بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأولين والآخرين محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين.

الاستصحاب

وهو الأصل الرابع من الأصول العملية التي هي وظائف مقررة للشاك في مقام العمل ، والكلام فيه يتوقف على بيان أمور :

الامر الأول ـ في بيان حقيقته وماهيته ، فنقول : قد اختلف القوم في تعريفه فمنهم من قال : «هو ابقاء ما كان» وعرفه غيره بقوله : «هو اثبات الحكم في الزمان الثاني تعويلا على ثبوته في الزمان الأول» أو انه «اثبات حكم في زمان لوجوده في زمان سابق عليه» أو انه كما عرفه البعض : «ثبوته في وقت أو حال والحكم على بقائه بعد ذلك الوقت» الى غير ذلك من التعاريف.

قال الاستاذ قدس‌سره في الكفاية : ان عباراتهم في تعريفه وان كانت شتى إلّا انها تشير الى مفهوم واحد ومعنى فارد ، وهو : «الحكم ببقاء حكم او موضوع ذي حكم شك في بقائه».

أقول : أما ما ذكره فهو حسن ، بناء على ان الاستصحاب من الامارات لا من الاصول ، وذلك خلاف ما هو المختار من أنه من الاصول كما سيأتي ان شاء الله تعالى فان الحكم المذكور مؤدى الاستصحاب لا نفسه ، وكيف كان فقد ذكر الشيخ الانصاري (قده) : ان أسدها وأخصرها «إبقاء ما كان» والمراد بالابقاء : الحكم بالبقاء ، بمعنى الحكم ببقاء حكم شرعي أو موضوع ذي حكم شرعي كان ثابتا سابقا ثم يشك في بقائه.

ولكن لا يخفى ان هذا التعريف ـ ابقاء ما كان ـ يتم بناء على ما سلكه المتقدمون من كون الاستصحاب من الأدلة الظنية ، وان حجيته كسائر الامارات ، اذ هو على هذا المسلك ترجع حجية الاستصحاب الى حكم العقل ببقاء ما هو ثابت سابقا ، وذلك من باب الظن ، فيكون كسائر الامارات الظنية : كالاستحسان ونحوه ، المستفاد منها الظن على القول بحجيتها اما من باب الكشف أو من باب الحكومة ، لرجوع ذلك الى تصديق العقل بالبقاء حقيقة ، غاية الأمر أن الوجه في حجية مثل هذا الظن بالبقاء هو بناء العقلاء أو السيرة أو دليل الانسداد على تقرير الكشف حيث انه يكون من الامارات والأدلة الاجتهادية دون التعبدية ، ولو كان الوجه في حجيته هو الانسداد على تقرير الحكومة كان من الأدلة العقلية المحضة.

وعلى كل يرجع ذلك بأي نحو كان من الوجهين الى حكم العقل بالبقاء الحقيقي وان كان هذا الحكم ظنيا ، ولذا سيأتي أن ذلك يكون مثل الامارات التي هي حجة ، ويترتب عليه أن مثبتاتها حجة لاحرازها الواقع ، فتترتب اللوازم العقلية والعادية ، كما انه يتم هذا التعريف بناء على أن الاستصحاب من الامور التعبدية باستفادة ذلك من الاخبار

الدالة على حرمة نقض اليقين بالشك ، وان المراد من اليقين هو المتيقن بأن يكون اليقين المأخوذ في لسان الدليل بنحو المرآتية الى نفس المتيقن فمرجعه الى حكم الشارع ببقاء ما كان فيشمله هذا التعريف كما شمله على المسلك الأول.

وان كان هناك فرق بين المسلكين في المراد من البقاء فانه على الأول يكون المراد منه الحكم ببقاء الواقع حقيقة وان كان حكما ظنيا وعلى الثاني يكون المراد منه هو الحكم ببقاء الواقع أيضا إلّا انه ليس بنحو الحقيقة بل بنحو التعبد والادعاء من باب المجاز كما يقوله السكاكي إلّا ان هذا الفارق لا يضر في شمول التعريف له ، وبالجملة التعريف يتم على المسلكين غاية الأمر الاختلاف باعتبار ما ينطبق عليه من كونه مصداقا حقيقيا أو مصداقا ادعائيا وبذلك يتضح الفرق بين المسلكين في ثبوت اللوازم العقلية والعادية على الاول دون الثاني.

وأما لو بنينا على أن اليقين في لسان الدليل هو نفسه وليس مرآة للمتيقن ، فلا يرجع الى الحكم ببقاء ما كان ثابتا سابقا اذ مرجع حرمة نقض اليقين بالشك في لسان الدليل هو انه يجب اعتبار اليقين ببقاء ما كان حال الشك تعبدا ، للحكم ببقاء نفس ما كان سابقا متعلقا لليقين وعليه لا يستفاد منه أن وجوده سابقا مشعر بالعلية للبقاء فتختلف حقيقة الاستصحاب ، وذلك أنه على المسلكين الأولين يكون نفس وجوده الواقعي الذي هو متعلق اليقين موجبا لوجوده في اللاحق ، وعلى المسلك الاخير لا يكون كذلك فان وجوده ليس كما استفيد من دخل الوصف بأنه مشعر للعلية (١).

__________________

(١) لا يخفى ان المستفاد من الروايات ـ على المسلك الأخير ـ هو حفظ اليقين وعدم نقضه في مقام العمل ، وليس المراد من اليقين

فظهر مما ذكرنا ان هذا التعريف لا يكون جامعا لجميع المسالك اللهم إلّا أن يقال ان الأدلة المتكفلة للتنزيلات الشرعية وان كان المقصود الاصلي منها النظر الى مقام العمل والجري العملي إلّا ان دليل التنزيل تارة يكون خطابه موجها الى المكلف ، بأن ينزل شيئا بمقام آخر بأن يكون نفس ذلك التنزيل بلحاظ العمل على عهدة المكلف كما هو مفاد أدلة حجية خبر العادل ، بناء على ان مفادها تنزيل خبر العادل منزلة العلم بالواقع ، وكما هو مفاد لا تنقض اليقين بالشك ، بناء على أن المكلف ينزل غير اليقين بمنزلة اليقين ، واخرى يكون مفاده الانتساب الى الشارع بأن ينزل شيئا بمنزلة شيء ، كما في قوله : «الطواف في البيت صلاة» وحيث أن مفاد أخبار الاستصحاب من قبيل الأول فيصير مفادها هو الأمر باليقين بالبقاء تعبدا ، بمعنى البناء على اليقين بالبقاء

__________________

كونه من الصفات النفسانية ، فانه من الواضح ان اليقين انتقض بعروض الشك وجدانا ، وعليه : لا مانع من دعوى جامعية هذا التعريف للاستصحاب على اختلاف الانظار في وجه حجيته ، بتقريب : انه بناء على اخذه من بناء العقلاء يكون بمعنى الحكم بالبقاء حيث ان التزامهم في الجري العملي على بقاء ما كان بملاحظة وجوده سابقا ما لم يظهر الخلاف كما انه بناء على اخذه من حكم العقل يكون معناه : ادراكه عقلا وتصديقه ضمنا ببقاء ما كان بملاحظة غالبية وجوده لا حقا بعد ثبوته سابقا ، واما بناء على أخذه من باب التعبد وحرمة نقض اليقين بالشك فيكون معناه الحكم الانشائي من الشارع في مرحلة الظاهر بمعنى التعبد ببقاء ما علم حدوثه سابقا وشك في بقائه في الزمان اللاحق.

وبعبارة أخرى ان الابقاء الذي هو مدلول الهيئة عبارة عن

والتصديق به في عهدة المكلف ، والمفروض ان الحكم بالبقاء ليس إلّا التصديق به اما وجدانا أو ادعاء تعبديا.

وعليه يصح على هذا المبنى أيضا أن يقال : «ان الاستصحاب هو الحكم بالبقاء والتصديق به ولو ادّعاءً» كما يصح أيضا اطلاق مشتقاته فيقال : زيد يستصحب ، أو استصحب ، أو الحكم يستصحب ولكن ربما يشكل على ذلك بأن مفاد أدلة الاستصحاب هو البناء على البقاء وهو ليس حكما بالبقاء ، لأنه يكون من قبيل عقد القلب وهو أمر لا يرتبط بالتصديق.

__________________

الحكم بالبقاء ، وذلك معنى عام يشمل حكم الشارع وتعبده بالبقاء ، وحكم العقل وتصديقه الظنى به ، وحكم العقلاء وبقاءهم على الالتزام بالبقاء.

وبالجملة : قد أخذ مفهوم الابقاء في التعريف بالمعنى العام ، وان الاختلاف انما هو في المصاديق ، وبهذا يجاب عما يقال من أن تعريفه بذلك لا ينطبق عليه لما عرفت من ان اختلاف المصاديق لا يضر بوحدته إذا اعتبر الاستصحاب من الامارات ، من غير فرق بين كون أماريته بالظن النوعي أو الظن الشخصي ، اذ اعتباره بذلك يجعله امارة على الحكم وكاشفا عنه ، فلا معنى لتعريفه بنفس الحكم ، على ان اركان الاستصحاب ثلاثة : يقين سابق ، وشك لا حق ، والحكم بالبقاء ، فلو سلمنا دلالته على الحكم باعتبار ملازمته لكونه امارة فيكون تعريفه بالحكم بالبقاء تعريفا بالملزوم ، إلّا ان الركنين وهما : اليقين السابق والشك اللاحق ، لا يستفادان من التعريف.

أما اذا اعتبر اصلا عمليا فلا يستفاد من التعريف ذلك ، إذ ظاهره ان المراد من الحكم : الحكم الواقعي مع أن مجعول الشارع

ولكن يمكن دفعه بان الحكم لم يؤخذ في التعريف بل هو من تعبير الأصحاب ، وانما المأخوذ في التعريف هو «ابقاء ما كان» وحينئذ يصح اطلاق الابقاء من المكلف بنحو اسناد البقاء اليه ، ولو من جهة بقائه ، بل ربما يقال بامكان تصحيح التعريف بناء على ان مفاد الأدلة تنزيل الشارع غير اليقين منزلة اليقين ، باعتبار ان المكلف في مقام العمل ممن يطاوع الشارع ، فيصح ان يقال في حقه انه استصحب مطاوعة للشارع.

هذا غاية ما يمكن توجيه التعريف به ، وانه أسدّ ما في الباب كما لا يخفى.

__________________

حكم ظاهري ، على ان اليقين في الزمان السابق والشك في الزمان اللاحق لا يستفادان من التعريف ، مضافا الى ما ذكره المحقق النائيني (قدس‌سره) في محاضراته الاصولية من انه ليس مفاد الاستصحاب ذلك ، اذ لو كان مفاده هو الحكم بدوام ما ثبت لزم كونه من الأحكام الواقعية ، والمفروض ان مفاده حكم ظاهري كما هو المستفاد من الأخبار من حيث اعتبار الشك فى الحكم بالبقاء ، مع أن التعريف لا يستفاد منه ذلك ، فلذا قال (قده) : ان الأولى في تعريفه أن يقال : «ان الاستصحاب عبارة عن عدم نقض اليقين السابق المتعلق بالحكم او الموضوع من حيث الأثر والجري العملي بالشك في بقاء متعلق اليقين».

وحاصل الجواب عن ذلك : أن التعريف كان باللازم الذي هو مفاد الأخبار ، ولا مانع من أن يكون التعريف باللازم ، كما أن مفاد البقاء تارة يكون حقيقيا بناء على أخذه من العقل ، أو تعبديا بناء على أخذه من الأخبار ، فان الاختلاف في ذلك لا يغير من وحدة

الأمر الثاني

هل يعد البحث في حجية الاستصحاب من المسائل الاصولية أو من القواعد الفقهية ، أو من مبادئ الأحكام؟

فنقول : ان المدار في كون المسألة اصولية ، تارة تكون واقعة في طريق استنباط الحكم الشرعي الكلي مطلقا ، بمعنى انه توجب ثبوت العلم بالحكم الشرعي الواقعي ، سواء كانت موجبة للعلم به بلا وساطة شيء أو مع الوساطة ، كالامارات الظنية ، فانها تثبت الحكم الشرعي الكلي بعد معلومية حجيتها. وأخرى يكون المدار في كونها أصولية وقوعها في طريق استنباط الحكم الشرعي الكلي في مقام التطبيق على الموارد ، وذلك يختص بالمجتهد لاحتياجه الى الفحص عن الأدلة في تطبيقها على الموارد في الشبهات الحكمية.

فان بنينا على الأول في تمييز المسألة الأصولية عن غيرها فذلك يختلف باختلاف المسالك والانظار في حجية الاستصحاب ، بيان ذلك :

__________________

المفهوم لعدم التغاير في مفهوم (الابقاء) ، اذ الظاهر من مفهوم (ابقاء ما كان) هو الحكم بالبقاء. وبما ان التعبير (بما كان) مشعر بالحكم بالبقاء لأجل تحقق علة وجوده في الزمان اللاحق ، أو لقيام الدليل على بقاء المستصحب في الزمان الثاني ، فعليه يستفاد منه اعتبار الشك الذي هو أحد أركان الاستصحاب ، وهو أعم من الظن الفعلي.

وبما ذكرنا ظهر انه لا مانع من كون هذا التعريف جامعا ، بناء على أن المراد بالحكم بالبقاء في مقام العمل ولازمه اعتبار الشك فيه فتأمل جيدا.

انه بناء على اعتباره من باب الظن يحكم العقل بالملازمة الظنية من حيث الحدوث والبقاء ، فتارة يكون النزاع بين المثبتين والنافين في ثبوت الظن من حكم العقل بالملازمة الغالبية وعدم ثبوت ذلك ، لعدم حكم العقل بتلك الملازمة ، فتدخل مسألة الاستصحاب في مبادئ مباحث الاصول وليست منها ، لما هو معلوم من أن البحث فيها عن أصل وجود الملازمة الظنية فهو بحث عن مفاد (كان التامة) وليس بحثا عن مفاد (كان الناقصة) إذ من الواضح ان البحث عن استنباط الحكم الشرعي الكلي انما يتحقق بعد كون القاعدة المستنبطة حجة ، وقد علم حجيتها ، فيستنبط الحكم الشرعي بجعلها كبرى ، ويكون المورد من صغرياتها.

وأما مع الشك في حجية الكبرى فلا تثبت حجية الصغرى ، وعليه فلا يستنتج الحكم الشرعي.

وأخرى يكون النزاع بين المثبتين والنافين في حجية هذا الظن بعد ثبوت الملازمة الظنية ، فتعد المسألة من المسائل الاصولية ، بناء على أن حجية مثل هذا الظن شرعا لأجل سيرة العقلاء ، أو دليل الانسداد على تقرير الكشف ، لوقوعها في طريق استنباط الحكم الشرعي الكلي فيوجب العلم به تعبدا.

وأما بناء على حجيته من باب دليل الانسداد على تقرير الحكومة فلا يدخل في المسائل الاصولية لكون نتيجته لا توجب العلم بالحكم الشرعي ولا تقع في طريق الاستنباط. نعم بناء على أن وقوعها في طريق استنباط الحكم الشرعي أعم مما يترتب عليه العلم بوساطة أو بلا وساطة فحينئذ يمكن عده في مباحث الأصول ، ومن هنا تعرف أن البحث في دليل الانسداد ولو بناء على الحكومة لا مانع من عده من

مباحث الاصول ولا موجب لدعوى أن ذكره في الاصول من باب الاستطراد.

وأما بناء على حجية الاستصحاب من باب الأخبار فأما أن نقول أن المستفاد من قوله لا تنقض اليقين بالشك هو جعل اليقين في ظرف الشك ، بمعنى جعل اليقين في حال الشك واثبات اليقين بالحكم الواقعي تعبدا كما هو كذلك في جعل الامارة ، وان كان فرق بين الجعلين فانه في جعل الامارة من باب تتميم الكشف مع نفي الشك ومفاد دليل الاستصحاب جعل اليقين في ظرف الشك ، أي جعله حجة مع حفظ الشك تعبدا ، إلا أن هذا الفرق غير فارق في جعل الحجية وأنه من باب تتميم الكشف.

فعليه يكون الاستصحاب من القواعد الممهدة لاستنباط الأحكام الشرعية ولازم ذلك أن يعد من المسائل الاصولية لوقوعه في طريق الاستنباط ، وأما أن نقول إن مفاد دليل الاستصحاب تنزيل المشكوك منزلة المتيقن كما ذهب إليه الشيخ الأنصاري قدس‌سره فعده من المسائل الاصولية محل اشكال إذ مفاد (لا تنقض اليقين بالشك) ليس إلا التعبد بنفس الحكم الأول الذي كان متيقنا.

فعليه يكون الاستصحاب من القواعد الفقهية كقاعدة الطهارة وكل شيء لك حلال حتى تعرف انه حرام فيكون الاستصحاب في الشبهات الحكمية حال الاستصحاب في الشبهات الموضوعية فلا يكون من المسائل الاصولية حيث أن مضمون الاستصحاب حينئذ قاعدة فقهية ظاهرية تنطبق على مواردها كقاعدة الضرر والحرج وقاعدة الطهارة وغيرها مما يكون استفادة الحكم الجزئي من باب التطبيق لا الاستنباط الذي هو ملاك المسألة الاصولية (١).

__________________

(١) قلنا في الجزء الأول من الكتاب بأن ملاك المسألة الاصولية

وأن بنينا على التمييز الثاني الذي هو اضافته الى وقوعه في طريق الاستنباط بأن يكون في مقام التطبيق وذلك يحتاج إلى الفحص لكي يمكن تطبيقه وهو يختص بالمجتهد ولا ينفع المقلد فنقول : انه بناء على مسلك الظن فان كان باعتبار تحصيله فهو من قبيل المبادئ وليس من مسائل الاصول ، وإن كان باعتبار حجيته بعد تحقق الملازمة

__________________

هي كبريات لو انضمت الى صغراها لأنتجت حكما كليا شرعيا ، وبقولنا كبريات تخرج مسائل سائر العلوم كالقواعد العربية والرجال ونحوها فانها بأجمعها ليست كبرى القياس وانما تلتئم صغرى للقياس فهي تعد من المبادئ للاصول لا من مسائله مثل علم الرجال الذي هو مقدمة للاستنباط ، بخلاف علم الاصول في بحثه عن خبر الثقة فانه متكفل لتشخيص خبر الثقة عن غيره ، والواقع في صغرى القياس خبر الثقة لا مطلقا ، كما لو أخبر الثقة عن وجوب صلاة مثلا فنقول صلاة الظهر قد أخبر الثقة بوجوبها وكل ما اخبر الثقة بوجوبه فيجب الاتيان به.

وهكذا علم القواعد العربية فانه يقع في طريق الاستنباط بضم علم الاصول ولهذا قلنا ان علم الاصول هو الجزء الأخير من العلة لاستنباط المسألة الفقهية ولذا أضيف اليه فيقال أصول الفقه.

ومن هنا يعلم أن البحث عن ظهور الأمر في الوجوب والنهي في الحرمة ليسا من مسائل الاصول وانما هما من المبادئ وانما ذكرت هذه المسائل في الاصول من باب الاستطراد ، وبقولنا انتجت حكما كليا يخرج ما يكون القياس ينتج حكما جزئيا فان ذلك يعد من القواعد الفقهية وليس من المسائل الاصولية ، ولذا قلنا ان ما ينتج حكما كليا يختص بالمجتهد ولا ينفع المقلد دون ما ينتج أحكاما جزئية ، حيث أن

يكون البحث عنه حينئذ من المسائل الاصولية المختصة بالمجتهد ولا ينفع المقلد إذ التطبيق انما يتحقق بعد الفحص وذلك لا ينفع المقلد.

وأما بناء على استفادة حجية الاستصحاب من الأخبار فلا اشكال في عده من المسائل الاصولية من غير فرق بين القول بتنزيل اليقين بنفسه منزلة الشك أو بلحاظ المتيقن لما عرفت ان النتيجة هي استفادة الحكم الكلي في مقام تطبيقه وهو يختص بالمجتهد إذ لا يمكن أن يكون أمر التطبيق بيد المقلد لكون ذلك لا يتحقق إلا بعد الفحص واليأس عن الدليل المعارض والمقلد عاجز عن ذلك.

لا يقال إنه اذا كان لازم الملاك في المسألة الاصولية ذلك فينبغي

__________________

الأحكام لما كانت كلية تحتاج في تعلقها بعمل المكلفين الى مئونة زائدة تنطبق على ما في الخارج وذلك لا يتحقق إلا بالفحص فلا يكون من شئون المقلد وانما هي وظيفة المجتهد بخلاف الحكم الجزئي فانه يتعلق بعمل المكلف من غير احتياجه إلى مئونة شيء.

وحاصل الكلام أن الميزان في المسألة الأصولية حكم كلي يتعلق بعمل المكلف بالوساطة وهو تطبيقه على الموارد الجزئية بخلاف القاعدة الفقهية فان نتيجتها حكم جزئي يتعلق بعمل المكلف بلا وساطة وذلك ملاك المسألة الفقهية ولأجل ذلك ميز بين الاستصحاب الجاري في الشبهات الحكمية والأصل الجاري في الشبهة الموضوعية ، فان الأول من المسائل الأصولية حيث إنه ينتج حكما كليا بخلاف الثاني فانه ينتج حكما جزئيا.

نعم وقع الاشكال أن الدليل للاستصحابين هو رواية (لا تنقض اليقين بالشك) مع انه يلزم أن يكون من قبيل استعمال اللفظ في اكثر من معنى واحد ، حيث انه لا جامع بين الحكم الكلى والحكم الجزئي

أن تعد قاعدة الطهارة من المسائل الاصولية لجريانها في الشبهات الحكمية لأنا نقول نتيجة المسألة الاصولية لا تقيد بباب خاص فلا اشكال.

وأما الاستصحاب الجاري في الشبهات الموضوعية فلا اشكال انه من المسائل الفقهية كما هو معلوم ان نتيجة ذلك هو أمر جزئي كما

__________________

ولكن لا يخفى انه لا موقع لهذا الاشكال حيث إن اليقين والشك في الرواية ينحل إلى قضايا متعددة حسب تعدد العمل باليقين والشك فعليه تختلف النتيجة حسب تعلق اليقين والشك فان كان اليقين متعلقا بالحكم الكلي كما هو كذلك في الشبهات الحكمية تكون النتيجة مسألة أصولية ، وان تعلق اليقين والشك بالحكم الجزئي كما هو في الشبهات الموضوعية فتكون المسألة قاعدة فقهية ، وهذا الذي ذكرناه لا يفرق فيه بين أن يكون مدرك الاستصحاب هو بناء العقلاء او السيرة أو مدركه الأخبار فان المائز بين المسألة الأصولية والفقهية انما هو بالنتيجة.

وهكذا الحال في حجية الظواهر فان كان الظاهر يتعلق في مثل الاقرار بالأوقاف ونحوها التي هي ظواهر جزئية تعد من مسائل الفقه وإن كان الظاهر في مثل خبر الثقة الذي هو من الامور الكلية تعد من المسائل الاصولية ، وعليه فالحق هو التفصيل بين الاستصحاب الجاري في الشبهات الحكمية والاستصحاب الجاري في الشبهات الموضوعية فان الأول من المسائل الاصولية بخلاف الثاني فانه من المسائل الفقهية ، فدعوى الشيخ الانصارى (قده) كون مسألة الاستصحاب من المسائل الفقهية بتقريب ان الاستصحاب في الأحكام عبارة عن نفس الأحكام والدليل عليه (لا تنقض اليقين بالشك) محل نظر إذ الاستصحاب ليس هو الحكم الشرعي وإنما هو مدرك للحكم وانه مفاد قوله (ع): (لا تنقض

لو شككنا بعدالة زيد مع العلم بعدالته في الزمان السابق فانه يحكم ببقائها وهو أمر جزئي ولذا يصح جريانه في كل يقين وشك حتى بالاضافة الى نفسه فلو شك المقلد في بقاء وضوئه بعد اليقين يبني على وضوء نفسه وإن كان مجتهده يعلم بعدم بقاء وضوئه.

__________________

اليقين بالشك) فيكون من المسائل الاصولية لكونه مستنبطا للحكم لا نفسه فلا تغفل.

الأمر الثالث

في بيان الفرق بين الاستصحاب وقاعدة اليقين

يمتاز الاستصحاب عن قاعدة اليقين بأن ملاك القاعدة هو أنه يرد الشك على مورد اليقين فمتعلق الشك هو متعلق اليقين وانما يختلف زمان عروض الوصفين لاستحالة عروضهما على محل واحد في زمان واحد بخلاف الاستصحاب فان معروض اليقين غير معروض الشك (١).

__________________

(١) لا يخفى ان الاستصحاب عبارة عن اجتماع اليقين والشك في مورد واحد حتى يحكم بالبقاء من غير فرق بين أن يكون مبدأ حدوث اليقين قبل حدوث الشك كما لو علم بعدالة زيد يوم الخميس وشك في يوم الجمعة بعدالته ، وبين ما كان مبدأ حدوث اليقين بعد حدوث الشك كما لو حدث الشك يوم الجمعة بطهارة ثوبه واستمر الشك إلى يوم السبت ثم حدث له يقين يوم السبت بطهارة ثوبه يوم الخميس ، وبين ما كان مبدؤهما متقارنين زمانا كما لو علم يوم الجمعة بطهارة ثوبه يوم الخميس وفي ذلك الآن شك في طهارته السابقة ففي أن يوم الجمعة حصل له يقين بطهارته يوم الخميس وفي ذلك الآن شك في بقائها فاجتمع اليقين والشك زمانا بآن واحد يوجب صدق الشك في البقاء فتتحد القضية المتيقنة مع القضية المشكوكة موضوعا ومحمولا ووجودا خارجيا لكي يصدق تعلق الشك بما تعلق به اليقين السابق فلا يكفي الاتحاد في الموضوع والمحمول ولو مع تعدد في الوجود الخارجي إذ لا يتصور فيه الشك في البقاء لما هو معلوم انه مع تعدد

فمعروض اليقين هو الحدوث ومعروض الشك هو البقاء فهما قضيتان مختلفتان حقيقة ، إحداهما متيقنة متحققة في الزمان السابق ، والثانية مشكوكة متحققة في الزمان اللاحق وان اتحدا في مقام الذات موضوعا ومحمولا بحسب الخارج الموجب لاتحاد القضية المشكوكة مع المتيقنة لكي يتعلق الشك بما هو متيقن سابقا ، وحينئذ تصدق القضية المشكوكة ابقاء للقضية المتيقنة بخلاف قاعدة اليقين التي هي الاتحاد الذاتي والحقيقة خارجا فلا يكفي في الاستصحاب الاتحاد ذاتا مع التعدد الخارجي لعدم صدق البقاء لو حصل التعدد ، فلذا قلنا في محله انه لا يجري الاستصحاب الكلي وليس المراد فيه بوحدتهما وجودا ومرتبة إذ عليه لا يتصور فيه الشك في البقاء وذلك من لوازم قاعدة اليقين.

__________________

الوجود يكون اليقين تعلق بفرد والشك تعلق بفرد آخر.

ومن هنا قلنا أن الاستصحاب في القسم الثالث لا يجري لكونه من قبيل تعلق اليقين بفرد سابقا والشك في وجود فرد آخر فلم تتحد القضية المشكوكة مع القضية المتيقنة لكي يصدق عليها ابقاء ما كان ، إذ الحكم ببقاء فرد لاحق لا يصدق عليه أنه ابقاء للفرد السابق فما تعلق به اليقين غير ما تعلق به الشك.

نعم زمان المشكوك غير زمان المتيقن بمعنى أن معروض الوصفين زمانهما متعدد فان معروض اليقين هو الحدوث ومعروض الشك هو البقاء ويستفاد من الأخبار سبق زمان المتيقن على زمان المشكوك فلو كان زمان المتيقن متأخرا وزمان المشكوك متقدما ـ كما لو علم بأن صيغة افعل حقيقة في الوجوب عند المتشرعة ولكن شك في أنها موضوعة لغة له أو أنها موضوعة لمطلق الطلب ثم نقلت لخصوص الوجوب في زمان

وبالجملة بين قاعدة اليقين والاستصحاب تعاكس ، فان في قاعدة اليقين الاتحاد بين متعلق الشك واليقين واحد وجودا وانما الاختلاف في عروض الوصفين زمانا. وفي الاستصحاب الاختلاف في معروضي الوصفين ، ودعوى أن الاستصحاب لا ينطبق على الأحكام الشرعية حيث عرفت أن موضوعات الأحكام انما هي موجودات ذهنية ولو كانت على نحو المرآتية للخارج فيكون ظرف محمولاتها ذهنيا لا خارجيا لما عرفت أن الخارج ظرف اتصافها لا ظرف عروضها. ففي ظرف عروض محمولاتها لا يتصور لموضوع القضيتين وحدة خارجية لا فعلية ولا فرضية فكيف يصدق تعلق الشك في القضية المشكوكة بما يتعلق به اليقين ، فلا بد في هذا المقام من الاتحاد بحسب الذات دون الخارج ممنوعة اذ لا يخفى انه يكتفى بوحدة منشأ انتزاعهما في مقام الانصاف في الخارج في صدق البقاء والنقض

__________________

المتشرعة المتأخرة عن الصدر الأول ، فيقال بأن الأصل عدم النقل ومعناه جر اليقين اللاحق الى الزمن المتقدم ويسمى بالاستصحاب القهقري ، فان اعتبار مثل ذلك يحتاج الى دليل ولا تنفع فيه أخبار الاستصحاب إذ ليس من باب عدم نقض اليقين بالشك المتعدد فيه المتيقن والمشكوك زمانا وبذلك يفترق عن قاعدة اليقين فانه فيها يتعدد زمان الوصفين مع اتحاد زمان متعلقهما بأن يكون في الزمان اللاحق شاكا في نفس ما تيقنه سابقا بوصف وجوده السابق ، كما لو تيقن بعدالة زيد يوم الجمعة ثم شك يوم السبت بعدالته في يوم الجمعة ، فلا يكون مثل هذا اليقين ابقاء لما كان.

وبعبارة أخرى في الاستصحاب يتعلق اليقين بالحدوث والشك ببقائه ، بخلاف قاعدة اليقين فان اليقين والشك يتعلقان في الحدوث

فالقضية التكليفية تصدق على القضية المشكوكة ـ في مقام الانتزاع ـ انها ابقاء للقضية المتيقنة فيشملها دليل حرمة النقض لكونه متصورا في مرحلة اتصاف الموضوع لحكمه في الخارج لا مرحلة العروض.

وأما امتياز الاستصحاب عن قاعدة المقتضي والمانع فواضح حيث أنه يتحد متعلق الشك واليقين في الاستصحاب ويتغاير في قاعدة المقتضي والمانع ، وسيأتي ان شاء الله ان مفاد الأخبار ـ كقوله (ع) : (لا تنقص اليقين بالشك) هو الاستصحاب لا قاعدة اليقين.

__________________

ويسمى ذلك بالشك الساري ، أي يسري الشك إلى وجوده في السابق مثلا لو تيقن بعدالة زيد في يوم الجمعة ثم يوم السبت شك في حدوث عدالته في يوم الجمعة فمعناه ارتفع اليقين السابق بسراية الشك إليه فذلك هو قاعدة اليقين ، وأما لو لم يرتفع اليقين بحدوث العدالة وانما تعلق الشك ببقائها لا بأصل الحدوث فهو الاستصحاب.

وأما الفرق بين الاستصحاب وقاعدة المقتضي والمانع فواضح حيث أن في هذه القاعدة تغايرا بين المتعلقين ذاتا ووصفا فان اليقين تعلق

الأمر الرابع في ان حجية الاستصحاب

هل هي من باب الظن أم لا؟

فنقول : إن ظاهر كلمات من قال بحجية الاستصحاب من باب الظن أراد به الظن النوعي لا الظن الشخصي ويستدل لذلك بوجوه :

الأول : انه لو اعتبر الظن الشخصي انتقض بمثل الماء الذي يستصحب كريته تارة وأخرى يستصحب قلته كما لو كان الماء في حوض وانتهى إلى قطعة مخصوصة يشك من كريته وقلته فان في قلته يستصحب الكرية لو كان مسبوقا بالكرية ويستصحب قلته لو كان مسبوقا بالقلة فلو كان اعتبار الاستصحاب من باب الظن الشخصي أي الفعلي فلا يعقل حصول الظن فعلا في مثله في الحالتين مع العلم بمقدار من الماء كما هو واضح.

__________________

بالمقتضي والشك تعلق بالمانع بخلاف الاستصحاب فان بين المتعلقين اتحادا ذاتا ووصفا.

وسيأتي ان شاء الله تعالى أن مفاد الأخبار هو الاستصحاب ولا دلالة لها على قاعدة اليقين ولا على قاعدة المقتضي والمانع. كما أنه لا يستفاد منها معنى يعم الاستصحاب وقاعدة اليقين لعدم امكان ذلك.

كما أن الأخبار الدالة على الاستصحاب أجنبية عن قاعدة المقتضي والمانع. لأن في مورد القاعدة لا يصدق نقض اليقين بالشك لعدم ترتب آثار المتيقن لتغاير متعلقيهما فان متعلق اليقين هو المقتضي والشك هو المانع وسيأتي توضيح ذلك ان شاء الله تعالى.

الثاني أنه لازم اعتبار الظن الشخصي استحالة تعارض الاستصحابين إذ لا يعقل حصول الظن الشخصي لحالتين متناقضتين أو متضادتين عند تحقق الاستصحابين المتقارنين.

الثالث : انه على اعتباره يلزم عدم تعقل حكومة أحد الاستصحابين على الآخر كما في حكومة الاستصحاب السبي على المسببي بقول مطلق إذ لا كلام لهم في تقديم السببي على المسببي ، وفي جميع هذه الوجوه نظر.

أما الأول فلا يتم إلا اذا كان مقتضى الظن ببقاء القلة في الأول والكرية في الثاني متحققين في زمان واحد في ماء الحوض الواحد بأن يكون مسبوقا بالقلة والكثرة في زمان واحد ، فانه في مثله يقع التمانع بين النقيضين في تأثير الظن الفعلي فان الماء البالغ إلى حد خاص الجاري فيه استصحاب القلة تارة والكرية أخرى فانه مستحيل عقلا حصول الظن الفعلي في أحدهما بالخصوص مع حصوله في الآخر فانه من الظن الفعلي بالنقيضين وذلك محال كالقطع بتحققهما في الاستحالة.

وأما إذا كان الاستصحاب جاريا في زمانين بأن يكون في زمان مسبوقا بالقلة وفي زمان آخر مسبوقا بالكثرة فلا محذور في جريانهما إذ لا يلزم منه اجتماع الظن بطرفي النقيض كما هو كذلك في المقام فان الماء الشخصي البالغ إلى حد خاص في زمان يكون مسبوقا بالقلة فيجري فيه استصحاب القلة وفي زمان آخر يكون مسبوقا بالكثرة فيجري استصحاب الكثرة ، فجريان كل في زمان لا يمنع جريان الآخر في الزمان الآخر فلا يلزم المحذور المتقدم من تحقق الظن بطرفي النقيض ، ولكن لا يخفى أن هذا المسلك أي الظن الشخصي مبني على تحقق الملازمة بين الحدوث والبقاء فحينئذ يلزم محذور الظن بطرفي النقيض الذي هو

من المستحيلات الأولية ، ففي الفرض المذكور أن ملازمة الظن بالكرية تارة والقلة أخرى ولو في زمانين من المستحيلات بل لو فرض ماءان في مكانين نقطع بتساويهما مقدارا كان أحدهما مسبوقا بالقلة والآخر مسبوقا بالكرية لا يعقل تحقق الظن في أحدهما مع الظن بالآخر إذ مع القطع بتساوي الماءين يوجب القطع بعدم وجود المقتضي لأحد الظنين.

ولكن هذا الاشكال يرجع الى الاشكال الثاني بل يكون من صغريات مورد العلم الاجمالي بخلاف أحد الاستصحابين والجواب عن ذلك هو الجواب عن الاشكال الثاني فنقول : ان منشأ التعارض تارة يكون للتزاحم بين المقتضيين بما هما مقتضيان وذلك من حيث المدلولين واخرى لا يكون كذلك بل يكون من جهة حصول المانع فيهما فان كان من قبيل الأول لا يعقل تحقق الظن الفعلي بهما قطعا للزوم الظن بطرفي النقيضين وهو من المستحيل عقلا ، وان كان من قبيل الثاني فلا محذور فيه فان المقتضي لتحقق الظن بهما موجود وانما المانع بحسب وجود الملازمة الغالبية بين الحدوث والبقاء وذلك متحقق في كلا الاستصحابين. فعليه لا مانع من القول بتحقق التعارض بين الاستصحابين كما انه لا مانع من القول بحكومة أحدهما على الآخر كالسبي الذي هو حاكم على المسببي (١).

__________________

(١) والانصاف أنه لا يعقل تحقق المعارضة أو الحكومة بين دليلين لكون منشأ حجيتهما من باب تحقق الظن الفعلي لعدم معقولية تحقق الظن بطرفي النقيضين أو الضدين للزوم اجتماع صفتين فعليتين متناقضتين أو متضادتين وذلك مستحيل تحققه ، إذ كيف يعقل حصول الظن الفعلي بعدم اللازم في فرض حصوله بالملزوم وبالعكس ، وسيجيء

نعم تبقى جهة من الاشكال الثالث وهو أن في بعض الأحوال يوجب الظن بالمعلول الظن بالعلة كما أنه في بعض الأحوال القطع بالمعلول يوجب القطع بالعلة كما لو انحصرت معرفة النار بالدخان. إلّا ان ذلك انما يتحقق فيما اذا كان الانتقال الى علته منحصرا بالمعلول واما اذا لم يكن كذلك بل يكون الانتقال الى العلة بمقتض آخر غير مقتضى المعلول كما فيما نحن فيه فلا يوجب القطع بها ، ولكن لما كانت العلة بالطبع متقدمة عليه ومقتضى الانتقال اليها أيضا بالفرض متحقق في رتبة مقتضى الانتقال من المعلول وهذا يمنع من تأثير مقتضى الانتقال من المعلول على خلاف ما تقتضيه علته ، ولازم ذلك الظن بطرفي النقيض وهو باطل قطعا.

وكيف كان فهذه الوجوه لا يستفاد منها القول بالظن النوعي لما عرفت انه لا مانع من القول بحجية الاستصحاب من باب الظن الشخصي حيث ان مدرك هذا المسلك دعوى حكم العقل بالملازمة بين الحدوث والبقاء ولو من باب الغلبة ، ولذا نقول بأن العقل يحكم ببقاء ذات ما حدث وان ما حدث باق ، فيكون الاستصحاب من الأدلة العقلية ، وعليه لا مانع من القول بكون الظن من باب الظن الشخصي.

هذا غاية ما يقال في اعتبار الظن من باب الظن الشخصي ، ولكن لا يخفى ان اشكال تحقق الملازمة بين الحدوث والبقاء في الماء البالغ قدرا خاصا للظن الفعلي بالكرية تارة والقلة أخرى ولو في زمانين من المستحيل ، فعليه لو اردنا أن نقول بالظن الشخصي اما ان لا نقول

__________________

ان شاء الله تعالى ان التعارض أو الحكومة تتحقق بناء على اعتبار الظن من باب الظن النوعي أو حجية الاستصحاب من باب الأخبار.

بجريان أحد الاستصحابين أو عند أحدهما نغفل عن جريان الآخر ، على أنه لا يتحقق التعارض بين الاستصحابين ولا حكومة استصحاب السببي على المسببي لاستحالة تحقق اجتماع ظنين متنافيين أو تعارضهما نعم لو قلنا باعتبار الاستصحاب من باب الأخبار فلا مانع من ذلك اذ لا مانع من التعبد بطرفي النقيض في زمانين كما انه يصح تحقق المعارضة والحكومة بل حتى لو قلنا باعتبار الاستصحاب من باب الظن النوعي كما لا يخفى.

الامر الخامس

في انه يعتبر في الاستصحاب بقاء الموضوع فنقول :

لو شك في بقائه لا معنى لابقاء الحكم للقطع بأن الشك في بقاء الموضوع يوجب القطع بعدم بقاء الحكم. ومن هنا وقع الاشكال في استصحاب الأحكام الكلية من غير فرق بين أن يكون مدرك الاستصحاب النقل أو العقل بتقريب : ان الشك في بقاء الحكم الكلي ناشئ من اختلاف الحالات وتبدلها ، وذلك يوجب الشك في بقاء موضوعها حيث أن موضوع الأحكام الكلية هو المفاهيم الكلية ، واختلاف الحالات يوجب الاختلاف في ناحية المفهوم الذي أخذ موضوعا للحكم.

وبعبارة أخرى ان القيود التي تؤخذ في القضية بحسب الحقيقة ترجع إلى الموضوع وان كان ظاهر القضية رجوعها الى الحكم حيث إن لها دخلا في الحسن والقبح والمصلحة والمفسدة ، ولازم دخولها في مصلحة التكليف دخولها في موضوع التكليف وإلا فبدونه يلزم إطلاق مصلحة الموضوع ، ولازمه عدم دخلها في مصلحة التكليف وهو خلف.

لا يخفى أنه فرق بين القيود الراجعة الى ناحية الموضوع والقيود الراجعة الى ناحية الحكم ، فان الأولى لها دخل في مصلحة التكليف كالزوال والاستطاعة بالنسبة الى الصلاة والحج ، بخلاف قيود الحكم فان لها الدخل في تحقق المحتاج اليه وهو وجود ما هو متصف بالمصلحة كالطهور والستر بالنسبة الى الصلاة لعدم صلاحية رجوع مثل هذه القيود الى ناحية المصلحة وان أوجبت تضييقا في ظرف الحكم والمصلحة

ويمتنع اطلاقهما إلّا انها توجب ضيقا لاستحالة تقييد الموضوع بحكمه ففي مثل هذا الموضوع قد أخذ فيه الحكم على نحو التوأمية لا مطلقا ولا مقيدا ، لما عرفت من أن كل عرض يعرض على الذات يوجب تضييقا في ذات المعروض بنحو لا يكون له اطلاق يشمل حال عدمه ولا يكون قيدا فصليا فيكون الموضوع في امثال هذه القضايا نفس الذات القابلة للبقاء حتى مع اليقين بانتفاء قيد حكمه فضلا عن الشك بانتفائه فمع الشك في قيديته يجري فيه الاستصحاب كسائر أعراضه الخارجية لأجل الشك في بقاء عللها ، ودعوى ان الموضوع وان كان غير مقيد بقيود الحكم لكنه لا اطلاق له لكي يشمل حال عدم القيد فيكون الشك في قيدية الحكم موجبا للشك في انتفاء الموضوع ممنوعة ، إذ مناط بقاء الموضوع في الاستصحاب هو نظر العرف لا ينظر العقل إذ لو كان بنظر العقل فلا محيص في نفيه عند الشك ، حيث إن الشك في الموضوع يكفي فيه مجرد عدم اطلاق الموضوع بما هو موضوع الشامل لحال عدم القيد.

وبعبارة أخرى ان ذات الموضوع في الاستصحاب هو ذات ملحوظة في الحالتين لا بوصف كونها معروضة لليقين والشك ولازم ذلك تجديد متعلق اليقين والشك من هذه الجهة لكي يتعلق الشك بعين ما تعلق به اليقين كما هو كذلك بالنسبة الى جريان الاستصحاب في الأعراض الخارجية ، فكما يجري فيها يجري في الأحكام الكلية من غير فرق بينهما وان كان الفرق بالنسبة الى القيود فانها في الاعراض بوجودها الخارجي علل عروضها على محالها وفي الاحكام علل اتصاف الموضوعات باحكامها.

نعم يتم هذا الاشكال على ما ذكره الشيخ (قده) من عدم تصوير الواجبات المشروطة وارجاعها بحسب اللب الى المطلقة ، واما بناء على

ما سلكه الاستاذ في الكفاية من تصوير الواجب المشروط فيمكن له الالتزام بما ذكرنا من انه يتحد الموضوع في المقام بنحو الدقة حيث ان الموضوع في الاستصحاب يتجرد عن وصف اليقين والشك لكي يصدق عليه تعلق اليقين بعين ما تعلق به الشك ، ولو لا ذلك لا يتصور اجتماع اليقين والشك في زمان واحد بل يمنع استصحاب الاعراض الخارجية كسواد الجسم وبياضه وهو كما ترى.

وعليه لا بد من اعتبار الذات المحفوظة في حالتي اليقين بعروض العارض وشكه لكي يصدق تعلق الشك بعين ما تعلق به اليقين ، وحينئذ الاستصحاب كما يجري في الأعراض الخارجية يجري في الأحكام الكلية من غير فرق بينهما ، إلا من جهة أن القيود بوجوداتها الخارجية في الأعراض علل عروضها على محالها ، وفي الأحكام علل اتصاف الموضوعات بأحكامها لا علل عروضها عليها لعدم احتياجها الى وجود قيودها خارجا في مقام العروض وانما يحتاج في هذه المرحلة هو الوجود اللحاظي وكيف كان لا حاجة الى ما ذكر الاستاذ في الكفاية من أن المنظور في الموضوع في الاستصحاب الى النظر العرفي لا الدقي لما عرفت من انه لو اعتبرنا النظر الدقي فالموضوع متحقق وحده حقيقة ودقة.

الأمر السادس

في انه هل يشترط فعلية الشك

أم يكفي التقديري؟ فنقول :

(١) ان الاستصحاب عند الأصحاب يتقوم بركنين :

أحدهما ـ اليقين السابق وهو تارة يلاحظ باعتبار نفس اليقين ، واخرى يلاحظ باعتبار المتيقن ، فعلى الأول لا بد في الاستصحاب من فعلية اليقين والشك إذ ذلك قوام حقيقة الاستصحاب فلا يتحقق مع الغفلة لعدم حصوله معها ، واما بناء على تعلق حرمة النقض بالواقع بجعل اليقين المأخوذ في الدليل بنحو المرآتية للواقع فيمكن دعوى كفاية التقديري في الاستصحاب.

ثانيهما ـ الشك في بقائه كما هو معتبر في جميع موارد الاصول والامارات ، وهذا مما لا اشكال فيه وانما الاشكال في انه ما المراد بالشك هل هو الفعلي أو الأعم منه ومن التقديري؟ ويترتب على ذلك انه لو تيقن بالحدث في زمان وغفل عنه ودخل في الصلاة ثم بعد الفراغ حصل له الشك في انه تطهر من الحدث قبل الصلاة ام لا ولكنه بحيث لو التفت الى ذلك في الصلاة لشك فالظاهر عدم كفاية التقديري منه فلا يجري الاستصحاب في حقه كعدم كون الشك فعليا فيجري في حقه

__________________

(١) استنادا إلى أن كل عنوان أخذ موضوعا في لسان الدليل يستفاد منه الفعلية ، وفي المقام قد أخذ متعلق المتعلق أي متعلق النقض

قاعدة الفراغ فلا تجب الاعادة والقضاء ، نعم يجب تجديد الوضوء بالنسبة الى الصلاة الآتية.

وأما بناء على كفاية الشك التقديري فلا بد من الحكم بالبطلان ووجوب الاعادة والقضاء عند الالتفات الى حاله لجريان استصحاب الحدث قبل الصلاة في حال الغفلة ومقتضاه الحكم بفساد الصلاة ، ولكن الظاهر ان ما ذكر من الثمرة لا يترتب على التقديرين ، وذلك

__________________

الذي هو فعل المكلف المتعلق به الحرمة ومتعلق النقض هو اليقين والشك فعلية حرمة النقض ووجوب الابقاء الذي هو الاستصحاب متوقفة على فعلية الشك واليقين ففي مورد لا شك ولا يقين فعليين لا استصحاب ، إلّا ان ترتب الثمرة يحصل بجريان استصحاب الحدث التقديري فيمن تيقن الحدث وغفل ثم صلى وبعد الصلاة شك في الحدث فيحكم بالبطلان لو قلنا بعدم كفاية الشك التقديري في الاستصحاب ويحكم بالصحة لو قلنا بكفاية التقديري في الاستصحاب محل نظر ، إذ لا ترتبط الصحة والبطلان بجريان الاستصحاب وعدمه وانما الذي له الدخل في الصحة والبطلان جريان قاعدة الفراغ وعدمه في موارد الغفلة ، بيان ذلك : ان قاعدة الفراغ تارة نقول بجريانها في موارد الغفلة ، كما هو المستفاد من قوله (ع): «كل ما مضى من صلاتك وطهورك فذكرته تذكرا فامضه ولا اعادة عليك» وقوله (ع): «انما الشك اذا كنت في شيء لم تجزه» فيحكم بالصحة وإن قلنا بجريان الاستصحاب التقديري لحكومة قاعدة الفراغ حسب الفرض.

واخرى نقول بعدم جريانها في تلك الموارد واختصاصها بموارد ذكر المكلف والتفاته كما هو المستفاد من تعليل قوله (ع): «هو حين يتوضأ اذكر منه حين يشك».

أما بملاحظة الشك الفعلي الحاصل بعد العمل فلا معنى لجريان الاستصحاب من جهة حكومة قاعدة الفراغ ، وأما بملاحظة الشك التقديري قبل العمل فلا ينفع استصحاب الحدث لبطلان العمل المترتب عليه وجوب الاعادة بالنسبة الى ذلك.

وبتقرير آخر : ان الاستصحاب أما ان يكون حجة عقلية كالقطع أو تعبديا كالامارات ، فالأثر المترتب على كل جهة سواء كان أثرا عقليا أو شرعيا انما يترتب ما دامت الحجة قائمة لا مطلقا حتى بعد انقطاعها وزوالها بانكشاف الخلاف أو بالنسخ ، مثلا الاستصحاب في كل آن انما يثمر ويجب ترتب الأثر عليه في آن جريانه لا مطلقا حتى في الأثر المترتب بعد وجود الشيء في غير هذا الآن ، ومع زوال الاستصحاب في ظرف ترتبه ، كما لو فرضنا انه قد تيقن الحدث في زمان ثم تيقن الطهارة في الزمان المتأخر وصلى في حالة تيقنه بالطهارة فمقتضى حجية اليقين يحكم بصحة عمله وعدم وجوب الاعادة.

ولكنه لو زال بعد ذلك تيقنه بالطهارة وشك بالشك الساري بالطهارة بعد الحدث فلا موقع لان يقال إنه في ذلك الزمان أيضا يحكم

__________________

فلا يحكم بالصحة إذ الحكم بفساد الصلاة ووجوب الاعادة لا يتوقف على جريان الاستصحاب التقديري بل يكفي الاستصحاب الجاري بعد الصلاة عند الالتفات الى حاله ، فان متعلقه هو الحدث السابق على الصلاة وذلك يكفي في الحكم ببطلان الصلاة على تقدير عدم جريان قاعدة الفراغ كما هو المفروض.

وبالجملة ان هذه المسألة من فروع جريان قاعدة الفراغ في موارد الغفلة ، لا من فروع جريان الاستصحاب التقديري وعدم جريانه فلا تغفل.

بصحته وعدم وجوب الاعادة ، بل بمقتضى استصحاب الحدث الى زمان الشك يحكم الآن بفساد عمله من الأول وتجب الاعادة عليه فعلا كما فيما نحن فيه لو تيقن الحدث قبل الصلاة بزمان ثم حصل الشك الفعلي في بقائه قبل الصلاة فبمقتضى الاستصحاب في هذا الآن انه يشترط صحة عمله بالطهارة وانه لو دخل فيه بلا طهارة اوجب عليه الاعادة ظاهرا ولو كان في الواقع صحيحا ولكنه لو غفل بعد ذلك ودخل في العمل فلا يجري في حقه الآن الاستصحاب لغفلته ثم بعد الفراغ لو حصل له الشك الفعلي فلا يجب عليه الاعادة بنفس الاستصحاب قبل العمل في هذا الزمان بعد ما انقطع عنه بغفلته السابقة على العمل لانقطاع أثر الحجة بانقطاعها بالغفلة ، فحينئذ لا بد من ملاحظة حال الفعل وهو شكه الفعلي.

وحيث إن مورد قاعدة الفراغ هو الشك الحادث بعد العمل وهذا الشك ليس حادثا بعده بل انما هو نفس الشك الفعلي قبل الصلاة الذي طرأت عليه الغفلة ثم تذكره بعد الصلاة فلا تجري فيه قاعدة الفراغ ، فحينئذ يجري في حقه الآن استصحاب بقاء الحدث فيستكشف به وقوع الصلاة فاسدة فيترتب عليه وجوب اعادة الصلاة ، والوجه في وجوب الاعادة هو أن الاستصحاب بعد الفعل قبل العمل وإلّا لو قلنا بجريان قاعدة الفراغ وحكومتها على الاستصحاب بعد العمل لقلنا بصحة العمل حينئذ.

اذا عرفت ذلك فنقول :

في فرض مورد النزاع لما كان الشك الحادث بالفعل حادثا بعد العمل فباعتبار وجوده الفعلي بعد العمل لا يجري فيه الاستصحاب بل

تجري قاعدة الفراغ لحكومتها قطعا ولا تنفع ملاحظة الحالة قبل الصلاة التي كان الشك تقديريا فيها ، اذ لا ثمرة في جريانه لترتب الاثر في زمان بعد الفراغ.

بيان ذلك ان حجية كل طريق من امارة أو اصل معتبر انما يجب اتباعه ويترتب عليه الاثر من كونه منجزا أو معذرا انما هو في ظرف وجوده وبقائه على حجيته لا في ظرف انعدامه أو خروجه من الحجية ، وعليه بناء على كفاية الشك التقديري الموجب لجريان استصحاب الحدث في حال الغفلة قبل الصلاة فانه لا يوجب إلّا بطلان الصلاة سابقا.

وأما وجوب الاعادة أو القضاء فيما بعد الفراغ فهو ليس من الامور المرتبة على الاستصحاب المذكور وانما هو من آثار الاستصحاب الجاري بعد الفراغ.

وانما أثر ذلك الاستصحاب هو عدم جواز الدخول في الصلاة وجواز قطعها لو دخل فيها وهو غافل فاذا كان الاستصحاب الجاري بعد الفراغ محكوما بقاعدة الفراغ فمن حين الفراغ لا بد من الحكم بالصحة لأجل القاعدة لا البطلان لعدم جريان الاستصحاب في ذلك الحين ولا اثر للحكم ببطلانه سابقا بعد كون العمل محكوما بالصحة بمقتضى القاعدة.

ودعوى انه المانع من الحكم بصحة الصلاة وعدم جريان القاعدة هو الحدث الاستصحابي السابق على طرو الغفلة ممنوعة ، إذ ذلك لا يمنع عن الصحة لزواله بطرو الغفلة قبل الشروع بالصلاة لعدم صلاحية مانعية الحدث الاستصحابي السابق عن صحة الصلاة ، كما انه ليس صالحا لمانعية جريان قاعدة الفراغ حيث ان الشك متجدد بعد الفراغ

وبالجملة تنحصر المانعية عن صحة الصلاة في عدم جريان قاعدة الشك بعد الفراغ لاختصاص القاعدة في جريانها في صورة الشك الحادث بعد الفراغ من العمل بحيث لا يكون مسبوقا بالالتفات والشك قبل العمل وان غفل حين الشروع فيه فيظهر من ذلك أنه لا مجال لمثل هذه الثمرة بين القولين بعد أن كان الشك بالحدث متحققا بعد الفراغ من الصلاة فمن حين الفراغ تجري فيه قاعدة الشك بعد الفراغ المقتضية لصحتها والحاكمة على اصالة فسادها بعد الصلاة من غير فرق بين القول باعتبار الشك الفعلي من جريان الاستصحاب أو لكفاية الشك التقديري ، فمن ذلك يظهر النظر في كلام الشيخ الانصاري (قده) من ترتب الثمرة وتعليل بطلان الصلاة وعدم جريان قاعدة الشك بعد الفراغ بسبق الأمر بالطهارة والنهي عن الدخول بالصلاة ، نعم يمكن أن نترتب الثمرة بين القولين فيما لو علم بالطهارة فشك فيها قبل الصلاة ثم غفل وصلى وبعد الفراغ من الصلاة حصل له الشك للعلم الاجمالي بتوارد الحالتين عليه قبل الصلاة فانه بناء على كفاية الشك التقديري في الاستصحاب يحكم عليه بالصحة وعدم وجوب الاعادة.

وأما بناء على اعتبار الشك الفعلي فلا طريق لنا إلى احراز صحة صلاته وبطلانها لحصول الشك المفروض بالعلم الاجمالي بتوارد الحالتين ولا مجال لجريان الاستصحاب لعدم جريانه مع العلم الاجمالي أو لسقوطه بالمعارضة ، وأما قاعدة الشك بعد الفراغ فهي غير جارية لاختصاص جريانها بصورة الشك الحادث بعد الفراغ عن العمل.

إذا عرفت ذلك فاعلم انه يقع الكلام في بيان الاستصحاب في مقامين :

الأول في تنقيح محل النزاع وبيان الاقوال :

الثاني في أدلة الاستصحاب.

أما الاول فنقول ينقصم الاستصحاب تارة باعتبار المستصحب وأخرى باعتبار الدليل الدال عليه وثالثة باعتبار الشك المأخوذ فيه.

أما الأول فالمستصحب تارة يكون وجوديا وأخرى عدميا ، وعلى التقديرين فتارة يكون حكما شرعيا واخرى يكون موضوعا ذا حكم شرعي ، وعلى الأول تارة يكون حكما كليا واخرى حكما جزئيا ، وعلى التقديرين فتارة يكون من الأحكام التكليفية وأخرى من الأحكام الوضعية.

واما بالاعتبار الثاني فالدليل الدال على ثبوت المستصحب تارة يكون عقليا واخرى يكون شرعيا ، وعلى الثاني تارة يكون لفظيا كالكتاب والسنة وأخرى يكون لبيا كالاجماع.

وأما بالاعتبار الثالث فالشك في بقاء المستصحب تارة يكون من جهة المقتضي بمعنى الشك في قابلية المستصحب في نفسه للبقاء وأخرى يكون في الواقع مع القطع ببقاء قابلية المستصحب ، وعلى الثاني يكون الشك في جود الرافع تارة وأخرى في رافعية الموجود ، وقد وقع الخلاف بالنسبة إلى كل واحد من هذه الاقسام كما يستفاد من كلمات الاصحاب إلا ان العمدة من تلك الأقوال قولان مشهوران بين الاصحاب : أحدهما القول بالحجية مطلقا ، وثانيهما عدمها مطلقا.

وأما باقي التفصيلات فيظهر بطلانها من بيان القول المختار ، نعم ينبغي لنا بيان ما فصله شيخنا الانصار (قده) من التفصيل بين الأحكام الشرعية المستندة إلى الأحكام العقلية وبين غيرها فقال بعدم الحجية فى الأول دون الثاني ، واخرى بالتفصيل بين المقتضي والرافع وقال

بالحجية في الثاني دون الأول. وسيأتي ان شاء الله الكلام على كلتا الجهتين.

وأما ها يقال بأن استصحاب العدم ليس محلا للنزاع بل هو أمر مسلم عندهم كما يظهر من كلماتهم من استصحاب عدم النقل وعدم القرينة وعدم النسخ وأمثالهما مما هو مسلم عندهم فهو محل نظر ، إذ تلك الأمور انما تكون مسلمه عندهم لو بنينا على حجيته من باب الظن فتكون من صغريات الباب. غاية الأمر خرجت تلك الأمور بالاجماع ولا يلزم من اخراجها اخراج جميع الاستصحابات العدمية.

وأما لو بنينا على حجيته من الاخبار خرجت من صغريات الباب لما هو معلوم ان مثبتات تلك الأمور حجة عند جميع الاصحاب مع انه لو كان مدرك حجية هذه الامور هي الاخبار فلا تكون مثبتاتها حجة ولا بد من استكشاف حجية تلك الامور من سيرة العقلاء ، ولا صلة لذلك بأدلة الاستصحاب.

ومثل هذا التوهم توهم آخر منسوب الى بعض المحققين ان استصحاب العدم الأزلي الثابت قبل التكليف أو قبل الشرع من جهة عدم المقتضي للحكم مما لا اشكال فيه بتقريب ان الاستصحاب سواء كان بالنسبة إلى الأحكام او الموضوعات انما يجري بلحاظ الأثر الذي يكون أمر وضعه ورفعه بيد الشارع وفي غير ذلك لا موقع لجريان الاستصحاب فمرجع استصحاب الحكم الى جعل المماثل للحكم الثابت سابقا في ظرف الشك في بقائه بلسان التعبد به.

وعليه لا بد من أن يكون نفس ابقاء ذلك الحكم ورفع بقائه بيد الشارع لكي يمكن له أن يجعل مثله في ظرف الشك بلسان التعبد ببقائه ، فاذا ظهر ذلك فنقول أن تقي الحكم تارة يكون مستندا إلى

وجود المانع بمعنى ابقاء مقتضي الحكم تاما في ملاك الجعل والتشريع بحيث لا قصور في تمامية المقتضي لملاك الجعل ولكنه مع ذلك لما كان هناك مانع في نظر الشارع من الحكم فلهذا نفي الحكم ولم يجعله ففي مثله كان نفس الحكم ووضعه بيد الشارع لأن الفرض ان المقتضي للحكم كان تاما في الاقتضاء والملاك فاذا كان تاما في الملاك فليس في البين الالحاظ المانع فينتفي الحكم من جهة لحاظ المانعية ويثبته من جهة عدم لحاظ مانعيته فيكون أمر وضعه ورفعه بيده واخرى كان عدم الحكم من جهة عدم المقتضي والملاك بحيث لا ملاك للحكم أصلا ففي مثله لا يكون نفي الحكم بيد الشارع بل كان منتفيا بانتفاء ملاكه قهرا فكما أنه ليس له وضعه لاستحالة تحقق المعلول بلا علة وإذا كان عدم الحكم سابقا من قبيل هذا القسم كالأعدام الثابتة قبل التكليف أو الشرع فلا مجال لاستصحاب بقاء العدم على حاله لعدم كون رفعه ووضعه بيد الشارع فلا معنى للتعبد بعدم الحكم بلسان إبقاء العدم الذي ليس بيده ومن هذه الجهة لا يكون الاستصحاب في العدميات قابلا للنزاع في عدم حجيته.

ولكن لا يخفى أن دفع هذا التوهم يتوقف على ما هو مفاد الكلية المستفادة من الأدلة الدالة على جعل الطرق والاستصحاب من قوله «لا تنقض اليقين بالشك» من دون اختصاص لدليل الاستصحاب فنقول : ان مفاد قوله لا تنقض اليقين بالشك أو قوله صدق العادل عبارة عن اثبات اليقين بالشيء في ظرف الشك تعبدا فاذا كان الشيء مما يشك في بقائه فبدليل الاستصحاب يثبت اليقين بهذا البقاء في ظرف الشك ويرجع ذلك إلى رفع ما ينافي اليقين به تعبدا وحينئذ نقول انه اذا شك في بقاء العدم الأزلي على حاله فحقيقة هذا الشك مركب

من تحقق احتمالين أحدهما بقاء العدم على حاله وثانيهما انتقاضة بالوجود كما هو واضح.

ومن البديهي أن ما لا ينافي اليقين بالبقاء ليس إلّا الاحتمال الأول لأن احتمال البقاء لا يناقض اليقين به وانما يناقض اليقين به خصوص الاحتمال الثاني وهو احتمال الانتقاض بالوجود فمعنى جعل اليقين تعبدا في ظرف الشك ليس إلا القاء هذا الاحتمال ونفيه فاذا كان الأمر كذلك فاحتمال انتقاض العدم الأزلي بالوجود لا يتصور إلا في المرتبة المتأخرة عن كون محتملة مما تحقق فيه ملاك الحكم وصار مقتضيه تاما في الاقتضاء على فرض ثبوته واقعا وإلّا فمع عدم كون محتمله مما لا يتحقق فيه الملاك فلا يعقل انتقاضه بالوجود بحسب الواقع وحينئذ كان وضعه ورفعه بابقاء العدم على حاله بيد الشارع لأنه كما أن وجوده الواقعي المحتمل لو كان واقعا كان عن مقتض فمن هذه الجهة كان وضعه بيد الشارع فكذلك رفع هذا الوجود وابقاء العدم الأزلي في هذه المرتبة كان بيد الشارع ، إذ كل ما يكون وضعه بيد الشارع يكون رفعه بيده.

وأما تفصيل الشيخ (قده) بين استصحاب حال العقل فقال بعدم حجيته وبين استصحاب حال الشرع فقال بحجيته فمنشؤه هو اعتبار وحدة الموضوع في الاستصحاب لكي تكون القضية المتيقنة عين القضية المشكوكة وإلا مع عدم اتحاد القضيتين لا يجري الاستصحاب مطلقا لانه يكون من قبيل اسراء حكم من موضوع الى آخر.

بيان ذلك ان المأخوذ في لسان الدليل تارة يكون مناط اتحاد القضية المشكوكة مع المتيقنة هو الموضوع الواقعي وأخرى يكون مناط الاتحاد هو الموضوع العرفي فعلى الأول يكون عندنا مجال للتفصيل المذكور دون الثاني حيث

ان الموضوع الواقع في لسان الدليل لو كان من قبيل الأول كما لو أخذ في الدليل نفس الموضوع مثل قوله (الماء ينجس إذا تغير) فالاستصحاب لو شك في بقاءه على النجاسة لزوال تغيره من قبل نفسه لا لعارض فيكون الموضوع في الدليل هو الماء.

وأما إذا فرض أخذه في لسان الدليل الماء المتغير ينجس فلا يجري الاستصحاب بعد زوال نغيره لعدم بقاء الموضوع الذي هو الماء المتغير هذا بالنسبة إلى لسان الدليل.

وأما بالنسبة إلى حكم العقل يقبح الكذب أو حسن الصدق النافع فتارة لا يكون موضوعه ذات الكذب أو الصدق بل هو العنوان الضار أو النافع بما هو ضار ونافع بعنوان الموضوعية فاذا شك في بقاء الضرر في الأول والنفع في الثاني لا يكون الموضوع بما هو الموضوع باقيا فلا مجال للاستصحاب. وأخرى يكون المناط في الموضوع هو العرفي كما لو كان الموضوع في الحكم بالحرمة الشرعية في الكذب الضار هو ذات الكذب.

واما الضرر المأخوذ فيه انما هو حاله فيكون الموضوع باقيا في حال الشك فيجري فيه الاستصحاب مضافا إلى أن لازم ذلك هو التفصيل بين استصحاب حال الشرع وبين حال الاجماع.

إذ المنشأ لذلك موجود في المقامين توضيح ذلك. هو ان الملاك هو عدم احراز بقاء الموضوع ففيما اذا قام الاجماع على نجاسة الماء المتغير فالموضوع هو الماء بوصف التغيير فيكون الموضوع ذات الماء المتغير فالموضوع هو الماء بوصف التغير فمع زوال تغيره لا يجري الاستصحاب لعدم احراز الموضوع لما هو معلوم ان الاجماع دليل لبي يؤخذ بالقدر المتيقن فمع الشك في قيد من قيود الموضوع يشك في بقاء الموضوع

مع ان الشيخ (قده) لم يعد ذلك من الأقوال المفصلة في المسألة بل نسب ذلك إلى بعضهم لانه قال ان الاستصحاب حال الاجماع لا يكون داخلا في محل النزاع بل أكثر الأصحاب على عدم حجيته وقد عرفت ان عدم الحجية فيه كاستصحاب حال العقل من انه مرتب على جعل المدار على الموضوع في لسان الدليل هو الموضوع الواقعي لا العرفي وسيأتي ان المختار على اعتبار الموضوع العرقي فلا مانع من جريان استصحاب الحكم الشرعي المستند إلى حكم العقل هذا ولكن المذكور في كلام الشيخ (قده) هو عدم جريان استصحاب الحكم الشرعي المستند إلى حكم العقل بوجه أخر غير ما ذكرنا (١) فقال ما لفظه ولم أجد

__________________

(١) لا يخفى أنه وقع الخلاف في استصحاب الاحكام الشرعية المستندة إلى حكم العقل فقال الشيخ بعدم جريانه خلافا للمحقق الخراساني صاحب الكفاية والاستاذ المحقق النائيني فقالا باستصحابه والحق التفصيل بين ما كون الأحكام العقلية مستقلة مع قطع النظر عن حكم الشارع كالحكم بحسن العدل وقبح الظلم فان العدلية والمعتزلة حكموا باستقلاله خلافا للاشاعرة حيث أنكروا ذلك وبين ما لا تكون مستقلة وانما يكون حكم العقل كاشفا عن الحكم الشرعي بادراك ملاكه وعليه يكون الحكم الشرعي المستكشف وليس تابعا للحكم العقلي وانما هو متقدم عليه حيث انه استكشف بادراك ملاكه فعلى الأول لا يجري الاستصحاب حتى بالاضافة الى الحكم الشرعي حيث انه لما كان مستكشفا من الحكم العقلي بالملازمة فيدور مدارها وجودا وعدما فمع فرض عدم جريان الاستصحاب في الحكم العقلي لأجل تبدل عنوان الموضوع لزوال الخصوصية كما لو فرض تبدل عنوان الظلم فلا مجال لاستصحاب حرمته شرعا المستكشفة من حكم العقل بقبح الظلم مثلا بخلاف ما اذا

من فصّل بينهما الا في تحقق الاستصحاب مع ثبوت الحكم بالدليل العقلي وهو الحكم العقلي المتوصل به إلى حكم شرعي تأملا نظرا إلى أن الاحكام العقلية كلها مبينة مفصلة من حيث مناط الحكم والشك في بقاء المستصحب وعدمه لا بد وأن يرجع إلى الشك في موضوع الحكم لان الجهات المقتضية للحكم العقلي بالحسن والقبح كلها راجعة إلى قيود فعل المكلف الذي هو الموضوع فالشك في حكم العقل حتى لأجل وجود الرافع لا يكون إلا للشك في موضوعه والموضوع لا بد أن يكون محرزا معلوم البقاء في الاستصحاب كما سيجىء ولا فرق فيما ذكرنا بين أن يكون الشك من جهة الشك في وجود الرافع وبين أن يكون لأجل الشك في استعداد الحكم لان ارتفاع الحكم العقلي لا يكون إلا بارتفاع موضوعه فيرجع الأمر بالاخرة إلى تبدل العنوان ألا ترى أن العقل إذا حكم بقبح الصدق الضار فحكمه يرجع إلى أن الضار من حيث إنه ضار حرام ومعلوم أن هذه القضية غير قابلة للاستصحاب عند الشك في الضرر مع العلم يتحققه سابقا لأن قولنا المضر قبيح حكم دائمي لا يحتمل ارتفاعه أبدا ولا ينفع في اثبات القيح عند الشك في بقاء الضرر ، ولا يجوز أن يقال أن هذا الصدق كان قبيحا سابقا فيستصحب قبحه ،

__________________

كان من قبيل الثاني فانه لا مانع من جريان استصحاب الحكم الشرعي المستكشف بادراك ملاكه لاحتمال أن يكون ملاك الحكم الشرعي أوسع مما أدركه العقل أو يكون له ملاكان مستقلان والعقل قد أدرك أحدهما وعليه يمكن أن يقال بأن ما ذكره الشيخ الأنصاري من منع جريان الاستصحاب في الحكم الشرعي المستكشف من الحكم العقلي راجع إلى القسم الأول وما ذكره المحقق الخراساني في الكفاية ووافقه الاستاذ النّائينيّ راجع إلى القسم الثاني فلا تغفل.

لان الموضوع في حكم العقل بالقبح ليس هذا الصدق ، بل عنوان المضر ، والحكم عليه مقطوع البقاء (وهذا) بخلاف الأحكام الشرعية فانه قد يحكم الشارع على الصدق بكونه حراما ولا يعلم أن المناط الحقيقي فيه باق في زمان الشك أو مرتفع فيستصحب الحكم الشرعي».

وحاصله أن استكشاف الحكم الشرعي من الحكم العقلي انما يكون من باب الملازمة بين الحكمين ومن الواضح أن العلم بوجود أحد المتلازمين علم بوجود الآخر وكذلك في ظرف العدم وحيث انه لا إهمال ولا اجمال في حكم العقل إذ العقل لا يستقل بحسن شيء أو قبحه إلا بعد الالتفات إلى موضوع حكمه بجميع خصوصياته مما له الدخل في حكمه فمع بقاء الموضوع بجميع الخصوصيات يكون الحكم العقلي مقطوع البقاء وكذلك الحكم الشرعي لما عرفت من التبعية ومع فقد قيد أو خصوصية فالحكم العقلي مقطوع الارتفاع وكذلك الحكم الشرعي فالحكمان دائما اما مقطوع البقاء واما مقطوع الارتفاع فلا شك في البين حتى يجري الاستصحاب في الاحكام العقلية والاحكام الشرعية المستندة اليها وقد أشكل عليه انه لا يلزم أن يكون مناط حكم العقل مبين عنده تفصيلا بل يمكن أن يدرك العقل في مورد على نحو الاجمال بأن يدرك أن في الكذب الضار مناط القبح فيحكم من جهة ذلك بقبحه ولو لم يعلم ان تمام المناط هو الضرر أو هو الكذب أو هما معا فحينئذ مع زوال الضرر يمكن فيه أن يقع الشك في قبحه فيشك في بقاء الحكم الشرعي وان لم يكن هنا شك في حكم العقل لعدم الشك في بقاء مناطه وبهذا ظهر انه يمكن تصور الشك في بقاء الحكم في الشبهة الحكمية أيضا وان كان ذلك من جهة الشك في بقاء الموضوع والمقصود من هذه الاشكال انه لا ينحصر الشك في بقاء الحكم الشرعي

المستند إلى الأحكام العقلية بخصوص الشبهات الموضوعية فقط بل يجري في الشبهات الحكمية أيضا. كما سيأتي عن قريب ثم انه يشكل على تفصيل الشيخ (قدس‌سره) بين أن يكون دليل المستصحب عقليا أو شرعيا لجريانه في الثاني دون الأول نظرا إلى ان الاحكام العقلية كلها مبينة ومفصلة من حيث مناط الحكم الشرعي والشك في بقاء الحكم المستصحب وعدمه لا بد أن يرجع إلى الشك في موضوع حكم العقل لان الجهات المقتضية لحكم العقل بالحسن والقبح كلها راجعة إلى قيود فعل المكلف الذي هو الموضوع فالشك في حكم العقل ولو لاجل وجود الرافع لا يكون إلا الشك في موضوعه ومن الواضع ان قوام الاستصحاب أن يكون الموضوع معلوم البقاء (١) ولكن لا يخفى ان ما يؤخذ في

__________________

(١) وبتقريب آخر انه لا اهمال ولا اجمال في حكم العقل لعدم استقلاله بالحسن أو القبح إلا بعد الالتفات إلى موضوع حكمه مع جميع ما يحتمل دخله في حكمه فمع تحقق الموضوع المشتمل على جميع تلك الخصوصيات الموجودة فيه يكون حكم العقل مقطوع البقاء وهكذا الحكم الشرعي المستكشف منه ومع فقد قيد أو خصوصية فالحكم العقل مقطوع الارتفاع وكذلك الحكم الشرعي لما عرفت من تبعيته له فالحكمان العقلي والشرعي دائما أما مقطوع البقاء أو مقطوع الارتفاع وليس في المقام شك حتى يتحقق مورد الاستصحاب ولكن لا يخفى ان ما ذكره (قده) بناء على كون أخذ القيد في موضوع الحكم العقلي بالحسن والقبح له الدخل في مناط حكمه واما لو قلنا بأن العقل يحكم حكما قطعيا بالحسن أو القبح مع اجتماع تلك القيود والخصوصيات من دون أن يعلم بأن تلك القيود والخصوصيات لها دخل في مناط حكمه ومع احتمال وجود المناط في فاقد القيد يحتمل بقاء

الموضوع تارة يكون بنحو الوصفية والقيدية واخرى بنحو الشرطية ، فما كان من قبيل الأول بأن كان المأخوذ في الموضوع أجنبيا عن ذات

__________________

الحكم الشرعي وعدم انتفاءه وبانتفاء حكم العقل فيجري الاستصحاب في الحكم الشرعي فيترتب عليه أثار البقاء مضافا الى ما ذكره المحقق الخراساني في كفايته من أن الحكم الشرعي انما يتبع ما هو ملاك حكم العقل واقعا لا ما هو مناط حكمه فعلا إذ رب خصوصية لها دخل في استقلاله مع احتمال عدم دخله فبدونها لا استقلال له بشيء قطعا مع احتمال بقاءه واقعا ومعه يحتمل بقاء الحكم الشرعي فارتفاع حكم العقل لا يلازم ارتفاع حكم الشرع اذا الحكم الشرعي المستكشف انما يلازم حكم العقل في مقام الاثبات والاستكشاف دون مقام الثبوت ونفس الامر لاحتمال أن لا يكون للخصوصيات الزائلة دخل في الملاك واقعا هذا وقد ذكر الاستاذ المحقق النائيني (قده) فى مجلس درسه الشريف في هذا المقام وجهين :

الاول : ان أخذ الخصوصية في موضوع حكم العقل من جهة كون الواجد لها هو المتيقن في اشتماله على الملاك مع عدم دخل تلك الخصوصية في الملاك فحكم العقل بحسن الواجد وقبحه فى الفاقد من قبيل الأخذ بالقدر المتيقن فان العقل انما حكم بقبح الكاذب مثلا من جهة ان الكذب الواجد للخصوصية هو المتيقن بقبحه وقيام المفسدة فيه مع أنه يحتمل أن لا يكون لخصوصية الضرر مثلا دخل في ملاك القبح وحينئذ لا مانع من جريان الاستصحاب في الحكم الشرعي المستكشف لبقائه بعد زوال الخصوصية.

الثاني : أن الخصوصية التي لها دخل في ملاك الحكم العقلي مع زوالها تمنع من جريان الاستصحاب في الحكم العقلي وليست مانعة

الموضوع : كما لو أخذ التغير وصفا فمع زواله من قبل نفسه وشك في بقاء النجاسة لا يجري فيه الاستصحاب لأن الشك عندئذ يكون فى بقاء الموضوع ويشترط في الاستصحاب بقاء الموضوع ، وما كان من قبيل الثاني بأن يكون من قبيل المعلول لذات الموضوع : مثل عنوان الضرر الذي أخذ في الكذب الذي يحكم العقل بقبحه ، وكعنوان النفع الذي هو معلول لعنوان الصدق الذي يحكم العقل بحسنه ، ففي مثله موضوع الحكم العقل بقبحه أو حسنه الذي يستكشف به الحكم الشرعي هو ذات الكذب والصدق.

وأما عنوان الضرر والنفع الموجبان للحكم بالقبح والحسن فلم يؤخذا قيدا وانما أخذا بنحو الجهة التعليلية ، حيث أن ذات الكذب أو الصدق في مثل المورد قد أخذ مقدمة وعلة لتحقيق هذا العنوان المحكوم بقبحه أو حسنه : فتكون ذات الكذب محكومة بالقبح بمقتضى المقدمية قبحا غيريا ومحرما شرعيا ، وذات الصدق واجب شرعي غيري وحسن غيري ، وعليه إذا احتمل زوال عنوان الضرر أو عنوان النفع كانت نفس الذات بعينها باقيا ، فلا يكون الشك في بقاء حكمه الغيري لاجل الشك في بقاء الموضوع فيشمله دليل الاستصحاب.

ومما ذكرنا يظهر بطلان ما يقال من أن القيود في الاحكام العقلية بجميعها ترجع إلى نفس الموضوع الذي هو فعل المكلف ، فالشك في

__________________

من جريان الحكم الشرعي المستكشف به فان دخل تلك الخصوصية في ملاك الحكم الشرعي محل شك وعليه لا مانع من الرجوع الى الاستصحاب بعد تحقيق الموضوع في نظير العرف الذي هو المناط في تحققه ، هذا وقد عرفت منا سابقا ان الحق هو التفصيل في الاحكام العقلية فلا تغفل.

بقاء الحكم المستكشف من الحكم العقلي يرجع إلى الشك في بقاء موضوعه ولو كان لأجل الشك في الرافع ، لما عرفت من أن دخل بعض القيود في الاحكام العقلية من الجهات التعليلية لعروض الحسن والقبح على نفس الذات ، كما في مثل عنوان الضرر والنفع العارضين على الصدق والكذب فان عروضهما موجب للحسن والقبح على نفس الذات بنحو الجهات التعليلية لا بنحو الجهات التقيدية ، لما هو معلوم من أن هذه الجهات انما حصلت لكون الذات مقدمة لها فتكون الذات مصداقا للمقدمية من دون أن يكون لعنوان المقدمية دخل في موضوع الحكم فالموضوع حينئذ عبارة عن نفس الذات ففي مثله مما يقطع ببقائه في الزمان الثاني حتى مع القطع بانتفاء قيد حكمه فضلا عما لو شك فيه ودعوى عدم جريان الاستصحاب في الأحكام العقلية المستكشف منها الاحكام الشرعية من جهة عدم اتحاد وحدة الموضوع في القضية المشكوكة والمتيقنة لقيام احتمال تغاير الموضوع فى كل مورد يكون الشك فى بقاء الحكم الشرعي من جهة الشك في انتفاء ما له الدخل في موضوع الحكم قطعا أو احتمالا من غير فرق بين الشبهة الحكمية أو الموضوعية مثلا لو حكم الشارع على الصدق الضاد لكونه حراما واحتمل دخل ذلك الوصف في موضوع الحكم فالشك في بقائه على المقدمية لا يجري فيه الاستصحاب لعدم احراز بقاء الموضوع في الزمان الثاني ممنوعة إذ ذلك يتم على اعتبار وحدة الموضوع في القضية المشكوكة والمتيقنة على اعتبارها بنحو الدقة العقلية وأما بناء على اعتبار الوحدة العرفية كما هو مرتكز في أذهان المتشرعة في نظائره من أحكامهم العرفية بمناسبة الحكم للموضوع فلا قصور في جريان الاستصحاب فكما أنه يجري الاستصحاب في الحكم الشرعي

المستكشف من الدليل الشرعي كالموضوع المأخوذ في لسان الدليل كذلك يجري في الحكم المستكشف من الدليل العقلي ودعوى أن الحكم العقلي منتف قطعا لعدم ادراكه فعلا مع الشك في ملاك حكمه فغير ضائر بجريان الاستصحاب في الحكم الشرعي المستكشف منه لما هو معلوم ان استتباع الحكم الشرعي للحكم العقلي انما هو في مقام الكشف والاثبات لا مقام الثبوت وانما هو في هذا المقام تابع لتحقق ملاكه واقعا وبالجملة لا مجال للتفصيل في جريان الاستصحاب بين كون دليل الحكم شرعيا أو عقليا.

مضافا إلى ان ذلك بناء على المنع من جريان استصحاب الاحكام المستكشفة من الأدلة العقلية لأجل الشك في بقاء الموضوع واما بناء على عدم جريانه من حيث مناط الحكم وموضوعه بأن يكون مبنيا ومفصلا لعدم الحكم بشيء حسنا أو قبيحا إلّا بأن يتشخص موضوعه ويعرف ما له الدخل في مناط حكمه مما لا دخل له فاذا كان مناط الحكم الشرعي وموضوعه هو مناط الحكم العقلي وموضوعه فلا يتصور فيه الشك في البقاء حتى يجري فيه الاستصحاب ولكن لا يخفى انه نمنع كون حكم العقل بالحسن والقبح لا بد أن يكون عن مناط محرز تفصيلا بل كما يكون ذلك يمكن أن يكون عن مناط اجمالي كما عرفت سابقا.

فعليه لا مانع عن تحقق الشك في بقاء المناط ولو مع العلم بانتفاء بعض ما له الدخل في العلم بوجوده اجمالا فضلا عن الشك بانتفائه ولا ينافي ذلك انتفاء الحكم العقلي لعدم تحقق دركه للمناط لانتفاء بعض ما له الدخل والجزم بانتفاء الحكم العقلي لا يضر بجريان الاستصحاب في الحكم الشرعي المستكشف منه لأن بقاء الحكم الشرعي

ثبوتا تابع لبقاء مناط القبح واقعا لا تابع لبقائه اثباتا هذا كله في استصحاب الحكم الشرعي المستكشف من الحكم العقلي.

وأما استصحاب الموضوع الذي حكم العقل بحسنه أو قبحه والشارع حكم بوجوبه أو حرمته فيجري استصحابه إذا شك فيه من جهة بعض الامور الخارجية كما لو شك في بقاء وصف الاضرار في الكذب الذي حكم بقبحه.

وأما لو شك من جهة انتفاء بعض الخصوصيات التي يحتمل دخلها في الموضوع فالظاهر عدم جريانه في موضوعات الاحكام في الشبهات الحكمية لرجوع ذلك إلى الشك في نفس الموضوع المردد بين الواجد للقيد أو هو الاعم من الواجد والفاقد فيكون من قبيل دوران أمره بين ما هو مقطوع البقاء وما هو مقطوع الارتفاع وذلك لا يجري فيه الاستصحاب إذ يكون من قبيل استصحاب الفرد المردد.

نعم لو كان الاثر مترتبا على ما تعنون بالعنوان الاجمالي. فيصح جريان الاستصحاب فيه إلّا ان المفروض ان الاثر مترتب على ما هو معروض الحكم واقعا.

وعليه لا يشك في بقائه هذا إذا كان الشك في بقاء الحكم العقلي من جهة الشك في بقاء قيديّته ، أما إذا كان الشك في بقاء الملاك والمناط فتحقق الشك في غاية الامكان إذ من الممكن دعوى عدم تحقق الحكم العقلي ولكن ذلك لا يوجب عدم تحقق الحكم الشرعي المستند إلى الحكم العقلي فانه من الممكن الشك في تحقق مناط حكمه لما عرفت منا سابقا من امكانه وتحققه فما يظهر من الشيخ الانصاري (قده) من استشكاله في استصحاب الاحكام العقلية المستكشفة منها الشرعية من جهة الشك في بقاء الموضوع وصحة جريان الاستصحاب أو كان

بلسان الدليل اللفظي إذ فيه يكون لسان الدليل نفس ذات الكذب والصدق وفى الدليل العقلي يكون موضوعه القبح الضار وحسن النافع فعليه مع الشك لا معنى لبقاء الموضوع بخلاف النحو الاول الذي يكون لسانه نفس الكذب والصدق فيكون الشك في العنوان لا يوجب الشك في اصل الموضوع فلا مانع من استصحابه لبقاء الموضوع هذا لو كانت الملاحظة بالنسبة إلى الموضوع بحسب الدقة واما لو كان لحاظه بحسب نظر العرف ، فيمكن دعوى عدم الفرق بين ما يكون لسان الدليل لفظيا أو عقليا إذ يمكن أن يقال إنه بالنسبة إلى الحكم العقلي تؤخذ القيود بنحو التعليل ويكون الموضوع نفس الذات مثلا ، إذ موضوع الحكم بالقبح والحسن لاجل عنوان المضرية أو النافعية أخذا بنحو العلية فلا يكونان داخلين في الذات وإنما أخذا عنوانين مشيرين إلى الذات كما هو بالنسبة إلى الدليل اللفظي نعم حيث انهما مترتبان على الذات أوجبا ضيقا في اطلاق الذات فلا اطلاق في الذات لكي يشمل فاقد القيد كما أن الذات ليست مقيدة بهما وبالجملة الذات في المقامين لم تقيد بالقيود وانما الذات أخذت في لسان الدليل اللفظي غير مقيدة بها كما هو كذلك في لسان الدليل العقلي فلا يكون الشك في تلك العناوين شكا في بقاء الموضوع فافهم.

«التفصيل بين الشك في المقتضى والرافع»

ثم ان الشيخ الانصاري (قده) فصل بين الشك في المقتضي وبين الشك في الرافع فقال بحجية الثاني دون الأول استنادا إلى أن تصحيح تعلق النقض باليقين لا المتيقن كما في قوله (ع) لا تنقض اليقين بالشك يحتاج إلى وجود المقتضي للبقاء في المتيقن وحينئذ يكون النقض واردا على اليقين باعتبار وحدة متعلق الشك واليقين وإلّا يلزم أن يكون اليقين مجامعا للشك واستنادا الى ان صدق نقض اليقين بالشك انما يتحقق في زمان لاحق الذي يقع الشك فيه في بقاء المتيقن ولازم ذلك أن يكون المتيقن له جهة استمرار لكي يتعلق الشك بما تعلق به اليقين فيكون المتيقن في الزمان اللاحق كأنه متيقن الوجود من حين حدوث اليقين لوجوده وقد انتقض اليقين به لعروض الشك في المتعلق فحينئذ يصح بذلك النقض فاذا صح ذلك صح تعلق النهي به بقوله عليه‌السلام لا تنقض اليقين بالشك (١). باعتبار البناء العملي

__________________

(١) لا يخفى أن تفصيل الشيخ (قده) مبني على أن المراد من المقتضي ما يكون فيه قابلية المستصحب للبقاء والاستعداد له لا المقتضي الذي هو من أجزاء العلة فانه انما يتحقق في الامور التكوينية والكلام في المقتضي في الاحكام الشرعية وهي امور اعتبارية ولا ملاكات الاحكام التي هي المصالح والمفاسد إذ يلزم أن لا يجري الاستصحاب أبدا إذ ما من مورد الا ويشك في وجود الملاك لعدم معرفته أصلا ولا طريق لنا إلى معرفته إلا من الأئمة المعصومين (سلام الله عليهم) ولا موضوعات الاحكام المعبر عنها في الأحكام

إلى غير ذلك من الوجوه التي يستفاد من الاخبار وسيأتي إن شاء الله ان جميع ما ذكر لا يثبت التفصيل المذكور واما التعرض لباقي الأقوال في المسألة فلا يهمنا التعرض لها.

__________________

التكليفية بالشرائط وفي الاحكام الوضعية بالأسباب حيث ان اعتبار بقاء الموضوع في الاستصحاب مما لا كلام فيه ولا معنى للتفصيل في الاستصحاب بيان ذلك أن المستصحب أما أن يكون من الموضوعات الخارجية أو من الأحكام الشرعية فان كان الأول فاما أن يعلم مقدار قابليته للبقاء ويكون الشك في طرو عارض كمثل الموت وعليه فتارة يعلم بأن له قابلية البقاء كالفيل مثلا مائة سنة وأخرى لا يعلم بمقدار قابليته للبقاء كالبق مثلا لعدم العلم بمقدار قابليته فان كان من قبيل الاول فمرجع الشك فيه الى الشك في الرافع للعلم بمقدار القابلية فحينئذ يقع الشك في الرافع وإن كان من قبيل الثاني فمرجعه إلى الشك في المقتضي لعدم العلم بمقدار القابلية وإن كان الثاني أي ما يكون الموضوع من الأحكام الشرعية فانه يعلم بجعله غاية للحكم وأخرى لا يعلم بعدم جعله غاية للحكم وثالثة لا يعلم بجعل الغاية.

أما الأول فتارة يكون الشك من جهة الشبهة الحكمية وأخرى يكون من جهة الشبهة الموضوعية فما كان من قبيل الأول كمثل استتار القرص الذي جعل غاية لأداء صلاة الظهرين إلا انه لا يعلم المراد منه هل هو نفس استتار القرص أو ذهاب الحمرة المشرقية فالشك في ذلك يرجع إلى الشك في المقتضي لرجوعه إلى الشك في قابلية أصل بقاء الحكم وما كان من قبيل الثاني فمرجعه إلى الشك في الرافع إذ بقاء قابلية وجوب صلاة الظهرين إلى الغروب ليس بمشكوك ، وانما الشك في تحقق الغاية الموجب للشك في الرافع ، وسر الفرق بين الصورتين هو أن الشك في القسم الثاني مسبوق بالعدم فيمكن استصحاب العدم

وأما التفصيل بين الشبهات الحكمية وبين الشبهات الموضوعية لجريان الاستصحاب في الثاني دون الأول لتعارض استصحاب الوجودي مع استصحاب العدمي في موارد الشبهات الحكمية دون الموضوعية (١)

__________________

بخلاف القسم الأول حيث أن الشبهة حكمية ليس لها حالة سابقة متيقنة لكي يستصحب.

وأما القسم الثاني يعلم بعدم جعل الغاية وحينئذ يكون الحكم مرسلا وله قابلية للبقاء ، ويكون الشك فيه لاجل احتمال عروض عارض يوجب ارتفاعه كالشك في بقاء الملكية بعد الفسخ في بيع المعاطاة فيستصحب لاثبات اللزوم ، ولاجل ذلك ذكر الاستاذ المحقق النائيني (قده) بأن ما أورده السيد في حاشية المكاسب على الشيخ الانصاري من أن هذا الاستصحاب لاثبات اللزوم من الشك في المقتضي غير وارد على مبناه ، لرجوعه إلى الشك في الرافع.

وأما القسم الثالث الذي لا يعلم أن للحكم غاية أم لا كما هو كذلك بالنسبة إلى جملة من الخيارات كخيار الغبن وخيار العيب وخيار الرؤية وغير ذلك مما يشك فيما يحتمل بأن يكون فوريا له زمان محدد وهو أول زمان يمكن أن يقع فيه الفسخ فمع تحقق الشك في ذلك يكون من الشك في المقتضي ، وعليه لا يجري فيه الاستصحاب فلا تغفل.

(١) وقد أجاب الشيخ الانصاري (قده) بأن الزمان ان أخذ قيدا ومفردا جرى استصحاب العدم الازلي حيث أن العدم الأزلي يشمل يوما قبل الخميس ويوم الخميس ويوم السبت نعم خرج من العدم الازلي خصوص يوم الجمعة فلا يجري استصحاب الوجودي للعلم بارتفاعه وإن كان الزمان قد أخذ ظرفا فيجري استصحاب الوجودي ولا يجري

بيان ذلك انه لو علم بوجوب الجلوس في يوم الجمعة ثم شك في وجوبه يوم السبت فيستصحب الوجوب الثابت يوم الجمعة ويعارضه استصحاب عدم الوجوب المتحقق يوم الخميس ودعوى عدم اتصال الشك باليقين في غير محله إذ يوم الخميس يتيقن بعدم الوجوب وفي ذلك اليوم يشك في وجوب الجلوس يوم السبت وأما بالنسبة إلى الموضوعات فليس للشارع دخل في الجعل فاذا

__________________

استصحاب العدم لانتقاضه بالوجود المطلق وقد وافقه المحقق الخراساني (قده) على ذلك إلّا أنه قال ان ذلك في مقام الثبوت.

وأما مقام الاثبات فقد ادعى ان الزمان بحسب المتفاهم العرفي قد أخذ بنحو الظرفية وقد أجاب المحقق الاستاذ النّائينيّ (قده) عن ذلك بجوابين.

أحدهما عدم اتصال الشك باليقين ولا ينفع اتصال صفة اليقين بالشك ولذا لو تيقن أحد بعدالة زيد فنام ثم شك بعد انتباهته في بقاء عدالته فلا اشكال في جريان الاستصحاب مع أن صفة اليقين ليست متصلة بصفة الشك وعليه لا يمكن جريان استصحاب عدم التكليف في المقام لانفصال زمن المتيقن عن زمان المشكوك :

ثانيهما : أن جريان الاستصحاب انما ينفع إذا كان له أثر فان الجعل وإن كان أمرا حادثا إلّا ان عدمه ليس له أثر اذ الآثار العقلية والشرعية انما تترتب على المجعول ولا تترتب على الجعل ثم لا يخفى ان هذه المعارضة انما تتحقق فيما عدا الاباحة.

وأما بالنسبة إلى الاباحة فلا مانع من جريان الاستصحاب فيها لعدم جريان الاستصحاب العدم الازلي إذ الاشياء قبل الشريعة كانت مطلقة غير ممنوعة حتى يرد النهي من الشارع كما هو مفاد قوله ما حجب الله علمه عن العباد فهو موضوع عنه وكيف كان فليس في المقام

تيقن عدالة زيد ثم شك في عدالته لا اشكال في جريان الاستصحاب وعدم معارضته للاستصحاب العدمي لعدم تحقق ملاك المعارضة وأما التفصيل بين الشك في خصوص باب الطهارات حدثيا كانت أو خبثيا

__________________

اشكال من جريان الاستصحاب الوجودي الا لمعارضته بالاستصحاب العدمي وهذه المعارضة تتم بناء على جريان الاستصحاب العدمي والظاهر عدم المانع من جريانه وانه يسقط بمعارضته للوجودي بيان ذلك يتوقف على بيان أمرين :

الأول : ان الحكم في باب الاوامر ليس من الامور الحقيقية وانما هو اعتباري قائم بالنفس وزمامه بيد المعتبر وجاعله حيثما يشاء مثلا الوجوب عبارة عن اعتبار فعل على ذمة المكلف كما ان الحرمة عبارة عن اعتبار حرمانه عنه. غاية الأمر ان هذا الامر النفساني ما لم يظهر بمظهر من القول أو الكتابة أو غيرهما لا يسمى حكما.

الثاني : ان الحكم تارة يكون كل واحد من الاعتبار والمعتبر فعليا كما إذا اعتبر الفعل على ذمة الغير من دون أن يتوقف على مجيء زمان أو زماني بأن يكون مطلقا غير مشروط بشيء وأخرى يكون الاعتبار فعليا والمعتبر متوقفا على مجيء زمان او زماني كما في الحج أو الوصية فان المعتبر في الأول هو وجوب الحج وهو متوقف على الاستطاعة والثاني فان المعتبر هو الملكية وهي متوقفة على موت الموصي فيكون الوجوب والملكية مشروطا لا مطلقا.

فالفرق بين المطلق والمشروط هو أن المعتبر في الاول فعلي بخلاف الثاني فانه متوقف على مجيء زمان أو زماني فهما وان اشتركا في الفعلية إذا عرفت ذلك فاعلم ان الأحكام كلها من الواجبات والمحرمات على نحو القضايا الحقيقية مشروطة بوجوب موضوعاته من غير فرق بينها سواء

وباقي الاحداث وبين غيرها فيكون الاستصحاب حجة في الاول دون

__________________

كان متوقفا على مجيء زمان أو زماني أو غير متوقف عليهما فالحكم انما يتوقف على وجود الموضوع في الخارج وعليه فكما انه يترتب الاثر من وجوب الاتيان في الواجبات والاجتناب عن المحرمات فيما اذا علم وجدانا بتحقق كل من الاعتبار والموضوع ومن عدم وجوبهما فيما إذا علم بعدم تحقق أحدهما أو كليهما كذلك يترتب الاثر فيما اذا حصل تحققها أو عدم تحقق أحدهما أو كليهما بالتعبد الاستصحابي.

وعلى كل فكما يصح الحكم بعدم وجوب الجلوس بعد الزوال في مفروض المثال فيما اذا علم وجدانا بعدم اعتبار الوجوب بالاضافة إلى ما بعد الزوال كذلك يصح الحكم بعدم الوجوب فيما إذا علم اعتباره بالتعبد الاستصحابي.

فعليه لا يكون التعبد باستصحاب العدم الأزلي لغوا فلو لا معارضته استصحاب بقاء الوجوب الثابت قبل الزوال له لقلنا بجريانه فمن ذلك يظهر أن استصحاب الاحكام التكليفية بعثية كانت أو زجرية لا تجري لمعارضتها باستصحاب العدم الأزلي ومن هنا لا مانع من استصحاب الأحكام الترخيصية لعدم جريان استصحاب العدم الازلي فيها لكي يكون معارضا لأن الأشياء قبل الشريعة كانت مطلقة غير ممنوعة.

وأما الاحكام الوضعية :

فما كان فيها كلفة كان الاستصحاب الوجودي معارضا لاستصحاب العدمي وكلما كان موجبا للسعة لم يكن الاستصحاب الوجودي معارضا

الثاني ومنشأ هذا التفصيل هو أن موارد الاخبار الآتية هو باب الوضوء والطهارة عن الخبثية ويلحق بهما غيرهما من أقسام الطهارات والاحداث بناء على كون اللام في (اليقين) هي لام العهد وسيأتي ان شاء الله بطلان هذا الاحتمال وان الظاهر من اللام في اليقين هي لام الجنس.

__________________

لشيء. نعم ربما يقال بعدم جريان الاستصحاب في الاحكام انما هو لقصور في المقتضي في مقام الاثبات بدعوى أن أدلة الحجية في الروايات لا تشمل موارد الشك في الاحكام إذ الروايات انما وردت في موارد الشك في الموضوعات الخارجية فلا يمكن التعدي عنها في موارد الشك في الاحكام التكليفية ولكن لا يخفى أن اطلاق الروايات خصوصا اطلاق قوله (ع) (لا تنقض اليقين بالشك أبدا) يدل على صحته مطلقا بلا فرق بين الموضوعات والاحكام فلو لا المعارضة لقلنا بجريانه مطلقا لكن منعنا عن القول به في الاحكام من جهة المعارضة. فافهم وتأمل.

المقام الثاني :

في الأدلة التي اقاموها على حجية الاستصحاب

هي امور :

الاول الاجماع : فقد ادعى الاجماع على الحجية مطلقا أو في الجملة وفيه ما لا يخفى أنه لا مجال للتمسك بالاجماع في مثل هذه المسألة التي علم أن مدرك المدعي للاجماع هو ما سيأتي من الوجوه المختلفة من بناء العقلاء أو الاخبار أو دليل الانسداد أو غير ذلك ومن المعلوم ان لا حجية لمثل هذا الاجماع المعلوم مدركه مضافا إلى عدم المجال لنقل الاجماع في المسألة مع هذا الاختلاف العظيم بين الاصحاب التي عدت الأقوال فيها إلى أحد عشر قولا بل يمكن أن يكون أكثر كما لا يخفى.

الثاني : التمسك ببناء العقلاء :

بتقريب ان كافة أفراد الانسان بالعمل على طبق اليقين السابق ما لم ينكشف الخلاف بل كافة أفراد الحيوان وارتكازهم فضلا عن الانسان حيث نرى بالوجدان كل حيوان يخرج من مكانه بقضاء وطره يرجع إليه عند الغروب مع احتمال خرابه بأسباب عارضه ويظهر ذلك بالوجدان لمن نظر في أعمال البشر وحركاتهم وسكناتهم في معاملاتهم وتجاراتهم وزياراتهم لأصدقائهم وأقربائهم وعياداتهم يرى انه تجرى على طبق الحالة السابقة وعد تلك سيرة متبعة لكافة العقلاء وحيث لم يردع عنه الشارع فيكشف ذلك عن رضاه وفيه انه لا نسلم استقرار بناء العقلاء بالعمل

على طبق اليقين السابق في ظرف الشك في البقاء بما أنه كان على يقين سابق وشك لاحق بل لو كان في مورد عمل بذلك أحد أما من جهة اليقين في البقاء والاطمئنان كما هو الغالب أو من باب الاحتياط أو الغفلة كما هو الشأن في غير الانسان من سائر أنواع الحيوانات وبالجملة لم يكن بناء العقلاء على ذلك بما أنهم شاكون ببقاء ما تيقنوا به سابقا وعلى فرض تسليم ذلك انه يكفي للردع عنه الآيات الناهية عن العمل بغير العلم وما دل على البراءة والاحتياط في الشبهات فلا وجه لاتباع هذا البناء ما لم ينكشف إمضاء الشارع هذا على فرض كون بناء العقلاء العمل على طبق اليقين تعبدا من دون نظرهم على الظن بالملازمة وأما بناء على كون بناءهم على ذلك من باب الظن فمرجع دعوى بناء العقلاء إلى أن العقلاء من جهة استفادة الظن بالبقاء من جهة الملازمة الغالبية بين الحدوث والبقاء قد استقر بنائهم على ذلك اللهم إلّا أن يقال بأن العمومات الناهية عن العمل بما وراء العلم رادعه عن ذلك ودعوى عدم صلاحيتها للرادعية مع وجود هذا البناء إذ ثبوت الردع من الشارع عن هذا البناء ينافي تحقق هذه السيرة حتى من المتدينين ممنوعة بأن بناء العقلاء من المسلمين على شيء تارة يكون بما انهم مسلمون وأخرى لا بما هم مسلمون بل انما هو بنائهم من العقلاء وأهل العرف والذي ينافى وجوده مع الردع الشرعي هو الأول لا الثاني.

وحيث أن مقصودنا من السيرة هي سيرة العقلاء الذين هم المسلمون فلا بد في تتميمها من التشبث بمقدمات عدم الردع لاثبات امضاء الشارع إلّا أن الكلام اثبات ان السيرة المذكورة بسيرة المسلمين بما هم كذلك وأثبت بعض الأعاظم (قده) أن هذه السيرة العقلائية ليس العمل بها عملا بما وراء العلم لخروجها عن ذلك بالتخصص فتخرج مواردها عن

موضوع تلك النواهي كما هو كذلك بالنسبة إلى الطرق والامارات حيث انها لما كان مفادها تتميم الكشف واثبات العلم بالواقع تكون خارجة عن موضوع الآيات الناهية عما وراء العلم فيكون خروجها بالتخصص ممنوعة بأن ذلك يتم بالنسبة إلى الطرق والامارات كظواهر الالفاظ ونحوها لا في مثل المقام الذي هو من قبيل الاصول المقررة عند العقلاء في ظرف الجهل بالواقع فان بنائهم على الاخذ بالحالة السابقة لا يخرج المورد عن كونه عملا بغير العلم.

نعم لو كان بنائهم على ذلك من باب الامارية نظير العمل بخبر الواحد كان لهذه الدعوى مجال وليس لنا طريق إلى اثباته اذ لازمة كون الاستصحاب من قبيل الامارات مع انك قد عرفت أنه من قبيل الاصول وبالجملة عدم اعتبار السيرة العقلائية في المقام على الاخذ في الحالة السابقة ولو كانت هذه السيرة أقوى من العمل بخبر الواحد إذ الاقوائية لا أثر لها ما لم يحصل امضاء من الشارع ولو بواسطة مقدمات عدم الردع ومع صلاحية الآيات الناهية للرادعية لا معنى لكشف امضاء الشارع لها فما ذكره الاستاذ (قده) في الكفاية في المقام من صلاحية الآيات الناهية للرادعية عن السيرة العقلائية في المقام بخلاف حجية خير الواحد من دعوى عدم صلاحيتها للرادعية فيه فهو في محله إذ فرق بين المقام وخبر الواحد اذ عدم رادعية الآيات في خبر الواحد انما هو من جهة قيام السيرة العقلائية على تتميم الكشف واثبات العلم بالواقع الموجب لخروج مواردها عن موضوع تلك النواهي بخلاف المقام فان بنائهم على الاخذ بالحالة السابقة لا بنحو الامارية ولذا عد من الاصول وسره أن الظاهر من «لا تقف ما ليس لك به علم) هو عدم العلم بالواقع لا الاعم من الواقع والظاهر ، إذ ان

دليل حجية الخبر رفع الشك بالواقع وفي المقام رفع الشك بحكم الشك وعليه يشمله أدلة الردع. كما لا يخفى.

الثالث : الأخبار المستفيضة منها صحيحة زرارة الأولى وإضمارها غير مضر مع كون الراوي مثل زرارة.

