
بِسْمِ اللهِ
الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب
العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأولين والآخرين محمد وأهل بيته الطيبين
الطاهرين.
الاستصحاب
وهو الأصل الرابع
من الأصول العملية التي هي وظائف مقررة للشاك في مقام العمل ، والكلام فيه يتوقف
على بيان أمور :
الامر الأول ـ في
بيان حقيقته وماهيته ، فنقول : قد اختلف القوم في تعريفه فمنهم من قال : «هو ابقاء
ما كان» وعرفه غيره بقوله : «هو اثبات الحكم في الزمان الثاني تعويلا على ثبوته في
الزمان الأول» أو انه «اثبات حكم في زمان لوجوده في زمان سابق عليه» أو انه كما
عرفه البعض : «ثبوته في وقت أو حال والحكم على بقائه بعد ذلك الوقت» الى غير ذلك
من التعاريف.
قال الاستاذ قدسسره في الكفاية : ان عباراتهم في تعريفه وان كانت شتى إلّا
انها تشير الى مفهوم واحد ومعنى فارد ، وهو : «الحكم ببقاء حكم او موضوع ذي حكم شك
في بقائه».
أقول : أما ما
ذكره فهو حسن ، بناء على ان الاستصحاب من الامارات لا من الاصول ، وذلك خلاف ما هو
المختار من أنه من الاصول كما سيأتي ان شاء الله تعالى فان الحكم المذكور مؤدى
الاستصحاب لا نفسه ، وكيف كان فقد ذكر الشيخ الانصاري (قده) : ان أسدها وأخصرها «إبقاء
ما كان» والمراد بالابقاء : الحكم بالبقاء ، بمعنى الحكم ببقاء حكم شرعي أو موضوع
ذي حكم شرعي كان ثابتا سابقا ثم يشك في بقائه.
ولكن لا يخفى ان
هذا التعريف ـ ابقاء ما كان ـ يتم بناء على ما سلكه المتقدمون من كون الاستصحاب من
الأدلة الظنية ، وان حجيته كسائر الامارات ، اذ هو على هذا المسلك ترجع حجية
الاستصحاب الى حكم العقل ببقاء ما هو ثابت سابقا ، وذلك من باب الظن ، فيكون كسائر
الامارات الظنية : كالاستحسان ونحوه ، المستفاد منها الظن على القول بحجيتها اما
من باب الكشف أو من باب الحكومة ، لرجوع ذلك الى تصديق العقل بالبقاء حقيقة ، غاية
الأمر أن الوجه في حجية مثل هذا الظن بالبقاء هو بناء العقلاء أو السيرة أو دليل
الانسداد على تقرير الكشف حيث انه يكون من الامارات والأدلة الاجتهادية دون
التعبدية ، ولو كان الوجه في حجيته هو الانسداد على تقرير الحكومة كان من الأدلة
العقلية المحضة.
وعلى كل يرجع ذلك
بأي نحو كان من الوجهين الى حكم العقل بالبقاء الحقيقي وان كان هذا الحكم ظنيا ،
ولذا سيأتي أن ذلك يكون مثل الامارات التي هي حجة ، ويترتب عليه أن مثبتاتها حجة
لاحرازها الواقع ، فتترتب اللوازم العقلية والعادية ، كما انه يتم هذا التعريف
بناء على أن الاستصحاب من الامور التعبدية باستفادة ذلك من الاخبار
الدالة على حرمة
نقض اليقين بالشك ، وان المراد من اليقين هو المتيقن بأن يكون اليقين المأخوذ في
لسان الدليل بنحو المرآتية الى نفس المتيقن فمرجعه الى حكم الشارع ببقاء ما كان
فيشمله هذا التعريف كما شمله على المسلك الأول.
وان كان هناك فرق
بين المسلكين في المراد من البقاء فانه على الأول يكون المراد منه الحكم ببقاء
الواقع حقيقة وان كان حكما ظنيا وعلى الثاني يكون المراد منه هو الحكم ببقاء
الواقع أيضا إلّا انه ليس بنحو الحقيقة بل بنحو التعبد والادعاء من باب المجاز كما
يقوله السكاكي إلّا ان هذا الفارق لا يضر في شمول التعريف له ، وبالجملة التعريف
يتم على المسلكين غاية الأمر الاختلاف باعتبار ما ينطبق عليه من كونه مصداقا
حقيقيا أو مصداقا ادعائيا وبذلك يتضح الفرق بين المسلكين في ثبوت اللوازم العقلية
والعادية على الاول دون الثاني.
وأما لو بنينا على
أن اليقين في لسان الدليل هو نفسه وليس مرآة للمتيقن ، فلا يرجع الى الحكم ببقاء
ما كان ثابتا سابقا اذ مرجع حرمة نقض اليقين بالشك في لسان الدليل هو انه يجب
اعتبار اليقين ببقاء ما كان حال الشك تعبدا ، للحكم ببقاء نفس ما كان سابقا متعلقا
لليقين وعليه لا يستفاد منه أن وجوده سابقا مشعر بالعلية للبقاء فتختلف حقيقة
الاستصحاب ، وذلك أنه على المسلكين الأولين يكون نفس وجوده الواقعي الذي هو متعلق
اليقين موجبا لوجوده في اللاحق ، وعلى المسلك الاخير لا يكون كذلك فان وجوده ليس كما
استفيد من دخل الوصف بأنه مشعر للعلية .
__________________
فظهر مما ذكرنا ان
هذا التعريف لا يكون جامعا لجميع المسالك اللهم إلّا أن يقال ان الأدلة المتكفلة
للتنزيلات الشرعية وان كان المقصود الاصلي منها النظر الى مقام العمل والجري
العملي إلّا ان دليل التنزيل تارة يكون خطابه موجها الى المكلف ، بأن ينزل شيئا
بمقام آخر بأن يكون نفس ذلك التنزيل بلحاظ العمل على عهدة المكلف كما هو مفاد أدلة
حجية خبر العادل ، بناء على ان مفادها تنزيل خبر العادل منزلة العلم بالواقع ،
وكما هو مفاد لا تنقض اليقين بالشك ، بناء على أن المكلف ينزل غير اليقين بمنزلة
اليقين ، واخرى يكون مفاده الانتساب الى الشارع بأن ينزل شيئا بمنزلة شيء ، كما في
قوله : «الطواف في البيت صلاة» وحيث أن مفاد أخبار الاستصحاب من قبيل الأول فيصير
مفادها هو الأمر باليقين بالبقاء تعبدا ، بمعنى البناء على اليقين بالبقاء
__________________
والتصديق به في
عهدة المكلف ، والمفروض ان الحكم بالبقاء ليس إلّا التصديق به اما وجدانا أو ادعاء
تعبديا.
وعليه يصح على هذا
المبنى أيضا أن يقال : «ان الاستصحاب هو الحكم بالبقاء والتصديق به ولو ادّعاءً»
كما يصح أيضا اطلاق مشتقاته فيقال : زيد يستصحب ، أو استصحب ، أو الحكم يستصحب
ولكن ربما يشكل على ذلك بأن مفاد أدلة الاستصحاب هو البناء على البقاء وهو ليس
حكما بالبقاء ، لأنه يكون من قبيل عقد القلب وهو أمر لا يرتبط بالتصديق.
__________________
ولكن يمكن دفعه
بان الحكم لم يؤخذ في التعريف بل هو من تعبير الأصحاب ، وانما المأخوذ في التعريف
هو «ابقاء ما كان» وحينئذ يصح اطلاق الابقاء من المكلف بنحو اسناد البقاء اليه ،
ولو من جهة بقائه ، بل ربما يقال بامكان تصحيح التعريف بناء على ان مفاد الأدلة
تنزيل الشارع غير اليقين منزلة اليقين ، باعتبار ان المكلف في مقام العمل ممن
يطاوع الشارع ، فيصح ان يقال في حقه انه استصحب مطاوعة للشارع.
هذا غاية ما يمكن
توجيه التعريف به ، وانه أسدّ ما في الباب كما لا يخفى.
__________________
الأمر الثاني
هل يعد البحث في
حجية الاستصحاب من المسائل الاصولية أو من القواعد الفقهية ، أو من مبادئ الأحكام؟
فنقول : ان المدار
في كون المسألة اصولية ، تارة تكون واقعة في طريق استنباط الحكم الشرعي الكلي
مطلقا ، بمعنى انه توجب ثبوت العلم بالحكم الشرعي الواقعي ، سواء كانت موجبة للعلم
به بلا وساطة شيء أو مع الوساطة ، كالامارات الظنية ، فانها تثبت الحكم الشرعي
الكلي بعد معلومية حجيتها. وأخرى يكون المدار في كونها أصولية وقوعها في طريق
استنباط الحكم الشرعي الكلي في مقام التطبيق على الموارد ، وذلك يختص بالمجتهد
لاحتياجه الى الفحص عن الأدلة في تطبيقها على الموارد في الشبهات الحكمية.
فان بنينا على
الأول في تمييز المسألة الأصولية عن غيرها فذلك يختلف باختلاف المسالك والانظار في
حجية الاستصحاب ، بيان ذلك :
__________________
انه بناء على
اعتباره من باب الظن يحكم العقل بالملازمة الظنية من حيث الحدوث والبقاء ، فتارة
يكون النزاع بين المثبتين والنافين في ثبوت الظن من حكم العقل بالملازمة الغالبية
وعدم ثبوت ذلك ، لعدم حكم العقل بتلك الملازمة ، فتدخل مسألة الاستصحاب في مبادئ
مباحث الاصول وليست منها ، لما هو معلوم من أن البحث فيها عن أصل وجود الملازمة
الظنية فهو بحث عن مفاد (كان التامة) وليس بحثا عن مفاد (كان الناقصة) إذ من
الواضح ان البحث عن استنباط الحكم الشرعي الكلي انما يتحقق بعد كون القاعدة
المستنبطة حجة ، وقد علم حجيتها ، فيستنبط الحكم الشرعي بجعلها كبرى ، ويكون
المورد من صغرياتها.
وأما مع الشك في
حجية الكبرى فلا تثبت حجية الصغرى ، وعليه فلا يستنتج الحكم الشرعي.
وأخرى يكون النزاع
بين المثبتين والنافين في حجية هذا الظن بعد ثبوت الملازمة الظنية ، فتعد المسألة
من المسائل الاصولية ، بناء على أن حجية مثل هذا الظن شرعا لأجل سيرة العقلاء ، أو
دليل الانسداد على تقرير الكشف ، لوقوعها في طريق استنباط الحكم الشرعي الكلي
فيوجب العلم به تعبدا.
وأما بناء على
حجيته من باب دليل الانسداد على تقرير الحكومة فلا يدخل في المسائل الاصولية لكون
نتيجته لا توجب العلم بالحكم الشرعي ولا تقع في طريق الاستنباط. نعم بناء على أن
وقوعها في طريق استنباط الحكم الشرعي أعم مما يترتب عليه العلم بوساطة أو بلا
وساطة فحينئذ يمكن عده في مباحث الأصول ، ومن هنا تعرف أن البحث في دليل الانسداد
ولو بناء على الحكومة لا مانع من عده من
مباحث الاصول ولا
موجب لدعوى أن ذكره في الاصول من باب الاستطراد.
وأما بناء على
حجية الاستصحاب من باب الأخبار فأما أن نقول أن المستفاد من قوله لا تنقض اليقين
بالشك هو جعل اليقين في ظرف الشك ، بمعنى جعل اليقين في حال الشك واثبات اليقين
بالحكم الواقعي تعبدا كما هو كذلك في جعل الامارة ، وان كان فرق بين الجعلين فانه
في جعل الامارة من باب تتميم الكشف مع نفي الشك ومفاد دليل الاستصحاب جعل اليقين
في ظرف الشك ، أي جعله حجة مع حفظ الشك تعبدا ، إلا أن هذا الفرق غير فارق في جعل
الحجية وأنه من باب تتميم الكشف.
فعليه يكون
الاستصحاب من القواعد الممهدة لاستنباط الأحكام الشرعية ولازم ذلك أن يعد من
المسائل الاصولية لوقوعه في طريق الاستنباط ، وأما أن نقول إن مفاد دليل الاستصحاب
تنزيل المشكوك منزلة المتيقن كما ذهب إليه الشيخ الأنصاري قدسسره فعده من المسائل الاصولية محل اشكال إذ مفاد (لا تنقض اليقين
بالشك) ليس إلا التعبد بنفس الحكم الأول الذي كان متيقنا.
فعليه يكون
الاستصحاب من القواعد الفقهية كقاعدة الطهارة وكل شيء لك حلال حتى تعرف انه حرام
فيكون الاستصحاب في الشبهات الحكمية حال الاستصحاب في الشبهات الموضوعية فلا يكون
من المسائل الاصولية حيث أن مضمون الاستصحاب حينئذ قاعدة فقهية ظاهرية تنطبق على
مواردها كقاعدة الضرر والحرج وقاعدة الطهارة وغيرها مما يكون استفادة الحكم الجزئي
من باب التطبيق لا الاستنباط الذي هو ملاك المسألة الاصولية .
__________________
وأن بنينا على
التمييز الثاني الذي هو اضافته الى وقوعه في طريق الاستنباط بأن يكون في مقام
التطبيق وذلك يحتاج إلى الفحص لكي يمكن تطبيقه وهو يختص بالمجتهد ولا ينفع المقلد
فنقول : انه بناء على مسلك الظن فان كان باعتبار تحصيله فهو من قبيل المبادئ وليس
من مسائل الاصول ، وإن كان باعتبار حجيته بعد تحقق الملازمة
__________________
يكون البحث عنه
حينئذ من المسائل الاصولية المختصة بالمجتهد ولا ينفع المقلد إذ التطبيق انما
يتحقق بعد الفحص وذلك لا ينفع المقلد.
وأما بناء على
استفادة حجية الاستصحاب من الأخبار فلا اشكال في عده من المسائل الاصولية من غير
فرق بين القول بتنزيل اليقين بنفسه منزلة الشك أو بلحاظ المتيقن لما عرفت ان
النتيجة هي استفادة الحكم الكلي في مقام تطبيقه وهو يختص بالمجتهد إذ لا يمكن أن
يكون أمر التطبيق بيد المقلد لكون ذلك لا يتحقق إلا بعد الفحص واليأس عن الدليل
المعارض والمقلد عاجز عن ذلك.
لا يقال إنه اذا
كان لازم الملاك في المسألة الاصولية ذلك فينبغي
__________________
أن تعد قاعدة
الطهارة من المسائل الاصولية لجريانها في الشبهات الحكمية لأنا نقول نتيجة المسألة
الاصولية لا تقيد بباب خاص فلا اشكال.
وأما الاستصحاب
الجاري في الشبهات الموضوعية فلا اشكال انه من المسائل الفقهية كما هو معلوم ان
نتيجة ذلك هو أمر جزئي كما
__________________
لو شككنا بعدالة
زيد مع العلم بعدالته في الزمان السابق فانه يحكم ببقائها وهو أمر جزئي ولذا يصح
جريانه في كل يقين وشك حتى بالاضافة الى نفسه فلو شك المقلد في بقاء وضوئه بعد
اليقين يبني على وضوء نفسه وإن كان مجتهده يعلم بعدم بقاء وضوئه.
__________________
الأمر الثالث
في بيان الفرق بين الاستصحاب وقاعدة اليقين
يمتاز الاستصحاب
عن قاعدة اليقين بأن ملاك القاعدة هو أنه يرد الشك على مورد اليقين فمتعلق الشك هو
متعلق اليقين وانما يختلف زمان عروض الوصفين لاستحالة عروضهما على محل واحد في
زمان واحد بخلاف الاستصحاب فان معروض اليقين غير معروض الشك .
__________________
فمعروض اليقين هو
الحدوث ومعروض الشك هو البقاء فهما قضيتان مختلفتان حقيقة ، إحداهما متيقنة متحققة
في الزمان السابق ، والثانية مشكوكة متحققة في الزمان اللاحق وان اتحدا في مقام
الذات موضوعا ومحمولا بحسب الخارج الموجب لاتحاد القضية المشكوكة مع المتيقنة لكي
يتعلق الشك بما هو متيقن سابقا ، وحينئذ تصدق القضية المشكوكة ابقاء للقضية
المتيقنة بخلاف قاعدة اليقين التي هي الاتحاد الذاتي والحقيقة خارجا فلا يكفي في
الاستصحاب الاتحاد ذاتا مع التعدد الخارجي لعدم صدق البقاء لو حصل التعدد ، فلذا
قلنا في محله انه لا يجري الاستصحاب الكلي وليس المراد فيه بوحدتهما وجودا ومرتبة
إذ عليه لا يتصور فيه الشك في البقاء وذلك من لوازم قاعدة اليقين.
__________________
وبالجملة بين
قاعدة اليقين والاستصحاب تعاكس ، فان في قاعدة اليقين الاتحاد بين متعلق الشك
واليقين واحد وجودا وانما الاختلاف في عروض الوصفين زمانا. وفي الاستصحاب الاختلاف
في معروضي الوصفين ، ودعوى أن الاستصحاب لا ينطبق على الأحكام الشرعية حيث عرفت أن
موضوعات الأحكام انما هي موجودات ذهنية ولو كانت على نحو المرآتية للخارج فيكون
ظرف محمولاتها ذهنيا لا خارجيا لما عرفت أن الخارج ظرف اتصافها لا ظرف عروضها. ففي
ظرف عروض محمولاتها لا يتصور لموضوع القضيتين وحدة خارجية لا فعلية ولا فرضية فكيف
يصدق تعلق الشك في القضية المشكوكة بما يتعلق به اليقين ، فلا بد في هذا المقام من
الاتحاد بحسب الذات دون الخارج ممنوعة اذ لا يخفى انه يكتفى بوحدة منشأ انتزاعهما
في مقام الانصاف في الخارج في صدق البقاء والنقض
__________________
فالقضية التكليفية
تصدق على القضية المشكوكة ـ في مقام الانتزاع ـ انها ابقاء للقضية المتيقنة
فيشملها دليل حرمة النقض لكونه متصورا في مرحلة اتصاف الموضوع لحكمه في الخارج لا
مرحلة العروض.
وأما امتياز
الاستصحاب عن قاعدة المقتضي والمانع فواضح حيث أنه يتحد متعلق الشك واليقين في
الاستصحاب ويتغاير في قاعدة المقتضي والمانع ، وسيأتي ان شاء الله ان مفاد الأخبار
ـ كقوله (ع) : (لا تنقص اليقين بالشك) هو الاستصحاب لا قاعدة اليقين.
__________________
الأمر الرابع في ان حجية الاستصحاب
هل هي من باب الظن أم لا؟
فنقول : إن ظاهر
كلمات من قال بحجية الاستصحاب من باب الظن أراد به الظن النوعي لا الظن الشخصي
ويستدل لذلك بوجوه :
الأول : انه لو
اعتبر الظن الشخصي انتقض بمثل الماء الذي يستصحب كريته تارة وأخرى يستصحب قلته كما
لو كان الماء في حوض وانتهى إلى قطعة مخصوصة يشك من كريته وقلته فان في قلته
يستصحب الكرية لو كان مسبوقا بالكرية ويستصحب قلته لو كان مسبوقا بالقلة فلو كان
اعتبار الاستصحاب من باب الظن الشخصي أي الفعلي فلا يعقل حصول الظن فعلا في مثله
في الحالتين مع العلم بمقدار من الماء كما هو واضح.
__________________
الثاني أنه لازم
اعتبار الظن الشخصي استحالة تعارض الاستصحابين إذ لا يعقل حصول الظن الشخصي
لحالتين متناقضتين أو متضادتين عند تحقق الاستصحابين المتقارنين.
الثالث : انه على
اعتباره يلزم عدم تعقل حكومة أحد الاستصحابين على الآخر كما في حكومة الاستصحاب
السبي على المسببي بقول مطلق إذ لا كلام لهم في تقديم السببي على المسببي ، وفي
جميع هذه الوجوه نظر.
أما الأول فلا يتم
إلا اذا كان مقتضى الظن ببقاء القلة في الأول والكرية في الثاني متحققين في زمان
واحد في ماء الحوض الواحد بأن يكون مسبوقا بالقلة والكثرة في زمان واحد ، فانه في
مثله يقع التمانع بين النقيضين في تأثير الظن الفعلي فان الماء البالغ إلى حد خاص
الجاري فيه استصحاب القلة تارة والكرية أخرى فانه مستحيل عقلا حصول الظن الفعلي في
أحدهما بالخصوص مع حصوله في الآخر فانه من الظن الفعلي بالنقيضين وذلك محال كالقطع
بتحققهما في الاستحالة.
وأما إذا كان
الاستصحاب جاريا في زمانين بأن يكون في زمان مسبوقا بالقلة وفي زمان آخر مسبوقا
بالكثرة فلا محذور في جريانهما إذ لا يلزم منه اجتماع الظن بطرفي النقيض كما هو
كذلك في المقام فان الماء الشخصي البالغ إلى حد خاص في زمان يكون مسبوقا بالقلة
فيجري فيه استصحاب القلة وفي زمان آخر يكون مسبوقا بالكثرة فيجري استصحاب الكثرة ،
فجريان كل في زمان لا يمنع جريان الآخر في الزمان الآخر فلا يلزم المحذور المتقدم
من تحقق الظن بطرفي النقيض ، ولكن لا يخفى أن هذا المسلك أي الظن الشخصي مبني على
تحقق الملازمة بين الحدوث والبقاء فحينئذ يلزم محذور الظن بطرفي النقيض الذي هو
من المستحيلات
الأولية ، ففي الفرض المذكور أن ملازمة الظن بالكرية تارة والقلة أخرى ولو في
زمانين من المستحيلات بل لو فرض ماءان في مكانين نقطع بتساويهما مقدارا كان أحدهما
مسبوقا بالقلة والآخر مسبوقا بالكرية لا يعقل تحقق الظن في أحدهما مع الظن بالآخر
إذ مع القطع بتساوي الماءين يوجب القطع بعدم وجود المقتضي لأحد الظنين.
ولكن هذا الاشكال
يرجع الى الاشكال الثاني بل يكون من صغريات مورد العلم الاجمالي بخلاف أحد
الاستصحابين والجواب عن ذلك هو الجواب عن الاشكال الثاني فنقول : ان منشأ التعارض
تارة يكون للتزاحم بين المقتضيين بما هما مقتضيان وذلك من حيث المدلولين واخرى لا
يكون كذلك بل يكون من جهة حصول المانع فيهما فان كان من قبيل الأول لا يعقل تحقق
الظن الفعلي بهما قطعا للزوم الظن بطرفي النقيضين وهو من المستحيل عقلا ، وان كان
من قبيل الثاني فلا محذور فيه فان المقتضي لتحقق الظن بهما موجود وانما المانع
بحسب وجود الملازمة الغالبية بين الحدوث والبقاء وذلك متحقق في كلا الاستصحابين.
فعليه لا مانع من القول بتحقق التعارض بين الاستصحابين كما انه لا مانع من القول
بحكومة أحدهما على الآخر كالسبي الذي هو حاكم على المسببي .
__________________
نعم تبقى جهة من
الاشكال الثالث وهو أن في بعض الأحوال يوجب الظن بالمعلول الظن بالعلة كما أنه في
بعض الأحوال القطع بالمعلول يوجب القطع بالعلة كما لو انحصرت معرفة النار بالدخان.
إلّا ان ذلك انما يتحقق فيما اذا كان الانتقال الى علته منحصرا بالمعلول واما اذا
لم يكن كذلك بل يكون الانتقال الى العلة بمقتض آخر غير مقتضى المعلول كما فيما نحن
فيه فلا يوجب القطع بها ، ولكن لما كانت العلة بالطبع متقدمة عليه ومقتضى الانتقال
اليها أيضا بالفرض متحقق في رتبة مقتضى الانتقال من المعلول وهذا يمنع من تأثير
مقتضى الانتقال من المعلول على خلاف ما تقتضيه علته ، ولازم ذلك الظن بطرفي النقيض
وهو باطل قطعا.
وكيف كان فهذه
الوجوه لا يستفاد منها القول بالظن النوعي لما عرفت انه لا مانع من القول بحجية
الاستصحاب من باب الظن الشخصي حيث ان مدرك هذا المسلك دعوى حكم العقل بالملازمة
بين الحدوث والبقاء ولو من باب الغلبة ، ولذا نقول بأن العقل يحكم ببقاء ذات ما
حدث وان ما حدث باق ، فيكون الاستصحاب من الأدلة العقلية ، وعليه لا مانع من القول
بكون الظن من باب الظن الشخصي.
هذا غاية ما يقال
في اعتبار الظن من باب الظن الشخصي ، ولكن لا يخفى ان اشكال تحقق الملازمة بين
الحدوث والبقاء في الماء البالغ قدرا خاصا للظن الفعلي بالكرية تارة والقلة أخرى
ولو في زمانين من المستحيل ، فعليه لو اردنا أن نقول بالظن الشخصي اما ان لا نقول
__________________
بجريان أحد
الاستصحابين أو عند أحدهما نغفل عن جريان الآخر ، على أنه لا يتحقق التعارض بين
الاستصحابين ولا حكومة استصحاب السببي على المسببي لاستحالة تحقق اجتماع ظنين
متنافيين أو تعارضهما نعم لو قلنا باعتبار الاستصحاب من باب الأخبار فلا مانع من
ذلك اذ لا مانع من التعبد بطرفي النقيض في زمانين كما انه يصح تحقق المعارضة
والحكومة بل حتى لو قلنا باعتبار الاستصحاب من باب الظن النوعي كما لا يخفى.
الامر الخامس
في انه يعتبر في الاستصحاب بقاء الموضوع فنقول :
لو شك في بقائه لا
معنى لابقاء الحكم للقطع بأن الشك في بقاء الموضوع يوجب القطع بعدم بقاء الحكم.
ومن هنا وقع الاشكال في استصحاب الأحكام الكلية من غير فرق بين أن يكون مدرك
الاستصحاب النقل أو العقل بتقريب : ان الشك في بقاء الحكم الكلي ناشئ من اختلاف
الحالات وتبدلها ، وذلك يوجب الشك في بقاء موضوعها حيث أن موضوع الأحكام الكلية هو
المفاهيم الكلية ، واختلاف الحالات يوجب الاختلاف في ناحية المفهوم الذي أخذ
موضوعا للحكم.
وبعبارة أخرى ان
القيود التي تؤخذ في القضية بحسب الحقيقة ترجع إلى الموضوع وان كان ظاهر القضية
رجوعها الى الحكم حيث إن لها دخلا في الحسن والقبح والمصلحة والمفسدة ، ولازم
دخولها في مصلحة التكليف دخولها في موضوع التكليف وإلا فبدونه يلزم إطلاق مصلحة
الموضوع ، ولازمه عدم دخلها في مصلحة التكليف وهو خلف.
لا يخفى أنه فرق
بين القيود الراجعة الى ناحية الموضوع والقيود الراجعة الى ناحية الحكم ، فان
الأولى لها دخل في مصلحة التكليف كالزوال والاستطاعة بالنسبة الى الصلاة والحج ،
بخلاف قيود الحكم فان لها الدخل في تحقق المحتاج اليه وهو وجود ما هو متصف
بالمصلحة كالطهور والستر بالنسبة الى الصلاة لعدم صلاحية رجوع مثل هذه القيود الى
ناحية المصلحة وان أوجبت تضييقا في ظرف الحكم والمصلحة
ويمتنع اطلاقهما
إلّا انها توجب ضيقا لاستحالة تقييد الموضوع بحكمه ففي مثل هذا الموضوع قد أخذ فيه
الحكم على نحو التوأمية لا مطلقا ولا مقيدا ، لما عرفت من أن كل عرض يعرض على
الذات يوجب تضييقا في ذات المعروض بنحو لا يكون له اطلاق يشمل حال عدمه ولا يكون
قيدا فصليا فيكون الموضوع في امثال هذه القضايا نفس الذات القابلة للبقاء حتى مع
اليقين بانتفاء قيد حكمه فضلا عن الشك بانتفائه فمع الشك في قيديته يجري فيه
الاستصحاب كسائر أعراضه الخارجية لأجل الشك في بقاء عللها ، ودعوى ان الموضوع وان
كان غير مقيد بقيود الحكم لكنه لا اطلاق له لكي يشمل حال عدم القيد فيكون الشك في
قيدية الحكم موجبا للشك في انتفاء الموضوع ممنوعة ، إذ مناط بقاء الموضوع في
الاستصحاب هو نظر العرف لا ينظر العقل إذ لو كان بنظر العقل فلا محيص في نفيه عند
الشك ، حيث إن الشك في الموضوع يكفي فيه مجرد عدم اطلاق الموضوع بما هو موضوع
الشامل لحال عدم القيد.
وبعبارة أخرى ان
ذات الموضوع في الاستصحاب هو ذات ملحوظة في الحالتين لا بوصف كونها معروضة لليقين
والشك ولازم ذلك تجديد متعلق اليقين والشك من هذه الجهة لكي يتعلق الشك بعين ما
تعلق به اليقين كما هو كذلك بالنسبة الى جريان الاستصحاب في الأعراض الخارجية ،
فكما يجري فيها يجري في الأحكام الكلية من غير فرق بينهما وان كان الفرق بالنسبة
الى القيود فانها في الاعراض بوجودها الخارجي علل عروضها على محالها وفي الاحكام
علل اتصاف الموضوعات باحكامها.
نعم يتم هذا
الاشكال على ما ذكره الشيخ (قده) من عدم تصوير الواجبات المشروطة وارجاعها بحسب
اللب الى المطلقة ، واما بناء على
ما سلكه الاستاذ
في الكفاية من تصوير الواجب المشروط فيمكن له الالتزام بما ذكرنا من انه يتحد
الموضوع في المقام بنحو الدقة حيث ان الموضوع في الاستصحاب يتجرد عن وصف اليقين
والشك لكي يصدق عليه تعلق اليقين بعين ما تعلق به الشك ، ولو لا ذلك لا يتصور اجتماع
اليقين والشك في زمان واحد بل يمنع استصحاب الاعراض الخارجية كسواد الجسم وبياضه
وهو كما ترى.
وعليه لا بد من
اعتبار الذات المحفوظة في حالتي اليقين بعروض العارض وشكه لكي يصدق تعلق الشك بعين
ما تعلق به اليقين ، وحينئذ الاستصحاب كما يجري في الأعراض الخارجية يجري في
الأحكام الكلية من غير فرق بينهما ، إلا من جهة أن القيود بوجوداتها الخارجية في
الأعراض علل عروضها على محالها ، وفي الأحكام علل اتصاف الموضوعات بأحكامها لا علل
عروضها عليها لعدم احتياجها الى وجود قيودها خارجا في مقام العروض وانما يحتاج في
هذه المرحلة هو الوجود اللحاظي وكيف كان لا حاجة الى ما ذكر الاستاذ في الكفاية من
أن المنظور في الموضوع في الاستصحاب الى النظر العرفي لا الدقي لما عرفت من انه لو
اعتبرنا النظر الدقي فالموضوع متحقق وحده حقيقة ودقة.
الأمر السادس
في انه هل يشترط فعلية الشك
أم يكفي التقديري؟ فنقول :
ان الاستصحاب عند الأصحاب يتقوم بركنين :
أحدهما ـ اليقين
السابق وهو تارة يلاحظ باعتبار نفس اليقين ، واخرى يلاحظ باعتبار المتيقن ، فعلى
الأول لا بد في الاستصحاب من فعلية اليقين والشك إذ ذلك قوام حقيقة الاستصحاب فلا
يتحقق مع الغفلة لعدم حصوله معها ، واما بناء على تعلق حرمة النقض بالواقع بجعل
اليقين المأخوذ في الدليل بنحو المرآتية للواقع فيمكن دعوى كفاية التقديري في
الاستصحاب.
ثانيهما ـ الشك في
بقائه كما هو معتبر في جميع موارد الاصول والامارات ، وهذا مما لا اشكال فيه وانما
الاشكال في انه ما المراد بالشك هل هو الفعلي أو الأعم منه ومن التقديري؟ ويترتب
على ذلك انه لو تيقن بالحدث في زمان وغفل عنه ودخل في الصلاة ثم بعد الفراغ حصل له
الشك في انه تطهر من الحدث قبل الصلاة ام لا ولكنه بحيث لو التفت الى ذلك في
الصلاة لشك فالظاهر عدم كفاية التقديري منه فلا يجري الاستصحاب في حقه كعدم كون
الشك فعليا فيجري في حقه
__________________
قاعدة الفراغ فلا
تجب الاعادة والقضاء ، نعم يجب تجديد الوضوء بالنسبة الى الصلاة الآتية.
وأما بناء على
كفاية الشك التقديري فلا بد من الحكم بالبطلان ووجوب الاعادة والقضاء عند الالتفات
الى حاله لجريان استصحاب الحدث قبل الصلاة في حال الغفلة ومقتضاه الحكم بفساد
الصلاة ، ولكن الظاهر ان ما ذكر من الثمرة لا يترتب على التقديرين ، وذلك
__________________
أما بملاحظة الشك
الفعلي الحاصل بعد العمل فلا معنى لجريان الاستصحاب من جهة حكومة قاعدة الفراغ ،
وأما بملاحظة الشك التقديري قبل العمل فلا ينفع استصحاب الحدث لبطلان العمل
المترتب عليه وجوب الاعادة بالنسبة الى ذلك.
وبتقرير آخر : ان
الاستصحاب أما ان يكون حجة عقلية كالقطع أو تعبديا كالامارات ، فالأثر المترتب على
كل جهة سواء كان أثرا عقليا أو شرعيا انما يترتب ما دامت الحجة قائمة لا مطلقا حتى
بعد انقطاعها وزوالها بانكشاف الخلاف أو بالنسخ ، مثلا الاستصحاب في كل آن انما
يثمر ويجب ترتب الأثر عليه في آن جريانه لا مطلقا حتى في الأثر المترتب بعد وجود
الشيء في غير هذا الآن ، ومع زوال الاستصحاب في ظرف ترتبه ، كما لو فرضنا انه قد
تيقن الحدث في زمان ثم تيقن الطهارة في الزمان المتأخر وصلى في حالة تيقنه
بالطهارة فمقتضى حجية اليقين يحكم بصحة عمله وعدم وجوب الاعادة.
ولكنه لو زال بعد
ذلك تيقنه بالطهارة وشك بالشك الساري بالطهارة بعد الحدث فلا موقع لان يقال إنه في
ذلك الزمان أيضا يحكم
__________________
بصحته وعدم وجوب
الاعادة ، بل بمقتضى استصحاب الحدث الى زمان الشك يحكم الآن بفساد عمله من الأول
وتجب الاعادة عليه فعلا كما فيما نحن فيه لو تيقن الحدث قبل الصلاة بزمان ثم حصل
الشك الفعلي في بقائه قبل الصلاة فبمقتضى الاستصحاب في هذا الآن انه يشترط صحة
عمله بالطهارة وانه لو دخل فيه بلا طهارة اوجب عليه الاعادة ظاهرا ولو كان في
الواقع صحيحا ولكنه لو غفل بعد ذلك ودخل في العمل فلا يجري في حقه الآن الاستصحاب
لغفلته ثم بعد الفراغ لو حصل له الشك الفعلي فلا يجب عليه الاعادة بنفس الاستصحاب
قبل العمل في هذا الزمان بعد ما انقطع عنه بغفلته السابقة على العمل لانقطاع أثر
الحجة بانقطاعها بالغفلة ، فحينئذ لا بد من ملاحظة حال الفعل وهو شكه الفعلي.
وحيث إن مورد
قاعدة الفراغ هو الشك الحادث بعد العمل وهذا الشك ليس حادثا بعده بل انما هو نفس
الشك الفعلي قبل الصلاة الذي طرأت عليه الغفلة ثم تذكره بعد الصلاة فلا تجري فيه
قاعدة الفراغ ، فحينئذ يجري في حقه الآن استصحاب بقاء الحدث فيستكشف به وقوع
الصلاة فاسدة فيترتب عليه وجوب اعادة الصلاة ، والوجه في وجوب الاعادة هو أن
الاستصحاب بعد الفعل قبل العمل وإلّا لو قلنا بجريان قاعدة الفراغ وحكومتها على
الاستصحاب بعد العمل لقلنا بصحة العمل حينئذ.
اذا عرفت ذلك
فنقول :
في فرض مورد
النزاع لما كان الشك الحادث بالفعل حادثا بعد العمل فباعتبار وجوده الفعلي بعد
العمل لا يجري فيه الاستصحاب بل
تجري قاعدة الفراغ
لحكومتها قطعا ولا تنفع ملاحظة الحالة قبل الصلاة التي كان الشك تقديريا فيها ، اذ
لا ثمرة في جريانه لترتب الاثر في زمان بعد الفراغ.
بيان ذلك ان حجية
كل طريق من امارة أو اصل معتبر انما يجب اتباعه ويترتب عليه الاثر من كونه منجزا
أو معذرا انما هو في ظرف وجوده وبقائه على حجيته لا في ظرف انعدامه أو خروجه من
الحجية ، وعليه بناء على كفاية الشك التقديري الموجب لجريان استصحاب الحدث في حال
الغفلة قبل الصلاة فانه لا يوجب إلّا بطلان الصلاة سابقا.
وأما وجوب الاعادة
أو القضاء فيما بعد الفراغ فهو ليس من الامور المرتبة على الاستصحاب المذكور وانما
هو من آثار الاستصحاب الجاري بعد الفراغ.
وانما أثر ذلك
الاستصحاب هو عدم جواز الدخول في الصلاة وجواز قطعها لو دخل فيها وهو غافل فاذا
كان الاستصحاب الجاري بعد الفراغ محكوما بقاعدة الفراغ فمن حين الفراغ لا بد من
الحكم بالصحة لأجل القاعدة لا البطلان لعدم جريان الاستصحاب في ذلك الحين ولا اثر
للحكم ببطلانه سابقا بعد كون العمل محكوما بالصحة بمقتضى القاعدة.
ودعوى انه المانع
من الحكم بصحة الصلاة وعدم جريان القاعدة هو الحدث الاستصحابي السابق على طرو
الغفلة ممنوعة ، إذ ذلك لا يمنع عن الصحة لزواله بطرو الغفلة قبل الشروع بالصلاة
لعدم صلاحية مانعية الحدث الاستصحابي السابق عن صحة الصلاة ، كما انه ليس صالحا
لمانعية جريان قاعدة الفراغ حيث ان الشك متجدد بعد الفراغ
وبالجملة تنحصر
المانعية عن صحة الصلاة في عدم جريان قاعدة الشك بعد الفراغ لاختصاص القاعدة في
جريانها في صورة الشك الحادث بعد الفراغ من العمل بحيث لا يكون مسبوقا بالالتفات
والشك قبل العمل وان غفل حين الشروع فيه فيظهر من ذلك أنه لا مجال لمثل هذه الثمرة
بين القولين بعد أن كان الشك بالحدث متحققا بعد الفراغ من الصلاة فمن حين الفراغ
تجري فيه قاعدة الشك بعد الفراغ المقتضية لصحتها والحاكمة على اصالة فسادها بعد الصلاة
من غير فرق بين القول باعتبار الشك الفعلي من جريان الاستصحاب أو لكفاية الشك
التقديري ، فمن ذلك يظهر النظر في كلام الشيخ الانصاري (قده) من ترتب الثمرة
وتعليل بطلان الصلاة وعدم جريان قاعدة الشك بعد الفراغ بسبق الأمر بالطهارة والنهي
عن الدخول بالصلاة ، نعم يمكن أن نترتب الثمرة بين القولين فيما لو علم بالطهارة
فشك فيها قبل الصلاة ثم غفل وصلى وبعد الفراغ من الصلاة حصل له الشك للعلم
الاجمالي بتوارد الحالتين عليه قبل الصلاة فانه بناء على كفاية الشك التقديري في
الاستصحاب يحكم عليه بالصحة وعدم وجوب الاعادة.
وأما بناء على
اعتبار الشك الفعلي فلا طريق لنا إلى احراز صحة صلاته وبطلانها لحصول الشك المفروض
بالعلم الاجمالي بتوارد الحالتين ولا مجال لجريان الاستصحاب لعدم جريانه مع العلم
الاجمالي أو لسقوطه بالمعارضة ، وأما قاعدة الشك بعد الفراغ فهي غير جارية لاختصاص
جريانها بصورة الشك الحادث بعد الفراغ عن العمل.
إذا عرفت ذلك
فاعلم انه يقع الكلام في بيان الاستصحاب في مقامين :
الأول في تنقيح
محل النزاع وبيان الاقوال :
الثاني في أدلة
الاستصحاب.
أما الاول فنقول
ينقصم الاستصحاب تارة باعتبار المستصحب وأخرى باعتبار الدليل الدال عليه وثالثة
باعتبار الشك المأخوذ فيه.
أما الأول
فالمستصحب تارة يكون وجوديا وأخرى عدميا ، وعلى التقديرين فتارة يكون حكما شرعيا
واخرى يكون موضوعا ذا حكم شرعي ، وعلى الأول تارة يكون حكما كليا واخرى حكما جزئيا
، وعلى التقديرين فتارة يكون من الأحكام التكليفية وأخرى من الأحكام الوضعية.
واما بالاعتبار
الثاني فالدليل الدال على ثبوت المستصحب تارة يكون عقليا واخرى يكون شرعيا ، وعلى
الثاني تارة يكون لفظيا كالكتاب والسنة وأخرى يكون لبيا كالاجماع.
وأما بالاعتبار
الثالث فالشك في بقاء المستصحب تارة يكون من جهة المقتضي بمعنى الشك في قابلية
المستصحب في نفسه للبقاء وأخرى يكون في الواقع مع القطع ببقاء قابلية المستصحب ،
وعلى الثاني يكون الشك في جود الرافع تارة وأخرى في رافعية الموجود ، وقد وقع
الخلاف بالنسبة إلى كل واحد من هذه الاقسام كما يستفاد من كلمات الاصحاب إلا ان
العمدة من تلك الأقوال قولان مشهوران بين الاصحاب : أحدهما القول بالحجية مطلقا ،
وثانيهما عدمها مطلقا.
وأما باقي
التفصيلات فيظهر بطلانها من بيان القول المختار ، نعم ينبغي لنا بيان ما فصله
شيخنا الانصار (قده) من التفصيل بين الأحكام الشرعية المستندة إلى الأحكام العقلية
وبين غيرها فقال بعدم الحجية فى الأول دون الثاني ، واخرى بالتفصيل بين المقتضي
والرافع وقال
بالحجية في الثاني
دون الأول. وسيأتي ان شاء الله الكلام على كلتا الجهتين.
وأما ها يقال بأن
استصحاب العدم ليس محلا للنزاع بل هو أمر مسلم عندهم كما يظهر من كلماتهم من
استصحاب عدم النقل وعدم القرينة وعدم النسخ وأمثالهما مما هو مسلم عندهم فهو محل
نظر ، إذ تلك الأمور انما تكون مسلمه عندهم لو بنينا على حجيته من باب الظن فتكون
من صغريات الباب. غاية الأمر خرجت تلك الأمور بالاجماع ولا يلزم من اخراجها اخراج
جميع الاستصحابات العدمية.
وأما لو بنينا على
حجيته من الاخبار خرجت من صغريات الباب لما هو معلوم ان مثبتات تلك الأمور حجة عند
جميع الاصحاب مع انه لو كان مدرك حجية هذه الامور هي الاخبار فلا تكون مثبتاتها
حجة ولا بد من استكشاف حجية تلك الامور من سيرة العقلاء ، ولا صلة لذلك بأدلة
الاستصحاب.
ومثل هذا التوهم
توهم آخر منسوب الى بعض المحققين ان استصحاب العدم الأزلي الثابت قبل التكليف أو
قبل الشرع من جهة عدم المقتضي للحكم مما لا اشكال فيه بتقريب ان الاستصحاب سواء
كان بالنسبة إلى الأحكام او الموضوعات انما يجري بلحاظ الأثر الذي يكون أمر وضعه
ورفعه بيد الشارع وفي غير ذلك لا موقع لجريان الاستصحاب فمرجع استصحاب الحكم الى
جعل المماثل للحكم الثابت سابقا في ظرف الشك في بقائه بلسان التعبد به.
وعليه لا بد من أن
يكون نفس ابقاء ذلك الحكم ورفع بقائه بيد الشارع لكي يمكن له أن يجعل مثله في ظرف
الشك بلسان التعبد ببقائه ، فاذا ظهر ذلك فنقول أن تقي الحكم تارة يكون مستندا إلى
وجود المانع بمعنى
ابقاء مقتضي الحكم تاما في ملاك الجعل والتشريع بحيث لا قصور في تمامية المقتضي
لملاك الجعل ولكنه مع ذلك لما كان هناك مانع في نظر الشارع من الحكم فلهذا نفي
الحكم ولم يجعله ففي مثله كان نفس الحكم ووضعه بيد الشارع لأن الفرض ان المقتضي
للحكم كان تاما في الاقتضاء والملاك فاذا كان تاما في الملاك فليس في البين
الالحاظ المانع فينتفي الحكم من جهة لحاظ المانعية ويثبته من جهة عدم لحاظ مانعيته
فيكون أمر وضعه ورفعه بيده واخرى كان عدم الحكم من جهة عدم المقتضي والملاك بحيث
لا ملاك للحكم أصلا ففي مثله لا يكون نفي الحكم بيد الشارع بل كان منتفيا بانتفاء
ملاكه قهرا فكما أنه ليس له وضعه لاستحالة تحقق المعلول بلا علة وإذا كان عدم
الحكم سابقا من قبيل هذا القسم كالأعدام الثابتة قبل التكليف أو الشرع فلا مجال
لاستصحاب بقاء العدم على حاله لعدم كون رفعه ووضعه بيد الشارع فلا معنى للتعبد
بعدم الحكم بلسان إبقاء العدم الذي ليس بيده ومن هذه الجهة لا يكون الاستصحاب في
العدميات قابلا للنزاع في عدم حجيته.
ولكن لا يخفى أن
دفع هذا التوهم يتوقف على ما هو مفاد الكلية المستفادة من الأدلة الدالة على جعل
الطرق والاستصحاب من قوله «لا تنقض اليقين بالشك» من دون اختصاص لدليل الاستصحاب
فنقول : ان مفاد قوله لا تنقض اليقين بالشك أو قوله صدق العادل عبارة عن اثبات
اليقين بالشيء في ظرف الشك تعبدا فاذا كان الشيء مما يشك في بقائه فبدليل
الاستصحاب يثبت اليقين بهذا البقاء في ظرف الشك ويرجع ذلك إلى رفع ما ينافي اليقين
به تعبدا وحينئذ نقول انه اذا شك في بقاء العدم الأزلي على حاله فحقيقة هذا الشك
مركب
من تحقق احتمالين
أحدهما بقاء العدم على حاله وثانيهما انتقاضة بالوجود كما هو واضح.
ومن البديهي أن ما
لا ينافي اليقين بالبقاء ليس إلّا الاحتمال الأول لأن احتمال البقاء لا يناقض
اليقين به وانما يناقض اليقين به خصوص الاحتمال الثاني وهو احتمال الانتقاض
بالوجود فمعنى جعل اليقين تعبدا في ظرف الشك ليس إلا القاء هذا الاحتمال ونفيه
فاذا كان الأمر كذلك فاحتمال انتقاض العدم الأزلي بالوجود لا يتصور إلا في المرتبة
المتأخرة عن كون محتملة مما تحقق فيه ملاك الحكم وصار مقتضيه تاما في الاقتضاء على
فرض ثبوته واقعا وإلّا فمع عدم كون محتمله مما لا يتحقق فيه الملاك فلا يعقل
انتقاضه بالوجود بحسب الواقع وحينئذ كان وضعه ورفعه بابقاء العدم على حاله بيد
الشارع لأنه كما أن وجوده الواقعي المحتمل لو كان واقعا كان عن مقتض فمن هذه الجهة
كان وضعه بيد الشارع فكذلك رفع هذا الوجود وابقاء العدم الأزلي في هذه المرتبة كان
بيد الشارع ، إذ كل ما يكون وضعه بيد الشارع يكون رفعه بيده.
وأما تفصيل الشيخ (قده)
بين استصحاب حال العقل فقال بعدم حجيته وبين استصحاب حال الشرع فقال بحجيته فمنشؤه
هو اعتبار وحدة الموضوع في الاستصحاب لكي تكون القضية المتيقنة عين القضية
المشكوكة وإلا مع عدم اتحاد القضيتين لا يجري الاستصحاب مطلقا لانه يكون من قبيل
اسراء حكم من موضوع الى آخر.
بيان ذلك ان
المأخوذ في لسان الدليل تارة يكون مناط اتحاد القضية المشكوكة مع المتيقنة هو
الموضوع الواقعي وأخرى يكون مناط الاتحاد هو الموضوع العرفي فعلى الأول يكون عندنا
مجال للتفصيل المذكور دون الثاني حيث
ان الموضوع الواقع
في لسان الدليل لو كان من قبيل الأول كما لو أخذ في الدليل نفس الموضوع مثل قوله (الماء
ينجس إذا تغير) فالاستصحاب لو شك في بقاءه على النجاسة لزوال تغيره من قبل نفسه لا
لعارض فيكون الموضوع في الدليل هو الماء.
وأما إذا فرض أخذه
في لسان الدليل الماء المتغير ينجس فلا يجري الاستصحاب بعد زوال نغيره لعدم بقاء
الموضوع الذي هو الماء المتغير هذا بالنسبة إلى لسان الدليل.
وأما بالنسبة إلى
حكم العقل يقبح الكذب أو حسن الصدق النافع فتارة لا يكون موضوعه ذات الكذب أو
الصدق بل هو العنوان الضار أو النافع بما هو ضار ونافع بعنوان الموضوعية فاذا شك
في بقاء الضرر في الأول والنفع في الثاني لا يكون الموضوع بما هو الموضوع باقيا
فلا مجال للاستصحاب. وأخرى يكون المناط في الموضوع هو العرفي كما لو كان الموضوع
في الحكم بالحرمة الشرعية في الكذب الضار هو ذات الكذب.
واما الضرر
المأخوذ فيه انما هو حاله فيكون الموضوع باقيا في حال الشك فيجري فيه الاستصحاب
مضافا إلى أن لازم ذلك هو التفصيل بين استصحاب حال الشرع وبين حال الاجماع.
إذ المنشأ لذلك
موجود في المقامين توضيح ذلك. هو ان الملاك هو عدم احراز بقاء الموضوع ففيما اذا
قام الاجماع على نجاسة الماء المتغير فالموضوع هو الماء بوصف التغيير فيكون
الموضوع ذات الماء المتغير فالموضوع هو الماء بوصف التغير فمع زوال تغيره لا يجري
الاستصحاب لعدم احراز الموضوع لما هو معلوم ان الاجماع دليل لبي يؤخذ بالقدر
المتيقن فمع الشك في قيد من قيود الموضوع يشك في بقاء الموضوع
مع ان الشيخ (قده)
لم يعد ذلك من الأقوال المفصلة في المسألة بل نسب ذلك إلى بعضهم لانه قال ان
الاستصحاب حال الاجماع لا يكون داخلا في محل النزاع بل أكثر الأصحاب على عدم حجيته
وقد عرفت ان عدم الحجية فيه كاستصحاب حال العقل من انه مرتب على جعل المدار على
الموضوع في لسان الدليل هو الموضوع الواقعي لا العرفي وسيأتي ان المختار على
اعتبار الموضوع العرقي فلا مانع من جريان استصحاب الحكم الشرعي المستند إلى حكم
العقل هذا ولكن المذكور في كلام الشيخ (قده) هو عدم جريان استصحاب الحكم الشرعي
المستند إلى حكم العقل بوجه أخر غير ما ذكرنا فقال ما لفظه ولم أجد
__________________
من فصّل بينهما
الا في تحقق الاستصحاب مع ثبوت الحكم بالدليل العقلي وهو الحكم العقلي المتوصل به
إلى حكم شرعي تأملا نظرا إلى أن الاحكام العقلية كلها مبينة مفصلة من حيث مناط
الحكم والشك في بقاء المستصحب وعدمه لا بد وأن يرجع إلى الشك في موضوع الحكم لان
الجهات المقتضية للحكم العقلي بالحسن والقبح كلها راجعة إلى قيود فعل المكلف الذي
هو الموضوع فالشك في حكم العقل حتى لأجل وجود الرافع لا يكون إلا للشك في موضوعه
والموضوع لا بد أن يكون محرزا معلوم البقاء في الاستصحاب كما سيجىء ولا فرق فيما
ذكرنا بين أن يكون الشك من جهة الشك في وجود الرافع وبين أن يكون لأجل الشك في
استعداد الحكم لان ارتفاع الحكم العقلي لا يكون إلا بارتفاع موضوعه فيرجع الأمر
بالاخرة إلى تبدل العنوان ألا ترى أن العقل إذا حكم بقبح الصدق الضار فحكمه يرجع
إلى أن الضار من حيث إنه ضار حرام ومعلوم أن هذه القضية غير قابلة للاستصحاب عند
الشك في الضرر مع العلم يتحققه سابقا لأن قولنا المضر قبيح حكم دائمي لا يحتمل
ارتفاعه أبدا ولا ينفع في اثبات القيح عند الشك في بقاء الضرر ، ولا يجوز أن يقال
أن هذا الصدق كان قبيحا سابقا فيستصحب قبحه ،
__________________
لان الموضوع في
حكم العقل بالقبح ليس هذا الصدق ، بل عنوان المضر ، والحكم عليه مقطوع البقاء (وهذا)
بخلاف الأحكام الشرعية فانه قد يحكم الشارع على الصدق بكونه حراما ولا يعلم أن
المناط الحقيقي فيه باق في زمان الشك أو مرتفع فيستصحب الحكم الشرعي».
وحاصله أن استكشاف
الحكم الشرعي من الحكم العقلي انما يكون من باب الملازمة بين الحكمين ومن الواضح
أن العلم بوجود أحد المتلازمين علم بوجود الآخر وكذلك في ظرف العدم وحيث انه لا
إهمال ولا اجمال في حكم العقل إذ العقل لا يستقل بحسن شيء أو قبحه إلا بعد
الالتفات إلى موضوع حكمه بجميع خصوصياته مما له الدخل في حكمه فمع بقاء الموضوع
بجميع الخصوصيات يكون الحكم العقلي مقطوع البقاء وكذلك الحكم الشرعي لما عرفت من
التبعية ومع فقد قيد أو خصوصية فالحكم العقلي مقطوع الارتفاع وكذلك الحكم الشرعي
فالحكمان دائما اما مقطوع البقاء واما مقطوع الارتفاع فلا شك في البين حتى يجري
الاستصحاب في الاحكام العقلية والاحكام الشرعية المستندة اليها وقد أشكل عليه انه
لا يلزم أن يكون مناط حكم العقل مبين عنده تفصيلا بل يمكن أن يدرك العقل في مورد
على نحو الاجمال بأن يدرك أن في الكذب الضار مناط القبح فيحكم من جهة ذلك بقبحه
ولو لم يعلم ان تمام المناط هو الضرر أو هو الكذب أو هما معا فحينئذ مع زوال الضرر
يمكن فيه أن يقع الشك في قبحه فيشك في بقاء الحكم الشرعي وان لم يكن هنا شك في حكم
العقل لعدم الشك في بقاء مناطه وبهذا ظهر انه يمكن تصور الشك في بقاء الحكم في
الشبهة الحكمية أيضا وان كان ذلك من جهة الشك في بقاء الموضوع والمقصود من هذه
الاشكال انه لا ينحصر الشك في بقاء الحكم الشرعي
المستند إلى
الأحكام العقلية بخصوص الشبهات الموضوعية فقط بل يجري في الشبهات الحكمية أيضا.
كما سيأتي عن قريب ثم انه يشكل على تفصيل الشيخ (قدسسره) بين أن يكون دليل المستصحب عقليا أو شرعيا لجريانه في
الثاني دون الأول نظرا إلى ان الاحكام العقلية كلها مبينة ومفصلة من حيث مناط
الحكم الشرعي والشك في بقاء الحكم المستصحب وعدمه لا بد أن يرجع إلى الشك في موضوع
حكم العقل لان الجهات المقتضية لحكم العقل بالحسن والقبح كلها راجعة إلى قيود فعل
المكلف الذي هو الموضوع فالشك في حكم العقل ولو لاجل وجود الرافع لا يكون إلا الشك
في موضوعه ومن الواضع ان قوام الاستصحاب أن يكون الموضوع معلوم البقاء ولكن لا يخفى ان ما يؤخذ في
__________________
الموضوع تارة يكون
بنحو الوصفية والقيدية واخرى بنحو الشرطية ، فما كان من قبيل الأول بأن كان
المأخوذ في الموضوع أجنبيا عن ذات
__________________
الموضوع : كما لو
أخذ التغير وصفا فمع زواله من قبل نفسه وشك في بقاء النجاسة لا يجري فيه الاستصحاب
لأن الشك عندئذ يكون فى بقاء الموضوع ويشترط في الاستصحاب بقاء الموضوع ، وما كان
من قبيل الثاني بأن يكون من قبيل المعلول لذات الموضوع : مثل عنوان الضرر الذي أخذ
في الكذب الذي يحكم العقل بقبحه ، وكعنوان النفع الذي هو معلول لعنوان الصدق الذي
يحكم العقل بحسنه ، ففي مثله موضوع الحكم العقل بقبحه أو حسنه الذي يستكشف به
الحكم الشرعي هو ذات الكذب والصدق.
وأما عنوان الضرر
والنفع الموجبان للحكم بالقبح والحسن فلم يؤخذا قيدا وانما أخذا بنحو الجهة
التعليلية ، حيث أن ذات الكذب أو الصدق في مثل المورد قد أخذ مقدمة وعلة لتحقيق
هذا العنوان المحكوم بقبحه أو حسنه : فتكون ذات الكذب محكومة بالقبح بمقتضى المقدمية
قبحا غيريا ومحرما شرعيا ، وذات الصدق واجب شرعي غيري وحسن غيري ، وعليه إذا احتمل
زوال عنوان الضرر أو عنوان النفع كانت نفس الذات بعينها باقيا ، فلا يكون الشك في
بقاء حكمه الغيري لاجل الشك في بقاء الموضوع فيشمله دليل الاستصحاب.
ومما ذكرنا يظهر
بطلان ما يقال من أن القيود في الاحكام العقلية بجميعها ترجع إلى نفس الموضوع الذي
هو فعل المكلف ، فالشك في
__________________
بقاء الحكم
المستكشف من الحكم العقلي يرجع إلى الشك في بقاء موضوعه ولو كان لأجل الشك في
الرافع ، لما عرفت من أن دخل بعض القيود في الاحكام العقلية من الجهات التعليلية
لعروض الحسن والقبح على نفس الذات ، كما في مثل عنوان الضرر والنفع العارضين على
الصدق والكذب فان عروضهما موجب للحسن والقبح على نفس الذات بنحو الجهات التعليلية
لا بنحو الجهات التقيدية ، لما هو معلوم من أن هذه الجهات انما حصلت لكون الذات مقدمة
لها فتكون الذات مصداقا للمقدمية من دون أن يكون لعنوان المقدمية دخل في موضوع
الحكم فالموضوع حينئذ عبارة عن نفس الذات ففي مثله مما يقطع ببقائه في الزمان
الثاني حتى مع القطع بانتفاء قيد حكمه فضلا عما لو شك فيه ودعوى عدم جريان
الاستصحاب في الأحكام العقلية المستكشف منها الاحكام الشرعية من جهة عدم اتحاد
وحدة الموضوع في القضية المشكوكة والمتيقنة لقيام احتمال تغاير الموضوع فى كل مورد
يكون الشك فى بقاء الحكم الشرعي من جهة الشك في انتفاء ما له الدخل في موضوع الحكم
قطعا أو احتمالا من غير فرق بين الشبهة الحكمية أو الموضوعية مثلا لو حكم الشارع
على الصدق الضاد لكونه حراما واحتمل دخل ذلك الوصف في موضوع الحكم فالشك في بقائه
على المقدمية لا يجري فيه الاستصحاب لعدم احراز بقاء الموضوع في الزمان الثاني
ممنوعة إذ ذلك يتم على اعتبار وحدة الموضوع في القضية المشكوكة والمتيقنة على
اعتبارها بنحو الدقة العقلية وأما بناء على اعتبار الوحدة العرفية كما هو مرتكز في
أذهان المتشرعة في نظائره من أحكامهم العرفية بمناسبة الحكم للموضوع فلا قصور في
جريان الاستصحاب فكما أنه يجري الاستصحاب في الحكم الشرعي
المستكشف من
الدليل الشرعي كالموضوع المأخوذ في لسان الدليل كذلك يجري في الحكم المستكشف من
الدليل العقلي ودعوى أن الحكم العقلي منتف قطعا لعدم ادراكه فعلا مع الشك في ملاك
حكمه فغير ضائر بجريان الاستصحاب في الحكم الشرعي المستكشف منه لما هو معلوم ان
استتباع الحكم الشرعي للحكم العقلي انما هو في مقام الكشف والاثبات لا مقام الثبوت
وانما هو في هذا المقام تابع لتحقق ملاكه واقعا وبالجملة لا مجال للتفصيل في جريان
الاستصحاب بين كون دليل الحكم شرعيا أو عقليا.
مضافا إلى ان ذلك
بناء على المنع من جريان استصحاب الاحكام المستكشفة من الأدلة العقلية لأجل الشك
في بقاء الموضوع واما بناء على عدم جريانه من حيث مناط الحكم وموضوعه بأن يكون
مبنيا ومفصلا لعدم الحكم بشيء حسنا أو قبيحا إلّا بأن يتشخص موضوعه ويعرف ما له
الدخل في مناط حكمه مما لا دخل له فاذا كان مناط الحكم الشرعي وموضوعه هو مناط
الحكم العقلي وموضوعه فلا يتصور فيه الشك في البقاء حتى يجري فيه الاستصحاب ولكن
لا يخفى انه نمنع كون حكم العقل بالحسن والقبح لا بد أن يكون عن مناط محرز تفصيلا
بل كما يكون ذلك يمكن أن يكون عن مناط اجمالي كما عرفت سابقا.
فعليه لا مانع عن
تحقق الشك في بقاء المناط ولو مع العلم بانتفاء بعض ما له الدخل في العلم بوجوده
اجمالا فضلا عن الشك بانتفائه ولا ينافي ذلك انتفاء الحكم العقلي لعدم تحقق دركه
للمناط لانتفاء بعض ما له الدخل والجزم بانتفاء الحكم العقلي لا يضر بجريان
الاستصحاب في الحكم الشرعي المستكشف منه لأن بقاء الحكم الشرعي
ثبوتا تابع لبقاء
مناط القبح واقعا لا تابع لبقائه اثباتا هذا كله في استصحاب الحكم الشرعي المستكشف
من الحكم العقلي.
وأما استصحاب
الموضوع الذي حكم العقل بحسنه أو قبحه والشارع حكم بوجوبه أو حرمته فيجري استصحابه
إذا شك فيه من جهة بعض الامور الخارجية كما لو شك في بقاء وصف الاضرار في الكذب
الذي حكم بقبحه.
وأما لو شك من جهة
انتفاء بعض الخصوصيات التي يحتمل دخلها في الموضوع فالظاهر عدم جريانه في موضوعات
الاحكام في الشبهات الحكمية لرجوع ذلك إلى الشك في نفس الموضوع المردد بين الواجد
للقيد أو هو الاعم من الواجد والفاقد فيكون من قبيل دوران أمره بين ما هو مقطوع
البقاء وما هو مقطوع الارتفاع وذلك لا يجري فيه الاستصحاب إذ يكون من قبيل استصحاب
الفرد المردد.
نعم لو كان الاثر
مترتبا على ما تعنون بالعنوان الاجمالي. فيصح جريان الاستصحاب فيه إلّا ان المفروض
ان الاثر مترتب على ما هو معروض الحكم واقعا.
وعليه لا يشك في
بقائه هذا إذا كان الشك في بقاء الحكم العقلي من جهة الشك في بقاء قيديّته ، أما
إذا كان الشك في بقاء الملاك والمناط فتحقق الشك في غاية الامكان إذ من الممكن
دعوى عدم تحقق الحكم العقلي ولكن ذلك لا يوجب عدم تحقق الحكم الشرعي المستند إلى
الحكم العقلي فانه من الممكن الشك في تحقق مناط حكمه لما عرفت منا سابقا من امكانه
وتحققه فما يظهر من الشيخ الانصاري (قده) من استشكاله في استصحاب الاحكام العقلية
المستكشفة منها الشرعية من جهة الشك في بقاء الموضوع وصحة جريان الاستصحاب أو كان
بلسان الدليل
اللفظي إذ فيه يكون لسان الدليل نفس ذات الكذب والصدق وفى الدليل العقلي يكون
موضوعه القبح الضار وحسن النافع فعليه مع الشك لا معنى لبقاء الموضوع بخلاف النحو
الاول الذي يكون لسانه نفس الكذب والصدق فيكون الشك في العنوان لا يوجب الشك في
اصل الموضوع فلا مانع من استصحابه لبقاء الموضوع هذا لو كانت الملاحظة بالنسبة إلى
الموضوع بحسب الدقة واما لو كان لحاظه بحسب نظر العرف ، فيمكن دعوى عدم الفرق بين
ما يكون لسان الدليل لفظيا أو عقليا إذ يمكن أن يقال إنه بالنسبة إلى الحكم العقلي
تؤخذ القيود بنحو التعليل ويكون الموضوع نفس الذات مثلا ، إذ موضوع الحكم بالقبح
والحسن لاجل عنوان المضرية أو النافعية أخذا بنحو العلية فلا يكونان داخلين في
الذات وإنما أخذا عنوانين مشيرين إلى الذات كما هو بالنسبة إلى الدليل اللفظي نعم
حيث انهما مترتبان على الذات أوجبا ضيقا في اطلاق الذات فلا اطلاق في الذات لكي
يشمل فاقد القيد كما أن الذات ليست مقيدة بهما وبالجملة الذات في المقامين لم تقيد
بالقيود وانما الذات أخذت في لسان الدليل اللفظي غير مقيدة بها كما هو كذلك في
لسان الدليل العقلي فلا يكون الشك في تلك العناوين شكا في بقاء الموضوع فافهم.
«التفصيل بين الشك في المقتضى والرافع»
ثم ان الشيخ
الانصاري (قده) فصل بين الشك في المقتضي وبين الشك في الرافع فقال بحجية الثاني
دون الأول استنادا إلى أن تصحيح تعلق النقض باليقين لا المتيقن كما في قوله (ع) لا
تنقض اليقين بالشك يحتاج إلى وجود المقتضي للبقاء في المتيقن وحينئذ يكون النقض
واردا على اليقين باعتبار وحدة متعلق الشك واليقين وإلّا يلزم أن يكون اليقين
مجامعا للشك واستنادا الى ان صدق نقض اليقين بالشك انما يتحقق في زمان لاحق الذي
يقع الشك فيه في بقاء المتيقن ولازم ذلك أن يكون المتيقن له جهة استمرار لكي يتعلق
الشك بما تعلق به اليقين فيكون المتيقن في الزمان اللاحق كأنه متيقن الوجود من حين
حدوث اليقين لوجوده وقد انتقض اليقين به لعروض الشك في المتعلق فحينئذ يصح بذلك
النقض فاذا صح ذلك صح تعلق النهي به بقوله عليهالسلام لا تنقض اليقين بالشك . باعتبار البناء العملي
__________________
إلى غير ذلك من
الوجوه التي يستفاد من الاخبار وسيأتي إن شاء الله ان جميع ما ذكر لا يثبت التفصيل
المذكور واما التعرض لباقي الأقوال في المسألة فلا يهمنا التعرض لها.
__________________
وأما التفصيل بين
الشبهات الحكمية وبين الشبهات الموضوعية لجريان الاستصحاب في الثاني دون الأول
لتعارض استصحاب الوجودي مع استصحاب العدمي في موارد الشبهات الحكمية دون الموضوعية
__________________
بيان ذلك انه لو
علم بوجوب الجلوس في يوم الجمعة ثم شك في وجوبه يوم السبت فيستصحب الوجوب الثابت
يوم الجمعة ويعارضه استصحاب عدم الوجوب المتحقق يوم الخميس ودعوى عدم اتصال الشك
باليقين في غير محله إذ يوم الخميس يتيقن بعدم الوجوب وفي ذلك اليوم يشك في وجوب
الجلوس يوم السبت وأما بالنسبة إلى الموضوعات فليس للشارع دخل في الجعل فاذا
__________________
تيقن عدالة زيد ثم
شك في عدالته لا اشكال في جريان الاستصحاب وعدم معارضته للاستصحاب العدمي لعدم
تحقق ملاك المعارضة وأما التفصيل بين الشك في خصوص باب الطهارات حدثيا كانت أو
خبثيا
__________________
وباقي الاحداث
وبين غيرها فيكون الاستصحاب حجة في الاول دون
__________________
الثاني ومنشأ هذا
التفصيل هو أن موارد الاخبار الآتية هو باب الوضوء والطهارة عن الخبثية ويلحق بهما
غيرهما من أقسام الطهارات والاحداث بناء على كون اللام في (اليقين) هي لام العهد
وسيأتي ان شاء الله بطلان هذا الاحتمال وان الظاهر من اللام في اليقين هي لام
الجنس.
__________________
المقام الثاني :
في الأدلة التي
اقاموها على حجية الاستصحاب
هي امور :
الاول الاجماع :
فقد ادعى الاجماع على الحجية مطلقا أو في الجملة وفيه ما لا يخفى أنه لا مجال
للتمسك بالاجماع في مثل هذه المسألة التي علم أن مدرك المدعي للاجماع هو ما سيأتي
من الوجوه المختلفة من بناء العقلاء أو الاخبار أو دليل الانسداد أو غير ذلك ومن
المعلوم ان لا حجية لمثل هذا الاجماع المعلوم مدركه مضافا إلى عدم المجال لنقل
الاجماع في المسألة مع هذا الاختلاف العظيم بين الاصحاب التي عدت الأقوال فيها إلى
أحد عشر قولا بل يمكن أن يكون أكثر كما لا يخفى.
