
بِسْمِ اللهِ
الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
يا صاحب الزمان يا
أبا صالح المهدي أغثني
الحمد لله والصلاة
على محمّد وآله : وبعد فإن الله تبارك وتعالى وفّقني في شهر رمضان سنة الألف
والأربعمائة والتاسع عشر من الهجرة النبوية للبحث حول عدة قواعد فقهية وقد حضر
الأبحاث والمحاضرات عدة من الأفاضل والأعلام وكتبت ما خلج ببالي القاصر وأحببت أن
أقدّمه للطبع والنشر كي يكون نفعه عاما ويك ون ذخرا ليوم فقري وفاقتي الذي (لا يَنْفَعُ) فيه (مالٌ وَلا بَنُونَ
إِلَّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) وعلى الله التوكّل والتكلان هو حسبي (وَنِعْمَ الْوَكِيلُ).
تقي الطباطبائي القمي
القاعدة الأولى
قاعدة من ملك
من القواعد
الفقهية قاعدة من ملك شيئا ملك الإقرار به وينبغي أن يتكلم حول هذه القاعدة من
جهات :
الجهة الأولى : في بيان المراد من هذه
الجملة ، فنقول : تارة
نلاحظ ما هو المستفاد من الجملة بحسب المتفاهم العرفي واخرى نلاحظ ما يراد منها
عند الأصحاب فيقع الكلام في موردين :
أما المورد الأول
فالمستفاد من الجملة أن من يكون مالكا لعين كالدّار مثلا أو مالكا لمنفعة كمنفعة
الدكان ، مالك لأن يعترف بالنسبة الى تلك العين أو تلك المنفعة بأن يعترف بانتقالهما
الى الغير بأحد الأسباب أو بما يكون من هذا القبيل.
والوجه فيما نقول
أن ظهور الألفاظ حجة ما دام لم يقم على خلافه دليل ، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى
أن الملكية لها معان :
منها الملكية
الحقيقة التي يعبّر عنها بالإضافة الإشراقية وهي الملكية المخصوصة بذاته تبارك
وتعالى لا مؤثر في الوجود إلّا الله :
أزمّة الأمور
طرّا بيده
|
|
والكلّ مستمدة
من مدده
|
لِمَنِ الْمُلْكُ لِلَّهِ الْواحِدِ
الْقَهَّارِ.
ومنها الملكية
العرضيّة المقولية التي تعبر عنها بمقولة الجدة وهي الواجدية كهيئة الراكب على
المركوب وهذه الملكية من الأعراض ومن الأمور الواقعية.
ومنها الملكية
الاعتبارية التي تكون من باب الاعتبار ولا واقع لها الّا الاعتبار.
ومن الظاهر أنّ
المراد من الملك في هذه الجملة ليس المعنى الأول ولا الثاني بل المراد منها المعنى
الثالث.
ومن الظاهر أيضا
أن الملكية الاعتبارية بحسب المتفاهم العرفي عبارة عن ربط اعتباري بين الإنسان أو
غيره وبين عين من الأعيان أو منفعة من المنافع وأما إذا لم يكن كذلك فالظاهر عدم
صدق عنوان الملكية ولا المالكية ولا المملوكية.
مثلا إذا فرضنا أن
زيدا مالك لدار يقال : الدار الفلانية مملوكة لزيد ولكن لا يقال : زيد مالك لبيع
الدار الفلانية كما أنه لا دليل من الخارج أن زيدا مالك لبيع الدار وقس عليه بقية
الموارد.
وأما لفظ الإقرار
فالمستفاد من التبادر وأهل العرف واللغة أنه عبارة عن الاعتراف بشيء ومن الظاهر
أنه أشرب في مفهوم الاعتراف أن متعلقه على ضرر المعترف.
وعلى هذا الأساس
يستفاد من الجملة أن المالك للعين إذا أقرّ واعترف بكون العين مملوكة للغير ينفذ
إقراره وقد استعمل لفظ الملك في قولهم ملك الاقرار به مجازا إذ معنى اللفظ معلوم
ومن ناحية أخرى أصالة الحقيقة لا تكون أصلا تعبديا فالنتيجة أن المستفاد من الجملة
أن المالك اعترافه نافذ بالنسبة الى مملوكه.
ولا يخفى أن
الإقرار بماله من المفهوم العرفي عبارة عن الإخبار ولا يكون إنشاء فالحاصل :
أن المستفاد من
الجملة بحسب المتفاهم العرفي أنّ المالك لشيء إذا أخبر وأقرّ بالنسبة الى ذلك
الشيء يكون اخباره نافذا فلو أخبر بأن هذه العين انتقلت إلى غيري يكون اخباره
نافذا وجائزا.
وأما المورد
الثاني : فالمستفاد من كلمات القوم أن من يكون مسلطا على أمر
كعقد أو إيقاع أو
غيرهما أصالة أو نيابة أو وكالة أو ولاية إذا أقر بذلك الأمر يكون إقراره نافذا
أعم من أن يكون ذلك الإقرار له أو عليه أو لا هذا ولا ذاك.
مثلا لو كان وكيلا
لتزويج امرأة لنفسه وأخبر بالتزويج يقبل قوله وهكذا.
ولا يخفى أن
استعمال لفظ الإقرار بحسب ما هو المصطلح عند القوم استعمال لفظ الإقرار بحسب ما هو
المصطلح عند القوم استعمال اللفظ في غير ما وضع له إذ الإقرار إخبار على ما يكون
ضررا على المخبر والحال أن الإقرار عند القوم أعم من ذلك أي ربما يكون إخبارا
بماله نفع للمخبر كما لو كان وكيلا عن المرأة في تزويجها لنفسه فأخبر بالتزويج
لنفسه وأيضا يكون استعمال الملك في غير ما وضع له إذ الإنسان مالك للعين مثلا ولا
يكون مالكا لبيع العين.
الجهة الثانية : في أن هذه المسألة من
المسائل الأصولية أو من القواعد الفقهية؟ والحق أنها من الطائفة الثانية فإن المسألة الأصولية ما تقع
نتيجتها في طريق استنباط الحكم الكلي الفرعي الإلهي كمسألة مقدمة الواجب فإن نتيجة
ذلك البحث التلازم بين وجوب ذي المقدمة ووجوب مقدمته فإن هذه الكبرى تقع في طريق
الاستنباط فنقول صلاة الظهر واجبة ولها مقدمات وتلك المقدمات مقدمات الواجب وكل
واجب يستلزم وجوب مقدمته فتلك المقدمات واجبة.
وأما القاعدة
الفقهية فهي بنفسها متكفلة لحكم فرعي للمصاديق التي تحت ذلك الكلي ، وبعبارة أخرى
لا فرق بين قوله (الصلاة واجبة) وبين قوله : (ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده) غاية
الأمر دائرة القاعدة الفقهية أوسع وأشمل ولذا نرى قاعدة ضمان الصحيح والفاسد تشمل
البيع الفاسد وبقية العقود الفاسدة التي يوجب صحيحها الضمان.
الجهة الثالثة : في الفرق بين هذه
المسألة ومسألة إقرار العقلاء على أنفسهم جائز ، والاظهر أن الفارق بين المقامين أن مسألة إقرار العقلاء
تختص بمورد اعتراف
المقر بما عليه
ويتضرر به.
وأما في المقام
فلا فرق بين كون الإقرار ضررا عليه أو لم يكن ضررا بل ربّما يكون نافعا والنسبة
بين القاعدتين عموم من وجه فإنّ مادّة الاجتماع ما لو أخبر مالك العين بوقفها فإن
الإخبار المذكور إقرار على نفسه فيكون مصداقا لإقرار العقلاء على أنفسهم وأيضا
اخبار عن أمر يكون مسلطا عليه ومالكا له وهو الوقف.
وأما مادة
الافتراق من ناحية قاعدة إقرار العقلاء ما لو اعترف بإتلاف مال الغير فإن الاعتراف
المذكور اعتراف بما يكون ضررا عليه ولا يكون مسلطا على الفعل المقرّ به اذ من
الواضح أنه ليس لأحد إتلاف مال غيره.
ومادّة الافتراق
من ناحية هذه القاعدة ما لو كان وكيلا عن المرأة في تزويجها لنفسه فأخبر به فإنه
إخبار بما يكون نافعا له ولا يكون إقرارا على ما يكون ضررا عليه.
الجهة الرابعة : في الوجوه التي يمكن أن
تذكر في تقريب المدعى:
الوجه الأول : ثبوت الملازمة بين السلطنة على وجود الشيء وثبوته وبين السلطنة على
إثباته فإذا كان زيد مسلطا على تزويج المرأة يكون مسلطا على إثباته فلو أخبر به
يكون إخباره نافذا.
ويرد عليه أولا
بالنقض وثانيا بالحل أما الأول فلو أخبر عن كون العين الفلانية التي لا تكون تحت
يده مملوكة له بالإحياء يلزم أن يكون إخباره نافذا اذ له السلطنة على تملكها
بالإحياء.
وكذلك لو أخبر
بكون العين الفلانية مملوكة له بالحيازة وهل يمكن الالتزام به؟ كلا.
وأيضا لو كان
أجيرا في عمل كالصلاة مثلا ثم أخبر بأنّه صلى وبرأت ذمته ولم
يكن ثقة يلزم قبول
قوله لأنه مسلط على الإتيان بها فيكون مسلطا على إثباتها والحال أنا نرى الأصحاب
يقولون إنما يقبل قوله إذا كان ثقة إلى غيرها من الموارد.
وأما الحل فلعدم
دليل على هذه الدعوى وإذا وصلت النوبة إلى الشك يكون مقتضى الأصل الأوّلي عدم
الاعتبار فهذا الوجه ليس تحته شيء.
الوجه الثاني : قاعدة : (إقرار العقلاء
على أنفسهم جائز) ، بتقريب أن المقام
من صغريات تلك القاعدة.
والجواب : أنه قد
ظهر مما تقدم أن هذه القاعدة غير تلك القاعدة ولا ربط بين المقامين.
الوجه الثالث : الإجماع وربما يرد في
هذا الوجه أن اتفاق
الأصحاب في مورد أو موارد لا يستلزم الإجماع على الكلية فلا يمكن الحكم بهذه
الكبرى الكلية.
ويمكن أن يجاب عن
الإيراد المذكور بأن المدعى ـ كما في كلام الشيخ قدسسره ـ الإجماع على
القاعدة.
إن قلت : كيف يمكن
الإجماع على الكلية والاختلاف في بعض المصاديق والحال أن السالبة الجزئية تناقض
الموجبة الكلية؟
قلت : يمكن أن
يكون الاختلاف في المصداق مسببا عن عدم انطباق ذلك الكلي على هذا الفرد فلا يضرّ
بالإجماع.
لكن هذا الوجه
أيضا مخدوش لأن الإجماع المدعى إما محصل أو منقول أو يكون كاشفا عن رأي المعصوم عليهالسلام من باب أن اتفاق المرئوسين يكشف عن أن رأي الرئيس كذلك.
وبعبارة أخرى
الإجماع المدعى إما دليل بالأصالة في قبال بقية الأدلة الشرعية وإما بالعرض أي
باعتبار كونه كاشفا عن رأي المعصوم أرواحنا فداه.
إما المحصل منه
فغير حاصل وأما المنقول منه فغير حجة بل قد ثبت في محله أن
الإجماع المحصل
غير حجة كالمنقول.
وأما كون الاتفاق
كاشفا فيرد عليه أولا : أن الاتفاق محل الكلام والإشكال ومع الشك فيه لا يحصل
المطلوب.
وثانيا : أنه كيف
يمكن الحكم بكونه كاشفا مع احتمال استناد المجمعين الى وجه من الوجوه المذكور في
المقام.
وإن شئت قلت :
الاتفاق المذكور محتمل المدرك.
الوجه الرابع : السيرة العقلائية بل
سيرة المتشرعة فإنّها جارية على إنفاذ إخبار الأولياء والوكلاء على تحقق موارد ولايتهم ووكالتهم.
والإنصاف أن الجزم
بهذه السيرة في موارد الشك وعدم الوثوق بالخبر مشكل وإذا وصلت النوبة الى الشك
يبطل الاستدلال كما هو ظاهر ، مضافا الى أن هذا الوجه إن تمّ يكون أخصّ من المدعى
إذ ربما يكون الشخص مالكا لأمر ولا يكون وكيلا ولا وليّا كما لو أخبر عن كون العين
الفلانية مملوكة له بالحيازة ولكن الظاهر أن الوكيل في أمر أو الولي إذا أخبر
بقيامه بمورد الوكالة أو الولاية يقبل قوله.
وبعبارة أخرى :
يرى العقلاء الوكيل والولي مقام الموكل والمولّى عليه فكأن الموكل أو المولّى عليه
يخبر عن الوقوع ولكن هذا المقدار لا يكفي لإثبات الكبرى الكلية وصفوة القول أن
القاعدة المدعاة تامة في الجملة لا بالجملة.
الوجه الخامس : النصوص الدالة على قبول
قول الأمين والظاهر أن الوجه المذكور أوهن الوجوه بحيث لا يمكن تقريبه ومقتضى الدليل عدم كونه ضامنا الّا
مع التعدي أو التفريط.
الجهة الخامسة : في أن هذه القاعدة على
تقدير تماميتها هل تختص بزمان وظرف يكون المخبر مالكا ومسلطا على ذلك الأمر أو تعم حتى ما بعد انقضاء ذلك
الزمان؟ فلو أخبر الولي بتزويج الصغيرة بعد بلوغها ينفذ إخباره على القول بعدم
الاختصاص ولا ينفذ
على القول به.
ربما يقال : إن
دليل القاعدة إذا كان هو الإجماع لا بد من القول بالاختصاص للزوم الاقتصار على
القدر المعلوم منه.
وبعبارة أخرى : لا
يكون فيه الإطلاق ولا مجال لإسراء الحكم الى ما بعد زوال ذلك الزمان بالاستصحاب
لانتفاء الموضوع وتغيّره واشتراط بقاء الموضوع في الاستصحاب فإن الموضوع هو المالك
والمفروض زوال العنوان ، مضافا الى أن استصحاب الحكم الكلي معارض باستصحاب عدم
الجعل الزائد.
ويمكن أن يجاب عن
التقريب المذكور بأن المدعى تحقق الإجماع على العنوان أي قام الإجماع على «جملة من
ملك شيئا ملك الإقرار به».
ومقتضى الإطلاق
عدم الفرق بين إقرار المالك في زمان كونه مالكا وبين زمان عدم كونه كذلك.
إلا أن يقال أن
الحكم مترتب على المالك ومع عدم كونه مالكا لا يكون الموضوع صادقا ومع عدم صدق
الموضوع لا يترتب الحكم والذي يهون الخطب أن القاعدة لا أصل لها فلاحظ.
القاعدة الثانية
قاعدة الإعانة على الإثم
ومن القواعد
المذكورة «قاعدة الإعانة على الإثم» ويتكلّم فيها من جهات :
الجهة الأولى : في تفسير هذه الكلمة
وبيان ما يستفاد منها.
قال في المنجد :
أعانه على الشيء ساعده.
والظاهر أن معنى
اللفظ واضح ظاهر وهل يشترط في صدق الإعانة أن يكون المعين ذا شعور وعلى فرض
الاشتراط المذكور هل يشترط أن يكون بداعي تحقق المعان عليه أم لا؟
الحق هو الثاني
ويتضح المدعى بموارد الاستعمالات لاحظ قول القائل : (أعانتني هذه العصا على المشي)
، ولاحظ قوله تعالى : (اسْتَعِينُوا
بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ) وقوله عليهالسلام : (وأعانني عليها شقوتي) ، وقوله : (من أكل الطين فمات فقد
أعان على نفسه) إلى بقية الموارد.
ومن الظاهر أن صحة
الاستعمال بلا عناية وصحة الحمل علامة الحقيقة كما أن عدم صحة السلب علامة الحقيقة
أيضا والعرف ببابك.
وهل يشترط في صحة
الاستعمال وتحقق الإعانة حصول المعان عليه أم لا؟ الحق هو الثاني لاحظ قول القائل
: (أعان جمع على أن يمشي زيد الى الحج والزيارة لكن زيد لم يمش) فإن الإعانة تصدق
بما لها من المفهوم فلا يشترط صدق العنوان على تحقق المعان عليه.
الجهة الثانية : في حكم الإعانة على
الإثم وما يمكن أن يذكر في مستند القول بحرمتها وجوه :
الوجه الأول : قوله تعالى : (وَلا تَعاوَنُوا عَلَى
الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ).
بتقريب أن
المستفاد من الآية الشريفة النهي عن الإعانة على الإثم.
ويرد عليه أن
التعاون غير الإعانة وهذا العرف ببابك والمنهي عنه في الآية هو الأول لا الثاني.
الوجه الثاني : النصوص ، منها عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : من أعان على مؤمن بشطر كلمة جاء يوم القيامة مكتوب
بين عينيه آيس من رحمة الله .
وفيه أولا : أن
السند مخدوش فإن عنوان غير واحد لا يستلزم التواتر بل أعم منه.
وثانيا : أن الحكم
المذكور وارد في إطار خاص ودائرة مخصوصة ولا وجه لإسرائه الى غيره من الموارد.
وإن شئت فقل : لا
وجه للقياس بين مورد الحديث وبقية الموارد.
ومنها ما رواه
السكوني عن أبي عبد الله عليهالسلام قال :
قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : من أكل الطين فمات فقد أعان على نفسه .
وفيه أولا : أن
السند مخدوش وثانيا : أن الحديث وارد في واقعة خاصة ولا مجال لإسراء الحكم إلى غير
مورده بلا دليل وإلّا يلزم التشريع.
ومنها الأحاديث
الواردة في أعوان الظلمة.
لاحظ ما رواه أبو
حمزة عن علي بن الحسين عليهالسلام في حديث قال : إيّاكم
__________________
وصحبة العاصين
ومعونة الظالمين إلى غيره من الروايات.
وفيه أنّها واردة
في إعانة خاصة ولا دليل على عموم الحكم.
ومنها ما رواه
جابر عن أبي جعفر عليهالسلام قال : لعن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في الخمر عشرة : غارسها وحارسها وعاصرها وشاربها وساقيها
وحاملها والمحمولة إليه وبائعها ومشتريها وآكل ثمنها .
بتقريب أن
المستفاد من الحديث أن الإعانة على الإثم حرام ولذا قد استحق اللعن الجماعة المشار
إليهم في الرواية لكونهم أعوانا عليه.
وفيه أولا :
الإشكال في السند وثانيا : أن الموجبة الجزئية لا تكون دليلا على الكلية ومن
الظاهر أن الجزم بالحكم الشرعي يتوقف على الدليل ، ومما ذكرنا يظهر الإشكال فيما
يكون متحدا مع هذه الرواية في المفاد.
الوجه الثالث : إن رفع المنكر واجب
لوجوب النهي عن المنكر.
وفيه أولا : أن
لازمه وجوب الترك لا حرمة الفعل.
وثانيا : أنّه لا
دليل على وجوب دفع المنكر وملاكات الأحكام الشرعية لا تنالها عقولنا.
الوجه الرابع : الإجماع المنقول ، وفيه
أن الإجماع المنقول
غير حجة بل المحصل منه كذلك وأما الإجماع الكاشف عن رأي المعصوم عليهالسلام فلا يمكن تحصيله إذ على فرض تحققه محتمل المدرك.
الوجه الخامس : حكم العقل ، بتقريب : أن
العقل حاكم بقبح
المعصية لكونها مبغوضة للمولى وحيث أن الإثم مبغوض للمولى فالمعين للآثم مبغوض
عمله ويلزم بحكم العقل تركه.
__________________
ويرد عليه : أن
العقل إنما يحكم ويدرك لزوم الإطاعة دفعا للضرر المحتمل وأما كون شيء مبغوضا
للمولى فلا يكون الزام من قبل العقل بتركه ما دام لم يتعلق به نهي من قبل الناهي.
مضافا إلى أن كون
شيء مبغوضا لا يستلزم مبغوضية مقدماته وقد حقق في الأصول عدم كون مقدمة الحرام
حراما وهذا الوجه أوهن الوجوه المذكورة في المقام ولا يرجع الى محصل.
فانقدح بما ذكرنا
عدم قيام دليل على المدّعى ويضاف الى ذلك كله أن هناك نصوص تدل على جواز الإعانة
منها ما رواه أحمد بن محمد بن أبي نصر قال : سألت أبا الحسن عليهالسلام عن بيع العصير فيصير خمرا قبل أن يقبض الثمن فقال : لو باع
ثمرته ممن يعلم أنه يجعله حراما لم يكن بذلك بأس فأما إذا كان عصيرا فلا يباع الّا
بالنقد .
ومنها ما رواه أبو
بصير قال : سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن ثمن العصير قبل
أن يغلي لمن يبتاعه ليطبخه أو يجعله خمرا قال : إذا بعته قبل أن يكون خمرا وهو
حلال فلا بأس ومنها ما رواه محمد الحلبي قال : سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن بيع عصير العنب ممّن يجعله حراما فقال : لا بأس به
تبيعه حلالا ليجعله حراما فأبعده الله وأسحقه .
ومنها ما رواه عمر
بن أذينة قال : كتبت الى أبي عبد الله عليهالسلام أسأله عن رجل له كرم أيبيع العنب والتمر ممن يعلم أنه
يجعله خمرا أو سكرا ، فقال : إنما باعه
__________________
حلالا في الابان
الذي يحل شربه أو أكله فلا بأس ببيعه .
ومنها ما رواه أبو
كهمس قال : سأل رجل أبا عبد الله عليهالسلام عن العصير فقال : لي كرم وأنا أعصره كل سنة وأجعله في
الدنان وأبيعه قبل أن يغلي قال : لا بأس به وإن غلا فلا يحل بيعه .
ومنها ما رواه
رفاعة بن موسى قال : سئل أبو عبد الله عليهالسلام وأنا حاضر عن بيع العصير ممّن يخمره ، قال : حلال ألسنا
نبيع تمرنا ممن يجعله شرابا خبيثا .
ومنها ما رواه
الحلبي عن أبي عبد الله عليهالسلام أنه سئل عن بيع العصير ممّن يصنعه خمرا فقال :
بعه ممن يطبخه أو
يصنعه خلا أحب إليّ ولا أرى بالأول بأسا .
ومنها ما رواه
يزيد بن خليفة عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : سأله رجل وأنا حاضر قال : إن لي الكرم قال : تبيعه
عنبا قال فإنه يشتريه من يجعله خمرا قال : فبعه إذا عصيرا قال فإنه يشتريه مني
عصيرا فيجعله خمرا في قربتي قال : بعته حلالا فجعله حراما فأبعده الله ثم سكت
هنيهة ثم قال :
لا تذرن ثمنه عليه
حتى يصير خمرا فتكون تأخذ ثمن الخمر .
ويضاف إلى جميع ما
ذكر أن الإعانة على الاثم لو كانت حراما لكان سقي الناصب حراما لأن الماء ينفعل
بملاقاة شفته فيكون شرب الماء حراما عليه فإن الكافر مكلف بالفروع كما يكون مكلفا
بالأصول على ما حقّقناه.
__________________
ثم إنه على القول
بالحرمة هل يكون إعانة المكلف على الإثم الذي يصدر عن نفسه حراما أم لا؟
الظاهر هو الثاني
فإن الظاهر من الجملة المذكورة أن المعين غير المعان.
مضافا الى أن
القول بالتعميم يستلزم القول بحرمة مقدمة الحرام وقد حقق في محله أنّ مقدمة الحرام
لا تكون حراما.
أضف إلى ذلك : أن
القول بالتعميم يستلزم القول بأنّه لو كان عشرون مقدمة يكون المرتكب لذلك الحرام
معاقبا بعدد تلك المقدمات وهل يمكن الالتزام به؟
ثم إنه لو لم نقل
بالحرمة ـ كما لا نقول ـ فهل يستحق العقاب من يكون معينا إذا كان قاصدا لتحقق ذلك
الحرام أي يعينه لأن يشرب الخمر ويكون تحقق الحرام غاية للإعانة؟
الظاهر أنه لا
دليل على الحرمة في هذه الصورة أيضا نعم إذا كان الغرض من الإعانة هتك مقام المولى
ـ نستجير بالله ـ الظاهر عدم إمكان التشكيك في الحرمة بل لو ادعى أحد أنه يوجب
عنوان النصب وصيرورة المعين ناصبيا ويصير بذلك أنجس من الكلب والخنزير لعله لا
يكون مجازفا في القول.
القاعدة الثالثة
قاعدتا الفراغ والتجاوز
يقع الكلام في
المقام من جهات :
الجهة الأولى : في أنهما قاعدتان إذ تارة يكون مورد الشك مفروض الوجود غاية الأمر يشك في
صحته وفساده كما لو فرغ من الصلاة وشك في أنها صحيحة أو فاسدة وأخرى يشك في أصل
الوجود كما لو شك في أنه ركع أم لا أو سجد أم لا إلى غير ذلك من الموارد فإن كان
الشك في صحة الموجود يكون مورد قاعدة الفراغ وإن كان الشك في أصل الوجود يكون مورد
قاعدة التجاوز.
الجهة الثانية : إنه ربما يقال مورد قاعدة
التجاوز الشك في مفاد كان التّامة ومورد قاعدة الفراغ الشك في مفاد كان النّاقصة ولا يمكن الجمع بين الأمرين في استعمال واحد ولا يرتفع
الإشكال باستعمال اللفظ الواحد في أكثر من معنى واحد إذ مرجعه إلى التعدد والكلام
في الاستعمال الواحد.
وربما يذبّ
الإشكال بأن الجامع بين الأمرين الحكم بالوجود الصحيح.
وأورد عليه بأنه
يستلزم القول باعتبار المثبت الذي لا نقول به.
وأجيب عن الإشكال
المذكور : بأن القاعدة من الأمارات ولوازم الأمارة تثبت وبعبارة واضحة : إنه تارة
يشكّ في صحّة الركوع ـ مثلا ـ واخرى في أصل وجوده والقاعدة تحكم بتحقّق الوجود
الصحيح ولازمه تحقق الرّكوع وحيث أن لازم الإمارة حجة يثبت أن الركوع تحقق.
ولقائل أن يقول
يمكن أن يتكفل دليل واحد لبيان حكم كلتا القاعدتين أما على القول بجواز استعمال
اللفظ الواحد في أكثر من معنى فارد فواضح وظاهر وأمّا إرادة الجامع بين الأمرين
فالظاهر إمكانه في مقام الثبوت والتصوّر وذلك بأنّ المولى يلاحظ كلا الموردين ويرى
المصلحة في اعتبار الصحة فيقول إذا شككت في شيء أعم من أن يكون الشك في صحة
الموجود أو الشك في أصل الوجود فابن عليه ولا إشكال فيه أصلا.
ولعمري أن هذا
أوضح من أن يخفى فتحصل ممّا تقدم أمران : أحدهما أن قاعدة التجاوز غير قاعدة
الفراغ ، ثانيهما أنه يمكن تصوير الجامع بين القاعدتين في مقام الثبوت والتصور.
الجهة الثالثة : في بيان الأدلة التي
تدل على الاعتبار والعمدة النصوص
الواردة في هذا المجال بل الدليل منحصر فيها إذ السيرة والإجماع على فرض تسلمهما
لا تكونان دليلين في قبال النصوص.
وبعبارة أخرى :
النصوص منشأ الإجماع والسيرة فلا بدّ من ملاحظة كل واحد من هذه النصوص ومقدار
دلالته بعد تمامية سنده.
فنقول : من تلك
النصوص ما رواه زرارة قال : قلت لأبي عبد الله عليهالسلام رجل شك في الأذان وقد دخل في الاقامة قال : يمضي قلت : رجل
شك في الأذان والإقامة وقد كبّر قال : يمضي قلت : رجل شك في التكبير وقد قرأ قال :
يمضي قلت : شك في القراءة وقد ركع قال : يمضي قلت : شك في الركوع وقد سجد قال :
يمضي على صلاته ثم قال : يا زرارة إذا خرجت من شيء ثم دخلت في غيره فشكّك ليس بشيء
.
__________________
وهذه الرواية تامة
سندا وأما من حيث الدلالة فهل تكون دليلا على قاعدة التجاوز أو ناظرة الى قاعدة
الفراغ أو ناظرة الى كلتا القاعدتين؟
الظاهر أنها ناظرة
الى قاعدة الفراغ إذ الميزان في استفادة المراد من الكلام ما يكون ضابطا كليا ونرى
أنه عليهالسلام بعد جواب أسئلة السائل أعطى في الذيل ميزانا كليّا وحكما
عاما بقوله : «يا زرارة إذا خرجت من شيء ثمّ دخلت في غيره فشكّك ليس بشيء».
ومن الواضح أن
الخروج من الشيء يتوقف على تحققه وحصوله فلا يشمل الشك في أصل الوجود وحمل كلامه
على الخروج عن المحل خلاف صريح كلامه روحي فداه لا يصار إليه.
إن قلت : الخروج
عن الشيء لا يجتمع مع الشك فيه قلت : إذا كان الشك في صحّة ما خرج منه ، يصدق
الخروج مع الشك فيه.
وصفوة القول : إن
الميزان بذيل كلامه حيث إنّه عليهالسلام تصدّى من تلقاء نفسه بلا سبق سؤال لإعطاء قاعدة كلية تجري
في جميع الموارد فلا بد من الأخذ وإن أبيت وقلت : الصدر يشمل الشك في أصل الوجود
وفي صحة الموجود.
قلت : الذيل
بصراحته في إرادة قاعدة الفراغ يقيد الصدر.
إن قلت : الظاهر
من الصدر الشك في أصل الوجود فيقع التعارض بين الصدر والذيل ولا وجه لتقديم الذيل
على الصدر.
قلت : أولا :
مقتضى الإطلاق شمول الصدر لكلا الأمرين.
وثانيا : لا بد من
رفع اليد عن ظهور الصدر في الشك في أصل الوجود على فرض تسليمه وهذا العرف ببابك
فإن للمتكلم أن يلحق بكلامه ما شاء من اللواحق ما دام متشاغلا بالكلام ويرى العرف
أنّ الميزان بحسب سوق الكلام بالذيل.
وثالثا : أنّ
إرادة المحل من الشيء وتقديره يستلزم الاستخدام إذ عليه يكون المراد من الشيء محله
ويكون المراد من الضمير العائد إليه نفسه والاستخدام على خلاف الأصل.
إلّا أن يقال :
يكون الصدر قرينة على كون المراد من الذيل خصوص قاعدة التجاوز فلا يستلزم
الاستخدام.
ورابعا : ان
استعمال لفظ الشيء في محله غلط كما لو قال أحد : خرجت من دار زيد وأراد الأرض التي
كانت في زمان أرض داره وبعد ذلك انهدمت وبقيت الأرض فلاحظ.
وخامسا : سلمنا ما
رامه الخصم لكن نقول : غاية ما في الباب وقوع المعارضة بين الصدر والذيل وتكون
النتيجة الاجمال فلا يكون الحديث قابلا للاستدلال به على قاعدة التجاوز.
والعجب كل العجب
عمّا جاء في بعض الكلمات من أن الخروج عن الشيء له مصداقان : أحدهما : الخروج عن
نفس الشيء ثانيهما : الخروج عن محله ولهما الجامع وبهذا الاعتبار الحديث وما يكون
مثله يكون دالا على كلتا القاعدتين.
وجه العجب أن
المستفاد من قوله عليهالسلام : «إذا خرجت من شيء ودخلت في غيره» لزوم تحقق المشكوك فيه
وكون الشاكّ فيه قبل ذلك.
وإن شئت فقل : لا
جامع بين ما فرض وجوده وما لا وجود له.
إن قلت : إذا كان
صدر الحديث ظاهرا في الشك في أصل الوجود نرفع اليد عن ظهور الذيل في الشك في صحة
الموجود فإن الكلي الوارد في الذيل ناظر الى الجمع بين الصدر وبقية الموارد فيكون
الحديث ناظرا إلى قاعدة التجاوز فيكون المراد من الشيء الوارد في كلام الإمام عليهالسلام محله فالنتيجة اختصاص الحديث بقاعدة التجاوز.
قلت : تارة نقول
استعمال اللفظ في غير ما وضع له صحيح ولا يحتاج الى مناسبة وعلاقة وحسن وأخرى نقول
لو لا العلاقة والتناسب أو الحسن يكون الاستعمال غلطا أما على الأول فيجوز استعمال
لفظ الشيء في مورده ومحله وأما على الثاني فلا يجوز ويكون غلطا ولا يمكن حمل كلام
الإمام عليهالسلام عليه إذ كيف يمكن الالتزام بكون استعماله غلطا والحال أنّ
الاستعمال الغلط إما ناش عن الجهل وإما عن الغفلة وهل يمكن الالتزام بأحدهما
بالنسبة الى مخزن الوحي؟ كلا ثم كلا.
هذا من ناحية ومن
ناحية اخرى : أنه لا يجوز استعمال اللفظ في غير ما وضع له الّا مع المجوز وهذا
العرف ببابك مثلا : لو كان مكان قبل عشر سنوات مكانا للبحر والآن غرفة تجارة هل
يجوز أن يقول أحد إني خرجت من البحر وأراد الخروج من تلك الغرفة وعليه يدور الأمر
بين الصدر والذيل والنتيجة الإجمال كما تقدم.
ولنا لإثبات أنّ
الذيل ناظر الى قاعدة الفراغ ولا مجال لحمله على بيان قاعدة التجاوز تقريب آخر وهو
: أن حمله على قاعدة التجاوز يستلزم الاستخدام الذي يكون خلاف القاعدة الأولية إذ
بناء على إرادة التجاوز إما نقدر كلمة محل ونضيفه الى لفظ الشيء وإما نستعمل لفظ
الشيء في المحل وعلى كلا التقديرين يلزم الاستخدام أما على الأول فظاهر إذ عليه
يراد من المخرج ، المحل ويراد من الضمير العائد ، الشيء إذا خرجت من محل الأذان
مثلا ودخلت في غير الأذان وأما على الثاني : فأيضا الأمر كذلك إذ مرجع الكلام الى
الصورة الأولى لأنه لا بد من إضافة المحلّ إلى حاله كما أنّه لا بدّ من إرجاع
الضمير الى الحالّ أي الشيء المشكوك فيه.
أضف إلى ذلك ، إن
الذيل صريح في قاعدة الفراغ وغير قابل لحمله على التجاوز وذلك لأن الإمام روحي
فداه بعد فرض خروج المكلف عن الشيء يقول : «ثم دخلت في غيره» فقد فرض عليهالسلام الخروج عن الشيء أولا ثم دخوله في غيره ثانيا والحال أن
التجاوز قوامه بالدخول في الغير وبدونه لا يعقل فلا مجال لتقريب
التجاوز ولعمري ما
بينت غير قابل للخدش ولعله لم يسبقني إليه سابق.
ومن تلك النصوص ما
رواه محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليهالسلام قال : كلّما شككت فيه ممّا قد مضى فأمضه كما هو وهذه الرواية تدل بوضوح على اعتبار قاعدة الفراغ إذ قد فرض
في الحديث مضي المشكوك فيه حيث قال : «كلّما شككت فيه ممّا قد مضى».
ومن الظاهر أنه مع
الشك في أصل الوجود لا يعقل مضيّ المشكوك فيه وهذا العرف ببابك.
ومنها ما رواه
زرارة عن أبي جعفر عليهالسلام قال : إذا كنت قاعدا على وضوئك فلم تدر أغسلت ذراعيك أم لا
فأعد عليهما وعلى جميع ما شككت فيه أنّك لم تغسله وتمسحه ممّا سمّى الله ما دمت في
حال الوضوء فإذا قمت عن الوضوء وفرغت منه وقد صرت في حال أخرى في الصلاة أو في
غيرها فشككت في بعض ما سمّى الله مما أوجب الله عليك فيه وضوئه لا شيء عليك فيه
فإن شككت في مسح رأسك فأصبت في لحيتك بللا فامسح بها عليه وعلى ظهر قدميك فإن لم
تصب بللا فلا تنقض الوضوء بالشك وأمض في صلاتك وإن تيقّنت أنّك لم تتم وضوئك فأعد على
ما تركت يقينا حتى تأتي على الوضوء ... الحديث.
وهذه الرواية تدل
على اعتبار قاعدة الفراغ في باب الوضوء.
ومنها ما رواه عبد
الله بن أبي يعفور عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : إذا شككت في شيء من الوضوء وقد دخلت في غيره فليس
شكك بشيء إنّما الشك إذا كنت
__________________
في شيء لم تجزه .
والمستفاد من ذيل
الرواية بيان الضابط الكلي لاعتبار قاعدة الفراغ وأنّ المكلّف إذا شك في تمامية
شيء بعد التجاوز عنه والدخول في غيره لا يعتدّ بشكه.
ومنها ما رواه
محمد بن مسلم قال : قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : رجل شكّ في الوضوء بعد ما فرغ من الصلاة ، قال : يمضي
على صلاته ولا يعيد .
وهذه الرواية تدل
على جريان قاعدة الفراغ في الصلاة بعد الفراغ منها من ناحية الشك في الوضوء.
ومنها ما رواه
إسماعيل بن جابر عن أبي عبد الله عليهالسلام في حديث ، قال : إن شك في الركوع بعد ما سجد فليمض وإن شك
في السجود بعد ما قام فليمض كل شيء شك فيه ممّا قد جاوزه ودخل في غيره فليمض عليه .
والمستفاد من هذه
الرواية اعتبار قاعدة التجاوز بشرط الدخول في غير ما شك فيه.
وبعبارة أخرى :
إذا قلنا أن ظاهر قوله عليهالسلام : (إن شك في الركوع بعد ما سجد) الشك في أصل الركوع كما هو
ليس ببعيد تكون الرواية في مقام اعتبار القاعدة في مورد الشك في أصل الوجود لا
الشك في صحة الموجود ولا الجامع بين الأمرين لكن السند مخدوش لاحتمال كون المراد
من محمد الراوي عن ابن المغيرة البرقي وهو مخدوش عندنا. لكن قد رجعنا عن المقالة
المشار إليها وقلنا أنه ثقة حسب الصناعة نعم هنا اشكال في اصل الدلالة كما تعرضنا
له بالنسبة الى حديث زرارة وهو أن التجاوز عن محل الشيء لا يتحقق الا بالدخول في
الغير والحال ان المستفاد
__________________
من الحديث انّ مع
التجاوز تارة دخل في الغير واخرى لا فلا بد من حمل الحديث على قاعدة الفراغ.
ومنها ما رواه
محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليهالسلام في الرجل يشك بعد ما ينصرف من صلاته قال : فقال : لا يعيد
ولا شيء عليه .
وأيضا ما رواه عن
أبي جعفر عليهالسلام قال : كلما شككت فيه بعد ما تفرغ من صلاتك فامض ولا تعد .
والمستفاد من
الحديثين جريان قاعدة الفراغ في الصلاة بعد الفراغ منها.
وفي المقام عدة
نصوص واردة في الشك في الركوع :
منها ما رواه حماد
بن عثمان قال : قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : أشك وأنا ساجد فلا أدري ركعت أم لا ، قال : امض .
ومنها ما رواه
أيضا قال : قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : أشك وأنا ساجد فلا أدري ركعت أم لا فقال : قد ركعت امضه .
ومنها ما رواه
الفضيل بن يسار ، قال : قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : أستتم قائما فلا أدري ركعت أم لا؟ قال : بلى قد ركعت
فامض في صلاتك فإنما ذلك من الشيطان .
ومنها ما رواه
إسماعيل بن جابر قال : قال أبو جعفر عليهالسلام : إن شكّ في الركوع بعد ما سجد فليمض وإن شك في السجود بعد
ما قام فليمض كل شيء شك
__________________
فيه مما قد جاوزه
ودخل في غيره فليمض عليه .
ومنها ما رواه
محمد بن مسلم عن أحدهما عليهماالسلام ، قال : سألته عن رجل شك بعد ما سجد أنّه لم يركع؟ قال :
يمضي في صلاته .
ومنها ما رواه عبد
الرحمن بن أبي عبد الله قال : قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : رجل أهوى الى السجود فلم يدر أركع أم لم يركع ، قال : قد
ركع .
ومنها ما رواه
محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليهالسلام في رجل شك بعد ما سجد أنه لم يركع فقال : يمضي في صلاته
حتى يستيقن ... الحديث .
وهذه الروايات تدل
على جريان قاعدة التجاوز في الشك في الركوع ولا تدل على اعتبارها على نحو الإطلاق
نعم الحديث الثالث من الباب قد ذيّل بقوله عليهالسلام : (فإنما ذلك من الشيطان) ولقائل أن يقول : إن مقتضى عموم
العلة سريان الحكم الى بقية الموارد.
ويرد عليه أنه عليهالسلام علل حكمه بالصحة بقوله : (فإنما ذلك من الشيطان) فيعلم أنه
روحي فداه ناظر الى صورة كثرة الشك الناشئة عن (الْوَسْواسِ
الْخَنَّاسِ الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ) فلا تشمل الرواية الشك العادي الذي يعرض للمصلي بحسب الطبع
فلا يكون الحديث قابلا للاستدلال به على المدعى.
فتحصل مما ذكرنا
أنه لا دليل على قاعدة التجاوز على نحو العموم أو الإطلاق ، نعم بالنسبة الى الشك
في الركوع قد تمّ الدليل على تمامية القاعدة وقد أشرنا الى النصوص الدالة عليه.
__________________
وأما بالنسبة الى
السجود ففي المقام حديثان يدلان على عدم الاعتبار بالشك في السجود بعد ما قام
أحدهما ما رواه إسماعيل بن جابر .
وثانيهما ما رواه
أيضا عن أبي عبد الله عليهالسلام في حديث قال : وإن شك في السجود بعد ما قام فليمض . لكن تقدم الكلام فيه.
الجهة الرابعة : في أنّه هل يشترط في
جريان قاعدة الفراغ الدخول في الغير أم لا؟ وعلى الأول هل يعتبر أن يكون ذلك الغير مترتبا أم لا؟ وعلى الأول هل
يعتبر أن يكون ترتبه شرعيا أم يكفي مطلق الترتب؟
فهنا موارد من
البحث :
المورد الأول :
أنه هل يشترط في جريان القاعدة الدخول في الغير؟ الأدلة بالنسبة الى هذه الجهة
متعارضة فإنّ ذيل حديث زرارة وهو قوله عليهالسلام : «يا زرارة إذا خرجت من شيء» ، إلى آخر كلامه يدلّ على
توقف جريانها على الدخول في الغير ويعارضه حديث ابن مسلم .
فإن مقتضى هذه
الرواية كفاية مضيّ الشيء في جريان القاعدة فيقع التعارض بين منطوق حديث ابن مسلم
ومفهوم حديث زرارة والنسبة بين الحديثين عموم من وجه فإن ما به الافتراق من ناحية
حديث زرارة ما لو لم يخرج عن الشيء فإن مقتضاه عدم جريان القاعدة ولا يعارضه حديث
ابن مسلم إذ المفروض عدم المضيّ.
وما به الافتراق
من ناحية حديث ابن مسلم ما لو مضى ودخل في الغير فإن
__________________
مفهوم حديث زرارة
لا يعارضه.
وما به الاجتماع ما
لو مضى ولكن لم يدخل في شيء آخر فإن مقتضى حديث زرارة عدم جريان القاعدة ومقتضى
حديث ابن مسلم الجريان.
فربّما يقال :
بتقديم حديث ابن مسلم على حديث زرارة بدعوى أن العموم الوضعي قابل لأن يكون قرينة
على التصرف في العام الإطلاقي إذ الإطلاق معلّق حدوثا وبقاء على عدم قيام قرينة
على خلافه.
وإن شئت فقل : إن
ظهور العموم الإطلاقي تعليقي وظهور العام الوضعي تنجيزي فطبعا لا يبقى مجال
للتعليقي مع وجود التنجيزي لارتفاع موضوعه.
وهذا كلام شعري
ولا أصل له فإنه لا فرق بين الأمرين والميزان في تحقق الإطلاق تمامية مقدمات
الحكمة في أول الأمر نعم إذا قامت قرينة منفصلة ترفع اليد عن الظهور بلا فرق بين
الإطلاق والعموم.
إن قلت : العموم
الوضعي أقوى دلالة فلا بدّ من تقديمه.
قلت : هذه الدعوى
كالدعوى الأولى ليس تحتها شيء ولم يرد في هذا الباب آية ولا رواية فإن الميزان في
التقديم كون أحد الدليلين قرينة على الآخر في المتفاهم العرفي ولذا نرى تقديم قوله
(يرمي) على قوله : (رأيت أسدا) مع أن ظهور الأسد في الحيوان المفترس وضعي وظهور
لفظ يرمي في الرمي بالنبال إطلاقي فالحاصل تحقق التعارض.
وربما يقال : إن
نتيجة التعارض إذا كان على نحو التباين الجزئي كما في المقام سقوط كلا الدليلين.
وهذه الدعوى أيضا
غير تامة فلنا دعويان :
الأولى : عدم
الفرق بين الوضع والإطلاق.
الثانية : أنّ
التباين الجزئي كالكلي داخل في المتعارضين فلا بد من إعمال قوانين
باب التعادل
والترجيح وقد بنينا في ذلك الباب على أن المرجح الوحيد في باب الترجيح الأحدثية
وحيث إن حديث زرارة أحدث حيث أنه صادر عن الصادق عليهالسلام وحديث ابن مسلم صادر عن أبي جعفر عليهالسلام يقدّم حديث زرارة على حديث ابن مسلم ومثل حديث ابن مسلم في
الدلالة حديث ابن أبي يعفور .
فإن المستفاد من
ذيل الحديث أن الميزان في جريان القاعدة صدق التجاوز عن مورد الشك ومقتضى الإطلاق
عدم اعتبار الدخول في الغير فيقع التعارض بين الحديثين في مورد الاجتماع وحيث إنّ
الأحدث غير معلوم يدخل المقام في كبرى اشتباه الحجّة بغيرها فتصل النوبة الى الأصل
العملي ومقتضى القاعدة ، الاشتراط إذ مقتضى الاستصحاب عدم الإتيان ولا دليل على
الإجزاء إلّا بعد الدخول في الغير بل مقتضى الأصل عدم جعل الاعتبار الّا فيما
يتحقق الدخول في الغير فالنتيجة اشتراط الدخول في الغير.
المورد الثاني :
أنّه هل يشترط الترتب في المدخول فيه على المخرج عنه؟ الظاهر عدم الدليل على اعتبار
الترتيب.
المورد الثالث :
أنه هل يشترط على تقدير الترتب بكونه شرعيا؟ الظاهر عدم الاعتبار كل ذلك لعدم
الدليل.
وفي المقام فروع :
الفرع الأول : أنّه لو شك في أثناء
الوضوء في تحقق بعض الأجزاء كما لو كان مشتغلا بغسل يده وشك في غسل وجهه وعدمه لا تجري لا قاعدة التجاوز
ولا قاعدة الفراغ أما الاولى فلعدم دليل عليها وأما الثانية فلعدم تحقق الموضوع إذ
المفروض أن الشك في أصل الوجود مضافا الى حديث زرارة فإنه يدل
__________________
بالصراحة على عدم
جريان قاعدة التجاوز أثناء الوضوء وأما لو شك في صحة بعض أجزائه وفساده فالظاهر
عدم مانع عن جريان قاعدة الفراغ فإن حديث ابن مسلم بعمومه الوضعي يدل على الجريان
فالمقتضي للجريان موجود والمانع مفقود فلاحظ.
الفرع الثاني : مقتضى عموم بعض النصوص
وإطلاق بعضها الآخر جريان قاعدة الفراغ في جميع الموارد بلا خصوصيّة للصلاة ولا للوضوء ، إذ الميزان بعموم الجواب
أو إطلاقه لا بخصوص مورد السؤال.
وهل تختص
بالعبادات أو تعم التوصليات وهل تعم الأمور الوضعية أو تختص بالتكليفيات؟
الظاهر أنه لا وجه
للاختصاص لاحظ حديث زرارة .
فلو طلق زوجته
وبعد الفراغ عن الصيغة شك في أدائها صحيحة أو باطلة وكان داخلا في الغير تجري
القاعدة بلا محذور.
الفرع الثالث : أنه لو شك في الإتيان
بجزء من أجزاء المركب فتارة يكون محلّ التدارك باقيا واخرى لا ، أما على الأول فيجب التدارك إذ مقتضى الاستصحاب عدم
الإتيان به ولا دليل على قاعدة التجاوز.
وأما على الثاني
فتارة نقول بجريان قاعدة لا تعاد في الأثناء وأخرى نقول بعدمه أما على الأول فلو
كان الشك في الأثناء تكون الصلاة صحيحة وأما إذا كان الشك بعد الصلاة فالأمر أوضح.
