بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على اشرف الانبياء والمرسلين محمد خاتم النبيين وآله الطيبين الطاهرين ولعنة الله على اعدائهم اجمعين.

المقصد الثالث فى الشك

قد عرفت في اول مبحث القطع ان الشك مما يمتنع اعتباره وان القطع مما يجب اعتباره عقلا وان الظن مما يشك في اعتباره وبذلك صح تثليث الاقسام بنحو لا يرد عليه اشكال التداخل كما ان البحث عن ذلك بحث عن المسائل الأصولية إذ قد عرفت في الجزء الاول من مباحث الالفاظ ان المسائل الاصولية تنقسم الى ثلاثة أقسام ، مداليل الالفاظ بنحو يكون للفظ دخل كمباحث الأوامر والنواهي والعموم والخصوص والمطلق والمقيد ونحو ذلك ، ويعبر بمباحث الالفاظ ومداليل من دون دخل للفظ فيها بالخصوص كمباحث اجتماع الامر والنهي ومقدمة الواجب ويعبر عنها بالمباحث العقلية إلا انها غير مستقلة والقوم ذكروا تلك المباحث في مباحث الالفاظ لكونها مما يحكم العقل بتوسط الحكم الشرعي المستفاد غالبا من الالفاظ ودليلية الدليل وتسمى بمباحث الحج

وهي تارة تثبت حكما واقعيا لموضوع واقعي مع قطع النظر عن لحاظ جهة الجهل والشك ويسمى الدليل الدال عليه بالدليل الاجتهادي كمباحث الطرق والامارات واخرى تثبت حكما ظاهريا ويسمى الدليل الدال عليه بالدليل الفقاهتي (١) وقد تقدم الكلام مفصلا لجميع الاقسام ما عدا القسم الآخر الذي هو محل البحث وهو ثبوت الاحكام الظاهرية لعنوان الشك بالحكم الواقعي وتسمى تلك الاحكام الظاهرية التي موضوعها الشك بالاصول العملية ومجاريها منحصرة

__________________

(١) قال الشيخ الانصاري قدس‌سره في فرائده (وهذان القيدان اصطلاحان من الوحيد البهبهاني لمناسبة مذكورة في تعريف الفقه والاجتهاد) والظاهر ان تلك المناسبة هي ان الحكم في تعريف الاجتهاد الذي هو استفراغ الوسع لتحصيل الظن بالحكم الفرعي هو الحكم الواقعي وإلا لم يكن وجه لاخذ الظن في التعريف ولذا يقيد الدليل الدال على الحكم الواقعي بالاجتهادي ، واما التقييد بالفقاهتي ، فالظاهر من الحكم المذكور في تعريف الفقه الذي هو العلم بالاحكام الشرعية عن ادلتها التفصيلية هو الحكم الظاهري إذ الأحكام الواقعية لا يتعلق بها العلم غالبا ولأجل ذلك فيد الدليل الدال علي الحكم الظاهري بالفقهاهتي ولكن لا يخفى ان ذلك مبنى على ان المراد من العلم في تعريف الفقه هو خصوص القطع ولازم ذلك كون المراد من الأحكام الظاهرية ، واما لو عممنا العلم لما يشمل الظن أي الطرف الراجح فالاحكام في التعريف تعم الاحكام الواقعية فلا حاجة للتقييد بالفقاهتي كما ان التقييد بالاجتهادي مبني على تعريف الاجتهاد بما ذكر واما لو عرفناه بملكه يقتدر على استنباط الحكم الشرعي الفرعي من الاصل فعلا أو قوة قريبة لشمل الاحكام الظاهري فلا يبقى مناسبة للتقييد بالاجتهادي كما لا يخفى.

في اربعة (١) لان الشك اما في أصل التكليف او في المكلف به ، وعلى الاول اما

__________________

(١) وربما يشكل على حصرها باربعة بان هناك اصولا كثيرة كاصالة العدم وعدم الدليل دليل العدم واصالة الحلية واصالة الطهارة ، ولكن لا يخفى ان الاول يرجع الى الاستصحاب ، والثاني الى الامارات ، والثالث الى البراءة واما الرابع فقد عرفت منا سابقا بامكان ارجاعها الى البراءة بحسب الآثار لو قلنا بانها احكام وضعية منتزعة من الاحكام التكليفية أو قلنا بان النجاسة عين الحكم التكليفي وهو وجوب الاجتناب ، ولكن لا يخفى انه يمكن منع ذلك حيث انها تجري لاحراز الشرط وموضوع التكليف وليس ذلك شأن اصل البراءة وقد اعتذر المحقق الخراسانى (قده) في كفايته بعدم اطرادها في جميع الابواب واختصاص القاعدة في خصوص باب الطهارة ، ولكن لا يخفى ان ذلك لا يوجب عدم عدها مع تحقق ملاك المسألة الاصولية فيها الذي هو ان تكون نتيجتها واقعة في طريق الاستنباط وليس الملاك في المسألة الاصولية الاطراد في جميع الابواب كما هو كذلك بالنسبة الى دلالة النهي في العبادة على الفساد فانها كما ترى انها من مسائل الاصول مع عدم اطرادها في جميع الابواب كما ان الاعتذار عن النقض بها بان النجاسة والطهارة من الامور الواقعية فيكون الشك فيها من الشبهة في الموضوع ولا اشكال في خروج القواعد الجارية في احراز حكم الشبهة في الموضوع عن المسائل الاصولية لعدم وقوع النتيجة في طريق استنباط الحكم الكلي الذي هو ملاك المسألة الاصولية ، ولكن لا يخفى انا نمنع كون النجاسة والطهارة من الامور الواقعية التي كشف عنها الشارع بل أنهما حكمان مجعولان على انا لو سلمنا ذلك فليس ذلك من الشبهات الموضوعية التي مرجعها العرف ، وانما بيانه ذلك يرجع الى الشارع وكلما يكون بيانه من وظائف الشارع يكون من الشبهة في الحكم كالشك في طهارة العصير ونجاسته كما ان الاعتذار بعدم النقض

ان يلحظ الحالة السابقة فهو مورد الاستصحاب وإلا فهو مجرى البراءة وعلى الثانى اما ان يمكن الاحتياط فهو مورد الاشتغال وإلا فهو مورد التخيير ودعوى لزوم التداخل لجريان البراءة في مورد التخيير ممنوعة إذ الحكم بالتخيير بمناط عدم القدرة الموجب لسقوط العلم الاجمالي بمرتبة سابقة وذلك لا يبقى معه مجال لجريان البراءة بمناط عدم البيان إذ جريانها يكون بمرتبة لاحقة على انا ذكرنا سابقا ان العلم بجنس التكليف وان سقطت بيانية من جهة كونه غير قادر على الاحتياط إلا انه لم يسقط بيانيته من جهة كونه علما فلم يتحقق حينئذ موضوع البراءة الذي هو عدم البيان.

وكيف كان فهذه الاصول العملية هي وظائف شرعية جعلت في ظرف الجهل بالواقع كالامارات فانها جعلت في ظرف عدم العلم بالواقع إلا انهما يختلفان من حيث الموضوع فان الامارة لم يكن موضوعها الشك بخلاف الاصل فانه وظيفة شرعية أخذ في موضوعه الشك.

بيان ذلك ان مفاد الاصل إنما هو حكم في ظرف الشك وليس له نظر الى الواقع والامارة مفادها الحكاية عن الواقع والكشف عنه ، فلسان الامارة غير لسان الأصل ولا يتعارضان لو اجتمعا موردا إذ مرتبة الامارة غير مرتبة الاصل ولا بد في التعارض من اتحاد المرتبة. وبالجملة ان كون كل منهما في مرتبة اجنبي عن مرتبة الآخر وبينهما تقدم وتأخر فان مفاد الاصل جعل الحكم في

__________________

بها للاتفاق على جريانها من دون خلاف ممنوع إذ ذلك لا يوجب عدم ذكرها في الاصول العملية فظهر مما ذكرنا ان اشكال النقض باصالة الطهارة لا مدفع له إلا انه بالنسبة الى جريانه في الشبهات الحكمية ، واما اصالة الطهارة الجارية في الشبهات الموضوعية فلا مجال للنقض بها إذ هي كسائر الاصول كاصالة الصحة ونحوها من القواعد الفقهية وليست من المسائل الاصولية فافهم وتأمل.

مرتبة الشك في الحكم الواقعي والامارة مفادها نفس الحكم الواقعي فدائما مفاد الاصل متأخر عن الامارة بل يكونان من قبيل الحكم الظاهري والواقعي (١)

__________________

(١) وفاقا للشيخ الانصاري (قده) في مبحث التعادل والتراجيح من ان وجه التنافي بين الامارة والاصل هو الوجه في التنافي بين الحكم الظاهري والواقعي والجمع بين الامارة والاصل هو الجمع بين الحكم الظاهري والواقعي خلافا للاستاذ المحقق النائيني (قده) فانه قال ان جهة التنافي بين الحكمين غير جهة التنافي بين الامارة والاصل كما ان وجه التنافي بين الحكمين غير وجه رفع التنافي بين الامارة والاصل بتقريب ان جهة التنافي بين الحكمين هو لزوم احد المحاذير وهو اما اجتماع المصلحة والمفسدة او الارادة والكراهة او الوجوب والحرمة مع انه لا يلزم أحد هذه المحاذير من الجمع بين الامارة والاصل حيث ان الامارة ليس المجعول فيها إلا الوسطية في الاثبات وهي ليست حكما مجعولا لكي تحصل المضادة في الوظيفة المقررة للشك المستفادة من الاصل. نعم جهة التنافي بين الامارة والاصل شيء آخر هو أن مفاد الامارة هو الوسطية في الاثبات واحراز الواقع وذلك ينافي اعمال وظيفة الشاك المستفادة من الاصل واما وجه رفع التنافي بين الحكمين إنما هو باختلاف المرتبة وهو غير وجه رفع التنافي بين الامارة والاصل وهو حكومة الامارة على الاصل. وحاصله ان الاصل لما أخذ في موضوعه الشك وبقيام الامارة يرتفع الشك رفعا تعبديا لا رفعا تكوينيا لكي يقال بالورود إذ الامارة لا توجب رفع الشك حقيقة بل رفعا تعبديا.

بيان ذلك يحتاج الى بيان الفرق بين الحكومة والورود والتخصص والتخصيص فنقول : ان التخصص عبارة عن حكم العقل بخروج الموضوع خروجا تكوينيا كقولنا اكرم العلماء فخروج الجاهل من تحت عموم اكرم العلماء خروجا

وقد عرفت من المباحث السابقة من انه لا تعارض بينهما لاختلافهما بحسب المرتبة.

__________________

تكوينيا ويقابله للتخصيص كقولنا اكرم العلماء ثم ورد دليل آخر لا تكرم العالم الفاسق فسلب الحكم عن الفاسق مع انطباق العام عليه لدليل شرعي فيكون خروجه عن الحكم خروجا شرعيا وليس خارجا عن موضوع الحكم بل مع انطباق موضوع الحكم عليه قد سلب عنه الحكم. واما الحكومة والورود فامران متوسطان فانهما يشتركان في ان ارتفاع الحكم كان بالتعبد إلا انه تارة يكون بنفس التعبد يرتفع الموضوع واخرى بعد احراز التعبد بالمؤدى يرتفع الموضوع اما الاول هو الورود كورود الامارات على الاصول العقلية كالبراءة العقلية التي موضوعها قبح العقاب بلا بيان.

فان مجرد البيان ولو كان بيانا تعبديا يرتفع به موضوع حكم العقل الذى هو عدم البيان رفعا تكوينيا وكالاحتياط فانه يجب الاخذ به حيث لا مؤمن ومع مجيء المؤمن ايضا يرتفع موضوعه وكمثل حكم العقل بالتخيير بين المحذورين فانه بمجىء امارة على احد الاطراف يرتفع موضوع حكم العقل.

وبالجملة هذه الاصول الثلاثة بمجرد مجيء البيان التعبدي يرتفع موضوعها حقيقة فيسمى مثل ذلك بالورود فانه وان كان شريكا مع التخصيص من جهة كون كل منهما متعرضا لرفع الموضوع حقيقة ولكن في التخصيص الحاكم به العقل وفي الورود الحاكم بالرفع هو التعبد الشرعي ، فمن جهة يشتركان ، ومن جهة يفترقان واما الحكومة والورود ايضا لهما جهة اشتراك وجهة امتياز. اما جهة الاشتراك فهو ان كلا منهما متعرض لرفع موضوع الآخر بالتعبد الشرعي ، واما جهة الامتياز هو ان الورود يتحقق بمجرد صدور البيان. والحكومة لا يحصل بمجرد صدور البيان بل بعد التعبد بالمؤدى مثلا لو كان مال تحت تصرف زيد وكان قبلا ملكا لعمرو بمقتضى استصحاب ملكية عمرو كونه له ولكن تعارضه يد زيد

ومما ذكرنا من عدم التعارض بين مفاد الامارة ومفاد الاصل يتضح لك

__________________

فكل واحد منهما له دليل تعبدي إلا ان التعبد بمؤدى اليد يكون رافعا لموضوع الاستصحاب وهكذا استصحاب السببي والمسببي ولذا استشكل شيخنا الانصاري (قده) في تقديم استصحاب السببي على المسببي حيث ان كل واحد منهما دليل تعبدي دل عليهما دليل واحد ، وقد أجاب عن ذلك على ما سيأتي في مبحث الاستصحاب وبالجملة بالنسبة الى الحكومة ليس بمجرد صدور التعبد يكون رافعا لموضوع الآخر ، بل التعبد بالمؤدى شرعا ولذا يرى الرائي بينهما المعارضة وبالتأمل ولحاظ التعبد بالمؤدى يوجب الحكم بالتقديم.

واما امتياز الحكومة عن التخصيص فنقول انك قد عرفت ان التخصيص عبارة عن سلب الحكم عن بعض افراد الموضوع من دون تصرف في الموضوع أو الحكم والحكومة عبارة عن تصرف في الموضوع او المحمول بمدلوله اللفظي وبعبارة اخرى ان ملاحظة العام والخاص إنما هو على نحو التعارض والتنافي ، والعقل لما رأى التعارض بينهما فلا بد له من التصرف في احدهما والخاص لما كان اقوى فيقدم على العام ويجعل حكم العام منصرفا عن الفرد المخصص وهذا التصرف عقلي فلو فرضنا كون هذا التصرف مدلولا لفظيا لكان مفاده هو الحكومة فهي عبارة عن التصرف في ناحية الموضوع أو في ناحية المحمول بمدلوله اللفظي. اما التصرف الذي هو في ناحية المحمول فليس له نظير سوى قاعدة لا ضرر فان لا ضرر من العناوين الثانوية والمراد هو ان الحكم الضررى لم يجعل في الشريعة ومن هنا تعلم ان تقديم لا ضرار على ادلة الاحكام من باب الحكومة لا من باب التخصيص وان كانت بحسب النتيجة الحكومة مع التخصيص يتحدان ، واما التصرف في عقد الوضع فله امثلة في الفقه كثيرة مثل لا شك لكثير الشك ولا سهو للامام مع حفظ المأموم ولا شك في النافلة ونحو ذلك ، ثم لا يخفى ان

ايضا انه لا تعارض بين دليل اعتبار الامارة ودليل اعتبار الاصل من

__________________

الحكومة تارة تكون واقعية واخرى ظاهرية ، اما الواقعية فسيجيء ان شاء الله تعالى في كتاب التعادل والتراجيح. واما الحكومة الظاهرية فكمثل حكومة الامارات على الاصول وكحكومة بعضها على بعض كالبينة مع اليد فان البينة تقدم على اليد.

بيان ذلك ان الحاكم اما ان يرفع موضوع المحكوم عليه او يرفع قيده اما حكومة الامارات على الاصول فباعتبار انه رافع لموضوعه لاخذ الشك الذي هو التحير موضوعا في الأصل والامارة لم تؤخذ في موضوعها الشك وقد جعلت الامارة محرزة للواقع فبقيام الامارة يرتفع الشك الذي هو التحير فلا يبقى مجال لجريان الاصل لارتفاع موضوعه إلا انه رفعا تعبديا وشرعيا إذ الجهل لم يرتفع لفرض ان الامارة جعلت في ظرف الجهل ، ولكن لم يؤخذ في موضوعها ، واما حكومة بعض الامارات على البعض كالبينة على اليد باعتبار ان الحاكم يرفع قيد الموضوع فان اليد قد أخذ في موضوعها عدم العلم بالملكية فمع تحقق اليد وعدم العلم بالملكية تكون اليد امارة الملكية فمع قيام البينة تحرز الملكية احرازا تعبديا فترتفع قيدية موضوع اليد فلذا يكون قيام البينة حاكما على اليد واما حكومة الاصل السببي على المسببي ، فكالاول حيث ان الاصل السببي يحرز موضوع الاصل المسببي فلا يبقى له شك لكى يجري وليس كل اصل سببي ينبغي تقديمه على المسببي بل إنما يقتضي التقديم فيما احرز موضوع المسببي لا فيما إذا لم يكن محرزا كمثل ما لو شك في كونه مأكول اللحم ام لا ، فان جريان اصالة الحل الجاري في الشك السببي لا يوجب عدم جريان الاصل في المسببي اعني جواز الدخول في الصلاة لانها ليست محرزة لموضوع الشك المسببي وسيأتي له مزيد توضيح في الاستصحاب فافهم وتأمل.

الاختلاف بينهما بحسب الرتبة فان مفاد دليل اعتبار الامارة ، وان كان حكما ظاهريا وهو جعل المماثل الناشئ من الامر بتصديق خبر العادل إلا انه بالنسبة الى مفاد الاصل الذي هو ايضا حكم ظاهري نسبة الحكم الواقعي الى الظاهرى وبعبارة اخرى ان مؤدى الدليل هو حكم ظاهري اولي ومؤدى دليل الاصل حكم ظاهري ثانوى.

بيان ذلك ان ما يخبر به المخبر بالحكم الواقعي موضوع لوجوب تصدق العادل اي صدّق العادل بما يخبر عنه وهو حكم ظاهري لأن هذا الحكم في ظرف الشك ولكن هذا الحكم مقدم رتبة على الحكم الشرعي المستفاد من ضرب قاعدة الحلية عند الشك في الحرمة فاذا حصل الاختلاف بحسب الرتبة لا تعارض بينهما كما لا يخفى.

واما دليل الاعتبار ونفس دليل مفاد الاصل فهما بحسب المرتبة متحدان ولكن مع ذلك لا معارضة بينهما لان دليل الامارة لسانه تنزيل الامارة منزلة العلم والمعاملة معها معاملة العلم فتندرج الامارة تحت غاية الاصل ولذا تقدم علي الاصل ، والحاصل انه بناء على تنزيل الامارة منزلة العلم بنحو يكون من باب تتميم الكشف فتكون الامارة حاكمة على الاصل نعم تحصل المعارضة لو قلنا بان مفاد دليل الامارة تنزيل المؤدى منزلة الواقع اذ عليه لا يكون دليل الامارة رافعا للشك بل يكون لسانه جعل حكم في ظرف الشك كما هو مفاد الاصل فتحصل بينهما المعارضة ولكن لا يخفى مع انه على خلاف المختار ايضا يمكن منع التعارض بين مفاد الامارة والاصل بتقريب ان دليل اعتبارها يشمل جميع الموارد حتى موارد الأصل غاية الامر بالنسبة الى موارد الأصل تقع المزاحمة لما عرفت من اتحادهما بحسب المرتبة بناء على غير المختار إلا ان سيرة العقلاء قد انعقدت على الأخذ بظاهر عموم الخطاب إلى ان يعلم وجود المزاحم ، وحينئذ يشك في مزاحمة

الاصل لعموم اعتبار الامارة فاصالة العموم في ظرف دليل الامارة يؤخذ بها في مقام الشك في المزاحمة لا يقال مرجع الأخذ بظاهر الخطاب الى أن يعلم وجود المزاحم الى قاعدة الاخذ بالمقتضي الى أن يعلم المانع إذ الخطاب مقتض والمانع هو المزاحم وهذه القاعدة لا اعتبار بها لعدم قيام السيرة على الأخذ بها كما صرحوا بذلك في محله لانا نقول المقام ليس من صغريات تلك القاعدة إذ هي جارية في مقتضيات المصالح والمفاسد التي هي الملاكات للخطابات والكلام في المقام في نفس الخطابات التي يحتمل عدم تعلقها بالمخاطب لوجود المزاحم.

وبالجملة القاعدة في ملاك الخطابات لا في نفس الخطاب كما في المقام فليس المقام من موارد القاعدة فعدم انعقاد السيرة على العمل بتلك القاعدة لا يوجب عدم انعقاد السيرة على الأخذ بعموم الخطاب الى ان يعلم المزاحم ، لما عرفت من الفرق بينهما. نعم يمكن الاشكال عليه من جهة اخرى بان يقال ان ما ذكر من انعقاد السيرة على الأخذ بظاهر خطاب صدق العادل وترك المزاحم الذي هو الاصل جار بعينه بالنسبة لعموم خطاب دليل الأصل إذ هو أيضا خطاب عام يشمل جميع الموارد حتى الموارد المزاحمة للامارة ، وبما انه خطاب عام السيرة ايضا تنعقد على الاخذ بها ما لم يعلم المزاحم وهو الامارة ، فاي وجه لترجيح احد الخطابين على الآخر مع انهما في مرتبة واحدة من دون تقدم أحدهما على الآخر ، ولكن الانصاف ان الدليلين ولو كانا في مرتبة واحدة إلا انه يقدم دليل الامارة على دليل الأصل لحكومة لسان اعتبار الامارة على الاصل لما عرفت منا سابقا ان موضوع الأصل هو الشك في الحكم الواقعي وموضوع دليل الامارة هو نفس الواقع فاذا اجريت الامارة ارتفع موضوع الاصل فلا يجري الاصل لارتفاع موضوعه بخلاف ما لو اجري الاصل لا يرتفع موضوع الامارة الذي هو الجهل بالواقع بل يرتفع حكمه وبعبارة اخرى ان المورد الذي هو صالح لكلا الدليلين

يدور الامر في الأخذ باحدهما بين التخصيص والتخصص فانا لو اجرينا دليل اعتبار الامارة لا يبقى موضوع للاصل وهو التخصص الذي هو بعينه الحكومة واذا اجرينا دليل الاصل لا يرتفع موضوع الامارة بل يرتفع الحكم المتضمن له الامارة وهو التخصيص الذي هو بلا مخصص وبلا اشكال ان الاول هو المقدم فيؤخذ بدليل اعتبار الامارة لحكومته على الاصل ، ومن هنا اتضح لك وجه انعقاد السيرة على الأخذ بخطاب دليل اعتبار الامارة وطرح خطاب الاصل وحاصل الكلام ان دليل الامارة حاكم على دليل الاصل ، اما بناء على المختار فواضح واما بناء على غير المختار فقد عرفت انه حاكم عليه إلا انه ليس بذاك النحو من الحكومة إذ الحكومة ليست على نحو واحد فان الحكومة على المختار في جعل الطرق والامارات من انها لتنزيل الامارة منزلة العلم انها تكون رافعة للشك الذي أخذ موضوعا لدليل الاصل فتكون الحكومة بمعنى رافع لموضوع المحكوم عليه بخلاف الحكومة على غير المختار الذي هو بمعنى تنزيل مؤدى الامارة منزلة الواقع فلم تكن رافعة لموضوع الاصل بل كلاهما جعلا في مورد الشك والجهل بالواقع وحينئذ تكون الحكومة على هذا المبنى هو أن دليل الحاكم ناظر الى دليل المحكوم بان يوجب تطبيق الحكم او توسعته ودليل الامارة بناء على تنزيل المؤدى منزلة الواقع يجعل واقعا تنزيليا فحينئذ تضيق دائرة حكم الاصل ، ولا تجعل له سعة فلذا يقدم دليل الامارة على الاصل للحكومة ومعناها هو ان دليل الحاكم له نظر الى دليل المحكوم فتارة يكون نظره الى الموضوع فيرفعه واخرى نظره الى الحكم فيضيق دائرته ونظير الثاني ما ذكرنا من حكومة دليل اعتبار حجية خبر الواحد على اعتبار التعبد بخبر السيد فان التعبد بدليل اعتبار حجية الاخبار لا يرفع الشك في الحجية ولكن رافع لخبر السيد حكما نعم لو اغمضنا النظر عما ذكر فيمكن دعوى المعارضة بين دليل الامارة والاصل

في مقام الاجتماع إلا انه لنا منع تلك المعارضة بتقديم دليل الامارة إذ لو لم يقدم يلزم لغوية جعل الامارة إذ ما من مورد من مواردها إلا وفيه أصل من الاصول الثلاثة ، وبالجملة تقديم ادلة الامارة لا يستلزم لغوية جعل الاصول لبقاء موارد كثيرة لها وهي فيما لم تقم امارة بخلاف ما لو قدمنا ادلة الاصول فانه مع ملاحظة الاجماع على عدم القول بالفصل في جريان الاصول يلزم لغوية جعل الامارة لعدم وجود مورد منها لم يكن فيه أصل من الاصول الثلاثة وكيف كان فادلة الامارة مقدمة على الاصول اما بمناط الحكومة أو بمحذور اللغوية لا بمناط الورود كما توهم بدعوى ان الغاية في دليل الحلية هو معرفة الحكم الواقعي والظاهري وبالامارة يحصل العلم اليقيني بالحكم الظاهري وذلك يكون رافعا لموضوع الاصل رفعا تكوينيا وجدانيا ولكن لا يخفى ان ذلك خلاف ظاهر الدليل إذ المراد من الحكم الواقعي لا ما يعم الحكم الظاهرى لان المأخوذ غاية هو معرفة ما تعلق به الشك ومن الواضح ان الشك إنما يتعلق بالحكم الواقعي.

ومما ذكرنا يظهر وجه تقديم الاصول التنزيلية كالاستصحاب على غيرها مثل البراءة الشرعية ونحوها فان تقديمها على نحو الحكومة لاقتضائها ثبوت الحكم الواقعي في مواردها وذلك يوجب خروجها عن موضوع ما عداها من الاصول غير التنزيلية هذا مما لا اشكال فيه ، وإنما الاشكال في تقديم الاصول التنزيلية على مثل قاعدة الطهارة والحلية بناء على ان كل واحد منهما يثبت الطهارة او الحلية واقعا للمشكوك ولذا تترتب آثارهما من جواز الدخول في الصلاة إلا ان الكلام في كون اصالة الطهارة والحلية من قبيل الاصول المحرزة.

وكيف كان فالاستصحاب لما كان من الاصول المحرزة للواقع يكون مقدما علي سائر الاصول الشرعية غير المحرزة ، وبما انه لا يرفع الشك بل يحكم ببقاء اليقين السابق مع تحقق احتمال الخلاف تقدم عليه الامارات فهو برزخ بين

الامارة والاصل فله جهة امارية وهو ابقاء يقين السابق فبهذا الاعتبار يقدم على الأصل ويقوم مقام القطع الطريقي وجهة يشبه الأصل وهو حكم في ظرف الشك فتقدم عليه الامارات هذا بالنسبة الى الاصول الشرعية ، واما بالنسبة الى الاصول العقلية فالامارة تقدم عليها بنحو الورود لا الحكومة حيث ان المأخوذ في موضوع قبح العقاب عدم البيان والامارة توجد بيانا تعبديا فترفع موضوع حكم العقل حقيقة ، وبالجملة بالتعبد بالامارة يتم البيان فلا يبقى مجال لحكم العقل بالقبح.

إذا عرفت ذلك فيقع الكلام فى الاصول العملية وهي اربعة البراءة والاشتغال والتخيير والاستصحاب ولا يرجع احدها الى الآخر كما توهم برجوع البراءة الى الاستصحاب فان اصل البراءة اصل برأسه لا ربط له بالاستصحاب كما هو واضح كما انه غير مرتبط بقاعدة عدم الدليل دليل العدم إذ البراءة تنفي الحكم الفعلي ظاهرا ولا تنفيه واقعا كما هو شأن تلك القاعدة كما لا يخفى.

اصل البراءة وفيه مباحث

المبحث الاول في الشبهة التحريمية الحكمية فتارة يكون منشأها فقدان النص ، واخرى اجماله ، وثالثة تعارض النصين ، ورابعة اشتباه الموضوع الخارجي فيقع البحث في مسائل :

المسألة الاولى ـ ما لو شك في حرمة شيء مع العلم بعدم وجوبه لاجل

فقدان النص (١) فالاقوى جريان البراءة وفاقا لقاطبة الاصوليين وخلافا لقاطبة

__________________

(١) وقد جعلنا العنوان هكذا وفاقا للشيخ في فرائده حيث قسم الشك في التكليف الى اقسام ثمانية لكونه اما أن يكون الشك في الحرمة او الوجوب وكل منهما اما ان يكون ناشئا من اجمال النص او فقده او تعارض النصين او ناشئا من الامور الخارجية وهي الشبهة الموضوعية وسببه هو وقوع الخلاف في قسم منها دون الاخرى كما انه وقع الخلاف في الشبهة الحكمية التحريمية دون غيرها خلافا للمحقق الخراسانى قدس‌سره في كفايته حيث جمع الاقسام وعقد لها بابا واحدا وهو ما لو شك في الحرمة او الوجوب وكل منهما يكون ناشئا من فقد النص او اجماله او تعارض النصين لشمول ادلة القائلين بالبراءة للجميع واختلاف منشأ الشك او موضوعه لا يوجب تكثّر الاقسام مع الاتحاد في مناط البحث ، وبالجملة جعل (قده) محط البحث مطلق الشاك في المتن واما في الحاشية اخرج مسألة تعارض النصين من موارد الاصول العملية المقررة للشاك على التحقيق فيه من التخيير او الترجيح ، ولكن لا يخفى ان ما ذكره في المتن هو الاولي إذ الملاك في كونه من البراءة نفس الشك في التكليف من دون فرق بين ان يكون منشؤه فقد النص او اجماله أو تعارض النصين فان مقتضى القاعدة في تعارض النصين التساقط فيرجع الى الاصول العملية. نعم يخرج من ذلك خصوص الخبرين فقد دل الدليل على ان التعارض في خصوص الخبرين يرجع فيه الى المرجحات أو التخيير وما عدى ذلك الحكم فيه بالتساقط اذ التعارض بين النصين لا يختص بالخبر بل قد يكون بين ظاهر الكتاب وغيره وقد يعارض الاجماع المنقول بغيره الى غير ذلك من الامور الخارجة عن النص فان المرجع فيها هي الاصول العملية بعد التساقط فلا تغفل.

الاخباريين وقبل الخوض في أدلة الطرفين لا بد من تنقيح محل النزاع.

فنقول لا اشكال في استقلال العقل بقبح العقاب بلا بيان حتى عند الاخباريين كما انه لا اشكال في استقلال العقل بوجوب رفع الضرر المحتمل حتى عند الاصوليين فهاتان الكبريتان مسلمتان عند الاصولي والاخباري وانما النزاع بينهما في الصغرى وهي مورد الشبهة وانها مندرجة تحت الكبريين فهم الاصولي ادراجها تحت قاعدة قبح العقاب بلا بيان ، وهم الاخباري ادراجها تحت قاعدة دفع الضرر المحتمل وبعبارة اخرى ان النزاع في الصغرى وهو ان اخبار الاحتياط هل هي بيان ام لا؟ فالاخباريون يدعون انها بيان ، والاصوليون يدعون انها ليست بيانا وليس النزاع في احدى الكبريين.

فظهر مما ذكرنا ان المستدل من الاصوليين على البراءة بقبح العقاب بلا بيان في غير محله إذ ليست هذه القاعدة محل انكار عند الاخباريين بل هي مسلمة ولكن يدعى انتفاء موضوع هذه القاعدة باخبار الاحتياط كما ان المستدل من الاخباريين على الاحتياط بقاعدة وجوب دفع الضرر المحتمل ايضا في غير محله إذ الاصوليون لا ينكرون هذه القاعدة بل يدعون وجود المؤمن.

ومن هنا يظهر لك بطلان ما استدل به كل من الطرفين على مدعاه وبدليل العقل الذي هو احدى الكبريين كما ان هذه المسألة لما كانت معركة الآراء قديما فلا مجال للاستدلال لكل من الطرفين بالاجماع ولو قلنا بحجيته من باب الحدس مع انا نجدهم اعتمدوا على ظواهر الآيات والروايات فاذن العمدة في مقام الاستدلال للبراءة في الشبهة الحكمية التحريمية مع فقد النص

(منهاج الاصول ـ ٢)

بالآيات والروايات (١) فنقول فقد استدل الاصوليون بالآيات منها قوله تعالى :

__________________

(١) ذكرنا في حاشيتنا على الكفاية انه قبل بيان الاستدلال بهذه المسألة ينبغي تقديم مقدمتين الاولى ان الوظيفة تارة تكون وظيفة الربوبية واخرى تكون وظيفة العبودية أما وظيفة الربوبية وهي أن يرسل الرسل ويبين الاحكام ويوحيها الى نبيه فلو لم تحصل هذه الوظيفة المستلزمة لعدم امتثال العبد لم يكن خلل في طاعة العبد ووظيفته ، واما وظيفة العبودية هو ان يتفحص العبد عن الأحكام المجعولة له بطرقها فلو لم يتفحص العبد يكون قد أخل بوظيفته ولا يكون اخلالا بوظيفة الربوبية حيث انه حسب الفرض قد أرسل الرسل وقد اوصل الاحكام بطرقها ولو تفحص حتى حصل اليأس فقد أدى وظيفة العبودية وحينئذ يقع الكلام انه يجري في حقه البراءة أو الاحتياط فلذا يجب على من يجري البراءة أولا النظر في الاخبار الواصلة الينا كالتفحص في أخبار الكتب الاربعة وغيرها مما بايدينا فحينئذ تجري البراءة فلو فرض مع ذلك تحقق الحكم وقعا لم يترتب على مخالفته عقوبة لوجود ما يوجب المعذورية.

ان قلت سيأتي ان شاء الله تعالى ان من الفحص ما لو تفحص ولم يعثر على بيان لا يعاقب مع انهم يذكرون انه يعاقب قلت العقوبة ليست من جهة عدم الفحص بل من حيث انه قبل الفحص يجب عليه الاحتياط بحكم العقل ومع ترك الاحتياط يعاقب وسيأتي له تنقيح في آخر البراءة ان شاء الله تعالى.

المقدمة الثانية انه يوجد عند القوم عنوانان أحدهما هل الأصل في الأشياء الاباحة أو الحظر ثانيهما لو شك في الحرمة هل تجري البراءة أو الاحتياط وهل مرجع هذين العنوانين الى شيء واحد أو كل عنوان اجنبي عن الآخر بادئ النظر انهما عنوان واحد ويرجعان لامر واحد ولكن عند التحقيق والنظر الدقيق

(لا يكلف الله نفسا إلا ما آتيها) وتقريب الاستدلال هو انه لا تكليف في مورد

__________________

انهما شيئان احدهما اجنبي عن الآخر بحسب المورد والاستدلال اما بحسب المورد فهو ان هذه المسألة اعنى البراءة او الاحتياط اعم من تلك المسألة لان كون الأصل في الاشياء الاباحة أو الحظر إنما تجري في الاعيان الخارجية وهذه تعم الاعيان الخارجية والاعتبارية كمثل الغيبة والكذب ونحوهما. على ان تلك المسألة تختص بما إذا كان الشيء مما ينتفع به وهذه المسألة أعم من هذه الجهة.

فاتضح مما ذكرنا ان هذه المسألة اعم مطلقا من تلك المسألة ، واما بحسب الاستدلال ففي مسألة الأصل في الاشياء الاباحة أو الحظر البحث فيها عن الدليل الاجتهادي الدال على الحكم الواقعي بانه هل لنا ترخيص ام لا وهنا يجب البحث عن الحكم الظاهري وبالجملة الفرق بين البحث عن الدليل الدال على الحكم الواقعي وبين الدليل الدال على الحكم الظاهري فكم فرق بين المسألتين وقد يقال بالفرق بينهما بان مسألة الاصل في الاشياء الاباحة او الحظر فانما هي قبل الشرع ومسألة البراءة في الشبهة الحكمية التحريمية فانما هي بعد الشرع وقد قيل في رده بان لا نتكلم بالنسبة الى الشرائع السابقة إلا ان الانصاف انه يمكن توجيهه بان المراد من القبلية إنما هي بحسب المرتبة بمعنى ان مسألة الاصل في الاشياء الاباحة أو الحظر تلاحظ مع قطع النظر عن الشرع بحيث لو لم يأت خطاب شرعي الاصل الاباحة او الحظر ومسألة البراءة تلاحظ بالنسبة الى الادلة الشرعية.

إذا عرفت ذلك فقد استدل على حكم الشبهة الحكمية التحريمية بالآيات منها قوله تعالى : (لا يكلف الله نفسا إلا ما آتيها) اقول هذه الآية وما كان على نسقها لا دلالة لها على البراءة في الشبهة الحكمية التحريمية لما عرفت منا سابقا ان محل الكلام بين المجتهدين والاخباريين إنما هو فيما إذا تمت وظيفة الربوبية لا فيما

عدم الايتاء أي الاعلام فيدل على البراءة في الشبهة التحريمية إذ لم يحصل الاعلام بالتكليف ولكن لا يخفى ان الاستدلال بها مساوق لقاعدة قبح العقاب بلا بيان وقد عرفت انه خارج عن محل النزاع بل هو مسلم عند الفريقين فجعله دليلا يكون مصادرة على المطلوب هذه عمدة ما يناقش في هذه الآية وقد يناقش بوجه آخر بان الآية واردة في مقام الاموال فجعلها في خصوص التكليف خلاف السياق وخصوص الاموال لا ينفع المدعى وتعميمها يلزم محذور استعمال اللفظ في اكثر من معنى وهو باطل وقد اوضح الاستاذ قدس‌سره في حاشية

__________________

إذا لم تتم وكان من قبيل (ان سكت الله عن اشياء لم يسكت عنها نسيانا) والظاهر ان جميع الآيات من هذا القبيل لا سيما آية : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا ما آتاها) وبيان هذه الآية على سبيل الاجمال هو ان ان هذه الآية بالنسبة الى الآية السابقة من قبيل الكبرى اعني قوله تعالى : (وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتاهُ اللهُ) وأيضا وردت كبرى لرواية عبد الأعلى عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : (قلت هل كلف الناس بالمعرفة) قال لا (على الله البيان) فلا بد ان يراد من الايتاء ما هو الاعم من الاقدار والاعطاء والاعلام فحينئذ لا بد من تصوير قدر جامع في البين ولا جامع بين التكليف ومتعلقه وقد أشار شيخنا الانصاري (قده) الى امكان تصوير قدر جامع بقوله فافهم بما حاصله بانه يمكن ارادة الجامع من لفظة (ما) بان يراد مطلق الاعطاء من الاشياء واعطاء كل شيء بحسبه فبالنسبة الى المال الاعطاء عبارة عن السلطنة وبالنسبة الى الفعل الاعطاء عبارة عن الاقدار عليه وبالنسبة الى التكليف عبارة عن الاعلام وكل ذلك من مصاديق الاعطاء وربما يشكل على ذلك بان تعلق التكليف بالمال الذي اعطاه الله للمكلف أو الفعل الذي اقدره عليه تعلق الفعل بالمفعول به وتعلقه بالتكليف اعنى الحكم الواقعي

الفرائد في وجه البطلان ما ملخصه ان تعلق التكليف بالحكم على نحو المفعول المطلق وتعلقه بالفعل الذي هو الانفاق على نحو المفعول به ولا جامع بين المفعولين بنحو يكون المراد من ماء الموصولة بل لا بد من ان يراد بها أحد الخصوصيتين فيكون استعمال ما لكل واحد بخصوصه وهو استعمال اللفظ في اكثر من معنى واحد ثم أشار إلى الجواب عن ذلك فقال ما لفظه (ولا يذهب عليك انه يمكن منع تعلقه بالحكم على نحو تعلقه بالمفعول المطلق اذ الوجوب والحرمة الواقعيان ما لم يتنجزا لم يندرجا تحت التكليف لغة فيكون تعلق لا يكلف الله بالموصول المراد منه ما يعمهما على نحو المفعول المطلق ايضا بل تعلقه بهما علي نحو تعلقه بالفعل ويكون معنى انه تعالى لا يكلف عبده في كلفة شيء أصلا حكما بان ينجزه ويعاقب على مخالفته او فعلا بان يأمر به إلا ما آته بالاعلام بالنسبة الى التكليف وبالاقدار بالنسبة الى الفعل وارادتهما من الايتاء ليس باستعماله فيها بل على نحو الكناية فليتأمل).

__________________

من قبيل تعلقه بالمفعول المطلق ولا جامع بين التعلقين ولكن لا يخفى ان الموصول ان اريد منه الحكم الواقعي الذى اعلمه به فلا يكون من قبيل تعلق الفعل بالمفعول المطلق بل هو من قبيل تعلقه بالمفعول به ويكون التفاوت بين الفعل وما تعلق به من قبيل التفاوت بين المصدر وما هو نتيجته فهو كقوله تعالى : (خلق الله السماوات) فان الزمخشري ذكر ان السماوات مفعول مطلق لكونه عين الخلق اللهم إلا ان يقال بالتفاوت بينهما بالاعتبار الذي ذكرناه بمعنى ان السماوات وكل المخلوقات نتيجة ذلك الخلق فهما مختلفان مفهوما واعتبارا وان اتحدا خارجا باعتبار كون الخلق عين المخلوق فلا تكون السماوات إلا مفعولا به بل هو أقوى انحاء المفعول به حيث انه يقع من الفاعل ابتداء فان ما يكون مفعولا للفاعل ابتداء غير المفعول المطلق كما ذكر في وجه

اقول ويمكن الجواب عن اشكال استعمال اللفظ في المعينين بوجهين آخرين الاول أن (ما) ليست مستعملة في خصوص الحكم او الفعل حتى يلزم منه استعمال اللفظ في معنيين بل انما هي مستعملة في معنى عام صالح للانطباق على الحكم والفعل وهو لفظ شيء ولا مانع منه.

ودعوى انه لا جامع بين نسبة الفعل الى المفعول المطلق وبين نسبة الفعل الى المفعول به ممنوعة لامكان تصوير جامع بينهما ولو عنوانا عرضيا ونسبة الفعل الى ذلك الجامع ليست معنونة بالمفعول به ولا بالمفعول المطلق بل إنما هي نسبة ثالثة خارجة عن تلك النسبتين سمها ما شئت ولا نزاع لنا بالتسمية بل الكلام في وحدة النسبة وتعددها ومنه يعلم اتحاد النسبة وبذلك يندفع اشكال استعمال اللفظ في اكثر من معنى واحد.

الثاني ان الاشكال إنما يتوجه لو كان المراد من لفظ (ما) المعنيين ولم يكن هناك دالان كل دال يدل على معنى خاص واما لو كان هناك دالان دال

__________________

التسمية ولو سلم صدق المفعول به عليه فلا اشكال في ان تعلق الفعل به مغاير لتعلقه بغيره من انحاء ما هو المفعول به فحينئذ يبقى الاشكال بحاله على ان المفعول المطلق لا يكون إلا نتيجة الفعل المعبر عنه باسم المصدر ولا يصح أخذ جهة الصدور والانتساب ولاجل ذلك ان المفعول المطلق لا يعمل.

وبالجملة ان المصدر المؤكد الذي يسمونه مفعولا مطلق إنما هو الحدث من حيث جهة الصدور المعبر عنه بالمعنى المصدري دون ما هو نتيجة الفعل المعبر عنه بالاسم المصدري فانه في الحقيقة مفعولا به نعم المفعول المطلق المبين للنوع والعدد يكون عبارة عن الحدث بماله من المعنى المصدري وقد قرب ذلك بجعله مفعولا به ايضا بما له من المعنى الاسم المصدرى لامكان جعله موضوعا لترتب الآثار

يدل على الحكم وآخر يدل على الفعل وحينئذ يكون نظير (العلم) المنصوب المكتنف بدالين يراد من كل دال نسبة خاصة توضيح ذلك ان تعدد النسبة إنما ينشأ. اما من تعدد المنتسب او من تعدد المنتسب اليه مثلا زيد قائم وزيد قاعد فتعدد النسبة فيه من تعدد المنتسب وكزيد قائم وعمرو قائم فتعددها من جهة تعدد المنتسب اليه ومع اتحاد المنتسب والمنتسب اليه لا يعقل تعدد النسبة والمقام من قبيل تعدد المنتسب اليه إذ النسبة إنما هي متقومة بالخصوصيتين بحسب القرينة فتكون عندنا قرينتان حاليتان باحدهما دلالة على الفعل وبالاخرى دلالة على الحكم ولفظة (ما) يراد بها نفس الجامع ولو فرض عنوانا عرضيا فلم تكن الخصوصيتان ملحوظتين من لفظة (ما) وانما استفيدتا من الدالين فلم يكن من ذاك من استعمال اللفظ في اكثر من معنى واحد.

وبالجملة لو كان المستعمل فيه لفظه (ما) هو كل واحد من المفعول به والمفعول المطلق لزم منه استعمال اللفظ في اكثر من معنى واحد واما لو فرض

__________________

ويتعلق به التكليف اللهم إلا ان يقال بان ما جعل مفعولا به هو مقدم رتبة في مقام الاعتبار على المصدر فكيف يجعل ما هو حاصل المصدر المسمى بالاسم المصدري مفعولا به فيلزم اعتبار المتأخر متقدما وذلك باطل ولكن لا يخفى ان الفعل بالمعنى الاسم المصدري ربما يكون له عنوان خاص فيكون بهذا العنوان بلحاظ الشرع والعقل موضوعا للآثار ومنها الوجوب والحرمة إلا ان الشأن في المقام ان ما هو الاثر والنتيجة قد أخذ مقدما في عالم الاعتبار فان نسبة التكليف الى الحكم نسبة الحكم الى موضوعه فبناء على كون اسم المصدر مفعولا به ففي عالم الاعتبار يكون مقدما وقد فرض كونه من نتائج ما نسب اليه اللهم إلا أن يقال انه ليس هو نتيجة ما نسب اليه وإنما هو اعتبر اسم مصدر وقد نسب اليه الوجوب او التحريم فلا تغفل.

استعمال لفظه (ما) (١) في الجامع بينهما ولو كان امرا عرضيا كما يفرض ان تستعمل في الشيء الذي هو كلي يشمل كلتا الخصوصيتين وأراد كل واحد منهما من دال خارجي فلا يلزم منه استعمال اللفظ في اكثر من معنى واحد لا من الموصول ولا من الايناء ولا من تعلقه بالموصول اما الموصول فقد عرفت انه مستعمل في معنى عرضي كلي شامل لجميع الخصوصيات واما الايتاء فالمراد منه هو الاعطاء ، والاعطاء يخلف بحسب المصاديق فيراد منه الاعلام عند اضافته الى الحكم والاقدار عند اضافته الى المال أو الفعل واما تعلق الفعل بالموصول فليس إلا تعلقا واحدا وذلك يرجع الى التعلق بالجامع وتحليله الى نحوين من التعلق لا يوجب تعدده على انه لو اريد من التكليف الحكم وكان المراد منه معناه اللغوي أي الكلفة والمشقة فيمكن أن يكون المراد من الموصول هو المفعول به أو منه ، وارجاع النسبتين الى معنى واحد.

فظهر مما ذكرنا امكان ارادة العام من لفظ الموصول واستفادة الخصوصية

__________________

(١) لا يخفى ان الالتزام بان المستعمل فيه من لفظة (ما) هو الجامع بين المفعولين محل نظر فان (ما) الموصول لما كان من العناوين المبهمة المجعولة مرآة لما هو متعلق الحكم وليست هي مما يتعلق بها الحكم فحينئذ لا بد ان يفرض مرآة للخصوصيتين ولا جامع بينهما على انه لو فرض كون الجامع طرفا للنسبة فمن الواضح ان الجامع ليس له تحقق إلا باحد الخصوصيتين فلا بد من أن تكون النسبة متعنونة باحد العنوانين اما مفعول مطلق أو مفعولا به. نعم لو فرض تحقق جامع واقعي لامكن تحقق النسبة اليه واستفادة الخصوصية من دال آخر إلا ان اتيانه محل نظر على ان النسبة الى الجامع التي هي تعد نسبة ثالثة من أى قسم من المفاعيل إذ لا جامع بينها مضافا الى عدم امكان جعل ماء الموصولية مفعولا مطلقا لو قلنا بان التكليف معناه الاصطلاحي فضلا عن كونه هو المشقة للزوم كون التكليف

من دال آخر فحينئذ يمكن التمسك بالاطلاق على المطلوب ولكن لا يخفى ان الاستدلال بالآية على البراءة إذا تم اطلاقها وربما يمنع تمامية الاطلاق لوجود

__________________

بالواقع ينحصر بالعالم وبكون الجاهل ليس مكلفا بالواقع فلذا الاولى جعل التكليف في الآية عبارة عن المشقة والموصول عبارة عن الحكم فالمعنى حينئذ ينحصر في جعل الموصول مفعولا به وحينئذ يستحيل جعله مفعولا مطلقا لعدم كونه من جنس الفعل ولا محذور سوى ما ذكره المحقق النائيني قدس‌سره من الايراد عليه بما حاصله ان المفعول به لا بد وان يكون موجودا قبل الفعل لكى يقع الفعل عليه كوجود زيد قبل وقوع الضرب عليه في قولك اضرب زيدا بخلاف المفعول المطلق فان وجوده يتحقق بوجود الفعل ولذا بنى الزمخشري على ان السماوات في قوله تعالى خلق الله السماوات مفعول مطلق لا مفعول به.

وعليه في المقام ينحصر جعل ما الموصولة مفعولا مطلقا بناء على ان المراد منها الحكم وقد أجاب قدس‌سره بان المفعول المطلق النوعي والعددي يصح جعله مفعولا به بنحو من العناية مثلا الوجوب والتحريم وان كان وجودهما بنفس الايجاب والانشاء وليس لهما تحقق في المرتبة السابقة إلا أنهما باعتبار ما لهما من المعنى الاسم المصدري يصح تعلق التكليف بهما نعم هما بمعنى المصدر لا يصح تعلق التكليف بهما ودعوى ان الاشكال غير وارد حيث ان العدم معتبرا في المفعول تقدما ولو رتبة إذ كثير من الافعال ليست بموجودة قبل الفعل كمثل احفر البئر وابن المسجد الى غير ذلك ففي غير محله إذ ذلك في غير الخالق جل وعلا فان مخلوقاته عين الخلق فليس بينهما تقدم اصلا نعم يصلح لان يكون مفعولا به بالمعنى الاسم المصدري حيث انه لا مانع من كونه بهذا المعنى موضوعا للآثار

قدر متيقن في مقام التخاطب فان موردها المال فحينئذ يكون من قبيل القرينة المقامية المحتملة المانعة من تحقق الاطلاق. اللهم إلا ان يقال ان الامام استشهد بها على غير موردها (قال قلت هل كلف الناس بالمعرفة قال لا على الله البيان لا يكلف الله نفسا إلا ما آتيها) فانه استشهد سلام الله عليه على موردها وغيرها وذلك دليل على عدم اختصاصها بالمورد فلا يكون هو القدر المتيقن في مقام التخاطب فعليه لا مانع من التمسك بها على البراءة سوى ما عرفت منا سابقا بان هذه الآية ترفع الكلفة والمشقة عند عدم ايصال التكاليف الواقعية فحينئذ تكون من قبيل قبح العقاب بلا بيان الذي لا ينكره الاخباري إذ الاخباري يدعى تحقق البيان وهو ايجاب الاحتياط المستفاد من الأخبار.

ودعوى ان المستفاد من الآية رفع الكلفة والمشقة مطلقا ولو من قبيل جعل الاحتياط ففي غير محلها اذ الكلفة والضيق إنما يكون من نفس التكاليف لا من قبيل جعل الاحتياط حتى لو قلنا بان جعل الاحتياط اعتبر طريقيا فانه على ذاك التقدير يكون منجزا للواقع المجهول فتكون البراءة رافعة لنفس الواقع لا ايجاب الاحتياط في هذه الآية وكذا ما يكون في سنخها مثل لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لا تصلح دليلا للبراءة بل حالها حال قبح العقاب بلا بيان.

اللهم إلا أن يقال بان الايتاء ان كان بمعنى الاعلام يكون مساوقا لقبح العقاب بلا بيان كما انه إذا كان بمعنى تمامية الحجة فلا يتم الاستدلال على البراءة نعم بالقياس الى الأحكام وكان بمعنى الاعلام كان للاستدلال بها للبراءة مجال إذ

__________________

وينسب بعض الآثار كالوجوب أو التحريم كما في المقام وليس ذلك نتيجة ما نسب اليه من المعنى المصدرى لكي يقال بانه متأخر عنه فكيف يكون متقدما عليه لاعتباره مفعولا به فلا تغفل.

هي حينئذ دالة على ان الشارع لم يوجب الاحتياط رعاية للاحكام الواقعية قبل اعلامه بها ففي حال الشك ليس مكلفا بشيء ولكن ذلك مبني على كون القضية في مورد الاطلاق ولكن يمكن منعه لكون موردها هو خصوص الانفاق بالمال فيكون من قبيل القدر المتيقن في مورد المخاطب إلا أن يقال ان خصوصية المورد لا يوجب رفع الاطلاق خصوصا بعد استشهاد الامام عليه‌السلام في رواية عبد الاعلى المتقدمة لغير موردها وذلك دليل على عدم اختصاص موردها بالمال.

ودعوى انه ليس في الرواية دلالة على اعمية الايتاء بل يمكن تطبيقه على خصوص الاقدار من جهة ان المعرفة لها جهة موضوعية فهي مطلوبة مع تحقق القدرة عليها فلا يجب تحصيل المعرفة إلا باقداره سبحانه وتعالى ممنوعة إذ المعرفة كما ان لها جهة موضوعية لها جهة طريقية فلا مانع من ان صدر الرواية ناظرة للجهتين فبالنسبة الى كون المعرفة لها موضوعية يراد من الايتاء الاقدار وبالنسبة الى جهة طريقتها يراد من الايتاء الاعلام.

ودعوى لزوم استعمال اللفظ في معنيين قد عرفت ضعفه كما ان دعوى عدم ارادة الجهتين من المعرفة ممنوعة حيث ان اطلاق انتفاء التكليف يقضي بالتعميم على ان المحكي في اصول الكافي ضم لا يكلف الله نفسا إلا وسعها إلى قوله لا يكلف الله نفسا إلا ما آتيها فحينئذ يكون الظاهر من آية الايتاء الاعلام ومن آية الوسع الاقدار فيكون التعرض بالآيتين للمعرفة بكلا الجهتين.

ومما ذكرنا يظهر النظر في الاستدلال بانه (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) كما لا يخفى.

ومنها قوله تعالى : (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) وتقريب الاستدلال بهذه الآية مبني على ان المراد من الرسول في الآية كناية عن البيان وقيام الحجة على التكليف الذي هو البيان للواقع المجهول ففي مورد عدم البيان النقلي

فيحكم بالبراءة في الشبهة التحريمية ولكن لا يخفى أنه على هذا التقريب لا تحصل المعارضة لأدلة الاخباريين المثبتة للبيان النقلي بل تكون أدلتهم واردة عليها لو تم استدلالهم على وجوب الاحتياط.

ودعوى أن نفي العقوبة على الواقع المجهول لا ينافي ثبوتها على الاحتياط لأجل أخباره ممنوعة. إذ وجوب الاحتياط لم يكن نفسيا لكي يترتب العقاب عليه بل إنما وجوبه مقدمي فلا عقاب على الواقع المجهول لو خالف ، ويدل على ذلك قوله عليه‌السلام «هلك من حيث لا يعلم» فانه لو كان وجوبه نفسيا لكان قد هلك من حيث يعلم لا من حيث لا يعلم.

وبالجملة مفاد هذه الآية مفاد قبح العقاب بلا بيان فمع تحقق البيان الحاصل من الأخبار الواردة في التوقف عند الشبهة والآمرة في الاحتياط فيها أو من العلم الاجمالي بثبوت الاحكام الالزامية وهو يقتضي الاحتياط فلا مجال لجريان البراءة حينئذ. نعم يكون لها مجال مع ابطال ذلك إما بدعوى دلالة تلك الاخبار على عدم وجوب التوقف أو انحلال العلم الاجمالي على حسب ما يأتي ان شاء الله تعالى إلا ان الاشكال في دلالة الآية على البراءة حيث أن المستفاد منها هو نفي فعلية التعذيب لا نفي الاستحقاق مع أن محل الكلام بين الاصوليين والاخباريين هو نفي الاستحقاق ونفي الفعلية لا يلازم نفي الاستحقاق (١) ولكن لا يخفى

__________________

(١) وقد أجاب الشيخ الانصاري (قده) في فرائده ان الآية وان كانت ظاهرة في نفي فعلية التعذيب لا نفي الاستحقاق يصح الاستدلال بها لنفي الاستحقاق إذ الخصم يعترف بالملازمة بين الفعلية والاستحقاق في خصوص المقام بتقريب ان الأدلة التي أقامها على الاستحقاق تدل على نفي الفعلية فان الظاهر من الهلكة المأخوذ في أخبار التثليث هي الهلكة الفعلية لا مجرد الاستحقاق وقد

ان القضية ظاهرة في نفي التعذيب مطلقا سواء كان من جهة انتفاء المقتضي أو من

__________________

أورد المحقق الخراساني (قده) في كفايته بما لفظه «ولو سلم اعتراف الخصم ... الخ» وتوضيحه ان الاستدلال إنما يصح جدليا وهو القياس المؤلف من المشهورات والمسلمات ولو كانت مسلمة عند الخصم وذلك لا ينفع في اثبات المدعى إلّا باعتقاد الخصم على أنا نمنع هذا الاعتراف اذ لا تزيد ارتكاب الشبهة على المعصية الحقيقية ومن الواضح أنه لا ملازمة عنده بين الاستحقاق والفعلية فيها فكيف يعترف بالملازمة بالشبهة ولا دلالة لاخبار التثليث على الفعلية اذ الوعيد بالهلكة فيها كالوعيد على العذاب على المعصية وبلا اشكال ان المقصود من العذاب على المعصية هو الاستحقاق.

اللهم إلّا ان يقال بان النزاع بين الاخباري والاصولي ليس في الاستحقاق وعدمه بل النزاع في البيان وعدمه فالاخباري يدعي البيان من أخبار الاحتياط والاصولي ينكر تحقق البيان.

وبعبارة أخرى أن النزاع بينهما في وجود المؤمن لارتكاب الشبهة ، الاصولي يدعي وجود المؤمن لجواز ارتكاب الشبهة كشرب التتن المشتبه حكمه مثلا وهذا المؤمن ناشئ من رفع العقوبة سواء كانت بنحو الاستحقاق أم بنحو الفعلية على أنه كيف يكون المتنازع فيه في الاستحقاق مع ان النزاع بين الفريقين هو رفع فعلية العقوبة المعبر عنها برفع المؤاخذة هذا كله لو اريد من التعذيب في الآية الشريفة هو التعذيب الأخروى.

واما لو اريد منه العذاب الدنيوي لما صح الاستدلال بها على المورد لرجوعه الى نفي التعذيب للامم السابقة قبل بعث الرسل وادعى الشيخ الانصاري (قدس‌سره) في فرائده ان الظاهر في الاخبار بنفي التعذيب ذلك ومنشأ الظهور

جهة وجود المانع فالأخذ بظاهر إطلاق السلب يقتضي شموله لكلتا الصورتين

__________________

هو ظهور لفظه (كنا) فانها للماضي وقد أجاب المحقق الخراساني في الحاشية بما لفظه «فيه تأمل بل منع فان الافعال المنسوبة اليه تعالى منسلخة غالبا عن الزمان» ولكن لا يخفى ان كون الافعال المنسوبة اليه ولو قلنا بانسلاخها فلا ينافي المعية في الزمان اذ الفعل الزماني لا يكون إلا لفاعل زماني فالافعال المنسوبة اليه تبارك وتعالى كالافعال المنسوبة الى غيره من حيث دلالتها على الزمان من دون حاجة الى الالتزام بالانسلاخ عن الزمان واستفادة الزمان منها اما بمعية القيومية مع الزمان فمع السابق سابق ومع اللاحق لاحق ، واما بلحاظ سبقه بملاك السبق الزماني الذي هو عدم مجامعة المتأخر مع المتقدم في الوجود فمع هذه الاستفادة يكون الزمان الماضي مستفادا من لفظة (كنا) وعليه يتم استظهار نفي التعذيب بالنسبة للامم السابقة من الآية.

اللهم إلا أن يقال ان لفظة (ما كنا) ونحوها ظاهرة في أن الفعل غير لائق بالفاعل وغير مناسب له كما يستفاد ذلك من قوله تعالى (ما كانَ اللهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ) (وَأَنْتَ فِيهِمْ وَما كانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ) فحينئذ يكون المستفاد من الآية الشريفة ان التعذيب قبل البيان لا يليق به سبحانه وتعالى من غير فرق بين عذاب الدنيا والآخرة.

ولكن لا يخفى أن غاية ما يستفاد منها أن التعذيب منفي حيث لا بيان الذي هو مفاد حكم العقل بقبح العقاب بدون بيان. بناء على أن المراد من بعث الرسل هو البيان الواصل كما هو الظاهر. وقد عرفت ان النزاع بين الاخباريين والاصوليين ليس في ذلك ، وإنما ذلك كبرى مسلمة بين الفريقين ، وإنما النزاع في الصغرى فلو تمت أدلة الاخباريين على وجوب الاحتياط من الأخبار المروية

وذلك يساوق نفي الاستحقاق إذ نفي التعذيب بنفي مقتضيه الذي هو عبارة عن نفي الاستحقاق (١).

__________________

عن الأئمة الاطهار أو من العلم الاجمالي لصار ذلك هو البيان فيكون مقدما على ما يستفاد من هذه الآية وما يكون بمفادها.

هذا وعن بعض الأجلة دعوى امكان الاستدلال بهذه الآية من باب البرهان لا من باب الجدل باعتبار قيام الاجماع على عدم الاستحقاق على تقدير عدم الفعلية في خصوص المقام ولو فرض صحته فهو أجنبي عن الاجماع المصطلح حيث أن الاستحقاق إن كان عقليا فملازمته للعقاب في الآخرة وعدمها واقعي لا جعلي تشريعي إذ أحد الطرفين مجعول عقلائي والآخر مجعول تكويني فالملازمة بينها لا تكون من باب التشريع لكي يكون الاجماع تعبديا أو على أمر تشريعي بل وان كان الاستحقاق شرعيا فهو وان كان قابلا شرعا بالاناطة بشيء لكى تكون الملازمة جعلية شرعية إلا انه لا تصح الاناطة بفعلية نفس العقاب الاخروي حيث لا يصح إلا بنحو الشرط المتأخر ، إذ فعلية العقاب لو ترتبت على استحقاقه فترتب استحقاقه على فعليته دوري وهو واضح البطلان للزوم كون الشيء شرطا لنفسه. نعم يصح اناطة الاستحقاق بعدم ما يمنع عن فعلية العقاب فيرجع الى اناطة الاستحقاق بالبيان بالاجماع فيكون استدلالا على عدم الاستحقاق مع الجهل بالاجماع عن دون حاجة الى الاستدلال بالآية كما لا يخفى فلا تغفل.

(١) لا يخفى أن ترتب الثواب والعقاب علي ارتكاب الشيء انما يكون ظاهرا في الاقتضاء دون الفعلية كما هو كذلك بالنسبة الى ترتب الخواص والآثار فقولنا السم قاتل والبار محرقة ونحو ذلك فانه ظاهر في الاقتضاء دون الفعلية. واما بالنسبة الى الاحكام المترتبة على الموضوعات فيمكن القول بكونها في مقام اثبات الاقتضاء دون الفعلية فحينئذ تدل على الاستحقاق أو على عدمه في المقام ودعوى أنه لا منة في رفع العقاب مع عدم الاستحقاق ممنوعة لانا نمنع

وبما ذكرنا يظهر انه لا حاجة الى ما أجاب به الاستاذ (قده) في الكفاية بقوله : «ولو سلم اعترف الخصم بالملازمة بين الاستحقاق والفعلية لما صح

__________________

كون الآية في مقام اثبات اللطف بل يمكن أن تكون في مقام اثبات العدل بان الله لا يظلم العباد على أن العقاب من الشارع فعدم جعله لعدم جعل الاحتمال منجزا فهو في كمال المنة ، ولكن الانصاف أن ترتب الاحكام على موضوعاتها ظاهرة في الفعلية دون الاقتضاء بخلاف ترتب الآثار والخواص فانها ظاهرة في الاقتضاء إذ يندر وجود كون الشيء علة لترتب الخاصية بل يبعد ان لا يكون للشيء شرط أو مانع. نعم بالنسبة الى ترتب الاعدام تكون فعلية لا اقتضائية اذ ترتب العدم على شيء يكون فعليا على كل حال من غير فرق بين أن يكون لعدم مقتضيه أو لعدم شرطه أو لوجود المانع.

وبالجملة فرق بين ترتب الآثار والخواص وبين نفيها ففي الاول ظاهر في الاقتضاء دون الثاني فانه ظاهر في الفعلية فلا يوجب الحمل على الاقتضاء دون الفعلية كما هو كذلك في طرف الاثبات اذ ليس العدم بالاقتضاء حتى يتوهم كونه نظير ثبوت المقتضى بثبوت المقتضي.

فظهر مما ذكرنا أنه لا موجب لحمل القضايا النافية على غير الفعلية لا ثبوتا ولا اثباتا فعليه ان عدم الشيء اذا كان مترتبا على عدم شيء آخر فلا محالة يكون ذلك الآخر اما لعدم مقتضيه أو لعدم شرطه ، وأما إذا كان مترتبا على وجود شيء فلا محالة يكون ذلك الشيء مانعا إذ الوجود لا يقتضي العدم فعدمه يكون من باب الشرط فترتب العدم عليه من قبيل ترتب عدم المشروط على عدم شرطه.

وبالجملة ترتب عدم شيء على وجود شيء أو عدم شيء لا يكشف عن

الاستدلال بها إلا جدلا مع انه لا يفيد في إحقاق الحق إذ القياس الجدلي ليس برهانا يوجب التصديق بالمطلوب ، كما أنه يظهر مما ذكرنا بانه لا حاجة الى كون المراد من التعذيب التعذيب الشأني لكون الافعال المنسوبة اليه تعالى منسلخة عن الزمان كما انه يظهر بطلان دعوى كون المراد في التعذيب الدنيوي فيكون اخبارا عن الامم السابقة على ان ذلك إنما يتم بناء علي كون اعتبار المضي في (كنا) بلحاظ حال الخطاب وذلك خلاف الظاهر فان الظاهر كون المضي إنما هو بلحاظ حال البعث.

وبالجملة المستفاد من الآية الشريفة هو الأخذ باطلاق السلب الشامل لجميع افراد نفي التعذيب من غير فرق بين ان يكون لنفي مقتضيه او لوجود المانع وبذلك لا يبقى مجال لاشكال المحقق القمي (قده) من التناقض بين الاستدلال بها للبراءة لنفي استحقاق العقاب وبين رد من استدل بها على عدم الملازمة بانها تنفي العذاب الفعلي ونفي الفعلية اعم من نفي الاستحقاق لعدم الملازمة بينهما كما في الظهار (١).

__________________

ثبوت المقتضى ولا عن عدمه. نعم اذا كان المترتب عليه عدم شرطه او وجود مانعة يكون كاشفا عن وجود المقتضى له وإلا لكان استناده الى عدم المقتضي اولى من الاستناد الى عدم شرطه او وجود مانعة فلا تغفل.

(١) لا يخفى انه قيل بان الحرمة الشرعية مع اخبار الشارع بنفي التعذيب والتفضل بالعفو لا يجتمعان للزوم ان يحمل الشارع العباد على التجري بفعل الحرام اذ الاخبار بالعفو يوجب إقدامهم على فعل الحرام المعفو عنه ولازمه لغوية جعل الحرمة الشرعية نعم لا مانع من الاخبار بالعفو بالنسبة الى المعصية التي لا يكون الاخبار به موجبا للتجري واقدام العباد عليها كالاخبار بالعفو

ومن الآيات التي استدل بها على البراءة قوله تعالى : (وَما كانَ اللهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ ما يَتَّقُونَ) بتقريب ان المراد من التبين هو الاعلام فلا يعذبهم الا بعد ان يعلمهم فحيث لا اعلام لا عقاب ، ودلالة هذه الآية على البراءة اظهر من دلالة سابقتها اذ دلالة البيان على الاعلام كانت بالدلالة اللفظية ودلالة بعث الرسول عليه انما تكون بالدلالة الالتزامية وبنحو الكناية على ان المراد من «يضل» هو الخذلان الذي هو بمعنى اعظم من العقوبة

__________________

عن نية السيئة فان المخبر به هو العفو عن نية السيئة المجردة عن تعقبها بالسيئة ولا يمكن للعبد التجري على ذلك فان القصد والتجري على النية المجردة لا يعقل اذ لا يتحقق العزم على العزم المجرد. ولكن لا يخفى انه ليس المقصود من العزم المشرف على العمل المتصل به بل المقصود هو العزم المنفصل عنه ولا مانع من كون ذلك هو مما يرغب فيه ويلتذ به بنحو يكون المقصود مستقلا من دون الاتصال بالعمل كما لو قصد المعصية في النهار وتفكر في خصوصياتها بنحو يلتذ بها بل ربما يقال بانه لا تنافي بين الحرمة الشرعية مع اخبار الشارع بالتفضل بالعفو اذ حكم العقل بلزوم اطاعة المولى يمكن ان يكون للحسن الملزم بالاتيان وليس لأجل الفرار من العقاب واما العلم بالعفو في صورة الاخبار بالتفضل لا يرفع الاستحقاق بل يتوقف صدق العفو عليه اذ لا معنى للعفو الا بعد الاستحقاق.

اللهم إلّا ان يقال ان استلزام الاستحقاق انما جاء من جهة التفضل والمنة إلّا انه بعد تحققه قبيح من المولى العود الى العقوبة ، وحينئذ لا يكون العبد مستحقا للعقوبة. والانصاف ان العفو عقيب العمل قبيح ولكن لا قبح فيه بالنسبة الى الاخبار بالعفو او العلم به فيما بعد لكونه كالاخبار بالعفو وعدم التعذيب في يوم القيامة فافهم وتأمل.

كالخلود في النار مثلا ، فاذا كان الجهل مانعا من المرتبة العليا فمنعه من المرتبة الدانية بطريق اولى ، فالاستدلال على المطلوب بهذه الآية يكون من جهتين لفظية وفحوائية.

ومما ذكرنا من التقريب يندفع بعض الاعتراضات الواردة في المقام ، كما انه لا معنى للخدشة بان مفاد الآية هو قاعدة قبح العقاب بلا بيان الذى هو مسلم بين الفريقين. على انه لو قلنا بذلك فهو انما يكون بناء على ان المراد من البيان هو تمام الحجة فتكون اخبار الاحتياط واردة على هذه الآية. ولكنك قد عرفت ان مبنى الاستدلال كما هو الظاهر ان المراد من البيان هو الاعلام فتكون الآية دالة على البراءة.

فالمتحصل ان عدم وجوب رعاية الواقعيات قبل وجود البيان إن استفيد ذلك من الآية فحينئذ تحصل المعارضة مع ادلة الاخباريين لو تمت دلالتها ولا تكون ادلة الاخباريين واردة عليها.

ودعوى ان وجوب الاحتياط نفسي فتكون ادلة الاخباريين واردة عليها قد عرفت ضعفها ، كما ان دعوى منع الفحوى بتقريب ان الخذلان يكون قبيحا على الحكيم بالنسبة الى المرتبة العليا ولا يستلزم ذلك العقوبة على ما دونها مكابرة وبلا دليل إذ الجهل إذا كان مانعا عن الخذلان الذى هو اعظم من العقوبة فبطريق اولى يكون مانعا لما دونه من المراتب ومنشأ ذلك التوهم تخيل ان العلم شرط في الخذلان ومنعه ظاهر.

فتحصل مما ذكرناه ان الاشكال على دلالة الآية على البراءة بان مفادها مفاد قاعدة قبح العقاب بلا بيان لكي تكون ادلة الاخباريين واردة عليها مبني على ان يكون الخذلان مسبوقا بالبيان. واما اذا كان المراد من البيان هو الاعلام بحكم الشيء واقعا بعنوانه الاولي لا الاعلام بمطلق الحكم ولو كان

بعنوانه الثانوي اى بما انه مشكوك الحكم فيكون مفادها نفي جعل ما هو السبب من ايجاب الاحتياط ونحوه لصح الاستدلال بهذه الآية لكونها حينئذ تعارض اخبار الاحتياط ولا تكون اخبار الاحتياط واردة عليها ومن ذلك يظهر ان لا وجه للاشكال على الاستدلال بالآية بانها ظاهرة في الاخبار عن حال الامم السابقة فتختص بالعقاب الدنيوي او ان مفادها هو الاضلال بمعنى الخذلان الموجب لاستحقاق العذاب الدائم وهو اعظم مرتبة من العذاب وتوقف هذه المرتبة على البيان لا يستلزم توقف المرتبة الدانية عليها لما عرفت ان هذه الآية كالآية السابقة في مقام اظهار العدل وانه سبحانه وتعالى لا يظلم العباد وليست هذه الآية في مقام المنة فحينئذ لا يفرق بين العذاب الدنيوى والاخروي كما ان المانع عن العذاب الدائم والخلود في النار الذي هو المرتبة العليا من العذاب ليس إلا عدم البيان الموجب لقبحه على الحكيم (١) وبطريق اولى يثبت عدمه في المرتبة الثانية فيستفاد المقام من الآية بالفحوى وانكار هذا الفحوى كما عرفت انه مكابرة وبلا دليل على انه لا يفرق بين مراتب العذاب لوجود المناط في جميعها فمع عدم البيان لا عذاب لقبح اثباته مع عدم البيان. كما لا يخفى.

ومن الآيات التي استدل بها على البراءة قوله تعالى : (لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ) وتقريب الاستدلال انه سبحانه وتعالى اناط الهلاك بالبينة ففي مورد عدم وجودها لا هلاك ، وفي مورد الشبهة التحريمية لا بينة فيها فلا عقوبة ولكن قد يحدث في جعل عقوبة الآية دليلا على المدعى

__________________

(١) لا يخفى ان الأولوية ممنوعة اذ الجهل إذا كان مانعا عن الأمر الأهم لا يستلزم ان يكون مانعا عن الأمر المهم بل الامر بالعكس كما هو واضح فلا تغفل.

فان ذلك ينافي كون اناطة الحياة بالبينة اذ يكفي في الحياة عدم البينة بحكم العقل بقبح عقاب من دون بيان ولا يحتاج ذلك الى تحقق البينة فلازم اناطة الحياة بالبينة واقترانها بالفقرة السابقة وجوب صرفها عن المقام وجعلها في خصوص اصول الدين ولو لا ذلك للزم افتراق الفقرتين في المعنى حيث ان اناطة الحياة بالبينة لا تصلح الا لاصول الدين وجعل الفقرة الأولى اعني «ليهلك من هلك عن بينة» شاملة للشبهة التحريمية يوجب اختلال السياق ودعوى ان افتراق الفقرتين بان تكون الفقرة قد اوتي بها من جهة المحسنات الأخر البديعية ليس ذلك إلّا احتمالا وهو لا يوجب صحة الاستدلال اذ الاستدلال يحتاج الى احراز الدلالة لكي يدل على المدعي وبالجملة ان جملة «يحيى من حى عن بينة» هو اناطة الحياة بالبينة السابقة وليس ذلك إلّا في الامور الاعتقادية ولا تشمل التكاليف الفرعية وبذلك يوجب صرف الجملة السابقة عن ظهورها في التكاليف الفرعية وذلك حفظا للسياق فلا تغفل.

ومن الآيات التى استدل بها علي البراءة قوله تعالى : (قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً) وتقرير الاستدلال انه سبحانه وتعالى ألهم نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طريق الرد على اليهود لما حرموا على أنفسهم بعض ما رزقهم الله بانه لا أجد فيما أوحي اليّ محرما؟ فما حرمتموه على أنفسكم مما لم يعلم حرمته فالتزامكم بتحريمه هو افتراء فيستكشف من ذلك بان عدم الحرمة منوطة بعدم الوجدان ففي الشبهة التحريمية لما لم نجد بيان التحريم لذا نحكم بالبراءة ، ودعوى انه لا ملازمة بين عدم الوجدان وعدم الوجود ممنوعة بانه لو لم تكن ملازمة بينهما لما صح الاستدلال بها على رد اليهود وقد يشكل على ذلك بان العدول من عدم الوجود الى عدم الوجدان لا يدل على المطلب بل فيه إشعار للمطلوب وهو ممنوع. إذ كل شيئين متلازمين إذا انيط الحكم

باحدهما دون الآخر يشعر منه بان للخصوصية دخلا وليست للخصوصية الاخرى دخل وان كان ترتبها على نحو التلازم مثلا لو كان بين العدالة والنجفية ملازمة فقال المولى اكرم النجفي دل بان خصوصية النجفية لها دخل في وجوب الاكرام فالقول بانه إشعار لا أنه يدل على ذلك ضعيف جدا كما ان دعوى أن وجه العدول من باب كون المجادلة بالتي هي أحسن ضعيفة إذ المجادلة لا تصلح أن تكون ردا أو إلزاما للخصم إلا أن يكون عدم الوجدان حجة على الخصم في الحلية

وبالجملة فلا خدشة في دلالة الآية على المدعى من هذه الجهات. نعم يمكن أن يقال بانها مفادها مفاد قاعدة قبح العقاب بلا بيان الذى هو متفق عليه بين الفريقين فيكون مضمون الآية أنه مع عدم البيان لم يكن حراما ، والاخباري يدعي وجود البيان بادلة الاحتياط فتكون تلك الادلة واردة على ما يستفاد من الآية. اللهم إلا أن يقال أن الآية كما تنفي الحرمة الواقعية تنفي إيجاب الاحتياط فحينئذ يكون مفاد الآية معارضا لما دل على وجوب التوقف والاحتياط ومنه يعلم أنه لا وجه لما قيل أن التوبيخ على اليهود لاجل التزامهم بالترك لكونه من التشريع المحرم وليس ذلك من جهة كون الترك من باب الاحتياط لما عرفت منا سابقا بان الآية كما تنفي ذلك تنفى إيجاب الاحتياط فافهم وتأمل.

ومن الآيات التي استدل بها على البراءة قوله تعالى : (وَما لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ) وتقريب الاستدلال انه سبحانه وتعالى وبخ اليهود على ترك الاشياء التي لم يفصلها أي يبين حرمتها بل ذكر حرمة غيرها فيظهر من ذلك ان الشبهة التحريمية حيث لم تكن مما بين حرمتها فلا مانع في جواز ارتكابها بل ربما يقال أن هذه الآية أظهر من سابقتها حيث أن السابقة مفادها عدم جواز الحكم بالحرمة على ما لم يوجد تحريمه فيما أوحي الى النبيين (ص) وهذه تدل على أنه لا يجوز الالتزام بالترك مع عدم كونه مما

فصل. ولكن لا يخفى ان التوبيخ إنما هو على الالتزام بترك الشيء مع تفصيل جميع المحرمات وحينئذ يدل على العلم بعدم الحرمة وليس المقام من قبيل ذلك إذ المقام لا يعلم حرمته وبالجملة أن المستفاد من الآية ان الخارج منها هو معلوم الحلية لا محتمل الحرمة والمفيد هو الثاني دون الاول إذ محل البحث هو ما احتمل كونه من المحرمات التفصيلية لا ما علم بالخروج منها ولكن الانصاف أنه يمكن التمسك باطلاق الآية الدالة على حلية ما خرج من المحرمات من غير فرق بينما علم حليته أو لم يعلم فحينئذ لا مانع من التمسك باطلاقها على المورد كما لا يخفى هذا تمام الكلام في التمسك بالآيات على جريان البراءة في الشبهة التحريمية.

واما السنة

فقد استدل منها على البراءة بروايات منها حديث الرفع المروي عن حريز عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رفع عن أمتي تسعة أشياء «الخطأ والنسيان وما اكرهوا عليه وما لا يعلمون وما لا يطيقون وما اضطروا اليه والطيرة والحسد والتفكر في الوسوسة في الخلق ما لم ينطق بشفة».

وتقريب الاستدلال ان الالزام المحتمل سواء كان وجوبيا أو تحريميا مع عدم قيام حجة على ثبوته يكون داخلا فيما لا يعلمون فهو مرفوع ظاهرا وان كان ثابتا واقعا بمعنى رفع الحكم ظاهرا في مرتبة الجهل لا رفعه واقعا وإلا لكان الجهل بالحكم علة للعلم بعدمه وهو باطل للزوم التصويب الممنوع عندنا وذلك يدل على المطلوب.

وكيف كان فقد وقع الكلام في أن الرفع هل متوجه الى التكليف الفعلي كما قال الاستاذ (قده) حيث يقول : فالالزام المجهول مما لا يعلم فهو مرفوع فعلا وان كان ثابتا واقعا» أو متوجه على الاحتياط كما يقوله شيخنا الانصاري أعلى الله مقامه في فرائده؟ والحق هو الثاني.

بيان ذلك يستدعي بيان الفرق بين الرفع والدفع فنقول انه يعتبر في الرفع صدقه على أمر ثابت وذلك يستلزم في صحة استعماله وجود المرفوع في الزمان السابق بنحو لو لا الرفع لكان موجودا بخلاف الدفع فانه لا يعتبر في صدقه إلا ثبوت المقتضى للوجود حيث ان الدفع يمانع تأثير المقتضى فالرفع والدفع يشتركان في تحقق المقتضى للشيء ، إلا ان الرفع يعتبر فيه وجود الاثر سابقا والدفع لا يعتبر فيه ذلك. فان المعتبر فيه منع المقتضي عن التأثير. وبعبارة اخرى ان الرفع عبارة عن انعدام الشيء وتبدل الوجود بالعدم فهو نقيض الوجود ، ومن المعلوم ان النقيضين في مرتبة واحدة إذ لو كانا في مرتبتين لزم اجتماعهما ، وبعبارة اخرى لا يجتمع أيس مع ليس فلا بد أن يكونا في مرتبة واحدة فلو كانا في رتبتين لاجتمع ايس مع ليس فلا يتحقق التناقض بينهما وهذا يساوق ان يكون الرفع بمعنى الدفع لا بمعناه الأصلي وهو انعدام بعد الوجود إذ هو متأخر عنه مرتبة فلا يكون نقيضه ، ونسبة الرفع الى التسعة ليست إلا كنسبة واحدة وليست متعددة كما لو تعددت نسبة الرفع الى كل واحد منها ، ولو كان التعدد بالواو العاطفة إذ نسبة الرفع في الحديث الى التسعة للحاظ واحد والفقرات المفصلة إنما هي بيان التسعة وليست بيانا للنسبة. فاذا كانت النسبة واحدة فهي اما حقيقية بالنسبة الى الكل او مجازية بالنسبة الى الكل اذ لا جامع بينهما وحيث ان المتيقن من الخارج ان نسبة الرفع الى ما لا يطيقون والخطأ والنسيان نسبة مجازية اى تنزيلية اي رفع الاثر بلسان رفع منشئه وحينئذ يتعين ان المراد من نسبة الرفع الى ما لا يعلمون نسبة تنزيلية.

وبعبارة اخرى ان نسبة الرفع تارة تكون حقيقية بلحاظ رفع الحكم واخرى تكون تنزيلية بلحاظ رفع اثره وهو الاحتياط ولكن المحافظة على وحدة السياق يقتضي كون المراد هو الاخير وإلا لاختل السياق ولما صح نسبة الرفع الى التسعة كما يخفى

ولو سلمنا ذلك فنقول ان موضوع الرفع هو عدم العلم والشك وظاهر اخذ العنوان في لسان الدليل هو كونه مناطا للحكم وعلة لترتب الأثر فتكون هذه العناوين من الجهات التعليلية بمعنى كون مناط الرفع هو الخطأ والنسيان وما لا يعلمون.

وحينئذ يمكن دعوى ابقاء الرفع في الحديث على ظهوره في الرفع الحقيقي باعتبار انه يكفي في وجوده تحقق المقتضى له فان العقلاء يعتبرون وجود الشيء عند تحقق مقتضية فيرتبون عليه احكاما كثيرة ولا يحتاج الى جعل الرفع في الحديث بمعنى الدفع لكى يكون الاسناد مجازيا أو دعوى (١) أن حقيقة الرفع

__________________

(١) ذكرنا في تقريراتنا لبحث الاستاذ المحقق النائيني (قده) ان بيان حديث الرفع يتوقف على ذكر امور :

الاول : ان الرفع انما هو رفع في مقام التشريع وليس المراد به الرفع الحقيقي وحينئذ مفاده البناء على عدم الحكم تشريعا ولو كان له تحقق واقعا وبذلك صح نسبة الرفع الى هذه الامور ولا يتوقف عين حذف مضاف كالمؤاخذة او جميع الآثار او الاثر المناسب حتى يقع النزاع في انه اي شيء هو المحذوف باعتبار ان دلالة الاقتضاء تقتضي تقدير شيء صونا لكلام الحكيم كما هو كذلك بالنسبة الى اسأل القرية حيث ان السؤال انما يكون لمن يعقل. فصحة الكلام تدل على حذف المضاف اي اسأل اهل القرية.

الثانى : ان الرفع عين الدفع في المقام بمعنى رفع اثر المقتضي الذي هو الجامع بينهما لتحققه فيهما. نعم لو قلنا ان الممكن مستغن عن المؤثر فحينئذ يكون الرفع حاصلا بمعنى رفع العلة التامة ولم يكن معنى للرفع واما على ما هو ـ (منهاج الاصول ـ ٥) ـ

هي الدفع باعتبار انه في الحقيقة يمنع المقتضي عن التأثير في الزمان المتأخر اذ بقاء الشىء كالحدوث يحتاج الى علة البقاء فاستعمال الرفع في مقام الدفع يكون استعمالا حقيقيا بلا حاجة الى عناية ولكن لا يخفى ضعف هذه الدعوى لما عرفت من الفرق بين الرفع والدفع فان الرفع عبارة عن إزالة الشيء عن صفحة الوجود وذلك يلازم تأثير المقتضي في الزمان السابق بخلاف الدفع فان صدقه يتوقف على فرض عدم تأثير المقتضي في الزمان السابق.

__________________

التحقيق من ان الممكن يحتاج الى مؤثر في كل آن فحينئذ لا يظهر الفرق بينهما ومنه يظهر بطلان ما يقال من ان الرفع عبارة عن رفع الامر الثابت في صفحة الوجود والدفع عبارة عن ثبوت المانع من تأثير المقتضي ومن الواضح عدم حصول الجامع بين هذين الأمرين ولكنك قد عرفت ان الرفع عين الدفع بناء على ما هو التحقيق من احتياج بقاء الممكن الى مؤثر كاحتياجه في حدوثه.

الثالث : ان الرفع بنسبته الى الامور التسعة المذكورة في الحديث حيث انه بنسبة واحدة ينبغي ان يكون الرفع في الجميع بمعنى واحد حفظا لوحدة السياق مع ان الرفع تخلف نسبته اليها. فبالنسبة الى الخطأ والنسيان وما اكرهوا وما اضطروا وما لا يطيقون بمعنى رفع العموم عن موردها فيكون نظير التخصيص او الحكومة والرفع بالنسبة الى الثلاثة الاخيرة كالحسد والطيرة والوسوسة بمعنى رفع اثر المقتضي وبالنسبة الى ما لا يعلمون بمعنى رفع الحكم الواقعي والمفروض انه لا جامع بينها فلذا وقع الاشكال من هذه الجهة ولكن التحقيق انه بالتأمل يمكن تصور الجامع بينها. اما بين الثلاثة الاخيرة والخمسة الاول فواضح حيث انه في الخمسة الاول عموم الدليل المتضمن للعناوين الاولية يعم موردها فبدليل الرفع يرفع اقتضاء الدليل وهذا المعنى ايضا متحقق في الثلاثة الاخيرة غاية الامر

كما ان ما ذكر في كون انتساب الرفع الى (ما لا يعلمون) على نحو الحقيقة باعتبار أن الرفع إنما هو في عالم التشريع كما نسب الى بعض الاعاظم (قده) في غير محله ، إذ وحدة السياق تقتضي أن يكون انتساب الرفع اليه بنحو المجاز أي انتساب الى غير ما هو له باعتبار أن في بعض الفقرات كالخطأ والنسيان لم يكن الرفع حقيقيا وإنما هو بنحو التنزيل والعناية ضرورة ان الخطأ والنسيان ليس مرفوعا حقيقة ولازم ذلك أن يكون انتساب الرفع الى الامور التسعة باجمعها

__________________

بالنسبة الى الخمسة الأولى رفع الاقتضاء في مقام الاثبات وفي الثلاثة الاخيرة رفع الاقتضاء في مقام الثبوت.

واما بالنسبة الى ما لا يعلمون فالرفع فيها عبارة عن رفع وجوب الاحتياط واصالة الحل في قبال أصالة الحرمة ومرجع ذلك هو قصر الحكم الواقعي بحيث لا يكون ملحوظا في مقام الشك فحينئذ يمكن تصوير جامع بين هذه الامور التسعة وهو رفع أثر المقتضي وهو متحقق في كل من تلك الامور من غير تفاوت فيكون الرفع بمعنى واحد حفظا لوحدة السياق.

ودعوى اختلال السياق فان المرفوع فيما استكرهوا هو الفعل وفي الخطأ المرفوع هو التكليف ولا جامع بينهما ، ممنوعة إذ لا يخفى انه ليس المرفوع بهذا الحديث شيئين وانما الرفع راجع الى شيء واحد هو الحكم وغاية الأمر انه تارة يكون الحكم بنفسه مرفوعا واخرى برفع موضوعه ، وذلك لا يوجب اختلال في وحدة السياق.

إذا عرفت ذلك فاعلم أنه قد وقع الكلام فيما هو المرفوع فنقول ان الكلام يقع تارة في التكاليف واخرى في الوضعيات اما التكاليف فتارة تكون عناوين الافعال من قبيل موضوعات التكاليف كمثل من أفطر فعليه الكفارة واخرى

بنحو العناية والتنزيل حيث أن الرفع الى التسعة بنسبة واحدة فتكون هذه الفقرات معرفات لها والذي يدل على ذلك هو ان دخل المذكورات كمثل الخطأ والنسيان إنما هو بنحو العلية أو الاقتضاء ومن الواضح أن المعلول لا يتقدم على علته.

وعليه ان مثل تلك الامور لا تصلح لعلية رفع الحكم الفعلي الذي هو في مرتبة وجود الحكم وكانت رتبته متقدمة عليه ولذا قلنا ان الرفع لا يتوجه الى الحكم الفعلي بل يرفع وجوب الاحتياط على ان التشريع لا يتعلق بالامور

__________________

يكون متعلقة للتكاليف والمتعلق لها تارة يكون انحلاليا واخرى يكون صرف الوجود. اما ما كان من قبيل موضوع التكاليف فالظاهر كونه من قبيل العلة والمعلول ويكون الحكم المرتب عليه انحلاليا فيكون حديث الرفع بالنسبة الى ما أخطئوا إما بنحو الحكومة أو التخصيص ، واما ما كان من قبيل متعلق التكليف ولم يكن على نحو صرف الوجود كما هو الحال في جميع المحرمات فهو وان لم يكن من قبيل الصورة الاولى اعني العلة والمعلول بل هو على عكسها حيث ان الصورة الاولى الموضوع متقدم على الحكم كما هو شأن تقدم العلة على المعلول وهنا الحكم يتقدم على المتعلق الذى هو شبيه بالموضوع ولكن لما كان نسبة الحكم الى متعلقه كنسبة العرض الى معروضه فيكون انحلاليا ويكون بنسبة الرفع إليه إما بنحو التخصيص أو الحكومة وهاتان الصورتان مما لا إشكال فيهما. وإنما الكلام فيما اذا كان بنحو صرف الوجود كما هو قضية جميع الواجبات فيشكل جريان حديث الرفع فيها لان الحكم حسب الفرض قد تعلق بصرف الوجود فلم يكن شخص كل فرد متعلقا للحكم وانما يؤتى بالفرد من باب حكم العقل لانطباق الطبيعة عليه وحينئذ حكم الكل لم يكن منسيا أو مجهولا لكي يرفع واما الفرد فلم يترتب عليه حكم

التكوينية كقول الشارع أوجد الجدار إنشاء. ومن الواضح أنها غير قابلة للجعل التشريعي ، وانما هي مجعولة تكوينا ، وانما يتعلق التشريع بالامور الشرعية التي بيد الشارع وضعها فيكون له رفعها. فعليه لا معنى لنسبة الرفع الى الامور المذكورة في الحديث على نحو الحقيقة ، ولازم ذلك بدلالة الاقتضاء صونا لكلام الحكيم عن اللغوية أن يقدر شيء فحذف في الكلام كما يقال أن رفع الخطأ والنسيان باعتبار رفع آثارهما ولازم ذلك أن يكون الرفع بنحو العناية والتنزيل بالنسبة الى الامور التسعة حفظا لوحدة السياق.

__________________

شرعي لكي يكون قابلا للرفع وإنما هو حكم عقلي لا يشمله حديث الرفع مثلا الصلاة المنسي فيها سورة لم يكن لها حكم حتى يرتفع بحديث الرفع. واما الحكم الكلي لم يكن منسيا ليشمله الحديث لعدم تحقق موضوعه هذا كله في الاحكام.

واما الكلام في الوضعيات فتارة يكون من قبيل الاسباب كالطهارة الحدثية والخبثية ، واخرى من قبيل المسببات فان كان من قبيل المسببات كما لو أكرهه على ملكية شيء فلا إشكال من شمول حديث الرفع أعني (ما استكرهوا) له حيث أن في رفعه المنة.

واما بالنسبة الى الاربعة المتقدمة فلا يجري حديث الرفع فيها.

واما الاسباب فلا يعمها حديث الرفع إذ شموله لها خلاف الامتنان فلو شك في حصول الطهارة الخبثية في الغسلة الاولى مثلا فمعنى شمول الحديث له عدم حصول الطهارة بالغسلة الأولى مثلا فمعنى شمول الحديث له عدم حصول الطهارة بالغسلة الأولى فلا بد في الغسلة الثانية وهو خلاف الامتنان وليس في رفعه منة بل هو ضيق على المكلف هذا بالنسبة الى الخمسة الاول.

واما الكلام (فيما لا يعلمون) فيقع من جهتين.

الاولى : أن المراد من (ما) الموصولة هو الاعم من الشبهات الحكمية

وكيف كان فالرفع التنزيلي وحفظ السياق يدلان على كون المرفوع هو وجوب الاحتياط ويؤيد ذلك بل يدل عليه ورود الحديث الشريف في مقام الامتنان حيث أن رفع الحكم الواقعي لا يكون فيه امتنان كما لا يخفى.

اذا عرفت ذلك فاعلم ان التكليف الواقعي مع عدمه في رتبة واحدة ولا يعقل أن يكونا في مرتبتين ، فالشك في التكليف متأخر رتبة عن التكليف فهو أيضا متأخر عن عدم التكليف بمناط جهة حفظ الرتبة بين النقيضين فاذا كان الشك وعدم العلم متأخرا عن عدم التكليف فلا يعقل أن يكون موضوعا لعدم التكليف إذ كونه موضوعا يلزم تقدمه عليه ، ومع تأخره عنه لا يعقل ان يكون متقدما عليه.

__________________

أو الموضوعية بتقريب ان المراد من (ما) هو الحكم وهو تارة يقع الاشتباه فيه من جهة عدم النص الذي هو الشبهة الحكمية أو يقع من جهة الاشتباه الخارجي وبعد الفراغ من هذه الجهة يقع الكلام في الجهة الثانية في أن شمول حديث الرفع مشروط بامور : الاول ـ أن يكون في رفعه منه. الثاني ـ أن يكون مجهول العنوان. الثالث : أن يكون أمرا شرعيا تناله يد الجعل نفيا واثباتا ويترتب عليه الثواب والعقاب. فان لم يكن في رفعه منة أولا مجهول العنوان أو لم يكن أمرا شرعيا قابلا لان تناله يد الجعل فلا يجري حديث الرفع لما عرفت ان جريانه مشروط بهذه الامور الثلاثة بعد كون الحكم إلزاميا إذ مع كونه غير إلزامي لا ثقل فيه حتى يكون في رفعه المنة من غير فرق بين القول بان الرفع متوجه على الاحتياط أو رفعه برفع مقتضيه على ان استحباب الاحتياط مجعول قطعا فلا يكون التكليف المحتمل مرفوعا في الظاهر لكي يعمه حديث الرفع كما انه لا اشكال في عدم جريان البراءة العقلية فيما احتمل فيه التكليف غير الالزامي إذ المقطوع فيه لا توجب مخالفته العقاب فكيف بمحتمله فتدبر.

وبالجملة ان الرفع الذي موضوعه عدم العلم لو جعل رفعا متوجها الى التكليف الواقعي الفعلي يلزم المحال المتقدم فلا بد من جعل الرفع متوجها الى الاحتياط وحينئذ لا يلزم المحذور المتقدم ومنه يظهر ان المراد من الرفع المتوجه الى الاحتياط هو ما يعم الدفع كما هو في صورة تحقق مقتضي الالزام بالاحتياط وهو الشك بالحكم الواقعي كما اذا كان الشارع وجه تكليفا بشيء بنحو يشمل صورة الشك ولو بخطاب آخر إلا انه خصصه بالعالم بالتكليف لاجل التسهيل. فحينئذ يصدق في حقه الرفع في صورة الشك ولو سلمنا جميع ذلك ، فحديث الرفع كحديث لا ضرر ، وامثاله وارد في مقام الامتنان وفي مقام التسهيل وذلك لا يناسب رفع التكليف إذ رفعه لم يكن فيه منة إذ لم يكن في بقائه كلفة حتى يكون في رفعه منة واذا كان حديث الرفع واردا في مقام الامتنان لا بد أن يكون المرفوع خصوص الاحتياط إذ هو في بقائه كلفة على العباد ففي رفعه منة.

فتحصل من جميع ما ذكرنا ان حديث الرفع يرفع خصوص الاحتياط لا الواقع المجهول فلا بد وان يكون بنسبة الرفع الى ما لا يعلمون على سبيل التجوز سواء كان المراد من الموصول خصوص الموضوع أو الحكم اذ لم تكن جهة لاختصاصه بالموضوع حتى يقال بان حديث الرفع خارج عن الشبهات الحكمية ويختص بالشبهات الموضوعية.

وان اردت توضيح ما ذكرنا من ان الرفع يختص برفع ايجاب الاحتياط فاعلم ان حديث الرفع يرفع الأثر المترتب على موضوع لا بشرط عن طرو العناوين المذكورة فيه إذ الاثر المترتب على عنوان العمد أو الخطأ أو النسيان لا يعقل ان يكون مرفوعا بالحديث كالقصاص في القتل المترتب على عنوان العمد وكالدية في قتل الخطأ وسجدتي السهو مثلا لا يعقل ان يكون مرفوعا بحديث الرفع اذ عنوان الموضوع يقتضي وضع تلك الآثار لا رفعها كما انه يعتبر في الأثر ان يكون

رفعه في مقام الامتنان فما لم يكن كذلك يخرج عن حديث الرفع بنحو يكون وضعه على خلاف الامتنان وبذلك يتعين كون المرفوع هو ايجاب الاحتياط لانه الذي يكون امر رفعه ووضعه بيد الشارع دون المؤاخذة واستحقاق العقوبة والحكم الواقعي ولو كان بنحو الفعلية. اما المؤاخذة والاستحقاق فهما من اللوازم العقلية التي لا تنالها يد الجعل الشرعي واما العقوبة الفعلية فرفعها وان كان بيد الشارع إلّا انه ليس في رفعها تمام المنة على المكلف وانما تمامها هو رفع اصل الاستحقاق واما الحكم الواقعي (١) فهو وان كان مجعولا شرعيا فلا يتعلق

__________________

(١) بمعنى ان الحكم الواقعي ليس متحققا واقعا في مورد الشك وحينئذ يكون الحديث متكفلا لامر مجعول تشريعي بنحو يكون عدم التكليف فعليا جعليا لا عدم فعلية التكليف الواقعي فان ذلك غير مجعول لانه مستند الى عدم وجوب الاحتياط فيكشف عنه كشف المعلول عن العلة بخلاف فعلية عدم التكليف فان عدم الاحتياط يستند اليه فيكشف عنه كشف العلة عن المعلول وبهذا المعنى يكون الحديث رافعا لا دافعا حيث ان رفع الالزام المجهول المفروض ثبوته رافع له وقاطع لاستمراره وليس رافعا للحكم الواقعي المجهول فانه غير معقول وانما هو رافع لفعليته مع وجود المقتضي لجعله فعليا بايصاله بجعل الاحتياط وعليه تكون نسبة الرفع دون الدفع بلحاظ تعلقه في مرحلة الاسناد الكلامي بما هو مفروض الثبوت واللازم في باب المراعاة اسناد مفهوم الى ما يناسبه بملاحظة مقام الاسناد الكلامي فان طرف الاسناد في طرف اسناد مفهوم الى ما يناسبه بملاحظة مقام الاسناد الكلامي فان طرف الاسناد في طرف اسناد المفهوم مناسب له قطعا بل قد يقال ان الظاهر من الخبر ثبوت هذه الاحكام في الشريعة الالهية سابقا فنسبة الرفع وهو العدم بعد الوجود بلحاظ اصل ثبوته حقيقة في الشريعة الالهية فالرفع عن هذه الامة لا بملاحظة وجود المقتضي لفعليته حتى يكون متمحضا في الدفع وليس

به الرفع الحقيقي لما عرفت من ان حديث الرفع ناظر الى رفع الاثر الذي في وضعه

__________________

الرفع متوجها لايجاب الاحتياط كما يتوهم فان ايجاب الاحتياط ليس مما لا يعلم لكي يكون مرفوعا في قبال دعوى الاخباريين إلا بان يكون ايجاب الاحتياط طريقيا وكونه طريقيا محل نظر حيث انه إن كان مصداقا للواقع فيجب الأخذ به وإلا فلا ، ومع الشك في وجوب التكليف الواقعي كما هو المفروض أي معنى لوجوب الاحتياط كما انه لا معنى لرفع المؤاخذة فان الحاكم بها هو العقل فلم يكن للشارع وضعها حتى يكون بيده الرفع فعليه الحق كما ذكرنا أن الرفع متوجه على الحكم الواقعي في مورد الشك بنحو يكون عدم التكليف فعليا.