الثاني : التمسك
ببناء العقلاء :
بتقريب ان كافة
أفراد الانسان بالعمل على طبق اليقين السابق ما لم ينكشف الخلاف بل كافة أفراد
الحيوان وارتكازهم فضلا عن الانسان حيث نرى بالوجدان كل حيوان يخرج من مكانه بقضاء
وطره يرجع إليه عند الغروب مع احتمال خرابه بأسباب عارضه ويظهر ذلك بالوجدان لمن
نظر في أعمال البشر وحركاتهم وسكناتهم في معاملاتهم وتجاراتهم وزياراتهم لأصدقائهم
وأقربائهم وعياداتهم يرى انه تجرى على طبق الحالة السابقة وعد تلك سيرة متبعة
لكافة العقلاء وحيث لم يردع عنه الشارع فيكشف ذلك عن رضاه وفيه انه لا نسلم
استقرار بناء العقلاء بالعمل
على طبق اليقين
السابق في ظرف الشك في البقاء بما أنه كان على يقين سابق وشك لاحق بل لو كان في
مورد عمل بذلك أحد أما من جهة اليقين في البقاء والاطمئنان كما هو الغالب أو من
باب الاحتياط أو الغفلة كما هو الشأن في غير الانسان من سائر أنواع الحيوانات
وبالجملة لم يكن بناء العقلاء على ذلك بما أنهم شاكون ببقاء ما تيقنوا به سابقا
وعلى فرض تسليم ذلك انه يكفي للردع عنه الآيات الناهية عن العمل بغير العلم وما دل
على البراءة والاحتياط في الشبهات فلا وجه لاتباع هذا البناء ما لم ينكشف إمضاء
الشارع هذا على فرض كون بناء العقلاء العمل على طبق اليقين تعبدا من دون نظرهم على
الظن بالملازمة وأما بناء على كون بناءهم على ذلك من باب الظن فمرجع دعوى بناء
العقلاء إلى أن العقلاء من جهة استفادة الظن بالبقاء من جهة الملازمة الغالبية بين
الحدوث والبقاء قد استقر بنائهم على ذلك اللهم إلّا أن يقال بأن العمومات الناهية
عن العمل بما وراء العلم رادعه عن ذلك ودعوى عدم صلاحيتها للرادعية مع وجود هذا
البناء إذ ثبوت الردع من الشارع عن هذا البناء ينافي تحقق هذه السيرة حتى من
المتدينين ممنوعة بأن بناء العقلاء من المسلمين على شيء تارة يكون بما انهم مسلمون
وأخرى لا بما هم مسلمون بل انما هو بنائهم من العقلاء وأهل العرف والذي ينافى
وجوده مع الردع الشرعي هو الأول لا الثاني.
وحيث أن مقصودنا
من السيرة هي سيرة العقلاء الذين هم المسلمون فلا بد في تتميمها من التشبث بمقدمات
عدم الردع لاثبات امضاء الشارع إلّا أن الكلام اثبات ان السيرة المذكورة بسيرة
المسلمين بما هم كذلك وأثبت بعض الأعاظم (قده) أن هذه السيرة العقلائية ليس العمل
بها عملا بما وراء العلم لخروجها عن ذلك بالتخصص فتخرج مواردها عن
موضوع تلك النواهي
كما هو كذلك بالنسبة إلى الطرق والامارات حيث انها لما كان مفادها تتميم الكشف
واثبات العلم بالواقع تكون خارجة عن موضوع الآيات الناهية عما وراء العلم فيكون
خروجها بالتخصص ممنوعة بأن ذلك يتم بالنسبة إلى الطرق والامارات كظواهر الالفاظ
ونحوها لا في مثل المقام الذي هو من قبيل الاصول المقررة عند العقلاء في ظرف الجهل
بالواقع فان بنائهم على الاخذ بالحالة السابقة لا يخرج المورد عن كونه عملا بغير
العلم.
نعم لو كان بنائهم
على ذلك من باب الامارية نظير العمل بخبر الواحد كان لهذه الدعوى مجال وليس لنا
طريق إلى اثباته اذ لازمة كون الاستصحاب من قبيل الامارات مع انك قد عرفت أنه من
قبيل الاصول وبالجملة عدم اعتبار السيرة العقلائية في المقام على الاخذ في الحالة
السابقة ولو كانت هذه السيرة أقوى من العمل بخبر الواحد إذ الاقوائية لا أثر لها
ما لم يحصل امضاء من الشارع ولو بواسطة مقدمات عدم الردع ومع صلاحية الآيات
الناهية للرادعية لا معنى لكشف امضاء الشارع لها فما ذكره الاستاذ (قده) في
الكفاية في المقام من صلاحية الآيات الناهية للرادعية عن السيرة العقلائية في
المقام بخلاف حجية خير الواحد من دعوى عدم صلاحيتها للرادعية فيه فهو في محله إذ
فرق بين المقام وخبر الواحد اذ عدم رادعية الآيات في خبر الواحد انما هو من جهة
قيام السيرة العقلائية على تتميم الكشف واثبات العلم بالواقع الموجب لخروج مواردها
عن موضوع تلك النواهي بخلاف المقام فان بنائهم على الاخذ بالحالة السابقة لا بنحو
الامارية ولذا عد من الاصول وسره أن الظاهر من «لا تقف ما ليس لك به علم) هو عدم
العلم بالواقع لا الاعم من الواقع والظاهر ، إذ ان
دليل حجية الخبر
رفع الشك بالواقع وفي المقام رفع الشك بحكم الشك وعليه يشمله أدلة الردع. كما لا
يخفى.
الثالث : الأخبار
المستفيضة منها صحيحة زرارة الأولى وإضمارها غير مضر مع كون الراوي مثل زرارة.
قال : قلت له : «الرجل
ينام وهو على وضوء أيوجب الخفقة والخفقتان عليه الوضوء» قال (ع) : يا زرارة قد
تنام العين ولا ينام القلب والاذن فاذا نامت العين والاذن فقد وجب الوضوء. قلت فان
حرك في جنبه شيء وهو لا يعلم قال (ع) «حتى يتيقن انه قد نام حتى يجيء من ذلك أمر
بين وإلّا فانه على يقين من وضوئه ولا ينقض اليقين أبدا بالشك ولكن ينقضه بيقين
آخر». وفقه الحديث ان سؤال الراوي عن الخفقة والخفقتين يحتمل الوجهان :
أحدهما أن يكون من
جهة الشبهة المصداقية بأن يعلم مفهوم النوم بتمام حده وانه عبارة عما يوجب السكون
خصوصا القلب ولكنه شك في ان الخفقة والخفقتين مما يكون لهما امارية على ذلك وانه
هل يكشف بها حصول النوم الذي يعلم بأنه ناقض قطعا بجميع مراتبه أم لا وهذا خلاف
ظاهر جواب الامام (ع) بأنه قد تنام العين فانه يظهر منه ان الخفقة من مراتب النوم
غايته انه نوم للعين وان ما يوجب الوضوء ليس هو مجرد نوم العين فقط مع أن قول
الرجل ينام ظاهر السؤال عن حكم الخفقة بعد الفراغ عند تحقق النوم.
وثانيهما من جهة
الشبهة في مفهوم الحكم اما من جهة الشك في أن النوم بجميع مراتبه ناقض أو انه خصوص
مرتبة خاصة ناقضة وهو نوم القلب الملازم لنوم جميع القوى بعد الفراغ عن كون الخفقة
أيضا نوم في الجملة فمرجع السؤال حينئذ إلى السؤال عن ناقضية النوم مطلقا
أو خصوص مرتبة فيه
فتكون الشبهة شبهة حكمية.
وأما من جهة الشك
في المفهوم على هذه المرتبة من جهة عدم الاطلاع بجميع حدود المفهوم مع القطع بأنه
جميع مراتبه ناقض فتكون الشبهة راجعة إلى الشك في صدق المفهوم فتكون حكمية أيضا
وهذا هو الاظهر بقرينة جواب الامام بأنه قد تنام العين إلى آخره إلّا ان السائل
لما علم من جواب الامام بأن المدار على نوم القلب والاذن لا نوم العين فقط وجه
السؤال بقوله فان تحرك في جنبه شيء وهو لا يعلم إلى آخره بأن يكون راجعا إلى
السؤال عن الشبهة الموضوعية كان يكون معناه. بعد الفراغ عن المدار هو نوم القلب
والاذن فهل يمكن استكشاف نوم الاذن بعدم دركه مع تحريك شيء معين في جنبه اللهم إلا
أن يكون راجعا إلى الشبهة الحكمية وهو بأن يكون المقصود هو السؤال عن أن نوم الاذن
بجميع مراتبه ناقض ولو من جهة ملازمته لنوم القلب حتى بمرتبة ضعيفة منه أو أن
الناقض منه هو مرتبة خاصة وعلى كل حال ينطبق ذيل الرواية على قاعدة الاستصحاب مع
فرض الموضوع وهو الوضوء السابق إلا انه يشكل بأن ذلك ليس قابلا للبقاء قطعا بما هو
الفعل المخصوص مع أن المعتبر في الاستصحاب هو الشك في البقاء إلا أن يراد من
الوضوء هو الاثر الحاصل منه الذي يكون قابلا للبقاء والنقض بالطهارة مثلا ولكن يرد
على الراوي أحد الاشكالين.
وهو انه لو كان
فرض السؤال عن الشبهة الموضوعية في تحقيق مصداق النوم الناقض كان الحق في الجواب
هو استصحاب عدم تحقق النوم وتطبيق لا تنقض اليقين في الشك على اليقين السابق بعدم
النوم والشك في تحققه لان الشك في بقاء الوضوء مسبب عن الشك في تحقق
وجود النوم الناقض
ولا اشكال في تقديم استصحاب السبب على المسبب مضافا إلى عدم جريانه في فرض السؤال
حيث أن الشبهة حكمية لدورانه بين ما هو مقطوع البقاء ومقطوع الارتفاع فيكون من
قبيل دوران الأمر بين الاقل والاكثر.
حيث أن الاثر
الشرعي الذي هو وجوب الوضوء يترتب على واقع النوم الحاكي عنه للمفهوم وقد تردد بين
ما يقطع ببقائه لصدقه على مرتبة من النوم وهو نوم الاذن وبينما يقطع بعدم تحققه
وهي المرتبة الاخرى بأن ينطبق على نوم القلب كما هو شأن جميع المفاهيم المجملة
وعليه لا شك في البين لكي يجرى الاستصحاب وحينئذ لا ينطبق جواب الامام (ع) عليه
فان المستفاد من الجواب أن الامام (ع) أرجعه إلى ابقاء الحالة السابقة الذي هو
مجرى الاستصحاب ولا يكون مجراه إلا في مورد الشك فعليه لا يمكن الفرار من هذا
الاشكال إلّا جعل فرض السؤال في الشبهة الموضوعية على أنه يمكن أن يقال بعدم جعل
المقام من السبب والمسبب.
حيث أن قضية
الطهارة والنجاسة إنما هما من الأمور الواقعية التي كشف عنها الشارع وحينئذ لا يكن
الوضوء مسببا عن عدم النوم وانما يكونان من الامور المتلازمة فلا يكون أحدهما
مسببا عن الآخر.
ولو سلمنا ان
الوضوء متفرع من عدم النوم إلّا أنه يعد من لوازمه فاثبات الوضوء باستصحاب عدم
النوم يعد من الاصول المثبتة التي لا نقول بها وبالجملة ليس بينهما سببية ومسببية
لكي يقال أن الاستصحاب في السبب مقدم على الاستصحاب في المسبب.
على أن تطبيق
الرواية على عدم النوم بتقريب أن المستفاد من قوله (ع) لا ، حتى يستيقن أنه قد نام
، ان المراد من اليقين هو
عدم النوم وابقاؤه
إذ ابقاء اليقين بعدم النوم وحيث أن عدم النوم ينطبق على عدم وجوب الوضوء عليه لما
بينهما من شدة الملاءمة فيكون عدم وجوب الوضوء كناية عن عدم تحقق سببه وهو النوم
محل نظر.
اذ ذلك خلاف ظاهر
الرواية حيث إن ظاهرها في مقام تطبيق قوله (ع) حتى يستيقن على استصحاب الوضوء دون
عدم النوم ويظهر ذلك من سؤال الراوي عن وجوب الوضوء عليه مع تحقق مرتبة منه وهو
نوم الاذن فأجابه بما هو نتيجة الاستصحاب أي عدم رفع اليد من اليقين بالوضوء ما لم
يعلم بتحقق رافعه الذي هو النوم والحدث.
مضافا إلى انه
خلاف ما تقتضيه الأدلة الدالة على وجوب الوضوء عند تحقق هذه الاحداث الظاهرة في
كونها بنفسها من موجبات الوضوء ولذا جرى الاصحاب على جعلها من موجبات الوضوء كما
هو ظاهر.
وكيف كان فلا يضر
ما ذكرنا من الاشكال في الرواية بما هو المهم لنا من صحة الاستدلال بها فانها على
كل حال دالة على الاستصحاب نعم قد يشكل على الاستدلال بها لحجية الاستصحاب مطلقا
بأن الاستدلال يتم لو كان الاستدلال بها لحجية الاستصحاب مطلقا بأن الاستدلال يتم
لو كان المراد من اليقين في الكبرى المذكورة في كلام الامام عليهالسلام هو لام الجنس بأن يكون المعنى أنه لا يجوز نقض مطلق اليقين
بالشك به ومن المعلوم أن حمل اللام على الجنس يتوقف على أن لا يكون هناك ما يصلح
اشارة إليه وإلا فمع معهودية أمر في البين لا يتم الحمل على الجنس لان الوجه في
الحمل على الجنس هو مقدمات الحكمة في ناحية المدخول.
ولا تتم تلك
المقدمات إلا فيما اذا لم يكن قدر متيقن في البين ومعهودية بعض الافراد يوجب تيقن
ذلك الفرد فلا تتم مقدمات الحكمة ولا يتم الحمل على الجنس المفروض سبق ذكر اليقين
بالوضوء في
الصغرى يوجب
معهودية خصوص هذا اليقين فحينئذ تكون اللام في اليقين الكبرى أيضا اشارة إليه
فيثبت بذلك ضرب قاعدة الاستصحاب في خصوص باب الوضوء ويلحق به باقي الطهارات من جهة
عدم القول بالفصل.
فلا يمكن حينئذ
اثبات الاستصحاب بالنسبة إلى ساير الابواب ، وتوهم أنه مع تسليم كون اللام للعهد
يمكن أيضا الغاء الخصوصية باعتبار امكان كون قوله (وضوؤه) متعلقا بالظرف أعني (على)
بمعنى أن متعلقه بما يتعلق به (على) فيكون اليقين حينئذ أيضا مطلقا فان معناه أنه
استقر من قبل وضوئه على يقين فيكون اليقين في الكبرى أيضا مطلقا. مدفوع إذ على فرض
كون من وضوئه متعلقا بالظرف دون اليقين ولم يكن اليقين حينئذ مقيدا بالوضوء ، ولكن
حيث انه كان مسببا عن ناحية الوضوء فلا يمكن أن يكون له أيضا اطلاق يشمل غير
الوضوء فيكون فيه نتيجة التقيد وهذا المقدار يكفي في عدم كون اليقين في الكبرى غير
شامل لغير باب الوضوء ، كما لا يخفى ، فالحق في الجواب عن هذا الاشكال بوجهين :
الأول : كون
الظاهر من اليقين في الكبرى هو مطلق اليقين لكل شيء من جهة كون ظاهره تطبيق الامام
(ع) على الموارد والامام (ع) اكتفى بما هو في ذهن السائل من الكبرى وعدم اختصاصها
بباب دون باب ويشهد لذلك تطبيق تلك الكبرى في موارد في غير واحد من الاخبار كما
سيجىء.
الثاني :
على فرض تسليم كون
اللام للعهد وكون مفاد الكبرى هو ضرب
قاعدة في باب
الوضوء ولكن من جهة تنقيح المناط القطعي يتعدى إلى غير باب الوضوء أيضا :
بيان ذلك : أنه لو
بنينا على أن المراد باليقين هو المتيقن وان المراد هو عدم نقض المتيقن بالشك في
بقائه ، فلا يمكن التعدي في باب الوضوء ، إلى غيره بناء على العهدية لعدم تنقيح ما
هو المناط في عدم جواز نقض المتيقن الذي هو الوضوء بالشك ،
وأما لو بنينا على
أن المراد من اليقين نفسه وانه يحرم نقض اليقين بالشك ولو كان المورد هو نقض
اليقين المضاف إلى الوضوء ولكن من المقطوع في نظر العرف أن المناط في حرمة النقض
هو كون اليقين من الامور التي لا يمكن رفع اليد عنها بمجرد الشك وانه من الامور
المستحكمة التي لا تزول بتشكيك مشكك وليس أمره كمطلق القطع الزائل بادنى تشكيك
وحينئذ اضافته الى الوضوء والى شيء آخر ليس له دخل في هذا المناط مطلقا فاذا لم
يكن المناط الا ما هو قائم بنفس ذات اليقين فلا بد من التعدي إلى كل مورد ذي يقين
ولو كان مضافا الى غير الوضوء أيضا فتحصل مما ذكرنا أن كون اللام في اليقين
__________________
هو للجنس لا
المعهد وفاقا للشيخ الأنصاري (قده) لشيوع استعماله في الجنس أو لتجريد اضافة
اليقين من الوضوء أو لتنقيح المناط ،
__________________
إلا أنه يرد عليه
إيرادان :
الأول : ان لازم
ذلك اجراء الاصل المسببي مع وجود الأصل السببي حيث انه يستصحب بقاء الوضوء مع انه
مسبب عن الشك في
__________________
النوم الجاري فيه
استصحاب عدم النوم الحاكم على استصحاب بقاء الوضوء وعليه لا يبقى : مجال لاستصحابه.
__________________
الثاني : ان
الوضوء لما كان عبارة عن الغسلتين والمسحتين فلا يعد من الأمور القارة لكي يستصحب
وانما هو من الامور غير القارة ولكن لا يخفى ان كلا الايرادين لا وجه لهما.
أما عن الأول :
فلا يرد حيث انه من الفرد المردد بينما هو مقطوع الوجود ومقطوع الانتفاء لما عرفت
من أنه إذا صدق النوم على نوم الاذن فقط.
فهو مقطوع الوجود
واما على تقدير صدقه على نوم القلب فهو مقطوع العدم ومع هذا التردد بينما هو مقطوع
الوجود ومقطوع العدم فلا يجري فيه الاستصحاب أي استصحاب بقاء الوضوء كما هو شأن
جميع المفاهيم المرددة بين الاقل والاكثر كالشك في الرضاع المحرم المتحقق في عشر
رضعات فانه لا مجال لجريان اصالة عدم تحقق الرضاع لعدم ترتب أثر شرعي على المفهوم
منه لتردد ما له الاثر الشرعي بينما هو مقطوع بتحققه وبينما يقطع بعدم تحققه.
ولا يقاس المقام
بباب الكلي المردد بين فردين أحدهما مقطوع الارتفاع وبينما هو مقطوع البقاء كالحدث
المردد بين الاصغر والاكبر للفرق بين المقامين حيث ان الأثر في الكلي مرتب على كلي
الحدث بخلاف المقام وأما عن الثاني فالمراد من الوضوء هو الأثر المترتب عليه لا
خصوص المسحتين والغسلتين وعليه هذا الأثر هو الباقي ومع الشك في بقاءه فيستصحب ولا
مانع منه كما لا يخفى.
صحيحة زرارة الثانية
ومنها صحيحة أخرى
لزرارة مضمرة (قال : قلت له (ع) : أصاب ثوبي دم رعاف أو غيره أو شىء من المني ،
فعلمت أثره إلى ان اصيب له الماء فأصبت فحضرت الصلاة ونسبت أن بثوبي شيئا ، وصليت
، ثم اني ذكرت بعد ذلك قال (ع) : تعيد الصلاة وتغسله قلت : فان لم أكن رأيت موضعه
وعلمت أنه أصابه فطلبته فلم أقدر علية فلما صليت وجدته قال (ع) : تغسله وتعيد. قلت
فان ظننت أنه أصابه ولم أتيقن ذلك فنظرت فلم أر شيئا.
فصليت فيه فرأيت
فيه؟ قال (ع) تغسله ولا تعيد الصلاة ، قلت : لم ذلك؟ قال (ع) : لانك كنت على يقين
من طهارتك فشككت ، فليس ينبغي لك ان تنقض اليقين بالشك أبدا ، قلت : فانى قد علمت
أنه قد أصابه ولم أدر أين هو فاغسله؟ قال (ع) : تغسل من ثوبك الناحية التي ترى انه
قد أصابها حتى يكون على يقين من طهارتك. قلت : فهل علي ان شككت انه أصابه شيء ان
انظر فيه؟ قال (ع) : لا ، ولكنك انما تريد أن تذهب بالشك الذي وقع من نفسك. قلت :
ان رأيته في ثوبي وأنا في الصلاة؟ قال (ع) : تنقض الصلاة وتعيد اذا شككت في موضع
منه ثم رأيته ، وان لم تشك ثم رأيته رطبا ، قطعت الصلاة وغسلته ، ثم بنيت على
الصلاة ، لانك لا تدري لعله شيء أوقع عليك ، فليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشك).
والكلام يقع في
تحليل قفرات الرواية ، أما قوله (قلت له أصاب ثوبي
دم رعاف أو غيره
أو شيء من المني ، فعلمت أثره الى أن اصيب الماء فحضرت الصلاة ونسيت أن بثوبي شيئا
، وصليت ، ثم اني ذكرت بعد ذلك؟ قال (ع) : تعيد الصلاة وتغسله).
وهذه الفقرة صريحة
في صورة نسيان النجاسة ، وانها ظاهرة في وجوب الاعادة في تلك الصورة لظهور جملة
الخبرية في الوجوب ، لكنه تعارض بعض الأخبار ، وان كان قد عمل المشهور بظاهر أخبار
وجوب الاعادة ، والكلام في هذه الفقرة يحتمل وجوها.
الأول :
انه يعد الفحص قد
بقي على علمه الاجمالي الاول ، ولكنه لم يصب موضع النجاسة تفصيلا :
الثاني :
انه بالفحص قد زال
علمه ، فعرض له الشك.
الثالث :
أنه قد تبدل علمه
بالاصابة بالعلم بالعدم وقد يؤيد ذلك بأنه كيف يدخل في الصلاة مثل زرارة مع العلم
بالنجاسة ولو اجمالا ، أو مع الشك بها ولكن التأييد بها ممنوع باحتمال كون النجاسة
الغير المعلومة غير مانعة بحسب الواقع. وقد سأل عن ذلك. وأما الدخول في الصلاة
فلعله كان برجاء الواقع والاظهر من هذه الاحتمالات هو الاحتمال الأول فيشكل على
الرواية بانه بعيد عن مثل زرارة انه لا يعلم حكم صورة العلم بالنجاسة ، وهو بطلان
الصلاة ومن هذه الجهة قد
حملها بعضهم على
صورة تبدل علمه بالشك وان كان دخوله في الصلاة من جهة بناء على استصحاب الطهارة
السابقة وهو يعيد عن ظاهر الرواية جدا كما أن احتمال علمه بالعلم بالعدم أبعد من
مساق الرواية «قلت فان ظننت أنه قد أصابه ولم أتيقن ذلك ، فنظرت فلم أر شيئا فصليت
فرأيت فيه قال تغسله ولا تعيد الصلاة قلت : لم ذلك : قال لانك كنت على يقين من
طهارتك ، وشككت ، فليس لك أن تنقض اليقين بالشك أبدا» وهذه الفقرة أيضا تحتمل وجوها :
__________________
الأول : انه بعد
الفحص علم بالعدم ، وإن قوله فلم أر كناية عن العلم بالعدم كما هو الغالب بعد
الفحص وعدم الوجدان ، ثم وجد بعد الصلاة تلك النجاسة المظنونة قبل الشروع فكان
دخوله في الصلاة من جهة القطع بعدم النجاسة ، وعلى هذا تنطبق هذه الفقرة على قاعدة
الاستصحاب لا على قاعدة اليقين ضرورة أن المورد من موارد حصول اليقين بعد اليقين
الآخر ومن المعلوم ان حصول الشك من اركان كلا القاعدتين ولكن هذا الاحتمال مدفوع
بتعليل الامام (ع) لعدم الاعادة بقوله لانك كنت على يقين من طهارتك فشككت.
الثاني : في أن
يحصل له القطع بالعدم أيضا ولكن بعد الصلاة لما رأى النجاسة حصل له الشك في انها
هل هي التي ثبتت عليه قبل الصلاة أم نجاسة حدثت جديدة ، فيكون شكه ساريا الى
اليقين الحاصل قبل الصلاة من جهة الفحص بعدها فيكون مفاد الخبر حينئذ قاعدة اليقين
والشك الساري ولكن لا يخفى الظاهر أن المراد هو اليقين الحاصل بالفحص المنطبق على
اليقين بالطهارة قبل الظن بالاصابة فينطبق على قاعدة الاستصحاب أيضا ولو حملت
الرواية على هذا الاحتمال لم يرد عليه شيء من الاشكالات لانه على هذا الاحتمال لما
__________________
حصل له القطع
بالعدم بعد الفحص لم يجر في حقه استصحاب عدم النحاسة قبل الصلاة لزوال شكه في
القطع بالعدم ولكنه بعد الصلاة لما وجد فيه النجاسة واحتمل أن تكون هي النجاسة المشكوكة
قبل القطع بالعدم ، فمن الآن زال عنه القطع السابق بالعدم فيبقى اليقين بالطهارة
السابقة قبل الظن بالاصابة والشك بحدوثها قبل الصلاة فيجرى في حقه الاستصحاب بلا
محذور أصلا وسؤال زرارة بعد جواب الامام بأن لا تعيد بقوله ولم ذلك : لعله كان من
جهة تخيله بأن اليقين الحاصل في البين كان مانعا عن استصحاب الطهارة بعد الصلاة
كما أنه كان مانعا عن استصحاب الطهارة قبلها فأجاب عنه الامام بأن ليس بمانع (لانك
كنت على يقين فشككت ... الخ).
ولا منافاة لهذا
المعنى مع ما سيجيء من معنى الفقرات الأخر وأما مع الغض عن هذا الاحتمال فلا يخلو
الاحتمال الثالث عن اشكال.
الوجه الثالث ان
لا يحصل له بعد الفحص القطع بالعدم بل صار باقيا على شكه بالاصابة فيكون المراد من
اليقين بالطهارة قبل الظن بالاصابة ولكن حيث وجد النجاسة بعد الصلاة احتمل أن تكون
تلك النجاسة المظنونة قبل الصلاة واحتمل أن يكون قد حدث حدث بعدها فيكون الخبر
دليلا على الاستصحاب وهذا الاحتمال وان كان أيضا سالما عن الاشكال السابق ولكنه لا
يناسب الوجه في سؤال زرارة عن العلة وذلك لان المفروض على هذا ان رؤية النجاسة بعد
الصلاة مع الشك في طهارة الثوب قبل الصلاة والمفروض انه دخل في الصلاة مع الشك في
الطهارة قبل الصلاة دخل ولو من جهة ارتكاز الاستصحاب في ذهنه وانه بعد الصلاة
والرؤية أيضا لم ينكشف الخلاف فلا يبقى
مجال للسؤال أصلا
فضلا عن سؤال العلة نعم لا يرد عليه ما يرد على الاحتمال السابق.
الوجه الرابع
الغرض بحاله ولكن بعد الصلاة لما علم بالنجاسة حصل له القطع بكونها من المضنونة
قبل الصلاة وعلى هذا الاحتمال كان الخبر أيضا دليل الاستصحاب بلحاظ اليقين ، أو
الشك قبل الصلاة وقد ادعى أقربية هذا الاحتمال بدعوى ان الوجه في سؤال زرارة عن
العلة في عدم الطهارة انه كان المرتكز في ذهنه هو الاستصحاب قبل الصلاة من جهة
اليقين والشك قبلها ولكن بعد الصلاة لما علم يكون هذه النجاسة هي النجاسة قبل
الصلاة فقد علم بأنه قد انتقض اليقين بالطهارة قبل الصلاة باليقين بالنجاسة في حال
الصلاة ولكن يرد على الرواية بأنه لا موقع لتطبيق قاعدة الاستصحاب في مقام الجواب
عن هذا السؤال وذلك لان المعلل هو عدم الاعادة ومن المعلوم ليست نقضا لليقين
السابق بالطهارة بالشك بل باليقين كما عرفت وتوهم بأن جواب الامام بالاستصحاب
بلحاظ حال قبل الصلاة وان الوجه في عدم الاعادة هو الاستصحاب قبل الصلاة لان من
آثاره قبل الصلاة عدم وجوب اعادة تلك الصلاة لان الأجزاء وعذم الاعادة من أثار
وقوع الصلاة مع الطهارة الواقعية فيترتب على الطهارة المستصحبة أيضا مدفوع بأن عدم
الاعادة من الآثار العقلية لاتيان المأمور به لا من الآثار الشرعية فلا يترتب على
استصحاب الطهارة إلا على الأصل المثبت :
وأما قولهم ان الاستصحاب
كان بلحاظ حال قبل الصلاة فصحة التعليل يكون باقتضاء الأمر الظاهري للاجزاء فهو
وإن كان ذلك مفروضا عند الراوي كان موجبا لصحة التعليل ولكنه مدفوع بأن
ذلك يصح لو كان
لأجل اجزاء الامر الظاهري عن الأمر الواقعي إلا انه لا يلتزم به أحد مضافا الى انه
ينافي ما هو الوجه لسؤال السائل وهو العلم بثبوت النجاسة قبل الصلاة وان الصلاة
وقعت بالنجاسة واقعا فأجاب عليهالسلام بقوله لا يعيد.
هذا وقد ذهب صاحب
الكفاية (قده) الى كون الشرط في المقام شرطا علميا وقد أوضح ذلك بعض الاعاظم وقال في المقام ثلاث طوائف من
الأخبار الأول ما دل على شرطية الواقعية على الاطلاق وان
__________________
الطهارة عن
الخبثية كالطهارة عن الحدثية شرط واقعي في الصلاة الثانية : ما دل على كونها شرطا
علميا للصلاة بمعنى أن العلم بالنجاسة وعدم الطهارة مانع ثالثها هذه الصحيحة فانها
من جملة تلك الاخبار الواردة في هذا الباب ومقتضى الجمع العرفي بين تلك الاخبار هو
أن تكون الطهارة عن الخبثية شرطا علميا في حال الغفلة دون حال الالتفات فهي ليست
شرطا واقعيا محضا ولا شرطا علميا كذلك بل هي برزخ
__________________
بين الامرين بمعنى
كونها واقعيا اقتضائيا علميا احرازيا فباعتبار كونها شرطا واقعيا اقتضائيا يصح
جريان الاستصحاب فيها فلا يرد عليه بأنه لو لم يكن شرطا واقعيا فلا يجر فيه
الاستصحاب لانها ليست ذات أثر شرعي ولا موضوع ذا أثر شرعي وباعتبار انه ليس شرطا علميا
على الاطلاق بل هو كذلك في حال الالتفات فهو شرط علمي احرازي وبه يندفع ما يقال من
أن المتفق عليه هو التعليل بعدم العلم في حال الغفلة لا بالاستصحاب فان المتعين
حينئذ هو التعليل بالاستصحاب فانه محرز
__________________
للشرط لا بعدم
العلم وباعتبار انه شرط واقعي محض يندفع ما يقال من أن الاعادة ليست نقضا لليقين
بالشك بل نقض اليقين باليقين على أنه أيضا ينافي ما هو الوجه في جهة سؤال الراوي
عن علة عدم الاعادة حيث ان المرتكز في ذهنه لما تيقن وقوع الصلاة في النجاسة هو
وجوب الاعادة في صورة كشف الخلاف.
فلذا يسأل عن علة
عدم الاعادة فأجابه بالاعادة بتطبيق قاعدة الاستصحاب في حقه بلحاظ حال قبل الصلاة
فانه لا ينافي ما هو جهة السؤال على الاحتمال الثاني من أن النظرية هو تطبيق
الاستصحاب بلحاظ حال ما بعد الصلاة وعلى كل تقدير لا يضر بها مثل هذه الاشكالات
على بعض الاحتمالات في ظهور الاستدلال بالرواية على الاستصحاب ثم قال الراوي قلت
فاني قد علمت أنه قد أصابه ولم أدر أين هو فاغسله قال تغسل من ثوبك الناحية التي
ترى أنه قد أصابها حتى تكون على يقين من طهارتك.
وهذه الفقرة في
بيان العلم الاجمالي بالنجاسة يوجب غسل جميع
__________________
اطراف الشبهة
المحصورة ولا اشكال فيه (قلت فهل على إن شككت ان اصابه شيء أن انظر فيه قال لا
ولكنك انما تريد أن تذهب بالشك الذي وقع في نفسك قلت ان رأيته في ثوبي وانا في
الصلاة قال تنقض الصلاة وتعيد اذا شككت في موضع منه ثم رأيته).
والمراد من هذه
الفقرة مورد شك في النجاسة قبل الصلاة مع كونه متيقنا بالطهارة قبله ثم علم في
أثناء الصلاة كان من الاول نجسا فيجب عليه الاعادة لعدم وقوع الصلاة في النجاسة
وهذه تنافي الفقرة السابقة بناء على الاحتمال الرابع وعلى كل حال تلك التوجيهات
المتقدمة محل نظر بخلاف ما قويناه من الاحتمال الثاني كما هو ظاهر ثم قال (وان لم
تشك ثم رأيته رطبا قطعت الصلاة وغسلت ثم بنيت على الصلاة وغسلت ثم بنيت على الصلاة
لانك لا تدري لعله شيء أوقع عليك فليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشك).
وهذه الفقرة ظاهرة
في مورد عدم حصول الشك له قبل الصلاة أصلا بل كان على يقين بالطهارة وفي الاثناء
رأى النجاسة رطبة فشك في أنها كانت قبل الصلاة أو حدثت في الاثناء فيكون من مورد
قاعدة الاستصحاب ، فلذا أجابه (ع) بلا تنقض اليقين بالشك فدلالة الخبر على قاعدة
الاستصحاب مما لا اشكال فيه.
ومنها صحيحة ثالثة
لزرارة في شك ركعات الصلاة (وإذا لم يدر في ثلاث هو أو في أربع وقد أحرز الثلاث
قام ، فأضاف إليها اخرى ولا شيء عليه ولا ينقض اليقين بالشك ولا يدخل الشك في
اليقين ولا يخلط أحدهما بالآخر ولكنه ينقض الشك باليقين ويتم على اليقين فيبني
عليه ولا يعتد بالشك في حال من الحالات) يقع الكلام فيها تارة في أصل دلالة
الرواية على الاستصحاب وأخرى في مقدار دلالتها
من حيث عمومها
لجميع الموارد واختصاصها بموردها وهو الشك في الركعات.
أما المقام الأول
فقد أشكل على دلالتها بأن ظاهرها هو البناء على الأقل والاتيان بالركعة المشكوكة
متصل بلا تشهد ولا تسليم معللا بحرمة نقض اليقين بالشك ، وهو موافق لمذهب العامة
دون الخاصة فيكون محمولا على التقية من حيث العلة والمعلول فالحكم على لزوم البناء
على الأفل والقاعدة المعلل بها كلاهما موافقان للتقية فعليه لا يكون دليلا على
الاستصحاب.
ولكن لا يخفى ان
الحكم بالبناء على الأقل كما هو ظاهر الرواية من قوله (قام وأضاف اليها أخرى وان
كان على مذهب العامة) فيكون محمولا على التقية إلّا ان ذلك في تطبيق القاعدة
المعلل بها على مورد التقية من دون أن تكون نفس القاعدة موردا للتقية فتكون
__________________
القاعدة في مقام
بيان الحكم الواقعي إلّا أن تطبيقها على المورد كان بنحو التقية كما هو كذلك في
حديث الرفع حيث طبقه (ع) تقية على الحلف بالطلاق والعتاق والصدقة لا يضر ذلك
بمشروعية اصل الكبرى ان قلت اننا نعلم اجمالا انه كان في البين تقية أما في تطبيق
القاعدة مع كونها بنفسها قاعدة واقعية وأما في نفس القاعدة مع كون تطبيقها لبيان
الحجة الواقعية.
__________________
لانه بعد فرض كون
نفس القاعدة صدرت تقية وعلى مذهب العامة كان تطبيقها على المورد واقعيا لا تقية ، ومع
هذا العلم الاجمالي لا تجرى أصالة عدم التقية في نفس القاعدة للمعارضة. قلنا ان
هذا العلم الاجمالي ينحل انحلالا حكميا إلى العلم التفصيلي والشك البدوي ومع هذا
كله فان اصالة عدم التقية.
__________________
لا تجري في
التطبيق على كل حال لعدم الاثر لها لأنا نقطع بأن
__________________
الحكم على مذهب
الخاصة ، ليس على مورد الرواية فحينئذ يبقى أصل عدم التقية في أصل صدور القاعدة لا
يعارض فحينئذ يتم الاستدلال بالرواية على حجية الاستصحاب ولو لم يكن تطبيقها في
موردها حجة لكونه تقية.
وقد يقال أيضا كما
عن الوافي بأنه لا مساس للرواية بباب الاستصحاب وحاصله انه إذا حصل للمكلف الشك
بين الثلاث والاربع
__________________
وهنا احتمالان :
الأول : ان يقطع
صلاته ويرفع اليد عما أتى به بسبب الشك في الرابعة.
الثاني : يبني على
الأربع ويتمه ولم يأت بشيء بعده فتكون صلاته مركبة من المتيقنة وهي الثالثة
والمشكوكة وهي الركعة الرابعة.
الثالث : أن يبني
على الأقل ويأتي بالمشكوكة موصلة.
الرابع : أن يبني
على الاقل أيضا ويأتي بالمشكوكة منفصلة بعد التشهد والتسليم والامام (ع) قد رفع
الاحتمال الأول بقوله ولا ينقض اليقين بالشك أي يقطع الثلاث المتيقن بسبب الشك
والثاني بقوله : ولا يدخل الشك باليقين أي لا يدخل المشكوك في المتيقن.
فيبقى الاحتمالان
الآخران فيكون المصلي مخيرا بينهما فعلى هذا فلا مساس للرواية بباب الاستصحاب ،
وفيه انه يلزم على هذا التفكيك.
في معنى الفقرات
في هذه الرواية وهو خلاف ما هو سياقها من بيان معنى واحد بعبارات متعددة ، حيث أنه
اما أن تصرف الرواية عن ظاهرها من الركعة المتصلة فيلزم الكر على ما فر منه من
ارتكاب خلاف الظاهر واما أن تبقى على ظاهرها فيلزم المحذور الاول من لزوم حملها
على التقية لكونها مخالفا لمذهب الخاصة ثم انه قد أجاب في الفصول عن الاشكال
السابق على ما حكاه عنه الشيخ بما حاصله من حمل الفقرة الأولى وهو قوله (لا تنقض
اليقين بالشك) على الاستصحاب كما هو ظاهر الرواية بمعنى عدم جواز البناء على وقوع
المشكوك.
وبمقتضى ذلك يلزم
الاتيان بالمشكوك وقد بين كيفية اتيانه بقوله (ولا يدخل الشك في اليقين) أي لا
يدخل في المشكوك الذي لا بد من اتيانه بالمتيقن بنحو الاتصال بل يأتي به منفصلا
وكذلك الفقرات
الأخر فتكون
الفقرة الاولى محمولة على الاستصحاب والفقرات الأخر محمولة على ما هو القاعدة عند
الخاصة من دون لزوم تقية أصلا.
ولكن لا يخفى انه
يرد على هذا الوجه بما أوردناه على صاحب الوافية وأما ما ذكره الاستاذ (قده) في
الكفاية من حمل الرواية على الاستصحاب أخذا بظاهر قوله (ع) (لا تنقض اليقين بالشك)
بأن المراد هو استصحاب وجوب الركعة الرابعة غاية الامر ان ذلك ينبغي الاتيان بها
متصلة إلا ان ذلك مخالف لمذهب الخاصة بحمل الاستصحاب على استصحاب عدم الاتيان بذات
الركعة مجردة عن قيودها فعليه يرجع إلى الأدلة الخاصة الدالة على الاتيان بها بعد
التشهد والتسليم وكون هذه الاخبار مقيدة لاطلاق الاستصحاب ولا خير فيه ولكن لا
يخفى ان مقتضى الاستصحاب هو الاتيان بالركعة الرابعة على نحو ما كانت بنفسه في
العدم في القضية المتيقنة.
إذ من المعلوم ان
الموضوع في القضية المشكوكة والمتيقنة أمر واحد عرفا ومن الواضح أن الركعة التي
كانت هي الموضوع في القضية هو الركعة المفيدة بتمام قيودها من التشهد والتسليم.
وأما الركعة
المحددة بتمام القيود غيرها عرفا فكيف التصحيح بذلك مضافا الى انها تدل على التشهد
والتسليم قبل الاتيان بالركعة لسانها انه يبني على الرابعة المأتي بها فيتشهد
ويسلم بعد هذا البناء ومعه لا يبقى شك حتى يجري الاستصحاب فتكون تلك الادلة حاكمة
على الاستصحاب ومن هنا الشيخ الانصاري (قده) حمل الرواية على كون المراد من اليقين
فيها هو اليقين بالفراغ والبراءة وبالعمل بالوسيلة المقررة بالركعات على مقتضى ما
ذكرته الاخبار العامة والخاصة الواردة في هذا الباب. مطابقا لما هو مذهب الخاصة
فلا يكون مربوطا
بباب الاستصحاب
وفيه انه مخالف لظاهر السياق فإن سياقه عدم جواز نقض اليقين المفروغ ثبوته بالشك
أي لا تنقض لزوم تحصيل اليقين بالفراغ بالشك فيه كما هو مقتضى الاحتياط على مذهب
الخاصة كما لا يخفى.
فالحق هو ما تقدم
من أن قوله (ولا ينقض اليقين بالشك) ناظر الى الاستصحاب بمعناه المتبادر ويثبت
وجوب الركعة فيكون جريانه في المقام حكما بوجوب أصل الركعة حكما واقعيا تعبديا.
ولكن تطبق على
المورد من حيث اعتبار كون الركعة منفصلة فيكون على وجه التقية فالموضوع في القضية
المشكوكة نفسه هو الموضوع في القضية المتيقنة ثم انه يرد على ما اخترناه في المقام
اشكال وهو أنه على هذا يلزم أن يكون الاستصحاب بالنسبة إلى اثبات وجود الركعة
الرابعة متناولا ولو على مذهب العامة وذلك من جهة ان شأن الاستصحاب في كل مورد
يجري لا بد وان ينتهي الى وجوب امتثال ما هو المحرز بالاستصحاب بالزام العقل
لايجاد ما يقطع بتطبيق ما يحصل به الامتثال عليه مثلا انا اذا استصحبنا بقاء
التكليف بصلاة الظهر وكنا نشك في اتيانها فالعقل يرتب في مثله ايجاد صلاة نقطع
بتطبيق ما يحصل به امتثال ذلك التكليف الظاهري عليه.
وهذا المعنى لا
يترتب في المقام أي استصحاب عدم الاتيان بالركعة الرابعة إلا على القول بالاصل
المثبت لان الشاك بين الثلاث والاربع ينحل شكه في المقام إلى شكين أحدهما الشك
فيما أتى به من الركعة ثالثة أو رابعة فهذا الاعتبار كان شكه راجعا إلى مفاد كان
التامة اعني الشك في وجود ما هو الرابعة ولازم هذا التشكيك هو العلم الاجمالي بأن
ما أتى به من الركعة أما هي الرابعة التي كانت سابقا فتقطع فيها
بالعدم وأما
الرابعة التي لم يأت بها بعد فيكون هذا العلم الاجمالي غاية مفاد الاستصحاب وهو
استصحاب بقاء عدم الاتيان بالرابعة ،
ولكن مجرد اثبات
ذلك لا يمنع حكم العقل بالامتثال لعدم القطع بأنه ينطبق على المأتي به من الركعة
السابقة مع أنه لا يثبت به وجوب التشهد والسلام بعد الاتيان به لعدم احراز كونها
رابعة نعم بناء على الاصل المثبت يكون لازم عدم الاتيان بالرابعة عدم كون ما أتى
به سابقا رابعة عقلا ويلزم كون المأتي به فعلا رابعة فيثبت من ذلك تطبيق المستصحب
على المأتي به.
ولكن لا يخفى أن
الاخذ بظهور الرواية يوجب القول بحجية الاصل المثبت في خصوص المورد وإلا يلزم
اللغوية بتقريب أن تطبيق الامام (ع) الاستصحاب على المورد حفظا لذلك عن اللغوية
يوجب الالتزام بحجية المثبت ولو باستكشاف تنزيل أخر في المرتبة السابقة على
التطبيق وما ذكر من عدم حجيته ليس لامر عقلي أو لقيام الدليل على عدم حجيته بل
لقصور في دليل التعبد فمع فرض قيام الدليل بالخصوص على حجيته كما في المقام فلا بد
من الاخذ به لما عرفت أنه لا يترتب أثر شرعي على استصحاب عدم وجود الرابعة بنحو مفاد
ليس تامة فتصحيحا لحفظ تطبيق الامام (ع) نستكشف تنزيل آخر في المرتبة السابقة عليه
ليترتب عليه وجوب التشهد والتسليم المترتبين على رابعة الموجود.
ولكن لا يخفى أن
جريان الاستصحاب يوجب عدم جريانه أو جريانه يوجب تنزيل رابعية الركعة الاخرى في
المرتبة السابقة عن التطبيق المزبور يوجب ارتفاع الشك تعبدا عن وجود الرابعة فمع
ارتفاع الشك لا يجرى الاستصحاب ولو سلمنا صحة كون تطبيق
الكبرى على المورد
إلّا أن ذلك يتوقف على ثبوت كون المورد من مصاديق موضوعه مع قطع النظر عن التطبيق
وهو انما يتم في مقام الثبوت لو كانت مفاد تنزيلها منزلة ما له الاثر قبل ترتب
الأثر ولكن ذلك لا يلزم أن تكون في مقام الاثبات كذلك.
نعم يمكن أن يكون
التنزيل بنفس هذا التطبيق فحينئذ يمكن أن يستكشف تنزيل سابق بحيث يكون المورد مما
ينطبق عليه الكبرى بنظر الشارع فيتم ذلك في مقام الاثبات والانصاف ان كل ما ذكر
محل نظر واشكال فالصحيح الالتزام بكون تطبيق الكبرى على المورد من باب التقية
وليست التقية في أصل الكبرى كما هو قوله (ع) قام فأضاف إليه أخرى.
نعم في المقام
اشكال آخر في تطبيق الرواية على الاستصحاب بالنسبة إلى موردها حتى على مذهب العامة
القائلين بالبناء على الأقل والاتيان بركعة موصولة وهو أنه بعد الفراغ من كون
الركعة المتيقن عدمها سابقا بعد الاتيان بالركعة المشكوكة انها ثالثة أو رابعة
فتتردد بين انطباقها على المأتي به وبين انطباقها على الركعة الأخرى غير المأتي
بها.
وبهذه الجهة حصل
لنا علم اجمالي بكون الركعة اما هي المأتي بها أو غيرها مما لم يؤت بها فيكون
المقام من قبيل الفرد المردد بين ما علم بقائه وبين ما علم عدم الاتيان به حيث ان
الشك واليقين تعلق بما هو عنوان الركعة الرابعة المرددة بين شخصين ولا جامع بين
الركعة المأتي بها وبين الركعة الأخرى للقطع بأن المأتي بها لو كانت عقيب الثانية
فلا يصلح لانتزاع الرابعة منها ولو كانت عقيب الاخرى لا يصلح انتزاع الرابعة من
الركعة التي بعدها فليس المقام من قبيل الحيوان
المردد بين الفيل
والبقة بل المتيقن السابق في المقام من قبيل الفرد المردد بين الخصوصيتين فلا نشك
في بقائه بل على فرض نقطع في بقائه وعلى فرض نقطع بارتفاعه فلا مجال للاستصحاب
ولذلك ظهر فساد ما وجهه سابقا الاستاذ قدسسره في كفايته طبقا لما ذكره في الفصول من كون تطبيق الرواية
على المورد بعنوان الاستصحاب على نحو الحقيقة مع قطع النظر عما أوردنا عليها سابقا
كما أنه بذلك ظهر كون عدم جريان الاستصحاب في الشك في الركعات في باب الصلاة على
القاعدة مع قطع النظر عن أخبار باب الشكوك.
نعم هذا الاشكال
أيضا لا يضر بالاستدلال بظاهر الكبرى التي كانت مطابقا لما هو المرتكز في الاذهان
من قاعدة الاستصحاب وإن كان تطبيقها على المورد لا مجال له على نحو الحقيقة وذلك
لما تقدم ان كون التطبيق انما هو صوري صدر تقية على وفق الاوهام الفاسدة يكون
المورد من موارد الاستصحاب فيكون التطبيق موافقا لذلك تقية ولا ينافي ذلك ما في
صور الرواية من الحكم بأنه يقرأ بفاتحة الكتاب في هذه الركعة التي يأتي بها لعدم
تعيين غير الفاتحة عندهم في الركعتين الاخيرتين حتى يكون الحكم بقراءة الفاتحة
مخالفا للتقية.
وأما المقام
الثاني فمقتضى كون الكبرى قضية كلية ارتكازية أنه لا يختص بباب دون باب فيكون
دليلا على الاستصحاب في جميع الموارد من دون الاختصاص بموردها كما هو ظاهر منها ما
عن الخصال بسنده عن محمد بن مسلم بن أبي عبد الله (ع) قال أمير المؤمنين عليهالسلام ، من كان على يقين فشك فليمضي على يقينه فان الشك لا ينقض
اليقين :
(وفي رواية أخرى)
عنه (ع) من كان على يقين فأصابه شك
فليمضي على يقينه
فان اليقين لا يدفع الشك وتقريب الاستدلال به ظاهر ولكنه قد يرد عليه بأنه لا
ينطبق على الاستصحاب بل دلالته على قاعدة اليقين المسمى بالشك الساري أولا وبيانه
، ان الاحتمالات المتصورة في الرواية أربعة :
الأول : أن يكون
زمان اليقين والشك واحد مع تعلقهما بأمر واحد كان تيقن يوم الجمعة بعدالة زيد في
ذلك اليوم فشك في هذا اليوم بعدالته أيضا وهذا محال كما هو واضح.
الثاني : أن يكون
زمانهما متعددا مع تعلقهما بأمر واحد وهو قاعدة اليقين.
الثالث : أن يكون
زمانهما متحدا بعد تعدد متعلقهما.
الرابع هو الثالث
: مع تعدد زمان الوصفين أيضا وهذان الاخيران هو الاستصحاب فالمعتبر في الاستصحاب
هو تعدّد المتعلق سواء اتحد زمان الوصفين أم تعدد.
كما أن المعتبر في
قاعدة اليقين تعدد زمان الوصفين مع اتحاد المتعلق ولما كان صريح الرواية هو تعدد
زمان الشك واليقين ولم يعتبر ذلك في الاستصحاب مع أن ظاهرها اتحاد المتعلق اذ
الظاهر من قوله فشك تعلق الشك بعين ما تعلق به اليقين فلا بد من حملها على قاعدة
اليقين والوجه في صراحتها في ذلك وهو تعدد زمان الوصفين يظهر بالرجوع إلى نظائرها.
مثل إذا كنت مريضا
فأصابتك الصحة وإذا كنت قائما فأصابك القعود. وغير ذلك من الموارد هذا خلاصة ما
أفاده
الشيخ (قده) ثم أنه استدرك بقوله اللهم إلى آخر كلامه وحاصل ما أفاده
الشيخ (قده) بقوله.
ثانيا ان اليقين
والشك وإن كانا في هذه الرواية متعددين زمانا ولكن يمكن تطبيق الرواية على
الاستصحاب أيضا بدعوى منع ظهورها
__________________
في وحدة المتعلق
بأن يقال ان انطباقها على قاعدة اليقين يبنى على أن لا يكون متعلقهما مجردا عن
الزمان وإلا فمع تجرده عن الزمان بأن يتعلق اليقين بعدالة زيد على الاطلاق والشك
يتعلق بها في يوم السبت على نحو الاطلاق أيضا فحينئذ يمكن تعلق اليقين بها حدوثا
وتعلق الشك بها بقاء فينطبق على الاستصحاب.
ولكن لا يخفى بأن
تجريد المتعلق عن زمان الوصفين لا يجدي شيئا لان المفروض ان اليقين كما تعلق
بالمطلق بتمامه فكذلك الشك تعلق به كذلك فيتحد المتعلق أيضا ولعل قوله فافهم اشارة
إلى ذلك ثم انه (قده) تمم الاستدلال بالرواية بضم الاجماع على عدم اعتبار قاعدة
اليقين ولا يخفى عدم تمامية المدعى بذلك.
والأولى ان يقال
ان الرواية نفسها ظاهرة في الاستصحاب. وذلك ان الوجه في دلالة الرواية على تعدد
زمان الوصفين ليس إلا من جهة استفادة ترتب الشك على اليقين من لفظة (الفاء) في
قوله (فشككت) وهذا المعنى موجود في صحيحة زرارة المتقدمة ومع ذلك لم يستفد منها
تعدد الزمان في الوصفين مع وحدة المتعلق والشك في ذلك اذ الظاهر من قول القائل كنت
متيقنا بعدالة زيد يوم الجمعة هو اليقين بعدالته هذا اليوم فاذا قال بعد ذلك (فشككت)
في عدالته في يوم السبت فيكون متعلق الشك غير متعلق اليقين فتنطبق الرواية على
الاستصحاب أيضا.
ولا ينافي ذلك
ظهورها في وحدة المتعلق ذاتا ولو كان متعددا حدوثا وبقاء لان وحدة الذات معتبرة في
الاستصحاب أيضا لما تقدم من اعتبار وحدة الموضوع في القضية المتيقنة والمشكوكة
ويمكن أن يقال أن افادة تأخرا الشك عن اليقين بلفظة (الفاء في الرواية) كان
بالنظر إلى الغالب
كما انه يمكن أن يكون ذلك بلحاظ النظر إلى اليقين والشك في مقام التعبير كما لا
يخفى وان كان ذلك لا يخلو عن بعد حسب فهم العرف.
ومنها رواية
مكاتبة علي بن محمد القاساني قال كتبت إليه وأنا بالمدينة اسأله عن اليوم الذي يشك
فيه من رمضان هل يصام أم لا فكتب (ع) اليقين لا يدخل فيه الشك صم للرؤية وافطر
للرؤية وجه الاستدلال هو أن ظاهرها جعل اليقين طرفا للشك وذلك يستلزم تقدم اليقين
على الشك كما يظهر بالرجوع إلى نظائره فيكون مفاده ان اليقين بكونه شعبانا أو عدم
شهر رمضان لا يدخله الشك أي لا ينقض اليقين بالشك فيكون قوله (ع) صم للرؤية الخ
بيان لما يستفاد ان اليقين لا ينقض إلا باليقين وحيث أنه ليس في البين احتمال غيره
لذا قال الشيخ الانصاري (قده) ان هذه الرواية اظهر ما في الباب ولكنه
__________________
يرد بأن استصحاب
بقاء شعبان أو صوم شهر رمضان لا يثبت شعبانية يوم الشك أو عدم رمضانيته إلا على
القول بالاصل المثبت مضافا إلى أن من يرجع الى الوسائل واطلع على تمام الرواية
لعلم ان المراد من اليقين فيها هو اليقين برمضان وانه أشار بذلك الى أن موضوع
الحكم في وجوب الصوم هو اليقين برمضان وانه لا يدخله الشك وقوله (ع) صم للرؤية
كفايته عن ذلك فلا ربط لها بباب الاستصحاب.
ومنها موثقة عمار
كل شيء طاهر حق تعلم أنه قذر ومثلها قوله عليهالسلام كل شيء لك حلال حتى تعرف انه حرام والشيخ الأنصاري قدسسره ، اقتصر في الاستدلال على الاستصحاب بالرواية الأولى
والظاهر ان الاستدلال بالثانية أولى باعتبار عدم اختصاصها بباب دون باب والظاهر
أنه لا فرق بينهما في ذلك إذ كلما ذكر في الأولى يجري في الثانية.
نعم بينهما فرق من
جهة أخرى يظهر لك ما فيها من بيان وجه الاستدلال ووجهه انها مسوقة لبيان الحكم
باستمرار طهارة كل شيء إلى أن يعلم قذارتها لا بثبوتها له ظاهرا إلى أن يعلم
عدمها.
فالغاية هو العلم
بالقذارة على الأول غاية للمحكوم به وهو استمرار الطهارة دون الحكم بها.
__________________
فغاية الحكم غير
مذكور ولا مقصود وعلى الثاني غاية للحكم بثبوتها في الغاية وهي العلم بعدمها رافعة
للحكم فيرجع معناه إلى أنه كل شيء يستمر الحكم بطهارته في كل آن إلى أن يعلم
قذارته هذا ما أفاده الشيخ الأنصاري قدسسره ، وملخص ما أفاده أن في المقام معنيين.
أحدهما التكلم
بمثل هذه القضايا كان مصدر الحكم باستمرار الطهارة أو الحلية إلى حصول العلم بعدمه
فتكون الغاية غاية للمحكوم لا الحكم فيرجع المقصود في هذه الأشياء إلى الحكم
باستمرار ما هو ثابت من دون نظر إلى أصل الثبوت بحيث كان أصل الثبوت مفروغا عنه
وهذا ينطبق على الاستصحاب.
وثانيهما أن يقصد
ثبوت المحمول للموضوع بحيث كان المقصود هو الحكم بأصل الثبوت مستمرا وفي كل آن الى
غاية خاصة وهذا المعنى لا ربط له بباب الاستصحاب بل هو منطبق على قاعدة الطهارة
وحيث أنه لا يمكن الجمع بين هذين النظرين بعبارة واحدة لعدم جامع بينهما لكونهما
من قبيل المتعاكسين فلا يمكن إرادة كلا المعنيين من قوله كل شيء طاهر حتى تعلم أنه
قذر فلا بد من حملها على أحد المعنيين.
أما الاستصحاب أو
قاعدة الطهارة وحملها على القاعدة أظهر إذ الطاهر من الجملة الخبرية في مقام
الانشاء هو الحكم بثبوت المحمول للموضوع لبيان استمراره فضلا عن أصل ثبوته اللهم
إلا أن يقال بأن لنا في المقام تصورا ثالثا وهو أن يكون المقصود الحكم بثبوت
الطهارة المستمرة والحلية المستمرة وتكون الغاية للمحكوم عليه بهذا الحكم الناشئ
من هذا الانشاء وهي الطهارة التي حكم بثبوتها الى غاية حكم واستمرار ما هو مفروغ
الثبوت فيكون مفادها أن كل شيء محكوم
بالطهارة مستمرة الى
العلم بأن يكون الانشاء الواحد ينحل إلى إنشاءين انشاء بثبوت الطهارة الذي هو حكم
واقعي وانشاء باستمرارها الذي هو الحكم الظاهري وذلك ينطبق على الاستصحاب حيث أنه
لا ينحصر في ابقاء الحكم مفروض الثبوت بل يجري في كل ما يثبت بالانشاء.
ولو كان الانشاء
منحلا الى حكمين واقعي مستفاد من ذي الغاية وظاهري مستفاد من نفس الغاية خلافا
للاستاذ قدسسره حيث ادعى استفادة القواعد الثلاثة من نفس ذي الغاية من هذه
الرواية أي قاعدة الطهارة أو الحل وقاعدة اليقين والاستصحاب بتقريب ان للشيء
عنوانا ذاتيا ككونه ماء أو تراب وعنوانا عرضيا ككونه مشكوك الحكم.
فاذا أطلق الشيء
يستفاد منه الاطلاق الافرادي أي كل شيء واطلاق الأحوال وهو كونه مشكوك الحكم من
كونه طهارة أو حلية فعليه اطلاق الشيء يشمل الاطلاق الافرادي والاحوالي شمولا
يستفاد ذلك من اطلاق المعنى فيكون دالا على طهارة الاشياء وحليتها واقعا وطهارة ما
اشتبهت طهارته وحليته فبالنسبة إلى الأول يكون دليلا اجتهاديا وبالنسبة إلى الثاني
يكون حكما ظاهريا ودعوى أنه يلزم من ذلك استعمال اللفظ في أكثر من معنى واحد
ممنوعة لما ذكرنا من أن المستفاد من الاطلاق الافرادي والاحوالي مطلق الشيء بنحو
يكون مستعملا فيما يعمه فلا يلزم منه محذور اجتماع لحاظين في استعمال واحد.
ودعوى بعض الاعاظم
أنه لا يمكن أن يراد من لفظ الشيء الحكم الظاهري والواقعي.
بيان ذلك هو أن
الشيء إما أن يراد منه مرسلا ولازمه أن يكون المحمول هو الحكم الواقعي واما أن
يراد من الشيء ما هو مشكوك ولازمه
أن يكون المحمول
هو الحكم الظاهري.
ولا يمكن أن يراد
من الشيء ما هو الأعم من المرسل والمقيد بما هو مشكوك ومن المحمول ما يعم الحكم
الواقعي والظاهري حيث أن الشيء المشكوك متأخر رتبة عن الشيء المرسل كما أن حكمه
متأخر عنه ومع تأخر الحكم الظاهري عن الحكم الواقعي لتأخر موضوعه عنه فلا يمكن
جعلهما بلحاظ واحد ولكن لا يخفى أن هذا يتم بناء على كون معاني الانشاءات معاني
ايجادية .
__________________
وأما بناء على ما
هو الحق من كون معاني الانشاءات معان إخطارية بمعنى أنها مبرزة لمعانيها القائمة
بنفس المتكلم بها.
__________________
من الاعتبارات
النفسانية وتكون حاكية عنها بمعنى ان الالفاظ كاشفة عن ان المتكلم اعتبر في نفسه
ملكية الدار لزيد وأبرزه بلفظ
__________________
ملكت الدار لزيد
فتكون معاني الجمل الخبرية يقصد الحكاية عما في الواقع ونفس الامر تحصل امور
نفسانية يبرزها بألفاظها مثلا قولنا زيد قائم انما هو مبرز لمقصود المتكلم
بالحكاية عن قيام زيد في الواقع وليس معناه وقع قيام زيد بداهة ان شأن الخبران
يحتمل الصدق والكذب فلا كاشفية له عن الخارج فعليه لا محذور من كون الروايات في
مقام كلا الحكمين الواقعي والظاهري وان كان احدهما في طول الآخر إذ يمكن تصور
الماء وطهارته أولا ثم يتصور الشيء انه مشكوك ثانيا في هذه الجملة وأبرزهما بمبرز
واحد بقوله الماء كله طاهر اذ لا يعقل أن تكون الالفاظ موجدة لمعانيها إذ المراد
من وجود المعنى بوجوده الخارجي انما هو معلول لعلته التكوينية وليس اللفظ منها
قطعا وإن كان المراد وجوده في عالم الاعتبار فهو لا يحتاج إلى وجود اللفظ أصلا
فدعوى كون الانشاءات موجودة لمعانيها دعوا باطلة.
فالتحقيق في
الجواب ان تقدم الاحكام الواقعية على الاحكام الظاهرية انما هو تقدم رتبي كتقدم
الموضوع على الحكم فجعل الحكم الواقعي فى المرتبة السابقة وجعل الحكم الظاهري في
المرتبة اللاحقة موجبا لعدم ايجادهما بانشاء واحد إذ لا يعقل أن يكون جعل واحد
ينشأ الحكمين حيث ان الحكم الواقعي المترتب على موضوعه واقعي في المرتبة السابقة
يستحيل أن يكون له سعة ويشمل مرتبة الشك لتأخرها عنه فليس له اطلاق للمرتبة
المتأخرة كما أن الحكم الظاهري ليس فيه اطلاق يشمل المرتبة المتقدمة حيث انه مأخوذ
في موضوعه الشك في الحكم الواقعي فليس فيه جهة شمول لكي يأخذ بالاطلاق من غير فرق
بين أن يكون
__________________
الشك المأخوذ فيه
من الجهة التقيدية أو من جهة التعليلية ولذا قلنا بعدم اجتماع الحكم الظاهري
والواقعي لما عرفت من تقدم الواقعي على الظاهري بحسب المرتبة.
وبالجملة لا اطلاق
في الحكم الواقعي بنحو يشمل مرتبة الشك فان اطلاقه إنما يتصور في الافراد المتحققة
في مرتبته لا الافراد التي لم تكن في مرتبته كما أن الحكم الظاهري ليس له اطلاق
بالنسبة إلى الافراد السابقة حيث أنه بالنسبة إليها لم يتحقق الجعل.
إذا عرفت ذلك
فاعلم ان البقاء الحقيقي للشيء واستمراره في مرتبة ذاته بمعنى عدم تعدية منه إلى
مرتبة الشك بنفسه فلو فرض أحيانا أن يحكم بالبقاء والاستمرار في مرتبة الشك فلا بد
أن يكون بقاء ادعائيا راجعا إلى التعبد به ظاهرا في مقام ترتيب أثره بعد الفراغ عن
أصل ثبوته.
ولذا قلنا أنه لا
يمكن أن يكون الاستصحاب مجعولا بعين جعل مستصحبه بل لا بد أن يكون مجعولا بجعل
مستقل بعد الفراغ عن وجود مستصحبه.
فلذا يكون من
الممتنع أن يكون للمحكوم به طهارة أو حلية اطلاق يشمل الواقعي والظاهري بنحو
يتحققان بجعل واحد وانشاء واحد حيث أنهما مجعولان طوليان بنحو يكون أحدهما موضوعا
للآخر حيث ان جعل الحكم الواقعي لذات الموضوع في المرتبة السابقة على الشك بحيث لا
يعقل تصور الشك فيه قبل تمامية جعلة وحينئذ لا مجال لتوهم استفادتهما من المغيا من
جهة تعميم الشيء للعناوين الثانوية لمنع شمول الحكم الواقعي لما هو معنون بالعنوان
الثانوي الذي هو مشكوك الحكم فبقاء موضوع الأحكام الواقعية الثابتة لموضوعاتها على
واقعيتها من
جميع الحالات حتى
في حال تلبسها بالعنوان الثانوي وان الطهارة الثابتة للشيء في جميع الحالات التي
منها حال الشك فيها هي عين الطهارة الواقعية لا أنها طهارة ظاهرية إذ قوام ظاهرية
الطهارة إنما هو بلحاظه في مقام الجعل في المرتبة المتأخرة عن الشك في الحكم
الواقعي لا أنه بوصف ثبوته في حال الشك فعليه لا بد من حمل القضية في المقام على
أحد أمرين :
أما الحكم الواقعي
أو القاعدة والظاهر أن صدر الرواية يدل على كون المحمول حكما واقعيا ولكن الغاية
المذكورة وهو العلم بالخلاف يهدم هذا الظهور ويوجب حصر مفادها منها في كونها حكما
ظاهريا الذي هو مفاد الاستصحاب ولو بالتفكيك بين المغيا والغاية لارجاع الغاية إلى
خصوصية المحمول الذي هو عبارة عن استمراره تعبدا من غير فرق بين جعل الغاية قيدا
للموضوع أو جعلها قيدا للمحمول أو قيدا للنسبة الحكمية.
وان كان الظاهر
كون الغاية قيدا للمحمول حيث أنك قد عرفت في المعنى الحرفي أنه من سنخ النسب
والارتباط القائم بالمفهوم الاسمي وعليه تكون الغاية المؤداة بالى وحتى دالة على
تخصيص المعنى بخصوصية مفهوم الاستمرار بنحو يرتفع الابهام مطلقا وليس دالا على
مفهوم الاستمرار الذي هو معنى الاسمي ولازم جعل الغاية من قيود المحمول في قوله كل
شيء طاهرا وحلال أن يكون المحكوم به من الطهارة والحلية أمرا واحدا حقيقة وان كان
في مقام التحليل يكون متعددا بنحو يكون قابلا للتحليل إلى ذات وخصوصية وليس
المحكوم به في مثل تلك القضية أمرين مستقلين أحدهما جعل أصل الطهارة للشيء والآخر
جعل استمرارها وعليه ترجع الغاية إلى ذات المحمول لا إلى
استمراره وحينئذ
تكون منطبقة على القاعدة لكون المفاد في مثل ذلك إلى تقيد المحكوم به بوجوده الخاص
المحدود إلى زمان العلم بالخلاف مجعولا بجعل واحد يتعلق به استقلالا وبقيده
وخصوصيته ضمنا فتكون مفاد الجملة كل شيء لك حلال أو طاهر حتى تعلم أن الشيء يثبت
له الحلية والطهارة الظاهرية في كل آن إلى زمان العلم بالحرمة والقذارة وهو منطبق
على القاعدة بعينها. وكيف كان فبيان الحديث الشريف في المقام يتوقف على بيان
مقدمتين.
الأولى : قد تقدم
في بيان المعنى الحرفي أنه عبارة عن ربط خاص قائم بين مدخوله وبين متعلقه على نحو
كان ملحوظا تبعيا لا مستقلا وهذا المعنى يرجع من جهة عدم قابليته لأن يلحظ مستقلا
فدائما لا بد وأن يكون من قيود الغير وخصوصياته فلو كان متعلقه من قبيل الموضوع في
القضية كان المعنى الحرفي قيدا للموضوع كما اذا قيل الماء في الاناء مال زيد فيكون
ما هو مفاد لفظه (في) تقييد الماء بكينونته في الاناء جزء الموضوع وان كان أصل
القيد وهو الاناء خارجا عنه ولو كان متعلقه من قبيل المحمول في القضية كان قيد
للمحمول كما اذا قيل زيد قائم في الدار إلى الزوال فما هو للمحمول في القضية هو
القائم المقيد بكينونته في الدار باستمراره الى الزوال على وجه يكون القيد خارجا
والتقيد بما هو معنى تبعي داخل ، ففيما نحن فيه إذا جعلنا (حتى) غاية للمحمول في
القضية وهو طاهر لكان ما هو المحكوم به قضية كل شيء طاهر وهو الطهارة المقيدة بما
هو مفاد (حتى) أعني الاستمرار الملحوظ التبعي إلى غاية معينة وهو العلم بالنسبة
الحكمية المستفادة من هيئة القضية النسبية في كل شيء وأما نفس عنوان الطهارة مجردا
عن تقيده ثبوتها للموضوع واستمرار الطهارة فارغا عن أصل ثبوت الطهارة فلا يستفاد
من هذا
الانشاء بل مفاد
الهيئة هو ثبوت النسبة الحكمية بين الموضوع والمحمول المقيدة بمفاد (حتى) على وجه
يكون كل واحد من المحمول والتقييد طرفا للنسبة الحكمية في عرض واحد ضمنا.
فعلى هذا فلا يبقى
مجال لما في كلام الشيخ (قده) من أنه لو جعلنا الغاية غاية للمحمول لكان مفاد
القضية هو الحكم باستمرار الطهارة إلى زمان العلم بالقذارة بعد الفراغ عن ثبوت أصل
الطهارة من الخارج فيكون منطبقا على الاستصحاب من هذه الجهة فإن المحمول في القضية
الذي قد حكم بثبوته للموضوع بنفس هذا الانشاء وليس هو استمرار الطهارة فارغا عن
ثبوتها فان الاستمرار المذكور هو عين مفاد (حتى) بالمعنى الحرفى التبعي غير القابل
لأن يكون محكوما به مستقلا بل يكون قيدا لما هو المحمول ، فالمحمول هو نفس الطهارة
المقيدة بمفاد (حتى) بما هو معنى نبعي حرفي فمفاد القضية هو الحكم بثبوت أصل
الطهارة المقيدة بالاستمرار على أن يكون الاستمرار أيضا محكوما به تبعا وضمنا لما
هو معنا حرفي وهذا معنا آخر لا ربط له بما أفاده الشيخ (قدسسره) بناء على كون الغاية غاية للمحمول كما لا يخفى.
