
بسم الله الرّحمن
الرّحيم
المقصد
السّادس فى بيان الامارات المعتبرة شرعا او عقلا
فالامارة المعتبرة
شرعا هى كالبيّنة وخبر الثقة وظواهر الكلام واما المعتبرة عقلا فهى كالعلم وكالظن
الانسدادى على الحكومة.
وقبل
الخوض فى ذلك لا باس بصرف الكلام الى بيان بعض ما للقطع من الاحكام وان كان خارجا
من مسائل الفنّ
لان الميزان فى
كون المسألة اصولية ان تكون هى مما يستنبط به ـ الحكم الشرعى كمسألة حجية خبر
الواحد ونحوها واحكام القطع ليست كذلك حتى على تعميم الغرض الباعث على تدوين فن
الاصول لما ينتهى اليه امر الفقيه فى مقام العمل بعد اليأس عن الظفر بالدليل وبعد
الفحص والبحث عن الادلة والامارات حيث ان حجية القطع باقسامه غير منوطة بالفحص
والبحث عن الدليل كما هو واضح.
وكان
اشبه بمسائل الكلام
اى كان البحث عما
للقطع من الاحكام اشبه بمسائل الكلام
حيث ان مرجع البحث
فيه الى حسن معاقبة الشارع على مخالفة القطع الذى هو من قبيل المسائل الكلامية
الباحثة عن احوال المبدا والمعاد لكنه مع ذلك لا باس به.
لشدّة
مناسبته مع المقام
اذ المقصود فيه هو
البحث عن الامارات والاصول العملية وهما حجتان لمن لا قطع له فالمناسب للمقام ان
يبحث اولا عن احكامه.
فاعلم
انّ البالغ الّذى وضع عليه القلم
انما جعل المقسم
من وضع عليه قلم التكليف لا المكلف الفعلى لعدم قابليته لذلك اذ لا يصح جعله مقسما
ثم اخراج غير الملتفت منه بقوله اذا التفت بداهة ان الغافل الذى لا التفات له ليس
بمكلف ولذا عدل المصنف عن التعبير بالمكلف وقال البالغ الذى وضع عليه قلم التكليف
اذا
التفت الى حكم فعلى واقعى
مقابل الحكم
الاقتضائى والانشائى توضيح ذلك ان للحكم مراتب مرتبة الاقتضاء والمراد بها هى
المصلحة التي تكون الاحكام مسببة عنها عند العدلية ومرتبة الانشاء وهى عبارة عن
جعل قانون لصلاح نظم امور المكلفين فى معاشهم ومعادهم والمنشأ لهم والمحكوم عليهم
فى هذه المرتبة تمام المكلفين نظير انشاء القوانين التي يجعل السلطان لصلاح نظم
امور رعيته وبلدانه.
فكتب هذا القانون
فى دفاترهم ومرتبة البعث والزجر وهى عبارة عن فعلية الحكم على المكلف بمعنى ان
المطلوب منه فعله او تركه لكن البعث على الفعل او الزجر عنه بعد اعلام العباد
والرعية بالحكم القانونى الانشائى بتبليغ الرسل وانزال الكتب والمحكوم عليه فى هذه
المرتبة يمكن ان لا يكون تمام المكلفين لاختلاف استعدادهم فكثير من المكلفين ربما
لا يكون لهم استعداد بعثهم على اتيان الحكم القانونى كما ترى يا لوجدان ان السلطان
بعد حكمه القانونى الذى كتب فى دفتره يبلغ هذا الحكم الى بعض بلاده دون بعض بحسب
استعداد البلاد وعدمه ومرتبة التنجز التى هى عبارة عن استحقاق العقوبة على الفعل
او الترك وعدم كونه معذورا ومعلوم ان الحكم ما لم يبلغ مرتبة الفعلية لم يكن بامر
ولا نهى حقيقة ومن خالفه عن عمد لا يعد عاصيا.
هذا ولكن لا يخفى
عليك ان تمام هذه المراتب ليست من مراتب الحكم اما الاول فلوضوح ان سبب الشيء
وعليته غير الشيء واما الرابع فلانه حكم عقلى يترتب على العلم بالحكم الواقعى لا
من مرتبة حكم الشرعى كما هو مقصود جاعل هذه المراتب فانحصر فى الثانى والثالث
المعبر عنهما بالشأنى والفعلى فنقول ان المراد بالشأنى ان كان ان الحكم ثبت واقعا
لموضوع كلى كوجوب الحج الذى ثبت للمكلف المستطيع فلا اشكال فى ان الحكم لهذا
الموضوع فى هذه المرتبة فعلى بمعنى ان وجوب الحج ثابت للمستطيع فعلا غاية الامر ان
من ليس له صفة الاستطاعة لم يكن داخلا فى الموضوع واذا ثبت له الوصف يدخل فى
الموضوع وثبت له الحكم فعلا
فان قلت شأنيته
باعتبار جهل المكلف بالحكم بمعنى ان المكلف اذا جهل بالحكم لم يثبت له وجوب الحج
ولو كان مستطيعا بل اذا علم وجب له الحج قلت مرجع هذا فى الحقيقة الى ان الحكم
الواقعى ثابت للعالمين به دون الجاهلين وهو باطل من أصله للزوم التصويب بين العالم
والجاهل وقد تواتر الاخبار على خلافه وللزوم الدور لان العلم بالحكم موقوف على
الحكم والحكم موقوف على العلم كما لا يخفى مع ان القائل بالمرتبة الشأنية لا يقول
ان الجهل بالحكم سبب لشأنيته بعد تحقق شرائط الحكم والموضوع فان الجهل عنده ليس
مانعا عن فعليته بل شأنيته عنده من جهة عدم تحقق شرائط الحكم والموضوع فيرد عليه
حينئذ انه مع عدم تحقق الشرائط لا حكم اصلا لا شأنا ولا فعلا وهذا واضح فالتحقيق
عندنا ان الاحكام الواقعية كلها فعلية لكل من المكلفين بعد تحقق الشرائط العامة
غاية الامر لا يتنجز عليهم على تقدير الجهل يعنى لا يعاقب على ارتكابه بل هو معذور
فيه فتدبر جيدا
ثم ان مقابلة
القطع مع اخويه فى كلام شيخنا العلامة فى الرسائل حيث قال اعلم ان المكلف الى حكم
شرعى فاما ان يحصل له الشك فيه او القطع او الظن تقتضى ان تكون متعلق القطع هو
الواقعى الفعلى مع ان الاحكام الآتية للقطع لا تختص بالحكم الواقعى الفعلى بل تجرى
فيه وفى القطع بالحكم الظاهرى الفعلى فالاحسن فى التقسيم ان يقال ان المكلف يعنى
الذى وضع عليه قلم التكليف اذ التفت الى حكم فعلى واقعى.
او
ظاهرى متعلّق به او بمقلّديه فاما ان يحصل له القطع به اولا وعلى الثّانى
لا
بدّ من انتهائه الى ما استقلّ به العقل من اتباع الظّنّ لو حصل له وقد تمّت
مقدّمات الانسداد على تقدير الحكومة
اى اما ان يحصل له
القطع بالحكم الفعلى واقعيا كان او ظاهريا اولا يحصل له القطع وعلى الاول اى على
فرض حصول القطع فمرجعه هو القطع فيترتب عليه ما يترتب عليه من الاحكام وعلى الثاني
اى وان لم يحصل له ذلك فان حصل له الظن الحاصل من دليل الانسداد على الحكومة بمعنى
ان مقتضى مقدمات الانسداد هو استقلال العقل بحجية الظن فى حال الانسداد كاستقلاله
بحجية العلم فى حال الانفتاح فحينئذ لا بد من الانتهاء الى ما استقل به العقل
بمعنى ان مرجعه هو العمل بظنه فيعمل به ومتعلق الظن حينئذ هو الحكم الواقعى الفعلى
اذ لا حكم ظاهرى هنا واما الظن الحاصل من دليل الانسداد على تقدير الكشف بمعنى ان
نتيجة المقدمات بعد تماميتها هو الاستكشاف عن كون الظن طريقا منصوبا من قبل الشرع
فى حال الانسداد كالامارات الشرعية المنصوبة فى حال الانفتاح فهو داخل فى الشق
الاول وهو القطع اذ هو قطع بالحكم الظاهرى.
والّا
فالرّجوع الى الاصول العقليّة من البراءة والاشتغال والتخيير على تفصيل يأتى فى
محلّه إن شاء الله تعالى
اى وان لم يحصل له
القطع واقعيا كان او ظاهريا ولا الظن الحاصل من دليل الانسداد فمرجعه هو القواعد
العقلية من البراءة العقلية عند الشك فى التكليف او الاشتغال فى المكلف به او التخيير
عند دوران الامر بين
المحذورين واما
الاصول الشرعية كالامارات المعتبرة كلها تدخل فى القطع.
وانّما
عمّمنا متعلّق القطع لعدم اختصاص احكامه بما اذا كان متعلّقا بالاحكام الواقعية
اى ولاجل عدم
اختصاص الاحكام الآتية للقطع من المنجزية فى صورة الاصابة والعذرية عند الخطاء
وعدم الاصابة وحكم العقل بوجوب المتابعة بما اذا تعلق بالحكم الواقعى الفعلى بل
تجرى فيه وفى القطع بالحكم الظاهرى الفعلى عممنا متعلق القطع بحيث يشمل الحكم
الظاهرى الفعلى
وخصّصنا
بالفعلى لاختصاصها بما اذا كان متعلّقا به على ما ستطلع عليه
يعنى خصصنا بالفعلى
لاختصاص احكام القطع فى الواقع وفى نفس الامر بما اذ كان القطع متعلقا بالحكم
الفعلى دون ما فوقه من المراتب التي تكون للحكم لما عرفت من ان تمام مراتب التي
ذكرنا للحكم ليس من مراتب الحكم وسيأتى تفصيله إن شاء الله تعالى.
ولذلك
عدلنا عمّا فى رسالة شيخنا العلّامة اعلى الله مقامه من تثليث الاقسام
اى ولأجل التعميم
والتخصيص المذكورين عدلنا عما فى رسالة شيخنا العلامة من تثليث الاقسام حيث قال قدسسره فاعلم ان المكلف اذا التفت الى حكم شرعى فاما ان يحصل له
الشك فيه او القطع او الظن
ورتب على الثالث
الرجوع الى الامارات المعتبرة شرعا او عقلا وعلى الاول الرجوع الى الاصول شرعية
كانت او عقلية ومن المعلوم ان الاحكام الظاهرية اعم من ان يكون مؤدى الامارة او
الاصول الشرعية كلها تدخل فى القطع فواجد الامارة الشرعية او الاصل الشرعى كان
داخلا فى القاطع.
وان
ابيت الّا عن ذلك فالاولى ان يقال انّ المكلّف امّا ان يحصل له القطع أو لا وعلى
الثّانى امّا ان يقوم عنده طريق معتبر اولا لئلّا يتداخل الاقسام فيما يذكر لها من
الاحكام.
يعنى ان ابيت عن
تقسيم الثنائى اما بقصر النظر الى ان المراد من الحكم هو الحكم الواقعى وجعله
بخصوصه متعلق القطع واما بزعم ان ما فى الرسالة اقرب الى الاعتبار العرفى فالاولى
ان يقال ان المكلف اما ان يحصل له القطع ام لا فان حصل له القطع فمرجعه ذلك وان لم
يحصل له القطع فان كان عنده حجة شرعية من الظن شخصيا كان او نوعيا ومن امارة جعله
الشارع حجة عند الشك ولو لم يحصل منه الظن ولو نوعا كالخبر الذى غير متحرز عن
الكذب فمرجعه هذه الحجة وان لم يكن عنده حجة ولم يقم عنده طريق معتبر فمرجعه هو
الاصول العملية فعلى هذا لا يتداخل احكام الشك والظن كما يتداخل على تعبير الشيخ
ره.
فانه على تقسيمه
يتداخل حكم الظن والشك لان المراد من الظن فى عبارته الظن بمعنى الرجحان ومن الشك
تساوى الطرفين ورب ظن هو مورد الاصول كما فى الظن الغير المعتبر ورب شك يرجع الى
الامارات كما اذا جعل الشارع امارة غير مفيدة للظن حجة فتداخل
الشك والظن فهو
مما لا يخفى فتحصل مما ذكرناه ان المصنف ره عدل عن تقسيمه فى الرسالة لوجهين الاول
اختصاص احكام القطع بالحكم الواقعى الفعلى كما هو مقتضى ظاهر كلامه.
اذ مقابلة القطع
مع اخويه يقتضى ان يكون متعلق القطع هو الحكم الواقعى الفعلى لانه متعلق الشك
والظن مع ان احكام الآتية للقطع لا تختص بالحكم الواقعى الفعلى بل تجرى فيه وفى
القطع بالحكم الظاهرى الفعلى كما اشرنا اليه سابقا الثانى التداخل كما اشار اليه
بقوله ان ابيت عن تقسيم الثنائى الى آخره.
ومرجعه
على الاخير الى القواعد المقرّرة عقلا او نقلا لغير القاطع ومن يقوم عنده الطّريق
على تفصيل ياتى فى محلّه إن شاء الله تعالى حسب ما يقتضى دليلها
يعنى وان لم يحصل
له القطع ولم يكن عنده طريق معتبر كالبيّنة وخبر الثقة وظواهر الكلام فمرجعه الى
القواعد المقررة وهى الاصول العملية الشرعية او العقلية الممهدة لغير القاطع ومن
قام عنده الطريق المعتبر
فى وجوب العمل على وفق القطع
وكيف
كان فبيان احكام القطع واقسامه يستدعى رسم امور الامر الاوّل لا شبهة فى وجوب
العمل على وفق القطع عقلا ولزوم الحركة على طبقة جزما
اختلفوا فى ان
القطع هل حجيته بنفسه ولا يمكن ان يتصرف فيه
لا اثباتا ولا
نفيا او انه كسائر الطرق الشرعية وامره نفيا واثباتا انما يكون بيد الشارع او التفصيل
بين النفى والاثبات بامكان التصرف فيه على الثانى بان يقول جعلته حجة لك دون الاول
اذا عرفت هذا فنقول بعد حصول القطع يحدث فى نفس القاطع محرك عقلى وملزم عقلائى
بحيث يرى نفسه مذموما فى مخالفة قطعه وممدوحا فى العمل على وفقه وهذا معنى وجوب
اتباعه عقلا والحركة على وفقه جزما
وكونه
موجبا لتنجّز التكليف الفعلى فيما اصاب باستحقاق الذّم والعقاب على مخالفته وعذرا
فيما أخطأ قصورا
لان معنى وجوب
العمل على وفقه عقلا وحجيته هو كون القطع موجبا لتنجز التكليف الفعلى ولزوم
الاتيان المستتبع للذم والعقاب على تركه ومخالفته يكون عذرا فى صورة عدم الاصابة
لكن لا مطلقا بل فيما أخطأ قصورا اما لو أخطأ قطعه تقصيرا فلا يكون موجبا للعذر
مثلا لو علم من اول الامر ان قراءة كتب الضلال موجبا للاضلال ثم قرء فقطع ببعض
مقالته المنافية لمذهب الامامية لم يكن معذورا.
وتأثيره
فى ذلك لازم وصريح الوجدان به شاهد وحاكم فلا حاجة الى مزيد بيان واقامة برهان
يعنى تأثير القطع
فى تنجز التكليف عند الاصابة وفى وجوب العمل على وفقه وغير ذلك من الآثار لازم
وصريح الوجدان به حاكم بمعنى ان الوجدان شاهد على ان القاطع يجد فى نفسه ملزما
ومحركا يلزمه ويحركه
نحو فعل ما قطع
بوجوبه فعلا وترك ما قطع بحرمته فعلا بحيث يرى نفسه مذموما فى تركه ومأمونا من
المذمة والعقاب لو عمل به
ولا
يخفى انّ ذلك لا يكون بجعل جاعل لعدم جعل تأليفى حقيقة بين الشّيء ولوازمه.
لما عرفت من ان
هذه الآثار المترتبة على القطع من لوازمه الذاتية لا ينفك عنه فلا يمكن ان يكون
بجعل جاعل لا تكوينا ولا تشريعا لا اثباتا ولا نفيا اما تكوينا فلان المتصور منه
فى المقام هو التأليفى وهو جعل القطع واجب الاتباع دون البسيط ومن المعلوم ان
الجعل التأليفى لا يكون إلّا بين الشيء وعرضه المفارق لا بينه وبين لوازم ماهيته
ووجوب الاتباع من لوازم ماهية القطع الكذائى فهو مجعول بعين جعل القطع لا انه يمكن
ان يجعل مستقلا بعد جعله وحيث كان وجوب الاتباع من لوازمه الذاتية فلا يمكن ان
يكون ثبوته مجعولا بهذا الجعل اى بالجعل التاليفى ولا نفيه عنه كذلك لعدم امكان
تخلل العدم بين الشيء ولوازمه الذاتية حيث ان نفى الذاتى مساوق لنفى الذات ونفى
اللازم مساوق لنفى الملزوم كالزوجية للاربعة
بل
عرضا يتبع جعله بسيطا
يعنى ان المتصور
من الجعل بالنسبة الى اللوازم الذاتية هو الجعل العرضى بتبع جعل ذلك الشيء بمعنى
ان جعل القطع وايجاده يلازم جعل الحجية ووجوب الاتباع بتبعه كما ان الزوجية مجعولة
بالعرض بعين جعل الاربعة.
ولذلك
انقدح امتناع المنع عن تأثيره ايضا
اى ولما ذكرنا من
ان وجوب متابعة القطع ولزوم العمل على وفق علمه وكونه موجبا لتنجز التكليف فيما
اصاب وعذرا عند الخطاء تكون ذاتية له لا تناله يدا لتشريع اذ لا معنى لتشريع ما هو
حاصل بذاته ومنجعل بنفسه انقدح المنع عن تأثيره ايضا اذ لا يمكن شرعا سلب ما هو من
لوازم الذات وعدم تغيير الذاتيات بقول الشارع إلّا ان يتبدل موضوعه فالقول بعدم
كونه طريقا ولا يجب العمل على وفق علمه ولا يكون حجة لا يلزم منه تخلف الذاتى عن
كونه ذاتيا مضافا الى ان منع الشارع عن تأثيره موجب لنقض الغرض لان غرضه وصول
المكلف الى الحكم الواقعى وادراك مصلحته فبعد تحصيل الغرض بالعلم لو قال لا تعمل
بعلمك لقال بخلاف غرضه ولا يتصور نقض الغرض الا فيمن لم يكن عالما بعواقب الامور
وكانت افعاله لاشتهاء نفسه وتعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
مع
انّه يلزم منه اجتماع الضّديّن اعتقادا مطلقا وحقيقة فى صورة الإصابة كما لا يخفى
:
يعنى ان المكلف
اذا قطع بوجوب شيء فان كان قطعه مصيبا فمع نهى الشارع عنه يلزم اجتماع الضدين
حقيقة فانه حسب قطعه واجب وعلى حسب نهى الشارع عن العمل بعلمه حرام فكيف يجتمع
الواجب والحرام فى شيء واحد وان كان قطعه مخطئا لزم اجتماع الضدين
اعتقادا اذ لا
يذعن به المكلف مع الاذعان بضده ومن المعلوم ان اجتماع الضدين ولو اعتقادا محال
كاجتماع الضدين حقيقة :
ثمّ
لا يذهب عليك انّ التكليف ما لم يبلغ مرتبة البعث والزّجر لم يصر فعليّا وما لم
يصر فعليّا لم يكد يبلغ مرتبة التّنجّز واستحقاق العقوبة على المخالفة.
قد عرفت سابقا ان
للحكم مراتب مرتبة الاقتضاء والمراد بها هى المصلحة التى تكون الاحكام مسببة عنها
عند العدلية ومرتبة الانشاء وهى عبارة عن جعل قانون لصلاح نظم امور المكلفين
ومرتبة البعث والزجر وفعلية الحكم على المكلف وهى عبارة عن اعلام العباد بالحكم
القانونى الانشائى بتبليغ الرسل وانزال الكتب ومرتبة التنجز وهى عبارة عن استحقاق
العقوبة على الفعل او الترك وعدم كونه معذورا وما ذكرناه من ان القطع يجب اتباعه
عقلا والوجدان يحكم باستحقاق العقوبة فانما هو فيما اذا تعلق القطع بالمرتبة
الثالثة وهى ان تكون له بعث وزجر وفعلية الحكم من دون قيام الحجة عليه بحيث لو
قامت الحجة عليه فيستحق العقوبة على مخالفته واما اذا تعلق بالمرتبة الثانية وهى
مرتبة الانشاء فلا يستحق العقوبة على مخالفته
وان
كان ربّما يوجب موافقته استحقاق المثوبة
يعنى ربما يوجب
الحكم مع عدم بلوغه الى مرتبة الفعلية استحقاق المثوبة على موافقته مع عدم استحقاق
العقوبة على مخالفته لانه قد يكون المصلحة فى الفعل ملزمة ولكن الوجوب انشائى نظرا
الى عدم استعداد
المكلفين لتوجيه
الخطاب الفعلى اليهم فربما يقتضى مصلحة التسهيل عدم البعث فى برهة من الزمان وليس
هناك مفسدة فى الفعل اصلا فحينئذ لا مانع فى التفكيك بين المثوبة والعقوبة وان
موافقته توجب استحقاق المثوبة مع عدم استحقاق العقوبة على مخالفته
وذلك
لأنّ الحكم ما لم يبلغ تلك المرتبة لم يكن حقيقة بامر ولا نهى ولا مخالفته عن عمد
بعصيان بل كان ممّا سكت الله عنه كما فى الخبر فلاحظ وتدبر
روى عن امير
المؤمنين عليهالسلام ان الله حد حدودا فلا تعتدوها وفرض فرائض فلا تعصوها وسكت
عن اشياء لم يسكت عنها نسيانا فلا تتكلفوها رحمة من الله عليكم ولكن قد عرفت من
مطاوى كلماتنا ان تمام مراتب التى عده قدسسره من مراتب الحكم ليس من مراتبه بل الاحكام الواقعية كلها
فعلية لكل المكلفين بعد تحقق الشرائط العامة غاية الامر لا يتنجز عليهم على تقدير
الجهل وقيام الحجة عليه يعنى لا يعاقب على ارتكابه بل هو معذور فيه فراجع فلا
نعيده.
نعم
فى كونه بهذه المرتبة موردا للوظائف المقرّرة شرعا للجاهل اشكال لزوم اجتماع
الضّديّن او المثلين على ما ياتى تفصيله إن شاء الله تعالى مع ما هو التّحقيق فى
دفعه فى التّوفيق بين الحكم الواقعى والظّاهرى فانتظر
اى مع بلوغه بهذه
المرتبة من الفعلية مورد للوظائف المقررة شرعا للجاهل من الامارات والاصول الشرعية
اشكال لزوم اجتماع الضدين لو تخالفا او المثلين لو توافقا على ما سيأتى فى الجمع
بين الحكم الواقعى
والظاهرى فى اول
بحث الظن إن شاء الله تعالى فانتظر.
فى مبحث التجرى والانقياد
الأمر
الثّانى قد عرفت انّه لا شبهة فى انّ القطع يوجب استحقاق العقوبة على المخالفة
والمثوبة على الموافقة فى صورة الاصابة فهل يوجب استحقاقها فى صورة عدم الاصابة
على التجرّي بمخالفته واستحقاق المثوبة على الانقياد بموافقته او لا يوجب شيئا
اعلم ان التكلم فى
هذا المبحث اى فى مسئلة التجرى يمكن ان يقع فى مقامات الاول فى المسألة الكلامية
وهى ان مخالفة القطع هل توجب استحقاق العقوبة لاجل التجرى اذا لم يكن القطع مطابقا
للواقع وموافقته توجب استحقاق المثوبة لاجل انطباق الانقياد عليه ام لا الثانى فى
الاصولية وهى انه على فرض قبح التجرى وحكم العقل باستحقاق فاعله الذم هل يؤثر قبحه
فى الفعل المتجرى به حتى يصير حراما شرعيا لقاعدة الملازمة ام لا.
الثالث فى الفقهية
وهى ان مقطوع الحرمة حرام ام لا وإلّا نسب بمقامنا هو الاولان لان كلامنا فى القطع
انما يكون فى الحكم العقلى وفى المسألة الاصولية واما المقام الاول فالحق استقلال
العقل باستحقاق العقوبة على مخالفة القطع كحكمه باستحقاق المثوبة على موافقته وهو
الذى اختاره المصنف وادعى عليه الوجدان وقال.
الحقّ
انّه توجبه لشهادة الوجدان بصحّة مؤاخذته وذمّه على تجرّيه وهتك حرمته لمولاه
وخروجه عن رسوم عبوديّته وكونه بصدد الطّغيان وعزمه على العصيان
حاصل الكلام ان
التجرى عنوان يتحقق مع ارادة المخالفة كما ان الانقياد يتحقق مع ارادة الموافقة
وينطبق على الاول عنوان التجرى والهتك والطغيان والخروج عن رسوم العبودية ومن
المعلوم ان هذا كله موجبه للعقوبة والوجدان عليه شاهد وحاكم وعلى الثانى ينطبق
عنوان الانقياد والاطاعة والاقامة على رسوم العبودية وهذا كله موجبة للمثوبة واليه
اشار بقوله.
وصحّة
مثوبته ومدحه على اقامته بما هو قضيّة عبوديّته من العزم على موافقته والبناء على
اطاعته
وبالجملة انه
يستحق العقوبة على نفس التجرى ولو لم يصدر منه فعل اذا وصل حد الجزم والعزم حيث ان
التجرى كما عرفت هو عبارة عن اهتاك حرمة المولى واظهار النفاق والشقاق معه وهو
موجب للاستحقاق بحكم العقل السليم اذا صار العبد بصدد الاظهار واول مرتبة الاظهار
هو الجزم وهو اختيارى لا مكان التأمل فى الصوارف والمواعظ وكان له ان يتفكر فى
عقوبة الله والنظر فى آيات الله حتى لا يجزم او لا يعتنى بتبعاته فيجزم به وكذا
العزم المترتب على الجزم فهو ايضا اختيارى كالجزم بعينه ويصح العقوبة عليه.
واما قبل الجزم
والعزم فلا يستحق العقوبة ولا المصوبة وان استحق المدح واللوم بمجرد حسن سريرته
وسوئها والحاصل ان التجرى والانقياد يوجبان استحقاق العقوبة والمثوبة لتحقق ما
يوجبانه فى المعصية والاطاعة الحقيقيين فيهما بيان ذلك ان شرب الخمر الواقعى له
عناوين ثلاثة الاول الشرب من حيث انه شرب وهو عنوانه الاولى الثانى هو من حيث انه
ترك مطلوب المولى الثالث هو من حيث انه اقدم على مخالفة المولى وعصيانه ومن الواضح
ان مناط الاستحقاق للعقاب ليس هو الاول وإلّا لكان شرب كل مشروب يوجب ذلك ولا
الثانى لان من شربها غفلة او نسيانا فقد حصل منه ترك مطلوب المولى مع انه لا يعاقب
عليه فانحصر المناط فى الثالث وهو بعينه موجود فى حق المتجرى حيث انه اقدم على
المعصية وعزم على المخالفة وجزم على الطغيان
وان
قلنا بانّه لا يستحقّ مؤاخذته او مثوبته ما لم يعزم على المخالفة او الموافقة
بمجرّد سوء سريرته او حسنها وان كان مستحقّا للذّم او المدح بما يستتبعانه كسائر
الصفّات والاخلاق الذّميمة او الحسنة
يعنى مجرد سوء
السريرة وحسنها لا يوجب العقوبة ولا المثوبة وانما يوجبان مدحا او ذما بما فيه من
الصفة الكامنة المستتبعة لهما وان الذات المتصفة به لا يستحق بذلك المثوبة ولا
العقوبة وان استحق المدح او الذم كمدح اللؤلؤ على صفائها وذم الخزرة على كدورتها
والحاصل ان سوء السريرة وحسنها كسائر الصفات والاخلاق الذميمة او الحسنة كالشجاعة
والجبن والجود والبخل لا يوجب ثوابا ولا عقابا ولكنها
تكون موجبة للمدح
والذم
وبالجملة
ما دامت فيه صفة كامنة لا يستحقّ بها الّا مدحا او لوما وانّما يستحقّ الجزاء
بالمثوبة او العقوبة مضافا الى احدهما اذا صار بصدد الجرى على طبقها والعمل على
وفقها وجزم وعزم وذلك لعدم صحّة مؤاخذته بمجرّد سوء سريرته من دون ذلك وحسنها معه
فتحصل مما ذكرنا
ان القبح الناشئ عن سوء السريرة وخبث الباطن لا يستتبع استحقاق العقاب ما دامت فيه
صفة كامنة كما ان الحسن الناشئ عن حسنها لا يوجب شيئا من المثوبة ما دامت كذلك
إلّا اذا صار العبد بصدد الجرى على طبق تلك الصفة والعمل على وفقها حتى وصل الى حد
الجزم والعزم ولو لم يصدر منه فعل وذلك الذى ذكرناه من عدم استحقاق العقوبة او
المثوبة على مجرد سوء السريرة او حسنها لعدم صحة مؤاخذة العبد بمجرد سوء سريرته من
دون ان يصير بصدد الجرى على طبق الصفة
وحسن المؤاخذة مع
صيرورته بصدد الجرى على وفقها وذلك لان صفة الشقاوة وما يقابلها امر خارج عن
الاختيار كما فى الخبر الشريف السعيد سعيد فى بطن أمه والشقى شقى فى بطن أمه فلا
يستحق العقاب ولا الثواب على الامر الغير الاختيارى إذ هما تابعان للمقدور ولكن
يستحق المدح او الذم من حيث هو مع قطع النظر عن ترتب استحقاق العقوبة او المثوبة
عليه وهذا واضح.
كما
يشهد به مراجعة الوجدان الحاكم بالاستقلال فى مثل باب الاطاعة
والعصيان
وما يستتبعان من استحقاق النّيران او الجنان
حاصل ما افاده قدسسره فى اثبات العقاب لمن اراد المخالفة واثبات الثواب لمن اراد
الموافقة هو انطباق عنوان التجرى واهتاك حرمة المولى والطغيان والخروج عن رسوم
العبودية على الاول والوجدان شاهد على ان تلك العناوين موجبة للعقوبة وانطباق عنوان
الانقياد والاقامة على رسوم العبودية الموجبان للثواب فى الثانى والوجدان أيضا
عليه حاكم وشاهد ثم انك قد عرفت فى صدر المبحث ان التكلم فى التجرى يقع فى مقامات
الاول فى المسألة الكلامية وهى ان موافقة القطع هل توجب استحقاق المثوبة لاجل
الانقياد ومخالفته هل توجب استحقاق العقوبة لاجل التجرى اذا لم يكن القطع مطابقا
للواقع اولا والذى اختاره المصنف فى هذا المقام انه يوجبه مع صيرورة العبد بصدد
الجرى على طبقه والعمل على وفقه وعزم وجزم الثانى فى المسألة الاصولية وهى انه على
فرض قبح التجرى وحكم العقل باستحقاق فاعله الذم هل يؤثر قبحه فى الفعل المتجرى به
حتى يصير حراما شرعيا لقاعدة الملازمة ام لا واختار المصنف فى هذا المقام طرف
العدم بقوله.
ولكن
ذلك مع بقاء الفعل المتجرّى به او المنقاد به على ما هو عليه من الحسن او القبح
والوجوب او الحرمة واقعا بلا حدوث تفاوت فيه بسبب تعلّق القطع بغير ما هو عليه من
الحكم والصّفة
اى وذلك الذى
ذكرناه من كون التجرى موجبا للعقاب
والانقياد موجبا
للثواب مع بقاء فعل المتجرى به او المنقاد به على ما هو عليه من الحسن او القبح
كما كان قبل عروض عنوان التجرى او الانقياد عليه من الحسن والقبح والوجوب والحرمة
واقعا بلا حدوث تفاوت فى الفعل بسبب تعلق القطع بغير ما هو عليه من الحكم الوجوبى
او التحريمى ولا فى الصفة من الحسن او القبح وذلك لعدم امكان تغيير الفعل عما هو
عليه بواسطة تعلق القطع به لما نجد من انفسنا من عدم تغيير الشيء عما هو عليه
بمجرد القطع به اذ القطع بالقبح لا يكون فى نظر العقل من العناوين المقبحة او مما
يوجب المبغوضية للمولى وكذا القطع بالحسن لا يكون بنظر العقل من العناوين المحسنة
او مما يوجب المحبوبية وعلى فرض صيرورته عنوانا لا يمكن استكشاف حكم الشارع يعنى
لا يمكن تعلق الحكم بالمقطوع حين كونه كذلك للزوم الخلف حيث ان القاطع حين قطعه لا
يرى إلّا الواقع فتصديقه الحكم المتعلق بالمجموع محتاج الى الالتفات بقطعه
والتفاته الى قطعه مستلزم لارتفاع قطعه الاول وهو خلف اذ المفروض تعلق الحكم
بالمقطوع حين كونه طريقا غير ملتفت اليه وعلى فرض استكشاف حكم الشارع فلا فائدة فى
الامر المولوى فيما نحن فيه.
حيث ان فائدته
تحريك العبد نحو الفعل بحيث لو لاه لم يكن محرك ولا داع والمفروض ان الداعى هو حكم
العقل بوجوب اتباع القطع موجود ولذلك نقول بان امر اطيعوا الله إرشادي حيث ان
المريد للاطاعة ان كان له دواعى الاطاعة من اهلية البارى تعالى او الجنة او النار
موجود فامر اطيعوا لا يكون داعيا له ثانيا مضافا الى استلزامه الدور او التسلسل
حيث ان تصديق كون
هذا القطع وجه وعنوان للشيء وانه موضوع للحكم موقوف على تعلق قطع آخر اليه وهذا
الآخر وان لم يكن وجها ايضا لزم الترجيح بلا مرجح وان كان وجها فتصديقه ايضا يتوقف
على قطع آخر وهكذا.
ومما ذكرنا ظهر
انه على فرض قبح التجرى وحكم العقل باستحقاق العقوبة على المخالفة والمثوبة على
الموافقة لا يؤثر قبحه فى الفعل المتجرى به حتى يصير حراما بقاعدة الملازمة فدعوى
ان الفعل المتجرى به يكون قبيحا ويستتبعه الحكم الشرعى بقاعدة الملازمة واضحة
الفساد.
ولا
يغيّر حسنه او قبحه بجهة اصلا ضرورة انّ القطع بالحسن او القبح لا يكون من الوجوه
والاعتبارات الّتي بها يكون الحسن والقبح عقلا
اذ من الواضح ان
القطع مرآة بوجوده الحقيقى للافعال بما فيها من المزايا والخواص وحقيقة المرآتية
ليست إلّا مجرد انكشاف المرئى بما فى كمونه من الآثار وتكون صفة الكاشفية فى طول
المكشوف ولازمها عدم تغير المكشوف عما هو عليه من الحسن او القبح بمجرد تعلق القطع
به وإلّا لزم انقلاب المرآة الى مرتبة المرئى وصيرورة المرآة مرئيا والقطع مقطوعا
مثلا لو فرض تغير الماء المزعوم انه خمر للجهة المقبحة عما هو عليه من الحسن الى
القبح بمجرد انطباق المقطوع عليه لزم انقلاب القطع الذى هو مرآة محض وكاشف بحت عن
حقيقته الى رتبة المكشوف.
والحاصل ان الفعل
الغير المنهى عنه واقعا لم يكن مبغوضا بمجرد
تعلق اعتقاد
المكلف بمبغوضيته مع انه لم يكن مبغوضا واقعا بمعنى ان الواقع بما هو عليه ان كان
حسنا او قبيحا كان باقيا على حاله ومجرد تعلق القطع بكون هذا قبيحا او مبغوضا لا
يغير الواقع لو كان حسنا اذا المفروض ان القطع تعلق بالواقع على ما هو عليه لا انه
غير الواقع فان قلت نعم ولكن ربما طريان عنوان على شيء يكون موجبا لحدوث حكم لهذا
الشيء بملاحظة هذا العنوان كالكذب فان واقعه قبيح ولكن اذا طرأ عليه عنوان النفع
يصير حسنا وهذا واضح على مذهب من قال بان الحسن والقبح ليسا بذاتيين بل يختلف
بالوجوه والاعتبار ومثل تمام وظائف الظاهرية فان البينة واليد والظن والسوق تكون
موجبة لاحداث حكم ظاهرى لموضوعاتها بملاحظة كونها مظنونا او قال به البينة او غير
ذلك مع ان واقعها كان باقيا بحاله فان ما قامت البينة على حرمته يصير حراما من جهة
شهادة الشاهد ولو بالحرمة الظاهرية مع ان واقعه كان مباحا مثلا والقطع ايضا كاحدها
فيصير هذا المباح الواقعى حراما بعنوان كونه مقطوعا.
قلت اولا ليس
القطع مما يصير به الشيء مختلفا فان المفروض انه طريق محض من دون ان يكون فيه
خصوصية الا حيث إراءته عن متعلقه فحينئذ لا بد من ملاحظة متعلقه وخصوصياته من غير
ملاحظة القطع والمفروض ان المتعلق لم يكن حراما واقعا فكيف يصير حراما بعد تعلق
القطع نعم يمكن ان يكون عنوان القطع سببا لحسن شيء او قبحه ولكن هذا اذا كان جزءا
للموضوع على فرض قيام الدليل عليه بخلاف ما نحن فيه لان كلامنا ليس على ذلك بل على
فرض الطريقية.
واما باقى الوظائف
فنلتزم فيها بان المصلحة انما تكون فى نفس جعلها لا ان يكون عنوان الظن او البنية
موجبة لاحداث حكم ومما ذكرنا ظهر عدم اتصاف الفعل المتجرى به بحسن وقبح وان الواقع
لا يغير عما هو عليه من الحسن والقبح.
ولا
ملاكا للمحبوبيّة والمبغوضيّة شرعا ضرورة عدم تغيّر الفعل عمّا هو عليه من المبغوضيّة
والمحبوبيّة للمولى بسبب قطع العبد بكونه محبوبا او مبغوضا له.
لانهما تدوران
مدار الجهات المحسنة او المقبحة الكامنة فى الافعال الخارجية وقد عرفت عدم تغييرها
بمجرد تعلق القطع بها :
فقتل
ابن المولى لا يكاد يخرج عن كونه مبغوضا له ولو اعتقد العبد بانّه عدوّه وكذا قتل
عدوّه مع القطع بانّه ابنه لا يخرج عن كونه محبوبا ابدا.
ومما يؤيد ما
ذكرنا من بقاء الفعل المتجرى به او المنقاد به على ما هو عليه من الحسن والقبح
والوجوب والحرمة واقعا بل هو دليل على حدة هو ما اشار بقوله.
هذا
مع انّ الفعل المتجرّى به او المنقاد به بما هو مقطوع الحرمة او الوجوب لا يكون
اختياريّا فانّ القاطع لا يقصده الّا بما قطع انّه عليه من عنوانه الواقعى
الاستقلالى لا بعنوانه الطّارئ الآلي بل لا يكون غالبا بهذا العنوان ممّا يلتفت
اليه.
هذا كله مع ان
الفعل المتجرى به او المنقاد به بما هو مقطوع الحرمة او الوجوب لا يكون اختياريا
فان هذا العنوان غير ملتفت اليه غالبا اذ القاطع لا يقصد الفعل كشرب ما يعتقده
خمرا إلّا بما قطع انه عليه من عنوانه الواقعى الاستقلالى وهو عنوان انه خمر لا
بعنوانه الطارى الآلي اى عنوان انه شرب مقطوع الخمرية فاذا لم يكن هذا العنوان
اختيارا ملتفتا اليه غالبا
فكيف
يكون من جهات الحسن او القبح عقلا ومن مناطات الوجوب او الحرمة شرعا ولا يكاد يكون
صفة موجبة لذلك الّا اذا كانت اختياريّة
والحاصل ان القطع
بالقبح لا يكون فى نظر العقل من العناوين المقبحة او مما يوجب المبغوضية للمولى
ولو سلمنا ذلك وقلنا بان عنوان مقطوع المبغوضية من العناوين الموجبة للقبح او
المبغوضية إلّا انه فى المقام لا يصلح لذلك لكون المقطوع غير اختيارى للفاعل
المتجرى حيث ان القاطع بحرمة الخمر حين شربه لم يشربه بعنوان انه مقطوع الخمرية بل
يشربه بعنوان انه حرام فما صدر عنه المقطوع باختيار منه لعدم الالتفات اليه فلا
يكاد القطع بالقبح ان يكون صفتا موجبة للقبح وكذلك القطع بالحسن موجبة لذلك إلّا
اذا كانتا اختياريين وقد عرفت عدم اختيارية المقطوع بما هو مقطوع لعدم الالتفات
اليه واذا لم يكن اختياريا فكيف يكون قبيحا او حسنا عقلا او واجبا ومحرما شرعا وكل
منها مشروط بالاختيار.
ان
قلت اذا لم يكن الفعل كذلك فلا وجه لاستحقاق العقوبة على مخالفة القطع وهل كان
العقاب عليها الّا عقابا على ما ليس بالاختيار
حاصله انه اذا لم
يكن عنوان مقطوع المبغوضية من العناوين الموجبة للقبح او المبغوضية لكونه غير
اختيارى للفاعل المتجرى بل قد لا يكون ملتفتا اليه فلا وجه لاستحقاق العقاب على
مخالفة القطع فهل كان العقاب عليه الا عقابا على ما ليس بالاختيار.
قلت
العقاب انّما يكون على قصد العصيان والعزم على الطّغيان لا على الفعل الصّادر بهذا
العنوان بلا اختيار
وحاصل جوابه عن
السؤال ان العقاب لا يكون على الفعل الصادر بعنوان انه مقطوع الحرمة حتى يقال بان
القاطع بحرمة الخمر حين شربه لم يشربه بعنوان انه مقطوع الحرمة.
بل يشربه بعنوان
انه حرام فما صدر عنه المقطوع باختيار منه بل هو غالبا يكون مما لا يلتفت اليه بل
العقاب يكون على القصد والعزم على الطغيان لا على الفعل الغير الاختيارى.
ان
قلت انّ القصد والعزم انّما يكون من مبادى الاختيار وهى ليست باختيارية والّا
لتسلسل
حاصله ان القصد
والعزم انما يكونان من مقدمات اختيار الفعل لان الفعل الاختيارى المتعلق به
التكليف لا بد وان يصدر من مباديه من
التصور اولا
والميل ثانيا والجزم ثالثا والعزم رابعا والارادة خامسا.
ومن المعلوم ان
مبادى الاختيار ومقدماته لا تكون اختيارية فان اختيارية الافعال تكون بها فلو كانت
هى اختيارية لكانت بمقدمات اخرى فيتسلسل فاذا كانت مقدمات الاختيار غير اختيارية
فلا بد ان لا يكون العقاب على القصد والعزم.
قلت
مضافا الى انّ الاختيار وان لم يكن بالاختيار الّا انّ بعض مباديه غالبا يكون
وجوده بالاختيار للتمكن من عدمه بالتّامل فيما يترتّب على ما عزم عليه من تبعة
العقوبة واللوم والمذمة
يعنى ان الفعل
الاختيارى وان لم يكن جميع مباديه ومقدماته بالاختيار إلّا ان بعض مباديه وهو
الجزم والعزم فيه اختياريان فحينئذ تكون صحة العقوبة على الارادة الغير الاختيارية
من جهة اختيارية هاتين المقدمتين توضيح ذلك : ان الفعل الاختيارى مسبوق بمقدمات.
الاول حضور المراد
فى الذهن ثم الميل النفسانى ثم الجزم وهو حكم القلب بما ينبغى صدوره ثم العزم وهو
مرتبة الميل التى قبل الشوق المؤكد وهذه المقدمات اذا وجدت كان الفعل اختياريا وهى
وان لم تكن كلها اختيارية كحضوره فى الذهن وكذا الميل إلّا ان الجزم امر اختيارى
وكذا العزم المترتب على الجزم لجواز التامل فيما يترتب على الفعل والتدبر فى
عواقبه وتبعاته حتى لا يجزم او لا يعتنى بتبعاته فيجزم به.
فالعقاب من آثار
الجزم لكونه اختياريا فلا يستلزم القول باناطة استحقاق الثواب والعقاب بما هو خارج
عن الاختيار هذا اذا قلنا
بان العقاب لا بد
ان يكون على الامر الاختيارى.
واما ان قلنا بان
العقاب والثواب من تبعات الافعال الناشئة عن حسن سريرة العبد وسوئها اللذان
الناشئان عن نقص الذات وكماله وهما مجعولان بالجعل البسيط لا التأليف.
فيصح حينئذ
العقوبة والمثوبة ولو كان الجزم خارجا عن الاختيار فحقيقة العقوبة والمثوبة ليست
إلا سنخية هذا الذات مع ذاك وسنخية الآخر مع الآخر بمعنى ان ذات هذا الشخص مقتضية
للقرب بالمبدإ وذات الآخر مقتضية للبعد عنه وبهذا اشار بقوله.
يمكن
ان يقال انّ حسن المؤاخذة والعقوبة انّما يكون من تعبة بعده عن سيّدة بتجرّيه عليه
كما كان من تبعته بالعصيان فى صورة المصادفة فكما انّه يوجب البعد عنه كذلك لا غرو
فى ان يوجب حسن العقوبة فانّه وان لم يكن باختياره الّا انّه بسوء سريرته وخبث
باطنه بحسب نقصانه واقتضاء استعداده ذاتا وامكانا
حاصل جوابه قدسسره هو منع قبح العقاب على الامر الغير الاختيارى مطلقا حتى
اذا كان منتهيا الى نفس العبد وكمون ذاته فاذا انتهى الامر اليه فلا قبح ولو لم
يكن فى البين امر اختيارى.
وذلك لان حسن
العقوبة معلول للبعد عن المولى والموجب للبعد قد يكون بعصيانه حقيقة وفى صورة
الاصابة وقد يكون بتجريه عليه وهتك حرمته وارادة مخالفته فكما ان العصيان فى صورة
المصادفة يوجب بعد العبد عن سيده الموجب للعقاب كذلك لا عجب فى ان يوجب التجرى
البعد والبعد يوجب استحقاق العقاب فحينئذ وان لم يكن باختياره إلّا ان العقاب
ناشئة عن سوء سريرته وخبث باطنه بحسب
نقصانه واقتضاء
استعداده ذاتا وامكانا يعنى ان سوء السريرة ناش عن النقصان واقتضاء استعداده
الذاتى وامكانا عطف تفسير على قوله ذاتا.
واذا
انتهى الامر اليه يرتفع الاشكال وينقطع السؤال بلم فانّ الذّاتيات ضرورىّ الثبوت
للذّات
يعنى فاذا انتهى
الامر الى الذاتى يرتفع الاشكال بانه لو كانت الارادة غير اختيارية لزم كون العقاب
على الامر الغير الاختيارى وان كانت الارادة اختيارية لزم التسلسل اذ العقاب على
ما هو من قبل الذات غير قبيح فامر العقاب بالاخرة ينتهى الى الذات.
لان حسن العقوبة
معلول للبعد والبعد معلول للتجرى وهو ارادة المخالفة والتجرى معلول عن العزم
والعزم معلول عن الجزم والجزم معلول عن الميل الى القبح والميل معلول عن الشقاوة
المعبر عنها بسوء السريرة المعلولة عن خصوص ذاته وينقطع السؤال بلم فان الذاتيات
ضرورى الثبوت للذات
وكذا الحال فى
الكفر والعصيان الحقيقيان فانهما ايضا منتهيان الى الذات.
وبذلك
ايضا ينقطع السّؤال عن انّه لم اختار الكافر والعاصى الكفر والعصيان والمطيع
والمؤمن الاطاعة والايمان
اى بما ذكرناه فى
باب التجرى من انتهاء الامر الى الذاتى ايضا ينقطع السؤال عن انه لم اختار الكافر
الكفر والعاصى العصيان والمطيع
الاطاعة والمؤمن
الايمان؟
حيث انه سؤال عن
الذاتى والذاتى لا يعلل فحينئذ لا مجال للسؤال اصلا فان السؤال عن الكافر لم اختار
الكفر والعاصى لم اختار العصيان والمطيع لم اختار الاطاعة والمؤمن لم اختار
الايمان يساوق السؤال عن ان الحمار لم يكون ناهقا والانسان لم يكون ناطقا وبهذا
اشار بقوله
فانّه
يساوق السّؤال عن انّ الحمار لم يكون ناهقا والانسان لم يكون ناطقا وبالجملة تفاوت
افراد الانسان فى القرب منه جلّ شانه وعظمت كبريائه والعبد عنه سبب لاختلافها فى
استحقاق الجنّة ودرجاتها والنّار ودركاتها وموجب لتفاوتها فى نيل فى الشّفاعة
وعدمها وتفاوتها فى ذلك بالاخرة يكون ذاتيّا والذّاتى لا يعلّل ان قلت على هذا فلا
فائدة فى بعث الرّسل وانزال الكتب والواعظ والانذار
حاصله لو كان
الكفر والعصيان والاطاعة والايمان من تبعات الذات ومقتضياته فاى فائدة للتكليف
بالطاعات والنهى عن السيئات وبعثه الرسل والانبياء بالمعجزات والآيات اذ المؤمن
والمطيع يؤمن بنفسه ويطيع.
قلت
ذلك لينتفع به من حسنت سريرته وطابت طينته لتكمل به نفسه ويخلص مع ربّه انسه
حاصله ان الخصوصية
الذاتية ليست علة تامة بالنسبة الى استحقاق المثوبة والعقوبة فهى من قبيل المقتضى
وح يكون فائدة البعث والانذار والوعظ والارشاد فى من حسنت سريرته وصوله الى كماله حتى
يحصل
له استحقاق الجنة
ودرجاتها.
ما
كنّا لنهتدى لو لا ان هدينا الله قال الله تبارك وتعالى (وَذَكِّرْ فَإِنَّ
الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ) وليكون
حجّة على من سائت سريرته وخبثت طينته
اى وفيمن خبثت
طينته اتمام الحجة عليه حتى لا يقولوا ربنا لو لا ارسلت الينا رسولا من قبل ان نذل
ونخزى ولم ذلك
ليهلك
من هلك عن بيّنة ويحيى من حىّ عن بيّنة كيلا يكون للنّاس على الله حجّة بل كان له
حجّة بالغة ولا يخفى انّ فى الآيات والرّوايات شهادة على صحّة ما حكم به الوجدان
اما الآيات مثل
قوله جل ذكره ولا تقف ما ليس به علم ان السمع والبصر والفؤاد كل اولئك كان مسئولا
وقوله تعالى (لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي
أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ)
وقوله تعالى (وَلا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ وَمَنْ
يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ).
وقوله تعالى (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ فِيما
أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلكِنْ ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ).
واما الاخبار فقد
ذكرها الشيخ ره فى بحث التجرى ومنها ما رواه فى الفقيه وغيره القضاة اربعة ثلاثة
فى النار واحد الى الجنة قاض قضى بالباطل وهو يعلم انه باطل فهذا فى النار وقاض
قضى بالحق وهو لا يعلم انه الحق فهذا فى النار قاض قضى بالباطل وهو لا يعلم انه
باطل
فهذا فى النار
وقاض قضى بالحق وهو يعلم انه حق فهذا فى الجنة فان القسم الثالث متجر فى الحقيقة
جزما وقطعا.
ومثل قوله (ص) نية
الكافر شر من عمله وقوله انما يحشر الناس على نياتهم.
وما ورد من تعليل
خلود اهل النار فى النار وخلود اهل الجنة فى الجنة بعزم كل من الطائفتين على
الثبات على ما كان عليه من المعصية والطاعة لو خلدوا فى الدنيا.
وما ورد من انه
اذا التقى المسلمان بسيفهما فالقاتل والمقتول فى النار قيل يا رسول الله هذا
القاتل فما بال المقتول قال لانه اراد قتل صاحبه.
وما ورد فى العقاب
على بعض المقدمات بقصد ترتب الحرام كغارس الخمر والماشى لسعاية المؤمن وغير ذلك من
الادلة الشاهدة على صحة ما حكم به الوجدان.
الحاكم
على الاطلاق فى باب الاستحقاق للعقوبة والمثوبة ومعه لا حاجة الى ما استدلّ على
استحقاق المتجرّى للعقاب بما حاصله
انّه
لو لاه مع استحقاق العاصى له يلزم اناطة استحقاق العقوبة بما هو خارج عن الاختيار
من مصادفة قطعه الخارجة عن تحت قدرته واختياره
حاصله انه مع ان
فى الآيات والروايات شهادة على صحة العقوبة على ما حكم به الوجدان لا حاجة الى ما
استدل به بعض الاعاظم على الاستحقاق المتجرى للعقاب بما حاصله.
انه لو لا استحقاق
المتجرى للعقاب يلزم اناطه استحقاق العقوبة
بما هو الخارج عن
الاختيار بداهة ان اتفاق المصادفة خارج عن تحت قدرته ولا آتية من قبل المكلف.
ومحصل ما يستفاد
من كلامه على ما حكى عنه هو انه اذا فرضنا شخصين قطع احدهما بكون مائع معين خمر او
قطع الآخر بكون مائع آخر كذلك فشرباهما فاتفق مصادفة احدهما للواقع دون الآخر فاما
ان يستحقا العقاب وهو المطلوب او لا يستحقان اصلا فيلزم عدم استحقاق العاصى للعقاب
وهو فاسد او يستحق من خالف قطعه فقط دون من وافق قطعه مع الواقع وفساده اوضح او
يستحق من صادف قطعه الواقع دون الآخر فيلزم اناطة استحقاق العقاب بالامر الغير
الاختيارى وهو اتفاق المصادفة وهو ممتنع جدا.
فتعين الاول وهو
الاستحقاق للعقاب مطلقا صادف ام لم يصادف مع ان هذا الاستدلال باطل وفاسد من أصله
وقد اشار الى بطلانه وفساده بقوله.
مع
بطلانه وفساده اذ للخصم ان يقول بانّ استحقاق العاصى دونه انّما هو لتحقّق سبب
الاستحقاق فيه وهو مخالفته عن عمد واختيار وعدم تحقّقه فيه لعدم مخالفته اصلا ولو
بلا اختيار
حاصله ان اختيار
الشق الرابع وهو استحقاق العقوبة لمن صادف قطعه الواقع دون من لم يصادف لا يستلزم
اناطة استحقاق العقاب بما هو خارج عن الاختيار.
فان استحقاق من
صادف انما هو لتحقق سببه وهو المخالفة عن عمد واختيار دون من لم يصادف لعدم تحقق
سبب الاستحقاق فيه.
لان السبب فى
الاستحقاق هو الاتيان بالمنهى عنه فى اعتقاد الفاعل مع المصادفة ومصادفة قطعه مع
الواقع وان كانت غير اختيارية إلّا ان الامر الغير الاختيارى دخيل فى العقاب لا
بمعنى ان العلة التامة فى العقاب الامر الغير الاختيارى والممتنع هو الثانى دون
الاول.
فمنشأ العقاب هو
المخالفة وهى الاختيارية غاية الامر ان من جملة مقدماتها مصادفة القطع مع الواقع
لا ان منشأ العقاب هو نفس المصادفة ليس إلّا حتى يلزم منه اللازم الباطل فيلتزم
الخصم باستحقاق العاصى دون المتجرى ويمكنه التفكيك بين العاصى والمتجرى واما
استحقاق العاصى فلمخالفته عن عمد واما عدم استحقاق المتجرى فلعدم مخالفته اصلا ولو
عن غير عمد.
نعم هذا كله فيما
اذا كان الخطاء فى الحكم مثل ما لو اعتقدان شرب الماء حرام فشربه فان شرب الماء
صادر منه بالاختيار فحينئذ قد صدر منه الفعل ولم يصدر منه مخالفة لعدم مصادفة قطعه
مع الواقع واما اذا كان الخطاء فى الموضوع مثل ما اذا اعتقدان الماء الخارجى خمر
وشربه بهذا الاعتقاد ثم تبين انه لم يكن بخمر بل كان ماء فحينئذ مضافا الى عدم
صدور مخالفة منه عدم صدور فعل منه ايضا لانه قد شرب الماء ولم يقصده وقصد الخمر
ولم يشربه ما قصد لم يقع وما وقع لم يقصد واليه اشار بقوله.
بل
عدم صدور فعل منه فى بعض افراده بالاختيار كما فى التّجري بارتكاب ما قطع انّه من
مصاديق الحرام كما اذا قطع مثلا بان مائعا خمر مع انّه لم يكن بالخمر فيحتاج الى
اثبات انّ المخالفة الاعتقاديّة سبب كالواقعيّة الاختياريّة كما عرفت
بما
لا مزيد عليه
والحاصل ان اختيار
الشق الاخير وهو استحقاق من صادف قطعه الواقع لا يستلزم اللازم المحال ، وهو اناطة
استحقاق العقاب بما هو خارج عن الاختيار ، فيحتاج المستدل الى اثبات ان المخالفة
الاعتقادية اى التجرى هى سبب كالواقعية الاختيارية وهى المعصية
ثمّ
لا يذهب عليك انّه ليس فى المعصية الحقيقية الّا منشأ واحد لاستحقاق العقوبة وهو
هتك واحد فلا وجه لاستحقاق عقابين متداخلين كما توهّم مع ضرورة انّ المعصية
الواحدة لا توجب الّا عقوبة واحدة
والمتوهم صاحب
الفصول ره فى بحث مقدمة الواجب قال ان التحقيق ان التجرى على المعصية معصية ايضا
لكنه ان صادفها تداخلا وعدا معصية واحدة ولعله ره اضطر الى القول بالتداخل فى صورة
المصادفة من جهة حكم العقل بان تعدد السبب اى التجرى ومعصية الواقعية يوجبان تعدد
المسبب اى العقاب وبين ما وقع الضرورة من المذهب والاجماع عليه من كون العقاب هنا
واحد وان المعصية الواحدة لا توجب الا عقوبة واحدة.
كما
لا وجه لتداخلهما على تقدير استحقاقهما كما لا يخفى
حاصله انه لا وجه
لاستحقاق العقابين المتداخلين بعد اتحاد المنشأ وهو هتك واحد وعلى تقدير
استحقاقهما لا وجه لتداخلهما اذ لا معنى
لتداخلهما بعد ما
كان كل منهما سببا مستقلا للزوم الخلف.
ولا
منشأ لتوهّمه الّا بداهة انّه ليس فى معصية واحدة الّا عقوبة واحدة.
اى ولا منشأ لتوهم
التداخل الا ما وقع الضرورة من المذهب من كون العقاب هنا واحد.
مع
الغفلة عن انّ وحدة المسبّب تكشف بنحو الإنّ عن وحدة السّبب
بمعنى انه لو
التفت الى ذلك التزم بوحدة منشإ العقاب وهو هتك واحد لا القول بتعدده مع التداخل
نعم يمكن ان يقال انتصارا له ان هتك حرمة المولى مقولة بالتشكيك يختلف شدة وضعفا
وبه يختلف اثره من العقاب الشديد والضعيف فالتجرى المصادف اشد هتكا من غيره ولهذا
كان فرق عرفا بين من قطع بان هذا عدو للمولى فتجرى ولم يقتله فبان انه ابنه وبين
من قطع بان هذا ابن المولى وقتله ثم بان انه ابنه ايضا ولكن فيه مضافا الى انه
توجيه بما لا يرضى صاحبه ان الهتك بما هو هتك لا فرق فيه فى خصوصيات الموارد وما
ترى من الفرق فى الموارد عرفا فانما هو من جهة مطابقة الفعل مع الاغراض الشخصية
وعدم مطابقته معها لا من جهة الهتك بما هو هتك وهذه الاغراض غالبا ناشئة عن
مشتهيات النفس تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا فلا وجه لما ذكره صاحب الفصول رفع
مقامه.
فى اقسام القطع
الامر
الثّالث انّه قد عرفت انّ القطع بالتّكليف أخطأ او اصاب يوجب عقلا استحقاق المدح
والثّواب او الذّم والعقاب من دون ان يؤخذ شرعا فى خطاب
بمعنى ان جميع ما
ذكرناه سابقا من الاحكام انما هو للقطع الطريقى فهو ما لا يؤخذ فى موضوع الحكم
الشرعى بل هو محض حكم العقلى من دون ان يستتبع حكما شرعيا مولويا لعدم ملاك مولوية
الطلب هاهنا.
وقد
يؤخذ فى موضوع حكم آخر يخالف متعلّقه
تفصيل ذلك ان
القطع قد يكون طريقا صرفا الى الواقع وقد يكون جزءا للموضوع اما الاول فهو ما لا
يؤخذ فى موضوع الحكم الشرعى والثانى ما يؤخذ فى موضوع الحكم الشرعى كما فرضنا ان
الشارع رتب على الخمر المعلوم بوصف كونه معلوما فدخل العلم فى الموضوع انما كان من
الشرع يعنى انه جعله جزءا لموضوع حكمه ثم ان القطع المأخوذ فى الموضوع تارة يكون
تمام الموضوع واخرى يكون جزءا للموضوع والجزء الآخر هو الواقع الذى تعلق به القطع
وهو اى القطع الذى كان جزءا للموضوع بحسب الشرع باقسامه يتصور على قسمين الاول ان
يجعل جزءا للموضوع باعتبار انكشافه بمعنى ان الملحوظ بالذات هو انكشافه والثانى ان
يجعله باعتبار كونه صفة خاصة مقابل
الشك او الظن جزءا
له وقد يكون القطع تمام الموضوع شرعا وعقلا ولكل منها آثار واحكام واما القطع اذا
كان طريقا محضا فلا يفرق بين خصوصياته من حيث القاطع والمقطوع به واسبابه وازمانه
اذ المفروض انه طريق ولا خصوصية فيه فالمقصود إراءة متعلقه فاذا حصل من اى وجه كان
فهو حجة ويترتب عليه احكام متعلقه ولا يجوز للشارع ان ينهى عن العمل به لانه
مستلزم للتناقض حيث ان البول نجس واقعا ويجب الاجتناب عنه واقعا.
والمفروض ان
القاطع قد علم به ويتنجز عليه الحكم بمقتضى علمه فحكم الشارع بانه لا تعمل بعلمك
اما ان يرجع بان علمك ليس بعلم او ان البول ليس حكمه النجاسة ووجوب الاجتناب او ان
الحكم لم يكن منجزا عليك مع العلم او ان الغرض ليس العمل على الحكم المنجز والكل
باطل اما الاول فواضح اما الثانى والثالث فلان المفروض ان الحكم هو هذا لا غير
والحكم ايضا كان منجزا بحكم العقل.
واما الرابع فلان
المفروض منه كذلك غالبا بل فى كل الاحكام غالبا كما فى الاوامر الامتحانية فثبت ان
حكمه بعدم وجوب الاجتناب مستلزم للتناقض او نقضا للقرض وكل منهما باطل واما اذا
كان جزءا للموضوع فيصح ان يتصرف فيه الشارع لا بمعنى تصرفه فى الانكشاف بعد حصوله
بل يتصرف فى اسبابه بمعنى ان يقول ان الخمر المعلوم من طريق خاص فهو حرام لا من اى
طريق كان.
لا
يماثله ولا يضادّه كما اذا ورد مثلا فى الخطاب انّه اذا قطعت بوجوب شيء يجب عليك
التّصدّق بكذا
حاصله انه قد يؤخذ
القطع فى موضوع حكم يخالف متعلقه فهو من الصور الصحيحة للقطع الموضوعى لا يماثله
بحيث يكون العلم بوجوب الصلاة مثلا موضوعا لوجوب الصلاة ثانيا فلو قال اذا قطعت
بوجوب الصلاة وجب عليك الصلاة كان حكم القطع مثل حكم متعلق القطع فانه ممتنع لانه
ممتنع لانه من اجتماع المثلين ولا يضاده فلو قال اذا قطعت بوجوب الصلاة حرمت عليك
الصلاة كان حكم القطع مضادا لحكم متعلق القطع فانه ايضا يمتنع لانه من اجتماع
الضدين واما اذا ورد فى خطاب انه اذا قطعت بوجوب شيء يجب عليك التصدق بكذا فقد اخذ
القطع موضوعا لوجوب الصدقة التى يخالف الحكم الذى تعلق به القطع وهو وجوب الشيء ثم
القطع الذى اخذ موضوعا.
تارة
بنحو يكون تمام الموضوع بان يكون القطع بالوجوب مطلقا ولو أخطأ موجبا لذلك واخرى
بنحو يكون جزءه وقيده بان يكون القطع به فى خصوص ما اصاب موجبا له وفى كلّ منهما
يؤخذ طورا بما هو كاشف وحاك عن متعلقه وآخر بما هو صفة خاصّة للقاطع او المقطوع به
محصله ان المأخوذ
فى الموضوع تارة يكون مطلق القطع ولو كان مخطئا فيكون الموضوع فى هذا القسم هو
مطلق انكشاف الواقع سواء طابقه ام خالفه وتارة يكون خصوص المصيب منه فالموضوع فى
هذا القسم يكون هو الواقع المنكشف لا مطلق الانكشاف وكل من قسمى القطع الموضوعى
تارة يؤخذ بما هو كاشف وحاك عن متعلقه ومرآة له وتارة يؤخذ بما هو صفة خاصة للقاطع
كسائر الصفات النفسانية من البخل والجود والشجاعة او المقطوع كسائر اوصافه مثل
السواد والبياض
وامثال ذلك.
وذلك
لانّ القطع لمّا كان من الصّفات الحقيقية ذات الإضافة ولذا كان العلم نورا لنفسه
ونورا لغيره صحّ ان يؤخذ فيه بما هو صفة خاصّة وحالة مخصوصة بالغاء جهة كشفه او
اعتبار خصوصيّة اخرى فيه معها
حاصله ان القطع
لما كان من الصفات الحقيقة فهى الصفات المتاصلة التى تكون فى قبال الصفات
الانتزاعية الاعتبارية مما ليس بحذائه شيء فى الخارج سوى منشإ انتزاعه ذات الاضافة
وهو الصفات الحقيقية التى يحتاج الى طرف آخر كالعلم فى قبال الصفات الحقيقية التى
لا يحتاج الى ذلك من الصافات القائمة بالنفس من دون حاجة الى طرف آخر.
ولذا كان نورا
لنفسه فيكون حقيقة من الحقائق الموجودة فى الخارج ونورا لغيره فيكون مضافا الى
الغير صح ان يؤخذ فيه بما هو صفة خاصة وحالة مخصوصة بالغاء جهة كشفه وهو عدم وقوع
نظر الجاعل الى جهة كاشفيته وإلّا فجهة الكاشفية لا يعقل انفكاكها عن العلم
لاستلزامه استواء حالتى العلم والجهل او اعتبار خصوصية اخرى فى الموضوع مع هذه
الصفة الخاصة من كونه من سبب خاص او شخص مخصوص.
كما
صح ان يؤخذ بما هو كاشف عن متعلّقه وحاك عنه فيكون اقسامه اربعة مضافة الى ما هو
طريق محض عقلا غير مأخوذ فى الموضوع شرعا
وملخص الكلام فيه
هو ان القطع قد يكون طريقا محضا ولا يؤخذ
فى لسان الدليل
موضوعا للحكم اصلا كما هو الحال فى اغلب التكاليف الشرعية التى لا دخل للقطع فى
ثبوتها اصلا ولكنها بمرتبة من الفعلية لو علم بها لتنجزت هى بسببه وقد يكون ماخوذا
فى الموضوع.
وما كان مأخوذا فى
الموضوع تارة يكون تمام الموضوع بمعنى ان يكون القطع موضوعا للحكم ولو كان مخطئا
وتارة يكون جزءا للموضوع بمعنى ان يكون خصوص المصيب منه موضوعا له وكل منهما تارة
يكون مأخوذا بما هو طريق وكاشف عن الواقع واخرى بما هو صفة خاصة وحالة مخصوصة
للقاطع او المقطوع به بابقاء جهة كشفه فيصير المجموع خمسة اقسام ثم قد عرفت منا ان
معنى الغاء جهة كشف العلم هو عدم وقوع نظر الجاعل الى جهة كاشفيته وإلّا فجهة
الكاشفية لا يمكن انفكاكها عن العلم فتدبر جيدا.
فى قيام الامارات والاصول مقام القطع
ثمّ
لا ريب فى قيام الطّرق والامارات المعتبرة بدليل حجيّتها واعتبارها مقام هذا القسم
اى ما هو طريق محض
: اذ من جملة احكام القطع الطريقى المحض قيام الأمارة وبعض الاصول مقامه ويستفاد
ذلك من دليل اعتبار الامارة من دون احتياج الى دليل آخر حيث ان مفاد دليل الاعتبار
تنزيل مؤدى الامارة منزلة الواقع فى الآثار المرتبة عليه شرعا والمفروض ان فى
القطع الطريقى كان الاثر لنفس الواقع وقد عرفت ان اثره هو منجزيته للواقع على
تقدير المصادفة وكونه
عذرا على تقدير
المخالفة فاذا قام الدليل على حجية شيء كان ما قام عليه بمنزلة الواقع ولا ريب فى
ان ما هو بمنزلة الواقع كالقطع بالواقع فى كونه عذرا عند الخطاء ومنجزا عند الاصابة
وهذا هو الوجه فى ترتب آثاره عليها بادلة حجيتها وهذا مما لا ريب فيه.
كما
لا ريب فى عدم قيامها بمجرّد ذلك الدّليل مقام ما اخذ فى الموضوع على نحو
الصّفتيّة من تلك الاقسام.
حاصله انه لا
اشكال فى عدم قيامها مقام القطع المأخوذ فى الموضوع على نحو الصفتية لعدم ترتب
الاثر على الواقع من حيث هو بل عليه مع خصوصية كذائية وبالامارة لا تثبت الخصوصية
وبعبارة اخرى تنزيل الظن منزلة القطع المأخوذ على نحو الصفتية من قبيل تنزيل
المباين حيث ان مفاد ادلة حجية الامارات انما اقتضت كون الطريق والامارة منزلة
القطع فى الحجية والطريقية الى الواقع بمعنى الغاء احتمال الخلاف وتنزيل مؤداها
منزلة الواقع وترتيب ما للواقع المكشوف من الآثار على المؤدى وليس الامر كذلك فى
القطع الموضوعى على نحو الصفتية اذ المفروض ان الاثر الشرعى مترتب على المقطوع بما
هو مقطوع لا للواقع فلا معنى لكون هذا القطع منجزا للواقع حتى يقوم مقامه الظن
المعتبر فى ترتيب الآثار.
بل
لا بدّ من دليل آخر على التّنزيل فان قضيّة الحجّية والاعتبار ترتيب ما للقطع بما
هو حجّة من الآثار لا له بما هو صفة وموضوع ضرورة انّه كذلك يكون كسائر الموضوعات
والصّفات.
حاصله ان مقتضى
دليل الحجية والاعتبار ليس إلّا مجرد ترتيب ما للقطع بما هو حجة وطريق من الآثار
الذى ذكرناه من كونه موجبا للتنجز عند الاصابة وكونه عذرا عند الخطاء لا ترتيب ما
للقطع بما هو صفة خاصة وموضوع لحكم لما عرفت من ان معنى قيام الامارة مقام القطع
ثبوت آثار القطع على الامارة بدليل حجيتها مقامه واذا لم يكن دليل حجية الامارة
متكفلا لترتيب آثار القطع على الامارة كيف تكون قائمة مقامه اذ لا يستفاد من
الدليل كصدق العادل او الغ احتمال الخلاف مثلا الا تنزيل الامارة منزلة القطع بما
انه ملحوظ طريقا الى متعلقه وجعل مؤداها منزلة الواقع وكان القطع من هذه الجهة
كسائر الموضوعات والصفات فلا بد من دليل آخر دال على تنزيلها منزلته.
ومنه
قد انقدح عدم قيامها بذاك الدّليل مقام ما اخذ فى الموضوع على نحو الكشف
اى ومما ذكرنا من
ان دليل الحجية لم يكن متكفلا لترتيب آثار القطع على الامارة حيث ان غاية ما يستفاد
من الدليل هو تنزيل الامارة منزلة القطع بما انه ملحوظ طريقا الى متعلقه الراجع
الى جعل مؤداها منزلة الواقع لا غيره انقدح عدم قيام الامارات بدليل حجيتها مقام
ما اخذ فى الموضوع تاما او قيدا او جزءا على نحو الكشف ايضا بيان ذلك ان انكشاف
العلم اذا كان جزءا للموضوع كان معناه ان للواقع من حيث هوله آثار ومن حيث كونه
منكشفا له آثار ايضا فاذا قطع يكون شيء مبغوضا للمولى فاثره من حيث الانكشاف وجوب
الاحتراز عنه ومن حيث هو اثره عدم وجوب الاجتناب عنه بل يجب اتيانه لو انكشف انه
كان واجبا فدليل الاعتبار اما ان ينزل الامارة مقام نفس العلم او ينزل
مؤداها منزلة
المعلوم فلازم الاول ترتيب آثار المعلوم على المؤدى كما ان لازم الثانى ترتيب آثار
العلم على نفس الامارة او ينزل الامارة ومؤداها منزلة العلم والمعلوم ومعناه ترتيب
آثار العلم والمعلوم على الامارة ومؤداها اما الاول والثانى خلاف المقصود لان
المقصود ترتيب العلم والمعلوم على الامارة ومؤداها.
واما الثالث فان
كان الدليل على التنزيل متعددا بان ينزل احدهما نفس الامارة مقام العلم والثانى
مؤداها منزلة الواقع المعلوم فلا اشكال فى قيام الامارات منزلة هذا العلم كما لا
اشكال ايضا اذا كان بين كلا الاثرين قدر مشترك ومفهوم جامع فيكفى (ح) تنزيل واحد
فى كليهما وكذا اذا كان دليل التنزيل حاكيا عن التنزيل الذى وقع قبل هذا الدليل و
(ح) فيمكن ان يكون دليل واحد كاشفا ومجزئا عن التنزيلين.
واما اذا لم يكن
الامر كذلك كما هو المفروض حيث ان الدليل ليس إلّا شيء واحد وهو قوله صدق العادل
او الغ احتمال الخلاف وليس حاكيا عن التنزيل المسبوق إذ به ينشأ التنزيل وليس ايضا
جامع مفهوم بينهما لان آثار احدهما لا دخل بآثار الآخر فحينئذ لا يمكن ان يكون
الدليل الواحد متكفلا لكلا التنزيلين.
