بسم الله الرّحمن الرّحيم

المقصد العاشر : فى الاستصحاب

والكلام يقع فيه من جهات : الجهة الاولى : في تعريفه قال الشيخ قدس‌سره أسد التعاريف وأخصرها ابقاء ما كان والمراد بالابقاء الحكم بالبقاء الخ.

وقال في الكفاية ان عباراتهم في تعريفه ، وان كانت شتى ولكن تشير الى مفهوم واحد ومعنى فارد وهو الحكم ببقاء حكم أو موضوع ذي حكم شك في بقائه. واما من جهة بناء العقلاء الخ.

وقال سيدنا الاستاد «ان ما أفاده في الكفاية من كان التعاريف مشيرة الى معنى واحد غير سديد لاختلاف المباني في الاستصحاب. فانه كيف يصدق التعريف المذكور على القول بأن الاستصحاب من الأمارات فان الامارة ما ينكشف به الحكم الشرعي فكيف يكون مصداقا لنفس الحكم الشرعي.

وعليه نقول ان كان الاستصحاب من الامارات فلا بد من أن يعرف باليقين السابق والشك اللاحق اذ اليقين السابق والشك اللاحق يوجب الظن النوعي وانكشاف المتعلق ، فيكون الاستصحاب كبقية الامارات ويكون مثبتا للوازمه ، وان كان فيه اشكال نتعرض له وان قلنا باعتباره من باب الظن الشخصي يكون كبقية الظنون الشخصية كالظن بالقبلة.

والصحيح في تعريفه أن يقال : ان الاستصحاب عبارة عن الظن بالبقاء وان قلنا انه من الاصول العملية فلا بد في تعريفه من أن يقال ان الاستصحاب عبارة عن الحكم ببقاء اليقين في ظرف الشك من حيث الجري العملى». والذي يختلج ببالي القاصر أن يقال : ان الاستصحاب المستفاد من النصوص الخاصة الواردة في المقام عبارة عن الحكم ببقاء حكم شرعي أو بقاء موضوع ذي حكم شرعي فان المستفاد من النصوص ان الشارع الأقدس حكم ببقاء حكم شرعي كان معلوما سابقا والآن صار مشكوكا فيه كوجوب صلاة الجمعة فانها كانت واجبة في زمان الحضور وصار وجوبها مشكوكا فيه بعد زمان الغيبة أو الحكم ببقاء موضوع ذي حكم شرعي كما لو كان ماء مسبوقا بالكرية وبعد مدة شك في بقاء كريته وعدم بقائها فيحكم ببقاء الكرية وتترتب عليه احكامها.

ولقائل أن يقول : لا يستفاد من قوله عليه‌السلام لا ينقض اليقين بالشك ، الحكم بالبقاء ، بل المستفاد من الجملة جعل اليقين السابق امارة على البقاء ، والدليل على هذا ان نقض اليقين بالشك لا يكون من المحرمات الشرعية مثلا لو كانت يد احد طاهرة ثم شك في بقاء طهارتها لا يحرم غسلها احتياطا وهكذا. فقوله عليه‌السلام : لا ينقض اليقين بالشك ارشاد الى بقاء اليقين.

وعلى هذا يكون الاستصحاب امارة.

ان قلت : فما الوجه في تقدم الامارات عليه؟ قلت : لا مناص عن ذلك وإلّا يلزم لغوية بقية الامارات مثلا قاعدة الفراغ أو التجاوز أو الصحة أو اليد وايضا بقية القواعد مفادها مخالف مع مفاد الاستصحاب. فاذا لم تقدم على الاستصحاب تكون لغوا.

وايضا لو دلت رواية على حكم من الأحكام يكون مقتضى

الاستصحاب عدمه. وهل يمكن الالتزام به كلا.

فالحق أن يقال : الاستصحاب امارة حيث لا امارة وان شئت قلت : ان المستفاد من دليل الاستصحاب اعتبار اليقين السابق امارة مع لحاظ الشك وأما في بقية الامارات فالشك يعتبر معدوما فلاحظ.

الجهة الثانية :

في أن بحث الاستصحاب من المباحث الاصولية أو من القواعد الفقهية. أفاد سيدنا الاستاد قدس‌سره : ان قلنا ان الاستصحاب لا يجري إلّا في الشبهات الموضوعية التي لا تختص بخصوص المجتهد ، يكون بحث الاستصحاب بحثا فقهيا ، وان قلنا بجريان الاستصحاب في الاحكام الكلية كما هو المشهور يكون البحث اصوليا.

ويرد عليه اولا : انه لا اشكال في جريان الاستصحاب في الشبهة الحكمية وان قلنا بالتعارض بين استصحاب الجعل والمجعول وذلك لأن التعارض انما يتصور فيما يجري الاستصحاب في الحكم الوجودي مثلا جريان الاستصحاب في بقاء وجوب صلاة الجمعة حال الغيبة يعارضه استصحاب عدم الجعل الزائد بالنسبة الى زمان الحضور وبعد التعارض يسقط الاستصحاب عن الاعتبار.

وأما الشبهة لو كانت في بقاء عدم الجعل كاستصحاب عدم الحجية فيما يشك فيها وكاستصحاب عدم حرمة شرب التتن وأمثاله فلا اشكال في جريان الاستصحاب اذ لا موضوع للمعارضة فالاستصحاب يجري في الشبهة الحكمية في الجملة على جميع المسالك.

وثانيا : ان الحق ان بحث الاستصحاب بحث فقهي ولو على القول بجريانه في الأحكام الكلية وذلك لأن البحث الاصولي عبارة عن

بحث يقع نتيجة ذلك البحث في طريق استنباط الحكم الفرعي الالهي وأما القاعدة التي تكون متعرضة لنفس الحكم الشرعي كقاعدة الطهارة والحل وأمثالهما فلا يكون البحث فيها بحثا اصوليا ولذا قد تقدم منا ان البحث في اصالة البراءة لا يكون اصوليا والاستصحاب كذلك فانه لا فرق بين الاستصحاب والبراءة فان البراءة متعرضة لعدم الوجوب والحرمة وقاعدة الحل متعرضة للحلية والاستصحاب متعرض لبقاء الوجوب أو بقاء الحرمة وهكذا.

نعم يمكن أن يقال : ان استصحاب الحجية أو عدمه يترتب عليه اثر فقهي وبعبارة اخرى : استصحاب الحجية أو عدمه كالبحث في كون الخبر الواحد حجة أم لا فكما ان البحث في اعتبار الخبر بحثا اصوليا كذلك البحث عن بقائه اصوليا.

وبعبارة اخرى : لا فرق بين البحث عن اصل الحدوث وبين البحث عن بقائه بعد حدوثه كما انه يترتب على استصحاب عدم الحجية اثر فقهي.

هذا كله لو قلنا : الاستصحاب عبارة عن حكم الشارع ببقاء الحكم أو الموضوع ، وأما لو قلنا ان المستفاد من دليل الاستصحاب كون اليقين السابق والشك اللاحق امارة على تحقق متعلق اليقين فيكون بحث الاستصحاب كبحث حجية الخبر الواحد فلاحظ.

الجهة الثالثة :

في بيان الفرق بين قاعدة المقتضي والمانع وقاعدة اليقين والاستصحاب فنقول : تارة يتعلق اليقين بما يقتضي وجود أمر كما لو تعلق اليقين بوجود النار وشك في وجود الرطوبة المانعة عن احراقها فهل القاعدة تقتضي الحكم بتحقق الاحراق بأن يقال :

المفروض تحقق المقتضي له وهو وجود النار والرطوبة المانعة عنه مشكوك فيها ومحكومة بالعدم فالاحراق محقق ، وهذه القاعدة تسمي بقاعدة المقتضي والمانع.

ولا بد أن يقع البحث فيها وانه هل يكون دليل على تماميتها أم لا؟ ففي هذه القاعدة متعلق اليقين أمر ومتعلق الشك أمر آخر ، واخرى يتعلق اليقين بأمر كما لو تعلق بعدالة زيد يوم الجمعة في يوم السبت أي يكون ظرف اليقين بالعدالة يوم السبت وفي يوم الأحد يشك في عدالته على نحو الشك الساري أي يكون عدالته في يوم الجمعة متعلقة لليقين والشك كليهما غاية الأمر زمان اليقين بالعدالة مغاير مع زمان الشك فيها.

وبعبارة اخرى : يكون أمر واحد متعلقا للشك واليقين والشك يكون ساريا وتسمى هذه القاعدة بقاعدة اليقين ولا بد من البحث في أنه هل يكون دليل على تمامية هذه القاعدة ام لا؟

وثالثة يتعلق اليقين بشيء كما لو تعلق اليقين بعدالة زيد ويشك في بقائها ويسمى بالشك الطاري فلو تعلق اليقين بأن زيدا كان عادلا يوم الجمعة وشك في بقاء عدالته الى يوم السبت فلو استصحب عدالته الى يوم السبت وحكم ببقائها يسمى هذا الابقاء بالاستصحاب المشهور عند القوم.

هذا فيما لو شك في بقاء ما تعلق به اليقين وأما لو شك في ثبوت ما تعلق به قبل ذلك كما لو علم بأن لفظ الغناء مثلا موضوع في زماننا في معنى فلاني وشك في أنه هل كان كذلك فى عصر الائمة عليهم‌السلام أم لا ، يكون جره الى ذلك الزمان استصحابا قهقريا وهذا خارج عن الاستصحاب الذي محل الكلام فان الاستصحاب القهقري من الاصول اللفظية التي عليها بناء العقلاء ولو لا هذا

الاصل اللفظي لانسد باب استنباط الأحكام الشرعية في كثير من الموارد.

وعلى الجملة الاستصحاب القهقري لا اشكال في اعتباره.

الجهة الرابعة :

في تقسيم الاستصحاب من جهات مختلفة وانحاء متعددة فان المستصحب قد يكون حكما شرعيا واخرى يكون أمرا خارجيا وعلى الاول قد يكون حكما كليا واخرى يكون جزئيا وايضا قد يكون وضعيّاً واخرى يكون تكليفيا ومنشأ اليقين قد يكون هو العقل وقد يكون غيره من الكتاب أو السنة أو الرواية والسماع.

وايضا يقسم من حيث منشأ الشك فانه قد يكون الشك ناشيا عن احتمال انقضاء المقتضي للبقاء ويسمى بالشك في المقتضي وقد يكون الشك في البقاء ناشيا عن احتمال وجود الرافع ويسمّى بالشك في الرافع.

وقد وقع الكلام بين القوم فلعلّ بعضهم ذهب الى القول بالحجية على الاطلاق وبعضهم الى عدمه كذلك وفصّل الفرقة الثالثة. والعمدة النظر في الادلة التي يمكن قيامها لاثبات حجية الاستصحاب واستفادة المقصود منها.

فنقول : قد استدل على اعتبار الاستصحاب بوجوه :

الوجه الاول : السيرة الجارية بين العقلاء على العمل بالمعلوم السابق ما دام لم يقم على عدمه دليل بل ربما يقال ، بأن الحيوان مجبول على العمل على طبق الحالة السابقة ولذا يرجع الطائر بعد طيرانه الى قفصه أو الى عشه وهكذا بقية أنواع الحيوانات.

ويقع الكلام تارة في تحقق السيرة وعدمه واخرى في أنه على فرض تحققها تكون حجة أم لا.

فيقع الكلام في موضعين : أما الموضع الاول فنقول : الظاهر انه لا سيرة على العمل على طبق الحالة السابقة وبعبارة اخرى : مجرد كون شيء سابقا متعلقا لليقين لا يقتضي عند العقلاء العمل به الى أن يحصل اليقين بخلافه ، فان العمل على طبق الحالة السابقة على أقسام :

فانه تارة يكون ناشيا عن العلم بالبقاء ، أو الاطمينان به وهو كثير مثلا الطالب في كل يوم يروح الى المدرسة الفلانية أو الكلية الفلانية حيث يطمئن ببقاء المكان المعد للدراسة على حاله وعدم خرابه وتغيره.

واخرى يكون العمل على طبق الحالة السابقة من باب الاحتياط والاخذ بالحائطة كمن يرسل في كل شهر أو كل سنة مقدارا من المال الى ولده الساكن في البلدة الكذائية لرفع حوائجه واصلاح اموره حتى مع احتمال عدمه لموته أو انتقاله الى مكان آخر ، وثالثة يكون العمل على طبق الحالة السابقة لأجل الغفلة وعدم الالتفات الى امكان زوال تلك الحالة.

وان شئت فقل : يكون القسم المذكور عملا على طبق العادة ولا يبعد أن يكون عمل الحيوان على طبق الحالة السابقة ناشيا عن العادة.

والذي يدل على عدم السيرة : ان اعتبار الاستصحاب وقع محل الكلام بين القوم وانه معتبر أم لا واذا كانت السيرة قائمة عليه لم يكن مجال للبحث.

وايضا يدل على عدمها انه لو كانت لكنا نعمل به فانا من العقلاء

وبعبارة اخرى : السيرة ناشية عن سبب عقلائى ولا نجد في

أنفسنا سببا للعمل على طبق الحالة السابقة.

وعن الميرزا النائيني قدس‌سره ان السيرة العقلائية بالهام من الله تعالى لحفظ النظام.

ويرد عليه اولا : ان المنكرين للاستصحاب لم يختل نظامهم.

وثانيا : ان الالهام المذكور ان كان موجودا فلا جرم يكون كل انسان ملهما بهذا الالهام ونحن لا نجد الالهام المذكور وعلى تقدير الالهام المذكور لم يكن مجال للقيل والقال فان الامور الارتكازية وجدانية لكل احد فالنتيجة انه لا سيرة هذا تمام الكلام في الموضع الاول.

واما الموضع الثاني : فعن صاحب الكفاية انها مردوعة بالدليل الناهي عن العمل بغير العلم.

ويرد عليه اولا : انه لو كان الدليل الدال على النهي عن العمل بغير العلم قابلا للمنع عن العمل بالسيرة فلا بد من كونه رادعا ومانعا عن العمل بالسيرة في بقية الموارد كالعمل بالظواهر مثلا والحال انه بنفسه لا يلتزم بهذا اللازم.

وثانيا : ان الشارع الأقدس لم يجعل لنفسه طريقا خاصا لفهم المرادات في المحاورات الجارية بين ابناء المحاورة والمفروض ان السيرة العقلائية جارية على العمل على طبق الحالة السابقة كما ان سيرتهم جارية على العمل بالظواهر.

وبعبارة اخرى : لا فرق بين الموردين فلا وجه للتفريق.

وثالثا : ان الشارع لو كان رادعا عن السيرة لم يكن أمرا مجهولا بل كان ظاهرا. وبعبارة اخرى : لو كان لبان.

الوجه الثاني : ان كون شيء معلوما سابقا ومشكوكا فيه لا حقا يقتضي الظن ببقائه وكلما يكون كذلك يجب العمل به.

ويرد عليه اولا وثانيا ، أما اولا ، فلعدم الاقتضاء المذكور

ومجرد كون شيء معلوما سابقا وكونه مشكوكا فيه لا حقا لا يقتضي الظن بالبقاء لا شخصا ولا نوعا.

وأما ثانيا فلا دليل على اعتبار الظن المذكور بل الدليل قائم على عدم اعتباره فان الظن لا يغني عن الحق شيئا ونفس الشك في اعتبار أمر يساوق القطع بعدم اعتباره. والسّر فيه ان الحجة ما يكون قابلا لأن يحتجّ به وما يكون مشكوك الاعتبار لا يكون قابلا للاحتجاج به مضافا الى أن مقتضى الاصل عدم اعتباره.

الوجه الثالث : الاجماع ، وفيه اولا : ان اعتبار الاستصحاب محل الكلام والاشكال فلا اجماع.

وثانيا ان القائلين باعتباره مستندون الى الوجوه المذكورة في المقام فلا يكون اجماعا تعبديا كاشفا عن رأى المعصوم عليه‌السلام.

الوجه الرابع : الأخبار والنصوص الواردة في المقام ومن تلك النصوص ما رواه زرارة قال : قلت له : الرجل ينام وهو على وضوء أتوجب الخفقة والخفقتان عليه الوضوء؟ فقال : يا زرارة قد تنام العين ولا ينام القلب والأذن فاذا نامت العين والاذن والقلب وجب الوضوء قلت : فان حرّك الى جنبه شيء ولم يعلم به؟ قال : لا حتى يستيقن انه قد نام حتى يجيء من ذلك أمر بيّن ، وإلّا فانه على يقين من وضوئه ولا ينقض اليقين ابدا بالشك وانما ينقضه بيقين آخر (١).

وهذه الرواية يقع الكلام فيها تارة من حيث السند ، واخرى من حيث الدلالة. أما من حيث السند فربما يقال انها مضمرة ولا دليل على كون المسئول المعصوم عليه‌السلام بل يحتمل ان السؤال غير

__________________

(١) الوسائل الباب ١ من أبواب نواقض الوضوء الحديث ١.

متوجه الى المعصوم ، واذا جاء الاحتمال بطل الاستدلال.

وقد اجيب عن الاشكال المذكور بأجوبة : الجواب الاول : ان ذكر الرواية في كتب الحديث واثبات الحسين بن سعيد وحريز وحماد لها في اصولهم شاهد على كون الرواية مروية عن المعصوم وإلّا فلا مقتضي لاثباتها في الكتب والاصول كما هو ظاهر.

ويرد على هذا الوجه ان اثبات هؤلاء الرواية في كتبهم واصولهم يمكن أن يكون الوجه فيه انهم يرون زرارة اجل شأنا من أن ينقل الحديث عن غير المعصوم فلا يكون الاثبات في الاصول والكتب شهادة على أن الضمير يرجع الى المعصوم.

الجواب الثاني : ان الرواية وان كانت مضمرة في التهذيب إلّا انها مسندة الى الباقر عليه‌السلام في جملة من كتب الاصحاب الاجلة كالقوانين والفصول ومحكي فوائد العلامة الطباطبائي وفوائد الوحيد البهبهاني ومفاتيح الاصول والوافية والفاضل النراقي وحيث يحتمل عثورهم على الاصل الذي ذكر فيه المسئول بعنوان المعصوم يحمل شهادتهم على الحس ويكون معتبرا ولولاه لم يكن وجه لذكر خصوص الباقر عليه‌السلام فانه كيف يمكن ان هؤلاء الاعلام الاتقياء ينقلون الحديث بالنحو المذكور مع عدم اطلاعهم على الأمر وعدم عثورهم على المدرك.

الجواب الثالث : ان الاضمار انما يضر اذا كان الخبر خبرا واحد وأما اذا كان متواترا معنويا أو اجماليا فلا يضر الاضمار في اعتباره ونقل عن الضوابط والمفاتيح كون أخبار الاستصحاب متواترة.

ويرد على هذا الوجه ان التواتر لا يتحقق بهذا المقدار مضافا

الى أنا لم نفهم انه كيف لا يضر الاضمار في صورة التواتر ، فلاحظ.

الجواب الرابع : ان زرارة أجل شأنا من أن يسأل غير المعصوم مع نقل الخصوصيات والاهتمام بها.

وان شئت قلت : ان زرارة مشار اليه بالبنان وبأنه باب الاحكام وواسطة في ايصالها عن المعصوم الى الناس وانما يعتبر نقله لأنه ناقل عن مخزن الوحي ومع هذه الخصوصية يكون عدم الاشعار بأن المسئول غير المعصوم خيانة في النقل وهل يمكن ان زرارة يخون فان خيانته تسقط اعتبار نقله وتكون النتيجة عدم اعتبار الرواية ، فتحصل ان الرواية تامة سندا.

وأما من حيث الدلالة فنقول قد سئل الراوي سؤالين السؤال الاول : عن أنّ الخفقة والخفقتين هل توجب الوضوء وهذا سؤال عن الشبهة الحكمية حيث انه يمكن ان المقرر في الشريعة المقدسة كون الخفقة من النواقض وأجابه عليه‌السلام بأن الناقض نوم القلب وهذا السؤال والجواب لا يرتبطان بما نحن بصدده أي لا يرتبطان بالاستصحاب.

السؤال الثاني عن الشبهة الموضوعية فانه بعد ما علم بأن الناقض للوضوء نوم القلب بالاضافة الى نوم العين والاذن يسأله عن مورد الشك في تحقق الناقض فأجابه عليه‌السلام بعدم انتقاض الوضوء بالشك في الناقض بل يتوقف الانتقاض بحصول العلم واليقين بتحقق الناقض وهذا عبارة عن الاستصحاب الذي نحن بصدده.

وبعبارة اخرى : لا اشكال في أن السؤال الثاني للراوي عن الشبهة الموضوعية فانه يستفاد من السؤال انه بعد ما علم ان الناقض النوم الكامل الشامل للقلب قام في مقام السؤال عن الشك في تحقق النوم

الناقض فأجاب عليه‌السلام بعدم وجوب الوضوء الى زمان اليقين بتحقق النوم الناقض فلا اشكال في أن المستفاد من الحديث اعتبار الاستصحاب في الوضوء ، انما الكلام في أنه هل يستفاد من الرواية القاعدة الكلية السارية في جميع الموارد أم لا.

فنقول : يمكن الاستدلال على المدعى بتقريبين : التقريب الاول : أن يقال : ان الشرطية المذكورة في كلامه عليه‌السلام أي قوله «وإلا» جوابها محذوف وقد اقيم مقام الجواب قوله عليه‌السلام «فانه على يقين من وضوئه» والجواب المحذوف عدم وجوب الوضوء وعدم وجوب الوضوء الذي يكون جوابا للشرط يفهم من الكلام السابق واقامة العلة مقام الجواب امر متعارف في الكلام.

لاحظ قوله تعالى (وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ)(١) فانه من الظاهر ان الله غني عن العالمين مطلقا وليس معلقا على كفر الناس ، فالجواب للشرط محذوف أي فلن يضر الله شيء. وقد اقيم مقام الجواب العلة وهو غناء الله تعالى عن المخلوقين ونقل الفاء الجوابية من الجواب المحذوف الى ما قام مقامه. وما نحن فيه كذلك فان الجواب محذوف أي وإلا لا يجب الوضوء وعلته اليقين بالوضوء ولا ينقض اليقين بالشك.

والاحتمالات الموجودة في الجملة الاخيرة ثلاثة.

الاحتمال الاول : أن يكون المراد باليقين ، اليقين المتعلق بالوضوء ويكون المراد بالشك ، الشك المتعلق بالنوم وعلى هذا يلزم التكرار اذ الجواب المحذوف عبارة عن عدم وجوب الوضوء على من تيقن بالوضوء وشك في النوم.

__________________

(١) آل عمران / ٩٧.

وأيضا قال عليه‌السلام «لانه على يقين من وضوئه ولا ينقض اليقين بالوضوء بالشك في النوم». وعدم النقض عبارة عن وجوب الوضوء وهذا هو التكرار الذي يبعد صدوره عن الحكيم البليغ.

الاحتمال الثاني : أن يكون المراد من اليقين خصوص اليقين بالوضوء ويكون المراد بالشك ، الشك في مطلق الناقض ولا دليل على تعين الاحتمال المذكور.

الاحتمال الثالث : أن يكون المراد من اليقين مطلق اليقين والمراد من الشك أيضا مطلق الشك في ارتفاع ما تعلق به اليقين فيكون المستفاد من الحديث الميزان الكلي وضابط جامع بين جميع الموارد وهو اعتبار الاستصحاب في جميع المصاديق.

ولا يبعد أن يكون الأرجح الاحتمال الاخير اذ لا دليل على كون اللام للعهد الذكري ورجوع اللام الى اليقين بالوضوء ، بل الظاهر التعليل بالقاعدة الكلية وحمل اللام على الجنس على طبق القاعدة الاولية وحمله على العهد الذكري يحتاج الى قرينة.

مثلا لو قال احد رأيت انسانا في السوق يشرب الخمر ويسب الناس علانية ، فان الانسان مغرور فهل يفهم من كلامه انه في مقام بيان ان جنس الانسان مغرور أو يفهم من كلامه انه بصدد بيان غرور الانسان الذي رآه في السوق ، الظاهر انه لا شك في أنه يفهم الكلي من كلامه.

وصفوة الكلام : انا ندعي ان العرف يفهم الجنس من اللام في هذه المقامات والذي يؤيد المدعى بل يدل عليه ان التعليل الحقيقي يقتضي ان تذكر الكبرى الكلية فتكون اللام للجنس فلاحظ.

التقريب الثاني : للاستدلال على الكلية الجارية في جميع الموارد أن لا يكون جواب الشرط محذوفا بل الجواب مذكور بأن نقول :

الجواب للشرطية اما عبارة عن قوله عليه‌السلام «ولا ينقض اليقين بالشك» وقوله عليه‌السلام «فانه على يقين من وضوئه» توطئة للجواب واما يكون قوله عليه‌السلام «فانه على يقين» بنفسه جوابا للشرط.

ولا بد من أن يتكلم أولا في امكان كون أحد الامرين جوابا بحسب القواعد وثانيا : في أنه على تقدير الامكان هل تستفاد الكلية السارية في جميع الموارد أم لا؟

فنقول : أما كون الجواب قوله عليه‌السلام «ولا ينقض» فلا يمكن ، فان لفظ الواو مانع وبعبارة اخرى : الجواب للشرط يصدّر بالفاء لا بالواو. وأما قوله عليه‌السلام «فانه على يقين من وضوئه» فلا يمكن جعله جوابا للشرط لأنه اما يبقى على ظاهره من كونه جملة خبرية واما يحمل على الانشاء أما على الاول فلا يترتب على الشرط ولا يرتبط به فان اليقين بالوضوء السابق محفوظ بلا فرق بين حصول العلم بالنوم أو ناقض آخر وبين عدم الحصول.

وبعبارة واضحة : العلم بالوضوء أجنبي عن العلم بالناقض للوضوء. وأما على الثاني فقد أفاد سيدنا الاستاد قدس‌سره بأنه لا يمكن مساعدته اذ لم يعهد استعمال الجملة الاسمية في مقام الانشاء والطلب فلا يقال زيد قائم في مقام ايجاب القيام بخلاف الجملة الفعلية فانهما تستعمل كثيرا في مقام الانشاء كقوله يعيد ويتوضأ ويقضي ويصوم.

مضافا الى أنه لو فرض حمله على الانشاء لا يستفاد وجوب جري العمل على طبق الحالة السابقة بل المستفاد منه وجوب تحصيل اليقين بالوضوء. ولا معنى له لأن المفروض انه على يقين من وضوئه فلا مجال لوجوب تحصيل اليقين بالوضوء.

ويرد على ما أفاده ان استعمال الجملة الاسمية في مقام الانشاء

والطلب كثير وذكرنا جملة من موارده الموجودة في النصوص في قاعدة لا ضرر. ويكفي لا ثبات المدعى قوله تعالى (فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ)(١) فلاحظ.

نعم اشكاله الثاني على الظاهر وارد اذ لا يكون المولى في مقام ايجاب تحصيل اليقين والذي يهون الامر انه لا يتوقف الاستدلال بالصحيحة على التقريب المذكور. هذا تمام الكلام في الجهة الاولى من البحث.

وأما الجهة الثانية وهي انه على فرض صحة الاستعمال هل تستفاد الكلية أم لا؟ الظاهر انه تستفاد فان قوله ولا ينقض اليقين بالشك قاعدة كلية سارية وجارية في جميع الموارد بلا فرق بين كون الشبهة حكمية أو موضوعية وبلا فرق بين كون الحكم كليا أو جزئيا تكليفيا أو وضعيا ولا يلزم استعمال اللفظ في أكثر من معنى واحد فان المستفاد من الحديث ان اليقين لا ترفع اليد عنه بالشك على الاطلاق أي بلا فرق بين متعلقات الشك واليقين كما أن قوله عليه‌السلام «كل شيء حلال» شامل للشبهة الحكمية والموضوعية بالاطلاق فلاحظ.

ثم انه تقع في ذيل الحديث تنبيهات : التنبيه الاول : ان الشيخ قدس‌سره أفاد بأن جريان الاستصحاب يختص بمورد يكون الشك في الرافع وأما اذا كان الشك في المقتضي فلا يجري الاستصحاب.

وقال سيدنا الاستاد : «يقع الكلام في مقامين : المقام الاول : في بيان مراد الشيخ من الشك في المقتضي. المقام الثاني فى صحة ما أفاده من التفصيل.

__________________

(١) البقرة / ١٩٧.

أما المقام الاول فنقول : في كلام الشيخ قدس‌سره احتمالات : الاحتمال الاول : أن يكون المراد من المقتضي السبب التكويني الذي يكون جزء للعلة التامة. وهذا الاحتمال منفي في كلامه اذ هو قدس‌سره قائل بجريان الاستصحاب في العدميات ولا معنى للاقتضاء في العدميات وأيضا هو قدس‌سره قائل بجريان الاستصحاب في الاحكام الشرعية ، والاحكام الشرعية لا مقتضي لها بل أمرها وضعا ورفعا بيد الشارع الاقدس.

الاحتمال الثاني : أن يكون مراده بالمقتضي الموضوع فانه ثبت اصطلاح من الفقهاء بأن يعبّروا عن الموضوع في الاحكام التكليفية بالمقتضي وفي الأحكام الوضعية بالسبب وهذا الاحتمال أيضا منفي اذ لا بد في جريان الاستصحاب من وجود الموضوع وإلّا أي مع العلم بعدم الموضوع يكون أخذا بالقياس ومع احتمال عدم الموضوع يكون الاخذ بالقياس احتمالا والامامية غير قائلين بالقياس.

وبعبارة واضحة : التحفظ على الموضوع وان كان شرطا في جريان الاستصحاب لكن لا مجال لاحتمال كون نظره الى هذا الامر فانه من الواضحات.

الاحتمال الثالث : أن يكون المراد من المقتضي ملاكات الاحكام ففي كل مورد يكون الشك في الملاك لا يجري الاستصحاب وفي كل مورد يكون الشك فيما يزاحم الملاك يجري.

وهذا الاحتمال لا يجري في كلام الشيخ قدس‌سره أيضا فانه يجري الاستصحاب في الموضوعات الخارجية ولا ملاك فيها.

مضافا الى أن العلم بوجود الملاك يختص بعلّام الغيوب وكيف يمكن لنا أن نعلم بوجوده.

ونرى انه قدس‌سره قائل بجريان الاستصحاب في بقاء الملكية

في المعاطاة بعد رجوع أحد المتعاقدين ويصرح بأن الشك فيه شكا في الرافع وينكر الاستصحاب في بقاء الخيار في خيار الغبن لكون الشك في المقتضي ومن أين علم بوجود الملاك في الاول وعدمه في الثاني.

والظاهر ان القوم تصوروا ان مراد الشيخ من المقتضي المقتضي لمتعلق اليقين فحملوا كلامه تارة على السبب واخرى على الموضوع وثالثة على الملاك ومراد الشيخ ظاهرا من المقتضي نفس متعلق اليقين من حيث الجري العملي فحق التعبير أن يقال : اذا كان الشك من جهة المقتضي لا يجري الاستصحاب واذا كان الشك في البقاء من جهة الشك في الرافع يجري.

وببيان أوضح : ان الاشياء التي توجد في الخارج على نحوين : أحدهما : انه اذا وجد يكون موجودا في مقدار من الزمان وبانتهاء زمانه ينعدم بنفسه وثانيهما انه بعد ما وجد في الخارج يبقى في عمود الزمان الى أن يرفعه رافع ، ولو لا الرافع يبقى.

مثلا خيار الغبن اذا شك في بقائه بعد الزمان الاول لا يجري استصحاب بقائه لأنه يحتمل أن يكون باقيا في الزمان الثاني ، ويمكن فيه اقتضاء البقاء.

وأما في مورد بقاء الملكية في المعاطاة بعد رجوع أحد المتعاملين فيجري الاستصحاب لان الشك في وجود الرافع ولو لا الرافع تكون الملكية باقية في عمود الزمان.

ولتوضيح المقام نذكر الاقسام في ضمن امثلة فنقول : الاحكام المجعولة على ثلاثة أقسام : القسم الاول : أن يكون باقيا في حد نفسه ولا يرتفع إلّا برافع كالملكية الحاصلة بالبيع فانها باقية الى أن يحصل ناقل وإلّا فهي باقية في عمود الزمان.

القسم الثاني : أن يكون الحكم مغيا بغاية كالزوجية الانقطاعية فانها تزول بنفسها بحصول غايتها ولا يحتاج ارتفاعها الى رافع.

القسم الثالث : أن يشك في ان ما تحقق في الخارج من أي القسمين كما لو شك في زوجية امرأة بأنها دائمية أو انقطاعية. أما القسم الاول فلا اشكال في جريان الاستصحاب فيه.

وأما القسم الثاني فتارة يشك في البقاء من جهة وجود الرافع واخرى من جهة الشك في تحقق الغاية فان كان الشك في الرافع يجري الاستصحاب.

وأما ان كان الشك في تحقق الغاية فتارة يكون من جهة الشبهة الحكمية واخرى من جهة الشبهة المفهومية وثالثة من جهة الشبهة الموضوعية فان كان من جهة الشبهة الحكمية فكما لو شك في أن الغاية لصلاة المغرب والعشاء للغافل نصف الليل أو الفجر فلا يجري الاستصحاب ، للشك في المقتضي.

وأما اذا كانت الشبهة مفهومية فكما لو شك في أن المغرب بماله من المفهوم عبارة عن غروب الشمس أو عبارة عن ذهاب الحمرة فأيضا لا يجري الاستصحاب.

وأما اذا كانت الشبهة موضوعية فكما لو شك في أن الشمس غابت أو بعد لم تغب فان الاستصحاب يجري في بقاء اليوم فانه في نظر العرف من الشك في الرافع وان كان في الحقيقة الشك فى المقتضي فان الرافع لا يكون نفس الزمان بل الرافع أمر زماني.

وأما القسم الثالث فلا يجري فيه الاستصحاب لان الشك فيه شكا من جهة المقتضي فانقدح ان المراد من الشك في المقتضي ان ما تعلق به اليقين لا يكون فيه استعداد البقاء ولا يبقى في عمود

الزمان الا في مقدار معين والمراد من الشك في الرافع ان متعلق اليقين يبقى في نفسه ويرتفع برافع يرفعه. هذا تمام الكلام في المقام الاول.

وأما المقام الثاني فنقول : المستفاد من كلام الشيخ قدس‌سره انه اريد من قوله لا ينقض اليقين بالشك عدم نقض المتيقن.

وبعبارة اخرى : اريد من اليقين متعلقه وعليه لا بد من التفصيل لان النقض يرد على الامر المستحكم فان كان متعلق اليقين أمرا قابلا للبقاء لو لا وجود الرافع يصدق عنوان النقض لانه مستحكم وأما لو لم يكن كذلك فلا يصح اسناد النقض اليه لانه لا يكون مستحكما.

وأورد عليه في الكفاية بأنه لا دليل على أن المراد من اليقين متعلقه كي يتم البيان المذكور ومع عدم الدليل يبقى لفظ اليقين بحاله ويراد من اللفظ نفس اليقين ويصح اسناد النقض اليه فانه أمر مستحكم.

ويمكن أن يجاب عن الاشكال المذكور بأنه نفرض ان النقض متعلق بنفس اليقين ولم يرد من لفظ اليقين متعلقه إلّا ان اسناد النقض اليه ليس تماما ولا يسند اليه باعتبار نفسه اي لا يسند اليه باعتبار كونه صفة قائمة بالنفس ولا باعتبار الآثار المترتبة على نفس اليقين.

أما الاول فلأن اليقين باعتبار نفسه وباعتبار كونه صفة قائمة بالنفس ينتقض بالشك ان اخذ متعلقه مطلقا ، ولا ينقض ان اخذ متعلقه مقيدا وعلى كلا التقديرين لا مجال لأن ينهى الشارع عن نقضه.

بيان ذلك : انه لو تيقن زيد بعدالة احد يوم الجمعة ثم شك في عدالته وبقائها الى يوم السبت فان اخذ متعلقه مطلقا يكون يقينه

بالعدالة منتقضا كما هو المفروض فان يقينه تبدل بالشك وان قيد متعلقه بخصوص العدالة في يوم الجمعة فلم ينتقض فما معنى النهي عن نقضه.

وأما الثاني فلعدم ترتب حكم شرعي على نفس اليقين وعلى فرض ترتبه يكون يقينا موضوعيا خارجا عن اطار البحث فان الكلام في اليقين الطريقي فلا بد من أن يكون المراد من عدم نقض اليقين عدم نقض آثار المتيقن وترتيب آثاره.

وعليه نقول : اذا كان ما تعلق به اليقين له الدوام في عمود الزمان ولا يرتفع الّا برافع يجري الاستصحاب وإلّا فلا يجري.

وربما يقال في الرد على الشيخ : بأن دليل الاستصحاب غير منحصر في حديث زرارة كي يتم هذا التقريب بل هناك حديثان آخران ولا يشتملان على لفظ النقض ويكفي وجودهما للاطلاق وعدم التفصيل.

الحديث الاول ما رواه عبد الله بن سنان قال : سأل أبي أبا عبد الله عليه‌السلام وانا حاضر : اني اعير الذمي ثوبي وانا اعلم انه يشرب الخمر ويأكل لحم الخنزير فيرده عليّ فأغسله قبل ان اصلّي فيه؟ فقال ابو عبد الله عليه‌السلام : صل فيه ولا تغسله من أجل ذلك فانك أعرته اياه وهو طاهر ولم تستيقن انه نجسه فلا بأس أن تصلّي فيه حتى تستيقن انه نجسه (١).

الحديث الثاني : ما روي عن علي عليه‌السلام في حديث الأربعمائة قال : من كان على يقين ثم شك فليمض على يقينه فانّ الشك لا ينقض اليقين الوضوء بعد الطهور عشر حسنات فتطهروا واياكم والكسل فان من كسل لم يؤدّ حق الله عزوجل تنظفوا بالماء من نتن

__________________

(١) الوسائل الباب ٧٤ من أبواب النجاسات الحديث ١.

الريح الذي يتأذى به تعهّدوا انفسكم فان الله يبغض من عباده القاذورة الذي يتأنّف به من جلس اليه اذا خالط النوم القلب وجب الوضوء اذا غلبتك عينك وانت في الصلاة فاقطع الصلاة ونم فانك لا تدري لعلّك أن تدعو على نفسك (١).

ويجاب عن الحديث الاول بأن مورده الشك في الرافع اذ مورد جريان الاستصحاب الطهارة ومن الظاهر ان الطهارة تبقى الى أن ترفع برافع وأما الحديث الثاني فعبر فيه بالامضاء وامر به والامضاء مساوق للنهي عن النقض.

اقول : ـ مضافا الى كون الحديث ضعيفا سندا على ما يظهر من الشيخ الحر في الوسائل «فان اسناد الصدوق الى حديث الاربعمائة ضعيف بالعبيدي وقاسم بن يحيى» ـ : انه قد علل الحكم في الذيل بقوله عليه‌السلام «فان الشك لا ينقض اليقين» فمفاد هذه الرواية عين مفاد رواية زرارة هذا تمام الكلام في بيان كلام الشيخ.

ويرد عليه نقضا وحلا أما الاول فبموارد : منها : استصحاب عدم النسخ فانه لا اشكال في جريانه بل المحدث الاسترآبادي ادعى انه من ضروريات الدين والحال ان استصحابه من الشك في المقتضي اذ الشك في النسخ وعدمه الشك في مقدار الجعل وإلّا يلزم البداء في حق تعالى.

وبعبارة اخرى : الشك في النسخ عبارة عن الشك في أن الجعل الشرعي مستمر أو محدود فيكون شكا في المقتضي.

ومنها : الاستصحاب في الموضوعات الخارجية كاستصحاب وجود زيد وعمرو فانّه لا شك في جريان الاستصحاب في الموضوعات مع

__________________

(١) الوسائل الباب ١ من أبواب نواقض الوضوء الحديث ٦.

ان الشك في بقاء زيد مثلا شك في المقتضي اذ لا يعلم ان زيدا بأي مقدار يكون مستعدا للبقاء ولا يكون له مقدار منضبط فانه اذا جعل الميزان بالجنس فانواعه مختلفة وان جعل النوع فاصنافه مختلفة وان جعل الصنف فأفراده مختلفة لاختلاف الأمزجة.

ومنها : استصحاب عدم تحقق الغاية من جهة الشبهة الموضوعية كالشك في تحقق الغروب مثلا أو الشك في دخول هلال الشهر الفلاني فان الاستصحاب جار في هذه الموارد. بل قوله عليه‌السلام : «افطر للرؤية وصم للرؤية» صريح في استصحاب عدم تحقق الغاية فان الشك في تحقق الغاية من أقسام الشك في المقتضي اذ الشك في تحققها ناش عن الشك في مقدار استعداد البقاء في الزمان. مثلا ان الشك في الظهر يكون مرجعه الى الشك في أن ما قبل الظهر أي مقدار مستعد للبقاء ، والحال ان جريان الاستصحاب في عدم تحقق الغاية ظاهر واضح ، والشيخ قائل بجريانه فيه.

وأما الحل فنقول مقتضى الدقة عدم تحقق عنوان نقض اليقين بالشك لأن متعلق اليقين غير متعلق الشك فان عدالة زيد متعلق اليقين لكن عدالته في يوم الجمعة مورد اليقين وعدالته في يوم السبت مورد الشك ومتعلقه فلا يصدق نقض اليقين بل اليقين بنفسه انتقض وارتفع.

وأما بالنظر العرفي المسامحي فكأن متعلق اليقين بعينه متعلق الشك ولا يجوز رفع اليد عن الأمر المستحكم بغيره فلا يجوز نقضه ورفع اليد عنه.

وان ابيت عن ذلك نقول : الشارع يعبدنا ببقاء اليقين وعليه لا فرق بين كون الشك من ناحية الاستعداد وبين كون الشك من ناحية احتمال الرافع ، فالاستصحاب حجة على الاطلاق».

هذا ملخص ما أفاده ويضاف الى ما ذكره ان قوله عليه‌السلام في ذيل الحديث «ولكنه ينقضه بيقين آخر» يستفاد منه بالفهم العرفي انه يجب على المكلف أن يرتب آثار متعلق اليقين الى زمان تبدل شكه بيقين بخلاف اليقين الاول.

وصفوة القول : انا نسأل بأن زرارة ما ذا فهم من كلام الامام وجوابه عليه‌السلام؟ ونقول هل فهم من الجواب انه يجب عليه ترتيب الآثار على اليقين السابق وعدم رفع اليد عنه وكأنه في حال الشك ايضا يقينه باق على حاله ام لم يفهم؟

أما على الاول فيتم المدعى ويثبت المطلوب. وأما على الثاني فهل فهم شيئا وقنع بالجواب ام لم يفهم شيئا.

أما على الاول فما ذا هو وأما على الثاني فكيف سكت مع عدم قناعته بجواب الامام وكيف نقل وروى كلام المعصوم ولم يذكر عدم قناعته بالجواب وكون الجواب مجملا وهل يمكن احتمال هذا الأمر بالنسبة الى مثل زرارة مع جلالته.

ان قلت : ان النقض عبارة عن رفع الهيئة الاتصالية كما في نقض الحبل والأقرب الى المعنى الحقيقي رفع اليد عن أمر فيه اقتضاء البقاء وان كان يستعمل ايضا في مطلق رفع اليد عن أمر ، وان لم يكن فيه اقتضاء البقاء فيدور الأمر بين أن يراد من المتعلق خصوص ما فيه الاقتضاء وبين مطلق الأمر ولو لم يكن فيه اقتضاء للبقاء. وحيث ان الاول أقرب الى المعنى الحقيقي يحمل اللفظ عليه فيختص الاستصحاب بما يكون الشك في البقاء ناشيا عن ناحية احتمال الرافع فيتم مدعى الشيخ قدس‌سره.

وبعبارة واضحة يكون المقام ، أي قوله «لا ينقض اليقين» كقول القائل «لا تضرب احدا» فان لفظ احد اعم من الميت والحي ولكن

الضرب ظاهر في الضرب المولم فيكون قرينة لكون المراد من لفظ احد خصوص الحي.

قلت : اسناد النقض الى اليقين لا يكون باعتبار متعلقه كي يتم البيان المذكور بل صحة الاستعمال باعتبار نفس اليقين فكأن اليقين أمر مستحكم بلا فرق بين كون متعلقه فيه الاستعداد للبقاء وكون متعلقه غير مستعد له.

وبعبارة واضحة : حسن الاسناد باعتبار اليقين. ان قلت اذا لم يكن الاستعمال باعتبار المتعلق فلا انتقاض لليقين. نعم في قاعدة اليقين ينقض اليقين ولكن الكلام ليس في تلك القاعدة بل الكلام في الاستصحاب.

قلت مع الغاء الخصوصية عن المتعلق يصح الاسناد. وبعبارة واضحة : مع الغاء الخصوصية ينتقض اليقين بلا فرق بين كون المتعلق من هذا القسم أو من ذلك القسم ، وأما مع عدم الغاء الخصوصية فاليقين باق بلا فرق بين أقسام المتعلق.

وصفوة القول : ان اسناد النقض الى اليقين مع الدقة العقلية غير حسن وأما مع التسامح العرفي يكون حسنا ، نعم اذا كان المتعلق فيه استعداد البقاء يكون الاستعمال اقرب الى المعنى الحقيقي اعتبارا وذوقا ، ولكن الظواهر لا تكون تابعة للاعتبارات والأذواق ، فالنتيجة انه لا فرق فيما هو المهم بين كون الشك من جهة المقتضى وكونه من جهة الرافع فلاحظ.

التنبيه الثانى :

التفصيل الذي اختاره النراقي وهو جريان الاستصحاب في الأحكام الجزئية والموضوعات الخارجية وعدم جريانه في الأحكام

الكلية الالهية : فنقول تارة يشك في بقاء الموضوع الخارجي وعدمه كحياة زيد وعدالة عمرو الى غيرهما من الموضوعات الخارجية. واخرى يشك في بقاء الحكم الشرعي.

أما على الاول فلا اشكال في جريان الاستصحاب وأما على الثاني ، فتارة عموم الحكم معلوم في عمود الزمان ، ونشك في نسخه فلا اشكال في جريان استصحاب عدم النسخ.

بل عن المحدث الاسترابادي ان جريان استصحاب عدم النسخ من الضروريات ، مضافا الى قوله عليه‌السلام : «فحلاله حلال الى يوم القيامة وحرامه حرام الى يوم القيامة» ـ الحديث (١).

واخرى لا يكون مقدار الجعل معلوما ويشك في بقاء الحكم ، وفي هذه الصورة تارة يكون الشك في الحكم ناشيا عن الشبهة الحكمية واخرى ناشيا عن الشبهة الموضوعية فان كان الشك ناشيا عن الشبهة الموضوعية كما لو شك في بقاء الطهارة من جهة الشك في تحقق الحدث وعدمه فلا اشكال في جريان الاستصحاب.

وأما ان كان الشك في البقاء ناشيا عن الشبهة الحكمية فتارة يكون لكل موضوع حكم غير ما ثبت للفرد الآخر واخرى يكون المجعول حكما مستمرا لموضوع واحد فان كان من قبيل الاول كحرمة وطء الحائض بعد انقطاع الدم لا يجري الاستصحاب اذ كل وطء له حكم غير الحكم الثابت للوطء الآخر ، فاذا انقطع الدم وشك في حرمة الوطء بعد الانقطاع لا يجري استصحاب الحرمة حتى على القول بجريان الاستصحاب في الاحكام الكلية اذ المفروض ان الوطء بعد الانقطاع موضوع مغاير مع الموضوع الآخر.

__________________

(١) الاصول من الكافى ج ٢ ص ١٧ ـ الحديث ٢.

وبعبارة واضحة : الحرام الوطء الواقع على المرأة ذات الدم وأما بعد الانقطاع ، فلا علم بالحرمة من أول الامر ، واستصحاب الحرمة بالنسبة اليه يكون من اجراء حكم موضوع في موضوع آخر ، ومن اسراء الحكم من مورد الى غيره من الموارد وهذا داخل في القياس.

وأما ان كان من القبيل الثاني كالنجاسة العارضة على الماء القليل فلو تمم كرا وشك في بقاء نجاسته من جهة احتمال ان تتميمه كرا يوجب زوال النجاسة وصيرورته طاهرا فمثله محل الكلام اذ مقتضى استصحاب المجعول أي النجاسة بقائها ، ومن ناحية اخرى لا ندري ان جعل المولى بأى مقدار وانه مغني بالتتميم أو مطلق. ومقتضى استصحاب عدم الجعل الزائد عدم نجاسته.

وببيان واضح : قبل الشرع بل في أول الشريعة لم تجعل النجاسة للماء القليل الملاقي مع النجس وبعد الجعل لا ندري مقداره ومقتضى الاستصحاب عدم الجعل الزائد.

وان شئت قلت : الامر دائر بين الاقل والاكثر ولا بد من الاخذ بالاقل والزائد محكوم بالعدم ببركة الاستصحاب فيقع التعارض بين استصحابي الجعل والمجعول فتصل النوبة الى جريان قاعدة الطهارة.

هذا ما أفاده النراقي في المقام ، أقول : بل التعارض المذكور جار في بعض الشبهات الموضوعية مثلا اذا زوج زيد امرأة ولا ندري ان تزويجه دائمي أو انقطاعي ونفرض انه على تقدير كونه انقطاعيا مقداره ومدته سنة فبعد مضي سنة من الزواج نشك في بقاء الزوجية وعدمه ومقتضى استصحاب بقاء المجعول بقاء

الزوجية ومقتضى استصحاب عدم الجعل الزائد عدمها وله نظائر كثيرة فلاحظ.

ان قلت : في التزويج المردد بين الموقت والدائم بعد التعارض والتساقط هل يجوز نكاح المرأة ام لا يجوز؟ أما على الاول فيشكل بأنها يحتمل كونها ذات البعل وفي الشبهة المصداقية لا مجال للاخذ بالعموم.

وأما على الثاني فما الحيلة وما الوسيلة للخروج عن هذه العويصة؟ قلت : الذي يختلج ببالي في هذه العجالة أن يقال : بعد تعارض الاصلين الموضوعيين تصل النوبة الى التوسل بقاعدة اخرى ولا يبعد أن يكون المرجع القرعة ولكن الاشكال في عموم دليل القرعة وشمولها لمثل المقام فلا بد من الاحتياط والله العالم بالاحكام.

فتحصل ان استصحاب المجعول في الشبهات الحكمية يعارضه استصحاب عدم الجعل الزائد. اذا عرفت ما تقدم ، فاعلم انه قد اوردت إيرادات على كلام النراقي.

الايراد الاول : ما ذكره صاحب الكفاية ، وهو ان الفاضل النراقي تارة نظر نظرا مسامحيا عرفيا ، فأجرى استصحاب الوجود ، واخرى نظر نظرا دقيا عقليا فاجرى استصحاب العدم. فان الماء المتمم غير الماء الذي لم يتمم بالدقة العقلية وعينه بالنظر العرفي والحال ان الميزان في وحدة الموضوع النظر العرفي وعليه لا بد من جريان الوجود ولا مجال لاستصحاب العدم.

وهذا الايراد غير وارد على النراقي. فانا نسلم ان وحدة الموضوع عرفية ، ولكن مع ذلك التعارض موجود ، فان الماء المتمم كرا مع انه وجود واحد ، نعلم بنجاسته قبل التتميم ، وبعده نشك في بقاء النجاسة. وأيضا نشك في مقدار الجعل.

وبعبارة واضحة : لا ندري ان الموضوع الواحد أى الماء بعد اتمامه كرا هل يكون نجسا أم لا؟ وكل من المجهول والجعل مسبوق باليقين. فان اركان الاستصحاب في كل من الجعل والمجعول تامة ، فيقع التعارض بين الاستصحابين.

الايراد الثاني : هو الذي أورده الشيخ قدس‌سره على الفاضل وهو ان الزمان ان كان مفردا ويكون موجبا لتعدد الموضوع فلا يجري استصحاب الوجود بل يجرى استصحاب العدم فقط. وذلك لانه مع تعدد الموضوع لا يمكن اسراء حكم موضوع الى موضوع آخر.

وبعبارة اخرى : يشترط في جريان الاستصحاب وحدة الموضوع وان لم يكن الزمان مفردا يجري استصحاب الوجود ولا يجرى استصحاب العدم فان المفروض ان الحالة السابقة عبارة عن وجود الحكم.

ويرد عليه ان الزمان لا يكون مفردا ولكن مع ذلك يكون التعارض موجودا والحالة السابقة وجود باعتبار وعدم باعتبار آخر. فان المجعول له حالة سابقة وجودية والجعل له حالة سابقة عدمية مثلا صلاة الجمعة في زمان الحضور كانت واجبة فوجوبها له حالة سابقة وجودية والاستصحاب يقتضي بقائه فتكون واجبة في زمان الغيبة أيضا. وعدم جعل وجوبها أزيد من زمان الحضور له حالة سابقة عدمية ومقتضى الاستصحاب بقائه على عدم الجعل الزائد فهو يقتضي عدم الالزام بقاء فالتعارض موجود بين استصحابي عدم الجعل ووجود المجعول فلا اشكال.

الايراد الثالث : انه يشترط في جريان الاستصحاب اتصال زمان الشك باليقين واليقين بالحكم متصل بالشك فيه وأما اليقين

بعدم الحكم فلا يكون متصلا بالشك فيه مثلا العلم بحرمة وطء الحائض في أيام الدم متصل بالشك في بقاء الحرمة بعد انقطاع الدم قبل الاغتسال فيجري الاستصحاب. وأما العلم بعدم الحرمة فقد انتقض بالعلم بالحرمة فلا يجري الاستصحاب.

والجواب عن هذا الاشكال ان العلم بعدم الحرمة قد انتقض بالعلم بها بالنسبة الى زمان الدم فيجري استصحاب الحرمة بعد الانقطاع ، وأما بالنسبة الى زمان الانقطاع فلم يحصل يقين بالحرمة بل عدم الجعل كان معلوما ويشك في جعل الحرمة بالنسبة اليه ومقتضى الاستصحاب عدم جعل الزائد فالشك في الحرمة متصل بالعلم بالحرمة والشك في جعل الزائد متصل بالعلم بعدم الجعل فأركان الاستصحاب تامة بالنسبة الى الطرفين فيقع التعارض. وحيث لا ترجيح لاحدهما على الآخر يتساقطان.

ان قلت : انه لا يشترط في الاستصحاب اتصال الشك باليقين ولذا يمكن ان الانسان يتيقن بأمر ثم يغفل عنه وبعد التوجه والتذكر يشك في بقائه فيجري الاستصحاب بلا اشكال ، بل الشرط في الاستصحاب اتصال المشكوك فيه بالمتيقن ، وفي المقام لا يكون كذلك.

مثلا المكلف يعلم بعدم جعل الحرمة لوطء المرأة الحائض قبل الشريعة ويتيقن انه جعلت الحرمة بعد الشرع والشريعة وبعده يشك في بقاء الحرمة فعدم الجعل تبدل بالجعل فالمتيقن الحرمة والمشكوك فيه بقائها فاركان الاستصحاب بالنسبة الى الحرمة تامة وأما بالنسبة الى عدم جعلها فلا فان اليقين بعدم الجعل قد انتقض باليقين بالجعل.