الثانية : أن مفاد
ارادة الغاية كلية مثل إلى وحتى وغيرها هو بقاء الشيء واستمرار المتعلق فحينئذ
نقول لا إشكال في أن بقاء الشيء وان كان في الرتبة المتأخرة عن حدوثه لان عنوان
البقاء منتزع عن الوجود في الرتبة بعد الحدوث
ولكنه لما لم يكن
بين الحدوث والبقاء تخلل انعدام فليس إلا انتزاعات عن المورد بوجود واحد من دون
تخلل حد بينهما بحيث لا يتخلل بينهما حتى بمثل الفاء في هذه الجهة بخلاف العلة
والمعلول كما هو واضح فبقاء الشيء حقيقة في رتبته حدوثه من حيث الوجود وأن
كان بينهما تفاوت
في جهة الانتزاع ولازم ذلك.
أن البقاء الذي
نقول به في باب الاستصحاب لا يعقل أن يكون بقاء حقيقيا للحكم الواقعي لأن الغرض أن
الحكم ببقاء ما ثبت في باب الاستصحاب موضوعه الشك في بقاء الحكم الواقعي والشك في
بقاء الواقع المساوق للشك في أصل وجود الواقع متأخر عن أصل الواقع تأخر العارض عن
المعروض فيكون الواقع متقدما على الشك بنفسه.
وقد أوضحنا سابقا
ان الاحكام الواقعية لا يعقل أن تتعدى إلى مرتبة الشك بنفسها فلا يعقل أن يكون
المراد من بقاء الواقع في باب الاستصحاب بقائه حقيقة بل لا بد وأن يكون المراد
بقاؤه عنايته وادّعاءً وتعبدا بدعوى كون بقاء غير الواقع المماثل له بقاء بالعناية
من باب التصرف في الأمر العقلي على ما يقوله السكاكي في باب المجاز والاستعارة.
وإذا ظهر لك ذلك
فنقول قد عرفت أن مفاد قوله كل شيء طاهر حتى تعلم أنه قذر بناء على كون الغاية
غاية للمحمول هو الحكم بثبوت الطهارة إلى غاية العلم بالقذارة للشيء فمع قطع النظر
عن التقييد بمعنى أن الحكم بثبوت الطهارة لكل شيء بعنوانه الأولي واقعا كغيره من
سائر الأدلة الاجتهادية التي كانت متكفلة بثبوت الاحكام على الموضوعات بعناوينها
الأولية فحينئذ بقاء مثل هذا الحكم الواقعي لا يعقل أن يكون مغيّا بمثل العلم
وعدمه بل بقائه الحقيقي يدور مدار عدم ما هو غاية الطهارة ووجودها من الانشاء
الأخر غير العلم فاضافة مفاد حتى الداخل على العلم بالقذارة الى الطهارة المحكوم
بثبوتها لكل شيء لا يعقل أن يكون لبيان بقاؤها واستمرارها حقيقة إلى حصول العلم
بالقذارة لأن لازم ذلك هو الحكم ببقاء الطهارة الى مرتبة الشك بنفسها لكون
مفاد الغاية
المذكورة هو الحكم بالبقاء في ظرف الشك بالواقع وقد عرفت استحالته أنفا فلا بد
حينئذ من الالتزام بكون المراد هو افادة البقاء ادعاء أو عناية حتى يصح التقييد
بمثل تلك الغاية :
وهذا ليس إلا مفاد
الاستصحاب إذ الغرض كون المراد هو البقاء العنائي الادعائي للطهارة المحكوم
بثبوتها لكل شيء ولازمه ثبوتها في رتبة قبل الشك بها فيكون الموضوع هو الشيء
بعنوانه الأول والمراد من البقاء الادعائي هو الحكم بالبقاء في رتبة الشك بالواقع
فيكون مرجعه إلى التعبد بالبقاء ظاهرا ولا نعني من الاستصحاب إلا ذلك فانه ليس لنا
دليل على كون الاستصحاب هو الحكم باستمرار الشيء فارغا عن ثبوته مع قطع النظر عن
هذا الانشاء على وجه يكون النظر في هذا الانشاء محض للحكم بالاستمرار.
نعم لو كان المراد
من البقاء إلى زمان العلم المستفاد من كلمة حتى هو البقاء الحقيقي لما حكم به من
الطهارة فلا يصح إلا بأن يكون المراد من الطهارة المحكوم بها هو الطهارة التعبدية
الثابتة في ظرف الشك بحكم الشيء فيكون المراد من الشيء ما يشك في حكمه الواقعي
وذلك من جهة أن المفروض جعل الغاية وما هو من كلمة حتى هو العلم وبقاء الشيء الى
زمان العلم لا يتصور إلا جعل الحال حال الشك فاذا كان البقاء بقاء الشيء حقيقة في
حال الشك فلا بد وأن يكون المحكوم به أيضا حال الشك فلا ينطبق على قاعدة الاستصحاب
الذي قد عرفت أنه لا بد فيه الحكم بالبقاء الادعائي بل لا بد وأن ينطبق على قاعدة
الطهارة أو كان أمرا ثالثا غيرهما وعلى كل حال فقد ظهر بما ذكر أنه جعل الغاية
غاية للمحمول فلو كان المراد منها بقاء المحمول ادّعاءً فلا بد من انطباقه على
الاستصحاب
ولو كان المقصود
هو الحكم بثبوت أصل الطهارة المقيدة ولا يكون فيه النظر الى الحكم باستمرار
الطهارة بعد الفراغ عن ثبوتها كان المراد منها البقاء الحقيقي فلا ينطبق على قاعدة
الاستصحاب.
ولو كان النظر
الانتقال الى الحكم باستمرار ما ثبت فليس الملاك في التطبيق على الاستصحاب كون
المقصود هو الحكم باستمرار المحمول فارغا عن ثبوته كما عن الشيخ (قدسسره) هذا كله بناء على كون الغاية غاية للمحمول وهو ظاهر.
وأما لو جعلناها
غاية للنسبة الحكمية وهو نفس الحكم بثبوت الطهارة لكل شيء فيتطرق فيه احتمالان :
فانه أما أن يكون المراد من حتى بيان استمرار هذا الحكم بالنسبة إلى زمان العلم
بالقذارة ادعاء وعناية.
وأما أن يكون بيان
استمرارها حقيقة فعلى الثاني لا اشكال في انطباقه على القاعدة لكون المعنى أيضا هو
الحكم بالطهارة في رتبة الشك بالواقع وإلا فلا يتصور البقاء الحقيقي في حال الشك
وعلى الاول فلا بد من انطباقه على الاستصحاب باعتبار مفاد التقييد ب (حتى) غاية
الامر كان مفادها هو التعبد ببقاء نفس النسبة الحكمية لا الطهارة التي كانت محموله
في القضية كما أن لا تنقض اليقين قد ينطبق على استصحاب الحكمية وبذلك ظهر أيضا أنه
بناء على كون الغاية غاية للحكم والنسبة الحكمية يتعين حملها على القاعدة بل
المدار في الحمل على القاعدة أو الاستصحاب كون المراد من البقاء المستفاد من كلمة (حتى)
هو البقاء والاستمرار الحقيقي أو الادعائي من غير فرق بين كونه قيدا للمحمول أو
الحكم ويظهر مما ذكرنا الاشكال فيما ذكره الشيخ الانصاري مضافا إلى ذلك اشكال آخر
وهو أنه قد صرح في بحث الواجب المشروط بأن
القيود ليست راجعة
إلى الهيئة لكون مفادها معنا حرفيا غير قابل للتقيد وما يظهر من القضية رجوعها إلى
ذلك إلا أنه لا بد من ارجاعها إلى نفس المادة.
فعليه لا معنى
لتطرق الاحتمالين بالمقام بل لا بد من استظهار كون الغاية غاية للنسبة الحكمية
التي هي مفاد الهيئة.
هذا بالنسبة إلى
المغيا وأما بالنسبة إلى الغاية فالظاهر من البقاء المستفاد من كلمة (حتى) الغائية
هو بقاء المعنى حقيقة لا ادّعاءً فعلية لا مجال لحمل الرواية على قاعدة الطهارة
دون الاستصحاب اللهم إلا أن يقال بأن كان شمول هذه الرواية لاثبات الحكم بالطهارة
بعناوينها الأولية وتكون دليلا اجتهاديا وبعناوينها الثانوية أي مشكوك الطهارة
فتكون الرواية مفاد قاعدة الطهارة والاستصحاب بيان ذلك اما بأن يقال باطلاق لفظ
الشيء وشموله للعناوين الأولية والثانوية.
وأما بأن يقال بأن
الشيء ولو كان ظاهرا في العناوين الأولية ولكنه يمكن لنا فرض ذات عامة بنحو يشمل
مشكوك الحكم في طهارته ومن جهة عدم القول بالفصل يتعدى الى غيره ولكن لا يخفى أما
الوجه الأول فيرد عليه أنه يلزم أن يصح ان يقال على الشيء الواحد كزيد مثلا
باعتبار طرو عناوين عديدة عليه ككونه زيد بن عمرو انه امامك وانه انسان وانه مشكوك
الحكم مع انه بديهي البطلان حيث ان المراد هو الشيء هو العنوان الأولي.
ولهذا قالوا أن
الشىء في كل شىء نجس ينجس كل شىء ينصرف إلى الاعيان النجسة ولا يشمل المتنجس مضافا
إلى أنه لو سلم اطلاق الشىء وشموله لجميع العناوين.
ولكن لا يمكن
التعدي الى العناوين الثانوية أعنى كونه مشكوك
الطهارة باعتبار عدم
صلاحية المحمول المحكوم به كذلك وهو طاهر باعتبار كون الانشاء واحدا وانه في هذا
الانشاء لو كان المراد انشاء الحكم بالطهارة على المشكوك فلا بد من اثبات الطهارة
أولا للذات بانشاء آخر حتى يتحقق به موضوع الحكم في هذا الانشاء والغرض أنه نريد
اثبات الطهارة للذات بهذا الانشاء أيضا وذلك محال.
وبذلك يندفع ما
يتوهم من كون الشىء منطبقا على أشياء عديدة ولكنك قد عرفت فيما تقدم ان الذات في
رتبة ما قبل الشك غيرها في رتبة ما بعده فكل واحد من الذاتين شيء غير الآخر ولو
قلنا بكون الشك من القيود التعليلية مضافا الى عدم صلاحية هذا الانشاء للجهتين
التي يكون أحدهما موضوع للآخر وبذلك يظهر اندفاع ما استفيد من الرواية من استفادة
الحكم الواقعي والاستصحاب بناء على كونه غاية ادعائية.
واما الوجه الثاني
فيشكل عليه أنه بناء على اختصاص الشىء بالعناوين الاولية فالفرد الملازم للشك في
طهارته ليس الموضوع للحكم فيه إلا الذات المأخوذة في مرتبة قبل الشك وكان الشك فيه
من قبيل الحجر في جنب الانسان فكيف يمكن التعدي إلى العنوان المشكوك بما هو هذا
العنوان المأخوذ في مرتبة ما بعد الشك كما لا يخفى.
فلا مجال إلى ما
ذهب اليه في الكفاية من تعميم الرواية للجهات الثلاث.
(بيان مقدار دلالة الاخبار)
ثم انه يقع الكلام
في أن أخبار الباب بعد تمامية الاستدلال بها هل تدل على حجية الاستصحاب مطلقا سواء
كان المستصحب وجوديا أو عدميا خلافا لبعض المحققين حيث قال بالتفصيل بين الوجود
والعدم فقال بعدمه في الثاني دون الاول.
وقد عرفت فيما
تقدم بطلان ما ذكره من الوجه في هذا التفصيل وسواء كان المستصحب ثابتا بدليل العقل
المعبر عنه استصحاب حال العقل أو بالاجماع المعبر عنه باستصحاب حال الاجماع أو
بغيرها من الأدلة فقال بعدم حجيته في الاولين دون الثاني فقد عرفت فيما تقدم وجه
هذا التفصيل والجواب عنه وسواء كان المستصحب من الموضوعات أو الاحكام خلافا لبعض
حيث خص النزاع في أحدهما دون الآخر فقال بخروجه عن محل النزاع وسواء كان الشك في
رافعية الموجود أو في وجود الرافع خلافا لبعض حيث خصص الحجية بالثاني دون الاول
بتوهم ان الأول يكون من قبيل نقض اليقين باليقين لو شك في رافعيته فلا يكون من
قبيل نقض اليقين في الشك ولكن لا يخفى أن الشك في رافعية الموجود يوجب الشك في
بقاء متيقن فيكون من نقض اليقين بالشك أيضا وسواء كان الشك في البقاء من جهة الشك
في المقتضي أو من جهة الشك في وجود الرافع خلافا للشيخ الانصاري قده حيث خصص حجية
الاستصحاب بالشك في وجود لرافع تبعا للمحقق الخوانساري (قده) واستظهر ذلك من أخبار
الباب وكيف كان فما يمكن الاستدلال له بوجهين :
أحدهما ان معنى
النقض حقيقة هو رفع الهيئة الاتصالية من نقض الحيل ونحوه مما فيه جهة الاتصال
والابرام وهذا المعنى لا يمكن ارادته في المقام فلازمه الانصراف عنه إلى غيره
فحينئذ يدور أمره بين أن يراد منه رفع الامر الثابت الذى له مقتضى الثبوت والبقاء
وبين مطلق رفع اليد عن الشيء ولو لم يكن له مقتضى الثبوت أصلا ومع دورانه بين
إرادة الامرين لا شك ان المعنى الاول أقرب إلى الحقيقة ضرورة ان ما كان مقتضى
الثبوت أولى أن يستعمل فيه لفظ النقض في رفعه من استعماله في مطلق الرفع كما هو
مقتضى العرف في متعلق النهي كما في مثل لا تضرب أحدا فانه بحسب العرف لفظ أحد
ينصرف إلى الاحياء بقرينة ظهور الضرب في ذلك.
وثانيهما : أن
النقض بين الشيئين عبارة عن المناقضة والمنافرة بينهما ومن المعلوم أن المناقضة
بين اليقين والشك ليس إلّا اذا كان متعلقين بشيء واحد بالدقة العقلية فلو تعلق
اليقين بحدوث شيء والشك في بقاءه ما كان بينهما منافاة ومناقضة لتعدد متعلقهما
فالمناقضة بينهما انما تتحقق فيما اذا تعلق اليقين بالبقاء الذي تعلق به الشك غاية
الامر من جهة عدم تعقل ذلك لا بد من أن يقال يكون اليقين تعلق بالبقاء الاستعدادي
أعني حصل اليقين بحدوث ما له استعداد البقاء اقتضاء والشك قد تعلق بفعلية ذلك البقاء من جهة الشك في
__________________
الرافع فينحصر
حينئذ في مورد الشك في الرافع دون المقتضي لعدم كون اليقين فيه متصفا بالبقاء
الاستعدادي كما لا يخفى.
__________________
وبعبارة أخرى اذا
كان متعلق اليقين مما له اقتضاء بالبقاء فنفس كونه مما له اقتضاء البقاء يوجب
الاعتقاد بالبقاء الفعلي فيه لكون العقل يرى وجود المقتضى بالفتح عند وجود المقتضى
بالكسر اذا شك
__________________
في البقاء بعد ذلك
يصير متعلق اليقين والشك واحد بالدقة فيصدق نقض
__________________
اليقين بالشك
والجواب عنه بما عن الثاني فبأنه يتم هذا المقال الذي تعلق به الشك واليقين بناء
على كون الملاك في وحدة الموضوع
__________________
الذي تعلق به الشك
واليقين هو الدقة العقلية وأما بناء على الوحدة
__________________
العرفية كما هو
التحقيق على ما سيجىء فيكون متعلق الشك هو متعلق اليقين ولو كانا مختلفين بحسب
المرتبة كما لا يخفى.
وأما عن الاول
فلئن النقض حقيقة نقيض الابرام ومقابله
__________________
كما صرح هو به
وصرح به في القاموس أيضا ومن هذا الباب قوله تعالى كالتي نقضت غزلها من بعد قوة
انكاثا واستعماله في مورد الغزل يتصور على وجوه ثلاث :
الأول باعتبار
كونه ضد الابرام بمعنى كونه عبارة عن الهيئة الاتصالية الحادثة من التفاف أجزاء
القطن بعضها ببعض الذي هو حادث بحدوث الغزل من غير مدخلية لبقائها بعد حدوثها.
الثاني باعتبار
كونه ضد الاستحكام الحاصل من التفاف بعض الاجزاء بالبعض أيضا الذي هو حادث بحدوث
الغزل أيضا.
الثالث باعتبار
نقض الهيئة الاتصالية الاعتبارية الانتزاعية من بقاء الغزل ولا اشكال في أن المصحح
لاستعمال النقض فيه ليس هي الجهة الاخيرة لعدم اختصاص ذلك بباب الغزل بل كل موجود
إذا استمر وجوده ينتزع من بقاء الهيئة الاتصالية من بدء حدوثه إلى آخر زمان بقائه
وإن كان التحقيق بناء على الحركة الجوهرية يقتضي أن يكون في كل أن موجود بوجود
مستقل ببداهة أنه لا يصح أن يقال نقض الحجر اذا رفعته من مكانه وكذلك في أشباهه
فظهر ان المصحح استعماله لا بد وأن يكون أحد المعنيين الاوليين.
أما اعتبار الهيئة
الاتصالية الحاصلة من التفاف بعض الاجزاء بالبعض المساوق لتحقيق جهة وحدة فيها
باعتبار ارتباط بعضها ببعض وأما اعتبار جهة وحدة فيها باعتبار ارتباط ببعض.
__________________
وأما اعتبار جهة
الاتصال الحاصلي من شدة الارتباط بين الاجزاء ثم بعد ذلك فيتعدى إلى موارد
استعماله الغائي أيضا لا بد وأن يكون مصحح استعماله تلك الغاية وإلا فلا كما هو في
نقض العهد ونقض سببه حيث أن العهد بمدلوله اللفظى دال على الاستحكام بمعنى
الالتزام الحاصل للنفس بالنسبة للعهود من جهة شدة الارتباط بينهما يرى أن لهذا
الالتزام جهة الاستحكام وليس كذلك في الوعد الذي هو أيضا من سنخ العهد ولذا لا
يقال فيه نقض الوعد بل يقال اخلفه بخلاف النية والارادة بمدلولها اللفظي دال على
جهة استحكام ولو بالعناية والادعاء بالبناء على الحركة على طبيعتها مع أنه لا يطلق
النقض على دفع مطلق الارادة.
وكذا يصح اطلاق
النقض على رفع اليد عن الفرض باعتبار جهة الاستحكام الادعائي يرى بينه وبين ذهنيه
الحاصل من جهة شدة الارتباط بينهما.
وكذلك يصح النقض
على رفع اليد عن مثل الصوم والصلاة وغيرهما مما لها جهة ارتباط بين أجزائها على
نحو يرى لها جهة استحكام.
ومن تلك الموارد
اطلاقه على رفع اليقين بعروض الشك فان الوجه فيه ان فيه جهة استحكام بنحو يرى فيه
اليقين من جهة شدة ارتباطه بمتعلقه على وجه لا يزول بتشكيك مشكك لانه مرتبة من
العلم لا يزول بأدنى مشكك بخلاف مطلق القطع والعلم فانه ليس بهذه المرتبة من
الاستحكام فلا يصح اطلاق النقض على رفعهما وبناء على ذلك فلا فرق في صحة استعمال
النقض على رفع اليقين بالشك بين أن يكون من جهة الشك في الرافع أو المقتضي فان قلت
اليقين بهذا المعنى غير مراد في الاستصحاب للقطع بأنه مجرد حصول القطع بالحدوث ولو
زال بالشك يجري
الاستصحاب فيه فلا بد أن يراد منه معنى آخر يصح اطلاق النقض على رفعه وليس ذلك إلا
باعتبار النظر إلى استحكام متعلقه المقتضي للبقاء فينحصر بمورد الشك في الرافع قلت
من جهة تعبير الشارع عن مطلق القطع باليقين نستكشف أنه قد جعل كل قطع منزلا منزلة
اليقين ادعاء وعناية في كونه غير زائل بتشكيك المشكك فبناء على وجوده عند الشك
وجعل الشك بمنزلة العدم يحصل هاهنا ادعاء في ادعاء بمعنى اننا ادعينا أولا بأنا
حكمنا بقطع يقين في باب الاستصحاب.
ثم ادعاء آخر أن
اليقين أمر مستحكم كالغزل لا يزول بتشكيك مشكك وبعد الادعائيين قد نسب النقض إليه
في مقام رفعه.
نعم يبقى في
المقام اشكال وهو ان اطلاق اليقين على القطع وان كان مسلما في باب الاستصحاب ولكنه
لما كان القطع موجودا للشيء الذى له اقتضاء للبقاء فينحصر زواله باحتمال وجود
المانع بخلاف القطع بحدوث الشىء وانه يزول ولو لعدم العلم بتحقق المقتضي للبقاء
كما أنه يزول باحتمال عدم المقتضي للبقاء فاطلاق اليقين على الاول أولى ولا أقل من
كونه القدر المتيقن فليس لنا دليل على أن المراد باليقين مطلق القطع بحدوث الشيء
ولو مع عدم العلم يكون مما له اقتضاء للبقاء.
وعليه فليس لنا
دليل على جريان الاستصحاب فيما إذا كان الشك في البقاء من جهة الشك في المقتضي بل
ينحصر بالشك في المانع وهذا في الحقيقة تقريب آخر للقول بحجية الاستصحاب في خصوص
الشك في الرافع فقط ويمكن دفعه.
أولا بالنقض فيما
إذا حصل لنا في مورد اليقين حدوث شيء مع الشك في بقائه من جهة المقتضي بحيث كان
اليقين بأصل الحدوث باقيا حتى في حال الشك في البقاء على وجه لا يزول بتشكيك مشكك
أصلا ومن جهة عدم القول بالفصل بين موارد الشك في المقتضي يتم المطلوب.
وثانيا أن
الاستحكام بالقطع بحيث لا يزول بتشكيك مشكك وعدم استحكامه يدور مدار قوة أسبابه من
المحسوسات والعقليات البديهية وعدم قوتها من دون مدخلية للقطع ببقاء مقتضى البقاء
للمقطوع وعدمه.
فنحصل مما ذكرنا
أن القول بالتفصيل بين الشك في المقتضى والشك في الرافع لعدم حجية الاستصحاب في
الاول دون الثاني مبني على أمور.
الاول أن حقيقة
النقض هو رفع الهيئة الاتصالية كنقض الحبل أو نقض الغزل مما يكون له هيئة اتصالية
حاصلة من التفاف بعضه ببعض إلا أنه يمتنع ارادة هذا المعنى في المقام لذا يدور
الأمر بين أن يحمل على الأمر الثابت ولو لعدم مقتضية أو رفع الامر الثابت لوجود
مقتضية ومن الواضح ان حمله على الاخير هو الأولى لقربه من المعنى الحقيقي ،
الثاني أن المصحح
لاضافة النقض إلى اليقين انما هو باعتبار استتباع اليقين للجري العملي على ما
يقتضيه المتيقن وليس ذلك باعتبار صفة اليقين إذ من الواضح انه ينتقض نفس اليقين
بالشك ولا باعتبار آثار اليقين فاضافة النقض إلى اليقين بلحاظ المتيقن وليس ملحوظا
بنفسه ويختص فيما إذا كان المتيقن مقتضيا للبقاء بنحو لو خلي وطبعه لاقتضى
الاستمرار وذلك
انما يتصور فيما إذا كان شكا في المقتضي لأن الجري العملي على وفق اليقين باعتبار
المتيقن لا يكون نقضا لليقين بخلاف ما إذا كان للمتيقن اقتضاء للبقاء حيث أن الجري
العملي ينتقض بنفسه فلا يصح ورود النقض على اليقين باعتبار المتيقن إذ المتيقن غير
مقتض بنفسه للجري العملي على وفقه فالشك في اقتضاء المتيقن للبقاء ملازم للشك في
صدق النقض عليه فلا يشمله عموم أخبار الباب.
الثالث أنه لو
قلنا أن النقض متعلق باليقين إلا أنه لا يصح صدق النقض عليه إلا بوحدة متعلقهما إذ
بدونه يكون الشك مجامعا لليقين ولا يكون ناقضا له فتصحيحا لصدق النقض يحتاج إلى
وجود مقتضى للبقاء في المتيقن لكونه أقرب لتحقيق اعتبار الوحدة في المتعلقين.
الرابع قد عرفت أن
الزمان اللاحق الذي يشك فيه في بقاء المتيقن متعلقا لليقين من حين حدوثه ولو
بالمسامحة بحيث يقتضي اليقين وجوده حين حدوثه فيترتب الأثر عليه على الاطلاق حتى
في الزمان اللاحق وهذا انما يكون إذا كان للمتيقن شأنية البقاء والاستقرار لأجل
وجود مقتضيه فيصدق لذلك النقض عليه بخلاف فرض عدم وجود المقتضي للبقاء فيه فلا
يكون رفع اليد عنه في الزمان اللاحق نقضا لليقين به حتى يصح النهي عنه.
ولكن لا يخفى أن هذه
الوجوه الاربعة لا تقتضي تفصيلا في جريان الاستصحاب بين الشك في المقتضي والشك في
الرافع.
أما عن الأول فانه
لما لم يمكن ارادة المعنى الحقيقي للنقض فيكون المصحح لانطباقه في المقام هو ما في
نفس اليقين من الابرام والاستحكام الذي لا يزول بالتشكيك.
ولذا اختص اليقين
من بين مراتب الجزم بخصوصية موجبة لصحة
اضافة النقض اليه
فيشبه النقض المستعمل في أمثال الغزل والحبل.
ولذا لا يضاف
النقض إلى غيره كالقطع والعلم فعليه لا يفرق بين أن يكون متعلقا بما فيه اقتضاء
الثبوت والبقاء وبين أن يكون متعلقا بما ليس فيه اقتضاء البقاء فعليه لا مانع من
دعوى اطلاق أخبار الباب لكل من مورد اليقين لوجود مقتضى البقاء المتيقن في مورد
الشك فيه.
ومما ذكرنا يظهر
اشكال التقريب الثاني حيث أنه مبني على كون اليقين في القضية ملحوظا بنحو الطريقية
إلى المتيقن بلحاظ الآثار المترتبة عليه لا ملحوظا مستقلا على وجه العنوانية إلا
أنه خلاف الظاهر مما يقتضيه ظهور القضية في كون المتيقن المأخوذ فيه كون اليقين
ملحوظا في مقام اضافة النقض إليه على نحو الاستقلال إذ هو مقتضى جميع العناوين
المأخوذة في القضية من حيث ظهور كل عنوان في الحكاية عن ارادة معناه مستقلا على انه
يلزم عدم قيامه مقام العلم الموضوعي ولو كان على وجه الطريقية بنحو تمام الموضوع
أو جزئه وعدم حكومته على سائر الاصول.
وعليه ان كل من
التزم بقيام الاستصحاب مقام العلم الموضوعي ولو على وجه الطريقية وحكومته على سائر
الاصول كالشيخ (قده) فلازمه أن يلتزم بأن اليقين في لا تنقض ملحوظا في تعلق النقض
به على وجه الاستقلال.
ودعوى بعض الاعاظم
(قده) بعد التزامه في المقام برجوع النهي عن نقض اليقين في القضية إلى وجوب ترتيب
آثار المتيقن المترتب عليه لاجل اليقين التزم بالتفصيل بين الشك في الرافع
والمقتضي والتزم بحكومة الاستصحاب على الاصول المغياة بالعلم والمعرفة وقيامه مقام
العلم الموضوعي ممنوعة إذ مع التزامه بذلك كيف يصحح حكومة
الاستصحاب على
سائر الاصول المغياة بالمعرفة وقيامه مقام العلم الموضوعي على وجه الطريقية إذ
الالتزام يكون اليقين بعنوانه ملحوظا استقلالا في مقام التنزيل لا يناسب القول
باعتبار احراز استعداد المتيقن في البقاء مقدمة لسبق النقض وتصحيحا له فالتحقيق في
المقام هو ما عرفت من أن المصحح لاطلاق النقض في المقام هو تعلقه بنفس اليقين الذي
هو من قبيل الامر المبرم وانه في القضية قد أخذ على وجه الطريقية لا الصفتية ملحوظ
في تعلق النقض به على نحو الاستقلال بلحاظ ما يترتب عليه من الآثار لا مرآة
لمتعلقه وهو المتيقن ولا طريقا لايصال التنزيل إلى متعلقه كسائر العناوين الطريقية
ولازم ذلك هو الذهاب إلى عموم حجية الاستصحاب في مورد الشك في الرافع والشك في
المقتضي.
وبالجملة أن
التفصيل بين الشك في المقتضي والرافع لا يساعد عليه الدليل وان أخبار الباب مطلقة
لا يفرق بين المقتضي والرافع مع أنه لم يعهد من أحد هذا التفصيل في الفقه من أول
باب الطهارات إلى آخر الديات كما يظهر للمتبع.
فان قلت بناء على
ما ذكرت يصير المعنى نقض نفس اليقين بالشك كما هو ظاهر لا نقض المتيقن بالشك قلت
نعم لا بد وأن يكون النقض باعتبار نفس اليقين دون المتيقن لان المتيقن من حيث ذاته
لا يصح بنسبة النقض إليه.
فانه لا يصح أن
يقال نقض الحجر أو نقض الوجوب أو نقض حياة زيد بالشك بها بخلاف نقض اليقين بالشك
فلا بد أن يؤخذ لفظ اليقين في ظرف متعلقه فيصح اسناد النقض باعتباره وطريق أخذه
أما أن يكون استقلاليا بمعنى تعلق النقض به بملاحظة نفسه وأما أن يكون آليا ومرآة
لمتعلقه به وكلا الجهتين يمكن اعتبارهما فان قلت على الوجه
الثاني يكون متعلق
النقض في الحقيقة هو متعلق اليقين والمرئي به إذا اليقين لوحظ مرآة له.
وعليه يجري الحكم
منه إلى المتعلق فيعود المحذور قلت لا محذور فيه وذلك لان المرئي قد يتصف بصفة
المرآة ويكتسب لونه من جهة شدة اتحادهما بحسب النظر.
كما أن المرآة من
هذه الجهة قد يتصف بصفة المرئي ويكتسب لونه ويسري كل منهما إلى الآخر كما هو كذلك
في المحسوسات كما يرى لون السراج الكائن في الزجاج الاحمر أحمر من شدة ارتباطهما
بحيث صارا ملونين بلون واحد بنظر الرائي فلا مانع في أن يتصف المتيقن بصفة اليقين
في الاستحكام وصحة اسناد النقض إليه وهذا بخلاف ذات المتيقن مع قطع النظر عن
اليقين فتلخص انه يمكن أن يكون أخذ اليقين بعنوان الاستقلالية ويمكن أن يكون
بعنوان المرآتية وتعيين أحدهما دون الآخر يحتاج إلى المرجح لتساويهما بحسب
الاحتمال ولا مرجح في البين حسب ما ذكرنا وتفصيل الكلام في ذلك أنه لا اشكال في أن
المقصود من نقض اليقين بالشك هو لزوم ترتب الاثر العملي على طبق اليقين على ما
سيأتي تفصيله والاعمال المترتبة على اليقين تارة يكون عملا لليقين بمعنى أنه كان
من مقتضيات نفس الواقع بحيث كان الواقع بواقعه مقتضيا للعمل ولكن ترتبه عليه فعل
مشروط بالعلم واليقين به على وجه كان العلم من قبيل الشرط لترتب أثر المقتضي
بالكسر عليه.
فعلى هذا كان
اليقين طريقيا محضا كاناطة وجوب امتثال الحكم الواقعي وتنجزه باليقين وأخرى يكون
ترتبه على نفس اليقين كترتب المقتضي بالفتح على المقتضي بالكسر بأن يكون نفس
اليقين هو المقتضي
والموضوع للاثر
كجواز الشهادة والاخبار فانه ليس أثرا للواقع أصلا بل أثر لنفس العلم به بما علم
وهذا القسم أيضا ينقسم على ثلاثة أقسام :
أحدها أن يكون
اليقين جزء المقتضي أو يكون تمام المقتضي للواقع المعلوم بحيث لا يكون نفس الواقع
تمام المقتضي ولا القطع به بل هما معا تمام المقتضي كما اذا كانت الحرمة مترتبة
على الخمر المعلوم خمريته.
وثانيها أن يكون
القطع بما هو قطع تمام المقتضي ولو مع عدم الواقع باعتبار كونه منورا للواقع وجهة
كشف له.
وثالثها أن يكون
القطع أيضا تمام المقتضي للعمل بما هو صفة خاصة قائمة بالنفس من دون نظر إلى جهة
كشفه.
وأما الثمرة بين
القسمين الاول والثاني بأقسامه أنه على القسم الاول لا يمكن أن يثبت بالاستصحاب
إلا ما هو من آثار نفس الواقع فلا يمكن اثبات جواز الاخبار والشهادة بالاستصحاب
بناء على كون اليقين في دليل الاستصحاب مأخوذا على الطريقية بخلاف ما اذا كان أخذه
بعنوان الاستقلالية والموضوعية.
نعم قد يقال بعدم
امكان شمول دليل الاستصحاب لليقين الطريقي والاستقلالي معا لاستلزام الجمع بينهما
وهو محال لاختلاف النظرين أعني النظر الآلي والاستقلالي فلا بد وأن يكون المراد
اليقين الطريقي وان إجراءه بلحاظ اثبات الآثار المترتبة على نفس الواقع بقرينة
تطبيق قوله لا تنقض اليقين بالشك على الشك بالحدث بعد اليقين بالوضوء ولا يكون
اليقين به الا طريقيا وكذلك الاشكال عند الاصحاب في جريان
الاستصحاب في كلية
المسائل الفقهية فيما إذا كان الواقع مما له الاثر وكان اليقين مأخوذا فيه على نحو
الطريقية.
ولهذا كان المسلّم
عندهم قيام الاستصحاب كالامارات مقام القطع الطريقي الذي كان الاثر مترتبا على
الواقع وكان العلم مأخوذا فيه بعنوان الطريقية.
وهذا شاهد على كون
المراد من اليقين المأخوذ في المقام هو اليقين الطريقي ومعه لا يمكن ارادة اليقين
الاستقلالي للزوم الجمع بين النظرين المختلفين وفيه :
أولا أنه لا اشكال
عندهم في جريان الاستصحاب في الموارد التي كان الاثر لنفس الواقع وكان اليقين
مأخوذا فيها بعنوان الطريقية كذلك لا اشكال عندهم في جواز الشهادة من جهة
الاستصحاب فيجوزون الشهادة بالملكية فيما إذا احرزت بالاستصحاب وكذلك يجوزون
للاخبار فيما إذا احرز شيء به مع أنه لا اشكال في أن الشهادة والاخبار من آثار نفس
اليقين بالواقع بعنوان الموضوعية دون نفس الواقع.
وهذا دليل على
جريان الاستصحاب في مورد أخذ القطع لا بعنوان الطريقية بل أخذ بعنوان الاستقلالية
والموضوعية.
وثانيا لا مانع من
الجمع بين اليقين الطريقي والاستقلالي في دليل الاستصحاب فيما نحن فيه إلا بناء
على اعتبار كون المقصود من الاستصحاب اثبات الاثر الشرعي بأن يكون النظر في
التنزيل غير اليقين منزلة اليقين جعل الاثر الشرعي الثابت للمنزل عليه على المنزل
كما في مثل الطواف بالبيت صلاة.
وأما اذا كان
النظر في دليل التنزيل اثبات الاعمال المترتبة على المنزل بأن يكون مفاد دليل
التنزيل هو أمر المكلف بتنزيل شيء منزلة
غيره على وجه كان
التنزيل بجعل المكلف لا بجعل الشارع فليس المقصود في مثله إلا مجرد الأمر بجعل
المكلف نفسه متيقنا بلحاظ أعماله التي كانت أثرا لليقين ولو بحكم عقله فمرجع الأمر
بمثل هذا التنزيل هو الأمر بالعمل الذي كان أثر لليقين الوجداني ومن المعلوم أن
عمل المكلف الذي كان يترتب على يقينه هو أثر ليقينه مطلقا سواء كان اليقين طريقيا
أو موضوعيا فان كلا منهما كان العمل أثرا لليقين على كل حال وكان دخل اليقين فيه
استقلاليا غاية الامر ترتبه على اليقين الطريقي كان من قبيل ترتب المشروط على
شرطه.
وفي اليقين
الموضوعي كان من قبيل ترتب المقتضي بالفتح على مقتضيه بالكسر وإلّا ففي كون اليقين
منظورا فيه استقلاليا لا فرق بينهما.
نعم في المقام
اشكال آخر وهو انه لو شمل دليل الاستصحاب اليقين الاستقلالي فيلزم جريان الاستصحاب
في كل مورد لم يكن هناك أثر شرعي يترتب على نفس المستصحب أصلا فانه يمكن أن يجري
الاستصحاب فيه لاثبات جواز الاخبار عنه باثبات اليقين فيه مع انهم لم يلتزموا به
كما أنهم لم يلتزموا كلية في دليل الطرق والامارات إلا فيما إذا كان هناك أثر شرعي
لنفس الواقع حتى يكون التعبد بالظهور أو السند لاثبات مثل هذا الاثر فلو كان النظر
إلى اثبات آثار نفس اليقين الاستقلالي لكفى جواز الاخبار لاثبات التعبد في جميع
تلك الموارد بناء على تتميم الكشف.
ويمكن رفع هذا
الاشكال بدعوى انصراف مثل لا تنقض اليقين بالشك في القضايا الشرعية التي كان لها
جهة ارتباط بالشارع بما هو شارع كما نقول بمثل هذا الانصراف بالنسبة إلى عدم حجية
الأصل
المثبت في باب
الاستصحاب على ما سيأتي تفصيله.
وبعبارة أخرى أن
قوله لا تنقض اليقين بالشك من قبيل ضرب قاعدة ظاهرية راجعة إلى الأمر بالمعاملة
على طبق اليقين السابق وترتب الآثار العملية المترتبة على اليقين بالقضايا الشرعية
سواء كان اليقين من قبيل الشرط لترتب الاثر على نفس الواقع أو من قبيل المقتضي له.
ومن ذلك ظهر أن
دليل الاستصحاب لا يشمل موارد أخذ اليقين فيها تمام الموضوع للحكم بنحو الصفة
الخاصة القائمة بالنفس لعدم كونه متعلقا بالقضية الشرعية لأن الفرض عدم ملاحظة
كونه منورا للغير بل لوحظ بما هو صفة قائمة بالنفس والظاهر من جميع موارد أخبار
الاستصحاب المأخوذ فيها اليقين هو اليقين الملحوظ نفسه أعم من أن يكون طريقا محضا
أو مأخوذا بنحو الاستقلال.
ولعل هذا هو مراد
الشيخ (قده) حيث قال : المراد من أحكام اليقين ليس أحكام نفس اليقين إذ لو فرضنا
حكما شرعيا محمولا على صفة اليقين يرتفع بالشك قطعا كما لو نذر جعل شيء ما دام
متيقنا بحياة ولده بل المراد أحكام المتيقن الثابتة له من جهة اليقين وإن كان
ينافيه قوله في تعريف الاستصحاب هو ابقاء ما كان فانه بناء على ما ذكرناه لكان
حقيقة الاستصحاب هو الحكم ببقاء اليقين بما حدث لا الحكم ببقاء نفس ما حدث.
ثم أنه بناء على
كون المراد من اليقين هو اليقين المرآتي المحض يلزم عدم حكومة الاستصحاب على ساير
الاصول العملية لان مفاده ليس إلا اثبات حكم شرعي مماثل لحكم المتيقن في ظرف الشك
ودليل البراءة ينفيه فيقع بينهما المعارضة دون الحكومة وهذا بخلاف ما ذكرنا
من أن مفاده الامر
بالمعاملة بلسان ابقاء اليقين بالواقع فان حكومته عليه واضحة لا تحتاج الى بيان.
الاحكام الوضعية والتكليفية
ثم انك قد عرفت
فيما تقدم بأنه لا فرق في حجية الاستصحاب بين الأحكام التكليفية وبين الاحكام
الوضعية ولو على القول بكونها من الامور العقلية المنتزعة من الاحكام التكليفية
يجري فيها الاستصحاب بناء على ما تقدم من عدم الاحتياج إلى أثر شرعي في الاستصحاب
بل انما كان مفاد دليله هو الامر بالمعاملة على نفس اليقين.
ولكنه لما جرى
بناؤهم على تحقيق الأحكام الوضعية في المقام وأنها هل هي مجعولة بجعل الشارع
كالاحكام التكليفية أو هي من الامور المنجعلة بجعل الاحكام التكليفية بمعنى كونها
منتزعة من الاحكام التكليفية عقلا فنحن أيضا تقتفي اثرهم تأسيا بهم فنقول قبل
الشروع في تحقيق الحق لا بد لنا من تقديم مقدمة وهي :
أنه من المسلّم
عندهم جعل الحكم التكليفي فلا بد من شرح مرادهم في حقيقة الجعل الذي يقولون به في
الحكم التكليفي حتى يتضح به ما هو محل النزاع في الحكم الوضعي.
فنقول حقيقة الجعل
في الامور التي جعلها بالانشاء سواء كان بجعل الشارع كقوله (من حاز ملك) أو كان
بجعل غير الشارع كجعل الملكية والزوجية بالعقد عبارة عن أن يقصد الجاعل تحقق حقيقة
ذلك العنوان الجعلي مطلقا سواء كان منشؤه الفعلي أو القولي وكونه من الامور الجعلية
بالانشاء لا بد وأن يكون من الامور القصدية بمعنى أن حقيقتها
لا يتحقق إلا بقصد
تحققها بانشائها كعنوان التعظيم والتوهين وأمثالهما وهذا بخلاف الامور التكوينية
الخارجية أو العقلية فانها ربما تحقق بلا ارادة وقصد من الفاعل كالقتل أو الضرب
وأمثالهما اذا عرفت ذلك فاعلم أن في باب التكاليف عناوين متعددة منها الارادة
الكائنة في نفس الامر التي هي قوام حقيقة التكليف به.
ومن الواضح انها
ليست من الامور الجعلية الانشائية بل هي من الامور التكوينية المتحققة بأسبابها من
العلم بالمصلحة ومنها عنوان الطلب وقد تقدم سابقا أنه عين الارادة ومنها اظهار
الارادة والاعلان بها بالقول أو بالفعل.
ومن الواضح أن
تحقق عنوان الاظهار والاعلان تابع لدلالة اللفظ أو الفعل المتوقف على علم المخاطب
بالوضع من دون ارتباط له بالأمر أصلا بل يتحقق الاعلام بنفس التكلم باللفظ.
ومنها علم المكلف
بالارادة والظاهر أنه يحصل له العلم بها بنفس اقتضائه إلى المظهر بعد ما علم من
دون ربط له بالأمر.
ومنها المفاهيم
المنتزعة عن حكم العقل بوجوب الامتثال بعد العلم بالارادة كل باعتباره وبيانه أن
المكلف بالفعل قبل علمه بارادته يرى نفسه في سعة بالنسبة إلى طرفي مقتضي الفعل فمن
هذه الجهة يرى نفسه قادرا على الفعل والترك.
وبعد أمر المولى
يراها في كلفة بالنسبة إلى الفعل فمن هذا ينتزع عنوان التكليف وأيضا يجد الفعل
كأنه مما لا يقدر على تركه ولو من جهة اقتضائه الامر بحكم العقل بوجوب الامتثال
ولهذا ينتزع عنه الوجوب وأيضا يرى نفسه كأنه ملزوم بالاتيان بالفعل.
ومن هذه الجهة
ينتزع عنوان اللزوم وأيضا بملاحظة أن عمل المكلف معلول للعلم بارادة المولى فيرى
العمل للمولى فمن هذه الجهة ينتزع عنوان البعث والتحريك وعلى كل تلك العناوين
الانتزاعية العقلية المتأخرة عن مرتبة أمر المولى وانشائه فلا يكون منشأ لها قابلا
للجعل أصلا فما اشتهر في الالسن من أن التكاليف من الامور الجعلية لا واقع له.
نعم لا بأس بأن
يطلق عليها الجعلية بمعنى الادعاء وبالجملة أن التكاليف لا ترتبط بالامور الجعلية
حيث انها اعتبارات متقومة بالانشاء الناشئ عن قصد التوصل به إلى حقيقتها بنحو يكون
القصد والانشاء واسطة في ثبوتها بحيث لو لا القصد والانشاء لما كان لها تحقق في
وعاء الاعتبار المناسب لها كالتعظيم والتوهين ونحوها من العناوين التي يكون الجعل
مصححا لاعتبارها كما انها ليست من الامور الانتزاعية التي هي تابعة لمنشا الانتزاع
قوة وفعلا.
وبهذا ظهر عدم
تصور الجعلية بالمعنى الذي ذكرناه في الاحكام التكليفية في شيء من مراتبها.
أما مرتبة المصلحة
والعلم فهي غير قابلة للجعل. كما أن مرتبة الارادة التي هي حقيقة التكليف واضح انه
غيره قابل للجعل اذ انها من الكيفيات النفسانية التابعة للعلم بالمصلحة فلا ربط
لها في مقام الانشاء كما ان مرتبة الانشاء المظهر للارادة ليست من المجعولات حيث
أنه أمر واقعي وكان من مقولة الفعل الخارج عن الاعتبارات الجعلية.
وأما مرتبة
الايجاب والبعث واللزوم التي هي من العناوين المنتزعة من اظهار الارادة بالانشاء
القولي أو الفعلي أيضا لا ربط له بالجعليات حيث أنها اعتبارات منتزعة من اظهار
الارادة الخارجية كما
أن حكم العقل
بلزوم الاتباع بامتثال الأمر بداعي الاعلام بارادته.
نعم لا بأس بدعوى
الجعل فيها بمعنى التكوين والايجاد ولو بلحاظ ايجاد المنشأ القهري لا القصدي
والظاهر أن ذلك خارج عن الجعل التشريعي ومما ذكرنا ظهر فساد ما قيل في جعل الاحكام
التكليفية نظرا الى مرحلة البعث والالزام والايجاب المنتزعة من مرحلة الامتثال
بنحو لو لا الانشاء لما كان لاعتباره محل لما عرفت ان هذه المرتبة متأخرة عن الجعل
فكيف تكون قابلة للجعل هذا كله في باب الحكم التكليفي.
الأحكام الوضعية
وأما الحكم الوضعي
فقد اختلفوا فيه بين قائل بالجعل مطلقا وقائل بعدمه مطلقا وقائل بالتفصيل بين
الجعل في بعضها وعدمه في بعض آخر وجوه واحتمالات لا بد من التكلم في كل واحد منها
وقبل تنقيح المختار لا بد من بيان ما هو المحل للنزاع في المقام فنقول أنه لا
اشكال في تغاير مفهوم الحكم الوضعي ومفهوم الحكم التكليفي فان أحدا لم يتوهم ان
مفهوم جواز التصرف في المال عين مفهوم الملكية أو مفهوم وجوب الصلاة عين مفهوم
الكلية ومفهوم وجوب السورة فيها عين مفهوم الجزئية وإلا يلزم أن يكون المفهوم أمرا
غير اعتباري ولم يلتزم به أحد كما هو واضح.
فالقائل بانتزاعية
الحكم الوضعي عن الحكم التكليفي ليس مراده كونه عين الحكم التكليفي مفهوما بل
الظاهر اتفاقهم على تغايرهما مفهوما.
كما أن من الواضح
أن القائل بكونها منتزعة عن التكليف وكذا
القائل بأنها ليست
منتزعة عن التكليف ليس مرادهم من حيث اضافتها إلى التكليف بما هو حيثية الاضافة بل
مرادهم في ذلك ذات المضاف مع قطع النظر عن حيثية الاضافة فيه.
بيان ذلك أنه اذا
فرضنا أن الآمر اذا أمر المأمور بشيء في مكان وفي زمان فلا اشكال في أنه كان بعد
هذا الأمر اضافات اضافة الى الوجوب وكذا إلى الواجب وتمام تلك الاضافات متأخرة عن
الوجوب وفيها اضافة المكان إلى الوجوب فيقال مكان الوجوب ومنها اضافة الزمان إليه
فيقال زمان الوجوب ومنها اضافتها إلى المأمور فيقال مكان المأمور وغير ذلك من
الاضافات الحاصلة لاثبات الوجوب أو الواجب ولا اشكال في أن انتزاع تلك الاضافات في
المرتبة المتأخرة عن التكليف منها منتزعات عن التكليف قطعا.
وهذا المعنى ليس
مراد القائل بانتزاعية الحكم الوضعي قطعا بل مراده هو انتزاعية نفس المضاف إلى
الوجوب أو الواجب مع قطع النظر عن حيثية اضافة إليه فيكون مراده هو انتزاعية نفس
السبب أو المانعية أو الشرطية للوجوب وكذلك النزاعية نفس الجزئية أو الشرطية أو
المانعية للواجب بما هو نفس تلك العناوين من دون نظر إلى حيثية اضافتها الى الوجوب
أو الواجب المشترك في انتزاعية مثل تلك الاضافات في تمام الاشياء الموجودات في
العالم بالاضافة إلى الوجوب أو الواجب وبعبارة أخرى إذا قيل سببية الوجوب أو شرطية أو مانعية أو
__________________
ملكية المباح أو
شرطية الواجب أو جزئيته يراد منها حيثية اضافة هذه الاشياء الى الحكم أو متعلقه
كما في مثل غلام زيد فلا اشكال في أن الاضافة بين الشيئين لما كانت قائمة بهما فلا
بد وأن تكون متأخرة
__________________
عنها سواء كانت من
الأمور الاعتبارية المحضة أو كانت من الامور الخارجية التي لها حظ من الوجود في
الخارج ومن الواضح أن مثل
__________________
ذلك المعنى من
الامور الانتزاعية التي كانت تابعة لتحقق طرفيها فليس مراد من يقول بجعلية الحكم
الوضعي في قبال القائل بانتزاعية هذا المعنى قطعا بل انما نزاعهم وكلامهم بالنسبة
إلى نفس المضاف وذاته
__________________
مع قطع النظر عن
جهة الاضافة فانه ربما يتحقق عنوان ذات المضاف
__________________
بالنسبة إلى بعض
الأشياء ولو لم يكن له جهة اضافة أصلا لا المكان
__________________
ولا الزمان ولا
غيرهما من العناوين مع قطع النظر عن جهة الاضافة
__________________
فانه ربما يتحقق
عنوان ذات المضاف بالنسبة إلى بعض الاشياء ولو
__________________
لم يكن له جهة
اضافة اصلا لا لمكان ولا لزمان ولا غيرهما من العناوين قبل تحقق اضافتها إلى
الوجوب أو الواجب فتمام كلامهم انما هو بالنسبة
__________________
الى ذات المضاف
بما هو ذاته.
ثم ان المراد من
الحكم الوضعي في المقام عبارة عن الامر الاعتباري الذي تكون واقعيته ليست كواقعية
الاضافات الخارجية المتحققة في الاين والمتى والجدة وامثالها من الاعراض المقولية
فانه لم يلتزم أحد من القائلين بالجعل والانتزاع بكون حقيقة الملكية أو الزوجية أو
الجزئية أو الشرطية أو غيرها مما كانت من الاحكام التي بازائها شيء في الخارج غير
منشأها من الجعل أو التكليف.
بل الكل مطبقون
على أن حقيقة الامور الوضعية عبارة عن الامور الاعتبارية والاضافات الذهنية التي
تتبع منشأ اعتبارها ممن بيده منشأ الاعتبار من الجعل أو التكليف فاذا اتضح ذلك
فنقول لا بد من التكلم في كل واحد من الاحكام الوضعية مستقلا فمنها الجزئية للواجب
كجزئية السورة للصلاة وتفصيل الكلام فيها أنه لا اشكال في ان حقيقة الصلاة خارجا
ليست إلا عبارة عن الامور المتعددة المتكثرة خارجا على وجه الارتباط بها ولا جهة
وحدة فيها الناشئ من جهة حيثية خاصة
__________________
بين تلك الامور
كما كان الامر كذلك في مثل اجزاء السرير واخشابه التي لها جهة ارتباط لبعضها
بالنسبة الى البعض الآخر من جهة عروض خشبة السرير عليها فانه قد تقدم في بحث مقدمة
الواجب عدم كون ذلك ملاكا في اعتبار الجزئية في اجزاء الصلاة فحيث لا يعقل اعتبار
الجزئية والكلية في الامور المتكثرة المتباينة بما هي متكثرة فلا بد من اعتبار جهة
وحدة فيها يجمعها حتى يصح بلحاظها اعتبار الارتباط فيها وانتزاع الكلية للجميع
والجزئية لكل واحد منها فنقول وان كان هنا جهات الوحدة متعددة كوحدة الملاك القائم
بالمجموع ووحدة اللحاظ المتعلق بالمجموع ولكنه ليس كلامنا في المقام الا في جزئية
الشيء للواجب بما هو جزء له فلا بد وأن يكون الملاك جهة وحدة تعرض على الصلاة من
جهة وحدة الوجوب المتعلق بها إذ تعلق وجوب واحد بالامور المتكثرة إنما هو من جهة
وحدة يطرأ عليها جهة ارتباط ووحدة باعتبار كونها تحت وجوب واحد وبعد طرو مثل تلك
الجهة عليها ينتزع العقل في المرتبة المتأخرة عن ذلك الجزئية لكل واحد من تلك
الامور والكلية لمجموعها.
فالجزئية ليست إلا
من الامور الانتزاعية العقلية المتأخرة عن الوحدة الاعتبارية الثابتة لمجموع
الامور المتكثرة الآنية من ناحية وحدة الامر المتعلق بها فلا تكون الجزئية من
الامور المجعولة لا مستقلا ولا تبعا بل ليس فيه إلا جعل التكليف المتعلق بالكل
بناء على جعلية التكليف كما لا يخفى ، ومنها الشرطية وهي على قسمين :
__________________
أحدهما شرطية
الشيء للتكليف والآخر شرطية الشيء لمتعلق
__________________
التكليف أعني
الواجب أما شرطية التكليف كما يقال بشرطية الاستطاعة
__________________
لوجوب الحج فمرجع
حقيقتها عبارة عن اناطة وجوب الحج بالاستطاعة
__________________
فان وجوب الحج بعد
ما كان أمره بيد الشارع فله أن يجعله مطلقا وغير منوط بالاستطاعة وله أن يجعله
منوطا فاذا جعله منوطا بها يقول ان استطعت يجب عليك الحج فقد جعل الوجوب منوطا
بالاستطاعة بهذا الخطاب الواحد وبهذا الجعل جعل الاناطة أيضا تبعا في عرض جعل
الوجوب لا مقدما عليه ولا مؤخرا عنه.
فالاناطة المجعولة
تبعا عبارة أخرى عن الشرطية بل عينها فليست الشرطية التي هي شرط للتكليف من الامور
الانتزاعية المحضة غير المجعولة ولا من الامور المجعولة الابتدائية الاستقلالية بل
من الامور المجعولة التبعية في عرض جعل الوجوب لأن جعل الوجوب المنوط ليس إلا جعل
الوجوب والاناطة غاية الأمر جعل الاناطة تبعيا لا استقلاليا بل ربما يقال بامكان
الجعل الاستقلالي بتقريب ان السببية لما لم تكن بنحو السببية الحقيقية لعدم
معقوليتها حيث ان الجعل مما كان فعلا
__________________
اختياريا للجاعل
فكيف يمكن دخل الدلوك في الوجوب للخصوصية الذاتية أو الحيازة في قولنا من حاز ملك
في الملكية وبعد الفراغ عن ذلك فلا بد من الالتزام بكونها مجعولة يعني جعل الملكية
أو الوجوب المعلق على الحيازة في الاول والدلوك في الثاني لا بجعل آخر يغاير ذلك
وعليه كما يمكن أن يكون مورد الجعل الوجوب وتكون الملازمة ملحوظة تبعا لذلك يمكن
أن يكون مورد الجعل نفس الملازمة بلحاظ معناه الاسمي فيكون النظر الى الملازمة
استقلاليا والى الوجوب تبعيا.
وبالجملة الوجوب
أو الملكية تارة تكون مجعولة مستقلا وأخرى تبعا فان لوحظت مستقلة فهي مجعولة
استقلالا وإن لوحظت تبعا فهي مجعولة تبعا وبذلك تكون السببية قابلة للجعل التبعي
والاستقلالي وإلى ذلك يرجع ما ذكره الاستاذ (قده) في الكفاية من تقي كون السببية
مجعولة ، فان غرضه من ذلك تفي السببية بمعنى المؤثرية التي هي السببية الحقيقية
بمعني ترتب عليه الحكم الوضعي أو التكليفي في اناطة الحكم الوضعي أو التكليفي في
الخطابات الشرعية كالدلوك والعقد والاستطاعة دون السببية المنتزعة عنها من اناطة
الحكم الوضعي أو التكليفي بها في الخطابات الشرعية فانما هي ادعائية لا حقيقية .
__________________
وأما شرطية الواجب
فقد يقال بأن حالها حال الجزئية وأنه اذا تصور الامر متعلق طلبه جعله مقيدا بوجود
شيء على أن يكون القيد خارجا والتقييد داخل ومتعلق طلبة ينتزع بعد الطلب المتعلق
بالذات ونستفيد من ذلك القيد الشرطية.
كما أن الامر في
المانع كذلك وأنه ينتزع المانعية عن تعلق الطلب بشيء مع تقييده بعدم وجود شيء فانه
ينتزع من عدم وجود ذلك الشيء المانعية للواجب كما هو الحال في الجزئية فتكون
الشرطية كالجزئية من حيث كونها من الامور الانتزاعية المتأخرة عن رتبة الامر
المتعلق بالمقيد بوجود الشيء أو عدمه من غير فرق بينهما.
ولكن لا يخفى أنه
فرق بين الجزئية والشرطية إذ الجزئية انما تتحقق بعد طرو الوحدة الحاصلة من تعلق
التكليف فيكون التكليف حقيقيا اضافته إلى الواجب بحيث لولاه لما تحقق منشأ اعتبار
أصل الجزئية للواجب بخلاف الشرطية فانها متحققة قبل الامر فليست منتزعة من الامر
بالمتعلق بحيث يكون المصحح لانتزاعها هو الامر بالمقيد كما هو كذلك فى الجزئية
وانما الشرطية أمر ينتزع ويعتبر قبل الامر بالشيء لانها
__________________
عبارة عن نقيد
الشيء بقيد على أن يكون القيد خارجا والتقيد داخلا كالصلاة بالنسبة الى الطهارة.
وعليه لا بد أن
يكون التقييد متحققا قبل الأمر غاية الامر أنه قبل الامر كان قيدا للصلاة وبعد
الامر صار قيدا للواجب بمعنى أن واقع التقييد كان متحققا قبل الامر.
إذ من الواضح أنه
لو لم يكن قبل الامر متحققا لم يمكن تعلق الامر به اذ المجعول والحكم لا يمكن أن
يكون محققا لموضوعه الذي
__________________
هو بمنزلة علته
وعليه لا تكون الشرطية من الامور الانتزاعية بعد الامر إذ الشرطية كالزمان والمكان
بالنسبة إلى اضافتها الى الواجب بحسب الرتبة بعد الأمر ولكن ذاتها كانت متحققة
قبله فليست الشرطية للواجب بما هو واقع الشرطية منتزعة عن التكليف وانما هي من
الامور الواقعية غير المنتزعة فليست مجعولة بالجعل التشريعي.
وبعبارة أخرى أن
الجزئية صفة لا تتصف ذات الجزء إلا بعد تعلق أمر واحد بمجموع مركب منه ومن غيره
وإلا مع قطع النظر عن تعلق ذلك الامر لا تعتبر جزئية للواجب في البين أصلا بخلاف
الشرط والمانع للواجب فانهما أمران واقعيان في الرتبة السابقة على الامر وان كان
اضافة الشرطية والمانعية للواجب متأخرة عن وجود الواجب.
ولكن طرف هذه
الاضافة الذي هو الشرط والمانع يكون في الرتبة السابقة على الوجوب وبالجملة أن
الشرطية عبارة أخرى عن التقييد عبارة عن الاضافة الخاصة الثابتة للشيء بالنسبة الى
غيره والغرض
__________________
كونه مما تعلق به
الامر فلا بد وأن يكون ثابتا قبل الامر ثبوت الموضوع قبل حكمه كما لا يخفى.
ثم أن الكلام في
المانعية والقاطعية هو الكلام في الشرطية فانهما يلاحظان بالنسبة إلى الوجوب وقد
يلاحظان بالنسبة الى الواجب فحكمهما حكم الشرطية بالنسبة اليه.
وأما السببية فهي
عبارة عما كان ملحوظا بالنسبة الى الحكم التكليفي كسببية الدلوك لوجوب الصلاة
وأخرى تلاحظ بالنسبة إلى الحكم الوضعي كسببية البيع للملكية.
أما الأولى فهي
عبارة عما يوجب ثبوت ملاك التكليف وكانت مقتضية للتحقق مصلحة توجب التكليف فهي بهذا
المعنى لا تكون قابلية للجعل بل أمر ثابت في الشيء علة لاحداث ملاك التكليف فيما
يتعلق به.
وأما الثانية فهي
من الامور الجعلية الوضعية من قبل الشارع ولو إمضاء أو انها كانت كاشفة عما هو
الواقع أو لا.
__________________
وأما الصحة
والفساد فقد ذكرنا في مبحث الصحيح عبارة عن تمامية الشيء بلحاظ الجهة المرغوبة منه
ويقابلها الفساد تقابل العدم والملكة ففساد الشيء عبارة عن عدم تماميته بلحاظ
الاثر المرغوب فيه. وحيث أن الجهة المرغوبة من الشيء تختلف باختلاف الاغراض فالشىء
الواحد يختلف صحة وفسادا باختلاف الآثار والاغراض فيكون الشيء الواحد صحيحا بلحاظ
أثر وفساد بلحاظ أثر آخر.
وعليه تختلف صحة
الشيء الواحد وفساده بلحاظ الجهة المرغوبة منه فيكون الحكم بانتزاعية الصحة
وواقعيتها من ملاحظة تلك الجهة التي أريد تمامية الشيء بالاضافة اليها فان كانت
تلك الجهة من الامور الواقعية كالملاك والمصلحة تكون التمامية والصحة واقعية لأن
كون الشيء مما يترتب عليه الملاك والمصلحة أمر واقعي لا مجعول شرعي ولا منتزع من
أمر مجعول.
وهكذا لو كانت
الصحة بمعنى المسقطية للقضاء والاعادة التي هي تلازم الاجزاء لا عينه لأن تلك
الجهة تكون موجبة للوفاء بالغرض تتكون الصحة والتمامية من الامور الواقعية.
وأما الصحة في
المعاملات فهي من الامور المجعولة من التكليف أو الوضع لأنها منتزعة من تلك الجهة
فانتزاعية الصحة وواقعيتها تابعة لجعلية الجهة التي لوحظ تمامية الشيء بالاضافة
إليها وعليه لا مجال لدعوى انتزاعيتها من المجعول الشرعي مطلقا ولا للمنع من
انتزاعيتها كذلك.
نعم لا تكون الصحة
من الامور المتأصلة بالجعل تأسيسا بل هي أما واقعية محضة كالصحة بلحاظ الوفاء
بالغرض أو المسقطية الاعادة والقضاء ، وأما منتزعه من مجعول شرعي كالصحة من أبواب
المعاملات
من العقود والايقاعات.
وأما الطهارة
والنجاسة فلا يبعد جعلها من الامور الواقعية كما أفاده الشيخ الانصاري حيث انه قال
انها كالنظافة والقذارة العرفية المحسوسة وهي امور واقعية التي يدركها العرف
والعقل.
نعم بالنسبة إلى
بعض النجاسات كالخمر والكافر ونحوهما كونها من الامور الواقعية الخارجية التي كشف
عنها الشارع محل اشكال بل هي من الاعتبارات الجعلية الراجعة الى نحو ادعاء منه
بنجاسة ما يراه العرف طاهرا كما يشاهد نظيره في العرف حيث يرى عندهم بعض المصاديق
الادعائية للطهارة والنجاسة كاستقذارهم من أيدي غسال الموتى ومن شغله تنظيف البالوعة
واخراج الغائط منها وإباء طبعهم من المؤاكلة مع هؤلاء وكمثل الفلاح المستعمل
للفواكه ولو كانت أيديهم من جهة استعمال الفواكه من الوسخ ما بلغ.
ومن الواضح أن ذلك
لا يكون إلا من جهة ادعائهم للقذارة في الأول الموجب لترتيبهم آثار القذارة
الخارجية عليه وعدم اعتبارهم اياها في الثاني وعليه يكون من هذا القبيل ما حكم
الشارع به من نجاسة الخمر والكافر حيث حكم بنجاسة ما لا يراه العرف قذرا فيكون
المصحح له هو الادعاء بحيث لو يراه العرف أيضا مما يترتب عليه آثار قذارتهم من دون
أن يكون المناط هو عين الطهارة والنجاسة الشرعية كي تكون من الامور الواقعية التي
كشف الشارع عنها وبالجملة فرق بين كون الشيء طاهرا أو قذرا خارجيا وبين كونه طاهرا
أو قذرا ادعائيا وعليه لا وجه لجعلهما يقول مطلق من الامور الواقعية.
نعم على أي تقدير
لا تكون من الاحكام الوضعية لكي يتأتى النزاع في كونهما مجعولة أو منتزعة من
التكليف اذ هما اما من الامور
الواقعية وأما في
الامور الادعائية فعلى الأول لا تكون من الامور الوضعية لعدم ربطها بالجعل وعلى
الثاني وان كانتا مجعولة ولكن بالجعل بمعنى الادعاء لا الجعل الحقيقي :
وأما الرخصة
والعزيمة فقد عدهما بعض من الاحكام الوضعية ولكن ذلك محل منع اذ الرخصة والعزيمة
عبارة عن السقوط على وجه التسهيل وهما من الاحكام التكليفية لا الوضعية.
وأما الملكية
والحرية والرقية والزوجية والولاية وغير ذلك
__________________
من الاضافات
الاعتبارية وهو بنحو اضافة بين المالك والمملوك في الملكية مثلا فلا اشكال في أنه
اذا جوز الشارع لأحد التصرف في مال وحرم على آخر فيوجب ذلك نحو اضافة لهذا المال
الى هذا الشخص المجاز له التصرف وليت تلك الاضافة لغيره كما أنه لا اشكال في أن
تلك ليست جعلية بل هي من الامور المنتزعة من التكليف وانما الاشكال والكلام في أنه
هل كان هناك اضافة اختصاص في الرتبة السابقة عن التكليف مجعولة بسبب آخر غيره أو
ليست هناك اضافات أخرى غير ما ينتزع من التكليف فنقول ان الكلام في أنه يستفاد من
نفس دليل التكليف بثبوت اضافة الملكية في المرتبة السابقة من هذا التكليف فان لسان
دليل التكليف انه لا يجوز لأحد التصرف في مال غيره وانه يجوز لكل أحد التصرف في
ماله كما هو مفاد دليل السلطنة فموضوع التكليف هو مال المضاف الى الغير فلا بد وأن
يكون اضافة المال إلى الغير ثابتة في الرتبة السابقة على هذا التكليف بداهة تقدم
الموضوع على حكمه ولا نعني بالملكية إلا هذه فلا بد وأن تكون في الرتبة السابقة على
هذا التكليف وحيث نقول بثبوتها في المرتبة السابقة فاما أن تكون بتكليف آخر فيلزم
اجتماع المثلين على شيء واحد وأما أن يكون بجعل ابتدائي للملكية كقوله من جاز ملك
مثلا يثبت كونها من الامور الوضعية الجعلية وحيث ان الاول بديهي البطلان فيتعين
الثاني وبما ذكرناه ظهر فساد ما قيل في باب وضع الالفاظ من عدم الالتزام بالجعل من
الواضع لكل معنى خاص بل انما يثبت الوضع بتعهد منه وارادته الكلية بأنه كلما أراد
تفهيم معنى خاص أطلق لفظ كذا.
ثم بعد اظهار هذا
العهد كلما أراد بارادة جزئية تفهم المعنى يحصل التفهم بنفس اطلاق اللفظ فيه أو من
المستعملين المتابعين ووجه
الفساد أن من
الواضح ان الواضع حين ارادته تفهيم المعنى بارادة جزئية لا يكون مريدا للفظ بما هو
لفظ وبعنوان الموضوعية بل انما أراد اللفظ بعنوان أنه مرآة وحاك بحيث يكون فانيا
في المعنى فيلزم أن يكون المعنى مرادا بنفس تلك الارادة حتى إرادة كونه مفهما فنقل
الكلام في تلك الارادة فأما يتسلسل أو ينتهي إلى جعل الوضع الأول ولا اشكال في
تعين الثاني لبطلان التسلسل فيتعين الاول وعليه فتكون الهوهوية الحاصلة من كشف
اللفظ للمعنى الذي ادعيت في باب وضع الالفاظ فانها أمر واقعي تكويني لا توجد بصرف
الجعل والاعتبار الادعائي أي لا تكون الهوهوية المجعولة بين اللفظ والمعنى هو هوية
حقيقية مصداقا حقيقيا لمفهوم الهوية بنحو يحمل عليه ذلك المفهوم بالحمل الشائع
الصناعي بل يكون فردا ادعائيا لذلك المفهوم وليست من الامور الاعتبارية التي يكون
وجوده حقيقة في عالم الاعتبار وانما يكون وجوده تنزيليا ادعائيا وفرق بين الامور
الاعتبارية وبين الامور التنزيلية الادعائية بيان ذلك ان الموجودات الاعتبارية
التي لا وعاء لها إلا وعاء الاعتبار ويكون تكوينها عين تشريعها وبعد جعلها
واعتبارها ممن بيده الاعتبار سواء كان بيد الشارع أو العرف والعقلاء أو شخص واحد
كان بيده الاعتبار وبمعنى أن العرف والعقلاء يعتنون باعتباره ويرتبون عليه الاثر
يكون موجودا في عالم الاعتبار حقيقة ويكون حال وجودها حال الموجودات الواقعية
الخارجية من غير فرق بينهما إلا ان وعاء وجودات الاعتبارية عالم الاعتبار ووعاء
عالم الخارجيات عالم الخارج وذلك كاغلب الامور الاعتبارية كالزوجية والملكية
والرقية والولاية بمعناها الاعتباري الى غير ذلك من الامور الاعتبارية بخلاف
وجودات الادعائية والتنزيلات نفيا كقوله لا شك لكثير الشك وقوله (ع) لا صلاة الجار
المسجد
إلا في المسجد
وقوله (ع) الطواف في البيت صلاة والمطلقة رجعية زوجة الى غير ذلك أما القسم الاول
فالمجعول مصداق حقيقي في عالم الاعتبار يحمل المفهوم عليه بالحمل الشائع حقيقة
فالعقد الصحيح الجامع للشرائط والفاقد للموانع على المرأة المعلومة للرجل المعلوم
انما هو حقيقة الزوجية له.