وأما على الثاني
فلا بدّ من التفصيل بأن نقول : إن كان الشك في الأثناء تكون الصلاة باطلة وإن كان
بعدها تكون صحيحة.
__________________
إن قلت : لازم هذا
الكلام أن المصلي لو دخل في العصر وشكّ في أنّه هل أتى بالركوع في صلاة الظهر أم
لا؟ يحكم ببطلان الظهر إذ مقتضى الاستصحاب عدم الإتيان به ومن ناحية أخرى لا يمكن
التدارك ومن ناحية ثالثة قاعدة لا تعاد لا تشمل الأركان ومن ناحية رابعة لا دليل
على قاعدة التجاوز.
قلت : بعد الفراغ
عن الظهر لو شك في ركوعها يكون من مرجع الشك في صحة ما فرغ منه ومقتضى قاعدة
الفراغ الحكم بالصحة.
مضافا الى النص
الخاص الوارد في الحكم بالصحة بعد الفراغ من الصلاة.
إن قلت : على هذا
يلزم أنه لو كان المصلي في الركعة الرابعة من صلاة الظهر مثلا لو شك في ركوع
الركعة الأولى لا بد من الحكم بالصحة لقاعدة الفراغ إذ المفروض أنه فرغ عن الركعة
الأولى.
قلت : الركعة
الأولى جزء من المركب وليس كل جزء من المركب الواجب واجبا بوجوب في قبال بقية
الأجزاء بل للمركب بما هو مركب أمر واحد ووجوب فارد فلو شك في ركوع الركعة الأولى
يكون مقتضى الاستصحاب عدم الإتيان به إذ المفروض عدم الدليل على قاعدة التجاوز.
وأما قاعدة الفراغ
فلا موضوع لها إذ المفروض أن الشك في أصل الوجود وأما الركعة الأولى بما هي فلا
تكون واجبة كي يقال انطباق المأمور به على المأتي به يكون منشأ للصحة فلاحظ.
الجهة الخامسة : في أن القاعدة من
الأمارات أو من الأصول؟ والكلام يقع في
هذه الجهة تارة في الآثار المترتبة على القولين وأخرى في الدليل على كونها أمارة
فيقع الكلام في موضعين :
الموضع الأول : في بيان الآثار
المترتبة.
الأثر الأول : تقدم القاعدة على
الاستصحاب فإنه لو كانت القاعدة من
الأمارات تكون
متقدمة على الاستصحاب كتقدم بقية الإمارات عليه.
ويرد عليه أن
القاعدة تتقدم على الاستصحاب ولو على القول بكونها من الأصول إذ لو كان الاستصحاب
مقدما عليها فما فائدة جعلها واعتبارها فإن الاستصحاب دائما ينافي مفاد القاعدة
إلّا في أقل قليل جدا.
كما أن البينة
مقدمة على القاعدة ولو قلنا بكونها من الأمارات فلو شك المكلف في صحة الحمد وقد
دخل في السورة وقامت البينة على عدم صحة الحمد لا بدّ من الإعادة ولا تجري
القاعدة.
والوجه فيه أن
المأخوذ في مورد القاعدة الشك ، لقوله عليهالسلام : (يا زرارة إذا خرجت من شيء ثم دخلت في غيره فشكّك ليس
بشيء).
وأما البينة فتلغي
الشك ويعتبر من قامت عنده عالما ومن الظاهر أنّه لا يبقى مجال لحكم الشاك.
وإن شئت فقل : إن
دليل البيّنة حاكم على دليل القاعدة.
وأما إذا قامت
شهادة عدل واحد أو ثقة واحد في مقابل القاعدة فهل يقع التعارض بين الطرفين أو تقدم
القاعدة أو يقدم قول العدل أو الثقة.
لا يبعد أن يكون
التقدم لقول العدل أو الثقة بعين التقريب المتقدم.
وصفوة القول : أن
القاعدة بيان حكم المكلف عند الشك ومع قيام الدليل على إزالة الشك لا يبقى مجال
للقاعدة.
الأثر الثاني : أنه لو كانت القاعدة من الأمارات تترتب عليها اللوازم العقلية فلو كان المكلف
محدثا ثم شكّ في الطهارة ثمّ صلّى صلاة الظهر مثلا وبعد الصلاة شك في الطهارة تجري
القاعدة بالنسبة الى صلاته ويحكم بصحتها.
فلو كانت القاعدة
أمارة يحكم بتحقق الطهارة ولا حاجة الى تجديدها بالنسبة الى الصلوات الآتية وأما
على تقدير كونها من الأصول فلا.
ويرد عليه : أنه
لا فرق من هذه الجهة بين القولين إذ لا دليل على ترتب اللوازم العقلية على الأمارة
وإنما قلنا به في لوازم الإخبار من باب السيرة العقلائية كما هو مقتضى الإقرار أو
من باب أن الإخبار بالملزوم إخبار باللازم فاعتبار حجية الخبر مرجعه الى اعتبار
إخباره بالنسبة الى اللوازم أيضا.
الأثر الثالث : أنه على القول بكونها أمارة يستلزم اعتبار الأذكريّة في الجريان ومع
العلم بالغفلة لا تجري.
ويرد عليه : ان
الميزان بإطلاق الدليل فلو تم الإطلاق نأخذ به ولو مع العلم بكون المكلف غافلا حال
العمل.
وأما الموضع
الثاني : فما يمكن أن يستدل به على كونها أمارة وعلى اشتراط احتمال كون المكلف
محتملا لكونه ذاكرا حين العمل طائفة من النصوص.
منها ما رواه بكير
بن أبي أعين ، قال : قلت له : الرجل يشك بعد ما يتوضأ قال : هو حين يتوضأ أذكر منه
حين يشك .
وهذه الرواية
ضعيفة سندا ببكير إذ أنّه لم يوثق.
ومجرد قول الإمام عليهالسلام حين وصول خبر وفاته إليه : (أنزله الله بين رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وأمير المؤمنين عليهالسلام) ، لا يدل على أنه كان ثقة وكان عادلا بل فوق العدالة إذ
نرى أن السيد الحميري مع كونه متجاهرا بالفسق حين وفاته ابيضّ وجهه بعد اسوداده ،
وقال : والله دخلت الجنة.
وأيضا نرى أن الحر
الشهيد الرياحي مع تلك المواجهة مع سيد الشهداء عليهالسلام المواجهة التي انتهت الى أن قتل سلام الله عليه وصل الى
مرتبة صار قبره ومدفنه مزارا لعامة الشيعة فلا ملازمة بين الأمرين.
__________________
مضافا إلى أنه
نفرض أنّه كان صدوقا بل عادلا بل وليّا من أولياء الله لكن لا دليل على أن صدور
الحديث عنه كان مقارنا مع زمان وثاقته وعدالته وولايته فهذه الرواية ساقطة عن
الاعتبار.
ومنها ما روا محمد
بن مسلم عن أبي عبد الله عليهالسلام أنه قال : إن شك الرجل بعد ما صلّى فلم يدر أثلاثا صلّى أم
أربعا وكان يقينه حين انصراف أنه كان قد أتمّ لم يعد الصلاة وكان حين انصرف أقرب
الى الحق منه بعد ذلك .
وهذه الرواية لا
بأس بسندها وتقريب الاستدلال بها أنه روحي فداه بعد حكمه بالإتمام وعدم الإعادة
علل الحكم بقوله عليهالسلام : (وكان حين انصرف أقرب الى الحق) والعلّة تعمم وتخصّص
فيكون الحكم بالإتمام مختصّا بمورد يكون أقرب الى الحق فيفهم من الحديث أن في
جريان القاعدة يلزم احتمال الذكر وأما مع العلم بالغفلة فلا مجال لجريانها.
أقول : قد صرح في
كلامه عليهالسلام بما مضمونه : أن المصلي إذا فرغ من الصلاة وكان حين الفراغ
قاطعا يكون صلاته تامة ثم شك في صحة صلاته على نحو الشك الساري لا تجب عليه
الإعادة وكان حين الانصراف أقرب الى الواقع.
ومن الظاهر أن
الأصحاب لا يشترطون في جريان القاعدة كون المكلف حين الفراغ متوجها وقاطعا بتمامية
عمله.
وبعبارة أخرى :
الإمام عليهالسلام بين حكم مورد جزئي من موارد الشك الساري والمستفاد من
الرواية بحسب المفهوم أن المصلي بعد فراغه عن الصلاة لو لم يكن قاطعا بالصحة يلزم
أن يعتني بالشك في صحة صلاته وحيث إنّ الحديث وارد في خصوص الصلاة يكون مخصّصا لما
يدل بالإطلاق والعموم على عدم الاعتداد
__________________
بالشك كحديثي
زرارة وابن أبي يعفور فلا يرتبط مفاد الحديث بالمدعى أصلا.
هذا أولا وثانيا
أنّه بأيّ تقريب يدعى أن الجملة الواقعة في هذه الرواية أو تلك الرواية علة للحكم
ولما ذا لا تكون حكمة للجعل وإذا جاء الاحتمال بطل الاستدلال.
وثالثا إنّا نفرض
كون الجملة علة للحكم لكن نقول لا إشكال في عدم التنافي بين الاثباتين فلو قال
المولى في دليل لا تشرب الخمر لأنه مسكر يستفاد منه أن الحرمة دائرة مدار الإسكار
فلو ورد في دليل آخر لا تشرب الحلو هل يكون الدليل الثاني منافيا للدليل الأول أو
تكون النتيجة أن الحرمة دائرة مدار أحد الأمرين وهما الحلاوة والإسكار؟
ورابعا : إن
المذكور في حديث بكير الأذكرية وفي حديث ابن مسلم الأقربية الى الحق فنسأل أنه ما
المراد بالأذكرية أو الأقربية فهل يكون المراد من الكلمة الأذكرية والأقربية
النوعية أو الشخصية أما النوعية فلا تنافي اعتبار القاعدة مع العلم بالغفلة وأما
الشخصية فلا بد من القطع بها ومع القطع لا يحتمل النقصان الّا من حيث العمد
واحتمال العمد مدفوع باستصحاب عدمه.
فالنتيجة أنه لا
دليل على اشتراط جريان القاعدة باحتمال الذكر بل مقتضى القاعدة هو الجريان على
الاطلاق.
ويؤيد المدعى
حديثان واردان في باب الوضوء أحدهما ما رواه الحسين بن أبي العلاء قال سألت أبا
عبد الله عليهالسلام عن الخاتم إذا اغتسلت قال :
حوله من مكانه
وقال في الوضوء تديره فإن نسيت حتى تقوم في الصلاة فلا آمرك أن تعيد الصلاة .
__________________
ثانيهما ما رواه
محمد بن علي بن الحسين قال : إذا كان مع الرجل خاتم فليدوّره في الوضوء ويحوّله
عند الغسل ، قال : وقال الصادق عليهالسلام : وإن نسيت حتى تقوم من الصلاة فلا آمرك أن تعيد .
فإن الحديثين
يدلان على جريان القاعدة حتى مع العلم بالنسيان حين العمل.
الجهة السادسة : في أنّ القاعدة من
المسائل الأصولية أو من المسائل الفرعية الفقهية؟
والحق أنها من
الثانية كما تقدم منّا قريبا وصفوة القول : أن القاعدة الفقهية لا ترتبط بالأصول
فإن المسألة الأصولية تقع نتيجتها في طريق استنباط الحكم الفرعي ولا تتعرض لحكم من
الأحكام الشرعية الفرعية وأما القاعدة الفقهية فإنها ناظرة ومتعرضة للحكم الفرعي
الإلهي.
وبعبارة اخرى : لا
فرق بين قاعدة الفراغ ووجوب صلاة الجمعة غاية ما في الباب أن القاعدة بمفهومها
الواسع تتعرض لكثير من الموارد التي تكون تحت جامع واحد.
وإن شئت فقل : أن
مفاد قاعدة : (ما يضمن بصحيحه ...) مثل وجوب العمل بالشرط ومثل وجوب العمل بالنذر
فإن مصداق النذر قد يكون هو الصوم وأخرى الاعتكاف وثالثة الحج ورابعة الازدواج
فلاحظ.
__________________
القاعدة الرابعة
قاعدة حجية البيّنة
اعلم أن المراد من
البيّنة في المقام شهادة عدلين بموضوع خارجي.
والكلام يقع حولها
في جهات :
الجهة الأولى : في الوجوه القابلة
للاستدلال بها على اعتبار البينة.
الوجه الأول : جملة من الآيات منها قوله تعالى : (وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ
رِجالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ).
بتقريب أن
المستفاد من الآية اعتبار شهادة رجلين.
وفيه أوّلا لا
تعرض في الآية لعدالة الشاهدين.
وثانيا أن الآية
راجعة الى الدين والموجبة الجزئية لا تكون دليلا على الإيجاب الكلي الذي هو
المقصود.
ومنها قوله تعالى
: (وَلا يَأْبَ
الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا).
بتقريب أن
المستفاد من الآية اعتبار شهادة شاهدين وبعبارة أخرى وجوب أداء الشهادة يستلزم
اعتبار قول الشاهد.
وفيه ما تقدم آنفا
من الإشكال طابق النعل بالنعل.
ومنها قوله تعالى
: (يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ
__________________
الْمَوْتُ
حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنانِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ).
وتقريب الاستدلال
ظاهر ويرد عليه أولا : أنّه جعل العدل للعادل فإنّ قوله تعالى : (أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ) مطلق يشمل غير العادل مضافا الى ان غير الامامي الاثني
عشري لا يتصور كونه عادلا.
وثانيا : أنّه قد
مرّ قريبا أن الإيجاب الجزئي لا يكون دليلا على الكلية.
ومنها قوله تعالى
: (يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ
مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ
ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ).
والتقريب هو
التقريب والإشكال هو الإشكال.
ومنها قوله تعالى
: (فَإِذا بَلَغْنَ
أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ
وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ).
والتقريب هو
التقريب والإشكال هو الإشكال.
وعلى الجملة : لا
يمكن استفادة الكلية من هذا المقدار من الموارد الجزئية مضافا الى أنه كما تقدم لا
تعرض في بعض هذه الآيات للعدالة.
الوجه الثاني : الروايات منها ما رواه مسعدة ابن صدقة عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : سمعته يقول : كلّ شيء هو لك حلال حتى تعلم أنّه حرام
بعينه فتدعه من قبل نفسك وذلك مثل الثوب يكون عليك قد اشتريته وهو سرقة أو المملوك
عندك ولعلّه حر قد باع نفسه أو خدع فبيع قهرا أو امرأة تحتك وهي اختك أو رضيعتك
والأشياء كلّها على هذا حتى يستبين لك غير ذلك أو تقوم به
__________________
البيّنة .
وتقريب الاستدلال
على المدعى بالحديث : أن المستفاد منه أنّ البيّنة حجّة في جميع الموضوعات
الخارجية.
وفيه أن الحديث
ضعيف سندا فلا يعتد به.
وربما يقال كما
قيل : أن عمل المشهور بالخبر الضعيف يوجب انجباره ويوجب صيرورته موثوقا به وموضوع
الحجة الخبر الموثوق به.
ويرد على هذا
البيان :
أولا : أنّه كيف
يمكن الجزم بأن المشهور عملوا بهذا الخبر والحال أن الوجوه القابلة للاستدلال
متعددة.
وثانيا : أن
الالتزام بكون عمل المشهور جابرا وإعراضهم مسقطا من غرائب الكلام ويستلزم التناقض
إذ في الأصول يحكمون بعدم اعتبار الشهرة الفتوائية وفي الفقه يحكمون بكون العمل أو
الإعراض جابرا ومسقطا ولا يمكن الجمع بين القولين.
وصفوة القول :
أنّه إن كان الورع والفضيلة يوجبان العلم لوصولهم الى دليل معتبر فكلا المقامين من
واد واحد وإن قلنا أنّه يحتمل أن يكون العمل أو الإعراض ناشئا عن الاجتهاد فلا أثر
لعملهم ولا لإعراضهم.
وثالثا : أنه أيّ
دليل دلّ على أنّ الميزان في الحجية الوثوق بصدور الخبر لا بكون الراوي ثقة والحال
أن السيرة العقلائية التي هي العمدة في دليل اعتبار الأخبار الآحاد جارية على
العمل بخبر الثقة.
ويؤكد المدعى بل
يدل عليه ما ورد في بعض الروايات حين يسأل الراوي
__________________
الإمام عليهالسلام عن كون فلان ثقة بقوله أيونس بن عبد الرحمن ثقة آخذ عنه
معالم ديني.
ورابعا : كيف يمكن
دعوى أن الميزان الوثوق بالصدور والحال أنّه قلّما يتّفق تحقق الوثوق بالصدور.
وخامسا : أنه لو
كان الميزان الوثوق بالصدور لم يكن وجه لهذا البحث الطويل في حجية الخبر الواحد إذ
اعتبار الاطمئنان من الواضحات الأوليّة فإن القطع حجة عقلا والاطمئنان حجة عقلائية
فالنتيجة أن الحديث غير تام سندا.
وأما من حيث
الدلالة فالبينة عبارة عن الحجة وبعبارة أخرى :
البينة مرادفة مع
البرهان وما قيل في هذا المقام أن البيّنة في لسان الشرع عبارة عن شهادة عدلين ،
بلا بينة.
كما أن ما قيل من
أنّه لو كان المراد من البينة الحجة الواضحة لكان قسم الشيء قسيما له ، لا شيء
تحته فإن البينة قسيم العلم.
ومنها ما رواه عبد
الله بن سليمان عن أبي عبد الله عليهالسلام في الجبن قال :
كل شيء لك حلال
حتى يجيئك شاهدان يشهدان أن فيه ميتة .
وتقريب الاستدلال
بالحديث ظاهر.
ويرد عليه أوّلا :
أن الرواية لا يعتد بها سندا فإن عبد الله بن سليمان لم يوثق.
وثانيا : أن
المذكور فيها عنوان شاهدين بلا قيد فيشمل بإطلاقه حتى المشرك فلا يرتبط بالمقام
أصلا.
ومنها النصوص
الواردة في ثبوت الهلال بشاهدين عدلين كحديث الحلبي عن أبي عبد الله عليهالسلام أن عليّا عليهالسلام كان يقول : لا أجيز في الهلال الّا شهادة رجلين عدلين .
__________________
وفيه أنّه قد
تقدّم منّا أن ثبوت المدعى في مورد جزئي لا يدل على الكليّة فإن الأحكام الشرعية
أمور تعبدية لا تنالها عقولنا : «مه يا أبان السنة إذا قيست محق الدين» (آللهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللهِ
تَفْتَرُونَ).
ومنها النصوص
الواردة في باب القضاء ودلت على اعتبار قول عادلين ويثبت به ادعاء المدعي حتى فيما
يكون مورد الدعوى عينا تحت يد الغير فإذا فرض اعتبار شهادة عدلين حتى في قبال
الأمارة وتكون الشهادة حاكمة عليها فكيف ببقية الموارد التي لا تكون كذلك.
وبعبارة اخرى :
بالأولوية تدل على ثبوت الموضوعات الخارجية كنجاسة لباس زيد وكرّيّة حوض المدرسة
الفلانية.
ويرد عليه : أنه
لا وجه للأولوية إذ الأولوية إنما تتصور فيما يكون مناط حكم المولى معلوما كما في
قوله تعالى حيث نهى عن قول (أُفٍ) بالنسبة الى الوالدين فإن العرف يفهم أن الوجه في النهي
التحفظ على كرامتهما فيفهم بالأولويّة أشدّية الشتم والضرب.
وأما في المقام
فالملاك عندنا غير معلوم ولعلّ مصلحة قطع النزاع تقتضي الاعتبار بالنسبة الى شهادة
عدلين بخلاف المورد الآخر.
الوجه الثالث : الإجماع وعن الجواهر : نفي وجدانه للخلاف في إثبات النجاسة بها
ونقل خلاف القاضي وابن البراج والكاتب والشيخ ومع الاختلاف كيف يمكن دعوى الإجماع.
مضافا الى أنّه قد
ثبت في الأصول عدم حجية الإجماع لا منقولا ولا محصّلا.
الوجه الرابع : السيرة العقلائية في جميع الأمصار والأعصار فإن سيرتهم جارية على قبول شهادة
شخصين غير متهمين ولا معروفين بالكذب ولا مغرضين بالنسبة الى المشهود عليه.
ويرد عليه أولا :
أنّه كيف يمكن الجزم بتحقق السيرة المدّعاة.
وثانيا : أن
المدعى أخص من مورد السيرة المدعاة.
وبعبارة اخرى :
السيرة المدعاة لا تنطبق على مورد الكلام.
وإن شئت قلت :
السيرة المدعاة دائرتها أوسع من دائرة محل الكلام ولا خصوصية في نظر هم لشهادة
عدلين.
وثالثا : أنّه إذا
كان الغرض مع المشهود عليه مانعا عن القبول فمجرد احتماله يكفي في عدم الاعتبار إذ
لا يجوز الأخذ بالعام في الشبهة المصداقية.
لا يقال :
بالاستصحاب يحرز عدم الغرض فإنه يقال لا يترتب على الأصل المذكور تحقق السيرة إلّا
على القول بالمثبت الذي لا نقول به ، وبعبارة اخرى : السيرة لا إطلاق فيها كي يقال
: بأن بالاستصحاب يحرز الموضوع بل السيرة دليل لبيّ ولا بد فيها من الاقتصار على
المتيقن منها فلاحظ.
الوجه الخامس : السيرة الجارية بين أهل الشرع مضافا الى ارتكازهم وأذهانهم فإنه لا مجال
لإنكار هذه السيرة القطعية المسلمة عند المتشرعة ومن الظاهر أن هذه السيرة الجارية
مسببة عن سبب شرعي وإلّا فكيف يمكن تحققها بلا نكير من أحد.
وإن شئت قلت :
وضوح اعتبارها بحدّ لا يكون قابلا للإنكار.
الوجه السادس : النصوص الدالة على اعتبار شهادة العدل منها : ما رواه عبد الله بن أبي يعفور
قال : قلت لأبي عبد الله عليهالسلام :
بم تعرف عدالة
الرجل بين المسلمين حتى تقبل شهادته لهم وعليهم فقال : أن تعرفوه بالستر والعفاف
وكفّ البطن والفرج واليد واللسان ويعرف باجتناب الكبائر التي أوعد الله عليها
النار من شرب الخمر والزنا والربا وعقوق الوالدين والفرار من الزحف وغير ذلك
والدلالة على ذلك كلّه أن
يكون ساترا لجميع
عيوبه حتى يحرم على المسلمين ما وراء ذلك من عثراته وعيوبه وتفتيش ما وراء ذلك
ويجب عليهم تزكيته وإظهار عدالته في الناس ويكون منه التعاهد للصلوات الخمس إذا
واظب عليهن وحفظ مواقيتهن بحضور جماعة من المسلمين وأن لا يتخلف عن جماعتهم في
مصلاهم الّا من علة فإذا كان كذلك لازما لمصلاه عند حضور الصلاة الخمس فإذا سئل
عنه في قبيله أو محلته قالوا ما رأينا منه الّا خيرا مواظبا على الصلوات متعاهدا
لأوقاتها في مصلّاه فإن ذلك يجيز شهادته وعدالته بين المسلمين وذلك أن الصلاة ستر
وكفارة للذنوب وليس يمكن الشهادة على الرجل بأنّه يصلي إذا كان لا يحضر مصلاه
ويتعاهد جماعة المسلمين وإنما جعل الجماعة والاجتماع الى الصلاة لكي يعرف من يصلي
ممّن لا يصلي ومن يحفظ مواقيت الصلاة ممن يضيع ولو لا ذلك لم يمكن أحد أن يشهد على
آخر بصلاح لأن من لا يصلي لا صلاح له بين المسلمين فإن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم همّ بأن يحرق قوما في منازلهم لتركهم الحضور لجماعة
المسلمين وقد كان فيهم من يصلي في بيته فلم يقبل منه ذلك وكيف يقبل شهادة أو عدالة
بين المسلمين ممّن جرى الحكم من الله عزوجل ومن رسوله صلىاللهعليهوآلهوسلم فيه الحرق في جوف بيته بالنار وقد كان يقول : لا صلاة لمن
لا يصلي في المسجد مع المسلمين إلّا من علّة .
والمستفاد من هذه
الرواية بالصراحة اعتبار شهادة العادل ولكن الإشكال في سند الحديث فإنّ له طريقين
أحدهما تام والآخر غير تام أما الطريق الأول الذي يكون تاما فقد حذف منه ما يفيدنا
في المقام وأما الطريق الثاني فهو مشتمل على ما يفيدنا لكن غير تام من حيث السند
فلا يعتد بهذه الرواية.
__________________
ومنها ما عن تفسير
الإمام الحسن العسكري عليهالسلام في تفسيره عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، قال في قوله تعالى : (وَاسْتَشْهِدُوا
شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ) ، قال : ليكونوا من المسلمين منكم فإن الله إنما شرّف
المسلمين العدول بقبول شهادتهم وجعل ذلك من الشرف العاجل لهم ومن ثواب دنياهم .
إن قلت : المستفاد
من الحديث اعتبار شهادة العدل ولو كان واحدا.
قلت : على فرض
تسلم هذه الدعوى نقول : نرفع اليد عن الإطلاق بهذا المقدار فيتم الأمر فتحصل أن
شهادة عادلين حجة.
بقي الكلام في
العدل الواحد والثقة الواحد أما العدل الواحد فيمكن الاستدلال على اعتبار قوله
مضافا الى السيرة الجارية بين أهل الشرع بل الجارية بين العقلاء ما في تفسير
الإمام عليهالسلام فإن المستفاد من الحديث اعتبار قول المسلم العادل.
ويؤيد المدعى إن
لم يكن دليلا تجويز الشارع الأقدس الاقتداء به في الصلاة مع كونها معراج المؤمن
وأعظم أركان الدين وإن قبلت قبل ما سواها وإن ردّت ردّ ما سواها.
بل لنا أن نستدل
على المدعى بآية النبأ حيث أن المستفاد من الآية أن علّة عدم اعبتار قول الفاسق أن
الركون إليه وجعل قوله طريقا الى الواقع في معرض حصول الندامة فإن الندامة إنّما
تحصل فيما يكون العمل بلا رويّة وتكون نتيجة لسلوك طريق غير عقلائي.
وبعبارة واضحة :
أن الإنسان إذا أقدم على أمر وسلك سلوكا على طبق القواعد لا يحصل له الندم وإن لم
يصل الى مطلوبه ، نعم كثيرا ما يتأثّر.
مثلا إذا فرضنا أن
المريض راجع الى طبيب حاذق مشار إليه بالبنان ولكن
__________________
الطبيب اشتبه في
التداوي وبالنتيجة صار المريض أسوأ حالا بحيث لا يكون قابلا للعلاج لا معنى لأن
يصير المريض نادما من عمله ولكن يتأثر من عدم حصول مطلوبه وهذا أمر آخر.
والمستفاد من
الآية أن علة المنع أن الركون الى الفاسق الذي لا يكون في طريق الحق سفاهة وأمّا
إذا لم يكن كذلك فلا مانع عن الركون ولعمري هذا وجه وجيه وإن كان قارعا للأسماع.
وأما شهادة الثقة
الواحد فيمكن الاستدلال على اعتبارها بالسيرة أيضا فإن الظاهر أن السيرة العقلائية
جارية على العمل بقوله ولم يردع السيرة المذكورة من قبل الشارع الأقدس.
بل يظهر من جملة
من النصوص إمضائها منها ما رواه أحمد بن اسحاق عن أبي الحسن عليهالسلام قال : سألته وقلت : من أعامل وعمن آخذ وقول من أقبل؟ فقال
: العمري ثقتي فما أدّى إليك عنّي فعنّي يؤدي وما قال لك عنّي فعني يقول فاسمع له
وأطع فإنّه الثقة المأمون .
ومنها ما رواه
إسحاق بن يعقوب قال : سألت محمد بن عثمان العمري أن يوصل لي كتابا قد سألت فيه عن
مسائل أشكلت عليّ فورد التوقيع بخط مولانا صاحب الزمان عليهالسلام : أما ما سألت عنه أرشدك الله وثبتك ـ إلى أن قال ـ وأما
الحوادث الواقعة فارجعوا فيها الى رواة حديثنا فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله
وأما محمد بن عثمان العمري رضي الله عنه وعن أبيه من قبل فإنه ثقتي وكتابه كتابي .
ومنها ما رواه
الحسن بن علي بن يقطين عن الرضا عليهالسلام قال : قلت : لا أكاد
__________________
أصل إليك أسألك عن
كل ما احتاج إليه من معالم ديني أفيونس بن عبد الرحمن ثقة آخذ عنه ما احتاج إليه
من معالم ديني؟ فقال : نعم .
ومنها ما رواه علي
بن المسيّب الهمداني قال : قلت للرضا عليهالسلام : شقّتي بعيدة ولست أصل إليك في كل وقت فممّن آخذ معالم
ديني؟ قال : من زكريا ابن آدم القمي المأمون على الدين والدنيا ، قال علي بن
المسيب : فلما انصرفت قدمنا على زكريّا بن آدم فسألته عمّا احتجت إليه .
ومنها ما رواه
أحمد بن إبراهيم المراغي قال : ورد على القاسم بن العلاء وذكر توقيعا شريفا يقول
فيه : فإنه لا عذر لأحد من موالينا في التشكيك فيما يرويه عنّا ثقاتنا قد عرفوا
بأنّا نفاوضهم سرّنا ونحملهم إياه إليهم .
فإن المستفاد من
هذه الطائفة أن حجية قول الثقة أمر واضح على نحو الكبرى الكلية وإنما الكلام في
تشخيص المصداق.
أضف إلى ذلك أنا
نرى أن الشيخ الطوسي والمفيد والصدوق وأضرابهم مع كون عصرهم قريبا من عصر الإمام عليهالسلام يرتّبون الأثر على شهادة الثقة كان أمرا مغروسا في أذهانهم
وقانونا مسلّما عندهم فلو لم يكن قول الثقة معتبرا عند الشارع لذاع وشاع ولم يكن
أمرا مستورا تحت الستار.
وفي المقام حديث
عن أبي جعفر عليهالسلام في حديث أن عليا عليهالسلام قال : لا أقبل شهادة الفاسق الّا على نفسه .
__________________
ربما يقال بأن
المستفاد منه أنه لا اعتبار بشهادة الفاسق وإن كان ثقة.
وفي قبال التقريب
المذكور يمكن أن يقال : إن قلنا بأن المستفاد من الحديث أنه لا يقبل قوله في مقام
الدعاوي والمحاكمات فالأمر سهل إذ من الواضح ان الشهادة في مورد القضاء وإثبات
الدعوى مشروط بكون الشاهد عادلا وإن قلنا بأن الحديث مطلق أي المستفاد منه عدم
قبول قول الفاسق على الإطلاق فيمكن أن يقال بأن المناسبة بين الحكم والموضوع تقتضي
أن الامام روحي فداه ناظر الى صورة عدم الأمن من الكذب وأما لو كان ثقة وأمينا في
الكلام فالحديث غير ناظر إليه.
وإن أبيت وقلت :
المحكم إطلاق الحديث فيشمل الثقة الفاسق قلت : حيث انّ اعتبار قول الثقة واضح وكما
بيّنا من الصدر الأول كان ديدن الأعاظم على ترتيب الأثر بقول الثقة بلا نكير نخصّص
الحديث ونقول : لا اعتبار بقول الفاسق الّا إذا كان ثقة فلاحظ.
الجهة الثانية : أنّه هل يشترط في حجيّة
البيّنة كون الشاهدين العادلين رجلين أم لا؟
الظاهر هو
الاشتراط إذ لا دليل على الإطلاق ومقتضى الأصل في الأمور الوضعية الضيق.
الجهة الثالثة : انّه لا اختصاص لمورد
دون آخر بل البيّنة حجّة في جميع الموضوعات بلا كلام ولا يتصور في مورد عدم أثر شرعي إذ أقل ما يترتب
على الشهادة جواز الإخبار فلاحظ.
الجهة الرابعة : في حكم صورة تعارض
البيّنة مع غيرها فنقول : لا إشكال
في تقدمها على الأصول العملية التي أخذ في موضوعاتها عنوان الشك فإنها حاكمة عليها
كما هو ظاهر.
وأيضا تقدم على
الاستصحاب حتى على القول بكونه أمارة إذ مضافا الى أن المأخوذ في موضوعه عنوان
الشك لو كان الاستصحاب معارضا مع البيّنة ولم نقل بتقدّمها عليه تكون لغوا.
وأمّا لو عارضت
قاعدة الفراغ أو الصحة فأيضا تقدم عليهما إذ قد مرّ وتقدم منّا أن القاعدة لا تكون
أمارة.
وأما فيما يقع
التعارض بينها وقاعدة اليد أو السوق وأمثالهما فأيضا تقدم عليها فإنّ عمدة الدليل
على تلك القواعد السيرة ولا بدّ من الاقتصار على مورد لا تكون في قبالها بينة.
ومما ذكر يعلم وجه
تقدّمها على قول الثقة وأما إذا وقع التعارض بينها وبين الإقرار فالظاهر لو لا
الدليل الخارجي تقدم الإقرار فإن السيرة العقلائية جارية عليه ولم يتحقق الردع من
قبل الشارع الأقدس.
بل يمكن أن يقال :
أن المرتكز في أذهان أهل الشرع عدم قيام دليل في قبال الإقرار وأما لو وقع التعارض
بينها وبين قول العدل الواحد فمقتضى القاعدة الأولية تحقق التعارض ونتيجة التعارض
التساقط وهل يمكن الجزم به أو يحتاج الأمر الى مزيد من التأمل والله العالم بحقائق
الأمور وعليه التوكّل والتكلان.
القاعدة الخامسة
قاعدة اليد
ويقع البحث فيها من جهات :
الجهة الأولى : في المراد من اليد ، والظاهر أن المراد منها الاستيلاء الخارجي وهذا المعنى
يختلف بحسب إختلاف الموارد ، ولا وجه لإطالة البحث في هذه الجهة إذ الاستيلاء أمر
عرفي ولا يكون أمرا مجهولا فتارة محرز فيترتب عليه الأثر وأخرى يكون مشكوكا فيه
فلا يترتب الأثر عليه بل في مورد الشك يمكن إحراز عدمه بالاستصحاب إذ ذكرنا كرارا
أنه لا مانع من جريان الاستصحاب في الشبهة المفهومية.
الجهة الثانية : في الوجوه التي يمكن
الاستدلال بها على المدعى:
الوجه الأول : السيرة الجارية بين
العقلاء والمتشرعة فإنه
لا إشكال في أن العقلاء في جميع العالم يرون اليد أمارة على كون ذيها مالكا لما
فيها ومن الظاهر الواضح أنه لم يردع عن هذه السيرة من قبل الشارع.
الوجه الثاني : الإجماع ، وفيه الإشكال الساري في جميع الإجماعات المنقولة وأنه لا اعتبار بها ولا
اعتبار بمحصله وإنما الاعتبار بالإجماع الكاشف عن رأي المعصوم عليهالسلام وأنّى لنا بذلك.
الوجه الثالث : جملة من النصوص منها ما رواه عثمان بن عيسى وحماد بن عثمان جميعا عن أبي
عبد الله عليهالسلام في حديث فدك أن أمير المؤمنين عليهالسلام قال لأبي بكر :
أتحكم فينا بخلاف
حكم الله في المسلمين؟ قال : لا قال : فإن كان في يد المسلمين شيء يملكونه ادعيت
أنا فيه من تسأل البيّنة؟ قال : إياك كنت أسأل البينة على ما تدّعيه على المسلمين
، قال : فإذا كان في يدي شيء فادّعى فيه المسلمين تسألني البيّنة على ما في يدي
وقد ملكته في حياة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وبعده ولم تسأل المؤمنين البيّنة على ما ادّعوا عليّ كما
سألتني البيّنة على ما ادّعيت عليهم ، إلى أن قال : وقد قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : البيّنة على من ادّعى واليمين على من أنكر .
ومنها ما رواه
جميل بن صالح قال : قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : رجل وجد في منزله دينارا ، قال : يدخل منزله غيره؟ قلت :
نعم كثير ، قال : هذا لقطة ، قلت : فرجل وجد في صندوقه دينارا ، قال : يدخل أحد
يده في صندوقه غيره أو يضع فيه شيئا؟ قلت : لا قال : فهو له .
ومنها ما رواه
محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليهالسلام قال : سألته عن الدار يوجد فيها الورق فقال : إن كانت
معمورة فيها أهلها فهي لهم وإن كانت خربة قد جلا عنها أهلها فالذي وجد المال أحق
به .
فإنّه يستفاد من
هذه النصوص اعتبار اليد والعرف ببابك.
وأما حديث حفص بن
غياث عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : قال له رجل : إذا رأيت شيئا في يدي رجل يجوز لي أن
أشهد أنه له ، قال : نعم قال الرجل : أشهد أنه في يده ولا أشهد أنه له فلعلّه
لغيره ، فقال أبو عبد الله عليهالسلام : أفيحل الشراء منه؟ قال : نعم فقال أبو عبد الله عليهالسلام : فلعله لغيره.
__________________
فمن أين جاز لك أن
تشتريه ويصير ملكا لك ثم تقول بعد الملك هو لي وتحلف عليه ولا يجوز أن تنسبه الى
من صار ملكه من قبله إليك ، ثم قال أبو عبد الله عليهالسلام : لو لم يجز هذا لم يقم للمسلمين سوق .
فلا يعتد به سندا
فلا تصل النوبة الى ملاحظة دلالته وفي باب ميراث الأزواج نصوص توهم بعض دلالتها
على المدعى منها ما رواه عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : سألني : هل يقضي ابن أبي ليلى بالقضاء ثم يرجع عنه
فقلت له : بلغني أنه قضى في متاع الرجل والمرأة إذا مات أحدهما فادّعاه ورثة الحي
وورثة الميت أو طلقها فادّعاه الرجل وادّعته المرأة المرأة بأربع قضايا فقال : وما
ذاك؟ قلت : أما أوّلهن فقضى فيه بقول إبراهيم النخعي كان يجعل متاع المرأة الذي لا
يصلح للرجل للمرأة ومتاع الرجل الذي لا يكون للمرأة للرجل وما كان للرجال والنساء
بينهما نصفان ثم بلغني أنه قال أنهما مدعيان جميعا فالذي بأيديهما جميعا (يدعيان
جميعا) بينهما نصفان ثم قال : الرجل صاحب البيت والمرأة الداخلة عليه وهي المدعية
فالمتاع كله للرجل الّا متاع النساء الذي لا يكون للرجال فهو للمرأة ثم قضى بقضاء
بعد ذلك لو لا أني شهدته (لم أروه عنه) ماتت امرأة منا ولها زوج وتركت متاعا
فرفعته إليه فقال : اكتبوا المتاع فلما قرءاه قال للزوج : هذا يكون للرجال والمرأة
فقد جعلناه للمرأة الا الميزان فإنه من متاع الرجل فهو لك فقال عليهالسلام لي : فعلى أي شيء هو اليوم؟ فقلت : رجع الى أن قال بقول
إبراهيم النخعي أن جعل البيت للرجل ثم سألته عليهالسلام عن ذلك فقلت : ما تقول أنت فيه فقال : القول الذي أخبرتني
إنك شهدته وإن كان قد رجع عنه فقلت : يكون المتاع للمرأة؟ فقال : أرأيت إن
__________________
أقامت بيّنة إلى
كم كانت تحتاج فقلت شاهدين فقال : لو سألت من بين لابتيها يعني الجبلين ونحن يومئذ
بمكة لأخبروك أن الجهاز والمتاع يهدى علانية من بيت المرأة الى بيت زوجها فهي التي
جاءت به وهذا المدّعي فإن زعم أنه أحدث فيه شيئا فليأت عليه البيّنة .
ومنها ما رواه
يونس بن يعقوب عن أبي عبد الله عليهالسلام في امرأة تموت قبل الرجل أو رجل قبل المرأة قال : ما كان
من متاع النساء فهو للمرأة وما كان من متاع الرجال والنساء فهو بينهما ومن استولى
على شيء منه فهو له .
ومنها ما رواه
رفاعة النخاس عن أبي عبد الله عليهالسلام ، قال : إذا طلق الرجل امرأته وفي بيتها متاع فلها ما يكون
للنساء وما يكون للرجال والنساء قسّم بينهما قال : وإذا أطلق الرجل المرأة فادّعت
أن المتاع لها وادعى الرجل أن المتاع له كان له ما للرجال ولها ما يكون للنساء وما
يكون للرجال والنساء قسّم بينهما .
ولكن هذه الروايات
لا تدل على المدعى أما الرواية الأولى فتدل على أن الدليل قائم على أن ما في البيت
مملوك للمرأة ولا تدلّ على اعتبار اليد.
وأما الحديث
الثالث والرابع فمضافا إلى ضعف سند الثالث لا يدلان على اعتبار اليد بل يدلان على
مطلب آخر كما هو واضح عند المراجع.
أضف الى ذلك
الحديث الثاني من الباب وهو ما رواه سماعة قال : سألته عن رجل يموت ماله من متاع
البيت؟
__________________
قال : السيف
والسلاح والرحل وثياب جلده . فإنّه يدل على خلاف مدلول الحديثين فلاحظ.
ثم أن اليد إذا
كانت يد المسلم هل تكون إمارة على التذكية؟ الظاهر أن الأمر كذلك ويمكن الاستدلال
على المدعى بوجوه :
الوجه الأول : السيرة القطعية الجارية بين أهل الإسلام بلا نكير وهذه السيرة متصلة الى زمان
مخازن الوحي أرواحنا فداهم.
الوجه الثاني : الإجماع المدعى في المقام وعدم الخلاف.
الوجه الثالث : الارتكاز المتشرعي.
الوجه الرابع : إنه لو لم يكن كذلك لشاع وذاع والحال أن خلافه كذلك.
الوجه الخامس : أنه لو لم تكن يد المسلم إمارة على التذكية يلزم العسر والحرج.
الوجه السادس : النصوص لاحظ ما رواه إسماعيل بن عيسى قال : سألت أبا الحسن عليهالسلام عن الجلود الفراء يشتريها الرجل في سوق من أسواق الجبل أيسأل
عن ذكاته إذا كان البائع مسلما غير عارف؟ قال : عليكم أنتم أن تسألوا عنه إذا
رأيتم المشركين يبيعون ذلك وإذا رأيتم يصلون فيه فلا تسألوا عنه .
الوجه السابع : أن النصوص الدالة على
إمارية سوق المسلمين على
التذكية تدل على المدعى إذ السوق لا موضوعية له بل هو طريق الى الإسلام من يكون
فيه فتلك النصوص تدل على المدعى بالأولوية.
الجهة الثالثة : أن الظاهر أن اليد
إمارة في قبال بقية الإمارات والوجه فيه أنه
__________________
لا يكون تعبد من
قبل العقلاء على جعل اليد إمارة على الملكية بل حيث أن الطبع الأولي يقتضي أن ما
في اليد مملوك لذيها وخلافه خلاف الأصل الأولي بنوا على العمل على طبقها ومن
الظاهر أن هذا كاشف عن الواقع.
وإن شئت فقل : إن
اليد إما موجبة للاعتقاد بكون ما في اليد مملوكا لذيها وإما موجبة للظن بالملكية
ولو نوعا وعلى كلا التقديرين تكون كاشفة عن الواقع وهذا ظاهر واضح.
الجهة الرابعة : في موارد التعارض بين
أمارية اليد والأدلة الاخر فنقول :
لا إشكال في
تقدّمها على الاستصحاب لوجهين :
الوجه الأول : أن القاعدة أمارة وكاشفة
عن الواقع والاستصحاب قد أخذ في موضوعه الجهل والشك فتكون القاعدة حاكمة عليه.
الوجه الثاني : أن الاستصحاب لو كان
مانعا عن الأخذ بالقاعدة تكون القاعدة لغوا أو كاللغو إذ ما من مورد إلا القليل
الّا وكان الاستصحاب خلاف مقتضاها.
وأما مع الإقرار
فلا إشكال في تقديمه عليها فإن دليل اعتبار القاعدة السيرة ومن الظاهر أن السيرة
لا لسان لها فلا مجال لتوهم الإطلاق.
وأما مع البينة
فلا إشكال أيضا في تأخر القاعدة عنها أما أولا فلما تقدم آنفا ، وأما ثانيا ، فلأن
الحاكم يحكم بمقتضى البينة فيعلم أنّها مقدّمة على اليد في الشرع الأقدس.
وأما في مورد
تنافيها مع قول العدل الواحد أو الثقة كذلك فلا يمكن الجزم بتقدّم القاعدة عليهما.
إذ يرد على القول
بالتقديم أنّه قد تقدم أن دليل اعتبارها السيرة والجزم بتحققها عند معارضتها معهما
مشكل ومقتضى الأصل عدمها.
بل لقائل أن يقول
لا بد من تقديم قول العدل الواحد والثقة الواحد لاحظ ما عن الامام العسكري .
لكن يشكل
الاستدلال على المدعى بالحديث المشار إليه فإن المذكور في الحديث عنوان شاهدين ولا
يشمل العدل الواحد.
وأما الثقة فلم
يذكر فيه.
إذا عرفت ما تقدم
نقول : يقدم الاستصحاب على القاعدة في موردين :
المورد الأول : ما لو أقرّ ذو اليد بعدم ما فيها مملوكا له سابقا وكان ملكا للمدعي لكن يدعي بعد
ذلك أنه صار مملوكا له فإن الاستصحاب يقتضي عدم انتقال العين إليه والوجه فيه
القصور في دليل اعتبار اليد.
المورد الثاني : ما لو كانت اليد عادية سابقا وادّعى ذو اليد أن ما في يده صار ملكا له
فإن الاستصحاب يقدم عليه لما تقدم آنفا من قصور دليل أمارية اليد فلا يمكن أن
يستدل بها على صحة دعواه.
وفي المقام فروع :
الفرع الأوّل : أن اليد على شيء
والاستيلاء عليه كما تدل على كون
ذلك الشيء ملكا لذيها هل تدل على زوجية امرأة تكون تحت استيلائه وفي داره أم لا؟
وإن شئت فقل :
اليد على العرض هل تكون دالة على الزوجية بحيث لا يحتاج الى الإثبات بل من يدعي
الخلاف عليه إقامة البيّنة أم لا؟
الذي يختلج بالبال
في هذه العجالة أن يقال لا بد من التفصيل بأن يقال : تارة يكون المنكر للزوجية نفس
المرأة وأخرى شخص آخر أجنبي يدعي زوجيّتها وعلى الثاني قد تكون الزوجة مصدّقة
للمدعي وأخرى منكرة لدعواه وثالثة
__________________
تكون ساكتة فهنا
صور :
الصورة الأولى : أن يكون المنكر نفس الزوجة ، وفي هذه الصورة لا يبعد أن يكون القول قول
المنكر أي المرأة والوجه فيه أن غاية ما يمكن أن يقال في اعتبار اليد والاستيلاء
في المقام وغيره ، السيرة العقلائية الممضاة من قبل الشارع ولا سيرة في هذه الصورة
ولا أقل من الشك فيها ومع الشك يكون مقتضى القاعدة عدم الاعتبار فيكون المرجع
أصالة عدم الزوجية.
الصورة الثانية : أن يكون المدعي شخصا أجنبيا وفي هذه الصورة إن كانت المرأة مكذبة إيّاه أو
كانت ساكتة فالظاهر أن اليد والاستيلاء دليل على الزوجية والمدعي للخلاف يحتاج الى
إقامة البيّنة وإن كانت مصدقة إيّاه فالظاهر عدم الاعتبار باليد لعدم الدليل على
اعتبارها فالذي تكون المرأة في داره يحتاج الى إقامة البيّنة ولا يبعد أن يحكم
بزوجية المرأة للأجنبي إذ الحق لا يعدوهما.
الفرع الثاني : إن إخبار ذي اليد بنجاسة
ما في يده أو طهارته هل يكون معتبرا أم
لا؟
ما يمكن أن يذكر
في تقريب الاستدلال على الاعتبار أو ذكر وجوه :
الوجه
الأول : اتّفاق الأصحاب ،
قال في الحدائق : (ظاهر الأصحاب الاتفاق على قبول قول المالك في طهارة ثوبه وإنائه
ونحوهما ونجاستهما).
الوجه الثاني : السيرة بدعوى أنّها جارية على معرفة الأشياء من إخبار المتولي عليها لأنه أعرف
من غيره بحال ما في يده وهذه السيرة ممضاة من قبل الشارع الأقدس وقال سيدنا
الأستاذ في هذا المقام في شرحه على العروة الوثقى :
«لقيام السيرة
القطعية على المعاملة مع الأشياء المعلومة نجاستها السابقة معاملة الأشياء الطاهرة
لدى الشك إذا أخبر ذو اليد بطهارتها ويؤكد السيرة المدعاة أن الإنسان بحسب فطرته
وجبلّته يسأل المتولّي على شيء اذا كان جاهلا
بما يتعلق به
والظاهر أن هذه العادة الجارية بين العقلاء غير قابلة للإنكار».