ودعوى ان القول بذلك يوجب تقييد الواقع بغير المشكوك وذلك مستلزم للتصويب المجمع على بطلانه ممنوعة بان التقييد لم يكن لحاظيا ، وإنما هو بنحو نتيجة التقييد وحاصله أن الحكم الواقعي بسبب مجيء حديث الرفع يكون مجعولا على العالم بالانشاء فيكون فعليا وموضوعا لحكم العقل فالعالم بالانشاء يكون الحكم الواقعي فعليا في حقه والجاهل بالانشاء يثبت في حقه الترخيص وهو معنى كون التقييد من قبيل نتيجة التقييد والاجماع المدعى في المقام ليس كاشفا عن قول المعصوم (ع) أو عن امارة أو خبر معتبر وإنما هو اطلاق الخطابات الشاملة للعالم والجاهل ومع وجود مثل حديث الرفع يكون مقيدا لتلك الخطابات فيقدم عليها فلذا قلنا أنه لا مانع من القول بان الرفع يتوجه الى الحكم الواقعى بالمعنى المذكور واما توجيه الرفع الى ايجاب الاحتياط فقد عرفت انه غير متصور إذ الرفع والمرفوع ليسا في مرتبة واحدة وإنما المرفوع لا بد وان يكون في مرتبة سابقة وحينئذ كيف يكون رافعا لايجاب الاحتياط مع عدم تقدم مرتبته إلا أن ـ (منهاج الاصول ـ ٦) ـ

خلاف الامتنان بنحو يحصل من وضعه ضيق على المكلف وذلك لا يتصور في الحكم الواقعي ولو كان فعليا إذ لم يكن من جعله على المكلف ضيق عليه لكي يجري فيه حديث الرفع بخلاف إيجاب الاحتياط فانه لو لا حديث الرفع لكان المكلف في الضيق والكلفة ، فلذا يتعين أن يكون هو المرفوع كما أن مقتضى حفظ السياق في حديث الرفع أن يكون المرفوع هو إيجاب الاحتياط إذ لو كان المرفوع هو الحكم الواقعي للزم أن يكون خلاف مقتضى ظهور السياق ، فان السياق في الفقرات الأخر كالخطأ والنسيان والاكراه والاضطرار أن يكون الرفع تنزيلا لا رفعا حقيقيا فمقتضى ذلك أن يكون فيما لا يعلمون رفعا تنزيليا وذلك يؤيد ان يكون المرفوع هو إيجاب الاحتياط. على ان حديث الرفع ظاهر في كون الجهل من الجهات التعليلية له ، فان مقتضى كون الجهل علة للرفع ان يكون متأخرا عن الشك بالواقع ولازمه عدم شمول اطلاق الواقع لتلك المرتبة وذلك يقتضي امتناع تعلقه بالحكم الواقعي لعدم امكان ورود الرفع في ظرف الشك بل المرفوع للشيء الملحوظ في المرتبة السابقة على الشك به لما عرفت من حفظ المرتبة بين النقيضين

__________________

يقال بان وجوبه من باب الطريقية ، بمعنى ان هذا الخطاب متمم للحكم الواقعي لتحقق ملاكه ولا يمكن شموله لمرتبة الشك لقصور في شموله ، فلذا يجب الاحتياط لحفظه ووصوله الى مرتبة الشك ، ففي الحقيقة رفعه برفع الحكم الواقعي وحينئذ يكون الرفع بمعنى الدفع أي له مقتضى لتحققه لو لا المانع فحينئذ يكون الحكم الواقعي مقيدا بنحو نتيجة التقييد. ولكنك قد عرفت منا سابقا ان المرفوع هو فعلية عدم التكليف لا عدم فعلية التكليف الواقعي ، وحينئذ عدم الاحتياط يستند اليه استناد المعلول الى علته كما انك قد عرفت ان الرفع قد استعمل بمعناه الحقيقى فافهم.

فمع تأخر الشك وعدم العلم عن التكليف الواقعي لا يعقل ان يكون موضوعا لعدم التكليف الواقعي فلا يمكن تعلق الرفع الحقيقي بايجاب الاحتياط إلا بنحو العناية ولا يتوهم ان ايجاب الاحتياط من آثار الحكم الواقعي وإنما هو حكم ينشأ في قبال الواقع ناشئ عن ارادة واقعية في قبال انشاء الحكم الواقعي وإنما جعل حفظا للواقع وطريقا له ، بل ربما يقال ان رفع ايجاب الاحتياط في ظرف الشك بالواقع إنما هو دفع لمقتضيات الاحكام فيكون رفعه بالعناية رفعا للحكم الواقعي. كما أنه يمكن ان يكون رفع إيجاب الاحتياط رفعا للمؤاخذة والاستحقاق وإلى ذلك يرجع القول بان المرفوع فيما لا يعلمون جميع الآثار لا خصوص الأثر المناسب الذي هو ايجاب الاحتياط.

وبما ذكرنا يمكن الجمع بين القولين. أي قول من يقول بالأثر المناسب وهو إيجاب الاحتياط والقول برفع جميع الآثار إذ الرفع متوجه الى ايجاب الاحتياط وبايجابه ترتفع بقية الآثار كالمؤاخذة والاستحقاق.

وقد عرفت منا سابقا ان نسبة الرفع الى ما لا يعلمون كان بنحو العناية والتجوز من غير فرق بين الشبهات الموضوعية والحكمية.

ودعوى اختصاصها بالشبهات الموضوعية كما ذكره الشيخ الانصاري (قده) لوجهين :

الاول ـ من ان المحافظة على السياق يقتضي كون المراد من (ما لا يعلمون) خصوص الشبهة الموضوعية لارادة ذلك من الموصول في (ما اكرهوا وما لا يطيقون وما اضطروا) وذلك يعين كون المراد من الموصول في (ما لا يعلمون) هو الفعل المشتبه العنوان كالشرب الذي لم يعلم كونه شرب خمر او شرب خل فلو اريد من الموصول فيما (لا يعلمون) الحكم لزم اختلال السياق فوحدة السياق تقتضي الاختصاص في الشبهة الموضوعية.

الثاني ـ انه لا يمكن تصوير جامع بين الشبهات الحكمية والموضوعية لاختلاف استناد الرفع فيهما فان اسناده في الشبهات الحكمية يكون حقيقيا اي اسناد الى ما هو له ، واسناد الرفع في الشبهات الموضوعية لاختلاف استناد الرفع فيهما فان اسناده في الشبهات الحكمية يكون حقيقيا اي اسناد الى ما هو له ، واسناد الرفع في الشبهات الموضوعية يكون الاسناد إلى غير ما هو له ، فانه في الشبهات الموضوعية يكون الاسناد الى نفس الفعل اولا وبالذات لتعلق الجهل به وبالحكم الشرعي يكون ثانيا والعرض بخلاف الحكم في الشبهات الحكمية يكون اسناد الرفع اليه اولا وبالذات. ومن الواضح انه لا جامع بين هاتين النسبتين ومع عدم تحقق الجامع فلا بد ان يكون المرفوع هو احدهما وحيث ان ظهور بعض الفقرات بالفعل كالاكراه والاضطرار إذ لا معنى لتعلقهما بالحكم فحفظ وحدة السياق يعين ارادة الفعل في بقية الفقرات ، وذلك يقتضي الاختصاص في الشبهات الموضوعية فيكون الحديث مختصا بها ولا يشمل الشبهة الحكمية (١).

__________________

(١) وقد ايد ذلك بامور :

الاول ان مفهوم الرفع يقتضي ان يكون متعلقه امرا ثقيلا كقوله تعالى : (وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ) ومن الواضح ان ما فيه الثقل وهو نفس فعل الحرام او ترك الواجب ، واما الحكم بالوجوب او الحرمة فليس فيه ثقل فلذا لا محيص في ان يراد من الموصول فيما (لا يعلمون) هو الفعل دون الحكم.

الثاني ان الرفع والوضع متقابلان ويردان على مورد واحد من غير فرق بين ان يكون التقابل بينهما من باب التضاد او العدم والملكة والظاهر ان متعلق الوضع هو الفعل او الترك فلا محيص من ان يكون متعلق الرفع هو الفعل او الترك.

الثالث ان اسناد الرفع الى الحكم حقيقي والى الفعل مجاري لعدم تعلق

ولكن لا يخفى ما فيه : أما عن الاول فنمنع تحقق وحدة السياق إذ من المعلوم ان من التسعة الطيرة والحسد والوسوسة مع عدم ارادة الفعل منها علي انه لا مانع من ارتكاب خلاف الظهور (فيما لا يعلمون) إذ الظاهر من (ما لا يعلمون)

__________________

الرفع التشريعي بالموجود الخارجي إذ ليس ذلك بيد الشارع فلو اريد بالموصول الفعل الخارجي لزم التجوز في جميع الفقرات بخلاف ما لو اريد من الموصول في خصوص ما لا (يعلمون) يكون الاسناد اليه بالخصوص حقيقيا وفي سائر الفقرات مجازيا وحيث ان الرفع في الحديث أسند الى التسعة وتكون المذكورات بعده معرفات ولازم ذلك أن يكون الاسناد إما حقيقيا واما مجازيا وذلك يعين ارادة الفعل لا الحكم إذ ارادة الحكم تستلزم أن تكون النسبة الواحدة حقيقية بالنسبة الى بعض التسعة ومجازية بالنسبة الى البعض الآخر وذلك ممنوع. ولكن لا يخفى ضعف هذه الوجوه.

فاما عن الاول فان الثقل وان كان في متعلق التكليف لا نفسه إلا ان الرفع يصح اسناده الى السبب الموجب له أو الأثر المترتب عليه بلا مسامحة إذ يمكن ان يقال رفع الالزام ورفع المؤاخذة فعليه يصح اسناد الرفع الى نفس الحكم بهذا الاعتبار.

واما الثانى فالظاهر أن ظرف الرفع والوضع هو الشرع وكان متعلقهما هو الحكم لا ظرفهما لان ظرفهما ذمة المكلف فحينئذ يكون المرفوع هو الحكم.

واما عن الثالث فان اسناد الدفع الى المذكورات وان كان بالنسبة الى بعضها حقيقيا والى الآخر مجازيا إلا ذلك بحسب الحقيقة والواقع ، واما بلحاظ اللفظ والاسناد الكلامي فليس إلا اسنادا واحدا فان صح كونه حقيقيا بالنسبة الى الجميع فهو ، وان لم يصح فمجازي بالنسبة للجميع إذ الاسناد الواحد الى المجموع

أن يكون بنفسه معروضا للوصف الذي هو عدم العلم كالاضطرار والاكراه ولو اختص (ما لا يعلمون) بالشبهات الموضوعية لأوجب أن يكون المعروض للوصف هو عنوانه فحينئذ يدور الامر بين حفظ السياق من هذه الجهة بان يراد من الموصول هو الحكم وبين حفظه من جهة اخرى بان يراد الفعل ولا اشكال أن العرف يرجح الأول فيتعين حمل الموصول فيما (لا يعلمون) على إرادة الحكم على أن حفظ السياق يقتضي اختصاص «ما» بالموضوع. ولكن لما كانت الرواية واردة في مقام الامتنان وهو كما يحصل في رفع المؤاخذة على الموضوع يحصل برفعها عن الحكم فاطلاق الامتنان يقتضي أن يراد من (ما) الاعم من الفعل والحكم.

ودعوى أنه لا جامع بينهما ممنوعة إذ يمكن تصوير جامع وهو الشيء وذلك ينطبق على الحكم والفعل فبالنسبة الى الاضطرار والاكراه المراد من الشيء هو الفعل وبالنسبة إلى ما يعلمون المراد من رفع الشيء المجهول ما يشمل الحكم والفعل.

واما عن الوجه الثاني فالسياق إنما يختل لو لم تكن من نشوئية إذ المؤاخذة فيما اكرهوا لم تكن عن المعاملة بل كانت على الشخص الذي انتقل له المال بدون رضا المالك وحينئذ لا بد من ارادة ذلك من الجميع.

بيان ذلك أن المؤاخذة تارة تكون نشوئية واخرى تكون تعلقية وفيما استكرهوا لا يصح أن يراد منها إلا أن تكون نشوئية إذ لا معنى للمؤاخذة على

__________________

المركب مما هو له وغير ما هو له اسناد الى غير ما هو له كما ينسب إنبات (البقل) الى الله والى الربيع في كلام واحد وباسناد واحد يكون اسنادا مجازيا. فيكون من باب عموم المجاز كما لا يخفى.

الفعل المكره وهكذا فيما لا يعلمون لا بد أن يراد منه ذلك ، فاذا صار المراد المؤاخذة الناشئة في كل من التسعة فذلك يساوق كون (ما) للاعم من الحكم والموضوع.

هذا ولكنك قد عرفت ان الرفع إنما هو متوجه على الاحتياط خلافا للاستاذ (قده) في كفايته حيث ادعى كون الرفع متوجها على الحكم الواقعي وعلى مسلكه يصح جعل البدل في مرتبة الظاهر ، وذلك موجب لانحلال العلم الاجمالي في دوران الامر بين الأقل والاكثر كما أنه على مسلكه يتوجه التفصيل بين البراءة العقلية والبراءة النقلية فتجري في النقلية دون العقلية. واما على المختار في كون الرفع متوجها على الاحتياط فلا معنى للتفصيل المذكور بل لا تجري وسيأتي ان شاء الله تعالى بيان المسألة على التفصيل.

والذي يتعلق بالمقام هو أن المستفاد من كلمات الاستاذ (قده) في الكفاية وفي حاشيته على الفرائد بان حديث الرفع لما كان جاريا لرفع الجزئية المشكوكة يدل على كون بقية الاجزاء هي الواجبة وانها باقية على وجوبها الفعلي واستفادة الفعلية من اطلاق التكليف الذي هو شامل لمرتبة الشك فالاجزاء الباقية باقية علي فعليتها فتكون بدلا عن الواجب الواقعي.

واما الدليل الذي يدل على جعل البدل كحديث الرفع مثلا فقد ذكره في الحاشية حيث قاس حديث الرفع على الاستصحاب وقد اختار في الاستصحاب جعل البدل ما لفظه «فكما أن الحكم الشرعي إذا كان موردا للاستصحاب وجودا أو عدما كان مقتضى استصحابه إثباتا أو نفيا ظاهرا بنفسه ، فكذلك اذا كان متعلقا للرفع».

وبالجملة المستفاد من كلماته (قده) جعل الوجوب الفعلي مختصا ببقية الاجزاء وهي بدل عن الواقع فيكون حكما ظاهريا جعل في ظرف الشك بالواقع

ولكن لا يخفى أن ذلك مبني على ما عرفت من كون التكليف شاملا لمرتبة الشك حتى يكون التكليف فعليا في بقية الاجزاء فاذا انضم الى حديث الرفع ذلك ينتج جعل البدل ، بمعنى الفاقد جعل بدلا عن الواجد ولكن قد عرفت أنه خلاف التحقيق وان اطلاق التكليف لا يشمل مرتبة الشك لتأخره عنه فلا يكون في الاجزاء الباقية وجوب فعلي حتى يكون بضميمة حديث الرفع ينتج جعل البدل بل إنما يرفع بهذا الحديث الاحتياط المتحقق في مرتبة الشك لا التكليف الفعلي إذ لم يكن فيه إطلاق حتى يشمل حال الشك لكى يرفع بالحديث المذكور.

ومن ذلك ظهر ضعف ما يقال بانه لا بد من الالتزام بجعل البدل ولو قلنا بانه يرفع خصوص الاحتياط. بتقريب ان المرفوع في الاحتياط ليس إلا برفع منشئه وهو الحكم الواقعي فيرجع الحديث بالأخرة الى نفي الحكم الواقعي من المشكوك وتعينه ببقية الاجزاء فيكون وجوب بقية الاجزاء بدلا عن الحكم الواقعي وبيان الضعف ان القول بجعل البدل إنما يلتزم به لو قلنا بكون التكليف له إطلاق يشمل مرتبة الشك وقد عرفت استحالته.

وعلى المختار لا يفرق في عدم الجريان في الأقل والاكثر بين البراءة العقلية والنقلية لعدم انحلال العلم الاجمالي بالنسبة الى العقلية إذ جريانها يلزم منه الدور الواضح البطلان كما ستعرف ، واما النقلية فجريانها منوط بجعل البدل وقد عرفت ان لازمه اطلاق التكليف لمرتبة الشك المتوقف عليه جعل البدل والالتزام بذلك محال واما على مسلك الاستاذ (قده) فلا تجري البراءة العقلية لما ذكره اخيرا من لزوم وجود الشيء عدمه وجريان البراءة النقلية استفاده من حديث الرفع جعل البدل كالاستصحاب وجعل البدل موجب لانحلال العلم الاجمالي حكما واستفادة جعل البدل من كلمات الاستاذ (قده) من الكفاية والحاشية تحتاج الى تأمل ونظر ولا يحصل ذلك إلا للاوحدي من الناس.

وكيف كان فقد وقع الكلام في ان المرفوع خصوص المؤاخذة او الاثر المناسب او جميع الآثار وقد اقاموا لكل واحد منها وجها والتحقيق ان النزاع في ذلك لا وجه له.

بيان ذلك يحتاج الى مقدمة وهي ان المؤاخذة تارة يراد بها الاستحقاق واخرى يراد بها المؤاخذة الفعلية ، والمرفوع هنا هي استحقاق المؤاخذة. ويظهر ذلك من النزاع الواقع بين الاصوليين والاخباريين فان نزاعهم في استحقاق المؤاخذة لا المؤاخذة الفعلية.

إذا عرفت ذلك فاعلم ان استحقاق المؤاخذة لم يكن قابلا للرفع فرفعه برفع اثره المترتب عليه وحيث ان الرواية واردة في مقام الامتنان والتوسعة على المكلف فحينئذ لا بد وان يكون الاثر المترتب عليه مما كان في رفعه امتنان وفي إثباته ضيق على المكلف فيقدر في الخطأ والنسيان ايجاب التحفظ وما اكرهوا عليه في العبادات البطلان وفي المعاملات النفوذ وفي ما اضطروا هو جواز الارتكاب وذلك مختص بالاحكام ولا يجرى في المعاملات لان بطلانها خلاف المنة وفيما لا يطاق رفع التكليف الذي يلزم منه عدم تحمله عادة.

وبالجملة رفع المؤاخذة هو بعينه رفع جميع الآثار ورفع جميعها التي هي مورد الامتنان هو رفع الأثر المناسب والفرق في هذه الصور في غير محله بل الذي يقول برفع المؤاخذة لا ينفي رفع الأثر المناسب وهو بعينه جميع الآثار التي فيها امتنان فليست هذه الاقوال مختلفة فانها تكشف عن معنى واحد وحقيقة فاردة.

عبارتنا شتى وحسنك واحد

وكل الى ذاك الجمال يشير

ومما ذكرنا من ان المرفوع هو الاثر الذى يكون في رفعه منة على المكلف يظهر لك وجه الفرق بين شرط الوجوب فيما اذا لم يعلم كيفية الوجوب هل هو

(منهاج الاصول ـ ٧)

مشروط حتى انه لو تعذر الشرط لكي يسقط الوجوب عند تعذره ام غير مشروط لكي لا يسقط ويجب على العبد امتثاله وبين شرط الواجب فيما لو شك في كون الشيء المعين شرطا ام لا فنفى شرط الوجوب لو جرى حديث الرفع في رفع كون هذا المتعذر شرطا يلزم منه خلاف الامتنان للزومه الضيق على المكلف (١) وفي شرط الواجب خلاف ذلك فان رفع ذلك الشرط امتنانا على

__________________

(١) بعد ان ذكر الاستاذ المحقق النّائينيّ (قده) بان جريان حديث الرفع مشروط بالامور الثلاثة المذكورة سابقا قال : ان الشك اما ان يكون في متعلق التكليف او في الاسباب المعبر عنها في الشك بالمحصل. فان كان الشك متعلقا التكليف كالشك في وجوب الصلاة عند رؤية الهلال فلا إشكال في شمول حديث الرفع له لتحقق تلك الامور المعتبرة في جريانه من غير فرق بين أن يكون الشك في نفس المتعلق او في جزء منه لشمول الحديث للجزء باعتبار ان الجزء له حظ من الأمر ، فان الأمر وان كان وجدانيا إلا أنه انبسط على الاجزاء فيكون كل جزء مشمولا لحديث الرفع بلحاظ الحصة التي صارت على الجزء.

ويظهر من ذلك ضعف ما ذكره شيخنا الانصاري (قده) من أن الجزئية غير قابلة للرفع اذ أن المرفوع ليست هي الجزئية بل الحصة التي حصلت في انبساط الأمر على الاجزاء هذا بالنسبة الى الشبهة الحكمية.

واما الكلام بالنسبة الى الشبهة الموضوعية فيمكن دعوى الفرق بينما يكون الشك في الاجزاء الوجودية وبين الامور العدمية.

وحاصل ذلك هو ان الامر العدمي لما كان الحكم المرتب عليه انحلاليا فاذا شك في تقييده فلا مانع من جريان البراءة كما لو شك في كون هذا الشيء مأكولا أم لا؟ فيرفع اعتباره بالبراءة ويحكم بصحة الصلاة لان النهي المتوجه الى غير

المكلف إذ لا يلتزم باقيان الشرط المشكوك ونظير شرط الوجوب في أن جريان الحديث فيه يلزم منه خلاف الامتنان ما إذا اضطر الى ترك جزء فانه لو جرى حديث الرفع فيرتفع ذلك الجزء ويلزم الاتيان بالباقى وهو ضيق على المكلف لان في بقائه سعة على المكلف حيث انه لو بقى الجزء المضطر على مطلوبيته يقضي بعدم وجوب بقية الاجزاء لان الكل متعذر بتعذر جزئه فيكون العبد فى سعة ورفاهية.

__________________

المأكول انحلالي فيشمل جميع افراد غير المأكول ، والشخص لما كان شاكا في كونه غير مأكول فيشك في توجه النهي والاصل يقتضي عدم شمول النهي لهذا المشكوك بخلاف ما لو شك في الامر الوجودي مثلا ، انا نعلم بكوننا مكلفين بسورة ولكن نشك بانا ما اتينا به هل هو سورة ام لا؟ فلا تجري البراءة لما عرفت من ان التكليف لم يتوجه الى الاشخاص وانما توجه إلى الكلي وهو لم يكن منسيا أو مجهولا لكي يشمله حديث الرفع والشخص لم يترتب عليه حكم شرعي لكي يرفعه الحديث وانما يأتي به من باب التخيير العقلي. هذا كله في الشك في المتعلق.

واما الكلام في الشك في الاسباب بمعنى الشك في محصلية شيء كما لو وقع الشك في كون الاقل محصلا ام الاكثر وسيأتي ان شاء الله بيان الفرق وحاصله على نحو الاجمال بان الشك في جزء المتعلق يرجع الى ان الاقل معلوم التكليف والشك في الاكثر وفي الشك في السبب المحصل يكون الشك في محصلية الاقل ومعلوم محصلية الاكثر ، وحينئذ لا يجري في مشكوك المحصلية إذ شمول الحديث للاقل خلاف الامتنان فلا يكون مشمولا له

واما في محصلية الاكثر فليس امرا مشكوكا لكي يشمله الحديث وان

ودعوى انه لو بقت بقية الاجزاء على مطلوبيتها مع الجزء المضطر الى تركه فلا بد من الالتزام بجواز ترك الواجب وهو مما لا يلتزم به أحد ممنوعة بان عدم التزام الاصحاب بذلك ليس من جهة حديث الرفع بل من جهة قاعدة اخرى وهي قاعدة الميسور لا يترك بالمعسور ولم يستندوا في الاتيان ببقية الاجزاء الى حديث الرفع كيف وهو ينافي ورود الحديث في مورد الامتنان والتوسعة لا أنه لا يمكن بحديث الرفع رفع الشيء المشكوك بكونه من مصداق ما هو شرط محقق ، مثلا شرط الصلاة أن يكون اللباس مما يؤكل لحمه فالشك في لباس هل هو من جلد ما يؤكل لحمه ام لا فلا يكون حديث الرفع جاريا فيه لانه لو بني على الجريان

__________________

كان جريانه في المشكوك يكون الاقل محصلا فهو وان كان امتنانا إلا انه لا يستفاد من حديث الرفع اثبات شيء وإنما يستفاد صرف الرفع ، والفرق بين المحصل الشرعي والمحصل العقلي كما ينسب الى بعض الأعاظم في غير محله

بيان ذلك : ان الجزئية والمانعية والشرطية ليست من الامور المجعولة وإنما هي أمور انتزاعية غير قابلة للجعل ولذا قلنا أن المرفوع في متعلق التكليف ليست الجزئية ، وإنما المرفوع الجزء المنبسط كما ان السببية لا يعقل جعلها وانما المجعول وجود المسببات عند وجود الاسباب لا السببية حيث أنها عبارة عن رشح الوجود ورشح إفاضة الوجود ليس أمرا شرعيا بل هو من الامور الذاتية ولا يعقل جعل ما ليس ذاته الرشح ان يرشح الوجود إلا بقلب ماهيته.

وعلى كل حال فحديث الرفع لا يشمله على كلا المسلكين. اما على المختار من جعل المسببات عند وجوب الاسباب ينتج عكس المقصود حيث أن ترتبه على الاكثر ليس مشكوكا ، واما ترتبه على الاقل فهو وان كان مشكوكا إلا أن رفعه يوجب التضييق وهو خلاف الامتنان ، واما على غير المختار من جعل

يلزم منه خلاف الامتنان. إذ لو صلى به واجرى الحديث يلزم منه الاعادة في لباس آخر ، وهذا بخلاف ما يشك في كونه مصداقا لما هو معلوم المانعية فان قضية جريان الحديث فيه يلزم كونه في سعة ورفاهية ولا يلزم منه الاعادة على من صلى فيما يشك كونه من مصداق المانع وحقيقة الفرق ان المانع قضيته نظير السالبة التي هي سارية في جميع المصاديق وكل مصداق منها هو مورد النهي ففي مورد العلم يكون الشيء من المصاديق يجب تركه وما لم يعلم بكونه منها يجري فيه الحديث المذكور فيكون حينئذ في سعة بخلاف الشرط فان قضيته نظير القضية الموجبة ويكون الشك في مصداقها شك في المحصل الذي يجب رعايته مهما أمكن.

اللهم إلا أن يقال ان هذا الفرق إنما يتم لو كان مفاد حديث الرفع منحصرا في رفع المقتضي لأنه بعد معلومية الاشتراط لا يسوغ نفيه ، واما لو قلنا بانه لا ينحصر في ذلك بل كما كان الحديث برفع المقتضي كذلك يوجد المانع بواسطة اقتضائه الترخيص في ترك الاحتياط فلا يتم الفرق ، ولكن لا يخفى منع الفرق بناء على تعميم الحديث ولو بايجاد المانع فان ذلك مبني على كون حكم العقل

__________________

السببية فائضا لا يشمله الحديث ، إذ السببية عبارة عن رشح الوجود وذلك لم يترتب على كل جزء بل يترتب على مجموع الاجزاء اعني هو الاكثر فترتبه عليه ليس مشكوكا واما ترتبه على الاقل فهو وان كان مشكوكا إلا أن شمول الحديث له يلزم التضييق وهو خلاف الامتنان.

نعم بناء على هذا المحال اعني جعل السببية وضم محال آخر اليه أعني جعل الجزئية فيمكن شمول الحديث له ودعوى أن حديث الرفع يثبت محصلية الاقل ممنوعة لما عرفت من أن الحديث لا يستفاد منه إلا رفع التكليف واما إثبات تكليف آخر فلا.

تعليقيا وهو خلاف التحقيق إذ حكم العقل علة تامة بعد إحراز الشرطية بالاشتغال فلا يصلح للرفع كما لا يخفى.

ثم لا يخفى أن حديث الرفع إنما يجري في حال الجهل وقبل تبين الخلاف ، واما بعد الانكشاف فلا يجري الحديث بل يجب عليه الاعادة أخذا باطلاق دليل الجزء. نعم لو قام دليل على عدم الاعادة كما جاء في خصوص الصلاة فيما لو ترك جزءا غير ركنى كمثل قوله «لا تعاد الصلاة إلا من خمس ... الخ» وجب التعبد به لا يقال ان الحديث وارد مورد الامتنان ومقتضاه الاطلاق حتى مع رفع النسيان والاكراه إذ مع اختصاصه بصورة النسيان فلا امتنان لاستقلال العقل بذلك.

لانا نقول ان هذا الحديث ليس مثبتا لوجوب بقية الاجزاء ولذا نقول بعدم دلالة الحديث على الاجزاء لعدم نظره الى الواقع واما اطلاق الحديث في مقام الامتنان لشموله لما كان بغير سوء الاختيار فان ذلك لا يحكم العقل برفعه إذ رفعه في ذلك الحال فيه كمال الامتنان.

ودعوى ان رتبة النسيان متأخرة عن الحكم الواقعي كالالتفات ولذا لا يعقل جعل مماثل للواقع جعلا مولويا فعليه أي شيء يكون مرفوعا ممنوعة بان وجوب التحفظ ولو بإيجاد مقدمات الالتفات يمكن جعله من الشارع فلا مانع في رفعه إذ كلما أمكن وضعه أمكن رفعه ، وهكذا الكلام فيما لا يطيقون وما اضطروا من حيث جريان الحديث فيما لو كان عدم وجوب التحفظ حرجيا. إلا ان هذا الرفع لا يثبت وجوب بقية الاجزاء كما يمكن القول به في النسيان وبهذه الجهة تمتاز هاتان الفقرتان عن النسيان. واما الفرق بينهما فهو : ان الاكراه إنما يجري في المعاملة بالمعنى الاخص ولا يجري في التكليفيات بخلاف الاضطرار لتحقق الامتنان في الاول دون الثاني.

بيان ذلك هو أن في المعاملة قد أخذ فيها طيب النفس والرضا المستفاد عن

قوله تعالى (تِجارَةً عَنْ تَراضٍ) وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : (لا يحل مال امرئ إلا بطيب نفسه) وان الاكراه ينافي ذلك ولا يخفى أن ذلك يقتضي أن يكون الحديث رافعا للصحة الفعلية لا رفع أصل الصحة بنحو لا سبيل للحوق الاجازة لكون الصحة الفعلية تكون ارفاقا وامتنانا في حق المكره فرفع أصل الصحة لا امتنان فيه لكون ذلك خلاف الارفاق بخلاف الاضطرار فانه وان اعتبر فيه الرضا وطيب النفس إلّا أن رفع الصحة عن المعاملة المضطر عليها لقوت نفسه أو عياله يوجب زيادة الاضطرار وهو خلاف الامتنان والارفاق في حقه (١).

__________________

(١) لا يخفى ان الرفع في هذه الفقرات يختلف فبالنسبة الى ما لا يعلمون رفع ظاهري من دون منافاته للحكم الواقعي فمع ورود عموم أو اطلاق يثبت التكليف بنحو يرتفع به الجهل فلا يبقى موضوع لحديث الرفع فيكون ذاك الدليل واردا أو حاكما على الحديث فلو علمنا بالحديث ورفعنا جزئية ما شك في جزئيته ثم انكشف الخلاف فاجزاء المأتي ببقية الاجزاء مبني على القول باجزاء الحكم الظاهري عن الواقعي. واما الرفع بالنسبة الى بقية الفقرات الأخر فهو واقعي فلو ورد عموم أو اطلاق مثبت للحكم في تلك الموارد فلا بد من تخصيصه بحديث الرفع. وعليه ارتفاع تلك العناوين يوجب تبدل الحكم من حينه فلذا قلنا باجزاء المأتي به في حال الاضطرار عن الحكم الواقعي لكونه حكما واقعيا ثانويا.

حديث الرفع يعم التكليفية والوضعية ثم لا يخفى ان حديث الرفع لا يختص بالاحكام التكليفية بل يجرى حتى في الاحكام الوضعية كما انه لا يختص بمتعلقات الاحكام بل يجري حتى في موضوعاتها أيضا اذ كما يكون فعل المكلف متعلقا للتكليف يكون موضوعا له فلو اضطر المكلف أو اكره على ايجاد موضوع التكليف كالافطار في نهار شهر رمضان

ثم لا يخفى ان الحديث انما يرفع الآثار المترتبة على الاشياء بعناوينها الاولية لا بعناوينها الثانوية كما صرح به الشيخ في فرائده. إلّا انه لم يبين وجه المحالية

__________________

الذي هو موضوع لوجوب الكفارة فبحديث الرفع يرتفع حكمه ، واما لو اضطر أو اكره على ايجاد متعلق التكليف فتارة يكون بنحو الطبيعة السارية الموجبة لانحلال احكامها حسب افراد تلك الطبيعة كما هو كذلك في المحرمات فمع طرو احد هذه العناوين على فرد من افراد الطبيعة يسقط التكليف المتعلق به بخلاف ما اذا كانت الطبيعة على نحو صرف الوجود كما في التكاليف الايجابية فان طرو أحد هذه التكاليف على فرد خاص لا يوجب سقوط التكليف المتعلق بالكلي لتحقق مصاديقه الأخر إلا اذا اضطر الى ترك الطبيعة في تمام الوقت أو في خصوص آخره فيما اذا لم يأت به قبل ذلك فحينئذ يكون التكليف ساقطا هذا كله في التكليف الاستقلالي. واما التكليف الضمني كما لو اضطر الى ترك جزء او شرط فانه لا يرتفع التكليف المتعلق بذلك الجزء او الشرط وان ارتفعت حرمة ابطال العمل من تلك الجهة. نعم الاتيان بالناقص لا يكون مجزيا مع التمكن من ايجاد فرد تام من بقية الافراد.

ودعوى ان المرفوع انما هو خصوص الجزء المضطر او شرطه واما غيره فلا موجب لرفع اليد عن وجوبه ممنوعة اذ الامر الضمني المتعلق بالجزء لا يرتفع إلّا بارتفاع أصل التكليف فهو تابع له ثبوتا وبقاء ، وهكذا الحكم الوضعي المنتزع من الحكم التكليفي كما لو اضطر الى التكلم في الصلاة او اكره على الصلاة الى غير القبلة في تمام الوقت فالصلاة الى القبلة او الخالية عن كلام الآدمي لا تكون واجبة بحديث الرفع اذ شأنه رفع الحكم لا ثبوته فيحتاج ثبوت

نعم ذكر الاستاذ (قده) في الكفاية ما حاصله بانه لو كان المرفوع الآثار بعناوينها الثانوية يلزم المحال لان رفع العناوين الثانوية وهي الخطأ أو النسيان مستدع لثبوت الحكم والحديث يرفع الخطأ او النسيان فيكون مستدعيا لرفعه فيلزم أن يكون الشيء مرفوعا ومثبتا.

__________________

وجوب بقية الاجزاء الى دليل كما يدعى ثبوت الدليل في خصوص الصلاة كقوله عليه‌السلام : «الصلاة لا تسقط بحال» فمع عدم الدليل لا يسقط الواجب مع الاخلال ببعض ما اعتبر فيه ، ولذا نقول بوجوب القضاء لكونه من آثار فوق الواجب في الوقت.

وبالجملة أنه لا دلالة لحديث الرفع على تنزيل فعل المضطر اليه منزلة العدم ليجتزى ببقية اجزاء الواجب في مقام الامتثال إذ شمول الحديث لمورد لا يترتب عليه إلا رفع التكليف عن نفس المورد فالاكراه على فعل محرم في نفسه يرفع حرمته كما ان الاكراه على معاملة يرفع نفوذها ولازم ذلك ان الحديث يشمل المورد الذي يترتب عليه أثر ، واما ما لا أثر له فلا يشمله الحديث كما لو اكره المكلف على ترك بيع داره لا يمكن الحكم بحصول النقل والانتقال من دون بيع فان الحديث إنما يتكفل رفع الحكم التكليفي او الوضعي عن المكره عليه لا اثبات حكم له ، ولذا لو اكره على تقديم القبول على الايجاب بناء على اشتراط تقديم الايجاب على القبول لم يحكم بصحة ما وقع بالخارج بحديث الرفع إذ الواقع في الخارج لا حكم له بالشريعة ليرتفع بالاكراه وما هو موضوع الحكم بالنفوذ لم يتحقق بالخارج على الفرض فلا معنى لشمول الحديث له ، وضابط ذلك هو ان كلما يكون صحيحا واقعا في نفس المعاملة إذا وقع مكرها عليه يرتفع عنه

ولكن لا يخفى أن اقتران الفقرات بالطيرة تقتضي ترتب مقتضاها لا ارتفاعه ، فبوحدة السياق يقتضي جريان ذلك بالبقية فالخطأ والنسيان لا يكون موجبا للرفع قبل الذي يوجب الرفع هو المنة في حال الخطأ أو النسيان فالحق في وجه المحالية هو انه لو أجرى الحديث في الآثار بعناوينها الثانوية يلزم أن يكون الشيء ملحوظا مستقلا ومرآة وهو محال.

بيان ذلك ان هذه العناوين بلحاظ آثارها إنما هي موضوعات لها والنظر اليها نظر استقلالي فلو رفعت هذه الآثار كان المقصود من الرفع رفعا استقلاليا وإذا لوحظت هذه العناوين بلحاظ الآثار المترتبة على العناوين الاولية يكون اللحاظ اليها نظرا مرآتيا ولحاظا آليا فرفعه يكون النظر اليه نظرا آليا فيلزم المحال وهو كون الشيء ملحوظا مستقلا ومرآة على انه لو رفع الحديث تلك الآثار المترتبة على العناوين الثانوية يلزم أن يرفع اليد عن الدليل الدال على ترتبها فيكون ذلك لغوا لا أثر له على انه لو جرى ذلك يلزم أن يكون خلاف الامتنان فان الكفارة المترتبة على قتل الخطأ وسجدتي السهو المترتبة على السهو شرعا للجبر والتدارك لو رفعت هذه الآثار بالحديث المذكور يلزم منه خلاف الامتنان كما لا يخفى وينبغي التنبيه على امور :

الاول ـ قد عرفت منا سابقا ان الرفع يتحقق بتحقق مقتضية لاعتبار العقلاء وجود الشيء مع تحققه بالعناية ، ومن هنا قلنا بصحة اشتراط سقوط الخيار في متن العقد. والرفع إنما يتحقق في مورد الامتنان ومورده في مورد (ما لا يعلمون) عبارة عن ان يرفع عن المكلف انشاء حكم حافظ للواقع في ظرف عدم العلم للمكلف وذلك رحمة ورأفة من المولى وبه يحصل الامتنان ولذا

__________________

حكمه بحديث الرفع لا ما إذا كان فاسدا في نفسه فانه لا يترتب عليه الصحة إذا وقع عن اكراه فلا تغفل.

يقدم على ادلة الاحتياط إذ مع استفادة وجوب الاحتياط من ادلته فهو خلاف الامتنان ولاجل ذلك التزمنا بحمل تلك الاخبار على الاستحباب.

الثاني ـ ان الرفع كما يرفع الحكم التكليفي كذلك يرفع الحكم الوضعي كالجزئية او الشرطية ولا يوجب ان يرتفع بذلك حكم المنسي مطلقا ، وانما يرتفع في مورد النسيان ، واما لو تعقبه الذكر فيجب الاعادة ، ولذا قلنا ان حديث الرفع لا يقتضي الاجزاء ، نعم لو قلنا بان الحديث يدل على في الحكم مطلقا لاقتضى الاجزاء.

وبالجملة الحديث يقتضي رفع التكليف الذي هو منشأ لانتزاع الجزئية ما دام ناسيا لا رفع دخل المنسي في المصلحة لكون ذلك امرا تكوينيا لا يتعلق به الرفع التشريعي ، فيكون الحديث موجبا لبقاء الأمر الناشئ من تحقق المصلحة بعد زوال النسيان الموجب لتحقق التكليف الموجب للاعادة بعد حصول التذكر.

ودعوى ان ذلك خلاف الامتنان لان رفع التكليف في حال النسيان امر عقلي من غير حاجة الى رفعه بالحديث الشريف وكونه في مورد الامتنان يلزم حمله على الاطلاق اي حتى مع الالتفات وذلك يساوق رفع الجزئية والشرطية مطلقا المقتضي لعدم الاعادة بعد زوال النسيان وهو عبارة عن اجزاء المأتى به في حال النسيان ممنوعة بان ذلك يتم لو اريد من النسيان خصوص ما كان بغير اختياره ، وإلا فالعقل لا يحكم بالرفع والحكم بايجاب التحفظ عليه. وحينئذ يكون لشمول الحديث له مجال فجريانه يرفع وجوب التحفظ.

ومما ذكرنا من حكم العقل بوجوب التحفظ يندفع ما يقال بان حديث الرفع يرفع الاحكام المتأخرة عن الواقع ، وفي هذه المرتبة لا يحكم العقل بوجوب التحفظ وجوبا مولويا فمع عدم حكمه بذلك كيف لا يكون مجال لرفعه

بالحديث الشريف لما عرفت منا سابقا ان في هذه المرتبة قد ينتهي الأمر الى صيرورة الوجوب عقليا فحينئذ يكون رفعه باعتبار رفع منشئه.

ودعوى ان مفاد الحديث جعل المأمور به هو خصوص ما عدا المنسي ممنوعة لعدم كون الحديث مثبتا بان يجعل التكليف متعلقا بالفاقد وانما شأنه رفع التكليف فلذا لا بد من التماس دليل آخر يدل على كفاية الفاقد عن الواجد في حال النسيان فلا يمكن تصحيح العبادة بالحديث الشريف وادعى بعض الاعاظم (قده) عدم امكان تصحيحها به بتقريب ان مفاد الحديث تنزيل الموجود منزلة المعدوم لا تنزيل المعدوم منزلة الموجود لاحتياج الثاني الى كون الحديث يدل على الوضع مع انه لا يستفاد منه الوضع فالحديث لا يصحح العبادة ، ولكن لا يخفى ان الحديث لو كان مفاده ذلك لا يفرق فيه بين رفع الوجود او رفع العدم إذ لو كان مفاده رفع الوجود في عالم التشريع بمعنى خلو صفحة الوجود عن الحكم في عالم التشريع فيكون رفع العدم عبارة عن عدم اخذه في موضع الفساد فحينئذ يكون الحديث متمحضا للرفع ، وعليه يمكن تصحيح العبادة ومقتضيا للاجزاء.

ودعوى ان المنسي ليس هو الجزئية أو الشرطية ، وإنما هو الجزء أو الشرط ومع العلم بالجزئية او الشرطية ليس في البين مورد للرفع التشريعي من حيث الموضوع لكي تصح العبادة ممنوعة بان ما ذكر بعينه جار في ايجاد المانع نسيانا حيث لا تكون المانعية منسية ومن المعلوم جريان الحديث في رفع المانع الراجع الى رفع المانعية فليس المحذور من كون الحديث مصححا لعبادة الناسي لبعض الاجزاء إلا ما ذكرنا من ان الحديث يرفع الجزء او الشرط ما دام ناسيا ولا يرفعه مطلقا لكي يقتضي الاجزاء كما لا يخفى.

«التنبيه الثالث» انه بالنسبة الى «ما لا يطيقون» ان المراد منها مرتبة من الحرج فيكون مرجع رفعه الى عدم وجوب التحفظ بمقدماته عند الوصول

الى الحرج فيكون مفاد هذا الحديث مساوقا لما في الآية الشريفة ولكن لا يخفى انه لو تعلق بالجزء يرفع وجوبه ، إلا انه لا يوجب وجوب بقية الاجزاء إذ لا ملزم لها لعدم اطلاق في وجوبها لكي يشملها مع سقوط ذلك الجزء.

وبهذا يحصل الفرق بين هذه الصورة وصورة النسيان ، واما بقية الفقرات فالطيرة يحتمل ان يراد من رفعها رفع المؤاخذة على التطير ، ويحتمل ان يراد التوقف من التحرك نحو المقصود ، وعليه يكون ردا على التوقف ، واما الوسوسة في التفكر أو التفكر في الوسوسة ، كما في رواية اخرى فالمراد منها رفع المؤاخذة على الوسوسة ، اما الحدس الذي هو غير ظاهر باللسان فربما يكون رفعه بمجاهدة النفس بصرفها الى احوال نفسه وعدم التفتيش عن امور الناس ، وما وهب لهم من الرفاهية في المال والولد ، وحينئذ يكون المرفوع فيه هو وجوب رفعه بمجاهدة النفس ، بل ربما يقال ان هذا الحمل أولى من حمله على رفع استحقاق المؤاخذة ، إذ ذلك ينافي الاخبار الدالة على الاستحقاق فنحتاج الى الجمع بينها وبين حديث الرفع ، وكيف كان فقد وقع الاشكال بالنسبة الى هذه العناوين المذكورة في الحديث كالتطير والتفكر في الخلق والحسد وحاصله ان هذه الامور لما كانت غير اختيارية فلا يصح لان يتعلق الرفع بها ولو باعتبار حكمها إذ لا يمكن ان تكون هذه العناوين لتشريع الحكم التحريمي ولكن لا يخفى انه يمكن دفع ذلك بانها وان كانت غير اختيارية إلا انها بمبادئها تكون اختيارية لامكان التحرز عنها ، وعدم الوقوع فيها وذلك كاف في اقتضاء تحريمها ، فعليه لا مانع من رفعها فيكون رفعها كرفع ايجاب الاحتياط وايجاب التحفظ عن الخطأ والنسيان.

ودعوى ان هذه الآثار غير قابلة للرفع لانها ثابتة للشيء بعنوانه الثانوي فتكون من قبيل ثبوت سجدتي السهو للمنسي ممنوعة ، بان هذه الآثار ثابتة

للواقع المجهول او الواقع الحاصل خطأ او نسيانا وليس من آثار تلك العناوين الثانوية اي اثر لنفس الخطأ او النسيان او الجهل فافهم.

حديث الحجب

ومما استدل به على البراءة قوله عليه‌السلام : (ما حجب الله علمه عن العباد فهو موضوع عنهم) بتقريب ان الحجب (١) في هذا الحديث إنما هو في مقام التشريع بمعنى عدم انشاء خطاب.

__________________

(١) لا يخفى ان حقيقة الحجب إنما يتحقق فيما لو كان الحكم ثابتا إما بالوحي أو الالهام الى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم او الوصي عليه‌السلام ومع عدم ثبوته فلا معنى للحجب كما ان نسبة الحجب الى العلم مرجعه الى حجب المعلوم إذ لا معنى لنسبة الحجب الى العلم إذا عرفت ان الحجب يستدعي ثبوت التكليف واقعا بالوحي أو الالهام فاعلم ان حجبه تعالى يتصور على نحوين فتارة يكون بعدم امر حججه عليهم‌السلام بتبليغه الى العباد واخرى يكون باختفائه بعد التبليغ من الحجج اما باخفاء الظالمين او بغير ذلك فان كان على النحو الاول فنسبة الحجب اليه تعالى ظاهر لعدم امر الحجج بالتبليغ فيكون الحجب من قبله وان كان على النحو الثاني فغير ظاهر نسبة الحجب اليه بل الحجب إنما هو من قبل الظالمين فانهم صاروا سببا للاخفاء.

ودعوى ان حصول الاشياء لا بد له من سبب والسبب يكون من سبب الى ان ترجع الى مسبب الاسباب فتنتهي السلسلة اليه جل وعلا في غير محلها إذ الاشياء لما كانت محدودة تنشأ من سبب محدود مع قطع النظر عن طبيعة الوجود ـ

ولو كان بايجاب الاحتياط في ظرف الجهل من باب الامتنان منه تعالى ولا يشمل رفع الحكم الواقعي لظهور ان حجب علمه كان بنحو العلية للوضع فهو متأخر عن الحكم الواقعي فكيف يكون رافعا له إلا ان هذا الحديث بهذا التقريب يختص بما يكون الحجب عن الحكم الواقعي واقعا ولا يشمل غيره إلا بعدم القول بالفصل إلّا ان يقال بان الحجب في الحديث إنما هو في مقام التكوين بمعنى انه بسبب الامور الخارجية فحينئذ لا يختص بما ذكر كما ان الوضع

__________________

المطلق فانه ينسب الى الموجود المطلق فان الفاعل الذي منه الوجود منحصر في واجب الوجود دون الفاعل الذي به الوجود فانه غير منحصر في شيء ولكن الفعل المحدود يلحظ باعتبار ترتب الاثر فتارة يكون الاثر بقصر ربوبي فلذا ينسب الى ما منه الوجود كقوله تعالى مخاطبا نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى) واخرى يلاحظ فيه جهة الخلوص ويقع قريبا فينسب له تعالى كقوله تعالى : (وَيَأْخُذُ الصَّدَقاتِ) وقوله تعالى : (ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ) وربما يلاحظ جهة الماهية والدنو فلذا ينسب الى نفس الشخص كقوله تعالى : (ما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ) كما انه ربما يلاحظ طبيعة الوجود فينسب الى ما منه الوجود كقوله تعالى : (قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللهِ) فالمسبب الصادر من الاسباب الطبيعية ان كان بلحاظ الاطلاق فينسب اليه تعالى إذ هو المحيي والمميت والضار والنافع بخلاف ما لو صدر من اشخاص يغلب جهة الماهية فانه لا ينسب اليه تعالى بل ينفى عنه وما اختفى بسبب الظالمين لا ينسب اليه تعالى ، وإنما هو منسوب اليهم كنسبة الكتمان الى العباد في قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ) ولم ينسب اليه تعالى ، وبهذا يجاب عن شبهة الجبر بان يقال ما نسب الى الله تعالى بلحاظ ما منه الوجود وما نسب الى العبد بلحاظ ما به الوجود.

لا يكون متعلقا بالحكم الواقعي لما عرفت من علية حجب العلم للوضع الموجب لتأخر الموضوع عن الحكم الواقعي رتبة ولا ينافي كونه باقيا على فعليته لو كان متحققا بمعنى انه قد علمتم انشاؤه من قبل الشارع المقدس كما هو مقتضى تمامية التبليغ في حجة الوداع وعليه تكون الرواية شاملة للاحكام المبينة من قبل الشارع إلا انها خفيت بسبب الامور الخارجية التي هي مورد النزاع بين الاصولي والاخباري فيكون ذلك دليلا على عدم ايجاب الاحتياط بالنسبة الى الاحكام المجهولة.

ودعوى ان الحديث ناظر الى الاحكام غير المبينة الخارجة عن محل النزاع

__________________

وبالجملة ان الحكم الذي امر حججه بتبليغه للعباد قد عرفه لهم وبينه لهم ولم يحجبه عنهم وانما حجبه اخفاء الظالمين له ، اللهم إلا ان يقال انه كما يحصل بذلك يحصل بغيره لفقد النص او تعارض النصين او انه لا مورد للسؤال لعدم وجود موضوع مثلا لكي يسأل عنه ، ولكن يمكن دعوى ارجاع كل ذلك لاخفاء الظالمين لكون المراد باخفاء الظالمين عدم الاعتراف بالامامة فسد هذا الباب اوجب ان لا تصل الينا الاحكام ، وكيف كان ان نسبة الحجب اليه تعالى يوجب خروج الحديث عما نحن فيه ومنحصر فيما لم يبين من الاحكام من غير فرق بين ان يكون لاجل التوسعة على الامة مع ثبوت المقتضي لبيانه او لاجل مانع من البيان ولو كان من قبيل المكلفين لاستلزام هلاك اكثر الناس فبمقتضى المصلحة اخفاء تلك الاحكام فيكون من قبيل اسكتوا عما سكت الله عنه ، وعليه يكون الحديث الشريف اجنبيا عما نحن فيه الذي لم يحجب من قبله تعالى ، وقد امر حججه بالتبليغ إلا انه قد اخفى الظالمون ذلك او تحصل موانع أخر لا دخل للمقام فيه فلا تغفل.

ويكون مساوقا لما ورد (وسكت عن اشياء لم يسكت عنها نسيانا فلا تتكلفوها) فيكون الحديث اجنبيا عن المقام كما ينسب ذلك الى الشيخ الانصاري (قده) في غير محلها لما عرفت ان ظاهر الحديث هو في الاحكام التي هي في مقام التشريع ولا يشمل الاحكام الواقعية وانما هي باقية على فعليتها فهو كحديث الرفع من هذه الجهة بل ربما يقال بان الاستدلال بحديث الحجب على المدعى اولى من حديث الرفع لعدم وجود الحديث في سياق يقتضي الاختصاص بالشبهة الموضوعية كما هو متحقق في حديث الرفع ، فدعوى اختصاص حديث الحجب في الشبهة الحكمية غير مجازفة كما هو ظاهر حجب العلم الموجب للوضع المناسب لحجب الحكم فيختص ذلك بالشبهة الحكمية.

نعم يمكن تقريب التعميم بنحو يكون الحديث شاملا للشبهة الحكمية والموضوعية بامرين :

الاول ـ ان أخذ صفة الحجب فيه على نحو التقييد مثل أخذ صفة المشكوك في قاعدة كل شيء لك حلال حتى تعلم انه حرام فان الشيء بعنوانه الاولى لم يؤخذ وانما اخذ بعنوانه الثانوي وهو كونه مشكوكا فكذلك فيما نحن فيه فان صفة الحجب قد أخذ بنحو التقييد فيكون الوضع مستندا الى الشيء بوصف كونه محجوبا والحجب في الحكم محجوبيته بنفسه وبلحاظ الموضوع بلحاظ اثره وعلى الاول تكون نسبة الحجب الى الحكم نسبة حقيقية ، وعلى الثاني تكون النسبة مجازية ولا جامع بينهما إلّا بنحو النسبة المجازية بمعنى ان نسبة الوضع الى ما حجب الذي هو اعم من الموضوع والحكم مجازيا وليس في البين ما يمكن وضعه الا ايجاب الاحتياط لما عرفت من الحكم الذي يترتب على الشيء الواقع المجهول انما هو متأخر عنه رتبة وليس هناك ما يصلح للوضع الا ايجاب الاحتياط لفرض انه

حكم متأخر فحينئذ يكون معنى الحديث وضع التكليف للزوم رعاية الاحتياط كما حجب مطلقا من غير فرق بين ما كان المحجوب حكما او موضوعا فبذلك يكون الحديث شاملا للشبهتين الحكمية والموضوعية.

الامر الثاني ـ ان الوضع يستند الى الحكم الجزئي المتحقق في الواقعة الخاصة او في المورد الخاص كما يستند الى الحكم الكلي فيكون ما حجب عنوانا مشيرا الى الحكم الكلي والحكم الجزئي ولازمه شموله للشبهة الحكمية والموضوعية وبهذا الاعتبار يكون الاسناد الى الحكم مطلقا اسنادا حقيقيا ، ولا يخفى ان هذا الذي ذكرناه من التعميم لا يرد عليه سوى ما ذكره الاستاذ (قده) في الكفاية وفاقا للشيخ الانصاري (قده) بما حاصله ان الرواية ناظرة الى ما لا ينكرها الأخباري فان الأحكام تارة تصل الى المرتبة الفعلية بنحو يكون السفراء يؤمرون بتبليغها واخرى لم تكن كذلك بل هي باقية في عالمها الانشائي ولم تبرز الى عالم الخطاب ومحل النزاع بين الاصولي والاخباري في الصورة الأولى والحديث ناظر الى الصورة الثانية فلا يصح الاستدلال بالحديث على البراءة لمورد النزاع ولكن لا يخفى اولا ما عرفت منا سابقا بان حجب العلم لا يرفع الحكم الواقعي بل يرفع الحكم الذي هو في المرتبة المتأخرة عن الحكم الواقعي كما هو ظاهر علية الحجب لوضع الحكم. وثانيا ان كل ما شك في الحرمة يمكن ارجاعه الى الصورة الثانية ولو بمعونة الاستصحاب ، وهو عدم وصول الحكم الى المرتبة الفعلية الذي هو استصحاب العدم الازلي وهو مبنى البراءة المتسالم عليها وهذا المقدار كاف لمدعى البراءة في الشبهات التحريمية.

لا يقال كيف يجري الاستصحاب في مثل المقام مع انه قد حصل التبليغ كما هو مقتضى حجة الوداع لانا نقول ان التبليغ في حجة الوداع يمكن ان يكون المراد منها الاحكام التي يراد فعلها او تركها ومن الجائز ان يكون المشكوك خاليا من الحكم ولو ظاهرا ولكن بالاستصحاب يجعل له حكم ، على انه لو قلنا بان

كل واقعة لا بد لها من حكم ولو كان هو الاباحة فنقول ان العلم الاجمالي بوجود تكليف في كل واقعة ، الحاصل من خطبة حجة الوداع إلا ان هذا العلم الاجمالى لا يمنع من جريان الاستصحاب لعدم تنجزه من جهة كون احد اطرافه لا اثر له ومتى كان كذلك يسقط العلم عن المنجزية فيجري الاستصحاب بلا معارض.

والتحقيق ان يقال : ان الحجب تارة يراد منه المنع واخرى يراد منه الستر وعلي الاول يكون التجوز في الكلمة ، وعلى الثاني يكون التجوز في الاسناد ولم يكن تجوزا في الكلمة وعليه قد استعمل الحجب في معناه الحقيقي وهو الستر وإنما التجوز في اسناد الحجب الى العلم لان الستر حقيقة إنما يكون عن امر مفروغ الوجود ثم ستر ، والعلم غير قابل للستر بعد وجوده إذ العلم إذا وجد برز ولا يكون محجوبا فنسبة الحجب اليه لا بد وان تكون بنحو التجوز.

وبالجملة ان اسناد الحجب اما ان يكون المراد من حجب العلم منع مقتضيه فيكون من قبيل التجوز في الكلمة حيث استعمل الحجب بمعنى المنع ، واما ان يراد به ابداء المانع بعد وجود المقتضي فيكون من قبيل التجوز في الاسناد أى في اسناد الحجب الى العلم.

اذا عرفت ذلك فاعلم ان الحديث على الأول يخرج عن الاستدلال به على البراءة لانه يكون متعرضا للاحكام غير البالغة الى حد الفعلية وليست تلك الاحكام موردا للنزاع بين الاخباريين والاصوليين إذ من المسلم عند الجميع عدم وجوب التعرض لها ، وعلى الثاني يتم الاستدلال به للبراءة والظاهر حمل الحديث على الوجه الثاني بل قد عرفت منا سابقا انه المتعين ان الحجب لا يمنع فعلية تلك الاحكام لفرض كونه متأخرا عنها على انه لو سلمنا حمله على الوجه الاول فنقول : ان المنع كما يكون مقتضاه المنع عن الفعلية فيخرج الحديث عن مقام الاستدلال للبراءة كذلك يصلح ان يكون مقتضاه المنع عن لزوم رعاية التكليف بعد كونه فعليا كما

يظهر من بعض الروايات ان بعض الاحكام محجوبة الى ان يظهر الحجة المنتظر عجل الله فرجه.

وبالجملة الحجب يجتمع مع كون الاحكام فعلية فتجري البراءة لعدم المنافاة بينهما ولو سلمنا ذلك كله فنقول لا اشكال في صدق الحجب فيما إذا كان المورد اجمال النص فاذا جرى الحديث في ذلك المورد فيجري في غيره بعدم القول بالفصل فلا تغفل.

ومنها قوله عليه‌السلام : (الناس في سعة ما لا يعلمون) (١) فقد استدل بهذه الرواية على جريان البراءة في الشبهات الحكمية وحاصله ان الناس في سعة مدة عدم علمهم فما داموا غير عالمين بالواقع هم في سعة من غير فرق بين كون ما مصدرية او ظرفية إذ القضية على هذا التقدير تكون بمنزلة السالبة المنحلة الى السوالب متعددة فتكون عبارة عن ان كل حكم لم يعلم به يكون الانسان في سعة منه فعليه يكون حجة للاصولي في جريان البراءة في مورد النزاع ، اللهم إلا ان يقال بان المراد بالسلب عدم علمهم بشيء مما يرجع الى الوظيفة الواقعية فيكون مفاده حينئذ مفاد حكم

__________________

(١) لا يخفى ان (ما) يحتمل ان يراد منها مصدرية زمانية بمعنى هم في سعة ما داموا لم يعلموا وعليه يرجع الى قاعدة قبح العقاب بلا بيان ويحتمل ان يكون ما موصولة قد اضيفت الى لفظ السعة فتكون السعة مضافا اليه وقد رجح المحقق النائيني (قدس‌سره) الاحتمال الاول فعليه يكون الحديث مفاد قاعدة قبح العقاب من دون بيان المتسالم عليه عند الفريقين فلا يصح الاستدلال بهذه الرواية على البراءة الشرعية على انه يمكن دعوى حكومة ادلة الاحتياط على مثل هذه الادلة التي مفادها قاعدة قبح العقاب من دون بيان لصيرورة تلك الادلة الدالة على ايجاب الاحتياط بيانا ولكن لا يخفى ان هذا الاحتمال خلاف الظاهر خصوصا بعد ملاحظة استقرار موارد الاستعمالات من ان ما الزمانية لا تدخل

العقل بقبح العقاب من دون بيان ، وقد عرفت انه لا نزاع فيه بل هو محل التسالم بين الفريقين ولكن الانصاف انه يبعد الالتزام به لكون الرواية في مقام الامتنان وورودها في هذا المقام يعين الاحتمال الاول ولاجل ذلك تمسك به الاصوليون وعليه فتقع المعارضة بين ادلة الاصوليين وادلة الاخباريين.

ودعوى ورود ادلة الاخباريين على ادلة الاصوليين بتقريب ان المستفاد من ادلتهم الوجوب النفسي ضعيفة جدا لعدم مساعدة ادلتهم على ذلك فان الناظر في ادلتهم كرواية التثليث وقوله هلك من حيث لا يعلم يجد انهم يدعون ثبوت العقوبة على مخالفة التكليف المجهول لا العقوبة على وجوب الاحتياط

__________________

على الفعل المضارع وإنما تدخل على الفعل الماضي ويؤيد ذلك ان المحقق القمي (قده) ذكر الحديث بنحو آخر لا يصح لجعل ما زمانية (الناس في سعة مما لم يعلموا) فان ما فيما ذكره لا يكون إلا موصولة فظهر مما ذكرنا ان الاحتمال الثاني هو الاقرب فيكون المعنى الناس في سعة في الحكم المجهول وعليه مفاده مفاد حديث الرفع من التوسعة عند الجهل بالواقع فتقع المعارضة بين هذه الرواية وبين ادلة الاحتياط الدالة على تحقق الضيق بايجاب الاحتياط ودعوى ان وجوب الاحتياط نفسي فيكون مقدما على البراءة في غير محلها على ما سيأتي ان المستفاد من اخباره أن ايجابه طريقي والانصاف ان الاستدلال بمثل هذا الحديث الذي لم ينقل إلا عن العامة ، والموجود في بعض كتب الخاصة كالوسائل هي رواية السكوني الواردة في السفرة المطروحة في الطريق كثير لحمها وخبزها وجبنها وبيضها وفيها سكين فقيل له يا امير المؤمنين لا يدرى سفرة مسلم او مجوسي فقال عليه‌السلام : (هم في سعة حتى يعلموا) فان موردها الشبهة الموضوعية ويمكن دعوى اختصاصها بها فلا تغفل.

وحينئذ لا تكون واردة او حاكمة على دليل الاصولي إلا ان يقال بان المراد من عدم العلم بمطلق الوظيفة الفعلية ، وقد عرفت ان ظاهر الدليل ان المراد منه العلم هو العلم بالواقع وحينئذ يكون حجة للاصولي في قبال الاخباري ودعوى انها في مقام الارشاد لنفي الحرج من قبل العقل فيكون مفادها مفاد حكم العقل بقبح العقاب من دون بيان المتسالم عليه عند الطرفين فعليه لا تكون حجة للاصولي في قبال الاخباري فانها وان كانت غير بعيدة إلا انها تنافي كونها في مقام الامتنان كما لا يخفى.

ومنها رواية عبد الاعلى عن الصادق عليه‌السلام قال سألته عمن لم يعرف شيئا هل عليه شيء؟ قال عليه‌السلام : (لا) بتقريب ان يراد من الشيء في قوله عليه شيء عبارة عن الكلفة او العقوبة وتكون الرواية في مقام نفي العقوبة. ولو بنفي منشئه من ايجاب الاحتياط فحينئذ يعارض ادلة الاخباريين.

ولكن لا يخفى ان هذا يتم بناء على ان يراد من الشيء الاول مطلق ما لا يعرفه من الاحكام فينطبق على فرد خارجي معين لكى لا يفيد العموم من المنفي. وعليه يكون المعنى هل عليه شيء في خصوص ذلك المجهول. واما لو اريد من الشيء هو جميع الاحكام فيختص بالجاهل القاصر الغافل عن الاحكام كاهل البوادي فيخرج عن محل النزاع. إلا انه من المستبعد ارادة ذلك غايته اختصاصه بعدم معرفة الأحكام باجمعها مع التفاتة اليها وذلك يكفي لرد الاخباري بضم عدم القول بالفصل بناء على ما عرفت من ان المراد من (لا) نفي الشيء بنحو التشريع ولو كان بمنشئه من ايجاب الاحتياط فتقع المعارضة بين الاستدلال بهذه الرواية وبين ادلة الاخباريين إلا ان يستفاد من ادلتهم الوجوب النفسي فتكون واردة على تلك الادلة ولكنك قد عرفت ان استفادة ذلك بعيد غاية البعد ، والانصاف ان ارادة العموم من النفي هو مقتضى وقوع النكرة في سياق النفي وعليه لا يختص

بمن جهل جميع الاحكام بل يعم المقام فلذا لا مانع من الاستدلال بهذه الرواية على جريان البراءة في الشبهة الحكمية كما لا يخفى.

ومنها قوله عليه‌السلام : (أيما امرئ ركب امرا بجهالة فلا شيء عليه) وتقريب الاستدلال بهذه الرواية هو نفي البأس والعقوبة مع عدم العلم بحرمة الشيء ولا يخفى ان ذلك مبني على ان المراد من الجهالة هو الاعم من التردد كما سيأتى ان شاء الله من صحة الاطلاق في رواية عبد الرحمن ومنه يظهر انه لا مورد للاعتراض بان المراد من الجهالة هو الجهل المركب إذ ذلك مناف للاطلاق اللهم إلا ان يقال بان التمسك بالاطلاق يستحسن لو كان مشتركا معنويا ، وليس كذلك لكونه من المشترك اللفظي وقد يستشكل على التمسك بالاطلاق بناء على ان المراد من الجهالة الاعم من الوظيفة الظاهرية والواقعية فيكون مفادها مفاد قاعدة قبح العقاب من دون بيان الذي هو متسالم عند الفريقين على انه على هذا التقدير تكون ادلة الاخباريين واردة على ادلة الاصوليين ولكن لا يخفى ان ارادة ذلك محل اشكال ، ودعوى كون الباء في قوله (بجهالة) ظاهرة في السببية وذلك يقتضي الاختصاص بالغافل والجاهل المركب ممنوعة إذ ظهور الباء في السببية لا يقتضى الاختصاص بالجاهل المركب بل يشمل حتى الجاهل البسيط غاية الامر انه في الجهل البسيط السببية إنما هو بتوسط حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان وذلك لا يوجب الفرق في ناحية الاستدلال كما لا يخفى.

ومنها قوله عليه‌السلام : ان الله يحتج على العباد بما آتاهم وعرفهم بتقريب ان ما لم يأتهم ولم يعرفهم لا عقوبة عليه ولكن لا يخفى ان هذا مبني على ان المراد من عدم العلم بالواقعيات فحينئذ تقع المعارضة بين هذه الرواية وادلة الاخباريين. نعم لو قلنا بان تحصيل العلم واجب نفسي تكون ادلة الاخباريين واردة على هذه الرواية كما انه لو اريد مما اتاهم هو مطلق الوظيفة الواقعية والظاهرية فتكون ادلة

الاخباريين مقدمة على ادلة الاصوليين بنحو الورود بل حتى لو قربنا الدليل بنحو نفي العقوبة على الاحكام غير الواصلة إلى المكلف ولو كانت لاجل اخفاء بعض الظلمة تكون ادلة الاخباريين واردة على ادلة الاصوليين إذ يصح للمولى الاحتجاج والمؤاخذة على الواقع من اجل جعل الاحتياط. والانصاف ان الظاهر من معرفة الاحكام بعناوينها الاولية الذي قربا الاستدلال بهذه الرواية فحينئذ تقع المعارضة بين هذه الرواية وأدلة الاخباريين ، ولم تكن ادلتهم واردة عليها كما لا يخفى.

ومنها قوله عليه‌السلام : (كل شيء مطلق حتى يرد فيه نهي) بتقريب ان ما لم يعلم النهي عن الشيء يكون المكلف في سعة ومطلق فيه أي مرخص ولا يجب الاحتياط فيه فتكون الرواية ظاهرة في رد الاخباري القائل بايجاب الاحتياط وقد ادعى شيخنا الانصاري بان هذه الرواية اظهر ما في الباب من الادلة علي جريان البراءة في الشبهة الحكمية ، ولكن لا يخفى ان ذلك يتم بناء على ان المراد من الورود هو الوصول ، ومن النهي هو ما تعلق بالشيء بعنوانه الواقعي فيكون مفاد الرواية انه عند الشك في وصول النهي لا يجب رعاية الواقع. واما بناء على ان المراد من متعلق النهي هو مطلق الشيء ولو بالعنوان الثانوي أي ولو كان مجهول الحكم فلا يتم الاستدلال بذلك لعدم مقاومتها لادلة الاخباريين لورود تلك الادلة على هذه الرواية كما انه لا يتم الاستدلال بهذه الرواية بناء على ان المراد من الورود هو الصدور لخروج ذلك عن محل البحث والنزاع لكونه مسلما عند الفريقين إذ لا كلام في عدم ترتب العقوبة ولا يجب الاحتياط ما لم يكن متعلقا للنهي واقعا ولعل من استدل بهذه الرواية علي اصالة الاباحة في الاشياء قد نظر الى ذلك والانصاف ان احتمال ان يراد من المتعلق هو مطلق ولو كان

بالعنوان الثانوي في غاية البعد إلا ان ارادة الورود بمعنى الصدور (١) لا بعد

__________________

(١) وقواه المحقق الخراساني فعليه يخرج عن محل النزاع إذ هو مسلم عند الفريقين إلا انه بضميمة اصالة عدم ورود الحكم وجعله يمكن التمسك بها للبراءة ولكنه غير نافع إذ التقييد بالغاية لا يكون إلا تعبدا بالمعنى مع انه اجنبي عما نحن فيه مضافا الى انه اخص من المدعى لعدم شموله لورود النهي في زمان والاباحة في زمان آخر وشك في المتقدم منهما.

ودعوى عدم القول بالفصل إنما يجدي فيما إذا كانا متلازمين لا مطلقا على ان استعمال الورود بمعنى الصدور غير شائع وانما المراد به هو الوصول فيكون الاطلاق بمعنى الاباحة الشرعية فيتم الاستدلال بالرواية على ان كل ما شك في حرمته فهو مطلق شرعا ومحكوم بالاباحة حتى يرد فيه النهي وعليه تقدم على ادلة الاحتياط لكونها اخص من تلك الأدلة خلافا للاستاذ المحقق النّائينيّ (قده) حيث قال بانه لا دلالة لهذه الرواية على البراءة لكون مفادها اللاحرجية الأصلية قبل الشرع بمعنى ان الاشياء بعناوينها الأولية مرسلة حتى يرد من الشارع نهى فتكون الرواية اجنبية عن المقام الذي هو عبارة عما لو شك في اباحة شيء بعد ثبوت الشرع ، ولكن لا يخفى ان استفادة ذلك خلاف ظاهر الرواية فان ظاهرها يدل على كون الحكم المستفاد حكما شرعيا مولويا لا حكما عقليا او حكما شرعيا ارشاديا وبهذا الظهور استدل شيخنا الانصاري (قده) وادعى انها اظهر الروايات وبما انها تختص بالشبهة الحكمية فلذا تقدم على ادلة الاخباريين.

بيان ذلك ان الورود بمعنى الوصول وليس بمعنى الصدور لكثرة استعماله فيه وندرة استعماله في الصدور بل لو صح استعماله في الصدور ففي هذه الرواية لم يستعمل إلا في الوصول لاقترانه بالاطلاق الذي قد عرفت انه حكم مولوي

فيه فعليه لا بد من الاستدلال بهذه الرواية من سد هذا الاحتمال إذ عليه تكون هذه الرواية اجنبية عن المقام إذ الصدور لا يلازم الاعلام وحينئذ يكون مفادها التنبيه على منع الملازمة بين حكم العقل وبين حكم الشرع ودعوى ان حمل الرواية على الاحتمال الثاني فتكون متعرضة لما هو اوضح الواضحات وهو اباحة الاشياء قبل صدور النهي فيه ممنوعة فان الرواية حينئذ لم تكن متعرضة لذلك الاحتمال

__________________

شرعي فيكون المراد منه اما الاباحة الواقعية او الظاهرية من غير فرق بين كون القضية خبرية او انشائية ، اما على الاول فلا سبيل له إذ يلزم ان يكون أحد الضدين رافعا للضد الآخر ولا معنى لان يقال بان كل شيء مطلق واقعا حتى يصدر فيه نهى فهو نظير ما يقال ان كل شيء ساكن الى أن يتحرك ، واما على الثاني فيستلزم التصويب المجمع على بطلانه وحيث بطل احتمال ارادة الاباحة الواقعية تعين ان يراد من (المطلق) في الرواية الاباحة الظاهرية ومع ارادته كذلك يلزم ان يراد من الورود هو الوصول إذ لا ترتفع الاباحة الظاهرية بصدور الحرمة الواقعية ما لم تصل فيكون وصولها رافعا للاباحة الظاهرية فعليه يكون مفاد الرواية ان كل شيء مطلق ظاهرا حتى يرد فيه نهى وعليه يكون الموضوع في هذه القضية هو الشيء بما انه مشكوك الحكم من غير فرق بين كون الشك لأجل الاشتباه في الموضوع او الاشتباه في الحكم فدلالتها على البراءة مطلقة اي الشبهة الموضوعية أو الحكمية فتكون دلالة ظاهرة من غير حاجة الى التمسك باصالة صدور النهي كما ذكره المحقق الخراساني (قده) على انه لو جرى هذا لاصل يكون حاكما على ادلة البراءة إلا انه لا يكون من الاستدلال بالخبر وانما هو دليل مستقل على ان جريانه لاثبات الحلية واقعية كانت او ظاهرية يكون من الاصول المثبتة التي لا نقول بحجيتها فلا تغفل.

فقط بل هي متعرضة لمنع الملازمة بين حكم العقل وبين حكم الشرع مثلا لو ادرك العقل مفسدة في شيء لم يصدر النهي من الشارع بتركه فبمقتضى هذه الرواية تدل على عدم الملازمة بين حكم الشارع وحكم العقل إذ المفاسد والمصالح إنما هي مقتضيات للاحكام لا علل لها فمن الجائز أن في الشيء مقتض للتأثير ولكن فيه ما يمنع تأثير المقتضى وكيف كان فمبنى الاستدلال هو كون الرواية ناظرة للاحتمال الاول لا للاحتمال الثاني وعليه يكون مفاد الرواية هو بيان الوظيفة الظاهرية في مرحلة الشك في الواقع ولا يقدح أخذ الغاية غاية ظاهرية لكي تكون الغاية كالمغيا اللهم إلا أن يقال بانه يمكن تمامية الاستدلال على تقدير ارادة الصدور من لفظ (يرد) في الرواية. بيان ذلك ان الدلالة تارة تكون قطعية واخرى ظنية فعلى الاول تكون الرواية خارجة عما نحن فيه وعلى الثاني يكون التعبد بما تقتضيه الدلالة الظنية وظيفة ظاهرية فيراد من الاطلاق في المغيا هو الحكم بالاباحة في المرتبة المتأخرة رتبة عن مرحلة الواقع وبعدم القول بالفصل بين مراتب الحكم تصل النوبة الى مرتبة الادنى من تلك المراتب وهي مرتبة الشك بمثل هذا الحكم بالاباحة فيحكم بالاطلاق والحكم بالاباحة ايضا وعليه يتم المطلوب مع حمل الورود بمعنى الصدور لا الوصول وان كان حمل ذلك خلاف الظاهر كما لا يخفى.

ومنها ـ صحيحة عبد الرحمن عن ابي ابراهيم عليه‌السلام فيمن تزوج امرأة في عدتها قال عليه‌السلام لا اما اذا كان بجهالة فليتزوجها بعد ما تنقضي عدتها وقد يعذر الناس في الجهالة بما هو اعظم من ذلك فقال باي الجهالتين يعذر بجهالته ان ذلك محرم عليه أم بجهالة انها في عدة فقال احدى الحالتين أهون من الاخرى الجهالة بان الله حرم ذلك عليه ، وذلك بانه لا يقدر على الاحتياط معها فقلت : وهو في الاخرى معذور ، قال : نعم إذا انقضت عدتها فهو معذور في ان يتزوجها

فقلت : فان كان احدهما متعمدا والآخر يجهل فقال : الذي تعمد لا يحل له ان يرجع الى صاحبه ابدا ، وتقريب الاستدلال يظهر من قوله : (وقد يعذر الناس في الجهالة بما هو أعظم من ذلك) فانه يدل على معذورية كل من الجاهل بالحكم والجاهل بالموضوع أي الجهل بالتحريم ، والجهل بموضوعه أي كونها في العدة وان المراد بما هو أعظم هي العقوبة لكونها اظهر الافراد ، والعقوبة بنحو تشمل الاخروية إذ لو اريد منها خصوص الدنيوية التي هي الحدود والتعزيرات لما صح الاستدلال بها فاذا صح تعميمها تم التمسك بهما للمقام لدلالتها على كون الجهل بالحكم أو الموضوع يرفع العقوبة الاخروية فلا يجب الاحتياط حينئذ في الشبهة التحريمية في قبال الاخباري الذي يدعى وجوب الاحتياط فيها وقد أورد الشيخ الانصاري بلزوم التفكيك بين الجهالتين وحاصله ان الجهالة ان اريد منها الغفلة فلا معنى لتخصيص الجاهل بالحكم بعدم القدرة على الاحتياط إذ ذلك يشمل الجهل بالعدة لعدم قدرته على الاحتياط اذا كان غافلا وان اريد منها هو الشك فالجاهل بالحكم كالجاهل بالعدة قادر على الاحتياط ، ولكن لا يخفى ان المراد من الجهالة مطلق الجهل الشامل للغفلة والشك إلا انه بالنسبة الى الجهل بالحكم يراد منه الغفلة لكون الغالب بالنسبة الى الحكم يكون غافلا ولذا يبعد ان يراد منه الشك إذا الشاك يكون ملتفتا فلذا لا يكون قادرا على الاحتياط بخلاف الجهل في العدة فان الغالب هو ان يكون ملتفتا الى عدم كونها في العدة عند ارادة التزويج فلذا الجهل بالعدة يلائم الشك وعليه يكون قادرا على الاحتياط ولا يلزم من ذلك التفكيك بين الجهالتين إذ الاختلاف بحسب المورد وإلا الجهالة بمعنى واحد وهو القدر المشترك بين الغفلة والشك هذا ولكن الاستدلال مبني على ان يراد من المعذورية من حيث الحكم التكليفي إلا ان الظاهر ان السياق يأبى حمله على ذلك فالسياق إنما يقتضى الحمل على الحكم الوضعي وهو عدم حرمتها

مؤيدا لا من حيث المؤاخذة ثم ان شيخنا الانصاري (قده) منع الاستدلال بهذه الرواية من جهة اخرى وحاصله ان الشك ان كان في انقضاء العدة مع العلم بمقدارها فهو من الشبهة في الموضوع وذلك خارج عما نحن فيه على انه يمكن جريان استصحاب عدم الجواز في الفرض المذكور وان كان الشك في مقدار العدة فهو شبهة حكمية قصر في السؤال عنها وليس معذور اتفاقا لاصالة بقاء العدة ولكن لا يخفى ان جريان استصحاب بقاء العدة في الفرض الثانى لا يكون إلا على القسم الثاني من استصحاب الكلي المردد بين ما هو مقطوع الارتفاع وبين ما هو مشكوك الحدوث إلا ان شرط جريانه ان يكون ذا أثر مع ان كلي العدة ليس له أثر نعم يمكن ان تستصحب الحرمة الثابتة سابقا ولكن لا مجرى له لوجود الدليل الحاكم بالمعذورية فلا يبقى مورد للاستصحاب فافهم وتأمل لكي لا يشتبه عليك الحال.

اصالة الحل

ومما استدل على البراءة بقوله عليه‌السلام : (كل شيء لك حلال حتى تعرف انه حرام بعينه) بتقريب ان ما شك في حليته فهو محكوم بالحل الى ان تعرف الحرام وذلك يدل على ان شرب التتن مثلا مما شك في حرمته فهو محكوم بالاباحة ولكن لا يخفى ان الاستدلال بذلك يتم لو قلنا بان المراد يكون حلالا او حراما أي ما كان بنحو الاتصاف والصلاحية بمعنى ان الشيء صالح للحلال وصالح للحرام فيكون مفاد الرواية ان كل شيء يصلح للامرين فهو محكوم بالحلية حتى

تعرف الحرمة فتكون الرواية مختصة بالشبهة الحكمية (١) اللهم إلا ان يقال

__________________

(١) وفاقا للاستاذ المحقق النّائينيّ (قده) حيث قال ان ظاهر لفظ الشيء في الرواية هو الموجود الخارجي لا المفهوم الكلي فعليه لا ينقسم الى الحلال والحرام وذلك يكون قرينة على ان المراد من التقسيم هو الترديد بمعنى ان الشيء اما أن يكون حراما أو حلالا فعليه ان الترديد لا يكون قرينة على الاختصاص بالشبهة الموضوعية ولكنه (قده) ذكر اخيرا ان ذلك خلاف الظاهر من كلمة بعينه فان الظاهر منها الاختصاص بالشبهات الموضوعية على ان الانقسام الفعلي وان كان متصورا في الشبهة الحكمية كاللحم مثلا فيه حلال وهو لحم الغنم وحرام وهو لحم الارنب ومشكوك فيه وهو لحم الحمار إلا ان الظاهر كون الانقسام له الدخل في الشك ، ومن الواضح ان الانقسام الفعلي المتصور ليس له الدخل قطعا وذلك لا تتصور إلا في الشبهة الموضوعية وبالجملة فكلمة فيه ظاهرة في اختصاص الحديث في الشبهات الموضوعية كما هو كذلك كلمة بعينه فان معرفة الشيء بعينه إنما يكون من الموضوعات الخارجية ولا معنى لان يكون غاية له حتى تعرف الحكم بعينه. نعم لو لم يكن في الرواية بعينه لامكن شمول الرواية للشبهة الحكمية والموضوعية وكيف كان فقد استدل لجريان اصالة الحل في المقام بثلاث روايات رواية مسعدة بن صدقة وكل شيء لك حلال حتى تعرف الحرام بعينه الخ فان صدرها يشمل كلتا الشبهتين إلا ان الشيخ الانصاري استشكل في شمولها للافراد والانواع والانصاف انه لا مانع من شمول الرواية لهما حيث انه يستفاد من حتى تعرف كونها صفة للشىء المجهول فبالنسبة الى المجتهد مصداقه النوع لتعلق شكه بنوع الشىء وبالنسبة الى المقلد يتعلق شكه بالفرد نعم ربما يستشكل من شمولها للشبهة الحكمية من جهة ذيل الرواية فانها مذيلة بما يختص بالشبهة

ان المستفاد من ضمير بعينه هو العهد الى الشيء الخارجي المعلوم على التفصيل وكون الرواية كذلك تختص بالشبهة الموضوعية بل لو قلنا باللام للجنس والضمير يعود الى الجنس فتكون الرواية محتملة الامرين بيان ذلك هو ان الحرمة التي اخذت غاية تارة معلومة المصداق مشكوكة الحرمة واخرى معلومة الحرمة مشكوكة المصداق والذي ينسبق الى الذهن هو الثاني الذي هو عبارة عن الشبهة الموضوعية دون الاول الذى هو الشبهة الحكمية على ان الظاهر كون الشيء في الرواية منقسما الى الحرمة والحلية بالفعل لا بنحو الصلاحية فعليه تختص بالشبهة في الموضوع ولا تشمل الشبهة في الحكم إلا بتقريب ان الانقسام الفعلي حاصل باعتبار كلي اللحم ففي لحم الغنم حلال ولحم الأرنب حرام فبالنسبة لكليه يكون منقسما اليهما بالفعل فيكون اشتباه في القسم الثالث كلحم الحمير مثلا ومنشأ ذلك وجود القسمين في كليه بالفعل فحينئذ يحكم بحلية القسم الثالث واتمام ذلك في بقية الفروض بعدم القول بالفصل فتأمل.

وقد يستدل على البراءة في الشبهات الحكمية برواية مسعدة بن صدقة عن ابي عبد الله عليه‌السلام قال : سمعته يقول كل شيء هو لك حلال حتى تعلم انه حرام بعينه فتدعه من قبل نفسك وذلك مثل الثوب يكون عليك قد اشتريته وهو سرقة والمملوك عندك لعله حر قد باع نفسه أو خدع فبيع او قهر فبيع أو امرأة تحتك وهي اختك او رضيعتك والاشياء كلها على هذا حتى يستبين لك أو تقوم به البينة وتقريب الاستدلال بذلك هو ما ذكرناه في سابقتها إلا ان الاستدلال

__________________

الموضوعية على ان لفظة بعينه تختص بها لظهور كون بعينه قد اتى بها للتأسيس لا للتأكيد لما هو معلوم ان الاصل في القيد ان يؤتى به للتأسيس فيما لو دار بين كونه للتأكيد أو للتأسيس ومما ذكرنا تعرف الحال في الخبرين الاخيرين فلا تغفل

بهذه الرواية ربما يمنع حيث انها مذيلة بامثلة كالثوب والعبد والامرأة مما يوجب اختصاصها بالشبهة الموضوعية فتخرج عما نحن فيه على ان جعل الحلية في مثل هذه الرواية المذيلة بمثل تلك الأمور محل نظر إذ كل واحد من تلك الامور فيها قاعدة تخصه كمثل اليد أو السوق او الاستصحاب فمع وجود مثل القاعدة يلغى جعل الحلية ولكن الانصاف انه يمكن الجواب عن الاخير بدعوى ان تلك الامور انما ذكرت بنحو المثال والتنظير وليس الغرض تطبيق جعل الحلية عليها كما ان الاشكال الاول يمكن منعه بدعوى ان الحكم بالاباحة في هذه الرواية لم تكن بنحو الانشاء وانما اعتبر بنحو الاخبار والحكاية عن الموارد المحكومة بالاباحة المنشئة بانشاءات مستقلة فحينئذ لا مانع من التمسك بمثل هذه الرواية على جريان البراءة في الشبهة الحكمية ومن ذلك يعلم ان مفاد الرواية لا يختص بالشبهة الموضوعية بسبب كونها مذيلة بالامثلة التي من قبيل الشبهة الموضوعية لما هو معلوم ان ذكرها من باب المثال وليس في مقام انحصار تطبيق الصدر على تلك الامثلة كما انه لا ينافي جريان الأصل الموضوعي في بعض تلك الامثلة إذ الرواية في مقام الحكاية عن انشاء مستقل. نعم ينافي ذلك لو كانت الرواية في مقام الجعل والانشاء فعليه لا ينافي كون بعض تلك الامثلة قد انشأ فيها قاعدة الحل مجرى للاصل الموضوعي وبسبب جريان الاصل الموضوعي ترتفع القاعدة لمزاحمة ما هو اقوى منها.

وبالجملة ان هذه الرواية لم تكن في مقام انشاء قاعدة الحل بل هي اخبار عن انشاءات مستقلة يكون بعضها مزاحما مع الأصل الموضوعي وبعضها غير مزاحم ففي صورة المزاحمة ترتفع القاعدة بخلاف صورة غير المزاحمة ولكن الانصاف حمل الرواية على الاخبار والحكاية محل نظر إذ ذلك مخالف للسياق فحملها على كونها في مقام الانشاء متعين وهذه الامثلة اتي بها للتنظير ولم يأت بها لبيان موارد تلك القاعدة لكي تكون القاعدة مذيلة بما ينافيها وبما ذكرنا

يمكن الجمع بين الاستشهاد بالرواية وبين حملها على الانشاء دون الحكاية كما لا يخفى هذا تمام الكلام في الاستدلال بالاخبار على جريان اصالة البراءة في الشبهة الحكمية.

الاجماع

وقد يستدل للبراءة بالاجماع فان اريد به ان الاجماع قام على البراءة في ظرف عدم البيان فهو مسلم لكنه خارج عن محل النزاع بين الاصوليين والاخباريين لما عرفت في أول المسألة ان النزاع في الصغرى ، وان اريد من الاجماع قيامه على العمل بالبراءة في صورة الجهل بالواقع اتجه الاستدلال بالاجماع ولكن انى لنا باثبات ذلك بل هو في غاية الوهن لان تحصيله غير معتبر من جهة احتمال ان يكون مدرك المجمعين هو حكم العقل بذلك فكيف بالاجماع المنقول وبالجملة الاجماع في مورد حكم العقل لا أثر له ولذا لا يستدل به على انه لو تم الاجماع فهو في نظر الاصوليين ليس إلا وقد خالفهم في ذلك الاخباريون ومع مخالفتهم كيف يكون مثل هذا الاجماع يكشف عن قول المعصوم الذي هو ملاك حجيته وعليه مع عدم كشفه لا يكون الاجماع بمعتبر وقد اوضحنا ذلك في الاجماع المنقول فراجع لكي يتضح لك الحال.

الاستدلال بدليل العقل على البراءة

وقد استدل على البراءة بدليل العقل وهي قاعدة قبح العقاب من دون بيان فان العقل حاكم على انتفاء العقوبة على ما اشتبه حكمه مع عدم بيان من الشارع (١) ولكن لا يخفى ان هذه القاعدة قد عرفت انها مسلمة عند الاصولي

__________________

(١) لا يخفى ان البيان بوجوده الواقعي ليس محركا وزاجرا وإنما يكون المحرك بوجوده العلمي بمعنى ان وظيفة المولوية تقتضي جعل الحكم وبيانه على نحو يتمكن العبد من الوصول اليه بالفحص فاذا لم يجعل أو جعل ولم يتمكن العبد من الوصول اليه فمقتضى ذلك عدم العقوبة عند مخالفته للواقع والحاكم بذلك هو العقل وهذا من القضايا المسلمة عند الاخباري والاصولي إلا انه يدعى حكومة قاعدة وجوب دفع الضرر المحتمل فان العقل يستقل بذلك فيقدم على حكم العقل بالقبح.

وقد اجاب الشيخ الانصاري (قده) بان وجوب الدفع ليس غيريا وانما وجوبه نفسي فالعقاب يكون على مخالفته لا على مخالفة الواقع وخالفه في ذلك المحقق الخراساني بان الوجوب ليس نفسيا وإنما هو طريقي إنما يأتي به لحفظ الواقع وقد رفع التنافي بان قاعدة القبح ترفع موضوع قاعدة وجوب الدفع ، ثم اورد عليه بانه يمكن ان ينعكس الأمر بان تكون قاعدة وجوب الدفع ترفع موضوع قاعدة القبح وقد دفع ذلك في التعليقة بان بيانية قاعدة وجوب الدفع مستلزم للدور بتقريب ان بيانيتها فرع تحقق موضوعها وتحقق موضوعها فرع عدم جريان قاعدة القبح الرافعة لموضوعها وعدم جريانها فرع بيانية قاعدة وجوب الدفع وذلك باطل لاستلزامه تقدم الشيء على نفسه.

والاخباري ، وإنما النزاع بينهما في الصغرى فان الاخباري يدعى بيانية ادلة الاحتياط من العلم الاجمالي ، والاصولي ينكر بيانية ذلك ومع الاغماض

__________________

ولكن لا يخفى انه يمكن جريان هذا المحذور من طرف قاعدة القبح بعد فرض صلاحية قاعدة وجوب الدفع للبيانية كما هو ظاهر عبارة الكفاية بتقريب ان جريان قاعدة القبح فرع موضوعها وهو عدم البيان وهو متوقف على عدم بيانية قاعدة دفع الضرر المحتمل وعدم بيانيتها موقوف على عدم موضوعها ، وعدم موضوعها موقوف على جريان قاعدة القبح الموقوف على عدم موضوعها ، وعدم موضوعها موقوف على جريان قاعدة القبح الموقوف على عدم بيانية قاعدة وجوب الدفع فعدم بيانيتها موقوف على عدم فكما ان بيانيتها متوقف على بيانيتها فكذلك عدم بيانيتها متوقف على عدم بيانيتها وقد أجاب المحقق النّائينيّ (قده) بعدم صلاحية قاعدة وجوب الدفع للبيانية إذ الوجوب فيها إرشادي محض لا يستتبع على مخالفته عقوبة فيما لو يصادف الواقع كما هو شأن جميع القواعد الظاهرية من غير فرق بين كونها محرزة كالامارات والاصول التنزيلية ام غيرها كالاحتياط فان العقاب على مخالفة الواقع.

فدعوى ان العقاب على مخالفة قاعدة وجوب الدفع وان لم يؤد الى مخالفة الواقع مما لا يستقيم هذا بناء على ان الضرر هو العقاب ، واما بناء على انه نفس المصالح والمفاسد فقد ادعى الشيخ الانصاري (قده) بان احتمالها لا يرتفع بقاعدة قبح العقاب من دون بيان ولكن لا يخفى ان المصالح والمفاسد ليست من افراد الضرر فان باب المصلحة والمفسدة غير باب الضرر الذي يستقل العقل بالتحرز عنه.

بيان ذلك هو ان التعارض إنما يتصور في الدليلين الظنيين لا بين الدليلين العقليين القطعيين إذ لا يعقل التعارض بينهما وإلا لزم ان يحكم العقل بثبوت المتناقضين ففيما نحن فيه مع الالتزام بالمعارضة بين قاعدة القبح وقاعدة وجوب

عما ذكر يصح الاستدلال للبراءة بقاعدة قبح العقاب من دون بيان ولا يرد على ذلك معارضتها لقاعدة وجوب دفع الضرر المحتمل «بل يدعى تقديمها على تلك

__________________

الدفع يلزم ان يحكم العقل باستحقاق العقاب وبعدمه وهو محال ، فلذا لا بد من تقديم احدى القاعدتين على الاخرى ومن الواضح ان قاعدة القبح تقدم على قاعدة وجوب الدفع لان الاولى واردة في ظرف عدم البيان والثانية غير صالحة للبيانية فان الضرر ان كان المراد به هو العقاب فلا يخلو الحال في وجوب دفعه فوجوب دفعه تارة يكون نفسيا واخرى طريقيا وثالثة ارشاديا ، اما كونه نفسيا فباطل إذ عليه يكون العقاب على مخالفته لا على مخالفة التكاليف الواقعية وهو محل منع إذ هذه القاعدة من القواعد الظاهرية التي لا تستتبع العقوبة على مخالفتها وإنما العقوبة على مخالفة التكاليف الواقعية المجهولة او على مخالفتها اذا أدى الى مخالفة الواقع كالامارات والاصول ، على انه لو قلنا بالعقوبة على مخالفة هذا الحكم العقلي يلزم القول بتعدد العقوبة فيما لو كان الاحتمال مصادفا للواقع مع انه لم يلتزم به أحد ، واما كون الوجوب طريقيا فلما عرفت من كونها بيانا يلزم منه الدور الذي هو واضح البطلان فلذا كان المتعين حمل الوجوب في القاعدة على الارشادي وهو لا يترتب على مخالفته شيء غير ما يترتب على مخالفة الواقع المحتمل ومع مجيء قاعدة قبح العقاب من دون بيان يرتفع ذاك الاحتمال ، ومن هنا نقول بورود قاعدة قبح العقاب من دون بيان على قاعدة وجوب دفع الضرر المحتمل فعليه هذه القاعدة الثانية تفيد بغير هذا المقام مما كان الواقع منجزا بمنجز كالعلم الاجمالى وغيره.

وبالجملة جعل قاعدة وجوب الضرر المحتمل بيانا مبني على كون الوجوب فيها طريقيا ، وقد عرفت ان ذلك مستلزم للمحال وهو الدور الواضح البطلان فيتعين كون الوجوب ارشاديا فحينئذ يختص جريان قاعدة وجوب الدفع بما اذا كان الواقع

القاعدة بدعوى ان هذه القاعدة تكون بيانا فيرتفع موضوع قاعدة قبح العقاب من دون بيان ، لان العقل الحاكم بدفع الضرر المحتمل إما أن يكون واردا مورد

__________________

منجزا بمنجز من علم وغيره فلا تتوارد القاعدتان على مورد واحد لكي تقع المعارضة بينهما هذا اذا اريد من الضرر الاخروي ، وان اريد الضرر الدنيوي بمعنى المصالح والمفاسد فيمكن دعوى انه بناء على الملازمة فيستكشف منه الحكم الشرعي فيكون حينئذ بيانا.

ولكن لا يخفى ان ذلك محل منع إذ استكشاف الحكم الشرعي من الحكم العقلي بقاعدة الملازمة فيما إذا لم يكن للحكم الشرعي على تقدير تحققه ارشاديا ومع كونه كذلك كباب الاطاعة لا يستكشف منه الحكم الشرعي المولوي لعدم قابليته للجعل.

وبالجملة استكشاف الحكم الشرعي فيما امكن ان يكون مولويا ، واما فيما لم يمكن كونه مولويا لا يستكشف منه الحكم الشرعي والمقام على تقدير تحققه يكون ارشاديا لرجوعه الى ناحية الاطاعة والامتثال الراجع الى سلسلة المعلولات على ان الملاكات لا يجب تحصيلها مضافا إلى ان الملاكات تارة تكون لها اهمية بنحو يجب التحرز حتى في صورة الاحتمال كمثل وجوب الاحتياط المجعول في الدماء والفروج فانه مجعول بجعل ثانوي مسمى بمتمم الخطاب حيث لا يمكن استيفاؤه بالخطاب الواحد واخرى لا يكون للملاك اهمية بحيث يجب رعايته في ظرف الشك ففي هذه الصورة يمكن جعل اصل كالبراءة قد تؤدي الى خلاف الواقع بخلاف الصورة الاولى فلا بد فيها من جعل قاعدة محرزة للواقع ومع الشك في ان الملاك من اي هاتين الصورتين فلا مانع من القول بجريان قبح العقاب من دون بيان.

انتفاء البيان ، أو يكون واردا في ظرف البيان بحيث يكون حكم العقل متأخرا عن البيان.

فعلى الاول تكون قاعدة قبح العقاب بلا بيان واردة على حكم العقل بوجوب دفع الضرر المحتمل إذ مع جريان تلك القاعدة لا يبقى مجال لاحتمال العقوبة حتى يحكم العقل بوجوب دفعها فيرتفع حينئذ موضوع القاعدة الثانية.

واما على الثاني فنقول البيان الذي حصل اولا ، ثم يحكم العقل بدفع

__________________

فعليه في هذه الصورة لا مانع من جعل أصل قد يؤدي الى مخالفة الواقع وبما ذكرنا يظهر وجه كلام الشيخ الانصاري (قده) حيث جعل المقام من الشبهة الموضوعية بمعنى انا نشك في ان الملاك من أي الصورتين وحينئذ يكون من الشبهة الموضوعية الذى لا اشكال في جريان البراءة فيها.