وكذلك بعد انتقال
المال بأحد أسباب المعاوضات الصحيحة أو الارث أو الحيازة فذلك حقيقة ملكها وهكذا
الولاية والقضاء وغيرها من الامور الاعتبارية ودعوى أنها منتزعة من التكليف الشرعي
كما يظهر من الشيخ (قده) ممنوعة لمخالفتها للوجدان على أنه لا يتم بالنسبة إلى كون
الحيازة سببا للملك بنحو يتحقق فيه التكليف الا بتمحل مضافا إلى أن هذه الاضافة أي
اضافة الملكية انما تنشأ وتحصل بجعلها واعتبارها قيل تعلق التكليف مثلا حرمة
التصرف في مال الغير دون اذنه نفس المالية تكون موضوعا للحرمة فتكون معتبرة
ومتحققة في عالم الاعتبار قبل تعلق الحرمة فكيف تكون هذه الاضافة السابقة على
الجعل منتزعة من الامر المتأخر ولو لا ذلك لزم اما أن ينتزع من نفس ذلك التكليف
الذى قد عرفت أنه أمر غير معقول أو تكون ناشئة من تكليف آخر فيلزم اجتماع المثلين
وهو أيضا غير معقول.
وبالجملة لا مجال
لانكار الجعلية بالنسبة إلى هذه الاضافات كالملكية والزوجية والرقية وغيرها بعد
كونها مما اعتبرها العرف والعقلاء كما في القضاء والولاية فانهما من الاعتبارات
المتأصلة بالجعل كالملكية وليستا منتزعتين من التكليف ولا من الامور الواقعية.
وأما النبوة
والامامة الثابتة لبعض الاشخاص لاجل ما له من خصوصية كمال النفس فليست من الامور
المجعولة فلا تقاس بالولاية
والقصاء لوضوح
الفرق بينهما إذ تلك ليست من الامور المجعولة والقضاء والولاية من الامور
المجعولة.
وأما الوكالة
والنيابة فانهما أيضا من الاعتبارات العرفية الجعلية التي يقصد بها التوصل اليها
بانشائه المخصوص فان مرجعهما إلى جعل ولاية للغير على مال أو نفس نعم ربما يقال أن
النيابة ليست من الأحكام الوضعية وانما تكون من الحقائق الادعائية والوجودات
التنزيلية بنحو ينزل النائب نفسه منزلة المنوب عنه بادعاء كونه هو هو بالنسبة إلى
ما يصدر عنه من الامور الراجعة الى المنوب عنه.
وبهذا المعنى
تختلف الولاية عن الوكالة حيث إن مرجعها إلى جعل الغير بما هو غير ولي سلطانا على
التصرف في مال الموكل فلذا لا يحتاج الوكيل في ايقاع العمل للموكل فيه من قصد
وقوعه عن موكله بل هو بعد تحقق وكالته يستقل في ايقاع العمل الموكل فيه من غير فرق
بين كونه عقدا أو ايقاعا لظهور الفرق الواضح بين جعل الغير بما هو عير ولي سلطانا
على العمل الموكل فيه وبين جعل النائب منزلة المنوب عنه بادعاء كونه هو هو.
ومن المعلوم ان
ذلك غير مرتبط بالأحكام الوضعية والاعتبارات الجعلية إذ مرجع الجعل فيها إلى ايجاد
حقيقتها بنحو ينطبق المفهوم عليها انطباقا حقيقيا وتكون مصداقا حقيقيا لذلك
المفهوم ويحمل عليه المفهوم بالحمل الشائع الصناعي بخلاف باب الادعاء والتنزيل
فيها فانه يكون متحققا بالجعل والانشاء ولكن مجرد ذلك لا يوجب كونها من الأحكام
الوضعية.
وأما القسم الثاني
وإن كان مجعولا شرعيا لكنه لا يوجد للمفهوم فرد حقيقي في عالم الاعتبار بل يوجد
فردا ادعائي فالطواف بعد
جعله في عالم
التشريع بمنزلة الصلاة يصير فردا ادعائيا للصلاة لا فردا حقيقيا ولو في عالم
الاعتبار لان الصلاة أمر واقعي خارجي والطواف كذلك لا ينقلب عما هو عليه حتى يصير
فردا حقيقيا للصلاة لكي يحمل الصلاة عليها بالحمل الشائع بل الطواف هو فرد دعائي
بلحاظ الأثر.
وأما الحجية بمعنى
المعذرية والمنجزية فهي منتزعة من الكاشفية بنحو تتميم الكشف بلا اعتبار جهة زائدة
بناء على كفايته في تمييز الواقع وبما يستتبعه من الحكم الطريقي على ما هو المختار
ودعوى المحقق الخراساني (قده) بكونها مجعولة بنفسها لا منتزعة من أمر مجعول نظير
الملكية ونحوهما من منشآت العقود والايقاعات ممنوعة اذ الحجية ليست إلا اعتبار عن
كون العبد معذورا أو محلا لاستحقاق العقوبة على المخالفة ومن الواضح أن هذا المعنى
نظير السببية الحقيقية أمر ذاتي للشيء لرجوعه حقيقية إلى الملازمة لكشف الواقع
واستحقاق العقوبة على المخالفة.
وأما الحجية بمعنى
الوسطية وهو الطريقية والكاشفية والوسط في الاثبات في غير القطع لا يعقل أن تكون
من المجعولات التشريعية وانما هي مجعولات تكويني.
وأما في غيره فهي
من المجعولات تكوينيا بالعرض إذ الحجية والطريقية انما هي ادعائية وليست من الأمور
الاعتبارية التي توجد في عالم الاعتبار حقيقة إذ الطريقية أمر تكويني لا يوجد بصرف
الاعتبار إلا ادّعاءً فالامارات ليست مصاديق حقيقة للكشف والطرق بل هي مصاديق
ادعائية أيضا.
ومن هذا القبيل
الهوهوية التي ادعيناها في باب وضع الألفاظ
فانها أمر واقعي
تكويني لا توجد بصرف الجعل والاعتبار إلا ادّعاءً.
وبعد الفراغ عن
تحقيق القول في الأحكام الوضعية فنقول لا يمكن جريان الاستصحاب فيها إلا بالنسبة
إلى ما يكون منها جعليا ابتدائيا وأما ما لا يكون منها جعليا بل كانت من الأمور
الاعتبارية الانتزاعية كالجزئية مثلا فلا يجري فيها الاستصحاب إلا بجريانه بالنسب
إلى منشأ انتزاعها لأنه لا يمكن جعل الجزئية ولا رفعها ابتداء وانما يمكن الوضع
والرفع بالنسبة إلى منشأها.
وأما ما يكون منها
من الأمور الواقعية فحالها حال سائر الامور التكوينية والموضوعات الخارجية فيدور
جريان الاستصحاب فيها مدار يكون لها أثر شرعي عملي أم لا يكون لها ذلك كما لا يخفى
هذا تمام الكلام في المسألة وتمييز ما هو الحق من الأقوال.
تنبيهات الاستصحاب
ينبغي التنبيه على امر النية
التنبيه الأول
يعتبر في الاستصحاب فعلية الشك واليقين وعدم كفاية الوجود التقديري لهما مثلا : لو
تيقن المكلف الحدث في زمان معين ثم غفل وصلى فان علم بعدم حصول الطهارة له فلا
اشكال في بطلان الصلاة.
وأما لو احتمل
حصولها فتارة تستمر غفلته إلى أن يفرغ من الصلاة ثم يشك بعدها انه تطهر قبلها
والظاهر الحكم بالصحة لحكومة قاعدة الفراغ على الاستصحاب الحدث الفعلي.
وأخرى يحدث له
الشك في الطهارة حال الصلاة والظاهر البطلان لان الشك لمّا حدث قبل الصلاة كان
محكوما في زمان حدوثه بأنه محدث فتكون صلاته بالحدث الاستصحابي فتبطل ولا مجال
لقاعدة الشك بعد الفراغ إذ موردها حدوث الشك بعد الفراغ فلا تشمل صورة حدوثه قبله
كما في المقام.
ولكن لا يخفى أن
الحكم بالصحة في الأولى والبطلان في الثانية ليس مبنيا على اعتبار الشك الفعلي في
الاستصحاب لأنه لو بنى على كفاية الشك التقديري لا يمكن الحكم بالبطلان في الصورة
الأولى لقاعدة الفراغ كما انه لو بني على اعتبار الشك الفعلي يمكن القول بالبطلان
في الصورة الثانية لحصول الشك الفعلي بعد الفراغ وهو كاف في اثبات الحدث ظاهرا في
حال الصلاة فيثبت البطلان لو لا قاعدة الشك بعد الفراغ.
والظاهر ان الصحة
والبطلان مبنيان على جريان قاعدة الفراغ وعدمه فان جرت فيهما فالحكم بالصحة وان لم
تجر فيهما فالحكم
بالبطلان وان جرت
في أحدهما دون الآخر فالحكم بالتفصيل.
والظاهر أن قوام
الاستصحاب اليقين بثبوت المستصحب سابقا والشك في بقاءه لاحقا وانما الكلام في أن
اعتبار اليقين السابق من جهة كونه قوام حقيقة الاستصحاب أو من جهة كونه مما به
قوام تطبيقه على المورد وحيث قلنا سابقا من أن أخذ اليقين بما هو طريق لا بما هو
صفة خاصة لكي يكون قوام حقيقته ملازمه أن يكون في مكان التطبيق وقد تقدم تفصيل
ذلك.
التنبيه الثاني :
لا اشكال في جريان
الاستصحاب فيما لو شك في بقاء اليقين الوجداني وأما لو شك في بقاء اليقين المحرز
بالأدلة الظنية مثلا لو قامت أمارة على ثبوت حكم في زمان فانه لا اشكال في أن
مقتضى دليل الحجية وجوب العمل على طبق تلك الامارة في زمان قيامها عليه.
وأما لو شك في
الحكم بعد ذلك الزمان فيثبت الحكم فيما لم تكن متعرضة الا لمجرد الثبوت فلم تكن هي
المرجع من غير اشكال وانما الكلام في جواز الرجوع إلى الاستصحاب ليثبت بقاء ذلك
الحكم قيل بعدم جواز الرجوع اليه لعدم اقتضاء الامارة ثبوت مؤداها حتى يكون الشك
في بقائه بل انما تقتضي احتمال الثبوت لعدم تحقق اليقين بالثبوت لكي يكون شكا في
البقاء فلا يجري الاستصحاب لاختلال ركنيه.
وقد أجاب الاستاذ (قده)
بما لفظه (ان الحكم الواقعى الذي هو مؤدى الطريق حينئذ محكوم بالبقاء فتكون الحجة
على بقائه تعبدا للملازمة بيته وبين ثبوته واقعا).
توضيحه ان الموضوع
في الاستصحاب انما هو مطلق الشك ولو كان تقديرا بمعنى البقاء على تقدير الثبوت
وليس موضوعها خصوص الشك في البقاء الفعلي لكي يتوقف على اليقين بالثبوت فتكون أدلة
الاستصحاب بجعل الملازمة بين ثبوت الشيء وبقائه.
ولو علم بعدم
الثبوت إذ صدق الشرطية لا يتوقف على صدق طرفيها فاذا قامت الامارة على الثبوت كانت
حجة عليه وعلى البقاء وذلك بالاستصحاب إذ الدليل على أحد المتلازمين دليل عن الآخر
فيكون المقام من قبيل ما لو قامت الامارة على نجاسة شيء فانها تكون حجة على نجاسة
ملاقيه لثبوت الملازمة بين نجاسة الشيء ونجاسة ملاقيه غاية الأمر أن الملازمة في
المثال واقعية وفي المقام ظاهرية.
ولكن لا يخفى أن
جريان الاستصحاب يتم على ما سلكه (قده) في باب الطرق والامارات من أن المجعول فيها
هو الحجية كما أن ما أفاده في الجواب عن الاشكال يتم بناء على كفاية الشك في
البقاء على تقدير الثبوت فانه يصح الاستصحاب ويجري من غير حاجة إلى احراز المستصحب
يكون الاستصحاب يثبت البقاء التعبدي للشيء على تقدير ثبوته لرجوعه إلى جعل
الملازمة الظاهرية بين ثبوت الشيء وبقائه.
ولكن الحق ما عرفت
منا في أدلة الطرق والامارات من انها بنحو تتميم الكشف واثبات احراز التعبدي للواقع
لا بنحو تنزيل المؤدى ولا جعل الحجية فلا مانع من استصحاب الأحكام التي قامت
الامارات على ثبوتها من غير فرق بين أن يكون اليقين في لا تنقض اليقين ملحوظا بنحو
المرآتية أو العنوانية.
حيث أن دليل
الامارة متكفل لاثبات العلم والاحراز بنحو يوسع دائرة اليقين في لا تنقض اليقين
وبذلك يجري الاستصحاب في مؤديات
الامارات حيث تكون
مؤدياتها محرزة بالاحراز التعبدي.
وبذلك تتم حكومتها
عند قيامها على بقاء الحالة السابقة أو ارتفاعها من غير حاجة الى جعل اليقين في لا
تنقض كفاية عن مطلق الاحراز لكي تكون الامارة مقدمة عليه بنحو الورود لا الحكومة
ولا يحتاج إلى دعوى كفاية الشك في البقاء على تقدير الثبوت في صحة الاستصحاب وقد
أورد بعض الأعاظم على ما قرره الاستاذ (قده) بوجهين :
الأول فلأن
المجعول في الطرق والامارات هو الحجية المستتبعة لتنجيز الواقع لا الاحراز
والوسطية محل نظر حيث انه يمتنع جعل التنجيز والمعذرية.
أما التنجيز فانه
يدور مدار وصول التكليف بالحكم إلى المكلف ولو بالطريق فلو لم يصل بنفسه أو بطريقة
لا يكون منجزا لكي يكون معذرا فالتنجيز والمعذرية لا يقبلان الجعل لكونهما من
اللوازم العقلية.
الثاني مما ذكره
من جريان الاستصحاب في مؤديات الطرق والامارات يكفي فيه الشك في البقاء على تقدير
الحدوث محل نظر لان ذلك لا يرفع الاشكال حيث ان حقيقة الاستصحاب وان كان هو التعبد
في البقاء إلّا أن التعبد انما هو ببقاء ما ثبت عند الشك فيه.
ولا معنى للتعبد
في البقاء على تقدير الحدوث إلا بدعوى الملازمة والملازمة كالسببية مما لا تنالها
يد الجعل الشرعي فصحة الاستصحاب يتوقف على احراز الحدوث ليصح التعبد ببقاء الحادث
عند الشك في بقائه ولا معنى للتعبد بالبقاء في ما شك في حدوثه.
ولكن لا يخفى أن
ذلك انما يتم لو كان المقصود بالتبعية التنجيز والمعذرية إلى وصول التكليف وعدمه
ولا اشكال عدم قابليتهما لوقوعهما
تحت الجعل ولكن
ذلك لا يقصده الاستاذ (قده) وانما غرضه ان الحجية كالملكية من الاعتبارات الجعلية التي تتبع جعل سببها عقلا
وبذلك يجري الاستصحاب في مؤديات الامارات حيث تكون مؤدياتها محرزة بالاحراز
التعبدي وبذلك تتم حكومتها عند قيامها على بقاء الحالة
__________________
السابقة أو
ارتفاعها من غير حاجة إلى جعل اليقين في لا تنقض كتابه عن مطلق الاحراز لكي تكون
الامارة مقدمة عليه بنحو الورود لا الحكومة ولا يحتاج إلى دعوى كفاية الشك في
البقاء على تقدير الثبوت في صحة الاستصحاب.
__________________
ودعوى أنه لا مانع
من جريان الاستصحاب بناء على استفادة جعل الحجية من دليل الامارة بتقريب أن قيام
الامارة على وجوب شيء يقطع بمطلق وجوبه الأعم من الوجوب الواقعي المتحقق في صورة
المصادفة والوجوب الظاهري حتى مع عدم المصادفة فاذا شك في ارتفاعه يجري فيه
الاستصحاب ممنوعة بأن ذلك إنما يتم إذا كان مفاد الامارة السببية لا الطريقية.
__________________
إذ مرجع الحكم
الطريقي إلى كونه ايجابا حقيقيا على تقدير وصوريا على تقدير آخر مع عدم تصور جامع
بينهما وبان يكون من الفرد المردد بين ما له الأثر بين ما لا أثر له فلا يجري
الاستصحاب الكلي لعدم تعلق اليقين والشك بموضوع لو الأثر كما ان دعوى جريان
الاستصحاب في الحكم الظاهري الذي هو مفاد دليل التعبد بالامارة.
حيث ان قيام
الامارة على وجوب شيء أو طهارته ونجاسته مما يقطع فيه بثبوت الحكم الظاهري ومع
الشك في الزمان المتأخر في نجاسة ما قامت الامارة على طهارته تستصحب تلك الطهارة
الظاهرية لتحقق
__________________
أركانه من غير
حاجة إلى احراز الطهارة الواقعية التي هى مؤدى الامارة لكي يقال بعدم جريان
الاستصحاب لعدم احراز الحدوث ممنوعة فان ذلك انما يتم اذا لم يكن منشأ احتمال عدم
المطابقة منحصرا بجهة مخصوصة.
وأما مع الانحصار
فلا يجري الاستصحاب للقطع بانتفاء الحكم الظاهري من غير تلك الجهة كما لو فرضنا
أنه ومع الشك في طهارة الماء ونجاسته في زمان من جهة احتمال ملاقاته مع الدم بنحو
يكون منشأ الشك منحصرا بالاحتمال المذكورة فقامت البينة على طهارته في الصبح فمن
الواضح انما يقتضيه التعبد بالبينة من الطهارة الظاهرية للماء انما هو طهارته من
تلك الجهة لا مطلقا ولازم ذلك حصر منشأ الشك في
__________________
نجاسته بتلك الجهة
بعد اليقين بعدم نجاسته من تلك الجهة الاخرى ومع هذا اليقين يمنع التعبد بالبينة
حتى من الجهة المعلومة فلو شك في بقاء طهارته من غير تلك الجهة المشكوكة في الزمان
المتأخر. وإنما يشك في طهارته من جهة ملاقاته مع البول أو غيره من النجاسات فلا
يجري فيه الاستصحاب للقطع بانتقاء الحكم الظاهري من الأول من غير الجهة المشكوكة
أولا وعليه فلو لا اجراء الاستصحاب في الحكم
__________________
الواقعي الذي هو
مؤدى البينة لا مجال لاجرائه في الحكم الظاهري الذي هو مفاد دليل التعبد.
__________________
التنبيه الثالث :
ان المستصحب اي ما
له الأثر الشرعي تارة يكون جزئيا وأخرى يكون كليا والأول أما أن يكون شخصا معينا
كما إذا كان الأثر مترتبا على شخص زيد وكان مقطوع الحدوث وشك في بقائه وأما أن
يكون مترددا بين أمرين كما اذا علم اجمالا بتحقق شخص له الأمر وهو مردد بين زيد بن
عمر وزيد بن بكر أما الأول فلا إشكال في جريان الاستصحاب فيه وأما الثاني كما لو
شك في أن النهار ينتهي بغياب الفرص أو بذهاب الحمرة المشرقية وكالشك في مفهوم
الرضاع المحرم ما بلغ عشر رضعات أو خمس عشرة رضعه أو مفهوم الكر المردد بين ما
يساوي سبع وعشرون شبرا أو ثلاث وأربعون شبرا فلا يصح استصحاب المفهوم المردد بين
فردين أو احدهما.
حيث أن هذا
العناوين العرضي وان كان متعلقا لليقين والشك إلا أن مثل هذا العناوين ليس موضوعا
للاثر إذ الأثر لم يترتب في الأدلة عليها ولذا لا يجري الاستصحاب لا في العناوين
الاجمالية ولا في العنوانين التفصيلية لانتفاء الأثر الشرعي في العنوانين
الاجمالية وانتفاء الشك في البقاء في العنوانين التفصيلية .
__________________
وبالجملة أن الأثر
الشرعي منتف بما هو مشكوك وانتفاء الشك في البقاء فيما له الأثر الشرعي لكونه
دائرا بين المقطوعين أي مقطوع الارتفاع ومقطوع البقاء وبذلك يظهر الفرق بين الفرد
المردد وبين القسم الثاني من الكلى كالحدث المردد بين الأصغر والأكبر فان صحة
الاستصحاب فيه لترتب الأثر الشرعي على نفس الكلي وهو المانعية من الصلاة بخلاف
الفرد المردد فان الأثر الشرعي انما يكون للشخص لا بعنوان أحد الشخصين.
وهذه الجهة هي
الفارقة بين المقامين لا بصدف كون الجامع المتعلق بالشك واليقين ذاتيا بالنسبة إلى
الكلي وعرضيا بالنسبة إلى أحد الفردين.
ولذا لو فرض ترتب
أثر شرعى على العنوان العرضي وهو عنوان أحد الفردين الذي هو جامع عرضي لقلنا
بجريان الاستصحاب فيه كما لو فرض ان الأثر الشرعي مترتب على نفس الحصة أو الفرد لا
الكلي الذي هو جامع ذاتي بين الفردين لقلنا بعدم جريان الاستصحاب فيه وسيأتي بيانه
إن شاء الله عن قريب على نحو التفصيل.
__________________
والثانى وهو ما
اذا كان كليا فتارة يكون الأثر مترتبا عليه على نحو الوجود الساري بمعنى أن الكلي
بوجوده الساري متحقق في ضمن كل فرد مما له الاثر ومرجعه إلى أن كلّا من الطبيعة
الكلية المتحققة في ضمن كل شخص موضوعا لحكم شرعي مختص به له الامتثال والمعصية
كالعام الاستغراقي وان كانت الخصوصية في كل حصة خارجة عنه كما في مانعية النجاسة
الخبثية للصلاة ولهذا يجب التقليل فيها فيما اذا لم يكن ازالتها رأسا والكلام في
ذلك سيأتي أيضا.
وأخرى كان الكلي
بما هو صرف وجود الطبيعة بما له الأثر ومرجعه إلى أن الأثر مترتب على أول وجودها
وهذا ينقسم إلى أقسام ثلاثة لأن الشك في بقائه الكلي تارة من جهة القطع بتحققه في
ضمن شخص خاص ويشك في بقاء ذلك الشخص.
كما اذا علم بوجود
الانسان في ضمن ثم زيد شك في بقائه من جهة الشك في بقاء زيد وارتفاعه واخرى كان
الشك في بقائه من جهة الشك في تحققه في ضمن فرد يقطع بارتفاعه أو في ضمن فرد يقطع
ببقائه.
كما اذا علم بتحقق
انسان أما في ضمن زيد نقطع بارتفاعه وأما في ضمن عمر نقطع ببقائه.
وهذا هو القسم
الثاني من أقسام استصحاب الكلي باصطلاح الشيخ (قده) كما أن الأول هو القسم الأول
والثالث ما كان الشك في بقاء الكلي من جهة الشك في حدوث فرد آخر بعد القطع بارتفاع
مقطوع الحدوث وهو القسم الثالث من أقسام استصحاب الكلي وهو على قسمين الأول ما اذا
شك في حدوث فرد مقطوع البقاء مقارنا لحدوث الفرد المعلوم الارتفاع والثانى ما إذا
شك في حدوث فرد مقطوع البقاء
مقارنا لزوال فرد
معلوم الحدوث وهو أيضا يتصور على وجهين أحدهما ما إذا كان الفرد المشكوك الحدوث مباينا للفرد الأول المقطوع
__________________
الارتفاع وثانيهما
ما اذا كان من قبيل تبدل مرتبة في الشيء بمرتبة أخرى ،
__________________
هذا كله هو
الأقسام المتصورة في المستصحب اذا كان كليا.
__________________
أما القسم الأول
من هذه الأقسام وهو ما اذا كان الشك في بقاء الكلي من جهة الشك في بقاء الفرد فلا اشكال في جريان
__________________
الاستصحاب في نفس
الكلي لترتب أثره الشرعي عليه ولا فرق في ذلك بين ما اذا تحقق الكلي في ضمن فرد
وقد شك في بقائه وبينما اذا تحقق في ضمن فردين من الاول وشك في بقاء أحدهما مع
القطع بزوال الآخر فانه يوجب الشك في بقاء الكلي بما هو فرد من الوجود أيضا.
__________________
ولكنه لا يجري
استصحاب الشخص لاثبات الاثر المترتب على الكلي اذ المفروض ان الاثر ليس مترتبا على
الخصوصية فلا يشمله دليل التعبد والتعبد بوجود الشخص ليس تعبدا بوجود الكلي أيضا
فما ذكره الشيخ (قده) من أنه لا اشكال في جواز استصحاب الكلي والفرد لا يخلو من
المناقشة بالنسبة إلى الفرد إلا أن يكون مراده من استصحاب الفرد اثبات الاثر
الشرعي المترتب على الفرد فيما اذا كان الفرد أيضا له أثر شرعي فمنشأ المناقشة ذكر
استصحاب الفرد في أقسام استصحاب الكلي.
وأما القسم الثاني
وهو ما كان الشك في بقاء الكلي من جهة الشك في تحققه في ضمن ما هو مقطوع الارتفاع
أو في ضمن ما هو مقطوع البقاء وقد مثلوا له في الفقه بما إذا تحقق الحدث الجامع
بين الأصغر المرتفع بالوضوء أو الأكبر الغير المرتفع به فقد ذهبوا فيه أيضا إلى
جريان الاستصحاب بالنسبة إلى نفس الكلي الجامع فيترتب عليه جميع الآثار المرتب على
نفس الكلي بما هو كلى فيترتب على استصحاب بقاء الحدث بعد الوضوء مانعية الدخول في
الصلاة وغيرهما مما يكون للحدث فيه مانعية وانا لم يكن اثبات آثار كل واحد من
الخصوصيتين والوجه في جريانه تحقق أركان الاستصحاب من اليقين السابق والشك اللاحق
مع اتحاد القضية المشكوكة مع المتيقنة بحسب الموضوع وقد أورد عليه بأن الشك في بقاء الكلي في الآن اللاحق الذي ينقطع بارتفاع
__________________
أحدهما المردد
مسبب عن الشك في حدوث الفرد الآخر الذي نقطع
__________________
بارتفاع أحدهما
المردد مسبب عن الشك في حدوث الفرد الآخر الذي نقطع ببقاء الكلي ببقائه لو كان
الحادث وحيث كان أصل حدوثه مشكوكا فمقتضى استصحاب عدم حدوثه فانه يرفع الشك المسبب
بالنسبة إلى بقاء الكلي كما في جميع موارد شك السبب والمسبب ومن ذلك يظهر أنه لا
مجال لاستصحاب الكلي وقد أجيب عنه.
__________________
أولا : بأن الشك
في بقاء الكلي ليس مسببا عن الشك في حدوث الفرد المقطوع البقاء بل انما هو ناشئ عن
العلم الاجمالي فيكون الحادث هو الفرد المقطوع ارتفاعه أو الفرد المقطوع بقائه
وهذا العلم الإجمالي باق بحاله.
ثانيا : على فرض
التسليم يكون الشك في بقاء الكلي مسببا عن الشك في حدوثه ولكنه ما كان ترتبه عليه
شرعيا بل انما هو مترتب عقلي فلا يمكن اثباته إلا على القول بالاصل المثبت وقد
أجاب الاستاذ (قدسسره) عن كلا الوجهين.
أما عن الأول بأن
الشك في بقاء الكلي وان كانا ناشئا من العلم الاجمالي المذكور ولكن هذا العلم
الاجمالي لا أثر له بعد جريان اصالة عدم الحدوث في احدى طرفيه لعدم معارضتها
بالأصل في الطرف الآخر لعدم الأثر له بعد القطع بارتفاعه فمع الغض عن الاصل المثبت
يمكن اجراء أصالة عدم الحدوث بالنسبة الى الفرد الآخر فيرفع به الشك في بقاء الكلي
بعد القطع بارتفاع الفرد الآخر.
وأما عن الثاني
فبأن كون اصالة عدم حدوث الفرد الآخر لاثبات عدم بقاء الكلي انما يكون مثبتا لو
كان عدم الكلي مسببا عن عدم الافراد ومترتبا عليه وهو واضح البطلان لكون عدم الكلي
عين عدم افراده
__________________
كما ان وجوده عين
وجودها من دون ترتب في البين.
نعم في طرف الوجود
يتحقق الكلي بوجود أحد الافراد ولكن في طرف العدم انما يتحقق عدمه بعدم جميع
الافراد ولكن لا بمعنى ان عدم الكلي مترتب على عدم الافراد بل بمعنى أن بعدمه يعدم
جميع الافراد اذا كان الكلي مرددا بين فردين فعدمه بعين عدمهما معا فاذا أحرز عدم
أحد الفردين بالوجدان للقطع بارتفاعه فلا مانع في احراز عدم الآخر لاحراز عدم
الكلي بالأصل فيكون من قبل الموارد التي يحرز فيها أحد الجزءين بالاصل والآخر
بالوجدان كما لا يخفى.
ثم انه قد يورد
على أصل جريان الاستصحاب في الكلي في هذا القسم اشكال آخر وهو أنه لا نسلم اتحاد
القضية المشكوكة مع القضية المتيقنة بحسب الموضوع في المقام لان ما هو المتيقن
سابقا هو ثبوت الطبيعة الكلية بما هو قابل للانطباق على هذا الفرد وعلى ذاك الفرد.
وبعبارة أخرى ما
هو المتيقن هو الكلي بما هو مطلق قابل للانطباق على هذه الحصة وعلى تلك وهذا
المعنى الاطلاقي بعد القطع بزوال أحد الفردين مقطوع الزوال لا مشكوك البقاء وانما
نشك في بقاء الكلي بما هو مهمل المساوق للحصة غير القابل للانطباق على أحد الفردين
معينا وهو غير المتيقن سابقا فمتعلق اليقين غير ما هو متعلق الشك فكيف يجري فيه
الاستصحاب.
والجواب عن هذا
الايراد بأن هذا مغالطة لأن المتيقن في السابق كما كان مرددا بين الفردين فليس
مطلقا بمعنى قابليته للانطباق على هذا أو على ذاك بل انما هو محتمل للانطباق على
هذا أو على ذلك لأن الغرض كون متعلق اليقين هو الكلي الموجود في ضمنى أحد الفردين
المردد بينهما بحيث لو كان في ضمن هذا لم يكن قابلا للانطباق على
ذاك ولو كان في
ضمن ذاك لم يكن قابلا للانطباق على هذا.
فالمراد من كونه
قابلا للانطباق على هذا وعلى ذاك لو كان هو الامكان الواقعي ممنوع ولو كان بمعنى
الاحتمال فهو مساوق للمهملة في عدم قابليته للانطباق ويكون عين القضية المشكوكة
وحينئذ ينفي شبهة استصحاب عدم حدوث الفرد الباقي الراجع الى استصحاب عدم حدوث
الكلي بالحصة الباقية المحرز به جزء الموضوع مع احراز جزءه الآخر وهو عدم تحقق
الكلي إلا في ضمن الفرد الآخر المقطوع بالارتفاع بالوجدان الباقي محرز عدمه بضم
الوجدان كذلك يجري استصحاب بقائه بعد القطع بحدوثه مرددا بين الفرديين فحينئذ
يتعارض الأصلان فلا يبقى مجال للاستصحاب وجود الكلي مع هذه الشبهة مما يوجب المنع
عن الاستصحاب في القسم الثاني من استصحاب الكلي مع أن ظاهرهم التسالم على جريانه.
ولهذا عد من المسلمات
بينهم استصحاب بقاء الحدث بعد الوضوء بالنسبة إلى من خرج منه رطوبة مرددة بين
البول والمني اللهم إلّا أن يقال بأن هذا شبهة في قبال البديهة نعم لا بأس بأن
يقال يعد ما لم يكن في البين شك سببي فيجرى الاستصحاب في السببي بحكومته.
ثم انهم قد مثلوا
المقام باستصحاب بقاء الحدث بعد الوضوء لمن حصل له القطع بالحدث مرددا بين الاكبر
والأصغر.
ولا يخفى أن العلم
بحصوله الحدث المردد تارة يحصل قبل الوضوء وأخرى يحصل له القطع بالحدث بعده.
اما الأول فهو انه
ليس من موارد الاستصحاب وانما هو من موارد العلم الاجمالي المنجز للواقع وعلة تامة
للزوم الموافقة القطعية فلا يجري الاستصحاب في اطرافه بل المرجع فيه قاعدة
الاشتغال كما لا يخفى.
وأما الثاني وهو
ما حصل القطع بالحدث الكلي بعد الوضوء على وجه حصل له العلم بعد خروج بعض الأطراف
عن محل الابتلاء فلا يخلو اما ان يعلم الحالة السابقة واما ان لا يعلم بأن كان
مجهولا وعلى فرض العلم بالحالة السابقة فاما أن يكون هو الطهارة وأما أن يكون هو
الحدث.
اما إذا علم
الحالة السابقة بالطهارة أو كان مجهولا الحال فلا مانع من جريان استصحاب هذا الحدث
بما هو كلي وبما هو مانع عن الصلاة بناء على جريان الاستصحاب في القسم الثاني واما
اذا علم بكون الحالة السابقة هو الحدث فتارة يعلم بكون الحدث الأصغر كما إذا كان
محدث بالحدث الأصغر ثم خرج منه بلل مردد بين البول والمني وأخرى يعلم بكونها الحدث
الأكبر وثالثة لم يعلم بأنه الأكبر أو الأصغر أما إذا علم بأنه الأصغر كالمثال
المذكور فظاهر كلماتهم أنه لا يجري استصحاب بقاء الحدث بعد الوضوء بل يجرون
استصحاب عدم الجنابة ويقولون بكفاية الوضوء.
وبهذا المعنى بني
في ما تقدم بينهم من عدم التزامهم بما أوردناه من الشبهة فان الالتزام باستصحاب
عدم الجنابة لا يفيد لاحراز عدم الحدث بما هو كلي بعد الوضوء إلا بما تقدم منا من
احراز عدم الكلي بضم الاصل الى الوجدان :
نعم يصح استصحاب
عدم تحقق الجنابة وعدم تحقق الحدث الاكبر الموجب للغسل بخروج البلل لو قلنا بأن
تحقق سبب الجنابة بعد تحقق سبب الحدث الأصغر يوجب اشتداد الحدث مع بقاء ذات الأصغر
فانه بناء على هذا المعنى لا يوجب خروج البلل المشتبه للعلم الكلي الحدث المردد
بين الفردين الاكبر والأصغر بل يوجب الشك في اشتداد
الحدث الأصغر
فحينئذ يكون من قبيل تبدل مرتبة ضعيفة إلى مرتبة شديدة يجري استصحاب عدم تحقق تلك
الشدة بل يجري استصحاب بقاء تلك المرتبة السابقة فلا يؤثر إلا في وجوب الوضوء
فيخرج مثل المورد عن استصحاب الكلي.
ولكن أنت خبير بأن
هذا المسلك مما لم يسلكه أحد ولم يقم عليه دليل أيضا فان الظاهر كون الحدث الاكبر
أمرا مباينا للأصغر وانه بمجيء سببه يزول الأصغر رأسا فينقلب بالأكبر المباين ولا
أقل من عدم الدليل على أحد الاحتمالين فيوجب الشك.
وعليه عند تحقق
البلل المشتبه يحصل لنا القطع بثبوت الحدث الجامع بين الفردين ولو بالنسبة إلى
الأصغر بقاء وبالنسبة إلى الأكبر حدوثا ولازمه جريان استصحاب الكلي بعد الوضوء وهو
خلاف مبناهم في الفقه وهذا يؤيد ما تقدم من عدم صحة جريان الاستصحاب في القسم
الثاني.
وأما اذا علم بكون
الحالة السابقة هو الحدث الاكبر فبعد الوضوء لا يجري الاستصحاب من جهة القطع
التفصيلي ببقاء الأكبر.
وأما إذا ترددت
الحالة السابقة بين الاكبر والاصغر فحاله حال مجهول الحال رأسا وانه يجري فيه
استصحاب بقاء الحدث بعد الوضوء فتحصل انه بناء على جريان الاستصحاب في القسم
الثاني يجري استصحاب الحدث لمن كان مرددا بين الأكبر والاصغر بالنسبة الى بعض
الحالات لا الجميع ومن هنا قيده الشيخ ببعض الصور دون الجميع القسم الثالث وهو ما اذا كان الشك في بقاء الكلي من جهة الشك في
__________________
حدوث فرد آخر مع
القطع بارتفاع الفرد المعلوم في السابق وهذا على
__________________
قسمين الأول ما
اذا شك في حدوث فرد آخر يقطع ببقائه مقارنا لحدوث الفرد الزائل.
__________________
الثاني يشك في
حدوث الفرد المعلوم البقاء مقارنا لزوال الفرد الزائل بأن يكون الشك في تبدله بفرد
آخر وعدمه.
أما القسم الأول
فقد يقال بجريان الاستصحاب لتحقق أركانه من اليقين بالوجود السابق والشك في بقائه
مع اتحاد القضية المشكوكة مع المتيقنة فيشمله (لا تنقض اليقين بالشك) ولا الاشكال
عليه بأن الشك في البقاء مسبب عن الشك في حدوث الفرد الآخر والأصل عدمه فقد عرفت
الجواب عنه بأنه ليس في البين سبب ومسبب اولا وليس الترتب بينها شرعيا ثانيا.
نعم يشكل عليه
بأنه لا مانع من جريان استصحاب عدم تحقق الكلي بضمه مع الوجدان مضافا الى انه يرد
في المقام اشكال آخر وهو ان ما تعلق به اليقين سابقا غير ما تعلق به الشك لاحقا قطعا
لأن ما تعلق به اليقين وهو وجود الكلي في ضمن حصة خاصة بتحققه في ضمن ما هو
المعلوم من الفرد الخاص والمفروض في الآن اللاحق يقطع بزوال ذلك للقطع بارتفاع هذا
الفرد وانما يشك في بقاء حصة اخرى في ضمن فرد آخر غير الاول من دون أن يكون ذلك
مما قطع بوجوده سابقا
__________________
فما تعلق به
اليقين لم يكن مشكوك البقاء بل انما هو معلوم الارتفاع وما تعلق به الشك في بقائه
لم يكن معلوم الثبوت سابقا فلم تكن القضية المشكوكة متحدة مع القضية المتيقنة
موضوعا فكيف يجري فيه الاستصحاب.
وأما القسم الثاني
من القسم الثالث فعدم جريان الاستصحاب فيه أوضح للقطع بزوال ما هو المتيقن بزوال
الفرد بما هو وجود الطبيعة من جهة القطع بتخلل العدم وانما يشك في حدوث وجود فرد
آخر من الطبيعة غير الوجود الاول منها وبعبارة أخرى ما هو المتيقن سابقا هو موضوع
الأثر وان كان صرف وجود الطبيعة ولكنه لما كان صرف الوجود منطبقا على أول الوجود
والمفروض انه قطع بزواله وانما يشك في أنه بعد زوال أول الوجود هل تحقق وجود
الطبيعة بثاني وجودها أم لا فمقتضى استصحاب عدم الحدوث اثبات عدمه.
وعلى كل حال قد
اختلف متعلق اليقين مع متعلق الشك ولم يكن الموضوع واحدا فلا يجري فيه الاستصحاب
فيما اذا كان الفرد المشكوك الحدوث مقارنا لزوال ما هو المتيقن فيكون من قبيل
المباين له واما اذا كان الفرد المشكوك الحدوث في آن زوال الأول من قبيل بعض مراتب
الاول بأن يكون الكلي نسبته اليهما من قبيل المشكك مثلا لو شك بعد زوال السواد
الشديد الذي تحقق الكلي في ضمنه في انه تبدل الى مرتبة ضعيفة من السواد أيضا فان
مثل هذا القسم لا يبعد جريان استصحاب الكلي بما هو صرف الوجود فيما اذا ساعد العرف
بأن المرتبتين ليس من قبيل المتباينين أو من قبيل اعدام فرد واحداث لفرد آخر مباين
بل يرى المرتبة الضعيفة عين المرتبة الشديدة ولو بمعنى ان بين المرتبتين يرى جهة
محفوظة بين الشديد والضعيف فيحكم ببقاء الجهة المحفوظة
بين المرتبتين
وعليه لا مانع من جريان استصحاب الكلي الذي هو من أقسام المشكك.
ولكن هذا انما يتم
اذا ساعد العرف على ذلك. لما عرفت أن موضوع الاستصحاب انما هو موضوع عرفي واما اذا
لم يساعد العرف عليه فيكون من قبيل المتباينين فحكمه حكمها كما لا يخفى.
هذا كله فيما إذا
كان موضوع الحكم في الاستصحاب صرف الوجود واما اذا أخذ الكلي موضوعا للحكم. ويترتب
عليه الأثر بوجوده الساري بنحو يكون كل مرتبة من وجوده موضوعا للاثر ويكون من قبيل
العام الاستغراقي كما مثلناه سابقا بالنجاسة الخبثية باعتبار كونها مانعة من
الدخول في الصلاة فالاقسام المتصورة في الكلي وان كان يتطرق فيها الأقسام ولكنه
ليس من قبيل الكلي بمعنى صرف الوجود في جريان الاستصحاب فيه بل يكون من هذه الجهة
كحكم الجزئي الشخصي فيجري فيه الاستصحاب جريانه في القسم الأول من الأقسام الثلاثة
من القسم الثالث من استصحاب الكلي للشك في بقاء شخص ذلك الوجود السابق من الكلي
ولا يجري فيه الاستصحاب في القسم الثاني منه ولو قلنا بجريانه بالنسبة الى صرف
الوجود.
كما اذا علمنا
بنجاسة مرددة بين الثوب والبدن مع غسل البدن بعد ذلك فان هذه النجاسة المرددة بما
هي صرف وجود النجاسة لا يكون مانعا وانما يكون المانع نفس ما هو شخص الوجود
الواقعي المردد بين البدن والثوب مع القطع بزواله لو كان في البدن والقطع ببقائه
لو كان في الثوب فحينئذ يكون من قبيل الفرد المردد بين الفردين فاذا كان من هذا
القبيل فلا يتصور الشك في بقاء ما هو المتيقن سابقا بعد زوال أحد الفرديين بل انما
نقطع بأنه باق لو كان في ضمن الفرد
غير الزائل وأنه
زائل لو كان في ضمن الفرد المقطوع الزوال.
ومن هذا ظهر الحال
فيما إذا كان المستصحب جزئيا في قبال الكلي وانه يجري فيه الاستصحاب فيما اذا كان
معينا للشك في بقاء ما كان سابقا ولا يجري فيما اذا كان من قبيل الفرد المردد بين
الفردين لعدم الشك في بقاء المتيقن بعد زوال أحد الفردين كما أشرنا إليه آنفا.
وحاصله انه ليس
لنا شك في بقاء المتيقن المردد بل نقطع بأنه لو كان هذا الفرد الباقي فهو باقي ولو
كان الفرد الزائل فهو زائل فمن أين يمكن استصحابه.
(الشبهة العبائية)
ومن هنا ظهر
الجواب عما هو المعروف من الشبهة العبائية المنقولة عن السيد اسماعيل الصدر
الاصفهاني (قده) من أنه لو كان استصحاب الكلي المردد بين فرد الباقي والفرد الزائل
حجة فيلزم محذور باطل.
وهو أنه لو فرضنا
انا علمنا اجمالا بنجاسة احد اطراف العباء ثم غسلنا طرفه اليمنى ثم لاقى اليد
الطرف الغير المغسول والطرف المغسول يحكم بنجاستها لانه باستصحاب بقاء النجاسة
المرددة ولو بعد غسل أحد الطرفين يثبت ملاقاة اليد النجاسة مع الرطوبة بمقتضى
ملاقاتها للطرفين فلا بد من الحكم بنجاستها مع أنه لو لاقى الطرف الغير المغسول
فقط لا يحكم بنجاسة لعدم تنجس ملاقي أحد طرفي الشبهة المحصورة فيلزم أن يكون ضم
الطرف الطاهر يقينا بالطرف المشكوك موجبا للحكم بالنجاسة مع انه من المقطوع انه
ليس موجبا للنجاسة وليس له دخل فيها.
وهذا المحذور ينشأ
من استصحاب النجاسة الكلية وجوابه ان النجاسة المتيقنة في المقام ليست إلّا فردا
مرددا بين فردين وقد عرفت
عدم جريان
الاستصحاب فيه فلا مجال لهذه الشبهة على استصحاب الكلي اللهم إلا أن يقال بأن
المعلوم بالاجمال عين المتيقن المردد بين الفردين فى الجزئي المردد فى الطبيعة
السارية وان لم يكن استصحاب خصوص ما هو المتيقن بما هو شخص خاص بتمام خصوصه.
ولكن اذا كان
الشخص موضوعا لاثر شرعي فالحصة من الكلي المتحقق في ضمنه أيضا تحت ذلك الأثر ضمنا
فيجب الاجتناب عنه وان كان شخص النجاسة مجهولا.
ولكنه لما كان
الشخص مركبا من الطبيعة والتشخص فنفس الطبيعة أيضا كان واجب الاجتناب ضمنا فحينئذ
يجري الاستصحاب ولو لم يجر بالنسبة إلى الشخص بخصوصية أنه شخص لعدم الشك في بقاء
نفس لتشخص كما تقدم.
فلا مانع من استصحاب
مقوم العالي أعني الكلي المتحقق في ضمنه لاثبات الأثر المترتب عليه ضمنا لكونه
مشكوك البقاء بعينه بعد ما كان متيقن الحدوث سابقا فلا بد من صحة استصحاب نفس
النجاسة الجامع بين الشخصين فى المسألة المعروفة بعد غسل أحد الطرفين لأن يترتب
عليه أثره من وجوب الاجتناب عنه وعن ملاقيه فيعود الاشكال.
نعم هذا البيان
يتم على مسلكنا من كون مرجع الاستصحاب الى أن المراد من لا تنقض اليقين بالشك
معاملة المشكوك منزلة المتيقن بالنسبة الى الأثر.
وأما بناء على
كونه راجعا إلى جعل مماثل الحكم السابق فلا يتم هذا البيان ولا يجري استصحاب نفس
الجامع الذي كان مترتبا عليه الأثر ضمنا لأنه جعل مماثل للأثر الضمني وهو مما لا
يجعل بدليل الاستصحاب لأن الأثر الضمني غير قابل للجعل الاستقلالي بمثل الاستصحاب
ولو ظاهرا.
ولكن الأمر بالعمل
ووجوب الاجتناب ليس ضمنيا بل يكون استقلاليا لا مانع من اثباته بدليل الاستصحاب
وأما الجواب عن هذه الشبهة بناء على مسلكنا المختار ينحصر بما تقدم من عدم جريان
استصحاب الوجود في القسم الثاني من أقسام استصحاب الكلي بالبيان المتقدم مع أنه
يمكن احراز عدم اليقين ببقاء نجاسة العباءة بعد غسل أحد الطرفين وبضم الأصل الى
الوجدان يتحقق الموضوع ثم لا فرق في استصحاب الكلي بين ما اذا كان المستصحب موضوعا
كليا لحكم شرعي كما تقدم وبين أن يكون حكما شرعيا كليا.
كما إذا علمنا
بوجود شيء ولكنه كان مرددا بين الوجوب النفسي والغيري ثم علمنا بأنه لو كان غيريا
لزال قطعا من جهة القطع بارتفاع الوجوب عما يحتمل أن يكون ذلك مقدمة له فانه لا
مانع من استصحاب نفس الوجوب الكلي الجامع بين النفسي والغيري من غير نظر إلى
خصوصية احداهما فيترتب عليه أثر وهو وجوب العمل على طبقه ولزوم اتيانه باتيان
العمل ولكن ذلك أيضا على المختار من كون نتيجة الاستصحاب هو الأمر بالمعاملة.
واما البناء على
كونه راجعا الى جعل مماثل فلا يمكن جريانه لانه يلزم أن يجعل جنس الوجوب بما هو
جنس الوجوب من غير تقومه بفصل من الغيرية والنفسية لأن مماثل الكلي المتيقن ليس
جنس الوجوب وهو غير قابل للجعل بلا جعله في ضمن فصل ولا فرق في عدم قابلية جعل الجنس
بلا فصل بين أن يكون حكما واقعيا وبين أن يكون ظاهريا وقصارى ما يتخيل في المقام
أنه بعد شمول دليل الاستصحاب له نستكشف بالملازمة العقلية بين تحقق الجنس وبين
الفصل للعلم بتحققه في ضمن أحد الفصلين ودفعه انه ان أريد جعله فى ضمن أحد الفصلين
بنحو
الاهمال ولو واقعا
بأن لا يكون له واقع محفوظ حتى عند الجاعل فيقول يلزم جعل الجنس بلا فصل خاص مقدم
وهو باطل وان أريد جعله في ضمن فصل معين في الواقع مجهول عندنا ولو كان معلوما
عنده فيلزم اختيار أحد الفصلين بلا مرجح وهو محال وهذا من الاشكالات الواردة على
القول بكون الاستصحاب يرجع إلى جعل المماثل.
كما انه بناء عليه
لا بد من الالتزام بعدم جريان استصحاب الحكم والموضوع فيما إذا كان المكلف شاكا في
القدرة على العمل الذي كان مما يتعلق به الحكم.
كما اذا نذر ان
يشبع الفقير في يوم الجمعة ثم يشك في حياته فى هذا اليوم فهذا الشك شك في القدرة
على اشباعه ومعه لا معنى لاستصحاب الحياة لاثبات وجوب الاشباع.
كما لا معنى
لاستصحاب نفس الوجوب لأن استصحاب الحياة لا يثبت القدرة على اشباعه ومع الشك في
القدرة كيف يثبت وجوب الاشباع وهذا بخلاف المسلك المختار فانه عليه يرجع استصحاب
الحياة إلى الامر بالمعاملة على طبق اليقين بالحياة من لزوم الحركة والفحص عن أنه
يمكن اشباعه أولا.
ثم لا يخفى أنه لو
كان هناك أثر بسيط مترتب على الجامع بين الفردين المتفقين في الحقيقة بنحو الطبيعة
السارية لا يصرف الوجود مع العلم بوجود فرد كلي في الزمان السابق وارتفاعه فى
الزمان وشك في وجود فرد آخر للكلي في حال وجود الفرد المعلوم أو حدوثه مقارنا
لارتفاعه بلا تخلل عدم بينهما.
فبالنسبة إلى
السبب لا يجري فيه الاستصحاب لما عرفت من انتفاء الشك في البقاء وأما بالنسبة إلى
المسبب فلا مانع من استصحابه
لتحقق أركانه من
اليقين في الوجود والشك في البقاء حيث يصدق انه كان على يقين من وجود الأثر فشك في
بقائه بارتفاع الفرد المعلوم الحدوث حيث إن القضية المشكوكة عين المتيقنة نظير
استصحاب بقاء هيئة الخيمة بحالها عند احتمال قيام عمود آخر مقام العمود الأول
المعلوم الارتفاع.
ودعوى ان الالتزام
بذلك أنه يلزم جريان الاستصحاب فيما لو شك في المسببات الشرعية في أبواب الفقه
كمثل الزوجية والوكالة والولاية كما لو علم انه لو تزوج زيد هندا بعقد الانقطاع
إلى مدة وعلم بانقضائها إلا انه شك في بقاء زوجيتها لاحتمال تزويجها ثانيا مقارنا
لانقضاء الأول بعقد جديد.
وكذا لو علم بوجوب
الصوم على مدة معينة بنذر أو شبهه فشك في حدوث نذر آخر فيه متعلق بصومه من حيث
انقضاء المدة الى مدة أخرى فانه مقتضى ما ذكر هو الالتزام لجريان الاستصحاب في مثل
ذلك مع أنه لا يظن من أحد التزامه ممنوعة بالغرق بين ما ذكرنا وبين تلك الامثلة
فان الامثلة من قبيل استصحاب الصورة الأولى والثانية من القسم الثالث من أقسام
الاستصحاب الكلي الذي قد عرفت عدم جريان الاستصحاب فيه حيث أن المعلوم السابق فيها
فرد من الزوجية المحتملة حدوثها بسبب جديد فلا يكون المشكوك في الزمان المتأخر عين
الفرد المعلوم السابق.
بل مقتضى الأصل هو
عدم حدوث ما شك في وجوده في الزمان المتأخر وهذا بخلاف المقام فان استصحاب السبب
في مثل هيئة الخيمة كما في المثال فان المستصحب فيه أمر وجداني شخصي لا يتغير عما
هو عليه من الوحدة الشخصية ولا يتعدد وجوده بتبديل أعمدة الخيمة على
أن تلك الامثلة
المذكورة ان ترتيب الاسباب والمسببات شرعية فاستصحاب المسببات فيها تكون محكومة
باستصحاب الأسباب بخلاف المقام فان الترتيب بين الأسباب والمسببات ترتب عقلي محض
فيجري استصحاب المسببات من دون معارض باستصحاب الأسباب لعدم جريان الاصل في السبب
لعدم ترتب أثر شرعي عليه لكي يقدم على المسبب.
بقي شيء وهو أن
المتسالم عليه عند القوم جريان أصالة عدم التذكية عند الشك في تذكية الحيوان
وبجريانه يثبت حرمة اكل لحمه ونجاسته وقد خالف في ذلك الفاضل التونى (قده) فقال
بعدم اثبات استصحاب عدم التذكية للحرمة والنجاسة حيث أن عدم المذبوحية لازم لأمرين
الحياة والموت حتف الانف والموجب للنجاسة ليس هذا اللازم من حيث هو بل ملزومه
الثاني وهو الموت حتف الانف وعدم المذبوحية لازم أعم لموجب النجاسة تمسكا بأن
الموضوع لكل من حرمة لحم الحيوان ونجاسته وحليته وطهارته أمر وجودي فموضوع الحرمة
والنجاسة هي الميتة التي هي عبارة عن الحيوان الذي مات حتف انفه.
كما ان موضوع
الحلية والطهارة عبارة عن المذكى وهما أمران وجوديان ولا بد من احرازهما واصالة
عدم التذكية لم يثبت احراز الميتة حيث أن نفي أحد الضدين بالاصل لاثبات الضد الآخر
من الاصول المثبتة التي لا نقول بحجيتها وعليه يجري استصحاب العدم من الطرفين وحيث
تقع المعارضة بينهما تتساقط الاصلان وبعد التساقط يرجع إلى اصالة الحل والطهارة في
اللحم المشكوك وعلى تقدير التسليم ان
__________________
الموضوع للحرمة
والنجاسة هو نفس عدم التذكية لا عنوان الميتة الذي هو أمر وجودي فليس لهذا العنوان
حالة سابقة حتى يستصحب حيث ان خروج الروح أما أن يكون عند تذكية واما لا عن تذكية
فلم يتحقق زمان كان فيه خروج روح حيوان ولم يكن عن تذكيه حتى يجري فيه الاصل.
وأما عدم التذكية
في حال حياة الحيوان انما هو من قبيل ليس التامة فهو وان كان على يقين منه سابقا
ولكن جريان الاصل فيه لاثبات العدم الخاص من الاصول المثبتة التي لا نقول بحجيتها
فحينئذ يرجع الى اصالة الحل والطهارة ولكن لا يخفى.
أولا نمنع كون
الميتة هي خصوص ما مات حتف الانف وانما هي
__________________
عبارة عن مطلق
التذكية بشرائطها المقررة من الذبح بالحديد مع التسمية واستقبال القبلة مع اسلام
الذابح فمع اختلال بعض هذه الامور يكون الحيوان ميتة وان لم يزهق روحه حتف انفه
وثانيا لو سلم ان الميتة خصوص الموت حتف الأنف فلا نسلم اختصاص موضوع الحرمة
والنجاسة بالعنوان المذكور لأن الحكم بالحرمة والنجاسة كما رتب في الأدلة على
عنوان الميتة كذلك رتب على عدم المذكى كما في قوله تعالى : (وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ
اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ) وقوله تعالى (وكلوا (ما ذَكَّيْتُمْ) فعليه كيف يجري اصالة عدم التذكية في المشكوك لاثبات
الحرمة والنجاسة وان لم يثبت بها عنوان الميتة وعلى فرض التسليم فلا معنى للرجوع
الى اصالة الحل بعد تساقط الأصلين بل اللازم هو الرجوع إلى اصالة الحرمة والطهارة
الثابتان في حال حياة الحيوان فان ذلك حاكم على قاعدة الحلية والطهارة والتفكيك
بين الطهارة والحلية غير ضائر إذ هو كثير بالنسبة للأحكام الظاهرية فيمكن التعبد
في طهارة ما شك في تذكيته وحرمة أكل لحمه وان لم يمكن ذلك بحسب الواقع.
(التنبيه الرابع):
في أن المستصحب أي
المتيقن السابق قد يكون من الأمور القارة الذي تكون أجزاؤه مجتمعة في الوجود كالخط
الواحد مثلا والجواهر بناء على عدم حركة الجوهرية وقد يكون من الأمور التدريجية
غير القارة في الوجود أي التي لا تكون أجزاؤه مجتمعة في الوجود بل يوجد جزء في آن
فينعدم فيوجد الجزء الآخر في أن آخر إلى أن تنتهي أجزاؤه كالزمان والحركة والليل
والنهار وأمثالها مما تكون تدريجية الحصول ولا
اشكال في صحة
الاستصحاب في القسم الأول.
وأما الثاني فقد
استشكل في جريانه باعتبار عدم تحقق أركانه من اليقين السابق والشك اللاحق فان
الاجزاء لما كانت تدريجية فتلاحظ كل واحد منها مستقلا فيرى أن الجزء الأول منها
معلوم الوجود في الزمان الأول ومشكوك الحدوث في الزمان الثاني فيرجع الى أصالة
عدمه والحق في الجواب.
ان هذه الأجزاء
وإن كانت تدريجية الحصول إلا أنه يصدق الوجود الواحد على الموجودات التدريجية بنحو
يكون أوله حدوثا وما بعده بقاء كالليل والنهار وسيلان الدم والمسافة والكلام
وأمثال ذلك مما كان تدريجي الحصول.
وبعبارة أخرى أن
الآنات والازمنة المتعاقبة وإن كانت في الحقيقة وجودات متعددة إلا أنها متحدة سنخا
لكونها على سنخ الاتصال ولم يتخلل بينها سكون فتكون الجميع بنظر العرف موجودا
واحدا ممتدا وبذلك يعد الموجود اللاحق بقاء لما حدث أولا فيصدق عليه بقاء ما حدث
وتكون القضية المتيقنة عين القضية المشكوكة عرفا.
وقد عرفت أن
المدار في الاستصحاب على البقاء العرفي لا البقاء الدقي ولأجل ذلك يجري الاستصحاب
كما يجري في القسم الأول من الأمور القارة بل ربما يقال بأن الحركة في المقام من
الحركة التوسطية لا الحركة القطعية بيان ذلك أن الحركة على قسمين قطعية وتوسطية.
الأولى هي كون
الشيء في كل آن أو في حد أو مكان كحركة السائر فانه في كل آن يكون في مكان وما كان
فيه في الآن السابق أو في حد إذا كانت الحركة في غير المكان كحركة الطفل أو الشجرة
في النمو فانهما ما داما في النمو يكون نموهما في كل آن بحد خاص
فيكون من قبيل خلع
حد وليس حد آخر كما هو كذلك فى الاشتداد في الكيف.
وأما الثانية فهي كون
الشيء في المبدأ والمنتهى كالنهار الذي هو عبارة عن كون الشمس بين المشرق والمغرب
والليل الذي هو عبارة عن كونها بين المغرب والمشرق والتصرم إنما يكون في القسم
الأول لا الثاني فانه من القار فحينئذ لا قصور في جريان الاستصحاب فيه حيث أنه لما
كان بهذا الاعتبار من الامور القارة فيصدق عليها القار حقيقة لا مسامحة.
ولكن لا يخفى أنه
لا سبيل الى ذلك حيث أن الحركة التوسطية لا يصدق عليها البقاء الحقيقي حيث أن
البقاء الحقيقي عبارة عن استمرار وجوده في ثاني زمان حدوثه بماله من المراتب
والحدود المشخصة في أن حدوثه وذلك لا يصدق على الحركة التوسطية في مثل الزمان
والنهار والليل إذ حقيقتها عين التجدد والانقضاء والخروج من القوة إلى الفعل فان
الموجود المتحقق في الخارج إنما هو الحصول في حد معين وهو أمر لا قرار له فهي بهذا
الاعتبار عين الوجودات المتعاقبة والحصولات المتدرجة إذ كل واحد منها واقعة بين
المبدأ والمنتهى.
فعليه لا معنى
للتفكيك بين الحركتين وجعل التوسطية من القار الذي يتصور له البقاء الحقيقي ضمن
الحركة القطعية فالحق في المقام ان هذه الشبهة تدفع بما ذكرنا من كفاية الوحدة
العرفية الناشئة من الوجودات المتعاقبة مع عدم تخلل السكون بينها في صدق البقاء
الحقيقي أو نقول بكفاية الوجودات التدريجية على نهج الاتصال في صدق النقض عرفا في
قوله (لا تنقض اليقين بالشك).
المستفاد منه صدق
النقض عرفا من البقاء الحقيقي والمسامحي
فيكون المصحح
للاستصحاب حقيقة هو الاتصال الموجب لصدق البقاء الحقيقي أو العرفي بهذا يجري
الاستصحاب في نفس الزمان وكذا غيره من الزمانيات التي يعرضه من العناوين الطارئة
المنتزعة من مجموع الازمنة المتعاقبة بين الحدين كاليوم والليل والنهار.
فان بهذا الاعتبار
يكون وجود الليل والنهار عرفا بوجود أول جزء منه وبقاءه بتلاحق بقية الآنات وببيان
آخر أنه قد عرفت الحركة الاعم من التوسطية والقطعية بأنها كمال أول للشيء الذي
يكون بالقوة من حيث هو بالقوة أو بخروج الشيء من القوة إلى الفعلية تدريجا أو يكون
الاول في مكان الثاني على اختلاف المشارب وهو على قسمين أما بمعنى التوسط وأما
بمعنى القطع والمراد بالاول كون الجسم أو المتحرك هو التوسط بين المبدأ والمنتهى
وقد عرف بغير ذلك أيضا.
والحركة بهذا
المعنى أمر واحد مستمر بوجود واحد في الخارج فانا نرى عيانا بأن المتحرك له حالة
مخصوصة ثابتة من المبدأ الى المنتهى ويرى أنه باق فيما بينهما مستمر من أول
المسافة الى آخرها وتلك الحالة أمر واحد بسيط باق بذاته وليس له انعدام وتدرج أصلا
بل هو باق من أول المسافة الى آخرها لكن له سيلان بحسب نسبة المتحرك إلى حدود
المسافة والاختلاف فيها اعتباران استمرار بالذات وسيلان باعتبار نسبتها الى حدود
المسافة.
وهذان الاعتباران
يتحققان بصورة واحدة ترتسم في الخيال بل في الحس المشترك أمر ممتد تدريجي الحصول
في البقاء وذلك لما ارتسم في الحس المشترك نسبة المتحرك الى الحد الثاني قبل زوال
نسبته عن الحد الاول.
وهكذا يقع في الحس
تلك النسب مجتمعة بعضها مع بعض في
الوجود من غير
تخلل عدم بينها كالقطرة النازلة يتخيل أنها واحدة والشعلة الجوالة يتخيل أنها
دائرة وهذا الأمر المتخيل الممتد يطلق عليه الحركة بمعنى القطع فظهر بذلك أن
المراد من الحركة هو القطع أيضا وامتياز المعنى الأول عن الثاني بالاعتبار وأن
الثاني عبارة عن أمر ممتد في الخيال يرتسم من الأول ويكون الأول راسما.
وما في الكفاية من
أن الحركة القطعية عبارة عن كون الشىء في كل ان في حد أو مكان غير الأول خارج عن
الاصطلاح وأن ذلك هو الحركة التوسطية وكيف كان إذا ظهر أن الحركة التوسطية أمر باق
بالدقة ليس من الأمور التدريجية فلا نحتاج في جريان الاستصحاب في الزمان
والزمانيات إلى ما تقدم من التمسك بالمسامحة العرفية ولكن التحقيق مع ذلك عدم
جريان الاستصحاب في الحركة التوسطية باعتبار انطباقها على حدود المسافة المفروضة
نسبته انطباق الكلي على الأفراد بمعنى أنها في كل أن تتحقق بمرتبة من حدود المسافة
غير مرتبة الآخرتين منها فيكون من قبيل القسم الثالث من استصحاب الكلي الذي كان
الشك في بقائه من جهة الشك في تحقق فرد بعد زوال الأول الذي تحقق الكلي في ضمته
فيجيء فيه الاشكال المتقدم فلا يكون المصحح للاستصحاب إلا النظر المسامحي العرفي.
هذا إذا كان الشك
في البقاء من جهة الشبهة المصداقية وأما لو كان الشك فيه من جهة الشبهة المفهومية
كما لو شك في أن النهار ينتهي عند غروب الشمس أو عند ذهاب الحمرة المشرقية بعد
القطع بغيبوبة الشمس فلا يجري الاستصحاب لكونه من قبيل العنواني الاجمالي الذي لا
يكون مثله له أثر شرعي إذ الأثر الشرعي مرتب على أثر الحدين فلا شك في البقاء ،
هذا كله فيما إذا كان الأثر مترتبا على مفاد كان
أو ليس التامة .
وأما لو كان الأثر
مترتبا عليه بمفاد كان أو ليس الناقصة فكون
__________________
الزمان الحاضر من
الليل أو النهار أو من شهر رمضان مثلا ففي جريان الاستصحاب أشكال ينشأ من كون مفاد
كان أو ليس الناقصة ليس له حالة سابقة حتى يستصحب فان الزمان الحاضر الذي شك في
أنه ليل أو نهار حادث إما من الليل أو النهار فلا يقين له باتصافه من الليل
__________________
أو النهار
واستصحاب بقاء الليل والنهار بمفاد كان التامة لاثبات نهارية الزمان الحاضر أو
ليلته حتى يترتب عليه الأثر الخاص من الاصول المثبتة التي لا نقول بحجيتها ، ولأجل
ذلك يشكل الأمر في الواجبات الموقتة كالصلاة اليومية والصوم في شهر رمضان ونحوهما
لأجل أن غاية ما يقتضيه
__________________
استصحاب الليل أو
النهار بمفاد كان التامة.
وأما إثبات وقوعها
في الليل أو النهار أو شهر رمضان الذي هو مفاد كان الناقصة ليس من الآثار الشرعية
وإنما هو من الآثار العقلية ولا يمكن إثبات ذلك حيث أنها من الاصول المثبتة التي
لا نقول بها وبذلك لا يترتب عليها الامتثال والخروج عن عهدة المكلف بالموقت.
وبالجملة أن
استصحاب مثل الليل والنهار يجرى فيها اذا كان الأثر مترتبا على نفس عنوان وجود
الليل والنهار بمفاد كان التامة إذا قلنا بأن وجود الامساك في شهر رمضان موضوعا
عند وجود النهار وجواز الافطار موضوعا لنفس وجود الليل بما هو مفاد كان التامة.
وأما فيما إذا كان
الأثر مترتبا على مفاد كان الناقصة بأن يكون الأثر مترتبا على زمان يكون متصفا بكونه
نهارا أو ليلا فلا يجري بكونه مثبتا.
وأما إذا قلنا بأن
وجوب الكفارة موضوعه أن يجامع في نهار شهر رمضان فأى زمان يكون متصفا بكونه نهارا
فاستصحاب بقاء النهار لا يثبت نهارية تلك القطعة في الزمان إلا على القول بالأصل
المثبت كاستصحاب الكرية تثبت كرية الموجود من الماء إلا على القول بالأصل
__________________
المثبت الذى لا
نقول بحجيته اللهم إلا أن يقال بجريان الاستصحاب التعليق في المقام
بتقريب إن هذا
العمل الشخصي الموجود الزمان المشكوك نهاريته لو كان موجودا قبل هذا الزمان
المشكوك نهاريته لكان صلاة أو إمساكا في النهار والآن كما كان.
هذا تمام الكلام
في استصحاب نفس الزمان الذي هو القسم الأول من الأقسام الثلاثة.
القسم الثاني في
الزمانيات التدريجية كالتكلم وجريان الماء وسيلان الدم وأمثالها مما هو تدريجي
الحصول فيجري الاستصحاب في الشك في البقاء للزمان التدريجي فيها من غير فرق بين أن
يكون الشك في انتهاء حركته وبلوغه إلى المنتهى أو بقاءه على صفة الجريان أو يكون
لأجل الشك في طرو ما يمنع من حركته وجريانه مع القطع لاستعداد البقاء كما لو شك في
بقاء التكلم لأجل احتمال طرو حادث على الداعي الذي اقتضى التكلم.
أو شك في جريان
الماء وسيلان الدم من عروق الأرض وباطن الرحم لاحتمال وجود ما يمنع عن ذلك وبين أن
يكون للشك في كمية المبدأ أو مقدار استعداده كما لو شك في مقدار استعداد عروق
الأرض وباطن الرحم لجريان الماء وسيلان الدم بناء على حجية الاستصحاب في الشك في
المقتضى كما هو المختار.
أو يكون الشك في
قيام مبدأ آخر مقام الأول المعلوم ارتفاعه بنحو لا يعد الموجود اللاحق مغايرا كما
في مثل تبدل أعمدة الخيمة غير الموجب لتغير في هيئتها وكما في تبدل عرق الأرض
الجاري منه الماء إلى عرق آخر غير موجب لتغير الماء وجريانه فانه لا مانع من جريان
الاستصحاب في ذلك.
وأما لو كان
الموجود السابق يعد وجودا آخر فلا يجري فيه الاستصحاب إذ هو من القسم الثالث من
أقسام الاستصحاب وعليه لا وجه لما نسب إلى بعض الأعاظم من إطلاق القول بالمنع عن
الاستصحاب في الوجه الأول والثاني لجعله من الوجه الثاني من القسم الثالث من أقسام
الاستصحاب بل لا بد من التفصيل بين الوجهين أي بينما يكون اختلافه من قبيل اختلاف
عمود الخيمة بالنسبة لهيئتها المخصوصة وبين الموجب للتغيير كما لو كان بعد الموجود
اللاحق عرفا فردا آخر مغايرا للموجود السابق كتغيير عنوان التكلم من القرآن إلى
الخطبة أو الزيارة أو تغييره إلى فرد آخر مغاير للفرد الأول عرفا فيختص المنع عن
الاستصحاب بالثاني دون الأول ثم لا يخفى أن الكلام في الأمور التدريجية في
الزمانيات كالتكلم والقراءة وجريان الماء والدم وأمثالها من الأمور التدريجية هو
الكلام في نفس الزمان أشكالا وجوابا من غير فرق بينهما نعم فصل الأستاذ في الكفاية
(قده) بما حاصله أن الشك تارة يكون من جهة طرو ما يمنع من جريانه أو قوة استعداده
للجريان مع العلم بمقدار الماء كمية أو يشك في ذلك للشك في أنه بقي في المنبع أو
الرحم فعلا شيء من الماء أو الدم غير ما سال أو جرى منهما.
