بسم الله الرحمن الرحيم

(الورقة ٢٥٧ و)

كتاب النفس والروح وشرح قواهما

(فى علم الاخلاق)

(للإمام فخر الدين محمد بن عمر الرازى رح)

القسم الأول : فى مرتبة الإنسان من مراتب الموجودات ـ فى تقرير ذلك فى مراتب الأرواح البشرية ـ فى البحث عن ماهية النفس ـ فى الدلائل المستفادة من الكتب الإلهية ـ فى أن المتعلق بجوهر النفس هو القلب بدليل النقل والعقل ـ فى شرح قوى النفس ـ فى بحث يتعلق بالعبارات والألفاظ ـ [فى نسبة] هذه القوى إلى جوهر النفس ـ فى النفس الناطقة هل هى متحدة بالنوع أو بالجنس ـ فى بيان أن اللذات العقلية أشرف من الحسية ـ

القسم الثانى : فى علاج النفس ـ وفيه فصول.

[فى فضل] المال ـ [فى كيف] يتوسل بالمال إلى نيل السعادة ـ [فى ذم] الحرص والبخل ـ فى الجاه ـ فى الرياء والسمعة.

(الورقة ٢٥٧ ظ)

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله المتعالى كبرياؤه (١ عن منازعة الأشكال والأضداد ، المقدس جلاله عن معارضة (٢ الأمثال والأنداد ، المنزه فردانيته ووحدانيته عن الصاحبة (٣ والأولاد ، المبرإ (١) وجوده عن طبيعة القوة (٢) والاستعداد (٤ ، سامك المسموكات العاليات بلا أعماد ولا اعتماد ، وباسط الارضين المدحيات بلا اسناد ولا استناد ، الّذي تحيرت فى بيداء كنه ازليته خواطر ذوى الارتياد ، وتاهت فى نور هوية ألوهيته أفكار طلاب السداد ، وانظار أصحاب الرشاد ، فسافرت فى غيب الغيب وازل الآزال وأبد الآباد (٥ ، فلم ترجع إلا لمجرد الإقرار بأنه فرد لا كالأفراد ، واحد لا كالآحاد ، إن قلت : متى كان؟ فقد كان ولا زمان (٦ يشار إليه قبل الايجاد ، وإن قلت : «فيم»؟ فقد جل عن الحلول والنقلة والاعتماد ، فهو الله لا إله الا هو ، له الحمد فى الأولى والآخرة حمدا من غير انقطاع وإنفاد.

احمده حمدا صادرا عن صفاء الاعتقاد ، واشكره على ما أفاض علينا من إياد (٧ (٣) وأشهد ان لا إله الا الله وحده لا شريك له شهادة مبرأة عن الكذب والعناد ، مهياة لأن يتوسل بها إلى حصول النجاة فى يوم المعاد ، واشهد ان محمدا عبده ورسوله أرسله إلى كافة العباد ، وجعله أفصح من نطق بالضاد ، وصلوات الله عليه وعلى آله على تعاقب الأيام والشهور والاعياد ، وسلم تسليما كثيرا.

__________________

(١) فى المخطوطة : المبرى وجود وجوده الخ

(٢) أيضا : القوى

(٣) أيضا : الإياد هو ما أيد به الشى

اما بعد : فهذا كتاب فى علم الاخلاق (٨ ، مرتب على المنهج البرهانى اليقينى لا على الطريق الخطابى الإقناعى ، نسأل الله ان يجعله سببا للنفع العظيم فى الدارين والسعادة فى المنزلين ، إنه خير موفق ومعين ،

وهذا الكتاب مرتب على أقسام :

القسم الاول

فى الأصول الكلية لهذا العلم ، وفيه فصول :

الفصل الاول

فى شرح مرتبة الإنسان من مراتب الموجودات (١ :

اعلم أنه يمكن وصف الموجود بوجوه كثيرة ، وبحسب كل واحد منها يظهر مرتبة الإنسان من مراتب الموجودات.

التقسيم الأول : أن يقال : المخلوقات على أربعة أقسام :

الأول : الّذي له عقل (٢ وحكمة (٣ ، وليس له طبيعة (٤ ولا شهوة (٥ ، وهم الملائكة (٦ ، ومن صفتهم «أنهم لا يعصون الله ما أمرهم ، ويخافون ربهم من فوقهم ، ويفعلون ما يؤمرون» (٧.

الثانى : الّذي ليس له عقل ولا حكمة ، وله طبيعة وشهوة (٨ ، وهو سائر الحيوانات سوى الإنسان.

الثالث : الّذي ليس له عقل ولا حكمة ولا طبيعة ولا شهوة ، وهى الجمادات والنبات ،

ولما دخلت هذه الأقسام فى الوجود لم يبق من الأقسام سوى القسم الرابع.

الرابع : وهو الّذي يكون له عقل وحكمة ويكون له طبيعة وشهوة وذلك هو الإنسان.

ولما ثبت فى المعارف الحكمية أن واجب الوجود عام الفيض على كل الممكنات ، اقتضى عموم [فيضه] إدخال هذا القسم فى الوجود فلهذا قال تعالى : (إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) (٩. لئلا يبقى شيء من أقسام الممكنات [مجردا] (الورقة ٢٥٨ و) عن تاثير إيجاده ونعمة إبداعه.

ولما أوحى الله تعالى إلى الملائكة : «إنى جاعل فى الأرض خليفة ، قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها» الآية (٩ ، ومعناه إذا جمعت بين الشهوة والغضب وبين العقل صار مشتعلا فى الهيبة قضاء الشهوة وإمضاء الغضب ـ وذلك يوجب وقوع الفساد من الشهوة ، وقوله (يَسْفِكُ الدِّماءَ) من استعمال الغضب فعند ذلك أوحى الله تعالى إليهم : (إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ) (٩.

وهذا الكلام ، والله أعلم ، يحتمل وجوها من المعنى :

أحدها أن الملائكة عقول مجردة ، وأنوار صرفة ، فلا جرم لا يصدر منهم إلا التسبيح والتحميد والتقديس (١٠ ، وذلك هو القسم الأول من أقسام المخلوقات الموجودات (١١ ، أعنى الّذي يكون له عقل وحكمة بلا طبيعة ولا غضب ، والمقتضى لإدخال القسم الأول فى الوجود لا لإدخال النفع من تقديسهم وتسبيحهم ، بل المقتضى لذلك عموم الجود ، وهذا المعنى قائم فى حق القسم الرابع فى الوجود.

وثانيها أن هذا القسم وإن اشتمل على الفساد بسبب الشهوة ، وعلى سفك الدماء بسبب الغضب ، لكنه يكون مشتملا أيضا على التسبيح

والتحميد (١) بسبب ما فيه من العقل ، ويكون اشتغالهم بهذا (٢) الخير أكثر من اشتغالهم وإقدامهم على ذلك الشر ، وترك الخير الكثير لأجل الشر القليل شر كثير (١٢ ، فلأجل هذا وجب فى الحكمة إيجاد هذا القسم.

وثالثها أن الملائكة القدسية والمعارف الإلهية حاصلة للملائكة لكن الشوق إلى الحق غير حاصل لهم ، ومقام الشوق مقام شريف ، فوجب فى الحكمة إدخال الطبيعة البشرية فى الوجود تحصيلا لهذا المقام.

وبيان أن الشوق (١٣ غير حاصل للملائكة ، إن الشوق لا يتصور إلا إلى شيء صار مدركا من وجه غير مدرك من سائر الوجوه ، فإن الّذي ما أدركه الإنسان بوجه من الوجوه لم يشتق إليه ، وأما الّذي أدركه بكماله وتمامه فإنه لا يشتاق إليه ، لأن الشوق طلب ، وطلب الحاصل محال.

غير أن الشوق إلى المحبوب يقع على وجهين :

أحدهما أنه إذا راه ثم غاب عنه بقى فى خياله آية تلك الصورة المحبوبة ، فاشتاق الروح أن ينقل الأثر من عالم الخيال إلى عالم الحس.

وثانيهما أن يرى وجه محبوبه أى ذاته ، لكنه ما رأى باقى محاسنه فيشتاق إلى أن ينكشف له ما لم يره.

إذا عرفت هذا ، فنقول : أما الوجه الأول من الشوق فذلك إنما يمكن فى حق من يدرك شيئا ، ثم يغيب عنه ، وهذا فى حق الملائكة

__________________

(١) فى المخطوطة : التوحيد

(٢) أيضا : لهذا

غير اصل ، لأن معارفهم دائمة حاضرة بريئة عن طبيعة القوة والاستعداد ، فلا يتبدل عرفانهم بالغفلة ولا حضورهم بالغيبة وهذا هو المراد من قوله سبحانه : «يسبحون الليل والنهار لا يفترون» (١٤. ومن قوله عليه‌السلام : «إنه من الملائكة قائمون لا يركعون وراكعون لا يسجدون ، ،. فامتنع أن يحصل لهم شوق من القسم الاول ، فإن حصل فذاك إنما يكون من القسم الثانى.

وأما البشر فهذان القسمان يمكن وقوعهما فى حقهم بالنسبة إلى المعارف الإلهية ، بل هما لا زمان لكل العارفين ضرورة.

أما القسم الأول فلأن الّذي يظهر للعارفين من الأمور الإلهية ، وإن كان فى غاية الوضوح والجلاء والإشراق ، إلا أنه يكون مشوبا بشوائب التخيلات ، فإن الخيالات [لا تقر فى] هذا العالم ولا تخلو (١) عن المحاكات والتمثيلات (الورقة ٢٥٨ ظ) وهى مكدرات لإشراق المعارف ولهذا قال عليه‌السلام (١٥ : «إنه ليغان على قلبى وإنى لاستغفر الله فى اليوم سبعين مرة» ـ وتمام التخيل لا يحصل إلا فى الآخرة ، وحيث تزول الخيالات وتبطل التمثيلات ، فهذا هو النوع الأول من الشوق إلى الله تعالى.

وأما القسم الثانى ، فاعلم أن الشوق الّذي يكون من هذا القسم غير متناه (٢) ، ولو أن العارف خلق فى أول حدوث العالم إلى الآن ، وسار بأسرع سير فى درجات المعارف الإلهية ، بل طار حول عرش الجلال أشد الطيران ، وبقى على هذه الحالة إلى آخر أوقات أهل الجنة

__________________

(١) فى المخطوطة : لا تخلوا

(٢) أيضا : غير متناهى

وأهل النار ، لكان الحاصل من طيرانه وسيره متناهيا ، ولكان الّذي بقى خارج وصوله غير متناه (١) ، وإذا كان كذلك ، ظهر أن القسم الأول من الشوق إلى الله ربما زال فى الآخرة ، وأما القسم الثانى فإنه البتة لا يزول ، بل كلما كان السير أشد والتوغل أكثر كان الشوق أعظم والظمأ أكمل وأعظم.

فإن قال قائل : الحق فرد مطلق منزه عن جميع أنحاء التركيبات ، والفرد إن عرف عرف بتمامه وإلا فلم يعرف ، فكيف يعقل فى حقه ما ذكرتم؟

قلنا : إنا نضرب لتحقيق كلامنا مثالا واحدا حتى يقاس عليه الباقى.

فنقول : هذا العالم الجسمانى الّذي هو الآن موجود مركب من الأجزاء التى لا تتجزأ عند طائفة عظيمة من العقلاء فلو قدرنا أنه تعالى خلق بحسب كل جزء ولا يتجزأ من هذا العالم ألف ألف عالم مثل هذا العالم ، ثم قدرنا أن تلك العوالم امتدت حتى صارت فى الرقة إلى الغاية التى لا تبقى منها ثخانة ، بل يصير الكل كالسطح الّذي ليس له ثخن عند من يثبت الجزء الّذي لا يتجزأ ثم قدرنا أنه كتب كاتب تلك الورقة العظيمة من نقوش رقوم الهندسة وأخذنا بحسب تلك الرقوم فى مراتب السنين ، فالعقل يعلم أنه لا سبيل للعقل إلى ضبط مقادير هذه السنين ولا إلى ضبط القليل منها (١٦.

ثم إنا نعلم إذا قايسنا من هذه المدر المتطاولة بالنسبة إلى معنى الأزل (١٧ كانت تضاهيه ، لأنها وإن طالت وعظمت وخرجت عن ضبط العقول

__________________

(١) فى المخطوطة : غير متناهى

والأوهام إلا أنها متناهية ، وحقيقة الأزلية غير متناهية ، ولا نسبة للمتناهى إلى غير المتناهى بوجه من الوجوه ، وعند هذا تعرف شمة من قولنا : أن العقول قاصرة عن اكتناه جلال الله تعالى ، إذا عرفت مثل هذا فى بقاء الله سبحانه فاعرف مثله فى معلوماته وفى مقدوراته وفى آثار حكمته.

فيثبت بما ذكرنا أن الشوق إلى الله تعالى مقام عال شريف المرتبة ، فهو أن كل ما كان لذيذا إذا بقى واستمر لم يبق لذيذا حال بقائه ، وكذا (١) إن كان مولما ، بل اللذة والألم لا يحصلان إلا عند الانتقال من أحد الجانبين إلى الجانب الآخر (١٨ ، والله أعلم.

ولنضرب لهذا مثالا ، وهو أن أحوال الخلق بالنسبة إلى الأغذية اللطيفة اللذيذة على ثلاثة أقسام :

الأول : حال الملوك المتنعمين المتوسعين فى كل الأشياء اللذيذة الطيبة ، فإنهم لما واظبوا على أكلها اعتادوها ، فلا جرم لا يلتذون بها كغيرهم.

وأما القسم الثانى : الذين ما أكلوا إلا الأطعمة الخشنة البشعة ، ولم يتفق لهم البتة تناول الأطعمة الطيبة ولا الأشربة ولا الملابس وغيرها.

وأما القسم الثالث : الذين فى أكثر الأمر يأكلون الأطعمة الخشنة البشعة (٢) وقد يتفق لهم فى بعض الأوقات تناول الأطعمة اللذيذة الطيبة فهؤلاء (الورقة ٢٥٩ و) لما ذاقوا الطيبات ثم لم يجدوها اشتاقوا إليها ،

__________________

(١) المخطوطة : كذى

(٢) أيضا : الشبعة

فإذا وجدوها اشتاقوا والتذوا بها التذاذا عظيما.

إذا عرفت هذا فنقول : الملائكة المقربون وإن كانت درجاتهم عالية فى العرفان ، إلا أنهم آمنون فى تلك الدرجات عن التغيرات فهم كالملوك المتنعمين المواظبين على أكل الطيبات ، فالملائكة وإن كانوا مواظبين على الاغتذاء بنور جلال الله والإغبار من نسيم روح الله إلا أنهم لم يبق لهم فترة فى هذه الحالة ولا انتقال من هذه الدرجة.

وأما الحيوانات العجم فحالهم بالنسبة إلى هذه اللذات كحال الفقراء المواظبين على الفقر والضر والبؤس والمسكنة ، ولم يبق لهم انتقال من هذه الأحوال الموذية إلى أحوال طبيعية ، فلا جرم لا يتألمون بتلك الأحوال التى هم عليها.

وأما الإنسان (١٩ فتارة يصير غرقا فى ظلمات علل الأجسام ، وتارة يتخلص منها إلى أنوار عالم القدس وسبحات سرادقات الجلال ، وينتقل تارة من الشدة إلى الرخاء ، واخرى من الياس إلى الرجاء ، فإذا انتقلوا من الظلمة إلى النور ومن الحجاب إلى الوصول عظم التذاذهم بذلك ويحصل لهم من اللذات والسعادات ما لا عين رأت ولا أذن سمعت (٢٠.

وهاهنا دقيقة أخرى ، وهى أن فى حق البشر إذا حصل الحضور بعد الغيبة كان ذلك الالتذاذ فى غاية القوة ، ثم إذا حصلت الغيبة بعد (١) الحضور مع علم العقل [ما فى الحضور والمشاهدة من السعادة (٢١] كان ذلك الألم فى غاية القوة ، فإذا تعاقبت هاتان الحالتان حصلت هناك آلام ولذات مختلفة مشبهة بالدغدغة الروحانية ، وهذا النوع من السعادة

__________________

(١) المخطوطة : بغير

والبهجة (كان) حاصلا للإنسان وغير حاصل للملائكة المقربين ، ولا لسائر الحيوانات أصلا ، فلا يبعد أن يكون هو المراد من قوله : (أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ) ، ذلك الوجه الرابع.

فى بيان الحكمة فى تخليق القسم الرابع ـ وهو الإنسان.

فنقول : إنه (١) بتخليق الملائكة ظهر من القدرة ، وذلك لأن كمال قوتهم يدل على كمال قدرة خالقهم ، وكمال عصمتهم يدل على ذلك أيضا.

أما تخليق البشر فإنه يدل على كمال الجود والرحمة ، أما كمال الجود فلأنه لا مناسبة بين التراب وبين جلال رب الأرباب ـ ثم أن الحق برحمته التامة وجوده الكامل جعل التراب صفة الذرة الحاملة للأضواء الإلهية والأنوار الصمدية.

وأما كمال الرحمة فلأنه مع أنه مركب من الشهوة والغضب والأخلاق الذميمة أو دع قلبه نور العرفان وعلى لسانه ذكر التوحيد ، وجعل عينيه طريقا لرؤية دلائله وأذنيه محلا لسماع كلامه ـ فالملائكة (٢) بهم ظهر من القدرة والحكمة ، والبشر بهم ظهر الجود والرحمة.

التقسيم الثانى : أن نقول : الموجود إما أن يكون موجودا لا أول له ولا أخر له ، وهو الخالق تعالى وتقدس ، أو موجودا له أول وله آخر وهو الدنيا ، أو موجودا له أول ولا آخر له ، وهو الأرواح البشرية والدار الآخرة ، وأما الرابع وهو الّذي لا أول له وله آخر ، فهذا ممتنع فى الوجود لأن ما ثبت قدمه امتنع عدمه.

__________________

(١) المخطوطة : ان

(٢) أيضا : بالملائكة

وإذا ثبت هذا ظهر من المشابهة بين الأرواح البشرية وبين الدار الآخرة أكثر ما بينها وبين الدنيا. وظهر أن العبد (كان) كفؤا للآخرة لا كفؤا للدنيا ، والكفاءة معتبرة فى الارواح فيجب أن تكون رغبة الإنسان فى السعادات (الورقة ٢٥٩ ظ) الروحانية الأخروية أكثر من رغبته فى السعادات العاجلة.

التقسيم الثالث المخلوقات على ثلاثة أقسام (٢٢ :

إما كاملة لا يتطرق النقصان إليها وهم أصحاب العالم العلوى ، أجسادهم السماوات وقلوبهم الكواكب ، وأرواحهم الملائكة المقربون الطاهرون المطهرون.

وإما ناقصة ولا يتطرق إليها الكمال وهى الحيوانات سيما الجن والشياطين والنبات والمعادن ،

والقسم الثالث وهم الذين يكونون تارة كاملين وتارة ناقصين ، فإن صاروا فى حد الكمال كانوا مع الملائكة المقربين معتكفين على عتبات عزة الله تعالى ، مواظبين على ذكر جلال الله متفكرين فى معارج آلاء الله ، متوكلين على فيض فضل الله ، مستغرقين فى محبة الله تعالى ، وتارة ينزلون إلى أفق البهائم ومقامى الشهوة والغضب. أما فى مقام الشهوة فتارة يكونون كخنزير اجيع ثم أرسل على النجاسات يأكلها ، وتارة كالذباب الّذي كلما ذب مال إلى القاذورات ، وأما فى مقام الغضب فتارة كالكلب العقور ، وأخرى كالجمل الصئول ، وثالثا كالنار المحرقة والسيول المغرقة ، فهو مع أنه شخص واحد يصدق عليه انه ملك نورانى وشيطان ظلمانى ، وخنزير حريص ، وحمار صبور ، وكلب نابح ، وثعلب رواغ ،

حيث لا شك أن شخصا واحدا يظهر منه هذه الآثار المتناقضة والاحوال المتباينة مما يدل على قدرة قاهرة وحكمة غير متناهية.

واعلم أن الانسان (٢٣ الموصوف بهذه الصفات بعث إلى هذه الدار ليكون مسافرا. قال أمير المؤمنين على : (٢٤ الناس على سفر والدنيا دار ممر ، لا دار مقر ، وبطن أمه مبدأ سفره ، وزمان حياته مقدار مسافته ، وسنوه منازله ، وشهوره فراسخه وامياله ، وأيامه وأنفاسه خطأه ، والآخرة مقصده يسار به سير السفينة براكبها ، وقد دعى إلى دار السلام كما قال تعالى : (وَاللهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ) (٢٥. ثم إن دار السلام أشرف البقاع ، قال تعالى : (جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) (٢٦.

الفصل الثانى

فى تقرير ما سلف بطريق آخر أقرب إلى التحقيق

اعلم أن الموجودات بحسب القسمة العقلية على أربعة أقسام ، لأنها :

١ ـ إما أن يؤثر ولا يتأثر البتة بوجه من الوجوه ،

٢ ـ وإما أن يتأثر ولا يؤثر بوجه من الوجوه ،

٣ ـ وإما أن يؤثر ويتأثر معا ،

٤ ـ وإما أن لا يؤثر ولا يتأثر البتة ،

فهذه أقسام أربعة لا مزيد عليها.

أما القسم الأول وهو الّذي يؤثر ولا يتأثر البتة ، فهو الحق سبحانه وتعالى لأنه واجب الوجود لذاته ولحقيقة هويته (١ ، وكلما

كان واجبا لذاته كان واجب الوجود من جميع اعتباراته لأن ذاته المخصوصة إن كفت ذلك الإيجاب وذلك السلب ، دام ذلك الإيجاب وذلك السلب لدوام ذاته ، وإن لم تكف فحينئذ يتوقف حصول ذلك السلب وذلك الإيجاب على اعتبار حال الغير ، وتتوقف هويته على حصول ذلك الإيجاب أو ذلك السلب ، والمتوقف على المتوقف على الغير متوقف على الغير ، فحقيقته الموصوفة متوقفة على ذلك الغير الخارج ، والمتوقف على الغير ممكن لذاته ، والممكن لذاته لا يوجد إلا بإيجاد الواجب لذاته ، وللإيجاد تاثير فهو من حيث أنه مستقل بذاته لا يقبل الأثر (الورقة ٢٦٠ و) عن غيره ، كان قائما بنفسه ، ومن حيث أنه يؤثر فى كل ما سواه ويوجد كل ما يغايره فإنه مقوم لغيره ، والقائم بذاته المقوم لغيره يكون فى أعلى (١) درجات القيام بالذات ، واسم ما يكون بهذه الصفة هو صفة القيوم (٢ ، لأنه مبالغة من القيام ، فثبت أنه لما كان الحق سبحانه مؤثرا لا يتأثر كان قيوما محضا ، فلهذا السر اتفق المحققون على أنه أعظم آية فى كتاب الله تعالى هو قوله : (اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ) (٣.

وأما القسم الثانى وهو الموجود الّذي يتأثر ولا يؤثر فهو الهيولى ، فقد صح عندنا أن هيولى هذا العالم الجسمانى هو الأجزاء التى لا تتجزى (٢) ، وعند غيرنا هيولى الأجسام موجود ليس بمتحير ، وصورتها (٣) هى التحيز والحجمية.

__________________

(١) المخطوطة : اعلا

(٢) أيضا : لا تتجزى

(٣) أيضا : صورتهما

إذا عرفت هذا ، فنقول : تلك الأجزاء من حيث هى هى ليست حارة ولا باردة ولا رطبة ولا يابسة ولا مجتمعة ولا مفترقة ، بل هى قابلة لهذه الصفات ولهذه الأحوال.

وتلك الأجزاء تسمى عند بعضهم الهيئات ، وليس فيها إلا مجرد القبول والطاعة والانقياد ، ولما كان الوجود بإعطاء الجود لا يصح إلا من الموجود ، وكان القبول والتأثر لا يحصل إلا عند حصول العدم ، لا جرم قيل فى الكتاب الإلهي : (اللهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَراءُ) (٤.

إذا عرفت هذا ، فنقول : إن الوجود أشرف من العدم ، ولهذا السبب كان أشرف الموجودات المؤثر الّذي لا يتأثر ، وهو الله سبحانه وتعالى ، وأخسها المتأثر الّذي لا يؤثر وهو الهيولى.

وأما القسم الثالث : وهو الّذي يؤثر ويتأثر معا فهو عالم الأرواح والنفوس ، وذلك لأنه لما ثبت أن واجب الوجود ليس إلا الواحد ثبت أنه كل ما سوى الواحد ممكن لذاته ، وكلما كان ممكنا لذاته ، فإنه لا يوجد إلا بإيجاد غيره ، وذلك الشيء فقد قبل الأثر من ذلك الغير. فثبت أن الأرواح قابلة للأثر من الغير ، وأما انها مؤثرة ، فمنهم من قال لا مؤثر إلا الواحد ، وذلك لأن الممكنات مشتركة فى معنى الإمكان ، ومعنى الإمكان محوج إلى المؤثر ، فأما ان يحوج إلى مؤثر معين فى نفسه أو إلى مؤثر غير معين فى نفسه ، والثانى محال ، لأن ما لا يكون معينا فى نفسه لم يكن موجودا فى نفسه ، وما لا يكون موجودا فى نفسه استحال ان يكون معطيا للوجود لغيره ، ولما بطل هذا (فلا بد من أن يثبت) الأول ، وهو أن

الإمكان محوج إلى شيء معين فى نفسه ، وكل ممكن فهو محتاج إلى ذلك المعين فلا مؤثر الا الواحد.

ثم إن هؤلاء قالوا : الأرواح مغيرات لا أنها مؤثرات ، وقال آخرون الأرواح مؤثرة فى عالم الاجسام مدبرة لها متصرفة فيها ، ونصروا هذا القول بوجوه فلسفية وشيدوها برموز نبوية ، فإنه تعالى قال : فى صفة الملائكة : (فَالْمُقَسِّماتِ أَمْراً) وقال : (فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً) (٥.

إذا ثبت هذا ظهر على كلى القولين أن عالم الأرواح متوسط بين العالم الالهى والعالم الجسمانى متوسطا لا بالحيز والجهة بل بالشرف والرتبة ، فهى من حيث أنها مؤثرة فى الجسمانيات (ما) كانت أدون منها. فلا جرم كانت هذه الدرجة متوسطة بين الدرجتين الاوليين.

إذا عرفت هذا فنقول : إن الروحانيات (٦ مراتب ودرجات فأعلاها مرتبة وأجلها درجة الذين (الورقة ٢٦٠ ظ) يكونون مستغرقين فى نور جلال الربوبية استغراقا تاما بحيث لا يتفرغون مع ذلك الاستغراق لتدبير العالم الجسمانى ، فطعامهم التوحيد ، وشرابهم التفريد والتمجيد ، استغرقوا فى أنوار جلاله ولم يتفرغوا للشيء سوى الله وهؤلاء هم الملائكة المقربون ، وقد عبر الكتاب الالهى عن هذه المرتبة بقوله : (وَمَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ) الآية (٧.

ثم إن لهذا القسم من الروحانيات درجات فى العرفان لا نهاية لها ، ولا يعرفها إلا الله ، لأنا بينا أن أنوار جلال الله لا نهاية لها ، فكذلك درجات العارفين فى العرفان أيضا لا نهاية لها.

ثم أنه لما كان لا صفة لهذا القسم من الروحانيات إلا الاستغراق فى المعارف الإلهية وتعقل تلك الجلالات الصمدية ، لا جرم سمى الحكماء الإلهيون لهذا القسم من الأرواح بالعقول المحضة ، لأنها وإن كانت جواهر قائمة بأنفسها ، إلا أنها لكثرة تعدادها وشدة معارفها صاروا كأنهم عين تلك التعقلات ، ونفس تلك الإدراكات.

فإن قال قائل : فعلى ما تقولونه انتم؟ لم يبق لهذا القسم من الروحانيات إلا قبول الوجود عن الحق ، وقبول القدسية عن أضواء للوائح لجلال الحق ، وكل ذلك انفعال وتاثير ، فأين الأثر والفعل؟

قلنا : إنها وإن كانت مستغرقة فى تلك التعقلات الإلهية للأضواء الصمدية ، إلا أنه لا يبعد أن تفيض عنها آثارها إلى عالم الأرواح أو على الأجرام الفلكية ، فيضان النور عن الشمس والحياة عن الروح ، وبهذا التقدير أنها تكون فعالة لا يبعد أن تكون مرتبة من مراتب تلك النفوس المشرقة ، اذا كانت أدنى حالا من غيرها ، فإنها تقبل تلك الأضواء عن ذلك الغير الّذي هو أكمل منها (١) ، كما أن الشمس والقمر ، وإن كانا فى العالم الجسمانى جوهرين علويين شريفين (٢) ، إلا أن القمر لما كان أضعف حالا من الشمس لا جرم صار يقبل النور عنها ، ثم أنه بعد قبول ذلك النور عن الشمس يصير فياضا على العالم الأرضى السفلى ، ولا يبعد ان يكون حال الروحانيات هكذا.

وأما الدرجة الثانية من عالم الأرواح والنفوس فهم الذين التفتوا

__________________

(١) المخطوطة : منه

(٢) أيضا : سريعين

إلى تدبير عالم الاجسام ، وما توغلوا فى الاستغراق فى الحنين إلى الصمدية ، بحيث يذهلهم ذلك عن الالتفات إلى أفق الأسفل الجسمانى ، وإن هذا القسم أيضا متفاوت (١) فى الشرف ، فكل من كان تعقله لجسم أشرف وأقوى كان هو فى نفسه أعلى وأبهى.

ولما كان أعظم الموجودات فى الأفق الجسمانى هو العرش (٨ كان أقوى الأرواح المتعلقة بتدبير الأجسام هو الروح المتصرف فى كرة العرش ، ولا يبعد أن يكون هو المسمى بالروح الأعظم (٩ ، ولا يبعد أن يكون له قوى وفروع تلبث فى جنبات تلك الكرة ، وأن يكون لتلك الفروع فروع أخرى ، والإشارة إلى تلك الفروع فى قوله : (وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ) (١٠. والإشارة إلى فروع الفروع بقوله : (وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ) (١١.

ثم يليه فى الدرجة الروح المتصرف فى الكرسى ، كما قال : (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) (١٢.

ثم تليه الأرواح (٢) المدبرة بكرة زحل ، ثم بسائر كرات السموات وأجرام الكواكب على اختلاف درجاتها ومراتبها ، حتى ينتهى إلى الأرواح (٣) المدبرة لكرة القمر ثم لكرة الهواء ثم الماء والبحار والأرض وجبالها ، وكل ما ذكرناه على وفق كلام صاحب الشرع ، فإنه كان (الورقة ٢٦١ و) يقول : «جاءنى ملك البحار» (١٣ ،

__________________

(١) المخطوطة : متفاوتون

(٢) أيضا : الروح

(٣) أيضا : الروح

فقال كذا وكذا (١) ، وملك الجبال وملك الرعد وخازن الجنة وخازن النار ، فهذا الّذي ذكرناه وشرحناه كما تقرر بالبرهان فقد تأكد بالوحى والقرآن.

واعلم أنك قد عرفت أن القسم الاول من اقسام الروحانيات أشرف من القسم الثانى (٢) ولا يبعد أن تسيح (١٤ من القسم الأول أنوار علوية شريفة على القسم الثانى فيقوى على تدبير هذه الأجسام بواسطة تلك الأنوار التى ساحت عليها من القسم الاول.

واعلم أنك بهذا الطريق الّذي بيناه يظهر لك أن عالم النفوس والأرواح ابتدأت بالأشرف والأشرف منحطا إلى الأدون فالأدون ، حتى بلغت أجزاء المراتب إلى الأرواح الأرضية وهى بالنسبة إلى الأرواح العامة كنسبة الأجساد الى الأجساد ، ثم إن الأرواح الأرضية هما بينها تتفاوت تفاوتا شديدا فى الشرف والدناءة ، فأعلاها وأشرفها الأرواح البشرية وتليها الأرواح البهيمية وتليها القوى النباتية ، وهى أيضا من جنس الارواح ، وهى آخر مراتب عالم الأرواح ، فهذا هو الكلام فى مراتب القسم الثالث وهو الموجود الّذي يؤثر ويتأثر معا.

وإنما القسم الرابع وهو الموجود الّذي لا يؤثر ولا يتأثر البتة ، فهذا ممتنع الوجود فى العقول ، لأنا لما دللنا على أن ما سوى الواحد الأحد الحق ممكن الوجود لذاته واجب لغيره لزم أن كل ما سوى ذلك الواحد أنه قبل الأثر عنه ، ووجد به ، فيكون عنه ، فكان هذا

__________________

(١) المخطوطة : كذى وكذى

(٢) أيضا : من قسم الثانى

القسم ممتنعا.

ومن الناس من يقول : الفضاء الّذي لا نهاية له ، والمدة التى لا نهاية لها من هذا القسم ، وفيه اسرار دقيقة غامضة (١) لا يليق ذكرها فى هذا الموضع.

الفصل الثالث

فى بيان مراتب الأرواح البشرية

اعلم أن الكلام فى تلخيص هذا المطلوب لا يتهذب إلا بتقديم مقدمة ، وهى أنا نعلم بالبداهة (٢) انا نحب شيئا ونكره شيئا. فنقول : إما أن يكون هاهنا شيء يكون محبوبا لذاته ، وشيء مكروها لذاته. وإما أن يقال أن كل شيء فإنما يكون محبوبا لاشتماله على شيء اخر. وإنما يكون مكروها لاشتماله على شيء آخر ، وهذا القسم الثانى باطل لا فضائه إما الى التسلسل (١ ، وإما إلى الدور (٢ ، وهما باطلان.

وهب أنا سلمنا صحة التسلسل والدور ، إلا انه (٣) على هذا التقدير لا يكون فى تلك السلسلة المادة ، والدائرة شيء يكون محبوبا فى نفسه ، فعلى هذا القول ، فإن كل شيء فانما يكون محبوبا لأجل اشتماله (٤) على شيء آخر. فوجب القول بأنه ليس هاهنا محبوب البتة ولا مكروه البتة ، لكنا قد بينا ان العلم البديهى حاصل

__________________

(١) المخطوطة : غميضه

(٢) أيضا : بالبديهة

(٣) أيضا : أن

(٤) أيضا : لاشتماله ، على هامش المخطوطة : لاجل اشتماله

بأن هاهنا محبوبا ومكروها. هذا خلف ، فثبت ان هاهنا من هو محبوب لذاته ، وشيء هو مكروه لذاته.

ثم أنا لما بحثنا وتأملنا لم نجد شيئا يمكن أن يقال إنه محبوب لذاته سوى اللذة والكمال. وفى الحقيقة لا فرق بينهما ، لأن يكون لذيذا يكون سببا لحصول كمال حال الملتذ ، وما يكون كمالا يكون لذيذا ، إلا أنا سمينا اللذيذ الجسمانى باللذة واللذيذ الروحانى (١) بالكمال.

وأيضا المكروه بالذات هو الألم والنقصان ، وفى الحقيقة لا فرق بينهما على ما تقدم تقريره فالكمال محبوب لذاته بذاته ، من حيث انه كمالى ، والنقصان مكروه بذاته لذاته من حيث انه نقصان.

ومما يقرر هذه (الورقة ٢٦١ ظ) المقدمة بعد ما سبق البرهان القاهر وجوه :

الأول ان الناقص اذا وصف بصفات المدح فرح به وان كان يعرف ان القائل كاذب ، والكامل اذا وصف بصفات الذم حزن ، وان كان يعلم كذب القائل ، وما ذاك الا لأن تصور حصول الكمال لذاته لذيذ ، وتصور خيال النقصان مكروه لذاته.

الثانى إنك متى سمعت فى اخبار رستم واسفنديار (٣ شدة شجاعتهما واستيلائهما على الاقران دخل فى قلبك حب شديد لهما ، ولهذا السبب صار القاص يجمع العوم بأمثال هذه الحكايات ستخرجون الأموال منهم بهذه الطرق ، وذلك يدل على ان الكمال محبوب لذاته.

الثالث انا اذا حاولنا صنعة التجارة طلبنا من انفسنا انا لم اقدمنا

__________________

(١) المخطوطة والروحانى.

على تعب هذه الحرفة ، قلنا انما اتخذنا لطلب المال ، فاذا قلنا : ولم طلبنا المال؟ قلنا : لنقدر به على تحصيل اللذات ، فاذا قلنا : لم طلبنا اللذات؟ (قلنا) : بل قضى عقلنا أن اللذة مطلوبة بذاتها ، فكذا (١) أيضا الكمال مطلوب لذاته.

واذا تقررت هذه المقدمة فنقول : الكمال إما ان يعز فى الذات او فى الصفات. اما الكمال فى الذات فهو ان يكون واجبا لذاته من حيث غير قابل للعدم والفناء بوجه البتة إلا ان تحصيل هذا الكمال محال لأن الشيء إما ان يكون واجبا لذاته أو لا يكون ، فان كان واجبا لذاته كان الوجوب للذات (٢) حاصلا. والحاصل لا يمكن تحصيله وإن لم يكن واجبا لذاته ، امتنع ان ينقلب واجبا لذاته ، وما يمتنع وجوده لا يكون مطلوبا.

فثبت أن الكمال الحاصل بسبب الوجوب الذاتى ممتنع ان يكون مطلوبا ، بل الممكن لذاته لا يصير موجودا الا بسبب غيره ، وكلما كان موجودا لغيره كان واجب الوجود عند وجود ذلك الغير ، فيكون ذلك الغير هو الّذي به يتم وجوب وجوده. ولما كان وجوب الوجود محبوبا بالذات ، فما يكون سببا لذلك الوجود يكون أيضا محبوبا ، فلهذا المعنى كل ما كان سببا لوجود الشيء ولبقائه على افضل احواله الفاضلة كان محبوبا بالذات ، وكل ما كان سببا لعدم الشيء فى نفسه ولعدم أحواله الفاضلة كان مكروها بالذات.

__________________

(١) المخطوطة : فكذى

(٢) أيضا : الذات

ولما كان الحق سبحانه وتعالى واجب الوجود لذاته كان محبا لذاته ومحبوبا لذاته.

ولما كان من لوازم ذاته فيضان الممكنات عنه ، وقد بينا أن لوازم المحبوب محبوبة ، كانت أفعاله محبوبة ، فلهذا السبب قال : (يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ) (٤. لما سمع بعض مشايخ الصوفية هذه الآية قال : إنه وإن أحبهم فهو بالحقيقة ما أحب إلا نفسه (٥.

واما الكمال فى الصفات فلما تاملنا لم نجد من هذا الجنس شيئا سوى العلم والقدرة ، فالعلم لما كان كمالا لذاته كان محبوبا لذاته.

إذا عرفت هذا فنقول : الأرواح البشرية ، لما عرفت انه لا سبيل لها إلى تحصيل الوجوب بالذات طمعت فى تحصيل الوجوب بالغير ، فلا جرم كل ما كان سببا لحياة الإنسان ولبقائه كان محبوبا له بالذات. وكل ما كان سببا لموته ولفنائه كان مكروها له بالذات.

وأما الكلام بالعلم والقدرة (الورقة ٢٦٢ و) ، فقد عرفت ، ان الارواح البشرية لها انها قابلة ، ولها انها فاعلة ، فإذا توجهت إلى العالم الإلهي كانت قابلة ، وإذا توجهت إلى العالم الهيولانى الجسمانى كانت فاعلة.

فأما كونها قابلة من العالم الإلهي ، فتارة تكون قابلة للوجود ، وتارة تكون قابلة للجلايا القدسية والصور الروحانية ، وهى العلوم.

وأما كونها فاعلة فى العالم الهيولانى ، فذاك لكونها متصرفة فى هذا العالم بالتركيب والتحليل على مقتضى الإرادة. ولما كان لا نهاية لمراتب العلم والقدرة فذلك لا نهاية لمراتب حب الإنسان بهذين الأمرين ،

ولا نهاية للخوض على تحصيل هذين المطلوبين ، لكنه يمتنع أن يحصل للإنسان علوم لا نهاية لها وقدرة على مقدورات لا نهاية لها. بل العلوم الحاصلة للأرواح البشرية وإن كثرت فهى متناهية ، والقدرة على الموجودات الهيولانية وإن كثرت فهى متناهية ، لا جرم لا تنتهى النفس الإنسانية فى العلم والقدرة إلى درجة إلا وكان الحاصل منها أمورا (١) غير متناهية ، لا جرم امتنع خلو جوهر النفس عن الحرص والطلب ، فحرص الإنسان على طلب المال ليس إلا انه يريد تحصيل القدرة على الجمادات ، وحرصه على طلب الجاه ، ليس إلا انه يريد تحصيل القدرة على أرواح العقلاء ، وحرصه على منازعة الأشكال ، ومصارعة الأبطال ليس إلا انه يريد أن يكون قادرا ويكره أن يكون (٢) مقدورا (٣) ، كل ذلك راجع إلى أصل القدرة التى هى صفة الكمال.

ولو أن الإنسان صار نافذ الحكم على بلدة واحدة دعته نفسه إلى أن يصير نافذ الحكم فى الإقليم ، ولو وجد ذلك دعته نفسه إلى أن يصير نافذ الحكم فى الأقاليم والبحار والجبال ، بل ربما دعته نفسه إلى التعلق بأجرام الأفلاك والكواكب ، بل قد لا يقصد ذلك لعلة تتعذر هذه القدرة عليه ، فامتناع الإنسان عن هذا الطلب يكون لقيام المانع لا لعدم المقتضى.

__________________

(١) المخطوطة : امور

(٢) أيضا : تكون

(٣) أيضا : مقدورات

ثم هاهنا دقيقة أخرى ، وهى أن الإنسان قبل وجدان لذة القدرة والمملكة لا يكون عظيم الرغبة فى تحصيل هذه الحالة ، فإذا ذاقها والفها ازداد تشوقه إلى تحصيلها ورغبته فى الوصول إليها والازدياد منها ، لأن مثاله فى هذا الحب مثال الذوق ، مثاله من سمع اسم امرأة جميلة فعشقها بمجرد سماع الاسم وما رآها ، ثم إذا ذاق لذة النفاذ والمملكة كان أحب امرأة على أنه رءاها وارتضاها والتذ بمخالطتها ، فأما تلك المخالطة مما تقوى العشق فى جوهر الروح ويزيد العاشق حرصا على المخالطة ، فكذلك هاهنا كلما كان وصوله إلى المراتب العالية فى الدولة والمملكة أكثر كان حرصه على الازدياد منها أقوى وأكمل ، فثبت بما ذكرنا انه لا نهاية لحرص الإنسان على طلب العلم وعلى طلب القدرة ، وثبت ان جملة العالم الجسمانى (١) متناهية ، فلو قدرنا إنسانا واحدا استولى عليه بكليته لكان الحاصل عنده مملكة متناهية.

وقد بينا أنه يطلب قدرة غير متناهية ، فثبت أن الإنسان الواحد لو قدر على كل العالم الجسمانى لم يسكن عن طلب الازدياد ، ولو حصل عند الإنسان علم بجميع ما دخل فى الوجود لكان حرصه على طلب العلم باقيا ، لما بيناه ان الحاصل عنده من مراتب القدرة والعلم (مقدور متناه) (٢) ويكون الغائب عنه مقدورا (٣) غير

__________________

(١) المخطوطة : الجسمانية

(٢) أيضا : بياض طويل ، وعلى الهامش : «متفاوتا متناهيا»

(٣) أيضا : مقدور

[متناه] (الورقة ٢٦٢ ظ) فلهذا السبب قال صاحب الشريعة صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «منهومان لا يشبعان طالب علم وطالب دنيا» (١٦.

إذا عرفت هذا فنقول : أما تحصيل القدرة على التصرف فى الأفق الأسفل (١) وهو العالم الجسمانى ، فهو وإن كان كمالا إلا انه يلزمه أمر محذور (٢) ، وهو أن قدرة النفس على التصرف فى العالم الجسمانى مشروط ببقاء تعلق النفس بالجسد ، ثم هذا التعلق منقطع ، وعند انقطاعه تزول تلك القدرة بزوال المعشوق بعد طول الإلف به زوالا لا يسكنه (٣) تحصيله ، يوجب البلاء العظيم والشوق المعلق المهلك ، فلأجل الحذر عن الوقوع فى هذا المحذور صار هذا المطلوب مرغوبا عنه.

وأما اشتغال النفس بطلب كمال العلم فهو لذة فى الحال وسعادة فى الاستقبال ، وذلك لأن تصرف النفس فى العالم الجسمانى مشروط بتعلق النفس بالبدن.

أما قبول النفس للجلايا القدسية (٧ والمعارف الإلهية ، فغير موقوف على تعلق النفس بالبدن ، بل هذا التعلق كالعائق عن حصول كمالها ، فإذا انقطع هذا التعلق اشرقت تلك الجلايا الالهية ، فثبت بما ذكرنا أن التوجه إلى الافق الأعلى لطالب قبول الجلايا الالهية يوجب الكمال فى الحال والاستقبال.

__________________

(١) المخطوطة : الاعلى ، وعلى الهامش : «لعله الاسفل»

(٢) أيضا : محدود

(٣) أيضا : لا يمكنه

وأما التوجه إلى الافق الأسفل لأجل حصول الاستيلاء على العالم الجسمانى ، فهو وإن كان يوجب لذة فى الحال ، إلا أنه يوجب الألم العظيم بعد الموت ، فلهذا السبب أطبق العقلاء على أنه يجب على كل العقلاء أن يشتغلوا بتوجه الروح إلى العالم الأعلى ولصرفها عن العالم الأسفل ، فإن المتوجهين إلى عالم القدس وجدوا بقاء بلا فناء وعزا بلا ذل ولذة بلا ألم وأمنا بلا خوف.

إذا عرفت هذا ظهر ان النفوس (٨ على ثلاثة أقسام (١) :

فأعلاها درجة المتوجهين إلى العالم الالهى المستغرقين (٢) فى تلك الأنوار الصمدية والمعارف الالهية ، وهم المسمون فى القرآن تارة بالسابقين حيث قال : (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ ، أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ) (٩ وتارة بالمقربين حيث قال : (فَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ) (١٠.

والدرجة الوسطى هى النفوس التى لها التفات إلى العالمين ، فتارة تترقى إلى العالم الأعلى بالعبودية والخضوع ، وتارة تنزل إلى العالم الأسفل بسبب التدبير والتصرف ، وهم أصحاب الميمنة والمقتصدون.

والدرجة الثالثة هم المتوجهون إلى العالم الأسفل ، المتوغلون فى طلب لذاته ، وهم أصحاب الشمال والظالمون.

فالعلم الهادى إلى طريق المقربين هو علم الرياضة الروحانية ، والعلم الهادى إلى طريق أصحاب اليمين هو علم الأخلاق.

__________________

(١) المخطوطة : اقسام ثلاثة.

(٢) أيضا : المستغرقون

الفصل الرابع

فى البحث عن ماهية جوهر النفس

اعلم أن الّذي يشير إليه كل أحد بقوله : «أنا جئت» ، يقول : «أنا انصرف» و «أنا سمعت» و «أنا فهمت» و «أنا فعلت» شيء غير هذه البنية (١ الظاهرة المحسوسة ، ويدل عليه المعقول والمنقول.

أما المعقول فمن وجوه : الأول أن نقول النفس واحدة ، ومتى كانت واحدة وجب أن تكون مغايرة لهذا البدن ولكل واحد من أجزائه.

أما المقدمة الأولى ، وهو قولنا : إن النفس واحدة فنحن هاهنا بين مقامين ، تارة ندعى العلم البديهى ، وتارة نقيم البرهان على صحة هذا المقام.

أما الأول وهو ادعاء البديهية ، فنقول : المراد من النفس ما إليه يشير كل أحد إلى ذاته المخصوصة بقوله (الورقة ٢٦٣ و) : «أنا» ، وكل أحد يعلم بالضرورة ، إذا أشار إلى ذاته المخصوصة بقوله : «أنا» فإن ذلك المشار إليه واحد غير متعدد.

فإن قيل لم لا يجوز أن يكون ذلك الشيء المشار إليه واحدا ، إلا أنه مركب من أشياء كثيرة : قلنا : إنه لا حاجة بنا فى هذا المقام إلى إبطال هذا السؤال ، بل نقول المشار إليه بقوله : «أنا» ، معلوم بالضرورة انه شيء واحد ، فأما ان ذلك الواحد ، هل هو واحد مركب من أشياء كثيرة ، أم هو واحد فى نفسه وذاته وحده وحقيقته مما لا

حاجة إليه فى هذا المقام البتة.

وأما المقام الثانى وهو مقام الاستدلال والّذي يدل على توجه النفس وجوه :

الأول إن الغضب عند بقائه يحدث عند محاولة دفع المنافى ، وطلب الملائم مشروط بالشعور بكون الشيء ملائما ومنافيا.

فالقوة الغضبية التى هى قوة دافعة للمنافى (١) على سبيل الاختيار والقصد ، لأن القصد إلى الجذب تارة وإلى الدفع أخرى ، مشروط بالشعور بالشيء ، فالشيء المحكوم عليه بكونه دافعا للمنافى على سبيل الاختيار لا بد وأن يكون من وجه له شعور وبكونه منافيا ، والّذي يغضب لا بد وأن يكون هو بعينه مدركا ، والّذي يشتهى لا بد وأن يكون بعينه مدركا. فثبت بهذا البرهان أن الادراك والغضب والشهوة صفات ثلاثة لذات واحدة لا أنها صفات متباينة فى محال مختلفة

الحجة الثانية أنا إذا فرضنا جوهرين مستقلين يكون كل واحد منهما يستقل بفعله الخاص ، امتنع أن يكون اشتغال أحدهما بفعله الخاص به مانعا للآخر من الاشتغال بفعله الخاص به.