فتحصل من جميع ما ذكرنا ان وجوب دفع الضرر غير صالح للبيانية على جميع المباني إذ بناء علي مبنى الشيخ الانصاري (قده) من الوجوب النفسي فالعقاب عليه لا على التكاليف الواقعية فلا يكون بيانا منجزا لها وقد عرفت انه خلاف التحقيق كما انه بناء على كون الوجوب طريقيا كما هو مبنى المحقق الخراساني فهو وان صلح للبيانية إلا انه مستلزم للدور على انه غير مستلزم للعقاب إلا على القول بالملازمة بين الحكم العقلي والشرعي وقد عرفت في محله انها محل منع واما بناء على كون الوجوب حكما ارشاديا فلا يكون موجبا لاستحقاق العقاب وانما العمل على الواقع المجهول ، ومع جريان العقاب بلا بيان لا يبقى موضوع لهذه القاعدة هذا إذا كان المراد بالضرر هو العقاب ، واما إذا كان غيره فلا يجب دفعه اذا كان محتملا لبناء العقلاء على عدم وجوب دفعه سيما إذا كان متداركا فلا تغفل.

الضرر المحتمل فهذا الحكم العقلي ان كان مستفادا من نفس حكم العقل بوجوب دفع الضرر فغير معقول ، إذ كيف يتقدم ما يكون مستفادا من المتأخر وان كان مستفادا من غيره فمفقود وبعبارة اخرى ان البيان الذي ينشأ منه احتمال الضرر لا بد وان يكون في المرتبة السابقة على احتمال المضرة لفرض ان هذا الاحتمال نشأ منه فيكون احتمال المضرة متأخرا عن البيان تأخر المعلول عن علته ، فحينئذ يكون مجال لحكم العقل بوجوب دفع الضرر لوجود موضوعه الذي هو احتمال المضرة الناشئ من البيان ، وعليه لا يعقل ان تكون هذه القاعدة بيانا ، لفرض أنه متقدم عليها بمرتبتين ، فلو كانت بيانا لزم الدور الواضح ، واذا فرض ان هذه القاعدة ـ اعني وجوب دفع الضرر ـ غير صالحة للبيانية فتجري قاعدة قبح العقاب بلا بيان فمع جريانها ترفع احتمال المضرة فلذا تقدم عليها لكونها رافعة للقاعدة الثانية ، هذا كله لو اريد من الضرر هو الاخروي.

واما لو اريد منه الدنيوي فنقول : لا تلازم بين احتمال الوجوب او التحريم وبين احتمال المضرة أو المنفعة ، وثانيا نمنع مجرد فوت المصلحة او الوقوع في المفسدة ضررا لكي يحكم العقل بوجوب دفعه ، وثالثا ان حكم العقل بوجوب الدفع من الشارع يكون حكما ارشاديا لا مولويا مستتبعا للعقوبة أو المثوبة ، ورابعا ان حكم الشارع المستكشف من حكم العقل إنما يكون مولويا بناء على الملازمة ، وقد عرفت ان الحق عدمها ، وخامسا ان الضرر الذي يجب التحرز عنه هو الضرر غير المتدارك ، اما الضرر المتدارك فلا يجب التحرز عنه ، كما في المقام فان الادلة قائمة على كون الضرر متدارك فلا يجب التحرز عنه فافهم.

ثم انه قد استدل للبراءة بان التكليف بما لا طريق الى العلم به تكليف بما لا يطاق. وذكر الشيخ الانصاري (قده) في توجيه ذلك بان الظاهر من (بما لا يطاق) هو كونه في مقام الامتثال بان يكون اتيان الفعل بداعي امتثال

الأمر بنحو يكون هو المحرك للاتيان وذلك لا يتصور مع احتمال التكليف إذ ليس الغرض منه هو ايجاد الفعل ولو لم يقصد الاطاعة في مقام الامتثال.

بيان ذلك هو ان الغرض من الخطاب هو الاعلام والغرض من الاعلام هو التوصل الى حكم العقل بالامتثال والغرض منه هو وقوع الفعل في الخارج بداعي الامتثال لا بداع نفساني ضرورة ان الدواعي النفسانية لا تصلح ان تكون غرضا من التكليف إذ المأتي به بالداعي النفساني يكون حاصلا في الخارج مطلقا من غير فرق في ذلك بين التكليف أو غيره فينحصر الغرض من التكليف ان يوجد المكلف الفعل بنحو الامتثال ومعلوم ان وقوعه بذاك النحو يفتقر الى الاعلام فما لم يتحقق الاعلام بذلك التكليف الواقعي يمتنع تحقق التكليف الواقعي وإلا لزم تخلف الغرض من التكليف.

وبالجملة الغرض من التكليف هو البعث والتحريك وذلك لا يتحقق إلا مع العلم فحينئذ ينحصر التكليف بالعالم دون الجاهل ، ولكن لا يخفى ان ذلك مستلزم للتصويب مع انه ليس الغرض من التكليف إلا التحريك نحو الفعل واما ايجاده فشيء راجع الى نفس المكلف بالفتح وبعبارة اخرى انه ليس تحققه موجبا لان ينسد جميع ابواب العدم بل الذي يجب ان ينسد ابواب العدم الذي ينشأ منه انعدام التكليف. نعم ايجاده محتاج الى سد جميع ابواب العدم الذي بعضها ليس راجعا اليه على ان الغرض من التكليف الداعوية الشأنية بنحو تكون الفعلية إنما تتحقق مع كون القابلية للالتفات موجودة وذلك يلازم ان يعلم المكلف الامر ، وعليه لا مانع من تحقق هذه الفعلية في حق الجاهل وهذا المعنى هو المشترك بين الجاهل والعالم ولا يلزم من تحقق ذلك في الجاهل التكليف بما لا يطلق نعم يلزم لو قلنا بالفعلية المطلقة الموجبة للتنجز على المكلف واستحق المؤاخذة على

تركه ولا يحصل ذلك إلا بان يوصل التكليف الى المكلف ولو كان ذلك التكليف ايجاب الاحتياط.

وبالجملة فالجاهل مكلف بالتكليف الفعلي بالمعنى المذكور لا الفعلية المطلقة وليس الغرض من التكليف ذلك بل قد عرفت ان الغرض من التكليف هو المحركية الشأنية بنحو تكون فعلية إذا كان المكلف قابلا للانبعاث نحو الامر كما لا يخفى على ذي مسكة ودراية.

الاستدلال بالاستصحاب على البراءة

وقد استدل للبراءة بالاستصحاب ، وتقريبه انه قبل التكليف أي في حال الصغر يتيقن بالبراءة ففي حال البلوغ يشك في توجه التكليف بالنسبة الى الشبهة التحريمية فيستصحب براءة الذمة من التكليف ولكن لا يخفى ان الاستصحاب يتقوم بركنين يقين سابق وشك لا حق والمشكوك اللاحق لا يخلو الحال فيه اما ان يكون هو العقوبة او الاشتغال أو المنع او التحريم.

فان كان الاول فيمنع جريان استصحاب عدمها إذ مع الشك في تنجز التكليف نقطع بارتفاع العقوبة بقبح العقاب بلا بيان فمع تحقق هذا القطع لا يبقى مجال لاحتمال العقوبة لكي يجري الاستصحاب ويكون من قبيل ما هو محرز بالوجدان يحرز بالأصل. وان كان الثاني فائضا محل منع إذ مع عدم وصول التكليف نقطع بفراغ الذمة عن التكليف فلا يبقى مجال للشك بالاشتغال إذ الامر لا يخلو. اما ان يصل اليه التكليف فنقطع بتحقق اشتغال الذمة ومع عدم الوصول

نقطع بالعدم ففي أي مقام يشك في الاشتغال لكي يستصحب.

ودعوى ان التكليف كالدين فكما ان الدين تشتغل الذمة به حتى مع عدم العلم به ، كذلك التكليف تشتغل الذمة به لو كان متحققا مع عدم العلم به ممنوعة بالفرق بينهما في نظر العرف حيث يعتبرون الذمة وعاء للدين ولا يعتبرون ذلك في التكليف وان كان الاخير أيضا في محل منع إذ من مقومات الاستصحاب وجود الشك لكونه من الاصول العملية التي موضوعها الشك فهو حكم في ظرف الشك ولازم ذلك ان الاستصحاب متأخر عن الشك تأخر الحكم عن موضوعه ومن الواضح ان حكم العقل بقبح العقاب من دون بيان لا يبقى شكا لكي يجري الاستصحاب ففي حكم العقل بالقبح يرفع موضوع الاستصحاب.

نعم لو قلنا بان مدرك الاستصحاب هو الظن لا الاخبار او قلنا بحجية الأصل المثبت يكون موردا لجريان الاستصحاب وحينئذ له وجه لجريانه وتترتب عليه ثمرة عملية وهي انه على الاول يكون الظن بعدم المنع يستلزم الظن بالرخصة فينتج من ذلك انه علاوة على التأمين العقلى يثبت اللازم وهكذا على الثاني ولكن التحقيق على ما سيأتي ان شاء الله تعالى ان حجية الاستصحاب مستفادة من الاخبار وهكذا على ما سيأتي انا لا نقول بحجية الأصل المثبت فعلى المختار لا يمكن القول بجريان الاستصحاب بوجه من الوجوه وقد اجيب عن جريان الاستصحاب بان من شرط جريانه ان يكون المستصحب له أثر شرعي او يترتب عليه اثر شرعي والمقام ليس من ذاك القبيل إذ اليقين في حال الصغر لم يكن له أثر شرعي ولا يترتب عليه أثر شرعي ومع عدم ذلك لا يجري الاستصحاب (١)

__________________

(١) لا يخفى ان الاستصحاب ان كان اصالة عدم الجعل فلا أثر له ، وان كان عبارة عن عدم الحكم فربما قيل بانه لا يجري بتقريب انه يشترط في

ولكن لا يخفى انه يكفي في جريان الاستصحاب كونه في زمان الشك مما يترتب عليه أثر شرعي.

__________________

الاستصحاب اما ان يكون موضوعا لاثر شرعي أو بنفسه اثر شرعي وعدم الحكم المجعول ليس مجعولا ولا موضوعا لاثر شرعي مجعول ولكن يمكن دفع ذلك اولا بانه يكتفى في الاستصحاب ان يكون المستصحب قابلا للجعل لا أنه يكون مجعولا فعلا والحكم لما كان ثبوته قابلا للجعل فعدمه أيضا يكون قابل للجعل مضافا الى انه في ظرف الشك في الحكم يمكن جعل حكم تعبدي في تلك المرتبة وان كان المراد هو استصحاب عدم التكليف حال الصغر فهو ليس امرا شرعيا وإنما هو حكم عقلي فلا يكون قابلا للجعل على ان استصحاب الرخصة في حال الصغر لاثبات الرخصة الشرعية في حال الكبر في محل المنع حيث انه يكون من قبيل استصحاب فرد لا ثبات فرد آخر ويشترط في الاستصحاب أن تكون القضية المتيقنة عين المشكوكة نعم يمكن أن يقال بجريان استصحاب كلي الرخصة ولكن لا يخفى انه من قبيل القسم الثالث من استصحاب الكلي الذي نقول بعدم جريانه لعدم كون القضية المتيقنة عين المشكوكة مع انه لو قلنا من قبيل ما يجري فيه الاستصحاب كما لو كان من قبيل الاعراض بان يكون للمستصحب جهة اتصال عرفي كالتكلم ففي المقام لا يجري ايضا إذ لو جرى لزم ان يكون ما هو محرز بالوجدان محرز بالتعبد إذ الرخصة في حال الكبر تترتب على نفس الشك وبمجرد حصول الشك في الرخصة يحكم العقل بقبح المؤاخذة عليه من دون بيان وهو أمر وجداني فاحراز هذا الامر الوجداني باحرازه بالتعبد من الامور الباطلة ، ثم للشيخ الانصاري (قده) كلمات مضطربة إلا انه بعد التأمل في كلامه يعطي انه في بيان ان المستصحب أحد امور ثلاثة :

اما براءة الذمة او عدم المنع من الفعل او عدم استحقاق العقاب عليه ولا اثر

وبالجملة عمدة الاشكال هو ما ذكرنا من ان العقل حاكم بقبح العقاب من دون بيان ، فعليه لا حاجة الى جريان الاستصحاب ولو جرى يكون من قبيل ما هو محرز بالوجدان محرز بالتعبد.

__________________

للمستصحب سوى عدم ترتب العقاب على الفعل والترخيص في الفعل ولا يخفى ان ترتب العقاب ليس من الامور المجعولة والاذن في الترخص هو من الامور المقارنة التي لا تترتب على المستصحب ، نعم لو قلنا بان حجية الاستصحاب من باب الظن فيعد من الامارات او قلنا بحجية الاصل المثبت فلا مانع من جريان الاستصحاب إلا ان ذلك خلاف المختار على ما سيأتي ان شاء الله تعالى.

وكيف كان فقد قرب الشيخ (قده) الاستصحاب بتقريبين : الاول الاستصحاب العدمي وهو استصحاب عدم التكليف في حال الصغر وعدم استحقاق العقوبة على ارتكاب الفعل او الترك وقد أجاب عنه بوجهين : أحدهما انه يعتبر في الاستصحاب ان تكون القضية المتيقنة عين المشكوكة إذ مع عدمه يكون من قبيل اسراء حكم من موضوع الى موضوع آخر كما في المقام فان براءة الذمة المتحققة في حال الصغر بمناط رفع القلم عن الصبي حتى يحتلم وقطعا انه ارتفع باعتبار زوال موضوعه والمشكوك براءة ذمته في حال البلوغ وهو حكم آخر لموضوع آخر فلم تكن القضية المتيقنة عين القضية المشكوكة.

الوجه الثاني ان هذا الاستصحاب لو افاد القطع ببراءة الذمة لكان لجريانه مجال إلا انه من المعلوم انه لا يفيد ذلك بل يبقى احتمال العقوبة بحال فمع بقائه يكون موردا لقاعدة قبح العقاب من دون بيان فمع جريان القاعدة يكون جريان الاستصحاب لغوا إلا إذا قلنا بانه معتبر من باب الظن أو انه يثبت اللوازم والقول بذلك محل منع على ما سيأتي بيانه في مبحث الاستصحاب ولكن لا يخفى انه

اللهم إلا أن يقال ان الغرض من القول بالبراءة بمناط الاستصحاب هو الرد على الاخباريين القائلين بالاحتياط في الشبهة التحريمية الحكمية ، بخلاف ما لو قلنا بالبراءة بمناط قاعدة قبح العقاب من دون بيان ، فانه على هذا التقدير

__________________

يمكن منع الوجهين اما عن الأول فالموضوع المأخوذ في الاستصحاب في المقام متحد والصغر والكبر من الحالات وعليه تكون القضية المتيقنة عين القضية المشكوكة.

واما عن الثاني فجريان الاستصحاب يوجب القطع بعدم العقاب لكونه من لوازم المنع بالفعل فمع عدم تحققه بالاستصحاب فلا عقاب ولعله لهذا وامثاله ذكر المحقق النّائينيّ (قده) وجهين آخرين للمنع عن جريان الاستصحاب بالتقريب المذكور.

الأول ان جريان هذا الاستصحاب لغو للزوم تحصيل الحاصل بتقريب انه يعتبر في الاستصحاب ان يكون الاثر المرغوب مترتبا علي الواقع لا على نفس الشك إذ لو كان مترتبا عليه تجري قاعدة القبح فلا يبقى مجال لجريان الاستصحاب للزوم تحصيل الحاصل بل يلزم ما هو اردأ منه وهو انه يلزم ما هو محرز بالوجدان محرز بالتعبد كما هو كذلك بالنسبة الى الشك في الحجية فان نفس الشك يوجب القطع بعدمها فلا حاجة الى استصحاب عدم الحجية فاجراؤها يوجب تحصيل الحاصل بل يلزم ان يكون ما هو محرز بالوجدان محرز بالتعبد.

الوجه الثاني انه يعتبر في الاستصحاب ان يكون المتيقن باقيا في زمان الشك وفي المقام لم يكن متحققا فان المتيقن هو العدم غير قابل لتحمل التكليف وهذا لم يكن متحققا حال البلوغ فان العدم في حال البلوغ عدم التكليف القابل لتحمله وبعبارة اخرى العدم في حال الصغر غير منتسب الى الشارع فهو عدم محمولي بخلاف العدم في حال الكبر فانه يمكن ان ينسب الى الشارع فهو من العدم النعتي واستصحاب

لا يكون ذلك ردا على الاخباريين ، لورود أدلتهم علي حكم العقل بقبح العقاب من دون بيان ، فان حكمه حيث لا بيان ، ودليل الاخباريين صالح لكونه بيانا فتقدم ادلة الاخباريين على القول بالبراءة بمناط حكم العقل بالقبح ، فلذا

__________________

العدم المحمولي لاثبات العدم النعتي من الاصول المثبتة ، ولكن لا يخفى انه قد اجيب عن الأول انه يتم لو كان الاثر مترتبا على نفس الشك ، واما لو كان الاثر مترتبا على الجامع بينهما فلا مانع من ان الشارع يعبدنا بالواقع فيرتب الاثر عليه ولا يلزم منه تحصيل الحاصل إذ مع جريان الاستصحاب احرز الواقع فلا يبقى موضوع للقاعدة ولذا قلنا بان استصحاب الطهارة مقدم على اصالة الطهارة كما انه اجيب عن الثاني بانا لا نسلم ذلك في الصبي المميز حيث انه بالنسبة اليه عدم التكليف في مورد قابل له والشارع رفعه عنه امتنانا على ان الانتساب وغيره لا يوجب تفاوتا في العدم فعليه لا محذور في ابقاء العدم غير المنتسب بالاستصحاب ليتحقق الانتساب الى الشارع.

وبالجملة الانتساب من الآثار المترتبة على نفس الاستصحاب لا المستصحب ولكن الانصاف ان ما ذكره الشيخ اولا هو الحق بتقريب ان الصغر والبلوغ من مقومات الموضوع والاحكام تدور مدار الموضوعات فمع كونها كذلك لا يمكن اجراء حكم لموضوع واثباته لموضوع آخر إذ ذلك من قبيل القياس الممنوع عندنا. نعم لو ان العنوان الذى اخذ موضوعا من الوسائط الثبوتية بمعنى يكون علة لترتب الحكم وليس بقاؤه يناط به كما في مثل نجاسة الماء المتغير فانه اذا زال التغير من قبل نفسه لا ترتفع النجاسة إذ الموضوع في القضية إذا تغير الماء نجس هو الماء والتغير علة للحدوث فلا مانع من جريان استصحاب النجاسة.

وبالجملة فرق واضح بين ما يكون الحكم منوطا بالموضوع كمثل قلد العادل

القائل بالبراءة بمناط الاستصحاب يقدم على قول الاخباري بالاحتياط ، وهذا

__________________

واخرى لا يكون منوطا به بل يكون سببا لحدوث الحكم والمقام من قبيل الاول وعليه لم تكن القضية المتيقنة عين المشكوكة وسيأتي مزيد توضيح له في الاستصحاب ان شاء الله تعالى.

التقريب الثاني باستصحاب عدم جعل الحكم الالزامي فان الأحكام تدريجية الجعل فمع الشك في جعل الحكم نقطع بعدم جعله فيستصحب ما لم يقطع بجعله وقد اورد عليه الاستاذ المحقق النّائينيّ (قده) بايرادين :

الأول ـ بان عدم الجعل في حال الصغر من العدم المحمول غير المنتسب الى الشارع والعدم المشكوك حال الكبر من العدم النعتى واستصحاب العدم المحمولي لاثبات العدم النعتي من الاصول المثبتة ، ولكن لا يخفى انك قد عرفت انه بالاستصحاب يحصل الانتساب إذ ليس الانتساب من المستصحب وانما هو من آثار الاستصحاب فنفس العدم السابق يستصحب وبنفس هذا الاستصحاب يترتب الانتساب ولا يكون من الأصل المثبت.

الثاني ان المحرك للعبد هو التكليف الفعلي لا التكليف الانشائي واستصحاب عدم الجعل لا يثبت عدم التكليف الفعلي إلا على القول بالأصل المثبت وقد اجيب عنه بالنقض باستصحاب عدم النسخ وبقاء الجعل الذي هو لا خلاف فيه. نعم يرد عليه ان اصالة عدم جعل الحكم الالزامي بمعارضته باستصحاب عدم جعل الترخيص للعلم الاجمالي بثبوت احدهما فيتساقطان فيرجع الى البراءة ولكن لا يخفى انه لا مانع عن جريان الاصلين لعدم تحقق مخالفة عملية للتكليف الالزامي والانصاف انه لا مانع من تحقق استصحاب عدم الجعل فيقدم على اصالة البراءة من غير فرق بين كون الشبهة حكمية او موضوعية فافهم وتأمل.

هو العلة بالتمسك بالبراءة فيها بمناط الاستصحاب.

هذا كله لو كان المستصحب عدم العقوبة باللازم لبراءة الذمة ، واما بالنسبة الى عدم الاشتغال فيمكن القول بجريانه باعتبار أنه ليس المراد من البيان الواقعي ، بل المراد البيان الواصل ومن الواضح ان اشتغال الذمة يتوقف على البيان الواصل فمع احتمال البيان يحصل الشك في اشتغال الذمة فمع الشك يجري استصحاب عدم الاشتغال ، إلا ان يقال بان قاعدة القبح توجب القطع بعدم الاشتغال ، إلا ان الكلام مع قطع النظر عن قاعدة القبح على انه يمكن ان يقال بورود الاستصحاب على الترخيص العقلي ، فلذا يترتب عليه الاثر الشرعي ، ولا يترتب على الترخيص العقلي.

واما بالنسبة الى عدم المنع فلا مانع من جريان الاستصحاب ، ويكون قابلا لرد الاخباريين القائلين بالاحتياط اذ استصحاب عدم المنع يدفع دليل الاحتياط ، فانه في مورد احتمال المنع مع مجيء استصحاب عدم المنع ، ولذا ربما يقال بحكومة استصحاب عدم المنع على دليل الاحتياط ، فان لسانه يرفع احتمال المنع ولسان دليل الاحتياط في مقام احتمال المنع ، ولا يكون المقام من الاصل المثبت ، إذ ليس الترخيص من لوازم ذلك لكي يكون منه ، وإنما هو مجرى الاستصحاب نفس الترخيص الذي هو عدم المنع وهذا العدم من الامور الجعلية الذي هو بيد الشارع فيكون صالحا لان يستصحب لانه اما ان يترتب عليه الاثر أو نفسه هو الاثر ومرجع ذلك الى استصحاب عدم المنع واقعا الذي هو من اللوازم لبراءة الذمة بخلاف الثاني فانه من اللوازم في مرتبة الجهل ، وعليه يمكن الفرق بينهما إذ ما كان في مرتبة الجهل يمكن القول بورود قاعدة قبح العقاب على الاستصحاب ، ولكن بالنسبة الى نفي اللزوم واقعا كما هو مقتضى نفي المنع واقعا ينعكس الامر فيجرى الاستصحاب فيحرز العدم واقعا فلا يبقى مجال لقاعدة

القبح لتأخرها عن ذلك ، فافهم وتأمل فانه دقيق. هذا تمام الكلام في ادلة الاصوليين للقول بالبراءة في الشبهة الحكمية التحريمية.

ادلة الاخباريين

احتج الاخباريون القائلون بوجوب الاحتياط في الشبهات الحكمية التحريمية بالادلة الثلاثة :

أما الكتاب فبآيات منها قوله تعالى : (لا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) وقوله : (إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً) الى غير ذلك من الآيات الناهية عن اتباع غير العلم ، ولكن لا يخفى انها معارضة للآيات الدالة على البراءة فلا بد من التصرف بظاهرها اما بحمل النهي فيها على التنزيهي ، او حمله على الشبهة البدوية قبل الفحص.

ويؤيد ذلك ما روي (هلا تعلمت) فانه يدل على ان الذي صار سببا للعقوبة هو ترك التعلم والتقصير ولا تثبت عقوبة زائدة على ترك التعلم مضافا الى ان الظاهر من الآية هو عدم العلم بمطلق الترخيص من قبل الشارع. وعليه يكون دليل البراءة المثبت للترخيص مقدما على هذه الآية. وبعبارة اخرى ان الترخيصات الحاصلة من ناحية الشارع تكون واردة على هذه الآيات فلذا هذه الآيات غير صالحة للاستدلال بها على وجوب الاحتياط في الشبهة الحكمية التحريمية ومنها قوله تعالى : (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) ولكن لا يخفى انه ما المراد من التهلكة في الآية؟ ان كانت هي العقوبة الاخروية فلا بد من حمل الآية على صورة تحقق العلم الاجمالي او التفصيلي بالعقوبة وحينئذ لا يستدل

بالآية على الاحتياط في الشبهة التحريمية الحكمية إذ هي من الشبهات غير المقرونة بالعلم وبنفس الشك في العقوبة يحصل القطع بعدمها لقاعدة قبح العقاب بلا بيان على ان مفادها مساوق لقاعدة دفع الضرر المحتمل الذي قد عرفت ورود قاعدة القبح عليها. وان كانت عبارة عن المضرة الدنيوية فقد عرفت منا سابقا انه لا يجب التحرز عنها ، إلا ما احرز انه مضرة فلم يجب التحرز عما احتمل انه مضرة كما في المقام.

ومنها قوله تعالى : (اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ) ولكن لا يخفى ان المراد بحق تقاته هي المرتبة الكاملة من التقوى فتحمل الآية على الترغيب بتحصيل الأكمل فيكون مساقها مساق قوله تعالى : (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ) وعليه يحمل الامر على الاستحباب ومنه تعرف الحال في الاستدلال بقوله تعالى : (وَجاهِدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهادِهِ) مضافا الى امكان حملها على الجهاد بالمعنى الاخص فعليه تخرج الآية عن الاستدلال بها للمقام.

ومنها قوله تعالى : (فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ) ولكن لا يخفى ان الظاهر من هذه الآية هو امكان ازالة الشبهة بالرجوع الى الله والرسول وعليه تخرج هذه الآية عن الاستدلال بها للمقام إذ لا إشكال انه مع التمكن من ازالة الشبهة لا يرجع الى البراءة عند الجميع على انه يمكن حملها على صورة تعارض النصين فحينئذ يكون الرد الى الله والرسول هو الترجيح بموافقة الكتاب او السنة فعليه تخرج عن مقام الاستدلال بها للاحتياط فلا تغفل.

الاستدلال بالسنة على الاحتياط

احتج الاخباريون بالسنة على وجوب الاحتياط في الشبهة التحريمية الحكمية ، وهي على طوائف.

منها ما دل على حرمة العلم بغير العلم ، وقد عرفت انها غير دالة ، إذ الترخيصات المستفادة من الادلة واردة عليها.

ومنها الامر بالتوقف كقوله عليه‌السلام : (إذا اشتد الامر عليكم فقفوا عنده وردوه الينا حتى نشرح لكم) وقد عرفت الجواب منا سابقا بأن مثل هذه الاخبار تدل على التوقف عند امكان إزالة الشبهة بالرجوع الى الكتاب او السنة فتختص بما قبل الفحص ، ولا اشكال انه عند الفريقين يجب التوقف فيخرج ذلك عن المقام فلذا لا يجوز الاستدلال بمثل ذلك على وجوب الاحتياط في الشبهة التحريمية.

ومنها ما دل على وجوب التوقف عند الشبهة ، فان الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام في الهلكة ، وبهذا المضمون وردت عدة روايات.

ومنها رواية التثليث وفيها (ومن اخذ بالشبهات وقع في المحرمات وهلك من حيث لا يعلم).

ولكن لا يخفى ان هذا المضمون لا دلالة فيه على مدعى الاخباريين ، فان ظاهرها كون الهلكة هي العلة للاقتحام في الشبهة ، ولازم ذلك ان تكون الهلكة مفروضة الوجود مع قطع النظر عن الامر بالتوقف إذ هي العلة للامر وليست مسببة من نفس الأمر وإلّا لزم ان يكون المعلول هو العلة وذلك باطل للزوم الدور الذي ملاكه تقدم الشيء على نفسه وهو واضح البطلان. وحينئذ

فذلك الامر الذي هو سبب للهلكة ليس إلا تنجز الحكم الواقعي ، أما بالعلم الاجمالي أو الشبهات البدوية قبل الفحص ولا تشمل المقام الذي هو الشبهة البدوية بعد الفحص فانها بمقتضى قاعدة قبح العقاب بلا بيان مزبلة للهلكة بمعنى العقوبة.

وبعبارة اخرى ان الامر بالتوقف لا يصلح لان يكون امرا مولويا مبينا للواقع إذ لازمه ان يكون سببا لتحقق الهلكة وعليه تكون الهلكة معلولة للامر مع انك قد عرفت انها في رتبة سابقة على الامر وحينئذ لا يكون الامر بالتوقف صالحا للبيانية ، هذا وقد قرب الشيخ الانصاري (قده) وجها آخر بما محصله أن الهلكة عبارة عن العقوبة فتكون العقوبة بلا بيان قبيحة من المولي وبهذه الاخبار تكشف بطريق الإنّ ان الشارع لا يرضى بارتكاب الشبهة ، فيستكشف من ذلك ان الشارع قد اوجب الاحتياط ، وببيان آخر : ان هذه العمومات صالحة للبيانية بناء على ان المراد من الهلكة خصوص العقوبة كما هو الظاهر وشمول الاطلاقات للشبهة بعد الفحص ، فحينئذ يستكشف منها وجوب الاحتياط في المرتبة السابقة على الامر بالتوقف فيصلح وجوب الاحتياط للبيانية فيكون منجزا للواقع ، فتخرج الشبهات الحكمية البدوية عن حكم العقل بقبح العقاب من دون بيان ، لصيرورة هذه الاخبار بيانا فتكون واردة على حكم العقل بالقبح.

وقد أجاب الشيخ (قده) عن هذا الاشكال بان ايجاب الاحتياط ان كان وجوبه مقدمة للتحرز عن العقوبة المحتملة فتكون العقوبة حينئذ على الواقع المجهول فلا اشكال في قبحه ، وان كان وجوبه نفسيا فالعقوبة تكون على تركه لا على ترك الواقع المجهول فلا يصلح لان يكون بيانا إذ هو حكم ظاهري في قبال الواقع وقد اورد عليه الاستاذ (قده) في الكفاية بما حاصله أن ايجاب الاحتياط لا ينحصر في الوجوب المقدمي والنفسي بل يمكن أن يكون طريقيا فحينئذ يعود

الاشكال المتقدم إذ كونه طريقيا يصلح لان يكون بيانا للحكم الواقعي.

وربما يستفاد الجواب من الاستاذ (قده) في الكفاية وفي حاشيته على الفرائد ببيان منا بانا نستحق العقاب على ترك الواقع المجهول بسبب ترك الاحتياط الواصل ايجابه الينا ووصوله الينا يتوقف على التعبد بظاهر العموم لكل شبهة فيتوقف الحكم بايجاب الاحتياط على التعبد بالعموم والتعبد بالعموم يتوقف على احتمال مطابقة الظاهر للواقع واحتمال المطابقة موقوف على التعبد بظهور العام فيلزم الدور.

وبالجملة من التعبد بالعموم يلزم منه الدور وهو محال فالملزوم مثله وإذا لم يمكن لنا التعبد بالعموم فلم يكن ايجاب الاحتياط واصلا واذا لم يكن واصلا لم يكن ترك الاحتياط موجبا للعقوبة على الواقع المجهول هذا كله ما يتعلق بكلام العلمين.

اقول يمكن ان يقال في دفع محذور الدور بناء على كون الخطاب مختص بالحاضرين وقت الخطاب وشمول الاحكام للغائبين بقاعدة الاشتراك.

بيان ذلك ان المشافهين لما خوطبوا بهذه العمومات تكون حجة بالنسبة اليهم فيجب عليهم الاحتياط بمقتضى هذه العمومات وحجيتها موقوفة على احتمال مطابقة العمومات للواقع وهذا الاحتمال لا يتوقف على التعبد بالعموم لكي يلزم محذور الدور بل من المحتمل أن يكون بطريق آخر وصل اليهم ولم يصل الينا مثلا نفرض ذلك الطريق تصريحه عليه‌السلام بايجاب الاحتياط فاذا وجب عليهم وجب علينا لقاعدة الاشتراك فعليه لا مانع من التمسك باطلاق الشبهة للشبهات البدوية بعد الفحص بالنسبة الى الموجودين في حال الخطاب وثبت الحكم المستفاد من الاطلاق للغائبين والمعدومين بقاعدة الاشتراك ، ولكن لا يخفى ان هذا ايضا محل منع توضيح ذلك ان العمومات المذكورة قد تخصصت بالآيات والروايات التي دلت على

البراءة فيكون الخارج من العمومات كل شبهة لم يرد فيها بيان من الشارع فتكون العمومات حجة في غير ما علم باخراجه وليست بحجة فيما علم باخراجه وذلك يتم في ما اذا قلنا بجواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية كما لو ورد اكرم العلماء ثم ورد لا تكرم الفساق منهم فلو شك في زيد العالم انه فاسق ام إلا فالتمسك بعموم اكرم العلماء فيجب اكرامه تمسكا بالعام في الشبهة المصداقية وقد حققنا في محله انه لا يجوز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية.

وبالجملة المقام من قبيل الشبهة المصداقية إذ لا اشكال انه بمقتضى الآيات والروايات الدالة على البراءة اخرجت كل شبهة لا بيان فيها. وفي مثل هذه الشبهة نشك في انها كان لها بيان ام لا فالتمسك بادلة ايجاب الاحتياط في كل شبهة تمسك بالعام في الشبهة المصداقية وقد عرفت انه خلاف التحقيق فالعمومات إنما تصلح بيانا عند من جوز التمسك بالعام في تلك الشبهة كما لا يخفى.

ان قلت ان الذي أخرجه عن دائرة العموم إنما هو حكم العقل بقبح العقاب من دون بيان فلو جاء دليل بهذا المضمون فانما هو مؤيد لحكم العقل فيكون التخصيص بالدليل العقلي. فحينئذ يكون مندرجا تحت ما لو تخصص العام بالدليل اللبي لا بالدليل اللفظى ، وقد علم في محله ان المختار جواز التمسك بالعام في تلك الشبهة اذا كان المخصص لبيا لا لفظيا لما هو معلوم ان في الدليل اللبي يؤخذ بالقدر المتيقن وغيره يبقى تحت العام.

قلت : الدليل النقلي إنما يكون مؤيدا ولا يعتنى به إذا لم يكن فيه مزية ، واما لو كانت له مزية يعتنى بها فيجعل هو المخصص فلم يكن مؤيدا ، فعليه يلغي العام بالنسبة الى ما يكون من الشبهات البدوية بعد الفحص على انه لو انتهى الامر الى المعارضة فتقدم اخبار البراءة لكونها قاصرة عن شمولها للشبهات المقرونة بالعلم الاجمالي فتكون اخص مطلقا من اخبار الاحتياط ولا اشكال في تقدم

الخاص على عموم العام فافهم وتأمل.

ومنها اخبار الاحتياط وقد وردت بمضامين مختلفة ففي بعضها اخوك دينك فاحتط لدينك ، وفي بعضها ليس بناكب عن الصراط من سلك سبيل الاحتياط وفي بعضها خذ الاحتياط في جميع امورك الى غير ذلك من الاخبار الظاهرة في حملها على الندب والاستحباب بل في بعضها النقية كمثل أرى لك ان تأخذ بالحائطة لدينك.

وبالجملة ان ادلة الاخباريين من الآيات والروايات لا تنهض على وجوب الاحتياط ، نعم تدل على رجحانه ومن ان رجحانه مسلم عند الجميع. ولو سلم دلالتها على الوجوب فتقدم أدلة الاصوليين الدالة على البراءة لما عرفت انها اخص فيقدم الخاص على عموم العام لقصور شمولها للشبهة المقرونة بالعلم الاجمالى ومع تسليم المعارضة تتساقط بالمعارضة ويرجع الى قاعدة قبح العقاب من دون بيان فافهم وتأمل.

الاستدلال بدليل العقل على الاحتياط

ومما استدل على وجوب الاحتياط بدليل العقل وقد قرب بوجهين :

الاول ـ هو انا نعلم بتكاليف واقعية توجهت الينا وقد تنجزت علينا فيجب الخروج عن عهدتها ولا يحصل الفراغ اليقيني إلا بالاحتياط فيحكم العقل بوجوبه لان شغل الذمة اليقينى يستدعي الفراغ اليقيني.

هذا ولكن لا يخفى انك قد عرفت منا سابقا ان باب العلم تارة نقول بانسداده واخرى نقول بانفتاحه فان قلنا انسداده فتجري مقدمات الانسداد

فتختلف النتيجة بحسب اختلاف المسالك فتارة التبعيض واخرى العمل بالظن وعلى الآخر اما الحكومة او الكشف وان قلنا بانفتاحه بناء على المختار من ان باب العلم غير منسد والنتيجة يكون الأخذ بكل ما قامت عليه امارة على الفعل أو الترك وبالنسبة الى غيرها من الموارد المشكوكة فيجب الاخذ بالاحتياط تحصيلا للفراغ اليقيني.

وكيف كان فلا اشكال في أن قيام الطرق التفصيلية توجب انحلال العلم الاجمالي وإنما الكلام في الطرق الظنية هل توجب الانحلال ام لا؟ وقضية الانحلال بها يوجب عدم تأثير العلم الاجمالي فلا يوجب الاحتياط وبذلك يكون الجواب عن دليل العقل ، والشيخ الانصارى (قده) ذكر فى جواب ان قلت قال بالنسبة الى الطرق التفصيلية انها لم توجد لكي توجب الانحلال ، واما بالنسبة الى الطرق الظنية انها وان وجدت ولكن لا توجب الانحلال لانها تجتمع مع العلم الاجمالي إذ لا منافاة بينها وبين العلم الاجمالي ، اما بنفسه فظاهر لعدم المحذور من اجتماع الظن مع العلم إذ هو ليس كالقطع التفصيلي لكي ينافي اجتماعه مع العلم ، واما بدليل اعتباره فهو ان مؤدى ذلك ليس الأخذ بمضمونه وهو لا يوجب تقييد الواقعيات وحصرها بمؤديات الطرق هذا ملخص ما قربه للاستدلال على ايجاب الاحتياط في الشبهات الحكمية التحريمية وقد اجاب قدس‌سره بوجهين.

الاول ـ ما لفظه يمنع تعلق تكليف غير القادر على تحصيل العلم إلا بما أدت اليه الطرق غير العلمية المنصوبة له فهو مكلف بالواقع بحسب تأدية هذه الطرق لا بالواقع من حيث هو ولا بمؤدى هذه الطرق من حيث هي لكي يلزم التصويب او ما يشبهه لان ما ذكرنا هو المتحصل من ثبوت الاحكام الواقعية للعالم وغيره وثبوت التكليف بالعمل بالطرق وتوضيحه في محله وحينئذ فلا يكون

ما شك في تحريمه مما هو مكلف به فعلا على تقدير حرمته واقعا.

واما الثاني فما فملخصه انه قد تبين في الشبهة المحصورة انه لو قام الطريق على احد اطراف العلم الاجمالي واحتمل انطباق المعلوم بالاجمالي عليه يوجب انحلال ذلك العلم وتجري اصالة الحل في الطرف الآخر لجريانها من دون معارض من غير فرق بين كون الدليل سابقا على العلم الاجمالي ام لاحقا إذ العلم الاجمالى غير ثابت بعد تحقق العلم التفصيلي بحرمة بعضها بواسطة وجوب متابعة البينة ، ولا يخفى ان ما نحن فيه من هذا القبيل.

اقول وفي كلا الجوابين نظر : اما عن الاول فلان لازم كلامه تقييد الواقعيات بمؤدى الطرق ، وذلك يناقض ما ذكره غير مرة بان الواقعيات غير مقيدة بمؤديات الطرق. واما عن الثانى فكلامه اشبه بالمصادرة على المطلوب. فانه اول الكلام في انه اذا قامت امارة على بعض اطراف العلم الاجمالي تكون تلك الامارة موجبة للانحلال بل على ما سيأتي ان الاصول لا مجرى لها مع كون العلم الاجمالي علة تامة للمنجزية. نعم لو كان بنحو الاقتضاء لا العلية للتنجيز فلا مانع من جريان الاصل وعند جريانه يكون مانعا من التنجيز فحينئذ يجري الاصل بلا معارض ومع جريانه لا يكون العلم الاجمالي مؤثرا من جهة وجود المانع وليس ذلك موجبا للانحلال وعليه يخرج عن محل النزاع. هذا ولكن الانصاف ان ما ذكره من الاشكال على الجواب الاول غير وارد بل كيف يتوهم من الشيخ ان يقول بتقييد الواقعيات حتى يتوجه عليه بايراد المناقضة بين كلامه هنا وبين كلامه في رد الفصول فالذي ينبغي ان يفهم كلام الشيخ (قده) على وجه لا مناقضة بين كلاميه هو ان يقال ان مناط الجوابين يختلف ، فان جوابه الاول ملاكه بيان ان القصور انما جاء من ناحية التكليف المعلوم ولم يكن قصورا من

ناحية العلم. وفي الجواب الثاني التعرض للقصور من ناحية المعلوم.

توضيح ذلك ان التكليف الذي علم اجمالا تارة يكون المقصود منه حفظ الوجود على نحو الاطلاق بمعنى ان الشارع لا يرضى بتركه مطلقا واخرى يكون المقصود منه حفظ الوجود من جهة دون اخرى كما لو كان حفظه في ظرف ترك الآخر ولا يرضى بتركه في ظرف عدم ترك الآخر وهو المراد بالتكليف التوسطي وغرض الشيخ (قدس) في جوابه الأول هو بيان ان التكليف بنحو التكليف التوسطي بمعنى لا يرضى بتركه في ظرف ترك الآخر ويرضى بتركه في ظرف ايجاد الآخر فعليه لا تكون مناقضة بين هذا الكلام وما ذكره قبل ذلك في جواب صاحب الفصول.

فعليه يكون دليل اعتبار الامارة موجبا لورود النقض من ناحية التكليف الواقعي المعلوم بالاجمال لانه يكون موجبا للحصر والتقييد حتى يكون نقصا في ناحية العلم في التأثير ، واما الجواب الثاني فالشيخ لم يكن غرضه تقريب الانحلال بل كان في مقام ان العلم الاجمالى موجب للانحلال هذا كله في توجيه كلام الشيخ (قده).

واما الاستاذ ففي الكفاية سلم الانحلال ولكن ناقش بما حاصله ان القول بانحلال العلم الاجمالي الى مؤديات الطرق إذا قلنا في الطرق بجعل احكام ظاهرية طريقية ، واما إذا قلنا بجعل الحجية في باب الطرق بمعنى ان الطريقية في باب القطع منجعلة غير مجعولة وفي الطرق والامارات مجعولة فلا ينحل العلم الاجمالي بقيام الطرق والامارات إذ لا حكم مجعول في مواردها كي يوجب الانحلال واجاب بما حاصله بان نفس قيام الحجة على التكاليف المنطبقة عليها المعلومة اجمالا توجب الانحلال ولو تعبدا بان يكون ما قامت عليه الحجة عين المعلوم اجمالا في صورة الموافقة بنحو يصرف تنجز المعلوم بالاجمال الى ما قامت عليه الحجة وفي صورة

المخالفة يكون عذرا لعدم الاجتناب عن المعلوم بالاجمال في ذلك الحال (١)

__________________

(١) ولا يخفى ان الجواب مبني على ان الامارة القائمة على الحكم الالزامي بنفس قيامها تنفي تنجز التكليف المحتمل بالنسبة الى بقية الاطراف فينحصر التنجز في موارد قيام الامارات مثلا لو علم اجمالا بنجاسة اناء زيد المردد بين الإناءين ثم قامت بينة بنجاسة اناء معين منهما هو اناء زيد كان التنجز منحصرا في انائه والانصاف ان ما ذكره محل نظر بل منع فان المستفاد من الامارة هو ثبوت الحكم في موردها ولا تنفي الحكم من غير موردها. اللهم إلا ان يقال بان ذلك لازم اختياره في جعل الطرق فانه بناء على مختاره من جعل المنجزية والعذرية تكون منجزية الامارة للواقع موجبة لحصر التنجيز فيما قامت عليه الامارة ونفيه عن غير مواردها

ولكن لا يخفى انه بناء على ذلك يصعب القول بالانحلال بناء على اشتراط منجزية الطرق والامارات بالوصول حيث ان العلم الاجمالي الثابت في اول الامر قد أثر أثره من تنجيز جميع المحتملات وقيام منجز آخر بعد ذلك على الحكم في بعض الاطراف لا يوجب سقوط منجزية العلم الاجمالي السابق تنجزه بل ربما يقال بلغوية تنجز اللاحق لعدم تأثيره بعد تحقق منجز سابق.

كما انه بناء على مسلك المشهور في جعل الطرق من انها احكام فعلية على طبق مؤدياتها المعبر عنها بالسببية لا ينحل العلم الاجمالي إذ ذلك لا يوجب سقوط منجزية العلم الاجمالي. نعم بناء على ما سلكه المحقق النّائينيّ (قده) من انها نفس الطريقية والمحرزية في مقام الاثبات لم يبق العلم الاجمالي لانقلاب القضية المنفصلة الى جملتين حمليتين فمع زواله يزول التنجز ولازمه الانحلال لانطباق ملاكه عليه الذي هو عبارة عن انقلاب القضية المنفصلة الى قضيتين حمليتين احدهما متيقنة

مسألة الانحلال

وحيث انحر الكلام الى مسألة الانحلال وانها من المسائل المهمة لذا ينبغي بسط الكلام فيها :

فنقول ومن الله المستعان انا إذا علمنا اجمالا بتكليف مردد بين طرفين فتارة نقطع قطعا تفصيليا أو تقوم امارة قطعية أو ظنية على تعيين المعلوم بالاجمال في أحد الطرفين ، واخرى نقطع وجدانا او قيام امارة ظنية أو قطعية على وجود تكليف مماثل للمعلوم بالاجمال بنحو يحتمل انطباق المعلوم بالاجمال عليه فهنا صور ينبغي التكلم عنها.

__________________

ولو باليقين التعبدي والاخرى مشكوكة بنحو الشك الساري. واما لو لم تنقلب الى ذلك بل بقيت على كونها قضية منفصلة مانعة الخلو ، كما لو علمنا بنجاسة احد الإناءين فهي تنحل الى قضية مانعة الخلو اي اما هذا الاناء نجس او ذاك الاناء نجس ويحتمل نجاستهما فلا ينحل العلم الاجمالي.

فالمتحصل مما ذكر ان ملاك الانحلال انقلاب القضية المنفصلة الى قضيتين حمليتين احدهما متيقنة والاخرى مشكوكة ، وملاك عدم الانحلال عدم انقلاب القضية المنفصلة بل هي باقية على كونها مانعة الخلو ، وسر ذلك هو ان العلم الاجمالي الحاكم بتنجيزه هو العقل لكونه كاشفا عن الواقع كالعلم التفصيلي ولم يكن تنجيزه بالتعبد فعليه ان تنجيزه لا بد وان يكون على جميع التقادير بمعنى ان يكون علما بالتكليف الفعلي على كل تقدير ولا يزول كاشفيته إلا بالشك الساري الطارئ فيزول تنجزه ولا تزول الكاشفية بتحقق منجز لو لم يكن بنحو الشك

اما الصورة الاولى فهي خارجة عن محل الكلام إذ لا اشكال في انحلال العلم الاجمالي فيها وانما الكلام في الصورة الثانية وهي ما لو قام قطع وجداني او امارة على التكليف ولم يكن لسانهما تعيين المعلوم بالاجمال وانما يحتمل انطباق ما هو المعلوم بالاجمال عليه فنقول ان محل الكلام تارة يكون فيما لو قطع وجدانا واخرى قيام امارة شرعية ، وثالثة أصل شرعي ، ورابعة أصل عقلي كقاعدة الاشتغال او الظن الانسدادي بناء على الحكومة ولا اشكال في ان الصورة الاخيرة غير موجبة للانحلال الحقيقي بل لو كان انحلالا فهو حكمي

__________________

الساري بل هو بنحو منجز جديد فان طرو مثل ذلك لا يوجب انقلاب القضية المنفصلة الى حمليتين قضية متيقنة وقضية مشكوكة بل هي باقية على حالها من كونها قضية منفصلة مانعة الخلو.

ومثل ذلك ما لو طرأ الاضطرار الى بعض الاطراف او تلف بعضها او امتثل التكليف باتيان بعضها فان العلم بالتكليف في مثل هذه الفروض منجز فمع تحقق مثل هذه الامور لا يوجب الشك في تنجزه لكي يكون من الشك الساري ، وإنما الشك في مثلها من الشك في السقوط فلا بد من تحصيل اليقين بسقوط التكليف المنجز.

هذا ويمكن ان يقال في تقريب الانحلال بوجه آخر وهو ان نفس قيام الامارة يوجب التنجز ، وبها يحصل الوصول فيكون عند بلوغ المكلف يحتمل وجود امارات تقوم على تكاليف قد تنجزت عليه فيكون هذا الاحتمال الحاصل عند البلوغ وقبل الفحص منجزا وهو مقارن للعلم الاجمالي فلا يكون هذا العلم الاجمالي منجزا في جميع اطرافه لمقارنته لتنجز بعض أطرافه بسبب تحقق هذا الاحتمال فيكون نظير ما اذا علمنا بنجاسة احد الإناءين مع علمنا بنجاسة أحدهما المعين فان العلم الاجمالي غير

واما الكلام في الصورة الاولى فهل قيام القطع الوجداني على أحد الطرفين يوجب الانحلال الحقيقي كما هو مذهب الجمهور ام لا يوجب الانحلال الحقيقي والحق هو الثاني وتدل عليه امور :

الاول ـ ان مفروض الكلام فيما لو قام قطع تفصيلي على أحد أطراف المعلوم بالاجمال ونقطع بعدم تحقق تكليف زائد على المعلوم بالاجمال ولا اشكال انه مع قيام مثل هذا القطع على أحد الاطراف أيضا يحتمل وجود المعلوم بالاجمال في الطرف الآخر وحينئذ نقول ان هذا الاحتمال من أي شيء حصل

__________________

مؤثر على كل تقدير ، وقد بينا في محله ان مثل هذا العلم الاجمالي لا يترتب عليه أثر فلا يكون مؤثرا ومنجزا على كل تقدير إذ تنجيزه إنما هو بتساقط الاصول بعد تعارضها ، وفي المقام يجري الأصل بلا معارض في الطرف الآخر.

واما في الطرف الذي قامت عليه الامارة لا يجري الأصل فعليه لا مانع من دعوى انحلال العلم الاجمالي بقيام الطرق على بعض اطرافه بدعوى انقلابه الى قضيتين حمليتين إحداهما متيقنة وهي ما قامت عليه الامارة وقضية مشكوكة وهي ما لم تقم عليه الامارة فتجري اصالة البراءة فيها على جميع الأقوال في باب الطرق ببيان انه على الطريقة فلا اشكال في تحقق الانحلال بالشك الساري بان ينقلب الى قضية متيقنة وقضية مشكوكة.

واما بناء على المنجزية والمعذرية فقيام الامارة تكشف عن تنجز التكليف في بعض الاطراف من اول الامر من غير جهة العلم الاجمالى فتكون كما لو اقترن العلم الاجمالي بمنجز فلا يكون مؤثرا على كل تقدير كما انه على ما ينسب الى المشهور من القول بجعل السببية بان يكون قيام الامارة تكشف من اول الامر على اشتمال مؤديها على مصلحة أو مفسدة تستلزم الحكم على الاتيان بمؤداها فيكون من

هل منشؤه هو العلم الاجمالى أو العلم التفصيلي الذي قام على أحد الاطراف أو شيء آخر من الخارج اما الاخيران فلا يمكن أن يصار اليهما ، اما العلم التفصيلي فقد قام على أحد الأطراف حسب الفرض فكيف يكون منشأ للاحتمال في الطرف الآخر وأما شىء آخر من الخارج فلقد عرفت انتفاءه فتعين ان يكون منشؤه احتمال انطباق المعلوم بالاجمال علي الطرف الآخر هو العلم الاجمالي فاذا جاء الاحتمال من العلم الاجمالى فلا بد من بقائه وعدم انحلاله إذ لو انحل فلا مجال لبقاء الاحتمال لزوال منشئه كما لا يخفى.

__________________

أول الأمر اقترن العلم الاجمالي بمنجز فذلك يوجب انحلاله لعدم تأثيره على كل تقدير فلذا لا مانع من جريان البراءة في الموارد التي لم تقم عليها الامارة لعدم معارضتها باصل في الطرف الآخر هذا كله لو لم نقل بجعل الحكم المماثل.

واما بناء على جعله فالعلم الاجمالي غير قابل للانحلال بذلك الحكم المماثل اما بناء على الموضوعية والسببية فتكون ما قامت عليه الامارة ذا مصلحة مقتضية لجعل الحكم المماثل على طبق المؤدي وذلك لا يوجب صرف تنجز العلم الاجمالي السابق الى ما قامت عليه الامارة لفرض سيق العلم في مقام التأثير فلا يكون مجال لتأثير الحجة في فعلية الحكم ولا في تنجزه ، واما امتناع اجتماع الفعلين واستحالة تنجز المتنجز لا ينفع في اسقاط المعلوم عن الفعلية وسقوط العلم عن المنجزية.

واما لو قلنا بجعل المماثل على الطريقية فيمكن دعوى الانحلال بدعوى صرف تنجز الواقع من حيث تعلق الامارة بالواقع الخاص الموجب لتنجزه إلا انه محل منع حيث انه بناء على جعل المماثل على نحو الطريقية يكون ذلك الصرف بنحو العناية ولا يكون صرفا حقيقيا فلو كان المعلوم بالاجمال بالغا مرتبة الفعلية

الامر الثاني ان نظير العلوم التصديقية الصور التصورية فكما انها كانت متعلقة بالصور الذهنية من دون سراية الى ما في الخارج فكذلك العلوم التصديقية متعلقة بالصور الذهنية من دون سراية الى ما في الخارج ، ولا اشكال في ان العلم الاجمالي قد تعلق بالجامع بين الشيئين وفي عالم الذهن له وجود ذهني في قبال الخصوصيتين. نعم في عالم الخارج هو مندك فيهما والعلم التفصيلي تعلق باحد الخصوصيتين فلا يعقل أن يكون هذا العلم التفصيلي موجبا لانحلال العلم الاجمالي إذ هما في عالم الذهن متميزان بنحو يكون أحدهما متميزا عن الآخر فكيف يكون أحدهما موجبا لانحلال الآخر وانعدامه لما عرفت انهما متميزان في الوجود ، فلا يندك احدهما في الآخر كما لا يخفى.

الأمر الثالث ان كل علم اجمالي يتضمن وجود قطعين تعليقيين كما لو علمنا

__________________

يكون منجزا ومؤثرا ولا يرتفع تنجزه بمثل الحكم المماثل الذي كان تنجزه لغرض آخر.

وبالجملة صرف تنجز الواقع الى ما تعلقت به الامارة إذا كانت موجبة لتنجزه لا لايجاد حكم آخر فانه يكون حاله كما لو طرأ الاضطرار والتلف الى أحد الأطراف فانه لا يوجب صرف تنجز الواقع الى المضطر ونحوه ، ولكن الانصاف ان مثل هذا العلم الاجمالي قاصر عن تنجيز الواقعيات لما هو معلوم انه لم يتعلق باحكام فعلية بعثية او زجرية ، وإنما تعلق باحكام كلية حقيقية تصير فعلية عند تحقق موضوعاتها عند الابتلاء بها الحاصل ذلك بالتدريج فعليه لا يكون مثل هذا العلم الاجمالي المتعلق باحكام كلية يحصل فعلية موضوعاتها بتدرج الابتلاء وسيأتى منا عن قريب بيان حال العلم الاجمالي التدريجي في المتن مما هو نافع في المقام فلا تغفل.

اجمالا بوجود نجس في أحد الإناءين بمعنى انه لو لم يكن في هذا الاناء نقطع بوجوده في ذاك الاناء ولو لم يكن في ذاك الاناء نقطع بوجوده في هذا الاناء فكل علم اجمالي لا بد وان يستلزم وجود قطعين تعليقين والمقام متحقق فيه ذلك ولا ينافي تحقق العلم التفصيلي في المقام فانه مع وجوده يتحقق فيه ذلك المناط فيظهر منه انه مع تحقق العلم التفصيلي لم ينعدم العلم الاجمالي. هذا بالنسبة الى العلم التفصيلى واما بالنسبة الى الامارة والاصل فبطريق أولى لا يوجب الانحلال الحقيقي من غير فرق بين مقارنتها للعلم الاجمالي أو سبقها أو تأخرها ودعوى انه بالنسبة الى مقارنتها للعلم الاجمالي يوجب انحلاله حقيقية لرجوع العلمين الى علم تفصيلي وشك بدوي في ما قامت اليه الامارة إذ ذلك هو مقتضى تعلق العلم الاجمالى بالجامع القابل للانطباق علي كل واحد من الطرفين ضرورة انه مع العلم بحرمة أحد الإناءين مع العلم ولو تعبدا بحرمه اناء احدهما المعين ، ومع انطباقه يستحيل بقاء العلم الاجمالى بل يتبدل الى العلم التفصيلي والشك البدوي.

ولكن لا يخفى ان هذا لا يتم في الطرق غير العلمية على انك قد عرفت ان احتمال الانطباق على كل واحد من الاطراف مستلزم لبقاء العلم الاجمالى كما لا يخفى ولا يقاس المقام بالاقل والاكثر الاستقلاليين بدعوى ان في الاقل نعلم تفصيلا بوجوبه ونشك في وجوب الاكثر وهكذا في المقام فانا نعلم بوجوب ما قامت عليه الامارة ونشك في الطرف الآخر فانه قياس مع الفارق إذ فرق بين المقام وبين باب الاقل والاكثر ، فان باب الأقل والاكثر لم يكن مناط العلم الاجمالي متحققا الذي قد عرفت انه يحل الى قضيتين قطعتين تعليقتين إذ لا معنى للقول بان المقدار الزائد لو لم يكن في هذا لم يكن في ذاك إذ من المحتمل عدم تحققه في طرف من الاطراف ان قلت ان المقام كالاقل والاكثر من حيث ان التكليف

بالزائد على ما علم تفصيلا مشكوك من اول الامر ولم يكن عندنا بالنسبة الى ذلك التكليف بالزائد علم اجمالي فيكون المقام كباب الأقل والاكثر على نهج واحد من غير فرق بينهما قلت من هذه الجهة المقام مع بالاقل والاكثر على نحو واحد ولم يكن فرق بينهما ولكن من جهة اخرى قد حصل الفرق بينهما وهو ان الشك بالنسبة الى الأقل والأكثر في حدوث التكليف وبالنسبة الى المقام في انطباق المعلوم بالاجمال بعد الفراغ عن ثبوت التكليف فحينئذ يصح في المقام ان يقال ان التكليف بالنجس لو لم يكن في اناء زيد المعلوم بالتفصيل على فرض المحال فهو في اناء عمرو بخلاف الأقل والأكثر فان الشك في الزائد إنما هو في حدوثه لا في انطباقه بعد الفراغ عن ثبوته وحدوثه فظهر مما ذكرنا ان ملاك عدم الانحلال حقيقة موجود في المقام بخلاف باب الأقل والأكثر الاستقلاليين كما ظهر مما ذكرنا انه لا فرق بين ان يكون العلم الاجمالى والتفصيلي حصلا دفعة واحدة بان وقعت قطرتان من الدم دفعة واحدة قطعا إلا أن احدهما وقعت في اناء زيد المعين والاخرى وقعت في أحد الإناءين أو حصلا على نحو التعاقب بان علم وقوع القطرة في اناء زيد ثم وقوع قطرة في أحد الإناءين او بالعكس بان علم وقوع القطرة في اناء زيد ثم وقوع قطرة في أحد الإناءين او بالعكس بان علم أولا بوقوع القطرة في أحد الإناءين ، ثم وقعت قطرة في اناء زيد وان اردت توضيح ذلك فاجعل المقام من قبيل ما إذا ورد خطاب متعلق بموضوع مردد بين شخصين كما لو قال اكرم زيدا وتردد بين كون زيد ابن عمر أو زيد ابن بكر ثم ورد آخر معين بان قال اكرم زيد بن عمر فان كان الخطاب الثاني مبينا وشارحا للخطاب الأول فلا اشكال في كونه حاكما عليه ومبينا لاجماله وان لم يكن شارحا ومبينا لاجماله فيكونان خطابين وردا من المولى وفرض كون سندهما قطعيا لكي يشبه المقام فانه لا اشكال في عدم كون خطاب الثاني رافعا لاجمال الاول فيبقى الخطاب

الاول مؤثرا وحيث انه قابل للانطباق على الطرق الاخرى فيجب الاجتناب عنه لبقاء العلم الاجمالي.

ودعوى بعض الاعاظم بان العلم الاجمالي تعلق بالجامع بين التكليفين والعلم التفصيلي تعلق بالتكليف الخاص ، والتكليف الخاص عبارة عن الجامع مع الخصوصية فتعلقه بالتكليف الخاص موجب للانحلال مدفوعة بان هذا إنما يتم لو كان متعلق العلم التفصيلي هو عين العلم الاجمالى ولكنك قد عرفت ان متعلق العلم الفصيلي هو التكليف المقيد بالخصوصية والعلم الاجمالى قد تعلق بالتكليف المجرد وهما بحسب الذهن صورتان احدهما لا دخل له بالآخر وان كانا بحسب الخارج متحدين وقد عرفت ان الخارج ظرف السقوط ، وليس ظرف الثبوت فالذي هو متعلق التكليف والعلم التفصيلي والاجمالي والشك والظن والوهم إنما هو الصور الذهنية التى ترى خارجية فاذا كان المتعلق فيها هو الصور الذهنية فهي بحسب وعائها متعددة غير متحدة وحينئذ كيف يمكن ان يدعى الانحلال الحقيقي الذى ملاكه اتحاد ما هو المعلوم بالاجمال مع ما هو معلوم بالتفصيل.

ومما ذكرنا يظهر ضعف ما ادعاه بعض من علق على فرائد الشيخ الانصاري قدس‌سره بما حاصله ان قيام الامارة على أحد الاطراف مما يوجب الانحلال لانا نقطع بعدم وجود تكليف في غير ما قامت عليه الامارة لان احتمال التكليف في الطرف الآخر اما أن يكون من جهة احتمال وجود تكليف زائد على المعلوم بالاجمال ، واما ان يكون من جهة خطأ الامارة وكونها مخالفة للواقع ، اما الاول فهو منتف باصل البراءة.

واما الثاني فهو ايضا منتف بمقتضى دليل حجية الامارة باعتبار ان مفادها الغاء احتمال الخلاف وبالجملة ليس لنا دليل على وجوب تكليف في الطرف الآخر هذا غاية ما يقال من انحلال العلم الاجمالي.

واما ضعفه فقد عرفت مما ذكرناه سابقا من ان الشك إنما هو في انطباق المعلوم بالاجمال وهو المنشأ لاحتمال وجود التكليف في الطرف الآخر وبعبارة اخرى ان احتمال التكليف في الطرف الذي لم تقم عليه الحجة ليس منحصرا بما ذكر من الوجهين بل كما يكون من الوجهين كذلك يكون هذا الاحتمال من شيء آخر وهو احتمال انطباق المعلوم بالاجمال ببيان ان عندنا ثلاثة أشياء توجب احتمال وجود التكليف في الطرف الآخر شك ناشئ من وجود التكليف المتعلق بالزائد وهذا منتف باصل البراءة ، وشك ناشئ من عدم مطابقة الامارة للواقع وهو منتف بدليل حجية تلك الامارة ، وشك في انطباق المعلوم بالاجمال على الطرف الآخر ولم يكن لهذا الشك الاخير رافع فاذا لم يكن له رافع فيبقى المعلوم بالاجمال على حاله في مقام التأثير. فتحصل من جميع ما ذكرنا ان الانحلال الحقيقي للعلم الاجمالي فيما لو قامت حجة على أحد اطرافه غير معقول من غير فرق بين ما تكون الحجة علم تفصيلي او امارة او أصل شرعي أو عقلي.

إذا عرفت ان الانحلال الحقيقي غير معقول فيقع الكلام في الانحلال الحكمي هل هو معقول ام لا في جميع تلك الصور بمعنى ان قيام العلم التفصيلى او امارة او أصل شرعي قام على اطراف ما علم اجمالا هل يوجب رفع اليد عنه بنحو يكون رافعا لتنجزه ام لا؟ وتحقيق المقام يستدعي بيان مقدمتين.

الاولى ـ ان كل منجز يتعلق بامر هل يوجب تنجزه في الآن الذي تعلق به ام يكفي في تنجزه نفس حدوثه وبعبارة اخرى ان حدوث المنجز هل يكفي في تنجزه في الآن الثاني ام لا بد في تنجزه من بقائه بحيث لو فرض انعدامه لا يكون التكليف منجزا في ظرف انعدامه كما لم يكن منجزا قبل وجوده الظاهر هو الأول إذ كل منجز مقصور في تنجزه على وجوده فبعد انعدامه يرجع الى منجز آخر لو كان وإلا فالتكليف ليس بمنجز فلا يكفي في التنجز في البقاء صرف الحدوث

ويدل على ما ذكرنا انه لو علم بتكليف ثم شك في نسخه فانه لا اشكال في جريان الاستصحاب إذ لم يتوهم أحد بجريان البراءة والاحتياط ولو كان حدوث المنجز كافيا في التنجيز فلا بد للاصحاب من جريان الاحتياط. فمن ذلك يظهر ضعف ما ذكره الاستاذ في الكفاية من ان قيام المنجز على احد الاطراف فالذي علم اجمالا بتكليف يسقط العلم عن المنجزية من اول الامر ، وبيان ضعفه ما عرفت ان قيام كل منجز إنما يؤثر في الآن الذي هو فيه لا قبله ولا بعده ، وعليه يكون قيام المنجز على احد الاطراف إنما يمنع تأثير العلم من زمان قيامه لا من زمان قيام العلم.

المقدمة الثانية ان اثر الطبيعة إنما يكون مستندا اليها لو كان الاثر مترتبا على تقدير وجوده في هذا الفرد وذاك الفرد ، واما لو كان الأثر مترتبا على هذا الفرد على تقدير حلول الطبيعة في هذا الفرد دون ذاك الفرد فيستكشف بانه ليس لخصوص الطبيعة بل كان الاثر مترتبا على الطبيعة التوأم مع أحد الخصوصيتين ، نظير ذلك ما اذا كان شيء علة في التأثير في الجامع بنحو يكون علة تامة في التأثير لو كان الجامع اينما حل يكون ذلك علة تامة ، وأما لو كان علة تامة على تقدير حلول الجامع في فرد دون ذاك يستكشف انه لم يكن علة تامة للجامع بل كان للحصة من الطبيعة التي هي توأم مع أحد الخصوصيتين.

إذا عرفت ذلك فاعلم ان العلم الاجمالي لما اقترن معه العلم التفصيلي قد تعلق باحد الاطراف او اقترن بامارة او أصل شرعي أو عقلي لا يكون العلم الاجمالي المتعلق بالطبيعة القابلة للانطباق على كل من الطرفين منجزا بل كان تنجيزه على تقدير دون تقدير فعلى تقدير كونه في غير ما قام عليه العلم التفصيلي أو امارة أو اصل يكون منجزا وعلة تامة ، واما على تقدير كونه في ضمن ما قام عليه العلم التفصيلي او امارة أو أصل يكون جزء المؤثر لاتمام المؤثر

فيسقط العلم عن المؤثرية لان شرط مؤثريته ان يكون مؤثرا على كل تقدير وهنا على تقدير دون تقدير.

فظهر مما ذكرنا ان قيام منجز يوجب الانحلال الحكمي لا الحقيقي من غير فرق بين ان يكون المنجز مقارنا او متقدما او متأخرا.

ومما ذكرنا يظهر ضعف ما ذكره الشيخ الانصاري (قده) في فرائده من الانحلال الحقيقي لو قام علم تفصيلي والانحلال الحكمي لو قامت امارة او أصل لما عرفت من عدم معقولية الانحلال الحقيقي ، وان كان من جهة التقارن والتقدم والتأخر فان ذلك لا يوجب فرقا فيما نحن فيه إلا انه ربما يدعى الفرق بين التقدم والتقارن وبين التأخر بناء على ان حدوث المنجز يكفي في المنجزية بحسب البقاء بدعوى انه مع تأخر المنجز يكون العلم الاجمالي منجزا ومع تنجزه يمنع من تنجز المتأخر فلا يكون موجبا للانحلال إلا انك قد عرفت فساد المبنى.

وبالجملة انه لا وجه لدعوى لدعوى الانحلال الحقيقي فيما لو قام العلم التفصيلي على أحد الاطراف والحكمي فيما لو قامت امارة أو اصل لعدم الفرق بينهما ان قلنا بان قيام المنجز يوجب رفع اليد عن العلم الاجمالي فان ذلك يوجب الانحلال الحكمي من غير فرق بينهما. اللهم إلا ان يقال ان قيام العلم التفصيلي يوجب الانحلال الحقيقي بتقريب ان العلم التفصيلي إنما يتعلق بالطبيعة والخصوصية ، ومتعلق العلم الاجمالي نفس الطبيعة ، والخصوصية خارجة عن المتعلق فمع قيام التفصيلي على احد الاطراف يعين متعلق العلم الاجمالي في ضمن تلك الخصوصية التي صارت متعلقة للعلم التفصيلي قهرا حينئذ لا تبقى الطبيعة المطلقة القابلة للانطباق على الاجمال بل تنطبق على الخصوصية قهرا فيتخذ العلمان في شيء واحد وذلك يوجب الانحلال الحقيقي ولكنك قد عرفت ان متعلق العلم التفصيلي ليس الطبيعة مع الخصوصية وإنما الطبيعة الملحوظة مع الخصوصية بنحو تكون توأم معها فلم تكن من

الطبيعة السارية بخلاف الطبيعة المعلومة بالاجمال وإنما هي طبيعة سارية مطلقة فعليه كيف يكون متعلق العلم التفصيلي معينا لذلك الاجمال ، ولو امكن القول بالانحلال الحقيقي في صورة قيام العلم التفصيلي فاي فرق بين الصور الثلاثة فما فرق به الشيخ الانصارى في غير محله هذا على القول بالانحلال الحقيقي.

واما على ما هو المختار من عدم معقولية الانحلال الحقيقي والقول بالانحلال الحكمي ربما يقال بانه لا فرق بين انحاء الطرق بل حتى في الاصول المثبتة لاشتراك الجميع في تحقق ملاك الانحلال الحكمي إذ قيام منجز في أحد الاطراف باي نحو كان المنجز يوجب خروج العلم الاجمالي عن تمام التأثير لما عرفت من عدم تحمل تكليف واحد لتنجيزين ومع خروجه عن تمام المؤثرية فلا يكون مستقلا في التأثير نعم يكون تأثيره على تقدير دون تقدير وذلك مشكوك من اول الامر إذ لا يكون التكليف على ذاك التقدير متعلقا للعلم فما هو المعلوم الذي هو الجامع القابل للانطباق على كل واحد من الافراد غير قابل للتأثير وما هو القابل الذي هو الجامع المنطبق على الطرف الآخر لا يكون من أول الأمر معلوما لعدم تحقق القابلية على الانطباق على الطرف المعلوم بالتفصيل كما انه لا فرق بين كون ما قام عليه الطريق سابقا وبين ما هو مقارن إذ كونه سابقا لا يكون منشأ للانحلال إلا باعتبار بقائه الى حدوث العلم الاجمالي لان المنجز لا يكون حدوثه منجزا الى الابد بل منجزيته ما دام باقيا فلو كان حادثا ثم ارتفع تنجزه لا يوجب انحلاله فلا بد من أن يكون موجبا للانحلال إذا بقى على التنجيز ما دام منجزا حال حصول العلم الاجمالي فيرجع الى المقارن. واما اذا كان المنجز متأخرا عن العلم الاجمالي فقد وقع الكلام في انه يوجب الانحلال ام لا الظاهر عدم كونه موجبا للانحلال إذ العلم الاجمالي عند حدوثه قد أثر في التنجيز في جميع الاطراف والمنجز المتأخر غير قابل لرفع ما تقدمه من التنجيز اللهم ان يقال بناء على

ما ذكرنا من حدوث المنجز إنما يمتنع من تأثيره حين قيامه لا قبله فعليه يكون العلم الاجمالي علة للاشتغال بالتكليف المردد الى الابد ودوران تأثيره في كل آن مدار وجوده في ذاك الآن وبقائه على صفة تأثيره فالعلم التفصيلي ولو كان تعبديا بالتكليف في الطرف المعين من حين وجوده يكون من قبيل العلم المقارن فيمتنع عن استقلال العلم الاجمالي في مقام التنجيز فيسقط العلم الاجمالي عن التأثير في الجامع ، فعليه لا تجب رعاية الاحتياط في الطرف الآخر ، ولكن لا يخفى ان ذلك وان كان يوجب الانحلال إلا انه عندنا علم اجمالي آخر غير منحل يسمى بالتدريجي تارة وبالمورب اخرى.

بيان ذلك هو انا نعلم بنجاسة اناء مردد بين اناء زيد واناء عمرو مثلا ويفرض ذلك في ثلاثة اوقات اول الصبح ، وأول الزوال ، وأول الغروب فيكون عندنا ثلاثة علوم اجمالية حسب تعدد الوقت على نحو التدريج فحينئذ مقتضى تحقق العلم الاجمالي في الاوقات الثلاثة يجب الاجتناب عن الاناء المردد بين اناء زيد واناء عمرو وهذا العلم ينحل الى علوم عرضية وطولية اما العرضية فهي ثلاثة : علم اجمالي مردد بين الإناءين في أول الصبح ، وأول الظهر وأول الغروب وطولية وهي علم اجمالى مردد بين اناء زيد في اول الصبح ، وبين اناء عمرو في أول الظهر. أو بين اناء زيد أول الظهر مع اناء زيد اول الغروب ، او بالعكس الى غير ذلك من العلوم الاجمالية المسماة عند بعض (بالمورب) فلو قام منجز كالعلم التفصيلي او امارة او اصل على نجاسة اناء زيد في اول الزوال يسقط العلم الاجمالي الذي كان في حين قيام المنجز الذي هو عبارة عن العلم الاجمالي في اول الزوال بنجاسة اناء زيد مردد بين الإناءين الذي هو من العلوم العرضية ولا يسقط العلم الاجمالي وبين اناء زيد في اول الصبح واناء عمرو اول الزوال الذي هو من العلوم الطولية التدريجية فانه يبقى على تنجز العلم الاجمالي لما عرفت من عدم صلاحية المنجز

التفصيلي للتأثير في تنجيز العلوم السابقة لسبق تأثيره وتنجيزه فان العقل لما حكم بالاشتغال استدعى الجزم بالفراغ ما دام العلم باقيا وعدم انقلابه بالشك البدوي بالحدوث بنحو يكون من الشك السارى.

وبالجملة قيام المنجز في اول الزوال على نجاسة اناء زيد لا يرفع وجوب الاجتناب عن اناء عمرو في اول الزوال إذ قيامه اوجب زوال العلم الاجمالي العرضي وهو انا نعلم بنجاسة أحد الإناءين في أول الزوال ، واما العلم الاجمالي بنجاسة اناء زيد في أول الصبح وبين اناء عمرو أول الزوال لم يرتفع لعدم قيام المنجز على أحد طرفي هذا العلم الاجمالي التدريجي فيكون باقيا على تنجزه والحاصل انه لو قلنا بعدم معقولية الانحلال الحقيقي وان قيام المنجز إنما يمنع عن تنجزه لا عن وجوده فهو وان كان قيامه تفصيلا يمنع عن تأثيره وتنجيزه إلا ان ذلك يرفع العلم الاجمالي مع قيامه على اطرافه واما مع عدم قيامه على أحد اطرافه كما فرض ذلك في العلم الاجمالي التدريجي فلا يكون موجبا لسقوط مثل ذلك العلم الاجمالي فيبقى على تأثيره فيجب الاحتياط في الطرف الآخر.

فظهر مما ذكرنا انه مع القول بالانحلال الحكمي كما هو الحق يجب الاحتياط عن الطرف الآخر لوجود العلم الاجمالي التدريجي المسمى بالمورب اللهم إلا ان يقال بعدم تنجز العلم الاجمالي المورب أي التدريجي لدورانه بين ما هو محل للابتلاء وما هو خارج عن محل الابتلاء فان العلم الاجمالي بنجاسة اناء زيد في اول الظهر الذي هو خارج عن محل الابتلاء واناء عمرو في أول الصبح الذي هو خارج عن محل الابتلاء فان مثل هذا العلم الاجمالي بخروج بعض اطرافه ليس بمنجز إذ من شرط تنجزه أن تكون جميع اطرافه محلا للابتلاء وهذا الشرط ليس مختصا بالعلم المورب بل يجري في جميع أقسام العلم الاجمالي في ان شرط تنجزه ان

تكون جميع الاطراف محلا للابتلاء من غير فرق بين أن تكون العلوم عرضية أو تدريجية ، ولكن لا يخفى ان الخروج عن محل الابتلاء إنما يضر بتنجز العلم لو كان حاصلا من غير جهة الاطاعة والعصيان واما لو كان ناشئا من جهة الاطاعة والعصيان لا يضر بتنجز العلم الاجمالي كما في المقام.

بيان ذلك ان ما يكون حاصلا من غير جهة الاطاعة والعصيان إنما يكون مضرا بمقام الاشتغال ويكون مانعا عن تنجز التكليف بخلاف ما يكون ناشئا من جهة الاطاعة والعصيان فانما يكون مانعا ومضرا بمقام الفراغ من غير جهة التنجز نظير جعل البدل على ما هو التحقيق بانه يضر بعالم الفراغ لا بعالم الاشتغال.

وبالجملة حصول الخروج عن العهدة ان كان قبل العلم الاجمالي يكون مانعا من التنجز واما لو كان حاصلا بعد العلم الاجمالي فلا يضر بتنجزه وبعد معرفة ما ذكرنا فاعلم ان قيام المنجز على بعض اطراف العلم الاجمالي فان كان قبل العلم الاجمالي فيمنع من تنجزه مع بقاء ذلك المنجز الى حين حدوث العلم الاجمالي ليكون من قبيل المقارن الذي هو معلوم عدم تنجزه وإلا فلا إلا أن يكون هناك علم اجمالي مورب وعند التأمل يكون المنجز لم يقم على احد اطراف ذلك العلم الاجمالي التدريجي المسمى بالمورب فكون العلم من المورب هو الفارق بين كون المنجز قبل العلم أو بعده.

ومما ذكرنا ظهر حال ما لو اضطر الى بعض الاطراف او تلف بعضها فانه يجب رعاية الاحتياط في الطرف الآخر وليس ذاك إلا من جهة العلم الاجمالي التدريجي الموجب لكون جميع الآنات الباقية من اطراف العلم الاجمالي.

وبالجملة العمدة في المقام وباب الاضطرار والتلف هو رعاية الاحتياط في الطرف الآخر لأجل العلم الاجمالي التدريجي المردد بين ثبوت التكليف في الآن الاول في طرف وبين بقائه في الآنات الباقية لحكم العقل بمثله بالاشتغال بمتعلقه

المردد بينهما فيجب الاحتياط في الطرف الآخر ولو حصل الشك في السقوط إذ العقل لا يعتني بالسقوط مع العلم بالاشتغال بل يستدعي الفراغ اليقيني بعد تحقق اليقين بالاشتغال.

ومما ذكرنا من مؤثرية العلم الاجمالي المورب هو الذي اقتضى الاجتناب عن الطرف الآخر انه لا وجه لدعوى الفرق بين قيام الامارة والأصل بتقريب ان الامارة دالة على احتمال الخلاف فتدل على تعيين المعلوم بالاجمال في مؤداها بخلاف الاصول فان لسانها ترخيص فلا يوجب انحلال العلم الاجمالي وحاصل الفرق ان دليل اعتبار الامارة تدل بالدلالة الالتزامية على تعيين المعلوم بالاجمال في مؤداها بخلاف الاصل فانه ليس له تلك الدلالة بل ربما يقال ان الاصحاب جوزوا قيام الامارة على احد اطراف العلم الاجمالي ومنعوا من جريان الاصل في أحد الاطراف ببيان ان الامارة يستفاد منها تلك الدلالة الالتزامية فيوجب انحلاله بخلاف الأصل فانه غير متضمن لتلك الدلالة وان العلم الاجمالي علة للتنجز فلذا لا يمكن جريان الاصل في أحد الاطراف ولاجل ذلك صار منشأ للقول بالانحلال عند قيام الامارة وعدم الانحلال عند جريان الأصل ولكنك قد عرفت ان منجزية العلم الاجمالى في التدريجات يوجب الاجتناب عن الطرف الآخر وذلك موجب لعدم انحلاله الى علم تفصيلي وشك بدوي.

ثم لا يخفى ان محل الكلام في انحلال العلم الاجمالي لو تقارن معه العلم التفصيلي فيما إذا لم يكن ناشئا منه ، واما لو كان ناشئا منه كما لو علمت تفصيلا بوجوب الطهارة وكان ناشئا من العلم الاجمالي بالوجوب المردد بين كون الوجوب مقدمة للصلاة او وجوبا نفسيا فلا يوجب العلم التفصيلي المتولد من العلم الاجمالي انحلال العلم الاجمالي ولو كان مقارنا إذ العلم الاجمالي في هذا الفرض هو علة لتحقق العلم التفصيلي ومع كونه علة يلزم ان يكون مقدما عليه طبعا

فالاثر يستند الى العلة لتقدمها على المعلول فلا تصل النوبة الى المعلول لكي يكون موجبا للانحلال. إذا عرفت بان العلم الاجمالي المقارن للعلم التفصيلي يوجب الانحلال والمتأخر لا يوجب الانحلال بالبيان السابق فربما يقال بتمامية استدلال الاخباريين بدليل العقل حيث ان العلم الاجمالي بوجود تكاليف واقعية يكون منجزا ولا ينحل بالعلم التفصيلي بالمحرمات بمقدار المعلوم بالاجمال لتأخره عنه إذ لم يحصل ذلك إلا بتتبع الاخبار وملاحظة الاجماعات والاصول المثبتة للتكاليف فيكون هذا العلم التفصيلي متأخرا عن العلم الاجمالي ومع فرض تأخره لا يوجب الانحلال ويكون منجزا فيجب الأخذ بالاحتياط فيما لم تكن هناك امارة تدل على الحرمة.

وبالجملة الاحتياط يجب في كل ما يشك في كونه من المحرمات بعد حصول العلم التفصيلي بمقدار من المحرمات وبذلك يتم دليل الاخباري على وجوب الاحتياط في الشبهات الحكمية التحريمية ولكن لا يخفى ان ذلك في محل المنع إذ في المقام منجز متحقق مقارن مع العلم الاجمالي بنحو يمنع تأثيره وتنجزه وهو حكم العقل بمنجزية الاحتمال بمناط الشبهة قبل الفحص وحينئذ يكون العلم الاجمالي مع هذا الاحتمال كالعلم الاجمالي المقارن مع العلم التفصيلي فكما ان مقارنة العلم التفصيلي يوجب انحلاله ولا يجعله مؤثرا فكذلك الاحتمال في الشبهة قبل الفحص فانه يوجب انحلاله لكونه من المنجز المقارن الموجب للانحلال فتكون الشبهة بعد الفحص من الشبهات البدوية التي هي من موارد جريان البراءة وبذلك تعرف ان الشبهات بعد الفحص ليست من اطراف العلم الاجمالي المنجز إذ الاحتمال اسقط تنجزه فلا تجب رعاية العلم الاجمالي لانحلاله الى مؤديات الطرق التي حصلت بالفحص وشك بدوي وهي الشبهات التي حصلت بعد الفحص فيكون حينئذ من موارد جريان البراءة فلا تغفل.

الوجه الثانى من دليل العقل هو ان احتمال التكليف الوجوبي أو التحريمي مساوق لاحتمال الضرر على مخالفته فيحكم بدفع الضرر المحتمل وقد جعل ذلك اصلا قال الشيخ الانصاري (قده) ما لفظه ان الاصل في الافعال غير الضرورية الحظر كما نسب الى طائفة من الامامية فيعمل به حتى يثبت من الشرع الاباحة ولم يرد فيما لا نص فيه وما ورد على تقدير تسليم دلالته معارض بما ورد من الامر بالتوقف والاحتياط فالمرجع الى الاصل (١) وقد أجاب (قده) بما حاصله ان الضرر ان

__________________

(١) وقد أجاب المحقق الخراساني بثلاثة اجوبة :

الاول ـ أن الاستدلال بما هو محل الخلاف والاشكال ... الخ. وحاصله ان الاستدلال بمثل ذلك مصادرة لا يصار اليها وإلّا لصح الاستدلال على البراءة بان الاصل في الاشياء الاباحة حتى يرد النهي كما هو مفاد كل شيء مطلق حتى يرد النهى.

الثاني ـ انه ثبتت الاباحة شرعا لما عرفت من عدم صلاحية ما دل على التوقف ... الخ. وحاصله اعتراض على قول المستدل بانه لو سلمنا ان الاصل في الافعال غير الضرورية هو الحظر حتى يثبت من الشرع الاباحة فنقول انه ثبتت الاباحة بالادلة الدالة على البراءة من الآيات والروايات.

الثالث ـ انه لا يستلزم القول بالوقف في تلك المسألة للقول بالاحتياط في هذه المسألة ... الخ.

بيان ذلك ان النزاع في تلك المسألة في حكم العقل عند النظر الى نفس الشيء باعتبار كونه مشتملا على المصلحة مع قطع النظر عن العناوين الثانوية وفي هذه المسألة في حكم العقل باعتبار كونها من العناوين الثانوية فالوقف هناك لا يستلزم الوقف في هذه المسألة إذ من المعلوم ان العقل يتوقف عن الحكم

كان هو العقوبة فنمنع الصغرى لاستقلال العقل بدفعها لقبح العقاب من دون بيان وان كانت غيرها فنمنع الكبرى لعدم وجوب دفعها فيما إذا لم تدخل تحت عنوان المؤاخذة المترتبة على الجهل إذ العقل لا يحكم بوجوب الاحتراز عن المضرة الدنيوية بل جوزوا الاقتحام في بعض الموارد إذا كانت لبعض الدواعي

__________________

بالاباحة أو الحظر بالنظر الى نفس الشيء بعنوانه الاولى وذلك لا يستلزم توقفه عن الحكم بذلك بالنظر لعنوانه الثانوى فيجوز ان يحكم بالبراءة لقاعدة قبح العقاب من دون بيان.

ثم ان المحقق النائيني (قده) منع من كون الاصل في الاشياء الحظر وقال بان الاصل فيها الاباحة واستدل عليه بعموم قوله تعالى : (خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً) وقد اشكل بعض في شرحه على الرسائل بان الاستدلال بالآية على الاصل المذكور محل نظر بما حاصله ان الظاهر منها ان هذه المخلوقات كانت لبنى آدم من جهة الآثار التكوينية وإلا يلزم تخصيص الاكثر إذ المحللات قليلة بالنسبة الى المحرمات ولكن لا يخفى ما فيه اذ مقتضى عموم الآية تشمل الآثار التكوينية والآثار التشريعية فلا مانع من التمسك بها للاصل المذكور فعليه لا وجه لدعوى اختصاصها بالآثار التكوينية والناظر الى تفسير الآيات يجد صدق ما ادعيناه من الاخذ بعمومها ولا يؤخذ بتخصيصها إلا مع دليل يدل عليه ولو كان رواية وقد شاع تخصيصها بالروايات الواردة من الأئمة سلام الله عليهم ولا يلزم كثرة التخصيص بناء على هذا التعميم لدخول اكثرها تحت عنوان يكون بذاك العنوان مخصصا وكيف كان فدعوى التخصيص من دون دليل عليه يكون من التفسير بالرأي والامور الاستحسانية او الاعتبارات لا توجب ظهورا لكى يؤخذ بها كما لا يخفى ، التحقيق ان مسألة الحظر والاباحة مع مسألة البراءة

النفسانية وعلى تقدير استقلال العقل فالمقام يكون من الشبهات الموضوعية التي يجب التحرز عنها عند الجميع. على انه بالنسبة الى الضرر المتدارك لا يجب التحرز عنه.

المسألة الثانية : فيما لو شك في حرمة شيء من جهة اجمال النص فنقول : ان الاجمال تارة يكون ناشئا من اجمال الهيئة كما لو تعقب النهي عقيب توهم الوجوب لتردده بين دلالته على التحريم أو غيره ، واخرى يكون الاجمال في المادة من حيث الاطلاق والتقييد كما لو علم بحرمة المسكر وشك في كونه في خصوص الخمر المسكر ، أو مطلق المسكر ، وثالثة يكون الاجمال ناشئا من المادة من حيث اجمال المفهوم كالغناء. فان الغناء مردد بين أن يكون الصوت المطرب

__________________

او الاحتياط مختلفان موضوعا ومحمولا وملاكا واثرا ومع هذا الاختلاف كيف يقال بان الحكم في احدهما يستلزم الحكم في الآخر.

بيان ذلك ان الموضوع في مسألة الحظر والاباحة هو الفعل بذاته مع قطع النظر عن ورود الحكم الشرعي والموضوع في مسألة البراءة والاحتياط هو قبح العقاب في البراءة ودفع الضرر في الاحتياط واما ملاكا ففي الحظر ان العقل يحكم بان العبد مملوك لله تعالى وناصيته بيده فلا يصح ان يتصرف إلا باذنه اذنا مالكيا فلو فعل مع عدم الاذن يخرج عن زي الرقية فيكون فعله قبيحا مذموما عند العقلاء ، وملاك الاباحة ان الفعل مع عدم الاذن لا يوجب الخروج عن زي الرقية لعدم وصول التكليف اليه إذ لا تكليف لكي يتحقق المنع واما اختلافهما محمولا فالمحمول هو الحظر والاباحة في المسألة الاولى ونفي العقوبة وايجاب الاحتياط في الثانية وقيل في الاولى واقعية وفي الثانية ظاهرية واما اختلافهما اثرا فلان الحظر في المسألة الاولى من حيث كونه خروجا عن زي الرقية لعدم الاذن المالكي فهو معاقب على أى حال بخلاف الاحتياط في المسألة الثانية فانه من حيث تنجيز التكليف فيدور مدار مصادفة الواقع على تفصيل ذكرناه في حاشيتنا على الكفاية.

مع الترجيع ، أو مطلق الصوت المطرب ، وعلى كل ان متعلق النهي تارة يكون الطبيعة السارية فينحل النهي المتعلق بالطبيعة السارية الى نواهي عديدة بنحو يكون كل واحد لا ربط له بالآخر ، واخرى يكون النهي يتعلق بصرف الوجود بنحو يكون عصيانا واحدا واطاعة واحدة بخلاف الاول فانه يكون لكل فرد من افراد النهي له اطاعة وله عصيان.

إذا عرفت ذلك فاعلم ان جميع ما ذكر في الشبهة التحريمية الحكمية من جهة فقد النص يجري هنا من دون فرق بينهما سوى ما يتوهم بان النهي إذا كان بنحو الاخير يكون المطلوب صرف الوجود فيكون المطلوب وجوب الاجتناب عن كل ما يحتمل كونه فردا من افراد الطبيعة المنهي عنها ، وهو عبارة عن القول بالاحتياط ، وقد اجاب الاستاذ (قده) في الكفاية بما حاصله ان التكليف إنما يكون منجزا فيما دل عليه الخطاب ، لو لم يكن هناك قدر متيقن وإلا يكون الزائد عليه عقابا بلا بيان والمؤاخذة عليه بلا برهان ، هذا ويمكن تقرير الاشكال على وجه لا يرد عليه ما ذكره الاستاذ (قده) وهو انه لو بني على النحو الثاني وهو ان يكون متعلق النهي صرف الوجود ، فيكون اطاعة واحدة وعصيانا واحدا ، فالشك فيه يكون من الشك في القدر الواجب ، أي شك في تحقق المتعلق ، فيجب الاجتناب فيه لان الشك يكون في الخروج عن العهدة بعد العلم باشتغال الذمة وشغل الذمة اليقينية يستدعي الفراغ اليقينى ، اللهم إلا ان يقال بان صرف الوجود عبارة عن قابلية الانطباق على الكثير أو القليل ، إلا انه إذا انطبق على القليل يكون عين القليل ، واذا انطبق على الكثير يكون عين الكثير فيرجع الشك في فردية ما في الخارج للطبيعة الى الشك في شمول متعلق التكليف بنحو يسع هذا المشكوك ام لا؟ ومرجع ذلك الى الشك في التكليف الذي هو مجرى البراءة ، ولا يكون المقام من الشك في المحصل ، بل هو

اجنبي عنه ، إذ الشك في المحصل شك في تحصيل الواجب الموجب لتحصيله باليقين ، إذ اشتغال الذمة اليقينية ، تستدعي الفراغ اليقيني ، وليس المقام من ذاك القبيل لرجوعه الى الشك في التكليف الذي هو مجرى للبراءة ، وبالجملة جميع افراد ما يكون الاشتباه لاجل اجمال النص ، تجري فيه البراءة ، إلا ما كان اجمال المتعلق من قبيل دوران الامر بين المتباينين ، فانه مجرى لقاعدة الاشتغال وسيأتي ان شاء الله تعالى مزيد توضيح في قاعدة الاشتغال.

المسألة الثالثة ـ فيما لو شك في حرمة شيء لاجل تعارض النصين والكلام فيها تارة مع عدم ملاحظة الاخبار العلاجية واخرى مع ملاحظتها اما على الاول فالقاعدة تقتضي فى مورد التعارض التساقط ومع التساقط تكون هذه المسألة من صغريات فقد النص والحكم فيها كما ذكرنا في تلك المسألة إذ المناط فيها فقد الحجة من غير فرق بين ان لا يكون نص اصلا او سقط عن الحجية بالتعارض واما على الثاني فينبغى ان لا تعد هذه المسألة من مسئلة اصل البراءة لان مجراها في ظرف عدم البيان والعمل بالترجيح او التخيير ليس عملا من دون دليل.

بيان ذلك ان كان في احد الخبرين مزية وخصوصية فيؤخذ بها ويعمل على طبقها وذلك ليس عملا من غير دليل لكي تجرى البراءة كما ان الاخذ بالاحتياط ليس الاخذ به من غير دليل على ان الاحتياط ليس مرجعا بل يؤخذ به لاجل كونه مرجعا لاحد الخبرين فيكون عملا بالخبر الموافق فلا يكون من موارد عدم الدليل لكي يكون الاخذ بالاحتياط مؤيدا للقول بالاحتياط في تلك المسألة نعم لو كان الاخذ بالاحتياط مرجعا بمعنى عدم العمل بالخبرين وطرحهما يؤخذ به فحينئذ يندرج المقام بمسألة فقد النص وان لم يكن في أحد الخبرين مرجح فيحكم التخيير وليس ذلك عملا من دون دليل

ولا تجري البراءة لعدم كونها من موارد عدم الدليل لقيام الدليل على التخيير فيما نحن فيه مع عدم المرجح ولم يحكم بتساقط الدليلين لكي يندرج المقام تحت مسألة فقد النص وان كان المقام مع قيام الدليل على التخيير نتيجته نتيجة أصل البراءة إلا انه ليس من مواردها على انه ربما يقال باختلاف النتيجة ايضا اذ التخيير في المقام هو التخيير الابتدائي لكونه تخييرا في المسألة الاصولية والتخيير في مسألة البراءة تخيير استمراري لكونه تخييرا في المسألة الفرعية فكم فرق بين المسألتين.

هذا كله بناء على ان التخيير والترجيح يجري في مطلق المتعارضين واما على ما هو المختار من انهما في خصوص تعارض الخبرين فحينئذ يدخل تعارض الآيتين أو الاجماعين تحت المسألة المذكورة فافهم وتأمل.

الشبهة الموضوعية

المسألة الرابعة فيما لو شك في الحكم الشرعي من جهة الاشتباه في الموضوع الخارجي كما لو شك في مائع خاص انه خمر ام خل؟ فلا خلاف حتى عند الاخباريين بان مقتضى الاصل هي الاباحة وتجري البراءة بالنسبة الى الحرمة المشكوكة وعليه تدل جميع الأدلة المتقدمة من الكتاب والسنة والاجماع والعقل بل بعضها ظاهرة الاختصاص بالشبهة الموضوعية كرواية مسعدة بن صدقة هذا ولكن الشيخ الانصاري (قده) حكي عن بعض المحققين جريان البراءة في الشبهات الحكمية وعدم جريانها في الشبهات الموضوعية بما حاصله ان الشك في الشبهة الموضوعية ليس في توجه الحكم وإنما الشك في مقام الامتثال والتطبيق فلا بد من الرجوع الى الاحتياط بخلاف الشك في الحكمية فان الشك راجع الى نفس التكليف فيكون

من موارد جريان البراءة وقد دفع هذا التوهم بما حاصله ان النهي عن الخمر كان بنحو الكبرى الكلية الذي أوجب تنجز حرمة جميع الصغريات المعلومة تفصيلا أو اجمالا فالاجتناب عن الاول لا يحتاج الى المقدمة العلمية بخلاف الثاني فانه يحتاج الى المقدمة العلمية التي هي اطراف العلم الاجمالي فما احتمل خمرية شيء لما لم تكن معلومة تفصيلا وليس من اطراف المعلوم اجمالا فلم يكن النهي منجزا بالنسبة اليه لكي يجب الاجتناب عنه فيكون من موارد جريان البراءة وحيث ان كلامه لا يتم على الاطلاق لذا عدل الاستاذ (قده) في الكفاية بما حاصله ان النهي عن الشيء على قسمين فتارة يكون انحلاليا بنحو يكون كل فرد من افراد الطبيعة محكوما بحكم مستقل واخرى لا يكون انحلاليا بل يكون حكما واحدا متعلقا بمجموع التروك وعلى الاول يكون الشك في انطباق الطبيعة على الموضوع الخارجي فيكون الشك في محتمل فرديته من الشك في التكليف الذي هو مجرى البراءة وعلى الثاني ان التكليف قد تعلق بترك الطبيعة وذلك لا يحرز امتثاله إلا بترك كل ما يحتمل فرديته تحصيلا للقطع بفراغ الذمة.

بيان ذلك ان متعلق النهي تارة يكون بنحو الطبيعة السارية ، واخرى يكون بنحو صرف الوجود فان كان على الاول فلا اشكال في ان ما شك في كونه من متعلق النهي موردا لجريان البراءة من غير فرق بين ان يكون الاشتباه في الامور الخارجية ، كما هو فيما نحن فيه ، او الاشتباه في الحكم لاجل فقد النص ، أو اجماله ، إذ النهي المتعلق في الطبيعة السارية ينحل الى نواه متعددة ، فتكون المسألة من صغريات دوران الأمر بين الاقل والاكثر ، ففي الأقل يؤخذ به ، وفي ما عداه تجري البراءة ، وان كان النهي على النحو الثاني بان يكون علي نحو صرف الوجود ، فيمنع من جريان البراءة ، إذ مرجعه الى الشك في المحصل ، لان ترك الطبيعة لا يحصل إلا من مجموع التروك ، فالشك في فرد يكون شكا في

المحصل ، ولا اشكال في جريان قاعدة الاشتغال ، لانه يكون من الشك في الخروج عن العهدة ، بعد اشتغال الذمة قطعا ، وشغل الذمة اليقينية يستدعي الفراغ اليقيني ، اللهم إلا ان يقال : بان ترك الطبيعة ليس أمرا بسيطا يحصل من مجموع التروك بل هو نفس التروك ، فكما ان وجود الطبيعي عين افراده كذلك ترك وجود الطبيعي عين ترك تلك الافراد ، فمرجع الشك في فرد الطبيعة الى الشك في سعته فحينئذ يكون من دوران الامر بين الاقل والاكثر فيؤخذ بالاقل ويترك الاكثر المشكوك لكونه من الشك في التكليف فيكون العقاب عليه عقابا من دون بيان (١) هذا بالنسبة الى النهي. واما بالنسبة الى الأمر

__________________

(١) هذا في التكليفي التحريمى واما في الحكم الوضعى بان يستفاد من النهي الشرطية تارة والمانعية اخرى وعلى الثاني فتارة يكون النهى انحلاليا واخرى صرف الوجود وثالثة أمر بسيط يحصل من جميع التروك فان كان على النحو الاول فمرجعه الى الشك في الشرطية وذلك يحتاج الى احراز ولا يحصل إلا باتيان ما تيقن بحصول الشرطية وحينئذ يكون من موارد جريان قاعدة الاشتغال كما انه على النحو الاخير يكون من الشك في المحصل إذ العدم البسيط الحاصل من مجموع التروك لا يحصل إلا بترك جميع ما يحتمل انه منهى عنه وهو من موارد قاعدة الاشتغال واما على الوجه الاول من المانعية يكون مرجعه الى الشك في تعلق النهي لفرض ان النهي كان بنحو الانحلال فيكون من الشك في المانعية ومن الواضح انه من موارد البراءة لكونه من الشك في التكليف وهكذا على الوجه الثاني منها إذ مرجعه الى الشك في تعلق التكليف به بمعني انا نشك في كون الترك المشكوك مما اعتبر ضمه الى بقية التروك فيكون من الشك في تعلق التكليف الضمنى وهو من موارد جريان البراءة إذ مجراها الشك في التكليف من غير فرق بين كونه استقلاليا أو ضمنيا.