قال (قده) بجريان
الاستصحاب في الصورة الأولى واستشكل في جريانه في الثانية خلافا للشيخ الانصاري (قده)
حيث قال بجريانه في كلتا الصورتين ومنشأ تفصيل الأستاذ (قده) هو أن في الصورة
الأولى يكون الشك ناشئا من الشك في وجود ما يوجب ارتفاعه وانعدامه بقاء مع تحقق
المقتضي كالشك في بقاء الحركة أو التكلم من جهة عروض ما يوجب توقف المتحرك أو سكوت
المتكلم من تعب أو غيره أو يكون
الشك ناشئا من
الشك في مقدار اقتضائه للبقاء والاستمرار فانه بناء على حجية الاستصحاب في الشك في
المقتضي فانه لا إشكال في جريان الاستصحاب لما عرفت أن الاتصال المتحقق في نفس
الحركة وفي سيلان السائل من أولهما إلى آخرهما يوجب أن يكون شيئا واحدا فتتحد
القضية المشكوكة مع القضية المتيقنة.
وأما الصورة
الثانية وهي ما يكون الشك ناشئا من جريان الدم من الرحم أو جريان الماء من المنبع
من جهة الشك في حدوث دم آخر غير ما كان جاريا سابقا من الرحم أو الشك في جريان
الماء غير ما كان جاريا سابقا من المنبع وفي مثله يكون الشك في الحدوث لكون الماء
الحادث حادثا في المنبع غير الماء الخارج وكذلك الدم يكون غير الدم الموجود في
الرحم فعليه لا يجري استصحاب الماء الجاري سابقا بل يجري فيه استصحاب العدم لا
استصحاب الوجود لحكومة استصحاب عدم الجريان بل لا يبعد أن يكون من القسم الثالث من
أقسام الاستصحاب الكلي ولكن لا يخفي أن الصورة الأولى وإن جرى الاستصحاب فيها
لاتصال الأجزاء المتعاقبة بنحو تعد الوحدة في الوجود إلا أنه لا يثبت كون الدم
الخارج حيضا إذا كان الأثر مترتبا على كون الوجود الخارجي دما متصفا بالحيضية إلا
على القول بالأصل المثبت لأن كون الدم الموجود في الخارج من اللوازم العقلية
المترتبة على بقاء سيلان الدم من الرحم.
وأما في الصورة
الثانية فلا مانع من استصحاب نفس جريان الدم بناء على المسامحة العرفية المتقدمة
لأن الجريان المتيقن سابقا وإن كان ثابتا وقائما بشخص ذلك الدم الجاري في الرحم
الخارج منه ولكنه لا إشكال في أنه لو لم ينقطع خروج الدم من الرحم كان الجريان
باقيا ولو في نظر العرف من جهة الشك في انقطاع الدم فيشك في بقاء
الجريان فنستصحب
بقاءه على ما تقدم من المسامحة العرفية المصححة بالاستصحاب في مطلق التدريجات
والظاهر أنه ليس من القسم الثالث.
ثم لا يخفى أن
الأقسام المتقدمة في استصحاب الكلي من الأمور القارة بالذات تتطرق بالنسبة إلى
الأمور التدريجية أيضا فان الشك في بقاء التكلم والقراءة مثلا قد يكون من جهة الشك
في بقاء شخص السورة التي كان مشغولا بقراءتها فيكون من قبيل القسم الأول وقد يكون
من جهة الشك في أنه هل شرع في سورة أخرى مع القطع بانتهاء السورة الأولى فيكون من
قبيل القسم قسم الثالث.
القسم الثالث في
استصحاب الامور المقيدة بالزمان بأن يؤخذ الزمان قيدا أو ظرفا للامور القارة بمعنى
أن متعلق الحكم الذي هو فعل المكلف الواقع في زمان خاص ففي مثله تارة نشك في بقاء
حكم من جهة الشك في بقاء قيده أعني الزمان الذي أخذ قيدا له كما إذا ورد وجوب
الصوم إلى الغروب وعلمنا أن المراد من الغروب هو أستار القرص مثلا ولكن شككنا في
تحققه فلا إشكال في جريان الاستصحاب فيه أعنى استصحاب بقاء النهار بناء على كون
المستفاد من دليل وجوب الصوم وجوبه ما دام النهار باقيا.
وأما لو قيل أن
المستفاد وجوبه في كل زمان متصف بكونه نهارا فلا يفيد استصحاب بقاء النهار لاثبات
كون زمان المشكوك نهارا إلا على القول بالأصل المثبت وأخرى نشك في بقاء الحكم لا
من جهة الشك في بقاء قيده المفروض قيديته بل من جهة أخرى وتفصيل ذلك أنه إذا ورد
في لسان الدليل ثبوت الحكم لفعل المكلف في زمان خاص كما إذا ورد يجب عليك الجلوس
إلى الزوال في يوم الجمعة فله صور وأقسام.
الأول أن يكون
الزمان الخاص قيدا للمطلوب بجميع مراتبه بأن
يكون التقيد به
بلحاظ تمام المطلوب وهو الفعل في زمان خاص فلو شككنا بعد انقضاء الزمان الخاص
بوجوب الجلوس لكان شكا في حدوث وجوب آخر لجلوس آخر ففي مثله لا إشكال في أنه لا
يجري استصحاب بقاء الحكم السابق للقطع بارتفاعه ويجري استصحاب عدم ثبوت حكم جديد.
الثاني أن يكون
الزمان الخاص مما يقطع بكونه مأخوذا على نحو الظرفية للمطلوب وبعد انقضائه نشك في
بقاء ذلك الوجوب الثابت للجلوس فلا اشكال في جريان استصحاب ذلك الوجوب ولا مجال
لاستصحاب العدم فيه لكون المفروض أن الوجوب لو كان ثابتا كان بقاء نفس الحكم
الثابت سابقا مستصحبا نعم لو فرض أن الوجوب المشكوك بعد انقضاء الزمان لو كان
ثابتا نقطع أنه غير الوجوب السابق فلا مجال لاستصحاب الوجوب السابق لعدم الشك في
بقائه بل نقطع بعدم بقائه فيجري فيه استصحاب عدم وجوب الحادث :
الثالث أن يكون
الزمان مما علم بكونه قيدا للحكم ولكن شك في كونه قيد أصل الحكم بحيث ينتفي أصل
الحكم بانتفاء القيد أو كونه قيدا بخصوص المرتبة الشديدة منه بحيث لو انتفى يبقى
بعض مرتبة المطلوب بعد القطع بارتفاع المرتبة الشديدة والظاهر لا مانع من جريان
الاستصحاب فيه ولكن بالنسبة إلى أصل الوجوب فيكون هذا القسم بالنسبة الى المرتبة
الشديدة المقيد بالزمان حكم القسم الأول وبالنسبة الى أصل الحكم حكم ما أخذ الزمان
ظرفا.
الرابع ما اذا شك
في كون الزمان مأخوذا قيدا أو وظرفا والظاهر أنه كالأول لا يجرى فيه الاستصحاب
لأنه مع الشك في اعتبار الزمان قيدا أو ظرفا يكون الموضوع مشكوكا لاحتمال كون
الزمان قيدا ومع
الشك في الموضوع
لا مجال لجريان الاستصحاب ثم مما ذكرنا ظهر ما في كلام الفاضل النراقي (قده) من القول بتعارض وجوب الجلوس
__________________
بعد الزوال مع
استصحاب العدم الأزلي الثابت قبل نعلق الوجوب بتلك القطعة المتيقنة ووجه الأشكال
فيه أنه أما أن يلاحظ مجموع الزمان المأخوذ في دليل اجلس من الصبح إلى الزوال ظرفا
للحكم أو يأخذ قيد له فعلى الأول فلا جمال لاستصحاب العدم الأزلي قطعا وعلى الثاني
فلا مجال لاستصحاب الوجوب قطعا فالجمع بين اللحاظين غير معقول اللهم إلا أن يقال
بأن في مثل وجوب الصوم إذا عرض مرض يشك في بقاء وجوبه معه وفي الطهارة إذا عرض ما
يشك فيها مع عروضه كخروج
__________________
المذي وفي طهارة
الثوب النجس إذا غسل مرة فحكمه في الأول يتعارض استصحاب وجوب الصوم مع استصحاب
عدمه الأصلي قبل وجوبه وفي الثاني بتعارض استصحاب النجاسة قبل الغسل مع استصحاب
عدم كون ملاقات البول سببا للنجاسة بعد الغسل مرة فحكمه بتساقط الاستصحابين في هذه
الصور ولكن لا يخفى ما فيه فانه بعد انتقاض العدم الأزلي السابق بالوجود فلا مجال
لاستصحابه فحينئذ لا يبقى مجال لاستصحاب الوجود في جميع تلك الصور فغابه ما يمكن
تصحيح ما أفاده الفاضل النراقي في ذلك من تعارض الاستصحابين في بعض الفروض.
وحاصله أنه يجري
استصحاب وجود الحكم السابق كما إذا أخذ الزمان ظرفا أو قيدا في الجملة ولا يجري
استصحاب العدم الأزلي إذا كان الشك في وجود الحكم في اللاحق فينحصر باحتمال بقاء
الحكم السابق بحيث نقطع بأنه لو كان الحكم في ظرف الشك ثابتا واقعا لكان عين الحكم
السابق ولا يحتمل أن يكون حكما آخر حادثا بعد ارتفاع الحكم فان في مثله لا مجال
لاستصحاب العدم الأزلي السابق على الحكم المتيقن الثبوت لانتقاضه بحدوث الحكم
السابق فينحصر باستصحاب وجود الحكم وهذا هو من موارد ظهور جميع الكلمات.
وأما إذا كان الشك
في وجود الحكم للشك بانقضائه بانقضاء الزمان من جهة الشك في بقاء الحكم السابق
وحدوث شخص حكم آخر على فرض ارتفاعه بحيث كان الحكم المحتمل الثبوت الذي تعلق به
الشك مرددا بين بقاء الحكم الأول وبين حدوث حكم آخر وإن كنا نحتمل عدم الحكم رأسا
أيضا كما هو لازم الشك في ثبوته ففي مثله يجري استصحاب العدم والوجود كليهما
فيتعارضان.
بيان ذلك أن المفروض
هو الشك في ثبوت شخص حكم واحد مردد
بين كونه شخص حكم
آخر حادث فباعتبار أنه يحتمل أن يكون شخص هذا الحكم المحتمل هو بقاء الحكم الاول
فيتحقق أركان استصحاب وجود الحكم الاول المتيقن سابقا من اتحاد القضية المتيقنة مع
القضية المشكوكة ومعنى جريانه هو الحكم بثبوت الحكم المحتمل ثم نحتمل بالفرض كون
شخص هذا الحكم المحتمل بثبوته أن يكون حادثا بعد رفع الحكم الاول فلو كان حادثا
كان هذا الممتد ناقضا للعدم الازلي الثابت لشخص هذا الحكم الحادث قبل حدوثه ولا
يكون عدمه الازلي منتقضا بحدوث الحكم السابق قبل انقضاء الزمان لانه ناقض لعدم
نفسه لا لعدم حكم آخر فالعدم الازلي بالنسبة إلى كل شىء ينتقض بوجود هذا الشيء لا
بوجود شىء آخر فحينئذ بالنسبة إلى العدم الازلي يتم أركان الاستصحاب من اليقين
السابق والشك اللاحق أيضا لانه بعد الشك في ثبوت شخص حكم مردد بين كونه بقاء لحكم
الاول وبين كونه حدوث حكم آخر يتحقق لنا يقين بالعدم الازلي السابق على أصل
التكليف بالنسبة إلى شخص هذا الحكم المحتمل الثبوت وشك في بقاء ذلك العدم وارتفاعه
بهذا المحتمل يجري الاستصحاب فيه فيحكم ببقاء العدم فنحكم بعدم ثبوت المحتمل فلا
بتعارض الاستصحاب كما أفاده النراقي (قده).
التنبيه الخامس :
المتيقن السابق قد
يكون أمرا فعليا ومنجز الوجود وقد يكون أمرا معلقا تقديريا منوطا بشيء غير متحقق
في ظرف اليقين والأول لا إشكال في جريان الاستصحاب فيه سواء كان موضوعا لحكم شرعي
أو كان نفس الحكم الشرعي.
وأما الثاني وهو
الذي يسمى بالاستصحاب التعليقي الذي انعقد له هذا التنبيه أعني ما هو المتيقن
سابقا الذى يكون معلقا ومنوطا بوجود شىء آخر غير متحقق وهو على قسمين.
أحدهما ما كان
التعليق والاناطة فيه عقليا بمعنى كونه من الأمور التكوينية الخارجية التي يكون
التعليق والاناطة والملازمة بين اللازم والملزوم فيه عقليا تكوينا من دون أن يكون
لجعل الشارع فيه دخل كما إذا فرض أن قيام عمر في الخارج ملازم القعود بكر بمعنى
قعود بكر معلق على قيام عمر في الخارج وإن كان لعقود بكر أثر شرعا مثلا وكانت هذه
الملازمة بينها أمرا مقطوعا به مع عدم تحقق المعلق عليه ثم شك في اليوم الآخر
ببقاء تلك الملازمة مع تحقق المعلق عليه وهو قيام عمر عمر المستلزم للشك في تحقق
المعلق وهو قعود بكر الذي يكون موضوعا للحكم فلا مجال لجريان الاستصحاب فيه ولو
بناء على جريانه في الحكم التعليقي وذلك لأن المتيقن السابق في ضمنه شيئان.
أحدهما نفس
الملازمة بين قيام زيد وقعود عمر وثانيها قعود تقديري لعمر ولا مجال للاستصحاب في
شىء منهما لأن المفروض أن الأثر الشرعي العملي المترتب على القعود الفعلي هو
الثابت لعمر في ظرف الشك دون نفس الملازمة والوجود التقديري ومن المعلوم أن ترتب
وجود الفعلي الملازمة مع بقاء الملازمة أو الوجود التقديري المسبب عن بقاء
الملازمة في ظرف تحقق الملزوم والمعلق عليه عقلي لا يثبت بالاستصحاب الأعلى القول
بالأصل المثبت اللهم إلا أن يقال بناء على كون المراد من أخبار الاستصحاب نقض نفس
اليقين بالشك دون المتيقن فيمكن تصحيح جريان الاستصحاب التعليقي حتى في الموضوعات
المعلقة بنحو الوجود الفرضي بأن يقال بأن لنا في المثال قطعين فعليين
على نحو الاطلاق
وهو القطع بالملازمة فيما سبق والقطع بالوجود الثاني التقديري اللازم والاستصحاب
فيها لا يجرى لكونه مثبتا بالنسبة إلى ما له الأثر كما تقدم ولنا أيضا قطع آخر وهو
القطع المنوط بفرض وجود المعلق عليه خارجا على الوجود الفعلي اللازم وهو القعود
نظير ما تقدم من الارادة الفعلية المنوطة في الواجب المشروط قبل تحقق شرطه في
الخارج ففيما نحن فيه بعد العلم بالملازمة يحصل لنا القطع بوجود الملازم وجودا
فعليا ولكنه منوط بفرض وجود الملزوم خارجا ولم يكن وجوده حقيقيا.
وبعد ما حصل لنا
الشك ببقاء الملازمة في الآن الثاني مع تحقق ما كان ملزوما يحصل لنا الشك أيضا
بوجود اللازم فحينئذ يتحقق ركنا الاستصحاب من اليقين السابق والشك اللاحق فشمله
أدلة الاستصحاب فيثبت بها اليقين بوجود اللازم فعلا فيترتب عليه حكمه الشرعي نعم
شمول لا تنقض لمثل هذا اليقين مشروط أيضا بفرض وجود الملزوم خارجا لأنه مع عدم هذا
الفرض لا يقين أصلا ولكن لا يخفى أن هذا يتم لو لا القطع بانصراف الأخبار عن مثل
هذا اليقين الذي يصح سلب اليقين في فعلا في ظرف عدم المعلق عليه لا حقيقة له عرفا
إذ اليقين المنوط ليس بيقين فظهر أنه لا مجال لجريان الاستصحاب في الموضوعات
التعليقية أصلا ولذا تراهم قد خصوا عنوان المسألة بالأحكام التعليقية.
وثانيهما وهو ما
تكون الاناطة والتعليق شرعية بأن تكون الملازمة بين الشيئين يجعل الشارع كما إذا
علق الشارع حكمه المتعلق بموضوع على شىء آخر غير الموضوع كما إذا قال يحرم ماء
العنب إذا غلى وهذا على قسمين لان الحكم الشرعي المذكور تارة يكون من الأحكام
الوضعية التي كان وجود الشىء معلقا بوجود الخارجي
وأخرى يكون من
الأحكام التكليفية التي قد تقدم ان الحق فيها ان الحكم فيها معلق على وجود الشرط
تصورا على نحو يرى خارجا ولو لم يكن له خارجية.
أما الأول كما اذا
قال زيد يملك أرضا مواتا إذا حازه أو قال من حاز ملك فعلق الملكية على الوجود
الخارجى ، فلو فرض في مورد شككنا ببقاء هذا الحكم بالنسبة إلى شخص كما إذا أجر شخص
نفسه للغير في مدة معينة لجميع منافعه وفي مدة الاجارة حاز أرضا بقصد التملك نفسه
وشككنا هل له ذلك أم لا.
والحق أنه لا يجري
الاستصحاب فيه كما قلنا في الموضوعات التعليقية في عدم جريان الاستصحاب فيه لا في
الملازمة ولا في اللازم بوجوده التقديري من غير فرق بين القول بأن مفاد دليل
الاستصحاب هو الأمر بالمعاملة عمل اليقين كما هو المختار من القول بأن مفاده تنزيل
المشكوك منزلة المتيقن بلحاظ أثره الشرعي للعمل كما هو مختار الشيخ (قده) وذلك لأن
الملازمة في المقام وان كانت شرعية مجعولة بجعل الشارع ولكن نفس تلك الملازمة أو
اليقين بها ليس لها أثر عملي وكذلك بقاء وجود الثاني اللازم أعني الملكية ليس لها
أثر عملي وإنما الأثر العملي يترتب على الملكية الفعلية التي كانت مترتبة على
الملازمة أو الوجود الثاني عقليا في ظرف وجود المعلق عليه فلا يمكن إثباتها إلا
على القول بالأصل المثبت لا يقال بأن ترتب الملكية وإن كان عقليا على البقاء أو
الوجود الثاني في ظرف وجود المعلق عليه ولكن لا مانع من ذلك لكونه أثرا مترتبا على
الأعم من الواقع والظاهر ولا إشكال في ترتب الأثر العملي إذا كان أثر للاعم من
الواقع والظاهر فانه يقال أن ذلك يتم فيما إذا كان ذلك الأثر أثرا عمليا للشيء
بنحو يكون منجزا
للعمل كوجوب
الامتثال فانه يجب بعد تنجز التكليف بخلاف المقام فان الملكية ليست لها دخل في
العمل.
وأما بناء على
مسلك من يقول بأن الاستصحاب مرجعه إلى جعل مماثل المتيقن أو جعل حكم مماثل لحكم
المتيقن إذا كان المستصحب موضوعا ولا يعتبر في استصحاب الحكم أزيد من ذلك فلا
اشكال في أنه يجري استصحاب الملازمة لاثبات الملازمة الظاهرية وكذلك استصحاب
الوجود الثاني فيترتب عليه جميع الآثار المترتبة على الأعم من الواقع والظاهر كما
لا يخفى
وأما القسم الثاني
وهو ما إذا كان التعليق في الحكم التكليفي فتارة نقول بأن المعلق عليه في الاحكام
التكليفية التعليقية هو الشيء بوجوده الخارجي فلا مجال فيه أيضا للاستصحاب لا في
الملازمة ولا في اللازم سواء.
قلنا بأن مرجع
الاستصحاب هو الأمر بالمعاملة عمل اليقين وقلنا بأنه تنزيل المشكوك منزلة المتيقن
لأن الفرض أن نفس الملازمة أو الوجود التقديرى لا أثر عملي له.
وأما وجود الفعلي
للحكم الذي له الأثر العملي ، فترتبه على الملازمة أو الوجود التقديري في ظرف وجود
المعلق عليه عقلي لا يثبت إلا على القول بالأصل المثبت وتوهم كونه الأثر للاعم من
الواقع والظاهر يندفع بأن ذلك فيما اذا كان نفس الأثر العملي عقليا لا فيما اذا
كان مترتبا ترتبا شرعيا كما نحن فيه فان الحرمة الفعلية ترتبها ترتبا شرعيا عمليا
ولكن ثبوته انما يكون بالترتب الفعلي الغير الممكن اثباته بالاستصحاب نعم يتم
بالاستصحاب بالنسبة الى الملازمة والوجود التقديري اللازم بناء على مسلك جعل
المماثل كما تقدم وأخرى نقول بأن المعلق عليه المنوط به في التكاليف هو الشيء
بوجوده اللحاظى بنحو يراه خارجا كما تقدم
تفصيله فبناء عليه
يكون المتيقن السابق هو الحرمة الفعلية المنوطة بما فرض في الخارج.
غاية الأمر أن
القطع بالحرمة الفعلية بمجرد فرض المعلق عليه خارجا لم يكن موجبا للحكم الفعلي
بوجوب الامتثال إلا بعد التصديق بكون الفرض مطابقا للخارج فحينئذ يمكن جريان
الاستصحاب في بقاء نفس اللازم وهو الحرمة الفعلية المنوطة بوجود المعلق عليه فتثبت
نفس الحرمة المنوطة في ظرف الشك بها حيث أنه قد فرض القطع بوجود المعلق عليه خارجا
فالعقل يحكم بوجوب امتثاله ، فبناء على المختار في تحقيق الواجب المشروط لا مانع
من جريان الاستصحاب في الأحكام التعليقية وحاصله أن الحكم التكليفي الشرعي إنما هو
عبارة عن نفس الارادة الشرعية التي تحصل بالقول أو الفعل ، فباظهارها تكون فعليه
من غير فرق بين أن يكون متعلقها يحصل على كل تقدير أو تقدير خاص وذلك لا يقتضي إلا
تصور الموضوع من جميع قيوده فالحكم يكون فعليا قبل تحقق شرطه ولا يصح جعل الأحكام
التكليفية على نهج القضايا الحقيقية حيث أن حقيقتها لب الارادة المبرزة لها حتى بالنسبة
الى الأحكام التي هي بنحو الاشتراط اذ مرجعها بعد قيامها باللحاظ الى الاشتياق
الفعلي المنوط بوجود الشيء في فرض الأمر ومع فرض وجوده يكون المبرز للخطاب المشروط
فعليا وتكون فعليته قبل تحقق موضوعه وقيوده.
وبهذا المعنى يصير
الحكم الشرعي فعليا سواء علم بها المكلف أو لم يعلم وسواء كان مطلقا أو مشروطا
فليس الفرق بين المشروط والمعلق من حيث الفعلية بأن يكون المطلق فعليا والمشروط
انشائيا فمن هذه الحيثية لا فرق بينهما ، نعم فرق بينهما من حيث السنخ والحقيقة
ولذا تختلف آثارهما فان المطلق حقيقة ارادة الفعل من المكلف على كل تقدير ولذا
ينبعث المكلف
مع العلم به من
دون الانتظار الى شيء.
وأما المشروط
فحقيقة ارادة الفعل من المكلف على تقدير خاص فلا ينبعث عند العلم به قبل حصول
الأمر المعلق عليه الواجب ففى الحقيقة القيود ترجع الى ناحية الموضوع.
فالفعلية لا تتبع
وجود الموضوع خارجا وانما تحصل من اظهار الارادة بخلاف المحركية والباعثية انما
تتبع وجود الموضوع
__________________
وقيوده خارجا مثلا
: لو قال المولى أكرم العلماء لا تحصل المحركية الا بعد وجود العلماء خارجا بخلاف
أصل وجود الحكم فانه يتحقق ولو لم
__________________
يكن الموضوع
متحققا خارجا اذ الموضوع في جعل الحكم انما هو معتبر بوجوده اللحاظى وان كان
اعتباره بنحو المرآة لما في الخارج فمع تصور
__________________
الموضوع ينشأ
الحكم وبهذا الانشاء يجعل الحكم فعليا وإلّا لزم التفكيك بين الانشاء والمنشأ وهو
أمر غير معقول.
وبالجملة فعليته
تحصل وان لم يكن الموضوع وقيوده موجودا خارجا
__________________
بخلاف المحركية
والباعثية فانها منوطة بوجود الموضوع خارجا ففي فعلية الحكم يشترك المشروط
والمعلق.
وعليه ففي المثال
المشهور أن حرمة العصير العنبي مجري للاستصحاب
__________________
ثم أنه لو منعنا
جريان الاستصحاب التعليقي بدعوى اعتبار لزوم كون المستصحب فعليا منوطا بخارجية
المعلق عليه فعلية لا فعلية للحكم المستصحب في المثال المذكور قبل تحقق الغليان
حتى يمكن استصحابه يلزم المنع عن استصحاب الأحكام الكلية قبل وجود موضوعاتها فيما
لو شك فيها
__________________
لأجل احتمال نسخ
أو تغير بعض حالات الموضوع إذ لا فرق في المنع عن الاستصحاب بين الأحكام الكلية
والجزئية مع أن القائل بمنع التعليقي يلتزم بجريانه في الأحكام الكلية قبل وجود
موضوعاتها بدعوى كفاية فرضية وجود الحكم في صحة استصحاب الحكم الكلي فاذا التزم
بذلك فيها فيلزمه الاكتفاء باستصحاب الحكم الجزئي.
وبالجملة لا فرق
في فرضية الحكم بفرضية وجود موضوعه بين فرضية تمام موضوعه بأجزائه وشروطه وبين فرض
فعليه بعضه لأجل المنع.
أما من استصحاب
الحكم التعليقي قبل تحقق موضوعه والمعلق مطلقا حتى في الحكم الكلي.
وأما الالتزام
بجريانه بصرف وجوده فرضا في زمان يقينه ، بل ربما يقال بامكان اجراء الاستصحاب في
نفس القضية التعليقية كالحرمة والنجاسة التقديريتين الثابتتين للعنب قبل الغليان
لأنه يصدق عليه قبل الغليان أنه حرام أو نجس على تقدير غليانه ويشك في بقاء تلك
القضية التعليقية بحالها بعد صيرورته زبيبا فيستصحب لعدم قصوره في أدلة الاستصحاب
من الشمول يمثل هذا الغرض.
ودعوى عدم جريان
الاستصحاب التعليقي في المثال لتغاير الموضوع في القضيتين فان الموضوع للحرمة
والنجاسة المعلقة على الغليان في القضية المتيقنة هو ماء العنب وقد انعدم بصيرورته
زبيبا في القضية المشكوكة هو الجرم الخاص المسمى بالزبيب ممنوعة فإن المناط في
الموضوع هو فهم العرف وفي المقام أن الموضوع للحرمة والنجاسة هو الجسم الخاص وان
وصف العنبية والزبيبية من حالات الموضوع لا من مقوماته.
نعم يشكل بمعارضة
الاستصحاب التعليقي مع استصحاب الطهارة
والحلية الثابتتين
قبل الغليان فان التعليقي يقتضي حرمة الزبيب ونجاسته بعد الغليان والاستصحاب
التنجيزي يقتضى حليته وطهارته بعد الغليان وبما أن أحد الاستصحابين ليس مسببا عن
الآخر حتى يحكم باستصحاب الشيء السببي فيقع التعارض بينهما فيتساقطان فيرجع فيه
إلى قاعدة الحلية والطهارة إلا أن بعض الأعاظم (قده) ادعى السببية والمسببية بين
الأصلين بتقريب أن الشك في الطهارة والحلية الفعلية في الزبيب المغلي مسبب عن الشك
في كون المجعول الشرعي هو نجاسة العنب المغلي وحرمته مطلقا حتى في كونه زبيبا أو
أن المجعول الشرعي هو نجاسة العنب المغلي وحرمته ولا يعمم الزبيب المغلي فمع حكم
الشارع بالنجاسة والحرمة المعلقة بمقتضى الاستصحاب التعليقي يرتفع الشك في حلية
الزبيب المغلي.
ولكن لا يخفى أن
بين الاستصحابين لا سببية بينهما لكونهما في مرتبة واحدة لا تقدم لأحدهما في
الوجود على الآخر ومعه لا تتحقق السببية إذ المستفاد من دليل الغليان مجرد سببيته
للحرمة والنجاسة المشروطة بلا غائيته للطهارة والحلية الثابتين للعنب قبل الغليان
بحيث يكون ارتفاع الحلية والطهارة الثابتة قبل الغليان عند فعلية الحرمة أو
النجاسة المشروطة بالغليان بمناط المضادة.
فعليه لا تتصور
حكومة أحدهما على الآخر وإنما يقع بينهما التعارض لأجل لحاظ كون الغليان شرطا
للحرمة والنجاسة المجعولتين كذلك فلا يكون غاية شرعية للحلية والطهارة لعدم
استفادة ذلك من الدليل وإنما هو غاية للحلية والطهارة في حكم العقل محصنا بلحاظ
مضادة الحكمين وامتناع تحقق أحدهما في ظرف تحقق الآخر وقد عرفت أن التحقيق هو
الأول فلذا لا معنى لحكومة الاستصحاب التعليقي على استصحاب
الحلية التنجيزي
بل على الاحتمال الثاني تقع المعارضة بين الأصلين لكون الحكمين حينئذ في عرض واحد.
كما أن الشرطية والغائبة أيضا كذلك فعليه لا مجال لرفع اليد عن استصحاب الحلية
باستصحاب الحرمة المشروطة.
التنبيه السادس :
أن المستصحب قد
يكون من أحكام هذه الشرعية فلا إشكال في جريان الاستصحاب وقد يكون من أحكام
الشرائع السابقة فيما لو شك في نسخها فقد استشكل في جريان الاستصحاب فيها وتنقيحه
يحتاج إلى بسط في المقال فتقول أن الحكم الثابت في الشريعة السابقة يتصور على
أنحاء الأول أن يكون الحكم ثابتا بخصوص الأفراد الموجودة في ذلك الزمان من
المكلفين على نحو القضية الخارجية التي كان الموضوع فيها هو الأشخاص الموجودة في
الخارج بأشخاصهم كل بملاك غير ملاك الآخر مثل قولهم كل من فى العسكر قتل ولو كان
قتل كل منهم بملاك أجنبي عن ملاك الآخر ولا يخفى عدم وجود مثل ذلك في القضايا
الشرعية وكيف كان فلو كان الحكم في الشريعة السابقة كذلك فلا مجال لتوهم الاستصحاب
فيه بالنسبة إلينا لتبدل الموضوع قطعا بل لا يعقل الشك في بقاء ذلك الحكم إلا
بالنسبة إلى خصوص المدرك للشريعتين فيصح الاستصحاب بالنسبة إليه بالخصوص من غير
سرايته إلى غيره من المكلفين في هذه الشريعة لعدم شمول دليل اشتراك التكليف في
المقام إذ الثابت من دليل الاشتراك بالنسبة إلى الأحكام الواقعية دون الظاهرية
الثابتة بالاصول المختص بمن جرى في حقه الأصل من دون سرايته إلى
غيره لعدم ثبوت
ملاكه كما لا يخفي.
الثاني أن يكون
الحكم ثابتا للأعم من الأفراد الموجودة في ذلك الزمان والمقدرة المفروضة على نحو
الحقيقة.
الثالث أن يكون
ثابتا لطبيعة المكلفين لكن لا من حيث هو بل من حيث أنه يسري إلى الأفراد على نحو
الطبيعة السارية وهي المسماة عند المحقق الفمي (قده) بالعموم السرياني فيشمل
الأفراد لا من حيث الخصوص بل من حيث وجود الطبيعة وحصة منها فالخصوصية في كل منها
بفرديته خارجة بخلاف العام الاستغراقي فان الخصوصيات فيه داخله كما لا يخفى.
الرابع أن يكون
الحكم ثابتا لطبيعة المكلفين أيضا لكن بنحو صرف الوجود إلا أنه بنحو الطبيعة
السارية في جميع الأفراد والفرق بين هذا الفرض وبين القسم الثالث أن في هذا القسم
يحصل الامتثال بأول الوجود ويسقط التكليف بعده بخلاف القسم الثالث فان التكليف
يتعدد فيه بتعدد الأفراد ويكون لكل فرد تكليف يختص به له إطاعة ومعصية معينة.
أما القسم الثاني
فلا يخلو أما أن يكون منشأ الشك في بقاء الحكم في هذه الشريعة من جهة الشك في
اختصاصه بأشخاص الأفراد المحققة والمقدرة في ذلك الزمان بمعنى أن يكون منشأ الشك
في تخصيص موضوع الحكم بالأفراد المحققة والمقدرة فيه المفروضة في ذلك الزمان بحيث
لا يكون قصور في ناحية الحكم أصلا بل القصور لو كان إنما هو من جهة الموضوع وكان
مرجع الشك في أنه هل أعتبر في الموضوع أمر لا ينطبق إلّا على أفراد ذلك الزمان بحيث
لو كان أفراد هذا الزمان في ذلك الزمان لشملهم ولو كان أفراد ذلك الزمان في هذا
الزمان لم يشملهم
وأما أن يكون منشأ
الشك من جهة الشك في بقاء الحكم من جهة احتمال قصور في أصل ملاك الحكم بالنسبة الى
غير ذلك الزمان من غير قصور وشك في ناحية الموضوع.
أما القسم الأول
فلا يجري الاستصحاب فيه قطعا لوضوح كون الموضوع فيه مشكوكا فلم تكن القضية
المشكوكة مع المتيقنة متحدة من حيث الموضوع قطعا.
وأما القسم الثاني
فالحق جريان الاستصحاب فيه لأنه لا قصور في جانب الموضوع فيكون الشك في بقاء شخص
الحكم السابق مع اتحاد اليقين موضوعا ومحمولا فبالاستصحاب يثبت الحكم لتلك الاشخاص
أيضا ومن ذلك يظهر الكلام في القسمين الآخرين وأنه هل يجري فيهما الاستصحاب لو كان
الشك في بقاء الحكم فيها راجعا الى الشك في
__________________
ملاك الحكم من حيث
قصوره لغير زمان اليقين أو شموله أو لا يجرى لو كان الشك راجعا إلى الشك في تقييد
الموضوع بذلك الزمان وعدم تقيده لعدم إحراز الموضوع حينئذ كما لا يخفى.
التنبيه السابع :
الآثار المترتبة
على المستصحب تارة يكون من الآثار الشرعية العملية بلا واسطة كاستصحاب حيوة زيد
للحكم بحرمة تزويج زوجته وتقسيم أمواله فلا إشكال في حجيته وأخرى يكون من الآثار
الشرعية المترتبة عليه بواسطة آثار شرعية ثابتة بلا واسطة فهو أيضا حجة بلا إشكال
سواء قلنا بكونه من باب الظن أو من باب التعبد من جهة الأخبار
وثالثة يكون من
الامور العادية أو العقلية الثابتة له وهذه على أقسام ثلاثة لأن الأمر العقلي أو
العادي قد يكون من قبيل لازمه وأثره
__________________
كنبات اللحية
المترتبة على حياة زيد وقد يكون من قبيل ملزومه وعلته وقد يكون من قبيل ملازمه في
الوجود ولا إشكال أيضا عندهم في عدم إثبات كل واحد من الامور الثلاثة المذكورة
بالاستصحاب في الموضوع بلا نظر إلى ترتب الآثار الشرعية المترتبة عليها إذ معنى
التعبد من قيل الشارع هو ترتب الآثار الشرعية التي كانت أمر وضعها ورفعها بيد
الشارع ولا نظر له إلى إثبات غيرها.
وقد تكون الآثار
الشرعية المترتبة عليه بواسطة الأمر العقلي أو او بواسطة ملزومه أو ملازمه.
وهذا هو المعبر
عنه بالأصل المثبت ويكون هذا هو محل النزاع بينهم في حجية الاستصحاب فيه وهل هو
قول مطلق كما ينسب الى بعض المتقدمين لقوله بحجية الاستصحاب من باب الظن أو عدم
الحجية يقول مطلق كما عن بعض المتأخرين أو يفصل بين ما اذا كان الأثر الشرعي أثرا
مترتبا عليه بواسطة لازمه العقلي أو العادي فيكون حجة وبين ما اذا كان بواسطة
ملزومه أو ملازمه العقلي أو العادي فلا يكون بحجة وهذا هو المشهور عند القائل
بالاصل المثبت أو يفصل في خصوص ما اذا كانت الواسطة هو اللازم بين ما اذا الواسطة
خفية فيكون حجة أو جلبة فلا يكون حجة ثم أن هذا النزاع انما يثمر اذا لم يكن نفس
تلك الواسطة مجرى للاستصحاب وإلّا فيجري في نفس تلك الواسطة بلحاظ أثره الشرعي بلا
احتياج الى جريانه في ذي الواسطة
نعم القائل بحجية
الأصل المثبت يقول باغناء الأصل الجاري في نفس ذى الواسطة عن جريانه في الواسطة
والمنكر للحجية ينكر اغنائه فيجري في الواسطة وهذا بخلاف ما اذا لم يكن الواسطة
مجرى للاصل فيكون ثمرة النزاع حينئذ واضحة فينحصر
مورد النزاع فيما
اذا لم يكن المستصحب موضوعا لنفس الأثر الشرعي بلا واسطة بل كان الأثر الشرعي أثرا
للازمة العقلي أو العادي أو الملزومة أو الملازمة وكان المقصود من حجية الاستصحاب
فيه اثبات ذلك الأثر الشرعي وأما اذا كان المستصحب وجود وجوب شىء فلا تحتاج فيه
إلى أن يكون له أثر شرعي بل يترتب عليه مطلق الأثر.
ولو كان عقليا إذا
كان موضوعه الحكم الشرعي بالأعم من وجود الواقعي والظاهري كوجوب الامتثال مثلا ثم
أنه قد عرفت بأن القائل بالأصل المثبت لم يختص كلامه بالنسبة إلى خصوص ما إذا كانت
الواسطة من قبيل لوازم المستصحب بل يعم كلامه حتى بالنسبة إلى ما إذا كانت الواسطة
من قبيل ملزومه أو ملازمه بل حتى فيما إذا كانت الواسطة بين الملازمة العقلية أو
الاتفاقية لذا يقال بأن الاستصحاب في أحد أطراف الشبهة المحصورة يثبت كون الطرف
الآخر هو الواجب بناء على الأصل المثبت مع أن ترتيب الطرف الآخر دائما على استصحاب
عدم وجود هذا الطرف من آثار الملازمة بين عدم وجود هذا ووجود ذلك الناشئ من العلم
الاجمالي بأحدهما واقعا كما أن التعارض بين الأصل السببي والمسببي كما عن البعض
موقوف على إثبات الملزوم العقلي بالأصل الجاري في اللازم على القول بالاصل المثبت
ولكن الوجه الذي
يذكر لحجية الأصل المثبت على فرض تماميته لا يتم إلا لاثبات الأثر الشرعي المترتب
على اللازم العقلي أو العادي دون غيره بيان ذلك أن ما يستفاد من الوجه لاثبات
الأصل المثبت هو أن قوله (لا تنقض اليقين بالشك) ولو كان ناظرا لاثبات ما يكون أمر
وضعه ورفعه من الآثار التي هي بيد الشارع.
ومن هنا نقول أن
الاستصحاب في الأحكام يرجع إلى جعل حكم
مماثل للمستصحب
وفي الموضوعات إلى جعل أثر شرعي مماثل لأثر الموضوع فيكون في الموضوعات ناظرا إلى
إثبات الموضوع بلحاظ مثل أثره الشرعي مقتضى إطلاقه هو إثبات مطلق أثره الشرعي الذي
يصح استناده إلى نفس ذلك الموضوع حقيقة بلحاظ أن أثر الأثر أثر للشىء فان لنبات
اللحية أو لتحيز الجسم بالمكان أثرا للحياة فباستصحاب الحياة يترتب ذلك الأثر على
نفس الحياة بالغاء الواسطة لكون أثر الأثر للشىء أثرا لذلك حقيقة فيشمله إطلاق لا
تنقض وقد أشكل على هذا الوجه بوجوه :
منها دعوى انصراف
الاطلاق إلى الآثار بلا واسطة فلا يشمل الآثار مع الواسطة فالاطلاق ممنوع.
ولا يخفى أن دعوى
الانصراف محل منع مضافا إلى أن دعوى ذلك إنما يتم بناء على كون مفاد (لا تنقض)
راجع إلى جعل الحكم المماثل لحكم الموضوع في استصحاب الموضوع وجعل مماثل المستصحب
في استصحاب الحكم كما هو مبني الاسناد في الكفاية.
وأما بناء على كون
مفاده (لا تنقض) هو الأمر بالمعاملة وايجاب العمل في ظرف الشك فلا يتم سواء قلنا
بكونه راجعا الى الأمر بالمعاملة عمل المتيقن أعني ايجاب الفعل الذي كان مترتبا
على المتيقن به ويمكن استفادة ذلك من عبارة الشيخ (قده) فانه قال ان مرجع
الاستصحاب هو ترتب الأثر المترتب على وجوده الواقعي المستصحب ببركة اليقين الظاهر
أن المراد من الأثر المترتب على المتيقن لو كان هو الحكم الشرعي فترتبه على وجود
المستصحب ما كان ببركة اليقين بل كان مترتبا عليه ولو مع عدم اليقين وهذا بخلاف
العمل المترتب على وجود المستصحب الذي له حكم شرعي فان ترتبه عليه انما كان ببركة
اليقين فانه عند اليقين بحياة زيد يترتب عليها العمل على سابقة وهو الحكم الشرعي
الثابت
له أو قلنا بكونه
راجعا الى الأمر بالمعاملة على يقين والفرق بين المسلكين في جهات أخر كالتعميم
لليقين الموضوعي والطريقى وتقديم الاستصحاب على ساير الاصول من باب الحكومة على
الثاني دون المسلك الأول وهو كون المراد من اليقين هو المتيقن وكيف كان فلا يبقى
مورد كان الأثر مترتبا على المستصحب بلا واسطة اذا كان المستصحب هو الموضوع فان
وجوب العمل وامتثال الحكم الشرعي مترتب على الموضوع بواسطة ترتبه على الحكم الشرعي
المترتب عليه.
نعم في استصحاب
الأحكام كان العمل وهو الامتثال مترتبا على المستصحب بلا واسطة.
وأما في استصحاب
الموضوع فلا بد وأن يكون الأثر العملي مترتبا عليه بواسطة ثبوت الحكم الشرعى.
فان نفس حياة زيد
ليس بعمل حتى يأمر بترتبه وانما كان العمل مترتبا على الاحكام الثابتة لها هذا
مضافا الى أنه لو سلمنا كون مفاد الاستصحاب هو جعل مماثل المتيقن في استصحاب الحكم
وجعل مماثل حكم المتيقن في استصحاب الموضوع بلسان أن مفاد الاستصحاب بحسب دليله
كون الشارع متكفلا لتنزيل المشكوك منزلة المتيقن لامره بالتنزيل كما هو المختار
فنقول حينئذ أنه لا وجه للانصراف أيضا وإلّا فلا بد من الالتزام بعدم ترتب الآثار
الشرعية المترتبة على المستصحب بواسطة أثر شرعي أيضا كما إذا كان لحياة زيد أثر
شرعي كوجوب إنفاقه وكان لهذا الأثر أيضا أثر شرعي كوجوب التصدق بدرهم على من نذر
أنه لوجوب عليه إنفاق زيد لتصدق بدرهم على أنهم لا يشكون في أنه يترتب في استصحاب
الموضوع جميع الآثار الشرعية المترتبة عليه إذا لم يكن بواسطة عقلية أو عادية بل
كانت بواسطة شرعية فان قلت أن الأثر الشرعي المترتب بواسطة
أثر شرعي لما كان
موضوعه الأثر الشرعي الأعم من الظاهري والواقعى فلا يكون ترتبه من جهة الاستصحاب
بل من جهة تحقق موضوعه بالوجدان وهو الاثر الشرعى الظاهري ببركة الاستصحاب
فباستصحاب الموضوع لا يترتب إلّا الاثر بلا واسطة.
وأما ترتب الاثر
الآخر على الأثر الشرعى فمن جهة تحقق موضوعه بالوجدان من دون دخل للاستصحاب فيه
قلت هذا يتم لو كان كلامهم مختصا بما إذا كان موضوع الاثر الثانى الحكم الشرعى
الاعم من الظاهري والواقعى ولكن كلامهم ليس مختصا بذلك بل يقولون بترتبه ولو كان
موضوعه الحكم الشرعى الواقعى كما أن من المسلمات عندهم أنه لو كان ماء مشكوك
الطهارة والنجاسة من جهة الشك في كريته مع كونه في السابق كرا يستصحبون كريته
فيرتبون عليه الطهارة ثم يرتبون عليه جواز الوضوء ثم يرتبون عليه جواز الدخول في
الصلاة ثم يحكمون عليها بالصحة ما لم ينكشف الخلاف ومن الظاهر أن الصلاة الواجبة
والمستحبة واقعا كانت مقدمتها الوضوء الواقعي المتوقفة على التوضي بماء طاهر واقعا
ولهذا نقول بعدم الاكتفاء بما إذا أتى بالصلاة بهذا الوضوء عند كشف الخلاف فلو كان
جواز الوضوء واقعا موضوعه الماء الطاهر بالأعم من الطهارة الواقعية والظاهرية فلا
معنى لكشف الخلاف فيه بل كان وضوئه هذا وضوءا واقعيا فتكون صلاته صحيحة واقعا فنفس
الحكم ببطلان الوضوء والصلاة بعد كشف الخلاف يكشف عن أن الوضوء الواقعي الواجب
واقعا موضوعه خصوص طهارة الماء واقعا الذي يستكشف باستصحاب كريه الماء وبه ينكشف
جواز الوضوء الواقعي أيضا ظاهرا ثم يترتب عليه جواز واقعي الدخول في الصلاة
الواقعية أيضا ظاهرا ثم يحكم عليها بالصحة طاهر أما فيما لم ينكشف
الخلاف فاذا أثبت
أنه بمجرد استصحاب الموضوع يترتب عليه تمام الآثار الشرعية.
ولو كانت بواسطة
أثر شرعى فلا وجه لدعوى الانصراف إلى الأثر بلا واسطة نعم الأحسن في مقام الجواب
عن الاستدلال أن يقال بأنه وإن لم يفرق في الأثر بين أن يكون بلا واسطة ومع
الواسطة ولكنه مع ذلك لا يمكن التمسك باطلاق قوله لا تنقض اليقين بالشك بناء على
كونه راجعا إلى جعل المماثل للاثر المترتب على الواسطة غير الشرعية من العقلية
والعادية وذلك لأن الشارع لو كان مقصوده من استصحاب حياة زيد لاثبات مماثل الحكم
الثابت لنبات لحيته إثبات هذا الحكم بلا إثبات اللحية له فهو غير معقول لأنه يلزم
ثبوت الحكم بلا موضوع
ولو كان مقصوده من
ذلك إثبات اللحية له مقدمة لاثبات حكمها فهو أيضا غير معقول لعدم كون أمر وضعه
ورفعه بيده بما هو شارع فحينئذ فالنكتة في الفرق بين ما إذا كانت الواسطة أمرا غير
شرعي
وبين ما إذا كانت
أمرا شرعيا أنه في الأول لا يمكن جعل الأثر بلا موضوعا ولا جعله بجعل موضوع الأثر
الشرعي المترتب على الواسطة
وفي الثاني لما
كان جعل الواسطة بيده وضعا ورفعا فبالاستصحاب بالنسبة إلى الحياة مثلا يثبت الأثر
الشرعي المترتب عليها بلا واسطة ويثبت أيضا بنفس هذا الانشاء الواحد على نحو
القضية الطبيعة من دون لزوم جعل الحكم بلا موضوع لا يقال أن الأثر بلا واسطة إذا
كان موضوعا للأثر الثاني المترتب عليه فبإنشاء واحد كيف يمكن جعل الموضوع والحكم
معا مع أن الموضوع لا بد وأن يكون ثابتا في الرتبة السابقة على الحكم فحينئذ خطاب
لا تنقض اليقين لو كان ناظرا إلى إثبات الأثر مع الواسطة فلا بد وأن تكون الواسطة
ثابتة قبل ذلك
بخطاب آخر وإلا
يلزم ثبوت الحكم بلا موضوع والمفروض عدم الخطاب الآخر ولو كان ناظرا إلى إثبات
الواسطة فهو لا يمكن أن يكون متكفلا لاثبات حكمه أيضا وهو الأثر مع الواسطة بل لا
بد لاثباته من خطاب آخر متكفل للحكم بعد ثبوت الموضوع فعدم شمول خطاب واحد للاثر
مع الواسطة في الحقيقة كانا من جهة عدم تعقل الشمول لعدم إمكان إثبات الموضوع
والحكم بانشاء واحد لأنا نقول قد تقدم نظير هذا الاشكال بالنسبة إلى دليل حجية
الخبر الواحد بالاضافة إلى الأخبار مع الواسطة وتقدم جوابه أيضا بكون القضية
الطبيعة لا مانع من أن تكون كافية لاثبات هذا المعنى بلا محذور فنلخص أن الاستدلال
باطلاق دليل الاستصحاب على جعل المماثل لاثبات جعل الاثر الشرعى المترتب على
الواسطة الغير الشرعية مما لا وجه له لما عرفت من الفرق بين الواسطة الشرعية وبين
الواسطة الغير الشرعية.
ولكن لنا تقريب
آخر لاثبات الاصل المثبت لا بدعوى القاء الواسطة الغير الشرعية حتى يقال يلزم ثبوت
الحكم بلا موضوع ولا بدعوى تعلق الجعل بنفس الواسطة حتى يقال بكونها غير قابلة
للجعل ولا بدعوى أن الاستصحاب ليس مفاده جعل المماثل حتى يقال بلزوم كون المجعول
أثرا شرعيا.
إذ لو كان مفاده
جعل مماثل يلزم تخصيص حجية الاستصحاب في الموضوعات إذا كان الموضوع محلا لابتلاء
المكلف لصح أن يوجه إليه عدم النقض ولازمه عدم صحة استصحاب طهارة الماء التالف
الذي غسل فيه الثوب النجس سابقا أو توضأ فيه غافلا فشك بعد خروجه الابتلاء كالتلف
ونحوه في طهارته أو في اطلاقه بأثره وملاقيه حين الشك في الطهارة لامتناع جعل
الاثر الحقيقى للماء التالف.
ومع أنه لا اشكال
عندهم في إجراء الاستصحاب المذكور وترتيب جميع تلك الآثار كما تترتب فيما لو كان
محل الابتلاء وهذا يكشف عدم كون مفاده جعل المماثل بل بدعوى أن مفاده إيجاب التعبد
بالبناء على اليقين السابق عند الشك بمعنى ابن على حيوة زيد عند الشك فيترتب آثاره
المترتبة على حياته وذلك بسبب رجوعه إلى أن الاستصحاب وهو الامر بالتعبد بالشيء
بما هو ملزوم الاثر الذي مرجعه إلى التعبد بالاثر والتعبد بما هو ملزوم الاثر حتى
ينتهي الى العمل الفعلي فاذا كان للشيء أثار متعددة طولية كل منها يترتب على الآخر
فمعنى ابن على ثبوت هذا الشىء يرجع الى الامر بالتعبد به بما هو ملزوم الاثر الذي
هو ملزوم للاثر حتى ينتهي الى الامر بالعمل الفعلى فيكون حقيقة راجعا الى الامر
بالعمل وليس له نظر الى جعل المماثل.
فتحصل مما ذكرنا
أن لازم جعل المماثل تخصيص حجية الاستصحاب في الموضوعات بما إذا كان الموضوع موردا
لابتلاء المكلف حين توجيه التكليف بعدم النقض ولازمه عدم صحة استصحاب طهارة الماء
التالف أو إطلاقه فى فرض ابتلاء المكلف بأثره وملاقيه حين الشك في طهارته أو
إطلاقه لامتناع جعل الأثر الحقيقي للماء التالف فعلا مضافا.
إلى أن القول بجعل
المماثل يلزم القول بعدم جريان استصحاب الكلي في القسم الثاني من أقسام الاستصحاب
الكلي فيما لو كان المستصحب تكليفيا أو أثرا شرعيا كالوجوب المردد بين النفسي
والغيري لواجب آخر قد علم بارتفاعه بنسخ ونحوه لامتناع جعل كلي الأثر والقدر
المشترك بلا كونه فى ضمن فصل خاص إذ كما يمتنع جعل الوجوب الواقعي المعرى عن
خصوصية النفسية أو الغيرية كذلك يمتنع جعل الوجوب الظاهري المعري عن إحدى الخصوصيتين.
وهذا بخلاف ما
اخترناه في أدلة التنزيل بأن مرجعها التعبد بالمؤدى والأمر بالمعاملة مع المتيقن
السابق من حيث الجري العملي على طبقه بحسب الحركة والسكون وعليه لا محذور في جريان
الاستصحاب في الخارج عن الابتلاء فى زمان الشك بلحاظ التعبد بأثره المبتلى به في
زمان الشك فى طهارة الثوب المغسول به وصحة الوضوء السابق وصلاته إذ لا محذور في
التعبد في القدر المشترك بلحاظ الجري العملي على طبقة.
إذ عليه يكون مفاد
التنزيل هو مجرد التعبد بوجوب الشيء وتوسعته من حيث الموضوع للتعبد بأثره بلا
واسطة وكذا التعبد به من حيث كونه موضوعا لأثر آخر إلى أن ينتهى إلى الأثر الشرعى
العملي فعليه يكون مقتضى الأصل الجاري في نفس الأثر الذي هو النمو مثلا أو نبات
اللحية إنما هو توسعته حتى من حيث أثريته للحياة لا من حيث ذاته فقط بحيث يستتبع
توسعته من هذه الجهة توسعه في موضوعيته وسببيته.
فمثل هذا التنزيل
يثبت جميع اللوازم الشرعية والعقلية إلا أن دعوى انصراف هذه التنزيلات إلى خصوص
القضايا الشرعية المترتبة على نفس المؤدي بلا واسطة فلا تشمل القضايا العقلية
والعادية بل ربما يقال أن هذا الانصراف في مثل الاصول يجري في الأمارات فلا فرق من
هذه الجهة.
نعم ربما يقال أن
الفرق بينهما هو أن مفاد الأمارات عبارة عن حكايات متعددة بالنسبة إلى المؤدى
ولوازمه وملزوماته وملازماته حيث أن المستفاد من التنزيل عبارة عما ينطبق موضوعه
على جميع تلك الحكايات فتكون الامارة الواحدة بلحاظ حكاياتها بمنزلة امارات متعددة
فبعضها على نفس
المؤدى وبعضها عن لوازمه وبعضها عن ملزوماته وملازماته وهذا المعنى مفقود في الاصول لعدم كشفها عن المؤدى
__________________
ولوازمه وملزوماته
بل يختص التنزيل على خصوص المؤدي بلحاظ التعبد لاثره الشرعى بلا واسطة فالاصول من
هذه الجهة نظير ما هو المشهور في
__________________
باب الرضاع من
اختصاص حرمة النشر في قوله (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب) بما اذا تحقق من قبل
الرضاع أحد العناوين المحرمة بالنسب كعنوان الأمّ والاخت والعمة والخالة ونحوها دون
غيرها من العناوين الملازمة لها كعنوان أخت الاخت وان كان هناك فرق بين باب الرضاع
والمقام فان في الاصول المثبتة عدم حجيتها لقصور دليل التنزيل عن الشمول للعناوين
الملازمة مع العلم بثبوت أصل الكبرى بخلاف باب الرضاع فان الاشكال فيه في ثبوت أصل
الكبرى فبينهما تمام المعاكسة من الملاك والمناط إلّا أنهما يشتركان في عدم ثبوت
اللوازم وان كان ذلك في كل باب بمناط غير مناط الآخر.
وبالجملة أن
القائل بالأصل المثبت لو كان نظره إلى ما بيناه لا يبقى مجال لشيء من الاشكالات
الواردة على التقرير الأول من دعوى
__________________
الانصراف إلى
الأثر بلا واسطة أو دعوى إثبات الحكم بلا موضوع لو كان المقصود اثباته بلا واسطة
أو إثبات ما ليس شأن الشارع اثباته لو كان المقصود اثباته بلا واسطة أو دعوى
المعارضة كما لا يخفي ولعل نظر القدماء القائلين بحجية الاصل المثبت يرجع الى ما
ذكرناه وان كان ظاهر الشيخ (قده) ان بناءهم عليه من جهة ذهابهم الى حجية الاستصحاب
من باب الظن دون الاخبار لكن لم لا يكون بنائهم عليه من باب الاخبار ومع ذلك كان
نظرهم الى ما ذكرناه ثم أنه مما بينا ظهر أن قياس المقام بباب الرضاع من جهة عدم
ثبوت الحرمة فيها بالنسبة الى العناوين الملازم للعناوين المحرمة كما عن الشيخ (قده)
مع أن الفارق أن الوجه لعدم القول بذلك في باب الرضاع هو ثبوت الأثر وهو التحريم
في الكبرى الشرعية في المنزل عليه خصوص العناوين الخاصة من دون خصوصية في دليل
التنزيل بخلاف المقام فانه لا قصور في كبرى الأثر في طرف المنزل عليه وانما القصور
في دليل التنزيل على عكس باب الرضاع.
نعم الغرض من
القياس مجرد رفع الاستبعاد في التفكيك بين الملزوم واللازم أو الملازم وان كان
الوجه في التفكيك في كل باب غيره في الآخر ثم أنه يمكن نفي حجية الأصل المثبت
وابطال ما ذكرناه من الوجه بدعوى انصراف اطلاق لا تنقض اليقين الى عبر الآثار
العادية والعقلية ودعوى هذا الانصراف عبر دعوى الانصراف الى الآثار الشرعية
المترتبة على المستصحب بلا واسطة كما نقدم منعه اذ على المسلك المذكور يكون ترتب
كل أثر طولي على أثر السابق عليه بلا واسطة لأن معنى الاستصحاب على هذا المسلك وهو
وجوب ترتب أثر اليقين ومعناه وجوب ترتب أثر الاثر لليقين اثر الى أن ينتهى الى
العمل والمراد من الانصراف المدعى هو
دعوى انصراف لا
تنقض اليقين إلى خصوص الآثار الشرعية المترتب على المستصحب بمعنى أن ينصرف إلى
التعبد ببقاء الشيء بلحاظ التعبد بخصوص الأثر الثابت له بالقضايا الشرعية فيكون
دليل الاستصحاب من الأول قاصر الشمول بالنسبة إلى التعبد بالشيء بلحاظ غير الآثار
الشرعية المنتهية الى العمل ولا أقل من كون ذلك هو القدر اليقين فيكون بالنسبة إلى
غير الآثار الشرعية الثابتة مما لم يتم فيه شرائط الاطلاق ثبوت القدر المتيقن في
مقام التخاطب فنلخص أن الحق عدم حجية الأصل المثبت لا لما ذكروه من عدم إمكان جعل
بالنسبة الى غير الآثار الشرعية بل لما ذكرناه من عدم وجود الاطلاق في الدليل كي
يشملها ولازم ذلك عدم حجية المثبتات في باب الامارات والطرق أيضا لأن دليل التنزيل
فيها يكون بلسان التنزيل كما في المقام فانه أيضا بلسان تتميم الكشف واثبات اليقين
بالواقع بلحاظ ايجاب التعبد بما له من الآثار بلحاظ العمل به بما له من الآثار
الشرعية فلا يثبت به لوازم العقلية والملازم والملازمة مع بنائهم على اثبات جميع
ذلك في الامارات إلّا أنّك قد عرفت أن الوجه في اثبات ذلك في باب الامارات من جهة
أخرى وهى أن كل امارة تحكي عن المدلول المطابقي بماله عن الواقع كما أنه يحكي
بمدلوله الالتزامى عن اللوازم والملازمة بخلاف الاصول فان مفادها :
الأمر بالعمل بنحو
التعبد بما هو ملزوم العمل وبناء عليه لا فرق بين كون الواسطة أثرا شرعيا أو أثرا
عاديا أو أثرا عقليا لأنه بناء عليه ليس في البين جعل الأثر حتى يرد عليه ما تقدم
بل يرجع الى الاثر بلحاظ العمل الفعلي فيكون راجعا الى الأمر بالعمل كما لا يخفى
وكون الواسطة شرعيا أو عقليا مما لا ربط له بما هو المقصود من الأمر بالعمل ولا
يوجب تفاوتا فيه كما هو ظاهر والحاصل أن دليل التنزيل
في باب الاستصحاب
ناظر إلى امر المكلف بتنزيل شكه أو مشكوكه منزلة تيقنه فيكون أمر التنزيل بيد
المكلف وفي عهدته ولا يكون فيه جعل مماثلا أصلا وليس المقصود من الأمر بجعل الشك
منزلة اليقين أن يجعل المكلف نفسه متيقنا على أن يكون اليقين ملحوظا بلحاظ ذاته
ويكون النظر إليه بلحاظ ما يترتب عليه من الأثر الذي كان ترتبه بيد المكلف فيرجع
الأمر بالآخرة إلى الأمر بالعمل على طبق اليقين فحديث جعل المماثل أجنبي عن المقام
رأسا وإنما يصح ذلك في التنزيلات التي كانت بحسب لسان الدليل من قبل الشارع كقوله
الطواف بالبيت صلاة دون مثل المقام الذي ليس لسان الدليل إلا الأمر بالتنزيل ومما
يشهد لبطلان جعل المماثل أنه قد تقدم في استصحاب الكلي أنه لا إشكال في استصحاب
الوجوب المردد بين النفسي والغيرى مع أنه لو كان الاستصحاب هو جعل المماثل فلا
يعقل استصحاب نفس الجامع بينها بعد كون المتيقن.
أحدهما بالخصوص
كما أنه لا يمكن إثبات أحدهما أيضا لعدم تعينه وهذا بخلاف كون مفاده الأمر بالتعبد
ببقاء المتيقن بلحاظ العمل فانه وان لم يثبت خصوصية أحدهما ولكنه لا إشكال في أن
العمل على طبق كل واحد منها مثل الآخر فيترتب ذلك بنفس استصحاب ما هو المتيقن منها
إجمالا.
كما أنه يشهد
ببطلان مسلك جعل المماثل أنه عليه لو كان المتيقن في السابق كان موضوع حكمه وجوب
الاتفاق عليه فلو شك في بقاء حياته فباستصحاب الحياة يلزم جعل إيجاب الاتفاق في
مرتبة الشك فيه حقيقة مع أنه غير معقول وذلك لأن وجوب الاطعام والانفاق منوط
بالقدرة على الامتثال وهو منوط بالحياة ومع الشك في القدرة كيف يعقل
جعل التكليف.
وهذا بخلاف القول
بالأمر بالعمل إذ معناه الامر بالعمل على طبق اليقين بالحياة وحينئذ يجب الاتفاق
إلى أن يتحقق العجز عنه فان قلت أن معنى جعل المماثل هو الوجوب الظاهري ومعنى
الوجوب الظاهري هو الوجوب الطريقي الذي يرجع الى تنجز الواقع في ظرف المطابقة
والترخيص والمعذورية في ظرف المخالفة فمع المخالفة ليس إلا وجوب صوري فلا يلزم
المحذور المذكور.
قلت يرجع ذلك
حقيقة إلى ما قلنا من الأمر بالعمل على طبق اليقين فيكون مفاده مفاد الطرق
والامارات فكما أن دليل وجوب تصديق العادل مرجعه إلى الأمر بالمعاملة على طبق
مضمونه والتعبد بأنه حكم واقعي بلحاظ العمل فكذلك دليل مفاد أدلة الاستصحاب في
المقام بلا فرق بينهما في هذه الجهة وهذا هو الذي قد صرح الشيخ (قده) في تصحيح
أبواب الطرف والامارات في الوجه الثالث وحاصله أن المصلحة إنما تكون في سلوك
الطريق لا في نفس الأمر ولا في المأمورية ومعناه وجوب العمل على طبق الامارة لو
كانت قائمة على الأحكام كما كانت فى الموضوعات فمعنى وجوب تصديق العادل وجوب العمل
على خبره ولا يوجب جعل مثل الحكم الواقعي بأن يكون للشارع حكم مجعول مماثل للحكم
الواقعي كما أنه في الموضوعات لا يكون جعل قطعا وبالجملة كما لم يكن في الطرق
والامارات جعل من الشارع لا فى الأحكام ولا في الموضوعات كما هو الحق فليكن في باب
الاصول.
كذلك مثلا في
الاستصحاب لا يثبت جعل أصلا لا في الأحكام ولا فى الموضوعات كما هو مقتضى الوجه
الثالث أي ليس إلا وجوب العمل على طبق اليقين والجري على طبقه وحقيقته هو العمل
مترتبا عليه بلا واسطة أو
مع الواسطة ولو
يألف واسطة فانه لا يلزم جعل شيء إلا الأمر بالتعبد بثبوت الموضوع بما له من
الوسائط بلحاظ ما يترتب عليه من العمل وهذا مما لا إشكال فى أن شأن الشارع إثباته
بما هو شارع وبهذا ظهر أنه لا يبقى مجال لتوهم المعارضة بين الأصل الجاري في طرف
وجود الموضوع لا ثبات أثره المترتب عليه بواسطة عقلية وبين الأصل الجاري في ظرف
عدم تحقق الواسطة ولا ينفي الأثر المذكور لكي يتحقق تلك المعارضة على مسلك جعل
المماثل إذ كان مفاد استصحاب حياة زيد إثبات الأثر الشرعي المترتب عليها بواسطة
ثبات لحيته بدون إثبات أصل الواسطة لعدم كون شأن الشارع إثباته بما هو شارع فلا
يرفع الشك عن الواسطة شأن فحينئذ يجري استصحاب عدم ثبات اللحية فيتعارض الأصلان
وهذا بخلاف كون
مرجعه إلى وجوب العمل فالتعبد بالحياة إذا كان بلحاظ الأمر بالمعاملة معاملة
اليقين فانه عين التعبد باللازم فلا يبقى محل للشك فتحقق الحكومة.
حيث أن معنى كونها
امارة وكاشفا ظنيا شخصيا أو نوعيا عن الواقع ومن المعلوم أن الحاكى عن الشيء مطابق
للحاكى عن لازمه وملازمه التزاميا أيضا فينحل إلى كل إمارة تحكي عن المدلول
المطابقي إلى أمارات أخرى بالنسبة إلى لوازمه وملازماته فيكون لها أفراد عديدة
فيشمل كل منها دليل الحجية والتنزيل مستقلا وهذا بخلاف المقام فإن نقض اليقين
بالشك لم يتم إلا بالنسبة إلى نفس حياة زيد دون لازمه وهو نبات لحيته بل يقطع
بعدمه سابقا ويستصحب ذلك العدم وإلا فلو فرض جريان الاستصحاب بالنسبة الى اللازم
فلا إشكال في شمول لا تنقض بالنسبة اليه كما تقدم الاشارة اليه من أول البحث
فالفرق بين البابين ليس باعتبار دليل التنزيل
وانما الفرق
بينهما في تحقق الصغرى.
أعني الموضوع
بالنسبة إلى اللازم والملازم ففي الامارة حيث اعتبرت أمرا واحدا وتنحل الامارة إلى
أمارتين كل واحدة منهما حاكى دون مورد الاستصحاب.
نعم كون دليل
الامارة مما له دلالة على شمول كل حاك عن الواقع ولو كانت حكاية التزامية يحتاج
إلى الاثبات كما يدعى قيام السيرة على ذلك من باب الخير الواحد في الأحكام والبينة
في الموضوعات وإلا فلم يثبت إلا ثبوت حجية الامارة في الجملة فيكتفى بمدلولها
المطابقي كما نقول بذلك من مثل أصالة الصحة واليد وغيرها من الامارات ولذا نقول
بحجية ثباتها ثم أنهم بعد البناء على عدم حجية الأصل المثبت إلا أنه تنسب الى
جماعة منهم الشيخ الأنصاري (قده) القول بحجيته فيما لو كانت الواسطة خفية في نظر
العرف أن الأثر الشرعي المترتب على الواسطة العقلية بالدقة العقلية أثر لذي
الواسطة ولأجل هذه الكبرى فلا يبقى الاشكال على كلا الوجهين من إشكال الأصل
المثبت.
أما على الوجه
الأول من دعوى الانصراف في لا تنقض اليقين إلى الأثر الشرعى بلا واسطة فان المدار
من ذلك هو العرف فاذا فرضنا خفاء الواسطة بحيث يرى العرف أثر الواسطة أثرا لذيها
على وجه لا يرى الواسطة شيئا موجودا كان الأثر أثرا بلا واسطة واثباته بلا اثبات
الواسطة لا يكون من قبيل اثبات المحمول بلا موضوع.
وأما على مسلكنا
من دعوى الانصراف الى ايجاب التعبد بالقضايا الشرعية والآثار المجعولة دون العقلية
والعادية فلازمه أيضا بكون التعبد فيه تعبدا بالقضية الشرعية المترتبة على ذي
الواسطة من دون لزوم
التعبد بالواسطة
بيان ذلك هو قصور أدلة التنزيل عن شموله للآثار الشرعية المترتبة بواسطة غير خفية
بنحو يكون الأثر في العرف معدودا أثر للواسطة.
وأما في صورة
خفائها فانه يوجب عدها في العرف
__________________
أثر الذي الواسطة
وبهذا الاعتبار لا قصور في شمول دليل التنزيل لها من غير فرق بين القول بجعل
المماثل أو الامر بالبناء على بقاء المستصحب
__________________
بلحاظ العمل.
ودعوى أن تسامح
العرفي لا يوجب أن يكون أثرا للواسطة لعدم العبرة بالمسامحات العرفية الذي يكون من
هذا القبيل اذ نظر العرفي
__________________
يتبع فهم مداليل
الألفاظ لا في مقام تطبيق المفاهيم على المصاديق ممنوعة إذ المقام ليس راجعا إلى
مقام التطبيق وإنما هو راجع إلى تحديد مفهوم حرمة النقض (في قوله لا تنقض اليقين
بالشك) إذ هو مسوق إلى ما كان نقضا له بالنظر العرفى لا بحسب الدقة والحقيقة.
ومن الواضح تكون
المسامحة العرفية في تحديد حرمة النقض والتعبد ببقاء المتيقن مرجعا ولا يكون من
قبيل تطبيق الكبرى المستفادة من لا تنقض على المورد فان الأثر من جهة خفاء الواسطة
يعد بالنظر العرفي أثرا للمستصحب لا للواسطة وإن كان أثر لها بحسب الدقة ومثل هذا
التسامح لا يرتبط بمقام تطبيق المفهوم على المورد.
ولاجل ما ذكرنا
قال الاستاذ (قده) بأنه لا مانع من إلحاق جلاء الواسطة بخفائها في اعتبار المثبت
فيما لو كان التلازم بينهما في الموضوع بمثابة لا يرى العرف التفكيك بينهما في
مقام التنزيل كالابوة والبنوة.
لما عرفت أن
المسامحات العرفية هي المناط في ذلك وهذا الذي
__________________
ذكرناه لا اشكال
فيه وانما الاشكال في صغرياتها فقد ذكر القوم فى بيان الصغريات أمورا.
