاستصحاب    ٥٧

في الاستدلال على حجّيّة الاستصحاب بموثّقة عمّار................................ ٥٨

في عدم ورود الخدشة في دلالة الموثّقة من ناحية الشيخ قدس سره...................... ٥٩

في دفع توهّم انطباق الموثّقة على قاعدة اليقين...................................... ٥٩

في الاستدلال على حجّيّة الاستصحاب بروايتين مرويّتين عن علي عليه السلام.......... ٦٠

في إيراد الشيخ قدس سره على الروايتين انطباقهما على قاعدة اليقين والجواب عنه........ ٦٠

في ذهاب الشيخ قدس سره في هامش الرسالة إلى دلالة الروايتين على الاستصحاب..... ٦٠

في عدم اعتبار الروايتين المرويّتين عن علي عليه السلام............................... ٦١

في الاستدلال على حجّيّة الاستصحاب بمكاتبة علي بن محمد القاساني................ ٦١

في الاستدلال الشيخ قدس سره بالمكاتبة وجعلها أظهر الروايات....................... ٦٢

في إيراد صاحب الكفاية على دلالة المكاتبة على الاستصحاب وتأييد المحقق النائيني قدس سره لصاحب الكفاية        ٦٢

في أنّ الحقّ هو دلالة المكاتبة على الاستصحاب وعدم ورود ما عن صاحب الكفاية والمحقّق النائيني رحمه الله   ٦٢

في الاستدلال بحديث وكلّ شيء نظيف ...» ونظائره على الاستصحاب وبيان المحتملات السبعة المتصوّرة والأربعة الممكنة منها  ٦٣

في أنّ الاحتمال السابع هو دلالة الروايات بصدرها على الحكم الواقعي والظاهري معا وبذيلها على الاستصحاب       ٦٤

في إيراد المحقّق النائيني رحمه الله على صاحب الكفاية بعدم إمكان دلالة الروايات بصدرها على الحكم الواقعي والظاهري كليهما لوجوه.............................................................................. ٦٥

الوجه الأول.................................................................... ٦٥

الوجه الثاني وعدم وروده......................................................... ٦٦

الوجه الثالث وعدم وروده........................................................ ٦٧

توضيح دلالة تلك الروايات بصدرها على الحكم الواقعي وبذيلها على الاستصحاب..... ٦٧

عدم استفادة قاعدة الاستصحاب من الروايات ومفادها قاعدة الحلّ والطهارة............ ٦٩

في تماميّة دلالة رواية إعارة الثوب للذّمّي على الاستصحاب في موردها................. ٧٠

في تفصيل المحقّق السبزواري بين الشكّ في وجوه الرافع والشكّ في رافعيّة الموجود بجريان الاستصحاب في الأول دون الثاني         ٧١

في الإشكال على التفصيل المذكور................................................ ٧١

في التفصيل بين الأحكام التكليفيّة والوضعيّة بجريان الاستصحاب في الثاني دون الأول... ٧٢

في توضيح حقيقة الحكم الوضعي بأمور............................................ ٧٢

الأمر الأول : في حقيقة الحكم................................................... ٧٢

الأمر الثاني : في تقسيم الموجودات الخارجيّة والاعتباريّة إلى متأصلة وانتزاعيّة............. ٧٢

الأمر الثالث : في أنّ نسبة المعتبر إلى الاعتبار كنسبة الماهيّة إلى الوجود................ ٧٣

في عدم صحّة جعل شرط التكليف والمجعول هو لحاظ الشيء كما فعله صاحب الكفاية.. ٧٨

في أنّ الانتزاعيّات من الأحكام الوضعيّة قابلة للجعل تبعاً وعد الإشكال في استصحابها.. ٧٥

في أنّ الملكيّة ونحوها مجعولة مستقلّة ، خلافاً للشيخ قدس سره والإيراد على القول بانتزاعها عن التكليف بأمور خمسة   ٧٥

الكلام في أنّ بعض الأحكام الوضعيّة ـ كالطهارة والنجاسة ـ هل هو حكم أو أمر واقعي.. ٧٧

الكلام في حقيقة الصحّة والفساد وأنهما أمر واقعيّ أو حكم.......................... ٧٨

في أنّ العزيمة والرخصة أمر واقعي أو حكم......................................... ٧٩

في أنّ الصحّة وغيرها أمر انتزاعي غير مجعول وليس أمراً تكوينياً....................... ٨٠

في عدم الإشكال في استصحاب الأحكام الوضعيّة.................................. ٨١

تنبيهات الاستصحاب

الأول : في عدم الفرق في شمول الأدلّة بين كون المتيقّن سابقاً والمشكوك فيه فعليّا وكون المتيقّن فعلياً والمشكوك فيه استقباليّا       ٨٢

في إنكار صاحب الجواهر الاستصحاب الاستقبالي.................................. ٨٢

الثاني : في اعتبار فعليّة الشكّ في جريان الاستصحاب............................... ٨٣

في ذكر فرعين في المقام والنظر فيهما.............................................. ٨٣

الثالث : في قيام الأمارة أو الأصل على ثبوت المستصحب مقام اليقين ، وعدمه........ ٨٥

في أنّ الإشكال في جريان الاستصحاب في المقام مبني على طريقية في الأمارات أو السببيّة بمعنى كونها واسطة في العروض لا الثبوت.............................................................................. ٨٦

في جواب صاحب الكفاية عن الإشكال بأن أدلّة الاستصحاب تحكم بتنجيز ما تنجّز حدوثاً بقاءً   ٨٧

فيما يرد على صاحب الكفاية فيما أفاده في المقام................................... ٨٨

فيما هو التحقيق في الجواب عن الإشكال.......................................... ٨٩

الرابع : في أنّ المستصحب إمّا شخصي أو كلّي.................................... ٩٣

أقسام استصحاب الكلّي

القسم الأوّل والثاني............................................................. ٩٤

القسم الثالث والرابع............................................................ ٩٥

في الفرق بين القسم الثاني والرابع وكذا بين الرابع والثالث............................. ٩٥

في عدم الإشكال في جريان الاستصحاب في القسم الأول والثاني...................... ٩٦

في الإيراد على جريان الاستصحاب في القسم الثاني ودفعه........................... ٩٧

في الأجوبة الثلاثة لصاحب الكفاية عن الإيراد المذكور............................... ٩٩

في الشبهة العبائية المنسوبة إلى السيّد الصدر وجواب المحقّق النائيني رحمه الله عنها...... ١٠١

في تقسيم القسم الثالث من أقسام استصحاب الكلّي إلى قسمين وأنّ الحقّ عدم جريان الاستصحاب مطلقاً   ١٠٤

في ذهاب صاحب الكفاية والنائيني رحمه الله ، إلى جريان الاستصحاب في القسم الثاني من القسم الثالث إذا كان محتمل الحدوث مرتبة اُخرى من مراتب معلوم الارتفاع في أنّ تسمية هذا القسم باستصحاب الكلّي مسامحة.. ١٠٦

في نقل كلام للفاضل التوني في المقام............................................. ١٠٦

حكم القسم الرابع من أقسام استصحاب الكلّي وهو جريان الاستصحاب............ ١٠٩

في ذكر فرع هو من قبيل القسم الرابع من أقسام استصحاب الكلي.................. ١٠٩

في نقل كلام للمحقّق الهمداني رحمه الله في المقام................................... ١١٠

الخامس : في استصحاب الزمان والزكانيّ وفيه مقامان............................... ١١١

المقام الأول : في استصحاب نفس الزمان......................................... ١١٢

المقام الثاني : في استصحاب الزمانيّأت التدريجيّة ومنها : الحركة...................... ١١٨

في أقسام الشكّ في بقاء الحركة والتفصيل بينها من حيت جريان الاستصحاب وعدمه.. ١١٩

في أنّ تخلّل السكون مضرّ بالوحدة حتى العرفيّة منها خلافاً لصاحب الكفاية.......... ١٢٠

في جريان الاستصحاب وعدمه في مثل التكلّم والقراءة ونحوهما....................... ١٢١

صور الشكّ في بقاء حكم الزماني الذي تدّرجه بالعرض كالقيام من زمان إلى زمان والتفصيل بينها بجريان الاستصحاب وعدمه    ١٢٢

السادس : في الاستصحاب التعليقي............................................. ١٢٥

في ابتناء النزاع في جريان الاستصحاب التعليقي على القول بجريان الاستصحاب في الأحكام الكلّية   ١٢٥

تحرير محلّ النزاع في الاستصحاب التعليقي........................................ ١٢٥

في أنّ المثال المعروف للاستصحاب التعليقي خارج عن محلّ النزاع.................... ١٢٦

في أقسام الشكّ في بقاء الحكم والتفصيل بينها بجريان الاستصحاب وعدمه........... ١٢٦

في بيان ما يتوقّف عليه الاستصحاب التعليقي وهو رجوع القيد إلى الحكم............ ١٢٨

في إنكار الاستصحاب التعليقي لأجل رجوع القيد إلى الموضوع...................... ١٢٨

في إرجاع الشيخ رحمه الله الاستصحاب التعليقي إلى التنجيزي وأنّ المستصحب هو الملازمة ١٢٩

في إنكار الشيخ رحمه الله الاستصحاب التعليقي في العقود التعليقيّة وبيان ما هو المختار في المقام      ١٢٩

في الإشكال على الشيخ رحمه الله في إجرائه الاستصحاب في الملازمة والسببيّة......... ١٣١