فتارة يكون المتعلق هو صرف الوجود واخرى يكون المتعلق الطبيعة السارية فان كان على النحو الاول يكون التكليف قد تعلق بصرف الوجود ، فالشك في تحققه يكون من الشك في الخروج عن العهدة ، وذلك مجرى للاشتغال للاستقلال العقل بالاتيان به والخروج عن عهدته بعد العلم باصل الخطاب من دون اجمال في ناحية الحكم والتكليف ، ولا من ناحية الموضوع والمتعلق هذا إذا لم يكن له تعلق بموضوع خارجى ، اما إذا كان له تعلق بموضوع خارجى فان كان التكليف مطلقا

__________________

إذا عرفت ذلك فاعلم ان النزاع المعروف في اللباس المشكوك كونه مما لا يؤكل لحمه هل تصح فيه الصلاة ام لا؟ مبني على ما ذكرنا فان قلنا بالشرطية بمعنى انه يشترط في الصلاة ألا يكون مما لا يؤكل لحمه ، فيجب احراز ذلك بخلاف ما لو قلنا بالمانعية بناء على الانحلال فانه لا يجب احراز كونه مما يؤكل بل نفس الشك يوجب ان يشك في تعلق النهي وهو من الشك في التكليف الذي هو من موارد جريان البراءة قيل بالاول استنادا الى ما ورد في ذيل رواية ابن بكير (لا يقبل الله تلك الصلاة حتى يصليها في غيره مما قد أحل الله اكله فان الظاهر منها اعتبار المأكولية فحينئذ يجب احراز ذلك ولكن لا يخفى ان ذيلها وان كان ظاهرا في الشرطية إلا ان صدرها مع بقية الروايات ظاهرة في المانعية والذيل يحمل على ان الصلاة الواقعة في اجزاء الحيوان بعد الحكم بالبطلان إذا وقعت في غير المأكول فحينئذ لا بد من وقوعها في المأكول. فلذا اخترنا في الفقه ان النهي إنما هو على نحو المانعية والظاهر ان المانعية على نحو الانحلال إذ الظاهر من النواهي في المقام هو ذلك ولا ينافي كونها للارشاد إذ لا فرق في ظهور النهي في الانحلال بين كونه للارشاد وبين غيره.

وبالجملة النواهي الدالة على الحكم التكليفي التحريمي تدل على الانحلال كذلك النواهي الدالة على الحكم الوضعي المستفاد منها الارشاد كما اذا شك في

بالنسبة الى ذلك الموضوع فحينئذ يجب الاتيان به مع العلم بوجود الموضوع فى الخارج ولا يجوز العدول عنه الى غيره ، مما هو محتمل المصداقية ، إذ العقل مستقل بلزوم تحصيل الفراغ ، وحينئذ مع الشك فى محتمل المصداقية ، وانحصار الأمر به يجب الاتيان به من باب الاحتياط ، ولا يرجع الى البراءة فى مثله ، إذ جريانها إنما يكون فيما إذا شك فى أصل غرض المولى لا من قبيل الشك فى القدرة على تحصيل غرض المولى بعد الجزم بأصله.

وان كان الأمر قد تعلق بصرف الوجود فالظاهر ان القول بالاشتغال متعين بخلاف تعلق النهى بصرف الوجود لان صرف الوجود بالنسبة الى ايجاد الطبيعة لا يتصور فيها تعدد ولا يتصور فيها سعة وضيق في عالم الوجود بخلاف ترك الطبيعة فان مرجع الشك فى تركها يتصور فيه كثرة الافراد وقلتها لما عرفت من أن ترك الطبيعة عين ترك الافراد فيختلف سعة وضيقا فيندرج تحت مسألة الاقل والاكثر فيؤخذ بالقدر المتيقن وتجري البراءة فى الزائد ودعوى ان ترك الطبيعة إنما يكون بترك الافراد باجمعها فيكون الشك فى الفردية شك فى المحصل وهو مجرى لقاعدة الاشتغال فى غير محلها لما عرفت منا سابقا ان وجود الطبيعى عين وجود افراده ، كذلك عدم الطبيعى عين عدم افراده فيندرج تحت الاقل والاكثر دون ايجاد الطبيعة فان الشك فى وجود الفرد المشتبه

__________________

فرد خارجي انه من اجزاء ما يؤكل لحمه فيكون من شك في تعلق التكليف زائدا على المعلوم بالاجمال وهو من موارد جريان البراءة ولو تنزلنا وقلنا بالمانعية ولم نقل بالانحلال بل هو عبارة عن مجموع التروك فيكون الشك في المقام من الشك فى تعلق التكليف الضمني وقد عرفت انه من موارد جريان البراءة على تفصيل ذكرناه فى بحوثنا الفقهية في مسألة لباس المشكوك فلا تغفل.

شك فى المحصل ويكون من موارد جريان قاعدة الاشتغال من غير فرق بين كون القضية بنحو السالبة المحصلة كقوله لا تشرب الخمر او الموجبة المعدولة المحمولة كقوله كن لا شارب الخمر. ودعوى لزوم الاحتياط فى الثانى لرجوع الشك فى تحقق العنوان الى الشك في المحصل ومرجع ذلك الى الشك فى الامتثال فيكون من موارد قاعدة الاشتغال ممنوعة إذ القضية السالبة المحصلة ترجع الى الموجبة المعدولة وان كان فرقا بينهما ففي الموجبة المعدولة أخذ السلب فيها بنحو القيدية للربط والاتصاف به وفى السالبة المحصلة كان السلب واردا على الربط إلا ان ذلك لا يوجب فرقا فى ناحية جريان اصالة البراءة لرجوع كل واحد من القضيتين الى الشك فى التكليف حيث ان التكليف المتعلق فى كل منهما انحلاليا لما عرفت منا سابقا ان وجود الطبيعى عين وجود افراده كذلك عدم الطبيعة عين وجود اعدام كل فرد من الطبيعة فعنوان العدم فى الموجبة المعدولة ليس إلا عين افراد الطبيعة وليس عنوانا يتحصل من تلك الاعدام بنحو تكون تلك الاعدام أسبابا لتحققه فحينئذ ينحل هذا العدم الذي اخذ عنوانا لاعدام افراده فيكون الشك في مصداق هذا العدم المأخوذ عنوانا من قبيل دوران الامر بين الاقل والاكثر كما لو شك فى مصداق السلب فى السالبة المحصلة فانه يكون من ذاك القبيل غاية الامر بالنسبة الى السالبة المحصلة من الاقل والاكثر الاستقلاليين وفى الموجبة المعدولة من الاقل والاكثر الارتباطيين وعلى المختار من جريان البراءة فيهما لا يفرق بين القضيتين.

وبالجملة الفرق بين القضيتين بان في الموجبة المعدولة يكون العدم من قيود المأمور به ، وفى السالبة عين المكلف به وان كان متحققا إلا انه لا يفرق بينهما من ناحية كونهما من الاقل والاكثر غاية الامر الترديد بينهما تارة يكون فى قيود المأمور به كما فى الموجبة المعدولة واخرى فى المكلف به كما فى السالبة المحصلة

هذا فى النواهي النفسية ، واما النواهي الغيرية فتأتي تلك الصور باجمعها وقد عرفت البراءة تجري فى جميع تلك الصور ولا يخفى انه من النواهي الغيرية المستفاد منها المانعية وانها تكون انحلالية فلذا اجرينا البراءة في اللباس المشكوك وصححنا الصلاة فيما لو شك فى كونه مما لم يؤكل لحمه لعدم استفادة الشرطية من الاخبار.

الشبهة الوجوبية

المبحث الثاني في الشبهة الوجوبية (١) وهي ما لو شك في وجوب شيء

__________________

(١) ذكرنا في تقريراتنا لبحث الاستاذ النّائينيّ (قده) بان المرجع في الشبهة الوجوبية هي البراءة في غير تعارض النصين بالادلة السابقة مضافا الى موافقة الاخباريين فيما كان الاشتباه من جهة فقد النص واجماله إلا ما ينسب الى صاحب الحدائق تبعا للمحدث الاسترابادي فقال بالتوقف ، واما في الشبهة الموضوعية الوجوبية فالظاهر انه موضع وفاق وهذا مما لا اشكال فيه وإنما الكلام ان جريان البراءة في الشبهة الحكمية والموضوعية قبل الفحص فيهما ام في خصوص الشبهة الموضوعية ، واما الشبهة الحكمية فلا تجري البراءة قبل الفحص الظاهر هو الثاني لشمول اخبار البراءة للشبهة الموضوعية قبل الفحص وبعده ، واما الحكمية فلا تجري البراءة قبله لما عرفت ان الفحص مما حكم به العقل نظير حكمه بوجوب النظر في المعجزة وهل هذا الحكم من قبيل المخصص المتصل او المنفصل وجهان مبنيان على ان هذا الحكم العقلى ضروري لكى يكون من قبيل القرائن المحفوفة بالكلام فتكون من قبيل المخصص المتصل فلا ينعقد له ظهور للكلام أو نظري لكي يكون من المخصص المنفصل الذي لا يضر بظهور الكلام وكيف كان فيوجب تقييد

كالدعاء عند رؤية الهلال مثلا مع العلم بعدم حرمته فالظاهر انها من موارد جريان

__________________

تلك المطلقات بما بعد الفحص ، واما شمول أدلة البراءة لما قبل الفحص في الشبهة الموضوعية فللإطلاقات وبعض الادلة الخاصة إلا أن الكلام وقع في معنى الفحص ما هو؟

فنقول العلم الحاصل اما ان يكون من المقدمات غير الاختيارية أم لا؟ لا كلام على الاول لانه إن حصل العلم فيؤخذ به وإلا فهو مجرى البراءة ، واما القسم الثاني فتارة تحصل له مقدمات العلم كمن كان على السطح ولم يتوقف عن معرفة الفجر إلا بالنظر اليه ، واخرى لا تكون المقدمات حاضرة لديه ، اما الاول فالظاهر انه لا اشكال في عدم جريان البراءة قبل النظر الى الفجر وليس ذلك من الفحص لخروجه عن الفحص موضوعا وحكما فان الفحص عبارة عن تحصيل مقدمات العلم ولا يصدق على اعمال القوة الادراكية عند حضور مقدمته فحصا ، واما حكما فلعدم شمول اطلاقات البراءة لمثل هذه الصورة لان المعرفة التي أخذت مغياة للبراءة لا نشمل ما إذا حضرت عنده المقدمة بنحو لا يتوقف إلا على أعمال الفكر ، فلو تنزلنا فالاحوط عدم الافتاء بالجواز.

واما عدم وجوب الفحص فيما اذا احتاجت المقدمة الى المقدمات سواء كانت الشبهة بدوية ام مقرونة بالعلم الاجمالي بان تكون من قبيل دوران الامر بين الاقل والاكثر الاستقلاليين فانه بالنسبة الى غير المتيقن من قبيل الشبهة البدوية إلا ان المشهور قد افتى بوجوب الاحتياط بالنسبة الى الاقل والاكثر في الفائتة بل من عصر المفيد الى عصر الشهيد الثاني لم ينقل خلاف في انه يجب القضاء الى ان يحصل العلم او الظن بالاداء ، وقيل في توجيهها بامرين.

البراءة كالشبهة التحريمية فان كل من قال بالبراءة في تلك المسألة قال بها هاهنا ولا عكس إذ بعض من يقول بالاحتياط من الاخباريين في تلك المسألة قال هنا بالبراءة من غير فرق بين ان يكون الشك ناشئا من فقد النص أو من اجماله أو تعارض النصين أو كان الشك ناشئا من اشتباه الامر الخارجي للادلة التى ذكرناها في المسألة السابقة من غير فرق بين المسألتين إلا إن الشيخ الانصاري (قده) نسب الى بعض الاحتياط في بعض صغريات هذه المسألة فقال ما لفظه حيث تخيل بعض ان دوران ما فات من الصلاة بين الاقل والاكثر موجب للاحتياط من باب

__________________

الاول استصحاب عدم الاتيان بالفائتة المشكوكة في الوقت ولكن لا يخفى ان ذلك إنما يتم بعد تحقق امرين تمامية الاستصحاب المذكور في حد نفسه وعدم كونه محكوما لقاعدة وكلاهما ممنوعان الاول عدم الموضوع للاستصحاب إذ ليس موضوع الفضاء هو عدم إتيان الفريضة في الوقت وإنما هو عنوان الفوت كما يظهر من قوله عليه‌السلام : (ما فاتتك فاقضها كما فاتت) وحينئذ يقع الكلام في الفوت من جهتين الاول صدق الفوت يتوقف على فعلية الخطاب او يكفي تمامية الملاك الظاهر هو الاخير لان المصداق القطعي للفوت هو من فاته فريضة وهو نائم والظاهر إلحاق السكران بالنائم وبالنسبة اليهما الملاك تام ، واما الحاق غيرهما من ذوي الاعذار فله محل آخر يذكر وتفصيله عن المقام اجنبي.

الجهة الثانية في ان الفوت هل هو امر وجودي أو أمر عدمي فان كان الاول فلا مجال للاستصحاب إلا بالاصل المثبت من غير فرق بين كونه أمرا وجوديا أو عدما نعتيا بان يكون بنحو العدم والملكة وعلى الثاني فيمكن جريان الأصل العدمي إلا ان الحق ان الفوت امر وجودي فعليه ان الفوت يدور مدار امرين.

المقدمة العلمية) وقد أيد ذلك بما نسب الى المشهور من وجوب الاحتياط في مسألة تردد الفائتة بين الاقل والاكثر وقد اجيب عن هذا التوهم بارجاع الشك في الاكثر الى الشك في التكليف لانحلال العلم الاجمالي الى قضية متيقنة وهو وجوب الاقل وقضية مشكوكة وهو الشك في وجوب الزائد فيكون من موارد جريان البراءة ، واما بالنسبة الى قضاء الفائتة فالذي يظهر من الشيخ ان القول بالبراءة والاشتغال فيها مبني على ان القضاء بامر جديد بان يكون الامر بالصلاة في الوقت على نحو وحدة المطلوب أو ان القضاء بالأمر الأول بان يكون الامر

__________________

الاول أن يكون الشخص واجدا لشيء وقد ذهب عنه ، الثاني أن يكون الاتيان به في محله وموقعه بحيث لو لم يأت به لفات كالصلاة في آخر الوقت لا في اوله وفي خارجه وعليه فلا يجرى الاصل سواء قلنا بان الفوت أمر منتزع من الوجود أو كان من قبيل الاعدام والملكات ، اما الاول فلما عرفت انه لا حالة سابقة له حيث أن القوت لا يصدق على أول الوقت وان كان الثاني فهو من الاصول المثبتة. نعم لا يصدق على أول الوقت وان كان الثاني فهو من الاصول المثبتة. نعم لو كان الفوت أمرا عدميا لأمكن جريان الاستصحاب حيث ان موضوع الفضاء مركب من حيلولة الوقت وعدم الاتيان فيكون أحد الجزءين محرز بالوجدان وهو خروج الوقت والجزء الآخر وهو عدم الاتيان محرز بالاصل ولكن لا يخفى انه مع ذلك لا يجري لحكومة قاعدة الحيلولة وهي ان الوقت اذا دخل فقد حال حائل وبالجملة هذا الامر لا يكاد يكون وجها فتوى المشهور.

الامر الثاني ما ذكره صاحب الحاشية (قده) ردا على صاحب الذخيرة حيث اجرى البراءة بما حاصله ان من فاته مقدار من الفرائض تارة مسبوقا بالعلم واخرى لا يكون مسبوقا به أما ما لم يكن مسبوقا بالعلم التفصيلي كما لو اغمي عليه ولم يعلم مقدار أي شيء ففي هذه الصورة تجري البراءة ، واما إذا كان

بالصلاة على نحو تعدد المطلوب فان كان الأول فالمرجع هو البراءة لرجوع الشك في اتيان الفائتة الى الشك في توجه التكليف بالقضاء فيكون من الشك في التكليف الذي هو من موارد جريان البراءة ، وان كان على الثاني فمرجعه الى الشك في الخروج عن العهدة بعد العلم باشتغال الذمة وهو من موارد جريان قاعدة الاشتغال إذ شغل الذمة اليقينية تستدعي الفراغ اليقيني.

والتحقيق ان التكليف الوجوبي اما أن يتعلق بصرف الوجود ، أو بالطبيعة السارية ، فان تعلق بصرف الوجود يكون الشك في اتيانه من قبيل الشك في

__________________

مسبوقا بالعلم التفصيلي كأن كان عالما تفصيلا بمقدار من الفرائض التي فائتة ثم ذهل ونسى وتردد بين الاقل والاكثر ففي هذه لا تجري البراءة حيث ان المقدار المعلوم قد تنجز ويجب الخروج عن العهدة واذا رجع الى ناحية الخروج عن العهدة فلا مجال للبراءة واورد عليه الشيخ (قده) بما حاصله ان العلم انما يكون منجزا مع بقائه لا انه يرتفع عند حصول الشك لكي يكون حاله حال الشك الساري وعليه تجب رعاية الشك لا العلم ثم ان الاستاذ (قده) قال كنا في الدورة السابقة قوينا كلام صاحب الحاشية ولكن في هذه الدورة الانصاف ان ما قاله صاحب الذخيرة وتبعه شيخنا الانصاري (قده) هو الحق إذ تمامية كلام صاحب الحاشية يحصل بامرين الاول يكفي في المنجزية احتمال العلم بالتنجز ، الثاني قصور شمول ادلة البراءة للفرض مع كلا الامرين محل نظر لأن موضوعات التكاليف تارة تكون غير اختيارية واخرى اختيارية لا كلام لنا على الاول ، واما الثاني يلزم سد باب البراءة ضرورة حصول العلم مع الفوت الاختياري إلا نادرا فيلزم تدوين فقه جديد على ان الاول منهما ممنوع لان مجرد كون الاحتمال منجزا غير نافع ما لم يقم عليه دليل ، وان الثاني منهما ممنوع ايضا لان المراد بما لا يعلمون

الخروج عن العهدة فيجب فيه الاحتياط ، إلا ان يقوم دليل على عدم وجوب اتيان ما شك في اتيانه كقاعدة الحيلولة ونحوها ، واما ان يتعلق بالطبيعة السارية بحيث ينحل الى الحصص والافراد فمرجع الشك في اتيان بعض تلك الحصص أو الافراد الى الشك في الاقل والاكثر ، فيؤخذ بالقدر المتيقن ، والشك في الزائد من الشك في التكليف الذي هو من موارد جريان البراءة ، واما فتوى المشهور بوجوب اتيان ما فات من الصلاة الى ان يعلم بالفراغ ، فذلك مبني على ان الشك في الاتيان في الوقت في كل يوم حاصل الى ان يخرج الوقت ، ولا اشكال في هذه الصورة بوجوب الاتيان لجريان اصالة عدم الاتيان القاضية بوجوبه.

ودعوى عدم جريان هذا الأصل إلا بناء على الاصل المثبت ، إذ موضوع القضاء هو الفوت ممنوعة ، إذ الموضوع هو نفس عدم الاتيان فبجريان اصالة

__________________

هو عدم وصول الخطاب بالقرينة الارتكازية ومناسبة الحكم للموضوع وبلا اشكال يعتبر في منجزية التكليف الوصول أما بنفسه أو بطريقة فمجرد الشك في الوصول يقطع بعدم الحجية.

ومما ذكرنا يظهر لك فساد الوجوه التي أقمناها في الدورة السابقة على ما اختاره صاحب الحاشية منها قصور شمول ادلة البراءة الشرعية والعقلية فان المتيقن هو عدم تعلق العلم بشيء وفي المقام يحتمل تعلق العلم به وفيه انا ذكرنا ان مناط الحكم العقلي أو الشرعي هو عدم الوصول ومنها تنزيل العلم منزلة القدرة فكما ان العجز في بعض الوقت في الواجب الموسع يوجب خروج الافراد الواقعة في زمان العجز كذلك لو تعلق بشيء ولو في الوقت يوجب العجز وفيه اولا بطلان هذا التنزيل حيث ان القدرة شرط للتكليف والعلم شرط في التنجيز وثانيا ان العلم منجز وفي المقام هو احتمال العلم منجز فافهم وتأمل.

عدم الاتيان يوجب القضاء من غير فرق بين القول بان القضاء ، بالامر الاول ، أو بامر جديد ، ولا مانع من جريان هذا الاصل الموضوعي إلا حكومة قاعدة الحيلولة ، فانه لو جرت ترفع جريان هذا الاصل الموضوعي ، إلا أن الشأن في جريانها في المقام كما هو معلوم في محله ، إذ المستفاد من ادلتها ان جريانها مشروط بان يكون الشك حادثا بعد الوقت ، وما نحن فيه الشك متحقق في الوقت وليس حادثا بعد الوقت ، ولا تحمل فتوى المشهور على غير هذا الوجه مثل ما اذا شك بعد الوقت او شكه كان في مقدار ما فاته من جهة الشك في عدد السنين التي مضت من عمره ، او كان تاركا لمقدار ما فات منه لنسيان أو غيره ، مع عدم حدوث الشك في كل يوم ، اما الاول فلا تجري قاعدة الاشتغال لجريان قاعدة الحيلولة القاضية بعدم الاتيان ، واما الثاني فهو من موارد دوران الامر بين الاقل والاكثر الاستقلاليين كالدين مثلا ولا اشكال في انه يجب الاتيان بالاقل ، وتجرى البراءة في الزائد ، ودعوى عدم جريان البراءة في الفرض المذكور حيث ان جريانها مشروط بان لا يكون مسبوقا بمنجز ومع سبقه ولو آناً ما يمنع من جريان اصل البراءة ، إذ مع تحقق الشك في الاتيان لا يكون من العقاب بلا بيان على الترك إذ لو ترك يعاقب وعقابه مع البيان ، وهو سبق المنجز (١).

__________________

(١) وقرب المحقق النائيني (قده) هذه الدعوى بوجه آخر وهو ان سبق المنجز ولو آناً ما لو قلنا بانه يكفي في التنجز ففي كل شبهة تحتمل سبق المنجز فلا تجري الاصول العملية لكون التمسك بها من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية كما انه لا تجري الاصول العقلية إذ لا يكون العقاب عليه عقابا بلا بيان لعدم حصول المؤمن مع سبق احتمال المنجز فلذا لا يستقل العقل بقبحه وبذلك وجه

لكن لا يخفى انك قد عرفت منا سابقا بان حدوث المنجز لم يكن علة للتنجيز الى الابد بل تنجزه ما دام موجودا ، فمع حصول الشك في الاتيان لا يكون المنجز باقيا. ومع عدم بقائه يكون المقام من موارد جريان البراءة لما عرفت ان الشك في غير ما علم بفواته من الشك في التكليف الذي هو من موارد جريان البراءة ، ويندرج الشك في مقدار ما فات من الصلاة بباب الأقل والاكثر الاستقلاليين كالدين مثلا الذي لا اشكال في الاخذ بالاقل وجريان البراءة في الاكثر المشكوك.

وبالجملة ان مسألة الشك في الاكثر من الشبهة الوجوبية التي قد عرفت ان جميع الادلة التي اقيمت على جريان البراءة في الشبهة التحريمية جارية هنا من غير فرق بين كون الوجوب المشكوك من الاقل والاكثر أو من غيرها من الشبهات البدوية فلا تغفل.

__________________

فتوى المشهور بقضاء ما فات من الصلوات حتى يحصل العلم او الظن بالفراغ ولكنه منعه اخيرا وقال بجريان البراءة العقلية والشرعية ، اما العقلية فموضوعها عدم البيان والمراد من البيان هو الواصل والمعتبر هو الحالة الفعلية وحيث انه فيها لم يكن البيان واصلا فلذا يتحقق موضوع القاعدة واما الشرعية فموضوعها عدم العلم وفي كل زمان يحصل ذلك فيشمله قوله عليه‌السلام : (رفع ما لا يعلمون) واما احتمال حصول العلم آناً ما لو كان مانعا من جريان البراءة لانسد باب البراءة في غالب الموضوعات كالدين والنذر والكفارة فانه في جميع ذلك نحتمل سبق العلم بالاكثر المشكوك واما فتوى المشهور فلا يمكن تطبيقها على القاعدة فلذا لا مانع من جريان البراءة في الاكثر المشكوك كما لا يخفى.

الشك في التعيينية والتخييرية

المبحث الثالث فيما لو شك في التعيينية والتخييرية فهل تختص البراءة بما لو شك في التعيينية ولو بالعارض ام لا تختص بل تعم ما لو شك في كونه تخييريا قيل بالاختصاص (١) لوجهين الاول ان المستفاد من ادلة البراءة ما لو كان

__________________

(١) يظهر من الشيخ الانصارى (قده) ذلك فانه ذكر في تنبهات الشبهة الوجوبية (ان الظاهر اختصاص ادلة البراءة بصورة الشك في الوجوب التعيني سواء كان اصليا أو عرضيا كالواجب المخير المتعين لأجل الانحصار اما لو شك في الوجوب التخييري والاباحة فلا تجري فيه ادلة البراءة لظهورها في تعيين الشيء المجهول على المكلف بحيث يلتزم به ويعاقب عليه) ولا يخفى ان الذي يظهر من كلام الشيخ ان جميع صور الشك في الوجوب التخييري يلتزم بعدم جريان البراءة لاختصاص ادلتها بالشك في التعيينية مع انه لا اشكال في ان بعض صورها كما لو شك في توجه التكليف التخييري أو نعلم بتوجه التكليف التخييري إلا انه يشك انه في كونه بين امرين كالعتق وصيام شهرين متتابعين أو بين امور ثلاثة أي العتق والصيام واطعام ستين مسكينا فانه لا اشكال في جريان البراءة في نفي الوجوب التخييري رأسا كما في الاول ونفيه عن الامر الثالث في الثاني لشمول ادلتها للصورتين وان استشكل بعض في شمول حديث السعة للزوم التضيق من جريانها وفي شمول حديث الرفع للزوم خلاف الامتنان من جريانه إلا أن جريان باقى ادلة البراءة كمثل حديث الحجب وغيره مما لا محذور فيه.

(نعم الاشكال في بقية الصور كما لو علمنا بتوجه التكليف إلا انه لم نعلم

المشكوك مما يحتمل العقوبة بنحو الاطلاق وذلك يوجب اختصاصها بما كان الشك

__________________

انه تعلق بفرد معين او بكلي جامع له ولغيره كما لو لم يعلم ان المولى وجه تكليفه باكرام زيد العالم او بمطلق العالم وربما يمنع من جريان اصالة البراءة لظهور ادلتها في عدم تعيين الشيء المجهول على المكلف وقد أيد ذلك باجراء اصالة عدم سقوط ذلك الفرد المتيقن بالوجوب بفعل هذا المشكوك.

ولكن لا يخفى انك قد عرفت منع شمول حديث السعة والرفع للمقام في محله إلا انه لا مانع من شمول باقي ادلة البراءة. واما اصالة عدم سقوط التكليف بفعل المشكوك فلا تجري لورود أصل حاكم عليه وهو اصالة عدم تعلق الوجوب التخييري بالفرد المشكوك ومثل هذه الصورة مسألة دوران الامر بين التعيين والتخيير الشرعيين كما لو دار امر التكليف بين تعلقه بفرد معين على وجه التعيين وبين تعلقه به وبغيره من سائر الافراد او دار الامر بين التعيين والتخيير العقليين كما لو امر بطبيعة وكان لها فرد متيقن وفرد مشكوك فرديته كما لو امر باكرام عالم ولم يعلم ان العالم منحصر في زيد لكي يتعين اكرامه عقلا او لا ينحصر به بل كان كل من زيد وعمرو عالم لكى يتخير بين اكرامهما فالظاهر انه لا فرق بين صورتي دوران الامر بين التعيين والتخيير في جريان اصالة البراءة من الوجوب التخييري في الفرد المشكوك وبين اصالة عدم تعلق الوجوب التخييري بالفرد المشكوك الحاكم على اصالة عدم سقوط المتيقن بفعل المشكوك إلا ان الذى يظهر من الشيخ قدس‌سره جريان البراءة في التعيين والتخيير الشرعيين بتقريب ان جهة التعيين كلفة توجب الضيق على المكلف فهي مرفوعة بحديث الرفع وقال في موضع آخر ان ذلك مذهب جماعة ولكن في باب الاقل والاكثر قوى جانب الاحتياط باتيان

في الوجوب التعييني. الثاني ان الذي يظهر من دليل البراءة ان لا يكون الشيء المجهول مما يلتزم به ويعاقب على تركه وليس من ذلك ما لو تردد حكمه بين الوجوب التخييري والتعييني ، وفي كلا الوجهين نظر ، واما عن الاول فاستفادة ذلك مصادرة فان ما يحتمل العقوبة ولو كان على بعض انحاء تروكه بان يعاقب عليه مع ترك الآخر نحو ضيق على المكلف فرفعه من دون بيان فيه كمال الامتنان فلا مانع من اندراجه تحت حديث الرفع ومن هذا يظهر الجواب عن الثاني فان المشكوك المحتمل كونه من الواجب التخييري لو كان يترتب العقاب في ظرف ترك الآخر فمع عدم البيان يستقل العقل بقبحه ويندرج تحت حديث

__________________

الفرد المتيقن وجوبه بدعوى ان العلم الاجمالي ينحل إلى ما هو معلوم بالتفصيل وهو الفرد المتيقن وجوبه ، وفرد مشكوك الوجوب ولا اشكال في انه يجب الاقتصار على ما هو المتيقن وجوبه.

وبالجملة حال دوران الامر بين الوجوب التعييني والتخييري الشرعيين كدوران الأمر بين التعيين والتخيير العقليين من دون فرق بينهما في الاتيان بما هو متيقن وجوبه كما انه لا فرق بين انحاء دوران الامر بينهما عقلا أي من غير فرق بين احتمال التعييني كونه وجوبا أو مناطا فان ما احتمل اقوائية الملاك هو من دوران الامر بين التعيين والتخيير العقليين فيجب الاحتياط باتيان ما هو اقوى ملاكا ومناطا.

والانصاف انه لو قلنا بان الاصل العملي في الشك في التعيينية هو قاعدة الاشتغال فالبحث في جريان الاصل في الطرف الآخر في غير محله إذ لا أثر للبحث عن جريان اصالة البراءة وعدم الوجوب بالنسبة الى ما يحتمل تعلق الطلب التخييري به كما انه لو قلنا بجريان البراءة عن التعيينية عند الشك فيها وفي التخييرية ايضا

الرفع فالحق ان يقال بان ما شك في وجوب الشيء تخييرا أو مباحا فلا اشكال في جريان البراءة فينتفي وجوبه لشمول ادلتها ، واما لو شك في وجوبه انه تعييني أو تخييري وبعبارة اخرى لو شك في ان هذا الواجب له عدل لكي يكون وجوبه تخييريا أم ليس له عدل لكي يكون تعينيا كما لو علم بوجوب العتق في الكفارة ولكن شك ان وجوبه كان بنحو التعيين او مرددا بينه وبين اطعام ستين مسكينا قيل بجريان البراءة في خصوصية التعيينية لكونها خصوصية زائدة فينتفي باصل البراءة. واورد عليه بعض الاعاظم (قده) بان صفة التعينية ليست صفة وجودية

__________________

يلغو البحث عن جريان البراءة في الطرف الآخر إذ معنى جريان البراءة في التعيينية هو جواز الاكتفاء بفعل ما يحتمل كونه عدلا ولكن الاشكال في جريان البراءة في خصوصية التعيينية فقد قال الاستاذ المحقق النائيني (قده) بعدم جريان البراءة لان صفة التعيينية المشكوكة ليست من الامور الوجودية لكي تنفى بالبراءة وقد أجاب عن ذلك الاستاذ العراقى (قده) كما في المتن بان ذلك مبني على الواجب التعيينى والتخييري سنخ واحد وانما الاختلاف من جهة وجود العدل في التخييري وعدمه في التعييني وأمّا على ما هو الحق من انهما يختلفان سنخا فان التخييري ناشئ من قصور في ناحية الطلب والتعييني ناشئ من سعة الطلب فلا مانع من جريان البراءة والظاهر هو القول الاول إذ مرجع الشك في ذلك الى مرحلة السقوط ومقام الامتثال فيكون من الشك في المكلف به وذلك مجرى قاعدة الاشتغال.

ودعوى ان جهة التعيين كلفة زائدة توجب الضيق على المكلف ممنوعة فان مجرد ذلك لا يكفي في جريان البراءة بل يعتبر في مجراها ان تكون الكلفة والضيق الجائي من قبل جعل التكليف وتشريعه واما الجائي من قبل الامتثال كما في المقام

مجعولة لكي تنفي بالبراءة وإنما هي عبارة عن عدم جعل العدل ومرجع الشك في ذلك الى انه هل العدل يجب ام لا فتجري اصالة عدم وجوب العدل ولذا يجب الاتيان بالمتيقن وجوبه.

ولكن لا يخفى ان هذا الايراد إنما يتم لو قلنا بان الوجوب التعييني والتخييري سنخ واحد وانما الاختلاف في امر خارج عن الحقيقة وهو جعل العدل في التخييري وعدم جعله في التعييني ، واما على المختار من انهما مختلفان بحسب الحقيقة والسنخ إذ التعيينية تنتزع من سعة الطلب بنحو يكون شاملا لجميع حدود الشيء بخلاف التخييرية فانها راجعة الى قصور في ناحية الطلب بنحو لا يكون شاملا لجميع حدود الشيء بمعنى ان متعلقه مطلوب في ظرف ترك الآخر وليس مطلوبا في ظرف وجود الآخر ولعله تعريف بعض المحققين للواجب التخييري بطلب

__________________

فلا يشمله دليل البراءة وإلّا لزم جريان البراءة في جميع موارد الشك في الامتثال والسقوط فمن الواضح ان عدم حصول الامتثال وعدم سقوط التكليف ضيق على المكلف كما ان حصول الامتثال والسقوط توسعة له. وبالجملة الشك في المقام من الشك في المسقط من غير فرق بين القول بان الواجب التخييري عبارة عن تقييد الاطلاق وبين القول بانه سنخ آخر غير سنخ التعييني فمع رجوع الشك في ذلك الى الشك في السقوط والامتثال فالاصل يقتضي الاشتغال وعدم السقوط من غير فرق بين ان يكون الشك في ان الطلب تعلق بما يحتمل كونه عدلا ام لا وبين ما لو علم بتعلق الطلب وكان الشك في مجرد كونه عدلا للآخر فان في كل واحد من الصورتين يكون من الشك في المسقط غاية الامر ان الوجه الاول من الشك في مسقطية خصوص المشكوك كونه عدلا وفي الثاني الشك في مسقطية كل واحد منهما على تفصيل ذكرناه في حاشيتنا على الكفاية.

الفعل مع المنع عن بعض انحاء تروكه اشارة الى كون التعينية من الصفات الوجودية للطلب فمع الشك في التعيينية والتخييرية يكون في جهة زائدة عما يقتضيه الخطاب التخييري فتكون من موارد جريان البراءة.

ودعوى ان جريانها مشروط بعدم وجود اصل حاكم عليها ، وفي المقام ان اصالة عدم وجود العدل حاكمة عليها ممنوعة بان ذلك يتم لو كان تحقق العدل من مقومات الواجب التخييري وعدمه من مقومات الواجب التعييني وقد عرفت انه خلاف التحقيق وان الاختلاف بينهما في سنخ الطلب فان حقيقة التعيينية عبارة عن السعة في ناحية الطلب بنحو يشمل جميع حدود الشيء بمعنى لا يرضى بتركه مطلقا ويطلب وجوده بجميع انحاء وجوده بخلاف التخييرية فان حقيقتها عبارة عن قصور في ناحية الطلب بنحو لا تشمل جميع حدوده بمعنى انه لا يطلب وجوده مطلقا بل يرضى بتركه في ظرف وجود الآخر هذا ولكن الانصاف ان المقام ليس من موارد جريان البراءة إذ الشك في التعيينية والتخييرية مرجعه الى تحقق علم اجمالي وهو اما وجوب الاتيان بخصوص ما علم بوجوبه في الجملة ، واما بحرمة ترك الآخر المحتمل كونه عدلا في ظرف عدم الاتيان بما احتمل تعينيته ولازم تنجز العلم الاجمالي هو الاحتياط باتيان ما يحصل به العلم بالفراغ وذلك يحصل باتيان ما احتمل تعيينه ووجوب الاتيان بما يحتمل كونه عدلا عند عدم التمكن من الاتيان بما يحتمل تعيينه لاجل اضطرار ونحوه ولا يقاس المقام بما لو علم بوجوب الشيئين مع الشك في انهما واجبان تعيينيان أو واجبان تخييريان لعدم تحقق العلم الاجمالي فيه كما هو متحقق في المقام لاحتمال التعيينية فى كل من الواجبين ومع عدم تحققه يكون من دوران الامر بين الاقل والاكثر الارتباطيين للعلم التفصيلي بحرمة ترك كل واحد مع ترك الآخر ومرجعه الى الشك في حرمة ترك كل واحد منهما في حال وجود الآخر فيكون

من موارد جريان البراءة ومن هذا القبيل (١) ما لو علم بتعلق التكليف بشيء مع العلم بكون الآخر مسقطا فمع الشك في كونه عدلا أو أحد فردي الواجب المخير او مفوتا لملاكه أو غير ذلك يكون من موارد جريان البراءة عن وجوب

__________________

(١) هذا هو الوجه الثالث من وجوه الشك في التعيين والتخيير وهو ما اذا علم بتعلق التكليف باحد الشيئين وعلم ايضا بان الشيء الآخر مسقط للتكليف ولكن يشك في ان اسقاطه للتكليف كان بنحو كونه عدلا أو مفوتا لموضوعه فمع التمكن من الاتيان بما علم انه متعلق التكليف وقد اتي بما هو مسقط فلا يترتب عليه أثر سوى العقوبة وعدمه واما مع عدم التمكن فتترتب عليه الثمرة فان الامر المتوجه الى انه يجب العتق ويشك في الصيام عدلا لكي يجب لتعذر الصوم مثلا أو مسقط لكي لا يجب الاتيان به فمع الشك في كون الصيام عدلا او مسقطا لكونه مفوتا للموضوع مثلا فلا يجب الاتيان به في مقام التعذر لجريان البراءة عن وجوبه ومن هذا القبيل قضية الائتمام عند تعذر القراءة الصحيحة فانه يأتي فيها الوجهان فمع تعذرها لا تجب الجماعة نعم يمكن ان يقال بان قراءة الامام منزلة منزلة قراءة المأموم فيكون المأموم واجدا للقراءة لكن لا بنفسه بل بسبب امامه فحينئذ المأموم يمكنه تحصيل القراءة التنزيلية كما هو كذلك بالنسبة الى الطرق والامارات حيث انه يجب الاخذ بها عند تعذر الوصول الى الواقع ولكن لا يخفى ان ذلك لا يوجب ان تكون الجماعة متعينة عند تعذر القراءة في الصلاة فرادى إذ التنزيل إنما هو في ما إذا اختار الصلاة جماعة فيكون التنزيل على تقدير اختيار الجماعة وذلك لا يقتضى تعين الجماعة ومع الشك في ذلك فالمرجع هو البراءة عن وجوب الجماعة على تفصيل ذكرناه في تقريراتنا لبحث الاستاذ النائيني (قده).

ما علم بكونه مسقطا ولو مع عدم التمكن من الاتيان لرجوع الشك في ذلك الى الشك في تعلق التكليف ولو كان تخييريا ومن هذا القبيل التخيير في الصلاة بين الفرادى والجماعة فان الجماعة طرف للتخيير بالنسبة الى فردي الاضطراري والاختياري وليست طرف التخيير في صلاة المختار دون المضطر بدعوى انه لو تعذرت القراءة الصحيحة يجب الاتمام لكون قراءة الامام في الجماعة مسقطة في حالة الاختيار لما عرفت منا جريان البراءة لنفي ما علم بكونه مسقطا لرجوع الشك فيه الى التكليف وهو من موارد جريان البراءة هذا كله لو شك في كون الوجوب تعيينيا او تخييريا ، واما إذا شك في كونه كفائيا او مباحا (١) فلا

__________________

(١) لا يخفى ان الشك في الوجوب التعييني والكفائي يتصور على ثلاثة انحاء فتارة يكون الشك في أصل توجه التكليف الى الجميع واخرى يعلم بتوجه التكليف الكفائي ولكن لم يعلم بتوجهه الى الجميع ام باستثناء شخص معين كما لو سلم رجل على جماعة وكان أحدهم يصلي فيدور الامر بين كون وجوب رد السلام على الجميع او باستثناء من يصلى خاصة وثالثة يدور الامر بين توجه التكليف على شخص معين على وجه العينية وبين توجهه اليه أو الى غيره على وجه الكفاية كما اذا سلم في المثال على رجلين احدهما يصلي دون الآخر فمن لا يصلي يعلم اجمالا بتوجه التكليف اليه برد السلام اما عينا او يجب عليه وعلى من يصلي كفائيا والظاهر ان الاول مجرى البراءة وكذا الثاني بالنسبة الى من يصلي لكونه بالنسبة اليه من الشك في التكليف ، واما بالنسبة الى ما عداه فمع قيام الغير لا اشكال في سقوطه ومع عدم قيامه يجب الاتيان به ، واما الثالث فهو محل الكلام. فالذي يظهر من الشيخ (قده) هو عدم جريان البراءة حيث قال في آخر التنبيه الثالث من تنبيهات الشبهة الوجوبية الحكمية ما هذا لفظه (ثم ان الكلام في الشك في

اشكال في جريان البراءة حيث انه من الشك في التكليف ، واما اذا شك في كونه عينيا او كفائيا بعد العلم باصل الوجوب فمع قيام الغيرية يكون من الشك في التكليف وهو من موارد جريان البراءة اللهم إلا ان يقال بان

__________________

الوجوب الكفائي كوجوب رد السلام على المصلي إذا سلم على جماعة وهو منهم يظهر مما ذكرنا وقد عرفت مما تقدم عدم القول بالبراءة في الشك في التعيين والتخيير.

ولكن لا يخفى انه إنما لم تجر البراءة في تلك المسألة لما ادعاه من ظهور ادلتها في عدم تعيين الشيء المجهول على المكلف ومن المعلوم ان هذه الدعوى لا تتأتى هنا إذ المكلف به لا ترديد فيه لكي لا تجري البراءة وإنما الترديد في المكلف وعليه لا وجه لعدم جريانها اللهم إلا ان يقال برجوع الشك في ذلك الى الشك في السقوط وذلك مجرى قاعدة الاشتغال وهو الحق.

قال المحقق النائيني (قده) بان رجوع الشك الى ذلك اوضح من رجوعه الى الشك في السقوط بالنسبة الى الشك في الواجب التعييني والتخييرى من غير فرق بين القول بان المخاطب في الواجب الكفائي هو آحاد المكلفين إلا انه ليس على الاطلاق بل بتقييد الخطاب المتوجه على كل أحد لو لم يسبق الغير بالفعل المخاطب به فينحل الى خطابات عديدة حسب تعدد المكلفين بنحو يكون كل خطاب مقيدا بعدم سبق الغير باتيان متعلق الخطاب وعليه يكون الشك فيه شكا في تقييد الاطلاق في مرحلة الامتثال ومن الواضح ان ذلك يقتضي الاشتغال وليس من موارد جريان البراءة وبين القول بان المخاطب في الواجب الكفائي هو النوع بنحو ينطبق على الآحاد بخطاب واحد فلو اتى به الغير سقط عن الباقين لكونه خطابا واحدا ويكون له امتثال واحد وعليه يكون ايضا من الشك في

المقام من الشك في الامتثال فيكون من موارد جريان قاعدة الاشتغال والانصاف ان يقال بان ما نحن فيه يكون من موارد البراءة بناء على ان وجوب الكفائي عبارة عن كونه تكليفا واحدا يتعلق بالمكلفين اجمع مع كونه ناشئا من غرض واحد فيكون مقتضى ذلك حرمة تركه في ظرف عدم اتيان الغير به واما حرمة تركه على الاطلاق حتى مع اتيان الغير فهو مشكوك منفي بالبراءة واما بناء على ان التكليف في الكفائي يتعلق بآحاد المكلفين بنحو تكون تكاليف متعددة حسب تعدد المكلفين ينشأ من اغراض عديدة فيكون من مواد قاعدة الاشتغال لرجوع الشك فيه الى الشك في القدرة على الامتثال ومرجعه الى حكم العقل بالاحتياط كما لا يخفى.

تنبيهات البراءة

الاول ان من شرط جريان البراءة ان لا يكون هناك أصل موضوعي ومع وجوده يكون واردا على اصالة البراءة ولو كان ذلك الاصل موافقا لها ولا اختصاص لهذا الشرط باصل البراءة بل شرط لكل اصل كما انه ليس له اختصاص

__________________

السقوط فان المكلف قبل فعل الغير يعلم بتوجه التكليف اليه اما لكونه عينيا أو لاجل انطباق النوع عليه وبعد فعل الغير يشك في سقوط ذلك التكليف فحينئذ يكون من موارد قاعدة الاشتغال لحكم العقل باتيان ما اشتغلت به الذمة إذ شغل الذمة اليقينية تستدعي الفراغ اليقيني على تفصيل ذكرناه فى حاشيتنا على الكفاية.

بالاصول الموضوعية كما يظهر من الاستاذ في الكفاية حيث جعل عنوان التنبيه الاصول الموضوعية. وكيف كان فمن تلك الموارد ما اذا شك في الوجوب أو التحريم من جهة الشك في تحقق النسخ فان الاصحاب يحكمون بعدم النسخ للاستصحاب مع انه يشك في أصل التكليف فينبغي أن يكون من موارد جريان البراءة إلا انهم لم يجرونها لورود استصحاب عدم النسخ عليها ومن الموارد ما اذا شك في طهارة الماء المتغير الزائل تغيره من قبل نفسه فان القوم يجرون استصحاب بقاء النجاسة ولا يجرون اصالة البراءة عن وجوب الاجتناب ومن الموارد ما اذا شك في حيوان انه مذكى ام لا فانه تجري اصالة عدم التذكية (١) فيحرم لحم

__________________

(١) بيان ذلك يتوقف على امور :

الاول ـ ان عدم التذكية المستصحب ليس المراد منه هو العدم الاولي المعبر عنه بالعدم المحمولي الذي هو عبارة عن ليس التامة إذ استصحاب العدم الازلي لاثبات العدم النعتي من الاصول المثبتة التي لا نقول بحجيتها مثلا عدم القيام الازلي الذي هو مفاد ليس التامة استصحابه لاثبات عدم القيام الذي هو صفة لزيد المعبر عنه بليس الناقصة من الاصول المثبتة واما استصحاب العدم الازلي من دون اثبات العدم النعتي فلا أثر له إذ الاثر مترتب على العدم النعتي فعليه المراد في المقام هو العدم النعتي اي عدم التذكية حال وجود الحيوان فهذا العدم النعتي يستصحب الى ما بعد الحياة.

الثاني ـ هل التذكية عبارة عن الاثر الحاصل على المحل القابل ام نفس الفعل من دون دخل لقابلية المحل فعلى الاول يكون معنى التذكية معنى بسيط والقابلية لها دخل فى التذكية فلو شك في التذكية من جهة الشك في القابلية تجري اصالة عدم التذكية وعلى الثانى لا يجري الاستصحاب المذكور مع الشك في القابلية إذ

الحيوان المشكوك تذكيته بناء على ان التذكية معنى بسيط مسبب عن مجموع فري الاوداج مع قابلية المحل ووجود سائر الشرائط. واما لو كانت عبارة عن فري خاص واردا على المحل القابل فقد توهم جريان استصحاب عدم التذكية بمعنى عدم وجود المقيد بهذا القيد ولكنه خلاف التحقيق.

بيان ذلك ان القيود التي ترد على الطبائع تارة تكون تلك الطبائع على نحو التواطؤ واخرى تكون على نحو التشكيك وعلى الاول تكون ورود القيد موجبا لتخصص الطبيعة وجعلها حصصا متعددة وبعبارة اخرى ورود القيد على

__________________

بالنسبة الى الشك فيها شك في امر خارج عن المستصحب وهو لا يوجب الشك فيه والظاهر ان القابلية ليست لها دخل في التذكية حيث ان التذكية بحسب المتفاهم العرفي المستفاد من قوله تعالى : (إِلَّا ما ذَكَّيْتُمْ) عبارة ، عن نفس الافعال المطلوب تحققها في الخارج من فري الاوداج والتسمية وكون الذابح مسلما من دون دخل للقابلية

الثالث ـ اختلفوا في الحيوان المذكى ما هو؟ فقيل عبارة عما حل اكله وليس بمحرم الاكل وقيل يشمل جميع ما كان محرم الاكل غير المسوخات وقيل يشمل المسوخات دون الحشرات لكونه مورد النص في المسوخ وقيل تعميمه لكل حيوان.

اذا عرفت ذلك فاعلم ان الشك في التذكية لو كان على القول الاول أي من جهة حرمة الاكل وعدمه تجري اصالة عدم التذكية وعلى الثاني فائضا تجري اصالة عدم التذكية لو شك في حيوان انه مسوخ. واما على الاخيرين فلا يجرى الاصل لانتفاء موضوعه ، ثم ان الشهيد قال في انه لو شك في حلية حيوان وحرمته تجري اصالة الطهارة ويحرم اكل لحمه وذلك مبني على انه قد اخذ في لسان الدليل عنوان وجودي قد أخذ في موضوع التكليف فيستفاد من لازم الخطاب خطاب

الطبيعة يوجب تحديد الطبيعة وبسبب ذلك تكون الطبيعة متحصصة بتلك الحدود وبذلك تكون متباينة بنحو تكون تلك الحصة مباينة لتلك الحصة ولو لم تكن تلك الحدود والخصوصيات لا يحصل التباين بين الحصص ، فاذا كان ورود القيد على الطبيعة المتواطية بذاك النحو من التحصص فمع الشك في ورود مثل ذلك فنستصحب عدمه ولا ينافي علمنا بالقدر الجامع إذ من الواضح يستصحب عدم زيد مع علمنا بطبيعة الانسان إذ متعلق علمنا هو طبيعة الانسان وذلك غير متعلق الشك فانه تعلق بخصوص زيد الذي عدمه قد تعلق به الاستصحاب.

__________________

طريقى لاحراز ذلك الامر الوجودي وهذا يجري في كل ما أخذ في موضوع الحكم عنوان وجودي كمثل إذا بلغ الماء قدر كر لا ينجسه شيء فان عدم النجاسة قد علق على الكرية التي هي عنوان وجودى قد أخذ في الموضوع ، ولذا قلنا باصالة الانفعال في الماء القليل.

ولكن لا يخفى ان ذلك لو سلم في محله ففي ما نحن فيه لا يتم فان الحكم وان علق على الطيب إلا انه ليس امرا وجوديا وانما هو امر عدمي وهو عدم الخبث والخبث امر وجودي ولو سلم ان الطيب أمر وجودي فالخبث ايضا وجودى ولازم ذلك ان يكون عندنا خطابان طريقيان احدهما يحرز الطيب والآخر يحرز الخبيث فلو شك في كونه خبيثا لا يبقى مجال لاصالة البراءة حيث انه ليس لنا محرز للخبيث ، هذا والذي ينبغى ان يقال في هذا المقام هو ان الشك في حرمة اللحم تارة يكون حكميا واخرى موضوعيا اما الاولى فتارة يكون الشك في الحرمة لاجل دورانه بين كونه مأكول اللحم وبين غيره مع العلم بوقوع التذكية مع جميع شرائطها.

فهو من موارد جران البراءة لكونها من الشبهة الموضوعية واما استصحاب

وبالجملة متعلق العلم غير ما تعلق به الاستصحاب فلا منافات بينهما وان كان على النحو الثاني أي ورود القيد على الطبيعة المشككة فلا يجري الاستصحاب إذ القيد على هذا النحو لا يوجب تحصص الطبيعة بنحو تكون حصصا متباينة ، وإنما مع تحقق الحدود ، الذات محفوظة في الطرفين فيكون مرجع الشك في تحقق القيد الى الشك بين الواجد والفاقد مثلا نعلم بطبيعة الخط ولكنه مردد بين الخط الواجد والفاقد فينحل الى ذات وتقييد اما ذاته فلا يجري فيها الاستصحاب لكونها متيقنة ، واما القيد وان كان مشكوكا وليس له حالة سابقة فلا يجري فيه

__________________

حرمة اكل لحم الحيوان حيا فهو على تقدير تسليم حرمته حال الحياة فالحرمة متقومة به حيا فاستصحابها لحال الموت محل منع إذ العرف يرى التباين بين الحالتين فلم تكن القضية المتيقنة هي المشكوكة على ان حرمة اكله حيا محل كلام ولذا جوز بعض بلع السمك الصغير حيا مع ان تذكيته موته خارج الماء لا اخراجه حيا ولذا افتى الاصحاب بعدم جواز اكل القطعة المبانة منه وهو حي واخرى يكون الشك في الحرمة لاجل الشك في عروض ما يمنع عن قابليته للتذكية فلا مانع من استصحاب عدم طرو ما يمنع القابلية من غير حاجة الى استصحاب بقاء القابلية لامكان دعوى منعه بان القابلية ليس لها اثر كلي لكي تستصحب.

وثالثة يكون الشك في الحرمة للشك في قابلية ما وقع عليه التذكية فبناء على قيام دليل يدل على كل حيوان قابل للتذكية إلا ما خرج بالنص كما عليه الشيخ في الجواهر قده وبنينا على جريان استصحاب العدم الازلي فلا مانع من التمسك بذاك العموم بعد اجراء استصحاب عدم تحقق عنوان المخصص ، واما بناء على عدم الامرين وان التذكية امر بسيط مسبب عن الامور الخارجية كفري الاوداج الاربعة مع اجتماع الشرائط نظير الطهارة المسببة من الوضوء والغسل

الاستصحاب إلا على نحو السلب المحصل بل ولو على السلب المحصل لا يجري الاستصحاب على ما سيأتي من التفصيل بين لوازم الماهية ولوازم الوجود ، فاذا لم يجر الاستصحاب فلا مانع من جريان اصالة الجل ، اللهم إلا أن يقال في تقريب

__________________

فلا مانع من اصالة عدم التذكية واما بناء على ان التذكية أمر وجودي عبارة عن تلك الامور الخارجية كما استظهره المحقق النائيني (قده) من قوله تعالى (إِلَّا ما ذَكَّيْتُمْ) حيث اسند التذكية الى نفس المكلف وظاهر ذلك هو المباشرة لا التسبيب فلا محال للاستصحاب المذكور. نعم لا مانع من جريان اصالة الحل إلا ان الاشكال في صحة المبنى لمنع ظهور الآية في المباشرة فان الاسناد الى المكلف بنحو التسبيب شائع.

ورابعة ما اذا شك في التذكية مع احراز القابلية اما للشك في تحقق الذبح أو بعض شرائطه فانه لا اشكال في جريان اصالة عدم التذكية على جميع المباني السابقة ما لم تكن امارة على التذكية من السوق او يد المسلم.

واما الشبهة الحكمية فتارة يكون الشك من غير جهة التذكية كالشك في لحم الارنب مثلا مع فرض عدم الدليل على حرمته والعلم بوقوع التذكية فانه تجري اصالة الحل واخرى الشك من جهة الشك في القابلية للتذكية كالمولد من حيوانين كالكلب والشاة من دون ان يشبه احدهما فان وجد دليل عام يشمل كل حيوان قابل للتذكية إلا ما خرج بالنص فيؤخذ به وان لم يوجد عام فان كانت التذكية معنى بسيط فلا مانع من جريان اصالة عدم التذكية وان لم تكن كذلك فيرجع الى اصالة الحل. وثالثة يكون الشك ناشئا من طرو عارض فلا اشكال من الرجوع الى اصالة عدم طرو العارض ، ورابعة يكون الشك ناشئا من ان الذبح الواقع بغير الحديد يوجب التذكية حتى مع التمكن من الحديد

الاستصحاب بوجه آخر وهو استصحاب نفس الاضافة الحاصلة بين الفري

__________________

فلا اشكال في جريان اصالة عدم التذكية.

اذا عرفت ذلك فاعلم انه بجريان الأصل المذكور لا اشكال في حرمة أكل لحم الحيوان ولا يجوز استعمال جلده في الصلاة وإنما الكلام في انه تترتب عليه النجاسة ام انه طاهر لجريان اصالة الطهارة ويظهر من بعض الاساطين التفصيل فحكم بحرمة اكل لحمه وطهارته ، وقد وجه ذلك بان المحرمات محصورة وكذا النجاسات معدودة والمشكوك إذا لم يدخل فيهما يكون الاصل فيه الطهارة وحرمة اكل اللحم ، ولا يخفى ان ذلك ليس لاجل اصالة عدم التذكية بل لاجل ان التعليق على امر وجودي يقتضي احرازه ، ومع الشك يدل بالدلالة العرفية الالتزامية الظاهرية على عدم تحققه ، ولكن لا يخفى ان التعليق على امر وجودي يقتضي احرازه لو سلم فانما هو في الحكم الترخيصي لا مثل المقام الذي هو الحكم بالاجتناب وإلا لم يبق موضوع لقاعدة كل شيء طاهر حتى تعلم انه قذر ولكن الانصاف ان التفصيل ليس مبنيا على ما ذكر بل مبني على ان ما علق عليه النجاسة على عنوان الميتة وان المراد من الميتة هو الموت بغير سبب شرعي كما هو مصرح عند أهل اللغة قال في مجمع البحرين ان المراد هو ازهاق الروح حتف الانف او بالضرب أو الشنق ونحوها وحينئذ تكون الميتة أمرا وجوديا لا أمرا عدميا فعليه تقع المعارضة بين اصالة عدم الموت وبين اصالة عدم التذكية فيتساقطان فنرجع الى قاعدة الطهارة بل لا معارضة بينهما لعدم لزوم مخالفة عملية تقتضي ذلك ومجرد كون عدم التذكية يلازم النجاسة لان التذكية والموت ضدان لا ثالث لهما ، لا يمنع من جريانهما لجواز التفكيك بين اللوازم في الاصول كالتوضؤ بماء مردد بين الماء والبول من الحكم بطهارة الاعضاء وبقاء الحدث للاستصحاب على تفصيل ذكرناه في حاشيتنا على الكفاية.

والحيوان فان هذه الاضافة من حيث قيامها بالفري كان عدمها عدما موضوعيا ومن حيث قيامها بالحيوان كان عدما محموليا فيستصحب عدمها المحمولي بالنسبة الى وجود الحيوان إذ من الواضح ان هذا الحيوان كان موجودا ولم تكن هذه الاضافة حاصلة له وبعد موت الحيوان نشك في قيام الاضافة به فيستصحب عدمها ولكن لا يخفى ان ذلك إنما يتم مع احراز قابلية الحيوان للتذكية إذ مع الشك في القابلية لا تجري اصالة العدم ولو كان ازليا فانه وان قلنا بجريان اصالة العدم الازلي إلا انه في الصفات العارضة على الذات بواسطة وجودها كمثل مشكوك القرشية لا ما كان من لوازم الذات فان اصالة العدم الازلي لا تجري والمقام من هذا القبيل فان القابلية من لوازم ذات الحيوان فعلمية ينبغي القول بالتفصيل بين الشك في قابلية الحيوان للتذكية فلا تجري اصالة عدم التذكية ومع عدمها يجري الاصل المحكوم وهو اصالتي الطهارة والحلية بخلاف ما اذا احرزت القابلية وشك في ورود فعل الذابح مع شرائط التذكية فلا مانع من جريان اصالة التذكية وحينئذ لا تجري اصالتي الطهارة والحلية لجريان الاصل الحاكم فلا يبقى مجال للاصل المحكوم.

التنبيه الثاني لا اشكال في حسن الاحتياط (١) عقلا وشرعا وانه راجح

__________________

(١) كما انه لا اشكال في ان هذا الحسن عقلي ولا يخفى ان هذا ليس محلا للكلام وإنما الكلام في ان هذا الحسن العقلي هل يستتبع حكما شرعيا مولويا او انه على تقدير تحققه فهو ارشادي؟ ربما يقال بالثاني لان هذا الحكم راجع الى سلسلة المعلولات فيكون من باب الاطاعة واذا رجع الى ناحية الاطاعة يكون التكليف ارشاديا فعليه لا يكون الاستحباب مستفادا منه لعدم كونه حكما شرعيا مولويا ، اللهم إلا ان يقال بانه يمكن ان يستفاد الحكم الاستحبابي

في الشبهة التحريمية وفي الشبهة الوجوبية من غير فرق بين ان تكون الشبهة عبادة

__________________

الشرعي من بعض ادلة الاحتياط كمثل قوله فهو لما استبان له ترك أو قوله يوشك ان يقع حول الحمى وامثال ذلك إذ يستفاد منها اعطاء قوة وملكة على ترك المحرمات فينقلب الامر لرجوعه حينئذ الى ناحية العلل فعليه لا مانع من دعوى استفادة الحكم الاستحبابي الشرعي المولوي ثم على تقدير استفادة ذلك فهل هو متعلق بذات العمل او العمل بداعي احتمال وجود الامر ادعى الشيخ الانصارى قدس‌سره تعلقه بذات الفعل ، ولكن لا يخفى ان ذات الفعل بنفسه ليس فيه مصلحة والمصلحة إنما تتعلق بالشيء بما انه عبادة وعباديتها إنما تتحقق مع داعى احتمال وجود الامر وحاصل الكلام انه يقع في جهات : الاولى في عبادية المأتي ، الثانية في كيفية تعلق الامر الاحتياطي بما هو عبادة ، الثالثة في ان الامر الاحتياطي متعلق بذات العمل او بما هو عبادة اما الجهة الاولى فالظاهر انه لا إشكال فيه من حيث ان عبادية الفعل ليست باوامر الاحتياط وإنما احتمال الأمر محقق للعبادية ، واما الجهة الثانية فامر الاحتياط قابل لان يتعلق بالعبادة بما هو عبادة حيث ان الامر الاحتياطي متأخر عن العبادة بما هي عبادة وليست مهملة أي لا مقيدة ولا مطلقة كالامر المتعلق بذات العبادة ، واما الجهة الثالثة فلا يخفى ان امر الاحتياط إنما يتعلق بالعبادة بما هي عبادة لا بالذات حيث انه لما كان متضمنا للاستحباب النفسي لا بد وان يكون ناشئا من المصلحة ولا اشكال في ان هذه المصلحة ليست قائمة بالذات بما هي شيء بل إنما هي قائمة بما انها عبادة فعلى هذا لا بد بالنسبة الى الفتوى والافتاء بالاستحباب لو اتى بداعي الاحتمال لا مطلقا كما يظهر من الشيخ الانصاري (قده) في فرائده خلافا لما سلكه في الرسائل العملية على تفصيل ذكرناه في تقريراتنا لبحث الاستاذ المحقق النائينى (قده) فلا تغفل.

او غيرها وإنما الكلام في المراد من الرجحان فنقول ومن الله المستعان ان رجحان الاحتياط له صور منها ان يراد من الرجحان هو ما يترتب على صورة المصادفة حيث لا رجحان في صورة عدم المصادفة بمعنى انه لو اتى بالفعل وصادف الواقع يترتب المثوبة ولو لم يصادف لا مثوبة فلا رجحان.

ومنها ـ ان الرجحان يتحقق ويترتب على الفعل ولو لم يصادف بمعنى ان الرجحان غير منوط بالمصادفة فالاحتياط راجح صادف الواقع ام لم يصادف ففي المصادفة يترتب ما يترتب على الواقع وفي صورة غير المصادفة يكون انقيادا فتكون المثوبة مترتبة على الجامع بين الاطاعة والانقياد كما ان العقوبة مترتبة على الجامع بين العصيان والتجرى.

ومنها ـ ان لا يترتب على الاحتياط شيء مع قطع النظر عن حكم العقل والشرع ، واما بالنظر الى حكم الشرع والعقل فيترتب عليه المثوبة والعقوبة في صورة المصادفة ومع عدم المصادفة لا شيء يترتب عليه بمعنى يكون الامر بالاحتياط من قبيل الاوامر الطريقية.

ومنها ـ يكون رجحان الاحتياط لنفسه بمعنى ان اوامر الاحتياط نفسية تترتب على موافقتها المثوبة وعلى مخالفتها العقوبة مطلقا أي ولو خالف الواقع فتكون الصور المتصورة اربعة والفرق بين هذه الصور ظاهر ، اما الاولين فالفعل في حد ذاته راجح من دون نظر الى حكم الشارع والعقل ولذا يكون الامر بالاحتياط ارشاديا بخلاف الصورتين الاخيرتين فان الرجحان إنما يكون بملاحظة الشارع فمع قطع النظر عن حكمه لا رجحان ولذا يكون الامر بالاحتياط في الصورتين الاخيرتين مولويا فيهما غاية الامر بالنسبة الى الصورة الثالثة امرا طريقيا يترتب عليه المثوبة والعقوبة في صورة المصادفة كاوامر الطرق فانها أوامر مولوية طريقية شرعت لحفظ الواقع وبالنسبة الى الصورة الرابعة أمرا مولويا

نفسيا تترتب على موافقته المثوبة وعلى مخالفته العقوبة بلا نظر الى الواقع ويظهر الفرق بين الصور ايضا بانه على الصورتين الاوليين يكون المراد من الاحتياط اتيان الفعل بداعي احتمال الوجوب وترك الفعل بداعي احتمال الترك وعلى الاخيرتين يكون المراد من الاحتياط هو اتيان الفعل المشكوك الوجوب وترك الفعل المشكوك الحرمة فالأمر الشرعي بالنسبة الى الاولين ارشادي ، وبالنسبة الى الاخيرين أمر مولوي ، وبالجملة في الصورتين الاوليين الرجحان يترتب من دون نظر الى حكم الشارع فلذا حكم الشارع لو حصل يكون ارشاديا بخلاف الصورتين الاخيرتين فالرجحان إنما يترتب بملاحظة حكم الشارع ولذا يكون حكم الشارع حكما مولويا وسر الفرق قد ذكرنا اكثر من مرة بان العنوانين الطوليين يتصور على نحوين فتارة يكونان منتزعين مع حفظ الذات فيهما بان تكون الطولية جاءت من أخذ الوصف في العنوان الثاني الذى هو في طول الآخر كما في الخمر والخمر المشكوك فان العنوان الذي أخذ الشك فيه إنما في طول مطلق العنوان الذي نفس عنوان الخمر مع حفظ ذات الخمر في العنوانين الذي بينهما ترتب طولي واخرى يكون العنوانان طوليين من جميع الجهات أي حتى بالنسبة الى الذات بنحو يكون بالنسبة الى الذات في مرتبتين فذات أخذ موضوعا وذات اخذ معلولا كما فيما لو تعلقت الارادة بشيء فترى ذات متعلقة بها الارادة فتكون هذه الذات موضوعا لها وذات متأخرة عن الارادة وهي التي ينطبق عليها عنوان الاطاعة والعصيان وهذه الذات تكون معلولة للارادة ولذا لو تعلق بها امر يكون ذلك الامر ارشادي لاستحالة ان يكون ذلك الامر مولويا إذ لا يترتب عليه سوى ما يترتب على الامر الاول بخلاف ما كانت الطولية من جهة تقييد العنوان الثاني بالوصف إذ تغاير العنوانين مع حفظ الذات فيهما لا يوجب انطباق الاطاعة على العنوان الثاني فاثر الاطاعة لا يترتب عليه فعليه يكون الامر لو تعلق به يكون مولويا فتحصل

مما ذكرنا في بيان الفرق ان الاحتياط لو كان عبارة عن اتيان الفعل المشكوك يكون الامر المتعلق به مولويا لكون الطولية في العنوانين من جهة تقييد الوصف باحدهما وان كان عبارة عن اتيان الفعل بداعي احتمال وجوبه يكون الامر به ارشاديا حيث انه ينطبق عليه عنوان الاطاعة فيكون من باب طولية العنوانين من جهة طولية الذات في الرتبتين.

فظهر مما ذكرنا ان الخلاف في ان أوامر الاحتياط ارشادية أو مولوية ناشئة من الخلاف في أصل المبنى فمن قال بانها مولوية بنى كلامه على إن الاحتياط عبارة عن اتيان الفعل المشكوك ومن قال بان أوامر الاحتياط ارشادية بنى كلامه على إن الاحتياط عبارة عن إتيان الفعل بداعي احتمال وجوبه فاتضح مما ذكرنا ان مخالفة الشيخ مع الاستاذ بالنسبة الى أوامر الاحتياط إنما هو بحسب المبنى وان كان بحسب الظاهر وقع الخلط في كلامهما حتى تخيل ان النزاع بينهما إنما هو على مبنى واحد كما لا يخفى.

هذا كله بحسب مقام التصور والثبوت ، واما مقام التصديق والاثبات فنقول الاخبار على ثلاث طوائف فطائفة لسانها الاحتياط وظاهرها هو إتيان الفعل بداعي احتمال الوجوب لا اتيان الفعل المشكوك كقوله عليه‌السلام (احتط لدينك وطائفة لسانها التوقف فان في بادئ النظر يستفاد منها كون الامر مولويا ولكن في ذيلها تعليل يشعر بكون الامر للارشاد كقوله عليه‌السلام فان الوقوف في الشبهات خير من الاقتحام في الهلكة وطائفة لسانها المولوية كما في قوله عليه‌السلام فهو لما استبان له أترك وقوله عليه‌السلام : (من يرتع حول الحمى أو شك ان يقع فيه فهو نظير قوله عليه‌السلام عليكم في التقية فانه يستفاد منها كون الامر فيه للمولوية دون الارشادية كما انه يستفاد المولوية من قوله عليه‌السلام عليكم بالاحتياط حتى تسألوا وتعلموا إذا عرفت ان الاخبار لسانها يختلف فمنها صالحة لكون الاوامر

ارشادية ، ومنها صالحة لكون الاوامر مولوية ولا داعي لحمل بعضها على بعض لكي يكون مفادها شيئا واحدا بل ندعي انه لو اتى المكلف بالفعل بداعي احتمال الوجوب أو الترك بداعي احتمال حرمته ينطبق عليه عنوان الانقياد للحكم الواقعي ولا يترتب عليه ثواب تلك الاوامر ازيد من الثواب المترتب على الحكم الواقعي فاذا صح حمل الاحتياط على كل واحد من المعنيين فلا موجب لحمل احدهما على الآخر كما لا يخفى فافهم وتأمل.

التنبيه الثالث لا اشكال في امكان الاحتياط في التوصليات واما في التعبديات (١) فقد وقع الاشكال في امكانه في صورة دوران الامر بين الوجوب

__________________

(١) لا اشكال في إمكان الاحتياط في التعبديات فيما إذا أحرز أصل الرجحان بان تردد أمر الفعل بين الوجوب والاستحباب لامكان أن يحتاط بالفعل بداعي أمره الواقعي ولا اشكال فيه سوى اعتبار نية الوجه إلا انك قد عرفت ان اعتباره على تقدير القول به حيث يمكن. واما إذا لم يحرز أصل الرجحان بان دار أمر الفعل بين الوجوب والاباحة فربما يشكل الاحتياط بمثل ذلك على كل حال فانه ان أتى به بداعي الامر يكون تشريعا وإن لم يأت به بذلك لم يأت بالعبادة المقيدة بقصد الامر وقد قوى الشيخ الانصاري عدم امكان الاحتياط في هذه الصورة قال ما لفظه (وفي جريان ذلك في العبادات عند دوران الامر بين الوجوب وغير الاستحباب وجهان أقواهما العدم لان العبادة لا بد فيها من نية التقرب المتوقفة على العلم بأمر الشارع تفصيلا أو إجمالا كما في كل من الصلوات الاربع عند اشتباه القبلة) وقد أجاب عن هذا الاشكال بما هذا لفظه (ان المراد من الاتقاء في هذه الاوامر هو مجرد الفعل المطابق للعبادة من جميع الجهات عدا نية القربة فمعنى الاحتياط بالصلاة الاتيان بجميع ما يعتبر فيها عدا

وغير الاستحباب بتقريب انه يعتبر التقرب في العبادة ولا يحصل التقرب في الاحتياط لاحتياجه الى الامر الجزمي ومع احتمال وجوبه لا معنى للتقرب به لعدم الامر الجزمي وقد اجيب عن ذلك بان العقل لما حكم بحسنه يلزم أن يكون هناك

__________________

قصد القربة) وقد أورد المحقق الخراساني بان تصوير الاحتياط بهذا النحو تسليم للاشكال على ان إتيان الفعل المجرد عن قصد القربة ليس احتياطا بالعبادة وقد أجاب المحقق الخراساني (قده) ما لفظه (ان منشأ الاشكال هو تخيل كون القربة المعتبرة في العبادة مثل سائر الشروط المعتبرة فيها مما يتعلق بها الامر المتعلق بها فيشكل جريانه حينئذ لعدم التمكن من إتيان جميع ما اعتبر فيها وقد عرفت انه فاسد ... الخ).

بيان ذلك هو ان الاشكال مبني على أخذ قصد التقرب في متعلق الأمر كسائر الاجزاء والشرائط إذ عليه لا يمكن الاتيان بكل ما يحتمل اعتباره شرعا ومن الواضح ان قصد التقرب مما يحتاج الى الامر ولو كان اجمالا ولا اشكال في ان الشبهات البدوية ليس فيها امر لا تفصيلا ولا اجمالا. واما لو قلنا بان قصد التقرب لم يؤخذ بمتعلق الامر شرعا وإنما العقل يحكم باتيانه فلا مانع من الاحتياط بالعبادة للتمكن من الاتيان بكل ما احتمل وجوبه شرعا مما له دخل في المأمور به أوله دخل في الغرض هذا والانصاف ان الاشكال ليس مبنيا على ما ذكر بل مبني على ان العبادية تتوقف على تحقق الامر الجزمي لكي يكون قصده محققا للعبادة ولو كان بنحو الامر الثاني المسمى بمتمم الجعل فمع احتمال الامر لا يمكن تحقق العبادية.

ودعوى انه بالملازمة نستكشف الامر بتقريب ان العقل يستقل بحسن الاحتياط وبقاعدة الملازمة بين حكم العقل وحكم الشرع نستكشف الامر

أمر شرعي قد تعلق بالاحتياط للملازمة بين حكم العقل وحكم الشرع. ويشكل بانه على تقدير ثبوت الملازمة إنما يكون الامر المتعلق به ارشاديا وإذا صار

__________________

به شرعا فتصح العبادة أو دعوى انا نستكشف الامر من ترتب الثواب على الاحتياط فتصح العبادة ممنوعة ، اما عن الاولى فان حكم العقل بالحسن إنما يكشف عن تحقق الامر الارشادي وهو لا يصحح العبادية ، واما عن الثانية فنمنع ترتب الثواب على الامر الاحتياطي فالتحقيق ان العبادية لا تتوقف على تحقق الامر الجزمي بل يكفي في عبادية الشيء إتيانه برجاء المحبوبية من دون حاجة الى قصد الامر الجزمي بل ربما يقال بان الانقياد رجاء لاجل احتمال وجود امر المولى ارقى من الامتثال التفصيلي للامر الجزمي لما هو معلوم بان العبادة تحتاج الى اضافة الى المولى والاتيان برجاء المحبوبية من أحسن انحاء الاضافة الى المولى والحاكم بذلك هو العقل وهذا لا اشكال فيه وإنما الكلام وقع في ان أوامر الاحتياط هل هي ارشادية ام مولوية؟ وعلى تقدير كونها مولوية فهل هي في طول الامر الواقعي لكي يلزم قصده في الاحتياط ام في عرضه لكي يجوز قصد نفس أمر الاحتياط وجهان مبنيان على ان اوامر الاحتياط تتعلق بذات الفعل لكي يصح الاتيان بداعي الامر الاحتياطي اوانها متعلقة بالمأتي به بداعي الامر الواقعي رجاء.

فينبغي لنا التكلم في الجهتين الاولى ان اوامر الاحتياط ان كانت في مرحلة الامتثال ومقام الاطاعة فتكون ارشادية لحكم العقل بلزوم الاطاعة فلا تكون مستتبعة للحكم الشرعي لكونها في سلسلة المعلولات فليست صالحة لان تكون مولوية وان كانت في مرتبة علل الاحكام ومن ملاكاتها فتكون من قبيل حكمه بحسن العدل والاحسان فحينئذ يستتبع حكما مولويا والظاهر هو الثانى وفاقا

ارشاديا لا يصلح للتقرب به كما لا يخفى. وقد اجيب عن ذلك بوجوه احداها انا نكتفي في حصول العبادة بالامر الاحتمالي فانه يدعو على الاتيان به. الثاني انه يكفي في كونه عبادة حكم العقل بالحسن. الثالث ان أوامر الاحتياط كالاوامر المتعلقة بنفس العبادة من حيثية قصد التقرب فكما ان قصد التقرب ليس

__________________

للاستاذ المحقق النائيني (قده) حيث استظهر من بعض أدلة الاحتياط كقوله (ومن ترك ما اشتبه عليه من الاثم فهو لما استبان له اترك) ان اوامر الاحتياط تكون ناشئة عن مصلحة في نفس الاحتياط وهي حصول قوة للنفس باعثة فعليه لم يكن امر الاحتياط ناشئا عن مصلحة ادراك الواقع وإنما هو ناشئ عن مصلحة في نفسه فحينئذ يكون ملاكه واقعا في سلسلة علل الاحكام وبذلك يكون أمر المتعلق بالاحتياط مولويا على انه لو منعنا الاستظهار من الادلة إلا ان كون حسن الاحتياط من المستقلات العقلية الواقعة في معلولات الاحكام لا يوجب أن يكون الامر المتعلق إرشاديا لا مولويا إذ مناط الارشادية هو استقلال العقل بذلك كما في باب الاطاعة والامتثال ، واما فيما لم يستقل العقل بذلك كما في لو امر الاحتياط بحيث لا يستقل بالامر به فلا مانع من أمر المولى به مولويا لاجل حفظ الواقع ولا ينافي حملها على الاستحباب بواسطة ثبوت الترخيص المستفاد من أدلة البراءة.

واما الجهة الثانية ان متعلق الامر بالتوصل هو ذات الفعل وفي التعبدي هو الذات بداعي قصد القربة وهذا القيد ان قلنا باخذه في المتعلق او بأخذه في الامر الثاني المسمى بمتمم الجعل أو هو معتبر في الغرض وعلى جميع المباني المصححة للعبادية الذي هو عنوان جامع وهو الاتيان متقربا إلى المولى ولو كان بنحو الاتيان بداعى احتمال مطابقة المأتي للامر الواقعي فان وافق الواقع فهو اطاعة حقيقية

مأخوذا في الامر لكونه يأتي عن ناحية الامر فلا يعقل اخذه في المتعلق فكذلك الاوامر المتعلقة بالاحتياط فان قصد التقرب لم يؤخذ فيها وحينئذ الاوامر المتعلقة بالاحتياط تكون مولوية وهي مستفادة من الاخبار. ولا يخفى ان مرجع الجواب الأول الى ان العبادية لا تفتقر الى الامر الجزمي بل يكفي في العبادية صرف الاحتمال وهذا في الحقيقة التزام بالاشكال واما الجواب عن الثانى فقد

__________________

وإلا انقياد وبذلك قال الشيخ الانصاري (قده) (في انه لا اشكال في رجحان الاحتياط حتى فيما احتمل كراهته والظاهر ترتب الثواب عليه إذا أتى به لداعي احتمال المحبوبية لانه انقياد واطاعة حكمية) إذ من الواضح ان الفعل لا يترتب عليه ثواب إلا إذا وقع متقربا به فلو كان قصد التقرب لا يحصل إلا بالامر الجزمي فكيف يقع مقربا مع انتفاء العلم وفي مورد آخر قال : (بناء على ان هذا المقدار من الحسن العقلي يكفي في العبادة ومنع توقفها على ورود امر بها بل يكفي الاتيان به لاحتمال كونه مطلوبا أو كون تركه مبغوضا ولذا استقرت سيرة العلماء والصلحاء فتوى وعملا على اعادة العبادات لمجرد الخروج عن مخالفة النصوص غير المعتبرة والفتاوى النادرة) ولا يخفى ان كلامه دال علي ان احتمال الامر يكفي في حصول التقرب بل قد عرفت منا سابقا ان تقربه أشد وأزيد من صورة العلم بالامر إذ العبد يتوجه الى المولى بصرف الاحتمال فيكون اخلاصه أشد ممن لا يتحرك إلا بالامر المعلوم وعلى ذلك يحمل كلام الشيخ (قده) ولا يحمل على ان الحسن العقلي علة للعبادية لكي يرد عليه ما ذكره المحقق الخراساني في الكفاية كيف يعقل أن يكون من مبادئ ثبوته مع توقفه على ثبوته توقف العارض على معروضه على تفصيل ذكرناه في حاشيتنا على الكفاية.

اشار الاستاذ في الكفاية الى رده بانه يلزم منه محذور الدور. بيانه ان الحسن يتوقف على الاحتياط لانه عارض والاحتياط معروض ولا اشكال في توقف العارض على المعروض فكيف يكون هذا الحسن العارض على الاحتياط موجبا لحدوثه كما ان اوامر الاحتياط التي توجب العبادية يكون موضوعها العبادة. هذا وربما يقوى الوجه الاخير بتقريب ان المراد من الاحتياط هو مجرد الفعل المطابق للعبادة من جميع الجهات عدا نية التقرب فلا تكون مأخوذة في موضوع الاحتياط بفرض أن معنى الاحتياط الاتيان بجميع ما يعتبر فيه عدا قصد التقرب فلو امر الاحتياط تتعلق بنفس الفعل وعليه يقصد المكلف فيه التقرب باطاعة الامر وقد أجاب الاستاذ في الكفاية عنه بانه لا دليل على حسن الاحتياط بهذا المعنى ولكن لا يخفى ان المصلحة في العبادة قائمة بالعمل مع قصد التقرب بنحو تكون قائمة بهما معا فيكونان مقدمة لحفظ تمام المصلحة وحينئذ فكما يكون المجموع مقدمة لحفظ تمام المصلحة كذلك كل جزء يكون مقدمة لحفظ حصة من المصلحة التي هي من قبل نفسه لا من قبل جزئه الآخر لفرض ان كل جزء له دخل في المصلحة فيكون كل جزء حافظا لتلك المصلحة الموجودة فيه لا في الجزء الآخر فدعوى ان الفعل العبادي بدون ضمه الى التقرب لا رجحان فيه مدفوعة بما تقدم من ان نفس الفعل فيه مصلحة فيكون حسنا ثم إن الاستاذ (قده) في الكفاية قد تفصى عن الاشكال بما حاصله ان الاشكال إنما يترتب فيما لو كان قصد القربة جزءا من المأمورية. واما على ما اخترناه من ان قصد التقرب غير مأخوذ في المتعلق وإنما اعتباره بحكم العقل فلا يتأتي الاشكال وعليه لا يكون مانع من جريان الاحتياط في العبادة ولكن الانصاف ان الاشكال إنما يبتني على ما ذكرناه من الوجهين في معنى الاحتياط فان قلنا بان الاحتياط عبارة عن اتيان الفعل بداعي احراز الواقع فيلزم البناء على ارشادية اوامر الاحتياط وحينئذ يتأتى الاشكال

إذ على هذا المعنى ليس لنا امر جزمي لكي يمكن الاتيان بداعي الامر الجزمي الذي هو معنى الاحتياط فان الامر الجزمي على هذا المعنى ليس إلا امرا ارشاديا وهو غير صالح للعبادية وما هو صالح لجعله عبادة هو ما يكون الامر مولويا وهو ليس بجزمي بل إنما هو امر احتمالي نعم يرتفع الاشكال لو قلنا بان التقرب المحقق للعبادية هو احتمال الامر ، واما لو قلنا بان الاحتياط عبارة عن اتيان الفعل بما انه مشكوك الوجوب فيكون الامر المتعلق به مولويا على نحو الطريقية فحينئذ يتوجه الاشكال حيث انه على هذا التفسير ليس لنا أمر جزمي لكي يتحقق الاحتياط إذ الامر الطريقي عند المصادفة حقيقي وعند المخالفة أمر صوري. نعم يرتفع الاشكال لو قلنا بان الامر الاحتمالى يكفي في عبادية المأتي به بمعنى ان نفس احتمال الامر يحصل به التقرب المحقق لعبادية الفعل كما انه يرتفع الاشكال ايضا لو قلنا بان اوامر الاحتياط أوامر نفسية مولوية فحينئذ يمكن الاتيان بالاحتياط بمعنى ان الاتيان بالفعل بداعي الأمر الجزمي. وببيان آخر أدق من سابقه وهو أن نقول ان الاحتياط تارة يراد منه احراز الواقع المشكوك واتيان محتمل الوجوب الذي هو عبارة اخرى عن العبادة بمرتبة سابقة على الشك في الوجوب كان موضوعا ومعروضا لمشكوك الوجوب ومن الواضح ان الاحتياط بناء على ذلك لا رجحان فيه من ناحية العقل إذ حكم العقل بحسنه لا ينطبق على اتيان محتمل الوجوب بعنوان الاطاعة أو بعنوان الانقياد. مع ان المفروض عدم اعتبار نية التقرب في هذا العنوان فعليه لا يكون مشكوك الوجوب عبادة ولا ينطبق عليه عنوان الاطاعة فلا يحكم العقل بحسنه ولا برجحانه واخرى يراد من الاحتياط احراز الواقع المشكوك واتيان مشكوك الوجوب بداعي احتمال الوجوب على نحو يكون قصد التقرب مأخوذا في عنوان الاحتياط وحينئذ يكون نفس هذا العنوان اي عنوان الاحتياط راجحا وحسنا عند العقل

لانه ينطبق عليه عنوان الاطاعة والانقياد.

فبناء على هذا المعنى فكما يكون ذات الفعل المشكوك وجوبه كان بعنوانه الاولى وهو بعنوان ان صلاته مشكوكة الوجوب مثلا عبادة يجب ان يؤتى به بداعى امره كذلك يكون بعنوانه الثانوي الذي هو عنوان الاحتياط وبعنوان احراز مشكوك الوجوب واتيان محتمل الوجوب ايضا يكون عبادة يجب أن يؤتى بهذا العنوان بداعي احتمال وجوبه فحينئذ يكون هذا العنوان أي عنوان الاحتياط واتيان مشكوك الوجوب بداعي احتمال وجوبه عنوانا عباديا متأخرا عن احتمال الوجوب ومعلولا للاحتمال لا معروضا وموضوعا كما في الصورة الاولى فينطبق على هذا المعنى من الاحتياط عنوان الاطاعة والانقياد فيحكم العقل بحسنه ورجحانه.

اذا عرفت هذين الصورتين في الاحتياط فنقول بناء على التفسير الاول الذي هو عبارة عن نفس اتيان المشكوك لا اشكال في ان نفس هذا الاتيان ليس راجحا ولا يحكم العقل بحسنه نعم المأتي به على تقدير وجوبه يكون حسن ويحكم العقل بوجود المصلحة فحينئذ لا تخلو اوامر الاحتياط اما ان تحمل على الارشاد الى المصلحة التقديرية ، واما ان تحمل على المولوية بان يكون على نحو الطريقية الى الامر الواقعي المشكوك ، واما ان تكون اوامر الاحتياط تحمل على النفسية بالنسبة الى تعنونها بالعنوان الثانوي اى اتيان مشكوك الوجوب وعلى هذه التقادير الثلاثة تارة نقول بانه يكفي في صحة العبادة بان يؤتي بداعى امره الاحتمالي واخرى نقول بانه يعتبر ان يؤتى به بداعي امره الجزمي فلا يكتفى بالامر الاحتمالي وعلى الصورة الاخيرة تارة نقول بكفاية الامر الجزمي المتعلق بعنوانه الثانوي واخرى نقول بانه لا بد وان يؤتى به بداعي امره الجزمي المتعلق بعنوانه الاولي ، فعلى الاول لا اشكال في امكان الاحتياط أي الاتيان بداعي

احتمال الامر. واما على الثانى الذي هو عبارة عن احتياج العبادية الى الأمر الجزمي فبناء على ارشادية اوامر الاحتياط فلا يمكن الاحتياط في العبادة لعدم صلاحية تلك الاوامر للعبادية لكونها ارشادية ، واما بناء على كون الاوامر طريقية فيمكن الاحتياط بالعبادة لكونها اوامر مولوية طريقية وصالحة للعبادية فحينئذ يمكن الاتيان بمشكوك الوجوب بداعي امره الجزمي المولوي المتعلق بعنوانه الثانوي الذي هو عنوان الاحتياط ، كما انه بناء على نفسية اوامر الاحتياط فائضا يمكن الاحتياط في العبادة أي إتيان مشكوك الوجوب بداعي امره الجزمي المتعلق بعنوان الاحتياط.

وبالجملة الاحتياط عبارة عن اتيان المشكوك بالعنوان الاولي فتارة نقول باحتياج العبادة الى الامر الجزمي فلا إشكال في عدم امكان الاحتياط بالعبادة لعدم تحقق الامر الجزمي واخرى كما هو الحق عدم الاحتياج الى ذلك بل يكفي في العبادية احتمال الامر ، فعليه يمكن الاحتياط بالعبادة أي الاتيان بالمتعلق لاحتمال الامر المتعلق به ، وان كان الاحتياط عبارة عن الاتيان بعنوانه الثانوي فبناء على عدم احتياج العبادة الى الامر الجزمي بل يؤتى بالمتعلق رجاء للامر الواقعي فلا اشكال في امكان الاحتياط في العبادة ، واما لو قلنا باحتياج العبادة الى الامر الجزمي فبناء على كون اوامر الاحتياط ارشادية فلا يمكن الاحتياط في للعبادة فانها وان كانت أوامر جزمية إلا انها ارشادية ، وان قلنا بانها أوامر مولوية طريقية أو نفسية فيمكن الاحتياط في العبادة. هذا كله في مقام الثبوت ، واما في مقام التصديق والاثبات فيختلف المستفاد من اخبار الباب فمثل قوله (ع) : (أخوك دينك فاحتط لدينك) وقوله (ع) : (إذا اصبتم بمثل هذا فعليكم بالاحتياط) وقوله (ع) : (الوقوف عند الشبهات خير من الاقتحام في الهلكة) يستفاد كون اوامر الاحتياط للارشاد الى حكم العقل بحسن الاطاعة ، واما مثل

قوله (ع) : (من ترك الشبهات كان لما استبان له اترك) فانها وان كانت قابلة للحمل على الارشاد إلا ان ظهورها في المولوية تنفي حملها على الارشاد ، ولكن هل يستفاد منها الاستحباب النفسي او تحمل على الطريقية؟ الظاهر هو الثاني لظهورها في حفظ الواقع فتكون كسائر الطرق والامارات إنما اتي بها لحفظ الواقع ولكن الانصاف ان المحقق للتقرب المعتبر في العبادة يحصل من الاتيان بالفعل لمجرد احتمال المطلوبية رجاء فعليه لا موقع للاشكال في جريان الاحتياط في العبادة فانه من الواضح امكان الاتيان بما احتمل وجوبه بداعي احتمال المطلوبية فلا تغفل.

التنبيه الرابع في بيان اوامر الاحتياط التنبيه الرابع في ان اوامر الاحتياط يمكن ان يستفاد منها الاستحباب فيما إذا أتى المكلف بالفعل برجاء المطلوبية ، واما مع عدم الاتيان بذلك فيشكل الفتوى بالاستحباب فما ذكره المشهور من الفتوى بالاستحباب من دون تقييد بالاتيان برجاء المحبوبية محل اشكال. نعم قيل بذلك فيما لو كان احتمال الوجوب لاجل قيام خبر ضعيف استنادا الى الاخبار الكثيرة الآمرة باتيان كل ما بلغه من الثواب بخبر ضعيف كما عن صفوان عن الصادق (ع) قال : (من بلغه شيء من الثواب على شيء من الخبر فعمل به كان له اجر ذلك ، وان كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يقله. وعن محمد بن مروان عن ابي عبد الله قال سمعت أبا جعفر (ع) يقول من بلغه ثواب من الله تعالى على عمل فعمل ذلك العمل التماس ذلك الثواب اوتيه وان لم يكن الحديث كما بلغه الى غير ذلك من الاخبار الكثيرة الدالة على استحباب ما بلغ فيه الثواب ، ولا يخفى ان استفادة استحباب نفس الفعل منها محل اشكال (١) للاشكال في دلالتها وبيان ذلك يتوقف على بيان امرين الاول ان

__________________

(١) لا يخفى ان اخبار من بلغ تارة تقرب على نحو تكون متعرضة لجهة اصولية واخرى تكون متعرضة لجهة فقهية وثالثة تكون متعرضة لجهة كلامية

الدليل الدال على ترتب الثواب على البلوغ تارة يكون ارشادا لحكم العقل بمعنى الارشاد لرجحان من بلغه الثواب على اتيان الفعل فيكون ارشادا محضا الى نفس الواقع واخرى يكون مولويا وعلى الاخير اما نفسيا او طريقيا والطريق اما

__________________

وذلك ينشأ مما يستفاد من تلك الاخبار فتارة يستفاد منها اعطاء شرائط الحجية للخبر الضعيف بنحو لو لا اخبار من بلغ كان فاقدا للحجية وإنما باخبار من بلغ تتم حجيته وعليه يكون الخبر الضعيف دالا على الاستحباب بواسطة اخبار من بلغ ، وحينئذ يستفاد منها الجهة الاصولية واخرى يستفاد من الاخبار كون نفس البلوغ له دخل فى الاستحباب وحينئذ تكون الاخبار متعرضة لجهة فقهية وثالثة يستفاد منها ان اعطاء الثواب لمن بلغه بعد العمل من باب التفضل والرحمة فتكون نظير العفو بعد العمل فعليه تكون تلك الاخبار متعرضة لجهة كلامية هذا في مقام الثبوت ، واما مقام الاثبات فالذي يظهر من اخبار الباب هو الجهة الكلامية بمعنى انه تعالى يتفضل باعطاء الثواب بعد العمل فتكون متعرضة للحكم بعد العمل إلا انه يعارضه الظهور السياقى الدال على الترغيب والحث على الاتيان بالعمل فتكون متعرضة لما قبل العمل فتدل على الاستحباب النفسي الناشئ من الرجحان القائم بنفس الفعل.

ولا يخفى ان هذا الظهور السياقى مقدم على الظهور اللفظي فاذا قدم يوجب رفع اليد عن الظهور اللفظي فحينئذ يدور الامر بين ان تكون متعرضة لاعطاء الحجية للخبر الضعيف الفاقد لشرائط الحجية او تكون متعرضة لاعطاء الثواب على الفعل بالعنوان الطارئ الثانوي وهو عنوان البلوغ نظير عنوان امر الوالدين وعنوان قضاء حوائج الاخوان ، والظاهر هو الاخير إذ لا مجال لاحتمال الاول إذ لسان هذه الاخبار عدم القاء احتمال الخلاف كما هو مقتضى

بلحاظ مصادفة الواقع وعدمه ، واما بلحاظ الخبر الضعيف وعدمه وعليه يكون اخبار من بلغ في مقام اعطاء الحجية للخبر الضعيف.

الامر الثاني ان كون الامر للارشاد او كونه مولويا مبني على كون البلوغ المأخوذ

_________________

قوله (ع) وان لم يكن كما بلغه وذلك مناف لجعل حجية ما بلغه من الخبر الضعيف على ان المستفاد من الفاء في قوله فعمله هو كون ما يترتب على العمل المتفرع على بلوغ الثواب ومن الواضح ان الفاعل لا يستند على قول المبلغ إلا إذا كان قوله واجدا لشرائط الحجية من العدالة او الوثاقة وعليه لا تكون الرواية بصدد بيان حال العمل قبل البلوغ وانما الرواية بصدد بيان الحكم بعد البلوغ. ودعوى ان مقتضى اطلاق الموضوع هو البلوغ مطلقا وذلك يقتضي عدم اعتبار شرائط الحجية ممنوعة إذ الحكم في القضية إنما سيق لاعطاء الثواب على العمل بعد البلوغ وليس في مقام بيان نفس الموضوع الذي هو البلوغ لكي يتمسك باطلاقه وإنما هو بصدد بيان حكم آخر بعد تحقق الموضوع الذي هو البلوغ كما هو قضية قوله تعالى (فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ) فانه ليس في بيان حكم العضو لكي يتمسك بطهارته وإنما هو في مقام حلية ما يصطاده كلب الصيد وانه ليس من الميتة.

وكيف كان فهذه الرواية ليست في مقام بيان اعطاء الحجية كما انها ليست في مقام عدم اعتبار شرائط الحجية كما هي معتبرة في الاحكام اللزومية بدعوى ان يكون مفادها اسقاط شرائط الحجية في باب المستحبات وتوسعة للحجية في ادلتها بمعنى انه لا يعتبر فيها ما كان معتبرا في حجية الخبر من العدالة والوثاقة فان هذه الدعوى ممنوعة إذ هي بعيدة عن ظاهر هذه الاخبار فان ظاهرها هو فرض عدم ثبوت المؤدى في الواقع وذلك ينافي جعل الحجية والانصاف ان القول بان مفادها ثبوت الثواب على العمل بالعنوان الطارئ هو الحق

في اخبار من بلغ هل اخذ بنحو الجهة التقيدية او اخذ بنحو الجهة التعليلية فان كان بالنحو الأول فلا يكون الامر إلا مولويا لعدم كونه موضوعا لحكم العقل بالرجحان وان كان بالنحو الثاني فالجهة خارجة عن الفعل فيكون نفس الفعل موضوعا وحينئذ تلك الجهة التي اخذت تعليلا تارة تكون بنحو الشرط لطرو الحكم بمعنى ان الامر قد تعلق بنفس الفعل إلا انه بشرط حصول البلوغ واخرى يكون داعيا لنفس العمل بنحو لا يؤتى به إلا بداعي البلوغ ، وهو تارة يدعو لنفس الفعل واخرى يدعو إليه بداعي الثواب وثالثة يدعو الى الفعل الذي يترتب عليه الثواب بداعي احتمال الامر فيكون من قبيل داعي الداعي.

إذا عرفت ذلك فاعلم ان البلوغ لو كان بنحو الجهة التقييدية فالامر المتوجه اليه يكون مولويا وهو تارة يكون نفسيا واخرى طريقيا فعلى الاول مستحبا ظاهريا بالعنوان الثانوي ، وعلى الثاني فتارة يكون بعنوان جعل الحكم الظاهري بعنوان الثواب على بلوغ العمل فيكون مستحبا ظاهريا بالعنوان الثاني كالاول إلا انه فرق بينهما من حيث المخالفة فان الاول يتصور فيه المخالفة كسائر المستحبات دون الثاني

_________________

لظهور تلك الاخبار في ذلك فتكون دالة على استحباب الاتيان بمجرد بلوغ الثواب والظاهر انه لا ثمرة عملية بين القول بان اخبار من بلغ تثبت حجية خبر الضعيف وبين القول بان الثواب يترتب على العنوان الطارئ ودعوى ظهور الثمرة بين القولين فيما لو دل خبر ضعيف على استحباب ما ثبت حرمته بعموم او اطلاق فانه على الاول يكون الخبر الضعيف حجة شرعية تخصص العموم وتقيد الاطلاق ، وعلى الثاني تقع المزاحمة بين الحكم الاستحبابي والتحريمي من جهة العنوان الذاتي والعرضي فيقدم الحكم الالزامي ممنوعة بان مثل هذا الخبر غير مشمول لاخبار من بلغ على الوجهين فلا ثمرة بين القولين كما لا يخفى.

واخرى بمعنى تتميم الكشف ، أي أن هذه الاخبار تجعل مؤدى الخبر الضعيف حكما واقعيا تعبديا كالامارات المعتبرة.

هذا والذي يظهر من اخبار الباب هو الحث والترغيب على الاتيان بما بلغ قبل العمل.

ودعوى بعض الاعاظم (قده) انها ليست بصدد ذلك وإنما هى في مقام ترتب الثواب لمن بلغه بعد العمل تفضلا منه تعالى ورحمة منه وان خالف قول المبلغ للواقع ولا اطلاق للموضوع الذي هو البلوغ لكي يتمسك باطلاقه لكون الاخبار سيقت لبيان حكم آخر كما هو مقتضى صحيحة هشام بن سالم عن ابي عبد الله عليه‌السلام قال : (من بلغه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شيء من الثواب فعمله كان اجر ذلك له وإن كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يقله) ـ ممنوعة إذ ظاهرها هو الحث والترغيب قبل العمل على ان بعض تلك الاخبار كرواية محمد بن مروان قال سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : (من بلغه ثواب من الله على عمل فعمل ذلك العمل التماس ذلك الثواب اوتيه وان لم يكن الحديث كما بلغه) يدل على ان الاتيان بالبالغ المحتمل انه قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوجب ترتب الثواب عليه وهذه الرواية كما ترى مقيدة لسائر الاخبار المطلقة.