الوجه الثالث : جملة من النصوص ، منها ما رواه أبو بصير ، قال : سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن الفأرة تقع في السمن أو في الزيت فتموت فيه فقال : إن
كان جامدا فتطرحها وما حولها ويؤكل ما بقي وإن كان ذائبا فأسرج به وأعلمهم إذا
بعته .
ومنها ما رواه
معاوية بن وهب عن أبي عبد الله عليهالسلام في جرذ مات في زيت ما تقول في بيع ذلك؟
فقال : بعه وبيّنه
لمن اشتراه ليستصبح به .
ومنها ما رواه
إسماعيل بن عبد الخالق عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : سأله سعيد الأعرج السمان وأنا حاضر عن الزيت والسمن
والعسل تقع فيه الفأرة فتموت كيف يصنع به؟ قال : أما الزيت فلاتبعه الّا لمن تبيّن
له فيبتاع للسراج وأما الأكل فلا وأما السمن فإن كان ذائبا فهو كذلك وإن كان جامدا
والفأرة في أعلاه فيؤخذ ما تحتها وما حولها ثم لا بأس به والعسل كذلك إن كان جامدا
.
بتقريب إن العرف
يفهم أن الأمر بالإخبار لزوم قبول قول المخبر.
وفيه : إن الوارد
في هذه النصوص عنوان الإعلام والتبيين ومن الواضح أن مجرد الإخبار لا يكون إعلاما
وتبيينا بل العنوانان إنما يتحققان عند حصول العلم بالمخبر به فلا تكون دليلا على
اعتبار الإخبار بما هو إخبار.
اللهم إلا أن يقال
: أن العرف يفهم أن المراد بالإعلام والتبيين ، الاخبار عن
__________________
الواقع وهذا العرف
ببابك.
وإن شئت قلت : إذا
أخبر شخص عن شيء يصحّ أن يقال أنه أعلم أو بيّن.
الوجه الرابع : ما رواه عبد الله بن بكير قال : سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن رجل أعار رجلا ثوبا فصلى فيه وهو لا يصلي فيه قال : لا
يعلمه ، قلت : فإن أعلمه ، قال : يعيد .
وفيه أنه لا يمكن
الأخذ بمفاد الخبر فإنه خلاف ما استفيد من الشرع من صحة الصلاة مع الجهل بالنجاسة.
الوجه الخامس : ما رواه معاوية بن عمار قال : سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن الرجل من أهل المعرفة بالحق يأتيني بالبختج ويقول : قد
طبخ على الثلث وأنا أعرفه أنه يشربه على النصف فقال : خمر لا تشربه ، قلت : فرجل
من غير أهل المعرفة ممّن لا نعرفه يشربه على الثلث ولا يستحلّه على النصف يخبرنا
أن عنده بختجا على الثلث قد ذهب ثلثاه وبقي ثلثه يشرب منه؟ قال : نعم .
وما رواه أيضا قال
: سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن الرجل من أهل المعرفة بالحقّ يأتيني بالبختج ويقول : قد
طبخ على الثلث وأنا أعرف أنّه يشربه على النصف أفأشربه بقوله وهو يشربه على النصف؟
فقال : لا تشربه.
قلت : فرجل من غير
أهل المعرفة ممّن لا نعرفه يشربه على الثلث ولا يستحلّه على النصف يخبرنا أن عنده
بختجا على الثلث قد ذهب ثلثاه وبقي ثلثه يشرب منه؟ قال : نعم .
__________________
الفرع الثالث : أنه هل يجوز الشهادة
مستندة الى اليد أم لا؟ جاء في بعض
الكلمات في هذا المقام أنها جائزة إذ القطع في مورد الشهادة لازم لكن على نحو
الطريقية ومن ناحية أخرى قد حقق في محله قيام الأمارات مقام القطع الطريقي أو
الموضوعي الذي أخذ على الطريقية ومن ناحية ثالثة أن اليد من الأمارات فعلى طبق
القاعدة تجوز الشهادة على طبق اليد.
أقول : يقع الكلام هنا في مقامين :
المقام الأول : في مقتضى القاعدة الأولية.
المقام الثاني : فيما يستفاد من النصوص الخاصة.
أما المقام الأول
فنقول : مقتضى القاعدة الأولية عدم الجواز والوجه فيه : أن الشهادة من الحضور (عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ) وبعبارة اخرى : كون الشيء معلوما غير كونه مشهودا ولذا نحن
بحمد الله قائلون وعالمون بوجود الإمام الغائب سلام الله عليه ومع ذلك لا يكون
حاضرا.
وبعبارة واضحة مع
القطع الوجداني بالواقعة لا تجوز الشهادة فكيف بغيره ولذا لا تجوز الشهادة بالزنا
ولو مع القطع به ولا بدّ فيها من رؤيته كالميل في المكحلة.
ولتوضيح المقام
أزيد مما تقدم ، نقول : تارة يريد الشخص الإخبار عن ملكية ما في يد أحد بأنه لذيها
فإنه جائز بلا إشكال إذ حقق في محله قيام الأمارات مقام القطع وأما الشهادة فلا
فإن الشهادة إخبار خاص في إطار مخصوص ولا يتحقق مفهوم الشهود الّا بالحضور والعرف
واللغة ببابك.
بل التبادر يقتضي
هذا المعنى ، وإن شئت قلت : مجرد كون الشخص عالما بشيء لا يكون شاهدا عليه ولو شك
في سعة المفهوم وضيقه يكون مقتضى الصناعة والأصل عدم التوسعة فإن أصالة عدم كون
اللفظ موضوعا للأعم يقتضي عدم الصدق الّا مع الحضور وأصالة عدم كونه موضوعا للخاصّ
لا يقتضي كونه
موضوعا للعام الّا
على القول بالمثبت الذي لا نقول به.
إن قلت : على هذا
كيف يشهد الموحدون في العالم بقولهم «أشهد أن لا إله الّا الله» مع عدم حضور ذاته
سبحانه.
قلت : يمكن أن
يكون الوجه فيه أن جميع الموجودات الكونية برمّتها أدلة وجوده وكاشفة عن تلك الذات
الحقيقية والشاهد لما نقول ما صدر عن مخزن الوحي خامس أصحاب الكساء في يوم عرفة
فإن من جملة دعائه عليهالسلام : (عميت عين لا تراك).
وإن أبيت عمّا
قلنا ، نقول : لا بد من الحمل على المجاز فلاحظ ، ويؤكد المدعى بل يدلّ عليه أنه
لو كانت الشهادة عند الحاكم جائزة ، لا يبقى أثر لإقامة البينة على صدق ذي اليد إذ
لو كانت اليد سببا لجواز الشهادة على واقع الأمر يكون الشهود كثيرا فالنتيجة عدم
الجواز نعم تجوز الشهادة بالملكية الظاهرية.
وأما المقام
الثاني فقد وردت في المقام عدة نصوص ، منها : ما رواه حفص ابن غياث.
بتقريب أنه يستفاد
من الحديث جواز الشهادة على طبق اليد.
ويرد عليه أن
السند ضعيف بقاسم بن يحيى وكون الرجل في أسناد كامل الزيارات لا أثر له كما بيّناه
في محله.
مضافا الى أنّه لا
يبعد أن يكون المراد بالشهادة ، الشهادة بالملكية الظاهرية والدليل عليه ذيل
الحديث إذ من الظاهر أن الشهادة بالملكية الظاهرية كافية لقيام الأسواق للمسلمين.
ثم أنه هل تجوز
الشهادة بمقتضى الاستصحاب؟
__________________
الكلام فيه هو
الكلام بل ما ذكرناه في مقام التأكيد يدل على عدم الجواز بالاستصحاب بطريق أولى.
وأما حديث معاوية
بن وهب قال : قلت له : إن ابن أبي ليلى يسألني الشهادة عن هذه الدار مات فلان
وتركها ميراثا وأنّه ليس له وارث غير الذي شهدنا له فقال اشهد بما هو علمك ، قلت :
إن ابن أبي ليلى يحلفنا الغموس فقال : احلف إنما هو على علمك وحديثه الآخر قال : قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : الرجل يكون له العبد والأمة قد عرف ذلك فيقول أبق غلامي
أو أمتي فيكلّفونه القضاة شاهدين بأن هذا غلامه أو أمته لم يبع ولم يهب أنشهد على
هذا إذا كلّفناه ، قال : نعم .
فربما يتوهم
دلالتهما على جواز الشهادة ببركة الاستصحاب لكن يمكن أن يكون الإمام عليهالسلام ناظرا الى جواز الشهادة في المقام بما يكون معلوما في
الظاهر ومن الواضح أن هذا المقدار جائز على طبق القاعدة وبعبارة أخرى في الحديث
الأول قد صرح بجواز الشهادة بالمقدار المعلوم وكذلك يجوز الحلف بهذا المقدار
والمستفاد العرفي من كلامه عليهالسلام أن المقدار المعلوم للسائل وهو كون زيد وارثا وكون الدار
كانت ملكا بحسب الموازين لمن مات وأما الشهادة على عدم وارث آخر وبقاء الدار في
ملك الميت الى آخر زمان حياته بحيث تكون الشهادة على الواقع ، فلا يستفاد من
الحديث.
ويفهم من الجملة
الواقعة في الذيل أي قوله عليهالسلام : (إنما هو على علمك) أن الميزان في الجواز في الشهادة
المقدار المعلوم بحسب الظاهر ولا يكون الإمام عليهالسلام في مقام بيان اعتبار الاستصحاب وأنّه تجوز الشهادة
بالاستصحاب وإلّا لم يكن مورد
__________________
لحصر الجواز في
المقدار المعلوم إذ بالاستصحاب ينكشف بقاء الدار في ملكه إلى آخر زمان حياته
وينكشف أيضا عدم وارث آخر.
وأما الحديث
الثاني فإن قلنا بأن المستفاد منه ما هو المستفاد من الحديث الأول فهو وإلا نقيده
بالحديث الأول وان أبيت عما قلنا وقلت بأنهما متعارضان نقول : يسقطان عن الاعتبار
إذ الأحدث منهما غير معلوم فلاحظ.
الفرع الرابع : أن اليد على العين إذا
كانت متعددة فهل يقع التعارض بحيث ينفي كل واحد منهما الملكية للآخر أم لا؟
الحق هو الثاني
ولتوضيح المدعى وما هو الحق لا بدّ من بيان الشركة في عين واحدة بين متعدد فنقول :
ربما يقال : أن
الشركة في عين واحدة لا تنافي الاستقلال أي يمكن أن يكون كل من الشريكين مالكا
للعين بالاستقلال.
وهذا الذي أفيد
بمراحل عن الواقع إذ تارة نقول : الاعتبار خفيف المئونة في كل أمر ولو كان من
المحالات كاجتماع النقيضين وقابل للاعتبار وأخرى نقول : لا بد في الاعتبار من
القصر على موارد قابلة لترتب الأحكام والآثار وتكون قابلة للعرض الى السوق
العقلائي ومن الظاهر أن المتيقن الشق الثاني وعليه نقول : الاستقلال ينافي
الاشتراك وكل منهما يطارد الآخر وهذا ظاهر عند اللبيب.
وربما يقال : أن
العين المشتركة مملوكة لكلا الشريكين أي يكون المالك مجموعهما.
وهذا القول ملحق
بالأول في البطلان فإن الاشتراك أشرب في مفهومه إن كل واحد من الشريكين أو الشركاء
مالكا لمقدار من العين.
وصفوة القول : إن
القول المذكور مردود عند العقلاء وأهل الشرع.
وربما يقال : إن
كل واحد من الشريكين مالك لمقدار معين في الخارج وهذا
القول مضافا الى
عدم كونه مقبولا عند العرف وأهل الشرع لا دليل عليه فهو أيضا ملحق بالقولين
السابقين في البطلان.
والقول الصحيح
الموافق لآراء العقلاء وأهل الشرع إن كل واحد من الشريكين مالك لمقدار من العين
على نحو الإشاعة أي مالك للكسر المشاع.
إذا عرفت ما تقدم
نقول : إذا فرضنا استيلاء أكثر من واحد على عين فهل تكون يد كل واحد منهما أمارة
على مملوكية جزء معين خارجي أو أمارة على كونه مالكا للكسر المشاع ، أما الأول فقد
قلنا أنه غير تام ويكون تصرف أحدهما في المعين جورا وعدوانا في نظر العقلاء.
وأما الثاني
فالمفروض أنه لا يدل للشريك على الكسر المشاع فما الحيلة وما الوسيلة؟
إلا أن يقال : ان
اليد في مثله لا تكون أمارة وهو كما ترى ، والذي يهون الخطب أنّ العرف يراهما ذا
اليد على مجموع الدار مثلا فتكون أمارة لكون الدار لهما.
ومن ناحية اخرى أن
الاشتراك في نظر العقلاء عبارة عن كون كل منهما مالكا للكسر المشاع فالنتيجة أن يد
المتعدد على عين تدل على كون كليهما مالكين على نحو الاشتراك الصحيح.
هذا فيما يكون
مجموع العين في يدهما وأما إذا فرضنا أن الطبقة الأولى تحت يد أحدهما والطبقة
الثانية تحت يد الآخر تكون اليد أمارة مملوكية كل طبقة لمن يكون مستوليا عليها.
ولما انجر الكلام إلى هنا نقول :
قد أشير في بعض
الكلمات إلى أن مملوكية الأخماس والزكوات التي لأربابها على أي نحو وهل تكون
الأخماس مثلا مملوكة للمذكورين في الآية على نحو الإشاعة أو يكون المذكورون مصرفا
لها؟
أقول : الظاهر من
قوله تعالى في آية الخمس ، أن الخمس مملوك للمذكورين على نحو الإشاعة لكن لا يمكن
الالتزام به اذ لازم التقريب المذكور أن دينارا من الخمس مملوكا لملايين من فقراء
السادة ولا يمكن الالتزام به فيدور الأمر بين رفع اليد عن ظهور اللام في الملكية
وجعلها للمصرف وبين رفع اليد عن ظهور الجمع المحلى في العموم والالتزام بأن المالك
هو الكلي فيكون الكلام مجملا.
ولكن يمكن أن يقال
: بأن صدر الآية يدل على كون سهم الإمام ملكا له تعالى وللرسول وللإمام عليهماالسلام ووحدة السياق تقتضي وحدة المراد.
ومن ناحية أخرى
يمكن أن يقال : أن ظهور اللام في الملكية في الصدر يكون قرينة على كون المراد من
الذيل هو الكلي لا كل شخص نظير قول القائل لا تضرب أحدا فإن ظهور الضرب في المؤلم
يكون قرينة على كون المراد من لفظ أحد الإنسان الحي.
أضف إلى ذلك أنّه
كيف يمكن أن يكون كل واحد من المذكورين مالكا والحال أن القضية لا تكون خارجية بل
تكون حقيقية ومن الظاهر أن أفراد الكلي ومصاديقه تختلف بحسب مرور الزمان فهل المال
مملوك لأفراد عصر واحد أو جميع الأعصار؟
وكيف يتصور فلا
إشكال في أن الأفراد لا يكونون مالكين وفي بعض الكلمات نسب الى بعض أنه مال الى
القول بكون الخمس والزكاة مملوكين للحكومة الإسلامية وهذا القول مخالف مع نص
الكتاب والروايات الصريحة الواردة في الباب والإجماع والسيرة والارتكاز وضرورة
المذهب بل ضرورة الدين.
الفرع الخامس : أن اليد والاستيلاء كما أنها تكون في مقام الإثبات والكشف أمارة وكاشفة عن
الملكية هل تكون في مقام الثبوت سببا لحصولها أم لا؟
ما يمكن أن يقال
في تقريب السببية وجوه :
الوجه الأول : أن الحيازة موجبة لحصول الملكية للحائز بالنسبة الى المحوز.
وفيه أن دليل
الحيازة الموجبة لحصول الملكية إما السيرة وإما قوله : «من حاز شيئا ملك» ، أما
السيرة فحيث إنها لا لسان لها لا بدّ من الاقتصار على القدر المتيقن من موردها وهو
ما لو قصد الحائز التملك.
وأما الحديث
فيحتمل أن يكون المراد ما ورد في حديث السكوني عن جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه
عن علي عليهالسلام أنه سئل عن رجل أبصر طيرا فتبعه حتى وقع على شجرة فجاء رجل
آخر فأخذه قال : للعين ما رأت ولليد ما أخذت لكنه ضعيف.
الوجه الثاني : ما دلّ على أحقية السابق لاحظ ما رواه محمد بن إسماعيل عن بعض أصحابه عن أبي
عبد الله عليهالسلام قال : قلت : نكون بمكة أو بالمدينة أو الحيرة أو المواضع
التي يرجى فيها الفضل فربما خرج الرجل يتوضأ فيجيء آخر فيصير مكانه قال : من سبق
إلى موضع فهو أحقّ به يومه وليلته .
وحديث طلحة بن زيد
عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : قال أمير المؤمنين عليهالسلام : سوق المسلمين كمسجدهم فمن سبق الى مكان فهو أحق به الى
الليل وكان لا يأخذ على بيوت السوق كراء .
والحديثان لا
يرتبطان بالمقام أصلا كما هو ظاهر عند من له خبرة بالصناعة.
الوجه الثالث : حديث يونس بن يعقوب بتقريب أن المستفاد منه أن الاستيلاء سبب لكون المستولى
عليه مملوكا للمستولي
__________________
وفيه أولا : أن
الحديث ضعيف بضعف إسناد الشيخ الى علي بن الحسن.
وثانيا : أن
المستفاد من الخبر أنه لو شك في المالك وأنّه من هو؟ يكون الاستيلاء كاشفا فيكون
الحديث ناظرا إلى مقام الإثبات والكلام في مقام الثبوت فلاحظ.
القاعدة السادسة
ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده
الكلام في قاعدة
ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده : يقع الكلام في المقام في جهات :
الجهة الأولى : ان هذه القاعدة تنحل الى
قاعدتين الأولى قاعدة ما
يضمن بصحيحه يضمن بفاسده والثانية أن ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده ، ولا بد
من التكلم في كل واحد منهما بنحو الاستقلال.
الجهة الثانية : في بيان المراد من
القاعدتين فنقول المراد من
القاعدة الأولى أنه لو كان مقتضى العقد الضمان كالبيع أو الاجارة وأمثالهما إذا
فرض فساد العقد يتحقق الضمان والمراد من القاعدة الثانية أنّ العقد لو لم يكن
موجبا للضمان كالهبة أو العارية وأمثالهما أنه لو فرض فساد العقد لا يتحقق الضمان.
الجهة الثالثة : في مدرك القاعدة الأولى
: والذي يمكن أن
يقال أو قيل في تقريب الاستدلال عليها وجوه :
الوجه الأول : قاعدة الاقدام وقبل الخوض في البحث نقدم مقدمة وهي أن تحقق كل حكم وضعي
يحتاج الى قيام دليل عليه ومع الشك تكون النتيجة عدمه كما هو الظاهر وإن شئت فقل
الضمان امر حادث ومع الشك فيه يحكم بعدمه بالاستصحاب.
فنقول : تقريب
الاستدلال بقاعدة الاقدام أنه لو باع زيد داره من عمرو بألف
دينار مثلا فقد
أقدم على كون المشتري للدار ضامنا في قبال ألف دينار فاذا فرض فساد البيع يبطل
الضمان بالمثل أي الدينار ويبقى أصل الضمان أي الدار تكون مضمونة في يد المشتري.
ويرد عليه ان دليل
صحة البيع يقتضي ضمان الدار بالدينار والمفروض بطلانه والاقدام تعلق بهذا المقيد
وغيره لم يتعلق به الاقدام مضافا الى أن أيّ دليل دل على كون الاقدام بنفسه موجبا
للضمان وبعبارة واضحة لا يجوز تملّك مال الغير الّا بأحد الاسباب الشرعية ولا دليل
على أن الاقدام بما هو يوجب الضمان وصفوة القول في المقام ان الاقدام لم يتعلق
بالمثل أو القيمة وعلى فرض تعلقه لا دليل على كونه مؤثرا ومقتضى الأصل عدم تأثيره
والذي يدل على المدعى أنه لو أقدم أحد على ضمان تلف مال غيره وبنى عليه لا يكون
ضامنا ولا أظن أن يدعي أحد كونه موجبا لضمان المقدم بل التفوه به يقرع الاسماع.
الوجه الثاني : النبوي المعروف : على اليد ما أخذت حتى تؤديه بتقريب أنّ المستفاد من الحديث ان من أخذ مال الغير يكون
ضامنا لما أخذه الى زمان أدائه الى مالكه.
ويرد على
الاستدلال بالحديث أولا انّ الحديث ضعيف سندا فان أحد رواته سمرة وهو من الملاعين
والاشقياء فلا اعتبار بحديثه إن قلت ان الأمر وإن كان كذلك لكن عمل المشهور به
يجبر ضعفه قلت : قد ذكرنا مرارا ان عمل المشهور بالخبر الضعيف لا يجبر ضعفه كما ان
اعراضهم لا يوجب وهن الخبر المعتبر كيف وقد ثبت في الأصول عدم اعتبار الشهرة
الفتوائية فيكف يمكن ان ما لا يكون معتبرا في حد نفسه يكون جابرا لما لا اعتبار له
أو يكون مسقطا لأمر معتبر أليس مرجعه
__________________
الى التناقض.
مضافا الى أنّ
استنادهم في فتاويهم الى هذا الخبر غير معلوم ومجرد ذكرهم الخبر في كلماتهم لعله
من باب كونه مؤيدا للمراد.
وثانيا : ان
المستفاد من الحديث انّ الثابت على الآخذ ما أخذه الى زمان ادائه أي يكون تلفه
بعهدته وبعبارة أخرى الآخذ لعين مملوكة للغير ضامن لدركه الى زمان تأديته الى مالكه
ولازم هذه القاعدة أنه لو وصل ما أخذه الى المالك بسبب آخر كما لو آخذه ثالث بغير
اذن الآخذ ورده الى مالكه عدم رفع الضمان عن الآخذ إذ الغاية التي توجب ارتفاع
الضمان أن يؤديه الى مالكه والمفروض أنه لم يتحقق هذا المعنى.
وثالثا : انّ لازم
المستفاد من الحديث أنه لو تعدد الآخذ كما لو كانوا عشرة وتلف ما أخذه في يد
الأخير يكون جميع الأخذين ضامنين للمالك وهل يمكن الالتزام به.
إن قلت كيف لا
يمكن الاستدلال على المدعى بالنبوي المشهور والحال ان جملة من الاساطين في كلماتهم
اسندوا هذا الحديث الى النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم فانهم في مقام الاستدلال قالوا لقول النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم على اليد ما أخذت حتى تؤديه هذا من ناحية ومن ناحية أخرى
ان الظاهر من الإخبار كونه حسيا فيكون الحديث معتبرا من حيث السند وبعبارة أخرى
بعد اسناد هؤلاء الاعلام كالشهيد وابن زهرة والعلامة الحديث الى النبي الاكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم واحتمال كون أخبارهم حسيا حيث أنه يمكن انّه وصل اليهم
بواسطة كابر عن كابر يكون الحديث تاما سندا.
قلت : يرد على
التقريب المذكور أولا ان هذه الجملة لا تكون ظاهرة في الإسناد الحسي ولذا نرى
كثيرا ما يطلق في كلمات الأصحاب للنبوي وامثاله والحال أن القائل لا يكون في مقام
الاسناد وثانيا ان الدليل على حجية قول الثقة سيرة العقلاء
لا أنه هناك اطلاق
أو عموم يؤخذ به فلا بد من الأخذ بالقدر المتيقن منها فاذا فرض ان هذا الحديث كان
مشهورا من قديم الزمان ولم يتعرض المحدثون لسنده وكانوا يعاملون معه معاملة المرسل
وبعد ذلك أحد الفقهاء اسنده الى النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بالاسناد الحسي مع كونه بعيدا لا نجزم بأن العقلاء يحملون
مثل الخبر المشار إليه على الحس ويعملون به فالنتيجة عدم امكان اثبات اعتباره
صناعة الا أن يقال ان السيرة وإن كانت كذلك لكن يكفي لإثبات الاطلاق النصوص الدالة
على حجية قول الثقة اللهمّ الّا أن يقال : ان الأخبار الدالة على حجيّة قول الثقة
لا تكون حكما تأسيسا بل حكم امضائي لبناء العقلاء وسيرتهم فلا يكون مدلول الأخبار
أوسع من مفاد السيرة وبعبارة واضحة انّ الأخبار ناظرة الى ما يكون مورد ارتكاز
العقلاء فلاحظ واغتنم.
الوجه الثالث : الروايات الواردة الدالة على ان الامة المبتاعة اذا وجدت مسروقة بعد أن
أولدها المشتري أخذها صاحبها وأخذ المشتري ولده بالقيمة منها ما رواه جميل بن دراج
عن أبي عبد الله عليهالسلام في الرجل يشتري الجارية من السوق فيولدها ثم يجيء مستحق
للجارية فقال يأخذ الجارية المستحق ويدفع إليه المبتاع قيمة الولد ويرجع على من
باعه بثمن الجارية وقيمة الولد الذي اخذت منه ومنها ما رواه جميل بن دراج عن بعض أصحابنا عن أبي عبد
الله عليهالسلام في رجل اشترى جارية فاولدها فوجدت الجارية مسروقة قال : يأخذ
الجارية صاحبها ويأخذ الرجل ولده بقيمته ومنها ما رواه زرارة قال : قلت لأبي جعفر عليهالسلام الرجل يشتري الجارية من السوق فيولدها ثم يجيء رجل فيقيم
البينة على آنها جاريته لم يبع ولم يهب قال فقال ان يرد إليه
__________________
جاريته ويعوّضه
بما انتفع قال كان معناه قيمة الولد ومنها ما رواه زرارة أيضا قال : قلت لأبي عبد الله عليهالسلام رجل اشترى جارية من سوق المسلمين فخرج بها الى أرضه فولدت
منه أولادا ثم أتاها من يزعم أنها له وأقام على ذلك البينة قال يقبض ولده ويدفع
اليه الجارية ويعوّضه من قيمة ما أصاب من لبنها وخدمتها بتقريب انّ ضمان الولد مع كونه نماء لم يستوفه المشتري
يستلزم ضمان الأم بالأولية فتدل هذه الروايات الشريفة على ان ما يضمن بصحيحه يضمن
بفاسده.
ويرد عليه أولا ان
هذه الروايات لا ترتبط بالمقام فانّ الضمان في مورد الروايات من الواضحات إذ الامة
المبتاعة قد فرضت مغصوبة والبائع هو الغاصب والكلام في المقام فيما لو باع العين
المالك وثانيا أنه لو اغمضنا النظر عن الجواب الأول وفرضنا ارتباط النصوص المشار
إليها بالمقام لكن نقول الروايات الواردة في مورد خاص واطار مخصوص والكلام في
المقام في الكبرى الكلية وبعبارة واضحة ان الموجبة الجزئية لا تكون دليلا على
الكبرى الكلية فلاحظ.
الوجه الرابع : الروايات الدالة على عدم حلية مال امرء الّا بطيب نفسه والدالة على عدم جواز
التصرف في مال الغير الّا باذنه منها ما رواه سماعة عن أبي عبد الله عليهالسلام في حديث انّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قال من كانت عنده أمانة فليؤدّها الى من ائتمنه عليها فانه
لا يحل دم امرئ مسلم ولا ماله الّا بطيبة نفسه ومنها ما في حديث آخر عن صاحب الزمان عليهالسلام قال : لا يحل لأحد أن يتصرف
__________________
في مال غيره بغير
اذنه بتقريب ان العقد لو لم يكن صحيحا لا تنتقل العين الى الطرف المقابل وتكون
باقية في ملك المالك والمستفاد من هذه الروايات عدم حلية مال الغير الّا باذنه كما
أنه لا يجوز التصرف في ماله الّا باذنه وحيث انه غير راض على الفرض يكون تلقه
موجبا للضمان.
ويرد على التقريب
المذكور انّ الحكم التكليفي لا يتعلق بالاعيان الخارجية والظاهر من هذه الروايات
حرمة التصرف كما صرح به في بعضها وبعبارة واضحة اذا استند الحكم التكليفي الى
العين الخارجية لا بد من تقدير الفعل كي يصح الاستعمال فلا مجال للاستدلال بهذه
الطائفة على المدعى.
الوجه الخامس : النصوص الدالة على ان حرمة مال المؤمن كحرمة دمه.
منها ما رواه أبو
ذر عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم في وصية له قال : يا أبا ذر ايّاك والغيبة فانّ الغيبة
اشدّ من الزنا قلت ولم ذاك يا رسول الله قال : لأنّ الرجل يزني فيتوب الى الله
فيتوب الله عليه والغيبة لا تغفر حتّى يغفرها صاحبها يا أبا ذر سباب المسلم فسوق
وقتاله كفر وأكل لحمه من معاصي الله وحرمة ماله كحرمة دمه قلت يا رسول الله وما
الغيبة قال ذكرك أخاك بما يكره قلت يا رسول الله فان كان فيه الذي يذكر به قال
اعلم انك اذا ذكرته بما هو فيه فقد اغتبته واذا ذكرته بما ليس فيه فقد بهته ومنها ما رواه أبو بصير عن أبي جعفر عليهالسلام قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : سباب المؤمن فسوق وقتاله كفر وأكل لحمه معصية وحرمة ماله
كحرمة دمه بتقريب انّ إتلاف مال المؤمن مثل إتلاف نفسه يوجب الضمان.
__________________
ويرد عليه ان
الوجه المذكور على فرض تماميته اخص من المدعى إذ الموضوع المذكور فيها عنوان
المؤمن أي الشيعي الاثنى عشري والحال انّ البحث في المقام عام.
وثانيا : انه على
تقدير تماميته يختص الضمان بصورة الإتلاف والحال ان الكلام أعم من الإتلاف فيكون
الدليل أخص من المدعى أيضا.
وثالث انّ الجملة
المذكورة ذكرت في سياق عدة أمور ظاهرة في الحكم التكليفي فلا ترتبط هذه الطائفة
بالجهة الوضعية وإن أبيت عن ذلك فلا أقل من الاجمال إذ وحدة السياق لو لم تكن
موجبة لانعقاد الظهور في الحكم التكليفي فلا أقل من كونه مانعا عن انعقاد في الحكم
الوضعي وإن شئت فقل اقتران اللفظ بما يصلح للقرينية مانع عن الظهور فتكون الجملة
مجملة فلاحظ.
إن قلت يمكن إثبات
المدعى بتقريب آخر وهو انّ حرمة المال تقتضى عدم جواز المزاحمة حدوثا وبقاء وهذا
وإن لم يفد الّا الحكم التكليفي ما دامت العين موجودة لكن عدم تدارك التالف نحو من
المزاحمة فلا تجوز فيجب التدارك باداء البدل فبالنتيجة انّ هذه الطائفة وإن لم تدل
على الضمان بالمطابقة لكن تدل عليه بالالتزام.
قلت : تمامية
التقريب المذكور تتوقف على اشتغال الذمة بالتالف وتمام الاشكال في اثبات هذه الجهة
وإن شئت فقل ان الحكم لا يتعرض لموضوع نفسه بل لا بد من احرازه وببيان آخر الموضوع
مقدم على الحكم رتبة والحكم متوقف على موضوعه فلو احتاج اثبات الموضوع الى الحكم
يلزم الدور المحال.
الوجه السادس : انه قد ورود في جملة من النصوص أنه لا يصلح ذهاب حق أحد : منها ما رواه عبيد
الله بن علي الحلبي قال : سألت أبا عبد الله عليهالسلام هل تجوز شهادة أهل الذمة على غير أهل ملتهم؟ قال : نعم إن
لم يوجد من أهل ملتهم
جازت شهادة غيرهم
أنه لا يصلح ذهاب حق أحد ومنها ما رواه سماعة قال : سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن شهادة أهل الملة قال ، فقال : لا تجوز الّا على أهل
ملتهم فان لم يوجد غيرهم جازت شهادتهم على الوصية لأنه لا يصلح ذهاب حق أحد وقد حقق عندهم ان العلة تعمم فبعموم العلة نحكم في المقام
بالضمان كي لا يذهب حق المالك.
ويرد عليه ان
التقريب المذكور يتوقف على أمرين أحدهما أن يكون المراد من الحق المال ، ثانيهما
ان يكون المراد من عدم صلاح ذهابه الضمان وكلا الأمرين محل الاشكال ولا شاهد
عليهما أضف الى ذلك أنه لا يشمل صورة التلف ويختص بالاتلاف يضاف الى جميع ذلك ان
الحديث الرابع من الباب غير تام سندا.
الوجه السابع : قاعدة لا ضرر المستفاد من عدة نصوص : منها ما رواه عقبة بن خالد عن أبي
عبد الله عليهالسلام قال : قضى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بالشفعة بين الشركاء في الأرضين والمساكن وقال : لا ضرر
ولا ضرار وقال اذا ارّفت الأرف وحدّت الحدود فلا شفعة ومنها ما رواه أبو عبيدة الحذاء قال : قال أبو جعفر عليهالسلام كان لسمرة بن جندب نخلة في حائط بني فلان فكان اذا جاء الى
نخلته ينظر الى شيء من أهل الرجل يكرهه الرجل قال : فذهب الرجل الى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فشكاه فقال يا رسول الله ان سمرة يدخل عليّ بغير اذني فلو
ارسلت اليه فامرته ان يستأذن حتى تأخذ اهلي حذرها منه فارسل إليه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فدعاه فقال يا سمرة ما شأن فلان يشكوك ويقول يدخل بغير
اذني فترى من أهله ما يكره ذلك يا سمرة استأذن اذا أنت دخلت ثم قال رسول
__________________
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يسرّك أن يكون لك عذق في الجنة بنخلتك قال : لا قال لك
ثلاثة قال لا قال ما أراك يا سمرة الّا مضارّا اذهب يا فلان فاقطعها واضرب بها
وجهه ومنها ما رواه زرارة عن أبي جعفر عليهالسلام قال : ان سمرة بن جندب كان له عذق في حائط لرجل من الأنصار
وكان منزل الأنصاري بباب البستان فكان يمرّ به الى نخلته ولا يستأذن فكلّمه
الأنصاري أن يستأذن إذا جاء فأبى سمرة فلما تأبّى جاء الانصاري الى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فشكا إليه وخبره الخبر فأرسل إليه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وخبّره بقول الأنصاري وما شكا وقال اذا أردت الدخول
فاستأذن فأبى فلما أبى ساومه حتى بلغ به من الثمن ما شاء الله فابى ان يبيع فقال
لك بها عذق يمدّ لك في الجنة فأبى أن يقبل فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم للأنصاري اذهب فاقلعها وارم بها اليه فانه لا ضرر ولا ضرار
ومنها ما رواه زرارة عن أبي جعفر عليهالسلام نحوه الّا أنه قال : فقال له رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم رجل مضارّ ولا ضرر ولا ضرار على مؤمن قال ثم أمر بها فقلعت
ورمى بها اليه فقال له رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم انطلق فاغرسها حيث شئت ومنها ما رواه عقبة بن خالد عن أبي عبد الله عليهالسلام في حديث قال : لا ضرر ولا ضرار ومنها ما عن دعائم الإسلام : روينا عن أبي عبد الله عليهالسلام أنه سئل عن جدار لرجل وهو سترة بينه وبين جاره سقط فامتنع
من بنيانه قال : ليس يجبر على ذلك الا أن يكون وجب ذلك لصاحب الدار الاخرى بحق أو
بشرط في أصل الملك ولكن يقال لصاحب المنزل استر على نفسك في حقك ان شئت قيل له فان
__________________
كان الجدار لم
يسقط ولكنه هدمه أو أراد هدمه اضرارا بجاره لغير حاجة منه الى هدمه قال : لا يترك
وذلك ان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : لا ضرر ولا ضرار وانّ هدمه كلّف ان يبنيه ومنها ما عن دعائم الإسلام : وروينا عن أبي عبد الله عن
أبيه عن آبائه عن أمير المؤمنين عليهالسلام ان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : لا ضرر ولا ضرار بتقريب انّ المستفاد من هذه القاعدة ان الحكم الضرري لم
يجعل في الشريعة وحيث انّ عدم الحكم بالضمان ضرري على المالك ينفى والنفي في النفي
يقتضي الاثبات : أقول المعتبر في هذه النصوص الحديث الثالث من الباب الثاني عشر وقد ذكرنا في بحث القاعدة انّ الحق هو
الالتزام بان المستفاد من الحديث النهي عن الضرر والاضرار بالغير ولا يكون الحديث
ناظرا الى ادلة الأحكام وحاكما عليها وتفصيل هذه الجهة موكول الى ذلك البحث ومن
اراد التفصيل فليراجع ما حققناه في المجلد الثاني من كتابنا الموسوم بآرائنا في
اصول الفقه هذا أولا ، وثانيا أنه على فرض الاغماض عما تقدم وسلمنا كون الحديث
ناظرا الى الأحكام فانما يكون ناظرا الى الأحكام المجعولة والمفروض أن عدم الجعل
لا يكون من مصاديق المجعولات وثالثا أنّه يقع التعارض بين الطرفين فان الحكم بعدم
الضمان على الآخذ يقتضي الضرر على المالك وأيضا الحكم بالضمان يقتضي الضرر على
الآخذ ولا وجه للترجيح ورابعا ان الضمان على تقدير القول به بمقتضى التقريب
المتقدم واغماض النظر عن الاشكال المتقدم ، يختص بصورة الإتلاف أو الانتفاع والحال
أن المدعى أعم أي الضمان حتى مع التلف السماوي فهذا الوجه أيضا لا يترتب عليه أثر.
__________________
الوجه الثامن : السيرة العقلائية بتقريب ان العقلاء بما هم كذلك يرون الآخذ ضامنا للبدل في
صورة تلف العين هذا من ناحية ومن ناحية أخرى ان الشارع الأقدس لا يكون له قانون
خاص في قبال القوانين العقلائية فاذا فرض تحقق السيرة ولم يردع عنها الشارع نكشف
أنه أمضاه وبعبارة أخرى مجرد عدم الردع لا يكون كافيا بل الأمر متوقف على الامضاء
وحيث ان الشارع يرى سيرة العقلاء ولم يردع يكشف عن امضائه فيتم الأمر ويثبت
المدعى.
أقول : التقريب
المذكور تام ولكن لا ينطبق على المقام وببيان جلي اثبات المدعى بالتقريب المذكور
يتوقف على عدم الردع والحال أن الشارع ردع هذه السيرة بقوله تعالى : (لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ
بِالْباطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ).
توضيح المقام ان
المستفاد من الآية الشريفة ان تملك مال الغير بايّ سبب كان يكون فاسدا والسبب
الوحيد عبارة عن التجارة عن تراض فتملك المالك بدل العين من الآخذ أكل بالباطل
فيكون فاسدا فالسيرة على فرض تماميتها مردوعة بالآية ولعمري ما افدته في هذا
المقام في كمال الجودة والدقة فما الحيلة وما الوسيلة.
الوجه التاسع : وهو الوجه الأخير ارتكاز المتشرعة بما هم كذلك.
ان قلت الآية
الشريفة تردع الارتكاز قلت أين ذهبت فان المدعى انّ المتشرعة بما هم كذلك يرون
الآخذ في مفروض الكلام ضامنا وحيث انجر الكلام الى هنا ننبّه بنكتة وهي انه فرق
بين السيرة العقلائية والارتكاز الشرعي أو السيرة الجارية بين المتشرعة فان السيرة
العقلائية لا ترتبط بالشرع ولكن الارتكاز الشرعي أو السيرة الجارية بين أهل الشرع
من الشرع ومن الشارع وينبغي أن
__________________
يحفظ على التحقيق
المذكور ويستفاد منه في جملة من الموارد والله وليّ التوفيق هذا تمام الكلام في
القاعدة الأولى.
وأما الكلام في القاعدة الثانية :
وهي ما لا يضمن
بصحيحه لا يضمن بفاسده : فربما يقال في وجه عدم الضمان أنه اذا فرض العقد صحيحا لا
يوجب الضمان فلا ضمان في فاسده بالأولوية والتقريب المذكور فاسد إذ عدم الضمان في
صورة الصحة من باب ان العين تصير مملوكة للطرف المقابل بالعقد ومن الواضح ان
المالك لا يكون ضامنا لمملوكه وأما في فرض الفساد فان المفروض بقاء العين في ملك
مالكها فلا جامع بين المقامين وكل منهما يباين الآخر والذي يختلج بالبال في هذه
العجالة أن يقال لا موجب للضمان أما حديث على اليد فقد تقدم انه غير تام سندا ولا
سيرة على الحكم بالضمان لا من العقلاء ولا من اهل الشرع وإذا وصلت النوبة الى الشك
يكون مقتضاه عدم الضمان هذا بالنسبة الى تلف العين وأما في صورة الإتلاف فالظاهر
أنه يشكل الجزم بعدم الضمان إذ مقتضى قاعدة الاتلاف كون المتلف ضامنا ، والله
العالم بحقائق الأمور وعليه التوكل والتكلان.
القاعدة السابعة
قاعدة الاشتراك في التكاليف
وما يمكن أن يقال
أو قيل في تقريب المدعى وجوه :
الوجه الأول : أنه لو ثبت حكم لطائفة
وشك في بقاء ذلك الحكم وشموله للموجودين
بعد ذلك الزمان يحكم ببقائه بالاستصحاب.
ويرد عليه أولا :
أنه لا يمكن اجراء حكم مترتب على موضوع على موضوع آخر بالاستصحاب فانه لا دليل
عليه ولذا نقول يعتبر في الاستصحاب اتحاد الموضوع وثانيا ان استصحاب الحكم الكلي
دائما معارض باستصحاب عدم الجعل الزائد فهذا الوجه لا اعتبار به.
الوجه الثاني : اتفاق الفقهاء على عدم
الاختصاص واشتراك جميع المكلفين في الاحكام الشرعية ويرد عليه ان مرجعه الى الاجماع وقد ثبت في محله عدم اعتبار
الاجماع الا أن يكون كاشفا عن رأي المعصوم عليهالسلام.
الوجه الثالث : تنقيح المناط وإن شئت قلت ان الأحكام الشرعية تابعة للمصالح والمفاسد في
متعلقاتها فاذا ثبت حكم بالنسبة الى شخص يكون ثابتا بالنسبة الى غيره.
ويرد عليه ان الملاكات
الشرعية مجهولة عندنا ولذا نرى تغاير الأحكام واختلافها من جهات عديدة والعالم بها
علام الغيوب.
الوجه الرابع : قول الصادق عليهالسلام
في حديث : فكل نبيّ جاء بعد المسيح أخذ
بشريعته ومنهاجه
حتى جاء محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم فجاء بالقرآن وبشريعته ومنهاجه فحلاله حلال الى يوم
القيامة وحرامه حرام الى يوم القيامة والانصاف أنه لا يستفاد المدعى من هذه الرواية فان المراد
منها بحسب الظهور ان الحكم الالهي في الشريعة المحمدية لا يختص بزمان خاص ولا يكون
محدودا من حيث الزمان وليس ما شرع في هذه الشريعة مثل ما جعل في بقية الشرائع وأما
كون المكلفين مشتركين في كل حكم شرعي اسلامي فلا يستفاد من الحديث.
الوجه الخامس : ما رواه ابان عن سلمان حين نقل خطبة عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم الى أن قال صلىاللهعليهوآلهوسلم : هم مع القرآن والقرآن معهم لا يفارقونه حتى يردوا عليّ
الحوض فليبلّغ الشاهد الغائب الحديث .
تقريب الاستدلال
بالحديث قول النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم في آخر الرواية فليبلّغ الشاهد الغائب إذ يستفاد من هذه
الجملة أنه يجب على الحاضرين اخبار الغائبين فيعلم اشتراك جميع المكلفين في
الأحكام الشرعية والّا لم يكن وجه لوجوب تبليغ الحاضرين الغائبين والاستدلال على
المدعى بهذا التقريب من غرائب الاستدلالات إذ لا كلام ولا ريب ان رسول الإسلام
رسول ونبي لجميع الامة ولا اشكال في ان الائمة الاثنى عشر ائمة وأولياء على جميع
الخلق وقوام اسلام كل مسلم به وإن شئت فقل لا كلام في ان الإسلام بما ذا يتحقق ولا
كلام في المقام في أن اصول الدين بما ذا تتحقق انما الكلام في ان الاحكام الفرعية
الثابتة لفرد أو جماعة لا تختص بموردها بل جميع المكلفين مشتركون في تلك الأحكام
وجميع الفروع الشرعية مشتركة بين جميع الأفراد.
الوجه السادس : ما رواه ابن طاوس نقلا
من كتاب الوصية للشيخ عيسى بن
__________________
المستفاد الضرير
عن موسى بن جعفر عن أبيه عليهالسلام في نقل خطبة لرسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قال في جملة كلام له ايها الناس اسمعوا وصيتي من آمن بي
وصدّقني بالنبوة وأنّي رسول الله فاوصيه بولاية علي بن ابي طالب وطاعته والتصديق
له فان ولايته ولايتي وولاية ربي قد ابلغتكم فليبلّغ الشاهد الغائب ، الحديث .
وتقريب الاستدلال
بالحديث ذلك التقريب والجواب هو الجواب فلا نعيد.
الوجه السابع : ان الأحكام الشرعية
مجعولة على المكلفين من الازل على نحو القضية الحقيقية لا بنحو القضية الخارجية مثلا قوله تعالى : (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ
الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) يشمل جميع من يكون مستطيعا ولا يختص بجماعة خاصة وافراد
مخصوصين كي نحتاج الى قاعدة الاشتراك وفي الحقيقة ان الوجه المذكور يهدم القاعدة.
أقول : الاستدلال
بالمدعى بالوجه المذكور اغرب واعجب من سابقه إذ الكلام في هذه القاعدة لا يكون
بالنسبة الى مقام الثبوت إذ ذلك المقام معلوم عند الله ومن يكون متصلا بعالم الوحي
ولا يكون الكلام في الادلة العامة أو المطلقة في مقام الاثبات إذ مع احراز
الاشتراك بالعموم أو الاطلاق لا مجال للبحث والقيل والقال انما الكلام فيما ثبت
تكليف لشخص أو جماعة فنتكلم في ان ذلك الحكم هل يشمل غير مورده من بقية آحاد
المكلفين أم لا والله وليّ التوفيق.
الوجه الثامن : الأحاديث التي تدل على
ارجاع المعصوم عليهالسلام الناس الى رواة الحديث منها ما رواه أحمد بن اسحاق عن أبي الحسن عليهالسلام قال : سألته وقلت من أعامل وعمن آخذ وقول من أقبل؟ فقال
العمري ثقتي فما ادّى إليك عنّي
__________________
فعنّي يؤدّي وما
قال لك عني فعنّي يقول فاسمع له وأطع فانه الثقة المأمون ، قال وسألت أبا محمد عليهالسلام عن مثل ذلك فقال العمري وابنه ثقتان فما أدّيا إليك عنّي
فعنّي يؤديان وما قالا لك فعنّي يقولان فاسمع لهما واطعهما فانهما الثقتان
المأمونان الحديث .
ومنها ما رواه
اسماعيل بن الفضل الهاشمي قال : سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن المتعة فقال : الق عبد الملك بن جريح فسله عنها فان
عنده منها علما فلقيته فأملى عليّ شيئا كثيرا في استحلالها وكان فيما روى فيها ابن
جريح أنه ليس لها وقت ولا عدد الى ان قال فاتيت بالكتاب أبا عبد الله عليهالسلام فقال صدق واقرّ به ومنها ما رواه عبد الله بن ابي يعفور قال : قلت لأبي عبد
الله عليهالسلام انه ليس كل ساعة القاك ولا يمكن القدوم ويجئ الرجل من
اصحابنا فيسألني وليس عندي كل ما يسألني عنه فقال ما يمنعك من محمد بن مسلم الثقفي
فانه سمع من أبي وكان عنده وجيها ومنها ما رواه علي بن المسيب الهمداني قال : قلت للرضا عليهالسلام شقّتي بعيدة ولست أصل إليك في كل وقت فممن آخذ معالم ديني
قال من زكريّا ابن آدم القمي المأمون على الدين والدنيا قال علي بن المسيب فلما
انصرفت قدمنا على زكريا بن آدم فسألته عمّا احتجت اليه ومنها ما رواه محمد بن عيسى عن عبد العزيز بن المهتدي
والحسن بن علي بن يقطين جميعا عن الرضا عليهالسلام قال : قلت لا أكاد أصل إليك أسألك عن كل ما احتاج اليه من
معالم ديني أفيونس بن عبد الرحمن ثقة آخذ عنه ما احتاج اليه
__________________
من معالم ديني
فقال نعم فان ارجاع الامام عليهالسلام الناس الى رواة الحديث يستلزم الاشتراك في التكليف وهذا
التقريب غير تام اذ المستفاد من هذه الأحاديث ان الأحكام الشرعية تؤخذ من الرواة
الثقات وكلامنا في المقام انه لو ثبت حكم لفرد من آحاد المكلفين أو جماعة منهم هل
يشترك غيرهم معهم في ذلك الحكم أم لا ولا ارتباط بين المقامين أصلا.