قال : قلت له : «الرجل ينام وهو على وضوء أيوجب الخفقة والخفقتان عليه الوضوء» قال (ع) : يا زرارة قد تنام العين ولا ينام القلب والاذن فاذا نامت العين والاذن فقد وجب الوضوء. قلت فان حرك في جنبه شيء وهو لا يعلم قال (ع) «حتى يتيقن انه قد نام حتى يجيء من ذلك أمر بين وإلّا فانه على يقين من وضوئه ولا ينقض اليقين أبدا بالشك ولكن ينقضه بيقين آخر». وفقه الحديث ان سؤال الراوي عن الخفقة والخفقتين يحتمل الوجهان :

أحدهما أن يكون من جهة الشبهة المصداقية بأن يعلم مفهوم النوم بتمام حده وانه عبارة عما يوجب السكون خصوصا القلب ولكنه شك في ان الخفقة والخفقتين مما يكون لهما امارية على ذلك وانه هل يكشف بها حصول النوم الذي يعلم بأنه ناقض قطعا بجميع مراتبه أم لا وهذا خلاف ظاهر جواب الامام (ع) بأنه قد تنام العين فانه يظهر منه ان الخفقة من مراتب النوم غايته انه نوم للعين وان ما يوجب الوضوء ليس هو مجرد نوم العين فقط مع أن قول الرجل ينام ظاهر السؤال عن حكم الخفقة بعد الفراغ عند تحقق النوم.

وثانيهما من جهة الشبهة في مفهوم الحكم اما من جهة الشك في أن النوم بجميع مراتبه ناقض أو انه خصوص مرتبة خاصة ناقضة وهو نوم القلب الملازم لنوم جميع القوى بعد الفراغ عن كون الخفقة أيضا نوم في الجملة فمرجع السؤال حينئذ إلى السؤال عن ناقضية النوم مطلقا

أو خصوص مرتبة فيه فتكون الشبهة شبهة حكمية.

وأما من جهة الشك في المفهوم على هذه المرتبة من جهة عدم الاطلاع بجميع حدود المفهوم مع القطع بأنه جميع مراتبه ناقض فتكون الشبهة راجعة إلى الشك في صدق المفهوم فتكون حكمية أيضا وهذا هو الاظهر بقرينة جواب الامام بأنه قد تنام العين إلى آخره إلّا ان السائل لما علم من جواب الامام بأن المدار على نوم القلب والاذن لا نوم العين فقط وجه السؤال بقوله فان تحرك في جنبه شيء وهو لا يعلم إلى آخره بأن يكون راجعا إلى السؤال عن الشبهة الموضوعية كان يكون معناه. بعد الفراغ عن المدار هو نوم القلب والاذن فهل يمكن استكشاف نوم الاذن بعدم دركه مع تحريك شيء معين في جنبه اللهم إلا أن يكون راجعا إلى الشبهة الحكمية وهو بأن يكون المقصود هو السؤال عن أن نوم الاذن بجميع مراتبه ناقض ولو من جهة ملازمته لنوم القلب حتى بمرتبة ضعيفة منه أو أن الناقض منه هو مرتبة خاصة وعلى كل حال ينطبق ذيل الرواية على قاعدة الاستصحاب مع فرض الموضوع وهو الوضوء السابق إلا انه يشكل بأن ذلك ليس قابلا للبقاء قطعا بما هو الفعل المخصوص مع أن المعتبر في الاستصحاب هو الشك في البقاء إلا أن يراد من الوضوء هو الاثر الحاصل منه الذي يكون قابلا للبقاء والنقض بالطهارة مثلا ولكن يرد على الراوي أحد الاشكالين.

وهو انه لو كان فرض السؤال عن الشبهة الموضوعية في تحقيق مصداق النوم الناقض كان الحق في الجواب هو استصحاب عدم تحقق النوم وتطبيق لا تنقض اليقين في الشك على اليقين السابق بعدم النوم والشك في تحققه لان الشك في بقاء الوضوء مسبب عن الشك في تحقق

وجود النوم الناقض ولا اشكال في تقديم استصحاب السبب على المسبب مضافا إلى عدم جريانه في فرض السؤال حيث أن الشبهة حكمية لدورانه بين ما هو مقطوع البقاء ومقطوع الارتفاع فيكون من قبيل دوران الأمر بين الاقل والاكثر.

حيث أن الاثر الشرعي الذي هو وجوب الوضوء يترتب على واقع النوم الحاكي عنه للمفهوم وقد تردد بين ما يقطع ببقائه لصدقه على مرتبة من النوم وهو نوم الاذن وبينما يقطع بعدم تحققه وهي المرتبة الاخرى بأن ينطبق على نوم القلب كما هو شأن جميع المفاهيم المجملة وعليه لا شك في البين لكي يجرى الاستصحاب وحينئذ لا ينطبق جواب الامام (ع) عليه فان المستفاد من الجواب أن الامام (ع) أرجعه إلى ابقاء الحالة السابقة الذي هو مجرى الاستصحاب ولا يكون مجراه إلا في مورد الشك فعليه لا يمكن الفرار من هذا الاشكال إلّا جعل فرض السؤال في الشبهة الموضوعية على أنه يمكن أن يقال بعدم جعل المقام من السبب والمسبب.

حيث أن قضية الطهارة والنجاسة إنما هما من الأمور الواقعية التي كشف عنها الشارع وحينئذ لا يكن الوضوء مسببا عن عدم النوم وانما يكونان من الامور المتلازمة فلا يكون أحدهما مسببا عن الآخر.

ولو سلمنا ان الوضوء متفرع من عدم النوم إلّا أنه يعد من لوازمه فاثبات الوضوء باستصحاب عدم النوم يعد من الاصول المثبتة التي لا نقول بها وبالجملة ليس بينهما سببية ومسببية لكي يقال أن الاستصحاب في السبب مقدم على الاستصحاب في المسبب.

على أن تطبيق الرواية على عدم النوم بتقريب أن المستفاد من قوله (ع) لا ، حتى يستيقن أنه قد نام ، ان المراد من اليقين هو

عدم النوم وابقاؤه إذ ابقاء اليقين بعدم النوم وحيث أن عدم النوم ينطبق على عدم وجوب الوضوء عليه لما بينهما من شدة الملاءمة فيكون عدم وجوب الوضوء كناية عن عدم تحقق سببه وهو النوم محل نظر.

اذ ذلك خلاف ظاهر الرواية حيث إن ظاهرها في مقام تطبيق قوله (ع) حتى يستيقن على استصحاب الوضوء دون عدم النوم ويظهر ذلك من سؤال الراوي عن وجوب الوضوء عليه مع تحقق مرتبة منه وهو نوم الاذن فأجابه بما هو نتيجة الاستصحاب أي عدم رفع اليد من اليقين بالوضوء ما لم يعلم بتحقق رافعه الذي هو النوم والحدث.

مضافا إلى انه خلاف ما تقتضيه الأدلة الدالة على وجوب الوضوء عند تحقق هذه الاحداث الظاهرة في كونها بنفسها من موجبات الوضوء ولذا جرى الاصحاب على جعلها من موجبات الوضوء كما هو ظاهر.

وكيف كان فلا يضر ما ذكرنا من الاشكال في الرواية بما هو المهم لنا من صحة الاستدلال بها فانها على كل حال دالة على الاستصحاب نعم قد يشكل على الاستدلال بها لحجية الاستصحاب مطلقا بأن الاستدلال يتم لو كان الاستدلال بها لحجية الاستصحاب مطلقا بأن الاستدلال يتم لو كان المراد من اليقين في الكبرى المذكورة في كلام الامام عليه‌السلام هو لام الجنس بأن يكون المعنى أنه لا يجوز نقض مطلق اليقين بالشك به ومن المعلوم أن حمل اللام على الجنس يتوقف على أن لا يكون هناك ما يصلح اشارة إليه وإلا فمع معهودية أمر في البين لا يتم الحمل على الجنس لان الوجه في الحمل على الجنس هو مقدمات الحكمة في ناحية المدخول.

ولا تتم تلك المقدمات إلا فيما اذا لم يكن قدر متيقن في البين ومعهودية بعض الافراد يوجب تيقن ذلك الفرد فلا تتم مقدمات الحكمة ولا يتم الحمل على الجنس المفروض سبق ذكر اليقين بالوضوء في

الصغرى يوجب معهودية خصوص هذا اليقين فحينئذ تكون اللام في اليقين الكبرى أيضا اشارة إليه فيثبت بذلك ضرب قاعدة الاستصحاب في خصوص باب الوضوء ويلحق به باقي الطهارات من جهة عدم القول بالفصل.

فلا يمكن حينئذ اثبات الاستصحاب بالنسبة إلى ساير الابواب ، وتوهم أنه مع تسليم كون اللام للعهد يمكن أيضا الغاء الخصوصية باعتبار امكان كون قوله (وضوؤه) متعلقا بالظرف أعني (على) بمعنى أن متعلقه بما يتعلق به (على) فيكون اليقين حينئذ أيضا مطلقا فان معناه أنه استقر من قبل وضوئه على يقين فيكون اليقين في الكبرى أيضا مطلقا. مدفوع إذ على فرض كون من وضوئه متعلقا بالظرف دون اليقين ولم يكن اليقين حينئذ مقيدا بالوضوء ، ولكن حيث انه كان مسببا عن ناحية الوضوء فلا يمكن أن يكون له أيضا اطلاق يشمل غير الوضوء فيكون فيه نتيجة التقيد وهذا المقدار يكفي في عدم كون اليقين في الكبرى غير شامل لغير باب الوضوء ، كما لا يخفى ، فالحق في الجواب عن هذا الاشكال بوجهين :

الأول : كون الظاهر من اليقين في الكبرى هو مطلق اليقين لكل شيء من جهة كون ظاهره تطبيق الامام (ع) على الموارد والامام (ع) اكتفى بما هو في ذهن السائل من الكبرى وعدم اختصاصها بباب دون باب ويشهد لذلك تطبيق تلك الكبرى في موارد في غير واحد من الاخبار كما سيجىء.

الثاني :

على فرض تسليم كون اللام للعهد وكون مفاد الكبرى هو ضرب

قاعدة في باب الوضوء ولكن من جهة تنقيح المناط القطعي يتعدى إلى غير باب الوضوء أيضا :

بيان ذلك : أنه لو بنينا على أن المراد باليقين هو المتيقن وان المراد هو عدم نقض المتيقن بالشك في بقائه ، فلا يمكن التعدي في باب الوضوء ، إلى غيره بناء على العهدية لعدم تنقيح ما هو المناط في عدم جواز نقض المتيقن الذي هو الوضوء بالشك ،

وأما لو بنينا على أن المراد من اليقين نفسه وانه يحرم نقض اليقين بالشك ولو كان المورد هو نقض اليقين المضاف إلى الوضوء ولكن من المقطوع في نظر العرف أن المناط في حرمة النقض هو كون اليقين من الامور التي لا يمكن رفع اليد عنها بمجرد الشك وانه من الامور المستحكمة التي لا تزول بتشكيك مشكك وليس أمره كمطلق القطع الزائل بادنى تشكيك وحينئذ اضافته الى الوضوء والى شيء آخر ليس له دخل في هذا المناط مطلقا فاذا لم يكن المناط الا ما هو قائم بنفس ذات اليقين فلا بد من التعدي إلى كل مورد ذي يقين ولو كان مضافا الى غير الوضوء أيضا (١) فتحصل مما ذكرنا أن كون اللام في اليقين

__________________

(١) مضافا الى ما يلزم منه التكرار المستهجن حيث أنه يكون مبينا لجملتين :

أحدهما قوله (ع) (لا حتى يستيقن انه قد نام) فانها دلت على عدم جواز الاعتناء باحتمال النوم في مقام اليقين.

ثانيهما : مورد الاستشهاد وهو قوله (ع) (وإلا فانه على يقين من وضوئه ولا ينقض اليقين أبدا بالشك) فانه لو أريد من اليقين بالوضوء والشك بالنوم خاصة لكان اعادة لما سبق ومن المعلوم أن هذا التكرار يستهجن في الكلام فكيف يحمل كلام الامام (ع) عليه

هو للجنس لا المعهد وفاقا للشيخ الأنصاري (قده) لشيوع استعماله في الجنس أو لتجريد اضافة اليقين من الوضوء أو لتنقيح المناط ،

__________________

وكيف كان ان هذه الفقرة الأخيرة من الرواية مورد الاستشهاد تدل على ان لزوم البناء على بقاء الوضوء هو الجري العملي عليه على طبق يقينه من جهة كونه متيقنا سابقا وشاكا فيه لاحقا ومورد الرواية وان كان اليقين بالوضوء والشك فيه إلا انها تدل على لزوم الجري على طبق اليقين السابق مطلقا وسر ذلك هو أن قوله (ع) ، فانه على يقين من وضوئه كونه علة للجزاء المقدر والشرط هو الجملة المقدرة الدالة عليه كله (لا) في قوله (ع) (وإلّا فانه على يقين من وضوئه) فيكون المعنى وأن لم يستيقن بالنوم ولم يجئ من ذلك أمر بيّن فلا يجب عليه الوضوء فانه على يقين من وضوئه فحذف الجزاء واقيمت العلة مقامه على حد قوله سبحانه (ومن كفر فان الله غني عن العالمين) وعليه تدل الرواية على لزوم جرى من تيقن على اليقين السابق) في جميع الموارد أخذا بعموم اليقين كما في قول القائل لا تأكل الرمان فانه حامض ، توضيح المقام هو ان المحتمل في الرواية امران :

الأول : أن يكون المراد في اليقين والشك هو المتيقن بالوضوء والشك في النوم بخصوصه بأن تكون اللام عهدية.

الثاني : المراد من اليقين جنس اليقين والشك بأن تكون اللام للجنس ، وقد عرفت منا سابقا بطلان ارادة اللام للعهد ، فتعين ارادة الاحتمال الثاني لظهور قوله (ع) ولا تنقض اليقين أبدا بالشك بحسب المتفاهم العرفي في مثل ذلك هو العموم فعليه تكون اللام للجنس ، على أن المستفاد من التعليل للجزاء المحذوف هو ان المتيقن لا يرتفع ولا يزول إلا بالمتيقن وواضح ان ذلك لا يختص بالوضوء والنوم

إلا أنه يرد عليه إيرادان :

الأول : ان لازم ذلك اجراء الاصل المسببي مع وجود الأصل السببي حيث انه يستصحب بقاء الوضوء مع انه مسبب عن الشك في

__________________

ولا ينافي كون المورد هو ذلك فان المورد لا يخصص العموم الوارد في القضية فانه يكون من قبيل الصغرى والعموم الوارد من قبيل الكبرى ومما ذكرنا ظهر أن الجزاء للشرط هو محذوف ولا يصح أن يقال بأن قوله (ع) ، فانه (على يقين من وضوئه) توطئة للجزاء والجزاء هو قوله (ع) (ولا تنقض اليقين بالشك) حيث ان الجزاء ينبغي أن يكون بالفاء لا بالواو كما ان دعوى ان الجزاء هو قوله (ع) (فانه على يقين من وضوئه) في غير محله حيث إن الجملة الاسمية ان كانت خبرية لا تصح كونها جزاء وان كانت انشائية بمعنى أنه يجب المضي والجري العملي على اليقين السابق كما ادعاه الاستاذ المحقق النائيني (قده) وإن كان ما ذكره يصحح ترتب ولا تنقض اليقين بالشك ترتبا صحيحا إلا أن الطلب لا يستفاد من الجملة الاسمية المقصود منها الانشاء فان المتفاهم العرفي لا يستفاد من قوله (زيد معيد لصلاته) طلب اعادة الصلاة على انه لو اتفق استفادة ذلك لا يمكن استفادته في المقام لاحتياج تقدير كلمة ماض وإلا لا يستفاد من الكون على البقاء طلب ذلك.

وبالجملة استفادة العموم منوط بأمرين :

أما كون اللام للجنس : أو بتجريده عن الاضافة الى الوضوء في هذه الرواية لو أريد من اللام العهد من غير فرق بين أن يكون جواب الشرط هو الذي يستفاد من كلمة (لا) أى وان لم يستيقن انه قد نام محذوفا كما ادعاه الشيخ الانصاري (قده) وهو لا يجب شيء لشيوع ذلك في القضايا العرفية أي بحذف الجزاء ويقوم مقامه علته

النوم الجاري فيه استصحاب عدم النوم الحاكم على استصحاب بقاء الوضوء وعليه لا يبقى : مجال لاستصحابه.

__________________

وقد ذكر له نظائر كثيرة مثل قوله تعالى (إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل) إلى غير ذلك. أو كان الجزاء هو قوله (ع) فانه على يقين من وضوئه كما ادعاه الاستاذ المحقق النائيني (قده) غاية الأمر انه على مختار الشيخ (قده) يكون الجزاء محذوفا ويكون مجموع الصغرى والكبرى بصورة القياس هو علة للجزاء المحذوف وعلى مختار الاستاذ المحقق النائيني (قده) يكون الجزاء هو قوله فانه على يقين من وضوئه فتكون الجملة الخبرية استعملت في مقام الجزاء ، وتكون الكبرى فقط أي قوله (ع) (ولا تنقض اليقين بالشك أبدا) علة للجزاء وكيف كان فمن حيث النتيجة لا فرق بين القولين من حيث ان لا تنقض اليقين بالشك قاعدة كلية جاءت لتدل على عم نقض اليقين بالشك كلية نعم لو أريد من اللام العهد بأن يكون اليقين في قوله (ع) (فانه على يقين من وضوئه) مقيدا لكونه متعلقا بالوضوء لا أنه يكون ذكره من باب كونه موردا للسؤال فلا يدل على اعتبار الاستصحاب بل يكون قاعدة كلية في باب الوضوء كما ذهب إليه أصحابنا المحدثون إلا ان ذلك خلاف الظاهر. بل الظاهر أن اللام للجنس أو للعهد بتجريد اليقين من اضافته فعلى ذلك تستفاد القاعدة الكلية وهي عدم جواز نقض كل يقين بما هو مرآة ، متعلق بأي حكم شرعي أو موضوع ذي حكم شرعي بالشك وهو عين الاستصحاب من غير فرق بين الاحتمالات الثلاثة في الجزاء من كونه محذوفا وهو لا يجب عليه شيء ومن كونه فانه على يقين من وضوئه ومن كونه من نفس الكبرى (أي لا تنقض اليقين بالشك أبدا) فافهم وتأمل.

الثاني : ان الوضوء لما كان عبارة عن الغسلتين والمسحتين فلا يعد من الأمور القارة لكي يستصحب وانما هو من الامور غير القارة ولكن لا يخفى ان كلا الايرادين لا وجه لهما.

أما عن الأول : فلا يرد حيث انه من الفرد المردد بينما هو مقطوع الوجود ومقطوع الانتفاء لما عرفت من أنه إذا صدق النوم على نوم الاذن فقط.

فهو مقطوع الوجود واما على تقدير صدقه على نوم القلب فهو مقطوع العدم ومع هذا التردد بينما هو مقطوع الوجود ومقطوع العدم فلا يجري فيه الاستصحاب أي استصحاب بقاء الوضوء كما هو شأن جميع المفاهيم المرددة بين الاقل والاكثر كالشك في الرضاع المحرم المتحقق في عشر رضعات فانه لا مجال لجريان اصالة عدم تحقق الرضاع لعدم ترتب أثر شرعي على المفهوم منه لتردد ما له الاثر الشرعي بينما هو مقطوع بتحققه وبينما يقطع بعدم تحققه.

ولا يقاس المقام بباب الكلي المردد بين فردين أحدهما مقطوع الارتفاع وبينما هو مقطوع البقاء كالحدث المردد بين الاصغر والاكبر للفرق بين المقامين حيث ان الأثر في الكلي مرتب على كلي الحدث بخلاف المقام وأما عن الثاني فالمراد من الوضوء هو الأثر المترتب عليه لا خصوص المسحتين والغسلتين وعليه هذا الأثر هو الباقي ومع الشك في بقاءه فيستصحب ولا مانع منه كما لا يخفى.

صحيحة زرارة الثانية

ومنها صحيحة أخرى لزرارة مضمرة (قال : قلت له (ع) : أصاب ثوبي دم رعاف أو غيره أو شىء من المني ، فعلمت أثره إلى ان اصيب له الماء فأصبت فحضرت الصلاة ونسبت أن بثوبي شيئا ، وصليت ، ثم اني ذكرت بعد ذلك قال (ع) : تعيد الصلاة وتغسله قلت : فان لم أكن رأيت موضعه وعلمت أنه أصابه فطلبته فلم أقدر علية فلما صليت وجدته قال (ع) : تغسله وتعيد. قلت فان ظننت أنه أصابه ولم أتيقن ذلك فنظرت فلم أر شيئا.

فصليت فيه فرأيت فيه؟ قال (ع) تغسله ولا تعيد الصلاة ، قلت : لم ذلك؟ قال (ع) : لانك كنت على يقين من طهارتك فشككت ، فليس ينبغي لك ان تنقض اليقين بالشك أبدا ، قلت : فانى قد علمت أنه قد أصابه ولم أدر أين هو فاغسله؟ قال (ع) : تغسل من ثوبك الناحية التي ترى انه قد أصابها حتى يكون على يقين من طهارتك. قلت : فهل علي ان شككت انه أصابه شيء ان انظر فيه؟ قال (ع) : لا ، ولكنك انما تريد أن تذهب بالشك الذي وقع من نفسك. قلت : ان رأيته في ثوبي وأنا في الصلاة؟ قال (ع) : تنقض الصلاة وتعيد اذا شككت في موضع منه ثم رأيته ، وان لم تشك ثم رأيته رطبا ، قطعت الصلاة وغسلته ، ثم بنيت على الصلاة ، لانك لا تدري لعله شيء أوقع عليك ، فليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشك).

والكلام يقع في تحليل قفرات الرواية ، أما قوله (قلت له أصاب ثوبي

دم رعاف أو غيره أو شيء من المني ، فعلمت أثره الى أن اصيب الماء فحضرت الصلاة ونسيت أن بثوبي شيئا ، وصليت ، ثم اني ذكرت بعد ذلك؟ قال (ع) : تعيد الصلاة وتغسله).

وهذه الفقرة صريحة في صورة نسيان النجاسة ، وانها ظاهرة في وجوب الاعادة في تلك الصورة لظهور جملة الخبرية في الوجوب ، لكنه تعارض بعض الأخبار ، وان كان قد عمل المشهور بظاهر أخبار وجوب الاعادة ، والكلام في هذه الفقرة يحتمل وجوها.

الأول :

انه يعد الفحص قد بقي على علمه الاجمالي الاول ، ولكنه لم يصب موضع النجاسة تفصيلا :

الثاني :

انه بالفحص قد زال علمه ، فعرض له الشك.

الثالث :

أنه قد تبدل علمه بالاصابة بالعلم بالعدم وقد يؤيد ذلك بأنه كيف يدخل في الصلاة مثل زرارة مع العلم بالنجاسة ولو اجمالا ، أو مع الشك بها ولكن التأييد بها ممنوع باحتمال كون النجاسة الغير المعلومة غير مانعة بحسب الواقع. وقد سأل عن ذلك. وأما الدخول في الصلاة فلعله كان برجاء الواقع والاظهر من هذه الاحتمالات هو الاحتمال الأول فيشكل على الرواية بانه بعيد عن مثل زرارة انه لا يعلم حكم صورة العلم بالنجاسة ، وهو بطلان الصلاة ومن هذه الجهة قد

حملها بعضهم على صورة تبدل علمه بالشك وان كان دخوله في الصلاة من جهة بناء على استصحاب الطهارة السابقة وهو يعيد عن ظاهر الرواية جدا كما أن احتمال علمه بالعلم بالعدم أبعد من مساق الرواية «قلت فان ظننت أنه قد أصابه ولم أتيقن ذلك ، فنظرت فلم أر شيئا فصليت فرأيت فيه قال تغسله ولا تعيد الصلاة قلت : لم ذلك : قال لانك كنت على يقين من طهارتك ، وشككت ، فليس لك أن تنقض اليقين بالشك أبدا» (١) وهذه الفقرة أيضا تحتمل وجوها :

__________________

(١) لا يخفى أن هذه الرواية الشريفة تتضمن أمورا :

الأول : عن حكم نسيان نجاسة الثوب عند الصلاة بعد العلم بها فأجاب عليه‌السلام بوجوب اعادة الصلاة بعد الغسل.

الثاني عن حكم العلم الاجمالي باصابة النجاسة بأحد أطراف الثوب فأجاب عليه‌السلام وجوب الاعادة بعد الغسل وذلك مقتضى تنجز العلم.

الثالث : عن حكم رؤية النجاسة بعد الصلاة مع الظن بالاصابة وعدم وجدانها بالفحص من غير فرق بين بقاء الظن بالاصابة أو تبدله بالشك ، فاجاب عليه‌السلام بوجوب الغسل وعدم وجوب الاعادة بقوله تغسله ولا تعيد الصلاة وحيث ان عدم وقوع الصلاة مع النجاسة أمرا مفروغ عنه لذا وقع السؤال في المقام عن علة ذلك. فأجاب عليه‌السلام بانك كنت على يقين من طهارتك فشككت فليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشك.

الرابع : عن كيفية الغسل بأن علم باصابة النجاسة لأحد أطراف الثوب اجمالا وأجاب (ع) بوجوب غسل جميع أطراف العلم الاجمالي بقوله (ع) تغسل من ثوبك الناحية التي ترى أنه أصابها حتى تكون

الأول : انه بعد الفحص علم بالعدم ، وإن قوله فلم أر كناية عن العلم بالعدم كما هو الغالب بعد الفحص وعدم الوجدان ، ثم وجد بعد الصلاة تلك النجاسة المظنونة قبل الشروع فكان دخوله في الصلاة من جهة القطع بعدم النجاسة ، وعلى هذا تنطبق هذه الفقرة على قاعدة الاستصحاب لا على قاعدة اليقين ضرورة أن المورد من موارد حصول اليقين بعد اليقين الآخر ومن المعلوم ان حصول الشك من اركان كلا القاعدتين ولكن هذا الاحتمال مدفوع بتعليل الامام (ع) لعدم الاعادة بقوله لانك كنت على يقين من طهارتك فشككت.

الثاني : في أن يحصل له القطع بالعدم أيضا ولكن بعد الصلاة لما رأى النجاسة حصل له الشك في انها هل هي التي ثبتت عليه قبل الصلاة أم نجاسة حدثت جديدة ، فيكون شكه ساريا الى اليقين الحاصل قبل الصلاة من جهة الفحص بعدها فيكون مفاد الخبر حينئذ قاعدة اليقين والشك الساري ولكن لا يخفى الظاهر أن المراد هو اليقين الحاصل بالفحص المنطبق على اليقين بالطهارة قبل الظن بالاصابة فينطبق على قاعدة الاستصحاب أيضا ولو حملت الرواية على هذا الاحتمال لم يرد عليه شيء من الاشكالات لانه على هذا الاحتمال لما

__________________

على يقين من طهارتك.

الخامس : عن حكم الفحص عند احتمال الاصابة ، فاجاب (ع) بعدم وجوبه بقوله ولكنك انما تريد ان تذهب الخ.

السادس : عن حكم رؤية النجاسة في اثناء الصلاة وأجاب بالتفصيل بين صورتي سبق العلم بالاصابة والشك في موضعها ، وبين عدم سبقه فحكم بوجوب الاعادة في الاولى ووجوب الغسل والاعادة في الثانية بقوله وان لم تشك قطعت الصلاة وغسلته الخ فلا تغفل.

حصل له القطع بالعدم بعد الفحص لم يجر في حقه استصحاب عدم النحاسة قبل الصلاة لزوال شكه في القطع بالعدم ولكنه بعد الصلاة لما وجد فيه النجاسة واحتمل أن تكون هي النجاسة المشكوكة قبل القطع بالعدم ، فمن الآن زال عنه القطع السابق بالعدم فيبقى اليقين بالطهارة السابقة قبل الظن بالاصابة والشك بحدوثها قبل الصلاة فيجرى في حقه الاستصحاب بلا محذور أصلا وسؤال زرارة بعد جواب الامام بأن لا تعيد بقوله ولم ذلك : لعله كان من جهة تخيله بأن اليقين الحاصل في البين كان مانعا عن استصحاب الطهارة بعد الصلاة كما أنه كان مانعا عن استصحاب الطهارة قبلها فأجاب عنه الامام بأن ليس بمانع (لانك كنت على يقين فشككت ... الخ).

ولا منافاة لهذا المعنى مع ما سيجيء من معنى الفقرات الأخر وأما مع الغض عن هذا الاحتمال فلا يخلو الاحتمال الثالث عن اشكال.

الوجه الثالث ان لا يحصل له بعد الفحص القطع بالعدم بل صار باقيا على شكه بالاصابة فيكون المراد من اليقين بالطهارة قبل الظن بالاصابة ولكن حيث وجد النجاسة بعد الصلاة احتمل أن تكون تلك النجاسة المظنونة قبل الصلاة واحتمل أن يكون قد حدث حدث بعدها فيكون الخبر دليلا على الاستصحاب وهذا الاحتمال وان كان أيضا سالما عن الاشكال السابق ولكنه لا يناسب الوجه في سؤال زرارة عن العلة وذلك لان المفروض على هذا ان رؤية النجاسة بعد الصلاة مع الشك في طهارة الثوب قبل الصلاة والمفروض انه دخل في الصلاة مع الشك في الطهارة قبل الصلاة دخل ولو من جهة ارتكاز الاستصحاب في ذهنه وانه بعد الصلاة والرؤية أيضا لم ينكشف الخلاف فلا يبقى

مجال للسؤال أصلا فضلا عن سؤال العلة نعم لا يرد عليه ما يرد على الاحتمال السابق.

الوجه الرابع الغرض بحاله ولكن بعد الصلاة لما علم بالنجاسة حصل له القطع بكونها من المضنونة قبل الصلاة وعلى هذا الاحتمال كان الخبر أيضا دليل الاستصحاب بلحاظ اليقين ، أو الشك قبل الصلاة وقد ادعى أقربية هذا الاحتمال بدعوى ان الوجه في سؤال زرارة عن العلة في عدم الطهارة انه كان المرتكز في ذهنه هو الاستصحاب قبل الصلاة من جهة اليقين والشك قبلها ولكن بعد الصلاة لما علم يكون هذه النجاسة هي النجاسة قبل الصلاة فقد علم بأنه قد انتقض اليقين بالطهارة قبل الصلاة باليقين بالنجاسة في حال الصلاة ولكن يرد على الرواية بأنه لا موقع لتطبيق قاعدة الاستصحاب في مقام الجواب عن هذا السؤال وذلك لان المعلل هو عدم الاعادة ومن المعلوم ليست نقضا لليقين السابق بالطهارة بالشك بل باليقين كما عرفت وتوهم بأن جواب الامام بالاستصحاب بلحاظ حال قبل الصلاة وان الوجه في عدم الاعادة هو الاستصحاب قبل الصلاة لان من آثاره قبل الصلاة عدم وجوب اعادة تلك الصلاة لان الأجزاء وعذم الاعادة من أثار وقوع الصلاة مع الطهارة الواقعية فيترتب على الطهارة المستصحبة أيضا مدفوع بأن عدم الاعادة من الآثار العقلية لاتيان المأمور به لا من الآثار الشرعية فلا يترتب على استصحاب الطهارة إلا على الأصل المثبت :

وأما قولهم ان الاستصحاب كان بلحاظ حال قبل الصلاة فصحة التعليل يكون باقتضاء الأمر الظاهري للاجزاء فهو وإن كان ذلك مفروضا عند الراوي كان موجبا لصحة التعليل ولكنه مدفوع بأن

ذلك يصح لو كان لأجل اجزاء الامر الظاهري عن الأمر الواقعي إلا انه لا يلتزم به أحد مضافا الى انه ينافي ما هو الوجه لسؤال السائل وهو العلم بثبوت النجاسة قبل الصلاة وان الصلاة وقعت بالنجاسة واقعا فأجاب عليه‌السلام بقوله لا يعيد.

هذا وقد ذهب صاحب الكفاية (قده) الى كون الشرط في المقام شرطا علميا (١) وقد أوضح ذلك بعض الاعاظم وقال في المقام ثلاث طوائف من الأخبار الأول ما دل على شرطية الواقعية على الاطلاق وان

__________________

(١) وحاصله أن دلالة قوله (ع) تغسله ولا تعيد الصلاة لانك كنت على يقين من طهارتك فشككت تدل على قاعدة اليقين بأن يكون المراد هو الطهارة الحاصلة عن الفحص بعد ظن الاصابة الزائل بالرؤيا مضافا إلى ان نقض اليقين في المقام ليس نقضا بالشك حتى يكون دالا على الاستصحاب وانما هو من نقض اليقين باليقين والمفروض انه قد علم بالنجاسة في الصلاة فلا ينطبق التعليل على ذلك نعم يصح التعليل بلحاظ الدخول في الصلاة بعدم العلم بالنجاسة عند الشروع في الصلاة فعليه يشكل انطباق التعليل لو أريد منه الاستصحاب ولكن لا يخفى ما فيهما.

أما عن الأول فما استظهره (قده) ينافي قوله (فرأيت فيه) فان الظاهر من الرؤية هو رؤية النجاسة المحتملة قبل الشروع لا النجاسة المحتملة الحدوث إذ الرؤية أجنبية عن مورد قاعدة اليقين المتقومة بالشك الساري.

وأما عن الثاني فمبني على أن الطهارة المأخوذة شرطا انما هو شرط احرازي بمعنى أن الشرط هو احراز الطهارة لا الطهارة الواقعية وإلّا لم تصح الصلاة فيما إذا وقعت مع احراز الطهارة وعدم مطابقتها

الطهارة عن الخبثية كالطهارة عن الحدثية شرط واقعي في الصلاة الثانية : ما دل على كونها شرطا علميا للصلاة بمعنى أن العلم بالنجاسة وعدم الطهارة مانع ثالثها هذه الصحيحة فانها من جملة تلك الاخبار الواردة في هذا الباب ومقتضى الجمع العرفي بين تلك الاخبار هو أن تكون الطهارة عن الخبثية شرطا علميا في حال الغفلة دون حال الالتفات فهي ليست شرطا واقعيا محضا ولا شرطا علميا كذلك بل هي برزخ

__________________

للواقع ولكن ذلك محل منع إذ لو كان الشرط هو الاحراز لزم عدم صحة الصلاة فيما إذا قامت امارة على نجاسة ثوبه ثم غفل وصلى فيه فانكشف طهارة الثوب واقعا والظاهر ان شرطية الطهارة بوجودها الاعم من الواقعي والظاهري كما هو المستفاد من هذه الصحيحة وغيرها الدالة على كفاية الطهارة الظاهرية وعدم وجوب الاعادة فيما لم يعلم بالنجاسة قبل الصلاة.

ومن هنا يحكم بصحة الصلاة في أحد الثوبين اللذين يعلم بنجاسة أحدهما مع الغفلة عن ذلك فصلى في أحدهما لاستصحاب الطهارة فيما يحتمل نجاسته جاريا من دون معارض وانما المعارضة بين الأصلين الجاريين في كل واحد من الطرفين بخصوصه في المكلف الملتفت.

واما مع عدم الالتفات فلا محذور فيه بل لو صلى غير الملتفت بالنجاسة في ثوب نجس واقعا صحت صلاته ومن ذلك يظهر وجه الاستدلال بما ذكر من قوله تغسله ولا تعيد ... الخ.

على الاستصحاب حيث ان عدم الإعادة لمن لم يعلم بالنجاسة معلوم عند السائل وانما سأل عن حكم احتمال الاصابة بالرؤية بعدها ومن الواضح أنه حال الصلاة كان شاكا في طهارة الثوب واقعا فأجاب الامام (ع) بتطبيق الاستصحاب عليه حيث ان الامام (ع) بين أن

بين الامرين بمعنى كونها واقعيا اقتضائيا علميا احرازيا فباعتبار كونها شرطا واقعيا اقتضائيا يصح جريان الاستصحاب فيها فلا يرد عليه بأنه لو لم يكن شرطا واقعيا فلا يجر فيه الاستصحاب لانها ليست ذات أثر شرعي ولا موضوع ذا أثر شرعي وباعتبار انه ليس شرطا علميا على الاطلاق بل هو كذلك في حال الالتفات فهو شرط علمي احرازي وبه يندفع ما يقال من أن المتفق عليه هو التعليل بعدم العلم في حال الغفلة لا بالاستصحاب فان المتعين حينئذ هو التعليل بالاستصحاب فانه محرز

__________________

وجه عدم وجوب الاعادة هو جريان الاستصحاب كما هو مقتضى التعليل بذلك ولا يضره العلم بالخلاف بعد الفراغ لما عرفت منا سابقا من كفاية الطهارة الظاهرية كما يمكن جعل التعليل بلحاظ اقتضاء الأمر الظاهري للاجزاء كما ادعاه البعض ويمكن أن يكون لأجل الأمرين خلافا للشيخ الانصاري (قده) حيث قال بأنه متعين حمله على الاستصحاب اذ حمله على اقتضاء الآمر الظاهري للاجزاء مناف لظاهر قوله عليه‌السلام فلا ينبغي أن تنقض اليقين بالشك وأيد ذلك المحقق الخراساني (قده) في كفايته حيث قال ولا يصح التعليل لو قيل باقتضاء الأمر الظاهري للاجزاء كما قيل ضرورة ان العلة عليه هو اقتضاء ذلك الخطاب الظاهري حال الصلاة للاجزاء وعدم الاعادة لا لزوم النقض من الاعادة اللهم إلا أن يقال انه يمكن ارجاع الأمرين إلى أمر واحد في المقام بالخصوص باعتبار أن شرطية الطهارة الى الوجود الاعم من الظاهرى والواقعي كما لو دل دليل على عدم الاعادة بالنسبة إلى من أحرز القبلة بالامارة ثم انكشف الخلاف فانه بنفس هذا الدليل مثلا يدل على أن القبلة هي الاعم من القبلة الواقعية أو من قامت عنده امارة على القبلة.

للشرط لا بعدم العلم وباعتبار انه شرط واقعي محض يندفع ما يقال من أن الاعادة ليست نقضا لليقين بالشك بل نقض اليقين باليقين على أنه أيضا ينافي ما هو الوجه في جهة سؤال الراوي عن علة عدم الاعادة حيث ان المرتكز في ذهنه لما تيقن وقوع الصلاة في النجاسة هو وجوب الاعادة في صورة كشف الخلاف.

فلذا يسأل عن علة عدم الاعادة فأجابه بالاعادة بتطبيق قاعدة الاستصحاب في حقه بلحاظ حال قبل الصلاة فانه لا ينافي ما هو جهة السؤال على الاحتمال الثاني من أن النظرية هو تطبيق الاستصحاب بلحاظ حال ما بعد الصلاة وعلى كل تقدير لا يضر بها مثل هذه الاشكالات على بعض الاحتمالات في ظهور الاستدلال بالرواية على الاستصحاب ثم قال الراوي قلت فاني قد علمت أنه قد أصابه ولم أدر أين هو فاغسله قال تغسل من ثوبك الناحية التي ترى أنه قد أصابها حتى تكون على يقين من طهارتك.

وهذه الفقرة في بيان العلم الاجمالي بالنجاسة يوجب غسل جميع

__________________

هذا وقد ذكر المحقق الاستاذ النائيني (قده) انه لا يصح التعليل إلا بأحد امرين اما باقتضاء الأمر الظاهري للاجزاء أو كون الشرط أعم من الطهارة الواقعية ومن احرازها وحيث ان اقتضاء الامر الظاهري محل منع لذا المتعين صحة التعليل بدلالة الاقتضاء من القول بأن الشرط هو الاعم من الطهارة الواقعية والمحرزة ولكن لا يخفى أن المستصحب في ظرف الشك في بقائه لا بد أن يكون له اثر عملي سابق على استصحابه لكي ترتب ذلك الأثر باستصحابه فلا معنى لكون الأثر يحصل بجريان الاستصحاب اللهم إلّا أن يقال بأن الطهارة عن الخبث كالطهارة عن الحدث من المجعولات الشرعية لكي تناله يد الجعل فعليه لا يحتاج إلى أثر سابق فافهم وتأمل.

اطراف الشبهة المحصورة ولا اشكال فيه (قلت فهل على إن شككت ان اصابه شيء أن انظر فيه قال لا ولكنك انما تريد أن تذهب بالشك الذي وقع في نفسك قلت ان رأيته في ثوبي وانا في الصلاة قال تنقض الصلاة وتعيد اذا شككت في موضع منه ثم رأيته).

والمراد من هذه الفقرة مورد شك في النجاسة قبل الصلاة مع كونه متيقنا بالطهارة قبله ثم علم في أثناء الصلاة كان من الاول نجسا فيجب عليه الاعادة لعدم وقوع الصلاة في النجاسة وهذه تنافي الفقرة السابقة بناء على الاحتمال الرابع وعلى كل حال تلك التوجيهات المتقدمة محل نظر بخلاف ما قويناه من الاحتمال الثاني كما هو ظاهر ثم قال (وان لم تشك ثم رأيته رطبا قطعت الصلاة وغسلت ثم بنيت على الصلاة وغسلت ثم بنيت على الصلاة لانك لا تدري لعله شيء أوقع عليك فليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشك).

وهذه الفقرة ظاهرة في مورد عدم حصول الشك له قبل الصلاة أصلا بل كان على يقين بالطهارة وفي الاثناء رأى النجاسة رطبة فشك في أنها كانت قبل الصلاة أو حدثت في الاثناء فيكون من مورد قاعدة الاستصحاب ، فلذا أجابه (ع) بلا تنقض اليقين بالشك فدلالة الخبر على قاعدة الاستصحاب مما لا اشكال فيه.

ومنها صحيحة ثالثة لزرارة في شك ركعات الصلاة (وإذا لم يدر في ثلاث هو أو في أربع وقد أحرز الثلاث قام ، فأضاف إليها اخرى ولا شيء عليه ولا ينقض اليقين بالشك ولا يدخل الشك في اليقين ولا يخلط أحدهما بالآخر ولكنه ينقض الشك باليقين ويتم على اليقين فيبني عليه ولا يعتد بالشك في حال من الحالات) يقع الكلام فيها تارة في أصل دلالة الرواية على الاستصحاب وأخرى في مقدار دلالتها

من حيث عمومها لجميع الموارد واختصاصها بموردها وهو الشك في الركعات.

أما المقام الأول فقد أشكل على دلالتها بأن ظاهرها هو البناء على الأقل والاتيان بالركعة المشكوكة متصل بلا تشهد ولا تسليم معللا بحرمة نقض اليقين بالشك ، وهو موافق لمذهب العامة دون الخاصة فيكون محمولا على التقية من حيث العلة والمعلول فالحكم على لزوم البناء على الأفل والقاعدة المعلل بها كلاهما موافقان للتقية فعليه لا يكون دليلا على الاستصحاب.

ولكن لا يخفى ان الحكم بالبناء على الأقل كما هو ظاهر الرواية من قوله (قام وأضاف اليها أخرى وان كان على مذهب العامة) فيكون محمولا على التقية إلّا ان ذلك في تطبيق القاعدة المعلل بها على مورد التقية من دون أن تكون نفس القاعدة (١) موردا للتقية فتكون

__________________

(١) وحاصله ان التقية ليست في الكبرى وانما في تطبيق الكبرى على المورد بمعنى أن لا تنقض اليقين بالشك. لبيان حكم الله الواقعي ولا تقية فيه ، وانما التقية في تطبيق هذه الجملة على المورد بناء على أن يكون المورد (اتيان الركعة المشكوكة موصولة كما هو مذهب العامة).

فعليه ان حمل الصحيحة على التقية لا يوجب عدم استفادة الاستصحاب منها بل تدل هذه الجملة على اعتباره.

ولا ينافي بين أن يكون أصل الكبرى في بيان الحكم الواقعي وتطبيقه على المورد يكون من باب التقية كما وقع نظيره في قوله (ع) للخليفة العباسي (ذاك الى امام المسلمين ان صام صمنا معه وان أفطر افطرنا معه) فان أصل الكبرى أي الحكم بكون اليوم الفلاني عيدا من

القاعدة في مقام بيان الحكم الواقعي إلّا أن تطبيقها على المورد كان بنحو التقية كما هو كذلك في حديث الرفع حيث طبقه (ع) تقية على الحلف بالطلاق والعتاق والصدقة لا يضر ذلك بمشروعية اصل الكبرى ان قلت اننا نعلم اجمالا انه كان في البين تقية أما في تطبيق القاعدة مع كونها بنفسها قاعدة واقعية وأما في نفس القاعدة مع كون تطبيقها لبيان الحجة الواقعية.

__________________

وظائف امام المسلمين والأمر بيده.

ومن الواضح ان ذلك ليس فيه تقية بل هو حكم واقعي وانما التقية في تطبيق عنوان امام المسلمين على الخليفة العباسي خوفا منه ودعوى ان حملها على التقية حق في مقام التطبيق ينافي مع ما في صدرها من ظهوره في ارادة صلاة الاحتياط على خلاف مذهب العامة ممنوعة إذ الصدر ليس فيه ظهور في خلاف التقية فانه (ع) (في الشك بين الاثنين والأربع) قال (يركع بركعتين وأربع سجدات. وهو قائم بفاتحة الكتاب ويتشهد ولا شيء عليه) فان ذلك يلائم مع كون الركعتين منفصلتين كما يلائم كونها موصولتين على أنه يمكن ان يكون ما في الصدر لا يقتضي التقية. إلّا ان في الذيل يكون هناك موجب للتقية كدخول شخص إلى مجلس في أثناء التكلم يوجب دخوله التقية.

وحاصل الاشكال هو أن دلالة هذه الصحيحة على الاستصحاب مبني على أن يكون المورد لهذه الكبرى هو اليقين بعدم اتيان الرابعة سابقا ثم شك في اتيانها فحكم الشارع بعدم جواز نقض ذلك اليقين ووجوب اتيان الرابعة.

ومقتضى ذلك هو اتيان الرابعة موصولة كما هو مذهب العامة. لا مفصولة بتكبيرة الاحرام وفاتحة الكتاب والسلام كما هو مذهب الامامية. فعليه لا بد من حمل الرواية على التقية أو ان المراد من

لانه بعد فرض كون نفس القاعدة صدرت تقية وعلى مذهب العامة كان تطبيقها على المورد واقعيا لا تقية ، ومع هذا العلم الاجمالي لا تجرى أصالة عدم التقية في نفس القاعدة للمعارضة. قلنا ان هذا العلم الاجمالي ينحل انحلالا حكميا إلى العلم التفصيلي والشك البدوي ومع هذا كله فان اصالة عدم التقية.

__________________

اليقين هو اليقين بالامتثال أي الاتيان بصلاة الاحتياط مفصولة وعلى كل لا يمكن الاستدلال بها على الاستصحاب.

ولكن لا يخفى أن مقتضى الاستصحاب ليس إلا لزوم الاتيان بالركعة الرابعة أما كونها موصولة أو مفصولة لا دخل لها في الاستصحاب وانما يحصل تعيين ذلك من بيان كيفية اتيانها. ومن هنا ادعى الاستاذ المحقق الخرساني (قده) الاطلاق في الرواية والأخبار الأخر مقيدة لها.

والانصاف ان الناظر إلى الرواية لا يجد فيها اطلاق ، حيث أنها بملاحظة صدرها يظهر أن المراد من اليقين هو عدم الاتيان بالركعة الرابعة ويحصل الامتثال القطعي بإتيان الركعة الرابعة المنفصلة على أنه لو دلت على الاستصحاب فيستفاد منه اتصال الركعة فلا يكون فيه اطلاق لكي تكون الاخبار الأخر مقيدة بل يجد هذه الصحيحة مع تلك الأخبار تباين.

فالتحقيق في رفع الاشكال ان المستفاد من الرواية هو الاستصحاب وهو يحقق موضوع ما استقر عليه مذهب الامامية من وجوب الاتيان بصلاة الاحتياط منفصلة فموضوع وجوب الاحتياط انما تتم بالاستصحاب

بيان ذلك :

ان قوله عليه‌السلام (ولا ينقض اليقين بالشك) من باب

لا تجري في التطبيق على كل حال لعدم الاثر لها لأنا نقطع بأن

__________________

تطبيق الكبرى على الصغرى يكون المورد من صغرياته فيكون المقام مما ثبت أحد الجزءين بالوجدان والجزء الآخر بالتعبد فان موضوع صلاة الاحتياط فيما لو شك بين الثلاث والأربع مثلا مركب من جزءين وهما الشك بين الثلاث والأربع وهو ثابت بالوجدان.

وعدم الاتيان بالركعة الرابعة وهو ثابت بالأصل فبمقتضى هذه الرواية تدل على استصحاب عدم الاتيان بالركعة الرابعة والاتيان بها منفصلة.

وهذا الاستصحاب المستفاد من هذه الصحيحة لا اطلاق فيه من حيث الركعة متصلة أو منفصلة لكي يقال بأن الروايات الأخر تدل على تقيدها إذ صدرها (يركع ركعتين وأربع سجدات وهو قائم بفاتحة الكتاب ويتشهد ولا شيء عليه) يدل على وجوب الاتيان بهما منفصلتين.

كما أنه ظهر بطلان ان الرواية محتملة لأمور منها : الاتيان بالركعة الرابعة متصلة بالركعات السابقة.

ومنها حملها على التقية أو المراد منها الاتيان بها منفصلة. بأن يكون المراد من اليقين بالفراغ ووجوب الاحتياط بالبناء على الاكثر.

ولا يمكن الالتزام بالأول لكونه مخالفا لمذهب الامامية ولا الالتزام بالثاني لكونه خلافا للظاهر فيتعين حملها على الثالث فتكون الرواية أجنبية عن الاستصحاب وقد أيد ذلك الشيخ الانصاري (قده) لدلالة الروايات على ان المراد باليقين هو اليقين بالفراغ ووجوب الاحتياط لكثرة ما يطلق من الاخبار على ذلك كما أيد ذلك بعض الاعاظم لكون الرواية لا دلالة لها على الاستصحاب حيث أنه على تقدير جريانه ليس إلّا عدم الاتيان بالركعة الرابعة.

الحكم على مذهب الخاصة ، ليس على مورد الرواية فحينئذ يبقى أصل عدم التقية في أصل صدور القاعدة لا يعارض فحينئذ يتم الاستدلال بالرواية على حجية الاستصحاب ولو لم يكن تطبيقها في موردها حجة لكونه تقية.

وقد يقال أيضا كما عن الوافي بأنه لا مساس للرواية بباب الاستصحاب وحاصله انه إذا حصل للمكلف الشك بين الثلاث والاربع

__________________

وذلك لا يثبت ان المأتي به بعد ذلك هو الركعة الرابعة الا على القول بالاصل المثبت. وعليه لا يصح اتيان السلام في هذه الركعة فلا يحصل المطلوب. ثم قال أخيرا ان بناء الاصحاب عدم جريان الاستصحاب في الركعات.

ولكن لا يخفى ما فيه اذ المستفاد من الرواية هو الاستصحاب وهو محقق لموضوع وجوب الاحتياط على ما عرفت سابقا فاذا حكمنا بمقتضى الاستصحاب ان الدخول في الرابعة المنفصلة هي الرابعة فلا مانع من اتيان التسليم فان الدليل دل على التسليم بعد الاتيان بالركعة الرابعة وفي المقام بمقتضى الاستصحاب عدم الاتيان بما يحكم بأنها هي الرابعة لان دخوله في الرابعة متيقن وخروجه عنها مشكوك فيه فيستصحب بقاؤه فيها فحينئذ يحكم بأن ما بيده هي الرابعة فعليه يجوز وقوع التسليم في آخر الركعة الرابعة بمقتضى الاستصحاب لا يقال ان مقتضى الاستصحاب هو البناء على الاقل والمذهب هو البناء على الاكثر لأنا نقول ان المذهب أيضا على البناء على الاقل من حيث الاتيان بالركعة المشكوكة إلا أن التقيد بالبناء على الاكثر بلحاظ السلام وبالجملة ان مقتضى الاستصحاب هو البناء على الاقل والاتيان مع البناء على الاكثر.

وهنا احتمالان :

الأول : ان يقطع صلاته ويرفع اليد عما أتى به بسبب الشك في الرابعة.

الثاني : يبني على الأربع ويتمه ولم يأت بشيء بعده فتكون صلاته مركبة من المتيقنة وهي الثالثة والمشكوكة وهي الركعة الرابعة.

الثالث : أن يبني على الأقل ويأتي بالمشكوكة موصلة.

الرابع : أن يبني على الاقل أيضا ويأتي بالمشكوكة منفصلة بعد التشهد والتسليم والامام (ع) قد رفع الاحتمال الأول بقوله ولا ينقض اليقين بالشك أي يقطع الثلاث المتيقن بسبب الشك والثاني بقوله : ولا يدخل الشك باليقين أي لا يدخل المشكوك في المتيقن.

فيبقى الاحتمالان الآخران فيكون المصلي مخيرا بينهما فعلى هذا فلا مساس للرواية بباب الاستصحاب ، وفيه انه يلزم على هذا التفكيك.

في معنى الفقرات في هذه الرواية وهو خلاف ما هو سياقها من بيان معنى واحد بعبارات متعددة ، حيث أنه اما أن تصرف الرواية عن ظاهرها من الركعة المتصلة فيلزم الكر على ما فر منه من ارتكاب خلاف الظاهر واما أن تبقى على ظاهرها فيلزم المحذور الاول من لزوم حملها على التقية لكونها مخالفا لمذهب الخاصة ثم انه قد أجاب في الفصول عن الاشكال السابق على ما حكاه عنه الشيخ بما حاصله من حمل الفقرة الأولى وهو قوله (لا تنقض اليقين بالشك) على الاستصحاب كما هو ظاهر الرواية بمعنى عدم جواز البناء على وقوع المشكوك.

وبمقتضى ذلك يلزم الاتيان بالمشكوك وقد بين كيفية اتيانه بقوله (ولا يدخل الشك في اليقين) أي لا يدخل في المشكوك الذي لا بد من اتيانه بالمتيقن بنحو الاتصال بل يأتي به منفصلا وكذلك الفقرات

الأخر فتكون الفقرة الاولى محمولة على الاستصحاب والفقرات الأخر محمولة على ما هو القاعدة عند الخاصة من دون لزوم تقية أصلا.

ولكن لا يخفى انه يرد على هذا الوجه بما أوردناه على صاحب الوافية وأما ما ذكره الاستاذ (قده) في الكفاية من حمل الرواية على الاستصحاب أخذا بظاهر قوله (ع) (لا تنقض اليقين بالشك) بأن المراد هو استصحاب وجوب الركعة الرابعة غاية الامر ان ذلك ينبغي الاتيان بها متصلة إلا ان ذلك مخالف لمذهب الخاصة بحمل الاستصحاب على استصحاب عدم الاتيان بذات الركعة مجردة عن قيودها فعليه يرجع إلى الأدلة الخاصة الدالة على الاتيان بها بعد التشهد والتسليم وكون هذه الاخبار مقيدة لاطلاق الاستصحاب ولا خير فيه ولكن لا يخفى ان مقتضى الاستصحاب هو الاتيان بالركعة الرابعة على نحو ما كانت بنفسه في العدم في القضية المتيقنة.

إذ من المعلوم ان الموضوع في القضية المشكوكة والمتيقنة أمر واحد عرفا ومن الواضح أن الركعة التي كانت هي الموضوع في القضية هو الركعة المفيدة بتمام قيودها من التشهد والتسليم.

وأما الركعة المحددة بتمام القيود غيرها عرفا فكيف التصحيح بذلك مضافا الى انها تدل على التشهد والتسليم قبل الاتيان بالركعة لسانها انه يبني على الرابعة المأتي بها فيتشهد ويسلم بعد هذا البناء ومعه لا يبقى شك حتى يجري الاستصحاب فتكون تلك الادلة حاكمة على الاستصحاب ومن هنا الشيخ الانصاري (قده) حمل الرواية على كون المراد من اليقين فيها هو اليقين بالفراغ والبراءة وبالعمل بالوسيلة المقررة بالركعات على مقتضى ما ذكرته الاخبار العامة والخاصة الواردة في هذا الباب. مطابقا لما هو مذهب الخاصة فلا يكون مربوطا

بباب الاستصحاب وفيه انه مخالف لظاهر السياق فإن سياقه عدم جواز نقض اليقين المفروغ ثبوته بالشك أي لا تنقض لزوم تحصيل اليقين بالفراغ بالشك فيه كما هو مقتضى الاحتياط على مذهب الخاصة كما لا يخفى.

فالحق هو ما تقدم من أن قوله (ولا ينقض اليقين بالشك) ناظر الى الاستصحاب بمعناه المتبادر ويثبت وجوب الركعة فيكون جريانه في المقام حكما بوجوب أصل الركعة حكما واقعيا تعبديا.

ولكن تطبق على المورد من حيث اعتبار كون الركعة منفصلة فيكون على وجه التقية فالموضوع في القضية المشكوكة نفسه هو الموضوع في القضية المتيقنة ثم انه يرد على ما اخترناه في المقام اشكال وهو أنه على هذا يلزم أن يكون الاستصحاب بالنسبة إلى اثبات وجود الركعة الرابعة متناولا ولو على مذهب العامة وذلك من جهة ان شأن الاستصحاب في كل مورد يجري لا بد وان ينتهي الى وجوب امتثال ما هو المحرز بالاستصحاب بالزام العقل لايجاد ما يقطع بتطبيق ما يحصل به الامتثال عليه مثلا انا اذا استصحبنا بقاء التكليف بصلاة الظهر وكنا نشك في اتيانها فالعقل يرتب في مثله ايجاد صلاة نقطع بتطبيق ما يحصل به امتثال ذلك التكليف الظاهري عليه.

وهذا المعنى لا يترتب في المقام أي استصحاب عدم الاتيان بالركعة الرابعة إلا على القول بالاصل المثبت لان الشاك بين الثلاث والاربع ينحل شكه في المقام إلى شكين أحدهما الشك فيما أتى به من الركعة ثالثة أو رابعة فهذا الاعتبار كان شكه راجعا إلى مفاد كان التامة اعني الشك في وجود ما هو الرابعة ولازم هذا التشكيك هو العلم الاجمالي بأن ما أتى به من الركعة أما هي الرابعة التي كانت سابقا فتقطع فيها

بالعدم وأما الرابعة التي لم يأت بها بعد فيكون هذا العلم الاجمالي غاية مفاد الاستصحاب وهو استصحاب بقاء عدم الاتيان بالرابعة ،

ولكن مجرد اثبات ذلك لا يمنع حكم العقل بالامتثال لعدم القطع بأنه ينطبق على المأتي به من الركعة السابقة مع أنه لا يثبت به وجوب التشهد والسلام بعد الاتيان به لعدم احراز كونها رابعة نعم بناء على الاصل المثبت يكون لازم عدم الاتيان بالرابعة عدم كون ما أتى به سابقا رابعة عقلا ويلزم كون المأتي به فعلا رابعة فيثبت من ذلك تطبيق المستصحب على المأتي به.

ولكن لا يخفى أن الاخذ بظهور الرواية يوجب القول بحجية الاصل المثبت في خصوص المورد وإلا يلزم اللغوية بتقريب أن تطبيق الامام (ع) الاستصحاب على المورد حفظا لذلك عن اللغوية يوجب الالتزام بحجية المثبت ولو باستكشاف تنزيل أخر في المرتبة السابقة على التطبيق وما ذكر من عدم حجيته ليس لامر عقلي أو لقيام الدليل على عدم حجيته بل لقصور في دليل التعبد فمع فرض قيام الدليل بالخصوص على حجيته كما في المقام فلا بد من الاخذ به لما عرفت أنه لا يترتب أثر شرعي على استصحاب عدم وجود الرابعة بنحو مفاد ليس تامة فتصحيحا لحفظ تطبيق الامام (ع) نستكشف تنزيل آخر في المرتبة السابقة عليه ليترتب عليه وجوب التشهد والتسليم المترتبين على رابعة الموجود.

ولكن لا يخفى أن جريان الاستصحاب يوجب عدم جريانه أو جريانه يوجب تنزيل رابعية الركعة الاخرى في المرتبة السابقة عن التطبيق المزبور يوجب ارتفاع الشك تعبدا عن وجود الرابعة فمع ارتفاع الشك لا يجرى الاستصحاب ولو سلمنا صحة كون تطبيق

الكبرى على المورد إلّا أن ذلك يتوقف على ثبوت كون المورد من مصاديق موضوعه مع قطع النظر عن التطبيق وهو انما يتم في مقام الثبوت لو كانت مفاد تنزيلها منزلة ما له الاثر قبل ترتب الأثر ولكن ذلك لا يلزم أن تكون في مقام الاثبات كذلك.

نعم يمكن أن يكون التنزيل بنفس هذا التطبيق فحينئذ يمكن أن يستكشف تنزيل سابق بحيث يكون المورد مما ينطبق عليه الكبرى بنظر الشارع فيتم ذلك في مقام الاثبات والانصاف ان كل ما ذكر محل نظر واشكال فالصحيح الالتزام بكون تطبيق الكبرى على المورد من باب التقية وليست التقية في أصل الكبرى كما هو قوله (ع) قام فأضاف إليه أخرى.

نعم في المقام اشكال آخر في تطبيق الرواية على الاستصحاب بالنسبة إلى موردها حتى على مذهب العامة القائلين بالبناء على الأقل والاتيان بركعة موصولة وهو أنه بعد الفراغ من كون الركعة المتيقن عدمها سابقا بعد الاتيان بالركعة المشكوكة انها ثالثة أو رابعة فتتردد بين انطباقها على المأتي به وبين انطباقها على الركعة الأخرى غير المأتي بها.

وبهذه الجهة حصل لنا علم اجمالي بكون الركعة اما هي المأتي بها أو غيرها مما لم يؤت بها فيكون المقام من قبيل الفرد المردد بين ما علم بقائه وبين ما علم عدم الاتيان به حيث ان الشك واليقين تعلق بما هو عنوان الركعة الرابعة المرددة بين شخصين ولا جامع بين الركعة المأتي بها وبين الركعة الأخرى للقطع بأن المأتي بها لو كانت عقيب الثانية فلا يصلح لانتزاع الرابعة منها ولو كانت عقيب الاخرى لا يصلح انتزاع الرابعة من الركعة التي بعدها فليس المقام من قبيل الحيوان

المردد بين الفيل والبقة بل المتيقن السابق في المقام من قبيل الفرد المردد بين الخصوصيتين فلا نشك في بقائه بل على فرض نقطع في بقائه وعلى فرض نقطع بارتفاعه فلا مجال للاستصحاب ولذلك ظهر فساد ما وجهه سابقا الاستاذ قدس‌سره في كفايته طبقا لما ذكره في الفصول من كون تطبيق الرواية على المورد بعنوان الاستصحاب على نحو الحقيقة مع قطع النظر عما أوردنا عليها سابقا كما أنه بذلك ظهر كون عدم جريان الاستصحاب في الشك في الركعات في باب الصلاة على القاعدة مع قطع النظر عن أخبار باب الشكوك.

نعم هذا الاشكال أيضا لا يضر بالاستدلال بظاهر الكبرى التي كانت مطابقا لما هو المرتكز في الاذهان من قاعدة الاستصحاب وإن كان تطبيقها على المورد لا مجال له على نحو الحقيقة وذلك لما تقدم ان كون التطبيق انما هو صوري صدر تقية على وفق الاوهام الفاسدة يكون المورد من موارد الاستصحاب فيكون التطبيق موافقا لذلك تقية ولا ينافي ذلك ما في صور الرواية من الحكم بأنه يقرأ بفاتحة الكتاب في هذه الركعة التي يأتي بها لعدم تعيين غير الفاتحة عندهم في الركعتين الاخيرتين حتى يكون الحكم بقراءة الفاتحة مخالفا للتقية.

وأما المقام الثاني فمقتضى كون الكبرى قضية كلية ارتكازية أنه لا يختص بباب دون باب فيكون دليلا على الاستصحاب في جميع الموارد من دون الاختصاص بموردها كما هو ظاهر منها ما عن الخصال بسنده عن محمد بن مسلم بن أبي عبد الله (ع) قال أمير المؤمنين عليه‌السلام ، من كان على يقين فشك فليمضي على يقينه فان الشك لا ينقض اليقين :

(وفي رواية أخرى) عنه (ع) من كان على يقين فأصابه شك

فليمضي على يقينه فان اليقين لا يدفع الشك وتقريب الاستدلال به ظاهر ولكنه قد يرد عليه بأنه لا ينطبق على الاستصحاب بل دلالته على قاعدة اليقين المسمى بالشك الساري أولا وبيانه ، ان الاحتمالات المتصورة في الرواية أربعة :

الأول : أن يكون زمان اليقين والشك واحد مع تعلقهما بأمر واحد كان تيقن يوم الجمعة بعدالة زيد في ذلك اليوم فشك في هذا اليوم بعدالته أيضا وهذا محال كما هو واضح.

الثاني : أن يكون زمانهما متعددا مع تعلقهما بأمر واحد وهو قاعدة اليقين.

الثالث : أن يكون زمانهما متحدا بعد تعدد متعلقهما.

الرابع هو الثالث : مع تعدد زمان الوصفين أيضا وهذان الاخيران هو الاستصحاب فالمعتبر في الاستصحاب هو تعدّد المتعلق سواء اتحد زمان الوصفين أم تعدد.

كما أن المعتبر في قاعدة اليقين تعدد زمان الوصفين مع اتحاد المتعلق ولما كان صريح الرواية هو تعدد زمان الشك واليقين ولم يعتبر ذلك في الاستصحاب مع أن ظاهرها اتحاد المتعلق اذ الظاهر من قوله فشك تعلق الشك بعين ما تعلق به اليقين فلا بد من حملها على قاعدة اليقين والوجه في صراحتها في ذلك وهو تعدد زمان الوصفين يظهر بالرجوع إلى نظائرها.

مثل إذا كنت مريضا فأصابتك الصحة وإذا كنت قائما فأصابك القعود. وغير ذلك من الموارد هذا خلاصة ما أفاده

الشيخ (قده) (١) ثم أنه استدرك بقوله اللهم إلى آخر كلامه وحاصل ما أفاده الشيخ (قده) بقوله.

ثانيا ان اليقين والشك وإن كانا في هذه الرواية متعددين زمانا ولكن يمكن تطبيق الرواية على الاستصحاب أيضا بدعوى منع ظهورها

__________________

(١) وحاصله هو أن الظاهر من قوله (ع) من كان على يقين فشك هو سبق زمان اليقين على الشك وانقطاع حاله ، فينطبق على قاعدة اليقين حيث إنه يعتبر فيها سبق اليقين على الشك زمانا فتكون أجنبية عن الاستصحاب اذ اختلاف الشك واليقين زمانا فضلا عن سبق اليقين على الشك غير معتبر في الاستصحاب وانما المعتبر فيه سبق متعلق اليقين على متعلق الشك كما هو ظاهر من اشتمال الروايتين على لفظة (كان) الظاهر في اختلاف الوصفين وتعاقبهما وذلك ظاهر في الانطباق على قاعدة الوصفين كان يقطع يوم الجمعة بعدالة زيد في زمان ثم يشك يوم السبت في عدالته في ذلك الزمان.

ولكن لا يخفى ان المستفاد من قوله (ع) فليمضي على بقيته ، هو المعني على اليقين مع فرض وجود فعليته كما هو الظاهر من اطلاق المبدأ هو فعلية التلبس به ، إذ لا يصح اطلاق اليقين الا على ما كان يقينا بالفعل وذلك لا يمكن حمل الرواية على قاعدة اليقين لأن اليقين فيها غير موجود بالفعل وانما الموجود بالفعل فيها هو الشك المسمى بالشك الساري لسرايته الى زمان اليقين السابق بخلاف الاستصحاب

فان اليقين فيه كالشك ولذا يرجع الشك فيه الى الشك في البقاء بخلاف قاعدة اليقين فان مرجع الشك فيها الى الشك في الحدوث وبالجملة ، الرواية صريحة في الانطباق على الاستصحاب فافهم وتأمل.

في وحدة المتعلق بأن يقال ان انطباقها على قاعدة اليقين يبنى على أن لا يكون متعلقهما مجردا عن الزمان وإلا فمع تجرده عن الزمان بأن يتعلق اليقين بعدالة زيد على الاطلاق والشك يتعلق بها في يوم السبت على نحو الاطلاق أيضا فحينئذ يمكن تعلق اليقين بها حدوثا وتعلق الشك بها بقاء فينطبق على الاستصحاب.

ولكن لا يخفى بأن تجريد المتعلق عن زمان الوصفين لا يجدي شيئا لان المفروض ان اليقين كما تعلق بالمطلق بتمامه فكذلك الشك تعلق به كذلك فيتحد المتعلق أيضا ولعل قوله فافهم اشارة إلى ذلك ثم انه (قده) تمم الاستدلال بالرواية بضم الاجماع على عدم اعتبار قاعدة اليقين ولا يخفى عدم تمامية المدعى بذلك.

والأولى ان يقال ان الرواية نفسها ظاهرة في الاستصحاب. وذلك ان الوجه في دلالة الرواية على تعدد زمان الوصفين ليس إلا من جهة استفادة ترتب الشك على اليقين من لفظة (الفاء) في قوله (فشككت) وهذا المعنى موجود في صحيحة زرارة المتقدمة ومع ذلك لم يستفد منها تعدد الزمان في الوصفين مع وحدة المتعلق والشك في ذلك اذ الظاهر من قول القائل كنت متيقنا بعدالة زيد يوم الجمعة هو اليقين بعدالته هذا اليوم فاذا قال بعد ذلك (فشككت) في عدالته في يوم السبت فيكون متعلق الشك غير متعلق اليقين فتنطبق الرواية على الاستصحاب أيضا.

ولا ينافي ذلك ظهورها في وحدة المتعلق ذاتا ولو كان متعددا حدوثا وبقاء لان وحدة الذات معتبرة في الاستصحاب أيضا لما تقدم من اعتبار وحدة الموضوع في القضية المتيقنة والمشكوكة ويمكن أن يقال أن افادة تأخرا الشك عن اليقين بلفظة (الفاء في الرواية) كان

بالنظر إلى الغالب كما انه يمكن أن يكون ذلك بلحاظ النظر إلى اليقين والشك في مقام التعبير كما لا يخفى وان كان ذلك لا يخلو عن بعد حسب فهم العرف.

ومنها رواية مكاتبة علي بن محمد القاساني قال كتبت إليه وأنا بالمدينة اسأله عن اليوم الذي يشك فيه من رمضان هل يصام أم لا فكتب (ع) اليقين لا يدخل فيه الشك صم للرؤية وافطر للرؤية وجه الاستدلال هو أن ظاهرها جعل اليقين طرفا للشك وذلك يستلزم تقدم اليقين على الشك كما يظهر بالرجوع إلى نظائره فيكون مفاده ان اليقين بكونه شعبانا أو عدم شهر رمضان لا يدخله الشك أي لا ينقض اليقين بالشك فيكون قوله (ع) صم للرؤية الخ بيان لما يستفاد ان اليقين لا ينقض إلا باليقين وحيث أنه ليس في البين احتمال غيره لذا قال الشيخ الانصاري (قده) (١) ان هذه الرواية اظهر ما في الباب ولكنه

__________________

(١) وقد أورد الاستاذ المحقق النائيني (قده) بأن هذه الرواية أجنبية عن باب الاستصحاب وداخلة في باب صوم الشك الدالة على اعتبار اليقين بدخول شهر رمضان في نية الصوم كما هو الظاهر من قوله (ع) اليقين لا يدخل فيه الشك بمعنى عدم دخول متعلق الشك في متعلق اليقين اذ ارادة النقض من الدخول يحتاج الى عناية فالمراد من الرواية هو عدم جواز ادخال اليوم المشكوك في كونه من شهر رمضان.

ولكن لا يخفى ان ذلك ينافي تفريع قوله (ع) أفطر للرؤية إذ مقتضى عدم ادخال اليوم المشكوك في كونه من شهر رمضان فيه هو جواز الافطار في يوم الشك في أخر شهر رمضان أيضا اذ كونه من رمضان مشكوك وعليه لا يصح التفريع المذكور ولا ينافي التعبير (بلا يدخل) بدل (لا ينقض) إذ الوجه فيه هو أنه دخول الشيء

يرد بأن استصحاب بقاء شعبان أو صوم شهر رمضان لا يثبت شعبانية يوم الشك أو عدم رمضانيته إلا على القول بالاصل المثبت مضافا إلى أن من يرجع الى الوسائل واطلع على تمام الرواية لعلم ان المراد من اليقين فيها هو اليقين برمضان وانه أشار بذلك الى أن موضوع الحكم في وجوب الصوم هو اليقين برمضان وانه لا يدخله الشك وقوله (ع) صم للرؤية كفايته عن ذلك فلا ربط لها بباب الاستصحاب.

ومنها موثقة عمار كل شيء طاهر حق تعلم أنه قذر ومثلها قوله عليه‌السلام كل شيء لك حلال حتى تعرف انه حرام والشيخ الأنصاري قدس‌سره ، اقتصر في الاستدلال على الاستصحاب بالرواية الأولى والظاهر ان الاستدلال بالثانية أولى باعتبار عدم اختصاصها بباب دون باب والظاهر أنه لا فرق بينهما في ذلك إذ كلما ذكر في الأولى يجري في الثانية.

نعم بينهما فرق من جهة أخرى يظهر لك ما فيها من بيان وجه الاستدلال ووجهه انها مسوقة لبيان الحكم باستمرار طهارة كل شيء إلى أن يعلم قذارتها لا بثبوتها له ظاهرا إلى أن يعلم عدمها.

فالغاية هو العلم بالقذارة على الأول غاية للمحكوم به وهو استمرار الطهارة دون الحكم بها.

__________________

يوجب انتقاض وحدته والحاصل ان الالتزام بعد الرواية من روايات صوم يوم الشك بعد كونها ظاهرة في الاستصحاب لا يوجب صرفها عن ظاهرها ومن هنا يظهر ضعف ما ذكره المحقق الخراساني (قده) في كفايته من أنه يمكن أن يكون المراد من اليقين هو اليقين من دخول شهر رمضان لما عرفت ، من أن الظاهر دلالته على الاستصحاب أظهر من عدها من روايات باب الصوم وفاقا للشيخ الانصاري (قده).

فغاية الحكم غير مذكور ولا مقصود وعلى الثاني غاية للحكم بثبوتها في الغاية وهي العلم بعدمها رافعة للحكم فيرجع معناه إلى أنه كل شيء يستمر الحكم بطهارته في كل آن إلى أن يعلم قذارته هذا ما أفاده الشيخ الأنصاري قدس‌سره ، وملخص ما أفاده أن في المقام معنيين.

أحدهما التكلم بمثل هذه القضايا كان مصدر الحكم باستمرار الطهارة أو الحلية إلى حصول العلم بعدمه فتكون الغاية غاية للمحكوم لا الحكم فيرجع المقصود في هذه الأشياء إلى الحكم باستمرار ما هو ثابت من دون نظر إلى أصل الثبوت بحيث كان أصل الثبوت مفروغا عنه وهذا ينطبق على الاستصحاب.

وثانيهما أن يقصد ثبوت المحمول للموضوع بحيث كان المقصود هو الحكم بأصل الثبوت مستمرا وفي كل آن الى غاية خاصة وهذا المعنى لا ربط له بباب الاستصحاب بل هو منطبق على قاعدة الطهارة وحيث أنه لا يمكن الجمع بين هذين النظرين بعبارة واحدة لعدم جامع بينهما لكونهما من قبيل المتعاكسين فلا يمكن إرادة كلا المعنيين من قوله كل شيء طاهر حتى تعلم أنه قذر فلا بد من حملها على أحد المعنيين.

أما الاستصحاب أو قاعدة الطهارة وحملها على القاعدة أظهر إذ الطاهر من الجملة الخبرية في مقام الانشاء هو الحكم بثبوت المحمول للموضوع لبيان استمراره فضلا عن أصل ثبوته اللهم إلا أن يقال بأن لنا في المقام تصورا ثالثا وهو أن يكون المقصود الحكم بثبوت الطهارة المستمرة والحلية المستمرة وتكون الغاية للمحكوم عليه بهذا الحكم الناشئ من هذا الانشاء وهي الطهارة التي حكم بثبوتها الى غاية حكم واستمرار ما هو مفروغ الثبوت فيكون مفادها أن كل شيء محكوم

بالطهارة مستمرة الى العلم بأن يكون الانشاء الواحد ينحل إلى إنشاءين انشاء بثبوت الطهارة الذي هو حكم واقعي وانشاء باستمرارها الذي هو الحكم الظاهري وذلك ينطبق على الاستصحاب حيث أنه لا ينحصر في ابقاء الحكم مفروض الثبوت بل يجري في كل ما يثبت بالانشاء.

ولو كان الانشاء منحلا الى حكمين واقعي مستفاد من ذي الغاية وظاهري مستفاد من نفس الغاية خلافا للاستاذ قدس‌سره حيث ادعى استفادة القواعد الثلاثة من نفس ذي الغاية من هذه الرواية أي قاعدة الطهارة أو الحل وقاعدة اليقين والاستصحاب بتقريب ان للشيء عنوانا ذاتيا ككونه ماء أو تراب وعنوانا عرضيا ككونه مشكوك الحكم.

فاذا أطلق الشيء يستفاد منه الاطلاق الافرادي أي كل شيء واطلاق الأحوال وهو كونه مشكوك الحكم من كونه طهارة أو حلية فعليه اطلاق الشيء يشمل الاطلاق الافرادي والاحوالي شمولا يستفاد ذلك من اطلاق المعنى فيكون دالا على طهارة الاشياء وحليتها واقعا وطهارة ما اشتبهت طهارته وحليته فبالنسبة إلى الأول يكون دليلا اجتهاديا وبالنسبة إلى الثاني يكون حكما ظاهريا ودعوى أنه يلزم من ذلك استعمال اللفظ في أكثر من معنى واحد ممنوعة لما ذكرنا من أن المستفاد من الاطلاق الافرادي والاحوالي مطلق الشيء بنحو يكون مستعملا فيما يعمه فلا يلزم منه محذور اجتماع لحاظين في استعمال واحد.

ودعوى بعض الاعاظم أنه لا يمكن أن يراد من لفظ الشيء الحكم الظاهري والواقعي.

بيان ذلك هو أن الشيء إما أن يراد منه مرسلا ولازمه أن يكون المحمول هو الحكم الواقعي واما أن يراد من الشيء ما هو مشكوك ولازمه

أن يكون المحمول هو الحكم الظاهري.

ولا يمكن أن يراد من الشيء ما هو الأعم من المرسل والمقيد بما هو مشكوك ومن المحمول ما يعم الحكم الواقعي والظاهري حيث أن الشيء المشكوك متأخر رتبة عن الشيء المرسل كما أن حكمه متأخر عنه ومع تأخر الحكم الظاهري عن الحكم الواقعي لتأخر موضوعه عنه فلا يمكن جعلهما بلحاظ واحد ولكن لا يخفى أن هذا يتم بناء على كون معاني الانشاءات معاني ايجادية (١).

__________________

(١) وفاقا للاستاذ المحقق النّائينيّ حيث قال بإيجادية المعنى بالنسبة إلى الجملة الكلامية وليس المراد من الايجادية الايجادية في الخارج فانها منوطة بعلة تكوينية.

وأما الصدق فهو عبارة عن مطابقة النسبة الكلامية لما في الخارج والكذب عبارة عن عدم مطابقة النسبة الكلامية لما في الخارج وعليه بناء على ما ذكره قدس‌سره من ايجادية المعاني الانشائية هو عدم امكان ايجاد حكمين طوليين بانشاء واحد على أنه ذكر قدس‌سره عدم امكان ذلك من جهة أخرى وهو أن العلم الذي أخذ غاية للحكم يختلف فان المأخوذ غاية للحكم الواقعي قد أخذ على نحو الطريقية والذي أخذ غاية للحكم الظاهري قد أخذ على نحو الموضوعية ولا معنى لان يراد من لفظ العلم في الغاية الطريقية والموضوعية لعدم امكان الجمع بين اللحاظين.

ولكن لا يخفى أن استفادة الحكمين إنما هو من نفس المعنى الذي هو لفظ الشيء فان اطلاقه يشمل ذات الشيء الذي هو موضوع للحكم الواقعي وبشمل الشىء بما هو مشكوك الحكم الذي هو موضوع للحكم الظاهري فالغاية لما كانت هي العلم بالنسبة إلى الحكم الواقعي

وأما بناء على ما هو الحق من كون معاني الانشاءات معان إخطارية بمعنى أنها مبرزة لمعانيها القائمة بنفس المتكلم بها.

__________________

تكون طريقيا وبالنسبة إلى الحكم الظاهري تكون موضوعيا فلا يلزم من ذلك اجتماع اللحاظين حيث أن أخذ الغاية هو لأجل استمرار الحكم.

فالغاية غاية للاستمرارية وليس الغاية غاية للحكمين حيث أنه على الفرض أن أريد من الشيء الحكم الواقعي تكون الغاية غاية لاستمرار الحكم الواقعي وان أريد من الشيء الحكم الظاهري تكون الغاية غاية لاستمرار الحكم الظاهري.

ولكن لا يخفى أنه يتم ذلك لو كان في الرواية لفظ الاستمرار وحيث لا يوجد لفظه فلا يمكن أن تكون الغاية لها إذ لا معنى لاطلاق الشيء بنحو يشمل موضوع الحكمين إذ لا يفهم من اطلاق لفظ الشيء ذات الشيء من دون أخذ الخصوصيات ككونه مشكوك الحكم إذ الاطلاق ينفي الخصوصيات ولا يفهم جميع الخصوصيات ولا يلزم أن يراد من الشيء لا بشرط وبشرط شيء وبالجملة لا يعقل إرادة الحكمين الواقعي والظاهري للزوم جمع الطريقية والموضوعية من لفظ العلم المأخوذ في الغاية والظاهر ارادة الحكم الظاهري في الرواية حيث جعل العلم غاية فيكون العلم قد أخذ بنفسه غاية إذ لا معنى لجعل غاية الحكم الواقعي هو العلم بالخلاف لما هو واضح ان الحكم الواقعي لا يكون مغيا بالعلم بالخلاف فعليه لا بد من حمل هذه الرواية على الطهارة والحلية الظاهرية لا الواقعية.

والتحقيق أن يقال أن الغاية أما أن تجعل قيدا للموضوع أو للمحمول أو للنسبة فان جعلت قيدا للموضوع يكون مفاد الرواية أن الماء الموجود الى زمان العلم بالنجاسة طاهر ويلزمه إن لا يحكم بالطهارة

من الاعتبارات النفسانية وتكون حاكية عنها بمعنى ان الالفاظ كاشفة عن ان المتكلم اعتبر في نفسه ملكية الدار لزيد وأبرزه بلفظ

__________________

على الماء قبل العلم بالنجاسة اذ الموضوع فيه هو الماء المستمر إلى زمان العلم وعليه لا يمكن تطبيق هذه الرواية على الاستصحاب أبدا لعدم الانطباق قبل العلم إذ قبله يشك في انطباق عنوان العام وبعده لا مجال له لمنع العلم وان كان قيدا للمحمول يكون مفادها هو ثبوت الطهارة بالشيء المستمر إلى زمان العلم بالنجاسة فيكون غاية الثبوت غير مذكورة لكن يفهم من باب التبعية لاتحاد ظرفي الثبوت والثابت فيكون المعنى الماء تثبت له الطهارة إلى زمان العلم بالقذارة وعليه يكون الثابت غير مذكور وان كان يفهم تبعا لاتحاد الظرفين وعليه بدور الأمر بينهما وان كان الأخير أظهر وعلى كل فالطهارة المثبتة ليست هي الطهارة الواقعية بقرينة الغاية وانما الطهارة هي الظاهرية قد أخذ عدم العلم ظرفا لثبوتها أو لموضوعها.

أما أن يكون المقصود بها ثبوتها في الظرف المذكور ثبوتا واقعيا بنحو يكون المقصود البقاء تعبدا فيكون معنى الرواية كل ماء طاهر تستمر طهارته حتى تعلم قذارته فهو ينطبق على الاستصحاب وأن لم يكن بملاحظة ذلك فينطبق على قاعدة الطهارة ولذا تجري القاعدة وان كان لها حالة سابقة معلومة القذارة إلا أنها تسقط القاعدة لجريان الاستصحاب لا لقصور في دليلها.

فلذا قلنا لا جامع بين الوجود والعدم فلا جامع بين مفاد القاعدة والاستصحاب لتحمل عليه الرواية فلذا يدور الأمر بينهما ولأجل أن الاستصحاب يحتاج إلى عناية زائدة ولم يكن عليها قرينة في الكلام لذا يتعين الحمل على القاعدة كما ذكره الشيخ الانصاري (قده) نعم استظهر جعل

ملكت الدار لزيد فتكون معاني الجمل الخبرية يقصد الحكاية عما في الواقع ونفس الامر تحصل امور نفسانية يبرزها بألفاظها مثلا قولنا زيد قائم انما هو مبرز لمقصود المتكلم بالحكاية عن قيام زيد في الواقع وليس معناه وقع قيام زيد بداهة ان شأن الخبران يحتمل الصدق والكذب فلا كاشفية له عن الخارج فعليه لا محذور من كون الروايات في مقام كلا الحكمين الواقعي والظاهري وان كان احدهما في طول الآخر إذ يمكن تصور الماء وطهارته أولا ثم يتصور الشيء انه مشكوك ثانيا في هذه الجملة وأبرزهما بمبرز واحد بقوله الماء كله طاهر اذ لا يعقل أن تكون الالفاظ موجدة لمعانيها إذ المراد من وجود المعنى بوجوده الخارجي انما هو معلول لعلته التكوينية وليس اللفظ منها قطعا وإن كان المراد وجوده في عالم الاعتبار فهو لا يحتاج إلى وجود اللفظ أصلا فدعوى كون الانشاءات موجودة لمعانيها دعوا باطلة.

فالتحقيق في الجواب ان تقدم الاحكام الواقعية على الاحكام الظاهرية انما هو تقدم رتبي كتقدم الموضوع على الحكم فجعل الحكم الواقعي فى المرتبة السابقة وجعل الحكم الظاهري في المرتبة اللاحقة موجبا لعدم ايجادهما بانشاء واحد إذ لا يعقل أن يكون جعل واحد ينشأ الحكمين حيث ان الحكم الواقعي المترتب على موضوعه واقعي في المرتبة السابقة يستحيل أن يكون له سعة ويشمل مرتبة الشك لتأخرها عنه فليس له اطلاق للمرتبة المتأخرة كما أن الحكم الظاهري ليس فيه اطلاق يشمل المرتبة المتقدمة حيث انه مأخوذ في موضوعه الشك في الحكم الواقعي فليس فيه جهة شمول لكي يأخذ بالاطلاق من غير فرق بين أن يكون

__________________

الغاية قيدا للمحمول فتوجب ظهورا الرواية في الاستصحاب كما أن جعلها قيدا للنسبة يوجب ظهورها في القاعدة.

الشك المأخوذ فيه من الجهة التقيدية أو من جهة التعليلية ولذا قلنا بعدم اجتماع الحكم الظاهري والواقعي لما عرفت من تقدم الواقعي على الظاهري بحسب المرتبة.

وبالجملة لا اطلاق في الحكم الواقعي بنحو يشمل مرتبة الشك فان اطلاقه إنما يتصور في الافراد المتحققة في مرتبته لا الافراد التي لم تكن في مرتبته كما أن الحكم الظاهري ليس له اطلاق بالنسبة إلى الافراد السابقة حيث أنه بالنسبة إليها لم يتحقق الجعل.

إذا عرفت ذلك فاعلم ان البقاء الحقيقي للشيء واستمراره في مرتبة ذاته بمعنى عدم تعدية منه إلى مرتبة الشك بنفسه فلو فرض أحيانا أن يحكم بالبقاء والاستمرار في مرتبة الشك فلا بد أن يكون بقاء ادعائيا راجعا إلى التعبد به ظاهرا في مقام ترتيب أثره بعد الفراغ عن أصل ثبوته.

ولذا قلنا أنه لا يمكن أن يكون الاستصحاب مجعولا بعين جعل مستصحبه بل لا بد أن يكون مجعولا بجعل مستقل بعد الفراغ عن وجود مستصحبه.

فلذا يكون من الممتنع أن يكون للمحكوم به طهارة أو حلية اطلاق يشمل الواقعي والظاهري بنحو يتحققان بجعل واحد وانشاء واحد حيث أنهما مجعولان طوليان بنحو يكون أحدهما موضوعا للآخر حيث ان جعل الحكم الواقعي لذات الموضوع في المرتبة السابقة على الشك بحيث لا يعقل تصور الشك فيه قبل تمامية جعلة وحينئذ لا مجال لتوهم استفادتهما من المغيا من جهة تعميم الشيء للعناوين الثانوية لمنع شمول الحكم الواقعي لما هو معنون بالعنوان الثانوي الذي هو مشكوك الحكم فبقاء موضوع الأحكام الواقعية الثابتة لموضوعاتها على واقعيتها من

جميع الحالات حتى في حال تلبسها بالعنوان الثانوي وان الطهارة الثابتة للشيء في جميع الحالات التي منها حال الشك فيها هي عين الطهارة الواقعية لا أنها طهارة ظاهرية إذ قوام ظاهرية الطهارة إنما هو بلحاظه في مقام الجعل في المرتبة المتأخرة عن الشك في الحكم الواقعي لا أنه بوصف ثبوته في حال الشك فعليه لا بد من حمل القضية في المقام على أحد أمرين :

أما الحكم الواقعي أو القاعدة والظاهر أن صدر الرواية يدل على كون المحمول حكما واقعيا ولكن الغاية المذكورة وهو العلم بالخلاف يهدم هذا الظهور ويوجب حصر مفادها منها في كونها حكما ظاهريا الذي هو مفاد الاستصحاب ولو بالتفكيك بين المغيا والغاية لارجاع الغاية إلى خصوصية المحمول الذي هو عبارة عن استمراره تعبدا من غير فرق بين جعل الغاية قيدا للموضوع أو جعلها قيدا للمحمول أو قيدا للنسبة الحكمية.

وان كان الظاهر كون الغاية قيدا للمحمول حيث أنك قد عرفت في المعنى الحرفي أنه من سنخ النسب والارتباط القائم بالمفهوم الاسمي وعليه تكون الغاية المؤداة بالى وحتى دالة على تخصيص المعنى بخصوصية مفهوم الاستمرار بنحو يرتفع الابهام مطلقا وليس دالا على مفهوم الاستمرار الذي هو معنى الاسمي ولازم جعل الغاية من قيود المحمول في قوله كل شيء طاهرا وحلال أن يكون المحكوم به من الطهارة والحلية أمرا واحدا حقيقة وان كان في مقام التحليل يكون متعددا بنحو يكون قابلا للتحليل إلى ذات وخصوصية وليس المحكوم به في مثل تلك القضية أمرين مستقلين أحدهما جعل أصل الطهارة للشيء والآخر جعل استمرارها وعليه ترجع الغاية إلى ذات المحمول لا إلى

استمراره وحينئذ تكون منطبقة على القاعدة لكون المفاد في مثل ذلك إلى تقيد المحكوم به بوجوده الخاص المحدود إلى زمان العلم بالخلاف مجعولا بجعل واحد يتعلق به استقلالا وبقيده وخصوصيته ضمنا فتكون مفاد الجملة كل شيء لك حلال أو طاهر حتى تعلم أن الشيء يثبت له الحلية والطهارة الظاهرية في كل آن إلى زمان العلم بالحرمة والقذارة وهو منطبق على القاعدة بعينها. وكيف كان فبيان الحديث الشريف في المقام يتوقف على بيان مقدمتين.

الأولى : قد تقدم في بيان المعنى الحرفي أنه عبارة عن ربط خاص قائم بين مدخوله وبين متعلقه على نحو كان ملحوظا تبعيا لا مستقلا وهذا المعنى يرجع من جهة عدم قابليته لأن يلحظ مستقلا فدائما لا بد وأن يكون من قيود الغير وخصوصياته فلو كان متعلقه من قبيل الموضوع في القضية كان المعنى الحرفي قيدا للموضوع كما اذا قيل الماء في الاناء مال زيد فيكون ما هو مفاد لفظه (في) تقييد الماء بكينونته في الاناء جزء الموضوع وان كان أصل القيد وهو الاناء خارجا عنه ولو كان متعلقه من قبيل المحمول في القضية كان قيد للمحمول كما اذا قيل زيد قائم في الدار إلى الزوال فما هو للمحمول في القضية هو القائم المقيد بكينونته في الدار باستمراره الى الزوال على وجه يكون القيد خارجا والتقيد بما هو معنى تبعي داخل ، ففيما نحن فيه إذا جعلنا (حتى) غاية للمحمول في القضية وهو طاهر لكان ما هو المحكوم به قضية كل شيء طاهر وهو الطهارة المقيدة بما هو مفاد (حتى) أعني الاستمرار الملحوظ التبعي إلى غاية معينة وهو العلم بالنسبة الحكمية المستفادة من هيئة القضية النسبية في كل شيء وأما نفس عنوان الطهارة مجردا عن تقيده ثبوتها للموضوع واستمرار الطهارة فارغا عن أصل ثبوت الطهارة فلا يستفاد من هذا

الانشاء بل مفاد الهيئة هو ثبوت النسبة الحكمية بين الموضوع والمحمول المقيدة بمفاد (حتى) على وجه يكون كل واحد من المحمول والتقييد طرفا للنسبة الحكمية في عرض واحد ضمنا.

فعلى هذا فلا يبقى مجال لما في كلام الشيخ (قده) من أنه لو جعلنا الغاية غاية للمحمول لكان مفاد القضية هو الحكم باستمرار الطهارة إلى زمان العلم بالقذارة بعد الفراغ عن ثبوت أصل الطهارة من الخارج فيكون منطبقا على الاستصحاب من هذه الجهة فإن المحمول في القضية الذي قد حكم بثبوته للموضوع بنفس هذا الانشاء وليس هو استمرار الطهارة فارغا عن ثبوتها فان الاستمرار المذكور هو عين مفاد (حتى) بالمعنى الحرفى التبعي غير القابل لأن يكون محكوما به مستقلا بل يكون قيدا لما هو المحمول ، فالمحمول هو نفس الطهارة المقيدة بمفاد (حتى) بما هو معنى نبعي حرفي فمفاد القضية هو الحكم بثبوت أصل الطهارة المقيدة بالاستمرار على أن يكون الاستمرار أيضا محكوما به تبعا وضمنا لما هو معنا حرفي وهذا معنا آخر لا ربط له بما أفاده الشيخ (قدس‌سره) بناء على كون الغاية غاية للمحمول كما لا يخفى.

الثانية : أن مفاد ارادة الغاية كلية مثل إلى وحتى وغيرها هو بقاء الشيء واستمرار المتعلق فحينئذ نقول لا إشكال في أن بقاء الشيء وان كان في الرتبة المتأخرة عن حدوثه لان عنوان البقاء منتزع عن الوجود في الرتبة بعد الحدوث

ولكنه لما لم يكن بين الحدوث والبقاء تخلل انعدام فليس إلا انتزاعات عن المورد بوجود واحد من دون تخلل حد بينهما بحيث لا يتخلل بينهما حتى بمثل الفاء في هذه الجهة بخلاف العلة والمعلول كما هو واضح فبقاء الشيء حقيقة في رتبته حدوثه من حيث الوجود وأن

كان بينهما تفاوت في جهة الانتزاع ولازم ذلك.

أن البقاء الذي نقول به في باب الاستصحاب لا يعقل أن يكون بقاء حقيقيا للحكم الواقعي لأن الغرض أن الحكم ببقاء ما ثبت في باب الاستصحاب موضوعه الشك في بقاء الحكم الواقعي والشك في بقاء الواقع المساوق للشك في أصل وجود الواقع متأخر عن أصل الواقع تأخر العارض عن المعروض فيكون الواقع متقدما على الشك بنفسه.

وقد أوضحنا سابقا ان الاحكام الواقعية لا يعقل أن تتعدى إلى مرتبة الشك بنفسها فلا يعقل أن يكون المراد من بقاء الواقع في باب الاستصحاب بقائه حقيقة بل لا بد وأن يكون المراد بقاؤه عنايته وادّعاءً وتعبدا بدعوى كون بقاء غير الواقع المماثل له بقاء بالعناية من باب التصرف في الأمر العقلي على ما يقوله السكاكي في باب المجاز والاستعارة.

وإذا ظهر لك ذلك فنقول قد عرفت أن مفاد قوله كل شيء طاهر حتى تعلم أنه قذر بناء على كون الغاية غاية للمحمول هو الحكم بثبوت الطهارة إلى غاية العلم بالقذارة للشيء فمع قطع النظر عن التقييد بمعنى أن الحكم بثبوت الطهارة لكل شيء بعنوانه الأولي واقعا كغيره من سائر الأدلة الاجتهادية التي كانت متكفلة بثبوت الاحكام على الموضوعات بعناوينها الأولية فحينئذ بقاء مثل هذا الحكم الواقعي لا يعقل أن يكون مغيّا بمثل العلم وعدمه بل بقائه الحقيقي يدور مدار عدم ما هو غاية الطهارة ووجودها من الانشاء الأخر غير العلم فاضافة مفاد حتى الداخل على العلم بالقذارة الى الطهارة المحكوم بثبوتها لكل شيء لا يعقل أن يكون لبيان بقاؤها واستمرارها حقيقة إلى حصول العلم بالقذارة لأن لازم ذلك هو الحكم ببقاء الطهارة الى مرتبة الشك بنفسها لكون

مفاد الغاية المذكورة هو الحكم بالبقاء في ظرف الشك بالواقع وقد عرفت استحالته أنفا فلا بد حينئذ من الالتزام بكون المراد هو افادة البقاء ادعاء أو عناية حتى يصح التقييد بمثل تلك الغاية :

وهذا ليس إلا مفاد الاستصحاب إذ الغرض كون المراد هو البقاء العنائي الادعائي للطهارة المحكوم بثبوتها لكل شيء ولازمه ثبوتها في رتبة قبل الشك بها فيكون الموضوع هو الشيء بعنوانه الأول والمراد من البقاء الادعائي هو الحكم بالبقاء في رتبة الشك بالواقع فيكون مرجعه إلى التعبد بالبقاء ظاهرا ولا نعني من الاستصحاب إلا ذلك فانه ليس لنا دليل على كون الاستصحاب هو الحكم باستمرار الشيء فارغا عن ثبوته مع قطع النظر عن هذا الانشاء على وجه يكون النظر في هذا الانشاء محض للحكم بالاستمرار.

نعم لو كان المراد من البقاء إلى زمان العلم المستفاد من كلمة حتى هو البقاء الحقيقي لما حكم به من الطهارة فلا يصح إلا بأن يكون المراد من الطهارة المحكوم بها هو الطهارة التعبدية الثابتة في ظرف الشك بحكم الشيء فيكون المراد من الشيء ما يشك في حكمه الواقعي وذلك من جهة أن المفروض جعل الغاية وما هو من كلمة حتى هو العلم وبقاء الشيء الى زمان العلم لا يتصور إلا جعل الحال حال الشك فاذا كان البقاء بقاء الشيء حقيقة في حال الشك فلا بد وأن يكون المحكوم به أيضا حال الشك فلا ينطبق على قاعدة الاستصحاب الذي قد عرفت أنه لا بد فيه الحكم بالبقاء الادعائي بل لا بد وأن ينطبق على قاعدة الطهارة أو كان أمرا ثالثا غيرهما وعلى كل حال فقد ظهر بما ذكر أنه جعل الغاية غاية للمحمول فلو كان المراد منها بقاء المحمول ادّعاءً فلا بد من انطباقه على الاستصحاب

ولو كان المقصود هو الحكم بثبوت أصل الطهارة المقيدة ولا يكون فيه النظر الى الحكم باستمرار الطهارة بعد الفراغ عن ثبوتها كان المراد منها البقاء الحقيقي فلا ينطبق على قاعدة الاستصحاب.

ولو كان النظر الانتقال الى الحكم باستمرار ما ثبت فليس الملاك في التطبيق على الاستصحاب كون المقصود هو الحكم باستمرار المحمول فارغا عن ثبوته كما عن الشيخ (قدس‌سره) هذا كله بناء على كون الغاية غاية للمحمول وهو ظاهر.

وأما لو جعلناها غاية للنسبة الحكمية وهو نفس الحكم بثبوت الطهارة لكل شيء فيتطرق فيه احتمالان : فانه أما أن يكون المراد من حتى بيان استمرار هذا الحكم بالنسبة إلى زمان العلم بالقذارة ادعاء وعناية.

وأما أن يكون بيان استمرارها حقيقة فعلى الثاني لا اشكال في انطباقه على القاعدة لكون المعنى أيضا هو الحكم بالطهارة في رتبة الشك بالواقع وإلا فلا يتصور البقاء الحقيقي في حال الشك وعلى الاول فلا بد من انطباقه على الاستصحاب باعتبار مفاد التقييد ب (حتى) غاية الامر كان مفادها هو التعبد ببقاء نفس النسبة الحكمية لا الطهارة التي كانت محموله في القضية كما أن لا تنقض اليقين قد ينطبق على استصحاب الحكمية وبذلك ظهر أيضا أنه بناء على كون الغاية غاية للحكم والنسبة الحكمية يتعين حملها على القاعدة بل المدار في الحمل على القاعدة أو الاستصحاب كون المراد من البقاء المستفاد من كلمة (حتى) هو البقاء والاستمرار الحقيقي أو الادعائي من غير فرق بين كونه قيدا للمحمول أو الحكم ويظهر مما ذكرنا الاشكال فيما ذكره الشيخ الانصاري مضافا إلى ذلك اشكال آخر وهو أنه قد صرح في بحث الواجب المشروط بأن

القيود ليست راجعة إلى الهيئة لكون مفادها معنا حرفيا غير قابل للتقيد وما يظهر من القضية رجوعها إلى ذلك إلا أنه لا بد من ارجاعها إلى نفس المادة.

فعليه لا معنى لتطرق الاحتمالين بالمقام بل لا بد من استظهار كون الغاية غاية للنسبة الحكمية التي هي مفاد الهيئة.

هذا بالنسبة إلى المغيا وأما بالنسبة إلى الغاية فالظاهر من البقاء المستفاد من كلمة (حتى) الغائية هو بقاء المعنى حقيقة لا ادّعاءً فعلية لا مجال لحمل الرواية على قاعدة الطهارة دون الاستصحاب اللهم إلا أن يقال بأن كان شمول هذه الرواية لاثبات الحكم بالطهارة بعناوينها الأولية وتكون دليلا اجتهاديا وبعناوينها الثانوية أي مشكوك الطهارة فتكون الرواية مفاد قاعدة الطهارة والاستصحاب بيان ذلك اما بأن يقال باطلاق لفظ الشيء وشموله للعناوين الأولية والثانوية.

وأما بأن يقال بأن الشيء ولو كان ظاهرا في العناوين الأولية ولكنه يمكن لنا فرض ذات عامة بنحو يشمل مشكوك الحكم في طهارته ومن جهة عدم القول بالفصل يتعدى الى غيره ولكن لا يخفى أما الوجه الأول فيرد عليه أنه يلزم أن يصح ان يقال على الشيء الواحد كزيد مثلا باعتبار طرو عناوين عديدة عليه ككونه زيد بن عمرو انه امامك وانه انسان وانه مشكوك الحكم مع انه بديهي البطلان حيث ان المراد هو الشيء هو العنوان الأولي.

ولهذا قالوا أن الشىء في كل شىء نجس ينجس كل شىء ينصرف إلى الاعيان النجسة ولا يشمل المتنجس مضافا إلى أنه لو سلم اطلاق الشىء وشموله لجميع العناوين.

ولكن لا يمكن التعدي الى العناوين الثانوية أعنى كونه مشكوك

الطهارة باعتبار عدم صلاحية المحمول المحكوم به كذلك وهو طاهر باعتبار كون الانشاء واحدا وانه في هذا الانشاء لو كان المراد انشاء الحكم بالطهارة على المشكوك فلا بد من اثبات الطهارة أولا للذات بانشاء آخر حتى يتحقق به موضوع الحكم في هذا الانشاء والغرض أنه نريد اثبات الطهارة للذات بهذا الانشاء أيضا وذلك محال.

وبذلك يندفع ما يتوهم من كون الشىء منطبقا على أشياء عديدة ولكنك قد عرفت فيما تقدم ان الذات في رتبة ما قبل الشك غيرها في رتبة ما بعده فكل واحد من الذاتين شيء غير الآخر ولو قلنا بكون الشك من القيود التعليلية مضافا الى عدم صلاحية هذا الانشاء للجهتين التي يكون أحدهما موضوع للآخر وبذلك يظهر اندفاع ما استفيد من الرواية من استفادة الحكم الواقعي والاستصحاب بناء على كونه غاية ادعائية.

واما الوجه الثاني فيشكل عليه أنه بناء على اختصاص الشىء بالعناوين الاولية فالفرد الملازم للشك في طهارته ليس الموضوع للحكم فيه إلا الذات المأخوذة في مرتبة قبل الشك وكان الشك فيه من قبيل الحجر في جنب الانسان فكيف يمكن التعدي إلى العنوان المشكوك بما هو هذا العنوان المأخوذ في مرتبة ما بعد الشك كما لا يخفى.

فلا مجال إلى ما ذهب اليه في الكفاية من تعميم الرواية للجهات الثلاث.

(بيان مقدار دلالة الاخبار)

ثم انه يقع الكلام في أن أخبار الباب بعد تمامية الاستدلال بها هل تدل على حجية الاستصحاب مطلقا سواء كان المستصحب وجوديا أو عدميا خلافا لبعض المحققين حيث قال بالتفصيل بين الوجود والعدم فقال بعدمه في الثاني دون الاول.

وقد عرفت فيما تقدم بطلان ما ذكره من الوجه في هذا التفصيل وسواء كان المستصحب ثابتا بدليل العقل المعبر عنه استصحاب حال العقل أو بالاجماع المعبر عنه باستصحاب حال الاجماع أو بغيرها من الأدلة فقال بعدم حجيته في الاولين دون الثاني فقد عرفت فيما تقدم وجه هذا التفصيل والجواب عنه وسواء كان المستصحب من الموضوعات أو الاحكام خلافا لبعض حيث خص النزاع في أحدهما دون الآخر فقال بخروجه عن محل النزاع وسواء كان الشك في رافعية الموجود أو في وجود الرافع خلافا لبعض حيث خصص الحجية بالثاني دون الاول بتوهم ان الأول يكون من قبيل نقض اليقين باليقين لو شك في رافعيته فلا يكون من قبيل نقض اليقين في الشك ولكن لا يخفى أن الشك في رافعية الموجود يوجب الشك في بقاء متيقن فيكون من نقض اليقين بالشك أيضا وسواء كان الشك في البقاء من جهة الشك في المقتضي أو من جهة الشك في وجود الرافع خلافا للشيخ الانصاري قده حيث خصص حجية الاستصحاب بالشك في وجود لرافع تبعا للمحقق الخوانساري (قده) واستظهر ذلك من أخبار الباب وكيف كان فما يمكن الاستدلال له بوجهين :

أحدهما ان معنى النقض حقيقة هو رفع الهيئة الاتصالية من نقض الحيل ونحوه مما فيه جهة الاتصال والابرام وهذا المعنى لا يمكن ارادته في المقام فلازمه الانصراف عنه إلى غيره فحينئذ يدور أمره بين أن يراد منه رفع الامر الثابت الذى له مقتضى الثبوت والبقاء وبين مطلق رفع اليد عن الشيء ولو لم يكن له مقتضى الثبوت أصلا ومع دورانه بين إرادة الامرين لا شك ان المعنى الاول أقرب إلى الحقيقة ضرورة ان ما كان مقتضى الثبوت أولى أن يستعمل فيه لفظ النقض في رفعه من استعماله في مطلق الرفع كما هو مقتضى العرف في متعلق النهي كما في مثل لا تضرب أحدا فانه بحسب العرف لفظ أحد ينصرف إلى الاحياء بقرينة ظهور الضرب في ذلك.