وعليه بعد بطلان هذا الاحتمال يدور الامر بين ان تحمل هذه الاوامر على الاستحباب النفسي المولوي او الطريقى المولوي او على الارشاد الى حكم العقل بحسن الاتيان بالعمل رجاء الواقع وتترتب عليه المثوبة فلا مولوية نفسية او طريقية إلا ان استفادة الطريقية محل نظر للزوم كون مفادها الغاء احتمال الخلاف مع ان المستفاد من قوله عليه‌السلام وان لم يكن الأمر كما بلغه هو عدم الغاء احتمال الخلاف ، فحينئذ يدور الامر بين الحمل على الاستحباب النفسي المولوي او الحمل على الارشاد الى ما يحكم العقل من حسن الاتيان فيترتب عليه الثواب والظاهر من

الاخبار هو الثاني لظهور كون العمل المتفرع على البلوغ هو الباعث على الاتيان كما يشهد تقييد بعض الأخبار بالتماس ذلك الثواب فانه كالصريح كون الامر للارشاد. هذا كله لو لم نستفد الاستحباب النفسي من اخبار الباب.

واما لو استفدنا منها الاستحباب النفسى فلا اشكال في اختصاصها بمن قام عنده خبر ضعيف يدل على الوجوب او الندب باعتبار ان موضوعها البلوغ ولا يتحقق إلا بذلك. فعليه للفقيه الافتاء بذلك لتحقق موضوعه. واما بالنسبة لمن لم يبلغه ذلك الخبر لا يمكن الافتاء بالاستحباب.

فما ذكره المشهور من الفتوى بالاستحباب مطلقا حتى لمن لم يقم عنده الخبر الضعيف محل اشكال ونظر لما عرفت من اختصاصها بمن قام عنده ذلك الخبر الضعيف ، وعليه لا يمكن للفقيه الافتاء للمقلد ـ بالكسر ـ بالاستحباب وجواز الفتوى للمقلد ـ بالفتح ـ من باب نيابة المجتهد عن المقلد انما يتم لو قلنا بعدم اختصاصه ثبوتا لغير من قام عنده الخبر او التصرف فى البلوغ بان يراد منه ما يعم المقلد نفسه او من هو نائب عنه في الفحص. هذا بناء على استفادة الاستحباب النفسي. واما لو قلنا بانه يستفاد من هذه الاخبار الحكم الطريقي بمعنى الحجية للخبر الضعيف كما هو ظاهر كلمات القوم من حملها على التسامح فى ادلة السنن (١)

__________________

(١) لا يخفى ان هذا الاحتمال ضعيف إذ ان لسان الحجية إنما هو الماء احتمال الخلاف بمعنى ان مؤدى الطريق هو الواقع بخلاف المقام فانه مفروض في مورد عدم ثبوت الواقع وهذا ينافي جعل الحجية ، ولذا اخترنا ان الثواب يكون على العمل بالعنوان الثانوي الطارئ اعنى البلوغ لمساعدة الظهور العرفي.

وعليه يكون التعبير بالتسامح مسامحة لدلالة الروايات على الاستحباب النفسي بمجرد بلوغ الثواب بنحو يكون البلوغ داعيا لا بنحو القيدية لان الثواب المرتب

فله الافتاء حيث انه كسائر الطرق المعتبرة بنحو يتحقق لهذا الخبر الضعيف قيام الرجحان بنفس الفعل لكافة المكلفين فيفتى على مضمونه من الاستحباب واقعا وان كان دليل الاعتبار مختصا بالمجتهد كما هو كذلك بالنسبة الى سائر الطرق

__________________

على نفس العمل مقيد بالبلوغ فيكون ذات العمل مستحبا نفسيا.

وادعى الشيخ الانصاري (قده) القيدية لامرين الاول تفريع العمل على البلوغ ، الثاني ما يظهر من قوله عليه‌السلام : (فعمل ذلك العمل التماس ذلك الثواب اوتيه) ومن قوله عليه‌السلام : (من بلغه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شيء من الثواب ففعل ذلك طلب قول النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله كان له ذلك الثواب وان كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يقله) فان مقتضى ذلك المستحب هو خصوص ما يؤتى به التماس الثواب او طلبا لقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وبذلك تقيد المطلقات للعلم بوحدة المطلوب فيوجب التقييد وان لم نقل بوجوب حمل المطلق على المقيد في المستحبات.

وقد اجاب المحقق الخراسانى (قده) في كفايته عن الاول بان التفريع لا دلالة له على التقييد. نعم يكون هو الباعث للمكلف على الاتيان بالعمل رجاء الثواب وليس ذلك موجبا لتعنون العمل بذلك لكي يؤتى به بهذا العنوان.

وعن الثاني بان الظاهر من الروايتين كون الامر فيهما ارشادا الى حكم العقل وكونه كذلك لا يوجب تقييد مطلقات بقية الروايات إذ لا ينافي كون المطلق مولويا والمقيد ارشاديا. وكيف كان فقد ذكر الشيخ الانصاري الثمرة بين ما ذكره وبين كون الاوامر تدل على الاستحباب الشرعي (تظهر في ترتب الآثار المترتبة الشرعية على المستحبات الشرعية مثل ارتفاع الحدث المترتب على الوضوء المأمور به شرعا فان مجرد ورود خبر غير معتبر بالامر به لا يوجب إلا استحقاق الثواب عليه ولا يترتب عليه رفع الحدث فتأمل وكذا الحكم

من الحكم الاصولي بناء على عدم لزوم الفحص فى مثله واختصاصه بالاحكام اللزومية دون غيرها.

__________________

باستحباب غسل ما استرسل من اللحية في الوضوء من باب مجرد الاحتياط لا يسوغ جواز المسح ببلة الوضوء بل يحتمل قويا ان يمنع من المسح ببلله. وان قلنا بصيرورته مستحبا شرعيا فافهم. انتهى).

ولكن لا يخفى ان هذا انما يتم لو قلنا بان الوضوء إنما يصح لو كان لاجل غاية من الغايات ، واما لو قلنا بان الوضوء مستحب نفسي كما يظهر من بعض الروايات كقوله : (اكثر من الطهور يزيد الله في عمرك) فلا تظهر الثمرة فانه مع ورود خبر ضعيف يأمر بالوضوء لغاية من الغايات يكون مستحبا نفسيا ويرتفع به الحدث على كل حال سواء كان الخبر صادقا ام كاذبا ، واما المسح ببلة ما استرسل من اللحية فهو على تقديره من الاجزاء المستحبة لا مانع من المسح ببلله نعم ربما يقال بعدم ورود خبر اصلا. وكيف كان فالوضوءات التي دل عليها خبر ضعيف على استحبابها لغاية من الغايات على القول باستحبابها يرتفع بها الحدث وإلا فلا ، إلا ان الشيخ الانصارى (قده) يمنع ذلك ويدعي بان كل وضوء مستحب لم يثبت كونه رافعا للحدث كما هو كذلك بالنسبة إلى الحائض والجنب ومثله الوضوء التجديدي ولكن لا يخفى ما فيه فان وضوء الجنب والحائض لا يرتفع بهما الحدث لكونه حدثا اكبر على انه يمكن دعوى ارتفاع بعض مراتب الحدث وليس رفعا تاما. واما الوضوء التجديدي فلا مانع من كونه موجبا لشدة الطهارة كما يستفاد من بعض الاخبار الوضوء على الوضوء نور على نور.

وبالجملة الثمرة مبنية على القول بعدم كون الغسلتين والمسحتين في الوضوء مستحبا نفسيا وعلى القول باستحبابها نفسيا فلا ثمرة تظهر بين القولين والظاهر انها يظهر فيما لو نذر اتيان مستحب شرعي فلو بلغه شيء من الثواب فعلى القول

واما بناء على المختار من كون الاوامر ارشادية فلا مجال للفتوى لنفسه بالاستحباب نعم اللازم بالاتيان به ان يكون برجاء المطلوبية كما له الفتوى بهذا المضمون.

التنبيه الخامس لا اشكال في تحقق البلوغ بالخبر الضعيف من دون معارض ، واما لو كان لذلك الخبر الضعيف معارض يدل على الكراهة او الحرمة فهل يتحقق البلوغ ام لا؟ كما لو قام خبر ضعيف على وجوب شىء او استحبابه وقام خبر آخر ضعيف يدل على عدم استحبابه او كراهته فالظاهر انه يتحقق البلوغ لدخول مثل ذلك تحت عمومات من بلغ وقيام الخبر الآخر بنفي الاستحباب او كراهته لا يوجب عدم شمول تلك الاخبار إذ ذلك لا يوجب اقتضاء العدم فحينئذ يحكم باستحبابه في الجميع حتى بالنسبة الى ما قام عليه الخبر الضعيف المعارض.

وبالجملة لا تعارض بين الخبر المقتضي لصدق البلوغ وبين الخبر الذي ليس فيه اقتضاء لصدقه. نعم لو كان الخبر المعارض معتبرا فربما يمنع صدق البلوغ حيث انه بدليل اعتبار الخبر ينفي الاستحباب فلا يصدق عليه البلوغ ولكن لا يخفى ان نفي الاستحباب إنما هو بالعنوان الاولي ولا ينافي اثباته بالعنوان الثانوي الطارئ وحينئذ لا مانع من شمول اخبار من بلغ لذلك فمع شموله يدخل تحت التسامح في ادلة السنن ولا يعارضها ما دل على حجية الخبر من غير فرق بين القول بتتميم الكشف او تنزيل المؤدى لما عرفت من عدم المنافاة بينهما.

وبالجملة فلا مانع من شمول ادلة التسامح لمثل ذلك كما انه لا مانع من

__________________

باستحبابه النفسي يحصل البرء لو اتى بذلك ، وعلى القول باستحباب اتيان العمل بداعي البلوغ لم يحصل البرء ولم يف بالنذر على تفصيل ذكرناه في حاشيتنا على الكفاية.

شمولها لفتوى الفقيه إذا كان بلسان يستحب واحتمل استناد ذلك الى الرواية واما مع العلم بعدم الاستناد الى ذلك بان علم استناده الى بعض القواعد العامة كحسن الاحسان وامثال ذلك يشكل صدق البلوغ اذ الظاهر منه هو الاستناد الى الرواية بلا واسطة فشموله لمثل ذلك محل منع ونظر بناء على ان المستفاد من الاخبار هو الاستحباب النفسى او الطريقي. واما بناء على كون المستفاد منها هو الانقياد فلا مانع من صدق البلوغ على الفتوى إذ يكفى في ذلك هو الاحتمال ورجاء المطلوبية هذا تمام الكلام في مبحث اصالة البراءة والحمد لله رب العالمين.

اصالة التخيير

هذا هو الاصل الثاني من الاصول العملية الجارية في مقام الشك في الواقع (١).

__________________

(١) لا يخفى أن التخيير في دوران الامر بين المحذورين حيث لا يمكن فيه مخالفة او موافقة قطعية وان التخيير فيه تخييرا قهريا تكوينيا فلا يعد من الاصول الاربعة الجارية في مقام الشك بالواقع مضافا الى أن جريان التخيير فرع إمكانه مع انه غير ممكن بتقريب ان تأثير العلم الاجمالي مشروط بكون المعلوم بالاجمال المتعلق به التكليف قابلا لان يكون محركا للعبد نحو العمل وداعيا اليه وذلك لا يتحقق إلا وان يكون ما تعلق به العلم جامعا صالحا لانطباقه على الافراد كما لو تعلق بوجوب أحد الشيئين او حرمة احدهما والمقام ليس من ذاك القبيل إذ لا جامع بين الفعل والترك ، والامر بالجامع بنحو التخيير بينهما غير ممكن لكونه من تحصيل الحاصل إذ الشخص بحسب خلقته تكوينا اما فاعلا او تاركا محل نظر بل منع لعدم اشتراط تنجيز العلم الاجمالي بما ذكر ، على انه لو قلنا بالاشتراط بذلك إلا ان الجامع الذي هو متعلق للعلم لا يلزم أن يكون جنسا او مطلقا بنحو ينطبق على الافراد تخييرا بل يكفي كونه جامعا بنحو ينطبق على الفرد المتشخص واقعا المردد بين طرفين ، وحينئذ تكون صحة التكليف به اتيانا على نحو التعيين.

واما تحصيل الحاصل فلا يلزم بالنسبة الى كل واحد من الطرفين إذ كل واحد من الطرفين ليس خارجا عن القدرة فله ايجاد الفعل او الترك وإلا لما صح

الموجب للمخالفة القطعية إلا أن ذلك محل منع ، إذ العلم الاجمالي

__________________

جعل الاباحة في مواردها إذ نتيجتها هو الترخيص في الفعل او الترك.

فظهر مما ذكرناه انه لا مانع من جعل الاباحة الشرعية الواقعية او الظاهرية لما عرفت ان الانسان ليس مقهورا على الفعل او الترك بل يصدر عنه الفعل عن اختيار وبارادة ولذا لا مانع من جعل الحكم بالتخيير او الاباحة الذي مفادها الترخيص في الفعل او الترك.

واما بالنسبة الى البراءة فقد ذكر الاستاذ (قده) على ما سيأتي في المتن عدم جريانها في المقام لكون حكم العقل علة لسقوط العلم عن البيانية وذلك في الرتبة السابقة ولا تصل النوبة الى قاعدة قبح العقاب بلا بيان ولكن لا يخفى ما فيه إذ علة عدم البيان ليس لذلك لكي يكون معلولا له بل هو لاجل عدم المقدورية.

ودعوى انه يكفي ذلك إذ لو لم يكن معلولا بالتخيير لكنه معلول لعلة التخيير ففي رتبة اللابيانية الحكم بالتخيير موجود فلا تصل النوبة لاعمال القاعدة ممنوعة لما عرفت من ان العلم في المقام لا يحتاج الى السقوط لكي نحتاج الى علة السقوط ولم يكن في زمان هو حجة لكي يسقط بل العلم الذي يراه العقل بيانا هو الذي يتعلق بالمقدور والمتعلق بغير المقدور من الاول لا يكون من افراد البيان فلا مانع في المقام من جريان البراءة العقلية والشرعية ايضا

ودعوى ان البراءة الشرعية لا تجري ، إذ جريانها فرع امكان جعل الاحتياط للشارع في مرتبة الشك وهو محل منع ممنوعة اذ للشارع جعل ايجاب الاحتياط لكل واحد من المحتملين ولو كان جعله بالنسبة الى احدهما. نعم يمكن

وذلك فيما اذا دار الأمر بين محذورين ، أي بين الوجوب والحرمة وبيان ذلك يظهر في ذكر امور :

الاول : ان الحكم بالتخيير بين المحذورين عبارة اخرى عن التخيير بين الفعل والترك والحكم بذلك حكم عقلي محض وهو لاجل اضطرار المكلف الى

__________________

دعوى عدم جريان الاباحة الشرعية لقصور ادلتها كمثل كل شيء لك حلال بالنسبة الى مشتبه الحرمة والحلية. فالذي يقتضيه التحقيق هو انه لا مانع من جريان البراءة الشرعية او العقلية لما ذكرنا من امكان جعلها بالنسبة الى احدهما المعين.

واما القول بتقديم جانب الحرمة لكون دفع المفسدة اولى من جلب المنفعة فمحل منع إذ نمنع اولوية ذلك لعدم الدليل الشرعي او العقلي عليه على انه لو تم إنما يتم فيما اذا كانت المفسدة والمصلحة معلومتين ، واما فيما لم يعلم فيه المفسدة وإنما هو احتمال فلا نسلم تلك الأولوية ، كما ان ما ذكره المحقق الخراساني في الكفاية من منع جريان قبح العقاب بلا بيان من جهة ان العلم بجنس الالزام حاصل فالبيان تام محل منع بل نظر ، اذ العلم بالتكليف الالزامي غير قابل للباعثية فلا يكون بيانا ، فعليه البراءة العقلية جارية في المقام كالبراءة الشرعية فلا تصل النوبة الى التخيير العقلي فلذا صح لنا القول بان المقام من قبيل الشك في التكليف لا الشك في المكلف به بل لا مانع من جريان الاستصحاب في هذا المقام من غير فرق بين الاصول التنزيلية وغيرها كما لا فرق بين ان تكون الشبهة موضوعية او حكمية كما لو علم بوقوع الحلف على السفر او على تركه فانه لا مانع من استصحاب عدم الحلف على السفر واستصحاب عدم الحلف على تركه. نعم يبقى الاشكال في انه لو رجعنا الى الاصول العملية في مقام دوران الامر بين محذورين فيلزم من جريانهما مخالفة احد الاصلين للواقع أو ان الرجوع الى الاصول النافية

احدهما تكوينا وعدم امكان جمعهما لعدم قدرة المكلف على ذلك فلذا لا يجب مراعاة العلم الاجمالي بلزوم اتيان احدهما لعدم خلو الواقعة تكوينا من الفعل أو الترك ومن هنا يسقط اعتبار العلم الاجمالي لما عرفت من اضطرار المكلف الى اتيان احدهما وذلك يوجب عدم قابليته للتأثير ، ومع فرض عدم قابليته لذلك لا يكون موجبا للتخيير ، وعدم امكان ذلك لا يكون داعيا للاتيان باحدهما إذ داعويته للاتيان باحدهما منوط بصلاحيته للتأثير الموجب للتخيير وقد عرفت انه غير صالح له كما لا يخفى.

الأمر الثاني : انك قد عرفت ان التخيير في المقام عبارة عن عدم الحرج في الفعل او الترك فيكون من التخيير بين النقيضين ولذا لا يكون المقام من التخيير الشرعي او العقلي اذ المناط فيهما امكان المخالفة القطعية ففي المقام ولو كان الحاكم

__________________

إنما يصح عند الشك في أصل التكليف لا مثل المقام لحصول العلم بجنس الالزام فيكون من الشك بالمكلف به ولكن لا يخفى أما عن الاول فلا محذور فيه إذ لا يلزم إلا المخالفة الالتزامية وقد عرفت انه لا محذور فيها مع عدم حصول المخالفة القطعية كما في المقام ، واما عن الثاني فالعلم بالالزام إنما يمنع من جريان الاصول فيما إذا كان التكليف المعلوم قابلا للباعثية لا مثل المقام. نعم ربما يستشكل من جريان اصالة الاباحة لكونها اصلا واحدا منافيا للعلم بالالزام تكوينا وقد ذكرنا انه يعتبر في جريان الاصل عدم العلم بمخالفته للواقع.

فظهر مما ذكرنا انه لا مانع من جريان الاصول كالبراءة والاستصحاب الجاريين في كل من الوجوب والحرمة مستقلا من غير محذور سوى أن جريانهما موجب لمخالفة أحد الاصلين للواقع مع الشك في موافقة كل منهما له في نفسه وليس إلا مخالفة التزامية وقد عرفت انه لا محذور فيها.

به هو العقل إلّا انه بمناط التكوين والاضطرار بعد بطلان الترجيح بلا مرجح نعم لا مانع من جعله من التخيير باحد الدليلين فيكون الأخذ باحدهما تعيينا من الحكم الظاهرى إلّا ان ذلك يحتاج الى معين. وبالجملة الحكم في التخيير في المقام من الحكم العقلي المحض بمناط الاضطرار والتكوين لا بمناط الحسن والقبح فلا مجال لاعمال المولوية في الأمر بالتخيير بينهما لما عرفت ان اعماله يعد لغوا.

الأمر الثالث : هل التخيير بين المحذورين استمرارى او بدوي؟ فقد يتوهم انه بدوي اذ استمرارية التخيير يوجب القطع بكل من الموافقة والمخالفة بخلاف ما لو قلنا انه بدوي حيث انه لا يلزم منه إلّا احتمالهما. ولكن لا يخفى ان ذلك مبني على ان العلم الاجمالي منجز للواقع بالنسبة الى حرمة المخالفة القطعية بنحو العلية وبالنسبة الى وجوب الموافقة القطعية بنحو الاقتضاء القابل لمنع المانع. فعليه لو دار الامر بين الاطاعتين تقدم جانب العلية على الاقتضاء لصلاحيتها الى المانعية وينتج من ذلك المنع من التخيير الاستمراري الموجب للمخالفة القطعية إلا أن ذلك محل منع ، إذ العلم الاجمالي بالنسبة الى الموافقة القطعية علة تامة كالمخالفة القطعية من غير فرق بينهما (١) وحيث لا يمكن تحققهما فلا أثر له.

__________________

(١) والظاهر أن ذلك لعدم تنجز التكليف فالمكلف حيث لا يمكنه الاحتياط والموافقة القطعية لامتناع الجمع بين الفعل والترك لكونهما نقيضين كما لا يمكنه المخالفة القطعية لامتناع ترك النقيضين فلا يترتب على العلم المذكور أثر في نظر العقل فلا يكون منجزا وذلك لعدم كونه بيانا ، وظاهر ذلك انه يحصل من ترك المخالفة القطعية وبذلك يفرق بين كون العلم الاجمالي متحقق في واقعة او واقعتين إذ بالإضافة الى الواقعتين يتمكن المكلف من حصول المخالفة القطعية كما

اذا عرفت هذه الامور فاعلم ان حكم العقل بالتخيير علة لسقوط العلم الاجمالي

__________________

لو ترك في واقعة واتى بالفعل في واقعة اخرى حصلت المخالفة القطعية ولذا العقل لا يفرق في قبح المخالفة القطعية بين المخالفة الدفعية والتدريجية كما هو الظاهر من كلام الشيخ الانصاري (قده) في مباحث القطع الحكم بقبح المخالفة القطعية في واقعتين وعدم الحكم بتنجز التكليف في واقعة لعدم التمكن من المخالفة القطعية وسره هو تنجز العلم الاجمالي بالنسبة الى الواقعتين لعدم قصور في منجزيته إذ المانع هو عدم التمكن من الامتثال وقد فرض حصوله من حيث ترك المخالفة القطعية بالاضافة الى الواقعتين والذي يقتضيه التحقيق ان العلم لا ينجز إلا في ظرفه مع القدرة على امتثاله ، ومن الواضح ان في الوقائع المتعددة تحصل هناك تكاليف متعددة بحسب تعدد الواقعة فلا ينجز كل علم إلا ما هو في ظرفه وقد فرض عدم قبوله للتنجز إذ العلوم المتعددة اجمالية كانت او تفصيلية تتعلق بتكاليف يتمكن فيها من ترك المخالفة القطعية. نعم انتزاع كلي العلم من العلوم المتعددة وكلي التكليف من التكاليف المتعددة وبنسبة المخالفة القطعية الى ذلك التكليف المعلوم بعلم واحد اوجب الوقوع في الاشتباه إذ ضم مخالفة في واقعة الى المخالفة في الواقعة الاخرى يوجب القطع بالمخالفة إلا انه مخالفة غير مؤثرة لما فرض انه لا اثر لكل مخالفة للتكليف المعلوم في كل واقعة ومنه يظهر ان التمكن من ترك المخالفة القطعية في واقعتين غير مفيد إذ ليس امتثالا للتكليف المعلوم المترتب عليه الاثر إذ كل تكليف متعلق بواقعة يستدعي امتثال نفسه بحكم العقل لا امتثاله او امتثال تكليف آخر في واقعة اخرى.

ودعوى عدم الفرق بين المخالفة القطعية الدفعية والتدريجية فهو اذا كان التدريج طرف العلم لا مثل ما نحن فيه من حيث كون كل واقعة اجنبية عن

عن البيانية وحكمه كذلك لأجل عدم القدرة وذلك في المرتبة السابقة فلذا لا معنى

__________________

الواقعة الاخرى من حيث العلم والمعلوم والامتثال إذ ليس الاشكال فيما نحن فيه تدريجية المخالفة كي يجاب بان التكليف بالمتأخر بنحو المعلق او بنحو المشروط بالشرط المتأخر ، واخرى بان الواجب المشروط إذا علم بتحقق شرطه في ظرفه كفى في تنجزه فيه. ومن فيه هنا يعلم كون التخيير استمراريا نظرا الى ان كل فرد من تلك الافراد له حكم مستقل مغاير لحكم فرد آخر وقد دار الامر فيه بين محذورين فيحكم العقل فيه بالتخيير لعدم امكان الموافقة والمخالفة القطعيتين ولا يترتب على ذلك غير ان المكلف لو اختار الفعل في فرد والترك في فرد آخر يعلم بمخالفة التكليف الواقعي في أحدهما ولا مانع منه مع فرض عدم تنجز التكليف. ودعوى ان العلم الاجمالي بالالزام الجامع بين الوجوب والحرمة وان لم يكن منجزا إلا انه مع فرض تعدد الافراد يتولد من العلم الاجمالي بالالزام في كل فرد علم اجمالي ثابت بين كل فردين من الأفراد وهو العلم بوجوب احدهما وحرمة الآخر وهو وان لم يمكن موافقته القطعية لاحتمال الوجوب والحرمة في كل منهما إلا انه يمكن المخالفة القطعية وقد عرفت ان العلم الاجمالي ينجز معلومه بالمقدار الممكن من حيث الموافقة أو المخالفة وعليه يكون التخيير بدويا لا استمراريا مدفوعة لما عرفت ان هذا العلم المتولد إنما هو امر انتزاعي منتزع من العلوم المتعددة ويكون متعلقه تكليف منتزع من التكاليف المتعددة وتكون المخالفة القطعية الى ذلك التكليف لا اثر لها إذ ذلك ينتج من ضم مخالفة في واقعة الى المخالفة في واقعة اخرى ولا أثر للقطع بمخالفة ذلك لفرض ان الاثر مترتب على مخالفة التكليف المعلوم في كل واقعة فلذا يقوى القول بالتخيير الاستمراري على تفصيل ذكرناه في حاشيتنا على الكفاية.

لجريان البراءة الشرعية والعقلية إذ حكم العقل بالتخيير بمناط الاضطرار تكوينا في المرتبة السابقة (١) الذي هو عبارة اخرى عن حصول الترخيص فيها فلا يبقى

__________________

(١) ذكرنا في تقريراتنا لبحث الاستاذ المحقق النّائينيّ (قده) في دوران الأمر بين محذورين مع عدم احتمال ثالث كالاباحة مثلا وإلا يخرج عن محل الكلام ويدخل في الشبهة التحريمية وان محل الكلام فيه وإذا كانا توصليين إذ مع كونهما تعبديين او احدهما المعين تعبديا يخرج عن محل الكلام لحصول المخالفة القطعية ومحل الكلام اذا لم تحصل المخالفة. وكيف كان فالمدعى في هذا المبحث عدم منجزية العلم الاجمالي وعدم جريان الاصول اعم من ان تكون تنزيلية ام لا عقلية أم شرعية إلا استصحاب الوجود في أحد الطرفين لو كان له حالة سابقة.

بيان ذلك ان الجزء الأول من المدعى اعني عدم منجزية العلم الاجمالي فلان اشتراط المنجزية يتحقق بركنين وكلاهما في المقام غير حاصلين.

الاول ـ أن يكون المعلوم الاجمالي قابلا لتوجه الخطاب بان يكون جامعا خطابيا لكي يكون التخيير بين الافراد تخييرا عقليا كفعل الصلاة المرددة بين الظهر والجمعة او جامعا ملاكيا كالأمر المردد بين وجوب شيء وحرمة شيء آخر مع فقد الجامع بينهما وليس إلا تنجز العلم الاجمالي بتحقق أحدهما.

الثاني ـ أن يكون للمعلوم بالاجمال مخالفة عملية قطعية وكلا الركنين في المقام ساقطان. اما عدم وجود جامع بين الفعل والترك لا ملاكا ولا خطابا فهو أمر بديهي كما أن المخالفة القطعية غير حاصلة في هذا المقام لعدم امكان حصولها.

واما الجزء الثاني اعني سقوط الاصول إلا الاستصحاب في احد الطرفين

مجال لجعل الاباحة او الترخيص الناشئ من البراءة للغوية الجعل في المرتبة اللاحقة مع حكم العقل بالترخيص بالمرتبة السابقة مضافا الى أن الترخيص في المقام بمناط الاضطرار والتكوين بعد بطلان الترجيح بلا مرجح فحينئذ لا يبقى مجال لجريان الترخيص الناشئ من اصالتي البراءة والاباحة بمناط عدم البيان.

__________________

فنقول اما سقوط أصالتي البراءة والاشتغال فواضح إذ مع حكم العقل بالتخيير يستلزم عدم صحة جعل الحكم الظاهرى للغويته ويكون من قبيل تحصيل الحاصل فلذا لا معنى لجعل اصالة البراءة العقلية. واما البراءة الشرعية حيث انه لا يتمكن من وضع الالزام بايجاب الاحتياط فلذا لا يمكنه الرفع.

أقول ان ما ذكره الاستاذ (قده) محل نظر يظهر مما ذكرناه سابقا وهو ان القدرة على الوضع انما تلحظ بالقياس الى كل من الحرمة والوجوب على البدل لا اليهما معا فيكون جعل الاحتياط بالنسبة الى كل واحد منهما امر ممكن ويظهر لك ذلك من القدرة على كل من الافعال المتضادة فانه يكفي القدرة على ترك المجموع ولا يعتبر فيه القدرة على فعل الجميع في عرض واحد.

وكيف كان فقد قال الاستاذ بانه لا مانع من جريان استصحاب الوجود في أحد الطرفين لو كان له حالة سابقة كاستصحاب الوجوب او الحرمة وبه ينحل العلم الاجمالي ، واما بالنسبة الى الطرفين فلا يجري إلا استصحاب الوجوب الذي له اضافة الى المجعول لعدم وجود الحالة السابقة له.

واما بالاضافة الى عدم الجعل فهو من الاصول المثبتة. وبالجملة جريان الاصول مشروط بامرين بالنسبة الى غير التنزيلية واما بالنسبة اليها فبأمور ثلاثة.

اثنان منها شرطان لجريان كل الاصول وهما ان يكون للمستصحب أثر وان لا يكون مناقضا للمعلوم بالتفصيل.

فظهر مما ذكرنا انه لا مجال لدعوى الشيخ الأنصاري (قده) من انصراف ادلة البراءة عن مثل المقام او دعوى عدم جريان الاصول النافية كاستصحاب عدم الوجوب او عدم الحرمة او المرخصة كاصالتي الحل والاباحة في كل من الفعل او الترك لحصول المناقضة بين جريانها والعلم الالزامي بأحدهما لما عرفت منا سابقا ان الترخيص لما كان بالمرتبة السابقة لا يكون مشمولا للبراءة لكي يدعى الانصراف كما ان المناقضة إنما تتصور مع حفظ المرتبة على انه لا مناقضة بينهما حيث ان العلم يتعلق بنفس العناوين والصور الذهنية التى ترى خارجية بلا سراية الى وجود المعنونات خارجا والشك يتعلق بنفس الخصوصيات التفصيلية ولذا قلنا بجمع العلم والشك في وجود واحد باعتبار الاجمال والتفصيل. وعليه لا ينافي تعلق العلم الاجمالي بعنوان احدهما اي الفعل او الترك والاباحة والبراءة يجريان في خصوص الفعل

__________________

واما الأمر الثالث المختص بالاصول التنزيلية وهو ان لا يكون التنزيلان على خلاف الواقع.

إذا عرفت ذلك فاعلم ان هذه الامور مفقودة في المقام اما عدم جريانها في المقام فواضح واما مناقضتها للمعلوم بالتفصيل فان الالتزام باباحة كل من الطرفين ينافي العلم التفصيلي بوجوب الالتزام باحدهما. ودعوى ان مناقضته لا تضر حيث ان العلم الاجمالي لا أثر له سوى الالتزام مدفوعة بان مناقضته تحصل ولو لم يكن له اثر ، واما المناقضة بالنسبة الى الاصول التنزيلية فتحصل في اصل الجعل لو جرت في الطرفين. والحاصل ان الاصول لا تجرى في الطرفين تنزيلية كانت ام غيرها. واما جريانها في أحد الأطراف لو كان لها حالة سابقة فلا مانع منه وبجريانها يوجب انحلال المعلوم بالاجمال.

او الترك لما عرفت من الفرق بين المتعلقين فان متعلق العلم المعلوم الاجمالي ومتعلق الشك الجارية فيه الاصول هو الخصوصيات التفصيلية.

فاتضح مما ذكرنا انه مع حكم العقل بالتخيير في المرتبة السابقة تكوينا لا معنى لجعل الترخيص الظاهرى كالبراءة عقلية وشرعية بمناط عدم البيان هذا كله مع تساوى المحتملين من دون أن يكون لاحدهما مزية إذ مع وجود المزية لاحد المحتملين لا يحكم العقل بالتخيير بل ربما ينتهي الامر الى جريان البراءة بالنسبة الى ذي المزية. نعم لا يكون في ذلك ترجيحا من حيث الاحتمال ، إذا مجرد أقوائية احتمال الوجوب لا يوجب الاخذ به كما أن احتمال الحرمة لا يوجب ترجيحها على احتمال الوجوب بدعوى ان دفع المفسدة المحتملة أولى من جلب المنفعة لمنع أصل الكلية وإنما هي تتبع احراز الاهمية في المفسدة المحتملة. وبالجملة مع تساوى المحتملين ملاكا يلزم القول بالتوقف او التخيير عقلا بمناط الاضطرار والتكوين لا البراءة او الاباحة الظاهرية هذا كله فيما إذا كانت الواقعة واحدة. واما مع تعددها فالحكم فيها ايضا التخيير عقلا كوحدة الواقعة وهذا لا اشكال فيه وإنما الكلام في ان هذا التخيير بدوي بمعنى عدم الاختيار في الواقعة الثانية غير ما اختاره اولا او انه استمراري فيجوز له اختيار خلاف ما اختاره في الواقعة الاولى.

قيل بانه بدوي لكون استمرار التخيير بالنسبة الى الواقعتين يوجب القطع بالموافقة القطعية او المخالفة بخلاف ما اذا قلنا (١) بكونه بدويا فانه لا يلزم إلا

__________________

(١) ذكرنا في تقريراتنا لبحث الاستاذ النّائينيّ (قده) امورا :

الاول : ان فيما لو كان تكليف واحد مرددا بين محذورين وكانت القضية مما تتكرر فهل التخيير القهري الذي تحقق فيهما بدوي ام استمراري؟ ربما يقال

احتمال المخالفة ، وعليه بناء على تقديم حرمة المخالفة القطعية على الموافقة القطعية بدعوى كون العلم الاجمالي منجزا للواقع بالنسبة الى المخالفة على نحو

__________________

بالاول حيث ان القضية لما كانت متكررة فمع استمرارية التخيير لزمت المخالفة القطعية مثلا لو كانت امرأة تردد أمرها بين أن تكون محلوفة على وطئها او تركها في تمام الشهر فوطأها فى اول الشهر وتركها في نصف الشهر نفسه فتحصل له مخالفة قطعية لخطاب مردد بين الفعل والترك ، والذي يقتضيه التحقيق هو التخيير الاستمراري وان قلنا بمنجزية العلم الاجمالي مطلقا اي سواء كان اطرافه من الدفعية او التدريجية فيما لم يكن دائرا بين محذورين كما لو علمنا بحيضية المرأة اما في أول الشهر او وسطه او آخره فانه يجب الاجتناب عنها في تمام الشهر وان لم يكن الخطاب فعليا في وقت من الاوقات لان المنجز يدور مدار أحد الامرين اما الخطاب او الملاك التام وفي المقام يكون ترك وطئ الحائض ذا ملاك تام وذلك لما قلنا في المقدمات المفوتة ان الخطاب إذا كان قاصرا مع تمامية الملاك يجب احرازه ويحرم تفويته وسيأتى الرد على المحقق القمي (قده) حيث جوز الارتكاب قائلا : ان العلم بالمخالفة القطعية يحصل بعد ارتكاب الجميع ولم يكن له العلم بالمخالفة حين ارتكاب العمل لعدم الدليل على حرمة العلم بالمخالفة في مثل هذه الصورة. ولكن لا يخفى ان الملزم ليس هو الخطاب وإنما هو وجود الملاك التام. وكيف كان فالظاهر هو التخيير الاستمراري حيث ان الخطاب لم يكن فعليا مع تحقق المحذور في كل يوم ولم يحصل في ضم يوم الى يوم آخر الخطاب الفعلي كما كان ذلك يلزم في غير المقام. غاية الامر بعد الارتكاب يحصل له العلم بالمخالفة القطعية ولا دليل على حرمتها ما لم يكن هنا خطاب فعلي او ملاك تام كما لو صادف جريان الاصول او الامارات في الشبهة البدوية مع العلم بالمخالفة القطعية ولم يكن

العلية وبالنسبة الى وجوب الموافقة بنحو الاقتضاء القابل لمنع المانع ففي صورة دوران الأمر بين محذورين تقدم جانب العلية على الاقتضاء وذلك يقتضي القول

__________________

من قبيل ما يكون تكليفين متعلقين بموضوعين فان في تلك الصورة يحصل له علم تفصيلي بخطاب اما بالوجوب او الحرمة بعد ضم أحد العلمين إلى الآخر.

الامر الثاني : هل الترجيح بما يحتمل الأهمية كما في دوران الامر بين التعيين والتخيير في باب المتزاحمين ام لا؟ الظاهر ان في المقام احتمال الاهمية غير المرجحة للفرق بين المقامين فان في باب التزاحم التكليف بالنسبة الى كلا الطرفين يعلم بتوجهه مع قطع النظر الى الاهمية فاذا كان احدهما اهم من حيث الاحتمال او المحتمل يكون معلوما باعثيته ومعجزا مولويا بخلاف الآخر فان الباعثية فيه مشكوكة فيرجع الشك بالنسبة للآخر شكا في الامتثال والسقوط بخلاف ما نحن فيه فان التكليف بما احتمل اهميته ليس معلوما ولا يمكن اتيانه بمجرد احتمال الأهمية فيرجع الشك الى مرحلة اصل التكليف ولا ريب ان المرجع هو البراءة على ان التعيين مع احراز الأهمية إنما هو من جهة لزوم التفويت فمع الشك فيها للشك في المزاحمة موجب للاحتياط ولذا نقول بترجيح الأهم في باب التزاحم والمقام ليس من هذا القبيل إذ ليس من باب التزاحم في شيء لعدم احراز المقتضي إلا لأحد الحكمين فلا موجب للاخذ يحتمل الاهمية.

الامر الثالث : ان دوران الأمر بين المحذورين يتصور على نحوين أحدهما : ان يكون التكليف الواحد مرددا بين محذورين وقد عرفت انه لا اثر للعلم الاجمالي وتسقط الاصول العملية الجارية في كل واحد من الطرفين وعدم مراعاة الاهمية ، ثانيهما : ان يكون التكليفان متعلقين بموضوعين إلا انه وقع الاشتباه بينهما كما لو حلف على وطء امرأة في ليلة الجمعة مثلا وعلي ترك وطء

بمنع استمرار التخيير تقديما لحرمة المخالفة القطعية. ولكن لا يخفى انك قد عرفت سابقا ان العلم الاجمالي بالنسبة الى الموافقة القطعية علة تامة كالمخالفة القطعية

__________________

امرأة اخرى في تلك الليلة ووقع الاشتباه بين الزوجتين فهل هذا كالصورة الاولى ام فرق بينهما؟ فنقول هذه الصورة مع سابقتها لها جهة اشتراك ولها جهة افتراق اما الافتراق فلعدم سقوط أثر العلم الاجمالي كلية في هذه الصورة وانما الساقط هو المخالفة القطعية لا المخالفة الاحتمالية.

بيان ذلك : ان التكليف في المقام بالاضافة الى كل من المرأتين في ليلة الجمعة وان كان دائرا بين الوجوب والحرمة كما في الصورة الاولى إلا انها تتضمن علوما ثلاثة اثنان منها هو العلم بجنس التكليف فى كل منهما واما الثالث : وهو العلم بنوع التكليف من الوجوب او الحرمة في ليلة الجمعة الحاصل من ضم احد العلمين الى الآخر وهذا العلم الاخير هو الموجب لتحقق أثر العلم الاجمالي وبه تحصل التفرقة بين الصورتين وبالأولين تشترك الصورتان. فان الخطاب لما كان واصلا فعلا وكانت الموافقة القطعية الحاصلة من فعلهما او تركهما موجبة للمخالفة القطعية وجب المصير الى الموافقة الاحتمالية في كلا التكليفين لكونها اولى من الموافقة القطعية في احدهما المستلزمة للمخالفة القطعية فى الآخر ولا فرق في المقام بين ان تكون القضية متكررة ام لا ويصير التخيير بين الفعل والترك بدويا لا محاله.

واما الاشتراك : فهو انه لا يجب مراعاة احتمال الاهمية في هذه الصورة : كما في الصورة السابقة فانا وان كنا فى الدورة السابقة اعتبرنا ملاحظة الأهمية إلا انه لا وجه لها فان غاية ما يقال في توجيهها هو ان تكاذب التكليفين اما ان يرجع الى تعارض الدليلين الراجع الى التنافي في مقام الجعل فيكون من

من دون فرق بينهما وحينئذ نلتزم بعدم الجمع بين تحصيل الموافقة القطعية والفرار عن المخالفة القطعية لما عرفت ان المناط هو الاضطرار من جهة تحصيل الموافقة

__________________

باب التعارض واما تكاذب وتعارض في المدلولين مع عدم ملاحظة مقام الجعل فانه يعد من باب التزاحم. اعم من ان يكون التزاحم في مرحلة الامتثال الموجب لرفع القدرة عن الآخر والشاغلية باحدهما يوجب سلب القدرة عن الآخر أو بنفس الخطاب المتعلق بالأهم يوجب رفع الخطاب الآخر كما لو وجب اخراج اداء الزكاة الموجب لعدم تحقق فاضل المئونة لكي يتعلق خطاب الخمس وفي هذين القسمين تجب مراعاة الأهمية فيكون ما نحن فيه من احد هذين القسمين ، ولكن لا يخفى انه إنما يتم لو قام دليل على حصر التعارض بين التكليفين بهذين القسمين ، واما لو لم يقم دليل كما هو المفروض بل يتصور لنا قسم ثالث وهو ان التعارض ناشئ من الخلط والاشتباه بالامور الخارجية فلا يجب مراعاة الاهمية. وبالجملة الصورتان على نحو واحد من دون ملاحظة فيها من الاهمية فافهم.

الأمر الرابع : ان دوران الأمر بين المحذورين لو كان ناشئا من جهة تعارض النصين فان قلنا بالتخيير في المسألة الاصولية اعني الأخذ بالحجة يكون التخيير فيه بدويا كما يظهر من بعض الاخبار إذ الظاهر ان التخيير لمن كان متحيرا وبعد الاخذ بالحجة يرتفع التخيير فلا ينفع استصحاب التخيير المثبت لاستمراريته لارتفاع موضوعه الذي هو التحير ولا اقل من الشك ولا يجرى الاستصحاب مع الشك في بقاء الموضوع وان قلنا بالتخيير في المسألة الفرعية فحينئذ يندرج فيما نحن فيه ويجري فيه جميع ما ذكرنا من دون فرق بينهما.

الأمر الخامس : محل الكلام في مسألة دوران الامر بين محذورين فيما

القطعية للوقوع في المخالفة القطعية بمقتضى الاضطرار والتكوين وبالعكس للزوم ترك المخالفة القطعية بعدم القدرة على تحصيل الموافقة القطعية فمع الدوران كذلك لاجل الاضطرار والتكوين بين رفع اليد إما عن حرمة المخالفة واما عن وجوب الموافقة ينتهى الأمر الى التخيير بينهما فلذا يقوى القول بالتخيير الاستمرارى.

ودعوى كون التخيير فيه بدويا قياسا على تعارض الخبرين الدال احدهما على الحرمة والآخر على الوجوب في غير محلها إذ قياس المقام بذلك قياس مع الفارق فان تعارض الخبرين ان كان بنحو السببية يكون التخيير على حسب القاعدة وان اخذ الخبر على نحو الطريقية فهو على خلاف القاعدة إلا ان الدليل قد دل على الأخذ باحدهما مع عدم وجود مرجح وليس المقام من هذا القبيل إذ ليس المطلوب إلا الأخذ بخصوص ما صدر واقعا وهو حاصل تكوينا. هذا كله إذا كان كل من الواجب والحرام توصليا (١) واما اذا كانا تعبديين او احدهما

__________________

ـ إذا كانا توصليين إذ لو كان كل منهما تعبديا او احدهما المعين تعبديا خرج عما نحن فيه حيث انه يمكن فيه المخالفة القطعية بان يختار احدهما بدون قصد القربة كما ان الحكم ايضا لو دار الأمر بين المحذورين راجعا الى شرطية شيء او مانعيته كما في البسملة في الصلاة لو دار امرها بين الجهر والاخفات فمقتضى القاعدة هو لزوم التكرار ان تمكن وإلا فلا بد من اختيار احدهما مع قصد التقرب وبهذا انتهى كلام الاستاذ في المطلب الثالث والحمد لله رب العالمين وقع الفراغ عن مبحث البراءة ليلة الاحد التاسع ذي القعدة سنة ١٣٤٩ ه‍.

(١) لا يخفى ان مسألة دوران الامر بين محذورين فيما اذا كانا توصليين على اقوال قيل بالبراءة شرعا وعقلا لعموم النقل وحكم العقل بقبح المؤاخذة

تعبديا بنحو يحتاج الى اسقاط الامر الى قصد التقرب. كما لو كانت المرأة مضطربة الوقت او العدد فرأت الدم المردد بين كونه حيضا او استحاضة فبناء

__________________

على خصوص احدهما وقيل بوجوب الأخذ بجانب الحرمة لقاعدة ان دفع المفسدة اولى من جلب المنفعة وللاستقراء فان الغالب تغليب جانب الحرمة على الوجوب. وقيل بوجوب الأخذ باحدهما تخييرا بنحو التخيير الشرعي قياسا على الخبرين المتعارضين وقيل التخيير بين الفعل والترك عقلا مع التوقف على الحكم بشيء رأسا وقيل التخيير بين الفعل والترك عقلا والحكم بالاباحة شرعا.

والذي يقتضيه التحقيق على ما عرفت منا سابقا هو القول الاول لعموم ادلة البراءة عقليها وشرعيها.

واما القول الثاني فيرد عليه منع تلك القاعدة إذ لا اولوية لدفع المفسدة على جلب المنفعة لعدم الدليل عليه من الشرع او العقل.

واما الثالث فيرد عليه ان التخيير ان اريد منه التخيير في المسألة الاصولية نظير الاخذ باحد الخبرين المتعارضين فلا دليل عليه وقياسه بذلك مع وجود الفارق وهو وجود النص في تلك المسألة دون المقام وان اريد من التخيير التخيير في المسألة الفرعية اى التخيير بين الفعل والترك فهو امر غير معقول اذ ذلك من التخيير بين المتناقضين وهو حاصل وتحصيل الحاصل محال.

واما القول الرابع فهو ما اختاره المحقق الخراساني في كفايته ففيه ان دليل اصالة الحل غير جار في المقام للعلم بثبوت الالزام في الواقع وعدم كونه واقعا مباحا فكيف تحصل الاباحة الظاهرية.

واما الخامس : وهو ما اختاره الاستاذ المحقق النّائينيّ (قده) لوجهين :

الاول : ان الحكم الظاهري لا يتحقق إلّا ان يكون له اثر شرعي وإلّا

على حرمة اتيان العبادة من الحائض ذاتا فحينئذ يدور الامر بين الحرام والواجب إذ لو كان الدم حيضا يحرم اتيان العبادة عليها وان كان دم استحاضة فيجب الاتيان. فهل الحكم في المقام التخيير ام لا؟ والظاهر انها مخيرة بين ترك الصلاة رأساً او اتيانها بقصد القربة لكون العلم الاجمالي في المقام مؤثرا باعتبار تمكن المخالفة القطعية فيدخل المقام في مسألة الاضطرار الى احد اطراف العلم الاجمالي لا على التعيين وعلى المختار من الاخذ باحد المحتملين وعدم اقتحامه في مخالفة الطرفين خلافا للاستاذ (قده) في مسألة الاضطرار الى احد اطراف الشبهة المحصورة حيث اختار عدم منجزية العلم رأسا الموجب لجواز المخالفة القطعية ووفاقا له في المقام حيث ادعى وجوب رعاية العلم الاجمالي بقدر الامكان وعدم جواز المخالفة القطعية على خلاف ما اختاره في تلك المسألة ووفاقا لما التزمه في

__________________

يكون لغوا في مقام الجعل.

الثاني : ان رفع الالزام بحسب الظاهر انما يكون في مورد قابل للوضع كايجاب الاحتياط مثلا مع ان المفروض في المقام عدم امكان ايجابه ، ولكن لا يخفى ان ايجاب الاحتياط انما لا يمكن جعله بالنسبة اليهما ، اي الحرمة والوجوب معا واما بالقياس الى كل واحد منهما فهو امر ممكن على ما عرفت منا سابقا. على ان اللغوية انما تكون مع انحصار الامر فيه وعدم امكان جعل آخر من الوجوب الظاهري او الحرمة الظاهرية ، واما مع امكانه فلا يكون جعل الترخيص في الفعل او الترك لغوا على انه لو صح ذلك لكان جعل الاباحة الظاهرية في غير المقام لغوا مع انه واضح البطلان. ومنه يظهر امكان جريان الاستصحاب في الامر بين المحذورين كما لا يخفى.

بحث الانسداد باستكشاف وجوب الاحتياط وليس ذلك إلا لكون العلم الاجمالي منجزا.

وكيف كان ففي دوران الامر بين المحذورين هو الحكم بالتخيير توصليا كان ام تعبديا ففيما كان توصليا يكون التخيير عقليا بمناط الاضطرار والتكوين في المرتبة السابقة على العلم الاجمالي وفيما إذا كانا تعبديين او احدهما تعبديا فالتخيير من جهة الاضطرار لاحد الاحتمالين لحكم العقل بعدم جواز المخالفة القطعية وتحققها موجب لتنجز العلم الاجمالي ، فعليه لا بد من اختيار احد الامرين اما ترك الصلاة رأسا واما اتيانها بقصد القربة ولا يجوز ترك كلا الامرين لحصول المخالفة القطعية كما لا يخفى.

اصالة الاشتغال

هذا هو الاصل الثالث من الاصول العملية الجارية في مقام الشك في المكلف به أعني الشك المقرون بالعلم الاجمالي ، فتارة يكون بين متباينين. كما لو شك بين وجوب صلاة الجمعة او الظهر ، واخرى يكون الشك بين الاقل والاكثر ، فيقع الكلام في مقامين : المقام الاول في دوران الامر بين متباينين في الشبهة التحريمية والوجوبية وفيه مباحث :

المبحث الاول : في تنجز العلم الاجمالي والتكلم في ذلك تارة يقع في انه مقتض للتنجز بالنسبة الى المخالفة القطعية والموافقة القطعية ، واخرى انه علة تامة بالنسبة اليهما ، وثالثة انه علة لخصوص المخالفة القطعية ومقتض بالنسبة للموافقة القطعية ويرجع ذلك الى ان العلم الاجمالي هل هو على نحو الاقتضاء القابل لمنع المانع بالنسبة الى المخالفة القطعية وموافقتها الموجب لجريان الاصول النافية في جميع الاطراف

او انه يكون بنحو العلية المانعة لمجيء (١) الترخيص على خلافه. قال الاستاذ (قده)

__________________

(١) لا يخفى ان الموجب لحرمة المخالفة هو احتمال العقوبة وذلك كاف في حكم العقل بالتنجز من غير فرق بين موارد التكليف من كونها معلومة او محتملة فان العقل يحكم بلزوم الاطاعة الناشئة من احتمال العقاب وان كان فرق بين كونه ينشأ من مخالفة التكليف المعلوم او المحتمل من حيث اقوائية الاول إلا انه من حيث استقلال العقل بقبح ارتكاب ما يحتمل فيه المخالفة في الحكم الالزامي على نهج واحد إلا ان يكون هناك مؤمن من العقاب كقاعدة قبح العقاب بلا بيان او دليل شرعي يدل على البراءة ومع عدم تحققه يكون احتمال العقاب موجودا فيجب التحرز عنه بحكم العقل كما هو كذلك بالنسبة الى الشبهات المقرونة بالعلم الاجمالي.

ويظهر من ذلك ان العلم الاجمالي تنجزه يدور مدار جريان الاصول في جميع اطرافه او في بعضها وعدمه. فان قلنا بجريانها في جميع الاطراف لم يكن العلم الاجمالي منجزا مطلقا ويكون وجوده كعدمه ، وان قلنا بعدم جريانها في شيء من الاطراف كان نفس احتمال التكليف منجزا من دون كونه مقترنا بالعلم الاجمالي وذلك يوجب الموافقة القطعية كما تحرم المخالفة القطعية ، وان قلنا بجريانها في بعض دون بعض فلا تجب الموافقة القطعية وان حرمت المخالفة القطعية من غير فرق بين جريانها عند الشك في اصل التكليف او الشك في الامتثال خلافا للاستاذ المحقق النّائينيّ (قده) حيث خصص مورد النزاع بالاصول الجارية عند الشك في التكليف دون الجارية في مرحلة الامتثال ، وذلك ان الترديد في مورد العلم الاجمالي كما يمكن ان يكون في اصل الحكم كذلك يمكن ان يكون في مرحلة الامتثال ، كما لو علمنا اجمالا بعد الاتيان بصلاتين ببطلان احدهما فان قلنا

في كفايته ان الترخيص وعدمه مبنيان على ان التكليف ان كان فعليا في جميع الجهات بان يكون واجدا لما هو العلة التامة للبعث او الزجر الفعلي مع ما عليه من

__________________

بجريان الاصول النافية في جميع اطراف العلم الاجمالي او بعضها لم يكن لنا مانع من جريان قاعدة الفراغ في المثال في كلتا الصلاتين او في احدهما.

وكيف كان فالكلام يقع في امكان جعل الحكم الظاهري وعدمه في تمام الاطراف او في بعضها اما جعله في تمام الاطراف فهو محل منع لامرين :

الاول : استلزامه الترخيص في المعصية وهو قبيح من غير فرق بين كون الحكم الظاهري حاصلا من امارة او اصل تنزيلي او غير تنزيلي كما انه لا يفرق العقل في قبح الترخيص في مخالفة التكليف بين ان يكون معلوما بالتفصيل او ان يكون معلوما بالاجمال وسر ذلك هو استحالة شمول ادلة الاصول لجميع اطراف العلم الاجمالي في عرض واحد كما انه يستحيل جعله في كل من الاطراف مقيدا بعدم ارتكاب الطرف الآخر.

الثاني : حصول المناقضة بين الحكم الظاهري والواقعي مع العلم الوجداني ومنشأ ذلك عدم شمول دليل الحكم الظاهري لجميع الاطراف.

بيان ذلك ان الحكم الظاهري تارة يحصل من امارة ، واخرى من اصل تنزيلي ، وثالثه من اصل غير تنزيلي. اما الاول فهو امر غير معقول لاستحالة جعل الحجية في جميع اطراف العلم الاجمالي من غير فرق بين ان يكون مؤدى الامارة احكاما إلزامية او غير إلزامية ، واما الاصل التنزيلي فقد ذكر الشيخ الانصاري (قده) عدم جريانه بما حاصله انه تحصل المناقضة بين صدر دليله وبين الذيل فان صدره يعم الشك البدوي والمقرون بالعلم الاجمالي والذيل عبارة عن يقين المجعول وذلك يختص بالعلم الاجمالي ومن الواضح ان الحكم بحرمة النقض

الاجمال والتردد والاحتمال فلا محيص عن تنجزه وصحة العقوبة على مخالفته فحينئذ يكون مضادا للترخيص الشرعي وبذلك يمنع من اعمال الاصول في خصوصية

__________________

في جميع الاطراف يناقض الحكم في بعضها وبذلك منع من جريان الاصول غير التنزيلية ولكن لا يخفى ان ذلك غير منحصر دليله في ما ذكر بل يكفي للقول بجريان الاصل في جميع الاطراف وجود المطلقات غير المشتملة على ذلك الذيل كما ان المناقضة بين جعل الحكم الظاهرى والواقعي ربما تمنع فان الناقض لكل يقين لا بد وان يكون هو اليقين المتعلق بعين ما تعلق به اليقين السابق والمفروض ان اليقين السابق قد تعلق بكل واحد من الاطراف بخصوصه ، ومتعلق العلم الاجمالي ليس ذلك فكيف يعقل نقضه لليقين السابق. فعليه ربما يقال بعدم مانع من شمول ادلة الاصول لجميع الاطراف إلا ما ذكرناه سابقا من عدم جعل الحكم الظاهري في تمام الاطراف ثبوتا لاستحالة شمولها لجميع اطراف العلم الاجمالي في عرض واحد او جعله في كل من الاطراف مقيدا بعدم ارتكاب الطرف الآخر.

واما الكلام بالنسبة الى جريانه في بعض الأطراف دون بعض فالظاهر عدم جريانها في طرف من الأطراف ، اما البراءة العقلية فعدم جريانها واضح بعد فرض كون العلم الاجمالي بيانا ، واما جريان الاصول الشرعية في بعض دون بعض ترجيح بلا مرجح ، والبعض غير المعين لا يحتمل تعلق الالزام به واقعا.

وبالجملة ان ادلة الاصول مع عدم شمولها لجميع اطراف العلم الاجمالي لا تشمل بعضها دون بعض ، اما شمولها لجميع الاطراف تخييرا بنحو يكون جريانها في كل واحد من الاطراف على تقدير عدم ارتكاب الآخر فبالنسبة الى التخيير الشرعي يحتاج الى دليل كما ثبت ذلك في الخبرين المتعارضين عند فقد المرجحات ، واما العقلي فهو اجنبي عما نحن فيه لكون المكلف قادرا على الامتثال

الاطراف وان لم يكن فعليا ولو كان بنحو لو علم تفصيلا لوجوب الامتثال وصح

__________________

القطعي للاجتناب عن جميع الاطراف كما انه قادر على ارتكاب الجميع. نعم هناك قسم من التخيير ربما يتوهم جريانه وهو التخيير الثابت من جهة الاقتصار على القدر المتيقن من رفع اليد عن ظواهر الاطلاقات بدعوى ان مقتضى اطلاق ادلة الاصول هو ثبوت الترخيص في كل واحد من اطراف العلم الاجمالي ، ومع العلم باستحالة هذا الجعل لاستلزامه مخالفة التكليف القطعي فلذا يدور الامر بين رفع اليد عن الترخيص في جميع الاطراف رأسا ورفع اليد عن اطلاقه وتقييد كل طرف بعدم ارتكاب الطرف الآخر ، ومن الواضح ان المتعين هو الثاني كما يدعى ذلك في تعارض الامارتين ، ومن الواضح ان المتعين هو الثاني كما يدعى ذلك في تعارض الامارتين ، وبه قال المحقق الخراساني حيث بنى ان دليل الحجية غير قاصر الشمول لاحدهما بغير تعيين وقد خالفه المحقق النّائينيّ (قده) فادعى ان التقابل بين الاطلاق والتقييد من باب تقابل العدم والملكة واذا استحال التقييد استحال الاطلاق كما في المقام حيث ان الاطلاق ممتنع فالتقييد كذلك.

ولكن لا يخفى ان التقابل بينهما من تقابل العدم والملكة محل نظر إذ لا دليل عليه على ان ما ذكر من التخيير وان قلنا به في الامارتين لا يتأتى في المقام إذ المفروض فيه ان الحكم الواقعي واصل وان كان متعلقه مترددا بين امرين ولم يكن متميزا في الخارج عن غيره وعليه كيف يعقل ثبوت حكم آخر على خلافه وهل هو إلا من الجمع بين المتضادين ، مثلا لو علم الشخص وجود خمر بين اناءين فكيف يمكن الحكم باباحته ولو مشروطا بترك ما هو مباح واقعا وهل هو إلا جمع بين المتضادين وليس ذلك من الجمع بين الحكم الواقعي والظاهري إذ ذلك فيما لم يكن الحكم الواقعي واصلا وبالجملة باب العلم الاجمالي الحكم الواقعي فيه واصل فلا يعقل جعل حكم ظاهرى في احد اطرافه فانه مناف له فلا تغفل.

العقاب على مخالفته وحينئذ لم يكن هناك مانع عقلا او شرعا عن شمول ادلة البراءة الشرعية للاطراف لعدم كون العلم الاجمالي علة تامة للتنجيز كالعلم التفصيلي لكي يمنع من الترخيص الشرعي عن مخالفته.

وبالجملة الترخيص المستفاد من الاصول ينافي فعلية الحكم بخلاف ما لو كان غير فعلي فانه لا ينافي الترخيص ولكن لا يخفى ان المستفاد من ظواهر الخطابات ان الاحكام فعلية بنحو ليس فيها قصور من تنجيزها على المكلف من مورد قيام الطريق المنجز عليه وبنفس متعلقات الخطابات المنجزة يتعلق العلم الاجمالي به ففي صورة تعلقه بما هو مفاد الخطابات الواقعية الظاهرة في فعلية التكاليف المتصفة بالباعثية والزاجرية العقلية وحينئذ لا ينافيه الترخيص على الخلاف في ظرف الجهل بالواقع ، بل ربما يقال بان تعلق العلم بأمر مردد بين شيئين لا ينافى جريان الاصول في أطرافه لعدم المنافاة بينه وبين جريانها لاختلاف متعلقهما إذ الشك يتعلق بنفس الخصوصية الخارجية فيكون موردا لجريان الاصول والعلم قد تعلق بنفس الجامع بين الشيئين وحينئذ يكون المشكوك غير المتيقن ، فعليه لا مانع من جريان الاصول في اطراف العلم الاجمالي سوى أحد امرين :

الاول : ان موضوع الاصول هو عدم العلم بالحرمة وهو لم يكن محرزا بالنسبة الى كل واحد من اطراف المعلوم بالاجمال المحتمل انطباقه عليها فيكون كل واحد منها محتمل الحرمة واحتمال ذلك ينافي احراز انه لم يعلم الحرمة ومع عدم احراز ذلك العنوان لا معنى للتمسك بعموم الاصل او باطلاقه.

الامر الثاني : لزوم التناقض فى مدلول ادلة الاصول فانه لو بنى على تطبيقها على كل واحد من الاطراف مثل قوله عليه‌السلام كل شيء لك حلال حتى تعرف انه حرام بناء على شمول صدره لكل واحد من الطرفين يكون اللازم تطبيق الذيل على المعلوم بالاجمال فيلزم من ذلك التناقض إذ عدم حل المعلوم بالاجمال يناقضه

كل واحد من الطرفين ولكن لا يخفى ما في هذين الوجهين : اما عن الاول فالعلم ليس من الصفات التي تسري الى ما ينطبق عليه الموضوع وانما هو قائم به فيكون كل واحد من الاطراف موضوعا لجريان الأصل لتحقق موضوعه ولا ينافي تعلق العلم بالامر المردد ، واما عن الثاني فلعدم التناقض بين عدم الحل القائم بالمعلوم بالاجمال من حيث كونه معلوما للحكم بالحل على كل واحد من طرفيه لكونه مشكوكا ، والذي يقتضيه التحقيق هو علية العلم الاجمالي في التنجز بنحو لا يمكن الترخيص في احد اطرافه لما قد عرفت منا سابقا ان سنخ العلم الاجمالي سنخ العلم التفصيلي من حيث كشفه عن متعلقه بل هو هو من غير فارق بينهما. غاية الأمر ان المعلوم بالاجمال يشك في انطباقه على كل واحد على البدل لتعلقه بعنوان احد الأمرين الجامع وهو معلوم بالتفصيل والترديد إنما هو فيما ينطبق عليه هل هو هذا او ذاك؟ فيكون ذلك العنوان مرآة اجماليا الى الخصوصيات الواقعية المرددة بين خصوصيات الاطراف بنحو تكون نسبته اليها نسبة الاجمال والتفصيل بنحو لو انكشف الواقع كان المعلوم بالاجمال عين المعلوم بالتفصيل ويكون ذلك الجامع منطبقا على تلك الخصوصية المنكشفة انطباقا عينيا ومنطبقا بتمامه عليه لا مثل الجامع الطبيعي بنحو يكون انطباقه على الخصوصية بنحو يكون جزؤه ، ولا يخفى ان الشك في الانطباق لا ينافي كشف العلم الاجمالي عن متعلقه إذ هو خارج عن متعلق العلم ، ولذا قلنا بان الشك في الخصوصية يكون موردا لجريان الاصل إلا ان جريانها يتوقف على عدم المانع عقلا وفي الشبهة المقرونة بالعلم الاجمالي العقلاء يرون تنجزه ويرون الترخيص في بعض الاطراف ترخيصا في محتمل المعصية وذلك كالترخيص في مقطوع المعصية من غير فرق بينهما إذ العقلاء لا يفرقون في الانبعاث والمحركية نحو الفعل بين العلم التفصيلي وبين العلم الاجمالي.

وبالجملة ان متعلق العلم الاجمالي بنظر العقل منجز كالعلم التفصيلي والعقل حاكم بوجوب امتثاله من غير فرق بينه وبين العلم التفصيلي في ذلك إلا في اجمال المتعلق وتفصيله وهو غير فارق بينهما بعد الفرض ان العقل يحكم باحراز متعلق الأمر من دون دخل للخصوصية بنحو لو فرض انكشاف ذلك الاجمال بتحقق موضوع حكم العقل وليس هذا الحكم معلق على عدم الردع ليكون مثل ادلة الاصول رافعة له بل حكمه إنما هو على نحو التنجيز بنحو يأبى عن الردع عنه بورود الترخيص على خلافه كما هو كذلك في العلم التفصيلي لما هو معلوم ان الترخيص بنظر العقل يكون ترخيصا في المعصية والدليل على ذلك هو تحقق المناقضة الارتكازية المتحققة بالعلم التفصيلي ولو لا ذلك لا يمنع من مجيء الترخيص ولا ينافي ذلك فعلية الحكم الواقعي بمقدار يقتضيه ظهور الخطابات الواقعية لاختلاف المرتبة بينهما إذ مرجع الترخيص في المرتبة المتأخرة عن الواقع ضرورة تحقق الفعلية مع الترخيص على الخلاف عند الجهل بالواقع فلا مانع من اجتماع الترخيص مع تحقق فعلية التكليف بما يقتضيه ظهور الخطابات الواقعية. اللهم إلا ان يقال بان فعلية الحكم الواقعي على الاطلاق حتى في ظرف الجهل بالواقع ينافيه الترخيص حتى في الشبهات البدوية والحاصل ان الفعلية من قبل الخطاب المقتضى لحفظ وجود المطلوب لا ينافي الترخيص عند الجهل بالواقع دون الفعلية على الاطلاق أي حتى عند الجهل بالواقع. ومحل الكلام في علية العلم الاجمالي إنما تعلقه بنفس فعلية الخطابات الواقعية فحينئذ لا ينافي الترخيص في ظرف الجهل لما عرفت من فعلية الحكم الواقعي في مقام طريقية الطريق وذلك لا منافاة معه كما ان حكم العقل بالاشتغال ان كان بنحو التعليق على عدم الردع بالترخيص فلا تحصل المناقضة في هذه المرحلة لارتفاع موضوع حكم العقل بمجيء الترخيص على الخلاف

كما هو كذلك في العلم التفصيلي بناء على انه مقتض وان حكم العقل بوجوب المتابعة معلق على عدم مجيء الترخيص على الخلاف ولكنك قد عرفت ان المناقضة بين مجىء الترخيص ومنجزية العلم التفصيلي مناقضة ارتكازية ومنه يعلم ان حكم العقل بالاشتغال في العلم الاجمالى بنحو يأبى عن الردع عنه بالترخيص على الخلاف في جميع الاطراف موجب لتنجيز العلم الاجمالي وذلك موجب لكون العلم الاجمالي علة للتنجيز لبناء العقلاء على وجود المناقضة بين الترخيص والاقتحام في محتمل المعصية. ولا يقاس المقام بالطبيعي بالنسبة الى افراده كما هو قضية المأخوذ في متعلق التكاليف فانه عبارة عن الطبيعي قبل الانطباق وليس قبل الايجاد إلا مجرد قابلية الانطباق على كل فرد ومن هنا يتحقق الامتثال باي فرد يختاره المكلف حتى بالنسبة الى النكرة فانها لها قابلية الانطباق فيها بنحو البدل بخلاف المقام فان الجامع المتعلق للعلم الاجمالي عبارة عن الجامع المنطبق بوصف موجوديته والترديد إنما هو في المنطبق عليه هل هو هذا او ذاك؟ ومن لوازم ذلك سراية التنجز الى الواقع بملاحظة كونه من توابع ما هو الموجود من الحكم في الخارج وان لم نقل بسراية العلم الى نفس الخصوصيات لما عرفت انه قائم بنفس الصورة الاجمالية من دون السراية الى الخصوصيات ولذا نقول بان تنجز الواقع بسبب العلم لا يوجب عدم شمول الاصول للخصوصيات وانه لو لا حكم العقل بوجود المناقضة بين ما هو معلوم بالاجمال بالحرمة أو الحلية في جميع الاطراف لقلنا ان كلا من الخصوصية مشمول لدليل الاصل إذ لا قصور في شمول ادلة الاصول من غير فرق بين كونها تنزيلية وغير تنزيلية اما غيرها فان موضوعها هو الشك والشك متحقق ، مثلا لو علمت بنجاسة احد الإناءين فكل اناء بالخصوص يكون مشكوكا نجاسته او حرمته فيشمله حديث الرفع والحلية والطهارة من غير فرق بين كون هذه الادلة مغياة بالمعرفة وبين غيرها بناء على

انصراف الغاية الى العلم التفصيلي فواضح. واما بناء على التعميم فائضا لا مانع من شمول الاصول لتلك الخصوصيات لكونها محل شك فيتحقق موضوع الاصل لما عرفت من تغاير متعلق اليقين والشك في العلم الاجمالي فان العلم الاجمالي قائم بالصورة الاجمالية وعدم سرايته الى الخارج فحينئذ يكون حلالا بمقتضى شمول دليل الحلية او كان الناس في سعة مما لا يعلمون وكان مرفوعا وموضوعا عنهم إذ العلم بحرمته بالنسبة الى العنوان الاجمالي الذي هو عنوان أحد الامرين لا ينفى بنفي السعة بالنسبة الى الخصوصيات ولا يكون مرفوعا او لا يكون موضوعا إذ ذلك ليس مؤدى شيء من الاصول.

وبالجملة العلم الاجمالي المتعلق بذلك الجامع لا يمنع من شمول العمومات المذكورة للعناوين الخاصة. نعم ربما يقال بالنسبة الى السعة منع شمولها لاطراف العلم الاجمالي بناء على ان كلمة (ما) مصدرية ظرفية لا موصولة إذ بناء على تعميم العلم للعلم الاجمالي يشكل شمولها لاطراف العلم الاجمالي ولكن لا يخفى انه وان سلمنا ذلك بالنسبة الى دليل السعة إلا انه يكفي شمول سائر العمومات لكل واحد من الاطراف من حيث نفسه واما بالنسبة الى الاصول التنزيلية فقد قيل بانها لا تجرى مع قطع النظر عن منجزية العلم الاجمالي المستلزم للمخالفة القطعية العملية بوجهين :

الأول : ما ينسب الى بعض الاعاظم (قده) من قصور في المجعول بحسب الثبوت لو شملت الاصول لجميع اطراف العلم لمضادته لعدم امكان جعل الحكم الظاهري في الطرفين مع تحقق العلم الاجمالي ، مثلا لو علم اجمالا بنجاسة احد الإناءين مع جريان الاستصحاب في كل واحد من الطرفين فيعلم بانتقاض الحالة السابقة في بعض الأطراف فلا يمكن بحسب الثبوت جعلهما في الطرفين إذ التعبد

ببقاء الاحراز السابق في الطرفين يكون مضادا للعلم الاجمالي الوجداني بالخلاف في أحدهما من غير فرق بين كون جريانهما موجب للمخالفة العملية وبين عدم لزوم ذلك. ولكن لا يخفى انك قد عرفت منا سابقا بالنسبة الى العلم الاجمالي انه متعلق بالجامع الذي هو عنوان اجمالي من دون سراية الى الخارج وهو المتيقن والشك متعلق بنفس الخصوصيات فنفس الخصوصيات الذي هو موضوع للاحراز التعبدي غير الاحراز الوجداني فلا تنافي ولا مضادة بينهما ولذا قلنا بعدم التضاد بين متعلق اليقين ومتعلق الشك إذ موضوع التعبد بالبقاء ليس هو اليقين باحد العنوانين حتى ينافي العلم الاجمالي وإنما هو الموضوع فيه هو خصوص اناء زيد وخصوص إناء عمرو وشيء منهما لا يعلم بانتقاضه حتى يمنع عن جعل كلا الاستصحابين لما عرفت من وقوف العلم الاجمالي على معروضه من دون سراية من متعلقه الى الخارج فما أفيد في المنع مبني على القول بسراية متعلق اليقين الوجداني الذي هو متعلق للعلم الاجمالي لكي يسري الى الخارج. ولكنك قد عرفت منع ذلك لجواز اجتماع اليقين والشك في العلم الاجمالي ولا مضادة بينهما إذ متعلق اليقين هو عنوان احدهما من دون سرايته الى الخارج ومتعلق الشك هو خصوص كل واحد منهما.

وبالجملة المضادة إنما تحصل بين متعلق اليقين ومتعلق الشك فيما لو قلنا بسراية اليقين المتعلق بالجامع الذي هو العنوان الاجمالي الى ما في الخارج ، واما لو قلنا بعدم السراية ووقوف العلم على معروضه من دون سراية الى ما في الخارج فلا مانع من اجراء الاصول العملية من غير فرق بين كونها تنزيلية او غير تنزيلية في خصوص الاطراف إذ لا منافاة بين احراز التعبد في كل خصوصية من الأطراف لليقين الاجمالي ولا يلزم مناقضته للجعل إذ جعل الاستصحاب في كل من الخصوصيتين لا يوجب مناقضته لذلك الجامع فلا يلزم من جريانها في اطراف العلم

بالانتفاض بنحو ينقلب اليقين بخصوصية كل واحد من الاطراف الى اليقين بالخلاف إذ ذلك مخالفة للوجدان.

ودعوى انه يلزم انقلاب اليقين الى الشك او انتقاض اليقين بالشك فهو وان كان لازما إلا انه لا يمنع من جريان الاستصحابين في الطرفين بعد ان عرفت ان الموضوع في كل واحد منهما مشكوك فيكون موردا للاحراز التعبدي فلا يلزم من جريان الاصول واعمالها انقلاب اليقين الى الشك او انتقاض اليقين بالشك لاختلاف المرتبة بينهما وبذلك لا تحصل المضادة بينهما وليس شيء يمنع من اعمال الاصول في خصوصية كل واحد من الاطراف إلا ما عرفت من حكم العقل بمنع اعمالها لكونه ترخيصا في محتمل المعصية وهو قبيح. وبذلك قلنا بتنجز العلم التفصيلي فانه بنظر العقلاء يرون جريان الاصول ترخيصا في مقطوع المعصية ولو لا ذلك لكان العلم التفصيلي مقتض للتنجيز وليس بعلة تامة فالموجب للعلية هو نظر العقلاء في ان الترخيص في محتمل المعصية قبيح كالترخيص في معلوم المعصية وبهذه الجهة يكون العلم الاجمالي علة تامة للتنجيز بالنسبة الى المخالفة القطعية كما عرفت انه بنظر العقل بان متعلق العلم الاجمالي كمتعلق العلم التفصيلي من غير فرق بينهما إذ حكم العقل بالتنجيز تنجيزي غير معلق على عدم الردع فان حكمه بوجوب الامتثال وعدم الترخيص في الأطراف مانع من اعمال الاصول لحصول المضادة بين تنجيزية حكم العقل والترخيص في الاطراف الذي هو مناط تنجيزية العلم التفصيلي وحكم العقل بذلك يوجب اشغال الذمة بتحصيل موافقة العلم الاجمالي والخروج عن عهدته ولذا نقول بانه كما انه علة تامة بالنسبة الى حرمة المخالفة القطعية فهو علة في التنجيز في الموافقة القطعية من غير فرق بينهما.

ودعوى انه بالنسبة الى المخالفة علة للتنجيز وبالنسبة الى الموافقة القطعية مقتض بتقريب ان الترخيص بالنسبة الى المخالفة القطعية ترخيص في معلوم

المعصية بخلاف الاذن في ارتكاب بعض الاطراف ليس ترخيصا في مقطوع المعصية ولا يمنع العقل الاذن في ذلك لعدم تعلقه بما هو المعلوم الاجمالي إذ لم يتعلق العلم بخصوصية كل واحد من الاطراف فخصوصية كل من الأطراف مشكوكة وحينئذ يكون من موارد جريان الاصول ولا ينافي حكم العقل باشتغال الذمة ووجوب الامتثال إذ حكمه بذلك معلق على عدم الردع ومع تحقق الردع لا موضوع لحكمه ممنوعة ، لما عرفت منا سابقا انه لا يصح الترخيص في كل طرف من جهة احتمال انطباق المعلوم المنجز عليه على كل فرد لرجوعه الى الترخيص في محتمل المعصية ، وما ذكر من الفرق إنما يتم لو كان لقصور في شمول ادلة الترخيص لاطراف العلم الاجمالي إذ يصح حينئذ الفرق بين المخالفة القطعية والموافقة القطعية لانحفاظ مرتبة الحكم الظاهري في كل طرف من اطراف العلم الاجمالي وربما يؤيد الفرق بان المقام من قبيل مقام الانحلال وجعل البدل إذ رجوعهما الى كون العلم الاجمالي بالنسبة الى وجوب الموافقة القطعية مقتض ، إذ جواز الترخيص بجعل البدل او الانحلال يوجب ان يكون العلم الاجمالي مقتضيا ، إذ لا معنى لجعل البدل او الانحلال مع كون العلم الاجمالي علة تامة لكون عليته تنافي جعل البدل او الانحلال ، ولكن لا يخفى انه فرق بين المقامين ، فان المقام كونه علة في مقام الفراغ بعد ثبوت اصل الاشتغال في التكليف بالعلم الاجمالي فليس فيه قصور في مقام المنجزية من جهة العلم ولا من جهة المعلوم في كونه قابلا للتنجز بخلاف مقام الانحلال وجعل البدل فانهما في مقام اصل الاشتغال ، اما الانحلال فمرجعه الى جواز الرجوع الى الأصل النافي الموجب لخروج العلم الاجمالي عن المؤثرية إذ قيام منجز يخرجه عن قابلية التنجيز فيما قام عليه المنجز فيكون موجبا لرفع تنجز التكليف. وبالجملة الانحلال عبارة عن التصرف في اصل الاشتغال ، واما جعل البدل الذي هو عبارة عن الاكتفاء بالأخذ بالبدل وإن

كان ذلك في مقام الفراغ إلا انه موجب لتعيين ما اشتغلت الذمة به في موضوع الفراغ فليس عبارة عن الاكتفاء بالشك بالفراغ لكي يكون مثل المقام وهذا هو الذي صار منشأ لجعل المقام من قبيل جعل البدل. كموارد قيام الامارة على تعيين المعلوم بالاجمال في احد الطرفين بالخصوص فلذا يكون الاتيان بذلك موجبا لفراغ الذمة عما اشتغلت به. فحينئذ يكون في المقام قد تصرف الشارع في مرحلة الفراغ بجعل بعض الأطراف بدلا جعليا لما هو المفرغ ولكن لا يخفى ان المقايسة في غير محلها إذ المقصود منه كونه علة لوجوب تحصيل مطلق ما يوجب معه الخروج عن عهدة التكليف من غير فرق بين كون المفرغ حقيقيا او جعليا لعدم خصوصية ذلك بنظر العقل وذلك لا ينافي علية العلم الاجمالي.

وبالجملة ان جعل البدل بمعنى جعل احد الطرفين بدلا عما اشتغلت ذمته بالاجتناب لا ينافي القول بالعلية لرجوعه الى مقام الفراغ بان يكون مفرغا جعليا وهو يتحقق بعد العلم بالاشتغال فمرحلة الاشتغال اجنبية عن مرحلة الفراغ فلا يكون جعل البدل موجبا لكون العلم الاجمالي مقتضيا بل يتحقق ولو كان بنحو العلية لكون العلم الاجمالي موجبا لتنجز التكليف ويجب الخروج عن عهدته من غير فرق بين أن يكون المفرغ حقيقيا او جعليا إذ لا خصوصية له بنظر العقل بان يكون المفرغ حقيقيا بل يكتفى فيه بان يكون بحكم الشارع مفرغا جعليا ، إلا انه يحتاج جعل البدل الى دليل ولا دليل عليه إلا نفس أدلة الاصول وحيث أن جريانها في الطرفين موجب لتساقطها وجريانها في أحد الطرفين مناف لعلية العلم الاجمالي إلا أن يقال بان الأصل النافي الجاري في بعض الاطراف إذا كان بلا معارض موجبا لكون الطرف الآخر بدلا ومصداقا للمعلوم بالاجمال ولازم ذلك كونها من الاصول المثبتة التي لا نقول بها وبذلك يفرق عن قيام الامارة على أحد الأطراف فانه يوجب انحلال العلم الاجمالي حيث انه يدل على تعيين

المعلوم بالاجمال في الطرف الآخر الموجب لأن يكون مصداقا جعليا بالدلالة الالتزامية.

ومن ذلك يظهر ان الاصل الجارى بلا معارض لا يقاس على الامارة فان الامارة بدلالتها الالتزامية توجب انحلال العلم الاجمالي بخلاف الأصل الجاري بلا معارض فانه لا يوجب تعيين المعلوم بالاجمال في الطرف الآخر حيث انه ليس فيه دلالة التزامية على اثبات ذلك.

فتحصل مما ذكرنا ان العلم الاجمالي هو علة تامة كالعلم التفصيلي وجعل البدل لا ينافي عليته لو قام دليل على الجعل فلا تجري الاصول في أطرافه حتى الأصل الجاري بلا معارض. نعم على القول بالاقتضاء جاز الرجوع الى الأصل النافي في بعض الأطراف إذا كان بلا معارض كما لو فرض العلم الاجمالي بنجاسة أحد الإناءين وكان أحدهما متيقن الطهارة سابقا فان جريان اصالة الطهارة في طرف يعارض اصالة الطهارة في متيقن الطهارة فيتساقطان فيرجع الى قاعدة الطهارة في الاناء الجاري فيه استصحابها لعدم المعارض لها بعد سقوط جريان اصالة الطهارة في الطرف الآخر مع الاستصحاب الحاكم وذلك يوجب الحكم بالطهارة لقاعدة الطهارة في الجارى فيه الاستصحاب مع انه قد تسالم الأصحاب على عدم جريانها ودعوى ان الالتزام بالطهارة في الفرض إنما هو لسقوط اصالة الطهارة بمعارضتها مع اصالة الطهارة الجارية في الاناء الآخر إذ مقتضى العلم الاجمالي بنجاسة أحد الإناءين موجب لتعارض القاعدة مع الاستصحاب والقاعدة فتسقط الاصول لكونها بالنسبة الى العلم الاجمالي في عرض واحد ممنوعة إذ لم يكن الاستصحاب مع القاعدة في مرتبة واحدة. فعليه الاستصحاب في هذا الطرف يعارض قاعدة الطهارة في الطرف الآخر وبعد التساقط تبقى قاعدة الطهارة بالنسبة اليه بلا معارض لسقوط الاصل الحاكم الذي هو الاستصحاب لمعارضته لقاعدة الطهارة في الطرف الآخر كما هو

كذلك بالنسبة الى متمم الكر فانه بعد تعارض الاستصحابين الموضوعيين وتساقطهما يرجع الى قاعدة الطهارة ودعوى ان المجعول انما هو شىء واحد فلا يكون في البين إلا طهارة واحدة وحينئذ تقع المعارضة بين الاستصحاب والقاعدة الجاريين في طرف وبين نفس القاعدة في الطرف الآخر ممنوعة بان المجعول في قاعدة الطهارة في طول المجعول في الاستصحاب ولا مانع من تحققها في موضوع واحد لعدم لزوم اللغوية في الجعل مع تحقق الطولية بينهما وحينئذ مع سقوط الاستصحاب لمعارضته لقاعدة الطهارة في الطرف الآخر تجري اصالة الطهارة في مستصحب الطهارة كما هو شأن كل اصل محكوم مع سقوط الاصل الحاكم كالاصل الجاري في المسبب بعد سقوط الأصل الجاري في السبب وليس ذلك إلا لاجل الطولية بين الجعلين.

فظهر مما ذكرنا انه ليس المانع من جريان الأصل النافي الجاري في احد الأطراف ليس إلا لكون العلم الاجمالي علة تامة لا مقتضيا ، وكونه علة تامة لما عرفت من ان العقل حاكم بارتكاب احد الأطراف يوجب الوقوع في محتمل المعصية مع عدم تحقق المؤمن وهو كالوقوع في مقطوع المعصية وحكمه بذلك تنجيزي لا تعليقى وفاقا للشيخ الانصاري (قده) فانه صرح في الشبهة الوجوبية ان العلم الاجمالي كالتفصيلي علة تامة في تنجيز التكليف بالمعلوم ... الخ.

وقال في مقام آخر ان اصالة الحلية غير جارية في المقام بعد فرض كون المحرم الواقعي مكلفا بالاجتناب عنه منجزا عليه على ما هو مقتضى الخطابات بالاجتناب عنه لان العقل في الاشتغال اليقيني ترك الحرام الواقعي هو الاحتياط والتحرز عن كلا المشتبهين حتى لا يقع في محذور فعل الحرام ... الخ. نعم ربما يستفاد من بعض كلماته كونه مقتضيا حيث ادعى تعارض الاصول في اطراف

العلم الاجمالي وذلك يوجب كون المانع من جريانها في اطراف العلم الاجمالي هو التعارض لا كونه علة تامة بل يناسب القول بكونه مقتضيا بالنسبة الى الموافقة القطعية إذ دعوى العلية يوجب عدم جريان الأصل النافي ولو لم تكن هناك معارضة ولاجل ذلك ينسب الى الشيخ (قده) التفصيل بين المخالفة القطعية وبين الموافقة القطعية بالعلية في الاولى دون الثانية ، ولكن لا يخفى ان هذه النسبة غير صحيحة لما عرفت من تصريحه بالعلية في غير موضع فلا بد من حمل كلامه (قدس‌سره) على ان المعارضة جهة اخرى لعدم جريان الأصل.

وبالجملة تعارض الاصول وتساقطها ليس من لوازم القول باقتضاء العلم الاجمالى للتنجيز بل الذي هو من لوازم الاقتضاء هو جريان الأصل النافي بلا معارض كما انه من لوازم ذلك هو الالتزام بالتخيير بين الاصول النافية المشتملة على الترخيص على خلاف الواقع لتقييد اطراف دليل الترخيص الجاري في كل من الطرفين بحال عدم ارتكاب الآخر ولا يحتاج الى التساقط ولكن القول بذلك مما لم يقل به احد لما عرفت من ان بناء الأصحاب على عدم جريان الاصول النافية في اطراف العلم الاجمالي وبذلك يندفع ما ذكر من الالتزام بالتخيير لا لما ادعاه بعض الأعاظم من ان التخيير مع عدم قيام الدليل عليه بالخصوص لا بد وان يكون اما من جهة اقتضاء نفس الدليل الدال على الحكم كما لو قال اكرم العلماء وعلم بخروج زيد وعمرو إلا انه يشك بان التخصيص كان بنحو المعية او بنحو الاطلاق فمرجع الشك الى مقدار التخصيص بمعنى انه يشك في التخصيص بنحو الافرادي او الاحوالي.

واما من جهة اقتضاء نفس المدلول كما في صورة تزاحم الواجبين مع ان كل واحد من الجهتين مفقود في المقام إذ يحتاج الى دليل يدل عليه مع انه لا دليل على احدى الجهتين لا من جهة الدليل اي الجعل ولا من جهة المدلول اي المجعول

إذ ما ذكر محل نظر لامكان دعوى وجود الجهتين في المقام اما الجهة الأولى فيمكن دعوى ان مقتضى عموم دليل الأصل الجاري في كل واحد من الأطراف كان بنحو العينية مطلقا اي سواء عارضه اصل ام لا وحيث انه لا يمكن الالتزام بالاطلاق بنحو العينية لذا يلزم تقييد كل في ظرف ترك الآخر وذلك هو معنى التخيير.

واما الجهة الثانية فيمكن لنا الالتزام به في المقام بتقريب انه كما لا يمكن الأخذ باطلاق التكليفين لكونه من التكليف بما لا يطاق في المتزاحمين لذلك لا يمكن الاخذ بجريان الاصلين في الطرفين لكون العقل مانعا من جريان الأصل في كل من الطرفين.

والحاصل ان دعوى التخيير في المقام لاجل تحقق الجهتين فلا محذور فيه بدعوى الالتزام بالتقييد الحالي في اطلاق دليل الحلية لكل من الطرفين. واما لحكم العقل بمنع جريان الحلية في كل من الطرفين. وبالجملة ذلك لا يكون مانعا من الالتزام بالتخيير عند تعارض الاصول. نعم بناء الاصحاب على عدم التخيير بل عدم جريان الأصل ولو كان بلا معارض وليس إلا ان العلم الاجمالي كالعلم التفصيلي علة في التنجز فيحكم العقل بمنع ارتكاب أحد الأطراف كمنعه بارتكاب الجميع إذ ارتكاب ما هو محتمل المعصية من دون حصول مؤمن فهو كارتكاب مقطوع المعصية فلذا قلنا ان العلم الاجمالي علة للتنجز بالنسبة الى الموافقة القطعية كالمخالفة القطعية فتجب الموافقة القطعية كما تحرم المخالفة القطعية من غير فرق بينما تكون الاطراف موجودة بنحو الفعلية كما لو علمت بنجاسة أحد الإناءين او الموجودة بنحو التدريج كما لو كانت المرأة المضطربة تعلم انها تحيض في الشهر ثلاثة أيام فانه يجب الاجتناب عن جميع الاطراف بمقتضى تنجز العلم الاجمالي بالتكليف فيجب عليها الاجتناب عن قراءة العزائم ودخول المساجد ولا يجوز

لزوجها وطؤها في تمام الشهر مع استمرار الدم لما عرفت من جريان الأدلة المتقدمة الجارية في المقام من غير فرق بين ان يكون الزمان أخذ بنحو الظرفية كما انه يجب على التاجر الذي يعلم بابتلائه في يومه او شهره بالمعاملة الربوية الامساك عما لا يعلم حكمه من المعاملات في تمام اليوم او الشهر او يكون الزمان مأخوذا على نحو القيدية للمكلف كما لو حلف على ترك الوطء في ليلة خاصة واشتبهت بين ليلتين او ازيد وكالمثال المتقدم في الحيض فانه يجب مراعاة العلم الاجمالي في جميع الصور حتى فيما إذا كان الزمان اخذ على نحو القيدية فانه بناء على ما اخترناه من امكان الواجب المعلق وارجاع الواجب المشروط اليه فان التكليف يكون بالنسبة الى هذه الصورة تكليفا فعليا لانه تكليف بالواجب فيكون فعليا بالنسبة للامر الاستقبالي وبمقتضى العلم الاجمالي الاحتياط بترك الوطء في كل من الليلتين ويلزم حفظ القدرة فعلا بالنسبة للطرف الآخر لاقتضاء فعلية الخطاب لايجاد الارادة الغيرية نحو المقدمات المفوتة. واما بناء على محالية واجب المعلق وارجاع ذلك الى المشروط بدعوى عدم التفكيك بين ظرف فعلية التكليف وظرف المأمور به فلا يكون بالنسبة الى الليلة المتأخرة فعليا لخروجها عن القدرة فلا مانع من جريان الأصل النافي. نعم تحتاج دعوى المنع من استقلال العقل في ظرف العلم بتحقق الغرض للزوم حفظ القدرة على تحصيله ، وهكذا لو كان الزمان له دخل في الملاك والخطاب فانه يجب حفظ القدرة بالنسبة الى الطرف الآخر لاستقلال العقل بقبح الاقدام على ما يوجب ترك مطلوب المولى لا لاجل فعلية التكليف وحينئذ لا يبقى مجال لجريان الاصول النافية.

وبالجملة الاحتياط باستقلال العقل بمنع الاتيان بالنسبة الى الطرف الآخر فيما لو ارجعنا الواجب المعلق الى المشروط لعدم التفكيك بين ظرف فعلية التكليف وظرف الفاعلية الذي هو ظرف المأمور به. واما لو قلنا بامكان الواجب المعلق كما

هو المختار فمقتضاه فعلية الوجوب وان كان الواجب استقباليا ، فلو تعلق العلم الاجمالي به فانه يوجب تنجزه وتدريجية الطرف الآخر لا ترتفع فعليته فلذا نقول بمنجزية العلم الاجمالي (١) في الافراد التدريجية كمنجزيته في الافراد

__________________

(١) لا يخفى انه وقع الكلام في تنجيز العلم الاجمالي في التدريجيات على قولين ومحل الكلام إنما هو في تدريجية الاطراف مستندة الى تقييد أحد الأطراف بزمان او زماني متأخر لا بمعنى استنادها الى اختيار المكلف مع تمكنه من الجميع كما لو علم غصبية أحد الثوبين وكان متمكنا من لبسهما فانه لا إشكال ولا ريب ان العلم بالتكليف الفعلي مع تمكن المكلف من موافقته ومخالفته القطعيتين فانه يوجب تنجزه من غير ريب وشبهة ، كما انه ليس المراد من التدريجية المستندة الى عدم تمكن المكلف من الجمع بين الأطراف إلا انه يتمكن من ارتكاب كل منها بالفعل كما لو علم بوجوب صلاة الظهر او الجمعة فان المكلف لم يتمكن من جمعها إلا انه يتمكن من اتيان أحدهما فانه لا إشكال في تنجز العلم الاجمالي.

وبعد معرفة ذلك فاعلم ان التدريجية المذكورة تارة تكون فعلية على كل تقدير واخرى تكون فعلية على تقدير دون تقدير.

اما الاول فلا ريب في تنجز العلم الاجمالي كما لو علم اجمالا بتعلق النذر بقراءة سورة خاصة في هذا اليوم او غد فانه بناء على امكان الواجب المعلق يكون الوجوب بالنذر فعليا متعلقا بقراءة هذا اليوم او غد فانه لا اشكال في تنجز التكليف لوجود مناطه وهو فعلية التكليف.

واما فيما لو كان فعليا على تقدير دون تقدير كما لو علم بوجوب مردد بين كونه فعليا بالفعل وكونه فعليا فيما بعد كما لو تردد أمر بين كون وجوبه مطلقا

العرضية من دون فرق بينهما لكون الوجوب في كل منهما فعليا فان العلم الاجمالي بوجود التكليف في الحال او الاستقبال في التدريجيات عند العقل والعقلاء يكون

__________________

او مشروطا بشرط قيل يجوز الرجوع الى الأصل في كل من الطرفين مطلقا نظرا الى ان تنجيز العلم الاجمالي يتوقف على كونه متعلقا بالتكليف الفعلي وحيث ان المفروض في المقام قد تردد فيه التكليف بين كونه فعليا وكونه مشروطا بشرط غير حاصل فلا يحصل العلم بالتكليف الفعلي فلا يتنجز العلم فيه ومن هنا جاز الرجوع الى الأصل في الطرف فعلا كما انه ليس له مانع من الرجوع في الطرف الآخر وقيل بالتفصيل بينما اذا كان الملاك تاما من الأول فلا يجري فيه الأصل وبينما إذا لم يكن تاما فيجري فيه الأصل نظرا الى انه بتمامية الملاك يكون الترخيص الحاصل من الاصول تفويتا للملاك فلا يصح الترخيص بخلاف ما إذا لم يتم الملاك ولذا فصل الشيخ الانصاري (قده) بين مسألة العلم بالنذر المردد تعلقه بامر حالي او استقبالي وبين علم المرأة بالحيض المردد في ايام الشهر فقال بالمثال الاول بتنجيز العلم الاجمالي بخلاف المثال الثاني فانه لم يقل بتنجيزه بل قال باستصحاب عدم تحقق الحيض إلا انه استشكل من جريانه حيث ان المرأة بعد تحقق الآن الاول من الايام الثلاثة الباقية يحصل لها اليقين بحيض وطهر سابقين على هذا الآن قطعا وبما ان تاريخ كل منهما مجهول فلا يجري فيهما الاستصحاب للمعارضة على مبناه او لوجه آخر حسب ما ذكره المحقق الخراساني وكيف كان فلا مجال للاستصحاب فلذا يرجع الى البراءة. والحق هو ما ذهب اليه الاستاذ المحقق النّائينيّ (قده) في تنجيز العلم الاجمالي في هذا المقام مطلقا اما فيما تم فيه الملاك فعلا فواضح تنجزه واما فيما لم يتم فلما حقق في محله من استقلال العقل بقبح تفويت الملاك الملزم التام في ظرفه بتعجيز النفس قبل مجيء

منجزا ويلزمون ترتيب الآثار عليه وليس ذلك إلا كون التكليف فعليا في الطرفين فلو لم يكن التكليف فعليا في الطرفين في الحال لكن نفس العلم بتكليف فعلي في الحال او التكليف الفعلي في الاستقبال منجز ومؤثر فيلزم بحكم العقل ترتيب الآثار عليه والذي يدل على ذلك ان القوم يلتزمون بحفظ المقدمات المفوتة قبل الوقت مع انه لا يكون التكليف بذيها في الحال فعليا فما نحن فيه أولى بلزوم الاحتياط إذ التكليف على احتمال وتقدير فعلي في الحال لوجود المناط في المقامين بنظر العقل الذي هو الغرض المعلوم للمولى من عدم جواز تفويته بل لا بد من حفظه والاتيان بمقدماته كما انه لا فرق في كون المعلوم بالاجمال عنوانا معينا كما لو علم بنجاسة أحد الإناءين او كان عنوانا مرددا بين عنوانين مختلفي الحقيقة كما لو علم بنجاسة الاناء او غصبية اناء آخر فان العلم الاجمالي فعلي ومنجز في المقامين خلافا لصاحب الحدائق (قده) حيث اشترط في تنجيز العلم الاجمالي ان يكون عنوانا معينا غير مردد نظرا إلى ان التردد بين العنوانين لا يوجب العلم بتحقق الخطاب. نعم يكون مفهوم الخطاب متعلقا للعلم الاجمالي وهو غير صالح للتنجيز. ولكن لا يخفى ان ذلك محل نظر إذ المفهوم هو المتعلق للالزام المولوى وذلك يوجب تنجيز الواقع المعلوم إذ هو موضوع لحكم العقل بوجوب احراز متعلق الأمر المردد بين شيئين بنحو لو انكشف ذلك المجهول لانطبق عليه المعلوم بالاجمال وذلك يوجب تنجيزه. ودعوى ان

__________________

وقته فان العقل حاكم بقبح ذلك من غير فرق في قبح التفويت بين كونه مستندا الى العبد أو الى المولى فان ترخيص المولى في ارتكاب الطرف المبتلي به فعلا وترخيصه في ارتكاب الطرف الآخر ترخيص في تفويت الملاك الملزم التام وهو كالترخيص في مخالفة التكليف الفعلي وعصيانه كما لا يخفى.

العلم الاجمالي لا أثر له لكون احد أطرافه الغصب وهو شرط علمي لا شرط واقعي فلو تردد الأمر بين كون الشيء غصبا او نجسا لا يجب الاجتناب عنه للشك في غصبيته ولذا قيل بصحة الوضوء مع الشك في الغصبية فبالنسبة الى النجاسة يكون من الشك البدوى ولذا لا يكون مثل هذا العلم الاجمالي منجزا لعدم احراز تكليف بالاجتناب حيث انه ان كان مغصوبا فلا يجب الاجتناب عنه لكون موضوعه العلم بالغصبية وبالنسبة الى النجاسة يكون من الشك البدوي فلا يكون التكليف منجزا. ولكن لا يخفى ان ذلك مبني على اخذ العلم في موضوع الغصب وذلك محل منع لعدم اخذ العلم في موضوعه ، إذ الجهل بالغصب عذر وحينئذ لا قصور في تنجز التكليف المعلوم بالعلم بالالزام المولوي بترك احد الامرين اما الغصب أو النجاسة بمعنى انه قد توجه الى المكلف احد الخطابين اما خطاب لا تغصب أو خطاب لا تشرب النجس وحيث علم بتوجه أحد الخطابين يحكم العقل بتركهما تحصيلا للموافقة القطعية فان العقل يحكم بوجوبها كما يحكم بحرمة المخالفة القطعية.

شرائط تنجيز العلم الاجمالى

المبحث الثاني : فيما يعتبر في تنجز العلم الاجمالي وهو امور :

الاول : ان لا يكون كثير الاطراف بنحو يضعف تحقق انطباق المعلوم بالاجمال بمعنى ان كثرة الاطراف يوجب ضعف الاحتمال في كل فرد كما لو علمنا بوجود شاة محرمة الأكل في ضمن عشرة آلاف فيجوز للمكلف أخذ كل فرد وان كان يحتمل ان يكون هو المحرم إلا انه ضعيف لا يعبأ به بنحو يحصل له الاطمئنان بان المحرم في ضمن سائر الافراد فلذا لا يصلح ان يكون المعلوم

بالاجمال محركا كما هو محرك لو كان قليل الاطراف المسمى بالشبهة المحصورة إذ قلة الافراد يوجب ان يكون احتمال انطباق المعلوم بالاجمال على كل فرد قويا بخلاف ما اذا كان كثير الاطراف فانه يكون احتمال الانطباق ضعيفا فلا يصلح للمحركية نظير ما هو في العرفيات فان من سب احد ثلاثة اشخاص فان كل واحد من الثلاثة يتأثر بخلاف ما إذا سب واحدا من أهل البلد فان كل واحد منهم لا يتأثر وهو المسمى بالشبهة غير المحصورة ، وذلك لبناء العقلاء على الغاء الاحتمال في كل واحد من الاطراف (١) وتعيينه في غيره على نحو (البدلية) وبذلك يصير ضابطا للشبهة غير المحصورة.