الوجه التاسع : ما رواه أبو عمرو
الزبيري عن أبي عبد الله عليهالسلام
الى أن قال : لأن
حكم الله عزوجل في الأولين والآخرين وفرائضه عليهم سواء الّا من علة أو
حادث يكون والأولون والآخرون أيضا في منع الحوادث شركاء والفرائض عليهم واحدة يسأل
الآخرون من اداء الفرائض عما يسأل عنه الأولون ويحاسبون عما به يحاسبون الحديث فانه قد صرح في الحديث بعدم الفرق بين الأولين والآخرين في
فرائض الله وأحكامه وجميع الخلق مشتركون في حكم الله وهذا هو المدعى في المقام.
ويرد على التقريب
المذكور ان الحديث المشار اليه غير تام سندا فان بكر بن صالح لم يوثق فاذا فرض كون
بقية رواة الحديث ثقاة يكفي لعدم الاعتبار عدم اعتبار واحد من الرواة الواقعين في
السند.
الوجه العاشر : ما رواه جابر عن أبي
جعفر عليهالسلام
قال : قال رسول
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم اوصي الشاهد من أمّتي والغائب منهم ومن في اصلاب الرجال
وارحام النساء الى يوم القيامة ان يصل الرحم وان كانت منه على مسيرة سنة فان ذلك
من الدين بتقريب ان المستفاد من الحديث ان وجوب صلة الرحم
__________________
لا يختص بطائفة
خاصة وحيث أنه لا فرق بين هذا الحكم وبقية الأحكام نلتزم بالاشتراك.
وهذا الاستدلال
كما ترى من غرائب الاستدلالات والبراهين إذ لو كان الأمر كذلك ونجزم بعدم الفرق
بين الأحكام فلا نحتاج الى التوسل الى هذه الرواية بل الأحكام المشتركة والعامة
الى ما شاء الله فان الصلوات اليومية واجبة على جميع الآحاد من المكلفين وقس عليها
صوم شهر رمضان والحج وحرمة شرب الخمر والزنا وامثالها أعاذنا الله من الزلل ووفقنا
لما يحب ويرضى والعمدة في الاشكال انه بأيّ تقريب يمكن تعميم حكم وارد في خصوص شخص
الى بقية الآحاد.
اذا عرفت ما تقدم
نقول : تارة يكون لسان الدليل على نحو يشمل المكلفين كقوله تعالى : (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ
الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) وقوله تعالى : (يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) وأمثال ما ذكر واخرى ليس الأمر كذلك بان لا يشمل الدليل
الا شخصا أو اشخاصا كما يكون الامر كذلك في نصوص كثيرة الى ما شاء الله منها ما
رواه زرارة قال : قلت لأبي عبد الله عليهالسلام رجل شك في الاذان وقد دخل في الاقامة قال يمضي قلت رجل شك
في الاذان والاقامة وقد كبّر قال يمضي قلت رجل شك في التكبير وقد قرأ قال يمضي قلت
شك في القراءة وقد ركع قال يمضي قلت شك في الركوع وقد سجد قال يمضي على صلاته ثم
قال يا زرارة اذا خرجت من شيء ثم دخلت في غيره فشكك ليس بشيء ومنها ما رواه محمد بن أبي حمزة عن عبد الرحمن بن الحجاج
وعلي جميعا عن أبي ابراهيم عليهالسلام في السهو في الصلاة قال تبني على اليقين
__________________
وتأخذ بالجزم
وتحتاط بالصلوات كلها ومنها ما رواه عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليهالسلام انه قال : اذا نسيت شيئا من الصلاة ركوعا أو سجودا أو
تكبيرا ثم ذكرت فاقض الذي فاتك سهوا ومنها ما رواه علي بن مهزيار قال : كتب اليه سليمان بن
رشيد يخبره انه بال في ظلمة الليل وانه اصاب كفه برد نقطة من البول لم يشك انه
أصابه ولم يره وانه مسحه بخرقة ثم نسي ان يغسله وتمسح بدهن فمسح به كفيه ووجهه
ورأسه ثم توضأ وضوء الصلاة فصلى فاجابه بجواب قرأته بخطه اما ما توهمت مما أصاب
يدك فليس بشيء الّا ما تحقق فان حققت ذلك كنت حقيقا ان تعيد الصلوات اللواتي كنت
صليتهن بذلك الوضوء بعينه ما كان منهن في وقتها وما فات وقتها فلا اعادة عليك لها
من قبل ان الرجل اذا كان ثوبه نجسا لم يعد الصلاة الا ما كان في وقت واذا كان جنبا
أو صلى على غير وضوء فعليه اعادة الصلوات المكتوبات اللواتي فاتته لان الثوب خلاف
الجسد فاعمل على ذلك ان شاء الله ومنها ما رواه زرارة قال : قلت أصاب ثوبي دم رعاف أو غيره
أو شيء من مني فعلمت اثره الى أن أصيب له الماء فاصبت وحضرت الصلاة ونسيت ان بثوبي
شيئا وصليت ثم اني ذكرت بعد ذلك قال تعيد الصلاة وتغسله قلت فاني لم أكن رأيت
موضعه وعلمت انه اصابه فطلبته فلم أقدر عليه فلما صليت وجدته قال تغسله وتعيد
الحديث ومنها ما رواه زرارة عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : ان أصاب ثوبك خمر أو نبيذ يعني المسكر فاغسله وان
صليت فيه فأعد
__________________
صلاتك .
ومنها ما رواه
زرارة قال : قلت أصاب ثوبي دم رعاف أو شيء من مني الى أن قال ان رأيته في ثوبي
وأنا في الصلاة قال تنقض الصلاة وتعيد اذا شككت في موضع منه ثم رأيته وان لم تشك
ثم رأيته رطبا قطعت وغسلته ثم بنيت على الصلاة لأنك لا تدري لعله شيء أوقع عليك
فليس ينبغي ان تنقض اليقين بالشك ومنها ما رواه عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليهالسلام قال ان رأيت في ثوبك دما وانت تصلي ولم تكن رأيته قبل ذلك
فأتم صلاتك فاذا انصرفت فاغسله قال وإن كنت رأيته قبل أن تصلي فلم تغسله ثم رأيته
بعد وأنت في صلاتك فانصرف فاغسله واعد صلاتك ومنها ما رواه قاسم الصيقل قال : كتبت الى الرضا عليهالسلام اني أعمل أغماد السيوف من جلود الحمر الميتة فتصيب ثيابي
فاصلّي فيها فكتب عليهالسلام إليّ اتخذ ثوبا لصلاتك فكتبت الى ابي جعفر الثاني عليهالسلام اني كتبت الى ابيك عليهالسلام بكذا وكذا فصعب عليّ ذلك فصرت اعملها من جلود الحمر
الوحشية الذكية فكتب عليهالسلام إليّ كل أعمال البر بالصبر يرحمك الله فان كان ما تعمل
وحشيا ذكيا فلا بأس ومنها ما رواه سماعة قال : سألته عن جلود السباع ينتفع بها
قال اذا رميت وسميت فانتفع بجلده واما الميتة فلا ومنها ما رواه علي بن جعفر عن أخيه موسى عليهالسلام في حديث قال : سألته عن رجل اشترى ثوبا من السوق للبس لا
يدري لمن كان
__________________
هل تصلح الصلاة
فيه قال ان اشتراه من مسلم فليصل فيه وان اشتراه من نصراني فلا يصلي فيه حتى يغسله
ومنها ما رواه الحلبي قال : سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن الخفاف التي تباع في السوق فقال اشتر وصل فيها حتى تعلم
انه ميت بعينه ومنها ما رواه الحسن بن الجهم قال : قلت لأبي الحسن عليهالسلام اعترض السوق فاشتري خفا لا ادري أذكي هو أم لا قال صل فيه
قلت فالنعل قال مثل ذلك قلت اني أضيق من هذا قال أترغب عمّا كان أبو الحسن عليهالسلام يفعله وندعي ان هذه النصوص وإن كانت متعرضة لحكم شخص خارجي ومكلف
معين وليس فيها عموم أو اطلاق بحسب الموازين ولكن مع ذلك يستفاد منها الحكم لعامة
المكلفين وهذا العرف ببابك والوجه في هذا المدعى ان العرف بما هو كذلك يفهم ان
السؤال وإن كان عن الشخص الخارجي لكن لا بما هو ابن بكر أو والد خالد أو نجفي أو
مدنيّ.
الى غير ذلك من
المشخصات بل بعنوان انه فرد من افراد المكلفين.
وإن شئت فقل لا
يفرق العرف بين ان يكون السؤال عن نفسه بقوله غسلت يدي بماء الورد وبين ان يقول
رجل غسل يده بماء الورد وبين ان يقول شخص غسل يده بماء الورد.
والذي يدل على هذه
المقالة بوضوح انه لو سئل أحد مقلّده بأن يقول له غسلت يدي بماء الورد ما حكمه
واجابه المجتهد بان الغسل لا بد ان يكون بالماء المطلق يفهم العرف ان السؤال عن
الحكم الشرعي العام وهذا الذي أقول واضح ولا مجال للتأمل فيه وبهذا التقريب يتم
الامر ونحكم بالاشتراك الا فيما قام الدليل
__________________
على خلاف هذا
الظهور كما هو كثير أيضا فانه يفترق حكم المرأة عن الرجل في أحكام الصلاة وفي كثير
من الأحكام.
ويمكن اثبات
المدعى بتقريب آخر أيضا وهو ارتكاز اهل الشرع بان الأحكام الشرعية عامة لجميع
المكلفين الا في موارد قيام الدليل على الخلاف والعرف الشرعي والسوق الارتكازي نصب
عينيك كما انه يمكن اثبات المدعى بوجه ثالث وهو انه لا اشكال في ان كل من يكون
بالغا عاقلا مكلف بتكاليف ولا يكون مطلق العنان ومرسلا بلا قيد هذا من ناحية ومن
ناحية اخرى أنه لو كان تغاير بين المكلفين في الأحكام كان على الشارع الأقدس
البيان والاعلام وحيث لم يعلم ولم يظهر التفريق من قبله يعلم ويكشف ان الحكم
المترتب على شخص مترتب على غيره أيضا وإن أبيت عن جميع ذلك نقول (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ
راجِعُونَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) هذا تمام الكلام في هذه القاعدة ويقع الكلام ان شاء الله
تعالى في قاعدة نجاسة الكافر وعدمها.
القاعدة الثامنة
قاعدة نجاسة الكافر وعدمها
ويقع الكلام في هذه القاعدة من جهات :
الجهة الأولى : في بيان مفهوم الكافر وتوضيح المراد منه فنقول المستفاد من اللغة ان الكافر عبارة
عن الانكار وعبارة عن الستر وبهذا الاعتبار يقال ويطلق عنوان الكافر على من ينكر
الالوهية والرسالة واما من حيث النصوص الواردة في المقام فهي مختلفة وعلى طوائف :
الطائفة الأولى : ما يدل على ان الإسلام متقوم بالصلاة والزكاة والصوم والحج
والولاية : منها ما رواه أبو حمزة عن أبي جعفر عليهالسلام قال : بني الإسلام على خمس على الصلاة والزكاة والصوم
والحج والولاية ولم يناد بشيء كما نودي بالولاية ومنها ما رواه عجلان أبي صالح قال : قلت لأبي عبد الله عليهالسلام اوقفني على حدود الايمان فقال شهادة أن لا إله إلّا الله
وانّ محمدا رسول الله والاقرار بما جاء به من عند الله وصلاة الخمس واداء الزكاة
وصوم شهر رمضان وحج البيت وولاية وليّنا وعداوة عدوّنا والدخول مع الصادقين ومنها ما رواه فضيل بن يسار عن أبي جعفر عليهالسلام قال : بني الإسلام على خمس على الصلاة والزكاة والصوم
والحج والولاية ولم يناد
__________________
بشيء كما نودي
بالولاية فأخذ الناس باربع وتركوا هذه يعني الولاية ومنها ما رواه زرارة عن أبي جعفر عليهالسلام قال : بني الإسلام على خمسة أشياء على الصلاة والزكاة
والحج والصوم والولاية قال زرارة فقلت وايّ شيء من ذلك أفضل فقال الولاية افضل
لأنها مفتاحهنّ والوالي هو الدليل عليهن .
عن أبي جعفر عليهالسلام قال : بني الإسلام على خمس : الولاية والصلاة والزكاة وصوم
شهر رمضان والحج ومنها ما رواه فضيل عن أبي جعفر عليهالسلام قال : بني الإسلام على خمس : الصلاة والزكاة والصوم والحج
والولاية ولم ينادي بشيء ما نودي بالولاية يوم الغدير ومنها ما رواه عيسى بن السريّ قال لأبي عبد الله عليهالسلام حدثني عما بنيت عليه دعائم الإسلام اذا أنا أخذت بها زكي
عملي ولم يضرّني جهل ما جهلت بعده فقال : شهادة أن لا إله الّا الله وانّ محمدا
رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم والاقرار بما جاء به من عند الله وحق في الأموال من الزكاة
والولاية التي أمر الله عزوجل بها ولاية آل محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم فان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : من مات ولا يعرف امامه مات ميتة جاهلية ، قال الله عزوجل : (أَطِيعُوا اللهَ
وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) فكان علي عليهالسلام ثم صار من بعده حسن ثم من بعده حسين ثم من بعده علي بن
الحسين ثم من بعده محمد بن علي ثم هكذا يكون الأمر ان الأرض لا تصلح الّا بامام
ومن مات لا يعرف امامه مات ميتة جاهلية وأحوج ما يكون أحدكم الى معرفته اذا بلغت
__________________
نفسه هاهنا قال
واهوى بيده الى صدره يقول حينئذ لقد كنت على أمر حسن ومنها ما رواه أبو بصير قال : سمعته يسأل أبا عبد الله عليهالسلام فقال له جعلت فداك أخبرني عن الدين الذي افترض الله عزوجل على العباد ما لا يسعهم جهله ولا يقبل منهم غيره ما هو؟
فقال أعد عليّ فأعاد عليه فقال شهادة أن لا إله الّا الله وانّ محمدا رسول الله صلىاللهعليهوآله وأقام الصلاة وايتاء الزكاة وحج البيت من استطاع اليه
سبيلا وصوم شهر رمضان ثم سكت قليلا ثم قال والولاية مرتين ثم قال هذا الذي فرض
الله على العباد ولا يسأل الربّ العباد يوم القيام فيقول ألا زدتني على ما افترضت
عليك ولكن من زاد زاده الله ان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم سنّ سننا حسنة جميلة ينبغي للناس الأخذ بها ومنها ما رواه عمرو بن حريث قال : دخلت على أبي عبد الله عليهالسلام وهو في منزل أخيه عبد الله بن محمد فقلت له : جعلت فداك ما
حوّلك الى هذا المنزل قال : طلب النزهة فقلت : جعلت فداك الا أقصّ عليك ديني فقال
: بلى قلت أدين الله بشهادة أن لا إله الّا الله وحده لا شريك له وانّ محمدا عبده
ورسوله (وَأَنَّ السَّاعَةَ
آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها وَأَنَّ اللهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ) و (إِقامِ الصَّلاةِ وَإِيتاءِ الزَّكاةِ) وصوم شهر رمضان وحج البيت والولاية لعلي أمير المؤمنين بعد
رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم والولاية للحسن والحسين والولاية لعلي بن الحسين والولاية
لمحمد بن علي ولك من بعده صلوات الله عليهم أجمعين وانكم ائمتي عليه أحيا وعليه
أموت وأدين الله به فقال : يا عمرو هذا والله دين الله ودين آبائي الذي أدين الله
به في السرّ والعلانية فاتّق الله وكفّ لسانك الّا من خير ولا تقل أني هديت نفسي
بل الله هداك فادّ شكر ما أنعم الله عزوجل
__________________
به عليك ولا تكن
ممن اذا أقبل طعن في عينه واذا أدبر طعن في قفاه ولا تحمل الناس على كاهلك فانك أو
شك ان حملت الناس على كاهلك أن يصدعوا شعب كاهلك .
الطائفة الثانية :
ما يدل على ان من صدق وشهد بالتوحيد والرسالة يكون مسلما ويجري عليه أحكام الإسلام
: منها ما رواه سماعة قال : قلت لأبي عبد الله عليهالسلام أخبرني عن الإسلام والايمان أهما مختلفان فقال ان الايمان
يشارك الإسلام والإسلام لا يشارك الايمان فقلت فصفهما لي فقال الإسلام بشهادة أن
لا إله الّا الله والتصديق برسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم به حقنت الدماء وعليه جرت المناكح والمواريث وعلى ظاهره
جماعة الناس والايمان الهدى وما يثبت في القلوب من صفة الإسلام وما ظهر من العمل
به والايمان أرفع من الإسلام بدرجة ان الايمان يشارك الإسلام في الظاهر والإسلام
لا يشارك الايمان في الباطن وان اجتمعا في القول والصفة فان المستفاد من هذه الطائفة ان من شهد بالتوحيد وصدّق
رسالة رسول الإسلام تجري عليه أحكام الإسلام وهو مسلم.
الطائفة الثالثة :
ما يدل على كفر من لا يكون شيعيا اثنى عشريا : منها ما رواه المفضل بن عمر قال :
دخلت على أبي الحسن موسى بن جعفر عليهماالسلام وعليّ ابنه في حجره وهو يقبّله ويمص لسانه ويضعه على عاتقه
ويضمّه إليه ويقول بأبي أنت ما أطيب ريحك واطهر خلقك وأبين فضلك الى أن قال قلت هو
__________________
صاحب هذا الأمر من
بعدك قال : نعم من اطاعه رشد ومن عصاه كفر ومنها ما رواه أبو حمزة عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : منّا الامام المفروض طاعته من جحده مات يهوديا أو
نصرانيا الحديث ومنها ما رواه المفضل بن عمر عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : قال أبو جعفر عليهالسلام ان الله جعل عليا عليهالسلام علما بينه وبين خلقه ليس بينه وبينهم علم غيره فمن تبعه
كان مؤمنا ومن جحده كان كافرا ومن شك فيه كان مشركا ومنها ما رواه محمد بن حسان عن محمد بن جعفر عن أبيه عليهالسلام قال : عليّ عليهالسلام باب هدى من خالفه كان كافرا ومن أنكره دخل النار ومنها ما رواه مروان بن مسلم قال : قال الصادق جعفر بن محمدعليهماالسلام الامام علم فيما بين الله عزوجل وبين خلقه فمن عرفه كان مؤمنا ومن انكره كان كافرا ومنها ما رواه سدير قال : قال أبو جعفر عليهالسلام في حديث ان العلم الذي وضعه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم عند علي عليهالسلام من عرفه كان مؤمنا ومن جحده كان كافرا ثم كان من بعده
الحسن عليهالسلام بتلك المنزلة الحديث ومنها ما رواه صفوان الجمّال عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : لمّا نزلت الولاية لعلي عليهالسلام قال رجل من جانب الناس فقال : لقد عقد هذا الرسول لهذا
الرجل عقدة لا يحلها الّا كافر الى أن قال : فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم هذا جبرئيلعليهالسلام ومنها ما رواه يحيى بن
__________________
القاسم عن جعفر بن
محمد عن آبائه عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قال ائمة بعدي اثنا عشر أولهم علي بن أبي طالب وآخرهم
القائم الى أن قال المقر بهم مؤمن والمنكر لهم كافر ومنها ما رواه موسى بن عبد ربه عن الحسين بن علي عليهماالسلام عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في حديث قال : من زعم انه يحبّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ولا يحبّ الوصي فقد كذب ومن زعم انه يعرف النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ولا يعرف الوصي فقد كفر ومنها ما رواه أبو خالد الكابلي عن علي بن الحسين عليهماالسلام قال : قلت له : كم الائمة بعدك قال ثمانية لان الائمة بعد
رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم اثنا عشر الى أن قال : ومن ابغضنا وردّنا أو ردّ واحدا
منّا فهو كافر بالله وبآياته ومنها ما رواه ابن أبي يعفور قال : سمعت أبا عبد الله عليهالسلام يقول : ثلاثة (لا يُكَلِّمُهُمُ
اللهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) من ادّعى امامة من الله له ومن جحد اماما من الله ومن زعم
انّ لهما في الإسلام نصيبا ومنها ما رواه محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليهالسلام في حديث قال : من اصبح من هذه الأمة لا امام له من الله
أصبح تائها متحيرا ضالا ان مات على هذه الحال مات ميتة كفر ونفاق ومنها ما رواه محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليهالسلام قال : قلت له : أرأيت من جحد اماما منكم ما حاله فقال من جحد
اماما من الائمة وبرئ منه ومن دينه فهو كافر (ومرتد) عن الإسلام لان الامام من
الله ودينه دين الله ومن برئ من دين الله فدمه مباح في تلك الحالة الا أن يرجع أو
يتوب الى الله مما
__________________
قال ومنها ما رواه أحمد بن محمد بن مطهر قال : كتب بعض أصحابنا
الى أبي محمدعليهالسلام يسأله عمّن وقف على أبي الحسن موسى عليهالسلام فكتب لا تترحم على عمّك وتبرأ منه انا الى الله منه برئ
فلا تتولهم ولا تعد مرضاهم ولا تشهد جنائزهم (وَلا تُصَلِّ عَلى
أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً) من جحد اماما من الله أو زاد اماما ليست امامته من الله
كان كمن قال : (إِنَّ اللهَ ثالِثُ
ثَلاثَةٍ) ان الجاحد امر آخرنا جاحد أمر أوّلنا الحديث ومنها ما رواه أبو سلمة عن عبد الله عليهالسلام في حديث قال : من عرفنا كان مؤمنا ومن أنكرنا كان كافرا
ومن لم يعرفنا ولم ينكرنا كان ضالا ومنها ما رواه الحارث بن المغيرة قال : قلت لأبي عبد الله عليهالسلام قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم من مات ولا يعرف امامه مات ميتة جاهلية قال : نعم قلت
جاهلية جهلاء أو جاهلية لا يعرف امامه قال : جاهلية كفر ونفاق وضلال ومنها ما رواه أبو حمزة قال : سمعت أبا جعفر عليهالسلام يقول انّ عليا عليهالسلام باب فتحه الله عزوجل فمن دخله كان مؤمنا ومن خرج منه كان كافرا ومن لم يدخله
فيه ولم يخرج منه كان في الطبقة الذين قال الله تبارك وتعالى : فيهم المشيئة ومنها ما رواه ابن أبي نصر عن أبي الحسن عليهالسلام في قول الله عزوجل (وَمَنْ أَضَلُّ
مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللهِ) قال يعني
__________________
من اتخذ دينه رأيه
بغير امام من ائمة الهدى ومنها ما رواه الفضيل بن يسار عن أبي جعفر عليهالسلام قال : ان الله عزوجل نصب عليا عليهالسلام علما بينه وبين خلقه فمن عرفه كان مؤمنا ومن أنكره كان
كافرا ومن جهله كان ضالا ومن نصب معه شيئا كان مشركا ومن جاء بولايته دخل الجنة ومنها ما رواه محمد بن مسلم قال : سمعت أبا جعفر عليهالسلام يقول : كل من دان الله بعبادة يجهد فيها نفسه ولا امام له
من الله فسعيه غير مقبول وهو ضال متحيّر والله شانئ لا عماله ومثله كمثل شاة ضلّت
عن راعيها وقطيعها فهجمت ذاهبة وجائية يومها فلمّا جنّها الليل بصرت بقطيع مع غير
راعيها فحنت إليها واغترت بها فباتت معها في ربضتها فلمّا أن ساق الراعي قطيعة
انكرت راعيها وقطيعها فهجمت متحيرة تطلب راعيها وقطيعها فبصرت بغنم مع راعيها فحنت
اليها واغترّت بها فصاح بها الراعي الحقي براعيك وقطيعك فانك تائهة متحيرة عن
راعيك وقطيعك فهجمت ذعرة متحيرة نادة لا راعي لها يرشدها الى مرعاها أو يردها
فبينا هي كذلك اذا اغتنم الذئب ضيعتها فأكلها وكذلك والله يا محمد من اصبح من هذه
الامة لا امام له من الله جلّ وعزّ ظاهرا عادلا اصبح ضالا وان مات على هذه الحال
مات ميتة كفر ونفاق واعلم يا محمد ان ائمة الجور واتباعهم لمعزولون عن دين الله قد
ضلوا وأضلوا فاعمالهم التي يعملونها (كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ
بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عاصِفٍ لا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلى شَيْءٍ
ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ) ومنها ما رواه عبد الله بن أبي يعفور قال : قلت لأبي
__________________
عبد الله عليهالسلام : اني اخالط الناس فيكثر عجبي من أقوام لا يتولونكم
ويتولون فلانا وفلانا لهم امانة وصدق ووفاء واقوام يتولونكم ليس لهم تلك الامانة
ولا الوفاء والصدق؟ قال : فاستوى أبو عبد الله عليهالسلام جالسا فاقبل عليّ كالغضبان ثم قال لا دين لمن دان الله
بولاية امام جائر ليس من الله ولا عتب على من دان بولاية امام عادل من الله قلت لا
دين لأولئك ولا عتب على هؤلاء قال : نعم لا دين لأولئك ولا عتب على هؤلاء ثم قال :
ألا تسمع لقول الله عزوجل (اللهُ وَلِيُّ
الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ) يعني من ظلمات الذنوب الى نور التوبة والمغفرة لولايتهم كل
امام عادل من الله وقال (وَالَّذِينَ كَفَرُوا
أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ) انما عني بهذا انهم كانوا على نور الإسلام فلمّا ان تولوا
كل امام جائر ليس من الله عزوجل خرجوا بولايتهم ايّاه من نور الإسلام الى ظلمات الكفر
فاوجب الله لهم النار مع الكفار ف (أُولئِكَ أَصْحابُ
النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) ومنها ما رواه الفضيل بن يسار قال : ابتدأنا أبو عبد الله عليهالسلام يوما وقال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم من مات وليس عليه امام فميتته ميتة جاهلية فقلت قال ذلك
رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فقال : اي والله قد قال قلت : فكل من مات وليس له امام
فميتته ميتة جاهلية قال : نعم ومنها ما رواه الحارث بن المغيرة
__________________
قال : قلت لأبي
عبد الله عليهالسلام قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم من مات لا يعرف امامه مات ميتة جاهلية؟ قال : نعم قلت
جاهلية جهلاء أو جاهلية لا يعرف امامه قال : جاهلية كفر ونفاق وضلال ومنها ما رواه المفضل بن عمر قال : قال أبو عبد الله عليهالسلام من دان الله بغير سماع عن صادق الزمه الله البتة الى
العناء ومن ادّعى سماعا من غير الباب الذي فتحه الله فهو مشرك وذلك الباب المأمون
على سرّ الله المكنون ولا اشكال في انه لا بد من التصرف في الطائفة الاولى إذ من
الضروري ان مجرد ترك الصلاة وبقية الفرائض المذكورة في تلك الطائفة لا يكون موجبا
للكفر وعليه لا بد من العمل بالقواعد بالنسبة الى الطائفة الثانية والثالثة :
فنقول مقتضى القاعدة تقديم الطائفة الثالثة على الثانية والالتزام بكفر غير
الامامي الاثني عشري والوجه في ذلك ان الطائفة الثالثة دلالتها على اسلام من يشهد
بالشهادتين بالاطلاق أي أعم من يكون ملتزما بالولاية أم لا والمطلق قابل لان يقيد
بالمقيد والشاهد عليه انه لا يمكن العمل بالاطلاق تلك الطائفة والا يلزم القول
باسلام من يلتزم بالتوحيد والرسالة ولكن يكون منكرا للمعاد وهل يمكن القول به؟!
وان أبيت عن قابلية الطائفة الثانية للتقييد نقول الترجيح بالاحدثية مع الطائفة
الثالثة فان جملة من أحاديث الطائفة الثالثة أحدث منها ما رواه المفضل بن عمر ومنها ما رواه أحمد بن محمد بن مطهر ومنها ما رواه عبد العزيز بن مسلم عن الرضا عليهالسلام في حديث طويل قال ولم يمض رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم حتى بيّن لامّته معالم دينهم واوضح لهم سبيلهم وتركهم على
قصد
__________________
سبيل الحق واقام
لهم عليا عليهالسلام علما واماما وما ترك شيئا تحتاج اليه الامة الا بيّنه فمن
زعم انّ الله عزوجل لم يكمل دينه فقد ردّ كتاب الله عزوجل ومن ردّ كتاب الله فهو كافر ومنها ما رواه ابن أبي نصر والمرجح الوحيد في باب الترجيح كون الحديث أحدث ويؤيد
المدعى دعوى الاجماع على كفر من انكر الولاية فانه نقل عن الشيخ نوبخت في كتاب فص
الياقوت دافعوا النص كفرة عند جمهور أصحابنا وعن ابن ادريس في السرائر أن المخالف
لأهل الحق كافر بلا خلاف بيننا.
الجهة الثانية : في الوجوه التي يمكن
الاستدلال بها على نجاسة [أنواع] الكافر أو استدل بها والكافر انواع ونبحث في كل نوع على استقلاله
فنقول : النوع الأول الملحد قال في الحدائق وقد حكى جماعة دعوى الاجماع على نجاسة مطلق
الكافر.
وفيه انه قد ثبت
في محله عدم اعتبار الاجماع المنقول بل لا اعتبار بالمحصل منه الا أن يكون كاشفا
عن رأي المعصوم عليهالسلام فهذا الوجه لا اعتبار به.
وربما يقال بانه
اذا ثبت كون المشرك نجسا يثبت نجاسة الملحد بالأولوية وفيه اولا ان نجاسة المشرك
أول الكلام ولا بد من البحث فيها وثانيا ان الاولوية ممنوعة إذ يمكن ان يقال انّ
هتك المشرك بالنسبة الى ذاته تعالى اشد من هتك المنكر فان مقامه اجل وارفع من ان
يكون له شريك.
ان قلت يستفاد من
بعض النصوص ان الكفر اشد من الشرك منها ما رواه زرارة عن أبي جعفر عليهالسلام في حديث قال : الكفر اعظم من الشرك فمن اختار على الله عزوجل وأبى الطاعة واقام على الكبائر فهو كافر ومن نصب دينا
__________________
غير دين المؤمنين
فهو مشرك ومنها ما رواه زرارة أيضا عن أبي جعفر عليهالسلام انه قال في حديث الكفر أقدم من الشرك ثم ذكر كفر ابليس ثم
قال فمن اجترى على الله فابى الطاعة واقام على الكبائر فهو كافر يعني مستخف كافر .
قلت : لا يبعد ان
المستفاد من هذه النصوص ان من اعتقد بالله ولكن قام في مقام التجري والطغيان
وعصيان المولى يكون اخبث عن الذي يجعل له شريكا وبعبارة اخرى انه قائل بذاته تعالى
ولكن يهتك المولى ولا يعتني بشأنه تعالى هذا من ناحية ومن ناحية اخرى اذا فرض انه
وصلت النوبة الى الشك يكون مقتضى القاعدة الحكم بالطهارة لقاعدتها واستصحاب عدم
نجاسته في وعاء الشرع فان كل حكم وضعي محكوم بالعدم إذ في كل مورد مسبوق بالعدم
فاذا شك في انقلاب الحالة السابقة وصيرورته موضوعا للحكم الفلاني يكون مقتضى
الاستصحاب عدمه.
النوع الثاني : من الكافر المشرك قال سيدنا الاستاد قدسسره في المقام لا اشكال ولا شك في نجاسة المشركين بل نجاستهم
من الضروريات عند الشيعة ولا نعهد فيها مخالفا من الاصحاب نعم ذهب العامة الى
طهارتهم ولم يلتزم منهم بنجاستهم الا القليل واستدل بقوله تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا
الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا) بتقريب ان النجس
بالفتح كالنجس بالكسر فيستفاد من الاية الشريفة ان المشركين عين النجاسة قال
المفسر الكبير في مجمع البيان في ذيل الآية : معناه ان الكافرين انجاس (فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ) الخ ...
__________________
وقال الطريحي في
مادة نجس وفي الاية دلالة على ان المشركين انجاس نجاسة عينية لا حكمية وهو مذهب
اصحابنا وبه قال ابن عباس : قال ابن عباس اعيانهم نجسة كالكلاب والخنازير وروايات
اهل البيت على نجاستهم مشهورة وخالف في ذلك باقي الفقهاء وقالوا معنى كونهم نجسا
أنهم لا يغتسلون من الجنابة ولا يجتنبون النجاسات الى آخر كلامه قدسسره وفي المقام وجوه من الاشكال الوارد على الاستدلال بها على
المدعى :
الوجه الأول : ان
المصدر لا يحمل على الذات فلا بد من تقدير (ذو) فيكفي كونهم انجاس بالعرض أي ان
المشرك ذو نجاسة ويرد عليه انه لا مانع من حمل المصدر على مصداقه كما لو اشير الى
الضرب ويقال هذا ضرب وقس عليه بقية الموارد.
وبعبارة واضحة
المدعى في المقام ان المشرك عين النجاسة فلا مانع عن الحمل ولا نحتاج الى القول
بانه مبالغة كقوله زيد عدل ولا الى القول بتقدير لفظ (ذو) ولتوضيح المدعى نقول
الذي لا يمكن الالتزام به ان يحمل المعنى الحدثي على الذات إذ لا يعقل اتحاد
الضدين واما اذا فرضنا ان المصدر أي ما يسمى بالمصدر لا يكون معنى حدثيا كما انه
كذلك في المقام فلا مانع عن الحمل وان شئت فقل ما يسمى بالمصدر يحمل على مصداقه
بلا فرق بين أن يكون مصداقه من الجوامد أو من المشتقات ولذا لا اشكال في صحة كلام
الاصحاب حيث يقولون النجاسات عشرة فان النجاسات حملت على الذوات الخارجية وانما
نعبر في كلامنا بما يسمى بالمصدر من باب ان المصدر يعتبر وجوده في جميع افراد
المشتقات وما يسمى بالمصدر لا يكون كذلك ولا يعقل ان يكون مصدرا مثلا المصدر في
مادة ضرب عبارة عن الضاد والراء والباء على نحو الابهام الا من ناحية ترتيب الحروف
وصفوة القول ان المصدر بما هو كذلك يعتبر وجوده في جميع المشتقات.
الوجه الثاني : ان
الآية على فرض دلالتها على المدعى لا تدل على نجاسة مطلق الكافر بل تختص بالكافر
المشرك والجواب عن الوجه المذكور ان الكلام في نجاسة المشرك.
الوجه الثالث :
أنه لا دليل على ارادة النجاسة المعهودة من الآية فان النجاسة في اللغة بمعنى
القذارة وبعبارة واضحة الأحكام الشرعية صدرت عن مصادرها بالتدريج ولا شاهد على كون
المراد من النجاسة في الآية النجاسة الشرعية وان أبيت عن الجزم بما ذكر فلا أقل من
الاحتمال واذا جاء الاحتمال بطل الاستدلال.
ويرد عليه أنه لا
دليل على كون الاية نازلة في أول البعثة وقيل أنها نزلت في السنة التاسعة من
الهجرة فالآية نازلة بعد سنين متعددة ويضاف الى ما ذكر ان الدليل دال على انّ
الماء جعل طهورا ورافعا للنجاسة في أوائل البعثة لاحظ ما روى عن موسى بن جعفر عليهماالسلام : الاحتجاج عن موسى بن جعفر عليهالسلام عن أبيه عن آبائه عن الحسين بن علي عن أبيه عن علي بن أبي
طالب عليهالسلام في حديث طويل مع يهودي يخبره عن فضائل الانبياء ويأتيه
امير المؤمنين عليهالسلام بما لرسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بما هو افضل مما اوتي الانبياء .. الى أن قال وكانت الامم
السالفة اذا أصابهم اذى من نجاسة قرضوه من اجسادهم وقد جعلت الماء لأمتك طهورا
فهذه من الآصار التي كانت عليهم فرفعتها عن أمّتك الحديث فان المستفاد من هذه الرواية ان الله سبحانه منّ على رسوله
الأكرم بان رفع عن امته وجوب القراض وجعل الماء طهورا ورافعا للنجاسة ولاحظ ما
رواه السكوني عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : الماء يطهر ولا يطهر ولاحظ ما رواه مسعدة بن اليسع عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : قال علي عليهالسلام : الماء يطهر
__________________
ولا يطهر ولاحظ ما روي أن أمير المؤمنين عليهالسلام كان يقول عند النظر الى الماء : الحمد لله الذي جعل الماء
طهورا ولم يجعله نجسا ولاحظ ما رواه زرارة عن أبي جعفر عليهالسلام قال : لا صلاة الا بطهور ويجزيك من الاستنجاء ثلاثة احجار
بذلك جرت السنة من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وأما البول فانه لا بد من غسله .
فانه يستفاد من
هذه النصوص ان النجاسة والطهارة كانتا مجعولتين في زمن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أو قريب من زمانه اضف الى ذلك كله ان مقتضى الاستصحاب
القهقري الذي يكون من الاصول اللفظية كون النجاسة بالمعنى الشرعي منها في لسان
الشارع كانت في زمان رسول الإسلام متحدة مع ما كانت في لسان الائمة ومخازن الوحي ،
إن قلت هب ان مقتضى الاستصحاب بالتقريب المذكور كون المراد المعنى الشرعي لكن
مقتضى الاستصحاب أيضا بقاء اللفظ على معناه اللغوي في زمن الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم.
قلت هذا الاستصحاب
من الاصول العملية والاستصحاب القهقري الجاري في الالفاظ من الامارات والأصل
العملي لا يقاوم الاصل اللفظي وان شئت قلت الأصل الفقاهي لا يعارض الدليل
الاجتهادي وبتعبير آخر الاصل العملي لا يقاوم الامارة.
إن قلت الحق ان
الاستصحاب امارة فلا وجه للترجيح قلت ان الاستصحاب وإن كان امارة على المسلك الحق
لكن امارة حيث لا امارة وعلى الجملة ان الاستصحاب لا يقاوم الدليل اللفظي بلا كلام
ولا ريب.
__________________
ان قلت مع ذلك لا
يمكن حمل النجاسة على النجاسة الشرعية بل يلزم حملها على النجاسة المعنوية
والخباثة الذاتية إذ لا اشكال في جواز ادخال النجاسات العينية كالدم والعذرة
والبول وغيرها في المسجد ما دام لا يوجب تلوث المسجد فيكون المراد من النجاسة في
الاية الخباثة فان المشرك حيث انه خبيث ورجس وقائل بالشريك له تعالى لا يناسب
دخوله في مهبط الوحي ومخزن التوحيد والوحدانية.
قلت : التقريب
المذكور غير تام فان المذكور في الآية ان المشركين (نَجَسٌ فَلا
يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ) والمستفاد منها ان المشرك موظف أن لا يدخل المسجد الحرام
وهذه الاية تدل على ان الكفار مكلفون بالفروع كما أنهم مكلفون بالاصول ولا تنافي
بين هذه الاية وجواز ادخال النجاسة العينية في المسجد الحرام.
وبعبارة واضحة :
لا دلالة في الاية على النهي عن ادخال الموحد المشرك الى المسجد كي ينقض بل
المستفاد من الآية ان المشرك بنفسه منهي عن دخول المسجد الحرام فالنتيجة ان
المستفاد من الاية الشريفة نجاسة المشرك وهذه هي الدعوى في المقام فلاحظ.
النوع الثالث : الغلاة فنقول ان كان المراد من الغالي من يعتقد ان أمير المؤمنين عليهالسلام هو الرب وهو الله فلا اشكال في كونه كافرا لأنه لا يعتقد
بالله وهل يمكن الجزم بنجاسته وكونه من الاعيان النجسة فلو قلنا بتمامية الدليل
على نجاسة الكافر يتم الامر أو قلنا بانه يستفاد من نجاسة المشرك نجاسة الغالي
بالأولوية يتم الامر أيضا لكن في كلا التقريبين اشكال واما حديث محمد بن عيسى قال
: قرأنا في كتاب الدهقان وخط الرجل في القزويني الى ان قال : وتوقوا مشاورته ولا
يجعلوا له
السبيل الحديث فمضافا الى الاشكال في السند يحتمل أن يكون النهي عن
المشاورة لا عن المساورة كي يقال بان النهي عن مساورته دليل على نجاسته وان كان في
الجزم بالتقريب أيضا اشكال ولا يمكن الجزم به.
وإن كان المراد من
الغالي من يعتقد ان الله تعالى فوض الامور الى أمير المؤمنين عليهالسلام وهو بنفسه انعزل عن التصرف في العالم يكون من مصاديق
المفوضة ويقع الكلام فيهم ان شاء الله تعالى.
وان كان المراد من
الغالي كون علي عليهالسلام وأولاده المعصومين أقرب الموجودين الى ساحة القدس الربوبي
وانهم أبواب الله فهذا ليس موجبا لفساد العقيدة والشيعي الاثني عشري قائل بهذه
العقيدة ونسأل الله أن يثبّتنا على الاعتقاد المذكور في الدنيا والآخرة وحشرنا مع
الأنوار الطاهرة ومظاهر الصفات الربوبية وقد ورد في دعاء ايام شهر رجب انه : لا
فرق بينك وبينها الّا أنهم عبادك وخلقك الى آخر الدعاء.
النوع الرابع : الخارجي وعن جامع المقاصد أنه لا كلام في نجاسته وعن جملة من الاجلة
دعوى الاجماع عليه.
أقول : ان كان
المراد من الخارجي الطائفة الملعونة التي خرجت على أمير المؤمنين عليهالسلام واعتقدت كفره ومثلهم الطائفة التي خرجت على أبي الشهداء
شهيد كربلاء فلا اشكال في كونهم مصاديق الناصب ويقع البحث فيه ان شاء الله تعالى
ويدل على كونه مشركا ما نقل عن الباقر عليهالسلام بالنسبة الى احد الخوارج «مشرك والله مشرك» واما ان كان المراد من الخارجي من يعارض امام زمانه لأجل
الدنيا وزخرفها فلا يكون مثله ناصبيا وان كان مرتكبا لأشد المعاصي
__________________
وحيث انجر الكلام
الى هنا نقول لا اشكال في انّ الثلاثة الاوّلين من النواصب لعنة الله عليهم وعلى
اتباعهم وكيف لا يكون الامر كذلك والحال انهم هجموا على بيت الزهراء عليهاالسلام واحرقوا الباب وضربوا بنت الرسول واسقطوا ما في بطنها
وجرّوا ولي الله وهتكوا وارادوا قتله ونشكو الامر الى الله وهو الحاكم في يوم
الحساب بل إنهم اعداء رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وهل يمكن أن يكون شخص يحب الرسول ويضرب بضعته وكيف يمكن أن
يحبه ويتجاسر عليه بقوله ان الرجل ليهجر والبحث في هذا المجال طويل.
النوع الخامس : المنكر لرسالة نبي
الإسلام فانه لا شبهة في
ان المنكر للرسالة كافر بمقتضى النصوص والاجماع والضرورة بل كون الشخص مسلما مع
كونه منكرا للرسالة أو شاكا فيها مرجعه الى الخلف المحال ويلحق به منكر الضروري
اذا رجع الى انكار الرسالة ويظهر من جملة من النصوص ان انكار حكم من أحكام الشريعة
يوجب الكفر منها ما رواه داود بن كثير الرقي قال : قلت لأبي عبد الله عليهالسلام سنن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم كفرائض الله عزوجل فقال ان الله عزوجل فرض فرائض موجبات على العباد فمن ترك فريضة من الموجبات
فلم يعمل بها وجحدها كان كافرا وأمر رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بأمور كلّها حسنة فليس من ترك بعض ما أمر الله عزوجل به عباده من الطاعة بكافر ولكنه تارك للفضل منقوص من الخير
ومنها ما رواه محمد بن مسلم قال : سمعت أبا جعفر عليهالسلام يقول كل شيء يجرّه الاقرار والتسليم فهو الايمان وكل شيء
يجرّه الانكار والجحود فهو الكفر ومنها ما رواه أبو الصباح الكناني عن أبي جعفر عليهالسلام قال : قيل لأمير المؤمنين عليهالسلام من شهد أن لا إله الّا الله وانّ محمدا رسول
__________________
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم كان مؤمنا قال فأين فرائض الله الى أن قال ثم قال فما بال
من جحد الفرائض كان كافرا ومنها ما رواه عبد الرحيم القصير عن أبي عبد الله عليهالسلام في حديث انه كتب اليه مع عبد الملك بن أعين سألت رحمك الله
عن الايمان والايمان هو الاقرار الى أن قال والإسلام قبل الايمان وهو يشارك
الايمان فاذا أتى العبد بكبيرة من كبائر المعاصي أو بصغيرة من صغائر المعاصي التي
نهى الله عنها كان خارجا من الايمان ساقطا عنه اسم الايمان وثابتا عليه اسم
الإسلام فان تاب واستغفر عاد الى الايمان ولا يخرجه الى الكفر الّا الجحود
والاستحلال ان يقول للحلال هذا حرام وللحرام هذا حلال ودان بذلك فعندها يكون خارجا
من الإسلام والايمان وداخلا في الكفر الحديث ومقتضى الاطلاق عدم الفرق بين الضروري وغير الضروري نعم لا
يبعد ان يستفاد منها الجحود والانكار فلا يشمل ما اذا كان عن عذر ولكن مقتضى اطلاق
هذه النصوص عدم الفرق بين كونه تكذيبا للنبي أم لا واما نجاسة هذا القسم فمبني على
القول بنجاسة مطلق الكافر.
وأما منكر المعاد
فقد استدل سيدنا الاستاد بجملة من الآيات منها قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا
اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنازَعْتُمْ
فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ
بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) ومنها قوله تعالى : (قاتِلُوا الَّذِينَ
لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ
اللهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا
الْكِتابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ) والانصاف
__________________
ان هذه الآيات لا
تدل على كفر منكر المعاد نعم لا اشكال في وجوب الاعتقاد بالمعاد ويستحق المنكر
العقاب كما تدل عليه الآية الشريفة في سورة المدّثر (وَكُنَّا نُكَذِّبُ
بِيَوْمِ الدِّينِ) بل يمكن أن يقال ان العقل حاكم بالمعاد ويوم الجزاء والّا
بأيّ نحو يمكن الزام البشر بالطاعة وترك العصيان ولكن مع ذلك كله لم نجد دليلا على
كون منكر المعاد كافرا لكن كيف لا يجزم العارف بالشريعة بكون المعاد من أصول الدين
فانه لو ادعى أحد أنه مورد التسالم ومورد السيرة والارتكاز لا يكون مجازفا في قوله
ولا اشكال في ان انكار المعاد إنكار لرسالة الرسول فلاحظ.
النوع السادس : الناصبي وقد نفى الخلاف عن نجاسته في بعض الكلمات بل قيل انه ادعى
عليه الاجماع في كلام جمع من الاصحاب وتدل على نجاسته جملة من النصوص منها ما رواه
عبد الله بن أبي يعفور عن أبي عبد الله عليهالسلام في حديث قال وايّاك ان تغتسل من غسالة الحمام ففيها تجتمع
غسالة اليهودي والنصراني والمجوسي والناصب لنا أهل البيت وهو شرهم فإن الله تبارك
وتعالى لم يخلق خلقا أنجس من الكلب وان الناصب لنا أهل البيت لأنجس منه ومنها ما رواه خالد القلانسي قال : قلت لأبي عبد الله عليهالسلام ألقى الذمّي فيصافحني قال امسحها بالتراب وبالحائط قلت فالناصب
قال اغسلها وفي المقام وجوه من الاشكال :
الوجه الأول : أن
المذكور في الحديث ان الناصب أنجس من الكلب ولا تتصور الاشدية في النجاسة الخبثية
فيكون المراد من الحديث الأمر المعنوي.
وفيه انه لا مانع
من الاشدية فيها ولذا نرى الفرق في التطهير بين النجاسات مثلا يشترط في التطهير من
البول التعدد اذا كان بالماء القليل وفي الكلب التعفير وفي
__________________
الخنزير سبع مرات
بالماء.