في توهّم تعارض استصحاب الحرمة التعليقيّة للزبيب لاستصحاب حلّيته الثابتة قبل الغليان ، ودفعه   ١٣٢

في جريان الاستصحاب التعليقي في الموضوعات وعدمه............................. ١٣٤

السابع : في استصحاب أحكام الشريعة الإسلامية عند الشكّ في النسخ واستصحاب أحكام الشرائع السابقة ١٣٦

ذكر إشكالات في المقام والجواب عنها........................................... ١٣٦

الثامن : في حجّية الاستصحاب المثبت وعدمها وتحرير محلّ النزاع.................... ١٣٩

منشؤ النزاع في حجّيّة الاستصحاب المثبت وعدمها عندصاحب الكفاية.............. ١٣٩

في المثال المعروف للاستصحاب المثبت........................................... ١٤٠

بيان ما به تفرق الأمارات عن الاُصول........................................... ١٤٠

في أنّ الحقّ هو أنّ المجعول في الاستصحاب هو نفس اليقين لا الحكم العمائل ولا الجري العملي      ١٤١

بيان فوق آخر ثالث بين الأمارات والاُصول...................................... ١٤٢

فيما يتفرّع على الفرق الثالث من تقدّم الأمارة على الاُصول بالحكومة ولوكان الاستصحاب أمارة حيث لا أمارة         ١٤٣

في التشكيك فيما ذكر من اجتماع الشكّ واليقين في شخص واحد بالنسبة إلى أمر واحد ولو كانا اعتباريّين   ١٤٣

بيان وجه تقديم الاستصحاب على الاُصول الثلاثة ، وهو الحكومة................... ١٤٤

بيان وجه تقديم الأمارة على الاستصحاب........................................ ١٤٤

فيما أفاده صاحب الكفاية في وجه حجّيّة مثبتات الأمارات دون الاُصول............. ١٤٥

عدم صحّة ما أفاده صاحب الكفاية في المقام..................................... ١٤٦

فيما أفاده المحقّق النائيني رحمه الله في وجه حجّيّة مثبتات الأمارات دون الاُصول........ ١٤٦

عدم صحّة ما أفاده المحقّق النائيني رحمه الله في المقام................................ ١٤٧

فيما هو التحقيق في المقام...................................................... ١٤٧

في كلام كاشف الغطاء رحمه الله في أن الأصل المثبت غير حجّة لوجود المانع وجواب الشيخ الأنصاري قدس سره عنه    ١٤٨

في أنّ ما أفاده الشيخ قدس سره جواباً عن كاشف الغطاء تامّ من وجه وغير تامّ من وجه آخر ١٤٨

التزام الشيخ وصاحب الكفاية؟ بحجيّة الأصل المثبت إذا كانت الواسطة خفيّة......... ١٤٩

عدم وجود مصداق للكبرى التي أفادها صاحب الكفاية في المقام.................... ١٥٠

في عدم تماميّة تفصيل الشيخ قدس سره بين خفاء الواسطة وجلائها.................. ١٥٠

في ذكر الأمثلة التي ذكرها الشيخ قدس سره لخفاء الواسطة والجواب عنها............. ١٥١

في استثناء صاحب الكفاية موارد من الأصل المثبت................................ ١٥٦

الكلام في أنّ حصر المستصحب في الحكم والموضوع ذي حكم ممّأ لا أصل له ، بل يكفي قبوله للتعبّد ولو لم يكن منهما        ١٥٩

التاسع : في الشكّ في تقدّم الحادث وتأخرّه....................................... ١٦٢

في أنّ الشكّ في تقدّم الحادث وتأخّره بملاحظة عمود الزمان أو حادث آخر وبيان الصور في المقام    ١٦٢

مقدّمة في بيان أنّ الموضوع المركّب يلتئم إذا ثبت أحد جزئيه بالأصل ، ودفعه......... ١٦٢

حكم صورة ترتّب الأثر على وجود أحد الحادثين أو كليهما بمفاد «كان» التامّة أو الناقصة من صور مجهولي التاريخ     ١٦٤

حكم صورة ترتّب الأثر على العدم بمفاد «ليس» الناقصة أو التامّة من صور مجهولي التاريخ ١٦٥

ذهاب صاحب الكفاية إلى عدم جريان الاستصحاب فيما إذا ترتّب الأثر على العدم بمفاد «ليس» التامّة     ١٦٦

في ذكر شبهة تتعلّق بالشكّ في تقدّم الحادث وتأخرّه والجواب عنها................... ١٦٦

في ذكر موارد توهّم كونها شبهة مصداقيّة لنقض اليقين بالشكّ والجواب عنه........... ١٧٠

حكم صور معلوم التاريخ ، الأربع............................................... ١٧٣

حكم ماءٍ تواردت عليه حالتان : الكرّيّة وملاقاته للنجس........................... ١٧٥

الكلام في حكم ما إذا كان الأثر مترتّباً على المتأخّر من الحادثين.................... ١٧٨

في ذكر فرع متفرّع على اعتبار اتّصال زمان الشكّ بزمان اليقين...................... ١٨٠

في تفصيل آخر فی ذلك الفرع.................................................. ١٨٢

العاشر : في استصحاب الصحّة عند الشكّ في المانعيّة............................. ١٨٢

في إيراد الشيخ قدس سره على استصحاب الصحّة عند احتمال وجود المانع عنها بنتفاء الركن من اليقين تارة والشكّ اُخرى       ١٨٢

في تفريق الشيخ قدس سره بين المانع والقاطع بجريان استصحاب الصحّة في الثاني دون الأوّل ، والجواب عنه    ١٨٣

الحادي عشر : في جريان الاستصحاب في الاُمور الاعتقادية وعدمه................. ١٨٤

في عدم صحّة استصحاب الكتابي لا نبوّة موسى عليه السلام ولا أحكام شريعته لا إقناعاً لنفسه ولا إلزاماً لمسلم        ١٨٤

الثاني عشر : في جريان استصحاب حكم المخصّص مع العموم الأزماني وعدمه........ ١٨٦

في تفصيل الشيخ قدس سره بين أخذ الزمان قيداً وأخذه ظرفاً بالتمسّك بالاستصحاب في الثاني والعموم في الأول       ١٨٧

في تفصيل صاحب الكفاية في المقام والإيراد على إطلاق تفصيل الشيخ قدس سره..... ١٨٨

في تفصيل آخر في المقام للمحقّق النائيني رحمه الله................................. ١٨٩

في أنّ تفصيل المحقّق النائيني رحمه الله غير صحيح في نفسه.......................... ١٩٢

في أنّ التحقيق هو لزوم التمسّك بالعامّ في جمع الصور............................. ١٩٣

الثالث عشر : في المراد من الشكّ المأخوذ موضوعاً للاستصحاب وأنّه خلاف اليقين لا الاحتمال المتساوي الطرفين     ١٩٤

في استدلال الشيخ قدس سره بوجهين آخرین على أنّ المراد من الشكّ هو خلاف اليقين ، وما يرد عليه        ١٩٥

تتمّة : يعتبر في جريان الاستصحاب بقاء الموضوع وعدم أمارة في البين فهنا مقامان..... ١٩٦

المقام الأول : في اعتبار بقاء الموضوع بمعنى اتّحاد القضيّة المشكوكة والمتيقّنة وأنّ الاتّحاد المذكور هل هو بنظر العرف او العقلي أو الدليل............................................................................ ١٩٦

عدم صحّة تعليل الشيخ قدس سره لاعتبار بقاء الموضوع........................... ١٩٦

تفصيل الكلام بتقسيم المستصحب إلى الحكم الشرعي والموضوع.................... ١٩٧

حكم أقسام كون المستصحب موضوعاً.......................................... ١٩٧

حكم أقسام كون المستصحب حكماً............................................ ١٩٨

في أن العبرة في بقاء الموضوع هل هو بنظر العقل أو العرف أو الدليل................. ١٩٩

في تخصيص الشيخ قدس سره جريان الاستصحاب بموارد الشكّ في الواقع بناءً على كون العبرة بنظر العقل     ٢٠٠

في الإيرادين على الشيخ قدس سره أحدهما من صاحب الكفاية..................... ٢٠٠

في توجيه المحقّق النائيني قدس سره كلام الشيخ قدس سره الإطلاق إلى قسمين......... ٢٠٠

في دفع الإشكال على جعل المقابلة بين الدليل ونظر العرف والعقل.................. ٢٠٢

في أنّ الحقّ هو اعتبار نظر العرف في بقاء الموضوع................................. ٢٠٤

في مفاد أخبار الاستصحاب من حيث شمولها لغير الاستصحاب وعدمه.............. ٢٠٥

في ذهاب الشيخ والمحقّق النائيني رحمها الله إلى عدم استفادة غير الاستصحاب من الأخبار ٢٠٥

في عدم المانع في مقام الثبوت من استفادة غير الاستصحاب من الأخبار.............. ٢٠٧

في عدم الإشكال في شمول الأخبار لقاعدة المقتضي والمانع.......................... ٢٠٨

المقام الثاني : في المراد من اليقين المعتبر في جريان الاستصحاب...................... ٢٠٨

في ذكر الاحتمالات الثلاثة في كلام صاحب الكفاية القائل بورود الأمارة على الاستصحاب ٢٠٩

عدم صحّة شيء من الاحتمالات الثلاثة في كلام صاحب الكفاية................... ٢٠٩

في أنّ التحقيق هوتقدّم الأمارة على الاستصحاب بالحكومة وبيان الفرق بين الحكومة والورود