__________________

(١) وما ذكره (قده) يرجع الى ما ذكره الشيخ الانصارى من ان كثرة الوقائع المحتملة تبلغ الى مرتبة لا يعتنى بالعلم الاجمالي بنحو لا يكون قابلا لبعث المكلف على الاجتناب بنحو يضعف احتمال انطباق المعلوم بالاجمال على كل فرد فلا يكون هذا العلم علما حقيقيا يقبل التنجيز إلا انه اراد الاستاذ (قده) بان يترك واحدا الذي هو بمقدار المعلوم بالاجمال بنحو يكون بدلا ولا يخفى ان هذه الزيادة محل نظر إذ ان بناء العقلاء لم يكن مقتضيا لابقاء الواحد بل ينبغي ان يبقى ما يوجب خروج الاحتمال عن الضعف فيلزمه الاجتناب حينئذ عن الباقى على ان ما ذكره الشيخ وتابعة الاستاذ إنما يتم إذا ثبت مثل هذا البناء عند العقلاء وثبوته محل اشكال ، كما ان ما ذهب اليه المحقق النّائينيّ (قده) بان الضابط للشبهة غير المحصورة هو ما اذا لم يتمكن من المخالفة القطعية عادة لكثرة اطراف العلم الاجمالي وان امكنت الموافقة القطعية بتقريب ان تنجيز العلم الاجمالي في الشبهة المحصورة يوجب الوقوع في المخالفة القطعية بارتكاب جميع الاطراف وهي ممنوعة وارتكاب بعضها دون بعض يحتاج الى مؤمن من اجراء الأصل

هذا بالنسبة الى الموافقة القطعية وفاقا للمشهور بين الاصحاب بل نقل الاجماع عليه وقد صرح بذلك المحقق البهبهاني وقال انه من ضروريات الدين ، وقد يقال بان ذلك مغروس في اذهان المتشرعة ولا يتم الاستدلال على المطلوب بذلك إلا بدعوى جعل واحد من الاطراف بدلا عن الواقع وإلا نفس الاحتمال الضعيف لا يوجب جواز الارتكاب لما عرفت من أن المختار هو علية العلم الاجمالي.

واما بالنسبة الى المخالفة القطعية فحيث اخترنا علية العلم الاجمالي فلذا نقول بحرمة المخالفة القطعية ولو لا استفادة البدلية بالنسبة الى الموافقة القطعية لقلنا بوجوب موافقتها.

ودعوى الاستاذ (قده) في الكفاية بانه لا وجه لاحتمال عدم وجوب الموافقة القطعية مع حرمة مخالفتها ضرورة أن التكليف المعلوم اجمالا لو كان فعليا لوجب موافقته قطعا وإلا لم تحرم مخالفته كذلك ايضا ، ودعواه في غير محلها لعدم القصور في ناحية العلم ولا من ناحية المعلوم. اما من ناحية العلم

__________________

واجراء الاصل في البعض دون الآخر ترجيح بلا مرجح ولازم الالتزام من جريانها في الجميع سقوطها بالمعارضة وذلك موجب للزوم الموافقة القطعية فيكون وجوبها في طول حرمة المخالفة القطعية. اما إذا لم تكن المخالفة القطعية ممكنة لعدم امكان ارتكاب جميع الاطراف فلم تنته النوبة الى جريان الاصول في بعضها دون بعض ليحصل التساقط الناشئ من تعارضها ومع تساقطها تكون الاصول جارية فيما يمكن ارتكابه من أطراف الشبهة كانت الموافقة القطعية غير واجبة لحصول المؤمن بجريانها في تلك الاطراف محل نظر فانه مبني على كون الموافقة القطعية في طول المخالفة ولكن الحق ان حرمة المخالفة في عرض وجوب الموافقة وكلاهما معلولان للعلم فسقوط احدهما للتعذر لا يستلزم سقوط الآخر كما لا يخفى.

فلكشفه عن متعلقه كشفا تاما ، واما من ناحية المعلوم فقد عرفت انه بنحو الفعلية بنحو لو علم به تفصيلا لوجبت موافقته وحينئذ يكون صالحا للبيانية ومع صلوحه لذلك يكون منجزا لكون احتمال الانطباق على كل واحد من الأطراف يلازم احتمال العقاب على تقدير المخالفة فيصلح هذا الاحتمال بان يكون داعيا في نظر العقل.

وبالجملة قضية جعل البدل موجب لعدم وجوب الاحتياط وليس مناطه سقوط العلم عن التأثير بالنسبة الى الموافقة القطعية وإلا لو كان المناط هو سقوط العلم الاجمالي من جهة ضعف احتمال الانطباق لكان بالنسبة اليهما على السواء ، وكلام الاصحاب لا بد وان يكون نظرهم الى ما ذكرنا من جعل البدلية بل يمكن حمل كلام الشيخ الانصاري (قده) على جعل البدلية في بقية الاطراف وإلا فكلامه محل نظر إذ ما ذكره لا يوجب حرمة المخالفة القطعية.

ومما ذكرنا يظهر ان الضابط في كون الشبهة غير المحصورة هو ضعف احتمال انطباق المعلوم بالاجمال مع جعل البدلية ونتيجة ذلك هو حرمة المخالفة القطعية وعدم وجوب الموافقة القطعية. واما بناء على جعل الضابط هو كثرة الاطراف بنحو يوجب عدم التمكن العادي من جمع الوقائع فيلزمه تبعيض الاحتياط في الشبهة الوجوبية ووجوب الموافقة الاحتمالية لعدم امكان الموافقة القطعية للجمع بين المحتملات فيسقط وجوبها وهو التبعيض في الاحتياط ، واما بالنسبة الى الشبهة التحريمية فقد يقال بسقوط العلم الاجمالي بالنسبة الى الموافقة القطعية والمخالفة القطعية فمع عدم حرمة المخالفة القطعية لا يكون تعارضا في الاصول ومع عدم تعارضها لا تجب الموافقة القطعية وقد اشكل بعض الاعاظم على ما افاده الشيخ من التفصيل بين حرمة المخالفة القطعية وعدم وجوب موافقتها بان حرمة المخالفة القطعية فرع التمكن من المخالفة فمع عدمها لا تعد الشبهة من

الشبهة غير المحصورة ولكن لا يخفى انه لو اقتضى ذلك في الشبهة غير المحصورة لزم ان يقتضي ذلك في الشبهة المحصورة لوجود الملاك الذى هو عدم التمكن من المخالفة القطعية ولازم ذلك عدم تعارض الاصول. وعليه ينبغي القول بجواز ارتكاب احدهما مع انه لا يمكن الالتزام بذلك.

فتحصل مما ذكرنا انه لا اشكال في وجوب الموافقة القطعية فضلا عن حرمة المخالفة القطعية بالنسبة الى الشبهة المحصورة. واما بالنسبة الى الشبهة غير المحصورة فقد وقع الكلام في وجوب الموافقة القطعية فالمشهور على عدم وجوب الموافقة نظرا الى ان كثرة الاطراف يوجب ضعف انطباق المعلوم بالاجمال عليه ولذا لا يكون محركا بخلاف انطباق المعلوم بالاجمال على اطراف الشبهة المحصورة فان انطباقه عليه يكون قويا للفرق الحاصل بين العلم بنجاسة الاناء المردد بين اناءين وبين الاناء المردد بين عشرين الف اناء ، ويؤيد ذلك ان ذلك امر عرفي للفرق الواضح بين من سب احد الاثنين على الاجمال وبين من سب واحدا من بلده فان في الاول يتأثر كل واحد من الاثنين دون الثانى فانه لا يتأثر كل واحد من اهل تلك البلاد ، ولكن لا يخفى ان نفس ضعف هذا الاحتمال لا يصحح جواز الارتكاب إذ الضعف بالغا ما بلغ لا يوجب ذلك خصوصا ، بناء على المختار من علية العلم الاجمالي بالنسبة الى وجوب الموافقة القطعية إلا ان يدعى بان ضعف الاحتمال يلازم قوة الاحتمال في بقية الاطراف على نحو يوجب الظن الاطمئناني في بقية الأطراف الراجع الى جعل بدلية احد الأطراف عن الواقع بان يكون مفرغا ولو كان بنحو التخيير ، وعلى ذلك يحمل كلام المشهور بل الاجماع المدعى دلالته على عدم الاعتناء باحتمال التكليف ناظر الى ذلك حيث انه لا يمكن تحققها إلا بملاحظة تحقق الظن الاطمئناني على تحقق المعلوم بالاجمال في ضمن الباقى بنحو يكون كاشفا عن جعل بدلية بقية الأطراف في مقام المفرغية

ولازم ذلك عدم وجوب الموافقة القطعية إذ يبعد كون الاجماع الدال على جواز الارتكاب تعبديا بل هو محل المنع ولذا ترى كل طائفة من القائلين بجواز الارتكاب لا يستدلون بذلك بل يدعون ملازمة شىء للجواز فمنهم يدعي الملازمة للاضطرار ، وبعضهم الى الحرج ، وبعضهم خروج بعض الأطراف عن محل الابتلاء وعليه لا يبقى وثوق بالاجماع التعبدي.

ومما ذكرنا ان دعوى الاجماع تتم على ما هو المختار من ان نفس كثرة الأطراف يوجب تحقق الاطمينان في بقية الاطراف بنحو يجعل الباقى بدلا تخييريا وهذا الذي ذكرناه هو الضابط في كون الشبهة غير محصورة ، كما ان ما ذكره القوم من تحقق الملازمة كمثل الاضطرار والحرج وخروج بعض الأطراف عن محل الابتلاء هو الضابط لغير الشبهة المحصورة بمعنى ان المناط في كون الشبهة غير محصورة هو ان لا يلزم من ارتكاب الجميع ضرر او حرج او يكون البعض خارجا عن محل الابتلاء ، ولكن لا يخفى ان ذلك محل نظر إذ كما توجب هذه الاشياء جواز الارتكاب لبعض الأطراف في غير الشبهة المحصورة كذلك يجوز الارتكاب للشبهة المحصورة فلا يصلح ان يكون ضابطا لغير المحصورة. واما دعوى ان الضابط هو ان كثرة الاطراف يوجب عدم الاعتناء عند العقلاء كما ينسب الى الشيخ الانصاري (قده) او دعوى ان كثرة الاطراف يوجب عدم امكان الجمع العادي بين المحتملات كما ينسب الى بعض الاعاظم (قده) فمحل منع إذ الاول قد عرفت ان كثرة الاطراف لو كان بالغا ما بلغ لا يوجب ضعف الاحتمال ما لم يوجب قوته في البقية بنحو يوجب جعل البدل.

وعن الثانى فان عدم التمكن من الجمع ان اوجب جعل بقية الاطراف خارجا عن محل الابتلاء ولو كان عاديا فقد عرفت ان ذلك لا يختص بالشبهة غير المحصورة لكي يجعل ضابطا بل يجرى حتى بالنسبة الى الشبهة المحصورة وان

لم يوجب ذلك فنمنع كونه ضابطا خصوصا بناء على منجزية العلم الاجمالي بنحو العلية وكيف كان فعلى المختار من كون كثرة الانطباق على الأطراف اوجب قوة الانطباق على بقية الأطراف بنحو يوجب جعل احدها بدلا في مقام الفراغ وحينئذ فاما ان يكون اختيار تعيينه بيد المكلف ، واما ان يكون حجيتها اي كل واحد من الظنون الحاصلة في بقية الاطراف بنحو التخيير والظاهر هو الثانى فان المتيقن من حجيتها ذلك إذ لا دلالة على حجية كل واحد من الظنون على نحو التعيين بعد بطلان الترجيح من دون مرجح. واما على مختار الشيخ (قده) من كون الضابط هو كون كثرة الأطراف يوجب عدم الاعتناء بالعلم الاجمالي عند العقلاء فلازمه جواز المخالفة القطعية من غير فرق بين كون الشبهة وجوبية أو تحريمية بخلافه على المختار من حرمة المخالفة القطعية لعدم سقوط تأثير العلم الاجمالى بالنسبة اليها. واما على مختار بعض الاعاظم (قده) من ان الضابط هو عدم التمكن العادي من الجمع بين المحتملات فلازم القول في الشبهة الوجوبية التبعيض في الاحتياط ووجوب الموافقة الاحتمالية لامكان المخالفة القطعية بترك جميع المحتملات (١) وكيف كان فعلى المختار من ان تشخيص كونه من المحصور

__________________

(١) ربما تظهر الثمرة بين القولين بناء على عدم تنجيز العلم الاجمالي في الشبهة غير المحصورة في مائع مضاف مردد بين الف اناء ماء فبناء على مختار الشيخ (قده) من ان الملاك في عدم التنجيز هو كون الاحتمال موهونا بنحو لا يعتني به العقلاء فتكون الشبهة كلا شبهة فيصح الوضوء بالمائع المردد بين الشبهة غير المحصورة ؛ واما بناء على مختار الاستاذ المحقق النّائينيّ (قده) من ان الملاك هو عدم التمكن من المخالفة القطعية فمرجعه الى ان العلم كلا علم ، واما الشبهة فمتحققة فلا يصح الوضوء من ذلك المائع المردد حيث انه يحتاج

أو من غير المحصورة بنظر العرف فربما يرى العرف ان الحبة المغصوبة المرددة بين لقمات وجودا واحدا فتعد من المحصور وربما تكون الحبة محتملة الانطباق على ما تحت يده من اللقمات وعلى ما تحت يد غيره فيرى العرف ان ترددها بين وجودات عديدة فيعتبرها العرف من غير المحصورة ، وربما يشك في ذلك فعلي المختار تلحق بالمحصورة لعدم احراز جعل البدل حينئذ.

بيان ذلك ان الشك في الانحصار وعدمه يرجع الى الشك في جعل البدل المصحح للترخيص في ترك الاحتياط وحينئذ لا بد من مراعاة العلم الاجمالي فيجب الاحتياط بالاجتناب عن جميع المحتملات ، واما على مختار الشيخ (قده) فيلحق بغير المحصورة لرجوع الشك في ذلك الى الشك في بيانية العلم الاجمالي عند العقلاء ولازمه عدم صلاحيته للمنجزية فيرجع في مثله الى البراءة ، واما على مبنى كون الضابط عدم التمكن من جميع المحتملات عادة فيلحق بالمحصور لرجوع الشك في ذلك الى الشك في تحقق العلم بالخطاب والملاك وحينئذ يستقل العقل في مثله بلزوم الاتيان والعمل على مقتضى العلم الاجمالي كما لا يخفى.

الامر الثانى يعتبر في تنجيز العلم الاجمالي ان يكون التكليف بوجوب الاجتناب فعليا على كل تقدير بمعنى ان يكون مؤثرا بالنسبة لكل واحد من الاطراف بنحو لو علم تفصيلا يكون هو الحرام الواقعي وحينئذ يكون التكليف

__________________

في صحة الوضوء الى احراز انه ماء مطلق ولم يحصل إلا ان يقال بان مبناه ان المعلوم في الشبهة غير المحصورة بحكم التالف فعليه يصح الوضوء في المثال فيرد عليه ان ذلك مناف لمبناه في المقام على ان جعل المعلوم بحكم التالف محل نظر إذ لو كان الدرهم المغصوب في الشبهة غير المحصورة يعد تالفا لكي ينتقل الضمان الى مثله او قيمته مع انه لم يلتزم به احد في المقام كما لا يخفى.

بالاجتناب منجزا فلو كان بعض الاطراف خارجا عن محل الابتلاء بنحو يوجب خروجه عن القدرة اما عقلا او عادة فيكون المكلف غير متمكن منه بالقدرة العقلية او العادية وبذلك يظهر ان ما لا يقدر عليه شرعا لا يدخل تحت المقام ، مثلا لو علم بنجاسة شيء اما في ملك الغير بنحو لا يرضى بالتصرف فيه او بنجاسة في ملكه الذي هو تحت تصرفه فان مجرد المنع الشرعي عن بعض اطراف العلم الاجمالي كالغصب لا يوجب خروجه عن توجه النهي اليه لكي يوجب سقوط العلم الاجمالي عن مقام التأثير إذ ملاك منجزية العلم الاجمالي متحقق في الفرض المذكور.

بيان ذلك ان في كل من الأطراف المعلوم بالاجمال لو علم به تفصيلا لصح توجه الخطاب بالتكليف الفعلي بالاجتناب عنه وذلك ملاك المنجزية فان المعلوم بالاجمال لو كان في اناء الغير لصح توجيه الخطاب بالاجتناب عنه لتحقق القدرة عليه بسرقة ونحوه كما ان بعض الاطراف مما يبعد الابتلاء به عادة ليس من محل الكلام. مثلا لو علم بنجاسة احد الترابين اما تراب الذي اعده للسجود عليه او التيمم به او تراب الطريق الذي يبعد ابتلاؤه به فان بعد اتفاقه لا يجعله بنحو يكون خارجا عن محل الابتلاء لاجل كونه معرضا عنه لخسته وحقارته وذلك لا يوجب سلب القدرة عليه عقلا او عادة.

وبالجملة هذان الموردان لا يعدان من المقام وكيف كان فاعتبار هذا الشرط بمكان من الوضوح حيث انه لو كان احد الأطراف خارجا عن محل الابتلاء عقلا لا معنى لتعلق الارادة الفعلية بنحو التنجيز على ما لا يقدر عليه وهكذا لو كان خارجا عن القدرة عرفا.

بيان ذلك ان موضوع التكليف لو كان في معرض الابتلاء يحسن ان يخاطب بالاجتناب مطلقا كما لو كان المكلف تحت يده أواني فيحسن للمولى ان يخاطبه باجتنابها واما لو لم يكن كذلك بل كان بنحو يندر بحسب العادة الابتلاء

بها كالاواني الموجودة عند الملك فانه ايضا لا يحسن ان يوجه خطابه بالاجتناب عن تلك الاواني وحال الخطاب كالعلم ، فكما ان الخطاب يقبح بوجوب اجتناب الاواني التي لم تكن تحت ابتلائه منها كذلك العلم ، وحينئذ ينافي كونه منجزا وموجبا لاشتغال ذمة العبد فلا يكون العلم موجبا لحدوث الداعي في نفس العبد الى الترك فيما لم يكن المعلوم محلا للابتلاء بخلاف ما اذا كان محلا للابتلاء فانه يكون محركا وداعيا للعبد بالاتيان.

ودعوى ان امتناع الخطاب لمانع لا ينافي منجزية العلم الكاشف عن تحقق الارادة في نفس المولى إذ الخطاب ليس له موضوعية وانما أخذ طريقا لتحقق تلك الارادة وحاكيا عنها ومع وجود المانع من انشاء الخطاب لا يوجب عدم تحقق الارادة كما لو علمت بتحقق الارادة مع تحقق المانع للخطاب فلا اشكال في وجوب موافقتها كما انه لو علم بالخطاب مع العلم بعدم الارادة فلا تجب الموافقة عند العقل فحينئذ يكون المنجز هو العلم بالارادة وذلك حاصل ولو كانت الاطراف تخرج عن محل الابتلاء وحينئذ يجب الاحتياط باتيان الطرف الذي هو محل للابتلاء مدفوعة ، لما عرفت ان العلم من قبيل الخطاب فكما انه يلتزم بقبح الخطاب بما هو غير محل للابتلاء وعدم ترتيب الأثر عليه فكذلك في العلم من دون فرق بينهما وعليه ينافي تنجزه واشتغال ذمة العبد به.

وبالجملة شرطية الابتلاء إنما هو لاجل حسن الخطاب وليس ذلك لاجل عدم الارادة بالنسبة لما هو غير محل الابتلاء لتحققها قهرا بل لان العقل يحكم بكونه اجنبيا عن المكلف ويبعد تعلق الخطاب به لما يراه مستهجنا. هذا فيما لو علم بكونه مبتلى به او غير مبتلى به. واما لو شك في كونه محلا للابتلاء او غيره فتارة يكون لاجل الشبهة المصداقية واخرى لاجل الشبهة المفهومية. اما الاولى فلا

اشكال في عدم جواز التمسك بالاطلاقات والعموم لما هو معلوم انه لا يجوز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية ، وانما الكلام وقع فيما لو كان الشك من جهة المفهوم فهل يجوز التمسك بالاطلاق ام لا؟.

ذهب الشيخ الانصاري (قده) الى التمسك بالاطلاقات نظرا الى ان تقييد المطلقات بان لا يكون خارجا عن محل الابتلاء من قبيل التقييد بدليل منفصل الحاكم به العقل المردد بين الاقل والاكثر فيؤخذ بالقدر المتيقن الموجب للاقتصار عليه ويرجع في الحكم بغيره للاطلاق.

ودعوى ان حكم العقل بخروج ما لا يمكن ان يكون محلا للابتلاء عادة من الحكم الضروري فيكون من قبيل المخصص المجمل المتصل فاجماله يسرى الى المطلقات والعمومات ، ولكن لا يخفى ان ذلك لو سلم في مثل القدرة العقلية ، ففي القدرة العادية لا نسلم ، إذ اعتبارها ليست من ذلك القبيل ، وانما اعتبارها من الاحكام العقلية النظرية المحتاجة الى تأمل وليست من الضروريات غير المحتاجة الى تأمل.

وبالجملة حكم العقل باعتبارها وباستهجان الخطاب بما هو خارج عن محل الابتلاء تعد من المخصصات المنفصلة ليست مؤثرة في ظهور الخطابات.

فعليه يؤخذ بالقدر المتيقن وبتمسك بالاطلاق في طرف المشكوك ، والتزام بعض الاعاظم (قده) بكون المقام من المخصص المتصل المجمل إلا انه لا يسري اجماله الى المطلق لكون الخارج فى المقام عنوانا اجماليا وهو عنوان عدم الابتلاء ذو مراتب مختلفة وحينئذ يكون بمنزلة مخصصات عديدة فيؤخذ بالقدر المتيقن ويرجع بالباقى الى الاطلاق او العموم لرجوع الشك في ذلك الى مخصص آخر للعام غير ما هو المتيقن. فحينئذ ينفى بالاطلاق لانحلال العلم الاجمالي بالعلم التفصيلي وهو الاخذ بالقدر المتيقن والشك البدوي وهو التخصيص الزائد في غير محله اذ بعد تسليم كون المقام من المخصص المتصل فيسري اجماله الى المطلق من غير

فرق بين كون الخارج عنوانا واقعيا غير مختلف المراتب ام عنوانا واقعيا مختلف المراتب.

فظهر مما ذكرنا جواز التمسك بالاطلاق في المقام لكونه من المخصص اللبي الذي هو من قبيل المخصص المنفصل غير الكاسر لظهور الاطلاق وليس في البين ما يمنع من التمسك بالاطلاق في المقام سوى ما ذكره الاستاذ (قده) من الوجهين : احدهما ما ذكره في الكفاية بما لفظه : (ولو شك في ذلك كان المرجع هو البراءة لعدم القطع بالاشتغال لا اطلاق الخطاب ضرورة انه لا مجال للتشبث به إلا فيما اذا شك في التقييد بشيء به بعد الفراغ عن صحة الاطلاق بدونه لا فيما شك في اعتباره في صحته). وقد وجه كلامه (قده) بان التمسك في الاطلاق في مقام الاثبات انما يصح اذا صح التمسك به في مقام الثبوت ، فمع الشك في صحته ثبوتا لا اثر للاطلاق اثباتا ، واورد عليه بانه يستكشف الاطلاق ثبوتا من الاطلاق اثباتا كما هو شأن التمسك في سائر المطلقات ، ولكن لا يخفى ان توجيه كلامه (قده) بما ذكر في غير محله ، فان كلامه ناظر الى ان اطلاقات الادلة الظاهرية كالادلة الواقعية في ان موضوعاتها تعتبر فيها القدرة من العقلية والعادية ، فكما ان القدرة شرط في صحة الخطاب الواقعي كذلك شرط في صحة الخطاب الظاهري ولذا لا يحسن الخطاب بما هو خارج عن الابتلاء كما لا يحسن التعبد بالظهور عما هو خارج عن محل الابتلاء ، فمع الشك في ذلك يكون من الشك في القدرة فيشك في ترتب الاثر الفعلي ، ومع الشك في ذلك يشك في حجية الخطاب لكي يتمسك بالاطلاق لاثبات التكليف الفعلي في المشكوك فيه.

ثانيهما ما في الحاشية بما حاصله ان التمسك بالاطلاق انما هو في الانقسامات السابقة على الخطاب ، وليس ذلك بالنسبة الى الانقسامات اللاحقة كمثل قيدية ان لا يكون خارجا عن محل الابتلاء المأخوذ في موضوع التكليف ، فان العقل

يراه من شرائط تنجز الخطاب المتأخر عن اصل الخطاب فكيف يكون الخطاب ناظرا اليه لكي يؤخذ باطلاقه ، ولكن لا يخفى ما في هذين الوجهين من النظر.

اما عن الاول فان شرطية القدرة المأخوذة عقلا في الخطاب الظاهري انما هو على نحو الطريقية الراجعة الى الامر بالبناء على العمل بالظهور تعبدا من غير جعل تكليف فعلي في صورة المصادفة او صورة عدم المصادفة ، وحينئذ لا محذور في توجه التكليف ، فمع الشك في القدرة يجب الاجتناب عن الطرف الذي هو محل الابتلاء.

واما من الثاني فنمنع كون الخروج عن الابتلاء عن الانقسامات المتأخرة لرجوعها الى ناحية القدرة اما العقلية او العادية ومن المعلوم انها معتبرة في نفس الخطاب كالاستطاعة مثلا ، ولذا يؤخذ قيدا فيه ، وليس ذلك من شئون التنجيز كما هو كذلك في العلم فانه من الانقسامات المتأخرة الراجعة الى ناحية التنجيز.

فظهر مما ذكرنا انه لا مانع من التمسك بالاطلاق في مقام الشك في الخروج عن محل الابتلاء ، وما ذكر من المنع محل نظر بل منع كما لا يخفى.

الأمر الثالث : ـ أن لا يكون الاضطرار إلى احد الاطراف فان ذلك يكون مانعا عن تنجيز العلم الاجمالى كما لو حصل الاضطرار حين حدوث العلم متعلقا بطرف معين فانه لا إشكال في كونه مانعا عن تنجيز العلم لاحتمال كون المضطر اليه موردا للتكليف فلا يكون الخطاب الواقعي حينئذ فعليا إلا أن يكون الاضطرار ينشأ عن تقصير في مقدماته بنحو يخرجه عن صلاحيته للعذر فلا مانع من دعوى كون العلم الاجمالي منجزا لعدم صلاحيته للمانعية عن فعلية الخطاب ويكون نظير من القي من شاهق ولكن الظاهر من الكلمات أنه مانع مثل هذا الاضطرار عن منجزية العلم ، كما أنه يكون مانعا من التنجيز فيما لو كان الاضطرار الى المعين سابقا على العلم الاجمالي لما عرفت من أن ما اضطر اليه قد يكون

موردا للتكليف فهذا الاحتمال يوجب عدم فعلية الخطاب. نعم لو كان الاضطرار الى المعين بعد العلم الاجمالي فيكون حاله حال قيام الطريق على بعض الاطراف من عدم مانعيته عن تنجيز العلم بالنسبة الى الطرف الآخر وقد ذكرنا سابقا انه من قبيل العلم الاجمالي الحاصل بين الامور التدريجية بيان ذلك أن الاضطرار الى المعين تارة يكون قبل العلم بالتكليف ، واخرى مقارنا لحدوثه ، وثالثة بعده. فان كان قبل العلم أو مقارنا فلا إشكال في عدم وجوب الاجتناب عن الطرف الآخر إذ لا علم بالتكليف الفعلي مع تحقق احتمال انطباق المعلوم بالاجمال على ما اضطر إليه فيكون الشك في الطرف الآخر شكا بدويا وهو من موارد جريان البراءة ، ويلحق بذلك الاضطرار بعد العلم بزمان لا يمكن فيه الامتثال لعدم كون العلم في هذه الحال مؤثرا في تنجيز التكليف بالنسبة الى زمان قبل الوجود إذ لا أثر لمجرد سبق زمان حدوث التكليف على الاضطرار. واما اذا كان الاضطرار بعد العلم بما يمكن فيه الامتثال الظاهر وجوب الاجتناب عن الطرف الآخر لاندراج المقام بما يكون العلم الاجمالي بين الامور التدريجية حيث أنه متعلق بتكليف مردد بينما هو محدود في الطرف الآخر فان مقتضاه وجوب الاجتناب عن طرف غير المضطر اليه. هذا كله فيما إذا علم الاضطرار الى المعين.

واما الاضطرار الى غير المعين فالظاهر هو أن العلم الاجمالي منجز ويجب مراعاته وليس كالاضطرار الى المعين كما اختاره المحقق الخراساني من غير فرق بين أن يكون الاضطرار الى غير المعين قبل العلم أو بعده فانه يجب مراعاة العلم الاجمالى بالاجتناب عن غير ما اضطر اليه لبقاء فعلية التكليف في هذا الحال حيث أن الاضطرار مرجعه الى ترك الجمع بين المحتملين بمعنى رفع الحكم الظاهري بالنسبة الى الموافقة القطعية لا رفع أصل الفعلية حتى بالنسبة الى المخالفة القطعية فحينئذ يلزم رفع اثر العلم الاجمالي لأجل لزوم الموافقة القطعية وتبقى فعليته بالنسبة

الى المخالفة. نعم ربما يقال بان التكليف الفعلي لم يكن على كل تقدير بل هو على تقدير دون تقدير فلا يصلح للتنجيز إذ شرط تنجيزه أن يكون متعلقا بالتكليف الفعلي على كل تقدير ولكنه محل منع إذ ذلك إنما يقتضي رفع اطلاق فعلية التكليف بالنسبة الى احد المحتملين حال الاجتناب عن المحتمل الآخر وعدمه بتقييده بحال ترك الطرف الآخر وبهذا التقييد يرتفع المحذور المذكور ولازمه عدم وجوب الموافقة القطعية ومنجزية العلم الاجمالي بالنسبة الى حرمة المخالفة القطعية ومرجعه الى اثبات تكليف التوسط بين نفي التكليف رأسا وبين ثبوته بقول مطلق من غير فرق بين القول بالاقتضاء والعلية اذ على القولين لا بد من الالتزام بالتكليف التوسطي (١) ومثله الاضطرار الى أحد الاطراف تلف بعض اطراف العلم الاجمالي.

__________________

(١) لا يخفى أنه بناء على المختار من ان الميزان في تنجيز العلم الاجمالي أنه لا مانع من جريان الاصل النافي في بعض الاطراف دون بعض فانه يمتنع تنجزه كما لو كان بعض الاطراف مضطرا اليه أو خارجا عن محل الابتلاء فانه لا يجري الاصل فيه لعدم ترتيب أثر على اجرائه في المضطر اليه أو خارج عن محل الابتلاء أو كان الاصل الجاري في بعض الاطراف مثبتا للتكليف كما لو علمنا بوقوع نجاسة في أحد الإناءين وكان أحدهما المعين متيقن النجاسة اما بالوجدان واما بالتعبد الحاصل من قيام امارة أو أصل محرز فانه يجري الاصل النافي في الطرف الآخر بلا معارض ، وكما لو كان بعض الاطراف موردا لقاعدة الاشتغال أو طرفا لعلم اجمالى سابق وقد تنجز فيه احتمال التكليف لذلك العلم لسقوط الاصل فيه بالمعارضة ، ففي جميع هذه الصور يجري الاصل في الطرف الآخر من دون معارض وبذلك يرفع تنجز العلم الاجمالي من غير فرق بين حدوث العلم الاجمالى

بيان ذلك أن التلف تارة يكون متقدما على نفس العلم واخرى يكون مقارنا للعلم الاجمالي. وثالثة يكون متأخرا عن نفس العلم الاجمالي أما

__________________

متأخرا عن هذه الامور أو مقارنا لها. وانما الكلام فيما لو علم بطرو هذه الامور المذكورة بعد تحقق العلم الاجمالي فهل توجب تلك الامور سقوطه عن التأثير لكي يجري الاصل النافي في بعض الاطراف بنحو ينحل العلم الاجمالي؟ وجهان والظاهر هو الانحلال حيث ان العلم الاجمالي من قبيل العلم التفصيلي أو الامارات في أن الحكم المنكشف به منجز وتنجزه ما دام موجودا فاذا تبدل العلم بالشك الساري أو زالت البينة لشبهة موضوعية كما لو شك في عدالة البينة القائمة على نجاسة شيء أو لشبهة حكمية موجب لسقوط الحكم عن التنجيز لعدم وجود منجز له فى حال البقاء ولا يقاس ذلك بما لو كان الشك في التكليف بعد العلم به تفصيلا أو بعد قيام الحجة عليه لاجل الشك في ناحية الامتثال ، كما لو علم المكلف بتحقق تكليف متعلق بصلاة الظهر ثم شك فيه لاحتمال امتثاله والخروج عن عهدته يكون التكليف باقيا على حاله اذ فرق بين ذلك المقام إذ الشك في المقام ليس شكا بانطباق المعلوم بالاجمال عليه بل هو شك حادث متعلق بحدوث نجاسة اخرى فيه غير ما هو المعلوم تفصيلا فيكون موردا لشمول ادلة الاصول إذ المفروض أن الاصول المتعارضة موضوعها الشك بانطباق المعلوم بالاجمال على محتملاته وقد زال ذلك بزوال العلم الاجمالي وحدث شك آخر غير مقرون بالعلم الاجمالي.

وبالجملة الاصول المتعارضة قد تساقطت لارتفاع موضوعها والموضوع الحادث لم يكن الاصل فيه ساقطا وليس المقام من قبيل زوال العلم الاجمالي باتيان أحد الاطراف اذ ذلك بلحاظ البقاء دون الحدوث وإلا فالعلم بحدوث التكليف المردد موجود فعلا وليس زواله موجبا للشك في حدوث التكليف كما لا يخفى.

الاولان فلا ينبغي الاشكال في عدم منجزية العلم الاجمالي كما لو تلف أحد الإناءين المشتبهين بالنجاسة ثم علم إجمالا بنجاسة الاناء التالف أو الباقى أو علم بمقارنته للتلف أو تلف بعد العلم بزمان لا يسع استعمال ذلك فيما هو مشروط بالطهارة فان في جميع تلك الصور العلم الاجمالي غير منجز للتكليف حيث أن التلف حينئذ يكون كاشفا عن عدم تعلق التكليف بترك استعمال ذلك التالف وتكون الشبهة بالنسبة الى الطرف الآخر من قبيل الشبهة البدوية التي مرجعها قاعدة الطهارة ولا تجرى قاعدة الطهارة في التالف لكي تقع المعارضة بينهما بناء على جريان الاصول في اطراف العلم الاجمالي وتساقطها فيه من غير فرق بين الصور المذكورة وكون العلم الاجمالي بالنسبة الى الصورة متأخرا عن التلف ولكن تأخره رتبيا والتأخر الرتبي يمنع من تنجز العلم الاجمالي لكونه متأخرا عن تلف أحدهما. وأما الصورة الثالثة وهو ما لو كان التلف بعد العلم الاجمالي بزمان يسع استعمال ذلك فيما هو مشروط بالطهارة فانه لا إشكال ولا ريب في وجوب الاجتناب عن الباقي وقد ذكر الاستاذ (قده) في الكفاية في وجه ذلك. وحاصله ان الوجوب ناشئ من قاعدة الاشتغال ولكن لا يخفى أنه محل نظر حيث أن العلم الاجمالي علة لوجوب الاجتناب وعليته متوقفة على حصوله ومع زواله يرتفع الوجوب لزوال معلوله مع ان القوم قد التزموا بوجوب الاجتناب عن الطرف الموجود وقد ذكرنا في مسألة الانحلال أنه ليس ذلك من جهة الاشتغال بل من جهة العلم الاجمالي التدريجي المردد بين ثبوت التكليف في الآن الاول في طرفه وبين بقائه في الآنات الباقية لحكم العقل بمثله بالاشتغال بمتعلقه المردد بينهما فيجب الاحتياط في الطرف الآخر.

والحاصل أن العلم بنجاسة الاناء الكبير يوم الجمعة يقابله العلم بنجاسة الاناء الصغير يوم السبت وهذا العلم الاجمالي بنجاسة احد الإناءين الكبير يوم الجمعة والصغير يوم السبت فان العلم الاجمالي بنجاسة احدهما يكون منجزا نظير

العلم بوجوب صوم احد اليومين الجمعة او السبت وقد التزموا بتنجيز العلم الاجمالي في التدريجيات فلذا يلزمه الالتزام بذلك في هذا المقام اذ هو من قبيل ذلك.

وبالجملة ان التلف والاضطرار والخروج عن محل الابتلاء كلها على نهج واحد اذ العلم الاجمالي إن كان قبلها او مقارنا لها او متأخرا عنها بنحو لا يسع امتثال متعلق العلم الاجمالي لا يكون العلم الاجمالي منجزا ومؤثرا اذ ليس هو تنجزه على كل تقدير واما لو كان متأخرا تأخرا زمانيا فالعلم الاجمالي يجب رعايته لا لما ذكره الاستاذ في الكفاية من ان وجوب الامتثال ناشئ من قاعدة الاشتغال بل يجب رعايته لكون المورد من موارد العلم الاجمالي بين الافراد التدريجية والعقل يحكم بوجوب رعايته في الطرف الآخر ولو حصل الشك في السقوط فان العقل يحكم ببقاء الاشتغال فان شغل الذمة اليقينية يستدعي الفراغ اليقيني ثم ان الاستاذ (قده) في الكفاية فرق بين الفقدان والاضطرار فقال ما لفظه : (حيث ان فقد المكلف به ليس من حدود التكليف به وقيوده كان التكليف المتعلق به مطلقا فاذا اشتغلت الذمة به كان قضية الاشتغال به يقينا الفراغ عنه كذلك. وهذا بخلاف الاضطرار الى تركه فانه من حدود التكليف به وقيوده)

بيان ذلك هو ان الاضطرار والقدرة والفقدان قد اخذ عدمها في التكليف إلّا انه بنحو يختلف ففي الاضطرار قد اخذ في التكليف باعتبار عدم المزاحمة للمصلحة التي تقتضي الحكم مثلا في شرب النجس مفسدة اوجبت حرمته ما لم تزاحم بمصلحة اهم كحفظ النفس من الهلاك وفي القدرة تعتبر مأخوذة بالنسبة الى تعلق الارادة فتكون راجعة الى ناحية التكليف لا المكلف به كما في الاول ، وفي الفقدان كالاناء المفقود يرجع الى ناحية الاشتغال وبعبارة اخرى الجميع تشترك في اخذ عدمها في التكليف إلّا انها تختلف من جهة اعتباره شرطا ، فشرطية

الاضطرار ترجع الى شرطية عدم المزاحم للمصلحة الموجبة للحكم ، وشرطية القدرة ترجع الى شرطية عدم المانع من تعلق الارادة ، وشرطية وجود الموضوع ترجع الى شرطية عدم المانع من اشتغال ذمة المكلف ، فالاناء المفقود لا قصور في مفسدته ولا في تعلق الارادة بشربه ، ولكن العلم بكراهته لا يصلح لأن يكون موجبا لاشتغال الذمة فمن ناحية التكليف لا قصور فيه. نعم بالنسبة الى ناحية الاشتغال يرتفع شغل الذمة به عن الفاقد ، فعليه لا محذور في اشتغال الذمة بالطرف الباقى ، ولكن لا يخفى انه لا فرق بين الفقدان والاضطرار من ناحية قاعدة الاشتغال إذ القاعدة كما انها لا توجب تنجز الباقى في الاضطرار كذلك لا توجب تنجزه في الفقدان من غير فرق بينهما من هذه الجهة إذ العلم الاجمالي بعد الفقد غير صالح للمنجزية وان كان قبل الفقدان منجزا فمنجزيته إنما تكون قبله لا مطلقا فلا وجه للتنجيز إلا لما عرفت من كون العلم الاجمالي قائما بين التدريجيين طرفه المفقود والآخر الباقى بعد الفقدان.

وبالجملة لا فرق بين الاضطرار والفقدان من جهة ملاك التنجز فان العلم الاجمالي ليس بمنجز في الباقى بالنسبة الى الافراد الدفعية والاضطرار والفقدان بالنسبة الى الافراد التدريجية العلم الاجمالي منجز للباقى فيهما كما لا يخفى فلا تغفل.

ملاقى احد اطراف الشبهة

المبحث الثالث في حكم ملاقى أحد أطراف المعلوم بالاجمال كما لو لاقى احد الإناءين المعلوم نجاسة احدهما بالاجمال فهل يحكم بنجاسة الملاقى بالكسر ام لا (١)

__________________

(١) لا يخفى ان محل الكلام فيما لو علم بالتكليف الفعلي الحاصل في الشبهات الحكمية ابتداء او من جهة العلم بالموضوع التام للحكم ، واما لو علم بجزء الموضوع كما لو علم بان أحد الجسدين ميت الانسان وقد مس احدهما قبل ان يغسل فانه خارج عن محل الكلام إذ لا اشكال في عدم وجوب الغسل بمسه إذ وجوب الغسل مرتب على مس ميت الانسان وهو مشكوك التحقق فلا مانع من جريان البراءة لرجوع الشك فيه الى اصل التكليف بخلاف ما لو علم بالموضوع التام يكون الشك في انطباق ما هو معلوم بالاجمال مع العلم باصل التكليف فيكون موردا لقاعدة الاشتغال لكونه من الشك في المكلف به وهذا مما لا اشكال فيه فيما لو احرز من اي القسمين ، وربما يستشكل في بعض الموارد انه من اي القسمين كما لو علم بغصبية احدى الشجرتين فتجددت ثمرة لاحدهما دون الاخرى فقد يقال بجواز التصرف بالثمرة وعدم ضمانها إذ الموجب للحرمة التكليفية كونه نماء مغصوب وذلك مشكوك التحقق وهو منفي بالبراءة وموضوع الحرمة الوضعية وضع اليد على مال الغير وهو ايضا غير متحقق فلا ضمان.

وبالجملة العلم بالغصبية تترتب عليه الحرمة ومع عدمه لا تترتب الحرمة كما ان الضمان يترتب على العلم بالغصبية مع وضع اليد ومع عدمه لا ضمان ، وقد اجاب

وقبل بيان المقصود يتوقف على مقدمة وهي ان الحكم بملاقاة النجس تارة يكون بنحو التعبد بنجاسته واخرى بنحو السراية وعلى الثانى اما بمعنى السببية بان تكون بملاقاة النجس سببا لتنجيس ملاقيه واخرى بمعنى الانبساط والاتساع بمعنى ان ملاقيه يكون من شئون وجود النجاسة ومن توابعه بنحو تكون نجاسة الملاقى ـ بالكسر ـ من مراتب وجود نجاسة الملاقى ـ بالفتح ـ وعليه يكون الملاقى ـ بالفتح ـ مع ملاقيه طرفا للعلم الاجمالي بخلاف ما لو كانت الملاقاة على النحو الأول فانه يكون الملاقى ـ بالكسر ـ له وجود مستقل يحصل من حكم الشارع

__________________

المحقق النّائينيّ (قده) اما عن الحكم الوضعي بان العلم الاجمالي بغصبية احدى الشجرتين مع وضع يده عليهما كما يترتب عليه ضمان نفس العين يترتب عليه ضمان منافعهما المتجددة لما هو معلوم من ان نفس وضع اليد على نفس العين المغصوبة كما يوجب ضمانها يوجب ضمان المنافع المتجددة الى الأبد ولذا يجوز للمالك الرجوع الى الغاصب الأول في المنافع المتجددة عند دخولها تحت الايادي المتأخرة ، واما الحكم التكليفي فهو وان لم يكن ملاكه متحققا في الاول إذ لا ثمرة في الغصب إلا ان ملاك حرمة الثمرة قد تحقق باعتبار كون اليد عادية بالاضافة الى نفس العين ومنافعها الموجودة وغير الموجودة بالفعل. ولكن لا يخفى ان ما ذكره محل منع يظهر مما ذكر فان الحكم الوضعي مترتب على وضع اليد على العين المغصوبة وذلك لم يحرز ، ومع عدم احراز ذلك كما لا تضمن المنافع لا تضمن نفس العين إذ لم يعلم بغصبيتها والعلم الاجمالي لا يجعل العين مغصوبة ، واما الحكم التكليفي فلم يتحقق ملاكه إذ لا معنى لثبوت ملاك تحريم المنافع قبل وجودها خارجا فان حرمة التصرف في مال الغير إنما تثبت بعد ثبوت موضوعها في الخارج ومع عدم تحقق موضوعها خارجا لا معنى لتحقق ملاكها.

بالنجاسة فلا يعد الملاقى ـ بالكسر ـ مع الملاقى ـ بالفتح ـ طرفا للعلم الاجمالي فيعد الملاقى ـ بالكسر ـ وجودا مستقلا وقد شك في نجاسته فيكون من الشك البدوي غير المقترن بالعلم الاجمالي فلا مانع من جريان قاعدة الطهارة وسيأتي

__________________

والذي ينبغي ان يقال ان العينين المعلوم غصبية احدهما تارة تكونان مسبوقتين بملكية الغير لهما كما لو انتقل احدى الشجرتين لشخص ثم غصب الاخرى واشتبهت فحصل لاحدهما نماء دون الاخرى. واخرى لم تكونا كذلك كما لو خرج شخصان للصيد وصاد كل منهما صيدا فغصب احدهما ما اصطاده الآخر ثم اشتبها فحصل لأحدهما نماء دون الآخر فعلى الأول الظاهر انه يحكم بضمان المنافع وحرمة التصرف عملا باستصحاب بقاء الشجرة على ملك مالكها. ودعوى ان استصحاب بقاء الشجرة ذات النماء على ملك مالكها الأصلي معارض باستصحاب بقاء الشجرة الاخرى على ملك مالكها ممنوعة لعدم المعارضة بينهما لعدم لزوم مخالفة عملية وعليه يحكم بحرمة التصرف في كل من الشجرتين وبضمان المنافع المتجددة وعلى الثانى الظاهر انه لا يحكم بضمان المنافع المتجددة لعدم احراز كون النماء ولا العين مملوكتين للغير.

ودعوى استصحاب عدم دخول النماء في ملك من بيده العين لا اثر له في اثبات الضمان لترتبه على وضع اليد على ملك الغير لا على وضعها على غير ملكه واما جواز التصرف فهو مبني على جريان البراءة في الاموال لما ذكرنا في محله ان جريانها لاجل عموم اداتها ولم يرد تخصيص لها سوى ما يستفاد من قوله عليه‌السلام : (لا يحل مال إلا من حيث احله الله) فان ذلك دال على ان الحلية لا بد وان تكون لسبب وقع الشك في تحققه يحكم بعدمه إلا ان ذلك محل نظر على تفصيل ذكرناه في بحوثنا الفقهية.

الكلام انها لا معارض لها كما انه كذلك لو كانت الملاقاة على النحو الثاني الذى هو عبارة عن كون النجاسة معلولة للملاقاة حيث انه على هذا النحو يكون الملاقى ـ بالكسر ـ له وجود مستقل ونسبته الى الملاقى ـ بالفتح ـ بنحو العلية فيكون الشك في نجاسته من الشك البدوي فلا مانع من جريان قاعدة الطهارة.

والظاهر ان المستفاد من اخبار الباب هو السراية بنحو السببية مثل حركة المفتاح الناشئة من حركة اليد فحينئذ تكون الملاقاة سببا لنجاسة ملاقيه وليست تلك النجاسة حكما مجعولا في عرض نجاسة الملاقى ـ بالفتح ـ كما انه ليست السراية بمعنى الانبساط والاتساع كما يستفاد من قوله عليه‌السلام : (إذا بلغ الماء قدر كر لا ينجسه شىء) فان الظاهر من المفهوم ان النجاسة سبب لنجاسة الماء القليل على ان كلمات القوم صريحة بذلك. ويؤيد ذلك التزامهم بعدم المعارضة بين اصالة الطهارة في الملاقى ـ بالكسر ـ مع استصحاب الطهارة في الملاقى ـ بالفتح ـ فان ذلك يدل على ان الملاقى بالكسر له وجود مستقل وليس وجوده من مراتب وجود الملاقى ـ بالفتح ـ على ان الارتكاز العرفي في باب النجاسات يقتضي السببية ، فدعوى السراية بمعنى الاتساع او الوجود التعبدي ممنوعة لما عرفت من ان ما ذكرنا هو المرتكز العرفي فلذا يتعين الوجه الثاني كما يظهر من الشيخ الانصاري (قده) حيث قال لان اصالة الطهارة والحل في الملاقى ـ بالكسر ـ سليمة عن معارضة اصالة الطهارة في المشتبه الآخر بخلاف اصالة الطهارة والحل في الملاقى ـ بالفتح ـ فانها معارضة بها في المشتبه الآخر والسر في ذلك ان الشك في الملاقى ـ بالكسر ـ ناشئ عن الشبهة المقومة بالمشتبهين فالاصل فيها اصل في الشك السببي والأصل فيه اصل في الشك المسببي ... الخ.

اذا عرفت ذلك فاعلم انه بناء على ما اخترناه من ان نجاسة الملاقى ـ بالكسر ـ لاجل السراية بمعنى السببية لا للاتساع فتكون نجاسة الملاقى

ـ بالكسر ـ في طول نجاسة الملاقى ـ بالفتح ـ فبناء على الاقتضاء بالنسبة الى الموافقة القطعية فينبغي الاقتصار على خصوص الملاقى بالفتح لمعارضة اصالة الطهارة والحلية للطرف الآخر فتجرى اصالة الطهارة في الملاقى بالكسر من دون معارض اما بناء على المختار من علية العلم الاجمالي للتنجيز فلا مجال للاشكال عليه حيث انه بناء عليه تسقط الاصول الجارية السببية والمسببية فتبقى اصالة الطهارة في الملاقى بالكسر سليمة عن المعارض.

واما بناء على الاقتضاء فقد وقع الكلام في انه هل هناك فرق بين الاقتضاء والعلية ام لا؟ (١) فنقول بناء على الاقتضاء يجب الاجتناب عن الطرفين لتعارض

__________________

(١) لا يخفى ان مسألة الملاقاة لاحد اطراف العلم الاجمالي تارة يحصل بعد العلم الاجمالي مثلا بان نعلم بنجاسة احد الإناءين ثم حصلت الملاقاة واخرى تحصل الملاقاة ثم يحصل العلم الاجمالي بنجاسة الملاقى بالفتح او الطرف الآخر وثالثة تحصل الملاقاة مع عدم العلم بها ثم يحصل العلم بها بعد العلم الاجمالي بنجاسة ما لاقاه او الطرف الآخر اما الأول فالظاهر انه لا يجب الاجتناب عن الملاقى لما عرفت ان المقام مما علم بجزء الموضوع وليس علما بتمام الموضوع فان موضوع النجس هو الملاقاة المعلوم النجاسة والعلم الاجمالي لا يجعل الملاقى بالفتح نجسا وقد عرفت ان مثل ذلك خارج عن محل الكلام لكون الشك في الجزء الآخر يوجب الرجوع الى اصالة الطهارة وان قيل بالاجتناب بناء على السراية لاتحاد نجاسة الملاقي ـ بالكسر ـ مع نجاسة الملاقى بالفتح لكونه من شئونه. ولكن لا يخفى ان القول بالسراية الحقيقية باطل لكون تغير نجاسة الملاقى بالكسر مع نجاسة الملاقى بالفتح امرا واضحا ومع تغايرهما كيف يدعي السراية وان نسب ذلك الشيخ (قدس) استنادا الى رواية الكاهلي عن ابي جعفر عليه‌السلام انه اتاه رجل فقال وقعت فأرة في خابية فيها سمن او زيت فما ترى في اكله؟ فقال ابو جعفر عليه‌السلام : (لا تأكله) فقال

الاصلين واما بالنسبة الى الملاقى بالكسر فلا يجب الاجتناب عنه لجريان اصالة الطهارة من دون معارض من غير فرق في ذلك بين كون العلمين طوليين او عرضيين

__________________

الرجل الفارة اهون علي من ان اترك طعامي لاجلها فقال له ابو جعفر عليه‌السلام :

(انك لم تستخف بالفأرة وإنما استخففت بدينك ان الله حرم الميتة من كل شيء) بتقريب ان السائل لم يرد اكل الفأرة وإنما أراد اكل السمن والزيت الملاقى لها ، فقول الامام عليه‌السلام ان الله حرم الميتة من كل شيء يدل على ان اكل الملاقى للميتة اكل للميتة والاجتناب عنها اجتناب عن ملاقيها ولكن ان هذه الاستفادة محل منع إذ لا يدل على التوسعة الحقيقية وإنما تدل على ان الحرمة الناشئة من نجاسة ملاقيه ملازمة مع حرمة ملاقيه ونجاسته بل دلالتها على المغايرة بين الملاقي والملاقى ظاهرة. اللهم إلا ان يدعى بانه يجب الاجتناب عن الملاقى بالكسر لحصول العلم الاجمالي بين الملاقى بالكسر والطرف الآخر ولذا لو فقد الملاقى بالفتح كان العلم الاجمالي الثاني متحققا إلا إذا حصلت الملاقاة بعد فقده فلا يكون هذا العلم الاجمالي مؤثرا وقد اورد الشيخ (قده) بان هذا العلم الاجمالي وان كان حاصلا إلا انه لا اثر له لسقوط الأصل الجاري في الطرف الآخر قبل حدوث العلم الثاني فلم يكن العلم الثاني محدثا لتكليف آخر غير التكليف الأول ومن شرائط تنجز العلم عدم سبقه بمنجز إذ مع تحققه لا يبقى مجال لحدوث في الطرف الآخر فعليه مع سقوط اصالة الطهارة في الطرف الآخر للمعارضة تجري اصالة الطهارة في الملاقى بالكسر من دون معارض.

واما الصورة الثانية وهي ما لو علم بالملاقاة ثم حصل العلم الاجمالي بنجاسة الملاقى بالفتح والطرف الآخر فقد اختار المحقق الخراساني (قده) وجوب الاجتناب نظرا الى ان هذا العلم الاجمالي كما حصل بينهما حصل بين الملاقى بالكسر

واما بناء على القول بعلية العلم الاجمالي بالنسبة الى الموافقة القطعية بنحو يمنع من جريان الأصل النافي ولو في بعض الاطراف فحينئذ ينبغي القول بالتفصيل بينما كان العلمان طوليين او عرضيين.

__________________

والطرف الآخر ففي العلم الاجمالي بين الملاقى بالفتح والملاقى بالكسر والطرف فهو نظير ما لو علم بوقوع النجاسة بين احد اناءين صغيرين او اناء آخر كبير من غير فرق بين المقامين إلا ان المقام في ان نجاسة الملاقى بالكسر ناشئة من الملاقى وذلك لا يوجب تغاير النجاستين وقد اورد عليه الاستاذ المحقق النّائينيّ (قده) بان نجاسة الملاقى قد نشأت من نجاسة الملاقى بالفتح ويجرى الاصل فيه لتقدم رتبته وتسقط بالمعارضة ومع تساقط الاصول في الرتبة السابقة فيبقى الاصل الجارى في الملاقى بالكسر بلا معارض.

الصورة الثالثة ما اذا حصلت الملاقاة قبل العلم الاجمالي إلا انه لم يعلم بها إلا بعده فلا اشكال في عدم وجوب الاجتناب فيما إذا كان زمان المعلوم بالاجمال سابقا على زمان الملاقاة واما إذا كان زمان الملاقاة متحدا مع زمان العلم الاجمالي فالظاهر انه يجب الاجتناب عنه وان قيل بعدم الوجوب نظرا الى ان العلم الاجمالي لسبقه زمانا موجب لجريان الأصلين ويتساقطان فيجري الأصل في الملاقى بالكسر بلا معارض ولكن لا يخفى ان العلم الاجمالي وان كان حدوثا متعلقا بنجاسة الملاقى بالفتح او الطرف الآخر إلا انه ينقلب الى العلم بنجاسة الملاقى مع ملاقيه او الطرف وقد عرفت ان الاعتبار بتساقط الاصول ببقاء العلم الاجمالي لا بحدوثه.

ثم ان صاحب الكفاية ذكر موردين وقال بوجوب الاجتناب فيهما

بيان ذلك أن العلم الاجمالي في النجاسة بين شيئين تارة يكون حاصلا بينهما واخرى

__________________

الاول ما اذا علم بالملاقاة ثم علم اجمالا بنجاسة الملاقى بالفتح ـ او الطرف الآخر ولكن كان الملاقى حين حدوث العلم خارجا عن محل الابتلاء فتقع المعارضة بين الاصل الجاري في الملاقى ـ بالكسر ـ والجاري في الطرف الآخر واما الملاقى ـ بالفتح ـ لا يجري فيه الاصل لخروجه عن محل الابتلاء ومع التساقط يجب الاجتناب بحكم العقل وبعد رجوعه الى محل الابتلاء يجري فيه الاصل بلا معارض فيكون حاله حال الملاقي في المسألة السابقة من جهة ان الشك فيه شك في حدوث حكم جديد يرجع فيه الى الاصل ، الثاني لو علم اجمالا ابتداء بنجاسة الملاقى ـ بالكسر ـ وشىء آخر ثم حدث العلم بالملاقاة والعلم بنجاسة الملاقى ـ بالفتح ـ او ذلك الشيء من سابق ولكن لا يخفى اما عن الاول فلأن الخروج عن محل الابتلاء لا يمنع عن جريان الاصل إذا فرض له اثر فعلي كما لو غسل الثوب المتنجس بماء غافلا عن نجاسته ثم انعدم الماء فشك في طهارته فهل يشك احد في جريان اصالة الطهارة لترتب طهارة الثوب المغسول به واما عن الثاني فانما يتم لو كان حدوث العلم الاجمالي كافيا في تنجيز الواقع بقاء ولو مع انحلاله. واما على ما هو المختار من ان التنجيز يدور مدار حدوث العلم وبقائه فالعلم الحادث انحل بالعلم الثاني فيكون حال الملاقي فيما لو علم في يوم السبت نجاسة الاناء الكبير او الثوب وفي يوم الاحد علم بنجاسة اما الاناء الكبير او الصغير في يوم الجمعة كحال غيره في وجوب الاجتناب فان الثوب بالنسبة الى حاله في يوم السبت انه احد اطراف العلم الاجمالي وهو محكوم بالاجتناب إلا انه يوم الاحد انحل العلم الاجمالي الاول المتعلق بالثوب والاناء الكبير الى العلم الاجمالي المتعلق باحد الإناءين فلما انحل يكون الشك في الثوب شكا في حدوث نجاسة اخرى زائدا على المعلوم بالاجمال فعليه لا مانع من جريان الاصل بعد خروجه عن طرفية العلم الاجمالي بقاء كما لا يخفى.

يكون حاصلا بين الثالث الملاقي لاحدهما وبين طرف الملاقى فعلى الاول تكون نجاسة الملاقي ناشئة من نجاسة الملاقى ومسببة عنه فتارة يكون العلم بالملاقاة بعد العلم بنجاسة أحد الشيئين واخرى يكون قبله وعلى الاول فالعلم الاجمالي يختص تأثيره بالطرفين لسبقه فلا يكون له أثر للعلم الاجمالي المتأخر رتبة إذ يعتبر في تنجيزه أن لا يكون مسبوقا بمنجز آخر ومع سبقه بالمنجزية كما هو كذلك بالنسبة الى الطرف غير الملاقي الذي هو طرف للعلم الاجمالي المتأخر وعليه لا أثر للعلم الاجمالي الثاني الذي هو في طول ذلك العلم الاجمالي الاول الذي هو بين نجاسة الملاقي ـ بالكسر ـ ونجاسة الطرف الآخر ، فاذا لم يكن له أثر فتكون نجاسة الملاقى بالنسبة اليه من الشك البدوي الذي مرجعه أصالة الطهارة. واما اذا كان على النحو الثاني بأن كان العلم بنجاسة الملاقى ـ بالفتح ـ ناشئا عن العلم بنجاسة الملاقي ـ بالكسر ـ أو الطرف فيلزم حينئذ الاجتناب عن خصوص الملاقى ـ بالكسر ـ والمشتبه الآخر دون الملاقى ـ بالفتح ـ إذ العلم بنجاسة الملاقى أو الطرف مؤثر لسبقه ومع تحققه لا يبقى مجال لتأثير العلم المتأخر الذي هو بين الملاقى ـ بالفتح ـ والطرف الآخر كي يجب الاجتناب عن الملاقى. ودعوى أنه كيف يكون الاجتناب عن الملاقي ـ بالكسر ـ دون الملاقى مع ان التكليف مسبب عن التكليف بالملاقى مدفوعة بان نفس تبعية أحد الحكمين للآخر بحسب الثبوت لا يقتضي التبعية في التنجيز إذ تنجز كل تكليف لا بد من تنجزه في حال قيام الطريق ولا يكفي مجرد العلم بأحد الحكمين في تنجز الحكم الآخر لو لم يكن طرفا له إذ العلم الاجمالي الحاصل بين الملاقي والطرف الآخر كان منجزا للتكليف في الملاقي ـ بالكسر ـ دون الملاقى بالفتح لسقوطه عن قابلية التأثير لاجل تأثير العلم السابق وبالجملة بناء على القول بالاقتضاء تكون الاصول متعارضة فتسقط لاجل المعارضة فيجرى الاصل المسببي في الملاقي ـ بالكسر ـ بلا

معارض لسقوط أصالة الطهارة الجارية في طرفه في المرتبة السابقة لمعارضتها مع أصالة الطهارة الجارية في السبب وهو الملاقى بالفتح.

واما بناء على علية العلم الاجمالي بنحو لا يجري الأصل ولو بلا معارض فحينئذ يحتاج الحكم بطهارة الملاقي الى دعوى انحلال علمه بالعلم بالتكليف بين الملاقى بالكسر والطرف ولكن لا يخفى أن العلم بالتكليف بين الملاقي بالكسر والطرف الآخر لما كان في مرتبة سابقة فيكون منجزا فاذا كان منجزا لا يبقى مجال لتأثير العلم اللاحق الحاصل بين الملاقى بالفتح والطرف الآخر فحينئذ ينحل العلم المتأخر فاذا انحل يكون الشك بالنسبة للملاقى بالفتح من الشك البدوي الجارية فيه اصالة الطهارة ولا يخفى أن ما ذكرناه من انحلال العلم المتأخر بالعلم الاجمالي السابق المفروض تنجزه سابقا لا ينافي تأخر المعلوم بالعلم الاجمالي السابق على المعلوم بالاجمال اللاحق ، إذ التنجز من توابع نفس العلم لا المعلوم. فمن هنا تندفع الشبهة بان العلم الإجمالي بنجاسة الملاقي ـ بالكسر ـ والطرف الآخر وان كان سابقا في الرتبة على العلم بنجاسة الملاقى ـ بالفتح ـ إلّا ان المعلوم بالاجمال وفي العلم اللاحق مقدما في الرتبة على المعلوم بالاجمال في العلم السابق فهذا التقدم يوجب انحلال العلم الاجمالي السابق بالعلم الاجمالي اللاحق لا العكس ، فاذا انحل العلم الاجمالى السابق فترجع الشبهة بالنسبة الى الملاقي بالكسر شبهة بدوية فتجرى فيه أصالة البراءة بلا معارض ولكنك قد عرفت أن التنجز من توابع العلم والمعلوم وتنجز التكليف يتبع العلم ولا يعقل تنجز العلم من حين وجوده في تنجز معلومه في المرتبة السابقة عن وجوده فلا معنى لتوهم انحلال العلم السابق بالتكليف بين الملاقي ـ بالكسر ـ والطرف الآخر بالعلم اللاحق بالتكليف بين الملاقى والطرف لأجل سبق معلومه رتبة على المعلوم بالعلم السابق. هذا كله فيما اذا كانت الطولية بين العلمين. واما لو كان العلمان في عرض واحد فمقتضى ذلك تقارنهما فمع التقارن يلزم الاجتناب عن الملاقي والملاقى معا والطرف الآخر

لرجوع العلمين الى علم واحد يتعلق بتكليف مردد بين تكليف متعلق بطرف واحد وتكليفين يتعلقان بطرفين الذين هما الملاقى ـ بالكسر ـ والملاقى ـ بالفتح ـ ومقتضى ذلك وجوب الاجتناب عن الجميع. هذا كله لو قلنا بان نجاسة الملاقي في طول نجاسة الملاقى بنحو التعبد او بنحو السراية بمعنى السببية واما اذا قلنا بالسراية بنحو الانبساط والاتساع (١) بمعنى كون نجاسة الملاقي ـ بالكسر ـ

__________________

(١) لا يخفى ان الاتساع بجميع صوره لا ينطبق على ما نحن فيه. اما الاتساع الحقيقي كما لو غصبت الشجرة الصغيرة ثم زادت فان الزائد تابع للاصل فيكون مغصوبا كاصله مغصوبا اذ النجاسة لم تتسع بسبب الملاقاة اتساعا حقيقيا لكي يكون المقام من الاتساع الحقيقي كما أنه ليس من الاتساع الموضوعي كما في مثل بنت الربيبة بالنسبة الى زوجها فان حرمة بنت بنتها على الزوج انما هو بنفس العنوان الاول حيث أن موضوع الحرمة الربيبة الذي هو البنت وان نزلت وهذا العنوان صادق على بنت البنت والمقام ليس منه إذ لم يتولد من النجاسة شيء لكي يلحق بما يتولد عنه في حكمه كما انه ليس من القسم الثالث الذي هو عبارة عن ان يتسع الاصل باعتبار لحاق حكم فرعه به اذ لازم ذلك اثبات حكمين يلحق احدهما بالآخر وهما نجاسة الاصل ونجاسة ملاقيه وواضح ان المقام ليس من قبيل ذلك فعليه الاتساع بجميع معانيه لا ينطبق على السراية والظاهر ان ملاقاة النجاسة لم تكن من قبيل السراية بمعنى الاتساع نعم هي بمعنى السببية والظاهر انه ليس من قبيل الموضوع الجديد ليكون من باب التعبد. ودعوى أنه يستفاد ذلك من أدلة تنجيس الملاقاة ممنوعة ، إذ المستفاد من أدلة التنجيس هو السراية بمعنى السببية.

فعليه مقتضى القاعدة جريان قاعدة الطهارة في الملاقي ـ بالكسر ـ من دون فرق في ذلك بين تقدم الملاقاة على العلم الاجمالي وتأخرها عنه.

اذا عرفت ذلك فاعلم ان القول بالاحتياط مبني على احد امرين الاول

من شئون نجاسة الملاقى ـ بالفتح ـ بل هي عينها وحينئذ ينبغي القول بوجوب

__________________

اختيار كون التنجيس بنحو الاتساع فيكون كما لو كان العلم الاجمالي بين الإناءين ثم جعلت نصف احد الإناءين في ثالث فيكون العلم الاجمالي مرددا بين اناء واناءين وقد عرفت ضعف هذا الاحتمال لعدم استفادته من الاخبار بل المستفاد خلافه. الثاني تولد العلم الاجمالي الثاني من العلم الاجمالي الاول.

بيان ذلك ان العلم الاجمالي بنجاسة احد الإناءين لو لاقى الثوب احد الإناءين يحصل علم اجمالي ثاني بين نجاسة الثوب والطرف الآخر وحينئذ يلزم مراعاة الاحتياط باجتناب الثوب مع الطرف الآخر ولكن لا يخفى ان ذلك لا يصير منشأ للاحتياط حيث ان العلم الاجمالي الثاني المتولد منه متأخر عنه وقد تنجز التكليف بالاجتناب في بعض الاطراف بالعلم الاجمالي الاول فعليه لا يبقى مجال للثاني من غير فرق بين كون المتأخر زمانيا او رتبيا كما لو لاقى الثوب للاناء الصغير ثم حصل العلم الاجمالي بنجاسة الصغير او الكبير فان هذا العلم الاجمالي بينهما يتولد منه علم اجمالي ثان بين الثوب الملاقى للصغير وبين الكبير وهذا العلم الاجمالي الثاني المتأخر عن الاول رتبة لا زمانا غير مؤثر لفرض ان العلم الاول قد عن تنجز في الرتبة السابقة على هذا العلم الاجمالي الثاني ومع تأثير العلم الاجمالي المتقدم الذي بين نجاسة الملاقى ـ بالفتح ـ والطرف الآخر فلا يبقى محل لتأثير الآخر المفروض تولده من الملاقي ـ بالكسر ـ والطرف الآخر اذ يكون تأثيره في تنجز وجوب الاجتناب عنه بعد تاثيره المتقدم من قبيل تحصيل الحاصل وايجاد الموجود ومع عدم تأثيره يرجع في الملاقى ـ بالكسر ـ الى الاصل من غير فرق بين كون الملاقاة سابقة على العلم الاجمالي او متأخرة او مقارنة على تفصيل ذكرناه في بحوثنا الفقهية.

الاجتناب عنه اذ هو أي الملاقي ـ بالكسر ـ مع الملاقى شيء واحد ويكون مقابلهما الطرف الآخر فلذا يجب الاجتناب عن الجميع ولكن لا يخفى أن الملاقي ـ بالكسر ـ وان كان من شئون الملاقى إلا انه يعد في عرضه لكونه تكليفا متولدا منه مستقلا ومع تعدد التكليف يكون كل تكليف منجزا بالعلم مستقلا وحينئذ لا يكفي في وجوب اجتناب الملاقي مع عدم فرضه طرفا للعلم الاجمالي كما هو المفروض. نعم يجب الاجتناب عنه مع فرض كونه طرفا بان يكون هو والملاقى طرفا للعلم الاجمالي والطرف الآخر المقابل للملاقى ـ بالفتح ـ.

وبالجملة يكون المقام من قبيل العلم الاجمالي إما بتكليفين واما بتكليف واحد ومما ذكرنا ان المختار هو السراية بمعنى السببية لا التعبد ولا الاتساع فحينئذ تتساقط الاصول في كل واحد من الطرفين وتبقى أصالة الطهارة في الملاقي سليمة عن المعارض.

ودعوى أنه بعد سقوط اصالة الطهارة في الملاقي لاجل المعارضة مع اصالة الطهارة في الطرف الآخر تصل النوبة الى اصل مسببي آخر وهي اصالة الحلية اذ الشك في حلية كل من الملاقي والطرف مسبب عن الشك في الطهارة وهذا الاصل اصل مسببي يجري بعد سقوط اصالة الطهارة الجارية في الملاقى ـ بالكسر ـ ففي هذه المرتبة تسقط الاصول الثلاثة وبعد سقوطها تصل النوبة الى اصالة الحل في الملاقى ـ بالكسر ـ المسببة من الشك في الطهارة ولازم ذلك جواز شربه مع عدم ترتيب آثار الطهارة من جواز الوضوء به مع انه لا يلتزم به في غير محلها أما عن المختار من أن العلم الاجمالي علة للتنجز ومانع من جريان الاصل النافي ولو بلا معارض فلا يتأتى هذا الاشكال إذ العلم الاجمالي السابق بنجاسة الملاقى ـ بالفتح ـ أو الطرف الآخر لا يبقي مجالا لجريان الاصول الجارية في الطرف حتى اصالة الحلية فحينئذ لا تجري اصالة الحلية في الطرف لكي تحصل المعارضة مع اصالة الطهارة مع الملاقي

ـ بالكسر ـ فلا مانع من جريان اصالة الطهارة في الملاقي لرجوع الشك في نجاستها الى الشك البدوي. نعم تتوجه هذه الشبهة بناء على كون العلم الاجمالي مقتضيا لكونه على هذا المسلك تكون الاصول ساقطة للمعارضة ومع تحققها تتساقط وتبقى اصالة الحلية في الملاقي جارية. هذا فيما اذا لم يفقد الملاقى ـ بالفتح ـ واما لو فقد فان كان بعد العلم الاجمالي فلا إشكال أنه لا أثر لفقده إذ العلم الاجمالي منجز واما لو كان ذلك قبل العلم الاجمالي فيجب الاجتناب بناء على المختار من علية العلم الاجمالي. نعم يمكن القول بذلك بناء على الاقتضاء إلا انه محل منع لعدم قيام ملاقيه مقام التالف وعلى الاقتضاء ينبغي التفصيل في جريان اصالة الطهارة في المسبب وهو الملاقي بين صورتي وجوده وعدمه فيما لو كان الاصل غير التنزيلي كاصالة الحلية لعدم جريانها في المفقود لعدم صلاحيتها لجعل الحلية الظاهرية وحينئذ يجري الاصل في الملاقى فتقع المعارضة بينها وبين الاصل الجاري في الطرف الآخر وبعد التساقط يؤثر العلم الاجمالي اثره ومن هنا يعلم ان اطلاق كلام الشيخ (قده) بقيام الملاقي ـ بالكسر ـ مقام الملاقى مع فقده مبني على علية العلم الاجمالي هذا تمام الكلام في الشبهة التحريمية واما الشبهة الوجوبية فسيأتي الكلام عنها في المبحث الآتي ان شاء الله تعالى.

دوران الامر بين المتباينين

في الشبهة الوجوبية

المبحث الرابع لو دار الواجب بين المتباينين في الشبهة الوجوبية كما لو دار بين الظهر والجمعة او بين القصر والاتمام فانه لا اشكال في منجزية العلم الاجمالي لحكم العقل بحرمة المخالفة القطعية ووجوب الموافقة القطعية كما قلنا في الشبهة التحريمية من دون فرق بينهما. نعم وقع الكلام في جريان استصحاب وجوب الاتيان بالمحتمل الآخر بعد الاتيان باحدهما فهل يجري مطلقا ام يجري في مورد عدم جريان قاعدة الاشتغال كما لو علم اجمالا بوجوب احد الامرين بعد الاتيان باحدهما؟ قيل بجريانه في الموضوع والحكم. اما الاول فيستصحب عدم الاتيان بما هو الواجب المعلوم لتمامية اركانه اذ الشك قد تعلق بما تعلق به اليقين وهو العنوان الاجمالي لفرض كونه متيقنا وباتيان احدهما يشك في ارتفاعه فيستصحب الموضوع الذي هو عدم الاتيان.

واما الثاني فيستصحب وجوب ما وجب سابقا وانه لم يسقط باتيان واحد منهما فيكون الشك قد تعلق بما هو المتيقن وبذلك تتم اركان استصحاب الحكم الذي هو الوجوب السابق ولكن لا يخفى ما فيهما.

اما عن الاول فالعنوان الذي هو المعلوم بالاجمال ليس له الاثر لكي يستصحب وانما الاثر مرتب على العناوين التفصيلية ولم يكن الشك واليقين قد تعلق بها فما تعلق الشك واليقين بالعنوان الاجمالي الذى هو عنوان احدهما ليس

له الاثر لكي يصح استصحابه وما له الاثر الذى هو العناوين التفصيلية كعنوان الظهر او الجمعة لم يكن متيقنا ومشكوكا لكي يكون المتيقن عين المشكوك ليصح استصحابه

ودعوى انه من قبيل عنوان الكلي كاستصحاب الحدث المردد بين الاكبر والاصغر في غير محلها للفرق بينهما فان عنوان الكلي في المثال له اثر مترتب عليه بخلاف المقام فان عنوان احدهما لا اثر له وانما الاثر مرتب على العناوين التفصيلية اللهم إلّا ان يقال بان العنوان الاجمالي قد اخذ مرآة للمشكوك الذي له الاثر ويكفي ذلك في مقام التعبد في البقاء إلا ان ذلك مبني على القول بالسراية ولكنه خلاف التحقيق لما عرفت من ان اليقين والشك قد اجتمعا في نفس الكلي ولازم ذلك القول بوقوفهما على نفس الكلي من دون التعدي الى الافراد لكي تكون القضية المتيقنة عين المشكوكة وفي المقام ان العلم الاجمالي ليس له اثر فلا يجري الاستصحاب لعدم صحة التعبد بما لا اثر له. وبالجملة مع عدم السراية لا يجري الاستصحاب لعدم صحة التعبد لما لا اثر له. وبالجملة مع عدم السراية لا يجري الاستصحاب لان ما هو المتيقن لا اثر له وما هو المشكوك وان كان له الاثر لم يتعلق به اليقين فلم تكن القضية المتيقنة عين المشكوكة. ومن هذا يعلم الجواب عن الاستصحاب الجاري في الحكم الذي هو عبارة عن استصحاب وجوب الواجب بعد الاتيان باحدهما حيث ان اليقين قد تعلق بالعنوان الاجمالي الفاقد للاثر والشك قد تعلق بالعنوان التفصيلي فانه وان كان له اثر إلا انه لم يكن متعلقا لليقين. وبالجملة العنوان الاجمالي المتيقن ليس له اثر والذي له الاثر ليس متيقنا لكي يستصحب وقد عرفت انه ليس من قبيل الكلي كالحدث المردد بين الاصغر والاكبر لترتب الاثر عليه دون المقام إلا بدعوى جعل المماثل المستفاد من ادلة الاستصحاب وليس وجوب الباقي من لوازم نفس الواقع لكي يكون من الاصول المثبتة التي لا نقول بحجيتها وانما هو من لوازم مطلق وجود الجامع ولو بنحو الظاهر وحينئذ يتم وجوب الباقي بالاستصحاب وبجريانه يوجب انحلال العلم الاجمالي بوجوب

احد الامرين وبانحلاله لا يبقى مجال لقاعدة الاشتغال ولكن لا يخفى ان ذلك على خلاف المختار في الاستصحاب فان المستفاد من ادلته هو مجرد الأمر بمعاملة المشكوك معاملة المتيقن من دون جعل المماثل ، وعليه لا يبقى مجال لاستصحاب وجوب الفرد الباقي وعليه يجب مراعاة العلم الاجمالي بالنسبة الى الموافقة القطعية فيجب الاحتياط في الشبهة الوجوبية موضوعية كانت او حكمية من غير فرق بين كون الواجب المردد من الشرائط وغيرها إلّا انه ينسب الى الحلي عدم وجوب رعاية العلم الاجمالي كما لو اشتبه الساتر الطاهر بالنجس فافتى بوجوب الصلاة عاريا ويؤيد ذلك فتوى المشهور بالصلاة عاريا عند انحصار الساتر بالنجس ومقتضاه ترك لبسهما والصلاة عاريا وتوجيهه بسقوط شرطية اللباس عند الجهل بالموضوع ومانعية النجاسة عند الشك واختصاص ذلك بصورة العلم محل منع لاطلاق ادلة الشرطية والمانعية فلا وجه لما ذكر الا فى حال الضيق واما في حال السعة فتجب مراعاة العلم الاجمالي.

فدعوى سقوط الشرطية او المانعية في حال السعة في غير محلها مع اطلاق ادلتهما ، اللهم إلا ان يقال بان ذلك مبني على القول بتقديم الامتثال التفصيلي على الامتثال الاجمالي ولذا قيل باستيفاء جميع محتملات الظهر لكي يصح الدخول في محتملات العصر في اشتباه القبلة بين الجهات الاربع او دوران الامر بين القصر والاتمام بتقريب انه لو كان المعلوم بالاجمال امرين مترتبين كالظهر والعصر المردد بين القصر والاتمام او بين الجهات الاربع في اشتباه القبلة وحيث ان الترتيب شرط بين الظهر والعصر فحينئذ لا بد في مقام الامتثال من احراز تحققه حال الاتيان بمحتملات العصر لعدم كفاية حصول العلم بتحقق الشرط وهو الترتيب بعد الاتيان بالمحتملات

ولكن لا يخفى اولا انا نمنع تقدم رتبة الامتثال التفصيلي على الاجمالي ،

وثانيا ان الدخول في العصر بعد القطع بالفراغ من اتيان الظهر الواقعي انما يتم لو قلنا بان صحة الدخول في محتمل العصر بعد الفراغ من الظهر الواقعي ، واما بناء على ان القطع بوقوع محتمل العصر الواقعي عقيب الظهر الواقعي يكفي في صحة الدخول في الفرض المترتب عليه من غير فرق بين الصورتين فان الترتيب حاصل فيهما لعدم الترديد فيه للقطع بتحققه فيهما فان من صلى الظهرين الى كل جهة من الجهات التي اشتبه فيها القبلة يقطع بتحقق الترتيب الذي هو الشرط في الظهرين ولذا يقوى كفاية فعل بعض محتملات الظهر في صحة الدخول في محتملات العصر على نحو يحصل اليقين بالترتيب فيهما. بقى في المقام شيء يلزم التنبيه عليه وهو كيفية الاحتياط في العبادة فيما هو المعلوم بالاجمال فهل يجب الاتيان بداعي احتمال الامر او بداعي الامر المعلوم بالاجمال قولان مبنيان على انه يعتبر في مقام الامتثال الامر الجزمي ام لا يحتاج الى ذلك بل يكفي الاتيان بداعي نفس احتمال الامر ينشآن من جريان البراءة او الاشتغال في القيود غير الماخوذة في متعلق الامر فمن قال بالاشتغال اختار الاول ، ومن قال بالبراءة اختار الثاني وقد عرفت ان المختار جريان البراءة في مثل تلك اليقود فيجوز الاكتفاء بنفس الاحتمال في مقام المحركية لحصول الامتثال على تقدير تعلق الامر بما اتى به واقعا من دون قصد للاتيان بالمحتمل الآخر على ان نفس الاحتمال يكون محركا بالنسبة الى الشبهات البدوية فكذلك يكون نفسه محركا في الشبهات المقرونة بالعلم الاجمالي.

ودعوى ان نفس الاحتمال لا يكفي عند امكان قصد الامتثال بالامر الجزمي لامكان قصد امتثال المعلوم بالاجمال فيكون بذلك قاصدا للامر الجزمي وفاقا للشيخ الانصاري (قده) من لزوم قصد امتثال الامر المعلوم بالاجمال ليحصل بذلك قصد الامر الجزمي فقد عرفت ما فيها. ودعوى بعض الاعاظم (قده) بانه لا فرق بين

الشبهة البدوية والمقرونة بالعلم الاجمالي في كيفية الاطاعة اذ العلم باحد المحتملين لا يوجب فرقا في كيفيتها لعدم تمكن المكلف من الاتيان باحد المحتملين إلّا بقصد الامر الاحتمالي فتكون في الشبهتين اطاعة احتمالية فهي محل منع إذ الفرق بين الشبهتين في مقام الاطاعة ظاهر فان في الشبهة البدوية نفس الاحتمال يكون محركا بخلاف الشبهة المقرونة بالعلم الاجمالي فان المحرك هو احتمال انطباق المعلوم بالاجمال وحينئذ المحرك نفس الامر الجزمي وان احتمال الانطباق مقدمة لتطبيق ما يدعو اليه الامر الجزمي المتعلق بالمعلوم بالاجمال الباعث للاتيان فالمكلف يكون منبعثا من نفس الاحتمال في الشبهة البدوية ومنبعثا عن الامر الجزمي في الشبهة المقرونة بالعلم الاجمالي.

وبالجملة فبناء على القول في كيفية الاطاعة من وجوب الانبعاث عن الامر الجزمي في صحة العبادة فيلزمه القول بوجوب قصد المعلوم بالاجمال في كل من المحتملين واما بناء على عدم الالتزام بذلك في كيفية الاطاعة فلا يفرق بين الشبهتين وحيث اخترنا عدم الحاجة في مقام كيفية الاطاعة من قصد الامر الجزمي حيث يمكن لذا في المقام لا نفرق بين الشبهتين ، والعجب ممن التزم بوجوب قصد الامر الجزمي في مقام كيفية الاطاعة وفي المقام ادعى كفاية الاحتمال في صحة العبادة مع ان المقامين من واد واحد.

هذا تمام الكلام في المقام الاول الذي هو دوران الامر بين المتباينين من غير فرق بين كون الشبهة تحريمية او وجوبية ويتلوه إن شاء الله المقام الثاني من الاقل والاكثر والحمد لله رب العالمين.

المقام الثانى

فى الاقل والاكثر

وهو على نحوين استقلالي وارتباطي : اما الاول وهو أن لا يكون امتثال الاقل منوط بامتثاله الاكثر على فرض وجوبه كما لو علم شخص بانه مدين لآخر وتردد في انه مدين له بعشرة دنانير بنحو لو ادى تسعة دنانير مع انه مطلوب بعشرة واقعا يكون قد ادى تسعة وبقي عليه دينار واحد واما الثاني وهو ان يكون امتثال الأقل في ضمن امتثال الاكثر على تقدير وجوبه كما لو علم شخص بوجوب مركب كالصلاة مثلا وترددت اجزاؤها بين تسعة اجزاء لا يكون ممتثلا اصلا لو فرض انه مطلوبا بمركب ذي عشرة اجزاء لكون الاقل مطلوب في ضمن الأكثر على تقدير وجوب الأكثر.

وبالجملة منشأ الفرق بينهما ان الاكثر في الارتباطي هو ما يكون مركبا من امور يترتب عليها غرض واحد او اغراض متلازمة في مقام الثبوت والسقوط بنحو لا يحصل الاثر المقصود على بعضها إلا بضمها الى الباقي فيكون كل جزء منوط اسقاطه بضمه الى الآخر بخلاف الاكثر في الاستقلالي فان كل واحد من الامور يترتب عليها غرض مستقل بنحو يترتب ولو مع ظرف عدم الآخر ، مثلا صوم كل يوم من شهر رمضان واجب بوجوب مستقل وليس وجوبه منوطا بوجود صوم اليوم الآخر اما الاقل والاكثر الاستقلاليان فلا اشكال في جريان البراءة عقليها وشرعيها لانحلال العلم الاجمالي حقيقة الى علم تفصيلي بوجوب الاقل وشك بدوي في الاكثر ، ولا ينافي ذلك بناء الاصحاب على وجوب الفحص بالنسبة الى بعض صغريات المسألة كباب الدين والفحص عن بلوغ المال الى حد الاستطاعة ، ومنشأ ـ

ذلك انه ورد النص في الفحص عن التسبيك في تعيين النصاب في الذهب والفضة فهل يقتصر على مورد النص فتجري البراءة في بقية الموارد او يتعدى الى تلك الموارد الذي منها المقام فان الفرض هو جريان البراءة ولو كان بعد الفحص وليس المورد من موارد جريان الاشتغال قطعا كما لا يخفى.

الاقل والاكثر الارتباطيان

وانما الكلام وقع بين الاعلام في الاقل والاكثر الارتباطيين في ان الاصل هل هو البراءة عن وجوب الاكثر او الاشتغال وقبل الخوض في المقصود ينبغي رسم امور : الاول ان مناط البراءة شك في الاشتغال والتكليف ومناط الاشتغال الشك في الفراغ مع العلم باصل الاشتغال وبعبارة اخرى ان مرجع البراءة الى الشك في اشتغال الذمة بتكليف ومرجع الاشتغال الى الشك في المفرغ مع العلم بكون رقبة العبد تحت التكليف وانما الشك في السقوط وهذا مما لا اشكال فيه وحينئذ يكون النزاع في الاقل والاكثر صغرويا بمعنى انه ينطبق عليه اي المناطين اى البراءة او الاشتغال لا كبرويا وبالجملة النزاع في الاقل والاكثر صغروي بمعنى انه من مصاديق الشك في التكليف لكي يكون من موارد جريان البراءة او من مصاديق الشك في المكلف به لكي يكون من موارد قاعدة الاشتغال (١)

__________________

(١) لامور : الاول ما ذكره المحقق الخراساني (قده) في الكفاية من ان القول بالبراءة يستلزم الانحلال وهو محال للزومه الخلف او مستلزم من وجوده عدمه.

اما الاول فلان الانحلال في المقام يتوقف على العلم بكون التكليف منجزا

وليس النزاع في ذلك كبرويا لما عرفت من ان الكبرى لا نزاع فيها كما لا يخفى.

__________________

على كل تقدير فلو ترتب عليه عدم تنجيزه اذا تعلق التكليف بالاكثر فذلك هو الخلف.

واما الثانى فلان الانحلال لازمه عدم تنجيز التكليف على كل تقدير وهو يستلزم عدم العلم بوجوب الاقل على كل حال المستلزم لعدم الانحلال فيلزم من فرض الانحلال عدمه وهو محال.

الثاني ما ذكره صاحب الحاشية (قده) على المعالم ان الاقل معتبر بشرط لا وفي ضمن الاكثر لا بشرط ومن الواضح يختلف التكليف المتعلق بالاقل مستقلا وفي ضمن الاكثر لا بشرط ومن الواضح يختلف التكليف المتعلق بالاقل مستقلا وفي ضمن الاكثر للاختلاف بينهما وعليه يكون الوجوب المتعلق بالاقل مرددا بين الوجوبين وذلك يقتضي الاحتياط لرجوعه الى التردد بين المتباينين.

الثالث ان وجوب الاقل ولو كان معلوما بالتفصيل إلا انه متولد منه فلا يوجب انحلال العلم الاجمالي ومع عدم انحلاله تجب مراعاته وهو لا يتحقق إلا بالاحتياط باتيان الاكثر.

الرابع ما افاده الاستاذ المحقق النائيني (قده) بما حاصله ان الانحلال عبارة عن تبدل القضية المنفصلة المانعة الخلو الى قضية متيقنة وقضية مشكوكة وذلك مفقود في المقام لعدم العلم بوجوب الاقل لا بشرط لفرض انه احد اطراف العلم الاجمالي واما العلم بوجوب الاقل الجامع بين الاطلاق والتقييد فهو مقوم للعلم الاجمالى فليس هو أحد الاطراف فلا يوجب انحلاله ولو اوجب انحلاله لزم ان ينحل العلم الاجمالي بنفسه وهو محال على ان المقام من الشك في السقوط وليس من الشك في الثبوت واذا رجع الى ذلك يكون موردا لقاعدة الاشتغال دون البراءة. وبعبارة اخرى ان القيد الزائد المشكوك يقتضي ان يكون مجرى للبراءة إلا انه لما كان ارتباطيا لا يوجب انقلاب العلم الاجمالي الى علم تفصيلي وشك

الثاني انه ما المراد بالتكليف الارتباطي هل هو عبارة عن كون كل واحد من الاجزاء بنحو يتوقف على الآخر في عالم الوجود والامتثال وحينئذ يكون

__________________

بدوي لكون تفصيله عين اجماله فلو كان ذلك موجبا للانحلال لزم ان يكون العلم الاجمالي يوجب انحلال نفسه وهو محل منع. ولكن لا يخفى ان جميع ما ذكر محل نظر بل منع.

اما عن الاول فهو مبني على ان الانحلال يتوقف على العلم بتنجيز التكليف على كل حال وهو محل منع بل يتوقف على انحلاله في المركب بالعلم بتعلق تكاليف ضمنية وحينئذ نعلم بكون الاجزاء المفروض كونها هي الاقل معلومة الوجوب إلا انه نشك كونها مأخوذة لا بشرط او بشرط شيء وحينئذ يشك في الجزء الزائد هل هو متعلق للتكليف فيكون موردا لاصل البراءة.

واما عن الثاني فالتغاير في المقام ليس تغايرا ذاتيا وانما هو تغاير بحسب الاعتبار وهو لا ينافي الانحلال.

واما عن الثالث فهو مبني على كون وجوب الاجزاء مقدميا وذلك محل نظر والظاهر انها تجب بعين وجوب الكلي.

واما عن الرابع فهو مبني على كون الاقل من قبيل الجامع الطبيعي الذي هو عبارة عن وجوده في فرد مغاير لتحققه فى فرد آخر وان كان بينهما اتحاد في الماهية ولكن ذلك محل منع اذ الاقل في ضمن الاكثر من قبيل الخط القصير الموجود في ضمن الخط الطويل فحينئذ يكون معلوم وجوبه ولا يكون وجوبه مرددا بين الوجوبين لكي يقال بان العلم التفصيلي عين الاجمالي وانما وجوبه واحد حقيقي معلوم بالتفصيل والشك في تعلقه في الجزء الزائد على ان الجامع المهمل انما لا يكون موجبا للانحلال فيما اذا كان الاصل الجاري في الخصوص معارضا

كل واحد من الاجزاء على نحو الواجب المشروط بمعنى وجوب كل جزء مشروط

__________________

كما هو كذلك في المتباينين لا مثل المقام الذى لا يكون بينهما معارضة لاختصاص احدهما بجريان الاصل دون الآخر فجريان الاصل في جانب من دون معارضة للآخر يوجب الانحلال فتكون القضية المنفصلة المانعة الخلو منحلة الى قضية متيقنة وهي وجوب الاقل وقضية مشكوكة وهي وجوب الزائد.

وبالجملة جريان الاصل في الجزء المشكوك موجب لحصول الامن من العقاب.

اذا عرفت ذلك فاعلم ان الحق هو جريان البراءة العقلية في الجزء المشكوك لما هو معلوم ان التكليف المتعلق بمركب ينحل بنفسه الى تكاليف ضمنية بقدر الاجزاء فيكون لكل جزء حصة من التكليف مغاير للحصة الاخرى فمع دوران التكليف بين الاقل والاكثر يكون الاقل معلوما وتعلقه بالجزء الزائد مشكوكا فيكون العقاب عليه بلا بيان والمؤاخذة عليه بلا برهان هذا هو الذي ينبغي ان يستدل على المختار لا ما ذكره الشيخ الانصاري (قده) من انحلال العلم الاجمالي الى علم تفصيلي بوجوب الاقل المردد بين النفسي والغيرى وشك بدوى وهو وجوب الاكثر فان وجوبه غير محرز فيجري فيه الاصل لما هو معلوم بان الانحلال الى المعلوم التفصيلي لا بد وان يكون من سنخ المعلوم بالاجمال ومع عدمه يكون العلم الاجمالي غير منحل على أن الحق كون الاجزاء متصفة بالوجوب النفسي لا بالوجوبين او بخصوص الغيرى لما ذكر في محله من استحالة اتصافها بالوجوب الغيري. وعليه تكون الاجزاء في ضمن الاكثر بحد ذاتها محفوظة فيه ونفس ذلك الوجوب يتصف بتلك الاجزاء فلذا ينحل الوجوب النفسي المتعلق بالمركب الى علم تفصيلي متعلق بالاقل وشك بدوي بالجزء الزائد ووجوب الاقل من سنخ وجوب المركب ومع كونه من سنخه يوجب انحلاله هذا كله بالنسبة الى البراءة العقلية واما البراءة الشرعية فسيأتي الكلام عليها إن شاء الله تعالي.

بالآخر فينحل الى واجبات مشروطة بعدد اجزاء ذلك المركب كما لو اجتمع عشرة اشخاص لتحريك حجر واحد فان كل واحد من العشرة بحسب تحريكه للحجر مشروط بالآخر ام لا بل هو عبارة عن كون كل واحد من الاجزاء له تكليف مستقل في مقام الامتثال وانما الوحدة حصلت من كون الاثر والغرض واحدا فيكون مناط الارتباط وحدة الاثر والغرض ، والذي يقتضيه التحقيق ان مناط الارتباطية هو الثاني دون الاول إذ لو كان المناط في الارتباطية هو الاول لزم ان يكون الواجبان المستقلان الناشئان عن مصلحتين مع فرض ان وجوب كل واحد منها منوط بالآخر يندرج في الواجب الارتباطي مع انه لا يلتزم به فتعين ان تكون الارتباطية ناشئة عن وحدة الوجوب الناشئ من وحدة الغرض.

وبالجملة ليس مناط الارتباطية اناطة امتثال كل واجب بالواجب الآخر بل مناط الارتباطية ان تكون امور متعددة يتعلق بها تكليف واحد ناشئ عن غرض واحد ومصلحة فاردة.

اذا عرفت ذلك فاعلم ان عنوان الاجتماع بمعنى ان كل واحد من الاجزاء مشروط بالآخر او بمعنى الاجتماع في الوجود من العناوين المنتزعة من موضوع الحكم فهو متأخر عن نفس الحكم فلا يعقل ان تكون مأخوذة في موضوع الحكم وبعبارة اخرى ان مناط الواجب الارتباطي ان تكون الأمور المتعددة المتباينة بحسب الهوية تعتبر امرا واحدا باعتبار اشتراكها في غرض واحد وبذلك تجمع المتكثرات والمتشتتات بحسب الوجود وبذلك يمتاز عن المتحد بحسب الوجود والكثرة تكون اعتبارية كالكم المتصل مثل الخط فاجزاؤه متحدة فى الخارج ، والكثرة الحاصلة ليس لها واقع وانما هو قائم في عالم الذهن فان العقل يتصور الكثرة ويحلل ذلك الامر الوحداني الى كثرة.

والحاصل انه فرق بين المقام والكم المتصل ، فان المقام الكثرة لها واقع والوحدة

اعتبارية كالصلاة مثلا فانها مركبة من ركوع وسجود وقيام وقراءة وغيرها فهي متغايرة بالذات والوجود وطرأت عليها الوحدة لاشتراكها في غرض واحد وكونها محصلة له بخلاف الكم المتصل فان اجزاء الخط مثلا متحدة بحسب الوجود وتطرأ عليها الكثرة وبالجملة الاتحاد حقيقى والكثرة اعتبارية في الكم المتصل وفي المقام الكثرة حقيقية والاتحاد اعتباري لا يقال ان ما ذكر هنا ينافي ما ذكر في الصحيح والاعم من انه لا بد من جامع ذاتي للاجزاء لانا نقول ان ما ذكر فى الصحيح والأعم لا ينافي ما قلناه هنا اذ ذلك في مقام التصور ومقام الثبوت بخلاف المقام فانه في مقام بيان واقع الامر وبيان الواجب الارتباطي لا يقال كيف تكون المتكثرات محصلة لغرض واحد ولا يصح ذلك إلّا ان يكون كاشفا عن وحدة المؤثر اذ لا يعقل ان ينشأ الشىء الواحد عن امور متعددة متباينة فان الواحد لا يصدر إلّا من الواحد لانا نقول ان هذا انما يرد لو كان الغرض بسيطا من جميع الجهات وذكرنا في محله انه بمثل هذا الجامع تمتاز العلوم بعضها عن بعض لا مثل المقام الذي يكون الغرض له جهات فلم يكن ذلك الامر مؤثرا في جهة بل تلك الامور مؤثرة في جهات لا يقال ان اغراض العبادات انما هي بسيطة تكشف عن جامع واحد إذ لا يعقل ان تكون المتكثرات مؤثرة في غرض واحد وعليه يكون مناط الارتباطية هو ذلك الجامع الذي يكشف عنه الغرض لانا نقول قد اشرنا في صدر المبحث ان توقف تحقق واجب على واجب آخر ما لم يكن الغرض المترتب عليهما واحدا لا يوجب صيرورتهما ارتباطيين ضرورة امكان حصول غرضين مستقلين من المتباينين من دون جامع بينهما وان انتزع منهما جامع اعتباري فيصير الغرضان واحدا بالاعتبار لتغاير بينهما بالهوية وعليه لا وجه لان يجعل ذلك ملاكا للارتباطية بل لا بد وان تلاحظ الوحدة باعتبار وحدة الغرض فان كان الغرض واحدا فالواجب ارتباطي وان كانت تلك الامور متباينة بالهوية وان كان الغرض المترتب متعددا فالواجب استقلالي وان لوحظت تلك الامور مجتمعة ومرتبطة فلا يتوقف حصول الغرض على

الارتباط بين الاجزاء إذ ليس الغرض إلا مرتبة كاملة من الوجود يتحقق من اجتماع مراتب ضعيفة وبه ترتبط تلك الامور المتباينة بالذات وبهذا اللحاظ تسمى اجزاء فافهم.

الثالث ان المراد من الاقل في المقام هو ان يكون الاقل ماخوذا في ضمن الاكثر بذاته من دون حد الاقلية ويكون بالنسبة الى الزائد قد اخذ لا بشرط فيخرج ما لو اخذ الاقل بشرط لا عن الزيادة كالقصر والاتمام فانه داخل في المتباينين إذ الاقل بشرط لا يباين الاكثر كما انه يخرج عن المقام ما هو من قبيل الطبيعي والحصة كالانسان بالنسبة الى زيد بدعوى ان زيدا يشتمل على الانسان والخصوصية فلو شك في تعلق التكليف بمطلق الانسان او الانسان مع خصوصية زيد فيكون الشك من قبيل الاقل والاكثر فينحل التكليف الى معلوم تفصيلي وهو مطلق الانسان والشك في خصوصية زيد فتجرى البراءة عن الخصوصية فعليه يجب اكرام مطلق الانسان فيما لو شك في وجوب اكرام انسان مطلق او خصوص زيد فان هذه الدعوى في غير محلها لكونها محل منع لما عرفت من ان المراد بالاقل ان يكون بذاته موجودا في الاكثر كمثل الخط القصير الموجود في الخط الطويل من دون حد الاقلية وبالنسبة الى الاكثر قد اخذ لا بشرط وليس كذلك الانسان المطلق كما انه قابل للانطباق على زيد ينطبق على بقية الافراد لما هو معلوم انه بالنسبة الى افراده نسبة الاب الى افراده فحينئذ لم ينطبق عليه ضابط الاقل والاكثر كما انه لا ينطبق عليه ما هو لازم لباب الاقل والاكثر فان ايجاب الاكثر يوجب القطع بايجاب الاقل فان الاكثر لو كان واجبا بان وجب اكرام زيد المشتمل على الانسان والخصوصية لا يلازم وجوب الاقل وهو الانسان المطلق كما ان ايجاب اكرام مطلق الانسان لا يوجب اكرام زيد بخصوصيته فعليه يكون باب العام والخاص مندرجا تحت باب المتباينين ولذا ينطبق عليه ضابط التباين الذي هو يرجع

الى قضيتين تعليقيتين وفي العام والخاص يرجع الى انه لو كان زيد بخصوصه واجبا وجب اكرامه بخصوصه ولم يجب اكرام مطلق الانسان ولو كان الانسان المطلق واجبا فزيد بخصوصه لم يجب اكرامه نعم ينطبق ملاك الاقل والاكثر على ما إذا اشتبه وجوب الاكرام بين زيد وعمرو او خصوص زيد.