الوجه الثاني :
أنه قد جعل الناصب في عداد ولد الزنا لاحظ ما أرسله علي بن الحكم عن رجل عن أبي
الحسن عليهالسلام في حديث انه قال لا تغتسل من غسالة ماء الحمّام فانّه
يغتسل فيه من الزنا ويغتسل فيه ولد الزنا والناصب لنا أهل البيت وهو شرّهم والحال أن ولد الزنا لا يكون نجسا كما ان الاغتسال من
الزنا لا يوجب النجاسة.
وفيه انّه يكفي
للاستدلال حديث ابن أبي يعفور ونفرض عدم امكان الأخذ بما ذكر مضافا الى ضعف السند
اضف الى ذلك ان المستفاد من هذه الطائفة الخباثة المعنوية ولا نضايق ان نلتزم بكلا
الأمرين بالنسبة الى الناصب لعنه الله.
الوجه الثالث : ان
النصب صار شايعا في دولة بني امية حتى ان معاوية جعل لعن ولي الله أمير المؤمنين عليهالسلام من الأذكار المستحبة ولم يظهر من الائمة ما يدل على نجاسة
الناصب بل كان المتعارف معاملة الطهارة معه وحمل المعاشرة في هذه المدة الطويلة
على التقية بعيد.
وفيه أنه لا نرى
بعدا فيه والميزان ما يصل إلينا من الأحكام وقد وصل إلينا الدليل على نجاسة
الناصبي ولا يمكن رفع اليد عن الدليل المعتبر بهذه الوجوه المذكورة وامثالها ولا
مانع من الالتزام بكون الناصبي من الأعيان النجسة ومع ذلك يمكن أن يقال أن حكم
الشارع بعدم الاجتناب عنه بلحاظ ملاك في نظره وصفوة القول ان الوظيفة الشرعية
والعقلية التسليم في قبال ما وصل إلينا من الأحكام ولا مجال للقيل والقال فيها.
النوع السابع : المجسمة قال سيدنا الاستاد قدسسره ما ملخص كلامه في هذا المقام
__________________
على ما في تقريره
الشريف هم على قسمين فقسم منهم يعتقد ان الله كبقية الاجسام له يد ورجل ورأس
فالقائل بلوازم قوله ان التزم بها فلا اشكال في أنه كافر وقسم منهم يعتقد أنّ الله
جسم لا كبقية الاجسام ويلتزم بالاوصاف التي تناسب ذلك الصقع وهذا الاعتقاد وان كان
خلاف الواقع لكن لا يوجب الكفر الّا أن يرجع الى تكذيب النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وأكثر المسلمين لقصور باعهم يعتقدون ان الله جسم جالس على
عرشه ولذا يتوجهون اليه توجه الجسم الى جسم مثله لا بنحو التوجه القلبي وقد ورد في
الخبر أنه «شيء بخلاف الأشياء» .
أقول : ما كنّا
نترقب من سيدنا الاستاد قدسسره مع كونه مشارا اليه بالبنان في الميادين العلمية ان يصدر
عنه هذا القول لاحظ ما رواه سماعة قال : قلت لأبي عبد الله عليهالسلام عن الإسلام والايمان أهما مختلفان فقال انّ الايمان يشارك
الإسلام والإسلام لا يشارك الايمان فقلت فصفهما لي فقال الإسلام شهادة أن لا إله
الّا الله والتصديق برسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم به حقنت الدماء وعليه جرت المناكح والمواريث وعلى ظاهره
جماعة الناس والايمان الهدى وما يثبت في القلوب من صفة الإسلام وما ظهر من العمل
به والايمان أرفع من الإسلام بدرجة ان الايمان يشارك الإسلام في الظاهر والإسلام
لا يشارك الايمان في الباطن وان اجتمعا في القول والصفة فان المستفاد من هذه الرواية ان قوام الإسلام بشهادة أنه
لا آله الّا الله هذا من ناحية ومن ناحية اخرى ثبت عندهم انّ لفظ الله علم لذات
واجب الوجود وهو الذات المستجمع لجميع الصفات الكمالية فاذا لم يكن كذلك يكون
الشخص خارجا عن دائرة الإسلام وبعبارة اخرى نسأل الاستاد بانّ الجسمية بايّ معنى
كان أعم من أن يكون المراد بها الجسم الطبيعي أو
__________________
التعليمي نقص أم
لا لا سبيل الى الثاني وعلى الأول يكون المتصف به ناقصا.
وأمّا أكثر
المسلمين معتقدون بهذه العقيدة فلا نسلم وننكر هذه الجهة أشد الانكار وانّما
يتوجهون عند التوسل الى الفوق لا من جهة أنه تعالى جالس على عرشه بل التوجه الى
الفوق عند الدعاء والتوسل أمر رائج ودائر بين جميع الموحدين وهو المتعارف عند
الشيعة عند التوسل والدعاء وقد امر من ناحية الشرع برفع الرأس أو اليد عند الدعاء
والتوسل في بعض الموارد وهذا ظاهر واضح نعم ذلك الصوفي الضال المضل يقول في اشعاره
:
ديد موسى يك
شبانى را براه
|
|
كاو همى گفت اى خدا واى اله
|
تو كجائى تا شوم
من شاكرت
|
|
چارقت دوزم كنم شانه سرت
|
الى آخر اشعاره
الكفرية ولا غرو في صدور هذه الترهات والاباطيل عن مثله فان من يكون قائلا بوحدة
الموجود وأمثال هذه العقيدة الكفرية يناسب أن يصدر عنه ما يكون مناسبا ومناسخا مع
الابالسة الملاعين اعاذنا الله عن الاعتقاد بعقائدهم.
وأما حديث الكافي
فالمستفاد منه أنّه تعالى شيء لا كالأشياء والمراد بالشيء الوجود ولا اشكال في انّ
الله تعالى موجود والّا يلزم ان يكون معدوما نستجير به تعالى نعم بعد اثبات كونه
موجودا يقع الكلام في الفارق بينه وبين خلقه. أقول :
«الى موضع الاسرار
قلت لها قفي».
وأما كلام ملّا
صدرى في شرح اصول الكافي فهو أنه لا مانع عن الالتزام بكونه جسما الهيا فان الجسم
على أقسام قسم منه الجسم الخارجي المادي ومنها جسم مثالي وهو الصورة الحاصلة
للإنسان من الأجسام الخارجية فانها جسم بلا مادة ومنها جسم عقلي وهو الكلي المتحقق
في الذهن وهو أيضا لا مادة له ومنها غير ذلك والجامع لهذه الأقسام الأربعة هو
الجسم الذي له ابعاد ثلاثة من العمق
والطول والعرض ،
أقول : يا أهل المروة والانصاف هل يمكن أن يصدق العارف الموحد هذه المقالة وهل
يكون واحد منهم يعتقد بانه تعالى ذو عرض وطول وعمق ولا أدري بايّة مناسبة لقب هذا
الشخص بصدر المتالهين وان كان ذوق التأله يقتضي الالتزام بهذه المقالة فلا نريد
هذا الذوق وكيف يمكن أن توجد هذه الابعاد بلا مادة وبعبارة واضحة قد حقق عندهم أن
العرض موجود في نفسه لغيره في قبال الوجود لا في نفسه وكيف لا يكون مثله مركبا
وكيف لا يكون محتاجا ويضاف الى ذلك أن هذه الأبعاد كل واحد منها ماهيّة فتكون
مشتركة مع بقية الأبعاد ويلزم التميز أي يكون الجامع بين الكل هو الجنس والمائز هو
الفصل ولا يكون ما به الامتياز عين ما به الافتراق إذ لا تشكيك في الماهية ويؤيد
المدعى بعض النصوص منها ما رواه ياسر الخادم قال سمعت أبا الحسن علي بن موسى الرضا
عليهماالسلام يقول من شبّه الله بخلقه فهو مشرك ومن نسب اليه ما نهى عنه
فهو كافر ومنها ما رواه عبد السلام بن صالح الهروي عن الرضا عليهالسلام في حديث قال : من وصف الله بوجه كالوجوه فقد كفر ومنها ما رواه داود بن القاسم قال : سمعت علي بن موسى
الرضا عليهالسلام يقول من شبّه الله بخلقه فهو مشرك ومن وصفه بالمكان فهو
كافر ومن نسب اليه ما نهى عنه فهو كاذب الحديث ومنها ما رواه محمد بن أبي عمير عن غير واحد عن أبي عبد
الله عليهالسلام قال : من شبّه الله بخلقه فهو مشرك ومن أنكر قدرته فهو
كافر .
النوع الثامن : المجبرة قال سيدنا الاستاد في هذا المقام تارة يراد بالمجبرة الذين
__________________
قائلون بالجبر
ويلتزمون بلوازمه وهذا يوجب الكفر والنجاسة إذا الالتزام بالجبر يستلزم انهدام
الشرائع فان الجبر لا يتصور فيه الاختيار كي يصحّ التكليف ومع عدم صحة التكليف لا
مجال لإرسال الرسل وانزال الكتب وأما ان كان المراد بالجبر ان افعال العباد خارجة
عن تحت اختيارهم ولكن يرون صحة التكليف فلا يكون هذا موجبا للكفر وبعبارة اخرى
مجرد الاعتقاد بالجبر لا يوجب الكفر ولا يوجب النجاسة.
أقول : المستفاد
من حديث سماعة وغيره ان قوام الإسلام بالاعتقاد بوجود الله الذي يكون جامعا لجميع
الصفات الكمالية ومع انتفائه لا يتحقق الإسلام وكيف يكون الشخص المعتقد بان الله
يكلف عباده بما لا يكون مقدورا لهم ويعذبهم بالعصيان.
وببيان واضح الذي
يعتقد أن موجد العالم غير حكيم لا يكون معتقد بالله فإن مجرد الاعتقاد بوجود موجود
مؤثر كائنا من كان لا أثر له ويؤيد المدعى بعض النصوص منها ما رواه يزيد بن عمر
الشامي عن الرضا عليهالسلام في حديث قال : من زعم انّ الله يفعل افعالنا ثمّ يعذّبنا
عليها فقد قال بالجبر ومن زعم ان الله فوّض أمر الخلق والرزق الى حججه فقد قال
بالتفويض والقائل بالجبر كافر والقائل بالتفويض مشرك ومنها ما رواه الحسين بن خالد عن الرضا عليهالسلام في حديث قال من قال بالتشبيه والجبر فهو كافر مشرك ونحن
منه براء في الدنيا والآخرة ومنها ما رواه حريز بن عبد الله عن أبي عبد الله عليهالسلام قال الناس في القدر على ثلاثة أوجه رجل زعم ان الله أجبر
الناس على المعاصي فهذا قد ظلم الله في حكمه فهو كافر ورجل يزعم ان الأمر مفوّض
اليهم فهذا قد وهن
__________________
الله في سلطانه
فهو كافر الحديث ونقل عن بعض أنه قال حمار الاشعري أفهم منه اذ حماره لما
يصل الى الماء يدري بان دخول الماء اختياري له ولا يدخل والاشعري لا يفهم بان فعله
اختياري له اعاذنا الله من الزلل وصفوة القول انه ان كان الاعتقاد بانه للعالم
خالق على نحو الاطلاق يكفي لكون الشخص موحدا ، يكون الراعي الذي رآه موسى بن عمران
في مقام التصور موحدا وهل يرضى سيدنا الاستاد به وهل يمكن ان يصدر من نبي الله
موسى عليهالسلام ما نسب اليه بقوله :
هيچ آدابى وترتيبى مجو
|
|
هرچه مى خواهد دل تنگت بگو
|
النوع التاسع : المفوضة قال الطريحي قدسسره في مادة فوض : المفوضة قوم قالوا ان الله خلق محمدا صلىاللهعليهوآلهوسلم وفوض اليه خلق الدنيا فهو الخلاق لما فيها وقيل فوض ذلك
الى علي عليهالسلام وقال سيدنا الاستاد قدسسره ان المفوّضة اذا التزموا بلازم كلامهم يكون كفرا وشركا
ويوجب اعتقادهم نجاستهم اما اذا لم يلتزموا بلازم كلامهم فلا يوجب كفرهم.
أقول : ان فرض انّ
اعتقادهم يستلزم الاعتقاد بكون الباري تعالى ذا شريك كيف لا يكون اعتقادهم مضرا
مثلا لو فرض ان شخصا يعتقد بانّ الله جسم من الأجسام ولا يتوجه باعتقاده ويكون
غافلا هل يكون مثله مسلما مع ان قوام الإسلام بكون الشخص معتقدا بوجود ذات مستجمع
لجميع الصفات الكمالية وهو الله جلّ جلاله.
اذا عرفت ما تقدم
اعلم انه ان كان المراد من التفويض انعزال الخالق عن الخلق واستقلال المخلوق بعد
خلقته عن الخالق يكون الاعتقاد المذكور كفرا والحادا اعاذنا الله من الزلل
والزلات.
__________________
توضيح المدعى انّ
المفوضة حيث رأوا ان كلام الاشاعرة والمجبرة الذين يقولون بعدم كون افعال العباد
اختيارية ويستلزم اعتقادهم نسبة الظلم الى ساحة القدس الربوبي سلكوا مسلكا آخر كي
لا يقعوا في محذور الجبر والتزموا باختيارية افعال المكلّفين وقالوا الحادث بعد
حدوثه لا يحتاج الى المؤثر فلا يرتبط الفعل الصادر من العبد بساحة القدس الربوبي
وزعموا أنّهم سلكوا طريق الحق بخلاف الاشاعرة.
ويردّ عليهم انّ
ما ذهبوا إليه أكثر اشكالا وأسوأ من مذهب الاشاعرة.
إذ يرد على هذا
المسلك اولا انّ الوجود الامكاني لا يعقل ان يصير واجبا ولا يمكن تعلق القدرة به
وبعبارة اخرى الممكن كما انه يكون في الحدوث محتاجا الى مؤثر يكون كذلك بقاء.
وثانيا : انّ ما
ذهب إليه مستلزم للشرك فانّ زيدا بعد وجوده يكون شريكا مع الباري تعالى وهذا الشرك
أشد فسادا من الشرك الذي التزم به الثنوية القائلون بتعدد الإله وكونه اثنين
أحدهما يزدان وهو خالق الخيرات ثانيهما أهرمن وهو خالق الشرور ولكن المفوضة قائلون
بالتعدد الى ما لا نهاية له.
وثالثا : انّ حكم
الامثال واحد ومن هذه الجهة لا يكون فرق بين الاناسي والحيوانات.
ورابعا : أنّه كيف
لا يكون الممكن بعد حدوثه غير محتاج الى المؤثر والحال أنّه نرى فناء الاشياء
وممات الاحياء ومن الواضح انّ الواجب لا يمكن انعدامه.
وخامسا : انّه
يلزم ابطال الشرائع والأديان إذ على هذا المسلك لا يتصور المعاد كي يحاسب العبد
فانّ الواجب لا يفنى ويدل بعض النصوص على كونهم مشركين قال القمي رحمهالله في تفسيره في رواية ابي الجارود قوله : (كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ* فَرِيقاً
هَدى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ) قال خلقهم حين خلقهم مؤمنا كافرا وشقيّا
وسعيدا وكذلك
يعودون يوم القيامة مهتد وضال يقول (إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا
الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ اللهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ) وهم القدرية الذين يقولون لا قدر ويزعمون انهم قادرون على
الهدى والضلالة وذلك اليهم ان شاءوا اهتدوا ان شاءوا ضلّوا وهم مجوس هذه الامة
الحديث .
وبالمناسبة نذكر
ما افاده المعتزلي شارح نهج البلاغة ابن أبي الحديد قال في أول كتابه الحمد لله
الذي قدم المفضول على الفاضل فانه يسئل التقديم الذي اشار إليه تقديم تكويني أو
تقديم تشريعي أما على الأول فهو يناقض مسلك التفويض وانّ ما يرجع الى العباد لا
يرتبط بساحة قدسه وأما على الثاني فيسئل أيضا أنه ايّ دليل دل على تقديم المفضول
على الفاضل يا ليته لم تلده والدته كي لا يصدر عنه هذا الأمر الباطل فانّ البراهين
الواضحة قائمة على انّ الحق يدور مدار علي بن ابي طالب أرواحنا فداه ولا مجال
لقياس الأولين عليه.
فالنتيجة انّ
القائل بهذا المذهب كافر مشرك وطبعا يكون نجسا.
وإن كان المراد من
التفويض ما أفاده الطريحي أي الباري تعالى فوض أمر الخلق الى محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم أو علي عليهالسلام يكون أيضا فاسدا فان القول المذكور مخالف مع القرآن
والنصوص فان المستفاد من الكتاب والسنة ان الامور كلها بيده وبقدرة الباري تعالى
وهذا القول يستلزم الشرك فان مرجعه الى ان ذاته تعالى منعزل ويكون الامر بيده
عبيده ويكون هذا شركا ولا حول ولا قوة الّا بالله.
ازمة الامور طرا
بيده
|
|
والكل مستمدة من
مدده
|
فتحصل مما تقدم
أنه لا جبر ولا تفويض بل أمر بين الأمرين وهذا مسلك في قبال المسلكين الباطلين
وتدل عليه جملة من النصوص الواردة عن مخزن
__________________
الوحي ومن تلك النصوص ما ارسله محمد بن يحيى عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : لا جبر ولا تفويض ولكن أمر بين أمرين قال : قلت وما
أمر بين أمرين قال مثل ذلك رجل رأيته على معصية فنهيته فلم ينته فتركته ففعل تلك
المعصية فليس حيث لم يقبل منك فتركته كنت أنت الذي أمرته بالمعصية .
ويمكن تصور الحال
في ضمن امثلة : الأول أنه لو فرضنا ان شخصا يربط آلة قتالة بيد المرتعش بلا ارادة
ذلك المرتعش وبعد ذلك صادفت الآلة شخصا ثالثا وقتل لا ينسب القتل الى المرتعش بل
ينسب الى ذلك الرابط والقائل بالجبر يعتقد ان الفعل منسوب الى الباري والمكلف يصدر
عنه الفعل بلا اختيار.
الثاني : ان يعطي
شخص آلة قتالة لغيره مع العلم بانه يقتل بالآلة شخصا ثالثا ولا يمكنه بعد الاعطاء
ان يأخذ الآلة منه وقتل الآخذ شخصا يكون القتل مستندا الى الأخذ ولا يرتبط بالمعطي
والقول بالتفويض يستلزم الالتزام به.
الثالث : ان يعطي
شخص آلة قتالة للثالث مع العلم بانه يقتل ثالثا ولكن اختيار الآخذ بيد المعطي أي
ما دام يمده يختار واذا قطع امداده عنه يعجز فاذا قتل الآخذ شخصا ثالثا يصدق ان
الآخذ قاتل لكن أيضا يصدق ان المعطي كان معينا له في القتل والامامية ذهبوا الى
هذا المذهب وهذا اعتقادهم ويمكن الاستدلال على المدعى ببعض الآيات الشريفة منها
قوله تعالى : (وَما تَشاؤُنَ إِلَّا
أَنْ يَشاءَ اللهُ إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً) ومنها قوله تعالى : (وَلا تَقُولَنَّ
لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ
إِذا نَسِيتَ وَقُلْ عَسى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي
__________________
لِأَقْرَبَ
مِنْ هذا رَشَداً) فان المستفاد من الآيتين الشريفتين انّ العبد إذا فعل فعلا
يكون سبب فعله ارادته وارادة الله ولتوضيح الأمر نمثل مثالا آخر وهو أنه لو كان
شخص معلقا في مكان في طرفه اليمين جملة من المأكولات المفيدة للمزاج وفي يساره
جملة من المأكولات المضرة وكان حبل مشدودا ببدنه ولكن زمام اختياره بيد شخص آخر
بحيث في كل يمكنه أن يجره ويمنعه عمّا يريده فنسأل أن الشخص المربوط بالحبل هل
يكون مختارا في الأكل أو مجبورا لا اشكال في أنه إذا أكل من الطرف الأيمن أو
الأيسر يكون مختارا ولكن مع الوصف يكون اختياره بيد ذلك الشخص الثاني فالحق انه لا
جبر ويكون الفعل الصادر من العبد باختياره وارادته والوجدان أصدق شاهد عليه :
اين كه گوئى اين كنم يا آن كنم
|
|
اين دليل اختيار
است اى صنم
|
والحق أيضا ان
الممكن كائنا ما كان في كل آن ولحظة يحتاج الى الواجب ولا يعقل غنائه عنه والّا
يلزم الخلف المحال وإن شئت فقل انّ اضافة الواجب الى الممكن اضافة اشراقية الى
المضاف اليه عين الفقر لا شيء له الفقر ومثاله في الممكن اضافة الانسان الى الصورة
الحاصلة في النفس فان قوام تلك الصورة بتوجه المتصور بحيث اذا غفل في آن لا تبقى
تلك الصورة :
اگر نازى كند برهم فرو ريزند قالبها.
ولتوضيح المراد
والمرام ننبّه على نكتة مفيدة للمقام ولما يأتي عن قريب ان شاء الله تعالى وهو ان
صدق عنوان المشتق على الذات متوقف على واجديّة ذلك الذات لمبدإ ذلك المشتق والّا
يكون الصدق مستحيلا فاذا كان الذات غير المبدأ لا بد أن يكون واجدا له ويمكن أن
يكون خاليا عنه فعند خلوه لا يصدق عليه وأما اذا كان
__________________
الذات نفس ذلك
المبدأ لا يعقل انفكاكه عنه مثلا الجدار الأبيض يصدق عليه عنوان الابيض لكن هذا
الصدق ببركة كون البياض فيه واما نفس البياض فهو بنفسه أبيض ولنا أن نقول تركب
الذات والمبدأ ربما يكون تركبا اتحاديا وقد يكون انضماميا.
النوع العاشر : القائلون بوحدة الوجود ولا بد في حكمهم التفصيل بان يقال ان كان المراد بوحدة
الوجود ان حقيقة الوجود واحدة ولها مراتب وهو مفهوم واضح وأما كنهه في غاية الخفاء
وهو الأصل في العالم انّ الوجود عندنا أصل دليل من خالفنا عليل لا مانع من
الالتزام به بان يقال قسم من الوجود واجب وقسم منه ممكن والممكن على أقسام قسم منه
رسول مكرم وقسم منه شيطان رجيم وهذا لا يوجب الكفر وهذا يسمى عندهم بالتوحيد
العامي.
الفهلويون
الوجود عندهم
|
|
حقيقة ذات تشكك
تعمّ
|
وأما ان قيل ان
الموجود واحد في الخارج وله اطوار فانه في السماء سماء وفي الأرض أرض وفي الخالق
خالق وفي المخلوق مخلوق وهكذا وهو المسمى عندهم بتوحيد خاص الخاص فيكون كفرا
والحادا ومكابرة مع الوجدان والبرهان امّا منافاته مع الوجدان فهو واضح عند من
يكون له الوجدان وامّا منافاته مع البرهان فهو أنه كيف تجتمع الوحدة مع التعدد
وكيف يتصور كون الواحد علة ومعلولا والالتزام بهذا المسلك يهدم جميع الأديان
والشرائع وقائله كافر بلا اشكال والظاهر أنه لا شبهة في نجاسته إذ لازم هذا القول
الهتك الأكثر من الشرك بالنسبة الى ذات الالوهية وغاية الجسارة الى ساحته المقدسة
اعاذنا الله من القول الباطل وإن كان المراد من وحدة الوجود ان الوجود واحد
والموجود متكثر وبعبارة اخرى الموجود الحقيقي واحد وهو ذات الباري وبقية الموجودات
موجودات انتسابي واطلاق الموجود عليها كإطلاق اللابن على بايع اللبن والتامر على
بايع التمر
والوجه في
الالتزام بالمسلك المذكور المسمى عندهم بالتوحيد الخاصي انهم يرون حقائق الأشياء
في العالم ماهيات ومن ناحية اخرى لا يعقل اصالة الماهية والوجود كليهما فلزمهم أن
يقولوا ان الموجود واحد وهو وجود الباري وبقية الموجودات ماهيات لها انتساب الى
الوجود والظاهر ان الالتزام بهذا القول لا يوجب الكفر لكن اصل المطلب خلاف التحقيق
إذ قد ثبت في الفلسفة ان الأصيل هو الوجود وإن كان المراد بوحدة الوجود التوحيد
أخص الخواص أي الوجود والموجود في عين الكثرة واحدا فان كان مرجعه الى القول الأول
فقد تقدم حكمه وإن كان المراد أمرا آخر فلا بد من تعقله أولا ثم ترتيب الحكم عليه (وَاللهُ الْمُسْتَعانُ) وعليه التوكّل والتكلان.
النوع الحادي عشر : الكتابي فانّ مقتضى الأصل فيه هي الطهارة بمقتضى قاعدتها في أنّ كل
شي شك في طهارته ونجاسته يحكم بطهارته بلا فرق بين أن تكون الشبهة حكمية أو
موضوعية وهل يمكن اثبات الطهارة في مورد الشبهة الحكمية بالاستصحاب إذ يشك في انّ
الشارع هل حكم بنجاسة الشيء الفلاني أم لا؟ يكون مقتضى الاستصحاب عدم اعتبار
النجاسة.
الذي يختلج بالبال
أن يقال يشكل اثباتها بالاستصحاب إذ كما ان مقتضى الاستصحاب عدم اعتبار النجاسة
كذلك يكون مقتضى الاستصحاب عدم اثبات الطهارة وبعبارة اخرى اذا فرضنا أنّ الموضوع
لا بد أن يكون محكوما بحكم واقعي في وعاء الشرع فيشك في كون ذلك الحكم هي النجاسة
أو الطهارة فلا أثر لاستصحاب عدم جعل النجاسة إذ اثبات الطهارة بالأصل المذكور
يرجع الى المثبت الذي لا نقول به مضافا الى كونه معارضا باستصحاب عدم جعل الطهارة
فلا مناص عن التوسل بذيل عناية أصالة الطهارة الجارية في جميع الأشياء.
وبعبارة واضحة
جريان الاستصحاب أو أصل الطهارة متقوّم بالشك في الحكم
الواقعي وان شئت
قلت انه لا يمكن خلو الواقعة عن الحكم المشترك بين الجاهل والعالم والّا يلزم
التصويب المجمع على بطلانه والدور المحال بحكم العقل.
ومما ذكر يظهر
الاشكال في جريان استصحاب عدم الحرمة والوجوب في موارد الشك في أصل الحكم التكليفي
فلو شك في حرمة شرب التتن لا مجال للتوسل باستصحاب عدم الحرمة إذ يعارضه استصحاب
عدم الحلية وهذا أمر مهم ونكتة ينبغي التحفظ عليها وبهذا الاعتبار نقول لا مجال للقول
بانّ البراءة الجارية في الشبهات الحكمية لا زالت محكومة بالاستصحاب إذ الحق على
ما تقدم دائما يكون الاستصحاب الجاري في الحكم الاقتضائي معارضا باستصحاب عدم جعل
الحكم الترخيصي ولعلّ ما افدته لم يسبقني اليه سابق وله الشكر على ما أنعم والحمد
لله على ما ألهم.
إذا عرفت ما تقدم
نقول لا بد من ملاحظة الادلة فلو قام دليل على نجاسة الكتابي نأخذ به والّا نحكم
بطهارته بمقتضى اصالة الطهارة.
وما يمكن أن يقال
أو قيل في تقريب نجاسته وجوه :
الوجه الأول : الاجماع المدعى في المقام ويرد عليه الايراد العام الجاري في الاجماعات المنقولة
والمحصلة والحاصل أنه لو ثبت اجماع كاشف عن رأي المعصوم عليهالسلام فهو والّا فلا أثر له.
الوجه الثاني : قوله تعالى : (وَقالَتِ الْيَهُودُ
عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ وَقالَتِ النَّصارى الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ ذلِكَ قَوْلُهُمْ
بِأَفْواهِهِمْ يُضاهِؤُنَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قاتَلَهُمُ
اللهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ* اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ
دُونِ اللهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا
إِلهاً واحِداً لا إِلهَ إِلَّا هُوَ سُبْحانَهُ عَمَّا
يُشْرِكُونَ) بتقريب انّ المستفاد من الآية الشريفة انّ اليهود والنصارى
مشركون هذا من حيث الصغرى واما من حيث الكبرى فقد تقدم ان المشرك نجس هذا بالنسبة
الى اليهود والنصارى وأما المجوس فعلى فرض كونهم أهل الكتاب كما يظهر من بعض
الروايات فهم مشركون بلا اشكال إذ هم قائلون بتعدد الاله ويقولون
بان يزدان خالق النور والخير واهريمن خالق الظلمة والشر وفي المقام اشكالات في
الاستدلال بالآية الشريفة بالتقريب المذكور.
الاشكال
الأول : أن النجس بالمعنى
الشرعي أمر حادث ولم يكن المراد منه في الصدر الاول المعنى الشرعي وقد تقدم الكلام
حول هذه الجهة وذكرنا ان الأمر ليس كذلك مضافا الى أنّ مقتضى الاستصحاب القهقري
أنّه كان في الصدر الأول بهذا المعنى الشرعي عندنا.
الاشكال الثاني : أنه قوبل بين الكفر والشرك في الآية الشريفة والتقسيم قاطع للشركة فلا جامع
ويرد عليه انّ المستفاد من الآية الشريفة أنّ المشرك نوع من أنواع الكافر وأيضا
يستفاد منها أنّ الكتابي مشرك في نظر الشارع وبعبارة اخرى ان الكتابي مشرك
بالحكومة والتنزيل فاذا اعتبر الشارع النصراني مشركا في وعاء الشرع يترتب عليه حكم
المشرك.
الاشكال الثالث : انّ الشرك له مراتب ولا يكون كل شرك مساو مع غيره بل مراتب الشرك كثيرة ولا
يخلو منه الا الاوحدي من الناس كمولى الموحدين أرواحنا فداه وعليه لا يمكن اثبات
أنّ الكتابي مشرك بحد شرك المشركين.
ويرد عليه أنّه لو
استفيد من الدليل ان الكتابي مشرك يترتب عليه حكمه بلا اشكال كما أنه يترتب حكم
الخمر على الفقاع بعد قوله عليهالسلام الفقاع خمر وبعبارة
__________________
اخرى مقتضى اطلاق
التنزيل ان المنزل في رتبة المنزل عليه.
الاشكال الرابع : وهو العمدة أنه لا
دليل لدينا حكم فيه
بان الكتابي مشرك بل غاية ما يستفاد من الآية الشريفة أنه اسند اليهم الشرك ويمكن
أن يكون الاسناد مجازا.
وبعبارة واضحة ليس
الشارع الأقدس في مقام التشريع وجعل الحكم بل مجرد الاسناد ولعلّ الاسناد اسناد
مجازي ولا مجال لإجراء اصالة الحقيقة إذ اصالة الحقيقة أصل عقلائي لا اصل تعبدي أي
لو شك في أنّ المتكلّم استعمل اللفظ في المعنى الحقيقي أو المجازي يجري الاصل وأما
لو علمنا بالمراد وشك في أنّ الاستعمال حقيقي أو مجازي لا طريق الى الاحراز فهذا
الوجه كالوجوه السابقة في عدم وفائه بإثبات المطلوب.
إن قلت يستفاد من
الجملات المتقدمة على هذه الجملة انّ اليهود والنصارى من المشركين إذ قد صرح في
الآية أنهم (اتَّخَذُوا
أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً) وهذا نص في كونهم مشركين فلا يتوقف الاستدلال بالتوسل الى
ذيل الآية كي يرد فيه الاشكال المتقدم.
قلت : يستفاد من
روايات كثيرة أنهم لم يتخذوهم أربابا بل اطاعوهم في كل ما أمروهم به والمفسرون
ذهبوا الى هذا المذهب ويستفاد هذا المعنى من الآية الشريفة قال الله تبارك وتعالى
: (وَما أُمِرُوا إِلَّا
لِيَعْبُدُوا إِلهاً واحِداً) فيعلم أنّ المراد من الجملة السابقة انّ اطاعتهم سميت
باتخاذهم أربابا والمناسبة تقتضي هذا المعنى ولذا يقال في العرف كأن فلانا ربّه
فانه يطيعه في ما أمره به وينهاه عنه ومن الروايات التي تدل على المدعى ما رواه
أبو بصير قال : سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن قول الله عزوجل : (اتَّخَذُوا
أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ) فقال أما والله ما دعوهم الى عبادة انفسهم ولو دعوهم الى
عبادة أنفسهم لما اجابوهم ولكن
احلّوا لهم حراما
وحرّموا عليهم حلالا فعبدوهم من حيث لا يشعرون .
وما رواه أبو بصير
أيضا عن أبي عبد الله عليهالسلام في قول الله عزوجل : (اتَّخَذُوا
أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ) فقال : والله ما صاموا لهم ولا صلوا لهم ولكن احلوا لهم
حراما وحرّموا عليهم حلالا فاتبعوهم فان المدعى يستفاد من الحديثين بالصراحة.
الوجه الثالث : جملة من النصوص فلا بد ملاحظتها واستخراج النتيجة منها فنقول من تلك النصوص ما
رواه محمد بن مسلم قال : سألت أبا جعفر عليهالسلام عن آنية أهل الذمّة والمجوس فقال لا تأكلوا في آنيتهم ولا
من طعامهم الذي يطبخون ولا في آنيتهم التي يشربون فيها الخمر بتقريب انّ النهي عن الأكل في آنيتهم يدل على نجاستهم.
ويردّ عليه انّ
النهي ظاهر في التحريم ولا وجه لحمل النهي في الحديث لأجل النجاسة ومقتضى الاطلاق
حرمة الأكل في آنيتهم ولو بعد غسلها وعلى الجملة الجزم بالتقريب المذكور مشكل فان
قام الدليل على الجواز بعد الغسل فهو والّا نلتزم بالحرمة.
ومما يؤيد ما ذكرنا
أنه على القول بعدم تنجس المتنجس كما هو الحق لا وجه لحرمة الأكل في آنيتهم من باب
النجاسة ويضاف الى ذلك كله ان مقتضى الاطلاق حرمة الأكل حتى في صورة كون المأكول
جافا وكذلك الآنية فيكون وجه التحريم آمرا آخر فلاحظ.
ومنها ما رواه عبد
الله بن يحيى الكاهلي قال : سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن قوم
__________________
مسلمين يأكلون
وحضرهم رجل مجوسي أيدعونه الى طعامهم فقال امّا أنا فلا أؤاكل المجوسي وأكره أن
أحرّم عليكم شيئا تصنعونه في بلادكم والتقريب هو التقريب والاشكال هو الاشكال مضافا الى أنّ
المستفاد عدم التحريم.
ويضاف الى ما ذكر
النقاش في توثيق الكاهلي إذ قيل في حقه كان وجها عند أبي الحسن عليهالسلام ووصّى به علي بن يقطين فقال اضمن لي الكاهلي وعياله أضمن
لك الجنة فانه لم يوثق صريحا ومجرد هذه العناية من الامام عليهالسلام بالنسبة اليه لا تكون دليلا على كونه ثقة إذ يمكن أنّ
الشخص غير ثقة في أقواله وفي عين الحال لا يكون فاسقا إذ يمكن أن يكون قاصرا
بالاضافة الى أنّ الامام إذا لم يعمل على طبق علمه بالمغيّبات ويرى شخصا مخلصا في
أفعاله وفي ولائه وترويجه للدين يكون راضيا عنه ويدعو له ويمكن أن يوصي الثالث به
وعلى الجملة يشكل الجزم بوثاقة شخص ما لم يوثق صريحا ويضاف الى ما ذكر انّ الحديث
وارد في المجوسي والمجوسي مشرك وقد تقدّم انّ المشرك نجس ومنها ما رواه محمد بن
مسلم عن أبي جعفر عليهالسلام في رجل صافح رجلا مجوسيا قال يغسل يده ولا يتوضّأ بتقريب انّ الأمر بالغسل ارشاد الى النجاسة وفيه انّ
الحديث وارد في المجوسي والكلام في غيره مضافا الى أنّ مقتضى اطلاق الحديث عدم
الفرق بين كون المصافحة مع الرطوبة المسرية أو بدونها وكيف يلتزم بالرواية مع
اليبوسة والحال انّه دل الدليل على انّ كل يابس ذكي لاحظ ما رواه عبد الله بن بكير
قال : قلت لأبي عبد الله عليهالسلام الرجل يبول ولا يكون عنده الماء فيمسح ذكره بالحائط قال :
__________________
كلّ شيء يابس ذكي ومنها ما رواه علي بن جعفر عن أخيه أبي الحسن موسىعليهالسلام قال : سألته عن مؤاكلة المجوسي في قصعة واحدة وأرقد معه في
فراش واحد واصافحه قال : لا والحديث وارد في المجوسي والكلام في غيره ومنها ما رواه
هارون بن خارجة قال : قلت لأبي عبد الله عليهالسلام أنّي اخالط المجوس فآكل من طعامهم قال : لا والحديث وارد في المجوسي مضافا الى أنّه لا دلالة في
الحديث على النجاسة ومنها ما رواه أبو بصير عن أحدهما عليهماالسلام في مصافحة المسلم اليهودي والنصراني قال : من وراء الثوب
فان صافحك بيده فغسل يدك والظاهر أنّه يستفاد من الحديث نجاسة اليهودي والنصراني
وحيث انه علم من الخارج انّ كل يابس ذكي ترفع اليد عن اطلاق الحديث ويقيد بصورة
وجود الرطوبة المسرية ومنها ما رواه علي بن جعفر أنه سأل أخاه موسى بن جعفر عليهالسلام عن النصراني يغتسل مع المسلم في الحمّام قال : اذا علم أنه
نصرانيّ اغتسل بغير ماء الحمّام الا أنّ يغتسل وحده على الحوض فيغسله ثم يغتسل
وسأله عن اليهودي والنصراني يدخل يده في الماء أيتوضأ منه للصلاة قال لا الا أن
يضطر إليه بتقريب انّ المستفاد من الخبر أنّ الكتابي نجس فيوجب نجاسة
ما في الحوض فلا يجوز الغسل.
ويمكن أن يقال انّ
الحديث يدل على طهارة الكتابي فان المستفاد من ذيل الحديث جواز الوضوء بالماء الذي
أدخل الكتابي يده فيه غاية الأمر في صورة
__________________
الاضطرار والحال
أنه لو لم يجز لا تصل النوبة الى الاضطرار إذ تصل النوبة الى التيمم.
ومنها ما رواه علي
بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليهالسلام قال : سألته عن فراش اليهودي والنصراني ينام عليه قال لا
بأس ولا يصلي في ثيابهما وقال لا يأكل المسلم مع المجوسي في قصعة واحدة ولا يقعده
على فراشه ولا مسجده ولا يصافحه قال : وسألته عن رجل اشترى ثوبا من السوق للبس لا
يدري لمن كان هل تصح الصلاة فيه قال : ان اشتراه من مسلم فليصل فيه وإن اشتراه من
نصراني فلا يصلي فيه حتى يغسله والحديث غير دال على نجاسة الكتابي إذ المنع عن الصلاة في
ثيابهم يمكن أن يكون بلحاظ النجاسة العرضية مضافا الى أنه تدل جملة من الروايات
على الجواز منها ما رواه معاوية بن عمّار قال : سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن الثياب السابريّة يعملها المجوس وهم أخباث وهم يشربون
الخمر ونساؤهم على تلك الحال ألبسها ولا أغسلها وأصلّي فيها قال نعم قال معاوية
فقطعت له قميصا وخطته وفتلت له ازرارا ورداء من السابري ثمّ بعثت بها اليه في يوم
جمعة حين ارتفع النهار فكأنه عرف ما أريد فخرج بها الى الجمعة ومنها ما رواه المعلى بن خنيس قال : سمعت أبا عبد الله عليهالسلام يقول لا بأس بالصلاة في الثياب التي يعملها المجوس
والنصارى واليهود ومنها ما رواه أبو علي البزاز عن أبيه قال : سألت جعفر بن
محمد عليهالسلام عن الثوب يعمله أهل الكتاب اصلّي فيه قبل أن يغسل قال : لا
بأس وأن يغسل احبّ
__________________
إليّ ويستفاد عدم نجاستهم من جملة من النصوص منها ما رواه
ابراهيم بن أبي محمود قال : قلت للرضا عليهالسلام الجارية النصرانية تخدمك وأنت تعلم أنها نصرانية لا تتوضأ
ولا تغتسل من جنابة قال : لا بأس تغسل يديها فان هذا الحديث احدث من النصوص الدالة على النجاسة وحيث
انّ المرجح الوحيد الاحدثية يكون الترجيح مع ما يدل على الطهارة ويؤيد المدعى جملة
اخرى من النصوص منها ما رواه عيص بن القاسم قال : سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن مؤاكلة اليهودي والنصرانيّ والمجوسيّ فقال اذا كان من
طعامك وتوضّأ فلا بأس وان أبيت عن الترجيح تصل النوبة الى التعارض والتساقط
والمرجع بعد التساقط قاعدة الطهارة.
بقي شيء وهو أنّ
المستفاد من حديث ابن مسلم نجاسة المجوسي ويستفاد من حديث عيص المتقدم آنفا طهارته
وحيث انّ حديث عيص أحدث فان ذلك الحديث مروي عن الباقر عليهالسلام وهذا الحديث مروي عن الصادق عليهالسلام فيقدم بالأحدثية فان الحديث ينسخ كما ينسخ القرآن هذا كله
بالنسبة الى الأمم السابقة.
وأمّا غير
الامامية الاثنى عشرية من بقية أصناف هذه الامة فان قلنا بانّ الولاية مقومة
للإسلام يحكم على من لا يكون اثنى عشريا بالكفر ولكن لا شبهة في عدم وجوب الاجتناب
عنهم بل يجوز مساورتهم وأكل ذبائحهم والتزويج معهم على ما هو المقرر في بابه
والحمد لله أولا وآخرا وظاهرا وباطنا والصلاة على محمّد وآله الطاهرين المعصومين
واللعن الدائم على أعدائهم الى يوم الدين آمين يا رب العالمين.
__________________
وحيث انه انجر
الكلام الى بحث انحصار المرجح في باب التعارض في الاحدثية رأينا ان المناسب ان
نذيل البحث بهذه الجهة ونبيّن ما هو الحق في ذلك البحث وان باحثنا وكتبنا لكن
لأهمية المطلب وكونه مورد الابتلاء في الأبحاث الفقهية ينبغي التعرض لها وبيان ما
هو الحق عندنا بحسب ما يختلج ببالنا.
فنقول مقتضى
القاعدة الأولية في الخبرين المتعارضين الذين لا يكونان قابلين للجمع هو التساقط
والرجوع الى الدليل الاجتهادي الفوق ان كان والّا فالى الأصل العملي وفي المقام
طوائف من النصوص تدل على كيفية علاج المتعارضين في الروايات ولا بد من ملاحظة تلك
الطوائف واستنتاج النتيجة منها.
الطائفة الأولى : ما يستفاد منها وجوب التوقف منها حديث عمر بن حنظلة قال : سألت أبا عبد
الله عليهالسلام عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دين أو ميراث الى أن
قال : فان كان الخبران عنكم مشهورين قد رواهما الثقات عنكم قال : ينظر فما وافق
حكمه حكم الكتاب والسنّة وخالف العامة فيؤخذ به ويترك ما خالف حكمه حكم الكتاب
والسنة ووافق العامة قلت : جعلت فداك أرأيت ان كان الفقيهان عرفا حكمه من الكتاب
والسنة ووجدنا أحد الخبرين موافقا للعامة والآخر مخالفا لهم بأيّ الخبرين يؤخذ
فقال : ما خالف العامة ففيه الرشاد فقلت جعلت فداك فان وافقهما الخبران جميعا قال
: ينظر الى ما هم اليه اميل حكّامهم وقضاتهم فيترك ويؤخذ بالآخر قلت : وإن وافق
حكّامهم الخبرين جميعا قال : إذا كان ذلك فأرجئه حتى تلقى امامك فانّ الوقوف عند
الشبهات خير من الاقتحام في الهلكات .
__________________
فان المستفاد من
هذه الرواية انه اذا لم يكن مرجح لأحد الطرفين تصل النوبة الى التوقف الى ان يصل
المكلف الى الامام عليهالسلام ويسئله عن الحكم.
وهذه الرواية
مخدوشة سندا فان ابن حنظلة لم يوثق قال الحر قدسسره في ترجمة الرجل لم ينص الاصحاب عليه بتوثيق ولا جرح ولكن حققنا
توثيقه من محل آخر.
قاله الشهيد
الثاني في شرح الدراية وقد تقدم في أحاديث التوقيت قول الصادق عليهالسلام اذا لا يكذب علينا وليكن هذا بذكرك ينفعك فيما يأتي وعلى
الجملة لا اعتبار بالحديث سندا مضافا الى ان المستفاد منه حكم زمان الحضور أي
الزمان الذي يمكن الوصول الى حضور الامام عليهالسلام والكلام في حكم زماننا الذي لا يمكن الوصول الى الامام عليهالسلام ومنها ما رواه سماعة عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : سألته عن رجل اختلف عليه رجلان من أهل دينه في أمر
كلاهما يرويه أحدهما يأمر بأخذه والآخر ينهاه عنه كيف يصنع قال يرجئه حتى يلقى من
يخبره فهو في سعة حتى يلقاه والمستفاد من هذه الرواية اختصاص الحكم بزمان يمكن الوصول
الى الواقع لا مثل زماننا الذي لا يمكن.
ومنها ما رواه
سماعة بن مهران قال : سألت أبا عبد الله عليهالسلام قلت يرد علينا حديثان واحد يأمرنا الأخذ به والآخر ينهانا
عنه قال لا تعمل بواحد منهما حتى تلقى صاحبك فتسئله عنه قال قلت لا بد من ان نعمل
بأحدهما قال خذ بما فيه خلاف العامة والمرسل لا اعتبار به مضافا الى أن الحكم خاص بزمان الحضور
الذي يمكن الوصول الى الامام عليهالسلام ومنها ما رواه في السرائر نقلا من كتاب مسائل الرجال لعلي
بن محمد عليهالسلام ان محمد بن علي بن عيسى كتب اليه
__________________
يسأله عن العلم
المنقول إلينا عن آبائك واجدادك عليهمالسلام قد اختلف علينا فيه فكيف العمل به على اختلافه أو الرد
إليك فيما اختلف فيه فكتب عليهالسلام ما علمتم انه قولنا فالزموه وما لم تعلموا فردّوه إلينا .
والمستفاد من هذه
الرواية ارجاع الأمور اليهم وعدم الأخذ باحد الطرفين عند المعارضة وهذا الاطلاق
قابل لان يقيد بما يدل على الأخذ بالطرف الذي يكون فيه الترجيح.
الطائفة الثانية : ما يدل على التخيير
منها ما روى عن الحسن
بن الجهم عن الرضاعليهالسلام انه قال قلت للرضا عليهالسلام تجيئنا الأحاديث عنكم مختلفة قال ما جاءك عنه (عنا) فقسه
على كتاب الله عزوجل واحاديثنا فان كان يشبهها فهو منّا وإن لم يشبهها فليس
منّا قلت يجيئنا الرّجلان وكلاهما ثقة بحديثين مختلفين فلا نعلم ايّهما الحق فقال
اذا لم تعلم فموسّع عليك بايّهما أخذت
والمرسل لا اعتبار
به ومنها ما رواه الحارث بن المغيرة عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : اذا سمعت من أصحابك الحديث وكلهم ثقة فموسّع عليك
حتى ترى القائم فترده عليه والمرسل لا اعتبار به مضافا الى أن المستفاد من الحديث
حجية قول الثقة ولا يرتبط بما نحن بصدده ومنها مرفوعة العلامة الى زرارة بن أعين
قال : سألت الباقر عليهالسلام فقلت جعلت فداك يأتي عنكم الخبران أو الحديثان المتعارضان
فبأيّهما آخذ قال عليهالسلام يا زرارة خذ بما اشتهر بين أصحابك ودع الشاذ النادر فقلت
يا سيدي أنهما معا مشهوران مرويّان مأثوران عنكم فقال عليهالسلام خذ بقول أعدلهما عندك واوثقهما في نفسك انّهما معا عدلان
__________________
مرضيان موثقان
فقال عليهالسلام انظر ما وافق منهما مذهب العامة اتركه وخذ بما خالفهم قلت
ربما كانا معا موافقين لهم أو مخالفين فكيف اصنع فقال عليهالسلام اذا فخذ بما فيه الحائطة لدينك واترك ما خالف الاحتياط
فقلت انّهما معا موافقان للاحتياط أو مخالفان له فكيف اصنع فقال عليهالسلام اذا فتخيّر احدهما فتأخذ به وتدع الآخر والمرفوعة لا اعتبار بها ومنها ما أرسله الكليني في ديباجة
كتاب الكافي فأعلم يا أخي ارشدك الله أنه لا يسع أحدا تمييز شيء ممّا اختلف
الرواية فيه عن العلماء عليهمالسلام برأيه الّا على ما اطلعه العالم عليهالسلام بقوله اعرضوها على كتاب الله فما وافق كتاب الله جلّ وعزّ
اقبلوه (فخذوه) وما خالف كتاب الله عزوجل فردوه وقوله عليهالسلام دعوا ما وافق القوم فان الرشد في خلافهم وقوله عليهالسلام خذوا بالمجمع عليه فان المجمع عليه لا ريب فيه ونحن لا
نعرف من جميع ذلك الّا اقلّه ولا نجد شيئا أحوط ولا اوسع من ردّ علم ذلك كله الى
العالم عليهالسلام وقبول ما وسّع من الأمر فيه بقوله بأيّما أخذتم من باب
التسليم وسعكم والمرسل لا اعتبار به.