والتخصيص.................................................................. ٢١٠

في أنّ تقدّم الأدلّة القطعية على جميع الاُصول بالتخصّص وتقدّم الأدلّة الظنّية على الاُصول القطيّة بالورود وعلى الشرعيّة بالحكومة............................................................................ ٢١٢

خاتمة : في تعارض الاستصحابين وأنهما من باب التزاحم إن كان التنافي لعدم قدرة المكلّف ٢١٣

في أقسام التنافي إن كان لأجل التكاذب......................................... ٢١٣

الأول : صورة كون المستصحب في أحدهما مسبّباً عن المستصحب في الآخر وعدم جريان الاستصحاب المسبّبي         ٢١٤

الثاني : ما لم يكن أحد الشكّين مسبّباً عن الآخر ، وهو على قسمين................ ٢١٧

الأول والثاني : ما إذا لزمت من جريان الأصلين مخالفة قطعيّة عمليّة أو لم تلزم......... ٢١٧

ذهاب الشيخ قدس سره إلى عدم جريان الأصلين لمانع في مقام الإثبات ، والإيراد عليه.. ٢١٧

ذهاب المحقّق النائيني رحمه الله إلى عدم جريان الأصلين لمانع ثبوتي ، والإيراد عليه بالنقض والحلّ       ٢١٨

في أنّ المعيار للجريان وعدمه هو لزوم الممانعة وعدمه............................... ٢١٩

في تعارض الاستصحاب مع أصالة الصحة في عمل الغير وقاعدة الفراغ والتجاوز والقول بتقدّمها عليه بالورود  ٢٢٠

في القول بتقدّم أصالة الصحّة وقاعدة الفراغ على الاستصحاب بالحكومة

أو التخصيص................................................................ ٢٢١

وجه تقدّم قاعدة اليد على الاستصحاب......................................... ٢٢٢

في جريان الاستصحاب دون قاعدة اليد في موردين................................ ٢٢٢

في تعارض الاستصحاب مع القرعة ووجوه تقدّمه عليها............................. ٢٢٣

قاعدة الفراغ والتجاوز

الكلام في اُمور

الأول : في انّ قاعدة الفراغ فقهيّة أم اُصولية...................................... ٢٢٧

الثاني : في ذكر روايات الباب ، التي بعضها عام وبعضها خاصّ ببعض الأبواب....... ٢٢٨

الثالث : في أنّ قاعدة الفراغ هل هي من الأمارات او الاُصول....................... ٢٢٩

في ذكر إشكال على أماريّة قاعدة الفراغ......................................... ٢٣٠

في دفع الإشكال المذكور في المقام............................................... ٢٣١

الكلام في مسائل :

المسألة الأولى : في عموم الأخبار وخصوصها..................................... ٢٣١

الكلام في أن قاعدتي التجاوز والفراغ هل هما قاعدة واحدة بتعبيرين أو متعدّدة......... ٢٣٢

في وجوه الإشكال على اتّحاد القاعدتين.......................................... ٢٣٢

الاشكال الأوّل : استلزام الاتّحاد كون شيء واحد مفروض الوجود وعدمه والجواب عنه من ناحية الشيخ قدس سره      ٢٣٢

في إيراد المحقّق النائيني رحمه الله على الشيخ قدس سره.............................. ٢٣٢

في أنّ التحقيق هو عدم ورود أصل الإشكال على الاتحاد........................... ٢٣٣

في ذكر شبهة على الإتّحاد..................................................... ٢٣٤

في أنّ التحقيق أنّ تلك الشبهة مندفعة بأنّ الشكّ في الصحّة راجع إلى الشكّ في الوجود ٢٣٥

في ذكر إشكال في المقام ودفعه................................................. ٢٣٥

الإشكال الثاني : لزوم لحاظ الأجزاء مستقلّة وغير مستقلّة.......................... ٢٣٦

في الجواب عن إشكال لزوم الاستقلال وعدمه من الاتّحاد........................... ٢٣٧

الإشكال الثالث : لزوم اجتماع الإسناد الحقيقي والمجازي في إسناد واحد ، والجواب عنه ٢٣٨

الإشكال الرابع : لزوم التنافي بين المفهوم والمنطوق................................. ٢٣٩

في الجواب عن الإشكال الرابع.................................................. ٢٤٠

في دفع ما ربما يتوهم من دلاله موثّقة ابن أبي يعفور على تعّدد القاعدتين............. ٢٤١

في أنّ الروايات الواردة في مورد الفراغ أو التجاوز بناء على أتّحادهما عامّة وخرجت الطهارات الثلاث عن هذا العموم     ٢٤٢

الكلام في اختصاص قاعدة التجاوز بأجزاء الصلاة وعدمه بناءً على تعدّد القاعدتين... ٢٤٢

في منع اختصاص قاعدة التجاوز بأجزاء الصلاة................................... ٢٤٣

المسألة الثانية : في اعتبار الدخول في الغير في قاعدة التجاوز........................ ٢٤٤

في اعتبار الدخول في الغير في قاعدة الفراغ وعدمه................................. ٢٤٥

في ذكر الوجوه لاعتبار الدخول في الغير والأخذ بالروايات المقيّدة.................... ٢٤٥

الوجه الأول : عدم الظهور للمطلقات في العموم وإجمالها........................... ٢٤٥

في الخدشة في الوجه الأول وأنّ للمطلقات ظهوراً في العموم.......................... ٢٤٦

الوجه الثاني : كون مورد الدخول في الغير متيقّناً والجواب عنه........................ ٢٤٧

الوجه الثالث : غلبة الدخول في الغير في موارد الشك في قاعدة الفراغ والجواب عنه..... ٢٤٧

في أن الحقّ هو التفصيل بين «الغير» المترتّب و «الغير» غير المترتّب شرعاً بالاعتبار في الثاني دون الأول       ٢٤٧

في ذكر توهّم دلالة دليل خارجي على اعتبار الدخول في الغير في قاعدة التجاوز ، ودفعه ٢٤٩

المسألة الثالثة : في المراد من «الغير» الذي اعتبر الدخول فيه وأنه أعمّ من الأجزاء المستقلّة وغيرها    ٢٥٠

في ذهاب المحقّق النائيني رحمه اله إلى الاختصاص والجواب عنه....................... ٢٥١

المسألة الرابعة : في أنّ الشكّ في السجود بعد الدخول في التشهّد من موارد قاعدة التجاوز ٢٥٢

حكم الشكّ في الركوع حال الهويّ وحكم الشكّ في السجود حال النهوض........... ٢٥٢

في دفع إشكال الجمع بين المتناقضين في المقام..................................... ٢٥٤

فرغ في حكم الشكّ في صحّة الركوع حال القيام................................... ٢٥٥

المسألة السادسة : في حكم الشكّ في التسليم.................................... ٢٥٥

في أنّ الحقّ هو التفصيل في المقام................................................ ٢٥٥

المسألة السابعة : في صور الشكّ في صحّة المأتيّ به وحكمها من حيث شمول قاعدة الفراغ والتجاوز وعدمه     ٢٥٦

المسألة الثامنة : في عدم جريان قاعدة الفراغ فيما إذا شكّ في صحّة الصلاة لأجل الشكّ في تحقّق شرط الحكم         ٢٥٩

في حكم الشكّ في أثناء الصلاة في صحّتها لأجل الشك في تحقّق الشرط المتقدّم عليها. ٢٦٠

في حكم الشكّ أثناء الصلاة في صحّتها الأجل الشكّ في تحقّق الشرط المقارن لمجموع الصلاة ٢٦١

في حكم الشكّ أثناء الصلاة في صحّتها لأجل الشكّ في تحقّق الشرط المقارن لخصوص الأجزاء       ٢٦٣

المسألة التاسعة : في عدم جريان القاعدة فيما إذا شكّ في الصحّة مع احتمال الإخلال عمداً ٢٦٤

الكلام في عموم القاعدة للشكّ في أجزاء الطهارات الثلاث وعدمه................... ٢٦٥

في إلحاق الغسل والتيمّم بالوضوء على تقدير عدم العموم........................... ٢٦٥

أصالة الصحّة في فعل الغير

الكلام في أصالة الصحّة من جهات............................................. ٢٦٩

الأولى : في المراد من أصالة الصحّة.............................................. ٢٦٩

الثانية : في الفرق بين أصالة الصحّة وقاعدة الفراغ................................ ٢٧٠

الثالثة : في أن المراد من الصحّة هو الصحّة الواقعيّة لا عند الفاعل................... ٢٧١

الرابعة : في مقدار سعة دائرة موضوع أصالة الصحّة وله صُور مختلفة من حيث جريان أصالة الصحّة وعدمه    ٢٧١

الخامسة : في تعيين موضوع أصالة الصحّة في العقود والإيقاعات ، والاحتمالات ثلاثة. ٢٧٣

الأول : أن يكون الموضوع هو الالتزام العرفي...................................... ٢٧٣

الثاني : أن يكون الموضوع هو العقد العرفي........................................ ٢٧٤

الثالث : أن يكون الموضوع هو العقد العرفي والشرعي كليهما....................... ٢٧٤

في ذكر تفصيل عن الشيخ قدس سره في المقام.................................... ٢٧٧

السادسة : في لزوم إحراز قصد الفاعل ما هو جامع بين الصحيح والفاسج في جريان أصالة الصحّة  ٢٧٩

السابعة : في أن أصالة الصحّة ليست حجّة في لوازم الصحّة....................... ٢٨٢