وإذا ثبت هذا ، فنقول : لو كان محل الفكر جوهرا ومحل الغضب جوهرا ثانيا ومحل الشهوة جوهرا ثالثا (٢) وجب أن لا يكون اشتغال القوة الغضبية بفعلها مانعا للقوة الشهوانية من الاشتغال بفعلها ولا بالعكس ، لكن التالى باطل ، فإن اشتغال الإنسان بالشهوة والصبابة

__________________

(١) المخطوطة : للمبانى

(٢) أيضا : ثانيا

إليها يمنعه من الاشتغال بالغضب والانصباب إليه وبالعكس ، فعلمنا أن هذه الأمور الثلاثة ليست مبادئ مستقلة بل هى صفات مختلفة لجوهر واحد ، فلا جرم كان اشتغال ذلك الجوهر بأحد هذه الأفعال مانعا له عن الاشتغال بالفعل الأخر.

الحجة الثالثة أنا إذا ادركنا شيئا فقد يكون الإدراك سببا لحصول الشهوة ، وقد يصير سببا لحصول الغضب ، فلو كان الجوهر المدرك مغايرا للذى يغضب والّذي يشتهى ، فحين أدرك صاحب الإدراك لم يكن ولا خبر عند صاحب الشهوة ولا عند صاحب الغضب ، فوجب أن لا يترتب (١) على هذا الإدراك إلا حصول الشهوة ، وهو حصول الغضب وحيث حصل هذا الترتيب علمنا أن صاحب الإدراك بعينه هو صاحب الشهوة ، وهو أيضا صاحب الغضب.

الحجة الرابعة : حقيقة الحيوان أنه جسم دون نفس ، حساسة متحركة بالإرادة ، فالنفس لا تمكن أن تتحرك بالإرادة إلا عند حصول الداعى ، ولا معنى للداعى إلا الشعور بخير يرغب فى تحصيله ، أو شر يرغب فى دفعه ، فهذا يقتضي أن يكون المتحرك (٢) بالإرادة هو بعينه حاسا بالخير والشر والمؤذى والمضر.

فثبت بما ذكرنا أن النفس الإنسانية شيء واحد ، وثبت أن تلك النفس هى المبصرة والسامعة والشامة والذائقة واللامسة ، وهى الموصوفة بعينها بالتخيل والفكر (الورقة ٢٦٣ ظ) والتذكر وتدبير البدن واصلاحه.

__________________

(١) المخطوطة : لا ترتب

(٢) أيضا : المحرك

إذا عرفت هذا فلننتقل إلى إثبات المقدمة الثانية وهى أنه لما كان الأمر كذلك لم يكن النفس هذا البدن ولا شيئا من أجزائه.

أما أن النفس يجب أن لا يكون جملة هذا البدن فلأنا علمنا بالضرورة أن القوة الباصرة غير سارية فى جملة أجزاء البدن ، وكذا (١) القوة السامعة والذائقة والشامة ، وكذا (٢) القول فى القوة الفكرية والذكرية والمتخيلة وكذا (٣) القول فى الشهوة والغضب. والعلم بأن هذه القوى غير سارية فى جميع أجزاء البدن ، علم بديهى اولى بل هو من أقوى البديهيات واجلها واجلاها.

وأما أن النفس يجب أن لا يكون عبارة عن شيء من أجزاء هذا البدن ، فالدليل عليه أنا نعلم بالضرورة أنه ليس فى البدن جزأ واحدا هو بعينه موصوف بالأبصار ولا بالسماع وبالذوق وبالفكر وبالذكر ، بل الّذي يتنادى فى أول الأمر إلى الخاطر أن الابصار مخصوصة بالعين وكذا (٤) القول فى سائر الإدراكات وسائر الأفعال.

وإما أن يقال أنه حصل فى البدن جزء واحد ، ذلك الجزء هو مخصوص بكل هذه الادراكات ، وكل هذه الأفعال. فالعلم الضرورى حاصل بأنه معدوم ، فثبت أن النفس الإنسانية شيء واحد موصوف بهذه الإدراكات وبجملة هذه الأفعال ، فثبت بالبداهة (٥) أن جملة البدن ليس كذلك ، وشيء من أجزاء البدن أيضا ليس كذلك ، فحينئذ يحصل اليقين ان النفس شيء مغاير لهذا البدن ولكل (٦) واحد من أجزائه ،

__________________

(١) المخطوطة : كذى

(٢) المخطوطة : كذى

(٣) المخطوطة : كذى

(٤) المخطوطة : كذى

(٦) المخطوطة : كذى

(٥) أيضا : بالبديهة

وهو المطلوب.

ولنقرر هذا البرهان بعبارة أخرى ، فنقول : إنا نعلم بالضرورة أنا إذا أبصرنا شيئا عرفناه وإذا عرفناه اشتهيناه أو كرهناه ، فإذا اشتهيناه حركنا أبداننا إلى القرب منه فلا بد من القطع بأن المبصر لذلك الشيء والعارف به والمشتهى له والمحرك إلى التقرب منه واحد ، إذ لو كان المبصر شيئا والعارف شيئا ثانيا (١) ، والمشتهى شيئا ثالثا والمحرك رابعا (٢) لكان الّذي ابصر لم يعرف والّذي عرف لم يشته ، والّذي اشتهى لم يحرك ، لكن من المعلوم أن ابصار شيء لا يقتضي كون شيء عالما (و) لا يقتضي كون شيء أخر شبيها له.

وأيضا فإنا نعلم بالضرورة أن الرائى للمرئيات «أنا» وإنى لما رأيتها عرفتها ولما عرفتها فقد اشتهيتها ولما اشتهيتها طلبتها ، وحركت الأعضاء إلى القرب منها ، ونعلم أيضا بالضرورة ان الموصوف بهذه الروية وبهذا العلم وبهذه (٣) الشهوة وبهذا التحريك شيء واحد لا أشياء كثيرة.

فالعقلاء قالوا الحيوان لا بد وأن يكون حساسا متحركا بالإرادة ، وذلك لأنه إن لم يحس بشيء البتة لم يشعر بكونه ملائما وبكونه منافرا ، وإذا لم يشعر بذلك امتنع كونه مريدا للجذب أو للدفع ، فثبت أن الشيء الّذي يكون متحركا (٤) بالإرادة فإنه بعينه يجب أن يكون حساسا ، وثبت ان المدرك بجميع الإدراكات والمباشر لتحريك جميع الأعضاء شيء

__________________

(١) المخطوطة : وبكل

(٢) أيضا : تابعا

(٣) أيضا : وبهذا

(٤) أيضا : محركا

واحد فى الإنسان ، لأنا إذا تكلمنا فقد عقلنا أولا معنى ، ثم أردنا أن نعرف غيرنا ذلك المعنى ثانيا ، ثم انا باختيارنا أدخلنا تلك الحروف والأصوات ثالثا لنعرف غيرنا بواسطة (الورقة ٢٦٤ و) تلك الحروف والأصوات تلك المعانى التى عرفنا.

إذا ثبت هذا فنقول : إن كان محل العلم والإدراك هو بعينه محل تلك الحروف والأصوات لزم أن يقال أن محل العلوم والإدراكات هو الحنجرة واللهاة واللسان. ومن العلوم بالضرورة أن الأمر ليس كذلك

وإن قلنا : إن محل العلوم والإدراكات هو القلب ، ومحل الحروف والأصوات أيضا هو القلب ، فذاك أيضا معلوم البطلان بالضرورة.

وإن قلنا : إن محل الكلام هو الحنجرة واللهاة واللسان ، ومحل العلوم والإدراكات هو القلب والدماغ ، ومحل القوة هو الأعصاب والأوتار والعضلات كنا قد فرعنا هذه الأمور على الأعضاء المختلفة ، لكنا أبطلنا ذلك.

وقد بينا أن المدرك لكل المدركات بتلك (١) الإدراكات والمحرك لجميع الأعضاء بكل التحريكات بحيث أن تكون شيئا واحدا ، فلم يبق إلا أن يقال محل الإدراك فى البدن شيء سوى هذه الأعضاء ، وأن هذه الأعضاء جارية مجرى آلات وأدوات له ، فكما أن النجار يفعل أفعالا مختلفة بواسطة آلات مختلفة ، فكذلك النفس تبصر بالعين وتسمع بالأذن وتتفكر بالدماغ وتفعل بالقلب ، فهذه الأعضاء آلات للنفس و

__________________

(١) المخطوطة : تلك

ادوات لها ، وذات النفس جوهر مغاير لها مفارق عنها بالذات متعلق بها تعلق التصرف والتدبير.

وهذه الحجة برهان قاهر فى إثبات هذا المطلوب.

الحجة الثانية : لو كان الإنسان عبارة عن هذا الجسد لكان إما أن يقوم بكل واحد من الأجزاء حياة وعلم وقدرة وإرادة له بمجموع الاجزاء (أو لا) ، والقسمان باطلان ، فبطل القول بكون الإنسان عبارة عن هذا الجسد.

أما بطلان القسم الأول فلأنه يقتضي أن يكون كل واحد من أجزاء هذا البدن حيا عالما مريدا قادرا على سبيل الاستقلال ، فوجب أن لا يكون الإنسان (١) الواحد حيا واحدا قادرا وأحدا ، بل أحياء ، علماء ، قادرين (٢) ، وحينئذ لا يبقى بين الإنسان الواحد وبين أشخاص كثيرين من الناس ربط بعضهم ببعض بسلسلة واحدة. لكنا نعلم بالضرورة فساد هذا القول لأنى أجد ذاتى ذاتا واحدة وحيوانا واحدا لا حيوانات كثيرين لأن بتقدير أن يكون كل واحد من أجزاء هذا الجسد حيوانا على حدة ، فحينئذ لا يكون لكل واحد منها خبر عن حال صاحبه. فيجوز أن يريد هذا الجزء أن يتحرك إلى هذا الجانب ويريد الجزء الآخر أن يتحرك إلى جانب آخر ، فحينئذ يقع التدافع بين أجزاء البدن الواحد كما يقع بين الشخصين ، وفساد ذلك معلوم بالضرورة.

__________________

(١) المخطوطة : للانسان

(٢) أيضا : قادرون

وأما بطلان القسم الثانى فإنه يقتضي قيام الصفة الواحدة بالمحل الكثير ، وذلك معلوم البطلان بالضرورة ، ولأنه لو جاز حلول الصفة الواحدة دفعة واحدة فى المحال الكثيرة لجاز حصول الجسم الواحد دفعة واحدة فى الاحياز الكثيرة ، وذلك معلوم البطلان بالضرورة. ولأن بتقدير أن يحصل الصفة الواحدة دفعة واحدة فى المحال المتعددة ، فحينئذ يكون كل واحد من تلك الأجزاء حيا عالما قادرا فيعود الأمر إلى كون هذه الجثة الواحدة أناسا كثيرين لا إنسانا (الورقة ٢٦٤ ظ) واحدا ، ولما ظهر فساد هذين القسمين ثبت أن الإنسان ليس هو هذه الجثة.

فإن قالوا : لم لا يجوز أن يقال أنه تقوم الحياة بالجزء الواحد ، ثم أن تلك الحياة تقتضى ضرورة جملة الأجزاء حيا ، قلنا هذا باطل ، لأنه لا معنى للحياة إلا الحيية ولا للعلم إلا العالمية ، إلا أنا نقول : إن حصل فى مجموع الأجزاء حيية واحدة ، وعالمية واحدة ، فقد حصلت الصفة الواحدة فى المحال الكثيرة ، وهو محال ، وإن حصل فى كل جزء حيية واحدة على حدة وعالمية واحدة على حدة عاد ما ذكرنا من كون الإنسان الواحد أناسا كثيرين ، وذلك الفساد معلوم بالضرورة.

الحجة الثالثة : لو كان الّذي يشير إليه الإنسان بقوله «أنا» موجودا متحيزا (١) لا يتبع أن يشير إلى نفسه بقوله «أنا» ويعلم المتحيز لكن التالى كاذب فالمقدم كاذب.

بيان الشرطية أنه لو كان المشار إليه بقوله «أنا» متحيزا مخصوصا

__________________

(١) المخطوطة : موجود متحيز

لكان المتحيز احد جزئى الماهية ، ويمتنع حصول العلم بالماهية إلا عند العلم بكونه متحيزا.

وأما بيان كذب التالى فلأن الإنسان عند اهتمامه بمهم من المهمات قد يقول : تفكرت وعقلت وفهمت ، ومع هذه الحالة قد يكون عالما بذاته المخصوصة مع أنه قد يكون غافلا عن استحضار ماهية المتحيز والحجم وذلك يفيد صحة ما قلنا.

فإن قيل ما الدليل على أن العالم (١) بالماهية يجب أن يكون عالما باجزائها ، ثم يقول لم لا يجوز أن يقال : أجزاءها المخصوصة ماهية يلزمها المتحيز به ، وماهية اللازم مغايرة لماهية الملزوم ، وعلى هذا التقدير لا يلزم من علمنا بذواتنا المخصوصة علمنا بماهية المتحيز.

ثم نقول : لا نسلم أنا نعقل ذواتنا المخصوصة مع ذهولنا عن معنى الحجم والتحيز.

قوله انا قد نقول «علمت وفهمت وتفكرت» حال ما اكون (٢) غافلا عن معنى التحيز والحجمية.

قلنا لم لا يجوز أن يقال العلم بالتفصيل (٣) وإن غاب ، إلا ، أن العلم به على سبيل الجملة حاصل.

ثم نقول : كما أنا نعلم ذواتنا المخصوصة حال الذهول عن الجسم فكذلك (٤) قد نعقل ذواتنا المخصوصة حال الذهول عن استحضار ماهية النفس ، وحال الذهول عن استحضار موجود لا يكون جسما ولا يكون جسمانيا ، فما أوردتموه علينا فهو وارد عليكم.

والجواب عن الأول أنه لا حقيقة لذلك المركب إلا تلك الأجزاء ،

__________________

(١) المخطوطة : العلم

(٢) أيضا : نكون

(٣) أيضا : العلم التفصيل

(٤) أيضا : فلذلك

فالعالم بذلك المركب (١) يكون لا محالة عالما بتلك الأجزاء ، وإلا لزم كون الشيء الواحد معلوما (و) غير معلوم معا وهو محال.

وعن الثانى أنا نعلم بالضرورة أن ذواتنا ذوات قائمة بأنفسها ، فلو جعلنا المتحيز لازما من لوازمها لوجب كون التحيز صفة من صفات نفوسنا وذواتنا وذلك محال ، لأن التحيز لو كان صفة لشيء آخر لكان ذلك الشيء الآخر ، إن كان متحيزا يلزم افتقاره إلى محل آخر ويلزم التسلسل ، وإن لم يكن متحيزا كان مجردا عن الوضع والجزء ، والمتحيز مختص بالوضع والجزء ، وحلول ماله وضع وحيز فيما لا وضع له ولا حيز له محال.

وعن الثالث أن العلم بالشيء عبارة عن الشعور به على وجه يميز بينه وبين غيره ، فلما أمكننا أن نعقل ذواتنا حال كوننا غافلين عن التحيز والحجم غير شاعرين به فقد حصل الغرض.

وعن الرابع (الورقة ٢٦٥ و) نفسى عبارة عن ذاتى المجردة المخصوصة فيستحيل أن أعرف ذاتى المخصوصة حال ما أكون غافلا عن نفسى ، بل يمكن أن أعرف نفسى حال ما أكون غافلا عن وصفها بأنها ليست متحيزة ولا حالة فى المتحيز إلا أن قولنا أن الشيء الفلانى ليس متحيزا ولا حالا فى المتحيز عبارة عن سلب غيره عنه مغاير لذاته المخصوصة لأن حقيقة الموجود (٢) ليست عين عدم غيره ، فثبت أن هذه السلوب (٢ مغايرة لتلك الذات المخصوصة ، فلا جرم جاز العلم

__________________

(١) المخطوطة : فالعالم بذلك الاجزاء المركب ،

(٢) أيضا : الموجودة

بتلك الذات المخصوصة حال الذهول عن تلك السلوب.

ولأنا قد دللنا على أن بتقدير كون النفس جسما مخصوصا كان الجسم جزأ من أجزاء الماهية ، وعلى هذا التقدير يمتنع شعوره بالنفس حال الذهول عن الجسم فظهر الفرق.

الحجة الرابعة على أن الإنسان ليس عبارة عن هذا الجسد ، أن نقول : هذا الجسد اجزاؤه واقعة فى التبدل ابدا ، والمشار إليه لكل أحد بقوله «أنا» باق (١) مستمرا.

أما المقدمة الأولى فجلية (٢) ، وذلك لأن جسد الإنسان جوهر رطب ، والحرارة إذا عملت فى الرطوبة اصعدت عنها البخارات ، وذلك يوجب انحلال بدن الإنسان ، ولهذا السبب احتاج بدن الإنسان إلى الغذاء ليقوم الغذاء ببدل ما يتحلل ، فثبت أن التحلل والذوبان دائم الحصول فى بدن الإنسان ، وأيضا فبدن الإنسان حال ما كان طفلا كان منا أو منين أو ثلاثة أمناء ، وحال صيرورته شابا قد يبلغ سبعين منا وأكثر ، وذلك يوجب كون أجزائه فى التبدل ، وأيضا الإنسان قد يكون سمينا فيصير هزيلا ، ثم يعود سمينا ، فالأجزاء قد تبدلت بالزيادة والنقصان. وأيضا فانا نشاهد ونحس كون هذه الأجزاء الجسدانية واقعة فى الانحلال بسبب العرق وسائر الرطوبات ، فثبت أن الجسد واقع أبدا فى الانحلال والذوبان.

وأما المقدمة الثانية : وهى أن المشار إليه لكل واحد بقوله «أنا» غير واقع فى التبدل ، والأمر فيه ظاهر ، لأنى أعلم بالضرورة أنى

__________________

(١) المخطوطة : باقيا

(٢) أيضا : مجلية

الآن عين ما كنت موجودا قبل هذا بعشرين سنة ، والإنسان إذا قطعت يداه ورجلاه وقلعت عيناه فإنه يعلم بالضرورة أنه عين الإنسان الّذي كان موجودا قبل ذلك فثبت بما ذكرنا أن الجسد بجميع أجزائه واقع فى التبدل ، وثبت أن المشار إليه لكل أحد بقوله «أنا» عين هذا الجسد وغير كل واحد من أجزاء هذا الجسد.

واعلم أنه يبقى هاهنا سؤال واحد (١) ، وهو أن يقال لم لا يجوز أن يقال هذا الجزء المحسوس يشتمل على أجزاء أصلية باقية من أول العمر إلى أخره مصونة عن الاختلال والانحلال.

وأما سائر الاجزاء فإنها واقعة فى الانحلال والتبدل ، والإنسان عبارة عن تلك الأجزاء الأصلية ، إلا اننا نقول (٢) : ظهر على جميع التقديرات أن الانسان ليس عبارة عن جميع هذا الجسد المحسوس وعن هذا الهيكل الظاهر ، فأما أن يقال انه عبارة عن أجزاء مخصوصة سارية فى تضاعيف هذا الجسد ، فنقول : الفلاسفة يدفعون هذا الاحتمال بناء على مقدمتين :

أحدهما ، أن الأجسام متماثلة (٣ ، وبرهانه أن الاجسام لا شك (الورقة ٢٦٥ ظ) أنها متساوية فى طبيعة الحجمية والامتداد ، فلو اختلفت نفس بعد ذلك فى ماهياتها ، لكان ما به المخالفة مغايرا (٣) لما به المشاركة لا محالة. فيلزم ان تكون تلك الخصوصيات مغايرة لطبيعة الحجمية والامتداد ، ولو كان كذلك لكان إما ان يكون كل

__________________

(١) المخطوطة : سؤالا واحدا

(٢) أيضا : الا انها تقول

(٣) أيضا : مغاير

واحد من هذين الاعتبارين ذاتا والآخر (١) صفة. والأول محال ، لان على هذا التقدير تكون طبيعة الحجمية والامتداد ذاتا مستقلة بنفسها.

اقصى ما فى الباب أنه حصل فى الوجود ذات أخرى ، إلا أن حصول هذه الذات لا توجب وقوع المخالفة فى الذات الاولى ، وحينئذ يرجع القول إلى أن الاجسام متماثلة.

وأما القسم الثانى ، وهو أن يكون احد الاعتبارين ذاتا والآخر صفة ، فنقول : إما أن يقال إن طبيعة الحجمية هى الذات ، والّذي به حصلت المخالفة ذات ، او (٢) (ان) الحجمية التى حصلت بها المشاركة صفة ، فإن كان الأول فحينئذ كانت الذوات متساوية فى تمام الماهية ، إلا أنها مختلفة فى الصفات العرضية ، وذلك لا يمنع (٣) قولنا. وإن كان الثانى لزم كون الحجمية والتحيز صفة وقد ابطلناه. فثبت بهذا البرهان أن الأجسام متماثلة.

والمقدمة الثالثة أن واجب الوجود لذاته عام الفيض ويمتنع أن يختص أحد المثلين بخاصية ، وانه لا يحصل فى الثانى ، وهذه المقدمة فلسفية محضة.

وإذا ثبت هذا ، فنقول : تلك الأجزاء الأصلية البدنية مساوية للأجزاء الفرعية فى تمام الماهية والحقيقة ، فكانت نسبة الأحوال الموجبة للانحلال والذوبان إليها وإلى غيرها على السوية ، ويمتنع ان يقال ان واجب الوجود لذاته خص بعض تلك الأجزاء بالإبقاء

__________________

(١) المخطوطة : وللآخر

(٢) أيضا : والحجمية

(٣) أيضا : لا يمتنع

والصون عن الذوبان ، لما ذكرنا أن الفيض عام والتخصيص محال ، فإذا كان الأمر كذلك وثبت حصول الذوبان والانحلال فى جميع الأجزاء البدنية فيندفع (١) هذا السؤال.

الحجة الخامسة المشار إليه لكل واحد بقوله «أنا» قد يكون معلوما له حال كونه غافلا عن جميع الأجزاء الجسدانية الظاهرة والباطنة ، فإن الإنسان حال اهتمامه بمهم قد يقول «تفكرت» و «سمعت» مع أنه يكون حال تكلمه بهذا الكلام غافلا عن وجهه ويده وقلبه ودماغه وسائر أعضائه ، والمشعور به مغاير للمغفول عنه ، وإلا لزم أن يصدق على الشيء الواحد كونه مشعورا به غير مشعور به ، فيلزم اجتماع النقيضين فى الشيء الواحد وهو محال ، وهذا البرهان إنما يكمل بالعود إلى ما ذكرناه فى البرهان الثالث.

الحجة السادسة : أنا لما تأملنا فى أحوال النفس رأينا أحوالها بالضد من أحوال الجسم وذلك يدل على أن النفس ليست بجسم ، وتقريره من وجوه :

الأول : إن كل جسم يحصل فيه صورة بعد صورة أخرى من جنس الصورة الأولى لا يحصل إلا بعد زوال الصورة الأولى عنه زوالا تاما ، مثاله أن الشمع إذا حصل فيه شكل التثليث فإنه يمتنع أن يحصل فيه شكل التربيع والتدوير إلا بعد زوال الشكل الأول عنه. ثم إنا وجدنا الحال فى قبول النفس تصور المعقولات بالضد من ذلك ، فإن النفس (التى) لم تقبل صورة عقلية يعسر قبولها لشيء من الصور العقلية ، فإذا قبلت صورة واحدة صار قبولها للصورة الثانية أسهل ،

__________________

(١) المخطوطة : فندفع

وإذا قبلت الصورة الثانية صار قبولها للصورة الثالثة ، (الورقة ٢٦٦ و) اسهل ، غير أن النفس لا تزال على صورة بعد صورة أبدا من غير أن تضعف فى وقت من الأوقات ، بل كلما كان قبولها للصور أكثر ، صارت الصفة المتقدمة أقوى وأكمل ظهورا ما قبل ذلك ، ولهذا السبب يزداد الإنسان فهما وادراكا ، كلما ازداد ارتياضا وتخرجا فى العلوم ، فثبت أن فعل النفس للصور العقلية على خلاف قبول الجسم للصور الحالة فيه ، وذلك يدل على أن النفس ليست بجسم.

الثانى أن المواظبة على الأفكار الدقيقة والتأملات العميقة لها أثر فى النفس وأثر (١) فى البدن.

أما أثرها فى النفس فهو إخراجها للنفس من القوة إلى الفعل ، وفى التعقلات والإدراكات ، وكلما كانت الأفكار أكثر كان حصول هذه الأحوال أكمل ، وذلك غاية كمالها ونهاية شرفها وجمالها (٢).

وأما أثرها فى البدن ، فهو أنه يوجب استيلاء النفس على البدن واستيلاء الذبول عليه وهذه الحالة (إن) استمرت لانتهت إلى الماليخوليا وموت البدن.

فثبت بما ذكرنا أن هذه الأفكار توجب حياة النفس وشرفها وجمالها (٣) ، وتوجب موت البدن ونقصانه واختلاله ، فلو كانت النفس هى البدن لصار الشيء الواحد بالنسبة إلى الشيء الواحد سببا لكماله ونقصانه معا ولحياته وموته معا وذلك محال.

__________________

(١) المخطوطة : اثرا

(٢) أيضا : ولجلالها

(٣) أيضا : ولجمالها

الثالث أنا شاهدنا أنه ربما كان بدن الإنسان ضعيفا نحيفا ، فإذا لاح له نور من أنوار عالم القدس ، وتجلى له سر من أسرار عالم الغيب حصل لذلك الإنسان قوة عظيمة واستيلاء شديد ، ولم يعبأ بحضور أكابر السلاطين ، ولم يتأثر من حضور العساكر الكثيرة والأهوال الشديدة ولم يثبت لها وزنا ولا قدرا.

ولو لا أن النفس شيء سوى البدن وان النفس إنما تحيى وتقوى بغير ما به يحيى البدن. وإلا لما كان الأمر كذلك بل من تأمل حق التأمل عرف كل ما هو سبب لحياة البدن ولقوته فهو سبب لموت النفس وضعفها ، وكل ما هو سبب لحياة النفس وقوتها فهو سبب لموت البدن وضعفه.

الرابع أن أصحاب الرياضات والمجاهدات كلما أمعنوا فى قهر القوى البدنية وبتجويع الحس قويت قواهم الروحانية واشرقت اسرارهم بالمعارف الإلهية.

وكلما امعن الإنسان فى الأكل والشرب وقضاء الشهوات الجسدانية صار كالبهيمة (٤ وبقى محروما عن آثار النطق والعقل والفهم والمعرفة.

ولو لا أن النفس شيء غير البدن وان سعادتها مغايرة بسعادة البدن ، وقوتها غير قوة البدن ، وإلا لما كان الأمر كذلك.

الخامس أن الإنسان حال النوم يصير ضعيف البدن قوى النفس حتى أنه عند النوم ليطلع على ما يعجز عن الاطلاع عليه حال اليقظة ، ولو كانت النفس شيئا (١) غير الجسد لامتنع أن يكون حال النوم

__________________

(١) المخطوطة : شيء

كذلك.

فهذا مجموع ما لحصناه وحصلناه فى إثبات أن النفس شيء غير الجسد ، وأما الدلائل التى ذكرها من تقدم [فقد] (١) لحصناها فى كتبنا وبحثنا عنها واعترضنا عليها بما لم يبق للقائل فيها شك وارتياب.

السادس : قال بعضهم إذا تفحصنا امر النفس وجدناها يفعل بذاتها من غير حاجة إلى البدن ، لأن الإنسان [إذا تصور بالعقل شيئا] (٢) فإنه لا يتصوره بآلة بدنية كما يتصور الألوان بالعين ، والروائح بالأنف فإن (الورقة ٢٦٦ ظ) الجزء الّذي فيه النفس لا يسخن ولا يبرد ولا يتغير عند حصول التصورات العقلية.

الفصل الخامس

فى الدلائل المستفادة من الكتاب الإلهي فى إثبات

أن النفس شيء غير الجسد.

اعلم أن الكتاب الإلهي يدل على صحة هذا المطلوب من وجوه :

الحجة الأولى : أن القرآن دل على أن الشيء المشار إليه بأنه هو الإنسان المخصوص باق بعد الموت لهذا البدن حي ، قاهر ، عاقل ، قال تعالى فى صفة الشهداء : (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ) (١. وقال فى صفة المعذبين : (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا) (٢ ، وقال : (أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا

__________________

(١) لفظ غير واضح فى المخطوطة

(٢) هذه العبارة على هامش المخطوطة

ناراً)

وهذه النصوص ناطقة بأن الشيء المشار إليه بأنه هو الإنسان باق بعد موت هذا البدن حي مدرك للألم واللذة.

وأما أن هذا الجسد المشار إليه ليس حيا بعد الموت فهذا معلوم بالضرورة ، ولو جوزنا كونه حيا لجاز مثله فى جميع الجمادات وذلك عين السفسطة.

وإذا لاحت المقدمتان علمنا أن المشار إليه بقولنا : «هذا الإنسان» ليس هو هذا البدن ، ولا عضوا من أعضاء البدن ، فإنا مضطرون إلى العلم بأن هذا البدن مات بجميع أجزائه وابعاضه.

وإنى لشديد التعجب من هؤلاء المنكرين لوجود النفس ، وذلك لأن تصديق القرآن والنصوص فى ثواب القبر وعقابه وفى الحشر والنشر تصير مقبولة معقولة بسبب إثبات النفس ويتخلص عن المطاعن والشبهات والإشكالات ، وإذا لم تثبت النفس توجهت الإشكالات وعظمت المطاعن مما الّذي حمل هؤلاء على إنكار النفس حتى وقعوا فى الظلمات الشديدة.

الحجة الثانية : قوله (أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ) (٤ ، وهذا صريح فى أن النفس شيء مغاير لهذا الجسد يتصل به تارة وينفصل به أخرى.

قال تعالى : (يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً) (٥ ، وهذا يدل على أن النفس لا تموت بموت البدن ، بل يرجع من الجسد إلى عالم القدس والجلال.

وقال أيضا : (حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ. ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ) (٦ ، وهذا يدل على أن

الشيء المشار إليه بأنه هو الإنسان المخصوص لا يموت عند موت البدن بل يرد من هذا الجسد إلى عالم القدس وحضرة الجلال.

وأما لفظ الرجوع إلى الله عند الموت فهو فى القرآن كثير جدا ، وكل ذلك يدل على أن الشيء الّذي هو الإنسان فى الحقيقة لا يموت عند موت البدن بل يرجع من دار الدنيا وعالم الحس إلى عالم الآخرة ، وكل ذلك يدل على أن الإنسان شيء مغاير لهذا الجسد.

الحجة الثالثة أنه تعالى ذكر مراتب الحلقة الجسمانية فقال : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً فِي قَرارٍ مَكِينٍ ، ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً ، فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً) (٧.

ولا نشك أن هذه المراتب اختلافات واقعة فى الأحوال الجسمانية ،

ثم إنه تعالى لما أراد أن يذكر نفخ الروح قال : (ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ) (٧ ، وهذا تصريح بأن ما يتعلق بنفخ الروح جنس أخر مغاير لما سبق من التغيرات الواقعة فى الأحوال الجسمانية.

وذلك يدل على أن الروح ليس من جنس البدن ، فإن قلت هذه الحجة (الورقة ٢٦٧ و) عليكم ، لأنه تعالى قال : (خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ) (٧ ، وكلمة. من. للتبعيض ، وهذا يدل على أن الإنسان بعض من أبعاض الطين ، وأنتم تقولون أنه شيء غير ذلك ، فكان هذا تصريحا بنص الكتاب الكريم.

قلنا : هذا فى غاية البعد ، لأن كلمة «من» أصلها لابتداء الغاية ، تقول : خرجت من البصرة إلى الكوفة ، فقوله : (خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ

سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ) ، يقتضي أن يكون ابتداء التخليق للإنسان حاصلا من هذه السلالة. ونحن نقول بموجبه ، لأنه تعالى سوى المزاج البدنى ، ثم نفخ فيه الروح ، فيكون ابتداء تخليقه من السلالة. فثبت أن ما ذكروه فاسد.

الحجة الرابعة أنه تعالى ميز بين عالم الأرواح وعالم الاجساد ، ثم ميز الأمر منه ، وذلك يقتضي أن يكون الأمر مبرأ عن (١) التقدير والحجمية.

ثم أنه تعالى بين فى آية أخرى ، أن الروح من عالم الأمر ، لا من عالم الحلق (٨. فقال : (قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي) (٩. وذلك يدل على أن جوهر الروح من عالم الأمر ، وأنه مبرأ عن الحجمية والتحيز والتقدير.

الحجة الخامسة : قال تعالى : (فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي) (١٠ ، ميز بين التسوية وبين نفخ الروح ، فالتسوية عبارة عن تخليق الأبعاض والأعضاء وتعديل المزاج والامشاج ، فلما ميز نفخ الروح عن التسوية ، ثم أضاف (٢) الروح إلى نفسه دل ذلك على أن الروح جوهر شريف ، ليس من جنس الجسد ، وذلك هو المطلوب.

الحجة السادسة : قوله تعالى : (وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها ، فَأَلْهَمَها

__________________

(١) على هامش المخطوطة «..»

(٢) المخطوطة : اضاب

فُجُورَها وَتَقْواها) (١١ ، وهذه الآية صريحة فى وجود نفس موصوفة بالإدراك وبالتحريك معا ، لأن الإلهام عبارة عن الإدراك ، وأما الفجور والتقوى فهو فعلى ، فهذه الآية صريحة فى أن الإنسان شيء واحد ، وهو موصوف بالإدراك ، وموصوف أيضا بفعل الفجور تارة ، وبفعل التقوى أخرى. ومعلوم أنه ليس كل البدن موصوفا بالإدراك وبالفعل معا ، وليس عضوا واحدا من اعضاء البدن موصوفا بجملة الإدراكات وجملة هذه الأفعال. فلا بد من إثبات جوهر واحد يكون موصوفا بكل هذه الأمور.

ومما تقرب من هذا الدليل قوله تعالى : (إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْناهُ سَمِيعاً بَصِيراً) (١٢ ، فهذا تصريح بأن الإنسان شيء هو موصوف بأنه هو المبتلى بالتكاليف الإلهية والأوامر الربانية ـ وبأنه هو الموصوف بالسمع والبصر.

ومعلوم أن جملة البدن ليس كذلك ، فإنه لا يمكن أن يقال : إن بدن الإنسان مكلف من قبل الله بالافعال [والترك وكذا] يده أو رجله أو جبهته أو حدقته أو أنفه أو لسانه مكلف بذلك. فإن العلم الضرورى حاصل بأنا إذا أمرنا الإنسان بأمر أو نهيناه عن فعل ، فهذا الأمر والنهى ما توجها على عضو من أعضائه ولا على جملته ، بل الشيء المتصرف الثابت لمجموع الجسم هى (النفس) التى تكون سارية فى مجموع ذلك الجسم (١٣ ، حاصلة فى كل واحد من أجزاء ذلك البدن ، موصوفة بذلك الوصف.

ولما تقرر وبين أن الإدراك والفهم والتكليف لم يتوجه على شيء

من هذه الأعضاء ، علمنا أنه لا يمكن أن يقال : الموصوف بكونه عضوا واحدا يصدق عليه بعينه أنه سميع ، بصير ، مكلف ، مأمور ، مثاب ، معاقب ، وقد دل قوله تعالى : «نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْناهُ (الورقة ٢٦٧ ظ) سَمِيعاً بَصِيراً» (١٢ على أن الإنسان شيء واحد مغايرا لهذا الجسد لكل واحد من اجزاء هذا الجسد وابعاضه ، وذلك هو المطلوب فإن عادوا وقالوا : إن قوله : (إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ) (١٣ ، يدل على أن الإنسان بعض من الامشاج ومن النطفة ، لأن كلمة «من» للتبعيض.

فنقول : إنه سبق الجواب عنه بما لا يبقى للعاقل فيه شك ولا شبهة.

الحجة السابعة : قوله تعالى : (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللهَ فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ) (١٤ ، ومعلوم أن أحدا من العقلاء لا ينسى هذا الشكل المشاهد ، وهذا الجسد المحسوس ، فدل ذلك على أن النفس التى ينساها الإنسان عند فرط جهله شيء آخر غير هذا البدن.

الحجة الثامنة : قوله عليه‌السلام : «من عرف نفسه عرف ربه» (١٥ ، وجاء فى كتب الله المنزلة : «يا انسان! اعرف نفسك تعرف ربك». ولو كان المراد من النفس هو البدن المشاهد والشكل المحسوس لما أمرنا بمعرفته لأن معرفته حاصلة بالضرورة وتحصيل الحاصل محال.

الحجة التاسعة : الأحاديث الكثيرة الواردة فى بيان أن الإنسان يبقى فاهما ناطقا عاقلا بعد موته ، وقال عليه‌السلام : أنبياء الله لا يموتون ، ولكن ينقلون من دار إلى دار ، وقال عليه‌السلام فى خطبة

له طويلة : حتى إذا حمل الميت على نعشه وفرقت روحه فوق النعش ويقول : يا أهلى! ويا ولدى! وذكر الحديث ، وجه الاستدلال به أن النبي عليه‌السلام : صرح بأن الميت يكون على النعش ، ويبقى هناك شيء حي ينادى ، ويقول : يا أهلى ويا ولدى! ومعلوم أن الّذي كان الأهل (١) أهلا له ، وكان الولد ولدا له ، وكان الّذي جمع المال من الحلال والحرام يبقى الوبال فى ذمته ورقبته ، هو كناية بل تصريح بالإنسان وأن الجسد ميت محمول على النعش ، والإنسان المخصوص باق ، حي ، ناطق ، فاهم (١٦ ، وهو صريح فى أنه شيء مغاير لهذا الجسد المحسوس والشكل المشاهد.

ولما عرفت نسق الاستدلال بهذا الحديث الدال على إثبات النفس أمكن أن يستدل بأحاديث كثيرة من هذا الجنس خارجة عن الحد والإحصاء.

الحجة العاشرة أنه تعالى قال : (إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) (٢) ، ولن يكون الإنسان خليفة إلا إذا علم ما يجرى فى العالم ، ثم يمكنه أن يتصرف فى تلك الأحوال بالنفى والاثبات ، فذلك الشيء المحكوم عليه بأنه خليفة الله فى أرضه ، لا بدّ وأن يكون موصوفا (١٧ بالإدراك وبالفعل.

ثم انه تعالى بين أنه تعالى (عَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها) (٣) ، والحقائق ،

__________________

(١) المخطوطة : للاهل

(٢) البقرة : ٣٠

(٣) أيضا : ٣١

فثبت أن ذلك الشيء المحكوم عليه بأنه هو الحليفة ، يجب أن يكون عالما بأحوال عالم الاجسام متصرفا فيها ، ويجب أن يكون هو بعينه عالم الغيوب وأسرار الملكوت ، فالإنسان جوهر واحد موصوف بجميع هذه الصفات ومجموع البدن ليس كذلك ، وليس فى البدن عضو واحد ، موصوف بكل هذه الأمور ، فوجب القطع بأن جوهر الإنسان فى ذاته أمر مغاير لمجموع هذا البدن لكل واحد من أعضائه وابعاضه.

ولنختم هذه الدلائل القرآنية البرهانية بوجه اقناعى اعتبارى ونثبت أن صريح العقل شاهد بانا نضيف كل واحد من هذه الأعضاء إلى أنفسنا ـ فنقول : يدى ورجلى وقلبى ودماغى ، والمضاف غير المضاف إليه.

فعلمنا أن النفس شيء مغاير لهذه الأعضاء ـ فإن قالوا : فقد نقول أيضا : نفسى وذاتى (الورقة ٢٦٨ و) وهذا يقتضي أن تكون نفس مغايرة لنفسه وهو محال.

وجوابه أن النفس قد يراد بها المعنى المشار إليه بقوله «أنا» وقد يراد به الجثة المحسوسة ، والهيكل المشاهد.

أما النفس بالمعنى الأول فصريح العقل شاهد بأنه لا يمكن اضافته إلى نفسه ، فإنه لا يمكن اضافة المعنى المشار إليه «بأنا» إلى غير ذلك المعنى.

وأما النفس بالمعنى الثانى فيمكن اضافتها إلى المعنى المشار إليه «بانا» لأن هذه الجثة كالمملكة لذلك المعنى المشار إليه «بأنا»

إذا ثبت هذا فنقول : إذا قلنا : «نفسى وذاتى» ، يجب أن يكون المراد من النفس هو المعنى الثانى لا المعنى الأول حتى لا يلزم التناقض ، وعلى هذا التقدير يسقط السؤال.

الفصل السادس

فى أن المتعلق بجوهر النفس هو القلب ، وبواسطة القلب

يتعلق بسائر الأعضاء

مذهب الجمهور من المحققين وأصحاب المكاشفات (١ أن القلب هو الرئيس المطلق لسائر الأعضاء ، وأن النفس متعلقة به أولا وبواسطة ذلك التعلق تصير متعلقة بسائر الأعضاء ، وهذا هو مذهب أرسطو واتباعه من عدة الحكماء ، وذهب قوم إلى أن الإنسان عبارة عن مجموع نفوس ثلاثة :

١ ـ النفس الشهوانية ، وتعلقها أولا بالكبد ،

٢ ـ والنفس الغضبية ، وتعلقها أولا بالقلب ،

٣ ـ والنفس الناطقة الحكيمة ، وتعلقها أولا بالدماغ (٢ ، وهذا مذهب جماعة من الأطباء كجالينوس (١) وأتباعه.

الّذي يدل على صحة القول الأول وجوه من القرآن والأخبار والمعقول.

__________________

(١) المخطوطة : لجالينوس ،

أما الدلائل القرآنية فوجوه :

الأول قوله تعالى : (قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ ، فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ) (٣ ، وفى الشعراء : (وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ ، نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلى قَلْبِكَ) (٤ ، فدلت هاتان الآيتان بصريحهما على أن التنزيل والوحى كانا (١) على القلب ، وذلك يقتضي أن يكون المخاطب والمعاقب هو القلب.

الحجة الثانية قوله تعالى : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ) (٥. فهذه الآية دالة بصريحها على أن محل الذكر والفهم هو القلب.

وأعلم ، ان هذه الآية مشتملة على لطيفة عجيبة ، إلا أن بيانها أنها يتم بتقديم سؤال ، فإنه يقال : أن الواو العاطفة أليق بقوله : (أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ) من الواو القاسمة ، وذلك لأن حصول الذكرى لا بد فيه من مجموع أمرين : لا بدّ فيه من القلب ، ولا بد فيه من إلقاء السمع ، لأن القلب عبارة عن محل إدراك الحقائق ، وإلقاء السمع ، عبارة عن الجد والاجتهاد فى تحصيل تلك الإدراكات والمعارف.

ومعلوم أنه لا بد من الأمرين معا فكان ذكر الواو القاسمة هنا أليق من ذكر الواو العاطفة ، إلا أنا نقول بل الحق أن الواو القاسمة أولى من واو العاطفة.

وبيانه أن القوى العقلية قسمان : منها ما يكون فى غاية الكمال والإشراق ، ويكون مخالفا لسائر القوى العقلية بالكم والكيف ـ أما

__________________

(١) المخطوطة : كان ،

الكم فلأن حصول المقدمات البديهية والحسية والتجربية أكثر ، وأما الكيف فلأن تركيب تلك المقدمات على وجه ينساق أمر النتائج الحقة أسهل وأسرع.

إذا عرفت هذا ، فنقول : مثل هذه النفس القدسية والقوة العقلية الإلهية تستغنى فى معرفة (الورقة ٢٦٨ ظ) حقائق الأشياء عن التعلم والاستعانة بالغير ، إلا أن مثل هذا فى غاية الندرة والقلة.

أما القسم الثانى : وهو الّذي لا يكون كذلك فهو يحتاج فى اكتساب العلوم الفكرية فى أن يبقى مصونا (٦ عن الحلل والزلل.

إذا عرفت هذا فنقول : قوله تعالى : «إِنَّ فِي ذلِكَ (١) لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ» (٥ اشارة إلى القسم الأول.

وإنما ذكر القلب بلفظ التنكر ليدل بهذا التنكر على كون ذلك القلب فى غاية الشرف ونهاية الجلالة ـ وإن مثل هذا القلب يكون عزيز الوجود ونادر الحصول.

وأما قوله تعالى : (أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ) فهو إشارة إلى القسم الثانى ، والّذي يفتقرون (فيه) إلى الكسب والاستعانة بالغير ، وهذه القاعدة من الأسرار التى عليها بناء علم المنطق ، وقد لاح تقريرها فى هذه الآية ـ فتأكد هذا الفرقان البرهانى بالبيان القرآنى ، فلا جرم بلغ الغاية من الوضوح والظهور ، ولما كان القسم الأول نادرا جدا ، وكان الغالب هو القسم الثانى ، لا جرم أمر الكل فى أكثر الآيات بالطلب

__________________

(١) المخطوطة : هذا ،

والاكتساب ، فقال : (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِها أَوْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها) (٧ ،

فقوله : (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ) ، محمول على الطلب والجد والجهد فى الكسب ، وقال صاحب المنطق أن القسم الأول وإن كان غنيا عن الاستعانة بالمنطق إلا أنه نادر جدا ، والغلبة للقسم الثانى ، وكلهم محتاجون إلى المنطق ، فأنظر إلى هذه الأسرار العميقة كيف تجدها مدرجة فى الفاظ القرآن.

الحجة الثالثة : الآيات الدالة على أن استحقاق الجزاء ليس إلا على ما فى القلب من السعى والطلب ، فقال : (لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ) (٨ ، وقال : (لَنْ يَنالَ اللهَ لُحُومُها وَلا دِماؤُها وَلكِنْ يَنالُهُ التَّقْوى مِنْكُمْ) (٩ ثم ذكر فى آية أخرى أن موضع التقوى هو القلب ، فقال (أُولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى) (١٠ ، وقال : (وَحُصِّلَ ما فِي الصُّدُورِ) (١١.

الحجة الرابعة : ان محل العقل هو القلب ، وإذا كان كذلك ، كان المامور والمنهى والمعاقب والمثاب هو القلب.

إنما قلنا : ان محل العقل هو القلب لقوله تعالى : (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِها) (٧ ـ وقوله : (لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها) (١٢ ، وقوله : «إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ

قَلْبٌ» (٥ أى عقل أطلق اسم القلب على العقل تسمية الحال باسم المحل ، وأيضا أضاف اضداد العلم إلى القلب ، فقال : (فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) (١٣ (خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ) (١٤ ، (وَقالُوا قُلُوبُنا غُلْفٌ) (١٥ (بَلْ طَبَعَ اللهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ) (١٦ ، (يَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِما فِي قُلُوبِهِمْ) (١٧ ، (كَلَّا ، بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ) (١٨ ، (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها) (١٩ ، (فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ ، وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) (٢٠ ، فدلت هذه الآيات على أن موضع العقل والفهم والجهل والغفلة هو القلب ، وكل ذلك يدل على ما قلناه.

الحجة الخامسة : قوله تعالى : (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً) (٢١ ، معلوم ان السمع والبصر لا فائدة فيهما إلا ما يؤديانه إلى القلب ـ فكان السؤال عنهما فى الحقيقة سؤالا عن القلب ـ ونظيره قوله تعالى : (يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَما تُخْفِي الصُّدُورُ) (٢٢ ومعلوم أن خائنة الأعين لا تكون إلا بما [تضمن] القلوب (الورقة ٢٦٩ و) ، تقرر منه قوله تعالى : (وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ) (٢٣ ، فخص هذه الثلاثة بإلزام الحجة عليها واستدعاء الشكر منها ، وقد عرفت انه لا طائل فى السمع والأبصار إلا بما يؤديان إلى القلب ليكون القلب هو القاضى والحاكم عليهم ـ ونظيره قوله تعالى : (وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيما إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصاراً وَأَفْئِدَةً ، فَما أَغْنى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ) (٢٤ ، فجعل تعالى هذه الثلاثة تمام ما الزمهم من حجته ، والمقصود من الكل هو الفؤاد القاضى فى الكل ما يؤدى إليه السمع و

البصر ، وتقرر منه قوله وتعالى : (خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ) فجعل العذاب لازما لهذه الثلاثة ، ونظيره قوله تعالى : (لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها ، وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها) (١٢.

وجه الاستدلال بهذه الآية ان المقصود من هذه الآية بيان أنه لا علم لهم أصلا ، ولو ثبت العلم فى غير القلب كثباته فى القلب لم يتم الغرض.

الحجة السادسة انه تعالى كلما ذكر الايمان فى القرآن اضافه الى القلب ـ فقال تعالى : (قالُوا آمَنَّا بِأَفْواهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ) (٢٥ ، وقال : (إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ) ، (٢٦ وقال : (وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ) (٢٧ ، وقال : (أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ) (٢٨ ، فثبت ان محل هذه المعارف هو القلب ، واذا كان كذلك كان محل الارادات هو القلب ، لأن الإرادة مشروطة بالعلم ، واذا كان محل العلم والإرادة هو القلب كان الفاعل هو القلب ، وإذا كان كذلك كان هو المخاطب والمثاب والمعاقب.

