
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب
العالمين والصلاة والسلام على اشرف الانبياء والمرسلين محمد خاتم النبيين وآله
الطيبين الطاهرين المعصومين ولعنة الله على اعدائهم اجمعين.
اعلم ان المكلف
اذا التفت الى حكم شرعى فاما ان يحصل له القطع او الظن أو الشك ، والمراد من
المكلف من وضع عليه القلم لا خصوص من كلف بالتكليف الفعلى لظهور قيدية (اذا التفت)
في الاحترازية ، ومع ارادة الفعلية يكون القيد توضيحيا والمراد من الحكم هو الحكم الفعلى لعدم وجوب اتباع ما لم
يبلغ مرتبة الفعلية ، نعم ليس المراد منها كون الحكم فعليا من جميع الجهات ، وانما
المراد من كونه فعليا من جهة المولى وهو الذى يشترك العالم والجاهل به ،
__________________
وبهذا المعنى يؤخذ
موضوعا للوظيفة الشرعية ولا يلزم منه الجمع بين الحكم الواقعى والظاهري لعدم
المانع من تحقق الترخيص الشرعى ، إذ لا محذور من جعل الحكم فى قبال ذلك الحكم على
ما سيأتى بيانه في مبحث الظن ، كما انه ليس المراد من المكلف خصوص المجتهد بل يعم
المقلد لعدم اختصاص الاقسام المذكورة بالمجتهد لاطلاق ادلة اعتبارها ، وعن بعض
الاعاظم (قدسسره) اختصاصه بالمجتهد بتقريبين :
الاول ان حصول هذه
الاقسام من القطع والظن والشك للملتفت بالحكم بالتفصيل وذلك يختص بالمجتهد.
الثاني عدم تمكن
المقلد من الفحص عن المعارض ولكن لا يخفى ما فيهما ، اما عن الاول : بان تلك
الاقسام يمكن حصولها لغير البالغين درجة الاجتهاد فتشملهم الادلة لفرض اطلاقها
ولغيرهم بعدم القول بالفصل ، واما عن الثانى فبأدلة الافتاء والاستفتاء يكون فحص
المجتهد فحص المقلد ، وشكه ويقينه بمنزلة شك المقلد ويقينه ، وعليه لا مانع من
القول بان المجتهد ينوب عن المقلد في الفحص عن المعارض وفي ترجيحه لاحد الخبرين
وتظهر الثمرة بين القولين عند رجوع العامي الى المجتهد فانه بناء على التعميم ،
المجتهد يخير العامي بين الافتاء له بمقتضى الاستصحاب الجاري فى حقه وبين ابقاء ما
حصل للعامي من اليقين والشك والافتاء على يقين العامي السابق بخلاف ما لو قلنا
بالاختصاص فانه يتعين على المجتهد الافتاء حسب ما قام عنده من الاستصحاب الجارى فى
حقه ، والظاهر ان مقتضى الجمع بين دليل الافتاء والاستفتاء وبين شمول الخطاب
للمقلد هو الاول.
بيان ذلك ان
العامي عند رجوعه الى المجتهد كما لو رجع اليه بنجاسة الماء
المتغير باحد
الاعيان النجسة حصل له يقين بالنجاسة لكون قول المجتهد بالنسبة الى العامي
كالامارة القائمة عند المجتهد بدليل الافتاء والاستفتاء وبعد زوال تغيره يحصل
للمقلد شك فيكون من مصاديق خطاب. (لا تنقض اليقين بالشك) إلّا ان المقلد لما لم
يكن ملتفتا إلى ذلك المجتهد ينوب عنه في إعمال ذلك الاستصحاب المتحقق ركناه عند
المقلد فيفتي المجتهد بالنجاسة بعد زوال تغيره من قبل نفسه بمدركين ، مدرك قائم
عنده ، ومدرك قائم عند المقلد. وبالجملة المجتهد يخير العامي بعد رجوعه اليه بين
الحجتين الحجة القائمة عنده التي هي حجة له ولمقلديه والحجة المحققة عند المقلد
والعامي بعد رجوعه التي لم يكن ملتفتا اليها لذا ينوب المجتهد عن المقلد في
إعمالها وكيف كان فقد استشكل على التقسيم المذكور بتداخل
__________________
بعض موارد الظن فى
الشك وبعض موارده فى العلم بما حاصله انه لا وجه لتثليث الاقسام ، لان الظن ان قام
دليل على اعتباره فلحق بالقطع وان لم يقم دليل
__________________
على اعتباره فملحق
بالشك فما وجه عده فى قبال القسمين ، ولأجل ذلك عدل الاستاذ عنه فى الكفاية فقال
ما لفظه ان المكلف اما ان يحصل له القطع أو لا ، وعلى الثانى اما ان يقوم عنده
طريق معتبر اولا لئلا تتداخل الاقسام ولكن لا يخفى ان الحكم الواقعي والمجتهد يبين
مؤدى الطريق وبالجملة ان اريد من الحكم فى قوله (ان المكلف إذا التفت إلى حكم)
الحكم المتعلق بشخص المكلف فان حصل له القطع يكون منجزا وإلا فان كان عنده طريق
معتبر فيعمل على طبقه وإلا فإلى الاصول العملية من غير فرق بين المجتهد والمقلد.