قلت : أركان الاستصحاب بالنسبة الى كلا الامرين تامة فان لنا شكا ويقينين لأنا نعلم بعدم الجعل قبل الشريعة ونعلم بالحرمة

بعد الشرع للوطء الواقع في زمان الدم ، وأما بعد الانقطاع فنشك في الحرمة ونشك في سعة الجعل. فكما ان الحرمة مشكوك فيها متصلة بالمتيقن كذلك الجعل المشكوك فيه متصل بعدم الجعل المتيقن فاركان الاستصحاب بالنسبة الى كلا الامرين تامة فلا تغفل.

الايراد الرابع : ان استصحاب عدم الجعل في رتبته معارض باستصحاب عدم جعل الحلية وبعد التعارض يجري استصحاب الحرمة بلا معارض.

ويمكن أن يجاب عن هذا الايراد باجوبة : الجواب الاول : ان استصحاب جعل الحلية لا مجال له اذ الاشياء كلها في صدر الشريعة كانت مرخصا فيها والتكاليف قد جعلت بالتدريج فلا حالة سابقة لعدم الحلية.

الجواب الثاني : انه لا تعارض بين استصحاب عدم جعل الحرمة واستصحاب عدم جعل الحلية فان التعارض بين الاصلين يحصل باحد وجهين :

احدهما : التنافي بين الاصلين في حد نفسهما كاستصحاب الحرمة واستصحاب الوجوب فان الاصلين في أمثال المقام متعارضان في حد نفسهما فتأمل ، لانّ التنافي بين الاحكام لا أصل له ولا تنافي بين الاحكام حتى بين وجوب شيء وحرمته فان الاحكام من الاعتباريات والاعتبار خفيف المئونة.

ثانيهما : ان يلزم مخالفة عملية قطعية كما لو علم بنجاسة احد الإناءين فجريان اصالة الطهارة في كليهما يوجب المخالفة العملية القطعية ، وأما في المقام فلا محذور فان استصحاب عدم جعل الالزام لا ينافي عدم جعل الاباحة كما انه لا يلزم من جريانهما خلاف عملي.

الجواب الثالث : انه فرضنا التعارض المدعى لكن نقول : يقع التعارض بين الاصول الثلاثة دفعة وتساقطت أيضا دفعة ولا وجه للترتب المذكور بأن يقال : يتعارض استصحاب عدم جعل الحرمة مع استصحاب عدم جعل الترخيص فتصل النوبة الى استصحاب الحرمة بل يجري الاستصحاب من نواح ثلاث وبعد التعارض والتساقط تصل النوبة الى البراءة.

الايراد الخامس : ان استصحاب عدم الجعل لا أثر له لا شرعا ولا عقلا ففي حد نفسه لا يجري فلا مجال لان يعارض استصحاب المجعول.

وبعبارة اخرى : الاحكام الانشائية لا اثر لها مثلا جعل وجوب الحج للمستطيع لا يترتب عليه اثر حتى مع العلم.

وصفوة القول : مجرد الجعل لا يكون موضوعا لا للاثر الشرعي ولا للاثر العقلي.

وفيه ان الاشكال المذكور في غاية الضعف والوهن. فان الاحكام الشرعية على سبيل القضايا الحقيقية ويكون الفعلية فيها متوقفا على الجعل وعلى تحقق الموضوع في الخارج ، مثلا حرمة الخمر تتوقف على جعل الحرمة من قبل الشارع وعلى وجود الخمر خارجا بل توجه التكليف بعدم الشرب لا يتوقف على الخمر خارجا فان المكلف لو امكنه الشرب ينهى عنه ولو لم يتحقق الخمر في الخارج. فظهر ان الايرادات كلها غير واردة وما أفاده النراقي تام.

وربما يقال : بأنه لا تعارض بين استصحاب الجعل والمجعول بل يجري استصحاب عدم الجعل فقط ، وذلك لأن الشك في بقاء المجعول مسبب عن الشك في مقدار الجعل وقد قرر في محله ان

الاصل السببي حاكم على الاصل المسببي فلا مجال لاستصحاب الحرمة.

ويرد عليه ان الميزان في تقدم الاصل السببي على الاصل المسببي ان المسبب يكون من الآثار الشرعية للسبب مثلا لو شككنا في اللباس النجس المغسول بالماء المستصحب طهارته انه طهر أم لم يطهر نقول استصحاب الطهارة في الماء لا يبقى مجالا لاستصحاب النجاسة لأن الماء الطاهر يترتب عليه شرعا انه اذا غسل به ثوبا نجسا يطهر وبهذا التقريب يتم الامر. وتفصيل الكلام موكول الى مجال آخر.

وفي المقام لا يكون كذلك فان عدم الحرمة ليس اثرا شرعيا لعدم الجعل بل اثر تكويني بل يصح أن يقال : ان عدم الحرمة عين عدم الجعل فان عدم الحرمة عبارة عن عدم تعلق الجعل بحرمته فالتقريب المذكور غير تام.

ثم انه لا يخفى ان عدم الاستصحاب في الشبهات الحكمية يختص بالاحكام الوجودية ، وأما اذا شك في أصل الالزام كما لو شك في حرمة شرب التتن فلا مانع عن جريان الاستصحاب ولا يعارضه استصحاب عدم جعل الترخيص والاباحة اذ الاشياء على الاباحة الى أن يرد فيها أمر أو نهي عن الشارع الاقدس. مضافا الى أنا نفرض التعارض والتساقط ولكن بعد التساقط تصل النوبة الى البراءة.

ثم ان سيدنا الاستاد قدس‌سره أفاد في المقام بأنه لا مانع عن جريان الاستصحاب في الاحكام الوضعية ، مثلا اذا شك في طهارة شيء بقاء لا مانع عن استصحاب الطهارة. فان الطهارة لا تحتاج الى الجعل بل الاشياء طاهرة. وايضا الطهارة الحدثية كذلك

والناقضية تحتاج الى الجعل فالنتيجة ان الحكم الوضعي لا يكون مورد تعارض الاصلين.

وعليه لا بد من التفصيل بأن يقال : الاستصحاب لا يجري في الشبهة الحكمية التكليفية ويجري في الشبهة الحكمية الوضعية فهذا قول ثالث في قبال القول بالجريان على الاطلاق كما هو المشهور ، والقول بعدم الجريان كذلك كما عليه النراقي. هذا حاصل ما أفاده في هذا المقام على ما في التقرير. (١)

ويرد عليه اولا : ان الطهارة التي تكون موضوعة للاحكام الشرعية هل هي من الامور التكوينية أو من الامور الاعتبارية أما على الاول فهو خلاف ما بنوا عليه من أن الطهارة والنجاسة أمران اعتباريان وبنى عليه ايضا سيدنا الاستاد. وأما على الثاني ، فيحتاج الى الجعل.

وثانيا : انه فرضنا تمامية ما أفاده بالنسبة الى الطهارة الخبثية لكن كيف يتم بالنسبة الى الطهارة الحدثية فانه لا اشكال في أن الطهارة الحدثية مجعولة بالجعل الشرعي الاعتباري وتنعدم بوجود الناقض الشرعي ، وعليه نقول : لو تحققت الطهارة الحدثية في وعاء الاعتبار يكون بقائها بمقدار بقاء الاعتبار.

ولا مجال لأن يقال بأن بقائها لا يحتاج الى الجعل بل النقض يحتاج الى الجعل فاذا شك في الناقض يكفي استصحاب عدم الناقض وذلك لأن الناقضية كالشرطية والمانعية والقاطعية والجزئية امور واقعية لا تنالها يد الجعل فبقاء الطهارة الحدثية بمقدار جعلها في وعاء الاعتبار فاذا شك في بقائها يقع التعارض بين استصحاب بقائها واستصحاب عدم الجعل الزائد فالتعارض فيها كالتعارض

__________________

(١) ـ مصباح الاصول ج ٣ ص ٤٧.

في الاحكام التكليفية طابق النعل بالنعل.

وثالثا انه سلمنا ما أفاده في الطهارة الحدثية ايضا لكن لا اشكال ولا كلام في أن الملكية الشرعية من الامور الاعتبارية وتحتاج الى الجعل وكذلك الزوجية وكذلك بقية الاحكام الوضعية فالتعارض فيها واقع بلا كلام.

وببيان واضح : هل يمكن أن يقال : ان زوجية امرأة لرجل امر واقعي غير محتاجة الى الجعل وكذلك رقية انسان لغيره؟ كلا ثم كلا فعلى تقدير تمامية كلامه فانما يتم في الجملة لا بالجملة وقد ظهر بما ذكرنا عدم تماميته حتى في مورد واحد فالحق ما أفاده النراقي طيب الله رمسه وما أفاده قدس‌سره تترتب عليه آثار مهمة في أبواب الفقه فلله درّه وعليه اجره.

ايقاظ وتتميم :

ربما يقال : ان النفي اذا ورد على العموم تكون نتيجته سلب العموم لا عموم السلب مثلا اذا قال زيد : «ليس كل عالم عادلا» معناه سلب العدالة عن بعض العلماء لا أن كل عالم فاسق ، وعليه نقول : النفي الوارد في هذه الرواية وبقية الروايات على اليقين كقوله عليه‌السلام «لا ينقض اليقين» لا يستفاد منه العموم بل المستفاد منه ان اليقين في الجملة لا ينقض فلا دليل على اعتبار الاستصحاب في جميع الموارد.

ويرد على الايراد المذكور ان ما ادعى في الاشكال من أن المستفاد من الجملة سلب العموم على فرض تماميته يختص بمورد يكون العموم مستفادا من المدخول فالسلب الوارد عليه يفيد سلب العموم ، كما لو قال احد : «لا احب كل عالم» فان المدخول دال على العموم

والسلب يرد عليه فيكون النتيجة سلب العموم.

وأما اذا لم يكن كذلك كما لو كان المدخول دالا على الجنس فدخول السلب عليه يفيد عموم السلب كقول القائل لا رجال في الدار والمقام كذلك فان لفظ اليقين المحلّى بلام الجنس غير دال على العموم بل العموم مستفاد من النفي والاطلاق.

وثانيا : ان استفادة سلب العموم لا عموم السلب يتوقف على القرينة.

وبعبارة اخرى : الكلمة الدالة على العموم تدل على العموم الاستغراقي وحملها على العام المجموعي يحتاج الى قرينة فلو قال المولى : لا تهن العلماء يستفاد منه حرمة اهانة كل عالم على نحو العموم الاستغراقي.

وبعبارة واضحة : المدخول ان كان دالا على العموم في حد نفسه فيرد عليه النفي أو النهى لا يستفاد منه العام المجموعي بل المستفاد العموم الاستغراقي.

وثالثا : انّا سلمنا الكبرى لكن لا يمكن انطباقها على المقام لاجل القرينة القائمة على العموم. فانه عليه‌السلام بعد ما حكم بعدم انتقاض الوضوء بالشك في النوم علّل الحكم بأن اليقين لا ينقض بالشك ابدا ، فاذا لم يكن كلام الامام عليه‌السلام دالا على العموم الاستغراقي وكان دالا على عدم نقض بعض افراد اليقين لم يكن مجال لأن يقنع زرارة بالجواب اذ يمكن أن لا يكون اليقين بالوضوء من ذلك البعض والحال انه نرى ان زرارة قنع بالجواب فالنتيجة هو العموم المدعى.

ولا يخفى ان الجواب الاخير غير تام اذ لا اشكال في أن اليقين بالوضوء مشمول للحكم على كل حال اذ حكم عليه‌السلام بالصراحة

بعدم انتقاض اليقين بالوضوء بالشك في الانتقاض.

مضافا الى أنه يلزم عدم جوابه عن السؤال والحال انه لاوجه لامساكه عن الجواب وعدم تعرضه فلاحظ.

تذكرة :

اعلم ان جريان الاستصحاب في الامور الوجودية يختص بالشبهات الموضوعية كاستصحاب وجود زيد وعدالة عمرو وشجاعة بكر وخباثة خالد الى غيرها من الموارد وأما في الحكم فلا يجري الاستصحاب اذا شك في بقائه بلا فرق بين الحكم التكليفي والوضعي وبلا فرق بين كون الشبهة حكمية أو موضوعية. والوجه فيه انه لو شك في حكم من الاحكام الشرعية فان كان الشك في بقاء الحكم الكلي وبعبارة اخرى ان كانت الشبهة حكمية يكون استصحاب بقاء الحكم المشكوك فيه معارضا باستصحاب عدم الجعل الزائد كما مر قريبا وان كانت الشبهة موضوعية فلأجل ان الشك في بقاء الحكم الجزئي الخارجي دائما يكون ناشيا عن الشك في الرافع ويكون الاصل الجاري في السبب حاكما على الاصل الجاري في المسبب.

مثلا اذا كان الشخص متوضئا ثم شك في ارتفاعه ويكون الشك في البقاء ناشيا ومسببا عن الشك في وجود الناقض ومقتضي الاصل عدم تحقق الناقض فيكون الوضوء محكوما بالبقاء.

وايضا اذا شك في بقاء الطهارة الخبثية وقس عليهما كل مورد يشك في بقاء الحكم تكليفيا كان أم وضعيا فلا تغفل هذا تمام الكلام في الحديث الاول الذي استدل به على اعتبار الاستصحاب في الجملة أو بالجملة.

ومن تلك النصوص ما رواه زرارة ايضا قال قلت أصاب ثوبي

دم رعاف أو غيره أو شيء من مني فعلّمت اثره الى أن اصيب له من الماء فأصبت وحضرت الصلاة ونسيت ان بثوبي شيئا وصليت ثم اني ذكرت بعد ذلك.

قال تعيد الصلاة وتغسله. قلت : فاني لم اكن رأيت موضعه وعلمت انه قد أصابه فطلبته فلم اقدر عليه فلما صليت وجدته قال تغسله وتعيد.

قلت : فان ظننت انه قد اصابه ولم أتيقن ذلك فنظرت فلم ار شيئا ثم صليت فرأيت فيه قال : تغسله ولا تعيد الصلاة. قلت : لم ذلك؟ قال : لأنك كنت على يقين من طهارتك ثم شككت فليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشك ابدا.

قلت : فاني قد علمت انه قد أصابه ولم ادر اين هو فاغسله؟ قال : تغسل من ثوبك الناحية التي ترى انه قد اصابها حتى تكون على يقين من طهارتك. قلت : فهل علىّ ان شككت في أنه اصابه شيء ان انظر فيه؟ قال : لا ولكنك انما تريد أن تذهب الشك الذي وقع في نفسك.

قلت : ان رأيته في ثوبي وانا في الصلاة. قال : تنقض الصلاة وتعيد اذا شككت في موضع منه ثم رايته وأن لم تشك ثم رايته رطبا قطعت الصلاة وغسلته ثم بنيت على الصلاة لأنك لا تدري لعله شيء اوقع عليك فليس ينبغي أن تنقض اليقين بالشك (١).

وهذه الرواية تارة يبحث فيها من حيث السند واخرى من حيث الدلالة ، أما من حيث السند فالظاهر ان السند تام فان اسناد الشيخ الى حسين بن سعيد لا اشكال فيه وهو ينقل عن حماد عن حريز عن

__________________

(١) ـ التهذيب ج ١ ص ٤٢١ الحديث ٨.

زرارة فلا اشكال في السند. وأما الاضمار فقد تقدم ان اضمار مثل زرارة لا يضر ، فان زرارة اجل شأنا من أن ينقل عن غير المعصوم عليه‌السلام فالسند لا اشكال فيه.

وأما من حيث الدلالة فمورد الاستشهاد على المدعى موردان. المورد الاول : قوله عليه‌السلام ـ بعد السؤال الثالث ـ «لأنك كنت على يقين من طهارتك ثم شككت فليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشك ابدا» فان عموم العلة يقتضي سراية الحكم الى كل مورد يكون فيه الملاك المذكور.

وبعبارة اخرى : العلة تعمّم وتخصص مضافا الى أن مقتضى اطلاق اليقين الذي نهى عن نقضه عدم الفرق بين الموارد.

واشكال كون اللام للعهد الذكري قد ظهر الجواب عنه في الحديث السابق ، وقلنا الظهور الاولي يقتضي كون اللام للجنس.

وقد ورد في المقام اشكال وهو ان الكبرى الكلية وهي عدم نقض اليقين بالشك لا تنطبق على المورد ، اذ الاعادة لو كانت واجبة لا تكون نقضا لليقين بالشك بل نقض اليقين باليقين بوجوب الاعادة فلا تنطبق على الاستصحاب. ولذا حمل الحديث على قاعدة اليقين.

وقال سيدنا الاستاد قدس‌سره «وحمل الحديث على قاعدة اليقين عجيب اذ قاعدة اليقين متقومة بأمرين. احدهما : اليقين السابق ثانيهما الشك الساري كما لو علم زيد بعدالة بكر في يوم الجمعة ثم شك في عدالته في يوم الجمعة فى يوم السبت وشيء من الأمرين لا يكون متحققا في مورد الحديث.

أما الشك فعدمه واضح اذ المفروض ان المكلف يعلم بوقوع الصلاة في النجس ، وأما اليقين فان كان المراد به اليقين بالطهارة قبل الظن بالنجاسة فهو باق بحاله ولم يتبدل بالشك وان كان المراد

اليقين بالطهارة بعد الظن بالنجاسة فلم يذكر في الحديث ومجرد النظر وعدم الوجدان لا يدل على اليقين بالطهارة فلا يرتبط الحديث بقاعدة اليقين بل هو من ادلة الاستصحاب غاية الأمر انطباق الحديث على المورد غير معلوم وهذا المقدار من الاشكال لا يوجب سقوط الرواية عن قابلية الاستدلال على المدعى. هذا ما افاده قدس‌سره في المقام.

اقول : الظاهر ان الحديث ينطبق على المقام والمورد اذ المفروض ان المكلف انما صلى قبل اليقين بالنجاسة.

وبعبارة اخرى : ان قاعدة الاستصحاب كانت جارية في حقه في زمان الشك والاتيان بالصلاة هذا من ناحية. ومن ناحية اخرى ان اشتراط الصلاة بطهارة لباس المصلي شرط ذكري لا شرط واقعي والمفروض تحققه في ظرف الاتيان فلا تجب الاعادة فعدم وجوب الاعادة مقتضى جريان الاستصحاب فلا اشكال في الحديث لا من حيث الكبرى ولا من حيث الصغرى هذا ما يرجع بالمورد الاول.

المورد الثاني : قوله عليه‌السلام ـ في ذيل الحديث ـ «ثم بنيت على الصلاة لانك لا تدري لعلّه شيء أوقع عليك فليس ينبغي أن تنقض اليقين بالشك» فانه يستفاد من الذيل ايضا القاعدة الكلية بأن اليقين لا ينقض بالشك.

ويمكن تقريب الاستدلال بالذيل بوجهين احدهما : التعليل الواقع في كلامه عليه‌السلام وهو قوله «لانك لا تدري لعله شيء اوقع عليك» فان التعليل يفيد العموم.

ثانيهما : قوله عليه‌السلام «فليس ينبغي ان تنقض اليقين بالشك» فان العرف يفهم من الحديث الضابط الكلي الساري في جميع الموارد فلاحظ.

ومن تلك النصوص ما رواه زرارة ايضا عن احدهما عليهما‌السلام في حديث قال : اذا لم يدر في ثلاث هو أو في اربع وقد أحرز الثلاث قام فأضاف اليها اخرى ولا شيء عليه ولا ينقض اليقين بالشك ولا يدخل الشك في اليقين ولا يخلط احدهما بالآخر ولكنه ينقض الشك باليقين ويتم على اليقين فيبني عليه ولا يعتد بالشك في حال من الحالات (١).

وهذه الرواية من حيث السند تامة ، وأما من حيث الدلالة فتقريب الاستدلال بها على المدعى ان المكلف يعلم بعدم الاتيان بالركعة الرابعة وبعد ذلك يشك في الاتيان بها ويجب عليه أن لا ينقض يقينه بالشك.

وبعبارة اخرى : قد طبقت الكبرى الكلية وهي عدم نقض اليقين بالشك على المورد.

وقد اورد على الاستدلال بالرواية على المدعى ايرادان. الايراد الاول : انه لا تستفاد من الحديث الكبرى الكلية بل المستفاد منه الحكم الخاص وهو حكم المورد فلا يكون دليلا على العموم.

وربما يجاب عن الايراد المذكور بأن الكلية تستفاد من جملة من النصوص الأخر.

ويرد على الجواب المذكوران استفادة الكلية من بقية النصوص لا تقتضي الكلية في هذه الرواية ولكن يمكن تقريب الكلية باحد وجهين :

أحدهما : قوله عليه‌السلام «لا ينقض اليقين بالشك» فانه تستفاد الكلية من هذه القضية ، فان الظاهر من اللام لام الجنس ومقتضى

__________________

(١) ـ الوسائل الباب ١٠ من أبواب الخلل الواقع فى الصلاة الحديث ٣.

الاطلاق عدم تقييد المطلق فالنتيجة هو العموم.

ثانيهما : قوله عليه‌السلام ـ في ذيل الحديث ـ «ولا يعتد بالشك في حال من الحالات» فان الكلية تستفاد من هذه الكلمة.

الايراد الثاني : انه ما المراد من قوله عليه‌السلام «قام فاضاف اليها اخرى» فان كان المراد الركعة المنفصلة كما عليه الامامية فيكون المراد باليقين اليقين بالبراءة لا اليقين بعدم الاتيان فان الاتيان بالركعة المنفصلة تقتضي اليقين بالبراءة اذ لو كانت ما بيده ناقصة تكون الركعة متممة لنقصها ولم يزد في الصلاة ركوع ولا سجود ، وان كانت تامة تكون الركعة المنفصلة خارجة عن الصلاة ولا توجب بطلانها.

وأما لو اكتفى بالمقدار المأتي به ولم يضف اليه فيمكن نقصان الصلاة كما انه لو اضيف اليه شيء متصلا يمكن أن يكون زائدا ويوجب البطلان من جهة الزيادة.

وأما ان كان المراد الاتيان متصلا ويكون المراد من عدم النقض بالشك الاخذ باليقين بعدم الرابعة والاتيان بها متصلا تكون الرواية دالّة على الاستصحاب ولكن يكون على خلاف مذهب الامامية.

ان قلت يمكن حمل الحديث على بيان القاعدة الكلية السارية في جميع الموارد وأما تطبيق الحديث على المورد فيكون من باب التقية.

قلت : حمل كلام المعصوم على التقية خلاف الاصل الاولي. اذا عرفت ما تقدم نقول لا اشكال في أن المستفاد من الحديث ان اليقين لا ينقض بالشك فاليقين بعدم الرابعة لا ينقض بالشك فيها بل لا بد من تحصيل اليقين باتيانها فلا اشكال في أن الظاهر من

الحديث انه يجب اضافة ركعة اخرى الى المأتي به كى يحصل اليقين بالامتثال فلو كنا نحن وهذه الرواية لكنا نأخذ بظاهرها وحكمنا بوجوب اضافة ركعة متصلة ولكن حيث ان هذه الطريقة خلاف المذهب قطعا نرفع اليد عن ظهور الحديث بالنسبة الى هذه الجهة. ولكن لا مقتضي لرفع اليد عن أصل الظهور.

وصفوة القول ان المستفاد من الحديث مفاد الاستصحاب غاية الامر قد علم من الخارج ان طريق العلم بالامتثال الاتيان على نحو الانفصال فتحصل ان الحديث تام من حيث الدلالة على المدعى كما انه تام سندا فلاحظ.

ومن تلك النصوص ما رواه اسحاق بن عمار قال : قال لي أبو الحسن الاول عليه‌السلام : اذا شككت فابن على اليقين. قال : قلت : هذا اصل قال : نعم (١).

وهذه الرواية من حيث السند مخدوشة فان اسناد الصدوق الى اسحاق بن عمار ضعيف على ما كتبه الحاجياني. وأما من حيث الدلالة فيستفاد منها ان الاخذ باليقين اصل أولي ومقتضى الاطلاق المنعقد فيه سريانه في جميع الموارد الا فيما يقوم دليل على الخلاف.

وعن الشيخ قدس‌سره ان الحديث ناظر الى حكم الشك في عدد الركعات وحكمه الاتيان بالركعة المنفصلة فيكون المراد من اليقين الوارد في الحديث اليقين بالبراءة. فلا ترتبط الرواية بما نحن فيه.

ويرد عليه أولا : ان الخبر لم يرد في بيان حكم الركعات ولا قرينة فيها على المدعى المذكور ، وانما نقلها وذكرها اصحاب الحديث والفقهاء في الباب المشار اليه.

__________________

(١) ـ الوسائل الباب ٨ من أبواب الخلل الواقع فى الصلاة الحديث ٢.

وثانيا : ان الظاهر من الحديث ان الموضوع المفروض في الحديث عنوان اليقين وقد رتب عليه الحكم فاليقين لا بد من فرض وجوده فلا يرتبط بحكم باب الشكوك في الركعات فان الحكم هناك تحصيل اليقين بالبراءة ولم يفرض يقين في الرتبة السابقة بخلاف ما يستفاد من الحديث فان المستفاد من الحديث ترتيب الاثر على اليقين المفروض وجوده. وأما احتمال كون الرواية ناظرة الى قاعدة اليقين فغير سديد فان اليقين في القاعدة لا يكون موجودا بقاء والظاهر من الحديث تحقق عنوان اليقين في زمان ترتيب الاثر عليه فتحصل ان المستفاد من الحديث قاعدة الاستصحاب في جميع الموارد ، فانه يجب البناء على المتيقن عند الشك. غاية الامر ترفع اليد عن الاطلاق في باب الشك في عدد الركعات لاجل قيام دليل هناك على الخلاف فلاحظ.

ومن تلك النصوص ما رواه في الخصال عن علي عليه‌السلام (١). وهذه الرواية مخدوشة سندا فلا يعتد بها ، وأما من حيث الدلالة فربما يقال انها ناظرة الى قاعدة اليقين.

ويرد عليه ان الظاهر من الرواية التحفظ على عنوان اليقين بالفعل والحال ان اليقين في القاعدة زائل بالشك الساري.

ومن تلك النصوص ما رواه علي بن محمد القاساني قال كتبت اليه وأنا بالمدينة اسأله عن اليوم الذي يشك فيه من رمضان هل يصام أم لا؟ فكتب : اليقين لا يدخل فيه الشك صم للرؤية وافطر للرؤية (٢).

__________________

(١) ـ قد تقدم ذكر الحديث فى ص ٢٢.

(٢) ـ الوسائل الباب ٣ من أبواب احكام شهر رمضان الحديث ١٣.

والحديث ضعيف بالقاساني وغيره فلا تصل النوبة الى ملاحظة دلالته والبحث فيه.

ومن تلك النصوص ما رواه ابن سنان (١) فانه يستفاد من الحديث ببركة التعليل الوارد فيه ميزان كلي وضابط عام لعدم نقض اليقين بالشك. ولكن في خصوص باب الطهارة الخبثية لا أزيد فيكون الحديث مؤيدا.

بقى الكلام في جملة من النصوص الدالة على الطهارة والحلية. منها ما رواه عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام في حديث قال : كل شيء نظيف حتى تعلم انه قذر فاذا علمت فقد قذر وما لم تعلم فليس عليك. (٢)

ومنها ما رواه حماد بن عثمان عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : الماء كلّه طاهر حتى يعلم انه قذر (٣).

ومنها ما رواه مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال سمعته يقول : كل شيء هو لك حلال حتى تعلم انه حرام بعينه فتدعه من قبل نفسك وذلك مثل الثوب يكون عليك قد اشتريته وهو سرقة والمملوك عندك لعلّه حرّ قد باع نفسه أو خدع فبيع قهرا أو امرأة تحتك وهي اختك أو رضيعتك والاشياء كلها على هذا حتى يستبين لك غير ذلك أو تقوم به البينة (٤).

والاحتمالات المتصورة في هذه النصوص متعددة. الاحتمال

__________________

(١) ـ قد تقدم ذكر الحديث فى ص ٢٢.

(٢) ـ الوسائل الباب ٣٧ من أبواب النجاسات الحديث ٤.

(٣) ـ الوسائل الباب ١ من أبواب الماء المطلق الحديث ٥.

(٤) ـ الوسائل الباب ٤ من أبواب ما يكتسب به الحديث ٤.

الاول : أن يكون المراد اثبات الطهارة للاشياء الى زمان انفعالها بالنجس.

وبعبارة اخرى : تكون في مقام بيان ان الحكم الواقعي للاشياء الطهارة الى زمان تأثير النجاسة فيها ويكون العلم المذكور فيها علم طريقي فكأنه قال كل شيء طاهر الى زمان انفعاله بالنجاسة. وأيضا كل شيء حلال الى أن يصير حراما.

وهذا الاحتمال خلاف الظاهر فان الظاهر من هذه النصوص ان الطهارة المجعولة لمورد الشك في الطهارة والنجاسة.

وبعبارة اخرى المستفاد من هذه النصوص الحكم الظاهري لا الواقعي بل لا يمكن الالتزام به بالنسبة الى ما دل على الحلية فان قوله عليه‌السلام «كل شيء لك حلال حتى تعرف الحرام منه بعينه» يفهم منه انه قد فرض محرم ومحلل والشارع الاقدس يحكم بالحلية عند الشك في أن ما في الخارج من القسم الحلال أو من القسم الحرام بل الامر كذلك بالنسبة الى ما يدل على الطهارة. فان قوله عليه‌السلام «كل شيء نظيف حتى تعلم انه قذر» صريح في أن الحكم بالطهارة ما دام لا يحصل العلم بكونه نجسا فالمجعول الطهارة الظاهرية.

الاحتمال الثاني : أن يكون المراد ان الطهارة أو الحلية باقيتان الى أن يعلم بالخلاف فتكون النصوص دليلا على الاستصحاب.

وفيه ان قوام الاستصحاب بالمتيقن السابق ولم يفرض اليقين في النصوص المشار اليها بل الحكم بالطهارة والحلية ما دام الشك. فالنصوص دالة على قاعدة الطهارة والحلية ولا ترتبط بالاستصحاب.

الاحتمال الثالث : أن تكون النصوص ناظرة الى الحكم الواقعي والظاهري. وفيه انها ظاهرة في جعل الحكم الظاهرى أى الطهارة

والحلية عند الشك فيهما فلا مجال لهذا الاحتمال.

الاحتمال الرابع : أن تكون ناظرة الى جعل الطهارة الظاهرية واستصحاب تلك الطهارة فصدر الحديث دليل القاعدة وذيله دليل الاستصحاب.

وفيه ان الظاهر من النصوص جعل الحكم الظاهري في زمان الشك فما دام الشك موجودا يشمله الدليل وأما مع عدم الشك فلا موضوع للنصوص.

الاحتمال الخامس : أن تكون الجملة متعرضة للحكم الواقعي وبقاء ذلك الحكم الى زمان العلم بالخلاف فتكون دالة على الحكم الواقعي والاستصحاب لاحظ الحديث الرابع من الباب السابع والثلاثين من أبواب النجاسات من الوسائل فان صدر الجملة يدل على الطهارة الواقعية وذيلها يدل على الطهارة الظاهرية بالاستصحاب.

وفيه ان المستفاد من كلامه عليه‌السلام وهو قوله «كل شيء نظيف حتى تعلم انه قذر» انه عليه‌السلام في مقام بيان الطهارة الظاهرية في ظرف الشك وعدم العلم بقذارة الشيء.

وبعبارة واضحة الظاهر من الجملة انه عليه‌السلام في مقام بيان مشكوك الطهارة والقذارة ولذا جعل الغاية العلم بكونه قذرا فالشيء المشكوك فيه يكون طاهرا حتى مع كونه قذرا في الواقع.

الاحتمال السادس : أن تكون الجملة دالة على الطهارة الواقعية والظاهرية واستصحابها بتقريب ان عنوان كل شيء ، يشمل كل عنوان معلوم كالماء والحجر والمدر وما هو مشكوك العنوان كالماء الذي يشك في انفعاله بالملاقاة فتدل الجملة على الطهارة الواقعية والظاهرية وعلى بقاء تلك الطهارة الى زمان العلم بالخلاف فتدل

على أمور ثلاثة الحكم الواقعي والحكم الظاهري والاستصحاب. وهذا القول منسوب الى صاحب الكفاية.

وقد اورد الميرزا عليه بأنه لا يمكن الجمع بين الحكم الواقعي والظاهري بتقريب : انه مع قطع النظر عن الغاية يكون الموضوع الجامع بين الاشياء.

وبعبارة اخرى : في كل عام يكون المأخوذ في الموضوع تمام الموضوع بلا لحاظ خصوصية من الخصوصيات.

مثلا لو قال المولى يجب اكرام كل عالم يفهم ان تمام الموضوع لوجوب الاكرام العلم بلا دخل كون العالم عربيا أو هاشميا أو غيرهما. وعليه نقول : اذا كان عنوان العموم شاملا للمشكوك فيه من حيث النجاسة والطهارة لا يكون الشك دخيلا في الحكم بل الدخيل عنوان الشيء وعلى هذا الاساس نقول الرواية لا يمكن شمولها للمشتبه لا بعنوان الحكم الظاهري ولا بعنوان الحكم الواقعي.

أما الاول فلما تقدم من عدم كون الخصوصية دخيلة في الموضوع ، وأما الثاني فلأنه؟؟؟ لا اشكال في نجاسة جملة من الاشياء فلا يمكن الحكم بالطهارة الواقعية لجميع الاشياء فان الاخذ بالعموم في مورد المشتبه اخذ بالعام في الشبهة المصداقية وقد قرر في محله انه غير جائز.

وقال سيدنا الاستاد قدس‌سره ان هذا الاشكال الذي أورده شيخه متين جدا.

أقول : الذي يختلج ببالي القاصر أن يقال أى مانع عن شمول العموم للمشتبه غاية الامر نرفع الاشتباه بالاصل الموضوعي اي الاستصحاب فانه نحرز بالاستصحاب أن الفرد المشتبه لا يكون فردا للخارج عن تحت العام كما في بقية الموارد.

مثلا لو قال المولى اكرم العلماء الا الفسّاق ونحن احرزنا علم زيد ولكن شككنا في فسقه وعدمه نحرز عدم فسقه بالاستصحاب وكذلك في المقام.

اذا عرفت ما تقدم نقول قد تقدم منا ان المتفاهم من الحديث بالفهم العرفي ان الشارع الاقدس في مقام بيان الحكم بعنوان كون الشيء مشكوكا فيه من حيث الطهارة والنجاسة ولذا قال عليه‌السلام «كل شيء نظيف حتى يعلم انه قذر» فقد فرض في الحديث ان الحكم الواقعي محفوظ في ظرفه. وفي ظرف الشك فى ذلك الحكم الواقعي حكم بالطهارة فالحديث متكفل لبيان الحكم الظاهري فلاحظ.

الاحتمال السابع : أن يكون الحديث في مقام الحكم الظاهري وهذا هو الظاهر من النصوص الواردة في المقام المشار اليها فيكون الاحتمال السابع هو المتعين.

بقى شىء وهو انه ربما يقال ان المستفاد من حديث حماد بن عثمان (١) حجية الاستصحاب في الجملة بتقريب ان طهارة الماء أمر واضح. غاية الامر ان الامام تعرض لبقائها الى حصول العلم بالخلاف فيكون دليلا على الاستصحاب.

ويرد عليه ان الظاهر من الحديث بيان الحكم الظاهرى وبعبارة واضحة : قوله عليه‌السلام «حتى تعلم انه قذر» لا يكون جملة مستقلة في الكلام بل من متعلقات الجملة السابقة وعليه نسأل ان الجملة الواقعة في الذيل أي قوله عليه‌السلام حتى تعلم انه قذر قيد للحكم أو للموضوع وعلى كلا التقديرين يكون الحديث دالا على الحكم

__________________

(١) ـ تقدم ذكر الحديث فى ص ٤٦.

الظاهري ولا يرتبط بالاستصحاب.

فتحصل من جميع ما تقدم ان الدليل على الاستصحاب تام والاستصحاب حجة على الاطلاق بلا فرق بين الأمور الخارجية والاحكام الشرعية وبلا فرق بين كون الحكم جزئيا أو كليا وضعيا أو تكليفيا.

التنبيه الثالث :

ما أفاده السبزواري من التفصيل بين الشك في الرافع والشك في رافعية الموجود بجريانه في الاول وعدم جريانه في الثانى. بتقريب : انه لو كان الشك في وجود الرافع كما لو كان متطهرا فشك في تحقق الناقض يكون رفع اليد عن اليقين السابق بالشك.

وأما في ظرف الشك في رافعية الموجود اعم من أن تكون الشبهة موضوعية أو حكمية يكون رفع اليد عن اليقين السابق باليقين بما يشك في كونه رافعا ويدل على المدعى ان الشك في كون الرعاف ناقضا أم لا لا يوجب النقض فلا يجوز رفع اليد عن اليقين بالطهارة اذا شك في كون الرعاف ناقضا أم لا وأما في صورة اليقين بالرعاف خارجا لا يكون رفع اليد عن اليقين بالشك بل نقض اليقين باليقين فلا بد من التفصيل.

ويرد عليه ان مجرد اليقين بشيء لا يقتضي رفع اليد عن اليقين السابق بل لا بد من تعلق اليقين اللاحق بعين ما تعلق به اليقين السابق والمفروض ان اليقين تعلق بوجود الرعاف لا بعنوان الناقض وأما ما افاده من أن الشك في كون الرعاف ناقضا أم لا فهو الشك في كبرى القضية وهو يجتمع مع العلم بالطهارة ويصح أن يقال : انه غالط بهذا البيان.

وحاصل الكلام : انه لا فرق بين الشك في رافعية الموجود وفي وجود الرافع ، ولتوضيح المدعى نقول : اذا كان الشخص متطهرا ثم ابتلي بالرعاف وشك في كون الرعاف ناقضا أم لا؟ هل يكون شاكا في بقاء الطهارة أم لا؟

أما على الاول فلا بد من أن يتمسك بالاستصحاب وأما على الثاني ، فنقول : كيف يجمع بين كون الشخص شاكا في بقاء الطهارة وكونه متيقنا بها فلاحظ.

فتحصل انه لا فرق بين الشك في الرافع وبين الشك في رافعية الموجود في جريان الاستصحاب ولا يختص الاستصحاب بخصوص القسم الاول.

نعم اذا كان الشك في الحكم الكلي وبعبارة اخرى : اذا كانت الشبهة حكمية يقع التعارض بين استصحاب المجعول واستصحاب عدم الجعل الزائد وهذا امر آخر لا يرتبط بما افاده.

بقى شىء فى المقام :

ربما يقال بأن الاستصحاب يختص جريانه بالحكم التكليفي ولا يجري في الحكم الوضعي بدعوى ان الحكم الوضعي لا تناله يد الجعل بل ينتزع عن التكليف.

والحق ان الأمر ليس كذلك فان الحكم الوضعي قابل للجعل كالحكم التكليفي ، وفي مقام الثبوت يتصور جعله ويكون امرا ممكنا في نظر العقل ، مثلا الزوجية والرقية والملكية والطهارة والنجاسة وأمثالها امور قابلة للجعل والاعتبار يتعلق بها كما يتعلق بالتكليف ولا تكون من الامور الانتزاعية. فان الامر الانتزاعي لا واقعية له

في الخارج والخارج ظرف لمنشا انتزاعه واما الأمر الاعتبارى فموجود في؟؟؟ وعاء الاعتبار.

هذا من ناحية ومن ناحية اخرى قد رتبت أحكام في الشريعة المقدسة على الاحكام الوضعية ، مثلا قد رتب جواز الوطء والنظر وأمثالهما على عنوان الزوجية.

وأيضا الأمر كذلك بالنسبة الى الرقية والطهارة والنجاسة ، ومن الظاهر ان رتبة الموضوع مقدمة على رتبة الحكم فالحق ان الاحكام الوضعية كالاحكام التكليفية قابلة للجعل المولوي ، ولذا نرى جريان الاستصحاب في بقائها فاذا شك في بقاء الزوجية أو الطهارة أو النجاسة أو الملكية يحكم ببقائها بالاستصحاب.

فتحصل مما ذكرنا انه لا فرق في الحكم التكليفي والوضعي فان قلنا بجريان الاستصحاب في الحكم التكليفي على الاطلاق حتى في الحكم الكلي ولم نقل بالتعارض بين المجعول وعدم الجعل فالاستصحاب يجري في الاحكام الوضعية كذلك وان قلنا باختصاص جريانه في الحكم الجزئي والشبهة الموضوعية والتزمنا بعدم جريانه في الشبهة الحكمية للتعارض كما اخترناه لا يجري في الحكم الكلي الوضعي ايضا.

ثم انه يقع الكلام في امور قد وقع الخلاف في انها من الاحكام الوضعية أم لا ، منها : الطهارة والنجاسة فربما يقال بأنهما من الأمور الواقعية بأن تكون الطهارة هي النظافة الواقعية والنجاسة هي القذارة كذلك ولا تكونان من الامور المجعولة وقد كشف الشارع القناع واخبر عنهما.

وفيه انه خلاف ظواهر الادلة فان الظاهران الشارع قد حكم بهما كما حكم بغيرهما من الوضعيات والتكليفيات مضافا الى أنه

خلاف الوجدان فان جملة من النجاسات لا تكون قذرة بالقذارة التكوينية مثلا الاسبرتو المتخذ من المسكر على القول بكونه نجسا كيف يمكن الالتزام بكونه ذا قذارة واقعية والحال انه يضاد المكروبات وايضا كيف يمكن الالتزام بكون الماء الكر الذي يكون مملوء من الكثافات نظيف بالنظافة الواقعية.

اضف الى ذلك ان الطهارة الظاهرية كيف يمكن أن تكون أمرا واقعيا والحال انه يمكن أن يكون الطاهر الظاهري نجسا في الواقع فهل يمكن أن يكون شيء واحد نظيفا وقذرا؟ كلا ثم كلا فالحق انهما من الاحكام الوضعية المجعولة.

ومنها : الجزئية والشرطية والمانعية والقاطعية والحق انها امور انتزاعية ولا تكون من الاعتباريات القابلة للجعل فانها لا دخل للجعل فيها فاذا أوجب المولى مركبا من امور كالصلاة ينتزع من وجوب المركب الجزئية من كل واحد من اجزائه وتنتزع الكلية من نفس المركب الواجب.

والدليل على عدم كون الجزئية مجعولة ان المولى لو صرح بأنه لم اجعل الجزئية للاجزاء ينتزع العقل الجزئية ولا يكون اختيار المولى وجعله دخيلا فيها وجودا وعدما وقس عليها الشرطية والمانعية والقاطعية.

ومنها : الحجية فان الحق ان الحجية لا تكون من الاحكام الوضعية ولا تكون قابلة للجعل بل هي منتزع من جعل شيء طريقا.

وبعبارة اخرى : الحجية تنتزع من كل أمر يكون قابلا لأن يحتج به العبد على المولى أو المولى على العبد كالقطع مثلا فاذا جعل المولى شيئا طريقا بينه وبين عبده وعلامة بينهما ينتزع منه الحجية فلاحظ.

التنبيه الرابع :

انه لا فرق في جريان الاستصحاب بين أن يكون المتيقن سابقا والمشكوك فيه فعليا وبين أن يكون المتيقن فعليا والمشكوك فيه استقباليا فلو تيقن المكلف بعدالة زيد يوم الجمعة وشك في بقاء عدالته يوم السبت يستصحب عدالته.

وايضا اذا كان في يوم السبت عالما بعدالته ويشك في بقاء عدالته الى يوم الاحد يجري الاستصحاب ويحكم بعدالته الى يوم الاحد ، ويسمى القسم الثاني بالاستصحاب الاستقبالي ، والدليل عليه عموم الحكم في بعض نصوص الباب ففي الروايات نرى ان الامام عليه‌السلام نهى عن نقض اليقين بالشك بقوله «ولا ينقض اليقين بالشك».

فان مقتضى اطلاق الحكم عدم الفرق بين الاستصحاب الحالي والاستصحاب الاستقبالي ، ويترتب على هذا البحث وعدم الفرق ، ان المكلف اذا كان معذورا في أول الوقت بحيث لا يمكنه الاتيان بوظيفة المختار فمع عدم جريان الاستصحاب لا بد من الانتظار اذ يمكن ارتفاع عذره في الوقت فيجب عليه الاتيان بوظيفة المختار واما مع جريان الاستصحاب الاستقبالي يمكنه البدار والاتيان بوظيفة العاجز فاذا بقي العذر الى آخر الوقت فهو وان ارتفع يبتنى الاجزاء على القول بأن الاتيان بالمأمور به بالأمر الظاهري هل يجزي أم لا؟

وعلى المبنى المنصور لا بد من الاعادة اذ لا دليل على الاجزاء.

ان قلت ما الوجه في عدم جريان الاستصحاب القهقري فان مقتضى الاطلاق عدم جواز نقض اليقين بالشك على النحو القهقري.

قلت : المستفاد من النص ان اليقين لا ينقضه الشك أي يفهم من الدليل ان اليقين اذا تحقق في الخارج لا ينقض ولا يرتفع بالشك

وفي القهقري الشك انتقض باليقين.

وبعبارة واضحة : الناقض عبارة عن الرافع ورتبة الرافع متاخرة عن المرفوع كما ان رتبة الناقض متأخرة عن المنقوض ، فلا ينطبق على الاصل القهقري. نعم الاستصحاب القهقري في مورد الشك في المفهوم يجري ويكون من الاصول اللفظية العقلائية ولا يرتبط بالاستصحاب الذي يكون من الاصول العملية فاذا علمنا بأن لفظ الصعيد حقيقة في المعنى الفلاني ولا ندري انه كذلك في زمان المعصوم عليه‌السلام ام لا؟ نحكم بكونه كذلك في ذلك الزمان ببركة استصحاب القهقري ويترتب عليه اثر مهم فلاحظ.

التنبيه الخامس :

ان كل حكم مجعول من قبل الشارع الأقدس تابع لموضوعه فما دام لا يكون الموضوع متحققا في الخارج لا يتحقق الحكم ولذا نقول كل موضوع نسبته الى حكمه نسبة الشرط الى المشروط وعلى هذا الاساس نقول جريان الاستصحاب مشروط باليقين والشك بالفعل وأما مع الغفلة وعدم كونهما بالفعل فلا يجري الاستصحاب.

وبالمناسبة ذكر في المقام فرعان الفرع الاول : انه لو احدث أحد ثم غفل فصلى وبعد الصلاة شك في أنه تطهر ام لا فما حكمه؟ فربما يقال ـ كما عن الشيخ قدس‌سره ـ : انه يحكم بصحة صلاته لقاعدة الفراغ ، وأما استصحاب الحدث فلا مجال له ، أما قبل الصلاة فلأن المفروض كونه غافلا ولا يجري الاستصحاب مع الغفلة ، وأما بعد الصلاة فلأن القاعدة مقدمة على الاستصحاب اما بالحكومة أو بالتخصيص.

واما بالنسبة الى الصلوات الآتية فلا بد من الوضوء لجريان استصحاب الحدث ويمكن ان يقال ان قاعدة الفراغ اما من الامارات أو من الاصول التعبدية.

أما على الاول فيشترط في جريانها احتمال التذكر والالتفات ولا يكفي في جريانها مجرد احتمال التصادف والاتفاق كما يفهم من قوله عليه‌السلام «حين يتوضأ اذكر حينما يشك» فلا تجري القاعدة في مفروض الكلام اذ قد فرض كون المكلف كان غافلا عن الوضوء وصلى وبعد عدم جريان القاعدة يجري استصحاب الحدث ويحكم ببطلان الصلاة.

وأما ان قلنا بأن القاعدة تعبدية واصل عملي يكون مقتضى الصناعة جريانها حتى مع التذكر وجريان استصحاب الحدث قبل الصلاة اذ القاعدة مقدمة على الاستصحاب على الاطلاق بلا فرق بين كون الاستصحاب جاريا قبل الصلاة أو بعدها فلاحظ.

الفرع الثاني : انه لو تيقن بالحدث ثم شك في بقائه واستصحاب الحدث ولكن غفل وصلى ففي الفرض تكون صلاته باطلة ، بمقتضى استصحاب الحدث فلا تجري القاعدة.

وأورد عليه سيدنا الاستاد بأنه لا اشكال في بطلان صلاته لكن لا من باب استصحاب الحدث بل من جهة عدم جريان القاعدة فان الشك الذي يكون مورد القاعدة الشك الحادث بعد الصلاة لا الشك الذي كان حادثا قبل الصلاة.

وان شئت قلت : ان القاعدة انما تجري في مورد احتمال الالتفات والتذكر ، وأما مع كون صورة العمل محفوظة فلا تجري القاعدة.

وصفوة القول : ان الوجه في فساد الصلاة عدم جريان القاعدة لا جريان الاستصحاب قبل الصلاة ولو لا هذه الجهة لا يكون جريان

الاستصحاب قبل الصلاة موجبا للبطلان ، اذ المفروض انه غفل بعد جريان الاستصحاب. وبمجرد الغفلة يسقط الاستصحاب عن الجريان اذ يتوقف جريانه على اليقين والشك بالفعل ولا يجري في حال الغفلة فالبطلان وعدمه دائران مدار عدم جريان القاعدة وجريانها. فمع جريانها تصح الصلاة ومع عدم جريانها تبطل ، اذ بمقتضى استصحاب الحدث بعد الصلاة يحكم بكون الصلاة واقعة في حال الحدث فتكون باطلة.

ولا يخفى انّا اخترنا أخيرا جريان القاعدة على الاطلاق ولا يتوقف على احتمال الالتفات وتفصيل الكلام يطلب ممّا ذكرناه في مفاد القاعدة فراجع ما بيناه هناك.

التنبيه السادس :

انه لو قام الامارة على وجوب شيء مثلا في زمان فهل يجري الاستصحاب في بقاء ذلك الحكم فيما شك في بقائه أم لا؟

ربما يقال بعدم جريان الاستصحاب وذلك لعدم اليقين بالحكم ولا الشك فيه اذا الشك الموضوع في الاستصحاب ، الشك في بقاء ما تعلق به اليقين وفي مفروض الكلام لا يقين بشيء فلا شك وهذا ظاهر.

والحق أن يقال : ان كان المجعول في باب الامارات التعذير والتنجيز ـ كما عليه صاحب الكفاية ـ يشكل الجواب عن هذه العويصة فيشكل جريان الاستصحاب. وأما ان قلنا بأن المجعول في باب الامارات الطريقية والكاشفية فيمكن الالتزام بالجريان.

بأن نقول : ان المستفاد من دليل طريقية الامارة ان مطلوب الشارع ترتيب آثار القطع واليقين بما هو طريق على الامارة فكأن

الامارة يقين بالواقع ، وعليه يشمله دليل حرمة النقض باليقين وهذا ظاهر واضح.

التنبيه السابع :

ان المستصحب قد يكون جزئيا وقد يكون كليا ، مثلا ربما يترتب حكم على جزئي خارجي كما لو نذر احد انه ما دام يكون ابوه حيا يتصدق عنه في كل يوم فاذا شك في حياة والده يجري استصحاب حياته ، ويترتب على الاصل المذكور وجوب التصدق.

واما اذا كان الاثر مترتبا على الجامع لا على الفرد الخارجي كما انه لو نذر احد انه متى يكون كلي العالم باقيا في البلد الفلاني يقرأ في كل يوم سورة من القرآن الحكيم ، فلو شك في بقاء الكلي يجري الاستصحاب فيه.

وليعلم انه لا يجتمع الاستصحابان ، أي الاصل الجاري في الكلي والاصل الجاري في الفرد فان الاثر لو كان مترتبا على الفرد يجري استصحاب الفرد ولا تصل النوبة الى استصحاب الكلي فان المفروض ان الاثر مترتب على الفرد فلا اثر لاستصحاب الكلي ، واذا كان الاثر مترتبا على الكلي فلا يجرى استصحاب الفرد ، اذ المفروض ان الاثر مترتب على الكلي فلا أثر لاحراز الفرد.

ان قلت : اذا احرز الكلي يحرز الفرد فان الكلي وجوده بوجود الفرد ، كما ان احراز الفرد احراز للكلي اذ وجود الفرد لا ينفك عن وجود الكلي.

قلت : التلازم عقلي واثبات احد المتلازمين باثبات ملازمه مرجعه الى التوسل بالمثبت ولا نقول به.

ان قلت : ان الكلي هل يوجد في الخارج أم لا يوجد؟ بل الموجود

في الخارج هو الفرد فكيف يصح التقسيم المذكور فان جريان الاستصحاب في الكلي فرع وجود الكلي فى الخارج والحال انه محل الكلام.

قلت : البحث الاصولي مبني على الامور العرفية لا على المباني الفلسفية ولا اشكال في أن العرف يرى وجود الكلي في الخارج في ضمن أفراده فلا وجه للتوقف من هذه الناحية فلاحظ.

اذا عرفت ما تقدم نقول : ان اقسام استصحاب الكلي اربعة.

القسم الاول : أن يعلم بوجود الكلي في ضمن فرد بالخصوص كما لو علم بوجود زيد في الدار فنعلم بوجود الانسان فيها ، فاذا شككنا في بقاء زيد في الدار وعدمه يجري استصحاب بقاء الانسان في الدار بلا اشكال ، كما انه يجري الاستصحاب في بقاء الشخص لو كان موضوعا للاثر.

القسم الثاني : ما اذا علمنا بوجود الكلي في الدار فى ضمن فرد مردد بين معلوم الارتفاع والمعلوم بقائه أو المشكوك كذلك. كما لو علم بدخول حيوان مردد بين الفيل والبق في الدار وبعد مضي ساعات نعلم بأن الذي دخل ان كان فيلا يكون باقيا قطعا أو احتمالا وان كان بقا لا يكون باقيا قطعا وفي هذه الصورة يجري الاستصحاب في الكلي.

مثلا لو كان المكلف متطهرا ثم خرجت منه رطوبة مرددة بين البول والمني يعلم بتحقق حدث جامع بين الاصغر والاكبر ، فاذا توضأ يشك في بقاء ذلك الكلي وعدم بقائه يجري الاستصحاب في بقاء ذلك الكلي.

كما انه لو اغتسل اولا يجري استصحاب جامع الحدث اذ على تقدير كون الرطوبة الخارجة منيا لا يرتفع الحدث إلّا بالغسل وعلى

تقدير كونها بولا لا يرتفع إلّا بالوضوء فلا مجال لأن يقال الأمر دائر بين الفرد الطويل والقصير فانه لا فرق بين البول والمني من هذه الجهة وعلى كلا التقديرين يجري الاستصحاب بالنسبة الى الجامع.

وفي المقام شبهة وهي انه لو شك في بقاء الجامع من جهة الشك في كون الحادث أي الفردين ان كان الحادث المشكوك فيه من الامور التكوينية الخارجية كما لو دار الامر بين كون الداخل في الدار بقا أو فيلا يجري الاستصحاب في الجامع بلا اشكال ولا كلام.