الثامنة : في تقدم أصالة الصحّة على الاستصحاب الحكمي الجاري في موردها......... ٢٨٥

قاعدة اليد

في الروايات الدالّة على قاعدة اليد............................................... ٢٨٧

الكلام في تنقيح موارد الشكّ ، وهو في جهتين.................................... ٢٩٠

الأولى : في حجية اليد التي لها حاله سابقة....................................... ٢٩٠

الثانية : في اعتبار إحراز قابليّة ما في اليد للتملّك في جريان القاعدة وعدمه........... ٢٩٢

في حكم ما إذا كان ما في يده كان سابقاً لغير ذي اليد وبيان صُور المسألة وحكمها... ٢٩٣

تعارض الأدلّة

في مفهوم التعارض وموارده..................................................... ٣٠١

بيان موارد عدم التعارض....................................................... ٣٠٢

أقسام الحكومة............................................................... ٣٠٢

في الفرق بين الورود والحاكم الواقع لموضوع المحكوم................................. ٣٠٣

في بيان الجامع بين أقسام الحكومة............................................... ٣٠٣

في الفرق بين الحكومة والتخصيص وأنّ كلاّ منهما راجع إلى الآخر لُباً................ ٣٠٤

في الفرق بين حكومة الخاصّ وحكومة الحاكم..................................... ٣٠٤

في الفرق بين تخصيص الحاكم وتخصيص الخاصّ.................................. ٣٠٥

في الفرق بين التعارض والتزاحم وأنّه لا ربط لأحدهما بالآخر........................ ٣٠٦

فی مقتضى القاعدة في باب التعارض في غير مورد أخبار علاج التعارض............. ٣٠٩

في إمكان التعبّد بأحدهما لا بعبنه لنفي الثالث ودليله.............................. ٣٠٩

في جواب الشيخ قدس سره عن الدليل الاول لحجّبّة أحدهما لا بعينه................. ٣١٠

في الجواب الثاني عن الدليل الثاني لحجّية أحدهما لا بعينه........................... ٣١١

في دخول المتعارضين على السببيّة في المتزاحمين وعدمه.............................. ٣١٢

في مرجّحات باب التزاحم...................................................... ٣١٦

في إلحاق التكليفين غير المستقلّين المتمزاحمين بالتكليفين المستقلّين وعدمه............. ٣١٨

في بيان الضابط لتقديم أحد المتعارضين على الآخر................................ ٣٢٢

فیما إذا دار الأمر بين ناسخيّة العامّ المتأخرّ ومخصّصيّة الخاصّ المتقدّم................ ٣٢٦

في ذكر وجوه تقديم التخصيص على النسخ...................................... ٣٢٦

الكلام في نعارض أكثر من دليلين وانقلاب النسبة................................ ٣٢٨

في ذكر مقدّمة هادمة لأساس إنكار انقلاب النسبة وبيان أقسام دلالة اللفظ......... ٣٢٨

في صُور تعارض أكثر من دليلين................................................ ٣٣٠

الأولى : ما إذا كان عامّ له مخصّصان ، ولها ثلاثة أقسام............................ ٣٣٠

الأول : ما إذا كان عامّ له مخصّصان بينهما التباين................................ ٣٣٠

الثاني : ما إذا كان عامّ له مخصّصان بينهما عموم من وجه.......................... ٣٣٢

الثالث : ما إذا كان عام له مخصّصان بينهما عموم مطلق.......................... ٣٣٣

في التكلّم حول جمع روايات ضمان العارية........................................ ٣٣٥

الثانية : ما إذا كان عامّان بينهما عموم من وجه ، ولها أنحاء........................ ٣٣٧

الثالثة : ما إذا كان عامّان بينهما التباين وهي على قسمين......................... ٣٣٨

فصل في أقسام التعارض الذي لا يمكن الجمع العرفي فيه............................ ٣٤١

في حكم المتعارضين بينهما عموم من وجه........................................ ٣٤١

في المتعارضين اللذين بينهما التباين وهما على أقسام................................ ٣٤١

الأول : التعاض بين مقطوعي الصدور........................................... ٣٤١

الثاني : التعارض بين مقطوع الصدور ومظنونه.................................... ٣٤٢

الثالث : التعارض بين مظنوني الصدور........................................... ٣٤٢

في ذكر الأخبار العلاجيّة...................................................... ٣٤٢

منها : ما دلّ على التخيير مطلقاً................................................ ٣٤٢

منها : ما دلّ التوقّف مطلقاً.................................................... ٣٤٣

منها : ما دلّ على الأخذ بما هو موافق للاحتياط.................................. ٣٤٤

منها : ما دلّ على الترجيح بمزايا مخصوصة........................................ ٣٤٥

في ذهاب صاحب الكفاية إلى عدم لزوم الترجيح والعمل بأخبار التخيير.............. ٣٤٥

في عدم صحّة الوجه الأول لما أفاده صاحب الكفاية في المقام........................ ٣٤٦

في الوجه الثاني لما أفاده صاحب الكفاية.......................................... ٣٤٧

في ردّ الوجه الثاني............................................................. ٣٤٨

الوجه الثالث لما أفاده صاحب الكفاية في المقام ، وردّه............................. ٣٤٨

بقي الكلام في جهات اُخرى................................................... ٣٥٠

الأولى : في عدد المرجحات..................................................... ٣٥٠

الثانية : في ترتيب المرجحات................................................... ٣٥١

الثالثة : في أنّ الجرح والتعديل ليسا داخلين في الخبرين المتعارصين وكذا اختلاف اللغويّين ٣٥٢

الرابعة : في مرجّحيّة الأحدثية وعدمها........................................... ٣٥٢

الخامسة : في أن التخيير في المقام هل هو تخيير في المسألة الاُصولية أو الفرعيّة......... ٣٥٣

في أن استمراريّة التخيير مبيّنة على كونه في المسألة الفرعيّة والبتدائية على كونه في الاُصولية ٣٥٤

في عدم صحّة الجمع بين استمراريّة التخيير وكونه في المسألة الاُصولية كما فعله صاحب الكفاية      ٣٥٥

في لزوم الاقتصار على المرجّحات المنصوصة....................................... ٣٥٧

في ذهاب الشيخ قدس سره إلى التعدّي عن المرجّحات المنصوصة لوجهين غير صحيحين ٣٥٧

في شمول أخبار علاج التعارض العاميّن من وجه ، وعدمه........................... ٣٦٠

في تقسيم العامّين من وجه المتعارضين إلى ثلاثة أقسام وأنّ أيّا منها مشمول لأخبار علاج التعارض   ٣٦٠

في معارضة الخبر للكتاب....................................................... ٣٦٣

الاجتهاد والتقليد

في تعريف الاجتهاد............................................................ ٣٦٥

فيما يتعلّق بالمجتهد أحكام ثلاثة : حرمة تقليده الغير وجواز تقليد الغير إيّأه ونفوذ قضائه ٣٦٥

في انقسام الاجتهاد إلى مطلق ومقيّد............................................. ٣٦٩

في الاجتهاد المقيّد مواضع من الكلام............................................ ٣٦٩

الأول : في إمكانه............................................................ ٣٦٩

الثاني : في حرمة تقليدة الغير وعدمها............................................ ٣٧٠

الثالث : في جواز تقليد الغير إياّه وعدمه......................................... ٣٧١

فيما يتوقّف عليه حصول الاجتهاد من العلوم..................................... ٣٧٣

الكلام في التخطئة والتصويب.................................................. ٣٧٥

في أحكام تبدّل رأي المجتهد.................................................... ٣٧٧

فصل في التقليد وتعريفه........................................................ ٣٧٩

في دليل جواز التقليد.......................................................... ٣٨٠

في وجوب تقليد الأفضل الأعلم وفيه مقامان...................................... ٣٨٣

الأول : في وظيفة المقلّد........................................................ ٣٨٣

الثاني : فيما يستفاد من الأدلّة.................................................. ٣٨٣

في اشتراط الحياة والمفتي........................................................ ٣٨٧

في معنى الأعلمية.............................................................. ٣٩٣

الفهارس العامّة............................................................... ٣٩٥