وثانيهما : أن النقض بين الشيئين عبارة عن المناقضة والمنافرة بينهما ومن المعلوم أن المناقضة بين اليقين والشك ليس إلّا اذا كان متعلقين بشيء واحد بالدقة العقلية فلو تعلق اليقين بحدوث شيء والشك في بقاءه ما كان بينهما منافاة ومناقضة لتعدد متعلقهما فالمناقضة بينهما انما تتحقق فيما اذا تعلق اليقين بالبقاء الذي تعلق به الشك غاية الامر من جهة عدم تعقل ذلك لا بد من أن يقال يكون اليقين تعلق بالبقاء الاستعدادي أعني حصل اليقين بحدوث ما له استعداد البقاء اقتضاء (١) والشك قد تعلق بفعلية ذلك البقاء من جهة الشك في

__________________

(١) لا يخفى أن تفصيل الشيخ بين الشك في المقتضي والشك في الرافع ربما يتخيل أن ذلك من جهة كون المراد باليقين في قوله (ع) ولا ينقض اليقين بالشك هو المتيقن لا صفة اليقين.

بيان ذلك أنه لو أردنا صفة اليقين فهو باق الى الابد فلا يرتفع بالشك في بقاء متعلقه فعليه لا معنى لاسناد النقض اليه وانما يصح

الرافع فينحصر حينئذ في مورد الشك في الرافع دون المقتضي لعدم كون اليقين فيه متصفا بالبقاء الاستعدادي كما لا يخفى.

__________________

أن يستند الى المتيقن لعدم صحة اسناده الى الامر المبرم وما له دوام واستمرار فلا بد أن يسند الى المتيقن الذي له الدوام والاستمرار. كي يكون الشك في بقائه من جهة احتمال الرافع فيكون نقضا له ومما يؤيده ذلك أنه حيث لا يمكن ارادة النقض على وجهه الحقيقة فلا بد أن يكون المراد الاقرب اليه.

ولأجل ذلك أشكل المحقق الخراساني في كفايته حيث قال لا مانع من اسناد النقض الى اليقين بملاحظة نفسه لا بملاحظة متعلقه فانه يحسن اسناد النقض إليه. فان اليقين من قبيل البيعة والعهد ، ولا اشكال في حسن اسناد النقض إليهما وعليه يحسن اسناد النقض الى اليقين بملاحظة نفسه وإن كان متعلقا بما ليس فيه اقتضاء البقاء والاستمرار هذا ولكن لا يخفى أن تفصيل الشيخ (قده) في المقام غير مبني على اسناد النقض إلى اليقين بلحاظ المتيقن اذ دعوى أن تفصيل الشيخ يمكن توجيهه على ذلك بيان ذلك هو أن اليقين لما كان عبارة عن استحكام النفس في رأيها فيصح اسناد النقض إليه بملاحظة الاعتناء بالشك في الجري العملي فيكون المراد من النقض هو حل الأمر المستحكم كما في قوله تعال (كالتي نقضت غزلها من بعده قوة انكاثا) وعليه يكون رفع اليد عن اليقين بالشك في مقام العمل نقضا له فيصح اسناد النقض إلى اليقين بحسب طبعه فان طبعه له جهة استمرار ودوام لو لا جهة ما يعرض عليه من الانحلال كما في اليقين بكون النار حارة وأما مع عدم كون اليقين له دوام بحسب طبعة كاليقين باشتعال السراج فلا يصح اسناد النقض الى اليقين بحسب طبعه إذ ليس لليقين

وبعبارة أخرى اذا كان متعلق اليقين مما له اقتضاء بالبقاء فنفس كونه مما له اقتضاء البقاء يوجب الاعتقاد بالبقاء الفعلي فيه لكون العقل يرى وجود المقتضى بالفتح عند وجود المقتضى بالكسر اذا شك

__________________

استحكام فلا يكون رفع اليد عنه نقضا لما هو المستحكم بغيره.

وهكذا بالنسبة إلى الاحكام الالهية فان اليقين بطهارة الماء مثلا له جهة دوام واستمرار بحسب ما يعرض عليه من العوارض الخارجية فرفع اليد عن ذلك في مقام الجري العملي باحتمال عروض النجاسة له يعد نقضا له بالشك وهذا بخلاف اليقين بثبوت خيار الفسخ في موارد الخيار غير المحدد بحد شرعي فاليقين بذلك يرتفع بنفسه بعد مضي زمان يتمكن ذو الخيار من الفسخ لاحتمال كون الخيار فيه فوريا فرفع اليد عنه في الجري العملي بعد مضي الزمان لاحتمال سقوطه لا يكون نقضا لليقين بالشك فمن هنا يعلم ان ما ذكره صاحب الكفاية اشكالا على على الشيخ في غير محله لما عرفت أن النقض متوجه الى اليقين كما انه لاوجه لما استشكل على الشيخ ان ذلك مبني استفادته من دليل الاستصحاب فينحصر في الروايات المستفاد منها نقض اليقين بالشك.

ولكن هناك روايات أخرى تدل على حجيته مطلقا كروايتي محمد ابن مسلم حيث حكم الامام (ع) فيهما بعدم وجوب غسل الثوب الذي استعاره الذمي معللا بقوله (ع) فانك قد اعرته وهو طاهر ولم يستيقن انه نجسة ورواية عبد الله بن سنان حيث حكم الامام (ع) فيها بقوله فان اليقين لا يرفع بالشك ولكن لا يخفى ان مفاد الروايتين مفاد قوله (ع) المضي على اليقين هو عبارة عن عدم نقضه وهو معنى قوله (ع) اليقين لا يدفع بالشك فيكون رفع اليقين بالشك عبارة اخرى عن نقضه. نعم يرد على التفصيل المذكور بوجهين :

في البقاء بعد ذلك يصير متعلق اليقين والشك واحد بالدقة فيصدق نقض

__________________

الأول : أنه عدم بقاء مورد للاستصحاب في مورد الأحكام اذ جلها لو لم تكن كلها من قبيل الشك في المقتضي لكون الشك في بقاء الحكم لاجل التزاحم وذلك من قبيل الشك في المقتضي.

الثاني : ان معنى للاستصحاب على ما ذكر يرجع الى ان حقيقة الاستصحاب تنزيل المشكوك منزلة المتيقن من حيث الجري العملي لا تنزيل الشك منزلة اليقين إذ اليقين الوجداني قد زال فلا معنى لابقاء المستصحب ولا يقين تعبدي في البين لعدم كون التنزيل بين الشك واليقين وانما وقع الشك بين المشكوك والمتيقن ولازم ذلك عدم قيام الاستصحاب مقام القطع الذي أخذ في الموضوع على نحو الطريقية.

اذ لازم ذلك ان يكون النقض واردا على اليقين بنحو الصفتية فعليه ينزل الشك منزلة اليقين فيكون الاستصحاب يقينا تعبديا من حيث الجري العملي.

ولكن لا يخفى أن الوجه الثاني واضح البطلان حيث ان اليقين لم يؤخذ بنحو الصفتية وانما أخذ بنحو الطريقية فيكون المراد من (لا تنقض اليقين بالشك) تنزيل الشك منزلة اليقين لا المشكوك منزلة المتيقن كما توهم إلّا ان التنزيل ليس باعتبار آثار نفس اليقين بما هو صفة خاصة وانما هو بنحو الطريقية والمرآتية للمتيقن وبذلك يقوم الاستصحاب مقام القطع ويكون حاكما على الاصول غير التنزيلية.

وأما عن الاول فيتم لو كان المراد من الشك في المقتضي هو ملاكات الاحكام أو موضوعات للحكم الشرعي وأما على ما ذكرنا سابقا بأن المراد من المقتضي ما يكون له استعداد بقاء الشيء في عمود الزمان

اليقين بالشك والجواب عنه بما عن الثاني فبأنه يتم هذا المقال الذي تعلق به الشك واليقين بناء على كون الملاك في وحدة الموضوع

__________________

لو خلي وطبعة أي لو لم يجد حادث زماني يوجب زواله وانعدامه من غير فرق بين الأحكام الوضعية أو التكليفية هذا كله وفاقا الى ما ذهب اليه الشيخ الانصارى (قده) وتبعه الاستاذ المحقق النائيني (قده) ولكن يرد عليه ان لازم التفصيل المذكور عدم جريان الاستصحاب في موارد الشك في حصول الغاية من جهة الشبهة الموضوعية لرجوع الشك فيه إلى الشك في المقتضي اذ منشأ الشك في مقدار القابلية كما إذا شك في طلوع الشمس فانه يرجع إلى الشك في مقدار القابلية حيث لا يعلم أن وقت الاداء هل هو ساعة ونصف أو اكثر وكما لو شك في أنه آخر شهر رمضان أو أول شوال فانه يرجع إلى الشك في مقدار القابلية حيث أنه لا يعلم ان مقدار الشهر ثلاثون يوما أو اقل واذا رجع إلى ذلك ينبغي أن لا يجري فيه الاستصحاب مع أن الشيخ (قده) لا يلتزم به على أنه مناف لمكاتبة القاساني (اليقين لا يدخل فيه الشك صم للرؤية وأفطر للرؤية) فانه كما ترى من موارد الشك من جهة الموضوعية كما أنه يرد عليه عدم جريان الاستصحاب لو قلنا بالتفصيل في موارد الشك في النسخ اذ منشأ الشك فيه يرجع الى كيفية جعل الحكم حيث لا يعلم أنه موسع أو مختص بزمان خاص مثلا لو شك في وجوب صلاة الجمعة هل هو مختص بزمان الحضور أو يعم غيره فمرجع الشك فيه إلى الشك في أصل قابلية الحكم مع انه (قده) لا يلتزم بذلك ولا غيره كما أنه يرد عليه عدم جريان الاستصحاب لو قلنا بالتفصيل في الموضوعات الخارجية حيث نعلم بعدم استعداد البقاء إلى الابد ولا يمكن احراز مقدار استعدادها للبقاء لكونها لا ضابط لها في البقاء لاختلاف أنواع

الذي تعلق به الشك واليقين هو الدقة العقلية وأما بناء على الوحدة

__________________

الحيوانات فان بعضها يعيش إلى مائة سنة كالفيل وبعضها أياما قليلة كالبق بل يختلف نوع واحد بالبقاء كالانسان مثلا مع أن الشيخ (قده) لا يلتزم بذلك والتحقيق هو أن صدق نقض اليقين بالشك ان كان بالنظر الدقي فلا مجرى للاستصحاب أصلا اذ لا مورد من الموارد يتحقق فيه اليقين إذ كل مورد اليقين غير موجود في حال الشك من غير فرق بين موارد الشك من الشك في المقتضي أو في الرافع وان كان الملاك في صدق النقض صدقه بالنظر العرفى المسامحى فلا يختص صحة جريانه في الشك في الرافع بل يعم موارد الشك في المقتضي.

وأما دعوى أن تعذر الحقيقة يوجب الحمل على أقرب المجازات فيقتضي حمل النقض في المقام على وجود المقتضي فهو محل منع إذ المراد من الاقرب الذي يجب حمل النقض عليه هو الاقرب عرفا لا الاقرب عقلا إذ المعنيان المذكوران ليس أحدهما أقرب من الآخر عرفا ومع تساويهما لا بد من الحمل على الجامع بينهما للزوم ترجيح أحدهما على الآخر بلا مرجح وهو باطل.

وحاصل الكلام ان الاحتمالات المتصورة في المقام لا يمكن الاخذ بها اذ هي عند التأمل نعلم بعدم حمل النقض عليه ولم يتوهم أحد احتمالها منه.

نعم ربما يقال بأن المراد نقض اليقين عملا بمعنى جعل أحكام اليقين في الشك بحسب الظاهر فانه وان كان معقولا كما لو كان اليقين موضوعا لحكم شرعي أو جزءا للموضوع إلا انه خلاف مورد الرواية حيث ان جواز الصلاة ونحوه ليس من أحكام اليقين وبعد معرفة ذلك يدور الامر بين نقض المتيقن عملا بجعل أحكامه حال الشك في

العرفية كما هو التحقيق على ما سيجىء فيكون متعلق الشك هو متعلق اليقين ولو كانا مختلفين بحسب المرتبة كما لا يخفى.

وأما عن الاول فلئن النقض حقيقة نقيض الابرام ومقابله

__________________

وجوده وارادة وجوب العمل مع الشك العمل على اليقين أو ارادة نقض المتيقن بأن يكون اليقين في قوله لا نقض اليقين بالشك هو كونه ملحوظا في نفسه استقلالا لا طريقيا.

ودعوى ظهور مثل قضية لا تنقض اليقين هو المرآتية والنظر الآلي حيث تكون ظاهرة عرفا في انها كناية عن لزوم البناء والعمل بالتزام حكم مماثل للمتيقن تعبدا كما ذكره المحقق الخراساني محل نظر إذ كيف يكون اليقين في الرواية ملحوظا آلة للمتيقن طريقا إليه مع أن اليقين الذي يكون كذلك هو اليقين الخارجي الذي هو مصداق مفهوم اليقين لا نفس المفهوم بل خلاف ما يظهر من الرواية فانها في مقام التنبيه على أمر ارتكازي الذي هو عدم رفع اليد عن اليقين نفسه بل خلاف ما يظهر من الصغرى في الرواية في قوله (ع) فانه على يقين من وضوئه فان الظاهر منها ملاحظة اليقين مستقلا وليس المراد (أنه على وضوء) لما عرفت من أن المصحح لاستعمال النقض هو نقض اليقين نفسه بما هو طريق ومرآة إلى المتيقن إلا أن يقال بأن المرآتية والطريقية للمتيقن بجعله مستحكما مع أنه محل نظر إذ هو خلاف ظاهر نسبة النقض إلى نفس اليقين فان ظاهرة كونه على نحو الاستقلال مع أنه لا ينافي حمله على كون المراد باليقين ملحوظا مستقلا وذلك عبارة عن أن يكون المراد نفس اليقين ويكون المراد من نقضه هو حرمة رفع اليد عنه في حال الشك ويكون العمل في حال الشك هو عمله حال اليقين من غير فرق بين كون العمل والاثر الشرعي يستند إلى نفس اليقين كما لو كان

كما صرح هو به وصرح به في القاموس أيضا ومن هذا الباب قوله تعالى كالتي نقضت غزلها من بعد قوة انكاثا واستعماله في مورد الغزل يتصور على وجوه ثلاث :

الأول باعتبار كونه ضد الابرام بمعنى كونه عبارة عن الهيئة الاتصالية الحادثة من التفاف أجزاء القطن بعضها ببعض الذي هو حادث بحدوث الغزل من غير مدخلية لبقائها بعد حدوثها.

الثاني باعتبار كونه ضد الاستحكام الحاصل من التفاف بعض الاجزاء بالبعض أيضا الذي هو حادث بحدوث الغزل أيضا.

الثالث باعتبار نقض الهيئة الاتصالية الاعتبارية الانتزاعية من بقاء الغزل ولا اشكال في أن المصحح لاستعمال النقض فيه ليس هي الجهة الاخيرة لعدم اختصاص ذلك بباب الغزل بل كل موجود إذا استمر وجوده ينتزع من بقاء الهيئة الاتصالية من بدء حدوثه إلى آخر زمان بقائه وإن كان التحقيق بناء على الحركة الجوهرية يقتضي أن يكون في كل أن موجود بوجود مستقل ببداهة أنه لا يصح أن يقال نقض الحجر اذا رفعته من مكانه وكذلك في أشباهه فظهر ان المصحح استعماله لا بد وأن يكون أحد المعنيين الاوليين.

أما اعتبار الهيئة الاتصالية الحاصلة من التفاف بعض الاجزاء بالبعض المساوق لتحقيق جهة وحدة فيها باعتبار ارتباط بعضها ببعض وأما اعتبار جهة وحدة فيها باعتبار ارتباط ببعض.

__________________

تمام الموضوع أو جزئه أو يكون الاثر الشرعي للمتيقن كما هو كذلك في مورد الرواية وبهذا المعنى صح أن يقال بحكومة الاستصحاب على سائر الاصول وعليه لا يفرق في حجية الاستصحاب بين الشك في المقتضي والشك في الرافع كما لا يخفى.

وأما اعتبار جهة الاتصال الحاصلي من شدة الارتباط بين الاجزاء ثم بعد ذلك فيتعدى إلى موارد استعماله الغائي أيضا لا بد وأن يكون مصحح استعماله تلك الغاية وإلا فلا كما هو في نقض العهد ونقض سببه حيث أن العهد بمدلوله اللفظى دال على الاستحكام بمعنى الالتزام الحاصل للنفس بالنسبة للعهود من جهة شدة الارتباط بينهما يرى أن لهذا الالتزام جهة الاستحكام وليس كذلك في الوعد الذي هو أيضا من سنخ العهد ولذا لا يقال فيه نقض الوعد بل يقال اخلفه بخلاف النية والارادة بمدلولها اللفظي دال على جهة استحكام ولو بالعناية والادعاء بالبناء على الحركة على طبيعتها مع أنه لا يطلق النقض على دفع مطلق الارادة.

وكذا يصح اطلاق النقض على رفع اليد عن الفرض باعتبار جهة الاستحكام الادعائي يرى بينه وبين ذهنيه الحاصل من جهة شدة الارتباط بينهما.

وكذلك يصح النقض على رفع اليد عن مثل الصوم والصلاة وغيرهما مما لها جهة ارتباط بين أجزائها على نحو يرى لها جهة استحكام.

ومن تلك الموارد اطلاقه على رفع اليقين بعروض الشك فان الوجه فيه ان فيه جهة استحكام بنحو يرى فيه اليقين من جهة شدة ارتباطه بمتعلقه على وجه لا يزول بتشكيك مشكك لانه مرتبة من العلم لا يزول بأدنى مشكك بخلاف مطلق القطع والعلم فانه ليس بهذه المرتبة من الاستحكام فلا يصح اطلاق النقض على رفعهما وبناء على ذلك فلا فرق في صحة استعمال النقض على رفع اليقين بالشك بين أن يكون من جهة الشك في الرافع أو المقتضي فان قلت اليقين بهذا المعنى غير مراد في الاستصحاب للقطع بأنه مجرد حصول القطع بالحدوث ولو

زال بالشك يجري الاستصحاب فيه فلا بد أن يراد منه معنى آخر يصح اطلاق النقض على رفعه وليس ذلك إلا باعتبار النظر إلى استحكام متعلقه المقتضي للبقاء فينحصر بمورد الشك في الرافع قلت من جهة تعبير الشارع عن مطلق القطع باليقين نستكشف أنه قد جعل كل قطع منزلا منزلة اليقين ادعاء وعناية في كونه غير زائل بتشكيك المشكك فبناء على وجوده عند الشك وجعل الشك بمنزلة العدم يحصل هاهنا ادعاء في ادعاء بمعنى اننا ادعينا أولا بأنا حكمنا بقطع يقين في باب الاستصحاب.

ثم ادعاء آخر أن اليقين أمر مستحكم كالغزل لا يزول بتشكيك مشكك وبعد الادعائيين قد نسب النقض إليه في مقام رفعه.

نعم يبقى في المقام اشكال وهو ان اطلاق اليقين على القطع وان كان مسلما في باب الاستصحاب ولكنه لما كان القطع موجودا للشيء الذى له اقتضاء للبقاء فينحصر زواله باحتمال وجود المانع بخلاف القطع بحدوث الشىء وانه يزول ولو لعدم العلم بتحقق المقتضي للبقاء كما أنه يزول باحتمال عدم المقتضي للبقاء فاطلاق اليقين على الاول أولى ولا أقل من كونه القدر المتيقن فليس لنا دليل على أن المراد باليقين مطلق القطع بحدوث الشيء ولو مع عدم العلم يكون مما له اقتضاء للبقاء.

وعليه فليس لنا دليل على جريان الاستصحاب فيما إذا كان الشك في البقاء من جهة الشك في المقتضي بل ينحصر بالشك في المانع وهذا في الحقيقة تقريب آخر للقول بحجية الاستصحاب في خصوص الشك في الرافع فقط ويمكن دفعه.

أولا بالنقض فيما إذا حصل لنا في مورد اليقين حدوث شيء مع الشك في بقائه من جهة المقتضي بحيث كان اليقين بأصل الحدوث باقيا حتى في حال الشك في البقاء على وجه لا يزول بتشكيك مشكك أصلا ومن جهة عدم القول بالفصل بين موارد الشك في المقتضي يتم المطلوب.

وثانيا أن الاستحكام بالقطع بحيث لا يزول بتشكيك مشكك وعدم استحكامه يدور مدار قوة أسبابه من المحسوسات والعقليات البديهية وعدم قوتها من دون مدخلية للقطع ببقاء مقتضى البقاء للمقطوع وعدمه.

فنحصل مما ذكرنا أن القول بالتفصيل بين الشك في المقتضى والشك في الرافع لعدم حجية الاستصحاب في الاول دون الثاني مبني على أمور.

الاول أن حقيقة النقض هو رفع الهيئة الاتصالية كنقض الحبل أو نقض الغزل مما يكون له هيئة اتصالية حاصلة من التفاف بعضه ببعض إلا أنه يمتنع ارادة هذا المعنى في المقام لذا يدور الأمر بين أن يحمل على الأمر الثابت ولو لعدم مقتضية أو رفع الامر الثابت لوجود مقتضية ومن الواضح ان حمله على الاخير هو الأولى لقربه من المعنى الحقيقي ،

الثاني أن المصحح لاضافة النقض إلى اليقين انما هو باعتبار استتباع اليقين للجري العملي على ما يقتضيه المتيقن وليس ذلك باعتبار صفة اليقين إذ من الواضح انه ينتقض نفس اليقين بالشك ولا باعتبار آثار اليقين فاضافة النقض إلى اليقين بلحاظ المتيقن وليس ملحوظا بنفسه ويختص فيما إذا كان المتيقن مقتضيا للبقاء بنحو لو خلي وطبعه لاقتضى

الاستمرار وذلك انما يتصور فيما إذا كان شكا في المقتضي لأن الجري العملي على وفق اليقين باعتبار المتيقن لا يكون نقضا لليقين بخلاف ما إذا كان للمتيقن اقتضاء للبقاء حيث أن الجري العملي ينتقض بنفسه فلا يصح ورود النقض على اليقين باعتبار المتيقن إذ المتيقن غير مقتض بنفسه للجري العملي على وفقه فالشك في اقتضاء المتيقن للبقاء ملازم للشك في صدق النقض عليه فلا يشمله عموم أخبار الباب.

الثالث أنه لو قلنا أن النقض متعلق باليقين إلا أنه لا يصح صدق النقض عليه إلا بوحدة متعلقهما إذ بدونه يكون الشك مجامعا لليقين ولا يكون ناقضا له فتصحيحا لصدق النقض يحتاج إلى وجود مقتضى للبقاء في المتيقن لكونه أقرب لتحقيق اعتبار الوحدة في المتعلقين.

الرابع قد عرفت أن الزمان اللاحق الذي يشك فيه في بقاء المتيقن متعلقا لليقين من حين حدوثه ولو بالمسامحة بحيث يقتضي اليقين وجوده حين حدوثه فيترتب الأثر عليه على الاطلاق حتى في الزمان اللاحق وهذا انما يكون إذا كان للمتيقن شأنية البقاء والاستقرار لأجل وجود مقتضيه فيصدق لذلك النقض عليه بخلاف فرض عدم وجود المقتضي للبقاء فيه فلا يكون رفع اليد عنه في الزمان اللاحق نقضا لليقين به حتى يصح النهي عنه.

ولكن لا يخفى أن هذه الوجوه الاربعة لا تقتضي تفصيلا في جريان الاستصحاب بين الشك في المقتضي والشك في الرافع.

أما عن الأول فانه لما لم يمكن ارادة المعنى الحقيقي للنقض فيكون المصحح لانطباقه في المقام هو ما في نفس اليقين من الابرام والاستحكام الذي لا يزول بالتشكيك.

ولذا اختص اليقين من بين مراتب الجزم بخصوصية موجبة لصحة

اضافة النقض اليه فيشبه النقض المستعمل في أمثال الغزل والحبل.

ولذا لا يضاف النقض إلى غيره كالقطع والعلم فعليه لا يفرق بين أن يكون متعلقا بما فيه اقتضاء الثبوت والبقاء وبين أن يكون متعلقا بما ليس فيه اقتضاء البقاء فعليه لا مانع من دعوى اطلاق أخبار الباب لكل من مورد اليقين لوجود مقتضى البقاء المتيقن في مورد الشك فيه.

ومما ذكرنا يظهر اشكال التقريب الثاني حيث أنه مبني على كون اليقين في القضية ملحوظا بنحو الطريقية إلى المتيقن بلحاظ الآثار المترتبة عليه لا ملحوظا مستقلا على وجه العنوانية إلا أنه خلاف الظاهر مما يقتضيه ظهور القضية في كون المتيقن المأخوذ فيه كون اليقين ملحوظا في مقام اضافة النقض إليه على نحو الاستقلال إذ هو مقتضى جميع العناوين المأخوذة في القضية من حيث ظهور كل عنوان في الحكاية عن ارادة معناه مستقلا على انه يلزم عدم قيامه مقام العلم الموضوعي ولو كان على وجه الطريقية بنحو تمام الموضوع أو جزئه وعدم حكومته على سائر الاصول.

وعليه ان كل من التزم بقيام الاستصحاب مقام العلم الموضوعي ولو على وجه الطريقية وحكومته على سائر الاصول كالشيخ (قده) فلازمه أن يلتزم بأن اليقين في لا تنقض ملحوظا في تعلق النقض به على وجه الاستقلال.

ودعوى بعض الاعاظم (قده) بعد التزامه في المقام برجوع النهي عن نقض اليقين في القضية إلى وجوب ترتيب آثار المتيقن المترتب عليه لاجل اليقين التزم بالتفصيل بين الشك في الرافع والمقتضي والتزم بحكومة الاستصحاب على الاصول المغياة بالعلم والمعرفة وقيامه مقام العلم الموضوعي ممنوعة إذ مع التزامه بذلك كيف يصحح حكومة

الاستصحاب على سائر الاصول المغياة بالمعرفة وقيامه مقام العلم الموضوعي على وجه الطريقية إذ الالتزام يكون اليقين بعنوانه ملحوظا استقلالا في مقام التنزيل لا يناسب القول باعتبار احراز استعداد المتيقن في البقاء مقدمة لسبق النقض وتصحيحا له فالتحقيق في المقام هو ما عرفت من أن المصحح لاطلاق النقض في المقام هو تعلقه بنفس اليقين الذي هو من قبيل الامر المبرم وانه في القضية قد أخذ على وجه الطريقية لا الصفتية ملحوظ في تعلق النقض به على نحو الاستقلال بلحاظ ما يترتب عليه من الآثار لا مرآة لمتعلقه وهو المتيقن ولا طريقا لايصال التنزيل إلى متعلقه كسائر العناوين الطريقية ولازم ذلك هو الذهاب إلى عموم حجية الاستصحاب في مورد الشك في الرافع والشك في المقتضي.

وبالجملة أن التفصيل بين الشك في المقتضي والرافع لا يساعد عليه الدليل وان أخبار الباب مطلقة لا يفرق بين المقتضي والرافع مع أنه لم يعهد من أحد هذا التفصيل في الفقه من أول باب الطهارات إلى آخر الديات كما يظهر للمتبع.

فان قلت بناء على ما ذكرت يصير المعنى نقض نفس اليقين بالشك كما هو ظاهر لا نقض المتيقن بالشك قلت نعم لا بد وأن يكون النقض باعتبار نفس اليقين دون المتيقن لان المتيقن من حيث ذاته لا يصح بنسبة النقض إليه.

فانه لا يصح أن يقال نقض الحجر أو نقض الوجوب أو نقض حياة زيد بالشك بها بخلاف نقض اليقين بالشك فلا بد أن يؤخذ لفظ اليقين في ظرف متعلقه فيصح اسناد النقض باعتباره وطريق أخذه أما أن يكون استقلاليا بمعنى تعلق النقض به بملاحظة نفسه وأما أن يكون آليا ومرآة لمتعلقه به وكلا الجهتين يمكن اعتبارهما فان قلت على الوجه

الثاني يكون متعلق النقض في الحقيقة هو متعلق اليقين والمرئي به إذا اليقين لوحظ مرآة له.

وعليه يجري الحكم منه إلى المتعلق فيعود المحذور قلت لا محذور فيه وذلك لان المرئي قد يتصف بصفة المرآة ويكتسب لونه من جهة شدة اتحادهما بحسب النظر.

كما أن المرآة من هذه الجهة قد يتصف بصفة المرئي ويكتسب لونه ويسري كل منهما إلى الآخر كما هو كذلك في المحسوسات كما يرى لون السراج الكائن في الزجاج الاحمر أحمر من شدة ارتباطهما بحيث صارا ملونين بلون واحد بنظر الرائي فلا مانع في أن يتصف المتيقن بصفة اليقين في الاستحكام وصحة اسناد النقض إليه وهذا بخلاف ذات المتيقن مع قطع النظر عن اليقين فتلخص انه يمكن أن يكون أخذ اليقين بعنوان الاستقلالية ويمكن أن يكون بعنوان المرآتية وتعيين أحدهما دون الآخر يحتاج إلى المرجح لتساويهما بحسب الاحتمال ولا مرجح في البين حسب ما ذكرنا وتفصيل الكلام في ذلك أنه لا اشكال في أن المقصود من نقض اليقين بالشك هو لزوم ترتب الاثر العملي على طبق اليقين على ما سيأتي تفصيله والاعمال المترتبة على اليقين تارة يكون عملا لليقين بمعنى أنه كان من مقتضيات نفس الواقع بحيث كان الواقع بواقعه مقتضيا للعمل ولكن ترتبه عليه فعل مشروط بالعلم واليقين به على وجه كان العلم من قبيل الشرط لترتب أثر المقتضي بالكسر عليه.

فعلى هذا كان اليقين طريقيا محضا كاناطة وجوب امتثال الحكم الواقعي وتنجزه باليقين وأخرى يكون ترتبه على نفس اليقين كترتب المقتضي بالفتح على المقتضي بالكسر بأن يكون نفس اليقين هو المقتضي

والموضوع للاثر كجواز الشهادة والاخبار فانه ليس أثرا للواقع أصلا بل أثر لنفس العلم به بما علم وهذا القسم أيضا ينقسم على ثلاثة أقسام :

أحدها أن يكون اليقين جزء المقتضي أو يكون تمام المقتضي للواقع المعلوم بحيث لا يكون نفس الواقع تمام المقتضي ولا القطع به بل هما معا تمام المقتضي كما اذا كانت الحرمة مترتبة على الخمر المعلوم خمريته.

وثانيها أن يكون القطع بما هو قطع تمام المقتضي ولو مع عدم الواقع باعتبار كونه منورا للواقع وجهة كشف له.

وثالثها أن يكون القطع أيضا تمام المقتضي للعمل بما هو صفة خاصة قائمة بالنفس من دون نظر إلى جهة كشفه.

وأما الثمرة بين القسمين الاول والثاني بأقسامه أنه على القسم الاول لا يمكن أن يثبت بالاستصحاب إلا ما هو من آثار نفس الواقع فلا يمكن اثبات جواز الاخبار والشهادة بالاستصحاب بناء على كون اليقين في دليل الاستصحاب مأخوذا على الطريقية بخلاف ما اذا كان أخذه بعنوان الاستقلالية والموضوعية.

نعم قد يقال بعدم امكان شمول دليل الاستصحاب لليقين الطريقي والاستقلالي معا لاستلزام الجمع بينهما وهو محال لاختلاف النظرين أعني النظر الآلي والاستقلالي فلا بد وأن يكون المراد اليقين الطريقي وان إجراءه بلحاظ اثبات الآثار المترتبة على نفس الواقع بقرينة تطبيق قوله لا تنقض اليقين بالشك على الشك بالحدث بعد اليقين بالوضوء ولا يكون اليقين به الا طريقيا وكذلك الاشكال عند الاصحاب في جريان

الاستصحاب في كلية المسائل الفقهية فيما إذا كان الواقع مما له الاثر وكان اليقين مأخوذا فيه على نحو الطريقية.

ولهذا كان المسلّم عندهم قيام الاستصحاب كالامارات مقام القطع الطريقي الذي كان الاثر مترتبا على الواقع وكان العلم مأخوذا فيه بعنوان الطريقية.

وهذا شاهد على كون المراد من اليقين المأخوذ في المقام هو اليقين الطريقي ومعه لا يمكن ارادة اليقين الاستقلالي للزوم الجمع بين النظرين المختلفين وفيه :

أولا أنه لا اشكال عندهم في جريان الاستصحاب في الموارد التي كان الاثر لنفس الواقع وكان اليقين مأخوذا فيها بعنوان الطريقية كذلك لا اشكال عندهم في جواز الشهادة من جهة الاستصحاب فيجوزون الشهادة بالملكية فيما إذا احرزت بالاستصحاب وكذلك يجوزون للاخبار فيما إذا احرز شيء به مع أنه لا اشكال في أن الشهادة والاخبار من آثار نفس اليقين بالواقع بعنوان الموضوعية دون نفس الواقع.

وهذا دليل على جريان الاستصحاب في مورد أخذ القطع لا بعنوان الطريقية بل أخذ بعنوان الاستقلالية والموضوعية.

وثانيا لا مانع من الجمع بين اليقين الطريقي والاستقلالي في دليل الاستصحاب فيما نحن فيه إلا بناء على اعتبار كون المقصود من الاستصحاب اثبات الاثر الشرعي بأن يكون النظر في التنزيل غير اليقين منزلة اليقين جعل الاثر الشرعي الثابت للمنزل عليه على المنزل كما في مثل الطواف بالبيت صلاة.

وأما اذا كان النظر في دليل التنزيل اثبات الاعمال المترتبة على المنزل بأن يكون مفاد دليل التنزيل هو أمر المكلف بتنزيل شيء منزلة

غيره على وجه كان التنزيل بجعل المكلف لا بجعل الشارع فليس المقصود في مثله إلا مجرد الأمر بجعل المكلف نفسه متيقنا بلحاظ أعماله التي كانت أثرا لليقين ولو بحكم عقله فمرجع الأمر بمثل هذا التنزيل هو الأمر بالعمل الذي كان أثر لليقين الوجداني ومن المعلوم أن عمل المكلف الذي كان يترتب على يقينه هو أثر ليقينه مطلقا سواء كان اليقين طريقيا أو موضوعيا فان كلا منهما كان العمل أثرا لليقين على كل حال وكان دخل اليقين فيه استقلاليا غاية الامر ترتبه على اليقين الطريقي كان من قبيل ترتب المشروط على شرطه.

وفي اليقين الموضوعي كان من قبيل ترتب المقتضي بالفتح على مقتضيه بالكسر وإلّا ففي كون اليقين منظورا فيه استقلاليا لا فرق بينهما.

نعم في المقام اشكال آخر وهو انه لو شمل دليل الاستصحاب اليقين الاستقلالي فيلزم جريان الاستصحاب في كل مورد لم يكن هناك أثر شرعي يترتب على نفس المستصحب أصلا فانه يمكن أن يجري الاستصحاب فيه لاثبات جواز الاخبار عنه باثبات اليقين فيه مع انهم لم يلتزموا به كما أنهم لم يلتزموا كلية في دليل الطرق والامارات إلا فيما إذا كان هناك أثر شرعي لنفس الواقع حتى يكون التعبد بالظهور أو السند لاثبات مثل هذا الاثر فلو كان النظر إلى اثبات آثار نفس اليقين الاستقلالي لكفى جواز الاخبار لاثبات التعبد في جميع تلك الموارد بناء على تتميم الكشف.

ويمكن رفع هذا الاشكال بدعوى انصراف مثل لا تنقض اليقين بالشك في القضايا الشرعية التي كان لها جهة ارتباط بالشارع بما هو شارع كما نقول بمثل هذا الانصراف بالنسبة إلى عدم حجية الأصل

المثبت في باب الاستصحاب على ما سيأتي تفصيله.

وبعبارة أخرى أن قوله لا تنقض اليقين بالشك من قبيل ضرب قاعدة ظاهرية راجعة إلى الأمر بالمعاملة على طبق اليقين السابق وترتب الآثار العملية المترتبة على اليقين بالقضايا الشرعية سواء كان اليقين من قبيل الشرط لترتب الاثر على نفس الواقع أو من قبيل المقتضي له.

ومن ذلك ظهر أن دليل الاستصحاب لا يشمل موارد أخذ اليقين فيها تمام الموضوع للحكم بنحو الصفة الخاصة القائمة بالنفس لعدم كونه متعلقا بالقضية الشرعية لأن الفرض عدم ملاحظة كونه منورا للغير بل لوحظ بما هو صفة قائمة بالنفس والظاهر من جميع موارد أخبار الاستصحاب المأخوذ فيها اليقين هو اليقين الملحوظ نفسه أعم من أن يكون طريقا محضا أو مأخوذا بنحو الاستقلال.

ولعل هذا هو مراد الشيخ (قده) حيث قال : المراد من أحكام اليقين ليس أحكام نفس اليقين إذ لو فرضنا حكما شرعيا محمولا على صفة اليقين يرتفع بالشك قطعا كما لو نذر جعل شيء ما دام متيقنا بحياة ولده بل المراد أحكام المتيقن الثابتة له من جهة اليقين وإن كان ينافيه قوله في تعريف الاستصحاب هو ابقاء ما كان فانه بناء على ما ذكرناه لكان حقيقة الاستصحاب هو الحكم ببقاء اليقين بما حدث لا الحكم ببقاء نفس ما حدث.

ثم أنه بناء على كون المراد من اليقين هو اليقين المرآتي المحض يلزم عدم حكومة الاستصحاب على ساير الاصول العملية لان مفاده ليس إلا اثبات حكم شرعي مماثل لحكم المتيقن في ظرف الشك ودليل البراءة ينفيه فيقع بينهما المعارضة دون الحكومة وهذا بخلاف ما ذكرنا

من أن مفاده الامر بالمعاملة بلسان ابقاء اليقين بالواقع فان حكومته عليه واضحة لا تحتاج الى بيان.

الاحكام الوضعية والتكليفية

ثم انك قد عرفت فيما تقدم بأنه لا فرق في حجية الاستصحاب بين الأحكام التكليفية وبين الاحكام الوضعية ولو على القول بكونها من الامور العقلية المنتزعة من الاحكام التكليفية يجري فيها الاستصحاب بناء على ما تقدم من عدم الاحتياج إلى أثر شرعي في الاستصحاب بل انما كان مفاد دليله هو الامر بالمعاملة على نفس اليقين.

ولكنه لما جرى بناؤهم على تحقيق الأحكام الوضعية في المقام وأنها هل هي مجعولة بجعل الشارع كالاحكام التكليفية أو هي من الامور المنجعلة بجعل الاحكام التكليفية بمعنى كونها منتزعة من الاحكام التكليفية عقلا فنحن أيضا تقتفي اثرهم تأسيا بهم فنقول قبل الشروع في تحقيق الحق لا بد لنا من تقديم مقدمة وهي :

أنه من المسلّم عندهم جعل الحكم التكليفي فلا بد من شرح مرادهم في حقيقة الجعل الذي يقولون به في الحكم التكليفي حتى يتضح به ما هو محل النزاع في الحكم الوضعي.

فنقول حقيقة الجعل في الامور التي جعلها بالانشاء سواء كان بجعل الشارع كقوله (من حاز ملك) أو كان بجعل غير الشارع كجعل الملكية والزوجية بالعقد عبارة عن أن يقصد الجاعل تحقق حقيقة ذلك العنوان الجعلي مطلقا سواء كان منشؤه الفعلي أو القولي وكونه من الامور الجعلية بالانشاء لا بد وأن يكون من الامور القصدية بمعنى أن حقيقتها

لا يتحقق إلا بقصد تحققها بانشائها كعنوان التعظيم والتوهين وأمثالهما وهذا بخلاف الامور التكوينية الخارجية أو العقلية فانها ربما تحقق بلا ارادة وقصد من الفاعل كالقتل أو الضرب وأمثالهما اذا عرفت ذلك فاعلم أن في باب التكاليف عناوين متعددة منها الارادة الكائنة في نفس الامر التي هي قوام حقيقة التكليف به.

ومن الواضح انها ليست من الامور الجعلية الانشائية بل هي من الامور التكوينية المتحققة بأسبابها من العلم بالمصلحة ومنها عنوان الطلب وقد تقدم سابقا أنه عين الارادة ومنها اظهار الارادة والاعلان بها بالقول أو بالفعل.

ومن الواضح أن تحقق عنوان الاظهار والاعلان تابع لدلالة اللفظ أو الفعل المتوقف على علم المخاطب بالوضع من دون ارتباط له بالأمر أصلا بل يتحقق الاعلام بنفس التكلم باللفظ.

ومنها علم المكلف بالارادة والظاهر أنه يحصل له العلم بها بنفس اقتضائه إلى المظهر بعد ما علم من دون ربط له بالأمر.

ومنها المفاهيم المنتزعة عن حكم العقل بوجوب الامتثال بعد العلم بالارادة كل باعتباره وبيانه أن المكلف بالفعل قبل علمه بارادته يرى نفسه في سعة بالنسبة إلى طرفي مقتضي الفعل فمن هذه الجهة يرى نفسه قادرا على الفعل والترك.

وبعد أمر المولى يراها في كلفة بالنسبة إلى الفعل فمن هذا ينتزع عنوان التكليف وأيضا يجد الفعل كأنه مما لا يقدر على تركه ولو من جهة اقتضائه الامر بحكم العقل بوجوب الامتثال ولهذا ينتزع عنه الوجوب وأيضا يرى نفسه كأنه ملزوم بالاتيان بالفعل.

ومن هذه الجهة ينتزع عنوان اللزوم وأيضا بملاحظة أن عمل المكلف معلول للعلم بارادة المولى فيرى العمل للمولى فمن هذه الجهة ينتزع عنوان البعث والتحريك وعلى كل تلك العناوين الانتزاعية العقلية المتأخرة عن مرتبة أمر المولى وانشائه فلا يكون منشأ لها قابلا للجعل أصلا فما اشتهر في الالسن من أن التكاليف من الامور الجعلية لا واقع له.

نعم لا بأس بأن يطلق عليها الجعلية بمعنى الادعاء وبالجملة أن التكاليف لا ترتبط بالامور الجعلية حيث انها اعتبارات متقومة بالانشاء الناشئ عن قصد التوصل به إلى حقيقتها بنحو يكون القصد والانشاء واسطة في ثبوتها بحيث لو لا القصد والانشاء لما كان لها تحقق في وعاء الاعتبار المناسب لها كالتعظيم والتوهين ونحوها من العناوين التي يكون الجعل مصححا لاعتبارها كما انها ليست من الامور الانتزاعية التي هي تابعة لمنشا الانتزاع قوة وفعلا.

وبهذا ظهر عدم تصور الجعلية بالمعنى الذي ذكرناه في الاحكام التكليفية في شيء من مراتبها.

أما مرتبة المصلحة والعلم فهي غير قابلة للجعل. كما أن مرتبة الارادة التي هي حقيقة التكليف واضح انه غيره قابل للجعل اذ انها من الكيفيات النفسانية التابعة للعلم بالمصلحة فلا ربط لها في مقام الانشاء كما ان مرتبة الانشاء المظهر للارادة ليست من المجعولات حيث أنه أمر واقعي وكان من مقولة الفعل الخارج عن الاعتبارات الجعلية.

وأما مرتبة الايجاب والبعث واللزوم التي هي من العناوين المنتزعة من اظهار الارادة بالانشاء القولي أو الفعلي أيضا لا ربط له بالجعليات حيث أنها اعتبارات منتزعة من اظهار الارادة الخارجية كما

أن حكم العقل بلزوم الاتباع بامتثال الأمر بداعي الاعلام بارادته.

نعم لا بأس بدعوى الجعل فيها بمعنى التكوين والايجاد ولو بلحاظ ايجاد المنشأ القهري لا القصدي والظاهر أن ذلك خارج عن الجعل التشريعي ومما ذكرنا ظهر فساد ما قيل في جعل الاحكام التكليفية نظرا الى مرحلة البعث والالزام والايجاب المنتزعة من مرحلة الامتثال بنحو لو لا الانشاء لما كان لاعتباره محل لما عرفت ان هذه المرتبة متأخرة عن الجعل فكيف تكون قابلة للجعل هذا كله في باب الحكم التكليفي.

الأحكام الوضعية

وأما الحكم الوضعي فقد اختلفوا فيه بين قائل بالجعل مطلقا وقائل بعدمه مطلقا وقائل بالتفصيل بين الجعل في بعضها وعدمه في بعض آخر وجوه واحتمالات لا بد من التكلم في كل واحد منها وقبل تنقيح المختار لا بد من بيان ما هو المحل للنزاع في المقام فنقول أنه لا اشكال في تغاير مفهوم الحكم الوضعي ومفهوم الحكم التكليفي فان أحدا لم يتوهم ان مفهوم جواز التصرف في المال عين مفهوم الملكية أو مفهوم وجوب الصلاة عين مفهوم الكلية ومفهوم وجوب السورة فيها عين مفهوم الجزئية وإلا يلزم أن يكون المفهوم أمرا غير اعتباري ولم يلتزم به أحد كما هو واضح.

فالقائل بانتزاعية الحكم الوضعي عن الحكم التكليفي ليس مراده كونه عين الحكم التكليفي مفهوما بل الظاهر اتفاقهم على تغايرهما مفهوما.

كما أن من الواضح أن القائل بكونها منتزعة عن التكليف وكذا

القائل بأنها ليست منتزعة عن التكليف ليس مرادهم من حيث اضافتها إلى التكليف بما هو حيثية الاضافة بل مرادهم في ذلك ذات المضاف مع قطع النظر عن حيثية الاضافة فيه.

بيان ذلك أنه اذا فرضنا أن الآمر اذا أمر المأمور بشيء في مكان وفي زمان فلا اشكال في أنه كان بعد هذا الأمر اضافات اضافة الى الوجوب وكذا إلى الواجب وتمام تلك الاضافات متأخرة عن الوجوب وفيها اضافة المكان إلى الوجوب فيقال مكان الوجوب ومنها اضافة الزمان إليه فيقال زمان الوجوب ومنها اضافتها إلى المأمور فيقال مكان المأمور وغير ذلك من الاضافات الحاصلة لاثبات الوجوب أو الواجب ولا اشكال في أن انتزاع تلك الاضافات في المرتبة المتأخرة عن التكليف منها منتزعات عن التكليف قطعا.

وهذا المعنى ليس مراد القائل بانتزاعية الحكم الوضعي قطعا بل مراده هو انتزاعية نفس المضاف إلى الوجوب أو الواجب مع قطع النظر عن حيثية اضافة إليه فيكون مراده هو انتزاعية نفس السبب أو المانعية أو الشرطية للوجوب وكذلك النزاعية نفس الجزئية أو الشرطية أو المانعية للواجب بما هو نفس تلك العناوين من دون نظر إلى حيثية اضافتها الى الوجوب أو الواجب المشترك في انتزاعية مثل تلك الاضافات في تمام الاشياء الموجودات في العالم بالاضافة إلى الوجوب أو الواجب وبعبارة أخرى (١) إذا قيل سببية الوجوب أو شرطية أو مانعية أو

__________________

(١) لا يخفى أن الاحكام الشرعية تنقسم إلى التكليفية والوضعية بناء على ما هو الحق من أن الحكم هو الامر النفساني المبرز بالانشاء بمعنى أن للشارع جعلا ناشئا عن ارادة واختيار يقتضى البعث والزجر والتخيير تارة وغير مقتضى له أخرى.

ملكية المباح أو شرطية الواجب أو جزئيته يراد منها حيثية اضافة هذه الاشياء الى الحكم أو متعلقه كما في مثل غلام زيد فلا اشكال في أن الاضافة بين الشيئين لما كانت قائمة بهما فلا بد وأن تكون متأخرة

__________________

وأما بناء على كون الحكم الشرعي عبارة عن الارادة والكراهة أو الرضا بالفعل أو الترك فلا علاقة له بهذا التقسيم وعلى ما ذكرنا يكون الفرق بين الحكم التكليفي والوضعي هو أن الاول يتعلق بافعال المكلفين على نحو الاقتضاء والتخيير كما اذا اعتبر الفعل في عهدة المكلف على نحو يقتضي ايجاده ولا يرضى يتركه فيتصف الفعل بكونه واجبا أو يعتبر حرمان المكلف من الفعل على نحو يقتضي تركه فيتصف الفعل بكونه محرما اتيانه أو يعتبر اطلاق المكلف وعدم تقيده بوجه فيكون الفعل مخيرا بين اتيانه وعدمه.

وأما الثاني ليس له تعلق بفعل المكلف أصلا كما في اعتبار الملكية والزوجية وغير ذلك مما لا تعلق له بفعل المكلف أوله تعلق بفعله إلّا أنه ليس على نحو الاقتضاء والتخيير كما في اعتبار عدم الاكل والشرب في الصلاة.

ثم أن الاحكام التكليفية تارة تكون على موضوع مقدر الوجود على نحو القضايا الحقيقية كوجوب الحج فانه مجعول على نحو مقدر الوجود كالمستطيع وأخرى يكون الوجوب على موضوع شخصي كوجوب الجهاد على شخص معين أو أشخاص معينة يعينها النبي (ص) أو الامام عليه‌السلام.

وأما الاحكام الوضعية تارة تكون مجعولة على موضوع مقدر الوجود كالولاية فان موضوعها هو الناظر في حلالهم وحرامهم والعارف باحكامهم مع اجتماع بقية الشرائط.

عنها سواء كانت من الأمور الاعتبارية المحضة أو كانت من الامور الخارجية التي لها حظ من الوجود في الخارج ومن الواضح أن مثل

__________________

واخرى تكون مجعولة لشخص خاص كمثل مالك الاشتر حيث ولاه أمير المؤمنين (ع) وقد خالف بذلك الاستاذ المحقق النائيني (قده) فقال بأن المجعولات الشرعية انما هي على نحو القضايا الحقيقية التي تكون مرتبة على موضوعات مقدر الوجود ولا تجعل مرتبة على الموضوعات الخارجية.

والظاهر أن ذلك التزام بلا ملزم لما عرفت أن المجعول الشرعي على نحوين ثم ان الماهيات المركبة عبارة عن أمور متعددة يتعلق بها الحكم خارجة عن حدود الجعل الشرعي نعم متعلقه الجعل الشرعي خلافا للاستاذ المحقق النائيني (قده) حيث قال أن للشارع ماهيات متعددة ومقولات مختلفة فله أن يجعلها ماهية واحدة باعتبار ملاحظتها شيئا واحدا.

ولكن لا يخفى اعتبارها أمرا واحدا متعلق بها الجعل التشريعي وهي في حد نفسها خارجة عنه وتعلق الامر بها لا يقتضي تعلق الجعل التشريعي بذاتها حيث أنه عبارة عن الوجوب والحرمة والملكية والزوجية وغيرها انما هي معاني نفسانية تظهر في الخارج فتكون من مصاديق التكليفية أو الوضعية ومعه ينحصر الجعل التشريعى بالاحكام التكليفية والوضعية.

إذا عرفت ذلك فاعلم ان الاحكام الوضعية منها ما يكون مجعولا بتبع جعل منشأ انتزاعه كالجزئية والشرطية والسببية والرافعية والمانعية المنتزعة مما اعتبر في موضوع الحكم أو متعلقه ومنها ما يكون

ذلك المعنى من الامور الانتزاعية التي كانت تابعة لتحقق طرفيها فليس مراد من يقول بجعلية الحكم الوضعي في قبال القائل بانتزاعية هذا المعنى قطعا بل انما نزاعهم وكلامهم بالنسبة إلى نفس المضاف وذاته

__________________

مجعولا مستقلا كالملكية والزوجية والحرية والرقية والولاية.

ومن هذا القبيل أيضا الطهارة والنجاسة والصحة والفساد من الاحكام الظاهرية ودعوى الشيخ الانصارى ان الطهارة والنجاسة بانهما من الامور الواقعية التي كشف عنها الشارع تنظيرا للمقام بحكم الطبيب حيث أنه يكشف عن واقع الأدوية وحقيقتها فيخبره عن آثارها.

ولكن لا يخفى عدم اختصاص ذلك في الطهارة والنجاسة فان ذلك عام يجري في جميع الأبواب فان وجوب الصلاة وحرمة الخمر تنشأ عن خصوصية واقعية فيهما كذلك الحكم في الطهارة والنجاسة لا بد أن ينشأ عن خصوصية واقعية ولا ملزم بالالتزام بكون النظافة أو القذارة لواقعية.

ولذا الحكم بالطهارة أو النجاسة للمشكوك فيه ليس ناشئا من النظافة أو القذارة الواقعية فيما إذا فرض مخالفة الحكم للواقع ودعوى أن الحكم بذلك ليس حكما حقيقيا وانما هو من باب تنزيل المشكوك فيه منزلة الواقع ممنوعة إذ لا معنى للتنزيل الا الحكم يترتب آثار الواقع على المشكوك وفي المقام لا يمكن الالتزام به.

فعليه أن الطهارة والنجاسة من قبيل الاحكام الشرعية مجعولة للشارع.

وأما الصحة والفساد فقد يفصل بين العبادات والمعاملات بأن يقال في العبادات انهما أمران منتزعان من مطابقة المأتي به للمأمور به في الخارج وعدمها.

مع قطع النظر عن جهة الاضافة فانه ربما يتحقق عنوان ذات المضاف

__________________

ومن الواضح أن المطابقة وعدمها من الامور الواقعية التي لا تنالها يد التشريع.

وعليه فلا تكون الصحة والفساد في العبادات مجعولتين من الشارع لا استقلالا ولا تبعا وهذا بخلاف المعاملات فان الصحة والفساد منتزعان من ترتب الاثر على موضوعه من حصول الملكية والزوجية وعدم ترتبه.

ولكن لا يخفى ان المنصف بالصحة والفساد في المعاملات ليس إلا الموجود الخارجي كما هو الحال في العبادات فان كان ما جعله الشارع مملكا منطبقا عليه حكم بصحته وإلّا فلا.

فالصحة والفساد في المعاملات كالعبادات منتزعان من مطابقة العقد الواقع في الخارج لما اعتبره الشارع موضوعا لحكمه.

نعم لا يبعد القول بالتفصيل بين الصحة والفساد في الاحكام الظاهرية وبينهما في الاحكام الواقعية ففي الاول قابلان للجعل دون الثاني وسر ذلك هو أن الصحة والفساد في الاحكام الواقعية انما ينتزعان من المطابقة وعدم المطابقة وقد عرفت أنهما من الامور الواقعية التي لا تنالها يد الجعل وهذا بخلاف الاحكام الظاهرية فانها تنالها يد الجعل كقاعدة التجاوز والفراغ فالشارع في تلك الموارد قد حكم في الصحة بحصول المطابقة لصحة تصرف في مقام الامتثال.

وأما الرخصة والعزيمة فالظاهر أن الرخصة بمعنى جواز الترك والعزيمة بمعنى لزومه وعدم جواز الفعل كما في سقوط الاذان في موارد الجمع فمن قال بالرخصة قال بجواز الترك وجواز الفعل أيضا ومن قال بالعزيمة قال بلزوم الترك وعدم جواز الفعل فيكونان من الحكم

بالنسبة إلى بعض الأشياء ولو لم يكن له جهة اضافة أصلا لا المكان

__________________

التكليفي من حيث الاقتضاء والتخيير.

وأما الولاية والخلافة والامامة كل واحد منها على قسمين تكوينية وتشريعية.

أما التكوينية من انهم أولى بالمؤمنين من أنفسهم وهي الناشئة من بلوغ النفس بواسطة العلم والعمل أو بوساطة الموهبة الالهية من دون سبق عمل بل الاستعداد الذاتي وهي أعلى مراتب الكمال ووصولها إلى أقرب مدارج القرب الى ذي الجلال.

وهذه المرتبة في الولاية هي التي قارنها الله في كتابه العزيز بولاية نفسه حيث قال عزّ من قال (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ).

وهذه الولاية عبارة عن كون الولي متصرفا في جميع الكون بسمائه وأرضه باذن الله جل جلاله وهي التي يبرئ الاكمه والابرص ويحيى الموتى باذن الله تعالى شأنه وبها يشق القمر ويجعله نصفين كل ذلك وما شابهها باذن الله عظم سلطانه.

وهكذا الأمر في الخلافة والامامة والنبوة وهذه المرتبة العليا للولاية غير قابلة لاعطائها للغير ولا يمكن للغير التقمص فيها إذ هي من مختصاتهم اختصهم الله تعالى بذلك وقسم آخر هي التشريعية وهي التي تقبل التفويض والجعل وهي على قسمين :

أحدهما ترجع الى الامور التي ينتظم بها البلاد وأمور العباد كالثغور والجهاد واقامة الحدود وحفظ البلاد.

وثانيهما ما يرجع إلى القضاء والافتاء كل واحد من المرتبتين يقبلان الجعل والتشريع والأولى تسمى بالولاية العامة والثانية

ولا الزمان ولا غيرهما من العناوين مع قطع النظر عن جهة الاضافة

__________________

تسمى بالولاية الخاصة.

ولا شك أن الولاية بهذا المعنى من الامور الجعلية المتأصلة في الجعل ومن المناصب الالهية ومن هذا القبيل ولاية الاب والجد على الصغير والوصي من قبل الاب وولاية عدول المؤمنين على الحسبيات عند فقد الحاكم الشرعي.

والذي ينبغي أن يقال في بيان الاحكام هو أن الحكم الذي يحصل من قول من بيده الامر والنهي وما دام لم يصل إلى مرتبة الفعلية لا يقال له حكم فالعلم بالصلاح أو الارادة أو الكراهة ليست احكاما وان سماها بعض من تأخر بانها أحكام اقتضائية وانما هي دواعي نفسانية فيمن تنقدح في نفسه هذه الامور كالنبي والولي وهو على قسمين تكليفي ووضعي.

أما التكليفي فهو ما يتعلق بفعل العبد ابتداء سواء تضمن بعثا مع المنع من الترك فهو الوجوب أو بعثا مع الرخصة في الترك فهو الاستحباب أو يتضمن بعثا على الترك مع عدم الرخصة في الفعل فهو الحرمة وأما أن يتضمن بعثا على الترك مع الرخصة في الفعل فهو الكراهة وأما أن لا يتضمن بعثا أو زجرا بل يخير بين الفعل والترك فهو الاباحة بالمعنى الاخص فاذن الاحكام التكليفية خمسة وجوب وندب وحرمة وكراهة واباحة ويعلم مما ذكرنا أن الوجوب أمر منتزع من رجحان الفعل مع المنع من الترك.

كما أن الاستحباب أمر منتزع من رجحان الفعل مع الرخصة في الترك والحرمة منتزعة من الزجر عن الفعل مع المنع عنه والكراهة منتزعة من الزجر عن الفعل مع الرخصة في اتيانه والاباحة منتزعة

فانه ربما يتحقق عنوان ذات المضاف بالنسبة إلى بعض الاشياء ولو

__________________

من التخيير بين الفعل والترك.

وأما الارادة الاكيدة التي هي منشأ إنشاء الوجوب والارادة غير الاكيدة التي هي منشأ الاستحباب هي من الدواعي للوجوب والندب وليست هي المائز والفارق بينهما لكي يكونا حقيقة واحدة يختلفان في الشدة والضعف كما هو رأي بعض المحققين (قده) لما عرفت من أن الحكم إذا لم يصل الى مرحلة فعلية والانشاء لا يقال له الحكم وانما هو اقتضاء انشاء الحكم فهذه امور من الدواعي وليست دخيلة في نفس الحكم على تفصيل ذكرناه في مباحث الالفاظ من الجزء الأول من منهاج الاصول.

وأما الاحكام الوضعية فهي التي لا تتضمن بعثا ولا زجرا وليست متعلقة بافعال العبد ابتداء بناء على أنها منتزعة أو ممضاة أما بناء على الجعل الاستقلالي فهي متعلقة بفعل المكلف ابتداء فيكون المائز بينه وبين الاحكام التكليفية ان التكليفية ملحوظة من حيث الاقتضاء والتخيير دون الوضعية.

وعلى كل فقد اختلف في أنها أمور محصورة في ثلاثة كالشرطية والجزئية والمانعية أو انها خمسة باضافة الصحة والفساد أو ستة بزيادة السببية أو سبعة بزيادة العلية أو المعلولية أو انها لا حصر لها الظاهر هو الاخير اذ كلما لا يكون تحققه منوطا ومشروطا بالامور الاربعة كالبلوغ والعقل والقدرة والعلم فهو حكم وضعي بالغا ما بلغ حتى يمكن ادخال الماهيات المخترعة في الاحكام الوضعية بدعوى أنها مشتملة على الاجزاء والشرائط التي هي من الاحكام الوضعية وإن كان محل نظر وذلك لما عرفته في المباحث السابقة.

لم يكن له جهة اضافة اصلا لا لمكان ولا لزمان ولا غيرهما من العناوين قبل تحقق اضافتها إلى الوجوب أو الواجب فتمام كلامهم انما هو بالنسبة

__________________

وكيف كان فالمراد بالحكم تكليفيا أو وضعيا هو انشاء مجعول شرعي يتعلق في ذمة العبد وعهدة المكلف للمولى سبحانه وبهذا الاعتبار يفرق بينه وبين ما يسمى بالحق حيث ان الميزان في معرفة الحق وتعريفه هو ان الحق مجعول شرعي أيضا لكن للعبد في متعلقه لا للمولى عليه.

وبهذا يتضح لنا ترتب الثمرة المقررة للفرق بين الحكم والحق من أن الحكم لا يقبل السقوط بالاسقاط لأنه تصرف في الحق الالهي وليس للعبد ذلك.

أما بالنسبة الى الحق فحيث أنه تحويل شرعي من المولى للعبد فاذا تصرف فيه اثباتا أو اسقاطا كان ذلك له لان سنخ الجعل التشريعي يخوله ذلك فلا مانع منه.

ويمكن أن يدعى بأن الحق نوع من الحكم له سنخية من الجعل التشريعي خاصة على النحو الذي قررناه من أنه تخويل للعبد على ما تعلق به فهو سلطنة مجعولة فلا نقول انه سلطنة استقلالية بل منوطة بالجعل الشرعي وبهذا نقول ان الحق نوع من الملك بمرتبة خاصة لان ذلك التسلط انما هو لحصول تلك النسبة الخاصة والاضافة القائمة بين الشخص ومتعلقة الذي يتكون منها عنوان الملكية فتلك الاضافة المعبر عنها بالملكية التي حدثت بأسبابها الشرعية هي التي خولت من يسمى بالمالك لأعمال تلك السلطنة الخاصة.

ومجمل القول ان كلا من الحكم والحق والملك مجعول شرعي ولكن الجعل في الحكم والحق جعل ابتدائي وفي الملك جعل امضائي والجعل الابتدائي في الملك لاسبابه الخاصة وبهذا افترق الملك عن

الى ذات المضاف بما هو ذاته.

ثم ان المراد من الحكم الوضعي في المقام عبارة عن الامر الاعتباري الذي تكون واقعيته ليست كواقعية الاضافات الخارجية المتحققة في الاين والمتى والجدة وامثالها من الاعراض المقولية فانه لم يلتزم أحد من القائلين بالجعل والانتزاع بكون حقيقة الملكية أو الزوجية أو الجزئية أو الشرطية أو غيرها مما كانت من الاحكام التي بازائها شيء في الخارج غير منشأها من الجعل أو التكليف.

بل الكل مطبقون على أن حقيقة الامور الوضعية عبارة عن الامور الاعتبارية والاضافات الذهنية التي تتبع منشأ اعتبارها ممن بيده منشأ الاعتبار من الجعل أو التكليف فاذا اتضح ذلك فنقول لا بد من التكلم في كل واحد من الاحكام الوضعية مستقلا فمنها الجزئية للواجب كجزئية السورة للصلاة وتفصيل الكلام فيها أنه لا اشكال في ان حقيقة الصلاة خارجا ليست إلا عبارة عن الامور المتعددة المتكثرة خارجا على وجه الارتباط بها ولا جهة وحدة فيها الناشئ من جهة حيثية خاصة

__________________

الحكم والحق ويفترق الحكم عن الحق تفرقة ذاتية موضوعية لا باللازم والاثر وهو أن الحكم جعل شرعي على المكلف والحق جعل شرعي للمكلف هذا هو الفرق الذاتي الموضوعي.

أما الفرق بينهما في اللازم والاثر فهو أن الحكم لا يقبل السقوط والاسقاط والحق يقبل السقوط والاسقاط والحكم لا ينقل بالنوافل والحق يجوز نقله بالنوافل وهذا واضح لا يعتريه ريب فما ذكرناه في نخبة الاحاديث في التفرقة بين الحكم والحق فانما هو اقتصار على التفرقة باللازم والاثر وهاهنا فرق بينهما ذاتا وموضوعا وأثرا فلا تغفل.

بين تلك الامور كما كان الامر كذلك في مثل اجزاء السرير واخشابه التي لها جهة ارتباط لبعضها بالنسبة الى البعض الآخر من جهة عروض خشبة السرير عليها فانه قد تقدم في بحث مقدمة الواجب عدم كون ذلك ملاكا في اعتبار الجزئية في اجزاء الصلاة فحيث لا يعقل اعتبار الجزئية والكلية في الامور المتكثرة المتباينة بما هي متكثرة فلا بد من اعتبار جهة وحدة فيها يجمعها حتى يصح بلحاظها اعتبار الارتباط فيها وانتزاع الكلية للجميع والجزئية لكل واحد منها فنقول وان كان هنا جهات الوحدة متعددة كوحدة الملاك القائم بالمجموع ووحدة اللحاظ المتعلق بالمجموع ولكنه ليس كلامنا في المقام الا في جزئية الشيء للواجب بما هو جزء له فلا بد وأن يكون الملاك جهة وحدة تعرض على الصلاة من جهة وحدة الوجوب المتعلق بها إذ تعلق وجوب واحد بالامور المتكثرة إنما هو من جهة وحدة يطرأ عليها جهة ارتباط ووحدة باعتبار كونها تحت وجوب واحد وبعد طرو مثل تلك الجهة عليها ينتزع العقل في المرتبة المتأخرة عن ذلك الجزئية لكل واحد من تلك الامور والكلية لمجموعها.

فالجزئية ليست إلا من الامور الانتزاعية العقلية المتأخرة عن الوحدة الاعتبارية الثابتة لمجموع الامور المتكثرة الآنية من ناحية وحدة الامر المتعلق بها فلا تكون الجزئية من الامور المجعولة لا مستقلا ولا تبعا بل ليس فيه إلا جعل التكليف المتعلق بالكل بناء على جعلية التكليف كما لا يخفى ، ومنها الشرطية (١) وهي على قسمين :

__________________

(١) لا يخفى ان الشرط تارة يكون راجعا إلى الجعل وأخرى إلى المجعول وثالثة الى متعلق التعليق.

أما الاول فهو عبارة عن إرادة الأمر بمبادئها من تصور الشيء

أحدهما شرطية الشيء للتكليف والآخر شرطية الشيء لمتعلق

__________________

والتصديق به فالحكم بوجوب الصلاة وحرمة الخمر إنما هو لكونهما معلولين لارادة الحاكم واختياره وليس الوجود الخارجي مأخوذا بنحو العلية بل ربما يكون داعيا لجعل الوجوب أو الحرمة.

وأما الثاني فهو عبارة عن كونها معتبرة في فعلية الحكم كالعقل والقدرة والبلوغ وكالاستطاعة في وجوب الحج ودخول الوقت بالنسبة الى الصلاة إلى غير ذلك مما كانت فعليه الحكم مشروط بتحققها خارجا ومرجعها إلى كون تلك الشرائط قيودا وجودية أو عدمية قد اخذت في موضوع الحكم التكليفي أو الوضعي ولا اشكال في ان هذه القيود سواء كانت وجودية أو عدمية لها دخل في ترتب الاحكام عليها من غير فرق بين كون القيود تسمى بالشرائط كما اصطلح عليه بالنسبة إلى الحكم التكليفي أو بالاسباب كما اصطلح عليها بالنسبة إلى الحكم الوضعي لعدم أثر في الفرق بين هذين الاصطلاحين.

وأما الثالث فهو عبارة عن الامور المعتبرة في متعلق التكليف كالطهارة بالنسبة إلى الصلاة فان مرجعها تقييد المتعلق بالحصة الخاصة المستفادة من التقييد وليس المراد به طبيعة المتعلق حيث أن ذلك راجع للشارع فكما صح له أن يجعل متعلق أمره له سعة واطلاق كذلك له أن يجعل متعلق أمره حصة خاصة مقيدة بأمر وجودي أو بأمر عدمي بنحو يكون التقييد داخلا والقيد خارجا أو بتعبير آخر أن يكون توأما مع القيد ومن هنا صح تعلق التكليف بالمقيد وإن كان نفس القيد خارجا عن قدرة المكلف كالقبلة حيث أن متعلق الطلب وهو الصلاة الى القبلة مقدورا وتكون الصلاة مقيدة بالتوجه إلى القبلة أو بالدلوك منه عنوان السببية واذا قيد بأمر عدمي انتزع منه

التكليف أعني الواجب أما شرطية التكليف كما يقال بشرطية الاستطاعة

__________________

عنوان المانعية وبهذا المعنى صح كون السببية والمانعية ونحوها مجعولة للشارع ودعوى كون السببية تستدعي خصوصية تكوينية الموجب لترتب المسبب على السبب بمقتضى تحقق الربط بينهما كالربط بين العلة والمعلول.

ومن الواضح ان مثل هذا الربط والخصوصية لا تناله يد الجعل التشريعي بل يكون من قبيل تحصيل الحاصل بل يكون أردأ إذ يكون من قبيل تحصيل ما هو حاصل تكوينا ووجدانا بالتعبد والاعتبار كما هو المنسوب للمحقق الخراساني (قده) ممنوعة لما عرفت من أن الحكم عبارة عن الاعتبار النفساني المظهر بالجعل وعليه يكون فعلا مفيد بجسب ما يراه من اختبار للشارع فله أن يجعل موضوعه مطلقا وله أن يجعل موضوعه مقيدا على حسب ما يراه من المصلحة فمع تقييده بأمر وجودي ينتزع منه السببية كوجوب الصلاة بالنسبة الى الدلوك.

واذا قيد بأمر عدمي انتزع منه المانعية كالامور المنافية للصلاة فيظهر من ذلك أن السببية والمانعية من المجعولات الشرعية غاية الامر يتبع جعل منشأ انتزاعها فكم فرق بين شرائط الجعل وشرائط المجعول فان شرائط الجعل غير قابلة للجعل بخلاف شرائط المجعول فانها تقبل الجعل وجعلها تابعة لجعل منشأها على أن ما ذكره (قده) انما يتم فيما لو كان المقام من العلل التكوينية.

ولكن المقام لما كان حكما شرعيا تكليفيا أو وضعيا ليس موضوعه من علل وجوده إلّا انه لما كان ترتبه عليه كترتب المعلول على علته من جهة عدم التخلف عنه وجودا أو عدما سمي الموضوع في باب الوضعيات سببا كالعقد بالنسبة الى الروحية والملكية وكما سمي قيود الموضوع

لوجوب الحج فمرجع حقيقتها عبارة عن اناطة وجوب الحج بالاستطاعة

__________________

في باب التكاليف بالشرط كالاستطاعة في وجوب الحج ومن الواضح أن القيود المأخوذة في موضوعية الموضوع انما تكون بالجعل الشرعي التبعي من غير فرق بين أن يكون للتكليف او الوضع أو للمكلف به فان السببية والشرطية والمانعية لما لم تكن من قبيل العلل التكوينية وانما هي من قبيل القيود المأخوذة في موضوعية الموضوع من غير فرق بين كونها وجودية أو عدمية قد أخذت موضوعا للحكم الشرعي وضعية كانت أو تكليفية كلها تكون لجعل شرعي وحيث ان معنى جعل الاحكام هو حكم بالمجعولية فلا بد ان يلاحظ من جهة مرجحة لما جعله موضوعا لحكمه.

ومن الواضح ان هذا الجعل يستتبع مجعولية السببية والشرطية والمانعية هذا كله في المجعولات بالتبع.

وأما بالنسبة إلى غير المجعولات كالامور الاعتبارية التي لا واقع لها إلا في علم الاعتبار وليس لها حظ في الواقع وانما تكوينها عين تشريعها كالملكية والروحية والرقية والضمان والحرية والطلاق والظهار والولاية والقضاء والوصاية والوكالة والنيابة والحكومة إلى غير ذلك من الاعتبارات العقلانية التي أمضاها الشارع والاختلاف بين الشارع والعرف في نفي بعض الاشياء عند الشارع وثبوتها عند العرف كما في الخمر والخنزير لا يضر بما أمضاه غاية الامر يكون بالنسبة إلى ما نفى من شيء أو اثبت من شيء على خلاف العرف يكون بالنسبة الى ذلك جعلا تأسيسيا كما لو اعتبر الشارع ولم يعتبره العرف كالطهارة والنجاسة والحدث الاكبر والاصغر فانها من المجعولات الشرعية كالزوجية والرقية.

نعم لو لم يعتبرها الشارع وان اعتبارها العقلاء والعرف فليست

فان وجوب الحج بعد ما كان أمره بيد الشارع فله أن يجعله مطلقا وغير منوط بالاستطاعة وله أن يجعله منوطا فاذا جعله منوطا بها يقول ان استطعت يجب عليك الحج فقد جعل الوجوب منوطا بالاستطاعة بهذا الخطاب الواحد وبهذا الجعل جعل الاناطة أيضا تبعا في عرض جعل الوجوب لا مقدما عليه ولا مؤخرا عنه.

فالاناطة المجعولة تبعا عبارة أخرى عن الشرطية بل عينها فليست الشرطية التي هي شرط للتكليف من الامور الانتزاعية المحضة غير المجعولة ولا من الامور المجعولة الابتدائية الاستقلالية بل من الامور المجعولة التبعية في عرض جعل الوجوب لأن جعل الوجوب المنوط ليس إلا جعل الوجوب والاناطة غاية الأمر جعل الاناطة تبعيا لا استقلاليا بل ربما يقال بامكان الجعل الاستقلالي بتقريب ان السببية لما لم تكن بنحو السببية الحقيقية لعدم معقوليتها حيث ان الجعل مما كان فعلا

__________________

من المجعولات لا امضاء ولا تسبيبا كبعض المناصب العرفية التي منع عنها الشارع ودعوى انكار الجعل ابتداء واستقلالا في الامور المذكورة وانما هي منتزعات من التكاليف ممنوعة اذا ربما يتحقق الجعل مع عدم وجود تكليف كجعل الحجية والطريقية على أنه من الممكن الجعل لابتدائي الاستقلالي مع عدم الحاجة إلى مثل هذه التكلفات خصوصا بعد أن اعتبرها العرف أولا ويرتبون عليها الآثار والظاهر ان الطهارة بقسميها الحدثية والخبثية والنجاسة من الاعتبارات الشرعية المجعولة ابتداء واستقلالا وليسا من الامور الواقعية التي كشف الشارع عنها للزوم أن يكون بدن الكافر مثلا عند اسلامه يتبدل العرض الخارجي الذي هو النجاسة بعرض خارجي آخر الذي هو الطهارة وغير ذلك من اللوازم التي يبعد التزامها نعم يمكن تصحيح هذه الدعوى بأن تكون لها دخل في الملاك بناء على ما هو الحق من تبعية الاحكام الملاكات والمصالح كما لا يخفى.

اختياريا للجاعل فكيف يمكن دخل الدلوك في الوجوب للخصوصية الذاتية أو الحيازة في قولنا من حاز ملك في الملكية وبعد الفراغ عن ذلك فلا بد من الالتزام بكونها مجعولة يعني جعل الملكية أو الوجوب المعلق على الحيازة في الاول والدلوك في الثاني لا بجعل آخر يغاير ذلك وعليه كما يمكن أن يكون مورد الجعل الوجوب وتكون الملازمة ملحوظة تبعا لذلك يمكن أن يكون مورد الجعل نفس الملازمة بلحاظ معناه الاسمي فيكون النظر الى الملازمة استقلاليا والى الوجوب تبعيا.

وبالجملة الوجوب أو الملكية تارة تكون مجعولة مستقلا وأخرى تبعا فان لوحظت مستقلة فهي مجعولة استقلالا وإن لوحظت تبعا فهي مجعولة تبعا وبذلك تكون السببية قابلة للجعل التبعي والاستقلالي وإلى ذلك يرجع ما ذكره الاستاذ (قده) في الكفاية من تقي كون السببية مجعولة ، فان غرضه من ذلك تفي السببية بمعنى المؤثرية التي هي السببية الحقيقية بمعني ترتب عليه الحكم الوضعي أو التكليفي في اناطة الحكم الوضعي أو التكليفي في الخطابات الشرعية كالدلوك والعقد والاستطاعة دون السببية المنتزعة عنها من اناطة الحكم الوضعي أو التكليفي بها في الخطابات الشرعية فانما هي ادعائية لا حقيقية (١).

__________________

(١) لا يخفى ان المحقق الخراساني (قدس‌سره) قال في الشرطية والمانعية والسببية أنها أمور انتزاعية من نفس ما هو الشرط أو السبب أو المانع لخصوصية تكوينية في تلك الذوات بها تؤثر في وجود الحكم التكليفي أو الوضعي ومنشأ انتزاع تلك المفاهيم تلك الخصوصية التكوينية الموجودة فيها فليس في المجعولات في عالم الاعتبار التشريعي مجعول مستقل بدون الخصوصية مع عدمها لا توجد السببية أو الشرطية أو المانعية للتكليف أو الوضع ولو اعتبرها المعتبر الف مرة ومع وجود تلك

وأما شرطية الواجب فقد يقال بأن حالها حال الجزئية وأنه اذا تصور الامر متعلق طلبه جعله مقيدا بوجود شيء على أن يكون القيد خارجا والتقييد داخل ومتعلق طلبة ينتزع بعد الطلب المتعلق بالذات ونستفيد من ذلك القيد الشرطية.

كما أن الامر في المانع كذلك وأنه ينتزع المانعية عن تعلق الطلب بشيء مع تقييده بعدم وجود شيء فانه ينتزع من عدم وجود ذلك الشيء المانعية للواجب كما هو الحال في الجزئية فتكون الشرطية كالجزئية من حيث كونها من الامور الانتزاعية المتأخرة عن رتبة الامر المتعلق بالمقيد بوجود الشيء أو عدمه من غير فرق بينهما.

ولكن لا يخفى أنه فرق بين الجزئية والشرطية إذ الجزئية انما تتحقق بعد طرو الوحدة الحاصلة من تعلق التكليف فيكون التكليف حقيقيا اضافته إلى الواجب بحيث لولاه لما تحقق منشأ اعتبار أصل الجزئية للواجب بخلاف الشرطية فانها متحققة قبل الامر فليست منتزعة من الامر بالمتعلق بحيث يكون المصحح لانتزاعها هو الامر بالمقيد كما هو كذلك فى الجزئية وانما الشرطية أمر ينتزع ويعتبر قبل الامر بالشيء لانها

__________________

فقهرا ينتزع تلك المفاهيم سواء اعتبرها معتبر أم لا وعليه لا يمكن جعل هذه الامور بالجعل التشريعي اذ يلزم أن يكون من قبيل تحصيل ما هو حاصل تكوينا ووجدانا بالتعبد بل لا يمكن جعل هذه الامور تكوينا بالذات وقد تكون مجعولا قهرا وبالعرض بمعنى أنه يتعلق الجعل أولا وبالذات بنفس ذات الشرط والسبب والمانع الموجود فيها الخصوصية فيكون شرطيتها وسببيتها ومانعيتها مجعولة قهرا أو عرضا ولكن لا يخفى أن ما ذكره (قدس‌سره) صحيح من باب العلل التكوينية لا بالنسبة

عبارة عن نقيد الشيء بقيد على أن يكون القيد خارجا والتقيد داخلا كالصلاة بالنسبة الى الطهارة.

وعليه لا بد أن يكون التقييد متحققا قبل الأمر غاية الامر أنه قبل الامر كان قيدا للصلاة وبعد الامر صار قيدا للواجب بمعنى أن واقع التقييد كان متحققا قبل الامر.

إذ من الواضح أنه لو لم يكن قبل الامر متحققا لم يمكن تعلق الامر به اذ المجعول والحكم لا يمكن أن يكون محققا لموضوعه الذي

__________________

إلى باب الشرعيات حيث أن ترتب الحكم على موضوعه فيها ليس من قبيل ترتب المعلول على علته التكوينية لأن الحكم وضعيا كان أو تكليفيا ليس موضوعه في عالم الاعتبار من علل وجوده ، وانما سمى سببا لكون ترتب الحكم على موضوعه كترتب المعلول عليه في عدم تخلفه وجودا أو عدما والى ذلك أشار الاستاذ المحقق النائيني (قدس‌سره) أنه وقع الخلط بين علل الاحكام وموضوعات الاحكام فتوهم ان موضوعات الاحكام هي علل الاحكام ولكن يفرق بينهما حيث إن علل الاحكام لا بد أن تكون بنحو التأثير والتأثر وليست صالحة للجعل بخلاف موضوعات الاحكام فانها لا تأثير ولا تأثر بينهما ..

ولكن موضوعية الموضوع بقيوده المأخوذة فيه وجودية كانت أو عدمية للحكم وضعية كانت أو تكليفيا تكون بجعل شرعي ولازم ذلك أن يكون جاعل الحكم ملاحظ الجهة المرجحة لما جعلها موضوعا لحكمه فعليه هذا الجعل يستتبع مجعولية سببية للعقد الموضوع للنقل والانتقال وذلك يستتبع مجعولية الشرطية والمانعية وغيرهما مثل هذه الأحكام الوضعية كالسببية والمانعية والشرطية والجزئية من الاحكام الوضعية المجعولات بالتتبع فافهم وتأمل.

هو بمنزلة علته وعليه لا تكون الشرطية من الامور الانتزاعية بعد الامر إذ الشرطية كالزمان والمكان بالنسبة إلى اضافتها الى الواجب بحسب الرتبة بعد الأمر ولكن ذاتها كانت متحققة قبله فليست الشرطية للواجب بما هو واقع الشرطية منتزعة عن التكليف وانما هي من الامور الواقعية غير المنتزعة فليست مجعولة بالجعل التشريعي.

وبعبارة أخرى أن الجزئية صفة لا تتصف ذات الجزء إلا بعد تعلق أمر واحد بمجموع مركب منه ومن غيره وإلا مع قطع النظر عن تعلق ذلك الامر لا تعتبر جزئية للواجب في البين أصلا بخلاف الشرط والمانع للواجب فانهما أمران واقعيان في الرتبة السابقة على الامر وان كان اضافة الشرطية والمانعية للواجب متأخرة عن وجود الواجب.

ولكن طرف هذه الاضافة الذي هو الشرط والمانع يكون في الرتبة السابقة على الوجوب وبالجملة أن الشرطية عبارة أخرى عن التقييد عبارة عن الاضافة الخاصة الثابتة للشيء بالنسبة الى غيره (١) والغرض

__________________

(١) وحاصله أنه فرق بين الجزئية للواجب وبين الشرطية له ففي الأول أنه لا واقع للجزئية الا بعد تحقق جهة الوحدة الحاصلة من تعلق الامر بالمركب إذ لو لا تحقق جهة الوحدة الطارئة لا معنى للجزئية بخلاف الشرطية والمانعية للواجب فأنهما أمران واقعيان منشأهما نفس الخصوصية التكوينية الموجودة في ذاتهما فليسا من الأحكام الوضعية الموجودة في عالم الاعتبار.

ولكن لا يخفى أن معنى كون الشرط أو المانع للواجب هو أن الشارع جعل الوجوب للمركب مقيدا بوجود الشيء على نحو يكون التقيد له دخل في الوجوب دون القيد.

كونه مما تعلق به الامر فلا بد وأن يكون ثابتا قبل الامر ثبوت الموضوع قبل حكمه كما لا يخفى.

ثم أن الكلام في المانعية والقاطعية هو الكلام في الشرطية فانهما يلاحظان بالنسبة إلى الوجوب وقد يلاحظان بالنسبة الى الواجب فحكمهما حكم الشرطية بالنسبة اليه.

وأما السببية فهي عبارة عما كان ملحوظا بالنسبة الى الحكم التكليفي كسببية الدلوك لوجوب الصلاة وأخرى تلاحظ بالنسبة إلى الحكم الوضعي كسببية البيع للملكية.

أما الأولى فهي عبارة عما يوجب ثبوت ملاك التكليف وكانت مقتضية للتحقق مصلحة توجب التكليف فهي بهذا المعنى لا تكون قابلية للجعل بل أمر ثابت في الشيء علة لاحداث ملاك التكليف فيما يتعلق به.

وأما الثانية فهي من الامور الجعلية الوضعية من قبل الشارع ولو إمضاء أو انها كانت كاشفة عما هو الواقع أو لا.

__________________

ومن الواضح ان نفس التقيد بالوجود أو العدم لا بد أن يكون له دخل في خصوصية الغرض أو الملاك الموجب لحصول المصلحة المترتبة على وجود الواجب ترتبا تكوينيا.

وأما شرطية الشرط ومانعية المانع انما هما أمران اعتباريان مجعولان بجعل الوجوب كما ان ذات الجزء كذلك له دخل في الغرض أو الملاك دخلا ترتيبيا إلّا أن جزئية الجزء أمر اعتباري مجعول بجعل الوجوب وبالجملة دخل الشرط والمانع والجزء في الملاك والفرض على أمر تكويني على نحو واحد كما أن اعتبارها وجعلها من ناحية الشارع مجعولات ، اعتبارية على نحو واحد لا يفرق بين الجميع من الحيثيتين كما لا يخفى

وأما الصحة والفساد فقد ذكرنا في مبحث الصحيح عبارة عن تمامية الشيء بلحاظ الجهة المرغوبة منه ويقابلها الفساد تقابل العدم والملكة ففساد الشيء عبارة عن عدم تماميته بلحاظ الاثر المرغوب فيه. وحيث أن الجهة المرغوبة من الشيء تختلف باختلاف الاغراض فالشىء الواحد يختلف صحة وفسادا باختلاف الآثار والاغراض فيكون الشيء الواحد صحيحا بلحاظ أثر وفساد بلحاظ أثر آخر.

وعليه تختلف صحة الشيء الواحد وفساده بلحاظ الجهة المرغوبة منه فيكون الحكم بانتزاعية الصحة وواقعيتها من ملاحظة تلك الجهة التي أريد تمامية الشيء بالاضافة اليها فان كانت تلك الجهة من الامور الواقعية كالملاك والمصلحة تكون التمامية والصحة واقعية لأن كون الشيء مما يترتب عليه الملاك والمصلحة أمر واقعي لا مجعول شرعي ولا منتزع من أمر مجعول.

وهكذا لو كانت الصحة بمعنى المسقطية للقضاء والاعادة التي هي تلازم الاجزاء لا عينه لأن تلك الجهة تكون موجبة للوفاء بالغرض تتكون الصحة والتمامية من الامور الواقعية.

وأما الصحة في المعاملات فهي من الامور المجعولة من التكليف أو الوضع لأنها منتزعة من تلك الجهة فانتزاعية الصحة وواقعيتها تابعة لجعلية الجهة التي لوحظ تمامية الشيء بالاضافة إليها وعليه لا مجال لدعوى انتزاعيتها من المجعول الشرعي مطلقا ولا للمنع من انتزاعيتها كذلك.

نعم لا تكون الصحة من الامور المتأصلة بالجعل تأسيسا بل هي أما واقعية محضة كالصحة بلحاظ الوفاء بالغرض أو المسقطية الاعادة والقضاء ، وأما منتزعه من مجعول شرعي كالصحة من أبواب المعاملات

من العقود والايقاعات.

وأما الطهارة والنجاسة فلا يبعد جعلها من الامور الواقعية كما أفاده الشيخ الانصاري حيث انه قال انها كالنظافة والقذارة العرفية المحسوسة وهي امور واقعية التي يدركها العرف والعقل.

نعم بالنسبة إلى بعض النجاسات كالخمر والكافر ونحوهما كونها من الامور الواقعية الخارجية التي كشف عنها الشارع محل اشكال بل هي من الاعتبارات الجعلية الراجعة الى نحو ادعاء منه بنجاسة ما يراه العرف طاهرا كما يشاهد نظيره في العرف حيث يرى عندهم بعض المصاديق الادعائية للطهارة والنجاسة كاستقذارهم من أيدي غسال الموتى ومن شغله تنظيف البالوعة واخراج الغائط منها وإباء طبعهم من المؤاكلة مع هؤلاء وكمثل الفلاح المستعمل للفواكه ولو كانت أيديهم من جهة استعمال الفواكه من الوسخ ما بلغ.

ومن الواضح أن ذلك لا يكون إلا من جهة ادعائهم للقذارة في الأول الموجب لترتيبهم آثار القذارة الخارجية عليه وعدم اعتبارهم اياها في الثاني وعليه يكون من هذا القبيل ما حكم الشارع به من نجاسة الخمر والكافر حيث حكم بنجاسة ما لا يراه العرف قذرا فيكون المصحح له هو الادعاء بحيث لو يراه العرف أيضا مما يترتب عليه آثار قذارتهم من دون أن يكون المناط هو عين الطهارة والنجاسة الشرعية كي تكون من الامور الواقعية التي كشف الشارع عنها وبالجملة فرق بين كون الشيء طاهرا أو قذرا خارجيا وبين كونه طاهرا أو قذرا ادعائيا وعليه لا وجه لجعلهما يقول مطلق من الامور الواقعية.

نعم على أي تقدير لا تكون من الاحكام الوضعية لكي يتأتى النزاع في كونهما مجعولة أو منتزعة من التكليف اذ هما اما من الامور

الواقعية وأما في الامور الادعائية فعلى الأول لا تكون من الامور الوضعية لعدم ربطها بالجعل وعلى الثاني وان كانتا مجعولة ولكن بالجعل بمعنى الادعاء لا الجعل الحقيقي :

وأما الرخصة والعزيمة فقد عدهما بعض من الاحكام الوضعية ولكن ذلك محل منع اذ الرخصة والعزيمة عبارة عن السقوط على وجه التسهيل وهما من الاحكام التكليفية لا الوضعية.

وأما الملكية والحرية والرقية والزوجية والولاية (١) وغير ذلك

__________________

(١) لا يخفى أن الولاية والامامة والنبوة كل واحد منها على نحوين تكوينية وتشريعية الأولى هي بلوغ النفس للعلم والعمل بوساطة موهبة الالهية لاستعداده الذاتي وحسن ذاتها وبلوغها لأعلى مراتب الكمال بنحو يكون يده التي تبطش بهما وسمعه التي يسمع به وبصره الذي يبصر به وهذه المرتبة هي التي قرنها الله تعالى في كتابه العزيز بولايته وولاية رسوله «إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ».

وبهذه الولاية يكون الولي منصرفا في جميع الاكوان في سمائه وأرضه فبإذنه يبرئ الأكمه والارض ويحيي الموتى ويشق القمر ويجعله نصفين. وهكذا الامر في الخلافة والامامة فهو النحو من مرتبة الولاية من الامور تكوينية.

وأما التشريعية هي الولاية الاعتبارية وتنقسم الى ولاية عامة ولاية السلطان العادل الى النبي (ص) والأئمة (ع) وإلى ولاية خاصة كولاية الحاكم الشرعي على الحسبيات على قول وقول له الولاية العامة وقول ليس له الولاية الا القضاء والافتاء وكيف كان فالولاية بهذا المعنى من الامور الاعتبارية المتأصلة في الجعل كما لا يخفى.

من الاضافات الاعتبارية وهو بنحو اضافة بين المالك والمملوك في الملكية مثلا فلا اشكال في أنه اذا جوز الشارع لأحد التصرف في مال وحرم على آخر فيوجب ذلك نحو اضافة لهذا المال الى هذا الشخص المجاز له التصرف وليت تلك الاضافة لغيره كما أنه لا اشكال في أن تلك ليست جعلية بل هي من الامور المنتزعة من التكليف وانما الاشكال والكلام في أنه هل كان هناك اضافة اختصاص في الرتبة السابقة عن التكليف مجعولة بسبب آخر غيره أو ليست هناك اضافات أخرى غير ما ينتزع من التكليف فنقول ان الكلام في أنه يستفاد من نفس دليل التكليف بثبوت اضافة الملكية في المرتبة السابقة من هذا التكليف فان لسان دليل التكليف انه لا يجوز لأحد التصرف في مال غيره وانه يجوز لكل أحد التصرف في ماله كما هو مفاد دليل السلطنة فموضوع التكليف هو مال المضاف الى الغير فلا بد وأن يكون اضافة المال إلى الغير ثابتة في الرتبة السابقة على هذا التكليف بداهة تقدم الموضوع على حكمه ولا نعني بالملكية إلا هذه فلا بد وأن تكون في الرتبة السابقة على هذا التكليف وحيث نقول بثبوتها في المرتبة السابقة فاما أن تكون بتكليف آخر فيلزم اجتماع المثلين على شيء واحد وأما أن يكون بجعل ابتدائي للملكية كقوله من جاز ملك مثلا يثبت كونها من الامور الوضعية الجعلية وحيث ان الاول بديهي البطلان فيتعين الثاني وبما ذكرناه ظهر فساد ما قيل في باب وضع الالفاظ من عدم الالتزام بالجعل من الواضع لكل معنى خاص بل انما يثبت الوضع بتعهد منه وارادته الكلية بأنه كلما أراد تفهيم معنى خاص أطلق لفظ كذا.

ثم بعد اظهار هذا العهد كلما أراد بارادة جزئية تفهم المعنى يحصل التفهم بنفس اطلاق اللفظ فيه أو من المستعملين المتابعين ووجه

الفساد أن من الواضح ان الواضع حين ارادته تفهيم المعنى بارادة جزئية لا يكون مريدا للفظ بما هو لفظ وبعنوان الموضوعية بل انما أراد اللفظ بعنوان أنه مرآة وحاك بحيث يكون فانيا في المعنى فيلزم أن يكون المعنى مرادا بنفس تلك الارادة حتى إرادة كونه مفهما فنقل الكلام في تلك الارادة فأما يتسلسل أو ينتهي إلى جعل الوضع الأول ولا اشكال في تعين الثاني لبطلان التسلسل فيتعين الاول وعليه فتكون الهوهوية الحاصلة من كشف اللفظ للمعنى الذي ادعيت في باب وضع الالفاظ فانها أمر واقعي تكويني لا توجد بصرف الجعل والاعتبار الادعائي أي لا تكون الهوهوية المجعولة بين اللفظ والمعنى هو هوية حقيقية مصداقا حقيقيا لمفهوم الهوية بنحو يحمل عليه ذلك المفهوم بالحمل الشائع الصناعي بل يكون فردا ادعائيا لذلك المفهوم وليست من الامور الاعتبارية التي يكون وجوده حقيقة في عالم الاعتبار وانما يكون وجوده تنزيليا ادعائيا وفرق بين الامور الاعتبارية وبين الامور التنزيلية الادعائية بيان ذلك ان الموجودات الاعتبارية التي لا وعاء لها إلا وعاء الاعتبار ويكون تكوينها عين تشريعها وبعد جعلها واعتبارها ممن بيده الاعتبار سواء كان بيد الشارع أو العرف والعقلاء أو شخص واحد كان بيده الاعتبار وبمعنى أن العرف والعقلاء يعتنون باعتباره ويرتبون عليه الاثر يكون موجودا في عالم الاعتبار حقيقة ويكون حال وجودها حال الموجودات الواقعية الخارجية من غير فرق بينهما إلا ان وعاء وجودات الاعتبارية عالم الاعتبار ووعاء عالم الخارجيات عالم الخارج وذلك كاغلب الامور الاعتبارية كالزوجية والملكية والرقية والولاية بمعناها الاعتباري الى غير ذلك من الامور الاعتبارية بخلاف وجودات الادعائية والتنزيلات نفيا كقوله لا شك لكثير الشك وقوله (ع) لا صلاة الجار المسجد

إلا في المسجد وقوله (ع) الطواف في البيت صلاة والمطلقة رجعية زوجة الى غير ذلك أما القسم الاول فالمجعول مصداق حقيقي في عالم الاعتبار يحمل المفهوم عليه بالحمل الشائع حقيقة فالعقد الصحيح الجامع للشرائط والفاقد للموانع على المرأة المعلومة للرجل المعلوم انما هو حقيقة الزوجية له.

وكذلك بعد انتقال المال بأحد أسباب المعاوضات الصحيحة أو الارث أو الحيازة فذلك حقيقة ملكها وهكذا الولاية والقضاء وغيرها من الامور الاعتبارية ودعوى أنها منتزعة من التكليف الشرعي كما يظهر من الشيخ (قده) ممنوعة لمخالفتها للوجدان على أنه لا يتم بالنسبة إلى كون الحيازة سببا للملك بنحو يتحقق فيه التكليف الا بتمحل مضافا إلى أن هذه الاضافة أي اضافة الملكية انما تنشأ وتحصل بجعلها واعتبارها قيل تعلق التكليف مثلا حرمة التصرف في مال الغير دون اذنه نفس المالية تكون موضوعا للحرمة فتكون معتبرة ومتحققة في عالم الاعتبار قبل تعلق الحرمة فكيف تكون هذه الاضافة السابقة على الجعل منتزعة من الامر المتأخر ولو لا ذلك لزم اما أن ينتزع من نفس ذلك التكليف الذى قد عرفت أنه أمر غير معقول أو تكون ناشئة من تكليف آخر فيلزم اجتماع المثلين وهو أيضا غير معقول.

وبالجملة لا مجال لانكار الجعلية بالنسبة إلى هذه الاضافات كالملكية والزوجية والرقية وغيرها بعد كونها مما اعتبرها العرف والعقلاء كما في القضاء والولاية فانهما من الاعتبارات المتأصلة بالجعل كالملكية وليستا منتزعتين من التكليف ولا من الامور الواقعية.

وأما النبوة والامامة الثابتة لبعض الاشخاص لاجل ما له من خصوصية كمال النفس فليست من الامور المجعولة فلا تقاس بالولاية

والقصاء لوضوح الفرق بينهما إذ تلك ليست من الامور المجعولة والقضاء والولاية من الامور المجعولة.

وأما الوكالة والنيابة فانهما أيضا من الاعتبارات العرفية الجعلية التي يقصد بها التوصل اليها بانشائه المخصوص فان مرجعهما إلى جعل ولاية للغير على مال أو نفس نعم ربما يقال أن النيابة ليست من الأحكام الوضعية وانما تكون من الحقائق الادعائية والوجودات التنزيلية بنحو ينزل النائب نفسه منزلة المنوب عنه بادعاء كونه هو هو بالنسبة إلى ما يصدر عنه من الامور الراجعة الى المنوب عنه.

وبهذا المعنى تختلف الولاية عن الوكالة حيث إن مرجعها إلى جعل الغير بما هو غير ولي سلطانا على التصرف في مال الموكل فلذا لا يحتاج الوكيل في ايقاع العمل للموكل فيه من قصد وقوعه عن موكله بل هو بعد تحقق وكالته يستقل في ايقاع العمل الموكل فيه من غير فرق بين كونه عقدا أو ايقاعا لظهور الفرق الواضح بين جعل الغير بما هو عير ولي سلطانا على العمل الموكل فيه وبين جعل النائب منزلة المنوب عنه بادعاء كونه هو هو.

ومن المعلوم ان ذلك غير مرتبط بالأحكام الوضعية والاعتبارات الجعلية إذ مرجع الجعل فيها إلى ايجاد حقيقتها بنحو ينطبق المفهوم عليها انطباقا حقيقيا وتكون مصداقا حقيقيا لذلك المفهوم ويحمل عليه المفهوم بالحمل الشائع الصناعي بخلاف باب الادعاء والتنزيل فيها فانه يكون متحققا بالجعل والانشاء ولكن مجرد ذلك لا يوجب كونها من الأحكام الوضعية.

وأما القسم الثاني وإن كان مجعولا شرعيا لكنه لا يوجد للمفهوم فرد حقيقي في عالم الاعتبار بل يوجد فردا ادعائي فالطواف بعد

جعله في عالم التشريع بمنزلة الصلاة يصير فردا ادعائيا للصلاة لا فردا حقيقيا ولو في عالم الاعتبار لان الصلاة أمر واقعي خارجي والطواف كذلك لا ينقلب عما هو عليه حتى يصير فردا حقيقيا للصلاة لكي يحمل الصلاة عليها بالحمل الشائع بل الطواف هو فرد دعائي بلحاظ الأثر.

وأما الحجية بمعنى المعذرية والمنجزية فهي منتزعة من الكاشفية بنحو تتميم الكشف بلا اعتبار جهة زائدة بناء على كفايته في تمييز الواقع وبما يستتبعه من الحكم الطريقي على ما هو المختار ودعوى المحقق الخراساني (قده) بكونها مجعولة بنفسها لا منتزعة من أمر مجعول نظير الملكية ونحوهما من منشآت العقود والايقاعات ممنوعة اذ الحجية ليست إلا اعتبار عن كون العبد معذورا أو محلا لاستحقاق العقوبة على المخالفة ومن الواضح أن هذا المعنى نظير السببية الحقيقية أمر ذاتي للشيء لرجوعه حقيقية إلى الملازمة لكشف الواقع واستحقاق العقوبة على المخالفة.

وأما الحجية بمعنى الوسطية وهو الطريقية والكاشفية والوسط في الاثبات في غير القطع لا يعقل أن تكون من المجعولات التشريعية وانما هي مجعولات تكويني.

وأما في غيره فهي من المجعولات تكوينيا بالعرض إذ الحجية والطريقية انما هي ادعائية وليست من الأمور الاعتبارية التي توجد في عالم الاعتبار حقيقة إذ الطريقية أمر تكويني لا يوجد بصرف الاعتبار إلا ادّعاءً فالامارات ليست مصاديق حقيقة للكشف والطرق بل هي مصاديق ادعائية أيضا.

ومن هذا القبيل الهوهوية التي ادعيناها في باب وضع الألفاظ

فانها أمر واقعي تكويني لا توجد بصرف الجعل والاعتبار إلا ادّعاءً.

وبعد الفراغ عن تحقيق القول في الأحكام الوضعية فنقول لا يمكن جريان الاستصحاب فيها إلا بالنسبة إلى ما يكون منها جعليا ابتدائيا وأما ما لا يكون منها جعليا بل كانت من الأمور الاعتبارية الانتزاعية كالجزئية مثلا فلا يجري فيها الاستصحاب إلا بجريانه بالنسب إلى منشأ انتزاعها لأنه لا يمكن جعل الجزئية ولا رفعها ابتداء وانما يمكن الوضع والرفع بالنسبة إلى منشأها.

وأما ما يكون منها من الأمور الواقعية فحالها حال سائر الامور التكوينية والموضوعات الخارجية فيدور جريان الاستصحاب فيها مدار يكون لها أثر شرعي عملي أم لا يكون لها ذلك كما لا يخفى هذا تمام الكلام في المسألة وتمييز ما هو الحق من الأقوال.

تنبيهات الاستصحاب

ينبغي التنبيه على امر النية

التنبيه الأول يعتبر في الاستصحاب فعلية الشك واليقين وعدم كفاية الوجود التقديري لهما مثلا : لو تيقن المكلف الحدث في زمان معين ثم غفل وصلى فان علم بعدم حصول الطهارة له فلا اشكال في بطلان الصلاة.

وأما لو احتمل حصولها فتارة تستمر غفلته إلى أن يفرغ من الصلاة ثم يشك بعدها انه تطهر قبلها والظاهر الحكم بالصحة لحكومة قاعدة الفراغ على الاستصحاب الحدث الفعلي.

وأخرى يحدث له الشك في الطهارة حال الصلاة والظاهر البطلان لان الشك لمّا حدث قبل الصلاة كان محكوما في زمان حدوثه بأنه محدث فتكون صلاته بالحدث الاستصحابي فتبطل ولا مجال لقاعدة الشك بعد الفراغ إذ موردها حدوث الشك بعد الفراغ فلا تشمل صورة حدوثه قبله كما في المقام.

ولكن لا يخفى أن الحكم بالصحة في الأولى والبطلان في الثانية ليس مبنيا على اعتبار الشك الفعلي في الاستصحاب لأنه لو بنى على كفاية الشك التقديري لا يمكن الحكم بالبطلان في الصورة الأولى لقاعدة الفراغ كما انه لو بني على اعتبار الشك الفعلي يمكن القول بالبطلان في الصورة الثانية لحصول الشك الفعلي بعد الفراغ وهو كاف في اثبات الحدث ظاهرا في حال الصلاة فيثبت البطلان لو لا قاعدة الشك بعد الفراغ.

والظاهر ان الصحة والبطلان مبنيان على جريان قاعدة الفراغ وعدمه فان جرت فيهما فالحكم بالصحة وان لم تجر فيهما فالحكم

بالبطلان وان جرت في أحدهما دون الآخر فالحكم بالتفصيل.

والظاهر أن قوام الاستصحاب اليقين بثبوت المستصحب سابقا والشك في بقاءه لاحقا وانما الكلام في أن اعتبار اليقين السابق من جهة كونه قوام حقيقة الاستصحاب أو من جهة كونه مما به قوام تطبيقه على المورد وحيث قلنا سابقا من أن أخذ اليقين بما هو طريق لا بما هو صفة خاصة لكي يكون قوام حقيقته ملازمه أن يكون في مكان التطبيق وقد تقدم تفصيل ذلك.

التنبيه الثاني :

لا اشكال في جريان الاستصحاب فيما لو شك في بقاء اليقين الوجداني وأما لو شك في بقاء اليقين المحرز بالأدلة الظنية مثلا لو قامت أمارة على ثبوت حكم في زمان فانه لا اشكال في أن مقتضى دليل الحجية وجوب العمل على طبق تلك الامارة في زمان قيامها عليه.

وأما لو شك في الحكم بعد ذلك الزمان فيثبت الحكم فيما لم تكن متعرضة الا لمجرد الثبوت فلم تكن هي المرجع من غير اشكال وانما الكلام في جواز الرجوع إلى الاستصحاب ليثبت بقاء ذلك الحكم قيل بعدم جواز الرجوع اليه لعدم اقتضاء الامارة ثبوت مؤداها حتى يكون الشك في بقائه بل انما تقتضي احتمال الثبوت لعدم تحقق اليقين بالثبوت لكي يكون شكا في البقاء فلا يجري الاستصحاب لاختلال ركنيه.

وقد أجاب الاستاذ (قده) بما لفظه (ان الحكم الواقعى الذي هو مؤدى الطريق حينئذ محكوم بالبقاء فتكون الحجة على بقائه تعبدا للملازمة بيته وبين ثبوته واقعا).

توضيحه ان الموضوع في الاستصحاب انما هو مطلق الشك ولو كان تقديرا بمعنى البقاء على تقدير الثبوت وليس موضوعها خصوص الشك في البقاء الفعلي لكي يتوقف على اليقين بالثبوت فتكون أدلة الاستصحاب بجعل الملازمة بين ثبوت الشيء وبقائه.

ولو علم بعدم الثبوت إذ صدق الشرطية لا يتوقف على صدق طرفيها فاذا قامت الامارة على الثبوت كانت حجة عليه وعلى البقاء وذلك بالاستصحاب إذ الدليل على أحد المتلازمين دليل عن الآخر فيكون المقام من قبيل ما لو قامت الامارة على نجاسة شيء فانها تكون حجة على نجاسة ملاقيه لثبوت الملازمة بين نجاسة الشيء ونجاسة ملاقيه غاية الأمر أن الملازمة في المثال واقعية وفي المقام ظاهرية.