وبالجملة الاقل محفوظ في ضمن الاكثر بذاته بنحو لا تكون له جهة سعة تتحقق في ضمن فرد آخر اذ لو كان له سعة لا تكون ذاته محفوظة في ضمن الاكثر فالاقل يتحقق في ضمن الاكثر بعينه من دون نقصان فيه سوى حد الاقل فانه بسبب انضمامه الى الجزء الآخر يرتفع ذلك الحد وكما انه محفوظ ذاته في ضمن الاكثر كذلك محفوظ في ضمنه بماله من المرتبة الخاصة من المصلحة فافهم.

الرابع ان المركب يوجد بوجود جميع اجزائه وانعدامه يكون بانعدام جزء من اجزائه فان المركب من اربعة اجزاء مثلا يكون كل جزء منها له دخل في التأثير بمعنى ان كل جزء بالنسبة الى المركب من قبيل المعد فعليه يكون لهذا المركب اعدام عدم ينشأ من انعدام جميع اجزائه وعدم ينشأ من انعدام جزء منه وعليه ليس عدم المركب على الاخير مستندا الى وجود بقية الاجزاء لان تلك الاجزاء الموجودة بمقتضى ذاتها لها التأثير في المركب غاية ما في الباب ان توقف التأثير الفعلي على وجود ذلك الجزء المعدوم لا بد ان يكون عدم المركب مستندا الى عدم ذلك الجزء او الى عدم الاجتماع المستند الى عدم الجزء وبعبارة اخرى انه لما كان الاقل في ضمن الاكثر له تلك المصلحة والغرض فانعدامه انما هو باعدام من جملتها انعدامه بانعدام جزئه مع وجود سائر الاجزاء ، فانعدامه ليس مستندا الى وجود سائر الاجزاء بل عدم الاجتماع المستند الى عدم الجزء وفرق بين استناد عدم المركب الى انعدام جميع الاجزاء وبين استناده الى انعدام الجزء لانه على الاول اسند الانعدام الى فقد المؤثرات جميعا بخلافه على الثاني لان فقد المركب

مستند الى امرين مختلفين بمعنى ان اضافة العدم إلى الجزء المفقود غير اضافة الوجود الى الجزء الموجود ، فبالنسبة الى المفقود انعدام ذات المؤثر وبالنسبة الى سائر الاجزاء منع التأثير الفعلي مع بقائها على قابلية التأثير ، فالعدم مستند الى عدم الجزء فقط اذ البقية باقية على المؤثرية الشأنية.

الخامس أن الأقل محفوظ في ضمن الاكثر فان انضمام جزء آخر لا يخرج ذات الاقل عن الاقلية. نعم بهذا الانضمام يخرج حد الاقل عن الاقلية لان حده مشروط بعدم انضمامه للجزء فانضمامه الى شيء يخرج الحد عن الاقل فتارة يكون اعتباره عدم انضمام جزء اليه خارجا كالخط القصير بالنسبة للخط الطويل ، واخرى يكون محدودا بحد الاقلية لا في الخارج بحيث لو زيد عليه حصة اخرى من الوجود في الخارج لا يخرج عن كونه اقل ايضا في الموطن الذي لوحظ فيه العنوان. وهذا شرط لا في عالم العروض ، ولا شرط في عالم الاتصاف. ففي الاول قد أخذ في عالم الاتصاف والعروض كليهما بشرط لا بخلاف الثاني فانه ان اخذ بشرط لا فهو جزء وان أخذ لا بشرط فهو عين الكل فاتصاف الاخير بالاقلية في عالم الاعتبار لعدم اعتبار الزائد واخذه بشرط لا ذهنا وذلك بالنسبة الى الخارجيات مثل الجسم الطويل الذي طلعت الشمس على مقدار منه فكذلك لو فرضنا انه في الخارج مركب قد زيد مع ما اعتبر له من الاجزاء جزء آخر فكما انه لا يقال للجسم الخارجي الذي طلعت الشمس على مقدار منه بان ذاته ناقصة وليست قابلة لأن تطلع الشمس على جميعه والمفروض ان الشمس مستعدة لو لا الحاجب لحصل اشراقها على الجميع ولا يوجب كون الجسم اقصر مما كان عليه ويكون وجود العيني محدودا لعدم اشراق الشمس على جميعه فكذلك فيما تعلقت الارادة بمركب اعتباري من اجزاء اربعة لا ازيد ولا انقص فلا يوجب ان يكون المركب محدودا بالاقل لان القصور الطارئ من قبل الارادة التي هي من قبيل العرض للجسم لا يصير منشأ لتحديد

المراد ، فلو اجتمع هذا المركب مع شىء زائد لا يخرج هذا المركب عن كونه له مرتبة من المصلحة لأن المعروض لم يعتبر بحسب الخارج عدم الانضمام ولم يسر الحد الاعتباري الى الخارج حتى يوجب تحديده فالاقل والاكثر يمتاز عن المتباينين من حيث ان في المتباينين تعلق العلم الاجمالي بنفس الذاتين المتمايزتين ففيه ما به قوام العلم الاجمالي وهو التكليف المردد بين ان يتعلق بهذا او بذاك وليس احدهما على تفصيلي وفي باب الاقل والاكثر أن الاقل لو كان واجبا فانما اخذ في عالم العروض لا بشرط لا في عالم الاتصاف وإلّا فيدخل تحت المتباينين فملخص الفرق بينهما ان المتباينين بين الذاتين ، تمايز بخلاف الاقل والاكثر لا تمايز بين الذاتين ، وانما التمايز بين الحدين. فاذا عرفت الفرق فلم يكن بين الذاتين ملاك العلم الاجمالي وهو قضيتان تعليقيتان اذ لم يصدق انه لو كان الاكثر واجبا لم يكن الاقل واجبا ، وانما الملاك موجود بين حدي الاقل والاكثر ولكن ليس ذا اثر لان الحد لم يكن موضوعا ومتعلقا للتكليف وانما موضوع التكليف الذاتان وليس فيه ملاك العلم الاجمالي على ان العلم التفصيلي بوجوب الاقل موجب لانحلال العلم الاجمالي.

وبالجملة مبحث الاقل والاكثر خارج عن العلم الاجمالي لان ما كان موضوعا ومتعلقا للتكليف وهو الذاتان غير موجود فيهما ملاك العلم الاجمالي ، وما لم يكونا كذلك كالحدين وان كان فيه ملاك العلم الاجمالي إلا انه لا اثر له لعدم كونهما موضوعا للتكليف حتى يكون ذلك العلم موجبا لتنجيز ذلك التكليف. اذا عرفت هذه المقدمات فاعلم انه ينبغي بيان ما سلكه الاعلام (قدس الله اسرارهم) فنقول ومن الله المستعان فقد سلك الاستاذ (قده) في الكفاية عدم اجراء البراءة العقلية وبيان كلامه تارة مبني على كون وجوب الاجزاء وجوبا مقدميا ، واخرى كون وجوبها بعين وجوب الكل ، أما بناء كلامه على الاول فتقريبه ان الوجوب اذا دار بين الاقل والاكثر فينحل الوجوب الى الاجزاء فيكون وجوبها مرددا بين

ثلاثة منها أو أربعة ، وعلى اي تقدير فثلاثة منها معلومة تفصيلا بوجوبها اما بنفسها او مقدمة للاكثر ، وكون هذا العلم التفصيلي موجبا لانحلال ذلك العلم الاجمالي موقوفا على عدم منجزية العلم الاجمالي ، ولا اشكال ان بسبب تنجيز ذلك العلم الاجمالي حصل علم تفصيلي بوجوب تلك الاجزاء ، وبعبارة اخرى ان هذا العلم التفصيلي ليس من قبيل امارة او غيرها حتى يوجب انحلاله بل هو متولد من ذلك العلم الاجمالي فلا بد من كونه منجزا حتى يتولد منه ذلك فكيف يكون هذا العلم التفصيلي موجبا للانحلال إلا ان يجعل هناك بدل فيكون موجبا للانحلال ولكن لا يخفى ان هذا المبنى فاسد بل قد صرح بخلافه في باب المقدمة نعم ربما يقال ان منشأ التزامه بعدم انحلاله هو الملازمة بين وجوب الأقل مع وجوب الاكثر لانه وان حصل العلم التفصيلي بان الأقل واجب ولكن على نحو الترديد إلا ان هذا العلم التفصيلي لا يوجب انحلاله لان وجوب الاقل مطلقا لا يلازم وجوب الاكثر فيكون العلم بوجوب الاقل مطلقا. يلازم تنجيز العلم الاجمالي وان وجوب الاكثر منجز فكيف يكون موجبا لانحلاله وإلا لزم من وجوده عدمه وفيه انك قد عرفت من المقدمات ان انعدام المركب له اعدام فتارة يكون مستندا إلى انعدام جميع الاجزاء واخرى يكون مستندا الى انعدام جزء كما لو فقد احد اجزاء المركب فان انعدام المركب ليس من انعدام الاجزاء بل من جهة انعدام ذلك الجزء المفقود فحينئذ لما كان الاكثر لم يثبت حفظ وجوده من ناحية الجزء المشكوك بل غاية ما ثبت من جهة الاجزاء وجوب الاقل من جهة وجود الطريق اليها وهو العلم التفصيلي بالوجوب المردد بين النفس والغيري والملازمة المذكورة لا تقتضي تنجز العلم بالاكثر إلا بهذا المقدار اي بالقدر الذي قام عليه الطريق ويقتضي سد باب العدم من ناحية الثلاثة لا مطلقا فكيف يمنع عن الانحلال مطلقا وانما يمنعه من انحلاله بمقدار

الاقل ، وبعبارة اخرى انه كما يتصور للفعلية مراتب ثلاثة فتارة الفعلية المطلقة وهي ما يكون حفظ وجوده من ناحية جميع المقدمات ، واخرى التكليف الشأني وهو ما لم يكن واجبا لامتثاله وحفظ وجوده كان من جهة نفس التكليف وثالثة الفعلية التوسطية كما في عبارة الشيخ (قده) وهي ما يكون حفظ الوجود من بعض المقدمات دون البقية كذلك يتصور هذه المراتب الثلاثة في مرحلة التنجز فتارة يكون التنجز مطلقا واخرى يكون شأنيا ، وثالثة يكون بين البين.

وبالجملة لا ينافي كون التكليف فعليا مع كون التنجز شأنيا أو كون التكليف فعليا مع كون التنجز من جهة دون جهة.

البراءة العقلية

اذا عرفت ذلك فاعلم ان وجوب الاكثر فعلي ولكن لم يثبت تنجزه حتى من جهة ذلك الجزء المشكوك. نعم ثبت تنجزه بالنسبة الى الاجزاء الموجودة وهذا المقدار من التنجز لا يوجب الاتيان بالاكثر من ناحية المقدمات بالاتيان بالاقل لا الاكثر مطلقا وهذا هو التنجز التوسطي اي ما يحكم العقل بوجوب الامتثال له من جهة دون جهة لعدم قيام الطريق على التكليف الا كذلك فلا منافاة بين تسليم الملازمة والالتزام بانحلال العلم الاجمالي لما عرفت من عدم التلازم بين تنجز التكليف بالاكثر من ناحية العلم التفصيلي بالاقل وتنجزه مطلقا حتى يمنع ذلك من الانحلال الذي يقتضيه العلم التفصيلي تنجز التكليف في بعض الاطراف وهو الاقل ، وبالنسبة الى الجزء المشكوك تجري البراءة العقلية لكونه من الشك البدوي ، فما توهم من كون الملازمة المذكورة مقتضية لتنجز التكليف بالاكثر مطلقا الموجب

ذلك لعدم انحلاله الى العلم التفصيلي بالاقل ، والشك البدوي فى الجزء المشكوك في غير محله لما عرفت من انحلاله. هذا كله لو كان وجوب الاجزاء بنحو المقدمية.

واما لو كان وجوبها على نحو وجوب الكل بان يكون وجوب الكل عين وجوب الاجزاء بالاسر ، فنقول ايضا لا يتم كلامه في الكفاية وما اوضح كلامه في الحاشية من انه لا اشكال في الذوات المتباينة اذ لاحظ المعتبر اجتماعها وليس لازمه ان تكون مجتمعة في الخارج وليس لازم فعلية الاجزاء الموجودة فعلية الجزء المشكوك فالعلم التفصيلي بوجوب الاقل لا يلازم العلم بالاكثر وذلك لان تعلق التكليف والارادة بشىء مركب ينحل الى ارادات ضمنية فيكون في كل واحد من الاجزاء وجوب ضمني فيعلم تفصيلا بوجوب الاجزاء الثلاثة ويشك في وجوب الجزء الرابع ومرجع هذا الشك الى ان الملحوظ في ذهن الآمر هل هو خصوص الثلاثة او لاحظ شيئا رابعا منضما الى الثلاثة فحصل عندنا يقين وشك ، يقين تعلق بالاجزاء الثلاثة وشك تعلق بالجزء الرابع ولا يسرى ما تيقن الى ما شك فيه نظيره في باب الاستصحاب مشتمل على اليقين والشك إلا ان الشك لا يسرى الى اليقين إلا ان يكون من باب الشك الساري فيخرج عن باب الاستصحاب وعليه القطع بوجوب الاقل لا ينافي احتمال وجوب الاكثر.

اذا عرفت ذلك فاعلم ان الملازمة التي تدعى تارة تكون بين الاكثر بتمامه وبين العلم بالاقل وفيه ان هذا ينافي جواب الشبهة على تقدير تقريب الالتزام بكون وجوب الاجزاء مقدميا اذ غاية ما ثبت من الملازمة كون اتيان الاكثر واجبا من جهة هذه الاجزاء المذكورة ولا يجب الاتيان بالاكثر مطلقا حتى من جهة الجزء المشكوك فالاكثر من جهة تلك الاجزاء المعلومة يندرج تحت الاشتغال ومن جهة الجزء المشكوك يندرج تحت اصل البراءة لان اليقين المتعلق بتلك الاجزاء لا يسرى الى الشك في الجزء المشكوك واخرى يدعى الملازمة بين

ذات الاقل والجزء المشكوك الذي هو قوام تحقق الاكثر إذ كون العلم التفصيلي بوجوب الاقل ملازما لوجوب الاكثر اي الجزء المشكوك من حيثية التنجيز ، ولكن لا يخفى ان لازم ذلك اما جريان الاشتغال في ظرف عدم البيان او جريان البراءة في ظرف تمامية البيان.

بيان ذلك ان الملازمة ان سلمت يكون الجزء المشكوك واجب الاتيان وهو في ظرف اللابيان واما ان لا يجب الاتيان بالاجزاء المعلومة. فظهر مما ذكرنا ان ما ادعاه الاستاذ (قده) من جريان البراءة العقلية مع عدم جريان البراءة العقلية محل اشكال نعم هنا مسلك آخر لصاحب الفصول (قده) لعدم جريان البراءة العقلية وهو انه وان نشأ من هذا العلم الاجمالي المردد بين الاقل والاكثر علم تفصيلي تعلق بالاقل وذلك يوجب انحلال العلم الاجمالي إلا ان قاعدة الاشتغال تقتضي الاتيان بالاكثر وذلك لان العلم بوجوب الاقل مردد بين كونه ضمنيا او مستقلا وعلى تقدير كونه ضمنيا لو اتى بالاقل دون الاكثر لم يكن آتيا بالواجب فلم يسقط عنه التكليف فاحتمال ذلك موجب للشك في مرحلة الفراغ فيكون من صغريات ما علم بالتكليف وشك في الفراغ فلا اشكال في جريان قاعدة الشغل.

اقول هذا نظير ما ذكره الاستاذ والشيخ (قده) في مسألة قصد القربة فانها وان لم تؤخذ في المأمور به ولكن لما كانت من الطوارئ الراجعة الى الامر يوجب الشك في الفراغ لو اتى بدون قصد القربة ، ولكن لا يخفى انك قد عرفت ان انعدام المركب فيما لو انعدم احد اجزائه ليس مستندا الى عدم الجزء المشكوك ولا الى الاجزاء المعلومة فانها لا قصور لها بالنسبة الى الاجزاء المعلومة فتوقف المركب على الجزء المشكوك يوجب عدم اتصاف الاجزاء المعلومة بالوجوب فيكون عدم اتصافها مستندا الى عدم الجزء المشكوك ومن شئونه فاذا كان ذلك

الجزء المشكوك تحت اصل البراءة فيرتفع ايضا ما هو من شئونه.

وبالجملة اذا فرض ان العلم الاجمالي انحل الى علم تفصيلي وشك بدوي فتجرى البراءة في الجزء المشكوك وعدم اتصاف بقية الاجزاء مستند الى عدم الجزء المشكوك واذا ارتفع بأصل البراءة فيرتفع ما هو من شئونه فالاشتغال بالزائد لم يثبت عما علم تفصيلا بوجوبه وان مقايسة المقام بمسألة قصد القربة ففيه مع ان الالتزام بالاشتغال في تلك المسألة محل منع وانه قياس مع الفارق لان قصد التقرب ليس مما يعتبر في المأمور به ، والجزء المشكوك مما يمكن اعتباره في المأمور به وربما يقرب الاحتياط ببيان ان الاحكام تابعة للمصالح والمفاسد بنفس الامر ، والشك في الجزء الرابع يكون من قبيل الشك في المحصل فاذا رجع الى الشك في المحصل يكون من صغريات قاعدة الشغل ولكن لا يخفى ان ذلك انما يتم لو كان الغرض مما يتعلق به التكليف ولكن الوجدان حاكم بان الافعال الخاصة هي الواقعة تحت التكليف لا الاغراض والمصالح ، وليس التكليف بها بنحو المقدمية بل تعلق التكليف بها نفسي ، فالشك في ذلك الجزء شك في التكليف وذلك من موارد جريان البراءة وليس من موارد قاعدة الاشتغال.

ثم لا يخفى انه يقال حتى مع تسليم الملازمة التي ادعاها الاستاذ (قده) في الكفاية لا يثبت الاحتياط العقلي اذ العلم لم يتعلق بما هو قابل لان يتنجز مطلقا إلا ان يكون العلم ساقطا عن المنجزية ضرورة ان العلم التفصيلي بالاقل الذى يدور امره بين ان يكون التكليف به غيريا او نفسيا ، ولا ريب انه على التقدير الاول متعلق التكليف خارج عن محل الابتلاء لكونه متوقفا على تنجز الاكثر والمفروض كونه غير منجز فيكون هذا العلم الذي يكون احد طرفيه خارجا عن محل الابتلاء ولكن ذلك لا يوجب سقوط العلم بالاقل من التأثير كما انه لا يخرج المحل عن القابلية ايضا ، إذا العلم لما كان قد تعلق بالامرين احدهما يكون قابلا للتنجز فعلا والآخر

غير قابل وتنجز العلم ذاتى ، واحتمال كون الاقل نفس التكليف يكفي في تنجز العلم فيكون العلم بيانا فتكون المسألة من صغريات قاعدة دفع الضرر المحتمل فتندرج المسألة تحت ما لو كان بعض اطراف العلم خارجا عن محل الابتلاء وهو لا يوجب سقوط العلم عن البيانية والحاصل مراد هذا القائل هو انه مع تسليم عدم لزوم محذور من ملازمة عدم تنجز الاكثر للاقل لما اشرنا ان العلم بالاقل ليس قابلا للتأثير لاحتمال كون خروج متعلقه اعني الاربعة عن لحاظ الشارع خارجا عن محل الابتلاء إلا ان هذا الاحتمال لا يوجب سقوط العلم عن البيانية ، ولكن احتمال انطباق الواجب النفسي على الاقل يثبت به تنجز الاقل ولو لم يكن الاكثر واجبا ، واحتمال انطباق العلم على الاكثر يكون ايضا منجزا لما عرفت من ان تنجز العلم ذاتي لا يمنع منه شىء إلا ما قطع برفعه.

وحاصل الكلام انه لا قصور في جريان البراءة العقلية لوجود المقتضي وهو الشك وانتفاء المانع الذي هو العلم الاجمالي اذ لا يصلح لكونه مانعا لفرض كونه بين الحدين اي حد الاقلية والاكثرية وهما راجعان لنفس التكليف بمعنى ان التكليف له سعة لكي يشمل الجزء المشكوك او ليس له سعة بنحو لا يشمله وذلك لا يوجب تفاوتا في ناحية التكليف من اول الامر اذ ليس إلا علم تفصيلي بالنسبة الى الاقل وشك بدوي بالنسبة للزائد ، ومن الواضح ان ذلك مجرى للبراءة وليس من موارد جريان قاعدة الاشتغال إلا اذا قلنا بان الذى له دخل في موضوع التكليف حد الاقلية والاكثرية بنحو يوجب قصور الوجوب لشمول الزائد في الاقل لكي يكون الوجوب في عالم المعروضية وجوبا مستقلا او يكون شاملا للزائد لكي يكون الوجوب ضمنيا فحينئذ يكون المقام من الترديد بين المتباينين وبعبارة اخرى ان تردد الحدين لو كان من باب مجمع الوجودين حيث انه على تقدير كونه متعلقا للتكليف هو الاقل في عالم عروض الوجوب فيكون ماخوذا

بنحو لا بشرط ، وعلى تقدير كون متعلق التكليف هو الاكثر ماخوذا بشرط شىء ومن الواضح تباين الماهية اللابشرط القسمي مع الماهية بشرط شىء ومقتضى ذلك اندراج الاقل والاكثر الارتباطيين تحت قاعدة الاشتغال لكونها تكون من صغرياتها ولكن قد عرفت فساد هذا المبنى حيث ان جهة ارتباط الاجزاء ووحدتها ناشئة من وحدة الوجوب على الاجزاء فلا يصلح لتقييد الاقل فلذا معروض الوجوب على التقديرين لا يختلف بمعنى ان ما كان هو الواجب مستقلا هو نفسه واجب ضمني ، وانما الاختلاف في حد الوجوب الناشئ من تردده بين انبساطه على الزائد وعدمه فمع الشك في كون الواجب هو الاقل أو الاكثر يرجع ذلك الى الشك بين الحدين مع العلم بشخص الوجوب ومن الواضح ان مصب حكم العقل هو نفس التكليف دون الحد فعليه تجرى البراءة العقلية في الجزء المشكوك ولا تصح مانعية العلم الاجمالي.

وهذا الذي ذكرناه من جريان البراءة العقلية هو الحق في المقام لا ما ذكره بعض الاعاظم (قده) من انحلال العلم الاجمالى الى علم تفصيلي بوجوب الاقل وشك بدوي بوجوب الجزء الزائد لعدم اختلاف سنخ التكليف بكونه تارة يؤخذ بشرط شىء واخرى لا بشرط على انه لا تقابل بين الاعتبارين لعدم التقابل بينهما تقابل التضاد لكي لا يكون بينهما جامع وانما التقابل تقابل العدم والملكة وعليه يكون بينهما جامع والاختلاف يكون بالاعتبار لا بالحقيقة لورود الاشكال على ما ذكر

اما عن الاول فلان اختلاف سنخ الطلب من كونه لا بشرط او بشرط لا يوجب الانحلال على ان العلم الاجمالي المتولد لا يوجب انحلاله.

واما عن الثانى فان التكليف المعتبر لا بشرط او بشرط لا مرجعه الى سعة في التكليف وضيق فيه وذلك يوجب الاختلاف في سنخ التكليف ماهية فيكون التقابل بينهما بالتضاد.

وبالجملة العلم الاجمالي انما هو بين الحدين اى حد الاقل والاكثر ولكن نفس التكليف الذي هو مناط حكم العقل بالامتثال والاطاعة منحل الى علم تفصيلي بوجوب الاقل ، وشك بدوي بوجوب الجزء المشكوك فحينئذ يكون من موارد جريان البراءة العقلية.

ثم لا يخفى ان هنا تقريبا وبيانه ان الأمر بالشىء يقتضي النهي عن ضده العام وهو الترك لا الضد الخاص بحيث يكون الأمر بالصلاة ملازما بل عين النهي عن الترك والنهي بمركب مغاير للأمر فان الامر بالمركب اما ان يكون على نحو العام المجموعي والنهي عنه يكون على نحو العام البدلي لأن اتحاد المركب انما يكون باتيان جميع اجزائه بخلاف ترك المركب انما يكون باعدام متعددة إذ انعدام المركب بانعدام كل جزء وبانعدام مجموع الأجزاء فالنهي المتعلق بترك المركب انما هو على البدلية فمثل المركب من ثلاثة اجزاء معلومة وجزء المشكوك يكون لتركه افراد متعددة والنهي المتعلق بتركها ليس على سبيل المجموع بل على البدل ، فالمتيقن من تلك الافراد هو ترك الاقل وترك الاكثر مشكوك ، ومن المعلوم ان تنجز النهي من ترك المركب هو ترك كل جزء فعلي لا يتوقف على فعلية النهي بالاجزاء اللاحقة ولا على النهي بالمجموع فيكون النهي عن تركها منجزا فعلا والنهي عن تركه من جهة الجزء الرابع مشكوك فيجب الاتيان بالاقل فرارا عن المخالفة القطعية بحكم العقل ولا يجب الاتيان بالاكثر لان تركه مشكوك النهي عنه لا يقال ان ذلك انما يتم لو كان المشكوك الجزء الرابع. واما لو كان غيره لا يتم لا بسبب ان الشك من جهة الجزء غير الأخير يكون شكا بالنسبة الى الاجزاء اللاحقة فلم يكن ترك الاقل متيقنا حتى يكون الاتيان بالاقل فرارا عن المخالفة القطعية بل لان الشك في الجزء الأول مثلا يوجب الشك بتعلق النهي في بقية الأجزاء لانا نقول ان هذا انما يتم لو كان النهي عن ترك الاجزاء السابقة مشروطا بالاجزاء

الأخر ، واما لو كان على نحو الواجب المعلق فيكون النهي عن المركب الناشئ من ترك كل جزء منجزا لا يحصل الامتثال به إلا باتيانه ولا يضره الشك والاحتمال لأن ذلك انما هو في السقوط لا في الثبوت ودعوى ان ذلك يكون من الشك في السقوط والفراغ وهو من موارد جريان الاشتغال في غير محله إذ الشك في الفراغ انما يوجب الاشتغال لو كان لقصور في المأتى لا مثل المقام الذي يكون ناشئا من ناحية الحكم الناشئ من فقدان الجزء المشكوك الذي هو من موارد جريان البراءة العقلية وقد عرفت انه لا محذور من جريانها.

البراءة الشرعية

واما الكلام في البراءة النقلية فيختلف جريانها بحسب المباني فعلى مبنى كون وجوب الاجزاء مقدمة فقد عرفت انه لا يوجب الانحلال فيكون المرجع هو الاحتياط إلا ان يستفاد من حديث الرفع او السعة جعل البدل فلا اشكال في جريان البراءة النقلية وهكذا لو قلنا بان الحد هو الاقل فيكون داخلا في موضوع الحكم فقد عرفت انه لا يوجب الانحلال إلا ان يستفاد من حديث الرفع جعل البدل فان استفيد ذلك فيكون من موارد جريان البراءة وهذا لا اشكال فيه وإنما الاشكال لو قلنا بالملازمة فقد وقع الكلام في انه هل يستفاد من حديث الرفع حينئذ جعل البدل ام لا يستفاد ذلك الظاهر انه لا يستفاد منه جعل البدل لان مفاد حديث الرفع رفع وجوب الاكثر واما اثبات الوجوب النفسي للاقل فلا يستفاد منه فحينئذ يكون من موارد جريان قاعدة الاشتغال ولم يكن من موارد جريان اصل البراءة إذ لو جرى اصل البراءة تأتى المحذور السابق وهو ان يكون لازم جريانه

رفع الوجوب عن الاكثر ويوجب ثبوت الوجوب للاقل وذلك ممنوع إذ لا يستفاد من الحديث ذلك إذ هو حكم ظاهري لا يترتب على مخالفته عقوبة ولا موافقته مثوبة إلا على نحو التجرى وذلك خلاف المبنى.

وبالجملة التفكيك بين جريان البراءة العقلية والبراءة الشرعية محل نظر (١) لما عرفت من ان علية العلم الاجمالي تقتضي وجوب الاحتياط للزوم تحصيل الفراغ

__________________

(١) خلافا للمحقق الخراساني والاستاذ المحقق النائيني قدس‌سرهما حيث ذهبا الى التفكيك بين البراءة العقلية والبراءة الشرعية فلم يجريا البراءة العقلية واجريا البراءة الشرعية والحق ان الرجوع الى البراءة الشرعية ملازم لجريان البراءة العقلية فان عمدة من يقول بعدم جريان البراءة العقلية ينحصر في امرين الاول لزوم تحصيل الغرض المعلوم ترتبه على المأتي به وهو مردد بين ترتبه على الاقل أو الاكثر ، الثاني عدم انحلال العلم الاجمالي الى علم تفصيلي بوجوب الاقل وشك بدوي بوجوب الاكثر حيث ان الاقل المتيقن وجوبه انما هو طبيعة مهملة مرددة بين الاطلاق والتقييد فعليه كل منهما مشكوك ومعه لا معنى للانحلال ولكن لا يخفى ان العلم بالغرض ليس له اقتضاء بنظر العقل اكثر من العلم بالامر ، فالشك في حصول الغرض ان كان ناشئا عن الشك في وجود موضوعه فالمرجع قاعدة الاشتغال وان كان الشك في حصوله للشك فيما يقومه وانه هو الاقل أو الاكثر فالمرجع اصالة البراءة والمقام من قبيل الثاني لا الاول.

ويؤيد ذلك بناء العقلاء على الرجوع في امثال المقام الى البراءة وعدم الاعتناء بعدم حصول الغرض مع فعل الاقل إلا ان يقال بان الغرض اخذ موضوعا للامر كما لو قال حصل المصلحة يكون المرجع هو اصالة الاشتغال ولكنه محل منع إذ لم يكن الغرض مأخوذا موضوعا للتكليف وإنما هو مما يترتب على المأتي به على انه لو قلنا بلزوم تحصيل الغرض على كل تقدير فلا تجري البراءة الشرعية فان

ولو بنحو الجعل لعدم جريان الاصول النافية ولو بلا معارض على هذا الفرض إلّا ان يستفاد من جريانها اثبات وجوب الاقل فعلا بنحو يكون المفرغ الجعلي وذلك محل منع لمنع اقتضاء ذلك إلا على القول بحجية الاصل المثبت إلا ان يقرب حديث الرفع تارة بان يكون الحديث ناظرا الى اطلاقات ادلة الاجزاء بنحو يجعلها تختص بصورة العلم وترفع فعلية التكليف عن المشكوك واقعا مع ظهور بقية الاجزاء في

__________________

جريانها يرفع الجزء المشكوك إلا انه لا تجري لكون الغرض مترتبا على الاقل. واما عن الثاني فالاطلاق هو الملحوظ لا بشرط والتقييد هو الملحوظ بشرط شىء فتكون المضادة بينهما فجريان حديث الرفع في رفع وجوب الجزء المشكوك لا يثبت الاطلاق الذي هو الاقل والحاصل لو توقف انحلال العلم الاجمالي على اثبات الاطلاق فكما لا تثبته البراءة العقلية لا تثبته البراءة الشرعية وبعد معرفة الامرين وانهما غير صالحين للتفكيك ظهر لك عدم الحاجة الى ذلك بل يكفي في الانحلال جريان الاصل في احد الطرفين بلا معارض لعدم جريانه في الطرف الآخر للعلم بوجوبه قطعا من غير فرق بين البراءة الشرعية او العقلية.

ثم لا يخفى ان اثبات وجوب الاقل ليس بحديث الرفع وانما هو ثابت بعد جريان الاصل في رفع وجوب الاكثر بنفس العلم المتعلق بالاقل وان كان مرددا بين كونه لا بشرط او بشرط شىء حيث ان ذلك يجعل وجوب الاقل واصلا فعلا ولا يقاس بما اذا اضطر او نسى الجزء فان الباقي يحتاج الى دليل يدل على وجوبه وحيث لا دليل يسقط وجوب الباقي للفرق بين المقام وذلك لما عرفت ان العلم بالاقل بنفسه يجعل التكليف به واصلا. نعم يحتاج الى رفع الجزء المشكوك الى جريان اصالة البراءة. ومما ذكرناه انه لا حاجة الى ما ذكره المحقق الخراساني من جعل حديث الرفع من قبيل دليل الاستثناء بالنسبة الى ادلة الاجزاء بل هو محل نظر ناشئ من خلط باب الجهل بباب النسيان. فلا تغفل.

الفعلية وبذلك يرتفع الاجمال الحاصل من التردد في متعلق التكليف هل هو الاقل او الاكثر ويعين كون التكليف متعلقا بخصوص الاقل والاتيان به يحصل الفراغ عن اشتغال الذمة بالتكليف ، واخرى تكون بين التكاليف الفعلية وبين الترخيصات الظاهرية مضادة فمع الترخيص الظاهري يلازم عدم فعلية التكليف واقعا إلا ان ادلة بقية الاجزاء ظاهرة في الفعلية فينتج من ذلك ان الواجب الفعلي هو خصوص الاقل وثالثة من جهة الملازمة العرفية بين رفع الجزئية عن شىء ولو بحسب الظاهر مع كلية غيره ولكن لا يخفى اما عن الاول فقد عرفت في مبحث اصل البراءة ان حديث الرفع ليس له نظر الى ادلة الاجزاء وانما مفاده هو الرفع الظاهري المتحقق في المرتبة المتأخرة عن الجهل بالواقع فحينئذ كيف يصلح لتقييد اطلاق ادلة الاجزاء على ان العناوين الماخوذة في الحديث اخذت بنحو الجهة التعليلية ولازم ذلك اخذه بمرتبة متأخرة وعليه لا اطلاق لادلة الاجزاء لتلك المرتبة المتاخرة.

واما عن الثاني فان دعوى المضادة بين الاحكام الواقعية والترخيصات الظاهرية محل نظر بل منع وإلّا لما امكن الجمع بين الحكم الواقعي والظاهري.

واما عن الثالث فدعوى الملازمة العرفية بين امرين انما تفهم اذا كان التنزيل متوجها لاحد المتلازمين لا مثل المقام اذ التنزيل متوجه على عنوان عام كعنوان ما لا يعلم ويكون المتكفل لتطبيقه هو العقل لا عنوان الجزئية حتى يفهم من رفعها اثبات كلية الاقل اللهم إلا ان يقال بان الادلة المثبتة للاجزاء انما تثبتها واقعا فيستفاد منها تمامية الاجزاء إلا ان حديث الرفع بالنسبة الى تلك الادلة من قبيل الاستثناء فحينئذ بحديث الرفع يثبت الاقل ، فعليه لا تنافي بين تسليم الملازمة مع عدم الالتزام الا بوجوب الاقل دون الاكثر هذا غاية تقريب جريان الحديث بناء على الملازمة.

وتحقيق المقام يتوقف على معرفة مفاد الحديث فنقول ان المرفوع في الحديث تارة يكون نفس الحكم وهو في رتبة الواقع فحينئذ يكون الجهل المعبر عنه بما لا يعلمون عنوانا مشيرا للحكم المرفوع الذى هو بمرتبة الواقع فيكون الموصول وكذلك الرفع على معناهما الحقيقي بلا تصرف فيهما لأن الحكم الواقعي رفعه ووضعه بيد الشارع واخرى يكون الجهل المعبر عنه بما لا يعلمون جهة تعليلية فعليه لا بد من التصرف ، اما في نفس الرفع او في المرفوع اما الرفع فيجعل عبارة عن المنع والدفع لا الرفع الحقيقي اذ المرفوع ليس الحكم الواقعي ، واما التصرف في المرفوع بان يراد به الحكم في مرتبة الشك لا بمرتبة الواقعي اذ الجهل لما اخذ بنحو الجهة التعليلية يكون متأخرا في الرتبة فكيف يكون علة للحكم الواقعي الذى رتبته متقدمة ، وثالثة يكون الجهل قد اخذ في الحديث بنحو الجهة التقييدية فلا بد حينئذ من التصرف ، اما في الرفع او المرفوع كما قلنا في الجهة التعليلية. اذا عرفت ذلك فاعلم ان تقريب جريان الحديث على مسلك الملازمة يتم لو قلنا بان مفاد الحديث هو الاول إذ عليه يكون الوجوب الضمني للاقل مرتفعا ويثبت كون الاقل بحده الخاص واجبا فينحل العلم الاجمالي من جهة جعل البدل وترتفع الملازمة ، واما على المعنيين الاخيرين فلا ترتفع الملازمة إذ رفع الجزء المشكوك ظاهر لا ينافي جزئيته واقعا والملازمة انما كانت بين الاقل والاكثر واقعا.

وبالجملة رفع الحكم عن الاكثر ظاهرا ليس ملازما لتحديد الاقل لا شرعا ولا عقلا إلا ان الكلام في تمامية المبنى الاول الذي هو عبارة عن رفع الحكم الواقعي فيكون من قبيل الامارات ولم تكن من قبيل الاصول مع انه لم يلتزم به على انه مناف للامتنان بل مناف للسياق اذ ظاهر سائر العناوين ان له دخلا ولو كان بنحو الجهة التعليلية ، ولكن غاية ما يقال في المقام ان اثبات الملازمة على المبنى

الثاني ظاهر ولكن لازم ذلك ان تكون الملازمة جلية كما ذكرنا ذكرنا ذلك في الاستصحاب كمثل استصحاب سلب مالكية المالك مع نفى الملك عنه هذا كله في عالم التصور.

واما الكلام في عالم التصديق فنقول يظهر ذلك من تقديم مقدمة وهي انه لا اشكال في ان مفاد الحديث ليس كالامارات النافية اذ في اعمالها نظر الى الواقع فكذلك الحديث وليس مفاده رفع الحكم الظاهري فقط فحينئذ اذا رفع الجزء المشكوك ثبت الترخيص الظاهري وهو لا ينافي وجود المصلحة في الاكثر وبالجملة الامارة لها نظر الى الواقع بخلاف حديث الرفع فانه ليس له نظر الى الواقع فحينئذ ينافي لو رفع تكليف ثبوت المصلحة له بحسب الامر والواقع بخلاف الحديث فانه يجتمع مع وجود المصلحة بحسب الامر والواقع اذ يدل على نفي التكليف ظاهرا وهو يجتمع مع ثبوت المصلحة واقعا. ثم لا يخفى ان الخطابات المتعلقة بالمركبات تارة تتعرض للاجزاء والشرائط واخرى تتعرض الى المصلحة اما الاول فالخطاب المتعرض الى الاجزاء والشرائط وان كان مهملا بالنسبة اليها اي غير واف بذكر كل الاجزاء والشرائط إلّا انه واف بالنسبة الى الجهة الثانية اي متعرض بان الواجب واف بالمصلحة إذ لو لم يكن متعرضا بذلك لم يبق لنا نزاع في مسألة الاقل والاكثر الارتباطيين هل هي تكون من موارد قاعدة الاشتغال او من موارد اصالة البراءة إذ لازم ذلك تحقق الامتثال بالناقص وبالجملة اطلاق التكليف وتماميته من الجهة الثانية لا ينافي اهماله بالنسبة الى الجهة الاولى فعليه مفاد كل خطاب قضية تعليقية إذ انه لو كان للجزء المشكوك دخل في تحقق الغرض فهو المطلوب فمفاد الحديث لو تم رفع دخالة الجزء المشكوك في الغرض فيرفعه ، فعليه يحصل تعارض بين القاعدتين ولا اشكال في حكومة ادلة الخطابات المتكفلة للتكاليف الواقعية لانها تنفى الشك في ان له دخلا فتكون حاكمة على دليل الرفع وهذا بخلاف ما لو قامت امارة على خلاف الدليل الواقعي فانه لما كانت نافية للمصلحة الواقعية

رأسا فحينئذ ترتفع تلك القضية التعليقية.

وبالجملة انه مع تسليم الاطلاق في ناحية الدليل الذى لا بد من الاخذ به للقائل بالاشتغال فلا معنى لاجراء الحديث. فظهر مما ذكرنا ان كون التكليف بوجوب الاكثر توسطيا ، ثم لا يخفى انه مع الاغماض عما ذكر من الجهات لا وجه للقول بالتفكيك بين البراءة العقلية والبراءة الشرعية من جهة اخرى وهي ان العلم الاجمالي اينما يتحقق أثر لأن حجيته منجعلة وليست مجعولة من الشارع إلا بجعل البدل وليس ذلك مناف لحجية العلم لرجوع ذلك الى ان للشارع التصرف في عالم الفراغ بجعل المفرغ فيكون في مقابل المفرغ الحقيقي مفرغا جعليا وقد بينا في مبحث القطع ان جعل المفرغ الجعلي لا ينافي وجود العلم إذ تنجزه كان في عالم الاثبات والمفرغ بالجعل في عالم السقوط وبالجملة اثر العلم لا يسقط إلا بجعل البدل وهو رفع اثر العلم.

اذا عرفت ذلك فاعلم انه قد يستفاد من الحديث جعل البدل وتقريبه هو ان الترخيص المستفاد من حديث الرفع لازمه ان يثبت التحديد للاقل ولا اشكال ان هذا التحديد في مرتبة الترخيص لا سابق عليه ولا لاحق له إذ يمتنع ان ينفك احد المتلازمين عن الآخر فعليه كيف يثبت الترخيص بالنسبة الى الاكثر مع ان تأثير العلم في مرتبة سابقة فلا بد من سقوط ذلك التأثير حتى يصح الترخيص بالنسبة الى المرتبة اللاحقة وهو انما يكون بجعل البدل اولا حتى يكون قابلا لورود الترخيص ولا يستفاد من الترخيص جعل البدل لاستلزامه الدور وهو باطل فالملزوم مثله.

فتحصل مما ذكرنا انه لا يعقل الانفكاك بين البراءة العقلية والبراءة النقلية بناء على كون العلم الاجمالي علة تامة إلا بجعل البدل من امارة واما حديث الرفع فقد ظهر انه لم يثبت به ولو ثبت فلا ينفع. نعم يمكن ان يجري الحديث بناء

على كون العلم الاجمالي مقتضيا على بعض المسالك واما بناء على مسلك من يقول بالاشتغال في باب العلم الاجمالي بالوجوب النفسي اما بالاقل او بالاكثر بناء على كون وجوب الاجزاء مقدميا إذ لا اشكال ان عنوان الجزئية انما ينتزع بعد تعلق التكليف بالمركب فهي عنوان متأخر بحسب الرتبة عن ذوات الاجزاء والشك قد تعلق بجزئية الاكثر لا بذات الاقل ولكن يجري بالنسبة الى العنوان المنتزع مثل الجزئية فانها عنوان متأخر عن الذوات ولا تحصل المعارضة لان جزئية الاقل مقطوع بها فلا يجري فيه الاصل لانه انما يجري بالنسبة الى المشكوك لا المقطوع فيجري الاصل في المقام بلا معارض ويكون المقام من مقامات عدم جريان الاصل في السبب لمانع فيجري في المسبب بلا مانع وما يقال بان الجزئية غير مجعولة لانها غير قابلة للرفع والوضع فلا يجري الاصل فيها اذ لم تكن مجعولة ممنوع لانها قابلة للجعل ولو بمنشإ انتزاعها وقد عرفت من مطاوي كلماتنا ان رفع الاحكام الوضعية انما تكون برفع الاحكام التكليفية وهي تارة برفع المقتضي واخرى تكون بايجاد المانع كما في المعاملات مثل اللزوم فانه يرتفع مع وجود العقد المقتضي واخرى تكون بايجاد المانع كما في المعاملات مثل اللزوم فانه يرتفع مع وجود العقد المقتضي له بجعل الخيار الذي هو المانع.

وبالجملة ان الاصل يجري مع كون العلم مقتضيا لا علة تامة إلا ان يكون مانع من جريانه مثل ما لو كان له معارض فحينئذ يجرى فيما لا معارضة له فالجزئية المنتزعة من امر متاخر عن الذات يمكن رفعها برفع منشئها. ودعوى انها غير قابلة للجعل عرفت انها ممنوعة وحيث قلنا بجريان البراءة العقلية فجريان البراءة النقلية يكون من الواضحات غير القابلة للانكار إلّا انه ليس المراد من رفع التكليف بالاكثر هو رفع التكليف الواقعي بجميع مراتبه وانما الرفع يتوجه الى الالزام الظاهري في مرتبة الشك ، واما المصلحة الانشائية فهي باقية على حالها لا يتوجه عليها الرفع لعدم الامتثال في رفعها ، ثم لا يخفى انه اشتهر على السنة الطلبة بل على السنة المدرسين بان الاستاذ (قده) في الكفاية عدل عن التفكيك بين البراءة

العقلية والنقلية ومنشأ ذلك ما ذكره في الحاشية فلا بأس للتعرض لكلامه بتوضيح منا

فنقول ان الحكم الفعلي تارة يكون مطلوبا للمولى حتى في ظرف الشك وبعبارة اخرى ان الطلب تام بنحو يكون مرادا حتى في ظرف الشك واخرى يكون مطلوبا على ذلك النحو فلا يكون مرادا حتى في ظرف الشك والاستاذ (قده) لم يجر البراءة النقلية في القسم الاول لانه يكون بجريانها ترخيص في محتمل المعصية وهو باطل لكونه من قبيل الترخيص في مقطوع المعصية. نعم بجريانها في القسم الثانى لا يكون كذلك لأن التكليف لما لم يكن واصلا الى مرتبة الشك فجعل الترخيص في تلك المرتبة لا ينافي الحكم الفعلي غير الواصل الى طرف الشك وليس كلامه مختصا في المقام بل ذكر ذلك ايضا في الشبهات البدوية وجريان البراءة النقلية في المقام احرى من جريانها في الشبهات البدوية فهو لا يقول بعدم جريانها في المقام بل يقول شرط جريانها كليا عدم وصول التكليف الى مرتبة الشك اذ لو وصل الى مرتبته يكون ترخيصا في محتمل المعصية وهو محل منع لكونه يندرج تحت قاعدة دفع الضرر المحتمل.

وبالجملة المتأمل في كلام الاستاذ في المقام مع كلامه في الشبهات البدوية يفهم ان مراده هو شرط جريان البراءة عدم كون التكليف تاما واصلا الى مرتبة الشك فلا يكون مثل ذلك مشعرا بالعدول وانما نشأ ذلك من عدم التعمق بكلامه. هذا كله بناء على القول بالاحتياط. واما بناء على ما هو المختار من جريان البراءة العقلية فلا اشكال من جريان البراءة النقلية لشمول حديث الرفع والحجب لنفي الجزء المشكوك بل لا مانع من جريان الاستصحاب اي استصحاب عدم وجوب الاكثر او عدم تعلق الجعل به سوى امرين احدهما دعوى معارضة ذلك بعدم تعلق الوجوب بالاقل او عدم جعل للاقل. وثانيهما ان ذلك لا يتم إلّا بالقول بحجية

الاصل المثبت اذ نفي الوجوب عن الاكثر لا ينفع ما لم يثبت لازمه وهو وجوب الاقل واثبات ذلك بالاستصحاب موجب للقول بالاصل المثبت ولكن لا يخفى النظر في ذلك اما عن الاول فهو مبني على اخذ حد القلة في معروض الوجوب في المرتبة السابقة وقد عرفت انه محل منع لما عرفت من ان الواجب هو ذات الاقل بنحو الاهمال المحفوظ في الحالتين وعليه لا معنى لاخذ هذا الحد الآتي من ناحية الوجوب في معروضه واما عن الثالث فان جريان الاستصحابين انما هو لحصول اركانهما من غير حاجة لاثبات وجوب الاقل لما عرفت ان العلم الاجمالي لما انحل الى علم تفصيلي بوجوب الاقل وشك بدوى والاصل العملي يرفع الشك واما الاقل فهو ثابت بحكم العقل بتحصيل الفراغ بالاتيان بما علم وجوبه وان لم يعلم بكونه تمام المأمور به وبالجملة الاستصحاب لم يثبت حد الاقلية لكي يكون مثبتا لما عرفت من عدم اخذ الحد في الاقل وانما الاقل محفوظ بذاته في ضمن الاكثر فجريانه يرفع الجزء المشكوك وذات الاقل يكفى في وجوب الاتيان به حكم العقل بوجوب اتيان ما علم هذا تمام الكلام في ما لو كان الترديد بين الاقل والاكثر في الاجزاء

الشك في الشرائط

واما لو شك في الاقل او الاكثر من جهة الشرط (١) فقد قسموا الاصحاب ذلك الى ما هو خارج كالطهارة بالنسبة الى الصلاة والى ما هو داخل كالايمان بالنسبة الى الرقبة.

__________________

(١) المسمى ذلك بالمركبات التحليلية وهي تارة تكون ما يحتمل دخله في الواجب على نحو الشرطية له وجود مستقل كالطهارة بالنسبة إلى الصلاة فان الحكم

اما الكلام بالنسبة الى القسم الاول المسمّاة بشرائط المأمور به فيجرى فيه

__________________

في هذا القسم بعينه هو الحكم في الاجزاء من حيث البراءة عقليها ونقليها من غير فرق بين ما اعتبر بنحو قد اخذ قيدا بين كونه من الشرط المتقدم او المقارن او المتأخر واخرى يكون ما احتمل دخله لم يكن منحازا إلّا انه لم يكن من مقوماته بل كان بنحو الصفة للموصوف والعارض للمعروض بنظر العرف كالرقبة الواجب عتقها لو ترددت بين كونها مطلق الرقبة او خصوص الرقبة المؤمنة فقد يقال بعدم جريان البراءة لعدم انحلال العلم الاجمالي في الفرض المذكور لما هو معلوم ان وجود الطبيعي في المقيد مغاير لوجوده في ضمن غيره فلم يكن الطبيعي فى غيره بعض المقيد بل يباينه ومعه كيف يرجع الى البراءة وقد اجيب عن ذلك بما حاصله ان ملاك الانحلال متحقق في هذا الفرض لجريان اصالة عدم التقييد لكونه كلفة زائدة ولا يعارضه اصالة الاطلاق فحينئذ ينحل العلم الاجمالي المتعلق بكلي الطبيعي المردد بين كونه مطلقا او مقيدا لجريان الاصل في طرف التقييد دون الاطلاق إذ الاطلاق يثبت السعة لا الضيق ولكن لا يخفى ان ذلك لا يتم بناء على علية العلم الاجمالي وان ملاك الانحلال في المقام هو انحلاله الى علم تفصيلي وشك بدوي وفي المقام الحصة المأخوذة في المقيد ليست هي المعلومة بالتفصيل لمغايرتها مع الحصة التي هي في ضمن فرد آخر.

وبالجملة لم يكن الاقل محفوظا بذاته دون اخذه في ضمن الاكثر لكي يكون معلوما بالتفصيل في المقام كما كان محفوظا في الاقل والاكثر في الاجزاء الخارجية وثالثة يكون ما يحتمل دخله مقوما كالفصل بالنسبة الى الجنس فانه على المختار من كون الملاك في الانحلال هو انحلاله الى علم تفصيلي وشك بدوي فلا اشكال ان المقام ليس من ذاك القبيل بل حتى على مبنى من يدعي ان ملاك الانحلال هو جريان الاصل من دون معارض ففي المقام اختار عدم جريان البراءة وقد استدل

جميع ما ذكره في الاجزاء الخارجية من دون زيادة ونقيصة إذ الارادة لما كانت منحلة الى القيد والمقيد بحيث يكون فعلية التأثير مستندا اليهما بان كان كلاهما مؤثرا

__________________

عليه بعدم حصول الجنس في الخارج إلا في ضمن الفصل فلا يعقل تعلق الحكم به من دون فصل فحينئذ يكون المقام من قبيل دوران الامر بين التعيين والتخيير فلا يكون الجنس حينئذ متيقنا والفصل بخصوصه مشكوكا لتجرى فيه البراءة وما ذكر لا يفرق بين ان يدور الامر بين التعيين والتخيير في اصل الشرطية ومرحلة الجعل بالنسبة الى الاحكام الواقعية كما لو شككنا في ان صلاة الجمعة في عصر الغيبة هل هي واجب عيني او تخييري وبين ان يدور ذلك في الاحكام الظاهرية كما لو شك في ان تقليد الاعلم هل هو واجب تعييني او تخييري وبين ان يدور الامر بينهما بالنسبة الى التكليف الفعلي كما لو علم بوجوب انقاذ غريق ووقع غريقان واحتمل احدهما نبيا فيدور الامر بين انقاذ ما يحتمل كونه نبيا بخصوصه او انقاذ احدهما.

ولا يخفى ان ما ذكرنا يجب الاتيان بما هو معين بخصوصه فيما اذا لم يحتمل كونه مباحا وإلا يكون من موارد جريان البراءة ولكن الانصاف ان البراءة تجرى في المركبات التحليلية كما تجري في الاجزاء الخارجية من غير فرق بينهما فان المعلوم بالاجمال الذي اخذ موضوعا للتكليف ينحل عند العقل الى معلوم ومشكوك فيه فالصلاة المشروطة بالطهارة عين ذات الصلاة المطلقة في الخارج كما ان الرقبة المؤمنة عين مطلق الرقبة والانسان عين الحيوان وانما الافتراق حصل من التحليل العقلي وهو متحقق في الجميع على السوية فان الصلاة المشروطة تنحل الى اصل الصلاة والاشتراط كذلك ينحل الانسان الى الحيوان والناطق فعليه في الجميع موجود ملاك الانحلال الذى هو معلوم تفصيلي وشك بدوي حيث انك تعلم تفصيلا بوجوب الجنس او نفس الصلاة ويشك في تقييدها بخصوصية الطهارة او بتفصيل الفصل فتجري البراءة في تلك الخصوصية فلا تغفل.

ضمنيا فيجرى فيه ما ذكرناه سابقا من كون الذات لو تحققت من دون تحقق القيد فعدم التأثير ليس مستندا الى قصور الذات بل مستندا الى عدم تحقق القيد وان كان سببا لعدم فعلية التأثير للذات إلا انه لم يوجب استناد تحقق المراد فيجري ما ذكرناه سابقا من دون زيادة ونقصان ، وانما الكلام صغروي بالنسبة الى بعض الشروط التي لا يمكن اخذها في حيز الطلب مثل قصد القربة فانها عبارة عن اتيان الفعل بداعي الامر فتكون من معاليل الامر ومن احواله وطواريه فكيف يكون داخلا في موضوعه فاذا لم يعقل تعلق الامر به فكيف يمكن جريان البراءة فيما لو شك في اعتبار قصد التقرب لأن البراءة انما تجري فيما امكن البيان فيه ولم يبين لا فيما لا يمكن البيان فلذا قلنا بان المرجع حينئذ قاعدة الاشتغال.

والتحقيق في المقام هو ان يقال أن الارادات المتعلقة بالمقيدات ومثلها المركبات تنحل الى ارادات متعددة بنحو تتعلق بكل قطعة ارادة لأن التكليف لما كان ناشئا من الغرض وهو يتوقف على امور يكون لكل واحد دخل في الغرض فما هو المحصل التام ليس إلّا المجتمعات في نظر العقل فحينئذ لا بد من حصول الامتثال بالاتيان بجميع ما للمامور به دخل من ذاته وقيوده ويعد ذلك امتثال واحد لا امتثالات متعددة تدريجية.

فان قلت ان الارادة لما كانت بحسب القطعات متعددة لا بد ان ينشأ منها اوامر وامتثال حسب تعدد الارادات فحين الاتيان بقطعة من تلك القطع لا بد وان يحصل الامتثال بمقدار ما اداه من القطع وإلّا اي وان لم يحصل الامتثال بل كان متوقفا على حصول الباقى فيلزم تحصيل الحاصل ، فعليه الاتيان بقطعة يحصل به امتثال قطعة من الارادة.

قلنا لنا ان تفكك بين فعلية الارادة وفاعليتها بيان ذلك ان الارادة لما كانت تنشأ من الغرض والغرض علة لها وهو بسيط يتوقف على الاتيان بجميع

ما لاحظ الآمر واعتبر المجموع شيئا واحدا فما لم يأت بجميع ما اعتبره الآمر فتكون الارادة باقية على فعليتها فسقوط الارادة المتعلقة بالمركب تتوقف على انطباق المأمور على المأتى به في الخارج على ما هو موجود في ذهن الشارع فما لم تنطبق الارادة فهي باقية على فعليتها لبقاء الغرض لأن الارادة لم تتعلق بما في الخارج حتى يقال بأن الارادة تسقط تدريجا من الفعلية باتيان المركب تدريجا بل على ما عرفت ان تعلق الارادة بالصورة الذهنية ولكن بنحو ترى خارجية وكونها مرآة للخارج فسقوط الارادة عن الفعلية متوقف على حصول الغرض ولما لم يحصل جزء من المركب تبقى الارادة على فعليتها إلّا انه من حيث الفاعلية والمحركية فالفعلية بالنسبة الى من لم يأت به باقية إلا انه من حيث الفاعلية والمحركية.

وبالجملة فالارادة المتعلقة بالمركبات وكذلك القيود والمقيدات على نحو واحد بحيث لو كان متعلق الإرادة ذات القيد فهي واقفة عليها بحدوده ولو كان متعلقها المقيد مع القيد فهي متعدية عن الذات ومنبسطة على القيد ايضا بنحو يكون كل من الذات والقيد مستقلا في التأثير بالنسبة الى حصة الغرض والقابلية فيهما ذاتية وانما تتوقف فعلية التأثير وحصول الغرض بتمامه على اتصاف الذات بالقيد وإلا فكل يسد بابا من ابواب انعدامه ويحفظ وجوده من ناحيته فكذلك لو تحققت الذات من دون القيد فلا قصور فيه من حيث سد باب العدم وانما المانع من تحققه عدم وجود القيد فعدمه مستند الى فقده لا إليه ووجود الذات المجردة ، وهكذا قصد القربة إذ ليس فرق من هذه الجهة بين سائر القيود وبين قصد القربة. فكما ان سائر القيود تكون فعلية التاثير فيها متوقفة على انضمام القيود للمقيد وان كان نفس المقيد بدون القيد يسد بابا من ابواب العدم فكذلك قصد القربة فانها لما كانت دخيلة في حصول الغرض تكون مثل سائر القيود في كون عدم حصول المراد مستندا الى فقد القيود ولا يستند الى الذات اذ هي باقية

على قابليتها وكونها سادة لعدم من تلك الاعدام ومن هنا نقول في مشكوك الاعتبار فيجري قاعدة قبح العقاب من دون بيان كما انه يجري الحديث كالشك في سائر القيود إذ هو نظيرها في كون عدم حصول المراد مستندا الى المفقود لا الموجود نعم يبقى الاشكال من جهة اخرى وهو ان مناط الرجوع الى قبح العقاب بلا بيان فما امكن البيان وفي قصد القربة لم يكن البيان فلا يجري قبح العقاب من دون بيان وكذلك الحديث يجري فيما امكن الوضع إذ ما امكن وضعه امكن رفعه وما لا يمكن وضعه لا يمكن رفعه ولازم ذلك في المقام ان تجري البراءة فيما شك في اعتباره في المأمور به باعتبار نفس الذات التي اخذت توأما مع قصد التقرب لعدم اخذ الذات مقيدة بالقربة لما عرفت من انها متأخرة عن الامر فكيف تؤخذ متقدمة عليه فذات المامور به بالنسبة الى القربة لا مطلقة ولا مقيدة وانما هي توأم معها لأن الامر العبادي نشأ عن مصلحة قائمة بالذات منضما الى قصد القربة فكيف تكون الارادة متعلقة بالذات المطلقة المجامعة مع الاتيان بدون قصد التقرب إذ لازمه ان يكون المعلول اوسع من العلة فعليه لا بد وان تكون الارادة تعلقت بما هو محصل للغرض وليس إلا الذات الذى هو توأم مع التقرب ولكن لا يخفى انك قد عرفت عدم الفرق بين قصد التقرب وسائر القيود من حيث كيفية تعلق الارادة وانها مع فقد القيود يكون المقصود مستندا الى المفقود من دون نقص في الموجود وان تأثيره الفعلي متوقف على الانضمام وليس البيان منحصرا بتقييد نفس ذلك الامر المتعلق بالذات بل يمكن حصوله بامر آخر يدل على كونه عباديا فلو شك في البيان يكون مجرى قاعدة قبح العقاب من دون بيان. ودعوى ان الشارع او كل البيان الى حكم العقل بالاشتغال فيكون رافعا لموضوع حكم القاعدة ممنوعة إذ الحكم بالاشتغال في رتبة متأخرة عن حكمه بالبراءة والعقل انما حكم بالبراءة والاتيان بما علم تفصيلا بوجوبه فالمشكوك منفي بمثل الحديث والحجب وغيرهما ، وعليه كيف يعتمد على

حكم العقل بالاشتغال باتيان المشكوك مع انه مرخص فيه في الرتبة السابقة.

وبالجملة المرجع في المقام البراءة لا الاشتغال والأنصاف انه يمكن ان يجاب عن ذلك بوجه آخر وهو ان الجمل تارة تتمحض للاخبار كما في الجمل الخبرية واخرى تتمحض للانشاء كما في المعاملات ، وثالثة واجدة للامرين كانشاء الاحكام فانها مع كونها انشاء للاحكام فيها جهة حكاية عن الإرادة متحققة في نفس المولى ولا بد له من كشف مراده ولما لم يكن كشف مراده بالامر الاول في مثل قصد التقرب فله ان يكشف مراده بالامر الثاني المتعلق بالذات مع قصد التقرب وهاتان الارادتان طوليتان واقعا ولا ينافي تعلقهما بما هو محصل للغرض اذ ذلك لا يرتبط بعالم الطلب لما هو معلوم بالوجدان تحقق امور ثلاثة طولية ذات الشىء والامر به والاتيان بداعي الامر ولا ينافي محصليته للغرض كونهما طوليين فتحصل مما ذكر انه لا فرق بين قصد القربة وبين سائر القيود فكما انها تجري فيها البراءة كذلك تجرى البراءة في مثل قصد التقرب وشبهة كونها شك في محصل الغرض آتية في سائر القيود أيضا. فدعوى الفرق بين سائر القيود وبين مثل قصد التقرب في غير محلها هذا كله بالنسبة الى القيود الطولية والعرضية.

واما الكلام بالنسبة الى القسم الثاني وهو ما لم يكن له وجود في قبال المشروط بل وجوده عينه كما لو تردد وجوب الاكرام مثلا بين خصوص زيد وبين اكرام مطلق الانسان ويكون زيد من باب انطباق الطبيعة المأمور بها عليه ويكون من التخيير العقلي أو كان التردد بين مطلق العتق وبين خصوص عتق الرقبة المؤمنة في خصال الكفارة ويكون من باب التخيير الشرعي فقد توهم جريان البراءة في هذا القسم كالقسم الاول حيث ان مرجعه الى ان المطلوب مطلق الطبيعة او منضما الى الخصوصية وهو من باب الاقل والاكثر فانه من موارد جريان البراءة العقلية والنقلية ولكن لا يخفى ان ذلك توهم فاسد إذ المقام من باب جريان

الاحتياط لا من موارد جريان البراءة لرجوع الشك في المقام الى الشك في ترتب العقوبة فيما اذا ترك اكرام زيد وعمرو وهل ترتبها على نفس الجامع حتى يكون لترك اكرام عمرو مدخلية او خصوص زيد لكي يكون لترك خصوص حصة زيد مدخلية.

وبالجملة الامر يدور في المقام بين تعلقه بحصة مخصوصة من الطبيعة او مطلق الحصة ويكون ذلك من قبيل دوران الأمر بين المتباينين وحينئذ يكون من موارد جريان قاعدة الاشتغال وذلك باتيان الفرد المعين لا باتيان الفردين هذا في التخيير العقلي وقد عرفت انه مجرى الاحتياط واما التخيير الشرعي كخصال الكفارة فان قلنا بان التكليف المتعلق بكل واحد من تلك الخصال يرجع الى تعلق الامر بالجامع للحاظ وحدة الغرض فيكون حاله حال التخيير العقلي من عدم جريان البراءة ويكون من موارد جريان الاحتياط وان قلنا على ما هو التحقيق من ان الامر قد تعلق بامور متباينة من دون رجوعه الى جامع بينهما فحينئذ ربما يقال بانه يكون من باب الاقل والاكثر وعليه تجري فيه البراءة دون الاحتياط ولكن الحق انه من موارد جريان الاحتياط لا البراءة على هذا المبنى أيضا فان ذلك وان لم يكن من قبيل دوران الأمر بين خصوصية وحصة ولكنه من قبيل دوران الامر بين ترك ما يحتمل وجوبه معينا او تركه في ظرف عدمه لو كان الوجوب تخييريا وحينئذ يكون امره دائرا بين حرمة احد التركين فتكون حرمة احدهما مما يعلم به اجمالا ومقتضى ذلك العمل على طبق العلم الاجمالي لعدم المانع من تنجزه وذلك يقتضي الاحتياط فافهم وتأمل.

تنبيهات الاقل والاكثر

وينبغي النبيه على امور الاول فيما لو كان الشك في المحصل وكان دائرا بين الاقل والاكثر كما لو كان الواجب أمرا بسيطا كالطهارة الحدثية أو الخبثية الحاصلة من الغسلات بناء على أن المأمور به هو نفس الطهارة وان مثل الغسلات محصلات له وقد جعل الشيخ الانصاري (قده) الشبهة الموضوعية فيما لو كان دائرا بين الاقل والاكثر من الشك في المحصل ولذا قال بالاحتياط ، كما انه قيل برجوع الشك في الاقل والاكثر الى ذلك بدعوى انه بناء على مذهب العدلية من تبعية الاحكام للمصالح والمفاسد ان الاغراض هي التي تكون مطلوبة وهي عناوين بسيطة يترتب على تلك الافعال الخارجية فحينئذ تعلق الطلب بها من باب المقدمية فالشك في اعتبار شىء فيها يكون من الشك في المحصل ولأجل ذلك قيل بالاحتياط في جميع اقسام الاقل والاكثر لرجوع الشك في ذلك الى الشك في سبب تحقق المأمور به فيكون شكا في المحصل الذي هو مجرى قاعدة الاشتغال. وقد اجاب بعض الاعاظم (قده) بان الافعال الخارجية لو كانت بالنسبة الى الاغراض من المسببات التوليدية بنحو لا تتوسط فيها ارادة فاعل مختار كالقتل والاحراق مثلا فيعد من الشك في المحصل ولكن ذلك محل منع حيث ان الافعال بالنسبة الى الاغراض من قبيل المعد كما في مثل صيرورة الزرع سنبلا فان نفس الفعل الخارجي من حرث الارض والقاء البذر لم يكن سببا توليديا لصيرورته سنبلا لكي يكون تحت اختيار المكلف فيكون صالحا لتعلق التكليف بل يحتاج الى صيرورته سنبلا الى توسط اشياء أخر من الهواء وعدم وجود ما يمنع من ذلك من الامور غير

الاختيارية ولكن لا يخفى ما فيه فان المصالح والملاكات والاغراض لا تكون تحت التكاليف لو كان تعلقه بنحو يكون طاردا لجميع الاعدام لكونه غير مقدور للمكلف على هذا النحو ولكن لا مانع من تعلق التكليف بنحو يكون طاردا للعدم على نحو كونه معدا ويرجع ذلك الى انه يجب حفظ الغرض وسد باب عدمه من ناحية المقدمات الاختيارية.

ودعوى ان ارادة الآمر تابعة لإرادة الفاعل فمع عدم تعلق ارادة الفاعل كيف يعقل تعلق ارادة الآمر والمفروض في المقام عدم تعلق ارادة الفاعل لوجود امور غير اختيارية متوسطة بين الفاعل والمطلوب فيكون غير اختيارى ممنوعة حيث انك قد عرفت ان ذلك يتم لو كانت الارادة تتعلق بحفظ وجود المطلوب من جميع الجهات وسد باب العدم من جميع انحاء العدم فان ذلك يوجب كون الفعل المتعقب لامور غير اختيارية يكون غير اختيارى ولكن لا ينحصر تعلق الإرادة بذلك النحو بل يكفي في تعلقها سد باب العدم من ناحية المقدمات الاختيارية. وعليه الشك في تحقق كون المحصل للغرض او المصلحة هو الأقل او الاكثر يكون من الشك في المحصل الموجب لجريان قاعدة الاشتغال لا البراءة فيتوجه الأشكال إلّا أنّك قد عرفت منا سابقا بان التكاليف ولو قلنا بتعلقها بالاغراض او المصالح إلّا ان الحاكم بالفراغ هو العقل ولا اشكال ان الفراغ انما هو بمقدار ما اشتغلت به الذمة ولا اشكال باشتغال الذمة بالاقل فيحكم العقل بفراغ ما اشتغلت به الذمة وليس الاقل فيجب حفظه بذلك المقدار وحينئذ يشك في الزائد فتجري فيه البراءة واما الشبهة الموضوعية فهي عبارة عن الشبهة المصداقية بمعنى انا نشك في الموضوع الخارجي في اتصافه بعنوان كونه موضوع الكبرى كما لو شك في عالمية زيد بعد العلم بتحقق الكبرى وهو اكرم العلماء ومرجع ذلك الى الشك في سعة الحكم وضيقه من ناحية الخطاب من غير فرق بين كون الكبرى

اخذت على نحو العام الاستقراري او العام المجموعي فان فيهما يرجع الى الشك في الامور الخارجية غايته على الاول من الاقل والاكثر الاستقلاليين وعلى الثاني من الاقل والاكثر الارتباطيين ومن الواضح ان الشبهة في الموضوع على هذا النحو مرجعها البراءة وليست من الشك في المحصل لأن الشك فيه تارة يكون في السبب فتكون حكمية لا موضوعية وان كانت في المسبب تكون موضوعية لامر بسيط لا تردد فيه بين الاقل والاكثر إلا ان يكون ذلك البسيط له مراتب كالنور لكن الشبهة تكون حكمية بالنسبة الى المامور به لا موضوعية ومن هنا تعرف الاشكال في ما ذكره الشيخ الانصاري من ارجاع الشبهة في الموضوع الى الشك في المحصل وتمثيله بذلك بما بين الهلالين فان حمل كلامه على الاول قد عرفت انه ليس من الشك في المحصل وانما هو مجرى لقاعدة البراءة لرجوعه الى الشك في سعة التكليف وضيقه وعلى الثاني فليس من الشبهة الموضوعية بل هي من الشبهة الحكمية.

اذا عرفت ذلك فاعلم ان المشهور عدم جريان البراءة وجريان الاشتغال في الشك في المحصل نظرا الى ان الشك في دخل شىء في تحققه راجع الى الشك في حصول الفراغ منه وهو من موارد جريان الاشتغال لان شغل الذمة اليقينية يستدعي الفراغ اليقينى من غير فرق بين كون الامر البسيط له مراتب وكل جزء من السبب يوجب حصول مرتبة من ذلك الامر البسيط حتى تحصل المرتبة الخاصة المترتب عليها الامر كما يستفاد ذلك من اخبار غسل الجنابة من ان تحت كل شعرة جنابة فبلوا الشعر وانقوا البشرة وفي رواية اخرى ما جرى عليه الماء فقد طهر وكما ورد كل شىء امسسته الماء فقد انقيته وبين ما يكون الاثر المترتب البسيط ليس له مراتب بل حصوله يكون دفعيا ولكن لا يخفى ان التحقيق يقتضي التفصيل بين ما يكون الاثر تدريجي الحصول وبين ما يكون حصوله دفعيا بتسليم جريان

الاشتغال في الثاني دون الاول حيث ان الشك في الاول راجع الى الشك في سعة ذلك الامر البسيط وضيقه فاذا رجع الامر الى ذلك فلا مانع من جريان البراءة عقليها وشرعيها بخلاف الثانى حيث ان الاثر لما كان دفعي الحصول وتحققه انما يكون عند تحقيق الجزء الاخير كان التكليف قد تنجز بمفهوم مبين معلوم تفصيلا لعدم الايهام في مفهومه فانه معلوم مبين تفصيلا وعليه الشك في دخل شىء في تحققه يوجب الشك في الفراغ وحينئذ العقل يستقل في مثله بالاحتياط كما لا يخفى

القاطعية والمانعية

التنبيه الثاني في القاطع والمانع فنقول : المانع هو ما اعتبر عدمه في المامور به فيرجع الكلام فيه الى الشك في الشرطية وسيأتي مزيد توضيح إن شاء الله تعالى والقاطع هو ما اعتبر فيه عدم الشىء في المأمور به مثل المانع إلا انه على نحو يكون ادخاله في المأمور به يوجب سلب وصف مثل الهيئة الاتصالية وهو تارة يكون الشك فيه ناشئا من اعتبار ذلك الوصف وعدمه مثلا ان نية الخروج من الوضوء يشك في انها موجبة لابطال الوضوء ام لا؟ وهذا الشك ناشئ من جهة اعتبار الوصف وهو الهيئة الاتصالية حتى يكون موجبا للبطلان ام لا يكون معتبرا حتى لا يكون موجبا للبطلان ولا يخفى ان هذه الصورة مرجعها الى ان الوصف هل هو معتبر ام لا؟ ومن الواضح ان الشك في مثل ذلك الى اصل البراءة ، واخرى يكون منشأ الشك في كون الامر الحادث متصفا بايجاد القاطعية ام لا بعد القطع في اعتبار ذلك الوصف مثل ما لو وقع في الصلاة فصل فشك في ان هذا الفصل قاطع للصلاة ام لا؟ بعد القطع بان الصلاة لها جزء مادي

وهو الركوع والسجود ونحوهما وجزء صوري وهو الهيئة الاتصالية وفي هذه الصورة يكون من موارد جريان الاحتياط إذ الشك انما هو فى المحصل بعد القطع بنفس التكليف وهو اعتبار الهيئة الاتصالية وجريان الاحتياط في المقام من باب حكم العقل بالاشتغال لا من باب استصحاب الاشتغال فيكون المقام من قبيل الشك في الحجية الذي هو معلوم ان نفس الشك يكفي في عدم كونه حجة اللهم إلا ان يقال ان هذا انما يتم لو كان ذلك الوصف امرا خارجيا ثابتا للاجزاء على نحو مفاد كان الناقصة فلا مجال للاستصحاب لانه لم يترتب عليه اثر عملي إلا على القول بالاصل المثبت واما لو قلنا بان الوصف ليس إلا عبارة عن كون الاجزاء متصلة فيكون على نحو مفاد كان التامة فلا مانع من الاستصحاب ولم يكن نفس الشك كافيا في حكم العقل لان الشك مسيب عن الشك في بقاء الوصف وعدمه. وبالجملة ان الاستصحاب لا مانع منه سواء كان الشك في الشرط أو الجزء أو المانع من حيث الشبهة الحكمية.

واما الكلام فيها من حيث الشبهة الموضوعية فالذي يظهر من اصحابنا عند تتبع كلماتهم جريان الاشتغال ولا يجرون البراءة كما فيما لو علم بتوارد حالتي الطهارة والحدث فيقع الشك في الطهارة الحدثية وحينئذ اما لتعارض الاصلين ولا تجري البراءة واما من جهة عدم شمول الاخبار عن مثل هذا المورد ، ومثله أيضا فيما لو شك في اتيان جزء من الصلاة فيما لم تنطبق قاعدة التجاوز او الشك بعد الفراغ ففي مثل هذا وامثاله يجرون الاحتياط ولا يجرون البراءة ولكن فيما اذا لم يكن هناك اصل موضوعى ففي المثال الاول ربما تقع المناقشة فيه من جهة توهم جريان الاصل الموضوعي اما بالاصل الجاري قبل طرو الحالتين او ضده ولم تكن المناقشة كبروية اى في حكم العقل في امثال المقام بالاشتغال فيما اذا لم يكن اصل موضوعي نعم ربما يقال بعدم جريان البراءة في المقام.

وجريان الاشتغال ليس من جهة حكم العقل بتحصيل الفراغ بل من جهة ان

اجراء دليل البراءة مثل حديث الرفع يوجب الاشتغال لان اجراء دليل البراءة مفاده عدم ترتب الآثار على وجوده وتنزيله منزلة العدم ولازمه اتيانه لعدم وجوده تنزيلا على تقدير وجوده واقعا ولكن لا يخفى ان حديث الرفع انما هو في مقام الامتنان فلا يكون ذلك الدليل مفيدا لاثبات كلفة على المكلف لان اثباته خلاف الامتنان فافهم.

اللهم إلّا ان يقال بانه لنا تقريب آخر في اجراء الحديث وهو انه كما ان للشارع التصرف في مرحلة اصل الاشتغال له التصرف في الفراغ بجعل البدل فيكون حكم العقل بالنسبة الى عالم الفراغ تعليقيا لا تنجيزيا فيمكن للشارع ان يجعل ترخيصا في عالم الفراغ وبعبارة اخرى ان العقل لما الزم بالاتيان بالمأمور به في ظرف الفراغ فللشارع ان يجعل فراغا جعليا بان يردع عنه فحينئذ ببركة الحديث يحصل الرفع عما الزم العقل باتيانه ويكون ما احتمل اتيانه كان آتيا وهذا لا ينافي كون الحديث في مرحلة الامتنان ولكن لا يخفى ان هذا لا يتم على المختار في حديث الرفع من انه لا يستفاد منه جعل البدل خلافا لما ظهر من الاستاذ (قده) من استفادة ذلك.

ومما ذكرنا يظهر حال الشبهة في الموضوع الذي هو المنشأ في الشبهة في الحكم مثلا لو شك في وجوب غسل الصدغ في الوضوء للشك في انه من الوجه ام لا؟ فبناء على ان هذه الافعال مقدمة للطهارة فمن الواضح يكون الشك في اعتبار ما يحتمل الاعتبار من موارد جريان قاعدة الاحتياط اذ التكليف لا قصور فيه وقد تعلق بامر مبين لا اجمال ولا اهمال فيه وهو نفس الطهارة اى النظافة المسببة عن الافعال المخصوصة وانما القصور في المحقق والمحصل فعليه لا مجال لجريان قبح العقاب بلا بيان. نعم يمكن جريان البراءة بناء على الاستفادة من حديث الرفع جعل البدل كما ادعاه الاستاذ (قده) هذا كله في الشرط والجزء.

واما الكلام في المانع الذي مرجعه الى اشتراط عدم الشىء في المأمور به فمرجعه في الحقيقة الى الشك في تعلق التكليف لانحلاله الى نواهي متعددة حسب تعدد الموضوعات ففي كل مورد يشك في كونه مصداقا للمانع مرجعه الى الشك في ان المأمور به مقيد بعدم هذا الشىء ام لا؟ فلا اشكال في كونه من موارد جريان البراءة بخلاف الجزء والشرط إذ ليس التكليف المتعلق بهما ينحل إلى تكاليف متعددة والتقييد بالنسبة اليهما من حيث ايجاد المعدوم لا التكليف بعدم ما هو الموجود فارغا عنه فالشك في الجزء والشرط لم يكن بالنسبة الى الحكم الشرعى المتعلق بالموضوع الخارجي بخلاف المانع فانه يرجع الى الشك في حكم الشارع ولذا يكون من موارد اصل البراءة وليس من موارد اصالة الاشتغال هذا كله فيما لو اخذ النهي على نحو الطبيعة السارية.

واما لو اخذ على نحو صرف الوجود فالمرجع في الشك فى المانع هو الاحتياط لأن الشك في ذلك يكون من الشك في المحقق والمحصل اذ النهي على هذا التقدير لم يكن متعددا وانما هو نهي واحد قد علم به ومتعلقه امر مبين لا اجمال فيه فلذا يكون المرجع في هذه الصورة هو الاحتياط بخلاف الصورة الاولى.

ولكن لا يخفى ان ما ذكرنا من صرف الوجود فبالنسبة الى ناحية الوجود تحصل التفرقة بين الصورتين ، واما بالنسبة الى العدم فلا فرق بين صرف الوجود والطبيعة السارية لأن انعدام الطبيعة بجميع افرادها لا يفرق الحال بين النحوين اذ كما يحصل التعدد على نحو الطبيعة السارية بالنسبة الى الافراد كذلك يحصل التعدد فيما لو كان على نحو صرف الوجود باعتبار المراتب فيه.

وبالجملة على النحو الاول التعدد بالنسبة الى الافراد ، والتعدد على النحو الثاني بالنسبة الى المراتب.

وحاصل الكلام ان القاطع والمانع وان اشتركا من حيث الاخلال بالمأمور به

إلا انه يمتاز احدهما عن الآخر فان المانع يكون عدمه مأخوذا فى المأمور به وله دخل في الملاك بخلاف القاطع فانه لم يوجد عدمه في المأمور به وانما هو معنى لما هو المعتبر من اخذ الجزء الصوري في المأمور به وهو الهيئة الاتصالية. وقد عرفت حكم كل واحد منهما مع العلم بانه مانعا او قاطعا ، واما لو شك في القاطع فتارة يشك فى كونه مانعا او قاطعا مع العلم بان الواقع لا يخلو من احدهما واخرى لا يحصل له العلم باحدهما بل يحتمل انه ليس شيئا منهما ، وثالثة الشك في القاطعية من جهة الشك في اعتبار الجزء الصوري ، ورابعة من جهة الشك فى كونه مصداقا للقاطع مثل التبسم هل هو مصداق للضحك الذى هو قاطع للصلاة ام لا؟

اما الصورة الاولى فلا اشكال في وجوب التحرز للعلم باخلاله اما لكونه مانعا او قاطعا ، واما الثانية فان الشك في القاطعية او المانعية من جهة الشبهة البدوية فيرجع الى الشك فى التكليف وهو من موارد جريان البراءة كما ان الثالثة يكون الشك فيها يرجع الى اعتبار جزئية الهيئة الاتصالية الراجع الى الشك فى دوران الامر بين الاقل والاكثر وقد عرفت انه من موارد جريان البراءة ، واما الرابعة فالشك في مصداق القاطعية تارة للشبهة الحكمية او للشبهة الموضوعية فالمرجع هو استصحاب بقاء الجزء الصوري وهو الهيئة الاتصالية من دون حاجة الى استصحاب بقاء الهيئة الاتصالية في مشكوك القاطعية لامكان منعه لعدم كونه رافعا للشك في بقاء الهيئة الاتصالية الذي له الاثر وترتب بقاء الهيئة الاتصالية عقلي لا شرعي فلذا قلنا بجريان الاستصحاب المذكور الجاري فى المسبب فلا تغفل.

نسيان الجزء

التنبيه الثالث فيما لو نسي بعض اجزاء المركب فهل يجب الاتيان بالباقي ام لا؟

فنقول تارة يكون هناك اطلاق دليل يدل على المركب بنحو يكون طلبه مطلقا ـ اي في جميع الاحوال ـ واخرى لا يكون لدينا ذلك الاطلاق. فعلى الاول فألسنة الادلة الدالة على المركب مختلفة فبلسان يكون وصفا مولويا مثل لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب وحينئذ مثل هذا الدليل يقتضى المطلوبية على كل حال واخرى يكون لسانه ارشاديا كما ادعي في الاوامر المتعلقة باجزاء المركب وان كنا قد اوردنا في محله على انها ظاهرة في المولوية الضمنية لا الارشادية وانه لا ينبغي رفع اليد بالكلية عن المولوية وعلى اي حال اذا كان لسان الدليل ذلك فأيضا لا يختص بحال الذكر بل يعم حال الذكر والنسيان وثالثة يكون لسانه الزاميا فقد توهم اختصاصه بحال الذكر إذ الغافل لا يمكن ان يتوجه اليه مثل هذا الامر الالزامي ولكن لا يخفى ان الالزام انما هو مستفاد من الهيئة وحيث ان المكلف غافل لا يتوجه اليه التكليف فتسقط الهيئة من الدلالة على الالزام وحينئذ يبقى اطلاق المادة الدال على اعتبار الجزء حتى في حال نسيانه وعليه ترتفع فعلية الالزام في حق الناسي ولكن اطلاق المادة المقتضية لكونه جزءا في حال النسيان يدل على انه لو تذكر يجب اتيانه بالامر الاول.

اللهم إلا ان يقال بان الالزام المستفاد من الهيئة يتبع المادة سعة وضيقا اذ المادة انما تنبعث من الغرض فلا يعقل ان يكون أوسع من الغرض لفرض كونها من معاليل الغرض فكذلك بالنسبة الى الهيئة ايضا سعة وضيقا تتبع المادة لكون الهيئة تعد من توابع المادة فلا يعقل التفكيك بين المادة والهيئة وحينئذ فبهذا

الحكم العقلي يكون الكلام من قبيل المحفوف بالقرائن المتصلة فيرتفع ظهور اطلاق المادة فكيف يتمسك باطلاق المادة ولكن لا يخفى ان هذا الحكم العقلي انما هو من القرائن المنفصلة لان تكليف الغافل ليس من الامور التي لا تحتاج الى تأمل بل تحتاج الى ترو.

فعليه إنما يوجب هذا الحكم العقلي سقوط حجية الظهور لا اصل الظهور وينتج من ذلك انه بالنسبة الى ما بعد التذكر يجب الاتيان به بمقتضى الامر الاول.

وبالجملة على جميع هذه التقادير التكليف شامل للمتذكر والناسي كما لا يخفى ، واما على الثاني وهو عدم وجود دليل لفظي يتضمن الاطلاق ولكن قام دليل لبي مثل الاجماع ونحوه يدل على اعتبار جزئية شىء للمركب فحينئذ ليس لذلك الدليل اطلاق يتمسك به للناسي فحينئذ يشك في اعتباره بالنسبة الى الناسي فيرجع فيه الى الاصل لشمول حديث الرفع له كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى

ثم لا يخفى قد اشكل الشيخ الانصاري (قده) على توجه الخطاب للناسي بما حاصله ان امتثال التكليف لا بد ان يؤتى به بداعي الامر المتعلق به ومع كونه غافلا لا يعقل الاتيان به بهذا الداعي اذ لا يعقل التوجه اليه بعنوان الناسي فما يأتى به غير مأمور به وما امر به لم يأت به ، ولكن لا يخفى انه وان لم يمكن بهذا العنوان ان يتوجه التكليف الى الناسي ولكن يمكن ان يتوجه اليه بعنوان آخر مثل ايها المؤمن أو أيها المكلف او بعنوان ملازم للاتيان بالناقص فحينئذ يكون الناقص قد تعلق به الامر فيجب الاتيان به بذاك الداعي اللهم إلّا ان يقال بان مراد الشيخ (قده) ان من شرط دعوة لامتثال شىء العلم به لا نفس وجوده الواقعي فيكون العلم بالدعوة في مرحلة الامتثال لها موضوعية فعليه اى امر يتوجه الى الغافل باي عنوان لا بد وان يكون محدودا بحد النقصان والغافل يتوهم ان ما اتى به من الناقص هو تمام المطلوب فلا يكون هذا التوهم داعيا للامتثال فلا يكون الامر بالناقص داعيا له لعدم العلم به.

فان قيل المقام من الخطأ في التطبيق ، قلنا ضابط الخطأ في التطبيق ان الواقع ينطبق على ما يزعمه المكلف وليس المقام كذلك إذ ليس الواقع ينطبق على ما توهمه المكلف لانهما امران متباينان احدهما متعلق بمركب تام والآخر متعلق بمركب ناقص. فدعوى انه من باب الخطأ في التطبيق في غير محله ولكن التحقيق انه لا دليل على لزوم كون الامر بالخصوصيات الخارجية والحدود الشخصية يكون داعيا للعمل بل غاية ما يلزم في العبادات ان تكون ارادة المولى داعية وهي المعتبرة في ذاتها ، واما الخصوصيات من كونها هي الثلاثة او الاربعة فلا دليل على اعتبارها فحينئذ لو فرض كون الامر في الواقع متعلقا بالاربعة واختص بالتذكر والغافل قد زعم ان الامر قد تعلق بالثلاثة فاتى بذلك العمل فلا وجه لفساد المأتي به. اللهم إلّا ان يقال بانه بناء على القول بان الالفاظ موضوعة للصحيح في العبادات فالجامع هو الذي تعلق به الامر وتكون الافراد الخارجية من قبيل انحصار الكلي في هذه المصاديق لا أن المصاديق هي المأمور بها فحينئذ لو بني على دخول الحدود في حيز الامر بنحو يكون اتيان العمل بداعي ذلك الامر الخاص ومع ذلك لا يضر قصد الامر التام بتحقق الداعي الصحيح إذ المفروض كون الجامع منطبقا على ما يقصده.

هذا كله فيما اذا لم يكن للمركب اطلاق. واما لو فرض وجود الاطلاق في المركب وحينئذ إما ان يكون لدليل الجزء اطلاق يشمل جميع الاحوال فبالنسبة الى حال الذكر يخصص دليل المركب بدليل الجزء لان دليل المركب نص في اعتباره ، واما بالنسبة الى حال النسيان تقع المعارضة بين دليل المركب ودليل الجزء فيتساقطان ويرجع الى الاصل لان دليل الجزء لما كان مطلقا فيؤخذ بالقدر المتيقن ويقيد دليل المركب بحال الذكر وبالنسبة الى حال النسيان ليس قابلا لرفع ظهور دليل المركب. ودعوى ان هذين الاطلاقين بمنزلة قرينة وذيها فحينئذ

يجب رفع اليد عن ظهور دليل المركب مطلقا ممنوعة بان ذلك انما يتم فيما اذا لم يكن لدليل الجزء اطلاق ، واما فيما اذا كان هناك اطلاق فلا يرفع اليد عن اطلاق دليل المركب بل يكونان متعارضين فيتساقطان فيرجع الى اصل البراءة لعدم المانع من جريانها ، هذا كله بالنسبة الى الاصل الاولى.

واما الكلام في الاصل الثانوي وان حديث الرفع هل يرفع الجزئية بالنسيان فيما لم يجر فيه الاصل الاولي لعدم وجود اطلاق لدليل الجزئية ام لا؟

فنقول جريان الحديث بالنسبة الى المورد لا اشكال فيه لأن الشك في ان كل ما هو جزء في حال الذكر هل هو جزء مطلقا حتى في حال النسيان فيكون سبب جريان الحديث رفع الجزئية المطلقة الذي لازمه انه لو ترك في حال النسيان لا عقاب او ان الجزئية مختصة بحال الذكر ففي حال النسيان من الاول لا جزئية ففي الحقيقة يرجع الشك الى الجهل بالحكم الشرعي بالنسبة الى كيفية الجعل الشرعي وانه يترتب من قبل تركه عقاب ام لا؟ فببركة هذا الحديث يرفع هذا الاحتمال. هذا ولكن الكلام في المراد من رفع النسيان وبيانه يتوقف على فقه الحديث.

فنقول يحتمل ان يراد من رفع النسيان بلحاظ اثره وقد يكون المراد برفعه رفع المنسي فان كان المراد به الاول فيكون المحصل من رفع النسيان جعل ترك الجزء المنسي بمنزلة عدمه وجعل هذا الترك بمنزلة عدمه اي رفع اثره وهو وجوب الكل الذي هو المركب من هذا المنسي ومن غيره ولو لم نجعل هذا الأثر لم يتصور لذلك الترك اثر فحينئذ يرد اشكال الشيخ الانصاري (قده) بان رفع الجزء من الآثار العقلية للنسيان فكيف يرفعه حديث الرفع ، ورفع وجوب الكل قد جعله هو الأثر بناء على كون وجوب الاجزاء غيريا فرفعه لرفع جزئية الجزء المشكوك يكون مثبتا للوازم مع انه من المعلوم ان حديث الرفع يستفاد منه النفي ولا يثبت شيئا.

وبالجملة لا يكون اثره رفع وجوب الاعادة. وكيف كان فالاولى ان يمنع جريان الحديث رأسا لانه على ما تقدم منه (قده) في الشبهة التحريمية من ان آثار النسيان لا ترتفع بالحديث كما لا يخفى. واما على الثاني اي ان يجعل المرفوع هو المنسي ويجعل عنوان النسيان عنوانا مشيرا الى المنسى فيكون الرفع حينئذ ناظرا الى الحكم الفعلي او الحكم الاقتضائي وقد عرفت انه بالنسبة الى الحكم الفعلي رفعه عقلي ولا حاجة فيه الى الحديث وان كان الحكم الاقتضائي فنقول انه امر تكويني غير قابل للتصرف الشرعي إلا بلحاظ رفع الحكم الفعلي ووجوب الاعادة وقد عرفت انه بالنسبة الى الناسي رفعه عقلي.

فتلخص مما ذكرنا ان رفع النسيان لا معنى له بل الطريق منحصر في ما لا يعلمون لان هذا مما يشك في جزئيته فيكون من موارد جريان الحديث كما لا يخفى هذا كله بالنسبة الى الاصل الثانوى فيما لو شك في جزئية شىء او شرطيته.

حديث الرفع

التنبيه الرابع في التمسك بحديث الرفع لرفع جزئية المنسي والاعادة بعد التذكر وهو تارة يكون بعنوان النسيان واخرى بعنوان ما لا يعلمون ، وعلى الاول يكون معنى رفع الجزئية حال النسيان هو عدم الجزئية حاله وتختص بحال التذكر ولازمه ان يكون الماتي به في حال النسيان مجزيا ولا اعادة ، وعلى الثاني يتمسك بالحديث إذ لا قصور في التمسك به في رفع جزئية المنسي للطبيعة المأمور بها حال النسيان إلا ان يقال انه فرق بين التمسك بالحديث في المقامين.

ففي ما لا يعلمون يكون رفع الجزئية بعنوان المشكوكية فيكون باقيا ببقاء موضوعه حتى مع رفع النسيان فلو كان الشك باقيا في حال التذكر فيبقى الرفع لبقاء موضوعه ولازم ذلك هو ان المأتى به في حال التذكر من مصاديق الطبيعة ظاهر فلا يجب الاعادة لسقوط الأمر المتعلق بالطبيعة حال النسيان. وعليه لا مجال لدعوى ان اطلاق الادلة يقتضي الاعادة لفرض عدم وجود اطلاق في المقام إذ لوجد لا معنى للرجوع الى البراءة بخلاف ما لو كان الرفع بعنوان النسيان فانه عند التذكر يجب الاعادة لفرض تحقق اطلاق في ادلة الاجزاء فيشك في سقوط التكليف فتجري قاعدة الاشتغال وليس من موارد اصل البراءة ولكنه خلاف الفرض إذ الكلام فيما لم يكن هناك اطلاق.

ولكن لا يخفى ان دعوى اجزاء المأتي به حال النسيان وعدم وجوب الاعادة بعد التذكر تحتاج الى الالتزام باحد امور ثلاثة : ـ

الاول ان يكون الحديث ناظرا الى رفع دخل الجزء المنسي في مصلحة المركب في ظرف النسيان.

الثاني ان مقتضى رفع الحديث لجزئية المنسي هو تحديد دائرة الطبيعة المأمور بها في حال النسيان فى بقية الاجزاء ولو كان بجعل البدل.

الثالث الالتزام بتعدد المطلوب بان يكون المطلوب تمام الاجزاء والشرائط ومطلوب آخر وهو ما يشتمل على ما عدا الجزء المنسي.

ولكن لا يخفى انه لا يمكن الالتزام بكل واحد من هذه الامور : اما الاول فدخل الجزء او الشرط دخل تكوينى في المصلحة ، وحديث الرفع اجنبي عن ذلك ، والثانى ان الحديث ليس ناظرا الى تحديد دائرة الطبيعة المأمور بها ، والثالث فظاهر اطلاقات الاوامر هو وحدة المطلوب.

فالتحقيق هو ان حديث الرفع لا يقتضي إجزاء المأتى به إذ معنى رفع

لنسيان رفع اثره اما بجعل النسيان بمعنى المنسي او بجعله عنوانا مشيرا الى المنسي وعلى اي تقدير لا يستفاد من الحديث اجزاء المأتى به وعدم وجوب الاعادة بعد التذكر اما على التقدير الاول فليست الاعادة من الآثار الشرعية الثابتة للنسيان.

واما على الثاني فليست الجزئية من آثار وجود الجزء وانما هي من آثار طبيعة الجزء والذي هو من آثار وجود الجزء هو الصحة فمعنى رفع الصحة هو البطلان ، وحينئذ تجب الاعادة وبالجملة لا ينتفي وجوب الاعادة به فان غاية ما يدل الحديث عليه هو رفع التكليف الفعلي والجزئية الفعلية حال النسيان فيسقط التكليف الفعلي لسقوطه بالنسبة الى بقية الاجزاء ما دام ناسيا.

واما الحديث فلا يقتضي سقوط المنسي عن الجزئية والشرطية عن طبيعة الصلاة فان ذلك لا يقتضيه الحديث وليس ذلك لاجل كون الامر بالبقية ضيق على المكلف فيكون خلاف الارفاق بالامة بل لما عرفت منا سابقا بأن الحديث ليس ناظرا لاثبات التكليف وانما شأنه متمحض للرفع فعليه لا يكون الحديث متكفلا للامر ببقية الاجزاء لكي يقال باجزاء المأتى به حال النسيان. الموجب لتحديد طبيعة الصلاة المأمور بها في تلك الحال ببقية الاجزاء ثم ان بعض الاعاظم (قده) اورد على التمسك بالحديث لاجزاء الماتي به حال النسيان امورا ثلاثة احدها ان الجزئية ليست هي المنسية لكي ترفع برفع النسيان.

ثانيها ان محل البحث في غير المستوعب للوقت وفي هذا الفرض تسقط الجزئية في حال النسيان وبعد التذكر في الوقت يجب الاعادة لعدم سقوطها بعد التذكر اذ سقوطها في حال النسيان لا يقتضي سقوطها في تمام الوقت.

ثالثها ان المركب عبارة عن امور متباينة تجمعها وحدة اعتبارية ويتعلق بها طلب واحد فينبسط على الاجزاء فيكون لكل واحد من الامور المتباينة

قطعة من الطلب وعليه تنتزع جزئية كل واحد منها من انبساط الطلب الواحد ولازم ذلك ان نسيان بعض الاجزاء موجب لسقوط الكل لا خصوص الجزء المنسي وذلك يوجب الاعادة.

ولكن لا يخفى ان كل ما ذكر من الامور الثلاثة محل نظر اما الاول فان المرفوع ليس هو نفس الجزئية لكي يرد عليه ما ذكره وانما المرفوع لازم من لوازم الجزء وهو بطلان العمل فيكون معنى رفع الجزئية سقوطه عن الجزئية في حال النسيان ولازم ذلك صحة العمل.

واما الثاني فان سقوط الجزئية في حال النسيان تلازم تحديد الطبيعة المأمور بها بما عدا الجزء المنسي ولازمه جعل بقية الاجزاء مما تنطبق عليه الطبيعة وذلك يقتضي عدم وجوب الاعادة ومنه تعرف النظر في الثالث فان مقتضى تحديد الطبيعة بما عدا المنسي سقوط نفس الجزء المنسي ولازمه عدم وجوب الاعادة ولكنك قد عرفت ان حديث الرفع ليس ناظرا الى تحديد الطبيعة بما عدا المنسي واثبات الامر الفعلي ببقية الاجزاء فاذا لم يكن ناظرا الى ذلك فيجب الاعادة باطلاق ادلة الاجزاء لعدم صلاحية الحديث لتقييد الاطلاقات فتكون الجزئية لها دخل في الملاك حتى مع النسيان كما لا يخفى.

حديث لا تعاد

التنبيه الخامس في التمسك بحديث لا تعاد وهو قوله (ع) (لا تعاد الصلاة إلا من خمس الطهور والوقت والقبلة والركوع والسجود) الدال على الحكم بصحة الاتيان بالصلاة التي اخل ببعض اجزائها بما عدا الخمسة المذكورة والاعادة لو اخل باحد الخمسة والكلام في هذا الحديث الشريف في الدلالة إذ السند صحيح معتبر فلذا يقع التكلم في مقام الدلالة.