غاية الأمر ان
متعلق القطع والظن والشك يختلف ففى المجتهد هو الحكم المؤدى بالادلة الاربعة ، وفي
المقلد هو ما أفتى به من يرجع اليه فى التقليد ، وقد عرفت انه بالنسبة إلى جريان
الاصول على السوية حتى في مثل البراءة ، وعدم تمكن المقلد من الفحص لا يوجب اختصاص
دليلها بالمجتهد ، إذ ذلك يكون حاله كالمجتهد الذي لا يتمكن من الفحص فكما ان ذلك
لا يوجب خروج المجتهد من دليل البراءة فكذلك في المقلد وان اريد من الحكم هو الحكم
غير المتعلق بشخص المكلف فلا معنى لارادة الحكم الفعلي بل المراد هو الحكم الكلي
المجعول في حق الغير فمع تعلق القطع الوجداني أو التعبدي فيفتي على طبق ذلك ولو لم
يحصل ذلك وكان له حالة سابقة وشك في نسخه أو سعة الدليل وضيقه فيجري استصحاب الحكم
الكلي ويبني على مقتضاه ، ولا يلاحظ شك المقلد أو يقينه ، وعليه لا معنى لتعميم
المكلف في العنوان بل لا بد من تخصيص ذلك بالمجتهد لما عرفت ان مثل هذه الاحكام
إنما هي متعلقه بالغير وليست فعلية ومنجزة في حق المجتهد وانما شأنه هو بيان وظيفة
الغير بل حتى فيما لو اعتبر شك المقلد ويقينه فله الافتاء لبيان وظيفة من يقلده
كالماء المتمم بالنجس أو بعض أقسام الخيار وأمثال ذلك مما يمكن أن يجري الاستصحاب
بلحاظ نفسه كما يمكن أن يجري الاستصحاب بلحاظ المقلد وشكه كما لا يخفى.
تثليث الاقسام لم
يكن ناظرا الى مرحلة الحجية الفعلية وانما هو في مقام بيان ما للاقسام من
الخصوصيات من الوجوب والامكان والامتناع.
بيان ذلك هو ان
القطع لما كان كشفه تاما فهو حجة عقلا ولا يمنع عنه فلذا يكون واجب الحجية والظن
لما لم يكن كشفه تاما بل ناقصا فيمكن ان يكون حجة بتتميم كشفه ، والشك لما كان
عبارة عن الترديد بين الاحتمالين فلا كشف فيه اصلا فلذا يمتنع حجيته والى ذلك نظر
الشيخ الانصارى (قدسسره) حيث ثلث الاقسام باعتبار ما تجب حجيته كالقطع وما امكنت
حجيته كالظن وما امتنعت حجيته كالشك فعليه لا وجه للعدول عما ذكره الشيخ قدسسره الى ذلك وقد يوجه اشكال التداخل بوجه آخر بما حاصله الحاق
ما هو مقرر للشاك فى الموضوع من الوظائف الشرعية بالعلم بالحكم فتكون الاقسام
ثنائية ، ولكن لا يخفى ان هذه الاشكال يتم بناء على ان المراد من الحكم ما يعم
الحكم الظاهرى وهو محل نظر إذ الظاهر ارادة خصوص الواقع من الحكم. بيان ذلك ان ما
تعارف بين القوم من تبويب الاقسام وجعل أحكام القطع فى باب ، وأحكام الامارة فى
باب ، وأحكام الشك في باب ، والشيخ (قدسسره) جعل التقسيم توطئه لبيان تبويب لتلك الاقسام فلذا ناسب ان
يراد من الحكم فى عبارته وعبارة كل من حذا حذوه هو خصوص الواقع وبذلك يرتفع اشكال
التداخل.
بقي الكلام في
مجاري الاصول وهي منحصرة في أربعة فالأولى
__________________
فى ضبطها انه اما
ان يلحظ الحالة السابقة أم لا فان لوحظت فهو مجرى
__________________
الاستصحاب ، وإلا
فان أمكن الاحتياط أم لا ، فعلى الثانى فهو مجرى التخيير وعلى الاول فاما ان تكون
حجة شرعية كانت أم عقلية أم لا ، وعلى الأول فهو مجرى الاحتياط ، وعلى الثانى
البراءة ، وربما يشكل ويقال ان الشيخ الانصارى (قدسسره) يجري البراءة فيما لو علم المكلف بجنس التكليف وتردد بين
الوجوب والتحريم مع انه ينبغى التخيير مدفوع بما سيأتى من عدم جريان البراءة فى
ذلك لان العلم الاجمالى بيان تلك الواقعة فلا يكون مجال للبراءة بل هو من موارد
جريان التخيير لا يقال العلم بجنس التكليف لا يعد بيانا فلا يمكن مراعاته لعدم
القدرة على الاحتياط فاذا سقط فلا بيان فيتحقق موضوع البراءة ، لانا نقول العلم
وان كانت بيانيته ساقطة من جهة عدم القدرة على الاحتياط إلا انه لم يسقط عن
البيانية من حيث كونه علما فلم يتحقق موضوع البراءة الذى هو عدم البيان.