ومنها ما رواه ابن
مهزيار : جواز اتيان النافلة على البعير من أبواب القبلة قوله فروى بعضهم ان صلهما
في المحمل وروى بعضهم لا تصلهما الّا على الأرض فأعلمني كيف تصنع أنت لاقتدى بك في
ذلك فوقّع عليهالسلام موسّع عليك بأيّة عملت ولا يستفاد المدعى من هذه الرواية بل المستفاد منها
التخيير بالنسبة الى النافلة ومنها مكاتبة محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري الى
صاحب الزمان عليهالسلام الى أن قال عليهالسلام في الجواب عن ذلك حديثان اما احدهما
__________________
فاذا انتقل من
حالة الى اخرى فعليه التكبير وامّا الآخر فانه روى انه اذا رفع رأسه من السجدة
الثانية وكبّر ثم جلس ثم قام فليس عليه في القيام بعد القعود تكبير وكذلك التشهد
الأول يجري هذا المجرى وبايّهما اخذت من باب التسليم كان صوابا ويرد عليه أولا أنه حكم وارد في مورد خاص وثانيا ان غاية
ما في الباب هو الاطلاق ومقتضى القاعدة تقييد المطلق بالمقيد فاذا قام دليل على
الترجيح يقيد الاطلاق به ومنها ما في الفقه الرضوي : ففي فقه الرضا عليهالسلام والنفساء تدع الصلاة اكثره مثل ايّام حيضها الى ان قال :
وقد روى ثمانية عشر يوما وروى ثلاثة وعشرون يوما وبأيّ هذه الأحاديث أخذ من جهة
التسليم جاز والحديث غير معتد به فالنتيجة انه لا دليل على التخيير ولو
سلم تمامية الدليل عليه فهل يكون ابتدائيا أو استمراريا وقد ذكر للاستمرار وجهان
الوجه الأول استصحاب التخيير.
ويرد عليه أن
الاستصحاب الجاري في الحكم الكلي معارض باستصحاب عدم الجعل الزائد.
الوجه الثاني :
اطلاق دليل التخيير والظاهر ان هذا الوجه لا بأس به الّا أن يبتلي المكلف بالعلم
الإجمالي بالخلاف مع الواقع فلا بد من العمل على طبق القواعد والحاصل انا لا نرى
مانعا عن الأخذ بالاطلاق في حد نفسه.
الطائفة الثالثة : ما يدل على الاحتياط والدليل عليه مرفوعة العلامة وتقدم ان المرفوعة لا اعتبار بها.
الطائفة الرابعة : ما يدل على تقديم ما يكون مخالفا مع العامّة منها ما رواه
__________________
الحسين بن السريّ
قال : قال أبو عبد الله عليهالسلام اذا ورد عليكم حديثان مختلفان فخذوا بما خالف القوم والحديث مرسل ولا اعتبار بالمرسل مضافا الى ما في السند من
الاشكال غير ما ذكر.
ومنها ما رواه
الحسن بن الجهم قال : قلت للعبد الصالح عليهالسلام هل يسعنا فيما ورد علينا منكم الّا التسليم لكم فقال لا
والله لا يسعكم الّا التسليم لنا فقلت فيروى عن أبي عبد الله عليهالسلام شيء ويروى عنه خلافه فبايهما نأخذ فقال خذ بما خالف القوم
وما وافق القوم فاجتنبه وهذه الرواية مخدوشة سندا بابي البركات فان الرجل لم يوثق
صريحا نعم قال الحر قدسسره في تذكرة المتبحّرين الشيخ أبو البركات علي بن الحسين
الجوزي الحلي عالم صالح محدث يروي عن أبي جعفر بن بابويه .
ويمكن النقاش في
دلالة هذه العبارة على التوثيق من وجوه :
الوجه الأول : ان ديدن الرجالي بالنسبة الى من يراه ثقة التعبير بالوثاقة ولا يكتفون
بقولهم صالح أو دين لاحظ ما افاده الحر بنفسه في ترجمة علي بن عبد العالي قال :
كان فاضلا عالما متبحرا محققا مدققا جامعا كاملا ثقة زاهدا عابدا ورعا جليل القدر
عظيم الشأن فريدا في عصره .
إن قلت اذا لم يكن
محرز الوثاقة كيف يكون صالحا وكيف يصدق عليه عنوان الصلاح.
قلت : اذا كان
الأمر كذلك فما الوجه في قوله ثقة في ترجمة علي بن عبد العالي مع
__________________
تصريحه بكونه ورعا
مضافا الى أنه اذا كان الشخص ظاهر الصلاح يحضر الجماعة للصلاة ويزور الأئمة عليهمالسلام ويبكي في مجالس التعزية يصح أن يقال في حقه صالح وهذا
العرف ببابك والذي يدل على صحة هذه المقالة انه لو قيل في حق شخص أنه صالح هل يكون
هذه الجملة شهادة على عدالته؟
الوجه الثاني : ان الحر قدسسره قال في الفائدة الثانية عشرة من فوائده في الخاتمة من
الوسائل : انما نذكر هنا من يستفاد من وجوده في السند قرينة على صحة النقل وثبوته
واعتماده وذلك أقسام وقد يجتمع منها اثنان فصاعدا منها من نص علماؤنا على ثقته مع
صحة عقيدته ومنها من نصوا على مدحه وجلالته وإن لم يوثقوه مع كونه من اصحابنا الى
آخر كلامه.
فيمكن ان يكون
توثيقه من باب كون الموثق ممدوحا فيمكن ان يكون قوله صالح مستندا الى فعل فرض كونه
شهادة بالصلاح فشهادته على الوثاقة لا أثر له مع هذا الاحتمال.
الوجه الثالث : أنه قابل في كلامه بين التوثيق والمدح والتقسيم قاطع للشركة فمجرد المدح
بقوله صالح لا يدل على توثيقه.
الوجه الرابع : أنه قال في جملة كلام له ومنها من وقع الاختلاف في توثيقه وتضعيفه فان كان
توثيقه ارجح فوجوده في السند قرينة والّا فاذكره لينظر في الترجيح.
فانه يظهر من هذه
العبارة أنه يجتهد في تشخيص الوثاقة ومن الظاهر أنّ اجتهاد الشاهد لا أثر له.
الطائفة الخامسة : ما يدل على الترجيح بموافقة الكتاب منها ما رواه الحسن ابن الجهم والمرسل لا اعتبار به.
__________________
ومنها ما رواه
أحمد بن الحسن الميثمي أنه سأل الرضا عليهالسلام يوما وقد اجتمع عنده قوم من أصحابه ... (الى أن قال) فما
ورد عليكم من خبرين مختلفين فاعرضوهما على كتاب الله فما كان في كتاب الله موجودا
حلالا أو حراما فاتبعوا ما وافق الكتاب الحديث والسند مخدوش.
الطائفة السادسة : ما يدل على تقديم موافق الكتاب أولا وبمخالفة القوم ثانيا لاحظ ما رواه
عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال : قال الصادق عليهالسلام اذا ورد عليكم حديثان مختلفان فاعرضوهما على كتاب الله فما
وافق كتاب الله فخذوه وما خالف كتاب الله فردوه فان لم تجدوهما في كتاب الله
فاعرضوهما على أخبار العامّة فما وافق اخبارهم فذروه وما خالف اخبارهم فخذوه والسند مخدوش بأبي البركات.
الطائفة السابعة : ما يدل على تقديم الأحدث لاحظ ما رواه محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : قلت له ما بال اقوام يروون عن فلان وفلان عن رسول
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لا يتهمون بالكذب فيجيء منكم خلافه قال ان الحديث ينسخ كما
ينسخ القرآن وأورد عليه سيدنا الاستاد قدسسره بان ضرورة المذهب قائمة على عدم جواز نسخ القرآن أو السنة
بالخبر الظني فلا بد من رفع اليد عن الحديث وبعبارة اخرى الكلام في الخبر الظني لا
في الخبر القطعي صدورا كما أنه لا اشكال في تخصيص الكتاب أو السنة بالخبر الظني
والكلام في النسخ.
والجواب أنه لم
يفرض في الحديث كونه مقطوع الصدور بل مطلق من هذه الجهة ولأجل الضرورة المدعاة
نرفع اليد عن الاطلاق مضافا الى أن الميزان
__________________
باطلاق الجواب لا
بخصوص السؤال ومقتضى اطلاق الجواب جواز النسخ على الاطلاق أي أعم من ان يكون كلا
الخبرين عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أو كلاهما عن غيره من الائمة عليهم سلام الله أو بالاختلاف
وعلى جميع التقادير مقتضى الاطلاق عدم الفرق بين مقطوع الصدور أو مظنونه وبمقتضى
الضرورة المدعاة نرفع اليد عن الاطلاق بمقدار قضاء الضرورة فلا اشكال ولاحظ ما
رواه منصور بن حازم قال : قلت لأبي عبد الله ما بالي اسألك عن المسألة فتجيبني
فيها بالجواب ثم يجيئك غيري فتجيبه فيها بجواب آخر فقال انا نجيب الناس على
الزيادة والنقصان قال : قلت فاخبرني عن اصحاب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم صدقوا على محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم أم كذبوا قال بل صدقوا قال قلت فما بالهم اختلفوا فقال أما
تعلم ان الرجل كان يأتي رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فيسأله عن المسألة فيجيبه فيها بالجواب ثم يجيبه بعد ذلك
ما ينسخ ذلك الجواب فنسخت الأحاديث بعضها بعضا فانه يستفاد من هذه الرواية بوضوح أن الأحاديث ينسخ بعضها
بعضا وبعبارة واضحة الامام عليهالسلام في ذيل الحديث اعطى قاعدة كلية وميزانا كليا لعلاج التعارض
وهو الأخذ بالأحدث.
إن قلت لفظ
الأحاديث الواقع في الذيل بلحاظ العهد الذكري يختص بالأخبار النبوية.
قلت : على فرض
تسليم المدعى يفهم المدعى من الحديث أيضا إذ طبق عليهالسلام هذه الكلية على المتعارضين الصادرين عنهم مضافا الى أن
دعوى العهد جزافية ولا دليل عليها وتؤيد المدعى جملة من النصوص منها ما رواه
الحسين بن المختار عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : أرأيتك لو حدثتك بحديث العام
__________________
ثم جئتني من قابل
فحدثتك بخلافه بايّهما كنت تأخذ قال كنت آخذ بالأخير فقال لي رحمك الله ومنها ما رواه الكليني قال وفي حديث آخر : خذوا بالأحدث ومنها ما رواه أبو عمرو الكناني قال : قال لي أبو عبد الله
عليهالسلام يا أبا عمرو أرأيت لو حدثتك بحديث أو أفتيتك بفتيا ثم
جئتني بعد ذلك فسألتني عنه فأخبرتك بخلاف ما كنت أخبرتك أو أفتيتك بخلاف ذلك
بأيّهما كنت تأخذ قلت : بأحدثهما وأدع الآخر فقال قد أصبت يا أبا عمرو أبى الله
ألا أن يعبد سرا أما والله لئن فعلتم ذلك أنه لخير لي ولكم أبى الله عزوجل لنا في دينه الّا التقية فان هذه النصوص وإن كانت غير تامة سندا لكن لا اشكال في
كونها مؤيدة للمدعى ولا يخفى أنّي لا أكون متفردا في هذه الدعوى فان جملة من
الاساطين صرحوا بأن مقتضى النص الأخذ بالأحدث منهم صاحب الحدائق قال : الرابع
يستفاد من الروايات الأخيرة أن من جملة الطرق المرجحة عند التعارض الأخذ بالأخير وقال : قد ورد عنهم عليهمالسلام أنه اذا أتى حديث عن أولهم وحديث عن آخرهم أو عن واحد منهم
ثم أتى عنه بعد ذلك ما ينافيه أنه يؤخذ بالأخير في الموضعين ومنهم الصدوق قال ولو صحّ الخبران جميعا لكان الواجب الأخذ
بقول الأخير كما أمر به الصادق عليهالسلام ومنهم النراقي قال : ولا شك ان الايجاب المتأخر مناف
للتحليل المتقدم فيحصل التعارض وتترجّح أخبار الوجوب
__________________
بمعاضدة الشهرة
القديمة والجديدة وموافقة الآية الكريمة ومخالفة الطائفة العامة وبالاحدثية التي هي أيضا من
المرجحات المنصوصة وقال في جملة كلام له : الا أنها مترجحة بالاكثريّة
والاصحيّة والموافقة للأصل وبعضها بالأحدثية التي هي من المرجحات المنصوصة .
__________________
القاعدة التاسعة
قاعدة نفي سبيل الكافر على المسلم
قد ذكر في عداد
القواعد الفقهية قاعدة نفي سبيل الكافر على المسلم ويقع البحث في هذه القاعدة تارة
في بيان المراد منها واخرى في الوجوه القابلة للاستدلال بها ، فيقع الكلام في
مقامين :
أما المقام الأول فلا اشكال في أنه لا يكون المراد نفي السبيل التكويني الخارجي إذ من
الواضح أن الكافر ولو في الجملة له سلطة على المسلم وهذا غير قابل للإنكار فلا بد
أن يكون المراد من الجملة ان الشارع الأقدس لم يجعل في وعاء الشرع علوا للكافر على
المسلم.
وأما المقام الثاني : فقد ذكرت وجوه للاستدلال بها على المدعى :
الوجه الأول : قوله تعالى : (وَلَنْ يَجْعَلَ
اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً) بتقريب أن المستفاد من الآية نفي السبيل للكافر على المسلم
وقد حقق في محله أن النكرة الواقعة في سياق النفي تفيد العموم.
ويرد عليه ان
الآية مقرونة بما قبلها والظاهر من مجموع الآية الشريفة بمناسبة ما ذكر قبل هذه
الجملة ان الله تعالى عند الحساب والمحاكمة بين الطرفين لن يجعل للكافر حجة توجب
غلبته على المسلم وإن أبيت فلا أقلّ من أنّ الآية الشريفة
__________________
مقرونة بما يصلح
للقرينية وهذا مانع عن انعقاد الظهور في المدعى ويؤيد ما ذكر ما ورد من النص في
ذيل الآية الكريمة لاحظ ما رواه علي بن ابراهيم : أنها نزلت في عبد الله بن ابي
وأصحابه الّذين قعدوا عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم من يوم احد فكان إذا ظفر رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بالكفار قالوا له : (أَلَمْ نَكُنْ
مَعَكُمْ) واذا ظفر الكفار قالوا : (أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ
عَلَيْكُمْ) ان نعنيكم ولم نعن عليكم قال الله : (فَاللهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ
الْقِيامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً) وما رواه ابن بابويه قال : حدثنا تميم بن عبد الله بن تميم
القرشي رحمهالله قال : حدثني أبي قال : حدثني أحمد بن علي الانصاري عن أبي
الصلت الهروي عن الرضا عليهالسلام في قول الله جل جلاله (وَلَنْ يَجْعَلَ
اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً) قال : فانه يقول : ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين
حجة ولقد اخبر الله تعالى عن كفّار قتلوا نبيهم بغير الحق ومع قتلهم ايّاهم لم
يجعل الله لهم على أنبيائه عليهمالسلام سبيلا اضف الى ذلك ان كلمة (لن) تدل على النفي في المستقبل
فالآية ترتبط بالمستقبل ولا ترتبط بزمان تشريع الأحكام فلا تلائم ما ادعي في
المقام من ان الآية الشريفة في مقام نفي علو الكافر على المسلم في عالم التشريع
فانه لو كان كذلك لكان المناسب ان يقال لم يجعل الله والحال أن المذكور قوله تعالى
: (لَنْ يَجْعَلَ اللهُ).
الوجه الثاني : قوله عليهالسلام الإسلام يعلو ولا يعلى عليه بتقريب ان المستفاد من الحديث ان الإسلام أعلى من كل شيء
فيكون المسلم دائما وفي جميع الشؤون أعلى من الكافر.
__________________
وفيه أولا : أن
الحديث مخدوش سندا ولا اعتبار به وثانيا ان المستفاد من الحديث علو الإسلام فان
الإسلام أعلى من كل دين لكن لا يرتبط علو الإسلام بعلو المسلم فالحديث مخدوش سندا
ودلالة.
الوجه الثالث : الاجماع على أنه ليس في الشريعة حكم يوجب عل الكافر على المسلم كعدم ارث
الكافر من المسلم الى بقية الموارد.
وفيه ان الاجماع
بنفسه لا يكون حجة واعتباره بلحاظ كشفه عن رأي المعصوم عليهالسلام وحيث أنه من المحتمل أن يكون المدرك الوجوه المذكورة في
المقام لا يعتد به ومن ناحية أخرى مقتضى اطلاق النصوص الواردة بالنسبة الى الأحكام
الشرعية وكذلك الآيات الشريفة عدم الفرق بين المسلم والكافر الّا فيما قام الدليل
على التخصيص.
الوجه الرابع : أن مناسبة الحكم
والموضوع تقتضي الالتزام
بالمدعى فان عظمة الإسلام تقتضي عدم علو الكافر على المسلم.
والانصاف أن هذا
الوجه ليس تحته شيء واشبه بالخطابة والاستحسان فان الأحكام الشرعية ملاكاتها
معلومة عند الله تعالى ولا تنالها عقولنا كما أن النص قريب من هذا المضمون لاحظ.
ما رواه أبان بن
تغلب عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : ان السنة لا تقاس ألا ترى ان المرأة تقضي صومها ولا
تقضي صلاتها يا أبان انّ السنة اذا قيست محق الدين فالنتيجة أن القاعدة المذكورة لا أصل ولا أساس لها والله
الهادي الى سواء السبيل والّذي يدل على ما ذكرنا أنهم قالوا اذا كان عبد الكافر
مسلما يجبر
__________________
على بيعه والحال
أن مقتضى القاعدة المدعاة عدم كون الكافر مالكا للمسلم في وعاء الشرع فلا تصل
النوبة الى الاجبار وأيضا يدل على صحة مقالتنا أنه لا شبهة عندهم في جواز
الاستقراض من الكافر والحال أن جوازه يستلزم خرق القاعدة المدعاة إذ لازمه كون
الكافر مالكا لما في ذمة المسلم وهذا نحو سبيل ونحو علو فلاحظ.
القاعدة العاشرة
قاعدة حرمة أخذ الاجرة على الواجبات
قد ذكر في بعض
الكلمات في عداد القواعد الفقهية قاعدة حرمة أخذ الاجرة على الواجب وما يمكن أن
يذكر أو ذكر في تقريب الاستدلال عليها وجوه :
الوجه الأول : الاجماع وحال الاجماع في الاشكال ظاهر.
الوجه الثاني : أن مورد الاجارة يلزم أن يكون مقدورا للمكلف وإذا كان الفعل واجبا لا يكون
المكلف قادرا على الترك فلا يكون المكلف قادرا ومع عدم القدرة تكون الاجارة باطلة.
ويرد عليه أن
المعتبر في باب الاجارة أن يكون قادرا على تسليم ما عليه من العمل ولا اشكال في أن
الوجوب أو الحرمة لا يوجب ارتفاع القدرة عن المكلف كيف ولو كان الامر كذلك كان
اللازم تحقق الخلف ونقض الغرض إذ الامر مقدمة لان يأتي المكلف بالعمل والمقصود من
النهي انتهائه عن الارتكاب فاذا فرض عدم قدرته كيف يكلف بالفعل أو الترك فان كان
المراد من القدرة تمكن المكلف فلا اشكال في أن التكليف لا يرفع قدرته وإن كان
المراد امر آخر فلا دليل عليه وصفوة القول أنه لا دليل على اشتراط عدم كون مورد
الاجارة موردا للوجوب أو الحرمة.
الوجه الثالث : أنه يشترط في الاجارة أن يكون فيها غرض عقلائي وحيث أن المستأجر في
مفروض الكلام لا غرض عقلائي له تكون الاجارة باطلة.
ويرد عليه أولا
أنه لا دليل على الاشتراط المذكور وثانيا أنه كيف لا يكون فيه
غرض عقلائي فان
الشخص يحب أن يكون ولده من المصلين ويكون له نفع دنيوي وأخروي وربما يكون حاضرا
لبذل مال كثير للوصول الى هذه الغاية.
الوجه الرابع : أنه يشترط في العبادة قصد القربة وأخذ الاجرة ينافي القصد المذكور.
وفيه أولا أنّه
منقوض في استيجار الاجير للصلاة والصوم والحج والزيارة وعليه السيرة بلا نكير من
احد وحكم الامثال واحد.
وثانيا أن الفعل
يلزم أن يكون لوجه الله وأخذ الاجرة داع لداع قربي وايّ فرق بين كون أخذ الاجرة
داعيا أو كون الفوز بنعيم الجنّة والفرار عن عذاب النار داعيا.
وثالثا : أن أخذ
الاجرة لا يكون داعيا للعمل القربي لان ملكية الاجرة تحصل بنفس العقد ولا تتوقف
على العمل الخارجي.
ورابعا : أن القصد
القربي ربما يكون آكد اذ المكلف العارف بالحكم الشرعي يعلم أنه لو لم يأت بما وجب
عليه بالإجارة لم يأت بما وجب عليه ويستحق العقاب على عدم تسليم مملوك الغير.
القاعدة الحادية عشرة
قاعدة عدم شرطية البلوغ في الأحكام الوضعية
قد ذكر في بعض
الكلمات في عداد القواعد الفقهية قاعدة عدم اشتراط البلوغ في الأحكام الوضعية ويقع
الكلام في هذه القاعدة من جهات :
الجهة الأولى : في بيان المراد منها فنقول المراد من القاعدة أنه فرق بين التكاليف والوضعيات
فان التكاليف تختص بالبالغين كما هو المقرر عند القوم وعليه ارتكاز أهل الشرع واما
الوضعيات فلا تشترط بالبلوغ فان غير البالغ لا تجب عليه الصلاة والصوم الى غيرهما
من الواجبات ولا يحرم عليه محرمات فلا يحرم عليه النظر الى الاجنبية وأما لو اتلف مال
الغير فهو له ضامن.
الجهة الثانية : في الوجوه التي ذكرت أو
يمكن ان تذكر في مقام الاستدلال على المدعى.
الوجه الأول : الاجماع وفيه أنه قد ثبت في محله عدم اعتباره بلا فرق بين منقوله ومحصله ألا
أن يكون اجماعا كاشفا عن رأي المعصوم عليهالسلام وانّى لنا بإثبات قيام مثله في المقام مع احتمال أو القطع
باستناد القائل بالتفصيل الى ما ذكر في المقام من الوجوه.
الوجه الثاني : العمومات كقوله على اليد ما أخذت ومن اتلف مال الغير فهو له ضامن الى غيرهما
من المطلقات أو العمومات.
ويرد عليه أولا :
أنه كيف يمكن دعوى شمول الادلة العامة ما يصدر من طفل
رضيع وهل يشمل قول
القائل على اليد ما أخذت أو هل يشمل قوله من اتلف الاتلاف الصادر من الرضيع؟
وثانيا : انا نفرض
شمول الادلة لكن هذا المقدار مشترك فيه بين التكاليف والوضعيات وانّما نرفع اليد
عن الاطلاق والعموم بلحاظ المقيد والمخصص لاحظ ما رواه عمار الساباطي عن أبي عبد
الله عليهالسلام قال : سألته عن الغلام متى تجب عليه الصلاة فقال اذا أتى
عليه ثلاث عشرة سنة فإن احتلم قبل ذلك فقد وجبت عليه الصلاة وجرى عليه القلم
والجارية مثل ذلك ان أتى لها ثلاث عشرة سنة أو حاضت قبل ذلك فقد وجبت عليها الصلاة
وجرى عليها القلم فان مقتضى اطلاق الحديث عدم جريان القلم على غير البالغ
بلا فرق بين قلم التكليف والوضع وحمل الخبر على رفع العقوبة بلا دليل وقول بلا علم
ولاحظ ما رواه محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليهالسلام : عمد الصبي وخطأه واحد فان مقتضى اطلاق الحديث ان العمل الصادر عن غير البالغ
يعتبر في الشرع الاقدس كونه صادرا عن الخطأ فاذا كان حكم مترتبا على الخطأ يترتب
على الصادر عن غير البالغ وأما اذا كان الاثر مترتبا على العمد لا يترتب على عمل
غير البالغ فلا يترتب على قتله القود وهكذا.
إن قلت مقتضى
اطلاق ادلة الضمان عدم الفرق بين البالغ وغيره قلت لا بد من رفع اليد عن اطلاق
ادلة الضمان بحديث الرفع لاحظ ما رواه ربعي عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم عفى عن أمتي ثلاث الخطأ والنسيان والاستكراه قال أبو عبد
الله عليهالسلام وهنا رابعة وهي ما لا يطيقون وما رواه
__________________
الحلبي عن أبي عبد
الله عليهالسلام قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ويؤيد المدعى ما قاله المجلسي في جملة من كلامه في شرح
الحديث حيث يقول وإن كان ظاهره عدم الضمان أيضا الى آخر كلامه.
__________________
القاعدة الثانية عشرة
قاعدة حرمة ابطال العبادات بحسب الدليل الشرعي
قد ذكرت في بعض
الكلمات في عداد القواعد الفقهية قاعدة حرمة ابطال العبادة ويقع الكلام في هذا
المقام تارة من حيث بيان المراد من القاعدة المذكورة واخرى من حيث الدليل الذي
يمكن الاستدلال به أو استدل فيقع الكلام في موضعين :
أما الموضع الأول : فنقول ان المراد من
القاعدة أن المكلف لو دخل
في عبادة لا يجوز له ابطال تلك العبادة ولا يخفى أن المراد من الحرمة المذكورة أنه
لا يجوز ابطال فرد من العبادة وتبديلها بفرد آخر منها فلا بد من ان يتصور في مورد
يكون التبديل قابلا واما فيما لا يكون كذلك كما لو لم يكن الوقت واسعا بحيث يوجب
البطلان ترك الامتثال والعصيان فحرمته من باب ترك الواجب لا من باب ابطال العبادة
فلاحظ.
وأما الموضع الثاني : فما قيل أو يمكن
ان يقال في تقريب
الاستدلال وجوه :
الوجه الأول : الاجماع وحاله في الاشكال ظاهر إذ قد ثبت في محله عدم اعتباره لا منقولا ولا محصلا
وانما المعتبر منه ما يكون كاشفا عن رأي المعصوم عليهالسلام وانّى لنا بذلك.
الوجه الثاني : قوله تعالى : (يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا
الرَّسُولَ
وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ) بتقريب ان المستفاد من الآية الشريفة حرمة ابطال كل عبادة
بعد الشروع فيها.
وفيه أنه يحتمل أن
يكون المراد من الآية النهي عن المعاصي التي توجب بطلان الطاعة لاحظ ما رواه
البرقي عن أبي عبد الله الصادق عليهالسلام عن أبيه عن جده عليهمالسلام قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم من قال سبحان الله غرس الله له بها شجرة في الجنة ومن قال
الحمد لله غرس الله له بها شجرة في الجنة ومن قال لا آله الّا الله غرس الله له
بها شجرة في الجنة ومن قال الله أكبر غرس الله له بها شجرة في الجنة فقال رجل من
قريش يا رسول الله ان شجرنا في الجنة لكثير قال : نعم ولكن ايّاكم أن ترسلوا عليها
نيرانا فتحرقوها وذلك ان الله عزوجل يقول : (يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ) مضافا الى أن الاعمال تشمل جميع الاعمال الواجبة والمستحبة
تعبديا كان أو توصليا وكيف يمكن القول بالحرمة كذلك والحال أنه لا شبهة في عدم
حرمة ابطال الاعمال المستحبة بلا فرق بين التعبدي منها والتوصلي وكذلك والحال أنه
لا شبهة في عدم ابطال العمل الواجب التوصلي والاتيان بفرد آخر منه وأيضا لا كلام
في جواز ابطال الأعمال الواجبة التعبدية الّا بعضها فيلزم تخصيص الأكثر المستهجن
فهذا الدليل لا يمكن اثبات المدعى به.
الوجه
الثالث : قوله تعالى : (يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا
نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ
بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ) بتقريب أنه أمر بالوفاء بالعهد وأنه يستفاد من الآية
الشريفة أنه لو نوى المكلف عبادة وشرع فيها
__________________
معناه أنه عهد مع
الله أن يأتى بالعمل الفلاني ولا يبطله فيجب الوفاء به فيحرم ابطاله ، ويرد عليه
أولا أن الخطاب في الآية الشريفة مع بني اسرائيل فلا ترتبط بالأمة المرحومة.
وثانيا أن المذكور
في الآية عهد الله حيث قال عهدي ولم يعلم ما المراد من العهد.
وثالثا : أنه اذا
كان التقريب المذكور تاما يلزم حرمة ابطال جميع الواجبات والمستحبات اذا أتى بها
قربة الى الله فيعود الاشكال الذي ذكرناه في تقريب الاستدلال بالآية السابقة فلا
نعيد فانقدح بما ذكر أنه لا دليل على هذه القاعدة نعم يمكن الاستدلال على حرمة
ابطال الصلاة بما رواه حريز عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : اذا كنت في صلاة الفريضة فرأيت غلاما لك قد أبق أو
غير ما لك عليه مال أو حيّة تتخوفها على نفسك فاقطع الصلاة واتبع غلامك أو غريمك
واقتل الحية فان مقتضى مفهوم الشرط حرمة ابطالها عند انتفاء الشرط
المذكور وبعبارة واضحة ان المستفاد من الحديث ان الاذن في ابطال الصلاة ورفع اليد
عنها منوط ومشروط بالامور المذكورة وبمقتضى مفهوم الشرط الذي ثبت في محله عدم
الجواز عند انتفائه مضافا الى الاجماع على حرمة ابطال الصلاة.
__________________
القاعدة الثالثة عشرة
قاعدة بطلان كل عقد بتعذر الوفاء بمضمونه
قد ذكرت في بعض
الكلمات في عداد القواعد الفقهية هذه القاعدة ويقع الكلام في هذه القاعدة من جهات
:
الجهة الأولى : في بيان المراد منها فنقول المراد من هذه القاعدة انّ المتعاقدين أو أحدهما اذا
لم يقدرا العمل بمفاد العقد أو لم يقدر أحدهما يبطل العقد وبقائه يكون لغوا عند
العقلاء مثلا اذا باع زيد داره من بكر بألف دينار ولم يمكن للبائع تسليم الدار
لعلة أو لم يقدر المشتري أن يدفع الثمن يبطل البيع وقس عليه بقية الموارد.
وصفوة القول أنّ
الوفاء اذا لم يمكن في كل عقد يكشف عن بطلان ذلك العقد.
الجهة الثانية : في مدرك هذه القاعدة
ودليلها وقد ذكرت في تقريب
الاستدلال عليها وجوه :
الوجه الأول : الاجماع وفيه أن المنقول منه لا اعتبار به واما المحصل منه فعلى
فرض حصوله لا يكون حجة الّا على فرض كونه كاشفا عن رأي المعصوم عليهالسلام وحيث أنه محتمل المدرك لا يكون كاشفا فلا يعتد به.
الوجه الثاني : أن صحة العقد تلازم وجوب الوفاء به وان شئت فقل المراد من صحة العقد ان المتعاقدين
يجب عليهما أن يوفي كل واحد منهما به والوفاء بالعقد عبارة عن ترتيب الأثر ففي
البيع عبارة عن تسليم العين وتسليم الثمن وفي الإجارة عبارة عن تسليم العين
المستأجرة وتسليم مال الاجارة وهكذا فلو لم يمكن الوفاء
لا يتوجه الأمر
بالوفاء إذ لا يعقل الامر بغير المقدور فلا مجال لصحة العقد إذ الشيء ينهدم
بانهدام أركانه أو واحد منها هذا ملخص ما قيل في هذا المقام.
والتقريب المذكور
بمراحل عن الواقع توضيح الحال أن الوفاء عبارة عن الاتمام ولذا يقال الدرهم الوافي
أي التام فالأمر بالوفاء في قوله تعالى : (أَوْفُوا
بِالْعُقُودِ) أمر بالاتمام مثلا من يبيع داره ويعقد مع المشتري على أن
تكون الدار له في قبال ماءة دينار مثلا يجب عليه بمقتضى الآية الشريفة أن يفي
بالعقد المذكور ويتمّه ولا يفسخه وحيث ان الفسخ غير محرم قطعا يكون المراد بالأمر
بالوفاء ارشادا الى اللزوم أي البيع لازم وغير قابل للفسخ ولذا ذكرنا في محله أن
الآية لا تكون متكفلة للصحة بل تكون ناظرة الى لزوم العقد بعد فرض كونه صحيحا فاذا
فرضنا ان زيدا باع داره وبعد البيع لم يمكنه تسليم الدار لا يكشف عن بطلان البيع
لعدم وجه للبطلان بل غاية ما يترتب عليه ثبوت الخيار للمشتري لأجل الشرط الضمني
الارتكازي فإن من يشتري شيئا يكون شارطا بالارتكاز على البائع على أنه لو لم يسلم
المبيع يكون له خيار فسخ البيع ولا فرق فيما ذكر بين تلف العين وبقائها مع وجود
مانع عن التسليم أو عصيان البائع في عدم التسليم وصفوة القول ان الامر بالوفاء لا
يكون حكما تكليفيا ولا يكون دالا على وجوب تسليم العين فالتقريب المذكور لا اساس
له اصلا.
ولمزيد من التوضيح
نقول اذا باع زيد داره من بكر وفرضنا أن الدار تلفت أو غصبها غاصب ولم يكن للبائع
تسليمها من المشتري لا وجه للالتزام بالبطلان والمراد من وجوب الوفاء بالعقد عدم
الفسخ ولزوم ما عقد عليه غاية الأمر يكون للمشتري خيار الفسخ فما أفيد في وجه
البطلان في غاية السقوط نعم في باب البيع لو تلف المبيع قبل القبض يمكن القول
بالانفساخ من باب قاعدة كل مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بايعه ولا يرتبط هذا بما
افيد في المقام وانقدح بما ذكرنا ان الآية
الشريفة ناظرة الى
لزوم العقد ولا يمكن ان يستفاد منها الصحة توضيح المدعى أن العقد ما لم يكن صحيحا
لا يمكن أن يكون لازما وعليه نقول الحكم باللزوم في الآية أما لخصوص العقد الصحيح
وامّا الأعم منه ومن الفاسد واما لخصوص الفاسد وأما للمهمل أما الاهمال فلا يعقل
في الواقع لا سيما بالنسبة الى المولى الذي هو واهب العقل وأما خصوص الباطل فمن
الواضح عدم امكان لزومه وكذلك الجامع بين الصحيح والفاسد فينحصر الامر في خصوص
الصحيح فما دام لم يحرز الصحة لا يمكن الحكم باللزوم لعدم جواز التمسك بالدليل في
الشبهة المصداقية بل بالاستصحاب يحرز عدم الصحة فالنتيجة عدم امكان كون الآية
دليلا على الصحة.
إن قلت اذا فرض
لزوم العقد يكشف عن الصحة فيمكن اثبات الصحة باللزوم للملازمة بين اللازم والملزوم
قلت هذا التقريب انما يتم في القضية الخارجية حيث يحكم المولى بلزوم ما هو واقع في
الخارج وأما في القضية الحقيقية التي مرجعها الى الشرطية فلا يتم البيان إذ تقدم
قريبا عدم جواز الاخذ بالدليل في الشبهة المصداقية فلاحظ.
الوجه الثالث : ان العقلاء يرون مثل هذا العقد لغوا وباطلا ولا يرتبون اثرا عليه وإن شئت
فقل ان نظام الاجتماع يدور مدار تسلّم ما يتملكون بالعقود فاذا فرض عدم امكان
تسلّم ما تملكه بالعقد لا أثر لمثله.
وبعبارة واضحة ان
قوله عليهالسلام لو لا ذلك لما قام للمسلمين سوق ناظر الى ما يكون في
أيديهم ويقضون به حوائجهم والّا فمجرد كون شيء ملكا لأحد لا أثر له ولا فائدة فيه
هذا ملخص ما قيل وذكر في هذا المقام.
ويرد عليه أولا أن
الأحكام الشرعية لا تكون تابعة لما تقرر عند العقلاء فاذا فرضنا تمامية الدليل
لصحة العقد نلتزم به ولو لم يكن مقبولا عند العقلاء وبعبارة
واضحة اللازم كون
العقلاء تابعين للشرع الأقدس لا أن الشارع يكون تابعا لهم ومن الظاهر أن صحة
العقود لا تكون شرعا مشروطة بالشرط المذكور ومجرد اللغوية لا يوجب بطلان العقد
ولذا ذكرنا مرارا ان العقد السفهائي صحيح ونلتزم به انما الاشكال في العقد الصادر
عن السفيه وصفوة القول ان الدليل قائم على صحة بيع ما باعه البائع ولو لم يكن
مقدورا على تسليمه ولذا يكون بيع العبد الآبق صحيحا ويترتب عليه ان المشتري يمكنه
اعتاقه ومن الظاهر أنه لا عتق الّا في ملك ومما يدل على المدعى ان قاعدة كل مبيع
تلف قبل قبضه فهو من مال بايعه ولو كان العقد باطلا يلزم ان المبيع من أول الامر
لا يدخل في ملك المشتري والحال أن الأمر ليس كذلك هذا أولا.
وثانيا : لا نسلم
البناء المذكور من العقلاء ولذا نرى أنه لو باع زيد داره من بكر ثم مات البائع
يطلب المشتري الدار من ورثته والحال أن البائع العاقد لا يكون مأمورا بتسليم الدار
فان الميت لا يمكن أن يتعلق به التكليف وأيضا نرى أنه لو غصب مال من أحد بحيث لا
يرجى رجوعه الى المالك يرون بقاء تلك العين في ملك من غصب منه ولا يرضى بتصرف ذلك
الغاصب فيه وعلى الجملة هذا الذي افيد في المقام مخالف مع الأدلة الشرعية ومع بناء
العقلاء وارتكازهم فأصل المدعى ساقط من أساسه.
الجهة الثالثة : في موارد انطباق
القاعدة المذكورة وقد ذكر القائل
بهذه القاعدة بعض الموارد على ما رامه منها ما لو استأجرت مرضعة لإرضاع ولد
المستأجر فمات الولد أو المرضعة أو كلاهما قبل الارضاع أو جف اللبن تبطل الاجارة.
أقول : بطلان
الاجارة فيما ذكر من المثال لا يرتبط بهذه القاعدة المدعاة بل البطلان من باب ان
متعلق العقد حين تحققه لم يكن له موضوع وبطلان العقد مع فرض عدم متعلقه وموضوعه
واضح ظاهر وبعبارة اخرى وجود متعلق العقد
ركن في تماميته
بلا فرق بين العقود والايقاعات مثلا لو باع زيد داره التي تكون له في اعتقاده في
كربلاء والحال أنه خيال ولا دار له هناك يكون العقد باطلا وأيضا لو آجر داره التي
في النجف وهكذا ومسئلة الرضاع من هذا القبيل فان المرأة التي تموت بعد ساعة لا
تكون قابلة لان ترضع الولد وأيضا مع عدم اللبن في ثديها وهكذا في جميع ما يكون من
هذا القبيل.
القاعدة الرابعة عشرة
قاعدة لا حرج
وفي المقام جهات
من البحث :
الجهة الأولى : في بيان المراد من العسر والحرج.
فنقول : أما الحرج
فيظهر من كلمات أهل اللغة أن معناه الضيق ، فعن القاموس الحرج المكان الضيق وكذلك
عن الصحاح وعن النهاية الحرج في الأصل الضيق وفي المجمع (ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ
حَرَجٍ) أي من ضيق بان يكلّفكم ما لا طاقة لكم به وفي المنجد الحرج
المكان الضيق الكثير الاشجار ويستفاد من بعض الاخبار أنه عبارة عن الضيق لاحظ ذيل
حديث مسعدة بن زياد : عبد الله بن جعفر الحميري عن مسعدة بن زياد قال : حدثني جعفر
عن أبيه عليهالسلام عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : مما اعطى الله أمتي وفضّلهم على سائر الامم أعطاهم
ثلاث خصال لم يعطها الّا نبيّ وذلك ان الله تبارك وتعالى كان اذا بعث نبيا قال له
اجتهد في دينك ولا حرج عليك وان الله تبارك وتعالى أعطى ذلك أمّتي حيث يقول (وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ
مِنْ حَرَجٍ) يقول من ضيق ... الحديث .
وأما العسر فعن
النهاية أنه خلاف اليسر وهو الضيق وكذلك عن القاموس وفي المنجد العسر الشدة والضيق
وأما الأصر فعن القاموس الأصر الثقل وعن النهاية
__________________
أنه الضيق وعن
الصحاح أنه الثقل فالجامع بين الكل الضيق والثقل والظاهر أنه بحسب المتفاهم العرفي
ما لا يتحمل عادة فان كان طبع التكليف الشرعي المتوجه الى العباد أمرا غير قابل
للتحمل كالجهاد ونحوه ولا يرتفع بهذه القاعدة كما هو ظاهر.
نعم لا يبعد ان
يقال بأنه في تلك الموارد اذا كان الحرج أشد من المقدار المتعارف يرتفع الحكم الشرعي
فتأمّل كما أنه لو علم من الشارع عدم رضائه بوقوع أمر كاللواط مثلا نلتزم بحرمته
وإن كان في الامساك عنه حرج شديد.
الجهة الثانية : فيما يمكن ان يستدل به
أو استدل للمدعى : منها قوله تعالى
: (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ
الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) وتقريب الاستدلال بالآية الشريفة ان قوله تعالى : (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا
يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) بعد قوله (وَمَنْ كانَ مَرِيضاً
أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) بمنزلة العلّة والكبرى الكلية كما في قوله لا تشرب الخمر
لأنه مسكر فيستفاد من الآية الشريفة أنه لم يجعل في الشريعة المقدسة امرا عسرا
ويمكن الاستدلال بالآية على المدعى بتقريب آخر وهو ان المراد بالارادة في الآية
الشريفة الارادة التشريعية فالمراد من قوله تعالى : (لا يُرِيدُ) عدم الارادة تشريعا هذا من ناحية ومن ناحية اخرى حذف
المتعلق يفيد العموم فالنتيجة أنه يستفاد من الآية ان الله لا يريد في وعاء
التشريع العسر فلا يريد التكليف الذي يكون عسرا.
ومنها : الآية
الاخيرة لسورة البقرة (لا يُكَلِّفُ اللهُ
نَفْساً إِلَّا وُسْعَها لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنا لا
تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً
كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا
طاقَةَ لَنا بِهِ
__________________
وَاعْفُ
عَنَّا وَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا أَنْتَ مَوْلانا فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ
الْكافِرِينَ) ومحل الشاهد فيها عدة موارد :
الأول : قوله
تعالى : (لا يُكَلِّفُ اللهُ
نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) فان المراد من الآية أنه لا يكلف تكليفا عسرا لا أنه لا
يكلف غير المقدور عقلا فانه أمر غير ممكن ولا يقع على أحد من الامة ولا مجال
للمنّة كما هو المستفاد من الآية والسياق ، الثاني قوله تعالى : (وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً) والاصر هو الثقل والظاهر من الآية أنه تعالى استجاب دعوة
نبيه صلىاللهعليهوآلهوسلم وبعبارة واضحة يفهم الانسان من سياق الآية وايراد المطلب
في القرآن الكريم ان الله تبارك وتعالى في مقام بيان لطفه بالنسبة الى رسول
الإسلام واستجابة دعوته ، الثالث قوله تعالى : (وَلا تُحَمِّلْنا ما
لا طاقَةَ لَنا بِهِ) والظاهر أن المراد بما لا طاقة به الامر العسر والسياق
يقتضي الاستجابة مضافا الى ما ورد في رواية علي بن ابراهيم عن أبي عبد الله عليهالسلام أن هذه الآية مشافهة الله تعالى لنبيه صلىاللهعليهوآلهوسلم ليلة اسري به الى السماء قال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : لما انتهيت الى محل سدرة المنتهى فاذا الورقة منها تظل
أمّة من الامم فكنت من ربّي (قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ
أَدْنى) كما حكى الله عزوجل فناداني ربّي تعالى (آمَنَ الرَّسُولُ
بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ) فقلت : انا مجيبا عنّي وعن أمّتي (وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ
وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ
وَقالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا غُفْرانَكَ رَبَّنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) فقال الله (لا يُكَلِّفُ اللهُ
نَفْساً إِلَّا وُسْعَها لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ) فقلت (رَبَّنا لا
تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا) وقال الله لا أؤاخذك فقلت (رَبَّنا وَلا
تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا) فقال الله لا احملك فقلت : (رَبَّنا وَلا
تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ
__________________
لَنا
بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا أَنْتَ مَوْلانا فَانْصُرْنا
عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ) فقال الله تعالى قد اعطيتك ذلك لك ولأمّتك فقال الصادق عليهالسلام ما وفد الى الله تعالى أحد اكرم من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم حيث سأل لأمته هذه الخصال .
ومنها قوله تعالى
: (ما يُرِيدُ اللهُ
لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ) وتقريب الاستدلال بالآية ان الله لا يريد جعل الامر الحرجي
في الدين فيستفاد منها الميزان الكلي.
وفي المقام مناقشة
وهي ان المستفاد من الآية ان الله تعالى لم يرد بهذا الأمر المذكور في الآية ايقاع
الحرج لكن حيث ان المذكور فيها ذو ملاك ومصلحة أمر به وجعله على المكلفين وبعبارة
اخرى المستفاد من الآية ان الله لا يكلف بتكاليف حرجية خالية عن الملاك والفائدة
وبهذا البيان لا يمكن الوصول الى المقصود وليس للاستدلال على المدعى سبيل.
ولكن بعد المراجعة
الأخيرة اختلج بالبال أن يقال يمكن أن يكون المراد من الآية الشريفة بيان ان الله
لا يريد بالتكاليف التي يكلفكم بها ايقاع الحرج عليكم ولذا عند الضرورة والمحذور
عن استعمال الماء تصل النوبة الى الطهارة الترابية بل يريد ان يطهركم ويزيل عنكم
الخباثة المعنوية كي يناسب قيامكم للصلاة التي تكون مشروطة بالطهارة وعليه لا يمكن
الاستدلال بهذه الآية على المدعى لكن يكفي للاستدلال عليه بقية الوجوه ومنها قوله
تعالى في سورة الحج (وَما جَعَلَ
عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) وتقريب الاستدلال بما ان المستفاد منها كبرى
__________________
كلية وهي ان الله
تعالى لم يجعل في الدين امرا حرجيا ويؤيد المدعى بل يدل عليه ما ورد في تفسير
الآية وهو ما رواه عبد الله بن جعفر الحميري عن مسعدة بن زياد .
وأما الروايات
التي يمكن أن يستدل بها فمنها ما رواه أبو بصير عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : سألته عن الجنب يحمل الركوة أو التور فيدخل اصبعه
فيه قال : وقال ان كانت يده قذرة فأهرقه وإن كان لم يصبها قذر فليغتسل منه هذا مما
قال الله تعالى : (وَما جَعَلَ
عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) وتقريب الاستدلال به على المدعى ظاهر.
ومنها ما رواه أبو
بصير أيضا قال : قلت لأبي عبد الله عليهالسلام انا نسافر فربما بلينا بالغدير من المطر يكون الى جانب
القرية فتكون فيه العذرة ويبول فيه الصبي وتبول فيه الدابة وتروث فقال ان عرض في
قلبك منه شيء فقل هكذا يعني. أفرج الماء بيدك ثم توضّأ فان الدين ليس بمضيق فان
الله يقول (ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ
فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ).
ويمكن الاستدلال
أولا بقوله عليهالسلام فان الدين ليس بمضيق وثانيا باستشهاده عليهالسلام بقوله تعالى فلاحظ.
ومنها ما رواه
فضيل بن يسار عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : في الرجل لجنب يغتسل فينتضح من الماء في الإناء فقال
: لا بأس (ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ
فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ).
__________________
ومنها ما رواه
فضيل قال : سئل أبو عبد الله عليهالسلام عن الجنب يغتسل فينتضح من الأرض في الإناء فقال : لا بأس
هذا مما قال الله تعالى : (ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ
فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ).