وأعلم أن من وقف على الاستدلال بهذه الآيات امكنه ان يجد من جنسها آيات كثيرة فى القرآن.

وأما الأخبار ، فما روى النعمان بن بشير قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «ألا وان فى الجسد مضغة اذا صلحت صلح الجسد كله واذا فسدت فسد الجسد كله ، ألا وهى القلب (٢٩ وباقى الاعضاء تبع له».

ويروى ان اسامة لما قتل الكافر الّذي قال : لا إله لا الله ، فقال له النبي عليه‌السلام ، لما انكر عليه قتله ، واعتذر بانه قالها عن الخوف ، فقال : الا شققت عن قلبه ، وهذا يدل على ان المعرفة والايمان هو بالقلب ، وكان يقول (١) عليه‌السلام : يا مقلب القلوب! ثبت قلبى على دينك (٣٠ ، وهذا تصريح بالمطلوب.

واما الدلائل العقيلة فلها وجوه وحجج :

الاول ان نقول النفس الانسانية واحدة ، فاذا كان كذلك وجب ان يكون ذلك العضو الرئيس هو القلب.

اما المقدمة الاولى وهى بيان ان النفس الانسانية واحدة ، فقد ذكرنا براهين هذه المقدمة فى الفصل المشتمل على دلائل إثبات النفس فلا حاجة الى الاعادة ، الا انا نذكر هاهنا حجة القائلين بتعدد النفس فنجيب عنها.

قالوا : رأينا النفس المدبرة لامر الغذاء حاصلة فى الثبات منفكة عن النفس الغضبية ، ورأينا النفس الغضبية حاصلة فى كثير من الحيوان بدون الناطقة ، ثم رأينا هذه الآثار الثلاثة حاصلة فى الانسان ـ فعلمنا ان كل واحد من هذه الثلاثة جوهر مستقل بنفسه ينفرد بذاته لكنها اجتمعت فيه.

وجوابنا انه ثبت فى علم المنطق ان الماهيات المختلفة يجوز

__________________

(١) المخطوطة : يقوله

اشتراكها فى آثار متساوية ، واذا ثبت هذا ، فنقول : لم لا يجوز ان يقال النفس (الورقة ٢٦٩ ظ) النباتية مخالفة للنفس الانسانية فى الماهية ، ثم انها مشاركة لها فى الغذاء ، وتدبيرها ، وان كانت مخالفة لها فى امور أخرى ، وهو انها تقوى على تدبير الاحوال المنطقية ، وان كانت النفس النباتية لا تقوى على ذلك ، وكذا القول فى القوة الغضبية.

فإن قالوا : النفس الواحدة كيف تكون مصدرا للافعال المختلفة قلنا ، لم لا يجوز ذلك بسبب آلات مختلفة (١) ، وذكر الجواب عن شبهة من خالف فيه.

اما المقدمة الثانية : وهى قولنا : لما كانت النفس واحدة كان العضو الرئيس هو القلب ، فالدليل عليه ان اوّل عضو يتكون فى البدن هو القلب (٣١ ، واذا كان كذلك وجب ان يكون هو العضو الرئيس ،

والدليل على صحة المقدمة الاولى التجربة والقياس :

اما التجربة : إن اصحاب التجارب (٣٢ شهدوا به.

واما القياس : فهو ان المنى جسم مركب من ارضية ومائية وهوائية ونارية ، فالهوائية والنارية غالبتان (٢) عليه (٣) ، ويدل عليه ان بياض الرطوبة انما يكون بسبب اختلاط الهوائية بها كما يكون

__________________

(١) المخطوطة : المختلفة

(٢) أيضا : غالبان

(٣) أيضا : عليها

فى الزبد ، فوجب ان يكون بياض المنى لهذا السبب ، ويتأكد ما ذكرناه ان المنى اذا ضربه البرد رق وزال بياضه مع ان البرد اولى بالتكثيف ، وذلك يدل على ان بياضه انما كان لاجل ما اختلط به من الاجزاء النارية والهوائية ـ فلما (١) ضربه البرد فارقته تلك الاجزاء النارية والهوائية ، فزال بياضه.

اذا عرفت هذا ، فنقول : انه تعالى قدر ان الأجزاء الارضية والمائية الموجودة فى المنى يجعلها مادة للاعضاء ، والاجزاء الهوائية والنارية يجعلها مادة للارواح ، إلا ان تلك الاجزاء اللطيفة والكثيفة يكون مختلطا بعضها ببعض فى اوّل الأمر الا ان الجنسية علة الضم ، فتنضم الاجزاء اللطيفة بعضها الى بعض ، والاجزاء الكثيفة بعضها الى بعض.

ولما كان اللطيف سريع التحلل والتلاشى اقتضت الحكمة الالهية ان جعل تلك الاجزاء اللطيفة فى الوسط ، وجعل الاجزاء الكثيفة كالصوان لها ـ وعند ذلك يصير الكل كالكرة المستديرة ، ويكون باطن تلك الكرة مملوا من تلك الاجزاء اللطيفة الهوائية والنارية ، ويكون ظاهرها مؤتلفا من الاجسام الكثيفة ، وذلك هو الموضع الّذي اذا استحكم وكمل كان قلبا ، فلهذا السبب قال اهل العلم بالتشريح : اوّل الاعضاء الانسانية تكونا هو القلب (٣٣ ، واخرها موتا هو القلب.

إذا ثبت هذا فنقول : لما كان القلب أول الأعضاء تكونا ، وكان القلب هو المجمع لتلك الأجزاء التى منها تتكون الأرواح ، ودلت التجارب الطبية على أن المتعلق الأول للنفس هو الروح ، لزم أن يكون

__________________

(١) المخطوطة : فكما

تعلق النفس بالقلب قبل تعلقها بسائر الأعضاء وبواسطة القلب تسرى إلى سائر الأعضاء ـ فثبت ان العضو الرئيس المطلق فى البدن هو القلب (٣٤.

الحجة الثانية فى إثبات هذا المطلوب أن العقلاء لا يجدون (١) الفهم والإدراك والعلم إلا من ناحية القلب ـ فعلمنا ان القلب محل العلم بواسطة كون النفس متعلقة ، وأن تعلقها بالقلب ، وإذا كان محل العلم ليس إلا القلب كان محل الإرادة مشروطة بالعلم ، وإذا كان محل الإرادة هو القلب (الورقة ٢٧٠ و) كان محل القدرة على التحريك هو القلب ، فثبت ان محل هذه الصفات هو القلب.

قال جالينوس : مسلم أن القلب محل الغضب ، وأما أنه محل العلم فباطل ، وجوابه أن الغضب دفع المنافى ، ودفع المنافى لا بد وأن يكون له شعور بالمنافى ، فلما سلم أن القلب محل الغضب لزم تسليم «أن القلب محل العلم والإدراك».

الحجة الثالثة : لا نزاع أن النفس الحيوانية لا بد وأن تكون حساسة متحركة بالإرادة ، فإذا تعلقت النفس بالقلب فلا بد وأن تفيده الحس والحركة الإرادية ، وذلك يقتضي أن يصير القلب متبعا للادراك والشعور ، والقوة المحركة ، وذلك يبطل قول جالينوس : أن الهيولى للإدراك والتحريك الإرادي هو من الدماغ لا القلب.

الحجة الرابعة : ان الحس والتحريك الإرادي إنما يحصلان بالحرارة لا بالبرودة (٢) ، فإنها عائقة عنهما ، ويدل على صحة ما ذكرناه

__________________

(١) المخطوطة : يجدون

(٢) أيضا : لا البرودة

التجارب الطبية.

وإذا ثبت هذا فنقول : القلب منبع الحرارة والدماغ للبرودة ، فجعل القلب مبدأ للحس (١) والحركة الإرادية أولى من جعل الدماغ مبدأ لهما.

الحجة الخامسة : كل أحد إذا قال «أنا» ، فإنما يشير بقوله : «أنا» إلى صدره وناحية قلبه ، وهذا يدل على أن كل أحد يعلم بالضرورة ان المشار إليه بقوله : «انا» حاصل فى القلب لا فى سائر الأعضاء.

الحجة السادسة : أظهر آثار النفس الناطقة النطق ، فوجب أن يكون معدن النفس الناطقة هو الموضع الّذي منه منبعه ، وتنبعث آلة النطق ، لكن آلة النطق هو الصوت ، والصوت إنما يتولد عن إخراج النفس وهو فعل القلب ، لأن القلب ، يستدخل النسيم البارد الطيب للترويح ـ فإذا سخن ذلك النسيم واحترق أخرجه إلى الظاهر الخارج ، فإذا كان إدخال النفس أولا واخراجه ثانيا مقصود القلب (٢) كان إسناد هذا الفعل إلى القلب أولى من إسناده إلى الدماغ مع انه لا حاجة بالدماغ البتة إلى النفس.

وقال جالينوس : الصوت لا ينبعث من القلب بل من الدماغ ، واستدل عليه من وجوه ثلاثة :

الأول أن الآلة الاولى للصوت هى (٣) الحنجرة ، بدليل أنك

__________________

(١) المخطوطة : مبدأ الحس الخ

(٢) أيضا : للقلب

(٣) أيضا : هو

إذا أخرجت (١) قصبة الرية أسفل من الحنجرة لم يسمع لهذا الحيوان بعد هذه الحالة صوت البتة ، فثبت ان آلة الصوت هى (٢) الحنجرة ، والحنجرة مؤلفة من ثلاثة غضاريف ، وهذه الغضاريف إنما تتحرك بعضلات كثيرة ، وتلك العضلات إنما تتحرك بالأعصاب والاعصاب نابتة (٣) من الدماغ ـ فثبت أن فاعل الصوت هو الدماغ.

الثانى انا نرى عضل البطن يتمدد (٤) عند التصويت بالصوت العنيف ، وأما القلب فإنه لا يناله التعب عند التصويت.

الثالث أن القلب إذا كشف عنه ثم قبض عليه لم يبطل من الحيوان صوته ، وإن كشف عن الدماغ ، ثم قبض عليه بطل فى الحال صوت ذلك الحيوان ، فثبت أن مبدأ الصوت هو الدماغ لا القلب ، وعند هذا تصير هذه الحجج حجة على أن محل القوة الناطقة هو الدماغ.

والجواب انا بينا بالحجة القوية أن مبدأ الصوت هو القلب.

وأقصى ما فى الباب ان الدماغ محتاج إليه فى هذا الفعل والرية وهذا لا يقدح فى قولنا.

الحجة السابعة أن القلب موضوع فى موضع يقرب من أن يكون وسطا من البدن ، وهذا هو اللائق بالرئيس المطلق (الورقة ٢٧٠ ظ) حتى يكون ما ينبعث منه من القوى يصل إلى جميع أطراف البدن على القسمة العادلة ، والدماغ موضوع فى أعلى (٥) البدن وذلك ينافى حصول

__________________

(١) المخطوطة : خرجت

(٢) أيضا : هو

(٣) أيضا : ثابتة

(٤) أيضا : تتحدد

(٥) أيضا : اعاده

هذا المقصود.

الحجة الثامنة الناس يصفون القلب بالذكاء والبلادة ، فيقولون لفلان قلب ذكى ولفلان قلب بليد.

وقال جالينوس : الناس إذا وصفوا إنسانا بأن له قلبا قويا فمرادهم منه الشجاعة.

وإذا قالوا فلان ضعيف القلب أولا قلب له فالمراد هو الجبن ، الجواب أن هذا يدل على أن القلب موضع الغضب ، وهذا لا ينافى أن يكون القلب أيضا موضع الفهم والعلم.

احتج جالينوس بأن معدن الإدراك والفهم هو الدماغ بوجوه :

(الحجة) الأولى (١) ان الدماغ منبت الأعصاب ، والأعصاب آلة الادراك ، وما كان منشأ لآلة (٢) الإدراك وجب أن يكون معدنا لقوة الإدراك ، فهذه مقدمات ثلاثة :

أما المقدمة الاولى فهى ان الدماغ منبت العصب ، والدليل عليه ان الأعصاب الكثيرة موجودة فى الدماغ ، وأما القلب فإنه لا توجد فيه إلا عصبة صغيرة ، وإذا كان كذلك وجب أن يكون الدماغ منشأ الأعصاب.

أما المقدمة الثانية وهى أن الأعصاب آلات الحس والحركة الإرادية ، فالدليل عليه انك لو كشفت عن عصبة وشددتها وجدت أسفل ما كان من موضع الشد ، فإنه يبطل عنه الحس والحركة ، وما

__________________

(١) المخطوطة : الاول

(٢) أيضا : للآلة

كان اعلى منه مما يلى جانب الدماغ ، فإنه لا يبطل منه الحس ولا الحركة ، وهذا يدل على أن آلة الحس والحركة الإرادية هو العصب.

وأما المقدمة الثالثة وهى أنه لما كان الدماغ منشأ آلة الحس والحركة الإرادية ، وجب أن يكون هو المعدن لقوة الحس والحركة الإرادية ، والدليل عليه أنه لما كان قوة الحس والحركة إنما تصلان من الدماغ ثبت أن المنبع والمعدن لهذه القوة هو الدماغ.

الحجة الثانية وهى التى لحصناها لجالينوس أن نقول لا حاجة بنا إلى بيان أن منبت العصب هو الدماغ أو القلب.

بل نقول لو كانت قوة الحس والحركة الإرادية ، إنما تنفذ من القلب إلى الدماغ ، لكنا إذا شددنا على العصب خطا قويا وجب أن يبقى قوة الحس والحركة من الجانب الّذي يلى القلب ، وأن يبطل من الجانب الّذي يلى الدماغ ، لكن الأمر بالضد فعلمنا أن قوة الحس والحركة الإرادية تجرى من الدماغ إلى القلب ولا يجرى من القلب إلى الدماغ ، وهى الحجة التى لا يحتاج فيها إلى المقدمات التى ذكرناها فى الحجة الأولى وهى فى غاية الحسن.

الحجة الثالثة لجالينوس وهى قوله اتفق الحكماء والاطباء على أن الحامل لقوى الحس والحركة ، جسم لطيف نافذ فى الأعصاب وهو الروح ، فإذا كان الأمر كذلك ، فنقول : الدماغ ، لكونه مبدأ ليكون هذا الروح ، اولى من القلب ، وذلك لأنا نجد فى الدماغ مواضع خالية ، والقلب ليس كذلك فإن التجويف الايمن منه مملو دما (١) ،

__________________

(١) المخطوطة : مملوا

وإنما الشبهة فى التجويف الأيسر ، فإنه يعتقد فيه أنه مملو (١) من الروح.

قال جالينوس : وليس الأمر كذلك ، فإن القلب إذا كشف عنه وابرز من غير أن يثقب ويخرق أغشيته ، لم يمت الحيوان فى هذه الحالة ، حتى انك يمكنك أن تبقى ساعة طويلة تلمس ذلك القلب ، وتنظر إليه وهو مكشوف تشاهده وتحس أن نبضه فى هذه الحالة مثل (الورقة ٢٧١ و) نبضه قبل ذلك بل هاهنا شرط وهو أنه لو برد صار النبض بطيئا ضعيفا متفاوتا حينئذ.

إذا عرفت هذا ، فنقول : أنا إذا نقبنا التجويف الأيسر فى هذه الحالة سال منه دم ، ولو كان فيه الروح مملوا به لوجب أن لا يسيل منه دم البتة ، ولو كان هذا التجويف فى بعضه روح وفى بعضه دم لوجب أن يخرج الروح أولا ، ثم يسيل الدم بعده ، وكان يجب أن لا يسيل الدم فى الحال على هذا التقدير. ولما سال الدم فى الحال علمنا أن التجويف الأيسر مملو (٢) من الدم.

وأيضا ، فإن الحيوان الّذي مات نجد فى التجويف الأيسر من تجويف قلبه علق الدم.

وأما الدماغ فإن جرمه مزرد (٣٥ ، فلا يبعد أن يحصل فى تلك الفصول اجزاء الروح.

الحجة الرابعة : العقل أشرف القوى فيجب أن يكون مكانه

__________________

(١) المخطوطة : مملوا

(٢) المخطوطة : مملوا

أشرف الأمكنة اعلاها ، فوجب أن يكون مكان العقل هو الدماغ ، وهو بمنزلة الملك العظيم الّذي يسكن القصر العالى ، وأيضا الحواس محيطة بالرأس ، وكأنها خدم للدماغ واقفة حوله على مراتبها.

وأيضا محل الرأس من البدن محل السماء من الأرض ، وكما أن السماء منزل الروحانيات ، فكذلك الدماغ وجب أن يكون مسكنا للعقل.

والجواب عن الحجة الأولى من وجوه :

الأول لا نسلم أن منبت العصب هو الدماغ ، قوله الاعصاب فيه كثيرة وقوته عند الدماغ ، وقلته (١) وضعفه عند القلب ، ولا يفيد مطامعكم إلا إذا ضممتم إليها مقدمة أخرى ، وهى أن الكثرة والقوة إنما تكون عند المبدأ والقلة (٢) والضعف عند المنتهى ، الا أنا نقول : هذه المقدمة غير برهانية بل هى منقوضة من وجوه :

الأول أن العصبة المجوفة فى العين تكون دقيقة عند المنشأ ، فإذا وصلت إلى قعر العظم الّذي فيه تتكون الحدقة ، غلظت هذه العصبة واتسعت. وهذا نقض على هذه المقدمة.

الثانى ان الجثة التى يتولد منها ساق الشجرة تكون اضعف بكثير من ساق الشجرة ، فلم لا يجوز ان العصبة (٣) الصغيرة التى فى القلب كالجثة التى منها انشعبت الاعصاب الكثيرة فى الدماغ.

الثالث : لو صح كلام جالينوس لوجب ان يقال : ان مبدأ

__________________

(١) المخطوطة : وقلبه

(٢) أيضا : الغفلة

(٣) أيضا : العصب

العروق الضوارب هى الشجنة (١) (٣٦ الشبيهة بالشبكة التى فى الدماغ لا القلب ، لأن الشجنة (٢) من العروق الضوارب عدد لا يكاد يحصى وهى فى غاية المشابهة لعروق الشجرة ، فثبت ان تلك المقدمة التى عولوا عليها منقوضة بهذه الصور الثلاثة.

الوجه الثانى : سلمنا ان الكثرة والقوة لا يحصلان الا عند المبدأ الكثير ، ولا نزاع ان القلب منبت الشرائين ، ثم أنه لا شك ان اجرام الشرائين من جنس اجرام الاعصاب واذا كان كذلك لم يبعد ان تنبت الاعصاب منها.

فهذه مقدمات ثلاثة : اما المقدمة الاولى فهى (٣) ان القلب منبت الشرائين ، وذلك متفق عليه.

والثانية ان الشرائين من جنس الاعصاب ، والدليل عليه ان اجرام العروق تتفرق وتنقسم الى الشظايا الكثيفة (٣٧ التى لا حس لها ، وهى نبض تكون (٤) عديمة الدم خلية عن حاسة فى أنفسها ، والاعصاب كذلك (٥) فى جميع الصفات للدليل على أن اجرام الاعصاب غير حاسة فى أنفسها ، إنك إذا شددت العصبة برباط يعنى شدا قويا (الورقة ٢٧١ ظ) صار ما هو أسفل من موضع الشد عديم الحس ، وذلك يدل على أن جوهر العصب فى نفسه غير حساس ، وإنما تحرك (٦) الشد قوة الحس

__________________

(١) المخطوطة : النشجية

(٢) أيضا : النشجية

(٣) أيضا : فهو

(٤) أيضا : كونه

(٥) أيضا : لذلك

(٦) أيضا : يجرى

من موضع آخر ـ فثبت ان الشرائين والاعصاب متشاركة فى هذه الصفات ، وذلك يدل ظاهرا على أن جوهر الشرائين من جنس جوهر العصب.

المقدمة الثالثة : وهى فى بيان انه لما كان الأمر كذلك لم يبعد أن يقال : الاعصاب إنما تولدت من الشرائين.

وبيانه أن هذه الشرائين إنما صعدت من القلب إلى الدماغ ، إما لا يصال الدم إلى جوهر الدماغ ، أو لا يصال الروح إليه ـ وعلى التقديرين ، فإن تلك الشرائين الصاعدة لا بد وأن تنقسم وتنشعب وتدق وتصغر وتنتهى فى تشعبها وتصعدها إلى الشظايا (٣٨ اللينية الشعرية ، فعند هذه الحالة لما وصلت إلى قعر الدماغ وأماكن هذه النافذة (٣٩ لم يبعد ان تلف العروق اللينية الشعرية بعضها على بعض ، وتضم أجزاء بعضها على البعض ، وتحصل على صورة شكل الاعصاب ، ثم تحصل نازلة من الدماغ إلى أسفل البدن ، وتستعمل تلك الشظايا فى فعل آخر ، وهو ايصال الأرواح الدماغية إلى اقاصى البدن ، ولا سيما والحكماء والاطباء اتفقوا على مقدمة وهى ان الطبيعة متى امكنها الالتقاء بالآلات القليلة لم تعدل عنها إلى اعداد الآلات (١) الكثيرة ، فبهذا الطريق صارت الشرائين أعصابا.

ولما كان منبت العروق هو القلب وجب أيضا ان يكون منبت الاعصاب هو القلب بهذا الطريق الّذي ذكرناه ـ وهذا قول ذهب إليه طائفة عظيمة من أصحاب أرسطاطاليس.

أجاب جالينوس عن هذا الكلام من وجهين : الأول :

__________________

(١) المخطوطة : آلات

قال : الدليل على أن الاعصاب ليست من جنس الشرائين بوجوه :

الأول أن الشرائين نابضة ، والأعصاب ليست نابضة.

الثانى أن الشرائين مجوفة ، والأعصاب ليست مجوفة إلا القليل.

الثالث أن الشرائين محتوية على الدم بدليل أنها إذا ثقبت جلب ذلك الثقب على صاحبه من انفجار الدم أمرا صعبا ، والعصب لا دم فيه البتة.

الرابع : ان الشرائين مؤلفة من طبقتين ـ إحداهما تنحل إلى أجزاء ذاهبة فى العرض على الاستدارة ، والاخرى تنحل إلى أجزاء تذهب على الاستقامة فى الطول ـ وأما العصبة (١) فهى تنحل إلى ليف أبيض عديم الدم ذاهب على الاستقامة فى الطول.

الخامس : إنك إذا شددت العصبة حصل عدم الحس والحركة الإرادية ، ولا تبطل منه حركة النبض ، وإن شددت الشريان بطل النبض ولم يبطل الحس والحركة.

السادس أن العصب يمسك عن فعله كثيرا ـ ألا ترى أن العصبة التى فيها تجرى القوة (٢) الباصرة إلى سطح الجليدية قد تقف عن فعلها فى وقت النوم ، وكذا القول فى ساير الحواس الظاهرة ـ وأما الشرائين (٣) فإن فعلها ذلك دائم ، فثبت بهذه الوجوه أن الشرائين ليست من جنس الأعصاب.

الثانى من الجواب عن هذا الكلام ، قال جالينوس : ان اصل

__________________

(١) المخطوطة : العصبية

(٢) أيضا : الروح

(٣) أيضا : الشريان

الشريان المتولد من القلب ينقسم إلى قسمين ـ قسم يصعد إلى جانب الرأس ، وقسم ينزل إلى أسفل البدن ـ والقسم النازل إلى أسفل البدن ، لا نشك انه ينقسم ويتفرق إلى العروق الدقائق ، ثم انه يعدم [بعد ما] (١) (الورقة ٢٧٢ و) صارت اعصابا ، فوجب أن يكون الحال فى الشرائين الصاعدة إلى الدماغ النافذة فيها كذلك أيضا.

قال أصحاب أرسطاطاليس : أما الجواب الأول فهو فى غاية الضعف ، وذلك لأن الصفات التى ذكرتموها للشريان ، إنما تكون حاصلة حال صعودها إلى الدماغ ، ونفوذها فى جوهره.

اما لم قلتم أنها بعد رجوعها عن جوهر الدماغ وتوجهها إلى أسفل البدن تبقى على تلك الصفات؟ وبيانه أن المقصود من تخليق الشريان على تلك الصفات التى ذكرتموها أن يكون لاصعادها الدم إلى الروح من القلب إلى جوهر الدماغ ، فإذا حصل هذا المقصود ، واصاخت الطبيعة إلى اعداد آلة أخرى فى إيصال جوهر الروح من الدماغ إلى أسفل البدن ، وإن تلك الشظايا لا تصلح لأن تكون آلة فى هذا الفعل إلا عند إبطال تلك الصفات عن تلك الشظايا ، لم يبعد أن تحاول الطبيعة أبطال تلك الصفات عنها ، وتحصل صفات أخرى موافقة لهذا الفعل الثانى ، هذا غير مستبعد فى الجملة ، وكيف لا نقول ذلك ، وهذه الشرائين عند نفوذها فى جوهر الدماغ ، لا شك أنها تنقسم وتتصغر جدا ، فلا يبعد ان تؤثر فيها طبيعة جرم الدماغ ، من تلك الصفات إلى صفات أخرى لائقة بالفعل الثانى ، لا سيما وانها لما تصغرت جدا

__________________

(١) العبارة غير واضحة

لم يبق بينها وبين الشظايا العصبية فرق البتة ـ وعلى قولنا تبقى هناك ، إلا أن تلك العروق المتصغرة جدا إذا رجعت من الدماغ متوجهة إلى اسفل البدن اشبهت فى الحس بالخيوط الصغيرة المضمومة بعضها إلى بعض ـ ويتولد من مجموع تلك الخيوط الصغيرة هذه الاعصاب المخصوصة المحسوسة ، فهذا الاحتمال لا يبطل البتة بما ذكره جالينوس.

وأما قوله الثانى فهو أيضا ضعيف ، لأن الأرواح القلبية كما صعدت إلى جوهر الدماغ فى تلك الشرائين المتصغرة جدا ، وبقيت فى ذلك الجوهر تغيرت تلك الشرائين عن طبائعها بسبب نفوذها فى جوهر الدماغ واختلاطها بذلك الجوهر ، ثم كانت الطبيعة محتاجة إلى أعداد آلة لا يصال تلك الأرواح الدماغية من الدماغ إلى أسفل البدن ، فحينئذ لم يبعد أن تجدها الطبيعة آلات لهذا الفعل الثانى بخلاف الجزء النازل من الشرائين إلى اسفل البدن ، فإنها ما اتصلت بعضو أخر يغيرها عن طبائعها ، وما حصلت فى أسفل البدن حاجة تقتضى إيجاد تلك الشظايا الشريانية آلات لتلك ـ يظهر الفرق بين الصورتين ، فهذا تمام كلام أرسطو على دليل جالينوس فى أن منبت العصب الدماغ.

ثم أحتج أصحاب أرسطو على أن منبت العصب هو القلب ، بأن قالوا أن الحركة الإرادية لا بد وأن تكون بآلة صلبة قوية ، والدماغ ليس بجرمه شيء من الصلابة.

أما القلب ففيه أنواع من الصلابة : منها أن لحمه شديد قوى صلب أصلب من سائر اللحوم ،

ومنها أن فيه من الرباطات [والعضلات] مقدارا كثيرا.

ومنها أنه لما كان دائم الحركة وجب أن يكون جرمه أقوى الأجرام اللحمية ، وإذا كان كذلك [فمن] جعل القلب منبت الاعصاب التى هى آلات الحركات القوية ، أولى ممن جعل الدماغ منبتا لها.

(الورقة ٢٧٢ ظ) أجاب جالينوس عن هذه الحجة من وجهين :

الأول أن هذا قياس يدل على أن منبت العصب هو القلب ، والحس يدل على أن منبت العصب هو الدماغ ، والحس أقوى من القياس.

الثانى أن الهيولى لتحريك الأعصاب ليس هو العصب بل هو العضلات ، والعضلات مركبة من الاعصاب والرباطات والاغشية واللحوم ، وهى مستندة إلى العظام والاعصاب تفيدها قوة الحس والحركة الإرادية ما تختلط بها من الرباطات والأغشية (١) تفيدها القوة والشدة والأمن من الانقطاع ، وعلى هذا التقدير فإنه لا يمتنع كون الدماغ منبتا للاعصاب.

قال أصحاب أرسطاطاليس : أما الجواب الأول فضعيف ، لأن الحس لم يدل إلا على كثرة الأعصاب وقوتها عند الدماغ (٤٠ وقلتها وضعفها عند القلب.

وقد بينا أن هذا القدر لا يدل على كون الدماغ منبتا للاعصاب.

وأما الثانى فضعيف جدا لأن جالينوس احتج بغلظ العصب وكثرته على تولده منه.

__________________

(١) المخطوطة : اغشية

وأصحاب ارسطو عارضوه فقالوا : إن كان هذا الوجه يدل على قولكم بأن كون الدماغ لينا والعصب قويا يمنع من تولده منه ، بل كون العصب قويا صلبا (٤١ مع كون القلب قويا صلبا يدل على كون العصب نابتا من القلب فسقط كلام جالينوس بالكلية.

فهذا خلاصة المناظرة الدائرة بين الفريقين فى أن منبت العصب هو الدماغ أو القلب.

النوع الثانى من الجواب عن شبهة جالينوس

أن نقول : سلمنا أن منبت العصب من الدماغ ، وسلمنا أن العصب آلة الحس والحركة ، لكن لم قلتم أنه يلزم من كون الدماغ معدنا لقوة الحس والحركة الإرادية.

فبيانه أنه لا يبعد أن يكون معدن الحس والحركة هو القلب وهو معدنه ، ثم أن الدماغ ينقل إلى القلب آلة ثانية منه ليستفيد بتلك الآلة قوة الحس والحركة من القلب ، وإذا كان هذا الاحتمال قائما سقط كلام جالينوس بالكلية.

أما الجواب عن الحجة الثانية فى نصرة قول جالينوس ، وهى التى لخصناها ، أن نقول لم لا يجوز أن يقال أن الروح القلبى يكون فى غاية الحرارة. فإذا كان بينه وبين الدماغ منفذ مفتوح وصل تبريد الدماغ إليه فاعتدل واستعد لقبول قوة الحس والحركة. فأما إذا افسد المنفذ انقطع أثر تبريد الدماغ ، فلا جرم لم يبق مستعدا لقبول قوة الحس والحركة. فبطلت هذه القوة من الجانب الّذي يلى القلب ، وإنما لم يبطل من الجانب الّذي يلى الدماغ ، لأن الشرائين فى الدماغ

كثيرة جدا وكلها مؤدية إليه قوة الحرارة من القلب إلى الحس والحركة

وأما الجواب عن الحجة الثالثة فهو أن نقول هذا الكلام إن صح فهو يقتضي أن لا يكون فى القلب روح أصلا. وجالينوس لا ينازع فى كون القلب معدنا للارواح الحيوانية ، ويسلم أن الروح الحيوانى إنما يصعد من القلب إلى الدماغ ، ويصير هناك روحا نفسانيا نطقيا.

وأما الجواب عن الحجة الرابعة فهو أن نقول إنها من الاقناعيات الضعيفة ، وقد ذكرنا من جانبنا [حججا اقناعيات (الورقة ٢٧٣ و) من] جنسها بل أقوى منها ، فهذا آخر الكلام المنقح فى هذه المسألة.

واعلم أن جالينوس صنف كتابا سماه ابقراط وافلاطن ، ومقصوده ليس إلا هذه المسألة ، وهو كتاب طويل ، وقد طالعته واستخرجت زبدة كلامه وضممت إليه وجوها كثيرة ، كما ترى ، واوردته هاهنا.

الفصل السابع

فى شرح قوى النفس

اعلم ان النفس الانسانية لها قوى نباتية ، وقوى حيوانية ، وقوى انسانية.

فاما القوى النباتية : فاعلم ان جسد الانسان مخلوق من المنى ودم الطمث ، وهما جوهران حاران رطبان فبدن الانسان ما دام يكون حيا يكون حارا رطبا ، والحرارة اذا عملت فى الرطوبة اصعدت

عنها الحرارة بسبب تصاعد تلك الاجزاء البخارية عن ذلك الجوهر ، فبسبب ذلك يقع فيه الذبول والانحلال ، فدبر الخالق الحكيم فى تدارك ذلك فاودع فيه القوة الغاذية حتى انها تورد من اجزاء الغذاء ما يقوم بدل تلك الاجزاء المتحللة.

اذا عرفت هذا فنقول : لا بدّ من قوة جاذبة للغذاء وقوة ماسكة له لتبقى تلك الاجزاء المجذوبة ، ومن قوة يتصرف فيها ويحللها الى موافقة بدل المغتذى ، ومن قوة دافعة لتدفع الاجزاء الفضلية (١) التى هى غير ملائمة لبدن المغتذى ، ثم اذا حصلت تلك الاجزاء الصالحة لأن تقوم مقام الاجزاء المتحللة ، ولا بد من قوة تقيم بدل تلك الاجزاء المتحللة ، وهذا الفعل انما يتم بامور ثلاثة :

احدها ان تورد تلك الاجزاء الغذائية على جواهر تلك الاعضاء.

وثانيها ان تلصقها ،

وثالثها ان تشبهها بها.

وبمجموع هذه الافعال الثلاثة يحصل بعد الاغتذاء من اقطار هذه الثلاثة ، وهى فعل الانماء وقوة أخرى تنفصل من تلك الاجزاء الغذائية بعد وصولها الى جواهر الاعضاء وسيرتها من التشبيه بها ، وتوزع منها قوة مولدة وهى فعل التوليد ، فالقوى النباتية هى هذه التى عددناها.

ثم من الحكماء من زعم ان هذه قوى مختلفة متباينة بناء على ان

__________________

(١) المخطوطة : العضلية

الواحد لا يصدر عنه الا الواحد ، ومنهم من قال انه ليس هناك إلا قوة واحدة الا انها تختلف افعالها بسبب الشرائط ، ففى الابتداء تجذب وبعد الجذب تمسك ، وبعد الامساك تتصرف بها آثار الهضم والاحالة ، وبعد هذا الفعل تدفع الفضول الموذية ، وانها فى تصرفها بعد تحصيل جوهر الدم تورد تلك الاجزاء الدموية النضيجة على جواهر الاعضاء الاصلية ، ثم تلصقها بها ، فالقوة واحدة لكن اختلفت افعالها لاجل اختلاف شرائطها واحوالها.

واما القوى الحيوانية فهى إما ان تكون محركة او مدركة ، فان كانت محركة ، فهى اما مباشرة للتحريك او باعثة عليه ، اما المباشرة للتحريك فهى القوى الموجودة فى العضلات التى من شانها ان تحركها تارة الى الجذب وتارة الى الدفع.

واما الباعثة فلها مراتب : المرتبة الاولى من تلك القوى العضلية هى الإرادة الجازمة ، والشوق الجازم ، وهذه الإرادة الجازمة انما تتولد من شهوة القوة علقة تجذب الملائم او من غضب يتعلق (١) بدفع المنافى ، وهذه الشهوة والغضب انما يتولدان من شعور (الورقة ٢٧٣ ظ) الانسان يكون الشيء ملائما او بكونه منافيا ، فإن حصل الشعور يكون الشيء ملائما ترتب عليه الميل عن هذا الشعور ، وان حصل الشعور بكونه منافيا ترتب الغضب على هذا الشعور ،

ثم هذا الشعور قد يكون مختلفا (٢) وقد يكون فكريا.

اما القوى المدركة ، فهى إما القوى المدركة الظاهرة وهى الحواس الخمسة ، (٣) وإما القوى المدركة الباطنة وهى عندهم خمسة ـ

__________________

(١) المخطوطة : متعلق

(٢) أيضا : مختلفا

(٣) أيضا : الخمس

وطريق الضبط ان نقول : هذه القوى الباطنة إما مدركة ، وإما متصرفة.

اما المدركة ، فإما ان تكون مدركة (١) لصور المحسوسات ، وهى القوى التى تجتمع فيها صور الحواس الخمسة وهى المسماة عندهم بالحس المشترك ـ وإما ان تكون مدركة للمعانى الجزئية التى لا تكون محسوسة لكنها تكون قائمة بالمحسوسات ، وهو مثل حكمنا بأن هذا الشخص صديق وذاك الآخر عدو ، وهذه القوة هى المسماة بالوهم ، ثم لكل واحد من هاتين القوتين خزانة ، فخزانة الحس المشترك هو الخيال ، وخزانة الوهم هى الحافظة ، والمجموع أربعة.

وأما المتصرفة فهى القوة التى تتصرف فى هذه الصور الجزئية ، والمعانى الجزئية بالتركيب تارة والتحليل أخرى ، وهى المسماة بالقوة المفكرة ، فهذه هى الحواس الخمسة (٢) الباطنة.

وأما النفس الإنسانية فقالوا : لها قوتان : نظرية وعملية (٣).

وأما النظرية فهى القوة التى باعتبارها يستعد جوهر النفس لقبول الصور الكلية المجردة.

وأما العملية (٤) فهى القوة التى باعتبارها يستعد جوهر النفس لتدبير هذا البدن ، والقيام باصلاح مهماته ، فهذا القول فى ضبط القوى النفسانية.

وأعلم أن الفلاسفة فرعوا هذه الاقوال على القوى ، فاسندوا كل فعل على حدة إلى قوة على حدة ، ثم زعموا أن بعضها قوى

__________________

(١) المخطوطة : يكون مدرك

(٢) أيضا : الخمس

(٣) أيضا : علمية

(٤) أيضا : العلميه

جسمانية ، وبعضها قوى روحانية ، أما نحن فقد أثبتنا فى جملة كتبنا أن جميع هذه الإدراكات لجوهر النفس وجميع هذه الأفعال لجوهر النفس ، وكل عضو من اعضاء البدن فهو آلة النفس بحسب فعل خاص من أفعالها. فآلة النفس فى الأبصار هى (١) العين ، وفى السماع هو الاذن ، وفى النطق هو اللسان ، ولما قررنا الدلائل الدالة على تصحيح هذا الفعل (٢) فى كثير من كتبنا لم يكن بنا حاجة إلى الاعادة فى هذا الباب.

الفصل الثامن

فى بحث يتعلق بالألفاظ والعبارات

هاهنا الفاظ أربعة (١ : وهى النفس والعقل والروح والقلب.

وقد تذكر هذه الألفاظ ويراد بها جوهر النفس ، وقد تذكر والمراد منها (٣) غير ذلك.

وأما النفس فقد يذكر ويراد بها الأخلاق الذميمة ، والعقل يذكر ويراد به العلوم الضرورية ، والروح يذكر ويراد به العضو المخصوص المحسوس ، فلتكن هذه الاصطلاحات معلومة لئلا يقع الحبط بسبب اشتراك الألفاظ.

__________________

(١) المخطوطة : ففى

(٢) أيضا : الفصل

(٣) أيضا : فيها

الفصل التاسع

فى نسبة هذه القوى إلى جوهر النفس

اعلم أن العلماء ذكروا فى هذا الباب أمثلة كثيرة :

المثال الأول (١ هو أن جوهر النفس كالملك والبدن مملكته ، ولهذا الملك جندان (٢ جند يرى الأبصار وهو الاعضاء الظاهرة ، وجند يرى بالبصائر وهى القوى المذكورة.

واعلم أن لوجود هذه القوى (الورقة ٢٧٤ و) المعنوية فى تكميل مصالح النفس وفى تكميل مصالح البدن (قوة) اخرى.

أما النوع الأول من المعنوية فهو أن كمال النفس الناطقة فى أن تعرف الحق لذاته والحيز لأجل العمل به ، لكن عمل الحيز مشروط أيضا بنور العرفان ، فاهم المهمات للنفس اكتساب العرفان ، إلا أنها خلقت فى مبدأ الأمر خالية عن معرفة أكثر الأشياء لكنها أعطيت الحواس الظاهرة والباطنة حتى أن النفس إذا أحست بواسطة هذه الحواس بالمحسوسات تنبهت لمشاركات بينها وبين مبانيات فتتميز (١) عند جوهر النفس عما به اشتراك تلك الاشياء (و) عما به امتيازها ، وحينئذ يحصل فى النفس تلك الصورة المجردة.

ثم أن تلك الصورة على قسمين : منها ما يكون مجرد تصوراتها موجبا جزم الذهن باسناد بعضها إلى بعض بالنفى والاثبات. ومنها ما لا يكون كذلك ، والأول هو البديهيات ، ولا بد من الاعتراف

__________________

(١) المخطوطة : فتتحيز

بوجودها. إذ لو لم يكن لها وجود لافتقر جزم الذهن فى كل قضية إلى الاستعانة بغيرها ، فيلزم إما الدور وإما التسلسل.

القسم الثانى : وهو الّذي لا يكون مجرد تصورها موجبا جزم الذهن فيها بالنفى والاثبات. وهى العلوم المكتسبة النظرية ، فثبت أنه لو لا هذه الحواس لما تمكنت النفس من تحصيل المعارف البديهية ولا النظرية. ولذلك قيل : من فقد حسا فقد علما ، فهذا بيان معونة الحواس فى تكميل جوهر النفس ، وأما معونتها فى تكميل جوهر البدن وذلك لأنا لما بينا أن البدن بكونه حارا رطبا يكون أبدا فى التحليل والذبول ، ولأجل هذا السبب يحتاج إلى ايراد بدل ما يتحلل عنه ، ولا بد من التمييز بين ما يكون ملائما وبين ما يكون منافيا.

فهذه الحواس لها معونة فى أن يحصل للإنسان وقوف على ما ينفعه ويضره ، فحينئذ يشتغل بجلب المنافع ودفع المضار ، فهذا بيان معونة الحواس فى تكميل جوهر البدن.

وأعلم ان السعى فى إصلاح مهمات جوهر النفس ، وذلك لأن النفس إنما دخلت فى هذا العالم الجسمانى لتكتسب العلم النافع والعمل الصالح ، وكل آلة النفس فى هذا الاكتساب هو هذا البدن ، وما لم تكن الآلة صالحة لم يقدر المكتسب على الاكتساب ، فثبت ان الاشتغال بإصلاح مهمات البدن سعى فى إصلاح مهمات النفس.

المثال الثانى : القلب فى البدن كالوالى وقواه وجوارحه بمنزلة الملك والقوة العقلية المفكرة (٣ كالمشير الناصح ، والشهوة كالعبد (١) الّذي يجلب الطعام إلى المدينة ، والغضب كصاحب الشرطة ، ثم إن

__________________

(١) المخطوطة : كالعبيد

الشهوة التى هى كالعبد الجالب للطعام إلى المدينة قد يكون خبيثا مكارا مخادعا يتمثل بصورة الناصح لكن يجلب نصحه كل شر هائل ، وسم قاتل ، وتكون عادته منازعة الوزير الناصح فى كل تدبيره ، وكما أنه يجب على الملك العاقل أن يسلط وزيره الناصح على العبد الجالب للطعام المخادع ثم على صاحب الشرطة ، وان لا يلتفت إلى تخليطها فى حق الوزير ، ليستقيم أمر المدينة ، فكذا (١) النفس الناطقة متى استنار بنور العقل واستضاء بضوء العلم والحكمة ، وجعل الشهوة والغضب مقهورين استقام أمر هذه الحياة الجسمانية (الورقة ٢٧٤ ظ) ومن عدل عن هذه الطريقة كان كمن قال الله تعالى فى حقه : (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ). وقال : (وَاتَّبَعَ هَواهُ (٤ ، فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ) (٢) (٥ ، وقال : (وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى (٦ ، فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى).

المثال الثالث : البدن كالمدينة (٧ ، والنفس الناطقة كالملك ، والحواس الظاهرة والباطنة كالجنود والاعضاء كالرعية والشهوة والغضب كعدو ينازعه فى مملكته ويسعى فى اهلاك رعيته ، فان قصد الملك قهر ذلك العدو استقامت المملكة وارتفعت الخصومة ، كما قال الله تعالى : (فَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ دَرَجَةً) (٨ ـ وان لم ينازع عدوه وضيع مملكة اختلت مملكته ، وصارت عاقبة امره الى الهلاك.

المثال الرابع : مثل النفس الناطقة مثل فارس (٩ ركب لأجل

__________________

(١) المخطوطة : فكذى

(٢) أيضا : القلب ،

الصيد ، فشهوته فرسه وغضبه كلبه ، فمتى كان الفارس حاذقا وفرسه مرتاضا منقادا وكلبه معلما كان جديرا بالنجح ، ومتى كان فى نفسه اخرق ، وكان الفرس جموحا ، والكلب عقورا فلا فرسه ينبعث تحته على حسب ارادته ولا كلبه يسترسل باشارته فهو خليق بان يعطب فضلا من ان ينال ما طلب.

المثال الخامس : اعلم ان بدنك نسبته نسبة الدار الكاملة التى بنيت واكملت بنوتها وخزانتها وفتحت ابوابها ، واعد فيها كلما يحتاج إليه صاحب الدار ، فالرأس كالغرفة فى اعلى الدار والثقب التى فى الرأس والمنافذ كالروازن والرواس فى غرفة الدار وسط دماغه كالانوار فى الدار والعين كباب الغرفة ، والانف كالطاق الّذي فوق باب الدار ، والشفتان كمصراعى الباب (١) ، والاسنان كالبوابين ، واللسان كالحاجب ، والظهر كالجدار القوى الّذي هو حصن الدار ، والوجه كصدر الدار ، والرية التى هى الجاذبة للنفس البارد كالبيت الصيفى ، وجريان النفس فيها كالهواء الّذي يجرى فى البيت الصيفى ، والقلب مع حرارته الغريزية كالبيت الشتوى ، والمعدة مع نضج الغذاء فيها كالمطبخ ، والكبد مع حصول الدم فيها كبيت الشراب ، والعروق التى يجرى فيها الدم كما لك الدار ، والطحال بما فيه من السوداء كالجوابى (٢) (١٠ التى بقيت فيها الدرديات والمرارة بما فيها من الصفراء الحارة كبيت السلاح ، والامعاء بما فيها من ثفل الطعام كبيت الخلاء ، والمثانة بما فيها

__________________

(١) المخطوطة : الدار

(٢) أيضا : كالخوالى

من البول كبيت البير ، والمسيلان (١) فى اسفل البدن كالمواضع التى تخرج منها القاذورات من الدار ، والرجلان كالمركب المطيع ، والعظام مع بناء الجسد عليها كالخشب التى عليها بناء الدار ، واللحم فى خلال العظام كالطين والعصب الّذي يربط به بعض العظام كالصناديق ، فسبحان من هيأ فى بيت بدنك بمسامير نفسك الناطقة هذه المصالح العجيبة والبدائع الغريبة ، فهذا ما يتعلق ببيوت هذه الدار.

ثم ان النفس الناطقة فى هذه الدار كالملك والمتصرف ، فيبصر بالعين ويسمع بالإذن ، ويشم بالمنخرين ، ويذوق باللسان ، وينطق بالفم ، ويمسك باليدين ، ويعمل الصنائع بالاصابع ، ويمشى بالرجلين ، ويبرك على الركبتين ، ويقعد على الاليتين ، وينام على الجنبين ، ويستند بالظهر ويحمل الاثقال على الكتفين ويتخيل (الورقة ٢٧٥ و) بمقدم الدماغ ويتفكر بوسط الدماغ ، ويتذكر بمؤخر الدماغ (١١ ، ويصوت بالحنجرة ، يستنشق الهواء بالخيشوم ، ويمضغ بالاسنان ويبتلع بالمريء ، والمقصود من كل هذه الآلات والأدوات أن يتحلى بحلية العلم أى يتكيف بكيفية العرفان ، وتصير هذه النفس متنفسة (٢) بنفس الملكوت ، متحلية بنور اللاهوت.

ثم أنه تعالى فوض تدبير هذه المملكة إلى ثلاثة من الرؤساء (١٢ :

وأحد منهم هو الشهوة وسلطنتها فى الكبد وجريانها مع الدم فى

__________________

(١) المخطوطة : السيلان

(٢) أيضا : منتفسه

العروق الساكنة ، ولهذا المعنى قال عليه‌السلام : «ان الشيطان ليجرى من ابن آدم مجرى الدم (١٣ ، وذلك لأن القوة الشهوانية لا تسرى إلا من الكبد مع الدم فى العروق».

والرئيس الثانى منهم هو قوة الغضب ومسكنها القلب وهى تجرى فى العروق المتحركة إلى جميع أطراف البدن.

والرئيس الثالث القوة النفسانية المدبرة ومسكنها الدماغ ، وهى تجرى فى الأعضاء إلى جميع أطراف البدن.

ثم هؤلاء الرؤساء الثلاثة ليسوا أشياء متباينة مستقلة بأنفسها بل هى كالفروع المتفرعة من أصل واحد ـ والاغصان النابتة من شجرة واحدة ، والمنبع الّذي يتشعب منه ثلاثة أنهار ، والأب الّذي يتولد منه أولاد كثيرون ، وكرجل يعمل أعمالا ثلاثة تسمى بثلاثة أسماء : الحداد والمصايغ والبناء.

فهذه الثلاثة كملوك الأطراف الذين ولا هم الملك الأعظم ، فالشهوة تشبه أفعالها أفعال النساء والصبيان والحمقى من الناس إذا لم يرد بهم آباءهم وأزواجهم ، والغضب تشبه أفعاله أفعال العيارين والقتالين إذا لم يرد بهم الملوك ، والقوة النفسانية المدبرة تشبه أفعالها أفعال الحكماء والفقهاء وأهل الخير والصلاح.