__________________
وقد ذكروا لها
موارد منها الشك في وجود الحائل من وصول الماء الى البشرة أو الحاجب في باب الوضوء
والغسل والتطهير عن
__________________
النجاسة الخبثية
حيث أنهم يلتزمون باستصحاب عدم الحائل فيحكمون بصحة الوضوء أو الغسل والطهر وجوازه
مع أن الصحة مترتبة على وصول الماء في البشرة الذي هو من اللازم العقلي لعدم
الحائل في مورد ايقاع الماء على العضو والجسم من جهة البناء على كون الواسطة خفية
على وجه لم يعد شيئا لكي يكون حائلا ومنها مثلوا لذلك بما لو شك في تحقق أصل الرد
في باب العقود مثل الاجازة بناء على كون الرد قبل الاجازة من قبيل الحائل بين
العقد والاجازة كما هو التحقيق لا من قبيل النسخ فانه يجرون استصحاب عدم الرد
فيرتبون عليه وجوب الوفاء بالعقد بعد الاجازة مع أن وجوب الوفاء يترتب على العقد
المضاف الى المالك لا مجرد عدم الرد والاجازة فيه واضافة العقد الى المالك من
اللوازم المترتبة على عدم المرد في ظرف الاجازة فيقولون بكونه من الوسائط الخفية
مع انه قد يشكل عليهم
__________________
بأنه الفرق يظهر
في هذا المورد.
منها إذا شك في
حائلية شيء أو شك في وجود حائله فإنه لا يجرون فيه استصحاب عدم الحائل لكونه مثبتا
ومنها ما إذا شك المأموم بأنه أدرك الامام في الركوع أم لا فانه يجرون فيه استصحاب
بقاء الامام على الركوع إلى زمان ركوع المأموم فانه بناء على أن المناط ركوع
المأموم في حال كون الامام راكعا لا اشكال فيه.
وأما بناء على كون
المناط اجتماع المأموم مع لامام في الركوع فانه وتحقق الهيئة الاجتماعية فيه فيشكل
يكون الاستصحاب مثبتا فيجاب بأن الواسطة خفية ومن ذلك استصحاب بقاء الطهارة للحكم
بصحة الصلاة بناء على كون شرطية الشيء للمأمور به إلى ذات العمل ليس مثل الجزئية
منتزعة عن تعلق الأمر بالشيء مقيدا بغيره فانه بناء عليه لا إشكال في استصحاب نفس
ما هو شرط المأمور به فيترتب عليه صحة العمل أعني كونه موافقا للمأمور به.
وأما بناء على كون
الشرطية للشيء باعتبار تقيد نفس ذات العمل بذلك الشىء فى الرتبة السابقة من الأمر
كما تقدم اختيار ذلك فى الأحكام الوضعية فالشرطية حينئذ عبارة عن تقيد الشيء
بالشيء فيكون ما هو الشرط طرفا لهذا التقييد خارج عن الشرطية فحينئذ يترتب ذلك
التقييد على وجود الشرط وإبقائه في ظرف الاتيان بالمشروط فيكون عقليا حينئذ
استصحاب بقاء الطهارة للحكم بصحة المأتى به في أثناء العمل أو قبل الشروع يقال
وأنه مثبت لأن ترتب الصحة على تحقق تقيد العمل وحصول الشرطية وترتب ذلك على
استصحاب الطهارة عقلي والجواب عنه أن الواسطة خفية بل يطهر من نفس تمسك الامام
باستصحاب الطهارة والوضوء الحكم بصحة العمل المشروط بها في مضمرة
أولى لزرارة لا بد
وأن يستكشف عدم الاعتناء بمثل تلك الوسائط ومن ذلك يظهر ما هو الضابط في خفاء الواسطة
وعدم خفائها.
فيكون المدار على
ما يكون من قبيل مورد الرواية مضافا إلى أن يقال بعدم الاحتياج إلى الالتزام بخفاء
الواسطة في صحة استصحاب الطهارة ولو بناء على عدم كون الشرطية من الأمور الجعلية
الوضعية لبداهة أن مقدمة الواجب واجبة بالوجوب الغيري المترشح مع من وجوب ذي
المقدمة وهذا الوجوب الغيري وإن لم يكن أمر وضعه ورفعه بيد الشارع ابتداء
واستقلالا.
ولكن له أن يرفعه
عنها برفعه عن ذي المقدمة كما أن له أن يجعل الوجوب لها بجعل الوجوب على ذيها
فحينئذ فالحكم ببقاء الطهارة مرجعه إلى أنه لا يجب عليك تحصيل الواجب للصلاة لو لم
يكن بحاصل بل لك الاكتفاء بهذه الطهارة المستصحبة في إيجاد ذي المقدمة ومن رفع نفس
الوجوب عن تحصيل المقدمة يستكشف أنه رفع الوجوب النفسى عن ذي المقدمة ولو لم تكن
المقدمة حاصلة فالأثر المترتب على استصحاب الطهارة هو عدم وجوب تحصيل المقدمة بغير
تلك الطهارة المستصحبة الكاشف عن رفع الوجوب عن ذي المقدمة وهو الصلاة عن طهارة
واقعية لو لم يكن الصلاة المكتفى بها بالطهارة الحاصلة بالاستصحاب وهي الصلاة عن
طهارة واقعية فلا تحتاج في ترتب الأثر الشرعى إلى خفاء الواسطة كما تقدم ومن موارد
الاستثناء عن حجية أصل المثبت ما إذا كانت الواسطة مما لا يمكن التفكيك بينه وبين
ذي الواسطة بحسب التنزيل كما لا تفكيك بينهما واقعا ومعنى عدم امكان التفكيك
بينهما أن العرف يرى أن تنزيل ذي الواسطة تنزيل للواسطة وذلك من جهة شدة اتصال يرى
بينهما ومنشؤه أن الملازمة بين الشيئين وكذلك
علاقة اللزومية
بين الملزوم واللازم يعبر من شدة الوضوح عن أحدهما بالآخر بنحو لا يرى العرف تفكيك
بين المتلازمين أو اللازم والملزوم ومن هذه الجهة ورد الدليل على التنزيل في أحد
المتلازمين أو الملزوم أو اللازم ينتقل الى تنزيل ملازمه أو لازمه مثل الابوة بنفس
الانتقال الى جعل زيد أب عمر ينتقل الى جعل عمرو ابن زيد أو من جعل مقابله زيد
لعمرو حصل جعل مقابلة عمر لزيد أيضا وكذلك في جميع الامور النسبية المتضايفة سواء
النسبة من الطرفين يتخذه مكرر كالمقابلة أو المحاذات أو متخالفة كالأبوة والبنوة
والفوقية والتحية وغيرهما وذلك بالنسبة الى الملزوم واللازم فانه قد يصير علاقة
اللزومية بحيث يرى العرف بتنزيل الملزوم عين تنزيل اللازم وبهذا قد ظهر أنه لو كان
للمستصحب أثر شرعى ولكنه كان لهذا الأثر الشرعى أثر شرعى آخر ينتهى الى العمل ولو
بألف واسطة شرعية كلها خارجة عن محل الابتلاء يجري فيه الاستصحاب على مسلك المختار
من كونه راجعا الى الأمر بالتعبد بثبوت الشىء بلحاظ أثره فان حياة زيد اذا كان له
لازم شرعى ليس محلا للابتلاء وكان لهذا اللازم لازم شرعى محلا للابتلاء فنفس
التعبد ببقاء الحياة تعبد بأثره الشرعى لكونه لازما له والتعبد به بما هو ملزوم
لازم آخر تعبد بذلك اللازم وهكذا الى أن ينتهى الى العمل.
فتلخص أنه يتم ما
تقدم سابقا من صحة التنزيل والاستصحاب بالنسبة الى موضوع كان له الأثر العملي
الشرعى بواسطة أثر شرعى آخر لا يمكن إلّا باثبات حجية الأصل المثبت بالنسبة إلى ما
اذا كان لزوم الواسطة جلية وكان تنزيله تنزيل تلك الواسطة.
بقى في المقام شىء
وهو أن من نتائج كون الاستصحاب هو جعل حكم مماثل للحكم الواقعى في استصحاب الحكم
وجعل حكم
مماثل لحكم
الموضوع في استصحاب الموضوع أو كونه راجعا إلى الأمر بالمعاملة كما هو المختار أنه
على الأول إذا ثبت وجوب الاستصحاب يترتب عليه وجوب امتثاله عقلا وحرمة مخالفته
ووجوب مقدمته وحرمة ضده ولو لم يكن تلك الامور من الآثار الشرعية وقلنا بكون الأثر
الثابت بالاستصحاب هو الأثر الشرعي على ذلك لكون تلك الآثار من الآثار العقلية
لوجوب شيء بالأعم من أن يكون واقعيا أو ظاهريا فان الاستصحاب لم يثبت الا وجوب
الشيء على هذا المسلك.
ولكنه يترتب عليه
تلك الآثار العقلية لتحقق موضوعها بالوجدان.
وأما على الثاني
فتارة نقول بأنه يرجع الى الأمر بالمعاملة عمل المتيقن بأن يكون مفاد وجوب تنزيل
المشكوك منزلة المتيقن والأمر بالعمل في المشكوك منزلة عمل المتيقن فلازم ذلك
اثبات الوجوب الشرعي بالنسبة للعمل الذى يكون موافقته وامتثالا للحكم المتيقن.
وأما بالنسبة الى
ما هو مقدمة لذلك فبناء على وجوب المقدمة الواجب ينتزع من هذا الأمر بالنسبة اليها
أيضا وجوب وإلّا فيكون واجبا بالابدية العقلية كما يرى بعض في مقدمات الواجب وأخرى
نقول بأنه يرجع الى الأمر بالمعاملة عمل اليقين ووجوب تنزيل الشك منزلة اليقين
فبناء عليه يثبت الوجوب الشرعى بالنسبة الى العمل الذي يكون موافقة له امتثالا
للحكم الواقعى وكذلك بالنسبة الى مقدمته ولو لم نقل بكون مقدمة الواجب واجب شرعا
بوجوب ذي المقدمة وذلك لأن عمل اليقين بوجوب شىء هو الاتيان بمتعلقه بما له من
المقدمات ولو عقلا والفرض أن دليل الاستصحاب أثبت الوجوب الشرعى لهذا العمل فيصير
عمل اليقين واجبا شرعا بما له من المقدمات كما لا يخفى.
التنبيه الثامن
لا اشكال في صحة
الاستصحاب فيما اذا كان الشك في أصل وجود الحكم أو موضوع ذي حكم كما اذا شك في
بقاء النجاسة بعد القطع بحدوثها سابقا وشك في بقاء حياة زيد بعد القطع بثبوته
سابقا
__________________
وأما إذا شك في
زمان حدوثه أعني أول أن وجوده بعد القطع بأصل وجوده كما إذا علم بموت زيد يوم
السبت وشك في أن حدوث
__________________
موته بعد القطع
بحياته يوم الخميس مثلا فيكون الشك فى تقدمه وتأخره بعد القطع بأصل وجوده فلا يخلو
أما أن يلاحظ ذلك الحادث بالنسبة الى أجزاء الزمان أو يلاحظ بالنسبة الى حادث آخر
كما اذا علم بموت زيد وموت عمر في يوم السبت وشك في يوم الجمعة في حدوث موتهما معا
أو تقدم موت زيد على موت عمر أو العكس بعد القطع بتحقق أنهما في يوم السبت.
وهنا قسم ثالث وهو
أن يكون توارد الحادثين المتضادين معلوم تحققهما في زمانين متعاقبين.
ولكن شك في تقدم
أحدهما عن الآخر مع العلم بتحققهما كما اذا علم بوجود الحدث والطهارة وشك في تقدم
أحدهما عن الآخر.
أما القسم الاول
فان كان الاثر مترتبا على نفس عدم حدوثه في زمان الشك بأن يكون عدم موت زيد في يوم
الجمعة المشكوك موته
__________________
فيه مما له الاثر
فلا مانع من جريانه فيه كالشك في أصل حدوثه لتحقق أركانه اليقين بالحالة السابقة
والشك في بقائها وان كان الاثر مترتبا على تأخره عن زمان الشك فلا يثبت باستصحاب
عدمه في زمان الشك تأخره عن ذلك الزمان الاعلى القول بالأصل المثبت بأن يقال حدوث
الموت في يوم الجمعة مشكوك فيستصحب عدمه فيكون حادثا في يوم السبت هذا بناء على
كون الحدوث أمرا بسيطا.
وأما بناء على
كونه مركبا من الوجود وعدم تقدمه فيمكن احراز أحد جزئيه بالاصل والآخر بالوجدان
فلا يكون الاصل حينئذ مثبتا.
وأما القسم الثاني
أعني ما اذا كان الشك في تقدم أحد الحادثين على الآخر وتقارنهما فلا يخلو أما أن
يكونا مجهولي التاريخ أو يكون أحدهما مجهولا والآخر معلوما ولا مجال لاحتمال
كونهما معلومى التاريخ خارجا لخروجه عن مورد الشك في التقدم والتأخر والتقارن وعلى
التقديرين.
أما أن يكون الاثر
مترتبا على خصوص تأخر أحدهما المعين فقط أو على خصوص تقارنه فقط.
وأما أن لا يكون
مترتبا على تقدم أحدهما المعين وعلى تأخره وتقارنه أيضا بل يكون كل واحد من التقدم
والتأخر والتقارن في أحدهما ذا أثر شرعي دون تقدم الآخر وتأخره وتقارنه.
وأما أن يكون
مترتبا على تقدم كل منهما على الآخر وعلى تأخره أو على تقارنه ثم أما أن نقول أن
كل واحد من هذه الامور أعني صفة التقدم والتقارن والتأخر من الامور الواقعية التي
كانت من المحمولات التي لها واقعية في الخارج بمعنى كون الخارج ظرفا لنفسها وان لم
يكن ظرفا لوجودها مثل أصل الوجود على ما هو التحقيق فيها وبعبارة أخري لا يكون
واقعيتها تابعا لاعتبار المعتبر بل ولو لم يكن في
العالم معتبر كان
لها واقعيته في الخارج فحينئذ تكون ذا أثر شرعا إذا أخذت موضوعا لحكم شرعي في لسان
دليل فحينئذ يجري الأصل فيها في كل مورد يمكن جريانه لو لا المعارضة لأن كل واحد
من هذه الامور حينئذ من الامور الواقعية الحادثة التى كانت مسبوقة بالعدم مع كون
المفروض كونها بما هي تلك الصفات مما لها أثر شرعى ولا يجري أصل العدم ولا الوجود
في منشأ انتزاعها لكونه بالنسبة إلى إثباتها يكون من الأصل المثبت.
وأما أن نقول
بأنها من الأمور الاعتبارية المحضة التي لا واقع لها إلا الاعتبار كالملكية
والزوجية فلا يكون الخارج الا ظرف اتصاف منشأها بها فعلى هذا فلا يكون مجال لجريان
الاستصحاب فيها لعدم كون الأثر مترتبا عليها بل مترتب على ما هو منشأ انتزاعها.
وبما أن منشأ الانتزاع من الامور الاعتبارية فلا يجري الأصل فيها بالنسبة إلى تلك
الامور التي كان تحققها بعين تحقق منشئاتها ويكون الحكم المترتب فى لسان الدليل
مترتبا على منشئاتها من غير فرق أن تؤخذ في لسان الدليل بمفاد كان التامة أو
الناقصة وبعبارة أخرى أن الأثر لو كان مترتبا على منشأ انتزاعها :
فلا مجال لجريان
أصالة العدم فيها لعدم كونها بنفسها من الخارجيات المسبوقة بالعدم فلا بد أن نجعل
أصل العدم منشأ انتزاعها الذي هو الحدوثات الخاصة الزمانية لقيام المصلحة والمفسدة
بها الذي يكون ذا الأثر.
وأما بناء على
المختار بأن هذه الاضافات بنفسها أمور خارجية وصفات زائدة على الذوات الخارجية فلا
قصور من جريان الاستصحاب من غير فرق بين كونها بمفاد كان التامة أو كان الناقصة
فيما لو كان
الأثر مترتبا على
وجود أحد الحادثين باعتبار إضافته إلى الحادث الآخر بكل من عنوان التقدم والتأخر
والتقارن وان كانت كلها مسبوقة بالعدم بنحو السلب المحصل لا الموجبة المعدولة.
وأما لو كان الاثر
على ما أتصف بالعدم في زمان الآخر فلا يجري أصالة العدم لعدم اليقين بالحالة
السابقة واستصحاب عدم الحادث إلى زمان وجود الحادث الآخر لا يثبت الارتباط
والاتصاف لانه يكون من الاصول المثبتة وإلى ذلك نظر الاستاذ حيث فصل بين أن يكون
الاثر لنفس عدم أحدهما فى زمان الآخر فأجرى أصالة العدم بمفاد كان التامة وبين أن
يكون الاثر للحادث المتصف بالعدم في زمان الحادث الآخر فلم يجر أصالة العدم بمفاد
كان الناقصة وكيف كان.
فجريان أصل العدم
بكلا المفادين فيما إذا كان القيد بما هو قيد على نحو السلب بنحو انتفاء الموضوع
من غير فرق بين أن يكون الوصف ملحوظا بما هو شيء وفي نفسه وبين أن يؤخذ نعتا
لموضوعه وقد ذكرنا تفصيل ذلك في الجزء الثاني من الكتاب في الشبهة المصداقية ما
لفظه وبالجملة الاعدام الازلية التي هي محل لجريان الاصل هي الاوصاف العارضة على
الذات بتوسط وجودها كالمرأة المشكوك كونها من قريش وكالشرط المشكوك مخالفته للكتاب
لا بالنسبة إلى ما هو من لوازم الذات فانه لا مجال لجريان الاصل العدمي لعدم وجود
حالة سابقة انتهى هذا في المقيد.
وأما في ذات القيد
بما هو قيد فانه يجري بنحو السلب المحصل بكل من مفاد ليس التامة والناقصة لتحقق
أركانه من اليقين السابق والشك اللاحق.
وعليه لا مانع من
جريان أصل عدم اتصاف المرأة بالقرشية وعدم
اتصاف الحادث حين
وجوده بعنوان التقدم والتأخر والتقارن بالقياس إلى حادث آخر إذا كان الاثر لسلب
الاتصاف لا بمعنى المتصف بالعدم بنحو القضية المعدولة فانه عليه لا يجرى الاصل
المذكور لعدم اليقين بالحالة السابقة من ارتباط الموضوع واتصافه بالعدم وجريان
أصالة عدم اتصافه بالتقدم أو التقارن أو التأخر بنحو السلب المحصل الذي مرجعه إلى
سلب الاتصاف لا يثبت الموضوع المتصف بالسلب بمفاد القضية المعدولة إلا على القول
بالأصل المثبت.
ثم لا يخفى أن بعد
معرفة ذلك فاعلم أنه لا بد في القسم الأول أعني الجهل بتأريخهما من اعتبار أزمنة
ثلاثة.
أحدهما زمان القطع
بعدمهما كيوم الخميس في المثال المتقدم.
والتالي زمان الشك
فيهما كيوم الجمعة مثلا.
والثالث زمان
القطع بتحققهما كيوم السبت مثلا ففيما لو كان الأثر مترتبا على تقدم موت زيد على
موت عمر أو تقارنه أو تأخره مثلا من غير أن يكون لتقدم موت عمر أو تأخره أو تقارنه
أثر يكون يوم الجمعة زمان الشك في تقدم موت زيد على موت عمر والشك في كون موت زيد
يوم الجمعة وموت عمر يوم السبت أو العكس وكذا يوم السبت يكون زمان الشك في
تقارنهما وكذلك يوم الجمعة أيضا زمان الشك في تقارنهما فالشك في التقدم والتأخر
يكون بالنسبة إلى وقوعه في يوم الجمعة وفي التقارن يكون باعتبار الشك في وقوعهما
في يوم السبت أو في يوم الجمعة أيضا فالمشكوك الذي يترتب عليه الأثر هو التقدم
والتأخر باعتبار وقوع أحدهما في يوم الجمعة والآخر في يوم السبت.
أما جريان
الاستصحاب في نفس الصفة فلا إشكال في جريانه بالنسبة إلى كل واحد منها بناء على
كونها من الأمور الواقعية فيجري
أصل عدم التقدم
والتأخر والتقارن بالنسبة إلى زمان الشك إلا إذا كانت معارضه في البين كما إذا كان
الأثر مترتبا على كل واحد منها مع العلم الاجمالي بثبوت أحدها نعم لا يمكن إجراء
أصالة عدم التقارن بالنسبة إلى زمان القطع لعدم الشك.
وأما إثبات
التقارن في زمان المتأخر باجراء أصل العدم في كل منها بالنسبة إلى زمان الشك فيها
بناء على ما تقدم احتماله من كون الحدوث أمرا مركبا من الوجود والعدم السابق
الثابت أحد جزئيه بالأصل والآخر بالوجدان فلا مانع منه.
وأما جريان الأصل
بالنسبة إلى ذات الموصوف ومنشأ انتزاع تلك الصفات بناء على الاحتمال السابق من
كونها من الاعتبارات المحضة فلا مانع من جريان أصالة عدم حدوث موت زيد في يوم
الجمعة لكي يثبت به عدم تقدمه على موت عمر لأن ما هو الموضوع للاثر على هذا
الاحتمال هو منشأ انتزاع عنوان تقدم موت زيد على موت عمر وهو عبارة عن ثبوت موت
زيد في زمان خاص كيوم الجمعة مثلا مع فرض موت عمر في زمان المتأخر عنه كيوم السبت
مثلا ومن المعلوم كون هذا الموت الخاص في يوم الجمعة كان مسبوقا بالعدم والأصل
بقاء عدمه على حاله إلى يوم السبت فيثبت عدم تقدمه.
وأما تأخره عن موت
عمر بأن يكون موت زيد في يوم السبت وموت عمر في يوم الجمعة ولم يمكن إجراء أصل عدم
موته في يوم السبت للعلم بثبوته فيه ولكنه لا مانع من اجراء أصل عدم موت عمر في
يوم الجمعة لكى ينتفي به تأخر موت عمر لأن ما ينتزع عن المركب ينتفى بانتفاء أحد
طرفيه كما أنه لا مانع من اجراء أصل عدم موت زيد في يوم الجمعة وكذا موت عمر
وينتفى به عدم تقارن الموتين في هذا اليوم
فلا مانع من اجراء
هذه الأصول إلّا أن يحصل التعارض بينهما هذا كله فيما اذا كان الاثر مترتبا على
عدم موت أحدهما في زمان وجود الآخر كما اذا كان الأثر مترتبا على عدم موت زيد في
زمان موت عمرا وبالعكس وفي مثله أيضا يتصور فيه القسمان المتقدمان من مفاد ليس
الناقصة والتامة إلّا أن الاستاذ (قده) في الكفاية قال بعدم جريان الأصل في المقام
في كلا القسمين.
أما ما كان بمفاد
ليس الناقصة فلعدم الحالة السابقة اليقينية له.
وأما العدم الذي
بمفاد ليس التامة فلاحتمال نقض اليقين السابق باليقين بنقضه وعدم القطع يصدق نقض
اليقين بالشك وعليه لم يكن الشك متصلا بزمان اليقين قطعا لاحتمال فصله بنقض اليقين
باليقين فلا يندرج تحت لا تنقض اليقين بالشك.
وتوضيح كلام
الاستاذ (قده) أنه لا بد من فرض الكلام فيما إذا كان لنا زمان نقطع بعدم
الحادثين كيوم الخميس الذي يقطع بحياة
__________________
وعمر وعدم موتهما
وزمان بتحقق الموتين أي موت عمر وموت زيد في يوم السبت وزمان نشك في وقوع موت زيد
فيه مع عدم موت عمر فيه أو موته مع عدم موت زيد في الثاني منهما أو بالعكس كيوم
الجمعة مع
__________________
القطع بتحقق موت
أحدهما في الأول والآخر في الثاني بنحو الاجمال فحينئذ بالنسبة إلى زمان نشك في
بقاء عدم موت زيد فيه على حاله فيجرى الاستصحاب لو كان هذا العدم المتيقن منتقضا
بالشك مع أنه ليس كذلك بل كان منتقضا باليقين وبعبارة أخرى زمان الشك يكون بنحو
يحتمل في كل جزء من أجزائه انتقاض الحالة السابقة فيه من دون حصول احتمال القطع
بالانتقاض فلو شك في الحدث مع كونه متطهرا سابقا من جهة الشك بحدوث الناقض ففي
زمان الشك وإن كان يحتمل وجود الناقض لكن على تقدير وجوده لا يكون مقطوعا لعدم
__________________
تعلق القطع به
أصلا ففي مثل ذلك يجري الاستصحاب بلا إشكال.
أما لو كان زمان
الشك بحيث لو فرض انتقاض الحالة السابقة فيه يكون مقطوعا للعلم الاجمالي بانتقاضه.
أما في زمان الشك
أو في زمان القطع بثبوته كما فيما نحن فيه حيث يعلم بموت زيد في يوم الجمعة أو في
يوم السبت ففي يوم الجمعة على تقدير وقوع الموت فيه يكون مقطوعا أو متعلقا لليقين
بانتقاض عدم الموت فلا يندرج تحت قوله (ع) لا تنقض اليقين بالشك.
أما من جهة العلم
الاجمالي بالانتقاض بقرينة قوله (ع) ولكن تنقضه بيقين آخر حيث أنه في صورة العلم
الاجمالي ليس نقض اليقين بالشك بل باليقين.
وأما من جهة الشك
في التخصيص ليكون المخصص مجملا وذلك لأن قوله لا تنقض اليقين بالشك يشمل الشك
البدوي والشك المقرون بالعلم الاجمالي إلّا أن قوله ولكن تنقضه بيقين آخر لو كان
المراد منه مطلق اليقين الأعم من الاجمالي والتفصيلي يكون تخصصا لقوله لا تنقض
اليقين بالشك فاذا شك في شموله لليقين الاجمالي فيوجب ذلك الاجمال في لا تنقض اليقين
بكونه من القرائن المتصلة في شمول دليل الاستصحاب للمقام على كل تقدير فحينئذ لا
يتم أركان الاستصحاب في المقام ولو مع عدم المعارضة وهذا هو الذي وقع في كلمات
صاحب الكفاية من أنه يعتبر في الاستصحاب اتصال زمان الشك بزمان اليقين وعدم احتمال
فصل بينهما بيقين آخر على الخلاف وبهذا الاشكال يظهر منه عدم جواز الاستصحاب في
مثل الصورة الثالثة أعني صورة ما لو علم بتحقق الضدين مع العلم الاجمالي بتقدم
أحدهما كما اذا علم بتحقق الحدث والطهارة وشك في كون الأول هو المتقدم والثاني هو
المتأخر أو العكس فانه
في مثله أيضا نقول
بعدم جريان استصحاب كل منهما لعدم اتصال الشك بزمان اليقين وفيه أولا ينقض ذلك
بكلية موارد العلم الاجمالي بين الاطراف إذا كان على خلاف الحالة السابقة كما لو
علم بحدوث النجاسة في أحد الكأسين الذي كان كل منهما طاهرا سابقا فانه يلزم عدم
جواز جريان الاستصحاب في كل منهما ولو مع عدم المعارضة لاحتمال أن يكون اليقين
بالطهارة فيه منقوضا باليقين بالنجاسة ولا نقطع بأنه منقوض بغير الشك وهو مما لم
يلتزم به بل ولا يمكن الالتزام به أيضا وثانيا أن هذا الاشكال لا يتم لو كان العلم
الاجمالي بين الطرفين ساريا إلى خصوصية كل منهما بحيث يصير الواقع بخصوصيته معلوما
ومتصفا بوصف المعلومية فانه على هذا إذا علم بموت زيد بالعلم الاجمالي وتردد بين
يوم الجمعة وبين يوم السبت لو كان حدوثه في يوم الجمعة كان عدم الموت في يوم
الخميس منتقضا بالموت في يوم الجمعة بما هو معلوم بخصوصيته فيكون نقض اليقين
باليقين لا بالشك فمع هذا الاحتمال يحتمل نقض اليقين باليقين
ولكن قد تقدم منا
سابقا من أن العلم الاجمالي لا يعقل أن يسري الى خصوصيات أطرافه وإنما الخصوصية
تكون باقية على كونها مشكوكة فلا يكون المقام من نقض اليقين باليقين بل يكون من
قبيل نقض اليقين بالشك ويكون زمان الشك في نفس الخصوصية متصلا بزمان اليقين وعليه
لا وقع لهذا الاشكال أصلا .
__________________
هذا وفي المقام
إشكال آخر يمنع من جريان الاستصحاب وهو أن شأن الاستصحاب جر المستصحب إلى مقام
الشك في البقاء لا في مقام التطبيق بيان ذلك أنه قد عرفت أن الأزمنة ثلاثة يوم
الخميس الذي هو زمان اليقين بعدم موت المورث وعدم إسلام الوارث ويوم الجمعة
__________________
هو زمان الشك في
حدوث موت المورث وإسلام الوارث ويوم السبت
__________________
الذي هو ظرف
اليقين بحدوث موت المورث ومن الواضح شأن الاستصحاب هو جر المستصحب إلى زمان الشك
الذي هو يوم الجمعة لا جره إلى زمان الثالث الذي هو زمان اليقين بالانتقاض فلا يشك
في ذلك الزمان وزمان يشك في مقارنة ببقائه التعبدي في زمان عدم وجود غيره حيث أن
شأن الاستصحاب هو إلغاء الشك من جهة الاقتران حيثية بقائه ولو تعبدا في زمان مع
وجود غيره وبعبارة أخري أن شأن الاستصحاب دائما رفع الشك تعبدا عن بقاء الشيء بعد
القطع بحدوثه فيما إذا شك في بقائه وجدانا.
وأما إثبات بعد
الزمان لزمان حدوث الحادث الفلاني أو نفس حدوثه فليس ذلك شأن الاستصحاب لما عرفت
أن الزمان الثالث الذي هو يوم السبت زمان القطع بحدوث المستصحب وجدانا.
أما في زمان
الثاني أو في هذا الزمان الثالث فعليه لا يمكن جر عدم موت الوارث أو عدم إسلام
المورث تعبدا للقطع بانتقاض كلا القسمين وبما أن موضوع الأثر هو عدم كل واحد منهما
في زمان وجود الآخر والتعبد ببقاء عدم كل واحد منهما في الزمان الثانى الذي هو ظرف
الاستصحاب لكونه ظرف الشك لا يثبت كون هذا العدم في زمان وجود الآخر لأنه مشكوك
لاحتمال أن يكون زمان حدوث نفس ما أستصحب عدمه وليس من شأن الاستصحاب هذا الشك فلا
يترتب الأثر المطلوب منه. والحاصل أن فرض المقام هو التردد الزمان الذي هو طرف
__________________
وجود الآخرين
الزمانين زمان الشك في وجود بديله الذي هو الزمان الثاني وزمان يقينه الذي هو زمان
الثالث يكون الشك في مقارنة البقاء التعبدي للمستصحب مع زمان وجود الأثر على حاله
فلو أريد من الإبقاء إبقائه الثاني فلا يجزم حينئذ بتطبيق كبرى الأثر على المورد
إلا بفرض جر المستصحب في جميع محتملات أزمنة وجود الآخر التي منها زمان الثالث وهو
أيضا غير ممكن لأن الزمان الثالث زمان انتقاض زمان انتقاض يقينه بيقين آخر فكيف
يمكن جر المستصحب إلى زمان الذي هو زمان انتقاض يقينه بيقين آخر ومجرد كونه زمان
الشك في حدوثه أو حدوث غيره لا يجري في إمكان الجر إلى زمان انتقاض نفسه وبعد
معرفة ذلك أن المقام من هذا القبيل ففي المثال المذكور من الشك في حياة الوارث أو
إسلامه إلى زمان موت مورثه كلا الأمرين من الشك في أصل بقاء حياة الوارث أو عدم
إسلامه في الزمان الثاني الذي فرضناه يوم الجمعة والشك في حيثية مقارنة بقاء
المستصحب ولو تعبدا فيه لزمان موت المورث بلحاظ نردد حدوثه بين الزمانين وقد عرفت
عدم جريان الاستصحاب في مثله على وجه يجدي في ترتب الأثر المترتب على البقاء
المقارن لزمان وجود الغير لأن ما يمكن جره بالاستصحاب إنما هو جر عدم إسلام الوارث
أو حياته إلى الزمان المتأخر عن زمان يقينه أعني الزمان الثاني ومثله لا يثمر في
تطبيق كبرى الأثر على المورد لعدم إحراز كون التعبدي مقارنا مع زمان وجود الغير
وعدم تكفل دليل الاستصحاب لالغاء الشك من جهة خصوص امتداده دون غيره وذلك لا يثمر
في تطبيق كبرى الأكبر على المورد لما عرفت من عدم تكفل دليل الاستصحاب إلا لالغاء
الشك في ذلك على أنه لو أريد
جر المستصحب إلى
زمان يقطع فيه بانطباق زمان الاجمالي بنحو الاجمال فهو وإن كان مثمرا في مقام
التطبيق ولكنه محتاج إلى جره في جميع الأزمنة الثلاثة المحتملة التي منها الزمان
الثالث وهو غير ممكن وبدون جره كذلك لا يجوز كون البقاء التعبدي مقارنا مع زمان
وجود غيره مثلا لو شك في حياة الوارث إلى زمان موت المورث مع العلم بموتهما وجهل
تأريخه كان منشأ الشك كلا الأمرين أعنى الشك في امتداد الحياة والشك في تقدم موت
المورث وتأخره فلم ينفع جريان الاستصحاب في إثبات الحياة إلى زمان موت المورث اذ
لا يقتضي إلا إثبات الامتداد تعبدا.
أما حيثية اقتران
الحياة بموت المورث من جهة تقدمه وتأخره فلا دلالة له على إلقائهما.
ثم لا يخفى أن هذا
الاشكال لا يرد على معلوم تاريخ أحدهما بالخصوص لأن الشك حاصل في هذه الصورة الى
زمان الواقع المعلوم بيان ذلك هو أنه في فرض العلم بتاريخ أحدهما المعين لو حكم
ببقاء مجهول التاريخ الى ذلك الزمان نجزم بمقارنة بقائه التعبدي لزمان وجود الآخر.
وأما لو كان العدم
معلوما ولكن المقارنة بينه وبين موت الآخر مشكوكة مثلا لو فرض عدم موت زيد الى يوم
السبت ولكن يشك في حدوث موت عمر في يوم الجمعة لكي يكون مقارنا عدم موت زيد أو
حدوثه يوم السبت لكي لا يكون مقارنا وحيث يكون الشك في المقارنة لا يجري الاستصحاب
في المقارنة اذ المقارنة ليس لها حالة سابقة كما أن العدم ليس مشكوكا لكي يستصحب
بل يستصحب عدم المقارنة أى عدم موت زيد مقارنا لموت عمر والفرض أن الأثر يترتب على
المقارنة.
وأما لو كان العدم
مشكوكا فيكون له حاله سابقة إلّا أن مقارنة
عدم موت زيد لموت
عمر ليس لها حالة سابقة وبالجملة أن مقارنة موت زيد لموت عمر مما له الأثر والفرض
أن يوم السبت وان كان زمان القطع بموت عمر إلّا أنه لا مجال لاستصحاب عدم موت زيد
فيه للقطع بثبوته فيه ويوم الجمعة ولو كان يوم الشك في بقاء عدم موت زيد ولكن لا
يقطع بموت عمر فيه واستصحاب عدم موت زيد فيه لا يثبت مقارنته لموت عمر الا على
القول بالأصل المثبت.
(الكلام في تعاقب الحادثين المتضادين)
لو شك في تقدم أحد
الحادثين على الآخر مع العلم بتحققهما كما لو علم بالطهارة والحدث وشك في تقدم
الطهارة على الحدث أو العكس فهل يجري الأصلان معا وبالمعارضة يتساقطان أو لا يجري
الأصل فيهما قيل بالأول وحينئذ يأخذ بالحالة السابقة عليهما.
ولكن لا يخفى أنه
لا مجال للأخذ بالحالة السابقة عليهما للعلم بانتقاضها وبعد الفراغ عن ذلك وقع الكلام بين المحققين في أصل
__________________
جريان الاستصحاب
في ذلك مع قطع النظر عن المعارضة أم لا يجري والحق عدم جريان لامور :
__________________
الأول ما ذكره
الأستاذ (قده) في الكفاية ما لفظه (أنه لا مورد للاستصحاب أيضا فيما تعاقب حادثان
متضادان كالطهارة والنجاسة
__________________
وشك في ثبوتهما
وانتفائهما للشك في التأخر والتقدم منهما وذلك لعدم الحالة السابقة المتيقنة
المتصلة بزمان الشك في ثبوتهما وترددهما بين الحالتين وإنه ليس من تعارض
الاستصحابين .
__________________
الثاني أن
المستفاد من دليل الاستصحاب ان الشك في بقاء المستصحب وارتفاعه في زمان المتصل
لزمان اليقين بحدوثه بنحو يحتمل ملازمة حدوثه في الزمان الأول مع بقائه في الزمان
الثاني ويحتمل عدم ملازمته كذلك كما هو متحقق في الشبهات البدوية وما نحن فيه ليس
من ذلك القبيل بتقريب أن الطهارة في المثال إن كانت واقعة في الساعة الثانية فهى باقية
في الثالثة وإن كانت واقعة في الأول فهى مرتفعة في الثانية لا في الثالثة فالساعة
الثالثة ليست زمان الشك في الارتفاع بل يعلم بعدم الارتفاع فيها محتمل في الثانية
فقط ودعوى تحقق الشك في البقاء والارتفاع متحقق في كل من الطهارة والحدث فيكون
الشك في البقاء متصلا
__________________
بزمان اليقين
ممنوعة إذ مرجع ذلك في الحقيقة إلى الشك في زمان حدوثه المتصل به لا أنه من جهة
الشك في انقطاع ما هو الحادث فارغا عن حدوثه في الزمان كما لا يخفى.
الثالث : إن
المتصرف من دليل الاستصحاب اتصال زمان الشك بزمان اليقين بالمستصحب بنحو لو
انتقلنا من زمان الشك المتأخر الى ما قبله من الأزمنة وتقهقرنا الى الوراء عثرنا
على زمان المستصحب كما هو كذلك في جميع موارد الاستصحاب والمقام ليس من ذلك القبيل
فان كلا من الطهارة والحدث لو تقهقرنا من زمان الشك الذي فرضناه الساعة الثالثة لم
نعثر على زمان اليقين بوجود المستصحب بل الذي نعثر عليه فيما قبله من الأزمنة انما
هو زمان اليقين بعدم حدوث المستصحب من الطهارة أو الحدث اذ كلا من الساعة الثانية
والأولى اذا لاحظنا فيه المستصحب طهارة أو حدثا يرى كونها ظرفا للشك وفي وجوده الى
أن ينتهي الى الزمان الخارج عن دائرة العلم الاجمالي الذي هو زمان اليقين بعدم كل
منهما ودعوى أن ذلك انما هو بالنسبة إلى الأزمنة التفصيلية.
وأما بالنسبة الى
الزمان الاجمالي الذي هو بعد زمان اليقين وحدوث المستصحب متصلا بزمان اليقين فعليه
لا مانع من جريان استصحاب كل من الطهارة والحدث الى الزمان الثاني الاجمالي فان
ذلك متصل بزمان اليقين بحدوث كل منهما ممنوعة فان ذات انما ينفع فيما اذا كان
الأثر وجود بقاء الطهارة أو الحدث في زمان ما اجمالا
وأما لو كان الأثر
يحتاج الى التطبيق على الأزمنة التفصيلية كما هو كذلك أن الأثر لصحة الصلاة هو
ثبوت الطهارة في الزمان التفصيلي فلا يكون مجال للاستصحاب لعدم نفعه.
اذ بذلك لا يحصل
التطبيق على الأزمنة بخصوصه الذي مورد ترتب الأثر وقد عرفت منعه اذ الزمان الثاني
الذي هو ظرف العلم لا يحتمل البقاء لتردده من الحدوث والارتفاع والزمان الثالث وان
احتمل فيه البقاء لكن لا يحتمل فيه الارتفاع لكونه على تقدير مقطوع البقاء وعلى
تقدير آخر تقدير مقطوع الارتفاع فيه فلا دليل على صحة استصحاب كل من الطهارة
والحدث لو كان الأثر لمجرد الطهارة أو الحدث في زمان ما اجمالا دون ما لو كان
الأثر لثبوت أحدهما في الزمان التفصيلي وحيث أنه ليس لنا زمان تفصيلي بتيقن
الطهارة أو الحدث لذا لا ينفع جريانه وان أردت توضيح ذلك فهو أن غاية ما يمكن أن
يقال في جريان الاستصحاب في هذا المقام من احدى جهتين.
وأما من جهة أن
اليقين الاجمالي بتحقق الطهارة في قطعة من الزمان وهو العلم بتحقّقها في واحد منها
ينحل الى علمين متعلقين بالنسبة الى خصوص الزمان المتصل بزمان الشك الذي لازمه
القطع ببقاء الطهارة في زمان الشك وجدانا وبالنسبة الى خصوص الزمان السابق عليه
الذي لازمه الشك في صدور الحدث منه بعد ومرجعه الى العلم التفصيلي بكون المعلوم
على تقدير عدم كونه هذا الفرد هو ذاك والعلم بكونه ذاك على تقدير عدم هذا الفرد
فاليقين أعنى اليقين بصدور الطهارة في القطعة السابقة على تقدير عدم صدوره في
القطعة اللاحقة المتصلة بزمان الشك متحقق بالنسبة الى الزمان الخاص المعين مع الشك
في حدوث الحدث بعدها على هذا التقدير وهو يكون قابلا للاستصحاب بالنسبة الى زمان
الشك.
نعم أنه استصحاب
تعليقي بمعنى كون نفس الاستصحاب وخطاب لا تنقض تعليقي معلق على حصول العلم السابق
لا كون المستصحب أمر
تعليقي فحينئذ
فبالنسبة الى زمان الشك الذي يريد الدخول في الصلاة يعلم اجمالا بأنه متطهر.
أما بالطهارة
الاستصحاب أن وقعت الطهارة منه في القطعة السابقة عن الزمان السابق على الشك لأنه
على هذا الفرض كان له يقين بحدوث الطهارة في زمان يقين وشك في بقائها فيستصحب وان
كانت واقعة في الآن المتصل بزمان الشك فهو متطهر بالوجدان لعدم عروض حدث بعده
وعليه فهو محكوم بالطهارة.
وأما من جهة جريان
الاستصحاب بالنسبة إلى نفس اليقين الاجمالي بالطهارة في قطعة من الزمان مع الشك
ببقائها بعده من دون احتياج إلى تعيين زمان اليقين والشك أصلا فان تلك القطعة
المرددة للعلوم وقوع الطهارة فيها بحسب الواقع لو كانت منطبقة على الزمان السابق
المتصل بزمان الشك فزمان بعده المشكوك في بقاء الطهارة ينطبق على الزمان المتصل
بزمان الشك فيصير مما حكم فيه باستصحاب الطهارة لو كانت منطبقة على الزمان المتصل
بزمان الشك فيكون ذلك الزمان مما يكون متطهرا بالوجدان أيضا وعلى كل حال يكفي في
ترتب الأثر هو الدخول في الصلاة وصحة الصلاة السابقة استصحاب الطهارة المتيقنة في
قطعة الزمان بالنسبة إلى زمان بعده والمردد من دون احتياج إلى تعيين ذاك الزمان
لما عرفت من أنه منطبق على أحد الزمانين ويكون مما يترتب عليه الأثر المقصود بأي
فرض منها وهذا بخلاف ما نحن فيه.
الوجه الأول أصلا
لعدم مجال جريان الاستصحاب في شيء منهما القطع التفصيلي التعليقى في تحقق الطهارة
والحدث وذلك لأنه على فرض عدم وقوع الطهارة في الزمان الثالث لكنا نقطع بوقوعها في
الزمان الثاني على هذا الفرض نقطع بانتقاضها بالحدث في الزمان الثالث للعلم
بكون الحدث في
الزمان الثالث لو كانت الطهارة في الزمان الثاني وعلى فرض عدم وقوعها في الزمان
الثاني لكنا قاطعين بوقوعها في الزمان الثالث ولكن على هذا الفرض نقطع ببقائها إلى
الزمان الرابع فليس لنا شك في البقاء لكون الفرض تقدم الحدث عليها على هذا الفرض.
وأما الوجه الثاني
الذي مرجعه إلى الاستصحاب المعلوم الاجمالي بالنسبة إلى زمان بعده المجمل أيضا من
جهة إجمال الزمان المعلوم فان كان المراد زمان بعده المتصل به على أن يكون المراد
استصحاب المعلوم إلى زمان بعده بلا واسطة المحتمل انطباقه على زمان الثالث وعلى
زمان الرابع لاحتمال انطباق المعلوم على زمان الثاني وعلى الثالث فلا موقع
للاستصحاب أيضا لأنه على فرض انطباق زمان بعده على الزمان الثالث نقطع بعدم البقاء
لأنه نقطع بأن الطهارة أما حدثت في ذلك الزمان لو كان الحدث قبله.
وأما ان ارتفعت
فيه كان الحدث فيه والطهارة قبله وعلى فرض انطباقه على الزمان الرابع لا نشك في
البقاء بل نقطع به لأن لازم انطباق المعلوم على الزمان الثالث الذي يكون متأخرا عن
زمان الحدث ولا يحتمل صدور حدث بعده فلا مجال للاستصحاب على كل تقدير لعدم تحقق
أركان الاستصحاب بالنسبة إلى المعلوم الاجمالي المشكوك كذلك وإن كان المراد من
زمان بعد زمان المعلوم اجمالا مطلق زمان بعده بالأعم من أن يكون بلا واسطة أو مع
الواسطة فحينئذ بالنسبة الى انطباقه على زمان الرابع بتحقق الشك في البقاء مع كونه
مما ينطبق عليه عنوان بعد زمان المعلوم اجمالا مع كون مثل هذا الشك أيضا مسبوقا
باليقين بالحدوث والوجه في تحقق الشك في البقاء بالنسبة الى زمان الرابع الذي
مرجعه الى احتمال البقاء واحتمال عدم البقاء معا أنه حيث يحتمل
تحقق المعلوم في
زمان الثالث الذي لازمه البقاء فيكون ذلك منشأ احتمال البقاء ونحتمل تحققه في زمان
الثانى الذي لازمه الارتفاع بتحقق ضده في الزمان الثالث فيصير ذلك منشأ احتمال عدم
البقاء فلا مجال للاستصحاب به أيضا لأنه يرد عليه ما أوردنا عليه سابقا بأن الزمان
الرابع أيضا أمر يدور بين أن يكون مقطوع الارتفاع لو كان المعلوم بالاجمال فى
الزمان الثانى لتحقق ضده في الزمان الثالث وبين أن يكون مقطوع البقاء ولو كان
المعلوم بالاجمال في الزمان الثالث السابق عليه فلا يتحقق الشك في البقاء على كل
تقدير كما لا يخفى فتلخص أنه لا يتحقق أركان الاستصحاب في تعاقب الحادثين بوجه من
الوجوه فلا ينتهي النوبة الى التساقط بالمعارضة لما مر في كلام الشيخ (قده) هذا
كله فيما اذا كان كلا الحادثين مجهولي التاريخ.
وأما القسم الثاني
الذي يعلم تاريخ أحدهما دون الآخر فيجىء فيه الأقسام الثلاثة المتقدمة في مجهولي
التاريخ لأنه قد يكون الأثر مترتبا على تقدم مجهول التاريخ أو تقارنه أو تأخره على
وجود معلوم التاريخ.
وأما قد يكون
الأثر على تلك الحالات في ظرف معلوم التاريخ تارة يكون مترتبا على تلك الحالات في
كلا الطرفين وتارة كان الأثر مترتبا على عدم أحدهما في ظرف وجود الآخر.
وثالثه كان من
قبيل تعاقب الضدين من الحادثين.
أما اذا كان الأثر
مترتبا على تقدم مجهول التاريخ أو تقارنه أو تأخره عن معلوم التاريخ فلا مانع من
اجراء استصحاب عدم تقدمه وتقارنه مثلا اذا علم بعدم موتهما في يوم الخميس ثم علم
بموت عمرو في يوم السبت وشك فى موت زيد يوم الجمعة أو الاحد ففي يوم الاحد تعلم
بموتهما
فحينئذ بالنسبة
الى معلوم التاريخ لا يجري الاستصحاب قطعا لعدم الشك فيه بالنسبة الى ذاك الزمان.
وأما بالنسبة الى
مجهول التاريخ فيجري استصحاب عدم تقدمه وتأخره بناء على كون تلك الأمور واقعية
وكذلك لا يجري أصالة عدم تقارنه مع موت عمر إلّا أنه تسقط الأصول بالمعارضة فيما
لو كان لكل من تلك الحالات أثر للعلم بوقوع واحد منها كما أنه يجري اصالة العدم
بالنسبة الى التقدم والتقارن في مجهول التاريخ بناء على كون الأثر مترتبا على
المنشأ وكون تلك الأمور من الأمور الانتزاعية ولا يجري بالنسبة إلى عدم تأخره لعدم
الشك في يوم السبت بموت عمرو وبل نقطع به لا يمكن إثبات حدوث موته بمجرد إثبات عدم
التقدم والتقارن لكونه مثبتا بالنسبة إلى ذلك.
وأما إذا كان
الأثر مترتبا على عدم مجهول التاريخ فى ظرف وجود معلوم التاريخ فيمكن إحرازه
باصالة عدم تحقق وجوده في ظرف وجود معلوم التاريخ.
وأما لو كان الأثر
مترتبا على عدم معلوم التاريخ في ظرف وجود مجهول التاريخ فلا يجري فيه الاستصحاب
لاحرازه بالاصل لعدم الشك فيه بالنسبة إلى ذاك الزمان ففي جميع الصور لا يجري في
معلوم التاريخ ويجري أصل العدم في المجهول إلا اذا كان الأثر مترتبا على تأخره
فيما إذا كان نفس التأخر موضوعا للاثر وكان عدم التأخر موضوعا للاثر فانه أيضا لا
يمكن إحرازه بالأصل لعدم حالة سابقة له هذا بناء على مسلكنا.
وأما بناء على
مسلك الكفاية من اعتبار اتصال الشك بزمان اليقين فلا يجري أصل العدم فى مجهول
التاريخ أيضا لاحتمال الفصل باليقين
بتحقق الضد كما هو
واضح.
وأما إذا كان من
قبيل تعاقب الضدين كالحدث والطهارة مع العلم بتاريخ الطهارة مثلا فانه بناء على
مسلك الكفاية فلا يجري استصحاب بقاء الحدث بالنسبة إلى زمان الشك في بقائه وكذلك
لا يجري استصحاب بقاء الطهارة لاحتمال الفصل في كل منهما باليقين بالآخر وبناء على
مسلك الشيخ يجرى الاستصحاب في كلا الطرفين إلا أنه بالمعارضة يتساقطان وعلى
المختار لا يجري في مجهول التاريخ لعدم انتهاء الشك في البقاء فيه إلى زمان اليقين
التفصيلي ويجري في المعلوم تاريخه وهذا هو المطابق لعمل الفقهاء في الفقه فأنهم
يجرون الأصل في معلوم التاريخ دون المجهول.
التنبيه التاسع
قد عرفت سابقا أن
مقتضى لا تنقض اليقين بالشك أنه لا بد من أن يكون للمستصحب أثر في ظرف الشك في
بقائه بعد ما كان متيقنا بحدوثه سابقا فانه يرجع الى الأمر بمعاملة الشك معاملة
اليقين والظاهر أنه لا فرق في ذلك بين أن يكون الأثر العملي من عمل الجوارح أو
الجوانح لأنه في كلا الأمرين يصدق نقض اليقين بالشك ومن ذلك ظهر أنه لو كان
المستصحب من الامور الاعتقادية التي كان الأثر مترتبا على بقائه كلزوم الاعتقادية
وعقد القلب والتدين بالنسبة إليه فانه يجري فيه الاستصحاب كما لو شك في بقاء شخص
خاص على حياته لو فرض الشك فيه وبالجملة لا مانع من إجراء الاستصحاب بالنسبة إليه
بمجرد كون الأثر
من أعمال الجوانحي
كما هو واضح.
نعم هنا إشكال من
جهة أخرى وهو أن ذلك يتم لو كان وجوب الاعتقاد والانقياد من أحكام نفس وجود نبي
واقعا على وجه كان اعتبار العلم به من جهة كونه طريقا محضا.
وأما لو كان
اعتبار العلم في ذلك بعنوان الموضوعية فلا مجال للاستصحاب المذكور حينئذ لأنه
جريان لاستصحاب يثبت اليقين التنزيلي ولكن ذلك فيما إذا كان الاثر مترتبا على مجرد
اليقين بالشك مطلقا.
وأما إذا كان
الأثر مترتبا على العلم بالواقع بنحو الصفتية فلا موقع للاستصحاب لكون غايته إثبات
اليقين في ظرف الشك بالواقع لرفع الشك رأسا ومسألة الاعتقاد بنبوة النبي من هذا
القبيل ولا أقل من الشك فلا يجري فيه الاستصحاب مضافا إلى أن الشك في مثل تلك
المسألة وإن كان من أقسام الشبهة الموضوعية غير المحتاجة إلى الفحص إلا أنه في
خصوص المقام محتاجة الى لزوم الفحص وعليه لا يجوز الاستصحاب قبل الفحص لكون المقام
مما لو تفحص لحصل له اليقين.
أما بالوجود أو
بالعدم ولا يمكن عادة بقاؤه على الشك حتى بعد الفحص كما أشار إلى ذلك الشيخ في
الرسائل فلا تصل النوبة إلى الاستصحاب كما لا يخفى.
وحاصل الكلام في
مسئلة وجوب الاعتقاد والتدين وعقد القلب أنه أما أن يكون من آثار نفس نبوة النبي
واقعا دون اعتبار العلم بها بأن كان بنحو الطريقة المحضة لتنجز التكليف بحيث لو
انعقد القلب على نبوة من كان نبيا مع الشك فيه ما كان تشريعا وإنما كان تجريا محضا
لو لم يكن برجاء الواقع واعتقادا رجائيا فلازمه جريان الاستصحاب
مع الشك في بقاء
النبوة أو إبقاء حياته.
وأما أن لا يكون
كذلك بل كان من أحكام العلم بذلك بأن أخذ العلم بالنبوة شرطا لوجوب الاعتقاد
والتدين بنبوة النبي على وجه لو لا العلم لا يجب الاعتقاد كما في سائر الواجبات
المشروطة أو أخذ العلم شرطا للواجب كما الطهارة بالنسبة إلى الصلاة فيجب تحصيل
العلم مقدمة لتحصيل الواجب وهو الاعتقاد وهذان القسمان هما اللذان ذكرهما الشيخ
عند الكلام في الظن في اصول الدين وعليهما يكون العلم مأخوذا بعنوان الموضوعية
وحينئذ نقول بأن العلم كان مأخوذا بعنوان أنه صفة خاصة ونور للنفس من دون لحاظ
كونه منور الغير فلا مجال للاستصحاب أيضا ولو بناء على كونه مثبتا لليقين لما تقدم
من أنه لا يقوم مقام القطع الموضوعي الصفتي كما أنه لا يقوم مقامه الامارات وأخرى
يؤخذ العلم بعنوان الموضوعية ولكنه بما هو منور للغير وطريق إليه الذي يعبر عنه
بالعلم الموضوعي على نحو الطريقية ولازم اعتباره بنحو الأول عدم قيام الاستصحاب
مقامه لأنه لا يرفع الحجاب والشك بل غايته إثبات اليقين بالواقع في ظرف الشك به
كما ان لازم الثانى قيامه مقام القطع الموضوعي على نحو الطريقية كما تقدم منا
سابقا وصرح به الشيخ في أول الرسائل ومع الشك في أنه أي نحو منهما لا مجال
للاستصحاب كما هو واضح والظاهر أن اعتبار العلم فيما نحن فيه أما أن يكون على وجه
الطريقية المحضة وعلى فرض كونه بنحو الموضوعية فالظاهر كونه بما هو منور للغير
وطريق بلحاظ أنه معرفة له فحينئذ لا مانع من جريان الاستصحاب في المقام وبذلك ظهر
ما في كلام الشيخ بعدم جريان الاستصحاب في المقام مع تصريحه بأنه يقوم مقام القطع
الموضوعي الطريقي اللهم إلّا أن يقال بكون العلم عنده فيما نحن فيه مأخوذ بنحو
الصيغة الخاصة
ولكنه ينافي ظاهر كلامه في بحث الظن بكون العلم بالنبوة شرطا للوجوب أو الواجب
بالنسبة إلى وجوب الاعتقاد بها كما أنه ظهر ما في كلام الكفاية من قوله بجريان
الاستصحاب في المقام مع قوله بأنه لا يقوم مقام القطع الموضوعي أصلا إلا أن يلتزم
بكون العلم في المقام لا يكون مأخوذا إلا بعنوان الطريقية المحضة هذا كله هو
الكلام بالنسبة الى وجوب الاعتقاد.
وأما الكلام
بالنسبة إلى وجوب المعرفة مع قطع النظر عن كونه طريقا أو موضوعا لوجوب الاعتقاد
فهل يجري فيه الاستصحاب عند الشك فيه أم لا وجهان بل قولان وتفصيل الكلام فيه أنه
قد يكون الشبهة الحكمية كما اذا حصل لنا شك في وجوب معرفة بعض تفاصيل المعاد بعد
ما كنا قاطعين بوجوبها سابقا وكان منشأ طرو الشك مثل احتمال النسخ أو شىء آخر فلا
اشكال في مثله أنه يجري استصحاب وجوب المعرفة فيه وقد يكون الشبهة موضوعية كما اذا
شككنا في بقاء الامام السابق الذي كنا عارفين بأنه هو الامام هل هو الامام السابق
أو غيره وكذلك بالنسبة الى النبي وقال في الكفاية أنه ما ملخصه لا مجال لاستصحاب
حياته وبقائه لأجل أن يترتب عليه وجوب المعرفة بمعنى اثبات وجوب المعرفة
بالاستصحاب لكون الاستصحاب متقوم بالشك فكيف يرفع الشك
__________________
وفيه أن ذلك يتم
لو كان المراد من المعرفة الواجبة تحصيلها هو رفع
__________________
الحجاب. وأما لو
كان المراد هو اليقين بالشيء فالاستصحاب يثبت اليقين بكون الامام الحاضر هو الامام
السابق ببركته يسقط وجوب معرفة
__________________
غيره ، نعم في
المقام اشكال آخر بالنسبة الى جريان الاستصحاب في المقام وكذلك بالنسبة الى مسألة
وجوب الاعتقاد وهو أنه قد تقدم أن دليل الاستصحاب ولو كان مرجعه الى الامر بالعمل
على طبق اليقين بالشيء سواء كان عملا جوارحيا أو جوانحيا إلّا أنه ينصرف الى ما
يكون عملا شرعيا بمعنى كونه عملا مترتبا على المستصحب شرعا والمراد به ما كان
داخلا تحت كبرى شرعية من الأحكام الخمسة فمعنى الأمر به بدليل الاستصحاب هو الأمر
بجريانه فيما يترتب على العمل أثره مطلقا سواء كان عقليا أو عاديا أو شرعيا فلا
يجري الاستصحاب فيما لو كان الحكم العمل المترتب على المستصحب حكما عقليا محضا
ولازم ذلك أنه لا مجال لاستصحاب بقاء النبوة أو بقاء النبي أو الامام لأن بترتب
عليه وجوب الاعتقاد والمعرفة لكون مثل هذا الحكم حكما عقليا من قبيل أطيعوا الله
وأطيعوا الرسول على ما هو التحقيق عندهم حيث استدلوا لوجوب مثل ذلك بأنه من مراتب
شكر المنعم الذي كان وجوبه عقلي محض ولو ورد فيه ألف خطاب لكان ارشاديا لا مولويا
وبناء على هذا لا موقع لتمسك الكتابي بالاستصحاب لاثبات نبوة نبيه بناء على حجيته
من باب التعبد لعدم أثر شرعي يترتب عليه.
وأما بناء على
كونه من باب الظن فيقع الكلام في حجية مثل هذا الظن فانه لو كان من باب الانسداد
فلا يتم لأنه من مقدماته التمكن من الاحتياط وهو لا يجري في المقام لا مكان
الانقياد والاعتقاد بالواقع على ما هو عليه ولو كان من جهة حكم العقل بحجيته
كالعلم
__________________
فهو موقوف على أن
يكون الظن مثل العلم فى نظر العقل فى الاعتقادات عند التعذر عن العلم وهو ممنوع
لعدم ملاك وجوب تحصيل العلم في الظن ومع غض النظر عن ذلك الاشكال أن الكتابي يتمسك
بالاستصحاب سواء كان من باب التعبد أو الظن أما أن لا يكون مقصوده إلزام المسلم به
بمعنى أنه يريد أن يفهمه ويلزمه قبوله لمدعاه فهذا باطل قطعا لعدم تماميته اركان
الاستصحاب فى حق المسلم لقطعه بنسخه وثبوت نبيه محمد (ص).
وأما أن يكون
مقصوده دفع المسلم عنه بمعنى أنه يريد أن يدفع المسلم عن نفسه بأنك لا حقّ لك علي
بأن تجبرني بأن أرفع يدي عن اعتقادي من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وليس
ذلك من هذا الالتزام بالفحص لأجل ثبوت نبوة عيسى أو موسى بل نشك في بقاء نبوته
فيجري في حقي الاستصحاب فلا يجب علي معرفة نبي آخر والاعتقاد والانقياد لاحكامه
فيرد عليه أنه إذا كان تمسكه بالاستصحاب من باب الظن لا تسلم كونه مفيدا للظن وعلى
فرض تسليم ذلك لا نسلم حجية مثل هذا الظن لعدم الدليل عليه من العقل والنقل ولو
قيل بأن حجيته من باب الانسداد لا نسلمه في المقام لامكان تحصيل العلم بالفحص ومعه
لا يكون داخلا في باب الانسداد وعلى تقدير تسليم اندراجه تحت باب الانسداد فلا
موقع له لأنه إن كان دليل التعبد به بلحاظ وروده في الشريعة السابقة فليس له
التمسك به لكونه شاكا في بقاء أحكامها التي منها حرمة نقض اليقين بالشك لاحتمال نسخها
بالشريعة اللاحقة وإن كان بلحاظ حجية الاستصحاب في الشريعة اللاحقة فالتمسك به غير
جائز له إذ يلزم من وجوده عدمه لأن الأخذ به مساوق لطرح الشريعة السابقة لفرض
كونها ناسخا لها.
نعم لو كان
الاستصحاب حجة في الشريعتين فله التمسك به لعلمه
بحجيته على كل
تقدير.
وأما إذا كان
مقصوده أن يقنع نفسه عن الفحص عن دين الحق من دون أن يكون له خصم من المسلمين فيرد
عليه تمام ما تقدم.
والحاصل أن المسلم
المتدين ليس شاكا حتى يجري في حقه الاستصحاب وانما هو قاطع بانقطاع نبوة عيسى
وموسى ونسخ شريعتهما بمجيء نبينا (ص) على أنه كيف يتصور للمسلم المتدين بنبوة
النبي اللاحق الشك في بقاء نبوة النبي السابق لكي يجري في حقه الاستصحاب كما أن
المتدين الكتابي يقطع ببقاء شريعة نبيه فلا يجري في حقه الاستصحاب
نعم قد يتصور في
حقه الشك بالنسبة إلى بعض أهل الكتاب المطلع على مزايا الاسلام على سائر الأديان
فيحصل له الشك بنبوة نبينا (ص) فيشك في بقاء شريعة نبيه فاذا حصل له ذلك فيجدي له
الاستصحاب لنفسه ولا يجدي له في إلزام المتدين نبي الاسلام حيث أن الاستصحاب وظيفة
عملية للشاك وليس للمسلم شك في بقاء نبوة نبيه بل هو قاطع بعدم بقائها وقد نسخت
شريعته بمجيء نبي الاسلام فلا يقع الاستصحاب على أن صحة أخذ الكتابي فى الاستصحاب
ولو في عمل نفسه إنما هو في فرض حجية الاستصحاب في الشريعتين لعلمه اجمالا.
أما ببقاء السابق
واقعا أو محكوما بالبقاء بحكم الاستصحاب وإلّا مع عدم علمه بحجية الاستصحاب الا في
الشريعة السابقة أو في خصوص الشريعة اللاحقة فلا ينفعه في عمل نفسه لأن علمه على
الأول دوري وعلى الثاني لا يجديه نفعا لجزمه بمخالفة الاستصحاب للواقع لملازمة
الحجية فى الشريعة اللاحقة تنسخ الشريعة السابقة فلا يحصل له العلم الاجمالي ببقاء
الشريعة السابقة أما واقعا أو استصحابا وعليه لا وجه لتمسك الكتابي بالاستصحاب في
مناظرته مع السيد باقر القزويني
لما عرفت غير نافع
لاقناع نفسة ولا للمسلمين بالتدين بدين الكتابي فان المسلمين بتحقق دين الكتابي من
أخبار نبينا (ص) إلّا أنهم عالمون بانقطاع النبوة ونسخ شريعته فلا شك عندهم في
بقاء نبوته لكي يكون مجالا للاستصحاب.
وأما لو كان
لالزام المسلمين على اقامة الدليل على مدعاهم من من الدين الجديد فيمكن جريان
الاستصحاب إلّا أنه لا ينفع لكونه وظيفة عمليه يجري في مقام الشك في البقاء إلا
أنه خلاف ما هو المنقول عنه بأنه عليكم كذا أو كذا فان غرضه إلزام المسلمين على
الأخذ بالدين السابق بالاستصحاب وكذا أفاد السيد في الجواب بما هو مضمون ما ذكره
الرضا (ع) في جواب الجاثليق بل يرجع إليه فقال بأنا نؤمن ونعترف بنبوة كل من موسى
وعيسى أقر بنبوة نبينا (ص) بيانه أن هذا القيد أي الاقرار بنبوة نبينا (ص) أخذ
بنحو المعرفية للشخص الخارجي أي المسمى بموسى وعيسى ويكون ذلك كسائر المعرفات
للشخص الخارجي ككونه طويلا أو أسمر اللون ونحو ذلك من سائر المعرفات وليس المراد
من القيد منوعا قد جيء به تضييقا لدائرة الكلي فيشكل عليه بأن موسى أو عيسى موجود
واحد جزئي اعترف المسلمون به وكيف كان
فحاصل الجواب أنا
كما نقطع بنبوتهما كذلك نقطع بنسخ شريعتهما بل باعترافهما بنبوة نبينا (ص) حسب
تصديقنا بنبوته وتصديقنا بكل ما قال (ص) الذي منها أخباره باخبارهما بمجيء نبي
بعدهما اسمه أحمد (ص).
ثم لا يخفى أن
الأجوبة التي ذكرها الشيخ الأنصاري (قده) في الرسائل واختارها في مقام الجواب عن
استصحاب الكتابي على تقدير تماميتها تتوقف على أن يكون مقصود الكتابي الزام
المسلمين بالتمسك بالاستصحاب وإلّا فبناء على كونه في مقام دفع المسلم عن نفسه فلا
تتم
تلك الأجوبة.
نعم ما أجاب به
بعض كالنراقي من تعارض استصحاب النبوة باستصحاب عدمها الأزلي الثابت قيل ثبوتها
على الفرض الثاني إلا أنك قد عرفت لجواب عنه بأن ذلك من القسم الثالث من أقسام
الاستصحاب الذي لا تقول بحجيته كما أن جواب المحقق القمي بأن هذا الاستصحاب من
قبيل الشك في المقتضى لا يتم بناء على المختار بأنه حجة مطلقا.
وأما جواب الشيخ
عن كلام المحقق القمي يمكن خدشه فلا تغفل.
التنبيه العاشر :
الذي كان ينبغي
لنا التعرض له قبل هذا التنبيه وهو أنه لا إشكال في جريان الاستصحاب فيما إذا كان
الشك واردا على اليقين واليقين مورودا كما إذا شك في اليوم الحاضر بما تيقن في
اليوم السابق.
وأما لو كان اليقين
واردا على الشك كما لو تيقن في فسق زيد في اليوم الحاضر وشك في فسقه في اليوم
السابق فهل يجري فيه الاستصحاب بأن يحكم بجر المتيقن الحاضر إلى الزمان السابق إذا
ترتب عليه أثر في الزمان الحاضر وهو المسمى باستصحاب القهقري أم لا يصح جريان هذا
الاستصحاب قيل لا مانع من جريانه لتمامية أركانه ولكن الظاهر أنه يمنع من جريانه
لانصراف الاخبار عنه اذ الظاهر منها ورود الشك على اليقين فان المستفاد من قوله (لا
تنقض اليقين) سبق اليقين زمان الشك لا بالعكس كما لا يخفى.
التنبيه الحادي
عشر :
أنه يعتبر في
الاستصحاب أن يكون له أثر شرعي عملى كوجوب قضاء الفريضة لاستصحاب نجاسة الماء الذي
توضأ به من غير فرق بين أن يكون المستصحب موضوعا أو حكما تكليفيا أو وضعيا ذا أثر
شرعي حين الاستصحاب.
وأما لو لم يكن له
أثر شرعي كان يكون خارجا عن محل الابتلاء أو كان حكما تعليقيا قبل حصول المعلق عليه
لا مجال بجريانه بناء على ما اخترناه من أن المستفاد من (لا تنقض اليقين بالشك) هو
الأمر بمعاملة المشكوك منزلة المتيقن من حيث الجري العملي لا يستفاد منه جعل
المماثل لما عرفت منا سابقا بأن الأخبار دالة على التنزيل من حيث الجري العملي
تنصرف اليه لكون ورودها في مقام وظيفته العملية للشاك وذلك يختص بمورد له أثر عملي
حين توجه خطاب لا تنقض اليقين بالشك ولازم ذلك أن يكون الأثر مترتبا على الواقع.
وأما لو كان الأثر
مترتبا على الواقع المعلوم بنحو يكون العلم أخذ بنحو الصفتية لا مجال لجريان
الاستصحاب كما هو كذلك في باب الشهادة فان العلم قد أخذ في موضوع الأثر بنحو
الصفتية اذ من الواضح أن الاستصحاب يحرز الموضوع في ظرف الشك فلذا لا يقوم مقام
العلم المأخوذ بنحو الصفتية حيث أن الموضوع الواقعي غيره منكشف في الاستصحاب فكيف
يقوم مقام ما أخذ صفة العلم وبهذه الجهة يمتاز الاستصحاب عن الامارة حيث أن لسان
دليلها هو تيمم الكشف وعليه عند قيامها نرفع الستر عن الواقع بخلاف الاستصحاب فانه
لا يرفع
الستر عن الواقع
دائما وإنما هو حكم في ظرف الشك وإلّا لزم أن يكون الحكم لموضوعه وهو أمر غير
معقول وبهذه الجهة تكون الامارة حاكمة على الاستصحاب.
وبالجملة
الاستصحاب يجري بعد احراز ثبوت الآثار بأي كيفية تحرز فان كانت مترتبة على نفس
الواقع أو الواقع المعلوم بنحو يكون العلم مأخوذا بنحو الطريقية فيجري الاستصحاب
وان كان العلم مأخوذا بنحو الصفتية فلا يجرى الاستصحاب فافهم وتأمل.