فنقول مفاد هذا الحديث هل يختص بالناسي أم يعم الجاهل بعد القطع بعدم شموله للعامد اذ ذلك ينافي جزئية الاجزاء؟ ظاهر المشهور اختصاصه بالناسي بتقريب ان الناسي حيث لا يعقل توجه التكليف اليه فلا يشمله ادلة الاجزاء فلذا بعد التذكر يصح للمولى خطابه بقوله اعد فخطاب لا تعد في مورد يصح ان يخاطب بأعد بخلاف الجاهل فانه ليس المولى بحاجة الى خطابه عند التذكر بأعد لو كان غرضه الاتيان بالمنسي به بعد التذكر إذ اطلاقات الاجزاء دالة على اتيان العمل بعد التذكر فعليه لا مجال لخطابه بقوله لا تعد كما هو كذلك لو ترك المكلف بعض الاجزاء عمدا فان الامر الاول مقتضيا لاتيانه ثانيا من غير حاجة الى خطابه بأعد وبعبارة اخرى ان خطاب لا تعاد يدل على نفى الاعادة في مورد لو لا هذا الدليل يكون المكلف مخاطبا بعنوان الاعادة بقوله اعد وذلك يقتضي الاختصاص بالسهو والنسيان ولا يشمل الجهل لما عرفت ان اطلاق دليل الامر الاول كافيا للاتيان به ثانيا بعد التذكر من دون حاجة الى قوله اعد.

ولكن لا يخفى ان اطلاق الاعادة على الاتيان به ثانيا على تارك بعض

الاجزاء او تارك المركب بتمامه من غير فرق بين الناسي والجاهل لعدم الفرق بينهما في اطلاق الاعادة على ثاني الوجود من غير فرق بين كونه اطلاقا حقيقيا كما في الناسي او تخيليا كما في الجاهل بل ينتزع عنوان الاعادة على الترك العمدى كما في قوله (ع) من زاد في صلاته فعليه الاعادة وكما في قوله (فيمن جهر في موضع الاخفات او اخفى في موضع الجهر فقد نقص صلاته وعليه الاعادة) الظاهر ذلك في الاخلال العمدى لمقابلته بقوله (ع) (فان فعل ساهيا او لا يدري فلا شىء عليه وتحقيق المقام يستدعي رسم مقدمتين : ـ

الاولى ان عدم الاعادة تارة يكون لعدم المقتضي اى بأن يكون الآتي بالمركب الناقص آتيا بالغرض اذ لازم هذا الدليل ان يقيد دليل المركب بما عدا المنسي وعليه لا ينطبق ذلك على الجاهل بالحكم وانما ينطبق على الجاهل بالموضوع والناسي إذ التقييد انما يصح ويتصور بالنسبة اليهما دون الجاهل بالحكم اذ العلم والجهل لا يناط بهما التكليف وإلّا لزم الدور. وبعبارة اوضح انه لو فرض وجود اطلاق لدليل الجزء وأن المراد بعدم الاعادة هو عدم وجود المقتضي فلا محيص من تقييد دليل المركب بهذا الحديث ولازمه كون تكليف الجاهل من الاول هو الناقص واختصاص دليل المركب بالعالم وجريان الحديث بالنسبة الى الناسي لأن الجهل والعلم لا يناط بهما التكليف الواقعي واخرى يكون المراد بعدم الاعادة لوجود المانع وفرق بين النحوين اذ الاول يلزم منه ان يكون اصل التكليف نوعين وفي الثاني نوعا واحدا ولكن امتثاله يتوقف على عدم اتيان الناقص ولذا يسقط التكليف الواقعي من القابلية للامتثال بسبب اتيان الناقص والتكليف حقيقة تعلق بالتام وعلى الاخير يعم الجاهل بقسميه والناسي. والاشكال في ان التكليف لا يناط بالجهل والعلم غير متوجة على هذا النحو اذ ربما يختلف الحكم بحسب الواقعي والظاهرى كما لا يخفى.

الثانية ان التكاليف الارتباطية لما كان المقصود منها لا يتحقق إلّا باتيان جميع تلك الاجزاء فحينئذ لا يحصل الغرض الا مع جميع الاجزاء وكما انها بلحاظ الامر مجتمعة كذلك في عالم تطبيقها على الخارج ايضا مجتمعة لكي تسقط الارادة الفعلية وان كان الاصل فيما لو تعذر جزء سقوط المركب لو لا قاعدة الميسور ، اللهم إلّا ان يقال بانه ثبت من الخارج ان التكليف كان على نحو تعدد المطلوب بان يكون للناقص مرتبة من الغرض فيكون التكليف بالنسبة الى الناسي هو الناقص لعدم علمه بالجزء الاخير وبعد التذكر يكون في حقه الاتيان بالكامل اذ الكامل متحقق في حق المتذكر وحينئذ لو اتى بالكامل او لا يسقط الامر بالناقص بخلاف العكس إذ المولى قد تعلقت ارادته بالكامل ولكن بالنسبة الى الناسي يكفي الناقص. هذا بالنسبة الى كون التكليف من باب تعدد المطلوب.

واما لو فرض كونه من باب وحدة المطلوب فلو اتى بالناقص لم يأت بشىء من المأمور به لأن المفروض ان المصلحة في الكامل لم تحصل وعليه ليس الاتيان بما بعد التذكر اعادة بل اتى بالمامور به حقيقة من اول الامر وانما يتوهم الاعادة.

اذا عرفت هاتين المقدمتين فاعلم انه ما المراد بالاعادة ان كان المراد تكرار العمل الذي هو معناه الحقيقي فلا بد من ان يكون العمل السابق له مرتبة من الغرض ويكون صحيحا ولكن لما لم يكن وافيا بتمام الغرض امر به ثانيا بعد التذكر وحينئذ لا فرق بين الجاهل والناسي لأن ما اتى به له مرتبة من الغرض وان كان المراد به ما يتوهم فيه الاعادة فحينئذ العمل الذي اتى به لم يكن مشتملا على مرتبة من المصلحة لأنه على هذا الفرض التكليف انما اخذ على نحو تعدد المطلوب والغرض يسقط ولا يتحقق إلّا بجميع اجزاء المركب وما اتى به ليس إلّا صورة عمل وبهذا يطلق على الاتيان بعد التذكر اعادة.

وكيف كان لا يفرق بين الجاهل والناسي إذ كل منهما بالنسبة الى اطلاق

الاعادة عليه صوري لا حقيقي ودعوى ان التكليف بالنسبة الى الناسي غير متوجه بوجه اصلا لاستحالة تكليف الناسي بخلاف الجاهل فانه مكلف ولكن لقصوره لا ينجز عليه وبه يظهر الفرق فان الجاهل لما كان مكلفا بالاتيان بالمركب التام حين جهله غاية الامر غير منجز فكان ما اتى به ليس بشىء اذ لم يأت بالمامور به ، واما بالنسبة الى الناسي فاتيانه بالمركب الناقص حين نسيانه تكون اعادة بعد التذكر مدفوعة بان حقيقة التكليف على قسمين فانه اما ان يصح اطلاق لفظ الصلاة على المأتى به حقيقة فهو اعادة حقيقة وإلا فليست اعادة حقيقة وان كانت الاعادة صورية فالتفرقة بينهما بان الاعادة في الناسي باحداث امر ثان لا بالامر الاولى لأن خطاب الناسي في حال نسيانه غير معقول بخلاف الجاهل فان الاعادة بالنسبة اليه بالامر الاول حيث انه باق مع الجهل غير منجز عليه لقصوره مع تمكنه بالاحتياط غير فارقة اذ ذلك لا يصحح اطلاق الصلاة على ما اتى به الناسي حقيقة لكي يكون اطلاق الاعادة عليه حقيقة بخلاف الجاهل لما عرفت من انها في المقامين على نحو واحد من حيث الاطلاق الحقيقي أو الصوري.

هذا ولكن التحقيق ان حديث لا تعاد مختص بالناسي وفاقا للمشهور ولكن لا لما ذكر بل من جهة اخرى وهي ان الرواية مشتملة على ذيل يقتضي الاختصاص بالناسي وهو ان القراءة سنة والتشهد سنة ولا تنقض السنة الفريضة وفي رواية اخرى ان الفريضة لا تترك بالسنة والقراءة سنة فمن ترك القراءة متعمدا بطلت واذا نسي فلا شىء عليه.

فالمتحصل من هذه الاخبار مع ملاحظة حديث لا تعاد يستفاد ان الاخلال السهوي ما عدا الخمسة المذكورة لا يوجب الاعادة ولا يشمل ما كان الاخلال عن جهل قاصرا أو مقصرا حيث انه ملحق بالعامد لصدق الترك العمدي عليه المستفاد من المقابلة بين الترك العمدي والترك السهوي في رواية زرارة فمن ترك القراءة

متعمدا اعاد الصلاة ومن ترك ناسيا فلا شىء عليه فعدم ذكر الترك عن جهل يظهر منه انه ملحق بالترك العمدى خصوصا الجاهل بالحكم فانه عامد كما لا يخفى

حكم الزيادة العمدية

التنبيه السادس في حكم الزيادة العمدية فنقول ان محل الكلام في الزيادة في صورة عدم اخذ المزيد عليه بشرط لا ، لرجوعه الى فقد الشرط وقد عرفت الكلام فيه ثم ان شيخنا الانصاري (قده) قسمه الى صور :

الاول ان يأتي بالجزء على انه جزء مستقل اما شرعا او تشريعا وقال ان مثل هذه الزيادة موجبة لبطلان العمل ولكن لا يخفى انه على ما ذكره تارة فتكون الزيادة في الامر واخرى في المأمور به والاول تارة يقصد امرا في قبال امر الشارع بمعنى ان يقصد امرا اوسع منه واخرى لا يقصد ذلك بل توسع في امر الشارع بمقدار الجزء المأتى به لا انه يجعل له امرا في قبال امر الشارع اوسع منه.

والثاني أما ان تكون الزيادة يقصد بها زيادة على ماهية الصلاة واخرى يقصد في الفرد المحصل ، واما حكم هذه الصور الاربعة ففي الاول ان يأتي بالعمل بالامر الذي اخترعه موسعا شاملا للمأتى به فلا اشكال في بطلانه لانه لم يمتثل امر الشارع وامتثل امرا لا يجب عليه امتثاله ، واما الثاني وهو ان يأتي بامر الشارع متصرفا فيه بتوسعته للجزء الزائد فلا وجه للحكم بالبطلان. ودعوى ان المصحح للعمل هو كون الامر الواقعي محركا وهنا ليس كذلك ممنوع اذ في المقام لو فرض كون الامر الشرعي هو المحرك ينبغي ان يكون ما اتى به صحيحا وان استند الى الشارع ولكن لا يضر بالعمل وانما يوجب عصيانا مما تصرف فيه ،

واما الصورة الثانية فتارة يكون الداعي للاتيان بالزائد مع المزيد عليه واخرى يكون الداعي الى الاتيان هو خصوص القطعة المزيد عليها اما في الاول فلا اشكال في بطلان العمل لأن الداعي لم يأمر المولى بالخصوص به وان كان الثاني فيمكن دعوى بطلان العمل لان الذي كان داعيا هو خصوص امر المولى.

واما الصورة الثالثة فلا اشكال في صحة العمل لانه لم يكن من ناحية الامر قصور وانما اتى بداعي الامر الواقعي ودخول شىء في المأمور به تشريعا لا يسرى اليه. واما الصورة الرابعة فالصحة فيه بطريق اولى من الثالثة لان الزيادة كانت في الفرد الخارجي وهو غير متعلق للامر لان الامر لم يتعلق بالخصوصية.

وبالجملة هذه الصور منها ما تكون فيها العبادة صحيحة ، ومنها ما تكون فيها العبادة فاسدة فاطلاق كلام شيخنا الانصاري بالبطلان في غير محله.

الثاني من الاقسام التي افادها شيخنا الانصاري (قده) وهو ان يقصد بالزائد والمزيد عليه جزءا واحدا ولم يكن كل واحد منهما جزءا ملحوظا بالاستقلال وهذا يتصور على نحوين فتارة يقصد ان الشيئين بتمامهما فردان جزءا بحيث كل منهما ملحوظا مستقلا واخرى يكون كل واحد منهما ملحوظا ضمنا بأن يقصد الجامع الشامل لكل واحد منهما وحكم هذين يظهر بعد بيان امر وهو انه لا إشكال في أن اجزاء العبادة لا بد ان يؤتى بها بقصد الجزئية ولو اتى بها لا بهذا العنوان بطل العمل وإنما الكلام في أن اتيان هذه الاجزاء للمأمور به هل على النحو الذي اعتبره المولى في عالم لحاظه ام لا يكفي مجرد الاتيان بقصد الجزئية مطلقا. فان فلنا بالاول ففي الصورة الاولى لا محيص عن بطلان العمل لأن الذي لاحظه المولى الاتيان بالجزء غير منضم الى شىء آخر مع أن اتيانه لا كذلك ينافي لحاظ المولى والكلام بعينه في الصورة الثانية لأن قصد المولى الاتيان بالفرد بخصوصه ، والاتيان بالفردين بقصد امتثال الجامع ينافي قصد المولى.

وان قلنا بالثاني ففي الصورة الاولى يتحقق صحة العبادة لان الاتيان بقراءتين مثلا بالنسبة الى الاول جزء متعلق للامر قد اتى به وبالنسبة الى الثاني زيادة عارضة لا تضر.

واما الصورة الثانية فالظاهر بطلان العمل لان ما قصده غير مأمور به بل هو مباين له وقصد الجامع بين القراءتين ليس جزءا للصلاة بل قصد امر مباين له والتحقيق هو الثاني اى ان لحاظ المولى لا يعتبر في المركبات بل ليس المقصود منها الا ايجادها في الخارج على اي نحو كان إذ لا دليل على قصد اتيانها على النحو الذي كان مقصودا عند المولى ويشهد لذلك باب الغسل والوضوء وبعض افعال الحج من ان المقصود ايجادها في الخارج ولاجل ذلك لو زيد في غسلات الوضوء نقول بصحته لو لم يكن موجبا لمحظور آخر كعدم جواز المسح ببلة الوضوء بل بماء خارج نعم في مثل الصلاة لا بد في الافعال من قصد العنوان كما لا يخفى.

فظهر مما كما ذكرنا انه لا مجال للقول بالصحيح مطلقا بل في بعض الوجوه الصحة وفي بعض البطلان فلا وجه لاطلاق كلام الشيخ الانصاري (قده) بالصحة

الصورة الثالثة من الاقسام التي افادها الشيخ ان رفع اليد عما اتى به واتيان شىء آخر جديد قد حكم بالصحة مطلقا هذا كله بالنسبة لما يقتضيه الاصل الاولى في هذه المسألة مع قطع النظر عن ملاحظة الاخبار مثل قوله (ع) : من زاد في صلاته فعليه الاعادة فان مقتضى ذلك هو البطلان لو قصد الجزئية لما اتى به من افعال وغيرها إلا ان يقصد القرآنية في بعض الاقوال. ثم لا يخفى ان الجزء انما يطلق على نفس الجزء لا جزء الجزء فلو زاد نصف سورة او جملة من القرآن فلا يعد زيادة مبطلة إذ الاخبار بحسب الظاهر منصرفة عن ذلك هذا تمام الكلام في تنبيهات المسألة والحمد لله.

خاتمة في شرائط الاصول

ولنختم كلامنا هذا بما جرت عليه العادة من ذكر شرائط الاصول والمهم في المقام بيان شرائط البراءة وما حكمها من اصل العدم واصالة الحل والطهارة في الشبهات الحكمية.

فنقول من الشرائط الفحص عن الدليل وأما أي مقدار من الفحص فسيأتى إن شاء الله تعالى بيانه ولا اشكال في انه شرط في الشبهات الحكمية والشبهات الموضوعية لان ملاكه دفع الضرر المحتمل وهو متحقق في الشبهتين. نعم يمكن الوجه في عدم جريانه بالنسبة الى الشبهة الموضوعية بذيل موثقة زرارة الثانية المذكورة في الاستصحاب وموثقة مسعدة بن صدقة والعمدة في المقام الاجماع القطعي بالنسبة للشبهات الموضوعية واختصاص الفحص بالشبهات الحكمية لامور قد استدلوا بها وحيث انها تامة وصحيحة عندنا لا ينبغي ذكرها بل نكتفي بمراجعة كلمات الشيخ الانصاري (قده) نعم ينبغي التعرض للوجه الذى ذكره وهو على ما لخصناه أن العقل حاكم بعدم جريان البراءة قبل الفحص ولو لم يكن هناك علم اجمالى بل صرف احتمال التكليف يكون موجبا للفحص عنه ولا تجري البراءة قبل الفحص ونظيره ما لو ادعى احد نبوة فانه يجب النظر في معجزاته ولا يجوز جريان البراءة بنفي التكليف انتهى موضع الحاجة من كلام الشيخ (قده).

وانما قلنا المهم بيان جريان البراءة وما في حكمها لان الاحتياط متوقف جريانه على ثبوت موضوعه وهو الشك في الحكم الواقعي ولو كان على خلافه

دليل اجتهادي غايته انه ليس بواجب. وأما حسنه فمتوقف على وجود موضوعه نعم يقع الكلام في مثل العبادات فإن اعتبار قصد القربة فيها يجب الفحص عنه فإن وجده من الدليل الاجتهادي يأتي به وإلا يسقط وحينئذ لا يجوز الاحتياط قبل الفحص وكذا الكلام بالنسبة للجزم في النية ولا يفرق من كون الشبهة موضوعية او حكمية ومن هنا تعرف قول من قال ببطلان عبادة تارك طريقي الاجتهاد والتقليد ولو كان عاملا بالاحتياط وقد صادف الواقع.

ولكن لا يخفى انه لم يوجد في الاخبار ما يدل على اعتباره قصد التقرب فربما يقطع بعدم اعتباره بل هو كلام صدر من المتكلمين ومع فرض الشك تجري البراءة كما تقدم بيانه ودعوى ان المرجع الاشتغال لانه شك في المسقط فقد عرفت بطلانه وهكذا الكلام يجري بالنسبة للجزم بالنية. وأما ما يقال بان الاحتياط مستلزم للعب والعبث بامر المولى ففيه ما لا يخفى ويظهر مما ذكرنا صحة عبادة تارك طريقي الاجتهاد والتقليد والعمل بالاحتياط.

واما الكلام في الاستصحاب فما كان مثبتا للتكليف لا يجب الفحص لاطلاق دليله والمسلم في دليل الفحص انما هو في الاصول النافية مطلقا وما كان نافيا للتكليف فهو راجع حقيقة الى البراءة فالبحث عن غير البراءة ليس بمهم.

فنقول تقريب ما ذكره الاستاذ (قده) بوجهين الاول ان البراءة النقلية موضوعها لعدم الاطمينان فقبل الفحص لم يحصل هذا الموضوع لاحتمال وجود البيان فتجري قاعدة قبح دفع الضرر المحتمل.

الثاني ان الاحتمال الذي قبل الفحص بنفسه بيان بخلاف الاحتمال الذى بعد الفحص فانه مسبب عن الفحص فيخرج هذا الاحتمال عن البيانية وانما الكلام في البراءة الشرعية فالوجه الاخير لا تجري فيه لان قباله عمومات مثل ما لا يعلمون وكل شىء مطلق حتى يرد فيه نهي فلا بد من تقريب

آخر وبيانه باحد وجوه :

الاول انه مقتضى الجمع بين الاخبار الدالة على التوقف والاحتياط وبين تلك العمومات.

الثاني دعوى ان تلك العمومات منصرفة عما كان هناك في معرض البيان وهذا الانصراف انما هو من مرتكزات حكم العقل بقبح العقاب من دون بيان مع كونه معرضا للبيانية.

الثالث ان الامارة لما كانت متقدمة على الاصل وتقدمها عليه اما على الحكومة او الورود او التخصيص فقبل الفحص يحتمل وجود الحجة فيكون التمسك بدليل الاصل من قبيل التمسك بالعام في الشبهة المصداقية ويرد على الاخير بان تقدم الامارة ليس بوجودها الواقعي بل بوجودها العلمي الواصل الينا ، فقبل وصولها في الحقيقة نقطع بعدم التخصيص. نعم لا يرد هذا على من يقول بان الامارة حجة بوجودها الواقعي ولئن سلمنا فنقول احراز عدمها بالاصل وهو استصحاب عدمها فهو وان كان المورد من الشبهات الموضوعية ولكنه سنخ للحكم الكلي وهو عدم وجوب الفحص فيكون من قبيل الشبهات الحكمية ويرد على الثاني منع الانصراف اذ هو ينافي استدلالهم على عدم وجوب الفحص في البراءة بالعمومات. ويرد على الاول ان ادلة الاحتياط اما محمولة على الاستحباب واما انها مختصة بالشبهات المقرونة بالعلم الاجمالي.

واما استدلالهم بالاجماع القطعي على وجوب الفحص فهو غير ثابت فالعمدة في المسألة الاستدلال بالآيات والاخبار ثم لا يخفى ان النتيجة المترتبة على احد هذه الوجوه على تقدير تماميتها مختلفة اما على الوجه الاولى الذي يكون فيه نفس الاحتمال منجزا فالبناء على وجوب الفحص فيه من جهة ايجاب الاحتياط من الشارع قبل الفحص في الشبهات الحكمية فحينئذ فيما لم يفحص يدور

الامر في استحقاقه للعقوبة وعدمها مدار مطابقة هذا الاحتمال للواقع وعدمه ولا يعاقب على وجود طريق معتبر إذ على هذا الفرض نفس الاحتمال منجز ، واما على الاخيرين فيتصور فيه ما ذكرناه وايضا فيهما وجه آخر وهو ان المنجز هو الشك في الامارة والذي هو منجز للواقع هو الامارة فمجرد الشك فيها يكون منجزا وحينئذ تناط العقوبة وعدمها مناط مخالفة الطريق.

واما الاخبار والآيات فاوضحها دلالة قوله هلا تعلمت في جواب ما علمت فهو يختلف باختلاف معانيه فبناء على كونه ارشادا لحكم العقل من انه لا يجري قبح العقاب من دون بيان فيما كان في معرض البيان فحينئذ يكون نفس هذا الاحتمال منجزا للواقع فيكون العقاب وعدمه دائرا مدار الواقع وهذا امر مرتكز وهو يمنع انعقاد الظهور في قوله هلا تعلمت في المولوية وهذا الاحتمال هو اقوى المحتملات ويحتمل فيه وجوه أخر منها كون وجوب التعلم والاحتياط حكما طريقيا ومنها كون وجوبه من باب المقدمة وعلى هذين الاحتمالين تكون العقوبة وعدمها منوطتين بمخالفة الواقع.

ومنها كون وجوبه نفسيا وهو على احتمالين احدهما كون الوجوب وجوبا تهيئيا فحينئذ تكون العقوبة وعدمها ايضا على مخالفة الواقع وعدمه.

الثاني كون الوجوب نفسيا وعليه يكون العقاب وعدمه على ترك نفس التعلم ويظهر هذا من صاحب المدارك (قده) وشيخه الاردبيلي (قده).

ولا يخفى ان الاحتمال الاول هو المتعين لانه على الاولى الوجوب النفسي بعيد عن مساق الحديث والوجوب المقدمي ممنوع لانه انما يتم لو كان الجهل اوجب الغفلة عن الصلاة كلها.

واما بالنسبة الى من شك في السورة وان الصلاة ملتفت اليها في الجملة لانه حينئذ متمكن من الاحتياط والظاهر كما عرفت كون هذه الاوامر ارشادية الى ما هو

مرتكز في العقل. ودعوى انها نفسية ممنوعة اولا انه مناف لنص بعض الاخبار مثل قوله (ع) لم ما عملت ونحوها الدال على ان التعلم للعمل.

وثانيا ان الترغيب والتحضيض على امر لا بد وان تكون مطلوبيته مستفادة من الخارج ومن المعلوم انه ليس لنا اوامر للتعلم سوى هذه الاخبار فتامل.

بقى في المقام اشكال مشهور لا بأس بالاشارة اليه وهو انه ما الوجه في لزوم تحصيل العلم بالاحكام المشروطة فانه قبل حصول الشرط لا تكليف حتى يجب تحصيل العلم به من باب المقدمة وبعد حصول الشرط يخرج عن كونها مشروطة.

فنقول اما على ما اخترناه في الواجب المشروط من ان الطلب فعلي ولكن الارادة منوطة بحصول الشرط وبه يفرق بينه وبين المطلق لان الارادة فعلية فلا يتوجه علينا هذا الاشكال لانه لما كان الطلب فعليا فيجب تحصيل المقدمات التي منها العلم نعم يتوجه الاشكال على مسلك المشهور في الواجب المشروط كالارادة منوط بالشرط ولكن لا يخفى انه يمكن دفعه على ما اخترناه من ان الاوامر المتوجهة للمتعلم ارشادية الى حكم العقل فان كان قبل حصول الشرط فلا تكليف ولكن هو متوقع ومعلوم عادة حصوله فيحكم العقل بحصول تعلم تلك الاحكام إذ العقل لا يفرق بين تحصيل الاحكام المطلقة والاحكام المشروطة.

وبالجملة على كلا المسلكين في الواجب المشروط الاشكال مندفع غاية ما في الباب انه على المسلك المختار يكون وجوب التعلم شرعيا حيث ان الطلب فعلي قبل تحقق الشرط بخلافه على المشهور حيث ان ايجابه بحكم العقل لم يكن شرعيا بل كان ايجابه عقليا كما لا يخفى. واما على مسلك كون وجوب التعلم مقدميا فائضا يمكن الجواب من جهة ان العقل مستقل بانه يلزم منه ترك المشروط عند تحقق شرطه وهذا لم يكن إلا بسوء اختياره فيستقل العقل بتحصيل التعلم.

واما الوجوب التهيئي فان اريد به الوجوب من حيث الملاك اي ملاك

تحصيل العلم فيكون التهيؤ للوصول به الى التكاليف الواقعية وهذا عين الوجوب المقدمي وان اريد به الوجوب من حيث الإيجاب فهو نظير وجوب تحصيل العلم بالبلوغ والفرق بينه وبين الوجوب المقدمي ان المقدمي اصل وجوبه ناشئ من الغير بخلافه في الوجوب التهيئي إذ هو نفسي للغير لا وجوبه من الغير وقد عرفت مما ذكرنا ان اظهر الاحتمالات هو كونه للارشاد ، إذ هذه الاوامر ترشد الى حكم العقل اما من جهة ان الاحتمال منجز في نظر الشرع قبل الفحص ، واما من جهة احتمال وجود الواقع المنجز فحينئذ يدخل المقام تحت وجوب دفع الضرر المحتمل فلا تغفل.

ثم لا يخفى انه وقع في كلام بعض المتأخرين شرطان آخران للبراءة : الأول انه من شرط جريان البراءة ان لا يلزم من اجرائها اثبات حكم في موضوع آخر كالإناءين الذين علم اجمالا بنجاسة احدهما فانه إذا جرت اصالة الطهارة في احد الإناءين تثبت نجاسة الاناء الآخر.

اقول ان كل حكم شرعي اذا لوحظ مع حكم آخر فاما ان يكون بينهما ربط اولا. فان كان الاول بان يكون احدهما موضوعا والآخر محمولا ويكون احدهما شرطا للآخر فانه حينئذ لا بد من ثبوت احدهما بثبوت الآخر مثلا وجوب الحج منوط بعدم الدين فجريان البراءة في الدين موجب لايجاب الحج لأن الحج موضوعه عدم الدين ولو ظاهرا ولا يخفى ان الوجوب ليس من آثار عدم الدين الواقعي حتى يدخل في باب العلم الاجمالي بل هو شرط لعدمه ظاهرا على ما عرفت ذلك منا سابقا ، وان كان الثاني اي لم يكن بينهما ربط شرعا فاما ان يكون بينهما تلازم عقلا او عادة وعلى كل حال لا معنى للشرط المذكور.

بيان ذلك انه لا اشكال ولا ريب ان مفاد اصل البراءة هو حكم في ظرف الشك وجعل وظيفته فيه.

وبذلك يمتاز عن الامارات فانها لبيان ما في الواقع والكشف عنه فحينئذ لا يترتب على اصل البراءة آثار الواقع ولوازمه سواء كانت هناك واسطة ام لا إذ ليس لها نظر الى الواقع فان اجراء البراءة في احد الإناءين لا يقتضي اثبات الاشتغال في الاناء الآخر حتى يمنع منه لما عرفت انه حكم ظاهري ولذا لو قلنا بان العلم الإجمالي مقتض فانه يجري كلا الأصلين لو لا التعارض ولو سلم وقلنا بانه تترتب آثاره ولوازمه العقلية ولو بواسطة

فنقول الاجتناب من الاناء الآخر ليس من آثار اجراء البراءة في الاناء الأول لا من آثاره الواقعية ولا من آثاره الظاهرية نعم هو من آثار العلم الاجمالي وهو لا ربط له باجراء البراءة في احد الاطراف ، ولو سلم ذلك وقلنا بانه من آثار اجراء البراءة في احد الاطراف الاشتغال في الآخر.

فنقول لا يخلو الحال اما ان نقول في الاصل المثبت اولا نقول ، فاما على الثاني فواضح انه لا معنى لهذا الشرط المذكور ، وعلى الاول فيرد عليه انه لا بد من جريان الاشتغال في الطرف الآخر فلا موقع للشرط المذكور إذ المنع من جريان الاشتغال في الطرف الآخر كما هو مفاد الشرط المذكور يلزم منه التفكيك بين اللازم والملزوم.

وبالجملة ان اثبات الاشتغال في الطرف الآخر لو اجريت البراءة في احد الطرفين من لوازمه العقلية إذ يلزم من اجراء البراءة ذلك ولو منع يلزم التفكيك بين اللازم والملزوم فهو محال فافهم.

الشرط الثاني ان لا يحصل من اعمال البراءة ضرر ومثل له بما لو فتح انسان قفص طائر فطار طيره فانه باعمال البراءة يلزم ضرر على الغير فلا يجوز له ذلك لاندراجه تحت قاعدة الاتلاف او قاعدة الضرر وتوضيح المقام على وجه يرتفع عنه شائبة الاوهام هو ان القفص الذي فتح بابه هل هو له وملكه او ملك

غيره فان كان الثاني فلا اشكال انه لا يجوز التصرف لان مثل هذا التصرف مستند الى اتلاف الطير اليه عرفا وليس دليله قاعدة الضرر لما سيأتي إن شاء الله تعالى. ان قاعدة الضرر لا يثبت حكما بل من جهة حرمة التصرف في مال الغير ولا تجري هنا البراءة مطلقا اي سواء لزم من التضرر تلف الطير او لا يلزم لانه لا شك في حرمة التصرف في مال الغير ، وان كان الاول فاما ان يكون صاحب الطير مأذونا من صاحب القفص باخذه استعارة أو لا يكون ماذونا بل اخذه غصبا. فعلى الاول لا اشكال في جواز التصرف بالقفص بفتحه وغيره لقاعدة السلطنة ففي هذه الصورة لا شك لكي يجري الاصل بل له التصرف ولو استلزم ضرر على الغير. واما على الثاني فالظاهر ان المسألة تدخل في تزاحم الحقوق ونظيرها الارض المستعارة للغرس والتحقيق في تزاحم الحقوق ان لكل واحد منهما له السلطنة على نحو الاستقلال حيث انه بمجرد اذن صاحب الارض لم يجعل لصاحب الغرس حقا بحيث تنقطع سلطنة صاحب الارض بل باذنه يثبت له اباحة التصرف ما لم يرجع عن اذنه نعم ان مال الغارس لما كان باذن صاحب الارض تكون خسارته على صاحب الارض بان يعطيه التفاوت بين الشجرية والخشية وعلى الغارس طم الحفر والخسارات التي وردت على الارض وبالنسبة الى المقام مثله يجري ذلك فلصاحب القفص ان يتصرف بماله بناء على تسليم القاعدتين اي قاعدة الضرر وقاعدة الاتلاف ، واما لو لم نسلمهما فبالطريق الاولى انه لا مجال لهذا الشرط المذكور وبالجملة هذا الشرط في غير محله وهو كسابقه في انه لا موقع له كما اوضحنا لك ذلك سابقا فافهم واغتنم.

حديث لا ضرر (١)

ولما انجز الكلام الى قاعدة لا ضرر فلا باس بالتعرض اليها على نحو الاجمال فنقول ومن الله الاستعانة.

انه يقع الكلام فيها من جهات الاولى في بيان مدركها فلا اشكال ان

________________

(١) اتماما للفائدة وزيادة في الايضاح رأينا ان نلحق في هذا البحث ما استفدناه من بحث هذه القاعدة من استاذنا الأعظم المحقق الميرزا محمد حسين النائيني طاب ثراه فاستمع لما اتلوه عليك فنقول.

يقع الكلام في حديث لا ضرر في جهات الاولى في سند الرواية وذلك مذكور في كتب الفريقين بلا خلاف بينهم ، وانما وقع الخلاف بينهم في المتن من حيث الزيادة والنقيصة.

الروايات الواردة في هذا الباب على طوائف ثلاثة منها لا ضرر ولا ضرار ومنها لا ضرر في الاسلام كذا جاء في نهاية ابن الاثير وفي تذكرة العلامة ومنها لا ضرر ولا ضرار على مؤمن كما عن ابن مسكان عن زرارة عن ابي جعفر في قضية سمرة بن جندب وقد ذكر في ذيلها قول رسول الله (ص) لسمرة إنك رجل مضار ولا ضرر ولا ضرار على مؤمن ـ فروع الكافي ـ

اما لا ضرر في الاسلام كما جاء في الفقيه وفي التذكرة ومجمع البحرين فالالتزام بها لا محذور فيه لما ذكر في علم الدراية انه لو تردد المتن بين الزيادة او النقيصة فالالتزام بالزيادة اولى خصوصا اذا ذكرت لزيادة في موردين فانه لا بد من الاخذ ـ

في مدركها اخبار خاصة مستفيضة دالة على اعتبار تلك القاعدة وقد ذكرت تلك الاخبار تارة مستقلة واخرى ملحقة بموارد خاصة ولسانها يختلف فتارة بلسان

________________

بها حينئذ وذلك لجريان اصالة عدم الغفلة في جانب الزيادة دون النقيصة.

ولكن لا يخفى أنه لا يمكن الالتزام بهذا الاصل من طرف الزيادة لوجود الروايات الكثيرة في ذلك الجانب الآخر على ان كلمة ـ في الاسلام ـ الزائد في بعض الروايات لا فائدة فيها. نعم ذكر الشيخ الانصاري ان لزيادتها فائدة من جهة انها اظهر لحكومتها على الادلة الواقعية وانها تبعد حمل كلمة ـ لا ـ على النهي بلسان النفي اذ لو حملنا كلمة ـ لا ـ على النهي يكون المعنى يحرم الضرر في الاسلام وعليه يكون الظرف لغوا فلا يكون على هذا معنى لحكومتها على الادلة الواقعية ولكن لا يخفى انما يتم ذلك بناء على تعلق الظرف بالضرر.

واما لو قلنا بتعلقه بمحذوف فحينئذ يمكن ان تحمل كلمة ـ لا ـ على النهي تارة وعلى النفي اخرى. واما رواية لا ضرر على مؤمن فهي وان لم يكن ضعفها كالسابقة حيث انها مروية في الكافي والراوي ابن مسكان إلا انه لا فائدة فيها حيث ان الذمي والمعاهد لما كان بحكم الاسلام فاي فائدة لهذه الزيادة ولعل مجيء مثل هذه الزيادة جاء عن طريق النقل بالمعنى.

وكيف كان فالبحث عن وجه الزيادة لا فائدة فيه

الجهة الثانية ان قاعدة لا ضرر ولا ضرار وردت بنحوين مستقلة تارة وملحقة بمورد خاص اخرى فعلى الاستقلال يحتمل حكومتها على الادلة الواقعية كما يحتمل عدم حكومتها على تلك الادلة وان كان الاظهر الحكومة كما سيأتي بيان ذلك إن شاء الله تعالى.

وعلى الالحاق بالمورد الخاص فالحكومة متعينة. وروى احمد بن حنبل عن عباد بن ثابت في جمعه لأفضلية النبي (ص) القاعدة المذكورة ووردت كذلك

لا ضرر ولا ضرار ، واخرى بلسان من اضر بطريق المسلمين فهو له ضامن ، وثالثة بلسان لا ضرر ولا ضرار في الشريعة او في الاسلام وكيف كان ثبوتها من حيث الورود مما لا اشكال فيه.

________________

روايتها عن طرقنا كما عن عقبة بن خالد عن ابي عبد الله (ع) بذلك المضمون وما صدر عنه (ص) من قضاء فان العامة والخاصة ترويه إلّا أن جمعه كان خاصا بالعامة فقط. وان شيخ الشريعة الاصفهاني (قده) قد اتعب نفسه في سند هذه القاعدة فوجدها تنتهي سندا بعقبة بن خالد ، والذي نراه نحن بعد ان بحثنا سند القاعدة ان سندها ينتهي باحمد بن عبد الله بن هلال وقد ذكر الاصحاب هذه القاعدة ملحقة بموارد ثلاثة :

الاول ما رواه زرارة عن ابي جعفر (ع) ان سمرة بن جندب كان له عذق في حائط رجل من الانصار وكان منزل الانصارى بباب البستان وكان يمر الى نخلته ولا يستأذن فكلمه الانصاري ان يستأذن اذا جاء فأبى سمرة فجاء الانصاري الى رسول الله (ص) فشكى اليه فاخبره بالخبر فارسل رسول الله (ص) وخبره بقول الانصاري وما شكاه وقال اذا اردت الدخول فاستأذن فابى فلما ابى ساومه حتى بلغ به من الثمن ما شاء الله تعالى فأبى ان يبيعه فقال لك بها عذق في الجنة فأبى ان يقبل فقال رسول الله (ص) للانصاري اذهب واقلعها وارم بها اليه لا ضرر ولا ضرار.

الثاني رواية عقبة بن خالد عن الصادق (ع) قضى رسول الله (ص) بالشفعة الى ان قال ولا ضرر ولا ضرار.

الثالث رواية اخرى لعقبة بن خالد عن ابي عبد الله قال قضى رسول الله (ص) بين اهل المدينة في مشارب النخل انه لا يمنع نفع الشىء وقضى بين اهل البادية انه لا يمنع فضل ماء ليمنع فضل كلاء فقال لا ضرر ولا ضرار.

الجهة الثانية ان الضرر مقابل للنفع والتقابل بينهما تقابل العدم والملكة وعليه لا يطلق الضرر الا على ما يكون له مساس بالشخص من النقص حقا او مالا

________________

فالذي يظهر من الاصحاب كون لا ضرر ولا ضرار بالنسبة الى الموارد الثلاثة لها الحكومة على الادلة الواقعية المتناولة للموارد الثلاثة ولكن لا يخفى انه بالنسبة الى قضية سمرة لا اشكال في حكومتها في المقام على الدليل الواقعي الذي هو حرمة التصرف في ملك الغير واحترام ماله وقوله (ص) اقلعها وارم بها اليه فقد رفع حرمة التصرف في ملك الغير واحترام ماله.

واما بالنسبة الى الموردين كالشفعة وفضل منع الماء فلا حكومة لقاعدة لا ضرر ولا ضرار فيهما لأن الحكومة تقتضي كون المورد من مصاديق القاعدة بنحو يكون المورد من صغرياتها لا انه ورد من باب الاجتماع في الذكر بأن يكون الراوي ينقل ما سمعه من الإمام (ع) وهو في صدد البيان لقضايا متعددة وان كان ذلك خلاف الظاهر إلا انه مع قيام القرينة على كون الاجتماع في الذكر لا محذور فيه كما هو كذلك في المقام لامكان دعوى تحقق القرينة فيكون من موارد اقضية النبي (ص) التي جمعتها كتب العامة مستقلة ومن قبيل ذكر الموارد والقضايا المتعددة فيغلب الظن في الموردين انهما من هذا القبيل. وعليه فلا حكومة للقاعدة في الموردين المذكورين.

ويؤيد ذلك ان انطباق القاعدة على المورد الخاص كما هو مفاد الحكومة يلزم منه كون المورد ضررا مع انه لا اشكال في ان مورد الشفعة ومنع فضل الماء ليسا من الضرر في شىء.

بيان ذلك هو ان العناوين تارة تكون اولية واخرى ثانوية اما الاولية فهي عبارة عن كونها كليا طبيعيا ويكون المورد مصداقا له ويحمل عليه بالحمل الشائع الصناعي والثانوية عبارة عن كونها مسببا توليديا مثل حركة اليد يكون عنوانا اوليا فيقال هذه حركة يد وبما انها ينشأ منها التأديب فتكون معنونة به ولازم

او بدنا او عرضا او سياسة فلا يصلح اطلاق الضرر إلا بالنسبة الى مورد قابل لاطلاق النفع عليه فما يكون عدم نفع من المباحات الاصلية لا يطلق الضرر عليه وليس التقابل بينهما من باب التضاد كما قيل.

________________

تعنون الشىء بعنوانه الثانوي ان يكون ذلك العنوان دائميا لأن الذي يتعنون هو العلة التامة او الجزء الاخير منها.

واما المقدمات الاعدادية البعيدة والقريبة ما لم تصل الى العلية فلا تتعنون مثلا ان الذي ضرب بآلة القتل يقال عنه انه قاتل ، واما من صنع الرصاص مثلا فانه لا يقال له قاتل.

اذا عرفت المراد من العناوين الاولية والثانوية فاعلم ان الضرر ليس من العناوين الاولية إذ ليس انطباقه على افراده كانطباق الكلي الطبيعي فلا يقال هذا ضرر بل من العناوين الثانوية التي هي مسبب توليدي فالذي يتعنون بالضرر هو العلة التامة او الجزء الاخير منها والشفعة ليست من هذا القبيل حيث ان كون زيد في مكان عمرو لا يوجب ضررا. نعم ربما يحصل من باب الاتفاق ان كان في مكان عمرو رجل فاسق يوجب ضررا وهذا ليس إلا من باب الاتفاق وقد عرفت ان العنوان الثانوي انما يطرأ على ما هو العلة التامة او الجزء الاخير منها ولازمه كونه دائميا لا اتفاقيا. واما بالنسبة لمنع فضل الماء في احد الموردين يكون ضررا اتفاقيا لا بنحو العلة ولا الجزء الاخير منها وإلّا لكان دائميا مضافا الى ذلك ان منع فضل الماء لا يصلح ان يكون صغرى لقاعدة لا ضرر كما يتوهم ذلك من الرواية حتى على تقدير ان تكون ـ لا ـ للنهي فيكون المعنى يحرم الضرر لأن منع فضل الماء مكروه عند الاصحاب وليس بمحرم وهو ينافي كونه مصداقا للقاعدة من غير فرق بين ان تكون الحكومة بمعنى رفع الحكم بلسان رفع الموضوع او رفع الحكم نفسه.

وتظهر الثمرة بين القولين فيما لو تصرف المالك في ملكه تصرفا يضر بجاره فالمقابلة بينهما ان كانت على نحو التضاد لم يكن للمالك ان يتصرف لان ضرر جاره

________________

فتحصل مما ذكرنا ان اقتران لا ضرر ولا ضرار بهذه الموارد بلسان الرواية يكون من قبيل الاجتماع في الذكر لا انها اخذت في لسان الرواية بنحو المصاديق هذا مع قيام القرائن السندية والدلالتية المعينة لكون الاجتماع في الرواية لا بنحو كون المورد من صغريات القاعدة.

اما السندية فان اقضية الرسول (ص) كانت مجتمعة من حيث الرواية وقد فرقها الاصحاب على ابواب الفقه والذي يغلب على الظن ان المسألة من قبيل اجتماع المورد لا بنحو المصداق للقاعدة المذكورة.

واما الدلالتية فهي ان انطباق القاعدة على المورد يلزم كونه ضررا مع ان الموردين لم يكونا ضرريين إلا نادرا مع ان الاصحاب بالنسبة الى منع فضل الماء قد حكموا بالكراهة ولو كان على نحو مصداقية المورد للقاعدة للزم من ذلك استعمال لا ضرر بالقدر المشترك الذى يعم الكراهة واستعماله كذلك يكون هادما لاصل الحكومة ولو اغمضنا عن ذلك وقلنا ان الاجتماع بالنسبة لمورد الشفعة ومنع فضل الماء هو من سنخ مورد قضية سمرة إلّا انه لم يكن من جميع الجهات.

بيان ذلك ان الحكومة انما تتحقق في صورة كون المورد مشمولا للادلة الواقعية مع الاغماض عن دليل الحاكم فبدليل الحاكم ترتفع الادلة الواقعية كما في قضية سمرة فمع غض النظر عن لا ضرر كانت الادلة الواقعية تقتضي احترام ماله ولا يجوز لأحد التصرف فيه وله ان يدخل دار الانصاري من دون استئذان منه فقاعدة نفي الضرر رفعت الادلة الواقعية. واما بالنسبة للموردين فلم يكن دليل واقعي شاملا لهما مع الاغماض عن لا ضرر بل يكون الضرر علة للتشريع اذا تحقق الضرر كما هو كذلك بالنسبة الى الشفعة حيث ان الضرر فيها علة

مقدم على انتفاعه فتكون لا ضرر حاكمة ولا يسلب من سلطنة المالك إلا الانتفاع وربما يتمسك له ايضا بقاعدة ان درء المفاسد اولى من جلب المنافع وان كانت

________________

تشريعها ومع الاغماض عنها لم يكن في البين إلا بائع ومشتري ومجىء لا ضرر في مثل هذا المورد لا تنتج الحكومة المقصودة بل نتيجتها ثبوت خيار الغبن والحاصل ان وجود الضرر في بعض الموارد يكون من قبيل العلة لتشريع الحكم مثل الشفعة وكراهة منع فضل الماء ولا يعتبر في علة تشريعه الاطراد والانعكاس بل يكفي تحققه ولو في فرد نادر كما في تشريع العدة فان العلة في تشريعها عدم اختلاط المياه وهي لا تدور مداره وجودا وعدما بل لو فرض حصوله ولو نادرا فالشارع قصد التحفظ عن ذلك الفرد النادر ولاجله شرعت العدة والمقام من هذا القبيل فان الضرر بالنسبة الى الموردين وان كان نادرا فانه موجب لتشريع الاخذ بالشفعة وكراهة منع فضل الماء ولكن الانصاف يقتضي بان علة تشريع الحكم لا بد وان تكون غالبية إذ التشريع من اجل مورد نادر يكون مستهجنا بل ان مذاق الفقاهة يقتضي ان تشريع شىء لعلة لا بد من كون تلك العلة غالبية لا نادرة اتفاقية. وحينئذ بالنسبة الى الموردين لا يصح الضرر للتشريع ولا للحكومة فتعين ان يكون من قبيل الاجتماع في الذكر لا من قبيل المصاديق.

ثم انه ربما يشكل على كون الضرر في هذه الموارد انه حكمة للتشريع فكيف يكون حكومة وان الشىء لا يعقل ان يكون حكومة وحكمة للتشريع ولكن لا يخفى ان الضرر لما كان من العناوين الثانوية فلا محذور في كونه تارة يكون موضوعا لحكم واخرى منشأ لجعل حكم.

واما اشكال كثرة التخصيص الوارد على هذه القاعدة فانما يرد لو كانت القاعدة تأتي مستقلة لا ما كانت ملحقة بذيل مورد خاص لتكون دالة على العموم وتكون بالنسبة للموارد من قبيل انطباق الكبرى على صغرياتها وقد رويت من

على نحو تقابل العدم والملكة فعدم النفع ضرر بهذا الاعتبار فمنع المالك من الانتفاع بملكه يكون ضررا ايضا فيتعارض عندنا ضرران فتكون المسألة من صغريات التزاحم.

________________

طريق الاصحاب بنحو الاستقلال كما عن دعائم الاسلام الذى هو من الكتب الموثوقة وصاحبه القاضي النعمان المصري كان مالكي المذهب ثم انتقل الى مذهب الامامية وكونه قاضيا للاسماعيلية لا يوجب قدحا حيث انه كان يخفي مذهبه لأن السيطرة كانت يوم ذاك للاسماعيلية ويظهر لمن امعن بكتابه النظر انه كان يوهم في حالة نقله فيروي عن ابي جعفر الثانى وهو محمد بن علي الجواد (ع) بحسب الامر الواقع ولكنه يظهر بانه يريد به محمد بن علي الباقر (ع).

وبالجملة اشكال كثرة التخصيص انما يرد على القاعدة باعتبار كون ورودها مستقلا والاشكال يرد ايضا على قاعدة الميسور وحاصل الاشكال في المقام اننا نجد كثيرا من الموارد ضرريا مثل الخمس والزكاة والحج وامثال ذلك مع اننا قد كلفنا باتيانها. وليست لا ضرر حاكمة عليها ورافعة لموضوعها باعتبار رفع الحكم وهذا الاشكال نفسه موجب لوهن القاعدة لأن كثرة التخصيص مستهجن ولكن لا يخفى إن الاشكال انما يرد اذا كان المورد خارجا عن القاعدة بنحو لا ينطبق عليه العام ويخرج عنه تخصيصا واما لو كان بلسان الحكومة على نحو يكون من باب التخصص لا من باب التخصيص فلا يرد عليه ذلك لعدم استهجانه : مثلا لو قال المولى اكرم العلماء ثم قال زيد ليس بعالم وهكذا عد كثيرا من الافراد فلا يعد مثل هذا من قبيل التخصيص بل يكون تخصصا ومن هذا القبيل الزكاة والخمس والحج وغير ذلك فيكون الخروج بالنسبة لها تخصصا لا تخصيصا حيث ان خروج هذه الاشياء لا يعد ضررا فان استحقاق الفقراء لبعض المال في الزكاة والخمس وغيرهما من الواجبات المالية موجب لخروجها عن القاعدة موضوعا مضافا الى ان عمل

الجهة الثالثة ان مفاد الهيئة التركيبية التي هي لا ضرر صالحة للحمل على معان اظهرها الحمل على نفي الحقيقة لاجل تقييدها بالشريعة ومن المعلوم ان نفي الضرر

________________

الاصحاب لو بلغ الى حد الاجماع العملي يكشف عن وجود جامع ينطبق على الموارد الخاصة فيكون هذا الجامع الوجداني هو الخارج عن القاعدة فلا يكون خروج مصاديقه من القاعدة يلزم منه كثرة التخصيص المستهجن وعليه فيكون العمل على هذا الاجماع العملي مشخصا لمصداق القاعدة فما اجمع على العمل به يؤخذ وإلا فلا ويكون ما ذكره هنا نظير ما تقدم ذكره في قاعدة الميسور حيث انه في العرفيات يرجع الامر اليهم في عد الشىء ميسورا او غير ميسور فاذا كان عندهم ميسورا تمسك بقاعدته ، والارجاع الى العرف ليس إلا تشخيص المصداق للقاعدة.

وأما بالنسبة للشرعيات لما كان امرها بيد الشارع ولا علم لنا بالميسور والمعسور فلذا لا نقدر على اجراء القاعدة في مثل ذلك إلا ان اثبات الاجماع العملى يكون في غاية الاشكال حيث انه لم يصل الى حد الاجماع وعلى فرض بلوغه حد الشهرة فلا يوجب وهن القاعدة بذلك.

الجهة الثالثة في مفردات الحديث اما الضرر الذي هو اسم مصدر فهو عبارة عن الفوت ويظهر ذلك من تتبع مفردات اللغة واما الضرار فهو مصدر وهو عبارة عن تعمد الضرر ومن فسره بغير ذلك من ان الضرار فعل الاثنين الذي هو غير الضرر او هما بمعنى واحد واتيان لا ضرار للتأكيد فغير سديد لعدم انطباقه على الموارد التي الحقت بها هذه الكلمة المباركة.

وكيف كان فقد وقع الخلاف في مفاد القاعدة فقيل انها عبارة عن رفع الاحكام الشرعية بنحو الحكومة وقيل ان ـ لا ـ للنهي بلسان النفي اي يحرم

من قبل الشارع في عالم التشريع ينحصر بما كان ناشئا من التشريع ولا يشمل المضار الخارجية التي لا ربط لها بعالم التشريع فعليه لا يحتاج النفي الى عناية وتقدير ومجازية او كونه مرآة عن الامر الضرري.

________________

الضرر ؛ وقيل المراد بلا ضرر هو غير المتدارك والانسب للقاعدة حسب ما اراه هو الاول ، واما الثالث فقد بعده الشيخ الانصاري (قده) وقال انه اردأ الاحتمالات وهو الحق حيث ان وجوب التدارك لا يوجب سلب الضرر بل يسلبه التدارك الفعلي إلا بدعوى ان وجوب الضرر حكم وضعي بمعنى اشتغال الذمة فعليه بنفس تحقق التدارك يرتفع الضرر إلا ان اثبات ذلك محل اشكال لأن السبب الموجب للضمان ليس سوى اليد والاتلاف ولم يعهد ان الضرر بنفسه يكون سببا للضمان. واما الثاني الذي هو حرمة الضرر بلسان النفي وان اختاره بعض المعاصرين وذكر في رسالته امثلة مثل : (لا رهبانية في الاسلام) (ولا فسوق ولا جدال في الحج) وامثال ذلك مما هو مقرون بكلمة ـ لا ـ مما لا محيص فيه عن الالتزام بكون ـ لا ـ للنهي فقد عرفت بطلانه لعدم ملائمته للحكومة. وظهر من ذلك ان القول الاول هو الحق.

بيان ذلك ان لنا مراتب اربعة الاولى ان ـ لا ـ لنفي ما هو تكوينه عين اعتباره في مقام التشريع كالاحكام الشرعية التي لا واقع لها إلا في مقام الاعتبار ، الثانية ان يكون المرفوع هو الموضوع باعتبار رفع حكمه وقد ذكرنا في حديث الرفع ان الرفع تارة يتسلط على ما قابل الوضع واخرى يتسلط على موضوع خارجي غير قابل للرفع ولكن رفعه يكون باعتبار آثاره والرفع فيما لا يعلمون باعتبار نفسه وباعتبار الخطأ والنسيان باعتبار آثاره وليس الرفع مستعملا بمعنيين بل هو بمعنى واحد. غاية الامر انه بالنسبة الى ما هو قابل للرفع من غير عناية وما كان موضوعا تكوينيا محتاج الى عناية وفي المقام ان الضرر لما كان من

ويظهر من ذلك ان مرجع نفي الضرر بالمعنى المختار الى كون الضرر مانعا عن ثبوت تشريع حكم باقتضائه وعليه فالذي يناسب كون الحديث واردا مورد

________________

العناوين الثانوية فتارة يكون عنوانا لنفس الحكم الشرعي فيكون مرفوعا بنفسه من دون عناية واخرى يكون مرفوعا باعتبار آثاره اذا كان عنوان الموضوع ضرري وهذه المرتبة الثانية وان كانت ـ لا ـ فيها مستعملة في النفي إلا انه رفع الموضوع باعتبار التشريع بمعنى ان لسانه هو البناء على ان الموضوع لم يكن والتعبير عن هذه المرتبة بنفي الحكم بلسان رفع موضوعه مسامحة حيث انه ينبغي ان يكون الاستعمال تجوزا او كناية وكل ذلك لم يكن وان كان لا فرق في هذا الوجه مع الوجه الاول بالنسبة الى الحكومة كما لا يخفى.

الثالثة هو ان ـ لا ـ مستعملة في النفي إلا ان الضرر لما كان عنوانا عن فعل لا حكم فيه فيكون المراد نفي ذلك الفعل فلازمه كون الفعل حراما ولم تستعمل ـ لا ـ في النهي نظير ما ذكرناه في ان الجمل الاخبارية اذا استعملت في مقام الانشاء كمثل يسجد لم تستعمل في الانشاء بل المراد ايقاع النسبة بداعي الانشاء فيدل على الامر بالشىء وكذلك في المقام حيث ان ـ لا ـ لم تستعمل في النهي بل مستعملة في النفي إلا انه لما كان المراد هو الفعل الخارجي وليس له حكم فلازم نفيه في مقام التشريع هو الحرمة ـ الرابعة ـ هو نفي الضرر غير المتدارك وانه يراد من وجوب التدارك هو اشتغال الذمة لكي يكون ارتفاع الضرر بنفس اشتغال الذمة ولا يكون وجوب التدارك حكما تكليفيا فانه بمجرده لا يوجب رفع الضرر فافهم وتامل.

ثم انه لا ينتقل الى المرتبة الثانية إلا بعد تعذر المرتبة الاولى وهكذا الثالثة والرابعة وقد عرفت ان المرتبة الاولى عبارة عن رفع الحكم بنفسه من دون عناية لأن الضرر لما كان من العناوين الثانوية فيمكن رفعه بنفسه سواء كان من

الامتنان ان لا يرجع الى ان الضرر يقتضي الالتزام بتركه لكي يكون من قبيل لا فسوق ولا جدال إذ ذلك لا يناسب كون الحديث مسوقا للامتنان بل كان

________________

الاحكام الوضعية مثل لزوم العقد او سلطنة سمرة على الاجتياز في الدار من دون طلب الرخصة او كان من الاحكام التكليفية.

ان قلت بالنسبة الى الحكم الوضعي يحصل الرفع من دون عناية ، واما بالنسبة الى الحكم الشرعي التكليفي فلا بد من رفع الفعل الذي يترتب عليه الحكم الشرعي حيث ان نفس تشريع الحكم الشرعي لم يكن ضرريا وانما الضرري الاتيان بمتعلقه ولا يسري ذلك الى الحكم لما عرفت سابقا من ان تعنون الشيء بالعنوان الثانوى يلزمه ان يكون من قبيل العلة التامة لا من المقدمات الاعدادية وفي المقام العنوان من قبيل المقدمات الاعدادية حيث ان الواسطة بين التشريع والفعل الخارجي هو ارادة المكلف فلم يكن التشريع علة لحصول الفعل الخارجي.

قلنا قد ذكرنا في مبحث اجتماع الامر والنهي ان الامر في مقام التشريع موجب لانبعاث ارادة العبد فهي في مقام التشريع معلولة للامر والارادة علة لاتيان الفعل فيكون المقام من قبيل العلل الطولية لا من قبيل المقدمات الاعدادية التي يكون الاخير منها موجبا لأن يتعنون بالعنوان الثانوي وفي باب العلل الطولية مبدأ التاثير هو العلة الاولى فالتاثير مستند اليه فحينئذ يكون الضرر منطبقا عليه بنفس الجعل فسلب الضرر اعني نفس الحكم الشرعي ليس فيه عناية ونفس الحكم الشرعي يتعنون بالضرر باعتبار كونه من قبيل العلة التكوينية لما عرفت انه علة في مقام التشريع هذا اذا لم تتعذر المرتبة الاولى واما لو تعذرت فرضا فلا بد من الالتزام بالمرتبة الثالثة واما المرتبة الثانية فهي غير معقولة في المقام حيث ان نفي الضرر لما كان سلب حكم لا بد وان يكون بالنسبة الى الشرائع السابقة له حكم فتكون لا ضرر ناظرة الى رفع ذلك الحكم مثلا لو كان للضرر

تحملا آخرا والزاما زائدا عليهم وذلك ينافي كون مثل ذلك جيء به تخفيفا على الامة ويؤيد ذلك تصريح الاعلام بعدم شمول عموم القاعدة للضرر في المعاملات الغبنية كما هو كذلك في حديث الرفع.

________________

حكم مثل الحرمة مثلا ـ فتصير هذه القاعدة ناظرة الى رفع الوجوب وعليه رفع هذا الحكم يوجب خلاف الامتنان بالنسبة الى نظائره من التراكيب كمثل لا نسيئة ولا فسوق ولا جدال وامثال ذلك مما كان له حكم والسلب يرفعه وحينئذ فتتعذر المرتبة الاولى وتتعين المرتبة الثالثة ، واما حملها ابتداء على المرتبة الثالثة كما صنعه بعض المعاصرين وذكر امثلة كثيرة من هذا القبيل بحيث كانت غير قابلة إلا لهذه المرتبة مدفوع بما ذكرنا من حملها على المرتبة الاولى.

واما تكثر الامثلة فهو انما يفيد في قبال من ادعى انا لا نعهد تركيبا محمولا على هذه المرتبة واما كثرة الامثلة فلا توجب حمل هذا التركيب على ذلك ومما ذكرنا من دفع الاشكال يندفع نظير هذا الاشكال وحاصله انهم ذكروا بالنسبة الى باب التسبب ان الفعل يستند الى المسبب لا الى المباشر فيما اذا لم تتوسط ارادة اختيارية كمثل من حفر بئرا فوقع فيها شخص من دون علم له بحفر البئر او نصب سكينا فجرح بها شخص واما لو دفعه شخص آخر فوقع في البئر فلا يستند الوقوع فيها الى المسبب بل يستند الى المباشر واما الجواب فهو ان المقدمات الاعدادية هي ما يكون الفعل مستندا فيها الى الجزء الاخير واما توسط الارادة الاختيارية فهو نظير المقدمات الاعدادية ايضا مستند الى الارادة ، واما سلسلة العلل والمعلولات فليست من ذلك القبيل وانما الفعل فيها مستند الى مبدأ العلل وهو العمدة في التأثير وفي المقام حيث ان الانبعاث معلول في عالم التشريع فالضرر المستند الى الفعل المعلول للارادة المعلولة للايجاد والجعل فيتعنون نفس الجعل بالضرر.

اذا عرفت ذلك فاعلم ان كون هذه القاعدة واردة مورد الامتنان يخص موردها بما كان تشريع الحكم فيه خلاف الامتنان في حق الشخص ولا يشمل

________________

فانقدح مما ذكرنا ان الضرر لما كان من العناوين الثانوية فيمكن ان يكون عنوانا لنفس الحكم الوضعي كما انه يمكن ان يكون عنوانا للحكم الشرعي التكليفي وهو المراد من لا ضرر في الروايات ، واما لا ضرار فالمراد به هو التعمد على الضرر كما استعملت في رواية الرأس والجلد وكيف كان فلا بد من الالتزام بهذا المعنى وبه تتم الحكومة فان الحكومة كما حققنا ليست عبارة عن التفسير باي واعني كما يظهر من شيخنا في بحث التعادل والتراجيح حيث قال انها شرح اللفظ بل المراد بها كون دليل الحاكم ناظرا الى الادلة الواقعية اما برفع الموضوع كمثل لا شك لكثير الشك فانه ليس في مقام الشك بل بلسان نفي الشك فحينئذ لا نرى منافاة ولا معارضة حيث ان ادلة الشكوك تنظر الى الشك بعد الفراغ عن كونه شكا ودليل الحاكم ناظر الى رفع الشك واما رفع المحمول كمثل لا ضرر ولا حرج فان الضرر لما كان عبارة عن الحكم الشرعي فالرفع يتوجه على نفس الحكم الشرعي بمعنى انه لم يجعل ما هو سبب للضرر.

واما المعنى الرابع وهو ما ذكره شيخنا فهو غير مقبول منه حيث ان النفي لا بد وان يحمل على النفي التنزيلي بمعنى ان الضرر المتدارك ليس بضرر ولا بد من ان يراد من وجوب التدارك هو الحكم الوضعي. واما الحكم التكليفي فلا يوجب رفع الضرر ولم يعهد من احد جعل الضرر سببا للحكم بالتدارك.

فتحصل مما ذكرنا ان المتعين هو ارادة الوجه الاول من الضرر واذا تعذر فالوجه الثالث واما الوجه الثاني فهو يتوقف على ان يكون للضرر حكم كالحرمة

ما كان نفي الضرر خلاف الامتنان في حق غيره ولازمه عدم صلاحية عموم نفي الضرر لنفي الاحكام الامتنانية مثل سلطنة المالك على ملكه فحينئذ يقع الاشكال

________________

وامثالها وحينئذ ترتفع الحرمة بارتفاع الموضوع كمثل لا نسيئة ولا رهبانية وامثال ذلك.

وعلى هذا فالقاعدة تدل على عكس المطلوب ثم ان شيخنا الانصاري (قده) ذكر انه لا يضر الاستدلال بهذه القاعدة ولو لم تكن منطبقة على موردها في قضية سمرة بن جندب ولكن لا يخفى انه من اشد ما يضر بالقاعدة ويوجب وهنها وعدم التمسك بها عدم انطباقها على المورد مع ان دعوى انها غير منطبقة ممنوعة فان قضية سمرة من اظهر مصاديق القاعدة.

بيان ذلك ان غرس الشجرة في ارض الانصاري اما ان يكون بنحو الاجارة او بنحو العارية او ان الانصاري باعها لسمرة وغرسها في مدة الخيار او بعد انقضاء مدة الخيار وغرسها والمتعين حمل الرواية على الاخير حيث ان غرس الشجرة لو كان بنحو الاجارة او العارية او البيع في مدة الخيار فتعلقها بانتهاء الاجارة ويرجع بالعارية ويفسخ بالبيع ولا نحتاج الى قاعدة لا ضرر نعم بالنسبة الى الاخير يحتاج في قلعها الى حكومة لا ضرر على الدليل الواقعي بتقريب ان احترام مال الغير اما قاعدة مستقلة في قبال السلطنة أو هي من لوازم السلطنة كما استظهرنا ذلك في بعض مباحثنا فحينئذ لسمرة هذا الحق وبقاء هذا الحق ضرر فبقاعدة لا ضرر يرتفع هذا الحق.

واما اشكال كثرة التخصيص فهو اشكال مشترك الورود بين هذه القاعد وقاعدة الميسور إلا ان قاعدة الميسور عدم التمسك بها ليس من هذه الجهة بل من جهة ان المناط في كون الشيء ميسورا لشيء ليس بمعلوم ومن هنا قلنا انه بالنسبة الى العرفيات لما كان امره معلوما فيمكن احراز ميسورية شيء لشيء

في تطبيق هذه القاعدة على بعض الموارد كقضية سمرة ابن جندب وخبر الشفعة وما ورد عن فضل الماء وقضية انهدام الجدار والمعاملات الضررية كالمشتملة على

________________

وبالنسبة الى الشرعيات لما لم تكن معلومة المناط فلا يمكن التمسك بالقاعدة واما في المقام بالنظر الى خروج مثل الخمس والزكاة وامثال ذلك فقد عرفت مما تقدم ان خروج هذه انما هو من باب الخروج الموضوعي ولا يوجب الوهن في القاعدة مضافا الى انا ذكرنا في بحث العام والخاص ان المستهجن من كثرة التخصيص هو التخصيص الافرادي واما التخصيص الانواعي بمعنى ان الخارج هو نوع واحد ولكن كان منطبقا على افراد غير محصورة فلا يكون من كثرة التخصيص مثلا لو قال اكرم العلماء ثم قال لا تكرم الفساق وكان الفساق اكثر بمراتب من العلماء فاخراج الفساق من العلماء لا يعد من كثرة التخصيص وذكرنا ان الموجود في الكتاب والسنة هو التخصيص الانواعي لا الافرادي وينبغي التنبيه على امور :

الاول انك قد عرفت ان قضية سمرة بن جندب تنطبق قاعدة لا ضرر عليها وحاصلها ان سلطنة مالك الشجرة تقتضي السلطنة على الاستطراق والعبور على ارض الانصاري وهذا الحق يلزم منه ضرر فالنبي (ص) دفع هذا الضرر بالاستئذان ثم لما امتنع من الاستئذان حصل الاصرار على الضرر اعني التعمد ووصلت النوبة الى المرتبة الثانية اعني الاصرار على الضرر فلذا قال النبي (ص) انك رجل مضار فحينئذ صار مصداقا لكلمة لا ضرر ولا ضرار فدعوى شيخنا الانصارى (قده) انه لا تنطبق القاعدة على مورد سمرة لا يضر بالاستدلال بها في غير محله.

اولا اضرار عدم الانطباق على المورد بالاستدلال واضح ، وانطباق القاعدة على قضية سمرة واضح ثانيا واما الوهن بكثرة التخصيص فقد عرفت الجواب عنه ـ التنبيه الثاني ـ هو انه قد وقع الاشكال في ان مقتضى كون الضرر من

الغبن والعيب والتبعيض وتخلف الوصف والشرط فان الاصحاب ذكروا تدارك الضرر بجعل الجدار وتطبيق الاصحاب هذه القاعدة على الزوجة الغائب عنها

__________________

العناوين ينبغي ان يكون وجوده مضرا من دون فرق ما بين العلم والجهل مع انهم لم يلتزموا في الفقه بذلك.

فنقول ومن الله الاستعانة : ان الضرر تارة يكون في الاحكام واخرى في العقود ، وثالثة في غيرهما كالضرر في السلطنة وهذه الابواب الثلاثة اعتبار الضرر فيها مختلف اما القسم الاول فالضرر الرافع للحكم الواقعي هو الضرر المعلوم ولا يضربه الجهل بالضرر ، واما القسم الثاني فالجهل بالضرر يتضمنه حديث لا ضرر ، واما الضرر المعلوم فلا يتعرض له حديث لا ضرر ، واما القسم الثالث فالضرر المأخوذ فيه هو الضرر الواقعي من دون نظر الى العلم والجهل.

وبالجملة الفرق بين هذه الاقسام هو انه في القسم الثالث على مقتضى القاعدة ، واما في القسم الثاني ففي صورة العلم يتحقق الاقدام على الضرر وليس الضرر ناشئا من الحكم وانما نشأ الضرر من الاقدام بخلاف صورة الجهل فانه لما كان جاهلا بالضرر فحكم الشارع في هذا الحال ضرر فيشمله حديث لا ضرر.

وحاصل الكلام هو ان الضرر لما كان عنوانا ثانويا للحكم فينبغي ان يتعنون الحكم بالضرر لا شىء آخر غير الحكم يتعنون به كما هو كذلك في صورة العلم فان نفس الاقدام صار ضرريا وهو اجنبي عن الحكم فتعنون الاقدام بالضرر لا يوجب رفع الحكم.

وبالنسبة الى الجهل نفس الحكم يتعنون بالضرر فيشمله حديث الرفع ، واما بالنسبة الى التكاليف فينعكس الحال فيها ففي صورة العلم التكليف بنفسه يكون ضرريا حيث انه في هذه الصورة يكون العلم داعيا الى توجه التكليف

زوجها بعد فحص الحاكم الشرعي اربع سنين وتوليه الطلاق بعموم نفي الضرر.

وحاصل الاشكال ان المستفاد من هذه القاعدة هي انها سيقت للحكاية عن

__________________

ونسبة التكليف الى متعلقه كنسبة العلة الى معلولها وبالنسبة الى صورة الجهل حيث انه لا يعلم فلا يتصف التكليف بالضرر فلا يكون داعيا الى توجه التكليف.

وبالجملة الجهل في العقود داع والجزء الاخير لكونه ضرريا هو الحكم وبالنسبة الى التكاليف يكون الجهل بالتكليف داعيا والجزء الاخير هو الجهل فلا يتعنون حينئذ التكليف بالضرر كما لا يخفى.

التنبيه الثالث ان لا ضرر انما تجري بالنسبة الى ما لو نشأ من جعل الحكم ضرر فترفعه ولان يجري بالنسبة الى ما ينشأ من عدم جعل الحكم ضررا وبالجملة لا تجري في العدميات قاعدة لا ضرر ودعوى ان العدم يلاحظ باعتبار استمراره ممنوعة حيث انه ولو بلحاظ الاستمرار لا يرى إلا عدم الحكم ولا يجعله امرا وجوديا والضرر لما كان من العناوين فلا بد ان يلحظ باعتبار امر وجودى لا باعتبار امر عدمي وما يتراءى بالنسبة الى بعض العدميات كما في مثل من حفر بئرا وسبب حفره للبئر وقوع حائط جاره فربما يقال بأنه من عدم ضمان حافر البئر للجار تضرر الجار فبمعونة لا ضرر يثبت على الحافر الضمان وكذلك من حفر قناة فاخذ ماء صاحبه او هدم شرافة جداره فاضره ذلك فمن عدم ضمانه لجاره يلزم الضرر فبلا ضرر يثبت الحكم بالضمان ولكن لا يخفى ان الحكم بالضمان في مثل هذه الصور ليس من جهة لا ضرر بل من جهة الاتلاف كالصورة الاولى والثانية وفي الثالثة اثبات حق لصاحب الجار في الشرفة فبالهدم ازال ذلك الحق فلا تغفل.

التنبيه الرابع ـ ليس كل من اقدم على الضرر يرفعه حديث لا ضرر بل الاقدام على موضوع يترتب عليه الحكم الضررى يرفعه ذلك الحديث كمن تعمد إجناب نفسه فاقدامه هذا اوجب ان يجعله جنبا ويترتب عليه وجوب

نفي الاحكام الضررية الناشئة من جهات امر الثابتة من الخارج من دون كونها مستقلة في قبال سائر القواعد فيكون حالها كحال كل شىء حلال في رواية مسعدة

__________________

الغسل وهذا الحكم ضرري.

وفي هذا التنبيه تذكر فروع ربما يتوهم التهافت في كلمات الفقهاء وفي فتاواهم منها اللوح المغصوب في السفينة فانه يفرقون بين العالم والجاهل ويحكمون بوجوب الرد للعالم ولو كانت السفينة وسط البحر ويتضرر صاحب السفينة ولا يحكمون بوجوب الرد للجاهل بالغصب ويجرون لا ضرر في الجاهل دون العالم وربما يقال بعدم الفرق بينهما بدعوى ان العالم بالغصب اقدم على موضوع يترتب عليه الحكم الضرري فانه اقدم على جعل اللوح في السفينة ويترتب عليه وجوب الرد وهو ضرري كمن تعمد الجنابة وهو يعلم بان الغسل مضر ولكن لا يخفى ما فيه إذ ان المقدم على إجناب نفسه ليس مقدما على الحكم الضرري وانما اقدم على موضوع لو ترتب عليه الحكم لزم الضرر بخلاف اللوح المغصوب فانه قبل وضعه في السفينة الحكم بوجوب الرد فعلي فهو مقدم على ما هو ضرري وليس بمقدم على موضوع يترتب عليه الحكم الضرري ومنها الارض المغروسة بالاشجار فان لها صور عديدة بعضها يحكم بقلع الاشجار في صورة ملكت فيها الارض دون الاشجار وبعضها لا يحكم بالقلع بل تبقى الاشجار على ما هي عليها كما لو كانت الارض للمفلس وتعلق حق الديان بالارض والاشجار فانهم حكموا بابقاء الاشجار على حالها ولا يجوز لصاحب الارض قلع الاشجار وكذا ما لو تعلق حق الزوجة بالاشجار بالارث مع ان الارض لشخص آخر وكذا لو باع المالك الارض والاشجار لشخصين فملك احدهما الارض والآخر الاشجار فانهم يحكمون في جميع هذه الصور بعدم جواز قلع الشجرة مع ان بقاءها ربما يقال بانه ضرر على مالك الارض فيندرج تحت حديث لا ضرر فيقضى له بالرمي بها لصاحبها بمقتضى

المشتمل ذيلها على اليد والاستصحاب واصالة الحل الحاكمة جميعها على قاعدة الحل وعليه لم تكن مفادها تأسيس حكم في قبالها فلا تكون صالحة للحكومة على ادلة

__________________

حديث لا ضرر ولكن لا يخفى ان هذه الصور جميعها لا تندرج تحت حديث لا ضرر وضابطها انه كلما يملك ملكا دائميا يجب إبقاؤه على حاله من دون تصرف فيه والسر فيه ان الضرر انما يتحقق لو كان مالك الارض يملكها بما انها خالية من الاشجار فمع وجود الاشجار تضر بملكيته فتجري لا ضرر ، واما لو كانت ملكيته للارض ليست على الوصف بل ملكيته بما انها مشغولة بالاشجار فلا ضرر بوجود الاشجار في ملكه فعليه لا مجال لجريان لا ضرر. نعم بالنسبة الى غرس الاشجار في مدة الخيار او غرسها في الارض المستأجرة او في الارض العارية يمكن القول بمجيء لا ضرر حيث ان المالك يملك الارض بما انها خالية من الغرس فغرسها فيه ضرر فيشمله الحديث. والقول بالابقاء مستلزم للدور حيث ان بقاء الغرس على حاله موقوف على عدم سلطنة مالك الارض على قلعه وعدم سلطنته على القلع موقوف على بقاء الحق للغارس على الابقاء.

إن قلت هذا الدور بعينه يجري فيما لو قلنا بان لصاحب الملك حق القلع حيث ان سلطنته على ذلك تتوقف على عدم كون المالك للغرس له الابقاء وكون مالك الغرس ليس له حق الابقاء موقوف على ثبوت سلطنة مالك الارض على القلع

قلنا ان سلطنته على ثبوت القلع لا تتوقف على ثبوت حق للغارس حيث ان هذه السلطنة كانت متحققة قبل الغرس وبعده لان المقتضي متحقق والمانع يشك في مانعيته فنفس عدم ثبوت حق للغارس كاف في ثبوت السلطنة على ثبوت القلع وحاصل الكلام هو ان الاقدام بالنسبة الى إجناب نفسه يترتب عليه وجوب الغسل وذلك منه لم يكن اقداما على الحكم الضررى بل على موضوع يترتب عليه الحكم الشرعي وعلى العكس ما لو اقدم على نفس الضرر كالاقدام على

الاحكام فحينئذ يقع الاشكال في تطبيقها على الموارد المذكورة ولكن عند التامل نرى ان في كل مورد من تلك الموارد فيه قاعدة او دليل يدل على الحكم

__________________

المعاملة الغينية وهناك قسم آخر من الاقدام وهو اقدام على امر مستلزم لتعليق الحكم الضرري عليه من غير فرق بين ان يكون الحكم قبل الاقدام فعليا كغاصب اللوح او لم يكن كذلك بان يعلم بتحققه بعد ذلك كمن بنى بالارض المستأجرة او غرس فيها او الغرس في مدة الخيار او الغرس في الارض العارية ولا يخفى ان الفرق بين الصورة الاولى والثانية بكمال الوضوح فان الاولى لم يقدم فيها إلا على امر مباح خال من الضرر وانما للضرر نشأ من الحكم الشرعي فيكون الحكم الشرعي كالجزء الاخير من العلة والاقدام على ايجاد موضوعه يكون من المقدمة الاعدادية بخلاف الصورة الثانية فان الاقدام يكون على نفس الضرر والحكم من المقدمات الاعدادية فيكون بين الصورتين معاكسة.

واما القسم الثالث المشتمل على الفروع المذكورة التي كانت تحتمل الرد والامضاء فهل يعد الاقدام فيها اقداما على الضرر ام لا؟ الظاهر انه بالنسبة الى الاجارة يعد اقداما لأنه لما كان عالما برجوع الارض للمالك بعد مدة الاجارة وهي مملوكة له بما انها خالية من الغرس فيكون غرسه اقداما على الضرر ويكون للمالك قلعها واما بالنسبة لما هو محتمل لعدم الامضاء فدعوى كونه اقداما غير مجازفة حيث انه مع هذا الاحتمال فلا اقدام على الغرس فيكون قد اقدم على الضرر فلا يشمله حديث لا ضرر.

ان قلت مع احتمال الامضاء فلا يعد اقداما. قلنا ان الاقدام انما يتقوم بالتوطين وهو متحقق مع احتمال عدم الامضاء ولا يرفع التوطين احتمال الامضاء لا يقال الاقدام انما يتحقق في هذه الموارد اذا كان الحكم بالرد فعليا لكي يكون الاقدام على الضرر بمعونة الحكم الشرعي فيكون كاللوح

وليس الحكم مستفادا من نفس القاعدة فعموم القاعدة انما هو لحكايته عن ان كل مورد من تلك الموارد فيه دليل يضاهي القاعدة فلم يكن المدرك في تلك

__________________

المغصوب في السفينة وفي هذه الموارد الحكم لم يكن فعليا بل بعد انقضاء امد الاجارة والخيار ومدة العارية فحين الغرس ليس الحكم فعليا فلا اقدام.

قلنا انه لا يفرق الحال بين كون الحكم فعليا او غير فعلي فانه وان لم يكن الحكم فعليا في هذه الموارد إلا انه يعلم بتوجه الحكم بعد مدة او يحتمل توجه الحكم ومع ذلك اقدم فيعد هذا اقدام وتوطين النفس على الضرر ـ فذلكة البحث ـ ان الاقدام بالنسبة الى التكاليف لا يفرق بين كونه من سلسلة العلل او من سلسلة المعلولات فلا يعد من الاقدام بل نفس متعلق التكليف اذا كان ضرريا يكون التكليف معنونا بالضرر فحديث لا ضرر يرفعه فما كان من سلسلة العلل كمن اجنب نفسه متعمدا او من سلسلة المعلولات كمن علم بضرر صومه لا يعد مقدميا على الحكم الضرري

واما في الوضعيات فتارة يكون الاقدام على نفس الضرر كمن علم بالغبن فانه اقدم على الضرر بنفسه واخرى لا يكون الحكم ضرريا ولكنه بسوء اختياره عنون فعله بالضرر مثلا اللوح المغصوب وجوب رده ليس ضرريا ولكن حيث انه بسوء اختياره لبس ذلك اللوح المغصوب وجوب الرد فصار ضرريا من هذه الجهة والمقام من هذا القبيل حيث ان نفس رد الارض قبل الغرس بعد الاجارة وبعد انقضاء مدة الخيار ليس ضرريا ولكن غرسه في الارض هو الذي صير فعله ضرريا فهو قادم على تلبيس فعله بالضرر ولا يخفى انه ليس بين الفعل والحكم بوجوب الرد ولو قلنا بانه تكليفي علية ومعلولية لكي يكون موجبا لاتصاف الحكم بالضرر وانما المعد هو الحكم التكليفي والجزء الاخير من العلة هو الاقدام وليس الحكم التكليفي ضرريا بل انما هو بواسطة الغرس.

التنبيه الخامس ـ في تعارض قاعدة لا ضرر مع قاعدة السلطنة فنقول ان

الموارد نفس القاعدة وانما المدرك غيرها وتكون القاعدة مؤيدة للدليل الموجود في المورد. وعليه ينبغي لنا سبر تلك الموارد.

__________________

السلطنة تارة تقتضي التصرف بالدار بنحو يكون تركه ضرريا كحفر بئر او بالوعة يتضرر به الجار وفي ترك الحفر ضرر على المالك ، واخرى يكون في فعله منفعة للدار وفي تركه ليس ضرر على الممالك ، وثالثة لا ينتفع بالتصرف ولا يتضرر بتركه. اما بالنسبة الى الصورة الاولى فقد حكم الاصحاب بحكومة السلطنة على لا ضرر كما انهم بالنسبة الى الصورة الاخيرة حكموا بحكومة لا ضرر على السلطنة ، واما الصورة الثانية فقد وقع الخلاف بينهم كما نقل ايضا عن الشافعية مثله.

وكيف كان فربما يشكل بالنسبة الى الصورة الاولى ، وحاصل الاشكال انها تدخل تحت قاعدة عدم جواز دفع الضرر المتوجه اليه لشخص آخر حيث ان المقام يكون التصرف في الدار يوجب توجه الضرر على الجار ولكن لا يخفى ان المقام ليس من ذلك القبيل حيث ان ذلك انما يتم لو كان الضرر متوجها اليه ابتداء فيدفعه الى غيره مثلا السيل متوجه اليه دون جاره فهو يدفعه الى جاره واما لو توجه السيل الى بلده وحصن داره من غير قصد لتوجه السيل الى غيره فلا محذور فيه اذ كما انه لا يجوز دفع الضرر عن نفسه وتوجهه للغير لا يجب تحمل الضرر المتوجه الى الغير لنفسه وفي المقام حيث ان مقتضى السلطنة يقتضي التصرف في داره فلا مجرى لحديث لا ضرر حينئذ اذ جريانه مناف للامتنان.

واما اذا كان التصرف لمنفعته ولا يلزم من تركه ضرر فائضا لا تجري قاعدة لا ضرر لما عرفت انها واردة مورد الامتنان وجريانها مناف لذلك واما بالنسبة الى ما كان التصرف لا لفائدة ولا يلزم من تركه ضرر للمالك فقط يلزم من فعله ضرر للجار فيشمله حديث لا ضرر فان منع المالك وقصور سلطنته لا ينافي

اما قضية سمرة فالاشكال فيها من جهتين الاول انها في مورد قاعدة السلطنة ومن هنا وقع الاشكال إذ قاعدة الضرر لا ترفع سلطنة الانسان على ماله لدفع ضرر الغير كما انه لا يجب تحمل الضرر للدفع عن الغير مع ان الرواية صريحة بذلك من حيث انه امر رسول الله (ص) الانصاري بقلع الشجرة فان كون الشجرة ما لا لسمرة يكون له حق العبور الى شجرته فاى وجه لالزامه بالاستيذان وامر الانصاري بقلعها الجهة الثانية من الاشكال انه (ص) لم يحكم بتدارك ماله حيث ان ماله محترم ولم يظهر شىء يوجب سقوط احترام ماله والتحقيق في المقام يحتاج الى ذكر مقدمة وهي ان قاعدة السلطنة قاعدة عامة جارية في كل مورد يكون للانسان سلطنة على ماله فيجري بالنسبة لكل شخص ما لم تزاحم سلطنة شخص آخر لان قاعدة السلطنة قاعدة امتنانية وهي بالنسبة الى الاشخاص على حد سواء فعليه لا تجري تلك القاعدة في حق شخص يلزم منه خلاف الامتنان بالنسبة الى

__________________

الامتنان فلا مانع من جريان لا ضرر. ان قلت منع المالك من التصرف في الدار ولو لا لمنفعة ضرر قلنا اولا ليس في المقام ضرر كما هو المفروض وثانيا ان الضرر الناشئ من لا ضرر لا يمكن رفعه بلا ضرر فان الشىء لا يكون رافعا لنفسه وما قلناه بالنسبة الى الاصل السببي والمسببي فان السببي حاكم على الاصل المسببي مع ان المستند فيهما واحد وهو لا تنقض اليقين بالشك ونفس لا تنقض لا تكون حاكمة على نفسها فانما هو باعتبار ان وجود فرد يكون رافعا لموضوع فرد آخر وبعبارة اخرى بجريان الاصل الجاري في السبب ينقلب الشك الى اليقين وبهذا الاعتبار يكون حاكما على الاصل المسببي.

فتلخص ان لا ضرر لا تجري في الصورتين الاوليتين وتجري في الاخيرة فقط لما عرفت من انها واردة في الامتنان وجريانها في الصورتين الاوليتين ينافي الامتنان والحمد لله رب العالمين.

شخص آخر وبالجملة القاعدة تجري لكل شخص إلّا ان يصدق على تصرفه بانه تصرف في مال الغير فحينئذ تنصرف تلك القاعدة عن مثل هذه السلطنة ولاجل ذلك بينا في تزاحم الحقوق ان لصاحب الشجرة المغروسة بالارض المستعارة قلع الشجرة حتى لو اوجب فساد الارض وليس لصاحب الارض منعه ولا ينقض ذلك بتصرف صاحب الشجرة لو اراد قلعها اذ هو تصرف من دون رضا صاحب الارض بيان عدم النقض هو ان رفع سلطنة صاحب الارض بمنعه من التصرف متأخرة عن سلطنة صاحب الشجرة فحينئذ تكون سلطنة صاحب الشجرة متحققة من دون مزاحم والسلطنة على الشىء سلطنة على مقدماته مثل قلع الشجرة المستلزمة للتصرف في ارض الغير اذ تلك السلطنة متوقفة ومستلزمة لذلك وحاصل المقدمة ان قاعدة السلطنة منصرفة عما لو كان اجراؤها منافيا لسلطنة الغير وحينئذ نقول ان الذي يظهر من الرواية ان عمل سمرة ابن جندب مفاجاته ووصوله الى الشجرة من دون اذنه مستلزم لهتك عرض الغير فينطبق على عمله عنوان هتك عرض الغير ولا اشكال ان مال المسلم محترم وعرضه ايضا محترم فكما انه لا يجوز للشخص التصرف في ماله اذا استلزم التصرف في مال الغير كذلك ايضا لا يجوز التصرف في ماله اذا استلزم هتك عرض الغير وبالجملة عمل سمرة بمقتضى قاعدة السلطنة محرم من جهة استلزامه لهتك عرض الغير وحينئذ يدور الامر بين منعه عن الشجرة رأسا بان يمنعه من الوصول ويسد الباب او يمنعه فقط من الوصول واما ماله فيوصله اليه بان يقلعه ويعطيه اليه لانه انحصر علاج ذلك باحد هذين الامرين حيث انه امتنع من الاستئذان ولما انحصر الطريق باحد امرين لا ثالث لهما فلا بد وان يأخذ بأقلهما محذورا ولا اشكال ان المنع من ماله رأسا ظلم واشد محذورا من قلع الشجرة واعطائها اليه فحينئذ يتعين الوجه الثاني ولأجل ذلك امر النبي (ص) بالقلع والقائها اليه. فتحصل من ذلك ان امر النبي (ص) بذلك ليس على خلاف الاصل

واما الجواب عن الاشكال الثاني فيمكن ان يقال بانه لم تتلف بالرمي اليه مالية الشجرة اذ يمكن ان يأمر بالرمي مع حفظ المالية بغرسه في مكان آخر اذ لا يلزم من القلع انقلاب الشجرة الى الخشبية حتى تنفى ماليتها ولذا عبر (ص) بقوله اقلعها ولم يقل اقطعها ليلزم منه تلف المال من رأس ومع امكان بقاء المالية فلا يلزم التدارك.

واما خبر الشفعة فيمكن دعوى ان ذكر لا ضرر لم يكن في مقام تطبيقها بل ذكرت مع الشفعة من قبيل جمعها في الذكر فيكون جمل مستقلة تدل على احكام مختلفة قد وردت في رواية عقبة بن خالد لا ارتباط لبعضها ببعض وان المتأخرين اخذوا كل فقرة فقرة بنحو التقطيع من هذه الرواية فتخيلوا ارتباط بعضها ببعض.

واما مورد انهدام جدار الجار فنقول انه لا اشكال في انه لا يجب حفظ مال الناس ولا عرضهم ولا انفسهم من غير الهلاك وانما يحرم هتك عرض الغير او دمه او ماله على اشكال ما لم يصدق عليه التصرف فيه بغصب ونحوه فانهدام الجدار بنفسه لا يوجب إلا انتهاك عرض الغير لا هتكه كما ان بقاء الجدار على الخراب ايضا لا يوجب إلا بقاء انتهاك عرض الغير لا هتكه فعليه لا يجب اجبار المالك على تعميره خصوصا مع تمكن الجار على حفظ عرضه بطريق آخر بقرينة قوله للجار استر على نفسك ، واما ذيل الرواية المشتمل على النهي عن الهدم معللا بعموم نفي الضرر فيمكن دعوى ان هدم المالك جداره وان لم يكن ممنوعا عنه في نفسه إلا انه اذا استلزم تلف مال الغير وحينئذ مع صدق عنوان التلف عليه يمكن دعوى عدم تحقق سلطنة للمالك عليه لما عرفت من قصور سلطنة المالك ما لو استلزم هتك العرض لذلك لو استلزم تلف مال الغير ايضا تقصر سلطنته ، واما المعاملات الضررية كالمشتملة على الغبن وغيرها المذكورة انطباق تلك القاعدة عليها مبني على كون

هذه المعاملات فيها شرط ضمني ويكون التخلف من باب تخلف الشرط الضمني مع انه محل منع لامكان دعوى انها من قبيل تخلف الداعي كما ان اطلاق الضرر على مجرد نقض الغرض وتخلف المراد محل منع. واما زوجة الغائب فدليل لا ضرر لا يثبت ولاية الطلاق للحاكم الشرعي اذ هو مناف لكون القاعدة واردة مورد الامتنان نظير جريانها في خيار الغبن حيث ان جريانها لا يثبت الارش اذ ثبوته بذلك خلاف الامتنان. هذا كله فيما يتعلق بالاموال والاعراض والدماء.

واما الكلام فيما يتعلق بالعبادات فالذي يظهر من المشهور انطباق هذه القاعدة ايضا على العبادات على نحو ما سبق فحكموا بفساد العبادات الضررية ولكن لا يخفى ان ذلك مبني على ان الصحة والفساد في العبادات تابعان للامر الشرعي الفعلي وحيث ان الامر يرتفع فتكون العبادة بهذا الاعتبار منهيا عنها والنهي في العبادات يقتضي الفساد ولكن ان بنينا على كفاية الرجحان الذاتي في العبادة فيكون التعبد بها صحيحا وان ارتفع الامر الفعلي يضاف الى ذلك انه لو قلنا بشمول هذه القاعدة للعبادات فلا بد من ان يكون لسان رفع الضرر فيها عاما شاملا للضرر الواقعي والظاهري فلا يفرق فيها بين علم المكلف وجهله في حين انه قالوا بصحة العبادة الضررية عند الجهل وهذا ينافي عموم العام المستفاد من القاعدة فتحصل مما ذكرنا ان المختار في معنى لا ضرر هو مفادها حكاية نفي الضرر ونفي تشريع الحكم الضرري في الشرع والاسلام فهي حاكية عن كبريات وإنشاءات خارجية التي منها نفي تشريع لا ضرر على الغير الملازم لحرمته وليست هذه الهيئة اريد بها النهي عنه بلسان النفي كمثل لا فسوق ولا جدال كما توهمه بعض مشايخنا كشيخ الشريعة الاصفهاني (قده) من جهة كشفه عن قصور سلطنة الانسان عن التصرفات المتلفة لمال الغير او دمه او عرضه فلا يتوهم حكومة هذه القاعدة على عموم السلطنة على الاموال بل هذه القاعدة سيقت للاشارة

الى الموارد التي ثبت فيها نفي الحكم الضرري من الخارج فتكون كاشفة عن قصور سلطنة الانسان ايضا في حد نفسه من اتلاف وانتقاص لأمر يرجع الى غيره من مال او دم او عرض وليس مفادها تاسيس حكم مستقل في قبال سائر القواعد والعمومات فعليه لا يبقى مجال للنزاع بان الضرر المنفي هنا هو الضرر الشخصي او النوعي كما لا يخفى وليكن هذا آخر ما اردنا بيانه من مبحث قاعدة لا ضرر وبه ينتهي الكلام من الجزء الرابع من كتابنا المسمى بمنهاج الاصول المستفاد من خلاصة بحث استاذنا العراقى طاب ثراه من مباحث الاصول العملية التي فرغ منها في شهر شعبان سنة الف وثلاثمائة والخمسة واربعين هجرية على مهاجرها افضل الصلاة والتحية ونسأله التوفيق لاخراج الجزء الخامس في الاستصحاب والتعادل والتراجيح والحمد لله اولا وآخرا وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين والحمد لله رب العالمين وقد وقع الفراغ منه في جوار مرقد سيد الوصيين امير المؤمنين عليه وآله افضل الصلاة والسلام بقلم مؤلفه الراجي عفو ربه محمد ابراهيم ابن المرحوم الحاج شيخ علي الكرباسي طاب ثراه.

فهرس الجزء الرابع

من منهاج الاصول

الصفحة

الموضوع

الصفحة

الموضوع

٢

المقصد الثالث في الشك

٥٧

شرائط جريان حديث الرفع

٥

الاصول العملية

٦٢

حديث الرفع يعم التكليفية والوضعية

٩

الحكومة واقعية وظاهرية

٦٥

شبهات حديث الرفع

١٢

حكومة الامارات على الاصول

٦٩

الاستدلال بحديث الحجب

١٤

اصل البراءة

٧٥

الاستدلال بحديث السعة

١٧

الاصل في الاشياء الحظر أو الاباحة

٧٧

الاستدلال بحديث المعرفة

١٩

الاستدلال بآية الايتاء

٧٩

الاستدلال بحديث كل شىء مطلق

٢٦

الاستدلال بآية التعذيب

٨٣

 الاستدلال بصحيحة عبد الرحمن

٣١

الملازمة بين الاستحقاق والفعلية

٨٥

الاستدلال باصالة الحل

٣٥

الاستدلال بآية الهلاك

٨٩

الاستدلال بدليل العقل على البراءة

٣٧

السنة

٩٦

الاستدلال بالاستصحاب على البراءة

٣٩

الاستدلال بآية التفصيل

١٠٤

الاستدلال بالآيات على الاحتياط

٣٨

 السنة

١٠٦

الاستدلال بالسنة على الاحتياط

٣٩

الاستدلال بحديث الرفع

١١٠

الاستدلال بدليل العقل على الاحتياط

٤١

الفرق بين الرفع والدفع

١١٥

مسألة الانحلال

٤٤

الكلام في الوضعيات

٥٤

اختصاص ما لا يعلمون في الشبهة الموضوعية

الصفحة

الموضوع

الصفحة

الموضوع

١٢٣

الانحلال الحكمي

٢٣٩

اشتراط الابتلاء

١٣٢

الوجه الثاني من دليل العقل

٢٤٣

الاضطرار الى بعض الاطراف

١٣٧

الشبهة الموضوعية

٢٥٠

ملاقى احد اطراف الشبهة

١٤٣

الشبهة الوجوبية

٢٦٤

دوران الامر بين المتباينين في الشبهة الوجوبية

١٥١

الشك في التعيينية والتخييرية

٢٦٩

الاقل والاكثر

١٦٤

اصالة عدم التذكية

٢٨١

البراءة العقلية

١٦٧

الاحتياط حسن عقلا وشرعا

٢٨٨

 البراءة الشرعية

١٧٢

الاحتياط في العبادات

٢٩٧

الشك في الشرائط

١٨١

في بيان اوامر الاحتياط

٣٠٥

تنبيهات الاقل والاكثر

١٨٥

التسامح في ادلة السنن

٣٠٧

الشك في المحصل

١٩١

اصالة التخيير

٣١٣

نسيان الجزء

١٩٣

دوران الامر بين محذورين

٣١٧

حديث الرفع

٢٠١

التخيير بدوي او استمراري

٣٢١

حديث لا تعاد

٢٠٩

اصالة الاشتغال

٣٢٥

حكم الزيادة العمدية

٢١١

تنجز العلم الاجمالي

٣٢٨

خاتمة في شرائط الاصول

٢١٦

 العلم الاجمالي منجز كالعلم التفصيلي

٣٣٦

حديث لا ضرر

٢٢٤

العلم الاجمالي يمنع من جريان الاصل النافي

٣٤١

الثمرة بين القولين

٢٢٨

تنجيز العلم الاجمالي في التدريجيات

٣٤٤

مفاد الهيئة التركيبية

٢٣١

شرائط تنجز العلم الاجمالي

٣٤٩

الضرر من العناوين الثانوية

٢٣٥

الشبهة غير المحصورة

٣٥١

قضية سمرة من صغريات القاعدة

منهاج الأصول - ٤

المؤلف: محمّد ابراهيم الكرباسي
الصفحات: 365
  • المقصد الثالث في الشك
  • الاحتياط في العبادات
  • اصالة التخيير
  • الشك في المحصل
  • التسامح في ادلة السنن
  • تنبيهات الاقل والاكثر
  • في بيان اوامر الاحتياط
  • الشك في الشرائط
  •  البراءة الشرعية
  • دوران الامر بين محذورين
  • الاحتياط حسن عقلا وشرعا
  • البراءة العقلية
  • اصالة عدم التذكية
  • الاقل والاكثر
  • الشك في التعيينية والتخييرية
  • دوران الامر بين المتباينين في الشبهة الوجوبية
  • نسيان الجزء
  • حديث الرفع
  • ملاقى احد اطراف الشبهة
  • العلم الاجمالي يمنع من جريان الاصل النافي
  • الشبهة غير المحصورة
  • الضرر من العناوين الثانوية
  • شرائط تنجز العلم الاجمالي
  • مفاد الهيئة التركيبية
  • تنجيز العلم الاجمالي في التدريجيات
  • الثمرة بين القولين
  • حديث لا ضرر
  • التخيير بدوي او استمراري
  •  العلم الاجمالي منجز كالعلم التفصيلي
  • خاتمة في شرائط الاصول
  • تنجز العلم الاجمالي
  • حكم الزيادة العمدية
  • اصالة الاشتغال
  • حديث لا تعاد
  • الشبهة الوجوبية
  • الشبهة الموضوعية
  • شرائط جريان حديث الرفع
  • الاستدلال بحديث السعة
  •  الاستدلال بصحيحة عبد الرحمن
  • الاستدلال بآية التعذيب
  • الاستدلال بحديث كل شىء مطلق
  • الاستدلال بآية الايتاء
  • الاستدلال بحديث المعرفة
  • الاصل في الاشياء الحظر أو الاباحة
  • اصل البراءة
  • الاستدلال باصالة الحل
  • الاستدلال بحديث الحجب
  • حكومة الامارات على الاصول
  • شبهات حديث الرفع
  • الحكومة واقعية وظاهرية
  • حديث الرفع يعم التكليفية والوضعية
  • الاصول العملية
  • الملازمة بين الاستحقاق والفعلية
  • الاستدلال بآية الهلاك
  • الاضطرار الى بعض الاطراف
  • الفرق بين الرفع والدفع
  • الوجه الثاني من دليل العقل
  • اشتراط الابتلاء
  • الانحلال الحكمي
  • اختصاص ما لا يعلمون في الشبهة الموضوعية
  • الكلام في الوضعيات
  • مسألة الانحلال
  • الاستدلال بدليل العقل على الاحتياط
  • الاستدلال بدليل العقل على البراءة
  • الاستدلال بحديث الرفع
  • الاستدلال بالسنة على الاحتياط
  •  السنة
  • الاستدلال بالآيات على الاحتياط
  • الاستدلال بآية التفصيل
  • الاستدلال بالاستصحاب على البراءة
  • السنة
  • قضية سمرة من صغريات القاعدة