ولكن لا يخفى أن جريان الاستصحاب يتم على ما سلكه (قده) في باب الطرق والامارات من أن المجعول فيها هو الحجية كما أن ما أفاده في الجواب عن الاشكال يتم بناء على كفاية الشك في البقاء على تقدير الثبوت فانه يصح الاستصحاب ويجري من غير حاجة إلى احراز المستصحب يكون الاستصحاب يثبت البقاء التعبدي للشيء على تقدير ثبوته لرجوعه إلى جعل الملازمة الظاهرية بين ثبوت الشيء وبقائه.

ولكن الحق ما عرفت منا في أدلة الطرق والامارات من انها بنحو تتميم الكشف واثبات احراز التعبدي للواقع لا بنحو تنزيل المؤدى ولا جعل الحجية فلا مانع من استصحاب الأحكام التي قامت الامارات على ثبوتها من غير فرق بين أن يكون اليقين في لا تنقض اليقين ملحوظا بنحو المرآتية أو العنوانية.

حيث أن دليل الامارة متكفل لاثبات العلم والاحراز بنحو يوسع دائرة اليقين في لا تنقض اليقين وبذلك يجري الاستصحاب في مؤديات

الامارات حيث تكون مؤدياتها محرزة بالاحراز التعبدي.

وبذلك تتم حكومتها عند قيامها على بقاء الحالة السابقة أو ارتفاعها من غير حاجة الى جعل اليقين في لا تنقض كفاية عن مطلق الاحراز لكي تكون الامارة مقدمة عليه بنحو الورود لا الحكومة ولا يحتاج إلى دعوى كفاية الشك في البقاء على تقدير الثبوت في صحة الاستصحاب وقد أورد بعض الأعاظم على ما قرره الاستاذ (قده) بوجهين :

الأول فلأن المجعول في الطرق والامارات هو الحجية المستتبعة لتنجيز الواقع لا الاحراز والوسطية محل نظر حيث انه يمتنع جعل التنجيز والمعذرية.

أما التنجيز فانه يدور مدار وصول التكليف بالحكم إلى المكلف ولو بالطريق فلو لم يصل بنفسه أو بطريقة لا يكون منجزا لكي يكون معذرا فالتنجيز والمعذرية لا يقبلان الجعل لكونهما من اللوازم العقلية.

الثاني مما ذكره من جريان الاستصحاب في مؤديات الطرق والامارات يكفي فيه الشك في البقاء على تقدير الحدوث محل نظر لان ذلك لا يرفع الاشكال حيث ان حقيقة الاستصحاب وان كان هو التعبد في البقاء إلّا أن التعبد انما هو ببقاء ما ثبت عند الشك فيه.

ولا معنى للتعبد في البقاء على تقدير الحدوث إلا بدعوى الملازمة والملازمة كالسببية مما لا تنالها يد الجعل الشرعي فصحة الاستصحاب يتوقف على احراز الحدوث ليصح التعبد ببقاء الحادث عند الشك في بقائه ولا معنى للتعبد بالبقاء في ما شك في حدوثه.

ولكن لا يخفى أن ذلك انما يتم لو كان المقصود بالتبعية التنجيز والمعذرية إلى وصول التكليف وعدمه ولا اشكال عدم قابليتهما لوقوعهما

تحت الجعل ولكن ذلك لا يقصده الاستاذ (قده) وانما غرضه ان الحجية (١) كالملكية من الاعتبارات الجعلية التي تتبع جعل سببها عقلا وبذلك يجري الاستصحاب في مؤديات الامارات حيث تكون مؤدياتها محرزة بالاحراز التعبدي وبذلك تتم حكومتها عند قيامها على بقاء الحالة

__________________

(١) لا يخفى أن اشكال المحقق الخراساني (قده) مبني على كون المجعول في الامارات التنجيز عند المصادفة والعذر عند المخالفة فلذا يشكل جريان الاستصحاب فيما إذا كان المستصحب ثابتا في الامارات في الاصول إذ قيام الامارة أو الأصل على ثبوت شيء لا يوجب اليقين به لا وجدانا ولا تعبديا بل لا يتحقق شك في مورده بداهة أن الشك في البقاء فرع اليقين في الحدوث ومع فرض أنه لا يقين في الحدوث لا يتحقق شك في البقاء.

وعلى ذلك أجاب المحقق الخراساني (قده) بصحة جريانه وتحقق الشك في بقائه على تقدير حدوثه وبذلك تتحقق حقيقة الاستصحاب الذي هو جعل الملازمة بين ثبوت شيء وبقائه إلا أن ما ذكره (قده) محل نظر إذ أريد من الملازمة الملازمة بين الحدوث والبقاء الواقعية بمعنى أنه يكون ثبوت الشيء ملازما لبقائه واقعا فهو ممنوع أشد المنع إذ هو مخالف للوجدان على أن بقاء المشكوك يكون حينئذ مستندا إلى نقس الامارة لا إلى الاستصحاب حيث ان الاستصحاب بناء على ما ذكره انما يثبت تحقق الملازمة بين الحدوث ولا يكون متكفلا باثبات المشكوك بقائه.

كما أن الأدلة التي قامت على الملازمة بين القصر والافطار في السفر بقوله اذا قصرت افطرت واذا أفطرت قصرت) فان هذا الدليل لا يدل على وجوب الافطار وانما الدليل الذي تكفل به دل

السابقة أو ارتفاعها من غير حاجة إلى جعل اليقين في لا تنقض كتابه عن مطلق الاحراز لكي تكون الامارة مقدمة عليه بنحو الورود لا الحكومة ولا يحتاج إلى دعوى كفاية الشك في البقاء على تقدير الثبوت في صحة الاستصحاب.

__________________

على وجوب القصر على من قصر ثمانية فراسخ وان أريد من الملازمة الظاهرية فلازمه الالتزام بعدم جريان البراءة بالاضافة الى المشكوك البدوى في مورد انحلال العلم الاجمالي.

كما لو علمنا اجمالا بوجود محرمات يجب الاجتناب عن كل ما احتمل كونها منها ثم قام دليل على تعين مقدار ما علم منها فينحل العلم الاجمالي فيؤخذ بما قام الدليل على كونه محرما وتجرى البراءة في الباقي مع أنه مقتضاه استفادة الملازمة الظاهرية بدليل الاستصحاب هو جريان الاستصحاب فيما شك في كونه منها مع أنه لا يلتزم به.

والتحقيق أن أصل المبني باطل إذ الظاهر أن المجعول في باب الطرق والامارات هو الاحراز والطريقية كما ذكرنا ذلك في باب الامارات وحاصله ان الشارع جعل الامارة محرزة للواقع ونزله الامارة منزلة العلم بنحو يجعل له فردين وجدانيا وتعبديا وعليه يترتب على الشيء آثاره الواقعية عند قيام الامارة عليه.

كما يترتب عليه عند العلم الوجداني وعليه يكون المكلف عند قيام الامارة محرزا للواقع غاية الأمر يكون احرازه تعبديا ويكون من مصاديق اليقين في لا تنقض اليقين بالشك حيث أنه لم يعتبر فيه صفة اليقين وانما اعتبر فيه كونه كاشفا عن الواقع فالمضي على طبق اليقين بنحو الكاشفية عن الواقع بنحو الحقيقة.

ولذا صح قيام الامارة مقام اليقين وان أردت توضيح ما ذكرناه

ودعوى أنه لا مانع من جريان الاستصحاب بناء على استفادة جعل الحجية من دليل الامارة بتقريب أن قيام الامارة على وجوب شيء يقطع بمطلق وجوبه الأعم من الوجوب الواقعي المتحقق في صورة المصادفة والوجوب الظاهري حتى مع عدم المصادفة فاذا شك في ارتفاعه يجري فيه الاستصحاب ممنوعة بأن ذلك إنما يتم إذا كان مفاد الامارة السببية لا الطريقية.

__________________

مثل رفع اليد عن اليقين السابق بقيام الامارة على خلافه كما لو تيقن بطهارة ماء وشك في طهارته من جهة احتمال عروض ما يوجب نجاسته ثم قامت امارة على نجاسته.

فمن الواضح أنه لا يجوز المضي على طبق اليقين في الطهارة مع أن المذكور في الرواية عدم نقض اليقين إلا بيقين آخر فيكون اليقين المتأخر رافعا لذلك اليقين السابق بواسطة كشفه عن الواقع فقيام الامارة موجب لكشفه عن الواقع فيرفع ذلك اليقين السابق فاذا جاز قيام الامارة مقام اليقين الثاني في جواز رفع اليد عن اليقين السابق جاز قيامها مقام اليقين الأول في وجوب المضي على طبقه إذ لا فرق بين اليقينين.

هذا كله في المستصحب الذى قامت الامارة عليه وأما إذا كان المستصحب ثابتا بالاصول العملية فهل يكون كالامارة أولا فنقول أن موضوع حكم الأصل تارة يكون باقيا في فرض الشك في بقاء الحكم وأخرى لا يكون باقيا بأن لا يكون الأصل متكفلا لبيان استمرار الحكم في فرض عروض الشك.

أما في الأول فلا يجري الاستصحاب لبقاء الموضوع بيان ذلك أنه إذا حكم بطهارة شيء أو حليته طاهرا باصالة الطهارة أو الحلية

إذ مرجع الحكم الطريقي إلى كونه ايجابا حقيقيا على تقدير وصوريا على تقدير آخر مع عدم تصور جامع بينهما وبان يكون من الفرد المردد بين ما له الأثر بين ما لا أثر له فلا يجري الاستصحاب الكلي لعدم تعلق اليقين والشك بموضوع لو الأثر كما ان دعوى جريان الاستصحاب في الحكم الظاهري الذي هو مفاد دليل التعبد بالامارة.

حيث ان قيام الامارة على وجوب شيء أو طهارته ونجاسته مما يقطع فيه بثبوت الحكم الظاهري ومع الشك في الزمان المتأخر في نجاسة ما قامت الامارة على طهارته تستصحب تلك الطهارة الظاهرية لتحقق

__________________

ثم شك في بقاء تلك الطهارة أو الحلية من جهة احتمال عروض ما يوجب نجاسته أو حرمته فيكون موضوع اصالة الطهارة أو الحلية هو كون الشيء مشكوكا في طهارته أو حليته باق في الزمان المتأخر.

فعليه لا مجال للاستصحاب ومثله في بقاء الموضوع ما اذا ثبت حكم بالاستصحاب فمع عدم اليقين بالخلاف يحكم ببقائه بلا حاجة إلى استصحاب آخر فلو شك في طهارة الثوب مثلا من جهة اصابته الدم فحكم بطهارته بمقتضى الاستصحاب ثم شك بعد ذلك في اصابته للبول مثلا لم يحتج إلى جريان استصحاب آخر لأن موضوع الاستصحاب الأول باق غاية الأمر ان الشك في بقاء الطهارة ناشئ من جهة احتمال اصابة الدم أولا ومن جهة احتمال اصابته للبول ثانيا.

وهذا لا يوجب فرقا فيما نحن بصدده اللهم إلا أن يفرض جريان الاستصحاب في نفس منشأ الشك فيكون أحد موضوع الاستصحابين مغايرا مع الآخر إذ موضوع الأول عدم ملاقاته للدم وموضوع الثاني عدم ملاقاته للبول وهما متغايران لكنه يخرج عن كونه استصحابا في الحكم الظاهري.

أركانه من غير حاجة إلى احراز الطهارة الواقعية التي هى مؤدى الامارة لكي يقال بعدم جريان الاستصحاب لعدم احراز الحدوث ممنوعة فان ذلك انما يتم اذا لم يكن منشأ احتمال عدم المطابقة منحصرا بجهة مخصوصة.

وأما مع الانحصار فلا يجري الاستصحاب للقطع بانتفاء الحكم الظاهري من غير تلك الجهة كما لو فرضنا أنه ومع الشك في طهارة الماء ونجاسته في زمان من جهة احتمال ملاقاته مع الدم بنحو يكون منشأ الشك منحصرا بالاحتمال المذكورة فقامت البينة على طهارته في الصبح فمن الواضح انما يقتضيه التعبد بالبينة من الطهارة الظاهرية للماء انما هو طهارته من تلك الجهة لا مطلقا ولازم ذلك حصر منشأ الشك في

__________________

وأما في الثاني كما هو في الموارد التي يترتب على جريان الأصل حكم في موضوع آخر كما لو غسل ثوبه بالماء المحكوم بطهارته بمقتضى الاستصحاب ثم شك في بقائه بعد ذلك من جهة احتمال اصابته للبول مثلا فلا يمكن اثبات طهارته بعين ما دل على طهارة الماء المغسول به إذ المترتب على طهارة الماء هو حدوث الطهارة في الثوب المغسول به.

وأما بقائها فهو لبس من آثار طهارة الماء فعليه لا مانع من جريان الاستصحاب في طهارة الثوب لأنه قد حكم بطهارته ظاهرا ومنه يظهر التأمل فى ما ذكره الأستاذ (قده) في جواب استصحاب الحكم الظاهر للقطع بتحققه فانه لا مانع من استصحابه اللهم إلا أن يقال بأنه من الاستصحاب الكلي من القسم الثالث وكونه منه محل نظر إلا أن يرجع إلى ما ذكرناه أخيرا من اختلاف الموضوع فان موضوع الأول غير الثاني.

نجاسته بتلك الجهة بعد اليقين بعدم نجاسته من تلك الجهة الاخرى ومع هذا اليقين يمنع التعبد بالبينة حتى من الجهة المعلومة فلو شك في بقاء طهارته من غير تلك الجهة المشكوكة في الزمان المتأخر. وإنما يشك في طهارته من جهة ملاقاته مع البول أو غيره من النجاسات فلا يجري فيه الاستصحاب للقطع بانتقاء الحكم الظاهري من الأول من غير الجهة المشكوكة أولا وعليه فلو لا اجراء الاستصحاب في الحكم

__________________

وكيف كان الذي ينبغي أن يقال هو أنه يقال هو أنه بناء على ما هو المختار أن المجعول هو الطريقية بمعنى تتميم الكشف في باب الامارات يكون اليقين المأخوذ في لا تنقض اليقين بالشك هو اليقين بالشيء في الزمان السابق قد أخذ موضوعا للحكم بالبقاء في ظرف الشك بالبقاء بما هو طريق ومحرز من دون فرق بين ما احرز ثبوته بمحرز وجداني كالقطع أو بمحرز تعبدي كالامارات والأصول المحرزة دون غير المحرز.

وليس معنى ذلك أن اليقين في لا تنقض استعمل بمعنى المحرز لكي يكون أعم من المحرز الوجداني والتعبدي وإنما اليقين مستعمل بالمعنى والمعروف وهو الاعتقاد الجازم غايته ان اليقين في موضوع الحكم لم يؤخذ بنحو الصفتية لما هو معلوم انه لم يكن عندنا حكم قد أخذ في موضوعه اليقين بنحو الصفتية وانما يؤخذ على نحو الطريقية والكاشفية.

وقد عرفت منا سابقا أن أدلة الامارات والاصول المحرزة لها حكومة على الاستصحاب بمعنى أنها توسع موضوع الاستصحاب وعليه يتحقق بذلك موضوع الاستصحاب وهو بقاء المتيقن في ظرف الشك.

الواقعي الذي هو مؤدى البينة لا مجال لاجرائه في الحكم الظاهري الذي هو مفاد دليل التعبد.

__________________

نعم يتوجه اشكال تحقق الحكم بلا موضوع بناء على ما سلكه المحقق الخراساني في الكفاية من عدم قيام الامارات والاصول المحرزة مقام القطع المأخوذ بنحو الطريقية والقول بأن المجعول هو الملازمة.

ففيه أولا : أن الملازمة بين الشيئين ولو كانت ظاهرية ليست قابلة للجعل التشريعي لكونها من الأمور التكوينية وحالها حال العلية والسببية.

وثانيا : أن ذلك لازم لوجود الحكم بلا موضوع هذا كله بناء على تتميم الكشف.

وأما لو قلنا بجعل المؤدى فلا يرد اشكال أصلا حيث أنه بناء على جعل المؤدى لا يفرق بين أن يتعلق اليقين بحكم واقعي أو ظاهري فلم يبق لنا في المقام اشكال إلا الاشكال في جريان الاستصحاب بل يجري في كل أصل معنى بالعلم بالخلاف كقاعدتي الحل والطهارة وهو أنه قبل حصول العلم بالخلاف نفس مؤدى ذلك الأصل من غير حاجة إلى الاستصحاب إذ يكون من قبيل تحصيل ما هو حاصل وبعد حصول الغاية أعني العلم بالخلاف لا يبقى موضوع للاستصحاب فافهم وتأمل.

التنبيه الثالث :

ان المستصحب اي ما له الأثر الشرعي تارة يكون جزئيا وأخرى يكون كليا والأول أما أن يكون شخصا معينا كما إذا كان الأثر مترتبا على شخص زيد وكان مقطوع الحدوث وشك في بقائه وأما أن يكون مترددا بين أمرين كما اذا علم اجمالا بتحقق شخص له الأمر وهو مردد بين زيد بن عمر وزيد بن بكر أما الأول فلا إشكال في جريان الاستصحاب فيه وأما الثاني كما لو شك في أن النهار ينتهي بغياب الفرص أو بذهاب الحمرة المشرقية وكالشك في مفهوم الرضاع المحرم ما بلغ عشر رضعات أو خمس عشرة رضعه أو مفهوم الكر المردد بين ما يساوي سبع وعشرون شبرا أو ثلاث وأربعون شبرا فلا يصح استصحاب المفهوم المردد بين فردين أو احدهما.

حيث أن هذا العناوين العرضي وان كان متعلقا لليقين والشك إلا أن مثل هذا العناوين ليس موضوعا للاثر إذ الأثر لم يترتب في الأدلة عليها ولذا لا يجري الاستصحاب لا في العناوين الاجمالية ولا في العنوانين التفصيلية لانتفاء الأثر الشرعي في العنوانين الاجمالية وانتفاء الشك في البقاء في العنوانين التفصيلية (١).

__________________

(١) وحاصله أن المانع من جريان الاستصحاب في الفرد المردد هو عدم ترتب الأثر لما هو المعلوم وهو عنوان الفرد المردد أو احدهما وما أشبه ذلك فان هذه العناوين لم تؤخذ موضوعا للاثر في لسان الأدلة وما هو موضوع الأثر هو كل فرد بعنوانه الخاص وهو ليس مما علم سابقا فالذي يظهر منه (قدس‌سره) أنه يقول بصحة استصحاب

وبالجملة أن الأثر الشرعي منتف بما هو مشكوك وانتفاء الشك في البقاء فيما له الأثر الشرعي لكونه دائرا بين المقطوعين أي مقطوع الارتفاع ومقطوع البقاء وبذلك يظهر الفرق بين الفرد المردد وبين القسم الثاني من الكلى كالحدث المردد بين الأصغر والأكبر فان صحة الاستصحاب فيه لترتب الأثر الشرعي على نفس الكلي وهو المانعية من الصلاة بخلاف الفرد المردد فان الأثر الشرعي انما يكون للشخص لا بعنوان أحد الشخصين.

وهذه الجهة هي الفارقة بين المقامين لا بصدف كون الجامع المتعلق بالشك واليقين ذاتيا بالنسبة إلى الكلي وعرضيا بالنسبة إلى أحد الفردين.

ولذا لو فرض ترتب أثر شرعى على العنوان العرضي وهو عنوان أحد الفردين الذي هو جامع عرضي لقلنا بجريان الاستصحاب فيه كما لو فرض ان الأثر الشرعي مترتب على نفس الحصة أو الفرد لا الكلي الذي هو جامع ذاتي بين الفردين لقلنا بعدم جريان الاستصحاب فيه وسيأتي بيانه إن شاء الله عن قريب على نحو التفصيل.

__________________

الفرد المردد في حد نفسه ولكن لا يجري لعدم الأثر فلو فرض في مورد وجود أثر لذلك العنوان فلا مانع من جريانه.

ولكن لا يخفى أن عدم جريانه لعدم تمامية أركانه أعني اليقين السابق والشك اللاحق حيث انه بعد الاتيان بأحد الاطراف أو تلفه أو خروجه عن الابتلاء مما يقطع بعدم بقاء ذلك العنوان الاجمالي فالذي يحتمل البقاء هو الفرد الواقعي الذي معلوم في علم الله ولم يكن معلوما قط وما كان معلوما ذلك العنوان الاجمالي غير محتمل البقاء وغير باق قطعا وعليه لا تتم أركان الاستصحاب لكي يقال بجريانه.

والثانى وهو ما اذا كان كليا فتارة يكون الأثر مترتبا عليه على نحو الوجود الساري بمعنى أن الكلي بوجوده الساري متحقق في ضمن كل فرد مما له الاثر ومرجعه إلى أن كلّا من الطبيعة الكلية المتحققة في ضمن كل شخص موضوعا لحكم شرعي مختص به له الامتثال والمعصية كالعام الاستغراقي وان كانت الخصوصية في كل حصة خارجة عنه كما في مانعية النجاسة الخبثية للصلاة ولهذا يجب التقليل فيها فيما اذا لم يكن ازالتها رأسا والكلام في ذلك سيأتي أيضا.

وأخرى كان الكلي بما هو صرف وجود الطبيعة بما له الأثر ومرجعه إلى أن الأثر مترتب على أول وجودها وهذا ينقسم إلى أقسام ثلاثة لأن الشك في بقائه الكلي تارة من جهة القطع بتحققه في ضمن شخص خاص ويشك في بقاء ذلك الشخص.

كما اذا علم بوجود الانسان في ضمن ثم زيد شك في بقائه من جهة الشك في بقاء زيد وارتفاعه واخرى كان الشك في بقائه من جهة الشك في تحققه في ضمن فرد يقطع بارتفاعه أو في ضمن فرد يقطع ببقائه.

كما اذا علم بتحقق انسان أما في ضمن زيد نقطع بارتفاعه وأما في ضمن عمر نقطع ببقائه.

وهذا هو القسم الثاني من أقسام استصحاب الكلي باصطلاح الشيخ (قده) كما أن الأول هو القسم الأول والثالث ما كان الشك في بقاء الكلي من جهة الشك في حدوث فرد آخر بعد القطع بارتفاع مقطوع الحدوث وهو القسم الثالث من أقسام استصحاب الكلي وهو على قسمين الأول ما اذا شك في حدوث فرد مقطوع البقاء مقارنا لحدوث الفرد المعلوم الارتفاع والثانى ما إذا شك في حدوث فرد مقطوع البقاء

مقارنا لزوال فرد معلوم الحدوث وهو أيضا يتصور على وجهين أحدهما ما إذا كان الفرد (١) المشكوك الحدوث مباينا للفرد الأول المقطوع

__________________

(١) يعتبر في الاستصحاب الكلي أن يكون الاثر مترتبا على القدر المشترك فاذا جرى الاستصحاب ترتب ذلك الأثر وأما خصوص أثر الفرد الباقي لا يترتب على الاستصحاب الكلي حيث أنه غير متكفل باثباته بقاء خصوص الفرد الباقي مثلا ما يترتب على جريان استصحاب الحدث الكلي المردد بين الأصغر والأكبر انما هو أثر طبيعي الحدث من عدم جواز مس كتابة المصحف وغيره.

وأما عدم جواز المكث في المسجد الذي هو أثر لخصوص الحدث الاكبر فلا يترتب عليه الا على القول بالأصل المثبت كما انه يعتبر في جريانه ألا يكون في مورده أصل حاكم عليه فمع وجوده لا تصل النوبة إلى جريانه.

كما إذا كان المكلف قد أحدث بالحدث الأصغر سابقا ثم خرج منه بلل مشتبه بين البول والمني فيجري الاستصحاب الحدث الأصغر لكونه معلوما بالتفضيل.

وأما الحدث الأكبر فيجري فيه اصالة عدم حدوث الحدث الأكبر حيث أنه مشكوك الحدوث فيكون حاكما على الاستصحاب الكلي من غير فرق بين القول ان الحدث الأكبر مضاد للأصغر أو مؤكد له أو مخالف معه حيث انه يستصحب عدم تبدل الحدث الأصغر بالحدث الأكبر على الأول وعدم تأكده على الثاني.

وعدم حدوث فرد ثاني معه على الثالث فيحكم بجواز الدخول بالصلاة بلا غسل وكما لو علم بنجاسة شيء وترددت النجاسة بين الذاتية والعرضية كالشعر المردد بين شعر الخنزير وشعر آخر متنجس ثم غسل

الارتفاع وثانيهما (١) ما اذا كان من قبيل تبدل مرتبة في الشيء بمرتبة أخرى ،

__________________

وشك في ارتفاع النجاسة فعلى القول بجريان استصحاب العدم الأزلي يحكم بطهارته بعد الغسل لأنه حاكم على استصحاب بقاء النجاسة واما بناء على القول بعدم صحة جريانه لا بد من الالتزام ببقاء النجاسة لجريان الاستصحاب.

(١) وكما إذا شك في طهارة صابون ونجاسته من جهة احتمال أن يكون مصنوعا من زيت غير مذكى فيحكم بطهارته لأصالة الطهارة ثم ينجس بنجاسة عرضية.

فالظاهر أنه يحكم بالطهارة بعد الغسل لأصالة الطهارة ولا يجرى استصحاب النجاسة لحكومة اصالة الطهارة الجارية قبل عروض النجاسة مع فرض أن النجاسة العرضية قد ارتفعت بالغسل يقينا.

بقي في المقام شبهة تسمى بالشبهة العبائية وهي أنه لو علم اجمالا بنجاسة أطراف العباءة ثم غسل طرف الأسفل منها فيكون الطرف الأسفل طاهرا قطعا.

إلا انه لا يمنع من جريان استصحاب الكلي للنجاسة المعلوم حدوثها لاحتمال بقائها في الطرف الأعلى فلو فرض ملاقاة اليد لجميع أطراف العباءة فبمقتضى جريان الاستصحاب الكلي هو الحكم بنجاسة الملاقي أيضا مع أنه باطل بالضرورة لوضوح ان الملاقاة الطرف الأسفل لا أثر للقطع بطهارة على الفرض والطرف الا على وان كان محتمل النجاسة.

إلا أنه لا يؤثر بنجاسة الطرف الملاقي لما ذكروه من أن ملاقاة بعض الشبهة المحصورة لا توجب نجاسة الملاقي وبذلك يشكل.

هذا كله هو الأقسام المتصورة في المستصحب اذا كان كليا.

__________________

أما أن نقول بعدم صحة جريان الاستصحاب الكلي أو الالتزام بأن ملاقاة بعض الشبهة المحصورة نجسة.

وقد أجاب الاستاذ المحقق النائيني (قده) في الدورة الأولى بأن الاستصحاب الكلي انما يجري فيما إذا كان المتيقن السابق بنفسه مترددا بينما هو مقطوع البقاء وما هو مقطوع الارتفاع كما في مثال الحدث المردد بين الحدث الأكبر المقطوع ببقائه والحدث الأصغر المقطوع ارتفاعه بخلاف ما اذا تردد محل المتيقن ومكانه لا حقيقته كما إذا علم بوجود زيد في الدار وتردد في أن يكون بالجانب الشرقي أو في الجانب الغربى ثم انهدم الجانب الغربي مثلا واحتمل موت زيد من جهة احتمال كونه في الجانب المنهدم أو علم بكون درهم خاص لزيد بين عشرة دراهم لعمرو ثم ضاع أحد الدراهم واحتمل أن يكون هو درهم زيد فان استصحاب الكلي لا يجري في أمثال ذلك إذ الترديد ليس في نفس الكلي وانما هو في محل الفرد المتيقن ومورد الشبهة في هذا المقام من القبيل إذ الترديد ليس في نفس النجاسة بل في محلها وعليه لا يجري استصحاب الكلي فيه.

وقد أجاب (قده) في الدورة الثانية بجواب آخر وحاصله أنه لا أثر لاستصحاب الكلي في مورد الشبهة.

وأما بالاضافة إلى ما يعتبر احراز الطهارة كالصلاة فلأن عدم جواز الدخول فيها مترتب على مر نفس الشك بالطهارة لا على استصحاب بقاء النجاسة.

وأما بالاضافة إلى نجاسة الملاقي فلأن نجاسته مترتبة على أمرين أحدهما نفس الملاقاة وثانيهما احراز نجاسة الملاقاة بالفتح واستصحاب

أما القسم الأول من هذه الأقسام وهو ما اذا كان الشك في بقاء الكلي (١) من جهة الشك في بقاء الفرد فلا اشكال في جريان

__________________

كلي النجاسة بالعباءة غير متكفل لاثبات كلا الجزءين وانما هو متكفل لاثبات نجاسة الملاقى فقط.

وهذا المقدار لا يكفي في اثبات نجاسة الملاقي بعد ما لم تكن الملاقاة محرزة ولكن لا يخفى.

أما عن الأول فان استصحاب الكلي وان كان لا يجري في موارد الأمثلة إلّا أنه لا مانع من جريان استصحاب بقاء نفس الفرد المتيقن إلا أن حياة زيد في المثال بما أنها كانت متيقنة سابقا وشك في بقائها وارتفاعها من جهة احتمال موته بانهدام الجانب الغربي لا مانع من صحة استصحاب وترتب آثارها من عدم تقسيم أمواله ونكاح زوجته وغير ذلك نعم في مثل الدرهم الضائع لا يجري الاستصحاب لمعارضته لاستصحاب عدم كونه لعمرو فلو لم يعارضه شيء في مورد يجرى وترتب عليه الأثر.

(١) كما إذا علم بكون خشبة خاصه لزيد بين عشر خشبات مباحة ثم ضاعت احدى الخشبات فانه لا مانع من استصحاب بقاء خشية زيد.

وأما عن الثاني فان موضوع نجاسة الملاقي هو تحقق الملاقي في مورد الشبهة محرز غاية الأمر أن أحد جزئيه محرز بالوجدان والآخر بالأصل حيث أن جزء العباءة كاف نجسا وقد لاقاه الملاقي وجدانا لغرض أنه لاقى جميع اجزاءه فاذا حكم بنجاسته بالاستصحاب ترتب عليه نجاسة الملاقي.

نعم لو كان المستصحب وجود النجاسة بالعباءة لم يمكن اثبات الملاقاة بالاستصحاب إلا أن المفروض جريان الاستصحاب في نجاسة

الاستصحاب في نفس الكلي لترتب أثره الشرعي عليه ولا فرق في ذلك بين ما اذا تحقق الكلي في ضمن فرد وقد شك في بقائه وبينما اذا تحقق في ضمن فردين من الاول وشك في بقاء أحدهما مع القطع بزوال الآخر فانه يوجب الشك في بقاء الكلي بما هو فرد من الوجود أيضا.

__________________

الملاقي على واقعه من غير تمييز فالحق في الجواب هو ان الالتزام بنجاسة الملاقي في مورد الشبهة لا ينافي ما ذكروا من عدم نجاسة ملاقي أحد أطراف الشبهة المحصورة أصلا.

حيث ان الحكم بعدم نجاسة الملاقي للشبهة المحصورة مبني على صحة جريان الأصل في طرف الملاقي لما ذكر في محله ان المعارضة انما هى بالاضافة إلى الأصول الجارية في نفس الملاقى بالفتح وأما الأصل الجاري في طرف الملاقي بالكسر يجري فلا معارض فلو فرض في مورد لا يجري الأصل في طرف الملاقي بالكسر.

أما من جهة المعارضة كما اذا فرض ملاقاة شيء لأحد طرفي الشبهة وملاقاة شيء آخر لطرفها الآخر فان الاصل الجاري في ملاقاة أحد الطرفين يعارض الاصل الجاري في ملاقي الطرف الآخر فلا يحكم بطهارة الملاقي كما لا يحكم نفس الملاقي بالفتح ، وأما من جهة حكومة أصل آخر عليه كما في مورد الشبهة فان استصحاب الكلي فيه حاكم على الاصل الجاري في ملاقي بالكسر ورافع لموضوعه لأن نجاسة الملاقي بالكسر أثر شرعي لنجاسة الملاقي بالفتح والمفروض ان الشارع حكم بنجاسته بمقتضى استصحاب كلي وملاقاة الطرف الأسفل لا يؤثر في نجاسته للقطع بطهارته فيوجب العلم بملاقاته فيتحقق موضوع الاستصحاب.

ولكنه لا يجري استصحاب الشخص لاثبات الاثر المترتب على الكلي اذ المفروض ان الاثر ليس مترتبا على الخصوصية فلا يشمله دليل التعبد والتعبد بوجود الشخص ليس تعبدا بوجود الكلي أيضا فما ذكره الشيخ (قده) من أنه لا اشكال في جواز استصحاب الكلي والفرد لا يخلو من المناقشة بالنسبة إلى الفرد إلا أن يكون مراده من استصحاب الفرد اثبات الاثر الشرعي المترتب على الفرد فيما اذا كان الفرد أيضا له أثر شرعي فمنشأ المناقشة ذكر استصحاب الفرد في أقسام استصحاب الكلي.

وأما القسم الثاني وهو ما كان الشك في بقاء الكلي من جهة الشك في تحققه في ضمن ما هو مقطوع الارتفاع أو في ضمن ما هو مقطوع البقاء وقد مثلوا له في الفقه بما إذا تحقق الحدث الجامع بين الأصغر المرتفع بالوضوء أو الأكبر الغير المرتفع به فقد ذهبوا فيه أيضا إلى جريان الاستصحاب بالنسبة إلى نفس الكلي الجامع فيترتب عليه جميع الآثار المرتب على نفس الكلي بما هو كلى فيترتب على استصحاب بقاء الحدث بعد الوضوء مانعية الدخول في الصلاة وغيرهما مما يكون للحدث فيه مانعية وانا لم يكن اثبات آثار كل واحد من الخصوصيتين والوجه في جريانه تحقق أركان الاستصحاب من اليقين السابق والشك اللاحق مع اتحاد القضية المشكوكة مع المتيقنة بحسب الموضوع وقد أورد عليه (١) بأن الشك في بقاء الكلي في الآن اللاحق الذي ينقطع بارتفاع

__________________

(١) فحاصله ان الشك في بقاء الكلي مسبب عن الشك في حدوث الفرد الآخر كالحدث الاكبر كما لو شك في حدث الأصغر والاكبر فانه لو لا احتمال حدوثه لم يحصل الشك في عدم بقاء الكلي إذ على تقدير حدوث الحدث الاصغر فانا نقطع بارتفاعه فاستصحاب عدم

أحدهما المردد مسبب عن الشك في حدوث الفرد الآخر الذي نقطع

__________________

حدوث الحدث الاكبر يكون حاكما على الاستصحاب الكلي لكونه جاريا في السبب فيه ومن الواضح حكومة الاصل الجاري في السبب على الجارى في المسبب.

وقد أجاب الاستاذ المحقق النائيني (قده) بأن حكومة الأصل جارية في السبب على المسبب انما هو فرع جريانه وهو في المقام لا يجري لابتلائه بالمعارض إذ أصالة عدم حدوث الاكبر معارض لأصالة عدم حدوث الاصغر فيبقى الاصل المسببي جاريا بلا معارض.

ولكن لا يخفى أن ذلك انما يتم لو كان لكل من الفردين أثر وأما لو كان الاثر خاصا بأحدهما كما إذا ترددت نجاسة الثوب بين أن يكون بالبول لكي يكون زوالها محتاجة إلى تعدد الغسل وأن يكون بغيره لكي لا تحتاج إلى التعدد فأصالة عدم حدوث الفرد الآخر لا تعارض بأصالة عدم حدوث الفرد المعلوم ارتفاعه على تقدير حدوثه لكي يتساقطا فتصل النوبة إلى الأصل المسببي.

وأما في الموارد التي يكون لكل من الأصلين اثر خاص كما فيما لو تردد الحدث بين الاصغر والاكبر حيث ان الجنب لا يجوز له الدخول إلى الصلاة بغير الغسل والمحدث بالحدث الاصغر لا يجوز له الدخول فيها بغير الوضوء فالاصلان وان كانا متعارضين إلا أنه لا تصل النوبة مع ذلك إلى الأصل المسبب لوجوب ترتيب كل من الاثرين بمقتضى تنجيز العلم الاجمالي.

وقد أجاب المحقق الخراساني (قده) بجوابين :

الأول بأن الشك في بقاء الكلي ليس مسببا عن الشك في حدوث الفرد الآخر بل هو مسبب عن أن المتيقن حدوثه هل تحقق في الفرد

بارتفاع أحدهما المردد مسبب عن الشك في حدوث الفرد الآخر الذي نقطع ببقاء الكلي ببقائه لو كان الحادث وحيث كان أصل حدوثه مشكوكا فمقتضى استصحاب عدم حدوثه فانه يرفع الشك المسبب بالنسبة إلى بقاء الكلي كما في جميع موارد شك السبب والمسبب ومن ذلك يظهر أنه لا مجال لاستصحاب الكلي وقد أجيب عنه.

__________________

المتيقن بقائه أو تحقق في ضمن الفرد الآخر المتيقن ارتفاعه واصالة عدم تحقق في ضمن الفرد المحتمل بقائه لا يجري لعدم كونه في زمان كان فيه القدر المشترك موجودا ولم يكن في ضمنه حتى يستصحب عدم تحققه في ضمنه بل القدر المشترك من الاول أما تحقق في ضمن هذا الفرد أو ضمن ذاك الفرد المرتفع على تقدير حدوثه.

ولكن لا يخفى ان ذلك مبني على صحة استصحاب العدم الازلي فانه لا مانع من جريان استصحاب عدم تحققه في الفرد المحتمل بقائه وهذا المقدار يكفي في المقام إذ المفروض أنه على تقدير حدوثه في ضمن الفرد الاخذ قد ارتفع وجدانا.

الثاني : إن بقاء القدر المشترك ليس مسببا عن حدوث الفرد الباقي بل هو عين بقائه.

ولكن لا يخفى أن هذا ليس جوابا عن الاشكال بل هو مؤكد له حيث ان استصحاب عدم حدوث الفرد المحتمل بقائه لو كان حاكما على استصحاب الكلي على تقدير كون بقائه مسببا عن حدوثه بل هو أولى بالحكومة على تقدير كون البقاء عين بقاء الفرد.

والتحقيق في الجواب ان الشك في بقاء الكلي وان كان مسببا عن الشك في حدوث الفرد المحتمل بقائه إلّا ان كل أصل سببي لا يكون حاكما على الاصل المسببي بل يعتبر في حكومته أن يكون رافعا لموضوع

أولا : بأن الشك في بقاء الكلي ليس مسببا عن الشك في حدوث الفرد المقطوع البقاء بل انما هو ناشئ عن العلم الاجمالي فيكون الحادث هو الفرد المقطوع ارتفاعه أو الفرد المقطوع بقائه وهذا العلم الإجمالي باق بحاله.

ثانيا : على فرض التسليم يكون الشك في بقاء الكلي مسببا عن الشك في حدوثه ولكنه ما كان ترتبه عليه شرعيا بل انما هو مترتب عقلي فلا يمكن اثباته إلا على القول بالاصل المثبت وقد أجاب الاستاذ (قدس‌سره) عن كلا الوجهين.

أما عن الأول بأن الشك في بقاء الكلي وان كانا ناشئا من العلم الاجمالي المذكور ولكن هذا العلم الاجمالي لا أثر له بعد جريان اصالة عدم الحدوث في احدى طرفيه لعدم معارضتها بالأصل في الطرف الآخر لعدم الأثر له بعد القطع بارتفاعه فمع الغض عن الاصل المثبت يمكن اجراء أصالة عدم الحدوث بالنسبة الى الفرد الآخر فيرفع به الشك في بقاء الكلي بعد القطع بارتفاع الفرد الآخر.

وأما عن الثاني فبأن كون اصالة عدم حدوث الفرد الآخر لاثبات عدم بقاء الكلي انما يكون مثبتا لو كان عدم الكلي مسببا عن عدم الافراد ومترتبا عليه وهو واضح البطلان لكون عدم الكلي عين عدم افراده

__________________

الاصل الجاري في المسبب لا مثل المقام الذي يكون بقاء القدر المشترك وارتفاعه ليس أثرا شرعيا لحدوث الفرد الباقي وانما هو من آثاره العقلية فعليه لا محذور في جريان استصحاب الكلي كما لو علمنا أن زيدا ملك داره من عمر ثم رجع عنه فشككنا في أنه هل كان هبة ليصح الرجوع ويرجع المال إلى مالكه الاول أو أنه كان صلحا لئلا يصح الرجوع حكمنا ببقاء الملك بعد الرجوع بالاستصحاب.

كما ان وجوده عين وجودها من دون ترتب في البين.

نعم في طرف الوجود يتحقق الكلي بوجود أحد الافراد ولكن في طرف العدم انما يتحقق عدمه بعدم جميع الافراد ولكن لا بمعنى ان عدم الكلي مترتب على عدم الافراد بل بمعنى أن بعدمه يعدم جميع الافراد اذا كان الكلي مرددا بين فردين فعدمه بعين عدمهما معا فاذا أحرز عدم أحد الفردين بالوجدان للقطع بارتفاعه فلا مانع في احراز عدم الآخر لاحراز عدم الكلي بالأصل فيكون من قبل الموارد التي يحرز فيها أحد الجزءين بالاصل والآخر بالوجدان كما لا يخفى.

ثم انه قد يورد على أصل جريان الاستصحاب في الكلي في هذا القسم اشكال آخر وهو أنه لا نسلم اتحاد القضية المشكوكة مع القضية المتيقنة بحسب الموضوع في المقام لان ما هو المتيقن سابقا هو ثبوت الطبيعة الكلية بما هو قابل للانطباق على هذا الفرد وعلى ذاك الفرد.

وبعبارة أخرى ما هو المتيقن هو الكلي بما هو مطلق قابل للانطباق على هذه الحصة وعلى تلك وهذا المعنى الاطلاقي بعد القطع بزوال أحد الفردين مقطوع الزوال لا مشكوك البقاء وانما نشك في بقاء الكلي بما هو مهمل المساوق للحصة غير القابل للانطباق على أحد الفردين معينا وهو غير المتيقن سابقا فمتعلق اليقين غير ما هو متعلق الشك فكيف يجري فيه الاستصحاب.

والجواب عن هذا الايراد بأن هذا مغالطة لأن المتيقن في السابق كما كان مرددا بين الفردين فليس مطلقا بمعنى قابليته للانطباق على هذا أو على ذاك بل انما هو محتمل للانطباق على هذا أو على ذلك لأن الغرض كون متعلق اليقين هو الكلي الموجود في ضمنى أحد الفردين المردد بينهما بحيث لو كان في ضمن هذا لم يكن قابلا للانطباق على

ذاك ولو كان في ضمن ذاك لم يكن قابلا للانطباق على هذا.

فالمراد من كونه قابلا للانطباق على هذا وعلى ذاك لو كان هو الامكان الواقعي ممنوع ولو كان بمعنى الاحتمال فهو مساوق للمهملة في عدم قابليته للانطباق ويكون عين القضية المشكوكة وحينئذ ينفي شبهة استصحاب عدم حدوث الفرد الباقي الراجع الى استصحاب عدم حدوث الكلي بالحصة الباقية المحرز به جزء الموضوع مع احراز جزءه الآخر وهو عدم تحقق الكلي إلا في ضمن الفرد الآخر المقطوع بالارتفاع بالوجدان الباقي محرز عدمه بضم الوجدان كذلك يجري استصحاب بقائه بعد القطع بحدوثه مرددا بين الفرديين فحينئذ يتعارض الأصلان فلا يبقى مجال للاستصحاب وجود الكلي مع هذه الشبهة مما يوجب المنع عن الاستصحاب في القسم الثاني من استصحاب الكلي مع أن ظاهرهم التسالم على جريانه.

ولهذا عد من المسلمات بينهم استصحاب بقاء الحدث بعد الوضوء بالنسبة إلى من خرج منه رطوبة مرددة بين البول والمني اللهم إلّا أن يقال بأن هذا شبهة في قبال البديهة نعم لا بأس بأن يقال يعد ما لم يكن في البين شك سببي فيجرى الاستصحاب في السببي بحكومته.

ثم انهم قد مثلوا المقام باستصحاب بقاء الحدث بعد الوضوء لمن حصل له القطع بالحدث مرددا بين الاكبر والأصغر.

ولا يخفى أن العلم بحصوله الحدث المردد تارة يحصل قبل الوضوء وأخرى يحصل له القطع بالحدث بعده.

اما الأول فهو انه ليس من موارد الاستصحاب وانما هو من موارد العلم الاجمالي المنجز للواقع وعلة تامة للزوم الموافقة القطعية فلا يجري الاستصحاب في اطرافه بل المرجع فيه قاعدة الاشتغال كما لا يخفى.

وأما الثاني وهو ما حصل القطع بالحدث الكلي بعد الوضوء على وجه حصل له العلم بعد خروج بعض الأطراف عن محل الابتلاء فلا يخلو اما ان يعلم الحالة السابقة واما ان لا يعلم بأن كان مجهولا وعلى فرض العلم بالحالة السابقة فاما أن يكون هو الطهارة وأما أن يكون هو الحدث.

اما إذا علم الحالة السابقة بالطهارة أو كان مجهولا الحال فلا مانع من جريان استصحاب هذا الحدث بما هو كلي وبما هو مانع عن الصلاة بناء على جريان الاستصحاب في القسم الثاني واما اذا علم بكون الحالة السابقة هو الحدث فتارة يعلم بكون الحدث الأصغر كما إذا كان محدث بالحدث الأصغر ثم خرج منه بلل مردد بين البول والمني وأخرى يعلم بكونها الحدث الأكبر وثالثة لم يعلم بأنه الأكبر أو الأصغر أما إذا علم بأنه الأصغر كالمثال المذكور فظاهر كلماتهم أنه لا يجري استصحاب بقاء الحدث بعد الوضوء بل يجرون استصحاب عدم الجنابة ويقولون بكفاية الوضوء.

وبهذا المعنى بني في ما تقدم بينهم من عدم التزامهم بما أوردناه من الشبهة فان الالتزام باستصحاب عدم الجنابة لا يفيد لاحراز عدم الحدث بما هو كلي بعد الوضوء إلا بما تقدم منا من احراز عدم الكلي بضم الاصل الى الوجدان :

نعم يصح استصحاب عدم تحقق الجنابة وعدم تحقق الحدث الاكبر الموجب للغسل بخروج البلل لو قلنا بأن تحقق سبب الجنابة بعد تحقق سبب الحدث الأصغر يوجب اشتداد الحدث مع بقاء ذات الأصغر فانه بناء على هذا المعنى لا يوجب خروج البلل المشتبه للعلم الكلي الحدث المردد بين الفردين الاكبر والأصغر بل يوجب الشك في اشتداد

الحدث الأصغر فحينئذ يكون من قبيل تبدل مرتبة ضعيفة إلى مرتبة شديدة يجري استصحاب عدم تحقق تلك الشدة بل يجري استصحاب بقاء تلك المرتبة السابقة فلا يؤثر إلا في وجوب الوضوء فيخرج مثل المورد عن استصحاب الكلي.

ولكن أنت خبير بأن هذا المسلك مما لم يسلكه أحد ولم يقم عليه دليل أيضا فان الظاهر كون الحدث الاكبر أمرا مباينا للأصغر وانه بمجيء سببه يزول الأصغر رأسا فينقلب بالأكبر المباين ولا أقل من عدم الدليل على أحد الاحتمالين فيوجب الشك.

وعليه عند تحقق البلل المشتبه يحصل لنا القطع بثبوت الحدث الجامع بين الفردين ولو بالنسبة إلى الأصغر بقاء وبالنسبة إلى الأكبر حدوثا ولازمه جريان استصحاب الكلي بعد الوضوء وهو خلاف مبناهم في الفقه وهذا يؤيد ما تقدم من عدم صحة جريان الاستصحاب في القسم الثاني.

وأما اذا علم بكون الحالة السابقة هو الحدث الاكبر فبعد الوضوء لا يجري الاستصحاب من جهة القطع التفصيلي ببقاء الأكبر.

وأما إذا ترددت الحالة السابقة بين الاكبر والاصغر فحاله حال مجهول الحال رأسا وانه يجري فيه استصحاب بقاء الحدث بعد الوضوء فتحصل انه بناء على جريان الاستصحاب في القسم الثاني يجري استصحاب الحدث لمن كان مرددا بين الأكبر والاصغر بالنسبة الى بعض الحالات لا الجميع ومن هنا قيده الشيخ ببعض الصور دون الجميع القسم الثالث (١) وهو ما اذا كان الشك في بقاء الكلي من جهة الشك في

__________________

(١) وهو ما يكون الشك في بقاء الكلي ناشئا من احتمال من قيام فرد آخر مقام الفرد الذي علم بتحقق الكلي في ضمه فتارة يكون بقاء

حدوث فرد آخر مع القطع بارتفاع الفرد المعلوم في السابق وهذا على

__________________

الكلي ناشئا من احتمال وجود فرد مقارنا لوجود فرد معلوم واخرى ناشئا من احتمال حدوث فرد آخر مع ارتفاع فرد متيقن حدوثه وثالثة يكون ناشئا من احتمال حدوث مرتبة أخرى من مراتب فرد معلوم عند ارتفاعها فهل يجري الاستصحاب في هذه الأمور الثلاثة مطلقا أو لا يجري كذلك أو يفصل بين الأوليين والثالثة فيحكم بصحة جريان الثالثة دون الأوليين أقواها الأخير.

أما عدم صحة جريانه في الأمر الأول لعدم انحفاظ الاتحاد بين قضية مشكوك فيها وقضية متيقنة مثلا لو علمنا بوجود زيد في الدار فقد علمنا بوجود حصة من الانسان قد تشخصت بخصوصية زيد.

وأما الحصة المتخصصة بخصوصية عمر فلم تكن معلومة لنا وانما يشك في حدوثها أولا فلا تكون الحصة المتيقنة حدوثها متحدا مع الحصة المشكوكة فعليه كيف يصح استصحاب كلي الانسان بعد ارتفاع حصة زيد وهل هو الا تسرية حكم فرد لفرد آخر وبهذا يفرق بين استصحاب الكلي من القسم الثاني واستصحاب الكلي من هذا القسم حيث إن الشك في القسم الثاني انما تعلق بنفس الحصة المعلومة الحدوث في ضمن الفرد المردد من جهة احتمال حدوثها في ضمن ما يحتمل أو تيقن بقاءه بخلاف القسم الثالث فان الشك فيه انما هو في حدوث حصة أخرى غير ما علم بحدوثه وارتفاعه ودعوى ان العلم انما تعلق بارتفاع خصوص الفرد لا الكلي لاحتمال بقائه في ضمن الفرد المحتمل حدوثه مقارنا للفرد المرتفع وانما يمنع ذلك باستصحاب خصوص الفرد لا الكلي.

ومن ذلك يظهر تحقق أركان الاستصحاب حيث ان الشك

قسمين الأول ما اذا شك في حدوث فرد آخر يقطع ببقائه مقارنا لحدوث الفرد الزائل.

__________________

واليقين قد تعلقا بالكلي فالكلي متيقن الحدوث مشكوك البقاء فتكون القضية المشكوكة متحدة مع القضية المتيقنة ممنوعة حيث إن المعلوم وجوده ليس هو الكلي بما هو وانما حصة خاصة منه فالمفروض ان تلك الحصة قد ارتفعت قطعا والحصة الأخرى تشك في حدوثها فليس في البين متيقن لكي يستصحب.

كما أن دعوى ان لازم جريان استصحاب الكلي في مثل المقام هو القول بعدم جواز الدخول في الصلاة بالوضوء قبل الاغتسال فيمن انتبه من نومه واحتمل جنابته لأن المعلوم ارتفاعه حينئذ هو خصوص حدث النوم.

أما كلي الحدث فيحتمل بقائه لاحتمال بقائه ضمن الحدث الاكبر المحتمل حدوثه مقارنا لحدث النوم في غير محله لما عرفت منا سابقا ان وجوب الوضوء موضوعه مركب من الحدث الاصغر وعدم الحدث الاكبر كالجنابة اذ لا يجتمع وجوب الوضوء مع وجوب الغسل اذا التفصيل بين وجوب الوضوء فيما اذا قام المكلف من نومه ووجوب الغسل كما اذا كان جنبا كما هو المستفاد من آية الوضوء قاطع للشركة وعليه في مفروض المسألة الموضوع لوجوب الوضوء متحقق لتحقق أجزاء الموضوع غاية الأمر أحد جزئية وهو القيام من النوم محرز بالوجدان وعدم كونه جنبا محرزا بالاصل فلا ترتبط هذه المسألة بمسألة جريان الاستصحاب وأما استصحاب الكلي في الصورة الثالثة وهو ما اذا كان فرد مشكوكا في حدوثه من مراتب الفرد المتيقن.

فلا مانع من جريانه لتحقق الوحدة المعتبرة بين القضية المتيقنة والقضية

الثاني يشك في حدوث الفرد المعلوم البقاء مقارنا لزوال الفرد الزائل بأن يكون الشك في تبدله بفرد آخر وعدمه.

أما القسم الأول فقد يقال بجريان الاستصحاب لتحقق أركانه من اليقين بالوجود السابق والشك في بقائه مع اتحاد القضية المشكوكة مع المتيقنة فيشمله (لا تنقض اليقين بالشك) ولا الاشكال عليه بأن الشك في البقاء مسبب عن الشك في حدوث الفرد الآخر والأصل عدمه فقد عرفت الجواب عنه بأنه ليس في البين سبب ومسبب اولا وليس الترتب بينها شرعيا ثانيا.

نعم يشكل عليه بأنه لا مانع من جريان استصحاب عدم تحقق الكلي بضمه مع الوجدان مضافا الى انه يرد في المقام اشكال آخر وهو ان ما تعلق به اليقين سابقا غير ما تعلق به الشك لاحقا قطعا لأن ما تعلق به اليقين وهو وجود الكلي في ضمن حصة خاصة بتحققه في ضمن ما هو المعلوم من الفرد الخاص والمفروض في الآن اللاحق يقطع بزوال ذلك للقطع بارتفاع هذا الفرد وانما يشك في بقاء حصة اخرى في ضمن فرد آخر غير الاول من دون أن يكون ذلك مما قطع بوجوده سابقا

__________________

المشكوكة فان وجود الكلي في المرتبة الشديدة لا يغاير وجوده في مرتبة الضعيفة بناء على اصالة الوجود حيث يكون ما به الامتياز عين ما به الاشتراك وعليه لو علم بوجود مرتبة قوية من الشك الكثير ثم علم بارتفاع تلك المرتبة واحتمل بقاء مرتبة ضعيفة مقامها عند ارتفاعها فيصح جريان استصحاب بقاء كلي كثير الشك فترتب عليه عند الشك آثاره من عدم بطلان صلاة الثنائية والثلاثية والأوليتين من الرباعية هذا اذا عد عند العرف ان المشكوك من المراتب المتيقنة وأما اذا لم يعد من مراتبه وانما عد مباين له كما قد يقال في المثال المذكورة فلا يجري استصحاب الكلي كما لا يخفى.

فما تعلق به اليقين لم يكن مشكوك البقاء بل انما هو معلوم الارتفاع وما تعلق به الشك في بقائه لم يكن معلوم الثبوت سابقا فلم تكن القضية المشكوكة متحدة مع القضية المتيقنة موضوعا فكيف يجري فيه الاستصحاب.

وأما القسم الثاني من القسم الثالث فعدم جريان الاستصحاب فيه أوضح للقطع بزوال ما هو المتيقن بزوال الفرد بما هو وجود الطبيعة من جهة القطع بتخلل العدم وانما يشك في حدوث وجود فرد آخر من الطبيعة غير الوجود الاول منها وبعبارة أخرى ما هو المتيقن سابقا هو موضوع الأثر وان كان صرف وجود الطبيعة ولكنه لما كان صرف الوجود منطبقا على أول الوجود والمفروض انه قطع بزواله وانما يشك في أنه بعد زوال أول الوجود هل تحقق وجود الطبيعة بثاني وجودها أم لا فمقتضى استصحاب عدم الحدوث اثبات عدمه.

وعلى كل حال قد اختلف متعلق اليقين مع متعلق الشك ولم يكن الموضوع واحدا فلا يجري فيه الاستصحاب فيما اذا كان الفرد المشكوك الحدوث مقارنا لزوال ما هو المتيقن فيكون من قبيل المباين له واما اذا كان الفرد المشكوك الحدوث في آن زوال الأول من قبيل بعض مراتب الاول بأن يكون الكلي نسبته اليهما من قبيل المشكك مثلا لو شك بعد زوال السواد الشديد الذي تحقق الكلي في ضمنه في انه تبدل الى مرتبة ضعيفة من السواد أيضا فان مثل هذا القسم لا يبعد جريان استصحاب الكلي بما هو صرف الوجود فيما اذا ساعد العرف بأن المرتبتين ليس من قبيل المتباينين أو من قبيل اعدام فرد واحداث لفرد آخر مباين بل يرى المرتبة الضعيفة عين المرتبة الشديدة ولو بمعنى ان بين المرتبتين يرى جهة محفوظة بين الشديد والضعيف فيحكم ببقاء الجهة المحفوظة

بين المرتبتين وعليه لا مانع من جريان استصحاب الكلي الذي هو من أقسام المشكك.

ولكن هذا انما يتم اذا ساعد العرف على ذلك. لما عرفت أن موضوع الاستصحاب انما هو موضوع عرفي واما اذا لم يساعد العرف عليه فيكون من قبيل المتباينين فحكمه حكمها كما لا يخفى.

هذا كله فيما إذا كان موضوع الحكم في الاستصحاب صرف الوجود واما اذا أخذ الكلي موضوعا للحكم. ويترتب عليه الأثر بوجوده الساري بنحو يكون كل مرتبة من وجوده موضوعا للاثر ويكون من قبيل العام الاستغراقي كما مثلناه سابقا بالنجاسة الخبثية باعتبار كونها مانعة من الدخول في الصلاة فالاقسام المتصورة في الكلي وان كان يتطرق فيها الأقسام ولكنه ليس من قبيل الكلي بمعنى صرف الوجود في جريان الاستصحاب فيه بل يكون من هذه الجهة كحكم الجزئي الشخصي فيجري فيه الاستصحاب جريانه في القسم الأول من الأقسام الثلاثة من القسم الثالث من استصحاب الكلي للشك في بقاء شخص ذلك الوجود السابق من الكلي ولا يجري فيه الاستصحاب في القسم الثاني منه ولو قلنا بجريانه بالنسبة الى صرف الوجود.

كما اذا علمنا بنجاسة مرددة بين الثوب والبدن مع غسل البدن بعد ذلك فان هذه النجاسة المرددة بما هي صرف وجود النجاسة لا يكون مانعا وانما يكون المانع نفس ما هو شخص الوجود الواقعي المردد بين البدن والثوب مع القطع بزواله لو كان في البدن والقطع ببقائه لو كان في الثوب فحينئذ يكون من قبيل الفرد المردد بين الفردين فاذا كان من هذا القبيل فلا يتصور الشك في بقاء ما هو المتيقن سابقا بعد زوال أحد الفرديين بل انما نقطع بأنه باق لو كان في ضمن الفرد

غير الزائل وأنه زائل لو كان في ضمن الفرد المقطوع الزوال.

ومن هذا ظهر الحال فيما إذا كان المستصحب جزئيا في قبال الكلي وانه يجري فيه الاستصحاب فيما اذا كان معينا للشك في بقاء ما كان سابقا ولا يجري فيما اذا كان من قبيل الفرد المردد بين الفردين لعدم الشك في بقاء المتيقن بعد زوال أحد الفردين كما أشرنا إليه آنفا.

وحاصله انه ليس لنا شك في بقاء المتيقن المردد بل نقطع بأنه لو كان هذا الفرد الباقي فهو باقي ولو كان الفرد الزائل فهو زائل فمن أين يمكن استصحابه.

(الشبهة العبائية)

ومن هنا ظهر الجواب عما هو المعروف من الشبهة العبائية المنقولة عن السيد اسماعيل الصدر الاصفهاني (قده) من أنه لو كان استصحاب الكلي المردد بين فرد الباقي والفرد الزائل حجة فيلزم محذور باطل.

وهو أنه لو فرضنا انا علمنا اجمالا بنجاسة احد اطراف العباء ثم غسلنا طرفه اليمنى ثم لاقى اليد الطرف الغير المغسول والطرف المغسول يحكم بنجاستها لانه باستصحاب بقاء النجاسة المرددة ولو بعد غسل أحد الطرفين يثبت ملاقاة اليد النجاسة مع الرطوبة بمقتضى ملاقاتها للطرفين فلا بد من الحكم بنجاستها مع أنه لو لاقى الطرف الغير المغسول فقط لا يحكم بنجاسة لعدم تنجس ملاقي أحد طرفي الشبهة المحصورة فيلزم أن يكون ضم الطرف الطاهر يقينا بالطرف المشكوك موجبا للحكم بالنجاسة مع انه من المقطوع انه ليس موجبا للنجاسة وليس له دخل فيها.

وهذا المحذور ينشأ من استصحاب النجاسة الكلية وجوابه ان النجاسة المتيقنة في المقام ليست إلّا فردا مرددا بين فردين وقد عرفت

عدم جريان الاستصحاب فيه فلا مجال لهذه الشبهة على استصحاب الكلي اللهم إلا أن يقال بأن المعلوم بالاجمال عين المتيقن المردد بين الفردين فى الجزئي المردد فى الطبيعة السارية وان لم يكن استصحاب خصوص ما هو المتيقن بما هو شخص خاص بتمام خصوصه.

ولكن اذا كان الشخص موضوعا لاثر شرعي فالحصة من الكلي المتحقق في ضمنه أيضا تحت ذلك الأثر ضمنا فيجب الاجتناب عنه وان كان شخص النجاسة مجهولا.

ولكنه لما كان الشخص مركبا من الطبيعة والتشخص فنفس الطبيعة أيضا كان واجب الاجتناب ضمنا فحينئذ يجري الاستصحاب ولو لم يجر بالنسبة إلى الشخص بخصوصية أنه شخص لعدم الشك في بقاء نفس لتشخص كما تقدم.

فلا مانع من استصحاب مقوم العالي أعني الكلي المتحقق في ضمنه لاثبات الأثر المترتب عليه ضمنا لكونه مشكوك البقاء بعينه بعد ما كان متيقن الحدوث سابقا فلا بد من صحة استصحاب نفس النجاسة الجامع بين الشخصين فى المسألة المعروفة بعد غسل أحد الطرفين لأن يترتب عليه أثره من وجوب الاجتناب عنه وعن ملاقيه فيعود الاشكال.

نعم هذا البيان يتم على مسلكنا من كون مرجع الاستصحاب الى أن المراد من لا تنقض اليقين بالشك معاملة المشكوك منزلة المتيقن بالنسبة الى الأثر.

وأما بناء على كونه راجعا إلى جعل مماثل الحكم السابق فلا يتم هذا البيان ولا يجري استصحاب نفس الجامع الذي كان مترتبا عليه الأثر ضمنا لأنه جعل مماثل للأثر الضمني وهو مما لا يجعل بدليل الاستصحاب لأن الأثر الضمني غير قابل للجعل الاستقلالي بمثل الاستصحاب ولو ظاهرا.

ولكن الأمر بالعمل ووجوب الاجتناب ليس ضمنيا بل يكون استقلاليا لا مانع من اثباته بدليل الاستصحاب وأما الجواب عن هذه الشبهة بناء على مسلكنا المختار ينحصر بما تقدم من عدم جريان استصحاب الوجود في القسم الثاني من أقسام استصحاب الكلي بالبيان المتقدم مع أنه يمكن احراز عدم اليقين ببقاء نجاسة العباءة بعد غسل أحد الطرفين وبضم الأصل الى الوجدان يتحقق الموضوع ثم لا فرق في استصحاب الكلي بين ما اذا كان المستصحب موضوعا كليا لحكم شرعي كما تقدم وبين أن يكون حكما شرعيا كليا.

كما إذا علمنا بوجود شيء ولكنه كان مرددا بين الوجوب النفسي والغيري ثم علمنا بأنه لو كان غيريا لزال قطعا من جهة القطع بارتفاع الوجوب عما يحتمل أن يكون ذلك مقدمة له فانه لا مانع من استصحاب نفس الوجوب الكلي الجامع بين النفسي والغيري من غير نظر إلى خصوصية احداهما فيترتب عليه أثر وهو وجوب العمل على طبقه ولزوم اتيانه باتيان العمل ولكن ذلك أيضا على المختار من كون نتيجة الاستصحاب هو الأمر بالمعاملة.

واما البناء على كونه راجعا الى جعل مماثل فلا يمكن جريانه لانه يلزم أن يجعل جنس الوجوب بما هو جنس الوجوب من غير تقومه بفصل من الغيرية والنفسية لأن مماثل الكلي المتيقن ليس جنس الوجوب وهو غير قابل للجعل بلا جعله في ضمن فصل ولا فرق في عدم قابلية جعل الجنس بلا فصل بين أن يكون حكما واقعيا وبين أن يكون ظاهريا وقصارى ما يتخيل في المقام أنه بعد شمول دليل الاستصحاب له نستكشف بالملازمة العقلية بين تحقق الجنس وبين الفصل للعلم بتحققه في ضمن أحد الفصلين ودفعه انه ان أريد جعله فى ضمن أحد الفصلين بنحو

الاهمال ولو واقعا بأن لا يكون له واقع محفوظ حتى عند الجاعل فيقول يلزم جعل الجنس بلا فصل خاص مقدم وهو باطل وان أريد جعله في ضمن فصل معين في الواقع مجهول عندنا ولو كان معلوما عنده فيلزم اختيار أحد الفصلين بلا مرجح وهو محال وهذا من الاشكالات الواردة على القول بكون الاستصحاب يرجع إلى جعل المماثل.

كما انه بناء عليه لا بد من الالتزام بعدم جريان استصحاب الحكم والموضوع فيما إذا كان المكلف شاكا في القدرة على العمل الذي كان مما يتعلق به الحكم.

كما اذا نذر ان يشبع الفقير في يوم الجمعة ثم يشك في حياته فى هذا اليوم فهذا الشك شك في القدرة على اشباعه ومعه لا معنى لاستصحاب الحياة لاثبات وجوب الاشباع.

كما لا معنى لاستصحاب نفس الوجوب لأن استصحاب الحياة لا يثبت القدرة على اشباعه ومع الشك في القدرة كيف يثبت وجوب الاشباع وهذا بخلاف المسلك المختار فانه عليه يرجع استصحاب الحياة إلى الامر بالمعاملة على طبق اليقين بالحياة من لزوم الحركة والفحص عن أنه يمكن اشباعه أولا.

ثم لا يخفى أنه لو كان هناك أثر بسيط مترتب على الجامع بين الفردين المتفقين في الحقيقة بنحو الطبيعة السارية لا يصرف الوجود مع العلم بوجود فرد كلي في الزمان السابق وارتفاعه فى الزمان وشك في وجود فرد آخر للكلي في حال وجود الفرد المعلوم أو حدوثه مقارنا لارتفاعه بلا تخلل عدم بينهما.

فبالنسبة إلى السبب لا يجري فيه الاستصحاب لما عرفت من انتفاء الشك في البقاء وأما بالنسبة إلى المسبب فلا مانع من استصحابه

لتحقق أركانه من اليقين في الوجود والشك في البقاء حيث يصدق انه كان على يقين من وجود الأثر فشك في بقائه بارتفاع الفرد المعلوم الحدوث حيث إن القضية المشكوكة عين المتيقنة نظير استصحاب بقاء هيئة الخيمة بحالها عند احتمال قيام عمود آخر مقام العمود الأول المعلوم الارتفاع.

ودعوى ان الالتزام بذلك أنه يلزم جريان الاستصحاب فيما لو شك في المسببات الشرعية في أبواب الفقه كمثل الزوجية والوكالة والولاية كما لو علم انه لو تزوج زيد هندا بعقد الانقطاع إلى مدة وعلم بانقضائها إلا انه شك في بقاء زوجيتها لاحتمال تزويجها ثانيا مقارنا لانقضاء الأول بعقد جديد.

وكذا لو علم بوجوب الصوم على مدة معينة بنذر أو شبهه فشك في حدوث نذر آخر فيه متعلق بصومه من حيث انقضاء المدة الى مدة أخرى فانه مقتضى ما ذكر هو الالتزام لجريان الاستصحاب في مثل ذلك مع أنه لا يظن من أحد التزامه ممنوعة بالغرق بين ما ذكرنا وبين تلك الامثلة فان الامثلة من قبيل استصحاب الصورة الأولى والثانية من القسم الثالث من أقسام الاستصحاب الكلي الذي قد عرفت عدم جريان الاستصحاب فيه حيث أن المعلوم السابق فيها فرد من الزوجية المحتملة حدوثها بسبب جديد فلا يكون المشكوك في الزمان المتأخر عين الفرد المعلوم السابق.

بل مقتضى الأصل هو عدم حدوث ما شك في وجوده في الزمان المتأخر وهذا بخلاف المقام فان استصحاب السبب في مثل هيئة الخيمة كما في المثال فان المستصحب فيه أمر وجداني شخصي لا يتغير عما هو عليه من الوحدة الشخصية ولا يتعدد وجوده بتبديل أعمدة الخيمة على

أن تلك الامثلة المذكورة ان ترتيب الاسباب والمسببات شرعية فاستصحاب المسببات فيها تكون محكومة باستصحاب الأسباب بخلاف المقام فان الترتيب بين الأسباب والمسببات ترتب عقلي محض فيجري استصحاب المسببات من دون معارض باستصحاب الأسباب لعدم جريان الاصل في السبب لعدم ترتب أثر شرعي عليه لكي يقدم على المسبب.

بقي شيء وهو أن المتسالم عليه عند القوم جريان أصالة عدم التذكية عند الشك في تذكية الحيوان وبجريانه يثبت حرمة اكل لحمه ونجاسته وقد خالف في ذلك الفاضل التونى (قده) فقال بعدم اثبات استصحاب عدم التذكية للحرمة والنجاسة حيث أن عدم المذبوحية لازم لأمرين الحياة والموت حتف الانف والموجب للنجاسة ليس هذا اللازم من حيث هو بل ملزومه الثاني وهو الموت حتف الانف وعدم المذبوحية لازم أعم لموجب النجاسة تمسكا بأن الموضوع لكل من حرمة لحم الحيوان ونجاسته وحليته وطهارته أمر وجودي فموضوع الحرمة والنجاسة هي الميتة التي هي عبارة عن الحيوان الذي مات حتف انفه.

كما ان موضوع الحلية والطهارة عبارة عن المذكى وهما أمران وجوديان ولا بد من احرازهما واصالة عدم التذكية لم يثبت احراز الميتة حيث أن نفي أحد الضدين بالاصل لاثبات الضد الآخر من الاصول المثبتة التي لا نقول بحجيتها وعليه يجري استصحاب العدم من الطرفين وحيث تقع المعارضة بينهما تتساقط الاصلان وبعد التساقط يرجع إلى اصالة الحل والطهارة في اللحم المشكوك (١) وعلى تقدير التسليم ان

__________________

(١) لا يخفى ان المقام من الموضوع المركب فتارة يكون من قبيل العرض ومحله كما عليه الاستاذ المحقق النائيني (قده) فيكون العرض بما هو نعت لمحله وهو بمفاد كان الناقصة له الدخل في الموضوع فاستصحاب

الموضوع للحرمة والنجاسة هو نفس عدم التذكية لا عنوان الميتة الذي هو أمر وجودي فليس لهذا العنوان حالة سابقة حتى يستصحب حيث ان خروج الروح أما أن يكون عند تذكية واما لا عن تذكية فلم يتحقق زمان كان فيه خروج روح حيوان ولم يكن عن تذكيه حتى يجري فيه الاصل.

وأما عدم التذكية في حال حياة الحيوان انما هو من قبيل ليس التامة فهو وان كان على يقين منه سابقا ولكن جريان الاصل فيه لاثبات العدم الخاص من الاصول المثبتة التي لا نقول بحجيتها فحينئذ يرجع الى اصالة الحل والطهارة ولكن لا يخفى.

أولا نمنع كون الميتة هي خصوص ما مات حتف الانف وانما هي

__________________

وجود المحمول لذلك العرض أو عدمه المحمولي لاثبات ما له الدخل في الموضوع لا يجري إلا على القول بالاصل المثبت ولذا قلنا في محله ان اصالة العدم المحمولي الذي هو بمفاد ليس التامة لاثبات العدم النعتي الذي هو بمفاد ليس الناقصة من الاصول المثبتة وأخرى يكون من قبيل عرضين لمحل واحد بنحو يكون الموضوع مركبا من جزءين أحدهما عدم التذكية وثانيهما زهوق الروح بنحو لا يكون زهوق الروح من نعوت عدم التذكية ومن حالاته لكي يكون لعدم التذكية فردان احدهما موضوع الاثر دون الآخر كما قرر في الاشكال بل يكون الموضوع للأثر قد أخذا مجتمعين بنحو لا يكون وصف اجتماع له الدخل في تحقق الاثر وعليه يكون من قبيل ما احرز أحد جزئيه بالاصل كاصالة عدم التذكية والجزء الآخر بالوجدان وهو زهوق الروح والظاهر ان المقام من العرض ومحله وعليه لا يجرى استصحاب العدم الأزلي الا على القول بالاصل المثبت كما لا يخفى.

عبارة عن مطلق التذكية بشرائطها المقررة من الذبح بالحديد مع التسمية واستقبال القبلة مع اسلام الذابح فمع اختلال بعض هذه الامور يكون الحيوان ميتة وان لم يزهق روحه حتف انفه وثانيا لو سلم ان الميتة خصوص الموت حتف الأنف فلا نسلم اختصاص موضوع الحرمة والنجاسة بالعنوان المذكور لأن الحكم بالحرمة والنجاسة كما رتب في الأدلة على عنوان الميتة كذلك رتب على عدم المذكى كما في قوله تعالى : (وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ) وقوله تعالى (وكلوا (ما ذَكَّيْتُمْ) فعليه كيف يجري اصالة عدم التذكية في المشكوك لاثبات الحرمة والنجاسة وان لم يثبت بها عنوان الميتة وعلى فرض التسليم فلا معنى للرجوع الى اصالة الحل بعد تساقط الأصلين بل اللازم هو الرجوع إلى اصالة الحرمة والطهارة الثابتان في حال حياة الحيوان فان ذلك حاكم على قاعدة الحلية والطهارة والتفكيك بين الطهارة والحلية غير ضائر إذ هو كثير بالنسبة للأحكام الظاهرية فيمكن التعبد في طهارة ما شك في تذكيته وحرمة أكل لحمه وان لم يمكن ذلك بحسب الواقع.

(التنبيه الرابع):

في أن المستصحب أي المتيقن السابق قد يكون من الأمور القارة الذي تكون أجزاؤه مجتمعة في الوجود كالخط الواحد مثلا والجواهر بناء على عدم حركة الجوهرية وقد يكون من الأمور التدريجية غير القارة في الوجود أي التي لا تكون أجزاؤه مجتمعة في الوجود بل يوجد جزء في آن فينعدم فيوجد الجزء الآخر في أن آخر إلى أن تنتهي أجزاؤه كالزمان والحركة والليل والنهار وأمثالها مما تكون تدريجية الحصول ولا

اشكال في صحة الاستصحاب في القسم الأول.

وأما الثاني فقد استشكل في جريانه باعتبار عدم تحقق أركانه من اليقين السابق والشك اللاحق فان الاجزاء لما كانت تدريجية فتلاحظ كل واحد منها مستقلا فيرى أن الجزء الأول منها معلوم الوجود في الزمان الأول ومشكوك الحدوث في الزمان الثاني فيرجع الى أصالة عدمه والحق في الجواب.

ان هذه الأجزاء وإن كانت تدريجية الحصول إلا أنه يصدق الوجود الواحد على الموجودات التدريجية بنحو يكون أوله حدوثا وما بعده بقاء كالليل والنهار وسيلان الدم والمسافة والكلام وأمثال ذلك مما كان تدريجي الحصول.

وبعبارة أخرى أن الآنات والازمنة المتعاقبة وإن كانت في الحقيقة وجودات متعددة إلا أنها متحدة سنخا لكونها على سنخ الاتصال ولم يتخلل بينها سكون فتكون الجميع بنظر العرف موجودا واحدا ممتدا وبذلك يعد الموجود اللاحق بقاء لما حدث أولا فيصدق عليه بقاء ما حدث وتكون القضية المتيقنة عين القضية المشكوكة عرفا.

وقد عرفت أن المدار في الاستصحاب على البقاء العرفي لا البقاء الدقي ولأجل ذلك يجري الاستصحاب كما يجري في القسم الأول من الأمور القارة بل ربما يقال بأن الحركة في المقام من الحركة التوسطية لا الحركة القطعية بيان ذلك أن الحركة على قسمين قطعية وتوسطية.

الأولى هي كون الشيء في كل آن أو في حد أو مكان كحركة السائر فانه في كل آن يكون في مكان وما كان فيه في الآن السابق أو في حد إذا كانت الحركة في غير المكان كحركة الطفل أو الشجرة في النمو فانهما ما داما في النمو يكون نموهما في كل آن بحد خاص

فيكون من قبيل خلع حد وليس حد آخر كما هو كذلك فى الاشتداد في الكيف.

وأما الثانية فهي كون الشيء في المبدأ والمنتهى كالنهار الذي هو عبارة عن كون الشمس بين المشرق والمغرب والليل الذي هو عبارة عن كونها بين المغرب والمشرق والتصرم إنما يكون في القسم الأول لا الثاني فانه من القار فحينئذ لا قصور في جريان الاستصحاب فيه حيث أنه لما كان بهذا الاعتبار من الامور القارة فيصدق عليها القار حقيقة لا مسامحة.

ولكن لا يخفى أنه لا سبيل الى ذلك حيث أن الحركة التوسطية لا يصدق عليها البقاء الحقيقي حيث أن البقاء الحقيقي عبارة عن استمرار وجوده في ثاني زمان حدوثه بماله من المراتب والحدود المشخصة في أن حدوثه وذلك لا يصدق على الحركة التوسطية في مثل الزمان والنهار والليل إذ حقيقتها عين التجدد والانقضاء والخروج من القوة إلى الفعل فان الموجود المتحقق في الخارج إنما هو الحصول في حد معين وهو أمر لا قرار له فهي بهذا الاعتبار عين الوجودات المتعاقبة والحصولات المتدرجة إذ كل واحد منها واقعة بين المبدأ والمنتهى.

فعليه لا معنى للتفكيك بين الحركتين وجعل التوسطية من القار الذي يتصور له البقاء الحقيقي ضمن الحركة القطعية فالحق في المقام ان هذه الشبهة تدفع بما ذكرنا من كفاية الوحدة العرفية الناشئة من الوجودات المتعاقبة مع عدم تخلل السكون بينها في صدق البقاء الحقيقي أو نقول بكفاية الوجودات التدريجية على نهج الاتصال في صدق النقض عرفا في قوله (لا تنقض اليقين بالشك).

المستفاد منه صدق النقض عرفا من البقاء الحقيقي والمسامحي

فيكون المصحح للاستصحاب حقيقة هو الاتصال الموجب لصدق البقاء الحقيقي أو العرفي بهذا يجري الاستصحاب في نفس الزمان وكذا غيره من الزمانيات التي يعرضه من العناوين الطارئة المنتزعة من مجموع الازمنة المتعاقبة بين الحدين كاليوم والليل والنهار.

فان بهذا الاعتبار يكون وجود الليل والنهار عرفا بوجود أول جزء منه وبقاءه بتلاحق بقية الآنات وببيان آخر أنه قد عرفت الحركة الاعم من التوسطية والقطعية بأنها كمال أول للشيء الذي يكون بالقوة من حيث هو بالقوة أو بخروج الشيء من القوة إلى الفعلية تدريجا أو يكون الاول في مكان الثاني على اختلاف المشارب وهو على قسمين أما بمعنى التوسط وأما بمعنى القطع والمراد بالاول كون الجسم أو المتحرك هو التوسط بين المبدأ والمنتهى وقد عرف بغير ذلك أيضا.

والحركة بهذا المعنى أمر واحد مستمر بوجود واحد في الخارج فانا نرى عيانا بأن المتحرك له حالة مخصوصة ثابتة من المبدأ الى المنتهى ويرى أنه باق فيما بينهما مستمر من أول المسافة الى آخرها وتلك الحالة أمر واحد بسيط باق بذاته وليس له انعدام وتدرج أصلا بل هو باق من أول المسافة الى آخرها لكن له سيلان بحسب نسبة المتحرك إلى حدود المسافة والاختلاف فيها اعتباران استمرار بالذات وسيلان باعتبار نسبتها الى حدود المسافة.

وهذان الاعتباران يتحققان بصورة واحدة ترتسم في الخيال بل في الحس المشترك أمر ممتد تدريجي الحصول في البقاء وذلك لما ارتسم في الحس المشترك نسبة المتحرك الى الحد الثاني قبل زوال نسبته عن الحد الاول.

وهكذا يقع في الحس تلك النسب مجتمعة بعضها مع بعض في

الوجود من غير تخلل عدم بينها كالقطرة النازلة يتخيل أنها واحدة والشعلة الجوالة يتخيل أنها دائرة وهذا الأمر المتخيل الممتد يطلق عليه الحركة بمعنى القطع فظهر بذلك أن المراد من الحركة هو القطع أيضا وامتياز المعنى الأول عن الثاني بالاعتبار وأن الثاني عبارة عن أمر ممتد في الخيال يرتسم من الأول ويكون الأول راسما.

وما في الكفاية من أن الحركة القطعية عبارة عن كون الشىء في كل ان في حد أو مكان غير الأول خارج عن الاصطلاح وأن ذلك هو الحركة التوسطية وكيف كان إذا ظهر أن الحركة التوسطية أمر باق بالدقة ليس من الأمور التدريجية فلا نحتاج في جريان الاستصحاب في الزمان والزمانيات إلى ما تقدم من التمسك بالمسامحة العرفية ولكن التحقيق مع ذلك عدم جريان الاستصحاب في الحركة التوسطية باعتبار انطباقها على حدود المسافة المفروضة نسبته انطباق الكلي على الأفراد بمعنى أنها في كل أن تتحقق بمرتبة من حدود المسافة غير مرتبة الآخرتين منها فيكون من قبيل القسم الثالث من استصحاب الكلي الذي كان الشك في بقائه من جهة الشك في تحقق فرد بعد زوال الأول الذي تحقق الكلي في ضمته فيجيء فيه الاشكال المتقدم فلا يكون المصحح للاستصحاب إلا النظر المسامحي العرفي.

هذا إذا كان الشك في البقاء من جهة الشبهة المصداقية وأما لو كان الشك فيه من جهة الشبهة المفهومية كما لو شك في أن النهار ينتهي عند غروب الشمس أو عند ذهاب الحمرة المشرقية بعد القطع بغيبوبة الشمس فلا يجري الاستصحاب لكونه من قبيل العنواني الاجمالي الذي لا يكون مثله له أثر شرعي إذ الأثر الشرعي مرتب على أثر الحدين فلا شك في البقاء ، هذا كله فيما إذا كان الأثر مترتبا على مفاد كان

أو ليس التامة (١).

وأما لو كان الأثر مترتبا عليه بمفاد كان أو ليس الناقصة فكون

__________________

(١) لا يخفى أنه قد يقال بعدم صحة جريان الاستصحاب فيما كان مفاد كان وليس الناقصة لعدم وجود متيقن سابق إذ القدر المتيقن قد انقضى وانعدم قطعا والمشكوك فيه يشك في أصل حدوثه فلم تتم أركان الاستصحاب فيه ولكن لا يخفى أنه على القول بكون الزمان كاليوم والليل أمرا واحدا حقيقة بما عرفت أنه متصل أناته ولم يتخلل العدم بينها فتكون القضية المتيقنة متحدة مع القضية المشكوكة فيها فلا مانع من استصحابه كما لا مانع من استصحابه بناء على كون الزمان أمرا مركبا من الأناث حيث أن تركبه على هذا القول إنما هو بالنظر الفلسفي وأما بالنظر المسامحي العرفي فهو أمر واحد ، كاليوم مثلا من أوله إلى آخره موجود واحد يوجد بوجود أول جزء منه ثم يبقى مستمرا إلى آخر جزء منه فتكون القضية المتيقنة متحدة مع القضية المشكوكة عرفا لا دقة هذا إذا كان الزمان شرطا لنفس الوجود من دون أن يأخذ قيدا للمتعلق.

وأما إذا كان قيدا لمتعلق الحكم كما في الصلوات اليومية وغيرها مما أعتبر تقييدها بزمان خاص فجريان الاستصحاب فيها محل نظر إذ استصحاب ببقاء اليوم مثلا لا يثبت وقوع الظهرين فيها إلا على المقول بالأصل المثبت.

ومن هنا عدل الشيخ الأنصاري (قده) من استصحاب الزمان إلى استصحاب نفس الحكم الشرعي فتمسك باستصحاب بقاء وجوب الظهرين.

ولكن لا يخفى أن ما ذكره (قده) عن جريان الاستصحاب أن كان المقصود منه استصحاب المحكم لاثبات بقاء نفس الوجوب فلا

الزمان الحاضر من الليل أو النهار أو من شهر رمضان مثلا ففي جريان الاستصحاب أشكال ينشأ من كون مفاد كان أو ليس الناقصة ليس له حالة سابقة حتى يستصحب فان الزمان الحاضر الذي شك في أنه ليل أو نهار حادث إما من الليل أو النهار فلا يقين له باتصافه من الليل

__________________

مورد له لوجود الاستصحاب الموضوعي أي استصحاب بقاء الوقت وهو حاكم على الاستصحاب الحكمي وان كان الغرض منه إثبات وقوع الصلاة في النهار فليس بحجة لكونه مثبتا ولعل ذلك أوجب عدول صاحب الكفاية عنه وتمسك باستصحاب بقاء نفس القيد حيث أن المكلف إذا شك في بقاء نهار شهر رمضان مثلا يصح استصحاب بقاء وجوب الامساك في النهار لأن الامساك قبل هذا الآن كان إمساكا نهاريا فيستصحب بقاءه كذلك ، ولكن ما ذكره (قده) إنما يتم إذا كان متلبسا به.

وأما إذا لم يكن متلبسا به كما إذا شك في بقاء اليوم عند الاتيان بالظهرين فلا يصح جريان الاستصحاب المقيد ضرورة أن المقيد لم يحدث بعد حتى يستصحب بقاءه اللهم إلا أن يقال بجريان الاستصحاب التعليقي فانه يمكن إثبات المقيد به بأن يقال لو كان متلبسا بالصلاة لكان تلبسه بها بالوقت فيحكم ببقائه ، ولكن الكلام في صحة جريان الاستصحاب التعليقي وعلى فرض تسليمه فانما يجري فيما إذا كان الحكم الشرعي المعلق على أمر معلوم الحصول في الزمان الأول وهو مشكوك الحصول في الزمان الثاني لأجل تغيير جانب الموضوع كحرمة شرب العصير العنبي لو غلى فيشك في هذا الحكم المعلق كجفاف العنب وصيرورته زبيبا وليس المقام من قبيل ذلك لأن كون الصلاة والصوم في النهار مثلا ليس حكما شرعيا معلقا على أمر شرعي بل هو أمر خارجى في السابق مثل هذا الزمان المشكوك نهاريته معلوم الحصول على تقدير الوجود وفي نفس

أو النهار واستصحاب بقاء الليل والنهار بمفاد كان التامة لاثبات نهارية الزمان الحاضر أو ليلته حتى يترتب عليه الأثر الخاص من الاصول المثبتة التي لا نقول بحجيتها ، ولأجل ذلك يشكل الأمر في الواجبات الموقتة كالصلاة اليومية والصوم في شهر رمضان ونحوهما لأجل أن غاية ما يقتضيه

__________________

زمان المشكوك الحصول وليس من قبيل الشك في بقاء حكم شرعي أو موضوع ذي حكم حتى يستصحب وبالجملة أن استصحاب نفس الزمان الذي هو اسم لقطعات الزمان كاليوم والليل والشهر والاسبوع فان كان بمفاد كان التامة فيجري استصحابها لتمامية أركانه حيث أن انطباق هذه العناوين على قطعة من الزمان توجد بأول جزء منه حقيقة ويبقى الى وجود آخر جزء منه ولازم ذلك أن يراد من بقاءه بالنسبة الى تلك القطعات من الزمان استمرار وجودها إلى وجود آخر جزء منه حقيقة.

وإن أبيت إلا عدم الصدق الحقيقى فمن الواضح تحقق العرفي المسامحى وذلك كاف في جريان الاستصحاب.

وأما جريان الاستصحاب بمفاد كان الناقصة فقد وقع الاشكال في أن جريان الاستصحاب لاثبات كون العمل واقعا في الوقت المضروب له شرعا فمبني على إثبات نهارية الزمان الحاضر المشكوك أو ليليته وذلك من الاصول المثبتة الذي لا نقول بحجيتها ، ولكن لا يخفى أن ذوات الآنات المتصلة والمتدرجة في الوجود كما تكون تدريجية الحصول.

كذلك توصف بالنهارية والليلية بوصف تدريجي فتكون حادثة بحدوث الآنات وباقية ببقائها فلا مانع أن نقول بأن الآنات السابقة متصفة بالليلية أو النهارية فاذا كانت متصفة سابقا فالشك في اتصاف الزمان الحاضر بالليلية أو النهارية لا مانع من استصحابه كما عرفت في استصحاب نفس الزمان فان شبهة الحدوث تندفع بما ذكرنا من أن

استصحاب الليل أو النهار بمفاد كان التامة.

وأما إثبات وقوعها في الليل أو النهار أو شهر رمضان الذي هو مفاد كان الناقصة ليس من الآثار الشرعية وإنما هو من الآثار العقلية ولا يمكن إثبات ذلك حيث أنها من الاصول المثبتة التي لا نقول بها وبذلك لا يترتب عليها الامتثال والخروج عن عهدة المكلف بالموقت.

وبالجملة أن استصحاب مثل الليل والنهار يجرى فيها اذا كان الأثر مترتبا على نفس عنوان وجود الليل والنهار بمفاد كان التامة إذا قلنا بأن وجود الامساك في شهر رمضان موضوعا عند وجود النهار وجواز الافطار موضوعا لنفس وجود الليل بما هو مفاد كان التامة.

وأما فيما إذا كان الأثر مترتبا على مفاد كان الناقصة بأن يكون الأثر مترتبا على زمان يكون متصفا بكونه نهارا أو ليلا فلا يجري بكونه مثبتا.

وأما إذا قلنا بأن وجوب الكفارة موضوعه أن يجامع في نهار شهر رمضان فأى زمان يكون متصفا بكونه نهارا فاستصحاب بقاء النهار لا يثبت نهارية تلك القطعة في الزمان إلا على القول بالأصل المثبت كاستصحاب الكرية تثبت كرية الموجود من الماء إلا على القول بالأصل

__________________

الزمان اسم لمجموع ما بين الحدين فيصح صدق البقاء للزمان بتلاحق بقية الآنات ولحاظ المجموع من جهة كونها متصلة وجودا واحدا ممتدا كذلك فكما صح ذلك في نفس الزمان لا مانع في استصحاب وصف الليلية أو النهارية حيث أن بقاء الوصف بتلاحق القطعة من الوصف الثابت للزمان الحاضر بقطعات الوصف الثابت للآنات السابقة فلو شك في ليلية الزمان الحاضر فلا مانع من استصحاب الليلية الثابتة للآنات السابقة وجرها إلى الزمان الحاضر وبالجملة لو منعنا ذلك بالنسبة لوصف الزمان منعنا استصحاب نفس الزمان فأفهم وتأمل.

المثبت الذى لا نقول بحجيته اللهم إلا أن يقال بجريان الاستصحاب التعليق في المقام

بتقريب إن هذا العمل الشخصي الموجود الزمان المشكوك نهاريته لو كان موجودا قبل هذا الزمان المشكوك نهاريته لكان صلاة أو إمساكا في النهار والآن كما كان.

هذا تمام الكلام في استصحاب نفس الزمان الذي هو القسم الأول من الأقسام الثلاثة.

القسم الثاني في الزمانيات التدريجية كالتكلم وجريان الماء وسيلان الدم وأمثالها مما هو تدريجي الحصول فيجري الاستصحاب في الشك في البقاء للزمان التدريجي فيها من غير فرق بين أن يكون الشك في انتهاء حركته وبلوغه إلى المنتهى أو بقاءه على صفة الجريان أو يكون لأجل الشك في طرو ما يمنع من حركته وجريانه مع القطع لاستعداد البقاء كما لو شك في بقاء التكلم لأجل احتمال طرو حادث على الداعي الذي اقتضى التكلم.

أو شك في جريان الماء وسيلان الدم من عروق الأرض وباطن الرحم لاحتمال وجود ما يمنع عن ذلك وبين أن يكون للشك في كمية المبدأ أو مقدار استعداده كما لو شك في مقدار استعداد عروق الأرض وباطن الرحم لجريان الماء وسيلان الدم بناء على حجية الاستصحاب في الشك في المقتضى كما هو المختار.

أو يكون الشك في قيام مبدأ آخر مقام الأول المعلوم ارتفاعه بنحو لا يعد الموجود اللاحق مغايرا كما في مثل تبدل أعمدة الخيمة غير الموجب لتغير في هيئتها وكما في تبدل عرق الأرض الجاري منه الماء إلى عرق آخر غير موجب لتغير الماء وجريانه فانه لا مانع من جريان

الاستصحاب في ذلك.

وأما لو كان الموجود السابق يعد وجودا آخر فلا يجري فيه الاستصحاب إذ هو من القسم الثالث من أقسام الاستصحاب وعليه لا وجه لما نسب إلى بعض الأعاظم من إطلاق القول بالمنع عن الاستصحاب في الوجه الأول والثاني لجعله من الوجه الثاني من القسم الثالث من أقسام الاستصحاب بل لا بد من التفصيل بين الوجهين أي بينما يكون اختلافه من قبيل اختلاف عمود الخيمة بالنسبة لهيئتها المخصوصة وبين الموجب للتغيير كما لو كان بعد الموجود اللاحق عرفا فردا آخر مغايرا للموجود السابق كتغيير عنوان التكلم من القرآن إلى الخطبة أو الزيارة أو تغييره إلى فرد آخر مغاير للفرد الأول عرفا فيختص المنع عن الاستصحاب بالثاني دون الأول ثم لا يخفى أن الكلام في الأمور التدريجية في الزمانيات كالتكلم والقراءة وجريان الماء والدم وأمثالها من الأمور التدريجية هو الكلام في نفس الزمان أشكالا وجوابا من غير فرق بينهما نعم فصل الأستاذ في الكفاية (قده) بما حاصله أن الشك تارة يكون من جهة طرو ما يمنع من جريانه أو قوة استعداده للجريان مع العلم بمقدار الماء كمية أو يشك في ذلك للشك في أنه بقي في المنبع أو الرحم فعلا شيء من الماء أو الدم غير ما سال أو جرى منهما.

قال (قده) بجريان الاستصحاب في الصورة الأولى واستشكل في جريانه في الثانية خلافا للشيخ الانصاري (قده) حيث قال بجريانه في كلتا الصورتين ومنشأ تفصيل الأستاذ (قده) هو أن في الصورة الأولى يكون الشك ناشئا من الشك في وجود ما يوجب ارتفاعه وانعدامه بقاء مع تحقق المقتضي كالشك في بقاء الحركة أو التكلم من جهة عروض ما يوجب توقف المتحرك أو سكوت المتكلم من تعب أو غيره أو يكون

الشك ناشئا من الشك في مقدار اقتضائه للبقاء والاستمرار فانه بناء على حجية الاستصحاب في الشك في المقتضي فانه لا إشكال في جريان الاستصحاب لما عرفت أن الاتصال المتحقق في نفس الحركة وفي سيلان السائل من أولهما إلى آخرهما يوجب أن يكون شيئا واحدا فتتحد القضية المشكوكة مع القضية المتيقنة.

وأما الصورة الثانية وهي ما يكون الشك ناشئا من جريان الدم من الرحم أو جريان الماء من المنبع من جهة الشك في حدوث دم آخر غير ما كان جاريا سابقا من الرحم أو الشك في جريان الماء غير ما كان جاريا سابقا من المنبع وفي مثله يكون الشك في الحدوث لكون الماء الحادث حادثا في المنبع غير الماء الخارج وكذلك الدم يكون غير الدم الموجود في الرحم فعليه لا يجري استصحاب الماء الجاري سابقا بل يجري فيه استصحاب العدم لا استصحاب الوجود لحكومة استصحاب عدم الجريان بل لا يبعد أن يكون من القسم الثالث من أقسام الاستصحاب الكلي ولكن لا يخفي أن الصورة الأولى وإن جرى الاستصحاب فيها لاتصال الأجزاء المتعاقبة بنحو تعد الوحدة في الوجود إلا أنه لا يثبت كون الدم الخارج حيضا إذا كان الأثر مترتبا على كون الوجود الخارجي دما متصفا بالحيضية إلا على القول بالأصل المثبت لأن كون الدم الموجود في الخارج من اللوازم العقلية المترتبة على بقاء سيلان الدم من الرحم.

وأما في الصورة الثانية فلا مانع من استصحاب نفس جريان الدم بناء على المسامحة العرفية المتقدمة لأن الجريان المتيقن سابقا وإن كان ثابتا وقائما بشخص ذلك الدم الجاري في الرحم الخارج منه ولكنه لا إشكال في أنه لو لم ينقطع خروج الدم من الرحم كان الجريان باقيا ولو في نظر العرف من جهة الشك في انقطاع الدم فيشك في بقاء

الجريان فنستصحب بقاءه على ما تقدم من المسامحة العرفية المصححة بالاستصحاب في مطلق التدريجات والظاهر أنه ليس من القسم الثالث.

ثم لا يخفى أن الأقسام المتقدمة في استصحاب الكلي من الأمور القارة بالذات تتطرق بالنسبة إلى الأمور التدريجية أيضا فان الشك في بقاء التكلم والقراءة مثلا قد يكون من جهة الشك في بقاء شخص السورة التي كان مشغولا بقراءتها فيكون من قبيل القسم الأول وقد يكون من جهة الشك في أنه هل شرع في سورة أخرى مع القطع بانتهاء السورة الأولى فيكون من قبيل القسم قسم الثالث.

القسم الثالث في استصحاب الامور المقيدة بالزمان بأن يؤخذ الزمان قيدا أو ظرفا للامور القارة بمعنى أن متعلق الحكم الذي هو فعل المكلف الواقع في زمان خاص ففي مثله تارة نشك في بقاء حكم من جهة الشك في بقاء قيده أعني الزمان الذي أخذ قيدا له كما إذا ورد وجوب الصوم إلى الغروب وعلمنا أن المراد من الغروب هو أستار القرص مثلا ولكن شككنا في تحققه فلا إشكال في جريان الاستصحاب فيه أعنى استصحاب بقاء النهار بناء على كون المستفاد من دليل وجوب الصوم وجوبه ما دام النهار باقيا.

وأما لو قيل أن المستفاد وجوبه في كل زمان متصف بكونه نهارا فلا يفيد استصحاب بقاء النهار لاثبات كون زمان المشكوك نهارا إلا على القول بالأصل المثبت وأخرى نشك في بقاء الحكم لا من جهة الشك في بقاء قيده المفروض قيديته بل من جهة أخرى وتفصيل ذلك أنه إذا ورد في لسان الدليل ثبوت الحكم لفعل المكلف في زمان خاص كما إذا ورد يجب عليك الجلوس إلى الزوال في يوم الجمعة فله صور وأقسام.

الأول أن يكون الزمان الخاص قيدا للمطلوب بجميع مراتبه بأن

يكون التقيد به بلحاظ تمام المطلوب وهو الفعل في زمان خاص فلو شككنا بعد انقضاء الزمان الخاص بوجوب الجلوس لكان شكا في حدوث وجوب آخر لجلوس آخر ففي مثله لا إشكال في أنه لا يجري استصحاب بقاء الحكم السابق للقطع بارتفاعه ويجري استصحاب عدم ثبوت حكم جديد.

الثاني أن يكون الزمان الخاص مما يقطع بكونه مأخوذا على نحو الظرفية للمطلوب وبعد انقضائه نشك في بقاء ذلك الوجوب الثابت للجلوس فلا اشكال في جريان استصحاب ذلك الوجوب ولا مجال لاستصحاب العدم فيه لكون المفروض أن الوجوب لو كان ثابتا كان بقاء نفس الحكم الثابت سابقا مستصحبا نعم لو فرض أن الوجوب المشكوك بعد انقضاء الزمان لو كان ثابتا نقطع أنه غير الوجوب السابق فلا مجال لاستصحاب الوجوب السابق لعدم الشك في بقائه بل نقطع بعدم بقائه فيجري فيه استصحاب عدم وجوب الحادث :

الثالث أن يكون الزمان مما علم بكونه قيدا للحكم ولكن شك في كونه قيد أصل الحكم بحيث ينتفي أصل الحكم بانتفاء القيد أو كونه قيدا بخصوص المرتبة الشديدة منه بحيث لو انتفى يبقى بعض مرتبة المطلوب بعد القطع بارتفاع المرتبة الشديدة والظاهر لا مانع من جريان الاستصحاب فيه ولكن بالنسبة إلى أصل الوجوب فيكون هذا القسم بالنسبة الى المرتبة الشديدة المقيد بالزمان حكم القسم الأول وبالنسبة الى أصل الحكم حكم ما أخذ الزمان ظرفا.

الرابع ما اذا شك في كون الزمان مأخوذا قيدا أو وظرفا والظاهر أنه كالأول لا يجرى فيه الاستصحاب لأنه مع الشك في اعتبار الزمان قيدا أو ظرفا يكون الموضوع مشكوكا لاحتمال كون الزمان قيدا ومع

الشك في الموضوع لا مجال لجريان الاستصحاب ثم مما ذكرنا ظهر ما في كلام الفاضل النراقي (قده) (١) من القول بتعارض وجوب الجلوس

__________________

(١) نقل الشيخ الأنصاري (قده) عن الفاضل النراقي القول بتعارض استصحاب الوجودى مع استصحاب العدم الأزلي في المسألة المفروضة وهي فيما إذا كان الحكم الشرعي مفيدا بالزمان كما لو ورد دليل على وجوب الجلوس في يوم الجمعة من شهر كذا مثلا الى الزوال ثم حصل الشك في بقاء ذلك الوجوب بعد الزوال فقال أن استصحاب وجوب الجلوس فيما بعد الزوال معارض باستصحاب عدم الوجوب أزلا فيما بعد الزوال فيلزم أن يكون الجلوس فيما بعد الزوال واجبا باعتبار استصحاب الوجودي وغير واجب باعتبار استصحاب العدمي ومثل لذلك أمثلة.

منها إذا حصل الشك في بقاء وجوب الامساك في اليوم الذي وجب فيه الصيام لعروض عارض.

ومنها إذا شك بعد خروج المذى في بقاء الطهارة الحدثية.

ومنها إذا شك في بقاء النجاسة الخبثية بعد الغسل مرة واحدة فعليه تقع المعارضة بين استصحاب الوجودي مع استصحاب العدم الأزلي ومثل هذه الموارد كثيرة في أبواب الفقه وقد أجاب الأستاذ المحقق النائيني (قده) بأن استصحاب العدم الأزلي لا مورد له في المقام إذ العدم الأزلي هو العدم المطلق الذي هو نقيض وجود كل شىء ومن الواضح ينتقض بوجود ذلك الشيء إذ نقيض كل شىء رفعه وإلا يلزم اجتماع النقيضين فحينئذ يكون العدم الأزلي مقطوع الارتفاع فلا يستصحب.

وأما عدم وجوب الجلوس بعد الزوال فليس له حالة سابقة لكى

بعد الزوال مع استصحاب العدم الأزلي الثابت قبل نعلق الوجوب بتلك القطعة المتيقنة ووجه الأشكال فيه أنه أما أن يلاحظ مجموع الزمان المأخوذ في دليل اجلس من الصبح إلى الزوال ظرفا للحكم أو يأخذ قيد له فعلى الأول فلا جمال لاستصحاب العدم الأزلي قطعا وعلى الثاني فلا مجال لاستصحاب الوجوب قطعا فالجمع بين اللحاظين غير معقول اللهم إلا أن يقال بأن في مثل وجوب الصوم إذا عرض مرض يشك في بقاء وجوبه معه وفي الطهارة إذا عرض ما يشك فيها مع عروضه كخروج

__________________

يستصحب إذ هو العدم البديل لوجوب الجلوس المفيد بما ـ بعد الزوال فوجود وجوب الجلوس المفيد بما بعد الزوال لا يتحقق قبله فكذلك عدمه المفيد لا يتحقق قبله لتحقق الوحدة بين النقيضين وبعد معرفة ذلك يرد عليه أن العدم الأزلي وإن كان هو العدم المطلق إلا أن موضوعه يختلف فتارة يكون الطبيعة المطلقة كالرقبة المعدومة وأخرى الطبيعة المقيدة كالرقبة المؤمنة معدومة فكما أن للطبيعة المطلقة عدم أزلي كذلك للطبيعة المقيدة لكون كل حادث مسبوق بالعدم الأزلي فانتقاض العدم الأزلي في كل قضية بوجود موضوعها فاذا وجدت الرقبة في العدم الأزلي المطلق انتقض العدم الأزلي للرقبة المطلقة وأما بالنسبة إلى القضية التي موضوعها العدم الأزلي المقيد فلا ينقض إيجاده بالوجود المطلق وإنما ينقض الوجود المقيد ففيما نحن فيه وجود الجلوس إلى الزوال لا يوجب انتقاض العدم الأزلي من غير فرق بين كونه قيدا إلى الزوال للحكم أو الموضوع فالحق في الجواب ما ذكره الاستاذ (قده) في المثل لا يتعارض بين الأصلين فان الزمان إن أخذ ظرفا للمستصحب لا يجري أصل العدم بل يجري أصل الوجودي وإن أخذ قيدا لا يجري أصل الوجودي للقطع بارتفاعه لأجل ارتفاع قيده فأفهم وتأمل.

المذي وفي طهارة الثوب النجس إذا غسل مرة فحكمه في الأول يتعارض استصحاب وجوب الصوم مع استصحاب عدمه الأصلي قبل وجوبه وفي الثاني بتعارض استصحاب النجاسة قبل الغسل مع استصحاب عدم كون ملاقات البول سببا للنجاسة بعد الغسل مرة فحكمه بتساقط الاستصحابين في هذه الصور ولكن لا يخفى ما فيه فانه بعد انتقاض العدم الأزلي السابق بالوجود فلا مجال لاستصحابه فحينئذ لا يبقى مجال لاستصحاب الوجود في جميع تلك الصور فغابه ما يمكن تصحيح ما أفاده الفاضل النراقي في ذلك من تعارض الاستصحابين في بعض الفروض.

وحاصله أنه يجري استصحاب وجود الحكم السابق كما إذا أخذ الزمان ظرفا أو قيدا في الجملة ولا يجري استصحاب العدم الأزلي إذا كان الشك في وجود الحكم في اللاحق فينحصر باحتمال بقاء الحكم السابق بحيث نقطع بأنه لو كان الحكم في ظرف الشك ثابتا واقعا لكان عين الحكم السابق ولا يحتمل أن يكون حكما آخر حادثا بعد ارتفاع الحكم فان في مثله لا مجال لاستصحاب العدم الأزلي السابق على الحكم المتيقن الثبوت لانتقاضه بحدوث الحكم السابق فينحصر باستصحاب وجود الحكم وهذا هو من موارد ظهور جميع الكلمات.