وأما لو كان الفرد المردد بين الامرين من الامور التعبدية الشرعية كالحدث المردد بين الاصغر والاكبر وامثاله يشكل جريان الاستصحاب في الجامع. مثلا في مورد المثال يشكل جريان استصحاب الحدث لأن المكلف بعد ما توضأ أو بعد الاغتسال يشك في بقاء الحدث فيكون استصحاب الحدث جاريا ، لكن يعارضه استصحاب عدم الجعل الزائد أي يشك في ان المولى هل اعتبر الحدث أزيد من هذا المقدار ام لا؟ الاصل عدم الجعل الزائد فيقع التعارض بين بقاء المجعول وعدم الجعل الزائد ، والنتيجة ان المكلف لا يمكنه اثبات كونه محدثا بالاستصحاب. فانه يقع التعارض بين الاستصحابين ويتساقطان بالتعارض ، وهل يمكن للمكلف أن يحكم على نفسه ، بالطهارة أم لا؟

الظاهر انه يشكل اذ يشك في الطهارة ولا طريق لاحرازها إلّا أن يقال : ان المقام بعد التعارض والتساقط يدخل في مورد الجمع بين الوجدان والاصل بأن يقول المكلف بعد الوضوء أو الغسل ان كان الحدث العارض الحدث الكذائي فقد ارتفع بالغسل أو الوضوء وان

كان العارض القسم الآخر فهو مشكوك التحقق والاصل عدم حدوثه من أول الامر.

وهذا نظير ما لو كان الشخص محدثا بالاصغر وخرج منه شيء واحتمل كون الخارج منيا فان المكلف يستصحب عدم جنابته ويقتصر على الوضوء ويصلي مع انه شاك في الطهارة اذ يحتمل كونه جنبا.

ان قلت : القياس مع الفارق اذ في المقام ان المفروض انه علم اجمالا بتحقق حدث في الخارج مردد بين الاصغر والاكبر والعلم الاجمالي منجز فلا بد من الجمع بين الوضوء والغسل قضاء للعلم الاجمالي.

قلت : تنجز العلم الاجمالي متقوم بتعارض الاصول في الاطراف وأما مع عدم التعارض فلا يكون العلم منجزا اذ مع عدم التعارض يجري الاصل في أحد الطرفين بلا معارض والمقام كذلك فان المفروض ان المكلف توضأ أو اغتسل وبعد الاتيان بأحد الامرين يجري الاستصحاب في عدم الحدث الآخر ولا يعارضه الاصل الجارى في الطرف الآخر اذ المفروض انه لا مجرى له بعد الاتيان برافعه كما هو المفروض.

ولذا نقول لو علم اجمالا بنجاسة احد الإناءين ثم انعدم احدهما لا مانع من جريان الاصل في الاناء الآخر اذ بقاء لا تعارض وقس عليه جميع الموارد التي من هذا القبيل ويترتب على هذا فوائد كثيرة فلاحظ واغتنم.

وربما يقال : انه لا تصل النوبة الى المعارضة كي يسقط استصحاب الكلي بالمعارضة بل استصحاب الكلي لا يجري لكونه محكوما بأصل جار في الرتبة السابقة فلا تصل النوبة اليه.

بيان المدعى : ان الشك في بقاء الكلي مسبّب عن حدوث الفرد

الطويل ، مثلا في مثال تردد الامر بين الحدث الاصغر والاكبر اذا توضأ المكلف يكون شكه في بقاء الحدث مسببا من أن الرطوبة الخارجة مني أم لا؟ وما دام يكون الاصل جاريا في السبب لا تصل النوبة الى جريانه في المسبب وحيث ان كون الرطوبة مرددة بين المني والبول يكون مقتضى الاصل عدم كونها منيا وينضم هذا الاصل الى الوجدان فنحكم بعدم كون المكلف محدثا.

ويرد على التقريب المذكور ان مجرد التسبب لا يكون موجبا لتقدم الاصل الجاري في السبب على الاصل المسببي وعدم جريان الاصل في المسبب بل التقدم مشروط بكون التسبب شرعيا ويكون المسبب من الآثار الشرعية للسبب كما لو غسل ثوب نجس بالماء الذي يكون مستصحب الطهارة فان الشك في بقاء نجاسة الثوب بعد الغسل مسبب عن نجاسة الماء وتكون طهارة الثوب من الآثار الشرعية لطهارة الماء المغسول به الثوب فاذا ثبت كون الماء طاهرا يثبت كون الثوب طاهرا فانه من الاحكام المترتبة على طهارة الماء فمع جريان الاستصحاب في الماء واثبات طهارته لا يبقى مجال لجريان استصحاب النجاسة في الثوب فالنتيجة تقدم الاصل الجاري في السبب على الاصل الجاري في المسبب.

وأما اذا لم يكن التسبب شرعيا بل كان عقليا والترتب من جهة التلازم العقلي فلا وجه لجريان الاصل في أحد الطرفين دون الآخر ، مضافا الى أنه على فرض الجريان يقع التعارض بين الاصلين اذ التلازم من الطرفين بخلاف ما يكون التسبب شرعيا فانه لا مقتضي لجريان الاصل في المسبب مع جريانه في السبب.

توضيح ذلك : ان اركان جريان الاصل في السبب تامة كجريان

الاستصحاب في الماء في المثال الذي ذكرناه وأما جريان الاصل في الثوب اما بلا وجه أو بوجه دائر وكلاهما محال.

بيان ذلك : ان جريان الاستصحاب في الثوب يتوقف على عدم جريانه في الماء اذ مع جريان الاستصحاب في الماء لا يبقى الشك في طهارة الثوب فجريان الاصل في الثوب يتوقف على عدم جريانه في الماء وعدم جريان الاصل في الماء يتوقف على جريانه في الثوب وهذا دور فيلزم ان جريان الاصل في الثوب اما بلا وجه وأما بوجه دوري.

واما جريان الاصل في الماء فبلا مانع لتمامية اركانه ، فتحصل انه لا يمكن منع جريان الاصل في الكلي بهذا التقريب ، فان التسبب لا يكون شرعيا بل التسبب عقلي وجريان الاستصحاب في الكلي بلا مانع.

وبعبارة واضحة : ان ترتب عدم جامع الحدث بين الصغير والكبير على استصحاب عدم الجنابة لا يكون شرعيا بل يكون عقليا فلا يتم المدعى على التقريب المذكور.

وأما على ما ذكرنا فلا يتوجه اشكال ظاهرا ، اذ قلنا ان استصحاب الجامع معارض باستصحاب عدم الجعل الزائد ، فالنتيجة عدم جريان استصحاب الجامع فالترديد من حيث دوران الامر بين كون الرطوبة بولا أو منيا.

فنقول اذا كانت بولا فارتفعت قطعا وأما احتمال كونها منيا فهو مرتفع باستصحاب عدم تحقق الجنابة.

وبعبارة اخرى : نقول أما الحدث البولي فغير باق قطعا وأما الحدث الاكبر فهو منفي بالاصل.

لكن في المقام اشكال وهو انّه لو تردد الامر بين البول والمني

يتشكل علم اجمالي آخر وهو انّه لو كانت الرطوبة منيا يجب الاغتسال وان كانت بولا يجب غسل المحل مرتين ، فلا مجال لجريان اصالة عدم كونها منيا فعلى القول بتنجز العلم الاجمالي لا بد من الجمع بين الاغتسال من النجابة الاحتمالية وغسل المحل مرتين من النجاسة البولية الاحتمالية أيضا.

ثم انه على تقدير جريان الاستصحاب في الكلي من ناحية وعدم تنجس الملاقي لبعض أطراف الشبهة المحصورة كما هو المشهور عندهم من ناحية اخرى تتوجه شبهة سميت بالشبهة العبائية أوردها المرحوم السيد اسماعيل الصدر.

وهي انه لو فرضنا انه تنجس احد طرفي العباء ثم غسلنا الطرف العالي منه وبعد الغسل لاقت يد احد كلا طرفي العباء يلزم أحد الامرين على نحو مانعة الخلو : احدهما عدم جريان الاستصحاب في الكلي.

ثانيهما : تنجس الملاقي لبعض الاطراف. وبعبارة اخرى : اذا جرى استصحاب كلي النجاسة في العباء يلزم الحكم بنجاسة الملاقي فيلزم رفع اليد عن تلك القاعدة واذا لم نلتزم بالنجاسة يلزم عدم جريان الاستصحاب في الكلي.

والجواب عن هذه الشبهة ان الحكم بطهارة الملاقى اما لاجل جريان استصحاب الطهارة في الملاقي بالكسر وأما لاستصحاب طهارة الملاقى بالفتح وشيء منهما لا مجال له في المثال المفروض لان استصحاب نجاسة الخيط النجس في العباء جار والملاقاة محرزة فلا تصل النوبة الى جريان استصحاب الطهارة في اليد.

وبعبارة اخرى : الملاقاة وجدانية والملاقى بالفتح نجس بالاستصحاب فلا تصل النوبة الى جريان الاستصحاب في اليد.

وببيان واضح : التقريب الذي يقتضي طهارة الملاقي بالكسر لا يجري في مورد الكلام فلا تغفل.

ويختلج ببالي القاصر أن يقال انّه لا مانع عن جريان استصحاب الطهارة في اليد ، اذ ملاقاة اليد مع الخيط النجس في العباء غير معلومة لا بالوجدان ولا بالاصل. اما بالوجدان فظاهر لانّه يحتمل صيرورة الخيط النجس طاهرا بغسل النصف من العباء ، وأما بالتعبد فلأنّ استصحاب كلي النجاسة لا يثبت نجاسة الشخص الخارجي الا بالتقريب الاثباتي ، والمقام نظير استصحاب بقاء الكرّ في الحوض.

فكما انّ استصحاب بقاء الكر في الحوض لا يثبت كون الماء الموجود فيه كرّا الا على القول بالمثبت كذلك استصحاب نجاسة الخيط النجس لا يثبت انّ الملاقي مع اليد نجس الا على نحو الاثبات. وبعبارة واضحة تارة نعلم بنجاسة قطعة خاصة من العباء ولاقت اليد تلك القطعة بالخصوص فلا اشكال في نجاسة اليد بملاقاة تلك القطعة ، لكن هذا الفرض خارج عن محل الكلام وانما الكلام فيما علم اجمالا بنجاسة قطعة من قطعات العباء وفي هذه الصورة اذا طهّر احد طرفي العباء ولاقت اليد مع جميع القطعات العبائية لا يحصل العلم بملاقاة اليد مع القطعة النجسة لا بالوجدان ولا بالتعبّد كما قرّرنا.

هذا كلّه على مبنى المشهور من عدم جريان الاصل في اطراف العلم الاجمالي مطلقا.

وأما على المسلك المنصور من اختصاص عدم الجريان بصورة تعارض الاصول في الاطراف وأما مع عدم التعارض فلا مانع عن

جريان الاصل ففي المقام نقول بعد تطهير الجانب العالي أو السافل من العباء لا مانع عن جريان الاصل في الطرف الآخر ومع جريان استصحاب الطهارة فيه أو قاعدتها لا مجال لنجاسة الملاقي بالكسر اذ عليه تكون الملاقاة مع الطاهر ، فلا مقتضي للنجاسة فلاحظ.

القسم الثالث من استصحاب الكلي ما اذا علم بوجود الكلي كما لو علم بدخول الانسان في الدار بدخول زيد مثلا ، وعلم بخروج زيد ولكن احتمل مع دخول زيد دخول شخص آخر من أفراد الانسان في الدار أو احتمل انه مقارنا لخروج زيد دخل بكر في الدار فهل يجري الاستصحاب في الكلي أم لا؟

ربما يقال : بأنه لا مانع عن جريان استصحاب الكلي بتقريب ان بدخول زيد في الدار يعلم بدخول الانسان في الدار وبعد خروج زيد يشك في بقاء الانسان في الدار وعدمه فاركان الاستصحاب من اليقين السابق والشك اللاحق تامة فيجري الاستصحاب.

ويرد عليه ان الكلي لا وجود له في الخارج على حياله واستقلاله بل وجوده في ضمن وجود الفرد هذا من ناحية ومن ناحية اخرى لا بد في الاستصحاب من تعلق الشك بعين ما تعلق به اليقين وعلى هذا الاساس لا يكون موضوع الاستصحاب تاما لان اليقين تعلق بالانسان الكلي الموجود بوجود زيد وبعد خروج زيد يقطع بأن ما تعلق به اليقين خرج من الدار فما تعلق به اليقين حدوثا قد زال ولا يكون باقيا قطعا.

واحتمال وجود الكلي في ضمن فرد آخر لم يكن متعلق اليقين من أول الامر فما احتمل بقائه لم يعلم بحدوثه وما علم بحدوثه يقطع بزواله وخروجه فلا مجال لجريان الاستصحاب.

وربما يفصّل بين احتمال حدوث فرد مقارن مع حدوث الفرد

المعلوم كما لو احتمل مع دخول زيد في الدار دخول بكر ايضا في ذلك الوقت في الدار وبين صورة احتمال دخول فرد آخر مقارنا مع خروج زيد عن الدار بجريان الاستصحاب في الصورة الاولى دون الثانية.

بتقريب ان متعلق اليقين في الصورة الاولى مردّد بين مقطوع الزوال ومحتمل البقاء فيجري الاستصحاب وأما في الصورة الثانية فمتعلق اليقين زائل قطعا وانما الشك في حدوث فرد آخر.

ولكن الحق عدم الفرق بين الصورتين وعدم جريان الاستصحاب لا في الثانية ولا في الاولى ، وذلك لان ما تعلق به اليقين زائل بالقطع وغير ما تعلق به اليقين وجوده وحدوثه غير معلوم فلا مقتضي لجريان الاستصحاب. فالنتيجة عدم جريان الاستصحاب في هذا القسم بلا تفصيل.

نعم اذا كان الزائل معدودا من الحالات عند العرف ويصدق عندهم ان ما تعلق به اليقين مشكوك البقاء يجري الاستصحاب مثلا لو شك في بقاء سواد جسم بعد العلم بزوال مرتبة منه يجري الاستصحاب في بقاء السواد واذا تعلق اليقين بشجاعة زيد في المرتبة العالية وبعد ذلك علم بزوال تلك المرتبة ولكن شك في بقائها بمرتبة اخرى نازلة يجري الاستصحاب في بقاء أصل الشجاعة.

ولكن الوجه في جريان الاصل في الفرض المذكور ان مشكوك البقاء عين معلوم الحدوث والتغير انما يكون في حالات الشخص في نظر العرف هذا تمام الكلام في القسم الثالث من الكلي.

ثم انه بالمناسبة ذكر فرع فقهي في المقام وهو انه لا اشكال في أنه لو شك في تذكية حيوان وعدمها تجري اصالة عدم التذكية

ولا اشكال في أنه يترتب على الاصل المذكور عدم جواز الاكل كما لو شك في لحم حيوان بأنه ذكي أم لا وأما النجاسة فهل هي مترتبة على اصالة عدم التذكية ام لا؟

والحق أن يقال : ان النجاسة لا تترتب على الاصل المذكور اذ النجاسة مترتبة على عنوان الميتة والميتة عنوان وجودي واثبات الامر الوجودي بالاصل المذكور من المثبت الذى لا نقول به وهذه ثمرة مهمة.

ان قلت : يلزم التفكيك في جريان الاصل فانه كيف يجمع بين جريان اصالة عدم التذكية وترتيب حرمة الاكل وجريان اصالة الطهارة.

قلت : لا ضير فيه اذ انه لا يلزم منه مخالفة عملية بل اللازم المخالفة الالتزامية ومثلها غير مضر فلاحظ.

القسم الرابع من أقسام استصحاب الكلي ما اذا علمنا بوجود فرد من الكلي وعلمنا بارتفاعه لكن علمنا بوجود فرد معنون بعنوان يمكن انطباق ذلك العنوان على الفرد الذي علم ارتفاعه.

مثلا اذا علمنا بدخول زيد في الدار ومقارنا لدخوله علمنا بدخول فرد طويل القامة ونحتمل ان زيدا مصداق للعنوان الذي علمنا بوجوده.

وامتياز هذا القسم عن القسم الاول ظاهر فان الشك في القسم الاول متعلق بعين ما تعلق به اليقين وامتيازه عن القسم الثاني ان منشأ الشك في القسم الثاني تردد الفرد بين القصير والطويل وفي المقام لا ترديد من حيث الفرد بل الترديد من ناحية اخرى وهي احتمال انطباق العنوان الآخر على الفرد المعلوم وامتيازه عن

القسم الثالث ان في القسم الثالث ليس إلّا علم واحد وفي المقام علمان.

ومثاله في الشرعيات انه لو علمنا بالجنابة ليلة الخميس واغتسلنا ويوم الجمعة رأينا المني في ثوبنا ولا ندري ان الجنابة التي علمنا بها من ناحية هذا المني أو من غير هذه الناحية.

اذا عرفت ما تلونا عليك فاعلم ان الحق ان القسم الرابع هو القسم الاول اذ نعلم بحدوث جنابة من ناحية هذا المني ونشك في بقائها وعدم بقائها والشك في بقائها مسبب عن الشك في ارتفاعها برافع وحيث ان الاصل الجاري في السبب حاكم على الاصل الجاري في المسبب لا تصل النوبة الى جريان الاصل في بقاء الجنابة فان الاصل الجاري في عدم الرافع يقتضي البناء على بقاء الجنابة فلا اشكال في تمامية اركان الاستصحاب.

لكن هذا الاستصحاب معارض باستصحاب آخر فان المكلف يقطع بعدم كونه جنبا بعد الاغتسال ومقتضى الاستصحاب بقائه على الطهارة فيقع التعارض بين الاستصحابين وبالمعارضة يتساقطان لكن التعارض المذكور يختص بمورد خاص كالشك في الجنابة وأمثالها وأما اذا فرض الكلام في الامور التكوينية الخارجية كما مثلنا في اول عنوان القسم الرابع من الكلي فلا مناص عن جريان الاستصحاب بلا كلام.

وأما في مثل الجنابة فيقع التعارض بين الاصلين وبعد التعارض لا بد من الرجوع الى أصل آخر والظاهر انه لا يتم الامر في أمثال المقام ولا بد من الاحتياط اذ الصلاة مشروطة بالطهارة والمفروض انه لا طريق الى احرازها فلا بد من الغسل احتياطا كى يحرز الشرط.

وفي المقام شبهة وهي انه لا مجال للاخذ باستصحاب الجنابة

اذ جريان الاستصحاب مشروط بصدق عدم نقض اليقين بالشك وفي المقام يحتمل الانتقاض ولا مجال للاخذ بالدليل في الشبهة المصداقية.

وبعبارة اخرى : يحتمل أن يكون العنوان صادقا على الفرد الذي علم بزواله فلا يكون النقض بالشك بل نقض اليقين باليقين.

والجواب عن هذه الشبهة انه لا معنى للشك في الحالة النفسانية بأن لا يدري المكلف هل هو شاك في البقاء أو متيقن بالزوال فالشبهة المذكورة مغالطة وسفسطة فالحق جريان الاستصحاب بلا كلام.

وبالمناسبة ننبه بأمر وهو انه لا يتصور الشبهة المصداقية في موضوع الاصول العملية فان موضوعها اما اليقين واما الشك وكلاهما من صفات النفس ومن الامور الوجدانية فكيف يعقل الشك في الامر الوجداني بل اما حاصل في النفس واما غير حاصل فلاحظ.

التنبيه الثامن :

في جريان الاستصحاب في التدريجيات والوجه في عنوان هذا البحث والتكلم فيه انه يشترط في جريان الاستصحاب وحدة القضية المتيقنة والمشكوك فيها وحيث ان الامور التدريجية كالزمان ونحوه من الحركة وأمثالها لا تكون قارة وثابتة بل حقائق انصرامية كلما يوجد جزء منها ينعدم جزء آخر.

وقع الاشكال عندهم في جريان الاستصحاب فيها. بتقريب ان المقوم في جريان الاستصحاب وهي وحدة القضية غير محفوظة فلا بد من العلاج.

والكلام يقع تارة في نفس الزمان واخرى في الزمانيات كالحركة ونحوها فهنا مقامان.

أما المقام الاول فلا اشكال في أن الميزان في المفاهيم المستفادة من كلام الشارع الاقدس وتطبيقها بحسب ما يفهم منها العرف ولا اشكال في أن الزمان كاليوم مثلا في نظر العرف امر واحد عرفي.

ان قلت : المعروف فيما بين القوم ان العرف محكّم في تشخيص المفاهيم لا في تطبيق تلك المفاهيم على مصاديقها فلا اعتبار بالتطبيق العرفي فما الحيلة؟

قلت : ان ما يفهم العرف من وحدة القضية في دليل الاستصحاب الوحدة العرفية لا الوحدة العقلية كى يقال ان الزمان وامثاله من التدريجات امور مركبة من أجزاء صغيرة غير قابلة للتجزية فلا اشكال من هذه الناحية. فتحصل مما تقدم عدم مانع عن جريان الاستصحاب في الزمان هذا بالنسبة الى نفس الزمان.

وأما جريان الاصل في عدم الزمان كما لو شك في تحقق الليل وعدمه فلا مجال للاشكال في جريانه. مثلا لو شك في تبديل الليل باليوم لا اشكال في اصالة عدم تحقق اليوم.

ثم ان الكلام في الزمان يقع في موضعين. احدهما : فيما يكون الزمان شرطا للحكم التكليفي أو الوضعي. ثانيهما فيما يكون الزمان قيدا لمتعلق التكليف بأن يلزم وقوعه في الزمان الخاص ، أما الموضع الاول فلا مانع عن جريان الاستصحاب في وجود الشرط وعدمه أو عدم ضده.

وأما الموضع الثاني فقد ورد اشكال في جريان الاستصحاب وهو انه لا يتم الأمر الاعلى القول بالمثبت. مثلا اذا قلنا ان المستفاد من دليل وجوب الاتيان بالصلاة في الوقت انه لو اجرى

الاستصحاب في الوقت واتى بالصلاة لا يحرز تحقق المأمور به في الخارج الاعلى القول باعتبار المثبت.

وربما يقال كما عن الميرزا انه لا مانع عن جريان الاستصحاب في نفس الحكم بأن يقال كانت الصلاة واجبة حيث كان الوقت محرزا والآن كما كان.

والظاهر انه لا يفيد اذ باي تقريب يمكن اثبات وقوع الصلاة في الوقت وبعبارة واضحة : الشك في بقاء الوجوب مسبب عن الشك في بقاء الوقت ومع جريان الاستصحاب في السبب لا تصل النوبة الى استصحاب المسبب. ولا اشكال في ان جريان الاستصحاب في الوقت لا يترتب عليه وقوع الصلاة فيه إلّا بنحو الاثبات الذي لا نقول به ، وهذا المحذور موجود ايضا في استصحاب الحكم.

وذهب صاحب الكفاية في مقام التخلص عن الاشكال الى جريان الاستصحاب في نفس الفعل بأن نقول كان الامساك مثلا نهاريا وفي النهار والآن كما كان.

ويرد عليه ان هذا التقريب لا يتم في جميع الموارد مثلا لو لم يصل المكلف في اول الوقت وأخر صلاته الى أن شك في بقاء الوقت لا يمكنه اجراء الاستصحاب في الصلاة الواقعة في الوقت الاعلى النحو التعليقي ، اذ لم تكن الصلاة موجودة في الخارج فاثبات كونها في الوقت يتوقف على جريان الاستصحاب التعليقي.

والاستصحاب التعليقي مضافا الى كونه مورد الكلام والاشكال في حد نفسه لا يجري في الامور التكوينية الخارجية بل يختص جريانه على القول به في الحكم الشرعي.

ولذا ذهب سيدنا الاستاد في مقام دفع الاشكال الى مسلك آخر وقدم لمدعاه مقدمة وهي ان الموضوع المركب على قسمين :

احدهما : أن يكون مركبا من عرض وموضوعه كالكر الذي يكون موضوعا للحكم فان الكرية صفة للماء وعرض له ولذا لا بد في ترتيب الآثار من اثبات المتصف بهذا الوصف فاذا شك في بقاء الكرية لا بد من استصحاب بقاء كرية هذا الماء الموجود ولا يكفي استصحاب الكر لاثبات كون الموجود في الخارج كرا الّا على القول بالاثبات.

ثانيهما : أن يكون الموضوع مركبا من جوهرين أو من جوهر وعرض قائم بجوهر آخر أو عرضين أعم من أن يكون واحد منهما في موضوع وثانيهما في موضوع آخر ومن أن يكون كلاهما في موضوع واحد فانه لا ارتباط بين الجزءين في هذه الأقسام.

وبعبارة اخرى : لا يعقل أن يتقيد احد الجزءين بالآخر وعلى هذا الاساس يمكن احرازهما بالوجدان أو بالاصل او احدهما بالوجدان والآخر بالاصل بلا توجه اشكال المثبت كي يقال الاصل العملي لا يثبت ففي الشك في الوقت الذي محل الاشكال يمكن احراز احد الجزءين بالاصل وهو الزمان والجزء الآخر بالوجدان وهي الصلاة فيتحقق الموضوع المركب من الوقت والصلاة هذا ملخص كلامه في المقام.

ويرد عليه انه لا اشكال في أن كل زماني من الزمانيات واقع في الزمان ومتقيد به. وبعبارة اخرى : مقولة الأين من المقولات الثابتة في الفلسفة كما انه لا اشكال في أن كل زماني بالنسبة الى الزمانى الآخر اذا لوحظ فامّا يكونان مقارنين في الزمان واما يكون احدهما متقدم والآخر متأخر وهذا من الواضحات.

فعلى ذلك يكون التقيد ضروريا فكيف يقول سيدنا الاستاد بعدم المعقولية ولعله ناظر الى دقيقة تكون تلك الدقيقة غائبة عن ذهني القاصر.

اذا عرفت ما تقدم اقول : الذي يختلج ببالي في دفع الاشكال المذكور ان هذا الاشكال لا ينحصر بالزمان بل جار في كل قيد اخذ في المتعلق. مثلا الستر في الصلاة يكون قيدا لها والصلاة متقيدة به فاذا شك لا يمكن اثبات وقوع الصلاة فيه الا بالمثبت وقس عليه بقية الشروط والقيود بلا فرق لوحدة الملاك والاشكال.

وحل هذه العويصة انه يستفاد من دليل الاستصحاب المنصوص عليه في الحديث ان الشارع الأقدس أجاز اجراء الاستصحاب في هذه الموارد ، لاحظ النصوص الواردة في باب الوضوء فان الامام عليه‌السلام صرح بجريان الاستصحاب في الوضوء وبعده طبق الكلية عليه بقوله عليه‌السلام «ولا ينقض اليقين بالشك» مع ان الوضوء قيد وشرط للصلاة فيفهم انه لا مانع عن جريان الاصل في نفس القيد وترتيب الاثر عليه.

فنقول : ان الاشكال المذكور وان كان واردا في حد نفسه ولكن مع ملاحظة دليل الاستصحاب ومورده وتطبيق الامام عليه‌السلام نفهم بأن الشارع الاقدس اجاز اجراء الاستصحاب في هذه الموارد فلاحظ ودقق واغتنم.

وأما المقام الثاني فتارة يقع الكلام في امور تكون مثل الزمان في الانصرام وعدم الثبوت والقرار كالحركة والجريان والتكلم وامثالها واخرى في امور تكون ثابتة في حد نفسها ولكن بلحاظ تقيدها بالزمان تكون غير قارة فعدم ثباتها بلحاظ قيدها اي الزمان كما لو أمر المولى بالجلوس في المسجد من أول طلوع الشمس الى الزوال.

فيقع الكلام في موردين : أما المورد الاول فالكلام في جريان

الاستصحاب فيه هو الكلام الجاري في الزمان بلا فرق في تقريب المدعى واثباته.

مثلا اذا شك في بقاء الحركة الحادثة وزوالها يجري الاستصحاب في بقائها بلا اشكال اذ الوحدة المعتبرة في القضية الاستصحابية وحدة عرفية والوحدة العرفية محفوظة بلا فرق بين كون الحركة حركة خارجية عارضة على الاجسام غير اختيارية والحركة الاختيارية الصادرة عن الانسان وبلا فرق بين كون الشك في بقائها من جهة الشك في الرافع أو من جهة الشك في المقتضي وبلا فرق بين القطع بزوال الداعي الاولي في الحركة الاختيارية والشك فى تبدله بداع آخر وغيره فان الاستصحاب يجري في جميع هذه الاقسام.

وربما يقال كما عن الميرزا النائيني انه مع القطع بزوال الداعي الاول والشك في بقاء الحركة من جهة الشك في حدوث الداعي الجديد لا يجرى الاستصحاب بتقريب ان الوحدة بلحاظ وحدة الداعي.

وبعبارة اخرى : الحافظ للوحدة في الحركة الصادرة عن الانسان وحدة الداعي ومع القطع بزوال الداعي الاول والشك في حدوث الداعي الثاني لا تكون الوحدة الاستصحابية في القضية محفوظة فلا يجري الاستصحاب.

ويرد عليه اولا : النقض بما لو شك في بقاء الداعي الاول وعدمه فانه على طبق هذا التقريب يلزم عدم جريان الاستصحاب اذ مع الشك يكون الاخذ بدليل الاستصحاب اخذا بالدليل في الشبهة المصداقية التي قد قرر في محله عدم الجواز فيها واستصحاب بقاء الداعي لا يثبت الوحدة الاعلى القول بالمثبت.

وثانيا : انه نجيب بالحل وهو ان الحافظ للوحدة الاتصال ولذا

نقول لو طال ركوع المكلف أو سجوده بالدواعي المختلفة ولم يكن بعضها قربيا أو كان ولم يكن مرتبطا بصلاته يلزم أن تصدق عليه الزيادة وتبطل صلاته وهل يلتزم الميرزا بهذا اللازم؟ فالنتيجة ان الاستصحاب يجري على الاطلاق.

ان قلت مع الشك في تحقق الداعي الثانوي وعدمه يكون الشك في بقاء الحركة مسببا عن الشك في حدوث الداعي الجديد والاصل عدمه فان الاصل الجاري في السبب مقدم على الاصل الجارى في المسبب.

قلت : مطلق التسبب لا أثر له بل التسبب يلزم أن يكون شرعيا وفي المقام لا يكون كذلك. فان ترتب عدم بقاء الحركة على عدم حدوث الداعي ترتب عقلي لا شرعي.

وعن صاحب الكفاية : ان الاستصحاب يجري في الحركة ولو مع تخلل السكون القليل اذ المناط في الوحدة ، الوحدة العرفية وهي محفوظة مع تخلل السكون اليسير.

وفيه ان التسامح العرفي لا اثر له وكيف يمكن صدق بقاء الحركة مع تحقق السكون فانه يلزم اجتماع الضدين. فالحق انه مع تحقق السكون لا يجري استصحاب الحركة بل يجري استصحاب السكون فلاحظ.

ومما ذكرنا علم ان كل أمر تكون له وحدة اذا تحقق في الخارج وشك في بقائه وزواله يجري الاستصحاب فيه بلا فرق بين الموارد فلو شرع الخطيب في قراءة خطبة أو شرع القاري في قراءة سورة أو شرع المكلف في صلاة وشك في بقاء الخطبة أو القراءة أو الصلاة يجري الاستصحاب في البقاء بلا توجه اشكال ، فان الوحدة العرفية محفوظة ويكفي هذا المقدار في جريان الاستصحاب فلاحظ.

وأما المورد الثاني فتارة يكون الفعل الواجب أو الجائز مقيدا بعدم تحقق الزمان الكذائي كما لو أوجب المولى الامساك ما دام لم يتحقق الليل أو جوز الأكل والشرب ما دام لم يتحقق الفجر فلا مانع عن جريان الاستصحاب بالنسبة الى عدم تحقق الفجر وعدم تحقق الليل واخرى يكون الفعل الواجب مثلا مقيدا بالزمان.

وقال سيدنا الاستاد : لا مانع عن جريان الاصل في القيد بأن نجري الاستصحاب في نفس الزمان.

ولكن لا يمكن مساعدته فان استصحاب الزمان الذي اخذ قيدا للواجب لا يثبت وقوع الفعل في الزمان وبعبارة اخرى : استصحاب القيد لا يقتضي اثبات التقيد الاعلى القول بالمثبت هذا في الشبهة الموضوعية.

واما اذا كان الشك في بقاء الحكم من باب الشبهة الحكمية والشك من جهة الشبهة المفهومية كما لو شك في أن الغروب الذي جعل غاية للحكم عبارة عن استتار القرص أو عبارة عن ذهاب الحمرة المشرقية فهل يمكن استصحاب عدم تحقق الغروب أو لا؟

المشهور عندهم عدم الجواز وعدم جريان الاستصحاب بتقريب ان الاستصحاب اما يجري في الحكم ، واما يجري في الموضوع اما استصحاب الحكم فلا مجال له مع الشك في بقاء الموضوع فانه يشترط في الاستصحاب وحدة القضية ومع الشك في الموضوع يكون الاخذ بالاستصحاب تمسكا بالدليل في الشبهة المصداقية.

واما استصحاب عدم تحقق المغرب فائضا لا مجال له اذ استتار القرص مقطوع به وذهاب الحمرة مقطوع العدم فاين الشك فيما تعلق به اليقين.

وبعبارة اخرى : ليس لنا شيء تعلق اليقين به حدوثا ويتعلق الشك به بقاء فاركان الاستصحاب غير تامة.

ويرد عليه انه لا اشكال في أن الغروب له مصداق واقعي والمكلف يقطع قبل ساعة بعدم تحقق ما يكون مصداقا للغروب وبعد ذلك يشك فى ذلك العدم بأنه انقلب بالوجود ام لا؟ يكون مقتضى الاستصحاب عدم تحققه ولا نرى من جريانه بالتقريب المذكور مانعا.

ولتوضيح المراد اقول : اذا شككنا في معنى العدالة وانها عبارة عن اجتناب خصوص الكبائر أو الأعم منها ومن الصغائر فنسأل ان العدالة هل لها مصداق ام لا؟ لا سبيل الى الثاني فاذا علمنا بأن زيدا عادل اذ يجتنب عن جميع الصغائر والكبائر وبعد مضي سنة نرى انه يرتكب الصغائر فهل نشك في سقوطه عن العدالة ام لا؟ لا سبيل الى الثاني.

فنقول كنا عالمين بكونه عادلا والآن نشك في بقاء عدالته ومقتضى الاستصحاب بقائه عليها فلا اشكال في الجريان.

بقى في المقام امران احدهما : انه لو علم بتحقق الغاية وشك في تعلق تكليف جديد فمقتضى الاستصحاب عدم تحققه فان عدمه كان معلوما وشك في وجوده والاصل عدم وجوده وحدوثه.

ان قلت : لا يترتب على عدم الجعل عدم المجعول الاعلى القول بالاثبات الذي لا نقول به فما الحيلة؟

قلت : افاد سيدنا الاستاد بأن الفرق بين المجعول والجعل هو الفرق بين الايجاد والوجود. وبعبارة اخرى : لا فرق بينهما إلّا بالاعتبار.

ويرد عليه : انه كيف يمكن القول بأن الفرق بينهما هو الفرق

بين الايجاد والوجود وانه لا فرق إلّا بالاعتبار والحال ان الجعل من الامور الواقعية ومن افعال النفس والمجعول من الامور الاعتبارية التي لا واقعية لها وكيف يمكن اتحاد الامر الاعتباري مع الامر الواقعي؟

فنقول لا بد في اثبات الجريان من تقريب آخر وهو ان التكليف الحادث مجهول ولم يكن سابقا والاصل عدم حدوثه وتحققه فلا يتوجه اشكال الاثبات.

وبعبارة اخرى : المجعول وهو الامر الاعتباري لم يكن سابقا والآن كما كان.

وحيث انجر الكلام الى هنا أقول يلزم على سيدنا الاستاد أن يسلم جريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية الكلية اذ كما بيّنا لا يترتب على عدم الجعل عدم المجعول الا بالتقريب الاثباتي الذي لا نقول به ولا يقول به هو أيضا. وأما نحن ففي سعة اذ نجرى الاصل في المجعول فاذا شككنا في وجوب صلاة الجمعة في زمان الغيبة كما كانت واجبة في زمان الحضور يجري الاستصحاب في بقاء الوجوب الثابت في زمان الحضور ويعارضه استصحاب عدم تحقق المجعول أزيد عن المقدار المعلوم.

ويمكن اثبات المدعى بتقريب آخر وهو ان المجعول قبل الجعل لم يكن لا طويلا ولا قصيرا وبعد الجعل نقطع بأن المجعول القصير تحقق بلا اشكال وأما الطويل فلا ندري انه هل تحقق ام لا؟ ومقتضى استصحاب عدم تحققه عدمه. فالاحسن في التعبير أن يقال يقع التعارض بين استصحاب المجعول القصير واستصحاب عدم تحقق المجعول الطويل.

وثانيهما : انه اذا وجب شيء وجعلت له غاية زمانية وشك في

أن الفعل الواجب مقيد بالزمان ويكون المطلوب مطلوبا واحدا او ان المطلوب متعدد ويكون الفعل مطلوبا على الاطلاق وايقاعه في الزمان الخاص مطلوب آخر فبعد تحقق الغاية هل يجري الاستصحاب في بقاء الوجوب أم لا؟

ونتيجة بقائه ان القضاء لا يكون بأمر جديد بل الامر الاول يكفي لاثبات وجوبه.

أفاد سيدنا الاستاد ان المشهور القائلين بجريان الاستصحاب في الاحكام الكلية وأيضا القائلين بجريان الاستصحاب في القسم الثاني من الكلي يلزمهم جريان الاستصحاب في المقام نعم على مسلكنا لا يجري الاستصحاب لانا قائلون بتعارض الاستصحاب الجاري في المجعول باستصحاب عدم الجعل الزائد هذا حاصل كلامه.

ويرد عليه ان الاستصحاب المذكور على فرض جريانه لا يثبت وجوب القضاء فان وجوب القضاء مترتب على فوت الفريضة في الوقت والوجوب الثابت بالاستصحاب عبارة عن وجوب متعلق بالواجب بلا تقيد بالوقت.

وبعبارة واضحة : لا يكون الواجب موقتا كى يجري فيه بحث الاداء والقضاء فانه على اساس بقاء الوجوب لا موضوع للاداء والقضاء فلاحظ.

التنبيه التاسع :

في أن القاعدة هل تقتضي جريان الاستصحاب التعليقي أم لا؟ وقبل الخوض في البحث نقول هذا البحث لا مجال له على مسلك من يرى عدم جريان الاستصحاب في الحكم الكلي لمعارضة استصحاب بقاء المجعول مع استصحاب عدم الجعل الزائد

اذ على طبق هذا المسلك لا اثر لجريان الاستصحاب لانه معارض باستصحاب آخر في قباله وبالمعارضة يتساقطان.

وبعد تقديم هذه المقدمة نقول : قال في الكفاية لا فرق في جريان الاستصحاب بين أن يكون الحكم السابق مطلقا أو معلقا.

ان قلت : لا وجود للمعلق فلا معنى لجريان الاستصحاب فيه. قلت : المعلق قبل وجود المعلق عليه لا يكون فعليا لا أنه لا يكون موجودا حتى على نحو التعليق كيف والوجود التعليقي نحو من الوجود ويكون بهذا النحو موردا لحكم الشارع الاقدس والمكلف يقطع بحكم الشارع قبل طرو الحالة الجديدة وبعد طروها يشك في بقاء الجعل السابق مثلا لو شك في أن الحرمة العارضة على ماء العنب اذا غلى هل تكون باقية حتى اذا صار العنب زبيبا فيكون العصير الزبيبي حراما اذا غلى أو تكون الحرمة مختصة بالعصير العنبي المغلي فببركة الاستصحاب نحكم بكون الحرمة باقية ولا تختص بالعصير العنبي فلا فرق في الاستصحاب التنجيزي والاستصحاب التعليقي.

ان قلت : نفرض جريان استصحاب الحكم التعليقي لكن يعارضه استصحاب الحكم التنجيزي وهي الحلية ففي المثال المذكور نقول : لا اشكال في أن العصير الزبيبي قبل الغليان كان حلالا ونشك في حليته بعد الغليان فيجري استصحاب الحلية فيقع التعارض بين استصحاب الحرمة التعليقية والحلية التنجيزية وبعد التعارض والتساقط تصل النوبة الى البراءة.

قلت لا تنافي بين الحكمين مع القطع فكيف بالشك فانه أي تناف بين حكم الشارع بحلية العصير العنبي قبل الغليان وبين حكمه بحرمته بعد الغليان والحكم التعليقي يحكم ببقائه بالاستصحاب.

ويرد عليه انه لا اشكال في تعارض الاستصحابين ولا يقاس صورة الشك بصورة القطع فانه لا تنافي بين حكم الشارع بحلية العصير العنبي قبل الغليان وحكمه بحرمته بعده وهذا ظاهر واضح ، ولكن الكلام في العصير الزبيبي حيث نشك في حرمته بعد الغليان وأركان الاستصحاب بالنسبة الى الحلية تامة كما انها بالنسبة الى الحرمة تامة على الفرض فلا اشكال في التعارض وبعد التعارض المرجع اصالة البراءة.

ان قلت : الشك في بقاء الحلية السابقة مسبب عن الشك في الحرمة ومع جريان الاصل السببي لا تصل النوبة الى الاصل المسببي.

قلت منشأ الشك في كل من الحرمة والحلية الشك في حكم العصير الزبيبي بعد الغليان ويحتمل كل منهما ولا ترتب ولا تسبب في المقام. فالنتيجة انه على القول بجريان الاستصحاب التعليقي والالتزام به يكون الاصلان متعارضين والنتيجة البراءة عن الحرمة.

ان قلت : الحلية الثابتة للعصير العنبي مغياة بالغليان وهذه الحلية المغياة بالغليان تثبت للعصير الزبيبي فلا تصل النوبة الى استصحاب الحلية المطلقة.

وبعبارة واضحة : ان الحلية الثابتة للعصير الزبيبي فلا تصل النوبة الى استصحاب الحلية المطلقة.

وبعبارة واضحة : ان الحلية الثابتة للعصير الزبيبي المتيقنة الحلية مغياة وأما الحلية المطلقة فغير معلومة من أول الامر فلا مورد لاستصحاب الحلية المتنجزة كى يعارض استصحاب الحرمة المعلقة ويكون المقام نظير ما لو كان المكلف محدثا بالاصغر ثم خرج منه بلل مشتبه فان مقتضى استصحاب عدم كون الخارج منيا عدم تحقق الجنابة فلا يجب الغسل ، وفي المقام نقول الاصل عدم تحقق الحلية

المطلقة. قلت : قياس المقام بذلك المقام مع الفارق فان المكلف في تلك المسألة لا يتيقن بالجنابة ولذا يجري في حقه استصحاب عدم الجنابة وعدم كون الرطوبة منيا وأما في المقام فالمكلف يقطع بحلية العصير الزبيبي والحلية المقطوعة لا تكون باعتبار استصحاب الحلية المغياة الثابتة للعصير العنبي بل المستفاد من الشرع والضرورة الفقهية حلية العصير الزبيبي غاية الامر يشك في كون حليته مغياة بالغليان أم لا؟ فبالاستصحاب يحكم ببقاء الحلية له بعد الغليان ، فيقع التعارض بين الاستصحابين ، فتحصل مما تقدم ان الاستصحاب التعليقي لو فرض اعتباره وقلنا كالاستصحاب التنجيزي يعارض بالاصل التنجيزي وبعد التعارض والتساقط يكون اصل البراءة محكما.

اذا عرفت ما تقدم نقول : تارة يفهم من لسان الدليل ان العنوان المأخوذ في لسانه لا مدخلية له في الحكم الشرعي بل العنوان المأخوذ مشير الى الذات التي يكون العنوان عارضا لها كما لو قال المولى يجوز اكل الارز فان العرف يفهم من الدليل جواز أكل الذات المشار اليها بهذا العنوان ، ولذا لا يشك في الحلية اذا صار دقيقا أو اذا صار مطبوخا الى غيرها من الاحوال العارضة على الارز فلا يحتاج الى الاستصحاب في اثبات الحلية.

واخرى يفهم من العنوان المأخوذ في الموضوع كونه تمام الموضوع كموارد الاستحالة. فلو رتب حكم على الخشب لا مجال لاسرائه عليه بعد ما صار رمادا أو فحما ، فانه يرى الرماد موضوعا مستقلا في قبال عنوان الخشب. ولذا لا مجال لاستصحاب حكم الخشب بعد احتراقه الى الرماد الحاصل من احتراقه. وعلى هذا الاساس يحكمون بأن الاستحالة من المطهرات.

وثالثة لا يكون ذلك ولا هذا بل يكون العنوان المأخوذ في لسان الدليل برزخا بين الامرين كما لو قال المولى اذا تغير الماء في احدى صفاته ينجس ، فاذا شك في أن التغير علة محدثة للنجاسة أو مبقية أيضا يجري الاستصحاب بعد زوال التغير.

وبعد تقديم هذه المقدمة نقول : تارة يكون الشك في بقاء الحكم وعدمه من باب الشك في النسخ وعدمه كما لو شك في أن حكم الشارع بحرمة العصير هل نسخ أم لا؟ واخرى يكون الشك في البقاء لا من جهة احتمال النسخ بل من باب الشبهة الموضوعية كما لو شك في بقاء اليد النجسة على نجاستها من باب الشك في أنها هل طهرت أم لا؟

وثالثة يكون الشك في بقاء الحكم من باب الشبهة الحكمية كما لو شك في بقاء نجاسة الماء المتغير بعد زوال التغير. أما الصورة الاولى فلا اشكال في جريان استصحاب عدم النسخ بل قيل انه من الواضحات والضروريات. فلو شك في أن الحكم بنجاسة العصير أو حرمته هل نسخ أم لا؟ يجرى استصحاب عدمه ويحكم بالحرمة التعليقية. ولكن لا يرتبط بالاستصحاب التعليقي.

وأما الصورة الثانية فائضا لا اشكال في جريان الاستصحاب. فانه لو شك في وجود الرافع وعدمه يحكم بعدمه بالاستصحاب وهذا أيضا لا يرتبط بما نحن بصدده.

وأما الصورة الثالثة فيتوقف جريان الاستصحاب فيها على تحقق الموضوع في الخارج كى يترتب عليه الحكم ثم يشك في بقائه وعدمه.

وبعبارة اخرى : الشك في بقاء الحكم الذي هو موضوع الاستصحاب

متأخر رتبة عن نفس الحكم ، والحكم متأخر عن موضوعه رتبة.

توضيح المدعى : ان كل موضوع بالنسبة الى الحكم المترتب عليه نسبة الشرط الى المشروط فكما ان المشروط لا يعقل تحققه قبل الشرط كذلك لا يعقل أن يتحقق الحكم قبل وجود موضوعه ، وعلى هذا الاساس لا يعقل جريان الاستصحاب التعليقي اذ قبل تحقق الموضوع لا يكون الحكم متحققا في الخارج وقبل تحقق الحكم لا يعقل جريان الاستصحاب فيه ، وبعد تحقق الموضوع وترتب الحكم عليه لا يكون الاستصحاب الجاري فيه استصحابا تعليقيا بل الاستصحاب تنجيزي.

ففي المثال المعروف وهو العصير نقول العنب قبل صيرورته زبيبا يكون حلالا بالقطع وبعد صيرورته زبيبا يكون حلالا أيضا واذا شك في حرمته التعليقية بمعنى احتمال نسخ الحكم المذكور يجري الاستصحاب ، ولكن المدعي يدعي غيره ، وأما استصحاب الحرمة بعد غليان عصيره فلا مجال له اذ متى كان حراما حتى يستصحب حرمته. فالحق ان الاستصحاب التعليقي باطل ولا مجال له.

ان قلت : سلمنا الاشكال لكن لا اشكال في السببية أي سببية الغليان للحرمة فعليه يجري الاستصحاب في السببية بأن نقول بعد صيرورة العنب زبيبا لا ندري ان سببية الغليان للحرمة باقية أم لا؟ ومقتضى الاستصحاب بقائها.

قلت : السببية لا تكون حكما شرعيا وغير قابلة للاعتبار بل من الامور الواقعية الانتزاعية فلا مجال لاستصحاب التعليقي حتى بهذا التقريب.

ثم انه ربما يفصل في استصحاب بقاء العقد وعدم الفسخ بين العقود التنجيزية والتعليقية بجريان الاستصحاب في القسم الاول

وعدم جريانه في القسم الثاني ، ويترتب عليه انه لو شك في بقاء الملكية في المعاطاة اذا شك في لزومها وعدمه يجري الاستصحاب وأما في العقود التعليقية كالوصية اذا شك في انفساخها لا يجري.

وهذا التفصيل باطل ، وذلك لانه لا اشكال في أن العقد التعليقي تحقق في الخارج وانما الشك في زواله بالفسخ وعدمه فلا شبهة في جريان الاستصحاب ، وان الشك في الفسخ كالشك في النسخ. فكما ان الاستصحاب يجري فيما لو شك في النسخ كذلك لا كلام في جريان الاستصحاب في الفسخ.

التنبيه العاشر :

ان المشهور فيما بينهم جريان استصحاب عدم النسخ بل عن المحدث الاسترابادي انه من الضروريات ، وليعلم أولا ان النسخ بمعناه الحقيقي غير معقول بالنسبة الى الاحكام الشرعية اذ النسخ الحقيقي يكشف عن الجهل بالامور تعالى الله عن ذلك ، والنسخ الجائز بالنسبة الى الله تعالى عبارة عن الابداء وقد مر الكلام حول هذه الجهة في بحث المطلق والمقيد.

وبعد تقديم هذه الجهة نقول : النسخ عبارة عن التخصيص الازماني كما ان التخصيص عبارة عن التخصيص الافرادي فلا يتحقق النسخ الا بعد قيام دليل على استمرار الحكم من عموم أو اطلاق وعلى هذا لا مجال للاشكال الوارد في المقام من أن ثبوت الحكم بالنسبة الى من يستصحب غير معلوم فان النسخ يتحقق بعد فرض استمرار الحكم بحيث لو لم ينسخ لكان شاملا للمكلف ، فالشك ليس في البقاء وعدمه بل الشك في رفع الحكم الثابت.

وان شئت قلت : النسخ في الاحكام كالفسخ في العقود الجائزة

وكالطلاق بالنسبة الى النكاح فكما انه لو لا الفسخ ولو لا الطلاق يبقى عقد البيع مثلا بحاله ويبقى الزواج بحاله كذلك يبقى الحكم الشرعي ما دام لا يتحقق النسخ فالشك في النسخ كالشك في الرافع.

وبعبارة واضحة : الحكم بحسب طبعه الاولي يكون باقيا وارتفاعه يتوقف على النسخ فلو شك فيه لا اشكال في جريان استصحاب عدمه ومقتضاه بقائه.

وببيان واضح : يستفاد من استصحاب عدم النسخ ان الحكم الشرعي باق بحاله كما يستفاد من النص لاحظ ما رواه سماعة بن مهران قال : قلت لابي عبد الله عليه‌السلام : قول الله عزوجل (فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ)(١) الى ان قال : فحلاله حلال الى يوم القيامة وحرامه حرام الى يوم القيامة فهؤلاء اولو العزم من الرسل عليهم‌السلام (٢).

التنبيه الحادى عشر :

ان جريان الاستصحاب بلحاظ ترتب الاثر على بقاء المستصحب ولا مدخلية في جريانه ترتب الاثر على حدوثه وعدمه وعلى هذا لا مانع عن استصحاب عدم الجعل المتيقن قبل الشرع والشرعية فان عدم الجعل وان كان بلا اثر ولكن يترتب عليه الاثر في حال جريان الاستصحاب.

وبعبارة اخرى : كما ان جعل التكليف ممكن ويترتب عليه الاثر كذلك عدم الجعل فاذا شك في حرمة شرب التتن يقال ان حرمته

__________________

(١) ـ الاحقاف / ٣٥.

(٢) ـ الاصول من الكافى ج ٢ باب الشرائع ص : ١٧ الحديث ٢.

لم تكن مجعولة قبل الشرع ومقتضى الاستصحاب عدم جعلها بعد الشرع أيضا.

وفي المقام شبهة وهي ان احتمال العقاب ان كان موجودا فلا أثر لاستصحاب عدم الجعل وان لم يكن موجودا فلا بد من اثبات عدم الاستحقاق وترتب عدم الاستحقاق على عدم جعل الحرمة عقلي ولا يترتب الاثر العقلي على الاستصحاب فلا يجري الاستصحاب بل لا بد من اجراء البراءة.

ويرد عليه اولا : انه ما الفرق بين استصحاب عدم الجعل وبين رفع الحرمة بالبراءة فان الاثر العقلي لا يترتب على البراءة كما لا يترتب على الاستصحاب بل الاشكال وارد حتى في صورة التمسك باصالة الحل فانه ما الفرق بين اصالة الحل وحديث الرفع واستصحاب عدم الجعل.

وثانيا : انّ الفعل اذا كان حلالا أو اذا لم يكن حراما يكون ارتكابه بلا مانع من قبل المولى ومع عدم المنع الشرعي العقل مستقل بعدم استحقاق العقاب.

وبعبارة اخرى : الحاكم في باب الاطاعة والعصيان واستحقاق العقاب وعدمه هو العقل ومع عدم حرمة الفعل العقل يحكم بعدم الاستحقاق.

التنبيه الثانى عشر :

في الاصل المثبت وهو انه هل يترتب بالاستصحاب الآثار الشرعية المترتبة بلحاظ اللوازم العقلية أو العادية أم لا؟ مثلا لو فرض ترتب اثر شرعي على لحية زيد فاذا استصحب حياته

المعلومة حال صغره هل يترتب الاثر المترتب على لحيته وهل يثبت الموضوع باستصحاب الحياة أم لا؟

ولا يخفى ان الواسطة لو كانت معلومة الحدوث يجري الاصل فيهما. انما الكلام فيما يشك فيها حدوثا وهذا البحث له آثار مهمة في أبواب الفقه. مثلا في باب الغسل والوضوء لا بد من غسل مواضعهما ووصول الماء الى نفس البشرة فاذا شك المكلف في وصول الماء الى بدنه وعدمه فهل يمكن اثبات الوصول باستصحاب عدم المانع أم لا؟

والمشهور في الالسن ان الفرق بين الامارات والاصول ان اللوازم العقلية لا تثبت بالاصول وتثبت بالامارات فيتوجه السؤال بأنه ما الفرق بين المقامين.

وقد ذكرت وجوه للفرق بين الموردين : الوجه الاول : ان المأخوذ في موضوع ادلة الاصول عنوان الشك وأما المأخوذ في لسان ادلة الامارات فليس كذلك.

ويرد عليه ان الوجه المذكور لا يمكن أن يكون فارقا وذلك لانا نسأل ان المأخوذ في موضوع الامارة بحسب اللب والواقع اما خصوص العالم واما الأعم من العالم والجاهل واما خصوص الجاهل واما الموضوع مهمل.

اما خصوص العالم فلا يمكن كما هو ظاهر كما ان الأعم منهما ايضا لا يمكن فان جعل الامارة على الواقع للعالم به لا معنى له وأما الاهمال فغير معقول في الواقع فلا بد من اعتبار الجهل فلا فرق بين الاصل والامارة من هذه الجهة في مقام الثبوت والواقع.