الفصل العاشر

فى ان النفس الناطقة هل هى شيء متحد بالنوع أو مختلف

بالنوع؟

نقل محمد بن زكريا عن القدماء لا سيما أفلاطن أن جميع النفوس الإنسانية متساوية فى الجوهر والماهية إلا أنها لأجل الآلات (١) المختلفة تختلف أفعالها ، ولأجل هذا المذهب جوزوا التناسخ على النفوس.

أما الشيخ أبو (٢) على بن سينا ، فإنه نقل عن أرسطاطاليس واتباعه ان النفوس البشرية نوع مخالف بالماهية والحقيقة لنفوس سائر الحيوانات إلا أن النفوس البشرية ماهية واحدة نوعية ، وإنما يخالف بعضها بعضا بالذكاء والبلادة والعفة والفجور وسائر الأخلاق بسبب اختلاف الامزجة البدنية ، وهذا هو الّذي بصره الشيخ أبو على ، وذهب جماعة من قدماء الحكماء وجماعة من المتأخرين ان النفوس الناطقة البشرية جنس يدخل تحته أنواع ، وقد يكون بعضها يخالف البعض فى الماهية الذاتية والطبيعية الحقيقية ، فيكون بعضها خيرا لذاته ، وبعضها شريرا لذاته.

ثم إن القائلين بهذا القول ترددوا فى أنه هل حصل فى الوجود نفسان متساويان فى تمام الماهية لا الحقيقة ، أو لم يوجد فى ذلك بل يكون كل نفس بأن نوعها لم يحصل إلا فى شخصها شخص واحد.

__________________

(١) المخطوطة : آلات

(٢) أيضا : ابن

وأعلم ان الأقوال النبوية دالة على أن النفوس البشرية قد تكون (الورقة ٢٧٥ ظ) مختلفة بالماهية (١ ـ قال عليه‌السلام : «الناس معادن كمعادن الذهب والفضة (٢ ، وقال : النفوس جنود مجندة (٣ ، وقال فى الكتاب الالهى : فطرة الله التى فطر الناس عليها ، لا تبديل لخلق الله» (٤.

والّذي يدل على أن النفوس الناطقة قد تكون مختلفة بالماهية والحقيقة هو انا نرى الإنسان قد يكون مجبولا على الشر والنذالة ، ولو أن ذلك الإنسان يحمل من المجاهدات ما لا يمكن الزيادة عليه لم يتغير أصلا عن طبيعة الإيذاء ، بل قد يصير بسبب المجاهدة أو بسبب الزواجر أن يترك تلك الأفعال فلا يقدم عليها ، فأما لو ترك بنفسه مع مقتضى أصل جبلتها فإنها تميل إلى ذلك الشر ، وأيضا ربما انتقل مزاجه من الحرارة إلى البرودة ومن الرطوبة إلى اليبوسة وبالعكس ، ويكون مقتضى أصل خلقته ما فيه ولا يتغير.

وأيضا قد يكون الإنسان بخيلا بمقتضى أصل الفطرة ، ثم أنه لو صار ملك الأرض وملك خزائن الدنيا ، فإنه لا يزول عن جوهر نفسه ذلك البخل ، وقد يكون جوادا بمقتضى أصل الفطرة ـ فلو صار مع ذلك أفقر الخلق ثم وجد قليلا من المال فإنه لا يزول عن جوهر فطرته ذلك الجود.

فلما رأينا هذه الأحوال الأصلية لا تنتقل ولا تتبدل الامزجة ولا باختلاف المعلمين (علمنا) أنها من لوازم الماهية الأصلية ـ فأما إذا رأينا انسانين متساويين فى الجود والبخل والسرقة والقوة وغيرها من الصفات ، فهذا لا يدل على تساوى تيك النفسين فى تمام الماهية ،

لما ثبت أن الأشياء المختلفة لا يمتنع اشتراكها فى اللوازم الكثيرة ، فعلى هذا لا يمكننا القطع يتماثل شيء من النفوس بل يبقى الاحتمال فى أصل الكل.

احتج من قال بتماثل النفوس البشرية فى الماهية بأن قال لا شك أنها متساوية فى كونها نفوسا ناطقة ، فلو اختلفت بعد ذلك فى أمر آخر دار بها (١) ، لكان ما به المشاركة غير ما به الممايزة ، فيلزم وقوع التركيب فى ذات كل واحد من هذه النفوس.

وكل مركب فإنه جسم ، فالنفس الناطقة جسم ، هذا خلف.

واعلم أن هذه الحجة ضعيفة لوجوه :

الأول أنه لا معنى لكونها نفوسا إلا أنها امور مدبرة لهذا (٢) البدن ، وكونها مدبرة لهذا البدن وصف إضافى عرضى ـ فلم لا يجوز أن يقال جوهر النفس مختلف فى تمام ذواتها ، وإنما اشتراكها فى هذه الصفة العرضية الخارجية ، وعلى هذا التقدير لا يلزم وقوع التركيب فى ماهياتها ، فإن البسائط الموجودة المختلفة بتمام ماهياتها مشتركة فى كونها موجودة ومذكورة ومعلومة ولم يلزم وقوع التركيب منها.

الثانى سلمنا أن النفوس البشرية متساوية فى صفة ذاتية ، ثم أنها مختلفة أيضا فى صفة ذاتية فلا نزاع انه يلزم كونها مركبة فى ماهياتها ، فلم قلتم أن هذا التركيب محال.

أما قوله كل مركب جسم فهو مما لم يثبت بالبرهان ، والّذي

__________________

(١) المخطوطة : دلرها

(٢) أيضا : لهذه

يدل على قولنا أن الحكماء قالوا ، الجوهر جنس يدخل تحته أقسام خمسة : العقل والنفس ، والجسم والصورة والهيولى.

فنقول : العقل يشارك الجسم فى الطبيعة الجنسية الجوهرية ، ويخالفه (١) فى خصوص كونه عقلا ، فيكون العقل المجرد مركبا (٢) ومشتركا فى ماهيته مع أنه ليس بجسم ، فكذا (٣) هاهنا.

(الورقة ٢٧٦ و)

الفصل الحادى عشر

فى بيان أن اللذات العقلية أشرف وأكمل من اللذات

الحسية ،

اعلم أن الغالب على الطبائع انفاسه ، وإن أقوى اللذات وأكمل السعادات لذة المطعم والمنكح والملك ، فان لا يغتذوا (٤) لذة ، ولا ليجدوا المطاعم اللذيذة فى الآخرة ، ولا ليجدوا المناكح الشهية هناك ، وهذا القول يزول عند المحققين وارباب المجاهدات ويدل عليه وجوه :

الحجة الاولى لو كانت سعادة الإنسان متعلقة بقضاء الشهوة وإمضاء الغضب لكان الحيوان الّذي هو أقوى فى هذا الباب ألذ وأقوى (١ من الإنسان ، فالأسد أقوى على تسلط الغضب والعصفور أقوى على

__________________

(١) المخطوطة : ومخالفها

(٢) أيضا : حركتا

(٣) أيضا : فكذى

(٤) أيضا : فان لا تعبدوا

النكاح من الإنسان ، ولما لم يكن كذلك علمنا ان سعادة الإنسان غير متعلقة بهذه الأمور.

الحجة الثانية : كل شيء يكون سببا لحصول السعادة والكمال ، فكلما كان ذلك الشيء أكثر حصولا كانت السعادة والكمال أكثر حصولا ، فلو كان قضاء شهوة البطن والفرج سببا لكمال حال الإنسان وسعادته لكان الإنسان كلما أكثر اشتغالا بقضاء الشهوات البطنية والفرجية كان أكمل إنسانية وأعلى درجة ، لكن التالى باطل ، لأن الإنسان إذا أكل بقدر الحاجة ، فإن زاد على ذلك كان مضرا (٢ وعد عليه ذلك من الدناءة والنهمة ، وكذا (١) القول فى جميع اللذات البدنية ، وإذا كان الأمر كذلك ثبت أن الاشتغال بقضاء الشهوات ليس من السعادات والكمالات بل من دفع الحاجات.

الحجة الثالثة : أن الإنسان يشاركه فى لذة الأكل والشرب جميع الحيوانات ، (حتى) الخسيسة منها ـ فلو كانت هى السعادة والكمال لوجب أن لا يكون للإنسان فضيلة فى ذلك على الحيوانات ، فإن الجعل يلتذ بأكل السرجين كما يلتذ الإنسان بالسكر واشباهه.

وتقرير هذا أن نقول : لو كانت سعادة الإنسان متعلقة بهذه اللذات الحسية لوجب أن يكون الإنسان اخس الحيوانات ، والتالى معلوم الفساد بالضرورة ، فكذلك المقدم فليس وجه الملازمة.

فنقول : إن الحيوانات الحسيسة مشاركة للإنسان فى هذه اللذات

__________________

(١) المخطوطة : كذى

الحسية البدنية ، إلا أن الإنسان تنتقص عليه هذه اللذات بسبب حصول القوة العقلية ، فإن العاقل إذا تأمل فى الماضى ، فذلك الماضى إن كان لذيذا طيبا تألم قلبه بسبب فواته ، وإن كان منافيا مؤذيا تألم قلبه بسبب تذكره ـ وإن تأمل فى الحال فهو لا يرضى بما كان حاصلا بل يطمع (١) نفسه إلى الزيادة عليها ، وإن تأمل المستقبل لم يعرف أن حاله فى المستقبل كيف يكون فيستولى عليه الخوف الشديد ، فثبت ان الحيوانات الخسيسة مشاركة للإنسان فى اللذات الحسية البدنية إلا أن الإنسان تنتقص (٢) عليه تلك اللذات بسبب العقل وساير الحيوانات لا تنتقص (٣) عليها ولا تفتكر فيها لكونها فاقدة العقل.

ومعلوم أن حصول الكمال بشرط الخلو عن التنقيص (٤) يكون أشرف من حصوله مع الكد والنقص (٥) ، وذلك يدل على أن هذه اللذات الحسية البدنية لو كانت (الورقة ٢٧٦ ظ) موجبة لكمال الحال لكان الإنسان اخس من النمل والدود والذباب ، ولما كان هذا التالى باطلا ، علمنا أن هذه اللذات الحسية موجبة للغبطة والسعادة.

الحجة الرابعة أن هذه اللذات الحسية إذا بحث عنها فهى ليست لذات (٣ بل حاصلها يرجع إلى دفع الآلام ـ والدليل عليه أن الإنسان كلما كان أكثر جوعا كان التذاذه بالاكل اتم ، وكلما كان الجوع أقل

__________________

(١) المخطوطة : يطمح

(٢) أيضا : تتنغص

(٣) أيضا : تتنغص

(٤) أيضا : التنغيص

(٥) أيضا : مع المكد والمنغص

كان الالتذاذ بالأكل أقل ، وأيضا إذا طال عهد الإنسان بالوقاع واجتمع المنى فى أوعيته ، حصلت فى تلك الأوعية دغدغة شديدة وتمدد وثقل وكلما كانت هذه الأحوال أكثر كانت اللذة الحاصلة عند ادفاع ذلك المنى أشد ، ولهذا السبب فإن لذة الوقاع فى حق من طال عهده بالوقاع يكون أكمل منها فى حق من قرب عهده به ـ فثبت أن هذه الأحوال التى ظن انها لذات جسمانية فهى فى الحقيقة ليست إلا دفع الآلام ـ وهكذا (١) القول فى اللذة الحاصلة بسبب لبس الثياب فإنه لا يمثل (٢) لتلك اللذة إلا بدفع ألم الحر والبرد.

ولما ثبت أن هذه اللذات الجسمانية لا حاصل لها إلا دفع آلام ، فنقول : سعادة الإنسان ليست عبارة عن رفع الآلام ، لأن هذا المعنى كان حاصلا عند عدمه ، فثبت أن السعادة الحقيقية للإنسان أمر مغاير لهذه الأحوال.

الحجة الخامسة هو ان الانسان من حيث يأكل ويشرب ويجامع ويؤذى خصمه ، يشارك بسائر الحيوانات (٤). ولا شك انه من حيث انه انسان اشرف من حيث انه حيوان ، فيلزم وقوع التساوى بين (٣) الجهة التى هى (٤) الشريفة وبين الجهة الخسيسة فى موجبات (٥) الشرف والكمال ، وذلك محال.

__________________

(١) المخطوطة : هكذى

(٢) أيضا : فانه لحصل

(٣) أيضا : من

(٤) أيضا : بين

(٥) أيضا : موجات

الحجة السادسة : العلم الضرورى حاصل بأن بهجة الملائكة وسعادتهم اشرف من بهجة الحيوانات الطيار منها والسابح والسارح فضلا عن الذر والحشرات.

ثم لا نزاع (فى) أن الملائكة ليس لها لذة الاكل والشرب والوقاع ، و (لا) هذه الحيوانات الحسيسة اشرف حالا واعلى درجة من الملائكة المقربين ، ولما كان ذلك باطلا بالبداهة علمنا كون المقدم أيضا باطلا.

واعلم أن هاهنا ما هو اقوى واعلى درجة مما ذكرناه ـ وهو انه لا نسبة لكمال واجب الوجود وجلاله وشرفه وعزته الى احوال غيره ـ مع أن هذه اللذات الخسيسة ممتنعة عليه ـ فعلمنا ان الكمال والشرف قد يحصلان باحوال سوى تحصيل هذه اللذات الجسدانية.

فإن قالوا انما ذلك الكمال لاجل حصول الالهية لكن حصول الالهية فى حق الخلق محال ، فنقول : لا نزاع فى ان حصول الالهية فى حق الخلق محال ، لكنه عليه‌السلام ، قال : تخلقوا باخلاق الله (٥. فيجب علينا أن نعرف معنى ذلك التخلق حتى عرف ان كمال حال الانسان انما يحصل بسبب ذلك التخلق لا بسبب تحصيل اللذات الجسمانية. ومعلوم أن ذلك التخلق لا يحصل الا بقطع الحاجات وافاضة الخيرات والحسنات لا بكثرة الاكل والشرب.

الحجة السابعة ان هؤلاء الذين حكموا بان سعادة الانسان فى تحصيل هذه اللذات (الورقة ٢٧٧ و) البدنية إذا رأوا انسانا اعرض عن طلب هذه اللذات مثل أن يكون مواظبا على الصوم مكتفيا بمباحات الارض ، عظم اعتقادهم فيه ، وزعموا انه ليس من جنس البشر بل

هو من زمرة الملائكة ويعدون انفسهم بالنسبة إليه اشقياء اراذل ـ واذا رأوا انسانا مستغرقا فى طلب الاكل والشرب والوقاع معروف الهمة الى أن يحصل اسباب هذه الاحوال معرضا عن العلم والعبادة ، والزهد ، وقضوا (١) عليه بالبهيمية والخلاعة والبطالة والخزى والنكال ولو لا انه تقرر فى عقولهم ان الاشتغال بتحصيل هذه اللذات الجسدانية نقص ودناءة وخساسة ، وان الترفع عن الالتفات إليها سعادة وكمال حال ـ وإلا لما كان الأمر على ما قلنا ، ولكان يجب ان يحكموا على المعرض عن تحصيل هذه اللذات بالخسار والنكال ، وعلى المنهمك فى تحصيلها بالسعادة والكمال. ولما لم يكن الأمر كذلك بل كان بالضد منه علمنا صحة ما ذكرناه.

الحجة الثامنة : كل شيء يكون فى نفسه كمالا وسعادة ، وجب ان لا يستحيى (٢) من اظهاره ، بل يجب ان يفتخر باظهاره ، وينجح بفعله.

ونحن نعلم بالضرورة ان احدا من العقلاء لا يفتخر بكثرة الاكل ولا الشرب ولا المناكح ولا بكونه مستغرق الوقت والزمان فى هذه الاعمال وأيضا فالناس لا يقدمون على الوقاع إلا فى الخلوة. فاما عند حضور الناس فلا احد من العقلاء لا يجد من نفسه تجويز الاقدام عليه ، وذلك يدل على انه فعل خسيس وعمل بحت يستحيى (٣) منه.

وأيضا ، فقد جرت عادة السفهاء ان لا يشتم بعضهم بعضا إلا

__________________

(١) المخطوطة : قضو

(٢) أيضا : لا يستحيا

(٣) أيضا : يستحيا

بذكر الفاظ الوقاع. ولو أن واحدا من السفهاء احر يحكى عند حضور الجمع العظيم ان فلانا كيف يراقع زوجته. فان ذلك الرجل يستحيى من ذلك الكلام ويتأذى من ذلك القائل ، وكل هذا يدل على ان ذلك الفعل ليس من الكمالات لا من السعادات بل هو عمل باطل وفعل قبيح.

الحجة التاسعة : كل حيوان كان ميله الى الاكل والشرب والإيذاء اكثر ، وكان قبوله للرياضة اقل كانت قيمته عند الناس اقل ، وكل حيوان كان اقل رغبة فى الاكل والشرب وكان اسرع قبولا للرياضة كان قيمته عند الناس اكثر. ألا ترى ان الفرس الّذي يقبل الرياضة والتعليم والكر والفر والجرى الشديد فإنه يشترى بالثمن الكثير ، والضامر اشد جريا واسبق من البطين السمين ، وكل فرس لا يقبل الرياضة ، ولا هذه الافعال ، ويوضع على ظهره الاكاف (٦) ويحمل الاثقال ويسوى بينه وبين الحمار لا يشترى (١) الا بالثمن القليل ، فإذا كانت الحيوانات التى هى غير ناطقة لم يظهر فضائلها ومنافعها بسبب الاكل والشرب ، بل بأمور أخر. فما ظنك بالحيوان الناطق العاقل؟

الحجة العاشرة : سكان اطراف الأرض لما لم يكمل عقولهم واخلافهم ومعارفهم لا جرم صاروا فى غاية الخسة والدناءة. ألا ترى ان سكان الإقليم الاول وهم الزنوج ، وسكان الاقليم السابع وهم الصقالبة لما قل نصبهم من المعارف الحقيقية والاخلاق الفاضلة لا جرم تقرر فى العقول حظ درجاتهم ودناءة مراتبهم ،

__________________

(١) المخطوطة : ولا يشترى

واما سكان وسط (٧) المعمور لما حازوا المعارف الحقيقية والاخلاق الفاضلة لا جرم أقر كل احد بانهم خير طوائف البشر (الورقة ٢٧٧ ظ) وافضلهم وذلك يدل على ان فضيلة الانسان وكماله لا يظهر إلا بالعلوم والمعارف والاخلاق الفاضلة لا بالاكل والشرب والوقاع.

الفصل الثانى عشر

فى شرح ما فى اللذات الحسية من وجوه الذم والنقصان

اعلم أن الشيء قد يكون مذموما (١) لذاته وقد يكون مذموما لغيره ، واللذات الحسية مشتملة على الوجهين.

أما كونها مذمومة لذاتها فيدل عليه وجوه :

الأول وهو الأصل والعمدة فى الباب أن هذه اللذات ليست فى الحقيقة بلذات بل حاصلها يرجع إلى دفع الآلام (١ ، فإنه لا معنى للذة الأكل إلا دفع الم الجوع ، ولا معنى للذة الوقاع ، إلا لدفع المشتهاة (٢) بالمنى لما كثرت واحتفنت فى اوعية المنى أو جبت تمديد تلك الاوعية وحدوث دغدغة مولمة منها ، فاندفاعها يوجب زوال تلك الآلام. ولا معنى للذة الملابس سوى دفع الم الحر والبرد.

بل نقول : إن الإنسان إذا أراد قضاء الحاجة من البول أو الغائط فربما تعذر عليه ذلك لأسباب اضافية من خارج ، فحينئذ يعظم الماء بسبب أمثال هذه الفضلات ، ثم أنه بعد الالم الشديد إذا قدر على دفعها وجد لذة عظيمة وراحة تامة ، وكلما كان ألمه بإمساكها واحتقانها اشد كان التذاذه باندفاعها أشد وأكثر ، وذلك يدل على أن حاصل هذه اللذات دفع الآلام. إذا عرفت هذا ظهر لك هذه الأشياء التى يظن بعض الناس أنها لذات ليست بحقيقة بل هى سعى فى دفع الآلام و

__________________

(١) المخطوطة : مكرما

(٢) أيضا : المسماة

اشتغال النفس فى ذلك ألم اخر ، وما كان كذلك فليس من السعادات ولا الكمالات البتة.

الثانى أن الشيء كلما كانت الحاجة إليه أشد كان الالتذاذ به أقوى إذا وجد وبالعكس ، كلما كانت الحاجة إليه أقل واضعف كان الالتذاذ به إذا وجد أقل ، ألا ترى انك رميت قلادة من الدر بين يدى الكلب لم يلتفت إليها ، إذ لا حاجة له بها ولو رميت إليه عظما قفز إليه واختطفه وقاتل عليه من ينازعه ، والإنسان بالعكس من ذلك فإنه يفرح ويهش لوجدان القلادة من الدر ويلتذ إما ليتزين بها أو لينتفع بثمنها. وإن طرح العظم عنده لم يلتفت إليه لعدم الحاجة إليه. فثبت أن اللذة والطلب على قدر الحاجة ، إلا أن الحاجة آفة ومحنة وبلية ، والشيء إذا لم يتم حصوله إلا بالبلاء والمحنة كان هو أيضا كذلك ، فثبت أن هذه اللذات الجسدانية كالحبيص المسموم فى أبدان تلتذ بحلاوته ، وهو وهم سم قاتل.

ولقائل أن يقول هذا الاشكال وارد عليكم فى اللذات الروحانية ، إلا أنا نقول الجواب عنه سيأتى.

الثالث : هذه اللذات بتقدير أن تكون فى أنفسها لذات الا أن الالتذاذ بها لا يحصل إلا حال حدوثها ، فإن استمرت لم يبق الالتذاذ بها فى استمرارها ، والسبب فيه أن اللذة يعتبر فى حصولها إدراك الملائم وانفعاله عنه وذلك لا يحصل إلا فى أول زمان الحدوث. أما بعد ذلك فهو حال الاستمرار والاستقرار ، وفى حال الاستقرار لا يكون الانفعال. فلا يحصل الشعور ، وإذا لم يحصل الشعور لا يحصل الالتذاذ.

الرابع أن الإنسان إذا استوفى من هذه اللذات قدر الحاجة والكفاية فإنه لا يلتذ بعد ذلك بما يستعمله منها ، بل يملها (١) ويسأم منها ، ثم بعد حصول (الورقة ٢٧٨ و) الملال لو كلف باستيفائها مرة اخرى لتألم بادراكها ، فإنه إذا أكل اكلا تاما وكلف بعد ذلك بالاكل تألم به. ومن قضى وطره من الوقاع ثم كلف بالزيادة عليه لتألم منه ، وهذا يدل على أن هذه اللذات ليست فى أنفسها خيرات وسعادات ، بل إنما ينتفع بها عند حصول الاحتياج إليها ، فعند زوال الحاجة تصير هذه الاشياء كلا ووبالا على النفوس والأرواح.

الخامس الأشياء التى تستلذ وتستطاب فى الدنيا قد كانت موصوفة بصفات مكروهة منفرة وستصير أيضا كذلك. ألا ترى أن الحنطة قد كانت قبل صيرورتها حنطة عفنة فى رطوبة الأرض ممن صارت عشبا وتشربت رطوبات القاذورات والسرجين. ثم إذا استوت وصنعت فأكلت اختلطت فى الفم بالبصاق واللعاب الّذي لو رآه آكله لأنف من أكله واستقذره ، ثم يعود فى آخر الأمر إلى الرجيع المنتن والشيء المستبعد ، وكذا (٢) اللحوم والحلاوات والفواكه ، فالعاقل إذا تأمل فيها وجدها منتنة الأصل ، قذرة الجوهر ، فاسدة السنخ (٢ ، إلا أنه تعالى أعارها لونا ورائحة وطعما فى زمان قليل مقدار ما ينتفع المكلف به ليقدر به على طاعة الله ومصالح معاشه ، ثم أنها فى الحال تعود إلى القذارة الأصلية والرداءة الطبيعية.

السادس أن استعمال هذه اللذات ينافى معى الإنسانية ، وذلك

__________________

(١) المخطوطة : يميلها

(٢) أيضا : كذى

لأن الإنسان إنما يكون إنسانا لحصول نور العقل واطلاعه على عالم الغيب والأنوار الإلهية ، فإذا اشتغل الإنسان باستيفاء هذه اللذات الجسدانية تكدرت القوة العقلية ، وانسد عليه باب المعارف ، وصارت البهيمية عليه غالبة ، والإنسانية مفقودة ، ولما كان شرف الإنسان باستيفاء هذه اللذات الحسية يبطل عليه معنى الإنسانية ، ثبت ان الاشتغال بها شيء فى غاية المذمة.

السابع أن أصل أحوال الإنسان اشتغاله بمعرفة الله تعالى واقباله على طاعته واستغراقه فى محبته ، ثم اشتغال الإنسان باستيفاء اللذات الجسدانية والطيبات الحسية يمنعه عن عبودية الله ويصده عن ذكر الله ، ولما كانت تلك المعارف أشرف مراتب المخلوقات وهذه اللذات الحسية مانعة عنها كانت هذه اللذات أخس الأشياء ضرورة أنه كلما كان الشيء أشرف كان ضده العائق عنه والمنافى لحصوله أخس ، فهذه وجوه دالة على كون الدنيا مذمومة لذاتها.

فأما الوجوه الدالة على كونها مذمومة لأمور لازمة لها فكثيرة ـ ونحن نشير إلى بعضها : فنقول :

الأول انها سريعة الزوال ، قريبة الانقضاء ، ومعلوم أن الإنسان إذا احب شيئا ، ثم اتصل بمحبوبه والتذ بمواصلته وابتهج بالاختلاط به ثم إنه فارقه وانفصل عنه ، تألم بسبب ذلك الفراق ، ويكون مقدار التألم الحاصل بسبب مفارقته مساويا لمقدار الالتذاذ الحاصل بسبب مواصلته ، وإذا كان كذلك فكلما كان حب الدنيا أشد فى هذه الحياة كانت الآلام الحاصلة بمفارقته بعد الموت والحسرات المترادفة هناك أقوى وأكمل ، ثم مع حصول التساوى من هذا الوجه حصل الترجيح

لجانب الآلام فهذه اللذات منقطعة وتلك الآلام غير منقطعة ، فلهذا السبب صارت اللذات الجسمانية مذمومة (الورقة ٢٧٨ ظ) عند العقلاء.

الثانى أن لذاتها غير خالصة بل هى ممزوجة بالآلام والحسرات (١) بل الإنسان لو تأمل لوجد اللذة قطرة والألم بحرا لا ساحل له (٢) ، ونحن ننبه على معاقد هذا الترجيح.

فنقول : هذا الترجيح حاصل من وجوه :

أولها أن الضرر منه ثلاثة ، الماضى والحال والمستقبل :

أما الماضى فنقول : الاحوال التى كانت حاصلة للإنسان فى الزمان الماضى ، إما أن يقال أنها كانت اسبابا للسعادة واللذة ، أو كانت أسبابا للذة والألم ، أو كانت غير موجبة لا لذاك ولا لهذا ، أو قدرنا أنها كانت موجبة للسعادة والغبطة ، فإما أن يقال : انها بقيت أو ما بقيت فإنها موجبة (٣) للسعادة ، وقد بقيت إلى الوقت الحاضر فمن المعلوم لا مرتبة إلا وفوقها مراتب غير متناهية هى أعلى وأكمل منها ، وإذا كان كذلك فكلما ابتهج الإنسان بتلك السعادة التى كانت حاصلة فى الماضى ، وبقيت إلى الزمان الحاضر حاصلة فى قلبه شعور سائر (٤) المراتب التى ما وجدها وما وصل إليها ، فيقع فى قلبه أنواع من الحسرة بسبب ما فاته من تلك السعادات.

__________________

(١) المخطوطة : الخسران

(٢) أيضا : يحر لا سال له

(٣) أيضا : فان موجبه للسعادة ،

(٤) أيضا : شعور بسائر المراتب

وأما إن كانت الأحوال الماضية موجبة للسعادة ثم أنها ما بقيت بل فاتت ، فكلما تذكر الإنسان تلك المراتب الفانية اشتعلت نيران الحسرة فى قلبه بسبب فواتها بعد حصولها وزوالها بعد وجودها.

وأما إن كانت تلك الأحوال لا موجبة للسعادة ولا للشقاوة ، فحينئذ كانت من باب العبث الّذي لا فائدة فيه ـ وكلما تذكر الإنسان تلك الأحوال عرف أنه قد ضيع ذلك الّذي مر من عمره فى العبث الّذي (لا) فائدة فيه ، مع أنه كان يمكنه أن يصرف أوقاته فى اكتساب السعادات العالية والدرجات الرفيعة ، وحينئذ تشتعل نيران الحسرة والاسف فى قلبه بسبب تضييع العمر ، ثم أنه ربما رأى أقرانه واشباهه قد اجتهدوا فى سالف العمر فى طلب الفضائل وفازوا بسبب ذلك الجد والجهد فائزين بالمناقب العالية والمراتب الشريفة ، فإذا رأى نفسه نازلا خسيسا متخلفا عن اقرانه واشباهه مات غما واسفا ، فثبت أن تأمله فى الاحوال الماضية لا يفيد إلا الحزن والأسف.

وأما الحالة الراهنة القائمة فأمر عجيب ، وذلك لأنها لا بد وأن تكون نهاية الماضى وبداية المستقبل ، ومتى كان ذلك منقسما (١) ، وليس كذلك ، إذ لو كان ذلك الوقت منقسما لكان بعض الأجزاء المعرضة قبل البعض ، فحينئذ لا يكون كله حاضرا ، هذا خلف.

وإذا عرفت هذا ظهر انه لا يمكن أن يكون الزمان الّذي هو مقدار طرف العين حاضرا لأن ذلك الزمان حصل فيه حركة طرف الجفن على سطح الحدقة ، وسطح الحدقة منقسم بأقسام ولا نهاية لها عند الحكماء ، وبأقسام كثيرة متناهية عند غيرهم ، وعلى هذا التقدير يكون الآن

__________________

(١) المخطوطة : ذلك منقسمة

الحاضر قسما من تلك الإقسام الكثيرة الخارجة عن الحد والحصر من اللمحة الواحدة ، وهذا القدر القليل ما لا يتصوره العقل ، ولا يضبطه الحس والخيال ، فامتنع أن يحصل فيه الالتذاذ والابتهاج الحقيقى فى نفس الأمر ، وما سوى ذلك الآن الّذي لا ينقسم فبعضه ماض وبعضه مستقبل ، وكلاهما معدومان فى الحال ، فثبت أن هذه الأشياء التى تظن أنها سعادات فهى ليست كذلك فى أنفسها ، بل هى خيالات فاسدة وأوهام باطلة.

الثانى ، ان عادة الإنسان (الورقة ٢٧٩ و) ان كل ما كان حاصلا له وموجودا بالفعل عنده فإنه لا يلتذ به ولا يميل قلبه إليه ، بل لا يلتذ إلا بوجدان المفقود وطلب المعدوم ، فعلمنا أن الإنسان لا يلتذ بما كان حاصلا فى الحال ، وأما المستقبل اما (١) يوافقه أو يخالفه ، وإذا كان كذلك ، لم نكن ننظر (٢) فى المستقبل الأشياء للخوف الشديد والفزع التام ـ فثبت بما ذكرنا أن الازمنة ثلاثة ـ الماضى والحال والمستقبل.

ونظر الإنسان فى اى واحد منها كان يوجب الغم الشديد والحسرة والألم والنفرة ، والخوف الشديد ـ فثبت بما ذكرناه أن الإنسان لا ينفك عن الغم والحزن إلى هذه الأحوال.

الموجب الثانى من موجبات استيلاء الغم والحزن على الإنسان ، وذلك لأن الإنسان إما أن يعيش بحيث يكون مختلطا بالناس أو بحيث يكون منفردا عنهم.

__________________

(١) المخطوطة : واما المستقبل ما يوافقه او يخالفه

(٢) أيضا : لم يكن مطره فى المستقبل الاشياء الخ

أما الأول فإنه سبب قوى للغم والحزن والوحشة ، فإن المخالطة موجبة للمنازعة إما فى الحال وإما فى المستقبل ، إما فى كل الأمور أو فى بعضها ، والمنازعة موجبة لقصد (١) كل واحد من المتنازعين قهر صاحبه بوجه ما والمقهورية موجبة للغم والحزن.

وأما الثانى ، وهو أن يعيش منفردا عنهم فذاك أيضا من أقوى موجبات الغم ، إلا أن الإنسان خلق بحيث لا تكمل مصالحه البتة إلا بالجمع العظيم ، فإذا أنفرد عن ذلك الجمع اختلف مصالحه ـ فثبت أن حياة الإنسان مع المخالطة بالغير توجب الزحمة والوحشة ، ومع الانفراد توجب الوحشة والكآبة ، فثبت أنه لا خلاص البتة عن الهموم والآلام.

الموجب الثالث من موجبات الغم والحزن ، وهو إما أن يكون أكمل من غيره أو مساويا له أو أنقص منه ، فإن كان أكمل من غيره كان ذلك الغير ناقصا ، والنقص مبغوض لذاته مكروه لعينه ـ فذلك الناقص لا يمكنه دفع النقص عن نفسه إلا بإبطال كون ذلك الغير أكمل ، وما كان من لوازم المطلوب لذاته يكون أيضا مطلوبا ، فلهذا السبب حيل الناقص على السعى فى إبطال كمال الكامل إما ابطالا فى نفسه وذاته ، وإما بإخفاء ذلك الكمال عن أعين الناس ، وكل واحد من هذين القسمين فإنه حالة منافية بالذات لذلك الكمال وموجبه وقوع الحزن وألم القلب وتشويش الخاطر.

وأما إن كان مساويا لغيره فنقول : الكمال محبوب لذاته فلا جرم كان كل واحد من المتساويين يريد (٢) إرادة حازمة أن يجعل نفسه أكمل

__________________

(١) المخطوطة : قصد

(٢) أيضا : مريد إرادة حازمة

من غيره وأعلى منه وأشرف ، لكن كون كل واحد منهما أعلى من الآخر محال ، فلهذا السبب لا بد وأن يقع بينهما التنازع الشديد والتحارب التام ، وقد عرفت أن المنازعة سبب لحصول الخوف والغم والوحشة ، وأيضا فهذان المتساويان إن صار أحدهما مرجوحا فقد تألم قلبه جدا ، لأن حصول المرجوحية مكروه بالذات ، وذلك مولم للقلب ، وإن صار راجحا تألم قلب ذلك المرجوح ـ ثم إن ذلك المرجوح يسعى بأقصى ما يقدر عليه على إزالة (١) تلك المرجوحية ، لكن زوال مرجوحيته يوجب زوال راجحية الراجح ، وذلك مكروه له بالذات. فذلك الراجح يخاف من زوال تلك الصفة عنه ، وذلك الخوف موجب للألم ، فثبت أن الإنسان ان حضر مع من يساويه فإنه لا ينفك عن الغم والحسرات (٢) ـ وأما إن كان مرجوحا بالنسبة إلى غيره فالمرجوح كلما نظر إلى الراجح فرأى ما معه من الرفعة والبهجة والسرور ، وجد نفسه محروما عنها ، فلا شك أنه تشتعل نيران (الورقة ٢٧٩ ظ) الحسرات (٣) فى قلبه ـ وأيضا فالراجح يجعل المرجوح نصيبا للموحشات وهدفا للموذيات ، وكل ذلك مما يغم القلب. فثبت أن الإنسان سواء كان أكمل من الغير أو مساويا له أو أنقص منه ، فإنه لا ينفك البتة من الغم والحسرة وتوحش الصدر وألم القلب.

الموجب الرابع من موجبات الغم والحزن انه لا يشك أن الإنسان له عقل يهديه وهوى يرديه ـ والهوى الّذي يرديه له أعوان

__________________

(١) المخطوطة : على ان ازالة الخ

(٢) أيضا : الخسران

(٣) أيضا : الخسران

كثيرة وهى الشهوة والغضب والحرص والحواس الظاهرة والباطنة.

أما العقل فليس له فى جوهر الإنسان صفة أخرى تقويه ، فكان العقل أضعف من الهوى لا محالة لهذا السبب ـ وأيضا فالإنسان من أول فطرته كان مطيعا للذات الحسية منقادا لها مقبلا عليها.

وأما نور العقل فلا يظهر فيه (إلا) بعد مدة من عمره ، وقالوا : العلم فى الصغر كالنقش فى الحجر ـ والحكماء قالوا : إن التكرير سبب لحصول الملكات العقلية ، وإذا كان كذلك كان انجذاب النفس إلى اللذات الحسية أكمل من انجذابها إلى اللذات العقلية ، ولا معنى للهوى إلا الانجذاب إلى اللذات الجسمانية والسعادات الحسية ، فثبت أن جانب الهوى راجح على جانب العقل رجحانا كثيرا.

إذا عرفت هذا فنقول : مقتضى ما ذكرناه أن يكون أغلب الأفعال الصادرة عن الإنسان يكون من مقتضيات الهوى ومن جنس الأفعال الذميمة ، ثم إن الإنسان بعد إقدامه عليها وفراغه منها ، وانصرافه عنها يبقى العقل فارغا عن منازعة الهوى ، فحينئذ يطلع الإنسان على قبحها وسخافتها ، واشتمالها على الوجوه الكريهة الذميمة ، ولكنه إنما يطلع بعقله على هذه القبائح بعد وقوعها وبعد وقوع الفعل لا يمكن دفعها ومنعها ، فلا يبقى مع الإنسان إلا الحسرة والندامة والخجالة.

ولما بينا إقدام الإنسان على مقتضيات الهوى هو الغالب الراجح بحكم ما قدمنا أن يكون بقاؤه فى الغم والحسرة هو الغالب الراجح ، وذلك يدل على أنه يجب أن يكون الإنسان فى أغلب أحواله ملازما للحسرات مقارنا للزفرات.

الموجب الخامس من موجبات الغم أن درجات السعادة والرفعة غير متناهية وتحصيل ما لا نهاية له محال ، ينتج أن حصول جميع الدرجات للإنسان محال ، وقد ثبت أن تكرير العقل موجب للملكة ـ فالإنسان كلما كانت مواظبته على اللذات الجسمانية أكثر ، كان ميله إلى ذلك الالتذاذ أكثر وأقوى ـ وكلما كان ميله إلى الالتذاذ أقوى كان طلبه لاستجذاب ما كان مفقودا أكثر ـ ولما كان تحصيل تلك المراتب التى لا نهاية لها محال لزم آخر الأمر أن يبقى الطلب الشديد المتأكد مع امتناع حصول المطلوب فى ذلك يوجب الألم الغذاء.

وثبت أن الميل إلى اللذات يوجب الآلام بتقدير حصولها ، وأما بتقدير عدم حصولها فحصول الآلام (١) أظهر ـ ولهذا السبب قال بعض الحكماء المحققين : من أراد أن يستغنى عن الدنيا بالدنيا كان كمن اطفأ (٢) النار بالتبن ، فثبت بهذه الوجوه (الورقة ٢٨٠ و) أنه يمتنع (٣) أن تكون لذات الدنيا خالية عن الغموم والهموم ، وكلها آلام وأسقام.

ثم إنك إذا تأملت فى أحوال الفقراء تفكرت فى أمورهم وما هم فيه من الإنكاد وتوجه الموذيات ، وقصد الأعداء ، وترادف الاحزان وجدتها بحرا لا ساحل له ، واللذة التى تحصل للإنسان تكون كالقطرة فى البحر ، فثبت بما ذكرناه أن اللذات الجسدانية مخلوطة بالآلام والاسقام والموذيات ، فلا جرم كانت مذمومة من هذا الوجه.

السبب الثالث من الأسباب الخارجية الموجبة لكون الدنيا مذمومة

__________________

(١) المخطوطة : الام

(٢) أيضا : طفى

(٣) أيضا : انه لا يمتنع

هو أن الغالب أن الإنسان الّذي يكون خسيسا فى نفسه وقوته وحسبه ونسبه ، يكون راجحا فى السعادات الجسمانية على من كان شريفا فى نفسه وعقله وحسبه ونسبه ودينه ، ولهذا قال عليه‌السلام : لو كانت الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة لما سقى كافرا منها شربة ماء (٣.

أما السبب الرابع من خاصة اللذات الجسمانية أنك كلما سددت منها ثلمة انفتحت عليك ثلمة كثيرة هكذا إلى ما لا نهاية له. ومثاله أن الإنسان إذا ضعف عن الشيء واشترى فرسا فحينئذ يحتاج إلى خادم بخدم الفرس وإلى قرية يحصل منها علفه ، وإلى إسطبل يربط فيه الفرس. ثم أن احتياجه إلى كل واحد من هذه الأشياء تفتح عليه أبوابا كثيرة من الحاجات أكثر ما تقدم ـ وهكذا (١) إلى غير النهاية ، ولهذا السبب نقل عن عيسى عليه‌السلام أنه قال (٤ : ان مهمات الدنيا لا تتم بالإصلاح والتكميل وإنما تتم بالترك والإعراض.

__________________

(١) المخطوطة : وهكذى

القسم الثانى من الكتاب

فى علاج ما يتعلق بالشهوة

وفيه فصول

الفصل الأول

فى حب المال

اعلم أن الآيات الكثيرة قد وردت فى مدح المال تارة وفى ذمه اخرى.

أما آيات المدح فهو قوله : (١ (قل ما انفقتم من خير فللوالدين والأقربين ؛ يا أيها الذين آمنوا أنفقوا مما رزقناكم الخ ؛ وابتغوا من فضل الله) (١).

وأما آيات الذم نحو قوله تعالى : (لا تُلْهِكُمْ أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ ، وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) (٢ ، وقوله : (أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ) (٣ ، وقوله : (أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ) (٤.

ولما تعارضت الآيات فلا بد من التوفيق ، وطريق التوفيق لا يمكن للإنسان إلا ببيان مراتب الفضائل ، وهى ثلاثة (٥ :

النفسانية ـ وهى العلوم ، والأخلاق الفاضلة.

والبدنية ـ وهى الصحة والجمال.

والخارجية ـ وهذه الخارجية منها قريبة وهى الطعام والشراب وهما يخدمان البدن ، والبدن يخدم النفس ، والنفس يستكمل بالعلوم والأخلاق الفاضلة ، فهذان مخدومان على الإطلاق.

(ومنها بعيدة ، وهى المال) (٢) والمال خادم على الاطلاق فإن صرف المال إلى تحصيل العلوم وتهذيب الأخلاق كان محمودا ،

__________________

(١) هذه الآيات غير موجودة فى المخطوطة.

(٢) هذه العبارة ليست فى المخطوطة.

وإن صرف إلى اللذات الحسية التى عرفت كونها مذمومة كان مذموما.

فهذا طريق التوفيق بين هذه النصوص لأنه (١) بالأول يحصل السعادة الأبدية ، وبالثانى يحصل الشقاوة الأبدية.

الفصل الثانى

فى أنه كيف يتوسل بالمال إلى اكتساب السعادة الروحانية.

المال إما أن يصرفه الإنسان إلى نفع نفسه (١ أو إلى نفع غيره ، أما الأول فهو أن الإنسان خلق محتاجا إلى المطعم والملبس والمسكن والمنكح ، فإن لم يدفع عنه هذه الحاجات لم يقدر على اكتساب الكمالات فى قوته النظرية والعملية ، لكن تلك الحاجات لا تندفع ولا تتحصل إلا بالمال ، (الورقة ٢٨٠ ظ) فكان فى المال معونة من هذا الوجه على اكتساب السعادات الروحانية.

وأما الثانى ، وهو ما إذا صرف الإنسان ما له إلى غيره (٢ ، فذلك الغير ، إما أن يكون معينا أو غير معين.

أما القسم الأول ، وهو صرف المال إلى شخص معين ، فإما أن يكون ذلك الصرف لدفع ضرر (٣ ، وهو كما إذا دفع بعض أمواله إلى بعض الظلمة ليتخلص عن ظلمه أو يدفع إلى شاعر فخاف أن يقع فيه ، وأن يهجوه لئلا يفعل ذلك ـ وإما أن يكون ذلك الصرف لغرض تحصيل النفع ، وذلك النفع إما أن يكون دنيويا أو أخرويا.

__________________

(١) المخطوطة : لان

والأول قسمان : أحدهما أنه إذا كان مشتغلا أبدا باكتساب الفضائل النفسانية من العلوم والأخلاق لم يتفرغ للقيام لمصالحه الدنيوية ، فيحتاج إلى من يخدمه فى هذه المصالح ، فيحتاج إلى صرف طائفة من ماله إليه عوضا عن تلك الخدمة (٤.

الثانى أن يبذل طائفة من ماله لأجل المروءة (٥ وإكرام الأضياف ، كل ذلك حسن محمود ، وأما الّذي يكون للنفع الاخروى فهو كالزكاة (١) والصدقات.

وأما القسم الثانى وهو الّذي يدفع ماله إلى شخص غير معين كبناء المساجد والقناطير (٢) والرباطات ودور المرضى ، وحفر الآبار والمصانع ونصب جار الماء فى الطرقات ، فهو أيضا حسن (٦ ، وهو بيان الانتفاع بالمال.

وأما بيان ما فيه من الآفات فمن وجوه (٧ :

الأول أن الشهوات الجسمانية غالبة على الطباع ، فإذا حصلت القدرة على تحصيل تلك اللذات وعند حصول القدرة مع الداعى وزوال العائق يقع الفعل.

الثانى أن عند حصول المال يتنعم الإنسان بالمباحات ظاهرا ، لأن الداعى قائم والمانع زائل فيقع الفعل ، ثم إذا ألف ذلك التنعم ربما (٣) قل ما له ولم يمكنه أن يصبر عن ذلك التنعم فيقع بسببه فى الكسب الحرام ، وينفتح عليه بهذا السبب جميع أبواب الأخلاق الذميمة.

__________________

(١) المخطوطة : كالزكوات ،

(٢) أيضا : القناطر

(٣) أيضا : وبما ،

الثالث أن حفظ المال صعب عسير وما لم يصرف الإنسان كل جهده إليه لم يبق محفوظا ، وانصراف قلبه إلى هذا المهم يمنعه عن الاشتغال بذكر الله تعالى ، لأنه (ما جَعَلَ اللهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ) (٨.

الفصل الثالث

فى الحرص والبخل

الحرص هو السعى التام فى تحصيل المال عند عدمه أو عند قلته.

والبخل (١ هو السعى التام فى إمساكه عند وجوده ، فحب المال حاصل فى الأمرين ، إلا أن حب الجمع والتحصيل هو الحرص ، وحب الابقاء هو البخل.

إذا عرفت هذا ، فنقول : لحب المال سببان (٢ : أحدهما ان المال سبب القدرة والقدرة كمال. والكمال محبوب لذاته ، والمفضى إلى المحبوب محبوب فالمال محبوب (٣ ، الثانى ان المال يقتضي دفع الحاجة ، ودفع الحاجة مطلوب ، والمفضى الى المطلوب مطلوب ، والفرق بين هذين الوجهين ظاهر ، فان الشيخ المريض المشرف على الموت إذا كانت معه اموال عظيمة خارجة عن حصره ، فإذا اخبر فى هذه الحالة انه سرق ماله او أغير عليه فانه يتأذى بذلك مع علمه بأنه لا فائدة له فيه ، وليس هذا التأذى لاحتياجه إليه لأنه عالم بانه يموت غدا ، فدل ذلك على أنه انما تأذى لأنه بخيل ، إنه زالت قدرته بسبب القدر الّذي زال من ماله ، وزوال القدرة زوال الكمال ، وزوال الكمال نقص مغوض لذاته.

إذا عرض هذا فلننظر (الورقة ٢٨١ و) فى علاج البخل ، وذلك من وجوه :

الأول أن يسعى الرجل فى تقليل (١) حاجاته ، لأنه إذا قلت حاجاته قل تعبه وميله إلى تحصيل (ما) (٢) يدفع تلك الحاجات. لأن إعدام الشيء قبل حصوله غير معقول. ولا شك أن هذه الحاجة إما حاجة انتفاعه هو بذلك المال أو حاجة متصلبه.

أما الاول فيعالج طول الامل (٤ بكثرة ذكر الموت ، والتأمل فى موت الاقران ويصرف وهمه إلى انه لا يمكنه الانتفاع بالمال إلا فى الزمان الحاضر ، ثم انه يكتفى من المطعم والملبس والمسكن باقل ما يحتاج إليه ويسد على نفسه باب التنعمات ، وحينئذ يقل حرصه على تحصيل المال بسبب نفسه ،

وأما الثانى فيعالج بترك الالتفات إلى الولد بان الله خلقه وخلق معه رزقه ، وكم من ولد لم يرث من أبيه مالا ثم صار أغنى منه ، او أغنى الخلق ، وكم من ولد ورث اموالا عظيمة ثم صار أشد الناس فقرا (٥.

الثانى ان يتأمل فى الآيات والأحاديث الواردة فى ذم البخل ومدح السخاء ، والوعد بالثواب العظيم فى السخاء ، والوعيد (٣) بالعقاب العظيم فى البخل (٦.