توضيحه انه لا بد
فى التنزيل من اللحاظ ولحاظ المنزل والمنزل عليه وما هو مصحح التنزيل من الآثار
ومن المعلوم ان فى تنزيل الامارة بما هى حاكية الراجع فى الحقيقة الى تنزيل المؤدى
منزلة الواقع كان لحاظ المتعلق بالمنزل وهو الامارة والمنزل عليه وهو القطع لحاظا
آليّا وفى تنزيل الامارة منزلة نفس القطع كان لحاظ المتعلق بهما
لحاظا استقلاليا.
ولا يتصور لحاظ
خارجى جامع بين اللحاظين الا مفهوم اللحاظ وهو لا ينفعنا فاذا كان انشاء الجعل
واحدا كما هو المفروض وهو قوله مثلا صدق العادل فليس فيه إلّا لحاظ واحد والواحد
لا يصير اثنين فلا بد من القول بان دليل التنزيل لا يتكفل إلّا تنزيل واحد وهو
تنزيل المؤدى منزلة الواقع لانه القدر المتيقن من جعل الامارة واما تنزيل الامارة
منزلة القطع فى الموضوع فلا.
نعم لو كان فى
الواقع تنزيلان اخبر الشارع عنهما بلفظ يشملهما او بقرينة يعين ذلك مثل مقدمات
الحكمة فلا بأس به لكن المفروض ان دليل الاعتبار ليس فى مقام الاخبار بل فى مقام
الانشاء وليس لنا دليل آخر غيره ليحكى عن التنزيلين.
فان قلت سلمنا ان
دليل الاعتبار كان ناظرا الى تنزيل واحد إلّا انه يدل على تنزيل المؤدى منزلة
المعلوم فيدل على ان الخمر أعم من ان يكون خمرا واقعا او خمرا اخبر به العادل فاذا
ثبت هذا الجزء بالامارة ثبت جزئه الآخر وهو كونه معلوما بالوجدان حيث انه بعد
العلم بحجية الامارة وانها حجة شرعا نقطع بان هذا خمر واقعا واما خمريته فلقيام
الامارة عليه واما كونه معلوما فمن جهة العلم بحجية الامارة وهذا نظير استصحاب الكرية
حيث انه بعد الشك فى كرية الماء المسبوق بالكرية نستصحب كرية الماء فنحرز احدا
جزائه وهو الكرية بالاستصحاب وجزئه الآخر وهو ماء كر بالوجدان فيترتب عليه الكرية
من الطهارة وغيرها.
قلت هذا مغالطة
محضة لانه فرق بين العلم بالخمرية والعلم بحجية الامارة التى دلت على الخمرية
والموضوع فى ما نحن فيه هو الاول ومعلوم ان العلم بحجية الامارة لا يصير هذا
الموضوع معلوم الخمرية بعد ان فرضنا عدم تنزيل الامارة منزلة العلم.
فالتحقيق فى
الجواب ان يقال ان الشارع اذا قال نزلت مؤدى الامارة منزلة المعلوم كان لازمه قهرا
تنزيل الامارة ايضا منزلة العلم وإلّا يقع تنزيله لغوا حيث انه لا اثر فى تنزيل
المؤدى من دون تنزيل نفس الامارة وليس هذا من جهة اللحاظين بل من جهة لحاظ واحد
وهو تنزيل المؤدى منزلة الواقع إلّا ان تنزيله من دون تنزيل نفس الامارة لما يقع
لغوا فلا بد من تنزيل الامارة ايضا مقام العلم.
وبالجملة ان
الامارة لا تقوم مقام القطع المأخوذ فى الموضوع على نحو الطريقية والكشف بعين
الوجه المتقدم فى قيامها مقام القطع المأخوذ فى الموضوع على نحو الصفتية من انه
يتوقف على ان يكون دليل حجية الامارة متعرضا لتنزيلها منزلة القطع ملحوظا فى نفسه.
وقد بينا لك مفصلا
ان دليل الحجية ليس كذلك بل لا يتعرض الا لقيامها مقام القطع بما انه ملحوظ طريقا
الى الواقع فيكون التنزيل راجعا فى الحقيقة الى تنزيل مؤداها منزلة الواقع فقط
لانه القدر المتيقن من دليل التنزيل وهو اجنبى عن اقتضاء ترتيب آثار نفس القطع
وبهذا اشار بقوله.
فانّ
القطع المأخوذ بهذا النّحو فى الموضوع شرعا كسائر ما لها دخل فى الموضوعات ايضا
فلا يقوم مقامه شيء بمجرّد حجّيّته او قيام دليل على اعتباره
ما
لم يقم دليل على تنزيله ودخله فى الموضوع كدخله
فتخلص مما ذكرنا
عدم قيام الطرق والامارات بمجرد قيام الدليل على حجيتها واعتبارها مقام القطع
الموضوعى مطلقا سواء كان مأخوذا بما هو كاشف او بما هو صفة ما لم يرد دليل آخر على
التنزيل لان مقتضى دليل الحجية والاعتبار ليس إلّا تنزيل الامارة منزلة القطع بما
انه ملحوظ طريقا الى متعلقه الراجع الى جعل مؤداها منزلة الواقع وليس متكفلا
لترتيب آثار نفس القطع على الامارة وان كان ظاهر كلام شيخنا الانصارى قيام الامارة
وبعض الاصول مقام القطع المأخوذ فى الموضوع على وجه الانكشاف واشار المصنف الى
فساده بقوله.
وتوهّم
كفاية دليل الاعتبار الدّالّ على الغاء احتمال خلافه وجعله بمنزلة القطع من جهة
كونه موضوعا ومن جهة كونه طريقا فيقوم مقامه طريقا كان او موضوعا فاسد جدّا
ظاهر كلام شيخنا
الانصارى قدسسره قيامهما مقامه بمجرد دليل اعتبارهما بمعنى انه كما يستفاد
من نفس دليل الاعتبار قيامهما مقام القطع الطريقى الصرف كذلك يستفاد منه قيامهما
مقام هذا القطع يعنى القطع المأخوذ فى الموضوع على نحو الانكشاف ايضا قال اعلى
الله مقامه ما لفظه ثم من خواص القطع الذى هو طريق الى الواقع قيام الأمارات
الشرعية والاصول العملية مقامه فى العمل بخلاف المأخوذ فى الحكم على وجه الموضوعية
فانه تابع لدليل ذلك الحكم.
وان ظهر منه او من
دليل خارج اعتباره على وجه الطريقية للموضوع كالامثلة المتقدمة قامت الامارات
والاصول مقامه وان ظهر من دليل الحكم اعتبار صفة القطع فى الموضوع من حيث كونها
صفة خاصة قائمة بالشخص لم يقم مقامه غيره كما اذا فرضنا ان الشارع اعتبر صفة القطع
على هذا الوجه فى حفظ عدد الركعات الثنائية والثلاثية والاوليين من الرباعية فان
غيره كالظن باحد الطرفين او اصالة عدم الزائد لا يقوم مقامه إلّا بدليل خاص خارجى
غير ادلة حجية مطلق الظن فى الصلاة واصالة عدم الاكثر انتهى كلامه رفع مقامه.
غاية ما يمكن ان
يقال فى تقريب ذلك ان مفاد تنزيل الامارة وجعلها مقام ما للقطع هو مدخليته فى ترتب
الاثر عليه إلّا ان كيفية الدخل يختلف ففى العلم الطريقى دخله باعتبار انه طريق
الى الواقع وان كان الاثر لنفس الواقع وفى المأخوذ فى الموضوع باعتبار انه تمام
الموضوع او جزئه فدليل الاعتبار متكفل لتنزيل الامارة منزلة نفس القطع مما لهما من
الآثار هذا ولكن انت خبير بما فيه من الاشكال وقد اشار اليه بقوله.
فانّ
الدّليل الدّال على الغاء الاحتمال لا يكاد يكفى الّا باحد التنزيلين حيث لا بدّ
فى كلّ تنزيل منهما
من
لحاظ المنزل والمنزل عليه ولحاظهما فى احدهما آليّ وفى الآخر استقلاليّ بداهة انّ
النّظر فى حجيّته وتنزيله منزلة القطع فى طريقيّته فى الحقيقة الى الواقع ومؤدّى
الطّريق وفى كونه بمنزلته فى دخله فى الموضوع الى انفسهما ولا يكاد يمكن الجمع
بينهما
يعنى دليل التنزيل
لا يكاد يكفى إلا بأحد التنزيلين اما تنزيل المؤدى منزلة الواقع فحينئذ يقتضى
ملاحظتهما مرآة لمتعلقهما او تنزيل الامارة منزلة نفس القطع فحينئذ يقتضى
ملاحظتهما مستقلا حيث ان التنزيل لا بد فيه من لحاظ المنزل والمنزل عليه وما هو
مصحح التنزيل من الآثار.
ومن المعلوم ان فى
تنزيل الامارة بما هى حاكية الراجع فى الحقيقة الى تنزيل المؤدى منزلة الواقع كان
لحاظ المتعلق بالمنزل وهو الامارة والمنزل. عليه وهو القطع لحاظا آليّا وفى تنزيل
الامارة منزلة نفس القطع كان لحاظ المتعلق بهما لحاظا استقلاليا ولا يمكن الجمع
بينهما الآلي والاستقلالى.
نعم
لو كان فى البين ما بمفهومه جامع بينهما يمكن ان يكون دليلا على التنزيلين
والمفروض انّه ليس
لما عرفت آنفا من
عدم تصور لحاظ خارجى جامع بين اللحاظين الا مفهوم اللحاظ وهو لا ينفعنا.
فلا
يكون دليلا على التّنزيل الّا بذاك اللّحاظ الآلي فيكون حجّة موجبة لتنجز متعلّقة
وصحّة العقوبة على مخالفته فى صورتى اصابته وخطائه بناء على استحقاق المتجرّى او
بذلك اللّحاظ الآخر الاستقلالى فيكون مثله فى دخله فى الموضوع وترتيب ما له عليه
من الحكم الشّرعى
حاصله بعد الفراق
عن عدم امكان الجمع بين اللحاظين فى دليل
واحد مثل صدق
العادل او الغ احتمال الخلاف مثلا لما فيه من الجمع بين اللحاظ الآلي والاستقلالى
فلا محالة يكون دليل التنزيل دليلا على احد التنزيلين وهو تنزيل الامارة منزلة
القطع بما هو ملحوظ طريقا الى الواقع وكاشفا عنه لا فى موضوعيته للحكم الخاص.
لا
يقال على هذا لا يكون دليلا على احد التّنزيلين ما لم يكن هناك قرينة فى البين.
حاصله انه لو كان
دليل التنزيل غير صالح للحمل على كل واحد من التنزيلين لمحظور الجمع بين اللحاظين
فلا يكون دليلا على احدهما المعين ما لم يكن قرينة فى البين لا جماله.
فانّه
يقال لا اشكال فى كونه دليلا على حجيّته فانّ ظهوره فى انّه بحسب اللحاظ الآليّ
ممّا لا ريب فيه ولا شبهة تعتريه وانّما يحتاج تنزيله بحسب اللّحاظ الآخر
الاستقلالى من نصب دلالة عليه.
حاصله انه لا
اشكال فى حمل دليل التنزيل على ذاك اللحاظ الآلي يعنى تنزيل الامارة منزلة القطع
فى طريقيته للواقع وفى هذا التنزيل يكون كل من المنزل والمنزل عليه ملحوظا على وجه
الالية وذلك لظهور دليل التنزيل فى اللحاظ الآلي ولانه القدر المتيقن من جعل
الامارة فلا وجه فيما عدا ذلك وهو تنزيله بحسب اللحاظ الاستقلالى إلّا بالقرينة
فتامّل
فى المقام فانّه دقيق ومزال الاقدام للأعلام ولا يخفى انّه لو لا ذلك لا مكن ان
يقوم الطّريق بدليل واحد دالّ على الغاء احتمال خلافه مقام
القطع
بتمام اقسامه ولو فيما اخذ فى الموضوع على نحو الصّفتيّة كان تمامه او قيده وبه
قوامه
اى ولو لا لزوم
اجتماع اللحاظين لا مكن ان يقوم الطريق بدليل واحد مثل صدق العادل او الغ احتمال
الخلاف مقام القطع المأخوذ فى الموضوع بتمام اقسامه ولا فرق فى ذلك.
بين ما اخذ فى
الموضوع على نحو الانكشاف والطريقية وبين ما اخذ فى الموضوع على نحو الصفتية كان
القطع تمام الموضوع او قيده او جزئه.
فتلخّص
بما ذكرنا انّ الامارة لا تقوم بدليل اعتبارها الّا مقام ما ليس ماخوذا فى الموضوع
اصلا
وهو الطريقى الصرف
ويستفاد ذلك من نفس دليل الامارة من دون احتياج الى دليل آخر حيث ان مفاد دليل
الاعتبار تنزيل مؤدى الامارة منزلة الواقع فى الآثار المترتبة عليه شرعا والمفروض
ان فى القطع الطريقى كان الاثر لنفس الواقع وهذا الاشكال فيه.
وامّا
الاصول فلا معنى لقيامها مقامه بادلّتها ايضا غير الاستصحاب لوضوح انّ المراد من
قيام المقام ترتيب ما له من الآثار والاحكام من تنجّز التكليف وغيره كما مرّت اليه
الاشارة وهى ليست الّا وظائف مقرّرة للجاهل فى مقام العمل شرعا او عقلا
حاصله انه لا معنى
لقيام الاصول العملية بدليل حجيتها واعتبارها مقام القطع إلّا الاستصحاب حيث انها
ليست امارة حاكية عن الواقع ولم تكن متعرضة للاحكام الواقعية بادلتها.
وانما كان مفاد
ادلتها جعل وظائف مقررة للجاهل فى وعاء الجهل فلا معنى لقيامها مقام ما هو كاشف عن
الواقع حتى يترتب عليها اثره وهو المنجزية عند الاصابة والمعذرية عند الخطاء.
فكيف يترتب عليها
اثره مع عدم كون ادلتها متعرضة للواقع إلّا الاستصحاب فهو وان كان الشك مأخوذا فى
موضوعه إلّا انه لما كان بلسان تحقق احد طرفى الشك يعنى تنزيل المشكوك منزلة
المتيقن وان السابق باق فلا جرم كان قضيته ترتيب الآثار الشرعية للبقاء عليه ولا
معنى لقيام المقام الا ذلك.
واما غيره من
الاصول فهى ليست إلّا وظائف مقرره للجاهل فى مقام العمل شرعا كقاعدة الطهارة او
الحل او البراءة الشرعية وامثال ذلك او عقلا كالبراءة العقلية واصالة التخيير
والاحتياط ونحو ذلك.
لا
يقال انّ الاحتياط لا باس بالقول بقيامه مقامه فى تنجّز التكيّف لو كان
حاصله ان القطع
كما انه يتنجز به التكليف لو كان تكليف فى البين فكذلك الاحتياط فيقوم مقام القطع.
فانّه
يقال امّا الاحتياط العقلى فليس الّا نفس حكم العقل بتنجّز التكليف وصحّة العقوبة
على مخالفته لا شىء يقوم مقامه فى هذا الحكم وامّا النقلى
فالزام
الشّارع به وان كان مما يوجب التّنجّز وصحّة العقوبة على المخالفة كالقطع الّا
انّه لا نقول به فى الشّبهة البدوية ولا يكون بنقلى فى المقرونة بالعلم الاجمالى
فافهم
حاصل جوابه قدسسره عن الاشكال هو ان الاحتياط على قسمين عقلى ونقلى اما
العقلى فمعناه ان حكم العقل بالاحتياط انما يكون لتحصيل العلم بالواقع المنجز عند
العقل فلا معنى لقيامه مقامه فى التنجيز بل هو عين حكم العقل بتنجز التكليف وصحة
العقوبة وليس شيء آخر يقوم مقامه فى هذا الحكم فيلزم من دعوى كونه منجزا كون الشيء
حكما لنفسه واما النقلى فالزام الشارع بمقتضى الاخبار الكثيرة.
مثل قوله عليهالسلام قف عند الشبهة فان الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام فى
الهلكة ونحو ذلك من الاخبار وان كان يقتضى ذلك إلّا انه ليس له خارجية.
ثمّ
لا يخفى انّ دليل الاستصحاب ايضا لا يفى بقيامه مقام القطع المأخوذ فى الموضوع
مطلقا وان مثل لا تنقض اليقين لا بدّ من ان يكون مسوقا اما بلحاظ المتيقّن او
بلحاظ نفس اليقين
حاصله انه قد عرفت
آنفا ان الامارات المعتبرة لم تقم بدليل حجيتها واعتبارها الا مقام القطع الطريقى
المحض دون الموضوعى سواء كان الموضوعى ماخوذا بما هو كاشف وحاك عن متعلقه او بما
هو صفة وحالة مخصوصة إلّا بدليل آخر على التنزيل منزلته فكذلك
الاستصحاب لا يقوم
بدليل حجيته واعتباره الا مقام القطع الطريقى دون الموضوعى والمحذور فيه هو
المحذور فيها فكما ان فى الامارة لا بد من لحاظ المنزل والمنزل عليه وما هو مصحح
التنزيل من الآثار.
وهما اما ان يكون
ملحوظا على وجه الآلية واما ان يكون ملحوظا على وجه الاستقلالية ولا يمكن الجمع
بين اللحاظين ولا يتصور لحاظ جامع بين اللحاظين الا مفهوم اللحاظ وهو لا ينفعنا.
فلا بد من القول
بان دليل التنزيل لا يتكفل إلّا تنزيل واحد وهو تنزيل المؤدى منزلة الواقع
فالاستصحاب ايضا كذلك لان اليقين فيه اما ان يكون ملحوظا على وجه الالية الراجع فى
الحقيقة الى تنزيل المؤدى فقط او الى تنزيل احتمال البقاء بمنزلة اليقين باخذ
اليقين ملحوظا باللحاظ الاستقلالى.
وحيث لا يمكن الجمع
بين اللحاظين فلا بد ان يحمل على احدهما وهو ان يكون ملحوظا على وجه الالية وذلك
لظهور الدليل فى ذلك ولانه القدر المتيقن منه.
وما
ذكرنا فى الحاشية فى وجه تصحيح لحاظ واحد فى التّنزيل منزلة الواقع والقطع وانّ
دليل الاعتبار انّما يوجب تنزيل المستصحب والمؤدّى منزلة الواقع وانّما كان تنزيل
القطع فيما له دخل فى الموضوع بالملازمة بين تنزيليهما وتنزيل القطع بالواقع
تنزيلا وتعبّدا منزلة القطع بالواقع حقيقة.
حاصل ما افاده قده
فى حاشيته على الرسائل هو ان دليل الاعتبار وان كان ناظرا الى تنزيل واحد ووفاء
خطاب واحد وانشاء واحد
بتنزيلين وان كان
مستحيلا إلّا انه اذا دل بالمطابقة على تنزيل المؤدى منزلة الواقع دل بالالتزام
على تنزيل القطع به منزلة القطع بالواقع فدليل الاعتبار اذا كان متكفلا لتنزيلين
بإنشاءين فى عرض واحد يدل على احدهما بالمطابقة وعلى الآخر بالالتزام وهو ليس
بمحال.
اذ دليل الاعتبار
دل على ترتيب آثار الواقع مطلقا ومنها الاثر المترتب على الواقع عند تعلق القطع
وان شئت قلت بثبوت الملازمة عرفا بين التنزيلين نظرا الى ان الدليل اذا دل على
تنزيل المؤدى منزلة الواقع او المشكوك منزلة المتيقن فقد ثبت المؤدى شرعا ولازم ثبوته
تنزيل القطع به منزلة القطع بالواقع وإلّا كان التنزيل المذكور عاريا عن الفائدة.
اذ المفروض انه لا
اثر له الا مجرد كونه جزءا او متعلقا للموضوع فلو فرض شمول ادلة الامارات لذلك فلا
شك فى ان التنزيل فى هذا الاثر انما يجدى فيما اذا نزل القطع به منزلة القطع
بالواقع.
فهناك ملازمة
عرفية بين تنزيل المؤدى منزلة الواقع وتنزيل العلم بالمؤدى وانه بمنزلة العلم
بالواقع فيتحقق كلا جزئى الموضوع بلا استلزامه الجمع بين اللحاظين الآلي
والاستقلالى.
فتلخص مما ذكرناه
انه لا يرى العرف التفكيك بين تنزيليهما اى تنزيل المؤدى والمشكوك منزلة الواقع
والمتيقن وبين القطع بالواقع تنزيلا وتعبدا منزلة القطع بالواقع حقيقة هذا ملخص ما
افاده قدسسره فى الحاشية فى دفع الاشكال وقد اتعب نفسه الشريف كل التعب
ولكن مع ذلك لا يرضى به هنا وقال وما ذكرناه فى الحاشية فى
وجه تصحيح لحاظ
واحد الى آخره
لا
يخلو من تكلّف بل تعسّف فانّه لا يكاد يصحّ تنزيل جزء الموضوع او قيده بما هو كذلك
بلحاظ اثره الّا فيما كان جزئه الآخر او ذاته محرزا بالوجدان او تنزيله فى عرضه.
فلا
يكاد يكون دليل الامارة او الاستصحاب دليلا على تنزيل جزء الموضوع ما لم يكن هناك
دليل على تنزيل جزئه الآخر فيما لم يكن محرزا حقيقة وفيما لم يكن دليل على
تنزيليهما بالمطابقة كما فى ما نحن فيه على ما عرفت لم يكن دليل الامارة دليلا
عليه اصلا
حاصله انه لا يصح
تنزيل جزء الموضوع او قيده بما هو جزؤه او قيده بلحاظ اثره الذى رتب على الموضوع
مع جزئه الآخر او قيده اى رتب على الموضوع المركب من جزءين اذا اريد تنزيل احد
جزئيه بلحاظ اثره المترتب على المجموع فلا بد من ان يكون جزؤه الآخر عند التركيب
وذاته عند التقييد محرزا اما بالوجدان او بتنزيل آخر فى عرضه وإلّا فيلغو التنزيل
ويكون بلا اثر حيث ان الاثر الذى كان بلحاظه التنزيلان واحد فلا يعقل التعبد بذاك
الواحد إلّا اذا كان احد الجزءين محرزا حقيقة بحيث لا حالة منتظرة للعبد للتعبد
بذلك الاثر وترتبه على الواقع او كان التنزيلان متقارنين.
واما مع سبق احد
التنزيلين ولحوق الآخر كما فى ما نحن فيه فلا يصح التنزيل اذا لقطع بالواقع
التنزيلى يكون متأخرا طبعا عن الواقع التنزيلى والمفروض ان دلالة الدليل على تنزيل
المؤدى منزلة
الواقع يتوقف على
دلالته بالملازمة على تنزيل القطع بالواقع التنزيلى منزلة القطع بالواقع الحقيقى
مع انه لا واقع تنزيلى الا بهذا الدليل وان شئت قلت ان دلالة الدليل على تنزيل
المؤدى منزلة الواقع يتوقف على تنزيل القطع بالواقع الجعلى منزلة القطع بالواقع
الحقيقى بالملازمة.
اذ المفروض انه لا
اثر شرعى لمتعلق القطع الا كونه جزءا للموضوع او متعلقا له ولا بد من ثبوت الجزء
الآخر وجدانا او تنزيلا حتى يشمله دليل التنزيل للمؤدى ولا دلالة له كذلك الا بعد
دلالته على تنزيل المؤدى فيلزم الدور وقد اشار الى بيانه بقوله.
فانّ
دلالته على تنزيل المؤدّى تتوقّف على دلالته على تنزيل القطع بالملازمة ولا دلالة
له كذلك إلّا بعد دلالته على تنزيل المؤدّى فانّ الملازمة انّما تدعى بين القطع بالموضوع
التنزيلي والقطع بالموضوع الحقيقى وبدون تحقّق الموضوع التنزيلي التعبّدى اولا
بدليل الامارة لا قطع بالموضوع التّنزيلي كى يدعى الملازمة بين تنزيل القطع به
منزلة القطع بالموضوع الحقيقى وتنزيل المؤدى منزلة الواقع كما لا يخفى فتامّل
جيّدا فانّه لا يخلو عن دقّة
نعم يرتفع محذور
الدور اذا كان الدليل متكفلا للتنزيلين فى عرض واحد اما بالمطابقة او بان يكون احد
التنزيلين مدلولا مطابقيا والآخر مدلولا التزاميا فيكون الدليل الواحد كاشفا عن
التنزيلين المتقارنين ولكن قد عرفت استحالة تحقق التنزيلين كذلك لما ذكرنا آنفا من
ان القطع بالواقع التنزيلى كان متأخرا طبعا عن الواقع التنزيلى
ودلالة دليل
التنزيل على تنزيل المؤدى منزلة الواقع يتوقف على دلالة الدليل بالملازمة العرفية
على القطع بالواقع الحقيقى مع انه لا واقع تنزيلى الا بهذا الدليل فكيف يعقل ان
يكون احد التنزيلين المتأخر رتبته عن موضوعه المتأخر رتبته عن التنزيل الآخر فى
عرض ذلك التنزيل
ثمّ
لا يذهب عليك ان هذا لو تمّ لعمّ ولا اختصاص له بما اذا كان القطع ماخوذا على نحو
الكشف
حاصله ان ما
ذكرناه فى الحاشية فى وجه تصحيح لحاظ واحد فى التنزيل لو تم لعم جميع الاقسام
القطع الموضوعى ولا فرق فيه بين ما اخذ موضوعا على نحو الكاشفية وبين ما اخذ
موضوعا على نحو الصفتية فان الملازمة بين التنزيلين ان ثبتت على نحو الكشف كانت
ثابتة على نحو الصفتية ايضا.
لا يمكن اخذ القطع بحكم فى موضوع نفس هذا الحكم
الأمر
الرّابع لا يكاد يمكن ان يؤخذ القطع بحكم فى موضوع نفس هذا الحكم للزوم الدّور ولا
مثله للزوم اجتماع المثلين ولا ضدّه للزوم اجتماع الضدّين
قد عرفت ان القطع
بالتكليف قد يتعلق بالحكم الشرعى الكلى
كالقطع بحرمة
الخمر وقد يتعلق بمصداق الحرام والواجب كالقطع بخمرية هذا او واجبيته.
وعلى التقديرين قد
يكون تمام الموضوع وقد يكون جزئه وقيده وعلى التقادير قد يكون للقطع مدخلية فى
موضوع شخص المتعلق اذا كان متعلقه حكما او شخص حكم المتعلق اذا كان متعلقه موضوعا
او فى موضوع مثل المتعلق او مثل حكم المتعلق او ضد المتعلق او ضد حكم المتعلق او
له مدخلية فى موضوع حكم آخر لا يكون ضدا ولا مثلا كما يقال ان معلوم الخمرية او
الخمرية المعلومة حرمتها يجب التصديق به لا اشكال فى صحة قسم الاخير وقد عرفت
تفصيله فى الامر الثالث فى بيان القطع كما لا اشكال فى بطلان القسم الاول وهو ما
اذا كان موضوعا لشخص المتعلق للزوم الدور.
بيانه ان الحكم
يتوقف على وجود موضوعه ووجود موضوعه يتوقف على الحكم فيلزم الدور فلا يمكن ان يؤخذ
القطع بحرمة الخمر مثلا موضوعا لشخص هذا الحكم بان يقول اذا قطعت بحرمة الخمر
فيحرم عليك الخمر لان القطع بحرمة الخمر يتوقف على حرمته واقعا ولو فى نظر القاطع
توقف القطع على المقطوع به وحرمته واقعا يتوقف على القطع به توقف الحكم على
الموضوع وهذا هو الدور المحال بقى قسمان آخران وهو دخل القطع فى موضوع مثل المتعلق
او ضده فان كان القطع ح جزءا للموضوع فهو ايضا باطل للزوم اجتماع المثلين او
الضدين واقعا وظاهرا.
حيث ان المسألة
تصير من قبيل النهى فى العبادات بمعنى ان
الوجوب او الحرمة
قد تعلق بنفس العنوان الذى تعلق به الحكم الاولى غاية الامر صار هذا العنوان مقيدا
بقيد فى المرتبة الثانية وبذلك لا تصير الموضوع متعددا وان كان تمام الموضوع فمع
الخطاء وان لم يلزم اجتماع الحكمين واقعا إلّا انه موجب لاجتماعه بنظر المكلف فهو
لا يصدق الحكمين ومع الاصابة فالمسألة بحسب الواقع كان مبينا على كفاية تعدد
العنوانين فى اتصافهما بالحكمين المتضادين او المتماثلين اذا تصادفا فى مورد واحد
واما بحسب نظر المكلف فالمسألة تصير من قبيل النهى فى العبادات فلا يمكن تصديقه فى
هذا الحال لكلا الحكمين.
نعم
يصحّ اخذ القطع بمرتبة من الحكم فى مرتبة اخرى منه او مثلة او ضدّه
لما عرفت ان للحكم
مراتب مرتبة الاقتضاء ومرتبة الانشاء ومرتبة الفعلية ومرتبة التنجز وما ذكرناه من
المحذور فيما اذا كان بينهما اتحاد المرتبة واما مع اختلافهما انشاء وفعلا فيمكن
ان يكون القطع المتعلق بمرتبة الانشاء موضوعا لفعلية هذا الحكم او مثله او ضده
وحينئذ لا تنافى بين الحكمين بعد اختلافهما فى المرتبة مثلا يصح اخذ القطع
بالمرتبة الانشائية من الوجوب فى مرتبة الفعلية بحيث يصير فعليته بمعونة العلم بها
فيكون العلم بها شرطا لبلوغه الى مرتبة الفعلية كالشرط فى الواجبات المشروطة.
وكذا يصح ان يؤخذ
العلم بها موضوعا لمثله فيكون هناك حكمان مماثلان ولا تصير الانشائية فعلية بمعونة
العلم بها لان المفروض
العلم بالمرتبة
الانشائية تمام الموضوع للحكم الثانى وليس متمما لتلك المرتبة وان شئت تقول ان
العلم بها يكون علة لحدوث الحكم الثانى لا شرطا لبلوغه الى مرتبة اخرى وكذا يصح
اخذ العلم بها موضوعا لضده فافهم وتدبر.
وامّا
الظّن بالحكم فهو وان كان كالقطع فى عدم جواز اخذه فى موضوع نفس ذاك الحكم المظنون
الّا انّه لمّا كان معه مرتبة الحكم الظّاهرى محفوظة كان جعل حكم آخر فى مورده مثل
الحكم المظنون او ضدّه بمكان من الامكان
فمحصل كلامه قدسسره هو ان الظن بالحكم وان كان كالقطع فى عدم جواز اخذه موضوعا
لشخص هذا الحكم للزوم الدور حيث ان الحكم متوقف على وجود موضوعه وحصول الموضوع
متوقف على الحكم فيلزم الدور وهذا لا يختص بالقطع والظن بل يجرى فى جميع العناوين
المتأخرة عن الحكم كالشك والوهم والغفلة والالتفات
ومن المعلوم ان
احتمال الدور محال فضلا عن القطع او الظن به إلّا انه لما كان مع الظن بالحكم
مرتبة الحكم الظاهرى محفوظة لعدم انكشاف الواقع لدى الظان تمام الانكشاف وكان
الجهل لم يرتفع من أصله لبقاء احتمال الخلاف ومعه كان جعل حكم آخر فى مورده مثل
الحكم المظنون او ضده بمكان من الامكان فلا يستلزم منه اجتماع المثلين او الضدين
فى موضوع واحد.
ان
قلت ان كان الحكم المتعلّق به الظّنّ فعليّا ايضا بان يكون الظّنّ متعلّقا بالحكم
الفعلى لا يمكن اخذه فى موضوع حكم فعلى آخر مثله او ضدّه لاستلزامه الظّن باجتماع
الضّديّن او المثلين وانّما يصحّ اخذه فى موضوع حكم آخر كما
فى
القطع طابق النّعل بالنعل.
حاصله ان جعل حكم
آخر فى مورده جائز مع اختلاف المرتبة واما مع اتحاد المرتبة مثل ما اذا كان الظن
بحكم فعلى موضوعا لحكم آخر فعلى مثله او ضده كما هو الظاهر من الدعوى فلا للزوم
اجتماع المثلين او الضدين نعم يصح اخذ الظن فى موضوع حكم آخر يخالف متعلقه لا
يماثله ولا يضاده كما فى القطع طابق النعل بالنعل.
قلت
يمكن ان يكون الحكم فعليّا بمعنى انّه لو تعلّق به القطع على ما هو عليه من الحال
لتنجّز واستحقّ على مخالفته العقوبة ومع ذلك لا يجب على الحاكم دفع عذر المكلّف
برفع جهله لو امكن او بجعل لزوم الاحتياط عليه فيما امكن بل يجوز جعل اصل او أمارة
مؤدّية اليه تارة والى ضدّه اخرى ولا يكاد يمكن مع القطع به جعل حكم آخر مثله او
ضدّه كما لا يخفى فافهم
حاصل جوابه قدسسره عن الايراد هو ان للفعلية مرتبتان فعلية تعليقية بمعنى انه
لو تعلق به القطع لتنجز واستحق على مخالفته العقاب وفعلية حتمية بمعنى ان يكون
للمولى ارادة فعلية توجب ان يكون فى مقام البعث والزجر وعلى الثانى فلا يمكن اخذ
الظن الفعلى فى موضوع مثله او ضده للزوم المحال.
اذ الظن باجتماع
الضدين او المثلين كالقطع بهما وهما محالان اما على الاول فيمكن اخذ الظن بالحكم
الفعلى فى موضوع مثله او ضده لعدم المنافاة بين الحكم الظاهرى والحكم الفعلى بهذا
المعنى بيان ذلك ان عدم اراده الفعل من المكلف وعدم توجيه البعث اليه
تاره يكون لاجل
المانع مع وجود المقتضى فالحكم المنشا على طبق المقتضى انشائى محض يتوقف بلوغه الى
مرتبة الفعلية على ارتفاع المانع ومجرد علم المكلف لا يصل الى الفعلية واخرى لاجل
قصور فى المكلف مع تمامية المصلحة فى الفعل وعدم مانع خارجى هناك واشتياق المولى
اليه وان المطلوب منه فعله او تركه فللمولى فى هذه الصورة ارادة شأنية بحيث تصير
فعلية حتمية بمجرد تعلق علم المكلف بالحكم واقامة الحجة عليه بمعنى انه حكم لو
تعلق به العلم لتنجز وهى المسماة بالفعلية التعليقية.
وفى هذه المرتبة
ليس على المولى رفع المانع بغير الاسباب العادية ورفع عذر المكلف برفع جهله باى
سبب كان ممكنا وبجعل لزوم الاحتياط عليه بل يجوز له ابداع المانع من الوصول الى
الواقع بان يجعل اصلا او امارة مؤدّية الى الخلاف الواقع احيانا لعدم لزوم نقض
الغرض فى كلتا الصورتين مع فرض قصور فى المكلف فى نظر الشارع ما دام كونه جاهلا
وكانت السترة باقية فلا مانع من جعل حكم آخر فى حالة الظن او الشك لعدم لزوم محذور
اجتماع المثلين فى صورة المصادفة والضدين فى صورة المخالفة.
وبالجملة ان
المظنون بسبب الجهل به وعدم رفع السترة عنه يكون فعليا غير منجز والحكم الذى قد
اخذ الظن موضوعا له يكون فعليا منجزا فيكون حالهما حال الحكم الواقعى والظاهرى
وهذا بخلافه فى المقطوع فان الحكم الواقعى الفعلى على فرض وجوده اذا تعلق به القطع
لتنجز ويبلغ مرتبة الحتمية ومع تنجزه لا يمكن جعل حكم آخر
مثله او ضده فى
مورده للزوم المحال من اجتماع المثلين او الضدين وتصور اجتماع فردين من الارادة او
الارادة والكراهة فى موضوع واحد وهذا هو الفارق بين العلم والظن والشك
وبالجملة انه
يمتنع ان يؤخذ العلم موضوعا لمثل متعلقه او ضده وما عدا العلم ليس كذلك فيمكن ان
يكون مأخوذا فى موضوع حكم مماثل او مضاد لمتعلقه بمعنى ان للشارع ان يجعل معه
وظيفة مماثله او مضاده للواقع.
نعم لو فرض تعلقه
بمرتبة الحتم من الفعلية يكون كالعلم ولا يسع للشارع ابداء المانع بان يجعل حكما
آخرا فعليا فى حالة الظن والشك اذ فى صورة المصادفة يلزم اجتماع المثلين وفى صورة
المخالفة اجتماع الضدين واجتماع فردين من الارادة او الارادة والكراهة ظنا
ان
قلت كيف يمكن ذلك وهل هو الّا انّه يكون مستلزما لاجتماع المثلين او الضدّين
حاصله كيف يمكن
للحاكم جعل حكم آخر فعلى فى حالته بمقتضى الاصل او الامارة مع كون الحكم الواقعى
فعليا فى مورده ايضا وهل هو الا مستلزم للمحال من اجتماع المثلين فى صورة المصادفة
واجتماع الضدين فى صورة المخالفة.
قلت
لا باس باجتماع الحكم الواقعى الفعلى بذاك المعنى اى لو قطع به من باب الاتّقاق
لتنجّز مع حكم آخر فعلى فى مورده بمقتضى الاصل او الامارة او دليل اخذ فى موضوعه
الظّنّ بالحكم بالخصوص به على ما سيأتى من التّحقيق
فى
التوفيق بين الحكم الظاهرى والواقعى
ملخص جوابه عن
الايراد هو ما بينا لك آنفا من ان الحكم الواقعى فعلى تعليقى غير منجز بمعنى انه
لو قطع به لتنجز والحكم الآخر الذى فى مورده بمقتضى الاصل او الامارة او بمقتضى
دليل قد اخذ فى موضوعه الظن بالحكم فعلى حتمى منجز فلا منافاة بينهما من جهة
اختلاف المرتبة لما سيأتى توضيحه فى التوفيق بين الجمع بين الحكم الظاهرى
والواقعى.
فى لزوم الالتزام بالتكليف
الامر
الخامس هل تنجّز التكليف بالقطع كما يقتضى موافقته التزاما والتّسليم له اعتقادا
او انقيادا كما هو اللّازم فى الاصول الدينيّة والامور الاعتقادية بحيث كان له
امتثالان وطاعتان
إحداهما
بحسب القلب والجنان والاخرى بحسب العمل بالاركان فيستحقّ العقوبة على عدم الموافقة
التزاما ولو مع الموافقة عملا او لا يقتضى فلا يستحقّ العقوبة عليه بل انّما
يستحقّها على المخالفة العمليّة
حاصله ان التكليف
الفرعى المعلوم بالتفصيل كما يقتضى بنفسه ويحكم العقل وجوب الموافقة العملية وحرمة
مخالفتها هل يقتضى بنفسه مع قطع النظر عن امر خارجى مثل تصديق ما جابه النبى (ص)
عقلا او شرعا وجوب الموافقة الالتزامية وحرمة مخالفتها بحيث يكون للتكليف
اطاعتان ومعصيتان
وبفعل احدهما وترك الآخر يكون عاصيا ومطيعا او لا يقتضى إلّا وجوب الموافقة
العملية وحرمة مخالفتها.
الحقّ
هو الثّانى لشهادة الوجدان الحاكم فى باب الاطاعة والعصيان بذلك واستقلال العقل
بعدم استحقاق العبد الممتثل لامر سيّده الّا المثوبة دون العقوبة ولو لم يكن
متسلما وملتزما به ومعتقدا ومنقادا له
حاصل الكلام فيه
ان التكليف لا يقتضى إلّا وجوب العمل على وفقه واما اقتضائه وجوب الالتزام وعقد
القلب على ثبوته بحيث كان له اطاعتان أحدهما بالجنان وثانيهما بحسب العمل بالاركان
فلا لان غاية ما يمكن ان يقال فى وجه وجوب الموافقة الالتزامية علاوة على وجوب
الموافقة العملية هو ان من شئون اطاعة الحكم الصادر من المولى الالتزام به على نحو
يحكم العقل بوجوبه كما يحكم بوجوب الاطاعة العملية.
وإلّا فدعوى
اقتضائه من ناحية المولى بحيث يكون له بعثان بعث الى العمل وبعث الى الالتزام ينشأ
من التكليف المنجز فلا شك فى ممنوعيته لوضوح تاخر الالتزام بثبوت الوجوب مثلا عن
الوجوب رتبة اذ لو لم يتعلق الوجوب بنفس الفعل لم يكن الالتزام به فطلب الفعل من
المولى لا يكون إلّا بعثا وجعل الداعى على اتيان الفعل ولا يقتضى بعثا آخر على
الالتزام.
واما ما يمكن ان
يقال من اقتضائه وجوب الالتزام عقلا وانه من شئون اطاعة الحكم الصادر من المولى
وان العقل يحكم بوجوبه كما يحكم
بوجوب الاطاعة
العملية فهو ايضا خلاف ما حكم به الوجدان اذ قضية الطلب ليس إلّا جعل الداعى على
اتيان الفعل وغرض المولى يحصل بمجرد ايجاده فى الخارج ولو مع الالتزام على خلافه.
ومع حصول الامتثال
لا وجه لحكم العقل باستحقاق العقوبة على ترك الالتزام وقد عرفت فى بحث التجرى ان
ملاك استحقاق العقوبة انطباق عنوان هتك الحرمة والظلم على المخالفة للتكليف.
ومن الواضح ان عدم
الالتزام قلبا مع كمال الاطاعة عملا لا يكون هتكا ولا ظلما ويرشدك الى ذلك حال
الموالى العرفية بالنسبة الى عبيدهم اذا امتثلوا عملا خوفا من المؤاخة لا التزاما
خصوصا فيما لا يستلزم من المخالفة الالتزامية مخالفة العملية كما فى التوصليات وان
لم يكن ذلك مختصا بها بل يجرى فى التعبديات ايضا.
غاية الامر بترك
الالتزام فيها مستحق للعقابين اذ بترك الالتزام ترك العمل ايضا لو قلنا بانه لا بد
فيها باتيانها بداعى امرها وإلّا فلو اتى خوفا للعقاب او طمعا فى الثواب فيمكن
القول بعدمه فيها ايضا لكن الامر فى التوصليات اوضح.
ولذا اختص شيخنا
الانصارى قدسسره ذلك بالتوصلى لوضوح الامر فيه مع ان النزاع لا يختص به
وكيف كان لا يجب عند العقل الالتزام بالتكليف كما يجب فعله فرارا عن خطر العقاب
فيستحق العقاب على ترك فعله دون الالتزام به.
وان
كان ذلك يوجب تنقيصه وانحطاط درجته لدى سيّده لعدم اتّصافه بما يليق ان يتّصف
العبد به من الاعتقاد باحكام مولاه والانقياد لها وهذا غير استحقاق
العقوبة
على مخالفته لامره او نهيه التزاما مع موافقته عملا كما لا يخفى.
حاصله انه قد عرفت
آنفا من ان الالتزام بثبوت التكليف ليس من شئون الاطاعة الواجبة فى نظر العقل وان
المدار فى حسن العقاب وعدمه هو فعله وعدمه من دون دخل للالتزام به وعدمه اصلا نعم
الامتثال بحسب الالتزام ايضا من كمال العبودية لتفاوت الدرجات باختلاف مراتب
العبودية.
ولذا يكون حسنات
الابرار سيئات المقربين كما ان عدم فعله يوجب تنقيصه وانحطاط درجته لدى سيده فقبح
ترك الالتزام والانقياد قبح فاعلى يكون مذموما على سوء سريرته لا قبح فعلى هذا كله
فى الاحكام الفرعية واما الاصول الاعتقادية فالالتزام فيها مطلوب ذاتا بخلافه فى
الفرعية اذ مطلوبيته فيها بالتبع ومن باب المقدمة فيما توقف العمل عليه فاذا فرض
حصول ما هو المطلوب من موافقته عملا فلا معنى لبقاء وجوبه.
ومما ذكرنا من انه
لا اقتضاء لذات التكليف بالنسبة الى الموافقة الالتزامية ظهر انه لو كان دليل على
وجوب الالتزام غير ذات التكليف كوجوب تصديق ما جاء به النبى خارج عما نحن فيه مع
ان التصديق غير الالتزام فانه عبارة عن الاعتقاد والالتزام عبارة عن بناء القلب
وعقده وان شئت عبر عنه بالرخاء والتسليم وهما قد يتوافقان وقد يكون الالتزام بخلاف
الاعتقاد كما فى التشريع وقد يوجد الاعتقاد دون الالتزام.
ثمّ
لا يذهب عليك انّه على تقدير لزوم الموافقة الالتزامية لو كان المكلّف
متمكّنا
منها تجب ولو فيما لا يجب عليه الموافقة القطعية عملا ولا يحرم المخالفة القطعية
عليه كذلك ايضا لامتناعهما كما اذا علم اجمالا بوجوب شيء او حرمته للتمكن من
الالتزام بما هو الثابت واقعا والانقياد له والاعتقاد به بما هو الواقع والثّابت
وان لم يعلم انّه الوجوب او الحرمة
حاصله ان ما ذكرنا
كله يجرى فى التكليف المعلوم بالاجمال موضوعية كانت الشبهة كالمرأة المرددة حالها
بين كونها محرمة الوطى بالحلف او واجبة الوطى بالحلف ايضا مع اتحاد زمانى الوجوب
والحرمة او حكمية كما اذا دار هذا الموضوع الكلى بين الوجوب والحرمة فى واقعة
واحدة فالالتزام بالاحكام تابع للعلم فان علم بها تفصيلا وجب الالتزام بها تفصيلا
وان علم بها اجمالا وجب الالتزام بها اجمالا.
والحاصل انه تجب
الموافقة الالتزامية على القول بها حتى فى دوران الامر بين المحذورين للتمكن بما
هو الثابت واقعا والاعتقاد بما هو الواقع وان لا تجب فيه الموافقة القطعية العملية
ولا تحرم فيه مخالفة القطعية العملية لامتناعهما عقلا فى صورة الدوران بين
المحذورين.
لان المكلف لا
يخلو اما من الفعل او الترك وفى كل منهما احتمال الموافقة والمخالفة فلا قطع
بالموافقة حتى تجب ولا قطع بالمخالفة حتى تحرم ومنه يظهر بعض صور افتراق الموافقة
العملية عن الموافقة الالتزامية فيجب فى الثانى دون الاول :
وان
ابيت الّا عن لزوم الالتزام به بخصوص عنوانه لما كانت موافقته
القطعية
الالتزامية ح ممكنة ولما وجب عليه الالتزام بواحد قطعا فانّ محذور الالتزام بضدّ
التكليف عقلا ليس بأقلّ من محذور عدم الالتزام به بداهة مع ضرورة انّ التكليف لو
قيل باقتضائه للالتزام لم يكد يقتضى الّا الالتزام بنفسه عينا لا الالتزام به او
بضدّه تخييرا
حاصله انك قد عرفت
آنفا بان الموافقة الالتزامية على تقدير وجوبها تجب حتى فى دوران الامر بين
المحذورين حيث ان التكليف المنجز لو كان مقتضيا لا طاعتين الالتزام فى الجنان
والعمل بالاركان لما سقطت احدهما بسقوط الآخر فلا يسقط لزوم الالتزام بسقوط حكم
العمل مع امكان الالتزام ففى دوران الامر بين المحذورين لا تجب الموافقة العملية
لما عرفت من ان المكلف لا يخلو من الفعل الموافق للوجوب او الترك الموافق للحرمة
فلا يحصل له القطع بالمخالفة بالفعل او بالترك فقبل جريان الاصول الشرعية يستقل
العقل بعدم الحرج فى الفعل والترك.
ولكن سقوط وجوبها
لا يستتبع سقوط لزوم الموافقة الالتزامية فيجب الالتزام بما هو الثابت واقعا وان
لم يعلم انه الوجوب او الحرمة ولا يجب عليه الالتزام بخصوص الوجوب او الحرمة لعدم
التمكن منه مع عدم العلم به.
وان ابيت الا عن
لزوم الالتزام به بخصوص عنوانه بدعوى ان كل تكليف كما يقتضى اطاعته عملا بخصوصه لا
الاعم منه ومن غيره كذلك يقتضى الالتزام به بعينه لا الالتزام بعنوان اعم او
بالجهة الجامعة بينه وبين ضده.
ففى فرض الدوران
بين الوجوب والحرمة لا يمكن الموافقة الالتزامية لعدم التمكن منه هنا لان امره
حينئذ دائر بين وجوب الالتزام بهما والاعتقاد بكلا الضدين فى آن واحد فهو غير ممكن
مع انه يحصل منه مخالفة قطعية لانه التزم بغير حكم المولى وبين وجوب الالتزام باحد
الحكمين تخييرا فهو وان كان ممكنا إلّا انه مستلزم لتجويز الاعتقاد بضد التكليف
الواقعى لامكان كون الحكم الملتزم به غير حكم المولى
ومحذور الالتزام
بالضد ليس باقل من محذور عدم الالتزام بالتكليف مع ان التكليف المعلوم بالاجمال
على القول باقتضائه الالتزام به لا يقتضى إلّا الالتزام بنفسه لا التخبير بينه
وبين الالتزام بضده مضافا الى ان الالتزام باحدهما بخصوصه مع عدم العلم يوروده
بخصوصه غير ممكن الا تشريعا بداهة ان الالتزام بهما كالالتزام باحدهما بخصوصه
تشريع محرم.
ومن
هنا قد انقدح انّه لا يكون من قبل لزوم الالتزام مانع عن اجراء الاصول الحكميّة او
الموضوعية فى اطراف العلم لو كانت جارية مع قطع النّظر عنه
يعنى ومما ذكرناه
من عدم قيام دليل على وجوب الموافقة الالتزامية وعلى تقدير وجوبها تجب حتى فى
دوران الامر بين المحذورين للتمكن من الامتثال بالالتزام على ما هو عليه من الحكم
الواقعى قد انقدح انه لا مانع من اجراء الاصول الحكمية او الموضوعية فى اطراف
العلم الاجمالى لو كانت جارية مع قطع النظر عن وجوب الالتزام.
وبعبارة اوضح انه
على فرض وجود المقتضى للاصل فى اطراف
العلم الاجمالى
ليست المخالفة الالتزامية مانعة عنه كما كانت المخالفة العملية مانعة اذ دليل وجوب
الالتزام على فرض تسليمه لا يدل إلّا على الالتزام بما هو الثابت له فى الواقع من
الحكم الشرعى اللهى ويجتمع هذا الالتزام مع الالتزام بالحكم الظاهرى المخالف للمعلوم
بالاجمال ولا ضير فيه
كما
لا يدفع هنا محذور عدم الالتزام به بل الالتزام بخلافه لو قيل بالمحذور فيه حينئذ
ايضا على وجه دائر
هذا ناظر الى ما
افاده شيخنا الانصارى اعلى الله مقامه فى دفع محذور عدم الالتزام بان الاصول تحكم
فى محاربها بانتفاء الحكم الواقعى فلا مورد للزوم الالتزام فيمكن اجراء الاصل فى
التكليف المعلوم بالاجمال موضوعية كانت الشبهة كالمرأة المرددة حالها بين كونها
محرمة الوطى بالحلف او واجبة الوطى بالحلف ايضا او حكمية كما اذا دار هذا الموضوع
الكلى بين الوجوب والحرمة حتى خرج الموضوع ببركة اجراء الاصل عن موضوع وجوب
الالتزام
فيقال الاصل عدم
تعلق الحلف بترك وطى هذه كما ان الاصل عدم تعلق الحلف بوطيها فيخرج بذلك عن موضوع
وجوب الالتزام حاصل ايراده على ما افاده الشيخ رحمة الله عليه هو انه لو فرض ان
العقل حاكم بوجوب الالتزام بمحتمل التكليف كان ذلك مانعا عن اجراء الاصول فى
الاطراف اذ لا يدفع باجراء الاصول محذور عدم الالتزام بالتكليف لو قيل به الا على
وجه دائر.
لانّ
جريانها موقوف على عدم محذور فى عدم الالتزام اللّازم من جريانها وهو موقوف على
جريانها بحسب الفرض
حاصله ان جريان
الاصول موقوف على عدم محذور فى عدم الالتزام اللازم من جريانها فلو كان عدم لزوم
المحذور المذكور موقوفا على جريانها لزم الدور.
اللهم
الّا ان يقال انّ استقلال العقل بالمحذور فيه انّما يكون فيما اذا لم لم يكن هناك
ترخيص فى الاقدام والاقتحام فى الاطراف ومعه لا محذور فيه بل ولا فى الالتزام بحكم
آخر
هذا رجوع عن
الاشكال على طريقة الشيخ بلزوم الدور ومحصل كلامه ان الالتزام بالحكم الشرعى انما
يجب عقلا وعدم الالتزام به يعد محذورا اذا كان الواقع فعليا ولم يكن هناك ترخيص من
الشارع فى الاقتحام فى اطراف العلم واما مع ترخيصه فيها والاذن فى الاقتحام فى
اطرافه بمقتضى ادلة الاصول العلمية وعدم كون الواقع فعليا لا محذور فى عدم
الالتزام به بل ولا محذور فى الالتزام بحكم آخر فعلى وهو الحكم الظاهرى.
ولكن هذا انما يتم
على مذاق الماتن من كون تأثير العلم الاجمالى على نحو الاقتضاء وحكم الشارع بوجوب
الاتباع معلق على عدم ترخيص من الشارع فلا دور اذ الالتزام بالحكم الشرعى انما يجب
عقلا فيما اذا كان تنجيزيا واما اذا كان تعليقيا بمعنى ان حكمه بوجوب الالتزام
بمحتمل
الواقع معلق على
عدم جعل الشارع للحكم الظاهرى.
وعدم ترخيصه
بمقتضى ادلة الاصول العملية فى الاقتحام فى اطراف العلم واما مع ترخيصه فيه فلا
محذور فى عدم الالتزام ولا فى الالتزام بضده اذ ادلة الاصول لما كانت مثبتة للحكم
الظاهرى كانت رافعة لحكم العقل بوجوب الالتزام.
وصرنا فى راحة
ببركتها عن وجوب موافقته التزاما ولا يتم على مذاق الشيخ ره القائل بكونه على نحو
العلية التامة فان قضيتها عدم شمول ادلة الاصول لاطراف العلم للزوم التناقض على
تقدير شمولها وسيأتى تحقيقه عن قريب إن شاء الله فانتظر.
الّا
انّ الشّأن ح فى جواز جريان الاصول فى اطراف العلم الإجمالى مع عدم ترتّب اثر عملى
عليها مع انّها احكام عمليّة كسائر الاحكام الفرعية
حاصله ان الالتزام
وان لم يكن مانعا عقلا من جريان الاصول فى اطرافه إلّا انها فى نفسها لا تجرى فى
اطراف العلم مع قطع النظر عن وجوب الالتزام وعدمه لجهات منها ما اشار بقوله إلّا
ان الشأن والكلام حين تردد الواقع فى جواز جريان الاصول فى اطراف العلم الاجمالى
مع عدم ترتب اثر عملى عليها
بيان ذلك ان
الاصول العملية هى التى ينتهى اليها فى مقام العمل فلا بد من اثر عملى يترتب على
جريانها ولا يترتب فيما دار امره بين الوجوب والحرمة فى واقعة واحدة اذ المكلف لا
يخلو من الفعل او الترك ولا اقتضاء للتكليف لواحد منهما فجعل الاباحة خال عن الاثر
العملى ومعه لا وجه لجريان الاصول ومنها ما اشار بقوله
مضافا
الى عدم شمول ادلّتها لأطرافه للزوم التناقض فى مدلولها على تقدير شمولها كما
ادّعاه شيخنا العلّامة اعلى الله مقامه وان كان محلّ تامّل ونظر فتدبّر جيّدا
حاصل ما افاده
الشيخ ره هو ان ادلة الاستصحاب لا تشمل اطراف العلم الاجمالى لانه يلزم من شمولها
التناقض بين صدر دليل الاستصحاب وذيله :
فان قوله عليهالسلام لا تنقض اليقين بالشك اذا جرى فى طرفى العلم الاجمالى نظرا
الى اليقين السابق والشك اللاحق لزم التناقض بين الصدر والذيل اذ قوله عليهالسلام فى ذيل تلك الرواية ولكن تنقضه بيقين آخر شامل للمتيقن
بالاجمال وكان لازم ذلك وجوب العمل على اليقين الاجمالى كما ان لازم صدرها وهو
قوله لا تنقض اليقين بالشك جريان الاستصحاب والعمل على الشك فى كل واحد من
الاطراف.
والمضادة بين
العمل على اليقين بمقتضى ذيل الرواية والعمل على الشك فى كل الاطراف بمقتضى صدر
الرواية مما لا يخفى فلا يمكن الاخذ بالصدر والذيل معا ولا مرجح لاحدهما على الآخر
فلا بد من الحكم بسقوطهما معا فلا يجرى الاصل فى اطراف العلم الاجمالى ومنها ما
سيأتى عن قريب من ان العلم الاجمالى علة تامة للتنجز كالعلم التفصيلى فلا يمكن
الترخيص فى اطرافه لا كلا ولا بعضا
فى حجية مطلق القطع
الأمر
السّادس لا تفاوت فى نظر العقل اصلا فيما يترتّب على القطع من الآثار عقلا بين ان
يكون حاصلا بنحو متعارف ومن سبب ينبغى حصوله منه او غير متعارف لا ينبغى حصوله منه
قال الشيخ اعلى
الله مقامه الثالث قد اشتهر فى السنة المعاصرين ان قطع القطاع لا اعتبار به ولعل
الاصل فى ذلك ما صرح به كاشف الغطاء قدسسره بعد الحكم بان كثير الشك لا اعتبار بشكه قال وكذا من خرج
عن العادة فى قطعه او ظنه فيلغوا اعتبارهما فى حقه انتهى موضع الحاجة من كلامه.
ولكن انت خبير بما
فيه من الضعف حيث إن القطع الطريقى لما كان موضوعا لحكم العقل باستحقاق العقوبة
على مخالفته كحكمه باستحقاق المثوبة على موافقته فاطلاقه وتقييده كان بنظر العقل
لا محالة ومن المعلوم انه لا تفاوت فى نظر العقل فيما يترتب على القطع من الآثار
بين افراد القطع ولا بين احواله كان الواجب الحكم بحجية القطع مطلقا من غير فرق
بين ان يكون حاصلا من اسباب متعارفة ينبغى حصوله منها او غير متعارفة لا ينبغى
حصوله منها.
كما
هو الحال غالبا فى القطاع ضرورة انّ العقل يرى تنجّز التكليف بالقطع الحاصل ممّا
لا ينبغى حصوله وصحّة مؤاخذة قاطعه على مخالفته وعدم
صحّة
الاعتذار عنها بانّه حصل كذلك وعدم صحّة المؤاخذة مع القطع بخلافه وعدم حسن
الاحتجاج عليه بذلك ولو مع التفاته الى كيفيّة حصوله
محصل كلامه قدسسره انه لا فرق فى نظر العقل فى ترتب الآثار المذكورة بين قطع
القطاع وغيره فى المنجزية عند الاصابة وصحة مؤاخذة قاطعه على مخالفته والعذرية عند
الخطاء ووجوب متابعته عند حصوله من اى سبب حصل من الاسباب ولا يحسن ان يحتج على
القاطع الذى حصل قطعه من اسباب غير متعارفة لا ينبغى حصوله منها بان قطعك حاصل من
الاسباب الغير المتعارفة فلم عملت على طبق قطعك حتى مع التفات القاطع الى كيفية
حصوله ولا يسمع من العبد الاعتذار عن مخالفة القطع بان قطعه حصل من اسباب غير
متعارفة.
نعم
ربّما يتفاوت الحال فى القطع المأخوذ فى الموضوع شرعا والمتّبع فى عمومه وخصوصة
دلالة دليله فى كلّ مورد
حاصله ان القطع
المأخوذ فى الموضوع لا بد ان يلاحظ الدليل الدال على اخذ القطع فى موضوع حكم كذا
فربما ينصرف الدليل الى قطع الذى ينبغى حصوله من اسباب متعارفة فلا يشمل قطع
القطاع لانصرافه عنه وربما لا ينصرف عنه بمعونة القرائن المحفوفة بالكلام وربما
يكون مجملا بالنسبة الى افراد القطع فكيف كان فالمتبع فى عمومه وخصوصه دلالة
دليله.
فربّما
يدلّ على اختصاصه بقسم فى مورد وعدم اختصاصه به فى آخر على اختلاف الأدلّة واختلاف
المقامات بحسب مناسبات الاحكام والموضوعات وغيرها من الامارات
وبالجملة ان القطع
المأخوذ فى الموضوع لما كان موضوعا للحكم الشرعى كان اطلاقه وتقييده كل ذلك بنظر
الشارع وله التصرف فيه كيف شاء فلا بد فى معرفة ذلك من الرجوع الى دليل ذلك الحكم
فى كل مورد فربما يدل على اختصاص الحكم بموضوع اخذ فيه نحو خاص من القطع وفى مورد
عدم اختصاصه به على اختلاف الادلة واختلاف المقامات ومناسبات الاحكام والموضوعات
وغير الادلة من الامارات فان دل الدليل على ثبوت الحكم لمطلق القطع حكم بموضوعيته
مطلقا وان دل على ثبوته لبعض افراده اقتصر عليه فان كان نفس الدليل مجملا بالنسبة
الى بعض افراد القطع الحاصل من سبب غير متعارف فالمرجع حينئذ الى الاصول بل الاخذ
بالقدر المتيقن.
وبالجملة
القطع فيما كان موضوعا عقلا لا يكاد يتفاوت من حيث القاطع ولا من حيث المورد ولا
من حيث السّبب لا عقلا وهو واضح ولا شرعا لما عرفت من انّه لا تناله يد الجعل نفيا
ولا اثباتا
حاصله ان القطع
اذا حصل كان موضوعا لحكم العقل بوجوب المتابعة وكونه موجبا للتنجز عند الاصابة
وعذرا عند الخطاء ولا يكاد يتفاوت من حيث القاطع كان يكون حاصلا بنحو المتعارف ومن
سبب
ينبغى حصوله منه
او غير متعارف لا ينبغي حصوله منه كقطع القطاع ومن حيث المورد كان يكون فى
العبادات او فى المعاملات ولا من حيث السبب كان يحصل من مقدمات العقلية او غيرها
لا عقلا وهو واضح بعد ما عرفت من ان الآثار المترتبة كانت ذاتية للقطع الطريقى لا
تنفك عنه ابدا ولا شرعا لما عرفت سابقا من ان القطع مما لا تناله يد الجعل لا نفيا
ولا اثباتا.
وان
نسب الى بعض الأخباريين انّه لا اعتبار بما اذا كان بمقدّمات عقليّة الّا انّ
مراجعة كلماتهم لا تساعد على هذه النّسبة بل تشهد بكذبها وانّها انّما تكون امّا
فى مقام منع الملازمة بين حكم العقل بوجوب شيء وحكم الشّرع بوجوبه كما ينادى به
بأعلى صوته ما حكى عن السيّد الصّدر فى باب الملازمة فراجع
حاصله انه نسب الى
بعض الاخباريين بان القطع الحاصل من مقدمات العقلية لا اعتبار به إلّا ان كلماتهم
لا تساعد هذه النسبة بل تشهد بكذبها وان كلماتهم انما تكون اما فى مقام منع
الملازمة بين حكم العقل بوجوب شيء وحكم الشرع بوجوبه ردا على القاعدة المشهورة
كلما حكم به العقل حكم به الشرع كما ينادى بأعلى صوته ما حكى عن السيد الصدر فى
شرح الوافية فى باب الملازمة.
وملخص تحقيقه هناك
على ما حكى عنه هو عدم كون الجهات المدركة للعقل علة تامة للحكم بل غاية ما يمكن
للعقل ادراكه هو بعض الجهات المحسنة او المقبحة المقتضية له ومن الجائز ان يكون
هناك جهة اخرى فى الواقع لم تحصلها العقول الجزئية معارضة للجهة المذكورة كما فى
اكثر الاحكام فى صدر الاسلام بل مطلقا حيث لا تجرى الا عند ظهور الحجة عجل الله
تعالى فرجه الشريف.
وامّا
فى مقام عدم جواز الاعتماد على المقدّمات العقليّة لانّها لا تفيد الّا الظّن كما
هو صريح الشّيخ المحدّث الامين الأسترآباديّ رحمهالله حيث قال فى جملة ما استدلّ به فى
فوائده على انحصار مدرك ما ليس من ضروريّات الدّين فى السّماع عن الصّادقين عليهماالسلام الرّابع انّ كلّ
مسلك غير ذلك المسلك يعنى التمسّك بكلامهم عليهم الصّلاة والسّلام
انّما
يعتبر من حيث افادته الظّن بحكم الله تعالى وقد اثبتنا سابقا انّه لا اعتماد على
الظّن المتعلّق بنفس احكامه تعالى او بنفيها
وهذه الكلمات
بطولها هو الكلام الاول من الكلمات الثلاث التى حكاها المصنف عن المحدث
الأسترآباديّ.
وقال
فى جملتها ايضا بعد ذكر ما تفطّن بزعمه من الدّقيقة ما هذا لفظه واذا عرفت ما
مهّدناه من الدّقيقة الشّريفة فنقول ان تمسّكنا بكلامهم عليهمالسلام فقد عصمنا من الخطاء
وان تمسّكنا بغيره لم نعصم عنه
ومن
المعلوم انّ العصمة من الخطاء امر مطلوب مرغوب فيه شرعا وعقلا ألا ترى انّ
الإماميّة استدلّوا على وجوب العصمة
بانّه
لو لا العصمة للزم امره تعالى عباده بايقاع الخطاء وذلك الامر محال لانّه قبيح
وانت اذا تأمّلت فى هذا الدليل علمت انّ مقتضاه انّه لا يجوز الاعتماد على الدّليل
الظنّى فى احكامه تعالى انتهى موضع الحاجة من كلامه
وهذه الكلمات
بطولها هو الكلام الثانى من الكلمات التى حكاها
المصنف عن المحدث
الأسترآباديّ.
وما
مهّده من الدقّية هو الّذى نقله شيخنا العلّامة اعلى الله مقامه فى الرّسالة وقال
فى فهرست فصولها ايضا
حاصله ان ما مهده
من الدقيقة الشريفة بزعم المحدث فقد حكاها الشيخ اعلى الله مقامه فى الرسائل
والعمدة هو ذكر ما بعد الدقيقة ولم يذكره الشيخ وذكره المصنف قال الامين فى فهرست
فصولها اى فصول الفوائد المدنية ايضا.
الاوّل
فى ابطال جواز التّمسك بالاستنباطات الظنّية فى نفس احكامه تعالى شانه ووجوب
التّوقف عند فقد القطع بحكم الله او بحكم ورد عنهم عليهمالسلام انتهى
وهذه الكلمات هو
الكلام الثالث للمحدث الأسترآباديّ.
وانت
ترى انّ محلّ كلامه ومورد نقضه وابرامه هو العقلى الغير المفيد للقطع وانّما همّه
اثبات عدم جواز اتباع غير النّقل فيما لا قطع وكيف كان فلزوم اتباع القطع مطلقا
وصحّة المؤاخذة على مخالفته عند اصابته وكذا ترتّب سائر آثاره عليه عقلا ممّا لا
يكاد يخفى على عاقل فضلا عن فاضل
وحاصل الكلام ان
النسبة صحت ام لا فالصحيح هو ما ذكرنا من ان لزوم اتباع القطع مطلقا سواء كان
حاصلا للقطاع او لغيره وكان حاصلا من مقدمات عقلية او من غيرها وصحة المؤاخذة على
مخالفة القطع عند
اصابته للواقع وكذا ترتب سائر آثاره عليه عقلا وهو العذرية عند الخطاء مما لا يكاد
يخفى على عاقل فضلا عن فاضل ولا يخفى عليك ان الآثار المترتبة على القطع ثلاثة حكم
العقل بوجوب المتابعة.
وقد اشار اليه
بقوله بلزوم اتباع القطع مطلقا والمنجزية عند الاصابة وقد اشار اليه بصحة المؤاخذة
على مخالفة القطع عند اصابته للواقع والعذرية عند الخطاء وقد اشار اليه وكذا ترتب
سائر آثاره
فلا
بدّ فيما يوهم خلاف ذلك فى الشّريعة من المنع عن حصول العلم التّفصيلي بالحكم
الفعلى لأجل منع بعض مقدّماته الموجبة له ولو اجمالا فتدبّر جيّدا
حاصله انا لو
وجدنا ما يوهم المنع عن القطع الطريقى مثل ما نقله الشيخ فى الرسالة فلا بد ان
يحمل على المنع من حصول العلم لمنع بعض المقدمات الموجبة له قال الشيخ رحمة الله
عليه ما هذا لفظه فان قلت لعل نظر هؤلاء فى ذلك يعنى الاخباريين فيما نسب اليهم من
عدم حجية القطع الحاصل من المقدمات العقلية الى ما يستفاد من الاخبار مثل قولهم عليهمالسلام حرام عليكم ان تقولوا بشيء ما لم تسمعوه منا وقولهم عليهمالسلام ولو ان رجلا قام ليله وصام نهاره وحج دهره وتصدق بجميع
ماله ولم يعرف ولاية ولى الله فيكون اعماله بدلالته فيواليه ما كان له على الله ثواب
وقولهم عليهمالسلام من دان الله بغير سماع من صادق فهو كذا وكذا الى غير ذلك
من ان الواجب علينا هو امتثال
احكام الله تعالى
التى بلغها حججه (ع) انتهى موضع الحاجة من كلامه
والحاصل انه لا بد
فيما يوهم خلاف ذلك فى الشريعة من المنع عن حصول العلم التفصيلى بالحكم الفعلى من
الحمل على المنع من حصوله لأجل منع بعض مقدماته الموجية له لا انه بعد فرض حصوله
احيانا لم يجب اتباعه شرعا.
فى العلم الاجمالى
الأمر
السّابع انّه قد عرفت كون القطع التّفصيلي بالتّكليف الفعلى علّة تامّة لتنجّزه لا
يكاد تناله يد الجعل اثباتا او نفيا فهل القطع الاجمالى كذلك فيه اشكال
حاصله انك قد عرفت
ان القطع التفصيلى اذا تعلق بالتكليف الفعلى من الوجوب او الحرمة فهو منجز له بحيث
لا يبقى للمكلف عذر فى تركه بعد قيام الحجة عليه
فان خالفه فهو
يستحق العقاب وان حجيته ذاتية لا تناله يد الجعل والتشريع لا اثباتا اذ لا معنى
لتشريع ما هو حاصل بذاته ومنجعل بنفسه ولا نفيا لعدم تخلف الذاتى عن كونه ذاتيا
فهل القطع الاجمالى كذلك اى هل هو كالتفصيلى فى كونه علة تامة للتنجز مطلقا او لا
اقتضاء له اصلا ويكون حاله حال الشبهة البدوية او هو مقتض له مطلقا بمعنى ان حكم
العقل بوجوب الاتباع معلق على عدم ترخيص من الشارع فى طرفه او اطرافه وعدم جعل
الجهل الموجود فيه
عذرا او هو علة
بالنسبة الى حرمة المخالفة القطعية ومقتض بالنسبة الى الموافقة القطعية وجوه بل
اقوال وهذه الوجوه كلها صارت مجال تأمل واشكال ولكن مع ذلك
لا
يبعد ان يقال انّ التّكليف حيث لم ينكشف به تمام الانكشاف وكانت مرتبة الحكم
الظّاهرى معه محفوظة جاز الاذن من الشّارع بمخالفته احتمالا بل قطعا
محصل كلامه قدسسره ان العلم الاجمالى ليس بمثابة العلم التفصيلى حيث ان مرتبة
الحكم الظاهرى معه محفوظة من جهة جهل التفصيلى وجريان الاصول موقوف على وجود الجهل
فى البين لكون موضوعها هو الجهل.
وهذا الشرط موجود
مع الاجمال لكون كل واحد من الطرفين مشكوك التكليف فى نفسه فلا يعلم ان هذا واجب
او ذاك او ان هذا حرام او ذاك فجاز حينئذ جعل الحكم الظاهرى فى كل واحد من الاطراف
لجواز مخالفة ما علم احتمالا بان يرتكب بعض الاطراف او قطعا بان يرتكب الجميع.
وان شئت قلت ان
السترة باقية مع الاجمال والشك الذى هو موضوع للاصول موجودة فى اطرافه فلا مانع من
جانب العلم الاجمالى من شمول ادلتها والترخيص فى ارتكابها سوى ما قد يتخيل من ان
الترخيص من المولى فى كل واحد من الاطراف يناقض مع المقطوع اجمالا.
مثلا اذا علم
اجمالا بحرمة اناء مردد بين اناءين فكل واحد من
الإناءين مشكوك
الحرمة فيمكن ان يكون موضوعا لقاعدة الحل وهو قوله عليهالسلام كل شىء لك حلال حتى تعلم انه حرام بعينه فجعل الحل لكل
واحد من الاطراف يناقض الحرمة المعلومة وقد اشار الى الجواب عن المناقضة بقوله.
ومحذور
مناقضته مع المقطوع اجمالا انّما هو محذور مناقضة الحكم الظّاهرى مع الواقعى
قد عرفت ان الوجوه
فيه كثيرة والاقوال فيه متكاثرة حيث ذهب بعضهم الى ان العلم الاجمالى ليس بمنجز
اصلا ومال اليه المحقق القمى فى القوانين بتقريب ان العقل لا يحكم بقبح الاقدام
الا على عمل يعلم انه معصية لامر المولى ونهيه وهذا العلم متوقف على العلم بتعلق
الامر او النهى بعمله وهذا المعنى مفقود فى العلم الاجمالى لانه عند الاشتغال بكل
طرف من اطراف العلم الاجمالى لا يعلم بان عمله معصية لامر المولى ونهيه لعدم علمه
بتعلق الامر او النهى بخصوصه.
غاية الامر انه
بعد الاتيان بجميع الاطراف فى الشبهة الوجوبية وترك جميع الاطراف فى التحريمية
يعلم بتحقق المخالفة والعقل لا يحكم بقبح الاقتحام على ما يعلم بعد العمل بحصول
المخالفة وبعضهم الى انه منجز بالنسبة الى حرمة المخالفة القطعية دون الموافقة
القطعية.