إذا عرفت ذلك
فاعلم انه يقع الكلام فى مقاصد ثلاثة القطع والظن والشك.
__________________
المقصد الاول فى القطع
وفيه مباحث
الاول في حقيقته
فنقول القطع عبارة عن انكشاف الواقع اما حقيقة واما اعتقادا ، فمن قطع بوجوب شيء
أو حرمته يرى نفسه قد وصل الى الواقع
__________________
وانكشف له الواقع
انكشافا تاما فلا يرى بينه وبين الواقع ستره وحينئذ يكون طريقيته ذاتية لذا لا
تناله يد الجعل لا تكوينيا ولا تشريعيا اما تكوينيا فلما عرفت انه من الذاتيات
والذاتى لا يتوقف على اكثر من ايجاد الذات فاحتياج الطريقية إلى جعل ينافى كونه من
الذاتيات واما تشريعيا فعدم معقوليته أوضح من سابقه لعدم تعلقه بالامور الذاتية
الواقعية على انه يلزم منه تحصيل الحاصل وبعد معرفة حقيقته وان القاطع يرى نفسه قد
وصل إلى الواقع فيجب العمل على وفقه والحركة نحوه وذلك بمقتضى الجبلة البشرية فان
المكلف إذا قطع بحكم فقد أدرك عقله حسن العقاب على مخالفته فينقاد بحسب طبعه
وجبلته إلى العمل على مقتضاه فليس ذلك من باب التحسين والتقبيح العقليين ، بل هو
ما تقتضيه الفطرة البشرية ولا تتوقف على القول بهما لكون المقام من باب لزوم دفع
الضرر المقطوع المسلم عند القائلين بالتحسين والتقبيح العقليين وعند غيرهم ، وعليه
لا يحتمل الردع إذ احتماله ينافى الغريزة والعقل الفكرى ، وببيان آخر انه لا اشكال
فى وجوب متابعة القطع والعمل على طبقه عقلا وإن كان فطريا فان العقل حاكم بان من
علم علما جزميا لزمه اتباعه والتحرك على وفقه بالوجوب التكوينى ان كان من
التكوينيات من جهة
__________________
امتناع تخلف الغرض
وان كان فى الشرعيات من جهة التحسين والتقبيح العقليين كما هو التحقيق وذلك عبارة
اخرى عن حكمه بلزوم الاطاعة وحرمة المعصية وحكم العقل بذلك لا يتوقف على عدم الردع بان يكون مانعا عن الحجية كما
هو كذلك بالنسبة إلى الظن القياسي بناء على الحكومة وان ادعاه بعض ، فقد عرفت ان
ذلك في غير محله إذ حجيته لا تتوقف على أكثر من وجود القطع فهو بنفسه علة تامة
للحجية ، ومنه ظهر الفرق بين حجية القطع وحجية الظن القياسي فان الاول نفسه علة
لها ، وفي الثانى مقتض للحجية ، وذلك يتوقف على عدم الردع لما هو معلوم ان المقتضي
يؤثر فى ظرف عدم المانع. وظهر مما ذكرنا ان القطع بنفسه علة للحجية الموجب ذلك
لعدم الردع بلا حاجة لدعوى المناقضة بتقريب ان من قطع ببولية شيء مثلا يلزمه الجري
على قطعه فلو ردعه رادع يحصل منه المناقضة عند القاطع إذ ذلك يمكن منعه بان يكون
الترخيص فى المرتبة المتأخرة
__________________
وبذلك ترتفع
المناقضة إذ شرطها الاتحاد في المرتبة ، وسيأتي لذلك مزيد توضيح إن شاء الله
تعالى.