التنبيه الثاني
عشر :
في استصحاب صحة
العبادة قد يقال بجريانه عند الشك في طرو مفسد وهو الذي يعبر عنه بأصالة الصحة في
العبادة والمستفاد من كلام الشيخ الأنصارى (قده) هو التفصيل في جريان الاستصحاب
بين القاطعية والمانعية.
وحاصل ما أفاده أن
دخل شيء في شيء يتصور على وجوه :
الأول أن يكون
اعتباره بلحاظ دخل وجوده في العمل لتحصيل المصلحة بأن كان لوجوده دخل في تحقيقها
فيعتبر من هذه الحيثية وحدة في عالم المصلحة.
الثاني أنه بعد
تعلق الأمر الواحد به مع أشياء أخر تحصل وحدة أخرى من جهة الأمر فينتزع الجزئية من
هذا الشيء.
الثالث أن يكون
اعتباره بلحاظ دخل وجوده في تحقق العمل في الخارج من دون أن يكون له دخل في أصل
المصلحة المترتبة على العمل وهذا هو الشرط الرابع أن يكون اعتباره بلحاظ دخل عدمه
في العمل
بأحد النحوين وهذا
يعبر عنه بالمانع فلو كان لعدمه دخل في ترتب المصلحة على العمل يكون مانعا في عالم
المصلحة ولو كان لعدمه دخل في تحقيق وجود العمل في الخارج يكون مانعا عن وجود
العمل.
الخامس أن يكون
اعتباره بلحاظ دخل عدمه في تحقق الهيئة الاتصالية المعتبرة في بعض الأعمال وهو
المسمى بالقاطع والفرق بينه وبين المانع أن القاطع ما كان قاطعا للهيئة الاتصالية
ومانعا عن وجود الجزء الصوري المعتبر فى العمل والمانع ما كان مانعا عن تحقق أصل
الماهية بجزئها المادي واذا الشارع عبر عن بعض الأشياء بالقاطع يكشف اعتبار جزء
صوري في العمل وهو الهيئة الاتصالية وذلك وارد في خصوص باب الصلاة وتشخيص موارده
موكول إلى مراجعة محله.
إذا عرفت ذلك فاعلم
أنه لا مجال للتمسك بالاستصحاب عند الشك في مانعية شىء من جهة الشبهة الحكمية وذلك
لأن غاية ما يمكن أن يقال بالاستصحاب فيه أمران :
أحدهما استصحاب
عدم مانعية الأمر الموجود.
الثاني صحة
الأجزاء السابقة ولا يصح الأول لعدم الحالة السابقة فيما شك في مانعية شىء فيجرى
فيه الاشتغال أو البراءة على الخلاف في مسئلة الشك فى باب الأقل والأكثر
الارتباطين.
وأما الثاني فان
كان المراد منه صحة مجموع العمل فهو ضرورى البطلان لأن الفرض كونه بعد في أثناء
العمل وان كان المراد منه صحة الأجزاء السابقة المأتى بها.
أما بمعنى كونها موافقة
للامر بأن يكون الأمر الضمني بمعنى المتعلق بالاجزاء في ضمن الأمر بالكل.
وأما بمعنى ترتب
الأثر لو انضم إليها باقي الأجزاء وكل
منهما لا تصحح
الأجزاء اللاحقة فان قلت فرض الصحة في المقام بمعنى الموافقة للامر غير صحيح لكون
الكلام في الواجبات الارتباطية فلا تحصل موافقة الأمر للاجزاء منها إلا بعد تمامية
العمل بحيث لو أختل الجزء الأخير منها لما كان الباقي صحيحا ولما حصل به الامتثال
أصلا بالنسبة الى الجزء الأول قلت هذا الاشكال يسرى ولو كان عدم حصول الامتثال
لقصور في الأجزاء المأتى بها كما إذا أتى بالجزء فاسدا.
وأما إذا كان لا
لقصور فيها بل لقصور في الأمر بمعنى كون الأمر خاصا غير قابل للشمول فلا موقع لهذا
الاشكال وما نحن فيه من هذا القبيل لأن المفروض هو أن الأجزاء المأتي بها لا شك في
عدم قصورها عن شمول الأمر لها وإنما الشك في شمول الأمر لها من جهة الشك فى المانع
والقطع حاصل بكون الأجزاء المأتي بها موافقة للامر بالمعنى المتقدم. نعم لو كان
المراد كونها موافقة للامر الفعلي بمعنى عدم قصور حتى في انطباق الأمر عليها لكان
من الأول مشكوكا فلا يجري الاستصحاب أيضا لعدم تحقق اليقين السابق فلو كان المراد
الصحة بمعنى موافقة الأمر لا يجري الاستصحاب لعدم الشك فيها إذا القطع حاصل بكونها
موافقة للامر بها بالمعنى المتقدم ولو كان المراد الصحة بمعنى ترتب الأثر فلا يصح
الاستصحاب أيضا لعدم العلم بتحقق ذلك فلا يقين لكي يستصحب هذا ولكن الشيخ (قده)
ادعى جريان استصحاب الصحة بالنسبة إلى مجموع العمل وبالنسبة إلى الأجزاء المأتي
بها أيضا.
أما جريانه في
مجموع العمل فلانه وإن لم يكن مأتيا به بل كان بعد في أثناء العمل ولكنه من
المتيقن أن المجموع مع هذا المشكوك على تقدير تحققه نشك في ترتبه فيجري فيه
الاستصحاب وقد يقرر يوجه آخر وهو أن الاستصحاب التنجزي وإن لم يكن له محل في
المقام لعدم
وجود الكل بالفرض
لكونه بعد في الأثناء ولكنه لا مانع من الاستصحاب التعليقي بمعنى أن مجموع الأجزاء
على فرض وجودها قبل هذا المشكوك مما نقطع بكونها مؤثرة فيما يترتب عليها من الآثار
وتلك الأجزاء بعينها لو فرض وجودها مع هذا المشكوك وبعد الاتيان به نشك في كونها
مؤثرة فيستصحب مؤثريتها والاشكال عليه باختلاف الموضوع لكونه في القضية المتيقنة
مجموع الأجزاء مع عدم هذا المشكوك في القضية المشكوكة وهى الأجزاء المشتملة على
المشكوك فلم يتحد الموضوع مدفوع بأن وجود المشكوك وعدمه بالنسبة إلى المجموع يعد
من الحالات في نظر العرف وإن الموضوع هذه الأجزاء والصلاة في كلتا القضيتين فلا
اختلاف فيه بحسب الموضوع عرفا بالاضافة الى الأجزاء المأتي بها كما أنه لا اشكال
فيه في وحدتها لو انضمت اليها باقي الأجزاء فمع وجود هذا المشكوك
__________________
نشك في مؤثريتها
فيستصحب ترتبها وتوهم عدم أثر شرعي مترتب على هذا الاستصحاب لأن عدم وجوب الاعادة
والاستيناف أثر عقلي مدفوع بما قد تقدم من أنه يعتبر في الاستصحاب أن يكون له أثر
عملي هذا ويمكن الاشكال عليه بأن المراد من مجموع الأجزاء على تقدير وجودها قبل
هذا المشكوك وبعده وليس إلّا عبارة أخرى عن العمل الخالي عن مشكوك المانعية فليس
لنا يقين سابق وشك لا حق متعلقين بشىء واحد لأن العمل الخالي عن المشكوك يكون
مشكوك الصحة من الأول فلا يكن شكا في بقاء ما كان على ما كان اللهم إلّا أن يقال
بأن المشكوك المانعية الطارئ لما كان مما يعد من حالات الموضوع فلا اخلال له في
حفظ الموضوع في القضيتين فيتم أركان الاستصحاب من يقين وشك لاحق هذا كله في
المانعية.
وأما القاطعة اذا
فرض حصول الشك في كون شىء قاطعا فيجري فيه جميع الامور المتصورة في استصحاب الصحة
في الشك في المانعية مضافا إلى جهة أخرى لم يكن متصورة في الشك في المانعية وهو
استصحاب بقاء الجزء الصوري الذي هو عبارة عن الهيئة الاتصالية الثابتة للصلاة بين
أجزائها .
__________________
لأنه كان متيقنا
سابقا قبل تحقق المشكوك القاطعية فيشك في بقائه فيستصحب فلا إشكال فيه إلا الاشكال
على الاستصحاب في الأمور التدرجية لأن الهيئة الاتصالية في الصلاة أمر تدريجي
ينقضي وينعدم لكونها قائمة بوجود الأجزاء التي كانت تدريجية فتكون تابعة لها في
التقدم والتأخر وإلى ذلك يرجع ما ذكره الشيخ الأنصاري (قده).
والجواب هو الجواب
عن أصل الأشكال في الأمور التدرجية بأن الموضوع فيها هو أمر عرفي وان العرف يرى ما
يكون حادثا عين ما سبق ولو مسامحة وليس الموضوع في الاستصحاب دقيا.
__________________
ولكن لا يخفى أنك
قد عرفت بأنه يمكن إجراء استصحاب عدم تحقق القاطع في الصلاة بهذا المشكوك وهو وإن
لم ينقح حال المشكوك حيث لا يحتاج إلى تنقيحه لكفاية إحراز صلاة لم يتحقق فيها
القاطع في مقام الامتثال.
نعم لا تحتاج إلى
إحراز بقاء الهيئة الاتصالية حيث أن استصحاب عدم وجود القاطع كان بالنسبة إلى
إحراز ذلك مثبتا ولا نقول بحجيته
التنبيه الثالث
عشر :
لا إشكال في عدم
جريان الاستصحاب فيما لو كان على خلافه دليل اجتهادي ولو لم يكن مفيدا للقطع على
خلافه فلو كان هناك عام متكفل بعمومه لحكم الموضوع بالنسبة إلى زمان خاص كما إذا
ورد أكرم العلماء أبدا وفي كل يوم فلا مجال لاستصحاب عدم وجوب إكرام العالم
وإنما الكلام فيما
إذا ورد تخصيص لذلك العام في قطعة من الزمان كما لو قال لا تكرم زيدا يوم الجمعة
فيشك في إكرامه في يوم السبت وأنه داخل تحت حكم العام فهل يرجع إلى عموم العام
مطلقا أو يرجع الى
__________________
استصحاب حكم
المخصص مطلقا أو يفصل بينما إذا كان التخصيص في الأول أو الآخر فالأول وبينما اذا
كان في الوسط فالثاني وجوه بل أقوال
__________________
قد اختار الشيخ (قده)
التفصيل وقد استدل لوجوب الرجوع إلى العام فيما إذا أخذ الزمان فيه قيدا بأن عموم
الحكم في ظرف العام
__________________
بالنسبة الى
الزمان يكون افراديا كعمومه بالنسبة الى الافراد بنحو يكون كل زمان حينئذ مأخوذا
موضوعا مستقلا لحكم مستقل فاذا كان للعام
__________________
أفراد عشرة وأفراد
الزمان أيضا عشرة فبالنسبة إلى كل فرد من الزمان ينحل حكم العام إلى أحكام عشرة
كما أنه بالنسبة إلى أفراده
__________________
ينحل الى أحكام
عشرة فينحل الحكم الى مائة حكم فاذا قال أكرم العلماء في كل يوم فكأنه بالنسبة الى
كل فرد منهم قال أكرمه في هذا
__________________
الزمان وذاك
الزمان وهكذا فاذا أخرج من تحت هذا العام فرد في زمان خاص من تلك الأزمنة مثلا ورد
لا يجب اكرام زيد في يوم الجمعة وشك في حكم ذلك الفرد في الزمان الآخر فلا شبهة في
أنه لو كان محكوما بحكم المخصص يلزم تخصيص الزائد بالنسبة إلى الزمان المشكوك لأن
من شرطه اتحاد الموضوع في القضية المشكوكة مع المتيقنة والمفروض في المقام تعدد
الموضوع باعتبار كون كل زمان فردا مستقلا وموضوعا لحكم مستقل فالاستصحاب في مثله
يرجع إلى اسراء حكم من موضوع إلى موضوع آخر لا إسراء حكم لموضوع واحد.
قال لصاحب الكفاية
(قده) في مقام الاضراب بعد موافقته في أصل الدعوى ولكن قيد ذلك يعني عدم الرجوع
إلى الاستصحاب ولو مع عدم العام بما إذا أخذ الزمان في الخاص أيضا قيد لا ظرفا
وذلك لأنه كما يؤخذ الزمان في ظرف العام قيدا كذلك يمكن أخذه في ظرف الخاص أيضا
قيدا ويمكن أن يؤخذ في ظرف الخاص ظرفا محضا فاذا أخذ في ظرف الخاص قيدا فلا يجوز
الرجوع إلى الاستصحاب ولو مع عدم العام.
وأما إذا أخذ ظرفا
فمع وجود العام يكون هو المرجع كما تقدم
وأما مع عدمه
فالمرجع هو استصحاب حكم المخصص لعدم كونه من إسراء حكم من موضوع إلى موضوع آخر بل
هو إسراء حكم للموضوع الواحد وقد استدل لكون المرجع هو استصحاب حكم المخصص فيما
اذا أخذ الزمان في ظرف العام ظرفا لا قيدا بأن الزمان لبيان استمرار حكم واحد محضا
من غير أن يكون لكل زمان حكما مستقلا فحينئذ فاذا أخرج من تحت العام فرد منه في
يوم الجمعة مثلا وشك في يوم السبت في حكمه فلا مجال للتمسك بالعام لخروج هذا الفرد
من
تحته وبقائه على
الخروج في زمان الشك لا يستلزم تخصيصا زائدا فالمرجع حينئذ هو استصحاب حكم الخاص
لكونه اسراء حكم لموضوع واحد لاسراء حكم من موضوع الى موضوع آخر بل لو لم يكن
استصحاب فلا مجال للرجوع الى العام أيضا بل لا بد من الرجوع الى دليل آخر ووافقه
صاحب الكفاية في الرجوع الى الاستصحاب فيما لو أخذ الزمان ظرفا في ظرف العام لا
مطلقا بل فيما اذا أخذ في ظرف الخاص أيضا ظرفا
وأما لو أخذ في
ظرف الخاص قيدا فلا مجال للرجوع الى استصحاب حكم المخصص ولا يرجع الى العام أيضا
لأنه اسراء حكم من موضوع الى غيره لاسراء حكم لموضوع لواحد ثم ظاهر كلام الشيخ في
هذا القسم عدم الرجوع الى العام مطلقا.
ولكن صاحب الكفاية
قد فصل بين ما اذا كان خروج الفرد تحت العام وخصص بعد ورود العام فيما لو جعل في
ظرف العام فوافقه وبين ما اذا خصص من الأول كما يظهر من بعض كلماته فخالفه وقال
فيه بامكان الرجوع الى العام دون الاستصحاب ووجهه أنه لو كان الخروج من الأول فلا
يلزم بالنسبة إلى المخصص خروجه ويلزم رفع اليد عن اطلاق استمرار حكم هذا الفرد من
الأول لا أصل رفع اليد عن شمول العام له بالنسبة الى مقدار ما لم يدل دليل المخصص
على خروجه.
ونتيجة هذا البحث
وثمرته تظهر بالنسبة إلى مثل أوفوا بالعقود وما ورد من الدليل على الخيار بالنسبة
الى أول زمان العقد وشك في الزائد عن المقدار المتيقن كخيار المجلس بالنسبة الى
الزائد من المقدار المتيقن منه وبالنسبة إلى ما ورد من الخيار في الأثناء كخيار
الغبن بناء على كون ظهور الغبن موجبا للخيار ولو شككنا في أنه فوري أو متراخي فانه
على مسلك الشيخ لا موقع للرجوع الى العام كأوفوا بالعقود بالنسبة
الى زمان الشك
بناء على كون الزمان فيه ظرفا بل لا بد من الرجوع الى استصحاب الخيار وبناء على
مسلك الكفاية الأمر كذلك في المثال الثاني دون المثال الأول فلا بد من الرجوع الى
عموم أوفوا بالعقود دون الاستصحاب.
ولا يخفى أن هذه
الثمرة مع الاغماض عما سيجيء تترتب لو كان معنى الوجوب الوفاء بالعقد وجوب ابقاء
العقد ووجوب حفظه على أن يكون المراد من وجوب الوفاء هو الوجوب الوضعي الراجع الى
الارشاد بأن العقد اذا وقع فلا يزول بالفسخ الذي هو حكم وصفي وعليه يكون نفس دليل
الخيار مضادا للعلم فلا بد من تخصيصه به فحينئذ يكون مجالا لتلك الثمرة.
وأما بناء على كون
معنى وجوب الوفاء بالعقد وجوب ترتب الأثر على طبقه ما دام باقيا من دون أن يكون
هذا الحكم متكفلا لحفظ الموضوع بل كان بالنسبة إليه مشروطا بوجوده وبقائه فنفس
دليل الخيار لا يكون مضادا للعموم لعدم كونه مزيلا للعقد ولا لحكمه بل المضاد هو
الفسخ الخارجي الفعلي فحينئذ فلا يكون ثمرة النزاع جارية فيه لأنه لو وقع الفسخ
بالنسبة إلى زمان نقطع بثبوت الخيار فيه فلا إشكال في أنه يوجب زوال العقد فيزول
الحكم بزوال موضوعه ولو وقع بالنسبة إلى زمان الشك فيكون راجعا إلى الشك في أصل
التخصيص فيرجع الى عموم العام فينكشف منه عدم تأثير الفسخ وحيث أن الحق هو
الاحتمال الثاني كما حققناه في محله فلا ثمرة لهذا البحث بالنسبة إلى عموم أوفوا
بالعقود وبالنسبة إلى دليل الخيار ثم على فرض تسليم كون معنى أوفوا هو الاحتمال
الأول فما ذهب إليه في الكفاية من أنه لو خصص الأول يرجع إلى عموم العلم بالنسبة
إلى الزائد عن المقدار المتيقن يتم لو كان استفادة إطلاق الحكم بالنسبة إلى قطعات
الزمان لكل فرد من
جهة مقدمات الحكمة
فانه بناء عليه لا بد من الاكتفاء بالقدر المتيقن من التعبد.
وأما بالنسبة إلى
الزائد فعموم العام هو المحكم وأما لو كان استفاد هذا الاطلاق والاستمرار من جهة
استفادة ظهور العقد في كونه بحدوثه علة مقتضيا لوجوب الوفاء إلى الأبد فمعناه أن
حدوثه إذا خرج عن العلية بدليل الخيار فلا مجال لدخوله تحت العام ثانيا وبعبارة
أخرى نحن نستفيد الدوام من جهة ظهور اللفظ في كون العقد بحدوثه علة لاستمرار الحكم
بوجوب الوفاء فالاستمرار تابع لكون حدوثه علة فاذا خرجت علية حدوثه لذلك فلا يبقى
مجال لشمول العام له بعد ذلك.
وحيث أن الأقوى هو
ذلك كما قررناه في محله فلا مجال للرجوع الى العام ولو خصص من الأول كما لا يخفى.
التنبيه الرابع
عشر :
إذا تعذر بعض
أجزاء المركب فهل يمكن إثبات بقاء الوجوب لبقية الأجزاء بالاستصحاب فيه إشكال لأن
الوجوب الثابت لها قبل طرو تعذر الجزء المتعذر فيه كان ضمنيا والمشكوك وجوب نفسي
مستقلا فلا يعقل استصحاب الوجوب الضمني لاثبات الوجوب النفسى بل ليس لنا شك في
بقاء الوجوب الضمني للقطع بانتفائه ويمكن تقريره بوجوه
الأول أن يستصحب
وجوب الثابت للاجزاء قبل تعذر الجزء بالمسامحة في طرف الوجوب بأن يقال كان الوجوب
ثابتا للاجزاء الباقية في حال التمكن من الجزء المفقود فيشك في بقاء هذا الاجزاء
في حال
التعذر عن الجزء
فتستصحب بقائه والوجوب وإن كان ثابتا لباقي الأجزاء فكان وجوبا ضمنا إلا أن العرف
يتسامح ويرى الوجوب الباقي النفسي كان هو الوجوب السابق وبعبارة أخرى لا يرى
__________________
الضمنية والنفسية
إلا من الحالات بحسب العرف فلا يوجب تعدد الموضوع.
__________________
الثاني أن يستصحب
القدر المشترك بين الوجوب النفسى والضمني بأن يقال كان الجامع بين الوجوب النفسى
والضمني متحققا في ضمن الفرد والمقطوع الارتفاع هو المفقود جزءه فتشك عند تعذر ذلك
الفرد بسبب تعذر جزئه في وجوب يقينه الأجزاء فيقال بأن الأصل بقاء القدر المشترك
ويثبت به مطلق الوجوب والمطلوبية والمقصود وان كان اثبات الوجوب النفسى المستقل
إلّا ان العرف يتسامحون بعد اثبات مطلق الوجوب في المستصحب ولا يرون القدر المشترك
في الخارج مغايرا مع الوجوب النفسى ،
وحاصل هذا الوجه
يرجع إلى استصحاب القسم الثالث من استصحاب الكلي الثالث أن يقال بجريان استصحاب
الوجوب النفسى بالمسامحة في موضوع المستصحب وتقريره أن يقال بأن معروض الوجوب
النفسى في السابق هو الأجزاء الباقية مع اتصافها بوجود الجزء المتعذر إلّا أنه يشك
في أن مدخلية هذا الجزء لوجوبها كان مختصا مجال الاختبار وحتى يكون تلك الأجزاء
الباقية على وجوبها باقية عند تعذر الجزء أو
__________________
كان مدخليته على
نحو الاطلاق حتى لا يكون باقية فيستصحب فان هذا الجزء يعد من الحالات عند العرف.
ولا يخفى أنه مع
قطع النظر عن المناقشات الواردة على كل واحد من هذه الوجوه الثلاث كما يظهر لمن
راجع كلام للشيخ (قده) يرد عليها برأيه الثلاث بأنها محكوم أو يعارض باستصحاب قضية
تعليقة المتيقنة الثبوت سابقا مع الشك في بقائها عند القطع بحصول المعلق عليه
وبيان ذلك أنه لا إشكال في أنه قبل تعذر الجزء المفقود ما كان باقي الأجزاء متصفا
بالوجوب لو أتى بها مع عدم الجزء المفقود فيتجمع وما ينطبق عليها الوجوب لو كان
الجزء المفقود منفكا عنها ففي حال التعذر والقطع بانفكاك الجزء يستصحب عدم وجوبها
وبه يرتفع الوجوب عن باقي الأجزاء ومعه لا يبقى شك في وجوبها فيكون هذا الاستصحاب
حاكما على استصحاب الوجوب وعلى فرض عدم الحكومة يكون معارضا فيتساقطان ولا يبقى
مجال للتمسك باستصحاب الوجوب لاثبات وجوب بقية الأجزاء ولذا لم يتمسك أحد من
الاستصحاب غير الشيخ (قده) بالاستصحاب لاثبات وجوب باقي اجزاء المركب عند تعذر بعض
أجزاءه بل تراهم يتمسكون في ذلك بقاعدة الميسور وبقاعدة ما لا يدرك كله ويظهر صدق
ذلك بالمراجعة إلى الفقه كما لا يخفى.
التنبه الخامس عشر
:
إنه قد ورد في
أخبار الباب النهي عن نقض اليقين بالشك ويظهر من ذيلها حصر جواز نقض باليقين فقط
فيستفاد منه حرمة نقض اليقين بغيره مطلقا سواء كان الناقض هو الشك بالمعنى الأخص
أو كان الظن الغير
المعتبر والتعبير
بالشك لعله كان من باب الاكتفاء بالفرد الغالب من قبيل وربائبكم الآتي في حجوركم
وبهذا البيان قد انقدح بأنه لا نحتاج في إثبات جريان الاستصحاب في مورد الظن الغير
معتبر إلى تكلف بحمل الشك في .
__________________
الاخبار على خلاف
اليقين مع أنه خلاف الظاهر من الشك ما يقابل الظن واليقين لا ما يقابل اليقين فقط
ثم الظن الذي لم يكن بمعتبر تارة كان مما فيه اقتضاء عدم الحجية لأجل تعلق النهي
به كالقياس وأخرى نعلم بأنه لم يكن فيه اقتضاء الحجية فلم يجعله حجة بمعنى أنه لا
نعلم عدم حجية من قبل الشارع فلا اشكال في جريان الاستصحاب في موردها لأنه نقض
اليقين بغير اليقين فيحرم وثالثه نعلم بحجيته فلا إشكال فيه ايضا في عدم جريانه في
مورده لكونه من قبيل نقض اليقين باليقين التنزيلي الشرعي كما سيجيء ورابعة كان مما
نشك في حجيته شرعا
__________________
بمعنى أنه تحتمل
أن الشارع جعله حجة ففي مثله لو قيل بجريان الاستصحاب بمقتضى عموم لا تنقض اليقين بغير
اليقين لكان ذلك من قبيل التمسك بالعام في الشبهة المصداقية لأن المفروض نحتمل أن
يكون هذا الظن القائم على خلاف الاستصحاب قد جعله الشارع بمنزلة اليقين فيكون
اليقين السابق منتقضا باليقين الشرعي واقعا.
وما يقال بأنه مع
الشك في الحجية فلا يتم البيان بالنسبة إلى الواقع ولهذا نقول لا يرفع بذلك موضوع
حكم العقل يقبح العقاب بلا بيان فيكون الشك بالنسبة إلى الحكم الفعلي باقيا بحاله
مدفوع بأنه وإن لم يكن لنا قطع ويقين بالنسبة إلى الحكم الظاهري الفعلي بل من جهة
عدم وصول البيان نقطع بعدم حكم ظاهري فعلى على خلاف الاستصحاب ولكن الظاهر أن
المراد بالشك في باب الاستصحاب هو الشك بالحكم الواقعي كما كان اليقين به أيضا
كذلك فلا بد من إحراز كون المقام من قبيل نقض اليقين بالحكم الواقعي بالشك بمعنى
عدم اليقين بخلافه وليس الأمر في المقام كذلك لاحتمال كون المقام من قبيل نقض
اليقين بما جعله الشارع يقينا بالحكم الواقعي كما لا يخفى.
وتحقيق المقام
متوقف على بيان كون الشك في التخصيص كما يرجع إلى عموم العام كذلك الشك في ورود
الحاكم على خلاف العام أيضا كذلك كما يستفاد من كلام المشهور من أن الحكومة مرجعها
إلى تخصيص أم لا وتوضيح ذلك أنه لا شك في أن التخصيص عبارة عن رفع الحكم العام
بالنسبة إلى بعض ما هو المعلوم من أفراده مع حفظ كون الفرد مما ينطبق عليه العام
ومن هذه الجهة يكون دليل التخصيص مزاحما ومعارضا لكبرى الكلية المتكفل لحكم العام
بالاضافة إلى مورد المخصص غايته من جهة الأقوائية يقدم الخاص على العام فالعام
يكون حجة بالنسبة إلى
كل فرد من أفراده
ما لم يكن حجة أقوي على خلافه فمع الشك في الشبهة الحكمية لم نعلم بانطباق العام
على المورد بالوجدان فيرجع إلى أصالة العموم.
وأما باب الحكومة
فليس أمرها كذلك لأن دليل الحاكم ليس مزاحما لدليل المحكوم ومعارضا له في الحكم مع
اتحاد الموضوع بل مرجعه بلسان نفى تطبيق موضوع دليل المحكوم على المورد فاذا ورد
عام كأكرم كل عالم ثم قطعنا بأن زيدا ليس بعالم فليس خروج زيد من باب المعارضة
لذلك للعام ولو كان من وجه ما لورد من قبل الشارع نفى العلم عن زيد مع أنه عالم
حقيقة فهل هذا أيضا ليس مناف لحكم العام أو هو يتنافي مع حكم العام فمن يقول بأن
الحكومة مرجعها إلى التخصيص يقول بالثاني ومن يقول لا ترجع يقول بالأول وبعبارة
أخرى من يقول بعدم رجوع الحكومة إلى التخصيص يقول في المثال المذكور لو شكلنا
وجدانا في كون زيد عالما لا يمكن التمسك بعموم أكرم كل عالم للشك في أصل انطباق
العام عليه وجدانا فلو شككنا بورود دليل كان بلسان الحكومة فمرجع هذا الشك إلى
الشك في أن هل كان موضوع العام منطبقا كما أنه ينطبق عليه وجدانا أو ليس بمنطبق
عليه شرعا لرفع الشارع انطباقه فكيف يمكن التمسك بالعموم ولكن مع ذلك الحق مع
المشهور لعدم إمكان رفع اليد عما هو حجة فعليه أعني العموم بمجرد هذا الشك ولا
يمكن التشبث بمثل ذلك لرفع اليد عن العموم.
الخاتمة
في لواحق
الاستصحاب وفيها أمور : الأول ـ أنه لا إشكال في أن مفاد لا تنقض اليقين بالشك
يرجع إلى حرمة نقض اليقين بشيء بالشك به فيكون بمقتضى اتحاد الضمير والمرجع متعلق
اتحاد اليقين والشك وهو مفاد الأخبار وكون الشك بالبقاء واليقين متعلقا بالحدوث لا
ينافي اتحاد المتعلق لأن بقاء الشيء من شئون نفس هذا الشيء ويكون عين حدوثه وجودا
فلا يعقل تحقق المجرى للاستصحاب إلا مع اتحاد قضية المشكوكة مع القضية المتيقنة
موضوعا ومحمولا كما في عبارة الكفاية
__________________
وإلا مع بقاء
الموضوع والمراد به ما كان معروضا للمستصحب كما في عبارة الشيخ (قده) واختلاف
تعبير الكفاية مع تعبير الشيخ (قده) لأجل إشكال صاحب الكفاية على الشيخ قال الشيخ (قده)
والمراد ببقاء الموضوع اعتباره على نحو كان في القضية المتيقنة فان كان معروض
المستصحب فيها باعتبار وجوده الخارجي فيعتبر بقاؤه كذلك في حال الشك وإن كان
معتبرا ومعروضا له بالنظر إلى نفس الماهية المقررة مع قطع النظر عن وجودها الخارجي
فيعتبر
__________________
بقاؤه كذلك فاذا
أريد استصحاب قيام ما كان القيام ثابتا له باعتبار وجوده في الخارج فيعتبر في ظرف
الاستصحاب إحراز بقائه كذلك
وإذا أريد استصحاب
الحياة فحياته التي كانت له لا باعتبار وجوده في الخارج بل باعتبار نفس ماهيته
وإلّا يلزم اتصاف الوجوب بالوجود في الخارج وهو باطل لكونه ظرف السقوط فيعتبر في
استصحاب بقاء تلك الماهية على نحو تقومها في السابق ثم قد أقام البرهان على اعتبار
بقاء الموضوع بهذا المعنى بأنه لو لم يكن باقيا على نحو ثبوته في زمان اليقين وحكم
بقاء المحمول أعني المستصحب مع الشك فى بقاء الموضوع للزم.
إما وجوب العرض
بلا موضوع أو انتقاله من موضوع الى موضوع آخر بكلي شقيه باطل لما تقرر في موضعه
وكذا المقدم وأورد عليه صاحب الكفاية بأن الاستصحاب لا يثبت نفس الحكم الواقعي
والمحمول النفس الأمري للموضوع حتى يلزم ما ذكر بل إنما هو حكم تعبدي فى مرتبة
الشك بثبوت الحكم الواقعى وبقائه التعبدي الذي مرجعه إلى الحكم بترتب الآثار عليه
غير موجب لانتقال العرض من موضوع إلى موضوع آخر فيمكن تحققه عند الشك فى بقاء وجود
زيد الموجب للشك في بقاء المحمول فيحكم ببقاء المحمول تعبدا.
ولكن لا يخفى ان
هذا الاشكال لا يرد بناء على القول بعدم حجية الاستصحاب في الشك في المقتضي بيان
ذلك أنه لا إشكال في أن المحمول العارض للموضوع هو الموجود في الموضوع بمعنى أن
وجوده بنفسه عين وجوده في موضوعه ولا يكون له استعداد للوجود في نفسه بل استعداده
إنما هو فى الموضوع فلو علم بوجود المقتضى والاستعداد لوجود العرض فهو
وأما لو شك في
بقاء الموضوع يكون ذلك شكا في المقتضى وليس ذلك موردا للاستصحاب.
وأما استدلاله
المذكور فمرجعه إلى أنه لو لم يكن الموضوع باقيا لم يعلم بوجود المقتضى فلو حكم
ببقاء المحمول والحال هذا لزم أحد الأمرين وكلاهما محال حيث لا يراد من بقاء العرض
بقاءه الفعلي لكي يقال أن بقاءه تعبدي لا واقع له بل مراده بقاء استعداده فحاصل
مراده في الاستدلال أن استعداد وجود العرض لو كان باقيا بلا موضوعه الذي يكون
استعداده ببقائه لزم.
أما وجود العرض
بلا موضوع يعني يلزم أن يكون استعداد بنفسه
وأما وجود
استعداده في موضوع آخر فيلزم انتقال العرض من موضوع إلى موضوع آخر مع أنه محال
وعلى كل حال لما لم يكن ما ذكره الشيخ مرضيا عند صاحب الكفاية (قده) لذا عدل عما
اعتبره الشيخ قال بأنه يعتبر اتحاد القضية المشكوكة مع القضية المتيقنة من حيث
الموضوع والمحمول فاذا كان زيد قائما مقطوعا به سابقا ثم شك في بقاء القيام لزيد
ولو من جهة الشك في الموضوع لا مانع من استصحاب بقاء قيامه لأن الشك تعلق بعين ما
تعلق به اليقين ولا نحتاج إلى إحراز بقاء وجود زيد في استصحاب القيام لترتب الآثار
الشرعية المترتبة عليه.
نعم قد يكون الأثر
الشرعي مما يكون ثبوته له متوقعا على احراز بقاء الموضوع كالعدالة الثابتة لزيد
بالنسبة الى جواز الاقتداء به حيث أن جواز الاقتداء به لا يمكن احرازه الا بعد
احراز وجوده ففي ترتب مثل هذا الأثر يحتاج الى احراز وجود الموضوع وهذا لا يوجب أن
يكون احراز بقاء الموضوع مما له دخل فى أصل تحقق مجرى الاستصحاب بل ذلك ناشئ من
جهة خصوصية الأثر فان اشباع زيد عند قيامه المحرز بالاستصحاب لا يمكن إلّا بعد
تحقق وجوده ولكن أنت خير بأن توقف الآثار على احراز وجود الموضوع في القسم الأخير
من جريان
الاستصحاب انما
يتم بناء على أن مرجع الاستصحاب الى جعل مماثل حكم الموضوع فانه بناء عليه لما كان
من شرط وجوب إكرام زيد عند قيامه القدرة على الاكرام ومع الشك في وجود الموضوع نشك
فى القدرة عليه وهو يوجب الشك في شمول خطاب لا تنقض مع الشك في الموضوع
وأما بناء على كون
مرجعه إلى الأمر بالمعاملة عمل اليقين فلا مانع من جريانه حتى مع هذا الشك فان من
آثار اليقين بوجود المستصحب هو حكم العقل بلزوم تحصيل مقدمات العمل ولو مع الشك في
القدرة وبالاستصحاب يمكن إثبات وجوب ذلك فيثبت بالاستصحاب إيجاب الاحتياط باتيان
المقدمات ولو مع الشك في القدرة على أصل الاتيان بالواجب ثم أن ظاهر كلام صاحب
الكفاية في عدم اعتبار بقاء الموضوع وكفاية اتحاد القضية المشكوكة مع المتيقنة عدم
الفرق في ذلك بين ما إذا كان المستصحب مما يكون مأخوذا في مقام جعله موضوعا بنحو
مفاد كان الناقصة وبين أن يكون بنحو كان الناقصة فلا كان فرق بين أن يكون وجوب
التصدق بالدرهم مترتبا على وجود قيام زيد وبين أن يكون مترتبا على ثبوت القيام
لزيد لاتخاذ القصتين في كليهما
الأمر الثاني في
ملاك الاتحاد هل يكون بالدقة العقلية أو بحكم العرف بالنظر إلى لسان الدليل أو
بحكم العرف بالنظر الى المسامحة الارتكازية وقبل تنقيح المعال ينبغي أن يقال بأنه لا إشكال في
__________________
اختلاف الاعتبارين
ضرورة أنه ربما يكون الاتحاد بالدقة العقلية
__________________
حاصلا بمعنى أن
الموضوع في القضية المشكوكة بالدقة العقلية يكون عين
__________________
الموضوع في القضية
المتيقنة وقد لا يكون كذلك كما بالنسبة إلى الاعتبارين
__________________
الآخرين كاللون
مثلا تبدل مرتبة شديدة منه التي كانت متيقنة وشككنا
__________________
في بقاء مرتبة
ضعيفة منه فان المرتبة الضعيفة المشكوكة بقائها بعينها كانت موجودة في ضمن المرتبة
الشديدة ولولاها لم يكن شكا في بقاء ما كان سابقا بالدقة ولكنه لا يساعد على
الاتحاد العرف ولسان الدليل وربما يكون الأمر بالعكس كما أنه ربما يقع الاختلاف في
اعتباري العرف بحسب نظره المسامحي وبحسب نظره إلى مفاد الدليل فلو ورد الماء
المتغير ينجس كان بحسب مفاد الدليل موضوع حكم القضية المتيقنة هو الماء بوصف
التغير ولكن العرف يتسامح ويرى الموضوع نفس الماء ويحكم بكون التغير من الحالات
كما إذا ورد الماء يتنجس إذا تغير كان الموضوع هو الماء كما أنه بحسب نظر الدليل
قد يفرق بين التعبير في لسانه من دون نظر المسامحي فاذا اتحد الموضوع بجميع
الاعتبارات فلا إشكال في جريان الاستصحاب لأنه القدر المتيقن.
وأما مع الاختلاف
فلا إشكال أيضا أنه لا يمكن الجمع بين اللحاظات الثلاث وذلك من جهة أنه ليس لنا في
المقام إلّا قوله لا تنقض اليقين بالشك وقد تقدم بأن مرجعه إلى النهي عن نقض
اليقين بشيء بالشك ومن المعلوم أنه لو كان المراد من الشىء الذي كان متعلق اليقين
هو ذلك الشيء بالدقة العقلية بأن كان ما تعلق به اليقين عبارة مما تعلق به الشك
بالدقة العقلية فلا شبهة في أن هذا المعنى ينطبق على الشك الساري الذي تعلق فيه
الشك يعني ما تعلق به اليقين من جميع الجهات حتى حدوثا وبقاء ولا ينطبق على الشك
الطارئ الذي هو الملاك في باب الاستصحاب لعدم ما تعلق الشك بعين تعلق به اليقين
فان اليقين متعلقه هو الحدوث والشك متعلقه هو البقاء ومن المعلوم
__________________
أن بقاء الشيء غير
حدوثه ولهذا لم يجتمع الشك واليقين في زمان واحد في باب الاستصحاب.
الأمر الثالث : هل
من الممكن شمول اخبار الباب للاستصحاب وقاعدة اليقين أم لا.
الحق عدم إمكان
ذلك لأن مرجع الضمير المقدر في قوله (ع) لا تنقض اليقين بالشك هو ذلك الشيء.
أما أن يكون نفس
ذلك الشيء بالدقة حتى بالنسبة إلى زمانه من دون مسامحة أصلا فهو ينطبق على
القاعدة.
وأما أن يكون
المرجع ذلك الشيء بالنظر المسامحي العرفي فيكون منطبقا على الاستصحاب والجمع بين
هذين اللحاظين لا يمكن مع أنه يلزم استعمال لفظ واحد في أكثر من معنى واحد وحيث لا يمكن إرادة خصوص قاعدة
__________________
اليقين من الاخبار
لمنافاتها لمورد الروايات فيتعين إرادة الاستصحاب ولازمه ذلك اعتبار المسامحة
العرفية في متعلق الشك واليقين وببيان آخر
__________________
إرجاع الضمير
المحذوف أي فيه في قوله (ع) لا تنقض اليقين بالشك الراجع إلى بقاء الشيء بالدقة
العقلية على أن يكون الشك في بقاء
__________________
ما تعلق به اليقين
بالدقة الذي لا ينطبق إلا إذا كان الموضوع واحدا بالدقة العقلية إذ مع اختلاف
الموضوع بالدقة ولو بتغير بعض قيوده العقلية لم يكن متعلق الشك هو بقاء ما تعلق به
اليقين بعينه لأن متعلق اليقين مثلا لو تعلق اليقين بنجاسة الكلب بما هو حيوان
ومتعلق الشك هو بقاء نجاسته ومن المعلوم أنه مع اختلاف الموضوعين بالدقة لا يعقل
أن يكون حكم أحدهما بقاء حكم الآخر بالدقة.
وأما أن يكون
النظر في إرجاع الضمير إلى بقاء الشيء ولو مسامحة الذي لا ينافي صدق الشك في
البقاء بهذا النظر ولو مع عدم اتحاد الموضوع بالدقة ينطبق على الاستصحاب ولا يمكن
الجمع بين هذين اللحاظين في مثل قوله لا تنقض اليقين الخ. لعدم وجود لفظ كان بمدلوله
جامعا بينهما فلا بد أما من اختيار الأول أو الثاني وحيث أن خطابات الشارع منزلة
على طبق فهم العرف فلا بد أن يكون المراد هو الثاني بالنظر المسامحي العرفي أو
بالنظر إلى لسان الدليل أو العرفي الارتكازي ثم أنه وقد يتوهم إرادة الأول والثاني
وذلك فان إنشاء الاستصحاب كما عرفت هو إحراز الصغريات لكبريات الأحكام الشرعية
الثابتة لموضوعاتها المأخوذة في أدلتها ولو تعبدا فدليل لا تنقض ناظرا إلى إحراز
ذلك الموضوع تعبدا أو هو الموضوع المأخوذ فى لسان الدليل فما يفهمه العرف من
__________________
لسان الدليل هو
الموضوع وحيث أن اتحاد الموضوع في القضية المشكوكة والمتيقنة بهذا النظر كما يفهمه
العرف وأن تغايرا بالدقة العقلية لكنه توهم فاسد وذلك لأن غاية ما يستفاد مما ذكر
هو تحكيم فهم العرف فى الاتحاد.
وأما تعيين كون
الملاك بحسب لسان الدليل أو فهم العرف فيه الاتحاد بحسب الانكار فلا مع أنه يمكن
ترجيح الثاني على الأول بالتبادر وان المنساق إلى أذهانهم هو النظر العرفي
المسامحي الارتكازي بحيث لو صدر خطاب لفهموا منه ما هو الموضوع للحكم والاطلاق
يجمل على هذا المعنى بمقتضى مقدمات الحكمة فانه لو كان الموضوع غير ما يتبادر إلى
أذهانهم فلا بد من نصب قرينة ومع عدم نصب القرينة يعلم إرادة ذلك المعنى فتلخص أن
المناط في الاتحاد هو النظر المسامحي العرفي الارتكازي ثم أنه مما ذكرنا ظهر فساد
من يقول باستفادة قاعدة اليقين والاستصحاب كليهما من أخبار الباب واستصحاب القهقرى
أيضا بدعوى أن قوله لا تنقض اليقين بالشك يشمل ما لو كان الشك بنفس ما تعلق به
اليقين بأن يكون متعلقها الحدوث في زمانين كان يكون يوم الجمعة ظرف اليقين بعدالة
زيد ويوم السبت ظرف الشك في العدالة المتيقنة يعني تعلق الشك بأصل العدالة أي
بحدوثها وكان الشك في استمرار المتيقن السابق الذي هو مورد الاستصحاب كما أن
الاصول في مورد القاعدة والشك الساري فيكون معنى لا تنقض اليقين بالشك عدم جواز
نقض اليقين بحدوث شيء أو بقائه بالشك بالحدوث أو البقاء والحاصل أن المحتملات في
الرواية لا مانع من إرادة جميعها الأول عدم نقض اليقين بحدوث شىء بالشك في الحدوث
وهو مفاد قاعدة اليقين الثاني عدم نقض اليقين بالحدوث بالشك في البقاء وهو مفاد
الاستصحاب الثالث عدم نقض اليقين بالبقاء
بالبقاء بالشك في
الحدوث وهو مفاد استصحاب القهقري.
الرابع عدم نقض
اليقين بالبقاء بالشك في البقاء ويمكن تطبيقه على الاستصحاب الخامس عدم نقض اليقين
الحاصل في الحال بالشك في الاستقبال وهو مورد الاستصحاب أيضا فالاخبار نشمل قاعدة
اليقين والاستصحاب القهقري وغيره جميعا.
ولكن لا يخفى أن
ذلك محل منع يظهر مما تقدم من عدم إمكان الجمع بين اللحاظين وبعد عدم الامكان لا
بد من حمل الأخبار على الاستصحاب دون قاعدة اليقين بقرينة موردها.
وأما عدم شمول
الاستصحاب القهقري فقد تقدم من أنها تنصرف إلى تقديم اليقين على الشك دون العكس
وفي استصحاب القهقري ليس الأمر كذلك ثم أن بعض المتأخرين قالوا بامكان إرادة قاعدة
اليقين من الأخبار فقد تمسكوا لاثباتها بوجوه أخرى والحق عدم تماميته شيء منها كما
أن التمسك بقاعدة الفراغ لاثبات هذه القاعدة أيضا لا موقع له إذ قاعدة الفراغ
موردها أعم منها لجريانها ولو مع الغفلة عن الحالة السابقة المقرونة باليقين
وجريان قاعدة الفراغ في موردها لا تدل على اعتبارها لكون موردها من إحدى صغريات
موارد قاعدة الفراغ لا من جهة الشك الساري كما لا يخفى.
الأمر الرابع لا
إشكال فى أن الاستصحاب يتقوم بيقين سابق وشك لاحق فلو حصل اليقين على خلاف الحالة
السابقة فلا يبقى مجرى للاستصحاب قطعا إذ هو من موارد نقض اليقين.
وأما إذا قامت
امارة معتبرة غير مقيدة للقطع على خلاف الحالة السابقة فلا إشكال في تقديمها على
الاستصحاب وانما الشأن في وجه التقديم هل على نحو التخصص أو التخصيص أو الورود أو
الحكومة. بيان
المختار تتوقف على
معرفة معاني هذه الألفاظ فنقول.
أما الورود فهو
عبارة عن كون أحد الدليلين بجريانه رافعا لموضوع دليل المورود وجدانا وحقيقة بحيث
لو لا جريانه لكان المورود جاريا كما في الطرق والامارات المعتبرة بالنسبة إلى
الأصول العملية كالبراءة والاحتياط والتخيير حيث أن قيام الامارة تكون بيانا
للواقع فيرتفع موضوع البراءة العقلية وبقيامها على الاباحة بتحقق المؤمن ، فيرتفع
احتمال الضرر والعقوبة الذي هو موضوع حكم العقل بالاحتياط وبه يرتفع التحير الذى
هو موضوع التخيير وهذا الورود نظير التخصص.
وغاية الأمر أن في
التخصص يكون خروج المورد ذاتيا كخروج الجاهل عن عموم أكرم العلماء بخلاف الورود
فان خروج المورد عرضيا ناشئ من تصرف الشارع بدليل الوارد.
وأما الحكومة فهي
عبارة عن كون أحد الدليلين متعرضا لحال دليل الآخر بتصرف في عقد وضعه أما توسعة
بادخال ما يكون خارجا وأما تضييقا باخراج ما يكون داخلا.
وأما في عقد حملة
بأن يكون ولو بدوا إلى مفاده كمثل لا ضرر ولا ضرار ولا حرج وبهذا تفترق الحكومة عن
التخصيص وإن اشتركا في كون المورد عن العموم إخراجا حكميا لا حقيقيا.
وبالجملة العرف أن
خروج المورد عن العام بلا تصرف في المخصص في عقد وضعه أو حمله وفي الحكومة يكون
التصرف من الحاكم في عقد وضعه إدخالا أو إخراجا أو عقد حمله إذا عرفت ذلك فاعلم أن
الشيخ الانصاري (قده) ذهب إلى الحكومة وصاحب الكفاية إلى الورود وهذا الاختلاف
بينهما في وجه التقديم نشأ من الاختلاف في جعل الطرف والامارات من دليلها فان كان
الدليل ناظرا إلى جعل الشك
بمنزلة اليقين
بمعنى إلغاء احتمال الخلاف وتتيمم الكشف وجعل الطريق طريقا يقينا بمعنى توسعة
لدائرة اليقين فيكون الظن كالعلم مثلا في جهة كشفه كما هو مذهب الشيخ في باب
الامارات. أو أن كان ناظر إلى تنزيل المشكوك والمظنون منزلة المتيقن من غير نظر
إلى جعل الظن منزلة اليقين أصلا كما هو مختار صاحب الكفاية فعلى مختار الشيخ في
جعل الطرق يلتزم بحكومة الامارات على الاستصحاب بمعنى حكومة دليل الامارة على دليل
الاستصحاب إذ معنى الحكومة كون الحاكم بمدلوله ناظرا إلى دليل المحكوم وشارحا
للمراد فيه فالحكم مخصصا بلسان الشرح والتفسير بمعنى أنه لو لا المحكوم يكون مجيء
الحاكم لغوا ففي ما نحن فيه معنى إلغاء احتمال الخلاف والبناء على أنه ليس شاكا مع
كونه شاكا بالوجدان هو رفع ليد عن آثار الشك التي منها حرمة نقض اليقين به لو لا
الامارة فالامارة رافعة لتلك الآثار ومخصصة لدليلها لكن بلسان الشرع والتفسير بأن
موردها غير مورد الامارة وغير خفي أنه لو لا للشك أثر شرعي كان جعل الامارة بهذا
اللسان في مورده لغوا فظهر بوضوح أن وجه تقديمها على الاستصحاب بنحو الحكومة غاية
الايضاح وعلى مسلك الكفاية لا خفاء في عدم حكومتها عليه إذ بناء على ذلك المسلك
يكون الشك محفوظا غير مرفوعا لا وجدانا كما هو واضح ولا حكما ولا تعبدا لما عرفت
أنه على هذا المسلك يكون في مقام جعل المؤدى منزلة المشكوك من دون نظر إلى رفع
الشك وجعله منزلة اليقين ولا يكون له حكم برفع اليد عن آثار الشك بلسان عدمه ومع
حفظ الشك وعدم رفعه ولو تعبدا يجيء عموم دليل الاستصحاب أعني لا تنقض اليقين بالشك
ويكون النسبة بينهما هو العموم من وجه لأن دليل الامارة ناظر إلى جعل المؤدي منزلة
المعلوم سواء كان من مورد
الاستصحاب أم لا
ودليل الاستصحاب يدل على حرمة نقض اليقين بالشك سواء كان من مورد الامارة أم لا
لكن دليل الامارة وارد على الاستصحاب إذ المراد بالشك هو الشك بالحكم مطلقا ولو
كان ظاهريا فاذا قامت الامارة على مورد الاستصحاب يحصل اليقين الوجداني بالحكم
الظاهري فيدخل في قوله ولكنه تنقضه بيقين آخر فعلى هذا يكون المراد من اليقين في
قوله لا تنقض اليقين هو اليقين بالحكم الواقعي والمراد من الشك فيه اليقين بالحكم
الواقعي بقوله ولا تنقضه بيقين آخر هو الأعم من اليقين والشك بالواقع فيصبر حاصل
المعنى لا تنقض اليقين بالحكم الواقعي بالشك والحيرة واعمل على طبق اليقين بالحكم
الواقعي بالشك والحيرة واعمل على طبق اليقين في مقام التحير بل تنقض باليقين الآخر
ولو كان بالحكم الظاهري الثابت في مقام الشك ولكن من غير جهة ذلك الشك الذي هو
مورد الاستصحاب فاذا حصل القطع من دليل الامارات بوجود التعبد بها وكون مدلولها
حكما ظاهريا فيرتفع موضوع الاستصحاب وهذا هو المعنى الورود لأنه عبارة عن رفع أحد
الدليلين لموضوع دليل آخر هذا حال الامارات بالنسبة إلى الاستصحاب وهكذا الكلام
بالنسبة إلى سائر الاصول من البراءة والاشتغال ولأجل اختلاف هذين العلمين في هذين
المسلكين قد ذهب الشيخ رحمهالله والامارة بقيام مقام القطع الموضوعي الطريقي دون صاحب
الكفاية كما تقدم الكلام فيه في محله.
ولكن لا يخفى أن
الورود يتم على مسلك الكفاية لو قيل بالاطلاق في الشك واليقين لكي يشمل الشك
واليقين المتعلقين بالحكم الظاهري
وأما لو منع من
الاطلاق بدعوى انصرافهما إلى الشك واليقين المتعلقين بالواقع كما هو الظاهر بقرينة
اليقين فى قوله لا تنقض اليقين إذ الظاهر كون
هذا اليقين والشك
واليقين في قوله بيقين آخر كلها متعلقا بأمر واحد وهو الواقع خصوصا بقرينة مثله في
قوله بل تنقضه بيقين آخر مثله ودعوى الورود ممنوع وقد عرفت أنه لا تتم الحكومة
أيضا على هذا المسلك فلا بد من وجه آخر للتقديم ويمكن أن يكون بوجه التخصيص أعني
تخصيص دليل الاستصحاب بدليل الامارة في مورد وإن كان بينهما عموم من وجه لما عرفت
أنه يلزم اللغوية في جعل الامارات لو لا تقديمها لعدم بقاء مورد لها بيان ذلك أنه
لو قدم الاستصحاب على الامارة في مورد الاستصحاب فبعدم القول بالفصل بين الاستصحاب
وسائر الأصول أيضا تقدم على الامارات فلا يبقى مورد لدليل الامارات أصلا إذ ما من
مورد من موارد الامارات إلا أن يكون فيها أصل.
أما على خلافها أو
على وفقها فتبقى الامارة بلا مورد بخلاف ما لو قدم الامارات فانه يبقى مورد
الاستصحاب أو غيره من الاصول فيما إذا لم يكن هناك امارة فلا يبقى بلا مورد وقد
عرفت أن المنشأ في وجه ذلك هو الخلاف في جعل الامارات فاعلم أن الحق ما ذهب إليه
الشيخ (قده) وذلك لأن باب المسلكين في الجعل ليس منحصرا في الشرع بل هو مرتكز في
أذهان العقلاء أيضا فهم بارتكازهم يفرقون بين لساني الجعلين فاذا ألقي إليهم أن
استتار الواقع بمنزلة انكشافه وأنه منكشف غير مستور بجعله منزلته فبحسب ارتكازهم
يفهمون كلا الجعلين والشارع بين مفاد أحد الجعلين بالامارات مفاد الآخر بالأصول
وعلي هذا تكون الامارة مقدمة على الاصول ولو لم يكن دليل لفظي في البين حتى يكون
بمدلوله اللفظي ناظرا إلى مدلول آخر بل لو كان ثابتا بدليل آخر أيضا كان مقدما على
الاستصحاب من باب الحكومة فظهر أن الحق في الامارات مقدم على الاصول من باب
الحكومة أيضا من عدم حاجة فيها أن يكون الحاكم بلفظه مفسرا للمراد كما ذكره
الشيخ (قده) في
أول رسالة التعادل والترجيح بل تصح الحكومة ولو كان الحاكم ثابتا بدليل لبي.
وعليه لا وجه
لدعوى الورود الا بوجوه ثلاثة.
أما دعوى أن
المراد من اليقين الناقض مطلق اليقين الصالح للناقضية كي يشمل اليقين الوجداني
والتعبدي أو دعوى أن المراد اليقين الوجداني لكن متعلقه أعم من الحكم الواقعي
والظاهرى أو دعوى أن المراد منه مطلق الحجة من غير فرق بين أن يكون عقلية كالعلم
أو شرعية كالامارات وهكذا في العلم المأخوذ غاية في سائر الأصول فانه على كل واحد
من هذه الوجوه تكون الامارة واردة على الأصول لكونها موجبة لخروج المورد حقيقة عن
موضوع دليل الأصول.
ولكن لا يخفى أن
هذه الوجوه تنافي ظواهر أدلة الاصول فان ظهورها في أن الغاية هي خصوص اليقين
الوجداني المتعلق بالحكم الواقعي كظهورها في اختصاص الشك المأخوذ في موضوعها هو
الشك بالحكم الواقعي لا الشك بمطلق الحكم وعليه تكون الامارات حاكمة على الاصول
حيث أن المختار أن التنزيل انما هو بمعنى تتميم الكشف وإثبات العلم بالواقع وبذلك
تكون رافعة للشك الذي أخذ موضوعا للاصول ومثبتة للمعرفة المأخوذة غاية لمثل دليل
الحلية ودليل حرمة النقض وبهذا الاعتبار تكون ناظرة الى نفي الحكم المترتب على عدم
انكشاف الواقع واستتاره وعليه لا يكون رفع اليد عن اليقين السابق في الاستصحاب من
نقض اليقين بالشك بل من نقض اليقين باليقين من غير فرق في ذلك بين أن نقول برجوع
التنزيل الى المتيقن بتوسط اليقين أو الى نفس اليقين فعلى كلا التقديرين يكون
تقديم الامارة على الاصول بمناط الحكومة أي بالحكومة الظاهرية.
وأما بناء على غير
المختار من أن التنزيل راجع إلى تنزيل المؤدى بلا نظر الى تتميم الكشف كما يدعيه
الأستاذ المحقق الخراساني (قده) فلا مجال لدعوى حكومة الامارات على الاصول ولذا هو
ادعى نقي الحكومة إلّا أن دعواه الورود فى غير محله كما ظهر لك سابقا وعليه لا بد
من تقديم الامارة على الأصل بوجه آخر وهو بمناط التخصيص لا بمناط الحكومة والورود
كما أن على هذه الدعوى لا تقوم الامارات مقام القطع المأخوذ جزء الموضوع أو تمامه
على وجه الطريقية.
نعم بناء على
المسلك المختار من أن مفاد التنزيل تتميم الكشف بكون تقديمها على الأصول بنحو
الحكومة ويصح قيامها مقام القطع على نحو الطريقية كما بيناه سابقا هذا بالنسبة الى
الأصول الشرعية وبالنسبة إلى الأصول العقلية فتقديم الامارة عليها بمناط الورود
حيث أن قيامها يكون بياتا فلا يكون المورد من باب حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان
وبقيامها يتحقق المؤمن فيرتفع معه احتمال الضرر والعقوبة الذي هو موضوع حكم العقل
بالاحتياط كما أنه بقيام الامارة يرتفع التحير الذي هو موضوع حكم العقل بالتخيير
فافهم وتأمل ...
الأمر الخامس نسبة
الاستصحاب إلى قاعدتي الفراغ والتجاوز
__________________
فلا إشكال في
تقديمهما على الاستصحاب إلا أنه هل التقديم بنحو الحكومة أو التخصيص قيل بالأول
بناء على انهما من الامارات الكاشفة
__________________
عن الواقع بتقريب
أن المستفاد من الغالب أن كل من يأتي بالفعل المركب من الأجزاء يأتي بجميع الأجزاء
وشرائطه على وفق الارادة المتعلقة بذلك الفعل والشارع أمضى هذه الغلبة كما يستفاد
من تعليل
__________________
بعض الأخبار بقوله
هو حين يتوضأ أذكر منه حين يشك.
ولكن لا يخفى أن
الغلبة لا توجد الامارية واستفادة ذلك من
__________________
الاخبار ممنوعة بل
المستفاد من الاخبار أنها من الاصول حيث ان المأخوذ في موضوعها الشك كقوله (ع) (اذا
خرجت من شيء ودخلت فى غيره
__________________
فشكك ليس بشيء)
وكذا الاخبار ولست في مقام الغاء الشك وتتميم الكشف لكي تكون من الامارات وعليه لا
مجال لتقديمها على الاستصحاب
__________________
بنحو الحكومة
ودعوى أنها تقديمها على نحو الحكومة وكانت من الأصول بتقريب سببية الشك في بقاء
الحالة السابقة في الاستصحاب عن الشك
__________________
فى حدوث ما يوجب
رفع الحالة السابقة ومفاد القاعدة هو البناء على حدوث ما يكون رافعا للحالة
السابقة فتكون القاعدة رافعة لموضوع
__________________
الاستصحاب ممنوعة
إذ لا سببية ومسببية بينها وكيف يكون بينها ذلك مع أن بقاء عدم الشىء مع فرض حدوثه
الطارد لبقاء عدمه في مرتبة واحدة فظهر مما ذكرنا أن تقديم القاعدتين على
الاستصحاب ليس على نحو التخصيص أما للاجماع وأما من جهة ورود القاعدة في مورد
الاستصحاب حيث أنه لو لا تقديمها على الاستصحاب يلزم لغوية جعلها إذ ما من مورد
تجري فيه القاعدة إلا ويجري فيه الاستصحاب ثم لا يخفى أن قاعدة التجاوز وقاعدة
الفراغ قاعدتين مستقلتين لتغاير متعلقيهما حيث أن متعلق الشك في قاعدة التجاوز أصل
وجود الشىء بمفاد كان التامة وفي قاعدة الفراغ صحة الموجود بمفاد كان الناقصة ولا
جامع بين هذين المفادين كما أن المستفاد من الروايات أيضا قاعدتين فان بعضها تفيد
قاعدة التجاوز إلى الشك فى أصل الوجود بمفاد كان التامة مثل رواية زرارة إلى أن
قال يا زرارة إذا خرجت من شيء ودخلت في غيره فشكك ليس بشىء ورواية إسماعيل بن جابر
قال أبو عبد الله (ع) ان شك في شىء في الركوع بعد ما سجد فليمضي وإن شك في السجود
بعد ما قام فليمضي كل شىء فيه وقد جاوزه ودخل في غيره فليمضي عليه وهكذا موثقة بن
أبي يعفور ومحمد بن مسلم فان الظاهر من هذه الأخبار حكم الشك في الوجود الذي مفاد
كان التامة وبعضها تفيد قاعدة الفراغ كموثقة بن مسلم كلما شككت فيه مما مضى فليمضه
كما هو وموثقة أخرى لابن مسلم كلما مضى من صلاتك وظهورك فامضه كما هو.
__________________
ولا يخفى أن ذيل
هاتين الموثقتين ظاهران بالصراحة إلى أن المشكوك فيه بعد صحة الشىء بمفاد كان
الناقصة الذي مفاد قاعدة الفراغ وحاصل الكلام أن المستفاد من أخبار الباب أنهما
قاعدتان فعليه لا مجال لتكلف إرجاع الطائفة الثانية إلى الأولى مع ظهور بعضها فى
قاعدة التجاوز وبعضها في قاعدة الفراغ بلا وقوع معارضة بينهما لكي ينتهي الأمر الى
رفع المعارضة يحمل الاطلاق على التقييد اذ المعارضة انما تتحقق لو فرض أن مفاد
الأخبار قاعدة واحدة كما هو مسلك الشيخ الأنصاري (قده) يحمل الطائفة الثابتة
الظاهرة في قاعدة الفراغ التي هي ما كان الشك في صحة الموجود على قاعدة التجاوز.
ولكن لا يخفى أن
أخبار الباب منها مختصة بقاعدة التجاوز لاعتبار الدخول الغير كصحيحة زرارة وموثقة
بن أبي يعفور ورواية اسماعيل بن جابر ومنها غير متكفلة لهذا القيد كموثقة بن مسلم
فان ظهورها في الشك فى صحة الموجود فان الظاهر من قوله (ع) كلما شككت فيه مما قد
مضى فامضه كما هو ، هو الشك في صحته بعد القطع بأصل وجوده وامكان تطبيقه على الأول
بأن يكون المراد بقوله فامضه كما هو بمعنى أنه عند الشك في أصل الوجود أي على أنه
وجد صحيحا مما لا يصغى اليه ولذا صاحب الكفاية حمل هذه الرواية ونظائرها مما كانت
ظاهرة فى الثاني على قاعدة الفراغ وما ظاهرة في الأول على قاعدة التجاوز ولكن لما
كان موردها الصلاة كقوله في رواية ابن جابر إن شك في الركوع بعد ما سجد أو شك في
السجود بعد ما قام خصها بها والتحقيق ما ذهب إليه صاحب الكفاية من استفادة
القاعدتين من الأخبار لكن مع التعميم في قاعدة التجاوز وذلك لعموم التعليل في ذيل
رواية بن جابر كل شىء شك فيه وقد جاوزه ودخل في غيره ليمضي عليه وفى ذيل موثقة
بن أبي يعفور إنما
الشك في شىء لم تجزه فيستفاد منها التعميم فتلخص أنه لا دليل على قاعدة الفراغ عند
الشيخ (قده) فان الأخبار بجملتها إنما تدل على قاعدة التجاوز وأن الدليل على
اعتبارها عند صاحب الكفاية وعندنا هو بعض الأخبار لكن مع التخصيص بباب الصلاة عند
صاحب الكفاية ومطلقا عندنا فاعلم أن الشك في صحة الموجود الذي هو مجرى قاعدة
الفراغ تتسبب عن الشك في أصل الوجود كما في كل مورد شك في صحة شيء من جهة الشك في
فقد شىء كان معتبرا فيه شرطا أو شطرا.
نعم لو قلنا بكون
الترتيب والموالاة معتبرا في صحة الشيء من غير دخل لهما في أصل وجوده كان الشك في
أصل الوجود ومع كل مورد يكون الشك في الصحة مسببا عن الشك في الوجود كان مجرى
لقاعدة التجاوز ولا يصح جريان قاعدة الفراغ لما تقدم مراده وسيأتي مفصلا من أن
الأصل فى السبب يغني عن الأصل فى المسبب.
نعم لو لم يكن
جريان قاعدة التجاوز للمعارضة أو غيره كان مجزئ لقاعدة الفراغ وكل مورد لا يكون
الشك فى الصحة مسببا عن الشك في الوجود يجزي قاعدة الفراغ من غير إشكال إذا عرفت
ذلك فاعلم أنه تظهر الثمرة في اختلاف المسالك الثلاث فيما لو صلى أحد صلاة ثم توضأ
بعد وشك فى صحة الصلاة المأتي بها من جهة الشك فى الاخلال فالترتيب والموالات ومن
صحة الوضوء من جهة الشك في فقد جزء منه وعلم إجمالا ببطلان أحدهما اما الصلاة.
وأما الوضوء فعلى
مسلك الشيخ من عدم تمامية قاعدة الفراغ تجزي قاعدة التجاوز فيهما ولما كان العلم
الاجمالي بالبطلان يوجب تعارض بين القاعدة في الصلاة والقاعدة في الوضوء وبعد
تساقطهما
بالتعارض يرجع
فيها إلى قاعدة الاشتغال فيجب استئناف الوضوء وإعادة الصلاة وعلى مسلك صاحب
الكفاية لا تجري قاعدة التجاوز فيهما.
أما في الصلاة
فلان الشك فى صحتها في أصل وجودها ولا يكون الشك في صحتها مسببا عن الشك في وجوده
لكونه من جهة الاخلال بالترتيب أو الموالاة.
وأما فى الوضوء
فلا اختصاص قاعدة التجاوز في الصلاة بل يكون كلاهما قاعدة الفراغ فيتعارضان وبعد
التساقط يرجع الى الاحتياط أيضا.
وأما على المسلك
التحقيق يجري قاعدة التجاوز في الصلاة والوضوء معا وقاعدة الفراغ في الوضوء خاصة
لكن يكون الشك في صحته مسببا عن الشك في وجود ما يعتبر فيه فتتعارض قاعدة التجاوز
فيهما بعد تساقطهما بالتعارض فتبقى قاعدة الفراغ سليمة عن المعارضة فيكون النتيجة
إجراء قاعدة الفراغ في الوضوء والاكتفاء به واعادة الصلاة بقي الكلام في فقه رواية
ابن أبي يعفور الواردة في الوضوء فنقول يمكن ارجاع الضمير في غيره من قوله اذا
شككت في شىء من الوضوء ودخلت في غيره الى الشىء المشكوك أو الى نفس الوضوء فعلى
الأول يطابق الصدر مع التعليل المذكور في ذيلها إلّا أنها تدل على صحة الوضوء لو
شك في بعض أجزائه في الأثناء وهو خلاف الاجماع على أنه لو شك في الأثناء يجب
الاتيان بالمشكوك وما بعده وعلى الثاني لا يطابق صدرها مع التعليل المذكور في
ذيلها إذ التعليل ظاهر في أن العلة في الوضوء كغيره في باب الشك هي تجاوز المحل
وصدرها دال بالمفهوم على أنه ما دام في الأثناء يجب الاعتناء بالشك فهما متعارضان
ويمكن الجواب بوجهين.
أحدهما أن
الاستدلال إنما هو بمفهوم التعليل فيها باعتبار أحد أفراده وذلك لأن المفهوم من
قوله (ع) إنما الشك في شىء لم تجزه هو عدم العبرة بالشك فيما إذا جاوز الشىء
والتجاوز قد يحصل بالدخول في الجزء الآخر المتصل بالمشكوك وقد يحصل بتمام العمل
والفراغ منه والدخول في غيره وفي باب الوضوء إذا تجاوز عن العمل لا عبرة بشكه
بمقتضى القاعدة وتخصيصها بالوضوء في باب الوضوء بمعنى يجب الاعتناء بالشك فيه ما
دام في الأثناء وهذا التخصيص لا يضر بشمول قاعدة التجاوز عن العمل وبعبارة أخرى
لصدر الرواية منطوق ومفهوم بناء على إرجاع الضمير الى الوضوء في المنطوق يدل على عدم
العبرة بالشك اذا تجاوز عن المحل ينطبق على القاعدة أو التعليل له والمفهوم يدل
على وجوب الاعتناء لو وقع الشك في الأثناء ولو تجاوز عن محل الشك ولكن التعليل لما
سبق للاستدلال على تطبيق صدر الرواية يوجب حمل ذيلها من غير اشكال الثاني أن يلتزم
بارجاع الضمير الى الشىء ومع ذلك يجاب بأن الضمير في قوله ودخلت فى غيره مطلق يشمل
الغير المتصل والمنفصل وهو الذي يتحقق بعد العمل وبقربته الاجماع على اعتناء بالشك
فى أثناء العمل في باب الوضوء بقيد الغير بالمنفصل والفرق بين الوجهين هو أنه على
الأول منهما تخصيص بعموم القاعدة بغير باب الوضوء وعلى الثاني تقييد لاطلاق الغير
بالغير المنفصل من دون ارتكاب بتخصيص في العموم وذلك لا يوجب الفرق بينهما إلا
بالنسبة إلى الأول يلزم لغوية التطبيق على المورد دون الثاني ثم أن القيد الثالث
من قاعدة التجاوز بالنسبة إلى ما تشترط وجود المشكوك في صحته هو ترتب الأثر على
نفس الوجود مثلا لو شك في أثناء صلاة العصر في إتيان صلاة الظهر فتجري قاعدة
التجاوز وأنها تثبت وجود
صلاة الظهر فتحكم
بصحة العصر بمعنى أنها محرزة شرط صحة العصر حيث صحتها منوطة بتقدم صلاة الظهر على
العصر ولكن لا يوجب سقوط الظهر بنحو لو كان الوقت باقيا يجب الاتيان بصلاة الظهر
__________________
بعد العصر وكذا
شرطية الطهارة بالنسبة إلى الصلاة لو شك في أثنائها في الوضوء فلا يخلو أما أن
يكون الشرط هو نفس الوضوء.