الهداية في الأصول - ٤

المؤلف: آية الله الشيخ حسن الصافي الإصفهاني
الصفحات: 475
  • الاستصحاب
  • في تعريف الاستصحاب وأنّ تعريفه بما ينطبق على جميع الأقوال غير ممكن 7
  • في أنّ البحث عن حجّيّة الاستصحاب مسألة أصوليّة أم لا؟ وميزان كون المسألة اُصوليّة... 8
  • عدم المانع من كون قاعدة واحدة اُصولية وفقهيّة باعتبارين 9
  • في الفرق بين قاعدة الاستصحاب وقاعدة اليقين وقاعدة المقتضي والمانع 10
  • في المراد من المقتضى في قاعدة المقتضي والمانع وبيان أقسام المقتضي 11
  • في تقسيم الشيخ قدس سره الاستصحاب باعتبارات مختلفة منها تقسيمه باعتبار الشكّ ، واختيار جريانه في الشكّ في المانع       12
  • في أنّ المختار في المقام هو جريان الاستصحاب في الموضوعات والأحكام الجزئيّة مطلقاً والكلّيّة إذا كان الشكّ في احتمال النسخ  13
  • في الاستدلال على حجّيّة الاستصحاب بوجوه 13
  • الأول : بناء العقلاء وسيرتهم 13
  • إشكال صاحب الكفاية على السيرة 13
  • في أنّ الآیات لا تصلح للرادعية عن السيرة 14
  • الثاني : دعوى الإجماع والجواب عنه 14
  • الثالث ـ وهو العمدة ـ الأخبار منها صحاح ثلاث لزرارة 15
  • في الاستدلال بصحيحة زرارة ، الأولى 15
  • بقي الكلام في اُمور 21
  • الأول : في تفصيل الشيخ قدس سره بين الشكّ في المقتضي والشكّ في الرافع 21
  • في ذكر أقسام المقتضي 22
  • في بيان مراد الشيخ قدس سره من المقتضي وأنّ أول من فصّل بين الشكّ في الرافع والشكّ في المقتضي هو المحقّق الخوانساري      22 ـ 23
  • في توضيح الشكّ في المقتضي والشكّ في الرافع 23
  • في بيان وجه تفصيل الشيخ قدس سره بين الشكّ في المقتضي والشكّ في الرافع 25
  • في بيان حقيقة اليقين والنقض اللذين اقتضيا تفصيل الشيخ قدس سره 26
  • في أنّ أخبار الباب لا تشمل الشكّ في المقتضي عند الشيخ قدس سره 28
  • في الإشكال على الشيخ قدس سره بأنّ ما ليس فيه لفظ «النقض» شامل للشكّ في المقتضي 28
  • في جواب المحقّق النائيني قدس سره عن الإشكال المذكور 29
  • في أنّ التحقيق هو عدم اختصاص الحجّيّة بالشكّ في الرافع 29
  • في تفصيل الشيخ قدس سره بين كون دليل المستصحب هو العقل وكونه غيره بالجريان في الثاني دون الأول     31
  • في أنّ التحقيق هو جربان الاستصحاب في الشبهة الموضوعيّة وإن كان دليل المستصحب هو العقل   32
  • في وجه عدم جريان الاستصحاب في الشبهة الحكميّة إذا كان دليل المستصحب هو العقل 32
  • في بيان المقدّمتين اللتين ذكرهما الشيخ قدس سره لمدّعاه 34
  • في جواب المحقّق النائيني قدس سره عن مقدّمته الأولى 34
  • في عدم تماميّة الإشكال المذكور على المقدّمة الاُولى للشيخ قدس سره 34
  • في التفصيل بين جريان الاستصحاب في الشبهة الموضوعيّة والأحكام الجزئية والكلّية إذا كان الشكّ في النسخ وعدم جريانه في غير ذلك 35
  • في توضيح التفصيل المختار 36
  • في أن استصحاب عدم الجعل واستصحاب المجعول في مورد الشكّ في بقاء الحكم من جهة الشكّ في سعة دائرة الجعل متعارضان دائماً 37
  • في توهّم عدم معارضة الاستصحابين المذكورين والجواب عنه 39
  • في أنّ عدم جريان الاستصحاب في الحكم الكلّي مختصّ بما إذا كان المستحصب حكماً إلزامياً أو مستتباً له    42
  • في نقل توهّم بارد في المقام تبعاً لشيخنا الاستاذ قدس سره والجواب عنه 45
  • الصحيحة الثانية لزرارة ، المستفاد منها جمله من الفروع منها : حجّيّة الاستصحاب 45
  • في تعيين مورد الاستشهاد بالصحيحة لحجّيّة الاستصحاب وتقريب الاستدلال بها 47
  • في دفع توهّم انطباق التعليل المذكور في الصحيحة على قاعدة اليقين دون الاستصحاب.. 48
  • في وجه انطباق التعليل المذكور في الصحيحة على مورد الاستصحاب وذكر مقدّمة هي أنّه هل الطهارة لصحّة الصلاة أو النجاسة مانعة عنها 48
  • في عدم ترتّب ثمرة عمليّة على البحث عن شرطيّة الطهارة أو مانعيّة النجاسة 48
  • في توهّم ظهور الثمرة ودفعه 49
  • في أنّ الشرط هو الطهارة الأعمّ من المحرزة والواقعيّة 50
  • في أنّ توسعة الشرط هل هي أمر مغاير للإجزاء أو عينه والاختلاف في التعبير 51
  • الصحيحة الثالثة لزرارة والاستدلال بها على حجّيّة الاستصحاب في كلّ باب 53
  • في إسقاط الشيخ قدس سره للصحيحة عن دلالتها على حجّيّة الاستصحاب 53
  • في إشكال صاحب الكفاية على الشيخ قدس سره بأنّ إتيان الركعة مفصولة لا ينافي الاستصحاب    54
  • في تأييد صاحب نهاية الدراية كلام الشيخ قدس سره بأنّ الاستصحاب ملغى في باب الصلاة 54
  • في وجه النظر لتأييد المحقق الاصفهاني لكلام الشيخ قدس سره 55
  • في الإشارة إلى عدم جريان الاستصحاب في موارد تبادل الحالتين على مسلك صاحب الكفاية 56
  • في الإشارة إلى ثمرة استصحاب ما هو مردّد بين مقطوع الارتفاع ومقطوع البقاء أو محتمله. 56
  • في وجه النظر في إشكال صاحب الكفاية على الشيخ قدس سره 57
  • في وجه النظر في إشكال الشيخ قدس سره على دلالة الصحيحة الثالثة على حجّيّة الاستصحاب    57
  • في الاستدلال على حجّيّة الاستصحاب بموثّقة عمّار 58
  • في عدم ورود الخدشة في دلالة الموثّقة من ناحية الشيخ قدس سره 59
  • في دفع توهّم انطباق الموثّقة على قاعدة اليقين 59
  • في الاستدلال على حجّيّة الاستصحاب بروايتين مرويّتين عن علي عليه السلام 60
  • في إيراد الشيخ قدس سره على الروايتين انطباقهما على قاعدة اليقين والجواب عنه 60
  • في ذهاب الشيخ قدس سره في هامش الرسالة إلى دلالة الروايتين على الاستصحاب 60
  • في عدم اعتبار الروايتين المرويّتين عن علي عليه السلام 61
  • في الاستدلال على حجّيّة الاستصحاب بمكاتبة علي بن محمد القاساني 61
  • في الاستدلال الشيخ قدس سره بالمكاتبة وجعلها أظهر الروايات 62
  • في إيراد صاحب الكفاية على دلالة المكاتبة على الاستصحاب وتأييد المحقق النائيني قدس سره لصاحب الكفاية        62
  • في أنّ الحقّ هو دلالة المكاتبة على الاستصحاب وعدم ورود ما عن صاحب الكفاية والمحقّق النائيني رحمه الله   62
  • في الاستدلال بحديث وكلّ شيء نظيف ...» ونظائره على الاستصحاب وبيان المحتملات السبعة المتصوّرة والأربعة الممكنة منها  63
  • في أنّ الاحتمال السابع هو دلالة الروايات بصدرها على الحكم الواقعي والظاهري معا وبذيلها على الاستصحاب       64
  • في إيراد المحقّق النائيني رحمه الله على صاحب الكفاية بعدم إمكان دلالة الروايات بصدرها على الحكم الواقعي والظاهري كليهما لوجوه 65
  • الوجه الأول 65
  • الوجه الثاني وعدم وروده 66
  • الوجه الثالث وعدم وروده 67
  • توضيح دلالة تلك الروايات بصدرها على الحكم الواقعي وبذيلها على الاستصحاب 67
  • عدم استفادة قاعدة الاستصحاب من الروايات ومفادها قاعدة الحلّ والطهارة 69
  • في تماميّة دلالة رواية إعارة الثوب للذّمّي على الاستصحاب في موردها 70
  • في تفصيل المحقّق السبزواري بين الشكّ في وجوه الرافع والشكّ في رافعيّة الموجود بجريان الاستصحاب في الأول دون الثاني         71
  • في الإشكال على التفصيل المذكور 71
  • في التفصيل بين الأحكام التكليفيّة والوضعيّة بجريان الاستصحاب في الثاني دون الأول... 72
  • في توضيح حقيقة الحكم الوضعي بأمور 72
  • الأمر الأول : في حقيقة الحكم 72
  • الأمر الثاني : في تقسيم الموجودات الخارجيّة والاعتباريّة إلى متأصلة وانتزاعيّة 72
  • الأمر الثالث : في أنّ نسبة المعتبر إلى الاعتبار كنسبة الماهيّة إلى الوجود 73
  • في عدم صحّة جعل شرط التكليف والمجعول هو لحاظ الشيء كما فعله صاحب الكفاية.. 78
  • في أنّ الانتزاعيّات من الأحكام الوضعيّة قابلة للجعل تبعاً وعد الإشكال في استصحابها.. 75