الثالث كثرة التأمل فى أحوال البخلاء ونفرة طباع الافاضل من الناس منهم ، واطباق اهل العالم على ذمهم ، فانه ما من بخيل إلا ويستقبح

__________________

(١) المخطوطة : تعليل

(٢) أيضا : تحصيل يدفع الخ ،

(٣) أيضا : الوعد

البخل من غيره. وحينئذ يعلم أن حاله فى قلب غيره كحال سائر البخلاء فى قلبه (٧.

الرابع أن يتأمل فى المال ويعلم انه لا سبيل له إلى الانتفاع به إلا عند إخراجه من اليد.

والمنافع إما جسدانية وهى قليلة حقيرة ، ولا حاجة فى تحصيلها إلى المال الكثير ، وإما روحانية وحينئذ يقطع الإنسان بانه لا فائدة من المال بتحصيل هذه الفوائد الروحانية ، والأغراض النافعة ، فكانه قطع الوسيلة عن المقصود وذلك جهل.

الخامس يتفكر أنه وإن بالغ فى إمساك المال إلا أنه قد يتفق سبب تضييع المال ؛ ولا يبقى منه حمد (١) ولا أجر ، أما إذا صار مصروفا إلى وجوه الخيرات (٨ بقى (٢) الحمد والاجر عند الله تعالى كما قال : (ما عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَما عِنْدَ اللهِ باقٍ) (٩.

السادس ؛ الإنسان إذا عجز عن الإنفاق يبقى كالأسير فى قبضة استيلاء حب المال ؛ واذا قدر على الإنفاق صار كالمستولى عليه والقاهر له وكون الانسان قاهرا لغيره خير له من كونه مقهورا ؛ لأن الأول صفة الحق ، والثانى صفة الهيولى ، كما قال الله : (اللهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَراءُ) (١٠.

السابع أنه إذا أمسك وما أنفقه فلا بد وأن يبقى ذلك المال بعد موته ، فكل من أخذه بعد موته يقول : هذا المال إنما جمعه ذلك البخيل الملعون فيصرفه فى وجوه منافع نفسه ولا يذكر ذلك الميت إلا باللعن ؛ ولا يبقى من ماله أثر فى حقه إلا الذم فى الدنيا والعقاب فى الآخرة.

__________________

(١) المخطوطة : حمل

(٢) أيضا : ففى

واما إذا صرف الإنسان ماله إلى مصارف الخيرات بقى له الثناء الجميل فى الدنيا والثواب الجزيل فى العقبى.

الثامن أن شركاء البخيل فى صفة البخل هم البخلاء الأشقياء المذمومون المهانون ، ولو كان جوادا سخيا كان شركاؤه فى ذلك الأنبياء والأولياء وأفاضل الحكماء وأكابر الناس.

التاسع الاستقراء دل على أنه تعالى يفتح أبواب الرزق والراحة والرحمة على الأسخياء ، أما البخلاء فانهم يكونون أبدا فى الضيق والضنك والشدة وظلمة القلب ، واكثر الامر يتفق لهم بذلك انفاق (١) اكثر اموالهم دفعة على رغم آنافهم ؛ والسبب فيه أن الأسباب الكلية متوجهة إلى إيصال النفع والخيرات إلى المحتاجين ، فمن كانت حرفته هذه الحرفة كانت تلك الأسباب الكلية معاضدة له ، ومن كان بالضد كان على مضادة الأسباب الكلية.

العاشر أن السخى يكون ممدوحا محمودا عند الكافة ، والبخيل مبغوضا (١١ ممقوتا ؛ فالسخى بذل المال ووجد عرضه ملك الارواح ؛ والبخيل أمسك المال فبقى محروما عن ملك الارواح ، ولما كانت الارواح البشرية من جوهر الملائكة ، وكان الذهب والفضة من جنس الجمادات كان التفاوت كثيرا.

وأيضا فهاهنا سبب آخر وهو أن السخاء لما كان محبوبا عند الخلق فهم يعنونه على تحصيل مهماته ، والبخيل اذا كان مبغوضا بقى محروما عن تلك الإعانة ، وإعانة الخلق له فى تحصيل مطالبه سبب ظاهر لكثرة

__________________

(١) المخطوطة : «... انفاق بذلك ...»

أمواله ، والسخاء وان كان ينقص المال ظاهرا (١) لكنه يزيد من الوجه الّذي ذكرنا ، والبخل وإن كان يفيد حفظ المال ظاهرا لكنه يوجب نقصانه من الوجه الّذي ذكرناه.

وأيضا فهاهنا ، وهو ان الناس لما علموا من الإنسان كونه سخيا تطابقت هممهم على تحصيل الأموال الكثيرة له رجاء منهم ان رفعها إليهم ، وإذا علموا كونه بخيلا تطابقت همم الخلق على أن يصير ممنوعا عن الأموال ، وقد عرف أن همم الخلق لها تاثير شديد.

الحادى عشر أن السخى حيث ما حضر فرحت القلوب بحضوره واستبشرت الارواح نحو مقدمه والبخيل بالضد منه ، ولذلك قيل النفس الخيرة كالشمس النيرة.

الثانى عشر أن البخيل عند قرب الموت لا بد وأن يتمنى الإنفاق وإيصال الخيرات إلى الناس لأن حرصه عبارة عن شدة رغبته فى إمساك ذلك المال لنفسه ، فاذا تيقن بنزول الموت علم أنه لا يمكنه حفظ المال فى الحياة الدنيا ، ويعلم انه لا سبيل له إلى استصحابه معه ، فحينئذ يهون عليه صرفه عند القرب من الموت فى وجوه الخيرات (١٢ ؛ وربما كان فى ذلك الوقت لا يجد لسانا ناطقا ولا عقلا هاديا ، ويصير مبتلى (٢) بكرب الموت ، واقاربه لا يلتفتون إلى قوله ، ينصر ذلك من اعظم الحسرات فى قلبه ؛ وإليه الاشارة بقوله تعالى : (وَأَنْفِقُوا مِنْ ما رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْ لا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ ، وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللهُ نَفْساً إِذا جاءَ أَجَلُها) الآية (١٣

__________________

(١) المخطوطة : ظاهر

(٢) أيضا : مبتلا

فثبت أن حرص الحريص وبخل البخيل لا يوصلان إلا الغم والحسرة قبل الموت وعند الموت ، وأما [بعده] (١) فنعوذ بالله منه.

الثالث عشر يجب على العاقل أن يعلم أنه لا نهاية لمراتب تلك الأموال فان ملك مائة ألف دينار وإن كان لذيذا إلا أن ملك الف الف دينار ألذ ، إذا ثبت هذا فنقول : النفس لا يصل إلى مرتبة من هذه المراتب إلا ويقوى التذاذها لوجدان تلك المرتبة وهى عالمة بان القدر بما فوق تلك المرتبة ألذ من وجدان تلك المرتبة مع العلم بأن القدر بما فوق تلك المرتبة ألذ ؛ فثبت أن جمع المال لا يخلص عن مرض الحرص بل يقويه ويزيد فى قوته ،

أما إذا منع النفس عن الفوز بتلك المرتبة صار كالعاشق الّذي يمنع عن الالتذاذ بمعشوقه ، فإن هناك يقل العشق (٢) ويزول هذا المرض.

الرابع عشر أن الإنسان لا يمكنه أن يسعى فى طلب المال إلا (٣) عند الاستعانة بالغير ، وإظهار الحاجة إليه ، وهذه الحاجة وما فيها من الذل ناجزة (٤) ، واما حصول ذلك المال وحصول الانتفاع به فموهوم ، ولحمل الضرر الناجز لوجدان النفع الخسيس الموهوم لا يليق بالعاقل.

وأيضا إذا احتاج إليهم صار كالعبد لهم يفعل ما أرادوه ويترك ما كرهوه ، والقانع المانع نفسه عنهم لا يلتفت إليهم والممنوع مطلوب ،

__________________

(١) المخطوطة : هذا اللفظ مطموس

(٢) أيضا : هذا اللفظ غير واضح يمكن ان يقرأ «العسق»

(٣) أيضا : لا

(٤) أيضا : فاحره؟

والغالب أن من لا يلتفت إليهم يخدموه ورغبوا فى الاتصال به ، فصاروا كالعبيد له ، فالحريص عبد والقانع حر ، ولهذا قيل : «احتج إلى من شئت تكن أسيره ، واستغن عمن شئت تكن نظيره ، واحسن إلى من شئت تكن أميره» ـ

الخامس عشر إذا اعتاد التنعم بكثرة المال فلعله يتفق سبب يوجب هلاك المال فيتألم بفوات عادات التنعم ، ثم يحمله ذلك على كثرة الجد ولاجتهاد فى الكسب والطلب حال الشيخوخة وضعف البدن فيقع فى الشقاء الشديد.

السادس عشر يجب عليه أن يستحضر فى ذمته أن المال لا فائدة فيه إلا التوسل به إلى اللذات الجسمانية ، ثم يتأمل فيما ذكرناه فى معالجة (١) اللذات الجسمانية.

السابع عشر لعله يتعب فى طلب المال فى الحال ثم يفوت قبل الانتفاع به ، فيكون التعب عليه والانتفاع لغيره ، أما اذا صرفه إلى وجوه الخيرات كان التعب ، وإن وقع عليه إلا أن نفعه يعود إليه وهو الغير بعد موت الجسد.

الثامن عشر (٢) أن المواظبة على القناعة يفيد ملكة الاستغناء عن الشيء والتنعم بطيبات الدنيا ولذاتها تفيد ملكة الاستغناء بالشيء ودوام الحاجة إليه ، والاستغناء عن الشى أكمل من الاستغناء بالشيء لأن الاول صفة الحق ، والثانى صفة الخلق ، ولأن الأول استغناء صرف ، والثانى استغناء ممتزجة بالحاجة ،.

__________________

(١) المخطوطة : المعالج

(٢) أيضا : التاسع عشر ،

التاسع عشر (١) ، رزقه إن قدر له فلا حاجة إلى الطلب ، وإن لم بقدر لم ينفع الطلب ولا الحرص ، ولقائل أن يقول : هذا يقتضي أن لا يسعى فى طلب المعارف واكتساب الفضائل ولا فى تحصيل الأكل والشرب ودفع المضرات ، فانه ان قدر حصل وإن لم يقدر لم يحصل ، الجواب أن البحث والاستقراء أدانا إلى ان الارزاق قد رأيناها تحصل هجما بلا سعى ولا طلب تارة ورأيناها يفوت الطالب المتعوب المجد ، وأما العلوم والفضائل (٢) فقلما حصلت هجما على الفور ولا بغير طلب وتعلم ووجه آخر.

العشرون (٣) ان صاحب المال يحتاج إلى الجهد الشديد فى حفظه وصونه عن الآفات والهلاك ، بل إن تلف حصل له الغم الشديد ، وإن لم يتلف فلا يزال خائفا عليه متعوبا لاجله.

أما المتجرد عن المال باكتساب كمالات النفس فانه خال عن هذا الخوف والتعب.

الحادى والعشرون (٤) أن أموال الدنيا وعروضها عدوة لله تعالى ولأوليائه ، لأنها تشغلهم عن تحصيل الجنة ، وعدوة لأعداء الله لأنها تسوقهم إلى النار ، وعدوة لنفسها لأنها يأكل بعضها بعضا ، فإن صاحب المال يحتاج فى خزنه وحفظه إلى الخزائن والاعلاق وإلى التحصين والتوفيق وإلى الخزائن والاعوان ، وإلى العساكر والجنود ، وكل ذلك يحتاج إلى الحرج منه والنفات ، فثبت ان المال يأكل بعضه ويفنى نفسه.

__________________

(١) المخطوطة : العشرون ،

(٢) أيضا : ولا الفضائل ،

(٣) أيضا : الحادى والعشرون ،

(٤) أيضا : الثانى والعشرون ،

الثانى (١) والعشرون محب المال محب لكل جزأ من أجزائه وهو لصدد الآفات والنقص ، وفوات المحبوب مولم ، فكل من (الورقة ٢٨٢ ظ) كان ماله أكثر كان عدد أحبابه أكثر ، ومصائبه بآفاتهم أكثر ، فلا جرم تعظم مصائبه وتدوم (٢) احزابه أو تتواصل ، فهذا هو الكلام فى علاج صفة البخل وفرط محبة المال وذلك بطريق العلم.

(الفصل الرابع)

أما علاج البخل (٣) بطريق العمل فمن وجوه :

الأول أن يجالس الفقراء ويتباعد عن مجالسة الأغنياء والمتنعمين ، فإنه بالطبع (٤) يميل إلى ذلك فيتعب القلب إما بتحصيله أو لفواته ، فمجالسة الفقراء المنقطعين إلى الله يطيب القلب ويرضيه ويخفف الهم ، قال عليه‌السلام «اللهم احينى مسكينا واحشرنى فى زمرة المساكين» (١.

والغنى مظنة الانجذاب عن الله ، كما أن الفقر مظنة الانجذاب إلى الله والإعراض عما سواه.

الثانى أن البخيل إذا تأمل ما ذكرناه وقررناه من مذام البخل ومحاسن السخاء فلا بد أن يميل إلى اختيار المحاسن والحامد ، فينبغى له

__________________

(١) المخطوطة : الثالث

(٢) أيضا : وقدوم

(٣) أيضا : علاجه

(٤) أيضا : الطبع

أن يبادر إلى البذل والجود قبل أن يعارضه الشيطان بشبه يصده (١) عن ذلك ويعيقه عنه فإن هذا دأبه.

يحكى أن بعض المشايخ (٢ دخل إلى الخلاء نزع خاتمه أو بعض ثيابه وصاح بتلميذ له ، فأعطاه وأمره أن يهبه لشخص عينه ـ فقال له «ألا صبرت أن تخرج» ، قال : «خفت أن يتغير خاطرى عن ذلك أو يشح نفسى به ، فبادرت».

الثالث : أن البخل عبارة عن فرط عشق المال ، والعشق إذا تمكن فهو مرض شديد ، ومن أجود ادويته البعد عن المعشوق ، والرحيل عن بلد هو فيها فيمكن السلو عنه ، فكذلك المال يجب أن يبعد بالإنفاق ليزول عشقه عن القلب ، فيزول صفة البخل المذمومة.

الرابع أنه من لطائف الحيل فى هذا الباب أن يخدع نفسه بحسن الاسم والاشتهار فيما بين الناس بالجود والكرم ، فينتقل نفسه (٢) عن هذا المرض ويزول عنه ، وكذلك من يريد علاج البخل أن يشتغل بإنفاق المال كيف ما اتفق له ، وأن لا يقول ان هذا الإنفاق جائز ، وهذا غير جائز لأن المقصود إزالة عشق المال عن قلبه ، وذلك لا يحصل إلا بالافراط فى إهانته ، وتمييز بعض جهات الإنفاق عن بعض إعزازا لا إهانة.

ولذلك قالوا : إن البخيل لو رمى ما له فى البحر او أحرقه بالنار لكان خيرا (٣) من أن يمسكه ، وإذا حصل له خديعة نفسه باشتهار

__________________

(١) المخطوطة : يضده

(٢) أيضا : نفس

(٣) أيضا : خير

اسم الجود والكرم ، ينبغى أن لا يحصل فى ذلك مزلة الريا ـ فإنه مرض آخر اشد من الأول ، والحاصل أن المعالج لهذه الأخلاق الذميمة يسلط بعضها على بعض ، فيسلط الشهوة على الغضب ويكسر سورته بها ، وبالضد ، فكذا (١) هاهنا.

والبخل عبارة عن طلب ملك الأموال ؛ والريا عبارة عن طلب ملك الأرواح ، والجمع بينهما محال ، فكل من كان أخذ الأمرين فى قلبه أقوى عالجه بتسليط الجانب الآخر بشرط أن لا يقوى الجانب الآخر فيكون كمن انتقل من مرض مهلك إلى آخر مهلك.

الخامس أن يتفق للإنسان أستاذ مشفق فكل شيء عرف منه أنه يتعلق قلبه به أخرجه عن قلبه بعد أن يخرجه عن يده ويبطله عليه ، ولا يزال يفعل به ذلك إلى أن يضعف ميله إلى تلك الأشياء.

الحاصل أنه كما أن كثرة الأفعال تفيد الملكة الراسخة القوية فكذا (٢) كثرة المفارقة توجب ضعف تلك الملكة.

__________________

(١) المخطوطة : فكذى

(٢) أيضا : فكذى

الفصل الخامس

فى حقيقة البخل والجود

المال معد لأن يصرف فى المهمات (الورقة ٢٨٣ و) ، فالإمساك حيث يجب البذل بخل ، والبذل حيث يجب الإمساك تبذير ، والتوسط بينهما هو المحمود ، وإليه الاشارة بقوله تعالى : (وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ) (١ ، وقال : (وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً) (٢.

فحاصل الكلام أن الّذي يجب بذله إذا لم يبذله فهو البخل ، ثم الّذي يجب بذله قسمان : واجب الشرع وواجب بالمروة ، فمن منع واحدا (١) منهما فهو بخيل إلا أن الّذي يمنع واجب الشرع فهو أبخل ، وهو كمانع الزكاة ومانع أهله وعياله النفقة ، والّذي يتمم الخبيث لا يطيب له أن يعطى من الطيب ، فهو أيضا بخيل. وأما واجب المروة فهو منع البر والمضايقة ، واستعمال المضايقة فى المحقرات فانها قبيحة ، ثم هذا الاستقباح يختلف باختلاف الأحوال والاعتبارات.

فالأول بسبب الفاعل ممن كثر ما له يستقبح منه ما لا يستقبح ممن يقل ما له ، وأيضا يستقبح من الرجل العاقل ما لا يستقبح من الصبى والمرأة ، ويستقبح من الحر ما لا يستقبح من العبد.

الثانى بسبب المضاف إليه فإنه يستقبح المضايقة مع الأهل والولد بما لا يستقبح المضايقة فيه مع الأجانب.

__________________

(١) المخطوطة : واحد

الثالث ما فيه من المضايقة فإنها تستقبح فى الطعام ما لا يستقبح فى غيره.

الرابع يتعلق بالوقت ، فإن المضايقة يستقبح فى أوقات ، ولا يستقبح فى أوقات أخر ، وبالجملة ، فهذه الأحوال غير مضبوطة فى نفس الأمر ، والرجوع فيه إلى الأمر الظاهر ، ويمكن أن يضبط ذلك ، فيقال قد ثبت أن المال خادم والطعام والشراب فهما خادمان للبدن ، وهو خادم للنفس ، وهى خادمة للفضائل العلمية والخلقية ، فالمال هو الخادم الآخر ، وهذه الأشياء مخدومة للمال ، فكل مال انصرف إلى تحصيل مرتبة من مراتب هذه الأشياء التى سميناها بالمخدومة كان ذلك سخاوة ، والامتناع منه يكون بخلا ، وكل مال انصرف إلى شيء آخر غير هذه المراتب كان ذلك تبذيرا.

الفصل السادس (١)

قد عرفت أن السخى هو الّذي يبذل من المال ما يجب عليه بذله إما بسبب الشرع وإما بسبب المروة ، والبخيل هو الّذي لا يفعل ذلك.

فاما الجواد فدرجته أعلى من درجة السخى ، وذلك أن حقيقة الجود هو إفادة ما ينبغى لا لعوض ، فلعل من يهب السكين لمن يعلم من حاله أن يقتل نفسه بها أو يقتل غيره لا يكون جوادا ، ولعل من يعطى ليستعيض (٢) شيئا آخر لم يكن جوادا ، إلا أن عدم طلب العوض بالكلية لا يتصور إلا من الله تعالى ـ أما الآدمى فإنه لا يبذل الشيء إلا لغرض ـ إما لثواب (٣) الآخرة أو اكتساب الفضيلة النفسانية المسماة بالجود ـ وتطهير النفس عن رذيلة البخل سمى جوادا ، أما إذا كان الباعث على البذل هو الخوف من هجو الشعر او من ملامة الخلق أو ما يتوقعه من نفع يصل إليه من المنعم عليه ، فذلك ليس بجود ، لأنه إنما أتى بهذا الفعل على سبب الضرورة.

__________________

(١) المخطوطة : الرابع

(٢) أيضا : ليستوعظن

(٣) أيضا : ثواب

فصل (سابع)

الكلام فى الجاه

قد عرفت كل واحد من هذه الأحوال إنما تتكون عن اعتقاد حال بخيل (١) فهاهنا يكون كذلك ، أما الاعتقاد ، فهو أن الإنسان إذا اعتقد فى غيره انه إنما يبخل منه فى خصلة من الخصال الدينية تولد عن هذا الاعتقاد (الورقة ٢٨٣ ظ) حالة نفسانية مخصوصة ، وتولد عن تلك الحالة أعمال مخصوصة وهى القيام بخدمته والثناء عليه بلسانه وترك المنازعة والتعظيم والمفاتحة بالسلام ، وتسليم الصدر فى المحافل ، والجاه عبارة عن ذلك الاعتقاد الموجب تلك الحالة النفسانية المؤثرة فى هذه الأحوال الجسدانية.

السبب الموجب لحب الجاه

كما أن ملك (١ الذهب والفضة يفيد القدرة على تحصيل الاغراض فكذلك ملك الارواح يفيد القدرة على تحصيل الاغراض ، إلا أن الجاه (٢ احب من المال عند ذوى الهمم العلية ، فإن لملك القلوب ترجيحا (٢) على ملك الأموال من ثلاثة أوجه :

أحدها أن التوصل بالجاه إلى المال أيسر من التوصل بالمال إلى الجاه ، فالعالم أو الزاهد الّذي له جاه فى القلوب لو (٣) قصد اكتساب المالى تيسر له ذلك ، فإن قلت الإنسان متى صار ملكا للغير صار ما له ملكا لذلك الغير ـ أما الرجل الخسيس الّذي لا يتصف بصفة كمال إذا

__________________

(١) المخطوطة : حال وبخيل

(٢) أيضا : ترجيح

(٣) أيضا : او

وجد كنزا أو أراد أن يتوصل به إلى الجاه لم يتيسر له ، فالحاصل أن مالك الجاه مالك المال (١) ولا ينعكس ، فكان الجاه أفضل من المال وأحب.

والثانى وهو أن الارواح من جنس عالم الملائكة ، والذهب والفضة من الجمادات والتفاوت بين جوهر الملائكة ، وبين جوهر الجمادات كثير ، والاشرف اولى بالمحبوبية من الاخس ، فلا جرم كان الجاه أحب من المال.

الثالث ليس الّذي يحتاج الإنسان إليه من المال بخاصة نفسه قليل كالمأكول والملبوس ، وإنما يحتاج الإنسان إلى المال الكثير ليتوصل به إلى أن يصير مخدوما لغيره ، وإن كان غير خادم (٢) له ، والمخدومية عبارة عن التفرد بصفات الحلال والعزة وهو محبوب لذاته ـ فالجاه يوجب حصول هذا التفرد بلا واسطة والمال يوجبه بواسطة فذلك الأول أحب.

الرابع ان ملك القلوب (٣ ينمو ويتزايد بذاته ، فإن القلوب إذا دعيت لشخص واعتقدت كماله بعلم أو عمل اوضحت الالسنة بالثناء عليه ، وكل من سمع ذلك الثناء اعتقد أيضا فيه ، فثبت أن الجاه ينمو (٣) بذاته ، واما المال فإنه لا ينمو (٤) ولا يتزايد بذاته فكان الاول احب.

ومن الناس من قال أن الجاه إنما يراد ليكون صونا للمال ، فإن

__________________

(١) المخطوطة : مالك للجاه مالك للمال

(٢) أيضا : غير خادما له

(٣) أيضا : ينموا ... لا ينموا

(٤) أيضا : ينموا ... لا ينموا

من لا جاه له لا يمكنه حفظ ماله عن الهلاك ـ والتابع أخس من المتبوع فهذا الإنسان يكون المال عنده أثرا (١) من الجاه ، إلا أن الطبيعة البهيمية تكون غالبة على هذا الإنسان ، لأن المال من جنس المحسوسات ، والجاه من جنس المجردات ، فكل من كانت البهيمية أغلب عليه كان حب المال عنده آثر ، وكل من كانت الروحانية عليه أغلب كان الجاه عنده آثر (٢).

السبب الموجب لحب المال والجاه

له سببان :

احدهما ان حاجات الإنسان غير متناهية ولا دافع لها إلا المال ولازم المطلوب مطلوب ـ فلا جرم لزم أن يكون لا نهاية لحب المال ، والجاه صوان المال وحافظ له ، فصار الجاه أيضا محبوبا حبا لا نهاية له.

الثانى ما ذكرنا ان ملك المال وملك القلوب قدرة والقدرة كمال (٤) ، والكمال محبوب لذاته ، فهذه الاشياء محبوبة لذواتها ، وهذه القدرة بالنسبة إلى كل واحد من اعيان الاموال واعيان الارواح مملكته ، فلا جرم كانت محبوبة مطلوبة لأعداد غير متناهية (٣).

وأيضا كون كل (الورقة ٢٨٤ و) الاموال مملوكة وكون كل القلوب مملوكة يقتضي توحده بالمالكية والاستعداد والقهر ،

__________________

(١) المخطوطة : عنده اثر

(٢) أيضا : الجاه عند اثره

(٣) أيضا : للاعداد الغير متناهية.

والتوحد بالكمال أيضا غاية الكمال ، والكمال محبوب لذاته ، والاستكثار من ملاك الاموال ، ومن تملك القلوب (٥ تقلل من الشركة.

وكلما كان التوحيد مطلوبا بالذات كل ما كان اقرب (١) الى ثبوت التوحيد وإلى نفى الشركاء كان أولى بالمحبوبية ، فهذا هو السبب فى حب جمع الاموال وكثرة الكنوز ، حتى لو كان للعبد واديان من ذهب لابتغى وراءهما ثالثا ، وهو السبب أيضا فى حبه لاتساع الجاه وانتشار (٢) الصيت إلى اقاصى البلاد التى يعلم قطعا انه لا يصل إليها ولا شاهدها ولا اهلها ، ولا ينتفع بهم البتة فانه مع ذلك يلتذ غاية الالتذاذ ببلوغ صفته إلى هذه البلاد.

__________________

(١) المخطوطة : كلما اقرب كان الى الخ

(٢) أيضا : واشار

فصل (ثامن) اجنبى عن هذا الباب

وهو فى بيان الكمالات الحقيقية والوهمية (١

اعلم ان الكمال اما أن يعتبر فى الذات أو فى الصفات أو فى الأفعال.

أما الكمال فى الذات فهو من وجهين :

الأول أن يكون واجب الوجود لذاته لا يتعلق وجوده بغيره اصلا ، وأن يكون واجب الوجود فى جميع صفاته من جميع جهاته ، ولو افتقر فى شيء من صفاته إلى غيره لزم منه كونه مفتقرا فى ذاته إلى غيره ، على ما تبين ذلك فى العلوم الحقيقية.

الثانى أن يكون منفردا بذاته ولذاته فى ذلك الكمال دون المساواة فى الكمال ، لأن المساواة توجب النقصان ، لكن فيضان الكمالات عنه لا يوجب النقصان البتة ـ لأن كل كمال حصل للمعلول فهو فى الحقيقة حاصل للعلة ، فاشراق نور الشمس فى جميع الآفاق لا يوجب نقصانا فى الشمس بل هو الدليل على غاية كما لها. اما لو وجدت شمس أخرى تساوى هذه (١) الشمس فى الرتبة والاشراق ، كان ذلك نقصانا فى هذه الشمس ، ومعلوم ان كل ما سوى الواجب لذاته كامل (٢) فى ذاته بذاته من هذين الوجهين.

وأما كمال الصفات فهو فى العلم والقدرة ، اما كمال العلم فهو لله تعالى وهو من ثلاثة أوجه :

__________________

(١) المخطوطة : هذا

(٢) أيضا : كاملا

الأول انه تعالى عالم بجميع المعلومات ولذلك كلما كان العبد أكثر علما كان أقرب إلى الله تعالى (٢.

الثانى كون العلم جليا منكشفا (٣ انكشافا تاما ، لا محالة يخالطه احتمال النقيضين ، وكذلك كلما كانت علوم العبد اجلى واظهر ، كان اقرب الى الله تعالى.

الثالث كون العلم (٤ باقيا ممتنع التغير ، فلذلك كلما كانت علوم العبد أبعد عن الذم كان أقرب إلى الله تعالى.

والمعلومات قسمان ، متغيرات وازليات (٥. أما المتغيرات فيلزم من تغيرها تغير العلم بها ، لو بقى بعدها لكان ذلك جهلا لا علما (٣). ولو لم يبق فهو المطلوب ، وامثال هذه العلوم لا تكون كمالا البتة.

أما المعلومات الباقية فالعلم بها يكون باقيا وهو كالعلم بالماهيات المجردة ، والتصديقات التى يمتنع التغير عليها كالعلم بوجوب الواجبات ، وامتناع الممتنعات.

فثبت أن كمال العلم ليس إلا بسبب هذه الاعتبارات ، فكل علم حصل للعبد موصوفا بهذه الصفات كان ذلك العلم كما لا للعبد ، وما لا يكون كذلك لا يكون البتة من باب الكمالات.

والقسم الأول وهو الّذي يكون صفة كمال هو الّذي يبقى مع العبد قبل الموت. (الورقة ٢٨٤ ظ) وعند الموت وبعد الموت ،

__________________

(٣) المخطوطة : «لو بقى بعدها .. جهلا لا علما» ، هذه الجملة مكتوبة مرتين

ويكون هذا العلم نورا للعارفين (٦ بعد الموت يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم يقولون : ربنا اتمم لنا نورنا (٧ أى تكون هذه العلوم رأس مال يتوصل بها إلى كشف ما لم ينكشف فى الدنيا ، كما أن من معه سراج خفى فإنه يجوز أن يصير ذلك سببا لزيادة النور بل يقتبس منه سراج اخر اقوى منه ومن لم يحصل معه فى الحياة الدنيا شيئا (١) من هذه العلوم لم يكن له طمع فى استكمال هذا النور بعد الموت ، فيبقى بعد الموت كمن مثله فى الظلمات ليس بخارج منها ، بل (كَظُلُماتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ). (٨

وأما القسم الثانى وهى العلوم المتعلقة (٩ بالمعلومات المتغيرة وهى كعلم اللغات والتفسير والفقه والأخبار فشيء منها لا يبقى ولا يحصل للنفس بسببها كمال البتة. أما القدرة بكمالها كونها مستفيدة بالتأثير والإيجاد والإبداع والإخراج من العدم إلى الوجود.

وأقول : إن الغزالى رحمة الله عليه ، بين ان كمال الذات لا يحصل إلا عند التفرد (١٠ والوحدانية ، فاذن يجب عليه أن يعرف بأنه لا مؤثر فى الإخراج من العدم إلى الوجود إلا الله تعالى ، إذ لو شاركها غيرها فى هذه المؤثرية لوجب أن يقدح ذلك فى كون القدرة الالهية كاملة ، ولو قال بهذا الأصل للزم أن لا يثبت شيئا يؤثر فى شيء إلا قدرة الله ، وذلك يبطل أصل الفلسفة.

ثم قال : أما القدرة فليس للعبد فيها كمال حقيقى بل للعبد علم حقيقى ، وإنما القدرة الحقيقية لله تعالى وما يحدث من الاشياء عقيب إرادته وقدرته فهى حادثة باحداث الله تعالى (١١.

__________________

(١) المخطوطة : شى

ولقائل أن يقول : مذهبك فى هذه المسألة ليس (١) إلا مذهب الحكماء وعندهم ان القدرة مع الداعية الحادثة يوجبان الفعل بهذا الفعل مستند إلى الله تعالى بمعنى انه تعالى هو الّذي أوجد القدرة والداعية الموجبتين لهذا الفعل ، وأيضا فعنده أن حصول المشاركة يوجب النقصان ، وهاهنا قد سلم ان للعبد علما حقيقيا (٢) فهذا يلزم وقوع النقص فى علم الله تعالى ، فإن لم يلزم هذا فكيف ادعى لو حصل ما يساوى الله تعالى فى وجوب الوجود لزم النقصان.

فثبت أن هذه كلمات ضعيفة فى علاج حب المال وهو من وجوه :

الأول أن حب المال والجاه تأثر وانفعال لها بالنسبة إلى المال وإلى الجاه ، والتأثر ضعف ونقصان ، وعدم حب المال والجاه قوة للنفس لسببها لم يتأثر للمال ولا للجاه ـ فالحالة الأولى صفة من صفات الهيولى ، والحالة الثانية صفة من صفات الحق ، والّذي يقرر ذلك على سبيل التمثيل ان الإنسان إذا وضع إصبعه على جسم واعتمد عليه فتأثر ذلك الجسم بذلك الاعتماد دل ذلك على أن ذلك الجسم المتأثر له طبعية ضعيفة قابلة للتأثر من القوى.

أما إذا لم يتأثر كالحديد دل على أن ذلك الجسم له طبيعة قوية شديدة مفيضة للبقاء والدوام ، فالمتأثر يدل على كمال الضعف وقبول الفناء. وأما عدم التأثر فيدل على القوة والبقاء والدوام والاستغناء. فالنفس إذا تأثرت بحب المال والجاه دل ذلك على ضعف جوهر تلك النفس.

__________________

(١) المخطوطة : السن.

(٢) أيضا : علم حقيقى

ثم إن مراتب هذا التأثر كثيرة ، فكلما كان ذلك التأثر أقوى وأشد كان ضعف النفس ودناءتها أشد ، وكلما كان عدم التأثر أشد وعدم الالتفات إليه (الورقة ٢٨٥ و) وقلة المبالاة به كانت النفس أشد قوة وأكمل وجودا وأبعد عن طبيعة العدم والانفعال ، وأصحاب علم الأخلاق يعبرون عن هذا المعنى فيقولون فى القسم الأول إنها نفس مطبوعة على طبيعة العبودية وملكة الهيولى ، والثانى نفس مطبوعة على الحرية وصفاء الجوهر وعدم التأثر.

(الفصل التاسع)

فى بيان ان طلب الجاه قد يكون واجبا

وقد يكون مندوبا ومباحا مكروها وحراما

فنقول : الجاه والمال أما أن يحصل بنفسه أو يحاول الإنسان تحصيله ،

أما الأول فلا بأس به ، لأنه لا جاه اوسع من جاه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وجاه الخلفاء الراشدين ، ومن بعد هم من علماء الدين ، ولهم فيه الجلالة العظيمة ولا عيب عليهم فيه.

واما القسم الثانى وهو طلب المال والجاه فنقول هذا على مراتب :

المرتبة الاولى أن يكون واجبا وهو قسمان : تارة فى الدين ، وتارة فى الدنيا.

اما فى الدين ، فهو ان الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم إنما بعث لدعوة الخلق إلى الحق ، فلا بد وأن لا يظهر لهم إلا على الوجه الأحسن حتى يصير ذلك سببا لأن يقبلوا قوله ، وإلا صارت احواله منفرة فهاهنا طلب الجاه

بقدر هذه الحاجة واجب ، قال ابراهيم عليه‌السلام : (وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ) (١.

وأيضا العلماء الذين إليهم الرجوع فى أمر الدين والفتوى وجب عليهم طلب الجاه بقدر ما يكمل اغراضهم فى الدين.

وأما فى الدنيا فهو أن الانسان خلق محتاجا ، ولا يمكنه دفع حاجاته الضرورية إلا بالمال ولا يمكن حفظ ذلك المال إلا بالجاه ، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ، فطلب (١) ذلك القدر من الجاه واجب.

ثم نقول : هذه الحاجة إما أن تكون جسمانية أو روحانية ، أما الجسمانية فهو ان المقدار المعين من الطعام والشراب والملبس والمسكن الّذي لو لم يحصل لوقع الإنسان إما فى الموت أو المرض ، فتحصيله واجب بالجاه والمال اللذين (٢) لا يمكن تحصيل ذلك القدر إلا بهما.

وأما الروحانية فهو ان طلب العلم ربما احتاج من مصالح المطعم والمشرب والملبس إلى أمور فوق القدر الاول ، فإذا كان ذلك العلم علما يجب عليه طلبه كان المال والجاه اللذان لا يمكن تحصيل ذلك العلم إلا بهما يكون واجب التحصيل.

المرتبة الثانية المال والجاه اللذان يكون تحصيلهما غير واجب لكنه يكون مندوبا إليه ، وذلك لأن القدر الّذي لا يمكن بقاء الحياة إلا به ولا يحصل ضروريات الدين إلا معه غير ، والقدر الّذي لا يمكن كمال هذه الافعال إلا به فهو غير ، فلما كان الأول من قسم الواجبات

__________________

(١) المخطوطة : فحفظ ، وفوق هذا اللفظ «فطلب»

(٢) أيضا : اللذان

كان هذا التالى من المندوبات ، فإن الانسان إذا كان بحيث لو لم يكن فارغ البال طيب النفس بالكلية لم يتمكن من طلب العلوم الدقيقة ولم يقدر على المباحث الغامضة ، فكل مال وجاه لا يمكن تحصيل تلك الحالة إلا معه كان طلبها مندوبا ، ولهذا قال يوسف عليه‌السلام (اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ ، إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ) (٢ ، وطلب المال عند ذلك الملك والسبب فيه ما ذكرنا.

المرتبة الثالثة طلب المال والجاه (الورقة ٢٨٥ ظ) بشرط أن يكون ذلك الطلب مباحا وهو ما إذا عرض نوع فضيلة من فضائله التى يكون هو صادق فيها ليحصل له فى قلوب بعض الناس جاه ومنزلة فهذا من باب المباحات (١) ، إلا ان بقاء هذه الحالة على هذا الحد متعذر جدا ، لأن الإنسان إذا التذ بطلب الجاه ، فقد يدعوه التذاذه إلى طلب الزيادة عليه ، وقد (لا) يمكنه طلب الزيادة بالصدق العارى عن التلبيس فحينئذ يقع الكذب فلما كان بقاء هذه الحالة الموصوفة بكونها مباحة على ذلك الحد امرا متعذرا لا جرم كان الاولى الاحتراز عنه ،

المرتبة الرابعة : المكروه وهو ما إذا علم الإنسان شدة ميل طبعه إلى طلب الجاه والتذاذه به فيكره له طلب الجاه بالصدق لأن الداعية الطبيعية لما كانت قوية فإذا التذ بها ألفها وسربها ، فصارت تلك الحالة موجبة لإعراضه عن ذكر الله تعالى وكونها على هذا الخطر يوجب ترك الطلب.

المرتبة الخامسة الحرام وهو أن يتوسل إلى طلب الجاه بالريا والكذب فهذا إلقاء التلبيس فى قلوب الناس والاعراض عن الصدق

__________________

(١) المخطوطة : المباحاة

والصواب ، والاقبال على الضلال والاضلال فكان حراما. ثم ان التوسل إلى طلب الجاه بإظهار الصفات الحميدة مع كون الإنسان عاريا عنها ، ليس له مرتبة واحدة ، بل له مراتب لا نهاية لها فى القلة والكثرة والضعف والشدة ، فلا جرم لا نهاية للمراتب الأربعة فى هذه المرتبة.

(الفصل العاشر)

بيان السبب فى حب المدح والثناء وبغض الهجو والذم

له اسباب : الاول ان عند المدح يحصل شعور النفس بالكمال ، والكمال مجبوب لذاته (١ ، وكل محبوب فإداركه لذة ، فلهذا السبب كان سماع المدح لذيذا (١) ، وتقريره ان الوصف الّذي به مدح إما أن يكون جليا ظاهرا أو خفيا مستورا ، فإن كان جليا ظاهرا لم يقو الالتذاذ به ، فإن السلطان القاهر الّذي عظمت قدرته واتسعت مملكته إذا مدح بكونه لذلك لم يفرح به لأنه لما كان الوجود كان الشعور به حاصلا لكل احد ، والغرض من المدح تحصيل الشعور به وهو حاصل فجرى هذا مجرى تكوين الكائن وتحصيل الحاصل وانه لا فائدة فيه.

ثم هاهنا دقيقة وهى انه من الجائز أن يكون الإنسان موصوفا بصفات كثيرة ، كل واحد منها يكون ظاهر الوجود فلا يلتذ الانسان عند سماع كل واحد منها لكنه يلتذ بسماع مجموعها ، والسبب

__________________

(١) المخطوطة : لذيذ

فيه ان الذهن لا يحصل له شعور بالمجموع ، وإذا كان كذلك كان ذلك المجموع أخفى من كل واحد منها ، فلا جرم يلتذ الانسان إذا مدح بمجموع تلك الصفات فوق ما يلتذ إذا مدح بكل واحد منها.

وأيضا فحصول كل واحد منها اكثر وحصولها على الجمع أقل فالمدح بالمجموع اقرب إلى الشعور بالتفرد وقد ذكرنا انه الكمال الحقيقى فكلما كان اقرب منه كان إلى الكمال الحقيقى اقرب ، فكان اسماعه ألذ.

وأما القسم الثانى وهو أن يمدح بحصول صفات الكمال إما كمال فى الزهد او كمال فى القوة والسلطنة فذلك يورث اللذة من وجوه :

الأول ان الممدوح ربما كان شاكا فيه فإقرار المادح بذلك كالشهادة على ثبوته فيه (الورقة ٢٨٦ و) اعتقاده فى حصول ذلك الكمال له ، ويزول عنه الشك والريب ، ولما كان حصول الكمال محبوبا بالذات كان قوة الاعتقاد فى حصوله أقوى وألذ ، ولكن هذه اللذة من هذا الوجه إنما يحصل إذا صدر الثناء ممن لا يكذب ولا يخالف ـ وأما إذا كان كاذبا مجازفا فلا يحصل هذه اللذة.

الثانى ان صدور ذلك المدح عن ذلك المادح يدل على انه يقبله معتقدا فى كمال هذا الممدوح واعتقاد الفضيلة يوجب كون الناقص منقادا للكامل ومطواعا له ، فهذا المدح يدل على صيرورة ذلك المادح مسخرا بتسخير هذا المدح وذلك نوع قدرة ، والقدرة

كمال ، والكمال محبوب ، ولهذا السبب كلما كان المادح اعلى (١) شأنا كان الالتذاذ بمدحه اكثر إلا أن الاستيلاء على الملك العظيم يقبل الاستيلاء على كل رعيته ولا ينعكس.

الثالث ان ذلك المدح يسمعه الحاضرون سيصل إلى الغائبين وعند ذلك يصير السامعون معتقدين فى فضيلته وجلالته ، فيصيرون منقادين له ، وذلك يوجب ان المدح اقرار بكونه افضل ، فيتضمن الاقرار يكون هذا القائل ناقصا واقرار الانسان بنقصان نفسه مكروه متعرض ، فثبت ان النافي للإقرار بفضيلة الغير قائم ، فاذا اقدم الانسان على هذا الإقرار دل ذلك على ان الموجب للاقرار بهذه الفضيلة قد بلغ مبلغا عظيما فى القوة حتى حصل مع قيام المنافى وتلك القوة لا تنفك عن احد أمرين ، لأن تلك الصفات الحميدة إما أن يقال انها بلغت فى القوة والظهور إلى حيث عجز هذا المادح عن انكاره ، أو يقال انها وان كانت مفقودة ، إلا ان هذا المادح بلغ فى الخوف من هذا الممدوح إلى حيث اقدم على هذا المدح مع قيام صادقين قويين ، وهما الاقرار بفضل الغير والاقدام على الكذب ، ومتى كان الامر كذلك استقر ذلك بغاية قدرة هذا الممدوح وقهره وغاية ضعف ذلك المادح وذلته ، والقدرة من صفات الكمال ، والكمال محبوب ، وهذا المدح مشعر بهذا الكمال فلا جرم كان محبوبا.

فهذه الاسباب الاربعة هى الموجبة لحب المدح والثناء ، فان اجتمعت بالكلية كان الالتذاذ اكثر فى الغاية القصوى (٢) وان حصل بعضها كان الالتذاذ بقدر ما حصل من هذه الاسباب.

__________________

(١) المخطوطة : اعلا

اما العلة الاولى وهو استشعار الكمال فيندفع بأن يعلم الممدوح انه غير صادق لكنه قصير بهذه (١) الجهة ، مختصر بجهة أخرى (٢) وهى أن الممدوح يعلم ان أقدام هذا المادح على الكذب وعلى إظهار هذا الخضوع ليس إلا لاستماحته وجذبه إليه بكونه يحب تسخيره ويكرمه وذلك أشعار لحصول القدرة من بعض الوجوه ، فإن اعتقد الممدوح أن هذا المادح لم يقل هذا المدح عن الحاجة والضرورة انقلب إلى محض السخرية والاستهزاء بالممدوح.

(الفصل الحادى عشر)

فى علاج حب الجاه

قد عرفت أنه لا معنى للجاه إلا ملك قلوب الناس ، وهذا وإن كان لذيذا نظرا إلى حصول القدرة التى هى من صفات الكمال يلزمه لوازم مكروهة :

الأول إن طلب المال وطلب الجاه انفعال للنفس ، وتأثر فيها بحب المال وحب الجاه ، والانفعال والتأثر من صفات الهيولى وقابلية العدم. (الورقة ٢٨٦ ظ) وعدم الالتفات إلى المال.

والجاه عبارة عن قوة فى النفس وشدة باعتبارها يمتنع من الانفعال من الغير وهذا هو صفة واجبة الوجود ، فالحاصل ان طلب

__________________

(١) المخطوطة : هذه

(٢) أيضا : مختصرة بجهته أخرى

الجاه طلب للقدرة ، والقدرة كمال فى الصفة ، وتأثر النفس لهذا الطلب يدل على كون الذات منفعلة ومتأثرة وهو نقصان فى الذات ، وإذا وقع التعارض بين النقصان فى الذات والنقصان فى الصفة ، فإن الأول أولى بالدفع.

الثانى أن طلب الجاه لا يمكنه تحصيله إلا بتحصيل موجباته ، وتلك الموجبات هى إن ظهرت (١) لهم أبدا ما يعتقدونه فضيلة عن كل ما يعتقدون كونه رذيلة وذلك بدون النفاق ، وأصل الفساد ، فإن هذا الإنسان ان لقى أهل التشبيه ولا بد أن يظهر من نفسه الميل إلى التوحيد ، وقس على هذا المثال جميع الأحوال المتباينة فى الدين وفى الدنيا ، ثم إذا أنى بهذا النفاق القبيح بقى أبدا فى خوف أن يفتضح ويظهر نفاقه فيرجع (٢) عنه جميع الفرق ، والنفس إذا وقعت فى هذه الدركات فقد ضلت وخسرت وصارت من الهالكين.

الثالث ان ملك القلوب ان سلم هذه المحنة فآخره الموت بل لو سجد (١ لك كل من فى المشرق والمغرب فإلى خمسين سنة لا يبقى الساجد ولا المسجود له بمثل هذه السعادة المشرفة على الزوال ، فلا ينبغى أن يرجح على السعادة الباقية أبد الآباد ، وهذا العلاج لا يتم إلا إذا نسبت مدة الحياة إلى ما سيجيء من غير الابد ، وذلك إنما يكون باستحقاق معنى الابد على الوجه الّذي لخصناه.

الرابع وهو أن الجاه معناه التفرد بالحكم والاستيلاء والاستعلاء ، ومعلوم انه إن حصل لك هذا المعنى بقى كل من سواك (٣) محروما

__________________

(١) المخطوطة : ظهر

(٢) أيضا : فرجع

(٣) أيضا : سؤال

عنه ، والحرمان عما يكون مطلوبا مكروه بالذات.

إذا عرفت هذا ظهر عندك حال كل من سواك من أهل المشرق والمغرب ، انهم ينازعونك فى طلب الجاه ويحاولون (١) دفعك عنه ومنعك من الوصول إليه ممن طلب الجاه ، فقد ألجأ كل من سواه من أهل المشرق والمغرب إلى عداوته ومنازعته وإبطال حياته وإبطال جميع كمالاته ، ومعلوم أنك واحد منهم ، ولو قدرت على المقاومة (٢) لم تقدر إلا على مقاومة واحد أو الاثنين ، وإذا اجتمع قوم على مقاومتك قهروك ولا سيما إن اجتمع أهل المشرق والمغرب فلا بد وان يقهروك وأن يوصلوا إليك كل شر ومحنة ، اللهم إلا إذا صرت مؤيدا بالتأييدات الإلهية السماوية أو الاتفاقات الفلكية الغربية النادرة حتى تنجو (٣) منهم مدة قليلة إلا أن النادر لا عبرة به والمرجوح.

فثبت أن من طلب الجاه فكأنه حرك البحر الأعظم من الآفات ، ويهدف لأن يحته الموج من كل جانب من غير أن يكون له عن ذلك مهرب ، ولا دافع ، وذلك مما لا يقدم عليه العاقل.

الخامس وهو أن حصول الجاه مبنى على ميل القلوب ، وميل القلب إلى الاعتراف بفضيلة الغير لا يحصل إلا عند الاعتراف بفضيلته هو الأمر العرضى ، ولا سيما من العرض السريع الزوال ، ولهذا السبب كان الأصل فى اعتقاد الإنسان فى كون غيره أفضل منه هو العدم ، فإن حصل فيزول عن قريب ، ولما كان مدار الجاه على هذا

__________________

(١) المخطوطة : ويحاولو دفعك

(٢) أيضا : على المساومة الخ

(٣) أيضا : حتى تنجوا منهم

الحرف وهو سريع الزوال ، والذاتى أقوى من العرضى ولا سيما من العرض السريع الزوال ، ثم بتقدير أن ينقلب الإنسان من لذة الجاه إلى ذلة الرد وعدم الجاه كانت تلك المشتقة فى النهاية (الورقة ٢٨٧ و) القصوى من الأسف واللذة الحاصلة من وجدان ذلك الجاه لا تقر (١) بهذه المذلة ، وثبت أن الأولى ترك طلب الجاه.