وهو مما يظهر من
كلمات شيخنا العلامة اعلى الله مقامه فى موارد مختلفة قال فى العلم الاجمالى واما
المخالفة العملية فان كانت
لخطاب تفصيلى
فالظاهر عدم جوازها سواء كانت فى الشبهة الموضوعية كارتكاب الإناءين المشتبهين
المخالف لقول الشارع اجتنب عن النجس او كترك القصر والاتمام فى موارد اشتباه الحكم
لان ذلك ذلك معصية لذلك الخطاب لان المفروض وجوب الاجتناب عن النجس الموجود بين
الإناءين ووجوب صلاة الظهر والعصر وكذا لو قال اكرم زيدا واشتبه بين الشخصين فان
ترك اكرامهما معصية انتهى.
وقال فى الاشتغال
فى الشبهة الوجوبية اما الاول فالظاهر حرمة المخالفة القطعية لانها معصية عند
العقلاء فانهم لا يفرقون بين الخطاب المعلوم تفصيلا او اجمالا فى حرمة مخالفته وفى
عدها معصية انتهى وقال فى الشبهة المحصورة فى المخالفة القطعية نعم لو اذن الشارع
فى ارتكاب احدهما مع جعل الآخر بد لا عن الواقع فى الاجتزاء بالاجتناب عنه جاز.
فاذن الشارع فى
احدهما لا يحسن إلّا بعد الامر باجتناب عن الآخر بدلا ظاهريا عن الحرام الواقعى
فيكون المحرم الظاهرى هو احدهما على التخيير وكذا المحلل الظاهرى ويثبت المطلوب
وهو حرمة المخالفة القطعية بفعل كلا المشتبهين انتهى.
والحاصل ان ما
يستفاد من مجموع الكلمات المذكورة هو ان العلم الاجمالى علة تامة بالنسبة الى حرمة
المخالفة القطعية وعدم امكان الترخيص فى تمام الاطراف كما هو ظاهر العبارتين
الاوليين ومقتض بالنسبة الى الموافقة القطعية وامكان الترخيص فى بعض الاطراف على
البدل وهو الظاهر من العبارة الاخيرة.
والمصنف مال فى
المتن الى انه منجز بنحو الاقتضاء اى ما لم يمنع عنه مانع عقلا او شرعا ولكن حكى
عنه انه عدل اخيرا عن مختاره فى المتن الى ما ذكره فى الحاشية من ان العلم
الاجمالى كالتفصيلى بلا تفاوت اصلا وتبعه بعض المحشّين قال سيدنا الحكيم فى
تعليقته على الكتاب ما هذا لفظه لا ينبغى التأمل فى ان العلم الاجمالى ليس إلّا من
سنخ العلم التفصيلى موجبا لارادة متعلقه وانكشافه انكشافا تاما لا قصور فى ناحية
انكشافه اصلا فان من علم انه يجب عليه اكرام زيد بن بكر الذى لا يعرفه بعينه لا
قصور فى علمه بالاضافة الى متعلقه اعنى اكرام زيد بن بكر ومجرد ترده بين شخصين لا
يوجب نقصا فى علمه بالاضافة الى متعلقه غاية الامر ان علمه لم يحط بتمام الخصوصيات
المانعة من التردد بين شخصين.
ومن المعلوم
بشهادة الوجدان عدم دخل ذلك فى المنع من منجزية العلم اذ لا ريب فى انه بمجرد حصول
ذلك العلم الاجمالى يتحرك العبد نحو موافقته بطبعه وعقله ويعد قول المولى لا تكرم
كل واحد من الشخصين مناقضا لما علم بحيث يحكم اجمالا بان احد الكلامين ليس مطابقا
للواقع نظير ما تقدم فى العلم التفصيلى حرفا بحرف فلا فرق بين العلمين من هذه
الجهة اصلا انتهى كلامه رفع مقامه هذا ولكن للتأمل والاشكال فى هذه الوجوه
المذكورة مجال.
واما ما ذهب اليه
المحقق القمى ففيه ان التكليف والالزام معلوم تفصيلا فى مورد العلم الاجمالى وانما
التردد والاجمال فى متعلقه الخارجى والعقل مستقل بقبح مخالفة التكليف الفعلى
الواصل الى العبد باحدى الطرق الوصول تفصيلا كان او اجمالا والاجمال فى المتعلق
لا يمنع عن البعث
والزجر من قبل المولى ولا يمنع من الانبعاث حيث ان العقل مستقل فى كيفية الاطاعة
والامتثال وهى هنا امكان تحصيله بالاحتياط.
واما ما يلوح من
كلمات الشيخ ره من ان الاقتحام فى الاطراف معصية مع انكشاف الواقع فيمتنع صدور
الرخصة من ناحية المولى فى ارتكاب الجميع لانها اذن فى المعصية كما انه يمتنع
تجويز العقل فى اتيان الجميع لانه هتك لحرمة المولى فالعقل يحكم بقبح صدور الترخيص
من المولى وقبح المخالفة القطعية من العبد وليس هذا الا كون العلم الاجمالى علة
تامة للتنجز ففيه ان الحكم الفعلى تعليقى ولا ارادة هناك فعلا كما هو كذلك فى
موارد الاصول المرخصة ومن المعلوم ان مخالفة الحكم التعليقى ليست معصية والالم يجز
للشارع الترخيص فى مخالفة الواقع والعمل على طبق الاصول المرخصة وان العلم
الاجمالى لمكان قصور كشفه ونقصان مراتبه فى ذاته يكون مقتضيا للتنجيز لو لا صدور
الترخيص من الشارع فلا معصية ولا هتك لحرمة المولى اصلا.
وبالجملة ان
السترة مانعة عن التام الذى يدور التنجز على نحو العلية التامة مداره مع اتحاد المتعلق
فيهما بمعنى ان الحكم الواقعى فعلى تعليقى فى موارد القطع التفصيلى والاجمالى وهذا
الحكم تام صادر عن الشارع بداعى جعل الداعى للمكلف وان لم ينتزع منه التحريك
والبحث قبل الوصول الى المكلف.
وانما يتفاوت حاله
فى مقام التطبيق المتأخر رتبة عن مقام الجعل
فان تعلق العلم
التفصيلى به صار فعليا حتميا منجزا وان تعلق به العلم الاجمالى ولم يرد ترخيص من
الشارع صار ايضا حتميا منجزا وإلّا كان باقيا على التعليقية كما فى موارد الاصول
الشرعية والعقلية المرخصة فى خلاف الواقع.
ومما ذكرنا ظهر
الجواب عما فى التعليقة المسماة بحقايق الاصول من القول بان العلم الاجمالى هو
كالتفصيلى فى كونه علة تامة لتنجز التكليف تبعا لما حكى عن المصنف قدسسره فى الهامش بدعوى ان ظاهره هو العدول عما ذهب اليه فى
المتن.
ولكن بعد الدقة فى
كلامه ظهر لك ان مقصوده هو التنبيه على الفرق بين الحكم التعليقى والحتمى وان
التعليقى لا يصل الى مرتبة الحكم الحتمى بمعونة العلم الاجمالى فيما اذا ورد ترخيص
فى ارتكاب الاطراف بخلاف الحكم الفعلى الحتمى التام من جميع الجهات.
فمهما علم المكلف
بان هذا الحكم بهذه المرتبة من الفعلية لم يجوز للعقل الاذن من ناحية المولى فى
مخالفته ولا الترخيص فى ارتكاب العلم الاجمالى بل يستقل العقل بالاحتياط حتى فى
الشبهة البدوية فضلا عما اذا كان هناك علم بالتكليف نعم لو عرض بالاحتياط عسر موجب
لارتفاع فعليته شرعا او عقلا كما اذا كان مختلا بالنظام فلا تنجز ولا حتمية حينئذ
لكنه لاجل عروض الخلل فى المعلوم لا لقصور فى العلم وليس هذا عدول عما ذهب اليه فى
المتن كما توهم فافهم وتدبر.
فى
الشّبهة الغير المحصورة بل الشّبهة البدويّة ضرورة عدم تفاوت فى
المناقضة
بينهما بذلك اصلا فما به التّفصي عن المحذور فيهما كان به التّفصي عنه فى القطع به
فى الاطراف المحصورة ايضا كما لا يخفى
حاصل جوابه قدسسره عن المناقضة هو النقض بجواز الترخيص فى الشبهة الغير
المحصورة حيث ان هذه الشبهة ليست بازيد عما توهم بين الحكم الظاهرى والواقعى فى
الشبهة الغير المحصورة التي لا يجب الاحتياط فيها اجماعا بل النقض بجوازه فى
الشبهة البدوية فان التكليف فيها مشكوك محتمل ومع احتماله يحتمل المناقضة.
ضرورة ان احتمال
المناقضة كالقطع بها محال فلا تفاوت بين الشبهة الغير المحصورة والشبهة البدوية
وبين المقرونة بالاجمال فى المحصورة بذلك اى بوجود العلم مع حصره فيه فما به
التفصى عن محذور المناقضة فى البدوية وفى المقرونة بالاجمال مع عدم حصره كان به
التفصى عن مخدور المناقضة فى القطع بالتكليف فى الاطراف المحصورة ايضا كما لا
يخفى.
وقد
اشرنا اليه سابقا وياتى إن شاء الله مفصّلا
حاصله ان المصنف
ره قد اشار الى التفصى فى الامر الرابع ما هذا لفظه قلت : يمكن ان يكون الحكم
فعليا بمعنى انه لو تعلق به القطع على ما هو عليه من الحال لتنجز واستحق على
مخالفته العقوبة.
ومع ذلك لا يجب
على الحاكم رفع عذر المكلف برفع جهله لو امكن او بجعل لزوم الاحتياط فيما امكن بل
يجوز جعل اصل او امارة
مؤدية اليه تارة
والى ضده اخرى ولا يمكن مع القطع به جعل حكم آخر مثله او ضده كما لا يخفى ويأتى إن
شاء الله مفصلا فى الجمع بين الحكم الظاهرى والواقعى فانتظر.
نعم
كان العلم الإجمالى كالتّفصيلى فى مجرّد الاقتضاء لا فى العلّية التامّة
حاصل الكلام ان
الاجمالى ليس بمثابة العلم التفصيلى وتأثيره فى التنجز انما يكون بنحو الاقتضاء
مطلقا بحيث لا منافاة بينه وبين الترخيص من قبل المولى على خلافه.
فيوجب
تنجّز التكليف ايضا لو لم يمنع عنه مانع عقلا كما كان فى اطراف كثيرة غير محصورة
على ما هو التحقيق
فى ضابط الغير المحصورة من كون الشيء على نحو من الكثرة بحيث لا يعتنى بهذا العلم
الواقع فيه عند العقلاء فيكون المانع عقليا لا شرعيا
او
شرعا كما فيما اذن الشارع فى الاقتحام فيها كما هو ظاهر كلّ شىء فيه حلال وحرام
فهو لك حلال حتّى تعرف الحرام منه بعينه
اذ ظاهر الرواية
هو الاذن فى الاقتحام وان كانت محصورة فيكون المانع شرعيا لا عقليا اللهم إلّا ان
يقال ان ظاهر الرواية هو الاذن فى الاقتحام إلّا انه لم يعمل به احد من الاصحاب
الا النادر اذ معناه انه اذا علم اجمالا بخمرية احد الإناءين جاز الاقتحام فيهما
وهو مشكل جدا لا
لا يلتزم به احد.
وبالجملة
قضيّة صحّة المؤاخذة على مخالفته مع القطع به بين اطراف محصورة وعدم صحّتها مع عدم
حصرها او مع الاذن فى الاقتحام فيها هو كون القطع الاجمالى مقتضيا للتنجز لا علّة
تامّة
حاصل الكلام فيه
ان صحة المؤاخذة على مخالفة التكليف الواقعى فى الشبهة المحصورة كما يشهد بها
الوجدان حيث ان العقلاء يذمون مثل هذا العبد العالم بالتكليف اجمالا مع تمكنه من
الامتثال على ترك امتثال المعلوم بالاجمال وعدم صحة المؤاخذة على المخالفة فى
الشبهة الغير المحصورة.
وجواز الاذن فى
الاقتحام كما فى البدوية هو كون القطع الاجمالى مقتضيا للتنجز لا علة تامة بحيث لا
منافاة بينه وبين ترخيص من قبل المولى على خلافه نعم لو بلغ الحكم الواقعى الى
مرتبة الحتم من الفعلية فمع علمه به ولو اجمالا لا يجوز للشارع الاذن فى الاقتحام
فيها حتى فى الشبهة البدوية فضلا عما اذا كان هناك علم بالتكليف فالعلم الاجمالى
كالتفصيلى فيما اذا كان الحكم فعليا حتميا.
وحينئذ يمنع المنع
عن لزوم العمل على طبقه عقلا وشرعا بمجرد حصول العلم به ولو اجمالا وانما يتفاوت
العلم الاجمالى مع التفصيلى فيما اذا كان الحكم فعليا تعليقا فان تعلق به العلم
التفصيلى كان علة تامة لتنجزه لانه ينكشف به انكشافا تاما فان تعلق به العلم
الاجمالى فلا يكون علة تامة لتنجزه ، بل لا يكون إلّا مقتضيا لقصور مرآتيته وكشفه
عن الواقع وبقاء السترة فى اطرافه فالتفاوت فى نحوى العلم لا فى المعلوم.
وامّا
احتمال انّه بنحو الاقتضاء بالنّسبة الى لزوم الموافقة القطعيّة وبنحو العلّية
بالنّسبة الى الموافقة الاحتماليّة وترك المخالفة القطعية فضعيف جدّا
هذا هو الوجه
الثالث من الوجوه المتصورة التى اشرنا اليها سابقا وهو الذى اختاره الشيخ فى
الرسالة وقد بينا لك آنفا ان ما يستفاد من مجموع كلماته ان العلم الاجمالى علة
تامة بالنسبة الى حرمة المخالفة القطعية فلا يمكن الترخيص فى تمام الاطراف ومقتض
بالنسبة الى الموافقة القطعية فيمكن الترخيص فى بعض الاطراف على البدل.
ولكن ليس فى
الروايات من البدلية عين ولا اثر وقد عرفت ما فى مختاره من الضعف ولكن المصنف
اكتفى فى الايراد عليه بالنقض دون الحل وهو قوله.
ضرورة
انّ احتمال ثبوت المتناقضين كالقطع بثبوتهما فى الاستحالة فلا يكون عدم القطع بذلك
معهما موجبا لجواز الاذن فى الاقتحام بل لو صحّ معها الاذن فى المخالفة
الاحتماليّة صحّ فى القطعيّة ايضا فافهم
حاصل ايراده قدسسره على مختاره هو ان المنع عن الرخصة فى الاطراف باجمعها ليس
إلّا كونه موجبا للتناقض وهذا بعينه موجود فى الرخصة فى بعض الاطراف ايضا.
غاية الامر يلزم
من الرخصة فى تمام الاطراف القطع بالمناقضة وفى الترخيص فى احد المحتملات احتمال
المناقضة ومن المعلوم ان احتمال المناقضة كالقطع بها محال ممتنع وبعبارة اخرى انه
لو صح
الرخصة فى
المخالفة الاحتمالية كانت صحته من جهة عدم التضاد بين الالزام المعلوم بالاجمال
والترخيص بخلافه فاذا لم يكن تضاد بينهما جاز الترخيص فى جميع الاطراف ايضا.
اذ لا فرق بينهما
من هذه الجهة فافهم لعله اشارة الى مختارة فى الحاشية من عدم الفرق بين العلمين
وان العلم الاجمالى كالتفصيلى فى كونه علة تامة للتنجز حيث قال لكنه لا يخفى ان
التفصى عن المناقضة على ما يأتى لما كان بعدم المنافاة والمناقضة بين الحكم
الواقعى ما لم يصر فعليا والحكم الظاهرى الفعلى كان الحكم الواقعى فى موارد الاصول
والامارات المؤدية الى خلافه لا محالة غير فعلى وحينئذ فلا يجوز للعقل مع القطع
بالحكم الفعلى الاذن فى مخالفته بل يستقل مع قطعه يبعث المولى او زجره ولو اجمالا
بلزوم موافقته واطاعته.
نعم لو عرض بذلك
عسر موجب لارتفاع فعليته شرعا او عقلا كما اذا كان مخلا بالنظام فلا تنجز حينئذ
لكنه لاجل عروض الخلل المعلوم لا لقصور العلم عن ذلك كما كان الامر كذلك فيما اذا
اذن الشارع فى الاقتحام فانه ايضا موجب للخلل فى المعلوم لا المنع عن تاثير العلم
شرعا
وقد انقدح بذلك
انه لا مانع عن تأثيره شرعا فتأمل جيدا انتهى كلامه رفع مقامه محصل كلامه على ما
يلوح من ظاهر عبارته هو عدم الفرق بين القطعين ولو حصل العلم بالتكليف لكان منجزا
وكان على طبقه البعث والزجر فلا يجوز الاذن فى المخالفة فى اطرافه كلا او بعضا
لمكان المناقضة.
ولكن قد عرفت ان
هذا ليس عدولا عما ذهب اليه فى المتن من كونه مقتضيا للتنجيز بل مقصوده التنبيه
على الفرق بين الحكم التعليقى والحكم الحتمى حسب ما بينا لك مفصلا فراجع.
ولا
يخفى انّ المناسب للمقام هو البحث عن ذلك
«اى البحث عن كون
العلم الاجمالى مقتضيا للتنجيز او علة تامة» تعريضا للشيخ ره فى الرسائل حيث جعل
البحث عن علية العلم الاجمالى لحرمة المخالفة القطعية من مباحث العلم الاجمالى
ولوجوب الموافقة القطعية من مباحث البراءة والاشتغال وقال والكلام من الجهة الاولى
يقع من جهتين لان اعتبار العلم الاجمالى له مرتبتان الاولى حرمة المخالفة القطعية
والثانى وجوب الموافقة القطعية.
والمتكفل للتكلم
فى المرتبة الثانية هى مسئلة البراءة والاشتغال عند الشك فى المكلف به فالمقصود فى
المقام الاول التكلم فى المرتبة الاولى انتهى كلامه حاصل ايراد المصنف عليه ان
البحث عن علية العلم لوجوب الموافقة القطعية والبحث عن عليته لحرمة المخالفة
القطعية كلاهما من مباحث العلم فلا وجه للفرق بينهما بجعل الاول من مباحث الشك
وجعل الثانى من مباحث العلم.
كما
انّ المناسب فى باب البراءة والاشتغال بعد الفراق هاهنا عن انّ تأثيره فى التّنجز
بنحو الاقتضاء لا العلّية هو البحث عن ثبوت المانع شرعا او عقلا وعدم ثبوته كما لا
مجال بعد البناء على انّه بنحو العلّية للبحث عنه هناك اصلا كما لا يخفى
اى كما ان المناسب
للاشتغال هو البحث عن ثبوت الترخيص الشرعى او العقلى فى احد الاطراف او كليهما بعد
الفراغ هاهنا عن كون العلم الاجمالى مقتضيا للتنجيز لا علة تامة كما لا مجال بعد
البناء على انه بنحو العلية للبحث عن العلم الاجمالى فى الاشتغال اصلا لعدم تعقل
المانع بعد البناء على عليته كما لا يخفى.
هذا
بالنّسبة الى اثبات التكليف وتنجّزه به وامّا سقوطه به بان يوافقه اجمالا فلا
اشكال فيه فى التّوصليّات.
حاصله انه اذا علم
اجمالا بوجوب احد الامرين اما الظهر واما الجمعة فى الشبهة الحكمية او بوجوب
الصلاة الى الجهات الاربع عند اشتباه القبلة فى الشبهة الموضوعية.
فهل يمكن ان يكتفى
فى مقام الاسقاط والخروج عن العهدة بالامتثال الاجمالى والاخذ بالاحتياط والاكتفاء
بالاتيان الى اربع جهات عند اشتباه القبلة فى الموضوعية والاتيان بالظهر والجمعة
معا فى الحكمية مع التمكن من العلم التفصيلى بالفحص والتتبع والسؤال او لا يمكن
فيه اقوال اقواها الكفاية مطلقا توصليا كان التكليف او عباديا.
واما اذا كان
توصليا فلا اشكال فى الاكتفاء به فى التوصليات لعدم جريان ما توهم من ادلة المنع
فيها اذا لاشكال فى كفايته فيها ان كان من جهة قصد التمييز فى امتثال المأمور به
بان يأتى مميزا عما عداه فهو وان كان ممكنا إلّا ان الاجماع قد قام على عدم
اعتباره فى التوصليات وهذا يكشف عن ان مقصودهم من التوصلى هو صرف حصول المأمور
به ليس إلّا وان
كان الاشكال من جهة قصد الاطاعة ونية الوجه فلا اشكال فى عدم اعتباره فى التوصلى.
فتلخص مما ذكرناه
ان المقصود فى التوصليات يحصل بمجرد حصولها فى الخارج كيف اتفق حيث ان النظر فيها
مقصور على حصول الغرض باى طريق كان هذا كله فى التوصليات.
وامّا
فى العباديّات فكذلك فيما لا يحتاج الى التّكرار كما اذا تردّد امر عبادة بين
الأقلّ والاكثر لعدم الاخلال بشيء ممّا يعتبر او يحتمل اعتباره فى حصول الغرض منها
ممّا لا يمكن ان يؤخذ فيها فانّه نشاء من قبل الامر بها كقصد الإطاعة والوجه
والتّميز فيما اذا اتى بالاكثر
واما فى العبادات
فالظاهر ايضا جواز الاحتياط فيها فيما لا يحتاج الى التكرار كما اذا تردد الواجب
بين الاقل والاكثر كتردد الصلاة بين فاقد السورة وواجدها لعدم اخلاله بشىء مما
اعتبر او يحتمل اعتباره فيها من قصد القربة والوجه والتميز خلافا لظاهر الشيخ فى
المقام حيث ان ظاهره هو جواز الاحتياط فى العبادات مطلقا حتى فيما يحتاج الى
التكرار فضلا عما لا يحتاج اليه قال فى الفرائد ما لفظه واما فيما يحتاج الى قصد
الاطاعة يعنى به العباديات فالظاهر ايضا تحقق الاطاعة اذا قصد الاتيان بشيئين يقطع
بكون احدهما المأمور به ودعوى ان العلم الاجمالى بكون المأتى به مقربا معتبرا حين
الاتيان به ولا يكفى العلم بعده باتيانه ممنوعة اذ لا شاهد له بعد تحقق الاطاعة
بغير ذلك ايضا فيجوز لمن تمكن من تحصيل العلم التفصيلى باداء العبادات العمل
بالاحتياط وترك تحصيل العلم التفصيلى
لكن الظاهر كما هو
المحكى من بعض ثبوت الاتفاق على عدم جواز الاكتفاء بالاحتياط اذا توقف على تكرار
العبادة الى ان قال واما اذا لم يتوقف الاحتياط على التكرار كما اذا اتى بالصلاة
مع جميع ما يحتمل ان يكون جزءا فالظاهر عدم ثبوت اتفاق على المنع ووجوب تحصيل
اليقين التفصيلى لكن لا يبعد ذهاب المشهور الى ذلك يعنى به المنع انتهى موضع
الحاجة من كلامه
حاصل ما يستفاد من
كلامه هو تحقق الاطاعة فى المتباينين حيث ان الاتيان بهذا وبصاحبه لاحراز المأمور
به عين الاطاعة فيقصد الاطاعة بهذا او بصاحبه وكذا فى الاقل والاكثر لانه يأتى
بالاكثر لايجاد المأمور به ويقصد به الاطاعة.
نعم يشكل الامر من
جهة الاخلال بالوجه والتميز لو قلنا باعتبارهما فى العبادات كما عن المشهور حيث
انهم قد منعوا عن الاحتياط فى العبادات مطلقا سواء احتياج الى التكرار ام لا
مستندين فى ذلك الى الاخلال بالوجه إلّا ان الشيخ قد منع عن اعتبار نية الوجه فى
العبادات واحاله الى الفقه فى نية الوضوء.
والتحقيق ان يقال
ان الامر ان كان دائرا بين الاقل والاكثر فلا وجه لعدم الاكتفاء بالاحتياط لعدم
الاخلال بشيء اصلا حتى التميز حيث ان الاكثر مصداق للواجب على اى حال لان الزائد
المشكوك ان كان واجبا فكان ما اتى به من الاكثر منطبقا مع الواجب تمام الانطباق
وان كان مستحبا او مباحا مثلا فزيادته غير مضرة لكونه مأخوذا بنحو اللابشرطية
فيكون الاكثر ايضا حاويا للواجب فيكون
الاكثر مصداق
للواجب على اى
نعم لو قلنا بلزوم
قصد الوجه والتميز فى نفس اجراء الصلاة فالاحتياط مستلزم للاخلال بهما إلّا انه
فاسد من أصله وان كان دائرا بين المتباينين كما اذا كان عليه فائتة مرددة بين
الظهر او العصر فيشكل الامر فى الاحتياط لو قلنا بلزوم قصد التميز.
واما قصد الوجه
كالقربة فيمكن الاتيان بهما من دون تكلف حيث انهما معتبران فى المأمور به لا فى
غيره والمأمور به هنا هى الفائتة بين الصلاتين فيأتى بالفائتة بداعى امرها فكان امر
الفائتة محركا للاتيان بهذين الصلاتين ويمكن ان ينضم اليها قصد الوجه وصفا او غاية
فيقصد الفائتة الواجبة او هى لوجوبها متقربا الى الله نعم امر التميز موجب
للاختلال لو قلنا بوجوبه كما لا اختلال لو قلنا بعدم وجوبه.
ثم لو شككنا فى
شرطية مثل قصد الوجه والتميز وغيرهما من الامورات الناشئة من قبل الامر وعدمها فهل
لنا اصل لفظى مثل اطلاق المأمور به او عملى كالبراءة عقلا او نقلا حتى نتمسك به ام
لا بل المرجع هو الاشتغال الظاهر بل المقطوع عدم شيء فى البين غير الاشتغال.
اما الاصل اللفظى
فلان مثل هؤلاء الناشئة من الامر لا يمكن اخذها فى المأمور به قيدا او جزءا للزوم
الدور فلا يصح التمسك فى دفعها باطلاق الامر والمأمور به اذ يصح التمسك بالاطلاق
فيما يصح التقييد فمثل هؤلاء يعنى قصد الوجه والتميز لو كان لها مدخلية واقعا لكان
لها دخل فى غرض المولى لا فى المأمور به.
واما الاصل العملى
فلا مجال له عقلا ولا شرعا واما العقلى فلانه فيما
لم يتم الحجة
والبرهان ولم يكن هنا ما يصح العقوبة وما يحتج المولى على العبد وفيما نحن فيه
تكون موجودة وهو حكم العقل بلزوم الخروج عن عهدة ما علم لك تفصيلا من التكليف.
واما النقلى فلانه
فيما يمكن ثبوته بادلة الواقعيات حتى ندفعه عند الشك بادلة البراءة من جهة حكومتها
على ادلة الواقعيات وقد قلنا ان ما فرضناه مما لا يمكن ثبوته بادلة الواقعيات وكيف
كان فمع بقاء الشك لا مسرح حينئذ الا الاشتغال اللهم إلّا ان يتمسك فى دفع هذا
المشكوك بالاطلاق فى المقام المعبر عنه بالسكوت فى مقام بيان كل ما له دخل فى غرضه
ومع ذلك بين شيئا وما بين شيئا آخر.
فمقتضى هذا
الاطلاق ان المشكوك ليس له دخل فى الغرض والالزام الاخلال بهذا الغرض يعنى الغرض
فى مقام البيان فافهم.
فتحصل مما ذكرناه
انه لا وجه لعدم الاكتفاء بالاحتياط فيما دار امره بين الاقل والاكثر لعدم الاخلال
بشيء مما يعتبر فى العبادات كقصد الاطاعة او يحتمل اعتباره فى حصول الغرض منها
كقصد الوجه والتميز من الامورات الناشئة من قبل الامر اذا الجميع حاصل فالتردد بين
الاقل والاكثر لا يمنع مع تمكن المكلف منها فيمكنه ان يأتى بالاكثر بداعى وجوبه
بوصف وجوبه عالما بوجوبه فاذا جاء به المكلف على هذا الحال كان المأتى به واجدا
لكل ما يعتبر فى الاطاعة فلا بد ان يسقط الامر لحصول الغرض واعلم ان الاشياء
الناشئة من نفس الامر بحيث لو لاه لما كانت محققة فى الخارج كقصد الاطاعة والقربة
والامتثال ونية الوجه وامثالها فلا يمكن ان تؤخذ هذه الاشياء فى المأمور به شطرا
او شرطا للزوم
الدور والتسلسل.
وبيانه انه اذا
امر الشارع بشيء ذو اجزاء مثلا كالصلاة فلا بد ان يكون هذا الموضوع قبل تعلقه تاما
فى موضوعيته من حيث تمامية اجزائه وشرائطه ثم تعلق عليه الامر اذ تعلق الحكم مسبوق
بتحقق موضوعه واذا فرضنا ان شيئا كقصد الاطاعة مثلا لا يتحقق إلّا بالامر حيث ان
الاطاعة وكذا الامتثال هو اتيان الفعل بداعى الامر وكذا نية الوجه لانها قصد الفعل
الواجب لوجوبه.
ولا شك ان اتيان
الفعل بداعى امره وكذا قصد الواجب متفرعان على الامر والوجوب فلو كان مع ذلك قيدا
للمأمور به لزم الدور لان المفروض ان ذلك كان قيدا للمامور به ولا شك ان الشيء
ينتفى بانتفاء احد قيوده فما دام لم يتحقق الامر لم يتحقق موضوعه اذا لمفروض ان
جزء الموضوع لا بد ان يتحقق بالامر وما دام لم يتحقق الموضوع لم يتحقق الامر لعدم
امكان وجود الحكم قبل وجود موضوعه فالامر موقوف على متعلقه ومتعلقه موقوف على
الامر وهذا دور.
نعم كلامنا هذا
انما يكون فيما اذا كان الامر واحدا بمعنى انه اذا امر بالصلاة لا يمكن ان يكون ما
ينشأ من الامر بالصلاة داخلا فى الصلاة واما اذا كان شيء قيدا للصلاة بامر آخر لا
بالامر بالصلاة فسيأتى إن شاء الله تعالى.
ان قلت يمكن ان
يثبت قيدية نية الوجه للصلاة بنفس الامر بالصلاة تبعا بمعنى انا نسلم ان نية الوجه
لم تتحقق إلّا بالامر إلّا ان نقول حين
الامر بالصلاة
يثبت قيدية الوجه للمأمور به بالتبع وان شئت
قلت اذا امر
بالصلاة امر بهذا القيد ايضا بنفس هذا الامر إلّا انه امر بنفس المقيد اصالة وامر
بهذا القيد تبعا فمقارنة الامر بالمقيد امر بالقيد إلّا ان الامر بالمقيد اصلى
والامر بالقيد تبعى لهذا الامر بالمقيد ويثبت قيديته بهذا الامر التبعى نظير الامر
بالكل فانه امر باجزائه.
قلت هذه شبهة فى
مقابلة البديهة فان المأمور به على ما هو المفروض نفس المقيد وهو شيء واحد فان
القيد والمقيد متحدان معا وموجودان بوجود واحد وان كان عند العقل ينحل الى شيئين
ولكن لا يخرجه عن وحدة الوجود فانه عند الانحلال يصير ذو اجزاء بحسب العقل
والاجزاء العقلية لا تصير الشيء متعددا وإلّا فليس كل امر واحد وينحل عند العقل
الى امور فاذا كان المأمور به هو المقيد وهو امر واحد.
فلا يمكن اثبات
قيده بالامر لما ذكرنا من ان المقيد الذى متعلقا للامر يتوقف ثبوته على الامر لانه
به يثبت قيده الذى كان قوام المقيد بسببه والامر يتوقف ثبوته على المقيد لانه
موضوعه ولا يمكن تحققه بدون موضوعه نعم يصح هذا الكلام فى الموجودين بوجودين
كالمقدمة وذيها فانه يمكن ان يأمر بالمقدمة تبعا حين الامر بذيها وهو غير ما نحن
فيه وهذا واضح.
ثم ان الخصوصيات
الغير الناشئة من الامر كالرجحان الذاتى والمحبوبية والحسن الذاتى ليست من قبيل
الخصوصيات الناشئة من الامر من عدم امكان اخذها فى المأمور به بل يمكن ان تؤخذ فى
المأمور به جزءا او شرطا له فيصح ان يأمر بشيء بشرط ان يؤتى به بداعى رجحانه
الذاتى
على ان يكون داعى
الرجحان قيدا للمأمور به ولا يلزم المحذور حيث ان هذا ما نشاء من الامر بل الامر
نشاء من الرجحان الذاتى او الامر كاشف عن الرجحان الذاتى السابق واتيان الفعل
لداعى رجحانه الذاتى عبادة حيث ان العبادة لا ينحصر فى اتيان الفعل بداعى امره.
ولذا ذكر الفقهاء
ان العبادة قد يؤتى بها من جهة اهلية المعبود كما يشير اليه كلام مولانا امير
المؤمنين (ع) وقد يؤتى بها طمعا لجنته وخوفا من ناره أو لداعى امره او غير ذلك
وكذا لو اتى به لمحبوبيته الذاتية إلّا ان يقال ان اتيان الفعل لداعى محبوبيته لا
يصير هذا الشيء مطلقا عبادة اذ قد يتعلق الغرض باتيان هذا المحبوب بداعى امره لا
مطلقا ولو كان الغرض تكميله مثلا.
وكيف كان فقد
اختار المصنف جواز الاحتياط فى العبادات فيما لا يحتاج الى التكرار نظرا الى عدم
اخلاله بشيء مما اعتبر او يحتمل اعتباره فيها نعم يخل بعدم اتيان ما احتمل جزئيته
كالسورة مثلا على تقدير جزئيتها بقصد الجزئية وقد اشار اليه بقوله.
ولا
يكون اخلال حينئذ الّا بعدم اتيان ما احتمل جزئيّته على تقديرها بقصدها
حاصله انه لا وجه
لعدم الاكتفاء بالاحتياط الا اشكال لزوم الاخلال بقصد الجزئية على تقديرها واشار
الى فساده بقوله.
واحتمال
دخل قصدها فى حصول الغرض ضعيف فى الغاية وسخيف الى النّهاية
حيث لا دليل على
اعتباره فى الجزء المتحقق جزئيته فضلا عن المشكوك هذا كله فيما لا يحتاج الى
التكرار من العبادات.
وامّا
فيما احتاج الى التّكرار فربّما يشكل من جهة الاخلال بالوجه تارة وبالتّميز اخرى
وكونه لعبا وعبثا ثالثة وانت خبير بعدم الاخلال بالوجه بوجه فى الاتيان مثلا
بالصلاتين المشتملتين على الواجب لوجوبه غاية الامر انّه لا تعيين له ولا تميز
حاصله انه اذا كان
الامر دائرا بين المتباينين كما اذا كان عليه فائتة مرددة بين الظهر والعصر فيشكل
الامر فى الاحتياط لو قلنا بلزوم قصد التميز واما قصد الوجه كالقربة فيمكن الاتيان
بهما من دون تكلف حيث انهما معتبر ان فى المأمور به لا فى غيره والمأمور به هنا هى
الفائتة بين الصلاتين فيأتى بالفائتة بداعى امرها فكان امر الفائتة محركا للاتيان
بهذين الصلاتين ويمكن ان ينضم الى الفائتة قصد الوجه وصفا او غاية فيقصد الفائتة
الواجبة او هى لوجوبها متقربا الى الله نعم لا يمكن قصد التميز كما عرفت آنفا حيث
انه فيما دار الامر بين المتباينين ولم يميز المأمور به عن غيره.
فالاخلال
انّما يكون به واحتمال اعتباره ايضا فى غاية الضعف لعدم عين منه ولا اثر فى
الاخبار مع انّه ممّا يغفل عنه غالبا وفى مثله لا بدّ من التّنبيه على اعتباره
ودخله فى الغرض والّا لاخل بالغرض كما نبّهنا عليه سابقا
حاصله ان قصد
التميز ان كان معتبرا فى العبادة فالاحتياط
مستلزم للاخلال
واما احتمال اعتباره كاحتمال اعتبار الوجه فى العبادة فى غاية الضعف لعدم عين ولا
اثر منه فى الاخبار مع انه كان مغفول عنه غالبا وفى مثله لا بد من التنبيه على
اعتباره ودخله فى الغرض وإلّا لاخل بالغرض وهو قبيح لا يصدر من الحكيم جل ذكره.
نعم لو كان مما
يرتكز فى اذهان العامة وكان بديهيا لجاز الاكتفاء بركزه وبداهته ولم يلزم التنبيه
عليه وحكى عن بعض ثبوت الاتفاق على عدم جواز الاكتفاء اذا توقف على التكرار وفيه
انه ان ثبت الاتفاق فهو وإلّا فلا مانع من جواز الاكتفاء بالاحتياط فيها الا اما
اشار المصنف اليه بقوله
وامّا
كون التّكرار لعبا وعبثا فمع انّه ربّما يكون لداع عقلائى انّما يضرّ اذا كان لعبا
بامر المولى لا فى كيفية اطاعته بعد حصول الدّاعى اليها كما لا يخفى ،
حاصله انه لا وجه
لعدم الاكتفاء بالاحتياط فيما احتاج الى التكرار الا ما قد يتوهم بكونه لعبا وعبثا
وهو ممنوع مطلقا لان العامل فى هذا المحتمل تارة يعمل بالاحتياط لغرض عقلائى وتارة
يعمل بالاحتياط من جهة امتثال امر مولاه من هذا الطريق وان لم يكن له غرض عقلائى
مثل ما لو فرضنا ان العقلاء مع التمكن من العلم لا يعملون بالاحتياط اصلا.
وتارة يعمل به
للمسامحة فى اطاعة مولاه وامره وليس له غرض عقلائى وعلى الثالث يمكن ان يكون عبثا
لو لم نقل بخروجه عن الاحتياط
من الاول إلّا ان
هذا لا اختصاص له بمورد التكرار بل يجرى فى غيره ايضا كما لا يخفى.
هذا
كلّه فى قبال ما اذا تمكّن من القطع تفصيلا بالامتثال وامّا اذا لم يتمكّن الّا من
الظّن به كذلك فلا اشكال فى تقديمه على الامتثال الظّنى لو لم يقم دليل على
اعتباره الّا فيما اذا لم يتمكّن منه
حاصله قد تقدم
الكلام فيما يمكن تحصيل العلم بالموافقة واما مع عدم التمكن منه ودوران الامر بين
ما اذا تمكن من الامتثال التفصيلى بالظن وبين الامتثال القطعى الاجمالى فهل يقدم
على الامتثال الاجمالى القطعى ام لا والمراد بالدوران هنا هو الدوران بينهما فى
صورة الاجتماع كان يعلم اجمالا وجوب اكرام عمرو المردد بين الشخصين مع قيام البينة
على تعيينه فى واحد منهما فيبحث فى جواز الاجتزاء باكرامهما مع التمكن عن اقامة
البينة على التعيين ثم بعد قيام البينة عليه فهل يتعين اولا العمل بقول البينة
بمعنى اتيان ما قامت عليه فى الواجب التعبدى.
ثم الاحتياط
باتيان المحتمل الآخر ان اراد المكلف احراز الواقع لمكان حسن الاحتياط عقلا او
يجوز العكس بخلاف الدوران بين الامتثال العلمى التفصيلى والاجمالى اذ لا يتصور
الدوران بينهما فى صورة الاجتماع لوضوح عدم معقولية ذلك اذ بعد تحصيل العلم
التفصيلى بواحد من طرفى العلم الاجمالى ينحل العلم الاجمالى لارتفاع الاجمال
بالتفصيل.
اذا عرفت هذا
فنقول ان الظن بالامتثال التفصيلى له صور ثلاثة لانه اما ان يكون مما لا دليل على
اعتباره الا عند تعذر العلم وفى هذه الصورة يقدم الامتثال الاجمالى على الظنى
التفصيلى إلّا اذا لم يتمكن من العلم مطلقا لا تفصيلا ولا اجمالا واما ان يكون مما
قام الدليل على اعتباره مطلقا كالظنون الخاصة المعتبرة بادلة مخصوصة وفى هذه
الصورة يجوز الاجتزاء لكل منهما كما اشار اليه بقوله.
وامّا
لو قام على اعتباره مطلقا فلا اشكال فى الاجتزاء بالظّنىّ
ولعل السر فى ذلك
هو ان معنى اعتبار الطريق الغاء احتمال مخالفته للواقع والعمل او لا برعاية احتمال
الطريق ينافى الغاء احتمال الخلاف ولكن يرد عليه بان المراد من التنزيل اعنى الغاء
احتمال الخلاف حجية الطريق وكونه بمنزلة الواقع فى ترتيب آثار الواقع.
والمفروض العمل
على طبقه بعد اتيان الطرف الآخر من المحتمل ولم يقتصر على اتيان المحتمل فقط وليس
فى تركه عقوبة ومخالفة وانما العقوبة والمخالفة من تبعات ترك الواقع فمع اتيان
الواقع باتيان المحتمل فلا عقوبة ولا مخالفة لحكم الشارع اصلا.
نعم لو كان بانيا
على اقتصار المحتمل من دون اتيان طرف الآخر من المحتمل فيشكل الحكم بصحته ولو مع
انكشاف مصادفته للواقع نظرا الى كون القصد مشوبا بالتجرى والاختلاط بالتجرى ينافى
قصد الاطاعة كما لا يخفى والثالث من الصور المتصورة فى الظن بالامتثال التفصيلى هو
ان يكون معتبرا بمقدمات الانسداد وفى هذه الصورة يجوز
الاجتزاء ايضا بكل
منهما ان كان من مقدماته عدم وجوب الاحتياط واليه اشار بقوله :
كما
لا اشكال فى الاجتزاء بالامتثال الاجمالى فى قبال الظنّى بالظّن المطلق المعتبر
بدليل الانسداد بناء على ان يكون من مقدّماته عدم وجوب الاحتياط.
حاصله انه لو قلنا
بان من جملة مقدمات دليل الانسداد عدم وجوب الاحتياط من جهة ان فى وجوبه العسر
والحرج وهما مرفوعان لا فى جوازه فلا وجه لتقديمه على الاحتياط والحق هو ذلك اذ مع
قطع النظر عن العسر والحرج لا اختلال فى النظم.
وامّا
لو كان من مقدّماته بطلانه لاستلزامه العسر المخلّ بالنظّام او لانّه ليس من وجوه
الطّاعة والعبادة بل هو نحو لعب وعبث بامر المولى فيما اذا كان بالتّكرار كما
توهّم فالمتعيّن هو التنزّل عن القطع تفصيلا الى الظّنّ كذلك
حاصله انه لو قلنا
بان من جملة مقدمات دليل الانسداد هو بطلان الاحتياط رأسا وعدم العمل به اصلا من
لزوم اختلال النظام فى العمل به او لانه ليس من وجوه الطاعة والعبادة بل لعب وعبث
بامر المولى فيما احتاج الى التكرار او لا خلاله بالوجه والتميز فلا اشكال فى عدم
الاكتفاء بالاحتياط فالمتعين هو التنزل عن القطع تفصيلا عند عدم تمكنه الى الظن كذلك
اى تفصيلا واسقاط العلم الاجمالى من البين اذا تمكن.
وعليه
فلا مناص عن الذّهاب الى بطلان عبادة تارك طريقى التّقليد والاجتهاد وان احتاط
فيها كما لا يخفى
اى وبناء اعلى
التنزل من القطع التفصيلى الى الظن التفصيلى المطلق فلا مناص عن الذهاب الى بطلان
عبادة من ترك طريقى التقليد والاجتهاد فى العبادات ولو كان محتاطا فيها.
فتحصل من جميع ما
ذكرنا ان الدوران اذا كان بين الامتثال الاجمالى والتفصيلى يجوز الاكتفاء بالعلم الاجمالى
ولا يجب تحصيل العلم التفصيلى واذا كان بين الظن الخاص المعتبر والامتثال الاجمالى
وقد مر جواز الاكتفاء بالامتثال الاجمالى واذا كان الدوران بين العلم الاجمالى مع
التمكن من تحصيل الظن المطلق على نحو الكشف او الحكومة فى حال الانسداد فان كان من
مقدماته بطلان الاحتياط لاستلزامه العسر المخل بالنظام كان المتعين هو الامتثال
الظنى وان كان من مقدماته عدم وجوب الاحتياط لا بطلانه فلا اشكال فى الاجتزاء
بالامتثال الاجمالى وعدم لزوم تحصيل الظن كما لا اشكال بالامتثال الظنى ايضا.
هذا كله بناء على
عدم لزوم قصد الوجه والتميز اما على القول بلزومهما فالظاهر انه لا يمكن فى العمل
بالمظنون الذى ثبت حجية ظنه بدليل الانسداد بناء على الحكومة لان العمل بالظن
المطلق انما يكون بحكم العقل والعقل انما يحكم بوجوب اتباع الظن فى حال الانسداد
ولا يحكم بان هذا الظن الذى ظن بوجوبه واجب شرعا وهو حكم الله
ولذا لم يحدث حكما
ظاهريا شرعيا لو تخلف عن الواقع.
والحاصل ان نية
الوجه لو كانت واجبة للزم فى الواجب الشرعى ولو ظاهرا والظن المطلق ليس كذلك اذ
العقل يحكم بوجوب اتباع الظن لا ان هذا المظنون واجب شرعا ولذا لا يصح للظن المطلق
ان تقول هذا ما ادى اليه ظنى وكل ما ادى اليه ظنى فهو حكم الله فى حقى اذ كبراه
كاذبة بل لا بد ان تقول هذا ما ادى اليه ظنى وكل ما ادى اليه ظنى فيجب متابعته
بحكم العقل وليس حاله حال الظن الخاص اذا الظن الخاص حجة شرعا فى عرض العلم لو لم
يكن حجيته مشروطة بعدم التمكن من العلم وليس معنى حجيته الا الغاء احتمال خلافه
ومعنى الغاء احتمال خلافه وجوب هذا المظنون ظاهرا فيمكن فيه قصد نية الوجه بخلاف
الظن المطلق فان حجيته ليس معناه الغاء احتمال خلافه بل حجيته وجوب اتباعه مع
احتمال الخلاف وهو غير ملازم مع وجوب المظنون.
هذا
بعض الكلام فى القطع ممّا يناسب المقام وياتى بعضه الآخر فى مبحث البراءة
والاشتغال
وقد اشار اليه
سابقا ان المناسب للمقام هو البحث عن تأثير العلم الاجمالى فى التنجيز بنحو العلة
التامة او لا اقتضاء له كما ان المناسب فى باب البراءة والاشتغال بعد الفراغ هنا
عن التأثير بنحو الاقتضاء هو البحث عن ثبوت المانع شرعا او عقلا عن التأثير فى
التنجيز خلافا لشيخنا العلامة اعلى الله مقامه فجعل البحث فى المقام فى حرمة
المخالفة القطعية وفى البراءة والاشتغال فى وجوب الموافقة القطعية فراجع وتدبر.
فيقع
المقال فيما هو المهم من عقد هذا المقصد وهو بيان ما قيل باعتباره من الامارات او
صحّ ان يقال
ستعرف بيان ما قيل
باعتباره او صح ان يقال إن شاء الله تعالى من قريب فانتظر.
بسم الله الرحمن الرحيم
فى الامارة الغير القطعية
وقبل
الخوض فى ذلك ينبغى تقديم امور احدها انّه لا ريب فى انّ الامارة الغير العلمية
ليست كالقطع فى كون الحجّية من لوازمها ومقتضياتها بنحو العليّة
حاصله قبل الشروع
لا بد ان يعلم ان الظن ليس كالعلم بان يقتضى بنفسه وبحيال ذاته الحجية مع قطع
النظر عن كل موجود ومعدوم بان يحدث فى نفس الظان من جهة كونه ظانا محرك عقلائى
يدعوه نحو الفعل بحيث يترتب على موافقته ومخالفته المثوبة والعقوبة مع كون الظان
محتمل لخلافه كما كان القطع كذلك لما عرفت انه بعد حصول القطع يحدث فى نفس القاطع
محرك عقلى وملزم عقلائى بحيث يرى نفسه مذموما فى
مخالفة قطعه
وممدوحا فى العمل على وفقه وهذا معنى وجوب اتباعه فالحجية تكون من لوازم القطع ومن
البين ان هذه خصوصية خاصة بوجود القطع يمتاز بها عن الظن والشك والامارات الظنية
كالخبر الثقة وظواهر الكلام والاجماع وامثال ذلك ليست كالقطع من ان الحجية من
لوازمها بنحو العلية.
بل
مطلقا وانّ ثبوتها لها محتاج الى جعل او ثبوت مقدّمات وطرو حالات موجبة لاقتضائها
الحجّية عقلا بناء على تقرير مقدّمات الانسداد بنحو الحكومة
اى ليست الحجية من
لوازم الامارة الغير العلمية لا بنحو العلية ولا بنحو الاقتضاء بان تكون حجة
بذاتها لكنها مشروطة بعدم المنع من الشارع اذ لو كان له اقتضاء الحجية لكان يكفى
فى اعتبارها مجرد عدم المانع عن الحجية وعدم ردع ومنع من الشرع عن العمل بها مع
انه لا يكفى قطعا بل ثبوت الحجية لها محتاج الى جعل من الشارع بان يكون الظن طريقا
مجعولا من قبل الشرع او طرو حالات موجبة لاقتضائها الحجية عقلا على تقدير مقدمات
الانسداد بنحو الحكومة بان تكون نتيجة مقدمات الانسداد هو العمل بالظن عقلا لا
الكشف اذ بناء على الكشف يكون الظن طريقا مجعولا من الشارع كيف وعدم كونه حجة
بنفسه ليس لاقتضاء ذاته عدمها حتى يكون ممتنعا بل لعدم الاقتضاء فيه بطرفى النقيض
بان لا يأبى عن كل واحد منهما ويقبل كل منهما مع وجود مرجح اقتضى ترجيح احدهما على
الآخر.
وذلك
لوضوح عدم اقتضاء غير القطع للحجّية بدون ذلك ثبوتا بلا خلاف ولا سقوطا
اى وذلك معلوم
بالوجدان واستقلال العقل بانه ليس فيه اقتضاء للحجية وانه اذا حصل الظن بالتكليف
لا يحكم العقل بكونه منجزا عند الاصابة وعذرا عند الخطاء مع دعوى نفى الخلاف فيه
ثبوتا اى فى مقام ثبوت التكليف واما فى مقام اسقاطه كما لو قام على الفراق واداء
المكلف به فقد ظهر الخلاف فيه عن بعض المحققين واشار المصنف اليه بقوله.
وان
كان ربّما يظهر من بعض المحقّقين الخلاف والاكتفاء بالظّن بالفراغ ولعلّه لاجل عدم
لزوم دفع الضّرر المحتمل فتامّل
قال المحقق
الخوانسارى على ما حكى عنه فى باب الاستصحاب اذا كان امر او نهى لفعل الى غاية
معينة مثلا فعند الشك فى حدوث تلك الغاية لو لم يمتثل التكليف المذكور لم يحصل
الظن بالامتثال والخروج عن العهدة وما لم يحصل الظن لم يحصل الامتثال فان ظاهره
كفاية الظن بسقوط الواقع بعد العلم بثبوته ولعل وجه اكتفائه بالظن هو انه اذا ظن
بالفراغ كان احتمال عدم الفراغ ضعيفا فيكون الضرر محتملا حينئذ فاذا بنى على عدم
لزوم الضرر المحتمل لم يجب الاعتناء باحتمال عدم الفراق وهو معنى حجية الظن.
هذا ولكن انت خبير
بما فيه وان الاكتفاء بالظن بالفراغ نظرا
الى عدم لزوم دفع
الضرر المحتمل كما عن المحققين لا يرتبط بباب الحجية التى هى محل الكلام اذ المراد
من كون الظن حجة فى مقام الفراغ ان الاعتماد عليه موجب للامن من الضرر بل القطع
بعدمه حيث ان شأن الحجية ان يقطع بعدم الضرر لا انه محتمل معها الضرر ولا يلزم
دفعه بحكم العقل ولعل قوله فتأمل اشارة الى ما ذكرنا مع احتمال ان يكون اشارة الى
ممنوعية صغرى تلك القاعدة فى باب الفراغ لكون الضرر قطعيا ببركة استصحاب عدم
اتيانه فلا تغفل.
فى امكان التعبد بالامارة الغير القطعية
ثانيها
فى بيان امكان التعبّد بالامارة الغير العلميّة شرعا وعدم لزوم محال منه عقلا فى
قبال دعوى استحالته للزومه
ذهب المشهور الى
الاول والمحكى عن ابن قبة هو الثانى ولا بد ان يعلم اولا ان المراد بالامكان
المتنازع فيه ليس هو الامكان الذاتى الذى عبارة عن كون الشيء فى حد ذاته غير آب عن
الوجود والعدم وهذا معنى كونه لا اقتضاء له بالنسبة اليهما ويقابله الامتناع
الذاتى وهو كون الشيء فى حد ذاته آبيا عن التحقق والثبوت كاجتماع الضدين او ارتفاع
النقيضين وذلك معلوم بالضرورة من الوجدان حيث ان الظن كما عرفت آنفا ليس مما يأبى
ذاته عن الحجية ويكون حاله حال ساير الممكنات الذاتية مع انه مناف لما يظهر من
دليل ابن قبة فى وجه الامتتاع من كون ـ الحجية مستلزما لترتب المحال عليها وهو
تحليل الحرام وعكسه فانه
صريح فى الامتناع
الوقوعى من جهة ان المحال مترتب على وقوعه كما انه من المعلوم انه ليس المراد
بالامكان الامكان الاحتمالى الذى عبارة عن عدم الجزم بكونه ممكنا او ممتنعا فيما
اذا احتمل كل واحد منهما فى الشيء الفلانى بمعنى ان الشيء الذى يحتمل ان يكون
ممكنا واقعا ويحتمل ان يكون ممتنعا واقعا لا يحكم جزما بامتناعه بمجرد كونه امرا
غريبا عندك ولا بامكانه بل يحتمل امكانه ويحتمل امتناعه حتى ينهض على احدهما قائم
البرهان وهذا معنى كلام المحكى عن شيخ ـ الرئيس كلما قرع سمعك من عجائب الاوهام
فذره فى بقعة الامكان ما لم يذدك عنه قائم البرهان وذلك واضح اذ يكفى فى الحكم
بهذا الامكان عدم الدليل على امتناعه او امكانه ولا يحتاج الى تجشم الاستدلال مع
ان المشهور القائلين بامكان التعبد به وابن قبة القائل بامتناعه يستدلون على
مطلبهم فتعين ان يكون المراد بالامكان هو الوقوعى وهو ما لم يلزم من فرض وجوده
محال ويقابله الامتناع الوقوعى والامكان بهذا المعنى فلا بد وعلى مدعيه اقامة
البرهان ويكفيه عدم العلم بالامتناع وحينئذ فان تمكنا من اقامة برهان على امكان
حجية الظن بهذا المعنى بحيث يحصل لنا القطع بذلك من ذلك البرهان وإلّا فإن اقام
دليل قطعى على الوقوع فهو دليل على الامكان ايضا لاخصية الوقوع من الامكان وإلّا
فخلينا واحتمال الصرف فلا نحكم عليه بالامكان الوقوعى وترتيب آثاره عليه ولا
بالامتناع ثم انه لو فرضنا عدم حصول القطع بامكان حجية الظن وبقى شاكا فى انه ممكن
وقوعا او ممتنع فهل لنا اصل ترجع اليه عند الشك ام لا بل لم يكن فى البين إلّا
امكان الاحتمالى إلّا ان يرد
دليل على الوقوع
حتى يستكشف منه الامكان الوقوعى ظاهر كلام شيخنا العلامة هو الاول حيث قال فى
الرسائل ما هذا لفظه واستدل المشهور على الامكان بانا نقطع بانه لا يلزم من التعبد
به محال ثم قال وفى هذا التقرير نظر اذا لقطع بعدم لزوم المحال فى الواقع موقوف
على احاطة العقل بجميع الجهات المحسنة والمقبحة وعلمه بانتفائها وهو غير حاصل فيما
نحن فيه فالاولى ان يقرر هكذا انا لا نجد فى عقولنا بعد التأمل فى ما يوجب
الاستحالة وهذا طريق يسلكه العقلاء فى الحكم بالامكان ومحصله انه جعل الاصل هو
الامكان عند الشك فحكم بان طريقة العقلاء الحكم بامكان شيء الذى لا يجدون وجها
لاستحالته ولكن المصنف لم يرض بهذا القول وقال.
وليس
الامكان بهذا المعنى بل مطلقا اصل متّبع عند العقلاء فى مقام احتمال ما يقابله من
الامتناع لمنع كون سيرتهم على ترتيب آثار الامكان عند الشّك فيه ومنع حجيّتها لو
سلّم ثبوتها لعدم قيام دليل قطعيّ على اعتبارها والظّن به لو كان فالكلام الآن فى
امكان التّعبّد بها وامتناعه فما ظنّك به
حاصل الكلام فيه
ان الامكان بهذا المعنى وهو ما لا يلزم من فرض وجوده محال الذى قد عرفت انه معنى
الامكان الوقوعى.
بل مطلقا ولو
بمعنى الامكان الذاتى ليس اصلا متبعا عند العقلاء فى مقام الشك فى الامكان لان
غاية تقريبه على ما يظهر من كلام شيخنا الانصارى وهذا طريق يسلكه العقلاء ان بناء
العقلاء وسيرتهم على ترتيب آثار الامكان الوقوعى على ما يحتملون امكانه وامتناعه
وقوعا
فيعاملون معه
معاملة القطع بالامكان ولكن فيه اولا منع السيرة.
وثانيا ان هذه
السيرة لو سلم ثبوتها ليس على حجيتها واعتبارها دليل قطعى والظن باعتبار هذه
السيرة لا يجدى لان الكلام فعلا فى امكان التعبد بالظن فلا يمكن ان يستدل على
الامكان المذكور بالظن الا على وجه دائر لان جواز الاعتماد على الظن المذكور يتوقف
على حجيته وحجيته تتوقف على امكان التعبد به وامكان التعبد به يتوقف على حجية
السيرة وحجية السيرة تتوقف على جواز الاعتماد على الظن بحجيتها فيلزم منه الدور
المحال وثالثا ان عمل العقلاء لعل لرجاء ادراك الواقع لا انهم يترتبون عليه آثار
الامكان والحكم به وهذا واضح جدا.
لكن
دليل وقوع التعبّد بها من طرق اثبات امكانه حيث يستكشف به عدم ترتّب محال من تالى
باطل فيمتنع مطلقا او على الحكيم تعالى فلا حاجة معه فى دعوى الوقوع الى اثبات
الامكان وبدونه لا فائدة فى اثباته كما هو واضح
حاصله انه لو كان
الدليل عليه هو القطع ففيه منع الصغرى ولو كان هو الظن فثبوت امكان حجيته وقوعا
اول الكلام بل يلزم الدور.
كما اشرنا اليه
آنفا والمصنّف استدل عليه بدليل الوقوع اى وقوع التعبد بالامارة الغير العلمية
شرعا ومن الواضح ان الوقوع من طرق اثبات الامكان بل هو من اقوى الدليل عليه حيث
يستكشف به عدم ترتب محال من تال باطل فيمتنع مطلقا على الحكيم وعلى غيره كما فى
اجتماع الضدين او ارتفاع النقيضين إذ هما محالان ذاتا او يمتنع على الحكيم خاصة
كما فى الالغاء فى المفسدة او تفويت فى المصلحة
وان لم يمتنع عن
غيره.
ومن المعلوم ان
دليل الوقوع يكشف عن عدم المحال لكونه صادرا عن الحكيم ومعه فلا حاجة فى دعوى
الوقوع الى اثبات الامكان لان الغرض من اثبات امكان التعبد بالامارات الغير
العلمية هو اثبات وقوعه خارجا ومع وقوع التعبد به خارجا لا حاجة الى اثبات الامكان
اصلا فان ادل الدليل على امكان الشيء وقوعه كما انه بدون اثبات وقوع التعبد
بالامارة لا فائدة فى اثبات الامكان ضرورة انه ليس مستلزما للوقوع والذى ينفعنا فى
مبحث الامارات هو وقوع التعبد بها لكى تقع فى طريق الاستنباط.
وقد
انقدح بذلك ما فى دعوى شيخنا العلّامة اعلى الله مقامه من كون الإمكان عند العقلاء
مع احتمال الامتناع اصلا
اى ومما ذكرنا من
منع السيرة او منع حجيتها لو سلم ثبوتها قد انقدح ما فى دعوى شيخنا العلامة اعلى
الله مقامه من كون الامكان اصلا بحيث اذا شكونا فى امكان شيء او امتناعه بنونا على
امكانه ومن المعلوم ان هذا الاصل لا دليل عليه الا السيرة العقلائية التى ادعاها
ولكن قد عرفت بما فيه اولا بمنع السيرة وثانيا ان هذه السيرة ليست على حجيتها دليل
قطعى والظن بحجيتها لا يجدى الاعلى وجه دائر.
والامكان
فى كلام الشّيخ الرئيس كلما قرع سمعك من الغرائب فذره فى بقعة الامكان ما لم يذدك
عنه واضح البرهان بمعنى الاحتمال المقابل للقطع والايقان ومن الواضح ان لا موطن له
الّا الوجدان فهو المرجع فيه بلا بيّنة وبرهان
دفع لما قد يتوهم
من انه لو لم يكن الامكان اصلا عند الشك فى امكان شيء وامتناعه لما كان للقاعدة
المذكورة فى كلام الشيخ الرئيس كلما قرء سمعك من الغرائب فذره فى بقعة الامكان ما
لم يذدك عنه واضح البرهان معنى وليس هذا إلّا دليلا على ما ادعاه الشيخ اعلى الله
مقامه من الحكم بالامكان عند الشك وانه طريق يسلكه العقلاء.
وقد دفعه المصنف
بان المراد فى كلامه من الامكان هو الامكان الاحتمالى الذى عبارة من عدم الجزم
بكونه ممكنا او ممتنعا فيما اذا احتمل كل واحد منهما فى الشيء الفلانى بمعنى ان
الشيء الذى يحتمل ان يكون ممكنا واقعا ويحتمل ان يكون ممتنعا لا يحكم جزما
بامتناعه بمجرد كونه امرا غريبا عندك ولا بامكان ما يحتمل امكانه او امتناع حتى
ينهض على احدهما قاطع البرهان فالمراد من كلامه هو الاحتمال المقابل للقطع
والايقان.
ومن الواضح ان
الامكان الاحتمالى من الامور الوجدانية لا يحتاج اثباته الى اقامة البرهان بل يكفى
فيه الرجوع الى الوجدان وبعبارة اخرى ان هذا المعنى غير قابل للنزاع لكون موطنه
الوجدان وما كان موطنه الوجدان فهو غير قابل لاقامة البرهان والنقض والابرام بين
الاعلام.
وكيف
كان فما قيل او يمكن ان يقال فى بيان ما يلزم التّعبّد بغير العلم من المحال او الباطل
ولو لم يكن بمحال امور
قد عرفت آنفا ان
مذهب المشهور هو امكان التعبد بالامارات الغير العلمية شرعا وعدم لزوم محال منه
عقلا فى قبال دعوى استحالته
وامتناعه وهو
المحكى عن ابن قبة وما يظهر من كلامه فى وجه الامتناع امور من تفويت المصلحة
والالقاء فى المفسدة ونقض الغرض واجتماع المثلين وطلب الضدين عدا التصويب فهو من
الباطل الذى ليس بمحال.
هذا حاصل ما قيل
مما يلزم التعبد بغير العلم واما ما يمكن ان يقال فهو عبارة عما اضافه المصنف الى
ما ذكرنا من المحاذير المتوهمة فى التعبد بها مما سيأتى مشروحا إن شاء الله وقد
شرع المصنف فى بيان المحاذير المتوهمة فى التعبد بالامارات الغير العلمية.
احدها
اجتماع المثلين من ايجابين او تحريمين مثلا فيما اصاب او ضدّين من ايجاب وتحريم
ومن ارادة وكراهة ومصلحة ومفسدة ملزمتين بلا كسر وانكسار فى البين فيما أخطأ او
التّصويب وان لا يكون هناك غير مؤدّيات الامارات احكام
الاول من المحاذير
المتوهمة هو اجتماع المثلين او الضدين او التصويب على سبيل منع الجمع والخلو لانه
لو ثبت التعبد بالظن فلا شبهة فى جعل حكم ظاهرى من قبل الامارة فحينئذ فلو كان
الواقع مجعولا وكان باقيا بعد جعل الثانى للزم اجتماع المثلين من ايجابين او
تحريمين فى صورة الاصابة واجتماع الضدين من ايجاب وتحريم ومن ارادة وكراهة ومصلحة
ومفسدة ملزمتين بلا كسر ولا انكسار فى صورة الخطاء وعدم الاصابة ولو لم يكن الواقع
مجعولا بل كان تابعا لجعل الامارة للزوم التصويب وهو ان لا يكون هناك حكم غير ما أدّت
اليه الامارة وما فى المتن بملزمتين بلا كسر ولا انكسار.
والظاهر انه قيد
للمصلحة والمفسدة حيث ان المصلحة والمفسدة اذا لم يقع بينهما كسر ولا انكسار من
حيث المقدار فى الحكم الشرعى فاجتماعهما هو المحال لاستلزامه اجتماع الوجوب
والحرمة وإلّا فاجتماع المصلحة والمفسدة مع كسر وانكسار بمكان من الامكان وليس
بينهما تضاد.
ثانيها
طلب الضدّين فيما اذا أخطأ وادّى الى وجوب ضدّ الواجب
الثانى من
المحاذير اللازمة للتعبد لزوم طلب الضدين فيما ادى الى وجوب ضد الواجب وهذا
المحذور انما يلزم فى الضدين كالجمعة والظهر مثلا فيما اذا كان الظهر واجبا وقامت
الامارة على وجوب الجمعة لوضوح لزوم كونهما واجبين على المكلف فى زمان واحد.
ثالثها
تفويت المصلحة او الالغاء فى المفسدة فيما ادّى الى عدم وجوب ما هو واجب او عدم
حرمة ما هو حرام وكونه محكوما بسائر الاحكام
الثالث من
المحاذير الواردة على التعبد بغير العلم هو تفويت المصلحة اذا ادى الى عدم وجوب ما
هو واجب وكونه محكوما بسائر الاحكام والالقاء فى المفسدة اذا ادى الى عدم حرمة ما
هو حرام وكونه محكوما بسائر الاحكام ايضا والسر فى ذلك انه لو لا جعل الامارة لعمل
المكلف بعلمه واذا جعلها يكون التفويت والالقاء من قبل الجاعل فهما قبيحان لا يصدر
من الحكيم ولقد اجاب المصنف عن المحاذير الثلاثة بقوله.
والجواب
انّ ما ادّعى لزومه امّا غير لازم او غير باطل
حاصله ان المحاذير
المتوهمة فى التعبد بها هى بين ما لا يلزم وان كان باطلا فهو اجتماع المثلين او
الضدين وطلب الضدين وبين ما ليس بباطل وان كان لازما فهو تفويت المصلحة والالقاء
فى المفسدة فالباطل منه غير لازم واللازم منه غير باطل.
وذلك
لانّ التّعبّد بطريق غير علمى انّما هو بجعل حجيّته والحجّية المجعولة غير مستتبعة
لانشاء احكام تكليفيّة بحسب ما ادّى اليه الطريق بل انّما تكون موجبة لتنجّز
التكليف به اذا اصاب
وصحّة
الاعتذار به اذا أخطأ ولكون مخالفته وموافقته تجرّيا وانقيادا مع عدم اصابته كما
هو شان الحجّة الغير المجعولة فلا يلزم اجتماع حكمين مثلين او ضدّين ولا طلب
الضّديّن ولا اجتماع المفسدة والمصلحة ولا الكراهة والارادة كما لا يخفى
حاصله ان الحجية
امر اعتبارى قابل لتعلق الجعل بها ابتداء كالولاية والزوجية والملكية ونحوها
وموضوعها نفس الظن واثرها عقلا تنجز الواقع عند الاصابة والعذر عنه عند المخالفة
وكون موافقتها انقيادا ومخالفتها تجريا كالحجية الذاتية الغير المجعولة كالقطع
فكما تترتب هذه الآثار على الحجية الذاتية تترتب على الحجية المجعولة.
وليس معنى التعبد
بالظن الا ذلك من دون استتباع الحجية
المجعولة لانشاء
حكم تكليفى ظاهرى على طبق مؤديات الطرق فى قبال الاحكام الواقعية كى يلزم منها
اجتماع المثلين عند الاصابة واجتماع الضدين من ايجاب وتحريم وارادة وكراهة ومصلحة
ومفسدة عند الخطاء وطلب الضدين اذا أدّت الامارة الى وجوب ضد الواجب.
وذلك لان المصلحة
مهما اقتضت والحكمة اذا دعت الى جعل طريق ظنى حجة فلا محالة يصير ذلك الطريق مما
يصح الاحتجاج به ويكون قاطعا للعذر ومع كونه حجة من قبل المولى لا يبقى عذر للعبد
فى المخالفة ويكون مذموما على ترك العمل على طبقه.
ومتى كان العبد
بصدد الاطاعة والانقياد كفى به داعيا وباعثا على اتيان ما قامت عليه الحجة من دون
حاجة الى جعل حكم ظاهرى بداعى البعث والتحريك.
وامّا
تفويت مصلحة الواقع او الالقاء فى مفسدته فلا محذور فيه اصلا اذا كانت فى التّعبّد
به مصلحة غالبة على مفسدة التّفويت او الالقاء
نعم يبقى اشكال
التفويت والالقاء ونقض الغرض ولكن يدفع بانه لو كان فى فعل الشارع وهو جعل هذا حجة
مصلحة اقوى واهم تسهيلا كان او غيره من مصلحة ادراك الواقع فلا قبح فى جعله طريقا
الى الواقع ولو كان تفويتا او إلقاء بل القبح فى ترك جعل هذا حجة وليس كل تفويت او
القاء حرام.
كيف ويختلف الحسن
والقبح بالوجوه والاعتبار.
وبهذا يعلم انه لا
حاجة الى الالتزام بالمصلحة المتداركة الكائنة
فى نفس المؤدى
بناء على السببية او فى السلوك او فى التعبد تفضلا حيث انه يكفى فى الخروج عن
القبح ان يكون لفعل الشارع مصلحة مجوزة له عاد الى المكلف شيء ام لم يعد وليس هذا
النقض للغرض احيانا فى صورة المخالفة قبيحا بعد مزاحمته بغرض اقوى منه واتم.
نعم
لو قيل باستتباع جعل الحجّية للاحكام التّكليفيّة او بانّه لا معنى لجعلها الّا
جعل تلك الاحكام فاجتماع حكمين وان كان يلزم الّا انّهما ليسا بمثلين او ضدّين
قد مر غير مرة ان
المجعول فى باب الطرق والامارات ليس حكما تكليفيا حتى يتوهم التضاد بينه وبين
الحكم الواقعى بل المجعول هو الحجية ابتداء وهى من الاحكام الوضعية المتأصلة
مماتنا لها يد الجعل بتتميم كشفها فانه لا بد فى الطريق الغير العلمى من ان يكون
له جهة كشف عن الواقع كشفا ناقصا فأتمه الشارع بجعل الحجية له وتنزيله منزلة العلم
بتتميم نقص كشفه واحرازه من غير ان يستتبع جعل احكام ظاهرية على طبق مؤديات الطرق
والامارات من وجوب او حرمة او غيرهما.
وهو مختاره فى
المتن خلافا للشيخ حيث ذهب الى ان الاحكام الوضعية كلها منتزعة عن الاحكام
التكليفية التى تكون فى موردها فعلى مختاره فى المتن فليس فى باب الطرق والامارات
حكم ينافى الواقع ليقع فى المحاذير المتوهمة من التضاد او التصويب بل ليس حال
الطريق الغير العلمى المخالف الا كحال العلم المخالف فلا يكون فى البين الا الحكم
الواقعى فقط اصاب او لم يصب فانه عند الاصابة يوجب
تنجز الواقع وصحة
المؤاخذة عليه وعند عدم الاصابة يوجب المعذورية وعدم صحة المؤاخذة عليه من دون ان
يكون هناك حكم آخر كالعلم.
هذا كله على القول
بان نفس الحجية امر اعتبارى قابل لتعلق الجعل به ابتداء من دون استتباع جعل الحجية
للاحكام التكليفية واما على القول بانه لا معنى لجعل الطرق والامارات إلّا جعل تلك
الاحكام بان تكون الحجية من الوضع المنتزع من التكليف فالمجعول حقيقة هو التكليف او
قيل بانه لا معنى لجعل الحجية إلّا جعل تلك الاحكام بمعنى ان جعل تلك الاحكام
يستتبع جعل الحجية لا محالة فهما متلازمان لا ينفك احدهما عن الآخر.
فيتوجه اشكال
التضاد ولا بد من دفعه وقد اجاب المصنف عن الاشكال بان المجعول وان كان حكما
تكليفيا إلّا ان مثل هذا الحكم لا ينافى الحكم الواقعى ولا يلزم من جعله احد
المحاذير المتوهمة من اجتماع المثلين او الضدين.
لانّ
احدهما طريقى عن مصلحة فى نفسه موجبة لانشائه الموجب للتّنجّز او لصحّة الاعتذار
بمجرّده من دون ارادة نفسانيّة او كراهة كذلك متعلّقة بمتعلّقه
حاصله ان الاحكام
الظاهرية المجعولة على طبق مؤديات الطرق والامارات احكام طريقية ناشئة عن مصلحة فى
نفسها وموجبة لتنجز التكليف الواقعى عند الاصابة وصحة الاعتذار عند المخالفة من
دون ان تكون عن
مصلحة او مفسدة فى متعلقاتها من الاحكام الواقعية اذا الطريقية متقومة بعدم مصلحة
ما وراء مصلحة الواقع فى متعلقها.
وحيث انه ليس فى
مورد الامر الطريقى مصلحة زائدة عن مصلحة الواقع فلا يعقل ان تكون فى مورده ارادة
اخرى وان يكون فى مورده بعث آخر فلا محالة يكون الانشاء بداعى تنجز الواقع فلا
دعوة لنفسه بما هو.
ولذا ليس لهذا
الامر الطريقى بما هو ، مخالفة او موافقة نعم هو موجب لتنجز الامر الواقعى بمعنى
ان مخالفة التكليف الذى قام عليه ـ الطريق خروج عن رسوم العبودية فيكون ظلما على
المولى وموجبا لاستحقاق الذم والعقاب وبهذا التقريب يندفع المحاذير كلها هذا حاصل
ما افاده قدسسره فى الجواب عن الاشكال هنا وقد اجاب عنه فى حاشيته على
الرسائل ما لفظه.