وأما أن يكون
الشرط هو الطهارة الحاصلة من الوضوء وعلى الأول يكون للشرط محل مقدم على الصلاة
فتجري قاعدة التجاوز لو شك في
__________________
نفس الوضوء في
أثناء الصلاة لتحقق موضوعه لكون ما شك له محل شرعى ويتحقق بالدخول في تجاوز عن محل
المشكوك المقرر له شرعا فبمقتضى قاعدة التجاوز يبني على وجوده بالنسبة إلى الصلاة
التي مشغول باتيانها.
وأما بالنسبة إلى
الصلاة الأخرى فلا يجري قاعدة التجاوز فيجب الاتيان بالوضوء لعدم تحقق التجاوز من
محل المشكوك وعلى الثانى فأما أن تكون الطهارة من الأمور الواقعية التي كشف عنها
الشك فتكون أفعال سببا لنفس الطهارة التي هي النورانية وحينئذ يكون ترتبها على
الوضوء ترتبا واقعيا تكوينا.
وأما أن يكون ترتب
هذا الأثر ترتبا جعليا يحصل بجعل الشارع فيكون من الأمور الجعلية فعلى الأول يكون
عبارة عن مقارنة الأثر لأول جزء من الصلاة إلى آخر جزء منها فلو شك في أثنائها
فبالنسبة إلى ما قد مضى من الأجزاء يمكن جريانها إلا أنه بالنسبة إلى ما بقى من
الأجزاء يكون الشك في المحل فلا يتحقق موضوع لجريانها لما عرفت أنها تجري لو شك فى
شىء وقد تجاوزت محله.
وأما جريانها
بالنسبة إلى نفس الوضوء فقد عرفت أنه لا يجري لكون ترتب الطهارة على الوضوء ترتبا
تكوينيا واقعيا وإنما تجري فيما لو كان الترتب شرعيا.
وأما على الثانى
فيمكن جريان قاعدة التجاوز في الوضوء لو كان الشك فى الأثناء حيث أنه على هذا
الفرض ترتب الطهارة على أفعال الوضوء بجعل شرعي فيتحقق بالدخول فى الصلاة بالتجاوز
عن الوضوء
ثم لا يخفي هل
يعتبر في القاعدتين الدخول في الغير الظاهر اعتباره في قاعدة التجاوز لأن التجاوز
عن الشىء لا تكون إلا بالدخول في غيره وإلا
مادام لم يدخل في
شىء آخر لا يصدق عليه تجاوز عنه ويكون محله باق إلا أن يعتبر فيه أن يكون الترتيب
بينه وبين المشكوك فيه شرعا من الاجراء والأفعال ولو لم يكن الترتب شرعيا لا يصدق
عليه دخول في الغير فمن كان شاكا في السجود وهو أخذ بالنهوض إلى القيام أو في
الركوع وهو في حال الهوى إلى السجود لا يصدق عليه الدخول فيه وان كان ذلك من
مقدمات يترتب عليه لكون ترتب ذلك عقليا وعليه يجب الاتيان بالمشكوك لصدق كونه في
المحل ويفهم ذلك من ذكر الأمثلة المذكورة في النص فانه يستفاد منها تجديد الغير
بالدخول فيما رتبها على المشكوك شرعا لا مطلق الغير ودعوى أنه مطلق الغير للرواية
الواردة في رجل أهوى الى السجود فلم يدر أركع أم لم يركع قال (ع) قد ركع ممنوعة
لضعفها وعلى فرض القول بها لا بد من الاقتصار عليها وعدم التعدى إلى غيره من
المقدمات كما أنه لا يعتبر في الغير أن يكون متصلا بالمشكوك فلو كان منفصلا عنه
يصدق فيه دخول في الغير فلو شك في الركوع والسجود وهو في التشهد إذ المستفاد من
الأخبار اعتبار الدخول في الغير لكونه محققا لعنوان التجاوز عن محل المشكوك وعليه
بعد صدق التجاوز في الدخول في غير الملاصق للمشكوك فتجري فيه القاعدة ففي الفرض
المذكور بحكم التجاوز عن الركوع والسجود بالدخول بالتشهد من غير فرق بين كونهما
بشك واحد أو كل واحد منهما فيه شك مستقل ولو لا ذلك لقلنا ببطلان الصلاة لعدم
احراز الركوع في الصلاة
ثم لا يخفى أن
المستفاد من أخبار الباب هو مطلق الشك الحادث بعد العمل ولو كان مسبوقا بشك آخر
قبل العمل من سنخه أو من غير سنخه أو خصوص الشك غير المسبوق بالشك والالتفات قبل
العمل الطاهر
هو الثاني من غير
فرق بين أن تكون الصلاة محتملا لاتيانه بوظيفة الشاك وهو الوضوء قبل الصلاة أم لا
يكون محتملا ذلك بل يعلم أنه لم يتوضأ قبل الصلاة بعد ما شك في الطهارة ولكن يشك
في صحة صلاته من جهة كونه متطهرا واقعا كما هو الظاهر أن الشك المأخوذ في موضوع
القاعدة في أخبار الباب هو طبيعة الشك الحادث بعد التجاوز أو الفراغ على الاطلاق
بنحو لا يصدق على الشك قبل العمل فعلية لا تجري القاعدة في حقه أصلا من غير فرق
بين تحقق الاستصحاب أم لا إلّا أن بعض الأعاظم (قده) أجرى القاعدة فيما اذا كان
الصلاة محتملا لاتيانه بوظيفة الشاك وهو الوضوء قبل الصلاة دون ما لم يكن محتملا
بتقريب أنه لا يزيد حكم استصحاب الحدث عن العلم الوجداني بالحدث فكما أنه لو كان
عالما بالحدث وأحتمل بعد الفراغ من العمل أنه توضأ قبل العمل تجري في حقه قاعدة
الفراغ كذلك لو كان مستصحب الحدث بخلاف ما لو كان لم يحتمل الاتيان بوظيفة الشاك
الذي هو الوضوء قبل الصلاة بعد استصحاب الحدث فعدم جريان قاعدة الفراغ لأجل
استصحاب الحدث قبل العمل لأنها تكون حاكمة على الاستصحاب فيما لو كان الشك بعد
العمل ودعوى أن هذا يجري فيما لو كان الاتيان بالوضوء محتملا ممنوعة اذ استصحاب
الحدث انما يجري بعده وهي حاكمة عليه اذ المعتبر في الاستصحاب الشك الفعلي وهو
انما يتحقق بعد الصلاة ولأجل لذلك قلنا أن الطاهر من الأخبار هو الشك غير المسبوق
بشك آخر قبل الدخول في العمل فعدم جريان القاعدة مع سبق الشك والالتفات قبل العمل
لأجل أنه لا موضوع لها لا أنه من جهة الاستصحاب السابق الجاري في ظرف العمل ولازم
أنه لا فرق بين الصورتين في جريان القاعدة لاشتراكهما في سبق الشك هذا كله لو
التفت الى كونه شاكا حين العمل.
وأما لو احتمل
كونه شاكا في ظرف العمل الطاهر عدم جريانها لما قلنا بأن الظاهر هو اختصاص جريانها
بما لم يكن شاكا حتى يحتاج ذلك إلى إحراز عدم كونه شاكا ودعوى أنه يمكن التمسك
بجريانها بعموم كلما مضى من صلاتك وطهورك والتعليل يكون من قبيل التمسك بالعام في
الشبهة المصداقية وهو ممنوع عندنا ودعوى جريان أصالة عدم حدوث الشك والالتفات قبل
العمل إنما يجدى إذا كان الموضوع مركبا وإلا مع كونه بسيطا ولازما عقليا لعدم الشك
والالتفات في ظرف العمل فلا ينفع في جريانه لكونه من الأصل المثبت كما لا يخفى.
الأمر السادس نسبة
الاستصحاب إلى أصالة الصحة فنقول لا إشكال في تقديم أصالة الصحة على الاستصحاب
مطلقا من غير فرق بين الاستصحاب الحكمي والموضوعي كما أنه لا فرق بين كون الصحة
بمعنى التمامية أو ترتب الأثر إلا أنه يختلف وجه التقديم ففي بعضها بنحو الحكومة
وفي بعضها بنحو التخصيص للزوم محذور اللغوية بيان ذلك أن هذه القاعدة بناء على
كونها من الامارات فلا شبهة في تقديمها على الاستصحاب الموضوعي والحكمي بمناط
الحكومة لكون مقتضى دليل كشفها ترفع الشك الموجود في الأصل إلا أن نقول بأن كشفها
في خصوص مدلولها المطابقي على المختار أو قلنا بأن مفاد (لا ينقض) ناظر إلى جعل
المماثل في استصحاب الأحكام وجعل الأثر ففي استصحاب عدم بلوغ العاقد حين العقد
يترتب عليه فساد العقد وعدم ترتب النقل والانتقال ومع هذا التعارض لا مجال لتقديم
القاعدة على الاستصحاب إلا بمناط التخصيص للزوم اللغوية إذ ما من مورد يشك في صحة
معامله من جميع أقسام المعاملات إلا وهو مجرى الاستصحابات العدمية فلو كانت تلك
الاستصحابات مقدمة على هذه القاعدة لا يبقى مورد أصلا أو كان مورده فى غاية القلة
بنحو يكون
مثل هذا التشريع
لغوا بل يوجب سقوط هذا الأصل في تلك الموارد.
وأما لو قلنا بأن
مفاد (لا تنقض) كونها ناظرا إلى مجرد الأمر بالمعاملة مع المستصحب معاملة الواقع
من حيث الجري العملي يكون تقديم القاعدة على الاستصحاب الموضوعي بمناط الحكومة إذ
مقتضى دليلها تميم الكشف وهو يوجب إلغاء احتمال فساد المعاملة ومعه لا يجري
استصحاب عدم البلوغ لخلوه عن الأثر هذا بناء على كونها أمارة.
وأما بناء على
كونها أصلا كما هو المختار وقلنا بأن الصحة
__________________
نفس ترتب الأثر
كما هو المشهور فالظاهر حكومة الاستصحاب على القاعدة حيث أن الشك في بلوغ العاقد
ومع استصحاب عدمه يرتفع ذلك الشك فيترتب عليه الحكم بالفساد وحينئذ لا يجري أصالة
الصحة من غير فرق بين القول بأن المستفاد من دليل حرمة النقض بالأمر بالمعاملة من
حيث الجرى العملي وإن كانت الحكومة أظهر.
وأما لو قلنا بأن
الصحة هي التمامية فقد تتوهم الحكومة لتسبب الشك في تمامية العقد عن الشك في بلوغ العاقد
فاصالة عدم البلوغ ينفي الشك في تمامية العقد.
__________________
ولكن لا يخفى لا
سببية ومسببة لأنهما وإن كانا متغايرين مفهوما إلا أنهما متحدان منشأ اذ تمامية
العقد في مرحلة للسببية والمؤثرية وكذا تمامية المسبب في مرحلة القابلية للمتأثرية
ليست إلا عين واجدية العقد والسبب للشرائط المعينة فيهما وإنما الفرق بالاجمال
والتفصيل فعليه يجري استصحاب عدم البلوغ فيترتب الفساد كذلك تجري أصالة الصحة فيتعارضان
إلا أن يقال بتقديم أصالة الصحة لمحذور اللغوية.
وبالجملة تتقدم
أصالة الصحة على الأصول بعد اجتماع الشرائط
__________________
عن إحراز عنوان
المشكوك في صحته وفساده أما بالعلم الوجداني أو بما يقوم مقامه من الامارات
المعتبرة أو الأصول العقلائية وإلّا فلا يكفي في جريان هذا الأصل ليحرز صدور ذات
العمل مع الشك في عنوانه كما مثل العناوين القصد به كالوضوء والصلاة والزكاة
والبيع ونحو ذلك فلا تجري اصالة الصحة فيما لو شك في قصد هذه العناوين إلّا باحراز
عناوينها بصورتها من غير فرق بين العبادات والمعاملات ولذا لا يتوقف أحد ممن يشاهد
من صلى على ميت وشك في صحتها من جهة احتمال قصد التعليم من جريان اصالة الصحة
فيسقط عنه التكليف بالصلاة فكما لو رأى من يأتي بصورة عقد في صورة المعاملة من بيع
ونحوه حيث أنه يحمل على الصحة بمعنى كونه صادرا عن قصد التسبب به الى
__________________
المعاملة ولذا
يقدم قول من يدعي الصحة اذا تنازعا في صحة العقد وفساده لأجل التنازع في العقد
وعدمه ومنشأ ذلك هى السيرة العرفية وبرهان احتلال النظام حيث أنهما يقضيان بالحمل
على الصحيح في جميع
__________________
ما يتصور فيه
الصحة والفساد بعد إحراز مجراها عرفا ولازمه التفصيل في جريان هذا الأصل بحسب
الموارد باجزائه تارة في خصوص السبب إذا كان الشك في الصحة مسببا عن الشك في بعض
ما أعتبر فيه شرعا وأخرى في المسبب دون السبب إذا كان الشك في الصحة مسببا عن الشك
فيما أعتبر فيه شرعا في قابلية المترتب على السبب وثالثة في
__________________
كل من السبب
والمسبب إذا كان الشك في الصحة وترتب الأثر ناشئا من الجهتين من غير فرق بين أن
يكون الشرط المشكوك فيه مما محله العقد أو المتعاقدين أو العوضين أو نفس المسبب
فان جميع هذه القيود راجعة أما إلى السبب أو المسبب لاستحالة تمامية السبب وقابلية
المسبب مع عدم الأثر.
وبالجملة لا بد من
جريان هذا الأصل من إحراز عنوانه عرفا في كونه هو السبب أو المسبب أو كليهما إذ مع
عدم الاحراز لا مجال لجريان هذا الأصل ثم أنه يظهر من الشيخ (قده) الاشكال في
جريان أصالة الصحة في بعض الفروع منها الشك في صحة الوقف ولوقف
__________________
المتولي من جهة
الشك في وجود المصحح له حيث أن بيع الوقف لو خلي وطبعه مبني على الفساد ومنها بيع
الصرف للشك في صحته للشك في تحقق القبض في المجلس مع العلم بتحقق الايجاب والقبول
ومنها الشك في صحة البيع من جهة الشك في اجازة المالك في البيع الفضولي ومنها الشك
في صحة بيع الرهن فيشك أذن المرتهن ونشأ الاشكال هو أن المتيقن من مجرى أصالة
الصحة في عناوين المسببات هو صور تردد حين وجود العقد بين
__________________
الصحة الفعلية
والبطلان لا الصحة التأهلية كما لو شك في صحة البيع وفساده من جهة بلوغ العاقد أو
مالية المعوض أو العوض أو من جهة ربوبية المعاملة أو غرريتها فان جميع هذه الصور
مجرى لأصالة الصحة لدوران الشك من حين صدور العقد بين الصحة الفعلية والبطلان
بخلاف تلك الفروع المذكورة فان الشك ليس دائر في ما ذكر وانما هو دائر بين الصحة
الفعلية والتأهيلية بيان ذلك أنه على المشهور من أن القبض في الهبة والصرف والسلم وإجازة
المالك بالنسبة الى البيع الفضولي ناقلا أو كاشفا لا يحتمل فيه الصحة والفساد من
حين وجود العقد ليست إلّا عبارة عن تمامية العقد بما هو عقد من حيث اقتضائه
للتأثير وهذا المعنى مما يقطع به ولو مع اليقين لعدم القبض في المجلس في بيع الصرف
وعدم الاجازة من المرتهن لبيع الرهن والاجازة من المالك في بيع الفضولي إذ أن
جريان اصالة الصحة في هذه الموارد من قبل تحصيل الحاصل ثم أنه لو علم بصدور البيع
عن المالك الراهن وقد علم برجوع المرتهن عن اذنه ولكن شك فى التقدم منها فيشكل
جريان اصالة الصحة لزوم جريانها إثبات اصالة الصحة التأهلية ومن الواضح أنها
متحققة قطعا فلا حاجة لجريانها كما لا يخفى.
الأمر السابع في
نسبة الاستصحاب إلى قاعدة اليد فنقول لا تخلو أما أن نكون اليد من الامارات أو من
الأصول من غير اعتبار جهة كشف فيها فعلى الأول لا إشكال في حكومتها عليه بمناط
تقدم الامارة على الاستصحاب وعلى الثاني.
أما أن تكون أصلا
تعبديا في ظرف الشك وعدم اليقين بالواقع فيكون الاستصحاب حاكما عليها لكونه حينئذ
ناظر إلى إبقاء اليقين تعبدا من غير فرق بين كونه ناظرا إلى بقاء اليقين أو إلى
المتيقن.
وأما إن كانت أصلا
بمعنى أنها حكم في ظرف الشك بلا ملاحظة إلى عدم اليقين بمعنى عدم أخذه في موضوعها
وإن كان لا ينفك الشك عن عدم اليقين فتكون النسبة بينهما هو العموم من وجه
فيتعارضان في مادة الاجتماع إلا أنه لا بد من تقديم اليد على الاستصحاب حذرا من
لزوم اللغوية لانحصار موردها غاليا بموارد جريان الاستصحاب إذا عرفت ذلك فالمهم
تشخيص كونها من الامارات أو من الأصول وذلك يظهر من دليل اعتبارها فنقول من الأدلة
الدالة على اعتبارها بناء العقلاء في معاملاتهم على حجيتها والظاهر منهم أن
اعتبارها عندهم ليس من باب التعبد وأنها أصل تعبدي بل مبني عملهم عليها لكون
الغالب في مواردها كون صاحب اليد سلطة على المال على نحو الاستحقاق على ما تحت يده
فان اليد المستقلة غير المالكة قليلة بالنسبة إلى مواردها ومن الأدلة الدالة على
اعتبارها السيرة المعمولة عند العقلاء وهي كاشفة عن العمل بالواقع مع عدم الردع
ومن الواضح أن هذا العمل فيه جهة كشف عن الواقع وليس ذلك من باب التعبد ومنها
رواية حفص بن غياث وفيها ولو لم يجز هذا لما قام للمسلمين سوق ودلت على إمضاء
الشارع لاعتبارها عند العرف لكونه مبنى عملهم في أمور تعم بنحو لو لا إمضاء عملهم
لاختل نظامهم ولا يبقى لهم سوق وقد عرفت أن عملهم عليها من باب الامارة لا من باب
التعبد ثم أنه ربما يقال بأنه يستفاد من الرواية تقديم الاستصحاب على اليد حيث
أنها في مقام حجية اليد السابقة وجواز الشهادة على طبقها باستصحابها كما يظهر من
قوله (ع) اذا رأيت شيئا فى يد رجل أيجوز لي أن أشهد له.
قال نعم فقال
الرجل أشهد أنه في يده ولا أشهد أنه له فلعله لغيره فقال أبو عبد الله عليهالسلام أفيحل الشراء منه.
قال نعم فقال (ع)
لعله لغيره فمن أين جاز لك أن تشتريه ويصير ملكا لك ثم تقول بعد ذلك هو لي وتحلف عليه ولا يجوز أن
__________________
تنسبه الى من صار
ملكه من قبله اليك ثم قال أبو عبد الله (ع) لو لم يجز هذا لما قام للمسلمين سوق فمن ذلك يظهر أن فرض الشهادة
__________________
على ما في يده
بأنه ملكه لكي يكون في يده سابقا مدعيا وهو لا يتحقق إلا بتحقق يد أخرى بالنسبة
إلى يده لكي يصير منكرا والسابق مدعيا ويحكم عليه بالبينة لكونه مدعيا واستناد هذه
البينة إلى يده بأن المال له إذ من المعلوم أنه لو كان المال باقيا بيده فعلا فلا
يصير مدعيا
__________________
فالرواية وإن
تضمنت المناط في حجية اليد من كشفها عن الواقع إلا أنها دالة على تقديم الاستصحاب
عليها.
ولكن لا يخفى أن
التعليل في قوله (ع) (لما قام للمسلمين سوق ليس لبيان حجية الاستصحاب وإنما هو
لبيان حجية اليد ويترتب على حجيتها استصحابها لاثبات الملكية الفعلية عند الأشهاد
بدليل حجية الاستصحاب وليس هذا من تقديم الاستصحاب على اليد بل المقدم عليها
والحاكم عليها هي البينة وإن كانت مستندة إلى اليد كما أن العادة في الحيض تقدم
على الصفات وإن كانت حاصلة من نفس الصفات لذلك البينة تقدم على اليد فظهر من ذلك
أن الرواية تدل على تقديم البينة على اليد وعليه لا حاجة إلى الاستدلال في تقديمها
على اليد بأنها امارة رافعة للشك حكما حيث أن اليد حكم مجعولة في ظرف الشك من باب
الغلبة وكون الشىء ملحقا بالأعم الأغلب فتكون الامارة حاكمة عليها ورافعة لموضوعها
حكما وإن كان باقيا وجدانا كما استدل به الشيخ الأنصاري (قده) ضرورة عدم تماميته.
أما أولا فلان
حجية اليد لما كانت من باب الغلبة فلا يخلو أما أن تكون من جهة أن حصول القطع من
الغلبة بأن الفرد المشكوك من الأفراد الغالبة أو من جهة أن يحصل الظن الفعلي منها
أو من جهة أنه يحصل منها الظن النوعى لا سبيل إلى الأول والثاني لبداهة استحالة اجتماع
القطع أو الظن الفعلي على الخلاف مع الشك الفعلي وكذا لا سبيل إلى الثالث أيضا
وذلك وإن لم يحصل ذلك المانع من اجتماع الظن النوعي مع الشك الفعلي لأن المراد من
الفعلي النوعي هو عبارة عن أن يكون هناك مقتضى للظن وإن لم يحصل الظن بالفعل ولا
مانع من اجتماع مقتضى الظن مع الشك الفعلي بل الظن الفعلي على خلافه
ولكن عدم
الاستحالة في الاجتماع فيما إذا لم يكن الشك بنفسه مقتضيا لثبوت الحكم وملحوظا
قيدا بأن يكون ثبوت الشك الفعلي مما له دخل في الحكم على نحو كان في ظرف حفظ الشك
وإلا فلا يمكن الاجتماع بين مقتضى الظن مع اقتضائه للشك وبعبارة أخرى لو كان حجية
اليد من جهة أنها مقتضية للظن فلا يجتمع مع اعتبار حفظ الشك في مورد فلو كانت لحفظ
الشك في مورده دخل في حجيتها فيلزم أن يجتمع فيه مرتبتان للحجية.
أحدها مقتضى الظن
والآخر الشك الفعلي واجتماعهما محال عقلي هذا فيما لا تكون اليد مجعولة في ظرف حفظ
الشك بل الشك المأخوذ فيها كسائر موارد الامارات ابتدائي لا استمراري فتكون حالها
حال سائر الامارات وفي مرتبتها فتصير النسبة حينئذ بينهما عموم من وجه.
وأما ثانيها لو
سلم أن اليد قاعدة مقررة في ظرف حفظ الشك فلا وجه لتقديمها على الاستصحاب لكونها
مثله وفي مرتبته فحينئذ تكون النسبة بينها وبينه عموم من وجه فظهر مما ذكرنا أن
الجمع بين تقديم البينة على اليد لكون اليد قاعده مؤسسة في ظرف حفظ الشك وبين
تقديم اليد على الاستصحاب بملاك تتميم الكشف كما هو يختاره (قده) غير مستقيم وقد
عرفت أن الوجه في تقديم البينة على اليد هو المستفاد من رواية حفص بن غياث
المتقدمة ومن مدرك حجية اليد هو بناء العقلاء فتعد من الامارات.
وعليه لا إشكال في
أن اليد من الامارات العرفية العقلائية وتقديمها على الاستصحاب بنحو الحكومة وإنما
الكلام في اعتبار اليد في الاملاك هل هو بنحو الاطلاق أو مع العلم بالعنوان من بدء
حدوثها لكونها عارية أو أمانة أو مع عدم كونها قابلة للنقل والانتقال كالوقف مثلا
أو أن
اعتبارها بخصوص
بما إذا كانت من الأول مجهول العنوان بحيث يحتمل انتقال المال من بدء حدوثها
بعنوان الغصب أو إجارة أو أمانة ثم انتقاله إليه بناقل شرعي وهكذا.
وأما لو وضع يده
على مال لا يكون قابلا للنقل والانتقال كالوقف ثم يحتمل طرو المسوغ الشرعي.
الظاهر عدم حجية
اليد في هذه الصورة للشك في شمول دليل اعتبارها إذ عمدة دليلها السيرة العقلائية
وحيث أنها من الأدلة اللبية فيؤخذ بالقدر المتيقن وذلك في غير هذين الموردين.
وأما الأخبار فقد
عرفت بأنها وردت في مقام تقرير سيرة العقلاء فلا تكون في مقام التأسيس لكي يؤخذ
باطلاقها للمورد فليس المورد مشمولا لدليل اعتبارها حتى يكون جريان استصحاب عنوان
اليد مانعا من حجيتها أو مع كونها مشمولة لدليل اعتبارها لكى تكون امارة ولا معنى
لجريان الاستصحاب لما عرفت أن الامارة تقدم على الأصل ومما ذكرنا من عدم حجية اليد
في هذه الصورة لذا تقيل السجلات وينتزع المال من ذي اليد المدعي للملكية إذا كان
في يد الطرف الآخر ورقة الاستيجار المعتبرة المثبتة لكون اليد يد إجارة حيث أن
بنائهم على قبول السجلات وانتزاع المال من صاحب اليد ليس من جهة تقديم الاستصحاب
على اليد بل من جهة عدم كونها مشمولة لدليل الاعتبار على أنه يكفي استصحاب بقاء
ملكية الغير للمال بلا حاجة الى استصحاب حال اليد ودعوى بعض الأعاظم (قده) حكومة
استصحاب حال اليد من كونها عادية أو أمانة على نفس اليد بتقريب أن اليد وان كانت
من الامارات التي مؤداها تتميم الكشف فتقدم على الاستصحاب إلّا أنه ان جرت اليد.
وأما لو لم تجر
لكون موضوعها مجهول العنوان أي لا يعلم بأنها يد مالكة أو أمانة عند جريان استصحاب
حال اليد برفع هذا الجهل تعبدا فلا يبقى موضوع لقاعدة اليد.
ولكن لا يخفى أن
ما ذكره يتم لو قلنا بأن الجهل بالحالة السابقة مأخوذ في موضوع دليل اعتبار اليد
وحجيتها لا أن الجهل في الحالة السابقة مورد للقاعدة كما هو كذلك وإلّا لزم أن
تكون قاعدة اليد من الأصول العملية مع أنك قد عرفت أنها من الامارات.
نعم نقول بعدم
حجية اليد في مثل هذه الصورة لا من جهة الاستصحاب وانما نقول بأن بناء العقلاء تدل
على امارية اليد إلّا أنه لا تثبت الملكية شرعا إلّا بامضاء من الشارع لذلك البناء
فاذا قال الشارع لا تنقض اليقين لكونها يد عادية أو يد أمانة مالكية أو شرعية بالشك
في بقاء تلك الحالة السابقة وأبنى على بقاء تلك الحالة السابقة من كونها عادية او
أمانة فيكون ذلك ردعا لتلك السيرة وذلك البناء فافهم وتأمل.
الثانية لا يعلم
حال اليد حين حدوثها كالوقف مثلا حيث أنه يحتمل حدوثها لطرو مسوغ شرعي فالذي يظهر
من السيد الطباطبائي (قده) في قضائه امارية اليد في الملكية وعدم انتزاع المال من
صاحبها وتسليمها لأرباب الوقف وقد أورد عليه بعض الأعاظم (قده) بأن إمارة اليد
إنما تتحقق فيما إذا كان ما تحت يده قابلا للنقل والانتقال إلى ذي اليد والوقف ليس
كذلك حيث أن قابليته لذلك فيما إذا طرأ مسوغ من مسوغات البيع فحينئذ نحتاج إلى
إحرازه لكي ينتهي الأمر إلى المرتبة الثانية أي إلى إمارة اليد للملكية وسره أن
تلك الجهة إحرازها من قبيل الموضوع إلى الجهة الثانية ومع الشك في تحقق تلك الجهة
أي القابلية للنقل والانتقال للشك في طرو المسوغ يجري اصالة طرو المسوغ
وبجريانه تسقط
اليد عن الحجية لارتفاع موضوعها.
ولكن لا يخفى أن
القابلية إن كانت واقعية فنفس الشك في القابلية يوجب سقوط اليد عن الحجية من غير
حاجة إلى جريان الاستصحاب.
وأما أن تجري
لحكومة اليد كما في فرض إناطة الحجية فيها عقلا بالشك في القابلية وحيث كان ذلك
مورد الشك للامارة فتجري اليد فيرتفع الشك الذى ما هو مأخوذ في الاستصحاب.
وأما أن يجري
الاستصحاب ويعارض اليد كما في فرض إناطة اليد في حجيتها شرعا بالشك في القابلية
بناء على غير المختار من رجوع التنزيل في مفاد لا تنقض إلى المتيقن.
وأما بناء على ما
هو المختار من رجوع التنزيل إلى نفس اليقين يجري الاستصحاب فبسقوط اليد عن الحجية
بمناط الحكومة.
الصورة الثالثة ما
اذا كانت اليد على ما تقبل النقل والانتقال بطبعه ويحتمل انتقال المال إلى صاحب
اليد من بدء حدوثها فتارة يكون ذلك في مقابل ذي اليد ملكية المال ولم يكن اعتراف
من ذي اليد على خلاف ما تقتضيه اليد مع عدم البينة على ملكيته ما في اليد للغير
فلا اشكال في الحكم لمن في يده ويجب ترتب آثار الملكية لذي اليد من غير فرق بين أن
يكون مسبوقا بيد أخرى أم لا ولا يجري استصحاب بقاء المال على ملك المالك الأول
لحكومة اليد على الاستصحاب وأخرى يقر ذي اليد على ملكية اليد السابقة أو تقوم
البينة على ملكيته سابقا فانه مع عدم مدعي للملكية الفعلية لا اشكال في تقديم ذي
اليد الفعلية اذ ذلك لا يزيد على حصول العلم بذلك وثالثة تكون مقابل ذي اليد
الفعلية من يدعي ملكية المال فان لم يثبت ما يدعيه ببينة فلا اشكال في استقرار
المال في يده ولا ينتزع منه
وتسليمه للمدعي
وان أثبت المدعي بالبينة أو اقرار ذي اليد بالملكية الفعلية فلا اشكال في انتزاعه
منه وتسليمه الى المدعي.
وأما لو أثبت بعلم
الحاكم محل اشكال منشؤه من جواز حكم الحاكم بعلمه وأما اذا كان الثابت هو الملكية
السابقة قبل استيلاء ذي اليد على المال فتارة يكون ذلك بعلم الحاكم الشرعي فلا
اشكال أنه لا ينتزع منه اذ لا أثر لعلم الحاكم بأن المال ملكا للمدعي قبل استيلاء
ذي اليد مع احتمال أنه انتقل اليه بناقل شرعي واستصحاب بقاء المال على ملك المدعي
لا يجري لكونه محكوما باليد التي هي امارة على الملكية الفعلية وأخرى بالبينة
فالظاهر أنه لا ينتزع المال من ذي اليد اذ لا تزيد على علم الحاكم مع احتمال
انتقال المال الى اليد بناقل شرعي ودعوى جريان الاستصحاب ممنوعة لما عرفت بأنه
محكوم باليد لكونها أمارة وثالثة اقرار ذي اليد بملكية المدعي سابقا فمع عدم
انضمامه الى اقراره دعوى انتقال المال اليه فالظاهر أنه لا ينتزع منه اذ مجرد
اقراره بالملكية السابقة لا يكذب نفسه في دعواه الملكية الفعلية وبذلك لا تزول
كاشفية يده على الملكية الفعلية مع احتمال الانتقال الى ذي اليد حين وضع اليد.
وأما لو انضم الى
اقراره دعوى انتقال المال اليه من المدعي فهل تخرج اليد عن الامارية أم لا فعن
المحقق الخراساني وجماعة أنها لا تخرج اليد عن الامارية فان مجرد عدم امارية اليد
بالنسبة الى مصب الدعوى الثانية وهو الانتقال اليه بشراء ونحوه لا يوجب خروجها عن
الامارية ورأسا لا يوجب سقوط أماريتها بالنسبة الى الملكية الفعلية فلا ينتزع
المال منه.
وأما دعوى
الانقلاب حيث أن يكون المدعي للملكية الفعلية مدعيا لكونه على خلاف الأصل لكون
الأصل عدم الانتقال فهو وان
كان موجبا لاسقاط
اليد عن الامارة العقلية وقد عرفت أنه محكوم لليد الفعلية ، وعليه انتزاعه منه
يحتاج إلى دليل يقتضي اللغوية وسقوطها على الامارية.
ولكن لا يخفى أن
تسليم الانقلاب كما هو المشهور لا يكون إلا بحجية أصالة عدم الانتقال ولولاه لما
كان مجال لجعل مخالفه مدعيا ومن المعلوم لازم البناء على حجية الأصل المذكور في
مقابل اليد هو سقوط أمارية اليد وبعبارة أخرى أمارية اليد هاهنا مع حجية استصحاب
عدم الانتقال من المدعي الذي هو طرف لذي اليد مما لا يجتمعان فبناء
__________________
على حجية هذا الاستصحاب لا يبقى مجال لامارة اليد لما ذكرنا
أن
__________________
مؤدى الاستصحاب اى
التعبد بعدم الانتقال هو عدم ملكية ذي اليد.
وبالجملة مع حجية
الاستصحاب لا يمكن ان تكون اليد في هذا المقام امارة.
الأمر الثامن :
نسبة الاستصحاب إلى الأصول العملية.
أما بالنسبة إلى
الأصول العقلية كالبراءة والاحتياط والتخيير فلا إشكال في تقديم الاستصحاب عليها
بمناط الورود حيث ان موضوعها عدم البيان كما في البراءة ، وعدم المؤمن كما في مورد
الاحتياط ، والتحير كما في مورد التخيير ، والاستصحاب بيان شرعي فيرفع موضوع
البراءة كما انه مؤمن من العقوبة المحتملة من قبل الشارع فيرتفع حكم العقل بوجوب
الاحتياط كما انه لا يبقى بجريانه موضوع التخير.
واما الأصول
النقلية كحديث الرفع ودليل الحلية فتقديم الاستصحاب عليها بنحو الحكومة لا بمناط
الورود بناء على ما هو المختار من المستفاد من دليل الاستصحاب اي لا تنقض اليقين
بالشك أنه ناظر إلى إثبات اليقين بالواقع في ظرف الشك فبهذا الاعتبار يكون حاكما
على الأصول
__________________
المغياة بالعلم
والمعرفة حتى بالنسبة إلى قوله (ع) كل شىء مطلق حتى يرد فيه نهي فان الاستصحاب
بدليل اعتباره يكون حاكما عليه ورافعا لموضوعه تعبدا بناء على كون المراد بالورود
فيه هو وصول النهي والعلم به لا صرف ورود النهي الواقعي لكي يكون اجنبيا على ادلة
البراءة.
واما بناء على غير
المختار من رجوع النقض فيه إلى المتيقن فبناء على كون الغاية فيها هو العلم بمطلق
الحكم اعم من الواقع والظاهر يكون تقديم الاستصحاب بمناط الورود لأن بجريان
استصحاب الوجوب أو الحرمة يحصل لنا العلم الاجمالي بالحكم الظاهري فحينئذ يرتفع
موضوع تلك الأصول.
واما بناء على ان
الغاية فيها عبارة عن العلم بالحكم الواقعي يكون تقديم الاستصحاب بمناط التخصيص
دون الورود والحكومة حيث ان جريان الاستصحاب لا يحصل منه العلم بالواقع لا وجدانا
ولا تعبدا إذ غاية ما يستفاد من جريانه هو العلم الحقيقي بالحكم الظاهري وهو لم
يجعل غاية للحكم الظاهري في تلك الأصول ، فعليه تقع المعارضة بين الأصول وبينه إذ
مفاده هو التعبد ببقاء المتيقن من الوجوب او الحرمة في ظرف الشك بالواقع.
ومفاد ادلة تلك
الأصول هو التعبد بحلية المشكوك فيه وحينئذ فلا بد من تقديم الاستصحاب على تلك
الأصول بمناط التخصيص دون الحكومة وبتوضيح آخر ان نسبة الاستصحاب إلى الأصول
العقلية بنحو الورود فلا شبهة في ورود الاستصحاب عليها.
فبالنسبة إلى
البراءة العقلية فلأن العقل لا يحكم بها الا من جهة عدم الدليل على التكليف واقعا
وظاهرا والاستصحاب دليل على التكليف ظاهرا فهو بيان ومعه لا تجري قاعدة قبح العقاب
بلا بيان.
وأما الاحتياط
فلان المأخوذ في مورده هو الشك في براءة الذمة بدون الاحتياط وبجريان الاستصحاب
يرتفع ذلك الشك حكما فلا يبقى مورد له.
واما التخيير أعني
حكم العقل بالتخيير بين الدليلين في مقام الدوران بين المحذورين فالمأخوذ في
موضوعه التحير والتردد ومع جريان الاستصحاب لا يبقى حيرة وتردد اصلا فلا يبقى
موضوع للتخيير.
واما بالنسبة إلى
الأصول الشرعية فما كان منها لسان دليلها لسان حكم العقل كادلة البراءة الشرعية
التي ساقها مساق حكم العقل من جهة عدم البيان فتكون واردا عليها ايضا.
وأما ما لم يكن
كذلك نحو كل شيء مطلق ونظائره فان قلنا إن المراد بالنهي عن قوله حتى يرد فيه مما
هو اعم من الواقعى والظاهري فيكون الاستصحاب واردا عليها لثبوت النهي الظاهري
بالاستصحاب فيرتفع موضوع دليل البراءة. لا يقال تقديم الاستصحاب من باب الورود على
الأصول إنما هو بعد الأخذ بدليله في مورد مع انه يمكن الأخذ بدليلها ويخصص بها
دليل الاستصحاب من غير محذور. لانا نقول الأخذ بدليل الأصول وتخصيص دليل الاستصحاب
بها يلزم منه أما تخصصه بلا مخصص واما بوجه دائر كلاهما محذور باطل بخلاف الأخذ
بدليل الاستصحاب وتخصيص ادلة الأصول به فانه لا محذور فيه ، بيان ذلك ان تخصيص
دليل الاستصحاب.
أما ان يكون بغير
دليل البراءة فهو مستلزم للتخصيص بلا مخصص لعدم دليل بالفرض يوجب تخصيصه غير دليل
البراءة.
واما ان يكون دليل
البراءة فهو مستلزم للدور لأن جريان دليل البراءة في مورده موقوف على عدم جريان
دليل الاستصحاب وإلا فيعتبر
الغاية المأخوذة
في دليلها وهو النهي متحققة بقوله لا تنقض اليقين فلو كان عدم جريانه موقوفا على
جريان دليل تخصيصه به كان دورا محالا. لا يقال بهذا لو تم لزم عدم جواز تخصيص كل
عام بشىء من المخصصات وذلك بعين ما تقدم فيقال إن حجية ظهور أكرم العلماء متوقف
على عدم قيام دليل خاص يخصصها وعدم قيام الخاص موقوف على حجيتها فيكون دورا لانا
نقول بأن الفرق بين المقامين ظاهر لأن العام والخاص الظهور فيها تنجيزي إلا ان
قيام الخاص مانع عن حجية ظهور العام وهذا بخلاف المقام فان انعقاد الظهور في لا
تنقض اليقين بالشك تنجزي ولكنه في دليل البراءة تعليقي معلق على عدم قيام دليل
الاستصحاب فدليل الاستصحاب مانع عن انعقاد الظهور في دليل البراءة فعموم دليلها
موقوف على عدم دليله فلا يعقل تخصيص دليله بدليلها المتوقف على عدم دليله كما لا
يخفى.
وان قلنا بأن
المراد من الغاية في قوله حتى يرد فيه نهي هو العلم بالنهي الواقعي فاما ان نقول
بأن الاستصحاب تنزيل الشك منزلة اليقين ويحصل به العلم تنزيلا فيكون حاكما على
البراءة ، وإن قلنا بأنه تنزيل المشكوك منزلة المتيقن فلا يصير حينئذ حاكما فيخصص
ادلة البراءة.
وكذا الكلام
بالنسبة إلى ساير الأصول من الاحتياط والتخيير كما لا يخفى.
الأمر التاسع نسبة
الاستصحاب إلى القرعة ، قيل بعدم المعارضة لكي يقع الكلام في تقديم احدهما على
الآخر إذ المورد الذي تجري فيه القرعة لا يجري فيه الاستصحاب إلا انه يمنع ذلك
لوجود موارد لها بيان ذلك يحتاج إلى تقديم مقدمة تشتمل على موارد جريانها فنقول إن
المستفاد من ادلتها على اختلافها ففي بعضها (كل شيء مجهول فيه القرعة) وفي بعضها (القرعة
لكل امر مشتبه) وفي ثالث (لكل امر
مشكل) والظاهر
منها ومن غيرها انها تجري في الشبهات الموضوعية المقرونة بالعلم الاجمالي وعدم
شمولها للشبهات الحكمية والشبهات البدوية لظهور ان عنوان المشتبه المأخوذ في موضوع
القرعة هو كونه وصفا لذات الشىء المعنون المتردد بين شيئين او اشياء لا وصفا لحكمه
وعنوانه ليكون من قبيل الوصف بحال المتعلق ، فعليه تكون الشبهات الحكمية من غير
فرق بين المقرونة بالعلم الاجمالي او غير المقرونة به ليست من موارد القرعة لما هو
معلوم ان الشبهة إنما تكون من الشبهة في حكم الشىء لا في ذات الشىء كما ان الشبهات
الموضوعية غير المقرونة بالعلم الاجمالي المسماة بالشبهات البدوية خارجة عن موارد
القرعة بداهة ان الشبهة فيها إنما تكون بانطباق عنوان ما هو موضوع الحكم كالخمر
ونحوه في الموجود الخارجي لا في ما انطبق عنوان الموضوع فارغا عن الانطباق في
الخارج لكون هذا او ذاك كالشبهات الموضوعية المقرونة بالعلم الاجمالي حيث ان فيها
يكون كل من الخطاب وعنوان الموضوع وانطباقه في الخارج معلومة بالتفصيل ولكن الشك
في ان المنطبق عليه عنوان المحرم اي الأمرين ومع خروج هذه الموارد عن القرعة تجري
فيها الأصول ولا يحتاج إلى ملاحظة النسبة بين الأصول والقرعة.
واما بالنسبة إلى
الشبهات الموضوعية المقرونة بالعلم الاجمالي فينبغي ملاحظة النسبة بين القرعة
والاستصحاب لجريان كل منهما في تلك ولكن بالنسبة إلى الموضوع المشتبه وكان بين
المتباينين وكان متعلقا لحق الله تعالى لا مجال لجريان القرعة وذلك لا لقصور في
القرعة نفسها عن الجريان بل لوجود المانع وهو العلم الاجمالي بالتكليف الملزم بحكم
العقل بلزوم الفراغ وذلك يقتضي الاحتياط في جميع المحتملات إلا إذا كان هناك موجب
للانحلال او لجعل البدلية.
أما بالنسبة إلى
الانحلال فمن جهة تأخرها عن العلم الاجمالي لا توجب انحلاله إذ لا تزيد القرعة عن
العلم التفصيلي المتأخر بثبوت التكليف في بعض الأطراف على التعيين فكما أن العلم
التفصيلي المتأخر لا يوجب الانحلال فبالطريق الأولى القرعة لا توجبه.
وأما جعل البدلية
أيضا فالقرعة غير صالحة لذلك فاننا لو قلنا بأماريّتها فان ذلك غاية ما يقتضيه من
دليلها هو التعبد بكون مؤداها هو الواقع.
وأما إثبات عدم
كون المعلوم بالاجمال في المحتمل الآخر فلا يقتضيه إلا على فرض اقتضاء دليلها
تتميم كشفها بجميع ما لها من المدلول المطابقي والالتزامي وذلك ممنوع جدا.
إذا عرفت ذلك
فاعلم أن الكلام يقع في نسبتها مع الاستصحاب فنقول لا يخلو أن اعتبار القرعة أما
على أنها امارة كما يفضي إليه بعض أخبار الباب والسيرة وارتكاز الأذهان وبناء
العقلاء.
وأما على التعبد
فعلى الأول فلا إشكال في تقدمها على الاستصحاب بما تقدم من تقديم كل امارة عليه من
باب الحكومة وعلى الثاني يتعارضان لأنهما قاعدتان جعلتا في ظرف حفظ الشك وقد أخذ
موضوعا فيهما إلا الاستصحاب يقدم عليها لاخصية أدلته عن أدلتها فتختص القرعة
بموارد
__________________
لم يجر فيها
الاستصحاب والنسبة مع غيرها وإن كانت عموم من وجه إلا أن تطبيق الامام (ع) بما
يختص بالشبهات الموضوعية كصحيح زرارة
__________________
ومكاتبة القاساني
صار موجبا لانقلاب النسبة إلى العموم المطلق ضرورة أنه لو عمل بقاعدة العامين من
وجه وأخرج الشبهات الموضوعية عن مورد الأخبار فلا يبقى مورد للعمل بها والحق تقديم
القرعة على الاستصحاب وذلك لأجل التخصيص لأن من قال بتقديم الاستصحاب عليها فلا بد
أن يقول بتقديم سائر الأصول عليها وحينئذ فلا يبقى مورد لها إذ ما من مورد من
مواردها إلا ويجري فيه أصل من الأصول من الاباحة والاحتياط والاستصحاب فيلزم
لغويتها لا يقال بأن تقديمها على الأصول أيضا موجب للغوية الأصول بعين ما ذكر فانه
يقال ليس كذلك لاختصاص القرعة بالشبهات الموضوعية المقرونة بالعلم الاجمالي فيجري
الاصول في الشبهات الحكمية مطلقا وفي الشبهات الموضوعية غير المقرونة بالعلم
الاجمالي وكونها بملاحظة كثرة التخصيص في أدلتها موهونا فلا يعمل بها إلا بعد
انجبارها بعمل الاصحاب فيبقي للاصول موارد ولا يلزم اللغو كما هو واضح.
الأمر العاشر في
بيان تعارض الاستصحابين ومجمل القول فيه أن الشك في أحدهما تارة يكون مسببا عن
الشك في الآخر وأخرى لا يكون كذلك بل الشك فيهما ناشئ عن أمر ثالث.
أما الأول كما إذا
أستصحب طهارة ماء غسل ثوبه النجس حيث يكون الشك في بقاء نجاسة الثوب بعد غسله
مسببا عن طهارة الماء وحكم هذا القسم جريان الاستصحاب في طرف السبب ولا يجري في
المسبب إلا مع عدم جريانه في السبب.
أما لعدم الحالة
السابقة وأما لمعارضته مع أصل آخر لوجوه وقبل
__________________
بيان الوجوه
فليعلم أنه لو لا جهة السببية بينهما لا مانع من جريان الأصلين فيهما لعدم
المعارضة بينهما إذ لا منافاة بين استصحاب طهارة الماء ونجاسة الثوب لثبوت التفكيك
في الأحكام الظاهرية ووقوعه كما اذا توضأ بمائع مردد بين الماء والبول فانهم حكموا
باستصحاب الحدث وطهارة أعضاء الوضوء وبعد معرفة ذلك. فنقول الوجه الأول دلالة
صحيحة زرارة الثانية إلى أن قال (قلت فان ظننت أنه أصابه ولم أتيقن ذلك فنظرت ولم
أر شيئا فصليت فيه فرأيت فيه قال (ع) تغسله ولا تعيد الصلاة قلت لم ذلك قال (ع)
لأنك كنت على يقين من طهارتك فشككت فليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشك أبدا) فقد
استدل (ع) على عدم وجوب الاعادة بالاستصحاب الرافع لحكم الشك فيها الذي هو سبب
للشك في وجوب الاعادة فدل على أن الاستصحاب في طرف السبب يغني عن إجرائه في المسبب
ودلالة هذه الرواية وإن كانت لا تخلو عن المناقشات المتقدم ذكرها في محلها إلا
أنها لا يضر بما نحن بصدده من دلالتها على ما ذكرناه في المقام ظاهرة الوجه الثاني
من الوجوه لتقديم الاستصحاب السببي على المسببي بالحكومة كما هو مختار الشيخ
الأنصاري (قده) بتقريب أن عموم قوله (لا تنقض اليقين بالشك) بعد شموله للشك السببي
فلا يشمل الشك المسببي لأن معنى البقاء على ما كان على طبق الحالة السابقة وعدم نقضه
بالشك في السبب هو ترتيب جميع الآثار الشرعية المترتبة عليه التي منها طهارة الثوب
المغسول به فنقض اليقين بنجاسة الثوب ليس من باب نقض اليقين بالشك بل نقض اليقين
بدليل معتبر وهو استصحاب طهارة الماء ولا يمكن عكس ذلك بأن يجعل جريان الأصل في
المسبب مانعا عن جريانه في السبب إذ الأصل لا يثبت إلا اللوازم الشرعية الثابتة
للمستصحب وطهارة الماء ونجاسته ملزوم النجاسة الثوب وطهارته
والأصل لا يثبت
الملزومات فاجراء الأصل في المسبب وطرحه في السبب موجب لطرح الأصل في السبب ونقض
الحالة السابقة فيه بالشك من غير دليل.
الوجه الثالث
تقديم الاستصحاب في السبب على المسبب بنحو الورود كما ذهب إليه الأستاذ في الكفاية
وحاصله أن قوله (لا تنقض اليقين بالشك) دال على العمل باليقين السابق أعم مما كان
يقينا بالواقع أو الظاهر فمع جريان الأصل في السبب يحصل له العلم بالطهارة
الظاهرية في المسبب فيكون نقضا لليقين بنجاسة المسبب وليس بالشك بل باليقين
بالطهارة الظاهرية وذلك اليقين بالطهارة لم يحصل من جريان الأصل في المسبب بل من
جهة جريانه في السبب ولا يمكن العكس بأن يجري في المسبب ويخصص به الأصل في السبب
ضرورة لزوم أحد المحذورين أعني تخصيص من غير مخصص أو التخصيص بوجه دائر وكلاهما
محال.
ولكن لا يخفى أما
على نحو الحكومة فلا يخلو عن المنع إذ
__________________
المراد من الدليل
الذي يكون ناقضا لليقين السابق في طرف المسبب.
إما ان يكون ناقضا
لكونه رافعا للشك في المسبب فهو غير معقول الا
__________________
من القول بالتعميم
وارادة الأعم من الواقعي والظاهري وهو خلاف مختارة مع أنه موجب للورود لا الحكومة
وان كان ناقض حكما في
__________________
ظرف بقاء الشك في
المسبب فلا يخلو إما أن يكون دليل الاستصحاب ناظرا إلى جعل المشكوك منزلة المتيقن
من غير نظر إلى تنزيل الشك
__________________
منزلة العلم فيكون
في ظرف المسبب باقيا بحاله غير مرتفع لا وجدانا ولا حكما فلا يكون الأصل فى السبب
حاكما أيضا سواء كان الأصل بلسان جعل المماثل أو بلسان وجوب التعبد.
وأما لا يكون
ناظرا إلى جعل الشك منزلة اليقين بمعنى وجوب التعبد باليقين ووجوب ترتيب آثار
اليقين السابق في حال الشك ومن آثاره وجوب التعبد بطهارة الثوب المغسول به وليس
اليقين بطهارته من آثاره الشرعية المترتبة على اليقين بطهارة الماء حتى يثبت بوجوب
__________________
التعبد اليقين
بطهارة الماء فلا يحصل في طرف المسبب يقين ولا تنزيل حكمي.
وأما على تقرير
الحكومة كما هو ما ذهب إليه الأستاذ المحقق الخراساني (قده) بتقريب أن الاستصحاب
الجاري في السبب في المثال هو الحكم بطهارته وذلك يوجب اليقين بطهارة الثوب
المغسول به لكونه من آثاره فيوجب خروج المسبب حقيقة من أفراد عموم حرمة نقض اليقين
بالشك حيث أنه رفع اليد عن بقاء نجاسة الثوب المغسول به من باب كونه نقض اليقين
باليقين لا من نقض اليقين بالشك بخلاف الاستصحاب في المسبب الذي هو نجاسة الثوب
فانه يوجب التخصيص لدليل الاستصحاب إلا أنك قد عرفت انصراف اليقين إلى اليقين
المتعلق بما تعلق به الشك وهو اليقين بحكم الشيء بعنوانه الأولى فلا مجال لدعوى
الورود لما عرفت من أن مفاد الاستصحاب يكون عبارة عن حرمة بعض المتيقن بلحاظ أثره
مع أنه لم يتحقق من قبل الاستصحاب طهارة الماء واقعا وإنما الذي تحقق من قبله
العلم بطهارة الثوب المغسول به بعنوان نقض اليقين بالشك بلحاظ عدم الحكم بطهارة
نقض يقين بطهارة الماء بالشك به فعليه لم يكن اليقين بطهارة الثوب لهذا العنوان
مشمولا لليقين الناقض لاخبار الباب.
وبالجملة تقديمه
على تقرير الورود إنما يتم بناء على أن المراد من اليقين هو الاعم من الواقعي
والظاهري وقد عرفت عدم صحة هذا المبنى بدعوى الصرافة إلى الحكم الواقعي وعليه لا
حكومة ولا ورود إلا على ما هو التحقيق فى تقريب الحكومة أن قوام الحكومة انما يكون
بأحد الاصلين أو الدليلين انما يكون بمدلوله ناظرا إلى مفاد الآخر ومدلوله وذلك
يتحقق برجوع مفاده إلى التصرف في عقد وضع الآخر بتوسعته
أو بتضيقه كذلك
يحصل بالتصرف في عقد حمل الأخر كأدلة نفي الضرر والخرج بالنسبة إلى الأحكام
الأولية حيث أن حكومتها على أدلة الأحكام الأولية إنما هو بالتصرف في عقد حملها
ببيان ما هو المراد منه ومن هذا القبيل حكومة الأصل السببي على المسببي حيث أن
الأصل السببي متكفل لاثبات الطهارة للماء المشكوك طهارته وناظر إلى إثبات آثار
طهارته وبذلك يكون ناظرا إلى مؤدى الأصل المسببي من نفي ترتيب آثار طهارة الماء
وبهذا يكفي في حكومة الأصل السببي على المسببي بلا احتياج في في وجه تقديمه لكونه
ناظرا إلى نفي الشك عن المسبب في استصحاب المسببي ودعوى أن النظر متحقق في كل من
الاستصحابين في غير محله فان نظر كل يختلف عن الآخر فان نظر الأصل السببي الى نفي
الاصل المسببى من جهة نظره إليه ومن طرف الاصل المسببي ناظر إلى أثره من باب
التخصيص لا من باب الحكومة ومن الواضح أن الدوران بين الحكومة والتخصيص تكون
الحكومة مقدمة على التخصيص كما لا يخفى.
هذا كله فيما إذا
كان الشك في أحد الاستصحابين مسببا عن الآخر.
وأما الكلام فيما
لم يكن كذلك بل كان كل من الاستصحابين مسببا عن أمر ثالث وهو العلم الاجمالي فتارة
يكون مستلزما للمخالفة العملية للتكليف المعلوم وأخرى لا يكون مستلزما لها بل يكون
موجبا للمخالفة الالزامية. أما الاول كما لو علم بنجاسة أحد الطاهرين فانه على ما
هو المختار من علية العلم الاجمالي بالنسبة الى الموافقة القطعية عدم جريان الأصل
في أحد أطراف العلم الاجمالي ولو مع خلوة عن وجود المعارض وقد عرفت مما سبق أن
منشأه تنجيز الحكم الواقعي الموجب لفراغ الذمة فان شغل الذمة اليقيني يستدعي
الفراغ اليقيني ولازم ذلك إباء العقل عن مجيء
الترخيص في أحد
الاطراف فانه يوجب الترخيص في محتمل المعصية حيث انه بعد تنجز هذا الاحتمال ويكون
كالترخيص في مقطوع المعصية ولذا نقول لا يجري الاصل في أطراف العلم الاجمالي مع
عدم المعارضة كما لو علم بنجاسة أحد الإناءين مع كون الحالة السابقة هو النجاسة في
أحدهما والطهارة في الآخر فانه يقع التعارض بين استصحاب النجاسة مع قاعدة الطهارة
فيتساقطان وتبقى قاعدة الطهارة في طرف الاصل الجاري فيها استصحاب النجاسة بلا
معارض وذلك لما عرفت من علية العلم الاجمالي ومعه لا يجري الاصل ولو مع عدم
المعارض.
وأما لو قلنا بكون
العلم الاجمالي مقتضي بالنسبة إلى الموافقة القطعية فلا إشكال من عدم جواز كلا
الاصلين المشتملين على الترخيص لما يلزم من الوقوع في محذور المخالفة القطعية
للتكليف المعلوم بالاجمال إلّا أنه وقع الكلام في جواز جريان أحد الأصلين ليثبت
التخيير أم لا يجوز.
قال الشيخ الانصاري (قده) وتبعه بعض الاعاظم (قده) بدعوى
__________________
عدم جوازه والقول
بتساقط الأصول الجارية في أطراف العلم الاجمالي ولا دليل على جريان أحد الأصلين
ليثبت بجريانه التخيير.
__________________
ولكن لا يخفى من
القول به على مسلك الاقتضاء إذ لا مانع من جريان أحد الأصلين لا من جهة بقاء أحدهما
المخير مندرج تحت عموم دليل الترخيص لكي يدفع بأن أحدهما المخير ليس من أفراد
العام بل من جهة تقييد اطلاق دليل الترخيص الجاري في كل طرف اذ منجز به العلم
الاجمالي مانعا من اطلاق الترخيص ولكن الاطلاق مع التقيد يرتفع المحذور المذكور من
غير فرق بين الاصول التنزيلية وغيرها وبهذا التقيد ترتفع المعارضة بينهما لبقاء كل
من الطرفين تحت عموم دليل الترخيص إلّا أنه يقيد اطلاق كل منهما بعدم ارتكاب الآخر
من غير احتياج الى ارتكاب التخصيص باخراج كلا الفردين عن عموم أدلة الترخيص ولو
بضميمة بطلان الترجيح بلا مرجح (+) هذا على القول باقتضاء العلم الاجمالي بالنسبة
الى الموافقة القطعية وعليته بالنسبة الى المخالفة القطعية.
__________________
وأما لو قلنا
بالاقتضاء في المخالفة القطعية أيضا فالقول بالتخيير إذ لا مانع من أن مرجع الاقتضاء حينئذ إلى تعليق حكم العقل
في عدم
__________________
جواز ارتكاب
المشتبهين على عدم ورود ترخيص شرعي على الخلاف وجريان الأصول المرخصة يرتفع حكم
العقل إلا أن ذلك خلاف التحقيق فان العلم الاجمالي علة للتنجيز مطلقا حتى بالنسبة
إلى الموافقة القطعية ولازم ذلك عدم جريان الأصل في بعض أطرافه ولو مع عدم
المعارضة
__________________
هذا كله إذا كان
الأصلان نافيين.
وأما إذا كانا
مثبتين كما لو علم بطهارة أحد الثوبين النجسين فالظاهر أنه لا مانع من جريان
استصحاب النجاسة في الثوبين لعدم لزومه من جريانهما مخالفة عملية.
نعم يلزم من
جريانهما مخالفة التزامية إلا أنها غير مانعة إلا بدعوى أن جريانهما مناف للتعبد
ببقاء الواقع فى كل منهما بمقتضى الاستصحاب مع العلم الاجمالي بمخالفة أحدهما
للواقع من غير فرق بين أن يلزم من جريان الاستصحابين مخالفة عملية أو التزامية
ممنوعة بعدم المنافاة بين الاحراز التعبدي في كل من الطرفين بعنوانه التفصيلي وبين
الاحراز الوجداني بانتقاض الحالة السابقة بأحدهما لتغاير متعلق اليقين والشك فان
متعلقهما بالعنوان التفصيلي ومتعلقي الاحراز الوجداني هو أحدهما
فعليه لا مانع من
شمول دليل الاستصحاب لكل من الطرفين
__________________
وحاصل الكلام أن
التعارض فى باب العلم الاجمالي لا يتحقق إذ الأصلين إما أن يكونا نافيين للتكليف
كما إذا علم بنجاسة أحد الإناءين
__________________
وكانت الحالة
السابقة طهارتيهما أو يكون كلاهما مثبتين للتكليف ولكن يكون جريانهما معا موجبا
لمخالفة المعلوم بالاجمال كما إذا علم بحرمة
__________________
أحد الإناءين
المعلوم وجوب ارتكابهما سابقا أو يكون أحدهما مثبتا والآخر نافيا كما إذا علم
إجمالا بحرمة أحد الإناءين المعلوم حرمة
__________________
أحدهما سابقا فعلى
الأول فاما أن نقول كون العلم الاجمالي مقتضيا لوجوب الموافقة القطعية ولا يكون
علة تامة لها بنحو يصح معه الترخيص المخالفة الاحتمالية إلّا أن جريان الأصلين غير
ممكن للزوم المخالفة القطعية المفروض حرمتها تنجيزيا لكون العلم الاجمالي علة تامة
بحرمة المخالفة القطعية.
وأما جريان أحد
الأصلين دون الآخر فهو مما لا محذور فيه لا بنحو التخصيص لكي يقال بتخصيصه من غير
مخصص بل بنحو يكون بنتيجة التقيد بأن يقيد اطلاق دليلي الأصلين بالآخر بيان ذلك أن
اطلاق
__________________
في قوله (ع) لا
تنقض اليقين بالشك في كل منهما يقضي حرمة النقض في ظرف ترك الآخر فيقيد ذلك
الاطلاق في حال ترك الآخر فاذا قيد كل من الاطلاقين بالآخر يثبت حلية كل منهما في
ظرف ترك الآخر فيثبت من ذلك حكم تخييري بالنسبة الى كل منهما فلا تتم المعارضة من
جريانهما معا مع عدم استلزامه للمخالفة القطعية.
وأما أن نقول بأن
العلم الاجمالي علة تامة لوجوب الموافقة القطعية كما هي علة لحرمة المخالفة
القطعية فلا يجري الأصل في كل من الطرفين ولو لم يكن معارضا وما نحن فيه لا يمكن
جريان الأصل اذا كان العلم علة تامة وذلك لما تقدم في البراءة من أن الترخيص لأحد
الطرفين لما كان ترخيصا في محتمل الحرمة التنجيزية وذلك يوجب الترخيص في محتمل
الحرمة المنجزة وذلك باطل ولذا قلنا بعدم جريانه ولو لم يكن معارضا كما إذا كان
أحد الطرفين مجرى للاستصحاب بلا معارض ومع علية العلم الاجمالي لا يصح اجرائها بخلاف
مسلك الاقتضاء فانه لا مانع من جريانه وعلى الثانى أعني ما اذا كان كل من الطرفين
أصل مثبت للتكليف مع استلزامهما للمخالفة القطعية فالكلام فيه كالكلام في القسم
المتقدم وعلى الثالث فلا مانع من جريانهما معا لعدم استلزامها المخالفة القطعية
وعلى الرابع أعني ما اذا كان أحد الأصلين مثبتها والآخر نافيا فاما أن يكون
جريانهما موجبا للمخالفة القطعية بالنسبة الى الواقع المردد فى البين كما اذا علم
بوجوب ارتكاب أحد الإناءين المسبوق أحدهما بالعلم بوجوب ارتكابه والآخر باباحته
فجريان الأصلين موجوب للعلم بمخالفة الحكم المعلوم في البين وهو الوجوب ويكون حال
هذا القسم حال القسم الأول من عدم جريان الأصل اذا كانا كلاهما نافيان.
وأما أن لا يكون
كلاهما موجبا للمخالفة القطعية بل كانا موجبا
للمخالفة
الالتزامية وكان أحد الاصلين مطابقا له كما اذا علم بوجوب أحد الإناءين المسبوق
أحدهما بالوجوب والآخر بالاباحة وفي ذلك لا تنتهي النوبة الى التعارض فيجري أصالة
الوجوب في الاناء المستصحب الوجوب ومع جريانه فينحل العلم الاجمالي الى المعلوم
التفصيلي وهو استصحاب الوجوب والى استصحاب الاباحة للطرف الآخر من غير اشكال.
وإما أن يكون
الحكم المعلوم في البين غير الزامي كما اذا علم اجمالا باباحة أحد الإناءين فلا
مانع من اجراء الاصل المثبت لعدم لزوم المخالفة العملية من جريانه أصلا.
هذا ما أردنا
بيانه في بحث الاستصحاب من الجزء الخامس من كتابنا المسمى بمنهاج الاصول ونسأله
التوفيق لاخراج الجزء السادس من التعادل والترجيح والاجتهاد والتقليد والحمد لله
أولا وآخرا وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين والحمد لله رب
العالمين وقد وقع الفراغ منه في جوار مرقد سيد الوصيين أمير المؤمنين عليه وآله
أفضل الصلاة والسلام بقلم مؤلفه الراجى عفو ربه محمد ابراهيم بن المرحوم الحاج
الشيخ علي الكرباسى طاب ثراه.
محتويات الكتاب
محتويات الجزء الخامس
من منهاج الأصول
الصفحة
|
الموضوع
|
الصفحة
|
الموضوع
|
٣
|
الاستصحاب
|
٣٤
|
تقسيم الاستصحاب
|
٥
|
حقيقة الاستصحاب
وماهيته
|
٣٥
|
استصحاب العدمي
|
٩
|
الأمر الثاني
الاستصحاب في المسائل الأصولية
|
٣٧
|
التفصيل بين
استصحاب حال العقل والشرع
|
١٦
|
الأمر الثالث في بيان الفرق بين الاستصحاب
وقاعدة اليقين
|
٤١
|
استكشاف الحكم
الشرعي من العقل
|
٢٠
|
الأمر الرابع في
أن حجية الاستصحاب هل هي من باب الظن أم لا.
|
٤٥
|
الأحكام الشرعية
المستكشفة من العقل
|
٢٥
|
الأمر الخامس في
أنه يعتبر في الاستصحاب بقاء الموضوع
|
٥١
|
التفصيل بين
الشك في المقتضى والرافع
|
٢٨
|
الأمر السادس في
أنه هل يشترط فعلية الشك أم يكفي التقديري
|
٥٣
|
الاستصحاب الوجودي معارضي للعدمي المقام
الثاني
|
٣٣
|
المقام الأول في
تنقح محل النزاع وبيان الأقوال
|
٥٦
|
في أدلة
الاستصحاب الدليل الثالث
|
|
|
٥٩
|
الأخبار المستفيضة
|
|
|
٦١
|
الاستدلال
بصحيحة الأولى لزرارة
|
الصفحة
|
الموضوع
|
الصفحة
|
الموضوع
|
٦٩
|
صحيحة زرارة
الثانية
|
١٨١
|
الشبهة العبائية
|
٧٩
|
الصحيحة الثالثة
لزرارة
|
١٨٣
|
القسم الاول من
استصحاب الكلي
|
٩١
|
الاستدلال
بهداية محمد بن مسلم
|
١٨٥
|
القسم الثاني من استصحاب الكلي
|
٩٥
|
الاستدلال
بموثقة عمار
|
١٩٣
|
القسم الثالث من
استصحاب الكلي
|
١١١
|
بيان مقدار دلالة الأخبار
|
٢٠٣
|
كلام الفاضل
التوني (قده) في عدم التذكية
|
١١٣
|
التفصيل بين
الشك فى المقتضي والرافع
|
٢٠٥
|
التنبيه الرابع
|
١٣١
|
الاحكام الوضعية والتكليفية
|
٢٠٧
|
استصحاب الامور
القارة وغيرها
|
١٣٤
|
الاحكام الوضعية
|
٢١٥
|
استصحاب
التدريجية من الزمانيات
|
١٤٣
|
الفرق بين الحق
والحكم
|
٢١٩
|
كلام الفاضل
النراقي (قده)
|
١٤٥
|
الجزئية الشرطية
|
٢٢٢
|
التنبيه الخامس
|
١٥٥
|
الصحة والفساد
|
٢٢٥
|
الاستصحاب
التعليقي
|
١٥٧
|
الرخصة والعزيمة
|
٢٣٦
|
التنبيه السادس
|
١٦١
|
اختلاف الوكالة
عن النيابة
|
٢٣٧
|
استصحاب أحكام
الشرائع السابقة
|
١٦٦
|
تنبيهات
الاستصحاب
|
٢٣٩
|
التنبيه السابع
|
|
التنبيه الاول
|
٢٤١
|
الاصل المثبت
|
١٦٦
|
يعتبر فى
الاستصحاب فعلية الشك
|
٢٦٩
|
التنبيه الثامن
|
١٦٧
|
التنبيه الثاني
|
٢٧١
|
أصالة تأخر
الحادث
|
١٧١
|
فى بيان المجعول
في باب الطرق
|
٢٨٧
|
تعاقب الحادثين
المتضادين
|
١٧٧
|
التنبيه الثالث
يعتبر فى المستصحب ما له الاثر الشرعي
|
٢٩٨
|
التنبيه التاسع
|
١٧٩
|
أقسام استصحاب
الكلي
|
٣٠١
|
استصحاب الامور
الاعتقادية
|
الصفحة
|
الموضوع
|
الصفحة
|
الموضوع
|
٣٠٨
|
التنبيه العاشر
|
|
الاستصحاب يتقوم
بيقين سابق وشك لاحق
|
٣٠٩
|
التنبيه الحادي
عشر الاعتبار في ترتب الاثر الشرعي
|
٣٥٥
|
الامر الخامس
الاستصحاب وقاعدتي الفراغ والتجاوز
|
٣١٩
|
التنبيه الثاني
عشر في استصحاب صحة العبادة
|
٣٧٣
|
الامر السادس
الاستصحاب وأصالة الصحة
|
٣١٦
|
التنبيه الثالث
عشر في استصحاب حكم المخصص
|
٣٨٢
|
الامر السابع
الاستصحاب وقاعدة اليد
|
٣٢٥
|
التنبيه الرابع
عشر في تعذر بعض اجزاء المركب
|
٣٩٥
|
الامر الثامن
الاستصحاب مع الاصول العملية
|
٣٢٩
|
التنبيه الخامس
عشر في حرمة نقض اليقين بغير اليقين
|
٣٩٨
|
الامر التاسع الاستصحاب
والقرعة
|
٣٣٤
|
الخاتمة في
لواحق الاستصحاب
|
٤٠٢
|
الامر العاشر
تعارض الاستصحابين
|
٣٣٥
|
الامر الاول
يعتبر فيه اتحاد المشكوكة مع المتيقنة
|
٤٠٥
|
تقديم الاصل
السببي على المسببي
|
٣٣٨
|
الامر الثاني في ملاك الاتحاد
|
٤٠٩
|
تقديم السببي على المسببي بنحو الحكومة
|
٣٤٤
|
الامر الثالث هل
الاخبار تشمل الاستصحاب وقاعدة اليقين أم لا
|
٤١٧
|
جريان الاصل في
أطراف العلم الاجمالي
|
٣٤٩
|
الامر الرابع
|
٤١٩
|
في بيان أقسام
العلم الاجمالي
|
|