وأما الفرق في مقام الاثبات فلا أثر له مع انه ليس كذلك ، لاحظ قوله عليه‌السلام في دليل قاعدة الفراغ «فانه حين ما يتوضأ

أذكر حين ما يشك» فالمأخوذ في لسان الدليل الشك.

الوجه الثاني : ان المجعول في باب الامارات الطريقية ومن الظاهر ان الطريق الى الملزوم طريق الى اللازم ألا ترى ان العلم بالملزوم يستلزم العلم باللازم فالطريق الجعلي يقوم مقام الطريق التكويني.

ويرد عليه اولا : ان المجعول في باب الاستصحاب ايضا الطريقية كما يتضح المدعى إن شاء الله تعالى.

وثانيا : انه لا وجه لقياس الطريق الاعتباري بالعلم فان العلم بالملزم يستلزم العلم باللازم وأما الطريق الجعلي فاعتباره بمقدار سعة الجعل وضيقه فلا يمكن أن يقال ان الامارة على الاطلاق مثل العلم في اثبات اللوازم فلاحظ.

الوجه الثالث : ان لازم الشيء عبارة عما لا يفارقه ولذا يدل اللفظ على الملزوم بالمطابقة وعلى اللازم بدلالة الالتزام وعلى هذا لو جعل الشارع امارة طريقا الى الملزوم يكون طريقا الى لازمه فتكون الامارة مثبتة للوازم المدلول.

وأورد عليه سيدنا الاستاد بأن الدلالة متفرعة على الالتفات ولذا نقول بأنه لو اخبر احد بعدم وجوب واجب من واجبات الشريعة ولا يكون ملتفتا بكون اخباره مستلزما لتكذيب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لا يكون كافرا اذ المفروض ان المخبر غير ملتفت حين الاخبار.

ويرد عليه انه لا اشكال في أن الاخبار عن الملزوم اخبار عن اللازم والاخبار باللازم لا يتوقف على كون المخبر ملتفتا ومتذكرا ولذا يكون الدليل التكويني على الملزوم دليل على اللازم.

وأما عدم كون المخبر كافرا فلعدم الدليل على تحقق الكفر بهذا النحو من التكذيب. والذي يدل على صدق مقالتنا ان الاصحاب

قالوا لو أخبر عادل بوصول البول الى محل وأخبر عادل آخر بملاقاة المحل مع الدم تتحقق البيّنة بالنسبة الى أصل النجاسة فالاخبار بالملزوم اخبار باللازم.

الوجه الرابع : بناء العقلاء على ترتيب اللوازم في الامارات دون الاصول وهذا وجه الفرق بين المقامين.

ويرد عليه انه لا بناء من العقلاء بناء جعليا بلا منشأ فلا بد من الظفر على الفارق. اذا عرفت ما تقدم نقول : لا دليل على كون الامارة بما هي امارة تكون مثبتة للوازمها على نحو الاطلاق بل لا بد من التفصيل بأن نقول تارة نتكلم في اخبار العادل أو الثقة واخرى في بقية الامارات.

أما قول العادل أو الثقة فيكون مثبتا للوازمه العقلية وذلك لأن الاخبار عن الملزوم اخبار عن لوازمه ولو كان المخبر بنفسه غافلا عن الملازمة ، فاذا كان قول العادل معتبرا وحجة يثبت لوازم مدلول كلامه لأنه باخباره عن الملزوم يخبر عن اللوازم ايضا وبمقتضى دليل الاعتبار يكون اخباره باللازم حجة ايضا وقيام السيرة على ترتيب لوازم اخباره من هذه الجهة.

وأما في بقية الامارات فما دام لم يقم دليل على اثبات اللوازم لا يترتب اللازم ، ولذا نقول لو شك المكلف بعد الفراغ عن الصلاة في أنه هل صلى مع الوضوء أم لا ، تجري قاعدة الفراغ بالنسبة الى الصلاة ويحكم ببقاء الحدث بمقتضى الاستصحاب وهكذا في بقية الموارد.

فالنتيجة انه لا يترتب على الاستصحاب إلّا الآثار الشرعية المترتبة على نفس المستصحب بلا واسطة ، فتحصل انه لا مجال للاستصحاب فيما كان بين المستصحب والاثر الشرعي وسط.

وعن الشيخ قدس‌سره التفصيل بين كون الواسطة خفية وغيرها بالجريان في الاول وعدمه في الثاني فلا مانع عن استصحاب عدم الحاجب ويترتب عليه صحة الغسل فان صحة الغسل بنظر العرف من آثار عدم الحاجب وان كان بحسب الدقة من آثار وصول الماء الى البشرة.

ويرد عليه ان العرف محكم في تشخيص المفاهيم وأما المسامحات العرفية فلا اثر لها.

وفي المقام كلام لصاحب الكفاية وهو انه لو كان تلازم عرفي بين التعبد بالمستصحب ولازمه بحيث يرى العرف التعبد بالملزوم تعبدا باللازم أو يرى العرف حكم اللازم حكما وأثرا للملزوم يكون استصحاب الملزوم مثبتا للازمه كالمتضايفين فان التعبد باحد المتضائفين تعبد بالمتضايف الآخر مثلا التعبد بابوة زيد لبكر تعبد ببنوة بكر لزيد.

وأورد عليه سيدنا الاستاد بأن ما أفاده من حيث الكبرى تام ولكن لا مصداق لهذا الكلي اذ تارة يكون التعبد بالعنوان كعنوان الابوة واخرى يكون التعبد بذات المتضائف ، أما على الاول فالاستصحاب يجري في نفس اللازم فان اليقين بابوة زيد لبكر يستلزم اليقين ببنوة بكر له فكما يجرى الاستصحاب في الابوة كذلك يجري في البنوة.

وأما على الثاني فلا يكون تلازم عرفي بين الامرين فاذا كان بقاء زيد مستلزما لكون بكر ولدا له فلا يمكن اثباته باستصحاب بقاء زيد الاعلى القول بالاثبات الذي لا نقول به.

اقول ما افاده سيدنا الاستاد تام ولكن يمكن التعبد بالعنوان من

جانب واحد ايضا مثلا لو دل دليل على كون عنوان الابوة متحققة لا يكون دالا على تحقق البنوة. ولكن الظاهر ان سيدنا الاستاد لا يكون ناظرا الى هذه الصورة التي فرضناها والامر سهل.

ثم انه لا بأس بملاحظة جملة من الموارد التي يجري فيه الاستصحاب وان جريانه فيها هل يستلزم القول بالمثبت فيها أم لا؟

منها : استصحاب الفرد الخارجي لترتيب الاحكام المترتبة على الكلي بتقريب : ان الكلي عين الفرد وجودا مثلا اذا كان مائع خمرا ثم شك في بقاء الخمرية لها يجري الاستصحاب لترتيب آثار الخمر واحكامها والحال ان الحرمة عارضة على كلي الخمر. والتحقيق ان الآثار المترتبة على الكلي آثار لافراده فالحكم يترتب على الكلي على نحو القضية الحقيقية فكل خمر موجودة في الخارج تكون حراما.

ومنها : ان استصحاب وجود منشأ الانتزاع هل يترتب عليه حكم الأمر الانتزاعي أم لا؟ بدعوى ان الأمر الانتزاعي لا يكون بحذائه شيء ويكون داخلا في خارج المحمول بخلاف المحمول بالضميمة.

الظاهر انه لا يمكن الاعلى القول بالمثبت. فانه تارة تكون الملكية محرزة مثلا ويشك في بقائها يجري فيها الاستصحاب. واخرى يجري الاستصحاب في المنشأ كما لو شك في بقاء الدار الفلانية ويكون بقائها ملازما لكونها مملوكة لزيد فهل يمكن استصحاب بقاء الدار لترتيب الآثار الشرعية المترتبة على ملكيتها لزيد كلا فانه من أظهر مصاديق المثبت.

ومنها : انه لو شك في يوم انه من رمضان أو اليوم الاول من شهر شوال فلا اشكال في أن استصحاب بقاء رمضان وعدم دخول هلال شوال يقتضي وجوب الامساك ولكن هل يمكن اثبات الاولية لليوم

الذي يقطع بكونه من شوال بحيث يترتب عليه آثاره أم لا؟ فان قلنا ان عنوان الاول عنوان مركب من كون يوم من شوال واليوم الذي قبله من رمضان يتحقق بالاستصحاب ، فان ضم الوجدان الى الاصل يقتضي تحقق الموضوع فان كون اليوم من شوال وجداني ، واليوم الواقع قبله من رمضان تعبدي فيتحقق الموضوع المركب من الوجدان والاصل.

واما ان كان عنوان الاول أمر بسيط كما هو كذلك فلا يمكن اثباته الا على القول بالاثبات.

ولسيدنا الاستاد كلام في المقام وهو : انه بعد القطع بكون اليوم من شوال واحتمال كونه من أول الشهر يمكن استصحاب بقاء اليوم الاول وترتيب الآثار عليه من الصلاة والادعية وامثالها.

ويرد عليه ان الذي يجري فيه الاستصحاب وهو الوجود المحمولي لا اثر له والذي يترتب عليه الاثر وهو الوجود النعتي لا يجري فيه الاستصحاب.

وبعبارة اخرى : استصحاب بقاء اليوم الاول لا يثبت كون هذا اليوم اول الشهر الا بالاثبات.

ان قلت : المكلف يقطع بكونه في زمان في اليوم الاول والآن كما كان. قلت : لا اشكال في جريان الاستصحاب بهذا النحو ولكن هذا الاصل لا يثبت كون اليوم أول الشهر الا بالاثبات.

التنبيه الثالث عشر :

انه تارة يشك في تقدم شيء وتأخره بالنسبة الى الزمان واخرى يشك في التأخر والتقدم بالنسبة الى حادث آخر ، فالكلام يقع في موضعين : أما الموضوع الاول فلا اشكال في جريان الاستصحاب كما لو شك في

حدوث زيد يوم السبت أو يوم الاحد فانه يجري استصحاب عدمه الى يوم الاحد فلو كان لعدم يوم السبت أثر يترتب على استصحاب عدمه.

وايضا لو علمنا بعدم بقائه الى يوم الاحد ولكن نشك في بقائه الى يوم السبت وعدمه يجري استصحاب بقائه الى يوم السبت ويترتب الاثر المترتب عليه.

وأما الموضوع الثاني وهو الشك في تقدم شيء وتأخره عن الحادث الآخر فنقول : المثال المعروف له انه اذا علمنا بموت الوالد واسلام الولد ولكن لا ندري ان اسلام الولد مقدم كي يرث عن والده أو أن اسلامه متأخر كي لا يرث.

وقبل الخوض في البحث نشير الى نكتة وهي : ان العناوين البسيطة اذا كانت موضوعة للاحكام الشرعية فتارة يجري الاستصحاب في تلك العناوين فلا اشكال اذ بالاستصحاب نحرز تحقق العنوان ونرتب عليه الحكم الشرعي ، واخرى لا يكون العنوان بنفسه مورد الاستصحاب فلا يمكن ترتيب الاثر الشرعي ، اذ اثبات العنوان البسيط باستصحاب منشأ انتزاعه يتوقف على القول بالاثبات.

واما اذا كان الموضوع مركبا من جزءين أو الاجزاء فيمكن احرازها بالاصل ، مثلا اذا قلنا بأنه يعتبر في مرجع التقليد الحياة والعدالة فاذا كان زيد عادلا سابقا وبعد ذلك علمنا باجتهاده ولكن شك في عدالته يمكن احراز عدالته بالاستصحاب وبضم الوجدان الى الاصل يحكم بجواز تقليده.

وايضا اذا قلنا انه لا بد من الاتيان بالصلاة مع الستر والطهارة عن الحدث والخبث فيمكن احراز الستر بالوجدان واحراز الطهارة بالاصل.

وفي المقام اشكال وهو انه لو صلى المكلف مع الشك في وجود الشرط كالطهارة مثلا يقع التعارض بين هذا الاستصحاب واستصحاب آخر وهو عدم تحقق الصلاة مع الطهارة فما الحيلة.

واجاب المحقق النائيني عن الاشكال المذكور بأن الشك في تحقق الصلاة مسبب عن الشك في الطهارة والاستصحاب الجاري في السبب حاكم على الاستصحاب الجاري في المسبب.

وأورد عليه سيدنا الاستاد بأن التسبّب في المقام ليس شرعيا بل تسبّب عقلي وتقدم الاصل السببي انما يكون فيما اذا كان التسبب شرعيا فيلزم العلاج بنحو آخر وهو ان المفروض ان الموضوع مركب ومن ناحية اخرى ان بعض أجزاء الموضوع محرز بالوجدان والبعض الآخر محرز بالاصل فلا مجال لاستصحاب عدم تحقق الصلاة.

ان قلت : بعد الاتيان بالصلاة المكلف يشك وجدانا انه هل أتى بالمأمور به أم لا؟ والاصل عدمه.

قلت : لا مجال لهذا التقريب اذ المفروض ان الواجب أمر مركب من عدة امور بعضها محرز بالوجدان وبعضها محرز بالاصل فلا مجال للشك ولو كان المأمور به امرا بسيطا لم يمكن اثباته بالاستصحاب الاعلى القول بالمثبت.

ويرد على ما أفاده انه لا اشكال في أنه بعد الصلاة يشك المكلف فى أنه هل اتى بالصلاة المقيدة بالطهارة أم لا؟ ومقتضى الاستصحاب عدم الاتيان بها فلا بد من التوسل الى تقريب آخر في الخلاص عن هذه العويصة.

فنقول يمكن دفع الاشكال بتقريبين : احدهما : انه يستفاد من نصوص الاستصحاب ان الامام عليه‌السلام حكم بجريان الاستصحاب

في السبب واعتبره فلو كان استصحاب عدم تحقق المسبب معتبرا ومعارضا لاستصحاب السبب لم يكن وجه لجريان الاستصحاب في السبب.

ثانيهما : ان الاستصحاب الجاري في السبب اركانه تامة فيجري ، ولكن الاستصحاب الجاري في المسبب اما بلا وجه واما على وجه دائر وكلاهما فاسد فلا يجري الاستصحاب في المسبب ، فان جريان الاصل في المسبب يتوقف على عدم جريانه في السبب اذ مع الجريان في السبب لا تصل النوبة الى المسبب وعدم جريانه في السبب يتوقف على جريانه في المسبب وهذا دور وباطل.

وأما عدم كون التسبب في المقام شرعيا فلا نفهمه وأي فرق بين المقام وغسل الثوب النجس بالماء الطاهر بالاستصحاب ، فان سيدنا الاستاد يسلم حكومة استصحاب الطهارة الجاري في الماء المغسول به الثوب على الاستصحاب الجاري في الثوب فانه يترتب على جريان استصحاب الطهارة في الماء طهارة الثوب والتسبب شرعي أي يكون ترتب الاثر المسبب من آثار السبب شرعا.

وفي المقام ايضا كذلك فان الشك في صحة الصلاة ناش عن الشك في طهارة الثوب أي شمول دليل وجوب الصلاة مع الساتر الطاهر لمورد الشك مترتب على احراز طهارة الثوب وطهارة الثوب تحرز بالاستصحاب فما أفاده الميرزا صحيح وما أفاده سيدنا الاستاد قدس‌سره غير تام فلاحظ.

اذا عرفت ما تقدم نقول يقع الكلام في الحادثين تارة في مجهولي التاريخ واخرى في الحادثين اللذين يكون تاريخ احدهما معلوما وتاريخ الآخر مجهولا واما معلوما التاريخ فلا مجال للبحث فيهما

اذ مع العلم بتاريخ كليهما لا موضوع للاستصحاب لعدم الشك كما هو ظاهر.

وأما الكلام في غير معلومي التاريخ فتارة يقع في مجهوليهما واخرى فيما يكون التاريخ في احدهما معلوما وفي الآخر مجهولا وكل واحد من هذين القسمين تارة يكون الاثر مترتبا على الوجود واخرى يكون مترتبا على العدم وعلى كلا التقديرين تارة يكون الموضوع الوجود المحمولي أو العدم كذلك واخرى يكون الموضوع الوجود النعتي أو العدم كذلك.

والكلام يقع اولا في مجهولي التاريخ ، فنقول : الصورة الاولى : ما يكون الاثر مترتبا على وجود احدهما على نحو مفاد كان تامة كما لو استفيد من الدليل ان الارث مترتب على تقدم موت المورث على موت الوارث وفي هذه الصورة يجري الاستصحاب ويحكم بعدم تقدمه وينفي اثر التقدم.

واذا كان لتقدم الحادث الآخر ايضا اثر يحكم بعدم تقدمه ايضا وينفي اثره ولا تلزم المخالفة العملية اذ يمكن تقارن الحادثين فلا معارضة بين الاصلين.

وان كان لتأخر احدهما عن الآخر اثر كما يكون لتقدمه فائضا لا معارضة اذ يمكن التقارن نعم لو علم بعدم التقارن ومن ناحية اخرى كان لتقدم كل واحد منهما على الآخر اثر يقع التعارض بين الاستصحابين.

الصورة الثانية : ما يترتب الاثر على تقدم احدهما على الآخر بنحو مفاد كان ناقصة وبعبارة اخرى : يكون الاثر مترتبا على الوجود النعتي كما لو كان الارث مترتبا على كون موت المورث متصفا بالتقدم على موت الوارث فربما يقال بعدم جريان الاستصحاب

اذ لا نعلم بالاتصاف لا وجودا ولا عدما.

ولكن الصحيح جريان الاستصحاب اذ قبل وجود الموضوع لم يكن متصفا بالوصف والآن كما كان ولذا لو شك في كون مرأة قرشية أم لا؟ نقول هذه المرأة قبل وجودها لم تكن منسوبة الى القريش والآن كما كانت.

وفي المثال المذكور في المقام نقول : قبل تحقق موت المورث لم يكن الموت متصفا بهذا الوصف والآن كما كان.

الصورة الثالثة : أن يكون الاثر مترتبا على عدم احدهما في زمان الآخر وكان العدم المتصف المنعوت مأخوذا في الموضوع.

فربما يقال بعدم جريان الاستصحاب لعدم العلم بالحالة السابقة ولكن الحق جريان الاستصحاب اذ نعلم بعدم تحقق الاتصاف المذكور قبل تحقق الموت ، لعدم الموضوع ومقتضى الاستصحاب بقاء الحالة السابقة على ما كانت.

الصورة الرابعة : ما كان الموضوع عدم أحدهما بمفاد ليس تامة في زمان الآخر ومقتضى القاعدة جريان الاستصحاب ، مثلا لو كان الموضوع المأخوذ في الدليل عدم اسلام الولد في زمان موت الوالد يمكن اجراء الاستصحاب بأن نقول لا اشكال في تحقق موت الوالد ومن ناحية اخرى نشك في اسلام ولده عند موته والاصل عدم اسلامه وبقائه على ما كان قبل ذلك من الكفر ويترتب الاثر.

ولكن صاحب الكفاية أنكر جريان الاستصحاب لعدم تمامية اركانه بتقريب : انه قد ثبت في محله عدم جواز التمسك بالدليل في الشبهة المصداقية ، فلو قال المولى أكرم العلماء وفي دليل آخر قال لا تكرم الفساق من العلماء فاذا شك في أن زيدا العالم فاسق أم لا؟ لا مجال للاخذ بعموم العام مع احتمال كونه فاسقا وعلى

فرض القول بالاخذ في المخصّص المنفصل كالمثال المتقدم لا يجوز الاخذ به في المخصّص المتصل كما لو قال المولى أكرم العلماء العدول وشك المكلف في عدالة زيد العالم ففي مثله لا يجوز الاخذ بالعموم قطعا ولم يقل به أحد.

اذا عرفت ذلك فاعلم ان المستفاد من دليل الاستصحاب ان اليقين السابق ينقض باليقين بالخلاف فلو شك في مورد في أنه من مصاديق نقض اليقين بالشك أو من مصاديق نقض اليقين باليقين لا يمكن الاخذ بدليل الاستصحاب فاذا علمنا بحدوث حادثين وهما موت الاب واسلام الابن فانا نعلم بعدم موت الوالد وعدم اسلام ولده مثلا في يوم السبت وأيضا علمنا بحدوث أحدهما يوم الاحد وعلمنا بحدوث الآخر يوم الاثنين ولا ندري ولا نميز المتأخر عن المتقدم فاذا كان زمان الموت متأخرا يرث الولد لكونه مسلما حين موت المورث وان كان زمان الاسلام متأخرا لا يرث اذ الكفر مانع عن الارث.

فتارة نلاحظ كلا من الحادثين الى عمود يرث الزمان واخرى نلاحظ بالنسبة الى الحادث الآخر ، أما على الاول فلا مانع عن استصحاب عدم الاسلام في يوم الاحد لكن لا أثر لهذا الاصل فان الاثر مترتب على عدم الاسلام في زمان موت الآخر.

وأما على الثاني فلا يجري الاستصحاب اذ لو كان موت المورث في يوم الاحد لا يكون الشك في الاسلام مستمرا بل انتقض ، ومع احتمال الانتفاض لا يجري الاستصحاب لكون الشبهة مصداقية.

والظاهر ان التقريب المذكور غير تام فان الشبهة المصداقية في الامور الوجدانية كيف تتحقق وبعبارة اخرى : اذا كان المكلف شاكا في بقاء المعلوم سابقا يجري الاستصحاب وإلّا فلا ، والشبهة

المصداقية تتصور في الامور الخارجية كعلم زيد وعدالة بكر وشجاعة عمرو وهكذا فاركان الاستصحاب تامة ويجري بلا كلام ولا اشكال.

نعم ربما لا يجري للمعارضة وهذا أمر آخر لا يرتبط بالاشكال المذكور فلاحظ ، هذا تمام الكلام في صور مجهولي التاريخ.

وأما ما كان أحدهما معلوما والآخر مجهولا فصوره أيضا أربعة :

الصورة الاولى :ما يكون الاثر مترتبا على الوجود بمفاد كان تامة ومقتضى الاستصحاب عدم ذلك الوجود الذي يكون موضوعا للحكم.

الصورة الثانية : أن يكون الموضوع عبارة عن الوجود الخاص أي مفاد كان ناقصة ويجري الاستصحاب في عدم تحققه وينفى الاثر الشرعي المترتب على الوجود الخاص.

الصورة الثالثة : أن يكون الموضوع عدم أحدهما في ظرف وجود الآخر بنحو مفاد كان ناقصة وقد مر توهم عدم جريان الاستصحاب فيه بتقريب عدم العلم بالحالة السابقة وقلنا لا مانع عن جريان استصحاب عدم تحقق المتصف الذي يكون موضوعا للحكم.

الصورة الرابعة : أن يكون الموضوع عدم أحدهما في ظرف وجود الآخر بنحو مفاد ليس تامة فيجري الاستصحاب في مجهول التاريخ.

مثلا نفرض ان يوم الجمعة انه لم يتحقق اسلام الوارث ولم يتحقق أيضا موت المورث وفي يوم السبت تحقق اسلام الوارث وفي يوم الاحد علمنا بموت المورث لكن لا نعلم بأن موته تحقق قبل الاسلام كى لا يتحقق الارث أو تحقق بعد الاسلام كى يرث وارثه المسلم فيجري الاستصحاب في عدم موت المورث ونقول الاصل عدم

الموت الى زمان وجود الاسلام واركان الاستصحاب تامة.

وأما بالنسبة الى معلوم التاريخ فاستشكل صاحب الكفاية في جريان الاستصحاب فيه بأنه يلزم في جريان الاستصحاب اتصال زمان الشك باليقين وحيث انا نحتمل عدم الاتصال لا يمكن الاخذ بدليل الاستصحاب لانه لا يجوز الاخذ بالدليل في الشبهة المصداقية سيما اذا كان المخصّص متصلا كما في المقام.

وفي جريان الاستصحاب في معلوم التاريخ تكون الشبهة مصداقية فان موت المورث اذا كان بعد اسلام الوارث يكون زمان الشك في الاسلام متصلا بزمان اليقين به ، وأما ان كان واقعا قبله فاليقين بعدم الاسلام يحتمل انتقاضه بتخلل الموت.

ويرد عليه ان الميزان في جريان الاستصحاب اليقين السابق والشك اللاحق وفي المقام كذلك ، فانا نعلم بعدم الاسلام يوم الجمعة ونشك في بقائه الى زمان الموت ونحكم بعدمه الى ذلك الوقت بالاستصحاب.

وعلى الجملة لا مجال للشبهة المصداقية في الامر الوجداني.

وعن الميرزا اشكال في المقام وهو ان الاستصحاب عبارة عن جر الامر السابق الى زمان الشك في عمود الزمان والمفروض انا نعلم بعدم الاسلام يوم الجمعة ونعلم بتبدله بالاسلام يوم السبت فلا يكون موضوع الاستصحاب متحققا كى يجري.

ويرد عليه ان الامر وان كان كذلك بالنسبة الى نفس الزمان ولكن بقاء المستصحب وعدم بقائه مشكوك فيه بالنسبة الى موت المورث ولا تنافي بين كون شيء معلوما من جهة ومشكوكا فيه من جهة اخرى ، مثلا يمكن أن نقطع ببقاء حياة زيد بن الارقم بعنوان انه ابنه وأيضا نشك فيه بعنوان معلم بكر بن خالد والمقام كذلك.

فتحصل ان الحق جريان الاستصحاب في مجهول التاريخ كجريانه في معلومه بلا فرق.

التنبيه الرابع عشر :

في أنه هل يجري استصحاب الصحة أم لا؟ الذى يختلج بالبال أن يقال ان الصحة غير قابلة للجعل فلا مجال لاستصحابها فان الصحة تنتزع من تطابق المأمور به مع المأتي به.

فنقول الشك في الصحة اما يكون قبل الصلاة واما يكون اثناء الصلاة واما يكون بعد الصلاة أما اذا كان قبل الصلاة فلا بد من أن يكون ناشيا من الشك في شرط من شرائط الصلاة كالطهارة من الحدث أو طهارة اللباس وأمثالها وفي الفرض المذكور اما يكون طريق لاحراز الشرط من امارة أو أصل واما لا.

أما على الاول فنعتمد على تلك الامارة أو على ذلك الاصل ويؤتى بالعمل فعلى تقدير عدم انكشاف الخلاف فهو ، وأما على تقدير انكشاف الخلاف فان كان من الشرائط الذكرية يصح العمل وان كان من الشرائط الواقعية فلا بد من الاعادة بمقتضى انّه ثبت في محله ان الاتيان بالمأمور به بالامر الظاهري لا يكون مجزيا.

وأما على الثاني أي لا يكون طريق لاحراز الشرط لا بد من الاحتياط واحرازه وأما اذا كان الشك بعد الصلاة بأن يشك ان الصلاة التي أتى بها هل كانت واجدة للشرائط ام لا؟ فان كان من الشرائط الذكرية فلا شيء عليه اذ مع القطع بالفقدان يتم الامر فكيف بصورة الشك.

وأما ان كان من الشرائط الواقعية وبعبارة اخرى : يكون بحيث

لو كان العمل فاقدا له يكون باطلا فاما يكون موضوع قاعدة الفراغ وشرائطها تامة وأما لا تكون تامة أما على الاول فتجري القاعدة ويحكم بصحة العمل إلّا ان ينكشف الخلاف وفي صورة الانكشاف لا بد من الاعادة أو القضاء لعدم الاجزاء.

وأما على الثاني فلا بد من الاعادة أو القضاء لاستصحاب عدم الاتيان بالمأمور به المقتضي للاعادة في الوقت والقضاء في خارجه.

وأما ان كان الشك في الاثناء فتارة يكون بالنسبة الى الاجزاء المأمور بها بحيث تجري قاعدة الفراغ أو التجاوز ـ على القول به ـ وأما يكون الشك بالنسبة الى ما لا تجري فيه القاعدة كالشك في الطهارة مثلا.

أما على الاول فالكلام فيه هو الكلام وأما على الثاني فان أمكن احراز الشرط بأصل كالاستصحاب ونحوه فهو وإلّا فلا مناص عن الاحتياط هذا هو الميزان الكلي.

ايقاظ :

لا يخفى عليك ان الشرطية والمانعية والقاطعية كلها امور واقعية وغير قابلة للجعل والحق انه لا فرق بينها مثلا الطهارة شرط أي الامر تعلق بالعمل مقيدا بها بنحو يكون القيد خارجا والتقيد داخلا وقس عليه بقية الشرائط ومصاحبة غير المأكول مانعة أي الامر تعلق بالعمل بشرط عدمها والقهقهة قاطعة أى الامر تعلق بالعمل الذي لا يقع اثنائه القهقهة فمرجع الكل الى الشرطية.

التنبيه الخامس عشر :

هل يكون المراد من الشك في موضوع الاستصحاب خصوص الشك الذي يتساوى طرفاه أم يكون اعم؟ المشهور بين القوم هو الثاني.

وما يمكن أن يذكر في وجهه امور : الامر الاول : الاجماع ، وفيه ان الاجماع المنقول لا يكون حجة والمحصل منه على تقدير حصوله محتمل المدرك بل مقطوع به فلا يفيد.

الامر الثاني ان الظن بخلاف الحالة السابقة ان كان ظنا معتبرا فيكون في حكم اليقين فانه لا كلام في أنه ترفع اليد عن الحالة السابقة بقيام دليل معتبر على الخلاف ولذا يكون الاطمينان بالخلاف الذي هو حجة عقلائية أو قيام امارة معتبرة شرعا على الخلاف موجبا لسقوط الاستصحاب عن الاعتبار وان كان غير معتبر وشك في اعتباره يتحقق موضوع الاستصحاب اذ المفروض ان الشك في اعتباره ولا ينقض اليقين بالشك.

ويرد عليه أولا : ان الشك المأخوذ في موضوع الاستصحاب الشك المتعلق بما تعلق به اليقين لا مطلق الشك كى يشمله الشك في الاعتبار والمفروض ان اليقين بالحالة السابقة ارتفع وتعلق به الظن فلا يكون موضوع الاستصحاب متحققا.

وثانيا : انه يمكن ان يفرض القطع بعدم حجية الظن المتعلق بما تعلق به اليقين فلا شك في اعتباره ولكن مع ذلك لا يكون موضوع الاستصحاب موجودا.

الامر الثالث : ان المستفاد من الشك عرفا خلاف اليقين لا خصوص متساوي الطرفين احتمالا مضافا الى أن القرينة قائمة في الحديث على الاطلاق فانه قد صرح في الحديث بأنه ينقض باليقين فقوبل

بين اليقين بالبقاء واليقين بالارتفاع فيكون الظن بالبقاء أو الارتفاع داخلا في موضوع الاستصحاب.

ويضاف الى ذلك كله انه سئل في الحديث عن الخفقة والخفقتين بانهما هل توجبان الوضوء أم لا؟ وأجاب عليه‌السلام بالعدم والحال ان العادة تقتضي ان الخفقة توجب الظن بتحقق النوم ولا اقل من الاطلاق فان مقتضى الاطلاق شمول الحكم لصورة تحقق الظن بالنوم فالمتحصل ان الظن بارتفاع الحالة السابقة لا يوجب سقوط الاستصحاب عن الاعتبار فلاحظ.

التنبيه السادس عشر :

انه هل يمكن الاستدلال بادلة الاستصحاب على حجية قاعدة المقتضي والمانع ام لا؟ الحق انه لا يمكن مثلا لو غسلنا ثوبا أو جسما آخر بالماء وشككنا في وصول الماء اليه لا يمكن اثبات الغسل المطهر بالاستصحاب اذ اليقين تعلق بالغسل ولا نشك فيه ونشك في وصول الماء الى المحل النجس وباصالة عدم المانع لا يثبت الحكم بالطهارة الا على القول بالمثبت فان وصول الماء أمر خارجي لا يترتب على اصالة عدم المانع.

اضف الى ذلك انه اذا فرضنا شمول دليل الاستصحاب لمفاد القاعدة وسلمنا انه أجرينا اصالة عدم المانع واثبتنا وصول الماء الى المحل النجس لكن مقتضى استصحاب عدم الوصول عدم تحقق الطهارة.

وبعبارة اخرى : يقع التعارض بين الاصلين ولا يمكن شمول الدليل للمتعارضين كليهما ولا أحدهما معينا لعدم المرجح.

ان قلت : على هذا يلزم انه لو اقيم دليل على اعتبار القاعدة يعارضه دليل الاستصحاب.

قلت : لو اقيم دليل غير الاستصحاب على اعتبار القاعدة كان ذلك الدليل مخصصا لدليل الاستصحاب بالنسبة الى مورد القاعدة.

وربما يقال ان هذه القاعدة معتبرة بسيرة العقلاء. ويرد عليه انه ليس الامر كذلك بل الامر بالعكس مثلا اذا قصد شخص قتل شخص آخر ورماه بسهم ووجد ذلك الشخص ميتا ولكن شك في أنه مات بسهم الرامي وكان بحيث لو لم يكن مانع عن الوصول لوصل اليه وقتله هل يقتل الرامي قصاصا أو هل يؤخذ منه الدية ، بمقتضى القاعدة؟ الظاهر انه ليس الامر كذلك.

ثم انه وقع الكلام بين القوم في أنه هل يشمل دليل الاستصحاب قاعدة اليقين أم لا؟ الحق عدم الشمول اذ المستفاد من ادلة الاستصحاب عبارة عن جر الحكم السابق الى زمان الشك ، فقد فرض في دليل الاستصحاب الشك العارض بعد فرض اليقين أو جر موضوع معلوم سابقا ومشكوك فيه لا حقا فلا ينطبق على الشك الساري.

وصفوة القول : ان المستفاد من دليل الاستصحاب ان موضوعه الشك في بقاء ما تيقن به المكلف.

ويمكن تقريب المدعى بوجه آخر وهو ان الظاهر من الدليل ترتيب الحكم على الموضوع الفعلي ومن الظاهر ان الشك الطاري يجتمع مع اليقين الفعلي وأما الشك الساري فلا يجتمع مع اليقين الفعلي ولذا يقال الشك الساري.

مضافا الى أن مقتضى الاستصحاب عدم تحقق المشكوك فيه. وبعبارة واضحة لا اشكال في أن الشك الطاري مورد دليل الاستصحاب ولا يختص الدليل بخصوص الشك الساري.

ومقتضى جريان الاستصحاب عدم تحقق ما شك في وجوده فيقع التعارض بين الاستصحاب والقاعدة فلا يمكن اثبات ما كان متيقنا أولا.

ولو اغمض عن ذلك أيضا فلا اقل من الاجمال أي لا ندرى ان الدليل ناظر الى الاستصحاب أو الى القاعدة فيصبح الدليل مجملا فلا يثبت لا هذا ولا ذاك فلاحظ.

التنبيه السابع عشر :

انه قال في الكفاية : «لا شبهة في عدم جريان الاستصحاب في مقام مع دلالة مثل العام لكنه ربما يقع الاشكال والكلام فيما اذا خصّص العام في زمان في أن المورد بعد هذا الزمان مورد الاستصحاب أو التمسك بالعام» انتهى موضع الحاجة من كلامه.

وقبل الخوض في البحث ننبه بأمرين : الامر الاول : ان هذا البحث على مسلك من لا يجري الاستصحاب في الشبهات الحكمية لا أثر له فانه على ذلك المسلك لو فرض جريان الاستصحاب يكون معارضا وبالتعارض يتساقطان فعلى كل تقدير لا مجال لجريان الاستصحاب اما لعدم المقتضي أو لوجود المانع.

اللهم إلّا أن يقال اذا فرضنا انه لم يكن مجال للاخذ بالعموم فلا بد من الاخذ بالاصل العملي فأثر البحث يظهر على كل تقدير أما على مسلك من يجري الاستصحاب يكون المرجع عنده الاستصحاب وأما عند غيره فيكون المرجع اصل آخر من الاصول العملية على حسب اختلاف الموارد.

الامر الثاني : لا شبهة ـ كما يعلم من كلام صاحب الكفاية ـ انه لا مجال للتعارض بين العموم والاستصحاب فان الاستصحاب لا يعارض

العموم اذ الاستصحاب أصل عملي والعموم اصل لفظي ودليل اجتهادي وانما البحث في تشخيص المصداق وانه متى يؤخذ بعموم العام ومتى يؤخذ بالاستصحاب.

فنقول أفاد الشيخ قدس ان العموم الازماني تارة يكون على نحو العموم الاستغراقي بان يكون لكل قطعة من قطعات الزمان حكم غير ما يكون للفرد الآخر كالعموم الافرادي فكما ان المولى اذا قال أكرم العلماء يكون لكل فرد من أفراد العالم حكم وهو وجوب اكرامه ويكون لكل فرد اطاعة وعصيان كذلك العموم الازماني كصوم شهر رمضان فان لكل يوم من الشهر حكما غير مرتبط بحكم يوم آخر.

واخرى يكون العموم بالنسبة الى الزمان عموما مجموعيا ويكون الحكم واحدا كالامساك من أول طلوع الفجر الى المغرب فانه ليس لكل آن حكم مستقل فان كان عموم العام من القسم الاول يكون المرجع عند الشك عموم العام اذ المفروض ان لكل قطعة من الزمان حكما خاصا فيكون عموم العام شاملا لمورد الشك ومع عموم العام لا تصل النوبة الى الاستصحاب.

وأما ان كان من القسم الثاني يكون المرجع عند الشك استصحاب حكم الخاص لان المستفاد من العام حكم واحد وقد انقطع يقينا.

وقال صاحب الكفاية : مجرد كون العموم مجموعيا لا يقتضي الرجوع الى الاستصحاب بل لا بد من ملاحظة ان الزمان اخذ في طرف المخصص بنحو الظرفية أو بنحو القيدية ، فعلى الاول يجري الاستصحاب وعلى الثاني لا بد من الرجوع الى اصل آخر من البراءة أو غيرها حسب اقتضاء المقام.

وهذا الذي ذكرنا يختص بما يكون التخصيص من الوسط كخيار

الغبن على القول بثبوته من زمان الالتفات الى الغبن فانه قد خصّص وجوب الوفاء بمقدار دقيقة مثلا وبعدها لا مجال للاخذ بعموم العام اذ المفروض انقطاع الحكم بالخيار وبعد الزمان الاول لا دليل على وجوب الوفاء فتصل النوبة الى الاستصحاب.

وأما اذا كان التخصيص من الاول كخيار الحيوان مثلا فالمرجع بعد مضي الثلاثة عموم وجوب الوفاء بالعقد.

هذا على تقدير كون العموم مجموعيا واما ان كان استغراقيا فالمتعين الرجوع الى العام ان لم يكن له معارض وان كان له معارض يكون المرجع الاستصحاب ان كان الزمان مأخوذا على نحو الظرفية وإلّا يكون المرجع اصل آخر اذ مع كون الزمان قيدا لا يمكن الاخذ بالاستصحاب فانه اجراء حكم موضوع الى موضوع آخر ويشترط في الاستصحاب وحدة الموضوع». فعلى ما ذكره صاحب الكفاية تكون الصور أربعة. الصورة الاولى : أن يكون عموم العام ازمانيا ويكون الزمان مأخوذا في المخصص على نحو الظرفية ولكل زمان حكم مخصوص وفي هذه الصورة يكون المرجع عموم العام ولا مجال للاستصحاب اذ مع عموم العام والدليل الاجتهادي لا مجال للاخذ بالاصل العملي.

الصورة الثانية : هي الصورة الاولى بعينها ويكون الزمان مأخوذا في الخاص على نحو القيدية وفي هذه الصورة أيضا يكون المرجع عموم العام بالتقريب المتقدم ذكره آنفا إلّا أن يكون العام ساقطا بالمعارضة فعلى تقدير كون الزمان مأخوذا في الخاص على نحو الظرفية تصل النوبة الى الاستصحاب وان كان على نحو القيدية تصل النوبة الى اصل آخر.

الصورة الثالثة أن يكون عموم العام عموما مجموعيا فان التخصيص ان كان من الاول يكون المرجع عموم العام كما في خيار المجلس فانه بعد الافتراق اذا شك في بقاء الخيار يكون المرجع عموم وجوب الوفاء بالعقد لكن لا تصل النوبة الى الاخذ بالعموم في المثال المذكور اذ يستفاد من نفس دليل خيار المجلس لزوم العقد بالافتراق حيث قال عليه‌السلام «واذا افترقا وجب البيع».

وأما اذا كان التخصيص من الوسط فلا مجال للرجوع الى العام اذ المفروض انقطاع الحكم فان كان الزمان قيدا في دليل المخصص يكون المرجع اصل آخر من براءة أو غيرها اذ فرض سقوط العام عن الاعتبار ومن ناحية اخرى لا مجال للاستصحاب لعدم جواز اسراء حكم موضوع الى موضوع.

الصورة الرابعة : هي الثالثة مع كون الزمان ظرفا فاذا كان العام ساقطا لكون التخصيص من الوسط تصل النوبة الى الاستصحاب.

وقال سيدنا الاستاد قدس‌سره : «ان ما أفاده صاحب الكفاية من أن مجرد كون عموم العام مجموعيا لا يقتضي الرجوع الى الاستصحاب بل لا بد من ملاحظة ان الزمان اخذ في ناحية دليل المخصّص على نحو الظرفية فيجري الاستصحاب أو على نحو القيدية فلا يجرى متين.

وأما ما أفاده من التفصيل بين كون التخصيص من الاول أو من الوسط فعلى الاول يؤخذ بالعموم وعلى الثاني لا يؤخذ به ، فلا بد فيه من التفصيل بأن نقول تارة يثبت حكم في مورد ويستفاد استمراره من دليل آخر بأن يرد دليل يدل على كون الحكم الفلاني مستمرا واخرى يستفاد نفس الحكم واستمراره من نفس الدليل كما ان الامر كذلك في مفاد وجوب الوفاء بالعقود فان أصل اللزوم

واستمراره كليهما مستفادان من قوله تعالى (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ).

فانه ان كان من القسم الاول يتم ما أفاده صاحب الكفاية اذ يمكن أن يقال انه كان التخصيص من الاول وبعد ذلك ثبت الحكم في الجملة واستمر بالدليل الخارجي وأما اذا كان التخصيص من الوسط فانقطع الاستمرار فلا دليل بعد ذلك يدل على شمول الحكم في مورد التخصيص.

وأما اذا كان كلا الامرين مستفادين من نفس الدليل كما يستفاد اللزوم واستمراره من وجوب الوفاء بالعقد فلا فرق بين كون التخصيص من الاول أو من الوسط اذ بعد فرض الانقطاع لا دليل على اللزوم».

وما أفاده في مقام الايراد على الشيخ وصاحب الكفاية متين. اذا عرفت ما تقدم فاعلم انه لا فرق بين العام الاستغراقي والعام المجموعي فكما ان العام الاستغراقي اذا خصّص وخرج فرد عن تحت العموم يكون حجة في باقي الافراد كذلك الامر في العام المجموعي.

مثلا لو قال المولى اكرم هؤلاء العشرة وبعد ذلك خرج واحد منها بدليل خارجي يكون حكم المولى نافذا في البقية وعلى ذلك لو أمر المولى بالوفاء بعقد من العقود عشر سنوات وبعد ذلك خرج شهر بدليل يجب الوفاء بالعقد في بقية المدة.

فتحصل مما ذكرنا ان المرجع عند الشك في الاخذ بالعام أو استصحاب حكم المخصّص عموم العام بلا فرق بين كونه استغراقيا أو مجموعيا وبلا فرق بين أن يكون التخصيص من الاول أو من الوسط.

التنبيه الثامن عشر :

انه يعتبر في جريان الاستصحاب اتحاد القضية موضوعا ومحمولا في الحالتين والوجه في الاشتراط المذكور انه لولاه لا يصدق رفع اليد عن الحالة السابقة نقضا لليقين بالشك ولا الجري العملي على طبق الحالة السابقة مضيا عليها.

مثلا لو علمنا بعدالة زيد سابقا وشككنا فيها لاحقا يكون الجري العملي على طبق عدالته مضيا على الحالة السابقة وعدم الجري على طبق عدالته يكون نقضا.

واما لو شككنا في اجتهاده لا يكون الجري العملي على طبق اجتهاده جريا على طبق العلم بالعدالة كما ان عدم الجري على طبق اجتهاده لا يكون نقضا للحالة السابقة.

وايضا لا يكون الجري على طبق عدالة بكر مضيا على الحالة السابقة ولا يكون عدم الجري على طبق عدالته نقضا عمليا للحالة السابقة فقوام الاستصحاب باتحاد القضية المتيقنة والمشكوك فيها موضوعا ومحمولا.

اذا عرفت ما تقدم فاعلم ان المستصحب قد يكون من الموضوعات وقد يكون من الاحكام وعلى الاول قد يكون من المحمولات الاولية المعبر عنها بمفاد كان تامة أو ليس تامة واخرى يكون من المحمولات الثانوية التي تعرض على الوجود.

وبعبارة واضحة : قد يكون المستصحب نفس الوجود والعدم واخرى يكون أمرا عارضا على الوجود. فان كان من القسم الاول أي يكون محمولا اوليا كان موضوعه الماهية ولا يعقل في هذا القسم اعتبار وجود الموضوع اذ مع فرض العلم بوجود زيد مثلا لا يعقل

أن يشك في بقاء وجوده كما ان الأمر كذلك لو علم بعدمه فلا مجال للشك.

مضافا الى أنه لا يعقل عروض العدم على وجود زيد وإلّا يلزم اجتماع النقضين فلو شك في وجود زيد أو عدمه يكون الموضوع نفس الماهية.

واما ان كان الشك في المحمول الثانوي كعدالة زيد مثلا فله اقسام : القسم الاول ما يكون الشك في بقاء المحمول ناشيا عن الشك في بقاء الموضوع ، وأما مع العلم ببقاء الموضوع فلا يشك في بقاء المحمول كما لو شك في بقاء عدالة زيد ويكون الشك في بقاء عدالته ناشيا عن الشك في بقائه أي بقاء زيد.

وفي جريان الاستصحاب في هذا القسم اشكال وهو انه لا اشكال في بقاء العدالة مع وجود زيد فلا يجري الاستصحاب في العدالة لعدم الشك فيها مضافا الى عدم جريان الاستصحاب مع الشك في الموضوع.

وايضا لا يجري الاستصحاب في بقاء زيد اذ المفروض ان المقصود التعبد بعدالته فاستصحاب بقائه بلا لحاظ عدالته غير مقصود وأما استصحاب بقائه لا ثبات عدالته فهو من صغريات الاصل المثبت الذي لا نقول به فما الحيلة وما الوسيلة.

ويمكن دفع الاشكال باحد نحوين : احدهما : ان يجرى الاصل في الموضوع المقيد بهذا القيد بأن نقول زيد كان عادلا بالامس ونشك في بقائه متصفا بهذه الصفة والاستصحاب يقتضي بقائه على ما كان فبالاستصحاب نحرز بقائه متصفا بالوصف المذكور أي يكون باقيا عادلا.

ثانيهما : أن يجرى الاصل تارة في الموضوع واخرى في المحمول

نظير جريان الاصل في الموضوعات المركبة كما لو علم بأن الماء الفلاني مطلق وكر ثم شك في بقائه على الاطلاق والكرية فلا مانع عن جريان الاصل في كل واحد من الوصفين والمقام كذلك.

ويرد عليه ان قياس المقام بذلك الباب مع الفارق اذ المفروض ان كل واحد من الاطلاق والكرية عارض على الماء والمشكوك فيه بقاء ولا مانع عن جريان الاستصحاب في كل واحد منهما لتمامية اركانه بالنسبة الى كل منهما وأما العدالة في المقام فلا اشكال في بقائها على تقدير بقاء زيد.

وبعبارة اخرى : لا شك في بقائها من حيث عمود الزمان وانما الشك فيها من جهة الشك في بقاء موضوعها والمفروض ان جريان الاصل في موضوعها لا يقتضى اثباتها الا على القول بالمثبت الذي لا نقول به فلاحظ.

القسم الثاني : أن يشك في بقاء المحمول الثانوي ولا يكون الشك في بقائه ناشيا عن الشك في بقاء موضوعه كما لو شك في بقاء عدالة زيد مع العلم ببقائه وفي هذه الصورة لا مانع عن جريان الاستصحاب في العدالة لتمامية اركانه.

فنقول لا اشكال في بقاء زيد في دائرة الوجود وأما عدالته فمورد الشك ومقتضى الاستصحاب بقائها.

القسم الثالث : ما يشك في بقاء كل واحد من المحمول الاولي والثانوي كما لو علمنا بوجود زيد العادل في الخارج ثم شك في بقائه وبقاء عدالته وفي هذه الصورة لا مانع عن جريان الاستصحاب بالتقريبين المتقدمين بأن نقول يمكن جريان الاستصحاب في الموضوع تارة وفي المحمول اخرى ويمكن جريان الاستصحاب في

المقيد بما هو مقيد هذا تمام الكلام بالنسبة الى الشك في بقاء الموضوع.

واما اذا شك في بقاء الحكم فتارة يكون الحكم المشكوك فيه حكما جزئيا واخرى يكون كليا فيقع الكلام في موردين :

أما المورد الاول فنقول : الشك في بقاء الحكم الجزئي كالشك في طهارة الماء الفلاني أو نجاسة الجسم الكذائي وأمثالهما مسبب عن الشك في وجود الرافع هذا من ناحية. ومن ناحية اخرى الاصل الجاري في السبب مقدم على الاصل الجاري في المسبب.

وعليه في مورد الشك في بقاء الحكم الجزئي لا تصل النوبة الى جريان الاصل في نفس الحكم بل الاصل يجري بالنسبة الى رافعه ويحكم بعدم الرافع باستصحاب عدمه ويترتب عليه الجزم ببقاء الحكم.

ولو وصلت النوبة الى جريان الاصل بالنسبة الى نفس الحكم لمانع عن جريانه بالنسبة الى المانع لا يجري الاستصحاب في نفس الحكم اذ استصحاب بقاء الحكم يعارضه أصل عدم كون الجعل طويلا.

وأما المورد الثاني فتارة يكون الشك في البقاء من ناحية احتمال النسخ واخرى يكون من غير هذه الناحية أما الشك من ناحية النسخ فربما يقال : انه لا مجال للاستصحاب اذ النسخ بمعناه الحقيقي غير معقول بالنسبة الى ذاته تعالى فان البداء محال بالنسبة اليه تعالى وأما بمعنى الابداء فيكون الشك في الحدوث لا في البقاء فان كان لدليل الحكم اطلاق بالنسبة الى الازمنة المتأخرة يؤخذ به وإلّا تصل النوبة الى الاخذ بالدليل الخارجي الدال على الاستمرار وهو قوله عليه‌السلام حلاله حلال الى يوم القيامة وحرامه حرام الى يوم القيامة.

ويرد عليه ان النسخ تخصيص أزماني والتخصيص الازماني

كالتخصيص الافرادي جائز بالنسبة الى ذاته تعالى. وبعبارة اخرى : النسخ بمعنى الابداء جائز بالنسبة اليه فلو شك في النسخ بهذا المعنى لا مانع عن الاخذ بالاستصحاب نعم لو تم قوله عليه‌السلام «حلال محمد حلال الى يوم القيامة وحرامه حرام الى يوم القيامة» (١). من حيث السند لا تصل النوبة الى الاستصحاب.

الّا ان يقال ان الحديث الشريف ناظر الى بقاء الشريعة المحمّدية الى يوم القيامة فلا يرتبط بالمقام وبعبارة اخرى اذا قلنا بأن الخبر ناظر الى أن الحكم المجعول من قبل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم باق الى يوم القيامة لا يشمل الحكم المشكوك فيه. اذ مع عدم الثبوت لا موضوع للبقاء كما هو ظاهر.

وأما اذا كان الشك في الحكم الكلي من غير ناحية النسخ ، فنقول : الشك من غير ناحيته لا بد من كونه مستندا الى تغير في موضوع القضية وأما مع عدم التغير فكيف يمكن أن يشك في بقاء الحكم والتغير في الموضوع تارة بفقدان قيد يكون مقوما للموضوع في ترتب الحكم عليه في نظر العرف كالعدالة في امام الجماعة بالنسبة الى جواز الاقتداء وكالاجتهاد في مرجع التقليد بالنسبة الى جوازه تقليده ولا اشكال في عدم جريان الاستصحاب في مثله فان بقاء الحكم بعد زوال القيد لا يكون مصداقا للاستصحاب بل اسراء حكم من موضوع الى موضوع آخر فلا مجال لجريان الاستصحاب.

واخرى يكون التغير الحاصل في الموضوع من حالاته لا من مقوماته كالتغير العارض على الماء الموجب للحكم بنجاسة الماء الذي صار متغيرا فاذا زال تغيره من قبل نفسه يجرى استصحاب

__________________

(١) ـ الاصول من الكافى ج ٢ ص ١٧.

النجاسة العارضة للماء المتغير لو لا معارضته باستصحاب عدم الجعل الزائد.

وثالثة يكون القيد المأخوذ في الموضوع مرددا بين كونه مقوما للموضوع وعدمه وفي مثله لا يجري الاستصحاب بعد زوال ذلك القيد لعدم جواز الاخذ بالدليل في الشبهة المصداقية.

اذا عرفت ما تقدم نقول : الوحدة المشروط في القضية الاستصحابية هل تكون باعتبار العقل بحيث يكون الموضوع واحدا عقلا في الحالتين أو الوحدة الدليلية أي يكون الموضوع واحدا بحسب الدليل أو الوحدة وحدة عرفية؟

وليعلم اولا ان هذا الترديد بين الاحتمالات الثلاثة انما يتصور في استصحاب الحكم الكلي ، وأما في الحكم الجزئى الخارجي فالامر دائر بين الموضوع العقلي والعرفي وأما الموضوع الدليلي فلا مجال له في الشبهات الموضوعية كما هو ظاهر اذ الموضوع في الشبهات الموضوعية غير وارد تحت عناوين ادلة الاحكام.

فنقول : اما اشتراط الوحدة العقلية فلا مقتضي لها اذ لا دخل للعقل في ترتب الاحكام الشرعية على موضوعاتها فالأمر دائر بين الموضوع الدليلي والعرفي.

وربما يقال بأن الموضوع هو الموضوع الدليلي اذ المراد بالموضوع العرفي ان كان ما يفهمه العرف من الدليل ولو مع القرائن الداخلية والخارجية فالموضوع هو الدليلي فان المراد من الموضوع ما يفهم من الادلة وان كان المراد من الموضوع العرفي الاخذ بالمسامحات العرفية فلا يمكن المساعدة معه فان العرف محكم في فهم المفاهيم وأما ما يتسامح فيه فلا اعتبار به.

والحق ان الميزان في جريان الاستصحاب الوحدة العرفية والوجه فيه ان المستفاد من دليل الاستصحاب ابقاء الحكم السابق والجري على طبقه وحيث ان العرف محكم في باب فهم المفاهيم يتقوم جريان الاستصحاب بصدق وحدة الموضوع ولذا لا يكون جريان الاستصحاب منوطا ببقاء الموضوع بحسب الدليل.