السادس ان لذة الجاه هو اقبال النفس على عالم المحسوسات ، واشتغال باللذات المقتبسة منها ، وهى مانعة للنفس عن الإقبال على عالم الروحانيات ، والاشتغال بتلك اللذات العالية ، وقد عرفت إنه لا مناسبة بين اللذات الفائضة من عالم الروحانيات إلى هذه اللذات الجسمانية.

السابع أن لذة الجائع ليست لذة ظاهرة قاهرة تزيل عن القلب طلب اللذات الشهوانية ، لكن طلب لذة الجاه لا سبيل له إلى وجدانها إلا بترك اللذات الشهوانية مع كونه متذاكرا لها راغب النفس فيها ـ فهذا الشخص وإن سعد بوجدان لذة الجاه لكنه شقى بفقدان لذة الشهوة ـ ففقد الخير والمقابلة كأنه لا لذة أصلا ، أما الالتذاذ بالإقبال على عالم الروحانيات فهو التذاذ قاهر قوى لا يبقى معه شعور بشيء من الجسمانيات فضلا عن الميل إليها والرغبة فيها ، فاللذات العقلية خالصة عن مخالطة شيء من آلام ، ولذة الجاه مخلوطة بألم فقدان الشهوات ، فكان الأول أفضل.

الثامن أن صاحب الجاه ، فإن كان يتخيل انه ملك قلوب الخلق إلا انه مخطئ ، بل هو فى الحقيقة مهان مملوك لكل الخلق ، لأنه إذا

__________________

(١) المخطوطة : لا تقى

مال قلبك إلى أن يعتقد (١) أهل العالم وتحكم عليهم فقد صرت كالخائف الوجل من أن تقدم على أن ينفر كل واحد منهم عن الانقياد لك وتخرجه عن ربقك (٢) ، والمشتغلين بخدمتك ، وذلك يوجب أن تكون أبدا دائم التفحص عن أحوالهم ، دائم البحث عن مراداتهم ومكروهاتهم حتى تكون مواظبا على مراداتهم ، فقد صرت كالعبد الاسير لكل واحد من اولئك المريدين ، ولو أخبرت بأن واحدا منهم رجع عن إرادتك وأعرض عن مبايعتك لتألم قلبك وتشوش فكرك.

فثبت أن من جعل نفسه شيخا لطائفة فهو فى الحقيقة صار كالعبد القن لكل واحد منهم ، لا يلتذ إلا بالإقبال عليهم ، ولا يغتم إلا باعراضهم وأما أولئك المريدون (٣) فإن كل واحد منهم ليس إلا فى قيد ذلك الرجل الواحد ، فهذا المريد ليس إلا عبدا لرجل وأما ذاك المراد فهو عبد لكل واحد من أولئك المريدين ، فهكذا (٤) صاحب الجاه حاول ملك القلوب وهو فى الحقيقة بلغ فى المملوكية إلى أقصى الغايات وفى العبودية إلى أبلغ النهايات.

التاسع أن صاحب الجاه لا ينقذ حاله عن أحد أمرين ، إما فى التزين للخلق واستخراج الطرق الجالبة لقلوبهم إليه ، وإما فى رفع الأمور التى تنقص تأثير الجلالة عليه.

إذا عرفت هذا ، فنقول : أما الطرق الموجبة لحب الجاه فليست

__________________

(١) المخطوطة : يفتقد

(٢) أيضا : وتخرجه عريص والمشتغلين الخ

(٣) أيضا : المريدين

(٤) أيضا : فها كذا

إلا إظهار ما يعتقد الناس كونه فضيلة ، والأمور التى يعتقد الناس فيها أنها فضائل مختلفة بالبلدان والازمان والأمزجة والاصناف والعادات وليس لها ضابط معلوم ولا قانون معين ، ولما كان كذلك كانت الطرق الموجبة لزوال الجاه أيضا غير مضبوطة ، فصاحب الجاه مشغول الفكر يضبط ما لا ضبط له فى الإيجاد وفى الاعدام ، وذلك يستدعى توقيف الفكر وحبس النفس وشغل الهم وذلك يصده عن جميع خيرات الدنيا والآخرة ، فيبقى عمره فى استخراج الحيل التى يكون هو عالما بكونها من الأباطيل والأضاليل وينقضى عمره فى الخوف أن يحضر أحد يهتك ستره فيها ويكشف عن فضيحته ، ومعلوم أن ذلك بلاء لا بلاء فوقه (الورقة ٢٨٧ ظ) ولا عناء أزيد منه.

العاشر أن كل من كان أكثر التذاذا بالجاه فإذا بقى محروما عنه كان تألمه بفقدانه أشد وأشق ، ولما تقابل هذا الوجدان بضرب من الحرمان فقد تعارضا وتساقطا ، فوجب البقاء على الحالة الأصلية ، فهذا هو الإشارة إلى العلاجات العملية.

(الفصل الثانى عشر)

وأما العلاجات العملية ، فهى من وجوه :

الأول مباشرة أعمال مباحة (١ يلام الإنسان عليها حتى يسقط من أعين الناس ويزول عنه لذة القبول ، ويأنس بالخمول ، وهذا هو طريق أصحاب الملامتية على أن فيهم من يقدم على صفة الفواحش ليسقطوا أنفسهم عن أعين الناس فيسلمون من آفات الجاه.

وقال الغزالى : وله شرائط :

الأول أن هذا غير جائز لمن يقتدى به فإنه يوهن الدين فى قلوب المسلمين.

الثانى لا يجوز (٢ أن يقدم على المحرمات لهذا الغرض بل له أن يفعل من المباحات ما يسقط قدره عند الناس.

روى أن بعض الملوك قصد بعض الزهاد ، فلما علم تقربه منه أسرع إلى طعام عنده وجعل يأكله بشره ويعظم اللقمة ، ويتضاحك على الاكل ويصفق بيديه فلما نظر إليه الملك سقط من عينه وانصرف ، فقال الزاهد : الحمد لله الّذي صرفك عنى.

أما العلاجات العملية : إذا أراد الإنسان علاج هذا المرض ، فإما أن يكون فى الموضع الّذي عرفوه فيه بالجاه وعلو القدر أو فى موضع ما عرفوه بذلك.

أما القسم الأول ، فلا سبيل إليه إلا بطريقين ـ إما باعدام ما يوجده أو بايجاد ما يعدمه.

أما الأول ، فنقول : لا شك أن الموجب لحصول الجاه ليس إلا اظهار الفضيلة فمن أراد علاج هذا المرض فليترك إظهار تلك الفضائل التى بإظهارها يتوسل إلى اكتساب ذلك الجاه ، فإن لم ينفع ذلك فى هذا الغرض فليظهر أمورا يظن بها أنها اضداد تلك الفضائل ، فإن الضد الطارئ لا بد وأن يزيل الضد السابق.

وأعلم أنه كما يمكن إظهار ما ليس بفضيلة بحيث يظن به فى الظاهر أنه فضيلة كذلك يمكن إظهار ما يكون فى نفسه فضيلة بحيث يظن به فى الظاهر أنه رذيلة ، فإن من أكل الطعام الكثير مع إظهار الشره والضحك ومن أظهر التصفيق والرفض والعدو والتشبه بأفعال الصبيان والمجانين وكانت نيته فى تلك الأفعال إزالة حب الجاه واخلاص السر لله تعالى كانت تلك الافعال فى الحقيقة من أعظم الفضائل ، وإن كان يظن بها أنها من الرذائل ، كما أن من واظب على الصلوات والصيامات لقصد جلب قلوب الناس كانت تلك الأعمال فى الحقيقة من أعظم الرذائل ، وأن يظن بها أنها من الفضائل.

وأما القسم الثانى ، وهو أن يريد إزالة الجاه فى موضع لا يعرف بالجاه ، فهذا لا طريق إليه إلا أن يسافر الإنسان إلى بلد لا يعرفونه ولا يطلعون على أحواله ، ثم يخلط نفسه بالعوام ولا يأتى بفعل يميزه عن العوام ، ويدل على فضيلته ، فإذا فعل ذلك فقد يخلص عن آفات الجاه بالكلية.

ويقال ان كيخسرو (١) الملك لما ملك الأرض تاقت نفسه إلى العالم الالهى ، وعلم أنه لا سبيل إليه بالجمع بين الملك وذلك الأمر ،

__________________

(١) المخطوطة : كيخسرو

فترك مملكته وسافر إلى موضع لم يعرف أحدا إلى أين ذهب واشتغل بنفسه فهذا هو الطريق فى هذا الباب.

(الفصل الثالث عشر)

(الورقة ٢٨٨ و) بيان العلاج لكراهة الذم

اعلم أن أفعال أكثر الخلق موقوفة على ما يوافق رضى الناس رجاء المدح وخوف الذم ، وطريق علاجه من وجوه :

الأول ـ ان الصفة التى يمدح الإنسان بها إما أن تكون موجودة أو معدومة ، فإن كانت موجودة فإما أن تكون موجبة للمدح فى نفس الأمر أو لا تكون موجبة ، فإن كانت موجودة وكانت موجبة للمدح وجب أن لا يحصل الفرح بهذا المدح لوجوه :

أحدها ان ذلك انعام من الله تعالى يوجب الشكر ، والظاهر أن الإنسان لم يقم لشكره كما ينبغى ، فهذا الإنسان يجب أن يكون خوفه من التقصير عن القيام بشكر الله بتلك النعمة يمنعه عن الفرح لحصولها خوفا من أن العواقب غير مستقرة ، فلعلها تزول ، فوجب أن يكون خوف زوالها مانعا عن الفرح بها وبحصولها.

وثانيها وهو ان فرحك بمدح هذا المادح مما يذهلك عن ذكر الله تعالى ، فإن كان حصول تلك الصفة توجب الفرح فحصول العائق عن ذكر الله تعالى يوجب الغم ، والفرح إذا أوجب الغم كان وجوده مفضيا إلى عدمه.

وثالثها أن المؤثر فى حصول تلك الفضيلة جود الله تعالى فى تخصيصك بتلك النعمة ، وأما قول المادح فهو اخبار صدق عن حصوله ، وذلك تابع له ، والمؤثر فى الشيء أقوى من الأثر الّذي يكون نافعا له ولا يختلف حاله بوجوده ولا بعدمه ، فوجب أن يكون استغراق الإنسان فى معرفة أن الله تعالى خصصه بتلك النعمة الجسيمة يذهله عن الفرح بالمدح.

وأما ان لم يحصل فى قلبه شعور بأن ذلك من انعام الله تعالى فوجب أن يكون حسرته بسبب هذه الغفلة أقوى من فرحه بسبب حصول تلك النعمة.

ورابعها ان حصول تلك الصفة المحمودة بدون ذكر الذاكرين له نعمة من الله تعالى عليه ، لأنه يصير خاليا عما يوجب العجب والكبر والتيه وحصولها ، مع ما يوجب تلك الأخلاق الذميمة المهلكة ، ولا شك أن حصول تلك النعمة خالية عن كل الآفات أحب وأفضل من حصولها مقرونة بالآفات المهلكات فوجب أن لا يكون الحمد محبوبا.

وخامسها ان شعور الانسان بحصول تلك الفضيلة حال ما كانت خالية عن مدح المادحين يوجب توجه القلب إلى فضل الله تعالى وانعامه على العبد وشعوره بحصولها حال كونها مقرونة بمدح المادحين يوجب انصراف القلب عن الحق إلى الخلق ، ولا شك ان الاول اولى.

اما القسم الثانى إذا مدح بصفة حاصلة فيه إلا ان تلك الصفة لا توجب المدح فى الحقيقة بل هى من جملة ما يوهم انها توجب المدح

بالقوة والنحل (١) والنسب.

وعلاجه أن يتأمل فى البراهين الدالة على انها ليست من موجبات المدح بل هى أوهام بالجملة باطلة وخيالات فاسدة لا تفيد الا شدة الجهل وتاكيد الغرور وتراكم الضلالات والبعد عن الله تعالى.

واما القسم الثالث : إذا مدح بوصف غير حاصل فيه فحصول الفرح لهذا المدح غاية الجنون (١ هو كما إذا مدح بالصلاة والورع والاشتغال بخدمة الله تعالى مع انه يعرف انه فى قلبه وباطنه خال عن هذه الافعال ، وانه ما اتى بهذه الطاعات الظاهرة الا طالبا للمال والجاه ، فهذه حالة التزوير والتدليس.

العلاج الثانى بحب المدح ، ان ذلك المدح إما أن يكون كذبا أو صدقا ، فإن كان كذبا فالقائل يستوجب (الورقة ٢٨٨ ظ) العقاب على الكذب والسامع له الراضى به يستوجب العقاب على كونه راضيا بالمعصية ، وإن كان صدقا فالقائل إنما يقوله لغرض فاسد عاجل ، والسامع لا بد وأن يحصل له العجب والتيه وذلك مما ينقص ثواب طاعته فى الآخرة ، ومما يوجب حصول نوع من العجب والفضيلة الخالية عن العجب أحب إلى الناس العقال (٢) من الفضيلة المقرونة بالعجب ،

العلاج الثالث : إن بعض الناس وإن كانوا يمدحون فهم (٣) فى الاكثر يذمون ، فان عرض الانسان نكتة (٤) لأن يفرح بالمدح فقد عرضه لان يحزن ويتألم بسبب الذم اكثر ، فهذا الانسان الّذي فعل

__________________

(١) المخطوطة : والجل

(٢) العقال جمع عاقل ،

(٣) المخطوطة : فيهم

(٤) أيضا : ملسه

هذا فقد سعى فى تشويش مصالح الدنيا على نفسه بسبب كثرة الغموم الحاصلة عند ذم الناس ، وسعى أيضا فى تشويش مصالح الآخرة بسبب ان المقبل على احوال الخلق محجوب عن الحق.

علاج كراهية الذم : ان الّذي ذمك (٢ إما أن يكون قد صدق فيما قال أو قصد النصح أو صدق وقصده الإيذاء ، أو يكون كاذبا ، فان صدق وقصده النصح فلا يجب أن تذمه وتغضب عليه وتحقد بسببه ، بل يجب ان تعد ذلك إنعاما منه عليك ؛ لأن من اهدى إليك عيوبك فقد أيقظك من رقدة الجهالة وهداك إلى المهلكة حتى تحترز عنها ، وأما إن صدق وقصد به الايذاء فإنه بالحقيقة قد انتفعت به وبقوله ، إذ عرفك عنك إن كنت جاهلا ، او ذكرك العيب ان كنت قد نسيت أو قبحه فى عينك إن كنت قد استحسنته ، وكل ذلك أسباب سعادتك وقد استفدته منه ، فاشتغل بطلب موجبات (١) السعادة وإزالة موجبات (٢) الشقاوة ، فقد انهج لك اسبابها بسبب ما سمعته من المذمة ، ألا ترى انك إذا قصدت الدخول على ملك وثوبك ملوث بالقذر ، فقال لك قائل : أيها الملوث بالقذر! طهر نفسك وحينئذ تدخل على الملوك ؛ فيجب عليك ان تفرح بقوله لأن هذا التنبيه غنيمة لك.

وجميع مساوى (٣) الاخلاق (٣ مهلكة ، والانسان لا يعرفها بالتمام إلا من قول اعدائه فيجب ان يغتنمه ، فأما إن قصد العدو (٤ الايذاء فذلك خيانة منه على رين نفسه وهو نعمة منه عليك ، فلم تغضب بفعل هو نفع فى حقك وضرر فى حق عدوك.

__________________

(١) المخطوطة : موجات (فى الموضعين)

(٢) المخطوطة : موجات (فى الموضعين)

(٣) أيضا : ساوى

واما القسم الثالث وهو أن يفترى عليك بما أنت بريء (٥ منه عند الله ، فيجب أن لا تكره ذلك. ولا تشتغل بذمه ، بل تتفكر فى ثلاثة :

الاول انك إن خلوت من ذلك العيب فما خلوت عن كل العيوب ، فاشكر الله تعالى إذ لم يطلعه على عيوبك كلها الموجودة فيك وشغله بذكر ما انت بريء عنه.

الثانى ان سماع ذلك الكلام يوجب النفرة الشديدة عن مخالطة الخلق ، ومن اعرض عن الخلق فقد توجه إلى خدمة الخلق لا محالة لأن الانسان يمتنع أن يبقى معطلا ، بل خلق فعالا بالطبع ، فالذم يدعوك من الخلق إلى الحق ، والمدح يدعوك من الحق إلى الخلق ، فما أعظم التفاوت!

الثالث ان ذلك القائل قد صارت نفسه ملوثة برذيلة الكذب مع أن الله طهرك منها ، فليكن شكرك وفرحك بهذه السلامة مذهلا لك عن الحزن بسبب ذلك الذم ،

الرابع انك ان اعتقدت ان ذلك الفعل منه فقط فإنك مشرك ، وإن عرفت أنه بقضاء الله وقدره وهو باطل أو منه وهو (١) عاجز معذور.

الخامس كما انه أدخل الغم فى قلبك فصار قلبك معرضا عن الخلق متوجها إلى الخلق ، فكأنه خرب (الورقة ٢٨٩ و) دنياك وعمر دينك ، وأما ذلك القائل فقد خرب (٦ دين نفسه بسبب ذلك القول فيجب عليك بحكم الكرم أن تسعى فى عمارة دينه ، ولهذا قال

__________________

(١) المخطوطة : اللفظ غير واضح

عليه‌السلام : «اللهم اهد قومى فإنهم لا يعلمون».

السادس أن تقطع طبعك عن أموال الخلق ومنافعهم ومتى فعلت ذلك سهل عليك ذمهم لك ومدحهم لك ، لأنه لا يرجى من مدحهم إلا وصول النفع من جهتهم ولا مضرة فى ذمهم إلا انقطاع منافعهم عنك فإذا قطعت طبعك عن منافعهم استوى عندك مدحهم وذمهم.

السابع أن يسلط صفة الكبر على نفسه ويعتقد فى نفسه انه أعلى من يزداد بمدح المادحين أو ينتقص بذم الذامين ، أو يعتقد فى ذلك المادح والذام أنه جار مجرى البهيمة ، ومتى كان كذلك لم يبق فى قوله أثر ولا فائدة ، وقد ذكرنا طريقا ١ من طرق علاجها.

الثامن ان ذلك الذم ان صدق فالذنب المذموم حيث اكتسب تلك الصفة الموجبة للمذمة ، وإن كذب فذلك الذم للمذموم فى الظاهر ولكنه ذم للذام فى الحقيقة فإن اقدامه على ذلك الكذب يدل على كونه متصفا بالأخلاق القبيحة من الكذب والغيبة وخبث النفس ، وإدخال الشبهات فى القلوب.

التاسع أن ذلك الذم إن كان صدقا فهو اشاعة الفاحشة وذلك من لوم الطبع وخبث النفس ، فوجب أن يشكر المذموم على أن صانه عن هذه الصفة ، وإن كان كذبا كان ذلك اعراضا عن تعظيم أمر الله وعن الشفقة على خلق الله ، فوجب أن يكون فرح المذموم على أن صانه الله عنه بذهله عن الغم بسبب الذم.

العاشر ان الذام إنما أقبل على ذلك الذم سعيا منه فى إدخال الحزن فى قلب ذلك المذموم ، فإن حصل ذلك الحزن فقد حصل

غرض ذلك العدو ، وإن لم يحصل بطل عليه سعيه وخاب جده وجهده ، وذلك يدل على أن المذموم لم يقم (١) له وزنا وانه يلحقه بالبهائم والجمادات ، فوجب أن لا يحزن المذموم عند سماع الذم لئلا يصل عدوه إلى مقصوده وغرضه.

(الفصل الرابع عشر)

بيان اختلاف الناس فى احوال المدح والذم (١

للناس أربعة أحوال بالإضافة إلى الذام والمادح (٢ :

الحالة الأولى : أن يفرح بالمدح وبمدح المادح ، ويحزن بالذم وبذم الذام ، وهذا حال الأكثرين وهو أخس الدرجات (٣.

الحالة الثانية : أن لا يفرح بالمدح وأن يمسك لسانه وجوارحه عن مكافاته ويحزن بالذم ، ولكنه يمسك لسانه عن مكافاته ، وهذا أيضا من باب النقصان لكنه بالإضافة إلى ما قبله كمال (٤.

الحالة الثالثة : أنه يستوى (٥ عنده المدح والذم ولا يسوؤه الذم ولا يسره المدح ، وقد يظن بعض الناس هذه الحالة بنفسه ، ولكنه يجب أن يمتحن نفسه وعلامة صدق هذه الحالة أن لا يجد فى نفسه استثقالا للذام عند تطويله الجلوس عنده أكثر ما يجد فى المادح وأن لا يجد فى نفسه زيادة لذة (٢) ونشاط فى قضاء حوائج المادح فوق ما يجده فى قضاء حوائج الذام ، وأن لا يكون انقطاع الذام عن مجلسه

__________________

(١) المخطوطة : لم يتيم / لم يقيم

(٢) أيضا : سده

أهون عليه من انقطاع المادح.

فإن قيل كيف يجوز أن يستوى عنده المدح والذم ، والمدح يقتضي إقدام المادح على تعظيم حال ممدوحه وهو طاعة (٦ ، والذم يقتضي إقدام الذام على الاساءة إلى أخيه المسلم (الورقة ٢٨٩ ظ) وهو معصية.

قلنا ان المذموم لو تفكر علم أن فى الناس من ارتكب من الكبائر أكثر مما ارتكبه هذا الذام فى مذمة المذموم ، ثم انه لا ينفر طبعه عنهم ،

وأيضا فالمادح (٧ الّذي مدحه لا ينفك عن اقدامه على ذم غيره مع انه لا يجد فى قلبه نفرة عنه كما يجد لمدحه نفرة ، والمذمة من حيث انها معصية لا يختلف بأن يكون هو والمذموم أو غيره ، فثبت أن ذلك المذموم إنما غضب طاعة لهواه لا طاعة لمولاه. وان الشيطان يخيل إليه انه من الدين وأن الله قد جعله ممن قال فى حقه : («قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ) (١) (بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالاً الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ الخ) (٢) (٨ ،

الحالة الرابعة أن يكره المدح (٩ ويحب الذم ، لانه يعلم أن المدح يجره من نور عينية (٣) جلال الله الحق إلى ظلمات عالم الخلق ، والذم يهدى إليه عيوبه ويرده عن ظلمات عالم الخلق إلى انوار عالم الحق ، فهذه (٤) المراتب التى ذكرها الشيخ الغزالى.

__________________

(١) المخطوطة أنبئك

(٢) أيضا : وهم فى الآخرة

(٣) أيضا : عينه

(٤) أيضا : فهذا ،

وعندى فى هذا الباب حالة خامسة : وهو أن يصير فارغا عن المدح وعن الذم بالكلية فلا يحبهما ولا يبغضهما ولا يلتفت قلبه إليهما ، وهذه (١) درجة الصديقين المستغرقين فى نور جلال الله تعالى ، لا يبقى فى قلبه محل إلى الالتفات إلى غير الله ، ومن لا يتصور الشيء لا يمكنه أن يحبه أو يبغضه ،

ثم قال الشيخ : وأهون المراتب هو المرتبة الأولى ثم الثانية وهى ضعيفة لأن الإنسان ، وان مكث عن اكرام المادح وإهانة الذام لكنه لا بد وأن يحض المادح بما يدل على أن قلبه إليه اميل ومحبته له آكد.

بيان حركات المدح : الحب والبغض من الاحوال القابلة للاشد والاضعف ، فلا جرم مراتب الناس فيه مختلفة.

فالمرتبة الأولى : أن يعظم حبه للمدح (١٠ والثناء حتى يدانيه (٢) بالعبادات ولا يبالى بارتكاب (٣) المحظورات (٤) ، ولا حد لاشتماله على قلوب الناس واستنطاق ألسنتهم بالمدح.

الثانية أن يطلب المدح لا بالرياء ولا بارتكاب المحرمات بل بالمباحات ، وهذا على شفا جرف هار ، فان حدود الكلام الّذي

__________________

(١) المخطوطة : وهذا

(٢) أيضا : يرى انه

(٣) أيضا : بالارتكاب

(٤) أيضا : المحضورات

يشتمل به القلوب لا يمكن ضبطها فيوشك أن يقع فيما لا يحل لطلب الحمد فهو قريب من الهالكين.

الثالثة أن لا يريد المدح (١١ ولا يسعى فى طلبه لكن إذا مدح سبق السرور إلى قلبه ، فإن لم يعالج هذه الحالة بالمجاهدة فهو قريب من أن يستجره من فرط السرور إلى الرتبة التى قبله.

الرابعة انه إذا سمع المدح لم يحصل فى قلبه سرور ، وصاحب هذه الحالة لا بد وان يستحضر فى قلبه أبدا ما فى السرور بالمدح من الآفات لئلا يقع فى الدرجة إلى قبلها.

الخامسة إذا سمع المدح كرهه (١٢ ولكن لا ينتهى به إلى أن يغضب على المادح وينكره عليه.

السادسة أن يكره (١٣ ويغضب وينكره عليه وهو صادق إلا ان قلبه محب له الا انه يريد أن يظهر من نفسه الاخلاص والصدق وهو مقتبس عنه ، ولذلك بالضد من هذا يتفاوت الاحوال فى حق الذام والمادح ، واوّل درجاته إظهار الغضب وآخره إظهار الفرح.

(الفصل الخامس عشر)

الكلام فى الرياء وأحكامه

الرياء مشتق من الروية والسمعة (١ (مشتقة من السماع) وحده إظهار خصلة (٢ من الخصال التى يعتقد الحاضرون فيها انها من الخصال الفاضلة لغرض أن يعتقدوا فيه كونه موصوفا بتلك (الورقة ٢٩٠ و) الفضيلة مع كونه فى نفسه عاريا عنها.

اعلم أن هذه الحالة قد يقع فى أحوال الدنيا وقد يقع فى أحوال الدين.

أما الأول فكما إذا أتى الإنسان بأفعال وأقوال تدل على كونه كثير المال مع أنه لا يكون ذلك فى الحقيقة ، ومقصوده أن يعتقد فيه كثرة المال من يرى ذلك فضيلة.

وأما الثانى فكما يأتى بأفعال تدل على الزهد أو العبادة ليعتقد فيه ويكون هذا قصده ، ولا يكون كذلك فى الحقيقة ، فهذا الحد الّذي ذكرنا غاية فى الريا فى أمور الآخرة والدين والدنيا ، إلا أن القسم الثانى هو المشهور فى العرف ، وهو الرياء فى أمور الدين ـ وأما فى أمور الدنيا فذاك يسمى طلب الجاه والرفعة.

إذا عرفت هذا فنقول : لا بدّ من أركان ثلاثة :

الأول أنا نقول المرائى هو الّذي يأتى بتلك الأفعال على قصد التلبيس.

وثانيها القوم الذين يراد ترويج التلبيس عليهم وهم المراءى لهم.

وثالثها المراءى (١) به وهو تلك الأفعال والأحوال التى يراد بها ترويج ذلك التلبيس على الناس.

إذا عرفت هذا ، فنقول : المراءى به كثير ويجمعه خمسة اقسام (٣ :

البدن والزى والقول والعمل ، والأشياء الخارجة.

وكما أهل الدين يراءون بهذه الخمسة ، كذلك (٢) أهل الدنيا يراءون بها ، الا أن جهة المراءاة مختلفة فى الناس.

فالنوع الأول : الرياء من جهة البدن (٤ باظهار النحول والصفرة (٣) ليوهم بذلك جهده واجتهاده وعظم الحزن على أمر الدين وغلبة خوف الآخرة ، وليدل بالنحول على قلة الأكل وبالصفرة على سهر الليل ـ وكذلك يرائى بشعث الشعر ليدل على استغراقه فى هم الدين ، وقلة فراغه لتسريح الشعر ، وهذه الأحوال متى ظهرت استدل الناس بها على هذه الأمور ، ويقرب من هذا خفض الصوت واغارة وكثرة أطرافها وذبول ليستدل بذلك على الصوم وعلى وقار الدين.

النوع الثانى : الرياء بالهيئة والزى (٥ ، أما الهيئة فاطراق الرأس فى المشى ليستدل به على غرق فى الفكر ، وكذلك ابقاء أثر السجود فى الجبهة (٤).

__________________

(١) المخطوطة : والمرعايا

(٢) أيضا : وكذلك

(٣) أيضا : والصفا

(٤) أيضا : الجهة

وأما الزى فغلظ الثياب ولبس الصوف وتقصير الثياب وتشميرها وقصر الاكمام ، وترك ترميم الثوب وتركه مخرقا أو مرقعا بعض الترقيع كل ذلك تورية ليستدل بها على اتباع السنة ، وطريق العباد الصالحين من السلف الفقراء ، ولو كان هذا الجاهل يلبس ثوبا رفيعا حلالا وكان قصده فيه أن لا يوصف بالرياء والناموس لكان خيرا له ، ومنه لبس المرقعة والصلاة على السجادة ولبس الثياب الزرق التى يلبسها الصوفية مع التعرى عن حقايق التصوف فى الباطن.

وطبقة أخرى (٦ : أرادوا أن يتشبهوا بالصالحين فى الثياب والزى والهيئة ولم يسمح نفوسهم بلبس الثياب النازلة ، فأرادوا الجمع بين البابين فطلبوا الأصواف الرقيقة ، والفوط الرفيعة والمرقعات المصبوغة يلبسونها وقيمة ثيابهم قيمة لباس الأغنياء ، وأكثر ، وهذا من النزور.

وأما مراءاة (٧ أهل الدنيا فلباسهم الثياب الرقيقة النفيسة ، والمراكب الفارهة بالآلات (١) المذهبة والمموهة ليستدل بذلك على كثر أموالهم ويتحصلون به زيادة الجاه والمال.

النوع الثالث : الرياء بالقول (٨ ، أما لأهل الدين فبذكر (الورقة ٢٩٠ ظ) المواعظ وايراد الاخبار. وأما للشيوخ والفقهاء (٢) فبالمجادلة والمناظرة ليكون الغرض افحام الخصوم بحضرة الناس ليستدل به على كثرة العلوم ، وفى تحريك الشفتين بالذكر فى حضرة الناس والامر بالمعروف والنهى عن المنكر ، واظهار الغضب للمنكرات ،

__________________

(١) المخطوطة : بالآت

(٢) أيضا : واما الشيوخ واما الفقهاء

كل ذلك ليستدل به على قوة الزهد.

واما اهل الدنيا فمراءاتهم (٩ بالاشعار والامثال والنكت المطربة والحكايات المضحكة ليستدل بذلك على لطافة الطبع وكثرة الاطلاع على الفنون.

النوع الرابع الرياء بالعمل (١٠ كمراءاة (١) المصلى بطول القيام وتطويل السجود والركوع واطراق الرأس وكذلك باظهار الصوم وتقليل الاكل والمضى إلى الحج والغزاة وفى سكون المشى وتجنب المزاحمة وغض البصر والتأنى فى المشى حتى اذا خلا بنفسه عاد إلى طبعه فى العجلة.

واما اهل الدنيا (١١ فمراءاتهم بالتبختر ومشى الخيلاء وتحريك اليدين وتقريب الخطى (٢) ليدل بذلك على الجاه والحشمة.

النوع الخامس المراءاة (٣) بالاصحاب (١٢ كالذى يستزير الامراء والوزراء واصحاب السلطان ، فيقال ان فلانا زاره فيزوره سائر الناس بناء على حشمته وفضله وكالذى يكثر بكثر لقاء المشايخ والرحلة ليقال انه حصل العلوم والفوائد فيقصد لذلك.

واما اهل الدنيا فمراءاتهم (انهم) خدموا عظماء السلاطين وشرعوا فى مهمات الملك.

فهذه مجامع (١٣ ما به يرائى المراءون وكلهم يطلبون به الجاه والمنزلة فى قلوب الناس.

__________________

(١) المخطوطة : كمرائا

(٢) أيضا : الخطا

(٣) أيضا : المرايا

بيان درجات اهل الرياء فى الرياء

الدرجة الاولى ان يكرم بحسن اعتقاد الناس فيه فكم من راهب (١٤ ينزوى إلى ديره سنين (١) كثيرة ، وكم من زاهد عابد انما هو متزهد متعبد اعتزل إلى زاوية او قلة جبل مدة طويلة ولذته وحياته قيام جاهه وسمعته عند الخلق ، ولو خطر بباله سوء اعتقادهم فيه لمات من الغم.

الدرجة (٢ الثانية ان لا يقنع (١٥ بذلك الاعتقاد بل يلتمس اطلاق لسان القوم بوصفه ومدحه ، والثناء على حسن طريقته ، وانتشار الصيت فى البلاد لتكثر الرحلة إليه.

الدرجة الثالثة أن يقصد به التوسل (١٦ الى كسب الحرام وجمع الحطام ولوث أموال اليتامى واوقاف المساكين او المرضى ، وهذا من اشر طبقات المرائين.

واعلم ان الشيخ الغزالى ذكر تفصيلا وهو ان من الرياء ما يحل منه ومنه ما يحرم ، ثم لما شرع فى بيان ذلك التفصيل تكلم فى بيان ان طلب الجاه قد يكون مباحا وقد يكون حراما (١٧ ، وهذا عندى مستدرك من وجوه.

الاول ان مراتب طلب الجاه قد تقدم ذكرها فى باب الجاه ، فلا فائدة فى الاعادة هاهنا.

الثانى ان الرياء غير ، وطلب الجاه غير ، وذلك لانا بينا ان الرياء مشتمل على التلبيس (١٨ والتدليس ومجادلة ان يقع فى الخواطر ما لا حقيقة له ، وذلك

__________________

(١) المخطوطة : سنبين.

يكون حراما بالكلية لان التلبيس والاضلال محرمان (١) بالكلية ، فثبت انه لا يلزم من اهتشام الجاه على سبيل التلبيس وهذا كله يكون حراما.

علاج الرياء وهو إما بالعلم وإما بالعمل ، وهو ان يعرف الانسان ما فى الرياء من المضار العظيمة فى الدين وفى الدنيا.

أما فى الدين فمن وجوه :

الأول أن العمل الّذي ما وضع حيث وضع إلا لتعظيم الله إذا أتى الإنسان به ويدعى (الورقة ٢٩١ و) انه أراد به الله تعالى مع أنه فى قلبه ، إنما أتى به لغير الله (١٩ فهذا يدل على أنواع كثيرة من الكبائر :

أحدها أن هذا يدل على ذلك الغير أعظم وقعا فى قلبه من الله ، وإلا لما صرف ما هو حق الله إلى الغير ، وهذا يدل على كون ذلك الإنسان جاهلا من كل الوجوه.

وثانيها أنه لو أخلص الطاعة لله لاستوفى حمد الله ، ولما أتى بها لأجل الرياء فقد استدل بحمد سلطان السلاطين حمد أخس خلقه وما ذاك إلا جهل وحماقة.

وثالثها أنه إذا ادعى بلسانه أنه أتى بهذه الطاعة لله ، وانما أتى بها فى قلبه غير الله فكان كالمستهزئ بالله (٢٠ ومثاله أن يقوم رجل بين يدى الملك طول النهار كما جرت عادة الخدمة ، وكان غرضه من ذلك الوقوف أن ينظر إلى جارية من جواريه أو إلى واحد من غلمانه ، فإن هذا استهزاء بالملك.

__________________

(١) المخطوطة : محرما

ورابعها (١) أن هذا كالاستخفاف (٢١ بالحق سبحانه لأن من حضر فى حضرة أعظم الملوك قدرة وقهرا وكرما وفضلا ، وعرض عليه حاجة من حاجاته ، وكان قلبه غير معلق فى ذلك الكلام بذلك الملك ، بل كان قلبه معلقا باخس من حضر هناك من العبيد ، كان ذلك سوء ظن بالملك واستخفافا به وكذا (٢) هاهنا ، وذلك يدل على أنه يعتقد فى ذلك الملك أنه كاذب فى ادعائه كونه قادرا وكونه كريما ، وبهذه الأسباب سمى النبي عليه‌السلام : «الرياء الشرك الأكبر» (٢٢.

(الفصل السادس عشر)

بيان الرياء الخفى

اعلم أن الاقسام الثلاثة : اعنى أن لا يكون غرض الثواب معتبرا فى الفعل أصلا ، أو يكون معتبرا اعتبارا مرجوحا أو مساويا ، فهى المسماة بالرياء الخفى.

أما القسم الرابع وهو أن يكون غرض الثواب (١ معتبرا فى الفعل اعتبارا راجحا إلا أنه قد حصل معه غرض الرياء فهذا هو المسمى بالرياء الخفى ، وهذا مما لا يمكن أن يعرف إلا بالعلامات ، فمن تلك العلامات أن يحصل (٢ السرور (٣) فى قلبه باطلاع الناس على عبادته ، وذلك لأن السرور حالة نفسانية تحصل عند وجدان المطلوب ، فلو لا

__________________

(١) المخطوطة : وثالثها

(٢) أيضا : وكذى

(٣) أيضا : النزور

أنه حين أتى بتلك الأفعال كان يتوقع اطلاع غيره عليه وإلا لما حصل (١) السرور لحصول هذا (٢) الاطلاع ، وينبغى أن يعالج ، فإنه إن لم يعالج استحكم ، ولو استحكم لانعكست هذه الداعية التى هى الرياء من حد المرجوحية إلى حد الاستواء ، ومن حد الاستواء إلى حد الرجحان.

والعلامة الثانية أن يأتى الفعل مبنيا (٣) على كونه كثير العادة (٣ كالنحول والصفار وخفض الصوت وشعث الشعر واكثار البكاء ، وغلبة النعاس الدال على إظهار التجلد.

والعلامة الثلاثة أن يترك كل هذه الأمور لكنه رأى الناس (٤ بأن أحبوا ابتداء بالسلام ، وأن يتبركوا بحضوره (٤) وبمصافحته ، وأن يهبوه ويهادونه ، وإذا اشترى شيئا سامحوه.

يروى عن على بن أبى طالب كرم الله وجهه أنه قال (٥ : «إن الله تعالى يقول يوم القيمة ألم يكن يرخص لكم الاسعار ، ألم تكونوا تبدءون بالسلام ، ألم تكن تقضى لكم الحوائج ، اذهبوا ، فقد استوفيتم أجوركم.

واعلم أن كل المقصود من العبادات والطاعات انقطاع (٥) النفس

__________________

(١) المخطوطة : حصلت

(٢) أيضا : هذه

(٣) أيضا : بنيه

(٤) أيضا : بان احب ابتداءه بالسلام ، وان يتركوا بحضوره الخ ،

(٥) أيضا : وانقطاع

عن عالم المحسوسات واقبالها على عالم الروحانيات ، حتى أن الإنسان عند الموت يفارق من المنافى إلى الملائم ، والآتى بالطاعات لأجل داعية الريا ، فقد أكمل العلاقة مع عالم المحسوسات وبالغ فى الفرار عن عالم الروحانيات ، فعند الموت ينتقل (الورقة ٢٩١ ظ) من الملائم إلى المنافى ، ومن اللذيذ إلى المؤلم ، فيحصل هناك البلاء العظيم.

واعلم أنه مهما أدرك الإنسان تفرقة (٦ بين أن يطلع على عبادته انسان أو بهيمة ، ففيه شعبة من الرياء ، فإنه لما قطع طمعه عن البهائم لم يبال بحضور البهائم ، فلو كان مخلصا قانعا بعلم الله لما التفت إلى اطلاع غيره عليه ، وحيث حصل التفاوت ولو بالقليل ، فالرياء هناك حاصل.

فإن قلت فهل يعقل أن يحصل السرور عند اطلاع الغير على طاعته ، مع كونه مخلصا ، فنقول : هذا ممكن فى صور :

أحدها أنه إذا نظر إلى هذه الحالة من حيث أنه تعالى اطلع (٧ الخلق على أفعاله الجميلة وستر عنهم أفعاله القبيحة ، كل ذلك على العناية من الله تعالى فى حقه ، فإذا فرح بهذه الحالة نظرا إلى هذا الاعتبار كان ذلك بمحض الاخلاص ، وهو المراد بقوله تعالى : (قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ ، فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا) (٨.

الثانية أن يغلب على ظنه أنه تعالى : لما أظهر (٩ جميله وستر عليه قبيحه فى الدنيا فالظاهر أنه كذلك يفعل فى الآخرة لقوله عليه‌السلام : ما ستر الله على عبده فى الدنيا إلا ستر عليه فى الآخرة.

الثالثة إذا غلب على ظنه أن الذين رأوه على تلك الطاعة

يرغبون (١٠ فى الاقتداء به فيصير اطلاعهم سببا لتكثر الطاعات ، فالسرور بالاطلاع على طاعته محض للاخلاص والعبودية.

الرابعة (١) أن المطاعن (١١ على طاعته لما عظموه وانقادوا له علم كونهم راغبين فى الدين والتقوى ، فإذا فرح بحسن اعتقادهم فى الدين وتعظيم الشريعة كان ذلك محض الإيمان ، وإذا فرح (٢) باطلاعهم على طاعته لأنه يتوسل بذلك إلى استجلاب المقاصد الدنيوية منهم فذلك هو الريا المذموم (١٢.

(الفصل السابع عشر)

بيان ما يحبط العمل من الرياء الخفى

والجلى وما لا يحبط (١

الريا ـ إما أن يحصل بعد انقضاء العمل بتمامه على الاخلاص ، وإما أن يطرى فى أثناء العمل الّذي وقع الابتداء به على الإخلاص.

القسم الأول وأما أن يحصل بعد تمام العمل فهذا على وجهين :

الأول إذا تمم العمل على الاخلاص (٢ ثم اتفق ان علم ان واحدا من الملوك كان قد اطلع على اقدامه على ذلك العمل ، فحصل فى قلب هذا المتعبد سرور بسبب اطلاع ذلك الملك على عبادته ، فهذا مما يرجى من الله تعالى أن لا يصير محبطا لثواب العمل ، لأن علمه قديم على

__________________

(١) المخطوطة : الرابع

(٢) أيضا : فرع

الإخلاص ، وهذا السرور لم يقع باختياره ، فوجب أن يكون فى محل العفو ، إلا أن حصول هذه الحالة يدل على أن هذا الشخص ليس من المخلصين الصديقين إذ لو كان كذلك ، لما التفت إلى اطلاع غير الله على طاعته بعد علمه بأن الله رأى تلك الحالة منه.

الثانى إذا تمم (٣ العبد على الإخلاص ، ثم أنه اطلع الناس وأظهره لهم ، فمنهم من قال : هذا الرياء محبط لثواب الأعمال السالفة.

واحتجوا بما روى أن رجلا قال : «صمت الدهر يا رسول الله؟» ، قال : «ما صمت ولا أفطرت» (٤.

وعن ابن مسعود أنه سمع رجلا يقول : قرأت البارحة البقرة ، فقال : ذلك حطه منها (٥.

ومنهم من قال أنه يثاب على إخلاصه المتقدم ويعاقب (٦ على هذا الريا المتاخر ، والله سبحانه يقتضي فيه بالعدل برعاية الخير والمقابلة بين الزائد والناقص ، وأجاب عن هذا الحديث بأن هذا التهديد لعله كان إشارة إلى كراهة صوم الدهر (الورقة ٢٩٢ و) على سبيل الدوام.

القسم الثانى إذا شرع فى العبادة مع الاخلاص ثم طرأت (١) داعية الرياء (٧ فى اثناء العمل بهذا الطارئ ، إما أن يكون مجرد سرور ولا يؤثر فى العمل ، وإما أن يكون رياء باعثا على العمل ، وبتقدير كونه باعثا على العمل ، فأما (٢) أن يكون باعثا على كيفيات

__________________

(١) المخطوطة : طرت

(٢) أيضا : فلما

ذلك العمل أو على أصل ذلك العمل ، فهذا القسم (٨) مشتمل على ثلاثة انواع :

النوع الأول : ـ أن لا يكون الطارئ إلا مجرد السرور وهذا هو (اخس) (١) الدرجات ـ فإن الحارث المحاسبى قال : «أنه يحبط (٩ العمل لأنه لما حصل السرور فى قلبه بسبب اطلاع المخلوق عليه كان ذلك السرور داعيا له إلى العمل ، وإذا صار هذا السرور حاملا له على العمل امتنع أن يكون القصد الأول المليء به لأجل الله تعالى حاملا له على العمل ، لأن الأثر الواحد لا يجتمع عليه مؤثر ان مستقلان (٢) ، والطارئ أولى بإزالة الثانى من العكس ، فكان أجر هذا العمل ما شابه أجر الله فوجب أن سر.

واحتج من قال بأن هذا السرور لا يحبط الثواب (١٠ بما روى أن رجلا قال يا رسول الله اننى اسر العمل لا أحب أن يطلع عليه أحد ، فإذا اطلع عليه أحد سرنى ، فقال عليه‌السلام : اللهم لك أجران ـ أجر السر واجر العلانية (١١. وأيضا إن هذا السرور الزائد فى العمل لما لم يؤثر فى العمل دل على أنه ضعيف مرجوح بالنسبة إلى نية الاخلاص ، والمرجوح مختص (٣) بالعدم.

اجاب عنه من ثلاثة أوجه (١٢ :

أحدها لعل هذا السرور إنما حصل بعد الفراغ من العمل ،

والثانى لعله إنما حصل لاعتقاده بأن غيره يقتدى به ، بدليل أنه

__________________

(١) المخطوطة : ليس بموجود

(٢) أيضا : مسعلان

(٣) أيضا : ملخص

جعل له به أجر ، ولم يقل أحد من الأمة أن السرور بحمد الناس أجر بل غايته أن يعفى عنه.

الثالث أن الحديث ضعيف الأسناد.

النوع الثانى الّذي يؤثر فى كيفية العمل ، ولكنه لا يؤثر فى أصل العمل (١٣ ، فهو كما إذا شرع فى الصلاة تعظيما لله تعالى ، ثم حضر فى أثناء صلاته جماعة ففرح لحضورهم وصار ذلك الفرح حاملا له على الإتيان بزيادات فى الخضوع والخشوع ، لو لا حضورهم ما كان يأتى بها ، فهاهنا داعية الريا اثرت فى حصول كيفية زائدة.

أما تمثيله : فمثاله (١٤ أن يكون قد شرع فى صلاة تطوع فحدث أمر من الأمور ، واشتهى هذا المصلى ان ينظر إليه ، ولو لا حضور الناس لقطع الصلاة ، لكنهم لما حضروا فهو يتمها خوفا من مذمتهم ، فهاهنا الريا صار مؤثرا فى أصل العمل.

واعلم أن من وقف فى المرتبة الأولى ، علم أن الثانية ادنى (١) بالبطلان ، وان الثالثة أولى بالبطلان.

ثم هاهنا دقيقة أخرى ، وهى ان العبادات على قسمين :

منها ما يكون كل واحد من أجزائها عبادة مستقلة بنفسه ، ولا تتوقف صحته على انضمام الجزء الآخر إليه ـ وهو مثل قراءة القرآن ، فإن قراءة كل كلمة وحرف منه عبادة.

ومنها ما يتوقف صحة بعضها على صحة كلها وهو مثل الصلاة ،

__________________

(١) المخطوطة : ادل

والصوم والحج ، فإنه متى فسد جزء من اجزائه فسد كلها ، ومتى صح جزء من اجزائها فقد صح ذلك الجزء وبصحة باقيه يتم الكل ويصح.

وإذا عرفت هذا ظهر عندك أن خطر طريان داعية الرياء فى اثناء العبادات التى تكون من القسم الثانى اعظم واشد من ظهور طريانها فى اثناء القسم الأول.

وأما القسم الثالث وهو أن يحصل داعية الرياء فى أول حد الشروع (١٥ فى العبادة ، فهذا على قسمين :

أحدهما إن كان فى الصلاة ونيتها ، فإنه ان استمر على تلك الداعية إلى اخر الفراغ من تلك العبادة فلا خلاف (الورقة ٢٩٢ ظ) فى أنه يقضى ولا يعبد بصلاته.

وأما ان ندم فى اثناء ذلك ففيه قولان :

أحدهما أن صلاته لم تنعقد البتة ، ولم توجد نية أخرى ، فوجب أن لا يصح صلاته أصلا ، لأن الأعمال التى اتى بها بعد ان لم تنعقد الصلاة (صارت) (١) لغوا.

والقول الثانى أن العبرة فى العبادات بخواتمها ، فاذا وقع الختم هاهنا على الاخلاص كان صحيحا. والاولى أن يقال هذا الفعل ان كان الداعى إليه فى ابتدائه مجرد الريا دون طلب الاخلاص لم ينعقد هذا الفعل عبادة ، ولم يصح ما بعده ،

ومثاله الرجل الّذي لو خلى بنفسه لم يصل (١٦) ولم يصم ، ولما

__________________

(١) اللفظ غير موجود فى المخطوطة

رأى الناس تحرم بالصلاة ، فهذه صلاة لا نية فيها ، اذ (١) النية عبارة عن القصد إلى الفعل تعظيما لله تعالى فى هذا المعنى ولم يوجد هاهنا.

وأما أن حصل مع باعث الريا باعث الدين. فإن كان باعث الدين (١٧ راجحا كانت العبرة به كان المرجوح مع الراجح كالعدم ، وإن تساويا تعادلا فتساقطا ، وان كان مرجوحا كان ساقطا ، وهو ظاهر.