وكيف كان فان من
قطع بحرمة شيء مثلا حصل عنده صغرى وجدانية وهي هذا خمر ، وكبرى وهي كل خمر يجب
الاجتناب عنه فينتج ان هذا يجب الاجتناب عنه والحاكم بهذه النتيجة هو العقل بمناط
التحسين والتقبيح العقليين ، لا يؤخذ القطع فى القياس ولم يؤخذ القطع بالقياس بنحو
يكون وسطا فيه لأن الحكم غير مرتب على المقطوع بما انه مقطوع ، وانما الحكم يترتب
على الحكم الواقعي كما يفهم من الآية الشريفة (إِنَّمَا الْخَمْرُ
وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ
فَاجْتَنِبُوهُ!) فالشارع رتب وجوب الاجتناب على نفس الخمر الواقعي لا على
مقطوع الخمرية ، فالقطع لم يؤخذ إلا على نحو الطريقية فلذا لم يصح أخذه في القياس
، إذ لو أخذ لتوهم انه اما تمام الموضوع أوله دخل في الموضوع هذا كله فيما إذا
كانت الآثار مترتبة على نفس الواقع ، واما لو كانت مترتبة على نفس القطع كوجوب
الاطاعة بنحو كان القطع بما هو طريق إلى الواقع له دخل فى ترتب الاثر بان أخذ
موضوعا له كما هو كذلك فى الجهل المركب ، فمن قطع بكون السراب ماء فانه بمجرد
القطع ينقدح فى نفسه ارادة تبعث التوجه نحو السراب أو قطع بكون الشبح اسدا فانه
بمجرد ذلك يفر من ذلك الشبح مع انه لا واقع له ، ففى هذه الامثلة المتقدمة الاثر
قد ترتب على نفس القطع والحاصل ان القطع لو كان طريقا للحكم وكانت الآثار مترتبة
على نفس المقطوع لا يصح جعله وسطا فى القياس لعدم كونه عنوان الموضوع الواقعي او
كان له الدخل فيه انما يكون عنوان الموضوع هو الامر الواقعى وهو يدور مدار واقعه
بل ليس للقطع دخل في
الاكبر ولو بنحو
التلازم فلا يطلق عليه الحجة باصطلاح المنطقي لعدم صحة جعله فى القياس بل ولا
الحجة فى باب الادلة التي هي عبارة عن ان تكون وسطا لاثبات أحكام متعلقاتها بحسب
الجعل الشرعي لما عرفت من ان حقيقة القطع هو نفس الانكشاف والوصول إلى الواقع
فتكون طريقيته ذاتية ، فبمجرد تعلقه يثبت المقطوع كما لو حصل القطع بالخمرية فان
عنوان الخمر يثبت المقطوع من دون حاجة الى توسيط جعل شرعى فى البين كما لا يحتاج
الى تأليف القياس.
إذا عرفت ذلك فى
القطع فاعلم ان الظن كالقطع فكما ان القطع لو كان طريقا للحكم لا يصح جعله وسطا
فكذلك الظن لو كان طريقا للحكم بحيث يكون مترتبا على الواقع وليس للظن دخل في ترتب
الحكم فلا يصح أخذه فى القياس نعم يصح أخذه إذا صار عنوانا مشيرا ، الى موضوع
الحكم كما هو كذلك في القطع فانه يصح اخذه إذا صار عنوانا مشيرا فما ذكره شيخنا
الانصاري قدسسره من التفصيل بين الظن والقطع بجواز أخذه في القياس في الاول
دون الثانى محل نظر بل منع اذا لا فرق بينهما فى ترتب الحكم لو أخذ طريقا له نعم
ربما يقال في بيان وجه الفرق بينهما بان الظن كما كان كشفه ناقصا فيمكن للشارع
التعبدية بان يتمم كشفه وبعد تتميم كشفه يكون حجة شرعية فلذا صح جعله وسطا في
القياس فيطلق عليه الحجة باصطلاح المنطقيين بخلاف القطع فانه لما كان كشفه تاما من
دون حاجة الى دليل التعبد بل لا يعقل ورود تعبد من الشارع لما عرفت من كون طريقيته
ذاتية فلذا لا تناله يد الجعل وحينئذ لا يصح جعله فى القياس مضافا الى ان الفرق بين الظن والقطع متحقق بناء على ان
التعبد المستفاد
__________________
من دليل التنزيل
راجع الى التعبد في النسبة إذ عليه يكون المحمول فى الصغرى هو الخمر الواقعي فيكون
محمولا على موضوعه بنسبة تعبدية كما هو كذلك في الكبرى فالمحمول فيها هو الحكم
الواقعى كوجوب الاجتناب المحمول على الخمر الواقعى بنسبة تعبدية فتكون النتيجة هو
نسبة وجوب الاجتناب الواقعي للخمر الواقعي تعبدا فحينئذ صح جعله اي الظن في القياس
فيكون وسطا لاثبات حكم متعلقه فيطلق عليه الحجة باصطلاح المنطقيين وهذا لا يجري في
القطع لأن القطع على ما عرفت لا يناله يد الجعل فلا يمكن التعبد بمضمونه شرعا فلا
يصح أن يكون وسطا لاثبات متعلقه لكي يتألف منه القياس واما بناء على أن يكون
المستفاد من دليل التنزيل التعبد في نفس المحمول
__________________
بان يراد من الخمر
في الصغرى هو الخمر التعبدي ولكن بنسبة حقيقية والكبرى ايضا كذلك بان يكون المنسوب
اليه هو وجوب الاجتناب بنسبة تعبدية فيكون من قبيل جعل المماثل للحكم وتكون
النتيجة حينئذ الخمر حقيقة ثابتة له وجوب الاجتناب تعبدا هذا وان صح جعله وسطا في
القياس إلّا انه ليس لحكم متعلقه بل لحكم مماثل له. وبالجملة بناء على التعبد فى
المحمول بالنسبة الى حكم متعلق.