وأما إذا كان الشك في وجود الحكم للشك بانقضائه بانقضاء الزمان من جهة الشك في بقاء الحكم السابق وحدوث شخص حكم آخر على فرض ارتفاعه بحيث كان الحكم المحتمل الثبوت الذي تعلق به الشك مرددا بين بقاء الحكم الأول وبين حدوث حكم آخر وإن كنا نحتمل عدم الحكم رأسا أيضا كما هو لازم الشك في ثبوته ففي مثله يجري استصحاب العدم والوجود كليهما فيتعارضان.

بيان ذلك أن المفروض هو الشك في ثبوت شخص حكم واحد مردد

بين كونه شخص حكم آخر حادث فباعتبار أنه يحتمل أن يكون شخص هذا الحكم المحتمل هو بقاء الحكم الاول فيتحقق أركان استصحاب وجود الحكم الاول المتيقن سابقا من اتحاد القضية المتيقنة مع القضية المشكوكة ومعنى جريانه هو الحكم بثبوت الحكم المحتمل ثم نحتمل بالفرض كون شخص هذا الحكم المحتمل بثبوته أن يكون حادثا بعد رفع الحكم الاول فلو كان حادثا كان هذا الممتد ناقضا للعدم الازلي الثابت لشخص هذا الحكم الحادث قبل حدوثه ولا يكون عدمه الازلي منتقضا بحدوث الحكم السابق قبل انقضاء الزمان لانه ناقض لعدم نفسه لا لعدم حكم آخر فالعدم الازلي بالنسبة إلى كل شىء ينتقض بوجود هذا الشيء لا بوجود شىء آخر فحينئذ بالنسبة إلى العدم الازلي يتم أركان الاستصحاب من اليقين السابق والشك اللاحق أيضا لانه بعد الشك في ثبوت شخص حكم مردد بين كونه بقاء لحكم الاول وبين كونه حدوث حكم آخر يتحقق لنا يقين بالعدم الازلي السابق على أصل التكليف بالنسبة إلى شخص هذا الحكم المحتمل الثبوت وشك في بقاء ذلك العدم وارتفاعه بهذا المحتمل يجري الاستصحاب فيه فيحكم ببقاء العدم فنحكم بعدم ثبوت المحتمل فلا بتعارض الاستصحاب كما أفاده النراقي (قده).

التنبيه الخامس :

المتيقن السابق قد يكون أمرا فعليا ومنجز الوجود وقد يكون أمرا معلقا تقديريا منوطا بشيء غير متحقق في ظرف اليقين والأول لا إشكال في جريان الاستصحاب فيه سواء كان موضوعا لحكم شرعي أو كان نفس الحكم الشرعي.

وأما الثاني وهو الذي يسمى بالاستصحاب التعليقي الذي انعقد له هذا التنبيه أعني ما هو المتيقن سابقا الذى يكون معلقا ومنوطا بوجود شىء آخر غير متحقق وهو على قسمين.

أحدهما ما كان التعليق والاناطة فيه عقليا بمعنى كونه من الأمور التكوينية الخارجية التي يكون التعليق والاناطة والملازمة بين اللازم والملزوم فيه عقليا تكوينا من دون أن يكون لجعل الشارع فيه دخل كما إذا فرض أن قيام عمر في الخارج ملازم القعود بكر بمعنى قعود بكر معلق على قيام عمر في الخارج وإن كان لعقود بكر أثر شرعا مثلا وكانت هذه الملازمة بينها أمرا مقطوعا به مع عدم تحقق المعلق عليه ثم شك في اليوم الآخر ببقاء تلك الملازمة مع تحقق المعلق عليه وهو قيام عمر عمر المستلزم للشك في تحقق المعلق وهو قعود بكر الذي يكون موضوعا للحكم فلا مجال لجريان الاستصحاب فيه ولو بناء على جريانه في الحكم التعليقي وذلك لأن المتيقن السابق في ضمنه شيئان.

أحدهما نفس الملازمة بين قيام زيد وقعود عمر وثانيها قعود تقديري لعمر ولا مجال للاستصحاب في شىء منهما لأن المفروض أن الأثر الشرعي العملي المترتب على القعود الفعلي هو الثابت لعمر في ظرف الشك دون نفس الملازمة والوجود التقديري ومن المعلوم أن ترتب وجود الفعلي الملازمة مع بقاء الملازمة أو الوجود التقديري المسبب عن بقاء الملازمة في ظرف تحقق الملزوم والمعلق عليه عقلي لا يثبت بالاستصحاب الأعلى القول بالأصل المثبت اللهم إلا أن يقال بناء على كون المراد من أخبار الاستصحاب نقض نفس اليقين بالشك دون المتيقن فيمكن تصحيح جريان الاستصحاب التعليقي حتى في الموضوعات المعلقة بنحو الوجود الفرضي بأن يقال بأن لنا في المثال قطعين فعليين

على نحو الاطلاق وهو القطع بالملازمة فيما سبق والقطع بالوجود الثاني التقديري اللازم والاستصحاب فيها لا يجرى لكونه مثبتا بالنسبة إلى ما له الأثر كما تقدم ولنا أيضا قطع آخر وهو القطع المنوط بفرض وجود المعلق عليه خارجا على الوجود الفعلي اللازم وهو القعود نظير ما تقدم من الارادة الفعلية المنوطة في الواجب المشروط قبل تحقق شرطه في الخارج ففيما نحن فيه بعد العلم بالملازمة يحصل لنا القطع بوجود الملازم وجودا فعليا ولكنه منوط بفرض وجود الملزوم خارجا ولم يكن وجوده حقيقيا.

وبعد ما حصل لنا الشك ببقاء الملازمة في الآن الثاني مع تحقق ما كان ملزوما يحصل لنا الشك أيضا بوجود اللازم فحينئذ يتحقق ركنا الاستصحاب من اليقين السابق والشك اللاحق فشمله أدلة الاستصحاب فيثبت بها اليقين بوجود اللازم فعلا فيترتب عليه حكمه الشرعي نعم شمول لا تنقض لمثل هذا اليقين مشروط أيضا بفرض وجود الملزوم خارجا لأنه مع عدم هذا الفرض لا يقين أصلا ولكن لا يخفى أن هذا يتم لو لا القطع بانصراف الأخبار عن مثل هذا اليقين الذي يصح سلب اليقين في فعلا في ظرف عدم المعلق عليه لا حقيقة له عرفا إذ اليقين المنوط ليس بيقين فظهر أنه لا مجال لجريان الاستصحاب في الموضوعات التعليقية أصلا ولذا تراهم قد خصوا عنوان المسألة بالأحكام التعليقية.

وثانيهما وهو ما تكون الاناطة والتعليق شرعية بأن تكون الملازمة بين الشيئين يجعل الشارع كما إذا علق الشارع حكمه المتعلق بموضوع على شىء آخر غير الموضوع كما إذا قال يحرم ماء العنب إذا غلى وهذا على قسمين لان الحكم الشرعي المذكور تارة يكون من الأحكام الوضعية التي كان وجود الشىء معلقا بوجود الخارجي

وأخرى يكون من الأحكام التكليفية التي قد تقدم ان الحق فيها ان الحكم فيها معلق على وجود الشرط تصورا على نحو يرى خارجا ولو لم يكن له خارجية.

أما الأول كما اذا قال زيد يملك أرضا مواتا إذا حازه أو قال من حاز ملك فعلق الملكية على الوجود الخارجى ، فلو فرض في مورد شككنا ببقاء هذا الحكم بالنسبة إلى شخص كما إذا أجر شخص نفسه للغير في مدة معينة لجميع منافعه وفي مدة الاجارة حاز أرضا بقصد التملك نفسه وشككنا هل له ذلك أم لا.

والحق أنه لا يجري الاستصحاب فيه كما قلنا في الموضوعات التعليقية في عدم جريان الاستصحاب فيه لا في الملازمة ولا في اللازم بوجوده التقديري من غير فرق بين القول بأن مفاد دليل الاستصحاب هو الأمر بالمعاملة عمل اليقين كما هو المختار من القول بأن مفاده تنزيل المشكوك منزلة المتيقن بلحاظ أثره الشرعي للعمل كما هو مختار الشيخ (قده) وذلك لأن الملازمة في المقام وان كانت شرعية مجعولة بجعل الشارع ولكن نفس تلك الملازمة أو اليقين بها ليس لها أثر عملي وكذلك بقاء وجود الثاني اللازم أعني الملكية ليس لها أثر عملي وإنما الأثر العملي يترتب على الملكية الفعلية التي كانت مترتبة على الملازمة أو الوجود الثاني عقليا في ظرف وجود المعلق عليه فلا يمكن إثباتها إلا على القول بالأصل المثبت لا يقال بأن ترتب الملكية وإن كان عقليا على البقاء أو الوجود الثاني في ظرف وجود المعلق عليه ولكن لا مانع من ذلك لكونه أثرا مترتبا على الأعم من الواقع والظاهر ولا إشكال في ترتب الأثر العملي إذا كان أثر للاعم من الواقع والظاهر فانه يقال أن ذلك يتم فيما إذا كان ذلك الأثر أثرا عمليا للشيء بنحو يكون منجزا

للعمل كوجوب الامتثال فانه يجب بعد تنجز التكليف بخلاف المقام فان الملكية ليست لها دخل في العمل.

وأما بناء على مسلك من يقول بأن الاستصحاب مرجعه إلى جعل مماثل المتيقن أو جعل حكم مماثل لحكم المتيقن إذا كان المستصحب موضوعا ولا يعتبر في استصحاب الحكم أزيد من ذلك فلا اشكال في أنه يجري استصحاب الملازمة لاثبات الملازمة الظاهرية وكذلك استصحاب الوجود الثاني فيترتب عليه جميع الآثار المترتبة على الأعم من الواقع والظاهر كما لا يخفى

وأما القسم الثاني وهو ما إذا كان التعليق في الحكم التكليفي فتارة نقول بأن المعلق عليه في الاحكام التكليفية التعليقية هو الشيء بوجوده الخارجي فلا مجال فيه أيضا للاستصحاب لا في الملازمة ولا في اللازم سواء.

قلنا بأن مرجع الاستصحاب هو الأمر بالمعاملة عمل اليقين وقلنا بأنه تنزيل المشكوك منزلة المتيقن لأن الفرض أن نفس الملازمة أو الوجود التقديرى لا أثر عملي له.

وأما وجود الفعلي للحكم الذي له الأثر العملي ، فترتبه على الملازمة أو الوجود التقديري في ظرف وجود المعلق عليه عقلي لا يثبت إلا على القول بالأصل المثبت وتوهم كونه الأثر للاعم من الواقع والظاهر يندفع بأن ذلك فيما اذا كان نفس الأثر العملي عقليا لا فيما اذا كان مترتبا ترتبا شرعيا كما نحن فيه فان الحرمة الفعلية ترتبها ترتبا شرعيا عمليا ولكن ثبوته انما يكون بالترتب الفعلي الغير الممكن اثباته بالاستصحاب نعم يتم بالاستصحاب بالنسبة الى الملازمة والوجود التقديري اللازم بناء على مسلك جعل المماثل كما تقدم وأخرى نقول بأن المعلق عليه المنوط به في التكاليف هو الشيء بوجوده اللحاظى بنحو يراه خارجا كما تقدم

تفصيله فبناء عليه يكون المتيقن السابق هو الحرمة الفعلية المنوطة بما فرض في الخارج.

غاية الأمر أن القطع بالحرمة الفعلية بمجرد فرض المعلق عليه خارجا لم يكن موجبا للحكم الفعلي بوجوب الامتثال إلا بعد التصديق بكون الفرض مطابقا للخارج فحينئذ يمكن جريان الاستصحاب في بقاء نفس اللازم وهو الحرمة الفعلية المنوطة بوجود المعلق عليه فتثبت نفس الحرمة المنوطة في ظرف الشك بها حيث أنه قد فرض القطع بوجود المعلق عليه خارجا فالعقل يحكم بوجوب امتثاله ، فبناء على المختار في تحقيق الواجب المشروط لا مانع من جريان الاستصحاب في الأحكام التعليقية وحاصله أن الحكم التكليفي الشرعي إنما هو عبارة عن نفس الارادة الشرعية التي تحصل بالقول أو الفعل ، فباظهارها تكون فعليه من غير فرق بين أن يكون متعلقها يحصل على كل تقدير أو تقدير خاص وذلك لا يقتضي إلا تصور الموضوع من جميع قيوده فالحكم يكون فعليا قبل تحقق شرطه ولا يصح جعل الأحكام التكليفية على نهج القضايا الحقيقية حيث أن حقيقتها لب الارادة المبرزة لها حتى بالنسبة الى الأحكام التي هي بنحو الاشتراط اذ مرجعها بعد قيامها باللحاظ الى الاشتياق الفعلي المنوط بوجود الشيء في فرض الأمر ومع فرض وجوده يكون المبرز للخطاب المشروط فعليا وتكون فعليته قبل تحقق موضوعه وقيوده.

وبهذا المعنى يصير الحكم الشرعي فعليا سواء علم بها المكلف أو لم يعلم وسواء كان مطلقا أو مشروطا فليس الفرق بين المشروط والمعلق من حيث الفعلية بأن يكون المطلق فعليا والمشروط انشائيا فمن هذه الحيثية لا فرق بينهما ، نعم فرق بينهما من حيث السنخ والحقيقة ولذا تختلف آثارهما فان المطلق حقيقة ارادة الفعل من المكلف على كل تقدير ولذا ينبعث المكلف

مع العلم به من دون الانتظار الى شيء.

وأما المشروط فحقيقة ارادة الفعل من المكلف على تقدير خاص فلا ينبعث عند العلم به قبل حصول الأمر المعلق عليه الواجب ففى الحقيقة القيود ترجع الى ناحية الموضوع.

فالفعلية لا تتبع وجود (١) الموضوع خارجا وانما تحصل من اظهار الارادة بخلاف المحركية والباعثية انما تتبع وجود الموضوع

__________________

(١) لا يخفى أن الموضوع في القضية وان كان تصوره معتبرا إلّا أنه يؤخذ بما يحكي عن الخارج فتكون العبرة تحققه في الخارج فان له الدخل في اشتماله على المصلحة وأنه واجد للملاك فتكون فعلية الحكم تتبع وجود موضوعه خارجا ولا يتحقق الحكم قبل تحقق موضوعه وعليه كيف تكون الارادة المتعلقة بالمراد المتأخر وجوده تكون فعلية قبل تحقق متعلقه وإلّا لزم تقدم الحكم على موضوعه وهو ممنوع وكيف كان فقد مثل للاستصحاب التعليقي باستصحاب حرمة ماء العنب فيما اذا غلى بعد ما جف وصار زبيبا حيث أنه يشك في جفاف كونه زبيبا في بقاء التعليق على الغليان فيستصحب ويحكم بحرمة ماء الزبيب على تقدير غليانه وهو محل نظر إذ الحرمة المستصحبة إن كانت هي الحرمة التقديرية بمعنى أن العصير العنبي سابقا كان بحيث لو انضم إليه الغليان في الخارج لصار حراما وعند جفافه وصيرورته زبيبا يشك في بقائه على ما كان عليه فيحكم ببقائه بمقتضى الاستصحاب ففساده ظاهر.

إذ ذاك يكون من اللوازم العقلية لجعل الحكم على الموضوع المركب من الغليان وعليه ليس لنا شك في بقاء الحرمة التقديرية حتى يحتاج إثباته الى الاستصحاب إذ المفروض حرمة العصير العنبي على تقدير غليانه وانضمام أحد جريء الموضوع إلى الآخر باقية ومستمرة

وقيوده خارجا مثلا : لو قال المولى أكرم العلماء لا تحصل المحركية الا بعد وجود العلماء خارجا بخلاف أصل وجود الحكم فانه يتحقق ولو لم

__________________

إلى الأبد ما لم تنسخ.

وان أريد من الحرمة المستصحبة الحرمة التنجيزية في مرحلة المجعول فواضح أنه لم تكن منجزة اذ الحكم لا يكون فعليا ومنجزا ما لم يتحقق تمام أجزاء الموضوع في الخارج لما عرفت أن الموضوع بالنسبة الى الحكم من قبيل العلة والمعلول فكما أنه تستحيل فعلية المعلول قبل تحقق تمام أجزاء علته في الخارج كذلك الحكم يستحيل تنجزه وفعليته قبل تحقق موضوعه بتمام أجزائه.

هذا مضافا الى أن الموضوع في المثال غير باق ، اذ موضوع الحرمة هو العصير العنبي وهو الماء المتخذ من العنب فوصف العنبية مقوما للموضوع فزوالها يوجب تبدل الموضوع في نظر العرف بموضوع آخر فلا تحصل الوحدة المعتبرة بين القضية المشكوكة فيها والقضية المتيقنة فيكون اجراء الحكم الثابت للعصير العنبي على تقدير غليانه الى العصير الزبيبي إسراء للحكم من موضوع الى موضوع آخر.

وأما تصحيح جريان الاستصحاب التعليقي بما أفاده الشيخ الانصاري (قده) من أن الغليان قد جعل شرعا سببا لترتب الحرمة على العصير العنبي ومع الشك في بقائها في زوال وصف العنبية نستصحب ونرتب حرمة العصير على تقدير تحقق السبب وحصول الغليان فهو محل نظر ، اذ السببية لا تزيد نفس الحكم فكما أن الحكم لا يصح تقدمه على الموضوع كذلك السببية لا يصح تقدمها على ذي السبب خصوصا اذا قلنا بأن السببية وغيرها من الأحكام الوضعية ليست مجعولة للشارع

يكن الموضوع متحققا خارجا اذ الموضوع في جعل الحكم انما هو معتبر بوجوده اللحاظى وان كان اعتباره بنحو المرآة لما في الخارج فمع تصور

__________________

لا استقلالا ولا تبعا وانما تنتزع من الأحكام التكليفية كما ذهب اليه الشيخ الأنصاري (قده) اذ ليس هنا مجعول شرعي مترتب على ذلك حتى يستصحب.

نعم لو قلنا بأن السببية وغيرها من الأحكام الوضعية أما بنحو الاستقلال وأما بنحو التبعية فيمكن جريان استصحاب جعل السببية إلّا أنها لا تجري في مثل المقام لأنها معلومة البقاء على الفرض وانما الكلام في استصحاب السببية المنجزة وقد علمت أنها ليست منجزة سابقا حتى تستصحب لاحقا. ثم أن الشيخ (قده) بعد أن جرى الاستصحاب التعليقي في العصير العنبي فصل بين العقود المنجزة مثل البيع والاجارة والعقود المعلقة مثل الوصية والجعالة والسبق والرماية حكم بجريان استصحاب الملكية المنشأة بالبيع والاجارة وغير ذلك من العقود المنجزة المتحققة في الخارج بخلاف الملكية المنشأة في الوصية وأمثالها من العقود المعلقة فانها لم تتحقق في الخارج اذ الملكية في الوصية معلقة على موت الموصي وفي الجعالة على رد الضالة وفي السبق على تحقق السبق فلا ملكية فعلا متيقنة فكيف يصح استصحابها؟

ولكن لا يخفى أنه لا فرق في جريان الاستصحاب في العقود بين المنجزة والمعلقة اذ المعلق على موت الموصي أو رد الضالة انما هو تنجز الملكية.

وأما أثر العقد وهو الاستحقاق على تقدير حصول المعلق عليه المجعول من المتعاقدين الممضي من قبل الشارع فهو غير معلق على شيء غايته أن تحققه في عالم الاعتبار وذلك كاف في جريان الاستصحاب

الموضوع ينشأ الحكم وبهذا الانشاء يجعل الحكم فعليا وإلّا لزم التفكيك بين الانشاء والمنشأ وهو أمر غير معقول.

وبالجملة فعليته تحصل وان لم يكن الموضوع وقيوده موجودا خارجا

__________________

لو شك في بقائه ، فهذا الاستصحاب يشبه الاستصحاب الجاري في أصل الجعل فكما يجري استصحاب الجعل لو شك في بقائه لأجل احتمال الفسخ مع عدم تحقق الحكم على المكلف الخارج لعدم تحقق موضوعه كذلك يجري استصحاب أثر العقد التعليقي لو شك في بقاءه لأجل احتمال تأثير النسخ الواقع بعده. ولو لم ينتجز أثر العقد من جهة عدم تحقق شرط من موت الموصي أو رد الضالة. وعليه لو عكس الشيخ (قده) الأمر وحكم بجريان الاستصحاب في العقود المعلقة وعدم جريانه في مسألة العصير لكان أولى ودعوى أنه بمعارضة الاستصحاب التعليقي على تقدير جريانه بالاستصحاب التنجيزي كما في مورد المثال المذكور وحيث لا أولوية لأحد الاستصحابين لعدم كون أحدهما مسببا عن الآخر فان الشك في بقاء الحلية المنجزة بعد الغليان ملازم للشك في بقاء الحرمة المعلقة فهما في رتبة واحد فيتساقطان بالمعارضة ويرجع الى اصالة الحل بعد التساقط.

ولكن لا يخفى أنه عند التأمل لا معارضة بين الأصلين اذ العصير العنبي كان موردا لحكم الحرمة المعلقة على الغليان والحلية المنجزة المغياة بالغليان وليس بينهما منافاة اذ المفروض أن الشك المعلق عليه وجود أحدهما هو الغاية الموجهة لارتفاع الآخر فيستصحب بقاءه على ما كان ويحكم بأن العصير الزبيبي أيضا له الحكمان الحرمة المعلقة على الغليان والحلية المنجزة المغياة بالغليان فالاستصحاب كما يقتضي ترتب الحرمة بعد الغليان كذلك يقتضي ارتفاع الحلية بعده ، إلّا أن الأستاذ

بخلاف المحركية والباعثية فانها منوطة بوجود الموضوع خارجا ففي فعلية الحكم يشترك المشروط والمعلق.

وعليه ففي المثال المشهور أن حرمة العصير العنبي مجري للاستصحاب

__________________

المحقق النائيني (قده) نفى تحقق المعارضة بين الاستصحابين بتقريب أن الشك في بقاء الحلية المنجزة وارتفاعها مسبب عن الشك في سعة المجعول للشارع بمقتضى التعبد بالاستصحاب التعليقي فيكون حاكما على الاستصحاب التنجيزي. فاذا حكم الشارع بمقتضى التعبد بالاستصحاب التعليقي بأن الحكم يضم كلتا الحالتين وليس لوصف العنبية دخل في ترتب الحكم لا يبقى لنا شك في ارتفاع الحلية المنجزة.

ولكن فيما ذكره الأستاذ محل نظر إذ لا سببية بينهما بل كلاهما في رتبة واحدة مسبب عن العلم الاجمالي.

أما الحلية أو الحرمة ومن المعلوم أن نسبة العلم الاجمالي إلى ثبوت الحرمة المستلزمة لارتفاع الحلية بمقتضى التضاد بينهما كنسبته إلى ثبوت الحلية المستلزمة لارتفاع الحرمة بلا تفاوت. ثم أنه قد يتوهم جريان الاستصحاب التعليقي في موضوعات الأحكام ومتعلقاتها بناء على جريانه في الأحكام لوجود الملاك المذكور من غير تفاوت. مثلا كان الحوض قبل ساعة بحيث لو وقع فيه الثوب النجس لتحقق غسله وطهر لوجود الماء فيه ثم شك في بقائه على ما كان عليه لجري الاستصحاب التعليقي وحكم بحصول الغسل والطهارة على تقدير وقوع الثوب النجس فيه في الخارج وكذلك لو كانت الصلاة قبل ساعة لو أتى بها المكلف وقعت في غير ما لا يؤكل لحمه فبعد أن لبس المكلف الثوب المذكور فلو شك في بقاء الصلاة على ما كانت عليه لجري الاستصحاب وحكم بصحتها على تقدير الاثبات بها في الخارج وقد أجاب الأستاذ المحقق

ثم أنه لو منعنا جريان الاستصحاب التعليقي بدعوى اعتبار لزوم كون المستصحب فعليا منوطا بخارجية المعلق عليه فعلية لا فعلية للحكم المستصحب في المثال المذكور قبل تحقق الغليان حتى يمكن استصحابه يلزم المنع عن استصحاب الأحكام الكلية قبل وجود موضوعاتها فيما لو شك فيها

__________________

النائيني (قده) يعدم جريان الاستصحاب في مثال الصلاة إذ يعتبر في جريان الاستصحاب تحقق الموضوع سابقا والمفروض في المثال لم تكن الصلاة متحققة في الخارج بهذه الحيثية حتى تستصحب ولكن لا يخفى أن ما ذكره الأستاذ (قده) يتم لو كان المستصحب عدم وجود الصلاة.

وأما لو كان المستصحب هو ماهيتها فلا يتم إذا كانت ماهيتها قبل لبس الثوب المشكوك فيه كان بحيث لو وجدت في الخارج لوجدت غير مقرونة بغير المأكول ولا يعتبر في المستصحب الوجود الخارجى وإلا لم يستشكل أحد في جريان استصحاب عدم الشك فيما إذا كان وجود مشكوك فيه فان المستصحب في مثل ذلك إنما هو الماهية المسبوقة بالعدم.

وعلى كل فالحق أن عدم جريان الاستصحاب التعليقي في موضوعات متعلقاتها وإن قلنا بجريانه في نفس الأحكام لأن الاستصحاب التعليقي معارض بالاستصحاب التنجيزي فانه كما يجري الاستصحاب التعليقي ويحكم ببقاء المتيقن وهو تحقق الغسل على تقديم وقوع الثوب في الحوض وعدم اقتران الصلاة بغير المأكول على تقدير الاتيان بها خارجا لذلك يجري الاستصحاب التنجيزي ويحكم بعدم حصول الغسل وعدم وقوع الصلاة في ما لا يؤكل لحمه ، على أن كلا من حصول الغسل ووقوع الصلاة في غير ما لا يؤكل لحمه لازم عقلي لبقاء المتيقن في المثالين فاثباته بالاستصحاب التعليقي يتوقف على حجية الأصول المثبتة وسيأتي إنشاء الله عدم القول بحجيته.

لأجل احتمال نسخ أو تغير بعض حالات الموضوع إذ لا فرق في المنع عن الاستصحاب بين الأحكام الكلية والجزئية مع أن القائل بمنع التعليقي يلتزم بجريانه في الأحكام الكلية قبل وجود موضوعاتها بدعوى كفاية فرضية وجود الحكم في صحة استصحاب الحكم الكلي فاذا التزم بذلك فيها فيلزمه الاكتفاء باستصحاب الحكم الجزئي.

وبالجملة لا فرق في فرضية الحكم بفرضية وجود موضوعه بين فرضية تمام موضوعه بأجزائه وشروطه وبين فرض فعليه بعضه لأجل المنع.

أما من استصحاب الحكم التعليقي قبل تحقق موضوعه والمعلق مطلقا حتى في الحكم الكلي.

وأما الالتزام بجريانه بصرف وجوده فرضا في زمان يقينه ، بل ربما يقال بامكان اجراء الاستصحاب في نفس القضية التعليقية كالحرمة والنجاسة التقديريتين الثابتتين للعنب قبل الغليان لأنه يصدق عليه قبل الغليان أنه حرام أو نجس على تقدير غليانه ويشك في بقاء تلك القضية التعليقية بحالها بعد صيرورته زبيبا فيستصحب لعدم قصوره في أدلة الاستصحاب من الشمول يمثل هذا الغرض.

ودعوى عدم جريان الاستصحاب التعليقي في المثال لتغاير الموضوع في القضيتين فان الموضوع للحرمة والنجاسة المعلقة على الغليان في القضية المتيقنة هو ماء العنب وقد انعدم بصيرورته زبيبا في القضية المشكوكة هو الجرم الخاص المسمى بالزبيب ممنوعة فإن المناط في الموضوع هو فهم العرف وفي المقام أن الموضوع للحرمة والنجاسة هو الجسم الخاص وان وصف العنبية والزبيبية من حالات الموضوع لا من مقوماته.

نعم يشكل بمعارضة الاستصحاب التعليقي مع استصحاب الطهارة

والحلية الثابتتين قبل الغليان فان التعليقي يقتضي حرمة الزبيب ونجاسته بعد الغليان والاستصحاب التنجيزي يقتضى حليته وطهارته بعد الغليان وبما أن أحد الاستصحابين ليس مسببا عن الآخر حتى يحكم باستصحاب الشيء السببي فيقع التعارض بينهما فيتساقطان فيرجع فيه إلى قاعدة الحلية والطهارة إلا أن بعض الأعاظم (قده) ادعى السببية والمسببية بين الأصلين بتقريب أن الشك في الطهارة والحلية الفعلية في الزبيب المغلي مسبب عن الشك في كون المجعول الشرعي هو نجاسة العنب المغلي وحرمته مطلقا حتى في كونه زبيبا أو أن المجعول الشرعي هو نجاسة العنب المغلي وحرمته ولا يعمم الزبيب المغلي فمع حكم الشارع بالنجاسة والحرمة المعلقة بمقتضى الاستصحاب التعليقي يرتفع الشك في حلية الزبيب المغلي.

ولكن لا يخفى أن بين الاستصحابين لا سببية بينهما لكونهما في مرتبة واحدة لا تقدم لأحدهما في الوجود على الآخر ومعه لا تتحقق السببية إذ المستفاد من دليل الغليان مجرد سببيته للحرمة والنجاسة المشروطة بلا غائيته للطهارة والحلية الثابتين للعنب قبل الغليان بحيث يكون ارتفاع الحلية والطهارة الثابتة قبل الغليان عند فعلية الحرمة أو النجاسة المشروطة بالغليان بمناط المضادة.

فعليه لا تتصور حكومة أحدهما على الآخر وإنما يقع بينهما التعارض لأجل لحاظ كون الغليان شرطا للحرمة والنجاسة المجعولتين كذلك فلا يكون غاية شرعية للحلية والطهارة لعدم استفادة ذلك من الدليل وإنما هو غاية للحلية والطهارة في حكم العقل محصنا بلحاظ مضادة الحكمين وامتناع تحقق أحدهما في ظرف تحقق الآخر وقد عرفت أن التحقيق هو الأول فلذا لا معنى لحكومة الاستصحاب التعليقي على استصحاب

الحلية التنجيزي بل على الاحتمال الثاني تقع المعارضة بين الأصلين لكون الحكمين حينئذ في عرض واحد. كما أن الشرطية والغائبة أيضا كذلك فعليه لا مجال لرفع اليد عن استصحاب الحلية باستصحاب الحرمة المشروطة.

التنبيه السادس :

أن المستصحب قد يكون من أحكام هذه الشرعية فلا إشكال في جريان الاستصحاب وقد يكون من أحكام الشرائع السابقة فيما لو شك في نسخها فقد استشكل في جريان الاستصحاب فيها وتنقيحه يحتاج إلى بسط في المقال فتقول أن الحكم الثابت في الشريعة السابقة يتصور على أنحاء الأول أن يكون الحكم ثابتا بخصوص الأفراد الموجودة في ذلك الزمان من المكلفين على نحو القضية الخارجية التي كان الموضوع فيها هو الأشخاص الموجودة في الخارج بأشخاصهم كل بملاك غير ملاك الآخر مثل قولهم كل من فى العسكر قتل ولو كان قتل كل منهم بملاك أجنبي عن ملاك الآخر ولا يخفى عدم وجود مثل ذلك في القضايا الشرعية وكيف كان فلو كان الحكم في الشريعة السابقة كذلك فلا مجال لتوهم الاستصحاب فيه بالنسبة إلينا لتبدل الموضوع قطعا بل لا يعقل الشك في بقاء ذلك الحكم إلا بالنسبة إلى خصوص المدرك للشريعتين فيصح الاستصحاب بالنسبة إليه بالخصوص من غير سرايته إلى غيره من المكلفين في هذه الشريعة لعدم شمول دليل اشتراك التكليف في المقام إذ الثابت من دليل الاشتراك بالنسبة إلى الأحكام الواقعية دون الظاهرية الثابتة بالاصول المختص بمن جرى في حقه الأصل من دون سرايته إلى

غيره لعدم ثبوت ملاكه كما لا يخفي.

الثاني أن يكون الحكم ثابتا للأعم من الأفراد الموجودة في ذلك الزمان والمقدرة المفروضة على نحو الحقيقة.

الثالث أن يكون ثابتا لطبيعة المكلفين لكن لا من حيث هو بل من حيث أنه يسري إلى الأفراد على نحو الطبيعة السارية وهي المسماة عند المحقق الفمي (قده) بالعموم السرياني فيشمل الأفراد لا من حيث الخصوص بل من حيث وجود الطبيعة وحصة منها فالخصوصية في كل منها بفرديته خارجة بخلاف العام الاستغراقي فان الخصوصيات فيه داخله كما لا يخفى.

الرابع أن يكون الحكم ثابتا لطبيعة المكلفين أيضا لكن بنحو صرف الوجود إلا أنه بنحو الطبيعة السارية في جميع الأفراد والفرق بين هذا الفرض وبين القسم الثالث أن في هذا القسم يحصل الامتثال بأول الوجود ويسقط التكليف بعده بخلاف القسم الثالث فان التكليف يتعدد فيه بتعدد الأفراد ويكون لكل فرد تكليف يختص به له إطاعة ومعصية معينة.

أما القسم الثاني فلا يخلو أما أن يكون منشأ الشك في بقاء الحكم في هذه الشريعة من جهة الشك في اختصاصه بأشخاص الأفراد المحققة والمقدرة في ذلك الزمان بمعنى أن يكون منشأ الشك في تخصيص موضوع الحكم بالأفراد المحققة والمقدرة فيه المفروضة في ذلك الزمان بحيث لا يكون قصور في ناحية الحكم أصلا بل القصور لو كان إنما هو من جهة الموضوع وكان مرجع الشك في أنه هل أعتبر في الموضوع أمر لا ينطبق إلّا على أفراد ذلك الزمان بحيث لو كان أفراد هذا الزمان في ذلك الزمان لشملهم ولو كان أفراد ذلك الزمان في هذا الزمان لم يشملهم

وأما أن يكون منشأ الشك من جهة الشك في بقاء الحكم من جهة احتمال قصور في أصل ملاك الحكم بالنسبة الى غير ذلك الزمان من غير قصور وشك في ناحية الموضوع.

أما القسم الأول فلا يجري الاستصحاب فيه قطعا لوضوح كون الموضوع فيه مشكوكا فلم تكن القضية المشكوكة مع المتيقنة متحدة من حيث الموضوع قطعا.

وأما القسم الثاني فالحق جريان الاستصحاب فيه (١) لأنه لا قصور في جانب الموضوع فيكون الشك في بقاء شخص الحكم السابق مع اتحاد اليقين موضوعا ومحمولا فبالاستصحاب يثبت الحكم لتلك الاشخاص أيضا ومن ذلك يظهر الكلام في القسمين الآخرين وأنه هل يجري فيهما الاستصحاب لو كان الشك في بقاء الحكم فيها راجعا الى الشك في

__________________

(١) يشكل على جريانه للعلم بنسخ الشرائع السابقة ومعه كيف يجري استصحاب الأحكام الثابتة بتلك الشرائع السابقة.

ولكن لا يخفى أنه ان أريد العلم بجميع الأحكام السابقة فممنوع وإن أراد العلم الاجمالي بنسخ جملة منها فهو ينحل ذلك بمقدار المعلوم بالاجمال من الأحكام المنسوخة التي يمكن انطباق المعلوم بالاجمال عليها وقد أجاب الأستاذ المحقق النائيني في مجلس درسه الشريف بأن مجرد بقاء أحكام الشرائع السابقة إلى زمان جريان الاستصحاب فيها لا فائدة فيها ما لم يرد إمضاء من قبل الشارع فانه لم يهمل بيان الأحكام في خطبة حجة الوداع حيث قال (ص) (ما من شيء يقربكم إلى الجنة ويبعدكم عن النار إلا وقد أمرتكم به وما من شىء يبعدكم عن الجنة ويقربكم إلى النار إلا وقد نهيتكم عنه حتى الخدش بالأظافر).

وعليه بين حكم كل فعل وكل موضوع بعد الفحص والتفتيش

ملاك الحكم من حيث قصوره لغير زمان اليقين أو شموله أو لا يجرى لو كان الشك راجعا إلى الشك في تقييد الموضوع بذلك الزمان وعدم تقيده لعدم إحراز الموضوع حينئذ كما لا يخفى.

التنبيه السابع :

الآثار المترتبة على المستصحب تارة يكون من الآثار الشرعية العملية بلا واسطة كاستصحاب حيوة زيد للحكم بحرمة تزويج زوجته وتقسيم أمواله فلا إشكال في حجيته وأخرى يكون من الآثار الشرعية المترتبة عليه بواسطة آثار شرعية ثابتة بلا واسطة فهو أيضا حجة بلا إشكال سواء قلنا بكونه من باب الظن أو من باب التعبد من جهة الأخبار

وثالثة يكون من الامور العادية أو العقلية الثابتة له وهذه على أقسام ثلاثة لأن الأمر العقلي أو العادي قد يكون من قبيل لازمه وأثره

__________________

عن الأدلة في مظانها يجب على كل حكم لأي أو لأي موضوع دليلا يثبت له أحد الأحكام التكليفية أو الوضعية وعليه لا يبقى حاجة إلى الاستصحاب ان وجد دليلا موافقا معه في اعتباره وان لم يجد دليلا موافقا فلا يجب العمل على طبقه لعدم الامضاء.

ولكن لا يخفى أن دليل الاستصحاب الوارد في هذه الشريعة دليل على الامضاء حيث أن الاستصحاب في الموضوعات أو الأحكام إنما هو هو حكم ظاهري مجعول من قبل الشارع كسائر الأحكام الشرعية فابقاء تلك الأحكام الموجودة في الشرائع السابقة عند احتمال نسخها بعد وحدة القضية المشكوكة مع المتيقنة من مجعولات هذه الشريعة وأحكامها فافهم وتأمل.

كنبات اللحية المترتبة على حياة زيد وقد يكون من قبيل ملزومه وعلته وقد يكون من قبيل ملازمه في الوجود ولا إشكال أيضا عندهم في عدم إثبات كل واحد من الامور الثلاثة المذكورة بالاستصحاب في الموضوع بلا نظر إلى ترتب الآثار الشرعية المترتبة عليها إذ معنى التعبد من قيل الشارع هو ترتب الآثار الشرعية التي كانت أمر وضعها ورفعها بيد الشارع ولا نظر له إلى إثبات غيرها.

وقد تكون الآثار الشرعية المترتبة عليه بواسطة الأمر العقلي أو او بواسطة ملزومه أو ملازمه.

وهذا هو المعبر عنه بالأصل المثبت ويكون هذا هو محل النزاع بينهم في حجية الاستصحاب فيه وهل هو قول مطلق كما ينسب الى بعض المتقدمين لقوله بحجية الاستصحاب من باب الظن أو عدم الحجية يقول مطلق كما عن بعض المتأخرين أو يفصل بين ما اذا كان الأثر الشرعي أثرا مترتبا عليه بواسطة لازمه العقلي أو العادي فيكون حجة وبين ما اذا كان بواسطة ملزومه أو ملازمه العقلي أو العادي فلا يكون بحجة وهذا هو المشهور عند القائل بالاصل المثبت أو يفصل في خصوص ما اذا كانت الواسطة هو اللازم بين ما اذا الواسطة خفية فيكون حجة أو جلبة فلا يكون حجة ثم أن هذا النزاع انما يثمر اذا لم يكن نفس تلك الواسطة مجرى للاستصحاب وإلّا فيجري في نفس تلك الواسطة بلحاظ أثره الشرعي بلا احتياج الى جريانه في ذي الواسطة

نعم القائل بحجية الأصل المثبت يقول باغناء الأصل الجاري في نفس ذى الواسطة عن جريانه في الواسطة والمنكر للحجية ينكر اغنائه فيجري في الواسطة وهذا بخلاف ما اذا لم يكن الواسطة مجرى للاصل فيكون ثمرة النزاع حينئذ واضحة فينحصر

مورد النزاع فيما اذا لم يكن المستصحب موضوعا لنفس الأثر الشرعي بلا واسطة بل كان الأثر الشرعي أثرا للازمة العقلي أو العادي أو الملزومة أو الملازمة وكان المقصود من حجية الاستصحاب فيه اثبات ذلك الأثر الشرعي وأما اذا كان المستصحب وجود وجوب شىء فلا تحتاج فيه إلى أن يكون له أثر شرعي بل يترتب عليه مطلق الأثر.

ولو كان عقليا إذا كان موضوعه الحكم الشرعي بالأعم من وجود الواقعي والظاهري كوجوب الامتثال مثلا ثم أنه قد عرفت بأن القائل بالأصل المثبت لم يختص كلامه بالنسبة إلى خصوص ما إذا كانت الواسطة من قبيل لوازم المستصحب بل يعم كلامه حتى بالنسبة إلى ما إذا كانت الواسطة من قبيل ملزومه أو ملازمه بل حتى فيما إذا كانت الواسطة بين الملازمة العقلية أو الاتفاقية لذا يقال بأن الاستصحاب في أحد أطراف الشبهة المحصورة يثبت كون الطرف الآخر هو الواجب بناء على الأصل المثبت مع أن ترتيب الطرف الآخر دائما على استصحاب عدم وجود هذا الطرف من آثار الملازمة بين عدم وجود هذا ووجود ذلك الناشئ من العلم الاجمالي بأحدهما واقعا كما أن التعارض بين الأصل السببي والمسببي كما عن البعض موقوف على إثبات الملزوم العقلي بالأصل الجاري في اللازم على القول بالاصل المثبت

ولكن الوجه الذي يذكر لحجية الأصل المثبت على فرض تماميته لا يتم إلا لاثبات الأثر الشرعي المترتب على اللازم العقلي أو العادي دون غيره بيان ذلك أن ما يستفاد من الوجه لاثبات الأصل المثبت هو أن قوله (لا تنقض اليقين بالشك) ولو كان ناظرا لاثبات ما يكون أمر وضعه ورفعه من الآثار التي هي بيد الشارع.

ومن هنا نقول أن الاستصحاب في الأحكام يرجع إلى جعل حكم

مماثل للمستصحب وفي الموضوعات إلى جعل أثر شرعي مماثل لأثر الموضوع فيكون في الموضوعات ناظرا إلى إثبات الموضوع بلحاظ مثل أثره الشرعي مقتضى إطلاقه هو إثبات مطلق أثره الشرعي الذي يصح استناده إلى نفس ذلك الموضوع حقيقة بلحاظ أن أثر الأثر أثر للشىء فان لنبات اللحية أو لتحيز الجسم بالمكان أثرا للحياة فباستصحاب الحياة يترتب ذلك الأثر على نفس الحياة بالغاء الواسطة لكون أثر الأثر للشىء أثرا لذلك حقيقة فيشمله إطلاق لا تنقض وقد أشكل على هذا الوجه بوجوه :

منها دعوى انصراف الاطلاق إلى الآثار بلا واسطة فلا يشمل الآثار مع الواسطة فالاطلاق ممنوع.

ولا يخفى أن دعوى الانصراف محل منع مضافا إلى أن دعوى ذلك إنما يتم بناء على كون مفاد (لا تنقض) راجع إلى جعل الحكم المماثل لحكم الموضوع في استصحاب الموضوع وجعل مماثل المستصحب في استصحاب الحكم كما هو مبني الاسناد في الكفاية.

وأما بناء على كون مفاده (لا تنقض) هو الأمر بالمعاملة وايجاب العمل في ظرف الشك فلا يتم سواء قلنا بكونه راجعا الى الأمر بالمعاملة عمل المتيقن أعني ايجاب الفعل الذي كان مترتبا على المتيقن به ويمكن استفادة ذلك من عبارة الشيخ (قده) فانه قال ان مرجع الاستصحاب هو ترتب الأثر المترتب على وجوده الواقعي المستصحب ببركة اليقين الظاهر أن المراد من الأثر المترتب على المتيقن لو كان هو الحكم الشرعي فترتبه على وجود المستصحب ما كان ببركة اليقين بل كان مترتبا عليه ولو مع عدم اليقين وهذا بخلاف العمل المترتب على وجود المستصحب الذي له حكم شرعي فان ترتبه عليه انما كان ببركة اليقين فانه عند اليقين بحياة زيد يترتب عليها العمل على سابقة وهو الحكم الشرعي الثابت

له أو قلنا بكونه راجعا الى الأمر بالمعاملة على يقين والفرق بين المسلكين في جهات أخر كالتعميم لليقين الموضوعي والطريقى وتقديم الاستصحاب على ساير الاصول من باب الحكومة على الثاني دون المسلك الأول وهو كون المراد من اليقين هو المتيقن وكيف كان فلا يبقى مورد كان الأثر مترتبا على المستصحب بلا واسطة اذا كان المستصحب هو الموضوع فان وجوب العمل وامتثال الحكم الشرعي مترتب على الموضوع بواسطة ترتبه على الحكم الشرعي المترتب عليه.

نعم في استصحاب الأحكام كان العمل وهو الامتثال مترتبا على المستصحب بلا واسطة.

وأما في استصحاب الموضوع فلا بد وأن يكون الأثر العملي مترتبا عليه بواسطة ثبوت الحكم الشرعى.

فان نفس حياة زيد ليس بعمل حتى يأمر بترتبه وانما كان العمل مترتبا على الاحكام الثابتة لها هذا مضافا الى أنه لو سلمنا كون مفاد الاستصحاب هو جعل مماثل المتيقن في استصحاب الحكم وجعل مماثل حكم المتيقن في استصحاب الموضوع بلسان أن مفاد الاستصحاب بحسب دليله كون الشارع متكفلا لتنزيل المشكوك منزلة المتيقن لامره بالتنزيل كما هو المختار فنقول حينئذ أنه لا وجه للانصراف أيضا وإلّا فلا بد من الالتزام بعدم ترتب الآثار الشرعية المترتبة على المستصحب بواسطة أثر شرعي أيضا كما إذا كان لحياة زيد أثر شرعي كوجوب إنفاقه وكان لهذا الأثر أيضا أثر شرعي كوجوب التصدق بدرهم على من نذر أنه لوجوب عليه إنفاق زيد لتصدق بدرهم على أنهم لا يشكون في أنه يترتب في استصحاب الموضوع جميع الآثار الشرعية المترتبة عليه إذا لم يكن بواسطة عقلية أو عادية بل كانت بواسطة شرعية فان قلت أن الأثر الشرعي المترتب بواسطة

أثر شرعي لما كان موضوعه الأثر الشرعي الأعم من الظاهري والواقعى فلا يكون ترتبه من جهة الاستصحاب بل من جهة تحقق موضوعه بالوجدان وهو الاثر الشرعى الظاهري ببركة الاستصحاب فباستصحاب الموضوع لا يترتب إلّا الاثر بلا واسطة.

وأما ترتب الاثر الآخر على الأثر الشرعى فمن جهة تحقق موضوعه بالوجدان من دون دخل للاستصحاب فيه قلت هذا يتم لو كان كلامهم مختصا بما إذا كان موضوع الاثر الثانى الحكم الشرعى الاعم من الظاهري والواقعى ولكن كلامهم ليس مختصا بذلك بل يقولون بترتبه ولو كان موضوعه الحكم الشرعى الواقعى كما أن من المسلمات عندهم أنه لو كان ماء مشكوك الطهارة والنجاسة من جهة الشك في كريته مع كونه في السابق كرا يستصحبون كريته فيرتبون عليه الطهارة ثم يرتبون عليه جواز الوضوء ثم يرتبون عليه جواز الدخول في الصلاة ثم يحكمون عليها بالصحة ما لم ينكشف الخلاف ومن الظاهر أن الصلاة الواجبة والمستحبة واقعا كانت مقدمتها الوضوء الواقعي المتوقفة على التوضي بماء طاهر واقعا ولهذا نقول بعدم الاكتفاء بما إذا أتى بالصلاة بهذا الوضوء عند كشف الخلاف فلو كان جواز الوضوء واقعا موضوعه الماء الطاهر بالأعم من الطهارة الواقعية والظاهرية فلا معنى لكشف الخلاف فيه بل كان وضوئه هذا وضوءا واقعيا فتكون صلاته صحيحة واقعا فنفس الحكم ببطلان الوضوء والصلاة بعد كشف الخلاف يكشف عن أن الوضوء الواقعي الواجب واقعا موضوعه خصوص طهارة الماء واقعا الذي يستكشف باستصحاب كريه الماء وبه ينكشف جواز الوضوء الواقعي أيضا ظاهرا ثم يترتب عليه جواز واقعي الدخول في الصلاة الواقعية أيضا ظاهرا ثم يحكم عليها بالصحة طاهر أما فيما لم ينكشف

الخلاف فاذا أثبت أنه بمجرد استصحاب الموضوع يترتب عليه تمام الآثار الشرعية.

ولو كانت بواسطة أثر شرعى فلا وجه لدعوى الانصراف إلى الأثر بلا واسطة نعم الأحسن في مقام الجواب عن الاستدلال أن يقال بأنه وإن لم يفرق في الأثر بين أن يكون بلا واسطة ومع الواسطة ولكنه مع ذلك لا يمكن التمسك باطلاق قوله لا تنقض اليقين بالشك بناء على كونه راجعا إلى جعل المماثل للاثر المترتب على الواسطة غير الشرعية من العقلية والعادية وذلك لأن الشارع لو كان مقصوده من استصحاب حياة زيد لاثبات مماثل الحكم الثابت لنبات لحيته إثبات هذا الحكم بلا إثبات اللحية له فهو غير معقول لأنه يلزم ثبوت الحكم بلا موضوع

ولو كان مقصوده من ذلك إثبات اللحية له مقدمة لاثبات حكمها فهو أيضا غير معقول لعدم كون أمر وضعه ورفعه بيده بما هو شارع فحينئذ فالنكتة في الفرق بين ما إذا كانت الواسطة أمرا غير شرعي

وبين ما إذا كانت أمرا شرعيا أنه في الأول لا يمكن جعل الأثر بلا موضوعا ولا جعله بجعل موضوع الأثر الشرعي المترتب على الواسطة

وفي الثاني لما كان جعل الواسطة بيده وضعا ورفعا فبالاستصحاب بالنسبة إلى الحياة مثلا يثبت الأثر الشرعي المترتب عليها بلا واسطة ويثبت أيضا بنفس هذا الانشاء الواحد على نحو القضية الطبيعة من دون لزوم جعل الحكم بلا موضوع لا يقال أن الأثر بلا واسطة إذا كان موضوعا للأثر الثاني المترتب عليه فبإنشاء واحد كيف يمكن جعل الموضوع والحكم معا مع أن الموضوع لا بد وأن يكون ثابتا في الرتبة السابقة على الحكم فحينئذ خطاب لا تنقض اليقين لو كان ناظرا إلى إثبات الأثر مع الواسطة فلا بد وأن تكون الواسطة ثابتة قبل ذلك

بخطاب آخر وإلا يلزم ثبوت الحكم بلا موضوع والمفروض عدم الخطاب الآخر ولو كان ناظرا إلى إثبات الواسطة فهو لا يمكن أن يكون متكفلا لاثبات حكمه أيضا وهو الأثر مع الواسطة بل لا بد لاثباته من خطاب آخر متكفل للحكم بعد ثبوت الموضوع فعدم شمول خطاب واحد للاثر مع الواسطة في الحقيقة كانا من جهة عدم تعقل الشمول لعدم إمكان إثبات الموضوع والحكم بانشاء واحد لأنا نقول قد تقدم نظير هذا الاشكال بالنسبة إلى دليل حجية الخبر الواحد بالاضافة إلى الأخبار مع الواسطة وتقدم جوابه أيضا بكون القضية الطبيعة لا مانع من أن تكون كافية لاثبات هذا المعنى بلا محذور فنلخص أن الاستدلال باطلاق دليل الاستصحاب على جعل المماثل لاثبات جعل الاثر الشرعى المترتب على الواسطة الغير الشرعية مما لا وجه له لما عرفت من الفرق بين الواسطة الشرعية وبين الواسطة الغير الشرعية.

ولكن لنا تقريب آخر لاثبات الاصل المثبت لا بدعوى القاء الواسطة الغير الشرعية حتى يقال يلزم ثبوت الحكم بلا موضوع ولا بدعوى تعلق الجعل بنفس الواسطة حتى يقال بكونها غير قابلة للجعل ولا بدعوى أن الاستصحاب ليس مفاده جعل المماثل حتى يقال بلزوم كون المجعول أثرا شرعيا.

إذ لو كان مفاده جعل مماثل يلزم تخصيص حجية الاستصحاب في الموضوعات إذا كان الموضوع محلا لابتلاء المكلف لصح أن يوجه إليه عدم النقض ولازمه عدم صحة استصحاب طهارة الماء التالف الذي غسل فيه الثوب النجس سابقا أو توضأ فيه غافلا فشك بعد خروجه الابتلاء كالتلف ونحوه في طهارته أو في اطلاقه بأثره وملاقيه حين الشك في الطهارة لامتناع جعل الاثر الحقيقى للماء التالف.

ومع أنه لا اشكال عندهم في إجراء الاستصحاب المذكور وترتيب جميع تلك الآثار كما تترتب فيما لو كان محل الابتلاء وهذا يكشف عدم كون مفاده جعل المماثل بل بدعوى أن مفاده إيجاب التعبد بالبناء على اليقين السابق عند الشك بمعنى ابن على حيوة زيد عند الشك فيترتب آثاره المترتبة على حياته وذلك بسبب رجوعه إلى أن الاستصحاب وهو الامر بالتعبد بالشيء بما هو ملزوم الاثر الذي مرجعه إلى التعبد بالاثر والتعبد بما هو ملزوم الاثر حتى ينتهي الى العمل الفعلي فاذا كان للشيء أثار متعددة طولية كل منها يترتب على الآخر فمعنى ابن على ثبوت هذا الشىء يرجع الى الامر بالتعبد به بما هو ملزوم الاثر الذي هو ملزوم للاثر حتى ينتهي الى الامر بالعمل الفعلى فيكون حقيقة راجعا الى الامر بالعمل وليس له نظر الى جعل المماثل.

فتحصل مما ذكرنا أن لازم جعل المماثل تخصيص حجية الاستصحاب في الموضوعات بما إذا كان الموضوع موردا لابتلاء المكلف حين توجيه التكليف بعدم النقض ولازمه عدم صحة استصحاب طهارة الماء التالف أو إطلاقه فى فرض ابتلاء المكلف بأثره وملاقيه حين الشك في طهارته أو إطلاقه لامتناع جعل الأثر الحقيقي للماء التالف فعلا مضافا.

إلى أن القول بجعل المماثل يلزم القول بعدم جريان استصحاب الكلي في القسم الثاني من أقسام الاستصحاب الكلي فيما لو كان المستصحب تكليفيا أو أثرا شرعيا كالوجوب المردد بين النفسي والغيري لواجب آخر قد علم بارتفاعه بنسخ ونحوه لامتناع جعل كلي الأثر والقدر المشترك بلا كونه فى ضمن فصل خاص إذ كما يمتنع جعل الوجوب الواقعي المعرى عن خصوصية النفسية أو الغيرية كذلك يمتنع جعل الوجوب الظاهري المعري عن إحدى الخصوصيتين.

وهذا بخلاف ما اخترناه في أدلة التنزيل بأن مرجعها التعبد بالمؤدى والأمر بالمعاملة مع المتيقن السابق من حيث الجري العملي على طبقه بحسب الحركة والسكون وعليه لا محذور في جريان الاستصحاب في الخارج عن الابتلاء فى زمان الشك بلحاظ التعبد بأثره المبتلى به في زمان الشك فى طهارة الثوب المغسول به وصحة الوضوء السابق وصلاته إذ لا محذور في التعبد في القدر المشترك بلحاظ الجري العملي على طبقة.

إذ عليه يكون مفاد التنزيل هو مجرد التعبد بوجوب الشيء وتوسعته من حيث الموضوع للتعبد بأثره بلا واسطة وكذا التعبد به من حيث كونه موضوعا لأثر آخر إلى أن ينتهى إلى الأثر الشرعى العملي فعليه يكون مقتضى الأصل الجاري في نفس الأثر الذي هو النمو مثلا أو نبات اللحية إنما هو توسعته حتى من حيث أثريته للحياة لا من حيث ذاته فقط بحيث يستتبع توسعته من هذه الجهة توسعه في موضوعيته وسببيته.

فمثل هذا التنزيل يثبت جميع اللوازم الشرعية والعقلية إلا أن دعوى انصراف هذه التنزيلات إلى خصوص القضايا الشرعية المترتبة على نفس المؤدي بلا واسطة فلا تشمل القضايا العقلية والعادية بل ربما يقال أن هذا الانصراف في مثل الاصول يجري في الأمارات فلا فرق من هذه الجهة.

نعم ربما يقال أن الفرق بينهما هو أن مفاد الأمارات عبارة عن حكايات متعددة بالنسبة إلى المؤدى ولوازمه وملزوماته وملازماته حيث أن المستفاد من التنزيل عبارة عما ينطبق موضوعه على جميع تلك الحكايات فتكون الامارة الواحدة بلحاظ حكاياتها بمنزلة امارات متعددة

فبعضها على نفس المؤدى وبعضها عن لوازمه وبعضها عن ملزوماته وملازماته (١) وهذا المعنى مفقود في الاصول لعدم كشفها عن المؤدى

__________________

(١) قال المحقق الخراسانى قده في الكفاية الفرق بين الامارات والاصول بأن في الامارات مثل الخبر والبينة وغير ذلك كما أنها تحكى وتخبر عن نفس المؤديات كذلك تحكي وتخبر عن لوازمها وملزوماتها مثلا لو أخبرت عن طلوع الشمس كما تحكي وتخبر عن طلوعها كذلك تحكي وتخبر عن وجود النهار.

ومنشأ ذلك أن أدلة حجيتها كما تدل على لزوم تصديقها بالإضافة إلى نفس مؤدياتها كذلك تدل على تصديقها بالاضافة إلى لوازم مؤدياتها وملزوماتها بخلاف الاصول فان أدلة حجيتها تدل على لزوم التعبد بنفس مؤدياتها من دون نظر إلى لوازمها مثلا أدلة حجية الاستصحاب إنما تدل على التعبد بنفس المتيقن السابق بلحاظ ما يترتب عليه من الآثار من دون نظر إلى التعبدية في لحاظ الآثار المترتبة عليها بواسطة اللوازم العقلية أو العادية.

ولكن لا يخفى ما فيه أن صرف الحكاية عن شيء لا يكون إخبارا وحكاية عن لوازمه إلا بنحو يكون المخبر قاصدا لذلك ومع عدم تحقق القصد لا تنفع الحكاية كما أن ما ذكره الأستاذ من تعدد الحكاية يحتاج إلى إثبات ، فالحق في الفرق بين الامارات والاصول هو أن الامارات دلالتها من قبيل مداليل الألفاظ التي تكون دلالتها بملاك ظواهرها التي تكون حجيتها ببناء العقلاء بمعنى أن مداليلها الالتزامية يلتزم بها كالتزامهم واحتجاجهم بمداليل المطابقية مثلا لو أقر أحد بأنه سقى سما لغلام شخصي فيكون عند العقلاء قائلا له بمقتضى إقراره مع أن القتل ليس من مدلوله المطابقي وإنما هو مدلوله الالتزامي فعلية لو قامت البينة على أن المال الفلاني لزيد يترتب عليه جميع الآثار من جهة تصرفاته

ولوازمه وملزوماته بل يختص التنزيل على خصوص المؤدي بلحاظ التعبد لاثره الشرعى بلا واسطة فالاصول من هذه الجهة نظير ما هو المشهور في

__________________

وحرمة تصرفات غيره وان كانت حرمة تصرفات الغير من الآثار المترتبة عليه بواسطة عدم كون الغير مالكا لماله الملازم لكون المال لزيد وهذه هي الجهة الموجبة بكون الامارات غير الأصول ولو لا هذه الجهة لكانت الامارات بالنسبة إلى اللوازم كالأصول من غير فرق بينهما.

نعم ذكر الأستاذ المحقق النائيني (قده) في بيان الفرق هو أن الامارات تمتاز عن الاصول من جهة الموضوع والحكم.

أما امتيازها من جهة الموضوع فهو أن الامارات تكشف عن الأحكام الواقعية وانها طريق إليها فيكون الموضوع فيها هو المكلف من حيث هو من دون تقييده بالجهل كالأحكام الواقعية وهذا بخلاف الأصول فان الموضوع فيها انما هو المكلف من حيث كونه شاكا في الحكم الواقعي.

وأما من جهة الحكم فان المجعول في الامارات هو الطريقية والوسطية في الاثبات بمعنى أن كاشفية الامارات عن مؤدياتها كشف ناقص لوجود احتمال الخلاف إلا أن الشارع تمم الكشف بمقتضى أدلة حجيتها بمعنى ألغى احتمال الخلاف وفرض المؤدى ثابتا عند قيامها واقعا فتكون الامارة بسبب أدلة حجيتها كالعلم الوجداني في كونه كاشفا عن الواقع غايته أن كشف العلم الوجداني ذاتى وكشف الامارات تعبدي مجعول من قبل الشارع وهذا بخلاف الاصول فان المجعول فيها مجرد تطبيق العمل على مؤدى الأصل والجري على طبقه من دون لحاظ جهة الكاشفية فيها عن المؤدى فعليه يكون قيام الامارة على شيء يحرز تحقق المؤدى فيستتبع إحراز لوازمه العقلية والعادية بخلاف الأصل فان المجعول فيه ليس إلا تطبيق العملي على المؤدى والجري على طبقه من دون لحاظ الاحراز

باب الرضاع من اختصاص حرمة النشر في قوله (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب) بما اذا تحقق من قبل الرضاع أحد العناوين المحرمة بالنسب كعنوان الأمّ والاخت والعمة والخالة ونحوها دون غيرها من العناوين الملازمة لها كعنوان أخت الاخت وان كان هناك فرق بين باب الرضاع والمقام فان في الاصول المثبتة عدم حجيتها لقصور دليل التنزيل عن الشمول للعناوين الملازمة مع العلم بثبوت أصل الكبرى بخلاف باب الرضاع فان الاشكال فيه في ثبوت أصل الكبرى فبينهما تمام المعاكسة من الملاك والمناط إلّا أنهما يشتركان في عدم ثبوت اللوازم وان كان ذلك في كل باب بمناط غير مناط الآخر.

وبالجملة أن القائل بالأصل المثبت لو كان نظره إلى ما بيناه لا يبقى مجال لشيء من الاشكالات الواردة على التقرير الأول من دعوى

__________________

والكاشفية فعليه لا يقتضي إلا إثبات نفس المؤدى بلحاظ إثارة الشرعية وأما الآثار المترتبة عليه بواسطة لوازمه العقلية أو العادية فلا تثبت بالاصل. والانصاف أن ذلك محل نظر إذ جعل الطريقية ليس جعلا علميا حقيقيا وإنما هو علم تعبدي بمعنى إلغاء احتمال الخلاف وذلك لا يثبت إلا نفس المؤدى.

وأما بالنسبة إلى اللوازم فثبوته محل إشكال إلا أن يلتزم بما ذكرنا في الامارات من أنها ترجع إلى مقولة اللفظ حتى بالنسبة إلى اللوازم فحينئذ تكون مثبتاتها حجة بالنسبة إلى اللوازم لكنها لا بملاك الامارة التي هي عبارة عن جعل الطريقية وإنما هو بملاك ظواهر الألفاظ الدالة على الملزومات واللوازم التي حجيتها من باب بناء العقلاء على الأخذ بالنسبة إلى الملزومات واللوازم فلا تفعل.

الانصراف إلى الأثر بلا واسطة أو دعوى إثبات الحكم بلا موضوع لو كان المقصود اثباته بلا واسطة أو إثبات ما ليس شأن الشارع اثباته لو كان المقصود اثباته بلا واسطة أو دعوى المعارضة كما لا يخفي ولعل نظر القدماء القائلين بحجية الاصل المثبت يرجع الى ما ذكرناه وان كان ظاهر الشيخ (قده) ان بناءهم عليه من جهة ذهابهم الى حجية الاستصحاب من باب الظن دون الاخبار لكن لم لا يكون بنائهم عليه من باب الاخبار ومع ذلك كان نظرهم الى ما ذكرناه ثم أنه مما بينا ظهر أن قياس المقام بباب الرضاع من جهة عدم ثبوت الحرمة فيها بالنسبة الى العناوين الملازم للعناوين المحرمة كما عن الشيخ (قده) مع أن الفارق أن الوجه لعدم القول بذلك في باب الرضاع هو ثبوت الأثر وهو التحريم في الكبرى الشرعية في المنزل عليه خصوص العناوين الخاصة من دون خصوصية في دليل التنزيل بخلاف المقام فانه لا قصور في كبرى الأثر في طرف المنزل عليه وانما القصور في دليل التنزيل على عكس باب الرضاع.

نعم الغرض من القياس مجرد رفع الاستبعاد في التفكيك بين الملزوم واللازم أو الملازم وان كان الوجه في التفكيك في كل باب غيره في الآخر ثم أنه يمكن نفي حجية الأصل المثبت وابطال ما ذكرناه من الوجه بدعوى انصراف اطلاق لا تنقض اليقين الى عبر الآثار العادية والعقلية ودعوى هذا الانصراف عبر دعوى الانصراف الى الآثار الشرعية المترتبة على المستصحب بلا واسطة كما نقدم منعه اذ على المسلك المذكور يكون ترتب كل أثر طولي على أثر السابق عليه بلا واسطة لأن معنى الاستصحاب على هذا المسلك وهو وجوب ترتب أثر اليقين ومعناه وجوب ترتب أثر الاثر لليقين اثر الى أن ينتهى الى العمل والمراد من الانصراف المدعى هو

دعوى انصراف لا تنقض اليقين إلى خصوص الآثار الشرعية المترتب على المستصحب بمعنى أن ينصرف إلى التعبد ببقاء الشيء بلحاظ التعبد بخصوص الأثر الثابت له بالقضايا الشرعية فيكون دليل الاستصحاب من الأول قاصر الشمول بالنسبة إلى التعبد بالشيء بلحاظ غير الآثار الشرعية المنتهية الى العمل ولا أقل من كون ذلك هو القدر اليقين فيكون بالنسبة إلى غير الآثار الشرعية الثابتة مما لم يتم فيه شرائط الاطلاق ثبوت القدر المتيقن في مقام التخاطب فنلخص أن الحق عدم حجية الأصل المثبت لا لما ذكروه من عدم إمكان جعل بالنسبة الى غير الآثار الشرعية بل لما ذكرناه من عدم وجود الاطلاق في الدليل كي يشملها ولازم ذلك عدم حجية المثبتات في باب الامارات والطرق أيضا لأن دليل التنزيل فيها يكون بلسان التنزيل كما في المقام فانه أيضا بلسان تتميم الكشف واثبات اليقين بالواقع بلحاظ ايجاب التعبد بما له من الآثار بلحاظ العمل به بما له من الآثار الشرعية فلا يثبت به لوازم العقلية والملازم والملازمة مع بنائهم على اثبات جميع ذلك في الامارات إلّا أنّك قد عرفت أن الوجه في اثبات ذلك في باب الامارات من جهة أخرى وهى أن كل امارة تحكي عن المدلول المطابقي بماله عن الواقع كما أنه يحكي بمدلوله الالتزامى عن اللوازم والملازمة بخلاف الاصول فان مفادها :

الأمر بالعمل بنحو التعبد بما هو ملزوم العمل وبناء عليه لا فرق بين كون الواسطة أثرا شرعيا أو أثرا عاديا أو أثرا عقليا لأنه بناء عليه ليس في البين جعل الأثر حتى يرد عليه ما تقدم بل يرجع الى الاثر بلحاظ العمل الفعلي فيكون راجعا الى الأمر بالعمل كما لا يخفى وكون الواسطة شرعيا أو عقليا مما لا ربط له بما هو المقصود من الأمر بالعمل ولا يوجب تفاوتا فيه كما هو ظاهر والحاصل أن دليل التنزيل

في باب الاستصحاب ناظر إلى امر المكلف بتنزيل شكه أو مشكوكه منزلة تيقنه فيكون أمر التنزيل بيد المكلف وفي عهدته ولا يكون فيه جعل مماثلا أصلا وليس المقصود من الأمر بجعل الشك منزلة اليقين أن يجعل المكلف نفسه متيقنا على أن يكون اليقين ملحوظا بلحاظ ذاته ويكون النظر إليه بلحاظ ما يترتب عليه من الأثر الذي كان ترتبه بيد المكلف فيرجع الأمر بالآخرة إلى الأمر بالعمل على طبق اليقين فحديث جعل المماثل أجنبي عن المقام رأسا وإنما يصح ذلك في التنزيلات التي كانت بحسب لسان الدليل من قبل الشارع كقوله الطواف بالبيت صلاة دون مثل المقام الذي ليس لسان الدليل إلا الأمر بالتنزيل ومما يشهد لبطلان جعل المماثل أنه قد تقدم في استصحاب الكلي أنه لا إشكال في استصحاب الوجوب المردد بين النفسي والغيرى مع أنه لو كان الاستصحاب هو جعل المماثل فلا يعقل استصحاب نفس الجامع بينها بعد كون المتيقن.

أحدهما بالخصوص كما أنه لا يمكن إثبات أحدهما أيضا لعدم تعينه وهذا بخلاف كون مفاده الأمر بالتعبد ببقاء المتيقن بلحاظ العمل فانه وان لم يثبت خصوصية أحدهما ولكنه لا إشكال في أن العمل على طبق كل واحد منها مثل الآخر فيترتب ذلك بنفس استصحاب ما هو المتيقن منها إجمالا.

كما أنه يشهد ببطلان مسلك جعل المماثل أنه عليه لو كان المتيقن في السابق كان موضوع حكمه وجوب الاتفاق عليه فلو شك في بقاء حياته فباستصحاب الحياة يلزم جعل إيجاب الاتفاق في مرتبة الشك فيه حقيقة مع أنه غير معقول وذلك لأن وجوب الاطعام والانفاق منوط بالقدرة على الامتثال وهو منوط بالحياة ومع الشك في القدرة كيف يعقل

جعل التكليف.

وهذا بخلاف القول بالأمر بالعمل إذ معناه الامر بالعمل على طبق اليقين بالحياة وحينئذ يجب الاتفاق إلى أن يتحقق العجز عنه فان قلت أن معنى جعل المماثل هو الوجوب الظاهري ومعنى الوجوب الظاهري هو الوجوب الطريقي الذي يرجع الى تنجز الواقع في ظرف المطابقة والترخيص والمعذورية في ظرف المخالفة فمع المخالفة ليس إلا وجوب صوري فلا يلزم المحذور المذكور.

قلت يرجع ذلك حقيقة إلى ما قلنا من الأمر بالعمل على طبق اليقين فيكون مفاده مفاد الطرق والامارات فكما أن دليل وجوب تصديق العادل مرجعه إلى الأمر بالمعاملة على طبق مضمونه والتعبد بأنه حكم واقعي بلحاظ العمل فكذلك دليل مفاد أدلة الاستصحاب في المقام بلا فرق بينهما في هذه الجهة وهذا هو الذي قد صرح الشيخ (قده) في تصحيح أبواب الطرف والامارات في الوجه الثالث وحاصله أن المصلحة إنما تكون في سلوك الطريق لا في نفس الأمر ولا في المأمورية ومعناه وجوب العمل على طبق الامارة لو كانت قائمة على الأحكام كما كانت فى الموضوعات فمعنى وجوب تصديق العادل وجوب العمل على خبره ولا يوجب جعل مثل الحكم الواقعي بأن يكون للشارع حكم مجعول مماثل للحكم الواقعي كما أنه في الموضوعات لا يكون جعل قطعا وبالجملة كما لم يكن في الطرق والامارات جعل من الشارع لا فى الأحكام ولا في الموضوعات كما هو الحق فليكن في باب الاصول.

كذلك مثلا في الاستصحاب لا يثبت جعل أصلا لا في الأحكام ولا فى الموضوعات كما هو مقتضى الوجه الثالث أي ليس إلا وجوب العمل على طبق اليقين والجري على طبقه وحقيقته هو العمل مترتبا عليه بلا واسطة أو

مع الواسطة ولو يألف واسطة فانه لا يلزم جعل شيء إلا الأمر بالتعبد بثبوت الموضوع بما له من الوسائط بلحاظ ما يترتب عليه من العمل وهذا مما لا إشكال فى أن شأن الشارع إثباته بما هو شارع وبهذا ظهر أنه لا يبقى مجال لتوهم المعارضة بين الأصل الجاري في طرف وجود الموضوع لا ثبات أثره المترتب عليه بواسطة عقلية وبين الأصل الجاري في ظرف عدم تحقق الواسطة ولا ينفي الأثر المذكور لكي يتحقق تلك المعارضة على مسلك جعل المماثل إذ كان مفاد استصحاب حياة زيد إثبات الأثر الشرعي المترتب عليها بواسطة ثبات لحيته بدون إثبات أصل الواسطة لعدم كون شأن الشارع إثباته بما هو شارع فلا يرفع الشك عن الواسطة شأن فحينئذ يجري استصحاب عدم ثبات اللحية فيتعارض الأصلان

وهذا بخلاف كون مرجعه إلى وجوب العمل فالتعبد بالحياة إذا كان بلحاظ الأمر بالمعاملة معاملة اليقين فانه عين التعبد باللازم فلا يبقى محل للشك فتحقق الحكومة.

حيث أن معنى كونها امارة وكاشفا ظنيا شخصيا أو نوعيا عن الواقع ومن المعلوم أن الحاكى عن الشيء مطابق للحاكى عن لازمه وملازمه التزاميا أيضا فينحل إلى كل إمارة تحكي عن المدلول المطابقي إلى أمارات أخرى بالنسبة إلى لوازمه وملازماته فيكون لها أفراد عديدة فيشمل كل منها دليل الحجية والتنزيل مستقلا وهذا بخلاف المقام فإن نقض اليقين بالشك لم يتم إلا بالنسبة إلى نفس حياة زيد دون لازمه وهو نبات لحيته بل يقطع بعدمه سابقا ويستصحب ذلك العدم وإلا فلو فرض جريان الاستصحاب بالنسبة الى اللازم فلا إشكال في شمول لا تنقض بالنسبة اليه كما تقدم الاشارة اليه من أول البحث فالفرق بين البابين ليس باعتبار دليل التنزيل

وانما الفرق بينهما في تحقق الصغرى.

أعني الموضوع بالنسبة إلى اللازم والملازم ففي الامارة حيث اعتبرت أمرا واحدا وتنحل الامارة إلى أمارتين كل واحدة منهما حاكى دون مورد الاستصحاب.

نعم كون دليل الامارة مما له دلالة على شمول كل حاك عن الواقع ولو كانت حكاية التزامية يحتاج إلى الاثبات كما يدعى قيام السيرة على ذلك من باب الخير الواحد في الأحكام والبينة في الموضوعات وإلا فلم يثبت إلا ثبوت حجية الامارة في الجملة فيكتفى بمدلولها المطابقي كما نقول بذلك من مثل أصالة الصحة واليد وغيرها من الامارات ولذا نقول بحجية ثباتها ثم أنهم بعد البناء على عدم حجية الأصل المثبت إلا أنه تنسب الى جماعة منهم الشيخ الأنصاري (قده) القول بحجيته فيما لو كانت الواسطة خفية في نظر العرف أن الأثر الشرعي المترتب على الواسطة العقلية بالدقة العقلية أثر لذي الواسطة ولأجل هذه الكبرى فلا يبقى الاشكال على كلا الوجهين من إشكال الأصل المثبت.

أما على الوجه الأول من دعوى الانصراف في لا تنقض اليقين إلى الأثر الشرعى بلا واسطة فان المدار من ذلك هو العرف فاذا فرضنا خفاء الواسطة بحيث يرى العرف أثر الواسطة أثرا لذيها على وجه لا يرى الواسطة شيئا موجودا كان الأثر أثرا بلا واسطة واثباته بلا اثبات الواسطة لا يكون من قبيل اثبات المحمول بلا موضوع.

وأما على مسلكنا من دعوى الانصراف الى ايجاب التعبد بالقضايا الشرعية والآثار المجعولة دون العقلية والعادية فلازمه أيضا بكون التعبد فيه تعبدا بالقضية الشرعية المترتبة على ذي الواسطة من دون لزوم

التعبد بالواسطة بيان ذلك هو قصور أدلة التنزيل عن شموله للآثار الشرعية المترتبة بواسطة غير خفية بنحو يكون الأثر في العرف معدودا أثر للواسطة.

وأما في صورة خفائها فانه يوجب عدها في العرف (١)

__________________

(١) وقد عد من ذلك أمور منها استصحاب عدم الحاجب عند الشك في وجوده في محال الغسل أو المسح فان بنائهم عند الشك في وجود الحاجب لا فى حاجبية الموجود على اجراء أصالة العدم فيه مع أن صحة الوضوء والغسل من لوازم وصول الماء الى البشرة وهو من اللوازم العادية لعدم وجود الحاجب فصحة استصحاب عدم الحاجب عند الشك في وجوده باثبات صحة الوضوء والغسل مبني على الأصل المثبت.

ولكن لا يخفى أن بنائهم على جريان أصالة عدم الحاجب ليس من جهة الاستصحاب بل من المحتمل كون ذلك أصلا عقلائيا نظير أصالة عدم القرينة ويكون مدركه هو الغلبة اذ الغالب خلو البشرة عن وجود ما يمنع عن وصول الماء اليها عند الشك في وجوده فى محال الغسل أو المسح فيلحق المشكوك بالغالب ولا يرتبط بالاستصحاب.

ومنها أصالة عدم تحقق الرد من المالك في عقد الفضولي عند الشك في رده قبل اجازته مع أنه مثبت بالنسبة الى اضافة العقد اليه بالاجازة

ولكن لا يخفى أنه يمكن أن يقال بأن هذا الأصل انما هو قاعدة عقلائية قد أمضاها الشارع وليس من باب المثبت ويتدرج ذلك في الموضوع المركب المحرز بعضه بالوجدان وبعضه بالأصل حيث أن كل عقد صادر من الفصولي يصح أن يضاف الى المالك بالاجازة فيكون القيد محرزا بالاصل والباقي بالوجدان.

ومنها ما ذكره المحقق (قده) فيما لو اتفق الوارثان على اسلام

أثر الذي الواسطة وبهذا الاعتبار لا قصور في شمول دليل التنزيل لها من غير فرق بين القول بجعل المماثل أو الامر بالبناء على بقاء المستصحب

__________________

أحدهما المعين في أول شعبان والآخر في أول شهر رمضان واختلفا فادعى أحدهما موت المورث في شعبان والآخر في أثناء شهر رمضان كان المال بينهما نصفين لاصالة بقاء حياة المورث مع أنه مثبت لموضوع التوارث حيث أن موضوعه موت المورث عن وارث مسلم بنحو تكون الاضافة من اجتماع موت المورث واسلام الوارث في زمان له الدخل فى موضوع التوارث ومثله لا يثبت باصالة حياة المورث الى أول رمضان الا على القول بالاصل المثبت.

ولكن لا يخفى أن تلك الاضافة ليست لها الدخل بل الموضوع اجتماع اسلام الوارث وحياة مورثه في زمان وعليه لا يكون له الربط بالاصل المثبت بل يكون من قبيل الموضوع المركب المحرز بعضه بالوجدان وهو اسلام الوارث في أول رمضان وبعضه بالاصل وهو حياة المورث الى أثناء رمضان.

ومنها حكمهم بضمان ما كان يده على مال الغير مع الشك في أذن صاحبه لاصالة عدم الرضا من المالك عند وضع اليد على المال وحكمهم بذلك مبني على اعتبار الاصل المثبت حيث أن موضوع الضمان هو اليد العادية والاصل غير مثبت لعنوان العدوان :

ولكن لا يخفى أن عنوان العدوان لم يؤخذ في موضوع الضمان وانما موضوعه وضع اليد على مال الغير من دون اذن مالكه فيكون الموضوع مركبا من أمرين أحدهما اليد والآخر عدم اذن صاحب المال فيكون من الموضوعات المركبة المحرزة بعضها بالوجدان وبعضها بالاصل.

ومنها استصحاب رطوبة النجس من المتلاقين مع جفاف الآخر

بلحاظ العمل.

ودعوى أن تسامح العرفي لا يوجب أن يكون أثرا للواسطة لعدم العبرة بالمسامحات العرفية الذي يكون من هذا القبيل اذ نظر العرفي

__________________

لاثبات نجاسة الطاهر منهما واستصحاب رطوبة الذباب التي طارت من النجاسة لاثبات نجاسة الثوب ومن الواضح أن نجاسة الملاقي في القرضين من لوازم سراية الرطوبة من الملاقي بالكسر من أوضح موارد الاصل المثبت.

ولكن لا يخفى أن ذلك من خفاء الواسطة اذا العرف لا يفهم من بقاء الرطوبة المسرية الى حين الملاقاة الا سراية النجاسة الى الطاهر منهما.

ومنها ما ذكره في التحرير من أنه لو اختلف الولي والجاني فقال الولي أن المجني عليه مات بالسراية وقال الجاني بل مات بسبب آخر من شرب سم ونحوه وأنه كان ميتا قبل الجناية ففى ثبوت الضمان وعدمه وجهان من أصالة عدم الضمان ومن استصحاب بقاء حياته الى زمان وقوع الجناية عليه ودعوى أن الموضوع مركب من الجناية وتسري حين ورود الجناية فيخرج عن الاصل المثبت ويدخل تحت الموضوعات المركبة المحرزة بعضها بالوجدان وبعضها بالأصل في غير محله إذ الموضوع في المقام هو أمر بسيط وهو القتل وترتب مثله على أصالة بقاء حياة المجني عليه إلى زمان ورود الجناية عقلي محض فاثبات القتل بالأصل من الأصل المثبت ولعله قوله باثباته بالأصل لبنائه على كون الاستصحاب من الامارات كما ينسب إليه.

ومنها استصحاب عدم دخول هلال شوال في يوم الشك المثبت لكونه غير يوم العيد ومن الواضح أن إثبات ذلك بالأصل من الأصول المثبتة إذ كون الغير يوم العيد وأول شوال من مفاد كان الناقصة

يتبع فهم مداليل الألفاظ لا في مقام تطبيق المفاهيم على المصاديق ممنوعة إذ المقام ليس راجعا إلى مقام التطبيق وإنما هو راجع إلى تحديد مفهوم حرمة النقض (في قوله لا تنقض اليقين بالشك) إذ هو مسوق إلى ما كان نقضا له بالنظر العرفى لا بحسب الدقة والحقيقة.

ومن الواضح تكون المسامحة العرفية في تحديد حرمة النقض والتعبد ببقاء المتيقن مرجعا ولا يكون من قبيل تطبيق الكبرى المستفادة من لا تنقض على المورد فان الأثر من جهة خفاء الواسطة يعد بالنظر العرفي أثرا للمستصحب لا للواسطة وإن كان أثر لها بحسب الدقة ومثل هذا التسامح لا يرتبط بمقام تطبيق المفهوم على المورد.

ولاجل ما ذكرنا قال الاستاذ (قده) بأنه لا مانع من إلحاق جلاء الواسطة بخفائها في اعتبار المثبت فيما لو كان التلازم بينهما في الموضوع بمثابة لا يرى العرف التفكيك بينهما في مقام التنزيل كالابوة والبنوة.

لما عرفت أن المسامحات العرفية هي المناط في ذلك (١) وهذا الذي

__________________

لا تثبت بمفاد كان التامة.

ولكن لا يخفى انا نمنع كون التسالم على جريان الاستصحاب وإنما هو مستفاد من قوله (ع) صم للرؤية وأفطر للروية فانه يستفاد منها اعتبار العلم بدخول شهر رمضان وشوال في ترتب الصوم والافطار.

(١) لا يخفى ان ما ذكره من الامور المتضايقة كالابوة والبنوة فان كان مراده من استلزام التعبد بابوة زيد لعمر مثلا يستلزم التعبد بابوة عمر لزيد فان ذلك ان اليقين بالابوة مساوق لليقين بالنبوة فتكون البنوة كالابوة متعلقة للبنين والشك فيجري الاستصحاب في البنوة كجريانه في الابوة ويخرج عن ذلك كونه من الاصول المثبتة كما هو كذلك في العلية الثابتة والمعلول ثم أن المحقق الخراساني (قده) ذكر أمورا وأخرجها عن

ذكرناه لا اشكال فيه وانما الاشكال في صغرياتها فقد ذكر القوم فى بيان الصغريات أمورا.

__________________

الاصل المثبت وقال أن التمسك فيها ليس تمسكا بالاصل المثبت من جهة اتحاد الواسطة مع مؤدى الاصل في الخارج :

الاول : ما يكون الاثر مترتبا على المستصحب بواسطة العنوان الذاتي المنطبق عليه كما لو علمنا بوجود خمر في الخارج ثم شككنا في بقائه من بعد صيرورته خمرا فان الاثر الذي هو الحرمة أو النجاسة وإن كان مترتبا عليه بواسطة انطباق الخمر عليه وحيث أن الأثر اللاحق لطبيعة الخمر يكون عين الفرد وجودا متميزا معه خارجا فيكون الأثر له حقيقة فترتب آثاره على استصحاب الفرد ترتب آثار ما هو متحد مع المستصحب وجودا وعليه لا يكون الاستصحاب مثبتا.

ولكن لا يخفى أن أخذ الطبيعي موضوعا فى القضية إنما هو باعتبار وجوده إذ الطبيعي من حيث هو إلا هو ليس إلا هو لا يكون محكوما بشيء من الأحكام إذ موضوعها هو الأفراد الملغاة عنها الخصوصية فتكون الحرمة والنجاسة في مفروض المثال من آثار نفس الخمر المستصحب.

الثاني : ما يكون الأثر مترتبا على المستصحب بواسطة العنوان الانتزاعي العرضي المنطبق على المستصحب كعنوان الغصبية وحيث أن هذا العنوان ليس في إزائه في الخارج سوى منشأ انتزاعه فتترتب آثاره على منشأ انتزاعه باستصحابه فيخرج عن الأصل المثبت حيث أن الواسطة فيه تكون مغايرة المستصحب.

وهكذا بالنسبة إلى الملكية لاتحاد العنوان الانتزاعي مع منشأ انتزاعه

ولكن لا يخفى أنه أن أريد استصحاب فرد خاص من أفراد العنوان فاستصحاب الغصبية الخاصة فانه يوجب ترتب آثار طبيعي الغصب

وقد ذكروا لها موارد منها الشك في وجود الحائل من وصول الماء الى البشرة أو الحاجب في باب الوضوء والغسل والتطهير عن

__________________

عليه فان الأثر حينئذ يكون أثرا لنفس المستصحب باعتبار إلغاء الخصوصيات الفردية وهذا ليس من الأصل المثبت لأن أثر وجود الطبيعي الأبيض مثلا هو أثر لنفس الأبيض الخاص مع الغاء الخصوصية وليس ذلك من الأصل المثبت وان أريد استصحاب ذات الشيء المغصوب لترتب آثار عنوان الغصبية عليه فهو يكون من الأصل المثبت لا ينفع اتحاد العنوان الانتزاعي مع منشأ انتزاعه وجودا لعدم خروج الأصل عن كونه مثبتا بعد فرض أن الاثر ليس من آثار نفس المستصحب وانما هو من آثار لوازمه

وأما الملكية والزوجية والولاية فهي لما كانت من الاحكام الوضعية المجعولة للشارع فترتبها على نفس المستصحب وان كانت طولية ما لم يتوسط بينهما آثار عقلية أو عادية كما هو في مثل المقام فلذا لا يكون من الأصل المثبت على أن الملكية ليست من العناوين الانتزاعية لكي يقال بأن ترتب أثرها على استصحاب منشأ انتزاعها من جهة اتحادها معه في الوجود وانما هي أمر اعتباري وحكم مجعول من قبل الشارع وترتبها على نفس المستصحب وان كانت طولية ما لم يتوسط بينها لوازم عقلية أو عادية.

الثالث : ما يكون الاثر على المستصحب مما هو مجعول للشارع يتبع جعل منشأ انتزاعه من الجزئية والشرطية والمانعية فانها تترتب على نفس المستصحب حيث أنها مجعولة تبعا ولا تفاوت في الآثار المترتبة على المستصحب بين أن يكون من الآثار المجعولة بالاستقلال أو يكون مجعولا بالتبع.

ولكن لا يخفى أن ما ذكره من أن يكون المترتب على المستصحب

النجاسة الخبثية حيث أنهم يلتزمون باستصحاب عدم الحائل فيحكمون بصحة الوضوء أو الغسل والطهر وجوازه مع أن الصحة مترتبة على وصول الماء في البشرة الذي هو من اللازم العقلي لعدم الحائل في مورد ايقاع الماء على العضو والجسم من جهة البناء على كون الواسطة خفية على وجه لم يعد شيئا لكي يكون حائلا ومنها مثلوا لذلك بما لو شك في تحقق أصل الرد في باب العقود مثل الاجازة بناء على كون الرد قبل الاجازة من قبيل الحائل بين العقد والاجازة كما هو التحقيق لا من قبيل النسخ فانه يجرون استصحاب عدم الرد فيرتبون عليه وجوب الوفاء بالعقد بعد الاجازة مع أن وجوب الوفاء يترتب على العقد المضاف الى المالك لا مجرد عدم الرد والاجازة فيه واضافة العقد الى المالك من اللوازم المترتبة على عدم المرد في ظرف الاجازة فيقولون بكونه من الوسائط الخفية مع انه قد يشكل عليهم

__________________

لا يفرق بين أن يكون المترتب على المستصحب مجعولا شرعيا مستقلا أو بالنبع فهو وان كان صحيحا إلّا أن دعوى كون الشرطية والجزئية والمانعية من المجعولات التبعية محل نظر حيث أنها ليست منتزعة من وجود الشرط والجزء أو المانع لعدم كونها من آثار وجودها خارجا حتى تترتب على وجودها الاستصحابي وانما هي من آثار تعلق الجعل بالحصة الخاصة من الصلاة المقيدة بها اذ لا معنى لانتزاعها من وجود الشرط والجزء والمانع خارجا ضرورة أن جزئية السورة أو شرطية الطهارة أو مانعية النجاسة مقيدة في الصلاة سواء وجدت في الخارج أم لم توجد فعليه أنها غير مرهونة يتحقق الشرط والجزء والمانع في الخارج فلا تترتب على استصحاب بقاء الشرط مثلا لتتحقق بقاء الشرطية في الخارج وانما هو أمر الشارع سواء أتى بها المكلف أم لا فافهم وتأمل.

بأنه الفرق يظهر في هذا المورد.

منها إذا شك في حائلية شيء أو شك في وجود حائله فإنه لا يجرون فيه استصحاب عدم الحائل لكونه مثبتا ومنها ما إذا شك المأموم بأنه أدرك الامام في الركوع أم لا فانه يجرون فيه استصحاب بقاء الامام على الركوع إلى زمان ركوع المأموم فانه بناء على أن المناط ركوع المأموم في حال كون الامام راكعا لا اشكال فيه.

وأما بناء على كون المناط اجتماع المأموم مع لامام في الركوع فانه وتحقق الهيئة الاجتماعية فيه فيشكل يكون الاستصحاب مثبتا فيجاب بأن الواسطة خفية ومن ذلك استصحاب بقاء الطهارة للحكم بصحة الصلاة بناء على كون شرطية الشيء للمأمور به إلى ذات العمل ليس مثل الجزئية منتزعة عن تعلق الأمر بالشيء مقيدا بغيره فانه بناء عليه لا إشكال في استصحاب نفس ما هو شرط المأمور به فيترتب عليه صحة العمل أعني كونه موافقا للمأمور به.

وأما بناء على كون الشرطية للشيء باعتبار تقيد نفس ذات العمل بذلك الشىء فى الرتبة السابقة من الأمر كما تقدم اختيار ذلك فى الأحكام الوضعية فالشرطية حينئذ عبارة عن تقيد الشيء بالشيء فيكون ما هو الشرط طرفا لهذا التقييد خارج عن الشرطية فحينئذ يترتب ذلك التقييد على وجود الشرط وإبقائه في ظرف الاتيان بالمشروط فيكون عقليا حينئذ استصحاب بقاء الطهارة للحكم بصحة المأتى به في أثناء العمل أو قبل الشروع يقال وأنه مثبت لأن ترتب الصحة على تحقق تقيد العمل وحصول الشرطية وترتب ذلك على استصحاب الطهارة عقلي والجواب عنه أن الواسطة خفية بل يطهر من نفس تمسك الامام باستصحاب الطهارة والوضوء الحكم بصحة العمل المشروط بها في مضمرة

أولى لزرارة لا بد وأن يستكشف عدم الاعتناء بمثل تلك الوسائط ومن ذلك يظهر ما هو الضابط في خفاء الواسطة وعدم خفائها.

فيكون المدار على ما يكون من قبيل مورد الرواية مضافا إلى أن يقال بعدم الاحتياج إلى الالتزام بخفاء الواسطة في صحة استصحاب الطهارة ولو بناء على عدم كون الشرطية من الأمور الجعلية الوضعية لبداهة أن مقدمة الواجب واجبة بالوجوب الغيري المترشح مع من وجوب ذي المقدمة وهذا الوجوب الغيري وإن لم يكن أمر وضعه ورفعه بيد الشارع ابتداء واستقلالا.

ولكن له أن يرفعه عنها برفعه عن ذي المقدمة كما أن له أن يجعل الوجوب لها بجعل الوجوب على ذيها فحينئذ فالحكم ببقاء الطهارة مرجعه إلى أنه لا يجب عليك تحصيل الواجب للصلاة لو لم يكن بحاصل بل لك الاكتفاء بهذه الطهارة المستصحبة في إيجاد ذي المقدمة ومن رفع نفس الوجوب عن تحصيل المقدمة يستكشف أنه رفع الوجوب النفسى عن ذي المقدمة ولو لم تكن المقدمة حاصلة فالأثر المترتب على استصحاب الطهارة هو عدم وجوب تحصيل المقدمة بغير تلك الطهارة المستصحبة الكاشف عن رفع الوجوب عن ذي المقدمة وهو الصلاة عن طهارة واقعية لو لم يكن الصلاة المكتفى بها بالطهارة الحاصلة بالاستصحاب وهي الصلاة عن طهارة واقعية فلا تحتاج في ترتب الأثر الشرعى إلى خفاء الواسطة كما تقدم ومن موارد الاستثناء عن حجية أصل المثبت ما إذا كانت الواسطة مما لا يمكن التفكيك بينه وبين ذي الواسطة بحسب التنزيل كما لا تفكيك بينهما واقعا ومعنى عدم امكان التفكيك بينهما أن العرف يرى أن تنزيل ذي الواسطة تنزيل للواسطة وذلك من جهة شدة اتصال يرى بينهما ومنشؤه أن الملازمة بين الشيئين وكذلك

علاقة اللزومية بين الملزوم واللازم يعبر من شدة الوضوح عن أحدهما بالآخر بنحو لا يرى العرف تفكيك بين المتلازمين أو اللازم والملزوم ومن هذه الجهة ورد الدليل على التنزيل في أحد المتلازمين أو الملزوم أو اللازم ينتقل الى تنزيل ملازمه أو لازمه مثل الابوة بنفس الانتقال الى جعل زيد أب عمر ينتقل الى جعل عمرو ابن زيد أو من جعل مقابله زيد لعمرو حصل جعل مقابلة عمر لزيد أيضا وكذلك في جميع الامور النسبية المتضايفة سواء النسبة من الطرفين يتخذه مكرر كالمقابلة أو المحاذات أو متخالفة كالأبوة والبنوة والفوقية والتحية وغيرهما وذلك بالنسبة الى الملزوم واللازم فانه قد يصير علاقة اللزومية بحيث يرى العرف بتنزيل الملزوم عين تنزيل اللازم وبهذا قد ظهر أنه لو كان للمستصحب أثر شرعى ولكنه كان لهذا الأثر الشرعى أثر شرعى آخر ينتهى الى العمل ولو بألف واسطة شرعية كلها خارجة عن محل الابتلاء يجري فيه الاستصحاب على مسلك المختار من كونه راجعا الى الأمر بالتعبد بثبوت الشىء بلحاظ أثره فان حياة زيد اذا كان له لازم شرعى ليس محلا للابتلاء وكان لهذا اللازم لازم شرعى محلا للابتلاء فنفس التعبد ببقاء الحياة تعبد بأثره الشرعى لكونه لازما له والتعبد به بما هو ملزوم لازم آخر تعبد بذلك اللازم وهكذا الى أن ينتهى الى العمل.

فتلخص أنه يتم ما تقدم سابقا من صحة التنزيل والاستصحاب بالنسبة الى موضوع كان له الأثر العملي الشرعى بواسطة أثر شرعى آخر لا يمكن إلّا باثبات حجية الأصل المثبت بالنسبة إلى ما اذا كان لزوم الواسطة جلية وكان تنزيله تنزيل تلك الواسطة.

بقى في المقام شىء وهو أن من نتائج كون الاستصحاب هو جعل حكم مماثل للحكم الواقعى في استصحاب الحكم وجعل حكم

مماثل لحكم الموضوع في استصحاب الموضوع أو كونه راجعا إلى الأمر بالمعاملة كما هو المختار أنه على الأول إذا ثبت وجوب الاستصحاب يترتب عليه وجوب امتثاله عقلا وحرمة مخالفته ووجوب مقدمته وحرمة ضده ولو لم يكن تلك الامور من الآثار الشرعية وقلنا بكون الأثر الثابت بالاستصحاب هو الأثر الشرعي على ذلك لكون تلك الآثار من الآثار العقلية لوجوب شيء بالأعم من أن يكون واقعيا أو ظاهريا فان الاستصحاب لم يثبت الا وجوب الشيء على هذا المسلك.

ولكنه يترتب عليه تلك الآثار العقلية لتحقق موضوعها بالوجدان.

وأما على الثاني فتارة نقول بأنه يرجع الى الأمر بالمعاملة عمل المتيقن بأن يكون مفاد وجوب تنزيل المشكوك منزلة المتيقن والأمر بالعمل في المشكوك منزلة عمل المتيقن فلازم ذلك اثبات الوجوب الشرعي بالنسبة للعمل الذى يكون موافقته وامتثالا للحكم المتيقن.

وأما بالنسبة الى ما هو مقدمة لذلك فبناء على وجوب المقدمة الواجب ينتزع من هذا الأمر بالنسبة اليها أيضا وجوب وإلّا فيكون واجبا بالابدية العقلية كما يرى بعض في مقدمات الواجب وأخرى نقول بأنه يرجع الى الأمر بالمعاملة عمل اليقين ووجوب تنزيل الشك منزلة اليقين فبناء عليه يثبت الوجوب الشرعى بالنسبة الى العمل الذي يكون موافقة له امتثالا للحكم الواقعى وكذلك بالنسبة الى مقدمته ولو لم نقل بكون مقدمة الواجب واجب شرعا بوجوب ذي المقدمة وذلك لأن عمل اليقين بوجوب شىء هو الاتيان بمتعلقه بما له من المقدمات ولو عقلا والفرض أن دليل الاستصحاب أثبت الوجوب الشرعى لهذا العمل فيصير عمل اليقين واجبا شرعا بما له من المقدمات كما لا يخفى.

التنبيه الثامن

لا اشكال في صحة الاستصحاب فيما اذا كان الشك في أصل وجود الحكم أو موضوع ذي حكم كما اذا شك في بقاء النجاسة بعد القطع بحدوثها سابقا وشك في بقاء حياة زيد بعد القطع بثبوته سابقا (١)

__________________

(١) لا يخفى أن تأخر الحادث أو تقدمه تارة يكون باعتبار أجزاء الزمان وأخرى باعتبار حادث زماني آخر.

أما الأول فلا اشكال في جريان استصحاب عدم الحدوث أو البقاء بالنسبة الى الزمان المشكوك حدوثه أو ارتفاعه الى زمان العلم بتحقق الحدوث أو الارتفاع فلو علم بموت زيد يوم الجمعة وشك في حدوثه يوم الخميس أو يوم الجمعة يستصحب عدم حدوثه الى زمان يعلم بتحققه الذي هو يوم الجمعة إلّا أن هذا الاستصحاب لا يثبت عنوان حدوث الموت يوم الجمعة الا على القول بالأصل المثبت.

نعم بناء على كون الحدوث مركبا من عدمه يوم الخميس والعلم بتحققه يوم الجمعة فحينئذ يتدرج تحت ما أحرز أحد الجزءين بالأصل والآخر بالوجدان ولكن جعل المقام من ذاك القبيل محل نظر حيث أن الحدوث والتأخر من العناوين البسيطة فلا ينفع جريان الاستصحاب فيه لما عرفت أنها من الأصول المثبتة كما لو قلنا بأن هذه العناوين من المنتزعة لا يجري فيه الاستصحاب حيث أنه لما كان الموضوع أو المتعلق أمرا منتزعا من اتصاف أحد الجزءين بالآخر ومن الواضح أن العنوان الانتزاعى من لوازم وجود منشأ انتزاعه فيكون من باب احراز جهة الانصاف وما هو مفاد كان الناقصة واستصحاب ذات الجزء انما هو

وأما إذا شك في زمان حدوثه أعني أول أن وجوده بعد القطع بأصل وجوده كما إذا علم بموت زيد يوم السبت وشك في أن حدوث

__________________

مفاد كان التامة وبه لا يثبت الانصاف الذي هو مفاد كان الناقصة فانه من أوضح مصاديق الأصل المثبت.

وأما الثاني وهو ما يكون الشك في تقدم الحادث أو تأخره بالاضافة إلى حدوث زماني آخر أو انتفائه فتارة يكون الموضوع أو المتعلق أمرا وحدانيا وأخرى يكون مركبا من ذات الجزءين أو الأجزاء.

وثالثه ان يكون عنوانا منتزعا من اتصاف أحد الجزءين بالآخر

أما الأول فيجري الاستصحاب فيه بلا إشكال ويترتب عليه الآثار الشرعية كما أن الثاني يجري فيه الاستصحاب بضم الوجدان اليه فيما اذا لم يؤخذ اتصاف أحد الجزءين بالآخر في موضوع الحكم أو تقيده وانما له الدخل بذات الجزءين كما لو أحرز اجتهاد شخص في مورد بالوجدان وعدالته بالأصل يترتب عليه الآثار من تقليده وتنفيذ حكمه لعدم أخذ جهة الاتصاف مثلا في الموضوع أو في المتعلق اذ لا معنى لكون العدالة وصفا للاجتهاد وانما هما وصفان قائمان بذات المجتهد العادل ومن هذا القبيل احراز موت الوالد بالوجدان واحراز حياة الولد بالأصل وبذلك يحرز موضوع الارث المركب من مجرد موت الوالد وحياة الولد من دون أخذ اتصاف أحدها بالآخر ومن هذا القبيل لو أحرزت الطهارة بالاصل بضمها مع الاجزاء في الصلاة المحرزة بالوجدان اذ المعتبر في الصلاة هو اجتماع ذوات الاجزاء والشرائط في الخارج بنحو يكون بعضها مقارنا للآخر في الوجود.

وأما كون بعضها وصفا قائما ببعضها الآخر فغير معتبر في الصلاة فظهر مما ذكرنا أنه بجريان استصحاب الطهارة يتحقق الموضوع بضم

موته بعد القطع بحياته يوم الخميس مثلا فيكون الشك فى تقدمه وتأخره بعد القطع بأصل وجوده فلا يخلو أما أن يلاحظ ذلك الحادث بالنسبة الى أجزاء الزمان أو يلاحظ بالنسبة الى حادث آخر كما اذا علم بموت زيد وموت عمر في يوم السبت وشك في يوم الجمعة في حدوث موتهما معا أو تقدم موت زيد على موت عمر أو العكس بعد القطع بتحقق أنهما في يوم السبت.

وهنا قسم ثالث وهو أن يكون توارد الحادثين المتضادين معلوم تحققهما في زمانين متعاقبين.

ولكن شك في تقدم أحدهما عن الآخر مع العلم بتحققهما كما اذا علم بوجود الحدث والطهارة وشك في تقدم أحدهما عن الآخر.

أما القسم الاول فان كان الاثر مترتبا على نفس عدم حدوثه في زمان الشك بأن يكون عدم موت زيد في يوم الجمعة المشكوك موته

__________________

الوجدان الى الاصل فيما اذا أحرزت بقية الاجزاء والشرائط بالوجدان ـ ودعوى أن استصحاب الجزء أو الشرط معارض باستصحاب عدم تحقق المركب في الخارج لكونه مسبوقا بالعدم ممنوعة بأن استصحاب الجزء أو الشرط يحرز حصول المركب اذا فرض حصول بقية الاجزاء بالوجدان فانه يحصل المركب بالاستصحاب الجزء والشرط بضم الوجدان من غير لحاظ الاتصاف ثم أن الاستاذ المحقق النائيني (قده) دفع التعارض بين الاصلين بأن استصحاب الجزء أو الشرط حاكم على استصحاب عدم تحقق المركب لكون الشك في تحقق المركب مسبب عن الشك في الجزء والشرط.

ولكن لا يخفى أن الحكومة إنما تحقق السببية الشرعية كما في سببية طهارة الماء المغسول به الثوب لا مثل المقام فان السببية فيه عقلية فلا يكون الاصل الجاري في السبب برفع الاصل في المسبب لجواز الانفكاك بينهما شرعا فافهم

فيه مما له الاثر فلا مانع من جريانه فيه كالشك في أصل حدوثه لتحقق أركانه اليقين بالحالة السابقة والشك في بقائها وان كان الاثر مترتبا على تأخره عن زمان الشك فلا يثبت باستصحاب عدمه في زمان الشك تأخره عن ذلك الزمان الاعلى القول بالأصل المثبت بأن يقال حدوث الموت في يوم الجمعة مشكوك فيستصحب عدمه فيكون حادثا في يوم السبت هذا بناء على كون الحدوث أمرا بسيطا.

وأما بناء على كونه مركبا من الوجود وعدم تقدمه فيمكن احراز أحد جزئيه بالاصل والآخر بالوجدان فلا يكون الاصل حينئذ مثبتا.

وأما القسم الثاني أعني ما اذا كان الشك في تقدم أحد الحادثين على الآخر وتقارنهما فلا يخلو أما أن يكونا مجهولي التاريخ أو يكون أحدهما مجهولا والآخر معلوما ولا مجال لاحتمال كونهما معلومى التاريخ خارجا لخروجه عن مورد الشك في التقدم والتأخر والتقارن وعلى التقديرين.

أما أن يكون الاثر مترتبا على خصوص تأخر أحدهما المعين فقط أو على خصوص تقارنه فقط.

وأما أن لا يكون مترتبا على تقدم أحدهما المعين وعلى تأخره وتقارنه أيضا بل يكون كل واحد من التقدم والتأخر والتقارن في أحدهما ذا أثر شرعي دون تقدم الآخر وتأخره وتقارنه.