اعلم ان كثيرا من
الاشكالات على التعبد بالظن وما تقدم من وجوه التفصى عنها انما يبتنى على كون ما
يؤدى اليه الامارات فى صورة الخطاء احكاما حقيقة شرعية.
واما بناء على كون
مؤدّياتها فى الصورة احكاما صورية كما هو التحقيق ناشية من اطلاق اعتبار حجيتها من
دون الاناطة بصورة الاصابة لعدم امكان هذه الاناطة لعدم التميز بين الصورتين وإلّا
كان المقصود الاصلى هو التوصل بها الى الاحكام الواقعية فى صورة الاصابة ولا ينافى
ذلك جعلها حجة ولو مع التمكن منها فى صورة انفتاح باب العلم
بها اذا كانت هناك
حكمة موجبة لذلك.
فلا مجال لتوهم
الاشكال بلزوم التصويب او اجتماع الحكمين المتضادين والمصلحة والمفسدة والمحبوبية
والمبغوضية انتهى كلامه.
حاصل ما افاده قدسسره هو ان الامر الطريقى وان كان امرا مولويا حقيقة إلّا ان
موافقته ومخالفته بعين موافقة الواقع ومخالفته فمخالفته عند عدم الاصابة تكون
تجريا لا عصيانا وكذا موافقته كذلك تكون انقيادا لا اطاعة.
وهذا يكشف عن ان
الانشاء فى صورة الخطاء يكون حكما صوريا لا امرا حقيقيا فان قضية عدم التميز بين
صورة الصواب والخطاء جعل ـ الانشاء بحيث يشمل صورة الخطاء فان المقصود من قوله «ع»
صدق ـ العادل تنجز الواقع فى صورة الاصابة إلّا انه عند عدم امكان قصر الامر على
هذه الصورة لمكان عدم التميز عند المكلف عمم الحكم الى صورة الخطاء ومن الواضح عدم
لزوم المحاذير فى صورة الخطاء مع انتفاء الطلب الحتمى وعدم الارادة وعدم المصلحة
فى الجعل وعدم المحبوبية فى هذه الصورة.
وبهذا البيان وان
كان يرتفع الاشكال من اجتماع الحكمين المتضادين والمصلحة والمفسدة والمحبوبية
والمبغوضية إلّا انه لا ينهض دفعا لمحذور اجتماع المثلين فى صورة الاصابة فلا
محاله لا ينطبق على ما افاده فى هذا المقام فانه قدسسره بصدد اثبات امر يندفع به المحاذير المتوهمة باسرها.
واما على التقريب
المتقدم من عدم البعث فى الامر الطريقى
وعدم الارادة
والكراهة فى مورده مطلقا أخطأ او اصاب يندفع المحاذير كلها ومما ذكرنا ظهر لك ان
الفرق بين الحكم الحقيقى والطريقى هو ان الاول معه ارادة وكراهة والثانى لا ارادة
ولا كراهة معه ولكن.
فيما
يمكن هناك انقداحهما حيث انّه مع المصلحة او المفسدة الملزمتين فى فعل وان لم يحدث
بسببها ارادة او كراهة فى المبدا الأعلى الّا انّه اذا اوحى بالحكم الشّأني من قبل
تلك المصلحة او المفسدة الى النبى أو ألهم به الولى فلا محالة ينقدح فى نفسه
الشريفة بسببها الارادة او الكراهة الموجبة للانشاء بعثا او زجرا.
حاصله ان الفرق
بين الحكم الحقيقى والطريقى بالنحو الذى ذكرنا وان الاول معه إرادة او كراهة
والثانى لا ارادة معه ولا كراهة ليس بالاضافة الى المبدا الأعلى جل جلاله بل بالنسبة
الى النبى او الولى وإلّا فلا فرق بين الحكمين بالاضافة الى المبدا الاعلى فى عدم
انقداح ارادة او كراهة فانه جل جلاله ليس محلا للحوادث كالارادة والكراهة ونحوهما
بل تكون الارادة والكراهة فيه تبارك وتعالى بمعنى العلم بالمصلحة وبالمفسدة والعلم
عين ذاته.
والحاصل ان الفرق
بين الحكمين بالارادة والكراهة انما هو فيما يمكن انقداحهما فى مثل النبى (ص) او
الولى (ع) فان الحكم الحقيقى يقترن بالارادة فى نفس النبى والولى الموظف لتبليغ
الاحكام او انشائها وذلك بخلاف الحكم الطريقى بالمعنى الذى ذكرناه فلا إرادة ولا
كراهة لمتعلق الحكم الطريقى فى نفوسهما ايضا كما لا تكون فى المبدا الاعلى واليه
اشار بقوله
وبالجملة انه مع
المصلحة الملزمة فى فعل كصلاة الواجب المشتملة على المصلحة الملزمة ومع المفسدة
الملزمة فى فعل كالخمر المشتملة على المفسدة الملزمة وان لم يحدث بسببهما ارادة او
كراهة فى المبدا الاعلى إلّا انه اذا اوحى بالحكم الشأنى من قبل تلك المصلحة او
المفسدة الى النبى او الهم به الوصى فلا محالة ينقدح فى نفسهما الشريفة بسبب هذه
المصلحة او المفسدة الارادة او الكراهة الموجبتان للانشاء بعثا او زجرا.
بخلاف
ما ليس هناك مصلحة او مفسده فى المتعلّق بل انّما كانت فى نفس انشاء الامر به
طريقيا والآخر واقعى حقيقى.
اى بخلاف الحكم
الطريقى الذى ليس هناك مصلحة او مفسدة فى المتعلق بل انما كانت المصلحة فى نفس
الامر به طريقا الى الواقع وكان اثره تنجز التكليف الواقعى عند الاصابة والاعتذار
عند المخالفة فان قلت هذا الفعل الذى اخبر بوجوبه العادل مع حرمته واقعا هل معه
ارادة من المكلف من جهة كون ايجاد هذا الفعل محقق لتصديق العادل ام لا ارادة له
حقيقة فعلى الاول لزم اجتماع الارادتين وعلى الثانى لزم القول بان الحكم الظاهرى
انشاء محض فيرجع الامر الى الالتزام بفعلية الحكم الواقعى وإنشائية الحكم الظاهرى
الطريقى.
وهذا وان يرتفع به
التناقض لكن الامر الانشائى المحض لا يترتب عليه اثر تنجز الواقع قلت ليس هذا
الحكم انشائيا محضا حتى لا يترتب عليه اثر بل هو فعلى ايضا.
غاية الامر حقيقة
فعلية الامر الطريقى ان ينشأ وجوب تصديق
العادل بداعى حفظ
الواقع مع تعلق الارادة الجدية بهذا الانشاء كما ان حقيقة الامر الامتحانى هو
انشاء الوجوب بداعى الامتحان مع تعلق الارادة الجدية بهذا الانشاء.
غاية الامر لكل
انشاء اثر مرغوب لا يترتب على الآخر فاثر الانشاء الطريقى هو تنجز الواقع به مع الاصابة
والعذر على المخالفة ولا يترتب عليه العقوبة والمثوبة بل هما من آثار الواقع كما
ان اثر الانشاء بداعى ارادة الجدية بالمنشاة به هو الثواب على الموافقة والعقاب
على المخالفة والتنجز على فرض تعلق العلم به فهذا الانشاء الطريقى حكم فعلى طريقى
والحاصل ان اجتماع الحكمين وان كان يلزم إلّا انهما ليسا بمثلين ولا بضدين بل كان
احد الحكمين وهو المستفاد من قول الزرارة المجعول حجة طريقيا صوريا وكان الآخر
واقعيا حقيقيا ناش.
عن
مصلحة او مفسدة فى متعلّقه موجبة لارادته او كراهته الموجبة لانشائه بعثا او زجرا
فى بعض المبادى العالية وان لم يكن فى المبدا الاعلى الّا العلم بالمصلحة او
المفسدة كما اشرنا.
اى الحكم الحقيقى
هو الناشئ عن مصلحة او مفسدة فى متعلقه وتلك المصلحة او المفسدة كانت موجبة
لارادته وكراهته وتلك الارادة والكراهة كانت موجبة لانشائه بعثا لو كان المتعلق ذا
مصلحة او زجرا لو كان المتعلق ذا مفسدة والارادة والكراهة تكونان فى بعض المبادى
العالية كالنبى والولى وان لم يكن فى المبدا الاعلى إلّا العلم بالمصلحة او
المفسدة كما اشرنا اليه سابقا من ان الله تعالى جل جلاله ليس محلا للحوادث
كالارادة والكراهة ونحوهما فلا محالة تكون الارادة
والكراهة فيه
تبارك وتعالى بمعنى العلم بالمصلحة او بالمفسدة والعلم عين ذاته.
فلا
يلزم ايضا اجتماع ارادة وكراهة وانّما لزم انشاء حكم واقعى حقيقى بعثا او زجرا.
وانشاء
حكم آخر طريقى ولا مضادّة بين الانشائين فيما اذا اختلفا ولا يكون من اجتماع
المثلين فيما اتّفقا ولا ارادة ولا كراهة اصلا الّا بالنّسبة الى متعلّق الحكم
الواقعى فافهم.
حاصله ان كان مفاد
دليل الأمارات جعل الحكم الظاهرى المولوى الطريقى فيندفع به المحاذير المتقدمة
كلها حيث انه لا اجتماع هنا حقيقة لا فى مقتضيات الحكم من المصلحة والمفسدة ولا فى
نفسه ولا فى اثره اما فى الاول فلان المصلحة المسببة عنه الحكم الظاهرى انما تكون
فى غير الفعل يعنى فى الجعل والمصلحة المسببة عنه الحكم الواقعى انما تكون فى نفس
الفعل وهو الصلاة.
ثم المصلحة
الواقعية تصير سببا لانشاء الحكم الواقعى كما تصير المصلحة فى الجعل سببا لانشاء
الحكم الطريقى ومن المعلوم انه لا منافات بين الانشائين ولا بين المصلحتين.
واما فى الثانى
فلان حقيقة الحكم عبارة عن الارادة الجدية وهى فى الله عين العلم بالاصلح ومن
البديهى انه لا تنافى بين العلم بالمصلحة الثابتة فى نفس الفعل وبين العلم
بالمصلحة الكائنة فى غيره.
واما فى الثالث
فلان اثر حكم الواقعى هو تنجزه على فرض
تعلق العلم به
واثر الحكم الطريقى ايضا تنجز الواقع على الاصابة والعذر على المخالفة ولا منافات
بين الاثرين ايضا فان اثر الثانى من من مقتضيات اثر الاول هذا غاية ما يقال فى
توجيه مرامه قدسسره.
ولكن يشكل بان
الحكم الذى لا يكون حاكيا عن الارادة والكراهة لا يكون موضوع اثر فى نظر العقل ولا
يترتب عليه شيء من الحركة والسكون اصلا فكيف يترتب عليه تنجز الواقع او العذر فى
مخالفته ولعل ما فى عبارته فافهم اشارة الى ما ذكرنا.
نعم
يشكل الامر فى بعض الاصول العملية كاصالة الاباحة الشّرعية
حاصله انه يشكل
الامر فى الاحكام الغير الطريقية المجعولة لموضوع المشكوك بوصف كونه مشكوكا كاصالة
الاباحة الشرعية المستفادة من قوله كل شيء لك حلال واصالة البراءة ونحوهما حيث انه
لم يلاحظ فيها جهة حفظ الواقع حتى يجرى فيها ما يجرى فى الامر الطريقى فالحلية
المجعولة فى اصالة الحل تناقض الحرمة الواقعية اذ لو شككنا فى شيء وكان محرما
واقعا لزم كونه حلالا لقوله كل شيء لك حلال وحراما لفرض انه محرم فى الواقع.
فانّ
الاذن فى الاقدام والاقتحام ينافى المنع فعلا كما فيما صادف الحرام وان كان الاذن
فيه لاجل مصلحة فيه لا لأجل عدم مصلحة او مفسدة ملزمة فى الماذون فيه
بداهة ان الاذن فى
الاقدام والاقتحام فى المشكوك المستفاد من
دليل الحل ينافى
المنع فعلا كما فى ما صادف الحرام وان كان الترخيص والاذن لاجل مصلحة فى نفس
الاباحة لا لاجل عدم مصلحة او مفسدة ملزمة فى المأذون فيه فاذا شك فى خمرية مائع
مثلا فالاذن والترخيص فى شربه وان كان لاجل مصلحة فى نفس الاذن لا لعدم مفسدة فى
الفعل.
ولكن مع ذلك ينافى
الحرمة الواقعية على تقدير كون المائع خمرا واقعا ثم انه قدسسره لم يتعرض لسائر الاصول كالاستصحاب وقاعدة التجاوز واصالة
الصحة وامثال ذلك من الاصول العلمية التى لها جهة كشف وإراءة الى الواقع لامكان ان
نلتزم فيها بجعل احكام ظاهرية طريقية كما فى الامارات فيكون حالها كحال الامارات
من حيث جريان الجواب فيها.
هذا بخلاف مثل
قاعدة الحل واصالة البراءة ونحوهما مما لا نظر له الى الواقع اصلا فيختص الاشكال
به دون ما له جهة كشف وإراءة الى الواقع ومجرد كون الاذن لاجل مصلحة فى نفسه لا
لاجل مفسدة ملزمة او عدم مصلحة فى المأذون فيه لا ينهض لدفع الاشكال.
فلا
محيص فى مثله الّا عن الالتزام بعدم انقداح الارادة او الكراهة فى بعض المبادى
العالية ايضا كما فى المبدا الاعلى
حاصله انا نلتزم
بان الحكم الواقعى شأنى فى مورد هذه الاحكام كما هو قضية ادلة الاصول مثل كل شيء
حلال حتى تعلم انه حرام حيث ان الغاية تدل على انه لا حرمة حيث لا علم بل بالعلم
ثبت الحرمة فلا يكون معه ارادة ولا كراهة فى جميع المبادى العالية اذ لا يمكن ان
يكون
مثل النبى «ص» قد
اذن حقيقة بفعل ما اراد تركه حقيقة بقى هنا اشكال وهو انه اذا كان الحكم الواقعى
شانيا ولا يكون معه ارادة ولا كراهة فى جميع المبادى العالية كيف يتنجز بقيام
الامارة عليه وقد اجاب عنه المصنف بقوله.
لكنّه
لا يوجب الالتزام بعدم كون التكليف الواقعى بفعلى بمعنى كونه على صفة ونحو لو علم
به المكلّف لتنجّز عليه كسائر التكاليف الفعليّة الّتي تنجّز بسبب القطع بها وكونه
فعليّا انّما يوجب البعث او الزّجر فى النّفس النبويّة او الولويّة فيما اذا لم
ينقدح فيها الاذن لاجل مصلحة فيه
حاصله ان الاحكام
الواقعية التى قامت الامارة او الاصل على خلافها فعلية غير منجزة والاحكام
الظاهرية كلها فعليه منجزة ومعنى فعلية الاحكام الواقعية هنا حسب ما بيناه فى بحث
القطع مفصلا هو وصولها الى مرتبة الابلاغ والاجراء والانفاذ ومن المعلوم ان الحكم
اذا بلغ هذه المرتبة بحيث صار الشارع بصدد ابلاغه للناس وانفاذه فيهم صار فعليا
بحيث لو تعلق به العلم لتنجز وللمولى فى هذه المرتبة من الحكم ارادة انشائية
وكراهة وبعث وزجر كذلك كما هو الظاهر من عبارته السابقة ما لفظه اذا التكليف ما لم
يبلغ مرتبة البعث والزجر لم يصر فعليا وما لم يصر فعليا لم يبلغ مرتبة التنجز
واستحقاق العقوبة على المخالفة.
فظهر انه لا معنى
لحمل الحكم الواقعى على الشانى الصرف ضرورة ان الحكم الانشائى الصرف لا معنى لجعل
الطريق اليه لعدم
ترتب اثر على
الحكم الانشائى من حيث هو بل يكون فعليا غير منجز ويكون على طبقه ارادة شأنية
وكراهة وبعث وزجر كذلك.
ومع العلم يصير
فعليا منجزا نعم يمتنع البعث والزجر قبل حصول العلم وقبل او ان وصول التكليف الى
المكلف لعدم الانبعاث من ناحية بعث الشارع قبله.
ولكن مع ذلك ليس
وزان الاحكام الواقعية وزان الانشاء المحض فانها احكام بتية لا حالة منتظرة فيها
الا جهل المكلف بها فلا محاله تكون فى موردها ارادة انشائية فى النفس النبوية
والولوية بحيث اذا وصل الحكم الى المكلف وعلم به صارت الارادة فعلية فى نفس النبى
والولى فالحكم الواقعى فى قوة ان يصير منجزا بعد العلم فلا بد ان يكون بعثا شأنيا
وفى مورده ارادة شأنية قبل العلم به وبالعلم يبلغ الى المرتبة الفعلية بعثا
وارادة.
فلا يرد عليه ما
توهمه بعض الاعاظم من المحشين قال الحكيم فى تعليقته على الكفاية ما هذا لفظه.
نعم يبقى الاشكال
فى انه اذا كان الحكم الواقعى ليس معه ارادة ولا كراهة كيف يتنجز بالعلم مع ان
الحكم الفعلى انما يتنجز بالعلم باعتبار كونه حاكيا عن الارادة او الكراهة وليس له
موضوعية فى المحركية فالالتزام بعدم الارادة والكراهة الحقيقيتين مع كونه بحيث لو
علم به لتنجز التزام بالمتنافيين الى ان قال.
ومنه يظهر ان قيام
الامارة على تلك الاحكام لا يكون منجزا لها ولو مع الاصابة اذ ليس حال الامارة
اولى من العلم فى المنجزية فالتنجز
لا يستند الى
الامارة القائمة عليها اصلا كما هو ظاهر بالتأمل.
ومنه يظهر انه لا
وجه لتسمية الحكم المذكور فعليا بكل معنى الا مجرد اصطلاح ويكون حينئذ تسميته
بالفعلى محض تسمية بلا خارجية انتهى كلامه رفع مقامه.
حيث ان مراده من
نفى الارادة والكراهة هو نفى الفعلية لا نفى الانشائية.
ومراده من نفى
البعث والزجر هو نفى الفعلية فقط بداهة ان الحكم الواقعى ليس انشائيا محضا ولم
يحدث الحكم الفعلى دفعة من كتم العدم الى دار الوجود بمجرد علم المكلف بل صار ذلك
الحكم فعليا بعد تعلق العلم به فالحكم الواقعى كما بيناه آنفا فى قوة ان يصير
فعليا حتميا بعد تعلق فلا بد ان يكون بعثا شأنيا وفى مورده ارادة شأنية قبل العلم
به وبالعلم به يبلغ الى المرتبة الفعلية بعثا وزجرا.
فانقدح
بما ذكرنا انّه لا يلزم الالتزام بعدم كون الحكم الواقعى فى مورد الاصول والامارات
فعليّا كى يشكل تارة بعدم لزوم الاتيان حينئذ بما قامت الامارة على وجوبه ضرورة
عدم لزوم امتثال الاحكام الانشائيّة ما لم تصر فعليّة ولم تبلغ مرتبة البعث
والزّجر ولزوم الاتيان به ممّا لا يحتاج الى مزيد بيان واقامة برهان
اى قد انقدح مما
ذكرنا من ان التكاليف الواقعية التى اقامت الامارات او الاصول على خلافها فعلية
منجزة بمعنى كونها على صفة لو علم بها المكلف لتنجزت عليه انه لا يلزم من الالتزام
بعدم كون الحكم الواقعى
فعليا ان يكون
الحكم الواقعى انشائيا محضا حتى يرد عليه ان القول بشأنية الحكم الواقعى فى موارد
الطرق غير نافع.
حيث ان الحكم
الانشائى الصرف لا معنى لجعل الطريق اليه لعدم ترتب اثر على الحكم الانشائى من حيث
هو وعدم لزوم امتثال الاحكام الانشائية المحضة ما لم تبلغ مرتبة الفعلية ؛ لما
بيناه من انه ليس وزان الاحكام الواقعية وزان الانشاء المحض فانها احكام بتية لا
حالة منتظرة فيها الا جهل المكلف بها فالحكم الواقعى فى قوة ان يصير منجزا بعد
العلم.
لا
يقال لا مجال لهذا الأشكال لو قيل بانّها كانت قبل اداء الامارة اليها انشائيّة
لانّها بذلك تصير فعلّية تبلغ تلك المرتبة
حاصله انا نلتزم
بان الاحكام الواقعية فى مورد الطرق والامارات انشائية محضة ولكن لا مجال للاشكال
بان شأنية الحكم الواقعى فى مورد الطرق غير نافع لعدم ترتب اثر عملى على الحكم
الانشائى وعدم لزوم الاتيان حينئذ بما قامت الامارة على وجوبه لان الاحكام
الواقعية وان كانت قبل تعلق الامارة بها وادائها اليها انشائية ولكنها باداء
الامارة اليها تصير فعلية.
فانّه
يقال لا يكاد يحرز بسبب قيام الأمارة المعتبرة على حكم انشائى لا حقيقة ولا تعبّدا
الّا حكم انشائى تعبّدا لا حكم إنشائىّ أدّت اليه الامارة امّا حقيقة فواضح وامّا
تعبّدا فلانّ قصارى ما هو قضيّة حجيّة الامارة كون مؤدّاها هو الواقع تعبّدا لا
الواقع الّذي أدّت اليه الامارة فافهم
حاصله انه اذا قام
الامارة على حكم انشائى لا يحرز بقيامها عليه ـ الا حكم انشائى تعبدا لا حكم
انشائى متصف بكونه أدّت اليه الامارة اذ غاية ما تقضيه ادلتها ثبوت مؤدى الامارة
على ما هو عليه فلو أدّت الامارة الى حكم انشائى كان قيام الامارة موجبا لثبوت حكم
انشائى فكيف يكون فعليا بذلك نعم لو دل دليل على ان كل حكم انشائى قامت على ثبوته
الامارة يكون فعليا كان قيام الامارة من متممات فعلية الحكم ولكن الفعلية والتنجز
حينئذ يكونان مستندان الى الدليل الثانى لا دليل حجيته الامارة.
والحاصل ان
الامارة لا يحرز بها لا حقيقة ولا تعبدا الا ما هو الثابت فى الواقع والمفروض ان
الثابت فى الواقع هو الانشائى المحض ولا يحرز بها الحكم الانشائى الذى أدّت اليه
الامارة حتى يكون الحكم الانشائى ببركة هذا القيد فعليا بحيث لو قامت الامارة على
الانشائى الذى أدّت اليه الأمارة فقد قامت على الحكم الفعلى فيتنجز.
وقوله فافهم لعله
اشارة الى ان قيام الطريق على الحكم لو فرض اقتضاؤه ثبوت الواقع بوصف كونه مما
قامت عليه الامارة لم ينفع فى اثبات الفعلية ما لم يقم دليل آخر على ان كل حكم
انشائى قامت عليه الامارة يثبت فعليا تعبدا ولو فرض قيام دليل آخر على ان كل حكم
انشائى قامت على ثبوته الامارة يكون فعليا ويثبت وان كان موجبا لفعلية الواقع إلّا
ان فعليته يكون مستندا الى هذا الدليل لا دليل حجية الأمارة.
اللهم
الّا ان يقال انّ الدّليل على تنزيل المؤدّى منزلة الواقع الذي صار مؤدّى لها هو
دليل الحجّية بدلالة الاقتضاء
يعنى ان دليل حجية
الامارات القائمة على الاحكام الواقعية كاشف عن بلوغ الحكم الانشائى الى رتبة
الفعلى وان الامارة فى صورة الاصابة كاشفة عن الارادة الفعلية والبعث والزجر
بالنسبة الى الحكم الواقعى ولو لا ذلك كان التعبد بها لغوا لا يليق بالمولى الحكيم
فبدلالة الاقتضاء وصون كلام الحكيم من اللغوية لا بد من حمل دليل الحجية على تنزيل
المؤدى منزلة الواقع الذى أدّت اليه الامارة اى الواقع الذى بلغ من رتبة الانشائى
الى رتبة الفعلى لا الانشائى الصرف حتى يكون التنزيل بلا فائدة.
لكنّه
لا يكاد يتمّ الّا اذا لم يكن للاحكام بمرتبتها الانشائيّة اثر اصلا والّا لم يكن
لتلك الدلالة مجال كما لا يخفى
حاصله ان دلالة
الاقتضاء انما يتم اذا لم يكن للاحكام بمرتبتها الانشائية اثر اصلا واما اذا كان
لها اثر يصح جعل الحجية للامارة بلحاظ ذلك الاثر فلا مجال لتلك الدلالة يعنى دلالة
الاقتضاء وصون كلام الحكيم من اللغوية وقد عرفت من ان موافقة الحكم الانشائى مما
يوجب استحقاق المثوبة وان لم يوجب مخالفته استحقاق العقوبة فيكون حكم الانشائى ذا
اثر شرعى ولكن قد عرفت منا ان الانشائى ليس حكما حقيقة فضلا عن كونه ذا اثر شرعى
واخرى
بانّه كيف يكون التّوفيق بذلك مع احتمال احكام فعليّة بعثيّة او زجريّة فى موارد
الطّرق والاصول العملية المتكلّفة لاحكام فعلّية
حاصله ان موضوع
الاصول يكون هو الشك فى الحكم الواقعى والتعبد بالامارات يكون فى حال الجهل
بالواقع وان لم يكن الجهل بالواقع موضوعا
لها ولكن من
المعلوم ان المراد من الشك والاحتمال فى الحكم الواقعى ليس هو الشك والاحتمال فى
الحكم الواقعى الشأنى الانشائى.
وليس هذا موضوعا
للاصول ولا موردا للأمارات لوضوح ان مقصود الشارع من جعل الطرق والاصول الترخيص فى
ارتكاب المشكوك توسعة ومنة على المكلف فى الاصول الشرعية وتنجيز الواقع فى
الامارات ولا يكون ذلك فى صورة كون حكم الواقعى انشائيا لا يجب امتثاله ولا يوجب
كلفة على المكلف فى صورة العلم به فضلا من صورة الشك والاحتمال فلا محالة يكون
الموضوع هو الشك فى الحكم الواقعى الفعلى فحينئذ يلزم احتمال المتنافيين.
ضرورة
انّه كما لا يمكن القطع بثبوت المتنافيين كذلك لا يمكن احتماله فلا يصحّ التوفيق
بين الحكمين بالتزام كون الحكم الواقعى الّذي يكون مورد الطّرق انشائيا غير فعلي
اى كما لا يمكن
القطع بالمتنافيين كذلك لا يمكن احتماله فلا يصح التوفيق بين الحكمين بالتزام كون
الحكم الواقعى الذى يكون موردا للطرق انشائيا فينحصر التفصى بما بيناه لك وهو كون
الحكم الواقعى فعليا تعليقيا لا حتميا تنجيزيا ولا يصح التوفيق بين الحكمين
بالالتزام بكون الحكم الواقعى انشائيا كما ذهب اليه الشيخ (ره)
كما
لا يصحّ التّوفيق بانّ الحكمين ليسا فى مرتبة واحدة بل فى مرتبتين
ضرورة
تاخّر الحكم الظاهرى عن الواقعى بمرتبتين
هذا وجه آخر
لتصحيح الجمع بين الاحكام الظاهرية والواقعية وهو المنقول عن السيد محمد الاصفهانى
قدسسره حاصله انه لا تنافى بين الاحكام المذكورة من جهة اختلافها
فى الرتبة وتوضيح التوفيق ان الحكم الظاهرى متأخر عن الشك فى الحكم الواقعى تأخر
الحكم عن الموضوع والشك فى الواقعى متأخر ايضا عن الواقعى نظير تأخر العلم عن
المعلوم فيكون الظاهرى متأخرا عن الواقعى بمرتبتين.
فاذا كان متأخرا
فى المرتبة فليس هو فى عرضه حتى يتنافيا ويتضاد او هذا توضيح التوفيق بين الحكم
الظاهرى والواقعى بمئونة تأخر الرتبة فيهما والتقصى عن محذور لزوم التضاد بين
الحكم الظاهرى والواقعى مع كونهما حكمين فعليين.
وذلك
لا يكاد يجدى فانّ الظاهرى وان لم يكن فى تمام مراتب الواقعى الّا انّه يكون فى
مرتبته ايضا وعلى تقدير المنافاة لزم اجتماع المتنافيين فى هذه المرتبة فتامّل
فيما ذكرنا من التّحقيق فى التّوفيق فانّه دقيق وبالتأمل حقيق
حاصل جوابه قدسسره عن الاشكال ان الظاهرى وان كان متأخرا عن الواقعى بمرتبتين
وسلمنا ان الحكم الظاهرى ليس فى تمام مراتب الحكم الواقعى لانه مختص بحال الشك ولا
يشمل حال العلم بالحكم الواقعى إلّا ان الحكم الواقعى يكون فى مرتبة الحكم الظاهرى
لانه ثابت للذات مطلقا ولو فى رتبة الشك فالواقعى موجود محفوظ فى مرتبة الظاهرى
فاذن يجتمع الحكمان فاذا كانا متنافيين لزم اجتماع
المتنافيين فى
رتبة الشك فيعود المحذور.
قال بعض المحققين
من المحشين فى توضيح جواب المصنف عن الاشكال ما هذا لفظه اقول مراده ان الحكم
الواقعى سار فى مرتبة الحكم الظاهرى ويلزم منه اجتماع الحكمين الفعليين المتنافيين
فى هذه المرتبة وان لم يسر الحكم الظاهرى الى مرتبة الحكم الواقعى توضيحه ان
الاطلاق ينقسم الى اطلاق لحاظى واطلاق ذاتى والمراد من الاول ان يكون سريان الحكم
الى قيود الموضوع بمعونة اللحاظ وهذا انما يتأتى فى الحالات المقارنة للموضوع
المتحدة معه رتبة كالاطلاق فى قوله اعتق رقبة بالنسبة الى الايمان والكفر ونحوهما
من الحالات التى يمكن لحاظها عند لحاظ الرقبة.
والمراد من الثانى
ان يكون مركز الحكم نفس الطبيعة بحيث يكون اللحاظ مقصورا عليها ويجعل الحاكم حكمه
ملازما لها اينما تسرى الطبيعة ولا حاجة فى هذا القسم من الاطلاق الى لحاظ كل واحدة
من الحالات خاصة واسراء الحكم اليها وليس معنى هذا الاطلاق إلّا ثبوت الحكم فى
حالة العلم والجهل على نحو القضية الحينية وان لا مدخليته لواحد من العلم والجهل
فى الطلب ولا فى المطلوب ويكفى فى سريان الحكم الى تينك الحالتين كون الطبيعة تمام
الموضوع للحكم فى نظر الحاكم وح يقع زمام التسرية بيد العقل الى كل قيد لا دخل له
فى غرض الحاكم وان لم يسع للحاكم تسرية حكمه الى ما هو متأخر عن حكمه.
فظهر مما ذكرنا ان
الطبيعة المحكومة بالحرمة الواقعية مثلا
محفوظة فى ضمن
الطبيعة المجهولة حرمتها فمع جعل حكم آخر مخالف للحكم الواقعى يلزم اجتماع
المتنافيين فى موضوع واحد.
والذى يشهد على
ثبوت الحكم الواقعى فى حالة العلم به ان العلم به موجب لبلوغه الى مرتبة التنجز
فلا بد من ان يكون الحكم ساريا اليها ثابتا فيها كى يتعلق العلم به فيصير عند
العلم به موضوعا لحكم العقل بالتنجز وكذا فى حالة الجهل كى يتعلق الشك به فيصير
حينئذ موضوعا للاصل العملى انتهى كلامه رفع مقامه.
والحاصل ان الحكم
الظاهرى وان لم يكن فى مراتب الحكم الواقعى التى من جملتها حال العلم به اذ ليس فى
مرتبة العلم بالحكم الواقعى حكم ظاهرى إلّا ان الحكم الواقعى يكون فى مرتبة الحكم
الظاهرى فعلى تقدير المنافاة بين الحكمين لزم اجتماع المتنافيين فى مرتبة الحكم
الظاهرى وهو رتبة الشك فتامل فيما ذكرناه من التحقيق فى التوفيق بين الحكم الواقعى
ومؤدى الامارة والاصل فانه دقيق وبالتامل حقيق.
فى تاسيس الاصل فيما لا يعلم
ثالثها
انّ الأصل فيما لا يعلم اعتباره بالخصوص شرعا ولا يحرز التعبّد به واقعا عدم حجيته
جزما بمعنى عدم ترتّب الآثار المرغوبة من الحجّة عليه قطعا فانّها لا تكاد تترتّب
الا على ما اتّصف بالحجّية فعلا ولا يكاد يكون الاتّصاف بها الّا اذا احرز التعبّد
به وجعله طريقا متبعا
قد عرفت سابقا ان
الحجية قابلة لتعلق الجعل بها وتكون منشأ للآثار من تنجز الواقع عند الاصابة
والعذر عند المخالفة وكون موافقتها انقيادا او مخالفتها تجريا ومن المعلوم ان هذه
الآثار مترتب على الحجة الواصلة الى المكلف لا مجرد جعلها واقعا اذ المؤاخذة
والعقوبة متوقفة على وصول البيان من المولى وإلّا كانت عقوبة على الواقع المجهول
فالحجة الواصلة هى المصححة للمؤاخذة والعقوبة وبها تتم البيان وينقطع بها العذر
وبها يصح الاعتذار من العبد عند المولى لدى مخالفة الماتى به للواقع ويكون
موافقتها انقياد او مخالفتها تجريا.
ومن المعلوم انه
عند الشك فى حجية شيء وعدمها فلا اصل لنا حتى نعول عليه كاستصحاب عدم الحجية
وامثاله حيث انه بمجرد الشك فى تحقق هذه الآثار نقطع بعدمها ولا تصل النوبة الى
التشبث بذيل اصالة عدم الحجية اصلا لما قلنا من ان موضوعها صفة العلم وهو مرتفع
قطعا بمجيء الشك.
ضرورة
انّه بدونه لا يصحّ المؤاخذة على مخالفة التّكليف بمجرّد اصابته ولا يكون عذر الذى
مخالفته مع عدمها ولا يكون مخالفته تجرّيا ولا يكون موافقته بما هى موافقة انقيادا
وان كانت بما هى محتملة لموافقة الواقع كذلك اذا وقعت برجاء اصابته.
حاصله ان الحجية
صفة اعتبارية عبارة عن صلاحية الشيء للاحتجاج به وهى مأخوذة من الحجة بمعنى الغلبة
كما نص عليه اهل الميزان وكون الشيء بحيث يصح الاحتجاج به وكونه قاطعا للعذر
فمهما احرز الحجة
فلا محالة يصير ذلك الطريق مما يصح الاحتجاج به به ويكون قاطعا للعذر ومع كونه حجة
من قبل المولى لا يبقى عذر للعبد فى المخالفة ويصح للمولى مؤاخذته على مخالفة
التكليف بمجرد اصابته ويكون مخالفته تجريا عند عدم الاصابة وموافقته انقيادا
واما بدون الاحراز
لا يصح المؤاخذة على مخالفة التكليف بمجرد اصابته ولا يكون عذرا عند المخالفة بحيث
لا يحسن عقابه ما لم يحرز العبد كون الطريق معتبرا ولا يكون مخالفته عند الخطاء
تجريا وموافقته بما هى محتملة لموافقة الواقع انقيادا نعم اذا وقعت برجاء اصابته
بمعنى انه قد وافقه لا بعنوان انه موافقته بل برجاء اصابته للواقع كان ذلك انقيادا
ايضا.
فمع
الشّك فى التعبّد به يقطع بعدم حجّيته وعدم ترتيب شيء من الآثار عليه للقطع
بانتفاء الموضوع معه ولعمرى هذا واضح لا يحتاج الى مزيد بيان او اقامة برهان
فتحصل مما ذكرناه
انه مع الشك فى التعبد بالظن نقطع بعدم حجيته وعدم ترتيب شيء من الآثار المرتبة
على الحجية عليه للقطع بانتقاء الموضوع والموضوع كما اشير اليه هو ما اتصف بالحجية
فعلا واحرز التعبد به شرعا وهو مرتفع قطعا بمجيء الشك.
وامّا
صحّة الالتزام بما ادّى اليه من الأحكام وصحة نسبته اليه تعالى فليسا من آثارها
ضرورة انّ حجّية الظّن عقلا على تقرير الحكومة فى حال الانسداد لا توجب صحّتهما.
قد عرفت ان العلم
بالحجية يكون موضوعا لترتب الاثر لما تقدم آنفا من ان الاثر مترتب على الحجية
الواصلة المعلومة للمكلف فمجرد الشك فى جعلها يحصل القطع بعدم الموضوع وبعدم ترتب
الاثر ومع القطع بالعدم لا معنى لتعبد الشارع بعدم الحجية ظاهرا.
وبعبارة اخرى ان
الشك فى جعلها يستتبع العلم بعدم الموضوع اعنى الحجة الواصلة المعلومة للمكلف لعدم
الوصول وجدانا ومعه يحصل القطع بالعدم فحينئذ لا يتعقل التعبد بالعدم ظاهرا.
فالاصل عند المصنف
هو الظن الذى لم يحرز التعبد به خلافا للشيخ ره حيث قد جعل مجرى الاصل هو الظن
الذى لم يرد دليل على اعتباره واحرز عدم التعبد به فالاصل هل يقتضى جواز العمل
بمثل هذا الظن ام لا فاختار اعلى الله مقامه حرمته واستدل له بالأدلة الاربعة.
ثم قال بعد كلام
طويل ولكن حقيقة العمل بالظن هو الاستناد اليه فى العمل والالتزام بكون مؤداه حكم
الله فى حقه وهو الذى يحرم بالادلة الاربعة.
وحاصل ايراد
المصنف عليه هو انه لا ملازمة بين الحجية وجواز التعبد والالتزام بما أدت اليه من
الاحكام لجواز التفكيك بينهما كما فى الظن على الانسداد والحكومة فانه حجة عقلا
كالعلم فى حال الانفتاح مع انه لا يجوز التعبد والالتزام بكون المظنون حكم الله
ولا يصح نسبته الى الله تعالى فلو كان الالتزام والنسبة من آثارها لما جاز التفكيك
بين الموضوع وآثاره فعليه فالاستدلال على عدم الحجية بما دل على حرمة الالتزام
وحرمة النسبة ليس فى محله.
فلو
فرض صحّتهما شرعا مع الشّك فى التّعبّد به لما كان يجدى فى الحجّية
شيئا
ما لم يترتّب عليه ما ذكر من آثارها ومعه لما كان يضرّ عدم صحّتهما اصلا كما اشرنا
اليه آنفا.
محصل الكلام ان
الالتزام والنسبة على فرض صحتهما مع الشك فى الحجية لم ينفع فى الحجية لما عرفت من
انهما لم يكونا من آثار الحجية بل النافع فيها هو ترتب الآثار المرغوبة من
المنجزية والعذرية ومع ترتب تلك الآثار لم يضر عدم صحتهما كما اشرنا اليه آنفا من
جواز التفكيك بينهما كما فى الظن الانسداد على الحكومة.
فبيان
عدم صحّة الالتزام مع الشّك فى التّعبّد وعدم جواز الاستناد اليه تعالى غير مرتبط
بالمقام
فلا
يكون الاستدلال عليه بمهمّ كما اتعب به شيخنا العلّامة اعلى الله مقامه نفسه
الزكّية بما اطنب من النقض والابرام فراجعه بما علقّناه عليه وتامّل
فتحصل مما ذكرنا
ان الاستدلال على عدم الحجية بما دل على حرمة الاستناد فى العمل والالتزام بكون
مؤداه حكم الله فى حقه مع الشك فى التعبد غير مرتبط بالمقام اذ صحة الامرين مع
الشك فى الحجية لم ينفع فيها كما عدم صحتهما لم يضر فيها والنافع والقادح هو ترتب
الآثار المرغوبة وعدمها فما اتعب به شيخنا العلامة اعلى الله مقامه نفسه الزكية
بما اطنب من النقض والابرام فى غير محله.
وقد
انقدح بما ذكرنا انّ الصّواب فيما هو المهمّ فى الباب ما ذكرنا فى تقرير الاصل
فتدبّر جيّدا
اى قد انقدح من
جميع ما ذكرنا ان الصواب فى تقرير الاصل هو ما ذكرنا من ان الاصل مما شك فى التعبد
به هو عدم الحجية.
اذا
عرفت ذلك فما خرج موضوعا عن تحت هذا الاصل او قيل بخروجه نذكر فى ذيل فصول
اى اذا عرفت ان الاصل
فيما شك اعتباره هو عدم الحجية فما خرج موضوعا عن تحت هذا الاصل او قيل بخروجه وان
لم يكن مختارنا نذكر فى ذيل فصول.
فى حجيّة الظواهر
فصل
لا شبهة فى لزوم اتباع ظاهر كلام الشّارع فى تعيين مراده فى الجملة لاستقرار طريقة
العقلاء على اتباع الظّهورات فى تعيين المرادات مع القطع بعدم الرّدع عنها لوضوح
عدم اختراع طريقة اخرى فى مقام الافادة لمرامه من كلامه كما هو واضح
اختلفوا فى ان
الظهور حجة من باب الظن النوعى او الظن الشخصى والمراد من الظن النوعى هو كون
اللفظ بنفسه لو خلى وطبعه مفيدا للظن بالمراد بمعنى كونه كاشفا عن المراد بالنظر
الى نفس الوضع وان كان محفوفا بما يصلح ان يكون قرينة فان الاقتران به لا يكون
مانعا عن الكشف الذاتى كالعام المتعقب بضمير يرجع الى بعض افراده وكالجمل المتعقبة
بالاستثناء.
وقد يراد من الظن
النوعى الظهور العرفى وهو كون الكلام بحيث يحمل عرفا على ذلك المعنى ولو بواسطة
القرائن المكتنفة بالكلام والمحكى عن جماعة اشتراط الظن الشخصى فى حجية الظواهر
كالمحقق الخوانساري والسيد فى المفاتيح وشريف العلماء والمحكى عن بعض اشتراط عدم
قيام الظن الشخصى على خلاف الظاهر مطلقا او بشرط حصوله من امارة لم يقم دليل قطعى
على عدم اعتبارها بالخصوص كالقياس.
وكيف كان لا شبهة
فى لزوم اتباع ظاهر كلام الشارع فى تعيين مراده فى الجملة لامرين احدهما استقرار
السيرة وطريقة العقلاء على اتباع الظهورات فى تعيين المرادات بمعنى انه قد استقر
بناء العقلاء على اتباع الظهور من لدن آدم (ع) الى زماننا هذا وثانيهما عدم ردع
الشارع عنها لوضوح عدم اختراعه طريقة اخرى فى مقام الافادة لمرامه من كلامه فحيث
لم يخترع تقطع بانه لم يردع.
وبالجملة السيرة
المستمرة الى زمن الشارع مع عدم ردعه عنها تدل على حجية الظهور واعتباره فى الجملة
اتفاقا هذا مما لا اشكال فيه ولا شبهة تعتريه انما الاشكال والخلاف فى كيفية
اعتباره بالكشف والظن النوعى كان هناك ظن شخصى غير معتبر على الخلاف ام لم يكن او
فى خصوص صورة عدم الظن الشخصى على الخلاف مطلقا او بشرط حصوله من امارة لم يقم
دليل قطعى على عدم اعتباره بالخصوص.
او باعتبار حصول
الظن الشخصى من نفس اللفظ فلا يصح البناء
عليه مع عدم الظن
المذكور اذا استند الى ما لم يقم دليل على اعتباره بالخصوص كالقياس مثلا او اذا
استند الى وجود حجة شرعية فى المسألة كما لا يصح البناء عليه اذا حصل الظن الشخصى
بالمراد من غير جهة نفس اللفظ كفهم الراوى او مذهبه او استناد المشهور او فهم
الاكثر او غير ذلك.
او باعتبار الظن
الشخصى مطلقا ولو من الامور الخارجية او باعتبار الظهور العرفى من اللفظ وهو كون
الكلام بحيث يحمل عرفا على ذلك المعنى ولو بواسطة القرائن المكتنفة بالكلام او
باعتبار انه بنفس وضع اللفظ من غير اعتبار كشف وظن فى ذلك وهو مختاره هنا واشار
اليه بقوله.
والظّاهر
انّ سيرتهم على اتباعها من غير تقييد بافادتها للظّن فعلا ولا بعدم الظّن كذلك على
خلافها قطعا ضرورة انّه لا مجال عندهم للاعتذار عن مخالفتها بعدم افادتها للظّنّ
بالوفاق ولا بوجود الظّن بالخلاف
والحاصل انه قد
استقر بناء العقلاء على اتباع الظهور من غير اشتراط بحصول الظن بالوفاق ولا بعدم
الظن بالخلاف بل الظن بالوفاق لا يزيد الظهور قوة كما لا ينقص الظن بالخلاف عنه
رتبة
ويشهد لذلك سلوك
الموالى مع عبيدهم فى اوامرهم ونواهيهم لوضوح انه لا مجال لاعتذار العبيد عن
مخالفتها بعدم افادتها الظن بالوفاق او بوجود الظن بالخلاف فاذا امر المولى عبده
باكرام الصلحاء ولم يحصل للعبد ظن بارادة المولى اكرام الجميع او ظن بكون المراد
خصوص العلماء من الصلحاء فاكرامهم خاصة فلا ريب انه لا يسمع منه
ذلك وكان مستحقا
للذم والتوبيخ.
كما
انّ الظّاهر عدم اختصاص ذلك بمن قصد افهامه ولذا لا يسمع اعتذار من لا يقصد افهامه
اذا خالف ما تضمّنه ظاهر كلام المولى من تكليف يعمّه او يخصّه ويصحّ به الاحتجاج
لدى المخاصمة واللجاج كما تشهد به صحّة الشّهادة بالاقرار من كلّ من سمعه ولو قصد
عدم افهامه فضلا عمّا اذا لم يكن بصدد افهامه
وهذا التفصيل
منسوب الى المحقق القمى قده قال شيخنا العلامة اعلى الله مقامه واما التفصيل الآخر
فهو الذى يظهر من صاحب القوانين قده فى آخر مسئلة حجية الكتاب وفى اول مسئلة
الاجتهاد والتقليد وهو الفرق بين من قصد افهامه بالكلام.
فالظواهر حجة
بالنسبة اليه من باب الظن الخاص سواء كان مخاطبا كما فى الخطابات الشفائية ام لا
كما فى الناظر فى الكتب المصنفة لرجوع كل من ينظر اليها وبين من لم يقصد افهامه
بالخطاب كامثالنا بالنسبة الى اخبار الائمة الصادرة عنهم فى مقام الجواب عن السؤال
السائلين وبالنسبة الى الكتاب العزير بناء على عدم كون خطاباته موجهة الينا وعدم
كونه من باب تأليف المصنفين فالظهور اللفظى ليس حجة حينئذ لنا الا من باب الظن
المطلق الثابت حجيته عند انسداد باب العلم انتهى.
ثم ان الشيخ بعد
ما وجه هذا التفصيل قال ما هذا لفظه.
ولكن الانصاف انه
لا فرق فى العمل بالظهور اللفظى واصالة عدم الصارف عن الظاهر بين من قصد افهامه
وبين من لم يقصد فان جميع ما دل من اجماع العلماء واهل اللسان على حجية الظواهر
بالنسبة الى
من قصد افهامه جار
فيمن لم يقصد لان اهل اللسان اذا نظروا الى كلام صادر من متكلم الى مخاطب يحكمون
بارادة ظاهره منه اذا لم يجدوا قرينة صارفة بعد الفحص فى مظان وجودها ولا يفرقون
فى استخراج مرادات المتكلمين بين كونهم مقصودين بالخطاب وعدمه.
فاذا وقع المكتوب
الموجه من شخص الى شخص بيد ثالث فلا يتأمل فى استخراج مرادات المتكلم من الخطابات
الموجه الى المكتوب اليه فاذا فرضنا اشتراك هذا الثالث مع المكتوب اليه فيما اراد
المولى منهم فلا يجوز له الاعتذار فى ترك الامتثال بعدم الاطلاع على مراد المولى
وهذا واضح لمن راجع الامثلة العرفية هذا حال اهل اللسان فى الكلمات الواردة اليهم.
واما العلماء فلا
خلاف بينهم فى الرجوع الى اصالة الحقيقة فى الالفاظ المجردة عن القرائن الموجهة من
متكلم الى مخاطب سواء كان ذلك فى الاحكام الجزئية كالوصايا الصادرة عن الموصى
المعين الى شخص معين ثم مست الحاجة الى العمل بها مع فقد الموصى اليه فان العلماء
لا يتأملون فى الافتاء بوجوب العمل بظاهر ذلك الكلام الموجه الى الموصى اليه
المفقود
وكذا فى الاقارير
ام كان فى الاحكام الكلية كالاخبار الصادرة عن الائمة مع كون المقصود منها تفهيم
مخاطبهم لا غير فانه لا يتأمل احد من العلماء فى استفادة الاحكام من ظواهرها
معتذرا بعدم الدليل على حجية اصالة عدم القرينة بالنسبة الى غير المخاطب او من قصد
افهامه انتهى موضع الحاجة من كلام رفع مقامه
وبالجملة ان
الظاهر يكون حجة ويجب اتباعه من غير تفصيل بين ما كان موجبا للظن الفعلى وبين ما
قام على خلافه ظن غير معتبر وبين من قصد افهامه وبين من لم يقصد.
ولا
فرق فى ذلك بين الكتاب المبين واحاديث سيّد المرسلين والائمة الطاهرين وان ذهب بعض
الاصحاب الى عدم حجّية ظاهر الكتاب
والوجه فى نفى هذا
التفصيل هو الوجه فى نفى ساير التفاصيل التى ذكرناه آنفا وهو استقرار بناء العقلاء
على التمسك بالظهورات فى جميع هذه الموارد وان ذهب بعض الاصحاب الى عدم حجية ظاهر
الكتاب كما هو المحكى عن الاخباريين منا.
حيث انهم قد ذهبوا
الى عدم حجيته بدون التفسير من اهل البيت عليهمالسلام خلاف ما ذهب اليه الاصوليون منا حيث انهم لم يفرقوا بين
حجيته وبين سائر الظواهر.
وقد ذكر المنصف
للاخبارين وجوها خمسة الاول الاخبار وهى بين ما يدل على اختصاص فهم القرآن بمن
خوطب به وبين ما يدل على النهى عن تفسير القرآن بالرأى واشار المصنف الى الفرقة
الاولى من الاخبار بقوله.
امّا
بدعوى اختصاص فهم القرآن ومعرفته باهله ومن خوطب به كما يشهد به ما ورد فى ردع ابى
حنيفة وقتادة عن الفتوى به
وحاصل هذا الوجه
ان القرآن العزيز من سنخ المرموزات التى
قصد بها افهام من
خوطب بها وهم الائمة عليهمالسلام ويدل عليه ما فى مرسلة شبيب بن انس عن ابى عبد الله (ع)
انه قال لابى حنيفة انت فقيه اهل العراق قال نعم قال (ع) فبم تفتيهم قال بكتاب
الله وسنة نبيه قال قال يا أبا حنيفة تعرف كتاب الله حق معرفته وتعرف الناسخ
والمنسوخ قال نعم قال يا أبا حنيفة لقد ادعيت علما ويلك ما جعل الله ذلك الا عند
اهل الكتاب الذين انزل عليهم ويلك لا وهو الا عند الخاص من ذرية نبينا محمد (ص)
وما ورثك الله من كتابه حرفا.
وفى رواية زيد الشحام
قال دخل قتادة ابن دعامة على ابن جعفر (ع) فقال يا قتادة انت فقيه اهل البصرة فقال
هكذا يزعمون فقال ابو جعفر (ع) بلغنى انك تفسر القرآن فقال له قتادة نعم فقال له
ابو جعفر «ع» فان كنت تفسره يعلم فانت انت وانا اسألك الى ان قال ابو جعفر «ع»
ويحك يا قتادة انما يعرف القرآن من خوطب به وفى رواية اخرى وقد جعل للقرآن ولعلم
القرآن اهلا وهم اهل الذكر الذين امر الله هذه الامة بسؤالهم.
او
بدعوى انّه لاجل احتوائه على مضامين شامخة ومطالب غامضة عالية لا يكاد تصل اليها
ايدى افكار اولى الانظار الغير الراسخين العالمين بتاويله كيف ولا يكاد يصل الى
فهم كلمات الاوائل الّا الاوحدى من الافاضل فما ظنّك بكلامه تعالى مع اشتماله على
علم ما كان وما يكون وحكم كلّ شيء.
هذا هو الوجه
الثانى من الوجوه الخمسة التى ذكره المصنف للاخباريين ولعل هذا الوجه من الامين
الأسترآباديّ فى محكى فوائده
قال ان القرآن فى
الاكثر ورد على وجه التعمية بالنسبة الى اذهان الرعية انتهى.
ووجه التعمية كونه
محتويا على مطالب غامضة لا يكاد يصل اليها ايدى اولى الاذهان المتعارفة من الرعية
والسر فى غموضها ان للقرآن ظاهرا وليس فى ظهوره قصور لعدم اشتماله على ما ينافى
البلاغة من التعقيد والغرابة ونحوها وله بطن لا يصل اليه الافهام والنبى وخلفائه
مرآة مجلوة شطر الحق تنعكس فيها الحقائق ولا بد للرعية من الاقتباس عن مشكاتهم.
او
بدعوى شمول المتشابه الممنوع عن اتباعه للظاهر لا اقلّ من احتمال شموله لتشابه
المتشابه واجماله
هذا هو الوجه
الثالث من الوجوه الخمسة وقد تشبث بذلك السيد الصدر فى شرح الوافية.
وقد ذكر الشيخ (ره)
ملخص كلامه فى فرائده قال ما هذا لفظه الثانية ان المتشابه كما يكون فى اصل اللغة
كذلك يكون بحسب الاصطلاح مثل ان يقول احدنا استعمل العمومات وكثيرا ما اريد الخصوص
من غير قرينة وربما اخاطب احدا واريد غيره ونحو ذلك فحينئذ لا يجوز لنا القطع
بمراده ولا يحصل لنا الظن به والقرآن من هذا القبيل لانه نزل على اصطلاح خاص
لا اقول على وضع
جديد بل اعم من ان يكون ذلك او يكون فيه مجازات لا يعرفها العرب ومع ذلك قد وجدت
فيه كلمات لا يعلم
المراد منها
كالمقطعات ثم قال قال سبحانه (مِنْهُ آياتٌ
مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ) الآية ذم على اتباع المتشابه ولم يبين لهم المتشابه ما هى
وكم هى بل لم يبين لهم المراد من هذا اللفظ وجعل البيان موكولا الى خلفائه والنبى
نهى الناس عن التفسير بالآراء وجعلوا الاصل عدم جواز العمل بالظن الا ما اخرجه
الدليل اذا تمهده المقدمتان فنقول مقتضى المقدمة الاولى العمل بالظواهر ومقتضى
الثانية عدم العمل لان ما صار متشابها لا يحصل الظن بالمراد منه وما بقى ظهوره
مندرج فى الاصل المذكور فنطالب بدليل جواز العمل لان الاصل الثابت عند الخاصة هو
عدم جواز العمل بالظن الا ما اخرجه الدليل.
لا يقال ان الظاهر
من المحكم ووجوب العمل بالمحكم اجماعى لانا نمتنع الصغرى اذا لمعلوم عندنا مساواة
المحكم للنص واما شموله للظاهر فلا الى ان قال لا يقال ان ما ذكرتم لو تم لدل على
عدم جواز العمل بظواهر الاخبار ايضا لما فيها من الناسخ والمنسوخ والمحكم
والمتشابه والعام والخاص والمطلق والمقيد.
لانا نقول انا لو
خلينا وانفسنا لعملنا بظواهر الكتاب والسنة جميعا مع عدم نصب القرينة على خلافها
ولكن منعنا من ذلك فى القرآن للمنع من اتباع المتشابه وعدم بيان حقيقته الى ان قال
واما الاخبار فقد سبق ان اصحاب الائمة كانوا عاملين باخبار واحد من غير فحص عن
مخصص او معارض ناسخ او مقيد ولو لا هذا لكنا فى العمل بظواهر الاخبار ايضا من
المتوفقين انتهى والظاهر من عبارة السيد انه لم يدع شمول المتشابه الممنوع للظاهر
وانما احتمل لتشابه المتشابه.
او
بدعوى انّه وان لم يكن منه ذاتا الّا انّه صار منه عرضا للعلم الاجمالى بطر
والتخصيص والتّقييد والتّجوز فى غير واحد من ظواهره كما هو الظّاهر
هذا رابع الوجوه
الخمسة التى ذكرها المصنف للاخباريين حاصله ان ظاهر الكتاب وان لم يكن من
المتشابهات ذاتا إلّا انه صار من المتشابهات عرضا من جهة طرو المخصصات والمقيدات
والتجوزات فظواهر الكتاب تارة داخلة فى المتشابه ذاتا كما ذهب اليه السيد الصدر
واخرى داخلة فيها عرضا لاجل العلم الاجمالى الموجب للاجمال الموجب لدخول الظواهر
فى المتشابه.
او
بدعوى شمول الاخبار النّاهية عن تفسير القرآن بالرّاى لحمل الكلام الظّاهر فى معنى
على ارادة هذا المعنى
هذا خامس الوجوه
الخمسة التى ذكره المصنف للاخباريين وهو الاخبار الناهية عن التفسير بالرأى وهى
كثيرة مثل ما رواه فى الوسائل فى القضاء فى باب عدم جواز القضاء والحكم بالرأى عن
الرضا (ع) عن ابيه عن آبائه عن امير المؤمنين (ع) قال قال رسول الله (ص) ما آمن بى
من فسر برأيه كلامى الحديث وما رواه فى الباب ايضا عن محمد بن مسعود العياشى فى
تفسيره عن عمار بن موسى عن ابى عبد الله (ع) قال سأل عن الحكومة فقال من حكم برأيه
بين اثنين فقد كفر ومن فسر برأيه آية من كتاب الله فقد كفر.
وما رواه فى
القضاء ايضا فى باب عدم جواز الاستنباط الاحكام
النظرية من القرآن
عن عبد الرحمن بن سمرة قال قال رسول الله (ص) لعن الله المجادلين فى دين الله الى
ان قال ومن فسر القرآن برأيه فقد افترى على الله الكذب.
وما ذكره الشيخ فى
الرسائل قال وعن ابى عبد الله (ع) من فسر القرآن برأيه ان اصاب لم يؤجر وان أخطأ
سقط ابعد من السماء وما فى النبوى العامى من فسر القرآن برأيه فاصاب فقد أخطأ وعن
مجمع ـ البيان انه قد صح عن النبى «ص» وعن الائمة القائمين مقامه ان تفسير ـ القرآن
لا يجوز إلّا بالاثر الصحيح والنص الصريح قال وقوله «ع» ليس شيء ابعد من عقول
الرجال من تفسير القرآن ان الآية يكون اولها فى شيء وآخرها فى شيء.
ووكلام متصل ينصرف
الى وجوه انتهى الى غير ذلك من الاخبار المشتملة على النهى عن تفسير القرآن بالرأى
ربما تبلغ حد التواتر ولازم شمول التفسير بالرأى للحمل على الظاهر هو ان النهى عنه
كاشف عن ان مقصود الشارع ليس تفهيم مقاصده بنفس كلامه وليس من سنخ المحاورات
العرفية.
ولا
يخفى انّ النزاع يختلف صغرويّا وكبرويّا بحسب الوجوه فبحسب غير الوجه الاخير
والثّالث يكون صغرويّا وامّا بحسبهما فالظّاهر انّه كبروىّ ويكون المنع عن الظّاهر
امّا لانّه من المتشابه قطعا او احتمالا او لكون حمل الظّاهر على ظاهره من التفسير
بالرّأي وكلّ هذه الدّعاوى فاسدة
حاصله ان النزاع
بحسب الوجه الاول وهو ما دل على اختصاص
فهم القرآن
ومعرفته باهله ومن خوطب به والوجه الثانى وهو احتواء الكتاب على مضامين شامخة
ومطالب غامضة عالية يكون النزاع صغرويا لان معنى اختصاص فهم القرآن ومعرفته باهله
ومن خوطب به ومعنى احتوائه على مضامين شامخة ومطالب عالية غامضة ان غيرهم لا
يفهمون شيئا من الكتاب.
لوضوح ان احتواء
الكتاب على مضامين شامخة عالية مانع عن فهم مقاصده فهناك تخيل الظهور فيما يتراءى
منه فى بادئ الرأى ولا ظهور حقيقة فيما يتخيل من المعانى كما هو قضية اختصاص فهم
القرآن باهله فهم ينكرون الظهور للقرآن ونحن ندعى وجوده وبحسب الوجه الرابع
وهو العلم
الاجمالى بطر والمخصصات والمقيدات والتجوزات والوجه الخامس وهو كون حمل اللفظ على
معناه الظاهر فيه داخلا فى التفسير فى الرأى يكون النزاع كبرويا بمعنى انهم
يعترفون بتحقق الظهور لقرآن المجيد بحيث لو خلينا وانفسنا ولم يرد المنع عن العمل
به لكان يجب علينا العمل على طبقه وينكرون حجيته لورود المنع عن العمل بظواهر
الكتاب لاجل كونها متشابهات او لاجل كون اللفظ على معناه الظاهر فيه داخلا فى
التفسير بالرأى ولكن نحن ندعى حجية ظواهر الكتاب كحجية سابر الظواهر فيكون النزاع
كبرويا وعلى كل حال فجميع هذه الدعاوى فاسدة.
امّا
الاولى فانّما المراد ممّا دلّ على اختصاص فهم القرآن ومعرفته باهله اختصاص فهمه
بتمامه بمتشابهاته ومحكماته بداهة انّ فيه ما لا يختصّ به كما لا يخفى.
حاصله ان المراد
مما دل على اختصاص فهم القرآن ومعرفته باهله اختصاص فهمه بتمامه بمتشابهاته
ومحكماته وذلك لبداهة ان فى القرآن ما لا يختص علمه بهم صلوات الله عليهم كيف وقد
وقع فى غير واحد من الروايات الارجاع الى الكتاب والاستدلال بغير واحد من آياته قد
ذكرها الشيخ ره فى الرسائل مثل قوله (ع) فى رواية عبد الاعلى فى حكم حكم من عثر
فوقع ظفره فجعل على اصبعه مرارة ان هذا وشبهه يعرف من كتاب الله ما جعل عليكم فى
الدين من حرج وقوله (ع) فى مقام نهى الدوانقى عن قبول خبر التمام انه فاسق وقال
الله ان جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا.
وقوله (ع) لابنه
اسماعيل ان الله عزوجل يقول يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين فاذا شهد عندك المؤمنون
فصدقهم الى غير ذلك من الارجاعات والاستدلالات التى ذكرها الشيخ ره فلو اختص فهم
القرآن ومعرفته باهله ومن خوطب به ولم يكن لغير من خوطب به حظ من فهم الكتاب لم
يكن وجه لارجاعهم الى الكتاب ولا لاستدلالهم به.
وردع
ابى حنيفة وقتادة عن الفتوى به انّما هو لاجل الاستقلال فى الفتوى بالرّجوع اليه
من دون مراجعة اهله لا عن الاستدلال بظاهره مطلقا ولو مع الرّجوع الى رواياتهم
والفحص عمّا ينافيه والفتوى به مع الياس عن الظّفر به كيف وقد وقع فى غير واحد من
الروايات الارجاع الى الكتاب والاستدلال بغير واحد عن آياته.
ولقائل ان يقول ان
فهم القرآن لو لم يختص باهله ومن خوطب به
فلم قد ردع الامام
(ع) أبا حنيفة وقتاد عن الفتوى به قال المصنف فى مقام دفعه وردع ابى حنيفة وقتادة
عن الفتوى به انما هو لاجل استقلالهما بالفتوى من دون مراجعة الى الروايات الواردة
عن اهل بيت العصمة فى تفسيره لا عن الاستدلال بظاهر الكتاب بعد المراجعة الى الائمة
(ع) ورواياتهم وعدم الظفر فيها بما ينافيه كيف.
وقد وقع كثير من
الروايات الارجاع الى الكتاب والاستدلال بغير واحد من آياته فردع ابى حنيفة وقتادة
عنه مما لا يدل على عدم جواز الاستدلال بظاهره بعد المراجعة الى رواياتهم والفحص
عما ينافيه بحد اليأس.
وامّا
الثانية فلانّ احتوائه على المضامين العالية الغامضة لا يمنع عن فهم ظواهره
المتضمّنة للأحكام وحجيّتها كما هو محلّ الكلام
حاصلة ان احتواء
القرآن على المضامين العالية الغامضة مما لا يمنع عن فهم الظواهر المتضمنة للاحكام
وحجيتها والعمل بها مما لا غموض فيها تعرفها اهل العرف واللسان إلّا اذا ادعى
الخصم ان مضامين القرآن كلها غامضة عالية لا تصل اليها افهام العرف اصلا وهو كما
ترى
وامّا
الثّالثة فللمنع عن كون الظّاهر من المتشابه فانّ الظّاهر كون المتشابه هو خصوص
المجمل وليس بمتشابه ومجمل
حاصله ان الظاهر
ليس داخلا فى المتشابه فان الظاهر ان المتشابه هو خصوص المجمل وليس الظاهر بمتشابه
ومجمل فليست آيات الاحكام
الفرعية الظاهرة
فيها داخلة فى المتشابه لعدم القطع بعدم ارادة ظواهرها ولو بعد الظفر على المخصصات
والمقيدات.
وربما يلوح من
كلام السيد الصدر على ما حكى عنه انه لا يكفى عدم كون الظاهر داخلا فى المتشابه فى
الحجية بل لا بد من احراز دخوله فى المحكم كى يكون حجة ولعل وجهه شمول الآيات
الناهية عن العمل بالظن له بدعوى ان الاجماع قام على اتباع المحكم خاصة وفيه ان
الظاهر حجة بنفسه ولا حاجة الى ادخاله فى المحكم.
ولا بد للمانع من
اقامة الدليل ومجرد احتمال دخول الظواهر فى المتشابه لا يكون دليلا عليه اذ لا وجه
لرفع اليد عن حجية الظهور الا بنهوض حجة اقوى على خلافه والآيات الناهية عن اتباع
الظن لا يكون ردعا لبناء العقلاء والسيرة المستمرة على حجية الظواهر من القرآن
وغيره اذ حين نزول تلك الآيات لم ينقدح فى اذهان الصحابة احتمال المنع عن العمل
بالظواهر المتعلقة للاحكام بل كانوا يعملون على وفقها بلا استعلام عن حالها.
وكذا عمل اصحاب
الائمة سلام الله عليهم اجمعين بظواهر الروايات هذا كله تدل على ان العمل بها امرا
مركوزا فى اذهانهم بالنسبة الى مطلق الظهور الصادر من المتكلم ومنها ظاهر الكتاب.
فظهر من جميع ما
ذكرناه ان ظواهر الآيات كسائر الظواهر من الروايات وغيرها حجة ولا وجه للتفكيك
بينهما اصلا ثم ان الظاهر ان المجمل مرادف مع المتشابه وان كان يظهر من اهل
التفسير انه اعم منه فتأمل.
وامّا
الرّابعة فلأنّ العلم اجمالا بطرو ارادة خلاف الظّاهر انّما يوجب الإجمال فيما اذا
لم ينحل بالظّفر فى الرّوايات بموارد ارادة خلاف الظّاهر بمقدار المعلوم بالاجمال
مع انّ دعوى اختصاص اطرافه بما اذا تفحّص عمّا يخالفه لظفر به غير بعيدة فتامّل
جيّدا
حاصل جوابه قدسسره عن الرابعة ان العلم الاجمالى بمخالفات الظواهر فى القرآن
الحكيم لا يوجب اجمالها وعدم جواز التمسك بها لان العلم الاجمالى بالمخصصات
والمقيدات امره مردد بين الاقل والاكثر ومقتضاه هو الفحص حتى يحصل الظفر بالمقدار
المتيقن وبعد الظفر به ينحل العلم الاجمالى لمكان انطباق المعلوم بالاجمال على
المتيقن.
والسر فى ذلك ان
المعلوم بالاجمال لما لم يكن معنونا بعنوان خاص ليس له واقع معين من حيث انه معلوم
بالاجمال بان يشار اليه بانه كذلك واقعا حتى يكون معينا واقعا وغير معين ظاهرا.
فلا جرم ان
المعلوم بالاجمال ينطبق على المقدار المحصل بعد الفحص فلا يجب عقلا الفحص عن
الزائد المشكوك لان التكليف قد كان منجزا بالمقدار المعلوم بالاجمال بما هو معلوم
كذلك.
والمفروض الظفر
على هذا المقدار الذى يكون المعلوم بالاجمال منطبقا عليه فلا ملزم عقلائى حينئذ
للفحص عن الزائد فلا وجه للتوقف عن العمل بالظواهر بعد الظفر على المقدار المعلوم
بالاجمال وعلى هذا التقرير يتوقف جواز العمل بواحد من الظواهر على الفحص عن
المقدار المعلوم
بالنسبة الى جميعها.
ولا يكفى قصر
الفحص على ما يتعلق بذلك الظاهر خاصة ولو مع الظفر على ما يخالف ذلك الظاهر تخصيصا
او تقييدا او نسخا اذ بمجرد ذلك لا يخرج عن الطرفية مع امكان انحصار اطراف المعلوم
بالاجمال بما فى ايدينا بحيث لو تفحصنا عما يخالف ظواهر آيات الكتاب من النسخ
والتخصيص والتقييد لظفر نابه.
وعليه ففى كل ظاهر
من ظواهر الكتاب اذا تفحصنا عما يخالفه فى الروايات ولم نظفر عليه جاز لنا التمسك
بذلك الظاهر اذ ينحل العلم الاجمالى بالنسبة اليه وجاز العمل به وان كان العلم
باقيا بالنسبة الى البواقى اذ المفروض انحصار ما يخالفه فى تلك الروايات خاصة ولا
محالة ينحل به العلم فيها ولو حكما واحتماله فى غيرها احتمال بدوى لا اثر له.
والفرق بين
الجوابين هو ان متعلق العلم الاجمالى يكون مرددا بين مطلق الامارات فى الاول
ومقتضاه هو الفحص حتى يحصل الظفر بالمتيقن وبعد الظفر به ينحل العلم من أصله وفى
الثانى يكون متعلق العلم مرددا بين الامارات التى بايدينا بحيث لو تفحصنا عما
يخالف ظواهر الآيات من النسخ والتخصيص والتقييد لظفر نابه ومقتضاه هو الفحص فى
خصوص ظاهر من الظواهر ولا يجب الفحص حتى يحصل الظفر بالمقدار المتيقن بل اذا
تفحصنا فى خصوص ظاهر من الظواهر ولم يظفر فيه بشيء جاز العمل به وان كان العلم
الاجمالى بالنسبة الى سائر الظواهر باقيا على حاله.
وامّا
الخامسة فيمنع كون حمل الظّاهر على ظاهره من التّفسير فانّه كشف القناع ولا قناع
للظاهر.
وقد اجاب المصنف
عن الدعوى الخامسة اى دعوى شمول الاخبار الناهية عن التفسير بالرأى للاخذ بالظاهر
بوجوه الاول فبمنع كون حمل الظاهر على ظاهره من التفسير لان التفسير لغة عبارة عن
كشف القناع ولا قناع للظاهر حتى يكون حمل الظاهر على ظاهره من التفسير ويشمله
الاخبار الناهية قال شيخنا العلامة اعلى الله مقامه
والجواب عن
الاستدلال بها يعنى الاخبار الناهية عن التفسير بالرأى انها لا تدل على المنع عن
العمل بالظواهر الواضحة المعنى بعد الفحص عن نسخها وتخصيصها وارادة خلاف ظاهرها فى
الاخبار.
اذ من المعلوم ان
هذا لا يسمى تفسيرا فان احدا من العقلاء اذا رأى فى كتاب مولاه انه امره شيء
بلسانه المتعارف فى مخاطبته له عربيا او فارسيا او غيرهما فعمل به وامتثله لم يعد
هذا تفسيرا اذا التفسير كشف القناع انتهى الثانى من الوجوه فهو ما اشار بقوله.
ولو
سلّم فليس من التّفسير بالرّاى اذ الظّاهر انّ المراد بالرّأي هو الاعتبار الظّنىّ
الّذي لا اعتبار به وانّما كان منه حمل اللّفظ على خلاف ظاهره لرجحانه بنظره او
حمل المجمل على محتمله بمجرّد مساعدة ذاك الاعتبار عليه
حاصله انه لو سلم
ان حمل الظاهر على ظاهره من التفسير لكنه ليس من التفسير بالرأى المحرم فان
التفسير بالرأى هو حمل اللفظ على خلاف
ظاهره بمجرد
الاعتبار الظنى الذى لا اعتبار به لرجحانه بنظره او حمل المجمل على محتمله بمجرد
مساعدة هذا الاعتبار الظنى عليه.
من
دون السّؤال عن الاوصياء وفى بعض الاخبار انّما هلك النّاس فى المتشابه لانّهم لم
يقفوا على معناه ولم يعرفوا حقيقته فوضعوا له تأويلا من عند انفسهم بآرائهم
واستغنوا بذلك عن مسئلة الاوصياء فيعرفونهم
قال شيخنا العلامة
اعلى الله مقامه ثم لو سلم كون مطلق حمل اللفظ على معناه تفسيرا لكن الظاهر ان
المراد بالرأى هو الاعتبار العقلى الظنى الراجع الى الاستحسان فلا يشمل حمل ظواهر
الكتاب على معانيها اللغوية والعرفية وحينئذ فالمراد بالتفسير بالرأى اما حمل
اللفظ على خلاف ظاهره او احد احتماليه لرجحان ذلك فى نظره القاصر وعقله الفائز
ويرشد اليه المروى عن مولانا الصادق (ع) قال فى حديث طويل وانما هلك الناس فى
المتشابه لانهم لم يقفوا على معناه ولم يعرفوا حقيقيته فوضعوا له تأويلا من عند
انفسهم بآرائهم واستغنوا بذلك عن مسئلة الاوصياء انتهى والثالث من الوجوه التى
ذكرها المصنف فى الجواب عن الدعوى الخامسة هو ما اشار بقوله.