  • في أنّ الملكيّة ونحوها مجعولة مستقلّة ، خلافاً للشيخ قدس سره والإيراد على القول بانتزاعها عن التكليف بأمور خمسة   75
  • الكلام في أنّ بعض الأحكام الوضعيّة ـ كالطهارة والنجاسة ـ هل هو حكم أو أمر واقعي.. 77
  • الكلام في حقيقة الصحّة والفساد وأنهما أمر واقعيّ أو حكم 78
  • في أنّ العزيمة والرخصة أمر واقعي أو حكم 79
  • في أنّ الصحّة وغيرها أمر انتزاعي غير مجعول وليس أمراً تكوينياً 80
  • في عدم الإشكال في استصحاب الأحكام الوضعيّة 81
  • تنبيهات الاستصحاب
  • الأول : في عدم الفرق في شمول الأدلّة بين كون المتيقّن سابقاً والمشكوك فيه فعليّا وكون المتيقّن فعلياً والمشكوك فيه استقباليّا       82
  • في إنكار صاحب الجواهر الاستصحاب الاستقبالي 82
  • الثاني : في اعتبار فعليّة الشكّ في جريان الاستصحاب 83
  • في ذكر فرعين في المقام والنظر فيهما 83
  • الثالث : في قيام الأمارة أو الأصل على ثبوت المستصحب مقام اليقين ، وعدمه 85
  • في أنّ الإشكال في جريان الاستصحاب في المقام مبني على طريقية في الأمارات أو السببيّة بمعنى كونها واسطة في العروض لا الثبوت 86
  • في جواب صاحب الكفاية عن الإشكال بأن أدلّة الاستصحاب تحكم بتنجيز ما تنجّز حدوثاً بقاءً   87
  • فيما يرد على صاحب الكفاية فيما أفاده في المقام 88
  • فيما هو التحقيق في الجواب عن الإشكال 89
  • الرابع : في أنّ المستصحب إمّا شخصي أو كلّي 93
  • أقسام استصحاب الكلّي
  • القسم الأوّل والثاني 94
  • القسم الثالث والرابع 95
  • في الفرق بين القسم الثاني والرابع وكذا بين الرابع والثالث 95
  • في عدم الإشكال في جريان الاستصحاب في القسم الأول والثاني 96
  • في الإيراد على جريان الاستصحاب في القسم الثاني ودفعه 97
  • في الأجوبة الثلاثة لصاحب الكفاية عن الإيراد المذكور 99
  • في الشبهة العبائية المنسوبة إلى السيّد الصدر وجواب المحقّق النائيني رحمه الله عنها 101
  • في تقسيم القسم الثالث من أقسام استصحاب الكلّي إلى قسمين وأنّ الحقّ عدم جريان الاستصحاب مطلقاً   104
  • في ذهاب صاحب الكفاية والنائيني رحمه الله ، إلى جريان الاستصحاب في القسم الثاني من القسم الثالث إذا كان محتمل الحدوث مرتبة اُخرى من مراتب معلوم الارتفاع في أنّ تسمية هذا القسم باستصحاب الكلّي مسامحة.. 106
  • في نقل كلام للفاضل التوني في المقام 106
  • حكم القسم الرابع من أقسام استصحاب الكلّي وهو جريان الاستصحاب 109
  • في ذكر فرع هو من قبيل القسم الرابع من أقسام استصحاب الكلي 109
  • في نقل كلام للمحقّق الهمداني رحمه الله في المقام 110
  • الخامس : في استصحاب الزمان والزكانيّ وفيه مقامان 111
  • المقام الأول : في استصحاب نفس الزمان 112
  • المقام الثاني : في استصحاب الزمانيّأت التدريجيّة ومنها : الحركة 118
  • في أقسام الشكّ في بقاء الحركة والتفصيل بينها من حيت جريان الاستصحاب وعدمه.. 119
  • في أنّ تخلّل السكون مضرّ بالوحدة حتى العرفيّة منها خلافاً لصاحب الكفاية 120
  • في جريان الاستصحاب وعدمه في مثل التكلّم والقراءة ونحوهما 121
  • صور الشكّ في بقاء حكم الزماني الذي تدّرجه بالعرض كالقيام من زمان إلى زمان والتفصيل بينها بجريان الاستصحاب وعدمه    122
  • السادس : في الاستصحاب التعليقي 125
  • في ابتناء النزاع في جريان الاستصحاب التعليقي على القول بجريان الاستصحاب في الأحكام الكلّية   125
  • تحرير محلّ النزاع في الاستصحاب التعليقي 125
  • في أنّ المثال المعروف للاستصحاب التعليقي خارج عن محلّ النزاع 126
  • في أقسام الشكّ في بقاء الحكم والتفصيل بينها بجريان الاستصحاب وعدمه 126
  • في بيان ما يتوقّف عليه الاستصحاب التعليقي وهو رجوع القيد إلى الحكم 128
  • في إنكار الاستصحاب التعليقي لأجل رجوع القيد إلى الموضوع 128
  • في إرجاع الشيخ رحمه الله الاستصحاب التعليقي إلى التنجيزي وأنّ المستصحب هو الملازمة 129
  • في إنكار الشيخ رحمه الله الاستصحاب التعليقي في العقود التعليقيّة وبيان ما هو المختار في المقام      129
  • في الإشكال على الشيخ رحمه الله في إجرائه الاستصحاب في الملازمة والسببيّة 131
  • في توهّم تعارض استصحاب الحرمة التعليقيّة للزبيب لاستصحاب حلّيته الثابتة قبل الغليان ، ودفعه   132
  • في جريان الاستصحاب التعليقي في الموضوعات وعدمه 134
  • السابع : في استصحاب أحكام الشريعة الإسلامية عند الشكّ في النسخ واستصحاب أحكام الشرائع السابقة 136
  • ذكر إشكالات في المقام والجواب عنها 136
  • الثامن : في حجّية الاستصحاب المثبت وعدمها وتحرير محلّ النزاع 139
  • منشؤ النزاع في حجّيّة الاستصحاب المثبت وعدمها عندصاحب الكفاية 139
  • في المثال المعروف للاستصحاب المثبت 140
  • بيان ما به تفرق الأمارات عن الاُصول 140
  • في أنّ الحقّ هو أنّ المجعول في الاستصحاب هو نفس اليقين لا الحكم العمائل ولا الجري العملي      141
  • بيان فوق آخر ثالث بين الأمارات والاُصول 142
  • فيما يتفرّع على الفرق الثالث من تقدّم الأمارة على الاُصول بالحكومة ولوكان الاستصحاب أمارة حيث لا أمارة         143
  • في التشكيك فيما ذكر من اجتماع الشكّ واليقين في شخص واحد بالنسبة إلى أمر واحد ولو كانا اعتباريّين   143
  • بيان وجه تقديم الاستصحاب على الاُصول الثلاثة ، وهو الحكومة 144
  • بيان وجه تقديم الأمارة على الاستصحاب 144
  • فيما أفاده صاحب الكفاية في وجه حجّيّة مثبتات الأمارات دون الاُصول 145
  • عدم صحّة ما أفاده صاحب الكفاية في المقام 146
  • فيما أفاده المحقّق النائيني رحمه الله في وجه حجّيّة مثبتات الأمارات دون الاُصول 146
  • عدم صحّة ما أفاده المحقّق النائيني رحمه الله في المقام 147
  • فيما هو التحقيق في المقام 147
  • في كلام كاشف الغطاء رحمه الله في أن الأصل المثبت غير حجّة لوجود المانع وجواب الشيخ الأنصاري قدس سره عنه    148
  • في أنّ ما أفاده الشيخ قدس سره جواباً عن كاشف الغطاء تامّ من وجه وغير تامّ من وجه آخر 148
  • التزام الشيخ وصاحب الكفاية؟ بحجيّة الأصل المثبت إذا كانت الواسطة خفيّة 149
  • عدم وجود مصداق للكبرى التي أفادها صاحب الكفاية في المقام 150
  • في عدم تماميّة تفصيل الشيخ قدس سره بين خفاء الواسطة وجلائها 150
  • في ذكر الأمثلة التي ذكرها الشيخ قدس سره لخفاء الواسطة والجواب عنها 151
  • في استثناء صاحب الكفاية موارد من الأصل المثبت 156
  • الكلام في أنّ حصر المستصحب في الحكم والموضوع ذي حكم ممّأ لا أصل له ، بل يكفي قبوله للتعبّد ولو لم يكن منهما        159
  • التاسع : في الشكّ في تقدّم الحادث وتأخرّه 162
  • في أنّ الشكّ في تقدّم الحادث وتأخّره بملاحظة عمود الزمان أو حادث آخر وبيان الصور في المقام    162
  • مقدّمة في بيان أنّ الموضوع المركّب يلتئم إذا ثبت أحد جزئيه بالأصل ، ودفعه 162
  • حكم صورة ترتّب الأثر على وجود أحد الحادثين أو كليهما بمفاد «كان» التامّة أو الناقصة من صور مجهولي التاريخ     164
  • حكم صورة ترتّب الأثر على العدم بمفاد «ليس» الناقصة أو التامّة من صور مجهولي التاريخ 165
  • ذهاب صاحب الكفاية إلى عدم جريان الاستصحاب فيما إذا ترتّب الأثر على العدم بمفاد «ليس» التامّة     166
  • في ذكر شبهة تتعلّق بالشكّ في تقدّم الحادث وتأخرّه والجواب عنها 166
  • في ذكر موارد توهّم كونها شبهة مصداقيّة لنقض اليقين بالشكّ والجواب عنه 170
  • حكم صور معلوم التاريخ ، الأربع 173
  • حكم ماءٍ تواردت عليه حالتان : الكرّيّة وملاقاته للنجس 175
  • الكلام في حكم ما إذا كان الأثر مترتّباً على المتأخّر من الحادثين 178