الظن كالقطع لا
يصح جعله وسطا واما بناء على التعبد بالنسبة فيمكن دعوى الفرق بين القطع والظن على
التقريب السابق ولكن لا يخفى ما فيه لان دليل التنزيل ان كان ناظرا الى تنزيل
المؤدى منزلة الواقع كان قضيته كالقطع الوجدانى إلّا انه بنسبة تعبدية وان كان
مفاده تنزيل الظن منزلة العلم كان قضيته القطع التعبدي بنسبة تعبدية وعلى كلا
الامرين لا يعقل أخذ الظن وسطا لاثبات متعلقه اما على الاول فعدم اخذه وسطا لعدم
ترتب الحكم على الظن بل على المؤدى واما على الثاني فائضا لا معنى له لانه عليه
بكون الظن كالعلم والعلم لا يكون وسطا في القياس فكذلك الظن نعم يمكن اخذه عنوانا
مشيرا كما هو كذلك في القطع. وببيان اوضح ان مفاد التنزيل تارة يستفاد منه تتميم
الكشف أو تنزيل المؤدى أو جعل الحجية فعلى الاول لا يصح جعله وسطا لاثبات متعلقه
لان جعل الطريق عبارة عن اثبات العلم التعبدي للظن ولازم ذلك هو ان يكون وسطا
للعلم التعبدي مثلا هذا مظنون الخمرية وكل مظنون الخمرية فهو خمر بالعلم التعبدى
فهو وان كان لازمه ترتيب آثار الواقع إلا انه من لوازم الاثبات والتصديق بثبوت
النسبة وهو اجنبي عن كونه وسطا لاثبات متعلقه واما على الاخيرين فهو وان صح جعله
وسطا إلا انه ليس لحكم متعلقه وانما هو لحكم مماثل له وبالجملة على جميع التقادير
لا يصح جعله أي الظن وسطا للقياس لاثبات حكم متعلقه إلّا بصورة قياس أشبه
بالمغالطة فأفهم وتأمل.
اقسام القطع
المبحث الثاني في
أقسام القطع فنقول ان القطع تارة يكون طريقا محضا واخرى موضوعا وعلى الثاني اما
تمام الموضوع او جزئه وكل منهما اما ان يؤخذ بنحو الطريقية واخرى على نحو الصفتية
فتكون الاقسام خمسة والظاهر انها بأجمعها ممكنة وفاقا للاستاذ (قدسسره) في الكفاية فانه بعد ما ذكر الاقسام الأربعة للقطع
الموضوعى قال ما لفظه (وذلك لان القطع لما كان من الصفات الحقيقية ذات الاضافة
ولذا كان العلم نورا لنفسه ونورا لغيره صح أن يؤخذ فيه بما هو صفة خاصة وحالة
مخصوصة بالغاء جهة كشفه أو اعتبار خصوصية اخرى فيه معها كما صح ان يؤخذ بما هو
كاشف عن متعلقه وحاك عنه فتكون اقسامه أربعة مضافا الى ما هو طريق محض عقلا غير
مأخوذ فى الموضوع شرعا) إلّا ان الذى يظهر من بعض الاعاظم (قدسسره) امتناع ما كان تمام الموضوع وقد اخذ على نحو الطريقية بما
حاصله انه يوجب الجمع بين لحاظين متباينين فى آن واحد اخذه على نحو تمام الموضوع
يوجب ان يكون النظر اليه لا الى الواقع المعلوم واخذه على نحو الطريقية يوجب أن
يكون النظر الى الواقع لا الى القطع وذلك يستلزم المحال للزوم الجمع بين لحاظين
متباينين فى آن واحد وحينئذ لا بد من اخذه على نحو تمام الموضوع ان يكون القطع قد
اخذ على نحو الصفتية بالغاء جهة كشفه
__________________
ولكن لا يخفى ان
القطع فيه حيثيتان حيثية نورانية وهى صفة قائمة بالنفس
__________________
وحيثية منوره
للغير وهى قائمة بالغير ، والحيثية الاولى مع كونها قائمة بالنفس متعلقة بالصور
الحاكية ، عما فى الخارج ، وحينئذ اذ يمكن للشخص ان يكون للحاظه لتلك الصور
الذهنية القائمة بالنفس ان يلاحظ جهة كشفها ولو بالنظر الثانوي خصوصا إذا كان
الجاعل غير القاطع هو الملاحظ ولذا أمكن له تفكيك العلم عن متعلقه لأن يلحظ الصور
الحاكية عما في الخارج ويجعلها موضوعا لحكم آخر إذا عرفت ذلك فاعلم انه قد وقع
الكلام في هذا المبحث في مقامين ، المقام الأول فى القطع الطريقي المحض وهو ما إذا
تعلق بموضوع خارجي ، او بحكم شرعي فهل القطع المتعلق بذلك الموضوع او الحكم هل هو
حجة وغير قابل لمنع الشارع فيكون حجيته على نحو العلية او هو حجة لو لم يمنع منه