مثلا لو قال المولى الماء المتغير نجس وفرض زوال التغير يجري استصحاب النجاسة لوحدة الموضوع عرفا فان العرف يرى ان التغير سببا لعروض النجاسة لا مقوما للموضوع.

وصفوة القول ان مقتضى كون الموضوع عرفيا عدم مدخلية التحفظ على الموضوع بحسب الدليل بل الميزان صدق عنوان المضي والنقض ومقتضى كون الميزان الوحدة بحسب الدليل التحفظ على العنوان المأخوذ في الدليل فلو قال المولى الماء اذا تغير ينجس يكون الموضوع بحسب الدليل نفس الماء بشرط التغير.

وأما لو قال المولى الماء المتغير نجس يكون الموضوع الماء مقيدا بوصف التغير فلو زال تغيره لا يكون الموضوع الدليلي باقيا وأما بحسب العرف فالموضوع يكون باقيا اذ يرى العرف ان الموضوع للنجاسة نفس الماء والتغير من حالاته.

بقي شيء وهو انه لو كان الشك في البقاء من ناحية الشبهة المفهومية كما لو شك في أن المغرب عبارة عن استتار القرص أو عبارة عن ذهاب الحمرة المشرقية فربما يقال : انه لا مجال للاستصحاب لا استصحاب الحكم ولا استصحاب الموضوع.

أما الاول فلعدم جريان استصحاب الحكم مع الشك في الموضوع وأما الثاني فلعدم الشك اذ استتار القرص معلوم الوجود وذهاب الحمرة المشرقية معلوم العدم فركن الاستصحاب مختل.

واما استصحاب الموضوع بوصف كونه موضوعا فيرجع الى استصحاب الحكم ومر انه غير جار فتصل النوبة الى الرجوع الى أصل آخر.

اذا عرفت ما ذكرنا فاعلم انه لا مانع عن جريان الاصل في الموضوع بأن نقول المغرب على ما هو عليه من المفهوم قبل ربع ساعة مثلا لم يكن متحققا والآن نشك في تحققه والاستصحاب يقتضي عدم تحققه ايضا.

ولا نرى مانعا عن جريان الاصل بهذا التقريب وبعد جريان الاصل بالتقريب المذكور نحكم بعدم جواز الدخول في صلاة المغرب وغيره من الاحكام المترتبة على تحقق المغرب فلاحظ.

التنبيه التاسع عشر :

انه هل يجوز جريان الاستصحاب في الامور الاعتقادية أم لا الظاهر انه لا مانع منه ومقتضى اطلاق دليل الاستصحاب عدم الفرق فلو فرض وجوب البناء القلبي على أمر من الامور الراجعة الى الآخرة أو البرزخ او غيرهما ثم شك في بقاء الوجوب يجري استصحاب الوجوب بناء على مسلك المشهور من جريان الاستصحاب في الحكم الكلي وأما على ما سلكنا تبعا لسيدنا الاستاد فيقع التعارض بين استصحاب وجوبه واستصحاب عدم الجعل الزائد.

كما انه لو شك في موضوع وجوب البناء وبقائه يحكم ببقائه ببركة الاستصحاب لكن الكلام في مصداقه وانه هل يكون مورد يكون صغرى لهذه الكبرى أو يكون مجرد بحث علمي.

وكيف كان يختص جريان الاستصحاب بمورد لا يكون المطلوب من المكلف الاعتقاد والعلم اذ من الظاهر ان الاستصحاب لا يترتب

عليه الاعتقاد فلا مجال لجريانه. نعم لا أرى مانعا عن جريان استصحاب وجوب الاعتقاد فالاستصحاب يقتضي وجوب الاعتقاد بقاء فلا بد من تحصيل الاعتقاد.

فكما ان استصحاب وجوب صلاة الجمعة يقتضي الاتيان بها كذلك استصحاب بقاء وجوب الاعتقاد يقضي تحصيل الاعتقاد فلاحظ ولا تغفل.

ثم انه هل يمكن للكتابي اثبات نبوة موسى أو عيسى أو هل يمكن اثبات بقاء أحكام الشريعة السابقة بالاستصحاب أم لا؟ الظاهر هو الثاني فان اليهودي مثلا اما معتقد ببقاء شريعة موسى وانه النبي أو عالم بزوالها أو شاك في بقائها وبقاء نبوة موسى.

أما في الصورة الاولى والثانية فلا مجال للاستصحاب كما هو ظاهر وأما في الصورة الثالثة فاما يتمسك بالاستصحاب الثابت في هذه الشريعة واما يتمسك به على تقدير تحققه في شريعته أيضا.

أما على الاول فيلزم الخلف اذ التمسك بالاستصحاب الثابت في هذه الشريعة ينافي احتمال بقاء الشريعة السابقة. وبعبارة اخرى : جريان الاستصحاب يتوقف على الالتزام بهذه الشريعة والالتزام بها يستلزم زوال الشريعة السابقة.

وأما التمسك بالاستصحاب الثابت في تلك الشريعة فالاخذ به لا ثبات بقاء تلك النبوة وأحكامها استدلال دوري اذ يتوقف اعتبار الاستصحاب على بقاء الشريعة وبقاء النبوة والحال ان اثبات بقائها بالاستصحاب والدور باطل بالضرورة.

مضافا الى أن استصحاب بقاء النبوة السابقة لا أثر له فان النبوة أمر اعتقادي وبالاستصحاب لا يحصل الاعتقاد الذى هو المطلوب في اصول الدين.

ومما ذكرنا ظهر عدم امكان اثبات الشريعة السابقة وأحكامها بالاستصحاب لمن يكون معتقدا بهذه الشريعة أو لمن يكون شاكا ولا يدري ان الشريعة السابقة نسخت ام لا؟

أما بالنسبة الى من يكون معتقدا بالشريعة المحمدية صلى‌الله‌عليه‌وآله فلا يشك في زوال النبوة السابقة وأحكامها فانه لا يمكن الاعتقاد بكون نبي الاسلام نبيا مع احتمال بقاء نبوة موسى فانه جمع بين الضدين فلا يحتمل كى يجري فيه الاستصحاب.

وأما بقاء أحكامها بالاستصحاب فائضا لا يمكن اذ أحكام كل شريعة تزول بزوال نبوة تلك الشريعة فانه كيف يمكن زوال النبوة وبقاء أحكام شريعتها والحال ان قوام كل حكم ببقاء الشريعة وقد فرض زوالها مضافا الى أن استصحاب بقائها يعارضها استصحاب عدم الجعل الزائد.

وأما بالنسبة الى الشاك فائضا أمر غير ممكن اذ الاستصحاب من الاحكام ومع عدم التزامه بالشريعة السابقة ولا اللاحقة كيف يمكنه الاخذ بالاستصحاب مضافا الى أنه يجب عليه الفحص ومع الفحص يتضح له الامر ويعلم ان الشريعة الحقة الشريعة المحمدية صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

التنبيه العشرون :

انه لا اشكال ولا كلام في أنه لو وقع التعارض بين الاستصحاب والامارة تكون الامارة مقدمة على الاستصحاب انما الكلام في أنه ما الوجه في التقديم وان وجهه التخصيص أو الحكومة أو الورود.

وينبغى اولا بيان الاقسام المذكورة والمائز بينها ثم بيان ان المقام داخل في أي قسم من الاقسام المذكورة.

فنقول : التخصيص عبارة عن رفع الحكم عن موضوع بلا تصرف في ذلك الموضوع كقول المولى لا تكرم الفساق من العلماء بعد قوله أكرم العلماء فان وجوب الاكرام مرتفع عن فساق العلماء مع فرض كونهم علماء والتخصّص عبارة عن الخروج الموضوعي التكويني بلا تعبد شرعي كخروج لجاهل عن تحت قول المولى أكرم العلماء والورود عبارة عن الخروج الموضوعي بالتعبد كورود الامارة على الاصل العقلي.

مثلا موضوع أصل البراءة عقلا عدم البيان ومع قيام الامارة على الحكم الواقعي يرتفع عدم البيان فموضوع قبح العقاب بلا بيان مرتفع تكوينا لكن بالتعبد.

وأما الحكومة فهي انتفاء الموضوع تعبدا كحكومة الامارة على الاصل الشرعي مثلا موضوع الاستصحاب عبارة عن الشك في البقاء وبعد قيام الامارة على عدم البقاء لا يبقى موضوع الاستصحاب فلو علمنا بنجاسة شيء ثم شككنا في بقاء تلك النجاسة يجري استصحاب النجاسة لكن اذا قام امارة على طهارته لا يجري الاستصحاب لارتفاع موضوعه تعبدا لا وجدانا فالحكومة عبارة عن انتفاء الموضوع في وعاء التعبد.

اذا عرفت ما تقدم فاعلم ان الحق ان تقدم الامارة على الاستصحاب بالحكومة وذلك لان الميزان الكلي في القضايا الحقيقية ، اخبارية كانت أم انشائية شرعية كانت ام عرفية عقلائية لا يكون الحكم المذكور في القضية متعرضة لموضوع ذلك الحكم بل القضية متعرضة للحكم على تقدير وجود الموضوع.

مثلا اذا قال المتكلم الكل اعظم من الجزء تكون القضية متعرضة لكون كل ما يكون كلا أعظم من جزئه وأما تشخيص الكل عن الجزء

وأي شيء مصداق لهذا المفهوم فلا تكون القضية متكفلة له.

وأيضا لو قال المولى اكرم كل عالم تكون القضية متكفلة لوجوب اكرام العالم وأما العالم أي فرد من أفراد الانسان أو ان الفلان عالم أو غير عالم فلا تعرض له ولا بد في احرازه من طريق آخر.

وعلى هذا الاساس نقول قوله عليه‌السلام «لا ربا بين الوالد والولد» أو قوله عليه‌السلام «لا ربا بين الزوج والزوجة» حاكم على دليل حرمة الربا اذ دليل الحرمة متعرض لحرمة الربا وأما بالنسبة الى موضوع الربا فلا تعرض له فبمقتضى القاعدة نلتزم بجواز الربابين الوالد والولد وكذا بين الزوج والزوجة اذ من دليل لحاكم فهمنا ان الشارع لا يرى الربا الجاري بين المذكورين داخلا في موضوع الحرمة.

وعليه يكون دليل الامارة حاكما على الاستصحاب اذ قد اخذ في موضوع الاستصحاب الشك في البقاء فلو علمنا بنجاسة الشيء الفلاني ثم شككنا في بقائها وقامت امارة على طهارته لا يجري استصحاب النجاسة لان الشارع يرى الامارة علما ومعها لا شك.

وأيضا لو قامت امارة على نجاسة شيء لا يجري استصحاب النجاسة لعين الملاك الذي ذكرناه فالحق ان تقدم الامارة على الاستصحاب بالحكومة بالبيان الذي تقدم.

فانقدح ان خروج مورد الامارة عن تحت دليل الاستصحاب ليس بالتخصّص اذ المفروض ان الشك في بقاء الحالة السابقة موجود وأيضا ليس بالتخصيص اذ دليل الامارة كما تقدم ناظر الى موضوع الاستصحاب لا الى اخراج الفرد من حيث الحكم وأيضا علم انه ليس بالورود اذ الشك في البقاء موجود حتى مع لحاظ الامارة.

التنبيه الواحد والعشرون

انه لا كلام في تقدم الاستصحاب على جميع الاصول العملية عقلية كانت أو شرعية ولذا يقال الاستصحاب فرش الامارات وعرش الاصول انما الكلام في وجه التقدم ، فنقول : ان تقدم دليل الاستصحاب على الاصول العقلية بالورود فانه بعد جريان الاستصحاب يتم البيان فلا موضوع لقاعدة القبح وقس عليه بقية الاصول العملية العقلية.

وأما وجه تقدمه على الاصل الشرعي فبالحكومة فان الحق ان الاستصحاب امارة حيث لا امارة فكما ان الامارة تقدم على الاستصحاب كذلك الاستصحاب يقدم على الاصول الشرعية.

هذا على تقدير القول بكون الاستصحاب امارة وأما على تقدير عدم القول بذلك فيمكن أن يقال ان الوجه في تقدم الاستصحاب كون الاصل السببي مقدم على الاصل المسببي بأن نقول مثلا الشك في وجوب صلاة الجمعة ناش من الشك في سعة الجعل وضيقه والاستصحاب متعرض لسعته فمع جريان الاستصحاب في وجوبها لا تصل النوبة الى جريان اصالة البراءة عن وجوبها ، فلاحظ.

التنبيه الثانى والعشرون :

فى حكم تعارض الاستصحابين وتعارضهما على نحوين.

الاول : فيما يكون أحدهما مسببا عن الآخر وبعبارة اخرى : يكون أحدهما في طول الآخر.

الثاني : ما يكون كل واحد منهما في عرض الآخر فيقع الكلام في مقامين أما المقام الاول فكما لو غسلنا ثوبا نجسا بماء مستصحب الطهارة يقع التعارض بين استصحاب الطهارة في الماء المغسول به

الثوب واستصحاب نجاسة الثوب المغسول.

والوجه في التعارض انه لا يمكن الجمع بين الامرين فان الماء اذا كان طاهرا يترتب عليه طهارة الثوب وبعبارة اخرى : طهارة الماء يستلزم طهارة الثوب وأيضا نجاسة الثوب بعد الغسل تستلزم نجاسة الماء المغسول به والشك في بقاء النجاسة في الثوب مسبب عن الشك في طهارة الماء.

وبعبارة واضحة : من أحكام طهارة الماء شرعا طهارة الثوب النجس المغسول به ولا اشكال عندهم في جريان الاستصحاب في السبب وعدم جريانه في المسبّب.

ويمكن الاستدلال على المدعى بوجوه : الوجه الاول : انا قد ذكرنا قريبا ان القضية الحقيقية لا تعرض فيها لموضوعها بل لا بد من احراز الموضوع وعدمه من طريق آخر ودليل الاستصحاب يدل على انه لو شك في بقاء ما علم به يحكم عليه بالبقاء وأما ما علم به سابقا مشكوك البقاء أم لا؟ فلا تعرض للاستصحاب فيه.

والمفروض ان الاستصحاب يجري في السبب أى الماء في المثال المذكور ويترتب عليه طهارة الثوب وقلنا ان الاستصحاب امارة فيكون الاستصحاب الجاري في الماء حاكما على الاستصحاب الجارى في الثوب.

وببيان واضح الاستصحاب الجاري في الماء ينقح الموضوع ويبين ان الثوب طاهر فلا يشك في طهارته ونجاسته فلا مجال لاستصحاب النجاسة.

الوجه الثاني : ان جريان الاستصحاب في السبب على طبق القاعدة اذ أركانه تامة فيجري ويترتب عليه كون الثوب طاهرا وأما جريان استصحاب النجاسة اما بلا وجه أو بوجه دائر.

بيان ذلك : ان استصحاب النجاسة في الثوب اما مع لحاظ جريان استصحاب الطهارة في الماء واما على تقدير عدم جريان الاستصحاب في الماء.

أما جريانه على التقدير الاول فبلا وجه اذ مع فرض جريان استصحاب الطهارة في الماء لا مجال لجريان استصحاب النجاسة في الثوب.

وأما على الثاني فيدور اذ جريان استصحاب النجاسة في الثوب يتوقف على عدم جريان استصحاب الطهارة في الماء وعدم جريانه يتوقف على جريان استصحاب النجاسة في الثوب والدور باطل كما ان الجريان بلا وجه ممنوع. فالنتيجة ان الاستصحاب يجري في الماء ولا يجري في الثوب.

الوجه الثالث : ان عمدة نصوص الاستصحاب واردة في باب الوضوء وان المتوضي لو شك في بقاء وضوئه يجري الاستصحاب في بقاء الوضوء فيفهم من النصوص المذكورة ان الاصل الجاري في السبب مقدم على الاصل الجاري في المسبب وإلّا كان اللازم أن يعارض استصحاب الوضوء باستصحاب عدم تحقق الصلاة مع الطهارة.

فلو صلى الشاك في الوضوء لا تكون صلاته صحيحة فان مقتضى الاستصحاب عدم تحقق الصلاة مع الطهارة هذا تمام الكلام في المقام الاول.

وأما المقام الثاني وهو مورد تعارض الاستصحابين الجاريين عرضا فهذا على قسمين : القسم الاول : ما اذا يلزم من جريانهما مخالفة عملية كما لو كان هناك اناء ان طاهران فوقع بول في أحدهما ونجسه فان استصحاب الطهارة في كليهما يوجب الوقوع في خلاف

الواقع ويكون العلم الاجمالي منجزا ومقتضى العلم الاجتناب عن كلا الطرفين كما هو المقرر في مورد العلم الاجمالي بالتكليف.

ولكن ذكرنا في بحث العلم الاجمالي انه يمكن جريان الاصل في بعض الاطراف بشرط الامساك عن ارتكاب الطرف الآخر فراجع ما ذكرناه هناك.

وأما القسم الثاني وهو ما لا يلزم من جريان الاصل في كلا الطرفين مخالفة عملية بل يلزم مجرد مخالفة التزامية كما لو كان هناك اناء ان نجسان فوقع المطر في أحدهما وطهّره فذهب صاحب الكفاية الى جريان الاستصحاب في كل واحد من الإناءين.

بتقريب ان المقتضي للجريان في كليهما موجود والمانع مفقود فيجري استصحاب النجاسة في كل واحد من الإناءين ويجب الاجتناب عن كليهما.

وذهب الشيخ قدس‌سره الى عدم جريان الاستصحاب بتقريب ان مقتضى اطلاق الشك الوارد في دليل الاستصحاب جريانه في كلا الطرفين ومقتضى اطلاق اليقين الوارد في دليله وهو قوله «ولكن ينقضه بيقين آخر» عدم جريانه في أحدهما ولا يمكن الجمع بين الاطلاقين لان السالبة الجزئية تناقض الايجاب الكلي فلا يجري الاستصحاب للمحذور المذكور اذ جريانه في كلا الطرفين مرجعه الى التناقض وجريانه في أحدهما المعين بلا مرجح وفي أحدهما المخيّر بلا دليل فلا يجري على الاطلاق.

ويرد عليه اولا : ان الذيل المذكور لا يكون في جميع نصوص الباب فلا مانع عن الجريان استنادا الى ما لا يكون فيه الذيل المذكور.

وثانيا : ان أصل الاشكال غير وارد اذ الشك في كل واحد من الطرفين محفوظ ولم يتبدل بالعلم فلا محذور في جريان الاستصحاب

في كل واحد من الطرفين أو الاطراف ولا تناقض.

وثالثا : انه نسأل الشيخ بأن المكلف ما وظيفته فهل يجب عليه الاجتناب أم لا؟ أما على الاول فبأي وجه؟ ان قال للعلم الاجمالي قلنا يمكن ارتفاع النجاسة وتبدلها بالطهارة فلا علم بقاء فيجوز جريان قاعدة الطهارة في كلا الطرفين اذ بعد عدم جريان الاستصحاب لا مانع عن جريان قاعدة الطهارة وهل يلتزم الشيخ بهذا اللازم هذا ما يرجع الى كلام الشيخ قدس‌سره.

وعن الميرزا قدس‌سره انه لا يمكن جريان الاستصحاب في الطرفين بتقريب ان الاستصحاب من الاصول المحرزة وكيف يمكن للشارع التعبد بالاصل المحرز للواقع في الطرفين مع القطع بالخلاف.

وبعبارة واضحة اذا كان الاصل غير محرز للواقع كاصالة الاحتياط فانه لا مانع عن جريانها في الطرفين مع العلم بعدم وجوبه في بعض الاطراف اجمالا كما لو علم بكون احدى المرأتين اجنبية فانه لا مانع عن جريان اصالة الاحتياط في كلا الطرفين والالتزام بحرمة النظر.

وأما الاصل اذا كان محرزا للواقع فلا يمكن التعبد به مع العلم بالخلاف اجمالا كما هو المفروض.

وأورد عليه سيدنا الاستاد قدس‌سره بالنقض والحل أما النقض ففيما لو أجنب احد ثم صلّى صلاة الظهر مثلا وبعد الصلاة شك في الاغتسال وعدمه يجري قاعدة الفراغ في صلاته ويجرى استصحاب عدم الاغتسال ووجوبه بالنسبة الى الصلوات الآتية والحال ان قاعدة الفراغ من الاصول المحرزة ان لم تكن من الامارات.

واما الحل فهو ان كل واحد من الطرفين يلاحظ بحياله واستقلاله

وبهذا اللحاظ يصدق الشك في الحالة السابقة فيجري الاستصحاب بلا اشكال ولا يلاحظ المجموع من حيث المجموع كى يقال المجموع قد قطع بانتفاض الحالة السابقة فيه فلا يرد ما أورده.

ويضاف الى ما أورده سيدنا الاستاد عليه ما أوردناه على الشيخ قدس‌سره وهو انا نسأل الميرزا بأنه بعد فرض عدم جريان الاستصحاب على ما رامه فهل تجري قاعدة الطهارة في كلا الطرفين أم لا؟

أما على الثاني فلا وجه لعدم الجريان وأما على الاول فهل يلتزم بهذا اللازم ، فتحصل ان الحق جريان الاستصحاب في كلا الطرفين بلا محذور ، والوجه فيه انه لا تعارض بين الاصلين الجاريين في الطرفين.

وأما في الامارتين فلا يمكن الالتزام بقيامهما مثلا اذا فرض العلم بنجاسة أحد الإناءين وطهارة الآخر فقامت بينة على نجاسة أحدهما وقامت بينة اخرى على نجاسة الآخر لا يمكن الالتزام بهما لان كل امارة يدل على أن الآخر طاهر فيقع التعارض بينهما ولا يكون مفادهما قابلا للالتزام به والتعارض يقتضي التساقط.

التنبيه الثالث والعشرون

ملاحظة النسبة بين الاستصحاب وجملة من القواعد. وحيث انجر الكلام الى هنا يناسب اولا تحقيق كل واحدة من هذه القواعد على نحو الاستقلال ثم ملاحظة الاستصحاب مع تلك القاعدة الملحوظة.

فنقول القاعدة الاولى : قاعدة الفراغ والتجاوز ويقع البحث في هذه القاعدة من جهات :

الجهة الاولى : في أن البحث في هذه القاعدة بحث اصولي أو فقهي والحق ان البحث فيها بحث فقهي فان البحث الاصولي هو

الذي تقع نتيجة ذلك البحث في طريق استنباط الحكم الكلي ، وهذا التعريف لا ينطبق على القاعدة فان البحث في القاعدة عن نفس الحكم الشرعي لا عن طريق الاستنباط الحكم الشرعي.

وبعبارة اخرى : البحث في القاعدة كالبحث عن بقية القواعد الفقهية مثلا في بحث البراءة يبحث في أن المكلف اذا شك في حرمة شيء وحليته هل يكون مقتضى القاعدة اجراء البراءة عن الحرمة أم لا؟

وفي المقام يبحث في أنه اذا شك في صحة العمل وفساده هل يكون مقتضى الادلة الحكم بالصحة أم لا؟

وصفوة القول : ان البحث في القواعد الفقهية عن أحوال فعل المكلف من حيث الحكم التكليفي أو الوضعي وهذا بحث فقهي.

الجهة الثانية : في أن القاعدة هل هي من الامارات أو من الاصول العملية؟ الظاهر انها من الامارات فان الامارة ما يكون كاشفا عن الواقع بالتعبد والقاعدة كذلك اذ احتمال الاشتباه والاخلال بالعمل خلاف الاصل الاولي العقلائي.

وبعبارة اخرى : العقلاء لا يعتنون باحتمال الاخلال في العمل الصادر منهم والشارع الاقدس أمضى هذه السيرة العقلائية فيكون الفراغ عن العمل في وعاء الشريعة كاشفا عن الاتيان به هذا بالنسبة الى احتمال الاشتباه.

وأما احتمال تعمد الاخلال بالعمل فهو مدفوع باستصحاب عدم الاتيان بالمبطل ولا يكون مرتفعا بالقاعدة إلّا أن يقال احتمال تعمد الاخلال ايضا مخالف للاصل العقلائي فان احتمال الاخلال العمدي خلاف كون المكلف في مقام الامتثال فمقتضى القاعدة المقررة عند

العقلاء الممضاة عند الشارع عدم الاخلال لا عمدا ولا اشتباها فتكون القاعدة امارة من الامارات.

ان قلت : احتمال العمد ينافي الجزم بكونه في مقام الامتثال.

قلت اذا فرضنا ان المكلف جاهلا بكون القهقهة مثلا مبطلة للصلاة ولكن يحتمل كونها مبطلة فلو كان بحسب الطبع في مقام الامتثال وجزم بأنه صلى صلاة الظهر مثلا واتمها ولكن يحتمل انه أتى بالقهقهة عمدا فما المانع عن الاخذ بالقاعدة والحكم بالصحة.

ولو اغمض عن التقريب المذكور فالظاهر انه لا مانع عن الاخذ باستصحاب عدم الاتيان بالمبطل بل لقائل أن يقول : انه لو احتمل المكلف رفع اليد عن المركب في أثنائه يجوز الاخذ بالاستصحاب والالتزام بالاتمام فان مقتضى استصحاب كونه مشغولا بالعمل وعدم رفع اليد عنه الاتيان بالواجب.

وان شئت قلت : الاتصال يساوق الوحدة والمفروض انه شرع في العمل فاذا شك في الاتمام وعدمه يكون مقتضى استصحاب بقاء الاشتغال ، الاتيان والاتمام ويترتب عليه فراغ الذمة فلاحظ.

والظاهر انه لا فرق بين القول بكونها من الامارات وبين القول بكونها من الاصول فانه لا اشكال في تأخرها عن الامارات وتقدمها على الاستصحاب.

فلو شك في صلاته بعد الفراغ من جهة كونها واجدة للطهارة ام لا؟ يحكم بصحة الصلاة بمقتضى القاعدة ولا يجري استصحاب عدم تحقق الصلاة الصحيحة في الخارج كما انه لا اشكال في أنه لو قامت امارة على عدم تحقق الوضوء يحكم بالبطلان فلا فرق بين القولين.

ان قلت : تظهر النتيجة بين القولين فيما يكون المكلف جنبا

فصلى ثم شك في الاغتسال وعدمه فتجري قاعدة الفراغ بالنسبة الى صلاته فعلى القول بكون القاعدة من الاصول يجب الاغتسال للاعمال الآتية حيث يشك في الغسل ومقتضى الاستصحاب عدمه.

وعلى القول بكونها من الامارات يترتب عليه الغسل فان لوازم الامارات تترتب عليها وهذه نتيجة مهمة.

قلت : لا دليل على ترتب اللوازم العقلية على الامارة على الاطلاق بل الترتب يحتاج الى الدليل وانما نلتزم بترتبها في باب الاخبار للسيرة العقلائية على ترتبها وإلّا فمجرد كون شيء امارة لا يقتضي ترتب اللوازم العقلية.

ثم انه بعد ما ثبت ان القاعدة من الامارات فلا اشكال في تقدمها على الاستصحاب لحكومة القاعدة عليها فان موضوع الاستصحاب الشك في البقاء ومفاد القاعدة الغاء الشك وجعل المكلف عالما فلو شك في صحة وضوئه وفساده تجري قاعدة الفراغ ولا مجال لاستصحاب عدم تحقق الوضوء اذ مع القاعدة لا يشك المكلف في تحقق الوضوء ومع عدم الشك لا موضوع للاستصحاب هذا على تقدير كونها من الامارات.

وأما على القول بكون القاعدة من الاصول فائضا تقدم على الاستصحاب والوجه فيه : انه لو لم تتقدم على الاستصحاب يكون جعلها لغوا اذ ما من مورد يشك في الصحة وعدمها إلّا وفي ذلك المورد يجري استصحاب عدم الاتيان بما هو شرط أو جزء.

نعم اذا فرض في مورد يكون استصحاب العدم معارضا بمثله ويسقط الاستصحاب بالتعارض تجري القاعدة لكن فرض تحقق التعارض بين الاصلين وسقوط الاستصحاب عن الاعتبار بالمعارضة يكون نادرا ملحقا بالعدم فلا اشكال في تقدم القاعدة على الاستصحاب.

وفي المقام اشكال وهو ان من رام كون القاعدة من الامارات يستدل بخبرين : الاول ما رواه بكير بن اعين قال : قلت له : الرجل يشك بعد ما يتوضأ قال : هو حين يتوضأ اذكر منه حين يشك (١).

الثاني : ما رواه محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه‌السلام انه قال : اذا شك الرجل بعد ما صلى فلم يدر أثلاثا صلى أم اربعا وكان يقينه حين انصرف انه كان قد أتم لم يعد الصلاة وكان حين انصرف أقرب الى الحق منه بعد ذلك (٢).

بتقريب ان قوله في كلا الحديثين في مقام تعليل الحكم والعلة تعمم الحكم وتخصّصه فلا تجري القاعدة مع القطع بالغفلة فلا تكون اصلا بل تكون امارة.

ويرد على التقريب المذكور اولا : ان الحديثين مخدوشان سندا أما الحديث الاول فمخدوش من ناحية بكير اذ لم يوثق صريحا نعم نقل بأنه لما وصل نبأ وفاته الى الامام عليه‌السلام قال عليه‌السلام : «لقد انزله الله بين رسول الله وامير المؤمنين».

فيلزم ان يكون الرجل مقربا عند الله وعند رسوله وعند الامام فيكون صدوقا وإلّا فكيف يمكن ان تكون له هذه المرتبة العليا.

وهذا البيان والاستدلال غير صحيح نقضا وحلا. أما نقضا فبالسيد الحميرى فانه حين وفاته حلف وقال والله دخلت الجنة وابيض لونه بعد اسوداده مع ان المعروف انه كان متجاهرا بالفسق.

وايضا الحر الشهيد الرياحي هو الذي صار سببا لابتلاء أبي عبد الله الحسين الى ان قتل ولكن مع ذلك صار في زمرة الشهداء ووضع الحسين عليه‌السلام رأسه في حجره وصار مدفنه مزارا للشيعة.

__________________

(١) ـ الوسائل الباب ٤٢ من أبواب الوضوء الحديث ٧.

(٢) ـ الوسائل الباب ٢٧ من أبواب الخلل الحديث ٣.

وأما حلا فلأنه يمكن أن تكون للشخص خصوصية وتلك الخصوصية توجب القرب من مقام القدس الربوبي. فتحصل ان القضية المذكورة لا توجب وثاقة الرجل في قوله وصدقه في كلامه ومقاله.

وأما الحديث الثاني فمخدوش لضعف اسناد الصدوق الى محمد ابن مسلم وللحديث سند آخر وذلك السند لا بأس به.

وثانيا ان المراد من كون العلة معممة ومخصصة ان الحكم المستفاد من القضية دائر مدار تلك العلة وهذا المقدار لا يوجب رفع اليد عن الدليل الآخر الدال على ثبوت ذلك الحكم في مورد آخر كما ان الأمر كذلك في المقام.

لاحظ حديث محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : كلما شككت فيه ممّا قد مضى فأمضه كما هو (١). فانه بالعموم الوضعي يدل على جريان القاعدة في كل مورد يشك في الصحة والفساد.

وبعبارة اخرى : لا مفهوم للقضية المعللة فلو قال المولى لا تأكل الرمان لأنه حامض يفهم من كلامه ان الحرام اكل الحامض فيختص الحكم بمقتضى هذا القول بأكل الحامض فلو قال في دليل آخر لا تأكل الحلو لا يقع التعارض بين الدليلين لعدم التنافي بين الاثباتين. وثالثا : ان اي دليل دل على كون المذكور في الحديثين علة بل يمكن أن يكون حكمة للجعل كما اختاره المحقق النائيني على ما في التقرير ، فانه لو لم تكن الجملة ظاهرة في الحكمة فلا اقل من عدم الظهور في العلة.

ورابعا : انه ما المراد من كون الأذكرية علة للحكم فان المراد اما الاذكرية النوعية أو الشخصية أما الأذكرية النوعية فلا تنافي

__________________

(١) ـ الوسائل الباب ٢٣ من أبواب الخلل الحديث ٣.

العلم بعدمها في المورد الشخصى كما هو ظاهر.

وان كان المراد الاذكرية الشخصية فلا بد من العلم بكونه أذكر حين العمل والحال انه مع العلم بالذكر لا يحتمل الفساد الا من ناحية احتمال العمد.

وخامسا : ان الظاهر من الجملة في الحديثين جعل الشاك عالما أي يحكم المولى على نحو الحكومة ان الذي فرغ من العمل ويحتمل فساد ما صدر عنه كان عالما وذاكرا حين العمل ومن المعلوم ان الذاكر ياتي بالوظيفة فلا تختص القاعدة بصورة احتمال الذكر بل تجرى حتى مع العلم بعدم الالتفات.

ان قلت : كيف يمكن جعل المولى غير الملتفت ملتفتا؟

قلت : يرد على الايراد المذكور نقضا وحلا ، أما نقضا فكما لو قال المولى ولد العالم عالم والطواف بالبيت صلاة وهذا ان المثالان مشهوران في باب الحكومة.

وثانيا : انه لا مانع عن الحكومة مع القطع بالخلاف اذ الحكومة خفيفة المئونة حيث انها من باب الاعتبار والاعتبار بيد المولى نعم يلزم أن يكون لها اثر ويدل عليها دليل وكلا الامرين موجودان في المقام.

فالنتيجة انه لا مجال للقول بأن القاعدة من الامارات ونتيجة ما ذكرنا جريانها حتى مع العلم بالغفلة بل حتى مع احتمال الاخلال العمدي.

وسادسا : انه مع الاغماض عن جميع ما ذكرنا نقول غاية ما في الباب ان الحديثين يدلان على عدم جريان القاعدة مع الجزم بالغفلة حين العمل لكن نقول دلالتها على عدم الجريان في صورة الغفلة مع التجاوز والفراغ عن العمل بالاطلاق ويقيد الاطلاق بحديث محمد

ابن مسلم (١) الدال بالعموم الوضعي على جريان القاعدة في مورد الفراغ والعلم بالغفلة حين العمل والشك في الصحة والفساد.

ان قلت : ان النسبة بين الدليلين عموم من وجه فان ما به الافتراق من قبل التعليل مورد عدم صدق التجاوز وما به الافتراق من ناحية حديث ابن مسلم مورد احتمال التذكر ويقع التعارض بين الجانبين فيما يصدق عنوان التجاوز ولا يحتمل التذكر فما الوجه في تقديم الحديث والحال ان مقتضى التعارض التساقط؟

قلت : الوجه فيه ان عموم العلة بالاطلاق وعموم الحديث بالوضع وما بالوضع قابل للتصرف فيما بالاطلاق فالنتيجة انه على جميع التقادير تجري القاعدة حتى مع الغفلة وانقدح بما ذكرنا كما تقدم ان القاعدة لا تكون من الامارات بل حكم مجعول من قبل الشارع للشاك في الصحة والفساد.

الجهة الثالثة : في أنه قد عرفت قاعدة التجاوز بالشك في وجود شيء بعد التجاوز عنه كما لو شك المكلف في الاتيان بالفاتحة بعد الدخول في السورة مثلا وأما قاعدة الفراغ فقد عرفت بالشك في صحة ما اتى به وفساده وبعد بيان مورد القاعدتين وتميز إحداهما عن الاخرى لا بد من النظر في نصوص الباب كي نرى أي مقدار يمكن أن يستفاد منها وهل يمكن الاستدلال بها على كلتا القاعدتين أو يختص الدليل بإحداهما؟

فنقول : من النصوص الواردة في المقام ما رواه زرارة قلت لابي عبد الله عليه‌السلام : رجل شك في الاذان وقد دخل في الاقامة؟ قال : يمضي ، قلت : رجل شك في الاذان والاقامة وقد كبّر؟ قال : يمضي :

__________________

(١) ـ قد تقدم ذكر الحديث فى ص ١٣٥.

قلت : رجل شك في التكبير وقد قرأ؟ قال : يمضي ، قلت : شك في القراءة وقد ركع؟ قال : يمضي ، قلت : شك في الركوع وقد سجد؟ قال : يمضي على صلاته ، ثم قال : يا زرارة اذا خرجت من شيء ثم دخلت في غيره فشكك ليس بشيء (١).

وهذه الرواية تامة سندا ، وأما من حيث الدلالة فالمستفاد منها ان المكلف اذا شك في صحة شيء وفساده بعد دخوله في غير ذلك الشيء فلا أثر لشكه.

ولا يشمل الحديث صورة الشك في أصل الوجود بل الظاهر من الحديث لو لم يكن صريحه انه لو شك في شيء بعد خروجه عن عين ذلك الشيء لا يعتنى بشكه ولا يدل على بيان حكم الخروج عن محله والحمل على الخروج عن المحل خلاف الظاهر.

فلو شك المكلف في أن البسملة التي اتى بها هل تحققت صحيحة أم لا؟ يحكم بصحتها وأما اذا شك في أصل وجودها فلا تكون الرواية المذكورة متكفلة للحكم باتيانها بل مقتضى الاستصحاب عدم الاتيان بها فهذه الرواية يختص بقاعدة الفراغ ولا تشمل قاعدة التجاوز.

ان قلت : الخروج عن الشيء لا يجتمع مع الشك فيه اذ كيف يمكن أن يكون الخروج مفروضا ومع ذلك يكون ما خرج منه مشكوكا فيه.

قلت : اذا كان الشك في صحة ما خرج منه يتم الأمر فان المكلف يدخل في الغسل ويعلم بعد ذلك انه اغتسل وخرج منه وأتى به ولكن يشك في أنه أتى به على ما هو المقرر أم لا فالحق ما ذكرنا.

ومن تلك النصوص ما رواه زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : اذا كنت قاعدا على وضوئك فلم تدر أغسلت ذراعيك أم لا؟ فاعد عليهما وعلى جميع ما شككت فيه انّك لم تغسله أو تمسحه

__________________

(١) ـ الوسائل الباب ٢٣ من أبواب الخلل الحديث ١.

ممّا سمّى الله ما دمت في حال الوضوء.

فاذا قمت من الوضوء وفرغت منه وقد صرت في حال أخرى في الصلاة ، أو في غيرها ، فشككت في بعض ما سمّى الله ممّا أوجب الله عليك فيه وضوئه لا شيء عليك فيه فان شككت في مسح رأسك فأصبت في لحيتك بللا فامسح بها عليه وعلى ظهر قديمك فان لم تصب بللا فلا تنقض الوضوء بالشك وامض في صلاتك وان تيقنت أنك لم تتم وضوئك فأعد على ما تركت يقينا حتى تأتي على الوضوء (١) الحديث. والمستفاد من هذه الرواية انه لو شك المكلف في الوضوء ودخل في حالة اخرى يكون وضوئه صحيحا ولا يعتني بشكه فيكون الحديث دالا على قاعدة الفراغ بالنسبة الى مورد خاص. ومن تلك النصوص ما رواه عبد الله بن أبي يعفور عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : اذا شككت في شيء من الوضوء وقد دخلت في غيره فليس شكك بشيء انما الشك اذا كنت في شيء لم تجزه (٢).

والمراد من الضمير الذي اضيف اليه لفظ غير اما الوضوء واما الجزء الذي شك فيه أما على الاول فيكون مفاد الحديث عين الحديث الاول.

وأما على الثاني فيكون مفاده خلاف الاجماع والتسالم على عدم جريان القاعدة في أثناء الوضوء بل خلاف ما يستفاد من الرواية الاولى من الباب وعلى كلا التقديرين يكون ذيل الحديث دالا على كبرى كلية سارية في جميع الابواب فان المستفاد من الذيل ان المكلف اذا تجاوز عن شيء وشك فيه لا يعتني به وحمل التجاوز على التجاوز عن المحل خلاف الظاهر.

__________________

(١) ـ الوسائل الباب ٤٢ من أبواب الوضوء الحديث ١.

(٢) ـ الوسائل الباب ٤٢ من أبواب الوضوء الحديث ٢.

ومن تلك النصوص ما رواه محمد بن مسلم قال : قلت لابي عبد الله عليه‌السلام : رجل شك في الوضوء بعد ما فرغ من الصلاة قال يمضي على صلاته ولا يعيد (١).

والمستفاد من الحديث جريان قاعدة الفراغ في الصلاة فيما شك فيها من حيث الوضوء وعدمه.

ومن تلك النصوص ما رواه بكير بن اعين (٢) والمستفاد من هذا الحديث اعتبار قاعدة الفراغ بالنسبة الى الوضوء بعد الفراغ منه ومن ذيل الحديث يستفاد ضابط كلي وميزان عام جار في جميع الموارد فان العلة تعمم كما انها تخصص فيفهم من الحديث اعتبار قاعدة الفراغ على الاطلاق لكنه مر الاشكال في الحديث سندا ودلالة.

ومن تلك النصوص ما رواه محمد بن مسلم (٣) فان هذه الرواية تدل بالعموم الوضعي على قاعدة الفراغ اذ الظاهر بل الصريح من قوله عليه‌السلام «مضى» انه عليه‌السلام فرض مضي نفس المشكوك فيه فيكون الشك في صحة المشكوك فيه.

ومن تلك النصوص ما رواه اسماعيل بن جابر عن أبي عبد الله عليه‌السلام في حديث قال : ان شك في الركوع بعد ما سجد فليمض وان شك في السجود بعد ما قام فليمض ، كل شيء شك فيه ممّا قد جاوزه ودخل في غيره فليمض عليه (٤).

فان هذه الرواية بالعموم الوضعي تدل على قاعدة الفرغ بالتقريب المتقدم ذكره آنفا اذ المستفاد من ذيل الحديث فرض

__________________

(١) ـ الوسائل الباب ٤٢ من أبواب الوضوء الحديث ٥.

(٢) ـ قد تقدم ذكر الحديث فى ص ١٣٥.

(٣) ـ قد تقدم ذكر الحديث فى ص ١٣٥.

(٤) ـ الوسائل الباب ١٥ من ابواب السجود الحديث ٤.

تحقق المشكوك فيه اذ قد عبر بعنوان التجاوز عنه وهذا العنوان لا يصدق إلّا مع فرض اصل الوجود ، والشك في صحته وفساده.

وأما اذا شك في أصل الوجود فلا بد من حمل التجاوز على التجاوز عن المحل.

مضافا الى أن صدق التجاوز عنه والدخول في غيره لا يمكن إلّا مع فرض تحقق أصل الوجود اذ مع عدم الوجود لا يصدق التجاوز لا عنه ولا عن محله ، أما التجاوز عنه فلعدم وجوده فرضا وأما عن محله فلأن المفروض ان التجاوز عن المحل لا يصدق ولا يتحقق إلّا بالدخول في الغير فالجمع بين التجاوز والدخول في الغير يدل على فرض أصل الوجود والشك في صحته وفساده.

ومن تلك النصوص ما رواه محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه‌السلام في الرجل يشك بعد ما ينصرف من صلاته قال : فقال : لا يعيد ولا شيء عليه (١).

والمستفاد من هذه الرواية انه لو فرغ المكلف من صلاته ثم شك فيها فلا أثر لشكه فالمستفاد من الرواية قاعدة الفراغ بالنسبة الى الصلاة بعد الفراغ عنها.

ومن تلك النصوص ما رواه محمد بن مسلم ايضا ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : كلما شككت فيه بعد ما تفرغ من صلاتك فامض ولا تعد (٢).

والمستفاد من الحديث بالعموم الوضعي جريان قاعدة الفراغ في الصلاة بعد الفراغ عنها.

__________________

(١) ـ الوسائل الباب ٢٧ من أبواب الخلل الحديث ١.

(٢) ـ نفس المصدر الحديث ٢.

ومن تلك النصوص ما رواه محمد بن مسلم ايضا (١). والمستفاد من الحديث ببركة ذيله ميزان كلي وهو جريان قاعدة الفراغ بعد الانصراف عن العمل.

هذه روايات الباب ولا يستفاد منها جريان قاعدة التجاوز لا بالخصوص ولا بالاطلاق والعموم بل كلها راجعة الى قاعدة الفراغ.

نعم قد وردت جملة من النصوص في الباب الثالث عشر من أبواب الركوع تدل على جريان قاعدة التجاوز في خصوص الشك في الركوع ولكن لا تستفاد من تلك النصوص قاعدة كلية سارية في جميع الابواب. ومقتضى القاعدة الاولية الحكم بالعدم اذ الشك في وجود شيء وعدمه موضوع للاستصحاب فلا بد من التدارك مثلا لو شرع في السورة وشك في الفاتحة يجب الاتيان بها للاستصحاب.

هذا فيما يمكن التدارك وبقاء محل تدارك ما شك فيه. وأما مع عدم بقاء المحل فتارة يكون الشك بعد الفراغ عن الصلاة واخرى يكون الشك في الاثناء أما اذا كان بعد الفراغ فلا تجب الإعادة الا فيما يكون المشكوك فيه من الاركان فلا بد من الاعادة.

واما اذا كان الشك في الاثناء فاما نقول بجريان قاعدة لا تعاد في الاثناء كما هو المشهور عند القوم واما لا نقول أما على الاول فالكلام هو الكلام.

وأما على الثاني فلا مناص عن الاعادة اذ مقتضى الاستصحاب عدم الاتيان بالمشكوك فيه والمفروض عدم جريان قاعدة لا تعاد فلا بد في احراز الامتثال من الاعادة.

الجهة الرابعة : في أنه هل يشترط في جريان القاعدة احتمال التذكر حين العمل ام لا؟ ما يمكن أن يكون وجها لهذا الاشتراط

__________________

(١) ـ قد تقدم ذكر الحديث فى ص ١٣٥.

حديثان وهما ما رواه محمد بن مسلم وبكير من اعين (١).

وقد ذكرنا حول الحديثين ما يرجع اليهما سندا ودلالة فلا وجه للاعادة. وصفوة القول انّا ذكرنا انّ المستفاد من مجموع النصوص جريان القاعدة حتّى مع العلم بالغفلة فلا يشترط جريانها باحتمال التذكر.

ويؤيد الدعى ما رواه حسين بن أبي العلاء قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الخاتم اذا اغتسلت قال : حوّله من مكانه وقال في الوضوء وتدره فان نسيت حتى تقوم في الصلاة فلا آمرك أن تعيد الصلاة (٢).

فانه عليه‌السلام قد حكم في هذه الرواية بأنه لو نسي أن يحول الخاتم من مكانه وتوضأ بلا تحويل وصلى لا يعيد صلاة.

ويؤيده أيضا مرسل الصدوق قال اذا كان مع الرجل خاتم فليدوره في الوضوء ويحوله عند الغسل قال وقال الصادق عليه‌السلام وان نسيت حتى تقوم من (في خ) الصلاة فلا آمرك ان تعيد (٣).

أضف الى ذلك ان الجملة الواقعة في الحديثين لا تكون بصورة التعليل بل الظاهر منها بيان حكمة الوضع فيكون المذكور حكمة لا علة فلا موضوع للبيان المذكور.

الجهة الخامسة : في أنه هل يشترط في جريان القاعدة الدخول في الغير أم لا؟ وعلى فرض الاشتراط هل يشترط أن يكون الغير أمرا مترتبا أم لا؟ وعلى تقدير الاشتراط هل يشترط أن يكون الترتب شرعيا أم لا؟

__________________

(١) ـ قد تقدم ذكر الحديث فى ص ١٣٥.

(٢ و ٣) ـ الوسائل الباب ٤١ من أبواب الوضوء الحديثين ٢ و ٣.

فيقع الكلام في عدة مواضع : الموضع الاول : هل يشترط في جريان القاعدة الدخول في الغير أم لا؟ المستفاد من حديث زرارة (١) الاشتراط فانه قد صرح في هذه الرواية بالدخول في الغير ومقتضى مفهوم الشرطية المذكورة في الحديث انه لا تجري القاعدة عند انتفاء الشرط بأن لم يخرج من الشيء أو خرج ولكن لم يدخل في غيره. ولكن مقتضى قوله عليه‌السلام في حديث محمد بن مسلم (٢) «كلما شككت مما قد مضى فأمضه كما هو» جريان القاعدة في صورة تحقق المضي اعم من الدخول في الغير وعدمه فتكون النسبة بين الحديثين عموما من وجه ويقع التعارض بين الطرفين في صورة المضى وعدم الدخول في الغير ، والعموم الوضعي قابل للتصرف في العموم الاطلاقي فيقدم عليه ويقيده.

وأما حديث ابن جابر (٣) الدال بالعموم الوضعي على الاشتراط بالدخول في الغير فهو ضعيف من حيث السند فان الراوي عن ابن المغيرة مردد بين الثقة والمجهول أو الضعيف.

مضافا الى معارضته مع حيث ابن مسلم بالمفهوم والعموم المستفاد من المفهوم بالاطلاق لا بالوضع فيقدم عليه العموم الوضعي المستفاد من حديث ابن مسلم.

وأما حديث ابن أبي يعفور (٤) الدال على اشتراط الدخول في الغير فهو مخدوش سندا أيضا فان الراوي عن سعد بن عبد الله غير معلوم مضافا الى أن التعارض واقع بين مفهوم هذا الحديث وبين منطوق

__________________

(١) ـ قد تقدم ذكر الحديث فى ص ١٣٩.

(٢) ـ قد تقدم ذكر الحديث فى ص ١٣٥.

(٣) قد تقدم ذكر الحديث فى ص ١٤٣.

(٤) قد تقدم ذكر الحديث فى ص ١٤٠.

حديث محمد بن مسلم بالعموم من وجه وقد مرّ منّا قريبا ان العموم الوضعي يقيد الاطلاق المبني على مقدمات الحكمة فلاحظ.

وأما حديث زرارة (١) الوارد في الوضوء فالمستفاد منه ان المكلف ما دام مشغولا بالوضوء وشك في وجود جزء من أجزائه لا تجرى القاعدة لكن بعد فراغه من الوضوء تجري قاعدة الفراغ فالنتيجة انه لا يلزم الدخول في الغير فلاحظ.

الموضع الثاني : انه لو قلنا باشتراط جريان القاعدة بالدخول في الغير فهل يلزم أن يكون ذلك الغير مترتبا أم لا يلزم؟ الظاهر انه يصدق عنوان الدخول في الغير ولو لم يكن ذلك الغير مترتبا.

الموضع الثالث : انه على تقدير اشتراط الترتب هل يلزم أن يكون الترتب شرعيا أم لا؟ الظاهر عدم الاشتراط بل يكفي مطلق الترتب لعدم الدليل على التقييد فلاحظ.

ثم انه يقع الكلام في فروع : الفرع الاول : انه لو شك في أثناء الوضوء فى وجود بعض أجزائه فلا اشكال في عدم جريان القاعدة أما قاعدة التجاوز فلعدم الدليل عليها وأما قاعدة الفراغ فلانتفاء موضوعها فان جريان قاعدة الفراغ يتوقف على وجود شيء والشك في صحته وفساده فلا مجال للجريان في صورة الشك في أصل الوجود.

ويدل على المدعى حديث زرارة (٢) فان المستفاد من الحديث عدم جريان القاعدة لو شك في أثناء الوضوء في وجود بعض أجزائه وأما لو شك في صحة ما أتى به من بعض الاجزاء كما لو غسل وجهه وشك في تماميته وعدمها فالظاهر انه لا مانع عن جريان قاعدة

__________________

(١) ـ قد تقدم ذكر الحديث فى ص ١٤٠

(٢) قد تقدم ذكر الحديث فى ص ١٤٠.

الفراغ لعمومها المورد بلا اشكال.

وبعبارة اخرى : عموم حديث ابن مسلم (١) يشمل المقام ومما ذكرنا ظهر انه لا فرق بين الوضوء وبين الغسل والتيمم اذ الشك اما يتعلق بأصل الوجود واما يتعلق بصحة الموجود أما على الاول فلا تجري القاعدة لا في الوضوء ولا في غيره لعدم دليل على قاعدة التجاوز.

وأما على الثاني فتجري على الاطلاق لعموم دليل قاعدة الفراغ كما تقدم فلاحظ.

الفرع الثاني : ان مقتضى حديث بن مسلم (٢) عموم القاعدة وجريانها في جميع الابواب ولا يختص بباب دون باب ، فان قوله عليه‌السلام «كل ما شككت فيه مما قد مضى فأمضه كما هو» جريان الحكم بالصحة بعد التجاوز على الاطلاق والعموم فلاحظ.

الفرع الثالث : انه اذا شك في جزء من أجزاء المركب أعم من كون الجزء المشكوك فيه الجزء الاخير أو غيره ، فتارة يكون محل التدارك باقيا واخرى لا يكون باقيا.

أما على الاول فلا بد من التدارك اذ مقتضى الاستصحاب عدم الاتيان به ومن ناحية اخرى لا دليل على قاعدة التجاوز فلا فرق فيما نقول بين الدخول في الغير وعدم الدخول فلو شك فى قراءة الحمد لا بد من الاتيان بها اذا كان محل التدارك باقيا كما لو كان الشك قبل الدخول في الركوع ولا فرق فيما ذكر بين الدخول في السورة وعدمه.

وأما مع عدم بقاء محل التدارك فاما نقول بجريان قاعدة لا تعاد

__________________

(١) ـ قد تقدم ذكر الحديث فى ص ١٣٥.

(٢) ـ لاحظ ص : ١٣٥.

في أثناء العمل واما نقول بعدم جريانها ، أما على الاول فيحكم بالصحة ببركة القاعدة وأما على الثاني فلا بد من الحكم بالبطلان.

فلو دخل المصلي في الركوع وشك في الفاتحة يكون مقتضى الاستصحاب عدم الاتيان بها ومن ناحية اخرى قلنا لا دليل على قاعدة التجاوز فالامر يدور على القول بجريان قاعدة لا تعاد في الاثناء وعدمه.

ان قلت : على هذا يلزم انه لو صلى صلاة الظهر وبعد الفراغ دخل في العصر وشك في أنه هل أتى بالركوع في الركعة الثانية من صلاة الظهر أم لا؟ يحكم ببطلان الصلاة الاولى اذ مقتضى الاستصحاب عدم الاتيان بالركوع ومن ناحية اخرى لا دليل على قاعدة التجاوز ومن ناحية ثالثة لا تجري قاعدة لا تعاد في الاركان وهل يمكن الالتزام بهذا اللازم؟

قلت في مفروض الكلام يصدق ان المكلف تجاوز عن صلاة الظهر ويصدق عنوان مضي صلاة الظهر. وبعبارة اخرى : يدخل في عنوان الشك فيما مضى الوارد في حديث محمد بن مسلم فيحكم بالصحة بقاعدة الفراغ.

ان قلت : فعلى هذا لو كان المكلف في الركعة الثالثة من صلاة العصر مثلا وشك في الاتيان بالركوع في الركعة الاولى من تلك الصلاة يلزم أن تجري قاعدة الفراغ بالنسبة الى الركعة الاولى بأن يقال يصدق عنوان المضي والتجاوز بالنسبة الى الركعة الاولى حيث يشك في صحتها وفسادها من جهة الركوع ومقتضى قاعدة الفراغ الحكم بالصحة.

قلت : الظاهر ان التقريب تام والامر كما افيد وعليه نلتزم بالجريان ولا ضير.