  • في ذكر فرع متفرّع على اعتبار اتّصال زمان الشكّ بزمان اليقين 180
  • في تفصيل آخر فی ذلك الفرع 182
  • العاشر : في استصحاب الصحّة عند الشكّ في المانعيّة 182
  • في إيراد الشيخ قدس سره على استصحاب الصحّة عند احتمال وجود المانع عنها بنتفاء الركن من اليقين تارة والشكّ اُخرى       182
  • في تفريق الشيخ قدس سره بين المانع والقاطع بجريان استصحاب الصحّة في الثاني دون الأوّل ، والجواب عنه    183
  • الحادي عشر : في جريان الاستصحاب في الاُمور الاعتقادية وعدمه 184
  • في عدم صحّة استصحاب الكتابي لا نبوّة موسى عليه السلام ولا أحكام شريعته لا إقناعاً لنفسه ولا إلزاماً لمسلم        184
  • الثاني عشر : في جريان استصحاب حكم المخصّص مع العموم الأزماني وعدمه 186
  • في تفصيل الشيخ قدس سره بين أخذ الزمان قيداً وأخذه ظرفاً بالتمسّك بالاستصحاب في الثاني والعموم في الأول       187
  • في تفصيل صاحب الكفاية في المقام والإيراد على إطلاق تفصيل الشيخ قدس سره 188
  • في تفصيل آخر في المقام للمحقّق النائيني رحمه الله 189
  • في أنّ تفصيل المحقّق النائيني رحمه الله غير صحيح في نفسه 192
  • في أنّ التحقيق هو لزوم التمسّك بالعامّ في جمع الصور 193
  • الثالث عشر : في المراد من الشكّ المأخوذ موضوعاً للاستصحاب وأنّه خلاف اليقين لا الاحتمال المتساوي الطرفين     194
  • في استدلال الشيخ قدس سره بوجهين آخرین على أنّ المراد من الشكّ هو خلاف اليقين ، وما يرد عليه        195
  • تتمّة : يعتبر في جريان الاستصحاب بقاء الموضوع وعدم أمارة في البين فهنا مقامان 196
  • المقام الأول : في اعتبار بقاء الموضوع بمعنى اتّحاد القضيّة المشكوكة والمتيقّنة وأنّ الاتّحاد المذكور هل هو بنظر العرف او العقلي أو الدليل 196
  • عدم صحّة تعليل الشيخ قدس سره لاعتبار بقاء الموضوع 196
  • تفصيل الكلام بتقسيم المستصحب إلى الحكم الشرعي والموضوع 197
  • حكم أقسام كون المستصحب موضوعاً 197
  • حكم أقسام كون المستصحب حكماً 198
  • في أن العبرة في بقاء الموضوع هل هو بنظر العقل أو العرف أو الدليل 199
  • في تخصيص الشيخ قدس سره جريان الاستصحاب بموارد الشكّ في الواقع بناءً على كون العبرة بنظر العقل     200
  • في الإيرادين على الشيخ قدس سره أحدهما من صاحب الكفاية 200
  • في توجيه المحقّق النائيني قدس سره كلام الشيخ قدس سره الإطلاق إلى قسمين 200
  • في دفع الإشكال على جعل المقابلة بين الدليل ونظر العرف والعقل 202
  • في أنّ الحقّ هو اعتبار نظر العرف في بقاء الموضوع 204
  • في مفاد أخبار الاستصحاب من حيث شمولها لغير الاستصحاب وعدمه 205
  • في ذهاب الشيخ والمحقّق النائيني رحمها الله إلى عدم استفادة غير الاستصحاب من الأخبار 205
  • في عدم المانع في مقام الثبوت من استفادة غير الاستصحاب من الأخبار 207
  • في عدم الإشكال في شمول الأخبار لقاعدة المقتضي والمانع 208
  • المقام الثاني : في المراد من اليقين المعتبر في جريان الاستصحاب 208
  • في ذكر الاحتمالات الثلاثة في كلام صاحب الكفاية القائل بورود الأمارة على الاستصحاب 209
  • عدم صحّة شيء من الاحتمالات الثلاثة في كلام صاحب الكفاية 209
  • في أنّ التحقيق هوتقدّم الأمارة على الاستصحاب بالحكومة وبيان الفرق بين الحكومة والورود
  • والتخصيص 210
  • في أنّ تقدّم الأدلّة القطعية على جميع الاُصول بالتخصّص وتقدّم الأدلّة الظنّية على الاُصول القطيّة بالورود وعلى الشرعيّة بالحكومة 212
  • خاتمة : في تعارض الاستصحابين وأنهما من باب التزاحم إن كان التنافي لعدم قدرة المكلّف 213
  • في أقسام التنافي إن كان لأجل التكاذب 213
  • الأول : صورة كون المستصحب في أحدهما مسبّباً عن المستصحب في الآخر وعدم جريان الاستصحاب المسبّبي         214
  • الثاني : ما لم يكن أحد الشكّين مسبّباً عن الآخر ، وهو على قسمين 217
  • الأول والثاني : ما إذا لزمت من جريان الأصلين مخالفة قطعيّة عمليّة أو لم تلزم 217
  • ذهاب الشيخ قدس سره إلى عدم جريان الأصلين لمانع في مقام الإثبات ، والإيراد عليه.. 217
  • ذهاب المحقّق النائيني رحمه الله إلى عدم جريان الأصلين لمانع ثبوتي ، والإيراد عليه بالنقض والحلّ       218
  • في أنّ المعيار للجريان وعدمه هو لزوم الممانعة وعدمه 219
  • في تعارض الاستصحاب مع أصالة الصحة في عمل الغير وقاعدة الفراغ والتجاوز والقول بتقدّمها عليه بالورود  220
  • في القول بتقدّم أصالة الصحّة وقاعدة الفراغ على الاستصحاب بالحكومة
  • أو التخصيص 221
  • وجه تقدّم قاعدة اليد على الاستصحاب 222
  • في جريان الاستصحاب دون قاعدة اليد في موردين 222
  • في تعارض الاستصحاب مع القرعة ووجوه تقدّمه عليها 223
  • قاعدة الفراغ والتجاوز
  • الكلام في اُمور
  • الأول : في انّ قاعدة الفراغ فقهيّة أم اُصولية 227
  • الثاني : في ذكر روايات الباب ، التي بعضها عام وبعضها خاصّ ببعض الأبواب 228
  • الثالث : في أنّ قاعدة الفراغ هل هي من الأمارات او الاُصول 229
  • في ذكر إشكال على أماريّة قاعدة الفراغ 230
  • في دفع الإشكال المذكور في المقام 231
  • الكلام في مسائل :
  • المسألة الأولى : في عموم الأخبار وخصوصها 231
  • الكلام في أن قاعدتي التجاوز والفراغ هل هما قاعدة واحدة بتعبيرين أو متعدّدة 232
  • في وجوه الإشكال على اتّحاد القاعدتين 232
  • الاشكال الأوّل : استلزام الاتّحاد كون شيء واحد مفروض الوجود وعدمه والجواب عنه من ناحية الشيخ قدس سره      232
  • في إيراد المحقّق النائيني رحمه الله على الشيخ قدس سره 232
  • في أنّ التحقيق هو عدم ورود أصل الإشكال على الاتحاد 233
  • في ذكر شبهة على الإتّحاد 234
  • في أنّ التحقيق أنّ تلك الشبهة مندفعة بأنّ الشكّ في الصحّة راجع إلى الشكّ في الوجود 235
  • في ذكر إشكال في المقام ودفعه 235
  • الإشكال الثاني : لزوم لحاظ الأجزاء مستقلّة وغير مستقلّة 236
  • في الجواب عن إشكال لزوم الاستقلال وعدمه من الاتّحاد 237
  • الإشكال الثالث : لزوم اجتماع الإسناد الحقيقي والمجازي في إسناد واحد ، والجواب عنه 238
  • الإشكال الرابع : لزوم التنافي بين المفهوم والمنطوق 239
  • في الجواب عن الإشكال الرابع 240
  • في دفع ما ربما يتوهم من دلاله موثّقة ابن أبي يعفور على تعّدد القاعدتين 241
  • في أنّ الروايات الواردة في مورد الفراغ أو التجاوز بناء على أتّحادهما عامّة وخرجت الطهارات الثلاث عن هذا العموم     242
  • الكلام في اختصاص قاعدة التجاوز بأجزاء الصلاة وعدمه بناءً على تعدّد القاعدتين... 242
  • في منع اختصاص قاعدة التجاوز بأجزاء الصلاة 243
  • المسألة الثانية : في اعتبار الدخول في الغير في قاعدة التجاوز 244
  • في اعتبار الدخول في الغير في قاعدة الفراغ وعدمه 245
  • في ذكر الوجوه لاعتبار الدخول في الغير والأخذ بالروايات المقيّدة 245
  • الوجه الأول : عدم الظهور للمطلقات في العموم وإجمالها 245
  • في الخدشة في الوجه الأول وأنّ للمطلقات ظهوراً في العموم 246
  • الوجه الثاني : كون مورد الدخول في الغير متيقّناً والجواب عنه 247
  • الوجه الثالث : غلبة الدخول في الغير في موارد الشك في قاعدة الفراغ والجواب عنه 247
  • في أن الحقّ هو التفصيل بين «الغير» المترتّب و «الغير» غير المترتّب شرعاً بالاعتبار في الثاني دون الأول       247
  • في ذكر توهّم دلالة دليل خارجي على اعتبار الدخول في الغير في قاعدة التجاوز ، ودفعه 249
  • المسألة الثالثة : في المراد من «الغير» الذي اعتبر الدخول فيه وأنه أعمّ من الأجزاء المستقلّة وغيرها    250
  • في ذهاب المحقّق النائيني رحمه اله إلى الاختصاص والجواب عنه 251