مانع فيكون حجيته على نحو المقتضي بمعنى انه يكون حجة لو لا المنع كما اختاره بعض
اصحابنا في قطع القطاع بل هو اختيار معظم الاخباريين فقالوا بعدم القطع الناشئ من
غير الكتاب والسنة بتقريب حكم العقل بوجوب اتباع القطع كان بنحو التعليق بمعنى
__________________
انه حجة لو لم
يمنع مانع ، فمع تحققه يكون مانعا من اتباعه وحينئذ يكون حاله حال الظن الانسدادي
، بناء على الحكومة ، إذ العقل حاكم وانه ان لم يرد نهي من الشارع فمع ورود النهي
عنه كالظن القياسي لا يحكم العقل باتباعه وعلى ذلك يحمل من جوز ارتكاب جميع اطراف
العلم الاجمالي والاشكال عليه بلزوم المناقضة والمضادة مع ورود الردع فى غير محله
إذ ذلك لا يتنافى وكون حكم العقل بذلك تعليقا ، ولكن لا يخفى ان كون الحكم تعليقيا
محل نظر بل منع فلذا الحق هو القول الأول وفاقا للاستاذ فى الكفاية. تبعا لشيخنا
الانصاري قدسسرهما لما عرفت منا سابقا بان حكم العقل بوجوب اتباع القطع انما
هو حكم تنجيزي غير معلق على عدم الردع فعليه متى حصل القطع يتبعه وجوب الموافقة
بنحو العلية غير قابل للردع من غير فرق بين حصوله من المقدمات السمعية كالكتاب
والسنة او من غيرها كالرمل والجفر ، كما انه لا يفرق فى تنجيزية حكم العقل بين كون
القاطع قطاعا أو غيره ، نعم يمكن دعوى عدم اعتبار القطع الحاصل من تقصير المكلف في
المقدمات التي حصل القطع منها فانه يمكن دعوى عدم معذوريته بقطعه لتقصيره فى
المقدمات ، ويؤيد ذلك الاخبار الواردة من منع الخوض فى المقدمات العقلية ، فقد ورد
(ان دين الله لا يصاب بالعقول ، وان السنة إذا قيست محق الدين) ، المستفاد منها
النهي عن العمل بالاحكام الفرعية المستنبطة من تلك المباني العقلية كالاقيسة
ونحوها ، كما انه يمكن حمل كلام من اعتبر ان لا يكون القاطع قطاعا على ما كان قطعه
مستفادا من غير المتعارف مما لا يكون سببه عاديا ، كما انه يمكن حمل كلام
الاخباريين على ذلك وبعض الاعاظم قدسسره حمل كلامهم على ما اخذ القطع موضوعا لمتعلقه فيما إذا كان
حكما شرعيا بنحو نتيجة التقييد بتقريب ان
القطع إذا تعلق
بموضوع لا حكم له فحينئذ يمكن اخذه موضوعا للحكم الشرعى فان جاعل الاحكام لما كان
بيده الجعل ، فله اخذه في نفس ذلك الحكم ، على نحو الاطلاق ، بمعنى حصوله من اي
سبب حصل كما ان له أخذه بنحو التقييد اي حصوله من سبب خاص كالكتاب أو السنة إلّا
انه يحتاج الى بيان اخذه على أي النحوين فيسمى ذلك بمتمم الجعل كالاجماع الدال على
اشتراك العالم والجاهل في التكليف وهو دال على عدم اعتبار العلم في التكاليف فاذا
ثبت الاطلاق بالمتمم كذلك يثبت التقييد بالعلم به كاعتبار العلم في وجوب القصر
وتقييد التكليف بالعلم اذا كان بنتيجة التقييد لا يلزم منه محذور الدور ويستفاد
ذلك من دليل من خارج يسمى بمتمم الجعل وهو كما يمكن أن يكون دالا على التوسعة أن
يدل دليل الحكم على اعتبار العلم من اي سبب حصل ولأي شخص حصل كذلك يمكن ان يكون
دالا على التضييق مثل ان يدل دليل الحكم على اعتبار العلم من الامور العادية لا
مثل الرمل والجفر ولا مانع من التخصيص بحسب الاسباب والاشخاص عقلا فى القطع بنحو
التقييد حيث ان جاعل الاحكام لما كان بيده الجعل فله جعلها على الموضوعات اما
مرسلة او مقيدة وعلى ما ذكرنا يحمل كلام الشيخ الانصاري (قدسسره) ما لفظه (وقد يدل دليل ذلك الحكم على ثبوته لشيء بشرط
حصول القطع به من سبب خاص او شخص خاص مثل ما ذهب اليه بعض الاخباريين من عدم جواز
العمل فى الشرعيات بالعلم الغير الحاصل من الكتاب والسنة كما سيجيء وما ذهب اليه
بعض من منع عمل القاضي بعلمه في حقوق الله تعالى) ولكن لا يخفى ما فيه اما اولا