وأما أن يكون مترتبا على تقدم كل منهما على الآخر وعلى تأخره أو على تقارنه ثم أما أن نقول أن كل واحد من هذه الامور أعني صفة التقدم والتقارن والتأخر من الامور الواقعية التي كانت من المحمولات التي لها واقعية في الخارج بمعنى كون الخارج ظرفا لنفسها وان لم يكن ظرفا لوجودها مثل أصل الوجود على ما هو التحقيق فيها وبعبارة أخري لا يكون واقعيتها تابعا لاعتبار المعتبر بل ولو لم يكن في

العالم معتبر كان لها واقعيته في الخارج فحينئذ تكون ذا أثر شرعا إذا أخذت موضوعا لحكم شرعي في لسان دليل فحينئذ يجري الأصل فيها في كل مورد يمكن جريانه لو لا المعارضة لأن كل واحد من هذه الامور حينئذ من الامور الواقعية الحادثة التى كانت مسبوقة بالعدم مع كون المفروض كونها بما هي تلك الصفات مما لها أثر شرعى ولا يجري أصل العدم ولا الوجود في منشأ انتزاعها لكونه بالنسبة إلى إثباتها يكون من الأصل المثبت.

وأما أن نقول بأنها من الأمور الاعتبارية المحضة التي لا واقع لها إلا الاعتبار كالملكية والزوجية فلا يكون الخارج الا ظرف اتصاف منشأها بها فعلى هذا فلا يكون مجال لجريان الاستصحاب فيها لعدم كون الأثر مترتبا عليها بل مترتب على ما هو منشأ انتزاعها. وبما أن منشأ الانتزاع من الامور الاعتبارية فلا يجري الأصل فيها بالنسبة إلى تلك الامور التي كان تحققها بعين تحقق منشئاتها ويكون الحكم المترتب فى لسان الدليل مترتبا على منشئاتها من غير فرق أن تؤخذ في لسان الدليل بمفاد كان التامة أو الناقصة وبعبارة أخرى أن الأثر لو كان مترتبا على منشأ انتزاعها :

فلا مجال لجريان أصالة العدم فيها لعدم كونها بنفسها من الخارجيات المسبوقة بالعدم فلا بد أن نجعل أصل العدم منشأ انتزاعها الذي هو الحدوثات الخاصة الزمانية لقيام المصلحة والمفسدة بها الذي يكون ذا الأثر.

وأما بناء على المختار بأن هذه الاضافات بنفسها أمور خارجية وصفات زائدة على الذوات الخارجية فلا قصور من جريان الاستصحاب من غير فرق بين كونها بمفاد كان التامة أو كان الناقصة فيما لو كان

الأثر مترتبا على وجود أحد الحادثين باعتبار إضافته إلى الحادث الآخر بكل من عنوان التقدم والتأخر والتقارن وان كانت كلها مسبوقة بالعدم بنحو السلب المحصل لا الموجبة المعدولة.

وأما لو كان الاثر على ما أتصف بالعدم في زمان الآخر فلا يجري أصالة العدم لعدم اليقين بالحالة السابقة واستصحاب عدم الحادث إلى زمان وجود الحادث الآخر لا يثبت الارتباط والاتصاف لانه يكون من الاصول المثبتة وإلى ذلك نظر الاستاذ حيث فصل بين أن يكون الاثر لنفس عدم أحدهما فى زمان الآخر فأجرى أصالة العدم بمفاد كان التامة وبين أن يكون الاثر للحادث المتصف بالعدم في زمان الحادث الآخر فلم يجر أصالة العدم بمفاد كان الناقصة وكيف كان.

فجريان أصل العدم بكلا المفادين فيما إذا كان القيد بما هو قيد على نحو السلب بنحو انتفاء الموضوع من غير فرق بين أن يكون الوصف ملحوظا بما هو شيء وفي نفسه وبين أن يؤخذ نعتا لموضوعه وقد ذكرنا تفصيل ذلك في الجزء الثاني من الكتاب في الشبهة المصداقية ما لفظه وبالجملة الاعدام الازلية التي هي محل لجريان الاصل هي الاوصاف العارضة على الذات بتوسط وجودها كالمرأة المشكوك كونها من قريش وكالشرط المشكوك مخالفته للكتاب لا بالنسبة إلى ما هو من لوازم الذات فانه لا مجال لجريان الاصل العدمي لعدم وجود حالة سابقة انتهى هذا في المقيد.

وأما في ذات القيد بما هو قيد فانه يجري بنحو السلب المحصل بكل من مفاد ليس التامة والناقصة لتحقق أركانه من اليقين السابق والشك اللاحق.

وعليه لا مانع من جريان أصل عدم اتصاف المرأة بالقرشية وعدم

اتصاف الحادث حين وجوده بعنوان التقدم والتأخر والتقارن بالقياس إلى حادث آخر إذا كان الاثر لسلب الاتصاف لا بمعنى المتصف بالعدم بنحو القضية المعدولة فانه عليه لا يجرى الاصل المذكور لعدم اليقين بالحالة السابقة من ارتباط الموضوع واتصافه بالعدم وجريان أصالة عدم اتصافه بالتقدم أو التقارن أو التأخر بنحو السلب المحصل الذي مرجعه إلى سلب الاتصاف لا يثبت الموضوع المتصف بالسلب بمفاد القضية المعدولة إلا على القول بالأصل المثبت.

ثم لا يخفى أن بعد معرفة ذلك فاعلم أنه لا بد في القسم الأول أعني الجهل بتأريخهما من اعتبار أزمنة ثلاثة.

أحدهما زمان القطع بعدمهما كيوم الخميس في المثال المتقدم.

والتالي زمان الشك فيهما كيوم الجمعة مثلا.

والثالث زمان القطع بتحققهما كيوم السبت مثلا ففيما لو كان الأثر مترتبا على تقدم موت زيد على موت عمر أو تقارنه أو تأخره مثلا من غير أن يكون لتقدم موت عمر أو تأخره أو تقارنه أثر يكون يوم الجمعة زمان الشك في تقدم موت زيد على موت عمر والشك في كون موت زيد يوم الجمعة وموت عمر يوم السبت أو العكس وكذا يوم السبت يكون زمان الشك في تقارنهما وكذلك يوم الجمعة أيضا زمان الشك في تقارنهما فالشك في التقدم والتأخر يكون بالنسبة إلى وقوعه في يوم الجمعة وفي التقارن يكون باعتبار الشك في وقوعهما في يوم السبت أو في يوم الجمعة أيضا فالمشكوك الذي يترتب عليه الأثر هو التقدم والتأخر باعتبار وقوع أحدهما في يوم الجمعة والآخر في يوم السبت.

أما جريان الاستصحاب في نفس الصفة فلا إشكال في جريانه بالنسبة إلى كل واحد منها بناء على كونها من الأمور الواقعية فيجري

أصل عدم التقدم والتأخر والتقارن بالنسبة إلى زمان الشك إلا إذا كانت معارضه في البين كما إذا كان الأثر مترتبا على كل واحد منها مع العلم الاجمالي بثبوت أحدها نعم لا يمكن إجراء أصالة عدم التقارن بالنسبة إلى زمان القطع لعدم الشك.

وأما إثبات التقارن في زمان المتأخر باجراء أصل العدم في كل منها بالنسبة إلى زمان الشك فيها بناء على ما تقدم احتماله من كون الحدوث أمرا مركبا من الوجود والعدم السابق الثابت أحد جزئيه بالأصل والآخر بالوجدان فلا مانع منه.

وأما جريان الأصل بالنسبة إلى ذات الموصوف ومنشأ انتزاع تلك الصفات بناء على الاحتمال السابق من كونها من الاعتبارات المحضة فلا مانع من جريان أصالة عدم حدوث موت زيد في يوم الجمعة لكي يثبت به عدم تقدمه على موت عمر لأن ما هو الموضوع للاثر على هذا الاحتمال هو منشأ انتزاع عنوان تقدم موت زيد على موت عمر وهو عبارة عن ثبوت موت زيد في زمان خاص كيوم الجمعة مثلا مع فرض موت عمر في زمان المتأخر عنه كيوم السبت مثلا ومن المعلوم كون هذا الموت الخاص في يوم الجمعة كان مسبوقا بالعدم والأصل بقاء عدمه على حاله إلى يوم السبت فيثبت عدم تقدمه.

وأما تأخره عن موت عمر بأن يكون موت زيد في يوم السبت وموت عمر في يوم الجمعة ولم يمكن إجراء أصل عدم موته في يوم السبت للعلم بثبوته فيه ولكنه لا مانع من اجراء أصل عدم موت عمر في يوم الجمعة لكى ينتفي به تأخر موت عمر لأن ما ينتزع عن المركب ينتفى بانتفاء أحد طرفيه كما أنه لا مانع من اجراء أصل عدم موت زيد في يوم الجمعة وكذا موت عمر وينتفى به عدم تقارن الموتين في هذا اليوم

فلا مانع من اجراء هذه الأصول إلّا أن يحصل التعارض بينهما هذا كله فيما اذا كان الاثر مترتبا على عدم موت أحدهما في زمان وجود الآخر كما اذا كان الأثر مترتبا على عدم موت زيد في زمان موت عمرا وبالعكس وفي مثله أيضا يتصور فيه القسمان المتقدمان من مفاد ليس الناقصة والتامة إلّا أن الاستاذ (قده) في الكفاية قال بعدم جريان الأصل في المقام في كلا القسمين.

أما ما كان بمفاد ليس الناقصة فلعدم الحالة السابقة اليقينية له.

وأما العدم الذي بمفاد ليس التامة فلاحتمال نقض اليقين السابق باليقين بنقضه وعدم القطع يصدق نقض اليقين بالشك وعليه لم يكن الشك متصلا بزمان اليقين قطعا لاحتمال فصله بنقض اليقين باليقين فلا يندرج تحت لا تنقض اليقين بالشك.

وتوضيح كلام الاستاذ (قده) (١) أنه لا بد من فرض الكلام فيما إذا كان لنا زمان نقطع بعدم الحادثين كيوم الخميس الذي يقطع بحياة

__________________

(١) وبتوضيح آخر للاشكال أنه يقرب ذلك بتقريبين.

الأول عدم اتصال الشك باليقين لما هو معلوم أن الفرض يتحقق في أزمنة ثلاثة الأول زمان المتيقن الذي هو المستصحب وهو عدم كل واحد منهما وزمان الشك لا بد وأن يكون هو الزمان الثالث لا الثاني لكون الشك فيه إنما هو بالتقدم والتأخر لا في أصل الحدوث والشك في التقدم والتأخر لا يمكن أن يتحقق إلا في فرض وجود الاثنين حيث أن التقدم والتأخر من الاضافات التي لا تتحقق إلا في ظرف وجود الاثنين وليس ذلك إلا في الزمان الثالث وعليه ظرف المتيقن هو الزمان الأول وظرف المشكوك مما هو مشكوك ليس إلا الزمان الثالث فلم يتصل زمان المشكوك بزمان المتيقن والمراد بالاستصحاب اتصال زمان المشكوك بالمتيقن

وعمر وعدم موتهما وزمان بتحقق الموتين أي موت عمر وموت زيد في يوم السبت وزمان نشك في وقوع موت زيد فيه مع عدم موت عمر فيه أو موته مع عدم موت زيد في الثاني منهما أو بالعكس كيوم الجمعة مع

__________________

الثاني أن المقام لا يكون من نقض اليقين بالشك كما هو مقتضى مفاد دليل الاستصحاب الذي هو لا تنقض اليقين بالشك بل هو من نقض اليقين باليقين لأن زمان الأول من الأزمنة الثلاثة الذي هو زمان ظرف المتيقن يمكن أن يكون متصلا بظرف وجود المستصحب المعلوم إجمالا وجوده.

أما في الزمان الثاني وأما في الزمان الثالث وحينئذ يحتمل انطباق ذلك المعلوم إجمالا على الزمان الثاني ومع هذا الاحتمال يكون من نقض اليقين باليقين غاية الأمر باليقين الاجمالي وعليه لا يشمله دليل الاستصحاب أو شموله منوط باحراز موضوعه كما هو شأن كل دليل يتوقف شموله على إحراز موضوعه ولو قلنا بجواز التمسك بالعام في الشبهات المصداقية إذا كان المخصص منفصلا فان المقام ليس من ذلك القبيل وإنما هو من قبيل عدم إحراز موضوع الحكم ولكن لا يخفى ما فيهما.

أما عن الأول فان المقام متصل الشك باليقين فان من كان متيقنا بشيء أما أن يكون يقينه باقيا أو لا يكون يقينه باقيا لا كلام على الثاني وعلى الأول أما أن يكون يقينه يقينا على الخلاف أم لا فعلى الأول لا إشكال من زوال الأول وما نحن فيه ليس من هذا القبيل إذ ليس له علم بزواله أو تعقبه يقين على الخلاف فلا بد أن يكون في المقام شاكا في بقاء ذلك الشيء فلا يعقل الانفصال إذ من الواضح عدم اجتماع اليقين على الخلاف مع الشك في بقاء المتيقن مثلا إذا علم باسلام الوارث

القطع بتحقق موت أحدهما في الأول والآخر في الثاني بنحو الاجمال فحينئذ بالنسبة إلى زمان نشك في بقاء عدم موت زيد فيه على حاله فيجرى الاستصحاب لو كان هذا العدم المتيقن منتقضا بالشك مع أنه ليس كذلك بل كان منتقضا باليقين وبعبارة أخرى زمان الشك يكون بنحو يحتمل في كل جزء من أجزائه انتقاض الحالة السابقة فيه من دون حصول احتمال القطع بالانتقاض فلو شك في الحدث مع كونه متطهرا سابقا من جهة الشك بحدوث الناقض ففي زمان الشك وإن كان يحتمل وجود الناقض لكن على تقدير وجوده لا يكون مقطوعا لعدم

__________________

وموت المورث وشك في التقدم والتأخر منهما فيوم الخميس زمان العلم بعدم حدوث كل واحد منهما ويوم الجمعة زمان حدوث أحدهما لا على التعيين ويوم السبت زمان العلم بحدوث الآخر منهما فحينئذ يوم الجمعة وكذا أول يوم السبت يعلم علم إجمالي بحدوث أحد الحادثين وبما أن العلم إجمالي لا يسري إلى الخصوصيات فيكون كل واحد منهما من حيث تقدم أحدهما على الآخر مشكوكا وهو المتصل بزمان اليقين.

وأما عن الثاني فيظهر جوابه مما ذكرنا من أن العلم الاجمالي بحدوث أحدهما لا ينافي الشك في خصوص كل واحد منهما وكذلك يمكن إحراز موضوع الاستصحاب وعليه يشمله دليل الاستصحاب ولأجل ذلك قلنا بجريان الاستصحاب في أطراف العلم الاجمالي وإن كانت تسقط بالمعارضة على أن احتمال الانفصال لو اقتضى المنع عن التمسك بعموم دليل الاستصحاب من جهة عدم إحراز الموضوع لاحتمال كون رفع اليد عن اليقين من نقض اليقين باليقين يلزم امتناع الأصل في كثير من الموارد كجريانها في أطراف العلم الاجمالي أو يكون من قبيل القسم الثاني من أقسام استصحاب الكلي فلا تغفل.

تعلق القطع به أصلا ففي مثل ذلك يجري الاستصحاب بلا إشكال.

أما لو كان زمان الشك بحيث لو فرض انتقاض الحالة السابقة فيه يكون مقطوعا للعلم الاجمالي بانتقاضه.

أما في زمان الشك أو في زمان القطع بثبوته كما فيما نحن فيه حيث يعلم بموت زيد في يوم الجمعة أو في يوم السبت ففي يوم الجمعة على تقدير وقوع الموت فيه يكون مقطوعا أو متعلقا لليقين بانتقاض عدم الموت فلا يندرج تحت قوله (ع) لا تنقض اليقين بالشك.

أما من جهة العلم الاجمالي بالانتقاض بقرينة قوله (ع) ولكن تنقضه بيقين آخر حيث أنه في صورة العلم الاجمالي ليس نقض اليقين بالشك بل باليقين.

وأما من جهة الشك في التخصيص ليكون المخصص مجملا وذلك لأن قوله لا تنقض اليقين بالشك يشمل الشك البدوي والشك المقرون بالعلم الاجمالي إلّا أن قوله ولكن تنقضه بيقين آخر لو كان المراد منه مطلق اليقين الأعم من الاجمالي والتفصيلي يكون تخصصا لقوله لا تنقض اليقين بالشك فاذا شك في شموله لليقين الاجمالي فيوجب ذلك الاجمال في لا تنقض اليقين بكونه من القرائن المتصلة في شمول دليل الاستصحاب للمقام على كل تقدير فحينئذ لا يتم أركان الاستصحاب في المقام ولو مع عدم المعارضة وهذا هو الذي وقع في كلمات صاحب الكفاية من أنه يعتبر في الاستصحاب اتصال زمان الشك بزمان اليقين وعدم احتمال فصل بينهما بيقين آخر على الخلاف وبهذا الاشكال يظهر منه عدم جواز الاستصحاب في مثل الصورة الثالثة أعني صورة ما لو علم بتحقق الضدين مع العلم الاجمالي بتقدم أحدهما كما اذا علم بتحقق الحدث والطهارة وشك في كون الأول هو المتقدم والثاني هو المتأخر أو العكس فانه

في مثله أيضا نقول بعدم جريان استصحاب كل منهما لعدم اتصال الشك بزمان اليقين وفيه أولا ينقض ذلك بكلية موارد العلم الاجمالي بين الاطراف إذا كان على خلاف الحالة السابقة كما لو علم بحدوث النجاسة في أحد الكأسين الذي كان كل منهما طاهرا سابقا فانه يلزم عدم جواز جريان الاستصحاب في كل منهما ولو مع عدم المعارضة لاحتمال أن يكون اليقين بالطهارة فيه منقوضا باليقين بالنجاسة ولا نقطع بأنه منقوض بغير الشك وهو مما لم يلتزم به بل ولا يمكن الالتزام به أيضا وثانيا أن هذا الاشكال لا يتم لو كان العلم الاجمالي بين الطرفين ساريا إلى خصوصية كل منهما بحيث يصير الواقع بخصوصيته معلوما ومتصفا بوصف المعلومية فانه على هذا إذا علم بموت زيد بالعلم الاجمالي وتردد بين يوم الجمعة وبين يوم السبت لو كان حدوثه في يوم الجمعة كان عدم الموت في يوم الخميس منتقضا بالموت في يوم الجمعة بما هو معلوم بخصوصيته فيكون نقض اليقين باليقين لا بالشك فمع هذا الاحتمال يحتمل نقض اليقين باليقين

ولكن قد تقدم منا سابقا من أن العلم الاجمالي لا يعقل أن يسري الى خصوصيات أطرافه وإنما الخصوصية تكون باقية على كونها مشكوكة فلا يكون المقام من نقض اليقين باليقين بل يكون من قبيل نقض اليقين بالشك ويكون زمان الشك في نفس الخصوصية متصلا بزمان اليقين وعليه لا وقع لهذا الاشكال أصلا (١).

__________________

(١) لا يخفى أن المراد من اتصال الشك باليقين في باب الاستصحاب هو اتصال المشكوك بالمتيقن وفي مجهول التاريخ يدعى عدم ايصال الشك بالمتيقن بتقريب إنه يفرض أزمنة ثلاثة الأول زمان القطع بعدم حدوث كل من الحادثين الثاني بقطع الحدوث.

أحدهما لا على التعيين الثالث القطع بحدوث الحادث الآخر لا على

هذا وفي المقام إشكال آخر يمنع من جريان الاستصحاب وهو أن شأن الاستصحاب جر المستصحب إلى مقام الشك في البقاء لا في مقام التطبيق بيان ذلك أنه قد عرفت أن الأزمنة ثلاثة يوم الخميس الذي هو زمان اليقين بعدم موت المورث وعدم إسلام الوارث ويوم الجمعة

__________________

التعيين فالزمان الأول زمان المتيقن الذي هو المستصحب وهو عدم حدوث كل واحد منهما وزمان الشك لا بد وأن يكون هو الزمان الثالث لا الثانى لعدم كون الشك في أصل الحدوث وانما الشك في التقدم وهو لا يحصل إلّا بوجود الاثنين وليس إلّا الزمان الثالث فظرف المتيقن هو الزمان الأول وظرف المشكوك هو الزمان الثالث فما اتصل زمان المشكوك بالمتيقن.

ولكن لا يخفى أن زمان الثاني أيضا مشكوك بالنسبة الى وجود كل من الحادثين ولا ينافي أن نعلم بحدوث أحد الحادثين فان ذلك لا يوجب رفع الشك ببقاء المتيقن مثلا اذا علم باسلام الوارث وموت المورث وشك في التقدم والتأخر وفرضنا أزمنة ثلاثة يوم الخميس زمان العلم بعدم حدوث كل واحد منهما ويوم الجمعة يعلم بحدوث أحد الحادثين ويوم السبت يعلم بحدوث الحادث الآخر لا على التعيين فمن الواضح أن من يوم الجمعة الى آخر يوم السبت لم يحصل له علم تفصيلي بخلاف اليقين السابق فيتصل المشكوك بالمتيقن ولقد قلنا في محله ان كل واحد من أطراف العلم الاجمالي من موارد الاصول فتسقط بالمعارضة لو كان كل من الأطراف يترتب عليه الأثر ومع عدم ترتب الأثر على أحدها فيجري الأصل فيما له الأثر بلا معارض ومما ذكرنا يظهر جريان استصحاب النجاسة فيما إذا علم بنجاسة المعين وطهر أحدهما واشتبه الطاهر من النجس من غير فرق بين أن يكون متعلق العلم من أول الأمر

هو زمان الشك في حدوث موت المورث وإسلام الوارث ويوم السبت

__________________

مجملا ومرددا بين الإناءين كما لو كان هناك إناءان نجسان وعلم باصابة أحدهما غير المعين المطر أو علم باصابة المطر باحدهما المعين ثم اشتبه ذلك أو علم بعنوان كاناء زيد وشك في انطباق هذا العنوان على كل من الإناءين خلافا للاستاذ المحقق النائيني (قده) حيث لم يحكم بالنجاسة في جميع الفروض بملاك واحد ففي الفرض الأول لبنائه على عدم جريان الاصول في أطراف العلم الاجمالي وفي الفرضين الآخرين بملاك عدم اتصال زمان الشك باليقين.

ولكن لا يخفى أنك عرفت أن العلم الاجمالي يسرى إلى خصوصية الأطراف فلذا يكون موردا للاصول وتسقط بالمعارضة وزمان الشك متصل بالمتيقن ولأجل ذلك قال السيد في العروة بجريان الاستصحاب في الفروض الثلاثة هذا كله في مجهول التاريخ.

وأما معلوم أحدهما بالخصوص فقد ادعى المحقق النائينى تبعا للشيخ الأنصاري (قده) بعدم جريان الاستصحاب فيه بعدم تحقق الشك فيه لكي يستصحب مثلا لو علم بموت المورث يوم الجمعة وهو العلم مستمر حتى يوم السبت فمتى يشك فيه حتى يستصحب.

ولكن لا يخفى أن ذلك بالنسبة إلى زمان الحادث الآخر يكون مشكوكا لاحتمال حدوث ذلك الحادث قبله كما يمكن أن يكون بعده وبعبارة أخرى أن معلومية التاريخ من جهة لا تمنع جريان الاستصحاب من جهة أخرى فان المعلومية إنما هي باضافة حدوث نفسه.

وأما بالاضافة إلى حدوثه في زمان حدوث الحادث الآخر فغير معلوم فيجري الاستصحاب لو كان الأثر للعدم المحمولي لو لم يسقط بالمعارضة مع استصحاب مجهول التاريخ.

الذي هو ظرف اليقين بحدوث موت المورث ومن الواضح شأن الاستصحاب هو جر المستصحب إلى زمان الشك الذي هو يوم الجمعة لا جره إلى زمان الثالث الذي هو زمان اليقين بالانتقاض فلا يشك في ذلك الزمان وزمان يشك في مقارنة ببقائه التعبدي في زمان عدم وجود غيره حيث أن شأن الاستصحاب هو إلغاء الشك من جهة الاقتران حيثية بقائه ولو تعبدا في زمان مع وجود غيره وبعبارة أخري أن شأن الاستصحاب دائما رفع الشك تعبدا عن بقاء الشيء بعد القطع بحدوثه فيما إذا شك في بقائه وجدانا.

وأما إثبات بعد الزمان لزمان حدوث الحادث الفلاني أو نفس حدوثه فليس ذلك شأن الاستصحاب لما عرفت أن الزمان الثالث الذي هو يوم السبت زمان القطع بحدوث المستصحب وجدانا.

أما في زمان الثاني أو في هذا الزمان الثالث فعليه لا يمكن جر عدم موت الوارث أو عدم إسلام المورث تعبدا للقطع بانتقاض كلا القسمين وبما أن موضوع الأثر هو عدم كل واحد منهما في زمان وجود الآخر والتعبد ببقاء عدم كل واحد منهما في الزمان الثانى الذي هو ظرف الاستصحاب لكونه ظرف الشك لا يثبت كون هذا العدم في زمان وجود الآخر لأنه مشكوك لاحتمال أن يكون زمان حدوث نفس ما أستصحب عدمه وليس من شأن الاستصحاب هذا الشك فلا يترتب الأثر المطلوب منه. والحاصل أن فرض المقام هو التردد الزمان الذي هو طرف

__________________

وأما لو كان الأثر للعدم النعتي فلا يجري الاستصحاب لعدم الحالة السابقة والعدم المحمولي وان كان له حالة سابقة إلّا أنه بالنسبة الى ما له الأثر يكون مثبتا فافهم وتأمل.

وجود الآخرين الزمانين زمان الشك في وجود بديله الذي هو الزمان الثاني وزمان يقينه الذي هو زمان الثالث يكون الشك في مقارنة البقاء التعبدي للمستصحب مع زمان وجود الأثر على حاله فلو أريد من الإبقاء إبقائه الثاني فلا يجزم حينئذ بتطبيق كبرى الأثر على المورد إلا بفرض جر المستصحب في جميع محتملات أزمنة وجود الآخر التي منها زمان الثالث وهو أيضا غير ممكن لأن الزمان الثالث زمان انتقاض زمان انتقاض يقينه بيقين آخر فكيف يمكن جر المستصحب إلى زمان الذي هو زمان انتقاض يقينه بيقين آخر ومجرد كونه زمان الشك في حدوثه أو حدوث غيره لا يجري في إمكان الجر إلى زمان انتقاض نفسه وبعد معرفة ذلك أن المقام من هذا القبيل ففي المثال المذكور من الشك في حياة الوارث أو إسلامه إلى زمان موت مورثه كلا الأمرين من الشك في أصل بقاء حياة الوارث أو عدم إسلامه في الزمان الثاني الذي فرضناه يوم الجمعة والشك في حيثية مقارنة بقاء المستصحب ولو تعبدا فيه لزمان موت المورث بلحاظ نردد حدوثه بين الزمانين وقد عرفت عدم جريان الاستصحاب في مثله على وجه يجدي في ترتب الأثر المترتب على البقاء المقارن لزمان وجود الغير لأن ما يمكن جره بالاستصحاب إنما هو جر عدم إسلام الوارث أو حياته إلى الزمان المتأخر عن زمان يقينه أعني الزمان الثاني ومثله لا يثمر في تطبيق كبرى الأثر على المورد لعدم إحراز كون التعبدي مقارنا مع زمان وجود الغير وعدم تكفل دليل الاستصحاب لالغاء الشك من جهة خصوص امتداده دون غيره وذلك لا يثمر في تطبيق كبرى الأكبر على المورد لما عرفت من عدم تكفل دليل الاستصحاب إلا لالغاء الشك في ذلك على أنه لو أريد

جر المستصحب إلى زمان يقطع فيه بانطباق زمان الاجمالي بنحو الاجمال فهو وإن كان مثمرا في مقام التطبيق ولكنه محتاج إلى جره في جميع الأزمنة الثلاثة المحتملة التي منها الزمان الثالث وهو غير ممكن وبدون جره كذلك لا يجوز كون البقاء التعبدي مقارنا مع زمان وجود غيره مثلا لو شك في حياة الوارث إلى زمان موت المورث مع العلم بموتهما وجهل تأريخه كان منشأ الشك كلا الأمرين أعنى الشك في امتداد الحياة والشك في تقدم موت المورث وتأخره فلم ينفع جريان الاستصحاب في إثبات الحياة إلى زمان موت المورث اذ لا يقتضي إلا إثبات الامتداد تعبدا.

أما حيثية اقتران الحياة بموت المورث من جهة تقدمه وتأخره فلا دلالة له على إلقائهما.

ثم لا يخفى أن هذا الاشكال لا يرد على معلوم تاريخ أحدهما بالخصوص لأن الشك حاصل في هذه الصورة الى زمان الواقع المعلوم بيان ذلك هو أنه في فرض العلم بتاريخ أحدهما المعين لو حكم ببقاء مجهول التاريخ الى ذلك الزمان نجزم بمقارنة بقائه التعبدي لزمان وجود الآخر.

وأما لو كان العدم معلوما ولكن المقارنة بينه وبين موت الآخر مشكوكة مثلا لو فرض عدم موت زيد الى يوم السبت ولكن يشك في حدوث موت عمر في يوم الجمعة لكي يكون مقارنا عدم موت زيد أو حدوثه يوم السبت لكي لا يكون مقارنا وحيث يكون الشك في المقارنة لا يجري الاستصحاب في المقارنة اذ المقارنة ليس لها حالة سابقة كما أن العدم ليس مشكوكا لكي يستصحب بل يستصحب عدم المقارنة أى عدم موت زيد مقارنا لموت عمر والفرض أن الأثر يترتب على المقارنة.

وأما لو كان العدم مشكوكا فيكون له حاله سابقة إلّا أن مقارنة

عدم موت زيد لموت عمر ليس لها حالة سابقة وبالجملة أن مقارنة موت زيد لموت عمر مما له الأثر والفرض أن يوم السبت وان كان زمان القطع بموت عمر إلّا أنه لا مجال لاستصحاب عدم موت زيد فيه للقطع بثبوته فيه ويوم الجمعة ولو كان يوم الشك في بقاء عدم موت زيد ولكن لا يقطع بموت عمر فيه واستصحاب عدم موت زيد فيه لا يثبت مقارنته لموت عمر الا على القول بالأصل المثبت.

(الكلام في تعاقب الحادثين المتضادين)

لو شك في تقدم أحد الحادثين على الآخر مع العلم بتحققهما كما لو علم بالطهارة والحدث وشك في تقدم الطهارة على الحدث أو العكس فهل يجري الأصلان معا وبالمعارضة يتساقطان أو لا يجري الأصل فيهما قيل بالأول وحينئذ يأخذ بالحالة السابقة عليهما.

ولكن لا يخفى أنه لا مجال للأخذ بالحالة السابقة عليهما للعلم بانتقاضها (١) وبعد الفراغ عن ذلك وقع الكلام بين المحققين في أصل

__________________

(١) مضافا إلى أنه لو فرض وجد عقيب الحالة السابقة مثلها بدون أن يكون الحادث الآخر فاصلا بينهما كما لو فرض أنه كان محدثا قبل حدوث هذين الحادثين فوجد سبب الحدث من نوم وغيره حال كونه محدثا بالحدث السابق لا يؤثر أثرا جديدا وهكذا لو كان الحادث الموافق للحالة السابقة.

الطهارة فهي مرتفعة قطعا لو تعقبها الحدث ولو كانت الطهارة بعد الحدث فتكون باقية قطعا من غير حاجة إلى الاستصحاب ولكن حدوثها مشكوك فما هو المتيقن للبقاء مشكوك الحدوث فيتهدم كلا ركني

جريان الاستصحاب في ذلك مع قطع النظر عن المعارضة أم لا يجري والحق عدم جريان لامور :

__________________

الاستصحاب إذ الاستصحاب لا بد أن يكون متيقن الحدوث مشكوك البقاء وفي المقام عكس ذلك فما هو متيقن البقاء مشكوك الحدوث.

لكن لا يخفى أن حقيقة الاستصحاب يقين سابق وشك لا حق وفي المقام متحقق إذ حال حدوث الحدث الموافق للحالة السابقة يعلم بوجود حدث شخصي إن كانت الحالة السابقة الحدث أو الطهارة الشخصية وبعد حصول العلم بحدوث أحد الحادثين يشك في ارتفاع ذلك الشخص الخارجي.

وأما كون ذلك الحدث الشخصي هل هو الحادث الجديد أو السبب الذي كان قبل حدوث الحادثين لا يضر بتمامية أركان الاستصحاب هذا في مجهولي التاريخ.

وأما في موارد العلم بتاريخ أحد الحادثين فقد يكون معلوم التاريخ موافقا للحالة السابقة على الحالتين. كما إذا علم من كان محدثا بالحدث الأصغر مثلا بأنه توضأ وبال بعد ذلك الحدث واشتبه المتقدم منهما بالمتأخر. مع العلم بأن بوله كان في الساعة الثانية من النهار ، لكنه لا يعلم أن الوضوء هل صدر منه في الساعة الأولى أو الثالثة ، وقد يكون مخالفا للحالة السابقة ، كما إذا فرض كون المكلف متوضأ قبل توارد الحالتين في مفروض المثال ، فان كان من قبيل الأول كان المورد بالاضافة إلى استصحاب مجهول التاريخ من صغريات القسم الثاني من استصحاب الكلي لرجوع الشك في بقاء الطهارة في المثال إلى تردد الوضوء بين ما هو باق يقينا وما هو مرتفع كذلك.

وبما أن ارتفاع الطهارة مشكوك فيه. لاحتمال وقوع الوضوء

الأول ما ذكره الأستاذ (قده) في الكفاية ما لفظه (أنه لا مورد للاستصحاب أيضا فيما تعاقب حادثان متضادان كالطهارة والنجاسة

__________________

في الساعة الثالثة يجري الاستصحاب ويحكم ببقائها.

وإن كان من قبيل الثاني اندرج المورد بالاضافة إلى الاستصحاب المزبور تحت كبرى القسم الثاني من الثالث من استصحاب الكلي.

بتقريب أن لنا يقينا بفرد من الطهارة. وقد ارتفعت قطعا ، وهي الطهارة السابقة على توارد الحالتين. ويقينا ثابتا بالطهارة ، بعنوان آخر ، وهي الطهارة المتحققة عند الوضوء الثاني المحتمل انطباقها على الفرد المرتفع ، وعلى فرد آخر غيره ، لأنها على تقدير كونها تجديدية لم تحدث طهارة أخرى غير الطهارة الحاصلة بالوضوء الواقع قبل توارد الحالتين ، وهي قد ارتفعت يقينا.

وعلى تقدير كونها ابتدائية فهي طهارة جديدة وباقية قطعا. وحيث أنا على يقين من وجود الطهارة حال الوضوء الثاني ، وعلى شك في في ارتفاعها يجري الاستصحاب ويحكم بالبقاء.

هذا كله بالاضافة إلى الاستصحاب الجاري في مجهول التاريخ.

وأما الجاري في معلوم التاريخ ، فهو من الاستصحاب الشخصي على كل حال ، كما هو ظاهر.

وأما القول بالأخذ بضد الحالة السابقة كما نسب إلى المحقق (قده) تمسكا بأنا نقطع بارتفاعها لوجود ما هو ضدها ونشك في ارتفاعه لاحتمال وجوده بعد وجود الحادث الآخر الموافق للحالة السابقة فيكون مجري للاستصحاب.

ولكن لا يخفى أنه وإن صح جريانه إلا أنه معارض باستصحاب الحادث الآخر فانه معلوم الوجود ومشكوك الارتفاع فيتساقطان فلا تغفل.

وشك في ثبوتهما وانتفائهما للشك في التأخر والتقدم منهما وذلك لعدم الحالة السابقة المتيقنة المتصلة بزمان الشك في ثبوتهما وترددهما بين الحالتين وإنه ليس من تعارض الاستصحابين (١).

__________________

(١) بتقريب أن المقام يفرض في ثلاث ساعات مثلا لو طهر المحل ونجس في ساعة أخرى وشك في المتقدم والمتأخر وأريد استصحاب الطهارة في الساعة الثالثة لم يحرز اتصال الشك باليقين لعدم إحراز اتصال الساعة الثالثة إلى زمان الشك بزمان اليقين بالطهارة لاحتمال انفصاله عنه باليقين بالنجاسة حيث يكون الطهارة من الساعة الأولى والنجاسة من الثانية ومع هذا الاحتمال لا يمكن التمسك بالاستصحاب لعدم إحراز كونه من نقض اليقين بالشك.

ولكن لا يخفى أن قوام الاستصحاب يقين سابق وشك لاحق.

وأما اتصال الشك باليقين فغير معتبر على أنه قد عرفت منا اتصاله إذ احتمال تخلل اليقين غير ضائر وإلا امتنع جريان الاستصحاب فيما لو شك في الطهارة المتيقنة ولم نحرز تحققها في أي وقت واحتمل وجود الناقض لها مع أنه لا يستشكل أحد من جريانه.

نعم لا يجري الأصل من جهة أنه لا أثر له حيث أنه لا يثبت تأخره عن الحادث الآخر لكي تكون النتيجة ثبوته وارتفاع الآخر ليترتب الأثر على وجوده إلا على القول بالأصل المثبت فعليه جريان كل من استصحاب الحادثين يوجب التعارض فيتساقطان هذا إذا لم نقل بلزوم الأخذ بالحالة السابقة على حدوث الحادثين على ما قويناه سابقا فيما تقدم فيما لو علم بتحققهما ومع الشك فلا بد من الرجوع الى الاصول والقواعد فنقول يختلف باختلاف الموارد فبالنسبة إلى الصلاة لا بد من الرجوع إلى قاعدة الاشتغال فيجب فيما لو توارد عليه الحدث والطهارة وشك في

الثاني أن المستفاد من دليل الاستصحاب ان الشك في بقاء المستصحب وارتفاعه في زمان المتصل لزمان اليقين بحدوثه بنحو يحتمل ملازمة حدوثه في الزمان الأول مع بقائه في الزمان الثاني ويحتمل عدم ملازمته كذلك كما هو متحقق في الشبهات البدوية وما نحن فيه ليس من ذلك القبيل بتقريب أن الطهارة في المثال إن كانت واقعة في الساعة الثانية فهى باقية في الثالثة وإن كانت واقعة في الأول فهى مرتفعة في الثانية لا في الثالثة فالساعة الثالثة ليست زمان الشك في الارتفاع بل يعلم بعدم الارتفاع فيها محتمل في الثانية فقط ودعوى تحقق الشك في البقاء والارتفاع متحقق في كل من الطهارة والحدث فيكون الشك في البقاء متصلا

__________________

التقدم والتأخر في الوضوء لرجوع الشك في الامتثال بعد العلم بوجوب الصلاة عن طهارة.

وأما بالنسبة إلى كتابة القرآن ونحوه فيرجع فيه إلى أصالة البراءة ويحكم بعدم الحرمة لكونها مشكوكة فيها رأسا وهكذا الحال فيما لو علم بتحقق كل من الجنابة والغسل واشتبه المتقدم فيهما والمتاخر هذا بالنسبة إلى الطهارة الحدثية وما قابلها.

وأما بالنسبة إلى الطهارة الخبثية وما يقابلها كما إذا علم بتوارد كل من الطهارة والنجاسة على الاناء مثلا واشتبه المتقدم منهما بالمتأخر فالمرجع بعد تساقط الأصلين المتعارضين الطهارة فيحكم بالطهارة

وأما الوجه الثاني فان قوام الاستصحاب هو الشك في البقاء وهذا في المقام متحقق ولو لا تحققه لزم عدم جريان الاستصحاب فيما لو احتمل وجود الرافع في زمان معين بعد ذلك الزمان ولا يظن بالتزامه من أحد ويجاب عن الثالث بأن الظاهر من أدلة الاستصحاب اعتبار اليقين بوجود المستصحب والشك في بقائه وهو متحقق في المقام فافهم وتأمل.

بزمان اليقين ممنوعة إذ مرجع ذلك في الحقيقة إلى الشك في زمان حدوثه المتصل به لا أنه من جهة الشك في انقطاع ما هو الحادث فارغا عن حدوثه في الزمان كما لا يخفى.

الثالث : إن المتصرف من دليل الاستصحاب اتصال زمان الشك بزمان اليقين بالمستصحب بنحو لو انتقلنا من زمان الشك المتأخر الى ما قبله من الأزمنة وتقهقرنا الى الوراء عثرنا على زمان المستصحب كما هو كذلك في جميع موارد الاستصحاب والمقام ليس من ذلك القبيل فان كلا من الطهارة والحدث لو تقهقرنا من زمان الشك الذي فرضناه الساعة الثالثة لم نعثر على زمان اليقين بوجود المستصحب بل الذي نعثر عليه فيما قبله من الأزمنة انما هو زمان اليقين بعدم حدوث المستصحب من الطهارة أو الحدث اذ كلا من الساعة الثانية والأولى اذا لاحظنا فيه المستصحب طهارة أو حدثا يرى كونها ظرفا للشك وفي وجوده الى أن ينتهي الى الزمان الخارج عن دائرة العلم الاجمالي الذي هو زمان اليقين بعدم كل منهما ودعوى أن ذلك انما هو بالنسبة إلى الأزمنة التفصيلية.

وأما بالنسبة الى الزمان الاجمالي الذي هو بعد زمان اليقين وحدوث المستصحب متصلا بزمان اليقين فعليه لا مانع من جريان استصحاب كل من الطهارة والحدث الى الزمان الثاني الاجمالي فان ذلك متصل بزمان اليقين بحدوث كل منهما ممنوعة فان ذات انما ينفع فيما اذا كان الأثر وجود بقاء الطهارة أو الحدث في زمان ما اجمالا

وأما لو كان الأثر يحتاج الى التطبيق على الأزمنة التفصيلية كما هو كذلك أن الأثر لصحة الصلاة هو ثبوت الطهارة في الزمان التفصيلي فلا يكون مجال للاستصحاب لعدم نفعه.

اذ بذلك لا يحصل التطبيق على الأزمنة بخصوصه الذي مورد ترتب الأثر وقد عرفت منعه اذ الزمان الثاني الذي هو ظرف العلم لا يحتمل البقاء لتردده من الحدوث والارتفاع والزمان الثالث وان احتمل فيه البقاء لكن لا يحتمل فيه الارتفاع لكونه على تقدير مقطوع البقاء وعلى تقدير آخر تقدير مقطوع الارتفاع فيه فلا دليل على صحة استصحاب كل من الطهارة والحدث لو كان الأثر لمجرد الطهارة أو الحدث في زمان ما اجمالا دون ما لو كان الأثر لثبوت أحدهما في الزمان التفصيلي وحيث أنه ليس لنا زمان تفصيلي بتيقن الطهارة أو الحدث لذا لا ينفع جريانه وان أردت توضيح ذلك فهو أن غاية ما يمكن أن يقال في جريان الاستصحاب في هذا المقام من احدى جهتين.

وأما من جهة أن اليقين الاجمالي بتحقق الطهارة في قطعة من الزمان وهو العلم بتحقّقها في واحد منها ينحل الى علمين متعلقين بالنسبة الى خصوص الزمان المتصل بزمان الشك الذي لازمه القطع ببقاء الطهارة في زمان الشك وجدانا وبالنسبة الى خصوص الزمان السابق عليه الذي لازمه الشك في صدور الحدث منه بعد ومرجعه الى العلم التفصيلي بكون المعلوم على تقدير عدم كونه هذا الفرد هو ذاك والعلم بكونه ذاك على تقدير عدم هذا الفرد فاليقين أعنى اليقين بصدور الطهارة في القطعة السابقة على تقدير عدم صدوره في القطعة اللاحقة المتصلة بزمان الشك متحقق بالنسبة الى الزمان الخاص المعين مع الشك في حدوث الحدث بعدها على هذا التقدير وهو يكون قابلا للاستصحاب بالنسبة الى زمان الشك.

نعم أنه استصحاب تعليقي بمعنى كون نفس الاستصحاب وخطاب لا تنقض تعليقي معلق على حصول العلم السابق لا كون المستصحب أمر

تعليقي فحينئذ فبالنسبة الى زمان الشك الذي يريد الدخول في الصلاة يعلم اجمالا بأنه متطهر.

أما بالطهارة الاستصحاب أن وقعت الطهارة منه في القطعة السابقة عن الزمان السابق على الشك لأنه على هذا الفرض كان له يقين بحدوث الطهارة في زمان يقين وشك في بقائها فيستصحب وان كانت واقعة في الآن المتصل بزمان الشك فهو متطهر بالوجدان لعدم عروض حدث بعده وعليه فهو محكوم بالطهارة.

وأما من جهة جريان الاستصحاب بالنسبة إلى نفس اليقين الاجمالي بالطهارة في قطعة من الزمان مع الشك ببقائها بعده من دون احتياج إلى تعيين زمان اليقين والشك أصلا فان تلك القطعة المرددة للعلوم وقوع الطهارة فيها بحسب الواقع لو كانت منطبقة على الزمان السابق المتصل بزمان الشك فزمان بعده المشكوك في بقاء الطهارة ينطبق على الزمان المتصل بزمان الشك فيصير مما حكم فيه باستصحاب الطهارة لو كانت منطبقة على الزمان المتصل بزمان الشك فيكون ذلك الزمان مما يكون متطهرا بالوجدان أيضا وعلى كل حال يكفي في ترتب الأثر هو الدخول في الصلاة وصحة الصلاة السابقة استصحاب الطهارة المتيقنة في قطعة الزمان بالنسبة إلى زمان بعده والمردد من دون احتياج إلى تعيين ذاك الزمان لما عرفت من أنه منطبق على أحد الزمانين ويكون مما يترتب عليه الأثر المقصود بأي فرض منها وهذا بخلاف ما نحن فيه.

الوجه الأول أصلا لعدم مجال جريان الاستصحاب في شيء منهما القطع التفصيلي التعليقى في تحقق الطهارة والحدث وذلك لأنه على فرض عدم وقوع الطهارة في الزمان الثالث لكنا نقطع بوقوعها في الزمان الثاني على هذا الفرض نقطع بانتقاضها بالحدث في الزمان الثالث للعلم

بكون الحدث في الزمان الثالث لو كانت الطهارة في الزمان الثاني وعلى فرض عدم وقوعها في الزمان الثاني لكنا قاطعين بوقوعها في الزمان الثالث ولكن على هذا الفرض نقطع ببقائها إلى الزمان الرابع فليس لنا شك في البقاء لكون الفرض تقدم الحدث عليها على هذا الفرض.

وأما الوجه الثاني الذي مرجعه إلى الاستصحاب المعلوم الاجمالي بالنسبة إلى زمان بعده المجمل أيضا من جهة إجمال الزمان المعلوم فان كان المراد زمان بعده المتصل به على أن يكون المراد استصحاب المعلوم إلى زمان بعده بلا واسطة المحتمل انطباقه على زمان الثالث وعلى زمان الرابع لاحتمال انطباق المعلوم على زمان الثاني وعلى الثالث فلا موقع للاستصحاب أيضا لأنه على فرض انطباق زمان بعده على الزمان الثالث نقطع بعدم البقاء لأنه نقطع بأن الطهارة أما حدثت في ذلك الزمان لو كان الحدث قبله.

وأما ان ارتفعت فيه كان الحدث فيه والطهارة قبله وعلى فرض انطباقه على الزمان الرابع لا نشك في البقاء بل نقطع به لأن لازم انطباق المعلوم على الزمان الثالث الذي يكون متأخرا عن زمان الحدث ولا يحتمل صدور حدث بعده فلا مجال للاستصحاب على كل تقدير لعدم تحقق أركان الاستصحاب بالنسبة إلى المعلوم الاجمالي المشكوك كذلك وإن كان المراد من زمان بعد زمان المعلوم اجمالا مطلق زمان بعده بالأعم من أن يكون بلا واسطة أو مع الواسطة فحينئذ بالنسبة الى انطباقه على زمان الرابع بتحقق الشك في البقاء مع كونه مما ينطبق عليه عنوان بعد زمان المعلوم اجمالا مع كون مثل هذا الشك أيضا مسبوقا باليقين بالحدوث والوجه في تحقق الشك في البقاء بالنسبة الى زمان الرابع الذي مرجعه الى احتمال البقاء واحتمال عدم البقاء معا أنه حيث يحتمل

تحقق المعلوم في زمان الثالث الذي لازمه البقاء فيكون ذلك منشأ احتمال البقاء ونحتمل تحققه في زمان الثانى الذي لازمه الارتفاع بتحقق ضده في الزمان الثالث فيصير ذلك منشأ احتمال عدم البقاء فلا مجال للاستصحاب به أيضا لأنه يرد عليه ما أوردنا عليه سابقا بأن الزمان الرابع أيضا أمر يدور بين أن يكون مقطوع الارتفاع لو كان المعلوم بالاجمال فى الزمان الثانى لتحقق ضده في الزمان الثالث وبين أن يكون مقطوع البقاء ولو كان المعلوم بالاجمال في الزمان الثالث السابق عليه فلا يتحقق الشك في البقاء على كل تقدير كما لا يخفى فتلخص أنه لا يتحقق أركان الاستصحاب في تعاقب الحادثين بوجه من الوجوه فلا ينتهي النوبة الى التساقط بالمعارضة لما مر في كلام الشيخ (قده) هذا كله فيما اذا كان كلا الحادثين مجهولي التاريخ.

وأما القسم الثاني الذي يعلم تاريخ أحدهما دون الآخر فيجىء فيه الأقسام الثلاثة المتقدمة في مجهولي التاريخ لأنه قد يكون الأثر مترتبا على تقدم مجهول التاريخ أو تقارنه أو تأخره على وجود معلوم التاريخ.

وأما قد يكون الأثر على تلك الحالات في ظرف معلوم التاريخ تارة يكون مترتبا على تلك الحالات في كلا الطرفين وتارة كان الأثر مترتبا على عدم أحدهما في ظرف وجود الآخر.

وثالثه كان من قبيل تعاقب الضدين من الحادثين.

أما اذا كان الأثر مترتبا على تقدم مجهول التاريخ أو تقارنه أو تأخره عن معلوم التاريخ فلا مانع من اجراء استصحاب عدم تقدمه وتقارنه مثلا اذا علم بعدم موتهما في يوم الخميس ثم علم بموت عمرو في يوم السبت وشك فى موت زيد يوم الجمعة أو الاحد ففي يوم الاحد تعلم بموتهما

فحينئذ بالنسبة الى معلوم التاريخ لا يجري الاستصحاب قطعا لعدم الشك فيه بالنسبة الى ذاك الزمان.

وأما بالنسبة الى مجهول التاريخ فيجري استصحاب عدم تقدمه وتأخره بناء على كون تلك الأمور واقعية وكذلك لا يجري أصالة عدم تقارنه مع موت عمر إلّا أنه تسقط الأصول بالمعارضة فيما لو كان لكل من تلك الحالات أثر للعلم بوقوع واحد منها كما أنه يجري اصالة العدم بالنسبة الى التقدم والتقارن في مجهول التاريخ بناء على كون الأثر مترتبا على المنشأ وكون تلك الأمور من الأمور الانتزاعية ولا يجري بالنسبة إلى عدم تأخره لعدم الشك في يوم السبت بموت عمرو وبل نقطع به لا يمكن إثبات حدوث موته بمجرد إثبات عدم التقدم والتقارن لكونه مثبتا بالنسبة إلى ذلك.

وأما إذا كان الأثر مترتبا على عدم مجهول التاريخ فى ظرف وجود معلوم التاريخ فيمكن إحرازه باصالة عدم تحقق وجوده في ظرف وجود معلوم التاريخ.

وأما لو كان الأثر مترتبا على عدم معلوم التاريخ في ظرف وجود مجهول التاريخ فلا يجري فيه الاستصحاب لاحرازه بالاصل لعدم الشك فيه بالنسبة إلى ذاك الزمان ففي جميع الصور لا يجري في معلوم التاريخ ويجري أصل العدم في المجهول إلا اذا كان الأثر مترتبا على تأخره فيما إذا كان نفس التأخر موضوعا للاثر وكان عدم التأخر موضوعا للاثر فانه أيضا لا يمكن إحرازه بالأصل لعدم حالة سابقة له هذا بناء على مسلكنا.

وأما بناء على مسلك الكفاية من اعتبار اتصال الشك بزمان اليقين فلا يجري أصل العدم فى مجهول التاريخ أيضا لاحتمال الفصل باليقين

بتحقق الضد كما هو واضح.

وأما إذا كان من قبيل تعاقب الضدين كالحدث والطهارة مع العلم بتاريخ الطهارة مثلا فانه بناء على مسلك الكفاية فلا يجري استصحاب بقاء الحدث بالنسبة إلى زمان الشك في بقائه وكذلك لا يجري استصحاب بقاء الطهارة لاحتمال الفصل في كل منهما باليقين بالآخر وبناء على مسلك الشيخ يجرى الاستصحاب في كلا الطرفين إلا أنه بالمعارضة يتساقطان وعلى المختار لا يجري في مجهول التاريخ لعدم انتهاء الشك في البقاء فيه إلى زمان اليقين التفصيلي ويجري في المعلوم تاريخه وهذا هو المطابق لعمل الفقهاء في الفقه فأنهم يجرون الأصل في معلوم التاريخ دون المجهول.

التنبيه التاسع

قد عرفت سابقا أن مقتضى لا تنقض اليقين بالشك أنه لا بد من أن يكون للمستصحب أثر في ظرف الشك في بقائه بعد ما كان متيقنا بحدوثه سابقا فانه يرجع الى الأمر بمعاملة الشك معاملة اليقين والظاهر أنه لا فرق في ذلك بين أن يكون الأثر العملي من عمل الجوارح أو الجوانح لأنه في كلا الأمرين يصدق نقض اليقين بالشك ومن ذلك ظهر أنه لو كان المستصحب من الامور الاعتقادية التي كان الأثر مترتبا على بقائه كلزوم الاعتقادية وعقد القلب والتدين بالنسبة إليه فانه يجري فيه الاستصحاب كما لو شك في بقاء شخص خاص على حياته لو فرض الشك فيه وبالجملة لا مانع من إجراء الاستصحاب بالنسبة إليه بمجرد كون الأثر

من أعمال الجوانحي كما هو واضح.

نعم هنا إشكال من جهة أخرى وهو أن ذلك يتم لو كان وجوب الاعتقاد والانقياد من أحكام نفس وجود نبي واقعا على وجه كان اعتبار العلم به من جهة كونه طريقا محضا.

وأما لو كان اعتبار العلم في ذلك بعنوان الموضوعية فلا مجال للاستصحاب المذكور حينئذ لأنه جريان لاستصحاب يثبت اليقين التنزيلي ولكن ذلك فيما إذا كان الاثر مترتبا على مجرد اليقين بالشك مطلقا.

وأما إذا كان الأثر مترتبا على العلم بالواقع بنحو الصفتية فلا موقع للاستصحاب لكون غايته إثبات اليقين في ظرف الشك بالواقع لرفع الشك رأسا ومسألة الاعتقاد بنبوة النبي من هذا القبيل ولا أقل من الشك فلا يجري فيه الاستصحاب مضافا إلى أن الشك في مثل تلك المسألة وإن كان من أقسام الشبهة الموضوعية غير المحتاجة إلى الفحص إلا أنه في خصوص المقام محتاجة الى لزوم الفحص وعليه لا يجوز الاستصحاب قبل الفحص لكون المقام مما لو تفحص لحصل له اليقين.

أما بالوجود أو بالعدم ولا يمكن عادة بقاؤه على الشك حتى بعد الفحص كما أشار إلى ذلك الشيخ في الرسائل فلا تصل النوبة إلى الاستصحاب كما لا يخفى.

وحاصل الكلام في مسئلة وجوب الاعتقاد والتدين وعقد القلب أنه أما أن يكون من آثار نفس نبوة النبي واقعا دون اعتبار العلم بها بأن كان بنحو الطريقة المحضة لتنجز التكليف بحيث لو انعقد القلب على نبوة من كان نبيا مع الشك فيه ما كان تشريعا وإنما كان تجريا محضا لو لم يكن برجاء الواقع واعتقادا رجائيا فلازمه جريان الاستصحاب

مع الشك في بقاء النبوة أو إبقاء حياته.

وأما أن لا يكون كذلك بل كان من أحكام العلم بذلك بأن أخذ العلم بالنبوة شرطا لوجوب الاعتقاد والتدين بنبوة النبي على وجه لو لا العلم لا يجب الاعتقاد كما في سائر الواجبات المشروطة أو أخذ العلم شرطا للواجب كما الطهارة بالنسبة إلى الصلاة فيجب تحصيل العلم مقدمة لتحصيل الواجب وهو الاعتقاد وهذان القسمان هما اللذان ذكرهما الشيخ عند الكلام في الظن في اصول الدين وعليهما يكون العلم مأخوذا بعنوان الموضوعية وحينئذ نقول بأن العلم كان مأخوذا بعنوان أنه صفة خاصة ونور للنفس من دون لحاظ كونه منور الغير فلا مجال للاستصحاب أيضا ولو بناء على كونه مثبتا لليقين لما تقدم من أنه لا يقوم مقام القطع الموضوعي الصفتي كما أنه لا يقوم مقامه الامارات وأخرى يؤخذ العلم بعنوان الموضوعية ولكنه بما هو منور للغير وطريق إليه الذي يعبر عنه بالعلم الموضوعي على نحو الطريقية ولازم اعتباره بنحو الأول عدم قيام الاستصحاب مقامه لأنه لا يرفع الحجاب والشك بل غايته إثبات اليقين بالواقع في ظرف الشك به كما ان لازم الثانى قيامه مقام القطع الموضوعي على نحو الطريقية كما تقدم منا سابقا وصرح به الشيخ في أول الرسائل ومع الشك في أنه أي نحو منهما لا مجال للاستصحاب كما هو واضح والظاهر أن اعتبار العلم فيما نحن فيه أما أن يكون على وجه الطريقية المحضة وعلى فرض كونه بنحو الموضوعية فالظاهر كونه بما هو منور للغير وطريق بلحاظ أنه معرفة له فحينئذ لا مانع من جريان الاستصحاب في المقام وبذلك ظهر ما في كلام الشيخ بعدم جريان الاستصحاب في المقام مع تصريحه بأنه يقوم مقام القطع الموضوعي الطريقي اللهم إلّا أن يقال بكون العلم عنده فيما نحن فيه مأخوذ بنحو

الصيغة الخاصة ولكنه ينافي ظاهر كلامه في بحث الظن بكون العلم بالنبوة شرطا للوجوب أو الواجب بالنسبة إلى وجوب الاعتقاد بها كما أنه ظهر ما في كلام الكفاية من قوله بجريان الاستصحاب في المقام مع قوله بأنه لا يقوم مقام القطع الموضوعي أصلا إلا أن يلتزم بكون العلم في المقام لا يكون مأخوذا إلا بعنوان الطريقية المحضة هذا كله هو الكلام بالنسبة الى وجوب الاعتقاد.

وأما الكلام بالنسبة إلى وجوب المعرفة مع قطع النظر عن كونه طريقا أو موضوعا لوجوب الاعتقاد فهل يجري فيه الاستصحاب عند الشك فيه أم لا وجهان بل قولان وتفصيل الكلام فيه أنه قد يكون الشبهة الحكمية كما اذا حصل لنا شك في وجوب معرفة بعض تفاصيل المعاد بعد ما كنا قاطعين بوجوبها سابقا وكان منشأ طرو الشك مثل احتمال النسخ أو شىء آخر فلا اشكال في مثله أنه يجري استصحاب وجوب المعرفة فيه وقد يكون الشبهة موضوعية كما اذا شككنا في بقاء الامام السابق الذي كنا عارفين بأنه هو الامام هل هو الامام السابق أو غيره وكذلك بالنسبة الى النبي وقال في الكفاية أنه ما ملخصه لا مجال لاستصحاب حياته وبقائه لأجل أن يترتب عليه وجوب المعرفة بمعنى اثبات وجوب المعرفة بالاستصحاب لكون الاستصحاب متقوم بالشك فكيف يرفع الشك (١)

__________________

(١) لا يخفى أن جريان الاستصحاب يعتبر فيه ترتب أثر عملي من غير فرق بين أن يكون من أفعال الجوارح كالأكل والشرب وأمثالها وأخرى من أفعال القلب مما يكون قد أخذ العلم فيها على نحو الطريقية كالتصديق بما جاء به النبي والاعتقاد بأحوال ما بعد الموت من سؤال القبر وحشر الأجساد وتطاير الكتب والصراط والميزان وغير ذلك من تفاصيل يوم القيامة فيجري الاستصحاب لتمامية أركانه اذا كان

وفيه أن ذلك يتم لو كان المراد من المعرفة الواجبة تحصيلها هو رفع

__________________

للمستصحب أثر عملي كما أنه لا يجري الاستصحاب لو لم يكن له أثر عملي من غير فرق بين كون المستصحب مجعولا شرعيا فمثل النبوة والامامة بناء على كون العلم قد أخذ فيهما بنحو الطريقية إن لم يكن لبقائهما أثر عملي لا يجري الاستصحاب فيهما وإن كانا من المجعولات الشرعية والمناصب الإلهية إن كان لبقائهما أثر عملي شرعي فيجري الاستصحاب وإن لم يكونا من المجعولات الشرعية بل كانا أمرين تكوينيين بأن يكون كل واحد منهما عبارة عن مرتبة من كمال النفس فما أفاده في الكفاية لجريان الاستصحاب من الأول دون الثاني محل نظر.

نعم لا يجري الاستصحاب فيما لو كان ترتب الأثر على الموضوع الوجداني وذلك فيما أخذ العلم واليقين في الموضوع كما هو كذلك بالنسبة إلى النبوة حيث أنه لا يتصور فيه الشك إذا الشك فيه يوجب القطع بارتفاع الموضوع فلو شك في وجود نبي أو في نبوته لا يمكن الحكم بوجوب الاعتقاد تمسكا باستصحاب وجوده أو نبوته إذا الاستصحاب لا يفيد العلم واليقين وعليه لا يبقى مجال للاستصحاب بل اللازم الفحص عن وجوده أو ثبوته إذا العلم حسب الفرض قد أخذ في موضوع الاعتقاد والانقياد ومع الشك لا يبقى موضوع لوجوب الاعتقاد والانقياد.

نعم إذا علم بوجود النبي أو تحقق نبوته وشك في بقاء وجوب الاعتقاد والتدين بعد اليقين بثبوته فعلى ما هو الحق من جريان الاستصحاب من الأحكام فلا مانع من جريان استصحاب الاعتقاد والانقياد وهكذا الكلام في نفس الشريعة فلو شك في مورد من بقائها فلا يجري الاستصحاب ببقائها إذ العلم ببقائها والتدين بها مأخوذ في موضوع التسليم والانقياد بل اللازم عليه الفحص عن بقائها وارتفاعها هذا بالاضافة إلى المسلمين

الحجاب. وأما لو كان المراد هو اليقين بالشيء فالاستصحاب يثبت اليقين بكون الامام الحاضر هو الامام السابق ببركته يسقط وجوب معرفة

__________________

والشريعة الاسلامية.

وأما بالاضافة إلى غيرهم من أهل الكتاب كأهل التوراة والإنجيل فتارة من التمسك بالاستصحاب اقتناع الكتابى نفسه وأخرى يراد إلزام المسلم بذلك.

أما الأول فقد عرفت أن العلم قد أخذ في الموضوع فلا شك في البين لكي يجري الاستصحاب ومع فرض الشك يلزم عليه الفحص والمراجعة إلى أدلة الأديان لعدم صحة الرجوع إلى الأصول قبل الفحص ومراجعة الأديان ومع فحصه يجد صدق دعوى نبي الاسلام (ص) وإن شريعته نسخت الشرائع.

وأما الثاني أي تمسك الكتابي بالاستصحاب لالزام المسلم فذلك لا يقيد إذ لا معنى محصل له لأنه ان كان مع يقينه بنسخ الشريعة السابقة وأحقية الشريعة الاسلامية كما هو كذلك فلا مجال للاستصحاب لعدم الشك فيه.

وأما لو فرض شك في ذلك فيلزم عليه الفحص حتى يحصل العلم بذلك وبعبارة أخرى أن تمسك الكتابي بالاستصحاب لاثبات نبوة عيسى مثلا أو لبقاء ثبوته الى هذا الزمان لا وجه له لا لنفسه ولا الزام المسلم لعدم تصوير الشك له لأنه متيقن بثبوته ووجوب تبعيته في أحكامه وإلّا ليس بنصراني وهو خلاف الفرض ولا بمسلم لأنه عالم بثبوته وعالم بنسخ دينه وأحكامه فلم يحصل لكل واحد من الكتابي والمسلم شك في بقاء ثبوته لكي تصل النوبة الى الاستصحاب ومع فرض الشك لهما أو لاحدهما يجب رفع الشك لهما أو لأحدهما بالفحص والمجاهدة

غيره ، نعم في المقام اشكال آخر بالنسبة الى جريان الاستصحاب في المقام وكذلك بالنسبة الى مسألة وجوب الاعتقاد وهو أنه قد تقدم أن دليل الاستصحاب ولو كان مرجعه الى الامر بالعمل على طبق اليقين بالشيء سواء كان عملا جوارحيا أو جوانحيا إلّا أنه ينصرف الى ما يكون عملا شرعيا بمعنى كونه عملا مترتبا على المستصحب شرعا والمراد به ما كان داخلا تحت كبرى شرعية من الأحكام الخمسة فمعنى الأمر به بدليل الاستصحاب هو الأمر بجريانه فيما يترتب على العمل أثره مطلقا سواء كان عقليا أو عاديا أو شرعيا فلا يجري الاستصحاب فيما لو كان الحكم العمل المترتب على المستصحب حكما عقليا محضا ولازم ذلك أنه لا مجال لاستصحاب بقاء النبوة أو بقاء النبي أو الامام لأن بترتب عليه وجوب الاعتقاد والمعرفة لكون مثل هذا الحكم حكما عقليا من قبيل أطيعوا الله وأطيعوا الرسول على ما هو التحقيق عندهم حيث استدلوا لوجوب مثل ذلك بأنه من مراتب شكر المنعم الذي كان وجوبه عقلي محض ولو ورد فيه ألف خطاب لكان ارشاديا لا مولويا وبناء على هذا لا موقع لتمسك الكتابي بالاستصحاب لاثبات نبوة نبيه بناء على حجيته من باب التعبد لعدم أثر شرعي يترتب عليه.

وأما بناء على كونه من باب الظن فيقع الكلام في حجية مثل هذا الظن فانه لو كان من باب الانسداد فلا يتم لأنه من مقدماته التمكن من الاحتياط وهو لا يجري في المقام لا مكان الانقياد والاعتقاد بالواقع على ما هو عليه ولو كان من جهة حكم العقل بحجيته كالعلم

__________________

والسعي في طلب المعرفة حتى يحصل له العلم والمعرفة فان معرفة الرسول بل الامام عند الطائفة الامامية من أصول الدين الذي لا يكتفي فيه بالظن فافهم وتأمل.

فهو موقوف على أن يكون الظن مثل العلم فى نظر العقل فى الاعتقادات عند التعذر عن العلم وهو ممنوع لعدم ملاك وجوب تحصيل العلم في الظن ومع غض النظر عن ذلك الاشكال أن الكتابي يتمسك بالاستصحاب سواء كان من باب التعبد أو الظن أما أن لا يكون مقصوده إلزام المسلم به بمعنى أنه يريد أن يفهمه ويلزمه قبوله لمدعاه فهذا باطل قطعا لعدم تماميته اركان الاستصحاب فى حق المسلم لقطعه بنسخه وثبوت نبيه محمد (ص).

وأما أن يكون مقصوده دفع المسلم عنه بمعنى أنه يريد أن يدفع المسلم عن نفسه بأنك لا حقّ لك علي بأن تجبرني بأن أرفع يدي عن اعتقادي من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وليس ذلك من هذا الالتزام بالفحص لأجل ثبوت نبوة عيسى أو موسى بل نشك في بقاء نبوته فيجري في حقي الاستصحاب فلا يجب علي معرفة نبي آخر والاعتقاد والانقياد لاحكامه فيرد عليه أنه إذا كان تمسكه بالاستصحاب من باب الظن لا تسلم كونه مفيدا للظن وعلى فرض تسليم ذلك لا نسلم حجية مثل هذا الظن لعدم الدليل عليه من العقل والنقل ولو قيل بأن حجيته من باب الانسداد لا نسلمه في المقام لامكان تحصيل العلم بالفحص ومعه لا يكون داخلا في باب الانسداد وعلى تقدير تسليم اندراجه تحت باب الانسداد فلا موقع له لأنه إن كان دليل التعبد به بلحاظ وروده في الشريعة السابقة فليس له التمسك به لكونه شاكا في بقاء أحكامها التي منها حرمة نقض اليقين بالشك لاحتمال نسخها بالشريعة اللاحقة وإن كان بلحاظ حجية الاستصحاب في الشريعة اللاحقة فالتمسك به غير جائز له إذ يلزم من وجوده عدمه لأن الأخذ به مساوق لطرح الشريعة السابقة لفرض كونها ناسخا لها.

نعم لو كان الاستصحاب حجة في الشريعتين فله التمسك به لعلمه

بحجيته على كل تقدير.

وأما إذا كان مقصوده أن يقنع نفسه عن الفحص عن دين الحق من دون أن يكون له خصم من المسلمين فيرد عليه تمام ما تقدم.

والحاصل أن المسلم المتدين ليس شاكا حتى يجري في حقه الاستصحاب وانما هو قاطع بانقطاع نبوة عيسى وموسى ونسخ شريعتهما بمجيء نبينا (ص) على أنه كيف يتصور للمسلم المتدين بنبوة النبي اللاحق الشك في بقاء نبوة النبي السابق لكي يجري في حقه الاستصحاب كما أن المتدين الكتابي يقطع ببقاء شريعة نبيه فلا يجري في حقه الاستصحاب

نعم قد يتصور في حقه الشك بالنسبة إلى بعض أهل الكتاب المطلع على مزايا الاسلام على سائر الأديان فيحصل له الشك بنبوة نبينا (ص) فيشك في بقاء شريعة نبيه فاذا حصل له ذلك فيجدي له الاستصحاب لنفسه ولا يجدي له في إلزام المتدين نبي الاسلام حيث أن الاستصحاب وظيفة عملية للشاك وليس للمسلم شك في بقاء نبوة نبيه بل هو قاطع بعدم بقائها وقد نسخت شريعته بمجيء نبي الاسلام فلا يقع الاستصحاب على أن صحة أخذ الكتابي فى الاستصحاب ولو في عمل نفسه إنما هو في فرض حجية الاستصحاب في الشريعتين لعلمه اجمالا.

أما ببقاء السابق واقعا أو محكوما بالبقاء بحكم الاستصحاب وإلّا مع عدم علمه بحجية الاستصحاب الا في الشريعة السابقة أو في خصوص الشريعة اللاحقة فلا ينفعه في عمل نفسه لأن علمه على الأول دوري وعلى الثاني لا يجديه نفعا لجزمه بمخالفة الاستصحاب للواقع لملازمة الحجية فى الشريعة اللاحقة تنسخ الشريعة السابقة فلا يحصل له العلم الاجمالي ببقاء الشريعة السابقة أما واقعا أو استصحابا وعليه لا وجه لتمسك الكتابي بالاستصحاب في مناظرته مع السيد باقر القزويني

لما عرفت غير نافع لاقناع نفسة ولا للمسلمين بالتدين بدين الكتابي فان المسلمين بتحقق دين الكتابي من أخبار نبينا (ص) إلّا أنهم عالمون بانقطاع النبوة ونسخ شريعته فلا شك عندهم في بقاء نبوته لكي يكون مجالا للاستصحاب.

وأما لو كان لالزام المسلمين على اقامة الدليل على مدعاهم من من الدين الجديد فيمكن جريان الاستصحاب إلّا أنه لا ينفع لكونه وظيفة عمليه يجري في مقام الشك في البقاء إلا أنه خلاف ما هو المنقول عنه بأنه عليكم كذا أو كذا فان غرضه إلزام المسلمين على الأخذ بالدين السابق بالاستصحاب وكذا أفاد السيد في الجواب بما هو مضمون ما ذكره الرضا (ع) في جواب الجاثليق بل يرجع إليه فقال بأنا نؤمن ونعترف بنبوة كل من موسى وعيسى أقر بنبوة نبينا (ص) بيانه أن هذا القيد أي الاقرار بنبوة نبينا (ص) أخذ بنحو المعرفية للشخص الخارجي أي المسمى بموسى وعيسى ويكون ذلك كسائر المعرفات للشخص الخارجي ككونه طويلا أو أسمر اللون ونحو ذلك من سائر المعرفات وليس المراد من القيد منوعا قد جيء به تضييقا لدائرة الكلي فيشكل عليه بأن موسى أو عيسى موجود واحد جزئي اعترف المسلمون به وكيف كان

فحاصل الجواب أنا كما نقطع بنبوتهما كذلك نقطع بنسخ شريعتهما بل باعترافهما بنبوة نبينا (ص) حسب تصديقنا بنبوته وتصديقنا بكل ما قال (ص) الذي منها أخباره باخبارهما بمجيء نبي بعدهما اسمه أحمد (ص).

ثم لا يخفى أن الأجوبة التي ذكرها الشيخ الأنصاري (قده) في الرسائل واختارها في مقام الجواب عن استصحاب الكتابي على تقدير تماميتها تتوقف على أن يكون مقصود الكتابي الزام المسلمين بالتمسك بالاستصحاب وإلّا فبناء على كونه في مقام دفع المسلم عن نفسه فلا تتم

تلك الأجوبة.

نعم ما أجاب به بعض كالنراقي من تعارض استصحاب النبوة باستصحاب عدمها الأزلي الثابت قيل ثبوتها على الفرض الثاني إلا أنك قد عرفت لجواب عنه بأن ذلك من القسم الثالث من أقسام الاستصحاب الذي لا تقول بحجيته كما أن جواب المحقق القمي بأن هذا الاستصحاب من قبيل الشك في المقتضى لا يتم بناء على المختار بأنه حجة مطلقا.

وأما جواب الشيخ عن كلام المحقق القمي يمكن خدشه فلا تغفل.

التنبيه العاشر :

الذي كان ينبغي لنا التعرض له قبل هذا التنبيه وهو أنه لا إشكال في جريان الاستصحاب فيما إذا كان الشك واردا على اليقين واليقين مورودا كما إذا شك في اليوم الحاضر بما تيقن في اليوم السابق.

وأما لو كان اليقين واردا على الشك كما لو تيقن في فسق زيد في اليوم الحاضر وشك في فسقه في اليوم السابق فهل يجري فيه الاستصحاب بأن يحكم بجر المتيقن الحاضر إلى الزمان السابق إذا ترتب عليه أثر في الزمان الحاضر وهو المسمى باستصحاب القهقري أم لا يصح جريان هذا الاستصحاب قيل لا مانع من جريانه لتمامية أركانه ولكن الظاهر أنه يمنع من جريانه لانصراف الاخبار عنه اذ الظاهر منها ورود الشك على اليقين فان المستفاد من قوله (لا تنقض اليقين) سبق اليقين زمان الشك لا بالعكس كما لا يخفى.

التنبيه الحادي عشر :

أنه يعتبر في الاستصحاب أن يكون له أثر شرعي عملى كوجوب قضاء الفريضة لاستصحاب نجاسة الماء الذي توضأ به من غير فرق بين أن يكون المستصحب موضوعا أو حكما تكليفيا أو وضعيا ذا أثر شرعي حين الاستصحاب.

وأما لو لم يكن له أثر شرعي كان يكون خارجا عن محل الابتلاء أو كان حكما تعليقيا قبل حصول المعلق عليه لا مجال بجريانه بناء على ما اخترناه من أن المستفاد من (لا تنقض اليقين بالشك) هو الأمر بمعاملة المشكوك منزلة المتيقن من حيث الجري العملي لا يستفاد منه جعل المماثل لما عرفت منا سابقا بأن الأخبار دالة على التنزيل من حيث الجري العملي تنصرف اليه لكون ورودها في مقام وظيفته العملية للشاك وذلك يختص بمورد له أثر عملي حين توجه خطاب لا تنقض اليقين بالشك ولازم ذلك أن يكون الأثر مترتبا على الواقع.

وأما لو كان الأثر مترتبا على الواقع المعلوم بنحو يكون العلم أخذ بنحو الصفتية لا مجال لجريان الاستصحاب كما هو كذلك في باب الشهادة فان العلم قد أخذ في موضوع الأثر بنحو الصفتية اذ من الواضح أن الاستصحاب يحرز الموضوع في ظرف الشك فلذا لا يقوم مقام العلم المأخوذ بنحو الصفتية حيث أن الموضوع الواقعي غيره منكشف في الاستصحاب فكيف يقوم مقام ما أخذ صفة العلم وبهذه الجهة يمتاز الاستصحاب عن الامارة حيث أن لسان دليلها هو تيمم الكشف وعليه عند قيامها نرفع الستر عن الواقع بخلاف الاستصحاب فانه لا يرفع

الستر عن الواقع دائما وإنما هو حكم في ظرف الشك وإلّا لزم أن يكون الحكم لموضوعه وهو أمر غير معقول وبهذه الجهة تكون الامارة حاكمة على الاستصحاب.

وبالجملة الاستصحاب يجري بعد احراز ثبوت الآثار بأي كيفية تحرز فان كانت مترتبة على نفس الواقع أو الواقع المعلوم بنحو يكون العلم مأخوذا بنحو الطريقية فيجري الاستصحاب وان كان العلم مأخوذا بنحو الصفتية فلا يجرى الاستصحاب فافهم وتأمل.

التنبيه الثاني عشر :

في استصحاب صحة العبادة قد يقال بجريانه عند الشك في طرو مفسد وهو الذي يعبر عنه بأصالة الصحة في العبادة والمستفاد من كلام الشيخ الأنصارى (قده) هو التفصيل في جريان الاستصحاب بين القاطعية والمانعية.

وحاصل ما أفاده أن دخل شيء في شيء يتصور على وجوه :

الأول أن يكون اعتباره بلحاظ دخل وجوده في العمل لتحصيل المصلحة بأن كان لوجوده دخل في تحقيقها فيعتبر من هذه الحيثية وحدة في عالم المصلحة.

الثاني أنه بعد تعلق الأمر الواحد به مع أشياء أخر تحصل وحدة أخرى من جهة الأمر فينتزع الجزئية من هذا الشيء.

الثالث أن يكون اعتباره بلحاظ دخل وجوده في تحقق العمل في الخارج من دون أن يكون له دخل في أصل المصلحة المترتبة على العمل وهذا هو الشرط الرابع أن يكون اعتباره بلحاظ دخل عدمه في العمل

بأحد النحوين وهذا يعبر عنه بالمانع فلو كان لعدمه دخل في ترتب المصلحة على العمل يكون مانعا في عالم المصلحة ولو كان لعدمه دخل في تحقيق وجود العمل في الخارج يكون مانعا عن وجود العمل.

الخامس أن يكون اعتباره بلحاظ دخل عدمه في تحقق الهيئة الاتصالية المعتبرة في بعض الأعمال وهو المسمى بالقاطع والفرق بينه وبين المانع أن القاطع ما كان قاطعا للهيئة الاتصالية ومانعا عن وجود الجزء الصوري المعتبر فى العمل والمانع ما كان مانعا عن تحقق أصل الماهية بجزئها المادي واذا الشارع عبر عن بعض الأشياء بالقاطع يكشف اعتبار جزء صوري في العمل وهو الهيئة الاتصالية وذلك وارد في خصوص باب الصلاة وتشخيص موارده موكول إلى مراجعة محله.

إذا عرفت ذلك فاعلم أنه لا مجال للتمسك بالاستصحاب عند الشك في مانعية شىء من جهة الشبهة الحكمية وذلك لأن غاية ما يمكن أن يقال بالاستصحاب فيه أمران :

أحدهما استصحاب عدم مانعية الأمر الموجود.

الثاني صحة الأجزاء السابقة ولا يصح الأول لعدم الحالة السابقة فيما شك في مانعية شىء فيجرى فيه الاشتغال أو البراءة على الخلاف في مسئلة الشك فى باب الأقل والأكثر الارتباطين.

وأما الثاني فان كان المراد منه صحة مجموع العمل فهو ضرورى البطلان لأن الفرض كونه بعد في أثناء العمل وان كان المراد منه صحة الأجزاء السابقة المأتى بها.

أما بمعنى كونها موافقة للامر بأن يكون الأمر الضمني بمعنى المتعلق بالاجزاء في ضمن الأمر بالكل.

وأما بمعنى ترتب الأثر لو انضم إليها باقي الأجزاء وكل

منهما لا تصحح الأجزاء اللاحقة فان قلت فرض الصحة في المقام بمعنى الموافقة للامر غير صحيح لكون الكلام في الواجبات الارتباطية فلا تحصل موافقة الأمر للاجزاء منها إلا بعد تمامية العمل بحيث لو أختل الجزء الأخير منها لما كان الباقي صحيحا ولما حصل به الامتثال أصلا بالنسبة الى الجزء الأول قلت هذا الاشكال يسرى ولو كان عدم حصول الامتثال لقصور في الأجزاء المأتى بها كما إذا أتى بالجزء فاسدا.

وأما إذا كان لا لقصور فيها بل لقصور في الأمر بمعنى كون الأمر خاصا غير قابل للشمول فلا موقع لهذا الاشكال وما نحن فيه من هذا القبيل لأن المفروض هو أن الأجزاء المأتي بها لا شك في عدم قصورها عن شمول الأمر لها وإنما الشك في شمول الأمر لها من جهة الشك فى المانع والقطع حاصل بكون الأجزاء المأتي بها موافقة للامر بالمعنى المتقدم. نعم لو كان المراد كونها موافقة للامر الفعلي بمعنى عدم قصور حتى في انطباق الأمر عليها لكان من الأول مشكوكا فلا يجري الاستصحاب أيضا لعدم تحقق اليقين السابق فلو كان المراد الصحة بمعنى موافقة الأمر لا يجري الاستصحاب لعدم الشك فيها إذا القطع حاصل بكونها موافقة للامر بها بالمعنى المتقدم ولو كان المراد الصحة بمعنى ترتب الأثر فلا يصح الاستصحاب أيضا لعدم العلم بتحقق ذلك فلا يقين لكي يستصحب هذا ولكن الشيخ (قده) ادعى جريان استصحاب الصحة بالنسبة إلى مجموع العمل وبالنسبة إلى الأجزاء المأتي بها أيضا.

أما جريانه في مجموع العمل فلانه وإن لم يكن مأتيا به بل كان بعد في أثناء العمل ولكنه من المتيقن أن المجموع مع هذا المشكوك على تقدير تحققه نشك في ترتبه فيجري فيه الاستصحاب وقد يقرر يوجه آخر وهو أن الاستصحاب التنجزي وإن لم يكن له محل في المقام لعدم

وجود الكل بالفرض لكونه بعد في الأثناء ولكنه لا مانع من الاستصحاب التعليقي بمعنى أن مجموع الأجزاء على فرض وجودها قبل هذا المشكوك مما نقطع بكونها مؤثرة فيما يترتب عليها من الآثار وتلك الأجزاء بعينها لو فرض وجودها مع هذا المشكوك وبعد الاتيان به نشك في كونها مؤثرة فيستصحب مؤثريتها (١) والاشكال عليه باختلاف الموضوع لكونه في القضية المتيقنة مجموع الأجزاء مع عدم هذا المشكوك في القضية المشكوكة وهى الأجزاء المشتملة على المشكوك فلم يتحد الموضوع مدفوع بأن وجود المشكوك وعدمه بالنسبة إلى المجموع يعد من الحالات في نظر العرف وإن الموضوع هذه الأجزاء والصلاة في كلتا القضيتين فلا اختلاف فيه بحسب الموضوع عرفا بالاضافة الى الأجزاء المأتي بها كما أنه لا اشكال فيه في وحدتها لو انضمت اليها باقي الأجزاء فمع وجود هذا المشكوك

__________________

(١) مضافا إلى ما يقال في إمكان استصحاب الصحة التأهيلية بتقريب أن الأجزاء التي أتى بها قبل أن يأتي بهذه الزيادة المشكوكة مانعيتها ومعها نشك في بقاء الصحة التأهيلية التي هي عبارة عنها في المقام هي صلاحيتها لانضمام سائر الأجزاء بها وحصول الامتثال بالمجموع فلا مانع من استصحابها وقد أشكل على ذلك الاسناد المحقق النائيني (قده) من أن الصحة التأهيلية على ما ذكر مقطوع البقاء وعدم تأثير انضمام بقية الأجزاء ليس نقصا في تلك الأجزاء بل هي باقية على ما كانت.

ولكن لا يخفى ان قبل وجود الزيادة كانت الصحة التأهلية موجودة قطعا من غير فرق بين كون الأجزاء سابقة مأخوذة لا بشرط أو بشرط لا فعلي الأول فقطعا موجودة وعلى الثاني فقطعا غير موجودة وعليه لما كانت كيفية أخذها مشكوكة من جهة كيفية أخذها فحينئذ يكون بقاء الصحة مشكوكا فلا مانع من استصحابها فلا تغفل.

نشك في مؤثريتها فيستصحب ترتبها وتوهم عدم أثر شرعي مترتب على هذا الاستصحاب لأن عدم وجوب الاعادة والاستيناف أثر عقلي مدفوع بما قد تقدم من أنه يعتبر في الاستصحاب أن يكون له أثر عملي هذا ويمكن الاشكال عليه بأن المراد من مجموع الأجزاء على تقدير وجودها قبل هذا المشكوك وبعده وليس إلّا عبارة أخرى عن العمل الخالي عن مشكوك المانعية فليس لنا يقين سابق وشك لا حق متعلقين بشىء واحد لأن العمل الخالي عن المشكوك يكون مشكوك الصحة من الأول فلا يكن شكا في بقاء ما كان على ما كان اللهم إلّا أن يقال بأن المشكوك المانعية الطارئ لما كان مما يعد من حالات الموضوع فلا اخلال له في حفظ الموضوع في القضيتين فيتم أركان الاستصحاب من يقين وشك لاحق هذا كله في المانعية.

وأما القاطعة اذا فرض حصول الشك في كون شىء قاطعا فيجري فيه جميع الامور المتصورة في استصحاب الصحة في الشك في المانعية مضافا إلى جهة أخرى لم يكن متصورة في الشك في المانعية وهو استصحاب بقاء الجزء الصوري الذي هو عبارة عن الهيئة الاتصالية الثابتة للصلاة بين أجزائها (١).

__________________

(١) صحة استصحاب الهيئة الاتصالية التي كانت في المركب قبل حدوث الزيادة هي تلك الهيئة الاتصالية المتحققة في المركب المعبر عنها بالجزء الصوري حيث ان المركب كما له أجزاء خارجية حقيقية التي هى عبارة عن مادة المركب كذلك له جزء صوري الذي هو مناط وحدته وبه تكون تسميته ودليل إثبات هذه الصورة بعد إمكانها في عالم الثبوت هو أدلة القواطع إذ القاطع إنما يقطع تلك الهيئة الاتصالية وبه يفرق بين القاطع والمانع فالمانع ما أعتبر عدمه في المركب كلبس

لأنه كان متيقنا سابقا قبل تحقق المشكوك القاطعية فيشك في بقائه فيستصحب فلا إشكال فيه إلا الاشكال على الاستصحاب في الأمور التدرجية لأن الهيئة الاتصالية في الصلاة أمر تدريجي ينقضي وينعدم لكونها قائمة بوجود الأجزاء التي كانت تدريجية فتكون تابعة لها في التقدم والتأخر وإلى ذلك يرجع ما ذكره الشيخ الأنصاري (قده).

والجواب هو الجواب عن أصل الأشكال في الأمور التدرجية بأن الموضوع فيها هو أمر عرفي وان العرف يرى ما يكون حادثا عين ما سبق ولو مسامحة وليس الموضوع في الاستصحاب دقيا.

__________________

الذهب أو غير المأكول في الصلاة مثلا من دون قطع الهيئة الاتصالية والقاطع يقطع تلك الهيئة الاتصالية ولربما يقال بأن المانع كمثل المثالين لو وقع حال السكونات المتخللة بين الصلاة ولم يقع حال الاشتغال لا يكون موجبا للبطلان بخلاف القاطع كالاستدبار أو الحدث فانه موجب للبطلان لتحقق المضادة بينهما وبين حالة كونه في المركب.

وقد أورد الأستاذ المحقق النائيني (قده) على الشيخ (قده) بما حاصله أن أدلة القواطع لا تدل على تحقق الصورة في الصلاة والطواف مثلا يمكن أن يكون مفادها بطلان الصلاة والطواف حتى في السكونات المتخللة لأجل أنها مقيدة بعدمها حتى في تلك الحالات فتكون مثل الموانع نعم لا نقول بعدم إمكان دلاليتها على تحقق صورة فيهما وكونها ممكنة لا يوجب اليقين بوجودها لكي يستصحب.

ولكن لا يخفى أن ما ذكره (قده) لا يجري فيما كان نفس الدليل متكفلا لعنوان القاطعية فان ظاهر لفظ القاطع يدل على تحقق صورة في المركب فمع تحققها لا مانع في جريان الاستصحاب بعد الفراغ عن وجود تلك الهيئة الاتصالية فافهم وتأمل.

ولكن لا يخفى أنك قد عرفت بأنه يمكن إجراء استصحاب عدم تحقق القاطع في الصلاة بهذا المشكوك وهو وإن لم ينقح حال المشكوك حيث لا يحتاج إلى تنقيحه لكفاية إحراز صلاة لم يتحقق فيها القاطع في مقام الامتثال.

نعم لا تحتاج إلى إحراز بقاء الهيئة الاتصالية حيث أن استصحاب عدم وجود القاطع كان بالنسبة إلى إحراز ذلك مثبتا ولا نقول بحجيته

التنبيه الثالث عشر :

لا إشكال في عدم جريان الاستصحاب فيما لو كان على خلافه دليل اجتهادي ولو لم يكن مفيدا للقطع على خلافه فلو كان هناك عام متكفل بعمومه لحكم الموضوع بالنسبة إلى زمان خاص كما إذا ورد أكرم العلماء أبدا وفي كل يوم فلا مجال لاستصحاب عدم وجوب إكرام العالم

وإنما الكلام فيما إذا ورد تخصيص لذلك العام في قطعة من الزمان كما لو قال لا تكرم زيدا يوم الجمعة فيشك في إكرامه في يوم السبت وأنه داخل تحت حكم العام فهل يرجع إلى عموم العام مطلقا (١) أو يرجع الى

__________________

(١) فرض المسألة فيما إذا خصص العام المفيد للعموم الافرادي والأزماني معا وعلم بخروج بعض أفراده من الحكم في بعض الأزمنة فتردد بين الأقل والأكثر كما اذا خصص دليل وجوب الوفاء بالعقود بأدلة خيار الغبن وشك في خروجها في ذلك الزمان لكي يكون خيار الغبن فوريا فيكون المورد من التمسك بالعام مطلقا أو يستمر فيكون الخيار استمراريا فيتمسك بحكم المخصص أو يفصل بين العام الاستغراقي والمجموعى وجوه اختار ثالثها الشيخ الأنصاري (قده) بتقريب أن

استصحاب حكم المخصص مطلقا أو يفصل بينما إذا كان التخصيص في الأول أو الآخر فالأول وبينما اذا كان في الوسط فالثاني وجوه بل أقوال

__________________

العموم اذا كان مجموعيا يكون الحكم واحدا منطبقا على جميع الأزمنة فاذا ارتفع الحكم الواحد فلا يبقى مجال للتمسك بالعام بل يتمسك باستصحاب حكم المخصص ومع امتناع الرجوع اليه لا بد أن يرجع إلى القواعد الأخر وهذا بخلاف ما اذا كان استغراقيا فان الحكم فيه ينحل الى أحكام عديدة حسب تعدد الآنات ويكون لكل آن حكم خاص به وعليه التخصيص يرد على آن خاص وتبقى بقية الآنات الأخر تحت العموم اذ لا يوجب رفع آن خاص رفعها فيتمسك بعموم العام في بقية الآنات وقد أشكل المحقق الخراسانى (قده) في كفايته بأنه لا يتم ذلك على إطلاقه بل لا بد من ملاحظة حال المخصص من كون الزمان يؤخذ ظرفا أو قيدا.

بيان ذلك : أنه كما يمكن أن يؤخذ الزمان ظرفا استمراريا مكثرا لعموم العام بنحو يكون لكل آن من آنات الزمان ظرفا لحكم مستقل كذلك يمكن أن يكون ظرفا لحكم المخصص أيضا ظرف استمراري بنحو يكون مكثرا لحكم الخاص فيكون لكل آن حكم خاص على حده.

وعليه لا بد من ملاحظة كل من الحكمين الثابتين لدليل العام ودليل الخاص فان كان مأخوذا فيهما على نحو الظرفية الاستمرارية لم يمكن التمسك بعموم العام للعلم بارتفاعه بالمخصص ولا دليل لنا على عوده بل لا بد من التمسك باستصحاب حكم المخصص لعدم تبدل الموضوع بالموضوع الآخر فيتم أركان الاستصحاب وإن كان الزمان المأخوذ فيهما على نحو يكون مكثرا للحكم وموجبا لتعدد بحسب تعدد آناته فلازمه التمسك بعموم العام إذ ارتفاع التخصيص لا يوجب رفع اليد عن العموم

قد اختار الشيخ (قده) التفصيل وقد استدل لوجوب الرجوع إلى العام فيما إذا أخذ الزمان فيه قيدا بأن عموم الحكم في ظرف العام

__________________

إذ المرتفع حكم مختص بالآن الأول فلا مجال للرجوع إلى حكم المخصص بالاستصحاب حتى مع عدم التمسك بعموم العام لمانع إذ ذلك يكون من قبيل إسراء حكم لموضوع إلى موضوع آخر لكونه حسب الفرض أن لكل آن موضوعا مستقلا وإذا كان الزمان المأخوذ في العام على نحو مكثرا للموضوع والمأخوذ في دليل المخصص بنحو الظرفية الاستمرارية فهو وإن يمكن التمسك بالاستصحاب لعدم تبدل الموضوع إلا أن العام لما كان بنحو المكثر فيكون كل آن له حكم مستقل فمع شموله لهذه الآنات لا مجال لجريان الاستصحاب لما هو معلوم أنه لا مجال للاصل العملي مع وجوب دليل لفظي ،

وأما إذا أخذ الزمان في دليل العام بنحو الظرفية الاستمرارية وفي دليل الخاص أخذ بنحو يكون مكثرا للموضوع فلا يمكن الرجوع الى دليل العام ولا الى استصحاب المخصص.

أما دليل العام لفرض أن حكم العام أمر واحد المنبسط على مجموع أجزاء الزمان وقد ارتفع بالمخصص.

وأما الاستصحاب فقد تبدل الموضوع بتبدل الزمان فلا مجال للاستصحاب لكونه من قبيل إسراء حكم لموضوع الى موضوع آخر فلا بد في المقام من التماس قواعد أخر كالاشتغال أو البراءة وحاصل الايراد أن ما ذكره الشيخ (قده) من جواز التمسك باستصحاب حكم المخصص فيما اذا كان عموم العام مجموعيا لا يتم على اطلاقه وانما يتم اذا أخذ الزمان في حكم المخصص على نحو يكون ظرفا لاستمراره ودوامه.

بالنسبة الى الزمان يكون افراديا كعمومه بالنسبة الى الافراد بنحو يكون كل زمان حينئذ مأخوذا موضوعا مستقلا لحكم مستقل فاذا كان للعام

__________________

وأما إذا كان المأخوذ فيه على نحو المكثر للموضوع فلا يرجع الى استصحاب حكم المخصص لتبدل الموضوع كما أن حكمه بعدم الرجوع الى الاستصحاب اذا كان العموم استغراقيا على اطلاقه غير صحيح وانما يصح فيما اذا كان مأخوذا في حكم المخصص على نحو يكون مكثرا للموضوع.

وأما اذا كان مأخوذا على نحو الظرفية الاستمرارية لحكمه فقد عرفت أنه قابل لجريانه إلّا أنه يعارض بدليل العام وليس له قابلية للمعارضة لتقدم الدليل اللفظي على الأصل العملي هذا كله فيما اذا كان التخصص واردا في الوسط كما في المعاملة الغبنية فان خروجها عن عموم دليل وجوب الوفاء بالعقد بأدلة خيار الغبن بعد ظهور الغبن لا من أول انعقاد العقد.

وأما اذا كان التخصيص واردا من الأول كما في عقد البيع قبل تفرق المتتابعين فان خروجه عن دليل وجوب الوفاء بالعقد بأدلة خيار المجلس انما هو من أول انعقاد العقد فيصح التمسك بعموم العام بالنسبة الى ما عدا المقدار المعلوم خروجه بالمخصص وان كان عموم العام مجموعيا وذلك لعدم ارتفاع الحكم حينئذ بالمرة وانما المرتفع استمراره اذ المرتفع في زمن خيار المجلس انما استمرار وجوب الوفاء لا أصل وجوبه فلا مانع من التمسك بعموم وجوب الوفاء بعد انقضاء المجلس ويكون هو أول زمان استمرار الحكم اذ لازم أدلة خيار المجلس رافعة لكل من أصل وجوب الوفاء واستمراره هو التخصيص الافرادي لا الازماني فقط اذ لازمه أن يخرج عقد البيع عن عموم دليل وجوب الوفاء بالمرة

أفراد عشرة وأفراد الزمان أيضا عشرة فبالنسبة إلى كل فرد من الزمان ينحل حكم العام إلى أحكام عشرة كما أنه بالنسبة إلى أفراده

__________________

لا في بعض الأزمنة فقط.

انتهى توضيح كلامه (قده). لكن لا يخفي أن ما ذكر من التفصيل إنما هو فى مقام الثبوت.

وأما في مقام الاثبات والتفاهم العرفي هو أن العموم الأزماني المعبر عنه بالأفراد الطولية كالعموم الافرادي المعبر عنه بالأفراد العرضية من حيث انحلاله لكل قطعة من الزمان بنحو يكون موضوعا مستقلا من غير فرق بين أن يكون العموم المستفاد من لفظه كل وأمثالها من ألفاظ العموم كأكرم العالم في كل زمان أو يستفاد العموم بالاطلاق كأوفوا بالعقود حيث أنه يدل على وجوب الوفاء بها في كل زمان وهكذا في مثلى النهي كمثل لا تشرب الخمر المستفاد منه حرمة شرب الخمر فى كل زمان فان المناط في كل عموم زمانى ينحل الحكم بحسب الأزمنة إلى أحكام عديدة حسب آنات الزمان كما ينحل إلى الأفراد فيما كان مورد الانحلال بحسب الأفراد فاذا علم بخروج فرد من تحت العام لا مجال لتوهم جريان استصحاب حكم الفرد الخارج بالنسبة إلى الفرد المشكوك فكذلك بالنسبة إلى مورد الانحلال بحسب الأزمنة هذا والمحقق النائيني (قده) قال بالتفصيل بين أن يكون مصب العموم الأزماني هو متعلق الحكم أو بنفسه فعلى الأول يرجع إلى عموم العام والثاني يرجع إلى استصحاب حكم المخصص بتقريب أنه لو كان المصب هو المتعلق فالحكم وارد على العموم ويتعدد بتعدد متعلقه فيكون أحكام متعددة على موضوعات متعددة فخروج فرد منها لا يوجب خروج بقية الأحكام المتعلقة بالموضوعات المتعددة فعليه لا بد من الرجوع إلى العام

ينحل الى أحكام عشرة فينحل الحكم الى مائة حكم فاذا قال أكرم العلماء في كل يوم فكأنه بالنسبة الى كل فرد منهم قال أكرمه في هذا

__________________

ولا يرجع إلى الاستصحاب لأنه يكون من إسراء الحكم من موضوع إلى موضوع آخر بخلاف ما لو كان مصب العموم الازماني مصب نفس الحكم فانه يكون الحكم واحدا مستمرا في جميع الأزمنة واستمراره لا يوجب تعدده حيث فرض أن الاستمرار الذي مفاد العموم وارد على الحكم ومع هذا الفرض يكون من قبيل العرض بالنسبة إلى موضوعه ومع الشك لا يمكن التمسك بالعموم للزومه كون العرض يثبت المعروض أو الحكم يثبت الموضوع وهو ممنوع فعليه لا بد من التمسك باستصحاب حكم المخصص ومع عدم جريانه لاختلال بعض أركانه فيرجع إلى القواعد الأخرى من براءة أو اشتغال.

ولكن لا يخفى أن الحكم المستمر عبارة عن وجوده في جميع الأزمنة وليس معناه ان الاستمرار يحصل بعد وجوده لكي يكون من قبيل العرض والحكم معروض أو الحكم بعد الموضوع والاستمرار هو الحكم وانما وجوده في الأزمنة المتأخرة عين استمرار عمومه بحسب الزمان فاذا أحرز عمومه بحسب الزمان ينحل إلى قضايا متعددة فيرجع الى التمسك في العام في ما عدا المخصص من غير فرق بين أن يكون الزمان ظرفا للحكم أو المتعلق أو كان قيد المتعلق بأن في جميع ذلك ينحل العام الى جميع قطعات الزمان وعليه مع خروج قطعة منه لا توجب خروج نفس القطعات من الزمان كما هو كذلك بالنسبة إلى الأفراد العرضية ومع عدم الانحلال لعدم ما يوجب الانحلال فالمرجع إلى دليل آخر لو حصل وإلّا فنرجع الى الاصول العملية من الاشتغال والبراءة فافهم وتأمل.

الزمان وذاك الزمان وهكذا فاذا أخرج من تحت هذا العام فرد في زمان خاص من تلك الأزمنة مثلا ورد لا يجب اكرام زيد في يوم الجمعة وشك في حكم ذلك الفرد في الزمان الآخر فلا شبهة في أنه لو كان محكوما بحكم المخصص يلزم تخصيص الزائد بالنسبة إلى الزمان المشكوك لأن من شرطه اتحاد الموضوع في القضية المشكوكة مع المتيقنة والمفروض في المقام تعدد الموضوع باعتبار كون كل زمان فردا مستقلا وموضوعا لحكم مستقل فالاستصحاب في مثله يرجع إلى اسراء حكم من موضوع إلى موضوع آخر لا إسراء حكم لموضوع واحد.

قال لصاحب الكفاية (قده) في مقام الاضراب بعد موافقته في أصل الدعوى ولكن قيد ذلك يعني عدم الرجوع إلى الاستصحاب ولو مع عدم العام بما إذا أخذ الزمان في الخاص أيضا قيد لا ظرفا وذلك لأنه كما يؤخذ الزمان في ظرف العام قيدا كذلك يمكن أخذه في ظرف الخاص أيضا قيدا ويمكن أن يؤخذ في ظرف الخاص ظرفا محضا فاذا أخذ في ظرف الخاص قيدا فلا يجوز الرجوع إلى الاستصحاب ولو مع عدم العام.

وأما إذا أخذ ظرفا فمع وجود العام يكون هو المرجع كما تقدم

وأما مع عدمه فالمرجع هو استصحاب حكم المخصص لعدم كونه من إسراء حكم من موضوع إلى موضوع آخر بل هو إسراء حكم للموضوع الواحد وقد استدل لكون المرجع هو استصحاب حكم المخصص فيما اذا أخذ الزمان في ظرف العام ظرفا لا قيدا بأن الزمان لبيان استمرار حكم واحد محضا من غير أن يكون لكل زمان حكما مستقلا فحينئذ فاذا أخرج من تحت العام فرد منه في يوم الجمعة مثلا وشك في يوم السبت في حكمه فلا مجال للتمسك بالعام لخروج هذا الفرد من

تحته وبقائه على الخروج في زمان الشك لا يستلزم تخصيصا زائدا فالمرجع حينئذ هو استصحاب حكم الخاص لكونه اسراء حكم لموضوع واحد لاسراء حكم من موضوع الى موضوع آخر بل لو لم يكن استصحاب فلا مجال للرجوع الى العام أيضا بل لا بد من الرجوع الى دليل آخر ووافقه صاحب الكفاية في الرجوع الى الاستصحاب فيما لو أخذ الزمان ظرفا في ظرف العام لا مطلقا بل فيما اذا أخذ في ظرف الخاص أيضا ظرفا

وأما لو أخذ في ظرف الخاص قيدا فلا مجال للرجوع الى استصحاب حكم المخصص ولا يرجع الى العام أيضا لأنه اسراء حكم من موضوع الى غيره لاسراء حكم لموضوع لواحد ثم ظاهر كلام الشيخ في هذا القسم عدم الرجوع الى العام مطلقا.

ولكن صاحب الكفاية قد فصل بين ما اذا كان خروج الفرد تحت العام وخصص بعد ورود العام فيما لو جعل في ظرف العام فوافقه وبين ما اذا خصص من الأول كما يظهر من بعض كلماته فخالفه وقال فيه بامكان الرجوع الى العام دون الاستصحاب ووجهه أنه لو كان الخروج من الأول فلا يلزم بالنسبة إلى المخصص خروجه ويلزم رفع اليد عن اطلاق استمرار حكم هذا الفرد من الأول لا أصل رفع اليد عن شمول العام له بالنسبة الى مقدار ما لم يدل دليل المخصص على خروجه.

ونتيجة هذا البحث وثمرته تظهر بالنسبة إلى مثل أوفوا بالعقود وما ورد من الدليل على الخيار بالنسبة الى أول زمان العقد وشك في الزائد عن المقدار المتيقن كخيار المجلس بالنسبة الى الزائد من المقدار المتيقن منه وبالنسبة إلى ما ورد من الخيار في الأثناء كخيار الغبن بناء على كون ظهور الغبن موجبا للخيار ولو شككنا في أنه فوري أو متراخي فانه على مسلك الشيخ لا موقع للرجوع الى العام كأوفوا بالعقود بالنسبة

الى زمان الشك بناء على كون الزمان فيه ظرفا بل لا بد من الرجوع الى استصحاب الخيار وبناء على مسلك الكفاية الأمر كذلك في المثال الثاني دون المثال الأول فلا بد من الرجوع الى عموم أوفوا بالعقود دون الاستصحاب.

ولا يخفى أن هذه الثمرة مع الاغماض عما سيجيء تترتب لو كان معنى الوجوب الوفاء بالعقد وجوب ابقاء العقد ووجوب حفظه على أن يكون المراد من وجوب الوفاء هو الوجوب الوضعي الراجع الى الارشاد بأن العقد اذا وقع فلا يزول بالفسخ الذي هو حكم وصفي وعليه يكون نفس دليل الخيار مضادا للعلم فلا بد من تخصيصه به فحينئذ يكون مجالا لتلك الثمرة.

وأما بناء على كون معنى وجوب الوفاء بالعقد وجوب ترتب الأثر على طبقه ما دام باقيا من دون أن يكون هذا الحكم متكفلا لحفظ الموضوع بل كان بالنسبة إليه مشروطا بوجوده وبقائه فنفس دليل الخيار لا يكون مضادا للعموم لعدم كونه مزيلا للعقد ولا لحكمه بل المضاد هو الفسخ الخارجي الفعلي فحينئذ فلا يكون ثمرة النزاع جارية فيه لأنه لو وقع الفسخ بالنسبة إلى زمان نقطع بثبوت الخيار فيه فلا إشكال في أنه يوجب زوال العقد فيزول الحكم بزوال موضوعه ولو وقع بالنسبة إلى زمان الشك فيكون راجعا إلى الشك في أصل التخصيص فيرجع الى عموم العام فينكشف منه عدم تأثير الفسخ وحيث أن الحق هو الاحتمال الثاني كما حققناه في محله فلا ثمرة لهذا البحث بالنسبة إلى عموم أوفوا بالعقود وبالنسبة إلى دليل الخيار ثم على فرض تسليم كون معنى أوفوا هو الاحتمال الأول فما ذهب إليه في الكفاية من أنه لو خصص الأول يرجع إلى عموم العلم بالنسبة إلى الزائد عن المقدار المتيقن يتم لو كان استفادة إطلاق الحكم بالنسبة إلى قطعات الزمان لكل فرد من

جهة مقدمات الحكمة فانه بناء عليه لا بد من الاكتفاء بالقدر المتيقن من التعبد.