هذا
مع انّه لا محيص عن حمل هذه الرّوايات النّاهية عن التّفسير به على ذلك ولو سلّم
شمولها لحمل اللّفظ على ظاهره ضرورة انّه قضيّة التّوفيق بينها وبين ما دلّ على
جواز التّمسّك بالقرآن مثل خبر الثّقلين وما دلّ على التّمسكّ به والعمل بما فيه
وعرض الاخبار المتعارضة عليه وردّ شروط المخالفة له :
حاصله انه لو
سلمنا وفرضنا شمول الروايات الناهية عن التفسير بالرأى لحمل الظاهر على ظاهره فلا
محيص عن حمل التفسير بالرأى فيها على ما ذكرنا من حمل اللفظ على خلاف ظاهره بمجرد
الاعتبار الظنى او حمل المجمل على محتمله بمجرد مساعدة هذا الاعتبار الظنى واخراج
حمل الظاهر على ظاهره عن تحت الاخبار الناهية وتخصيص اطلاقها جمعا بينها وبين ما
دل على جواز التمسك بالقرآن مثل خبر الثقلين وما دل على وجوب العمل بالقرآن
والتمسك به وعرض الاخبار المتعارضة عليه ورد الشروط المخالفة له فحمل الظاهر على
ظاهره خارج عن تحت الاخبار الناهية تخصيصا جمعا بين الروايات قال شيخنا العلامة
اعلى الله مقامه.
هذا كله مع معارضة
الاخبار المذكورة باكثر منها مما يدل على جواز التمسك بظاهر القرآن مثل خبر
الثقلين المشهور بين الفريقين وغيره مما دل على الامر بالتمسك بالقرآن والعمل بما
فيه وعرض الاخبار المتعارضة بل ومطلق الاخبار عليه ورد الشروط المخالفة للكتاب فى
ابواب العقود انتهى كلامه رفع مقامه.
وغير
ذلك ممّا لا محيص عن ارادة الارجاع الى ظواهره لا خصوص نصوصه
اى وغير ذلك مما
دل على جواز التمسك بظاهر القرآن قولا وفعلا وتقريرا بمعنى تمسكهم بظاهر القرآن فى
مقام الاستدلال وهى كثيرة مثل قوله (ع) لما قال زرارة اين علمت ان المسح ببعض
الرأس فقال لمكان الباء فعرفه مورد استفاده الحكم من ظاهر الكتاب وقول الصادق (ع)
فى مقام نهى الدوانقى عن قبول خبر النمام انه فاسق
وقال الله تعالى (إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ) الآية وقوله (ع) لابنه اسماعيل ان الله عزوجل يقول (يُؤْمِنُ بِاللهِ
وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ) فاذا شهد عندك المؤمنون فصدقهم الى غير ذلك من الاخبار
ومثل تقريره (ع) التمسك بقوله تعالى (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ
الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) وانه نسخ بقوله تعالى (وَلا تَنْكِحُوا
الْمُشْرِكاتِ) او بالعكس بمعنى تقريره التمسك بقوله تعالى (وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ) وانه نسخ بقوله تعالى (وَالْمُحْصَناتُ) على اختلاف الروايات فى ذلك من الاخبار مما لا محيص عن كون
المراد بها الارجاع الى ظواهر الكتاب لا خصوص نصوصه.
ضرورة
انّ الآيات الّتى يمكن ان تكون مرجعا فى باب تعارض الرّوايات او الشّروط او يمكن
ان يتمسّك بها ويعمل بما فيها ليست الّا ظاهرة فى معانيها وليس فيها ما كان نصّا
كما لا يخفى
ومن البداهة ان
هذه الآيات ليست نصا فى معانيها بل تكون ظاهرة فيها فلو اريد مما دل على جواز
التمسك بالقرآن من النبوى المشهور بين الفريقين من خبر الثقلين وما دل على وجوب
عرض الاخبار المتعارضة بل مطلق الاخبار على الكتاب والاخذ بما وافقه والطرح لما
خالفه وما دل على عرض الشروط على الكتاب وان ما خالفه فهو فاسد وما دل من الاخبار
الواردة عن الائمة عليهمالسلام على جواز التمسك بظاهر القرآن قولا وفعلا وتقريرا الارجاع
الى خصوص نصوصه دون ظواهره لزم حمل الاخبار المذكور على النادر وهو كما ترى فاسد.
فتلخص مما ذكرنا
ان الاخبار الناهية عن التفسير بالراى معارضة
باكثر منها مما
يدل على جواز التمسك بظواهر الكتاب ولما كانت الاخبار المتعارضة متواترة من
الطرفين فلا يمكن الترجيح بحسب السند فلا تكون الكثرة هنا من احد الطرفين مجدية
فتعين الترجيح بحسب الدلالة فان الاخبار الدالة على الجواز نص فى المدعى كما عرفت
فلا بد من التصرف فى الاخبار المانعة فتأمل جيدا.
ودعوى
العلم الاجمالى بوقوع التّحريف فيه بنحو امّا باسقاط او بتصحيف وان كانت غير بعيدة
قال فى المجمع
تحريف الكلام تغييره عن مواضعه وفى تاج العروس والتحريف التغيير والتبديل ومنه
قوله تعالى (ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ) وقوله تعالى ايضا (يُحَرِّفُونَ
الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ) وهو فى القرآن والكلمة تغيير الحرف عن معناه والكلمة عن
معناها وهى قريبة الشبه كما كانت اليهود تغير ما فى التورية بالاشباه انتهى.
قال فى المجمع
والتصحيف تغيير اللفظ حتى ما يتغير المعنى وأصله الخطاء يقال صحفه فتصحيف اى غيره
فتغير حتى التبس انتهى وفى تاج العروس والتصحيف الخطاء فى الصحيفة باشباه الحروف
مولدة انتهى كذا فى شرح القاموس.
وكيف كان فقد انكر
بعض الاصحاب وقوع التحريف فى الكتاب المجيد قال الطبرسى فى مجمعه فى الفن الخامس
فاما الزيادة فمجمع على بطلانه واما النقصان فقد روى عن جماعة من اصحابنا وقوم من
حشوية العامة منه ان فى القرآن تغييرا ونقصانا والصحيح من مذهب اصحابنا خلافه وهو
الذى نصره المرتضى قدس الله روحه كما يشهد به بعض الاخبار ويساعده الاعتبار
واستوفى الكلام
فيه غاية الاستيفاء فى جواب المسائل الطرابلسيات وذكر فى مواضع ان العلم بصحة نقل
القرآن كالعلم بالبلدان والحوادث الكبار والوقائع العظام والكتب المشهورة واشعار
العرب المسطورة.
فان العناية اشتدت
والدواعى توفرت على نقله وحراسته وبلغت الى حد لم يبلغه ما ذكرناه لان القرآن
معجزه النبوة ومأخذ العلم الشرعية والاحكام الدينية وعلماء المسلمين قد بالغوا فى
حفظه وحمايته الغاية حتى عرفوا كل شيء اختلف فيه من اعرابه وقراءته وحروفه وآياته
فكيف يجوزان يكون مغيرا او منقوصا مع العناية الصادقة والضبط الشديد وذكر ايضا رضى
الله عنه ان القرآن كان على عهد رسول الله (ص) مجموعا مؤلفا على ما هو عليه الآن.
واستدل على ذلك
بان القرآن كان يدرس ويحفظ جميعه فى ذلك الزمان حتى عين على جماعة من الصحابة فى
حفظهم له وانه كان يعرض على النبى (ص) و؟؟؟ عليه وان جماعة من الصحابة مثل عبد
الله بن مسعود وابى كعب وغيرهما ختموا القرآن على النبى (ص) عدة ختمات كل ذلك يدل
بادنى تأمل على انه كان مجموعا مرتبا غير متبور ولا مبثوث وذكر ان من خالف فى ذلك
من الامامية والحشوية لا يعتد بخلافهم فان الخلاف فى ذلك مضاف الى قوم من اصحاب
الحديث نقلوا اخبارا ضعيفة ظنوا صحتها لا يرجع بمثلها عن المعلوم المقطوع على صحته
انتهى ما فى
المجمع وانتصر شيخ الطائفة مذهب علم الهدى فى محكى تبيانه اما الكلام فى زيادته
ونقصانه فالظاهر ايضا من مذهب المسلمين خلافه وهو الاليق بالصحيح من مذهبنا كما
نصره المرتضى وهو الظاهر
من الروايات غير
انه رويت روايات كثيرة من طرق العامة والخاصة بنقصان كثير من آى القرآن ونقل شيء
منه من موضع الى موضع لكن طريقها الآحاد التى لا توجب علما فالاولى الاعراض عنها
وترك التشاغل بها لانه يمكن تأويلها ولو صحت لما كان ذلك طعنا على ما هو موجود بين
الدفتين.
فان ذلك معلوم
صحته لا يعترضه احد من الامة ولا يدفعه ورواياتها متناصرة بالحث على قراءته
والتمسك بما فيه ورد ما يرد من اختلاف الاخبار فى الفروغ اليه وعرضها عليه الى آخر
كلامه وذهب اليه الصدوق فى محكى كلامه فى اعتقاداته وكاشف الغطاء فى محكى كلامه فى
كشف الغطاء ومما ذكره السيد ره يظهر لك الضعف فيما ذكره المصنف ره بقوله ويساعده
الاعتبار.
كما
يشهد به بعض الاخبار ويساعده الاعتبار.
اما الاخبار
فكثيرة منها ما روى مستفيضا بل متواترا كما قيل عن امير المؤمنين (ع) حيث سئل عن
المناسبة بين قوله تعالى (وَإِنْ خِفْتُمْ
أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى) وبين قوله تعالى (فَانْكِحُوا ما طابَ
لَكُمْ مِنَ النِّساءِ) قال (ع) قد سقط بينهما اكثر من ثلث القرآن.
ومنها ما روى
مستفيضا ان آية الغدير نزلت هكذا (يا أَيُّهَا
الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ) فى على (وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ) ومنها ما عن تفسير العياشى عن ابى جعفر (ع) قال لو لا انه
زيد فى كتاب الله ونقص ما خفى حقنا على ذى حجى ولو قام قائمنا فنطق صدقه القرآن
والاعتبار يساعد على ذلك ايضا.
حيث انه لا ارتباط
ظاهرا بين الجملتين فى بعض آيات القرآن مما يحتمل اسقاط شيء بينهما كما توهم فى
قوله تعالى فى سورة النساء (وَإِنْ خِفْتُمْ
أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ) وجه التوهم عدم المناسبة بين الشرط والجزاء المنافى
للبلاغة.
وكيف كان فقد دفع
المصنف هذا التوهم اما اولا بانا نعلم اجمالا بوقوع التحريف فى القرآن كما يشهد به
الاخبار ويساعد عليه الاعتبار.
الّا
انّه لا يمنع عن حجّية ظواهره لعدم العلم بوقوع الخلل فيها بذلك اصلا
حاصله ان العلم
الاجمالى بوقوع التحريف فى القرآن لا يوجب المنع عن ظواهره لعدم العلم بوقوع الخلل
فى الظواهر بسبب التحريف اذ من المحتمل وقوع التحريف فى المتشابه وفيبقى ظواهر
القرآن سليمة عن الخلل نعم لو استلزم ذلك العلم العلم بوقوع الخلل فى الظواهر فهو
مما يمنع عن التمسك بظاهره ولكنه ممنوع جدا.
ولو
سلّم فلا علم بوقوعه فى آيات الاحكام
اى ولو سلم
الاستلزام المذكور فلا يوجب المنع عن العمل بظواهر آيات الاحكام لانا لا نعلم
بوقوع الخلل فى آيات الاحكام وان علمنا بوقوعه فى ظواهر القرآن اذا الروايات
المشتملة على ذلك جلها لو لم يكن كلها فى غير آيات الاحكام مما تكون فى ثبوت
الولاية والامامة فان الداعى لهم الى ذلك اخفاء فضائل امير المؤمنين والائمة عليهمالسلام بعده
والقاء الشبهة بين
الامة فى امامتهم ولم يكن داع الى اخفاء الاحكام الفرعية مع شدة حاجتهم اليها فى
الوقائع الحادثة فى الكتاب وهو لم يكن مانعا عن التمسك بآيات الاحكام فيما يستفاد
منها من المسائل.
هذا ولكن مجرد
احتمال كون الظاهر المصروف عن ظاهره هو غير ظواهر آيات الاحكام مما لا يخرج
الظواهر المتعلقة بالاحكام عن كونها طرفا للعلم الاجمالى والعلم الاجمالى بوقوع
التحريف فى آيات الاحكام وفى غيرها من الآيات كاف فى عدم جواز التمسك بآيات
الاحكام لانها صارت طرفا للعلم ولا فرق فى المنع بين العلم بوقوع التحريف فى آيات
الاحكام فى نفسها وبين العلم بوقوعه فيها او فى غيرها فعاد المحذور وقد اجاب
المصنف عنه بقوله.
والعلم
بوقوعه فيها او فى غيرها من الآيات غير ضائر بحجّية آياتها لعدم حجيّة ظاهر ساير
الآيات والعلم الاجمالى بوقوع الخلل فى الظّواهر انّما يمنع عن حجيّتها اذا كانت
كلّها حجّة والّا لا يكاد ينفكّ ظاهر عن ذلك كما لا يخفى فافهم.
حاصله ان العلم
بوقوع الخلل بالتحريف فى آيات الاحكام او فى غيرها من الآيات الواردة فى قصص الامم
الماضية او الحكم او المواعظ او غير ذلك بحيث يكون آيات الاحكام طرفا للعلم
الاجمالى غير ضائر بحجيتها لعدم حجية ظواهر سائر الآيات لانها خارجة عن محل الابتلاء
ولما كانت الظواهر المذكورة خارجة عن محل الابتلاء لم يكن العلم الاجمالى منجزا
ومانعا من الرجوع الى الاصل فيما هو محل
الابتلاء من ظواهر
الكتاب.
وبالجملة ان العلم
الاجمالى بوقوع الخلل فى الظواهر انما يمنع عن حجية آيات الاحكام اذا كانت الظواهر
كلها حجة وان لم يكن كلها حجة فلا يستلزم العلم الاجمالى سقوط آيات الاحكام عن
الحجية اذ لا يكاد ينفك عن ذلك اى عن كونه طرفا للعلم الاجمالى الذى يكون بعض
اطرافه خارج عن محل الابتلاء ففى الحقيقة
يكون هذا العلم
دائرا بين ما له اثر وهو الظاهر الذى يكون حجة كآيات الاحكام وبين ما لا اثر له
وهو ما لا يكون حجة كآيات القصص والسير فتأمل جيدا.
وقوله فافهم لعله
اشارة الى دعوى وجود اثر عملى بالنسبة اليها ايضا وهو جواز النقل والحكاية على نحو
البت والدراية.
نعم
لو كان الخلل المحتمل فيه او فى غيره بما اتّصل به لأخلّ بحجيّته لعدم انعقاد ظهور
له ح وان انعقد له الظهور لو لا اتّصاله.
نعم لو كان الخلل
المحتمل فى آيات الاحكام او فى غيرها بما اتصل بآيات الاحكام لاخل بحجيتها مثلا لو
كانت آية من آيات الاحكام متصلة بآية من القصص وعلم بسقوط شيء من واحدة منهما
بمعنى حصول العلم الاجمالى بزيادة متصلة باحدى الآيتين حين نزولها واسقاطها بعد
النبى «ص» حين جمع القرآن كما هو معنى التحريف فلا محالة لا ينعقد ظهور لآية الحكم
اما فى المطلق فلعدم احراز كون الشارع فى مقام
البيان بهذه
الجملة لوضوح ان المتكلم انما يكون فى مقام البيان بعد الغاء كلامه بتمامه.
والمفروض العلم
بعد تمامية هاتين الآيتين اللتين هما بمنزلة كلام واحد
واما فى العام
فلان المفروض العلم بكون ذلك الخلل مما يصلح للقرينية لو كان مذكورا فى الكلام
فحينئذ لا يصح التمسك بالعموم مع العلم بذلك لعدم احراز بناء العقلاء على جعله
طريقا للمراد الجدى فى صورة العلم بذلك بخلاف صورة الشك فى القرينة المتصلة.
وقد عرفت سابقا ان
الظهور حجة عند الشك فى وجود القرينة متصلة كانت او منفصلة اما اذا كان الشك فى
قرينية الموجود كما فى ما نحن فيه فهو مما يخل به لعدم انعقاد الظهور معه.
فى اختلاف القراءات
ثمّ
انّ التّحقيق انّ الاختلاف فى القراءة بما يوجب الاختلاف فى الظّهور مثل يطهّرن
بالتّشديد والتخفيف يوجب الاخلال بجواز التمسّك والاستدلال
حاصله ان الاختلاف
فى القراءات بما يوجب الاختلاف فى الظهور مثل يطهرن بالتشديد الذى هو مفاده حرمة
مقاربة المرأة اذا اخرجت من الحيض قبل الاغتسال لقوله تعالى (وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ)
وبالتخفيف الذى
مفاده جواز المقاربة قبل الاغتسال لان الطهر عبارة عن النقاء عن الحيض يوجب
الاخلال بجواز التمسك بالظاهر
والاخلال بجواز
الاستدلال به واما اذا لم يكن موجبا للاختلاف فى الظهور فلا اشكال فى جواز العمل
به بعد البناء على حجية ظواهر الكتاب للعلم بكونه قرآنا لتواتره ثم ان الشيخ ره
قال فى الرسالة انه اذا اختلف القراءة فى الكتاب على وجهين مختلفين فى المؤدى كما
فى قوله تعالى (حَتَّى يَطْهُرْنَ) حيث قرء بالتشديد من التطهر الظاهر فى الاغتسال والتخفيف من
الطهارة الظاهرة فى النقاء عن الحيض فلا يخلو اما ان نقول بتواتر القراءات كلها
كما هو المشهور خصوصا فيما كان الاختلاف فى المادة لا فى الهيئة كالاختلاف فى
الاعراب واما ان لا نقول كما هو مذهب جماعة فعلى الاول فهما بمنزلة آيتين تعارضتا
ولا بد من الجمع بينهما بحمل الظاهر على النص او على الاظهر
ومع التكافؤ لا بد
من الحكم بالتوقف والرجوع الى غيرهما وعلى الثانى فان ثبت جواز الاستدلال بكل
قراءة كما ثبت بالاجماع جواز القراءة بكل قراءة كان الحكم كما تقدم وإلّا فلا بد
من التوقف فى محل التعارض والرجوع الى القواعد مع عدم المرجّح او مطلقا بناء على
ثبوت الترجيح هنا كما هو الظاهر انتهى موضع الحاجة من كلامه.
ولكن المصنف اختار
عدم القول بتواتر القراءات وعدم جواز الاستدلال بها ايضا.
لعدم
احراز ما هو القرآن ولم يثبت تواتر القراءات ولا جواز الاستدلال بها
حاصله انه لو كان
بين القراءتين تناقض عند اهل اللسان فلا محالة يحصل العلم بعدم كون واحدة منهما
قرآنا اذا الضرورة قاضية بعدم الاختلاف فى القرآن كما فى قوله تعالى (لَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ
لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) ومن البين ان عدم احراز ما هو القرآن واقعا يلزم الاحلال
بجواز الاستدلال فتكونان ساقطتين عن الحجية فى خصوص مؤدّاهما فيرجع الى الاصل
الموافق فيما اذا علم بكون واحدة منهما قرآنا والى الاعم منه فيما اذا لم يعلم ذلك
ولا معنى لثبوت تواتر القراءات فى المتعارضين اذ لو ثبت التواتر وجواز الاستدلال
لما اخل الاختلاف فى القراءة بجواز التمسك به مع ان الاخلال به ضرورى ولا بد من
التوقف والرجوع الى الاصل
وان
نسب الى المشهور تواترها لكنّه ممّا لا اصل له
اعلم ان المشهور
كما قيل تواتر قرائات السبع بل ادعى جماعة الاجماع عليه كالشهيد الثانى والمحقق
الثانى والاردبيلى واضاف بعضهم القراءات الثلاث الى السبعة وادعى تواترها ايضا
كالشهيدين فى الذكرى والروضة فقال القمى وهو المشهور بين المتأخرين
واستدلوا عليه
بوجوه كثيرة منها الاجماع المنقول عن العلامة فى جملة من كتبه والشهيدين فى الذكرى
والروضة والمحقق الثانى والشيخ حر العاملى والاردبيلى ومنها الاخبار الدالة على
نزول القرآن على سبعة احرف مثل النبوى العامى ان القرآن نزل على سبعة احرف كلها
كاف وشاف وادعى بعضهم تواتره وفى الخصال انه قال رسول الله (ص) اتانى آت من الله
فقال ان الله يامرك ان تقرأ القرآن على سبعة احرف منها الخبر المروى فى بعض كتب
العامة والخاصة كصاحب المدارك ان القراءة سبعة متبعة ثم ان الشيخ (ره)
ومنها قضاء العادة
بالنقل ولو كان الصادر عنه غير هذه القراءات فلو كان بعض هذه غير صادر عنه (ص)
لنقل الينا لشدة اهتمامهم ونهاية رعايتهم فى حفظ القرآن وضبطه حتى ان بعض الناس قد
عدّ آياته وكلماته وحروفه.
ولكن كلها مخدوشة
لان دعوى التواتر مبنية على الحدس والاجتهاد ومثلها لا يفيد القطع لنا وان بلغ عدد
المدعين حد التواتر والاجماع المنقول غير مفيد فى المقام وان قلنا بحجته اذ
المقصود دعوى القطع بتواتر السبع لا اثباتها بدليل ظنى معتبر والنبوى ضعيف سندا مع
انه مجمل لاحتمال ان يراد به نزوله على سبع لغات العرب من قريش وهذيل وهوازن ويمن
وهكذا ولو سلم ان المراد نزوله على قراءات السبع يحتمل ان يكون المراد غير السبع
المشهورة بان يكون عند اهل البيت قراءات مخصوصة غير السبع المعروفة.
ولو سلم فمعارض
باقوى منه وهو ما رواه الكلينى عن الفضيل بن يسار قال قلت لابى عبد الله ان الناس
يقولون ان القرآن نزل على سبعة احرف فقال كذبوا اعداء الله لكنه نزل على حرف واحد
عند واحد.
وروى ايضا باسناده
عن زرارة عن ابى جعفر (ع) قال ان القرآن واحد نزل من عند واحد ولكن الاختلاف يجىء
من قبل الرواة واما قضاء العادة وتوفر الدواعى على نقل القراءات على وجه يحصل به
التواتر ممنوع فظهر من جميع ما ذكرنا انه لا وجه لدعوى ثبوت تواتر القراءات لان
ادلة مدعى ثبوت التواتر ضعيفة جدا.
وانّما
الثابت جواز القراءة بها ولا ملازمة بينهما كما لا يخفى
قد ادعى الشيخ قده
فى القراءة الاجماع على جواز القراءة بكل قراءة من القراءات السبع مع التأمل فى
جواز الاستدلال بكل قراءة منها اذ لا ملازمة بين جواز القراءة بواحدة من القراءات
السبع وجواز العمل بها وكونها حجة على الواقع.
والمهم اثبات ذلك
ولا دلالة فى الروايات على ذلك ومثله قوله (ع) للراوى اقرأ كما يقرأ الناس وقوله (ع)
اقرءوا كما علمتم وقوله (ع) اقرءوا كما تعلمون فيجيئكم من يعلمكم فان اقصى ما
يستفاد منها جواز كل من القراءات السبع المعروفة فما بين الناس فى اعصار الائمة (ص)
ولا شبهه فى كفاية كل واحد منها لا مكان دعوى القطع بامضائهم لذلك.
ولو
فرض جواز الاستدلال بها فلا حاجة لملاحظة الترجيح بينها بعد كون الاصل فى تعارض
الامارات هو سقوطها عن الحجّية فى خصوص المؤدّى بناء على اعتبارها من باب
الطّريقية والتخيير بينها بناء على السّبية
حاصله انه لو
بنينا على جواز التمسك والاستدلال بالقراءات السبع كجواز القراءة بها وفرضنا قيام
الدليل عليه فلا شك انه باطلاقه يشمل القراءتين المتعارضتين فيكونان كالخبرين
المتعارضين فى كونهما حجة شأنا.
فمقتضى القاعدة
الجمع الدلالى لو كان ومع عدم الجمع العرفى هو سقوطهما عن الحجية فى خصوص مؤداهما
اذ ظهور القراءتين
المتعارضتين حجة
من باب الطريقية عند العقلاء لا من باب السببية وهذا بخلاف خبر الواحد اذ يحتمل ان
يكون مصلحة فى سلوكه داعية لتعبد الشارع به والحكم حينئذ التخيير بينهما وعلى كل
حال السقوط على الطريقية والتخيير على السببية هو الاصل فيهما.
ومما ذكر ظهر انه
لا وجه لملاحظة الترجيح فى هذا القراءتين عند تعارضهما كما هو المشهور فى تعارض
الخبرين نظرا الى ان الاخبار العلاجية الواردة فيها الآمرة بالترجيح لوجهين الاول
ان الاصل فى تعارض الامارتين التساقط ان قلنا بانهما طريقان الى الواقع والتخيير
ان قلنا بان لهما الموضوعية والسببية وعلى اى التقديرين فلا وجه لملاحظة الترجيح
الامر الثانى هو ما اشار بقوله.
مع
عدم دليل على التّرجيح فى غير الرّوايات من ساير الامارات فلا بدّ من الرّجوع
حينئذ الى الاصل او العموم حسب اختلاف المقامات
اى مع ان ادلة
الترجيح انما هى فى الروايات المتعارضة اما ساير الامارات كالظواهر والشهرة فى
الفتوى والاجماع المنقول ونحو ذلك فلا بد من الرجوع الى الاصل العملى من براءة او
استصحاب او احتياط او تخيير او اللفظى من عموم ونحوه حسب اختلاف المقامات والحاصل
انه لا وجه للرجوع الى المرجحات السندية فى حال التعارض بين القراءات لان ذلك خلاف
الاصل فى المتعارضين لا يجوز ارتكابه إلّا بدليل والدليل الذى قام عليه يختص
بالروايتين المتعارضتين فلا يشمل القراءتين بل المرجع فيهما هو الاصل العمل او
اللفظى حسب اختلاف المقامات.
فى احتمال وجود القرينة
واحتمال قرينية الموجود
فصل
قد عرفت حجيّة ظهور الكلام فى تعيين المرام فان احرز بالقطع وانّ المفهوم منه جزما
بحسب متفاهم اهل العرف هو ذا فلا كلام
قد عرفت فى الفصل
السابق ان كل ظاهر حجة من باب بناء العقلاء والسيرة وفى هذا لفصل فيما يشخص به
الظهور الذى يكون متعلق السيرة وبناء العقلاء فنقول ان احرز الظهور بالقطع بحيث لو
القى اللفظ الينا كان بمقتضى وضعه اللغوى او انصرافه العرفى ظاهرا فى معنى فلا
كلام فيه ويكون الظهور الفعلى طريقا عندهم لاحراز مراد المتكلم.
والّا
فان كان لاجل احتمال وجود قرينة فلا خلاف فى انّ الاصل عدمها لكن الظّاهر انّه معه
يبنى على المعنى الّذى لولاها كان اللّفظ ظاهرا فيه ابتداء إلّا انّه يبنى عليه
بعد البناء على عدمها كما لا يخفى فافهم
وان لم يحرز
الظهور بالقطع فان كان عدم الاحراز والشك لاجل احتمال وجود قرينة صارفة عن هذا
الظاهر فلا خلاف فى ان الاصل عدمها ولكن الظاهر ان اللفظ مع احتمال وجود قرينة
صارفة يبنى على المعنى الذى لو لا القرينة كان ظاهرا فيه ابتداء لا ان اللفظ
يبنى على المعنى
الظاهر بعد البناء على عدم القرينة
وبعبارة اخرى ان
المورد وان كان موردا لاصالة عدم القرينة إلّا ان الاخذ بالظهور فى هذه الصورة
ايضا من جهة بناء العقلاء على الاخذ به ابتداء لا لاجل البناء على الاصل او لا ثم
الاخذ بالظهور ثانيا بل يؤخذ من الاول بالظهور فلا احتاج الى ضم الاصول اللفظية
فيه بل ضم الاصول الى الظهور فى نظر العرف كالعدم بمعنى انهم يحكمون بان الاخذ
بمدلول اللفظ عمل بمحض الظهور لا انه عمل به وبالاصل فافهم
هذا كله فيما كان
الشك لاجل احتمال وجود قرينة صارفة عن هذا الظاهر
وان
كان لاحتمال قرينيّة الموجود فهو وان لم يكن بخال عن الاشكال بناء على حجّية اصالة
الحقيقة من باب التّعبّد الّا انّ الظاهر ان يعامل معه معاملة المجمل
واذا كان عدم
الاحراز لاجل احتمال قرينية الموجود اى الامر المتصل بالكلام بمعنى كون الكلام
محفوفا بما يصلح للقرينية فالظاهر ان يعامل معه معاملة المجمل ان قلنا بحجية اصالة
الحقيقة من باب الظهور وذلك لان الكلام لما كان محفوفا بما يصلح للقرينية ليس له
ظهور فعلى اذ وجود ما يصلح للقرينية مانع من انعقاد الظهور فى الكلام فلا محاله
كان اللازم الحكم بالاجمال والتوقف نعم ان قلنا بان اصالة الحقيقة حجة من باب
التعبد كان اللازم الحمل على المعنى الحقيقى وعدم الاعتناء باحتمال قرينية الموجود
لان بنائهم على حجية الظواهر والعمل بمقتضاها حتى تقوم حجة اخرى قاضية بالخروج
عنها وترك ما يستفاد منها ولا يخفى ان فى العبارة خلل واضطراب والصحيح هو هكذا فهو
وان لم يكن مجال للاشكال
وان
كان لاجل الشّك فيما هو الموضوع له لغة او المفهوم منه عرفا فالاصل يقتضى عدم
حجّيّة الظّن فيه فانّه ظنّ فى انّه ظاهر ولا دليل الّا على حجّية الظواهر
واذا كان عدم
الاحراز لاجل الشك فيما هو الموضوع له لغة او فيما هو المفهوم منه عرفا كما لو لم
يعلم المعنى اللغوى للصعيد مثلا وان لفظ الصعيد هو مطلق وجه الارض او التراب
الخالص او وقوع الامر عقيب الحضر هل يوجب ظهوره فى الاباحة المطلقة او ان الشهرة
فى المجاز هل توجب احتياج الحقيقة الى القرينة الصارفة من الظهور العرضى المسبب من
الشهرة
فالاصل يقتضى عدم
حجية الظن فيه فانه ظن بانه ظاهر ومن المعلوم ان الظن بالظهور غير الظهور ولا
يستلزم حجية الظهور حجية الظن بالظواهر
قال شيخنا العلامة
اعلى الله مقامه والقسم الثانى ما يعمل لتشخيص اوضاع الالفاظ وتشخيص مجازاتها عن
حقائقها وظواهرها عن خلافها كتشخيص ان لفظ الصعيد موضوع لمطلق وجه الارض او التراب
الخالص وتعيين ان وقوع الامر عقيب الحضر هل يوجب ظهوره فى الاباحة المطلقة
وان الشهرة فى
المجاز المشهور هل توجب احتياج الحقيقة الى القرينة الصارفة من الظهور العرضى
المسبب من الشهرة نظير احتياج المطلق المنصرف الى بعض افراده ثم قال بعد كلام طويل
والاوفق بالقواعد عدم حجية الظن هنا لان الثابت المتيقن هى حجية الظواهر
واما حجية الظن فى
ان هذا ظاهر فلا دليل عليه عدا وجوه ذكروها فى اثبات جزئى من هذه المسألة وهى حجية
قول اللغويين انتهى.
وبالجملة ان
الامارات الموجبة للظن بالظهور كقول اللغوى بان الصعيد لمطلق وجه الارض او التراب
الخالص الموجب للظن بظهوره فيه او وقوع الامر عقيب الحضر الموجب للظن بظهوره فى
الاباحة المطلقة دون الوجوب او كالشهرة فى المجاز الموجبة للظن بظهور اللفظ فيه
دون المعنى الحقيقى مما لا دليل على اعتباره فان المتيقن هو حجية الظواهر لا الظن
بان هذا ظاهر.
فى بيان حجية قول اللغويين
نعم
نسب الى المشهور حجّية قول اللغوي بالخصوص فى تعيين الاوضاع
قال شيخنا العلامة
اعلى الله مقامه فى الفرائد ما لفظه فان المشهور كونه يعنى قول اللغويين من الظنون
الخاصة التى ثبتت حجيتها مع قطع النظر عن انسداد باب العلم فى الاحكام الشرعية الى
ان قال وكيف كان فقد استدلوا على اعتبار قول اللغويين باتفاق العلماء بل جميع
العقلاء على الرجوع اليهم فى استعلام اللغات والاستشهاد باقوالهم فى مقام الاحتجاج
ولم ينكر ذلك احد على احد انتهى واشار المصنف اليه بقوله
واستدل
لهم باتّفاق العلماء بل العقلاء على ذلك حيث لا يزالون يستشهدون بقوله فى مقام
الاحتجاج بلا انكار من احد ولو مع المخاصمة واللجاج وعن بعض دعوى الاجماع على ذلك.
استدلوا على
اعتبار قول اللغويين باتفاق العلماء بل العقلاء والمراد به الاجماع العملى المعبر
عنه بالسيرة كما ان المراد من الاجماع فى قوله وعن بعض دعوى الاجماع على ذلك
الاجماع القولى بمعنى صدور الفتوى من جميع العلماء وهو المحكى عن السيد اعلى الله
مقامه
قال الشيخ وقد حكى
عن السيد فى بعض كلماته دعوى الاجماع على ذلك بل ظاهر كلامه المحكى اتفاق المسلمين
انتهى وعن الفاضل السبزوارى على ما حكى عنه ان صحة المراجعة الى اصحاب الصناعات
البارعين فى فنهم فيما اختص بصنائعهم مما اتفق عليه العقلاء فى كل عصر وزمان انتهى
وعن اشارات الاصول
بعد دعوى اطباق العلماء على ذلك قال بل يمكن ان يقال ان العمل بالظن فى اللغات
سيرة كافة الانام مع علم النبى ص واوصيائه بذلك قطعا ومع ذلك قرروهم عليه ولو لا
جواز ذلك للزم عليهم تنبيه الناس بان هذا لا يجوز فى الموضوعات المتعلقة بالاحكام
انتهى
وعن المحقق
الاصفهانى فى حاشيته على المعالم دعوى الاجماع على ذلك وزاد فيها مضافا الى ان
حجية اخبار الآحاد فى الاحكام مع ما فيها من وجوه الاختلال وشدة الاهتمام فى
معرفتها يشير الى حجيتها فى الاوضاع بطريق اولى انتهى
وكيف كان فقد استدلوا
على اعتبار قول اللغويين باتفاق العلماء بل العقلاء بمعنى ان سيرتهم قد جرت على
المراجعة الى القول اللغوى ولا يزالون يستشهدون بقول اللغوى فى مقام الاحتجاج من
غير انكار
من احد على احد
ولو مع المخاصمة واللجاج بحيث لو تنازعا فى امر تحاكما الى اللغة
وخرج المعنى مما
يؤيد احدهما اقتنع الآخر فلو لم يكن قول اللغوى حجة لم يكن وجه للاحتكام ولا
لاقتناع الخصم مضافا الى ما حكى عن السيد ره دعوى الاجماع على ذلك
وفيه
انّ الاتّفاق لو سلّم اتّفاقه فغير مفيد
حاصل جوابه عن
الاستدلال لهم باتفاق العلماء بل العقلاء بان الاتفاق لو سلم اتفاقه على النحو
الذى ادعاه المستدل بقوله بان اتفق العلماء بل العقلاء جميعا على المراجعة الى
اللغويين فى استعلام اللغات والاستشهاد باقوالهم فى مقام الاحتجاج فهو غير مفيد
لاجمال جهة عملهم
وعدم احراز ان
بنائهم الرجوع اليهم من حيث قولهم بلا ملاحظه شيء آخر مضافا الى ما فى الحقائق من
ان حجية مثله تتوقف على الامضاء من قبل الشارع وهو غير معلوم كيف ومن مقدمات اثبات
الامضاء ثبوت السيرة فى زمن المعصوم وهو فى المقام غير ثابت او ثابت العدم انتهى
مع
انّ المتيقّن منه هو الرّجوع اليه مع اجتماع شرائط الشّهادة من العدد والعدالة
هذا جواب ثانى عن
الاستدلال لهم باتفاق العلماء بل العقلاء حاصله هو المنع عن اتفاق هذا لاتفاق بهذه
السعة والاطلاق بل له قدر متيقن اذ المتيقن من هذا الاتفاق هو الرجوع اليهم مع
اجتماع شرائط
الشهادة من العدد
والعدالة فيؤخذ بالقدر المتيقن
قال شيخنا العلامة
اعلى الله مقامه وفيه ان المتيقن من هذا الاتفاق هو الرجوع اليهم مع اجتماع شرائط
الشهادة من العدد والعدالة ونحو ذلك لا مطلقا ألا ترى ان اكثر علمائنا على اعتبار
العدالة فيمن يرجع اليه من اهل الرجال بل وبعضهم على اعتبار التعدد والظاهر
اتفاقهم على اشتراط التعدد والعدالة فى اهل الخبرة فى مسئلة التقويم وغيرها انتهى
والاجماع
المحصّل غير حاصل والمنقول منه غير مقبول
واما الجواب عن
الاجماع الذى ادعاه السيد ره فبان المحصل منه غير حاصل اما لعدم الاتفاق فى محل
الكلام واما لعدم الكشف عن رأى الامام عليهالسلام والمراد بالاجماع
المحصل هو الاتفاق الكاشف وهو فى المقام غير حاصل واما المنقول منه غير مقبول
ولعدم الدليل على حجيته
ولو فرض حجيته
فانما هى فيما لم يحتمل المدرك فان الاجماع انما يكشف عن رأى المعصوم عليهالسلام اذا لم يكن هناك امر محتمل كونه مدركا له وإلّا فلا يكشف
عن رأيه وقد اشار المصنف الى ما يحتمل كونه مدركا للاجماع بقوله
خصوصا
فى مثل المسألة ممّا احتمل قريبا ان يكون وجه ذهاب الجل لو لا الكلّ هو اعتقاد
انّه ممّا اتّفق عليه العقلاء من الرّجوع الى اهل الخبرة من كلّ صنعة فيما اختصّ
بها
اذ يحتمل ان يكون
مستند المجمعين هو اعتقاد كون الرجوع الى اهل الخبرة من كل صنعة فيما اختص بها وان
اللغوى من اهل الخبرة ولذا يرجعون اليه ومن المعلوم ان هذا يضر بحجيته قطعا فان
الاجماع انما يكشف عن رأى المعصوم ع اذا لم يكن هناك امر يحتمل كونه مدركا له
وإلّا فلا يكون كاشفا عن رضا المعصوم ع ومجرد الاتفاق بلا كشف غير مفيد
ولا يخفى ان بناء
العقلاء على الرجوع الى اهل الخبرة من كل صنعة فيما اختص بها لو تم لكان الرجوع
الى قول اللغوى من باب الرجوع الى اهل الخبرة فيكون قوله حجة بلا اشكال كما لا
اشكال فى حجية قول اهل الخبرة
هذا دليل ثالث فى المسألة
نقله الشيخ ره فى الفرائد عن الفاضل السبزوارى قال اعلى الله مقامه ما نصه قال
الفاضل السبزوارى فيما حكى عنه فى هذا المقام ما هذا لفظه صحة المراجعة الى اصحاب
الصناعات البارزين فى صنعتهم البارعين فى فنهم فيما اختص بصناعتهم مما اتفق عليه
العقلاء فى كل عصر وزمان انتهى وقد اجاب المنصف ره عنه بقوله
والمتيقّن
من ذلك انّما هو فيما اذا كان الرّجوع موجبا للوثوق والاطمينان
حاصله ان بناء
العقلاء على الرجوع الى اهل الخبرة من كل صنعة فيما اختص بها انما هو فيما اذا كان
الرجوع مما يوجب الوثوق والاطمينان ولا ضير للعمل بقول اللغوى ولا بغيره اذا حصل
منه الوثوق والاطمينان
ولا
يكاد يحصل من قول اللّغوى وثوق بالأوضاع
انكار الوثوق من
قول اللغوى مطلقا خلاف الانصاف كما ان الاثبات كذلك مما لا يصح
بل
لا يكون اللغوي من اهل خبرة ذلك بل انّما هو من اهل خبرة موارد الاستعمال بداهة انّ
همّه ضبط موارده لا تعيين انّ أيّا منها كأن اللّفظ فيه حقيقة او مجازا والّا
لوضعوا لذلك علامة
هذا جواب ثان عن
الدليل الثالث وهو الجواب بمنع الصغرى اى بمنع كون اللغوى من اهل خبرة ذلك بل انما
هو من اهل خبرة موارد الاستعمالات لا تعيين ان أيا منها حقيقة وأيا منها مجاز فلو
كان همّ اللغوى تعيين الحقيقة والمجاز لوضعوا لذلك علامة فلا يعرف الحقيقة عن
المجاز بقول اللغوى
وليس
ذكره اوّلا علامة كون اللّفظ حقيقة فيه للانتقاض بالمشترك
دفع لما قد يتوهم
من ان ذكر المعنى او لا هو علامة كون اللفظ حقيقة فيه فقوله وإلّا لوضعوا لذلك
علامة مما لا وجه له فاجاب عنه بانه ليس ذكر المعنى اولا علامة كون اللفظ حقيقة
فيه لانتقاضه بالمشترك اللفظى فان المعنى الثانى فيه ايضا حقيقة كالاول فلا تتم
العلامة
وكون
موارد الحاجة الى قول اللّغوى اكثر من ان تحصى لانسداد باب العلم بتفاصيل المعانى
غالبا بحيث يعلم بدخول الفرد المشكوك او خروجه وان كان المعنى معلوما فى الجملة
هذا رابع الوجوه
التى استدل على حجية قول اللغوى حاصله ان طرح قول اللغوى الغير المفيد للعلم فى
الفاظ الكتاب والسنة مستلزم لانسداد طريق الاستنباط فى غالب الاحكام بداهة انه لو
بنى على الاقتصار
على العلم فى
اللغات ولم يرجع الى قول اهل اللغة وجب التوقف فى اكثر المقامات لقلة الموارد التي
يحصل فيه العلم ويلزم من ذلك محذور العسر والحرج من الالتزام بالاحتياط عند الشك
فى المكلف به فدليل العسر والحرج يقتضى جواز الرجوع اليهم.
واجاب المصنف عن
دعوى الانسداد بان ذلك اى كون موارد الحاجة الى قول اللغوى اكثر من ان تحصى بقوله.
لا
يوجب اعتبار قوله ما دام انفتاح باب العلم بالأحكام كما لا يخفى
حاصل جوابه قدسسره ان ما ادعاه المتوهم من انسداد طريق الاستنباط فى غالب
الاحكام عند طرح قول اللغوى ولزوم العسر والحرج من الالتزام بالاحتياط عند الشك فى
المكلف به فهو فى غير محله اذ لا شبهة ان بيان الاحكام الشرعية انما ورد على حسب
افهام اواسط الناس لانهم عليهمالسلام بصدد افهام الاحكام فمعانى اكثر تلك الالفاظ معلومة عند
اهل اللسان ويحصل العلم بها لغيرهم بالرجوع اليهم.
فحينئذ لا حاجة
الى التمسك بقول اللغوى ولو بقى موارد قليلة محتاجة الى ذلك لم يلزم مخدور العسر
والحرج بالاحتياط عند الشك فى المكلف به ومما ذكرنا ظهران دليل الانسداد لا يوجب
اعتبار قول اللغوى ما دام انفتاح باب العلم بالاحكام الشرعية لعدم تمامية مقدمات
الانسداد فى الاحكام.
ومع
الانسداد كان قوله معتبرا اذا افاد الظّنّ من باب حجّية مطلق الظّن وان فرض انفتاح
باب العلم باللّغات بتفاصيلها فيما عدا المورد
يعنى مع تمامية
مقدمات الانسداد فى غالب الاحكام كان قول اللغوى
معتبرا اذا افاد
الظن من باب حجية مطلق الظن فان قلنا بالانسداد فى الاحكام كان مطلق الظن حجة ومنه
الظن بالحكم الحاصل من قول اللغوى ولو كان باب العلم فى اللغة نوعا مفتوحا فيما
عدا هذا المورد وان لم نقل بانسداد باب العلم فى غالب الاحكام لم يكن مطلق الظن
حجة وان فرض انسداد باب العلم فى اللغات غالبا اذ لو توقفنا فى اللغات مع انسداد
باب العلم فيها بعد فرض انفتاح باب العلم فى غالب الاحكام لم يلزم منه مخدر؟؟؟.
فلا فائدة فى
انسداد باب العلم باللغات مجردا عن الانسداد فى باب الاحكام ومع الانسداد فى
الاحكام لا حاجة الى ملاحظة الانسداد فى باب اللغات.
نعم
لو كان هناك دليل على اعتباره لا يبعد ان يكون انسداد باب العلم بتفاصيل اللغات
موجبا له على نحو الحكمة لا العلّة
قد عرفت آنفا ان
العبرة فى الانسداد هو انسداد باب العلم فى الاحكام فلا فائدة فى انسداد باب العلم
باللغات مجردا عن الانسداد فى باب الاحكام نعم لو دل دليل على اعتبار قول اللغوى
بالخصوص لا يبعد ان يكون انسداد باب العلم باللغات حكمة لاعتباره لا علة له والفرق
بين الحكمة والعلة انه لا بد ان يدور الحكم مدار العلة وجودا وعدما بخلاف الحكمة
فان الحكم يكون موجودا فى مورد وجود الحكمة ولكن لا يكون معدوما فى مورد عدمها
وتظهر الثمرة بينهما فى الموارد التى كان باب العلم فيها مفتوحا فعلى الاول قول
اللغوى حجة
فيها وعلى الثانى
لا يكون قوله حجة فيها.
لا
يقال على هذا لا فائدة فى الرّجوع الى اللّغة فانّه يقال مع هذا لا يكاد تخفى
الفائدة فى المراجعة اليها فانّه ربّما يوجب القطع بالمعنى وربّما يوجب القطع بانّ
اللّفظ فى المورد ظاهر فى معنى بعد الظّفر به وبغيره فى اللّغة وان لم يقطع بانّه
حقيقة فيه او مجاز كما اتّفق كثيرا وهو يكفى فى الفتوى
لا يقال على هذا
اى بناء على عدم اعتبار قول اللغوى لا فائدة فى الرجوع الى اللغة فانه يقال
مع هذا لا يكاد
تخفى الفائدة فى المراجعة الى كتب اللغة اذ قد يحصل العلم بالمعنى اللغوى بسبب
الرجوع اليها.
وقد يحصل العلم
بان اللفظ فى المورد الكذائى ظاهر فى معنى بعد الظفر بهذا المعنى وبغيره من سائر
المعانى فى كتب اللغة وان لم يقطع بان اللفظ حقيقة فيه او مجاز وهو يكفى فى الفتوى
لابتناء الفتوى على الظهور ولو بالقرينة لا على الحقيقة فقط.
فى حجية الاجماع المنقول
فصل
الاجماع المنقول بالخبر الواحد حجّة عند كثير ممّن قال باعتبار الخبر بالخصوص من
جهة انه من افراده من دون ان يكون عليه دليل بالخصوص
ومن الظنون الخاصة
التى ادعى حجيتها بالخصوص الاجماع المنقول وكان ينبغى تأخير البحث عنه عن حجية
الخبر الواحد
فانه لا دليل على
حجية الاجماع المنقول الا توهم اندارجه فى الخبر الواحد فيعمه ادلته ولكن الشيخ قدسسره قدم البحث عنه واقتفى المصنف ره اثره.
قال شيخنا العلامة
اعلى الله مقامه ومن جملة الظنون الخارجة عن الاصل الاجماع المنقول بخبر الواحد
عند كثير ممن يقول باعتبار الخبر بالخصوص نظرا الى انه من افراده فيشمله ادلته
والمقصود من ذكره هنا مقدما على بيان الحال فى الاخبار هو التعرض للملازمة بين
حجية الخبر وحجيته انتهى
ومما ذكره قدسسره يظهر انه لو أخّره عن بحث خبر الواحد كان انسب واولى ولكن
المقصود من ذكره هنا مقدما على بيان الحال فى الاخبار هو التعرض للملازمة بين حجية
خبر الواحد وحجية الاجماع المنقول وعدمها بمعنى انه اذا قلنا بحجية خبر الواحد فهل
هى تستلزم حجية الاجماع المنقول نظرا الى كونه من افراده ومصاديقه فتشمله ادلته ام
لا تستلزم
فلا
بدّ فى اعتباره من شمول ادلّة اعتباره له بعمومها او اطلاقها
قد عرفت انه لا
دليل على اعتبار الاجماع المنقول الا توهم اندراجه فى الخبر الواحد فلا بد فى
اعتبار الاجماع من شمول ادلة الدالة على اعتبار الخبر الواحد للاجماع المنقول
بعمومها او اطلاقها
وتحقيق
القول فيه يستدعى رسم امور الأوّل انّ وجه اعتبار الاجماع هو القطع براى الامام ع
حاصله ان الاجماع
ليس بحجة بما هو اجماع حتى يكون فى عرض الادلة الثلاثة الكتاب والسنة والعقل حيث
ان الاجماع متحصل من تراكم الحكايات عن الحكم الواقعى الذى ليس من سنخ المحسوسات
فلا محالة يكون نفس تراكم الحكايات اجماعا على حكم شرعى معدودا من الادلة الاربعة
فلو فرضنا استناد كل واحد من آحاد المجمعين الى ما ترجح فى نظره من الرأى فليس
تراكمه وتكثره مستلزما عادة للصواب لوضوح ان حصول الاتفاق بين الآراء اتفاقى ومجرد
عدم تواطئهم على الكذب عملا لا ينهض شاهدا على الصواب اذ يكون هناك آراء متوافقة
يحتمل خطاء كل واحد من ذويها
وهذا بخلاف ما اذا
كان المنقول من المحسوسات اذ بلوغ كثرة الناقلين الى حد يمتنع عادة تواطئهم على
الكذب يقوم شاهدا على كون المنقول حقا مطابقا للواقع ولاجل اختلال ركنه اعنى
الحكاية عن المحسوس ليس هو دليلا بنفسه فى قبال الادلة الثلاثة ولم يستقل العقل
على صحته كالكتاب المجيد والسنة الصادرة عن النبى ص فانهما حجة بالضرورة من الدين
بداهة ان الانفاق
بما هو لا يبلغ حد الضرورة بحيث يكون منكره كافرا خارجا عن ربقة الاسلام فلا جرم
انه لا بد من اقامة الدليل على حجيته ونحن والجمهور فى ذلك سواء
وكيف كان فقد
اختلف العامة والخاصة فى تحديد الاجماع على اقوال فعن الغزالى انه عرف الاجماع
بانه اتفاق محمد ص على امر من الامور الدينية وعن الفخر الرازى انه اتفاق اهل الحل
والعقد
من امة محمد ص على
امر من الامور وذكروا ان مراده من اهل الحل والعقد المجتهدون
وعن الحاجبى انه
اجتماع المجتهدين من هذه الامة على امر وعن داود وكثير من اصحاب الظاهر ان اجتماع
الصحابة هو الحجة دون غيرهم من اهل الاعصار وعن مالك ومن تابعة ان الاجماع المراعى
هو اجماع اهل المدينة دون غيرهم غير انه حجة فى كل عصر
وربما اكتفى بعض
الجمهور منهم باجماع الفقهاء الاربعة وباجماع الشيخين وبقول واحد لا ثانى له فى
عصره من العلماء مع عدم عصمته وبقول اثنين يتحقق بهما مسمى الاتفاق لا ثالث لهما
فى وقتهما هذا حال الاجماع عند الجمهور
وقد احتجوا على
حجيته بعدة من الآيات وبالرواية المعروفة عندهم وهى لا تجتمع امتى على الخطاء ولم
يكن الله ليجمع امتى على الخطاء ونحو قوله تعالى (وَمَنْ يُشاقِقِ
الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ
الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ) فان النهى عن متابعة غير سبيل المؤمنين امر بضده فتكون
متابعة المؤمنين مأمورا بها تعبدا فيكون الاجماع حجة تعبدا كخبر الواحد وكذا
الكلام فى الرواية المعروفة
وربما يتشبثون
بذيل الاجماع على حجية الاجماع ويسمونه دليل العقل ويتعذرون عن محذور الدور بانه
كاشف عن نص خفى وكيف كان فقد ذكر شيخ الطائفة فى العدة كلا من دليليهم العقلى
والنقلى مع ما له من الجواب مشروحا فراجع
هذا حال الاجماع
عند العامة الذين هم الاصل له وهو الاصل لهم
واما عند الخاصة
فلا يكون الاجماع بما هو حجة لا شرعا ولا عقلا وانما وجه اعتباره وحجّيّته هو
القطع براى الامام عليهالسلام
ومستند
القطع به لحاكيه على ما يظهر من كلماتهم هو علمه بدخوله عليهالسلام فى المجمعين شخصا
ولم يعرف عينا
ان للخاصة فى مدرك
حجية الاجماع المحصل الذى هو احد ادلة الاربعة طرق ثلاثة الاول الدخولى التضمنى
بمعنى ان الاجماع يكشف عن قول الامام عليهالسلام بدلالة تضمينية وهذه مختار الشيخ الطائفة فى العدة ونسبه
بعض الاعلام الى العلامة وجماعة قال ان الامة اذا قالت بقول فقد قال المعصوم به
ايضا لانه من الامة بل سيدها ورئيسها والخطاء مأمون عليه انتهى وصاحب المعالم فى
المعالم ويظهر من الشيخ انه دل عليه كلام المفيد والمرتضى وابن زهره والمحقق
والعلامة والشهيدين ومن تأخر عنهم
قال فى العدة
والذى نذهب اليه ان الامة لا يجوز ان تجتمع على الخطاء وان ما يجمع عليه لا يكون
إلّا صوابا وحجة لان عندنا انه لا يخلو عصر من الاعصار من امام معصوم حافظ للشرع
يكون قوله حجة يجب الرجوع اليه كما يجب الرجوع الى قول الرسول ص وقد دللنا على ذلك
فى كتاب تلخيص الشافى واستوفينا كل ما يسأل عن ذلك من الأسئلة واذا ثبت ذلك فمتى
اجتمعت الامة على قول فلا بد من كونها حجة لدخول الامام المعصوم فى جملتها
وفى المعالم ونحن
لما ثبت عندنا بالادلة العقلية كما حقق مستقصيا فى كتب اصحابنا الكلامية ان زمان
التكليف لا يخلو من امام
حافظ للشرع يحب
الرجوع الى قوله فيه فمتى اجتمعت الامة على قول كان داخلا فى جملتها لانه سيدها
والخطاء مأمون على قوله فيكون ذلك الاجماع حجة
وحاصل هذه الطريقة
على ما يستفاد من مجموع كلماتهم ان الامام موجود فى كل عصر ومتى اتفقت الامة فى
زمان من الازمنة على حكم شرعى كان قول الحجة داخلا فى اقوالهم وان لم يعرف عينا
فانه منهم وسيدهم ورئيسهم فلا محالة يكون اجماعهم حجة لتضمنه على قول الامام عليهالسلام
وقد اشتهر هذا
الطريق بالاجماع التضمنى وهذا الطريق مما لا سبيل اليه فى زمان الغيبة بل ينحصر
ذلك فى زمان الحضور الذى كان الامام عليهالسلام يجالس الناس ويعيش فى جملتهم ويجتمع معهم فى المجالس فيمكن
ان يكون الامام عليهالسلام احد المجمعين وكان فتواه داخلا فى فتاويهم اذا فتوا بشيء
واجمعوا على امر واما فى زمان الغيبة فلا يكاد يحصل ذلك عادة وان كان يتفق فى زمان
الغيبة لأحدوي التشرف بخدمته واخذ الحكم منه عليهالسلام فيدعى الاجماع عليه ولكن اين هذا من دعوى كون مبنى الاجماع
على دخول شخصه فى المجمعين
او
قطعه باستلزام ما يحكيه لرأيه ٤ عقلا من باب اللطف
قد عرفت ان للخاصة
فى مدرك الاجماع طرق ثلاثة الاول الدخولى وقد مر بيانه مفصلا الثانى اللطفى وهذه
طريقة الشيخ ومختاره فى العدة ويستفاد من مواضع متعددة من كلامه فيه وتبعه جماعة
منهم المحقق الداماد على ما حكى عنه بل ربما يستظهر من كلام السيد المرتضى
المحكى فى العدة
فى رد هذه الطريقة كونها معروفة قبل الشيخ ايضا وقال فى العدة على ما حكى عنه فى
العناية فى حكم ما اذ اختلف الامامية على اقوال ما لفظه ومتى فرضنا ان يكون الحق
فى واحد من الاقوال ولم يكن هناك ما يميز ذلك القول من غيره فلا يجوز للامام
المعصوم حينئذ الاستتار ووجب عليه ان يظهر ويبين الحق فى تلك المسألة او يعلم بعض
ثقاته الذى يسكن اليه الحق من تلك الاقوال حتى يؤدى ذلك الى الامة ويقترن بقوله
علم معجز يدل على صدقه لانه متى لم يكن كذلك لم يحسن التكليف ثم قال بعد ذلك بقليل
ما لفظه
فان قيل فاذا اتفق
ما اجزتموه من القسمين اى اتفق القسم الجائز كيف يكون قولكم فيه قيل متى اتفق ذلك فان كان على القول
الذى انفرد به الامام عليهالسلام دليل من كتاب او سنة مقطوع بها لم يحب عليه الظهور ولا
الدلالة على ذلك لان الموجود من الدليل كاف فى ازاحة التكليف ومتى لم يكن عليه
دليل وجب عليه الظهور او اظهار من يبين الحق فى تلك المسألة الى ان قال
وذكر المرتضى على
بن الحسين الموسوى قدس الله روحه انه يجوز ان يكون الحق عند الامام والاقوال الأخر
كلها باطلة ولا يحب عليه الظهور لانا اذا كنا نحن السبب فى استتاره فكل ما يفوتنا
من الانتفاع به وبما يكون معه من الاحكام قد فاتنا من قبل انفسنا ولو ازلنا سبب
الاستتار لظهر وانتفعنا به وادى الينا الحق الذى كان عنده قال وهذا عندى غير صحيح
لانه يؤدى الى ان لا يصح الاحتجاج باجماع الطائفة اصلا لانا لا نعلم دخول الامام عليهالسلام فيها إلّا بالاعتبار
الذى بينا ومتى
جوزنا انفراده بالقول وانه لا يجب ظهوره منع ذلك من الاحتجاج بالاجماع
وقريب من ذلك ما
افاده فى اواخر بحث الاجماع ما لفظه اذا ظهر بين الطائفة القول ولم يعرف له مخالف
هل يدل ذلك على انه اجماع منهم على صحته ام لا فقال ما ملخصه ان كان هناك ما
يطابقه من الدليل الموجب للعلم عرفنا صحته وان كان هناك ما يخالفه من الدليل
الموجب للعلم عرفنا فساده فان عدمنا الطريقين معا ولم نجد ما يدل على صحة ذلك ولا
على فساده وجب القطع على صحة ذلك القول وانه موافق لقول المعصوم عليهالسلام لانه لو كان قول المعصوم مخالفا له لوجب ان يظهره وإلّا
لكان يقبح التكليف الذى ذلك القول لطف فيه انتهى كلامه رفع مقامه
فتحصل من مجموع
كلامه ان الامة اذا اتفقت على حكم ولم يكن فى الكتاب والسنة المقطوع بها ما يدل
على خلافه تعين ان يكون حقا وإلّا وجب على الامام عليهالسلام ان يظهر ويظهر خلافه ولو باعلام بعض ثقاته حتى يؤدى الحق
الى الامة ولا بد ان تكون معه معجزة تدل على صدقه ليمكن التعويل على دعواه
واحتج عليه بالعقل
والنقل اما العقل فبقاعدة اللطف لان التكليف بما يقتضيه الواقع لطف والاخلال
باللطف قبيح وهو موقوف فى محل الفرض على البيان بالوجه المذكور
واما النقل
فبالروايات المستفيضة لو لم تكن متواترة منها ما ورد فى جملة من الاخبار من ان
الزمان لا يخلو عن الحجة ان زاد المؤمنون شيئا
زدهم وان نقصوا
اتم لهم ولو لا ذلك لاختلط على الناس امورهم ومنها ما ورد فى تفسير قوله تعالى (إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ
قَوْمٍ هادٍ) ان المنذر رسول الله ص وفى كل زمان امام منا يهديهم الى ما
جاء به النبى ص وعن ابى عبد الله عليهالسلام لو كان الناس رجلين لكان احدهما الامام وقال ان آخر من
يموت الامام لئلا يحتج احد على الله عزوجل انه تركه بغير حجة لله عليه
هذا ولكن انت خبير
بما فى هذا المسلك من الضعف لانه مبنى على انه لزم على الامام عليهالسلام القاء الخلاف بين الامة اذا اتفقت الامة على حكم ولم يكن
الحكم المتفق عليه من احكام الله تعالى وذلك باطل من أصله فان الواجب على الامام عليهالسلام انما هو بيان الاحكام بالطرق المتعارفة وقد ادى الامام عليهالسلام ما هو وظيفته وعروض الاختفاء لها بعد ذلك لبعض موجبات
الاختفاء لا دخل له بالامام عليهالسلام حتى يجب عليه القاء الخلاف
او عادة
الثالث من الطرق
الحدسى قال شيخنا العلامة اعلى الله مقامه فى الفرائد ما لفظه الثالث من طرق
انكشاف قول الامام ع لمدعى الاجماع الحدس وهذا على وجهين احدهما ان يحصل له ذلك من
طريق لو علمنا به ما خطأناه فى استكشافه وهذا على وجهين احدهما ان يحصل له الحدس
الضرورى من مبادى محسوسة بحيث يكون الخطاء فيه من قبيل
الخطاء فى الحس
فيكون بحيث لو حصل لنا تلك الاخبار يحصل لنا العلم كما حصل له
ثانيهما ان يحصل
الحدس له من اخبار جماعة اتفق له العلم بعدم اجتماعهم على الخطاء لكن ليس اخبارهم
ملزوما عادة للمطابقة لقول الامام عليهالسلام بحيث لو حصل لنا علمنا بالمطابقة ايضا
الثانى ان يحصل
ذلك من مقدمات نظرية واجتهادات كثيرة ـ الخطاء بل علمنا بخطاء بعضها فى موارد
كثيرة من نقلة الاجماع علمنا ذلك منهم بتصريحاتهم فى موارد واستظهرنا ذلك منهم فى
موارد آخر وسيجيء جملة منها ؛ اذا عرفت ان مستند خبر المخبر بالاجماع المتضمن
للاخبار من الامام ع لا يخلو من الامور الثلاثة المتقدمة وهى السماع عن الامام ع
مع عدم معرفته بعينه واستكشاف قوله من قاعدة اللطف وحصول العلم من الحدس
وظهر لك ان الاول
هنا غير متحقق عادة لاحد من علمائنا المدعين للاجماع وان الثانى ليس طريقا للعلم
فلا يسمع دعوى من استند اليه فلم يبق مما يصلح ان يكون المستند فى الاجماعات
المتداولة على السنة ناقلها الا الحدس
وعرفت ان الحدس قد
يستند الى مباد محسوسة ملزومة عادة لمطابقة قول الامام عليهالسلام نظير العلم الحاصل من الحواس الظاهرة ونظير الحدس الحاصل
لمن اخبر بالعدالة والشجاعة لمشاهدته آثارهما
المحسوسة الموجبة
للانتقال اليهما بحكم العادة او الى مبادى المحسوسة الموجبة لعلم المدعى بمطابقة
قول الامام (ع) من دون ملازمة عادية
وقد يستند الى
اجتهادات وانظار وحيث لا دليل على قبول خبر العادل المستند الى القسم الاخير من
الحدس بل ولا المستند الى الوجه الثانى ولم يكن هناك ما يعلم به كون الاخبار
مستندا الى القسم الاول من الحدس وجب التوقف فى العمل بنقل الاجماع كسائر الاخبار
المعلوم استنادها الى الحدس المردد بين الوجوه المذكورة انتهى مورد الحاجة من
كلامه
فتحصل من مجموع
كلامه ان الاجماع الحدسى على وجوه اذ قد يحصل الحدس لمدعى الاجماع من مبادى محسوسة
ملزومة عادة لمطابقة راى الامام عليهالسلام كما اذا حصل الحدس من اتفاق الكل من الاول الى الآخر وقد
يحصل من مبادى محسوسة غير ملزومة عادة لمطابقة رأى الامام عليهالسلام وقد يحصل من مقدمات نظرية واجتهادات كثيرة
وقوله او عادة
اشارة الى الوجه الاول من الوجوه المذكورة اذ المراد من هذا الوجه ان يحصل له
العلم بمقالة المعصوم (ع) من فتاوى من كان آراؤهم من اللوازم العادية لرأى الامام عليهالسلام بحيث يعلم ان توافقهم فى المسألة النظرية لا يكون عادة الا
من جهة متابعة رأى الامام الواصل اليهم يدا بيد فهو الداعى على اتفاقهم فى المسألة
مع شدة اختلافهم فى اكثر المسائل وتباين افكارهم وانظارهم
والظاهر انه يعتبر
فى هذا الطريق اتفاق جميع العلماء فى جميع الاعصار والامصار من الاول الى الآخر
فان اتفاقهم كذلك مما يوجب الحدس واليقين برأى المعصوم (ع) لا مجرد اتفاقهم فى عصر
ولا بد ان يكون
طريق الناقل اليها الوجدان والتتبع والاطلاع الحسى وان يكون تلك الفتاوى بحيث لو
اطلع عليها غير الناقل يحصل العلم له من طريق الحدس برأيه عليهالسلام وان قولهم نشاء من قوله ورأيهم من رأيه بان حصل له العلم
بقوله (ع) من وجدان فتاوى جميع اهل الفتوى ممن عاصره وتقدم عليه مع كثرة المفتين
ولكن تحصيل ذلك اى
اتفاق العلماء باجمعهم والاطلاع على فتاوى جميع اهل الفتوى ممن عاصره وتقدم عليه
مع كثرة المفتين مشكل جدا بل محال عادة كيف وتحصيل فتاوى علماء عصر واحد فى غاية
الاشكال فكيف باتفاق العلماء فى جميع الاعصار وتمام الامصار وإلّا فلا اشكال فى
كون هذه المرتبة والدرجة سببا للعلم بمقالة المعصوم عليهالسلام لكل من وقف بها واطلع عليها كما ذكره بعض المحققين ونسبه
المحقق القمى الى جماعة من محققى المتأخرين ونسبه صاحب الفصول على ما حكى عنه فى
العناية الى معظم المحققين
قال فى الفصول
الثالث وهو الطريق المعزى الى معظم المحققين ان يستكشف عن قول المعصوم باتفاق
علمائنا الاعلام الذين ديدنهم الانقطاع الى الائمة فى الاحكام وطريقتهم التحرز عن
القول بالرأى ومستحسنات الاوهام فان اتفاقهم على قول وتسالمهم عليه مع ما يرى
من اختلاف انظارهم
وتباين افكارهم مما يؤدى بمقتضى العقل والعادة عند اولى الحدس الصائب والنظر
الثاقب الى العلم بان ذلك قول ائمتهم ومذهب رؤسائهم وانهم انما اخذوه منهم
واستفادوه من لدنهم اما بتنصيص او بتقرير انتهى
او
اتفاقا من جهة الحدس برأيه وان لم تكن ملازمة بينهما عقلا ولا عادة كما هو طريقة
المتأخّرين فى دعوى الاجماع
قد عرفت ان الحدس
على ما يظهر من شيخنا العلامة اعلى الله مقامه على وجهين ثانيهما ان يحصل الحدس له
من اخبار جماعة اتفق له العلم بعد عدم اجتماعهم على الخطاء لكن ليس اخبارهم ملزوما
عادة للمطابقة لقول الامام عليهالسلام بحيث لو حصل لنا تلك الاخبار يحصل لنا العلم كما حصل
للناقل بمعنى ان الوجه الثانى من وجوه الاجماع الحدسى هو الحاصل من اتفاق جماعة
اتفاقا وهو طريقة المتاخرين
حيث
إنّهم مع عدم الاعتقاد بالملازمة العقليّة ولا الملازمة العادية غالبا وعدم العلم
بدخول جنابه عليهالسلام فى المجمعين عادة
يحكون الاجماع كثيرا
تعليل لقوله
المتقدم كما هو طريقة المتأخرين حاصله ان المتأخرين مع عدم اعتقادهم بالملازمة
العقلية كما هو مبنى اللطفى اذ مبنى اللطفى على ثبوت الملازمة العقلية وقد عرفت ان
قاعدة اللطف لا تكون وافية للمرام ومع عدم اعتقادهم بالملازمة العادية غالبا اذ
يعتبر فيها اتفاق جميع العلماء فى جميع الاعصار والامصار وان يكون طريق الناقل
اليها الوجدان والتتبع والاطلاع الحسى
وان يكون تلك
الفتاوى بحيث لو اطلع عليها غير الناقل يحصل العلم من طريق الحدس بمقالة الامام عليهالسلام بان حصل له العلم بمقالته (ع) من وجدان جميع اهل الفتوى
ممن عاصره وتقدم عليه
مع ان تحصيل اتفاق
جميع العلماء وتحصيل فتاوى جميع اهل الفتوى مع كثرة المفتين مشكل جدا ومع عدم
العلم بدخول جنابه عليهالسلام فى المجمعين كما هو مبنى الدخولى اذ مبنى الدخولى
على دخول شخص
الامام او قوله فى المجمعين ولا علم لهم بدخول جنابه (ع) فى المجمعين ولكن مع ذلك
كله يحكون الاجماع كثيرا فلا محالة تكون اجماعاتهم المنقولة محمولة على الحدسى
الاتفاقى اى الحاصل من فتوى جماعة اتفق لهم العلم بعدم اجتماعهم على الخطاء
كما
انّه يظهر ممّن اعتذر عن وجود المخالف بانّه معلوم النسّب انّه استند فى دعوى
الاجماع الى العلم بدخوله عليهالسلام
قال المحقق فى
المعتبر واما الاجماع فعندنا حجة بانضمام المعصوم فلو خلى المائة من فقهائنا عن
قوله لما كان حجة ولو حصل فى اثنين لكان قولهما حجة باعتبار قوله انتهى وقال فى
المعالم ولا يخفى عليك ان فائدة الاجماع تعدم عندنا اذا علم الامام بعينه نعم
يتصور وجودها حيث لا يعلم بعينه ولكن يعلم كونه فى جملة المجمعين ولا بد من ذلك من
وجود من لا يعلم أصله ونسبه فى جملتهم اذ مع العلم باصل الكل ونسبهم يقطع بخروجه
عنها انتهى
ولا يضر على هذه
الطريقة خروج معلوم النسب بل يعتبر فيها ان يكون فى المجمعين مجهول النسب ليمكن
انطباق الامام عليهالسلام
عليه فالاعتذار عن
المخالف بكونه معلوم النسب يكون ظاهرا فى ـ الاجماع التضمنى
وممّن
اعتذر عنه بانقراض عصره انّه استند الى قاعدة اللّطف
لان وجود المخالف
مطلقا سواء كان معلوم النسب او مجهوله قادح على هذه الطريقة الا اذ انقرض عصره
فالاعتذار عن المخالف بانقراض عصره يكون ظاهرا فى الاجماع اللطفى
هذا
مضافا الى تصريحاتهم بذلك على ما يشهد به مراجعة كلماتهم
اى مضافا الى ما
ذكرنا من ان المتأخرين يحكون الاجماع مع عدم اعتقادهم بالملازمة العقلية ولا
الملازمة العادية غالبا وعدم العلم بدخول جنابة عليهالسلام فى المجمعين تصريحاتهم بالاجماع الحدسى الاتفاقى على ما
يشهد به مراجعه كلماتهم ويرد عليه ان مثل هذا الاتفاق والاجماع فهو مما يلازم رضاء
الامام عليهالسلام قال الشيخ اعلى الله مقامه الظاهر من الاجماع اتفاق اهل
عصر واحد لا جميع الاعصار كما يظهر من تعاريفهم ومن كلماتهم ومن المعلوم ان اجماع
اهل عصر واحد مع قطع النظر عن موافقة اهالى الاعصار المتقدمة ومخالفتهم لا يوجب عن
طريق الحدس العلم الضرورى بصدور الحكم عن الامام عليهالسلام
ولذا قد يتخلف
لاحتمال مخالفة من تقدم عليهم او اكثرهم نعم يفيد العلم من باب وجوب اللطف الذى لا
نقول بجريانه فى المقام مع
ان علماء العصر
اذا كثروا كما فى الاعصار السابقة يتعذر او يتعسر الاطلاع عليهم حسا بحيث يقطع
بعدم من سواهم فى العصر
إلّا اذا كان
العلماء فى عصر قليلين يمكن الاحاطة برأيهم فى المسألة فيدعى الاجماع إلّا ان مثل
هذا لامر المحسوس لا يستلزم عادة لموافقة المعصوم فالمحسوس المستلزم عادة لقول
الامام عليهالسلام مستحيل التحقق للناقل والممكن المتحقق له غير مستلزم عادة
فتلخص مما ذكرنا
ان مثل هذا الاتفاق لا يكشف عن نفس رضاء المعصوم (ع) بل غايته انه يكشف عن وجود
دليل معتبر عند الكل اذا لم يكن فى المورد اصل وقاعدة فانه لا يمكن الاتفاق فى
الفتوى اقتراحا بلا مدرك فلا وجه لعد الاجماع دليلا برأسه فى مقابل الادلة الثلاثة
فانه على جميع الطرق لا يكون الاجماع مقابلا للسنة فتامل جيدا
وربّما
يتّفق لبعض الاوحدى وجه آخر من تشرّفه برؤيته ٤ واخذه الفتوى من جنابه وانّما لم
ينقل عنه بل يحكى الاجماع لبعض دواعى الاخفاء
هذا طريق رابع
ذكره العلامة الطباطبائى فى قواعده على ما حكى عنه قال ربما يحصل لبعض حفظة
الاسرار من العلماء الابرار العلم بقول الامام عليهالسلام بعينه على وجه لا ينافى امتناع الرؤية فى مدة الغيبة فلا
يسعه التصريح بنسبة القول اليه فيبرز فى صورة الاجماع جمعا بين الامر باظهار الحق
والنهى عن اذاعة مثله بقول مطلق لكن هذا على تقديره طريق آخر بعيد الوقوع مختص
بالاوحدى من الناس وذلك فى بعض المسائل الدينية بحسب العناية الربانية فلا ينتقض
به ما قررناه انتهى وحكاية تشرف بعض الاوحدى فى خدمة الامام عليهالسلام مشهورة
مذكورة فى الكتب
وينقل ذلك عن المقدس الاردبيلى قدسسره واحتمل مثله فى بعض اجماعات السيد بحر العلوم رحمة الله
عليه نعم يلزم فى دعوى الاجماع على هذا الطريق اتفاق جماعة يكون مصححا للاخبار
كذلك لكيلا يكون كذبا ولا ضير فى اطلاق الاجماع على اتفاق طائفة يكون الامام (ع)
داخلا فيهم لمكان تنزيل المخالف منزلة العدم نظرا الى ثبوت الملاك ووجه الحجية فى
قولهم فتامل
الأمر
الثّانى انّه لا يخفى اختلاف نقل الاجماع فتارة ينقل رأيه ع فى ضمن نقله حدسا كما
هو الغالب
يختلف نقل الاجماع
بشهادة حال الناقل وان غرضه تارة يتعلق بنقل السبب والمسبب معا كان ينقل قول
الامام عليهالسلام فى ضمن حكاية الاجماع مثل ما اذا قال اجمع المسلمون
والمؤمنون كافة واهل الحق قاطبة او نحو ذلك مما ظاهره ارادة الامام عليهالسلام معهم واخرى يتعلق بنقل السبب فقط مثل ما اذا قال اجمع
فقهاءنا او علماءنا او اصحابنا او نحو ذلك مما ظاهره من عدى الامام عليهالسلام ومن نقل رأيه عليهالسلام فى ضمن نقله الاجماع تارة يكون مدرك نقله هو الحدس المقابل
للحس كما هو الغالب فى نقل رأى الامام (ع) مقابل النادر وهو نقله عن حس من غير فرق
بين ان يكون من جهة الملازمة العقلية بين اتفاق العلماء فى عصر واحد وبين راى
المعصوم (ع) عقلا بقاعدة اللطف كما هو مبنى اللطفى او من جهة الملازمة العادية بين
اتفاق الكل
وبين رأى المعصوم (ع)
عادة او من جهة الملازمة الاتفاقية
بين فتوى جماعة
وبين رأيه (ع) اتفاقا كما هو مبنى الحدسى وتارة يكون مدرك نقله هو الحس والسماع من
الامام عليهالسلام بنفسه
ولو فى ضمن
الاشخاص كما هو مبنى الدخولى اذ الدخولى ينقل رأى الامام عليهالسلام فى ضمن آراء العلماء الذين يكون الامام داخلا فيهم وقد
اشار الى ذلك بقوله
او
حسّا وهو نادر جدّا
اذ لا يتفق نقل
قول الامام عليهالسلام فى زمان الغيبة لعدم تمكن الامة من التشرف الى حضرته عليهالسلام فى هذه الازمنة وقد نقل المحقق السلطان عن ابن زهره فى
الغنية خلاف ذلك قال فان قيل كيف يمكنكم القطع على ان قول الامام الغائب عليهالسلام
فى جملة اقوال
الامامية مع عدم تميزه ومعرفته ومع استتاره وغيبته قلنا قد بينا فيما مضى ان امام
الزمان (ع) عندنا بوجود العين فينا وبين اظهرنا نلقاه ويلقانا وان كنا لا نعرفه
بعينه ولا نميزه عن غيره ومعنى قولنا انه غائب انه مجهول غير متميز الشخص فلا نريد
بذكر الغيبة انه بحيث لا يرى شخصه
ولا يسمع كلامه
وما منزلته عندنا فى حال الغيبة الا منزلة كل ما لا نعرفه بنسبه من جملة الامامية
واذا كنا نعرف اجماع المسلمين على المذهب الواحد ونقطع عليه واكثرهم لا نعرفه ولا
نلقاه ولا نشاهده فما المنكر من معرفة اجماع الامامية
والامام (ع) من
جملتهم على مذهبهم بعينه وهل الامام (ع) من جملة الامامية الا بمنزلة من لا نعرفه
من جملة المسلمين انتهى كلامه
واجاب عنه فى شرحه
على الكتاب ما لفظه وفيه انه لا يجب على الامام الغائب (ع) تعليم الاحكام واظهار
الحق فى زمن الغيبة على القاء رأيه فيما بين الآراء ولم تجر العادة بذكر شيء من
اقواله فى المسائل بعد الغيبة على طول المدة ولا اقوال اتباعه المشاهدين له حتى
يجعل عدم نقل خلافه وخلافهم دليلا على الموافقة لغيرهم فالطريق للدخولى مسدود فى
زمان انتهى
واخرى
لا ينقل الّا ما هو السّبب عند ناقله عقلا او عادة او اتّفاقا
قد عرفت آنفا ان
نقل الاجماع يختلف بشهادة حال الناقل وان غرضه تارة يتعلق بنقل السبب والمسبب معا
وتارة يتعلق بنقل السبب خاصة الذى هو سبب عندنا نقله عقلا او عادة او اتفاقا كما
اذ قال اجمع علماءنا او اصحابنا او اتفق علماء الامامية او اجمعت علماء الشيعة
ونحو ذلك مما ظاهره من عدى الامام عليهالسلام هذا كله بيان حال النقل ثبوتا وان غرض الناقل قد يتعلق
بنقل السبب والمسبب معا واخرى يتعلق بنقل السبب خاصة واما بيان حاله اثباتا فقد
اشار اليه بقوله
واختلاف
الفاظ النّقل ايضا صراحة وظهورا واجمالا فى ذلك اى فى انّه نقل السّبب او نقل
السّبب والمسبّب
حاصله ان لفظ
النقل تارة يكون ظاهرا فى نقل السبب والمسبب معا كما اذا قال اجمع جميع الامة او
قال اجماعا او قال اجمع المسلمون او المؤمنون او اهل الحق قاطبة او نحو ذلك مما
كان ظاهره ارادة الامام (ع) معهم وتارة يكون ظاهرا فى نقل السبب خاصة كما اذا قال
اجمع
عليه الاصحاب تارة
يكون صريحا فيهما كما اذا قال اجمع جميع الامة من الامام وغيره وتارة يكون ظاهرا
فى السبب كما ذا قال اجماع مثلا وتارة يكون مجملا
فى بيان اقسام الحجة من الاجماع المنقول
الأمر
الثّالث انّه لا اشكال فى حجيّة الاجماع المنقول بأدلّة حجيّة الخبر اذا كان نقله
متضمنا لنقل السّبب والمسبّب عن حسّن لو لم نقل بانّ نقله كذلك فى زمان الغيبة
موهون جدّا
لا اشكال فى حجية
الاجماع المنقول بعين ادلة حجية الخبر الواحد اذا كان الناقل ينقل السبب والمسبب
جميعا عن حس لكونه من افراد خبر الواحد ومن مصاديقه فيشمل ادلته
اذ لا فرق فى
الاخبار عن قول المعصوم (ع) اخبارا بالمطابقة وبالتضمن فلا اشكال لشمول ادلته
بعمومه واطلاقه لمثل هذا الخبر لو لم نقل بان نقله كذلك اى نقل قول الامام عليهالسلام عن حس فى زمان الغيبة موهون جدا لعدم الوثوق بصدق الناقل
بل الوثوق على خلافه
وكذا
اذا لم يكن متضمنا له بل كان ممحّضا لنقل السّبب عن حسّ الّا انّه كان سبيا بنظر
المنقول اليه ايضا عقلا او عادة او اتّفاقا فيعامل ح مع المنقول معاملة المحصّل فى
الالتزام بمسبّبه باحكامه وآثاره
وكذا لا اشكال فى
الحجية اذا لم يكن نقله متضمنا لنقل السبب والمسبب
بل ينقل السبب فقط
ونقله عن حس وكان السبب تاما بنظر الناقل والمنقول اليه جميعا فيعامل حينئذ مع
الاجماع المنقول معاملة الاجماع المحصل الذى حصله المنقول اليه بنفسه فى الالتزام
بمسببه وهو قول الامام عليهالسلام اى فى الالتزام بآثار قوله (ع) واحكامه المكشوف عن الاجماع
فيشمله ادلة حجية الخبر
اذ لا فرق فى
اثبات الخبر بين مدلوله المطابقى والتضمنى والالتزامى بمعنى انه لا فرق فى نقل قول
المعصوم عليهالسلام بين ان يكون بالمطابقة كما فى الروايات او بالالتزام كما
فى المقام او بالتضمن فالكل اخبار عن قوله عليهالسلام
وامّا
اذا كان نقله للمسبب لا عن حسن بل بملازمة ثابتة عند النّاقل بوجه دون المنقول
اليه
واما اذا كان نقل
الاجماع للمسبب وهو قول الامام عليهالسلام لا عن حس بل بملازمة ثابتة عند الناقل دون المنقول اليه
كما اذا حصل القطع برأى الامام عليهالسلام للناقل بوجه من الوجوه الثلاثة اما بالملازمة العقلية او
العادية او الاتفاقية ثم نقل الاجماع على نحو يشمل قوله الامام عليهالسلام وهذه الملازمة لم تكن ثابتة عند المنقول اليه وهو ممن لا
يرى الملازمة التى قد رآها الناقل
ففيه
اشكال اظهره عدم نهوض تلك الأدلة على حجيّته اذ المتيقّن من بناء العقلاء غير ذلك
كما انّ المنصرف من الآيات والروايات على تقدير دلالتهما ذلك خصوصا فيما اذا رأى المنقول
اليه خطاء الناقل فى اعتقاد الملازمة
حاصله ان الاظهر
عدم نهوض ادلة الحجية لخبر الثقة على حجية الاجماع المنقول الذى كان مستندا الى
امر غير محسوس اذا لم تكن الملازمة ثابتة عند المنقول اليه بحيث لو أخذ المنقول
اليه لحصل القطع برأى الامام عليهالسلام ايضا كالناقل اذ المتيقن من بناء العقلاء هو الرجوع الى
خبر الثقة فى المحسوسات او الحدسيات المستندة الى امور محسوسة لو احسوها بانفسهم
لقطعوا بالمخبر به مثل ما قطع الناقل كما ان الآيات والروايات على فرض دلالتهما
على حجية الخبر منصرفة عن هذا لنحو من الاخبار عن حدس اذ الآيات والروايات مسوقة
لامضاء طريقة العقلاء فلا محالة يكون مقدار دلالتها على قدر حجية الخبر عند العقلاء مضافا الى
غلبة الاخبار الحسية الموجبة للانصراف الى الخبر الحسى هذا فيما اذا احتمل المنقول
اليه الصواب فى نقل الناقل فيمحض البحث عن اختصاص الادلة بما اذا كان المنقول حسيا
او تعم الحدسى
واما فيما اذا راى
المنقول اليه خطاء الناقل فى دعوى الملازمة فلا اشكال فى عدم نهوض ادلة حجية الخبر
له اذا الناقل انما ينقل رأى المعصوم (ع) وهذا الخبر كذب عند المنقول اليه فكيف
يعمه ادلة حجيته
هذا
فيما انكشف الحال وامّا فيما اشتبه فلا يبعدان يقال بالاعتبار
هذا كله فيما
انكشف الحال وانه نقل المسبب وهو قول الامام عليهالسلام مستندا الى الحس او الحدس فعلى تقدير كونه مستندا الى الحس
تشمله ادلة الدالة على حجية خبر الواحد وعلى تقدير كونه مستندا الى الحدس لا تشمله
الادلة واما فيما اشتبه الحال اى وفيما اذا شك فى كون نقل المسبب مستندا
الى الحس او الحدس
فلا يبعد ان يقال بالاعتبار وشمول ادلة اعتباره له وانه يصح الاخذ بقوله وترتيب
آثار قول الامام (ع) على نقله
فانّ
عمدة ادلّة حجيّة الأخبار هو بناء العقلاء وهم كما يعملون بخبر الثّقة اذا علم
انّه عن حس يعملون به فيما يحتمل كونه عن حدس حيث انّه ليس بنائهم اذا اخبروا بشىء
على التّوقّف والتفتيش عن انّه عن حدس او حسّ بل العمل على طبقه والجرى على وفقه
بدون ذلك
حاصله ان عمدة
ادلة حجية الاخبار هو بناء العقلاء واستقرار سيرتهم والآيات والروايات الدالة على
حجية خبر الثقة تكون إمضاء لسيرتهم وليس مفادها جعلا مستقلا فى مقابلها والعقلاء
كما يعملون بخبر الثقة اذا علموا انه عن حس كذلك يعملون بخبر الثقة فيما يحتمل كون
الخبر عن حدس او حس حيث انه ليس بنائهم اذا أخبروا بشيء على التوقف والتفتيش عن
انه عن حدس او حس لياخذ بالثانى دون الاول بل استقرار بناؤهم فى مثل هذه الاخبار
المحتملة على العمل على طبقه فيرتبون الاثر عليه بدون التوقف والتفتيش
نعم
لا يبعدان يكون بناؤهم على ذلك فيما لا يكون هناك امارة على الحدس او اعتقاد
الملازمة فيما لا يرون هناك ملازمة
قد عرفت ان بنائهم
على العمل بخبر الثقة فيما يحتمل كون الخبر عن حس او حدس لكن لا مطلقا بل فيما لا
يكون هناك امارة على الحدس كما اذا كان الخبر مقترنا بالامارة الدالة على انه عن
حدس ولا
فيما لا يرون
العقلاء الملازمة ولكن الملازمة ثابتة عند الناقل كما اذا حصل اقوال جماعة من
العلماء وقطع برأى الامام عليهالسلام للملازمة ثم نقل الاجماع على نحو يشمل قول الامام.