فان هذا الحمل مخالف لنص كلام الاخباريين فانها صريحة فيما اذا كان القطع متعلقا
بموضوع له حكم مرسل ولا يكون حجة إلا اذا حصل من الكتاب والسنة ولو حصل من الدليل
العقلي
وعارضه دليل عقلى
لا يكون حجة ولذا يشكل عليهم بانه إذا حصل من الدليل العقلي كيف يحصل القطع بخلافه
وبالجملة الناظر الى كلامهم بعين البصيرة والانصاف تجدهم يتكلمون فى القطع الطريقي
المحض المتعلق بموضوع له حكم مرسل وليس غرض الشيخ الانصاري (قدسسره) من ذكر كلامهم إلّا صرف التمثيل للقطع الموضوعي لا حمل
كلامهم عليه وثانيا ان تقييد الاحكام بالعلم واطلاقها لا يحتاج الى متمم الجعل بل
يكفي الجعل الاولى بيان ذلك ان ذات الموضوع الملحوظة فى الرتبة السابقة على العلم
فتارة يكون فى مقام الجعل والتشريع له سعة بنحو يشمل حالتي العلم وعدمه واخرى يلحظ
في تلك المرتبة توأما مع القيد الى حصة ملازمة للعلم به لا مقيدة به ولا مطلقة ولا
يخفى انه يكفي في اطلاقها عدم لحاظ التقييد ولو من جهة استحالته ولذا كان الاطلاق
والتقييد في المقام من قبيل الايجاب والسلب لا من قبيل التضاد او العدم والملكة
كما هو كذلك بالنسبة الى الاطلاق والتقييد اللحاظيين فان ذلك يكون من قبيل احدهما
حيث ان تقييد الاحكام بالعلم يحتاج الى لحاظ حصة التوأم مع القيد والاطلاق يتحقق
من دون لحاظ ذلك اذ ذات الاحكام فيها سعة لحالتي العلم وعدمه فالتقييد يحتاج الى
لحاظ دون الاطلاق نعم يحتاج الجعل الاولى انه على اي النحوين الى قرينة وهى اجنبية
عن كونها متمم الجعل اذا المتمم انما يحتاج اليه لو كان القيد له دخل فى الملاك
كما هو كذلك في قصد التقرب فلذا قلنا بان اعتباره في المأمور به على نحو التوأمية
التى هي عبارة عن نتيجة التقييد يحتاج الى متمم الجعل ولذا يستحيل منه الاطلاق كون
القيد له دخل في الملاك فالجعل قد توجه الى حصة توأم مع القيد فليس فيه سعة لكي
يمكن اطلاقه وانما وجدت من اول الامر مضيقة ولا يمكن الاطلاق في معروض الجعل ولذلك
يفرق بين المقام وقصد التقرب.
فان المقام يمكن
الاطلاق فيه في معروض الجعل الاول لا مكان ان يكون التكليف له سعة لواجد القيد
وعدمه وفى قصد التقرب لا يمكن فيه الاطلاق حيث ان معروض الجعل هو الحصة التوأمة مع
القيد فلا سعة فيها لكي يمكن اطلاقه لما عرفت انه من اول الأمر وجد معروض الجعل
الاولي ضيقا غير قابل للاطلاق ، ولا ينافى امكان التقييد لما عرفت ان المقابلة بين
الاطلاق والتقييد من باب الايجاب والسلب لا من قبيل العدم والملكة ، حتّى يقال إذا
امتنع احدهما امتنع الآخر وانما ذلك فى الاطلاق والتقييد اللحاظى كما لا يخفى ،
وثالثا ان جعل وجوب القصر مقيدا بالعلم من باب نتيجة التقييد محل نظر للاحتمال ان
يكون عدم الاعادة فى الفرعين من باب جعل البدل الموجب لتفويت المصلحة ، كما يظهر
من بعض الأصحاب باستحقاق الجاهل المقصر للعقوبة فى الفرعين وإلا لو كان التقييد
بنحو متمم الجعل لما استحق الجاهل فيهما للعقوبة ، إذ لا تقصير بناء على ذلك فلا
تغفل.
ثم انه ينسب الى
بعض حمل كلام الاخباريين على منع الملازمة بين حكم العقل والشرع استنادا الى بعض
الأخبار كمثل (من دان الله بغير سماع من صادق ...) او قولهم (حرام عليكم ان تقولوا
بشيء ما لم تسمعوا منا) ... الى غير ذلك من الاخبار الدالة على ان كل حكم لم يكن
الحجة واسطة في تبليغه لم يجب امتثاله بل يكون من قبيل اسكتوا عما سكت الله ولكن لا يخفى
__________________
ما فيه ان الاخبار
لا دلالة لها على ذلك وانما هي فى قبال ما عليه العامة عن اخذ
__________________
أحكامهم من الظنون
والاستحسانات والاقيسة.