  • المسألة الرابعة : في أنّ الشكّ في السجود بعد الدخول في التشهّد من موارد قاعدة التجاوز 252
  • حكم الشكّ في الركوع حال الهويّ وحكم الشكّ في السجود حال النهوض 252
  • في دفع إشكال الجمع بين المتناقضين في المقام 254
  • فرغ في حكم الشكّ في صحّة الركوع حال القيام 255
  • المسألة السادسة : في حكم الشكّ في التسليم 255
  • في أنّ الحقّ هو التفصيل في المقام 255
  • المسألة السابعة : في صور الشكّ في صحّة المأتيّ به وحكمها من حيث شمول قاعدة الفراغ والتجاوز وعدمه     256
  • المسألة الثامنة : في عدم جريان قاعدة الفراغ فيما إذا شكّ في صحّة الصلاة لأجل الشكّ في تحقّق شرط الحكم         259
  • في حكم الشكّ في أثناء الصلاة في صحّتها لأجل الشك في تحقّق الشرط المتقدّم عليها. 260
  • في حكم الشكّ أثناء الصلاة في صحّتها الأجل الشكّ في تحقّق الشرط المقارن لمجموع الصلاة 261
  • في حكم الشكّ أثناء الصلاة في صحّتها لأجل الشكّ في تحقّق الشرط المقارن لخصوص الأجزاء       263
  • المسألة التاسعة : في عدم جريان القاعدة فيما إذا شكّ في الصحّة مع احتمال الإخلال عمداً 264
  • الكلام في عموم القاعدة للشكّ في أجزاء الطهارات الثلاث وعدمه 265
  • في إلحاق الغسل والتيمّم بالوضوء على تقدير عدم العموم 265
  • أصالة الصحّة في فعل الغير
  • الكلام في أصالة الصحّة من جهات 269
  • الأولى : في المراد من أصالة الصحّة 269
  • الثانية : في الفرق بين أصالة الصحّة وقاعدة الفراغ 270
  • الثالثة : في أن المراد من الصحّة هو الصحّة الواقعيّة لا عند الفاعل 271
  • الرابعة : في مقدار سعة دائرة موضوع أصالة الصحّة وله صُور مختلفة من حيث جريان أصالة الصحّة وعدمه    271
  • الخامسة : في تعيين موضوع أصالة الصحّة في العقود والإيقاعات ، والاحتمالات ثلاثة. 273
  • الأول : أن يكون الموضوع هو الالتزام العرفي 273
  • الثاني : أن يكون الموضوع هو العقد العرفي 274
  • الثالث : أن يكون الموضوع هو العقد العرفي والشرعي كليهما 274
  • في ذكر تفصيل عن الشيخ قدس سره في المقام 277
  • السادسة : في لزوم إحراز قصد الفاعل ما هو جامع بين الصحيح والفاسج في جريان أصالة الصحّة  279
  • السابعة : في أن أصالة الصحّة ليست حجّة في لوازم الصحّة 282
  • الثامنة : في تقدم أصالة الصحّة على الاستصحاب الحكمي الجاري في موردها 285
  • قاعدة اليد
  • في الروايات الدالّة على قاعدة اليد 287
  • الكلام في تنقيح موارد الشكّ ، وهو في جهتين 290
  • الأولى : في حجية اليد التي لها حاله سابقة 290
  • الثانية : في اعتبار إحراز قابليّة ما في اليد للتملّك في جريان القاعدة وعدمه 292
  • في حكم ما إذا كان ما في يده كان سابقاً لغير ذي اليد وبيان صُور المسألة وحكمها... 293
  • تعارض الأدلّة
  • في مفهوم التعارض وموارده 301
  • بيان موارد عدم التعارض 302
  • أقسام الحكومة 302
  • في الفرق بين الورود والحاكم الواقع لموضوع المحكوم 303
  • في بيان الجامع بين أقسام الحكومة 303
  • في الفرق بين الحكومة والتخصيص وأنّ كلاّ منهما راجع إلى الآخر لُباً 304
  • في الفرق بين حكومة الخاصّ وحكومة الحاكم 304
  • في الفرق بين تخصيص الحاكم وتخصيص الخاصّ 305
  • في الفرق بين التعارض والتزاحم وأنّه لا ربط لأحدهما بالآخر 306
  • فی مقتضى القاعدة في باب التعارض في غير مورد أخبار علاج التعارض 309
  • في إمكان التعبّد بأحدهما لا بعبنه لنفي الثالث ودليله 309
  • في جواب الشيخ قدس سره عن الدليل الاول لحجّبّة أحدهما لا بعينه 310
  • في الجواب الثاني عن الدليل الثاني لحجّية أحدهما لا بعينه 311
  • في دخول المتعارضين على السببيّة في المتزاحمين وعدمه 312
  • في مرجّحات باب التزاحم 316
  • في إلحاق التكليفين غير المستقلّين المتمزاحمين بالتكليفين المستقلّين وعدمه 318
  • في بيان الضابط لتقديم أحد المتعارضين على الآخر 322
  • فیما إذا دار الأمر بين ناسخيّة العامّ المتأخرّ ومخصّصيّة الخاصّ المتقدّم 326
  • في ذكر وجوه تقديم التخصيص على النسخ 326
  • الكلام في نعارض أكثر من دليلين وانقلاب النسبة 328
  • في ذكر مقدّمة هادمة لأساس إنكار انقلاب النسبة وبيان أقسام دلالة اللفظ 328
  • في صُور تعارض أكثر من دليلين 330
  • الأولى : ما إذا كان عامّ له مخصّصان ، ولها ثلاثة أقسام 330
  • الأول : ما إذا كان عامّ له مخصّصان بينهما التباين 330
  • الثاني : ما إذا كان عامّ له مخصّصان بينهما عموم من وجه 332
  • الثالث : ما إذا كان عام له مخصّصان بينهما عموم مطلق 333
  • في التكلّم حول جمع روايات ضمان العارية 335
  • الثانية : ما إذا كان عامّان بينهما عموم من وجه ، ولها أنحاء 337
  • الثالثة : ما إذا كان عامّان بينهما التباين وهي على قسمين 338
  • فصل في أقسام التعارض الذي لا يمكن الجمع العرفي فيه 341
  • في حكم المتعارضين بينهما عموم من وجه 341
  • في المتعارضين اللذين بينهما التباين وهما على أقسام 341
  • الأول : التعاض بين مقطوعي الصدور 341
  • الثاني : التعارض بين مقطوع الصدور ومظنونه 342
  • الثالث : التعارض بين مظنوني الصدور 342
  • في ذكر الأخبار العلاجيّة 342
  • منها : ما دلّ على التخيير مطلقاً 342
  • منها : ما دلّ التوقّف مطلقاً 343
  • منها : ما دلّ على الأخذ بما هو موافق للاحتياط 344
  • منها : ما دلّ على الترجيح بمزايا مخصوصة 345
  • في ذهاب صاحب الكفاية إلى عدم لزوم الترجيح والعمل بأخبار التخيير 345
  • في عدم صحّة الوجه الأول لما أفاده صاحب الكفاية في المقام 346
  • في الوجه الثاني لما أفاده صاحب الكفاية 347
  • في ردّ الوجه الثاني 348
  • الوجه الثالث لما أفاده صاحب الكفاية في المقام ، وردّه 348
  • بقي الكلام في جهات اُخرى 350
  • الأولى : في عدد المرجحات 350
  • الثانية : في ترتيب المرجحات 351
  • الثالثة : في أنّ الجرح والتعديل ليسا داخلين في الخبرين المتعارصين وكذا اختلاف اللغويّين 352
  • الرابعة : في مرجّحيّة الأحدثية وعدمها 352
  • الخامسة : في أن التخيير في المقام هل هو تخيير في المسألة الاُصولية أو الفرعيّة 353
  • في أن استمراريّة التخيير مبيّنة على كونه في المسألة الفرعيّة والبتدائية على كونه في الاُصولية 354
  • في عدم صحّة الجمع بين استمراريّة التخيير وكونه في المسألة الاُصولية كما فعله صاحب الكفاية      355
  • في لزوم الاقتصار على المرجّحات المنصوصة 357
  • في ذهاب الشيخ قدس سره إلى التعدّي عن المرجّحات المنصوصة لوجهين غير صحيحين 357
  • في شمول أخبار علاج التعارض العاميّن من وجه ، وعدمه 360
  • في تقسيم العامّين من وجه المتعارضين إلى ثلاثة أقسام وأنّ أيّا منها مشمول لأخبار علاج التعارض   360
  • في معارضة الخبر للكتاب 363
  • الاجتهاد والتقليد
  • في تعريف الاجتهاد 365
  • فيما يتعلّق بالمجتهد أحكام ثلاثة : حرمة تقليده الغير وجواز تقليد الغير إيّأه ونفوذ قضائه 365
  • في انقسام الاجتهاد إلى مطلق ومقيّد 369
  • في الاجتهاد المقيّد مواضع من الكلام 369
  • الأول : في إمكانه 369
  • الثاني : في حرمة تقليدة الغير وعدمها 370
  • الثالث : في جواز تقليد الغير إياّه وعدمه 371
  • فيما يتوقّف عليه حصول الاجتهاد من العلوم 373
  • الكلام في التخطئة والتصويب 375
  • في أحكام تبدّل رأي المجتهد 377
  • فصل في التقليد وتعريفه 379
  • في دليل جواز التقليد 380
  • في وجوب تقليد الأفضل الأعلم وفيه مقامان 383
  • الأول : في وظيفة المقلّد 383
  • الثاني : فيما يستفاد من الأدلّة 383
  • في اشتراط الحياة والمفتي 387
  • في معنى الأعلمية 393
  • الفهارس العامّة 395