هذا
لكن الاجماعات المنقولة فى السنة الاصحاب غالبا مبنية على حدس الناقل او اعتقاد
الملازمة عقلا.
هذا ولكن
الاجماعات المنقولة فى السنة الاصحاب غالبا مبنية على حدس الناقل وهو الحاصل من
فتوى جماعة اتفاقا او مبنية على اعتقاد الناقل بالملازمة عقلا قال المصنف فى
التنبيه الاول على ما سيأتى إن شاء الله عن قريب ما لفظه انه قد مران مبنى دعوى
الاجماع غالبا هو اعتقاد الملازمة عقلا لقاعدة اللطف وهى باطلة او اتفاقا بحدس
رأيه (ع) من فتوى جماعة وهو غالبا غير مسلمة.
واما كون مبنى
العلم بدخول الامام بشخصه فى الجماعة او العلم برأيه للاطلاع بما يلازمه عادة من
الفتاوى فقليل جدا فى الاجماعات المتداولة فى السنة الاصحاب كما لا يخفى ولعل
مراده من الاجماعات المتداولة فى السنة الاصحاب هى المتداولة فى السنة المتاخرين
وإلّا فالاجماعات المتداولة فى السنة المتقدمين من الاصحاب فيه مبنية على العلم
بدخول الامام عليهالسلام فى المجمعين شخصا لتصريحهم بطريقتهم فى وجه اعتبار الاجماع
المحصل مع دعوى ان الاجماعات المنقولة فى السنة المتاخرين فهى مبنية غالبا على
الملازمة العادية ويشهد على ذلك ما نسبه المحقق القمى الى جماعة من محققى
المتاخرين ونسبه الفصول الى معظم المحققين قال فى الفصول
بما حاصله ان
اتفاق جميع العلماء مع ما هم عليه من اختلاف الانظار والافكار ومع تجنبهم عن
الاستحسانات الظنية والاعتبارات الوهمية وتحرزهم عن القول هو العمل بغير العلم او
العلمى مما يوجب الحدس القطعى واليقين العادى براى الامام عليهالسلام وان الحكم قد نشاء من جانبه ووصل اليهم من قبله بلغهم ذلك
خلفا عن سلف انتهى
وان ابيت الا عن
ان الاجماعات المنقولة فى السنة الاصحاب مبنية على حدس الناقل اى الحاصل من فتوى
جماعة اتفاقا او اعتقاد الملازمة عقلا كما هو الظاهر من كلامه هنا.
فلا
اعتبار لها.
اى فلا اعتبار
للاجماعات المنقولة فى السنة الاصحاب المبنية غالبا على حدس الناقل او على اعتقاد
الملازمة عقلا لما سيأتى من تصريح المصنف به فى التنبيه الاول ما ملخصه ان
الملازمة العقلية لقاعدة اللطف باطلة والملازمة الاتفاقية لحدس رأيه عليهالسلام من فتوى جماعة غير مسلمة انتهى والحاصل انه لا اعتبار لتلك
الاجماعات.
ما
لم ينكشف انّ نقل السّبب كان مستندا الى الحسّ
بان ينقل السبب
وكان تاما بنظر المنقول اليه كما كان السبب تاما بنظر الناقل كما اذا نقل اتفاق
الكل من الاول الى الآخر عن حس والمنقول اليه ايضا يرى ان لازمه العادى هو قول
الامام عليهالسلام وإلّا فيحتاج الى الضميمة بان يضم اليه المنقول اليه ما
يتم به السبب فى نظره ويرتب على المجموع لازمه وهو قول الامام عليهالسلام.
فلا
بدّ فى الاجماعات المنقولة بالفاظها المختلفة من استظهار مقدار دلالة الفاظها ولو
بملاحظة حال النّاقل وخصوص موضع النّقل
حاصله انه بعد ما
عرفت انه لا اعتبار لتلك الاجماعات ما لم ينكشف ، ان نقل السبب كان مستندا الى
الحس فلا بد فى الاجماعات المنقولة من ملاحظة مقدار دلالة الفاظها وملاحظة حال
الناقل وملاحظة حال المسألة التى نقل فيها الاجماع فان الفاظ الاجماع تختلف فى
القوة والضعف بعضها نص فى الاتفاق وبعضها ظاهر فيه كلفظ الاجماع والاتفاق وكلفظ
اجمع الاصحاب وكلفظ لا خلاف او لم تعرف خلافا وكما يقولون فى مقام المبالغة ان
المسألة كادت ان تكون اجماعا ويجعلونه فى مقابل الشهرة وبعضها لا ظهور لها فى
الاتفاق كقولهم ظاهر الاصحاب او ظاهر المذهب.
فانه يحتمل ان
يكون المراد ان مقتضى اصول المذهب وقواعده ذلك لا انه مجمع بينهم وملاحظة حال
الناقل فمهما نقل الاجماع من يرى امتناع العلم بالاجماع لعدم امكان اتفاق الكل من
الاول الى الآخر عنده لانتشار العلماء فى الامصار فلا يؤخذ بظاهر كلامه ولا يعول
على نقله.
والمحكى عن جماعة
كالشيخ والسيد وابن زهره وابن ادريس انه متى كان دليل معتبر ولم يكن له معارض انهم
كانوا يبادرون الى نقل الاجماع عليه وربما تتكلون فى دعوى الاجماع على كون الحكم
من القطعيات.
وقد ينقل الاجماع
من يعلم من حاله قصور باعه انه لم يقف على آرائهم واتفاقهم وكان قاصرا من التتبع
فى كتبهم واقوالهم وكان
قاصرا من ادراك
ازيد مما ظفر به ووصل اليه فلا ينبغى ان يعتمد على ادعائه الاجماع والحاصل انه لا
بد فى الاجماعات المنقولة بالفاظها المختلفة من استظهار مقدار دلالة الفاظها ولو
بملاحظة حال الناقل من حفظه وضبطه وسعة باعه ومقدار بضاعته فى العلم ومبلغ نظره
واطلاعه على الكتب والاقوال.
وانه ينقل الاجماع
فى موضع الاحتجاج او فى موضع استقصاء الآراء وتتبع الاقوال ونلحظ زمان الناقل
وزمان نقله فانه قد نقل ان السيد المرتضى قده كان فى برهة من الزمان على رأى الشيخ
فى قاعدة اللطف ثم عدل الى مذهب الدخولى ونلحظ ايضا حال المسألة التى ينقل فيها
الاجماع فانها قد تكون مشهورة معروفة عند الاصحاب مدونة فى كتبهم فى مكان واضح وقد
تكون فى غاية الخفاء ليس لها مكان مظبوط وانما عنونها الاصحاب فى اماكن متشتتة لا
تصل اليها الايادى الا ايادى الاوحدى من الاعلام.
فيؤخذ
بذلك المقدار ويعامل معه كانّه المحصّل فان كان بمقدار تمام السّبب والّا فلا يجدى
ما لم يضمّ اليه ممّا حصله او نقل له من سائر الأقوال او سائر الامارات ما به تمّ
فافهم
حاصله ان تراكم
الاجماعات المنقولة وتضافر حكايات الآراء المتكاثرة فى مسئلة من المسائل الشرعية
ليست خالية عن الجدوى بالنسبة الى المنقول اليه بل يؤخذ بذلك المقدار من السبب
المنقول ويعامل معه كانه المحصل فان كان السبب المنقول تام فى نظره فهو وإلّا
فلا يجدى ما لم
يضم اليه مما حصله المنقول اليه بنفسه او نقل له من سائر الاقوال او سائر الامارات
ليكون سببا تاما تترتب عليه الثمرة.
قال شيخنا العلامة
اعلى الله مقامه فى الرسائل ما لفظه مثلا اذا ادعى الشيخ قدسسره يعنى الشيخ الطائفة الاجماع على اعتبار طهارة مسجد الجبهة
فلا اقل من احتمال ان يكون دعواه مستندا الى وجدان الحكم فى الكتب المعدة للفتوى
وان كان بايراد الروايات التى يفتى المؤلف بمضمونها فيكون خبره المتضمن لافتاء
جميع اهل الفتوى هذا الحكم حجة فى المسألة فيكون كما لو وجدنا الفتاوى فى كتبهم بل
سمعناها منهم.
وفتواهم وان لم
تكن بنفسها مستلزمة عادة لموافقة الامام عليهالسلام الا انا اذا ضممنا اليها فتوى من تأخر عن الشيخ من اهل
الفتوى وضم الى ذلك امارات اخرى فربما حصل من المجموع القطع بالحكم لاستحالة تخلف
هذه جميعها عن قول الامام عليهالسلام انتهى
وبالجملة ان
المنقول اليه اذا ضم اليه مما حصله.
او نقل له من سائر
الاقوال او سائر الامارات من الشواهد الخارجية المؤيدة بالاجماع المنقول ربما يتم
له السبب الملازم لرأى الامام عنده فكان المجموع كالمحصل وقوله فافهم اشارة الى
الفرق بين السبب والمسبب.
فان الغلبة فى
الحدس ثابتة فى المسبب دون السبب فنقل السبب مع الشك فى كونه مبنيا على الحدس حجة
بخلاف نقل المسبب ان الغلبة فى الحدس فيه مزيلة للظهور رأسا.
فتلخّص
بما ذكرنا انّ الاجماع المنقول بالخبر الواحد من جهة حكايته راى الامام «ع)
بالتّضمّن او الالتزام كالخبر الواحد فى الاعتبار اذا كان من نقل اليه ممّن يرى
الملازمة بين رأيه (ع) وما نقله من الاقوال بنحو الجملة والاجمال وتعمّه أدلّة
اعتباره وينقسم باقسامه ويشاركه فى احكامه
قد عرفت سابقا ان
الاجماع ليس بحجة بما هو اجماع فى عرض الادلة الثلاثة بل حجيته من جهة كشفه
وحكايته عن رأى الامام عليهالسلام فالاجماع المنقول بخبر الواحد من جهة حكايته عن رأى الامام
عليهالسلام بالتضمّن كما اذا كان الاجماع نقلا للسبب والمسبب او
الالتزام اذا كان نقلا للسبب الذى يلزمه قول الامام عليهالسلام عقلا او عادة او اتفاقا هو كخبر الواحد عينا اذا كان
المنقول اليه ممن يرى الملازمة بين رأيه عليهالسلام من الاقوال بنحو الجملة والاجمال بمعنى ان الملازمة ثابتة
عند المنقول اليه اذا يرى الاقوال المنقولة بنحو الاجمال كما هى ثابتة عند الناقل
فتعمه ادلة اعتبار الخبر وينقسم باقسامه من الصحيح والموثق والحسن والقوى والضعيف.
وباعتبار نفس
النقل الى كونه خبرا واحدا وكونه مستفيضا او متواترا ونحو ذلك ويشاركه فى احكامه
فى وجوب متابعته عقلا والمنجزية عند الاصابة والغدرية عند الخطاء والاخذ به عملا.
قال شيخنا العلامة
اعلى الله مقامه فى الرسائل ان ظاهر اكثر القائلين باعتبار الاجماع المنقول ان
الدليل عليه هو الدليل على حجية خبر العادل فهو عندهم كخبر صحيح عالى السند لان
مدعى الاجماع يحكى مدلوله ويرويه عن الامام بلا واسطة يعنى به على مبنى المتقدمين
من الاجماع
التضمنى ويدخل الاجماع ما يدخل الخبر من الاقسام ويلحقه ما يلحقه من الاحكام
انتهى.
والّا
لم يكن مثله فى الاعتبار من جهة الحكاية
اى وان لم يكن
المنقول اليه ممن يرى الملازمة بين ما نقله الناقل من الاقوال بنحو الجملة
والاجمال وبين رأى الامام (ع) لم يكن الاجماع المنقول مثل الخبر فى الاعتبار من
جهة حكايته عن رأى الامام عليهالسلام.
وامّا
من جهة نقل السّبب فهو فى الاعتبار بالنسبة الى مقدار من الاقوال الّتي نقلت اليه
على الاجمال بالفاظ نقل الاجماع مثل ما اذا نقلت على التّفصيل.
قد عرفت سابقا ان
تراكم الاجماعات المنقولة وتضافر الحكايات والآراء المتكاثرة فى مسئلة من مسائل
الشرعية ليست خالية عن الجدوى بالنسبة الى المنقول اليه ولو لم يرى الملازمة بين
الاقوال المنقولة ورأى الامام عليهالسلام بل يؤخذ بذلك المقدار من الاقوال التى نقلت على الاجمال
بالفاظ نقل الاجماع.
وبالجملة لو نقل
الناقل الاجماع ولم يكن متضمنا لقول الامام عليهالسلام ولم يرى المنقول اليه الملازمة بين الاقوال وبين رأيه عليهالسلام فهو اى الاجماع فى الاعتبار بالنسبة الى مقدار من الاقوال
نقلت على الاجمال بالفاظ الاجماع الى المنقول اليه وله ان يعتمد على هذا لنقل
ويكون قول الناقل.
والمسألة اجماعية
بمنزلة ان يقول الناقل ذهب اليه الشيخ وابن هزره والسلار والعلامة والشهيدان
وامثالهم رضوان الله عليهم.
فلو
ضمّ اليه ممّا حصله او نقل له من اقوال السّائرين او سائر الامارات مقدار كان
المجموع منه وما نقل بلفظ الاجماع بمقدار السّبب التّام كان المجموع كالمحصّل
ويكون حاله كما اذا كان كلّه منقولا.
والحاصل ان
المقدار من الاقوال التى نقلت على الاجمال بلفظ الاجماع معتبر بحيث لو ضم اليه مما
حصله المنقول اليه بنفسه او نقل له من اقوال السائرين او سائر الامارات من الشواهد
الخارجية المؤيدة للاجماع المنقول تم به السبب وكان المجموع كالاجماع المحصل ويكون
حاله كما اذا كان كله منقولا.
ولا
تفاوت فى اعتبار الخبر بين ما اذا كان المخبر به تمامه او ما له دخل فيه وبه قوامه
ولقائل ان يقول ان
نقل الاجماع اذا لم يكن متضمنا الا لنقل جزء السبب كما هو المفروض ولا يترتب عليه
رأى المعصوم إلّا بضميمة الاقوال فهو غير معتبر شرعا اذ لا يترتب عليه الاثر فيكون
التعبد به لغوا واجاب عنه المصنف بانه لا تفاوت فى اعتبار الخبر بين ما اذا كان
المخبر به تمام السبب او ما له دخل فى السبب وبه قوامه بحيث لو انضم اليه مما حصله
او نقل له تم السبب ويترتب عليه رأى الامام عليهالسلام فان هذا المقدار من الاثر مما يكفى فى صحة التعبد به فلا
يكون التعبد به لغوا وعبثا.
كما
يشهد به حجيّته بلا ريب فى تعيين حال السّائل وخصوصيّة القضيّة الواقعة المسئول
عنها وغير ذلك ممّا له دخل فى تعيين مرامه ع من كلامه
ويشهد بما ذكرناه
من انه لا تفاوت فى اعتبار الخبر بين ما اذا كان المخبر به تمامه او ما له دخل فيه
وبه قوامه حجية الخبر فى تعيين حال السائل من انه ثقة او ممدوح او ضعيف كما لو
اخبر رجل عن الامام (ع) ثم اخبرنا عدل بان الرجل الواقع فى سند هذا الخبر ثقة او
فى خصوصية القضية الواقعة المسئولة عنها مثل ما اذا اخبر رجل عن حرمة شيء ثم اخبر
الثقة بان ذلك فى الواقعة الكذائية او نحو ذلك مما له دخل فى ثبوت رأى الامام عليهالسلام او فى تعيين مرامه بعد ثبوت كلامه فلو لم يكن الخبر حجة
الا فيما اذا كان المخبر به تمام السبب لم يكن حجة فى هذه الموارد.
فى تنبيهات المسألة
وينبغى
التّنبيه على امور الاوّل انّه قد مرّ انّ مبنى دعوى الاجماع غالبا هو اعتقاد
الملازمة عقلا لقاعدة اللّطف وهى باطلة او اتّفاقا بحدس رأيه عليهالسلام من فتوى جماعة وهى
غالبا غير مسلّمة.
قد مر ان
الاجماعات المنقولة فى السنة الاصحاب فهى مبنية غالبا على اعتقاد الملازمة عقلا
لقاعدة اللطف وهى باطلة لما ذكرنا
من ان الواجب على
الامام عليهالسلام انما هو بيان الاحكام بالطرق المتعارفة وقد ادى الامام عليهالسلام ما هو وظيفته وعروض الاختفاء لا دخل له بالامام عليهالسلام حتى يجب عليه القاء الخلاف او الاعتقاد بالملازمة اتفاقا
اى الحاصل من فتوى جماعة اتفق لهم العلم بعد اجتماعهم على الخطاء وهى غالبا غير
مسلمة لما بيناه لك سابقا من ان مثل هذا الاتفاق لا يكشف عن رضاء المعصوم عليهالسلام كما افاده سيدنا الاستاذ العلامة المحقق السيد محمد رضا
الگلپايگانى اطال الله عمره الشريف على ما يستفاد من مجموع كلامه فى البحث وحاصل
ما افاده دام ظله ان مثل هذا الاتفاق لا يكشف عن رضاء الامام (ع) نعم يمكن ان يقال
انه يكشف عن وجود دليل معتبر اذا لم يكن فى المورد اصل ولا قاعدة نظرا الى انه
بعيد غاية البعد بل كاد ان يكون محالا عاديا الاتفاق فى الفتوى منهم اقتراحا
والحاصل ان نقل الاجماع لا يجدى الا من جهة نقل السبب فقط وهو سبب ناقص يحتاج الى
ضم سائر الاقوال والامارات ليكون سببا تاما يكشف عن رضاء المعصوم.
وامّا
كون المبنى العلم بدخول الامام بشخصه فى الجماعة او العلم برأيه للاطلاع بما
يلازمه عادة من الفتاوى فقليل جدّا فى الاجماعات المتداولة فى السنة الاصحاب كما
لا يخفى.
واما لو كان مبنى
دعوى الاجماع العلم بدخول الامام (ع) بشخصه فى الجماعة كما هو طريقة الدخولى او
العلم برأى الامام (ع) للاطلاع بما يلازمه عادة من الفتاوى كما هو احد الوجهين
لمدعى الحدس كان يحصل له العلم برأيه من طريق لو علمنا به ما خطأناه فى استكشافه
فقليل جدا فى الاجماعات المتداولة فى السنة الاصحاب كما لا يخفى على من راجع واطلع
على مواضع دعواهم للاجماع.
بل
لا يكاد يتّفق العلم بدخوله عليهالسلام على نحو الاجمال فى
الجماعة فى زمان الغيبة وان احتمل تشرّف بعض الاوحدى بخدمته ومعرفته احيانا
قد عرفت سابقا ان
طريقة الدخولى والعلم بدخوله فى المجمعين مما لا سبيل اليه فى زمان الغيبة بل
ينحصر ذلك فى زمان الحضور الذى كان الامام يجالس الناس ويعيش فى جملتهم ويجتمع معهم
فى المجالس فيمكن ان يكون الامام (ع) احد المجمعين وكان فتواه داخلا فى فتاويهم
اذا افتوا بشيء واما فى زمان الغيبة فلا يكاد يحصل ذلك وان كان قد يتفق فى زمان
الغيبة لاوحدى التشرف بخدمته واخذ الحكم منه عليهالسلام فيدعى الاجماع عليه ولكن اين هذا من كون مبنى دعوى الاجماع
على دخوله فى المجمعين وعليه.
فلا
يكاد يجدى نقل الاجماع الّا من باب نقل السّبب بالمقدار الّذى احرز من لفظه بما
اكتنف به من حال او مقال ويعامل معه معاملة المحصّل.
فتلخص مما ذكرنا
من ان دعوى الاجماع غالبا هو اعتقاد الملازمة عقلا لقاعدة اللطف او اتفاقا بحدس
رأية عليهالسلام من فتوى جماعة وان الملازمة العقلية باطلة والاتفاقية غير
مسلمة ان نقل الاجماع لا يجدى الا من باب نقل السبب بالمقدار الذى احرز من لفظ
النقل وهو سبب ناقص يحتاج الى الضميمة من حال او مقال فيعامل معه معاملة المحصل.
الثّاني
انّه لا يخفى انّ الاجماعات المنقولة اذا تعارض اثنان منها او اكثر فلا يكون
التّعارض الّا بحسب المسبّب
حاصله انه اذا
تعارض اجماعان لا يكون التعارض إلّا بحسب المسبب لانهما خبران بالالتزام من حكمين
متباينين من الامام عليهالسلام ولا يمكن ان يكون رأيه عليهالسلام فى مسئلة واحدة متعددا فيقع التعارض بينهما
وامّا
بحسب السّبب فلا تعارض فى البين لاحتمال صدق الكلّ
قد عرفت من مطاوى
كلماتنا سابقا ان نقل الاجماع وان كان ظاهرا فى نقل اجماع الكل إلّا انه لما كان
ملاك حجيته موجودا مع اطباق جماعة يكون كاشف عن قول الامام (ع) دخولا او عقلا او
حدسا تسامحوا على اطلاق لفظه اتفاق جماعة يكشف عن قول الامام (ع) فحينئذ لا يكون
فى نقل السبب تعارض لاحتمال صدق الكل بمعنى انه اطلع كل من ناقلى الاجماع على خلاف
الآخر على اتفاق عدة من آراء العلماء تكون سببا تاما عنده لكشف رأى الامام (ع)
فاطلق الاجماع على ذلك الاتفاق تنزيلا للخلاف منزلة المعدوم فلا يصح نسبة الكذب
والخطاء الى الناقلين فلا تعارض بينهما واما بحسب المسبب فيتعارضان اذ المفروض ان
اطباق هؤلاء الجماعة على حكم سبب تام كاشف عن رأيه (ع) عند الناقل فلا محالة ينقل
كل واحد من الناقلين رأى الامام (ع) على خلاف الآخر فيقع التعارض بين النقلين
لكن
نقل الفتاوى على الاجمال بلفظ الاجماع حينئذ لا يصلح لان يكون سببا ولا جزء سبب
لثبوت الخلاف فيها
حاصله انه قد عرفت
ان المراد من لفظ الاجماع اتفاق جماعة
يكشف عن رأى
الامام (ع) عند الناقل فلازمه ذهاب جماعة الى حكم فى واقعة وذهاب جماعة اخرى الى
خلافه فى تلك الواقعة فتكون المسألة مختلفة فيها فحينئذ لا يكون نقلا للسبب التام
حتى يكون حجة تعبدا على راى الامام (ع) للمنقول اليه ولا نقلا لجزء السبب اى نقل
اتفاق جماعة قابلة للضميمة الملازمة لراى الامام (ع) عند المنقول اليه وانما يكون
نقل اتفاق جماعة قابلا للضميمة فيما اذا كان خاليا عن مخالفة الاخرى
والمفروض نقل
الخلاف على خلافه فحينئذ لا يكون نقل كل واحد من الناقلين حجة تعبدا من باب نقل
جزء السبب لعدم كونه قابلا لضم ساير الأقوال او ساير الامارات حتى يكشف منه قول
الامام عليهالسلام
الّا
اذا كان فى احد المتعارضين خصوصيّة موجبة لقطع المنقول اليه برأيه (ع) لو اطلع
عليها ولو مع اطّلاعه على الخلاف
هذا كله فيما لم
تكن خصوصية زائدة فى واحد من المنقول واما اذا كان فى احد المتعارضين خصوصية
ملازمة لرأى الامام عليهالسلام عند المنقول اليه فيكون لازم ثبوته له هو التعبد برأى
الامام (ع) فيكون نقل الآخر ساقطا رأسا اذا الخصوصية والمزية ثابتة فى نفس المنقول
الملازمة لرأى المعصوم (ع) بحيث لو اطلع المنقول اليه عليها لحصل القطع برأيه عليهالسلام فحينئذ يكون لازم ثبوتها بنقل الناقل الثقة التعبد برأى
الامام عليهالسلام
وهو
وان لم يكن مع الاطّلاع على الفتاوى على اختلافها مفصلا ببعيد
حاصله ان اشتمال
احد النقلين على خصوصية موجبة المقطع برأيه (ع) انما يتاتى فى نقل الفتاوى مفصلا
فاذا اطلع المنقول اليه على
الفتاوى وعثر على
مزية وخصوصية فى واحد من المنقولين كجلالة المفتين وعلو قدرهم ومبلغ علمهم وسعة
باعهم الى الآخرين مثل ما اذا اطلع ان فى احد الطرفين فتاوى مثل الشيخ والمفيد
والسيد والسلار والكلينى والصدوقين وامثالهم من الاعلام وان فى الطرف الآخر فتاوى
من لم يكن مثلا هؤلاء بحيث يكون اتفاق آراء مثل الشيخ والمفيد و ـ نظائرهم
واقوالهم ملازما لرأى الامام (ع)
عند المنقول اليه
تعين حجية هذا النقل عنده دون الآخر والحاصل ان اشتمال احد الخبرين على خصوصية
موجبة للقطع برأى الامام عليهالسلام وان لم يكن مع اطلاع المنقول اليه على الفتاوى على
اختلافها مفصلا ببعيد
الّا
انّه مع عدم الاطّلاع عليها كذلك الّا مجملا بعيد فافهم
حاصله انه اذا كان
الاتفاق المنقول مفصلا امكن ان يكون ذا خصوصية فى نظر المنقول اليه لجلالة المفتين
وعلو قدرهم علما وعملا بالاضافة الى الآخرين المنقولة فتاويهم مفصلة فى نقل آخر
واما مع الاجمال وعدم تعيين الاشخاص فلا سبيل الى احراز هذه المرتبة فيكون النقلان
متعارضتين بلا ثبوت مزية فى احدهما الموجبة لقطع المنقول اليه برأيه عليهالسلام لو اطلع عليها وفيه ان ذلك كما يحصل مع اطلاع المنقول اليه
على الفتاوى على التفصيل فكذلك قد يحصل مع اطلاعه عليها على الاجمال نعم ينحصر
الترجيح فى نقل الاجماع مجملا بحسب حال الناقلين بان يكون واحد من الناقلين
متبحرا ماهرا فى
جميع الاقوال والآخر قليل البضاعة وقد يكون ناقل الاجماع فى احد الطرفين فى اقصى
مرتبة التتبع وطول الباع وسعة الاطلاع وفى الطرف الآخر بعكس ذلك فربما يحصل
للمنقول اليه الحدث برأيه عليهالسلام بنقل احد الاجماعين دون الآخر مع عدم اطلاعه على الفتاوى
على التفصيل فى شيء منهما هذا ولكن رب عالم قليل البضاعة قد استفرغ وسعه فى الفحص
واستقصى فى جمع الاقوال نهاية الاستقصاء فلا عبرة بالمهارة وفور العلم والدراية
ولعل قوله فافهم اشاره الى ما ذكرنا
الثّالث
انّه ينقدح ممّا ذكرنا فى نقل الاجماع حال نقل التّواتر وانّه من حيث المسبّب لا
بدّ فى اعتباره من كون الاخبار به اخبارا على الاجمال بمقدار يوجب قطع المنقول
اليه بما اخبر به لو علم به
ومما ذكرنا فى نقل
الاجماع وانه يختلف بشهادة حال الناقل وان غرضه تارة يتعلق بنقل السبب والمسبب معا
وتارة يتعلق بنقل السبب خاصة انقدح حال نقل التواتر وانه من حيث المسبب اى المخبر
به فلا بد وان يكون نقل المتواتر اخبارا على الاجمال عن اخبارات كثيرة بمقدار لو
علم المنقول اليه بذلك المقدار تفصيلا لقطع بالمخبر به ولو لم يكن ملازما للقطع
عادة بحيث يقطع كل احد بوقوعه عند هذا المقدار من الاخبار ضرورة فلو كان الناقل
قطاعا حصل له القطع بالمخبر به بسبب اخبار عديدة لم تبلغوا حد النصاب
ولكن كان الاخبار
به بمقدار يوجب قطع المنقول اليه لو فرض اطلاعه بمعنى انه يرى المسبب ملازما للسبب
وان لم يكن
داخلا فى التواتر
فيشمله دليل الحجية لنقل المسبب
ومن
حيث السّبب يثبت به كلّ مقدار كان اخباره بالتّواتر دالّا عليه كما اذا اخبر به
على التفصيل فربّما لا يكون الّا دون حدّ التّواتر فلا بدّ فى معاملته معه معاملته
من لحوق مقدار آخر من الاخبار يبلغ المجموع ذاك الحدّ
واما من حيث السبب
فيثبت بنقل التواتر كل مقدار كان اخبار المخبر بالتواتر دالا عليه فحينئذ ان لم
يكن هذا المقدار ملازما لثبوت المسبب عند المنقول اليه على تقدير اطلاعه عليه
تفصيلا فلا بد من تحصيل عدة اخبار اخرى وضمها اليه ليكمل به السبب ويثبت به المسبب
فيكون مركبا من المنقول والمحصل
وقد عرفت وجه حجية
خبر الواحد فى جزء السبب فى الاجماع وان كان دالا على مقدار من الاخبار لو اطلع
عليه المنقول اليه لحصل له العلم عادة بالمخبر به كان حجة كما عرفت
نعم
لو كان هناك اثر للخبر المتواتر فى الجملة ولو عند المخبر لوجب ترتيبه عليه ولو لم
يدلّ على ما بحدّ التّواتر من المقدار
نعم لو كان هناك
اثر للخبر المتواتر فى الجملة ولو عند المخبر مثل ما لو نذر ان يحفظ الاخبار
المتواترة او يجمعها ويكتبها فى رسالة فلا بد من الوفاء بنذره وترتب ذاك الاثر
بمجرد ثبوت التواتر بمعونة خبر الثقة عنه بلا حاجة الى الضميمة وبالجملة لو كان
هناك اثر للخبر المتواتر فى الجملة ولو عند المخبر لوجب ترتيب ذاك الاثر على هذا
الخبر الذى هو متواتر عنده ولو لم يدل خبره على ما بحد التواتر من المقدار
فى الشهرة فى الفتوى
فصل
ممّا قيل باعتباره بالخصوص الشّهرة فى الفتوى ولا يساعده دليل
الشهرة على اقسام
ثلاثة الاولى الشهرة فى الرواية فهى عبارة عن اشتهار الرواية بين الرواة بكثرة
نقلها وتكررها فى الاصول والكتب وهذه الشهرة هى التى تكون من المرجحات فى باب
التعارض المقصودة من قوله خذ بما اشتهر بين اصحابك
الثانية الشهرة فى
العمل فهى عبارة عن اشتهار العمل بالرواية والاستناد اليها فى مقام الفتوى وهذه
الشهرة هى التى تكون جابرة لضعف الرواية اذا كانت الشهرة بين المتقدمين القريبين
من عهد الحضور لمعرفتهم بصحة الرواية وضعفها واما اذا كانت الشهرة العملية بين المتأخرين
فلا عبرة بها خصوصا اذا خالفت شهرة القدماء
والثالثة الشهرة
فى الفتوى فهى عبارة عن اشتهار الفتوى فى مسألة بلا استناد الى رواية وهذه الشهرة
لا تكون جابرة لضعف الرواية اذ الجبر انما يكون بالاستناد الى الرواية ولا اثر
لمجرد مطابقة الفتوى لمضمون الرواية بلا استناد اليها
والكلام هنا فى
الشهرة الفتوائية وفيها اقوال حجيتها مطلقا وهو المحكى عن الشهيد فى الذكرى وعدم
حجيتها مطلقا ونسبه فى المفاتيح الى المشهور والقول بالتفصيل بينها قبل زمان الشيخ
قده وبعده وانها
حجة قبلة ولا بعده
ونسبه الى صاحب المعالم والتفصيل بين الشهرة المقرونة بوجود خبر ولو فى كتب العامة
وعدمها بالقول بحجيتها فى المقرونة
وعدمها فى غير
المقرونة وهو المحكى عن الرياض وبه جمع بين القول بحجية الشهرة وشهرة القول بعدمها
بتخصيص الاول بصورة وجود الخبر والثانى بغيرها وليس ذلك الخبر منجبرا بالشهرة لان
المفروض عدم استناد المشهور اليه واختار المصنف الثانى من الاقوال وهو عدم حجيتها
مطلقا واشار بقوله ولا يساعده دليل وذلك لعدم دلالة ما توهم دلالته على حجية
الشهرة فى الفتوى من ادلة حجية الخبر الواحد ومن المقبولة والمشهورة
وتوهّم
دلالة ادلّة حجيّة الخبر الواحد عليه بالفحوى لكون الظّنّ الّذى تفيده اقوى ممّا
يفيده الخبر فيه ما لا يخفى
بتقريب ان مناط
حجية خبر العادل بقرينة تعليل الحكم فى طرف المنطوق بمعرضية الاصابة بالخطاء فى
آية النبإ هو مجرد ابعدية خبر العادل عن الاصابة بالخطاء من خبر الفاسق فيدل على
اولوية الحكم فيما كان ذلك فيه أشد واقوى ومن البين ان اطباق فتاوى جل العلماء
العدول على حكم شرعى ابعد عن الاصابة بالخطاء عن مجرد خبر واحد من العدول به فتكون
الشهرة حجة بالاولى
قال شيخنا العلامة
اعلى الله مقامه ثم ان منشأ توهم كونها من الظنون الخاصة يعنى الشهرة فى الفتوى
امران احدهما ما يظهر من بعض ان ادلة حجية خبر الواحد تدل على حجيتها بمفهوم
الموافقة لانه ربما يحصل منه الظن الاقوى من الحاصل من خبر العادل انتهى واورد
عليه المصنف بقوله
ضرورة
عدم دلالتها على كون مناط اعتباره افادته الظّن غايته تنقيح ذلك بالظّنّ وهو لا يوجب
الّا الظّنّ بأنّها اولى بالاعتبار ولا اعتبار به
حاصل ما افاده من
الايراد هو ان ادلة اعتبار خبر الواحد لم تدل على كون مناط اعتباره هو افادته الظن
حتى يكون الشهرة فى الفتوى اولى بالاعتبار نظرا الى ان الظن الحاصل من الشهرة
الفتوائية اقوى من الظن الحاصل من الخبر الواحد غايته تنقيح ذلك بالظن وهو لا يوجب
إلّا الظن بانها اولى بالاعتبار ولا اعتبار به وبالجملة لو فرض هناك الاولوية
الظنية لم تنهض دليلا اصلا اذ هى من باب التشبث بذيل الظن لاعتبار الظن الآخر
وكلاهما مثلان فى وصف الحجية
مع
ان دعوى القطع بانّه ليس بمناط غير مجازفة
قال الشيخ قده فى
الرسالة ما لفظه مع ان الاولوية ممنوعة رأسا للظن بل العلم بان المناط والعلة فى
حجية الاصل يعنى به خبر الواحد ليس مجرد افادته الظن انتهى ومن المعلوم انه ولو
كان المناط فى حجيته الظن للزم دوران الحجية مداره والحال انه حجة ولو لم يحصل
الظن على طبقه بل لو حصل الظن على خلافه لم يسقط عن الحجية
واضعف
منه توهّم دلالة المشهورة والمقبولة عليه
واما المشهورة فهى
مرفوعة زرارة قال فيها قلت جعلت فداك يأتى عنكم الخبران والحديثان المتعارضان
فبأيهما نعمل قال عليهالسلام خذ بما اشتهر بين اصحابك ودع الشاذ النادر قلت يا سيدى
انهما معا مشهوران
مأثوران عنكم قال خذ بما يقوله اعدلهما الخبر وحاصل ما توهم ان الموصول فى قوله عليهالسلام خذ بما اشتهر بين اصحابك مطلق اى المشهور رواية او فتوى
فكل منهما حجة
واما المقبولة وهى
ما رواه المشايخ الثلاثة باسنادهم عن عمر بن حنظلة قال فيها قلت فانهما يعني
الحاكمين عدلان مرضيان عند اصحابنا لا يفضل واحد منهما على الآخر قال ينظر الى ما
كان من روايتهم عنا فى ذلك الذى حكما به المجمع عليه بين اصحابك فيوخذ به من
حكمهما
ويترك الشاذ الذى
ليس بمشهور عند اصحابك فان المجمع عليه لا ريب فيه الى ان قال قال قلت فان كان
الخبر ان عنكم مشهورين قدروهما الثقات عنكم قال ينظر ما وافق حكمه حكم الكتاب
والسنة الحديث فان التعليل بقوله فان المجمع عليه لا ريب فيه يكون دليلا على ان
المشهور مطلقا سواء كان رواية او فتوى هو مما لا ريب فيه ويجب العمل به
وان كان مورد
التعليل خصوص الشهرة فى الرواية والمراد من المجمع عليه فى الرواية هو المشهور
بقرينة اطلاق المشهور عليه فى قوله عليهالسلام ويترك الشاذ الذى ليس بمشهور بل وفى قول الراوي ايضا فان
كان الخبران عنكم مشهورين فيرجع مفاد التعليل الى ان المشهور مما لا ريب فيه وعموم
التعليل يشمل الشهرة الفتوائية وان كان المورد الشهرة الروائية
لوضوح
ان المراد بالموصول فى قوله فى الاولى خذ بما اشتهر بين اصحابك وفى الثانية ينظر
الى ما كان من روايتهم عنا فى ذلك الذى حكما به
المجمع
عليه بين اصحابك فيؤخذ به هو الرّواية لا ما يعم الفتوى كما هو اوضح من ان يخفى
حاصله ان المراد
من الموصول هو الرواية لا ما يعم الفتوى اذ الموصول واحد من المعارف وافادة
التعريف باعتبار معهودية الصلة ومن البين ان المعهود مما اشتهر بين اصحاب الائمة
هو الروايات ولم يكن فى ذلك الزمان خبر عن اشتهار الفتوى ومما اجمع عليه هو
الرواية التى اجمع رواة المشتهر ورواة النادر على روايته لا مطلق ما اجمع عليه اى
ما اشتهر
واورد عليه بان
قضية التعليل فى قوله (ع) فان المجمع عليه لا ريب فيه ان المشهور مطلقا مما يجب
العمل به وان كان مورد التعليل خصوص الشهرة فى الرواية واجيب عنه بان العلة تارة
تكون من سنخ المصالح او المفاسد الكامنة فى افعال المكلفين بحيث يكون تقريب المكلف
منها او تبعيده عنها داعيا لجعل الحكم فتكون داخلة فى العلة الغائية كقوله لا تشرب
الخمر لانه مسكر
وتارة تكون نفس
الموضوع كان يقال اكرم المعممين لانهم علماء فان العالم موضوع وعنوان المعممين
معرف لهم فيدور الحكم مدار العالمية سواء كان معمما ام لا والمدار على عموم العلة
فى هاتين الصورتين
وتارة يكون
المقصود من التعليل ترجيح بعض افراد الموضوع على بعض آخر ويكون لام التعليل داخلا
فى ذى المزية من الافراد ومن الواضح انه لا وجه للتعدى الى ما هو خارج عن حيط
الموضوع فى هذه
الصورة كما اذا
قيل فى الجواب عن سؤال المزية فى اداء الصلاة فى بعض المساجد الصلاة فى المسجد
الكذائى افضل لان الاجتماع فيه اكثر فليس مفاده ان الصلاة فى كل مكان كذا افصّل
وما نحن فيه من هذا القبيل
لان السؤال عن
الترجيح فى افراد الروايات والتعليل مسوق لذلك خاصة فلا وجه لدعوى شموله للشهرة
الفتوائية
نعم
بناء على حجّية الخبر ببناء العقلاء لا يبعد دعوى عدم اختصاص بنائهم على حجّيته بل
على حجّية كلّ امارة مفيدة للظّنّ او الاطمينان
نعم لا يبعد بناء
على حجية الخبر من باب بناء العقلاء دعوى عدم اختصاص بنائهم على حجية الخبر الواحد
فقط بل على حجية كل امارة مفيدة للظن ومن تلك الامارات الشهرة ولكن بناء العقلاء
على حجية كل امارة مفيدة للظن ولو لم تفد الاطمينان بالواقع غير معلوم
لكن
دون اثبات ذلك خرط القتاد
ظاهر العبارة هو منع
كون حجية الخبر من باب بناء العقلاء بمعنى ان دون اثبات ذلك القول وهو حجية الخبر
من باب بنائهم خرط القتاد إلّا انه مناف لما سيأتى من المصنف ره من تمامية ذاك
البناء وحجية الخبر من باب بناء العقلاء نعم لا يبعد كون المقصود من لفظة ذلك هو
دعوى عدم اختصاص بنائهم على حجية الخبر بل على حجية كل امارة مفيدة للظن او
الاطمينان ولكنه مما لا يصح ايضا لنا فانه مع نفى البعد عنه او لا بقوله لا يبعد
فى حجية خبر الواحد
فصل
المشهور بين الاصحاب حجّية خبر الواحد
المشهور بين
اصحابنا الامامية قديما وحديثا حجية خبر الواحد بل عن الشيخ اعلى الله مقامه دعوى
الاجماع عليه والمراد منه هو الخبر الغير المفيد للعلم اذ المفيد للعلم كالمتواتر
المفيد للعلم بالمخبر به من كثرة المخبرين فهو خارج عن محل البحث فيشمل ما ليس
بمتواتر وان تعددت رواته فالمتعدد الذى لم يصل حد التواتر يقع فيه الكلام ولو وصل
حد الاستفاضة وهو ما زاد راوية على الاثنين او الثلاثة لعدم افادته العلم من كثرة
المخبرين
فى
الجملة بالخصوص
اشارة الى
الاختلافات التى هى بين القائلين باعتبار خبر الواحد فقد ذكرها الشيخ ره فى
الرسائل ما لفظه واما القائلون بالاعتبار فهم مختلفون من جهة ان المعتبر منها كل
ما فى الكتب المعتبرة كما يحكى عن بعض الاخباريين ايضا وتبعهم بعض المعاصرين من
الاصوليين بعد استثناء ما كان مخالفا للمشهور او ان المعتبر بعضها وان المناط فى
الاعتبار عمل الاصحاب كما يظهر من كلام المحقق او عدالة الراوى
او وثاقته او مجرد
الظن بصدور الرواية من غير اعتبار صفة فى الراوى.
او غير ذلك من
التفصيلات فى الاخبار والمقصود هنا بيان اثبات حجيته بالخصوص فى الجملة فى مقابل
السلب الكلى انتهى.
واما قوله بالخصوص
فمعناه ان الادلة الخاصة تدل على حجيته وتكون موجبة لخروجه عن تحت الاصل لا من باب
حجية مطلق الظن من حيث الانسداد.