وأما بالنسبة إلى الزائد فعموم العام هو المحكم وأما لو كان استفاد هذا الاطلاق والاستمرار من جهة استفادة ظهور العقد في كونه بحدوثه علة مقتضيا لوجوب الوفاء إلى الأبد فمعناه أن حدوثه إذا خرج عن العلية بدليل الخيار فلا مجال لدخوله تحت العام ثانيا وبعبارة أخرى نحن نستفيد الدوام من جهة ظهور اللفظ في كون العقد بحدوثه علة لاستمرار الحكم بوجوب الوفاء فالاستمرار تابع لكون حدوثه علة فاذا خرجت علية حدوثه لذلك فلا يبقى مجال لشمول العام له بعد ذلك.

وحيث أن الأقوى هو ذلك كما قررناه في محله فلا مجال للرجوع الى العام ولو خصص من الأول كما لا يخفى.

التنبيه الرابع عشر :

إذا تعذر بعض أجزاء المركب فهل يمكن إثبات بقاء الوجوب لبقية الأجزاء بالاستصحاب فيه إشكال لأن الوجوب الثابت لها قبل طرو تعذر الجزء المتعذر فيه كان ضمنيا والمشكوك وجوب نفسي مستقلا فلا يعقل استصحاب الوجوب الضمني لاثبات الوجوب النفسى بل ليس لنا شك في بقاء الوجوب الضمني للقطع بانتفائه ويمكن تقريره بوجوه

الأول أن يستصحب وجوب الثابت للاجزاء قبل تعذر الجزء بالمسامحة في طرف الوجوب بأن يقال كان الوجوب ثابتا للاجزاء الباقية في حال التمكن من الجزء المفقود فيشك في بقاء هذا الاجزاء في حال

التعذر عن الجزء فتستصحب بقائه والوجوب وإن كان ثابتا لباقي الأجزاء فكان وجوبا ضمنا إلا أن العرف يتسامح ويرى الوجوب الباقي النفسي كان هو الوجوب السابق (١) وبعبارة أخرى لا يرى

__________________

(١) لا يخفى أنه لا تصل النوبة إلى الأصل العملي كالاستصحاب مثلا فيما إذا كان للقيد أو المقيد أو كلاهما إطلاق حيث أن إطلاق أحدهما أو كلاهما يتمسك به لاثبات وجوب باقي الأجزاء بعد الجزء المتعذر لما هو معلوم أن الأصل العملي لا يجري مع وجود الدليل.

نعم يجري الأصل العملي فيما إذا لم يكن لدليل القيد أو المقيد إطلاق وقد قرب الاستصحاب بوجوه الأول : استصحاب الوجوب النفسي الاستقلالي المتعلق بمجموع القيد والمقيد قبل تعذر القيد أو الجزء من جهة أن وجوب المجموع قبل تعذر الجزء مثلا كان معلوما وبعد تحقق التعذر يكون مشكوكا فيستصحب ودعوى أنه لا يجرى الاستصحاب لعدم اتحاد القضية المشكوكة مع المتيقنة ممنوعة إذ ملاك الاتحاد هو الصدق العرفي ولو منعنا ذلك لمنعنا جريانه في الأحكام التكليفية كاستصحاب نجاسة الماء المتغير أحد أوصافه الثلاثة بالنجس إذا زال تغيره من قبل نفسه بدعوى أن الموضوع في القضية المتيقنة هو الماء المتغير وفي المشكوكة الماء الذي زال تغيره ولأجل ذلك منع بعض المتأخرين جريانه وقد عرفت الجواب منا سابقا.

ومنها استصحاب الجامع من الوجوب النفسي الاستقلالي المتعلق بالمجموع وبين الوجوب النفسي المتعلق بما عدى المتعذر من الجزء أو القيد فان الجامع قبل التعذر معلوم الحدوث وبعد التعذر مشكوك البقاء

ولكن لا يخفى أن هذا الاستصحاب على تقدير جريانه يكون من الأصل المثبت مضافا إلى أنه من القسم الثالث من أقسام الاستصحاب الكلي

الضمنية والنفسية إلا من الحالات بحسب العرف فلا يوجب تعدد الموضوع.

__________________

ومنها استصحاب الجامع بين النفسي الضمني الذى كان متيقنا قبل التعذر وهو متعلق بما عدا المتعذر من الجزء أو القيد وبين الوجوب النفسي الاستقلالي وهذا الجامع قبل حدوث التعذر متيقن الوجود وبعد حدوث التغيير يكون مشكوك البقاء.

ولكن لا يخفى أن ذلك من القسم الثالث من أقسام الاستصحاب الكلي وكيف كان فنحن لا نحتاج إلى تعلق الخطاب ببقية الأجزاء بعد تعذر الجزء أو القيد بل هناك قواعد أخر كقاعدة الميسور أو قوله ما لا يدرك كله لا يترك كله وقوله (ص) إذا أمرتكم بشىء فأتوا منه ما استطعتم فان دلالتها على ثبوت التكليف وتوجهه إلى ما عدا المتعذر وجودا وعدما أو الجزء المتعذر صريحة واضحة.

نعم بالنسبة إلى الحديث الشريف قال الأستاذ المحقق النائيني (قده) بأن دلالته على ذلك يتوقف على أن يراد من الشيء هو الكل وأجزاؤه لا الكلي وأفراده مع أنه من الواضح أن المورد من إرادة الشىء هو الكلي وأفراده بقرينة سؤال الصحابى وهو عكاشة أو سرادقه عن الحج وأنه يجب في كل سنة أو مرة في تمام العمر فلو كان ظاهرا في الكل وأجزاءه لا بد من صرفه عن ذلك الظهور الى الكل وأفراده لأجل المورد ودعوى إرادة الجامع بين الكل وأجزاءه وبين الكل وأفراده في غير محله لامتناع اجتماع اللحاظين في استعمال واحد إذ في لحاظ الكل وأجزاءه يكون النظر الى المركب وأجزاءه.

وفي لحاظ الكلي وأفراده يكون النظر إلى صرف وجود الطبيعة ومعلوم أن هذين اللحاظين متباينان لا يجتمعان.

الثاني أن يستصحب القدر المشترك بين الوجوب النفسى والضمني بأن يقال كان الجامع بين الوجوب النفسى والضمني متحققا في ضمن الفرد والمقطوع الارتفاع هو المفقود جزءه فتشك عند تعذر ذلك الفرد بسبب تعذر جزئه في وجوب يقينه الأجزاء فيقال بأن الأصل بقاء القدر المشترك ويثبت به مطلق الوجوب والمطلوبية والمقصود وان كان اثبات الوجوب النفسى المستقل إلّا ان العرف يتسامحون بعد اثبات مطلق الوجوب في المستصحب ولا يرون القدر المشترك في الخارج مغايرا مع الوجوب النفسى ،

وحاصل هذا الوجه يرجع إلى استصحاب القسم الثالث من استصحاب الكلي الثالث أن يقال بجريان استصحاب الوجوب النفسى بالمسامحة في موضوع المستصحب وتقريره أن يقال بأن معروض الوجوب النفسى في السابق هو الأجزاء الباقية مع اتصافها بوجود الجزء المتعذر إلّا أنه يشك في أن مدخلية هذا الجزء لوجوبها كان مختصا مجال الاختبار وحتى يكون تلك الأجزاء الباقية على وجوبها باقية عند تعذر الجزء أو

__________________

ولكن لا يخفى أن لحاظ الشىء بالمعنى الجامع بين الكل والكلي بمكان من الامكان كما إن المراد من لفظة من التبعيضية وهى تصدق على بعض الأجزاء والأفراد.

ولا يخفى أن ذلك متصور ومعقول في أصل الجامع.

وأما بالنسبة إلى خصوصيات الكل وأجزاءه والكلي وأفراده فلا يتصور هناك جامع ولو سلمنا ما ذكره الأستاذ ففى دلالة قوله (ع) ما لا يدرك كله لا يترك كله على الكل وأجزاءه مما لا ينبغى أن يشك فيه كما هو كذلك بالنسبة إلى قوله عليه‌السلام الميسور لا يسقط بالمعسور على ما تقدم في بحث الاشتغال فلا تغفل.

كان مدخليته على نحو الاطلاق حتى لا يكون باقية فيستصحب فان هذا الجزء يعد من الحالات عند العرف.

ولا يخفى أنه مع قطع النظر عن المناقشات الواردة على كل واحد من هذه الوجوه الثلاث كما يظهر لمن راجع كلام للشيخ (قده) يرد عليها برأيه الثلاث بأنها محكوم أو يعارض باستصحاب قضية تعليقة المتيقنة الثبوت سابقا مع الشك في بقائها عند القطع بحصول المعلق عليه وبيان ذلك أنه لا إشكال في أنه قبل تعذر الجزء المفقود ما كان باقي الأجزاء متصفا بالوجوب لو أتى بها مع عدم الجزء المفقود فيتجمع وما ينطبق عليها الوجوب لو كان الجزء المفقود منفكا عنها ففي حال التعذر والقطع بانفكاك الجزء يستصحب عدم وجوبها وبه يرتفع الوجوب عن باقي الأجزاء ومعه لا يبقى شك في وجوبها فيكون هذا الاستصحاب حاكما على استصحاب الوجوب وعلى فرض عدم الحكومة يكون معارضا فيتساقطان ولا يبقى مجال للتمسك باستصحاب الوجوب لاثبات وجوب بقية الأجزاء ولذا لم يتمسك أحد من الاستصحاب غير الشيخ (قده) بالاستصحاب لاثبات وجوب باقي اجزاء المركب عند تعذر بعض أجزاءه بل تراهم يتمسكون في ذلك بقاعدة الميسور وبقاعدة ما لا يدرك كله ويظهر صدق ذلك بالمراجعة إلى الفقه كما لا يخفى.

التنبه الخامس عشر :

إنه قد ورد في أخبار الباب النهي عن نقض اليقين بالشك ويظهر من ذيلها حصر جواز نقض باليقين فقط فيستفاد منه حرمة نقض اليقين بغيره مطلقا سواء كان الناقض هو الشك بالمعنى الأخص أو كان الظن الغير

المعتبر والتعبير بالشك لعله كان من باب الاكتفاء بالفرد الغالب من قبيل وربائبكم الآتي في حجوركم وبهذا البيان قد انقدح بأنه لا نحتاج في إثبات جريان الاستصحاب في مورد الظن الغير معتبر إلى تكلف بحمل الشك في (١).

__________________

(١) وقد استدل الشيخ الأنصاري (قده) على ذلك بوجهين :

الأول : قيام الاجماع القطعي على عدم كون الظن الذي لم يقم دليل على اعتباره مانعا من جريان الاستصحاب على تقدير اعتباره وحجيته تعبدا من جهة الأخبار الخاصة.

الثاني : أن الظن ان كان مما قام الدليل الخاص على عدم اعتباره شرعا ، كالظن القياسي ، فمعناه أن وجوده كعدمه عند الشارع ، وان كل ما يترتب شرعا على عدمه ، فهو يترتب على وجوده ، وان كان الظن مما يشك في اعتباره ، ولم يقم دليل خاص على اعتباره ولا على عدم اعتباره ، فحاله حال الشك في أن رفع اليد عن اليقين السابق بسببه نقض لليقين بالشك.

ولكن لا يخفى أن كلا الأمرين محل نظر.

أما عن الأول : فالاجماع على تقدير تسليمه لا يعتمد عليه في أمثال المقام ، لاحتمال أن يكون منشؤها الأخبار كما هو الظاهر.

وأما عن الثاني : فلان غاية ما يترتب على قيام الدليل على عدم اعتبار الظن أو عدم قيام دليل على اعتباره انما هو عدم جواز العمل بالظن المذكور.

وأما ترتيب آثار الشك عليه ، فهو يحتاج الى دليل آخر : وكون رفع اليد عن الاستصحاب بسبب الظن المذكور ـ رفعا لليد عن الدليل بما ليس بدليل ـ والظاهر أن اثبات ذلك بوجوه ثلاثة :

الاخبار على خلاف اليقين مع أنه خلاف الظاهر من الشك ما يقابل الظن واليقين لا ما يقابل اليقين فقط ثم الظن الذي لم يكن بمعتبر تارة كان مما فيه اقتضاء عدم الحجية لأجل تعلق النهي به كالقياس وأخرى نعلم بأنه لم يكن فيه اقتضاء الحجية فلم يجعله حجة بمعنى أنه لا نعلم عدم حجية من قبل الشارع فلا اشكال في جريان الاستصحاب في موردها لأنه نقض اليقين بغير اليقين فيحرم وثالثه نعلم بحجيته فلا إشكال فيه ايضا في عدم جريانه في مورده لكونه من قبيل نقض اليقين باليقين التنزيلي الشرعي كما سيجيء ورابعة كان مما نشك في حجيته شرعا

__________________

الأول : أن الشك في لسان الشرع استعمل في معناه اللغوي ، وهو مقابل اليقين ، فالمراد من الشك في قوله (ع): «لا تنقض اليقين بالشك» أعم من الاحتمال المتساوي والاحتمال الراجح.

الثاني : أنه يستفاد ذلك من الاخبار ، مثل قوله (ع): «لا حتى يستيقن أنه قد نام» في جواب زرارة في صحيحته الأولى حينما سأله عما اذا حرك في جنبه شيء وهو لا يعلم من دون أن يستفصل أن احتمال القوم كان متساوي الطرفين أو كان راجحا ـ يدل على أن رجحان الاحتمال لا يمنع من اجراء الاستصحاب ما لم يبلغ مرتبة اليقين.

الثالث : أن المستفاد ـ من قوله (ع) في الصحيحة الأولى : «لا حتى يستيقن أنه قد نام حتى يجيء من ذلك أمر بين ، وإلّا فانه على يقين من وضوئه ، ولا ينقض اليقين بالشك أبدا ، ولكن تنقضه بيقين آخر» ـ هو انحصار جواز نقض اليقين ، وعدم جواز رفع اليد عن اليقين بغير اليقين من مراتب الاحتمال.

فالمتحصل من جميع ذلك هو أن الظن الذي لم يقم دليل على اعتباره ملحق بالشك ولا يعتد به في حال من الحالات. فلا تغفل.

بمعنى أنه تحتمل أن الشارع جعله حجة ففي مثله لو قيل بجريان الاستصحاب بمقتضى عموم لا تنقض اليقين بغير اليقين لكان ذلك من قبيل التمسك بالعام في الشبهة المصداقية لأن المفروض نحتمل أن يكون هذا الظن القائم على خلاف الاستصحاب قد جعله الشارع بمنزلة اليقين فيكون اليقين السابق منتقضا باليقين الشرعي واقعا.

وما يقال بأنه مع الشك في الحجية فلا يتم البيان بالنسبة إلى الواقع ولهذا نقول لا يرفع بذلك موضوع حكم العقل يقبح العقاب بلا بيان فيكون الشك بالنسبة إلى الحكم الفعلي باقيا بحاله مدفوع بأنه وإن لم يكن لنا قطع ويقين بالنسبة إلى الحكم الظاهري الفعلي بل من جهة عدم وصول البيان نقطع بعدم حكم ظاهري فعلى على خلاف الاستصحاب ولكن الظاهر أن المراد بالشك في باب الاستصحاب هو الشك بالحكم الواقعي كما كان اليقين به أيضا كذلك فلا بد من إحراز كون المقام من قبيل نقض اليقين بالحكم الواقعي بالشك بمعنى عدم اليقين بخلافه وليس الأمر في المقام كذلك لاحتمال كون المقام من قبيل نقض اليقين بما جعله الشارع يقينا بالحكم الواقعي كما لا يخفى.

وتحقيق المقام متوقف على بيان كون الشك في التخصيص كما يرجع إلى عموم العام كذلك الشك في ورود الحاكم على خلاف العام أيضا كذلك كما يستفاد من كلام المشهور من أن الحكومة مرجعها إلى تخصيص أم لا وتوضيح ذلك أنه لا شك في أن التخصيص عبارة عن رفع الحكم العام بالنسبة إلى بعض ما هو المعلوم من أفراده مع حفظ كون الفرد مما ينطبق عليه العام ومن هذه الجهة يكون دليل التخصيص مزاحما ومعارضا لكبرى الكلية المتكفل لحكم العام بالاضافة إلى مورد المخصص غايته من جهة الأقوائية يقدم الخاص على العام فالعام يكون حجة بالنسبة إلى

كل فرد من أفراده ما لم يكن حجة أقوي على خلافه فمع الشك في الشبهة الحكمية لم نعلم بانطباق العام على المورد بالوجدان فيرجع إلى أصالة العموم.

وأما باب الحكومة فليس أمرها كذلك لأن دليل الحاكم ليس مزاحما لدليل المحكوم ومعارضا له في الحكم مع اتحاد الموضوع بل مرجعه بلسان نفى تطبيق موضوع دليل المحكوم على المورد فاذا ورد عام كأكرم كل عالم ثم قطعنا بأن زيدا ليس بعالم فليس خروج زيد من باب المعارضة لذلك للعام ولو كان من وجه ما لورد من قبل الشارع نفى العلم عن زيد مع أنه عالم حقيقة فهل هذا أيضا ليس مناف لحكم العام أو هو يتنافي مع حكم العام فمن يقول بأن الحكومة مرجعها إلى التخصيص يقول بالثاني ومن يقول لا ترجع يقول بالأول وبعبارة أخرى من يقول بعدم رجوع الحكومة إلى التخصيص يقول في المثال المذكور لو شكلنا وجدانا في كون زيد عالما لا يمكن التمسك بعموم أكرم كل عالم للشك في أصل انطباق العام عليه وجدانا فلو شككنا بورود دليل كان بلسان الحكومة فمرجع هذا الشك إلى الشك في أن هل كان موضوع العام منطبقا كما أنه ينطبق عليه وجدانا أو ليس بمنطبق عليه شرعا لرفع الشارع انطباقه فكيف يمكن التمسك بالعموم ولكن مع ذلك الحق مع المشهور لعدم إمكان رفع اليد عما هو حجة فعليه أعني العموم بمجرد هذا الشك ولا يمكن التشبث بمثل ذلك لرفع اليد عن العموم.

الخاتمة

في لواحق الاستصحاب وفيها أمور : الأول ـ أنه لا إشكال في أن مفاد لا تنقض اليقين بالشك يرجع إلى حرمة نقض اليقين بشيء بالشك به فيكون بمقتضى اتحاد الضمير والمرجع متعلق اتحاد اليقين والشك وهو مفاد الأخبار وكون الشك بالبقاء واليقين متعلقا بالحدوث لا ينافي اتحاد المتعلق لأن بقاء الشيء من شئون نفس هذا الشيء ويكون عين حدوثه وجودا فلا يعقل تحقق المجرى للاستصحاب إلا مع اتحاد قضية المشكوكة مع القضية المتيقنة موضوعا ومحمولا (١) كما في عبارة الكفاية

__________________

(١) لا يخفى أن ما ذكره المحقق الخراساني (قده) في كفايته من أنه يعتبر في جريان الاستصحاب اتحاد القضية المتيقنة مع القضية المشكوكة بأن يكون متعلق اليقين هو متعلق الشك كما هو مفاد الأخبار لما عرفت سابقا بأن مفادها هو الجري العملي على طبق اليقين السابق وعدم جواز نقضه بالشك.

ومن المعلوم أن عدم الجري على طبق اليقين السابق في فرض عدم اتحاد القضية المتيقنة والقضية المشكوكة لا يكون نقضا بالشك سواء كان ناشئا من تغاير الموضوع كما إذا كان المتيقن عدالة زيد والمشكوك فيه عدالة عمر أم كان ناشئا من تغاير المحمول كما إذا كان المتيقن عدالة زيد والمشكوك فيه اجتهاده أم كان ناشئا من تغاير الموضوع والمحمول معا كما اذا كان المتيقن عدالة زيد والمشكوك اجتهاد عمر فان الاعتناء بالشك في جميع ذلك لا يكون نقضا لليقين بالشك ضرورة أن عدم ترتيب

وإلا مع بقاء الموضوع والمراد به ما كان معروضا للمستصحب كما في عبارة الشيخ (قده) واختلاف تعبير الكفاية مع تعبير الشيخ (قده) لأجل إشكال صاحب الكفاية على الشيخ قال الشيخ (قده) والمراد ببقاء الموضوع اعتباره على نحو كان في القضية المتيقنة فان كان معروض المستصحب فيها باعتبار وجوده الخارجي فيعتبر بقاؤه كذلك في حال الشك وإن كان معتبرا ومعروضا له بالنظر إلى نفس الماهية المقررة مع قطع النظر عن وجودها الخارجي فيعتبر

__________________

آثار عدالة عمر مع الشك فيها وكذا عدم ترتيب آثار اجتهاده مع الشك فيه لا يكون نقضا لليقين بعدالة زيد.

وبالجملة اتحاد القضيتين في كل من الموضوع والمحمول يستفاد من اخبار حجّيّة الاستصحاب وعليه لا حاجة الى ما استبدل به الشيخ الأنصاري (قده) من أن جر المستصحب كالعدالة مثلا مع تغاير الموضوع يستلزم بقاء العرض بلا محل لم يرد اثباته لموضوع أو انتقال العرض من موضوع آخر أن أريد اثباته له وكلاهما مستحيل مع أنه محل نظر فان احتياج المحمول الى وجود الموضوع انما هو في القضية الموجبة دون القضية السالبة لصحة قولنا زيد ليس بقائم مع فرض عدم زيد غاية الأمر تكون القضية بنحو سالبة بانتفاء الموضوع يصح استصحاب عدم عدالة زيد عند الشك في اجتهاده ولا يترتب على صحته استحالة بقاء العرض بلا محل على أن استحالة بقاء العرض بلا محل أو انتقال العرض من موضوع الى موضوع آخر انما هي من الأمور التكوينية والوجدان الحقيقي.

وأما في الامور التعبدية والأمور الاعتبارية فبقاء العرض بلا محل أو انتقاله من موضوع الى آخر ليس بمستحيل ضرورة ان التعبد بعدالة زيد عند الشك بعدالة محمد بمكان من الامكان.

بقاؤه كذلك فاذا أريد استصحاب قيام ما كان القيام ثابتا له باعتبار وجوده في الخارج فيعتبر في ظرف الاستصحاب إحراز بقائه كذلك

وإذا أريد استصحاب الحياة فحياته التي كانت له لا باعتبار وجوده في الخارج بل باعتبار نفس ماهيته وإلّا يلزم اتصاف الوجوب بالوجود في الخارج وهو باطل لكونه ظرف السقوط فيعتبر في استصحاب بقاء تلك الماهية على نحو تقومها في السابق ثم قد أقام البرهان على اعتبار بقاء الموضوع بهذا المعنى بأنه لو لم يكن باقيا على نحو ثبوته في زمان اليقين وحكم بقاء المحمول أعني المستصحب مع الشك فى بقاء الموضوع للزم.

إما وجوب العرض بلا موضوع أو انتقاله من موضوع الى موضوع آخر بكلي شقيه باطل لما تقرر في موضعه وكذا المقدم وأورد عليه صاحب الكفاية بأن الاستصحاب لا يثبت نفس الحكم الواقعي والمحمول النفس الأمري للموضوع حتى يلزم ما ذكر بل إنما هو حكم تعبدي فى مرتبة الشك بثبوت الحكم الواقعى وبقائه التعبدي الذي مرجعه إلى الحكم بترتب الآثار عليه غير موجب لانتقال العرض من موضوع إلى موضوع آخر فيمكن تحققه عند الشك فى بقاء وجود زيد الموجب للشك في بقاء المحمول فيحكم ببقاء المحمول تعبدا.

ولكن لا يخفى ان هذا الاشكال لا يرد بناء على القول بعدم حجية الاستصحاب في الشك في المقتضي بيان ذلك أنه لا إشكال في أن المحمول العارض للموضوع هو الموجود في الموضوع بمعنى أن وجوده بنفسه عين وجوده في موضوعه ولا يكون له استعداد للوجود في نفسه بل استعداده إنما هو فى الموضوع فلو علم بوجود المقتضى والاستعداد لوجود العرض فهو

وأما لو شك في بقاء الموضوع يكون ذلك شكا في المقتضى وليس ذلك موردا للاستصحاب.

وأما استدلاله المذكور فمرجعه إلى أنه لو لم يكن الموضوع باقيا لم يعلم بوجود المقتضى فلو حكم ببقاء المحمول والحال هذا لزم أحد الأمرين وكلاهما محال حيث لا يراد من بقاء العرض بقاءه الفعلي لكي يقال أن بقاءه تعبدي لا واقع له بل مراده بقاء استعداده فحاصل مراده في الاستدلال أن استعداد وجود العرض لو كان باقيا بلا موضوعه الذي يكون استعداده ببقائه لزم.

أما وجود العرض بلا موضوع يعني يلزم أن يكون استعداد بنفسه

وأما وجود استعداده في موضوع آخر فيلزم انتقال العرض من موضوع إلى موضوع آخر مع أنه محال وعلى كل حال لما لم يكن ما ذكره الشيخ مرضيا عند صاحب الكفاية (قده) لذا عدل عما اعتبره الشيخ قال بأنه يعتبر اتحاد القضية المشكوكة مع القضية المتيقنة من حيث الموضوع والمحمول فاذا كان زيد قائما مقطوعا به سابقا ثم شك في بقاء القيام لزيد ولو من جهة الشك في الموضوع لا مانع من استصحاب بقاء قيامه لأن الشك تعلق بعين ما تعلق به اليقين ولا نحتاج إلى إحراز بقاء وجود زيد في استصحاب القيام لترتب الآثار الشرعية المترتبة عليه.

نعم قد يكون الأثر الشرعي مما يكون ثبوته له متوقعا على احراز بقاء الموضوع كالعدالة الثابتة لزيد بالنسبة الى جواز الاقتداء به حيث أن جواز الاقتداء به لا يمكن احرازه الا بعد احراز وجوده ففي ترتب مثل هذا الأثر يحتاج الى احراز وجود الموضوع وهذا لا يوجب أن يكون احراز بقاء الموضوع مما له دخل فى أصل تحقق مجرى الاستصحاب بل ذلك ناشئ من جهة خصوصية الأثر فان اشباع زيد عند قيامه المحرز بالاستصحاب لا يمكن إلّا بعد تحقق وجوده ولكن أنت خير بأن توقف الآثار على احراز وجود الموضوع في القسم الأخير من جريان

الاستصحاب انما يتم بناء على أن مرجع الاستصحاب الى جعل مماثل حكم الموضوع فانه بناء عليه لما كان من شرط وجوب إكرام زيد عند قيامه القدرة على الاكرام ومع الشك في وجود الموضوع نشك فى القدرة عليه وهو يوجب الشك في شمول خطاب لا تنقض مع الشك في الموضوع

وأما بناء على كون مرجعه إلى الأمر بالمعاملة عمل اليقين فلا مانع من جريانه حتى مع هذا الشك فان من آثار اليقين بوجود المستصحب هو حكم العقل بلزوم تحصيل مقدمات العمل ولو مع الشك في القدرة وبالاستصحاب يمكن إثبات وجوب ذلك فيثبت بالاستصحاب إيجاب الاحتياط باتيان المقدمات ولو مع الشك في القدرة على أصل الاتيان بالواجب ثم أن ظاهر كلام صاحب الكفاية في عدم اعتبار بقاء الموضوع وكفاية اتحاد القضية المشكوكة مع المتيقنة عدم الفرق في ذلك بين ما إذا كان المستصحب مما يكون مأخوذا في مقام جعله موضوعا بنحو مفاد كان الناقصة وبين أن يكون بنحو كان الناقصة فلا كان فرق بين أن يكون وجوب التصدق بالدرهم مترتبا على وجود قيام زيد وبين أن يكون مترتبا على ثبوت القيام لزيد لاتخاذ القصتين في كليهما

الأمر الثاني في ملاك الاتحاد هل يكون بالدقة العقلية أو بحكم العرف بالنظر إلى لسان الدليل أو بحكم العرف بالنظر الى المسامحة الارتكازية (١) وقبل تنقيح المعال ينبغي أن يقال بأنه لا إشكال في

__________________

(١) قال الشيخ الأنصاري (قده) أنه بناء على كون العبرة بالاتحاد بنظر العقل ينحصر جريان الاستصحاب بما إذا كان الشك في بقاء الحكم ناشئا من احتمال وجود الرافع أو الغاية بعد بقاء الموضوع على ما هو عليه من القيود والخصوصيات وهذا بخلاف ما لو كانت العبرة بنظر العرف أو الدليل المثبت للحكم فانه لا ينحصر جريانه فيما ذكر مثلا لو شك فى نجاسة الماء المتغير بالنجس بعد زوال تغيره من قبل نفسه فان قلنا

اختلاف الاعتبارين ضرورة أنه ربما يكون الاتحاد بالدقة العقلية

__________________

بأن العبرة في الوحدة المعتبرة بنظر العقل لا يمكن جريان الاستصحاب لعدم اتحاد متعلق اليقين والشك ضرورة أن الماء المتغير بالفعل بالدقة العقلية غير الماء الذي زال عنه التغير وإن قلنا أن العبرة بنظر العرف فلا مانع من جريانه فيحكم بنجاسة الماء إذ الماء بعد زوال تغيره في نظر العرف هو الماء قبل زوال تغيره وإن قلنا بأن العبرة هو الدليل المثبت للحكم فلا بد من ملاحظة الدليل فان استفيد منه أن موضوع النجاسة حدوثا هو نفس الماء والتغير إنما هو واسطة لثبوت النجاسة له كما إذا كان الوارد فى الدليل الماء ينجس إذا تغير على نحو القضية الشرطية جرى الاستصحاب لو شك في مدخلية التغيير في النجاسة بقاء وان أستفيد منه أن موضوعها هو الماء المتلبس بالتغير بأن يكون التغيير علة للبقاء كما كان علة للحدوث كما لو كان الوارد فى الدليل : الماء المتغير ينجس على نحو القضية الحملية. فحينئذ لا يمكن جريان الاستصحاب بعد زوال التغير ، لعدم بقاء الموضوع على الفرض وقد أورد عليه بأنه بناء على عدم جريان الاستصحاب في موارد الشك في المقتضى وانحصار جريانه بموارد الشك فى الرافع والغاية ـ لا وجه لهذا التفصيل ، لأن الشك في بقاء الحكم ان رجع الى الشك في المقتضي ، فلا مورد لجريان الاستصحاب سواء أكانت العبرة في الاتحاد بنظر العقل ، أم كانت العبرة بنظر العرف ، أم بلسان الدليل المثبت للحكم وإن رجع الشك إلى الشك في الرافع والغاية. فالاستصحاب يجرى حتى على القول يكون العبرة في الاتحاد بنظر العقل كما هو المدعي.

وعليه فلا ثمرة لهذا التفصيل وقد أجاب عنه المحقق النائيني (قده) فان مراد الشيخ (قده) من الرافع فى المقام ليس

حاصلا بمعنى أن الموضوع في القضية المشكوكة بالدقة العقلية يكون عين

__________________

ما يقابل المقتضي بل المراد به ما يقابل المانع ، وحاصل ما أفاده في توضيح ذلك هو أن الرافع له معنيان :

(أحدهما) الأمر الوجودي الذي يوجب ارتفاع الشيء بعد حدوثه وتحققه ، ويقابله المانع ، وهو الذي يمنع عن تأثير المقتضي أثره رأسا.

(ثانيهما) ما يقابل المقتضي ، وهو كل أمر وجودي أو عدمي يرتفع معه الحادث بعد ما كان قابلا للبقاء من عمود الزمان فالرافع المقابل للمقتضي أعم من الرافع المقابل للمانع فانه مختص بالأمر الوجودي ومراد الشيخ (ره) من الرافع في المقام وحكمه بانحصار جريان الاستصحاب بكون الشك شكّا فيه ، بناء على كون العبرة في الاتحاد بنظر العقل ـ هو ما يقابل المانع لا ما يقابل المقتضي.

وعليه فجريان الاستصحاب ـ من موارد الشك في الرافع بالمعنى الأول على هذا المعنى ـ لا يلازم جريانه فى موارد الشك في الرافع بالمعنى الثاني ، حتى يقال بأنه لا ثمرة فى التفصيل المزبور.

مثلا إذا شككنا في بقاء نجاسة الماء المتغير بعد زوال تغيره. فهذا الشك وإن كان شكا في الرافع بالمعنى الثاني فان النجاسة من الأمور الباقية في نفسها ولا ترفع في الخارج إلا بحدوث ما لم يكن أو انعدام ما كان ، إلا أنه ليس من الشك في الرافع بالمعنى الأول ، فان زوال التغير ليس أمرا وجوديا كما هو ظاهر ، فان كانت العبرة في الاتحاد بالدقة العقلية ، لم يجر الاستصحاب فيه ، وهذا بخلاف ما إذا كانت العبرة بنظر العرف ، فانه لا مانع من جريان الاستصحاب والحكم بنجاسة الماء ، لحفظ الوحدة المعتبرة وكون الماء بعد زوال تغيره بعينه هو

الموضوع في القضية المتيقنة وقد لا يكون كذلك كما بالنسبة إلى الاعتبارين

__________________

الماء قبل زوال تغيره فى نظر العرف ، كما أنه لا مانع من جريانه بناء على كون الميزان في الاتحاد هو الدليل المثبت للحكم إذا أستفيد منه أن الموضوع هو نفس الماء ، والتغير إنما هو واسطة لثبوت النجاسة له ، وعلى هذا فلا بأس بالتفصيل بين كون ملاك الاتحاد هو نظر العقل وبين كونه نظر العرق أو الدليل :

هذا والذي ينبغي أن يقال : أنه بناء على كون العبرة من الاتحاد المزبور بنظر العقل لا يمكن جريان الاستصحاب في الأحكام مطلقا ، سواء أكان الشك في بقاء الحكم راجعا إلى الشك في الرافع المقابل للمانع ، أم كان راجعا إلى الشك في الرافع المقابل للمقتضي ، أم كان راجعا إلى الشك في أصل المقتضي بعد ما كان مقتضي التحقيق عندنا كما تقدم عدم جريان الاستصحاب في الشك في أصل الجعل من جهة النسخ ، وفي الشك في أصل الجعل من جهة احتمال النسخ ، وفي الشك في بقاء الحكم الجزئي من جهة اشتباه الموضوع الخارجي واختصاصه على تقدير جريانه بالشك في بقاء الحكم في مرحلة المجعول. وذلك لأن الشك في هذه المرحلة لا ينشأ إلا من زوال خصوصية من خصوصيات الموضوع ، ضرورة أنه لا وجه للشك في بقاء الحكم مع بقاء موضوعه على حاله بما له من الخصوصيات الوجودية أو العدمية.

والتحقيق أن المناط في اتحاد القضيتين هو الاتحاد بالنظر العرقي الدقي العقلي ولا بحسب ما أخذ موضوعا للحكم في لسان الدليل وذلك من جهة أن خطاب لا تنقض اليقين بالشك كسائر الخطابات الشرعية حجة وكاشف عن مراد الشارع بظهوره الكلامي كما هو طريقة العقلاء من تفهيم مقاصدهم والكشف عن مراداتهم ، إذ الشارع

الآخرين كاللون مثلا تبدل مرتبة شديدة منه التي كانت متيقنة وشككنا

__________________

ما اخترع طريقا خاصا من تفهيم مراداته ومقاصده بل سلك ما سلكه العقلاء في محاوراتهم وهذا معنى حجية ظهور كلام الشارع ولا شك أن المراد من الظهور الكلامي هو ما يفهمه العرف وينسبق إلى ذهنه من الكلام وبالجملة وهذا هو معنى المفهوم العرفي فبناء على هذا لا بد وأن ينظر ويراجع إلى ما يفهمه العرف من هذه الجملة والكلام أي قوله :

(لا تنقض اليقين بالشك) فكل ما يفهمه من نقض اليقين بالشك هو المناط في جريان الاستصحاب وعدم جريانه والمراد من الرجوع إلى إلى العرف وكونه هو المرجع ـ هو في تعيين ما هو المفهوم من نقض اليقين بالشك وإلا فلا اعتبار بمسامحاته مقام تطبيق ما يفهمه على مصاديقه بل التطبيق يكون بيد العقل وفي كمال الدقة ولا ينطبق على غير ما هو مصداقه حقيقة إلا بادعائه وتنزيله فاذا كان المتفاهم العرفي من هذا الكلام أن الموضوع للحكم إذا كان حسب ما يفهمه العرف ولو كان من جهة مناسبات الحكم والموضوع في القضيتين المشكوكة والمتيقنة واحدا ولو كان بالدقة أو بحسب ما أخذ في الدليل موضوعان مختلفان يصدق على عدم العمل على طبق القضية المتيقنة في ظرف الشك في تلك القضية أنه نقض اليقين بالشك فهذا المورد هو مورد الاستصحاب كما أنه فى عكس هذا أي لو فرضنا فى مورد يصدق بالدقة أو بحسب ما أخذ موضوعا في الدليل كانت القضيتان واحدة ولكن بحسب المتفاهم العرفي لم تكونا واحدة ولم يكونا من مصاديق مفهوم نقض اليقين بالشك حقيقة أو بادعاء من الشارع فليس موردا للاستصحاب فمعنى أخذ الموضوع من العرف أي فهم موضوع الاستصحاب وهو نقض اليقين بالشك بيد العرف وإن كان تطبيقه أي ما يفهم العرف من هذه الجملة بيد العقل

في بقاء مرتبة ضعيفة منه فان المرتبة الضعيفة المشكوكة بقائها بعينها كانت موجودة في ضمن المرتبة الشديدة ولولاها لم يكن شكا في بقاء ما كان سابقا بالدقة ولكنه لا يساعد على الاتحاد العرف ولسان الدليل وربما يكون الأمر بالعكس كما أنه ربما يقع الاختلاف في اعتباري العرف بحسب نظره المسامحي وبحسب نظره إلى مفاد الدليل فلو ورد الماء المتغير ينجس كان بحسب مفاد الدليل موضوع حكم القضية المتيقنة هو الماء بوصف التغير ولكن العرف يتسامح ويرى الموضوع نفس الماء ويحكم بكون التغير من الحالات كما إذا ورد الماء يتنجس إذا تغير كان الموضوع هو الماء كما أنه بحسب نظر الدليل قد يفرق بين التعبير في لسانه من دون نظر المسامحي فاذا اتحد الموضوع بجميع الاعتبارات فلا إشكال في جريان الاستصحاب لأنه القدر المتيقن.

وأما مع الاختلاف فلا إشكال أيضا أنه لا يمكن الجمع بين اللحاظات الثلاث وذلك من جهة أنه ليس لنا في المقام إلّا قوله لا تنقض اليقين بالشك وقد تقدم بأن مرجعه إلى النهي عن نقض اليقين بشيء بالشك ومن المعلوم أنه لو كان المراد من الشىء الذي كان متعلق اليقين هو ذلك الشيء بالدقة العقلية بأن كان ما تعلق به اليقين عبارة مما تعلق به الشك بالدقة العقلية فلا شبهة في أن هذا المعنى ينطبق على الشك الساري الذي تعلق فيه الشك يعني ما تعلق به اليقين من جميع الجهات حتى حدوثا وبقاء ولا ينطبق على الشك الطارئ الذي هو الملاك في باب الاستصحاب لعدم ما تعلق الشك بعين تعلق به اليقين فان اليقين متعلقه هو الحدوث والشك متعلقه هو البقاء ومن المعلوم

__________________

ولا اعتبار بالمسامحات العرفية في مقام التطبيق ومما ذكرنا يظهر وجه تثلث الأقسام من نفس الاتحاد فلا تغفل.

أن بقاء الشيء غير حدوثه ولهذا لم يجتمع الشك واليقين في زمان واحد في باب الاستصحاب.

الأمر الثالث : هل من الممكن شمول اخبار الباب للاستصحاب وقاعدة اليقين أم لا.

الحق عدم إمكان ذلك لأن مرجع الضمير المقدر في قوله (ع) لا تنقض اليقين بالشك هو ذلك الشيء.

أما أن يكون نفس ذلك الشيء بالدقة حتى بالنسبة إلى زمانه من دون مسامحة أصلا فهو ينطبق على القاعدة.

وأما أن يكون المرجع ذلك الشيء بالنظر المسامحي العرفي فيكون منطبقا على الاستصحاب والجمع بين هذين اللحاظين لا يمكن مع أنه يلزم استعمال لفظ واحد في أكثر من معنى واحد (١) وحيث لا يمكن إرادة خصوص قاعدة

__________________

(١) استدل الأستاذ النائيني (قده) على عدم إمكان الجمع بين الاستصحاب والقاعدة في استعمال واحد من جهة اليقين ومن جهة المتيقن ومن جهة النقض ومن جهة الحكم.

أما من جهة اليقين فانه يختلف أخذه ففي الاستصحاب أخذ بنحو الطريقية ومن القاعدة أخذ بنحو الموضوعية ومن المعلوم أن لحاظ الطريقية والموضوعية لا يمكن بالنسبة إلى شىء واحد في استعمال واحد ولحاظ واحد

وأما من جهة المتيقن فلان المتيقن في الاستصحاب لا بد أن يكون غير مقيد بالزمان حفظا لوحدة القضيتين المتيقنة والمشكوكة.

وأما المتيقن في القاعدة مقيد بالزمان ووحدة القضيتين في القاعدة وفي حتى يحسب الزمان ولذلك يسمى بالشك الساري ولا يلزم اجتماع الضدين مع وحدتهما بالدقة لاختلاف زمان اليقين والشك.

وأما من جهة النقض فلان في الاستصحاب باعتبار الجري العملي

اليقين من الاخبار لمنافاتها لمورد الروايات فيتعين إرادة الاستصحاب ولازمه ذلك اعتبار المسامحة العرفية في متعلق الشك واليقين وببيان آخر

__________________

على طبق المتيقن حيث أن اليقين أخذ فيه بنحو الطريقية.

وأما في القاعدة فباعتبار جري العملي على نفس اليقين حيث أخذ فيها على نحو الموضوعية.

وأما من جهة الحكم المجعول فيها فلان المجعول في القاعدة ترتب آثار المتيقن في زمان اليقين مثلا لو تيقن بعدالة زيد يوم الجمعة ثم بعد ذلك شك فى عدالته في نفس ذلك الزمان فبناء على القاعدة يكون مفادها ترتيب آثار العدالة في نفس ذلك الزمان.

وأما المجعول في الاستصحاب حيث أن موضوعه الشك في البقاء وهو متأخر عن زمان الحدوث فيكون المجعول فى زمان الشك الذي بعد زمان اليقين ولكن لا يخفي ما فيه.

أما عن جهة اليقين فان اليقين في القاعدة أو الاستصحاب قد أخذ موضوعا للحكم المجعول بما هو طريق للمتيقن كما أن المجعول فيهما ترتيب آثار المتيقن إلا أنه في القاعدة بحدوث الطريق الى المتيقن أي في طرف الشك الساري وبهذا البيان يجاب عن الأخير فان المجعول في القاعدة والاستصحاب أمر واحد الجامع بينهما وهو الحكم بترتيب آثار المتيقن على المشكوك مطلقا سواء كان المشكوك هو الحدوث لكي يكون شكا ساريا أو كان بقاء ذلك الشيء حتى يكون مفاد الاستصحاب.

وأما عن جهة المتيقن فان المتيقن في كليهما مقيد بالزمان وإنما الفرق في ناحية الشك فان الشك تعلق بنفس زمان المتيقن كما في القاعدة وفي الاستصحاب تعلق في بقاء الشك أي زمانه يعد زمان المتيقن.

وأما من جهة النقض ففي كل منهما أخذ اليقين بنحو الطريقية

إرجاع الضمير المحذوف أي فيه في قوله (ع) لا تنقض اليقين بالشك الراجع إلى بقاء الشيء بالدقة العقلية على أن يكون الشك في بقاء

__________________

هذا وقد قيل بأن قضية لا تنقض اليقين بالشك تشمل القاعدة والاستصحاب بتقريب أن هذه القضية تنحل إلى قضايا متعددة حسب تعدد أفراد اليقين والشك فكما أن اليقين بوجود الشيء والشك في بقاء ذلك الشيء مصداق من المصاديق الذي هو موضوع الاستصحاب كذلك اليقين بوجود شيء في زمان ثم شك فى نفس ذلك الزمان الذي موضوع قاعدة اليقين المسمى بالشك الساري أيضا مصداق من مصاديق تلك القضية وبهذا نجيب عن الاشكال على حكومة الاستصحاب السببى على الاستصحاب المسببي مع أن دليليهما واحد وهو هذه القضية وقد أجاب الشيخ الانصاري (قده) عن ذلك وتبعه الأستاذ المحقق النائيني (قده) عن بأن اليقين في القاعدة وفي الاستصحاب ليسا فردين من طبيعة اليقين حتى يكون كل واحد منهما موضوعا مستقلا لأحد القضايا المنحلة بل تعددهما باعتبار انحفاظه في ظرف الشك وعدم انحفاظه وهذا متأخر عن وجوده لا يمكن أن يكون موجبا لتعدده.

ولكن لا يخفى أن الخصوصية الطارئة على الفرد وإن كانت متأخرة توجب تعدده على أن القضايا المنحلة باعتبار تعدد الشك ، ومن المعلوم تعدد الشك في القاعدة والاستصحاب لاختلاف متعلقهما إذ متعلق الشك في الاستصحاب هو بقاء الشىء بعد القطع بحدوثه فارغا عن أصل وجوده وفي القاعدة الشك في أصل وجوده وحدوثه.

والتحقيق هو عدم إمكان استفادة القاعدة والاستصحاب من قوله (ع) لا تنقض اليقين بالشك لاختلاف متعلق التعبد فان متعلق التعبد في القاعدة هو أصل وجوده في الزمان الذى كان متيقنا وفي الاستصحاب

ما تعلق به اليقين بالدقة الذي لا ينطبق إلا إذا كان الموضوع واحدا بالدقة العقلية إذ مع اختلاف الموضوع بالدقة ولو بتغير بعض قيوده العقلية لم يكن متعلق الشك هو بقاء ما تعلق به اليقين بعينه لأن متعلق اليقين مثلا لو تعلق اليقين بنجاسة الكلب بما هو حيوان ومتعلق الشك هو بقاء نجاسته ومن المعلوم أنه مع اختلاف الموضوعين بالدقة لا يعقل أن يكون حكم أحدهما بقاء حكم الآخر بالدقة.

وأما أن يكون النظر في إرجاع الضمير إلى بقاء الشيء ولو مسامحة الذي لا ينافي صدق الشك في البقاء بهذا النظر ولو مع عدم اتحاد الموضوع بالدقة ينطبق على الاستصحاب ولا يمكن الجمع بين هذين اللحاظين في مثل قوله لا تنقض اليقين الخ. لعدم وجود لفظ كان بمدلوله جامعا بينهما فلا بد أما من اختيار الأول أو الثاني وحيث أن خطابات الشارع منزلة على طبق فهم العرف فلا بد أن يكون المراد هو الثاني بالنظر المسامحي العرفي أو بالنظر إلى لسان الدليل أو العرفي الارتكازي ثم أنه وقد يتوهم إرادة الأول والثاني وذلك فان إنشاء الاستصحاب كما عرفت هو إحراز الصغريات لكبريات الأحكام الشرعية الثابتة لموضوعاتها المأخوذة في أدلتها ولو تعبدا فدليل لا تنقض ناظرا إلى إحراز ذلك الموضوع تعبدا أو هو الموضوع المأخوذ فى لسان الدليل فما يفهمه العرف من

__________________

متعلق التعبد في بقاء ذلك الشىء في ظرف الشك فارغا عن أصل وجوده فجعل أحدهما ولحاظه ينافي جعل الآخر ولحاظه ولا يمكن إرادتهما باستعمال واحد وعليه لا يمكن شمول لا تنقض لهما فلا بد وأن يراد أحد اللحاظين بأن يكون ملحوظا فيه بأحد الاعتبارين أي إما لحاظ القاعدة أو الاستصحاب وحيث أنه عليه‌السلام طبق لا تنقض على الاستصحاب في موارد عديدة فلا بد أن يكون مساقها مساق الاستصحاب فافهم وتأمل.

لسان الدليل هو الموضوع وحيث أن اتحاد الموضوع في القضية المشكوكة والمتيقنة بهذا النظر كما يفهمه العرف وأن تغايرا بالدقة العقلية لكنه توهم فاسد وذلك لأن غاية ما يستفاد مما ذكر هو تحكيم فهم العرف فى الاتحاد.

وأما تعيين كون الملاك بحسب لسان الدليل أو فهم العرف فيه الاتحاد بحسب الانكار فلا مع أنه يمكن ترجيح الثاني على الأول بالتبادر وان المنساق إلى أذهانهم هو النظر العرفي المسامحي الارتكازي بحيث لو صدر خطاب لفهموا منه ما هو الموضوع للحكم والاطلاق يجمل على هذا المعنى بمقتضى مقدمات الحكمة فانه لو كان الموضوع غير ما يتبادر إلى أذهانهم فلا بد من نصب قرينة ومع عدم نصب القرينة يعلم إرادة ذلك المعنى فتلخص أن المناط في الاتحاد هو النظر المسامحي العرفي الارتكازي ثم أنه مما ذكرنا ظهر فساد من يقول باستفادة قاعدة اليقين والاستصحاب كليهما من أخبار الباب واستصحاب القهقرى أيضا بدعوى أن قوله لا تنقض اليقين بالشك يشمل ما لو كان الشك بنفس ما تعلق به اليقين بأن يكون متعلقها الحدوث في زمانين كان يكون يوم الجمعة ظرف اليقين بعدالة زيد ويوم السبت ظرف الشك في العدالة المتيقنة يعني تعلق الشك بأصل العدالة أي بحدوثها وكان الشك في استمرار المتيقن السابق الذي هو مورد الاستصحاب كما أن الاصول في مورد القاعدة والشك الساري فيكون معنى لا تنقض اليقين بالشك عدم جواز نقض اليقين بحدوث شيء أو بقائه بالشك بالحدوث أو البقاء والحاصل أن المحتملات في الرواية لا مانع من إرادة جميعها الأول عدم نقض اليقين بحدوث شىء بالشك في الحدوث وهو مفاد قاعدة اليقين الثاني عدم نقض اليقين بالحدوث بالشك في البقاء وهو مفاد الاستصحاب الثالث عدم نقض اليقين بالبقاء

بالبقاء بالشك في الحدوث وهو مفاد استصحاب القهقري.

الرابع عدم نقض اليقين بالبقاء بالشك في البقاء ويمكن تطبيقه على الاستصحاب الخامس عدم نقض اليقين الحاصل في الحال بالشك في الاستقبال وهو مورد الاستصحاب أيضا فالاخبار نشمل قاعدة اليقين والاستصحاب القهقري وغيره جميعا.

ولكن لا يخفى أن ذلك محل منع يظهر مما تقدم من عدم إمكان الجمع بين اللحاظين وبعد عدم الامكان لا بد من حمل الأخبار على الاستصحاب دون قاعدة اليقين بقرينة موردها.

وأما عدم شمول الاستصحاب القهقري فقد تقدم من أنها تنصرف إلى تقديم اليقين على الشك دون العكس وفي استصحاب القهقري ليس الأمر كذلك ثم أن بعض المتأخرين قالوا بامكان إرادة قاعدة اليقين من الأخبار فقد تمسكوا لاثباتها بوجوه أخرى والحق عدم تماميته شيء منها كما أن التمسك بقاعدة الفراغ لاثبات هذه القاعدة أيضا لا موقع له إذ قاعدة الفراغ موردها أعم منها لجريانها ولو مع الغفلة عن الحالة السابقة المقرونة باليقين وجريان قاعدة الفراغ في موردها لا تدل على اعتبارها لكون موردها من إحدى صغريات موارد قاعدة الفراغ لا من جهة الشك الساري كما لا يخفى.

الأمر الرابع لا إشكال فى أن الاستصحاب يتقوم بيقين سابق وشك لاحق فلو حصل اليقين على خلاف الحالة السابقة فلا يبقى مجرى للاستصحاب قطعا إذ هو من موارد نقض اليقين.

وأما إذا قامت امارة معتبرة غير مقيدة للقطع على خلاف الحالة السابقة فلا إشكال في تقديمها على الاستصحاب وانما الشأن في وجه التقديم هل على نحو التخصص أو التخصيص أو الورود أو الحكومة. بيان

المختار تتوقف على معرفة معاني هذه الألفاظ فنقول.

أما الورود فهو عبارة عن كون أحد الدليلين بجريانه رافعا لموضوع دليل المورود وجدانا وحقيقة بحيث لو لا جريانه لكان المورود جاريا كما في الطرق والامارات المعتبرة بالنسبة إلى الأصول العملية كالبراءة والاحتياط والتخيير حيث أن قيام الامارة تكون بيانا للواقع فيرتفع موضوع البراءة العقلية وبقيامها على الاباحة بتحقق المؤمن ، فيرتفع احتمال الضرر والعقوبة الذي هو موضوع حكم العقل بالاحتياط وبه يرتفع التحير الذى هو موضوع التخيير وهذا الورود نظير التخصص.

وغاية الأمر أن في التخصص يكون خروج المورد ذاتيا كخروج الجاهل عن عموم أكرم العلماء بخلاف الورود فان خروج المورد عرضيا ناشئ من تصرف الشارع بدليل الوارد.

وأما الحكومة فهي عبارة عن كون أحد الدليلين متعرضا لحال دليل الآخر بتصرف في عقد وضعه أما توسعة بادخال ما يكون خارجا وأما تضييقا باخراج ما يكون داخلا.

وأما في عقد حملة بأن يكون ولو بدوا إلى مفاده كمثل لا ضرر ولا ضرار ولا حرج وبهذا تفترق الحكومة عن التخصيص وإن اشتركا في كون المورد عن العموم إخراجا حكميا لا حقيقيا.

وبالجملة العرف أن خروج المورد عن العام بلا تصرف في المخصص في عقد وضعه أو حمله وفي الحكومة يكون التصرف من الحاكم في عقد وضعه إدخالا أو إخراجا أو عقد حمله إذا عرفت ذلك فاعلم أن الشيخ الانصاري (قده) ذهب إلى الحكومة وصاحب الكفاية إلى الورود وهذا الاختلاف بينهما في وجه التقديم نشأ من الاختلاف في جعل الطرف والامارات من دليلها فان كان الدليل ناظرا إلى جعل الشك

بمنزلة اليقين بمعنى إلغاء احتمال الخلاف وتتيمم الكشف وجعل الطريق طريقا يقينا بمعنى توسعة لدائرة اليقين فيكون الظن كالعلم مثلا في جهة كشفه كما هو مذهب الشيخ في باب الامارات. أو أن كان ناظر إلى تنزيل المشكوك والمظنون منزلة المتيقن من غير نظر إلى جعل الظن منزلة اليقين أصلا كما هو مختار صاحب الكفاية فعلى مختار الشيخ في جعل الطرق يلتزم بحكومة الامارات على الاستصحاب بمعنى حكومة دليل الامارة على دليل الاستصحاب إذ معنى الحكومة كون الحاكم بمدلوله ناظرا إلى دليل المحكوم وشارحا للمراد فيه فالحكم مخصصا بلسان الشرح والتفسير بمعنى أنه لو لا المحكوم يكون مجيء الحاكم لغوا ففي ما نحن فيه معنى إلغاء احتمال الخلاف والبناء على أنه ليس شاكا مع كونه شاكا بالوجدان هو رفع ليد عن آثار الشك التي منها حرمة نقض اليقين به لو لا الامارة فالامارة رافعة لتلك الآثار ومخصصة لدليلها لكن بلسان الشرع والتفسير بأن موردها غير مورد الامارة وغير خفي أنه لو لا للشك أثر شرعي كان جعل الامارة بهذا اللسان في مورده لغوا فظهر بوضوح أن وجه تقديمها على الاستصحاب بنحو الحكومة غاية الايضاح وعلى مسلك الكفاية لا خفاء في عدم حكومتها عليه إذ بناء على ذلك المسلك يكون الشك محفوظا غير مرفوعا لا وجدانا كما هو واضح ولا حكما ولا تعبدا لما عرفت أنه على هذا المسلك يكون في مقام جعل المؤدى منزلة المشكوك من دون نظر إلى رفع الشك وجعله منزلة اليقين ولا يكون له حكم برفع اليد عن آثار الشك بلسان عدمه ومع حفظ الشك وعدم رفعه ولو تعبدا يجيء عموم دليل الاستصحاب أعني لا تنقض اليقين بالشك ويكون النسبة بينهما هو العموم من وجه لأن دليل الامارة ناظر إلى جعل المؤدي منزلة المعلوم سواء كان من مورد

الاستصحاب أم لا ودليل الاستصحاب يدل على حرمة نقض اليقين بالشك سواء كان من مورد الامارة أم لا لكن دليل الامارة وارد على الاستصحاب إذ المراد بالشك هو الشك بالحكم مطلقا ولو كان ظاهريا فاذا قامت الامارة على مورد الاستصحاب يحصل اليقين الوجداني بالحكم الظاهري فيدخل في قوله ولكنه تنقضه بيقين آخر فعلى هذا يكون المراد من اليقين في قوله لا تنقض اليقين هو اليقين بالحكم الواقعي والمراد من الشك فيه اليقين بالحكم الواقعي بقوله ولا تنقضه بيقين آخر هو الأعم من اليقين والشك بالواقع فيصبر حاصل المعنى لا تنقض اليقين بالحكم الواقعي بالشك والحيرة واعمل على طبق اليقين بالحكم الواقعي بالشك والحيرة واعمل على طبق اليقين في مقام التحير بل تنقض باليقين الآخر ولو كان بالحكم الظاهري الثابت في مقام الشك ولكن من غير جهة ذلك الشك الذي هو مورد الاستصحاب فاذا حصل القطع من دليل الامارات بوجود التعبد بها وكون مدلولها حكما ظاهريا فيرتفع موضوع الاستصحاب وهذا هو المعنى الورود لأنه عبارة عن رفع أحد الدليلين لموضوع دليل آخر هذا حال الامارات بالنسبة إلى الاستصحاب وهكذا الكلام بالنسبة إلى سائر الاصول من البراءة والاشتغال ولأجل اختلاف هذين العلمين في هذين المسلكين قد ذهب الشيخ رحمه‌الله والامارة بقيام مقام القطع الموضوعي الطريقي دون صاحب الكفاية كما تقدم الكلام فيه في محله.

ولكن لا يخفى أن الورود يتم على مسلك الكفاية لو قيل بالاطلاق في الشك واليقين لكي يشمل الشك واليقين المتعلقين بالحكم الظاهري

وأما لو منع من الاطلاق بدعوى انصرافهما إلى الشك واليقين المتعلقين بالواقع كما هو الظاهر بقرينة اليقين فى قوله لا تنقض اليقين إذ الظاهر كون

هذا اليقين والشك واليقين في قوله بيقين آخر كلها متعلقا بأمر واحد وهو الواقع خصوصا بقرينة مثله في قوله بل تنقضه بيقين آخر مثله ودعوى الورود ممنوع وقد عرفت أنه لا تتم الحكومة أيضا على هذا المسلك فلا بد من وجه آخر للتقديم ويمكن أن يكون بوجه التخصيص أعني تخصيص دليل الاستصحاب بدليل الامارة في مورد وإن كان بينهما عموم من وجه لما عرفت أنه يلزم اللغوية في جعل الامارات لو لا تقديمها لعدم بقاء مورد لها بيان ذلك أنه لو قدم الاستصحاب على الامارة في مورد الاستصحاب فبعدم القول بالفصل بين الاستصحاب وسائر الأصول أيضا تقدم على الامارات فلا يبقى مورد لدليل الامارات أصلا إذ ما من مورد من موارد الامارات إلا أن يكون فيها أصل.

أما على خلافها أو على وفقها فتبقى الامارة بلا مورد بخلاف ما لو قدم الامارات فانه يبقى مورد الاستصحاب أو غيره من الاصول فيما إذا لم يكن هناك امارة فلا يبقى بلا مورد وقد عرفت أن المنشأ في وجه ذلك هو الخلاف في جعل الامارات فاعلم أن الحق ما ذهب إليه الشيخ (قده) وذلك لأن باب المسلكين في الجعل ليس منحصرا في الشرع بل هو مرتكز في أذهان العقلاء أيضا فهم بارتكازهم يفرقون بين لساني الجعلين فاذا ألقي إليهم أن استتار الواقع بمنزلة انكشافه وأنه منكشف غير مستور بجعله منزلته فبحسب ارتكازهم يفهمون كلا الجعلين والشارع بين مفاد أحد الجعلين بالامارات مفاد الآخر بالأصول وعلي هذا تكون الامارة مقدمة على الاصول ولو لم يكن دليل لفظي في البين حتى يكون بمدلوله اللفظي ناظرا إلى مدلول آخر بل لو كان ثابتا بدليل آخر أيضا كان مقدما على الاستصحاب من باب الحكومة فظهر أن الحق في الامارات مقدم على الاصول من باب الحكومة أيضا من عدم حاجة فيها أن يكون الحاكم بلفظه مفسرا للمراد كما ذكره

الشيخ (قده) في أول رسالة التعادل والترجيح بل تصح الحكومة ولو كان الحاكم ثابتا بدليل لبي.

وعليه لا وجه لدعوى الورود الا بوجوه ثلاثة.

أما دعوى أن المراد من اليقين الناقض مطلق اليقين الصالح للناقضية كي يشمل اليقين الوجداني والتعبدي أو دعوى أن المراد اليقين الوجداني لكن متعلقه أعم من الحكم الواقعي والظاهرى أو دعوى أن المراد منه مطلق الحجة من غير فرق بين أن يكون عقلية كالعلم أو شرعية كالامارات وهكذا في العلم المأخوذ غاية في سائر الأصول فانه على كل واحد من هذه الوجوه تكون الامارة واردة على الأصول لكونها موجبة لخروج المورد حقيقة عن موضوع دليل الأصول.

ولكن لا يخفى أن هذه الوجوه تنافي ظواهر أدلة الاصول فان ظهورها في أن الغاية هي خصوص اليقين الوجداني المتعلق بالحكم الواقعي كظهورها في اختصاص الشك المأخوذ في موضوعها هو الشك بالحكم الواقعي لا الشك بمطلق الحكم وعليه تكون الامارات حاكمة على الاصول حيث أن المختار أن التنزيل انما هو بمعنى تتميم الكشف وإثبات العلم بالواقع وبذلك تكون رافعة للشك الذي أخذ موضوعا للاصول ومثبتة للمعرفة المأخوذة غاية لمثل دليل الحلية ودليل حرمة النقض وبهذا الاعتبار تكون ناظرة الى نفي الحكم المترتب على عدم انكشاف الواقع واستتاره وعليه لا يكون رفع اليد عن اليقين السابق في الاستصحاب من نقض اليقين بالشك بل من نقض اليقين باليقين من غير فرق في ذلك بين أن نقول برجوع التنزيل الى المتيقن بتوسط اليقين أو الى نفس اليقين فعلى كلا التقديرين يكون تقديم الامارة على الاصول بمناط الحكومة أي بالحكومة الظاهرية.

وأما بناء على غير المختار من أن التنزيل راجع إلى تنزيل المؤدى بلا نظر الى تتميم الكشف كما يدعيه الأستاذ المحقق الخراساني (قده) فلا مجال لدعوى حكومة الامارات على الاصول ولذا هو ادعى نقي الحكومة إلّا أن دعواه الورود فى غير محله كما ظهر لك سابقا وعليه لا بد من تقديم الامارة على الأصل بوجه آخر وهو بمناط التخصيص لا بمناط الحكومة والورود كما أن على هذه الدعوى لا تقوم الامارات مقام القطع المأخوذ جزء الموضوع أو تمامه على وجه الطريقية.

نعم بناء على المسلك المختار من أن مفاد التنزيل تتميم الكشف بكون تقديمها على الأصول بنحو الحكومة ويصح قيامها مقام القطع على نحو الطريقية كما بيناه سابقا هذا بالنسبة الى الأصول الشرعية وبالنسبة إلى الأصول العقلية فتقديم الامارة عليها بمناط الورود حيث أن قيامها يكون بياتا فلا يكون المورد من باب حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان وبقيامها يتحقق المؤمن فيرتفع معه احتمال الضرر والعقوبة الذي هو موضوع حكم العقل بالاحتياط كما أنه بقيام الامارة يرتفع التحير الذي هو موضوع حكم العقل بالتخيير فافهم وتأمل ...

الأمر الخامس نسبة الاستصحاب إلى قاعدتي الفراغ والتجاوز (١)

__________________

(١) وهل هما قاعدتان أم قاعدة واحدة قيل بالأول لعدم إمكان الجمع بينهما لجعل واحد حيث أن الشك في قاعدة التجاوز يتعلق بأصل وجود الشيء وفي قاعدة الفراغ بصحة الموجود ولا يمكن الجمع بينهما بلحاظ واحد إذ لا جامع بينهما وكيف يكون جامع بين ما هو بمفاد كان التامة الذي مفاد قاعدة التجاوز ومفاد كان الناقصة الذي هو مفاد قاعدة الفراغ وأجاب الشيخ الأنصاري (قده) عن ذلك بامكان إرجاع قاعدة الفرغ إلى مفاد كان التامة بمعنى إرجاع بصحة الموجود الى التعبد

فلا إشكال في تقديمهما على الاستصحاب إلا أنه هل التقديم بنحو الحكومة أو التخصيص قيل بالأول بناء على انهما من الامارات الكاشفة

__________________

بوجود الصحيح بتقريب جعل الصحة قيد للموضوع لا للمحمول كي يكون المحمول هو الوجود المطلق الذي هو مناط كان التامة بأن يقال عند الشك في صحة العمل الذي فرغ منه صلاة كانت أو حجا أو نحوهما العمل الصحيح وجد وعليه يكون الجامع للقاعدتين هو معنى واحد وهو التعبد بوجود الشيء وقد أورد عليه المحقق الأستاذ النائيني (قده) بأمور ثلاثة.

الأول إن التعبد بوجود الصحيح لا يثبت صحة الموجود إلّا بالأصل المثبت اذ الأثر مترتب على صحة الموجود لا على وجود الصحيح.

الثاني أن متعلق التجاوز في الأخبار في قاعدة الفراغ هو ذات الشىء وفى قاعدة التجاوز محله ولا جامع بينهما.

الثالث بأن متعلق الشك في قاعدة التجاوز هو الجزء وفى قاعدة الفراغ هو الكل ولا جامع بين الجزء والكل في عالم اللحاظ.

ولكن لا يخفى أنه يمكن تصور جامع في المقام بأن يوجد نفس الشىء المنطبق على متعلق كل منهما ويكون التعبد بوجوده من دون عنوان شيئية الجزء أو شيئية الكل حتى يقال أنهما شيئان موجودان بوجودين لا جامع بينهما وعليه لا مانع من شمول عنوان الشىء لهما فاذا أمكن أن يكون لهما جامع في مقام الثبوت يقع الكلام في مقام الاثبات فنقول الناظر الى أخبار الباب يجد امكان أخذ الجامع لهما الى أن يقول (ع) يا زرارة إذا خرجت من شىء ثم دخلت فى غيره فشكك ليس بشىء بتقريب أن الامام (ع) ذكر كبرى كلية تنطبق على الخروج من جزء ودخوله في جزء آخر أو مطلق ما كان

عن الواقع بتقريب أن المستفاد من الغالب أن كل من يأتي بالفعل المركب من الأجزاء يأتي بجميع الأجزاء وشرائطه على وفق الارادة المتعلقة بذلك الفعل والشارع أمضى هذه الغلبة كما يستفاد من تعليل

__________________

غيره لكن يشمل الجزء الآخر وعلى الخروج عن المركب المأمور به والدخول في غيره مثل الصلاة والحج وغيرها وعليه أنه يمكن الاستفادة من الرواية جامع عام ينطبق على الجزء وعلى الكل والخروج عنه له مصداقان أحدهما التجاوز عن محله الذي عين الشارع له وبهذا الاعتبار يشمل قاعدة التجاوز.

وثانيهما التجاوز عن نفسه والفراغ عنه وبهذا الاعتبار يشمل قاعدة الفراغ والجامع بينهما هو عنوان الخروج عن الشىء ومثل هذه رواية اسماعيل بن جابر (كل شىء شك فيه مما قد جاوزه ودخل فى غيره فليمضي عليه) بتقريب أن الامام (ع) أمر بالمضي وعدم الاعتناء بالشك في كل ما شك فيه من غير فرق بين كان المشكوك فيه نفس المركب أو جزء من أجزائه بعد ما مضى عنه غاية الامر المضي عن المركب باتمامه والفراغ عنه وبالجزء المضي عن محله وهكذا في بقية الأخبار فاته من جميع أخبار الباب يستفاد مفهوم التجاوز والمضى وكلاهما مصداقان لمفهوم التجاوز عن الشيء له مصداقان.

أحدهما التجاوز عن نفس الشىء بمعنى تمام وجوده المضي عنه وهذا مورد لقاعدة الفراغ.

وثانيهما التجاوز عن محله وهذا مورد التجاوز وليس فيهما تجوز أو اضمار بل التجاوز عن المحل الذي عينه الشارع للشىء يكون تجاوزا عن ذلك الشىء حقيقة إذ لا معنى للتجاوز عن نفس الجزء إلا بالتجاوز عن محله الشرعي أو يلتزم

بعض الأخبار بقوله هو حين يتوضأ أذكر منه حين يشك.

ولكن لا يخفى أن الغلبة لا توجد الامارية واستفادة ذلك من

__________________

بدلالة الاقتضاء تقدير لفظ المحل حفظا للكلام عن اللغوية كما في قوله تعالى (وأسأل القرية) تقدير أهل ثم أنه هل المراد من التجاوز عن المحل الشرعي فقط أو يعم حتى المحل العادي قيل بالثاني اذ التقدير لما كان هو المحل وهو أعم من العادي والشرعي وعليه تترتب ثمرات فقهية مهمة كما لو كان من عادته الوضوء عقيب الحدث الأصغر أو الغسل عقب الحدث الأكبر فعلى تعميم معنى المحل يلزم القول في الأول حيث أن المستفاد من أخبار الباب انه طبق الامام (ع) كبرى القاعدة التي هي انما الشك في شيء لم تجزه على الشك في وجود الأجزاء بعد التجاوز عن محلها الشرعي كما في قوله (ع) بعد قول السائل ورجل شك في الآذان وقد دخل في الاقامة حيث قال (ع) ورجل شك في الاقامة وقد كبر قال عليه‌السلام يمضي وهكذا سأل السائل عن الشك في الأجزاء بعد التجاوز عن المحل الشرعي فأجابه (ع) بأنه يمضي الى أن قال (ع) يا زرارة اذا خرجت من شيء ودخلت في غيره فشك ليس بشىء.

وبالجملة المستفاد من الرواية هو الخروج عن محلها الشرعي والمضي والتجاوز عنه اذ هذا المقدار هو الذي طبق الامام (ع).

وأما أكثر من ذلك بنحو يشمل المحل العادي فلا نقتضيه دليل الاقتضاء اذ لبس لفظ المحل في البين حتى يؤخذ بعمومه ثم أنه لو شك فى الجزء الأخير من المركب المترتب الاجزاء كالتسليم مثلا فهل تجري قاعدة التجاوز أو الفراغ أو كلاهما أو لا يجريان احتمالان والذي ينبغي أن يقال أن الجزء الاخير انما يتصور فى الاجزاء المترتبة بعضها

الاخبار ممنوعة بل المستفاد من الاخبار أنها من الاصول حيث ان المأخوذ في موضوعها الشك كقوله (ع) (اذا خرجت من شيء ودخلت فى غيره

__________________

على بعض وإلّا لو لم يكن ترتب بينها فلا يكون الجزء المشكوك الاخير بل تكون الأجزاء عرضية وبعد الفراغ عن هذه الجهة فيكون المراد بالشك في الجزء الاخير بالنسبة إلى المركب المترتبة الاجزاء كالتسليم مثلا فتارة يعتبر فيه الموالاة وأخرى لا يعتبر فيه ذلك.

أما فيما لا يعتبر فيه الموالاة كالغسل مثلا اذا شك في جزئه الاخير كالجانب الايسر فالظاهر عدم جريان القاعدتين.

أما قاعدة التجاوز فواضح حيث أنه لم يتحقق تجاوز عن وجوده حيث أنه فرض أنه مشكوك ولا عن محله الشرعي حيث أنه فرضه فيما لم يعتبر فيه المولاة ففي أي وقت أتى به لتكون محله يعم لو عممنا المحل للعادي لامكن صدق التجاوز عن محله لكنك قد عرفت أن المستفاد من الاخبار هو المحل الشرعى.

وأما قاعدة الفراغ فجريانها محل اشكال اذ كيف يتحقق الفراغ مع كون الجزء الأخير مشكوك الوجود.

وأما اذا اعتبر فيه المولاة فلا يبعد شمول القاعدتين بناء على عدم اختصاص قاعدة التجاوز بالصلاة حتى في الجزء الأخير وأما بناء على اختصاص قاعدة التجاوز في الصلاة كما لو شك في الجزء الأخير من الصلاة كالتسليم مثلا وقد دخل في التعقيب بعد الصلاة فلا مانع من جريان تلك القاعدتين لصدق التجاوز عن محله الشرعي ويصدق الفراغ بدخوله في التعقيب.

وأما لو شك فى التسليم ولم يكن داخلا في التعقيب فان كان شكه بعد صدور المنافى من غير فرق بين ما يكون المنافى عمدا وسهوا كالحدث أو عمدا لا سهوا كالتكلم كما أنه لا فرق بين أن يكون المنافى

فشكك ليس بشيء) وكذا الاخبار ولست في مقام الغاء الشك وتتميم الكشف لكي تكون من الامارات وعليه لا مجال لتقديمها على الاستصحاب

__________________

أمر وجوديا كالحدث والتكلم أو عدميا كالسكوت الطويل فان جميع ذلك تجرى كلتا القاعدتين.

أما في التجاوز فانه يصدق بتجاوزه عن محله الشرعي فان محله الشرعي للتسليم قبل فعل المنافى كما أنه يصدق الفراغ بعد الاشتغال بالمنافى.

وأما إذا لم يكن شكه بعد فعل المنافى بل شك قبل فعل المنافي فالظاهر عدم جريان التجاوز لعدم تجاوزه عن محله الشرعى ولا يتحقق الفراغ اذ لو علم بالترك لأتى به وكان فى محله ثم لا يخفى هل يعتبر في القاعدتين الدخول في الغير أم لا قيل بعدم اعتباره بحمل الدخول في الغير في لسان الاخبار محمول على الغالب.

ولا يخفى أن حمل القيد على الغالب خلاف ظاهر التعبير فاذا ظاهر في الأجزاء فالحق أن يقال أن الظاهر من الأدلة في قاعدة التجاوز اعتبار الدخول في الغير لعدم صدق التجاوز إلّا بالدخول في الغير.

وأما حيث لا يتحقق معنى للتجاوز عن محله الا به ولو كان بالسكوت الطويل لو كان الشك في الجزء الأخير وهو التسليم.

وأما في الفراغ فيمكن أن يستفاد من أخبار الباب في اعتبار الدخول في الغير لرواية زرارة قال (ع) لزرارة (اذا خرجت من شىء ودخلت في غيره فشكك ليس بشىء) وقبلها رواية اسماعيل بن جابر كل شىء شك فيه مما قد جاوزه ودخل فى غيره فليمضي عليه ولا يعارض ذلك إطلاق رواية بن بكير لامكان حملها على المقيد مع فرض وحدة المطلوب ثم أنه ما المراد من (الغير) هل هو الغير المختص

بنحو الحكومة ودعوى أنها تقديمها على نحو الحكومة وكانت من الأصول بتقريب سببية الشك في بقاء الحالة السابقة في الاستصحاب عن الشك

__________________

بالأجزاء المذكورة في الروايات أو يشمل لكل جزء من الأجزاء للصلاة المستقلة بالتبويب فى الكتب الفقهية أو لكل ما يصدق عليه مفهوم الغير ولكن بشرط أن لا يخرج عن أجزاء الصلاة بناء على اختصاص القاعدة بالصلاة أو مطلقا بناء على عدم الاختصاص.

أما الاحتمال الأول لا يمكن الالتزام به لعدم شموله لمن كان يقرأ السورة وقد شك في الحمد أو كان في التشهد وقد شك في السجود لعدم ذكر ذلك في الروايات ولذا رجح المحقق النائيني الاحتمال الثاني لتعميمه لذلك الفرعين إلّا أنه لم يشمل مقدمات الأجزاء وأجزاء الأجزاء فانه يتم بناء على ما اختاره من عدم اطلاق الشىء لأجزاء الأجزاء الا بغاية وادعاء ولذا لم يكن الجزء في عرض شيئية الكل.

ولكن لا يخفى أنه قد تقدم أن لفظ الشىء يطلق على الأجزاء والكل في عرض واحد حقيقة من دون ادعاء وغاية إذا عرفت فالحق هو الاحتمال الأخير فان الموجود في الأخبار لفظ الغير وهو غير المشكوك وكلما ينطبق عليه الشىء. أما حقيقة أو ادعاء بكون لفظ الغير يكون غير الشىء وحيث لم نقل باختصاص القاعدة في الصلاة كما عرفت من بعض الأخبار عدم اختصاصها بها فلا فرق في شمول لفظ الغير للاجزاء وأجزاء الأجزاء ومقدمات الأجزاء بين الصلاة كالهوى مثلا أو الأخذ فى القيام وسائر المركبات التي أمر الشارع بايجادها كالحج مثلا فاذا شك في أثناء السعي مثلا في الطواف أو في جزء منه يكون مشمولا لقاعدة التجاوز ومما ذكر ظهر أن لا فرق في الغير الواجبة والمستحبة بل وان لم يكن من أجزاء المركب حقيقة كالتعقيب مثلا ثم أن الكلام

فى حدوث ما يوجب رفع الحالة السابقة ومفاد القاعدة هو البناء على حدوث ما يكون رافعا للحالة السابقة فتكون القاعدة رافعة لموضوع

__________________

في الطهارات الثلاث كالوضوء والغسل والتيمم بناء على عدم اختصاص قاعدة التجاوز في الصلاة فهل يجري فيها فتقول :

أما في الوضوء فالظاهر أنها لا تجرى للاجماع على عدم جريانها وبعد الفراغ من الوضوء تجري قاعدة الفراغ للاجماع على ذلك وبصحيحه زرارة (إذا كنت قاعدا في وضوءك فلم تدر أغسلت ذراعيك أم لا؟ فأعد عليها وعلى جميع ما شككت فيه أنك لم تغسله مما سمى الله تعالى ما دمت فى حال الوضوء فاذا قمت من الوضوء فرغت منه وصرت في حالة أخرى في الصلاة أو غيرها فشككت في بعض ما سمى الله تعالى مما أوجب الله عليك لا شىء عليك). وأنها صريحة في عدم جريان قاعدة التجاوز وجريان قاعدة الفراغ وبما أنهما قاعدتان لا معارض بينهما وبما أنها صريحة في المطلوب لا يعارضها ابن أبي يعفور في روايته : قوله (ع) إذا شككت في شىء من الوضوء وقد دخلت فى غيره فشكك ليس بشىء لا مكان حمل من على البيانية والضمير في غيره يرجع إلى الوضوء وما ذكرناه لعدم الجريان من دعوى الشيخ الأنصاري (قده) من أن الوضوء عمل واحد لوحده أثره حيث أن أثر جمع الأجزاء أثر بسيط وهي النورانية وقد أشار إلى ذلك قوله (ع) (الوضوء نور ورواية في رواية أخرى والوضوء على الوضوء نور على نور) فهذا محل نظر أولا أن فرض الوضوء أمرا واحدا لوحدة أثره مناف لرواية ابن أبي يعفور (ع) إذا شككت في شىء من الوضوء ودخلت في غيره فشك ليس بشىء فان الظاهر من ذلك جعل الوضوء ذو أجزاء.

وثانيا أن وحدة الأثر وبساطته لا توجب وحدة السبب المؤثر إذا

الاستصحاب ممنوعة إذ لا سببية ومسببية بينها وكيف يكون بينها ذلك مع أن بقاء عدم الشىء مع فرض حدوثه الطارد لبقاء عدمه في مرتبة واحدة فظهر مما ذكرنا أن تقديم القاعدتين على الاستصحاب ليس على نحو التخصيص أما للاجماع وأما من جهة ورود القاعدة في مورد الاستصحاب حيث أنه لو لا تقديمها على الاستصحاب يلزم لغوية جعلها إذ ما من مورد تجري فيه القاعدة إلا ويجري فيه الاستصحاب ثم لا يخفى أن قاعدة التجاوز وقاعدة الفراغ قاعدتين مستقلتين لتغاير متعلقيهما حيث أن متعلق الشك في قاعدة التجاوز أصل وجود الشىء بمفاد كان التامة وفي قاعدة الفراغ صحة الموجود بمفاد كان الناقصة ولا جامع بين هذين المفادين كما أن المستفاد من الروايات أيضا قاعدتين فان بعضها تفيد قاعدة التجاوز إلى الشك فى أصل الوجود بمفاد كان التامة مثل رواية زرارة إلى أن قال يا زرارة إذا خرجت من شيء ودخلت في غيره فشكك ليس بشىء ورواية إسماعيل بن جابر قال أبو عبد الله (ع) ان شك في شىء في الركوع بعد ما سجد فليمضي وإن شك في السجود بعد ما قام فليمضي كل شىء فيه وقد جاوزه ودخل في غيره فليمضي عليه وهكذا موثقة بن أبي يعفور ومحمد بن مسلم فان الظاهر من هذه الأخبار حكم الشك في الوجود الذي مفاد كان التامة وبعضها تفيد قاعدة الفراغ كموثقة بن مسلم كلما شككت فيه مما مضى فليمضه كما هو وموثقة أخرى لابن مسلم كلما مضى من صلاتك وظهورك فامضه كما هو.

__________________

أكثر العبادات لها آثار واحدة مع أنها ذات أجزاء ..

وأما التيمم والغسل فالحاقهما بالوضوء بنحو البدلية محل إشكال إلا أن يقوم إجماع على الالحاق وتحققه محل إشكال ...

ولا يخفى أن ذيل هاتين الموثقتين ظاهران بالصراحة إلى أن المشكوك فيه بعد صحة الشىء بمفاد كان الناقصة الذي مفاد قاعدة الفراغ وحاصل الكلام أن المستفاد من أخبار الباب أنهما قاعدتان فعليه لا مجال لتكلف إرجاع الطائفة الثانية إلى الأولى مع ظهور بعضها فى قاعدة التجاوز وبعضها في قاعدة الفراغ بلا وقوع معارضة بينهما لكي ينتهي الأمر الى رفع المعارضة يحمل الاطلاق على التقييد اذ المعارضة انما تتحقق لو فرض أن مفاد الأخبار قاعدة واحدة كما هو مسلك الشيخ الأنصاري (قده) يحمل الطائفة الثابتة الظاهرة في قاعدة الفراغ التي هي ما كان الشك في صحة الموجود على قاعدة التجاوز.

ولكن لا يخفى أن أخبار الباب منها مختصة بقاعدة التجاوز لاعتبار الدخول الغير كصحيحة زرارة وموثقة بن أبي يعفور ورواية اسماعيل بن جابر ومنها غير متكفلة لهذا القيد كموثقة بن مسلم فان ظهورها في الشك فى صحة الموجود فان الظاهر من قوله (ع) كلما شككت فيه مما قد مضى فامضه كما هو ، هو الشك في صحته بعد القطع بأصل وجوده وامكان تطبيقه على الأول بأن يكون المراد بقوله فامضه كما هو بمعنى أنه عند الشك في أصل الوجود أي على أنه وجد صحيحا مما لا يصغى اليه ولذا صاحب الكفاية حمل هذه الرواية ونظائرها مما كانت ظاهرة فى الثاني على قاعدة الفراغ وما ظاهرة في الأول على قاعدة التجاوز ولكن لما كان موردها الصلاة كقوله في رواية ابن جابر إن شك في الركوع بعد ما سجد أو شك في السجود بعد ما قام خصها بها والتحقيق ما ذهب إليه صاحب الكفاية من استفادة القاعدتين من الأخبار لكن مع التعميم في قاعدة التجاوز وذلك لعموم التعليل في ذيل رواية بن جابر كل شىء شك فيه وقد جاوزه ودخل في غيره ليمضي عليه وفى ذيل موثقة

بن أبي يعفور إنما الشك في شىء لم تجزه فيستفاد منها التعميم فتلخص أنه لا دليل على قاعدة الفراغ عند الشيخ (قده) فان الأخبار بجملتها إنما تدل على قاعدة التجاوز وأن الدليل على اعتبارها عند صاحب الكفاية وعندنا هو بعض الأخبار لكن مع التخصيص بباب الصلاة عند صاحب الكفاية ومطلقا عندنا فاعلم أن الشك في صحة الموجود الذي هو مجرى قاعدة الفراغ تتسبب عن الشك في أصل الوجود كما في كل مورد شك في صحة شيء من جهة الشك في فقد شىء كان معتبرا فيه شرطا أو شطرا.

نعم لو قلنا بكون الترتيب والموالاة معتبرا في صحة الشيء من غير دخل لهما في أصل وجوده كان الشك في أصل الوجود ومع كل مورد يكون الشك في الصحة مسببا عن الشك في الوجود كان مجرى لقاعدة التجاوز ولا يصح جريان قاعدة الفراغ لما تقدم مراده وسيأتي مفصلا من أن الأصل فى السبب يغني عن الأصل فى المسبب.

نعم لو لم يكن جريان قاعدة التجاوز للمعارضة أو غيره كان مجزئ لقاعدة الفراغ وكل مورد لا يكون الشك فى الصحة مسببا عن الشك في الوجود يجزي قاعدة الفراغ من غير إشكال إذا عرفت ذلك فاعلم أنه تظهر الثمرة في اختلاف المسالك الثلاث فيما لو صلى أحد صلاة ثم توضأ بعد وشك فى صحة الصلاة المأتي بها من جهة الشك فى الاخلال فالترتيب والموالات ومن صحة الوضوء من جهة الشك في فقد جزء منه وعلم إجمالا ببطلان أحدهما اما الصلاة.

وأما الوضوء فعلى مسلك الشيخ من عدم تمامية قاعدة الفراغ تجزي قاعدة التجاوز فيهما ولما كان العلم الاجمالي بالبطلان يوجب تعارض بين القاعدة في الصلاة والقاعدة في الوضوء وبعد تساقطهما

بالتعارض يرجع فيها إلى قاعدة الاشتغال فيجب استئناف الوضوء وإعادة الصلاة وعلى مسلك صاحب الكفاية لا تجري قاعدة التجاوز فيهما.

أما في الصلاة فلان الشك فى صحتها في أصل وجودها ولا يكون الشك في صحتها مسببا عن الشك في وجوده لكونه من جهة الاخلال بالترتيب أو الموالاة.

وأما فى الوضوء فلا اختصاص قاعدة التجاوز في الصلاة بل يكون كلاهما قاعدة الفراغ فيتعارضان وبعد التساقط يرجع الى الاحتياط أيضا.

وأما على المسلك التحقيق يجري قاعدة التجاوز في الصلاة والوضوء معا وقاعدة الفراغ في الوضوء خاصة لكن يكون الشك في صحته مسببا عن الشك في وجود ما يعتبر فيه فتتعارض قاعدة التجاوز فيهما بعد تساقطهما بالتعارض فتبقى قاعدة الفراغ سليمة عن المعارضة فيكون النتيجة إجراء قاعدة الفراغ في الوضوء والاكتفاء به واعادة الصلاة بقي الكلام في فقه رواية ابن أبي يعفور الواردة في الوضوء فنقول يمكن ارجاع الضمير في غيره من قوله اذا شككت في شىء من الوضوء ودخلت في غيره الى الشىء المشكوك أو الى نفس الوضوء فعلى الأول يطابق الصدر مع التعليل المذكور في ذيلها إلّا أنها تدل على صحة الوضوء لو شك في بعض أجزائه في الأثناء وهو خلاف الاجماع على أنه لو شك في الأثناء يجب الاتيان بالمشكوك وما بعده وعلى الثاني لا يطابق صدرها مع التعليل المذكور في ذيلها إذ التعليل ظاهر في أن العلة في الوضوء كغيره في باب الشك هي تجاوز المحل وصدرها دال بالمفهوم على أنه ما دام في الأثناء يجب الاعتناء بالشك فهما متعارضان ويمكن الجواب بوجهين.

أحدهما أن الاستدلال إنما هو بمفهوم التعليل فيها باعتبار أحد أفراده وذلك لأن المفهوم من قوله (ع) إنما الشك في شىء لم تجزه هو عدم العبرة بالشك فيما إذا جاوز الشىء والتجاوز قد يحصل بالدخول في الجزء الآخر المتصل بالمشكوك وقد يحصل بتمام العمل والفراغ منه والدخول في غيره وفي باب الوضوء إذا تجاوز عن العمل لا عبرة بشكه بمقتضى القاعدة وتخصيصها بالوضوء في باب الوضوء بمعنى يجب الاعتناء بالشك فيه ما دام في الأثناء وهذا التخصيص لا يضر بشمول قاعدة التجاوز عن العمل وبعبارة أخرى لصدر الرواية منطوق ومفهوم بناء على إرجاع الضمير الى الوضوء في المنطوق يدل على عدم العبرة بالشك اذا تجاوز عن المحل ينطبق على القاعدة أو التعليل له والمفهوم يدل على وجوب الاعتناء لو وقع الشك في الأثناء ولو تجاوز عن محل الشك ولكن التعليل لما سبق للاستدلال على تطبيق صدر الرواية يوجب حمل ذيلها من غير اشكال الثاني أن يلتزم بارجاع الضمير الى الشىء ومع ذلك يجاب بأن الضمير في قوله ودخلت فى غيره مطلق يشمل الغير المتصل والمنفصل وهو الذي يتحقق بعد العمل وبقربته الاجماع على اعتناء بالشك فى أثناء العمل في باب الوضوء بقيد الغير بالمنفصل والفرق بين الوجهين هو أنه على الأول منهما تخصيص بعموم القاعدة بغير باب الوضوء وعلى الثاني تقييد لاطلاق الغير بالغير المنفصل من دون ارتكاب بتخصيص في العموم وذلك لا يوجب الفرق بينهما إلا بالنسبة إلى الأول يلزم لغوية التطبيق على المورد دون الثاني ثم أن القيد الثالث من قاعدة التجاوز بالنسبة إلى ما تشترط وجود المشكوك في صحته هو ترتب الأثر على نفس الوجود مثلا لو شك في أثناء صلاة العصر في إتيان صلاة الظهر فتجري قاعدة التجاوز وأنها تثبت وجود

صلاة الظهر فتحكم بصحة العصر بمعنى أنها محرزة شرط صحة العصر حيث صحتها منوطة بتقدم صلاة الظهر على العصر ولكن لا يوجب سقوط الظهر بنحو لو كان الوقت باقيا يجب الاتيان بصلاة الظهر (١)

__________________

(١) بتقريب أن الشك في الشرط لما كان له محل شرعي ففي الطهارة الحدثية محلها الشرعي قبل الصلاة بقوله تعالى (إذا أقمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم) الآية ومحل صلاة الظهر والمغرب قبل العصر والعشاء لقوله (ع) (إلا أن هذه قبل هذه) فلا مانع من جريان قاعدة التجاوز لعدم الفرق بين الجزء المشكوك والشرط المشكوك الوجود فكما أنها تجري في الجزء تجري في الشرط لأن مناط الجريان واحد وهو أن صحة العمل يتوقف على وجود الجزء أو الشرط المشكوك وجودهما بعد التجاوز عن محلهما المقرر لهما شرعا بلا تفاوت بينهما وبما أنهما من الأصول التنزيلية بكون مفادها ترتيب آثار وجود الشرط من حيث كونه شرطا لهذا العمل الذي بيده وشك في وجوده في أثنائه فيجب معاملة وجود صلاة الظهر مثلا من حيث شرطيته لصحة صلاة العصر لا مطلقا ودعوى بان التجاوز الذي هو موضوع القاعدة لم يتحقق في الأجزاء الباقية التي لم يأت بها بعده فلا أثر لجريان القاعدة في الأثناء ممنوعة إذا ما هو الشرط لمجموع العمل وجود الظهر مثلا قبل العصر فبنفس دخوله في صلاة العصر بتحقق التجاوز عن محل الشرط وقد ادعى الشيخ الأنصاري (قده) في خصوص الوضوء لا يلزم به لصحيحة علي بن أبي جعفر عن أخيه موسى (ع) قال سألته عن الرجل يكون على وضوء ثم يشك على وضوءه هو أم لا (قال (ع) إذا ذكرها وهو في صلاته انصرف وأعادها وإن ذكرها وقد فرغ من صلاته أجزأه ذلك.

ولكن لا يخفى دلالتها على ذلك محل تأمل هذا كله فيما لو كان

بعد العصر وكذا شرطية الطهارة بالنسبة إلى الصلاة لو شك في أثنائها في الوضوء فلا يخلو أما أن يكون الشرط هو نفس الوضوء.

وأما أن يكون الشرط هو الطهارة الحاصلة من الوضوء وعلى الأول يكون للشرط محل مقدم على الصلاة فتجري قاعدة التجاوز لو شك في

__________________

للشك له محل شرعي.

وأما لو لم يكن له محل شرعي كالستر والاستقبال فلا تجري قاعدة التجاوز لما هو معلوم أن موضوعها التجاوز عن المحل الشرعي هذا فيما لو كان الشرط للمركب المأمور به.

وأما لو كان شرطا شرعيا للجزء كالجهر والاخفات بناء على كونها شرطين للجزء للصلاة في حال القراءة وربما يقال بعدم جريان قاعدة التجاوز من جهة أن الشرط ليس له وجود مستقل فلا يصدق عليه تجاوز عنه وأما في نفس المشروط فلا شك فيه لكي تجري قاعدة التجاوز ولكنه محل منع إذ لا مانع من جريانها فى الشرط والمشروط.

أما في الشرط المشكوك الوجود فلأن الجهر والاخفات بشيء شك في وجوده بعد التجاوز عن محله وعدم كونه جوهرا ومستقلا في الوجود لا ينافي كونه شيئا.

وأما في المشروط فلان المشروط بوصف كونه صحيحا مشكوك الوجود وهكذا لا إشكال في جريان قاعدة التجاوز في الشرط العقلي للجزء كالموالاة بين حروف الكلمة إذ مرجع هذا الشك إلى وجود الجزء الذي هو الكلمة بعد التجاوز عن محله كما هو المفروض في المقام اذ المفروض أن الشرط عقلي للجزء والشك فيه شك في المشروط الذي هو الجزء

وبالجملة لا فرق بين ما يكون الشرط عقليا أو شرعيا للجزء بالنسبة لجريان قاعدة التجاوز فلا تغفل.

نفس الوضوء في أثناء الصلاة لتحقق موضوعه لكون ما شك له محل شرعى ويتحقق بالدخول في تجاوز عن محل المشكوك المقرر له شرعا فبمقتضى قاعدة التجاوز يبني على وجوده بالنسبة إلى الصلاة التي مشغول باتيانها.

وأما بالنسبة إلى الصلاة الأخرى فلا يجري قاعدة التجاوز فيجب الاتيان بالوضوء لعدم تحقق التجاوز من محل المشكوك وعلى الثانى فأما أن تكون الطهارة من الأمور الواقعية التي كشف عنها الشك فتكون أفعال سببا لنفس الطهارة التي هي النورانية وحينئذ يكون ترتبها على الوضوء ترتبا واقعيا تكوينا.

وأما أن يكون ترتب هذا الأثر ترتبا جعليا يحصل بجعل الشارع فيكون من الأمور الجعلية فعلى الأول يكون عبارة عن مقارنة الأثر لأول جزء من الصلاة إلى آخر جزء منها فلو شك في أثنائها فبالنسبة إلى ما قد مضى من الأجزاء يمكن جريانها إلا أنه بالنسبة إلى ما بقى من الأجزاء يكون الشك في المحل فلا يتحقق موضوع لجريانها لما عرفت أنها تجري لو شك فى شىء وقد تجاوزت محله.

وأما جريانها بالنسبة إلى نفس الوضوء فقد عرفت أنه لا يجري لكون ترتب الطهارة على الوضوء ترتبا تكوينيا واقعيا وإنما تجري فيما لو كان الترتب شرعيا.

وأما على الثانى فيمكن جريان قاعدة التجاوز في الوضوء لو كان الشك فى الأثناء حيث أنه على هذا الفرض ترتب الطهارة على أفعال الوضوء بجعل شرعي فيتحقق بالدخول فى الصلاة بالتجاوز عن الوضوء

ثم لا يخفي هل يعتبر في القاعدتين الدخول في الغير الظاهر اعتباره في قاعدة التجاوز لأن التجاوز عن الشىء لا تكون إلا بالدخول في غيره وإلا

مادام لم يدخل في شىء آخر لا يصدق عليه تجاوز عنه ويكون محله باق إلا أن يعتبر فيه أن يكون الترتيب بينه وبين المشكوك فيه شرعا من الاجراء والأفعال ولو لم يكن الترتب شرعيا لا يصدق عليه دخول في الغير فمن كان شاكا في السجود وهو أخذ بالنهوض إلى القيام أو في الركوع وهو في حال الهوى إلى السجود لا يصدق عليه الدخول فيه وان كان ذلك من مقدمات يترتب عليه لكون ترتب ذلك عقليا وعليه يجب الاتيان بالمشكوك لصدق كونه في المحل ويفهم ذلك من ذكر الأمثلة المذكورة في النص فانه يستفاد منها تجديد الغير بالدخول فيما رتبها على المشكوك شرعا لا مطلق الغير ودعوى أنه مطلق الغير للرواية الواردة في رجل أهوى الى السجود فلم يدر أركع أم لم يركع قال (ع) قد ركع ممنوعة لضعفها وعلى فرض القول بها لا بد من الاقتصار عليها وعدم التعدى إلى غيره من المقدمات كما أنه لا يعتبر في الغير أن يكون متصلا بالمشكوك فلو كان منفصلا عنه يصدق فيه دخول في الغير فلو شك في الركوع والسجود وهو في التشهد إذ المستفاد من الأخبار اعتبار الدخول في الغير لكونه محققا لعنوان التجاوز عن محل المشكوك وعليه بعد صدق التجاوز في الدخول في غير الملاصق للمشكوك فتجري فيه القاعدة ففي الفرض المذكور بحكم التجاوز عن الركوع والسجود بالدخول بالتشهد من غير فرق بين كونهما بشك واحد أو كل واحد منهما فيه شك مستقل ولو لا ذلك لقلنا ببطلان الصلاة لعدم احراز الركوع في الصلاة

ثم لا يخفى أن المستفاد من أخبار الباب هو مطلق الشك الحادث بعد العمل ولو كان مسبوقا بشك آخر قبل العمل من سنخه أو من غير سنخه أو خصوص الشك غير المسبوق بالشك والالتفات قبل العمل الطاهر

هو الثاني من غير فرق بين أن تكون الصلاة محتملا لاتيانه بوظيفة الشاك وهو الوضوء قبل الصلاة أم لا يكون محتملا ذلك بل يعلم أنه لم يتوضأ قبل الصلاة بعد ما شك في الطهارة ولكن يشك في صحة صلاته من جهة كونه متطهرا واقعا كما هو الظاهر أن الشك المأخوذ في موضوع القاعدة في أخبار الباب هو طبيعة الشك الحادث بعد التجاوز أو الفراغ على الاطلاق بنحو لا يصدق على الشك قبل العمل فعلية لا تجري القاعدة في حقه أصلا من غير فرق بين تحقق الاستصحاب أم لا إلّا أن بعض الأعاظم (قده) أجرى القاعدة فيما اذا كان الصلاة محتملا لاتيانه بوظيفة الشاك وهو الوضوء قبل الصلاة دون ما لم يكن محتملا بتقريب أنه لا يزيد حكم استصحاب الحدث عن العلم الوجداني بالحدث فكما أنه لو كان عالما بالحدث وأحتمل بعد الفراغ من العمل أنه توضأ قبل العمل تجري في حقه قاعدة الفراغ كذلك لو كان مستصحب الحدث بخلاف ما لو كان لم يحتمل الاتيان بوظيفة الشاك الذي هو الوضوء قبل الصلاة بعد استصحاب الحدث فعدم جريان قاعدة الفراغ لأجل استصحاب الحدث قبل العمل لأنها تكون حاكمة على الاستصحاب فيما لو كان الشك بعد العمل ودعوى أن هذا يجري فيما لو كان الاتيان بالوضوء محتملا ممنوعة اذ استصحاب الحدث انما يجري بعده وهي حاكمة عليه اذ المعتبر في الاستصحاب الشك الفعلي وهو انما يتحقق بعد الصلاة ولأجل لذلك قلنا أن الطاهر من الأخبار هو الشك غير المسبوق بشك آخر قبل الدخول في العمل فعدم جريان القاعدة مع سبق الشك والالتفات قبل العمل لأجل أنه لا موضوع لها لا أنه من جهة الاستصحاب السابق الجاري في ظرف العمل ولازم أنه لا فرق بين الصورتين في جريان القاعدة لاشتراكهما في سبق الشك هذا كله لو التفت الى كونه شاكا حين العمل.

وأما لو احتمل كونه شاكا في ظرف العمل الطاهر عدم جريانها لما قلنا بأن الظاهر هو اختصاص جريانها بما لم يكن شاكا حتى يحتاج ذلك إلى إحراز عدم كونه شاكا ودعوى أنه يمكن التمسك بجريانها بعموم كلما مضى من صلاتك وطهورك والتعليل يكون من قبيل التمسك بالعام في الشبهة المصداقية وهو ممنوع عندنا ودعوى جريان أصالة عدم حدوث الشك والالتفات قبل العمل إنما يجدى إذا كان الموضوع مركبا وإلا مع كونه بسيطا ولازما عقليا لعدم الشك والالتفات في ظرف العمل فلا ينفع في جريانه لكونه من الأصل المثبت كما لا يخفى.

الأمر السادس نسبة الاستصحاب إلى أصالة الصحة فنقول لا إشكال في تقديم أصالة الصحة على الاستصحاب مطلقا من غير فرق بين الاستصحاب الحكمي والموضوعي كما أنه لا فرق بين كون الصحة بمعنى التمامية أو ترتب الأثر إلا أنه يختلف وجه التقديم ففي بعضها بنحو الحكومة وفي بعضها بنحو التخصيص للزوم محذور اللغوية بيان ذلك أن هذه القاعدة بناء على كونها من الامارات فلا شبهة في تقديمها على الاستصحاب الموضوعي والحكمي بمناط الحكومة لكون مقتضى دليل كشفها ترفع الشك الموجود في الأصل إلا أن نقول بأن كشفها في خصوص مدلولها المطابقي على المختار أو قلنا بأن مفاد (لا ينقض) ناظر إلى جعل المماثل في استصحاب الأحكام وجعل الأثر ففي استصحاب عدم بلوغ العاقد حين العقد يترتب عليه فساد العقد وعدم ترتب النقل والانتقال ومع هذا التعارض لا مجال لتقديم القاعدة على الاستصحاب إلا بمناط التخصيص للزوم اللغوية إذ ما من مورد يشك في صحة معامله من جميع أقسام المعاملات إلا وهو مجرى الاستصحابات العدمية فلو كانت تلك الاستصحابات مقدمة على هذه القاعدة لا يبقى مورد أصلا أو كان مورده فى غاية القلة بنحو يكون

مثل هذا التشريع لغوا بل يوجب سقوط هذا الأصل في تلك الموارد.

وأما لو قلنا بأن مفاد (لا تنقض) كونها ناظرا إلى مجرد الأمر بالمعاملة مع المستصحب معاملة الواقع من حيث الجري العملي يكون تقديم القاعدة على الاستصحاب الموضوعي بمناط الحكومة إذ مقتضى دليلها تميم الكشف وهو يوجب إلغاء احتمال فساد المعاملة ومعه لا يجري استصحاب عدم البلوغ لخلوه عن الأثر هذا بناء على كونها أمارة.

وأما بناء على كونها أصلا (١) كما هو المختار وقلنا بأن الصحة

__________________

(١) وترتب عليه عدم ثبوت اللوازم العقلية للفعل الصحيح بأصالة الصحة بل تترتب على ذلك الفعل خصوص الآثار الشرعية وقد فرغ الشيخ الأنصاري (قده) ما لفظه أنه لو شك في أن الشراء الصادر عن الغير كان بما لا يملك كالخمر والخنزير أو بعين من أعيان ماله فلا يحكم بخروج تلك العين من تركته بل يحكم بصحة الشراء وعدم انتقال شيء من تركه الى البائع لاصالة عدمه. انتهى.

بيان ذلك بأن تردد الثمن بين لا يملك كالخمر والخنزير وبين عين ماله مع فرض صحة المعاملة لازم صحته عقلا أن يطبق الثمن المردود على ما هو مملوك حيث ان غير المملوك ينافي صحة المعاملة وبما أن ذلك من لوازم العقلية لصحة المعاملة فلذا لا ثبت بجريان اصالة الصحة بصحة المعاملة ومع غير ثبوته يجرى فيه أصالة عدم انتقال من شيء من تركه.

نعم أشار الفقيه الهمداني (قده) في حاشية على الرسائل بلزوم الاحتياط للعلم الاجمالي.

أما بعدم دخول المبيع في ملكه لو كان البائع حيا أو مورثهم

نفس ترتب الأثر كما هو المشهور فالظاهر حكومة الاستصحاب على القاعدة حيث أن الشك في بلوغ العاقد ومع استصحاب عدمه يرتفع ذلك الشك فيترتب عليه الحكم بالفساد وحينئذ لا يجري أصالة الصحة من غير فرق بين القول بأن المستفاد من دليل حرمة النقض بالأمر بالمعاملة من حيث الجرى العملي وإن كانت الحكومة أظهر.

وأما لو قلنا بأن الصحة هي التمامية فقد تتوهم الحكومة لتسبب الشك في تمامية العقد عن الشك في بلوغ العاقد فاصالة عدم البلوغ ينفي الشك في تمامية العقد.

__________________

لو كان ميتا فيما لو كان الثمن المسمى ما لا يملك.

وأما بخروج العين الشخصية أو مقدار ما يساوى المبيع من الشراء من ملكه أو من ملك مورثهم وقد اعترض المحقق النائيني (قده) على ما أفاده الشيخ الأنصاري (قده) من الجمع بين صحة الشراء وانتقال المبيع الى المشتري وبين عدم انتقال شيء من تركه الى البائع فان ذلك متنافيان حيث أن الثمن المردد بين ما لا يملك وبين عين من أعيان ماله ان كان في حاق الواقع هو ما لا يملك فلا يدخل المبيع في ملك المشتري للزوم انتقال المبيع بلا ثمن وذلك ينافي حقيقة البيع الذي هو مبادلة مال بمال فلا يكون صحيحا وإن كان هو ذلك المال الذي عينه وسماه وهذا ينافي مع الانتقال بشىء من تركته وحينئذ يعلم إجمالا بكذب أحد الأصلين.