مسئلة : الانسان إذا حصل عنده اعتقاد ما فى عمل الرياء ، وانه من آفات الدنيا والآخرة ، وتكلف اظهار كراهية الرياء فى القلب وواظب على اخفاء الحسنات واظهار السيئات ، وهذا (٢) هو الغاية فى علاج الرياء ، ولكنه مع ذلك يجد قلبه مائلا إلى الرياء محبا له مع انه يبغض حبه لذلك ، فهل هو فى زمرة المرائين أو من جملة الصديقين؟

قال الغزالى (٧ رحمة الله عليه : لم يكلف العبد إلا ما يطيق ، فلما دللنا على ان الغاية القصوى فى علاج الرياء ليس إلا مقابلة الاعتقاد والحال والعمل بأضدادها ، فإذا أتى العبد بذلك فقد اتى بكل ما قدر عليه فالخارج عن ذلك ليس فى وسعه ، فوجب ان لا يكون مؤاخذا به.

واحتج عليه بما روى ان اصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم شكوا (١٩ إليه : وقالوا : «تعرض لقلوبنا اشياء لأن نخر من السماء فيخطفنا

__________________

(١) المخطوطة : اذا

(٢) أيضا : اللفظ غير واضح فى الكتابة ،

الطير أو تهوى بنا الريح إلى مكان سحيق أحب إلينا من أن نتكلم به ، فقال عليه‌السلام : «ذلك صريح الإيمان».

قال الغزالى : ولم يجدوا إلا الوسواس والكراهية ولا يمكن أن يقال المراد تصريح الإيمان الوسوسة ، فلم يبق إلا الكراهية المساوية للوسوسة.

إذا ثبت هذا فنقول : الرياء (٢٠ وإن كان عظيما بالكراهة ، فإنه يندفع ضرر الأصغر كان أولى بالحاصل أن كل ما كان من مقتضيات النفس ، فإن وجدت النفس كارهة لها كانت من الحق ، وإن وجدت النفس مع ذلك راضية بها مائلة إليها ، فذاك من الشيطان والنفس.

وأعلم أنه يتفرع على هذه المسألة مسئلة أخرى ، وهى ان الشيطان إذا عجز (٢١ عن حمل الإنسان على الرياء خيل إليه ان إصلاح قلبه فى الاشتغال بمحاربة الشيطان فيتوسل بهذا الطريق إلى تشويش صفاء القلب عليه ، وإن الاشتغال بمحاربة الشيطان انصراف عن اللذات الحاصلة بسبب المناجاة مع الله تعالى.

وأعلم أن للناس فى هذا المقام (٢٦ مراتب :

الاولى أن يشتغل بمحاربة الشيطان ومنازعته.

والثانية أن يقتصر على تكذيبه ولا يشتغل بمحاربته ،

الثالثة أن لا يشتغل أيضا بتكذيبه بل يستمر على ما كان عليه من كراهية الرياء من غير أن يشتغل بالتكذيب أو بالمخاصمة.

الرابعة أن يكون قد عزم على أن الشيطان مهما نازعه فى شرط

من شرائط الاخلاص ، فإنه يريد فى الأعمال الموجبة للاخلاص.

وضرب الحارث المحاسبى لهذه المراتب الأربع مثالا (٢٣ فقال كأربعة نفر قصدوا مجلس عالم ليستفيدوا منه ، فحسدهم عليه ضال (١) مبتدع ، فتقدم إلى واحد منهم (الورقة ٢٩٣ و) ومنعه عن الذهاب إلى ذلك المجلس فأبى ، فلما علم إباءه شغله بالمحاربة فاشتغل ذلك معه ليرد ضلاله ، فبقى فى تلك المخاصمة إلى أن يفوت مجلس العلم ، وحينئذ يحصل غرض ذلك الضال.

فلما مر الثانى عليه نهاه واستوقفه فوقف وانكر على الضال ذلك المنع والنهى ، ولكن لم يشتغل بالقتال ، ففرح الضال بقدر توقفه للدفع.

ومر به الثالث فلم يلتفت إليه ولم يشتغل بدفعه ولا بقتاله ، بل استمر على ما كان فخاب رجاه بالكلية.

فمر الرابع فلم يتوقف له بل زاد فى عجلته فيوشك أن عادوا ومروا على ذلك المضل (٢) مرة أخرى ، أن يعاود (٣) الجميع إلا هذا الأخير ، فإنه لا يعاوده خيفة من أن يزداد فى الاستعجال.

النوع الثانى : هل يجب الرصد (٢٤ للشيطان قبل شروعه فى الوسوسة انتظارا لوروده (٤) أم يجب التوكل على الله ليكون هو الدافع

__________________

(١) المخطوطة : مال

(٢) أيضا : المصلى

(٣) أيضا : ان يعادوا الجميع

(٤) أيضا : الورد

له ـ اختلفوا فى هذا ، فقال قوم : الأولى ترك هذا الرصد ، ويدل عليه وجوه :

(الأول) أن الترصد لدفع الشيطان يوجب الإعراض عن ذكر الله ، فالترصد وقوع فى حبالة الشيطان.

الثانى أن الترصد للشيطان اعتماد على النقس ، والتفويض إلى الله اعتماد على الحق ، فمن ترصد للشيطان فقد اعتمد على نفسه ، فقد وقع فى حبالة الشيطان.

الثالث الشيطان مخلوق ضعيف (٢٥ لا قدرة له على شيء كما قال الله تعالى حاكيا عنه : (ما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي) (٢٦ ـ وأما الحق سبحانه ، فله الأمر والنهى ، والتفويض إلى الحق بعينه على الحذر ، لأن من توكل على الله كفاه.

الرابع أن الإنسان لا يمكنه أن يتوكل على الله الا إذا عرف أنه العالم بكل المعلومات ، والقادر على كل المقدورات ، وله رحمة عامة ، وفضله وقضاءه شامل ، وأنه لا مقدرة لاحد على مقدرته ، ولا رحمة لاحد مع رحمته ، ومتى استنار القلب بهذه المعارف لم يجد الشيطان إليه سبيلا ـ فصارت هذه المعارف شيئا لحصول الامان من منابذة الشيطان.

أما من نرصده لدفع وساوسه احتاج إلى استنباط الحيل.

وقال آخرون : «بل لا بدّ من الحذر من الشيطان» (٢٧ ، واحتجّوا عليه بأن الاستغراق فى المعرفة والمحبة لا يخلص عن نزعات الشيطان ، لأن الأنبياء كانوا أعظم الناس قدرا فى المعرفة والمحبة ، مع أنهم ما خلوا عن نزغات الشيطان ، قال تعالى : «وَما أَرْسَلْنا مِنْ

قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى ، أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ» (٢٨

وقال عليه‌السلام : «إنه ليغان على قلبى» (٢٩ ، مع أن شيطانه قد أسلم ، ولا يأمر إلا بخير.

وأيضا ان آدم وحوا قد بين الله تعالى أن الشيطان غيرهما وأنه عدولهما فى قوله : (إِنَّ هذا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ ، فَلا يُخْرِجَنَّكُما مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقى) (٣٠.

وأنه تعالى ما نهى (٣١ (إلا عن) شجرة واحدة ، ومع ذلك وقعا فى حبالة الشيطان.

فإذا كان حال الأنبياء والأولياء كذلك ، فكيف حال غيرهم؟ وقال موسى عليه‌السلام : (هذا) مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ) (٣٢ ، وقال يوسف : (نَزَغَ الشَّيْطانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي) (٣٣.

وقال تعالى : (يا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ كَما أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ) (٣٤ ، والقرآن يشتمل على كثير من التحذير من الشيطان فكيف يجوز اهماله ـ وأيضا أنه تعالى أمرنا نحذر من الكفار ، فقال : (وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ) (٣٥ ، وقال : (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ) (٣٦ ـ فلما لزمك الحذر من العدو الكافر وأنت تراد فبأن يلزمك الحذر من العدو الّذي يراك ولا تراه كان أولى.

أجابوا عن الكلام الأول : فقالوا : الحذر عن الشيطان (الورقة ٢٩٣ ظ) عبارة عن المواظبة على وظائف الشرائع التى حاصلها يرجع إلى الإيمان بالأعمال الشاقة لئلا يصير الطبيعة مسئولية ـ فإذا ألفت الشريعة فعند ذلك يفوض رعاية المصالح إلى الخالق ، وهذا هو مقام

الحقيقة والاستغراق فى العبودية ، ألا ترى أنا ناكل ونشرب ثم نعول على فضل الله فى تحصيل الصحة ودفع الأمراض. فكذا (١) هاهنا نستعد لمحاربة الكفار ، ونعتقد أن الظفر والنصرة هو من الله ، وكذلك نحذر الشيطان (٣٧ ، ونعتقد أن المضل والهادى هو الله ، هذا ما اختاره الحارث المحاسبى ، وهو قول الكاملين الذين جمعوا بين رعاية قوانين الشريعة ومناهج الحقيقة.

إذا عرفت هذه (٢) المسألة فنقول : اختلفوا فى كيفية ذلك الحذر على ثلاثة أوجه :

قال قوم (٣٨ إذا حذرنا الله من العدو وجب أن يكون ذكر هذا الحذر أغلب الأشياء على قلوبنا ، وقال قوم إن هذا يؤدى إلى خلو القلب عن ذكر الله تعالى ، واشتغاله بالكلية بحرب الشيطان وحزبه ، وذلك عين مراد الشيطان ، بل ينبغى ان يجمع بين ذكر الله تعالى وذكر الحذر من الشيطان.

وقال المحققون (٣٩ : غلط الفريقان :

أما الأول فلأن من تجرد لمحاربة الشيطان ونسى ما سواها فقد غفل عن ذكر الله ، وذلك غاية غرض الشيطان ، وأيضا فالشيطان إنما يفر عن القلب لاشتماله على نور ذكر الله تعالى ، فإذا خلا القلب عن هذا النور استولى الشيطان عليه لا محالة فالتجرد لمحاربة الشيطان يوجب تقوية الشيطان على تخريب القلب.

__________________

(١) المخطوطة : فكذى

(٢) أيضا : هذا

أما الفرقة الثانية (٤٠ فقد شاركت الأولى ، إذ جمعت فى القلب ذكر الله تعالى وذكر محاربة الشيطان وبقدر ما يشتغل القلب بذكر غير الله يبقى محروما عن ذكر الله ، فالصواب أن يقرر العبد مع نفسه عداوة الشيطان ويترك هذا المعنى كالشيء المحروب عند النفس ، ثم يقبل بالكلية على ذكر الله تعالى ، ويعرض عن أن يخطر بباله أمر الشيطان ثم ان عند هذا الحال ان خطر أمر الشيطان بباله تنبه له ، وعند التثبت يشتغل بدفعه ، والاشتغال بذكر الله على هذا الوجه لا يمنع من التيقظ بل الوجل قد ينام وهو خائف من أن يفوته مهم عند طلوع الشمس فيلزم نفسه الحذر وربما انتبه فى اثناء الليل من قبل أن يطلع الفجر لما سكن فى قلبه من الحذر مع أنه بالنوم غافل عنه فاشتغاله بذكر الله كيف يمنع انتباهه؟ بل لهذه الواقعة مثال آخر ، وهو بئر (٤١ فيها ماء قذر اراد صاحبها أن يطهرها بإزالة ذلك الماء لينفجر منها الماء الصافى ، فالمشتغل بذكر الشيطان كالذى ترك فيها الماء القذر ، والّذي جمع بين ذكر الله وذكر الشيطان ، هو الّذي احتال حتى انفجر الماء الصافى ، ولكنه اختلط بالماء القذر.

والمصيب هو الّذي أخرج الماء القذر واستنبط الماء الصافى ، وهو المشتغل بذكر الله وبالجملة فلا حيلة فى دفع الشيطان إلا بذكر الله تعالى كما قال : (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا) (٤٢.

وإذا كان لا يندفع الشيطان إلا بالاشتغال عنه بذكر الله وجب إبقاء هذا الذكر حتى تكون السلامة والسلاح فى دفعه قويا ، وكلما كان التشاغل عن ذكر الله أقوى (١) كان السلاح أضعف ، وبالعكس إذا

__________________

(١) المخطوطة : اقل

ذكر الله أكثر كان السلاح فى دفعه أقوى.

قال الفريق الأول : ثبت بهذه المباحث أنه كلما كان ذكر الله فى القلب أكمل وأجلى وعن الشوائب أصفى كانت القدرة على الدفع أكمل لكن الاشتغال بذكر الشيطان شوب صفاء الذكر ، وذلك يوجب ضعف السلاح (الورقة ٢٩٤ و) فكل ذلك يوجب نقيض المطلوب ، وعكس المقصود ، بل نقول : من كملت معرفته بالله فقد قوى حصن قلبه ، ومتى قوى الحصن عجز الشيطان عن النقب والسرقة ، فكان هذا الطريق أكمل ، وعند هذا توصلوا منه إلى شيء مهيب ، وهو ان الاشتغال بالأعمال الظاهرة اشتغال بغير الله ، وذلك يوجب استيلاء الشيطان على القلب ، فكل من كلف به فقد كلف الاعراض عن الله تعالى ، وهذا كلام مهيب وله غور منكر ينتهى إلى تحريك الأخطار.

(الفصل الثامن عشر)

بيان الرخصة فى قصد (١) إظهار الطاعات (١

اعلم ان فى الاخفاء فايدة الاخلاص والنجاة من الرياء ، وفى الاظهار فايدة الاقتداء بالفضلاء ، وترغيب الناس فى الخير الظاهر ، ولكن فيه آفة الرياء (٢ ، وبهذا السبب (٢) اثنى الله تعالى على السرو العلانية ، فقال : «إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمَّا هِيَ ، وَإِنْ تُخْفُوها وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ الآية» (٣ ،

وللاظهار (٤ قسمان : احدهما فى نفس العمل ، والاخر فى التحدث (٣) بالعمل ،

اما القسم الاول : وهو اظهار نفس العمل : اعلم أن الاعمال منها ما لا يمكن اخفاؤه كالحج والجهاد والعمرة ، ومنها ما يمكن اخفاؤه كالصوم وبعض الصلوات والصدقات ،

اما الاول فالافضل (٥ المبادرة إليه واظهار الرغبة فيه للتحريض ، فان الاسرار فيه غير ممكن.

فنقول : ان كان اظهار الصدقة يؤذى المتصدق عليه ، لكنه يرغب الثانى فى الصدقة (٦ ، فالسر افضل لأن الايذاء حرام ، والترغيب مندوب إليه ، وترك الحرام افضل من فعل المندوب ، وإن لم يكن فيه ايذاء ففيه قولان :

__________________

(١) المخطوطة : فضل

(٢) أيضا : اثنا

(٣) أيضا : التحدى

قال قوم : السر افضل من فعل المندوب ، لأن الاظهار فيه خطر الرياء والرياء حرام ، والاحتراز عن الحرام المحتمل اولى من الترغيب فى المندوب إليه.

وقال آخرون : العلانية الموجبة للقدرة افضل من السر.

واحتجوا بانه تعالى امر الأنبياء باظهار العمل للاقتداء ولا يجوز أن نظن بهم انهم حرموا افضل العمل. ولقوله عليه‌السلام (٧ : «من سن سنة حسنة فله اجرها واجر من عمل بها إلى يوم القيمة» ، وذلك لا يحصل إلا عند الاظهار.

والاولى ان يقال ان كان فى الاظهار احتمال الرياء اغلب كان ترك الاظهار اولى ، وان كان الاقتداء من الخلق اغلب من الرياء كان الاظهار اولى ، وان استوى الاحتمالان فعندى أن الاخفاء اولى من الرغبة فى تخصيص النفع الزائد ، وإذا غلب على ظنه ان احتمال الاقتداء به راجح ، فهاهنا الاولى به أن يظهر لكن فيه شرائط :

الاول يكفى فيه حصول ، فان الاقتداء فى الجملة ، ولا يشترط فيه اقتداء الكل به ، فرب رجل (٨ يقتدى به أهله دون جيرانه ، ورب رجل آخر يقتدى به جيرانه دون السوق ، وربما يقتدى به العامة دون الاكابر والعلماء وربما اقتدى به الكل.

الثانى اظهار الطاعات لغرض أن يقتدى به إنما يصح ممن هو فى محل القدرة بالنسبة إلى من يكون فى محل من يقتدى به ، أما من لا يكون كذلك فلا ، لأن غير العالم (٩ إذا أظهر بعض الطاعات ،

فربما نسب إلى الرياء والنفاق وذموه ، ولم يقتدوا به ، فهاهنا لم يجز له الاظهار.

الثالث أن يراقب (١٠ قلبه ربما كان فيه حب الرياء الخفى ، فيدعوه إلى الاظهار بعذر الاقتداء ، وهذه مزلة قدم ، فان الضعفاء يتشبهون بالاقوياء فى الاظهار ، فلا يقوى قلوبهم على الإخلاص ، فيحبط أجورهم بالرياء.

وعلامة الفرق فى هذا الباب

(الورقة ٢٩٤ ظ) انه إذا قيل له «اخف عملك» (١١ ، فإن مقصود الاقتداء حصل باظهار غيرك ، فإن لم يجد فى قلبه تفاوتا فحينئذ ظهر ان الاظهار كان لرغبة الاقتداء ، فلما حصل هذا الغرض بطريق آخر استغنى هو عن الاظهار ، وإن وجد تفاوتا فحينئذ نعرف أن الداعى إلى الإظهار هو الرياء.

القسم الثانى : أن يتحدث بما فعله بعد الفراغ (١٢ ، وحكمه حكم اظهار العمل نفسه ، إلا أن الخطر فى هذا أشد ، لأن مئونة النطق خفيفة على اللسان ، فعند الحكاية قد يريد فيها شيئا لغرض يظن به النفس ، ويحصل هاهنا معنى الرياء الكذب ، إلا أن هذا القول من الأول من وجه آخر ، لأن هاهنا تمت العبادة منفكة عن الرياء ، والرياء إنما حصل بعد تمامها ، أما فى الأول فصارت داعية الرياء حال الاتيان بالفعل ، وهذا المنع من حصول تلك الأعمال فى نفسها يوصف كونها عبادة.

(الفصل التاسع عشر)

بيان الرخصة فى كتمان الذنوب

(١ اعلم أن الإنسان إذا اتى بشيء من المعاصى وجب عليه اخفاؤها ويدل عليه قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ) الآية (٢ ، وقوله عليه‌السلام : من ارتكب شيئا من هذه القاذورات فليستر بستر الله (٣.

إنما الحرام (٤ أن يقصد سترها ايهام الناس كونه متورعا زاهدا ، واعلم أنه لا يجوز له أن يفرح بستر المعاصى لوجوه :

الأول أنه لما ستر الله (٥ عليه ذلك الذنب فى الدنيا ستر الله عليه فى الآخرة.

الثانى ان الدلائل التى ذكرناها تدل على ان الله سبحانه يحب ستر العيوب ويكره فضيحة المعيوب ، واحب (١) أن يتشبه بهذا الخلق بالحق سبحانه لقوله عليه‌السلام : «تخلقوا باخلاق الله» (٦.

الثالث ان الناس إذا اطلعوا على عيوبه لعنوه وذموه (٧ واستحقروه ، وذلك يوجب تشويش قلبه وهو يمنعه من الاشغال بعبادة الله فهو سعى فى اخفاء عيوبه لئلا يصبر عن طاعة الله.

الرابع : الإنسان يحذر من اطلاع الغير على عيبه لأنه ربما عابه به ، وإذا عابه بذلك فإن طبعه (٨ يحمله على تبحث أحواله ، ويستخرج بعض عيوبه وبعيبه به لأن المكافات فى الطبيعة واجبة ، فهو حذرا عن

__________________

(١) المخطوطة : واجب

هذا الضرر يسعى فى اخفاء عيوب نفسه.

الخامس أن ستر (٩ المعصية لئلا يقصد بضرر أو نوع اخر من الآلام.

السادس ان ستر المعصية لمجرد الحياء (١٠ ، فإن عدم المبالاة بذلك الذنب نوع من الوقاحة ، وهى خلق مذموم ممن اذنب ومن لم يستحى فقد جمع بين الذنب والوقاحة ، وهى خلق مذمومة لكن هاهنا دقيقة ، وهى أن الحياء شديد الاشتباه بالرياء.

والفرق ان الحياء حالة نفسانية يقتضي كرامية شعور الغير بنقصانه ، وأما الرياء فحال يقتضي كراهية مع إرادة التلبيس على الغير ومع إرادة أن يبقى ذلك الغير معظما له منقادا إليه.

السابع أن يخاف (١١ ظهور ذنبه ان يقتدى به غيره.

إذا عرفت هذا ، فنقول : المذنب إذا حاول اخفاء ذنبه لواحد من هذه الاغراض كان مطيعا لله تعالى فى ذلك الاخفاء مخلصا فى تلك الطاعة فى سعيه فى اخفاء تلك المعصية ، أما إذا قصد (١٢ ستر المعصية ان يخيل إلى الناس كونه زاهدا أو ورعا فحينئذ يكون مرائيا لا محالة

(الفصل العشرون)

بيان ترك الطاعات خوفا من الرياء (١

من الناس من ترك العمل لئلا يقع فى الدنيا ، وذلك غلط بل نقول : الطاعات قسمان (٢ :

منها ما ليس فيها من حيث هى لذة ، وهى الطاعات البدنية كالصلاة والصوم والحج ،

(الورقة ٢٩٥ و) ومنها ما يكون لذيذة فى نفسها وهى الطاعة التى لها تعلق به كالخلافة (١) والولاية والقضاء والشهادة ، وإمامة الصلاة ، ومنصب التذكير والتدريس وانفاق المال على الناس فى وجوه البر.

أما القسم الأول : فنقول : خطر الرياء فيه من ثلاثة أوجه :

الأول : أن يكون الداعى له إلى العمل محض الرياء ، ولا يكون معه باعث الدين ، فهذا ينبغى أن يترك (٣ لأنه معصية لا طاعة.

الثانى أن يحصل الداعى الدينى الّذي فى أول العمل لكن يحصل منه أيضا داعى الرياء ، فهذا لا ينبغى أن يترك لأن الداعية الدينية قد حصلت ما يعقد الفعل على الوجه الحسن ولكن يجب عليه أن يجاهد نفسه فى دفع الرياء وتحصيل الاخلاص (٤.

الثالث أن ينعقد العمل على الداعية الدينية ، ثم يطرئ داعية الرياء فى اثناء العمل ، فهاهنا يجب عليه أن يجاهد فى الدفع ،

__________________

(١) المخطوطة : لخلافة

ولا يترك العمل البتة ، وذلك لأن الشيطان يدعوه أولا إلى ترك العمل ، فإذا لم يجب وشرع فى العمل دعاه إلى الرياء ، فلما لم يجب ودفعه ، قال له هذا العمل ليس بخالص ، وانت مرائى وسعيك ضائع ، فانى؟؟؟ فائدة لك فى عمل لا اخلاص فيه ، حتى يحمله بهذا الطريق على ترك العمل ، فإذا تركه فقد حصل غرض الشيطان (٥ ، ومن مكايده (٦ أيضا أن يحسن له ترك العمل خوفا من أن يقول الناس أنه مرائى ، فيعصوا الله به وهذا أيضا باطل لوجوه :

الأول أن ذلك اساءة الظن بالمسلمين وما كان من حقه ان يظن بهم هذا ،

الثانى ان كان كذلك لكنه لا يضره ويفوته ثواب العمل بترك الطاعة خوفا من قولهم هو مرائى ، هذا هو عين الرياء ، فلو لا حبه لمدحهم وخوفه (١) من ذمهم ، فماله ولقولهم انت مرائى؟

الثالث لو ترك العمل (٧ ليقصد أنه مخلص لا يشتهى الشهرة ، فالشيطان يلقى فى قلبه انك (٢) رجل من اقوياء الزهاد ، حيث تركت الشهرة واثرت الانزواء ، وهذا أيضا من المهلكات.

وبالجملة ما خلا القلب من نزعات الشيطان بالكلية فيتعذر (٣) ، فلو وقفنا جواز الاشتغال بالعبادات على ذلك الخلو التام ليعذر الاشتغال بشيء من العبادات ، وذلك يوجب البطالة وهى أقصى

__________________

(١) المخطوطة : وحبه (موضع «وخوفه»)

(٢) أيضا : انكر

(٣) أيضا : متعذر

غايات الشيطان ، بل الصواب انك ما دمت تجد باعثا دينيا على العمل فلا يترك العمل ، فإن ورد فى اثنائه خاطر يوجب الرياء فجاهد نفسك واحتل فى ازالة ذلك الخاطر بقدر القوة.

واحتج الذين قالوا يحب ترك العمل عند الخوف من داهية الرياء بما روى ان النخعى (٨ دخل عليه انسان فاطبق المصحف وترك القراءة ، وقال لا ينبغى أن يرى هذا انى اقرأ كل ساعة ،

وقال ابراهيم التيمى إذا اعجبك الكلام فامسك ، وإذا اعجبك السكوت تكلم.

والجواب (٩ ، اما أمر النخعى فلعله علم ان ذلك الإنسان سيقاربه فى الحالة ، وانه سيعود إلى قراءة القرآن فى الحال من غير خطر الرياء.

وأما أن التيمى فلو اراد مباحات الكلام فالفصاحة والحكايات ، فإن الاغراق فى ذلك يورث العجب ، والسكوت المباح محدود فهو عدول من مباح إلى مباح حذرا من العجب.

القسم الثانى : فيما يتعلق بالخلق ويعظم فيه الآفات والاخطار ، واعظمها الخلافة ، فهى من أفضل العبادات ، إذا كانت مع العدل (١٠ والانصاف ، قال عليه‌السلام (١١ : عدل (الورقة ٢٩٥ ظ) خير من عبادة ستين سنة.

واعلم ان هذا وإن كانت بشارة من وجه فهو تخويف (١٢ من وجه اخر ، لأنه لمفهومه يدل على «أن يوما من سلطان جائر شر من فسق ستين سنة». والأمر كذلك لأن حكم الخلافة والامارة غير لازم

بل متعدى ، لا جرم كانت حالته فى العدل وفى الفسق مساوية لاحوال الكل على سبيل الاجتماع.

وقال عليه‌السلام : ما من والى عشرة الا جاء يوم القيمة مغلولة يده إلى عنقه ، اطلقه عدله وآنفه جوره (١٣.

وهاهنا مسئلة وهى أن الرجل إذا ضرب نفسه ورآها صابرة على الحق ممتنعة عن الشهوات فى غير زمان الولاية ، إلا أنه خاف عليها ان تتغير ، إذا دامت لذة الولاية ، وان يستحلى الجاه (١٤ ، ويستلذ نفاذ الأمر ، فيكره العزل ، فيداهن خيفة من العزل ، فقد اختلف الفقهاء فيه.

فقال بعضهم يلزمه الهرب من تقلد الامارة ، وقال آخرون هذا حرف أمر فى المستقبل فهو فى الحال وجد نفسه قويا فى اظهار الحق والبعد عن الباطل.

قال الغزالى والصحيح (١٥ ان عليه الاحتراز لأن الإنسان إذا شرع فى الامارة تعسر عليه تحمل ألم العزل ، فربما لا يتم امر الامارة إلا بالمداهنة والتزام (١) الباطل ، فيدعوه خوف العزل إلى الشروع فى الباطل والعمل الفاسد ، إذا عرفت الكلام فى الخلافة والامارة فافهم مثله فى القضاء.

وأما الوعظ (١٦ والفتوى والتدريس ، وكل ما يتسع نسبة الجاه ويعظم به القدر ، فآفته عظيمة ، لأن لذة الجاه والقبول متولية على الطباع ، وعند الاستيلاء يخاف أن لا يبقى الإنسان على المنهج القديم

__________________

(١) المخطوطة : الزام

فى اظهار الحق وابطال الباطل ، بل الظاهر أنه يقع فى المداهنة ممن وجد فى نفسه داعية الرياء وحب الجاه وخاف على نفسه منهما وجب عليه الترك.

فإن قيل فهذا يقضى إلى التعطيل (١٧ وترك العلوم واندراس الشريعة ، قلنا : كما احتاج الناس إلى يسير العلم والشريعة ، فكذلك احتاجوا إلى من يقوم بامر الخلافة والامارة.

قلنا : قول يوجب الامتناع منها ، ونبذها (١) ، هنا ، بل السبب أن الداعية الطبيعية فى التزام (٢) الخلافة والامارة واظهار العلم والشريعة قائمة وهى كافية فى حصولهما ، فالنهى الّذي ذكرناه لا يوجب المحذور المذكور (٣).

وهاهنا مسئلة أخرى : وهى ان الرجل إذا سعى فى جمع المال (١٨ الحلال لغرض ان يفرقه على المستحقين فالاولى فعله أو تركه؟

قال بعضهم الاولى تركه ، لأن لذة استجلاب الحمد والثناء لذة مستولية ، على النفس ففيها خطرات تصير مانعة من الاخلاص.

وقال آخرون فعله اولى لأنه طاعة مشتملة على مانع متعد به (٤) فكانت افضل ، وتمام الكلام فيه مذكور فى مسئلة التحلى.

__________________

(١) المخطوطة : ونبدا هاهنا بل السبب الخ ،

(٢) أيضا : الزام

(٣) أيضا : المركوز

(٤) أيضا : متعديه

المسألة الثالثة فى العلامات (١٩ التى تعرف الواعظ أنه مخلص فى وعظه ، وانه لا يريد به رياء الناس وهى امور :

الاول : لو ظهر من هو احسن منه وعظا ، واغزر (١) منه علما ، والناس له اشد قبولا فرح به ولم يحسده ، نعم لا بأس بالغبطة وهى ان يتمنى لنفسه مثل علمه.

الثانى ان الاكابر إذا حضروا مجلسه لم يتغير كلامه بل يبقى كما كان إذ لو حصل التغير فى كلامه دل ذلك على أنه يراعى القلوب ويداهن بكلامه ، وذلك يمنعه من الاخلاص.

الثالث : لو اتفق ان اخطأ فى شيء فرده عليه بعض الحاضرين وجب ان يقبل ذلك منه ويفرح به ولا يسوؤه بحال.

تم الكتاب

والحمد لله وحده كما هو أهله ومستحقه ، وصلى الله على محمد وآله.

وحسبنا الله ونعم المعين.

__________________

(١) المخطوطة : واغذر

ضميمه

مؤلفات الامام فخر الدين الرازى

فى علوم القرآن والحديث

١ ـ مفاتيح الغيب : يقال انه لم يكمله ، طبع فى ثمانى مجلدات وعرف بالتفسير الكبير.

٢ ـ كتاب تفسير الفاتحة ، ولعله جزء من التفسير الكبير فى تفسير الفاتحة.

٣ ـ كتاب تفسير سورة البقرة على الوجه العقلى لا النقلى ، مجلد

٤ ـ رسالة فى بعض الاسرار المودعة فى القرآن

٥ ـ تفسير اسماء الله الحسنى

٦ ـ تفسير سورة الاخلاص ، ذكره صاحب كشف الظنون

٧ ـ درة التنزيل وغرة التأويل فى الآيات المتشابهات ،

٨ ـ البرهان فى قراءة القرآن ،

٩ ـ نقد التنزيل

١٠ ـ المسك العبيق فى قصة يوسف الصديق

١١ ـ سداسيات فى الحديث

فى الفقه وأصول الفقه

١ ـ المحصول فى علم اصول الفقه ،

٢ ـ المعالم فى اصول الفقه ،

٣ ـ شرح الوجيز فى الفقه للغزالى ـ (فى طبقات الاطباء انه «لم يتم ، كمل منه العبادات والنكاح فى ثلاث مجلدات»

٤ ـ فى ابطال القياس

٥ ـ احكام الأحكام ، (لم يذكر فى كشف الظنون)

٦ ـ منتخب المحصول ،

فى علم الكلام

١ ـ المطالب العالية ، فى ثلاث مجلدات ، ولم يتمه ،

٢ ـ كتاب نهاية العقول فى دراية الأصول ، فى مجلدين ، (ذكره ابن خلكان فى باب علم الكلام ، أما صاحب كشف الظنون فقال : انه فى أصول الفقه. وذكر الرازى نفسه فى رسالته هذه انه فى علم الكلام)

٣ ـ كتاب الاربعين فى اصول الدين ، طبع بحيدرآباد ، فى الهند

٤ ـ كتاب الخمسين فى اصول الدين ، هذه الرسالة قد طبعت فى مجموعة الرسائل التى نشرها الشيخ محى الدين صبرى ، بمصر سنة ١٣٢٨ ه‍ ، وهى الرسالة الخامسة عشر من المجموعة واسمها «المسائل الخمسون فى اصول الكلام ،»

٥ ـ المحصل ، مجلد ، (كشف الظنون : المحصل فى اصول الفقه)

٦ ـ كتاب البيان والبرهان فى الرد على اهل الزيغ والطغيان ،

٧ ـ كتاب المباحث العمادية فى المطالب المعادية ،

٨ ـ كتاب تهذيب الدلائل وعيون المسائل

٩ ـ كتاب ارشاد النظار الى لطائف الاسرار ،

١٠ ـ كتاب أجوبة المسائل النجارية ،

١١ ـ كتاب تحصيل الحق فى الكلام

١٢ ـ أسرار التنزيل وانوار التأويل ، مجلد مشتمل على أربعة اقسام :

الاول فى الأصول ، الثانى فى الفروع ، الثالث فى الاخلاق ، الرابع فى المناجات والدعوات ، لكنه توفى قبل اتمامه فبقى فى اواخر القسم الاول ـ وهو تفسير القرآن الصغير عند القفطى ،

١٣ ـ كتاب الزبدة ،

١٤ ـ المعالم فى اصول الدين ، لعله فى اصول الفقه

١٥ ـ كتاب القضاء والقدر ،

١٦ ـ رسالة الحدوث ،

١٧ ـ عصمة الأنبياء ، طبع

١٨ ـ الملل والنحل ، لم يذكره حاجى خليفه ولا ابن خلكان ولا السبكى ـ ولعله كتاب «اعتقادات فرق المسلمين والمشركين» الّذي حققه على سامى النشار وقد نشرته مكتبة النهضة المصرية ، بالقاهرة فى سنة ١٣٥٦ / ١٩٣٨ م

١٩ ـ رسالة فى النبوات ،

٢٠ ـ شفاء العى من الحلاف ، ذكر صاحب هدية العارفين «شفاء العى والخلاف»

٢١ ـ كتاب تنبيه الاشارة فى الأصول ،

٢٢ ـ كتاب الطريقة فى الجدل

٢٣ ـ الاختبارات العلائية فى التاثيرات السماوية ، وذكر صاحب هدية العارفين ، الاختيارات السماوية

٢٤ ـ سراج القلوب ،

٢٥ ـ رسالة فى السؤال ،

٢٦ ـ كتاب منتخب تنكلوشاء وفى طبقات الاطباء : منتخب كتاب دنكاوشا (دنكلوشا؟)

٢٧ ـ شرح إثبات الواجب ،

٢٨ ـ الصحائف الالهية ،

٢٩ ـ كتاب الخلق والبعث

٣٠ ـ الطريقة العلائية فى الخلاف ، فى اربع مجلدات ،

٣١ ـ كتاب الرسالة المجدية ، لم يذكره صاحب كشف الظنون ، وعند صاحب هدية العارفين : رسالة المحمدية.

٣٢ ـ الرسالة الصاحبية ، لم تذكر فى كشف الظنون

٣٣ ـ كتاب اللطائف الغياثية ، فارسى مرتب على أربعة اقسام ـ الاول فى اصول الدين ، الثانى فى الفقه ، الثالث فى الاخلاق ، الرابع فى الدعاء

٣٤ ـ كتاب تأسيس التقديس ، وقد طبع باسم اساس التقديس فى علم الكلام بمطبعة مصطفى البابى الحلبى واولاده بمصر سنة ١٣٥٤ / ١٩٣٥ م ،

٣٥ ـ كتاب المعلم ، وهو اخر مصنفاته من الكتب الصغار ، لم يذكر فى كشف الظنون ،

٣٦ ـ كتاب عمدة النظار وزينة الافكار ، لم يذكر فى كشف الظنون ،

٣٧ ـ الآيات البينات ،

٣٨ ـ لوامع البينات فى شرح اسماء الله تعالى والصفات ، طبعت

٣٩ ـ كتاب جواب الفيلانى

٤٠ ـ الرياض المونقة ، لم يذكره حاجى خليفة؟ ولا ابن خلكان ولا صاحب شذرات الذهب ، وذكره ابن ابى أصيبعة ، وورد فى اخبار الحكماء هكذا : «الرياض المونقة فى الملل والنحل»

فى الحكمة والعلوم الفلسفية

١ ـ كتاب الملخص فى الفلسفة ،

٢ ـ كتاب الانارات فى شرح الاشارات

٣ ـ المحاكمات ،

٤ ـ لباب الاشارات ، طبع

٥ ـ شرح عيون الحكمة ،

٦ ـ كتاب تعجيز الفلاسفة ، وفى اخبار الحكماء كتاب تهجين تعجيز الفلاسفة بالفارسية ،

٧ ـ كتاب البراهين النهائية بالفارسية ،

٨ ـ كتاب الخلق والبعث ،

٩ ـ مباحث الوجود

١٠ ـ مباحث الجدل ،

١١ ـ كتاب المباحث المشرقية ، طبع فى مجلدين بحيدرآباد ، بالهند ،

١٢ ـ الرسالة الكمالية فى الحقائق الالهية ، بالفارسية ، نقلها تاج الدين محمد بن الارموى الى العربى فى سنة (٦٢٥) خمس وعشرين وستمائة بدمشق ، حققها سيد محمد باقر سبزوارى ، ونشرتها جامعة تهران سنة ١٣٣٥ ه‍.

١٣ ـ المنطق الكبير

١٤ ـ الملخص فى الحكمة والمنطق ،

١٥ ـ شرح المنطق الملخص ،

١٦ ـ رسالة وحدة الوجود ،

١٧ ـ كتاب الاخلاق ، اظنه نص كتاب النفس والروح وشرح قواهما ، تحقيق «محمد صغير حسن المعصومى»

١٨ ـ طريقة فى الخلاف ، ذكر صاحب هدية العارفين باسم «اخلاق فخر الدين» انظر رقم ٣٠ تحت «علم الكلام» الطريقة العلائية فى الخلاف ،

١٩ ـ المحصول فى المنطق

٢٠ ـ مباحث الحدود ،

٢١ ـ محصل افكار المتقدمين والمتأخرين من الحكماء والمتكلمين ، طبع

٢٢ ـ رسالة فى النفس ،

٢٣ ـ رسالة الجوهر الفرد ، صاحب هدية العارفين : رسالة الجواهر ،

٢٤ ـ الرعاية ، لم يذكر فى كشف الظنون ، صاحب هدية العارفين : باسم كتاب الرعاية ،

٢٥ ـ كتاب فى ذم الدنيا

٢٦ ـ المرسوم فى السر المكتوم

٢٧ ـ كتاب النفس والروح ـ واظنه كتاب الاخلاق ،

٢٨ ـ شرح الاشارات والتنبيهات لابن سينا ،

فى العلوم والآداب العربية

١ ـ شرح المفصل فى النحو للزمخشرى ،

٢ ـ مؤاخذات جيدة على النجاة ،

٣ ـ نهاية الايجاز فى نقاية الاعجاز ، فى علم البيان ، طبع وذكر صاحب هدية العارفين «دراية الاعجاز»

٤ ـ مختصر فى الاعجاز ،

٥ ـ شرح سقط الزند

٦ ـ شرح نهج البلاغة ، لم يتم

٧ ـ كتاب السر المكتوم فى مخاطبة الشمس والنجوم على طريقة من يعتقدهم وقد انكر السبكى صاحب الطبقات الشافعية ان يكون من مؤلفاته ، طبع

٨ ـ شرح ديوان المتنبى (الوافى لصلاح الدين ، جلد ٤ ، ص ٢٥٥)

٩ ـ شرح ابيات الشافعى الاربعة التى اولها : وما شئت كان وان لم اشأ ، اظنه كتاب القضاء والقدر ، الوافى : جلد ٤ ، ص ٢٥٥)

١٠ ـ الاحكام العلائية فى الاعلام السماوية

١١ ـ التخيير فى علم التعبير

١٢ ـ جامع العلوم فارسى ، طبع

١٣ ـ جمل فى الكلام

١٤ ـ حدائق الانوار فى حقايق الاسرار.

فى الطب

١ ـ شرح الكليات للقانون ، لم يذكر فى كشف الظنون ، وفى طبقات الاطباء «لم يتم»

٢ ـ الجامع الكبير ، لم يتم ، ويعرف بالطب الكبير ،

٣ ـ كتاب النبض

٤ ـ كتاب الأشربة

٥ ـ مسائل فى الطب ،

٦ ـ نفثة المصدور ، لم يذكر فى كشف الظنون ، هدية العارفين : نفثة الصدور

٧ ـ كتاب التشريح من الفم الى الحلق ، لم يتم ،

فى الطلسمات والعلوم الهندسية

١ ـ السر المكنون ،

٢ ـ كتاب فى الرمل

٣ ـ مصادرات اقليدس

٤ ـ كتاب فى الهندسة ،

٥ ـ كتاب الفراسة ، حققه يوسف مراد نقله الى الفرنساوية ، طبع بباريس سنه ١٩٣٩ م.

فى التاريخ

١ ـ كتاب فضائل الصحابة ، لم يذكره صاحب كشف الظنون ، وذكر صاحب هدية العارفين باسم «فضائل الاصحاب»

٢ ـ كتاب مناقب الشافعى ، نشرته المكتبة العلامية بجوار الازهر بمصر ،

٣ ـ بحر الانساب.

فهرس الآيات القرآنية

(لا يَعْصُونَ اللهَ ما أَمَرَهُمْ ،) و (يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ) ـ (النحل : ٥٠ : التحريم : ٦)

(إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ، قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها) ـ (البقرة ـ ٣٠)

(يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ) ـ (الأنبياء (٢١) : ٢٠)

(أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ) ـ (البقرة ـ ٣٠)

(وَاللهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ) ـ (يونس (١١) ـ ٢٥)

(جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) ـ (آل عمران (٣) ـ ١٥ ، ١٣٦ ، ١٩٨) ـ (المائدة (١٥ ـ ١٢٢) ـ (البروج (٨٥) ـ ١٥) ـ (الحديد (٥٧) ـ ١١)

(اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ) ـ (البقرة ـ ٢٥٥) ـ (آل عمران (٣) ـ ٢)

(اللهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَراءُ) ـ (محمد ـ ٣٨)

(فَالْمُقَسِّماتِ أَمْراً) و (فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً) ـ (الذاريات (٥١) ـ ٤)

(وَمَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ) ـ (الاعراف (٧) ـ ٢٠٥ ـ الأنبياء (٢١) ـ ١٩)

(وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ ،) ـ (الحاقة (٦٩) ـ ١٧)

(وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ)

(بِحَمْدِ رَبِّهِمْ) ـ (الزمر (٣٩) ـ ٧٥)

(وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ ،) ـ (البقرة ـ ٢٥٥)

(يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ـ) ـ (المائدة (٥) ـ ٥٧)

(وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ ، أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ ،)

(فَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ) ـ (الواقعة (٥٦) ـ ١١ ، ٨٨)

(وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ) ـ (آل عمران (٣) ـ ١٦٩)

(النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا ،) ـ (المؤمن (٤٠) ـ ٤٦)

(أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا ناراً ،) ـ (نوح ـ ٢٥)

(أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ) ـ (الانعام (٦) ـ ٩٣)

(يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً) ـ (ـ الفجر ـ ٢٧)

(إِذا جاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ) ـ (الانعام ـ ٦١)

(ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِ) ـ (الانعام ـ ٦٢)

(وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ) ـ (المؤمنون (٦٣) ـ ١٢)

(ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً فِي قَرارٍ مَكِينٍ) ـ (المؤمنون ـ ١٣)

(ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً ، فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ) ـ (المؤمنون ـ ١٤)

(خَلَقْنَا الْإِنْسانَ) ـ الدهر ـ ٢ ، الحجر (١٥)

(وَلَقَدْ خَلَقْنَا) الخ (ـ ٢٦)

(قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي) ـ (الاسراء (١٧) ـ ٨٥)

(فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي ،) ـ (الحجر (١٥) : ٢٩ ، ص (٣٨) ـ ٧٢)

(وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها ، فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها ،) ـ (الشمس (٩١) ـ ٧)

(إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْناهُ سَمِيعاً بَصِيراً ـ) ـ (الدهر ـ ٢)

(وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللهَ فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ) ـ (الحشر ٥٩) ـ ١٩)

(عَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها) ـ (البقرة ـ ٣١)

(قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ ،) ـ (البقرة ـ ٩٧)

(وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ ، نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلى قَلْبِكَ) ـ (الشعراء ـ ١٩٣)

(إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ) ـ (الزمر (٣٩) ـ ٢١ ، ق (٥٠) ـ ٣٧)

(أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِها أَوْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها) ـ (الحج (٢٢) ـ ٤٦)

(لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ) ـ (البقرة ٢٢٥ ، مائدة ٩٢)

(لَنْ يَنالَ اللهَ لُحُومُها وَلا دِماؤُها وَلكِنْ يَنالُهُ التَّقْوى) ـ (الحج ـ ٣٧)

(وَحُصِّلَ ما فِي الصُّدُورِ) ـ (العاديات (١٠٠) ـ ١٠)

(لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها) ـ (الاعراف ٧٨)

(لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ) ـ (ق ـ ٣٧)

(فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ، خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ) ـ (البقرة ـ ١٧)

(وَقالُوا قُلُوبُنا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللهُ بِكُفْرِهِمْ) ـ (البقرة ٨٨ ـ النساء ١٥)

(يَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِما فِي قُلُوبِهِمْ) ـ (التوبة ـ ٦٥)

(كَلَّا بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ) ـ (المطففين ـ ٤)

(أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها) ـ (محمد ـ ٢٤)

(فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) ـ (الحج ـ ٤٦)

(إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً) ـ (الاسراء ـ ٣٦)

(يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ ، وَما تُخْفِي الصُّدُورُ) ـ (مؤمن ـ ١٩)

(وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ) ـ (النحل ـ (١٦) ـ ٨٧) ـ (المؤمنون ـ ٧٩) ـ (السجدة ـ ٩) ـ (الملك ـ ٢٣)

(وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيما إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصاراً وَأَفْئِدَةً) ـ (الاحقاف (٤٦) ـ ٢٦)

(فَما أَغْنى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ) ـ (الاحقاف ـ ٢٦)

(لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها ، وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها) ـ (الاعراف (٧) ـ ١٧٨)

(قالُوا آمَنَّا بِأَفْواهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ) ـ (المائدة ـ ٤٤)

وقال : (إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ ،) ـ (النحل (١٦) ـ ١٠٦)

(وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ) ـ (الحجرات (٤٩) ـ ١٤)

وقال (كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ) ـ (المجادلة (٥٨) ـ ٢٢)

(أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ) ـ (الفرقان ـ ٤٣) ـ (الجاثية ـ ٢٢)

(..... كَمَثَلِ الْكَلْبِ) ـ (الاعراف (٥) ـ ١٢)

(وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى ،) ـ (النازعات ـ ٤٠)

(فَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ دَرَجَةً) ـ (النساء ـ ٩٤)

(فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها ، لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ) ـ (الروم ـ ٣٠)

آيات الذم نحو قوله تعالى : (لا تُلْهِكُمْ أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ ، وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) ـ (المنافقون ـ ٩)

(أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ) ـ (الانفال (٨) ـ ٢٨)

(أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ) ـ (التكاثر)

(ما جَعَلَ اللهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ ،) ـ (الاحزاب (٢٣) ـ ٤)

كما قال : (ما عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَما عِنْدَ اللهِ باقٍ ،) ـ (النحل (١٦) ـ ٩٦)

(وَاللهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَراءُ ،) ـ (محمد ـ ٣٨)

(وَأَنْفِقُوا مِنْ ما رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ ، فَيَقُولَ رَبِّ لَوْ لا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ ، وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللهُ نَفْساً إِذا جاءَ أَجَلُها ،) ـ (المنافقون ـ ١٠ ـ ١١)

(وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ) ـ (الاسراء ـ ٢٩)

وقال : (وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً ،) ـ (الفرقان (٢٥) ـ ٦٧)

(رَبَّنا أَتْمِمْ لَنا نُورَنا) ـ (التحريم (٦٦) ـ ٨)

(... وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ ،) ـ (الشعراء (٢٦) ـ ٨٤)

قال يوسف عليه‌السلام : (اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ) ـ (يوسف ـ ٥٥)

(قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالاً ، الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) ـ (الكهف (١٨) ـ ١٠٤)

(قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا ،) ـ (يونس (١٠) ـ ٥٨)

قال تعالى : (ما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي ،) ـ (ابراهيم (١٤) ـ ٢٢)

(وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى ، أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ) ـ (الحج ـ ٥١)

(إِنَّ هذا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ ، فَلا يُخْرِجَنَّكُما مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقى ،) ـ (طه ـ ١١٧)

وقال موسى عليه‌السلام : (مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ ،) ـ (المائدة ـ ٩٣)