ولا
يخفى انّ هذه المسألة من اهمّ المسائل الأصوليّة
اذ على الخبر
الواحد يدور رحى الفقه والاجتهاد فان الاخبار المتواتر او المحفوفة بالقرائن
القطعية قليلة جدا لا تفى بمعظم الفقه بل استفادة غالب الاحكام انما تكون من الخبر
الواحد فجل الفقه لو لا الكل محتاج اليه فلا بد من اثبات حجيته
وقد
عرفت فى اوّل الكتاب انّ الملاك فى الاصوليّة صحّة وقوع نتيجة المسألة فى طريق
الاستنباط ولو لم يكن البحث فيها عن الادلّة الاربعة وان اشتهر فى السنة الفحول
كون الموضوع فى علم الاصول هى الأدلّة
قد عرفت سابقا ان
موضوع علم الاصول على المشهور هو الادلة الادلة الاربعة الكتاب والسنة والاجماع
والعقل والخبر الواحد ليس واحدا من الاربعة اذ ما يحتمل كون الخبر منه هو السنة
والخبر الواحد ليس
من السنة لان السنة قد فسرت بقول المعصوم او فعله او تقريره وهو حاك عنها وليس هو
السنة بذاتها
واجاب عنه المصنف
بان الملاك فى المسألة الاصولية وقوع نتيجتها فى طريق الاستنباط للاحكام ولو لم
يكن البحث فيها عن الادلة الاربعة
وذلك لما عرفت من
عدم اختصاص موضوع علم الاصول بالادلة الاربعة حتى يجب ان يكون المسألة الاصولية
باحثة عن احوالها وعوارضها بل موضوع علم الاصول هو نفس موضوعات مسائله التى تشترك
فى كون نتائجها تقع فى طريق الاستنباط
ومن المعلوم ان
نتيجة البحث عن خبر الواحد تقع فى طريق الاستنباط لان استنباط كثير من الاحكام
يتوقف على حجيته
كيف لا وقد بنى على حجية خبر الثقة معظم الفقه من الطهارة الى الديات والحاصل ان
حجية خبر الواحد لما كانت مما تقع فى طريق الاستنباط فتكون مسئلة من مسائل
الاصولية بلا تكلف وتجشم
وعليه
لا يكاد يفيد فى ذلك اى كون هذه المسألة أصوليّة تجشم دعوى انّ البحث عن دليليّة
الدّليل بحث عن احوال الدّليل
اى بناء على ما
اشتهر من ان الموضوع لعلم الاصول هو الادلة الاربعة لا يكاد يفيد تكلف كون البحث
عن دليلية الدليل بحثا عن احوال الدليل فى جعل حجية الخبر من مسائل الاصول فان
البحث عن حجية الخبر الواحد ليس بحثا عن حجية السنة الواقعية حتى يكون بحثا عن
دليلية السنة وهى احدى الادلة الاربعة وانما هو بحث عن حجية الخبر
الحاكى للسنة
ضرورة
انّ البحث فى المسألة ليس عن دليليّة الأدلّة بل عن حجّية الخبر الحاكى عنها
والحاصل ان البحث
عن حجية الخبر الواحد ليس عن دليلية احدى الادلة الاربعة بل هو بحث عن حجية الخبر
الحاكى لاحدى الادلة وما تجشمه صاحب الفصول فى دفع الاشكال من ان البحث عن دليلية
الدليل بحث عن حال الدليل ليس له مساس لدفع الاشكال لان البحث عن حجية الخبر
وان كان بحثا عن
دليلة الخبر لكنه ليس بحثا عن دليلية احدى الادلة الاربعة بل هو بحث عن دليلية
الحاكى لاحدى الادلة الاربعة نعم لو كان مراده من السنة ما يعم السنة المحكية
والحاكية لم يرد عليه الاشكال لكنه مخالف لما صرحوا به من كون السنة قول الامام (ع)
او فعله او او تقريره وليس هو احدها وانما هو حاك عن احدها
كما
لا يكاد يفيد عليه تجشّم دعوى انّ مرجع هذه المسألة الى انّ السّنة وهى قول الحجّة
او فعله او تقريره هل تثبت بالخبر الواحد أو لا تثبت الّا بما يفيد القطع من
التّواتر او القرينة
هذا التجشم من
الشيخ قدسسره حيث اجاب عن الاشكال بان مرجع البحث فى المقام الى ان
السنة اعنى قول المعصوم وفعله وتقريره هل يثبت بخبر الواحد فيكون البحث حينئذ بحثا
عن عوارض الدليل وهو السنة قال فى الرسائل ما لفظه فمرجع هذه المسألة الى ان السنة
اعنى قول الحجة او فعله او تقريره هل تثبت بخبر الواحد
ام لا تثبت إلّا
بما يفيد القطع من التواتر او القرينة
ومن هنا يتضح
دخولها فى مسائل اصول الفقه الباحثة عن احوال الادلة ولا حاجة الى تجشم دعوى ان
البحث عن دليلية الدليل بحث عن احوال الدليل انتهى واجاب عنه المصنف بقوله
فإنّ
التعبّد بثبوتها مع الشّك فيها لدى الاخبار بها ليس من عوارضها بل من عوارض
مشكوكها كما لا يخفى
حاصله ان التعبد
بثبوت السنة مع الشك فى السنة لدى الاخبار بالسنة ليس من عوارض السنة بل من عوارض
المشكوك السنة بمعنى ان المشكوك كونه سنة اذا تعلق به خبر العدل هل يكون سنة تعبدا
ام لا فالثبوت المبحوث عنه ليس هو الثبوت الواقعى حتى يكون البحث عنه من عوارض
السنة بل كان
هو الثبوت التعبدى
الراجع الى وجوب العمل وترتيب آثاره وهذا المعنى من الثبوت ليس من عوارض السنة اذ
لا كلام فى وجوب العمل بالسنة الواقعية بل من عوارض مشكوك السنة الذى هو مؤدى
الخبر فتدبر
مع
انه لازم لما يبحث عنه فى المسألة من حجّية الخبر والمبحوث عنه فى المسائل انّما
هو الملاك فى انّها من المباحث او من غيره لا ما هو لازمه كما هو واضح
لا يخفى ان المصنف
قد اجاب عما تجشمه الشيخ ره فى صدر الكتاب
بما هو لفظه ورجوع
البحث فيهما فى الحقيقة الى البحث عن ثبوت السنة بالخبر الواحد فى مسألة حجية
الخبر كما افيد وباى الخبرين فى باب التعارض فانه ايضا بحث فى الحقيقة عن حجية
الخبر فى هذا الحال غير مفيد فان البحث عن ثبوت الموضوع وما هو مفاد كان التامة
ليس بحثا عن عوارضه فانها مفاد كان التامة لا يقال هذا فى الثبوت الواقعى
واما الثبوت
التعبدى كما هو المهم فى هذه المباحث فهو فى الحقيقة يكون مفاد كان الناقصة فانه
يقال نعم لكنه مما لا يعرض السنة بل الخبر الحاكى لها فان الثبوت التعبدى يرجع الى
وجوب العمل على طبق الخبر كالسنة الحاكية به وهذا من عوارضه لا من عوارضها انتهى
حاصل ما افاده قدسسره فى صدر الكتاب هو ان المراد من ثبوت السنة بخبر الواحد ان
كان هو الثبوت الواقعى فهو مفاد كان التامة
وليس من العوارض
وان كان هو الثبوت التعبدى فمرجعه الى الى وجوب العمل بخبر الواحد وحجيته وهو من
عوارض الخبر لا من عوارض السنة وقد اشار اليه المصنف هنا بقوله فان التعبد بثبوتها
الخ ولكنه قد اجاب عنه فى المقام بوجه آخر وهو ما اشار بقوله مع انه لازم لما يبحث
عنه فى المسألة من حجية الخبر الخ حاصله انه يرد عليه اشكال آخر وهو ان الثبوت
التعبدى ليس هو المبحوث عنه فى المسألة بل المبحوث عنه فيها هو الحجية
ومن لوازمها
الثبوت التعبدي فان الخبر ان كان حجة شرعا لزمه ثبوت السنة به تعبدا وإلّا فلا
والملاك الذى تعد به المسألة من مسائل الفن كون نفس عنوانها المبحوث عنه من عوارض
الموضوع لا ما هو لازمه فلا
يكفى كون لازمه من
العوارض
وكيف
كان فالمحكى عن السيّد والقاضى وابن زهره والطبرسى وابن ادريس عدم حجّية الخبر
وكيف كان سواء
كانت مسئلة خبر الواحد من المسائل الاصولية ام لم تكن فقد وقع الخلاف فى حجيته
فالمحكى عن السيد المرتضى والقاضى ابن البراج وابن زهره والطبرسى وابن ادريس عدم
حجية الخبر الواحد قال شيخنا العلامة اعلى الله مقامه فى الفرائد ما لفظه
الثانى انها مع
عدم قطعية صدروها معتبرة بالخصوص ام لا فالمحكى عن السيد والقاضى وابن زهره
والطبرسى وابن ادريس قد هم المنع قديما وربما نسب الى المفيد قدسسره حيث حكى عنه فى المعارج انه قال ان خبر الواحد القاطع
للعذر هو الذى يقترن اليه دليل يفضى بالنظر الى العلم
وربما يكون ذلك
اجماعا او شاهدا من عقل وربما ينسب الى الشيخ كما سيجيء عند نقل كلامه وكذا الى المحقق
بل الى ابن بابويه فى الوافية انه لم يجد القول بالحجية صريحا ممن تقدم على
العلامة وهو عجيب انتهى موضع الحاجة من كلامه
واستدلّ
لهم بالآيات الناهية عن اتّباع غير العلم
واستدل لهم
بالكتاب والسنة والاجماع واما الكتاب فالآيات الناهية عن العمل بما وراء العلم
كقوله تعالى (وَلا تَقْفُ ما
لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ
كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً) وقوله تعالى
(وَما لَهُمْ بِذلِكَ
مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ)
وقوله تعالى (إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ
الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً) وقوله تعالى (وَلا تَقُولُوا لِما
تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هذا حَلالٌ وَهذا حَرامٌ) وقوله تعالى (أَنْ تُصِيبُوا
قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ) الى غير ذلك من الآيات الدالة على ذم اتباع الظن
وعدم الاعتماد
عليهم قال شيخنا العلامة اعلى الله مقامه اما حجة المانعين فالادلة الثلاثة اما
الكتاب فالآيات الناهية عن العمل بما وراء العلم والتعليل المذكور فى آية النبإ
على ما ذكره امين الاسلام من ان فيها دلالة على عدم جواز العمل بخبر الواحد انتهى
والروايات
الدّالة على ردّ ما لم يعلم انّه قولهم عليهمالسلام
واما السنة فيدل
عليه طوائف من الروايات مثل ما دل على رد ما لم يعلم انه قولهم عليهمالسلام وهو ما رواه فى الوسائل فى القضاء فى باب وجوه الجمع بين
الاحاديث المختلفة من ان محمد ابن عيسى كتب الى على ابن محمد عليهالسلام يسأله عن العلم المنقول الينا عن آبائك واجدادك عليهمالسلام قد اختلف علينا فيه فكيف العمل به على على اختلافه او الرد
عليك فيما اختلف فيه فكتب عليهالسلام ما علمتم انه قولنا فالزموه وما لم تعلموا فردوه الينا
او
لم يكن عليه شاهد من كتاب الله او شاهدان
وما دل على رد ما
لم يكن عليه شاهد من كتاب الله او شاهدان مثل ما رواه فى الوسائل مسندا عن ابى
جعفر عليهالسلام فى حديث قال اذا
جاءكم عنا حديث
فوجدتم عليه شاهدا او شاهدين من كتاب الله فخذوا به وإلّا فقفوا عنده حتى يستبين
لكم ومثل ما رواه فيه ايضا مسندا عن ابن ابى يعفور قال سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن اختلاف الحديث يرويه من نثق؟؟؟ به ومنهم من لا نثق به
قال اذا ورد عليكم حديث فوجدتم له شاهدا من كتاب الله او من قول رسول الله صلى لله
عليه وآله وسلم فخذوا به وإلّا فالذى جاءكم به اولى
او
لم يكن موافقا للقرآن اليهم
وما دل على رد ما
لم يكن موافقا للقرآن مثل ما رواه فى الوسائل مسندا عن ايوب بن راشد عن ابى عبد
الله عليهالسلام قال ما لم يوافق من الحديث القرآن فهو زخرف ومثل ما رواه
فى الوسائل ايضا مسندا عن جابر عن ابى جعفر عليهالسلام فى حديث قال انظروا امرنا وما جاءكم عنا فإن وجدتموه
للقرآن موافقا فخذوا به وان لم تجدوه موافقا فردوه وان اشتبه الامر عليكم فقفوا
عنده وردوه الينا حتى نشرح لكم من ذلك ما شرح لنا
او
على بطلان ما لا يصدقه كتاب الله
وما دل على بطلان
ما لا يصدقه كتاب الله مثل ما ذكره الشيخ فى الفرائد قال وقوله يعنى أبا عبد الله عليهالسلام ما جاءكم من حديث لا يصدقه كتاب الله فهو باطل
او
على انّ ما لا يوافق كتاب الله زخرف
وما دل على ان ما
لا يوافق كتاب الله فهو زخرف مثل ما رواه فى الوسائل عن ايوب بن الحر قال سمعت أبا
عبد الله عليهالسلام يقول كل شيء مردود الى الكتاب والسنة وكل حديث لا يوافق
كتاب الله فهو زخرف
او
على النّهى عن قبول حديث الّا ما وافق الكتاب او السّنّة الى غير ذلك
وما دل على النهى
عن قبول حديث الا ما وافق الكتاب والسنة مثل ما نقله الشيخ ره فى الفرائد قال
وصحيحة هشام بن الحكم عن عبد الله عليهالسلام لا تقبلوا علينا حديثا الا ما وافق الكتاب والسنة او تجدون
معه شاهدا من احاديثنا المتقدمة فان المغيرة بن سعيد لعنة الله دس فى كتب اصحاب
ابى احاديث لم يحدث بها ابى فاتقوا الله
ولا تقبلوا علينا
ما خالف قول ربنا وسنة نبينا صلىاللهعليهوآلهوسلم ومثل ما رواه فى الوسائل عن سدير قال ابو جعفر وابو عبد
الله عليهماالسلام لا تصدق علينا الا ما وافق كتاب الله وسنة نبيه صلى الله
وآله وسلم الى غير ذلك من الاخبار الواردة بهذه المضامين كالاخبار الآمرة بطرح ما
خالف كتاب الله او سنة نبيه مثل ما رواه فى الوسائل مسندا عن جميل ابن دراج عن ابى
عبد الله عليهالسلام قال الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام فى الهلكة ان على
كل حق حقيقة وعلى كل صواب نورا فما وافق كتاب الله فخذوه وما خالف كتاب الله فدعوه
وما رواه فى الباب
عن ابى عبد الله عليهالسلام قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ان على كل حق حقيقة وساق الحديث الى آخره وما رواه فى
الباب عن هشام ابن الحكم وغيره عن ابى عبد الله عليهالسلام قال خطب النبى صلىاللهعليهوآلهوسلم بمعنى فقال ايها الناس ما جاءكم
عنى يوافق كتاب
الله فانا قلته
وما جاءكم يخالف كتاب
الله فلم اقله الى غير ذلك من الروايات الواردة فى طرح الاخبار المخالفة للكتاب
والسنة قال شيخنا العلامة اعلى الله مقامه فى الفرائد ما هذا لفظه
والاخبار الواردة
فى طرح الاخبار المخالفة للكتاب والسنة ولو مع عدم المعارض متواترة جدا انتهى
كلامه رفع مقامه
والاجماع
المحكى عن السّيد فى مواضع من كلامه بل حكى عنه انّه جعله بمنزلة القياس فى كون
تركه معروفا من مذهب الشّيعة
واما الاجماع
فالمحكى عن السيد المرتضى ره فى مواضع من كلامه دعواه صريحا بل حكى عنه انه جعله
بمنزلة القياس فى كون تركه معروفا من مذهب الشيعة قال الشيخ ره فى الفرائد واما
الاجماع فقد ادعاه السيد المرتضى قدسسره فى مواضع من كلامه
وجعله فى بعضها
بمنزلة القياس فى كون ترك العمل به معروفا من مذهب الشيعة وقد اعترف بذلك الشيخ
يعنى به الشيخ الطائفة على ما يأتى فى كلامه إلّا انه اول معقد الاجماع بارادة
الاخبار التى يرويها المخالفون وهو ظاهر المحكى عن الطبرسى فى مجمع البيان قال لا
يجوز العمل بالظن عند الامامية الا فى شهادة العدلين وقيم المتلفات واروش الجنايات
انتهى
والجواب
امّا عن الآيات فبأنّ الظاهر منها او المتيقّن من اطلاقاتها هو اتّباع غير العلم
فى الاصول الاعتقادية لا ما يعمّ الفروع الشّرعيّة
حاصل الجواب عن
الاستدلال بالآيات الناهية ان الظاهر منها او المتيقن من اطلاقاتها لو لم يكن
الظاهر منها هو النهى عن اتباع غير العلم فى الاصول الاعتقادية وحرمة العمل بالظن
فيها لا ما يعم الفروع الشرعية
ولو
سلّم عمومها لها فهى مخصّصة بالادّلة الآتية على اعتبار الاخبار
اى وعلى فرض تسليم
عمومها لمطلق الاحكام الشرعية فغايته ان تكون دلالتها على المنع عن العمل بالظن
الحاصل من الخبر الواحد وغيره بالعموم فيخصص بما سيأتى من الادلة القائمة على حجية
خبر الواحد وجواز العمل على وفقه بل نسبة الادلة الى الآيات نسبة الحكومة فان تلك
الادلة تقتضى القاء احتمال الخلاف
وجعل الخبر محرزا
للواقع فيكون حاله حال العلم فى عالم التشريع فلا تعمه الادلة الناهية عن العمل
بغير العلم لنحتاج الى التخصيص حتى يقال ان مفاد الآيات الناهية آبية عن التخصيص
مضافا الى امكان دعوى ان مفاد الآيات الناهية ليس حرمة العمل بالظن مطلقا بل الظن
الذى لا يكون حجة لا شرعا ولا عند العقلاء فلا تشمل هذه النواهى الا غير العلم
الذى لا يثبت حجيته لا شرعا ولا عقلا فحينئذ فلا تنافى بين ادلة المنع عن الظن فى
كونه ليس فى نفسه من حيث كونه ظنا حجة وبين ادلة الحجية الدالة على انه من حيث
كونه ظنا خاصا حجة
وامّا
عن الرّوايات فبأنّ الاستدلال بها خال عن السّداد فانها اخبار آحاد
لا يخفى عليك ان
الاستدلال فى المسألة بالاخبار منعا او اثباتا لا
يجوز إلّا بما
يكون قطعى الصدور باحد اسبابه من التواتر اللفظى او المعنوى او الاجمالى الراجع
الى الثانى بالاعتبار والاحتفاف بالقرينة او التعاضد بما يوجب العلم بصدوره فيما
فرض ذلك فليس للمانعين عن حجية خبر الواحد ان يستندوا بتلك الاخبار لانها آحاد ولا
يمكن الاستدلال باخبار الآحاد على عدم حجية اخبار الآحاد ثم ان القائلين بحجية
اخبار الآحاد
ومنها تلك الاخبار
المانعة عن العمل بغير العلم لا بد لهم من ان تجيبوا عنها ويجمعوا بينها وبين ما
دل على حجية اخبار الآحاد وإلّا فيقع التعارض بينهما وقد اجاب عنه بعض الاعلام بان
الروايات المذكورة على اختلاف مضامينها وتفاوت العناوين المأخوذة فيها هى بين ما
لا يقبل التخصيص مثل قوله (ع) ما لم يوافق من الحديث القرآن فهو زخرف وامثال ذلك
وبين ما يقبل التخصيص اى الحمل على خبر الثقة مثل قوله (ع) وما لم تعلموا فردوه
الينا او اذا جاءكم عنا حديث فوجدتم عليه شاهدا او شاهدين من كتاب الله فخذوا به
وإلّا فقفوا عنده حتى يستبين لكم الى غير ذلك
بحمل الطائفة
الاولى على ما خالف نص الكتاب وصريحه والشاهد لهذا الحمل هو القطع بصدور كثير من
الاخبار الصحيحة الواردة فى تفسير ـ الكتاب وتأويل معانيه المخالفة لظواهره بنحو
التباين فضلا عن العموم المطلق او من وجه والطائفة الثانية على خبر غير الثقة
المأمون عن الكذب جمعا بين هذه الطائفة من الاخبار وبين الاخبار المتواترة الدالة
على حجية قول الثقة الصادق المأمن عن الكذب من غير تقيد فيها بشيء
لا
يقال انّها وان لم تكن متواترة لفظا ولا معنى الّا انّها متواترة اجمالا للعلم
الاجمالى بصدور بعضها لا محاله
التواتر على اقسام
ثلاثة لفظى ومعنوى واجمالى واللفظى هو
تواطؤ المخبرين
على لفظ واحد كعبارة من كنت مولاه فعلى مولى فان المخبرين جميعا متفقون على نقل
هذا اللفظ والمعنوى هو تواتر الاخبار على معنى مشترك بين العبارات المختلفة كنجاسة
ماء القليل المفهوم من الروايات مثل قوله عليهالسلام اذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شيء
وقوله (ع) إلّا ان
يكون الماء كثيرا قدر كر ومثل ان يخبر جماعة بكون زيد فى مكان خاص من المدينة
واخبر طائفة اخرى بكونه فى المدينة
فى مكان خاص آخر
وثالثة بكونه فى المدينة فى مكان آخر بحيث يحصل التواتر بكون زيد فى المدينة
والاجمالى وهو اخبار جماعة متعددة يمكن حصول القطع اجمالا بصدق تلك الاخبار فى
واحد غير معين منها بان ينتزع من المجموع قدر جامع مفهومى منتزع منها ويضاف القطع
اليه اذ لو كانت الاخبار متشتتة كل واحد منها وارد فى واقعة خاصة بحيث لا يمكن
انتزاع جامع مفهومى اصلا لامتنع حصول العلم الاجمالى اصلا ولا يصغى الى ما قيل من
عدم حصول القطع من التواتر الاجمالى وانكار كونه من التواتر لعدم عده فى كلماتهم
بداهة حصول القطع الاجمالى بالوجدان من تراكم الاخبار الى حد يمتنع تواطئهم على
الكذب
اذا عرفت ما
تمهدنا ذلك فنقول ان تلك الروايات الناهية عن العمل بغير العلم باجمعهم وان لم تكن
متواترة لفظا ولا معنى لعدم تطابقها على لفظ ولا على معنى فان بعضها يمنع عما لم
يعلم انه قولهم وبعضها عما ليس عليه شاهد او شاهدان من كتاب الله او من قول رسول (ص)
وبعضها عما لم يوافق القرآن وبعضها عما يخالف الكتاب ولكنها
متواترة اجمالا
بمعنى ان بين الكل قدر جامع مفهومى منتزع منها ويضاف القطع اليه وكل منها تقول
بذلك الجامع فتكون حجة بالنسبة اليه نظرا الى تواتره
وبعبارة اخرى قد
حصل العلم بالقدر الجامع من تلك الاخبار بعد ما بلغ عددهم حدا يقطع بعدم تواطئهم
على الكذب اذ كل من تلك الاخبار المانعة وان لم يثبت به شيء من تلك المضامين
المختلفة ولكن بمجموعها يثبت الجامع بين الكل وهو العنوان الذى ينطبق عليه جميع
العناوين مثل عنوان المخالف للكتاب وانه مما لم يعلم انه قولهم ولم يوافق القرآن
وليس عليه شاهد او شاهدان من كتاب الله او من قول الرسول (ص) والحاصل ان ما ادعاه
المصنف من عدم جواز استدلال المانعين بروايات الناهية عن العمل بغير العلم على عدم
حجية خبر الواحد نظرا الى كونها اخبار آحاد فى غير محله اذ الروايات المانعة وان لم
تكن متواترة لفظا ولا معنى ولكنها متواترة اجمالا واجاب عنه المصنف بقوله
فانّه
يقال انّها وان كانت كذلك الّا انّها لا تفيد الّا فيما توافقت عليه وهو غير مفيد
فى اثبات السّلب كلّيّا كما هو محلّ الكلام ومورد النّقض والابرام
حاصل الجواب ان
الروايات المانعة وان كانت متواترة اجمالا إلّا انها لا تفيد الا فيما توافقت
الكثرة المذكورة عليه اذ مقتضى التواتر الاجمالى هو الاخذ باخص الطوائف التى نقطع
اجمالا بصدور بعضها لتوافق الكل فيه وهو غير مفيد فى اثبات المدعى وهو السلب
كليا كما هو محل
الكلام ومحل النقض والابرام يعنى الاخذ بما هو الاخص مضمونا لا ينفع فى نفى اثبات
الحجية عن كل فرد فرد من الخبر كما هو مدعى النافين وانما ينفع فى نفى الحجية عن
نوع خاص منه وهو الخبر المخالف للكتاب والسنة اذ هو القدر الجامع بين الكل وهذا
المقدار مما لا يفيد النافى المدعى للسلب الكلى اى عدم حجية الخبر رأسا كما لا يضر
القائل بحجية خبر الواحد اذ المثبت لا يدعى حجيته مطلقا حتى يضره ذلك وبالجملة ان
تلك الاخبار وان كانت متواترة اجمالا لكنها مما لا تفيد الا فيما توافقت عليه وهو
غير مفيد فى اثبات السلب كليا
وانّما
تفيد عدم حجّية الخبر المخالف للكتاب والسّنّة والالتزام به ليس بضائر
هذا بيان لما
اتفقت عليه الاخبار الواردة فى الباب وانه عدم حجية المخالف للكتاب والسنة لانه هو
المتوافق عليه جميع تلك الاخبار والالتزام بكون الخبر المخالف للكتاب والسنة ليس
بحجة غير ضائر اذ المدعى للحجية انما يدعى الايجاب الجزئى فى مقابل السلب الكلى
والايجاب الجزئى لا ينافى السلب الجزئى وبالجملة ان تلك الروايات الواردة فى عدم
حجية خبر الواحد لا تنهض حجة على السلب الكلى بمعنى عدم حجية خبر الواحد الغير
العلمى مطلقا بل تقتضى السالبة الجزئية وهى عدم حجية خبر الواحد المخالف للكتاب
والسنة اذ هو اخص مضمونا بالنسبة الى الجميع لوضوح انه هو القدر المتيقن مما علم
بصدوره
من بين الروايات
المانعة ومن الواضح ان السالبة الجزئية لا تنافى الموجبة الجزئية التى يدعيها
المثبت وهو حجية خبر الواحد فى الجملة ولو لبعض افراده
بل
لا محيص عنه فى مقام المعارضة
بل لا محيص عن عدم
الحجية فى مقام المعارضة عند من صار الى الحجية ايضا وذلك لما سيأتى إن شاء الله
تعالى من ان موافقة الكتاب من جملة المرجحات المنصوصة لاحد المتعارضين على القول
بالترجيح
ثم ان الظاهر ان
المراد بالمخالف بشهادة سياق تلك الروايات وبضميمة حصول القطع بصدور كثير من
الروايات التى تكون النسبة بينها والقرآن المجيد عموم وخصوص هو خصوص المخالفة على
وجه التباين وإلّا يلزم التخصيص المستهجن بالنسبة الى اخراج تلك الاخبار الكثيرة
المقطوع الصدور عنها مع إبائها عن التخصيص بملاحظة صبها مصب التحذير عن الوقوع فى
خلاف كتاب الله تعالى الموافق لحكم العقل ودعوى ان معنى قوله زخرف او باطل او لم
اقله ونحوها هو البناء فى مرحلة الظاهر على كونه زخرفا او باطلا او غير ذلك فلا
مانع من التزام التخصيص فيها بعيد الى الغاية وسخيف الى النهاية لا يساعده الذوق
السليم كما ان المراد مما لا يوافق الكتاب هو المخالف له على نحو السالبة بانتفاع
المحمول لا بانتفاع الموضوع بمعنى انها تدل على طرح ما لا يوافق الكتاب ولو لأجل
انه لا يكون فى الكتاب بحسب الظاهر حكم اصلا لا مثله ولا ضده ولا نقيضه اذ لا يمنع
عن العمل بالخبر المتكفل لحكم لم يكن القرآن متعرضا له فيبقى ما كان مخالفا له
فيكون القرآن
متعرضا له
ولا يخفى عليك انه
بناء على قصر المخالف على المتباين الكلى وعدم دخول العموم والخصوص مطلقا فيه نظرا
الى كثرة صدوره منهم عليهم ـ السلام فلا محالة يكون الخبر المخالف للكتاب بالعموم
من وجه حجة بالنسبة الى مادة الافتراق من جانب مدلول الخبر قطعا وانما نرفع ـ اليد
عن مادة الاجتماع المخالف للكتاب لكون الكتاب قطعى السند والخبر ظنى السند مع فرض
تكافئهما فى الظهور
وامّا
عن الاجماع فبأنّ المحصّل منه غير حاصل
واما الجواب عن
الاجماع الذى ادعاه السيد ره على عدم حجية خبر الواحد فبان المحصل منه غير حاصل
قال شيخنا العلامة اعلى الله ـ مقامه واما الجواب عن الاجماع الذى ادعاه السيد
المرتضى والطبرسى ـ قدسسرهما فبأنه لم يتحقق لنا هذا الاجماع يعنى به عدم حصوله لنا
والمنقول
منه للاستدلال به غير قابل
لما عرفت فى بحث
الاجماع المنقول من عدم حجيته وان مبنى دعوى الاجماع غالبا هو اعتقاد الملازمة
عقلا لقاعدة اللطف وهى باطلة من أصله او اتفاقا بحدس رأيه عليهالسلام من فتوى جماعة وهى غالبا غير مسلمة واما كون المبنى العلم
بدخول الامام عليهالسلام بشخصه فى الجماعة او العلم برأيه للاطلاع بما يلازمه عادة
من الفتاوى فقليل
فى الاجماعات المتداولة فى السنة الاصحاب
فلا يكاد يجدى نقل
الاجماع الا من باب نقل السبب بالمقدار
الذى احرز من لفظه
والحاصل ان الاجماع المنقول مما لا يجدى من باب نقل المسبب وهو رأى المعصوم عليهالسلام وانما يجدى من باب السبب الناقص المحتاج اليه ضميمة سائر
الأقوال او سائر الامارات
خصوصا
فى المسألة كما يظهر وجهه للمتأمّل
وجه الخصوصية ان
التمسك بالاجماع المنقول فى المسألة مبنى على حجية خبر الواحد لانه من صغريات خبر
الواحد ولا يمكن الاستناد بخبر الواحد على حجية خبر الواحد فيلزم المصادرة
مع
انّه معارض بمثله وموهون بذهاب المشهور الى خلافه
اى مع ان الاجماع
الذى ادعاه السيد معارض بمثله لدعوى جماعة منهم الشيخ الاجماع على حجية الخبر
الواحد قال شيخنا العلامة اعلى الله ـ مقامه فى الفرائد ما هذا لفظه مع معارضته
بما سيجيء من دعوى الشيخ المعتضدة بدعوى جماعة اخرى الاجماع على حجية خبر الواحد
فى الجملة انتهى وموهون بذهاب المشهور على خلافه قال الشيخ ره فى الفرائد بعد قوله
مع معارضته بما سيجيء من دعوى الشيخ الى آخره ما لفظه
وتحقق الشهرة على
خلافه بين القدماء والمتأخرين واما نسبة بعض العامة كالحاجبى والعضدى عدم الحجية
الى الرافضة فمستنده ما رأوا من السيد من دعوى الاجماع بل ضرورة المذهب على كون
خبر الواحد كالقياس عند الشيعة انتهى
وقد
استدلّ للمشهور بألادلّة الاربعة
هذا الذى ذكرنا
كله فى بيان ادلة النافين واما المثبتون لحجية ـ الخبر الواحد فقد استدلوا بالادلة
الاربعة الكتاب والسنة والاجماع والعقل
فى الآيات التى استدل بها على حجية خبر الواحد
فصل
فى الآيات الّتى استدلّ بها فمنها آية النّبإ قال الله تبارك وتعالى (إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ
بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا)
قد عرفت انهم
استدلوا على حجية الخبر الواحد بالادلة الاربعة اما الكتاب فبآيات منها آية النبإ
قال تعالى عزّ من قائل فى سورة الحجرات (إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ
بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا) ان تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين قال فى
المجمع نزلت الآية فى الوليد بن عقبة ابى معيط بعثه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
فى صدقات بنى
المصطلق فخرجوا يتلقونه فرحا به وكانت بينهم عداوة فى الجاهلية فظن انهم همّوا
بقتله فرجع الى رسول الله صل الله عليه وآله وسلم وقال انهم منعوا صدقاتهم وكان
الامر بخلافه فغضب النبى ص وهم ان يغزوهم فنزلت الآية وهذا الوليد اخو عثمان لامه
وولاه عثمان الكوفة فصلى بالناس وهو سكر ان صلاة الفجر اربعا ثم قال هل ازيد كم
كذا فى الكشاف
ويمكن
تقريب الاستدلال بها من وجوه اظهرها انّه من جهة مفهوم الشّرط
وتقريب الاستدلال
بها من وجوه الاول من جهة مفهوم الشرط بان يكون الموضوع فى الآية هو البناء يعنى
البناء المحقق ويكون الجائى فاسقا او عادلا من حالاته فيكون معناها ان النبإ ان
جاء به فاسق فتبينوا ويكون مفهومه ان جاء به عادل فلا تبينوا
الثانى من جهة
مفهوم الوصف حيث حكم فيها بالتبين على خبر الفاسق فينتفى عند انتفاء الوصف
الثالث من جهة
اقتران وجوب التبين بالفسق الذى له كمال مناسبة مع عدم القبول بدون التبين فهذا
الافتراق يدل على ان الفسق علة لوجوب التبين لا النبإ بما هو نباء وإلّا لوجب
التعليل به اذ التعليل بالذاتى اولى من التعليل بالعرضى وان شئت عبر عنه بدلالة
الايماء والتنبيه
الرابع من جهة انه
تعالى عزّ اسمه علّل وجوب التبين بقوله جلّ جلاله لئلا تصيبوا قوما بجهالة فيدل
على ان عدم القبول يحتاج الى علة واما القبول فهو على وفق الاصل فما يحتاج الى
العلة فهو المخالف للاصل وما لا يحتاج فهو الموافق للاصل فيتم المدعى
الخامس من جهة لفظ
التبين حيث انه اعم من العلمى والاطمينانى بل الظنى ويقابله لفظ الجهالة فمعنى
الآية انه (إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ
بِنَبَإٍ) فحصلوا العلم او الاطمينان لئلا تصيبوا قوما عن غير علم او
اطمينان ومن المعلوم ان الخبر الواحد المطمئن بصدوره الموثق به من جهة عدالة راويه
لا يحتاج الى التبين لانه متبين بنفسه ولا يحتاج فى حجية الخبر الواحد الى ازيد من
الاطمينان بالصدور او الوثوق به اذ ليس كلامنا فى هذا
المبحث فى مبحث
الدلالة بل فى تصحيح السند كما لا يخفى
السادس من جهة انه
تعالى صار بصدد الردع عن العمل بالخبر وما ذكر شيئا الا الفاسق فيعلم منه انه لا
مانع فى الخبر العادل وإلّا لردع عنه ايضا هذا غاية ما يمكن ان يقال فى تقريب
الاستدلال بالآية الشريفة من وجوه الستة اظهرها من جهة مفهوم الشرط
وانّ
تعليق الحكم بايجاب التّبيّن عن البناء الّذي جيء به على كون الجائى به الفاسق
يقتضى انتفائه عند انتفائه
حاصل هذا التقريب
لمفهوم الشرط هو ان يكون الموضوع فى الآية هو النبأ يعنى النبأ المحقق ويكون
الجائى به فاسقا او عادلا من حالاته فيكون معناها والله العالم ان النبإ ان جاء به
فاسق فتبينوا او يكون مفهومه ان النبإ ان جاء به عادل فلا تبينوا اذ قضية المفهوم
بقاء الموضوع فيه على ما كان فى المنطوق مع اختلاف حكمه معه ايجابا وسلبا وهو ايضا
كذلك وبهذا انقدح فيما يقال فيه من ان المفهوم عدم مجيء الفاسق بنبإ وهو اعم من
مجيء العادل بالنباء ومن عدم وجود مخبر اصلا فعدم التبين هنا لاجل عدم وجود النبإ
لا لاجل مجيء العادل بالنباء وذلك مضافا الى تمامية المدعى معه ايضا على فرض دخول
مجيء العادل فى عدم مجيء الفاسق بالنباء ولكن بضم مقدمة خارجية كما قيل من ان
العادل اذا اخبر بشيء فاما ان يجب القبول فهو المطلوب او الرد من دون التبين فيكون
العادل أسوأ حالا من الفاسق وهو باطل ولكن الموضوع ان كان البناء المحقق كما قلنا
فلا معنى لفرض عدم البناء اذ ليس هذا إلّا خلفا وبالجملة ان الحكم بوجوب التبين عن
البناء الذى جيء به
معلق فى الآية على
كون الجائى به فاسقا فيقتضى هذا لتعليق انتفاء ايجاب التبين عند انتفاء كون الجائى
به الفاسق
ولا
يخفى انّه على هذا التّقرير لا يرد انّ الشّرط فى القضيّة لبيان تحقّق الموضوع فلا
مفهوم له او مفهومه السّالبة بانتفاع الموضوع فافهم
هذا الايراد من
الشيخ قدسسره من ان القضية سيقت لبيان تحقق الموضوع فلا مفهوم لها بل
مفهومها هو السالبة بانتفاع الموضوع قال فى فرائده ما لفظه وكيف كان فقد اورد على
الآية ايرادات كثيرة ربما تبلغ الى نيف وعشرين إلّا ان كثيرا منها قابلة للدفع
فلنذكر اولا ما لا يمكن الذب عنه ثم نتبعه بذكر ما اورد من الايرادات القابلة
للدفع اما ما لا يمكن الذب عنه فايرادان احدهما ان الاستدلال ان كان راجعا الى
اعتبار مفهوم الوصف عن الفسق ففيه ان المحقق فى محله عدم اعتبار المفهوم فى الوصف
خصوصا فى الوصف الغير المعتمد على موصوف محقق كما فيما نحن فيه فانه اشبه بمفهوم
اللقب الى ان قال
وان كان باعتبار
مفهوم الشرط كما يظهر من المعالم والمحكى عن جماعة ففيه ان مفهوم الشرط عدم مجيء
الفاسق بالنباء وعدم التبين هنا لاجل عدم ما يتبين فالجملة الشرطية هنا مسوقة
لبيان تحقق الموضوع كما فى قول القائل ان رزقت ولدا فاختنه وان ركب زيد فخذ ركابه
وان قدم من السفر فاستقبله الى غير ذلك مما لا يحصى ومما ذكرنا ظهر فساد ما يقال
تارة بان عدم مجيء الفاسق يشمل ما لو جاء
العادل بنبإ فلا
يجب تبينه فيثبت المطلوب واخرى ان جعل مدلول الآية هو عدم وجوب التبين فى خبر
الفاسق لاجل عدمه يوجب حمل السالبة على المنتفية بانتفاء الموضوع وهو خلاف الظاهر
وجه الفساد ان الحكم اذا ثبت لخبر الفاسق بشرط مجيء الفاسق به كان المفهوم بحسب
الدلالة العرفية او العقلية انتفاء الحكم المذكور فى المنطوق عن الموضوع المذكور
فيه عند انتفاء الشرط المذكور فيه ففى فرض مجيء العادل بنبإ عند عدم الشرط وهو
مجيء الفاسق بالنباء لا يوجب انتفاء التبين عن خبر العادل
الذى جاء به لانه
لم يكن مثبتا فى المنطوق حتى ينتفى فى المفهوم فالمفهوم فى الآية وامثالها ليس
قابلا لغير السالبة بانتفاء الموضوع انتهى موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه حاصل
ايراده قدسسره على الآية هو ان القضية الشرطية سيقت لبيان تحقق الموضوع
مثل ان رزقت ولدا فاختنه ولا مفهوم حقيقتا لها بان يرتفع الحكم عن الموضوع الذى
كان ثابتا له فى المنطوق بل مفهومها هو السالبة بانتفاء الموضوع وهذا المعنى لا
يثبت المدعى اذ عدم وجوب التبين حينئذ لاجل عدم الموضوع حاصل جواب المصنف عن
الايراد هو ان لفظة بنبإ واقعه فى سياق أداة الشرط وليس مضافا الى الفاسق فيكون
المراد منه طبيعة النبإ على نحو السريان وهى الموضوع الثابت فى طرفى المنطوق
والمفهوم وهى التى تطرأ عليها حالتان فان كان الجائى بها فاسقا لم يكن النبأ حجة
وإلّا يكون حجة
وعلى هذا التقريب
ليست القضية مسوقة لبيان تحقق الموضوع
فلا يرد عليه ان
الشرط فى القضية لبيان تحقق الموضوع فلا مفهوم له او مفهومه السالبة بانتفاع
الموضوع والفرق بين القضية المسوقة لبيان تحقق الموضوع وغيره ان ما يلى ان واخواته
ان كان غير موضوع الحكم ولكن علق اثبات الحكم لموضوعه على ما يلى ان واخواته غير
مسوقة لتحقق الموضوع وكان لها مفهوم على القول به مثل قوله ان جاءك زيد فاكرمه حيث
ان المعلق عليه الواقع بعد ان غير الموضوع بل حال من حالاته والموضوع هو اكرام زيد
وهو الذى تعلق به
الوجوب إلّا ان اثبات الوجوب لاكرام زيد قد علق على المجيء وان كان ما يلى ان نفس
الموضوع وما به قوامه فهى التى سيقت لبيان الموضوع مثل قوله ان ركب الامير فخذ
ركابه فان ما به قوام الموضوع وهو ركوب الامير قد وقع عقيب ان وحينئذ لا مفهوم لها
حيث ان الفرض من التعليق اثبات الحكم لموضوعه وانما جيء بالتعليق
مع ان دوران الحكم
مدار موضوعه نفيا واثباتا عقلى لعدم امكان تعلق الحكم الفعلى على الموضوع لكونه
معدوما فعلا فعلقه بان يعنى ان وجد فهذا الحكم ثابت له فعلا على فرض وجوده فالحق
بعد الغض عما ذكره المنصف من التقريب انه لا مفهوم لمثل هذه القضايا التى سيقت
لبيان تحقق الموضوع لا ان لها مفهوم
ولكن تكون السالبة
بانتفاع الموضوع كما يظهر من كلام مولانا الانصارى ولعل قوله فافهم اشارة الى ان
انتفاء الحكم بانتفاء
موضوعه انما هو
بحكم العقل فى كل قضية ملفوظة او معقولة شرطية او حملية لوضوح انتفاء شخص الحكم
بانتفاء موضوعه وهذا ليس من المفهوم اذ المفهوم هو انتفاء سنخ الحكم عند انتفاء
الشرط لكونه علة منحصرة بمعونة دلالة أداة الشرط فيكون انتفاء سنخ الجزاء بانتفاء
الشرط من المداليل اللفظية حتى لو دل دليل على خلاف المفهوم لكان معارضا له بخلاف
ثبوت الحكم فى مورد انتفاء شخص الحكم
نعم
لو كان الشّرط هو نفس تحقّق النّبإ ومجيء الفاسق به كانت القضية الشّرطيّة مسوقة
لبيان تحقّق الموضوع
بان يكون ما يلى
ان نفس الموضوع وما به قوامه فهى التى سيقت لبيان الموضوع مثل ان رزقت ولدا فاختنه
وحينئذ لا مفهوم للقضية الشرطية حسب ما بيناه آنفا
ثم ان المصنف لم
يتعرض لتمام الوجوه التى اشار اليها بقوله ويمكن تقريب الاستدلال بها من وجوه
ولكنه اشار بقوله اظهرها الى ما فيها من الاشكال اذ الباقى من الوجوه التى ذكرناه
فى شرح قوله ويمكن تقريب الاستدلال بها من وجوه فالاشكال فيها اوضح من ان يخفى ولا
بأس بالاشارة اليها وما فيها الوجه الاول من جهة مفهوم الوصف حيث علق وجوب التبين
فيها على خبر الفاسق فينتفى عند انتفاء الوصف وفيه ان القضية الوصفية ليست ذات
مفهوم خصوصا فى الوصف الغير المعتمد على الموصوف فان ذلك اقرب الى مفهوم اللقب
ومجرد ذكر الوصف فى القضية لا يقتضى انتفاء سنخ الحكم بانتفاء الموصوف بل غايته
وان يكون الحكم المذكور فى القضية لا يشمل الموصوف
الفاقد للوصف يعنى
عدم التعرض لحكمه.
وهذا غير المفهوم
مع انه بعد تسليم ثبوت المفهوم للوصف انما يكون فيما يلزم عراء الوصف عن الفائدة
لو لم نقل بالمفهوم ولا يلزم ذلك فيما نحن فيه اذ لعل ذكر الفاسق هنا يكون تنبيها
على فسق الوليد
الوجه الثانى : من
جهة اقتران وجوب التبين بالفسق الذى له كمال مناسبة مع عدم القبول بدون التبين
فهذا الاقتران يدل على ان الفسق علة لوجوب التبين لا النبإ بما هو نباء وإلّا لوجب
التعليل به اذ التعليل بالذاتى اولى من التعليل بالعرضى
وان شئت عبر عنه
بدلالة الايماء والتنبيه وفيه ان الاقتران يدل على علية الفسق لوجوب التبين لو لم
يكن ذكر هذا العنوان تنبيها على فسق الوليد الوجه الثالث من جهة ان الله تعالى عزّ
اسمه علل وجوب التبين بقوله جل جلاله لئلا تصيبوا قوما بجهالة فيدل على ان عدم
القبول يحتاج الى علة واما القبول فهو على وفق الاصل فما يحتاج الى العلة فهو
المخالف للاصل.
وما لا يحتاج فهو
الموافق للاصل فيتم المدعى وفيه ان التعليل ليس علة لعدم قبول خبر الفاسق بل علة
لاشتراط قبول خبر الفاسق بالتبين ومعه لا دلالة بقبول قول العادل مطلقا.
الوجه الرابع : من
جهة لفظ التبين حيث انه اعم من العلمى والاطمينانى بل الظنى ويقابله لفظ الجهالة
فمعنى الآية انه ان جاءكم فاسق بنبإ فحصلوا العلم او الاطمينان لئلا تصيبوا قوما
عن غير علم واطمينان ومن المعلوم ان الخبر الواحد المطمئن بصدوره او الموثوق
به من جهة عدالة
راويه لا يحتاج الى التبين لانه متبين بنفسه.
ولا يحتاج فى حجية
الخبر الواحد الى ازيد من الاطمينان بالصدور او الوثوق به اذ ليس كلا منا فى هذا
المبحث فى مبحث الدلالة بل فى تصحيح السند وفيه منع كون التبين اعم بل هو خصوص
العلمى اما لتبادر ذلك منه عرفا او بقرينة لفظ الجهالة فان الجهالة عدم العلم ولو
قلنا ظهور التبين فى الاعم فحمله هنا على خصوص العلمى مقتضى الجمع حيث ان الجهالة
اظهر فى معنى عدم العلم من لفظ التبين فى الاعم فالتصرف فى الظاهر اهون فى التصرف
فى الاظهر.
الوجه الخامس : من
جهة انه تعالى صار بصدد الردع عن العمل بالخبر وما ذكر شيئا الا الفاسق فيعلم منه
انه لا مانع فى الخبر العادل وإلّا لردع عنه ايضا وفيه انه لم يحرز انه تعالى تصدى
للردع عن كل ما ليس بحجة من الاخبار لكى يستكشف منه حجية خبر العادل عنده تعالى
وبعبارة اخرى منع كونه تعالى بصدد الردع عن كل شيء مانع من القبول بل كان بصدد
الردع فى الجملة.
مع
انّه يمكن ان يقال انّ القضيّة ولو كانت مسوقة لذلك الّا انّها ظاهرة فى انحصار
موضوع وجوب التّبيّن فى النّبإ الّذي جاء به الفاسق فيقتضى انتفاء وجوب التّبيّن
عند انتفائه ووجود موضوع آخر فتدبّر
قد عرفت ان
الموضوع فى آية النبإ نفس طبيعة النبإ بلا اضافة الى الفاسق وقد سيقت أداة الشرط
فيها لافادة اختلاف حال الموضوع وانه ان كان الجائى به فاسقا وجب التبين وإلّا فلا
لا لبيان تحقق الموضوع ومع التنزيل و
تسليم كونها لبيان
تحقق الموضوع يمكن القول بالمفهوم نظرا الى ان الآية ظاهرة فى انحصار موضوع وجوب
التبين بنبإ الفاسق فقط ومقتضاه انه اذ انتفى نبأ الفاسق وتحقق موضوع آخر مكانه
كنبإ العادل لم يجب التبين عنه
وبعبارة اخرى ان
المفهوم هو انتفاء سنخ الحكم المتعلق لموضوعه عن مورد المنطوق مع عدم تحقق المعلق
عليه لا شخصه حيث ان ارتفاعه مما لا ريب فيه عند العقل فاذا علمنا من الخارج ان
سنخ هذا الحكم ونوعه دائر مدار هذا الموضوع ومنحصر فيه كما اذا فرضا ان طبيعة
الحرارة منحصرة فى النار فلا اشكال فى انتفاء هذه الطبيعة بانتفاء هذا الموضوع
وكذا لو فرضنا ان طبيعة وجوب الختان منحصر فى الولد المرزوق للمخاطب فمعناه انتفاء
اصل وجوب الختان بانتفاء هذا الولد
واذا ظهر ذلك فلا
اشكال فى ثبوت المفهوم اذا فهمنا هذا المعنى من أدوات الشرط كان يقال انها موضوعة
او تدل ولو بالاطلاق على علاقة لزومية بين الشرط والجزاء ومعنى العلاقة اللزومية
انتفاء سنخ الجزاء بانتفاء الشرط ففى قولك ان رزقت ولدا فاختنه فشخص الحكم وهو
وجوب الختان المتعلق بولد المخاطب منتف قطعا عقلا واما سنخه وهو مطلق وجوب الختان
المتعلقة باولاد غير المخاطب فهو منتف ايضا بمقتضى اطلاق القضية اذ مقتضى اطلاقها
ان رزق ولدك موجب للختان سواء فرضنا كل موجود معدوم او كل معدوم موجود فلو كان
غيره ايضا سببا فلا معنى لاستناد المسبب اليه مطلقا حيث ان وجوب الختان امر واحد
فسببه اما ان يكون منحصرا فى هذا المذكور فهو المطلوب واما ان يكون
غيره اما بنحو
الاشتراك او يكون العلة هو الجامع بينهما وعلى أي حال
فلا معنى لاستناد
المسبب الى المذكور مطلقا بل لا بد من تقييد الاطلاق فى الاول بكلمة او غيره وفى
الثانى بذكر الجامع لا ذكر هذا المذكور فاذا كان مقتضى الاطلاق كذلك فيستفاد منه
ان وجوب الختان الثابت لغير هذا الموضوع على فرض تعلقه به منتف عن موضوعاته
بارتفاع هذا الموضوع وهذا كما ترى سالبته بانتفاع المحمول لا بانتفاء الموضوع
ولكنه
يشكل بانه ليس لها هاهنا مفهوم ولو سلّم انّ امثالها ظاهرة فى المفهوم لانّ
التعليل باصابة القوم بالجهالة المشترك بين المفهوم والمنطوق يكون قرينة على انّه
ليس لها مفهوم
حاصل الاشكال ان
المفهوم فى الآية على تقدير ثبوته يكون معارضا بعموم التعليل فى ذيل الآية وهو
قوله تعالى (أَنْ تُصِيبُوا
قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ) فان المراد من الجهالة عدم العلم لمطابقة المخبر به للواقع
وهو مشترك بين خبر العادل والفاسق فعموم التعليل يقتضى وجوب التبين عن خبر العادل
ايضا فيقع التعارض بينه وبين المفهوم والترجيح فى جانب عموم التعليل لانه اقوى
ظهور من ظهور القضية الشرطية فى المفهوم
وبعبارة اخرى انه
لو سلم ان الآية تدل مفهوما على ان خبر العادل حجة ولكن التعليل بقوله تعالى (أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ) مما يدل منطوقا
على ان الخبر الذى
لا يؤمن لمن العمل به الوقوع فى الندم ليس بحجة ولو كان المخبر عادلا فيقع التعارض
بين المفهوم المقتضى لجواز العمل بخبر العادل والتعليل المانع عنه اذ الوجه فى
وجوب التبين هو اصابة قوم بجهالة والوقوع فى خلاف الواقع
ومن الواضح ان هذا
المانع لا يختص بخبر الفاسق بل يعم خبر العادل فيدل التعليل على المنع عن العمل
بخبر العادل ولا ريب فى تقدم عموم التعليل لكونه اقوى ظهورا من ظهور الشرط فى
المفهوم خصوصا على القول بكون ظهوره فى المفهوم بمعونة مقدمات الحكمة وحينئذ يؤخذ
بظهور التعليل فى العموم ويتعدى الى كل ما لا يؤمن فيه عن الوقوع فى الندم ومن
المعلوم ان العلة تارة تعمم كما فى لا تشرب الخمر لانه مسكر واخرى تخصص كما فى لا
تاكل الرمان لانه حامض فكذا الحال فى المقام يقتضى تعميم المنع لخبر العادل ايضا
لا يقال ان النسبة
بين المفهوم والتعليل العموم والخصوص المطلق فان المفهوم يختص بخبر العدل الغير
المفيد للعلم لان الخبر المفيد للعلم خارج عن المنطوق والمفهوم معا بداهة ان
الموضوع فى القضية هو الخبر القابل لان يتبين عنه وهو ما لا يكون مفيدا للعلم
فالمفهوم خاص بخبر العدل الذى لا يفيد العلم والتعليل عام لكل ما لا يفيد العلم
فلا بد من تخصيص عموم التعليل بالمفهوم وإلّا يبقى المفهوم بلا مورد كما هو الشأن
فى جميع موارد العموم والخصوص فانه يقال هذا مسلم اذ انعقد الظهور فى المفهوم
والمفروض ان اقوائية ظهور التعليل فى العموم تمنع عن انعقاد الظهور للقضية فى
المفهوم فلا يكون لها مفهوم حتى يخصص
عموم التعليل به
خصوصا فى مثل المقام مما كان التعليل متصلا بالقضية الشرطية فان احتفاف القضية
بالتعليل يوجب عدم ظهورها فى كونها ذات مفهوم فلا يبقى مجال لثبوت المفهوم.
وهذا لا ينافى ما
تقدم منا من التسالم على جواز تخصيص العام بمفهوم المخالف فان الكلام فيه بعد
تكافؤ الظهورين فى انفسهما مع كون المفهوم اخص بالنسبة الى عموم العام لا فى مثل
المقام مما كان التعليل متصلا بالقضية ويكون العام علة لما تضمنه القضية فينحصر
جواز تخصيص العام بمفهوم المخالف فيما اذ كان العام منفصلا عن القضية التى تكون
ذات مفهوم ولم يكن العام علة لما تضمنه القضية من الحكم
واجاب عنه بعض
الاعلام بوجه آخر لا بأس بالاشارة اليه وما فيه من الاشكال قال فى التقريرات بعد
تقرير الاشكال ما هذا لفظه الانصاف انه لا وقع لاصل الاشكال لما فيه اولا انه مبنى
على ان يكون معنى الجهالة عدم العلم ليشترك خبر العادل مع الفاسق فى ذلك وليس
الامر كذلك بل الجهالة بمعنى السفاهة والركون الى ما لا ينبغى الركون اليه
والاعتماد على ما لا ينبغى الاعتماد عليه ولا شبهة فى انه يجوز الركون الى خبر
العدل والاعتماد عليه كما عليه طريقة العقلاء بخلاف خبر الفاسق فان الاعتماد عليه
يعد من السفاهة
والجهالة فخبر
العادل لا يشارك خبر الفاسق فى العلة بل هو خارج عنها موضوعا الى ان قال وثانيا
انه على فرض ان يكون معنى الجهالة عدم العلم بمطابقة الخبر للواقع لا يعارض عموم
التعليل للمفهوم بل المفهوم يكون حاكما على العموم لانه يقتضى الغاء احتمال مخالفة
خبر العادل للواقع
وجعله محرزا له
وكاشفا عنه فلا
يشمله عموم التعليل لا لاجل تخصيصه بالمفهوم لكى يقال انه يأبى عن التخصيص بل
لحكومة المفهوم عليه فليس خبر العدل من افراد العموم لان اقصى ما يقتضيه العموم هو
عدم جواز العمل بما وراء العلم والمفهوم يقتضى ان يكون خبر العدل علما فى عالم
التشريع فلا يعقل ان يقع التعارض بين المفهوم وعموم التعليل لان المحكوم لا يعارض
الحاكم.
ولو كان ظهور
المحكوم اقوى من ظهور الحاكم او كانت بينهما العموم من وجه والسر فى ذلك هو ان
الحاكم انما يتعرض لعقد وضع المحكوم اما بتوسعة الموضوع بادخال ما ليس داخلا فيه
واما بتنقيصه باخراج ما ليس خارجا عنه كما ذكرنا تفصيله فى الجزاء الرابع والمفهوم
فى الآية يوجب تضييق موضوع العام واخراج خبر العادل عنه موضوعا يجعله محرزا للواقع
فان قلت ان ذلك كله فرع ثبوت المفهوم للقضية الشرطية والمدعى هو ان عموم التعليل
واتصاله بها يمنع
عن ظهور القضية فى المفهوم قلت المانع من ثبوت المفهوم ليس إلّا توهم منافاته
لعموم التعليل وعمومه يقتضى عدم كون القضية ذات مفهوم وإلّا فظهورها الاولى فى
المفهوم مما لا سبيل الى انكاره وبالبيان المتقدم ظهر انه لا منافات بين المفهوم
وعموم التعليل لان ثبوت المفهوم للقضية لا يقتضى تخصيص عمومه بل العموم على حاله
والمفهوم يوجب خروج خبر العادل عن موضوعه لا من حكمه ولا يكاد يمكن ان يتكفل العام
بيان موضوعه من وضع او رفع بل انما تتكفل حكم
الموضوع على فرض
وجوده
والمفهوم يمنع عن
وجوده ويخرج خبر العادل عما وراء العلم الذى هو الموضوع فى العام فلا يعقل ان يقع
التعارض بينهما انتهى كلامه والحاصل من كلامه بطوله هو ان المفهوم يكون حاكما على
العموم لانه يقتضى الغاء احتمال مخالفة خبر العادل للواقع وجعله محرزا وكاشفا عنه
فلا يشمله عموم التعليل فليس خبر العدل من افراد العموم لان اقصى ما يقتضيه العموم
هو عدم جواز العمل بما وراء العلم والمفهوم يقتضى ان يكون خبر العدل علما فى عالم
التشريع
فلا يكون العمل به
موجبا لاصابة القوم بجهالة بل يكون يعلم وفيه انه يمتنع ثبوت الحكومة للمفهوم
المعلل منطوقه بما يكون مانعا عن اقتضاء المفهوم كى يكون دليلا فى مقام الاثبات
على جعل الطريقية لقول العادل اذ العلة لمكان اقوائية ظهوره من ظهور المنطوق فى
المفهوم تكون مانعة عن انعقاد الظهور لدلالة المنطوق على المفهوم فليست المطاردة
بين ظهور المفهوم بعد انعقاده وظهور العلة كى يكون لسان المفهوم حاكما على العموم
مضافا الى ما فى حقايق الاصول بعد تقرير حكومة المفهوم على التعليل فى المقام قال
فى جوابه الاصل فى التعليل ان يكون ارتكازيا لا تعبديا والارتكاز العقلائى يقتضى
كون المنع من جهة كون خبر الفاسق جهلا حقيقة بذاته وهذا المانع بعينه حاصل فى خبر
العادل ولو بالنظر الى المفهوم لان المفهوم انما يقتضى كونه علما تعبدا لا حقيقة
وكونه علما تعبدا لا يوجب ارتفاع المخدور المذكور فى التعليل كما هو ظاهر انتهى.
ولا
يخفى انّ الإشكال انّما يبتنى على كون الجهالة بمعنى عدم العلم
حاصله انه لا يخفى
ان الاشكال مبنى على ان يكون معنى الجهالة عدم العلم ليشترك خبر العادل مع الفاسق
فى ذلك وليس الامر كذلك اذا كان الجهالة بمعنى السفاهة والركون الى ما لا ينبغى
الركون اليه والاعتماد على ما لا ينبغى الاعتماد عليه ولا ريب فى انه يجوز الركون
الى خبر العدل والاعتماد عليه بخلاف خبر الفاسق فان الاعتماد عليه يعد من السفاهة
والجهالة فخبر العادل لا يشارك خبر الفاسق فى العلة بل هو خارج عنها موضوعا
مع
انّ دعوى انّها بمعنى السّفاهة وفعل ما لا ينبغى صدوره من العاقل غير بعيدة
قد عرفت آنفا ان
الاشكال المذكور وهو ان التعليل يدل على ان مطلق الخبر الغير العلمى لا يجوز الاخذ
به قبل التبين سواء كان المخبر فاسقا او عادلا مبنى على كون الجهالة بمعنى عدم
العلم كما هو ظاهر لفظ الجهالة واما لو كان الجهالة بمعنى السفاهة فيرتفع الاشكال
مع ان دعوى ان
الجهالة بمعنى السفاهة وفعل ما لا ينبغى صدوره من العاقل غير بعيدة فاذا كان معنى
الجهالة هو السفاهة وفعل ما لا ينبغى صدوره من العاقل فلا يكون التعليل مشتركا بين
الفاسق والعادل كى يصير قرينة على عدم المفهوم فالمعنى حينئذ يجب التبين عند مجيء
الفاسق بالنبإ لئلا تصيبوا قوما بجهالة اى قوما بعمل لا يكون بناء العقلاء الاقدام
عليه ومن المعلوم ان العمل بخبر العادل لا يكون اصابة قوم بعمل
لا يكون بناء
العقلاء الاقدام عليه فلا يوجب العمل به الندم
وان ابيت الا عن
عدم ظهور الآية فى احدى المعنيين فلا اقل من الاجمال والتردد بينهما فلا بد ان
يعامل معه معاملة المجمل ان لم يكن فى البين قدر متيقن وهو هنا موجود اعنى وجوب
التبين عند مجيء الفاسق قال الحكيم فى حقايق الاصول فى شرح قوله غير بعيدة بل هى
بعيدة بملاحظة مورد نزول الآية وهو العمل بخبر الوليد لعنة الله انتهى توضيحه انه
لو لم يصح الاعتماد على خبر الفاسق فكيف اعتمدت الصحابة على خبر الوليد الفاسق
وارادوا تجهيز الجيش على قتال بنى المصطلق عند اخبار الوليد بارتدادهم وامتناعهم
عن اداء الصدقة فالاقدام على مقتضى قول الوليد لم يكن سفاهة قطعا كيف وان العقلاء
لا يقدمون على امر من دون وثوق بخبر المخبر به ففيه ان اعتماد الصحابة على خبر
الوليد الفاسق واقدامهم على مقتضى قوله فلعله لاجل اعتقادهم بعدالته ومن ثم ولّاه
النبىّ (ص) لامر الصدقات وصدقه فى اخباره بارتداد بنى المصطلق وعزم على قتالهم قبل
نزول الآية فلم يكن العمل بقول الوليد سفاهة قبل انكشاف الخلاف وظهور حاله فى
العدالة فنزلت الآية لسلب اعتقادهم عن عدالة الوليد وبالجملة ان دعوى ان الجهالة
بمعنى السفاهة وان الاعتماد على الفاسق يكون من الجهالة دون خبر ـ العادل غير
بعيدة
ثمّ
انّه لو سلّم تماميّة دلالة الآية على حجيّة خبر العدل ربّما اشكل شمول مثلها
للرّوايات الحاكية لقول الامام عليهالسلام بواسطة او وسائط
اشارة الى اشهر
الاشكالات التى لا تختص بآية النبإ وهو
اشكال شمول ادلة
الحجية للاخبار الحاكية لقول الامام عليهالسلام بواسطة او وسائط كاخبار الشيخ عن المفيد عن الصدوق عن
الصفار عن العسكري عليهالسلام ويمكن تقريب الاشكال من وجوه الاول ما اشار اليه المصنف
بقوله
فانّه
كيف يمكن الحكم بوجوب التّصديق الّذى ليس الّا بمعنى وجوب ترتيب ما للمخبر به من
الأثر الشّرعى بلحاظ نفس هذا الوجوب فيما كان المخبر به خبر العدل او عدالة المخبر
حاصل الاشكال انه
لا شبهة فى ان جعل الحجية للخبر والحكم بوجوب تصديقه فى فرض يكون للمخبر به اثر
شرعى اذ لا معنى لجعل الحجية له الا ترتيب آثاره الواقعية الثابتة له شرعا عليه
فاذا اخبر عادل بان هذا خمر مثلا فالحكم بوجوب تصديقه ليس إلّا بلحاظ الاثر الشرعى
المترتب على الخمر وهو الحرمة فالاثر الشرعى للمخبر به لا بد ان يكون متقدما على
الحجية ووجوب التصديق تقدم الموضوع على الحكم اذ كل من الخبر وعدالة المخبر وكون
المخبر به ذا اثر موضوع فيجب تحقق هذه الأمور الثلاثة متقدما على وجوب التصديق
ووجوب التصديق متأخر رتبة عنها تأخر الحكم عن موضوعه فلا بد وان يكون ترتب الاثر
على الموضوع مفروغا عنه ليصحح الحكم بوجوب تصديقه فاذا كان الخبر بلا واسطة كاخبار
زرارة عن الصادق عليهالسلام بوجوب شيء او حرمته فلا اشكال فى صحة التعبد بقول الزرارة
والحكم بوجوب تصديقه لانه يترتب على ذلك قول الصادق عليهالسلام من وجوب الشيء او حرمته
واما اذا كان
الخبر مع الواسطة كاخبار الشيخ عن المفيد عن الصدوق عن الصفار عن العسكرى عليهالسلام فالتعبد بخبر الشيخ ووجوب تصديقه فى اخباره عن المفيد مما
لا يترتب عليه اثر شرعى سوى نفس هذا الحكم وهو وجوب التصديق فيلزم ان يكون الحكم
بوجوب التصديق بلحاظ نفسه اى بلحاظ وجوب التصديق وهو محال للزوم اتحاد الحكم والموضوع
فتحصل مما ذكرنا انه لا يمكن الحكم بوجوب التصديق الذى ليس إلّا بمعنى وجوب ترتيب
ما للمخبر به من الاثر الشرعى بلحاظ نفس هذا الوجوب لان الاثر الشرعى عين هذا
الوجوب فكيف يكون وجوب التصديق ثابتا بلحاظ نفسه وموضوعا لنفسه ولا فرق فى ذلك بين
ما اذا كان المخبر به خبر العدل كاخبار الشيخ عن المفيد عن الصدوق عن الصفار عن
العسكرى عليهالسلام او عدالة المخبر كما اذا اخبر عادل عن عدالة المخبر لزم
عين المخدور ايضا
لانّه
وان كان اثرا شرعيّا لهما الّا انّه بنفس الحكم فى مثل الآية بوجوب تصديق خبر
العدل حسب الفرض
قد عرفت بان
التعبد بخبر الشيخ ووجوب تصديقه فى اخباره عن المفيد مما لا يترتب عليه اثر شرعى
سوى نفس هذا الحكم وهو وجوب التصديق ووجوب التصديق وان كان من الاحكام والآثار
الشرعية لهما اى لخبر العدل او عدالة المخبر إلّا ان هذا الاثر لم يكن ثابتا له مع
قطع النظر عن دليل اعتبار قوله والحكم بوجوب تصديقه بل جاء من نفس وجوب التصديق
فيلزم ان يكون الاثر الذى بلحاظه وجب تصديق العادل هو
نفس وجوب التصديق
وهو محال للزوم اتحاد الحكم والموضوع
نعم
لو انشاء هذا الحكم ثانيا فلا بأس فى ان يكون بلحاظه ايضا حيث انّه صار اثرا بجعل
آخر فلا يلزم اتّحاد الحكم والموضوع بخلاف ما اذا لم يكن هناك الّا جعل واحد
فتدبّر
يعنى لو كان هناك
انشاء ان احدهما انشاء وجوب التصديق لاخبار الصفار مثلا والثانى انشاء وجوبه
لاخبار المفيد الحاكى لاخبار الصفار صح ولم يتوجه الاشكال اذ دليل الاول يشمل خبر
الصفار لتحقق اجزاء موضوعه فى نفسه والدليل الثانى يثبت حجية قول المفيد لكون
المخبر به وهو اخبار الصفار ذا اثر بالدليل الاول فلا يلزم اتحاد الحكم والموضوع
فيصح ان يكون احدهما موضوعا للآخر ومصححا له
ويمكن
الذّب عن الاشكال بانّه انّما يلزم اذا لم يكن القضيّة طبيعيّة والحكم فيها بلحاظ
طبيعة الأثر بل بلحاظ افراده والّا فالحكم بوجوب التّصديق يسرى اليه سراية حكم
الطّبيعيّة الى افراده بلا محذور لزوم اتّحاد الحكم والموضوع
حاصله ان الاشكال
انما يرد اذا اخذت قضية صدق العادل قضية خارجية قد حكم فيها على خصوص افراد
الموضوع الموجودة فى الخارج فعلا متقدما على الحكم بداهة ان المخبر بخبر العدل او
عدالة المخبر لم يكن قبل مجيء دليل الاعتبار ذا اثر كى يكون مصححا لجعل الحجية
ووجوب تصديقه اذ معنى حجية الخبر ووجوب تصديقه هو
ترتيب ما كان
مترتبا على المخبر به على تقدير ثبوته من المحمولات الشرعية الواقعية النفس
الامرية فى مرحلة الظاهر كما هو معنى حجية غيره من الامارات المعتبرة
ومن الواضح ان
المراد من الاثر الشرعى للمخبر به غير ما ثبت بنفس الآية والمفروض انه لا يترتب
شرعا على خبر الواسطة الا وجوب التصديق المجعول بنفس الآية فيلزم ان يكون الحكم
بوجوب التصديق بلحاظ نفسه وهو محال للزوم اتحاد الحكم والموضوع واما ان لم تؤخذ
القضية خارجية بل طبيعية قد حكم فيها على طبيعة عنوان الموضوع بحيث يسرى الحكم عن
الطبيعية الى افراده المحققة الوجود او المقدرة الوجود فلا يلزم الاشكال اذ الحكم
بوجوب التصديق يسرى الى ما صار بوجوب التصديق اثرا له سراية حكم الطبيعة الى
افراده بلا محذور لزوم اتحاد الحكم والموضوع
هذا حاصل ما افاده
المصنف قدسسره فى دفع الاشكال ولكنه غير واف بتمام مقصود المستشكل اذ لو
كان مقصوده من الاشكال من حيث شمول الآية لخبر من يخبرنا من الواسطة كخبر الشيخ فى
المثال المتقدم نظرا الى ان معنى حجية الخبر ووجوب تصديقه هو ترتيب ما كان على
المخبر به على تقدير ثبوته من الآثار الشرعية النفس الامرية فى مرحلة الظاهر ومن
المعلوم ان المراد من الاثر الشرعى للمخبر به غير ما ثبت بنفس الآية وانه لا بد من
اثر جديد آخر لكان الجواب بمحله
فحينئذ يصح ان
يقال فى جوابه ان الاشكال انما يرد اذ اخذت القضية خارجية قد حكم فيها على خصوص
افراد الموضوع الموجودة فى الخارج
فعلا متقدما على
الحكم واما ان لم تؤخذ القضية خارجية بل حقيقية قد حكم فيها على طبيعة عنوان
الموضوع بحيث يسرى عنها الى افرادهما الخارجية المحققة الوجود والمقدرة فلا ضير
حينئذ فى ان يكون هو الاثر المترتب على المخبر به.
واما لو كان
مقصوده من الايراد من حيث شمولها لخبر الواسطة نظرا الى ان طريق اثباته نفس الآية
فكيف تشمله حيث ان الموضوع لا بد ان يكون مفروغ الثبوت مع قطع النظر عن المحمول
واذا فرض ثبوته بالمحمول المتأخر عنه فلا يمكن شموله له والفرق بينهما ان الاول
راجع الى عدم امكان صيرورة الآية واسطة لاثبات خبر الواسطة.
والثانى راجع الى
عدم امكان شمول الآية لخبر الواسطة بعد فرض ثبوته بالآية والغض عن الاشكال الاول
ومن المعلوم ان هذا الاشكال مما لا يجديه من الجواب لو كان مقصود المستشكل هو
الثانى فانه لا يثبت به التغاير والاثنينية بين الحكم والموضوع ولا تقدم لاحدهما
على الآخر رتبة اصلا والتحقيق فى حل الاشكال هو ان يقال ان دليل الاعتبار وان كان
بحسب الصورة قضية واحدة إلّا انه ينحل الى قضايا متعددة جزئيته بتعدد الافراد
والمصاديق ويكون لكل منها اثر يخصه غير الاثر المترتب على الآخر فان المخبر به
بخبر الصفار الحاكى لقول العسكرى (ع) لما كان حكما شرعيا من وجوب الشيء او حرمته
وجب تصديق الصفار فى اخباره عن الامام (ع) لمقتضى ادلة خبر العادل فيكون وجوب
تصديق الصفار من الآثار الشرعية على خبر الصفار فالصدوق الحاكى لقول الصفار قد حكى
موضوعا ذا اثر شرعى فيعم قول الصدوق دليل الاعتبار ويجب تصديقه فى اخبار الصفار له
فيكون وجوب التصديق اثرا شرعيا رتب على قول
الصدوق ثم ان
المفيد الحاكى لقول الصدوق قد حكى موضوعا ذا اثر شرعى فيجب تصديقه الى ان ينتهى
الى قول الشيخ المحرز بالوجدان وبالجملة ان كل لاحق يخبر عن موضوع سابق ذى اثر
غايته ان الآثار تكون من سنخ واحد ولا محذور فى ذلك اذا انتهيت الآثار الى اثر
مغاير وهو وجوب الشيء او حرمته الذى حكاه عن الامام عليهالسلام فحينئذ يرتفع الاشكال ولا يلزم ان يكون الاثر الذى بلحاظه
وجب تصديق العادل نفس تصديقه من دون ان يكون فى البين اثر آخر كان وجوب التصديق
بلحاظه فلا يتحد الحكم مع الموضوع المترتبة على ما اخبر به العادل اتحاد الحكم
والموضوع
هذا
مضافا الى القطع بتحقّق ما هو المناط فى سائر الآثار فى هذا الاثر اى وجوب
التّصديق بعد تحقّقه بهذا الخطاب وان كان لا يمكن ان يكون ملحوظة لأجل المحذور
حاصله انا نقطع
بان المناط الموجود فى ساير الآثار المترتبة على ما اخبر به العادل موجود فى هذا
الاثر ايضا فوجوب التصديق بعد تحققه بهذا الخطاب وان كان لا يمكن ان يكون ملحوظا
لاجل المحذور وهو اتحاد الحكم والموضوع وتقدم الشيء على نفسه ان اخذت القضية
خارجية إلّا انه بملاحظة المناط القطعى يكون دالا عليه وان كان قاصرا بنفسه على
الدلالة عليه فتامل جيدا
والى
عدم القول بالفصل بينه وبين سائر الآثار فى وجوب التّرتيب لدى الاخبار بموضوع صار
اثره الشّرعى وجوب التّصديق وهو خبر العدل ولو بنفس الحكم فى الآية فافهم
حاصله انه يحصل
للمتتبع فى كلماتهم ثبوت الاجماع على علم الفرق
فى حجية خبر
الواحد بناء على حجيته بين الخبر عن قول الامام عليهالسلام والخبر عن الخبر عن قول الامام عليهالسلام لكونه واقعا فى طريق الخبر عن قول الامام عليهالسلام فلا يرد عليه بان عدم القول بالفصل لا يكفى بل النافع هو
القول بعدم الفصل وتحققه غير معلوم فى المقام لان الظاهر ان عدم القول بالفصل
المتحقق فى المقام على نحو يقطع باجماعهم على عدم الفصل إلّا انه يرد ان مثل هذا
الاجماع غير حجة بعد احتمال كون مدركه احد الوجهين اما لاجل كون القضية طبيعية
واما لتنقيح المناط كى يقال بعد احتمال كون مدركه احد الوجهين لا يكون الاجماع
دليلا على حده ولعل قوله فافهم اشاره الى ذلك
ولا
يخفى انّه لا مجال بعد اندفاع الأشكال بذلك للاشكال فى خصوص الوسائط من الاخبار
كخبر الصّفار المحكى بخبر المفيد مثلا بانّه لا يكاد يكون خبرا تعبّدا الّا بنفس
الحكم بوجوب تصديق العادل الشّامل للمفيد فكيف يكون هذا الحكم المحقّق لخبر
الصفّار تعبّدا مثلا حكما له ايضا
قد عرفت آنفا ان
الاشكال فى المقام من وجهين احدهما من حيث انه يلزم ان يكون الاثر الذى بلحاظه وجب
تصديق العادل نفس تصديقه من دون ان يكون فى البين اثر آخر كان وجوب التصديق بلحاظه
فيلزم ان يكون الحكم بوجوب التصديق بلحاظ نفسه وهو محال للزوم اتحاد الحكم
والموضوع وثانيهما من حيث انه يلزم اثبات الموضوع بالحكم بالنسبة الى الوسائط فان
اخبار المفيد للشيخ قدسسره واخبار الصدوق للمفيد واخبار الصفار للصدوق ليس محرزا
بالوجدان بل
المحرز بالوجدان هو اخبار الشيخ عن المفيد بسماع منه او اخذ من كتابه واما الوسائط
فليس شيء من اخبارها محرزا بالوجدان بل انما يراد اثباتها بالتعبد والحكم بتصديق
العادل فيلزم ان يكون الحكم بتصديق العادل مثبتا لاصل اخبار الوسائط مع ان خبر
الوسائط يكون موضوعا لهذا الحكم فلا بد وان يكون الخبر فى المرتبة السابقة محرزا
اما بالوجدان واما بالتعبد ليحكم عليه بوجوب تصديقه فلا يعقل ان يكون الحكم موجد
الموضوعة الاعلى وجه دائر حيث ان الموضوع موقوف على الحكم والحكم موقوف على
الموضوع والفرق بين الوجهين هو ان تقرير الاشكال على الوجه الاول لا اختصاص له
باخبار الوسائط بل يشمل الخبر الاول الذى بكون خبرا بالمشافهة والحس وهو خبر الشيخ
الذى هو خبر لنا بلا واسطة وعلى الوجه الثانى يختص بالوسائط
وذلك
لانّه اذا كان خبر العدل ذا اثر شرعى حقيقة بحكم الآية وجب ترتيب اثره عليه عند
اخبار العدل به كسائر ذوات الآثار من الموضوعات لما عرفت من شمول مثل الآية للخبر
الحاكى للخبر بنحو القضيّة الطّبيعيّة او لشمول الحكم فيها له مناطا وان لم يشمله
لفظا او لعدم القول بالفصل فتأمّل جيّدا
حاصل جوابه عن
الاشكال ان الوسائط ذات اثر شرعى بمعونة شمول القضية الطبيعية للافراد الطولية
المتولدة من نفس الحكم بمعونة تنقيح المناط وان المناط الموجود فى سائر الآثار
موجود فيه او لعدم القول بالفصل بينه وبين سائر الآثار فحينئذ يكون الشيخ ره قد
اخبر لنا عن موضوع ذى اثر شرعى وهو خبر المفيد مثلا اذ على فرض ثبوته واقعا
يكون موضوعا لوجوب
التصديق مع قطع النظر عن شموله لخبر الشيخ فشمول قوله صدق لخبر الشيخ يتوقف على
كون خبر المفيد ذا اثر شرعى والمفروض جعل الاثر عليه اما لان القضية طبيعية يسرى
الحكم الى نفسها او لان المناط الموجود فى سائر الآثار موجود فيه واما لعدم القول
بالفصل بينه وبين سائر الآثار ولكن قد عرفت ان ما افاده لا يفى بتمام مقصود
المستشكل فلا يكون جوابا عن الاشكال والتحقيق فى جوابه هو ما قلنا من انحلال قضية
صدق العادل الى قضايا متعددة بتعدد الاخبار فحينئذ يرتفع الاشكال فراجع وتدير
فى تقريب الاستدلال بآية النفر
منها
آية النّفر قال الله تبارك وتعالى (فَلَوْ لا نَفَرَ
مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ) الآية ومن جملة الآيات التى استدل بها على حجية خبر الآحاد آية
النفر قال الله تبارك وتعالى فى صورة البراءة (وَما كانَ
الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ
مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا
رَجَعُوا إِلَيْهِمْ) لعلم يحذرون وسميت بالنفر لوجود الآية كلمة النفر فيها قال
شيخنا العلامة اعلى الله مقامه بعد ذكر الآية الشريفة ما لفظه دلت على وجوب الحذر
عند انذر المنذرين من دون اعتبار افادة خبرهم العلم لتواتر او قرينة فيثبت وجوب
العمل بخبر الواحد انتهى
وربّما
يستدلّ بها من وجوه احدها انّ كلمة لعلّ ولو كانت مستعملة على التّحقيق فى معناه
الحقيقى وهو التّرجى الايقاعى الانشائى الّا انّ الدّاعى اليه حيث يستحيل فى حقّه
تعالى ان يكون هو التّرجى الحقيقى
اختلف الاصحاب فى
ان تلك الكلمة ظاهرة فى الترجى الحقيقى اما لكونها موضوعة له او لانصرافه الى كونه
الداعى الى استعماله فى معناه الذى هو مفهوم الترجى او الترجى الايقاعى الانشائى
الاول هو مختار الشيخ (ره) على ما يظهر من كلامه قال فى رسائله عند الاستدلال
بالآية الشريفة على حجية خبر الواحد ما هذا لفظة ان لفظة لعل بعد انسلاخها عن معنى
الترجى ظاهرة فى كون مدخولها مجبوبا للمتكلم واذا تحقق حسن الحذر ثبت وجوبه
اما لما ذكره فى
المعالم من انه لا معنى لندب الحذر اذ مع قيام المقتضى يجب ومع عدمه لا يحس واما
لان رجحان العمل بخبر الواحد مستلزم لوجوبه بالاجماع المركب لان كل من اجازه فقد
اوجبه حاصل كلامه قدسسره ان لفظة لعل بعد انسلاخها عن معنى الترجى لاستحالة حقيقة
الترجى فى حقه تعالى لاستلزامه الجهل بحصول المترجى للمترجى تعالى الله عن ذلك
علوا كبيرا ظاهرة فى كون مدخولها محبوبا اما لانه لا معنى لندب الحذر واما لان
رجحان العمل بخبر الواحد مستلزم لوجوبه بالاجماع المركب
واما الثانى فهو
مختار المصنف قال فى الحاشية ولكن قد حققنا فى بحثنا فى الاوامر ان صيغ الترجى
والتمنى والاستفهام وامثالها كصيغة الامر انما هى لمعانيها الايقاعية الانشائية
التى ينشئها المتكلم بهذه الصيغ ولو لم يكن مترجيا او متمنيا او مستفهما او مريدا
او طالبا حقيقة لا لمعانيها الواقعية التى يكون من الصفات والحالات القائمة بالنفس
والمستحيل فى حقه تعالى انما هو هذه الواقعيات لا تلك الانشائيات والتميز بينهما
واضح كما ان كون ما وضعت له الصيغ هو
النحو الاول لا
الثانى حاصل ما افاده فيها ان صبغ الانشائية استعملت فى معانيها الايقاعية
الانشائية إلّا ان الداعى الى انشاء التمنى او الترجى او الاستفهام تارة يكون هو
ثبوت هذه الصفات حقيقة وتارة يكون الداعى امر آخر حسب ما يقتضيه الحال واليه اشار
بقوله هنا بان كلمة لعل ولو كانت مستعملة فى معناه الحقيقى وهو الترجى الايقاعى
الانشائى حتى فيما اذا وقعت فى كلامه تعالى إلّا ان الداعى اليه حيث يستحيل فى حقه
تعالى ان يكون هو الترجى الحقيقى لان الرجاء من الكيفيات النفسانية المختصة
بالممكنات لما فيه من النقص فى القدرة ولا معنى للرجاء بالنسبة الى القادر المطلق
اذ لازم توقع المرجو هو الشك فى حصوله وهو ممتنع على العالم بالحقايق.
كان
هو محبوبيّة التّحذّر عند الانذار واذا ثبت محبوبيّته ثبت وجوبه شرعا لعدم الفصل
وعقلا لوجوبه مع وجود ما يقتضيه وعدم حسنه بل عدم امكانه بدونه
قد عرفت آنفا ان
كلمة لعل وان كانت مستعملة فى المعنى الانشائى الايقاعى دائما ولكن الداعى اليه
حيث يستحيل فى حقه تعالى ان يكون هو الترجى الحقيقى فلا محالة
تكون مستعملة
بداعى محبوبية التحذر واذا ثبت محبوبيته ثبت وجوبه شرعا لعدم الفصل بدعوى ان رجحان
العمل بخبر الواحد يلازم وجوبه عند الكل فان كل من اجازه فقد اوجبه ومن لم يجزه
قال بتحريم العمل بخبر الواحد فلا قائل بالفصل بين الرجحان والوجوب وعقلا لما فى
المعالم من انه مع المقتضى له يجب وبدونه لا يحسن وذلك لانه مع اتمام الحجة يستحق
العقوبة على المخالفة على تقدير اتفاقها وبدونه يطمئن بعدمها للجزم
بعدم الاستحقاق
ومعه لا يحس بل لا يمكن قال المحقق السلطان فى تعليقته على الكتاب بعد قوله بانه
لا معنى للرجاء بالنسبة الى القادر المطلق ما لفظه لكن اظهار الرجاء ينساق الى
الذهن عند اطلاق لفظة لعل فلا بد من المناسبة له عند الصرف الى غيره كما هو كذلك
فى ساير الصيغ عند الصرف الى غير ما هو المنساق اليه عند الاطلاق كصيغة افعل الى
الاندار والتهديد وغيرهما وكلفظة الاستفهام عند صرفها الى غير الاستفهام الحقيقى
ويختلف الدواعى باختلاف الجهات المحسنة المناسبة للمعنى المنصرف اليه عند الاطلاق
فى تلك الصيغ وان كانت مستعملة فى المعنى الحقيقى الايقاعى دائما وحيث ان الترجى
يستلزم محبوبية المرجو ومحبوبية الفعل من الغير تستلزم الطلب عنه فاذن يكون الداعى
على ايقاع الترجى اظهار طلب الفعل عن الغير ولعل النكتة فى العدول عن الطلب الى
الترجى ان داب الملوك والاكابر انهم اذا حاولوا انجاز امر محبوب وتسجيله ان يعبروا
بلفظة لعل وعسى وعليه يكون لفظة لعل فيما نحن فيه ظاهرا فى الطلب الايجابى بلا
حاجة الى ضميمة عدم القول بالفصل انتهى كلامه رفع مقامه
ثانيها
انّه لمّا وجب الانذار لكونه غاية للنّفر الواجب كما هو قضيّة كلمة لو لا
التحضيضيّة وجب التّحذّر والّا لغى وجوبه
حاصله ان كلمة لو
لا تدل على وجوب النفر للتفقه ولو كان وجوبا كفائيا لتعليم الجاهلين وقد يجب على
كل واحد منهم التعلم واخذ المسائل الدينية الفرعية وجوبا عينيا فيما كانت فى معرض
الابتلاء فان
التحضيض طلب بحث
وازعاج فاذا وجب النفر وجب الانذار لكونه غاية للنفر الواجب واذا وجب الانذار وجب
التحذر والقبول من المنذر وو إلّا لغى وجوب الانذار
ثالثها
انّه جعل غاية للانذار الواجب وغاية الواجب واجب
النفر واجب لوقوعه
فى تلو أداة التحضيض فاذا وجب النفر وجب الانذار لكونه غاية للنفر الواجب فاذا وجب
الانذار وجب التحذر لكونه غاية للانذار الواجب اذا لغاية المترتبة على فعل الواجب
مما لا يرضى الامر بانتفائه ومع كون التحذر منها يكون واجبا على المكلف ولا يرضى
الامر بانتفائه
قال شيخنا العلامة
اعلى الله مقامه فى رسائله ما هذا لفظه الثانى ان ظاهر الآية وجوب الانذار لوقوعه
غاية للنفر الواجب بمقتضى كلمة لو لا فاذا وجب الانذار افاد وجوب الحذر لوجهين
احدهما وقوعه غاية للواجب فان الغاية المترتبة على فعل الواجب مما لا يرضى الامر
به بانتفائه سواء كان من الافعال المتعلقة للتكليف يعنى به مثل قولك ادخل السوق
واشتر اللحم ام لا كما فى قولك تب لعلك تفلح واسلم لعلك تدخل الجنة وقوله تعالى (فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً
لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى)
الثانى انه اذا
وجب الانذار ثبت وجوب القبول وإلّا لغا الانذار قال ونظير ذلك ما تمسك به فى
المسالك على وجوب قبول قول المرأة وتصديقها فى العدة من قوله تعالى (وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ
ما خَلَقَ اللهُ فِي أَرْحامِهِنَ) فاستدل بتحريم الكتمان ووجوب الاظهار عليهن على قبول
قولهن بالنسبة الى
ما فى الارحام انتهى كلامه رفع مقامه
ويشكل
الوجه الاوّل بانّ التحذّر لرجاء ادراك الواقع وعدم الوقوع فى محذور مخالفته من
فوت المصلحة او الوقوع فى المفسدة حسن وليس بواجب فيما لم يكن هناك حجّة على
التّكليف
هذا اشكال على
صاحب المعالم حيث قال لا معنى لجواز الحذر وندبه لانه مع المقتضى له يجب وبدونه لا
يحس وذلك لانه مع اتمام لحجة يستحق العقوبة على المخالفة على تقدير اتفاقها وبدونه
يطمئن بعدمها للجزم بعدم الاستحقاق ومعه لا يحسن بل لا يمكن
حاصل الايراد ان
ما ذكره فى المعالم انما يصح لو انحصر الانذار بالعقوبة على المعصية وليس كذلك
لصحة الانذار بملاحظة فوت المصالح والوقوع فى المفاسد الكامنتين فى الافعال على ما
هو المشهور بين العدلية من تبعية الاحكام لها ومن المعلوم ان عدم الوقوع فى محذور
فوت المصلحة او الوقوع فى المفسدة حسن عند العقل وليس بواجب عقلا فيما لم يكن هناك
حجة على التكليف بل التخويف لرجاء ادراك الواقع
ولم
يثبت هاهنا عدم الفصل غايته عدم القول بالفصل
قد عرفت فى الوجه
الاول انه لا فصل شرعا بين محبوبية التحذر وبين وجوبه واذا ثبت محبوبية التحذر فى
الآية بكلمة لعل ثبت وجوبه للاجماع فان الامة بين من لا يجوز العمل بخبر الواحد
وبين من يجوزه ويلتزم بوجوبه
فالقول بجواز
العمل به ورجحانه قول بالفصل فالمصنف يناقش فيه بان الثابت فى المقام عدم القول
بالفصل لا عدم الفصل بيانه انه لا يجوز القول بالفصل فيما اذا احرز الاتفاق على
نفى الثالث وإلّا فمجرد كون المسألة ذات قولين بلا احراز ذلك لا يكشف عن رأى
الامام عليهالسلام فحينئذ يجوز احداث قول ثالث كما هو كذلك فى الاقوال
الحادثة فى الازمنة المتاخرة بعد كون المسألة ذات قولين
مع ان القول بحسن
التحذر ليس قولا بالفصل لان العمل لرجاء ادراك الواقع ليس عملا بخبر الواحد كى
يكون القول بحجيته قولا بالفصل فلا مجال لدعوى الاتفاق على عدم الفصل بين وجوب
العمل بخبر الواحد وبين حرمته اذا العمل به ليس على نحو التعبد والالتزام بل لرجاء
ادرك الواقع الذى لا قائل ببطلانه ولا دليل على حرمته
فيثبت من ذلك عدم
القول بالفصل لا عدم الفصل ومما ذكرنا ظهر فساد ما فى العناية من ان مجرد عدم
القول بالفصل بمعنى اختلاف الامة على قولين بعضها على قول وبعضها على قول آخر
واطباقهم على نفى الثالث بالالتزام المسمى بالاجماع المركب مما يكفى فى ثبوت عدم
الفصل لما قد عرفت من ان مجرد كون المسألة ذات قولين بلا احراز ذلك اى الاتفاق على
نفى الثالث لا يكشف عن راى الامام عليهالسلام فالاولى الاقتصار على ما افاده المصنف ره بقوله ولم يثبت
هاهنا عدم الفصل فتامل جيدا
والوجه
الثّانى والثّالث بعدم انحصار فائدة الانذار بالتّحذّر تعبّدا
حاصل الاشكال على
الوجه الثانى والثالث ان الملازمة بين
وجوب الانذار
ووجوب الحذر مطلقا ولو لم يحصل العلم من قول المنذر غير مسلمة اذ لا ينحصر فائدة
الانذار بايجاب التحذر تعبدا بل كفى ما فى الانذار من اظهار الحق ونشره وبسطه بين
الناس ليتم به الحجة عند حصول العلم لهم من جهة كثرة المنذرين او اختفاف الانذار
بالقرينة الموجبة لحصول العلم لهم فيعملون بعلمهم لا بقول المنذرين تعبدا.