أما أصالة الصحة أو أصالة عدم الانتقال وعليه يحكم ببطلان هذا الشراء للشك في قابليته للنقل والانتقال لقصور شمول دليل أصالة الصحة بترابط العوضين أو المتعاقدين لكون دليلها الاجماع وهو دليل لبى يؤخذ بالقدر المتيقن ولذلك مختص بشرائط العقد كما لا يخفى.

ولكن لا يخفى لا سببية ومسببة لأنهما وإن كانا متغايرين مفهوما إلا أنهما متحدان منشأ اذ تمامية العقد في مرحلة للسببية والمؤثرية وكذا تمامية المسبب في مرحلة القابلية للمتأثرية ليست إلا عين واجدية العقد والسبب للشرائط المعينة فيهما وإنما الفرق بالاجمال والتفصيل فعليه يجري استصحاب عدم البلوغ فيترتب الفساد كذلك تجري أصالة الصحة فيتعارضان إلا أن يقال بتقديم أصالة الصحة لمحذور اللغوية.

وبالجملة تتقدم أصالة الصحة على الأصول بعد اجتماع الشرائط (١)

__________________

(١) يعتبر في جريان أصالة الصحة إحراز صدور العمل بعنوانه الذي تعلق به الأمر أو أخذ موضوعا في ترتب الأثر فما لم يحرز ذلك لا يصح جريان أصالة الصحة كما لو استأجر أحدا لأن يصلي أو يحج عن الميت فأتى الأجير بصلاة أو حج لا يعلم أنه قصد به النيابة عن الميت أو أتى به عن نفسه لا يمكن الرجوع إلى أصالة الصحة والحكم باستحقاقه الأجرة وفراغ ذمة الميت ضرورة أن مجرد إتيانه بالصلاة أو الحج ولو بداعي الاتيان عن نفسه لا يقع نيابة عن الميت.

نعم لو أحرز عنوان النيابة وشك فى صحتها من جهة احتمال الاخلال بها جزءا أو شرطا يجري الأصل ويترتب عليه استحقاق الأجرة وفراغ ذمة الميت.

وادعى الشيخ الأنصاري (قده) باستحقاق الأجرة وعدم فراغ ذمة الميت بتقريب أن لفعل النائب حيثين.

أحدهما حيثية كونه من أفعال النائب ولذا يعتبر فيه ما يعتبر من أفعال نفسه كحرمة لبس الحرير للرجل ووجوب إجهاره فى القراءة له وعدم اعتبار ذلك إن كان المنوب امرأة ومن هذه الجهة تجري أصالة الصحة عند الشك في تحقق ما يعتبر في صحته جزءا أو شرطا ويترتب

عن إحراز عنوان المشكوك في صحته وفساده أما بالعلم الوجداني أو بما يقوم مقامه من الامارات المعتبرة أو الأصول العقلائية وإلّا فلا يكفي في جريان هذا الأصل ليحرز صدور ذات العمل مع الشك في عنوانه كما مثل العناوين القصد به كالوضوء والصلاة والزكاة والبيع ونحو ذلك فلا تجري اصالة الصحة فيما لو شك في قصد هذه العناوين إلّا باحراز عناوينها بصورتها من غير فرق بين العبادات والمعاملات ولذا لا يتوقف أحد ممن يشاهد من صلى على ميت وشك في صحتها من جهة احتمال قصد التعليم من جريان اصالة الصحة فيسقط عنه التكليف بالصلاة فكما لو رأى من يأتي بصورة عقد في صورة المعاملة من بيع ونحوه حيث أنه يحمل على الصحة بمعنى كونه صادرا عن قصد التسبب به الى

__________________

عليه جميع آثاره من استحقاق الأجرة وجواز استيجاره.

ثانيا بناء على اعتبار فراغ ذمة الأجير في صحة استيجاره نائيا.

ثانيهما حيثية كونه فعل المنوب عنه ومستندا إليه ولو بالتسبب ولذا يعتبر في المنوب عنه وجوب الاتيان بالصلاة قصر عند كون العائبة قصرا وإن كان النائب عند وجوب الاتيان بها حاضرا ومن هذه الجهة لا تجري أصالة الصحة حتى يحكم بفراغ ذمة الميت لعدم إحراز عنوان النيابة وصحة جريان الأصل من الحيثية الأولى لا يلازم صحة جريانه من الحيثية الثانية.

ولكن لا يخفى أنه لا معنى للتفكيك بين استحقاق الأجرة وفراغ ذمة الميت والحكم بترتب الأول دون الثاني ضرورة أن استحقاق الأجرة ليس من آثار تحقق الصلاة الصحيحة مثلا وإنما هو من آثار الصلاة الصحيحة المأتي بها نيابة عن الميت فكما أن فراغ الذمة لا يترتب ما لم يحرز عنوان النيابة كذلك استحقاق الأجرة فلا تغفل.

المعاملة ولذا يقدم قول من يدعي الصحة اذا تنازعا في صحة العقد وفساده لأجل التنازع في العقد وعدمه ومنشأ ذلك هى السيرة العرفية وبرهان احتلال النظام حيث أنهما يقضيان بالحمل على الصحيح (١) في جميع

__________________

(١) لا يخفى أن تدرك المختار لاصالة الصحة هو برهان احتلال النظام المستفاد من رواية حفص بقوله (ع) (ولو ذلك ما قام للمسلمين سوق) بل الاختلال اللازم من ترك العمل باصالة الصحة أزيد من الاختلال الحاصل من ترك العمل باليد لأهمية مواردها من موارد اليد لجريانها في جميع أبواب الفقه من العبادات والمعاملات في العقود والايقاعات ولذا نقول بجريانها في شرائط العقد وشرائط المتعاقدين وشرائط العوضين خلافا للاستاذ المحقق النائيني (قده) بقوله بأن المدرك للاصل هو الاجماع وهو دليل لبي فيؤخذ بالقدر المتيقن وهو خصوص شرائط العقد وعلى المختار من قيام اعتبار أصالة الصحة في مقابل أصالة الفساد في جميع ما شك في وجوده مما أعتبر في العقد أو العوض أو المتعاقدين إذا لم يكن من الشرائط العرفية للمتعاقدين والعوضين بأن يكون مما أعتبر عند العرف من مقومات المعاملة عرفا إلا مع وجود تلك الشرائط وبعبارة أخرى فى كل مورد في المعاملات تحقق موضوع أصالة الصحة الذى هو عبارة عن وجود ذلك العنوان الذي شك في صحته وفساده لاحتمال فقد شرط أو وجود مانع فى غير ما هو دخل في تحقق ذلك العنوان عند العرف وفي نظرهم تجري أصالة الصحة.

وأما مانع الشك في تحقق موضوعها فلا تجري قطعا كما هو شأن كل حكم بالنسبة إلى موضوعه إذا عرفت ذلك فاعلم أن ما شك في صحته وفساده تارة هو السبب إلى العقد وأخرى هو المسبب وهو نفس المعاملة الحاصلة من العقد كالبيع مثلا فان كان من العقد وأحتمل عدم الصحة من

ما يتصور فيه الصحة والفساد بعد إحراز مجراها عرفا ولازمه التفصيل في جريان هذا الأصل بحسب الموارد باجزائه تارة في خصوص السبب إذا كان الشك في الصحة مسببا عن الشك في بعض ما أعتبر فيه شرعا وأخرى في المسبب دون السبب إذا كان الشك في الصحة مسببا عن الشك فيما أعتبر فيه شرعا في قابلية المترتب على السبب وثالثة في

__________________

حيث الأجزاء والشرائط والموانع ويشك فى ترتب الأثر المقصود بنحو لو انضم إليه سائر الشرائط المعتبرة في المتعاقدين فلا إشكال في جريان اصالة الصحة في نفس العقد إذا لم يكن للشرط المحتمل للفقدان أو المانع المحتمل الوجود مما له دخل في تحقق عنوان العقد عرفا وحينئذ يترتب عليه الأثر المقصود وهو المعاملة بنحو لو انضم سائر ما أعتبر فيها من شرائط المتعاقدين كبلوغهما ورضائهما ومن شرائط العوضين لكونهما قابلين للنقل والانتقال أو لكونهما مملوكين بأن لا يكونا من قبيل الخمر والخنزير إذ جريان أصالة الصحة في العقد تكون كالصحة المحرزة بالوجدان ومن الواضح أن من آثارها الصحة المعاملة ما لم تنضم إليه جميع الشرائط المعتبرة في المتعاقدين والعوضين.

وأما إذا شك في صحته وفساده هو المسبب لأجل من فقد شرط أو وجود مانع للعقد أو المتعاقدين أو العوضين فتجرى اصالة الصحة في ذلك من غير فرق بين ما شك في محتمل الشرط أو وجود المانع من شرائط العقد أو شرائط العوضي أو المتعاقدين.

وبالجملة على المختار تجري أصالة الصحة في جميع ما شك في صحته وفساده بعد إحراز عناوين المعاملات مع عدم الشك فيما هو معتبر في عناوينها عرفا سواء كان من حيث السبب أي العقد أو من ناحية المسبب من غير فرق بين أبواب العقود أو الايقاعات كما لا يخفى.

كل من السبب والمسبب إذا كان الشك في الصحة وترتب الأثر ناشئا من الجهتين من غير فرق بين أن يكون الشرط المشكوك فيه مما محله العقد أو المتعاقدين أو العوضين أو نفس المسبب فان جميع هذه القيود راجعة أما إلى السبب أو المسبب لاستحالة تمامية السبب وقابلية المسبب مع عدم الأثر.

وبالجملة لا بد من جريان هذا الأصل من إحراز عنوانه عرفا في كونه هو السبب أو المسبب أو كليهما إذ مع عدم الاحراز لا مجال لجريان هذا الأصل ثم أنه يظهر من الشيخ (قده) الاشكال في جريان أصالة الصحة في بعض الفروع (١) منها الشك في صحة الوقف ولوقف

__________________

(١) أما الشك في الوقف يتم لو لم يصدر من الناظر.

وأما لو حصل من قبل الناظر فلا مانع من جريان أصالة الصحة حيث أن وجود المسوغ تحقق منع الوقف عرفا بل مما اعتبره الشارع في صحته ولكونه حاكمة على أصالة عدم وجود مسوغ يتم على ما اختاره المحقق النائيني من اختصاص جريانها بصورة الشك في العقد من وجود خلل فيه من فقد شرط من شرائط العقد أو وجود مانع من موانعه دون الشك من جهة عدم قابلية المتعاقدين أو من جهة الشك في عدم قلبية المال للنقل والانتقال كالوقف إلا مع طرو مسوغ وكان مشكوكا لكون مدركه هو الاجماع وهو دليل لبي يؤخذ بالقدر المتيقن وحيث بينا على كون المدرك غيره فلذا لا مانع في جريان اصالة الصحة في المقام.

وأما بيع الصرف فيمكن القول بجريان أصالة الصحة حيث أن القبض في المجلس في مسألة بيع الصرف ليس من مقومات المعاملة عرفا لكي يكون الشك مسوقا للشك في تحقق عنوان المعاملة اللهم إلا أن يقال بأن الموضوع مركبا من أمرين :

احدهما نفس وجوده والآخر القبض في المجلس فمع هذا

المتولي من جهة الشك في وجود المصحح له حيث أن بيع الوقف لو خلي وطبعه مبني على الفساد ومنها بيع الصرف للشك في صحته للشك في تحقق القبض في المجلس مع العلم بتحقق الايجاب والقبول ومنها الشك في صحة البيع من جهة الشك في اجازة المالك في البيع الفضولي ومنها الشك في صحة بيع الرهن فيشك أذن المرتهن ونشأ الاشكال هو أن المتيقن من مجرى أصالة الصحة في عناوين المسببات هو صور تردد حين وجود العقد بين

__________________

الفرض كيف تجري أصالة الصحة في نفس وجوده مع العلم بعدم تحقق خلل من فقد شرطه أو وجود مانعة ويكون جريانه من قبل تحصيل الحاصل على أنه لا تحرز الجزء الآخر كالقبض في المجلس وهكذا في بقية الفروع فان لو شك فى صدور الاجازة من الفضول والشك في صحة بيع الراهن مع الشك في اذن المرتهن فان جريان اصالة الصحة لا نحرز هذا المشكوك على أنه جريان أصالة الصحة فى هذه الفروع الثلاثة لا تثبت الا الصحة التأهلية بمعنى لو تعقب القبض في المجلس في بيع الصرف والاجازة في بيع الفضولي وبيع الراهن ومن الواضح أن هذه الصحة التأهلية موجودة وإنما الشك في وجود أمر آخر تكون الصحة فعلية وبجريانها لا تحرز ذلك.

وأما الفرع الأخير فيمكن أن يقال أن اصالة عدم تحقق الرجوع الى زمان تحقق البيع يجري بموجب تحقق موضوع الأثر شرعا الذي هو صدور البيع عن مالك الراهن واذن المرتهن فالبيع صدر وجدانا وعدم الرجوع الذي معناه بقاء الاذن بالاستصحاب لعدم الفرق بين بقاء الاذن أو استصحاب عدم الرجوع وبذلك يتحقق كل جزء في الموضوع ودعوى أن هذا الاستصحاب معارض باستصحاب عدم وقوع البيع الى زمان الرجوع ممنوعة لعدم جريانه لكونه من الأصول المثبتة فلا تغفل.

الصحة الفعلية والبطلان لا الصحة التأهلية كما لو شك في صحة البيع وفساده من جهة بلوغ العاقد أو مالية المعوض أو العوض أو من جهة ربوبية المعاملة أو غرريتها فان جميع هذه الصور مجرى لأصالة الصحة لدوران الشك من حين صدور العقد بين الصحة الفعلية والبطلان بخلاف تلك الفروع المذكورة فان الشك ليس دائر في ما ذكر وانما هو دائر بين الصحة الفعلية والتأهيلية بيان ذلك أنه على المشهور من أن القبض في الهبة والصرف والسلم وإجازة المالك بالنسبة الى البيع الفضولي ناقلا أو كاشفا لا يحتمل فيه الصحة والفساد من حين وجود العقد ليست إلّا عبارة عن تمامية العقد بما هو عقد من حيث اقتضائه للتأثير وهذا المعنى مما يقطع به ولو مع اليقين لعدم القبض في المجلس في بيع الصرف وعدم الاجازة من المرتهن لبيع الرهن والاجازة من المالك في بيع الفضولي إذ أن جريان اصالة الصحة في هذه الموارد من قبل تحصيل الحاصل ثم أنه لو علم بصدور البيع عن المالك الراهن وقد علم برجوع المرتهن عن اذنه ولكن شك فى التقدم منها فيشكل جريان اصالة الصحة لزوم جريانها إثبات اصالة الصحة التأهلية ومن الواضح أنها متحققة قطعا فلا حاجة لجريانها كما لا يخفى.

الأمر السابع في نسبة الاستصحاب إلى قاعدة اليد فنقول لا تخلو أما أن نكون اليد من الامارات أو من الأصول من غير اعتبار جهة كشف فيها فعلى الأول لا إشكال في حكومتها عليه بمناط تقدم الامارة على الاستصحاب وعلى الثاني.

أما أن تكون أصلا تعبديا في ظرف الشك وعدم اليقين بالواقع فيكون الاستصحاب حاكما عليها لكونه حينئذ ناظر إلى إبقاء اليقين تعبدا من غير فرق بين كونه ناظرا إلى بقاء اليقين أو إلى المتيقن.

وأما إن كانت أصلا بمعنى أنها حكم في ظرف الشك بلا ملاحظة إلى عدم اليقين بمعنى عدم أخذه في موضوعها وإن كان لا ينفك الشك عن عدم اليقين فتكون النسبة بينهما هو العموم من وجه فيتعارضان في مادة الاجتماع إلا أنه لا بد من تقديم اليد على الاستصحاب حذرا من لزوم اللغوية لانحصار موردها غاليا بموارد جريان الاستصحاب إذا عرفت ذلك فالمهم تشخيص كونها من الامارات أو من الأصول وذلك يظهر من دليل اعتبارها فنقول من الأدلة الدالة على اعتبارها بناء العقلاء في معاملاتهم على حجيتها والظاهر منهم أن اعتبارها عندهم ليس من باب التعبد وأنها أصل تعبدي بل مبني عملهم عليها لكون الغالب في مواردها كون صاحب اليد سلطة على المال على نحو الاستحقاق على ما تحت يده فان اليد المستقلة غير المالكة قليلة بالنسبة إلى مواردها ومن الأدلة الدالة على اعتبارها السيرة المعمولة عند العقلاء وهي كاشفة عن العمل بالواقع مع عدم الردع ومن الواضح أن هذا العمل فيه جهة كشف عن الواقع وليس ذلك من باب التعبد ومنها رواية حفص بن غياث وفيها ولو لم يجز هذا لما قام للمسلمين سوق ودلت على إمضاء الشارع لاعتبارها عند العرف لكونه مبنى عملهم في أمور تعم بنحو لو لا إمضاء عملهم لاختل نظامهم ولا يبقى لهم سوق وقد عرفت أن عملهم عليها من باب الامارة لا من باب التعبد ثم أنه ربما يقال بأنه يستفاد من الرواية تقديم الاستصحاب على اليد حيث أنها في مقام حجية اليد السابقة وجواز الشهادة على طبقها باستصحابها كما يظهر من قوله (ع) اذا رأيت شيئا فى يد رجل أيجوز لي أن أشهد له.

قال نعم فقال الرجل أشهد أنه في يده ولا أشهد أنه له فلعله لغيره فقال أبو عبد الله عليه‌السلام أفيحل الشراء منه.

قال نعم فقال (ع) لعله لغيره فمن أين جاز لك أن تشتريه ويصير ملكا لك (١) ثم تقول بعد ذلك هو لي وتحلف عليه ولا يجوز أن

__________________

(١) لا يخفى أن هذه الرواية صريحة في جواز الشهادة مستندا الى اليد بل تدل على جواز الحلف أيضا مستندا اليها بل يظهر منها استنكار على جواز الشهادة مستندا الى اليد وأنه يلزم منه عدم قيام سوق للمسلمين واختلال النظام على أن جواز الشهادة والحلف مستندا الى اليد لقيامها مقام العلم الذي أخذ في الموضوع على نحو الطريقية وعليه لا فرق بين اليد وسائر الامارات من هذه الجهة لا لما ذكره بعض السادة (قده) من الوجه من جواز الشهادة مستندة الى اليد حيث أن اليد منشأ انتزاع الملكية فاحساسها اختصاص للملكية بيان ذلك أن الملكية أمر ينتزعها العقلاء من الاستيلاء الخارجي لشخص على مال الشارع أمضى هذه الطريقة.

ومن الواضح أن معلومية الأمر الانتزاعي منشؤه فاذا كان منشأ انتزاعه من الأمور المحسوسة كما في أن الاستيلاء الخارجي الذى سبب الانتزاع للملكية التي هي اضافة خاصة بين المالك والمملوك أمر محسوس فاذا أدرك السبب حسا يجوز أن يشهد بالمسبب كما أنه في سائر الموارد اذا أدرك بالحس آثار العدالة أو الاجتهاد وهما من الحالات والملكات النفسانية يجوز أن يشهد بها بواسطة العلم بهذا الأثر المحسوس.

ولكن لا يخفى أن ما ذكره يتم لو كان نفس اليد سببا للملكية ولكن ليس كذلك وانما اليد سبب لاثبات الملكية فان قلنا بأنها امارة فيكشف ان اليد دالة على ان ما تحت يدها ملك لديها ثم ان اليد تقدم على الأصول لكونها أمارة وكل امارة يقدم على الأصل بالحكومة حيث أن الامارة ترفع الشك والأصل حكم في ظرف الشك فتقدم اليد على

تنسبه الى من صار ملكه من قبله اليك ثم قال أبو عبد الله (ع) لو لم يجز هذا لما قام للمسلمين سوق (١) فمن ذلك يظهر أن فرض الشهادة

__________________

الأصل.

وأما بالنسبة إلى سائر الامارات غير البينة والاقرار فتلحظ دليل اعتبارها عند العقلاء فان كانت مفيدة بعدمها على خلافها فتسقط عن الامارية عند وجود تلك الامارة الأخرى كما لو كان الشياع مثلا على وقفية دار أو دكان أو غيرها وذي اليد يدعي الملكية فان كانت امارية اليد مفيدة بعدم تحقق إمارة أخرى فتسقط امارية اليد.

وأما إذا لم تكن امارية اليد مفيدة بعدم امارة أخرى فيقع بينهما التعارض فيتساقطان لو لم يكن أحدهما أقوى في البين.

وأما بالنسبة إلى الاقرار فان أقر بأن ما تحت يدي ليس لي أو أقر بأنه لزيد مثلا فتسقط يده عن الاعتبار بالنسبة إلى ملكية نفسه.

وأما بالنسبة إلى البينة فلا إشكال فى تقديم البينة على اليد بل حجيته البينة في قبال ذي اليد خصوصا في باب الدعاوي من المسلمات عند جميع المسلمين لقوله (ص) إنما أقضي بينكم بالبينات والايمان.

(١) يشكل عليها بأن محط نظر السائل في سؤاله الى جواز الشهادة بالملكية لذي اليد بصرف كون شىء تحت يده وذلك غير إثبات الملكية لما تحت اليد لكي تكون حجة.

ولكن لا يخفى ما فيه فان حكمه (ع) بجواز الشهادة مستندا إلى اليد يدل بالالتزام على اثبات الملكية بها أيضا خصوصا بعد ما استند عليه‌السلام على صحة هذا الحكم وجواز الشهادة بجواز الشراء مما في يده على أن احتمال أن يكون جواز الشهادة بملكية ما في يده حكما تعبديا من دون ثبوتها عند الشاهد في غاية البعد كما أن دعوى أن

على ما في يده بأنه ملكه لكي يكون في يده سابقا مدعيا وهو لا يتحقق إلا بتحقق يد أخرى بالنسبة إلى يده لكي يصير منكرا والسابق مدعيا ويحكم عليه بالبينة لكونه مدعيا واستناد هذه البينة إلى يده بأن المال له إذ من المعلوم أنه لو كان المال باقيا بيده فعلا فلا يصير مدعيا

__________________

ظاهر هذه الرواية جواز الشهادة مستندا إلى اليد من دون حصول العلم للشاهد مع أن المسلم حصول العلم للشاهد بنحو يكون مأخوذا في موضوع جواز أو وجوب أداء الشهادة فكيف للشاهد في المقام يستند إلى الاصول والامارات فعليه ظاهر الرواية عدم العمل فتسقط عن الاعتبار ممنوعة بأن اليد لما كانت من الامارات كما يظهر من أدلتها ومن المعلوم قيام الامارات والأصول التنزيلية مقام القطع المأخوذ في أداء الشهادة جوازا أو وجوبا إنما هو قد أخذ القطع على نحو الطريقة لا على نحو الصفتية إذا لم يكن مورد أمن الموارد في الشرعيات قد أخذ القطع على الصفتية وكون بعض الموارد قد أخذ الاطمئنان موضوعا أو جزئه غير أخذ القطع في الموضوع على نحو الصفتية على أن جواز الشهادة لو لم نقل باستنادها إلى اليد وترتيب آثار الملكية على ما تحت اليد لاختل النظام وعليه كيف يمكن القول بأن هذه الرواية لم يعمل بها الاصحاب.

وبالجملة الاشكال ساقط من أصله فهذه الرواية دالة على اعتبار اليد وأنها بنحو الامارية على دلالتها على ذلك لأجل بناء العقلاء فان جميع الملل متفقون على ترتب آثار الملكية على ما في أيدي الناس ولا يفتشون عن أن هذا الذي بيده هل له أو لغيره أو مسروق أو مغصوب مع أن الشارع المقدس لم يردع عن هذه السيرة والبناء على إمضائها كما هو مفاد رواية حفص بن غياث (ولو لم يجز هذا لم يقم للمسلمين سوق وعليه أن اعتبار اليد في الجملة من المسلمات فلا تفعل.

فالرواية وإن تضمنت المناط في حجية اليد من كشفها عن الواقع إلا أنها دالة على تقديم الاستصحاب عليها.

ولكن لا يخفى أن التعليل في قوله (ع) (لما قام للمسلمين سوق ليس لبيان حجية الاستصحاب وإنما هو لبيان حجية اليد ويترتب على حجيتها استصحابها لاثبات الملكية الفعلية عند الأشهاد بدليل حجية الاستصحاب وليس هذا من تقديم الاستصحاب على اليد بل المقدم عليها والحاكم عليها هي البينة وإن كانت مستندة إلى اليد كما أن العادة في الحيض تقدم على الصفات وإن كانت حاصلة من نفس الصفات لذلك البينة تقدم على اليد فظهر من ذلك أن الرواية تدل على تقديم البينة على اليد وعليه لا حاجة إلى الاستدلال في تقديمها على اليد بأنها امارة رافعة للشك حكما حيث أن اليد حكم مجعولة في ظرف الشك من باب الغلبة وكون الشىء ملحقا بالأعم الأغلب فتكون الامارة حاكمة عليها ورافعة لموضوعها حكما وإن كان باقيا وجدانا كما استدل به الشيخ الأنصاري (قده) ضرورة عدم تماميته.

أما أولا فلان حجية اليد لما كانت من باب الغلبة فلا يخلو أما أن تكون من جهة أن حصول القطع من الغلبة بأن الفرد المشكوك من الأفراد الغالبة أو من جهة أن يحصل الظن الفعلي منها أو من جهة أنه يحصل منها الظن النوعى لا سبيل إلى الأول والثاني لبداهة استحالة اجتماع القطع أو الظن الفعلي على الخلاف مع الشك الفعلي وكذا لا سبيل إلى الثالث أيضا وذلك وإن لم يحصل ذلك المانع من اجتماع الظن النوعي مع الشك الفعلي لأن المراد من الفعلي النوعي هو عبارة عن أن يكون هناك مقتضى للظن وإن لم يحصل الظن بالفعل ولا مانع من اجتماع مقتضى الظن مع الشك الفعلي بل الظن الفعلي على خلافه

ولكن عدم الاستحالة في الاجتماع فيما إذا لم يكن الشك بنفسه مقتضيا لثبوت الحكم وملحوظا قيدا بأن يكون ثبوت الشك الفعلي مما له دخل في الحكم على نحو كان في ظرف حفظ الشك وإلا فلا يمكن الاجتماع بين مقتضى الظن مع اقتضائه للشك وبعبارة أخرى لو كان حجية اليد من جهة أنها مقتضية للظن فلا يجتمع مع اعتبار حفظ الشك في مورد فلو كانت لحفظ الشك في مورده دخل في حجيتها فيلزم أن يجتمع فيه مرتبتان للحجية.

أحدها مقتضى الظن والآخر الشك الفعلي واجتماعهما محال عقلي هذا فيما لا تكون اليد مجعولة في ظرف حفظ الشك بل الشك المأخوذ فيها كسائر موارد الامارات ابتدائي لا استمراري فتكون حالها حال سائر الامارات وفي مرتبتها فتصير النسبة حينئذ بينهما عموم من وجه.

وأما ثانيها لو سلم أن اليد قاعدة مقررة في ظرف حفظ الشك فلا وجه لتقديمها على الاستصحاب لكونها مثله وفي مرتبته فحينئذ تكون النسبة بينها وبينه عموم من وجه فظهر مما ذكرنا أن الجمع بين تقديم البينة على اليد لكون اليد قاعده مؤسسة في ظرف حفظ الشك وبين تقديم اليد على الاستصحاب بملاك تتميم الكشف كما هو يختاره (قده) غير مستقيم وقد عرفت أن الوجه في تقديم البينة على اليد هو المستفاد من رواية حفص بن غياث المتقدمة ومن مدرك حجية اليد هو بناء العقلاء فتعد من الامارات.

وعليه لا إشكال في أن اليد من الامارات العرفية العقلائية وتقديمها على الاستصحاب بنحو الحكومة وإنما الكلام في اعتبار اليد في الاملاك هل هو بنحو الاطلاق أو مع العلم بالعنوان من بدء حدوثها لكونها عارية أو أمانة أو مع عدم كونها قابلة للنقل والانتقال كالوقف مثلا أو أن

اعتبارها بخصوص بما إذا كانت من الأول مجهول العنوان بحيث يحتمل انتقال المال من بدء حدوثها بعنوان الغصب أو إجارة أو أمانة ثم انتقاله إليه بناقل شرعي وهكذا.

وأما لو وضع يده على مال لا يكون قابلا للنقل والانتقال كالوقف ثم يحتمل طرو المسوغ الشرعي.

الظاهر عدم حجية اليد في هذه الصورة للشك في شمول دليل اعتبارها إذ عمدة دليلها السيرة العقلائية وحيث أنها من الأدلة اللبية فيؤخذ بالقدر المتيقن وذلك في غير هذين الموردين.

وأما الأخبار فقد عرفت بأنها وردت في مقام تقرير سيرة العقلاء فلا تكون في مقام التأسيس لكي يؤخذ باطلاقها للمورد فليس المورد مشمولا لدليل اعتبارها حتى يكون جريان استصحاب عنوان اليد مانعا من حجيتها أو مع كونها مشمولة لدليل اعتبارها لكى تكون امارة ولا معنى لجريان الاستصحاب لما عرفت أن الامارة تقدم على الأصل ومما ذكرنا من عدم حجية اليد في هذه الصورة لذا تقيل السجلات وينتزع المال من ذي اليد المدعي للملكية إذا كان في يد الطرف الآخر ورقة الاستيجار المعتبرة المثبتة لكون اليد يد إجارة حيث أن بنائهم على قبول السجلات وانتزاع المال من صاحب اليد ليس من جهة تقديم الاستصحاب على اليد بل من جهة عدم كونها مشمولة لدليل الاعتبار على أنه يكفي استصحاب بقاء ملكية الغير للمال بلا حاجة الى استصحاب حال اليد ودعوى بعض الأعاظم (قده) حكومة استصحاب حال اليد من كونها عادية أو أمانة على نفس اليد بتقريب أن اليد وان كانت من الامارات التي مؤداها تتميم الكشف فتقدم على الاستصحاب إلّا أنه ان جرت اليد.

وأما لو لم تجر لكون موضوعها مجهول العنوان أي لا يعلم بأنها يد مالكة أو أمانة عند جريان استصحاب حال اليد برفع هذا الجهل تعبدا فلا يبقى موضوع لقاعدة اليد.

ولكن لا يخفى أن ما ذكره يتم لو قلنا بأن الجهل بالحالة السابقة مأخوذ في موضوع دليل اعتبار اليد وحجيتها لا أن الجهل في الحالة السابقة مورد للقاعدة كما هو كذلك وإلّا لزم أن تكون قاعدة اليد من الأصول العملية مع أنك قد عرفت أنها من الامارات.

نعم نقول بعدم حجية اليد في مثل هذه الصورة لا من جهة الاستصحاب وانما نقول بأن بناء العقلاء تدل على امارية اليد إلّا أنه لا تثبت الملكية شرعا إلّا بامضاء من الشارع لذلك البناء فاذا قال الشارع لا تنقض اليقين لكونها يد عادية أو يد أمانة مالكية أو شرعية بالشك في بقاء تلك الحالة السابقة وأبنى على بقاء تلك الحالة السابقة من كونها عادية او أمانة فيكون ذلك ردعا لتلك السيرة وذلك البناء فافهم وتأمل.

الثانية لا يعلم حال اليد حين حدوثها كالوقف مثلا حيث أنه يحتمل حدوثها لطرو مسوغ شرعي فالذي يظهر من السيد الطباطبائي (قده) في قضائه امارية اليد في الملكية وعدم انتزاع المال من صاحبها وتسليمها لأرباب الوقف وقد أورد عليه بعض الأعاظم (قده) بأن إمارة اليد إنما تتحقق فيما إذا كان ما تحت يده قابلا للنقل والانتقال إلى ذي اليد والوقف ليس كذلك حيث أن قابليته لذلك فيما إذا طرأ مسوغ من مسوغات البيع فحينئذ نحتاج إلى إحرازه لكي ينتهي الأمر إلى المرتبة الثانية أي إلى إمارة اليد للملكية وسره أن تلك الجهة إحرازها من قبيل الموضوع إلى الجهة الثانية ومع الشك في تحقق تلك الجهة أي القابلية للنقل والانتقال للشك في طرو المسوغ يجري اصالة طرو المسوغ

وبجريانه تسقط اليد عن الحجية لارتفاع موضوعها.

ولكن لا يخفى أن القابلية إن كانت واقعية فنفس الشك في القابلية يوجب سقوط اليد عن الحجية من غير حاجة إلى جريان الاستصحاب.

وأما أن تجري لحكومة اليد كما في فرض إناطة الحجية فيها عقلا بالشك في القابلية وحيث كان ذلك مورد الشك للامارة فتجري اليد فيرتفع الشك الذى ما هو مأخوذ في الاستصحاب.

وأما أن يجري الاستصحاب ويعارض اليد كما في فرض إناطة اليد في حجيتها شرعا بالشك في القابلية بناء على غير المختار من رجوع التنزيل في مفاد لا تنقض إلى المتيقن.

وأما بناء على ما هو المختار من رجوع التنزيل إلى نفس اليقين يجري الاستصحاب فبسقوط اليد عن الحجية بمناط الحكومة.

الصورة الثالثة ما اذا كانت اليد على ما تقبل النقل والانتقال بطبعه ويحتمل انتقال المال إلى صاحب اليد من بدء حدوثها فتارة يكون ذلك في مقابل ذي اليد ملكية المال ولم يكن اعتراف من ذي اليد على خلاف ما تقتضيه اليد مع عدم البينة على ملكيته ما في اليد للغير فلا اشكال في الحكم لمن في يده ويجب ترتب آثار الملكية لذي اليد من غير فرق بين أن يكون مسبوقا بيد أخرى أم لا ولا يجري استصحاب بقاء المال على ملك المالك الأول لحكومة اليد على الاستصحاب وأخرى يقر ذي اليد على ملكية اليد السابقة أو تقوم البينة على ملكيته سابقا فانه مع عدم مدعي للملكية الفعلية لا اشكال في تقديم ذي اليد الفعلية اذ ذلك لا يزيد على حصول العلم بذلك وثالثة تكون مقابل ذي اليد الفعلية من يدعي ملكية المال فان لم يثبت ما يدعيه ببينة فلا اشكال في استقرار المال في يده ولا ينتزع منه

وتسليمه للمدعي وان أثبت المدعي بالبينة أو اقرار ذي اليد بالملكية الفعلية فلا اشكال في انتزاعه منه وتسليمه الى المدعي.

وأما لو أثبت بعلم الحاكم محل اشكال منشؤه من جواز حكم الحاكم بعلمه وأما اذا كان الثابت هو الملكية السابقة قبل استيلاء ذي اليد على المال فتارة يكون ذلك بعلم الحاكم الشرعي فلا اشكال أنه لا ينتزع منه اذ لا أثر لعلم الحاكم بأن المال ملكا للمدعي قبل استيلاء ذي اليد مع احتمال أنه انتقل اليه بناقل شرعي واستصحاب بقاء المال على ملك المدعي لا يجري لكونه محكوما باليد التي هي امارة على الملكية الفعلية وأخرى بالبينة فالظاهر أنه لا ينتزع المال من ذي اليد اذ لا تزيد على علم الحاكم مع احتمال انتقال المال الى اليد بناقل شرعي ودعوى جريان الاستصحاب ممنوعة لما عرفت بأنه محكوم باليد لكونها أمارة وثالثة اقرار ذي اليد بملكية المدعي سابقا فمع عدم انضمامه الى اقراره دعوى انتقال المال اليه فالظاهر أنه لا ينتزع منه اذ مجرد اقراره بالملكية السابقة لا يكذب نفسه في دعواه الملكية الفعلية وبذلك لا تزول كاشفية يده على الملكية الفعلية مع احتمال الانتقال الى ذي اليد حين وضع اليد.

وأما لو انضم الى اقراره دعوى انتقال المال اليه من المدعي فهل تخرج اليد عن الامارية أم لا فعن المحقق الخراساني وجماعة أنها لا تخرج اليد عن الامارية فان مجرد عدم امارية اليد بالنسبة الى مصب الدعوى الثانية وهو الانتقال اليه بشراء ونحوه لا يوجب خروجها عن الامارية ورأسا لا يوجب سقوط أماريتها بالنسبة الى الملكية الفعلية فلا ينتزع المال منه.

وأما دعوى الانقلاب حيث أن يكون المدعي للملكية الفعلية مدعيا لكونه على خلاف الأصل لكون الأصل عدم الانتقال فهو وان

كان موجبا لاسقاط اليد عن الامارة العقلية وقد عرفت أنه محكوم لليد الفعلية ، وعليه انتزاعه منه يحتاج إلى دليل يقتضي اللغوية وسقوطها على الامارية.

ولكن لا يخفى أن تسليم الانقلاب كما هو المشهور لا يكون إلا بحجية أصالة عدم الانتقال ولولاه لما كان مجال لجعل مخالفه مدعيا ومن المعلوم لازم البناء على حجية الأصل المذكور في مقابل اليد هو سقوط أمارية اليد وبعبارة أخرى أمارية اليد هاهنا مع حجية استصحاب عدم الانتقال من المدعي الذي هو طرف لذي اليد مما لا يجتمعان (١) فبناء

__________________

(١) ولكن لا يخفى أن الغاية من ذلك أنه تقع المعارضة بين هذا الاستصحاب مع اليد في المقام وبناء على أن اليد تعد من الامارات تكون حاكمة على الاستصحاب لما عرفت منا سابقا حكومة الامارات على الأصول والذي ينبغي أن يقال فيما لو أقر بأنه كان له ولكن انتقل إليه بناقل شرعي تنقلب الدعوى ويصير ذو اليد مدعيا بعد أن كان منكرا والمدعي منكرا بعد أن كان مدعيا بواسطة هذا الاعتراف لمطابقته لأصالة عدم الانتقال وهذا من المسلم عند الأصحاب لا كلام فيه وإنما الكلام في أن المال يؤخذ منه ويعطى لمن كان مدعيا فصار منكرا بواسطة اقرار ذي اليد أو يبقى عند ذي اليد ، الظاهر الأخير. ودعوى سقوط امارية اليد بواسطة اعترافه بأن المال كان له ممنوعة ، فان اعترافه بأن المال كان له لا ينافي كون اليد أمارة على الملك الفعلي لما هو معلوم أن كل يد فعلية مسبوقة بأخرى فحال اعترافه كحال العلم بسبق اليد عليه أو تثبت بحكم الحاكم أو بالبينة فانه لا تنافي مع ملكيته الفعلية حيث أن بناء العقلاء على أمارية اليد على ملكية ما في اليد وقد أمضاه الشارع فيحكم بالملكية الفعلية لدى اليد وأجاب الأستاذ المحقق النائيني (قده) عن

على حجية هذا الاستصحاب لا يبقى مجال لامارة اليد لما ذكرنا أن

__________________

ذلك بأن انقلاب الدعوى من آثار نفس الاقرار وليس من آثار نفس الواقع كي لا يفرق بين العلم والبينة والاقرار فان أقر فيؤخذ باقراره ولو مع العلم بمخالفة الواقع.

ولكن لا يخفى أنه أولا عدم حجية الاقرار مع العلم التفصيلي بالمخالفة للواقع.

وثانيا معنى أخذه باقراره ترتيب آثار الملكية السابقة لا عدم أمارية اليد للملكية الفعلية والظاهر أنه بضم دعوى الانتقال إليه بناقل شرعي لا يوجب الانقلاب فان امارية اليد تحكم على أصالة عدم الانقلاب الذي يصير سببا للانقلاب ولا معنى لانحلاله الى دعويين لكي يكون أحدهما مدعيا والآخر منكرا فانه تكلف كل ذلك لرفعه أمارية اليد بمدلولها المطابقي بأنه لذي اليد وبمدلولها الالتزامي بأنه ليس لغيره فعلا واقراره بأنه كان لغيره وأنه انتقل إليه بناقل شرعي لا ينافي أماريتها لما في يده فعلا اذ لا ينافى أماريتها فعلا انه يملك ما تحت يده اذ الاقرار لا يزيد على العلم او البينة او حكم الحاكم بأنه للمدعي سابقا ولا يجرى استصحاب بقائه على ملكه لعدم جريانه لحكومة اليد التي هي من الامارات عليه كما هو واضح ، هذا كله اذا كانت اليد واحدة على العين.

واما إذا تعددت الأيادى فالمشهور بين الفقهاء تكون امارة على ملكية الكسر من ذلك المال الذي تحت ايديهم مثلا لو كان ذو اليد اثنين فكل يد امارة على النصف ولو كانوا ثلاثة يكون كل واحد منها امارة على الثلث وهكذا ، ويشكل عليه بأن مقتضى حجية اليد واماريتها اثبات ملكية تمام ما في يده وعليه يقع التعارض والتساقط والرجوع الى

مؤدى الاستصحاب اى التعبد بعدم الانتقال هو عدم ملكية ذي اليد.

وبالجملة مع حجية الاستصحاب لا يمكن ان تكون اليد في هذا المقام امارة.

الأمر الثامن : نسبة الاستصحاب إلى الأصول العملية.

أما بالنسبة إلى الأصول العقلية كالبراءة والاحتياط والتخيير فلا إشكال في تقديم الاستصحاب عليها بمناط الورود حيث ان موضوعها عدم البيان كما في البراءة ، وعدم المؤمن كما في مورد الاحتياط ، والتحير كما في مورد التخيير ، والاستصحاب بيان شرعي فيرفع موضوع البراءة كما انه مؤمن من العقوبة المحتملة من قبل الشارع فيرتفع حكم العقل بوجوب الاحتياط كما انه لا يبقى بجريانه موضوع التخير.

واما الأصول النقلية كحديث الرفع ودليل الحلية فتقديم الاستصحاب عليها بنحو الحكومة لا بمناط الورود بناء على ما هو المختار من المستفاد من دليل الاستصحاب اي لا تنقض اليقين بالشك أنه ناظر إلى إثبات اليقين بالواقع في ظرف الشك فبهذا الاعتبار يكون حاكما على الأصول

__________________

الأصول العملية ان لم تكن امارة في البين واجيب عنه بأن اليد لما كانت عبارة عن الاستيلاء الخارجي فلا بد ان تكون كل يد من الأيادي وان كانت على المجموع ولكن ليست مستقلة بل يد ناقصة والعقلاء عندهم حساب هذه اليد كاليد التامة المستقلة على الكسر المشاع كما يظهر من بناء العقلاء في مثل ذلك يرونهم شركاء اما شركة قهرية او اختيارية ويحكمون لكل واحد منهم بالكسر المشاع فكأنهم يرون ان كل يد منها يد تامة على الكسر المشاع فتكون كل يد منها امارة على ملكية الكسر المشاع ولذلك لو كانا اثنين وتصرف احدهما في النصف المشاع بالبيع. أو الهبة او غير ذلك لا يرونه متعديا ويقولون بأنه تصرف في ملكه فلا تغفل.

المغياة بالعلم والمعرفة حتى بالنسبة إلى قوله (ع) كل شىء مطلق حتى يرد فيه نهي فان الاستصحاب بدليل اعتباره يكون حاكما عليه ورافعا لموضوعه تعبدا بناء على كون المراد بالورود فيه هو وصول النهي والعلم به لا صرف ورود النهي الواقعي لكي يكون اجنبيا على ادلة البراءة.

واما بناء على غير المختار من رجوع النقض فيه إلى المتيقن فبناء على كون الغاية فيها هو العلم بمطلق الحكم اعم من الواقع والظاهر يكون تقديم الاستصحاب بمناط الورود لأن بجريان استصحاب الوجوب أو الحرمة يحصل لنا العلم الاجمالي بالحكم الظاهري فحينئذ يرتفع موضوع تلك الأصول.

واما بناء على ان الغاية فيها عبارة عن العلم بالحكم الواقعي يكون تقديم الاستصحاب بمناط التخصيص دون الورود والحكومة حيث ان جريان الاستصحاب لا يحصل منه العلم بالواقع لا وجدانا ولا تعبدا إذ غاية ما يستفاد من جريانه هو العلم الحقيقي بالحكم الظاهري وهو لم يجعل غاية للحكم الظاهري في تلك الأصول ، فعليه تقع المعارضة بين الأصول وبينه إذ مفاده هو التعبد ببقاء المتيقن من الوجوب او الحرمة في ظرف الشك بالواقع.

ومفاد ادلة تلك الأصول هو التعبد بحلية المشكوك فيه وحينئذ فلا بد من تقديم الاستصحاب على تلك الأصول بمناط التخصيص دون الحكومة وبتوضيح آخر ان نسبة الاستصحاب إلى الأصول العقلية بنحو الورود فلا شبهة في ورود الاستصحاب عليها.

فبالنسبة إلى البراءة العقلية فلأن العقل لا يحكم بها الا من جهة عدم الدليل على التكليف واقعا وظاهرا والاستصحاب دليل على التكليف ظاهرا فهو بيان ومعه لا تجري قاعدة قبح العقاب بلا بيان.

وأما الاحتياط فلان المأخوذ في مورده هو الشك في براءة الذمة بدون الاحتياط وبجريان الاستصحاب يرتفع ذلك الشك حكما فلا يبقى مورد له.

واما التخيير أعني حكم العقل بالتخيير بين الدليلين في مقام الدوران بين المحذورين فالمأخوذ في موضوعه التحير والتردد ومع جريان الاستصحاب لا يبقى حيرة وتردد اصلا فلا يبقى موضوع للتخيير.

واما بالنسبة إلى الأصول الشرعية فما كان منها لسان دليلها لسان حكم العقل كادلة البراءة الشرعية التي ساقها مساق حكم العقل من جهة عدم البيان فتكون واردا عليها ايضا.

وأما ما لم يكن كذلك نحو كل شيء مطلق ونظائره فان قلنا إن المراد بالنهي عن قوله حتى يرد فيه مما هو اعم من الواقعى والظاهري فيكون الاستصحاب واردا عليها لثبوت النهي الظاهري بالاستصحاب فيرتفع موضوع دليل البراءة. لا يقال تقديم الاستصحاب من باب الورود على الأصول إنما هو بعد الأخذ بدليله في مورد مع انه يمكن الأخذ بدليلها ويخصص بها دليل الاستصحاب من غير محذور. لانا نقول الأخذ بدليل الأصول وتخصيص دليل الاستصحاب بها يلزم منه أما تخصصه بلا مخصص واما بوجه دائر كلاهما محذور باطل بخلاف الأخذ بدليل الاستصحاب وتخصيص ادلة الأصول به فانه لا محذور فيه ، بيان ذلك ان تخصيص دليل الاستصحاب.

أما ان يكون بغير دليل البراءة فهو مستلزم للتخصيص بلا مخصص لعدم دليل بالفرض يوجب تخصيصه غير دليل البراءة.

واما ان يكون دليل البراءة فهو مستلزم للدور لأن جريان دليل البراءة في مورده موقوف على عدم جريان دليل الاستصحاب وإلا فيعتبر

الغاية المأخوذة في دليلها وهو النهي متحققة بقوله لا تنقض اليقين فلو كان عدم جريانه موقوفا على جريان دليل تخصيصه به كان دورا محالا. لا يقال بهذا لو تم لزم عدم جواز تخصيص كل عام بشىء من المخصصات وذلك بعين ما تقدم فيقال إن حجية ظهور أكرم العلماء متوقف على عدم قيام دليل خاص يخصصها وعدم قيام الخاص موقوف على حجيتها فيكون دورا لانا نقول بأن الفرق بين المقامين ظاهر لأن العام والخاص الظهور فيها تنجيزي إلا ان قيام الخاص مانع عن حجية ظهور العام وهذا بخلاف المقام فان انعقاد الظهور في لا تنقض اليقين بالشك تنجزي ولكنه في دليل البراءة تعليقي معلق على عدم قيام دليل الاستصحاب فدليل الاستصحاب مانع عن انعقاد الظهور في دليل البراءة فعموم دليلها موقوف على عدم دليله فلا يعقل تخصيص دليله بدليلها المتوقف على عدم دليله كما لا يخفى.

وان قلنا بأن المراد من الغاية في قوله حتى يرد فيه نهي هو العلم بالنهي الواقعي فاما ان نقول بأن الاستصحاب تنزيل الشك منزلة اليقين ويحصل به العلم تنزيلا فيكون حاكما على البراءة ، وإن قلنا بأنه تنزيل المشكوك منزلة المتيقن فلا يصير حينئذ حاكما فيخصص ادلة البراءة.

وكذا الكلام بالنسبة إلى ساير الأصول من الاحتياط والتخيير كما لا يخفى.

الأمر التاسع نسبة الاستصحاب إلى القرعة ، قيل بعدم المعارضة لكي يقع الكلام في تقديم احدهما على الآخر إذ المورد الذي تجري فيه القرعة لا يجري فيه الاستصحاب إلا انه يمنع ذلك لوجود موارد لها بيان ذلك يحتاج إلى تقديم مقدمة تشتمل على موارد جريانها فنقول إن المستفاد من ادلتها على اختلافها ففي بعضها (كل شيء مجهول فيه القرعة) وفي بعضها (القرعة لكل امر مشتبه) وفي ثالث (لكل امر

مشكل) والظاهر منها ومن غيرها انها تجري في الشبهات الموضوعية المقرونة بالعلم الاجمالي وعدم شمولها للشبهات الحكمية والشبهات البدوية لظهور ان عنوان المشتبه المأخوذ في موضوع القرعة هو كونه وصفا لذات الشىء المعنون المتردد بين شيئين او اشياء لا وصفا لحكمه وعنوانه ليكون من قبيل الوصف بحال المتعلق ، فعليه تكون الشبهات الحكمية من غير فرق بين المقرونة بالعلم الاجمالي او غير المقرونة به ليست من موارد القرعة لما هو معلوم ان الشبهة إنما تكون من الشبهة في حكم الشىء لا في ذات الشىء كما ان الشبهات الموضوعية غير المقرونة بالعلم الاجمالي المسماة بالشبهات البدوية خارجة عن موارد القرعة بداهة ان الشبهة فيها إنما تكون بانطباق عنوان ما هو موضوع الحكم كالخمر ونحوه في الموجود الخارجي لا في ما انطبق عنوان الموضوع فارغا عن الانطباق في الخارج لكون هذا او ذاك كالشبهات الموضوعية المقرونة بالعلم الاجمالي حيث ان فيها يكون كل من الخطاب وعنوان الموضوع وانطباقه في الخارج معلومة بالتفصيل ولكن الشك في ان المنطبق عليه عنوان المحرم اي الأمرين ومع خروج هذه الموارد عن القرعة تجري فيها الأصول ولا يحتاج إلى ملاحظة النسبة بين الأصول والقرعة.

واما بالنسبة إلى الشبهات الموضوعية المقرونة بالعلم الاجمالي فينبغي ملاحظة النسبة بين القرعة والاستصحاب لجريان كل منهما في تلك ولكن بالنسبة إلى الموضوع المشتبه وكان بين المتباينين وكان متعلقا لحق الله تعالى لا مجال لجريان القرعة وذلك لا لقصور في القرعة نفسها عن الجريان بل لوجود المانع وهو العلم الاجمالي بالتكليف الملزم بحكم العقل بلزوم الفراغ وذلك يقتضي الاحتياط في جميع المحتملات إلا إذا كان هناك موجب للانحلال او لجعل البدلية.

أما بالنسبة إلى الانحلال فمن جهة تأخرها عن العلم الاجمالي لا توجب انحلاله إذ لا تزيد القرعة عن العلم التفصيلي المتأخر بثبوت التكليف في بعض الأطراف على التعيين فكما أن العلم التفصيلي المتأخر لا يوجب الانحلال فبالطريق الأولى القرعة لا توجبه.

وأما جعل البدلية أيضا فالقرعة غير صالحة لذلك فاننا لو قلنا بأماريّتها فان ذلك غاية ما يقتضيه من دليلها هو التعبد بكون مؤداها هو الواقع.

وأما إثبات عدم كون المعلوم بالاجمال في المحتمل الآخر فلا يقتضيه إلا على فرض اقتضاء دليلها تتميم كشفها بجميع ما لها من المدلول المطابقي والالتزامي وذلك ممنوع جدا.

إذا عرفت ذلك فاعلم أن الكلام يقع في نسبتها مع الاستصحاب فنقول لا يخلو أن اعتبار القرعة أما على أنها امارة كما يفضي إليه بعض أخبار الباب والسيرة وارتكاز الأذهان وبناء العقلاء.

وأما على التعبد فعلى الأول فلا إشكال في تقدمها على الاستصحاب بما تقدم من تقديم كل امارة عليه من باب الحكومة وعلى الثاني يتعارضان لأنهما قاعدتان جعلتا في ظرف حفظ الشك وقد أخذ موضوعا فيهما إلا الاستصحاب يقدم عليها لاخصية أدلته عن أدلتها فتختص القرعة بموارد (١)

__________________

(١) لا يخفى أن العناوين العامة الواردة في أدلة القرعة خمسة عنوان المجهول وعنوان المشتبه وعنوان المشكل وعنوان الملتبس وعنوان المعضلات والأولان أي عنوان المجهول والمشتبه وأن كان لهما عموم بحسب المفهوم فيشمل الشبهة الحكمية والموضوعية من غير فرق بين البدوية والمقرونة بالعلم الاجمالي إلا أن التتبع والتأمل في أخبار الباب يظهر أن المراد من تلك العناوين هو المجهول والمشتبه في الشبهة الموضوعية

لم يجر فيها الاستصحاب والنسبة مع غيرها وإن كانت عموم من وجه إلا أن تطبيق الامام (ع) بما يختص بالشبهات الموضوعية كصحيح زرارة

__________________

المقرونة بالعلم الاجمالي فيما إذا كان من المشكلات والمعضلات التي لا طريق لها غير الاحتياط فيها ففي مثل هذا المورد شرع الشارع القرعة من غير فرق بين أن يكون المشتبه من حقوق الله تعالى أو من حقوق الناس ولا بين أن يكون له واقع معين في عالم الثبوت وتكون القرعة واسطة ودليل في عالم الاثبات أو لم يكن له واقع معين في عالم الثبوت والقرعة واسطة في عالم الثبوت كما في قوله إحدى زوجاتي طالق أو أحد عبيدي حر بناء على صحة مثل هذا الطلاق أو مثل هذا العتق.

وأما مثل الغنم الموطوءة المشتبه في قطيع من الغنم وأن مقتضى القاعدة الأولية وجوب الاحتياط عن جميع أفراد القطيع إلا أن الشارع لم يوجب الاحتياط لأنه تضييع للمال الكثير الذي لا يتحمل عادة مع عدم إمكان تعيين الموطوءة فيكون من المعضلات والمشكلات في الشبهة الموضوعية المقرونة بالعلم الاجمالي التي هي مورد لتشريع القرعة.

وأما تضمين الواطئ ليس إلا في خصوص الموطوء لا في سائر أفراد القطيع فالاحتياط يستلزم ضرر عظيم على صاحب القطيع ليخرج المورد عن موارد الاحتياط ويصير من المعضلات والمشكلات فيشرع فيه القرعة وبالجملة أن المستفاد من أدلة القرعة هو خصوص موارد الشبهة الموضوعية المقرونة بالعلم الاجمالي الذي لا يمكن فيه الاحتياط أو لا يجوز وان كان ممكنا أو لا يجب ولا يكون فيها امارة توجب انحلال العلم الاجمالي ومعه يخرج بالانحلال عن كون المورد من المعضلة فالمراد من الموضوع المشتبه هو الموضوع الذي ما نزل به لخصوص حكم لا في الكتاب ولا في

ومكاتبة القاساني صار موجبا لانقلاب النسبة إلى العموم المطلق ضرورة أنه لو عمل بقاعدة العامين من وجه وأخرج الشبهات الموضوعية عن مورد الأخبار فلا يبقى مورد للعمل بها والحق تقديم القرعة على الاستصحاب وذلك لأجل التخصيص لأن من قال بتقديم الاستصحاب عليها فلا بد أن يقول بتقديم سائر الأصول عليها وحينئذ فلا يبقى مورد لها إذ ما من مورد من مواردها إلا ويجري فيه أصل من الأصول من الاباحة والاحتياط والاستصحاب فيلزم لغويتها لا يقال بأن تقديمها على الأصول أيضا موجب للغوية الأصول بعين ما ذكر فانه يقال ليس كذلك لاختصاص القرعة بالشبهات الموضوعية المقرونة بالعلم الاجمالي فيجري الاصول في الشبهات الحكمية مطلقا وفي الشبهات الموضوعية غير المقرونة بالعلم الاجمالي وكونها بملاحظة كثرة التخصيص في أدلتها موهونا فلا يعمل بها إلا بعد انجبارها بعمل الاصحاب فيبقي للاصول موارد ولا يلزم اللغو كما هو واضح.

الأمر العاشر في بيان تعارض الاستصحابين ومجمل القول فيه أن الشك في أحدهما تارة يكون مسببا عن الشك في الآخر وأخرى لا يكون كذلك بل الشك فيهما ناشئ عن أمر ثالث.

أما الأول كما إذا أستصحب طهارة ماء غسل ثوبه النجس حيث يكون الشك في بقاء نجاسة الثوب بعد غسله مسببا عن طهارة الماء وحكم هذا القسم جريان الاستصحاب في طرف السبب ولا يجري في المسبب إلا مع عدم جريانه في السبب.

أما لعدم الحالة السابقة وأما لمعارضته مع أصل آخر لوجوه وقبل

__________________

السنة ولذا يخرج الموضوعات الحكمية والشبهات البدوية من القرعة لوجود حكمها في الكتاب والسنة. فافهم وتأمل.

بيان الوجوه فليعلم أنه لو لا جهة السببية بينهما لا مانع من جريان الأصلين فيهما لعدم المعارضة بينهما إذ لا منافاة بين استصحاب طهارة الماء ونجاسة الثوب لثبوت التفكيك في الأحكام الظاهرية ووقوعه كما اذا توضأ بمائع مردد بين الماء والبول فانهم حكموا باستصحاب الحدث وطهارة أعضاء الوضوء وبعد معرفة ذلك. فنقول الوجه الأول دلالة صحيحة زرارة الثانية إلى أن قال (قلت فان ظننت أنه أصابه ولم أتيقن ذلك فنظرت ولم أر شيئا فصليت فيه فرأيت فيه قال (ع) تغسله ولا تعيد الصلاة قلت لم ذلك قال (ع) لأنك كنت على يقين من طهارتك فشككت فليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشك أبدا) فقد استدل (ع) على عدم وجوب الاعادة بالاستصحاب الرافع لحكم الشك فيها الذي هو سبب للشك في وجوب الاعادة فدل على أن الاستصحاب في طرف السبب يغني عن إجرائه في المسبب ودلالة هذه الرواية وإن كانت لا تخلو عن المناقشات المتقدم ذكرها في محلها إلا أنها لا يضر بما نحن بصدده من دلالتها على ما ذكرناه في المقام ظاهرة الوجه الثاني من الوجوه لتقديم الاستصحاب السببي على المسببي بالحكومة كما هو مختار الشيخ الأنصاري (قده) بتقريب أن عموم قوله (لا تنقض اليقين بالشك) بعد شموله للشك السببي فلا يشمل الشك المسببي لأن معنى البقاء على ما كان على طبق الحالة السابقة وعدم نقضه بالشك في السبب هو ترتيب جميع الآثار الشرعية المترتبة عليه التي منها طهارة الثوب المغسول به فنقض اليقين بنجاسة الثوب ليس من باب نقض اليقين بالشك بل نقض اليقين بدليل معتبر وهو استصحاب طهارة الماء ولا يمكن عكس ذلك بأن يجعل جريان الأصل في المسبب مانعا عن جريانه في السبب إذ الأصل لا يثبت إلا اللوازم الشرعية الثابتة للمستصحب وطهارة الماء ونجاسته ملزوم النجاسة الثوب وطهارته

والأصل لا يثبت الملزومات فاجراء الأصل في المسبب وطرحه في السبب موجب لطرح الأصل في السبب ونقض الحالة السابقة فيه بالشك من غير دليل.

الوجه الثالث تقديم الاستصحاب في السبب على المسبب بنحو الورود كما ذهب إليه الأستاذ في الكفاية وحاصله أن قوله (لا تنقض اليقين بالشك) دال على العمل باليقين السابق أعم مما كان يقينا بالواقع أو الظاهر فمع جريان الأصل في السبب يحصل له العلم بالطهارة الظاهرية في المسبب فيكون نقضا لليقين بنجاسة المسبب وليس بالشك بل باليقين بالطهارة الظاهرية وذلك اليقين بالطهارة لم يحصل من جريان الأصل في المسبب بل من جهة جريانه في السبب ولا يمكن العكس بأن يجري في المسبب ويخصص به الأصل في السبب ضرورة لزوم أحد المحذورين أعني تخصيص من غير مخصص أو التخصيص بوجه دائر وكلاهما محال.

ولكن لا يخفى أما على نحو الحكومة (١) فلا يخلو عن المنع إذ

__________________

(١) ربما يقال إن الحكومة أي حكومة الأصل الجاري في السبب حاكم على الأصل الجاري في المسبب إنما يتم فيما إذا كان الأصلان من سنخ واحد أو كان الأصل الجاري في السبب من الأصول المحرزة والأصل الجاري في المسبب من الأصول غير المحرزة.

وأما إذا كان الأصل الجاري في السبب من الأصول غير المحرزة والأصل في المسبب من المحرزة فانه يشكل حديث الحكومة حيث أن موضوع أصل المسببي هو الشك في الحكم الواقعي وجريان الأصل لو كان من الأصول غير المحرزة لا يوجب ارتفاع الشك إذ مفاده هو تطبيق العمل على مؤدى الأصل من دون نظر إلى الواقع.

ولكن لا يخفى أن الأصل غير المحرز كأصالة الطهارة مثلا

المراد من الدليل الذي يكون ناقضا لليقين السابق في طرف المسبب.

إما ان يكون ناقضا لكونه رافعا للشك في المسبب فهو غير معقول الا

__________________

وإن لم يكن له نظر إلى الواقع إلّا أن دليله بنظر العرف ناظر الى الأدلة المثبتة لاحكام الطهارة الواقعية وأن تلك الأحكام تترتب على المشكوك فيه في مرحلة الظاهر بمعنى أن الماء المشكوك في طهارته يجوز غسل الثوب المتنجس وأنه يحكم بطهارته بعد غسله فيكون هذا الدليل بمدلوله اللفظي ناظرا الى إلغاء الاستصحاب ونحوه من الأصول الجارية في المسبب فظهر مما ذكرنا عدم الفرق في حكومة أصل السببي على الأصل المسببي بين أن يكون الأصلان متحدي الجنس كما في المقام من أن كلا من الأصلين هو الاستصحاب ودليل كليهما قوله (ع) (لا تنقض اليقين بالشك) أو يكونا مختلفي الجنس كأن يكون أحدهما أصلا تنزيلا والآخر غير تنزيلي أيضا يكون الأصل الجاري في السبب حاكما على الأصل الجاري في المسبب كما لو غسل الثوب النجس بماء مشكوك الطهارة الذي ليس له حالة سابقة من الطهارة أو النجاسة وأصالة الطهارة في الماء الذي هو أصل غير تنزيلي حاكم على استصحاب نجاسة الثوب الذي هو أصل تنزيلي لما عرفت منا سابقا بان مفاد أحد الدليلين لو كان رافعا أو موسعا الموضوع الآخر في مقام التعبد والتشريع فهو يدخل تحت الحكومة من غير فرق بين كون الدليلين لفظيين أو غير لفظيين أو مختلفين.

وبالجملة دائما يكون الاصل السببي الذى تكون السببية فيه شرعية حاكما على الأصل المسببي ورافعا لموضوعه عند التعارض ولكن الأستاذ المحقق النائيني (قده) اشترط في حكومة السببي على الأصل المسببي بأمرين.

من القول بالتعميم وارادة الأعم من الواقعي والظاهري وهو خلاف مختارة مع أنه موجب للورود لا الحكومة وان كان ناقض حكما في

__________________

أحدهما أن تكون السببية شرعية لا عقلية.

وثانيتهما أن يكون الأصل في جانب السبب رافعا لموضوع المسبب وإلا فلا حكومة كما ينبغي ومثل لذلك أي لعدم كونه رافعا الشك في مأكول اللحم والشك في جواز الصلاة فيه حيث أن الشك الثانى مسبب شرعا عن الشك الأول وأصالة الحل في الشك الأول لا يرفع الشك الثاني الذي هو موضوع عدم جواز الصلاة لما هو معلوم أن جواز الصلاة موضوعه العناوين المحللة كالغنم ونحوه مما هو مأكول اللحم.

ولكن لا يخفى أن ما ذكره الأستاذ المحقق (قده) محل نظر فان الشك في جواز الصلاة إن كان مسببا من الشك في الحلية فلا بد ان يرتفع بأصالة الحل وإن كان الشك في جواز الصلاة مسبب عن الشك في أنه من العناوين المحللة فليس مسببا عن الحلية حتى يلزم منه رفع الموضوع في جانب المسبب.

وبالجملة أنه من الواضح أن الشك في الأصل المسببي لما كان معلولا للشك السببي شرعا ومن آثاره ومع ذلك لا يرتفع بارتفاعه وذلك ينافي كونه معلولا إذ مقتضى ذلك ارتفاعه.

نعم يبقى في المقام إشكالان ، الأول أن حكومة استصحاب السبى على المسببي إنما يتصور فيما إذا كان لكل منهما دليل مستقل لكي يكون أحد الدليلين حاكما على الآخر مع أنه في المقام دليل واحد متكفل للاستصحابين وهو قوله لا تنقض اليقين بالشك فعليه كيف يمكن أن يكون بالنسبة إلى الأصل السببي حاكما وبالنسبة إلى الأصل المسببى محكوما وهذا أمر غير معقول لحكومة الشىء على نفسه.

ظرف بقاء الشك في المسبب فلا يخلو إما أن يكون دليل الاستصحاب ناظرا إلى جعل المشكوك منزلة المتيقن من غير نظر إلى تنزيل الشك

__________________

ولكن لا يخفى أن العموم المستفاد من لا تنقض اليقين بالشك انحلالي باعتبار انطباقه على قضايا متعددة فحينئذ باعتبار انطباقه على الأصل السببي يكون حاكما وبانطباقه على الأصل المسبب يكون محكوما الثاني أن دليل لا تنقض اليقين بالشك بالنسبة إلى الأصلين السبي والمسبي شموله لهما على حد سواء فعليه لا وجه لتقديم الاستصحاب السببي على المسببي لكي لا يبقى موضوع للمسببي بل يمكن أن يقال بارتفاع موضوع الاستصحاب في الشك السببي لو أجرى الاستصحاب أولا في الشك المسببي بناء على حجية الأصل المثبت.

ولكن لا يخفى أنا لا نقول بحجية اثبات الاصول فتقديم الاستصحاب في جانب المسبب لا يرفع الاستصحاب في جانب السبب بخلاف العكس اذ الاصل الجاري في السبب واقع لموضوع الاصل الجاري في المسبب بمدلوله المطابقي فلا دخل له بالاصل المثبت وقد اعتذر المحقق الاستاذ النائيني (قده) ممن ذلك بأن حكومة الأصل السبي على المسببي ولو قلنا بحجية الاصل المثبت حيث أنه يتم لو قلنا بتحقق موضوع الاصل المسببي عند جريان الأصل السببي ولكن عند جريانه لا يبقى موضوع للاصل المسببي فلا يثبت لوازمه العقلية لعدم تحقق موضوعه وذلك مثل أصالة الظهور بالنسبة إلى القرينة فان تقديم القرينة على أصالة الظهور لا يبقي موضوعا للظهور

ولكن لا يخفى أنه فرق بين المقام وتقديم القرينة على أصالة الظهور فان تقديم القرينة يوجب عدم انعقاد الظهور ومعدمة له وفي المقام بناء على القول بالأصل المثبت بتحقق الحكومة من الطرفين وكيف كان أن تقديم استصحاب السببي على المسببي بناء على عدم حجية الأصل

منزلة العلم فيكون في ظرف المسبب باقيا بحاله غير مرتفع لا وجدانا ولا حكما فلا يكون الأصل فى السبب حاكما أيضا سواء كان الأصل بلسان جعل المماثل أو بلسان وجوب التعبد.

وأما لا يكون ناظرا إلى جعل الشك منزلة اليقين بمعنى وجوب التعبد باليقين ووجوب ترتيب آثار اليقين السابق في حال الشك ومن آثاره وجوب التعبد بطهارة الثوب المغسول به وليس اليقين بطهارته من آثاره الشرعية المترتبة على اليقين بطهارة الماء حتى يثبت بوجوب

__________________

المثبت مما لا اشكال فيه ويكون المقام من قبيل القرينة المنفصلة فان تقديم القرينة المنفصلة على ذي القرينة ليس رافعا للظهور حيث أنه بانفصال القرينة يوجب انعقاد الظهور وتقديمها من باب تقديم أقوى الظهورين في تشخيص المراد ، هذا وقد يتوهم جريان أصالة الحل في الحيوان الذي شك في حليته من الأصول الحاكمة على أصالة عدم جواز الصلاة في الثوب المتخذ من صوفه لأن الشك في جواز الصلاة فيه مسبب عن الشك في حلية الحيوان فاذا حكم بحليته بمقتضى أصالة الحل لا تفيد إلا الحلية للحيوان وهي لا تصحح جواز الصلاة في الثوب المتخذ من صوف ذلك الحيوان إذ المصحح هي الحلية الطبيعية بأن يكون الحيوان حلالا بطبعه مع قطع النظر عن حليته من جهة الاضطرار ونحوه ومن المعلوم أن أصالة الحل لا تفيد الحلية الطبيعية وإنما تفيد الحلية الظاهرية الفعلية.

نعم لو شك في طرو الجلل أو وطأ الانسان لحيوان حلال وقلنا أن جلل الحيوان ووطأه مما يوجب عدم جواز الصلاة في الثوب المتخذ منه لجريان أصالة عدم الجلل أو الوطء فجريانه يرتفع الشك في جواز الصلاة في الثوب المتخذ منه كما لا يخفى فلا تغفل.

التعبد اليقين بطهارة الماء فلا يحصل في طرف المسبب يقين ولا تنزيل حكمي.

وأما على تقرير الحكومة كما هو ما ذهب إليه الأستاذ المحقق الخراساني (قده) بتقريب أن الاستصحاب الجاري في السبب في المثال هو الحكم بطهارته وذلك يوجب اليقين بطهارة الثوب المغسول به لكونه من آثاره فيوجب خروج المسبب حقيقة من أفراد عموم حرمة نقض اليقين بالشك حيث أنه رفع اليد عن بقاء نجاسة الثوب المغسول به من باب كونه نقض اليقين باليقين لا من نقض اليقين بالشك بخلاف الاستصحاب في المسبب الذي هو نجاسة الثوب فانه يوجب التخصيص لدليل الاستصحاب إلا أنك قد عرفت انصراف اليقين إلى اليقين المتعلق بما تعلق به الشك وهو اليقين بحكم الشيء بعنوانه الأولى فلا مجال لدعوى الورود لما عرفت من أن مفاد الاستصحاب يكون عبارة عن حرمة بعض المتيقن بلحاظ أثره مع أنه لم يتحقق من قبل الاستصحاب طهارة الماء واقعا وإنما الذي تحقق من قبله العلم بطهارة الثوب المغسول به بعنوان نقض اليقين بالشك بلحاظ عدم الحكم بطهارة نقض يقين بطهارة الماء بالشك به فعليه لم يكن اليقين بطهارة الثوب لهذا العنوان مشمولا لليقين الناقض لاخبار الباب.

وبالجملة تقديمه على تقرير الورود إنما يتم بناء على أن المراد من اليقين هو الاعم من الواقعي والظاهري وقد عرفت عدم صحة هذا المبنى بدعوى الصرافة إلى الحكم الواقعي وعليه لا حكومة ولا ورود إلا على ما هو التحقيق فى تقريب الحكومة أن قوام الحكومة انما يكون بأحد الاصلين أو الدليلين انما يكون بمدلوله ناظرا إلى مفاد الآخر ومدلوله وذلك يتحقق برجوع مفاده إلى التصرف في عقد وضع الآخر بتوسعته

أو بتضيقه كذلك يحصل بالتصرف في عقد حمل الأخر كأدلة نفي الضرر والخرج بالنسبة إلى الأحكام الأولية حيث أن حكومتها على أدلة الأحكام الأولية إنما هو بالتصرف في عقد حملها ببيان ما هو المراد منه ومن هذا القبيل حكومة الأصل السببي على المسببي حيث أن الأصل السببي متكفل لاثبات الطهارة للماء المشكوك طهارته وناظر إلى إثبات آثار طهارته وبذلك يكون ناظرا إلى مؤدى الأصل المسببي من نفي ترتيب آثار طهارة الماء وبهذا يكفي في حكومة الأصل السببي على المسببي بلا احتياج في في وجه تقديمه لكونه ناظرا إلى نفي الشك عن المسبب في استصحاب المسببي ودعوى أن النظر متحقق في كل من الاستصحابين في غير محله فان نظر كل يختلف عن الآخر فان نظر الأصل السببي الى نفي الاصل المسببى من جهة نظره إليه ومن طرف الاصل المسببي ناظر إلى أثره من باب التخصيص لا من باب الحكومة ومن الواضح أن الدوران بين الحكومة والتخصيص تكون الحكومة مقدمة على التخصيص كما لا يخفى.

هذا كله فيما إذا كان الشك في أحد الاستصحابين مسببا عن الآخر.

وأما الكلام فيما لم يكن كذلك بل كان كل من الاستصحابين مسببا عن أمر ثالث وهو العلم الاجمالي فتارة يكون مستلزما للمخالفة العملية للتكليف المعلوم وأخرى لا يكون مستلزما لها بل يكون موجبا للمخالفة الالزامية. أما الاول كما لو علم بنجاسة أحد الطاهرين فانه على ما هو المختار من علية العلم الاجمالي بالنسبة الى الموافقة القطعية عدم جريان الأصل في أحد أطراف العلم الاجمالي ولو مع خلوة عن وجود المعارض وقد عرفت مما سبق أن منشأه تنجيز الحكم الواقعي الموجب لفراغ الذمة فان شغل الذمة اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني ولازم ذلك إباء العقل عن مجيء

الترخيص في أحد الاطراف فانه يوجب الترخيص في محتمل المعصية حيث انه بعد تنجز هذا الاحتمال ويكون كالترخيص في مقطوع المعصية ولذا نقول لا يجري الاصل في أطراف العلم الاجمالي مع عدم المعارضة كما لو علم بنجاسة أحد الإناءين مع كون الحالة السابقة هو النجاسة في أحدهما والطهارة في الآخر فانه يقع التعارض بين استصحاب النجاسة مع قاعدة الطهارة فيتساقطان وتبقى قاعدة الطهارة في طرف الاصل الجاري فيها استصحاب النجاسة بلا معارض وذلك لما عرفت من علية العلم الاجمالي ومعه لا يجري الاصل ولو مع عدم المعارض.

وأما لو قلنا بكون العلم الاجمالي مقتضي بالنسبة إلى الموافقة القطعية فلا إشكال من عدم جواز كلا الاصلين المشتملين على الترخيص لما يلزم من الوقوع في محذور المخالفة القطعية للتكليف المعلوم بالاجمال إلّا أنه وقع الكلام في جواز جريان أحد الأصلين ليثبت التخيير أم لا يجوز.

قال (١) الشيخ الانصاري (قده) وتبعه بعض الاعاظم (قده) بدعوى

__________________

(١) والظاهر من كلام الشيخ الانصاري (قده) والاستاذ المحقق النائيني (قده) هو التفكيك بين حرمة المخالفة القطعية ووجوب الموافقة القطعية ففي الاول عليه العلم الاجمالي وليس قابلا للترخيص وفي الثاني أن العلم الاجمالي مقتضى قابلا للترخيص في بعض الاطراف ولكن الحق أن العلم الاجمالي علة بحرمة المخالفة القطعية كما أنه علة لوجوب الموافقة القطعية إلا أن عليته لوجوب الموافقة مثل حرمة المخالفة في عدم جريان الأصول النافية في بعض أطرافه مع جعل البدل له في مقام الامتثال إذ من الممكن أن يجعل الشارع بدلا عن الاجتناب كما هو المعلوم بالاجمال

عدم جوازه والقول بتساقط الأصول الجارية في أطراف العلم الاجمالي ولا دليل على جريان أحد الأصلين ليثبت بجريانه التخيير.

__________________

بل هو واقع مثل ذلك كقاعدتى الفراغ والتجاوز فظهر ومما ذكرنا كونه علة تامة لوجوب الموافقة هو عدم جريان الأصل النافي في بعض أطرافه ولو مع عدم المعارض فيما لم يجعل بعض الأطراف بدلا عن التكليف المعلوم لعدم جريان الأصول النافية في أطرافه ليس للتساقط للمعارضة بل بواسطة تنجز المعلوم بالاجمالي وأن الترخيص في بعض الأطراف ترخيص في محتمل المعصية وذلك مناط عليته ولذلك لا تجري أصالة الطهارة فيما لو علم بنجاسة أحد الإناءين الذي كان أحدهما متيقن الطهارة قبل العلم بنجاسة أحدهما مع الشك في طهارة الآخر ففى المتيقن يجري فيه استصحاب الطهارة فتقع المعارضة بين استصحاب الطهارة مع أصالة الطهارة في الطرف الآخر فتتساقط الأصلان فينتهي الأمر إلى أصالة الطهارة المحكوم باستصحابها فيما تيقن طهارته قبل العلم بنجاسة أحدهما ومع ذلك لا يجري الأصل ولو بلا معارض لما عرفت من أنه لا يجري في أطراف العلم الاجمالي إلا بجعل البدل.

وقد أجاب المحقق النائيني (قده) عن ذلك أن المعارضة وقعت بين الأصلين مع الأصل الجاري في الطرف حيث أن مفاد الاصلين ولو كان أحدهما الحاكم والآخر هو المحكوم مفاد واحد إذ لا يعقل أن يكون مفاد الاصلين حكمان ظاهريان أحدهما مفاد الحاكم والآخر مفاد المحكوم ففى المثال ليس في طرف مستصحب الطهارة طهارتان ظاهرتان أحدهما مفاد الاستصحاب والاخرى مفاد قاعدة الطهارة لما هو معلوم أنه لا يعقل اجتماع طهارتين في موضوع واحد.

ولكن لا يخفى أن ما ذكره مخالف لما هو مقرر من القواعد في

ولكن لا يخفى من القول به على مسلك الاقتضاء إذ لا مانع من جريان أحد الأصلين لا من جهة بقاء أحدهما المخير مندرج تحت عموم دليل الترخيص لكي يدفع بأن أحدهما المخير ليس من أفراد العام بل من جهة تقييد اطلاق دليل الترخيص الجاري في كل طرف اذ منجز به العلم الاجمالي مانعا من اطلاق الترخيص ولكن الاطلاق مع التقيد يرتفع المحذور المذكور من غير فرق بين الاصول التنزيلية وغيرها وبهذا التقيد ترتفع المعارضة بينهما لبقاء كل من الطرفين تحت عموم دليل الترخيص إلّا أنه يقيد اطلاق كل منهما بعدم ارتكاب الآخر من غير احتياج الى ارتكاب التخصيص باخراج كلا الفردين عن عموم أدلة الترخيص ولو بضميمة بطلان الترجيح بلا مرجح (+) هذا على القول باقتضاء العلم الاجمالي بالنسبة الى الموافقة القطعية وعليته بالنسبة الى المخالفة القطعية.

__________________

محله فاتضح مما ذكرنا أن أصل النافي لا يجري في أطراف العلم الاجمالي إلا بجعل الاجتناب عن أحد الاطراف بدلا عن الاجتناب كما هو المعلوم بالاجمال ولا يتوهم بأن جريان الاصل النافي في طرف إذا كان بلا معارض يستلزم جعل البدل كما يظهر من المحقق النائيني (قده) إذ ذلك ممنوع إذ جريانه إنما يتحقق بعد تحقق جعل البدل في الرتبة السابقة على جريانه لا أن يكون الجريان سببا لحصوله اللهم إلا أن يقال بجريانه يستكشف جعله في المرتبة السابقة كما يفرض قيام الامارة على الترخيص في طرف بدلية الطرف الآخر لما هو معلوم أن مثبت الامارة حجة وإلا نفس جريان الاستصحاب لا معنى لجعل الطرف بدلا الا على القول بالاصل المثبت كما لا يخفى.

وأما لو قلنا بالاقتضاء في المخالفة القطعية أيضا فالقول بالتخيير (١) إذ لا مانع من أن مرجع الاقتضاء حينئذ إلى تعليق حكم العقل في عدم

__________________

(١) وأورد المحقق النائيني (قده) على التخيير ، بأن التخيير أما أن يكون من ناحية الدليل فيكون تخييرا ظاهريا.

وأما من ناحية المدلول فيكون تخييرا واقعيا الأول كما إذا ورد مطلق شمولي وعلمنا بخروج فردين كزيد وعمر إلا أنا شككنا في خروجهما عن تحت العام هل كان مطلقا بمعنى خروج كل واحد منهما عن تحت عموم أكرم العلماء مثلا سواء كان الأخير داخلا أو كان خارجا لكي يكون التخصيص افراديا أو يكون خروج كل واحد مقيدا بدخول الآخر تحت العام لا مطلقا ففي مثل ذلك لازم أن نقول بكون التقيد أحواليا إذ التخصيص الافرادى يستلزم خروج كل واحد منهما من الحالتين بخلاف الأحوالي فانه تخصيص في حالة واحد أي خروج كل واحد منهما في حال دخول الآخر فقط فيكون ذلك من قبيل دوران الأمر بين تخصيص واحد وبين تخصيصين ولا شك في أن تخصيص الزائد المشكوك يدفع بأصالة العموم فينتج التخيير أي خروج كل واحد منهما في حال دخول الآخر فيكون أحدهما غير المعين داخلا تحت العموم والآخر يكون خارجا فيجب إكرام أحدهما دائما وهو معنى التخيير.

وأما الثاني أي التخيير في ناحية المدلول كما في التخيير بين المتزاحمين فان ملاك لزوم الاتيان في كل واحد منهما موجود والطلب في كل منهما في حد نفسه مطلق بمقتضى إطلاق الملاك وحيث لا يمكن الجمع بينهما في مقام الامتثال لعدم تحقق القدرة التي هي شرط التكليف فقهرا لا يبقى التكليف على إطلاقه بل يقيد بعدم إتيان الآخر فينتج التخيير.

جواز ارتكاب المشتبهين على عدم ورود ترخيص شرعي على الخلاف وجريان الأصول المرخصة يرتفع حكم العقل إلا أن ذلك خلاف التحقيق فان العلم الاجمالي علة للتنجيز مطلقا حتى بالنسبة إلى الموافقة القطعية ولازم ذلك عدم جريان الأصل في بعض أطرافه ولو مع عدم المعارضة

__________________

وأما في المقام لا يكون وجها للتخيير لا من ناحية الدليل ولا من ناحية المدلول.

أما الأول فلان دليل الاصل لا يدل إلا على جريانه في كل واحد منهما بعينه ولا يدل على أحدهما لا بعينه حتى يكون مفاده التخيير.

وأما الثاني فالمجعول في باب الاصول ليس إلا الجري العملي من غير فرق بين الاصول التنزيلية أو غيرها فليس المدلول فيها معين مجعول يقتضي التخيير كما كان المدلول والمجعول في باب المتزاحمين معين يقتضي التخيير.

وبالجملة أن موارد العلم الاجمالي بالتكليف لا وجه لاجراء الاصول في بعض الاطراف لكى تثبت التخيير.

ولكن لا يخفى أن دليل الاصل مطلق في حد نفسه بالنسبة إلى جريان الاصل من الطرف الآخر وفي أي مورد إلا أن في أطراف العلم الاجمالي جريانه اذا كان موجبا للمخالفة القطعية والترخيص في المعصية في ظرف جريان الاصل النافي في الظرف الآخر فلا بد من تقييد اطلاق بهذا المقدار.

وأما الزائد على ذلك كاجرائه في ظرف عدم اجراء الآخر في الطرف الآخر حيث لا مانع من جريانه فلا وجه بخروجه عن تحت الاطلاق.

فلو كان المانع من جريان الاصل النافي في أطراف العلم الاجمالي هي المعارضة مع الاصل الآخر في الطرف الآخر فيرتفع بهذا التقييد

هذا كله إذا كان الأصلان نافيين.

وأما إذا كانا مثبتين كما لو علم بطهارة أحد الثوبين النجسين فالظاهر أنه لا مانع من جريان استصحاب النجاسة في الثوبين لعدم لزومه من جريانهما مخالفة عملية.

نعم يلزم من جريانهما مخالفة التزامية إلا أنها غير مانعة إلا بدعوى أن جريانهما مناف للتعبد ببقاء الواقع فى كل منهما بمقتضى الاستصحاب مع العلم الاجمالي بمخالفة أحدهما للواقع من غير فرق بين أن يلزم من جريان الاستصحابين مخالفة عملية أو التزامية ممنوعة بعدم المنافاة بين الاحراز التعبدي في كل من الطرفين بعنوانه التفصيلي وبين الاحراز الوجداني بانتقاض الحالة السابقة بأحدهما لتغاير متعلق اليقين والشك فان متعلقهما بالعنوان التفصيلي ومتعلقي الاحراز الوجداني هو أحدهما

فعليه لا مانع من شمول دليل الاستصحاب لكل من الطرفين (١)

__________________

وينتج التخيير.

نعم بناء على ما هو المختار من عدم جريان الأصل النافي ولو كان بلا معارض ما لم يجعل له بدل فلا مجال للتخيير فافهم وتأمل.

(١) ذكر الشيخ الانصاري (قده) مانعا من الشمول كما ذكر الأستاذ المحقق النائيني مانعا آخر للشمول :

أما ما ذكره الشيخ الانصاري (قده) هو قصور أدلة الاستصحاب لشمول أطراف العلم الاجمالي في مقام الاثبات بيان ذلك أن اليقين في قوله (ع) ولكن تنقضه بيقين آخر في ذيل صحيحة زرارة الأولى فانه باطلاقه يشمل العلم الاجمالي فيقع التنافي بين صدر الصحيحة وذيلها إذ المكلف بما أنه شاك في ارتفاع نجاسة كل من الطرفين فمقتضى الصدر يشمل كل من الطرفين فيحرم رفع اليد عن نجاسة كل من الطرفين بخصوصه ومقتضى

وحاصل الكلام أن التعارض فى باب العلم الاجمالي لا يتحقق إذ الأصلين إما أن يكونا نافيين للتكليف كما إذا علم بنجاسة أحد الإناءين

__________________

الذيل لما كان يعلم بنجاسة أحد الطرفين وهو وجوب رفع اليد عن أحدهما فان أخذنا الذيل تركنا الصدر.

ولكن لا يخفى أولا أن دليل الاستصحاب ليس منحصرا بهذه الرواية فانه يستفاد الاطلاق من بقية الروايات ونحكم بحرمة مطلق نقض اليقين بالشك حتى في أطراف العلم الاجمالي.

وثانيا أن المستفاد من الصحيحة هو اختصاص جواز نقض اليقين بخصوص اليقين التفصيلي اذ الظاهر من قوله (ع) (ولا تنقض اليقين أبدا بالشك ولكن تنقضه بيقين آخر) هو أنه يعتبر في جواز نقض اليقين باليقين أن يكون متعلق اليقين الثاني عين متعلق الأول غاية الأمر يكون متعلق أحدهما غير متعلق الآخر وفي متعلق العلم الاجمالي ليس عين متعلق اليقين الأول وبعبارة أخرى لا تناقض بين الصدر والذيل اذ المراد من قوله (ع) ولكن تنقضه بيقين مثله هو اليقين التفصيلي لا الاجمالي وذلك من جهة أنه لا بد في الاستصحاب من وحدة متعلق الشك واليقين وإلّا فلا يصدق النقض ومن الواضح أن متعلق الشك هو خصوص الفرد فلازمه أن يكون متعلق اليقين خصوص الفرد وحينئذ يصير اليقين تفصيلا

وأما ما ذكره الاستاذ المحقق النائيني (قده) من قصور الدلالة الأدلة في مقام الاثبات بيان ذلك أن المجعول في الأصول المحرزة التي منها الاستصحاب هو التعبد ببقاء الواقع في كل من الطرفين وذلك ينافى العلم الوجداني بارتفاع أحد الطرفين ومجرد عدم لزوم المخالفة العملية لا يصحح التعبد بما ينافي العلم الاجمالي هذا في الاصول المحرزة ولا يجري ذلك في غيرها إذ ليس مفاده إلا تطبيق العمل على مؤدى

وكانت الحالة السابقة طهارتيهما أو يكون كلاهما مثبتين للتكليف ولكن يكون جريانهما معا موجبا لمخالفة المعلوم بالاجمال كما إذا علم بحرمة

__________________

الأصل وحينئذ لا منافاة بين التعبد ببقاء كل من الطرفين وبين العلم بطهارة أحدهما واقعا.

ولكن لا يخفى أن ما ذكره (قده) يتم لو كان مفاد الاستصحاب نجاسة مجموع الإناءين للزوم التنافي بين مفاد أصل الاستصحاب وبين العلم الاجمالي بطهارة أحدهما.

وأما لو كان مفاده هو نجاسة كل واحد من الأطراف بخصوصه فلا منافاة في ذلك لعدم المنافاة بين التعبد فى خصوص الطرف الذي يجري فيه الاستصحاب وبين العلم الاجمالي بطهارة أحد الإناءين على أن ما ذكره من المنافاة كما يجري في الاصول المحرزة يجري في غيرها إذ التعبد بطهارة مجموع الإناءين من حيث المجموع بمقتضى أصالة الطهارة مع العلم بنجاسة أحدهما مناف للعلم الوجداني المذكور حتى مع غض النظر عن المخالفة العملية.

وبالجملة لا مانع من جريانه في أطراف العلم الاجمالي مع عدم لزوم العمل بها موجب للمخالفة العلمية للتكليف المنجز وما ذكر من المانع ثبوتا أو إثباتا لا يمكن الالتزام به وكيف يمكن الالتزام بذلك مع أن المشهور التزموا في موارد العلم الاجمالي بجريان الأصلين مع العلم بمخالفة الواقع كما إذا توضأ شخص بمائع مردد بين البول والماء فقد حكموا بجريان استصحاب طهارة البدن واستصحاب بقاء الحدث مع أنه مناف للعلم الوجداني بمخالفة أحد التعبدين للواقع وبهذا صح التفكيك بين آثار المتلازمين إلا إذا قام دليل خارجى على عدم جواز التفكيك كما فى الماء المتمم كرّا لعدم صحة جريان استصحاب نجاسة

أحد الإناءين المعلوم وجوب ارتكابهما سابقا أو يكون أحدهما مثبتا والآخر نافيا كما إذا علم إجمالا بحرمة أحد الإناءين المعلوم حرمة

__________________

بالفتح وطهارة المتمم بالكسر وذلك لتنافيهما مع العلم الاجمالي بل لقيام الاجماع على عدم جواز التفكيك بين أجزاء الماء الواحد ومع عدم الدليل لا مانع من جواز التفكيك في الاصول فيما لم تكن هناك مخالفة عملية وقطعية كما هو كذلك بالنسبة إلى المتلازمين من غير فرق بين الأصول التنزيلية كالاستصحاب مثلا أو غيرها كقاعدة الطهارة مثلا وسر ذلك هو عدم القول بالأصل المثبت إذ عليه جريانها لا تثبت اللوازم العقلية بخلاف الامارات مثل البينة كما لو ثبتت البينة على نجاسة الاناء الشرقي وبينة أخرى قامت على الاناء الغربي مع العلم بطهارة أحد الإناءين وحيث أن البينة ونحوها تدل على ثبوت اللوازم الفعلية فيكون مدلولها المطابقي بأحدهما ينافي المدلول الالزامي في الآخر ولذا يقع بينهما التعارض فتعامل بينهما معاملة المتعارضين وهذا بخلاف الاصلين فان الاصل الجاري فى طرف لا نظر له إلى الاصل الجاري في الطرف الآخر أصلا لعدم التنافي بين مفادي نفس الاصلين فتحصل مما ذكرنا من تعارض الاستصحابين أن الشك في أحدهما تارة يكون الشك في احدهما مسببا عن الآخر واخرى لا يكون كذلك بل كلاهما مسببين عن أمر ثالث وهو العلم الاجمالي فعلى الاول يتقدم الاصل السببي على على الاصل المسببي بمناط الحكومة وعلى الثاني فان لزم من العلم بهما مخالفة عملية فتسقط كل واحد منهما بالمعارضة لو لم نقل بعلية العلم الاجمالي لوجوب الموافقة ومع القول بالعلية لا يجري الاصل في أطرافه ولو بلا معارض وان لم يلزم مخالفة عملية جرى كل من الاصلين بلا تعارض بينهما.

أحدهما سابقا فعلى الأول فاما أن نقول كون العلم الاجمالي مقتضيا لوجوب الموافقة القطعية ولا يكون علة تامة لها بنحو يصح معه الترخيص المخالفة الاحتمالية إلّا أن جريان الأصلين غير ممكن للزوم المخالفة القطعية المفروض حرمتها تنجيزيا لكون العلم الاجمالي علة تامة بحرمة المخالفة القطعية.

وأما جريان أحد الأصلين دون الآخر فهو مما لا محذور فيه لا بنحو التخصيص لكي يقال بتخصيصه من غير مخصص بل بنحو يكون بنتيجة التقيد بأن يقيد اطلاق دليلي الأصلين بالآخر بيان ذلك أن اطلاق

__________________

هذا كله إذا التعارض لأجل العلم الاجمالي.

وأما إذا كان سبب التعارض التزاحم بأن كان التنافي راجعا إلى مقام الفعلية والامتثال دون مقام الجعل والانشاء كما في استصحابي الوقت وبقاء النجاسة فى المسجد فان التنافي بين الاستصحابين إنما هو في مقام الفعلية فان المكلف من جهة ضيق الوقت لا يقدر إلا على امتثال أحد التكليفين لا فى مقام الجعل إذ طلب كل من الازالة والصلاة أمر ممكن في نفسه بنحو لو فرض محالا قدرة المكلف عليهما لصار وجوب كل منهما فعليا ففي هذا الفرض لا بد من الرجوع إلى قواعد باب التزاحم من تقديم الأهم منهما بحسب الملاك والمحبوبية إن كان أحدهما ألهم من الآخر ومع عدم أهمية أحدهما يؤخذ بالتخير والابصار الى سقوط الاستصحابين اذ المانع من فعلية التعبد هو حكم العقل بقبح التكلف بغير المقدور ومن المعلوم أن حكم العقل بالقبح برفع فعلية التعبد بأحدها ولا يوجب السقوط في الآخر.

هذا آخر ما أردنا من التعليق على الجزء الخامس لبحث الاستصحاب من كتابنا منهاج الأصول والحمد لله رب العالمين.

في قوله (ع) لا تنقض اليقين بالشك في كل منهما يقضي حرمة النقض في ظرف ترك الآخر فيقيد ذلك الاطلاق في حال ترك الآخر فاذا قيد كل من الاطلاقين بالآخر يثبت حلية كل منهما في ظرف ترك الآخر فيثبت من ذلك حكم تخييري بالنسبة الى كل منهما فلا تتم المعارضة من جريانهما معا مع عدم استلزامه للمخالفة القطعية.

وأما أن نقول بأن العلم الاجمالي علة تامة لوجوب الموافقة القطعية كما هي علة لحرمة المخالفة القطعية فلا يجري الأصل في كل من الطرفين ولو لم يكن معارضا وما نحن فيه لا يمكن جريان الأصل اذا كان العلم علة تامة وذلك لما تقدم في البراءة من أن الترخيص لأحد الطرفين لما كان ترخيصا في محتمل الحرمة التنجيزية وذلك يوجب الترخيص في محتمل الحرمة المنجزة وذلك باطل ولذا قلنا بعدم جريانه ولو لم يكن معارضا كما إذا كان أحد الطرفين مجرى للاستصحاب بلا معارض ومع علية العلم الاجمالي لا يصح اجرائها بخلاف مسلك الاقتضاء فانه لا مانع من جريانه وعلى الثانى أعني ما اذا كان كل من الطرفين أصل مثبت للتكليف مع استلزامهما للمخالفة القطعية فالكلام فيه كالكلام في القسم المتقدم وعلى الثالث فلا مانع من جريانهما معا لعدم استلزامها المخالفة القطعية وعلى الرابع أعني ما اذا كان أحد الأصلين مثبتها والآخر نافيا فاما أن يكون جريانهما موجبا للمخالفة القطعية بالنسبة الى الواقع المردد فى البين كما اذا علم بوجوب ارتكاب أحد الإناءين المسبوق أحدهما بالعلم بوجوب ارتكابه والآخر باباحته فجريان الأصلين موجوب للعلم بمخالفة الحكم المعلوم في البين وهو الوجوب ويكون حال هذا القسم حال القسم الأول من عدم جريان الأصل اذا كانا كلاهما نافيان.

وأما أن لا يكون كلاهما موجبا للمخالفة القطعية بل كانا موجبا

للمخالفة الالتزامية وكان أحد الاصلين مطابقا له كما اذا علم بوجوب أحد الإناءين المسبوق أحدهما بالوجوب والآخر بالاباحة وفي ذلك لا تنتهي النوبة الى التعارض فيجري أصالة الوجوب في الاناء المستصحب الوجوب ومع جريانه فينحل العلم الاجمالي الى المعلوم التفصيلي وهو استصحاب الوجوب والى استصحاب الاباحة للطرف الآخر من غير اشكال.

وإما أن يكون الحكم المعلوم في البين غير الزامي كما اذا علم اجمالا باباحة أحد الإناءين فلا مانع من اجراء الاصل المثبت لعدم لزوم المخالفة العملية من جريانه أصلا.

هذا ما أردنا بيانه في بحث الاستصحاب من الجزء الخامس من كتابنا المسمى بمنهاج الاصول ونسأله التوفيق لاخراج الجزء السادس من التعادل والترجيح والاجتهاد والتقليد والحمد لله أولا وآخرا وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين والحمد لله رب العالمين وقد وقع الفراغ منه في جوار مرقد سيد الوصيين أمير المؤمنين عليه وآله أفضل الصلاة والسلام بقلم مؤلفه الراجى عفو ربه محمد ابراهيم بن المرحوم الحاج الشيخ علي الكرباسى طاب ثراه.

محتويات الكتاب

محتويات الجزء الخامس

من منهاج الأصول

الصفحة

الموضوع

الصفحة

الموضوع

٣

الاستصحاب

٣٤

تقسيم الاستصحاب

٥

حقيقة الاستصحاب وماهيته

٣٥

استصحاب العدمي

٩

الأمر الثاني الاستصحاب في المسائل الأصولية

٣٧

التفصيل بين استصحاب حال العقل والشرع

١٦

 الأمر الثالث في بيان الفرق بين الاستصحاب وقاعدة اليقين

٤١

استكشاف الحكم الشرعي من العقل

٢٠

الأمر الرابع في أن حجية الاستصحاب هل هي من باب الظن أم لا.

٤٥

الأحكام الشرعية المستكشفة من العقل

٢٥

الأمر الخامس في أنه يعتبر في الاستصحاب بقاء الموضوع

٥١

التفصيل بين الشك في المقتضى والرافع

٢٨

الأمر السادس في أنه هل يشترط فعلية الشك أم يكفي التقديري

٥٣

 الاستصحاب الوجودي معارضي للعدمي المقام الثاني

٣٣

المقام الأول في تنقح محل النزاع وبيان الأقوال

٥٦

في أدلة الاستصحاب الدليل الثالث

٥٩

 الأخبار المستفيضة

٦١

الاستدلال بصحيحة الأولى لزرارة

الصفحة

الموضوع

الصفحة

الموضوع

٦٩

صحيحة زرارة الثانية

١٨١

الشبهة العبائية

٧٩

الصحيحة الثالثة لزرارة

١٨٣

القسم الاول من استصحاب الكلي

٩١

الاستدلال بهداية محمد بن مسلم

١٨٥

 القسم الثاني من استصحاب الكلي

٩٥

الاستدلال بموثقة عمار

١٩٣

القسم الثالث من استصحاب الكلي

١١١

 بيان مقدار دلالة الأخبار

٢٠٣

كلام الفاضل التوني (قده) في عدم التذكية

١١٣

التفصيل بين الشك فى المقتضي والرافع

٢٠٥

التنبيه الرابع

١٣١

 الاحكام الوضعية والتكليفية

٢٠٧

استصحاب الامور القارة وغيرها

١٣٤

الاحكام الوضعية

٢١٥

استصحاب التدريجية من الزمانيات

١٤٣

الفرق بين الحق والحكم

٢١٩

كلام الفاضل النراقي (قده)

١٤٥

الجزئية الشرطية

٢٢٢

التنبيه الخامس

١٥٥

الصحة والفساد

٢٢٥

الاستصحاب التعليقي

١٥٧

 الرخصة والعزيمة

٢٣٦

التنبيه السادس

١٦١

اختلاف الوكالة عن النيابة

٢٣٧

استصحاب أحكام الشرائع السابقة

١٦٦

تنبيهات الاستصحاب

٢٣٩

التنبيه السابع

التنبيه الاول

٢٤١

الاصل المثبت

١٦٦

يعتبر فى الاستصحاب فعلية الشك

٢٦٩

التنبيه الثامن

١٦٧

التنبيه الثاني

٢٧١

أصالة تأخر الحادث

١٧١

فى بيان المجعول في باب الطرق

٢٨٧

تعاقب الحادثين المتضادين

١٧٧

التنبيه الثالث يعتبر فى المستصحب ما له الاثر الشرعي

٢٩٨

التنبيه التاسع

١٧٩

أقسام استصحاب الكلي

٣٠١

استصحاب الامور الاعتقادية

الصفحة

الموضوع

الصفحة

الموضوع

٣٠٨

التنبيه العاشر

الاستصحاب يتقوم بيقين سابق وشك لاحق

٣٠٩

التنبيه الحادي عشر الاعتبار في ترتب الاثر الشرعي

٣٥٥

الامر الخامس الاستصحاب وقاعدتي الفراغ والتجاوز

٣١٩

التنبيه الثاني عشر في استصحاب صحة العبادة

٣٧٣

الامر السادس الاستصحاب وأصالة الصحة

٣١٦

التنبيه الثالث عشر في استصحاب حكم المخصص

٣٨٢

الامر السابع الاستصحاب وقاعدة اليد

٣٢٥

التنبيه الرابع عشر في تعذر بعض اجزاء المركب

٣٩٥

الامر الثامن الاستصحاب مع الاصول العملية

٣٢٩

التنبيه الخامس عشر في حرمة نقض اليقين بغير اليقين

٣٩٨

الامر التاسع الاستصحاب والقرعة

٣٣٤

الخاتمة في لواحق الاستصحاب

٤٠٢

الامر العاشر تعارض الاستصحابين

٣٣٥

الامر الاول يعتبر فيه اتحاد المشكوكة مع المتيقنة

٤٠٥

تقديم الاصل السببي على المسببي

٣٣٨

 الامر الثاني في ملاك الاتحاد

٤٠٩

 تقديم السببي على المسببي بنحو الحكومة

٣٤٤

الامر الثالث هل الاخبار تشمل الاستصحاب وقاعدة اليقين أم لا

٤١٧

جريان الاصل في أطراف العلم الاجمالي

٣٤٩

الامر الرابع

٤١٩

في بيان أقسام العلم الاجمالي

منهاج الأصول - ٥

المؤلف: محمّد ابراهيم الكرباسي
الصفحات: 427
  • الاستصحاب
  • أصالة تأخر الحادث
  • التنبيه العاشر
  • استصحاب الامور الاعتقادية
  • أقسام استصحاب الكلي
  • التنبيه التاسع
  • التنبيه الثالث يعتبر فى المستصحب ما له الاثر الشرعي
  • تعاقب الحادثين المتضادين
  • فى بيان المجعول في باب الطرق
  • التنبيه الثاني
  • التنبيه الحادي عشر الاعتبار في ترتب الاثر الشرعي
  • التنبيه الثامن
  • يعتبر فى الاستصحاب فعلية الشك
  • الاصل المثبت
  • التنبيه الاول
  • التنبيه السابع
  • تنبيهات الاستصحاب
  • استصحاب أحكام الشرائع السابقة
  • الاستصحاب يتقوم بيقين سابق وشك لاحق
  • الامر الخامس الاستصحاب وقاعدتي الفراغ والتجاوز
  • التنبيه السادس
  • الامر العاشر تعارض الاستصحابين
  • الامر الرابع
  • جريان الاصل في أطراف العلم الاجمالي
  • الامر الثالث هل الاخبار تشمل الاستصحاب وقاعدة اليقين أم لا
  •  تقديم السببي على المسببي بنحو الحكومة
  •  الامر الثاني في ملاك الاتحاد
  • تقديم الاصل السببي على المسببي
  • الامر الاول يعتبر فيه اتحاد المشكوكة مع المتيقنة
  • الخاتمة في لواحق الاستصحاب
  • التنبيه الثاني عشر في استصحاب صحة العبادة
  • الامر التاسع الاستصحاب والقرعة
  • التنبيه الخامس عشر في حرمة نقض اليقين بغير اليقين
  • الامر الثامن الاستصحاب مع الاصول العملية
  • التنبيه الرابع عشر في تعذر بعض اجزاء المركب
  • الامر السابع الاستصحاب وقاعدة اليد
  • التنبيه الثالث عشر في استصحاب حكم المخصص
  • الامر السادس الاستصحاب وأصالة الصحة
  • اختلاف الوكالة عن النيابة
  •  الرخصة والعزيمة
  • تقسيم الاستصحاب
  • الأمر الخامس في أنه يعتبر في الاستصحاب بقاء الموضوع
  • الاستدلال بصحيحة الأولى لزرارة
  •  الأخبار المستفيضة
  • في أدلة الاستصحاب الدليل الثالث
  • المقام الأول في تنقح محل النزاع وبيان الأقوال
  •  الاستصحاب الوجودي معارضي للعدمي المقام الثاني
  • الأمر السادس في أنه هل يشترط فعلية الشك أم يكفي التقديري
  • التفصيل بين الشك في المقتضى والرافع
  • الأحكام الشرعية المستكشفة من العقل
  • الشبهة العبائية
  • الأمر الرابع في أن حجية الاستصحاب هل هي من باب الظن أم لا
  • استكشاف الحكم الشرعي من العقل
  •  الأمر الثالث في بيان الفرق بين الاستصحاب وقاعدة اليقين
  • التفصيل بين استصحاب حال العقل والشرع
  • الأمر الثاني الاستصحاب في المسائل الأصولية
  • استصحاب العدمي
  • حقيقة الاستصحاب وماهيته
  • صحيحة زرارة الثانية
  • الصحيحة الثالثة لزرارة
  • الاستصحاب التعليقي
  • استصحاب الامور القارة وغيرها
  • الصحة والفساد
  • التنبيه الخامس
  • الجزئية الشرطية
  • كلام الفاضل النراقي (قده)
  • الفرق بين الحق والحكم
  • استصحاب التدريجية من الزمانيات
  • الاحكام الوضعية
  •  الاحكام الوضعية والتكليفية
  • القسم الاول من استصحاب الكلي
  • التنبيه الرابع
  • التفصيل بين الشك فى المقتضي والرافع
  • كلام الفاضل التوني (قده) في عدم التذكية
  •  بيان مقدار دلالة الأخبار
  • القسم الثالث من استصحاب الكلي
  • الاستدلال بموثقة عمار
  •  القسم الثاني من استصحاب الكلي
  • الاستدلال بهداية محمد بن مسلم
  • في بيان أقسام العلم الاجمالي