الفرع الرابع : ان المصلي ان كان في صلاة العصر ولم يعلم بأنه أتى بالظهر ام لا؟ يجب عليه أن يعدل بما في يده الى الظهر اذ مقتضى الاستصحاب عدم الاتيان بالظهر ومن ناحية اخرى لا دليل على قاعدة التجاوز كي يحكم بها على تحقق الظهر ومن ناحية ثالثة يشترط الترتيب بين الظهر والعصر.

ومن ناحية رابعة انه قد دل الدليل على أنه يعدل بالعصر الى الظهر في فرض عدم الاتيان بصلاة الظهر فبحكم الاستصحاب يحرز عدم الاتيان بالظهر فيجب العدول من العصر الى الظهر بمقتضى النص الدال على وجوب العدول من اللاحقة الى السابقة.

الفرع الخامس : ان المصلي اذا كان في صلاة العصر وشك في صلاة ظهره من حيث الصحة والفساد بلحاظ الشك في النية فنقول تارة يشك في أنه هل تحقق فعل الظهر مع قصد القربة ام لا؟ واخرى يشك في أن ما أتى به هل قصد فيه عنوان الظهر أم لا؟

أما على الاول فلا مانع عن جريان قاعدة الفراغ والحكم بتمامية الظهر من ناحية قصد القربة. وأما على الثاني فلا مجال لجريان القاعدة اذ المفروض انه يشك في قصد العنوان فمضي الظهر مورد الشك ، ومع عدم الموضوع أو الشك فيه لا مجال لترتب الحكم.

وبعبارة واضحة : يشترط في جريان قاعدة الفراغ صدق عنوان المضي والمفروض انه محل الكلام والاشكال بل مقتضى الاستصحاب عدم الاتيان بالظهر وعدم تحقق العنوان المشكوك فيه.

الفرع السادس : ان المصلي اذا كان في أثناء صلاة العصر وشك في أنه هل قصد عنوان العصر بالنسبة الى الاجزاء الماتي بها أم لا؟ فتارة يقطع بعدم الاتيان بالظهر أو يشك فيه ، واخرى يعلم بأنه أتى بالظهر قبلا.

أما على الاول فيلزم العدول الى الظهر فانّه مقتضى العلم أو الاستصحاب. فما أتى به أما قصد فيه عنوان الظهر فهو والّا يلزم العدول وهذا ظاهر.

وأما على الثاني فهل يمكن جريان القاعدة بالنسبة الى الماتي به ام لا؟ الظاهر هو الثاني اذ متعلق الشك المضي ومع الشك في الموضوع لا تصل النوبة الى اجراء الحكم.

الفرع السابع : انه لو شك المكلف في أنه هل أبطل صلاته عمدا أم لا؟ فهل تجري القاعدة أم لا؟

فصّل سيدنا الاستاد قدس‌سره وقال «تارة يكون الشك في البطلان من ناحية ايجاد المانع كما لو أحتمل انه تقهقه واخرى من ناحية احتمال الاخلال بشرط من الشرائط أو جزء من الاجزاء ، أما على الاول فمقتضى الاستصحاب عدم الاتيان بالمانع.

وأما على الثاني فمقتضى الاستصحاب عدم الاتيان بالجزء أو الشرط ، ولا مجال لجريان القاعدة اذ الاذكرية تمنع عن الاخلال غير العمدي وأما الاخلال العمدي فلا ينافي الاذكرية فلا تجرى القاعدة فلا بد من الاعادة».

ولنا ان نقول كما قلنا سابقا ان مقتضى قوله عليه‌السلام في حديث ابن مسلم (١) «كل ما شككت فيه مما قد مضى فأمضه كما هو» جريان القاعدة.

مضافا الى أنه يمكن ان يقال ان الاستصحاب يقتضي اتمام العمل وعدم رفع اليد عنه فان مقتضى الاستصحاب عدم الابطال وعدم القطع.

__________________

(١) لاحظ ص : ١٣٥.

خاتمة :

مقتضى حديث ابن مسلم جريان قاعدة الفراغ في كل مورد شك في صحته وبطلانه بلا فرق بين كون المشكوك فيه جزء من المركب وبين كون المشكوك فيه المركب بما هو مركب وبلا فرق بين الدخول في الغير وعدمه ، فان مقتضى الاطلاق عدم الفرق هذا تمام الكلام في قاعدة الفراغ والسلام على عباد الله الصالحين.

الكلام فى اصالة الصحة :

ويقع البحث فيها من جهات : الجهة الاولى : في موردها فنقول : اصالة الصحة لتصحيح عمل الغير بخلاف قاعدة الفراغ حيث انها لتصحيح عمل نفس المكلف. وان شئت قلت : كلتا القاعدتين داخلتان تحت عنوان تصحيح العمل الذي شك فيه من حيث الصحة والفساد والجامع بينهما الحكم بصحة العمل في مورد الشك فيها ، والمائز بينهما ان قاعدة الفراغ تجري بالنسبة الى عمل الشاك نفسه واصالة الصحة تجري بالنسبة الى عمل الغير.

وايضا ان قاعدة الفراغ تجري بعد الفراغ عن العمل وصدق عنوان المضي والتجاوز ، وأما قاعدة الصحة فهي تجري حتى حين الاشتغال ولذا لو كان الغير مشتغلا بعمل واجب على نحو الوجوب الكفائي كما لو كان مشغولا بغسل الميت وشككنا في صحته وفساده نحكم بصحة تغسيله وهكذا.

الجهة الثانية : في بيان مدركها وما يمكن أن يذكر في هذا المقام وجوه.

الوجه الاول : قوله تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً

مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ»)(١).

وقد ورد في تفسيره عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام في كلام له : ضع امر اخيك على احسنه حتى يأتيك ما يقلبك ولا تظنن بكلمة خرجت من أخيك سوء وانت تجد لها في الخير محملا (محتملا خ) (٢).

بتقريب ان المستفاد من الآية ببركة الخبر انه يجب حمل فعل الغير على الصحة ما دام لا دليل على خلافها.

وفيه : اولا ان الخبر ضعيف سندا ولا جابر له.

وأما الآية فقد نهى فيها عن ظن السوء والحال ان الظن أمر غير اختياري فلا بد من حملها على النهي عن ترتيب أثر السوء.

وثانيا : انه قد ذكر في الخبر عنوان الاخ والاخوة الايمانية تختص باهل الايمان والحال ان اصالة الصحة لا تختص بمورد خاص بل تجري بالنسبة الى كل من يمكنه التصدي.

وثالثا : انه لا يمكن الالتزام بمقتضاها اذ يلزم انه لو شك في أن ما تكلم به الغير كان تحية أو كان شتما يجب رد التحية وهل يمكن الالتزام بهذا اللازم؟

الوجه الثاني قوله تعالى (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً)(٣). بتقريب ان المستفاد من الآية وجوب حمل فعل الغير على الحسن وهو المدعى.

وفيه انه قد وردت نصوص كثيرة (٤) في ذيل الآية والمستفاد

__________________

(١) ـ الحجرات / ١٢.

(٢) ـ البرهان ج ٤ ص ٢٠٩ الحديث : ٣.

(٣) ـ البقرة / ٨٣.

(٤) ـ تفسير البرهان ج ١ ص ١٢٠ ـ ١٢٢.

من النصوص لزوم العشرة مع الناس بالطريق الحسن ولا يستفاد من تلك النصوص المدعى.

مضافا الى انه كيف يمكن الالتزام بمفاد ظاهر الآية من البناء على كونهم عادلين ورعين بل لا ظهور في الآية وانما الظاهر منها ان القول الذي يكون في حق الناس يكون قولا حسنا وهذا لا يرتبط بحمل فعله على الوجه الصحيح.

الوجه الثالث : ما رواه محمد بن فضيل عن أبي الحسن موسى عليه‌السلام قال : قلت : له : جعلت فداك ، الرجل من اخواني يبلغني عنه الشيء الذي أكرهه فأسأله عنه فينكر ذلك وقد أخبرني عنه قوم ثقات فقال لي : يا محمد كذب سمعك وبصرك عن أخيك فان شهد عندك خمسون قسامة وقال لك قولا فصدقه وكذبهم ولا تذيعنّ عليه شيئا تشينه به وتهدم به مروته فتكون من الذين قال الله (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ)(١).

فان المستفاد من الحديث تصديق قول الغير وفيه اولا : ان الخبر ضعيف سندا فلا يعتد به.

وثانيا : انه لا يمكن حمله على تصديق الواحد وتكذيب الخمسين.

وثالثا : انه يختص الخبر بالاخ الايماني والحال ان حمل فعل الغير على الصحة لا يختص بالاخ الايماني فالحديث أجنبي عن المقام. والمتحصل من هذه الطائفة من الاخبار انه لا بد من العشرة مع الناس على الطريقة الحسنة ولا يرتبط مفاد هذه النصوص بما نحن بصدده.

الوجه الرابع : الاجماع ، وفيه اولا ان تحقق الاجماع المحصل

__________________

(١) ـ الوسائل الباب ١٥٧ من ابواب احكام العشرة الحديث ٤.

في جميع موارد الحمل على الصحة في العبادات والمعاملات بالمعنى الاخص والاعم اول الكلام والاشكال.

وثانيا : انه على تقدير تحققه لا يكون حجة اذ يمكن استناد المجمعين الى الوجوه المذكورة فيكون مدركيا.

الوجه الخامس : قوله تعالى (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)(١) بتقريب ان الخطاب يدل على صحة العقد الذي يشك في صحته وبطلانه.

وفيه اولا : ان الخطاب يختص بالمخاطبين ولا يرتبط بغيرهم إلّا أن يقال انه على فرض كونه دالا على الصحة لا يفرق فيه بين فرد دون آخر فالاشكال ساقط عن درجة الاعتبار.

وثانيا ان الآية لا تشمل الايقاعات فكيف بالمعاملات بالمعنى الأعم.

وثالثا : انّه لا يشمل الشبهات الموضوعية التى هي محل الكلام وبعبارة واضحة : ان الآية الشريفة كقوله تعالى (إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ)(٢) وقوله تعالى (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ)(٣) من الادلة العامة التى يستدل بها على صحة عقد البيع وغيره من العقود عند الشك في الصحة والفساد من جهة الشبهة الحكمية والكلام في المقام في الشبهات الموضوعية فلا ترتبط الآية بما نحن فيه فلاحظ.

ورابعا : انا ذكرنا مرارا ان الخطاب المذكور ناظر الى اللزوم بعد فرض الصحة فلا يكون دليلا على الصحة فلاحظ.

الوجه الخامس : عموم التعليل الوارد في حديث حفص بن غياث

__________________

(١) ـ المائدة / ١.

(٢) ـ النساء / ٢٦.

(٣) ـ البقرة / ٢٧٥.

عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قال له رجل : اذا رأيت شيئا في يدي رجل يجوز لي أن أشهد انه له؟ قال : نعم.

قال الرجل : اشهد انه في يده ولا اشهد انه له فلعله لغيره فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : افيحل الشراء منه قال : نعم.

فقال ابو عبد الله عليه‌السلام : فلعله لغيره فمن أين جاز لك أن تشتريه ويصير ملكا لك ثم تقول بعد الملك هولي وتحلف عليه ولا يجوز أن تنسبه الى من صار ملكه من قبله اليك ثم قال أبو عبد الله عليه‌السلام : لو لم يجز هذا لم يقم للمسلمين سوق (١).

فانه عليه‌السلام علل الحكم بامارية اليد بانه لو لاها لا يقوم للمسلمين سوق وحيث ان الملاك موجود في المقام فبمقتضى عموم العلة نحكم باعتبار اصالة الصحة.

وفيه اولا : ان السند مخدوش فلا اعتبار بالحديث. وثانيا : ان غاية ما يمكن أن يستفاد من الحديث ان اصالة الصحة تجري في العقود الواقعة بين الناس وأما جريانها في الايقاعات والمعاملات بالمعنى الاعم كغسل الثوب مثلا وجريانها في العبادات الصادرة عن الغير كصلاة الميت مثلا فلا دليل عليه ولا يتم الاستدلال بالحديث كما هو ظاهر.

الوجه السادس : السيرة الجارية بين العقلاء والمتشرعة بلا نكير ولا اشكال في استمرار السيرة المذكورة واتصالها بزمان المعصوم فلو لم تكن تامة لكان اللازم ردع السيرة من قبل مخازن الوحي ارواحنا فداهم.

وهذا الوجه تام لا ريب فيه فلا اشكال في هذه القاعدة واعتبارها

الجهة الثالثة : في أن المراد بالصحة ، الصحة عند الحامل لا عند

__________________

(١) ـ الوسائل الباب ٢٥ من ابواب كيفية الحكم الحديث ٢.

العامل وبعبارة اخرى يحمل عمل الغير على الصحيح الواقعي الذي يراه الحامل تاما لا الصحة عند العامل اذ لا أثر له في نظر الحامل.

وان شئت قلت : اصالة الصحة لا تكون أشد اثرا من العلم الوجداني فلو فرض العلم الوجداني بأن العامل يعمل على طبق ما يكون صحيحا عنده لا أثر له للحامل إلّا أن يحمل على ما يكون صحيحا عنده ايضا وهذا ظاهر.

ثم ان الحمل على الصحة باعتبار العلم بحال العامل وعدمه يتصور على صور وينبغي لحاظ كل واحدة من هذه الصور وبيان حكمها بحيالها واستقلالها.

فنقول : الصورة الاولى : ما لو علم الحامل ان العامل جاهل بالحكم ولكن يحتمل أن يكون مراعيا للاحتياط كي يقع العمل صحيحا والظاهر جريان الاصل في هذه الصورة للسيرة.

الصورة الثانية : هي الصورة مع عدم احتمال رعاية الاحتياط ولكن يحتمل كون العمل صحيحا من باب التصادف والاتفاق وفي هذه الصورة لا تجري اصالة الصحة لعدم الدليل على جريانها فان الدليل منحصر في السيرة فلا بد من الاقتصار على مقدار احراز تحققها وفي هذه الصورة المفروضة لم يحرز جريانها.

الصورة الثالثة : أن يحتمل كونه عالما بالحكم وفي هذه الصورة تجري اصالة الصحة فان السيرة جارية على الحمل على الصحة بلا فحص عن حال العامل من جهة علمه بالحكم وجهله.

الصورة الرابعة : أن يكون الحامل عالما بأن العامل عالم بالحكم ويعلم انه موافق معه في حكم المسألة وفي هذه الصورة يجري الاصل بلا اشكال.

الصورة الخامسة : هي الصورة ولكن لا يعلم انه موافق أو مخالف وفي هذه الصورة يجري الاصل ايضا اذ جريان الاصل لا يتوقف على الفحص.

الصورة السادسة : أن يعلم بكونه مخالفا بالتباين بأن يعلم ان ما يراه صحيحا فاسد عنده ولا اشكال في عدم جريان الاصل في هذه الصورة.

الصورة السابعة : أن يعلم بالمخالفة لا بالتباين كما لو كانت العربية شرطا في الصيغة عند الحامل ولا تكون شرطا عند العامل وجريان الاصل في الصورة المفروضة مشكل لعدم الجزم بالجريان وعدم احراز تحقق السيرة ومع الشك في السيرة لا دليل على الاصل.

الجهة الرابعة : في أن القاعدة من الامارات أو من الاصول والحق انها من الاصول اذ لا دليل على أن الشارع الاقدس اعتبرها امارة وطريقا تعبديا الى احراز الصحة.

الجهة الخامسة : انها من الاصول أو من الفقه والحق هو الثاني فانها كبقية القواعد الفقهية تبين حال العمل من حيث الصحة والفساد.

وبعبارة اخرى : انها ناظرة الى بيان الحكم الشرعي فتكون من مسائل الفقه.

الجهة السادسة : انه وقع الكلام بين القوم في أنه هل يشترط جريان اصالة الصحة باحراز قابلية المورد وقابلية الفاعل أم لا؟ فان قلنا بالاشتراط لا يجري الاصل مع الشك في كون الموجب قابلا للايجاب كما لو احتمل كونه صغيرا أو غير مالك للعين أو غير متول للعين الموقوفة وكما لو احتمل عدم قابلية العين للبيع كما لو احتمل كون غانم المباع حرا الى غير ذلك من الموارد.

والحق أن يقال : انه لو كانت هناك امارة على الجواز فلا اشكال في الصحة كما في موارد تحقق اليد فان البائع اذا كان ذا اليد على العين يحمل فعله على الصحة اذ اليد امارة كون اختيار العين بيده فلو باع الوقف يصح مع احتمال عدم الجواز لعدم المجوز لبيعه وقس عليه بقية الموارد.

ففي كل مورد يكون امارة على الجواز يحكم بالجواز وأما مع عدم وجود امارة على جواز التصرف فيشكل الاخذ بقاعدة الصحة وحيث ان القاعدة ليس عليها دليل لفظي لا مجال للاخذ بها.

الجهة السابعة : ان جريان اصالة الصحة يتوقف على احراز العمل وعليه لا بد في جريان اصالة الصحة في غسل الثوب مثلا من احراز كون الغاسل في مقام الغسل ولكن لا ندري هل غسل الثوب على النحو الشرعي ام لا؟

وأما مع الشك في أصل الغسل فلا مجال لجريان اصالة الصحة. وايضا لو استأجر احدا للنيابة عن الميت في الصلاة لا بد في جريان الاصل من احراز قصد الاجير النيابة والشك في الصحة والفساد وهكذا.

ثم انه لو شك في عمل الاجير أو مطلق العامل فهل يكون طريق لاحراز عمله أم لا؟.

الحق أن يقال : تارة يكون الاجير أو العامل ثقة في كلامه واخرى لا يكون أما على الثاني فلا يعتد باخباره عن تحقق العمل اذ لا دليل على اعتبار قول غير الثقة. وأما على الاول فيكون اخباره معتبرا لاعتبار قول الثقة.

الجهة الثامنة : لو تعارض أصل الصحة مع الاستصحاب فتارة يقع الكلام في تعارضها مع الاستصحاب الحكمي واخرى مع

الاستصحاب الموضوعي أما على الاول فلا اشكال في تقدم اصالة الصحة على الاستصحاب فلو شك في صحة البيع وفساده يحكم بالصحة ولا يجري استصحاب عدم تحقق الانتقال اذ مع اعتبار التعارض يكون اصل الصحة بلا مورد أو لا يبقى له الا مورد نادر ولا يمكن الالتزام به.

وأما على الثاني فكما لو شك في صحة بيع من حيث كون البائع بالغا أم لا؟ أو من حيث كون المبيع خمرا أو خلا مع كونه خمرا سابقا ففي مثله لا تجري اصالة الصحة لعدم السيرة في مثله.

الكلام فى القرعة :

ويقع الكلام فيها من جهات الجهة الاولى : في دليلها وما يمكن أن يستدل به أو استدل وجوه : الوجه الاول قوله تعالى (فَساهَمَ فَكانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ)(١).

وتقريب الاستدلال بالآية على المدعى انه يستفاد منها ان القرعة ممضاة عند الشارع الاقدس.

وفيه ان تعرض الكتاب لهذه القصة لا يدل على امضائها كما هو ظاهر عند التأمل.

الوجه الثاني قوله تعالى (ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ)(٢).

وتقريب الاستدلال بالآية هو التقريب والجواب هو الجواب مضافا الى أنه لو سلم ان المستفاد من الآيتين امضاء الشارع الاقدس

__________________

(١) ـ الصافات / ١٤١.

(٢) ـ آل عمران / ٤٤.

القرعة في الموردين لا يستفاد منهما جعل القرعة في الشريعة الاحمدية صلى‌الله‌عليه‌وآله.

واستصحاب بقائها الى زماننا هذا على فرض تمامية اركانه معارض باستصحاب عدم الجعل الزائد.

الوجه الثالث : ما رواه في دعائم الاسلام قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «واي حكم في الملتبس أثبت من القرعة أليس هو التفويض الى الله جل ذكره. وذكر أبو عبد الله عليه‌السلام قصة يونس النبي عليه‌السلام في قوله جل ذكره (فَساهَمَ فَكانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ) وقصة زكريا وقوله جل وعلا (وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ).

وذكر قصة عبد المطلب لما نذر أن يذبح من يولد له فولد له عبد الله أبو رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فألقى الله عليه محبته وألقى السهام على ابل ينحرها يتقرب بها مكانه فلم تزل السهام تقع عليه وهو يزيد حتى بلغت مائة فوقعت السهام على الابل فاعاد السهام مرارا وهي تقع على الابل فقال الآن علمت ان ربي قد رضي ونحرها.

حكى أبو عبد الله عليه‌السلام هذه القصص في كلام طويل وحكى حكم أمير المؤمنين عليه‌السلام في الخنثى المشكل بالقرعة (١).

بتقريب ان المستفاد من الحديث كون القرعة امرا مجعولا شرعيا ولذا ينقل القصة الامام عليه‌السلام بلا نكير.

وفيه اولا : ان السند مخدوش فلا يعتد بالحديث. وثانيا : ان هذه القصة وقعت قبل البعثة ولذا وقع النذر على ذبح الولد والحال ان النذر المذكور غير مشروع في الشريعة فلا يمكن الاستدلال بهذه القصة على المدعى.

__________________

(١) ـ مستدرك الوسائل ج ١٧ الباب ١١ من أبواب كيفية الحكم واحكام الدعاوى الحديث ٢.

لكن الانصاف انه يستفاد من الحديث اعتبار القرعة ولو في الجملة فالعمدة في الاشكال عدم اعتبار السند.

الوجه الرابع : النصوص الواردة عن مخازن الوحي وهي كثيرة وينبغي التعرض لكل واحد منها وملاحظة سنده ودلالته.

فنقول من تلك النصوص ما رواه الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : اذا وقع الحر والعبد والمشرك على امرأة في طهر واحد وادعوا الولد اقرع بينهم وكان الولد للذي يقرع (١).

وهذه الرواية لا بأس بها سندا ولكن لا يستفاد منها الميزان الكلي بل المستفاد منها جواز القرعة في مورد اشتباه الولد.

ومنها ما رواه ابراهيم بن عمر عن أبي عبد الله عليه‌السلام في رجل قال : اول مملوك املكه فهو حر فورث ثلاثة قال : يقرع بينهم فمن أصابه القرعة اعتق قال : والقرعة سنة (٢).

وهذه الرواية لا بأس بها سندا لكن لا يستفاد منها مشروعية القرعة على نحو الاطلاق والعموم وتختص دلالتها بمورد لا واقع له.

وأما قوله عليه‌السلام في ذيل الحديث والقرعة سنة لا يستفاد منه الضابط الكلي الجاري في جميع الموارد بل المستفاد من هذه الجملة اعتبارها على نحو الاجمال إلّا أن يقال العرف مرجع في استفادة المفاهيم وعليه نقول يستفاد من الجملة الواقعة في ذيل الحديث بالفهم العرفي ان الامام عليه‌السلام وروحي فداه في مقام بيان الميزان الكلي وانطباق الكبرى الكلية على المورد ولو لاه لم يكن وجه للذيل.

__________________

(١) ـ الوسائل الباب ١٣ من ابواب كيفية الحكم وأحكام الدعاوى الحديث ١.

(٢) ـ نفس المصدر الحديث ٢.

وعلى الجملة لا يبعد أن يقال : ان العرف يفهم من كلامه في ذيل الحديث بعد بيان الحكم انه روحي فداه يعطي ضابطا كليا لجميع الموارد.

ان قلت لا اشكال في عدم امكان الاخذ بدليل القرعة واجرائها على نحو الاطلاق والعموم.

قلت : مقتضى الاطلاق الالتزام به غاية الامر ترفع اليد عن اطلاق الدليل في كل مورد يقوم دليل على الخلاف.

لكن الانصاف ان الجزم بأن قوله عليه‌السلام «والقرعة سنة» في مقام بيان ضابط كلي جار في جميع الموارد مشكل بل المستفاد من كلامه عليه‌السلام شرعية القرعة على نحو الاجمال في الشريعة.

ومثل الحديث المذكور في المفاد حديثان احدهما ما رواه الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام في رجل قال : اول مملوك املكه فهو حرّ فورث سبعة جميعا قال : يقرع بينهم ويعتق الذي قرع (١). وثانيهما ما رواه عبد الله بن سليمان قال : سألته عن رجل قال : اول مملوك املكه فهو حرّ فلم يلبث ان ملك ستة ايهم يعتق قال : يقرع بينهم ثم يعتق واحدا (٢). وهذه النصوص كلها واردة في مورد خاص ولا عموم فيها.

ومنها ما رواه ابن مسلم عن أبي عبد الله عليه‌السلام في الرجل يكون له المملوكون فيوصي بعتق ثلثهم قال كان علي عليه‌السلام يسهم بينهم (٣).

__________________

(١) ـ الوسائل الباب ٥٧ من أبواب العتق الحديث ١.

(٢) ـ نفس المصدر الحديث ٢.

(٣) ـ الوسائل الباب ١٣ من ابواب كيفية الحكم واحكام الدعاوى الحديث ٣.

بتقريب ان المستفاد من الحديث اعتبار القرعة. وفيه انه لا تستفاد من الحديث كبرى كلية مضافا الى أن الظاهر من الرواية ان جريان القرعة تعبدي وخلاف القاعدة اذ مقتضى الوصية المذكورة التخيير في انتخاب ما يصدق عليه الثلث والله العالم.

ومنها ما رواه جميل قال : قال الطيّار لزرارة : ما تقول في المساهمة أليس حقا؟ فقال : زرارة بلى هي حق فقال : الطيّار أليس قد ورد انه يخرج سهم المحق؟ قال : بلى.

قال : فتعال حتى ادّعي انا وانت شيئا ثم نساهم عليه وننظر هكذا هو؟ فقال له زرارة : انما جاء الحديث بأنه ليس من قوم فوّضوا امرهم الى الله ثم اقترعوا الا خرج سهم المحق فأما على التجارب فلم يوضع على التجارب فقال الطيّار : أرأيت ان كانا جميعا مدعيين ادعيا ما ليس لهما من أين يخرج سهم أحدهما؟ فقال ، زرارة : اذا كان كذلك جعل معه سهم مبيح فان كانا ادعيا ما ليس لهما خرج سهم المبيح (١).

ولا يستفاد من الحديث الا جريان القرعة في مورد الاختلاف بين الحق والباطل. وبعبارة اخرى : الحديث يختص بمورد خاص ولا اطلاق له.

ومنها ما أرسله عاصم بن حميد عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عليا عليه‌السلام الى اليمن فقال له : حين قدم حدّثني باعجب ما ورد عليك فقال : يا رسول الله اتاني قوم قد تبايعوا جارية فوطأها جميعهم في طهر واحد فولدت غلاما فاحتجوا فيه كلهم يدعيه فأسهمت بينهم فجعلته للذي خرج سهمه وضمنته نصيبهم فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ليس

__________________

(١) ـ الوسائل الباب ١٣ من ابواب كيفية الحكم واحكام الدعاوى الحديث ٤.

من قوم تنازعوا ثم فوّضوا امرهم الى الله الا خرج سهم المحق (١).

والمرسل لا اعتبار به. لكن الحديث له سند آخر لا بأس به فلا اشكال من هذه الجهة وأما من حيث الدلالة فتكون دلالته مثل ما يستفاد من الحديث الرابع وانه لو وقع الترافع بين ذي الحق وغيره تجري القرعة.

ومنها ما رواه المختار قال : دخل أبو حنيفة على أبي عبد الله عليه‌السلام فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : ما تقول في بيت سقط على قوم فبقي منهم صبيان احدهما حرّ والآخر مملوك لصاحبه فلم يعرف الحرّ من العبد فقال أبو حنيفة : يعتق نصف هذا ونصف هذا.

فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : ليس كذلك ولكنه يقرع بينهما فمن أصابته القرعة فهو الحرّ ويعتق هذا فيجعل مولى لهذا (٢).

ويستفاد من الحديث جريان القرعة في مورد اشتباه الحرّ بالعبد.

ومنها ما أرسله حريز عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قضى أمير المؤمنين عليه‌السلام باليمن في قوم انهدمت عليهم دارهم وبقي صبيان أحدهما حر والآخر مملوك فأسهم أمير المؤمنين عليه‌السلام بينهما فخرج السهم على أحدهما فجعل له المال واعتق الآخر (٣).

والمرسل لا اعتبار به ومثله في عدم اعتبار السند الحديث التاسع وهو ما أرسله حماد عن أحدهما عليهما‌السلام قال : القرعة لا تكون الا الامام (٤).

وأما الحديث العاشر وهو ما رواه محمد بن مروان عن الشيخ

__________________

(١) ـ الوسائل الباب ١٣ من أبواب كيفية الحكم واحكام الدعاوى الحديث ٥.

(٢) ـ الوسائل الباب ١٣ من ابواب كيفية الحكم واحكام الدعاوى الحديث ٧.

(٣) ـ عين المصدر الحديث ٨.

(٤) ـ عين المصدر الحديث ٩.

قال : ان أبا جعفر عليه‌السلام مات وترك ستين مملوكا وأوصى بعتق ثلثهم فأقرعت بينهم فاعتقت الثلث (١) فلا يستفاد منه الا ما يستفاد من الحديث الثالث وقد مرّ الكلام حوله فراجع.

وأما الحديث الحادى عشر فهو ضعيف بعلي بن عثمان وله سند آخر وهو ضعيف بمحمد بن حكيم.

واما الحديث الثاني عشر فهو ساقط بالارسال ومثله الحديث الثالث عشر ومثلهما في الضعف سندا الحديث الرابع عشر.

وأما الحديث الخامس عشر فلا يستفاد منه الا ما يستفاد من الحديث الثاني فلاحظ. وأما الحديث السادس عشر فالمستفاد منه ما يستفاد من الحديث الثالث فراجع.

وأما الحديث السابع عشر من الباب فالظاهر ان سنده تام ولكن لا تستفاد منه الكلية بل المستفاد منه مشروعية القرعة في مورد التنازع والتشاجر.

وأما بقية روايات الباب فكلها ضعيفة سندا. ومنها جملة من النصوص واردة في اشتباه الذكر بالانثى.

الاولى ما رواه اسحاق العزرمي قال : سئل وانا عنده يعني أبا عبد الله عليه‌السلام عن مولود ولد وليس بذكر ولا انثى وليس له إلّا دبر كيف يورث؟ قال يجلس الامام عليه‌السلام ويجلس معه ناس فيدعو الله ويجيل السهام على أي ميراث يورثه ميراث الذكر أو ميراث الانثى فايّ ذلك خرج ورثه عليه ثم قال : واى قضية أعدل من قضية يجال عليها بالسهام ان الله تبارك وتعالى يقول : (فَساهَمَ فَكانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ)(٢). والظاهر ان الحديث ساقط باسحاق.

__________________

(١) ـ الوسائل الباب ١٣ من ابواب كيفية الحكم واحكام الدعاوى الحديث ١٠.

(٢) ـ الوسائل الباب ٤ من ابواب ميراث الخنثى وما اشبهه الحديث ١.

الثانية ما رواه الفضيل بن يسار قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن مولود ليس له ما للرجل ولا له ما للنساء قال يقرع عليه الامام (او المقرع) يكتب على سهم عبد الله وعلى سهم امة الله ثم يقول الامام أو المقرع : اللهم انت الله لا إله الا انت عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون بيّن لنا أمر هذا المولود كيف (حتى) يورث ما فرضت له في الكتاب ثم تطرح السهام السهمان في سهام مبهمة ثم تجال السهام على ما خرج ورّث عليه (١). والحديث لا عموم فيه بل يختص بمورد خاص.

الثالثة : مرسلة ثعلبة بن ميمون عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سئل عن مولود ليس بذكر ولا انثى ليس له الادبر كيف يورّث؟ قال يجلس الامام ويجلس عنده (معه) ناس من المسلمين فيدعو الله وتجال السهام عليه على أي ميراث يورث على ميراث الذكر أو ميراث الانثى فأي ذلك خرج عليه ورّثه ثم قال وأي قضية أعدل من قضية تجال عليها السهام يقول الله تعالى : (فَساهَمَ فَكانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ) وقال : ما من أمر يختلف فيه اثنان إلّا وله اصل في كتاب الله ولكن لا تبلغه عقول الرجال (٢). والمرسل لا اعتبار به.

الرابعة : ما رواه (٣) عبد الله بن مسكان قال : سئل أبو عبد الله عليه‌السلام وانا عنده عن مولود ليس بذكر ولا بانثى ليس له الادبر كيف يورث فقال يجلس الامام ويجلس عنده اناس من المسلمين فيدعون الله ويجيل السهام عليه على أي ميراث يورّثه ثم قال : واى قضية

__________________

(١) ـ الوسائل الباب ٤ من ابواب ميراث الخنثى وما اشبهه الحديث ٢.

(٢) ـ عين المصدر الحديث ٣.

(٣) ـ عين المصدر الحديث ٤.

أعدل من قضية يجال عليها بالسهام يقول الله تعالى : «فَساهَمَ فَكانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ». واسناد الشيخ الى ابن فضال ضعيف.

ومن الروايات التي تعرض فيها للقرعة ما رواه ابو حمزة الثمالي قال : قال : ان رجلا حضرته الوفاة فأوصى الى ولده غلامي يسار هو ابني فورّثوه مثل ما يرث احدكم وغلامي يسار فاعتقوه فهو حرّ فذهبوا يسألونه ايّما يعتق وايما يورث فاعتقل لسانه قال فسألوا الناس فلم يكن عند أحد جواب حتى أتوا أبا عبد الله عليه‌السلام فعرضوا المسألة عليه.

قال : فقال : معكم احد من نسائكم قال : فقالوا : نعم معنا أربع اخوات لنا ونحن اربعة اخوة قال : فاسألوهن أي الغلامين كان يدخل عليهن فيقول ابوهن لا تستترن منه فانما هو اخوكنّ قالوا : نعم كان الصغير يدخل علينا فيقول ابونا : لا تستترن منه فانما هو اخوكن فكنا نظن انه انما يقول ذلك لانه ولد في حجورنا وانا ربيناه.

قال : فيكم أهل البيت علامة قالوا نعم قال انظروا أترونها بالصغير قال : فرأوها به قال : تريدون اعلّمكم أمر الصغير قال فجعل عشرة أسهم للولد وعشرة أسهم للعبد قال ثم أسهم عشرة مرات قال : فوقعت على الصغير سهام الولد فقال اعتقوا هذا وورّثوا هذا (١).

وهذه الرواية ساقطة عن الاعتبار سندا ظاهرا مضافا الى أنها واردة في مورد خاص ولا يستفاد منها القاعدة الكلية.

وجملة من النصوص واردة في باب ارث الغرقى والمهدوم عليهم. منها ما رواه حريز عن أحدهما عليهما‌السلام قال : قضى أمير المؤمنين عليه‌السلام باليمن في قوم انهدمت عليهم دار لهم

__________________

(١) ـ الوسائل الباب ٤٣ من ابواب الوصايا الحديث ١.

فبقي صبيان أحدهما مملوك والآخر حرّ فأسهم بينهما فخرج السهم على أحدهما فجعل المال له واعتق الآخر (١) وهذه الرواية واردة في مورد خاص.

ومنها ما رواه حسين بن المختار قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام لابي حنيفة : يا با حنيفة ما تقول في بيت سقط على قوم وبقي منهم صبيان أحدهما حرّ والآخر مملوك لصاحبه فلم يعرف الحر من المملوك.

فقال أبو حنيفة : يعتق نصف هذا ويعتق نصف هذا ويقسم المال بينهما فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : ليس كذلك ولكن يقرع بينهما فمن اصابته القرعة فهو الحر ويعتق هذا فيجعل مولى له (٢). وهذه الرواية أيضا واردة في مورد خاص ولا كلية فيها.

ومنها ما رواه محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام قال : قلت له : امة وحرة سقط عليهما البيت وقد ولدتا فماتت الامان وبقي الابنان كيف يورثان قال : فقال : يسهم عليهما ثلاثا ولاء يعنى ثلاث مرات فايهما اصابه السهم ورث من الآخر (٣). وهذه الرواية أيضا كذلك.

ومنها ما رواه عباس بن هلال عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام قال : ذكران ابن أبي ليلى وابن شبرمة دخلا المسجد الحرام فأتيا محمد بن علي عليهما‌السلام فقال لهما : بما تقضيان فقالا : بكتاب الله والسنة قال فما لم تجداه في الكتاب والسنة قالا : نجتهد رأينا قال : رأيكما انتما فما تقولان في امرأة وجاريتها كانتا ترضعان صبيين

__________________

(١) ـ الوسائل الباب ٤ من ابواب ميراث الغرقى والمهدوم عليهم الحديث ١.

(٢) نفس المصدر الحديث ٢.

(٣) نفس المصدر الحديث ٣.

في بيت فسقط عليهما فماتتا وسلم الصبيان.

قالا : القافة قال : القافة يتجهم منه لهما قالا : فأخبرنا قال : لا قال ابن داود مولى له : جعلت فداك قد بلغني ان أمير المؤمنين عليه‌السلام قال : ما من قوم فوّضوا أمرهم الى الله عزوجل والقوا سهامهم الا خرج السهم الاصوب فسكت (١). وهذه الرواية ساقطة عن الاعتبار سندا فلا يعتد بها.

ومنها مرسل المفيد قال : قضى علي عليه‌السلام في قوم وقع عليهم بيت فقتلهم وكان في جماعتهم امرأة مملوكة واخرى حرة وكان للحرّة ولد طفل من حر وللجارية المملوكة ولد طفل من مملوك فلم يعرف الحر من الطفلين من المملوك فقرع بينهما وحكم بالحرية لمن خرج سهم الحرّ عليه منهما وحكم بالرق لمن خرج سهم الرق عليه منهما ثم أعتقه وجعله مولاه وحكم في ميراثهما بالحكم في الحرّ ومولاه فأمضى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله هذا القضاء (٢). والمرسل لا اعتبار به.

ومن النصوص المتعرضة لحكم القرعة ما ورد في البهيمة الموطوءة. منها ما رواه محمد بن عيسى عن الرجل عليه‌السلام انه سئل عن رجل نظر الى راع نزا على شاة قال : ان عرفها ذبحها وأحرقها وان لم يعرفها قسّمها نصفين ابدا حتى يقع السهم بها فتذبح وتحرق وقد نجت سائرها (٣).

ومنها ما رواه الحسن بن علي بن شعبة عن أبي الحسن الثالث عليه‌السلام في جواب مسائل يحيى بن اكثم قال : وأما الرجل الناظر

__________________

(١) ـ الوسائل الباب ٤ من ابواب ميراث الغرقى والمهدوم عليهم الحديث ٤.

(٢) ـ نفس المصدر الحديث ٥.

(٣) ـ الوسائل الباب ٣٠ من ابواب الاطعمة المحرمة الحديث ١.

الى الراعي وقد نزا على شاة فان عرفها ذبحها وأحرقها وان لم يعرفها قسّم الغنم نصفين وساهم بينهما فاذا وقع على احد النصفين فقد نجا النصف الآخر ثم يفرق النصف الآخر فلا يزال كذلك حتى يبقى شاتان فيقرع بينهما فايّهما وقع السهم بها ذبحت وأحرقت ونجا سائر الغنم (١).

والحديثان مضافا الى الاشكال في سنديهما لا يدلان على الكلية فلا يتم المدعى بهما.

ومن النصوص الواردة في القرعة جملة من الروايات واردة في مورد اشتباه الولد بين عدة ولم يعلم ان الولد ممن منها ما رواه معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال اذا وطئ رجلان أو ثلاثة جارية في طهر واحد فولدت فادعوه جميعا اقرع الوالي بينهم فمن قرع كان الولد ولده ويردّ قيمة الولد على صاحب الجارية.

قال : فان اشترى رجل جارية وجاء رجل فاستحقها وقد ولدت من المشتري ردّ الجارية عليه وكان له ولدها بقيمته (٢).

ومنها ما رواه سليمان بن خالد عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قضى علي عليه‌السلام في ثلاثة وقعوا على امرأة في طهر واحد وذلك في الجاهلية قبل أن يظهر الاسلام فاقرع بينهم فجعل الولد للذي قرع وجعل عليه ثلثي الدية للآخرين فضحك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حتى بدت نواجده قال : وقال : ما اعلم فيها شيئا الا ما قضى علي عليه‌السلام (٣).

__________________

(١) ـ الوسائل الباب ٣٠ من ابواب الاطعمة المحرمة الحديث ٤.

(٢) ـ الوسائل الباب ٥٧ من ابواب نكاح العبيد والاماء الحديث ١.

(٣) ـ الوسائل الباب ٥٧ من ابواب نكاح العبيد والاماء الحديث ٢.

ومنها ما ارسله المفيد قال : بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عليا عليه‌السلام الى اليمن فرفع اليه رجلان بينهما جارية يملكان رقها على السواء قد جهلا خطر وطئها معا فوطئاها معا في طهر واحد فحملت ووضعت غلاما فقرع على الغلام باسميهما فخرجت القرعة لاحدهما فالحق به الغلام والزمه نصف قيمته ان لو كان عبدا لشريكه فبلغ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله القضية فامضاها واقرّ الحكم بها في الاسلام (١).

وجملة من النصوص المتعرضة للقرعة أوردها في المستدرك (٢). وهذه النصوص كلها ضعيفة سندا الا الحديث العاشر منها وهو ما رواه داود بن سرحان عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ساهم قريشا في بناء البيت فصار رسول الله صلى عليه وآله في باب الكعبة الى النصف ما بين الركن اليماني الى الحجر الاسود.

وفي رواية اخرى «كان لبني هاشم من الحجر الاسود الى الركن الشامي». فانه تام سندا ظاهرا ولكن قاصر عن افادة المدعى بل متعرض لفعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في مورد خاص فلاحظ.

اذا عرفت ما تقدم نقول يستفاد من حديثي زرارة (٣) ومنصور بن حازم قال : سأل بعض أصحابنا أبا عبد الله عليه‌السلام عن مسألة فقال : هذه تخرج في القرعة ثم قال فأي قضية أعدل من القرعة اذا فوّضوا أمرهم الى الله عزوجل أليس الله يقول (فساهم فكان من

__________________

(١) ـ الوسائل الباب ٥٧ من ابواب نكاح العبيد والاماء الحديث ٥.

(٢) مستدرك الوسائل ج ١٧ ص ٣٧٣ باب ١١ من أبواب كيفية الحكم والدعاوى.

(٣) ـ قد تقدم ذكر الحديث فى ص ١٦٣.

المدحضين) (١) ، مشروعية القرعة في مورد النزاع في مال أو حق مردد بين قوم.

ويستفاد من حديث غياث بن ابراهيم عن أبي عبد الله عليه‌السلام ان أمير المؤمنين عليه‌السلام اختصم اليه رجلان في دابة وكلاهما أقام البينة انه انتجها فقضى بها للذي في يده وقال لو لم تكن في يده جعلتها بينهما نصفين (٢) ، ان الحكم في أمثال المقام التنصيف.

ويعارض حديث غياث بما رواه سماعة قال : ان رجلين اختصما الى علي عليهما‌السلام في دابة فزعم كل واحد منهما انها نتجت على مذوده وأقام كل واحد منهما بينة سواء في العدد فاقرع بينهما سهمين فعلّم السهمين كل واحد منهما بعلامة ثم قال «اللهم رب السماوات السبع ورب الارضين السبع ورب العرش العظيم عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم ايهما كان صاحب الدابة وهو أولى بها فاسألك أن يقرع ويخرج سهمه فخرج سهم احدهما فقضى له بها (٣).

فان المستفاد من هذه الرواية جريان القرعة وحيث ان الاحدث من الخبرين غير معلوم لا يمكن ترجيح أحدهما على الآخر إلّا أن يقال : ان خبر سماعة نقل فعل علي عليه‌السلام.

وأما خبر غياث فعن الصادق عليه‌السلام ويكون نقله لفعل جده امضاء لما فعله فيكون الترجيح مع خبر غياث وبخبر غياث يخصّص ما يدل على جريان القرعة في مورد التنازع بأن نقول لو كان النزاع في ملكية شيء ولم يكن مرجح لاحد الطرفين لا بد من

__________________

(١) ـ الوسائل الباب ١٣ من ابواب كيفية الحكم والدعاوى الحديث ١٧.

(٢) ـ الوسائل الباب ١٢ من ابواب كيفية الحكم والدعاوى الحديث ٣.

(٣) ـ عين المصدر الحديث ١٢.

التنصيف وأما لو كان النزاع في غير الملكية كما لو كان النزاع في حق كتولية الموقوفة الفلانية أو كان النزاع في ولاية يتيم وأمثالهما يكون المرجع القرعة.

فتحصّل انه لا دليل على كلية حكم القرعة بل هي مجعولة في موارد خاصة وفي مورد التنازع مع القيد المذكور.

ان قلت : اذا لم تكن القرعة مجعولة في موارد الاشتباه وعدم طريق الى احراز الواقع فما الحيلة وما الوسيلة مثلا لو علم ان الدار الفلانية وقفت للرضا عليه‌السلام ولكن لا يعلم انها لزواره أو لخدامه أو لسراجه أو لتعمير بقاعه الى غير ذلك من الاحتمالات فلا ندري التكليف فما هي الوظيفة.

قلت : حيث ان التكليف محرز ومن ناحية اخرى لا يمكن الاحتياط كما هو المفروض فالعقل يحكم بالتخيير اذ من البديهي استحالة التكليف بما لا يطاق وغير المقدور فتصل النوبة الى حكم العقل بالتخيير ولعمري ما أفدته سديد دقيق ومقرون بالتحقيق.

الجهة الثانية : في أنها من الامارات أو من الاصول والذي يستفاد من أدلتها انها قاعدة مجعولة للشاك ولا دليل على كونها من الامارات فتكون من الاصول والظاهر انه لا يترتب على هذا البحث أثر عملي اذ لو لم يتحقق موضوعها لم تجر وان كانت من الامارات وان تحقق موضوعها تجري وان كانت من الاصول.

الجهة الثالثة : انه ربما يقال : ان دليل القرعة لكثرة ورود التخصيص عليه صار موهونا بحيث لا يمكن الاخذ باطلاقه أو عمومه.

وفيه ان الامر ليس كذلك وان دليل القرعة وارد في موارد

خاصة كما ظهر مما ذكرنا.

وبعبارة اخرى : قد استفيد من جملة من النصوص ورود القرعة في موارد خاصة منصوصة وعلم ايضا من الدليل جريانها في مورد النزاع في عين أو حق أو ولد فالنتيجة انه لا مجال لجريانها في الشبهات الحكمية على الاطلاق.

وايضا لا مجال لجريانها في الشبهات الموضوعية التى لا نزاع فيها بل مجرد الشبهة كما مثلنا بتردد عين موقوفة بين عدة امور والمستفاد من دليلها اختصاصها بمورد نزاع في شيء.

الجهة الرابعة : انه لو وقع التعارض بين الاستصحاب والقرعة يتقدم الاستصحاب بتقريب : ان الاستصحاب اما يجري بلا معارض واما يجري مع وجود كونه معارضا باستصحاب آخر وعلى كلا التقديرين لا يبقى موضوع للتعارض بين الاستصحاب والقرعة.

أما في الصورة الثانية فلعدم جريان الاستصحاب وسقوطه بالمعارضة فلا موضوع للمعارضة مع القرعة وأما في الصورة الاولى فلعدم بقاء موضوع للقرعة فان موضوع القرعة الترديد والتحير على نحو الاطلاق ومع جريان الاستصحاب لا يبقى تحير.

فالحق ان الاستصحاب وارد على القرعة اذ مع الاستصحاب يرتفع موضوع القرعة غاية الامر بالتعبد ولا نعنى بالورود الّا هذا المعنى هذا تمام الكلام في القرعة والحمد لله وعليه التكلان.

خاتمة

اذا تعارض دليل الاستصحاب مع اليد فما هو الحكم وما الوظيفة لا اشكال في أن الاستصحاب لا يعارض اليد الدالة على الملكية ولو

فرض تعارض الاستصحاب مع القاعدة ففي أي مورد تكون اليد امارة اذ لا اشكال في أن الملكية مسبوقة بالعدم والاستصحاب يقتضي عدم تحققها فكما قلنا لا اشكال في أن الاستصحاب لا يعارض القاعدة انما الاشكال في موردين.

المورد الاول : ما كانت اليد مسبوقة بعدم الملكية كما لو كانت العين التي في يد زيد لغيره في زمان ونعلم بأن يده كانت على مال الغير فربما يقال : كما عن الميرزا النائينى ، ان استصحاب كون اليد غير مالكية يعين حال اليد فلا مجال لجريان قاعدة اليد وتقريب المدعى ان قاعدة اليد موضوعة في مورد الجهل بكون اليد مالكية أم لا؟

وأما مع احراز كون اليد غير مالكية ولو ببركة الاستصحاب لا مجال لجريان القاعدة.

واورد عليه سيدنا الاستاد بأن لسان دليل قاعدة اليد مطلق ولم يقيد بالجهل.

وما أفاده غريب اذ يرد عليه اولا : انه قدس‌سره يصرح بأنه ليس على القاعدة دليل لفظي وانما دليلها السيرة فكيف يقول بأن لسان الدليل غير مقيد.

وثانيا ان التقييد بالجهل قطعي اذ الاهمال غير معقول في الواقع فاما القاعدة مجعولة على الاطلاق واما مجعولة لخصوص العالم واما لخصوص الجاهل ومن الظاهران الاطلاق والتقييد بخصوص العالم غير ممكن فتكون القاعدة مجعولة للجاهل فاذا احرز حال اليد بالاستصحاب لا يبقى مجال لجريان القاعدة فما افاده الميرزا متين.

فتقديم الاستصحاب ليس من باب تقدمه على القاعدة عند

المعارضة بل لأن الاستصحاب ينقح حال اليد فلا تصل النوبة الى جريان القاعدة لكن حيث ان دليل قاعدة اليد منحصرة بالسيرة وليس عليها دليل لفظي ظاهرا لا تصل النوبة الى هذا التقريب.

وعليه نقول : حيث ان القدر المعلوم من السيرة جريانها في غير ما فرض وبعبارة اخرى : لم يحرز جريانها في صورة كون اليد مسبوقة بيد غير مالكية لا مجال لجريان قاعدة اليد فلاحظ.

ان قلت : يستفاد من عموم العلة المذكورة في حديث حفص بن غياث (١) اعتبار قاعدة اليد اذ لو لاها لم يقم للمسلمين سوق.

قلت : يرد على التقريب المذكور اولا : ان الحديث المذكور ضعيف سندا فان له سندين وكلاهما ضعيفان فلا اعتبار به.

وثانيا : انه لا يترتب على التقييد المذكور سقوط سوق المسلمين عن الاعتبار فان اليد امارة الملكية في المورد الخاص وبعبارة اخرى الرواية واردة في مورد احتمال كون ما في اليد مملوكا لذيها ولا اطلاق لها لمورد كون ما في اليد مملوكا سابقا للغير فلاحظ.

المورد الثاني : انه ذكر سيدنا الاستاد بأن ذا اليد اذا اقر بأن العين كانت لمن يدعي ملكيتها لكن ادعى انها انتقلت اليه باحد موجبات النقل وتكون الدعوى المذكورة في قبال من يدعي ملكية المال ففي هذه الصورة تنقلب الدعوى أي يصير ذو اليد مدعيا ويكون المدعي للملكية منكرا ويلزم أن يقيم ذو اليد البينة على تمامية دعواه وإلا تصل النوبة الى حلف مدعي الملكية وذلك لانحصار دليل قاعدة اليد في السيرة فلا بد من الاقتصار على غير هذا المورد واما حديث حفص فقد مرّ الجواب عنه.

ويمكن ان يقال : ان التقريب المذكور غير سديد اذ يرد عليه

__________________

(١) ـ قد تقدم ذكر الحديث فى ص ١٥٥.

ان لازم ذلك انه لو كانت عين مملوكة لزيد سابقا وبعد ذلك وقعت في يد بكر وادعى زيد ان بكرا سرق منه وان العين باقية على ملكه وبكر أنكر ما ادعاه يلزم على بكر باقامة البينة اذ اي فرق بين اقراره بأنها كانت للمدعي قبل ذلك وبين علمنا بذلك والحل : ان اليد امارة الملك واستصحاب بقاء الملكية للمدعي والمالك الاول لا يعارض اليد كما تقدم فالحق جريان القاعدة والله العالم.

المقصد الحادى عشر فى التعادل والترجيح

وفيه فصول : الفصل الاول : في بيان التعارض وما يتعلق به قال في الكفاية : «التعارض هو تنافي الدليلين أو الادلة بحسب مقام الاثبات والدلالة على وجه التناقض أو التضاد».

وما أفاده من الترديد بين كون التنافي بالتناقض أو التضاد تام وان كان مرجع التضاد الى التناقض والأمر سهل.

والتنافي اما يكون بالذات واما بالعرض فلو قال المولى يحرم شرب التتن وقال في دليل آخر يجوز شربه يكون التنافي بالذات اذ التضاد محال كالتناقض.

وأما لو قال في دليل تجب صلاة الظهر وفي دليل آخر تجب صلاة الجمعة يكون التنافي بالعرض اذ لا تنافي بين الدليلين ذاتا فانه لا مانع من وجوب كلتا الصلاتين لكن حيث نعلم من الخارج عدم وجوبهما يقع التعارض بينهما.

اذا عرفت ان التعارض تنافي الدليلين أو الادلة نقول في موارد الجمع العرفي بين الدليلين لا تعارض اذ التعارض عبارة عن التعاند وعدم امكان الجمع بين الدليلين وعدم التعارض والتعاند اما بالتخصص وأما بالورود وأما بالحكومة وأما بالتخصيص.

أما التخصص فهو عبارة عن خروج موضوع احد الدليلين عن تحت عنوان موضوع الدليل الآخر تكوينا وخارجا كما لو قال المولى في دليل يجب اكرام العلماء وقال في دليل آخر لا يجب اكرام الجهال فانه لا تنافي بين الحكمين فان موضوع كل من الدليلين اجنبي عن الآخر كما هو ظاهر واضح.

وأما الورود فهو عبارة عن خروج موضوع احد الدليلين عن تحت موضوع الدليل الآخر بالتعبد فان حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان موضوعه عدم البيان فبحكم العقل يجوز شرب التتن مع عدم البيان على حرمته ولكن اذا وردت رواية معتبرة دالة على الحرمة يرتفع حكم العقل فان موضوعه عدم البيان والرواية الدالة على الحرمة بيان فالورود كالتخصص غاية الامر خروج الموضوع في التخصص تكوينى وفي الورود تعبدي.

وأما الحكومة فهي عبارة عن كون احد الدليلين ناظرا الى موضوع الآخر كما في قوله لا شك لكثير الشك بالنسبة الى الدليل الذي يعين احكاما للشك والوجه في عدم التعارض في مورد الحكومة ان كل حكم انما يترتب على موضوعه ولا يكون الحكم متعرضا لوجود موضوعه وعدمه فاذا تصرف دليل في موضوع دليل آخر لا مجال للمعارضة.

وان شئت قلت : لا تعارض بين المقتضي وما لا اقتضاء له فان الحاكم فيه الاقتضاء والمحكوم لا اقتضاء فيه فاذا قال المولى اكرم كل عالم يستفاد منه انه ان وجد عالم في الخارج وتحقق يجب اكرامه فاذا قام دليل على عدم كون شارب الخمر عالما لا يعارضه دليل وجوب الاكرام لأن دليل وجوب الاكرام يرتب وجوب الاكرام على

العالم وأما من لا يكون عالما فلا يدل على وجوبه والدليل الحاكم يعتبر شارب الخمر جاهلا.