ومنها ما رواه
محمد بن ميسر قال : سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن الرجل الجنب ينتهي الى الماء القليل في الطريق ويريد ان
يغتسل منه وليس معه إناء يغرف به ويداه قذرتان قال يضع يده ثم يتوضأ ثم يغتسل هذا
مما قال الله عزوجل (ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ
فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) وتقريب الاستدلال ظاهر.
ومنها ما رواه عبد
الاعلى مولى آل سام قال : قلت لأبي عبد الله عليهالسلام عثرت فانقطع ظفري فجعلت على اصبعي مرارة فكيف اصنع بالوضوء
قال : يعرف هذا واشباهه من كتاب الله عزوجل قال الله تعالى (ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ
فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) امسح عليه ولكن عبد الاعلى لم يوثق بل مدح.
ومنها ما رواه
زرارة أنه قال لأبي جعفر عليهالسلام : ألا تخبرني من أين علمت وقلت ان المسح ببعض الرأس وبعض
الرجلين وذكر الحديث الى ان قال أبو جعفر عليهالسلام ثم فصّل بين الكلام فقال (وَامْسَحُوا
بِرُؤُسِكُمْ) فعرفنا حين قال (بِرُؤُسِكُمْ) ان المسح ببعض الرأس لمكان الباء الى ان قال (فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا
صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ) فلمّا ان وضع الوضوء عمن لم يجد الماء اثبت بعض الغسل مسحا
لأنه قال (بِوُجُوهِكُمْ) ثم وصل بها (وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ) أي من ذلك التيمم لأنه علم ان ذلك اجمع لم يجر على الوجه
لأنه يعلق من ذلك الصعيد ببعض الكف ولا يعلق ببعضها ثم قال (ما جَعَلَ
__________________
عَلَيْكُمْ
فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) والحرج الضيق .
ومنها ما رواه
حمزة بن الطيار عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : قال لي اكتب فأملى عليّ انّ من قولنا ان الله يحتج
على العباد بما أتاهم وعرّفهم ثم أرسل اليهم رسولا وأنزل عليهم الكتاب فأمر فيه
ونهى ، أمر فيه بالصلاة والصيام فنام رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم عن الصلاة فقال انا انيمك وانا اوقظك فاذا قمت فصلّ
ليعلموا اذا أصابهم ذلك كيف يصنعون ليس كما يقولون اذا نام عنها هلك وكذلك الصيام
أنا أمرضك وأنا أصحك فاذا شفيتك فاقضه ثم قال أبو عبد الله عليهالسلام وكذلك اذا نظرت في جميع الأشياء لم تجد احدا في ضيق ولم
تجد أحدا الّا ولله عليه الحجة ولله فيه المشيئة ولا أقول انهم ما شاءوا صنعوا ثم
قال ان الله يهدي ويضلّ وقال وما امروا الّا بدون سعتهم وكل شيء أمر الناس به فهم
يسعون له وكل شيء لا يسعون له فهو موضوع عنهم ولكن الناس لا خير فيهم ثم تلا عليهالسلام (لَيْسَ عَلَى
الضُّعَفاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما
يُنْفِقُونَ حَرَجٌ ...) فوضع عنهم (ما عَلَى
الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا
ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ ...) قال فوضع عنهم لأنهم لا يجدون هذه هي جملة من الروايات التي يمكن أن يستدل بها على
المدعى ويؤيدها ما اشتهر في ألسنة العلماء والفضلاء والطلاب ان الشريعة الاسلامية
سهلة سمحة كما روى عنه صلىاللهعليهوآلهوسلم : بعثت بالحنيفية السمحة السهلة وما رواه زياد ابن سوقة عن أبي جعفر عليهالسلام قال : لا بأس أن يصلي
__________________
أحدكم في الثوب
الواحد وازراره محللة ان دين محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم حنيف .
واما الاجماع فعلى
فرض تحققه فامّا مقطوع المدرك وامّا محتمله وعلى كلا التقديرين لا يفيد كما هو
ظاهر.
وأما العقل فليس
له سبيل الى هذا الموضوع وانّما العقل يدرك امتناع تعلق التكليف بغير المقدور
لكونه لغوا وعبثا والحكيم لا عبث في تكاليفه كما هو اظهر من الشمس.
فالنتيجة أنه لا
شبهة من حيث الدليل تمامية القاعدة وان الحرج مرفوع في الشريعة المقدسة ان قلت اذا
كان الامر كذلك فكيف نرى جعل بعض الاحكام والحال أنه حرجي كالجهاد وامثاله قلت
القاعدة لا تكون عقلية كي لا يمكن تخصيصها بل قاعدة شرعية والتخصيص في الحكم
الشرعي لا يكون عزيزا.
وصفوة القول انّ
الحكم اذا كان حرجيا في نفسه وطبعه أي يكون حرجيا بالنسبة الى كل احد يكون دليله
مخصصا للقاعدة وأمّا اذا كان حرجيا بالنسبة الى بعض دون الاخر يكون مرتفعا عن مورد
الحرج الا أن يعلم أنه اريد العموم ولا تبعيض فيه فايضا يكون الدليل مخصصا
للقاعدة.
الجهة الثالثة : في أنّ المستفاد من
دليل القاعدة انّ المرفوع الحرج أو المرفوع الحكم الذي يوجب الحرج والأول موافق لمرام صاحب الكفاية والثاني لمرام الشيخ قدسسره والفرق واختلاف الأثر ظاهر بين المسلكين فان قلنا بان
المرفوع الحكم الناشي منه الحرج نلتزم بعدم وجوب الاحتياط فيما يكون الجمع بين
الاطراف حرجيا ونقول بارتفاع الوجوب المتعلق بالواجب الموجود بين الاطراف وأمّا ان
قلنا بان المرفوع الفعل الحرجي الثقيل فلا وجه لارتفاع الوجوب في موارد العلم
__________________
الإجمالي اذا لم
يتعلق الوجوب بالامر الحرجي والظاهر من الدليل ما ذهب اليه صاحب الكفاية اذ
العناوين عناوين للأمور الخارجية فان العمل الكذائي حرج مثلا لو كان الصعود الى
الجبل امرا صعبا وحرجيا يصدق ان الوجوب مرفوع عنه والحاصل ان الحرج وما يرادفه مما
وقع في الادلة عبارة عن الافعال الخارجية وما جعلت في الدين فان جعلها في الدين
عبارة عن توجيه التكليف نحوها وعدم جعلها في الدين عبارة عن عدم توجيه التكليف
نحوها ويترتب على هذا أثر ظاهر مهم فلا تغفل ولقائل ان يقول أنه لا شبهة في أنّه
لو كان لعمل مقدمات صعبة ولكن نفس العمل لا يكون كذلك مثلا قراءة سورة قصيرة في
فصل الشتاء ليست امرا حرجيا ذا مشقة ولكن اذا أمر المولى بها بان يؤتى بها على رأس
جبل شاهق صعب الصعود يكون هذا التكليف حرجيا وعسرا والحال ان نفس الفعل لا عسر فيه
وهل يمكن ان يقال ان هذا التكليف ليس عسرا وهل يمكن ان يدعي المولى اني لا اريد
بالمكلف العسر واريد به اليسر وصفوة القول ان التكليف لو استلزم الحرج على المكلف
ولو من ناحية مقدمات العمل يصح ان يقال ان التكليف حرجي فلاحظ.
ويختلج بالبال أن
يقال أنه يمكن اثبات عدم وجوب الاحتياط بتقريب آخر وهو أنه لو استلزم الاحتياط
الحرج نسأل ان الاحتياط المذكور في وعاء الشرع واجب أم لا؟ ان قلت انه واجب قلت
وجوبه يناقض نفي الحكم الحرجي اذ الموجبة الجزئية نقيض السالبة الكلية وان قلت لا
يكون واجبا قلت هو المطلوب وإن قلت نشك في وجوبه وعدمه قلت مقتضى البراءة عدم
وجوبه وهذا التقريب يفيدنا في القول بعدم وجوب الاحتياط في موارد العلم الإجمالي
مضافا الى ما بنينا عليه في ذلك البحث من جواز جريان الأصل في بعض الاطراف ولا
يخفى ان التقريب الثاني الذي ذكرناه في المقام يغاير التقريب الأول في الأثر فان
التقريب
الأول يقتضي
ارتفاع الحكم من اصله وأما التقريب الثاني فانما يقتضي ترك الاحتياط فقط ارتفاع
الحكم في الواقع.
وإن شئت فقل
التقريب الأول يقتضي الارتفاع الواقعي والتقريب الثاني يقتضي الارتفاع الظاهري
فيما لا يكون الاحتياط حرجيا.
اللهم الّا أن
يقال انه قد ثبت في الأصول عدم وجوب مقدمة الواجب شرعا وانما يكون وجوبها عقليا
فلا تنافي بين عدم وجوب الاحتياط شرعا وبين وجوبها عقلا فلا يتم التقريب المذكور
لارتفاع الحكم في مقام الظاهر نعم مقتضى مقالة الشيخ قدسسره انّ الحكم الواقعي في موارد كون الاحتياط حرجيا يرتفع
بدليل رفع العسر والحرج.
الجهة الرابعة : في أن أدلة الحرج هل
تكون حاكمة على أدلة الأحكام أم لا؟ الظاهر أنها حاكمة فانه لم يعتبر في الحكومة بلفظ أي أو أعني بل معنى الحكومة
أن يكون أحد الدليلين ناظرا الى دليل الآخر ويكون متصرفا في مدلوله والمقام كذلك
إذ لو لم يكن حكم مجعول في الدين لم يكن قوله (ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ
فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) صحيحا فإنه لا موضوع لهذا البيان فمعنى هذه الجملة ان
المجعولات الدينيّة لا يكون فيها أمر حرجي ويؤيد المدعى بل يدل عليه ما وقع في
جملة من الروايات من التطبيق أي تطبيق القاعدة على الموارد كما تقدمت ومرت عليك.
الجهة الخامسة : ان الميزان في القاعدة
بالحرج الشخصي كما هو الميزان في
جميع القضايا الحقيقية وكون الميزان بالنوعي امرا على خلاف الظاهر ويحتاج الى دليل
خاص وقرينة.
غاية الأمر يتوجه
الاشكال وهو أن المستفاد من الروايات الواردة في المقام ان الميزان بالحرج النوعي
فان الاجتناب عن الغدير الذي يلاقيه النجاسة ليس حرجيا لكل أحد بل الحرج فيه نوعي.
لكن يمكن الجواب
بان المستفاد من تلك الروايات أيضا الحرج الشخصي لكن قد علم من الخارج ان الكر لا
ينجس بالملاقات.
وببيان أوضح ان
المستفاد من الدليل ان الميزان الحرج الشخصي لكن في بعض الموارد. قد علم من الدليل
رفع الحكم حتى في مورد عدم الحرج بالنسبة الى بعض ولك ان تقول أنّ المستفاد من بعض
ادلة القاعدة ان رفع الحكم يدور مدار الحرج الشخصي غاية الأمر انّ الحكم مرفوع في
بعض الموارد حتى مع عدم الحرج الشخصي وهذا تخصيص في عمومية العلة وان شئت فقل
المستفاد من مجموع الادلة ان الميزان في جريان القاعدة الحرج الشخصي وعدم جريانه
في النوعي وهذه القضية الثانية خصصت في بعض الأحكام كالقصر في السفر ومن الظاهر ان
التخصيص في الضوابط الشرعية أمر رائج فلاحظ.
الجهة السادسة : أنه لا فرق بين
العدميات والوجوديات فان الحرج يوجب
رفع الحكم أعم من أن يكون متعلقا بالوجود كالوجوب أو بالعدم كالحرمة فلو كان
الامساك عن الحرام حرجا يرتفع حرمته وبعبارة واضحة لا فرق من هذه الجهة بين
الايجاب والتحريم لا طلاق الدليل بل يمكن ان يقال مقتضى اطلاق دليل القاعدة رفع
الحكم غير الالزامي ولا نرى مانعا في هذه العجالة عن الالتزام به وبعبارة اوضح انه
اذا كان فعل حرجيا لا يتعلق به الأمر الاستحبابي إذ ليس في الدين الحرج وقس عليه
النهي عن امر يكون تركه حرجيا.
الجهة السابعة : أنه لا فرق بين الحكم
التكليفي والوضعي فلو كان جعل أمر
وضعي حرجيا يرتفع بدليل رفع الحرج وعليه لو كانت العلقة الزوجية حرجية على أحد
طرفي العقد يلزم رفعها بدليل رفع الحرج ولا يخفى انه ينكشف ان الزوجية انما امضيت
من قبل الشارع من زمان العقد الى زمان تحقق الحرج والحال ان العقود تابعة للقصود
فكيف يمكن التبعيض ويؤيد رفع الحرج الحكم الوضعي ما افتى به
السيد اليزدي في
ملحقات عروته في مسألة المفقود مع عدم صبر زوجته قال : يمكن ان يقال
بجوازه (الطلاق) بقاعدة نفي الحرج والضرر.
الجهة الثامنة : أن حكومة لا حرج على
أدلة الأحكام حكومة واقعية ولازمها ارتفاع الحكم واقعا وعليه يقع الاشكال في جواز الوضوء الحرجي وقد يقال
في رفع الاشكال بان مقتضى الامتنان رفع الالزام لا رفع الملاك ويجاب بانه بعد رفع
الالزام لا دليل على الملاك ويجاب بان الدلالة الالتزامية ليست تابعة للمطابقية في
الحجية ويجاب ببطلان هذا الكلام فان الالتزام تابع للمطابقية في جميع المراتب.
ولكن مع ذلك يمكن
تقريب صحة الوضوء بوجه آخر وهو ان الامتنان يقتضي وجود الملاك والّا فمع عدم
الملاك للوضوء لا معنى للمنة في رفع الالزام عنه فلازم الامتنان وجود الملاك وهو
يكفي في صحة الوضوء.
ويمكن التقريب بوجه
ثالث وهو أن دليل لا حرج لا يرفع الاستحباب والأمر المتوجه الى الوضوء نفسا هو
الاستحباب وهو باق مع الحرج فالوضوء صحيح لكن يشكل التقريب المذكور بما تقدم منا
من ان دليل لا حرج يشمل الحكم غير الالزامي فلا يبقى موضوع لهذا التقريب وفي
المقام اشكال وهو انّ المستفاد من الآية تقسيم المكلف الى الواجد والفاقد والتقسيم
قاطع للشركة.
والجواب انّ
المكلف مع الحرج واجد للماء لكن لو توضأ يكون وضوئه صحيحا ومع صحة وضوئه لا يصدق
انه محدث فلا سبيل الى ان يتعلق به الأمر بالتيمم فلاحظ وإن شئت قلت ان القضية
حقيقية والشارع قسم المكلف الى قسمين ووجه الامر بالوضوء الى قسم منهما ووجه الامر
بالتيمم الى قسم آخر غاية الامر بعض الاقسام من الواجد لو توضأ يكون وضوئه صحيحا
وينقلب
__________________
موضوع المحدث الى
المتطهر وبعبارة واضحة ان الحرج أوجب سقوط الالزام بالوضوء ووصلت النوبة الى
التيمم لكن حيث ان الملاك موجود في الوضوء فاذا توضأ يكون وضوئه صحيحا فلا يبقى
مجال للتيمم وصفوة القول ان الوضوء ان كان حرجيا لا يكون واجبا ولا تنافي بين
الصحة وعدم الوجوب وببيان أوضح أن المكلف في صورة الحرج يكون واجدا للماء لكن مع
ذلك لا يكون الوضوء واجبا عليه لطفا من المولى والظاهر أنه يتم الأمر لا يبقى
اشكال والله العالم ومما يدل على جواز التيمم مع وجدان الماء جواز التيمم لمن آوى
الى فراشه فذكر انه غير متوض فانه يجوز له ان يتمم وعلى الجملة ان الامتنان يتوقف
على وجود الملاك فاذا فرضنا ان القاعدة امتنانية يلزم الالتزام بوجود الملاك ومع
وجود الملاك يصح الوضوء.
الجهة التاسعة : في تعارض الضرر والحرج كما لو كان التصرف في الملك الشخصي يضر بالغير والامساك عن
التصرف يكون حرجا الذي يختلج بالبال ان يقال مقتضى اطلاق دليل القاعدة جريانها في
هذه الموارد.
إن قلت مفاد
القاعدة حكم امتناني وجريانها في هذه الموارد خلاف الامتنان بالنسبة الى الطرف
المقابل قلت يكفي للامتنان كون رفع الحرمة الحرجية عن هذا الطرف ولا يلزم ان يكون
امتنانيا بالنسبة الى جميع الاطراف ولكن الانصاف ان الالتزام بالجواز فيما يستلزم
التصرف في مال الغير أو عرضه أو بدنه مشكل والله الهادي الى سواء السبيل.
إن قلت أيّ دليل
دل على كون القاعدة امتنانية قلت المستفاد من الآية الشريفة (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا
يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) ان المقتضي للإرادة موجود
__________________
غاية الأمر الشارع
الأقدس منّ على عباده ولم يرد العسر بل اراد اليسر.
الجهة العاشرة : ان القاعدة هل تكون من
المسائل الفقهية أو تكون من المسائل الأصولية الحق أنها من المسائل الفقهية إذ المسألة الاصولية لا تتعرض
لحكم افعال المكلف بل لها دخل في استنباط الحكم الشرعي وأما المسألة الفقهية
فمتعرضة لحكم فعل المكلف ومن الظاهر ان المستفاد من القاعدة بيان ما يتعلق بافعال
العباد.
القاعدة الخامسة عشرة
قاعدة رفع القلم عن غير البالغ
من الأمور التي
وقع البحث عنها ان الحكم الوضعي كالحكم التكليفي مرفوع عن غير البالغ أو ان الرفع
مخصوص بالحكم التكليفي ويقع البحث في المقام من جهات :
الجهة الأولى : أن مقتضى الأدلة العامة
الواردة في الأحكام الوضعية شمولها لغير البالغ ولا بد في الخروج عنها من مخصص ولولاه لم يكن فرق بين
البالغ وغيره والظاهر انه لا مجال لإنكار هذا المعنى فان أدلة الأحكام الوضعية
باطلاقها أو عمومها تشمل جميع الناس بل شمول أدلة الوضعيات لغير البالغ أوضح من
شمول أدلة التكاليف فإن دليل الحكم التكليفي لا يشمل من لا عقل له كما انه لا يشمل
الغافل وبعبارة واضحة لا يشمل من لا يكون قابلا لتوجيه الخطاب اليه والبعث وأما
الحكم الوضعي فلا يكون مرهونا بما ذكر.
الجهة الثانية : فيما يمكن ان يستدل به
على عدم شمول الدليل لغير البالغ وعمدة ما يكون قابلا للاستدلال به على المدعى ما رواه عمار الساباطي عن أبي
عبد الله عليهالسلام قال : سألته عن الغلام متى تجب عليه الصلاة فقال اذا أتى
عليه ثلاث عشرة سنة فان احتلم قبل ذلك فقد وجبت عليه الصلاة وجرى عليه القلم
والجارية مثل ذلك ان أتى لها ثلاث عشرة سنة أو حاضت قبل ذلك فقد
وجبت عليها الصلاة
وجرى عليها القلم فإن المستفاد من الحديث عدم جريان القلم على الصبي قبل
الاحتلام ومقتضى إطلاق عدم الجريان التسوية بين قلم التكليف والوضع وتخصيص الحديث
وعدم الجريان بالتكليف فقط يحتاج الى الدليل.
الجهة الثالثة : فيما يمكن أن يكون
مخصصا ومانعا عن شمول الدليل للحكم الوضعي وما يمكن ان يكون مخصصا للإطلاق ومقيدا أمور : منها الاجماع
على أن اتلاف الصبي مال الغير يوجب الضمان وفيه انه قد ثبت في محله عدم اعتبار
الإجماع المنقول.
ومنها السيرة
الجارية على تضمين غير البالغ اذا اتلف مال الغير وفيه انا لا نجزم بكون هذه
السيرة ممضاة من قبل الشارع وأما سيرة العقلاء على فرض تحققها فمردوعة بالحديث.
ومنها الروايات
الدالة على الضمان وفيه ان العمومات تخصص بالحديث المشار اليه.
__________________
القاعدة السادسة عشرة
قاعدة امارية السوق على كون اللحوم الموجودة فيه مذكاة
من القواعد التي
وقعت محل البحث عند الأعلام قاعدة امارية سوق المسلمين على تذكية الحيوان ويقع
البحث في المقام من جهات :
الجهة الأولى : في دليل القاعدة.
ويمكن الاستدلال
على المدعى بوجهين :
الوجه الأول : السيرة الجارية بين أهل الشرع والظاهر أنه لا يمكن النقاش في
السيرة.
الوجه الثاني : جملة من النصوص : منها ما رواه الحلبي قال : سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن الخفاف التي تباع في السوق فقال اشتر وصل فيها حتى تعلم
انه ميت بعينه ومنها ما رواه أحمد بن محمد بن أبي نصر قال : سألته عن
الرجل يأتي السوق فيشتري جبة فرا لا يدري أذكية هي أم غير ذكية أيصلي فيها فقال
نعم ليس عليكم المسألة ان ابا جعفر عليهالسلام كان يقول ان الخوارج ضيّقوا على انفسهم بجهالتهم ان الدين
أوسع من ذلك ومنها ما رواه أحمد بن محمد بن أبي نصر عن الرضا عليهالسلام قال : سألته عن الخفاف يأتي السوق فيشتري الخفّ لا يدري أذكي
هو أم لا ، ما تقول في الصلاة فيه وهو لا يدري
__________________
أيصلي فيه قال :
نعم انا اشتري الخف من السوق ويصنع لي واصلي فيه وليس عليكم المسألة ومنها ما رواه الحسن بن الجهم قال : قلت لأبي الحسن عليهالسلام اعترض السوق فأشتري خفّا لا أدري أذكي هو أم لا قال : صلّ
فيه قلت فالنعل قال مثل ذلك قلت اني أضيق من هذا قال أترغب عما كان أبو الحسن عليهالسلام يفعله ومنها ما رواه عبد الله بن سليمان قال : سألت أبا جعفر عليهالسلام عن الجبن فقال لقد سألتني عن طعام يعجبني ثم أعطى الغلام
درهما فقال : يا غلام ابتع لنا جبنا ثم دعا بالغداء فتغدينا معه فأتى بالجبن فأكل
واكلنا فلمّا فرغنا من الغداء قلت ما تقول في الجبن قال أولم ترني آكله قلت بلى
ولكني أحب أن أسمعه منك فقال سأخبرك عن الجبن وغيره كل ما كان فيه حلال وحرام فهو
لك حلال حتى تعرف الحرام بعينه فتدعه ومنها ما رواه أبو الجارود قال : سألت أبا جعفر عليهالسلام عن الجبن فقلت له اخبرني من رأى أنه يجعل فيه الميتة فقال
أمن أجل مكان واحد يجعل فيه الميتة حرّم في جميع الأرضين اذا علمت أنه ميتة فلا تأكله
وان لم تعلم فاشتر وبع وكل والله أني لأعترض السوق فاشتري بها اللحم والسمن والجبن
والله ما أظن كلهم يسمّون هذه البربر وهذه السودان ويستفاد من حديث اسماعيل بن عيسى قال : سألت أبا الحسن عليهالسلام عن الجلود الفراء يشتريها الرجل في سوق من أسواق الجبل أسأل
عن ذكاته اذا كان البائع مسلما غير عارف قال عليكم انتم ان تسألوا عنه اذا رأيتم
المشركين يبيعون ذلك واذا رأيتم يصلون فيه
__________________
فلا تسألوا عنه اشتراط الجواز بصلاة المسلم في الجلد المأخوذ من السوق
والحديث لا يعتد به فان اسماعيل لم يوثق.
ويستفاد من حديث
محمد بن الحسين الأشعري قال : كتب بعض أصحابنا الى أبي جعفر الثاني عليهالسلام ما تقول في الفرو يشترى من السوق فقال اذا كان مضمونا فلا
بأس اشتراط الجواز بالضمان والحديث مخدوش سندا فالنتيجة ان الدليل على الجواز
وكون المأخوذ من السوق محكوم بالتذكية تام ولا يكون في قباله ما يعارضه أو يقيده
بقيد.
الجهة الثانية : أنه هل المراد بالسوق
مطلق السوق بلا فرق بين كونه للمسلمين أو للكفار؟ الظاهر لزوم كونه للمسلمين لاحظ ما رواه فضيل وزرارة ومحمد
بن مسلم أنهم سألوا أبا جعفر عليهالسلام عن شراء اللحوم من الاسواق ولا يدرى ما صنع القصابون فقال
كل اذا كان ذلك في سوق المسلمين ولا تسأل عنه فان الحديث يدل بوضوح على اعتبار كون السوق للمسلمين مضافا
الى أنه ربما يختلج بالبال انصراف السوق الوارد في النصوص الى سوق المسلمين واما
اشتراط كونه للعارفين فلا دليل عليه وببيان واضح أن مقتضى الاطلاق كفاية السوق بلا
فرق بين انتسابه الى العارفين أو غيره وانما نلتزم بخروج سوق الكفار لأجل الحديث
المتقدم ذكره آنفا.
الجهة الثالثة : أنه لا خصوصية للسوق بما هو بل الميزان انتساب محل البيع والشراء الى المسلمين
فلا فرق بين السوق والشارع والزقاق الى غيرها والوجه فيه ان العرف يفهم من النصوص
محل المعاملة بلا خصوصية لعنوان السوق وان شئت
__________________
فقل ان هذا اللفظ
اشارة الى مطلق محل المعاملة والعرف ببابك.
الجهة الرابعة : أنه هل السوق بنفسه
امارة على التذكية أو أنه أمارة على كون البائع مسلما؟ وبعبارة اخرى هل يكون السوق أمارة على الأمارة أو يكون
أمارة مستقلة في قبال كون يد المسلم امارة ولهذا البحث أثر عملي اذ لو قلنا بكونه
امارة على الامارة لو علم اجمالا بعدم اسلام بعض أهل السوق وكان محل الابتلاء لا
يجوز ترتيب اثر المذكى على المأخوذ من السوق الا أن يقال لا مانع عن جريان حجية
السوق بالنسبة الى بعض الافراد مع البناء على ترك الطرف الاخر كما بنينا عليه
وقلنا انّه يجوز جريان الاصل في بعض أطراف العلم الإجمالي واما اذا قلنا بكونه
أمارة مستقلة فلا يكون العلم الإجمالي مضرا بل مقتضى الإطلاق والصناعة جواز ترتيب
الأثر على ما يؤخذ من السوق حتى مع العلم بكون البائع كافرا مع احتمال كون المأخوذ
منه مذكى.
والأنصاف أن
المستفاد من الدليل كون السوق بنفسه امارة ولا نضايق عن الالتزام بلازمه بعد وفاء
الدليل به.
الجهة الخامسة : ان السوق واعتباره من
حيث كونه أمارة في قبال بقية
الأمارات أو يكون اصلا من الاصول.
الانصاف أنه لا
يمكن الجزم باحد الطرفين والمقدار المستفاد من النصوص ان المأخوذ من السوق محكوم
بالتذكية ويمكن ان يقال أن الموضوع المأخوذ في اعتبار السوق الشك في التذكية فتكون
القاعدة أصلا من الأصول.
الجهة السادسة : أنه هل يقدم على معارضه
أم لا فنقول لا اشكال في
تقدمه على الاستصحاب إذ لو لم يقدم عليه لا يبقى له مورد وأما اذا عارضه البينة أو
خبر عدل واحد أو ثقة كذلك فما هي النتيجة.
الذي يختلج بالبال
في هذه العجالة ان نقول تقدم البينة عليه وكذلك الخبر
الواحد الذي يكون
حجة اذ الموضوع في اعتبار السوق الشك في التذكية وعدمها والحال ان البينة وكذلك
الخبر الواحد كاشفان عن الواقع فلا يبقى شك كي يؤخذ بأمارية السوق.
القاعدة السابعة عشرة
قاعدة لا شك في النوافل
من القواعد التي
وقعت مورد الكلام وتعرض لها بعض قاعدة لا شك في النافلة ويقع الكلام في المقام
أولا في بيان المراد من هذه الجملة وثانيا في دليل الحكم.
فنقول لا يبعد أن
يكون المراد من الجملة ان حكم الشك في الشك في النافلة انّه لا يترتب عليه فإن
الشك في الركعات له حكم خاص وذلك الحكم لا يترتب على الشك في النافلة وأما دليل
المدعى فما ذكر في المقام وجهان :
منها ما رواه محمد
بن مسلم عن أحدهما عليهماالسلام قال : سألته عن السهو في النافلة فقال ليس عليك شيء والظاهر من هذه الرواية أمّا أنه لا يترتب على السهو في
النافلة وجوب سجدتي السهو نظير ما ورد في عدة من النصوص بانه لا سهو في سهو.
ومنها ما رواه حفص
بن البختري عن عبد الله عليهالسلام في حديث قال : ليس على السهو سهو ولا على الاعادة إعادة ومنها ما رواه يونس عن رجل عن أبي عبد الله عليهالسلام ، في حديث قال لا سهو في سهو ومنها ما رواه ابراهيم بن هاشم
__________________
في نوادره عن أبي
عبد الله عليهالسلام ولا سهو في سهو أو المراد ان حكم السهو المترتب على السهو في الفريضة لا
يترتب على السهو في النافلة فلو زاد ركنا في النافلة سهوا لا يكون موجبا لبطلانها
وعليه لا يرتبط بالمقام أصلا.
ومنها ما ارسله
الكليني رحمهالله : انه اذا سها في النافلة بنى على الاقلّ والمستفاد من الحديث انه لو شك في النافلة بنى على الاقل
والمرسل لا اعتبار به.
ومنها ما رواه
العلاء عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : سألته عن الرجل يشك في الفجر قال يعيد قلت والمغرب
قال : نعم والوتر والجمعة من غير أن أسأله والمستفاد من الحديث ان الشك في الوتر يوجب بطلانه.
ومنها ما رواه
عبيد الله الحلبي قال : سألته عن رجل سها في ركعتين من النافلة فلم يجلس بينهما
حتى قام فركع في الثالثة فقال يدع ركعة ويجلس ويتشهّد ويسلّم ثم يستأنف الصلاة بعد
والمستفاد من الحديث ان النافلة لا تبطل بزيادة الركن ولا يرتبط بالمقام.
فالنتيجة أنّ
النصوص المشار إليها لا تفي بإثبات المدعى.
الوجه الثاني : الاجماع قال سيد المستمسك في ذيل كلام صاحب العروة السابع الشك في
ركعات النافلة سواء كانت ركعة كصلاة الوتر أو ركعتين كسائر النوافل أو رباعية
كصلاة الأعرابي فيتخير عند الشك بين البناء على الاقل أو الأكثر اتفاقا كما عن
صريح المعتبر والتذكرة وظاهر غيرهما وعن ظاهر الامالي أنه من دين الامامية الخ.
__________________
وقال في الحدائق
الظاهر أنه لا خلاف بين الاصحاب في التخيير في النافلة بين البناء على الاكثر
والاقل لو عرض له الشك فيها مع أفضلية البناء على الأقل ونقل عن المدارك انه قال
لا ريب في أفضلية البناء على الأقل لأنه المتيقن وقال المحقق الهمداني رحمهالله انه نقل الاجماع مستفيضا ان لم يكن متواترا على جواز
البناء على الاقل بل يكون افضل وقال في المستند في جملة كلام له وأما الثانيان
فوجوب البناء على الأكثر في الشك في الركعات وصلاة الاحتياط فلا يثبتان في النافلة
الى أن قال وبالإجماع المذكور يخرج في الحكمين عن الاصل المتقدم .
اضف الى ذلك ان
المسألة مورد الابتلاء فكيف يمكن أن يبقى حكمها مستورا فما يكون مورد الاجماع
والتسالم من عدم ايجاب الشك ، البطلان تاما ولا يكون قابلا للخدش وإن شئت فقل ليس
الاجماع المدعى في المقام كبقية الاجماعات التي تكون قابلة للنقاش فيها والله
العالم.
__________________
القاعدة الثامنة عشرة
قاعدة اعتبار الظن في الركعات
من القواعد التي
وقعت مورد البحث قاعدة ان الظن في الركعات بحكم العلم والكلام في هذه القاعدة يقع
تارة بالنسبة الى الركعتين الاخيرتين واخرى بالنسبة الى الاوليين فهنا فرعان :
أما الفرع الأول
فالظاهر عدم الخلاف فيه الا من ابن ادريس على ما نقل عنه والعمدة النصوص الواردة
في المقام منها ما رواه صفوان عن أبي الحسن عليهالسلام قال : ان كنت لا تدري كم صليت ولم يقع وهمك على شيء فاعد
الصلاة وهذه الرواية من حيث الدلالة على المدعى لا اشكال فيها
انما الاشكال في سندها فان محمد بن خالد مورد الكلام والاشكال ولكن انا بنينا على
اعتبار توثيق المتأخرين والعلامة وثق الرجل مضافا الى توثيق الشيخ ايّاه وقال
النجاشي أنه ضعيف الحديث وقال الحر قدسسره وتضعيف النجاشي لحديثه بمعنى انه كثيرا ما يروى عن الضعفاء
فلا يلزم ضعفه ولا ضعف حديثه الذي يرويه عن الثقات.
أقول : الانصاف
أنه لا مجال للنقاش في اعتبار حديثه وكلام النجاشي لا يدل على عدم كونه ثقة مضافا
الى توثيق الشيخ ايّاه فالحق ان الحديث تام سندا ولا يعارض بحديث محمد بن مسلم قال
: انّما السهو بين الثلاث والاربع وفي الاثنتين
__________________
وفي الأربع بتلك
المنزلة ومن سها فلم يدر ثلاثا صلى أم اربعا واعتدل شكّه قال يقوم فيتم ثم يجلس
فيتشهد ويسلّم ويصلي ركعتين واربع سجدات وهو جالس فان كان أكثر وهمه الى الأربع
تشهد وسلّم ثم قرأ فاتحة الكتاب وركع وسجد ثم قرأ فسجد سجدتين وتشهد وسلّم وإن كان
أكثر وهمه اثنتين نهض فصلى ركعتين وتشهد وسلّم .
فان نسبة الحديث
الى الإمام عليهالسلام غير معلوم ومن الممكن ان اجتهاد ابن مسلم كذلك كما أنه لا
يعارضه ما عن ابي بصير انه روى فيمن لم يدر ثلاثا صلى أم اربعا إن كان ذهب وهمك
الى الرابعة فصلّ ركعتين واربع سجدات جالسا فإن كنت صليت ثلاثا كانتا هاتان تمام
صلاتك وإن كنت صليت أربعا كانتا هاتان نافلة لك فان الحديث مرسل.
ومنها النبوي :
اذا شك احدكم في الصلاة فلينظر أحرى ذلك الى الصواب فليبن عليه والحديث لا اعتبار به سندا كما هو ظاهر.
ومنها النبوي أيضا
: اذا شك أحدكم في الصلاة فليتحرّ الصواب ومنها ما رواه عبد الرحمن بن سيّابة وأبو العباس جميعا عن
أبي عبد الله عليهالسلام قال : اذا لم تدر ثلاثا صليت أو أربعا ووقع رأيك على
الثلاث فابن على الثلاث وإن وقع رأيك على الأربع فسلّم وانصرف وان اعتدل وهمك
فانصرف وصلّ ركعتين وأنت جالس والحديث تام سندا ودلالة على المدعى في الجملة.
__________________
ومنها ما رواه
الحلبي عن أبي عبد الله عليهالسلام أنه قال : اذا لم تدر اثنتين صليت أم اربعا ولم يذهب وهمك
الى شيء فتشهد وسلّم ثم صلّ ركعتين وأربع سجدات تقرأ فيهما بامّ الكتاب ثم تشهد
وتسلّم فان كنت انما صليت ركعتين كانتا هاتان تمام الأربع وإن كنت صلّيت اربعا
كانتا هاتان نافلة .
وفي المقام حديث
رواه أبو بصير قال : سألته عن رجل صلّى فلم يدر أفي الثالثة هو أم في الرابعة قال
: فما ذهب وهمه إليه ان رأى أنه في الثالثة وفي قلبه من الرابعة شيء سلّم بينه
وبين نفسه ثم صلى ركعتين يقرأ فيهما بفاتحة الكتاب وهذه الرواية تعارض حديث البقباق وحيث لا مرجح ولا يميز
الأحدث يكون المرجع حديث صفوان فالنتيجة أن الظن في الركعات معتبر بلا فرق بين
الركعتين الاخيرتين أو الاوليين وبلا فرق بين الصلوات الواجبة والمندوبة.
إن قلت المستفاد
من حديث زرارة بن أعين قال : قال أبو جعفر عليهالسلام كان الذي فرض الله تعالى على العباد عشر ركعات وفيهنّ
القراءة وليس فيهن وهم يعني سهوا فزاد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم سبعا وفيهنّ الوهم وليس فيهنّ قراءة فمن شك في الأوليين أعاد
حتى يحفظ ويكون على يقين ومن شك في الأخيرتين عمل بالوهم وجوب الاعادة الّا مع الحفظ واليقين بالاتيان بالأوليين
فكيف يكفي الظن.
قلت : اليقين
والحفظ في تلك الرواية أخذا من حيث الطريقية لا من حيث كونهما صفة نفسانية ولذا
يقوم مقامهما الامارات بل الأصول التنزيلية والمفروض
__________________
أن الظن في باب
الركعات معتبر عند الشارع وأمارة فلا اشكال هذا تمام الكلام في الفرع الأول.
وأما الفرع الثاني
: فقد ظهر حكمه مما تقدم في الفرع الأول ولا وجه للإعادة وخلاصة الكلام أن مقتضى
حديث صفوان اعتبار الظن في جميع الصلوات وفي جميع الركعات فلاحظ.
هذا كله في الظن
في الركعات وأما الظن المتعلق بالافعال فالظاهر عدم اعتباره ولا بد من العمل على
طبق القواعد إذ الظن في حد نفسه لا يكون حجة وانما خرجنا عن الأصل الأولي وقلنا
باعتباره فيما يتعلق بالركعات للنص الخاص واما الظن المتعلق بالأفعال فلا دليل على
اعتباره فالنتيجة ان حكمه حكم الشك.
وربما يقال بأن
الظن بالأفعال معتبر كالظن بالركعات واستدل على المدعى بالشهرة وبالنبوي اذا شك
أحدكم في الصلاة فلينظر احرى ذلك الى الصواب فليبن عليه ، وانه لو كان معتبرا في الركعات يكون معتبرا في الأفعال
بالاولوية.
ويرد عليه بان
الشهرة لا اعتبار بها كما ان النبوي غير معتبر واما الأولوية فهي ممنوعة فان الأمور
الشرعية تعبدية ولا مجال لهذه التقريبات فيها.
بقي شيء وهو أنه
لو ظن بزيادة ركعة أو أزيد في النافلة فهل تكون النتيجة هو البطلان أم لا الحق هو
الثاني اذ المستفاد من النص عدم البطلان النافلة بالزيادة السهوية لاحظ حديثي ابن
مسلم والحلبي فلو ظن بالزيادة فبمقتضى اعتبار الظن تتحقق الزيادة
وبمقتضى الحديثين المشار اليهما يحكم عليهما بالصحة.
__________________
القاعدة التاسعة عشرة
قاعدة لا شك لكثير الشك
من القواعد التي
وقعت محل كلام الأصحاب قاعدة أنه لا شك لكثير الشك ويقع الكلام حول هذه القاعدة في
جهات :
الجهة الأولى : فيما يمكن ان يستدل به
عليها والظاهر أنه يمكن
ان يستدل عليها بوجهين :
الوجه الأول : الشهرة بين الأصحاب بحيث يكون انكارها خروجا عن جادة الصواب
وانحرافا عن الحق.
الوجه الثاني : جملة من النصوص.
منها ما رواه
زرارة وأبو بصير قالا قلنا له : الرجل يشك كثيرا في صلاته حتى لا يدري كم صلّى ولا
ما بقي عليه قال يعيد قلنا فانه يكثر عليه ذلك كلّما أعاد شك قال يمضي في شكه ثم
قال لا تعوّدوا الخبيث من أنفسكم نقض الصلاة فتطمعوه فإن الشيطان خبيث معتاد لما
عوّد فليمض أحدكم في الوهم ولا يكثرنّ نقض الصلاة فانه اذا فعل ذلك مرّات لم يعد
اليه الشك قال زرارة ثم قال انما يريد الخبيث ان يطاع فاذا عصي لم يعد الى احدكم وهذه الرواية تامة سندا واما من حيث المدلول فقد اورد فيها
بان صدرها يناقض ذيلها
__________________
اذ قد فرض السائل
في الصدر كثرة الشك ومع ذلك أجاب عليهالسلام بوجوب الاعادة والاعتناء به وفي الذيل أمر بالغاء الشك
الكثير فكيف يمكن الجمع بينهما وأجاب عن الأشكال المحقق النراقي قدسسره في مستنده بان المراد من الصدر كثرة أطراف الشك أي لا يدري
صلى ركعة أو ركعتين أو ثلاثة أو أربعة والمراد بالذيل كثرة الأفراد والاستدلال على
المدعى بالذيل وان أبيت عما ذكر فلا أقل من أجمال الصدر فلا مانع عن الاستدلال
بالذيل على المدعى وسيدنا الاستاد نقل نظير البيان المذكور عن الحدائق ثم اورد
عليه بان الظاهر من الكلام توصيف الشك بالكثرة وكثرة الاطراف توجب كثرة اطراف الشك
لا كثرة افراده واجاب عن الاشكال بنحو آخر وهو ان الكثرة والقلة أمران اضافيان
ونسبيّان مثلا الخمسة كثيرة بالنسبة الى الواحدة وقليلة بالنسبة الى العشرين وهكذا
وعلى هذا الأساس نقول المراد بالكثير في الصدر الكثرة النسبية أي كثير بالنسبة الى
متعارف الناس والمراد بها في الذيل الكثر الذي يكون مورد الحكم الخاص وقد عين
وميّز في النص بمن لا تمر عليه ثالث صلوات الّا ويشك فيها.
أقول : يمكن أن
يقال ان الحديث المشار اليه يدل على المدعى حتى على القول بتناقض الصدر مع الذيل
والالتزام بإجماله.
والوجه فيه ان
التعليل الوارد في الذيل وهو قوله عليهالسلام فان الشيطان خبيث معتاد لما عوّد الى قوله فانه اذا فعل
ذلك مرات لم يعد اليه الشك دليل على المدعى إذ يفهم من العلة ان الميزان الكلي عدم
الاعتناء بما يكون سببه الشيطان والعلة تعمم وتخصص.
ومنها ما رواه
عمار عن أبي عبد الله عليهالسلام في الرجل يكثر عليه الوهم في الصلاة فيشكّ في الركوع فلا
يدري اركع أم لا ، ويشك في السجود فلا يدري أسجد أم لا فقال لا يسجد ولا يركع
ويمضي في صلاته حى يستيقن يقينا
الحديث والمستفاد من الحديث ان من يكثر شكه في الصلاة لا يعتني
بشكه.
ومنها ما رواه علي
بن أبي حمزة عن رجل صالح عليهالسلام قال : سألته عن الرجل يشك فلا يدري واحدة صلى أو اثنتين أو
ثلاثا أو أربعا تلتبس عليه صلاته قال : كل ذا؟ قال قلت نعم. قال : فليمض في صلاته
ويتعوّذ بالله من الشيطان فانه يوشك أن يذهب عنه .
الجهة الثانية : ان الوارد في جملة من
النصوص لفظ السهو ، منها ما رواه
محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليهالسلام قال : اذا كثر عليك السهو فامض على صلاتك فإنه يوشك ان
يدعك انما هو من الشيطان ومنها ما رواه ابن سنان عن غير واحد عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : اذا كثر عليك السهو فامض في صلاتك ومنها ما رواه محمد بن علي بن الحسين قال : قال الرضا عليهالسلام اذا كثر عليك السهو في الصلاة فامض على صلاتك ولا تعد والسهو لا يكون مرادفا للشك بل مباين معه فان الشاك ملتفت
ويتردد في الأمر واما الساهي فهو غافل قال الطريحي وفي الصحاح السهو الغفلة وقد
سهى عن الشيء فهو ساه وعلى هذا فبأيّ تقريب يمكن ان يقال ان المراد من السهو في
هذه النصوص هو الشك أو الأعم مع ان مقتضى أصالة الحقيقة حمل اللفظ على معناه
الحقيقي وإرادة المعنى المجازي من اللفظ يحتاج الى القرينة والقول بان لفظ السهو
استعمل في الشك بمقدار صار حقيقة في الشك مجازفة وادّعاء على خلاف الواقع.
__________________
إن قلت ان الأصحاب
فهموا من لفظ السهو في النصوص معناه المجازي أي الشك.
قلت : يرد على هذه
المقالة أولا انه ليس الاتفاق على ذلك بل نقل عن الشيخ وابن زهرة والحلبي وروض
الجنان والروضة والذخيرة وغيرهم حمل اللفظ على الاعم من الشك والغفلة بل نقل عن
بعض الأخباريين أنه المشهور وصاحب المستند بعد نقل الالتزام بحمل اللفظ على المعنى
الأعم من الشك من جملة من الأعاظم يقول وهو الحق هذا اولا وثانيا ان حمل الاصحاب
اللفظ على الاعم لا يقتضي القول به الا أن يرجع الأمر الى الاجماع الكاشف عن رأي
المعصوم عليهالسلام وهل يمكن ادعائه قال في المستند وبالجملة لم يثبت اتفاق
ولم يعلم من جهة اخرى إرادة الشك من السهو في هذه الروايات أصلا لا من حيث الخصوص
ولا من حيث العموم وبمجرد احتمالها وقول بعض أو طائفة لا ترفع اليد عن الحقيقة
اللغوية والعرفية المعلومتين الى ان قال ودعوى ان كثرة استعمال السهو في الشك بلغت
حدا لا يمكن حمله على احدهما بدون القرينة كما في البحار مدفوعة بالمنع الخ .
أقول : على فرض
صحة الدعوى ووصول النوبة الى الشك لا مجال للحمل على خصوص الشك فلا تكون النصوص
دليلا على جريان القاعدة في الشك بل لنا أن نقول لو فرض الشك في أنه هل بلغت حدا
لا يمكن الحمل على الحقيقة أم لا يكون مقتضى الاستصحاب عدم وصوله الى الحد
المذكور.
إن قلت كيف يمكن
حمل اللفظ على معناه اللغوي والحال أن مقتضاه ان كثير السهو لو سها وزاد ركنا أو
لم يأت بركن لا يكون موجبا لبطلان الصلاة ومرجعه الى عدم بطلان الصلاة بالزيادة
المعلومة والنقصان المعلوم ولو كانت الزيادة أو
__________________
النقيصة ركنية قلت
الضرورات تقدر بقدرها أي نرفع اليد عن الدليل والنص بالنسبة الى الأركان ونعمل بما
سواه وهذا ليس عزيزا فان مفاد لا تعاد كذلك أي يستفاد من حديث لا تعاد أن النقصان
والزيادة لا يوجبان البطلان في غير الأركان فالنتيجة ان الجزم بان المراد بالسهو
خصوص الشك مشكل.
وفي المراجعة
الأخيرة اختلج ببالي ان يقال لا بد من حمل لفظ السهو على الشك والوجه فيه ان من
النصوص المشار اليها الآمرة بالمضي في الصلاة ما عن أبي جعفر عليهالسلام والحكم رتّب على كثرة السهو ولا يعقل انّ المكلف يتوجه الى
كونه ساهيا حال السهو فلا بد من حمل لفظ السهو على الشك الا أن يقال لا يلزم
الالتفات حين السهو بل يكفى تحقق الموضوع وترتب الحكم عليه بعد زوال السهو مثلا
اذا دخل في السورة وألتفت انه لم يقرء الحمد سهوا يمضى في صلاته وهكذا فيقع
التعارض بين هذه الرواية وبين دليل لا تعاد والنسبة بين الطرفين عموم من وجه فلو
سها عن الركوع ولم يركع وبعد دخوله في السجود والتفت يكون الحديثان متعارضين وحيث
ان الاحدث غير معلوم اذ كلاهما مرويان عن الباقر عليهالسلام يسقطان وتصل النوبة الى القاعدة الاولية والنتيجة هو
البطلان والوجه فيما ذكرنا ان دليل عدم الاعتناء بالسهو اخذ في موضوعه كثرة السهو
فلا مجال للعمل بدليل عدم الاعتناء بالسهو وأيضا لو سها عن الحمد ودخل في السورة
فالتفت لا اشكال عندهم في وجوب التدارك فالنتيجة انه لا بد أما من حمل لفظ السهو
على الشك وأما رد علم الحديث الى أهله والله العالم.