وقال يوسف : (نَزَغَ الشَّيْطانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي ،) ـ (يوسف ـ ١٠٠)

وقال تعالى : (يا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ كَما أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ) ـ (الاعراف ـ ٢٦)

(وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ ، وَأَسْلِحَتَهُمْ ،) ـ (النساء ـ ١٠١)

وقال : (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ ،) ـ (الانفال ـ ٦١)

كما قال : (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا ،) ـ (الاعراف ـ ٢٠٠)

(إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمَّا هِيَ ، وَإِنْ تُخْفُوها وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ،) ـ (البقرة ـ ٢٧١)

(إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ) ـ (النور ـ ١٩)

فهرس اقوال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم

ومن قوله عليه‌السلام : انه من الملائكة قائمون لا يركعون وراكعون لا يسجدون............ ٦

قال عليه‌السلام : انه ليغان على قلبى وانى لاستغفر الله فى اليوم سبعين مرة ،............... ٦

صاحب الشرع ، فانه كان يقول : جاءنى ملك البحار فقال كذا وكذا وملك الجبال وملك الرعد وخازن الجنة ، وخازن النار ، ١٧ ، ١٨

قال صاحب الشريعة عليه‌السلام : منهومان لا يشبعان طالب علم وطالب الدنيا ،...... ١٢٥

قوله عليه‌السلام : من عرف نفسه عرف ربه ،........................................ ٤٨

قوله عليه‌السلام : انبياء الله لا يموتون ، ولكن ينقلون من دار الى دار ،.................. ٤٨

وقال عليه‌السلام فى خطبة له طويلة : حتى اذا حمل الميت على نعشه وفرقت روحه فوق النعش ويقول : يا اهلى ويا ولدى وذكر الحديث ،.......................................................................... ٤٩

روى النعمان بن بشير قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، يقول : ألا وان فى الجسد مضغة اذا صلحت صلح الجسد كله واذا فسدت فسد الجسد كله ، الا وهى القلب وباقى الاعضاء تبع له ،....................... ٥٦

ويروى ان اسامة لما قتل الكافر الّذي قال لا إله الا الله ، فقال له النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما انكر عليه قتله ، واعتذر بانه قالها

عن الخوف : فقال : الا شققت عن قلبه (مسلم من حديث اسامة بن زيد)......... ٥٧

وكان يقول عليه‌السلام : يا مقلب القلوب : ثبت قلبى على دينك ،..................... ٥٧

قال عليه‌السلام : ان الشيطان ليجرى من ابن آدم مجرى الدم ،......................... ٨٤

قال عليه‌السلام : الناس معادن كمعادن الذهب والفضة ، (متفق عليه).................. ٨٦

وقال : النفوس جنود مجنّدة ،................................................. ٨٦

قال عليه‌السلام : تخلقوا باخلاق الله أيضا (رواه مالك).............................. ١٨٤

«لو كانت الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة لما سقى كافرا منها شربة ماء........... ١٠٧

اللهم احينى مسكينا واحشرنى فى زمرة المساكين ،............................... ١٢١

وللهذا قال عليه‌السلام : اللهم اهد قومى فانهم لا يعلمون ،.......................... ١٥٤

سمى النبي عليه‌السلام : الرياء الشرك الاكبر ،....................................... ١٦٥

لقوله عليه‌السلام : ما ستر الله على عبده فى الدنيا الا ستر عليه فى الآخرة ،............ ١٦٧

بما روى ان رجلا قال صمت الدهر يا رسول الله قال ما صمت ولا افطرت ،....... ١٦٩

عن ابن مسعود رضى الله تعالى عنه انه سمع رجلا يقول قرأت البارحة البقرة ، فقال ذلك حطه منها ،       ١٦٩

ان رجلا قال يا رسول الله اننى اسر العمل لا احب ان يطلع عليه احد ، فاذا اطلع عليه احد سرنى ، فقال عليه‌السلام : اللهم لك أجران ، اجر السر واجر العلانية ،................................................. ١٧٠

بما روى ان اصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم شكوا إليه ، وقالوا تعرض لقلوبنا اشياء لان نخر من السماء فيخطفنا الطير او تهوى بنا الريح الى مكان سحيق ، احب إلينا من ان يتكلم به ، فقال عليه‌السلام ذلك صريح الايمان ، (مسلم ، مسند امام احمد) ١٧٣ ، ١٧٤

وقال عليه‌السلام : انه ليغان على قلبى مع ان شيطانى قد اسلم ولا يامر الا بخير ،....... ١٧٧

ولقوله عليه‌السلام : من سن سنة حسنة فله اجرها واجر من عمل بها الى يوم القيامة ،... ١٨٢

وقوله عليه‌السلام : من ارتكب شيئا من هذه القاذورات فليستتر بستر الله ،............. ١٨٤

عدل خير من عبادة ستين سنة ،............................................ ١٨٨

وما من سلطان جائر شر من فسق ستين سنة ،................................ ١٨٨

وقال عليه‌السلام : ما من والى عشرة الا جاء يوم القيمة ، مغلولة يده الى عنقه اطلقه عدله وانفه جوره ،          ١٨٩

ومن قول نبينا عيسى عليه‌السلام عن عيسى عليه‌السلام انه قال : ان مهمات الدنيا لا تتمّ بالاصلاح والتكميل. وانما تتم بالترك والاعراض ،......................................................................... ١٠٧

فى كتاب الله المنزلة يا انسان! أعرف نفسك تعرف ربك ،......................... ٤٨

الأعلام

ابراهيم التيمى : ١٨٨

ابقراط وافلاطن : اسم كتاب لجالينوس : ٧٤

ابن مسعود رضى (عبد الله) : ١٦٩

ابو على بن سينا (الشيخ) : ٨٥

ارسطو : ٥١ ، ٦٨ ، ٧٠ ، ٧١ ، ٧٢ ، ٨٥ ـ

اسامه رضى : ٥٧

افلاطن : ٨٥

جالينوس : ٥١ ، ٦٠ ، ٦١ ، ٦٣ ، ٦٤ ، ٦٥ ، ٦٨ ، ٧١ ، ٧٢ ، ٧٣ ، ٨٤ ـ

الحارث المحاسبى : ١٧٠ ، ١٧٥ ، ١٧٨ ـ

على بن ابى طالب رض : ١٢ ، ١٦٦ ـ

عيسى ٤ ـ

الغزالى : ١٣٣ ، ١٤٧ ، ١٥٦ ، ١٦٣ ، ١٧٣ ، ١٧٤ ، ١٨٩ ـ

موسى رضى : ١٧٧

النخعى (ابراهيم) : ١٨٨

النعمان رضى بن بشير : ٥٦

يوسف ٤ : ١٧٧ ـ

فهرس المحتويات

مقدمة......................................................................... ب

تمهيد........................................................................... ج

نص الكتاب.............................................................. ١ ـ ١٩١

كتاب النفس والروح وشرح قواهما

(فى علم الأخلاق)

القسم الاول

فى الأصول الكلية لعلم الاخلاق................................................ ٣

الفصل الاول : فى شرح مرتبة الانسان من مراتب الموجودات........................... ٣

(١) التقسيم الاول : المخلوقات على أربعة اقسام.................................... ٣

الاول الّذي له عقل وحكمة وليس له طبيعة ولا شهوة وهم الملائكة.................. ٣

الثانى الّذي ليس له عقل ولا حكمة وله طبيعة وشهوة وهو سائر الحيوانات ،.......... ٣

الثالث الّذي ليس له عقل ولا حكمة ولا طبيعة ولا شهوة ، وهى الجمادات والنبات ،. ٣

الرابع وهو الّذي يكون له عقل وحكمة ويكون له طبيعة وشهوة وهو الانسان......... ٤

معنى الشوق وبيان ان الشوق غير حاصل للملائكة................................ ٥

مقام الشوق مقام شريف....................................................... ٨

الملائكة آمنون عن التغيرات.................................................... ٩

الحيوانات العجم لا تتالم باحوالها الموجودة......................................... ٩

فى بيان الحكمة فى تخليق القسم الرابع وهو الانسان.............................. ١٠

تخليق البشر فانه يدل على كمال الجود والرحمة.................................. ١٠

(٢) التقسيم الثانى : الموجود ، الخالق ، الدنيا ، الارواح البشرية ، الآخرة ،.......... ١٠

(٣) التقسيم الثالث : كاملة ، ناقصة ، تارة كاملة وتارة ناقصة ،.................. ١١

الفصل الثانى : فى تقرير ما سلف بطريق آخر اقرب الى التحقيق....................... ١٢

الاقسام الاربعة : مؤثر وغير متأثر ، متأثر وغير مؤثر مؤثر ومتأثر ، غير مؤثر وغير متأثر ،       ١٢

القسم الاول :.............................................................. ١٢

القسم الثانى :.............................................................. ١٣

القسم الثالث :............................................................. ١٤

الارواح ، مغيرات او مؤثرات؟................................................. ١٥

الروحانيات درجات :........................................................ ١٥

العقول المحضة............................................................... ١٦

الارواح المتعلقة بتدبير عالم الاجسام....................................... ١٦ ـ ١٧

القسم الرابع................................................................ ١٨

الفصل الثالث : فى بيان مراتب الارواح البشرية..................................... ١٩

المحبوب لذاته : المكروه لذاته.................................................. ٢٠

المحبوب لذاته : اللذة والكمال................................................. ٢٠

المكروه بالذات : الالم والنقصان............................................... ٢٠

الكمال فى الذات........................................................... ٢١

الكمال فى الصفات......................................................... ٢٢

العلم والقدرة................................................................ ٢٢

النفوس على ثلاثة اقسام :................................................... ٢٢

السابقون ـ اصحاب الميمنة ـ اصحاب المشئمة.................................... ٢٦

الفصل الرابع فى البحث عن ماهية جوهر النفس.................................... ٢٧

النفس واحدة العلم البديهى ، وبالبرهان........................................ ٢٧

الادراك والغضب والشهوة صفات لذات واحدة.................................. ٢٨

النفس ليس هذا البدن ،..................................................... ٣٠

الحجة الاولى................................................................ ٣٣

الحجة الثانية................................................................ ٣٣

الحجة الثالثة................................................................ ٣٤

الحجة الرابعة................................................................ ٣٧

الحجة الخامسة.............................................................. ٤٠

الحجة السادسة............................................................. ٤٠

احوال النفس متضادة لاحوال الجسم........................................... ٤٠

الفصل الخامس فى الدلائل المستفادة من الكتاب الالهى فى إثبات ان النفس شيء غير الجسد ٤٣

الحجة الاولى : الشيء المشار إليه هو الانسان................................... ٤٣

الحجة الثانية : النفس شيء مغاير لهذا الجسد................................... ٤٤

الحجة الثالثة : مراتب الخلقة الجسمانية......................................... ٤٥

الحجة الرابعة : التمييز بين عالم الارواح وعالم الاجساد........................... ٤٦

الحجة الخامسة : التسوية ونفخ الروح........................................... ٤٦

الحجة السادسة : النفس الموصوف بالادراك والتحريك............................ ٤٦

الحجة السابعة : الشكل المشاهد لا ينسى...................................... ٤٨

الحجة الثامنة : من عرف نفسه عرف ربه....................................... ٤٨

الحجة التاسعة : الاحاديث فى صفات الانسان.................................. ٤٨

الحجة العاشرة : جعل الانسان خليفة.......................................... ٤٩

النفس بالمعنى الاول ، النفس بالمعنى الثانى....................................... ٥٠

الفصل السادس فى ان المتعلق بجوهر النفس هو القلب............................... ٥١

الدلائل القرآنية............................................................. ٥٢

الحجة الاولى على ان التنزيل والوحى كانا على القلب............................. ٥٢

الحجة الثانية على ان محل الذكر والفهم هو القلب............................... ٥٢

الحجة الثالثة استحقاق الجزاء ليس الا على ما فى القلب من السعى والطلب......... ٥٤

الحجة الرابعة محل العقل هو القلب............................................. ٥٤

الحجة الخامسة السؤال عن الفؤاد.............................................. ٥٥

الحجة السادسة اضافة الايمان الى القلب........................................ ٥٦

الدلائل العقلية : المقدمة الأولى فى الرد على القائلين بتعدد النفس.................. ٥٧

المقدمة الثانية ، العضو الرئيس هو القلب....................................... ٥٨

الحجة الاولى : القلب اوّل الاعضاء تكونا...................................... ٥٩

الحجة الثانية : فى إثبات ان الفهم والادراك والعلم من ناحية القلب................. ٦٠

الحجة الثالثة : النفس حساسة ومتحركة بالارادة................................. ٦٠

الحجة الرابعة : الحس والتحريك يحصلان بالحرارة................................. ٦١

الحجة الخامسة : المشار إليه «بأنا» الحاصل فى القلب............................ ٦١

الحجة السادسة : اظهر آثار النفس الناطقة النطق............................... ٦١

الحجة السابعة : القلب فى موضع وسط من البدن............................... ٦٢

الحجة الثامنة : صفة القلب : الذكاء والبلادة................................... ٦٣

حجج جالينوس على ان معدن الادراك والفهم هو الدماغ......................... ٦٣

الحجة الاولى : الدماغ منبت الاعصاب........................................ ٦٣

الحجة الثانية : قوة الحس والحركة تجرى من الدماغ الى القلب....................... ٦٤

الحجة الثالثة : الروح هو الحامل لقوى الحس والحركة.............................. ٦٤

الحجة الرابعة : العقل اشرف القوى............................................ ٦٥

الجواب عن حجته الاولى من وجوه............................................. ٦٦

الاول لا نسلم ان منبت العصب هو الدماغ.................................... ٦٦

الثانى انه لا نزاع ان القلب منبت الشرائين...................................... ٦٧

الثالث الاعصاب انما تولدت من الشرائين...................................... ٦٧

جواب جالينوس عن هذا الكلام من وجهين..................................... ٦٨

الاول : الاعصاب ليست من جنس الشرائين................................... ٦٩

الثانى : الشريان المتولد من القلب ينقسم الى قسمين............................. ٧٠

جواب اصحاب أرسطاطاليس................................................. ٧٠

حجة اصحاب ارسطو على ان منبت العصب هو القلب......................... ٧١

جواب جالينوس............................................................. ٧٢

رد اصحاب أرسطاطاليس..................................................... ٧٢

النوع الثانى من الجواب عن شبهة جالينوس...................................... ٧٣

الفصل السابع : فى شرح قوى النفس.............................................. ٧٤

النفس الانسانية لها قوى نباتية ، قوى حيوانية وقوى انسانية....................... ٧٤

القوى النباتية : القوة الغاذية ولها قوة جاذبة ، قوة ماسكة......................... ٧٥

قوة متصرفة ، قوة دافعة ، قوة متحللة والقوة النامية والقوة المولدة القوى الحيوانية : محركة ، مدركة  ٧٦

القوة المحركة : المباشرة والباعثة................................................. ٧٦

الباعثة لها مراتب : إرادة جازمة ، شوق جازم ، وشعور مختلق او فكرى القوى المدركة : الظاهرة وهى الحواس الخمس ٧٦

الباطنة هى الحس المشترك ، الوهم ، الخيال ، الحافظة والمتصرفة المفكرة ، القوى الانسانية : نظرية وعلمية   ٧٧

الفصل الثامن ـ فى بحث يتعلق بالالفاظ والعبارات................................... ٧٨

النفس ـ العقل ـ الروح ـ القلب................................................. ٧٨

الفصل التاسع ـ فى نسبة هذه القوى الى جوهر النفس تفسير الأمثلة فى هذا الباب....... ٧٩

(١) جوهر النفس كالملك والبدن مملكته حصول الصورة المجردة فى النفس ـ الصورة بديهية ـ ونظرية ٧٩

(٢) القلب فى البدن كالوالى ـ قواه بمنزلة الملك ـ القوة المفكرة كالمشير ـ الشهوة كالعبيد ـ الغضب كصاحب الشرطة    ٨٠

(٣) البدن كالمدينة ـ النفس الناطقة كالملك ـ الحواس كالجنود ، الاعضاء كالرعية ـ الشهوة والغضب كالاعداء         ٨١

(٤) النفس الناطقة مثل فارس................................................. ٨١

(٥) نسبة بدنك نسبة الدار الكاملة........................................... ٨٢

النفس الناطقة فى الدار كالملك................................................ ٨٣

تدبير المملكة مفوض الى ثلاثة من الرؤساء...................................... ٨٣

١ ـ الشهوة ـ ٢ ـ الغضب ـ ٣ ـ القوة النفسانية................................... ٨٣

الفصل العاشر : النفس الناطقة ، هل هى متحدة بالنوع او مختلفة..................... ٨٥

اقوال الفلاسفة.............................................................. ٨٥

الاقوال النبوية............................................................... ٨٦

الحجة على تماثل النفوس البشرية.............................................. ٨٧

الفصل الحادى عشر : اللذات العقلية اشرف وأكمل من اللذات الحسية............... ٨٨

الحجة الاولى ـ سعادة الانسان غير متعلقة بالشهوة والغضب....................... ٨٨

الحجة الثانية ـ سبب حصول السعادة والكمال................................... ٨٩

الحجة الثالثة ـ اللذات الحسية ليست بسعادة الانسان............................ ٨٩

الحجة الرابعة ـ اللذات الحسية فى الحقيقة تدفع الآلام............................. ٩٠

الحجة الخامسة ـ الانسان اشرف من الحيوان ولا تساوى فى افعالهما.................. ٩١

الحجة السادسة ـ بهجة الملائكة اشرف من بهجة الحيوانات......................... ٩٢

معنى «الكمال لاجل حصول الالهية والتخلق».................................. ٩٢

الحجة السابعة ـ سعادة لانسان فى تحصيل اللذات المباحات بقدر الضرورة والاجتناب عن المحرمات ٩٢

الحجة الثامنة ـ لا يستحيا من اظهار ما هو كمال وسعادة......................... ٩٣

الحجة التاسعة ـ الاكل والشرب لا يزيدان القيمة................................. ٩٤

الحجة العاشرة ـ سكان اطراف الارض فى غاية الخسة والدناءة...................... ٩٤

الفصل الثانى عشر ـ فى شرح نقصان اللذات الحسية................................. ٩٦

وجوه كون الدنيا مذمومة لذاتها................................................ ٩٦

١ ـ اللذات ليست فى شيء من السعادات والكمالات

٢ ـ اللذة والطلب على قدر الحاجة............................................. ٩٧

٣ ـ الالتذاذ فى حال الحدوث فقط............................................. ٩٧

٤ ـ اللذات عند زوال الحاجة تصير كلا ووبالا................................... ٩٨

٥ ـ الاشياء لا تزال توصف بصفاتها............................................ ٩٨

٦ ـ اللذات الجسدانية تنافي معنى الانسانية...................................... ٩٨

٧ ـ اصل احوال الانسان اشتغاله بمعرفة الله تعالى................................. ٩٩

ـ وجوه كون الدنيا مذمومة لامور لازمة لها كثيرة.................................. ٩٩

١ ـ الدنيا سريعة الزوال....................................................... ٩٩

٢ ـ لذات الدنيا غير خالصة................................................ ١٠٠

ـ وجوه ترجيح الانسان للآلام والخسران....................................... ١٠٠

١ ـ الضرر سار فى سائر الازمنة الثلاثة........................................ ١٠٠

٢ ـ عادة الانسان ان يلتذ بطلب المعدوم...................................... ١٠٢

موجبات استيلاء الغم على الانسان :

الف ـ نظر الانسان فى اى واحد من الازمنة يوجب الغم......................... ١٠٢

ب ـ لاختلاط بالناس والانفراد عنهم سبب للغم والحزن......................... ١٠٢

ج ـ اما ان يكون اكمل من غيره ، مساويا له او انقص منه لا ينفك من الغم والحسرة ١٠٣

د ـ للانسان عقل يهديه وهوى يرديه ، والعقل ضعف من الهوى ، فبقاؤه ، فى الغم والحسرة هو الغالب الراجح       ١٠٤

ه ـ درجات السعادة غير متناهية ، وتحصيل ما لا نهاية له محال.................. ١٠٧

٣ ـ الغالب ان الانسان فى نفسه الخ

٤ ـ لا نهاية للذات الجسمانية................................................ ١٠٨

القسم الثانى من الكتاب

فى علاج ما يتعلق بالشهوة ـ وفيه فصول...................................... ١٠٩

الفصل الاول : فى حب المال................................................... ١١٠

الفصل الثانى : فى انه كيف يتوسل بالمال الى اكتساب السعادة الروحانية.............. ١١١

الفصل الثالث : فى الحرص والبخل.............................................. ١١٣

علاج البخل بطريق العلم................................................... ١١٤

(١) ـ تقليل الحاجات....................................................... ١١٤

(٢) ـ التأمل فى الآيات والاحاديث فى ذم البخل............................... ١١٤

(٣) ـ التأمل فى احوال البخلاء.............................................. ١١٤

(٤) ـ التأمل فى المال....................................................... ١١٥

(٥) ـ المبالغة فى امساك المال................................................. ١١٥

(٦) ـ العجز عن الانفاق................................................... ١١٥

(٧) ـ انما يبقى من ماله الذم فى الدنيا والعقاب فى الآخرة........................ ١١٥

(٨) ـ الشركاء فى صفة البخل................................................ ١١٦

(٩) ـ البخلاء يكونون ابدا فى الضيق والضنك................................. ١١٦

(١٠) ـ السخى ممدوح ومحمود عن الكافة والبخيل مبغوض...................... ١١٦

(١١) ـ الفرحة للسخى وضد الفرحة للبخيل.................................. ١١٧

(١٢) ـ يتمنى البخيل ايصال الخيرات الى الناس عند قرب الموت.................. ١١٧

(١٣) ـ لا نهاية لمراتب الاموال............................................... ١١٨

(١٤) ـ السعى فى طلب المال ممكن عند الاستعانة بالغير........................ ١١٨

(١٥) ـ اعتياد التنعم بكثرة المال............................................. ١١٩

(١٦) ـ الاستحضار فى ذمته ان المال لا فائدة فيه الخ........................... ١١٩

(١٧) ـ الصرف الى وجوه الخيرات ـ........................................... ١١٩

(١٨) ـ المواظبة على القناعة................................................. ١١٩

(١٩) ـ رزقه المقدر......................................................... ١٢٠

(٢٠) ـ المتجرد عن المال يكتسب كمالات النفس.............................. ١٢٠

(٢١) ـ الاموال اعداء لله ولاوليائه............................................ ١٢٠

(٢٢) ـ من كان ماله اكثر ، احبابه اكثر ومصائبه اكثر......................... ١٢١

الفصل الرابع : علاج البخل بطريق العمل........................................ ١٢١

(١) ـ مجالسة الفقراء....................................................... ١٢١

(٢) ـ الميل الى اختيار المحاسن والمحامد......................................... ١٢١

(٣) ـ البعد عن المال بالانفاق ـ.............................................. ١٢٢

(٤) ـ لطائف الحيل........................................................ ١٢٢

(٥) ـ اتباع استاذ متفق..................................................... ١٢٣

الفصل الخامس فى حقيقة البخل والجود.......................................... ١٢٤

١ ـ الاستقباح بسبب الفاعل................................................ ١٢٤

٢ ـ الاستقباح بسبب المضاف إليه........................................... ١٢٤

٣ ـ المضايقة............................................................... ١٢٥

٤ ـ الاستقباح المتعلق بالوقت................................................ ١٢٥

الفصل السادس فى السخى.................................................... ١٢٦

الفصل السابع : الكلام فى الجاه................................................ ١٢٧

السبب الموجب لحب الجاه.................................................. ١٢٧

الموجب لحب المال والجاه اثنان............................................... ١٢٩

١ ـ لا نهاية لحب المال...................................................... ١٢٩

٢ ـ ملك المال وملك القلوب قدرة والقدرة كمال................................ ١٢٩

الفصل الثامن : فى بيان الكمالات الحقيقية والوهمية................................ ١٣١

كمال الصفات فى العلم والقدرة............................................. ١٣١

المعلومات قسمان : متغيرات وازليات......................................... ١٣٢

المعلومات الباقية........................................................... ١٣٢

العلوم المتعلقة بالمعلومات المتغيرة.............................................. ١٣٣

كمال الذات يحصل عند التفرد والوحدانية فقط................................ ١٣٣

النقد على ما قيل فى علاج حب المال........................................ ١٣٤

الفصل التاسع ـ طلب الجاه واجب ، مندوب ، مباح ، مكروه وحرام.................. ١٣٥

الفصل العاشر ـ السبب فى حب المدح وبغض الهجو............................... ١٣٨

الفصل الحادى عشر ـ فى علاج حب الجاه....................................... ١٤١

الفصل الثانى عشر ـ العلاجات العملية........................................... ١٤٧

الفصل الثالث عشر ـ بيان العلاج لكراهة الذم.................................... ١٤٩

الفصل الرابع عشر ـ بيان اختلاف الناس فى احوال المدح والذم...................... ١٥٥

بيان حركات المدح............................................................ ١٥٧

الفصل الخامس عشر ـ الكلام فى الريا واحكامه.................................... ١٥٩

١ ـ الرياء باظهار النحول.................................................... ١٦٠

٢ ـ الرياء بالهيئة والزى...................................................... ١٦٠

٣ ـ الرياء بالقول........................................................... ١٦١

٤ ـ الرياء بالعمل........................................................... ١٦١

٥ ـ المرايا بالاصحاب....................................................... ١٦١

بيان درجات اهل الرياء فى الرياء............................................. ١٦٣

الفصل السادس عشر ـ بيان الرياء الخفى......................................... ١٦٥

الفصل السابع عشر ـ بيان ما يحبط العمل من الرياء الخفى والجلى وما لا يحبط........ ١٦٨

١ ـ الرياء بعد انقضاء العمل على وجهين...................................... ١٦٨

٢ ـ الرياء فى اثناء العمل على ثلاثة انواع...................................... ١٦٩

٣ ـ الرياء فى اوّل حد الشروع فى العبادة على قسمين........................... ١٧٢

مسئلة من يبغض حب الرياء ولكن قلبه مائل الى الرياء.......................... ١٧٣

مسئلة الاشتغال بمحاربة الشيطان............................................ ١٧٤

قال قوم «لا بد من الحذر من الشيطان»...................................... ١٧٦

قول المحققين.............................................................. ١٧٨

الفصل الثامن عشر ـ بيان الرخصة فى قصد اظهار الطاعات........................ ١٨١

وعلامة الفرق فى هذا الباب................................................. ١٨٣

الفصل التاسع عشر ـ بيان الرخصة فى كتمان الذنوب.............................. ١٨٤

الفصل العشرون ـ بيان ترك الطاعات خوفا من الرياء............................... ١٨٥

الطاعات قسمان.......................................................... ١٨٥

القسم الاول : الطاعات البدنية............................................. ١٨٥

القسم الثانى : ما يتعلق بالخلق ، واعظمها الخلافة.............................. ١٨٨

الوعظ ، والفتوى والتدريس.................................................. ١٨٩

ضميمة فى مؤلفات الامام الرازى................................................ ١٩٣

فهارس................................................................ ٢٠٠ ـ ٢٠٧

جدول الخطأ والصواب......................................................... ٢٠٨

فهرس المحتويات............................................................... ٢٠٩

النفس والروح وشرح قوامها

المؤلف: محمّد بن عمر بن الحسن بن الحسين التيمي البكري [ فخر الدين الرازي ]
الصفحات: 218
  • ومن قوله عليه‌السلام : انه من الملائكة قائمون لا يركعون وراكعون لا يسجدون 6
  • قال عليه‌السلام : انه ليغان على قلبى وانى لاستغفر الله فى اليوم سبعين مرة ، 6
  • صاحب الشرع ، فانه كان يقول : جاءنى ملك البحار فقال كذا وكذا وملك الجبال وملك الرعد وخازن الجنة ، وخازن النار ، 17 ، 18
  • قال صاحب الشريعة عليه‌السلام : منهومان لا يشبعان طالب علم وطالب الدنيا ، 125
  • قوله عليه‌السلام : من عرف نفسه عرف ربه ، 48
  • قوله عليه‌السلام : انبياء الله لا يموتون ، ولكن ينقلون من دار الى دار ، 48
  • وقال عليه‌السلام فى خطبة له طويلة : حتى اذا حمل الميت على نعشه وفرقت روحه فوق النعش ويقول : يا اهلى ويا ولدى وذكر الحديث ، 49
  • روى النعمان بن بشير قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، يقول : ألا وان فى الجسد مضغة اذا صلحت صلح الجسد كله واذا فسدت فسد الجسد كله ، الا وهى القلب وباقى الاعضاء تبع له ، 56
  • ويروى ان اسامة لما قتل الكافر الّذي قال لا إله الا الله ، فقال له النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما انكر عليه قتله ، واعتذر بانه قالها
  • عن الخوف : فقال : الا شققت عن قلبه (مسلم من حديث اسامة بن زيد) 57
  • وكان يقول عليه‌السلام : يا مقلب القلوب : ثبت قلبى على دينك ، 57
  • قال عليه‌السلام : ان الشيطان ليجرى من ابن آدم مجرى الدم ، 84
  • قال عليه‌السلام : الناس معادن كمعادن الذهب والفضة ، (متفق عليه) 86
  • وقال : النفوس جنود مجنّدة ، 86
  • قال عليه‌السلام : تخلقوا باخلاق الله أيضا (رواه مالك) 184
  • «لو كانت الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة لما سقى كافرا منها شربة ماء 107
  • اللهم احينى مسكينا واحشرنى فى زمرة المساكين ، 121
  • وللهذا قال عليه‌السلام : اللهم اهد قومى فانهم لا يعلمون ، 154
  • سمى النبي عليه‌السلام : الرياء الشرك الاكبر ، 165
  • لقوله عليه‌السلام : ما ستر الله على عبده فى الدنيا الا ستر عليه فى الآخرة ، 167
  • بما روى ان رجلا قال صمت الدهر يا رسول الله قال ما صمت ولا افطرت ، 169
  • عن ابن مسعود رضى الله تعالى عنه انه سمع رجلا يقول قرأت البارحة البقرة ، فقال ذلك حطه منها ،       169
  • ان رجلا قال يا رسول الله اننى اسر العمل لا احب ان يطلع عليه احد ، فاذا اطلع عليه احد سرنى ، فقال عليه‌السلام : اللهم لك أجران ، اجر السر واجر العلانية ، 170
  • بما روى ان اصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم شكوا إليه ، وقالوا تعرض لقلوبنا اشياء لان نخر من السماء فيخطفنا الطير او تهوى بنا الريح الى مكان سحيق ، احب إلينا من ان يتكلم به ، فقال عليه‌السلام ذلك صريح الايمان ، (مسلم ، مسند امام احمد) 173 ، 174
  • وقال عليه‌السلام : انه ليغان على قلبى مع ان شيطانى قد اسلم ولا يامر الا بخير ، 177
  • ولقوله عليه‌السلام : من سن سنة حسنة فله اجرها واجر من عمل بها الى يوم القيامة ،... 182
  • وقوله عليه‌السلام : من ارتكب شيئا من هذه القاذورات فليستتر بستر الله ، 184
  • عدل خير من عبادة ستين سنة ، 188
  • وما من سلطان جائر شر من فسق ستين سنة ، 188
  • وقال عليه‌السلام : ما من والى عشرة الا جاء يوم القيمة ، مغلولة يده الى عنقه اطلقه عدله وانفه جوره ،          189
  • ومن قول نبينا عيسى عليه‌السلام عن عيسى عليه‌السلام انه قال : ان مهمات الدنيا لا تتمّ بالاصلاح والتكميل. وانما تتم بالترك والاعراض ، 107
  • فى كتاب الله المنزلة يا انسان! أعرف نفسك تعرف ربك ، 48
  • مقدمة ب
  • تمهيد ج
  • نص الكتاب 1 ـ 191
  • كتاب النفس والروح وشرح قواهما
  • (فى علم الأخلاق)
  • القسم الاول
  • فى الأصول الكلية لعلم الاخلاق 3
  • الفصل الاول : فى شرح مرتبة الانسان من مراتب الموجودات 3
  • (1) التقسيم الاول : المخلوقات على أربعة اقسام 3
  • الاول الّذي له عقل وحكمة وليس له طبيعة ولا شهوة وهم الملائكة 3
  • الثانى الّذي ليس له عقل ولا حكمة وله طبيعة وشهوة وهو سائر الحيوانات ، 3
  • الثالث الّذي ليس له عقل ولا حكمة ولا طبيعة ولا شهوة ، وهى الجمادات والنبات ،. 3
  • الرابع وهو الّذي يكون له عقل وحكمة ويكون له طبيعة وشهوة وهو الانسان 4
  • معنى الشوق وبيان ان الشوق غير حاصل للملائكة 5
  • مقام الشوق مقام شريف 8
  • الملائكة آمنون عن التغيرات 9
  • الحيوانات العجم لا تتالم باحوالها الموجودة 9
  • فى بيان الحكمة فى تخليق القسم الرابع وهو الانسان 10
  • تخليق البشر فانه يدل على كمال الجود والرحمة 10
  • (2) التقسيم الثانى : الموجود ، الخالق ، الدنيا ، الارواح البشرية ، الآخرة ، 10
  • (3) التقسيم الثالث : كاملة ، ناقصة ، تارة كاملة وتارة ناقصة ، 11
  • الفصل الثانى : فى تقرير ما سلف بطريق آخر اقرب الى التحقيق 12
  • الاقسام الاربعة : مؤثر وغير متأثر ، متأثر وغير مؤثر مؤثر ومتأثر ، غير مؤثر وغير متأثر ،       12
  • القسم الاول : 12
  • القسم الثانى : 13
  • القسم الثالث : 14
  • الارواح ، مغيرات او مؤثرات؟ 15
  • الروحانيات درجات : 15
  • العقول المحضة 16
  • الارواح المتعلقة بتدبير عالم الاجسام 16 ـ 17
  • القسم الرابع 18
  • الفصل الثالث : فى بيان مراتب الارواح البشرية 19
  • المحبوب لذاته : المكروه لذاته 20
  • المحبوب لذاته : اللذة والكمال 20
  • المكروه بالذات : الالم والنقصان 20
  • الكمال فى الذات 21
  • الكمال فى الصفات 22
  • العلم والقدرة 22
  • النفوس على ثلاثة اقسام : 22
  • السابقون ـ اصحاب الميمنة ـ اصحاب المشئمة 26
  • الفصل الرابع فى البحث عن ماهية جوهر النفس 27
  • النفس واحدة العلم البديهى ، وبالبرهان 27
  • الادراك والغضب والشهوة صفات لذات واحدة 28
  • النفس ليس هذا البدن ، 30
  • الحجة الاولى 33
  • الحجة الثانية 33
  • الحجة الثالثة 34
  • الحجة الرابعة 37
  • الحجة الخامسة 40
  • الحجة السادسة 40
  • احوال النفس متضادة لاحوال الجسم 40
  • الفصل الخامس فى الدلائل المستفادة من الكتاب الالهى فى إثبات ان النفس شيء غير الجسد 43
  • الحجة الاولى : الشيء المشار إليه هو الانسان 43
  • الحجة الثانية : النفس شيء مغاير لهذا الجسد 44
  • الحجة الثالثة : مراتب الخلقة الجسمانية 45
  • الحجة الرابعة : التمييز بين عالم الارواح وعالم الاجساد 46
  • الحجة الخامسة : التسوية ونفخ الروح 46
  • الحجة السادسة : النفس الموصوف بالادراك والتحريك 46
  • الحجة السابعة : الشكل المشاهد لا ينسى 48
  • الحجة الثامنة : من عرف نفسه عرف ربه 48
  • الحجة التاسعة : الاحاديث فى صفات الانسان 48
  • الحجة العاشرة : جعل الانسان خليفة 49
  • النفس بالمعنى الاول ، النفس بالمعنى الثانى 50
  • الفصل السادس فى ان المتعلق بجوهر النفس هو القلب 51
  • الدلائل القرآنية 52
  • الحجة الاولى على ان التنزيل والوحى كانا على القلب 52
  • الحجة الثانية على ان محل الذكر والفهم هو القلب 52
  • الحجة الثالثة استحقاق الجزاء ليس الا على ما فى القلب من السعى والطلب 54
  • الحجة الرابعة محل العقل هو القلب 54
  • الحجة الخامسة السؤال عن الفؤاد 55
  • الحجة السادسة اضافة الايمان الى القلب 56
  • الدلائل العقلية : المقدمة الأولى فى الرد على القائلين بتعدد النفس 57
  • المقدمة الثانية ، العضو الرئيس هو القلب 58
  • الحجة الاولى : القلب اوّل الاعضاء تكونا 59
  • الحجة الثانية : فى إثبات ان الفهم والادراك والعلم من ناحية القلب 60
  • الحجة الثالثة : النفس حساسة ومتحركة بالارادة 60
  • الحجة الرابعة : الحس والتحريك يحصلان بالحرارة 61
  • الحجة الخامسة : المشار إليه «بأنا» الحاصل فى القلب 61
  • الحجة السادسة : اظهر آثار النفس الناطقة النطق 61
  • الحجة السابعة : القلب فى موضع وسط من البدن 62
  • الحجة الثامنة : صفة القلب : الذكاء والبلادة 63
  • حجج جالينوس على ان معدن الادراك والفهم هو الدماغ 63
  • الحجة الاولى : الدماغ منبت الاعصاب 63
  • الحجة الثانية : قوة الحس والحركة تجرى من الدماغ الى القلب 64
  • الحجة الثالثة : الروح هو الحامل لقوى الحس والحركة 64
  • الحجة الرابعة : العقل اشرف القوى 65
  • الجواب عن حجته الاولى من وجوه 66
  • الاول لا نسلم ان منبت العصب هو الدماغ 66
  • الثانى انه لا نزاع ان القلب منبت الشرائين 67
  • الثالث الاعصاب انما تولدت من الشرائين 67
  • جواب جالينوس عن هذا الكلام من وجهين 68
  • الاول : الاعصاب ليست من جنس الشرائين 69
  • الثانى : الشريان المتولد من القلب ينقسم الى قسمين 70
  • جواب اصحاب أرسطاطاليس 70
  • حجة اصحاب ارسطو على ان منبت العصب هو القلب 71
  • جواب جالينوس 72
  • رد اصحاب أرسطاطاليس 72
  • النوع الثانى من الجواب عن شبهة جالينوس 73
  • الفصل السابع : فى شرح قوى النفس 74
  • النفس الانسانية لها قوى نباتية ، قوى حيوانية وقوى انسانية 74
  • القوى النباتية : القوة الغاذية ولها قوة جاذبة ، قوة ماسكة 75
  • قوة متصرفة ، قوة دافعة ، قوة متحللة والقوة النامية والقوة المولدة القوى الحيوانية : محركة ، مدركة  76
  • القوة المحركة : المباشرة والباعثة 76
  • الباعثة لها مراتب : إرادة جازمة ، شوق جازم ، وشعور مختلق او فكرى القوى المدركة : الظاهرة وهى الحواس الخمس 76
  • الباطنة هى الحس المشترك ، الوهم ، الخيال ، الحافظة والمتصرفة المفكرة ، القوى الانسانية : نظرية وعلمية   77
  • الفصل الثامن ـ فى بحث يتعلق بالالفاظ والعبارات 78
  • النفس ـ العقل ـ الروح ـ القلب 78
  • الفصل التاسع ـ فى نسبة هذه القوى الى جوهر النفس تفسير الأمثلة فى هذا الباب 79
  • (1) جوهر النفس كالملك والبدن مملكته حصول الصورة المجردة فى النفس ـ الصورة بديهية ـ ونظرية 79
  • (2) القلب فى البدن كالوالى ـ قواه بمنزلة الملك ـ القوة المفكرة كالمشير ـ الشهوة كالعبيد ـ الغضب كصاحب الشرطة    80
  • (3) البدن كالمدينة ـ النفس الناطقة كالملك ـ الحواس كالجنود ، الاعضاء كالرعية ـ الشهوة والغضب كالاعداء         81
  • (4) النفس الناطقة مثل فارس 81
  • (5) نسبة بدنك نسبة الدار الكاملة 82
  • النفس الناطقة فى الدار كالملك 83
  • تدبير المملكة مفوض الى ثلاثة من الرؤساء 83
  • 1 ـ الشهوة ـ 2 ـ الغضب ـ 3 ـ القوة النفسانية 83
  • الفصل العاشر : النفس الناطقة ، هل هى متحدة بالنوع او مختلفة 85
  • اقوال الفلاسفة 85
  • الاقوال النبوية 86
  • الحجة على تماثل النفوس البشرية 87
  • الفصل الحادى عشر : اللذات العقلية اشرف وأكمل من اللذات الحسية 88
  • الحجة الاولى ـ سعادة الانسان غير متعلقة بالشهوة والغضب 88
  • الحجة الثانية ـ سبب حصول السعادة والكمال 89
  • الحجة الثالثة ـ اللذات الحسية ليست بسعادة الانسان 89
  • الحجة الرابعة ـ اللذات الحسية فى الحقيقة تدفع الآلام 90
  • الحجة الخامسة ـ الانسان اشرف من الحيوان ولا تساوى فى افعالهما 91
  • الحجة السادسة ـ بهجة الملائكة اشرف من بهجة الحيوانات 92
  • معنى «الكمال لاجل حصول الالهية والتخلق» 92
  • الحجة السابعة ـ سعادة لانسان فى تحصيل اللذات المباحات بقدر الضرورة والاجتناب عن المحرمات 92
  • الحجة الثامنة ـ لا يستحيا من اظهار ما هو كمال وسعادة 93
  • الحجة التاسعة ـ الاكل والشرب لا يزيدان القيمة 94
  • الحجة العاشرة ـ سكان اطراف الارض فى غاية الخسة والدناءة 94
  • الفصل الثانى عشر ـ فى شرح نقصان اللذات الحسية 96
  • وجوه كون الدنيا مذمومة لذاتها 96
  • 1 ـ اللذات ليست فى شيء من السعادات والكمالات
  • 2 ـ اللذة والطلب على قدر الحاجة 97
  • 3 ـ الالتذاذ فى حال الحدوث فقط 97
  • 4 ـ اللذات عند زوال الحاجة تصير كلا ووبالا 98
  • 5 ـ الاشياء لا تزال توصف بصفاتها 98
  • 6 ـ اللذات الجسدانية تنافي معنى الانسانية 98
  • 7 ـ اصل احوال الانسان اشتغاله بمعرفة الله تعالى 99
  • ـ وجوه كون الدنيا مذمومة لامور لازمة لها كثيرة 99
  • 1 ـ الدنيا سريعة الزوال 99
  • 2 ـ لذات الدنيا غير خالصة 100
  • ـ وجوه ترجيح الانسان للآلام والخسران 100
  • 1 ـ الضرر سار فى سائر الازمنة الثلاثة 100
  • 2 ـ عادة الانسان ان يلتذ بطلب المعدوم 102
  • موجبات استيلاء الغم على الانسان :
  • الف ـ نظر الانسان فى اى واحد من الازمنة يوجب الغم 102
  • ب ـ لاختلاط بالناس والانفراد عنهم سبب للغم والحزن 102
  • ج ـ اما ان يكون اكمل من غيره ، مساويا له او انقص منه لا ينفك من الغم والحسرة 103
  • د ـ للانسان عقل يهديه وهوى يرديه ، والعقل ضعف من الهوى ، فبقاؤه ، فى الغم والحسرة هو الغالب الراجح       104
  • ه ـ درجات السعادة غير متناهية ، وتحصيل ما لا نهاية له محال 107
  • 3 ـ الغالب ان الانسان فى نفسه الخ
  • 4 ـ لا نهاية للذات الجسمانية 108
  • القسم الثانى من الكتاب
  • فى علاج ما يتعلق بالشهوة ـ وفيه فصول 109
  • الفصل الاول : فى حب المال 110
  • الفصل الثانى : فى انه كيف يتوسل بالمال الى اكتساب السعادة الروحانية 111
  • الفصل الثالث : فى الحرص والبخل 113
  • علاج البخل بطريق العلم 114
  • (1) ـ تقليل الحاجات 114
  • (2) ـ التأمل فى الآيات والاحاديث فى ذم البخل 114
  • (3) ـ التأمل فى احوال البخلاء 114
  • (4) ـ التأمل فى المال 115
  • (5) ـ المبالغة فى امساك المال 115
  • (6) ـ العجز عن الانفاق 115
  • (7) ـ انما يبقى من ماله الذم فى الدنيا والعقاب فى الآخرة 115
  • (8) ـ الشركاء فى صفة البخل 116
  • (9) ـ البخلاء يكونون ابدا فى الضيق والضنك 116
  • (10) ـ السخى ممدوح ومحمود عن الكافة والبخيل مبغوض 116
  • (11) ـ الفرحة للسخى وضد الفرحة للبخيل 117
  • (12) ـ يتمنى البخيل ايصال الخيرات الى الناس عند قرب الموت 117
  • (13) ـ لا نهاية لمراتب الاموال 118
  • (14) ـ السعى فى طلب المال ممكن عند الاستعانة بالغير 118
  • (15) ـ اعتياد التنعم بكثرة المال 119
  • (16) ـ الاستحضار فى ذمته ان المال لا فائدة فيه الخ 119
  • (17) ـ الصرف الى وجوه الخيرات ـ 119
  • (18) ـ المواظبة على القناعة 119
  • (19) ـ رزقه المقدر 120
  • (20) ـ المتجرد عن المال يكتسب كمالات النفس 120
  • (21) ـ الاموال اعداء لله ولاوليائه 120
  • (22) ـ من كان ماله اكثر ، احبابه اكثر ومصائبه اكثر 121
  • الفصل الرابع : علاج البخل بطريق العمل 121
  • (1) ـ مجالسة الفقراء 121
  • (2) ـ الميل الى اختيار المحاسن والمحامد 121
  • (3) ـ البعد عن المال بالانفاق ـ 122
  • (4) ـ لطائف الحيل 122
  • (5) ـ اتباع استاذ متفق 123
  • الفصل الخامس فى حقيقة البخل والجود 124
  • 1 ـ الاستقباح بسبب الفاعل 124
  • 2 ـ الاستقباح بسبب المضاف إليه 124
  • 3 ـ المضايقة 125
  • 4 ـ الاستقباح المتعلق بالوقت 125
  • الفصل السادس فى السخى 126
  • الفصل السابع : الكلام فى الجاه 127
  • السبب الموجب لحب الجاه 127
  • الموجب لحب المال والجاه اثنان 129
  • 1 ـ لا نهاية لحب المال 129
  • 2 ـ ملك المال وملك القلوب قدرة والقدرة كمال 129
  • الفصل الثامن : فى بيان الكمالات الحقيقية والوهمية 131
  • كمال الصفات فى العلم والقدرة 131
  • المعلومات قسمان : متغيرات وازليات 132
  • المعلومات الباقية 132
  • العلوم المتعلقة بالمعلومات المتغيرة 133
  • كمال الذات يحصل عند التفرد والوحدانية فقط 133
  • النقد على ما قيل فى علاج حب المال 134
  • الفصل التاسع ـ طلب الجاه واجب ، مندوب ، مباح ، مكروه وحرام 135
  • الفصل العاشر ـ السبب فى حب المدح وبغض الهجو 138
  • الفصل الحادى عشر ـ فى علاج حب الجاه 141
  • الفصل الثانى عشر ـ العلاجات العملية 147
  • الفصل الثالث عشر ـ بيان العلاج لكراهة الذم 149
  • الفصل الرابع عشر ـ بيان اختلاف الناس فى احوال المدح والذم 155
  • بيان حركات المدح 157
  • الفصل الخامس عشر ـ الكلام فى الريا واحكامه 159
  • 1 ـ الرياء باظهار النحول 160
  • 2 ـ الرياء بالهيئة والزى 160
  • 3 ـ الرياء بالقول 161
  • 4 ـ الرياء بالعمل 161
  • 5 ـ المرايا بالاصحاب 161
  • بيان درجات اهل الرياء فى الرياء 163
  • الفصل السادس عشر ـ بيان الرياء الخفى 165
  • الفصل السابع عشر ـ بيان ما يحبط العمل من الرياء الخفى والجلى وما لا يحبط 168
  • 1 ـ الرياء بعد انقضاء العمل على وجهين 168
  • 2 ـ الرياء فى اثناء العمل على ثلاثة انواع 169
  • 3 ـ الرياء فى اوّل حد الشروع فى العبادة على قسمين 172
  • مسئلة من يبغض حب الرياء ولكن قلبه مائل الى الرياء 173
  • مسئلة الاشتغال بمحاربة الشيطان 174
  • قال قوم «لا بد من الحذر من الشيطان» 176
  • قول المحققين 178
  • الفصل الثامن عشر ـ بيان الرخصة فى قصد اظهار الطاعات 181
  • وعلامة الفرق فى هذا الباب 183
  • الفصل التاسع عشر ـ بيان الرخصة فى كتمان الذنوب 184
  • الفصل العشرون ـ بيان ترك الطاعات خوفا من الرياء 185
  • الطاعات قسمان 185
  • القسم الاول : الطاعات البدنية 185
  • القسم الثانى : ما يتعلق بالخلق ، واعظمها الخلافة 188
  • الوعظ ، والفتوى والتدريس 189
  • ضميمة فى مؤلفات الامام الرازى 193
  • فهارس 200 ـ 207
  • جدول الخطأ والصواب 208
  • فهرس المحتويات 209