واما التخصيص الذي يكون عبارة عن اخراج بعض الافراد فالوجه في عدم كونه معارضا مع العام ان اعتبار العموم وحجيته يتوقف على أمور ثلاثة.

الامر الاول : صدوره عن المولى والمتكفل لهذه الجهة حجية الخبر الواحد.

الامر الثاني : ارادة استعمال اللفظ فيما يكون ظاهرا فيه والمتكفل لهذه الجهة اصالة الحقيقة الثابتة ببناء العقلاء.

الامر الثالث : كون الارادة الاستعمالية مطابقة مع الارادة الجدية والمتكفل لهذه الجهة ايضا السيرة العقلائية فاذا تحققت هذه الامور يكون العام حجة فاذا دل دليل على عدم الارادة الاستعمالية بأن قام دليل على ارادة المجاز لا يكون الظهور حجة كما انه لو قام دليل على عدم الارادة الجدية لا يبقى العام على اعتباره وهذا ايضا بالسيرة العقلائية.

ولا فرق فيما ذكرنا بين كون القرينة على الخلاف متصلة أو منفصلة فان القرينة على الخلاف يوجب انهدام العام غاية الامر اذا كانت متصلة لا ينعقد الظهور من الاول واذا كانت منفصلة توجب سقوط الظهور عن الاعتبار.

وبعبارة اخرى : الظهور يبقى بحاله لاستحالة انقلاب الشيء عما هو عليه والخاص الذي يعبّر عنه بالقرينة اما تكون قطعية وجدانية واما تعبدية.

وعليه لنا أن نقول الخاص اما وارد على العام أو حاكم فالامر منحصر في الورود والتخصص والحكومة اذ لو كان التخصيص

بالوجدان يكون المخصص واردا وان كان تعبديا يكون حاكما.

مثلا اذا قال المولى اكرم العلماء فتارة نعلم وجدانا ان العالم الفاسق لا يجوز اكرامه فيكون واردا واخرى يقوم دليل معتبر على عدم وجوب اكرامه وفي هذه الصورة يكون المخصص حاكما.

توضيح المدعى : ان الاخذ بالعموم يتوقف على جريان اصالة العموم وموضوع الاصل المذكور الشك في شمول العام لافراده فاذا علمنا بعدم شموله وجدانا يكون العلم واردا واذا كان الخروج تعبديا يكون الدليل المخصص حاكما فانا ذكرنا الحكم لا يتعرض لموضوعه وموضوع اصالة العموم الشك في شمول العام للفرد الفلاني فاذا دل الدليل على خروج الفرد يكون الفرد الفلاني معلوم الخروج عن تحت العام فلا تصل النوبة الى الاخذ بعموم العام.

الفصل الثانى :

انه اذا تعارض دليلان فما هو مقتضى التعارض مع قطع النظر عن الدليل الخارجي فنقول تارة يكون التعارض بين الدليلين اللذين يكون اعتبارهما ببناء العقلاء كظواهر الكتاب والاخبار المتواترة واخرى في غيرهما.

أما على الاول فلا بد من الالتزام بالسقوط اذ بناء العقلاء عند معارضة الدليلين رفع اليد عن كليهما ومعاملة الاجمال مع كل واحد منهما.

وأما على الثاني فان كان اعتبار الدليلين ببناء العقلاء ايضا كما في خبر الثقة ايضا كذلك طابق النعل بالنعل.

وأما ان كان بغيره كما لو ثبت اعتبار الدليل بالاجماع فحيث ان الاجماع دليل لبي يكون القدر المعلوم منه صورة عدم المعارضة فالنتيجة ان مقتضى التعارض الواقع بين دليلين سقوط كليهما عن

درجة الاعتبار هذا بالنسبة الى مدلوليهما مطابقة.

وأما بالنسبة الى نفي الثالث فهل يمكن القول بأنهما لا يكونان متعارضين أم لا؟ ولا يخفى ان النزاع المذكور فيما لا يكون احدهما غير المعين قطعيا وإلّا فلا اشكال في نفي الثالث.

فنقول : ربما يتوهم كما عن صاحب الكفاية ان احد المتعارضين لا يشمله دليل الاعتبار اذ معلوم الكذب ولكن الطرف الآخر فهو محتمل الصدق والكذب فلا مانع عن شمول دليل الاعتبار اياه فيصير احدهما غير المعين حجة وبعد فرض كونه حجة ينفى به الثالث.

وفيه : ان عنوان احدهما امر انتزاعي ولا يشمله دليل الاعتبار وبعبارة واضحة : ان كل واحد من الطرفين أو الاطراف بخصوصه لا يشمله دليل الاعتبار لعدم مرجّح فيه وأما عنوان احدهما فانتزاعي لا واقع له فلا يتم التقريب المذكور.

وفي المقام تقريب آخر عن الميرزا ، لنفي الثالث وهو ان كل خبر له دلالتان الاولى : مطابقية والاخرى التزامية وبدليل الاعتبار كلتا الدلالتين معتبرتان فلو دل دليل على وجوب الظهر ودليل آخر على وجوب الجمعة يكون مقتضى كل واحد وجوب مدلولة فتجب كلتا الصلاتين.

ولكن قد علم من الخارج عدم وجوب صلاتين في يوم واحد فكل من الدليلين يدل على وجوب مدلوله ونفي الوجوب عن صلاة اخرى فيقع التعارض بين الدليلين في كل واحدة من الصلاتين بالنفي والاثبات وأما بالنسبة الى نفى الثالثة فلا تعارض بين الدليلين والتلازم بين الدلالة المطابقية والالتزامية في أصل الدلالة لا في الحجّية فاذا ثبتت الدلالة الالتزامية ولم يكن تعاند بين

المتعارضين بالنسبة اليها لا مانع من الالتزام بها فالدلالة الالتزامية المقتضي لها موجود ولا مانع عن الاخذ بها.

ويرد على التقريب المذكور : اولا بالنقض وثانيا بالحل أما الاول فبموارد منها : ان البينة لو قامت على تنجس الثوب بالبول ونحن نقطع بعدم تنجسه بالبول ولكن نحتمل تنجسه بنجاسة اخرى هل يكون الثوب محكوما بالنجاسة أو يجري فيه استصحاب الطهارة فان مقتضى التقريب المذكور لزوم الحكم بالنجاسة لتمامية البينة القائمة من حيث الدلالة الالتزامية.

ومنها : انه لو كانت عين في يد زيد وقامت بينة على كونها لبكر وقامت بينة اخرى على كونها لخالد فكلتا البينتين متفقتان على عدم كونها لزيد وأما بالنسبة الى المدلول المطابقي فيتعارضان ويتساقطان فيلزم على مقتضى التقريب المذكور أن نحكم بعدم كونها لزيد ويكون من مصاديق مجهول المالك وهل يلتزم الميرزا باللازم المذكور في الموردين المذكورين وبقية الموارد التي من قبيل الموردين المذكورين؟ وهل يمكن الالتزام بهذه اللوازم كلا ثم كلا.

وأما الحل فان الدلالة على اللازم من الناحية الخاصة مثلا الاخبار بالنجاسة في مثال الاخبار عن النجاسة البولية ناش ومسبب عن الاخبار بالبول ولو لاه لا يكون اخبارا بالنجاسة فاذا سقط اعتبار الاخبار بالملزوم بالمعارضة أو من جهة اخرى لا يبقى اخبار بالنسبة الى اللازم كى نلتزم باعتباره.

وبعبارة واضحة : انه لا اخبار باللازم كي يشمله دليل الاعتبار فان الاخبار باللازم من ناحية الاخبار بالملزوم ساقط على الفرض

ولا اخبار باللازم من ناحية اخرى فلا مقتضى للالتزام بتحقق اللازم.

فالنتيجة ان المتعارضين لا يترتب عليهما اثر لا بالنسبة الى الدلالة المطابقية ولا بالنسبة الى الدلالة الالتزامية.

وبعبارة اخرى : ان الدلالة المطابقية مفروضة العدم بالمعارضة ووجودها كعدمها والمفروض انه لا دليل على اللازم غير هذه الدلالة الساقطة عن الاعتبار بالمعارضة فالنتيجة سقوط المتعارضين عن الاعتبار بالنسبة الى كلتا الدلالتين.

فتحصل انه لو لم يكن دليل من الخارج على ترجيح احد المتعارضين على الآخر أو على التخيير كان مقتضى التعارض التساقط الا فيما يكون احد الدليلين قابلا لان يتصرف به في الآخر بالورود أو الحكومة.

وبعبارة واضحة : التعارض يتوقف على عدم كون احدهما قرينة على الآخر وأما لو كان احدهما قابلا للقرينة في نظر العرف لا يتحقق التعارض ولذا نرى انه لو قال احد رأيت اسدا يرمي يحمل لفظ الاسد في كلامه على الرجل الشجاع لاجل ان قوله يرمي قابلا للقرينية مع ان ظهور لفظ الاسد بالوضع وظهور لفظا يرمي في الرمي بالنبال بالاطلاق.

ومن هنا يظهر المناط في التقديم الظهور العرفي وكون أحدهما قرينة عرفا فلا أثر لأقوائية الظهور بل المناط بكون أحدهما قرينة على الآخر.

اذا عرفت ما تقدم وقع الكلام بينهم في عدة موارد الاول : انه لو كان ظهور احد الدليلين في العموم بالوضع وظهور الدليل الآخر في العموم بالاطلاق فهل يقع التعارض بين الدليلين أو يقدم

ما بالوضع على ما بالاطلاق؟

مثلا لو قال المولى في دليل اكرم العلماء يكون كلامه ظاهرا بالظهور الوضعي في وجوب جميع أفراد العلماء فلو قال في دليل آخر لا تكرم الفاسق يكون كلامه ظاهرا بالظهور الاطلاقي في حرمة اكرام الفاسق ولو كان عالما فيقع التعارض بين الدليلين في العالم الفاسق فهل يتقدم العموم الوضعي على العموم الاطلاقي أو يسقط كلا الظهورين بالتعارض؟

ذهب الشيخ قدس‌سره الى الاول واختار تقدم العموم الوضعي على الاطلاقي بدعوى ان المطلق معلق على عدم البيان وحيث ان العام الوضعي قابل لان يكون بيانا للعام الاطلاقي يؤخذ بالعموم الوضعي وترفع اليد عن الاطلاقي ويقيد حرمة اكرام الفاسق بالفاسق غير العالم.

وأورد عليه صاحب الكفاية بأن الاطلاق بعد تحققه لا ينقلب عما هو عليه ولا يزول اطلاقه فلا وجه لترجيح ما بالوضع على ما بالاطلاق.

والذي يختلج بالبال أن يقال : تارة نقول : اذا قارن كلا الدليلين في الكلام واتصلا كما لو قال المولى العلماء ، وأوفوا بالعقود ولا تكرموا الفاسق يكون كلا الدليلين مجملا لمقارنة كل منهما الآخر وقابلية كل منهما قرينة للمراد من الآخر.

واخرى نقول : في صورة التقارن يتقدم العام الوضعي على العام الاطلاقي ويكون العموم الوضعي قرينة للآخر.

وثالثة لا نجزم بأحد الطرفين ونقول : لا يمكننا الجزم باحد الطرفين أما على الاول فالحق ما أفاده صاحب الكفاية اذ لا وجه لترجيح احد الطرفين على الآخر بل لا بد من معاملة المجمل مع

كلا الدليلين بلا فرق بين كون الدليلين متصلين أو منفصلين.

كما ان الامر كذلك على التقدير الثالث اذ مع الشك وعدم الجزم لا يمكن الحكم باحد الطرفين فالنتيجة هي الاجمال كالصورة الاولى.

وأما على التقدير الثاني فالحق ما أفاده الشيخ قدس‌سره اذ لو قلنا بأن التقارن يقتضي سقوط الاطلاق وعدم تحققه يكون معناه ان العام الوضعي قابل للتصرف في الاطلاق ومنعه عن انعقاده فاذا كان كذلك يكون مقدما عليه ولو في صورة الانفصال لا من باب الكشف عن عدم الاطلاق ولا من باب انقلاب المطلق عما هو عليه فان هذا التوهم بكلا وجهيه باطل فان المقدمات لو تمت ينعقد الاطلاق والشيء لا ينقلب عما هو عليه بل لان ما يصلح للقرينة اذا كان متصلا بذي القرينة يكون مانعا عن انعقاد الظهور واذا كان منفصلا يكون رافعا لحجية ذلك الظهور فما أفاده الشيخ في الفرض المذكور تام لا غبار عليه.

ولا يبعد أن يكون العموم الوضعي مقدما على العموم الاطلاقي ويكون قرينة لما اريد من الاطلاق فيكون في صورة الاتصال مانعا عن انعقاد الاطلاق ومع الانفصال يكون موجبا لسقوط الاطلاق عن الاعتبار.

فلو قال المولى لعبده أو وكيله بع الكتب كلها وقال أيضا في جملة من كلامه ما وهب لي لا يباع لا يشك العبد أو الوكيل ان الكتب كلها تباع ولو كان بعضها موهوبا فلاحظ.

المورد الثاني : ما لو وقع التعارض بين العموم الاستغراقي الاطلاقي والعموم الاطلاقي البدلي كما لو ورد في دليل اكرم العالم وورد في دليل آخر لا تكرم الفاسق فانه يقع التعارض بينهما بالتعارض بالعموم

من وجه ويتعاندان في العالم الفاسق فبمقتضى حرمة اكرام الفاسق يحرم اكرامه وبمقتضى وجوب اكرام العالم يجوز اكرامه فهل يتقدم العموم الاستغراقي على العموم البدلي ويلتزم بعدم جواز اكرام العالم الفاسق أم لا؟

ذهب الميرزا النائيني الى الترجيح وبين المدعى بوجوه : الوجه الاول : ان الاطلاق الاستغراقي يقتضى شمول الحكم لجميع الافراد فكل فرد من أفراد الطبيعة محكوم بذلك الحكم مثلا كل فاسق محكوم بحرمة الاكرام في المثال الذي ذكرنا.

وأما الاطلاق البدلي فلا عموم في مقتضاه اذ الحكم متعلق بالطبيعة وغايته تضييق دائرة الطبيعة فرفع اليد عن الاطلاق الاستغراقي رفع اليد عن جملة من أفراد الطبيعة وأما رفع اليد عن الاطلاق البدلي فليس كذلك فيكون الاطلاق الاستغراقي مقدما وحاكما على الاطلاق البدلي.

وأورد عليه سيدنا الاستاد قدس‌سره بايرادين الايراد الاول : ان الوجه المذكور مجرد استحسان ولا يقتضي التقديم.

الايراد الثاني : ان المدعى باطل من أصله وذلك لان الاطلاق البدلي أيضا يستلزم الاستغراق كالاطلاق الشمولي.

بيان ذلك : ان الوجوب اذا تعلق بطبيعة كما لو قال المولى اكرم العالم ينحل حكمه الى حكمين احدهما : وجوب اكرام طبيعة العالم ، ثانيهما : ترخيص تطبيق تلك الطبيعة على كل فرد من الافراد فالحكم الايجابي وان لم يكن استغراقيا لكن الحكم الترخيصي استغراقي ويشمل كل فرد من الافراد فلا فرق بين الاطلاقين من هذه الجهة غاية الامر ان الاستغراق في احد الدليلين بالنسبة الى الحكم الالزامي وفي الآخر بالنسبة الى الحكم الترخيصي

فلا فارق بين المقامين.

أقول : نتعرض اولا لما أفاده سيدنا الاستاد وثانيا لما أفاده الميرزا فنقول : الظاهر ان ما أفاده سيدنا الاستاد ليس تاما اذ نسأل ان تطبيق الطبيعة عين وجود الطبيعة أو غيره.

وبعبارة اخرى : وجود الطبيعة في الخارج متحد مع الوجود المرخص فيه أو ليس متحدا وببيان واضح : ان التركيب بين الطبيعة والفرد اتحادي أو انضمامي أما على الاول فلا يعقل اذ يلزم اجتماع الضدين فان الاحكام باسرها متضادة من حيث المبدا ولا يمكن اجتماع المحبوبية وعدمها.

توضيح المدعى : ان الطبيعة الواجبة اذا تحققت في الخارج تكون محبوبة للمولى فكيف يمكن أن لا تكون محبوبة ولا مبغوضة.

وان شئت قلت : ان الحلال بالمعنى الاخص لا يمكن ولا يعقل أن يكون مصداقا للواجب.

وأما على الثاني فيلزم جواز اجتماع الامر والنهي فيجوز ايجاد الطبيعة الواجبة في ضمن الفرد المحرم اذ قد فرض ان وجود الفرد غير وجود الطبيعة أي فرض كون التركيب انضماميا ومع كون التركيب انضماميا لا مانع عن الامتثال ويجوز اجتماع الامر والنهي وهل يلتزم سيدنا الاستاد بهذا اللازم الباطل.

فالحق أن يقال : كما حقق في محله ـ ان وجود الفرد عين وجود الكلي أي وجود واحد مصداق للشخص والصنف والنوع والجنس القريب والمتوسط وجنس الاجناس فلا مجال للقول بالترخيص في الطبائع الواجبة فما أفاده غير تام.

ولذا قلنا ان الكراهة في العبادة معناها قلة الثواب لا الكراهة بمعناها الاصطلاحي فاذا أوجب المولى طبيعة كالصلاة مثلا يكون

الواجب ايجاد الطبيعة فقط.

ان قلت : اذا لم يكن ترخيص من قبل المولى بالنسبة الى تطبيق الطبيعة على أفرادها فما الوجه في كون المكلف مطلق العنان بالنسبة الى التطبيق.

قلت : الوجه فيه ان المولى رفض القيود ومرجع رفض القيود عدم ترجيحه احد الاطراف على الافراد الأخر.

وببيان أوضح : ان المولى لا مجال له أن يرخص اذ كل فعل له حكم واحد ولا يعقل أن يجتمع فيه حكمان.

وببيان آخر : انه لا اشكال في كون مصداق الواجب محبوبا للمولى ومع كونه محبوبا له هل يمكن أن لا يكون محبوبا ولا مبغوضا كلا. وأما الترخيص فبحكم العقل بعد عدم ترجيح المولى بعض الافراد على الافراد الأخر هذا ما يرجع الى كلام سيدنا الاستاد.

وأما ما افاده الميرزا فغير تام أيضا اذ هو قدس‌سره قد اعترف بأن الاخذ بالاطلاق الشمولي يوجب تضييق دائرة الاطلاق البدلي فنسأل أي وجه في ترجيح أحد الطرفين على الآخر مع ان الاخذ بكل من الطرفين يوجب رفع اليد عن ظاهر الآخر.

والفارق الذي ذكره غير قابل للفارقية فالحق انه لا ترجيح فيوجب اقترانهما اجمال كلا الدليلين وافتراقهما يوجب سقوط ظهور كليهما عن الاعتبار والحجية فلاحظ.

الوجه الثاني : ان انعقاد الاطلاق في الاطلاق البدلي يتوقف على مقدمة زائدة على مقدمات الاطلاق وهي تساوي الافراد في الوفاء بالغرض اذ مع عدم احراز التساوي لا يتحقق الاطلاق.

وأما في الاطلاق الشمولي فلا يتوقف الاطلاق على المقدمة

المذكورة فان الافراد في العام الشمولي لا تكون متساوية في الغرض مثلا اذا قال المولى لا تزن أو لا تقتل أحدا أو لا تهن المؤمن وهكذا يكون الحكم شاملا لجميع الافراد ولا تكون الافراد متساوية في الملاك فان حرمة الزنا لها مراتب وكذا القتل وكذا الاهانة وهكذا.

مثلا حرمة الزنا بذات البعل لا تساوي حرمة الزنا بالخلية وقس عليها بقية الموارد ومع وجود الاطلاق الشمولي لا يحرز تساوي الافراد في الاطلاق البدلي فيكون الاطلاق الشمولي قابلا لبيان المراد من الاطلاق البدلي وأما في عكسه فلا وهذا وجه الترجيح.

ويرد عليه أولا النقض وثانيا الحل أما النقض : فان الاطلاق الشمولي أيضا يحتاج الى مقدمة وهي احراز أن لا يكون بعض أفراد العام مزاحما بجهة مانعة عن شمول الحكم.

مثلا ربما يكون العلم مانعا عن حرمة اكرام الفاسق والاطلاق البدلي قابل لان يكون مانعا عن تحقق المقدمة المذكورة.

وبعبارة اخرى : يكون قابلا للمنع عن انعقاد الاطلاق في الاطلاق الشمولي فلا ترجيح في البين.

وأما الحل : فنفس الاطلاق ومقدماته كافية لتحقق المقدمة المذكورة فان المولى لو كان في مقام البيان ورتب الحكم على الطبيعة وقال اكرم العالم ولم يقيده بالعادل يكشف عن تسوية الحكم وتسوية الافراد في الوفاء بالغرض كما ان المولى لو كان في مقام البيان ونهى عن طبيعة ولم يخرج فردا أو نوعا خاصا يكشف عن الحكم شامل لجميع افراد الموضوع فلا ترجيح لاحدهما على الآخر من هذه الجهة.

الوجه الثالث : ان الاطلاق البدلي يتوقف على عدم الاطلاق الشمولي فاذا توقف عدم الاطلاق الشمولي على عدم الاطلاق البدلي يلزم الدور والدور محال.

ويرد عليه اولا : بالنقض وثانيا بالحل أما النقض فنقول : انعقاد الاطلاق في الشمولي يتوقف على عدم الاطلاق البدلي فاذا توقف عدم الاطلاق البدلي على الاطلاق الشمولي يلزم الدور والدور محال.

وأما الحل : فهو عدم توقف الاطلاق في كل من الموردين على عدم الاطلاق في الآخر بل الاطلاق في كلا الموردين متوقف على مقدماته غاية الامر كل من الاطلاقين مانع عن العمل بالآخر للمعارضة وهذا عبارة عن التعارض.

وبعبارة واضحة : التعارض بين الدليلين عبارة عن تمامية المقتضي في كل من الدليلين وانما المانع عن العمل بالمقتضى وجود المانع أي المعارض فانقدح عدم تمامية ما أفاده الميرزا فلاحظ.

المورد الثالث : ما لو دار الامر بين التخصيص والنسخ والمشهور بينهم تقديم التخصيص ثم ان الدوران المذكور تارة يكون بالنسبة الى شيء واحد أي دليل واحد واخرى يكون بالنسبة الى دليلين.

فلمورد الكلام صورتان الصورة الاولى : ما لو تردد الامر بالنسبة الى دليل واحد كما لو ورد عام سابقا كقوله اكرم العلماء ثم ورد بعده خاص كقوله لا تكرم الفساق من العلماء ودار أمر الخاص بين كونه ناسخا لحكم العام بالنسبة الى مورد التخصيص وكونه مخصصا له من اول الامر.

وبعبارة اخرى : يدور أمره بين كونه مخصصا زمانيا وكونه مخصصا افراديا.

أفاد سيدنا الاستاد بأن الاولى عدم التعرض لهذا القسم اذ لا يترتب على البحث حوله اثر عملى فان الوظيفة بالنسبة الى زمان ورود المخصص وما بعده رفع اليد عن العموم اما للتخصيص واما للنسخ فالنتيجة واحدة وانما تظهر النتيجة لمن كان مدركا لكلا الزمانين.

وبعبارة اخرى : بعد ورود المخصص ترفع اليد عن العموم اما لاجل النسخ واما لاجل التخصيص.

الصورة الثانية : ما لو دار الامر بين كون احد الدليلين مخصصا وكون الآخر ناسخا كما لو ورد خاص أولا كقوله لا تكرم الفساق من العلماء ثم ورد قوله اكرم العلماء فيدور الامر بين كون العام المتأخر ناسخا للخاص المتقدم وبين كون الخاص المتقدم مخصصا للعام المتأخر.

وقبل الخوض في البحث نقول : النسخ بمعناه الحقيقي أي البداء لا يعقل في الحكم الشرعي اذ البداء ناش من الجهل تعالى عن ذلك وتقدس فيكون النسخ عبارة عن الابداء في وعاء الشرع وبيان امد الحكم.

وبعبارة اخرى : النسخ في الحكم الشرعى عبارة عن التخصيص الازماني.

ثم ان النسخ بالمعني الذي ذكرناه يمكن تحققه بعد زمان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله اذ يمكن أن يكون للحكم الفلاني بحسب الوقع امد وبينه الرسول الاكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله لخلفائه وهم بينوه للناس في الوقت المقرر من قبل الشارع الاقدس.

اذا عرفت ما تقدم نقول : قد ذكرت لتقديم التخصيص على النسخ وجوه الوجه الاول : كثرة التخصيص بحيث اشتهر «انه ما من عام إلّا وقد خصص».

ويرد عليه ان الوجه المذكور غير صالح للترجيح وغايته أن يحصل منه الظن بالتخصيص والظن لا يغني من الحق شيئا.

الوجه الثاني : ما أفاده صاحب الكفاية وهو ان كثرة التخصيص توجب كون الخاص أقوى في استمرار الحكم.

وبعبارة اخرى : دلالة الخاص في استمرار حكمه أقوى من دلالة العام في أفراده فيقدم على العام ويخصصه.

واورد عليه الميرزا النائيني بأن الحكم لا يمكن أن يكون متعرضا لاستمرار وعدمه بل الاستمرار يتحقق بدليل خارجي والدليل الخارجي عبارة عن استصحاب عدم النسخ فالامر دائر بين الاخذ بالاستصحاب وبعموم العام ولا ريب ان الاستصحاب الذي يكون اصلا عمليا لا يعارض عموم العام الذي يكون دليلا اجتهاديا.

وهذا الايراد غير وارد على صاحب الكفاية اذ تارة يقع الكلام في أن الحكم الفلاني مستمر أم لا واخرى في أن الحكم الفلانى نسخ أم لا اما استمرار الحكم فهو مستفاد من نفس الاطلاق.

وبعبارة اخرى : لو كان المولى في مقام البيان وتمت مقدمات الحكمة ينعقد لدليل الحكم اطلاق بالنسبة الى الازمنة المتأخرة وهذا الاستمرار يفهم من الاطلاق ولا يرتبط بعدم النسخ فان النسخ رفع الحكم بعد ثبوته والكلام في أصل الثبوت فلا مجال لما اورده الميرزا على صاحب الكفاية.

لكن يرد على صاحب الكفاية ان مجرد الاقوائية لا يوجب التقديم بل لا بد في تقديم احد الدليلين على الآخر من كونه قرينة في نظر العرف بأن يكون واردا أو حاكما على الآخر مضافا الى أنه لا وجه للاقوائية فان غاية ما يترتب على كثرة التخصيص حصول الظن به

واقوائية احتماله من احتمال النسخ وقد تقدم ان الظن لا يغني من الحق شيئا.

الوجه الثالث : ما أفاده الميرزا النائيني وهو ان تحقق العموم يتوقف على جريان مقدمات الحكمة في مدخول أداة العموم وحيث ان الخاص يصلح لأن يكون بيانا يمنع عن انعقاد الاطلاق في مدخول أداة العام.

ويرد عليه ان افادة الفاظ العموم كلفظ كل لا تتوقف على جريان مقدمات الحكمة في المدخول بل الفاظ العموم كلفظ كل مثلا بنفسها متكفلة لافادة العموم مثلا اذا قال المولى اكرم كل عالم لا يتوقف العموم على جريان مقدمات الحكمة في لفظ عالم.

وببيان واضح : لفظ كل لم يوضع بازاء افادة عموم ما يراد من المدخول بل لفظ كل وأمثاله بنفسها تفيد السعة والعموم فعموم المدخول تابع للفظ كل لا ان لفظ كل تابع لما اريد من المدخول فلاحظ.

الوجه الرابع : ما أفاده سيدنا الاستاد قدس‌سره وهو ان الخاص المتقدم على العام كما في المثال المذكور مانع عن انعقاد الظهور في العموم المتأخر مثلا لو قال المولى لا تكرم زيدا العالم ثم قال اكرم العلماء يكون قوله السابق قرينة على أنه لا يكون العموم مرادا له بل العموم مخصص بزيد فان تقديم البيان عن وقت الحاجة لا يكون قبيحا بل القبيح تأخير البيان عن وقت الحاجة وعليه يكون الخاص المتقدم مخصصا ومانعا عن انعقاد الظهور في العموم.

ولذا اختلفوا في الخاص الوارد بعد العام بين كونه مخصصا للعام أو ناسخا فذهب بعضهم الى كونه مخصصا على الاطلاق وقال

آخرون بالتفصيل بأنه ان كان وروده قبل وقت العمل بالعام يكون مخصصا وان كان بعده يكون ناسخا.

ويرد عليه ان الخاص اذا قارن العموم يكون مانعا عن انعقاد الظهور فيه وأما لو لم يقارنه كما هو المفروض ينعقد الظهور للعام غاية الامر يكون ظهوره حاكما عليه.

وببيان واضح : تارة لا يكون مجال لتحقق النسخ كما لو ورد كل من العام والخاص قبل وقت العمل واخرى يرد العام بعد وقت العمل بالخاص فانه يتردد الامر بين الامرين أي يتردد بين كون الخاص مخصصا وبين كون العام ناسخا فما افاده ايضا غير تام.

الوجه الخامس : ما أفاده سيدنا الاستاد ايضا وحاصل ما أفاده بتوضيح منا ان كل امام من المعصومين عليهم‌السلام اذا بين حكما بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يكون الظاهر منه ان الحكم المذكور حكم من أحكام اصل الشريعة وحكم لزمان النبي وما بعده لا انه حكم من ذلك الزمان الذي بين فلا يكون الحكم المبين من الباقر أو الصادق عليهما‌السلام حكما من زمان صدوره كي يكون ناسخا لما قبله.

وبعبارة واضحة : يتوقف النسخ على كون الناسخ متأخرا عن المنسوخ وأما مع التقارن فلا مجال لتحقق النسخ.

ان قلت : اذا كان كذلك فما الوجه في تأخير بيانه ولما ذا لم يبيّنه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في زمانه.

قلت : يمكن أن تكون مصلحة في التأخير وببيان واضح : كان الحكم المذكور متأخرا مجعولا من قبل الله من أول الامر وفي الواقع كان محفوظا غاية الامر بيانه متأخر واظهاره تأخر لنكتة.

نعم اذا بيّن خاصا شخص النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ثم بعد زمان بيّن عاما ودار الامر بين كونه ناسخا للخاص المتقدم ومخصصا به

لا يمكن ترجيح احد الطرفين لا مكان النسخ.

وأما الحكم الذى بيّن من قبل خلفائه عليهم‌السلام فلا يحتمل فيه النسخ فيكون التخصيص متعينا فكأن الاحكام المذكورة كلها كانت صادرة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ومن الظاهر ان العام والخاص الصادرين عن المولى اذا كانا متقارنين يكون الخاص مانعا عن انعقاد ظهور العام في العموم وان كانا منفصلين يكون الخاص مخصصا للعام فلاحظ والظاهر ان ما افاده لا بأس به.

المورد الرابع : ما لو وقع التعارض بين الدليلين المثبت كل منهما تكليفا ولكن نعلم بكذب احدهما كما لو دل دليل على وجوب صلاة الجمعة والدليل الآخر دل على وجوب صلاة الظهر وحيث انا نعلم من الخارج انه لا يجب في اليوم الواحد الا صلاة واحدة يقع التعارض بين الدليلين المذكورين.

وقالوا يمكن الجمع بين الدليلين المذكورين بأن نقول كل منهما صريح في كون مدلوله مجزيا وظاهر في تعينه فبصراحة كل منهما ترفع اليد عن ظهور الآخر ونلتزم بالتخيير.

والظاهر ان ما افيد مردود نقضا وحلا أما النقض فبما وقع التعارض بين الدليلين على نحو التباين كما لو قال المولى في دليل اكرم العلماء وقال في دليل آخر لا تكرم العلماء فانه يمكن الجمع بين الدليلين المذكورين بحمل العلماء في الدليل الاول على العدول والثاني على الفساق وهل يمكن الالتزام به؟

وأما الحل فلأن مجرد الصراحة في مورد لا يوجب ولا يقتضي التقديم بل التقدم يتوقف على كون المقدم قرينة عرفية على الآخر.

والظاهر ان ما فرضناه في المقام يعد من التعارض في العرف ومقتضاه التساقط ومما ذكرنا ظهر فساد ما جمع به بين قوله «لا

بأس ببيع العذرة» وقوله «ثمن العذرة سحت» بأن تحمل العذرة في الجملة الاولى على عذرة غير الانسان وفي الجملة الثانية على عذرة الانسان.

بتقريب : ان العذرة في الجملة الاولى صريحة في عذرة غير الانسان وظاهرة في غيرها وفي الجملة الثانية صريحة في عذرة الانسان وظاهرة في غيرها فبصراحة كل من الدليلين ترفع اليد عن ظاهر الآخر ويجمع بين الدليلين ، فانه جمع تبرعي لا جمع عرفي ولا اعتبار بالجمع التبرعي وإلّا فأين يوجد التعارض.

ويمكن ان توجد موارد أخر لتردد الامر ولا بد للخبير العارف بالصناعة أن يشخص صورة التعارض عن غيرها.

هذا تمام الكلام في التعارض الواقع بين الدليلين ، وأما لو كان التعارض بين أزيد من الدليلين فهل القاعدة تقتضي ان تلاحظ الادلة وانها اي شيء تقتضي أو يلزم ملاحظة نسبة بعضها مع بعض ثم ملاحظة النسبة مع البعض الآخر مثلا اذا ورد قول المولى اكرم العلماء وورد قوله لا تكرم الفساق وورد قوله لا تكرم الفساق من العلماء فهل تلاحظ نسبة الدليلين الاولين في حد نفسهما وتكون النتيجة التساقط لاجل كون النسبة التباين الجزئي.

أو القاعدة تقتضي تخصيص قوله اكرم العلماء بقوله لا تكرم الفساق من العلماء وبعد تخصيص العام الاول بهذا النحو تكون النسبة الى العام الثاني نسبة الخاص الى العام ولذا يخصص العام الثاني بالعام الاول بعد انقلاب النسبة من التباين الى العموم والخصوص المطلقين؟

ذهب جملة من الاساطين الى عدم الانقلاب وذهب سيدنا الاستاد الى الانقلاب وابتنى ما ذهب اليه على مقدمتين :

المقدمة الاولى : ان لكل لفظ ثلاث دلالات الدلالة الاولى : الدلالة الانسية التي تتحقق من كثرة استعمال اللفظ الفلاني في المعنى الكذائي والمراد من هذه الدلالة انتقال الذهن من سماع اللفظ الى معناه كانتقال الذهن من سماع لفظ الماء الى الجسم السيال وهذه الدلالة ناشية من كثرة استعمال اللفظ في معناه.

الدلالة الثانية : دلالة اللفظ على كون المتكلم مريدا للمعنى الفلاني وتسمى هذه الدلالة بالدلالة الوضعية وتحقق هذه الدلالة يتوقف على عدم قيام قرينة على أن المتكلم لم يرد المعنى الفلاني كما ان الامر كذلك في قول القائل رأيت اسدا يرمي فان لفظ يرمي قرينة على عدم ارادة المتكلم من لفظ الاسد الحيوان المفترس.

الدلالة الثالثة : الدلالة التصديقية أي التصديق بأن المتكلم اراد بالارادة الجدية المعنى الفلاني وبعبارة اخرى : تطابق الارادة الوضعية مع الارادة الجدية وهذه الدلالة متوقفة على عدم قيام دليل وقرينة على الخلاف.

المقدمة الثانية : ان التعارض لا يتحقق إلّا بعد فرض كون كلا المتعارضين في حد نفسهما حجة وأما مع سقوط واحد منهما عن الحجية أو كليهما فلا يبقى مجال للتعارض.

وبعبارة اخرى : التعارض فرع التكافؤ واما مع عدمه فلا تعارض اذا عرفت المقدمتين تعرف وضوح انقلاب النسبة.

وببيان واضح : ان التصديق بانقلاب النسبة لا يحتاج الى أزيد من تصورها.

ويرد عليه اولا : ان الامر لو كان بهذا المقدار من الموضوع فما الوجه في وقوعه مورد البحث والقيل والقال وكيف يكون كذلك والحال ان مثل الشيخ وصاحب الكفاية ذهبا الى خلافه والحال ان

لهما اليد البيضاء في هذه المسائل.

وثانيا : انه لا يكون في لحاظ النسبة بين أطراف التعارض ترتب ترتب وفصل زماني أو رتبي كى يتم البيان المذكور بل التعارض يقع بين الادلة الثلاثة أو الاربعة في زمان واحد ورتبة واحدة.

فلو قال المولى في دليل لا تكرم العلماء وفي دليل آخر قال لا يجب اكرام العلماء وفي دليل ثالث قال لا تكرم الفساق من العلماء يكون قوله اكرم العلماء معارضا بمعارضين هما قوله لا تكرم الفساق من العلماء وقوله لا يجب اكرام العلماء فلا وجه لملاحظة النسبة اولا بين احد العامين والخاص المعارض له ثم ملاحظة النسبة بين العام المخصص مع العام الآخر كي تنقلب النسبة من التباين الى العموم والخصوص بل في الرتبة الاولى يسقط ظهور العام بمعارضه.

وان شئت قلت : في زمان واحد قوله اكرم العلماء معارض بدليلين آخرين ومقتضى معارضته بالدليلين سقوطه عن الاعتبار في جميع مدلوله غاية الامر سقوطه عن الاعتبار بالنسبة الى بعض مدلوله بمعارضين وبالنسبة الى بعض مدلوله بمعارض واحد.

ثم ان سيدنا الاستاد تعرض لانواع التعارض الواقع بين اكثر من دليلين وقال «النوع الاول» ما لو كان هناك عام وخاصان وهذا النوع يتصور باقسام :

القسم الاول : ما لو كانت النسبة بين الخاصين التباين كما لو قال المولى اكرم العلماء ثم قال في دليل آخر : لا تكرم العلماء الذين لم يبلغ عمرهم ثلاثين سنة وقال في في دليل ثالث لا يجب اكرام العماء الذين يكون عمرهم فوق تسعين سنة فانه لا اشكال في

تخصيص العام في هذه الصورة بكلا الخاصين بلا فرق بين القول بانقلاب النسبة وعدمه اذ المفروض ان نسبة كل واحد من الخاصين الى العام بالخصوص والعموم ولازمه التخصيص.

نعم يشكل الامر فيما لو خصّص العموم بكلا الخاصين ولا يبقى مورد للعام كما لو قال المولى يستحب اكرام العلماء وقال في دليل آخر يجب اكرام العدول من العلماء وقال في دليل ثالث يحرم اكرام الفساق من العلماء فانه لو خصص العام بكلا الخاصين لا يبقى مورد للعام ففي هذه الصورة يقع التعارض بين الادلة الثلاثة فلا بد من الرجوع الى المرجحات السندية ومع عدم المرجح تصل النوبة الى التخيير على القول به وإلّا يلزم التساقط.

وليعلم ان ما أفاده مبني على المسلك المشهور من تقديم احد المتعارضين على معارضه بموافقة الكتاب ان كانت وبمخالفة العامة في الرتبة الثانية وأما على ما سلكناه من كون المرجح منحصرا في الاحدثية فالمقدم هو الاحدث ونتعرض لهذه الجهة عن قريب إن شاء الله تعالى.

وقال لا يخلو الامر في هذا القسم من ست صور الصورة الاولى : أن يكون العام راجحا على كلا الخاصين فلا اشكال في تقديم العام على كلا الخاصين وبعد تقديم العام هل يطرح كلا الخاصين كما هو المعروف بينهم أو يطرح واحد منهما؟

الحق ان يقال : لا وجه لطرحهما معا اذ التعارض يرتفع برفع اليد عن أحدهما وعليه نقول بعد تقديم العام يقع التعارض بين الخاصين بالعرض فان كان ترجيح لاحدهما على الآخر يؤخذ بالراجح ويطرح المرجوح وان لم يكن ترجيح لاحدهما فان قلنا بالتخيير يلزم التخيير وإلّا يلزم سقوطهما.

وهذا الذي افاده على طبق المسلك المشهور وأما على مسلكنا فلو فرض كون العام أحدث فلا اشكال في أخذه فيقع التعارض بالعرض بين الخاصين فان ميز الاحدث منهما يؤخذ به وإلّا يدخل في باب اشتباه الحجة بغيرها ويختلف الحكم باختلاف الموارد واختلاف المسالك في كون العلم الاجمالي منجزا ـ كما هو المشهور وعدم كونه منجزا كما هو المختار.

الصورة الثانية : أن يكون العام مرجوحا بالنسبة الى كلا الخاصين وفي هذه الصورة لا اشكال في طرح العام والاخذ بكلا الخاصين.

الصورة الثالثة : أن يكون العام مساويا لكلا الخاصين فعلى تقدير عدم الدليل على التخيير تتساقط وعلى القول بالتخيير يتخير بين الاخذ بالعام واحد الخاصين وطرح الخاص الآخر وبين الاخذ بكلا الخاصين وطرح العام واما على مسلكنا فلا يتصور فيه التساوي اذ كيف يمكن صدور الادلة المتعارضة في زمان واحد نعم لو تحقق يلزم سقوط الكل عن الاعتبار ووصول النوبة الى الاخذ بالدليل الفوقاني ان كان وإلّا فبالاصل العملي.

الصورة الرابعة : أن يكون العام مساويا مع احد الخاصين وراجحا على الآخر وفي هذه الصورة يؤخذ بالعام والخاص المساوي له ويطرح الخاص الآخر.

الصورة الخامسة : أن يكون العام مرجوحا بالنسبة الى أحدهما ومساويا مع الآخر وفي هذه الصورة يلزم الاخذ بالخاص الراجح والتخيير بين العام والخاص الآخر أو التساقط.

الصورة السادسة : أن يكون العام مرجوحا بالنسبة الى احد الخاصين وراجحا على الآخر وفي هذه الصورة يؤخذ بالخاص

الراجح على العام والعام الراجح على الخاص الآخر.

القسم الثاني : من النوع الاول من التعارض الواقع بين أكثر من دليلين ما لو ورد عام وخاصان وكانت النسبة بين الخاصين العموم من وجه كما لو قال المولى في دليل اكرم العلماء وفي دليل آخر قال لا تكرم العالم الفاسق وفي دليل ثالث قال لا تكرم العالم الشاعر.

وفي هذا النوع الكلام هو الكلام الذي مرّ في النوع الاول بأن نقول يخصص العام بكلا الخاصين لو لم يكن محذور وإلّا يقع التعارض بين الادلة ويتصور كل واحدة من تلك الصور وقد عرفت احكامها.

وأفاده بانه ربما يتوهم انه لا يخصص العام بكلا الخاصين ولو مع عدم المحذور بل النسبة تنقلب في بعض الاحيان وذلك فيما يكون احد الخاصين مقدما على الآخر زمانا كما لو ورد العام عن علي عليه‌السلام وأحد الخاصين عن الباقر عليه‌السلام والخاص الآخر عن الصادق عليه‌السلام.

فان العام يخصص اولا بالخاص الوارد عن الباقر عليه‌السلام وبعد تخصيصه به يلاحظ مع الخاص الآخر ففي المثال يخصص العام أولا بقوله لا تكرم العالم الفاسق وبعد تخصيصه به يلاحظ مع قوله لا تكرم العالم الشاعر فتنقلب النسبة من العموم والخصوص المطلقين الى العموم من وجه.

وأجاب بأن التوهم المذكور غير صحيح وذلك لأنه لا فرق بين ما يصدر عن الائمة وكان الصادر عن المتأخر هو الصادر عن المتقدم وذكرنا ان الظاهر ان كل حكم صادر عن كل واحد منهم بيان لحكم من أحكام اصل الشريعة فلا مجال لأن يقال ان العام يخصص اولا بالخاص المتقدم اذ لا فرق بين المتقدم والمتأخر هذا على ما سلكه.

وأما على ما سلكناه من الترجيح بالاحدث فنقول اذا وصلت

النوبة الى التعارض يكون الاحدث هو الراجح فاذا ميز الحادث عن القديم والمتأخر عن المتقدم فهو وإلّا لا بد من العمل على طبق القواعد الأخر وهي تختلف بحسب اختلاف الموارد واختلاف المسالك.

القسم الثالث من النوع الاول : أن يرد عام وخاصان ويكون احد الخاصين اخص من الخاص الآخر كما لو ورد دليل يدل على وجوب اكرام العلماء وورد دليل آخر دال على حرمة اكرام العالم العاصي وورد دليل ثالث دال على حرمة اكرام العالم المرتكب للكبيرة.

وفي هذا القسم تارة يكون الخاصان منفصلين عن العام واخرى يكون أخص الخاصين متصلا بالعام أما المورد الاول فمقتضى القاعدة تخصيص العام بكلا الخاصين ولا وجه لانقلاب النسبة.

وبعبارة اخرى : لا تنافي بين التخصيصين ولا يكون للاخص مفهوم على ما ثبت في محله من المفاهيم من عدم المفهوم للوصف فيخصص العام بكلا الخاصين.

وأما المورد الثاني فلا بد من الالتزام بانقلاب النسبة اذ مع فرض اتصال الاخص بالعام لا ينعقد للعام ظهور في العموم بل ينعقد ظهوره في غير العموم ففي المثال ينعقد ظهور العام في العالم غير المرتكب للكبيرة أي يستفاد من الدليل وجوب اكرام العالم الذي لا يكون مرتكبا للكبيرة فتكون النسبة بين العام المخصص بالاخص والخاص الآخر العموم من وجه.

فان العالم العادل ما به الافتراق من ناحية العام المخصص ومرتكب الكبيرة ما به الافتراق من ناحية الخاص الآخر وفي مرتكب الصغيرة يقع التعارض بين الجانبين ولا بد من اجراء حكم المتعارضين هذا ما يرجع الى كلامه.

اقول أما ما افاده في القسم الثاني فهو على طبق القاعدة اذ المفروض ان العام مع اتصال الخاص به لا ينعقد له ظهور في العموم فما أفاده تام كما هو المأمول منه طيب الله مثواه.

وأما ما أفاده في المورد الاول فهادم لمبناه ومناقض لمسلكه الذي سلكه وما أفاده مؤيد قوي لما سلكناه من بطلان انقلاب النسبة.

اذ يرد عليه انه على القول بالانقلاب الباطل من أصله واساسه نقول لا اشكال في أن العام بعد تخصيصه بالاخص يسقط ظهوره عن الحجية بهذا المقدار ومع عدم ظهوره بحاله وسقوط ظهوره عن الاعتبار تلاحظ نسبته مع الخاص الآخر والمفروض ان النسبة بهذا الاعتبار تكون عموما من وجه فلا بد من اعمال قانون التعارض فظهر ان ما افاده في المقام يناقض مسلك الانقلاب فافهم واغتنم.

النوع الثاني من التعارض الواقع بين اكثر من دليلين ما لو ورد عامان بينهما عموم من وجه وورد مخصص وهذا النوع ايضا يتصور باقسام :

القسم الاول : ما لو ورد عامان تكون النسبة بينهما عموما من وجه وورد خاص في مورد الاجتماع كما لو دل دليل على وجوب اكرام العلماء ودليل على حرمة اكرام الفساق ودل دليل ثالث على استحباب اكرام العالم الفاسق فان كلا العامين يخصصان بالدليل الثالث اذ المفروض ان نسبته الى كلا العالمين نسبة الخاص الى العام فيرتفع التعارض.

القسم الثاني : أن يرد عامان بينهما عموم من وجه وورد خاص يخرج مورد الافتراق من تحت احد العامين كما لو ورد قوله يستحب اكرام العلماء وقوله يحرم اكرام الفساق وقوله يجب اكرام العلماء العدول فيقع التعارض بين العامين بالعموم من وجه ومورد التعارض

العالم الفاسق.

ولكن حيث ان نسبة قوله يجب اكرام العلماء العدول بالنسبة الى دليل استحباب اكرام العلماء نسبة الخاص الى العام يخصص العام بالخاص وبعد تخصيصه تصير نسبة الى العام الآخر نسبة الخاص الى العام ولا بد أن يخصص العام الآخر بهذا العام بعد تخصيصه هذا فيما يكون الخاص الوارد على العام مخرجا لجميع أفراد ما به الافتراق.

واما اذا اخرج مقدارا منه بحيث يبقى مقدار وبقيت النسبة بالعموم من وجه مع العام الآخر يكون التعارض بحاله اذ المفروض ان النسبة بعد التخصيص هي النسبة السابقة ولم تنقلب.

مثلا لو ورد دليل على وجوب اكرام العلماء ودليل دال على حرمة اكرام الفساق ودليل ثالث على عدم وجوب اكرام العالم النحوى يبقى التعارض بحاله اذ النسبة بعد تخصيص العام بالخاص بين العام المخصص والعام الآخر بالعموم من وجه.

فان ما به الافتراق العالم العادل غير النحوي والفاسق غير العالم ويقع التعارض بين العامين في العالم الفاسق غير النحوي فلاحظ. هذا ما يرجع الى كلام سيدنا الاستاد قدس‌سره.

ويرد عليه اولا : النقض بمورد ورود عام وخاصين احدهما أخص من الآخر كما لو ورد دليل على وجوب اكرام العلماء وورد دليل على عدم وجوب اكرام عالم مرتكب للكبيرة وورد دليل على عدم وجوب اكرام عالم مرتكب لمطلق الذنب.

فان العالم بعد خروج المرتكب للكبيرة عن تحته يتعنون بعنوان العالم الذي لا يرتكب الكبيرة وبعد التخصيص بأخص الخاصين تصير نسبته مع الخاص الآخر العموم من وجه لافتراقهما في العادل

ومرتكب الكبيرة ويتعارضان في مرتكب الصغيرة.

وثانيا : انه يرد عليه بالحل وهو انه لا وجه لتخصيص العام بالخاص ثم ملاحظته مع العام الآخر بل مقتضى القاعدة ملاحظة العام ابتداء مع العام الآخر والنسبة تكون بالعموم من وجه فلا يسقط التعارض ولا وجه لانقلاب النسبة.

القسم الثالث : أن يرد عامان بينهما عموم من وجه كما لو قال المولى في دليل اكرم العلماء وقال في دليل آخر لا تكرم الفساق وورد مخصصان يخصصان موردي الافتراق كما لو قال المولى في دليل يستحب اكرام العالم العادل وقال في دليل آخر يكره اكرام الجاهل الفاسق.

فيخصص كل واحد من العامين بواحد من الخاصين وبعد تخصيص العامين تصير النسبة بين العامين التباين أي يقع التعارض بينهما في العالم الفاسق فان مقتضى احدهما وجوب اكرام العالم الفاسق ومقتضى الآخر حرمة اكرامه فهل يلتزم بانقلاب النسبة واعمال قانون التعارض بين العامين أو ملاحظة التعارض بين الادلة الاربعة.

ذهب الميرزا النائيني الى القول الاول أي الانقلاب واختار سيدنا الاستاد عدم الانقلاب.

بتقريب : انه لا وجه للقول الاول فان منشأ التعارض وجود الدليل الرابع ومع فرض انتفاء احد الاربعة يرتفع التعارض فلا بد من اعمال قانون التعارض بين الاربعة اما بالترجيح واما بالتخيير هذا ما افاده سيدنا الاستاد على ما في التقرير.

والحق أن يقال : انه لو لم نقل بالانقلاب كما هو الحق يلزم ملاحظة الادلة الاربعة واعمال قانون باب التعادل والترجيح وأما على القول بالانقلاب كما عليه سيدنا الاستاد فالحق ما أفاده الميرزا.

اذ المفروض تخصيص كل واحد من العامين بالخاص كما هو القانون الكلي وبعده التخصيص تنقلب النسبة على الفرض فلا وجه لما أفاده سيدنا الاستاد وما أفاده مؤيد لما سلكناه من عدم صحة الانقلاب.

النوع الثالث : من التعارض الواقع بين اكثر من دليلين ما اذا ورد دليلان بينهما التباين وورد دليل ثالث يكون نسبته الى العموم نسبة الخاص المطلق الى العام كذلك وهذا النوع ايضا له أقسام :

القسم الاول : ما يكون الخاص مخصصا لاحد العامين كما لو قال المولى في دليل اكرم العلماء وفي دليل آخر قال لا تكرم العلماء وفي دليل ثالث قال لا تكرم العالم الفاسق فان دليل وجوب اكرام العلماء يخصص بدليل عدم وجوب اكرام العالم الفاسق فتنقلب نسبته الى العام الآخر من التباين الى العموم المطلق فيخصص العام الآخر بهذا العام بعد تخصيصه بالخاص هذا ما افاده سيدنا الاستاد.

ويرد عليه انه لا وجه لهذا التقريب بل تلاحظ النسبة بين العامين وتعامل معهما معاملة المتعارضين ويعمل بالخاص الوارد في الادلة لعدم معارض له.

القسم الثاني : ما لو ورد دليلان تكون النسبة بينهما بالتباين وورد على كل دليل مخصص ولا يكون بين الخاصين تناف كما لو دل دليل على كون الغسل بالماء مطهرا على الاطلاق وورد دليل آخر يدل على عدمه كذلك ودل دليل ثالث على كون الغسل بالماء الجاري مطهرا على الاطلاق ودليل رابع على اشتراط التعدد في القليل.

فالنسبة بين العامين تنقلب من التباين الى العموم من وجه ويقع التعارض بينهما في مورد الاجتماع وهو الغسل بالكر هذا ما افاده سيدنا الاستاد.

ويرد عليه انه لا وجه للانقلاب بل النسبة بحالها باقية بين العامين ولا بد من اعمال قانون التعارض غاية الامر مقتضى القاعدة العمل بالخاصين في مدلوليهما.

القسم الثالث : ما تكون النسبة بين العامين التباين وورد خاصان تكون النسبة بينهما بالعموم من وجه كما لو دل دليل على وجوب اكرام العلماء ودل دليل على عدم وجوب اكرام العلماء ودل دليل ثالث على وجوب اكرام العالم العادل ودل دليل رابع على عدم وجوب اكرام العالم النحوي.

فانه لا فرق في هذا القسم بين القول بالانقلاب وعدمه اذ بعد تخصيص العامين بالعالم العادل وبالعالم النحوي تصير النسبة بين العامين على القول بالانقلاب العموم من وجه اذ يفترقان في العالم العادل غير النحوي وفي العالم النحوي غير العادل ويتعارضان في العالم العادل النحوي.

وعلى القول بعدم الانقلاب يقع التعارض بين الخاصين بالعموم من وجه بأن يقع التعارض بينهما في العالم الفاسق النحوي فالكلام هو الكلام.

فان مادة الافتراق من احد الطرفين العالم العادل غير النحوي ومن الطرف الآخر العالم النحوي الفاسق فلا فرق في النتيجة هذا تمام الكلام في انقلاب النسبة وعدمها وظهر مما تقدم ان الصحيح عدم الانقلاب.