لعدم
اطلاق يقتضى وجوبه على الاطلاق
حاصله انه لا اطلاق
يقتضى وجوب التحذر على الاطلاق ولو لم يحصل العلم من قول المنذر
ضرورة
انّ الآية مسوقة لبيان وجوب النّفر لا لبيان غائية التحذر ولعلّ وجوبه كان مشروطا
بما اذا افاد العلم
علل المصنف عدم
الاطلاق بكون الآية مسوقة لبيان وجوب النفر وليست مسوقة لبيان وجوب الحذر بكونه
غاية للانذار او فائدة لوجوب الانذار واذا لم يكن الآية مسوقة لبيان وجوب الحذر لم
يكن لها اطلاق اذ من شرائطه كون المتكلم فى مقام البيان وبالجملة ان الآية مسوقة
لبيان وجوب النفر لا لبيان غائية التحذر ولعل وجوبه كان مشروطا بما اذا افاد العلم
لو
لم نقل بكونه مشروطا به
هذا هو الاشكال
الثانى للشيخ ره ذكر فى فرائده بعد ما فرغ من تقريب الاستدلال قال ما لفظه الثانى
ان التفقه الواجب ليس إلّا معرفة الامور الواقعية من الدين فانذار الواجب هو
الانذار بهذه الامور المتفقه فيها فالحذر لا يجب إلّا عقيب الانذار بها فاذا لم
يعرف المنذر بالفتح ان الانذار هل هو وقع بالامور الدينية الواقعية او بغيرها خطأ
او تعمدا من المنذر بالكسر لم يجب الحذر حينئذ فانحصر وجوب الحذر فيما اذا علم
المنذر فى انذاره بالاحكام الواقعية
الى ان قال ثم
الفرق بين هذا الايراد وسابقه ان هذا الايراد مبنى على ان الآية ناطقة باختصاص
مقصود المتكلم بالحذر عن الامور الواقعية المستلزمة لعدم وجوبه الا بعد احراز كون
الانذار متعلقا بالحكم الواقعى واما الايراد الاول فهو مبنى على سكوت الآية عن
التعرض لكونه واجبا على الاطلاق او بشرط حصول العلم انتهى
فانّ
النّفر انّما يكون لاجل التّفقّه وتعلم معا لم الدّين ومعرفة ما جاء به سيّد
المرسلين
حاصل الكلام ان
الغرض من الآية تعلم الاحكام الدينية الثابتة من النبى ص التى بلغها من الله الى
المكلفين على النافرين والانذار والاخبار بها بعد العلم وايصالها الى المتخلفين
الجاهلين فيصير الناس كلهم عالمين بما بلغه النبى ص فالنافر مكلف بتعلم ما جاء به
النبى ص وتبليغ ما تعلمه الى غيره والمتخلف مكلف بقبول ما بلغه من الاحكام فان علم
بان متعلق اخباره امر ثابت من النبى ص فيجب قبوله
وإلّا لم يجب عليه
القبول من جهة الشك فى موضوع الخطاب
كى
ينذر وبها المتخلفين او النّافرين على الوجهين فى تفسير الآية لكى يحذروا اذا
انذروا بها
ففى احدهما ان
المراد تفقه المتخلفين لينذر والنافرين عند رجوعهم الى المتخلفين فالمعنى انه لا
يجوز للمؤمنين ان ينفروا كافة الى الغزو بل يجب ان يصيروا طائفتين تبقى طائفة فى
حرمة النبى (ص) وتنفر طائفة اخرى الى الغزو فتعلم المتخلفون احكام الدين وتبلغونها
الى النافرين عند رجوعهم اليهم
فالطائفة النافرة
تكونون نائبين عن المقيمين فى الغزو والمقيمون نائبون عن النافرين فى التفقه فعلى
هذا الوجه ضمير يتفقهوا وينذروا واليهم راجع الى المتخلفين وضمير رجعوا ولعلهم
راجع الى النافرين.
وفى الآخر تفقه
النافرين لينذروا المتخلفين وان التفقه والانذار يرجعان الى الفرقة النافرة وهو
المنقول عن الحسن والمراد من التفقه انهم يشاهدون ظهور المسلمين على المشركين
ونصرة الدين مع كونهم قليلين عددا وسلاحا فيعلمون ان الله خصهم بالنصرة فاذا
رجعوا الى قومهم انذروهم بما شاهد ومن دلائل النصرة وعجائب القدرة لعلهم يحذرون
فيتركوا الكفر والنفاق فعلى هذا الوجه ضمير يتفقهوا وينذروا ورجعوا راجع الى
الطائفة النافرين وضمير اليهم ولعلهم راجع الى المختلفين.
وقضيّته
انّما هو وجوب الحذر عند احراز ان الانذار بها كما لا يخفى
اى وقضية كونها
مسوقة لبيان وجوب النفر لا لبيان غائية التحذر هو وجوب الحذر عند احراز الانذار
بالامور الدينية المتفقه فيها ومع الشك فى ذلك يشك فى وجوب الحذر فاذا لم يعرف
المنذر بالفتح ان الانذار هل هو واقع بالامور الواقعية الدينية او بغيرها لم يجب
الحذر فانحصر وجوب الحذر فبما اذا علم المنذر صدق المنذر فى انذاره بالامور
الواقعية
ثمّ
انّه اشكل ايضا بانّ الآية لو سلّم دلالتها على وجوب الحذر مطلقا
هذا الاشكال ثالث
الاشكالات التى ذكرها الشيخ ره فى الاستدلال بالآية الشريفة قال فى رسائله لو
سلمنا دلالة الآية على وجوب الحذر مطلقا عند انذار المنذرين ولو لم يفد العلم لكن
لا تدل على وجوب العمل بالخبر من حيث انه خبر لان الانذار هو الابلاغ مع التخويف
فانشاء التخويف ماخوذ فيه والحذر هو الخوف الحاصل عقيب هذا التخويف الداعى الى
العمل بمقتضاه فعلا ومن المعلوم ان التخويف لا يجب إلّا على الوعاظ فى مقام
الايعاد على الامور التى يعلم المخاطبون بحكمها من الوجوب والحرمة كما يوعد على
شرب الخمر وفعل الزنا وترك الصلاة او على المرشدين فى مقام ارشاد الجهال فالتخويف
لا يجب إلّا على المتعظ او المسترشد ومن المعلوم ان تصديق الحاكى فيما يحكيه من
لفظ الخبر الذى هو محل الكلام خارج عن الامرين توضيح ذلك
ان المنذر اما ان
ينذر او يخوف على وجه الافتاء ونقل ما هو مدلول الخبر باجتهاده واما ان ينذر او
يخوف بلفظ الخبر حاكيا له عن الحجة (ع) فالاول كان يقول يا ايها الناس اتقوا الله
فى شرب العصير فان شربه يوجب المؤاخذة والثانى كان يقول قال الامام (ع) من شرب
العصير فكانما شرب الخمر اما الانذار على الوجه الاول فلا يحب الحذر عقيبه الاعلى
المقلدين بهذا المفتى واما الثانى فله جهتان احدهما جهة تخويف وايعاد والثانية جهة
لحكاية قول من الامام (ع) ومن المعلوم ان الجهة الاولى ترجع الى الاجتهاد فى معنى
الحكاية فهى ليست حجة الاعلى من هو مقلد له اذ هو الذى يجب عليه التخوف عند تخويفه
واما الجهة الثانية فهى التى تنفع المجتهد الآخر الذى يسمع منه هذه الحكاية لكن
وظيفته مجرد تصديقه فى صدور هذا الكلام عن الامام (ع) الى ان قال فالحق ان
الاستدلال بالآية على وجوب الاجتهاد كفاية ووجوب التقليد على العوام اولى من
الاستدلال بها على وجوب العمل بالخبر انتهى كلامه رقع مقامه
فلا
دلالة لها على حجّية الخبر بما هو خبر حيث انّه ليس شان الرّاوى الّا الاخبار بما
تحمّله لا التّخويف والانذار
حاصل ما افاده
المصنف فى تقريب الاشكال هو ان الآية اجنبية عما نحن بصدده من حجية خبر الواحد فان
وظيفة الراوى ليس إلّا مجرد حكاية ما تحمله من الرواية لا الانذار والانذار هو
الإبلاغ مع التخويف بحيث بكون التخويف ماخوذا فى مفهومه وإلّا فلا يكون انذارا قال
فى الصحاح الانذار
هو الابلاغ ولا يكون إلّا فى التخويف وفى القاموس انذره اعلمه وخوفه وحذره ونحوه
فى مجمع البحرين والحاصل ان الآية اجنبية عن المقام ولادلة لها على حجية الخبر بما
هو خبر حيث انه ليس من شأن الراوى الا الاخبار كما ان قضية حجية خبر الواحد ووجوب
قبوله على المنقول اليه ليس إلّا تصديقه فى مجرد حكايته وروايته لا التحذر.
وانّما
هو شان المرشد او المجتهد بالنّسبة الى المسترشد او المقلّد
حاصله ان الآية
تدل على حجية الانذار وهو الابلاغ بقصد التخويف وهو من شأن المرشد او المجتهد بالنسبة
الى خصوص الجاهل المسترشد والعامى المقلد فالآية اجنبية عن المقام
قلت
لا يذهب عليك انّه ليس حال الرّواة فى الصّدر الاوّل فى نقل ما تحملوا من النّبى ص
وعلى اهل بيته الكرام او الامام ع من الاحكام الى الانام الّا كحال نقلة الفتاوى
الى العوام
حاصل جوابه عن
الاشكال هو عدم المنافاة بين حجية القول من باب حجية الخبر لا الفتوى وصحة الانذار
والتخويف فى الابلاغ بالاخبار وان حال الرواة فى صدر الاسلام ليس إلّا كحال نقلة
الفتاوى الى العوام لا كحال المجتهدين اذ لا شك ان الرواة فى زمن النبى (ص)
والائمة (ع) كانوا آخذين بظواهر ما شافهوا من الخطابات وعاملين بها من غير اعمال
نظر او راى فيها كما هو الحال فى المقلدين فى زماننا هذا كما يظهر
للمتبع فى احوالهم
ومجارى عاداتهم والتفقه الحاصل لهم ليس إلّا تفهم المراد من الخطابات لا التفقه
المصطلح عليه فكما يصح من نقلة الفتاوى الابلاغ مع التخويف فكذلك يصح من الرواة فى
صدر الاسلام ايضا
ولا
شبهة فى انّه يصحّ منهم التّخويف فى مقام الابلاغ والانذار والتّحذير بالبلاغ فكذا
من الرّواة
لما ذكرناه آنفا
من انه لا فرق بينهم وبين الرواة من هذه الجهة فكما انهم ينقلون ما اخذوه من
المجتهد كذلك هم ينقلون ما اخذوه من النبى (ص) او الامام (ع) من دون مدخلية رأيهم
فى اعتبار رأيهم والحاصل ان حال الرواة فى صدر الاسلام كحال النقلة الفتاوى الى
العوام ولا شبهة فى انه يصح من نقلة الفتوى الابلاغ مع التخويف فيصح من الرواة فى
صدر الاسلام ذلك ايضا ومما ذكرنا ظهر ان وجوب التحذر على تقدير تسليم دلالة الآية
عليه انما هو من جهة الانذار من باب الخبر لا الفتوى
فالآية
لو فرض دلالتها على حجيّة نقل الرّاوى اذا كان مع التّخويف كان نقله حجّة بدونه
ايضا لعدم الفصل بينهما جزما فافهم
قد عرفت آنفا انه
كما يصح من نقلة الفتاوى الابلاغ مع التخويف يصح من الرواة فى صدر الاسلام ايضا
ذلك فاذا صح من الرواة الابلاغ مع التخويف وكان صحته بمقتضى الآية فبضميمة عدم
الفصل بين ما بكون على نحو الانذار وبين ما لا يكون تكون الآية
دليلا على تمام
المدعى هذا ولكن قد يناقش فيه بانه لم يثبت هاهنا عدم الفصل غايته عدم القول
بالفصل وهو لا ينفعها وانما النافع عدم الفصل ولعله اليه اشار بقوله فافهم هذا
ولكن الذى يقوى فى النظر ان الآية لا تدل على حجية الخبر ولا على حجية الفتوى
والاجتهاد حسب ما مر بيانه قال الحكيم فى تعليقته على الكفاية والانصاف ان الآية
لا تدل على حجية الخبر ولا على حجية الاجتهاد بل هى اجنبية عنهما بالمرة وانما تدل
على وجوب التفقه فى الدين وتعلم معالمه فى الاصول والفروع لغاية تعليم الجاهلين
وتفقيههم باقامة الحجة عليهم واقناعهم بالطريق الذى تعلّموا به وتفقهوا بلا دلالة
لها على حجية الاجتهاد او الخبر اصلا لا مطابقة ولا التزاما وظنى ان ذلك ظاهر
بادنى تامل انتهى كلامه رفع مقامه
فى تقريب الاستدلال بآية الكتمان
ومنها
آية الكتمان (إِنَّ الَّذِينَ
يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا) الآية
تمام الآية هكذا
ان الذين يكتمون ما انزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس فى الكتاب
اولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون وقد استدل بالآية الشريفة عدة من اصحابنا تبعا
للشيخ فى العدة على ما يظهر من شيخنا الانصارى اعلى الله مقامه قال فى رسائله ومن
جملة الآيات التى استدل بها جماعة تبعا للشيخ فى العدة على حجية الخبر قوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما
أَنْزَلْنا) (الخ)
وتقريب
الاستدلال بها انّ حرمة الكتمان تستلزم القبول عقلا للزوم لغويّته بدونه
حاصله ان طريق
الاستدلال بهذه الآية مقصور على دعوى الملازمة العقلية بدعوى ان حرمة الكتمان
تستلزم القبول عقلا وإلّا لغت حرمته وبعبارة اخرى انه يحرم كتمان الحكم الشرعى
ويجب تبيينه للجاهل فاذا حرم الكتمان ووجب التبيين وجب القبول فلو لم يجب لزم
لغوية الايجاب نظير ما تمسكوا فى آية النفر لوجوب الحذر من انه اذا وجب الانذار
لكونه غاية للنفر الواجب وجب التحذر والقبول من المنذر وإلّا لغى وجوبه
ولا
يخفى انّه لو سلّمت هذه الملازمة لا مجال للايراد على هذه الآية بما أورد على آية
النّفر من دعوى الاهمال او استظهار الاختصاص بما اذا افاد العلم فانّها تنافيهما
كما لا يخفى
تعريضا على ما
افاده الشيخ ره فى الرسائل فانه بعد ذكر تقريب الاستدلال بالآية قال ما لفظه ويرد
عليها ما ذكرنا من الايرادين الاولين فى آية النفر من سكوتها وعدم التعرض فيها
لوجوب القبول وان لم يحصل العلم عقيب الاظهار او اختصاص وجوب القبول المستفاد منها
بالامر الذى يحرم كتمانه ويجب اظهاره فان من امر غيره باظهار الحق للناس ليس
مقصوده الا عمل الناس بالحق ولا يريد بمثل هذا الخطاب تأسيس حجية قول المظهر تعبدا
ووجوب العمل بقوله وان لم يطابق الحق
انتهى كلامه رفع
مقامه
محصله ان الايراد
على آية النفر بالوجهين الاوليين من سكوتها وعدم اطلاقها بالنسبة الى صورة عدم
حصول العلم او دلالتها على وجوب الاخبار بالحكم الواقعى فلا يلزم قبوله بحكم العقل
الا فيما لو علم المكلف بصدق المخبر فى اخباره متوجه على آية الكتمان ايضا ولكن
اورد عليه المصنف بانه لو سلمت الملازمة بين حرمة الكتمان ووجوب القبول كما ادعاه
المستدل فلا يبقى مجال للايرادين الاولين فى آية النفر من عدم الاطلاق لها او
اشتراط وجوب القبول فيها بما اذا حصل العلم من قول المظهر فان القبول ليس مذكورا
فى هذه الآية كى يقال بانه لا اطلاق له لصورة العلم وعدمه او اختصاصه بصورة العلم
ثم انه مع تسليم الملازمة عقلا لا مجال للايراد على الآية بما اورد على آية النفر
فان الملازمة تكون منافية للاهمال والتقييد لغير المذكور فى الآية وقد ثبت وجوبه
بحكم العقل نعم له ان يمنع عن اطلاق حرمة
الكتمان واختصاصها
بالامر الذى بحرم كتمانه على الكاتم وهو اظهار الحق عند حصول العلم ومع هذا
التقييد لا وجه لايجاب القبول تعبدا واما مع تسليم الاطلاق فلا وجه لدعوى التقييد
فى القبول اذ يمتنع ان بحرم الكتمان ويجب التبيين على تقدير عدم حصول العلم مع عدم
ايجاب القبول تعبدا للزوم اللغوية على هذا التقدير
لكنّها
ممنوعة فانّ اللغوية غير لازمة لعدم انحصار الفائدة بالقبول تعبّدا وامكان ان تكون
حرمة الكتمان لاجل وضوح الحق بسبب كثرة من افشاه وبيّنه لئلّا يكون للنّاس على
الله حجة بل كان عليهم الحجّة البالغة
والتبيين بايجاب
القبول تعبدا لامكان ان يكون حرمة الكتمان ووجوب التبيين والاظهار لاجل وضوح الحق
بسبب كثرة الافشاء والاظهار بمعنى انه يجب التبين والاظهار الى ان تبين الحق وهذه
الغاية مقصودة من ايجاب التبيين بقول مطلق ليتم الحجة على الناس فنفس وضوح الحق
وظهوره حاصل مترتب على كثرة التبيين سواء حصل العلم ام لا وكفى به فائدة ويرتفع
بها اللغوية
فى تقريب الاستدلال بآية السؤال
ومنها
آية السّؤال عن اهل الذّكر (فَسْئَلُوا أَهْلَ
الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ)
تمام الآية هكذا
وما ارسلنا من قبلك الا رجالا نوحى اليهم (فَسْئَلُوا أَهْلَ
الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) وهذه وقعت فى سورة النحل وسورة الانبياء وذكر الطبرسى فى
المجمع البيان فى تفسير اهل الذكر اقوالا احدها ان المعنى بذلك اهل العلم باخبار
من مضى من الامم سواء كانوا مؤمنين او كفارا ثانيها ان المراد باهل الذكر اهل
الكتاب اى فاسألوا اهل التوراة والانجيل ان كنتم لا تعلمون ثالثها ان المراد بهم
اهل القرآن لان الذكر هو القرآن عن بن زيد قال ويقرب منه ما رواه جابر ومحمد بن
مسلم عن ابى جعفر (ع) انه قال نحن اهل الذكر وقد سمى الله رسوله ذكرا يعنى به فى
سورة الطلاق وقال ايضا فى الموضع الثانى فروى عن على عليهالسلام انه قال نحن اهل الذكر انتهى
وتقريب
الاستدلال بها ما فى آية الكتمان
اى تقريب
الاستدلال بآية السؤال هو ما تقدم فى آية الكتمان بمعنى ان ايجاب السؤال عن اهل
الذكر يستلزم ايجاب القبول تعبدا عند عدم حصول العلم للسائل من قول واحد فتكون
الآية دليلا على حجية خبر الواحد
قال شيخنا العلامة
اعلى الله مقامة ومن جملة الآيات التى استدل بها بعض المعاصرين قوله تعالى (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ
كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) بناء على ان وجوب السؤال يستلزم وجوب قبول الجواب وإلّا
لغا وجوب السؤال واذا وجب قبول الجواب وجب قبول كل ما يصح ان يسأل عنه ويقع جوابا
له لان خصوصية المسبوقية بالسؤال لا دخل فيه قطعا انتهى
وفيه
انّ الظّاهر منها ايجاب السّؤال لتحصيل العلم لا للتّعبد بالجواب
وجه الظهور قوله
تعالى (إِنْ كُنْتُمْ لا
تَعْلَمُونَ) اى اسألوا حتى تعلموا قال الشيخ اعلى الله مقامه عند
الاستدلال بآية السؤال ما لفظة وثانيا ان الظاهر من وجوب السؤال عند عدم العلم
وجوب تحصيل العلم لا وجوب السؤال للعمل بالجواب تعبدا كما يقال فى العرف سل ان كنت
جاهلا انتهى
وقد
اورد عليها بانّه لو سلّم دلالتها على التّعبّد بما اجاب اهل الذّكر فلا دلالة لها
على التّعبد بما يروى الرّاوى فانّه بما هو راو لا يكون من اهل الذّكر والعلم
فالمناسب انّما هو الاستدلال بها على حجّية الفتوى لا الرّواية
المورد هو الشيخ
قال فى فرائده عند الاستدلال بالآية الشريفة ما لفظه وثالثا لو سلم حمله على ارادة
وجوب السؤال للتعبد بالجواب
لا لحصول العلم
منه قلنا ان المراد من اهل العلم ليس مطلق من علم ولو بسماع رواية من الامام وإلّا
لدل على حجية كل عالم بشيء ولو من طريق السمع والبصر مع انه يصح سلب هذا العنوان
عن مطلق من احس شيئا بسمعه او بصره والمتبادر من وجوب سؤال اهل العلم بناء على
ارادة التعبد بجوابهم هو سؤالهم عماهم عالمون به ويعدون من اهل العلم فى مثله
فينحصر مدلول الآية فى التقليد ولذا تمسك به جماعة على وجوب التقليد على العامى
وبما ذكرنا يندفع ما بتوهم من انا نفرض الراوى من اهل العلم فاذا وجب قبول روايته
وجب قبول رواية من ليس من اهل العلم بالاجماع المركب حاصل وجه الاندفاع ان سؤال
اهل العلم عن الالفاظ التى سمعها من الامام عليهالسلام والتعبد بقوله فيها ليس سؤالا من اهل العلم من حيث هم اهل
العلم ألا ترى انه لو قال سل الفقهاء اذا لم تعلم او الاطباء لا يحتمل ان يكون قد
اراد ما يشمل المسموعات والمبصرات الخارجية من قيام زيد وتكلم عمرو وغير ذلك انتهى
وفيه
انّ كثيرا من الرّواة يصدق عليهم انّهم اهل الذّكر والاطّلاع على راى الامام عليهالسلام كزرارة ومحمّد بن
مسلم ومثلهما ويصدق على السّؤال عنهم انّه السّؤال عن اهل الذّكر والعلم ولو كان
السّائل من اضرابهم فاذا وجب قبول روايتهم فى مقام الجواب بمقتضى هذه الآية وجب
قبول روايتهم
ورواية
غيرهم من العدول مطلقا لعدم الفصل جزما فى وجوب القبول بين المبتدأ والمسبوق
بالسّؤال ولا بين اضراب زرارة وغيرهم ممّن لا يكون من اهل الذّكر وانّما يروى ما
سمعه أو رآه فافهم
حاصل جوابه عن
ايراد الشيخ (ره) ان اهل الذكر يصدق على كثير من الرواة مثل زرارة ومحمد بن مسلم
واضرابهما ممن كانوا عاكفين على ابواب الائمة صلوات الله عليهم حاملين لاحاديثهم
بلا اعمال نظر ورأى من انفسهم فيها وعدم صحة سلب اهل الذكر عن اصحاب الائمة عليهمالسلام مع انهم لم تكن جلهم لو لم تكن كلهم من اهل الاجتهاد
بالمعنى المصطلح كيف لا يصدق عليهم مع انفتاح باب العلم لهم من طريق السماع عن
الامام عليهالسلام وانسداده على المجتهد فلا وجه لدعوى عدم صدق اهل الذكر
عليهم وصدقه على المجتهد ولو صدق على هؤلاء اهل الذكر لانهم حاملين لاحاديثهم
ويطلعون على رأيهم بلا اعمال نظر ورأى من انفسهم فيها صدق على السؤال عنهم انه السؤال
عن اهل الذكر
فاذا كان جوابه
حجة تعبدا من حيث اطلاعه على رأى الامام عليهالسلام واخباره عن رأيه كانت روايات غيرهم من العدول حجة مطلقا
ولو كانت مجرد نقل المسموعات من الامام عليهالسلام ولم يكن الناقل من اهل الذكر ولا من اهل العلم لعدم الفصل
بين المبتدإ والمسبوق بالسواك ولا بين اهل الذكر وغيره فافهم لعله اشارة الى انه
لم يثبت هاهنا عدم الفصل غايته عدم القول بالفصل وهو لا ينفعنا وانما النافع هو
عدم الفصل.
فى تقريب الاستدلال بآية الاذن
ومنها
آية الاذن ومنهم (الَّذِينَ يُؤْذُونَ
النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ
خَيْرٍ
لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ)
هذه الآية فى سورة
التوبة وبقية الآية ورحمة للذين آمنوا منكم نقل عن ابن عباس ان جماعة من المنافقين
ذكروا النبى (ص) بما لا ينبغى من القول فقال بعضهم لا تقولوا فانا نحاف ان تبلغه
ما نقول فقال الجلاس ابن سويد بل نقول ما شئنا ثم نذهب اليه ونحلف انا ما قلنا
فيقبل قولنا وانما محمد (ص) اذن سامعة ونزلت هذه الآية
فانّه
تبارك وتعالى مدح نبيّه بانّه يصدّق المؤمنين وقرنه بتصديقه تعالى
حاصلة انه تبارك
وتعالى مدح نبيه بانه يصدق المؤمنين وقرن تصديق المؤمنين بتصديقه تعالى وتسرية
الحكم من النبى (ص) الى غيره من جهة دلالة الآية على حسن التصديق بقول مطلق من غير
فرق بين النبى (ص) وغيره
وحسن التصديق
يلازم الحجية للخبر لما تقدم من صاحب المعالم فى آية النفر من انه مع المقتضى له
يجب وبدونه لا يحس وذلك لان مع اتمام الحجة يستحق العقوبة على تقدير اتفاقها
وبدونه يطمئن بعدمها للجزم بعد الاستحقاق ومعه لا يحسن بل لا يمكن فتدل الآية على
حجية كل خبر كل مؤمن ولا يمكن حملها على صورة العلم بداهة ان التصديق فى صورة حصول
العلم ليس من جهة تصديق المؤمن من حيث انه مؤمن بل من جهة العلم بالواقع.
قال شيخنا العلامة
اعلى الله مقامه فى تقريب الاستدلال بآية الاذن
ما لفظه مدح الله عزوجل رسوله (ص) بتصديقه للمؤمنين بل قرنه بالتصديق بالله جلّ
ذكره فاذا كان التصديق حسنا يكون واجبا ويزيد فى تقريب الاستدلال بها وضوحا ما
رواه فى فروع الكافى فى الحسن بابراهيم بن هاشم انه كان لاسماعيل بن ابى عبد الله عليهالسلام دنانير واراد رجل من قريش ان يخرج بها الى اليمن فقال له
ابو عبد الله بلغك انه يشرب الخمر قال سمعت الناس يقولون فقال يا بنى ان الله عزوجل بقول (يُؤْمِنُ بِاللهِ
وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ) ويقول يصدق الله ويصدق للمؤمنين فاذا شهد عندك المسلمون
فصدقهم
وفيه
اوّلا انّه انّما مدحه بانّه اذن وهو سريع القطع لا الاخذ بقول الغير تعبّدا
وهذا الاشكال
للشيخ ره قال ويرد عليه اولا ان المراد بالاذن سريع التصديق والاعتقاد بكل ما يسمع
لا من يعمل بما يسمع من دون حصول الاعتقاد بصدقه فمدحه بذلك لحسن ظنه بالمؤمنين
وعدم اتهامهم انتهى قال المحقق الآشتياني فى تعليقته على الفرائد ولا يخفى ان ما
افاده فى الجواب انما هو مبنى على ظاهر الآية بالنظر الى لفظ الاذن مع قطع النظر
عن عدم امكانه فى المقام فى حق النبى فانه لا معنى لسرعة الاعتقاد بكل ما يسمع فى
حق النبى الموجبة للخطإ قطعا ولو كانت بمعنى حسن الظن بالمؤمنين فلا بد ان يراد فى
حق النبى (ص) اظهار هذا المعنى وان كانت معتقدا بكذب المخبر فى اخباره فيرجع الى
الجواب الثانى الراجع الى التصديق المخبرى لا الخبرى ولا الاعتقادى كما هو مرجع
الجواب الاول
وثانيا
انّه انّما المراد بتصديقه للمؤمنين هو ترتيب خصوص الآثار الّتى تنفعهم ولا تضرّ
غيرهم لا التّصديق بترتيب جميع الآثار كما هو المطلوب فى باب حجّية الخبر
حاصله ان المراد
من التصديق فى قوله تعالى (وَيُؤْمِنُ
لِلْمُؤْمِنِينَ) ليس هو ترتيب جميع الآثار ليساوق ذلك مع حجية خبر الواحد
بل خصوص الآثار التى تنفعهم ولا تضر غيرهم
قال شيخنا العلامة
اعلى الله مقامه فى فرائده ما لفظه وثانيا ان المراد من التصديق فى الآية ليس جعل
المخبر به واقعا وترتيب جميع آثاره عليه اذ لو كان المراد به ذلك لم يكن اذن خير
لجميع الناس اذ لو اخبره بزنا احد وشربه او قذفه او ارتداده فقتله النبى (ص) او
جلده لم يكن فى سماعة ذلك الخبر خير للمخبر عنه بل كان محض الشر له خصوصا مع عدم
صدور الفعل منه فى الواقع نعم يكون خيرا للمخبر من حيث متابعة قوله وان كان منافقا
موذيا للنبى (ص) على ما يقتضيه الخطاب فى لكم فثبوت الخير لكل من المخبر والمخبر
عنه لا يكون إلّا اذا صدق المخبر بمعنى اظهار القبول عنه وعدم تكذيبه وطرح قوله
رأسا مع العمل فى نفسه بما يقتضيه الاحتياط التام بالنسبة الى المخبر عنه الى ان
قال ويؤيد هذا المعنى ما عن تفسير العياشى عن الصادق عليهالسلام من انه يصدق المؤمنين لانه صلىاللهعليهوآلهوسلم كان رءوفا رحيما بالمؤمنين فان تعليل التصديق بالرأفة
والرحمة على كافة المؤمنين ينافى ارادة قبول قول احدهم على الآخر بحيث يترتب عليه
آثاره وان انكر
المخبر عنه وقوعه
الى ان قال
ويؤيده ايضا ما عن
القمى رحمة الله عليه فى سبب نزول الآية انه نم منافق على النبى صلىاللهعليهوآلهوسلم فاخبره الله ذلك فاحضره النبى صلىاللهعليهوآلهوسلم وسأله فحلف انه لم يكن شيء مما ينم عليه فقبل منه النبى صلىاللهعليهوآلهوسلم فاخذ هذا الرجل بعد ذلك يطعن على النبى (ص) ويقول انه يقبل
كلما يسمع اخبره الله انى انم عليه وانقل اخباره فقبل واخبرته انى لم افعل فقبل
فرده الله تعالى بقوله لنبيه صلىاللهعليهوآلهوسلم قل اذن خير لكم
ومن المعلوم ان
تصديقه صلىاللهعليهوآلهوسلم للمنافق لم يكن بترتيب آثار الصدق عليه مطلقا انتهى موضع
الحاجة من كلامه رفع مقامه حاصل ما افاده هو ان التصديق فى قوله تعالى (وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ) هو ترتيب خصوص الآثار التى تنفع المخبر ولا تضر غيره لا
ترتيب جميع الآثار على المخبر به ولو كانت على ضرر الغير كما هو المطلوب فى باب
حجية الخبر
ويظهر
ذلك من تصديقه للنّمام بانّه ما نمّه وتصديقه لله تعالى بانّه نمّه
اى يظهر مما
ذكرناه من ان المراد من تصديق المؤمنين هو ترتيب خصوص الآثار التى تنفعهم ولا
تضرهم لا التصديق بترتيب جميع الآثار من تصديقه صلىاللهعليهوآله للنمام بانه ما نمه وتصديقه لله تعالى بانه نمه فان تصديقه
(ص) وقبوله منه بانه لم ينم عليه لا يجتمع مع تصديقه لله تعالى بانه نم عليه إلّا
بالمعنى المذكور من ترتيب الآثار التى تنفع المخبر لا ترتيب جميع الآثار على
المخبر به والحاصل ان المراد من تصديق
المؤمنين ترتيب
بعض الآثار التى تنفعهم ولا تضر غيرهم وكذا مراد النبى (ص) من القبول ترتيب الآثار
التى كانت نافعة للمنافق من عدم المسارعة الى عقوبته وعدم تغير حسن المعاشرة معه
لا ترتيب جميع الآثار عليه كما هو المطلوب فى باب حجية الخبر
كما
هو المراد من التّصديق فى قوله عليهالسلام فصدّقه وكذّبهم حيث
قال على ما فى الخبر يا أبا محمّد كذب سمعك وبصرك عن اخيك فان شهد عندك خمسون
قسامة انّه قال قولا وقال لم اقله فصدّقه وكذّبهم فيكون مراده تصديقه بما ينفعه
ولا يضرّهم وتكذيبهم فيما يضرّه ولا ينفعهم والّا فكيف يحكم بتصديق الواحد وتكذيب
خمسين
حاصله ان هذا
المعنى وهو ترتيب خصوص الآثار التى تنفعه ولا تضرهم هو المراد من التصديق فى قوله عليهالسلام فصدقه وكذبهم اذ لو كان المراد ترتيب جميع الآثار على
المخبر به فلا وجه لتصديق الواحد وتكذيب خمسين قسامة
وهكذا
المراد بتصديق المؤمنين فى قصة اسماعيل فتامّل جيّدا
روى الكلينى فى
فروع الكافى فى الصحيح انه كان لاسماعيل ابن ابى عبد الله دنانير واراد رجل من
قريش ان يخرج بها الى اليمن فقال له ابو عبد الله (ع) يا بنى اما بلغك انه يشرب
الخمر قال سمعت الناس يقولون فقال يا بنى ان الله عزوجل يقول (يُؤْمِنُ بِاللهِ
وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ) يقول يصدق الله ويصدق للمؤمنين فاذا شهد عندك المسلمون
فصدقهم فانه
ليس المراد
بتصديقهم ترتيب جميع الآثار على قول المؤمنين بل ترتيب اثر ينفعه ولا يضر غيره فلا
تدل على حجية خبر الواحد
قال شيخنا العلامة
اعلى الله مقامه فى مقامه فى مقام توجيه الرواية ما هذا لفظه واما توجيه الرواية
يعنى رواية اسماعيل فيحتاج الى بيان معنى التصديق فنقول ان المسلم اذا اخبر بشيء
فلتصديقه معنيان احدهما ما يقتضيه ادلة تنزيل فعل المسلم على الصحيح والأحسن فان
الاخبار من حيث انه فعل من افعال المكلفين صحيحة ما كان مباحا وفاسدة ما كان نقيضه
كالكذب والغيبة ونحوهما فحمل الاخبار على الصادق حمل على احسنه والثانى حمل اخباره
من حيث انه لفظ دال على معنى يحتمل مطابقته للواقع وعدمها على كونه مطابقا للواقع
يترتب آثار الواقع عليه والحاصل ان المعنى الثانى وهو الذى يراد من العمل بخبر العادل
واما المعنى الاول فهو الذى يقتضيه ادلة حمل فعل المسلم على الصحيح والأحسن وهو
ظاهر الاخبار الواردة فى ان من حق المؤمن على المؤمن ان يصدقه ولا يتهمه خصوصا مثل
قوله (ع) يا أبا محمد كذب سمعك وبصرك عن اخيك فان شهد عندك خمسون قسامة انه قال
قولا وقال لم اقله فصدقه وكذبهم الخبر فان تكذيب القسامة مع كونهم ايضا مؤمنين لا
يراد منه الا عدم ترتيب آثار الواقع على كلامهم لا ما يقابل تصديق المشهور عليه
فانه ترجيح بلا مرجح بل ترجيح المرجوح الى ان قال وانت اذا
تاملت هذه الرواية
ولاحظتها مع الرواية المتقدمة فى حكاية إسماعيل لم يكن لك بد من حمل التصديق على
ما ذكرنا انتهى كلامه رفع مقامه حاصل ما افاده قدسسره هو الفرق بين التصديق بمعنى اظهار صدق المخبر فى اخباره
ولو مع العلم بكذبه فى مقابل اظهار كذبه وبين تصديق خبره بمعنى ترتيب آثار الواقع
عليه عند الشك فى مطابقته للواقع الذى هو محل الكلام فى مسئلة حجية خبر الواحد
والمعنى الاول لا تعلق بمسألتنا هذه والمراد منها المعنى الاول لا الثانى
فى الاخبار التي دلت على اعتبار اخبار الآحاد
فصل
فى الاخبار الّتى دلّت على اعتبار اخبار الآحاد وهى وان كانت طوائف كثيرة كما يظهر
من مراجعة الوسائل وغيرها
منها الاخبار
الدالة على حجية خبر الثقات وكلام الصادقين من دون اختصاص باشخاص معينين
مثل ما رواه فى
الوسائل فى القضاء فى باب وجوب الرجوع فى القضاء والفتوى الى رواة الحديث عن احمد
بن ابراهيم المراغى قال ورد على القاسم بن العلاء وذكر توقيعا شريفا يقول فيه فانه
لا عذر لاحد من موالينا فى التشكيك فيما يرويه ثقاتنا قد عرفوا بأنا نفاوضهم سرنا
ونجعلهم اياه اليهم
وما رواه فى
القضاء ايضا فى باب وجوه الجمع بين الاحاديث المختلفة عن الحارث بن المغيرة عن ابى
عبد الله عليهالسلام قال اذا سمعت من اصحابك الحديث وكلهم ثقة فموسع عليك حتى
ترى القائم فترد اليه
وما رواه فى
القضاء ايضا فى باب وجوب العمل باحاديث النبى صلىاللهعليهوآلهوسلم والائمة عليهمالسلام عن جابر عن ابى ـ جعفر عليهالسلام قال سارعوا فى طلب العلم فو الذى نفسى بيده لحديث واحد
تأخذه عن صادق خير من الدنيا وما حملت من ذهب وفضة
وما رواه فى الباب
عن جابر ايضا عن ابى جعفر عليهالسلام قال قال لى يا جابر والله لحديث تصيبه من صادق فى حلال
وحرام خير لك مما طلعت عليه الشمس حتى تغرب
وما رواه فى الباب
عن جابر ايضا قال قلت لابى جعفر عليهالسلام اذا حدثتنى بحديث فاسنده لى فقال حدثنى ابى عن جدى عن رسول
الله عليه وآله وسلم عن جبرئيل عن الله تبارك وتعالى وكلما احدثك بهذا الاسناد
وقال لحديث واحد تأخذه عن صادق خير لك من الدنيا وما فيها
وما رواه فى الباب
عن رجل عن ابى عبد الله عليهالسلام قال حديث فى حلال وحرام تاخذه من صادق خير من الدنيا وما
فيها من ذهب وفضة
ومنها ما يدل على
ارجاع آحاد الرواة الى آحاد اصحابهم مثل ارجاعه الى زرارة فيما رواه فى الوسائل فى
القضاء فى باب وجوب الرجوع فى القضاء والفتوى الى رواة الحديث عن المفضل بن عمران
عن أبا عبد الله عليهالسلام قال للفيض بن مختار فى حديث فاذا اردت حديثنا فعليك بهذا
الجالس واومى الى رجل من اصحابه فسالت اصحابنا عنه فقالوا زرارة بن اعين
وما رواه فى الباب
عن يونس بن عمار أنّ أبا عبد الله عليهالسلام قال له فى حديث اما ما رواه زرارة عن ابى جعفر عليهالسلام فلا يجوزان ترده
وما رواه فى الباب
عن عبد الله بن ابى يعفور قال قلت لابى عبد الله عليهالسلام انه ليس كل ساعة القاك ولا يمكن القدوم ويجيء الرجل من
اصحابنا فيسألني
وليس عندى كل ما يسألني عنه فقال ما يمنعك من محمد بن مسلم الثقفي فانه سمع من ابى
عليهالسلام وكان عنده وجيها
وما رواه فى الباب
عن ابان بن عثمان ان أبا عبد الله عليهالسلام قال له ان ابان بن تغلب قد روى عنى رواية كثيرة فما رواه
لك عنى فاروه عنى
وما رواه فى الباب
عن مسلم ابن ابى حيه قال كنت عند ابى عبد الله عليهالسلام فى خدمته فلما اردت ان افارقه ودعته وقلت احب ان تزودنى فقال
ائت ابان بن تغلب فانه قد سمع مني حديثا فما رواه لك فاروه عنى
وما رواه فى الباب
عن شعيب العقرقوفي قال قلت لابى عبد الله عليهالسلام ربما احتجنا ان نسأل عن شيء فمن نسأل قال عليك بالاسدى
يعنى أبا بصير
وما رواه فى الباب
عن على بن المسبب الهمدانى قال قلت للرضا عليهالسلام شقتي بعيدة ولست اصل اليك فى كل وقت فممن آخذ معالم دينى
قال من زكريا ابن آدم القمى المأمون على الدين والدنيا
وما رواه فى الباب
عن عبد العزيز بن المهتدى والحسن بن على بن يقطين جميعا عن الرضا عليهالسلام قال قلت لا اكاد اصل اليك اسألك عن كل ما احتاج اليه من
معالم دينى ا فيونس بن عبد الرحمن ثقة آخذ عنه ما احتاج اليه من معالم دينى فقال
نعم
وما رواه فى الباب
عن احمد بن اسحاق عن ابى الحسن عليهالسلام قال سألته وقلت من اعامل وعمن آخذ وقول من اقبل فقال
العمرى ثقتى فما ادى اليك عنى فعنى يؤدى وما قال لك عني فعني يقول فاسمع له
واطع فانه الثقة
المأمون قال وسألت أبا محمد عليهالسلام عن مثل ذلك فقال العمرى وابنه ثقتان فما اديا اليك عني
فعني يؤديان وما قالا لك فعني يقولان فاسمع لهما واطعهما فانهما الثقتان المأمونان
الحديث
وما رواه فى الباب
عن اسماعيل بن الفضل الهاشمى قال سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن المتعة فقال الق عبد الملك بن جريح فاسأله عنها فان
عنده منها علما فلقيته فأملى علي شيئا كثيرا فى استحلالها وكان فيما روى فيها ابن
جريح انه ليس لها وقت ولا عدد الى ان قال فاتيت بالكتاب أبا عبد الله عليهالسلام فقال صدق واقر به
وما رواه فى الباب
وقبله فى باب وجوب العمل باحاديث النبى صلىاللهعليهوآلهوسلم والائمة عليهمالسلام عن الحسين بن روح عن ابى محمد الحسن بن على عليهماالسلام انه سأل عن كتب بنى فضال فقال خذوا بما رووا وذروا ما رأوا؟؟؟
وما رواه فى باب
وجوب العمل باحاديث النبى (ص) والائمة عليهمالسلام عن محمد بن الحسن بن ابى خالد شموله قال قلت لابى جعفر
الثانى عليهالسلام جعلت فداك ان مشايخنا رووا عن ابى جعفر وابى عبد الله عليهماالسلام وكانت التقية الشديدة فكتموا كتبهم فلم ترو وعنهم فلما
ماتوا صارت تلك الكتب الينا فقال حدثوا بها فانها حق
وما ذكره الشيخ فى
الرسائل عن كتاب الغيبة بسنده الصحيح الى عبد الله الكوفى خادم الشيخ ابى القاسم
الحسين بن روح حيث سأله اصحابه عن كتب الشلمغانى فقال الشيخ اقول فيها ما قال
العسكرى عليهالسلام فى كتب بنى فضال حيث قالوا له ما نصنع بكتبهم وبيوتنا منها
ملاء قال خذوا بما
رووا وذروا ما رأوا
ومنها ما يدل على
الرجوع الى الرواة والعلماء من دون اختصاص الى اشخاص معينين ويظهر منها عدم الفرق
بين الحديث والفتوى والقضاء
مثل ما رواه فى
الوسائل فى القضاء فى باب وجوب الرجوع فى القضاء والفتوى الى رواة الحديث عن اسحاق
بن يعقوب قال سألت محمد بن عثمان العمرى ان يوصل لى كتابا قد سألت فيه مسائل اشكلت
على فورد التوقيع بخط مولانا صاحب الزمان اما ما سألت عنه ارشدك الله وثبتك الى ان
قال واما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها الى رواة حديثنا فانهم حجتي عليكم وانا حجة
الله الحديث قال الشيخ بعد نقل هذا الحديث ما لفظه فانه لو سلم ان ظاهر الصدر
الاختصاص بالرجوع فى حكم الوقائع الى الرواة اعنى الاستفتاء منهم إلّا ان التعليل
بانهم حجته عليهالسلام يدل على وجوب قبول خبرهم انتهى.
وما رواه فى الباب
عن احمد بن حاتم بن ماهويه قال كتبت اليه يعني أبا الحسن الثالث عليهالسلام اسأله عمن اخذ معالم دينى وكتب اخوه ايضا بذلك فكتب اليهما
فهمت ما ذكرتما فاصمدا فى دينكما على كل من فى حبنا وكل كثير القدم فى امرنا
فانهما كافوكما ان شاء الله تعالى
وما رواه فى باب
عدم جواز تقليد غير المعصوم عن الطبرسى فى الاحتجاج عن ابى محمد العسكرى عليهالسلام فى حديث طويل قال فيه فاما من كان من الفقهاء صائنا لنفسه
حافظا لدينه مخالفا على هواه
مطيعا لامر مولاه
فللعوام ان يقلدوه وذلك لا يكون إلّا بعض فقهاء الشيعة لا كلهم فان من ركب من
القبائح والواحش مراكب علماء العامة فلا تقبلوا منهم عنا شيئا ولا كرامة الحديث دل
بمنطوقه على جواز تقليد الفقيه ومفهوما على قبول ما نسبوه الى الائمة بشرط ان لا
يركبوا من القبائح والفواحش مراكب علماء العامة وهو معنى حجية خبر الواحد العادل.
ومنها الاخبار
العلاجية
مثل ما رواه فى
الوسائل فى القضاء فى باب وجوه الجمع بين ـ الاحاديث المختلفة عن الحسن بن الجهم
عن الرضا عليهالسلام فى حديث قال فيه قلت يجيئنا الرجلان وكلاهما ثقة بحديثين
مختلفين ولا نعلم ايهما الحق قال فاذا لم تعلم فموسع عليك بايهما أخذت
وما رواه فى الباب
عن على ابن مهزيار قال قرأت فى كتاب لعبد الله بن محمد الى ابى الحسن عليهالسلام اختلف اصحابنا فى رواياتهم عن ابى عبد الله عليهالسلام فى ركعتى الفجر فى السفر فروى بعضهم صلها فى المحمل وروى
بعضهم لا تصلها الا على الارض فوقع عليهالسلام موسع عليك باية عملت
وما ذكره الشيخ فى
الرسائل من رواية غوالى اللئالى المروية عن العلامة المرفوعة الى زرارة قال قلت
يأتى عنكم الخبران والحديثان المتعارضان فبأيهما تاخذ قال خذ بما اشتهر بين اصحابك
ودع الشاذ النادر قلت فانهما معا مشهور ان قال خذ باعدلهما عندك واوثقهما فى نفسك
الى غير ذلك من الروايات المستفادة منها اعتبار اخبار الآحاد
فراجع المطولات
الّا
انّه يشكل الاستدلال بها على حجيّة الاخبار الآحاد بانّها اخبار آحاد فانها غير
متّفقة على لفظ ولا على معنى فتكون متواترة لفظا او معنى
لا وجه للاستدلال
بالاخبار وان كانت طوائف كثيرة مع عدم تواترها لفظا ولا معنا ولا اجمالا لما قد
عرفت سابقا من ان الاستدلال فى المسألة بالاخبار منعا واثباتا لا يجوز إلّا بما
يكون قطعى الصدور باحد اسبابه من التواتر اللفظى او المعنوى او الاجمالى او
الاحتفاف بالقرينة او التعاضد بما يوجب العلم بصدوره فيما فرض ذلك اذ لو استدل باخبار
الآحاد على حجية اخبار الآحاد لزم الدور المحال
فان الاستدلال
بهذه الاخبار متوقفة على حجية الاخبار الآحاد فلو كانت حجية اخبار الآحاد متوقفة
على الاستدلال بهذه الاخبار لدار وقد تقدم هذا الاشكال بعينه من الماتن فى استدلال
المانعين باخبار الآحاد على عدم حجية اخبار الآحاد بانه لو استدل باخبار الآحاد
على عدم حجية اخبار الآحاد لمنعت عن نفسها ايضا
ولكنّه
مندفع بانّها وان كانت كذلك الّا انّها متواترة اجمالا ضرورة انّه يعلم اجمالا
بصدور بعضها منهم عليهمالسلام
قد عرفت سابقا ان
التواتر ينقسم الى لفظى ومعنوى واجمالى واللفظى هو تواطؤ المخبرين على لفظ واحد
كعبارة من كنت مولاه فعلى مولاه فان المخبرين جميعا متفقون على نقل هذا اللفظ وان
اختلفوا فى نقل
الزائد عليها
وربما يكون الالفاظ متفاوته لكنها مترادفة كنقل بعض المخبرين ان السنور طاهر وبعض
آخر الهرة نظيف الثانى تواتر الاخبار على معنى مشترك بين العبارات المختلفة وان
كان بعضها بالمفهوم مثل قوله عليهالسلام اذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شيء والاجمالى وو هو الذي
ليس فيه لفظ واحد ولا قدر مشترك متفق فيه يكون مسموعا عن الامام عليهالسلام نعم لها قد مشترك انتزاعى من المجموع في ـ الجملة فى مقابل
السلب الكلى
اذا عرفت هذا
فنقول ان الاخبار التى دلت على اعتبار اخبار الآحاد وان لم تكن متواترة لفظا ولا
معنا إلّا انها متواترة اجمالا بمعنى ان كثرتها توجب القطع بصدور بعضها منهم عليهمالسلام وهو كاف حجة على حجية الخبر الواحد فى الجملة فى قبال نفى
حجيته مطلقا
وقضيّته
وان كان حجيّة خبر دلّ على حجيّة اخصّها مضمونا الّا انّه يتعدّى عنه فيما اذا كان
بينها ما كان بهذه الخصوصيّة وقد دلّ على حجيّة ما كان اعمّ فافهم
قد عرفت ان
الاخبار التى تمسكوا بها وان لم تكن متواترة لفظا لكنها لمكان تكثرها يحصل لنا
العلم اجمالا بصدور واحد من تلك الروايات فلا محيص الا عن الاخذ بما هو الاخص منها
مضمونا واضيقها دائرة فانه القدر الجامع بين الكل ولازم ذلك هو الاخذ بالاخبار
التى تكون الرواة الواقعة فى السلاسل منا الى الامام عليهالسلام كلهم عدلا اماميا مأمونا على الدين والدنيا وهذه الطائفة
قليلة جدا لو لم تكن غير موجودة ولكن اذا كان فى اخبار الحجية خبر بهذه
الخصوصيات وقد دل
على حجية ما هو اعم واوسع كحجية خبر الثقة مطلقا فتعدى عنه الى ما هو الاعم
قال المصنف فى
حاشيته على الفرائد والانصاف حصول القطع بصدور واحد مما دل منها على حجية خبر
الثقة فنستنتج؟؟؟ حجية خبر الثقة وقوله فافهم اشاره الى عدم الحاجة لاثبات حجية
خبر الثقة الى هذه التكلفات والاخذ بما هو اخص الكل مضمونا بل الاخبار الدالة على
حجية خبر الثقة متواترة معنا وان تكن متواترة لفظا
فى الاجماع على حجية الخبر
فصل
فى الاجماع على حجيّة الخبر وتقريره من وجوه احدها دعوى الاجماع من تتبّع فتاوى
الاصحاب على الحجّية من زماننا الى زمان الشّيخ فيكشف رضاه ع بذلك ويقطع به او من
تتبّع الاجماعات المنقولة على الحجّية
اما الاجماع فقد
ذكر فى تقريره وجوه من الاجماع القولى فهو عبارة عن اتفاق ذوى الآراء وارباب
الفتوى على حكم شرعى فى ـ المسألة الاصولية او فى المسألة الفرعية والاجماع العملى
فهو عبارة عن اتفاق العلماء عملا بل كافة المسلمين على العمل بخبر الواحد فى
امورهم الشرعية
والسيرة فهى عبارة
عن عمل المسلمين بما انهم مسلمون وملتزمون باحكام الشريعة وطريقة العقلاء فهى
عبارة عن استمرار عمل العقلاء
بما هم عقلاء على
شيء اما الاول فطريق احرازه تارة من تتبع فتاوى الاصحاب على الحجية من زماننا الى
زمان الشيخ فيكشف
عن رضاء المعصوم عليهالسلام بالحكم ويقطع به وتارة من تتبع الاجماعات المنقولة بحيث
يقطع بتحقق الاجماع من تضافر النقل فى نفسه او بضميمة القرائن وقد اشار الى
الوجهين شيخنا العلامة اعلى الله مقامه فى فرائده ما هذا لفظه اما الاجماع فتقريره
من وجوه
احدها الاجماع على
حجية خبر الواحد فى مقابل السيد واتباعه وطريق تحصيله احد وجهين على سبيل منع
الخلو احدهما تتبع اقوال العلماء من زماننا الى زمان الشيخين فيحصل من ذلك القطع
بالاتفاق الكاشف عن رضاء الامام عليهالسلام بالحكم او عن وجود نص معتبر فى المسألة ولا يعتنى بخلاف
السيد واتباعه اما لكونهم معلومى النسب كما ذكره الشيخ فى العدة واما للاطلاع على
ان ذلك لشبهة حصلت لهم كما ذكره العلامة فى النهاية
ويمكن ان يستفاد
من العدة ايضا واما لعدم اعتبار اتفاق الكل فى ـ الاجماع على طريق المتأخرين
المبنى على الحدس
ثانيها تتبع
الاجماعات المنقولة فى ذلك فمنها ما حكى عن الشيخ رضوان الله عليه فى العدة فى هذا
المقام حيث قال واما ما اخترته من ـ المذهب وهو ان الخبر الواحد اذا كان واردا من
طريق اصحابنا القائلين بالامامة وكان ذلك مرويا عن النبى صلىاللهعليهوآلهوسلم او عن احد الائمة عليهمالسلام وكان ممن لا يطعن فى روايته ويكون سديدا فى نقله ولم يكن
هناك قرينة تدل على صحة ما تضمنه الخبر لانه اذا
كان هناك قرينة
تدل على صحة ذلك كان الاعتبار بالقرينة وكان ذلك موجبا للعلم كما تقدمت القرائن
جاز العمل به
والذى يدل على ذلك
اجماع الفرقة المحقة فانى وجدتها مجتمعة على العمل بهذه الاخبار التى رووها فى
تصنيفاتهم ودونوها فى اصولهم لا يتناكرون ذلك ولا يتدافعون ثم ساق الكلام الى ان
قال وممن نقل الاجماع على حجية اخبار الآحاد السيد الجليل رضى الدين بن طاوس حيث
قال فى حملة كلام له يطعن فيه على السيد ره ولا يكاد تعجبى ينقضى كيف اشتبه عليه
ان الشيعة لا يعمل باخبار الآحاد فى الامور الشرعية ومن اطلع على التواريخ
والاخبار وشاهد عمل ذوى الاعتبار وجد المسلمين والمرتضى وعلماء الشيعة الماضين
عاملين باخبار الآحاد بغير شبهة عند العارفين كما ذكر محمد بن الحسن الطوسى فى
كتاب العدة وغيره من المشغولين بتصفح اخبار الشيعة وغيرهم من المصنفين الى ان قال
وممن نقل الاجماع
ايضا العلامة فى النهاية حيث قال ان الاخباريين منهم لم يعولوا فى اصول الدين
وفروعه الا على اخبار ـ الآحاد والاصوليين منهم كابى جعفر الطوسى عمل بها ولم
ينكره سوى المرتضى واتباعه لشبهة حصلت لهم انتهى ثم قال وممن ادعاه ايضا المحدث
المجلسى ره فى بعض رسائله حيث ادعى تواتر الاخبار وعمل الشيعة فى جميع الاعصار على
العمل بخبر الواحد انتهى موضع الحاجة من كلامه
ولا
يخفى مجازفة هذه الدّعوى لاختلاف الفتاوى فيما اخذ فى اعتباره
من
الخصوصيّات ومعه لا مجال لتحصيل القطع برضائه ع من تتبّعها وهكذا حال تتبّع
الاجماعات المنقولة
اختلف فتاوى
الاصحاب فيما اخذ فى اعتبار الخبر من الخصوصيات منهم من قال باعتبار خبر الواحد من
حيث افادته الظن مع قطع النظر عن حال الراوى وربما ينسب ذلك الى الشيخ لمكان
اشتراطه فى حجيته كون الراوى متحرزا عن الكذب ومنهم من قال باعتباره من حيث افادته
الوثوق بالصدور كما هو المحكى عن قدماء الاصحاب
واما بالنظر الى
حال الراوى فمنهم من اشترط العدالة فى الراوى ونسب ذلك فى المعالم الى الاكثر
ومنهم من اضاف الى ذلك كون الراوى ظابطا ومنهم من اشترط كون الخبر مما قبله
الاصحاب وهو المحكى عن المحقق والمحدث البحرانى وربما يتراءى من كلمات القدماء من
الاصحاب والرواة على ما حكى عنهم اشتراط كون الخبر مأخوذا على وجه السماع والاجازة
من الشيخ دون الوجادة الى غير ذلك مما نقل عنهم رضوان الله عليهم ومن المعلوم انه
مع اختلاف معاقد الفتوى فيما اخذ فى اعتبار خبر الواحد لا مجال لتحصيل القطع برأى
الامام عليهالسلام فاذا كان حال الاجماع المحصل كذلك لم يكن جدوى فى ـ الاجماعات
المنقولة اصلا
اللهم
الّا ان يدّعى تواطؤها على الحجّية فى الجملة وانّما الاختلاف فى الخصوصيّات
المعتبرة فيها
حاصل الدعوى ان
اختلاف الفتاوى فيما اخذ فى اعتبار الخبر من الخصوصيات مما لا يضر بثبوت اصل
الحجية فى الجملة ما دامت الفتاوى مشتركه فى قدر جامع بين الكل فعلى تقدير وجود
جامع لتلك القيود يكون مضمونه حجية الاعم فيتم المطلوب نطير ما مر فى الاخبار
المتواترة اجمالا
ولكن
دون اثباته خرط القتاد
لانه انما يتم
فيما اذا احرز اجماعهم على هذا العنوان اعنى حجية خبر الواحد فى الجملة فى مقابلة
السلب الكلى وكان اختلافهم فى القيود المعتبرة فيها بحيث لو عثر كل طائفة من
القائلين على بطلان مذهبه لم يرفع اليد عن حجية الخبر بالخصوص ولا يتشبث بذيل حجية
الظن المطلق ولكن دون اثباته خرط القتاد
ثانيها
دعوى اتّفاق العلماء عملاء بل كافّة المسلمين على العمل بالخبر الواحد فى امورهم
الشّرعيّة كما يظهر من اخذ فتاوى المجتهدين من النّاقلين لها
تقرير هذا الاتفاق
من العلماء بل كافة المسلمين بان يقال اتفقت طريقة السلف والخلف من عصر النبى ص
والائمة عليهمالسلام الى يومنا هذا على نقل الاحاديث المنقولة بطريق الآحاد
وتدوينها فى اصولهم وكتبهم والعمل بها فان المسلمين مع تباعد بلد انهم وشدة
حاجاتهم الى تعلم معالم الدين وما جاء به سيد المرسلين (ص) لم يكونوا متمكنين فى
مجارى العادات من الحضور فى محضر المعصوم (ع) واخذها
شاهدا منهم ولم
يكن الاخبار الواصلة اليهم متواترة او محفوفة بالقرائن القطعية وقصارى ذلك كون
الرواة ثقة عندهم
ويشهد على ذلك
سيرة المقلدين فى زماننا فى مراجعتهم الى فتاوى المجتهدين واقتصارهم على اخذها من
ناقل موثوق به فيكشف اتفاقهم على ذلك من امضاء الامام عليهالسلام ورضائه به
وفيه
مضافا الى ما عرفت ممّا يرد على الوجه الاوّل انّه لو سلّم اتّفاقهم على ذلك لم
يحرز انّهم اتّفقوا بما هم مسلمون ومتديّنون بهذا الذين او بما هم عقلا ولو لم
يلتزموا بدين كما هم لا يزالون يعملون بها فى غير الامور الدينية من الامور العادية
وفيه مضافا الى ما
قد تقدم من الاشكال فى الاجماع القولى من ان الاختلاف فى خصوصيات الفتاوى او معاقد
الاجماعات المنقولة مانع من حصول الاتفاق على الحجية انه لو سلم اتفاقهم على العمل
بخبر الثقة فى الامور الشرعية لم يعلم انهم قد اتفقوا على العمل به بما هم مسلمون
ومتدينون بهذا الدين كى يكون ممضاة بالضرورة حسب ما مر بيانه من ان سيرتهم
واتفاقهم على العمل به بما هم متشرعون وملتزمون بمعالم الدين على تقدير تحققها لا
ريب فى الاعتداد عليها ضرورة كونها كاشفة عن تقرير الشارع ولا مجال لفرض الردع
عنها اذ المفروض انهم ملتزمون بشرائع الدين ولا يصدر منهم قول او فعل الا عن رأى
رئيسهم ولا يتخطون عن طريقته وعليه فلا يحتاج فى حجيتها الى اثبات ردع الشارع عنها
بل فرض الردع عنها خلف ولا تصلح الآيات والروايات الناهية للردع عنها وحيث لم يحرز
عملهم وعمل المسلمين بخبر الثقة فى الشرعيات يكون بما هم مسلمون متدينون
بهذا الدين كى
يكشف عن رضاء الامام عليهالسلام لامكان ان يكون هذا بما هم عقلاء ولو لم يلتزموا بدين
وعليه يكون هذا الوجه وجها مستقلا فى قبال الوجه الآتي او بما هم عقلاء ولو لم
يلتزموا بدين فان العقلاء يعملون بخبر الثقة فى عامة امورهم فيكون من صغريات وجه
الآتي واليه اشار بقوله
فيرجع
الى ثالث الوجوه وهو دعوى استقرار سيرة العقلاء من ذوى الأديان وغيرهم على العمل
بخبر الثّقة واستمرّت الى زماننا
اى فيرجع اتفاق
العلماء بل كافة المسلمين الى الوجه الثالث وهو استقرار سيرة العقلاء على العمل
بخبر الثقة واستمرت الى زماننا هذا وهو عمدة الوجوه بل عمدة الادلة التى اقيمت على
حجية خبر الواحد وكل من الاجماع القولى والعملى من العلماء بل كافة المسلمين
مدخولة إلا بناء العقلاء فهو بنائهم على امر من حيث كونهم عقلاء سواء كانوا
منتحلين الى ملة ام لا وبنائهم ناش عن عقلهم العلمى فى تدبير امورهم لحفظ نظام
معاشهم ويشترط فى حجيته امور بعضها راجع الى الامر المردوع عنه من كونه من الامور
الشرعية لا من الامور العادية التى لا الزام فيها من الشارع فانه لا يجب عليه
الردع فيها وان يكون سيرتهم على خلاف الواقع وبعضها راجع الى اهل السيرة المستمرين
عليها وبعضها راجع الى صدور الردع من ناحية الشرع وقد اشار المصنف الى الامر الاول
بقوله
ولم
يردع عنه نبيّ ولا وصىّ نبيّ ضرورة انّه لو كان لاشتهر وبان ومن الواضح
انّه
يكشف عن رضاء الشّارع به فى الشّرعيات ايضا
قال شيخنا العلامة
اعلى الله مقامه فى فرائده ما لفظه الرابع استقرار طريقة العقلاء طرا على الرجوع
الى خبر الثقة فى امورهم العادية ومنها الاوامر الجارية من الموالى الى الى العبيد
فنقول ان الشارع ان اكتفى بذلك منهم فى الاحكام الشرعية فهو وإلّا وجب عليه ردعهم
وتنبيههم على بطلان سلوك هذا الطريق فى الاحكام الشرعية كما ردع فى مواضع خاصة
وحيث لم يردع علم منه رضاه بذلك لان اللازم فى باب الاطاعة والمعصية الاخذ بما يعد
طاعة فى العرف وترك ما يعد معصية كذلك انتهى
قال المضف فى
حاشيته على الفرائد ما لفظه لا يخفى ان استكشاف رضاء الامام عليهالسلام بهذه الطريقة انما هو من جهة تقريره وامضائه اياها فلا بد
من احرازه ولا طريق اليه هاهنا إلّا انه لم يردع عنها مع انه لو لا رضائه بها
وامضائه كان عليه الردع ولو ردع لنقل الينا لتوافر الدواعى الى نقله فحيث لا ينقل
فلا ردع وهو كاشف عن رضائه وتقريره وامضائه انتهى موضع الحاجة من كلامه
والحاصل انه لم
يردع عن السيرة نبى ولا وصى نبى مع علمهم بما جرت سيرتهم وكون علمهم على طريق
العادة لا بعلم النبوة والولاية التى آثرهم الله وخصهم به فانهم لم يكونوا مامورين
بالعمل به وعدم الخوف لتقية ونحوها وكيف ولو كان الردع بها لاشتهر وبان ومن الواضح
مثل هذه السيرة المستمرة تكشف عن رضاء الشارع فى الشرعيات
كفاية الظن فى
اصول الدين لا الاحكام الشرعية غير ان هذا جواب عن رادعية الآيات دون الرويات
الوجه الثانى هو ما اشار بقوله
ولو
سلّم فانّما المتيقّن لو لا انّه المنصرف اليه اطلاقها هو خصوص الظّن الّذي لم يقم
على اعتباره حجّة
حاصله ان المتيقن
من الآيات الناهية لو لا المنصرف اليه اطلاقها هو خصوص الظن الذى لم يقم على
اعتباره حجة وهو غير الظن الذى قد استقر سيرة العقلاء على العمل به من لدن آدم (ع)
الى زماننا هذا الوجه الثالث هو ما اشار بقوله
لا
يكاد يكون الرّدع بها الّا على وجه دائر وذلك لانّ الرّدع بها يتوقّف على عدم
تخصيص عمومها او تقييدا اطلاقها بالسّيرة على اعتبار خبر الثّقة وهو يتوقّف على
الرّدع عنها بها وإلّا لكانت مخصّصة او مقيّدة لها كما لا يخفى
حاصله ان رادعية
الآيات عن السيرة تتوقف على عدم مخصصية السيرة لها بعمومها او اطلاقها وإلّا فلا
تكون الآيات رادعة عنها وعدم مخصصية السيرة لها بتوقف على رادعية الآيات عنها
وإلّا فتكون السيرة مخصصة لها على تقدير عمومها او مقيدة لها على تقدير اطلاقها
فرادعية الآيات تتوقف على رادعية الآيات وهذا هو الدور الصريح وبعبارة اخرى ان
الردع بتلك الآيات يتوقف على وجوب اتباع تلك الآيات مطلقا وبقاء عمومها او اطلاقها
حتى فى مورد الظن الحاصل من خبر الثقة ووجوب اتباعها كذلك وبقاء عمومها او اطلاقها
حتى فى مورد
ان
قلت يكفى فى الرّدع الآيات النّاهية والرّوايات المانعة من اتباع غير العلم وناهيك
قوله تعالى (وَلا تَقْفُ ما
لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) وقوله
تعالى (إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ
الْحَقِّ شَيْئاً)
حاصله ان بناء
العقلاء وان استقر على العمل بخبر الثقة فى امور معاشهم من لدن آدم الى زماننا هذا
وعليه رحى نظام امورهم ولكنه ليس بحجة ما لم يمضه الشارع ويرض به ويأذن فيه وعدم
الردع عنه وان كان مما يكفى فى امضائه ولكن الآيات الناهية والروايات المانعة عن
اتباع غير العلم تكفى فى الردع عنه كما اشار اليه الشيخ ره فى رسائله قال ما لفظه
ان قلت يكفى فى ردعهم يعنى العقلاء الآيات المتكاثرة والاخبار المتظافرة بل
المتواترة على حرمة العمل بما عدا العلم انتهى
قلت
لا يكاد يكفى تلك الآيات فى ذلك
وقد اجاب المصنف
عن الآيات والروايات الناهية عن العمل بغير العمل مثل قوله تعالى (وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) وقوله تعالى (إِنَّ الظَّنَّ لا
يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً) بوجوه والوجه الاول هو ما اشار بقوله
فانّه
مضافا الى انّها وردت ارشادا الى عدم كفاية الظّنّ فى اصول الدّين.
حاصل هذا الوجه ان
الآيات الناهية قد وردت ارشادا الى عدم
الظن الحاصل من
خبر الثقة يتوقف على ردع تلك الآيات عن تلك السيرة المستمرة من لدن آدم الى حين
نزول تلك الآيات الناهية حتى تكون تلك السيرة غير ممضاة للشارع وان لم تكن الآيات
رادعة عن تلك السيرة لكانت الآيات مخصصة على تقدير عمومها او مقيدة على تقدير
اطلاقها بالسيرة المستمرة فالردع بتلك الآيات يتوقف على وجوب اتباعها مطلقا
المتوقف على الردع الحاصل بها وهو دور محال
لا
يقال على هذا لا يكون اعتبار خبر الثّقة بالسّيرة ايضا الّا على وجه دائر فانّ
اعتباره بها فعلا يتوقّف على عدم الرّدع بها عنها وهو يتوقّف على تخصيصها بها وهو
يتوقّف على عدم الرّدع بها عنها
حاصله انه على ما ذكر
من ان كون الآيات رادعة مستلزم للدور لا يكفى فى اعتبار خبر الثقة بالسيرة ايضا
الا على وجه دائر فان اعتبار خبر الثقة بالسيرة فعلا يتوقف على عدم الردع بتلك
الآيات عن تلك السيرة وعدم الردع بتلك الآيات عن السيرة بتوقف على تخصيص الآيات
بالسيرة وتخصيص الآيات بالسيرة يتوقف على عدم الردع بتلك الآيات عن تلك السيرة
فعدم الردع بتلك الآيات عن السيرة يتوقف على وجوب اتباع تلك السيرة المتوقف على
عدم ردع تلك الآيات عن تلك السيرة وهو دور محال وبعبارة اخرى ان اعتبار خبر الثقة
بالسيرة فعلا يتوقف على عدم الردع بالنواهى عن السيرة وعدم الردع بها يتوقف على
تخصيص النواهى بالسيرة والتخصيص كذلك يتوقف على عدم الردع بالنواهى
عن السيرة وهو دور
محال
فانّه
يقال انّما يكفى فى حجيّته بها عدم ثبوت الرّدع عنها لعدم نهوض ما يصلح لردعها كما
يكفى فى تخصيصها لها ذلك كما لا يخفى
حاصله انه يكفى فى
اعتبار خبر الثقة وحجيته بالسيرة عدم ثبوت الردع عن السيرة لعدم نهوض ما يصلح
للردع عنها كما يكفى فى تخصيص السيرة للآيات عدم ثبوت الردع عن تلك السيرة
والحاصل ان توقف
وجوب اتباع السيرة على ثبوت عدم الردع بتلك الآيات عنها والعلم بعدم الردع ممنوع
وانما القدر المسلم هو توقفه على عدم ثبوت الردع عنها ولو كان فى البين ما شانه
الرد ومن المعلوم ان عدم العلم غير العلم بالعدم وعدم الاعتبار غير اعتبار العدم
ضرورة
انّ ما جرت عليه السّيرة المستمرّة فى مقام الاطاعة والمعصية وفى استحقاق العقوبة
بالمخالفة وعدم استحقاقها مع الموافقة ولو فى صورة المخالفة عن الواقع يكون عقلا
فى الشّرع متّبعا ما لم ينهض دليل على المنع عن اتباعه فى الشّرعياّت فافهم وتأمّل
حاصل استدلاله على
ذلك ان ما جرت عليه السيرة المستمرة فى مقام الاطاعة والمعصية بالنسبة الى موالى
العرفية يكون فى الشرع متبعا عقلا ما لم ينهض دليل على المنع حيث ان حكم العقل فى
طريق الاطاعة قابل للمنع وليس كحكمه فى اصل وجوب الطاعة فانه ليس قابلا للمنع
ومن المعلوم ان
الشارع ألم يخترع طريقا مغايرا لطريقة التى تسلكه العقلاء فى مقام احراز اوامره
وان كان قد ردع عن بعض الطرق كالقياس إلّا انه لم يثبت الردع من الشارع فى خبر
الثقة فافهم وتامل لعله اشاره الى ما هو الظاهر من كلامه قدسسره فى الحاشية من ان خبر الثقة حجة متبعة ولو قيل بسقوط كل من
السيرة والاطلاق من الاعتبار بسبب دوران الامر بين ردعها به وتقييده بها وذلك
لاستصحاب حجيته الثابتة قبل نزول الآيتين
قد تم الجزء الاول
من شرح المجلد الثانى من كتاب نهاية المأمول فى شرح كفاية الاصول واسأل الله تعالى
من فضله العميم ان يوفقنى لبقية الاجزاء كما وفقنى للجزء الاول وان يجعله مطبوعا
لطبع الفضلاء والمحصلين والعلماء المشتغلين والصلاة على محمد وآله اشرف الاولين
وكان الفراق من
طبعه فى شهر رجب المرجب من سنة ١٣٩٥
فى مطبعة الاسلام ـ بقم
|