ولا يخفى انه يكفي
لإثبات المدعى في المقام النصوص المذكورة فيها عنوان الشك لاحظ أحاديث زرارة وأبو
بصير وعلي بن ابي حمزة وعمّار وعلى هذا
__________________
يمكن بحسب الصناعة
الالتزام بجريان القاعدة في السهو الّا فيما قامت الضرورة على خلافه.
إن قلت ان التعليل
في الحديث انما هو من الشيطان يناسب ان يكون المراد من السهو الشك قلت ليس الامر
كذلك فان السهو أيضا يمكن ان يكون من الشيطان قال الله سبحانه (وَإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ
فِي آياتِنا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا
يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرى مَعَ الْقَوْمِ
الظَّالِمِينَ).
وقال أيضا (وَما أَنْسانِيهُ إِلَّا الشَّيْطانُ
أَنْ أَذْكُرَهُ) ويؤيّد المدعى انه قال في الحدائق والظاهر عندي هو العموم
لأن اخبار المسألة منها ما ورد بلفظ الشك ومنها ما ورد بلفظ السهو والقول بالعموم
جامع للعمل بالأخبار كملا واما التخصيص بالشك فيحتاج الى التأويل في أخبار السهو
بالحمل على الشك وإخراجه عن ظاهر حقيقته اللغوية التي هي النسيان وهو يحتاج الى
دليل مع انه لا ضرورة تلجأ اليه الى ان قال وممن وافقنا في المقام الفاضل
الخراساني في الذخيرة مع اقتفائه أثر صاحب المدارك غالبا فقال : (واعلم ان ظاهر
عبارات كثير من الأصحاب التسوية بين الشك والسهو في عدم الالتفات اليهما بل شمول
الحكم للسهو في كلامهم اظهر وهو ظاهر النصوص) .
الجهة الثالثة : أنه هل تختص القاعدة
بالشك في الصلاة أو تعم المقدمات
أو تعم غير الصلاة من بقية العبادات بل تعم المعاملات بالمعنى الأخص والاعم.
الانصاف أن القول
بالعموم مستندا الى أن العلة تعمم وتخصص لا يكون جزافا
__________________
بل يكون حقا
وموافقا مع الصناعة والاشكال في التقريب المذكور بان العلة المذكورة في ذيل حديث
زرارة وأبي بصير اشارة الى الحكمة لا بيان للعلة مردود بانه مجازفة واذا لم تكن
الجملات المذكورة في كلامه عليهالسلام علة فأين توجد العلة ويؤيد المدعى حديث عبد الله بن سنان
قال : ذكرت لأبي عبد الله عليهالسلام رجلا مبتلى بالوضوء والصلاة وقلت هو رجل عاقل فقال ابو عبد
الله عليهالسلام وأيّ عقل له وهو يطيع الشيطان فقلت له وكيف يطيع الشيطان
فقال سله هذا الذي يأتيه من أيّ شيء هو فانه يقول لك من عمل الشيطان فانه يستفاد من الحديث ان المسبب من عمل الشيطان غير قابل
للاعتناء بشأنه بل الحديث بنفسه كاف للقول بعمومية القاعدة وان المسبب من عمل
الشيطان ساقط هذا من ناحية ومن ناحية اخرى قد علم من حديث زرارة وأبي بصير ان كثرة
الشك من الشيطان فلا وجه للتأمل في عمومية الحكم.
ان قلت سلمنا
العموم والاطلاق لكن لا بد من تخصيص الحكم بمرسلة الصدوق اذ بمفهوم الشرط لا بد من الاعتناء اذا كان الشك في غير
الصلاة قلت المرسل لا اعتبار به مضافا الى أن المذكور في المرسل عنوان السهو
وكلامنا في الشك فلاحظ.
الجهة الرابعة : أنه هل تختص القاعدة
بمورد يكون الشك من الشيطان أو تعم صورة ما يكون الشك ناشئا من عارض مزاجي وروحي.
يمكن أن يقال أن
المستفاد من التعليل ان الحكم دائر مدار وجود العلة وعدمها فتكون النتيجة انه لو
لم يكن مسببا عن الشيطان يلزم ان يعمل على طبق القاعدة
__________________
والصناعة ولقائل أن
يقول انه اذا كان الامر كذلك يلزم عدم العمل بالقاعدة عند الشك في أنه من الشيطان
أو من غيره اذ مقتضى الأصل انه ليس من الشيطان فلا تجري القاعدة ولا يعارض بأصالة
عدم كونه من سبب آخر اذ أنه من المثبت الذي لا نقول به.
والذي يختلج
بالبال في هذه العجالة ان يقال ان المستفاد من النص ان كثرة الشك لا اعتبار بها
فانها من الشيطان هذا من ناحية ومن ناحية أخرى انه كيف يمكن القطع بانه ليس من
الشيطان والحال ان الشيطان عدو للإنسان وينتظر الفرصة.
وفي كل وقت وفي كل
مكان في مقام الايذاء وايجاد الوسوسة في الإنسان فان شئت فقل قد صرح الشارع الأقدس
ولو بنحو الحكومة والتنزيل ان كثرة الشك من الشيطان فكيف يمكن القطع بعدمه وببيان
أوضح ان العلة المذكورة في النص لا تكون علة تكوينية كعلية الإسكار لحرمة الخمر كي
يدور الحكم بالحرمة مدارة بل تكون علة تعبدية أي الشارع يحكم بكون علة كثرة الشك الشيطان
فالحق عموم الحكم فالنتيجة انه لا يكون اجمال في المخصص كي يقال اذا كان المخصص
المنفصل مجملا ودار أمره بين الأقل والأكثر يؤخذ بالعام بالنسبة الى الأكثر.
الجهة الخامسة : ان المرجع في صدق كثرة
الشك العرف فان العرف محكم في
باب الظهورات والمقام من مصاديق تلك الكبرى.
ان قلت ان الأمر
وإن كان كذلك في حد نفسه ولكن يستفاد من حديث محمد بن أبي حمزة ان الصادق عليهالسلام قال اذا كان الرجل من يسهو في كل ثلاث فهو
ممن كثر عليه
السهو خلافه فان الحديث حدد المفهوم أي مفهوم كثير الشك بأن يشك في كل ثلاث وبمقتضى
مفهوم الشرط ينتفي الحكم عن غيره قلت ليس الامر كذلك فإن المستفاد من الحديث بحسب
الفهم العرفي ان من يكون كذلك داخل في موضوع الحكم شرعا ولا ينفي عن غيره لكن لك
أن تقول المفروض ان الشرطية بمفهومها تنفي الحكم عن غير موردها مضافا الى ان
الحديث راجع الى السهو وكلامنا في الشك فلاحظ.
الجهة السادسة : أنه هل يكون كثير الظن
ككثير الشك ومحكوما بحكمه أم
لا؟ قال في المستند كثير الظن مثل كثير الشك وأستدل على مدعاه بأن الشك خلاف
اليقين.
أقول : كلمات أهل
الأدب في المقام مختلفة فإن المستفاد من الطريحي والخليل والمنجد أن الشك خلاف اليقين
وأما الراغب فقال في مفرداته الشك اعتدال النقيضين عند الإنسان فيتردد الأمر بين
القولين ومقتضى الأصل عدم سعة المفهوم ولا يعارض الاصل المذكور باصالة عدم ضيقه
لعدم اعتبار الأصل المثبت والاحتياط طريق النجاة.
الجهة السابعة : أنه هل القاعدة تختص
بمورد الكثرة فلو كان كثير الشك
في الركوع يختص الحكم بمورده أم لا؟ ربما يقال بالعموم بتقريب ان المستفاد من النص
ان كثير الشك لا يعتني بشكه والمفروض ان مثله كثير الشك فيلزم عليه ان لا يعتني
ولو في غير ما يكون مورد كثرة شكه.
والذي يختلج
بالبال ان يقال ان الحكم مختص بذلك المورد بالخصوص والوجه فيه أولا انصراف الدليل
اليه ولا يكون الانصراف المدعى بدويا يزول بالتأمل
__________________
وثانيا ان
المستفاد من النص ان الكثرة من الشيطان ومن الظاهر ان هذه العلة تختص بذلك المورد
الخاص فلا وجه للتعدي الى غيره نعم اذا كان كثير الشك بلا اختصاص شكه بمورد خاص
بحيث يصدق عليه انه كثير الشك على نحو الإطلاق يشمله الحكم في كل شك يعرضه وأما
اذا كان شكه مختصا بمورد خاص لا يصدق عليه العنوان على الإطلاق مثلا اذا كان شخص
شكاكا بالنسبة الى جماعة خاصة من الناس لا يصدق ان يقال فلان شكاك بالنسبة الى جنس
الاناسي وهذا العرف ببابك وإن أبيت فلا أقل من عدم الجزم بالاطلاق والنتيجة هي
النتيجة.
الجهة الثامنة : انه لو لم يعتن بشكه
وظهر بعد ذلك الخلل في صلاته بزيادة أو نقيصة جرى عليه حكمه فان كان قابلا للتدارك تداركه بالاداء أو
القضاء وان لم يكن قابلا له وكان زيادته أو نقصانه موجبا لبطلان يبطل العمل وان لم
يكن كذلك وكان قابلا للعفو لحديث لا تعاد يحكم به وعلى الجملة لا يترتب أثر على
القاعدة بعد انكشاف الخلاف والوجه فيه ان المستفاد من القاعدة حكم ظاهري والواقع
على حاله وقد ثبت في محله ان المأتي به بالحكم الظاهري لا يكون مجزيا عن المأمور
به بالأمر الواقعي.
الجهة التاسعة : أنه هل الأمر بالمضي
وعدم الاعتناء بالشك رخصة أو عزيمة وقع الخلاف بين الأصحاب فعن الأردبيلي التخيير بين الاعتناء وتركه وقد ذكر
لهذا المدعى وجهان أحدهما ان مقتضى حديث زرارة وأبي بصير التخيير فان الجمع بين الصدر والذيل يقتضي ذلك بتقريب انه
حكم عليهالسلام في الصدر بوجوب الاعتناء وفي الذيل أمر بعدمه.
وفيه أنه قد مر
الكلام حول الحديث ونقلنا طريق الجمع بين الصدر والذيل
__________________
وعلى تقدير عدم
امكان الجمع تكون النتيجة هو الاجمال.
ثانيهما : ان
الامر بالمضي واقع مقام توهم الحظر فيدل على الجواز فتكون النتيجة التخيير.
وفيه ان الأمر
بالمضي لا يكون مولويا كي يقال انه واقع موقع توهم الحظر بل يكون ارشادا الى
اكتفاء الشارع به.
وبعبارة واضحة ان
الأمر بالمضي ارشاد الى ان الشك كعدمه اذا عرفت ما تقدم نقول الاعتناء بالشك تارة
يوجب بطلان العمل بحسب الظاهر وأخرى لا أما على الاول فلا يجوز واما اذا لم يكن
كذلك كما لو شك في الاتيان بالركوع وعدمه يجوز ان يأتي به في صلاة معادة رجاء نعم
لا يجوز ان يأتي بالمشكوك فيه يقصد الجزئية في الصلاة اذ يكون تشريعا.
إن قلت ان الامام عليهالسلام في ذيل حديث زرارة وأبي بصير نهى وقال لا تعوّدوا الخبيث
نقض الصلاة فان المستفاد من الحديث حرمة العمل بالاحتياط قلت المستفاد من الحديث
حرمة نقض الصلاة لا حرمة الاحتياط اي اعادة الصلاة مثلا وكم فرق بين المقامين وحيث
انجرّ الكلام الى هنا يناسب ان نتعرض لحكم العمل الصادر عن الوسواس وانه هل يكون
حراما أم لا والذي يختلج بالبال ان يقال المستفاد من حديث زرارة وأبي بصير ان ترك
المضى والاعتناء بالشك حرام فانه عليهالسلام قال لا تعودوا الخبيث نقض الصلاة ومعنى نقض الصلاة عدم
المضي والاعتناء بالشك وجعل الصلاة باطلة وهذا حرام بمقتضى النهي وقال سيدنا
الاستاد قدسسره هذا النهي ارشادي ويؤيد المدعى تعليل الحكم في كلام الامام
عليهالسلام بانه يريد الخبيث ان يطاع الخ .
__________________
ويرد عليه أنه لا
وجه لرفع اليد عن ظهور النهي في المولوية وحمله على الارشاد ومجرد تعليل حكم بعلة
لا يكون دليلا على كون ذلك الحكم ارشادا والّا يلزم انه لو قال لا تشرب الخمر لأنه
مسكر نقول النهي عن شرب الخمر ارشادي وهل يمكن القول به وهل هو يرضى بهذه الكلية
وهل الحال كذلك عند الاصحاب والحال أن في كثير من المقامات يستفاد عموم الحكم من
ذكر العلة لاحظ قوله عليهالسلام في تزويج العبد بلا أذن مولاه قال عليهالسلام قريب من هذا المضمون أنه لم يعص الله وانما عصى سيده فاذا
أجاز جاز وبعموم العلة حكمنا بصحة كل فضولي مع اجازة من بيده الامر فكما تقدم الحق
ان يقال كلما صدق عليه عنوان الاعتناء وعدم المضي وترتيب الأثر على الشك فهو حرام
واما اذا فرضنا أنه لم يعتن بالشك ولكن أتى بالعمل ثانيا فهل يكون حراما الظاهر
أنه لا وجه لحرمته اذ الحرام الامساك عن المضي واتمام العمل وقد فرض المضي
والإتمام.
إن قلت الاتيان
بالعمل ثانيا يكون اعتناءا بالشك فيكون حراما قلت العمل الثاني اعتناء باحتمال
المطلوبية الواقعية اذ من الظاهر أن الحكم الواقعي لا يتغير بكثرة الشك كما تقدم
وهذا نظير من صلى وبعد الفراغ شك في أنه كان متطهرا أم لا لا اشكال في أن مقتضى
قاعدة الفراغ الحكم بالصحة وعدم وجوب الإعادة ولكن مع ذلك لا مانع عن الاحتياط
بتحصيل الطهارة وإعادة الصلاة بل الإعادة موافقة مع ميزان التقوى والاهتمام بالأمر
الشرعي.
بقي شيء وهو أنه
لو كان في الصلاة وشك في الإتيان بالسورة مثلا وأتى بها رجاء هل تفسد صلاته أم لا
الظاهر أنها لا تفسد إذ لم يقصد الجزئية كي تفسد بالزيادة ومن ناحية أخرى لا تكون
السورة كلاما آدميا كي توجب فساد الصلاة فلا وجه للبطلان والله العالم بحقائق
الأمور.
بل لنا أن نقول
أنه لا وجه للبطلان ولا مقتضي له اذ لا يبعد بل يقرب ان يقال انّ
المستفاد من
الحديث الإرشاد الى ما هو الصلاح وإن شئت فقل حيث ان الحمل على المولوية يستلزم
تغير الواقع عما هو عليه وهو مقطوع الخلاف فيحمل الكلام على الارشاد اللهم الا أن
يقال لا يتم التقريب المذكور الّا على الالتزام بتغير الواقع ولا مقتضي للالتزام
به فلاحظ.
الجهة العاشرة : أنه لو شك في صيرورته
كثير الشكأو شك في صيرورته
شخصا عاديا يحكم بعدمه في الأول وبقائه في الثاني للاستصحاب هذا في الشبهة
الموضوعية وأما اذا كان منشأ الشك الشبهة المفهومية فعلى ما ذكرنا من جريان
الاستصحاب فيها يكون مثل الشبهة الموضوعية ويعمل على طبق الحالة السابقة
بالاستصحاب وأما على القول بعدم جريان الاستصحاب فيها فيدخل المقام تحت كبرى أنه
لو دار أمر المخصص بين الأقل والأكل نقتصر في العمل بالمخصص في اطار الأقل
وبالنسبة الى الأكثر يرجع الى العام وفي النتيجة يظهر الاختلاف بين مسلكنا وذلك
المسلك في التقريب واما النتيجة فهي واحدة.
الجهة الحادية عشرة : انّ الميزان في
عدم الاعتناء أنه لو كان أحد طرفي الشك اقتضائيا دون الآخر بنى على غير الاقتضائي وبعبارة أخرى المراد البناء على الصحة والتمامية أي البناء
على الاتيان فيما يكون لازما والبناء على عدمه فيما يكون مفسدا والوجه فيه ظهور
الدليل فيما ذكر بحسب الفهم العرفي هذا تمام الكلام في الشك ويمكن القول بعدم
الاعتناء بالنسبة الى كثير السهو للنص الوارد فيه لاحظ ما رواه محمد بن مسلم وما رواه ابن سنان ومقتضى الظهور انه لا بد من عدم الاعتناء بالخلل الناشي عن
كثرة السهو الّا أن يقوم اجماع تعبدي كاشف عن رأي المعصوم عليهالسلام على خلافه وأنّى لنا بذلك قال في المستند والإجماع المدعى
ممنوع وان
__________________
كان في البحار
مذكورا كيف مع أنّ الواقع في كلام كثير من الأصحاب أنه لا حكم للسهو مع الكثرة
وأرادتهم ما ذكرناه منه محتملة بل ظاهرة ونقل عن صاحب الحدائق انتفاء جميع احكام
السهو عنه أيضا كما في الشك.
ثم أنه هل يمكن
الاستدلال بدليل كثرة السهو على حكم كثير الشك بتقريب ان العلة تعمم أم لا الحق هو
الثاني والوجه فيه ان اسراء الحكم من السهو الى الشك يتوقف على إحراز كون الشك
الكثير من الشيطان ولا طريق الى إحرازه الا من دليل سقوط شك كثير الشك ومع ملاحظة
ذلك الدليل لا تصل النوبة الى الاستدلال في حكم كثير الشك بدليل كثير السهو وان
شئت فقل انه من تحصيل الحاصل فإن دليل كثير الشك بنفسه كاف وواف لإثبات المطلوب
ولا يخفى أنه كيف يمكن الالتزام بمقتضى قاعدة كثرة السهو والحال أن لازمه أنّه لو
دخل في السجود وعلم بعدم الالتزام بالركوع أو علم بتكراره تكون صلاته تامة وهل
يمكن الالتزام به والله العالم.
القاعدة العشرون
قاعدة الاتلاف
ويقع الكلام في
هذه القاعدة من جهات :
الجهة الأولى : فيما ذكر أو يمكن ان
يذكر في دليل القاعدة وهو وجوه :
الوجه
الأول : قوله تعالى : (فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا
عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ) بتقريب ان اتلاف مال الغير بدون رضاه اعتداء بالنسبة الى
ذلك الغير فيجوز الاعتداء على المعتدى عليه بالمثل فتدل الآية دلالة واضحة على ان
من اتلف مال الغير فهو له ضامن ونقل هذه المقالة والاستدلال عن الشيخ في المبسوط
وعن ابن ادريس في السرائر.
ويرد عليه اولا أن
اتلاف مال الغير بدون أذنه اعم من الاعتداء اذ يمكن أن يكون المتلف نائما أو غافلا
وأتلف مال الغير ولا يكون في مقام الاعتداء والحال أنّ الضمان لا يتوقف على
الإتلاف العدواني بل الإتلاف يوجب الضمان على الإطلاق وثانيا انّ الظاهر من الكلام
انّ المولى بصدد بيان الحكم التكليفي وانه يجوز المكافاة بالمثل ولا ترتبط الآية
الشريفة بالحكم الوضعي الذي هو محل الكلام ويدل على ما ذكرناه ما رواه معاوية بن
عمّار قال : سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن رجل قتل رجلا في الحل ثم دخل الحرم فقال لا يقتل ولا
يطعم ولا يسقى ولا يبايع ولا يؤوى
__________________
حتى يخرج من الحرم
فيقام عليه الحد قال قلت فما تقول في رجل قتل في الحرم أو سرق قال يقام عليه الحد
في الحرم لأنه لم ير للحرم حرمة وقد قال الله عزوجل (فَمَنِ اعْتَدى
عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ) فقال هذا هو في الحرم فقال (فَلا عُدْوانَ إِلَّا
عَلَى الظَّالِمِينَ) فإن المستفاد من الحديث جواز المكافاة بمثل اعتداء الظالم
فلا يدل الحديث على الحكم الوضعي بل يدل على الحكم التكليفي كما انه يدل على
الجواز بالنسبة الى من يكون ظالما حيث قال عليهالسلام في ذيل الحديث (فَلا عُدْوانَ إِلَّا
عَلَى الظَّالِمِينَ) وفي النتيجة لا تدل الآية على المدعى.
الوجه الثاني : السيرة العقلائية فإنّها
جارية وسارية على الحكم
بضمان من يتلف مال الغير بلا رضاه واذنه ولم يردع من قبل الشرع هذه السيرة وذكرنا
كرارا ان الشارع ليس له طريق ومسلك خاص بالنسبة الى الأمور الاجتماعية الجارية بين
الناس الّا فيما ينبّه عليه ويقيم دليلا على خلاف ما يكون جاريا بين العقلاء.
الوجه الثالث : سيرة المتشرعة بما هم كذلك فأنهم يرون ان الوظيفة الشرعية الضمان ويهتمون
بها وارتكازهم مستقر عليه.
الوجه الرابع : الإجماع المدعى في المقام
ويرد فيه بان المنقول منه
غير حجة والمحصل منه على فرض حصوله محتمل المدرك إن لم يكن مقطوعه.
الوجه الخامس : جملة من الروايات منها ما رواه حمران عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : سئل عن رجل تزوج جارية بكرا لم تدرك فلما دخل بها
اقتضها فافضاها فقال ان كان دخل بها حين دخل بها ولها تسع سنين فلا شيء عليه وإن
كانت لم تبلغ تسع سنين أو كان لها أقلّ من ذلك بقليل حين دخل بها فاقتضها فانه
__________________
قد افسدها وعطّلها
على الازواج فعلى الامام أن يغرمه ديتها وان أمسكها ولم يطلقها حتى تموت فلا شيء
عليه فان قوله عليهالسلام فإنه قد أفسدها وعطلها على الأزواج بمنزلة علة الحكم
وتوطئة له وعموم العلة يقتضي عموم الحكم الّا أن يقال قد عطف قوله عليهالسلام وعطلها على الأزواج على قوله أفسدها فيكون المجموع علة
للتغريم فلا يستفاد من الحديث ان مجرد الافساد والاتلاف يوجب الضمان والغرامة.
ومنها ما رواه
سدير عن أبي جعفر عليهالسلام في الرجل يأتي البهيمة قال يجلد دون الحد ويغرم قيمة
البهيمة لصاحبها لأنه افسدها عليه وتذبح وتحرق ان كانت مما يؤكل لحمه وإن كانت مما
يركب ظهره غرم قيمتها وجلد دون الحد واخرجها من المدينة التي فعل بها فيها الى
بلاد اخرى حيث لا تعرف فيبيعها فيها كيلا يعيّر بها صاحبها فانه عليهالسلام قد علل التغريم بافساد البهيمة على صاحبها والعلة تعمم
الحكم.
لكن الاشكال في
السند فان سدير لم يوثق وانما نقل مدحه عن الكشي.
ومنها ما رواه
الحلبي عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : سألته عن المملوك بين شركاء فيعتق احدهم نصيبه فقال
ان ذلك فساد على أصحابه فلا يستطيعون بيعه ولا مؤاجرته فقال يقوّم قيمة فيجعل على
الذي اعتقه عقوبة وانما جعل ذلك عليه لما أفسده فان الحكم في كلامه عليهالسلام قد علّل بالافساد والعلة تعمم.
ومنها النصوص
الدالة على ان حرمة مال المسلم كحرمة دمه منها ما رواه أبو بصير عن أبي جعفر عليهالسلام قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم سباب المؤمن فسوق
__________________
وقتاله كفر وأكل
لحمه معصية لله وحرمة ماله كحرمة دمه ومنها ما رواه أبو ذرّ عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم في وصية قال يا أبا ذرّ ايّاك والغيبة فان الغيبة اشدّ من
الزنا ... الى أن قال يا أبا ذرّ سباب المسلم فسوق وقتاله كفر وأكل لحمه من معاصي
الله وحرمة ماله كحرمة دمه الحديث ومنها ما في دعائم الإسلام قال : روينا عن أبي عبد
الله عن أبيه عن آبائه عن أمير المؤمنين عليهمالسلام ان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم خطب يوم النحر بمنى الى أن قال : ثم قال ايّ يوم اعظم حرمة
قالوا : هذا اليوم يا رسول الله الى أن قال : فان حرمة اموالكم عليكم وحرمة دمائكم
كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا الحديث .
ومنها ما فيه أيضا
عن أبي عبد الله عليهالسلام انه قال في حديث فمن نال من رجل مسلم شيئا من عرض أو مال
وجب عليه الاستحلال من ذلك والتنصّل من كل ما كان منه اليه وإن كان قد مات
فليتنصّل من المال الى ورثته الى أن قال ثم قال : ولست آخذ بتأويل الوعيد في أموال
الناس ولكنّي أرى ان يؤدّى اليهم ان كانت قائمة في يدي من اغتصبها ويتنصّل اليهم
منها وان فوّتها المغتصب اعطى العوض منها فان لم يعرف أهلها تصدق بها عنهم على
الفقراء والمساكين وتاب الى الله عزوجل مما فعل .
ومنها ما عن صاحب
الزمان عليهالسلام قال : لا يحل لأحد أن يتصرف في مال غيره بغير إذنه بتقريب ان المستفاد من هذه الطائفة ان مال المسلم أو
المؤمن
__________________
محترم كحرمة نفسه
فكما ان قتل نفسه يوجبا لضمان ولو مع عدم العمد كذلك يكون اتلاف ماله موجبا
للضمان.
الوجه السادس : انه لا اشكال في ضمان من غصب مال الغير مدة أعم من ان ينتفع به أولا كما
لو غصب فرس زيد شهرا ولم يركبه فانه لا اشكال في السيرة العقلائية وعند المتشرعة
أنّه ضامن للمنفعة الفائتة ولا بدّ من غرامة تلك المنفعة في تلك المدة فاذا كان
الأمر في اتلاف المنفعة مع بقاء العين بحالها كذلك فلا وجه للتوقف في الضمان
بالنسبة الى المقام.
الوجه السابع : جملة من النصوص الواردة في بعض أبواب موجبات الضمان منها ما رواه زرارة عن
أبي عبد الله عليهالسلام قال : قلت له رجل حفر بئرا في غير ملكه فمرّ عليها رجل
فوقع فيها فقال عليه الضمان لأنّ كل من حفر في غير ملكه كان عليه الضمان ومنها ما رواه أبو الصباح الكناني قال : قال أبو عبد الله عليهالسلام من اضرّ بشيء من طريق المسلمين فهو له ضامن ومنها ما رواه سماعة قال : سألته عن الرجل يحفر البئر في
داره أو في أرضه فقال أما ما حفر في ملكه فليس عليه ضمان وأما ما حفر في الطريق أو
في غير ما يملك فهو ضامن لما يسقط فيه ومنها ما رواه الحلبي عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : سألته عن الشيء يوضع على الطريق فتمر الدابة فتعقره
بصاحبها فتقره فقال كلّ شيء يضر بطريق المسلمين فصاحبه ضامن لما يصيبه ومنها ما رواه السكوني عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم من اخرج ميزابا أو
__________________
كنيفا أو أوتدا
وتدا أو اوثق دابة أو حفر شيا في طريق المسلمين فأصاب شيئا فعطب فهو له ضامن بتقريب ان المستفاد من هذه النصوص ان تسبيب التلف يوجب
الضمان فالمباشر له يكون ضامنا بالأولوية.
الوجه الثامن : ما رواه جميل عن أبي عبد الله عليهالسلام في شاهد الزور قال : إن كان الشيء قائما بعينه رد على
صاحبه وإن لم يكن قائما ضمن بقدر ما اتلف من مال الرجل فان الحديث يدل بوضوح على ضمان المتلف فان المستفاد من
الحديث ان الشاهد بشهادته الباطلة ضامن بالمقدار الذي اتلف من مال الغير فيستفاد
من الحديث ان الإتلاف موجب للضمان.
الجهة الثانية : ان المراد من المال ما
يبذل بازائه الشيء عند العقلاء عليه لا فرق في الضمان بين تعلق الاتلاف بالعين التي لها مالية كما لو كسر
صندوقا لزيد وبين تعلق الاتلاف بنفس المالية مع بقاء العين كما لو وضع عينا في
مقابل الشمس أو في مكان يوجب وضعه في تلك المكان زوال مالية ذلك المال.
ان قلت الظاهر من
عنوان المال العين التي تكون ذات مالية فلا يشمل الدليل ما اذا اتلف المالية مع
بقاء العين.
قلت : الظاهر ان
العرف بمناسبة الحكم والموضوع يفهم ان الميزان هي المالية مضافا الى أنه لا فرق في
سيرة العقلاء بين المقامين كما أن ما ورد في النصوص من عنوان الافساد والتعطيل وما
شابهها يشمل اتلاف المالية وحدها فلا وجه للتأمل.
الجهة الثالثة : ان الظاهر من الاتلاف
الافناء أي من افنى مال
الغير بدون رضاه فله ضامن.
الجهة الرابعة : ان المراد من الضمان
اشتغال الذمة بعين التالف ولذا لو رجع
__________________
التالف الى ما كان
أولا لا وجه لضمان المتلف بغيره نعم لو لم يكن رد العين كما هو كذلك عادة تصل
النوبة الى الاقرب منه من المثل أو القيمة فلاحظ.
الجهة الخامسة : أنه لو اجتمع السبب
والمباشر في اتلاف شيء فهل يكون الضامن
السبب أو المباشر أو كليهما أو لا هذا ولا ذلك.
الذي يختلج بالبال
في هذه العجالة ان يقال الحق عدم ميزان كلي بل الموارد مختلفة اذ موضوع الضمان كون
الاتلاف مستندا اليه فتارة يكون الشخص سببا ولكن يصدق انه اتلف العين كما لو فتح
باب القفص وطار الطير أو أكله سبع فإنه يصدق ان الفاتح للباب اتلف الحيوان وقد
يكون الاتلاف مستندا الى المباشر كما لو أمر شخص شخصا باتلاف مال شخص ثالث فان
المتلف للمال المباشر للإتلاف بلا اشكال فالميزان هو صدق عنوان الاتلاف الذي يكون
موجبا لضمان من يتصدى له ولو فرض الشك في صدق العنوان على ايّهما وتردد الامر
بينهما فالظاهر عدم تحقق الضمان لا بالنسبة الى المباشر ولا بالنسبة الى السبب إذ
كل واحد يشك في صدق الموضوع عليه والأصل عدمه والعلم الإجمالي في المقام لا أثر له
إذ الأمر مردد بين شخصين والتكليف دائر بينهما نظير ما تردد امر المني بين شخصين
فان كل واحد ينفي عن نفسه بمقتضى الاستصحاب وفي بعض الفروض لا يكون الاتلاف مستندا
الى الشخص كما لو اجّج نارا بلا قصد اتلاف شيء وبحسب التصادف عبر عابر من ذلك
المكان وأصابت النار عباءته فتلفت لا يكون المؤجج للنار ضامنا إذ لا يصدق عليه انه
اتلف عباءته.
الجهة السادسة : أنه لو أكره أحد زيدا
على اتلاف مال بكر فهل يكون زيد ضامنا لبكر أم لا الظاهر أنه غير ضامن إذ حديث الرفع كما يرفع الحكم التكليفي
يرفع الحكم الوضعي فكما أنه لا يكون حراما تكليفا لا يكون موجبا للضمان.
والذي يتخلج
بالبال أن يقال ان العقلاء يرون المكره بالكسر ضامنا كما ان
التناسب يقتضي ذلك
وإن شئت فقل ذوق الفقاهة يقتضي هذا الأمر الّا والله العالم.
بقي شيء لا بأس
بالتعرض له وإن كان خارجا عن محل الكلام وهو أنا قلنا انّ المستفاد من قوله تعالى
: (فَمَنِ اعْتَدى
عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ) الحكم التكليفي لا الوضعي وعليه يكون المراد أنّ من لم
يراع حق الناس واعتدى على غيره يجوز لذلك الغير ان يفعل بالمعتدي بالمثل فلو فرضنا
انه ضربه ضربة يجوز للمضروب ان يضرب الضارب ضربة وهكذا وأيضا لو اتلف مالا له يجوز
له أن يتلف ماله بالمقدار الذي اتلف عن ماله ولا تنافي بين الجواز المذكور والضمان
بواسطة الاتلاف وبعبارة اخرى لا تنافي بين المقامين غاية الامر ان المعتدى عليه لو
اتلف هذا المقدار عن المتلف تكون النتيجة التهاتر وأما اذ لم يكافى يكون المعتدي
ضامنا له اللهمّ الّا أن يقال ان العرف يفهم عدم الضمان في هذه الموارد والله
العالم.
__________________
القاعدة الواحدة والعشرون
قاعدة انحلال العقود الى عقود متعددة
ويقع البحث في هذه
القاعدة من جهات :
الجهة الأولى : في المراد من انحلال
العقد فنقول لا اشكال
ولا كلام في ان هذه القاعدة لا تجري فيما لا يجوز فيه التبعيض فلو باع عبده لا
يتوهم انحلال العقد الى بيع رأس العبد ورجله مثلا فان بيع الجزء الخارجي للعبد غير
قابل للبيع بل الكلام في الجزء المشاع وأيضا لا يتصور انحلال بالنسبة الى تزويج
المرأة فان التزويج انما يتعلق بالمرأة ولا يجوز تعلقه بجزء خارجي منها أو جزء
مشاع وأيضا لا يكون البحث في هذه القاعدة فيما لو جمع البائع بين شيئين كالكتاب
والفرش ويكون قصده بيع كل واحد منهما على حياله واستقلاله بحيث لا يكون ربط بينهما
وانما جمعا في مقام الانشاء كما لو باع داره مباشرة في الساعة الثانية من الليل
وباع في تلك الساعة وكيله كتاب الموكل فانه لا مجال لبحث الانحلال في الفرض
المذكور إذ لا مقتضي للانحلال كما هو ظاهر وبعبارة واضحة الانحلال مفروض ومتصور في
صورة الانسجام والتركب وفي الصورة المفروضة لا تركب في الواقع ومقام اللب
فالانحلال فيه يكون من مصاديق تحصيل الحاصل.
الجهة الثانية : في ان القاعدة الأولية
هل تقتضي الانحلال أم لا الحق هو الثاني والوجه فيه ان الأثر في الامور الوضعية مترتب على طبق اعتبار
المعتبر وتابع له ودائر مداره وبعبارة اخرى العقد تابع للقصد والتخلف على خلاف
القاعدة الأولية
ويحتاج الى قيام
دليل عليه فلو باع زيد داره يتعلق قصده بتمليك مجموع الدار من حيث هو من المشتري
لا انه باع نصفه وثلثه وربعه الى آخره ولذا يكون نصف الدار جزءا للمبيع لا انه
مبيع والّا يلزم التسلسل لاستحالة الجزء الذي لا يتجزى وأيضا يلزم تعدد الخيار
بعدد البيوع إذ كل بيع له خيار المجلس مثلا وأيضا يلزم تعدد البيوع بحسب الأجزاء
الخارجية في قبال الكسور.
وصفوة القول انّ
البيع المتعلق بعين يكون بيعا واحدا ولا يعقل ولا يتصور فيه التعدد كما ان الحكم
التكليفي المتعلق بالمركب الاعتباري كذلك فان الأمر المتعلق بالصلاة لا ينحل الى
أوامر عديدة وواجبات متعددة بل الأمر واحد والواجب كذلك وكل جزء من الصلاة جزء
الواجب لا واجب بحياله واستقلاله ولذا لا معنى للواجب الضمني الا هذا المعنى
وبعبارة واضحة كل جزء من المركب الذي تعلق به الأمر بشرط انضمام بقية الأجزاء اليه
واجب لا أنه واجب على نحو اللابشرط ومن الظاهر ان الجزء المضاف الى بقية الأجزاء
عبارة أخرى عن الكل وعلى هذا الأساس قد ذكرنا في بحث دوران الأمر بين الأقل
والأكثر أنّه لا مجال لأن يقال ان الأقل واجب قطعا والشك في الأكثر بل الأمر دائر
بين وجوب الأقل والأكثر ولا قدر متيقن في البين وعليه يكون الاصل الشرعي متعارضا
وبالتعارض يسقط وانما البراءة العقلية تجري بالنسبة الى الأكثر ولا تجري بالنسبة
الى الأقل اذ المكلف يقطع باستحقاق العقاب بترك الأقل فيلزم الإتيان به والتفصيل
موكول الى ذلك المقام الذي يكون مزلة الاقدام وقد ذكرنا أخيرا أنّه لا وجه لجريان
البراءة العقلية أيضا بل المحكم ادلة الاحتياط نعم على القول بجريان الأصل في بعض
اطراف العلم الإجمالي لا مانع عن جريانه عن الأكثر فالنتيجة أن مقتضى القاعدة
الأولية عدم الانحلال.
الجهة الثالثة : أنه هل يكون دليل يدل
على الانحلال وعلى خلاف مقتضى
الأصل الأولي أم
لا ربما يقال هناك وجوه دالة على خلاف القاعدة.
الوجه الأول : الاجماع وفيه الأشكال الساري في الاجماعات اذ المنقول منه غير حجة والمحصل منه
على فرض حصوله أيضا لا اعتبار به الّا فيما يكون كاشفا عن رأي المعصومعليهالسلام.
الوجه الثاني : ان بناء العقلاء وسيرتهم في المعاملات على التبعيض فلو باع زيد عبده مع عبد
غيره بيعا واحدا يحكمون بصحة البيع بالنسبة الى مملوكه وبعدم صحته بالنسبة الى غير
مملوكه ولم تردع هذه السيرة من قبل الشارع وهذا الوجه لو تحقق وأمكن الجزم به يمكن
ان يجعل وجها للمدعى لما ذكرنا مرارا أن الشارع الأقدس لا يكون له مسلك خاص في
الامور الاجتماعية الّا فيما قام الدليل على التصرف فيه ولكن الاشكال تمام الاشكال
في تحقق هذه من قبل العقلاء حتى فيما يكون الامر ظاهرا لديهم وعلموا بان بايع
الدار المشتركة باع بتمامها ولم يتعلق قصده بيع خصوص حصته فهل يحكم العقلاء بصحة
البيع بالنسبة وهل يحكمون بالانحلال مع علمهم بان البائع قصد بيع مجموع الدار
وكاره لبيع مملوكه الخاص ويضاف الى ذلك أنهم اذا فهموا بان البيع المتعلق بالمجموع
بما هو مجموع لا ينحل بحسب طبعه ونفسه الى بيوع متعددة وبعبارة واضحة تارة العقلاء
والعرف يعتقدون ان البيع المتعلق بالعين ينحل الى بيوع متعددة وعلى هذا البناء
والخيال يحكمون بالانحلال فيما يكون البيع متعلقا بالمال المشترك مع عدم رضا
الشريك واما اذا علموا بان الامر ليس كذلك كما بيناه فكيف يمكن الجزم ببنائهم واذا
وصلت النوبة الى ما بيناه لا يمكن اعتبار السيرة مثلا لو فرض ان العقلاء يعتقدون
بان اللفظ الفلاني ظاهر في المعنى الكذائي ويرتبون الأثر عليه بواسطة هذا الاعتقاد
فهل يكون عملهم صحيحا مع ان ذلك اللفظ لا يكون كذلك واذا وصلت النوبة الى الشك في
ان مثل هذه السيرة المنحرفة عن الجادة حجة يكون مقتضى الأصل
عدم اعتبارها.
الوجه الثالث : انه لا فرق بين بيع المملوك مستقلا وبيعه منضما اذ البيع على كلا التقديرين
تعلق بما يصح ويشمله دليل الصحة من دليل احلال البيع وتجارة عن تراض والوفاء
بالعقد على مسلك من يرى الآية دليلا على الصحة على خلاف ما رمناه.
وبعبارة واضحة بيع
المجموع بطبعه ونفسه ينحل الى البيوع فلا اشكال.
ويرد عليه انّ
التقريب المذكور بمراحل عن الواقع فان الانحلال المدعى متوقف على لحاظ كل جزء
بحياله واستقلاله والحال انّ كلامنا في المقام صورة تعلق البيع بالمجموع من حيث
المجموع ولذا لو باع أحد داره لا يصح أن يقال زيد في هذا اليوم باع بيوعا متعددة
إذ باع داره وباع نصف داره وثلثه وربعه الى غيرها وهذا العرف ببابك ويتضح بطلان
المدعى بأنه لو أمر المولى باكرام عشرة من العلماء بنحو العام المجموعي فهل يمكن
ان يقال انه يحصل مقدار من الامتثال بإكرام واحد منهم أو اثنين كلا ثم كلا والوجه
فيه أنّ الواجب الاكرام الخاص وهو لا يصدق على البعض ولعمري هذا واضح ظاهر.
الوجه الرابع : انّ البيع سبب شرعي لانتقال المبيع الى المشتري فاذا فرضنا انه تعلق
بشيئين ويكون الشرائط بالنسبة الى احدهما تامة ليتحقق المسبب فالانحلال أمر على
القاعدة.
وفيه انّ الوجه
المذكور مصادرة كالوجه الثالث مضافا الى انّ البيع وأمثاله من العقود والإيقاعات
لا تكون اسبابا بل موضوعات للأحكام والمفروض انّ العقود والايقاعات تابعة للقصود
والّا يلزم بان ما قصد لم يقع وما وقع لم يقصد وهذا خلاف القاعدة فما ادعاه من
القاعدة تكون على خلافها.
الوجه الخامس : ما رواه محمد بن الحسن الصفار انه كتب الى أبي محمد
الحسن بن علي
العسكري عليهالسلام في رجل باع قطاع أرضين فيحضره الخروج الى مكة والقرية على
مراحل من منزله ولم يكن له من المقام ما يأتي بحدود أرضه وعرف حدود القرية الأربعة
فقال للشهود اشهدوا أني قد بعت فلانا يعني المشتري جميع القرية التي حدّ منها كذا
والثاني والثالث والرابع وانما له في هذه القرية قطاع أرضين فهل يصلح للمشتري ذلك
وانما له بعض هذه القرية وقد أقرّ له بكلها فوقّع عليهالسلام لا يجوز بيع ما ليس يملك وقد وجب الشراء من البائع على ما
يملك فان الحديث يقتضي الالتزام بالانحلال والتبعيض على خلاف القاعدة الأولية ومن
الظاهر أنه لا يبقى اعتبار لقاعدة بعد ورود ما يخالفها من مخازن الوحي أرواح
العالمين لهم الفداء لكن الحديث يختص بالمورد الخاص.
هذا تمام الكلام
في هذه القاعدة والحمد لله أولا وآخرا.
__________________
محتویات الکتاب
مقدمة
الكتاب................................................................... ٣
قاعدة من ملك والمراد منها......................................................... ٥
القاعدة مسألة فقهية أو أصولية.................................................... ٧
أدلة القاعدة..................................................................... ٨
تمامية القاعدة في الجملة الا بالجملة................................................ ١٠
في حدود القاعدة............................................................... ١٠
قاعدة الإعانة على الأثم......................................................... ١٢
تفسير معنى القاعدة............................................................. ١٢
حكم الاعانة وأدلته............................................................. ١٣
حكم العقل بالحرمة............................................................. ١٤
قاعدة الفراغ والتجاوز........................................................... ١٨
في وحدة القاعدة وتعددها....................................................... ١٨
في أدلة القاعدة................................................................ ١٩
في بطلان قاعدة التجاوز بالجملة.................................................. ٢٢
هل يشترط الدخول في الغير..................................................... ٢٧
لا يشترط الترتب في المدخول فيه................................................. ٢٩
فروع.......................................................................... ٢٩
هل القاعدة من الامارات أو الاصول.............................................. ٣١
هل تعتبر الاذكرية.............................................................. ٣٣
هل القاعدة من المسائل الاصولية أو
للفرعية........................................ ٣٦
قاعدة حجية البينة.............................................................. ٣٧
في أدلة القاعدة................................................................ ٣٧
عمل المشهور بالخبر لا يجبر...................................................... ٣٩
هل الميزان الوثوق بالخبر أو خبر الثقة.............................................. ٣٩
الاستدلال بسيرة المتشرعة........................................................ ٤٢
في حجية الثقة................................................................. ٤٥
هل يشترط الرجولية............................................................. ٤٧
قاعدة اليد وأدلتها.............................................................. ٤٩
في تعارض اليد والأدلة.......................................................... ٥٤
في سعة دائرة اليد............................................................... ٥٥
هل يجوز الشهادة مستندة الى اليد................................................ ٥٩
في تعدد اليد على عين.......................................................... ٦٢
مملوكية الأخماس والزكوات من أي طور............................................. ٦٣
هل اليد كاشفة في مقام الأثبات والثبوت
عن الملك.................................. ٦٤
قاعدة ما يضمن بصحيحة يضمن بفاسدة
وأدلتها................................... ٦٧
الاستدلال بقاعدة لا ضرر وما يرد عليه........................................... ٧٤
قاعدة الاشتراك في التكاليف وأدلتها.............................................. ٧٩
التكليف يتوجه للنوع لا للشخص................................................ ٨٧
قاعدة نجاسة الكافر وأدلتها...................................................... ٨٩
في نجاسة الملحد................................................................ ٩٩
في نجاسة المشرك.............................................................. ١٠٠
الاشكالات على الاستدلال بالآية الشريفة ودفعها................................ ١٠١
في نجاسة الغلاة............................................................... ١٠٤
في نجاسة الخارجي............................................................. ١٠٥
في نجاسة الناصبي............................................................. ١٠٨
في نجاسة المجسمة............................................................. ١٠٩
بيان لسيدنا الاستاد والمناقشة فيه............................................... ١١٠
بيان لصاحب الأسفار والمناقشة فيه............................................. ١١١
في نجاسة المفوضة............................................................. ١١٤
الأمر بين الأمرين............................................................. ١١٧
القائلون بوحدة الوجود......................................................... ١١٩
في نجاسة الكتابي.............................................................. ١٢٠
بيان في طهارة الكتابي......................................................... ١٢٨
الكلام في مرجحات باب التعارض.............................................. ١٢٩
الترجيح بالاحدثية وبيان لسيدنا الاستاد
والمناقشة فيه.............................. ١٣٦
القائلون بالأحدثية............................................................ ١٣٨
قاعدة نفي سبيل الكافر على المسلم
وأدلتها...................................... ١٤٠
قاعدة حرمة أخذ الأجرة على الواجبات
وأدلتها................................... ١٤٤
قاعدة عدم شرطية البلوغ في الأحكام
الوضعية وأدلتها.............................. ١٤٦
قاعدة حرمة ابطال العبادات.................................................... ١٤٩
الاستدلال بمفهوم الشرط...................................................... ٢١٥
قاعدة بطلان كل عقد بتعذر الوفاء
بمضمونه وأدلتها............................... ١٥٢
قاعدة لا حرج................................................................ ١٥٧
أدلة القاعدة................................................................. ١٥٨
هل المرفوع الحرج أو الحكم الذي يوجب
الجرح.................................... ١٦٤
أدلة الحرج حاكمة على الأدلة.................................................. ١٦٦
الميزان الحرج الشخصي لا النوعي................................................ ١٦٦
لا فرق بين العدميات والوجوديات.............................................. ١٦٧
لا فرق بين الحكم التكليفي والوضعي............................................ ١٦٧
الحكومة ترفع الألزام لا الملاك................................................... ١٦٨
في تعارض الضرر والحرج....................................................... ١٦٩
هل القاعدة من المسائل الاصولية أو
الفقهية...................................... ١٧٠
قاعدة رفع القلم عن غير البالغ وأدلتها........................................... ١٧١
قاعدة أمارية السوق على اللحوم وأدلتها......................................... ١٧٣
السوق لابد من كونه للمسلمين................................................ ١٧٥
السوق بنفسه أمارة............................................................ ١٧٦
قاعدة لاشك في النوافل وأدلتها................................................. ١٧٨
قاعدة اعتبارالظن في الركعات وأدلتها............................................. ١٨١
قاعدة لا شك لكثير الشك وأدلتها............................................. ١٨٥
السهو لايرادف الشك......................................................... ١٨٧
في حدود القاعدة............................................................. ١٩٠
هل الامر بالمضي عزيمة أو رخضة............................................... ١٩٤
في حكم الوسواسي........................................................... ١٩٥
قاعدة الأتلاف وأدلتها........................................................ ١٩٩
قاعدة إنحلال العقود.......................................................... ٢٠٧
الوجوه التي استدل بها على القاعدة.............................................. ٢٠٩
العقود لا تكون أسباباً بل موضوعات
للأحكام................................... ٢١٠
|