الفصل الثالث :

في الفرق بين التعارض والتزاحم فنقول : التعارض عبارة عن تنافي الدليلين وبعبارة اخرى : التعارض راجع الى مقام الجعل

والتزاحم راجع الى مقام الامتثال والتنافي في مقام الجعل تارة يكون بالذات واخرى يكون بالعرض.

أما التعارض الذاتي فكما لو قام دليل على وجوب شيء أو حرمته وقام دليل آخر على نفي وجوبه أو حرمته فلا اشكال في تحقق التعارض والتنافي بين الدليلين اذ لا يعقل اجتماع النقيضين كما لا يعقل ارتفاعهما.

وأما التعارض بالعرض فكما لو قام دليل على وجوب صلاة الجمعة وقام دليل آخر على وجوب صلاة الظهر وعلمنا من الخارج عدم وجوب صلاتين في يوم واحد فيقع التعارض بالعرض بين الدليلين ، فانه لا تنافي بين الدليلين المذكورين بالذات لا مكان وجوب كلتا الصلاتين ولكن بالنظر الى العلم بعدم وجوب كلتيهما ينفي كل من الدليلين مدلول الآخر فيقع التعارض بين الدليلين ولا بد من رفع التعارض بوجه من الوجوه.

ووجه الجمع اما اعتباري واما عرفي. اما الجمع الاعتبارى فلا يعتد به ولا اعتبار به فلا بد من الجمع العرفي ان كان ، وإلّا فعلى تقدير مرجح معتبر في احد الطرفين أو الاطراف يرجح الدليل به وإلّا تصل النوبة الى التساقط كما هو الميزان الكلي.

وأما التزاحم فلا تعارض بين الدليلين ولذا يكون كلا الحكمين مجعولين من قبل المولى وانما التزاحم والتمانع في مقام الامتثال ، مثلا المولى يجعل وجوب انقاذ المؤمن على كل مكلف قادر على الانقاذ فلو فرض غرق فردين من المؤمن فان كان انقاذ كليهما ممكنا يجب انقاذهما وان لم يكن قادرا على الانقاذ حتى بالنسبة الى واحد منهما لا يجب عليه الانقاذ وان تمكن من انقاذ احدهما دون الآخر يجب انقاذه فقط فالجعل متحقق من قبل المولى على

نحو القضية الحقيقية على كل قادر.

فالمتحصل ان التعارض مرتبط بمقام جعل المولى والتزاحم راجع الى مقام الامتثال بعد تمامية الجعل من قبل المولى.

ولا يخفى ان التزاحم المبحوث عنه في المقام لا يختص بالقول بتعبية الاحكام للمصالح والمفاسد في المتعلقات أو في نفس الاحكام ، بل يجري حتى على القول بعدم كون الحكم تابعا للملاك ، فان العجز عن الامتثال للتزاحم بين متعلقي الحكمين يوجب كون المورد موردا للتزاحم.

اذا عرفت ما تقدم فاعلم انه قد ذكرت لترجيح أحد المتزاحمين على الآخر مرجحات ، فلا بد من ملاحظة كل واحد منها على حياله واستقلاله. فنقول المرجح الاول : أن يكون لاحد الطرفين بدل طولي أو عرضي ولا يكون الطرف الآخر كذلك.

اما البدل الطولي فكما لو دار امر الكلف بين ازالة النجاسة عن المسجد والاتيان بصلاة الظهر ، فان الصلاة لها بدل طولي بخلاف الازالة فانها واجبة فورا فيلزم ترجيحها على الصلاة.

وبعبارة اخرى : يجب تقديم الواجب المضيق على الواجب الموسع.

وأما البدل العرضي فكما لو دار أمر المكلف بين اداء دينه واطعام ستين مسكينا مثلا وكان الاطعام له بدل وهو الصوم مثلا فلا اشكال في تقديم اداء الدين فلا تزاحم بين الواجب التعييني وهو اداء الدين والواجب التخييري وهو الصوم أو الاطعام.

وهذا الذي افيد لا اشكال فيه والامر كما افيد من وجوب الترجيح ولكن ليس من مصاديق التزاحم فان الامر لا يتعلق بالفرد بل يتعلق بالجامع بين المبدا والمنتهى كما ان الامر يتعلق

بالجامع بين الافراد العرضية ومن الظاهر انه لا تزاحم بين الجامع والفرد فلا موضوع للتزاحم ولذا تقدم الازالة على الصلاة مع ان الصلاة اهم من الازالة بمراتب ولا مجال للمقايسة بين الامرين وقس عليه التزاحم في تقديم التعييني على التخييري.

المرجح الثاني : أن يكون أحد الواجبين مقيدا بالقدرة دون الآخر بمعنى ان الملاك في أحدهما يختص بصورة القدرة وأما الواجب الآخر فيكون الملاك فيه غير مختص بصورة القدرة بل يعم كلتا الصورتين.

ففي مثله يتقدم الواجب الذي يكون الملاك فيه غير مشروط فلو دار الامر بين صرف الماء في حفظ النفس المحترمة من الهلاك وبين صرفه في الوضوء يجب صرفه في حفظ النفس وتصل النوبة الى التيمم.

اذ المستفاد من الدليل اشتراط وجوب الوضوء بالقدرة والمستفاد من النصوص ان المراد بالقدرة أعم من القدرة التكوينية فمع وجوب صرف الماء في حفظ النفس لا يبقى موضوع لوجوب الوضوء.

ويرد عليه ان ما ذكر وان كان تاما ولكن لا يرتبط بباب التزاحم اذ لو كان المستفاد من الدليلين اشتراط احد الواجبين بعدم واجب في ذمة المكلف كما فرض في التقريب لا موضوع لتزاحم الواجبين فان تزاحم واجبين فرع تعدد الواجب والحال ان الواجب في مفروض الكلام واجب واحد فالمرجح الثاني ملحق بالمرجح الاول.

المرجح الثالث : أن يكون احد الواجبين اهم ملاكا من الواجب الآخر كما لو دار الامر بين انقاذ ولي من أولياء الله من الغرق وانقاذ فرد سوقي فانه لا اشكال في حكم العقل بتقديم الاهم

ولا مجال لان يزاحمه انقاذ الفرد السوقي.

وان شئت قلت : وجوب انقاذ ذلك الولي وتعيّنه من الامور الواضحة التي لا تحتاج الى قيام دليل عليها ومن القضايا التي قياساتها معها.

مضافا الى أن الصناعة تقتضي هكذا فان الامر بالاهم مطلق وغير مقيد بترك المهم وأما الامر بالمهم فلا اشكال في كونه مقيدا بترك الاهم اذ اطلاق كلا الدليلين يستلزم الامر بالمحال فلا يبقى الاطلاقان بحالهما فلا بد من سقوط الاطلاقين أو أحدهما وحيث انه لا وجه لسقوط اطلاق دليل الواجب الاهم يختص سقوط الاطلاق وتقيده بالواجب المهم.

المرجح الرابع : كون احد الواجبين مقدما على الواجب الآخر زمانا مع فعلية الوجوب بالنسبة الى كليهما كما لو دار الامر بين أن يصوم المكلف اليوم الحاضر ويتركه في اليوم المستقبل وأن يعكس الامر فان القاعدة تقتضي أن يصوم اليوم الحاضر ويتركه في المستقبل.

والوجه فيه ان الاتيان بالمتأخر الزماني لا يوجب سلب القدرة على الاتيان بالمتقدم فانه قادر عليه وجدانا فلا وجه لتركه وأما الاتيان بالمتقدم الزماني فيوجب عجزه عن الاتيان بالمتأخر ومع العجز عن الاتيان لا يتوجه التكليف فيكون المكلف في ترك المتأخر معذورا عقلا بخلاف المتقدم حيث لا يكون معذورا في تركه.

ويمكن اثبات المدعى بتقريب آخر وهو ان مقتضى اطلاق الدليل وجوب الاتيان بالمتقدم حتى مع الاتيان بالمتأخر وأما بالنسبة الى المتأخر فلا اطلاق في الدليل اذ لا يعقل الاطلاق فان من أتى بالمتقدم لا يكون قادرا على الاتيان بالمتأخر فلا وجه للاطلاق

الا على مسلك من يجوز التكليف بغير المقدور.

فالنتيجة ان التكليف بالنسبة الى المتقدم الزماني تام وغير مقيد فلا وجه لتركه وأما بالنسبة الى المتأخر الزماني فهو معلق على عدم الاتيان بالواجب المتقدم.

نعم اذا كان الواجب المتأخر أهم ملاكا بمقدار ملزم يجب حفظ القدرة لتحصيل ذلك الملاك والاتيان بالواجب المتأخر بحكم العقل حيث انه حاكم بوجوب ترجيح الاهم.

مضافا الى أنه قد مرّ منا ان القاعدة والصناعة هكذا تقتضي فان اطلاق الامر بالنسبة الى المتأخر يقتضي الاخذ به بخلاف الواجب المتقدم فان دليله غير مطلق ، فلاحظ.

فصل :

اذا وقع التعارض بين دليلين فاما تكون النسبة بينهما بالتباين الكلي وأما تكون بالتباين الجزئي واما تكون بالعموم والخصوص ، وعلى جميع التقادير اما يكون كلا الدليلين من الكتاب واما يكون كلاهما من السنة واما يكون احدهما من الكتاب والآخر من السنة.

فنقول : اما التعارض بالعموم والخصوص فلا يكون تعارضا مستقرا بل التعارض بدوي ويجمع بين الدليلين بالجمع العرفي بأن يكون يخصّص العام بالخاص.

وأما القسمان الآخران فان كان كلاهما من الكتاب فمقتضى القاعدة التساقط اذ المفروض ان الجمع بينهما غير ممكن وترجيح احدهما على الآخر بلا مرجح والتخيير بينهما لا دليل عليه.

ويبقى القسمان الآخران أعني كون احدهما من الكتاب والثاني

من السنة وكونهما من السنة أما القسم الاول فلا يكون الخبر المخالف حجة لجملة من الاخبار :

منها ما رواه السكوني عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ان على كل حق حقيقة وعلى كل صواب نورا فما وافق كتاب الله فخذوه وما خالف كتاب الله فدعوه (١).

ومنها ما رواه ايوب بن راشد عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : ما لم يوافق من الحديث القرآن فهو زخرف (٢).

ومنها ما رواه ايوب بن الحر قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : كل شيء مردود الى الكتاب والسنة وكل حديث لا يوافق كتاب الله فهو زخرف (٣).

ومنها ما رواه هشام بن الحكم وغيره عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : خطب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بمنى فقال : ايها الناس ما جاءكم عنّي يوافق كتاب الله فأنا قلته وما جاءكم يخالف كتاب الله فلم أقله (٤).

ومنها ما رواه جميل بن دراج عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام في الهلكة ان على كل حق حقيقة وعلى كل صواب نورا فما وافق كتاب الله فخذوه وما خالف كتاب الله فدعوه (٥).

فلا موضوع للتعارض وليعلم ان التعارض اذا كان بالعموم من وجه

__________________

(١) ـ الوسائل الباب ٩ من أبواب صفات القاضى الحديث ١٠.

(٢) ـ عين المصدر الحديث ١٢.

(٣) عين المصدر الحديث ١٤.

(٤) ـ الوسائل الباب ٩ من ابواب صفات القاضى الحديث ١٥.

(٥) نفس المصدر الحديث ٣٥.

وكان عموم احد الدليلين بالوضع والآخر بمقدمات الحكمة يمكن أن يقال : انه لا تعارض بل يجمع بين الطرفين بتقديم العموم الوضعي على الاطلاقي فان ما بالوضع قابل لان يكون قرينة على الآخر.

مثلا قوله تعالى : (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ)(١) يدل باطلاقه على صحة بيع الغرر فلو ورد في حديث انه نهى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عن كل عقد غرري يمكن القول بتقديم الحديث على الكتاب ويلتزم ببطلان بيع الغرر لما ذكرنا وهكذا الامر في كل دليلين يكون العموم في احدهما بالوضع وفي الآخر بالاطلاق.

وأما القسم الثاني وهو ما لو وقع التعارض بين الحديثين بالتباين الكلي أو الجزئي ولا يكون احدهما قابلا لرفع اليد به عن الآخر فمقتضى القاعدة الاولية التساقط اذ المفروض عدم امكان الجمع بينهما وعدم جواز ترجيح أحدهما على الآخر بلا مرجح فالقاعدة تقتضي تساقطهما فهل يكون مقتضى الدليل الثانوي التوقف أو التخيير أو الترجيح بالمرجح الموجود في احد الطرفين أو الاحتياط أو غير ذلك؟

والروايات الواردة في هذا المقام مختلفة. الطائفة الاولى : ما يدل على وجوب التوقف.

منها ما رواه عمر بن حنظلة قال سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دين أو ميراث فتحاكما ـ الى أن قال : فان كان كل واحد اختار رجلا من اصحابنا فرضيا أن أن يكونا الناظرين في حقهما واختلفا فيما حكما وكلاهما اختلفا في حديثكم (حديثنا خ) فقال : الحكم ما حكم به اعدلهما وافقههما

__________________

(١) ـ البقرة / ١٧٥.

واصدقهما في الحديث واورعهما ولا يلتفت الى ما يحكم به الآخر.

قال : فقلت فانهما عدلان مرضيان عند أصحابنا لا يفضل (ليس يتفاضل) واحد منهما على صاحبه قال : فقال : ينظر الى ما كان رواياتهما عنّا في ذلك الذي حكما به المجمع عليه عند اصحابك فيؤخذ به من حكمنا ويترك الشاذ الذي ليس بمشهور عند أصحابك فان المجمع عليه لا ريب فيه ـ الى ان قال :

فان كان الخبران عنكم مشهورين قد رواهما الثقات عنكم قال ينظر فما وافق حكمه حكم الكتاب والسنة وخالف العامة فيؤخذ به ويترك ما خالف حكمه حكم الكتاب والسنة ووافق العامة.

قلت : جعلت فداك ان رأيت ان كان الفقيهان عرفا حكمه من الكتاب والسنة ووجدنا احد الخبرين موافقا للعامة والآخر مخالفا لهم بايّ الخبرين يؤخذ.

فقال : ما خالف العامة ففيه الرشاد فقلت : جعلت فداك فان وافقهما الخبران جميعا قال : ينظر الى ما هم اليه أميل حكّامهم وقضاتهم فيترك ويؤخذ بالآخر.

قلت : فان وافق حكّامهم الخبرين جميعا قال اذا كان ذلك فارجئه حتى تلقى امامك فان الوقوف عند الشبهات خير من الاقتحام في الهلكات (١).

والراوي الاول في الحديث غير معتبر فان عمر بن حنظلة لم يوثق مضافا الى كون الحديث مختصا بزمان امكان الوصول الى الامام عليه‌السلام.

ومنها مرسل الطبرسي : روى سماعة بن مهران قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام قلت : يرد علينا حديثان واحد يأمرنا الاخذ

__________________

(١) ـ الوسائل الباب ٩ من ابواب صفات القاضى الحديث ١.

به والآخر ينهانا عنه قال : لا تعمل بواحد منهما حتى تلقى صاحبك فتسأله عنه قال قلت : لا بد من أن نعمل بأحدهما قال خذ بما فيه خلاف العامة (١).

والمرسل لا اعتبار به مضافا الى اختصاصه بزمان امكان الوصول الى الامام عليه‌السلام.

ومنها ما رواه في السرائر نقلا من كتاب مسائل الرجال لعلي ابن محمد انّ محمد بن علي بن عيسى كتب اليه يسأله عن العلم المنقول الينا عن آبائك واجدادك صلوات الله عليهم قد اختلف علينا فيه كيف العمل به على اختلافه أو الرد اليك فيما اختلف فيه فكتب عليه‌السلام ما علمتم انه قولنا فالزموه وما لم تعلموا فردوه الينا (٢).

وغاية ما يستفاد منه التوقف فيكون قابلا لان يقيد بما يدل على ترجيح احد الطرفين بالمرجح الخارجي.

وبعبارة اخرى علم انه على فرض تمامية الدليل على التوقف لا بد من تقييده بما يدل على الترجيح بالمرجح.

اضف الى ذلك كله ان غاية ما يستفاد من الطائفة المشار اليها انه لا يجوز الاخذ باحد الطرفين والحكم به لكن لا تنافي بين عدم الاخذ بأحدهما والاخذ بالدليل اللفظي الآخر من عموم أو طلاق ان كان وإلّا فبالاصل العملي والعمل بمقتضاه فلاحظ.

الطائفة الثانية : ما يدل على التخيير منها ما أرسله في الاحتجاج روي عن الحسن بن الجهم عن الرضا عليه‌السلام انه قال : قلت : للرضا عليه‌السلام تجيئنا الاحاديث عنكم مختلفة قال : ما

__________________

(١) ـ جامع الاحاديث ج ١ ص ٢٦٦ الحديث ٣٢.

(٢) ـ الوسائل الباب ٩ من ابواب صفات القاضى الحديث ٣٦.

جاءك عنه (عناظ) فقسه على كتاب الله عزوجل وأحاديثنا فان كان يشبهها فهو منا وان لم يشبهها فليس منا.

قلت : يجيئنا الرجلان وكلاهما ثقة بحديثين مختلفين فلا نعلم ايهما الحق فقال : اذا لم تعلم فموسع عليك بايهما اخذت (١) والمرسل لا اعتبار به.

ومنها ما رواه ابن المغيرة عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : اذا سمعت من أصحابك الحديث وكلهم ثقة فموسع عليك حتى ترى القائم فترده عليه (٢).

وفيه ان الرواية لا ترتبط بالمقام فان المستفاد منها اعتبار قول الثقة ولا تعرض فيها للتعارض فلاحظ.

ومنها مرفوعة العلامة الى زرارة بن اعين قال : سألت الباقر عليه‌السلام فقلت : جعلت فداك يأتي عنكم الخبران أو الحديثان المتعارضان فبأيهما آخذ قال عليه‌السلام : يا زرارة خذ بما اشتهر بين اصحابك ودع الشاذ النادر.

فقلت : يا سيدي انهما معا مشهوران مرويان مأثوران عنكم فقال عليه‌السلام : خذ بقول اعدلهما عندك واوثقهما في نفسك.

فقلت : انهما معا عدلان مرضيان موثقان فقال عليه‌السلام : انظر ما وافق منهما مذهب العامة فاتركه وخذ بما خالفهم قلت : ربما كانا معا موافقين لهم أو مخالفين فكيف اصنع فقال عليه‌السلام : اذا فخذ بما فيه الحائطة لدينك واترك ما خالف الاحتياط.

فقلت : انهما معا موافقان للاحتياط أو مخالفان له فكيف اصنع

__________________

(١) جامع الاحاديث ج ١ ص ٢٦٠ الحديث ٢٠.

(٢) نفس المصدر الحديث ٢١.

فقال عليه‌السلام : اذا فتخير احدهما فتأخذ به وتدع الآخر (١). والمرفوعة لا اعتبار بها.

ومنها ما ارسله الكليني في ديباجة الكتاب : فاعلم يا أخي ارشدك الله انه لا يسع احدا تمييز شيء مما اختلف الرواية فيه عن العلماء عليهم‌السلام برأيه الا على ما أطلقه (اطلعه خ ل) العالم عليه‌السلام بقوله : اعرضوها على كتاب الله فما وافق كتاب الله جل وعزّ اقبلوه (فخذوه خ ل) وما خالف كتاب الله عزوجل فردوه.

وقوله عليه‌السلام : دعوا ما وافق القوم فان الرشد في خلافهم وقوله عليه‌السلام : خذوا بالمجمع عليه فان المجمع عليه لا ريب فيه ونحن لا نعرف من جميع ذلك الا اقله ولا نجد شيئا أحوط ولا اوسع من رد علم ذلك كله الى العالم عليه‌السلام وقبول ما وسع من الامر فيه بقوله بأيّهما اخذتم من باب التسليم وسعكم (٢). والمرسل لا اعتبار به.

ومنها ما رواه ابن مهزيار قوله : فروى بعضهم ان صلّهما في المحمل وروى بعضهم لا تصلهما الا على الارض فاعلمني كيف تصنع انت لاقتدي بك في ذلك فوقع عليه‌السلام موسع عليك بايّة عملت (٣).

وهذه الرواية لا يستفاد منها المدعى بل المستفاد منها التخيير في الاتيان بالنافلة بين الامرين فلا ترتبط بما نحن فيه.

ومنها ما رواه سماعة عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سألته عن رجل اختلف عليه رجلان من أهل دينه في امر كلاهما يرويه

__________________

(١) ـ جامع الاحاديث ج ١ ص ٢٥٥ الحديث ٢.

(٢) ـ نفس المصدر الحديث ٣.

(٣) ـ جامع الاحاديث ج ١ ص ٢٦٩.

احدهما يأمر بأخذه والآخر ينهاه عنه كيف يصنع قال : يرجئه حتى يلقى من يخبره فهو في سعة حتى يلقاه (١).

والمستفاد من الرواية عدم الجزم بأحد الطرفين وتأخير الامر الى أن يصل الى من يخبره بواقع الامر والى ذلك الزمان في سعة اي لا يكون الزام لا بطرف الفعل ولا بطرف الترك فلا ترتبط الرواية بالمقام.

ومنها جواب مكاتبة الحميري الى صاحب الزمان عليه‌السلام الى أن قال عليه‌السلام في الجواب عن ذلك : حديثان اما احدهما فاذا انتقل من حالة الى اخرى فعليه التكبير واما الآخر فانه روى انه اذا رفع رأسه من السجدة الثانية وكبّر ثم جلس ثم قام فليس عليه في القيام بعد القعود تكبير وكذلك التشهد الاول يجري هذا المجرى وبايّهما أخذت من باب التسليم كان صوابا (٢).

وفيه انه حكم خاص وارد في مورد مخصوص ولا وجه لاسرائه الى غير مورده لعدم المقتضي للاسراء مضافا الى ان مقتضى القاعدة في مورد الرواية تخصيص العموم بالخصوص وعدم ملاحظة النسبة واجراء التعارض على خلاف القاعدة.

فكيف يمكن التعدي عن المورد فان مقتضى الجمع بين الحديثين أن يقيد الحديث الاول بالحديث الثاني ولكن الامام عليه‌السلام امر بغير النحو المذكور وامره مطاع ولكن لا يتعدى عن المورد.

ومنها ما عن الفقه الرضوي عليه‌السلام والنفساء تدع الصلاة اكثره مثل ايام حيضها الى أن قال : وقد روي ثمانية عشر يوما وروي

__________________

(١) ـ الوسائل الباب ٩ من ابواب صفات القاضى الحديث ٥.

(٢) ـ الوسائل باب ٩ من ابواب صفات القاضى الحديث ٣٩.

ثلاثة وعشرون يوما وباي هذه الاحاديث اخذ من جهة التسليم جاز (١). ولا اعتبار بالحديث سندا.

فالنتيجة انه لا دليل على التخيير ، وعلى فرض وجود دليل عليه على نحو الاطلاق لا بد من أن يقيد بما يدل على الترجيح بالمرجح.

ثم انه على القول به فهل يكون ابتدائيا أو استمراريا ، يمكن القول بالاستمرار لوجهين احدهما استصحاب التخيير فان مقتضاه بقائه.

ثانيهما : اطلاق دليل التخيير فانّه في كل زمان يصدق التعارض ومع صدقه يترتب عليه حكمه أعني التخيير.

ويرد على الوجه الاول عدم جريان الاستصحاب في الحكم الكلي بالمعارضة. وأما الوجه الثاني فالظاهر انه تام.

الطائفة الثالثة : ما يدل على الاحتياط منها ما رواه العلامة (٢). وهذه الرواية لا اعتبار بها سندا.

الطائفة الرابعة : ما يدل على الترجيح بمخالفة القوم. منها ما رواه الحسين بن السري قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : اذا ورد عليكم حديثان مختلفان فخذوا بما خالف القوم (٣). والحديث ضعيف بالارسال وبغيره.

ومنها ما رواه الحسن بن الجهم قال : قلت للعبد الصالح عليه‌السلام : هل يسعنا فيما ورد علينا منكم الا التسليم لكم فقال : لا والله لا يسعكم الا التسليم لنا فقلت : فيروى عن أبي عبد الله عليه‌السلام

__________________

(١) ـ مستدرك الوسائل ج ١٧ الباب ٩ من ابواب صفات القاضى الحديث ١٢.

(٢) ـ قد تقدم ذكر الحديث فى ص ٢١٨.

(٣) ـ الوسائل الباب ٩ من ابواب صفات القاضى الحديث ٣٠.

شيء ويروى عنه خلافه فبأيهما نأخذ فقال : خذ بما خالف القوم وما وافق القوم فاجتنبه (١).

والحديث ضعيف بمحمد بن موسى بن المتوكل فان الرجل وثقه العلامة وابن داود ولا أثر لتوثيقهما أما الاول فلكونه متأخرا وتوثيق المتأخرين لا اثر له. وأما الثاني فلأنه لم يوثق.

اضف الى ذلك ان السند مخدوش من جهة اخرى فان أبا البركات داخل في السلسلة وهو مخدوش كما ستعرف إن شاء الله تعالى.

ومنها ما رواه محمد بن عبد الله قال : قلت للرضا عليه‌السلام كيف نصنع بالخبرين المختلفين فقال : اذا ورد عليكم خبران مختلفان فانظروا الى ما يخالف منهما العامة فخذوه وانظروا الى ما يوافق اخبارهم فدعوه (٢) والحديث ضعيف سندا. ومنها ما ارسله الكلينى (٣) والمرسل لا اعتبار به.

الطائفة الخامسة : ما يدل على الترجيح بموافقة الكتاب. منها ما رواه حسن بن الجهم (٤) وهذه الرواية ضعيفة بالارسال.

ومنها ما رواه احمد بن الحسن الميثمي انه سأل الرضا عليه‌السلام في حديث طويل الى أن قال عليه‌السلام : فما ورد عليكم من خبرين مختلفين فاعرضوهما على كتاب الله فما كان في كتاب الله موجودا حلالا او حراما فاتبعوا ما وافق الكتاب (٥) والحديث ضعيف سندا.

__________________

(١) ـ الوسائل الباب ٩ من ابواب صفات القاضى الحديث ٣١.

(٢) ـ نفس المصدر الحديث ٣٤.

(٣) ـ لاحظ ص : ٢١٩.

(٤) ـ لاحظ ص : ٢١٧.

(٥) ـ الوسائل الباب ٩ من ابواب صفات القاضى الحديث : ٢١.

الطائفة السادسة : ما يدل على الترجيح بموافقة الكتاب اولا وبمخالفة القوم ثانيا. لاحظ ما رواه عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال : قال الصادق عليه‌السلام : اذا ورد عليكم حديثان مختلفان فاعرضوهما على كتاب الله فما وافق كتاب الله فخذوه وما خالف كتاب الله فردوه فان لم تجدوهما في كتاب الله فاعرضوهما على أخبار العامة فما وافق أخبارهم فذروه وما خالف اخبارهم فخذوه (١).

وعبّر سيدنا الاستاد عن هذه الرواية بالصحيحة (٢) والحال ان الامر ليس كذلك فان من جملة رجال السند أبا البركات وقال سيدنا الاستاد في رجاله :

قال الشيخ الحرّ في تذكرة المتبحرين : الشيخ أبو البركات علي بن الحسين الجوزي الحلي عالم صالح محدث يروى عن أبي جعفر ابن بابويه (٣).

ويرد على سيدنا الاستاد اولا : ان الحرّ قدس‌سره من المتأخرين وسيدنا الاستاد لا يرى اعتبار توثيق المتأخرين إلّا أن يقال انه ما الفرق بين توثيق المتقدم والمتأخر فان الفصل الزماني الطويل ان كان مانعا عن الحجية فتوثيق النجاشي للرواة الاسبقين غير معتبر وان لم يكن مضر فلا وجه لعدم الاعتبار.

ويمكن أن يقال في وجه الفرق : ان المتقدمين كالنجاشي وأضرابه كانوا مجدين على وجدان مدارك وثاقة الرجال فكيف يمكن أن لا يجدوا المدرك والمتأخرون عنهم يجدون فيعلم ان توثيق الحرّ واضرابه اجتهادي وحدسي لا حسي فلا اثر له.

__________________

(١) ـ الوسائل الباب ٩ من ابواب صفات القاضى الحديث : ٢٩.

(٢) ـ مصباح الاصول ج ٣ ص ٤١٥.

(٣) ـ معجم رجال الحديث ج ١١ ص ٣٧٥.

وثانيا : ان الحرّ لم يوثق الرجل ولم يقل انه ثقة بل قال «صالح» والحال ان ديدن الرجاليين في الرجال التصريح بالوثاقة ولا يكتفون في التوثيق بالتعبير عن الموثق بقولهم «ديّن» أو «صالح».

ولا ثبات هذه الدعوى نذكر عدة موارد منهم المفيد فان العلامة والنجاشي والشيخ صرحوا بكونه ثقة.

ومنهم الطوسي فان العلامة والنجاشي صرحا بوثاقته. ومنهم الكليني فان العلامة والشيخ والنجاشي صرحوا بوثاقته ومنهم زرارة فقد صرح العلامة والنجاشي والشيخ بوثاقته.

ومنهم الشيخ علي بن عبد الصمد التميمي قال الشيخ منتجب الدين في فهرسته : ديّن ثقة ومنهم قطب الدين سعد بن هبة الله قال منتجب الدين في حقه ، فقيه عين صالح ثقة.

ومنهم علي بن عبد العالي قال الحرّ في ترجمته : كان فاضلا عالما متبحرا محققا مدققا جامعا كاملا ثقة زاهدا عابدا ورعا جليل القدر عظيم الشأن فريدا في عصره.

فنرى انهم يصرحون بالوثاقة في موارد تراجمهم فان الحرّ فرق بين الموردين بالتصريح بالوثاقة في احد الموردين مع تصريحه بكونه ورعا ولم يذكر الوثاقة في الآخر واكتفى بقوله صالح.

ان قلت : اذا لم يكن شخص ثقة كيف يمكن أن يقال في حقه صالح؟ قلت لا يبعد انه اذا كان شخصه بحسب الظاهر يصلى ويصوم ويحضر المجالس الدينيّة ويبكى لذكر مصائب الائمة عليهم‌السلام يصح أن يقال انه صالح أي ظاهر الصلاح.

والذي يدل على صحة هذه المقالة ان الشهادة بالصلاح لا تكون شهادة بالعدالة فعلى هذا الاساس لا يكون التعبير المذكور توثيقا ولا اقل من عدم امكان الجزم.

وثالثا : ان الحرّ قدس‌سره قال في الفائدة الثانية عشرة من فوائده في الجزء العشرين من الوسائل : «وانما نذكر هنا من يستفاد من وجوده في السند قرينة على صحة النقل وثبوته واعتماده وذلك أقسام. وقد يجتمع منها اثنان فصاعدا.

منها من نص علمائنا على ثقته مع صحة عقيدته ، ومنها من نصوا على مدحه وجلالته وان لم يوثقوه مع كونه من اصحابنا الخ.

فيمكن أن يكون قوله فلان صالح مستندا الى نص العلماء بجلالته ومدحه فكيف يمكن الاعتماد على قوله في حق الرجل صالح ويجزم بكونه ثقة مستندا الى شهادة الحرّ.

ورابعا : انه قابل في كلامه في هذا المقام بين التوثيق والمدح فان المدح بمجرده لا يكون توثيقا بصريح عبارته ، فلا يكون قوله فلان صالح توثيقا.

وخامسا : ان الحرّ قدس‌سره قال في جملة من كلامه ومنها من وقع الاختلاف في توثيقه وتضعيفه فان كان توثيقه أرجح فوجوده في السند قرينة الخ.

فانه يظهر من هذه العبارة انه يجتهد في مقام الاعتماد وكون الشخص ثقة ، ومن الظاهر انه لا اعتبار باجتهاد الشاهد في مقام الشهادة فالنتيجة ان الحديث ساقط الاعتبار فلا دليل على ترجيح احد المتعارضين بموافقة الكتاب ولا بمخالفة العامة.

الطائفة السابعة : ما يدل على الترجيح بالاحدثية. منها ما رواه ابو عمرو الكناني قال : قال لي ابو عبد الله عليه‌السلام : يا با عمرو أرأيت لو حدثتك بحديث أو افتيتك بفتيا ثمّ جئتني بعد ذلك فسألتني عنه فأخبرتك بخلاف ما كنت أخبرتك أو أفتيتك بخلاف ذلك بايهما كنت تأخذ؟

قلت : باحدثهما وادع الآخر فقال : قد أصبت يا با عمرو أبى الله إلّا أن يعبد سرا ، اما والله لئن فعلتم ذلك انه لخير لي ولكم أبى الله عزوجل لنا في دينه الا التقية (١).

وهذه الرواية ضعيفة سندا بالكناني فانه لم يوثق وعبّر المجلسي عن الحديث بالمجهول (٢).

ومنها ما ارسله الحسين بن المختار عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : أرأيتك لو حدثتك بحديث العام ثم جئتني من قابل فحدثتك بخلافه بايهما كنت تأخذ؟ قال : كنت آخذ بالاخير فقال لي : رحمك الله (٣) والمرسل لا اعتبار به.

ومنها ما رواه المعلى بن خنيس قال : قلت لابي عبد الله عليه‌السلام : اذا جاء حديث عن أولكم وحديث عن آخركم بايهما نأخذ فقال : خذوا به حتى يبلغكم عن الحي فان بلغكم عن الحي فخذوا بقوله قال : ثم قال أبو عبد الله عليه‌السلام : انا والله لا ندخلكم إلّا فيما يسعكم ، قال الكليني وفي حديث آخر خذوا بالاحدث (٤) والحديث ضعيف سندا بابن مرار بل وبغيره.

ومنها ما رواه محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قلت له : ما بال أقوام يروون عن فلان وفلان عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لا يتهمون بالكذب فيجيء منكم خلافه قال : ان الحديث ينسخ كما ينسخ القرآن (٥).

__________________

(١) ـ الوسائل الباب ٩ من ابواب صفات القاضى الحديث ١٧.

(٢) ـ مرآة العقول الطبع الجديد ج ٩ ص ١٧١.

(٣) ـ الوسائل الباب ٩ من أبواب صفات القاضى الحديث ٧.

(٤) ـ نفس المصدر الحديث ٨ و ٩.

(٥) ـ نفس المصدر الحديث ٤.

ومقتضى هذه الرواية ان الاعتبار بالحديث الثاني فالاحدث حجة وناسخ للمتقدم.

وأورد عليه سيدنا الاستاد بأن ضرورة المذهب على عدم امكان نسخ القرآن أو السنة بالخبر الظني فلا بد من كون الخبر مقطوع الصدور ومقطوع الصدور خارج عن محل الكلام ، وان كان المراد من النسخ التخصيص أو التقييد فلا كلام في تخصيص العام وتقييد الاطلاق بالمخصص والمقيد.

ويرد عليه اولا انه لم يفرض في الحديث كون الوارد عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مقطوع الصدور بل مطلق من هذه الجهة والميزان الكلي الاخذ بالاطلاق ورفع اليد عنه بالمقدار الذي علم بعدم ارادته. فنقول : نقيد نسخ الاول بالثاني بصورة عدم كون الاول مقطوع الصدور.

وثانيا ان الميزان الكلي الاخذ باطلاق الجواب لا بخصوص السؤال ، والجواب في الحديث مطلق فان قوله عليه‌السلام : الحديث ينسخ كما ينسخ القرآن مطلق شامل لكون كلا الخبرين من النبي الاكرم أو كليهما من غيره أو يكون احدهما عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والآخر عن الامام عليه‌السلام وعلى جميع التقادير يكون كلاهما مقطوعي الصدور أو مظنوني الصدور أو بالاختلاف ، فبالمقدار الذي قامت ضرورة المذهب على خلافه ترفع اليد وفي الباقي يؤخذ بالدليل ويلتزم به ، ولعمرى ما حققته متين ودقيق وبالتأمل حقيق والظاهر انه لم يسبقني في هذه المقالة بهذا التقريب احد والله المستعان.

بقيت في المقام تنبيهات لا بد من التعرض لها. التنبيه الاول : انه ربما يقال انه لا بد من التعدي عن المرجحات المنصوصة الى

غيرها بتقريب : ان الترجيح بلحاظ كون ما فيه المرجح اقرب الى الواقع.

ويرد عليه اولا بالنقض بأنه لو فرض ان الوسائط في أحد الخبرين اقل من الوسائط في الخبر الآخر لا بد من ترجيح ما تكون وسائطه اقل لكونه أقرب الى الواقع وهل يلتزم القائل بالتعدي كلا.

وثانيا : انه يرد عليه بالحل وهو ان ملاكات الاحكام لا تنالها افهامنا وعقولنا بل يجب علينا التعبد بما امرنا به ولا نتعدي. فالحق عدم جواز التعدى.

التنبيه الثاني :انه لا اشكال في أن الاختلاف في التفسير لا يكون داخلا في المتعارضين فلا يعامل معه معاملة المتعارضين وأما اختلاف النسخة مع كون الرواية واحدة فربما يقال كما عن المحقق الهمداني انه لا يكون من المتعارضين اذ نقطع بعدم صدور كلا الخبرين عن الامام عليه‌السلام.

والحق في المقام التفصيل بأن نقول تارة يكون الاختلاف بين الناقلين للحديث كما لو اختلف ما في الكافي مع ما في التهذيب واخرى يكون الاختلاف في نسخ التهذيب.

أما الصورة الاولى فالحق انها داخلة في التعارض ويشملها دليله اذ يصدق انه هناك خبران عن الامام عليه‌السلام متعارضان والعلم بعدم صدور كليهما لا يضر ، فان الميزان احتمال صدور كل منهما فلا يكون داخلا في اشتباه الحجة بغيرها بل داخل في المتعارضين.

وأما الصورة الثانية فالحق ان دليل حكم المتعارضين لا يشملها اذ لا يصدق انه ورد حديثان عن الامام عليه‌السلام بل يصدق انه ورد عن الطوسي مثلا فلاحظ.

التنبيه الثالث : انه لو وقع التعارض بين خبرين بالعموم من وجه كما لو دل دليل على وجوب اكرام كل عالم ودل دليل آخر على حرمة اكرام كل فاسق فان الدليلين مفترقان في العالم العادل وفي الفاسق الجاهل وأما في العالم الفاسق فيقع التعارض بينهما ولا بد من ترجيح احدهما على الآخر اما بالمرجح الجهتي أي الحمل على التقية وأما بالمرجح المضموني بأن يحمل احدهما على الارادة الجدية دون الآخر.

واما الترجيح بالمرجح الصدوري فلا يمكن اذ كيف يمكن أن يقال بعدم صدور ما كان مرجوحا مع كونه شاملا لافراد خارجة عن دائرة المعارضة.

ان قلت : نأخذ ببعض ونترك بعضا. قلت كيف يمكن الالتزام بصدور خبر واحد وعدم صدوره؟

ويرد على التقريب المذكور ان المراد بالصدور كونه مرادا واقعا في عالم الثبوت والمراد بعدم الصدور عدم كونه مرادا في عالم الثبوت.

وان شئت قلت : الاهمال غير معقول في الواقع فنقول في المثال المذكور اذا كان المرجح في الدليل الدال على وجوب الاكرام نقول في مقام الثبوت وفي الواقع يجب اكرام العالم الفاسق والدليل الآخر لا يكون هذا المقدار من دلالته مطابقا مع الواقع وهذا الذي نقول سار في عام مخصص ، بالمخصص المنفصل.

مثلا لو قال المولى اكرم العلماء وفي دليل منفصل قال لا تكرم الفساق من العلماء يفهم ان المراد الواقعي وجوب اكرام خصوص العدول وان كان في مقام الاثبات قام الدليل على وجوب اكرام كل عالم فلا اشكال.

التنبيه الرابع : انه لو وقع التعارض بين الدليلين بالعموم من وجه وكان كل منهما بالاطلاق كما لو قال المولى في دليل اكرم العالم وقال في دليل آخر لا تكرم الفاسق فانه يقع التعارض بين الدليلين في العالم الفاسق فعلى فرض اقتران احد الدليلين بالآخر في مقام الاثبات لا يتحقق الاطلاق وكلا الدليلين ساقطان عن الاعتبار في محل الاجتماع ويصير الكلام مجملا.

وأما مع انفصال احدهما عن الآخر فأفاد سيدنا الاستاد في المقام بأن الاطلاقين ساقطان (١) بتقريب : ان الاطلاق غير داخل في مدلول اللفظ بل يكون بمقدمات الحكمة ومع فرض التعارض لا تجري المقدمات فلا تعارض.

ويرد عليه ان المفروض انفصال احد الدليلين عن الآخر وكل دليل ورد مطلقا والشيء لا ينقلب عما هو عليه.

وبعبارة اخرى : يصح أن يقال : ورد علينا اطلاقان متعارضان ويؤيد ما قلناه ان سيدنا الاستاد التزم بالتعارض في موردين آخرين (٢).

وصفوة القول : ان التعارض بين الدليلين بالعموم من وجه اذا كان أحدهما بالوضع والآخر بالاطلاق يمكن أن يقال ان الظهور الوضعي يمنع عن الاخذ بالاطلاق ولا تجري مقدمات الحكمة وأما ان كان كلاهما بالوضع أو كان كلاهما بالاطلاق فيقع التعارض بين الدليلين.

فان التعارض بالاطلاق والعموم من وجه ان كان بين السنة والكتاب يؤخذ بالكتاب فان المخالف للكتاب يضرب عرض الجدار وأما ان كان كلا المتعارضين من الكتاب فيتساقطان بالمعارضة

__________________

(١) ـ مصباح الاصول ج ٣ ص ٤٣١.

(٢) ـ اجود التقريرات ج ٢ ص ٥٤٢ ومصباح الفقاهة ج ١ ص ٥١٤.

وان كان كلاهما من السنة يلزم أن يجري عليهما قانون المتعارضين المبني عليه في باب التعادل والترجيح.

هذا تمام الكلام في التعادل والترجيح. والحمد لله اولا وآخرا والصلاة على محمد وآله الطاهرين واللعن على اعدائهم أجمعين.

وقد وقع الفراغ عن تحرير الجزء الثالث من كتابنا

«آرائنا في اصول الفقه» في ليلة الاربعاء السابع

والعشرين من شهر ربيع المولود من سنة ١٤١٤

على مهاجرها آلاف التحية والثناء وانا أحقر

العباد تقي الطباطبائي القمي الساكن فى

جوار فاطمة المعصومة في بلدة قم

المقدسة عش آل محمّد صلى الله

عليه وآله وسلم والسلام علينا

وعلى عباد الله الصالحين

ورحمة الله وبركاته

فهرس الكتاب

الموضوع

الصفحة

تعريف الاستصحاب............................................................. ٣

هل الاستصحاب من الاصول..................................................... ٥

قاعدة المقتضى والمانع............................................................ ٦

الفارق بين الاستصحاب وغيره.................................................... ٧

تقسيم الاستصحاب الى جهات................................................... ٨

ادلة الاستصحاب منها السيرة..................................................... ٩

الوجه الثاني للاستدلال......................................................... ١٠

الوجه الثالث والرابع............................................................ ١١

الصحيحة الاولى.............................................................. ١٢

تنبيهات : التنبيه الاول في عدم اختصاص الاستصحاب بالشك في الرافع............. ١٧

التنبيه الثاني في كلام النراقي..................................................... ٢٦

ايقاظ........................................................................ ٣٦

تذكرة........................................................................ ٣٨

الحديث الثاني................................................................. ٣٨

الحديث الثالث................................................................ ٤٢

حديث الخصال والقاساني....................................................... ٤٥

جملة من الاحاديث............................................................ ٤٦

التنبيه الثالث في كلام السبزواري................................................. ٥١

بقي شيء.................................................................... ٥٢

في جملة من الاحكام الوضعية.................................................... ٥٣

التنبيه الرابع في الاستصحاب الاستقبالي.......................................... ٥٥

التنبيه الخامس في ان كل حكم تابع لموضوعه...................................... ٥٦

التنبيه السادس لو قام امارة على وجوب شيء ثم شك فيه........................... ٥٨

التنبيه السابع ان المستصحب قد يكون جزئيا وقد يكون كليا........................ ٥٩

الاستصحاب الكلي القسم الاول والثاني.......................................... ٦٠

شبهة........................................................................ ٦١

شبهة عبائية صدرية............................................................ ٦٥

التنبيه الثامن في جريان الاستصحاب في التدريجيات................................ ٧١

التنبيه التاسع في الاستصحاب التعليقي........................................... ٨١

التنبيه العاشر في استصحاب عدم النسخ.......................................... ٨٧

التنبيه الحادي عشر في ان الاستصحاب لاجل الاثر حال الشك..................... ٨٨

التنبيه الثاني عشر في الاصل المثبت............................................... ٨٩

الفوارق بين الامارات والاصول الفرق الاول........................................ ٩٠

الفرق الثاني والثالث............................................................ ٩١

الفرق الرابع................................................................... ٩٢

التفصيل بين كون الواسطة خفية وغيرها في الاصل المثبت........................... ٩٣

التنبيه الثالث عشر في انحاء الشك في التقدم والتأخر............................... ٩٥

في المقام اشكال............................................................... ٩٧

الكلام في الحادثين............................................................. ٩٨

الصورة الاولى لمجهولي التاريخ والثانية.............................................. ٩٩

الصورة الثالثة والرابعة......................................................... ١٠٠

ما هو المستفاد من دليل الاستصحاب.......................................... ١٠١

اذا كان تاريخ احد الحادثين معلوما وله صور الصورة الاولى والثانية والثالثة والرابعة..... ١٠٢

التنبيه الرابع عشر في استصحاب الصحة........................................ ١٠٤

ايقاظ...................................................................... ١٠٩

التنبيه الخامس عشر في المراد من الشك......................................... ١٠٦

التنبيه السادس عشر في قاعدة المقتضى والمانع.................................... ١٠٧

التنبيه السابع عشر في عدم جريان الاستصحاب مع وجود عموم لفظي............. ١٠٩

التعارض بين العموم والاستصحاب............................................. ١٠٩

يعتبر في الاستصحاب اتحاد القضية............................................. ١١٤

هل يجري الاستصحاب في الامور الاعتقادية..................................... ١٢١

التعارض بين الاستصحاب والامارة............................................. ١٢٣

في تعارض الاستصحابين...................................................... ١٢٦

قاعدة الفراغ ، والجهة الاولى فيها............................................... ١٣١

الجهة الثانية فيها............................................................. ١٣٢

الجهة الثالثة فيها............................................................. ١٣٨

الجهة الرابعة فيها............................................................. ١٤٣

الجهة الخامسة فيها........................................................... ١٤٤

اصالة الصحة والجهة الاولى والثانية فيها......................................... ١٥١

الجهة الثالثة فيها............................................................. ١٥٥

الجهة الرابعة والخامسة والسادسة................................................ ١٥٧

الجهة السابعة والثامنة......................................................... ١٥٨

قاعدة القرعة والجهة الاولى فيها................................................ ١٥٩

الجهة الثانية والثالثة فيها....................................................... ١٧٣

تعارض الاستصحاب مع اليد.................................................. ١٧٤

التعادل والترجيح وبيان التعارض وما يتعلق به.................................... ١٧٨

التخصيص والتخصص والحكومة والورود والفرق بينهما............................ ١٧٨

الاصل الاولى في تعارض الدليلين............................................... ١٨١

تعارض الظهور الوضعى مع الظهور الاطلاقى.................................... ١٨٤

تعارض الاطلاق الاستغراقى مع الاطلاق البدلى.................................. ١٨٦

دوران الامر بين التخصيص والنسخ............................................ ١٩١

دوران الامر بين النسخ والتخصيص............................................ ١٩٣

في انقلاب النسبة............................................................ ١٩٧

الفرق بين التعارض والتزاحم................................................... ٢٠٩

مرجحات باب التزاحم........................................................ ٢١٠

تعارض دليلين............................................................... ٢١٣

الاخبار الدالة على التوقف.................................................... ٢١٥

الاخبار الدالة على التخيير.................................................... ٢١٧

الاخبار الدالة على الاحتياط.................................................. ٢٢١

الاخبار الدالة على الترجيح بمخالفة القوم........................................ ٢٢١

الاخبار الدالة على الترجيح بموافقة الكتاب...................................... ٢٢٢

الاخبار الدالة على الترجيح بموافقة الكتاب ومخالفة القوم.......................... ٢٢٣

الاخبار الدالة على الترجيح بالأحدثية........................................... ٢٢٥

تنبيهات.................................................................... ٢٢٧

الآثار المطبوعة للمؤلف

١ ـ مباني منهاج الصالحين عشرة أجزاء

٢ ـ مصباح الناسك في شرح المناسك جزءان

٣ ـ عمدة المطالب في التعليق على المكاسب جزءان

٤ ـ آراؤنا في اصول الفقه ثلاثة أجزاء

٥ ـ دراساتنا في شرح المكاسب جزءان بقلم المقرر

٦ ـ الدرر واللئالي في فروع العلم الاجمالي بقلم المقرر

٧ ـ ثلاث رسائل : العدالة والتوبة وقاعدة لا ضرر بقلم المقرر

٨ ـ شهيد كربلاء عليه‌السلام

٩ ـ امير المؤمنين عليه‌السلام

١٠ ـ درسهائى از شفاعت بقلم المقرر

١١ ـ صله ارحام بقلم المقرر

١٢ ـ معصومه قم

١٣ ـ چهل حديث

الآثار المخطوطة للمؤلف

١ ـ كتاب النكاح في شرح نكاح العروة الوثقى

٢ ـ رسالة في قاعدة لا حرج

٣ ـ القضاء والحكومة في الفقه الجعفري

٤ ـ دلائل منتخب المسائل

٥ ـ جملة من المسائل المستحدثة

٦ ـ رسالة في وجوب اطاعة الوالدين

٧ ـ تقريرات بحث اصول الاستاد السيد الخوئي

٨ ـ تقرير صلاة بحث الاستاد

٩ ـ تقرير بحث مكاسب الاستاد

١٠ ـ رسالة في الرضاع تقرير بحث المرحوم السيد عبد الهادي الشيرازي

١١ ـ كتاب الصلاة في شرح صلاة العروة الوثقى

١٢ ـ جملة من المتفرقات

١٣ ـ كتاب الصوم في شرح صوم العروة الوثقى

آراؤنا في أصول الفقه - ٣

المؤلف: السيّد تقي الطباطبائي القمّي
الصفحات: 239
  • تعريف الاستصحاب 3
  • هل الاستصحاب من الاصول 5
  • قاعدة المقتضى والمانع 6
  • الفارق بين الاستصحاب وغيره 7
  • تقسيم الاستصحاب الى جهات 8
  • ادلة الاستصحاب منها السيرة 9
  • الوجه الثاني للاستدلال 10
  • الوجه الثالث والرابع 11
  • الصحيحة الاولى 12
  • تنبيهات : التنبيه الاول في عدم اختصاص الاستصحاب بالشك في الرافع 17
  • التنبيه الثاني في كلام النراقي 26
  • ايقاظ 36
  • تذكرة 38
  • الحديث الثاني 38
  • الحديث الثالث 42
  • حديث الخصال والقاساني 45
  • جملة من الاحاديث 46
  • التنبيه الثالث في كلام السبزواري 51
  • بقي شيء 52
  • في جملة من الاحكام الوضعية 53
  • التنبيه الرابع في الاستصحاب الاستقبالي 55
  • التنبيه الخامس في ان كل حكم تابع لموضوعه 56
  • التنبيه السادس لو قام امارة على وجوب شيء ثم شك فيه 58
  • التنبيه السابع ان المستصحب قد يكون جزئيا وقد يكون كليا 59
  • الاستصحاب الكلي القسم الاول والثاني 60
  • شبهة 61
  • شبهة عبائية صدرية 65
  • التنبيه الثامن في جريان الاستصحاب في التدريجيات 71
  • التنبيه التاسع في الاستصحاب التعليقي 81
  • التنبيه العاشر في استصحاب عدم النسخ 87
  • التنبيه الحادي عشر في ان الاستصحاب لاجل الاثر حال الشك 88
  • التنبيه الثاني عشر في الاصل المثبت 89
  • الفوارق بين الامارات والاصول الفرق الاول 90
  • الفرق الثاني والثالث 91
  • الفرق الرابع 92
  • التفصيل بين كون الواسطة خفية وغيرها في الاصل المثبت 93
  • التنبيه الثالث عشر في انحاء الشك في التقدم والتأخر 95
  • في المقام اشكال 97
  • الكلام في الحادثين 98
  • الصورة الاولى لمجهولي التاريخ والثانية 99
  • الصورة الثالثة والرابعة 100
  • ما هو المستفاد من دليل الاستصحاب 101
  • اذا كان تاريخ احد الحادثين معلوما وله صور الصورة الاولى والثانية والثالثة والرابعة 102
  • التنبيه الرابع عشر في استصحاب الصحة 104
  • ايقاظ 109
  • التنبيه الخامس عشر في المراد من الشك 106
  • التنبيه السادس عشر في قاعدة المقتضى والمانع 107
  • التنبيه السابع عشر في عدم جريان الاستصحاب مع وجود عموم لفظي 109
  • التعارض بين العموم والاستصحاب 109
  • يعتبر في الاستصحاب اتحاد القضية 114
  • هل يجري الاستصحاب في الامور الاعتقادية 121
  • التعارض بين الاستصحاب والامارة 123
  • في تعارض الاستصحابين 126
  • قاعدة الفراغ ، والجهة الاولى فيها 131
  • الجهة الثانية فيها 132
  • الجهة الثالثة فيها 138
  • الجهة الرابعة فيها 143
  • الجهة الخامسة فيها 144
  • اصالة الصحة والجهة الاولى والثانية فيها 151
  • الجهة الثالثة فيها 155
  • الجهة الرابعة والخامسة والسادسة 157
  • الجهة السابعة والثامنة 158
  • قاعدة القرعة والجهة الاولى فيها 159
  • الجهة الثانية والثالثة فيها 173
  • تعارض الاستصحاب مع اليد 174
  • التعادل والترجيح وبيان التعارض وما يتعلق به 178
  • التخصيص والتخصص والحكومة والورود والفرق بينهما 178
  • الاصل الاولى في تعارض الدليلين 181
  • تعارض الظهور الوضعى مع الظهور الاطلاقى 184
  • تعارض الاطلاق الاستغراقى مع الاطلاق البدلى 186
  • دوران الامر بين التخصيص والنسخ 191
  • دوران الامر بين النسخ والتخصيص 193
  • في انقلاب النسبة 197
  • الفرق بين التعارض والتزاحم 209
  • مرجحات باب التزاحم 210
  • تعارض دليلين 213
  • الاخبار الدالة على التوقف 215
  • الاخبار الدالة على التخيير 217
  • الاخبار الدالة على الاحتياط 221
  • الاخبار الدالة على الترجيح بمخالفة القوم 221
  • الاخبار الدالة على الترجيح بموافقة الكتاب 222
  • الاخبار الدالة على الترجيح بموافقة الكتاب ومخالفة القوم 223
  • الاخبار الدالة على الترجيح بالأحدثية 225
  • تنبيهات 227