وبالجملة حمل كلام
الاخباريين على ما ذكرنا من كون حكم العقل تعليقيا بالنسبة الى حجية القطع اولى
مما ذكر ، وقد عرفت ان الحق هو ان حكم العقل تنجيزي ، وبه يثبت ان القطع بنفسه علة
تامة للحجية ، وقد استدل لذلك بان منع العمل على مقتضى القطع يستلزم التناقض ،
لانه بمجرد القطع يحصل للقاطع صغرى وجدانية وهي هذا بول وكبرى شرعية وهي كل بول
يجب الاجتناب عنه فمنع الشارع يناقضه ولكن لا يخفى ان ذلك يتم بناء على العلية ،
واما بناء على كون القطع مقتضيها للحجية وهو محل منع لان مفاده كون القطع قابلا
للمنع فيتم حينئذ نظير الظن القياسي الممنوع من العمل به لدى الانسداد فان العلم
فى حال الانفتاح كالظن فى حال الانسداد ، فاستنادا لتناقض الى العلية التامة
لمنجزية القطع دور محال لأن التناقض انما يتحقق اذا قلنا بالعلية التامة والتناقض
يتوقف على العلية التامة ، فلو استند اليه فى اثباتها كانت العلية متوقفة على
التناقض ، اللهم إلا أن يقال ان توقف التناقض على العلية غير توقف العلية على
التناقض ، إذ توقف التناقض على العلية انما هو فى مرحلة الثبوت وتوقف العلية على
التناقض انما هي في مرحلة الاثبات فلا دور لتغاير الموقوف عليه ، ولكن لا يخفى ان
التوقف من كلا الجانبين حاصل فى مرحلة الاثبات إذا التناقض إنما يكون دليلا على
العلية التامة ، والدليل ما يلزم من العلم به العلم بالمدلول ، والعلم بالمدلول
معلوم من العلم بالدليل فلا بد ان يعلم ، اولا التناقض تم بواسطته يعلم بالعلية
التامة والعلم بالعلية يتوقف على
__________________
العلم بالتناقض ،
ومن الواضح ان العلم بالتناقض لا يكون إلّا بعد معرفة العلية ، فيلزم التوقف من
كلا الجانبين في مرحلة الاثبات وهو الدور ، إلا انه يمكن الجواب عنه بما اجيب عن
الدور في التبادر وهو بالاجمال والتفصيل فان توقف العلم بالتناقض على العلم
بالعلية التامة اجمالا وتوقف العلم بالعلية على التناقض تفصيلا ويكفي فى رفع محذور
الدور مطلق التغاير ولو بالاجمال والتفصيل فلا تغفل.
المقام الثاني فى
القطع الموضوعي وهو ما إذا تعلق بموضوع وكان لمتعلق القطع دخل في ترتب الحكم
الشرعي ودخل ذلك اما بنحو تمام الموضوع واخرى بنحو جزء الموضوع وعلى التقديرين اما
بنحو الطريقية واخرى بنحو الصفتية لان القطع فيه جهتان جهة قيامة في النفس ، وجهة
تعلقه بالغير كالنور ، فان نورية النور بنفسه وهو منور للغير فان اخذ القطع تمام
الموضوع كان بجهة قيامه في النفس وكان على نحو الصفتية ، وان أخذ جهة منوريته
وتعلقه بالغير كان ذلك مأخوذا في الموضوع على نحو الطريقية اما اذا تعلق بموضوع
وكان ذا حكم شرعي مع قطع النظر عن تعلق القطع به فلا اشكال في كونه بالنسبة الى
نفس الموضوع يكون طريقيا وكذا بالنسبة الى نفس الحكم الشرعي ، لا يعقل حينئذ أن
يكون لنفس القطع دخل فى الموضوع او الحكم ، واما بالنسبة الى حكم آخر فيمكن اخذه
فى الموضوع بشرط ان لا يكون مماثلا لذلك الحكم او مضادا له ، مثلا اذا قطعت بخمرية
الشيء المحكوم عليه بوجوب الاجتناب يجب اجتنابه او يحرم اجتنابه ، بل يجوز أن يكون
مخالفا له ، قال الاستاذ (قدسسره) في الكفاية : (وقد يؤخذ موضوعا
لحكم آخر يخالف
متعلقه لا يماثله ولا يضاده ، كما إذا ورد مثلا في الخطاب انه إذا قطعت بوجوب شيء
يجب عليك التصدق بكذا).
ودعوى انهما مع
الاختلاف في المرتبة لا مانع من المماثلة والمضادة ممنوعة إذ حكم العقل في القطع
لما كان تنجيزيا بموجب تنجز الحكم الاولي فى جميع المراتب ، فحينئذ لا يكون القطع
موضوعا لحكم آخر مضاد له ، إذ كيف يعقل أن يكون القطع بحرمة الشيء الذي حكمه حرمة
شربه ، موضوعا لوجوب شربه وليس ذلك إلا من قبيل الجمع بين الضدين.
واما المماثلة
فللزوم اللغوية فى الجعل بعد حكم العقل بتنجز الحكم تنجيزيا ، واما بالنسبة الى
نفس حكم المتعلق فلا يمكن جعله موضوعا له للزوم الدور الواضح إلا بنحو نتيجة
التقييد على ما عرفت منا سابقا ، واما إذا تعلق القطع بموضوع لا حكم له فلا اشكال
فى جواز اخذه فى موضوع ذلك الحكم ، بنحو تمام الموضوع أو جزئه على نحو الطريقية أو
على نحو الصفتية. هذا كله بالنسبة الى اقسام القطع ، واما الظن فكالقطع فتارة يكون
طريقيا محضا واخرى موضوعيا ، وعلى الأخير اما جزء الموضوع أو تمامه ، وعلى أي
تقدير اما بنحو الطريقية أو بنحو الصفتية ، والكلام فى هذه الأقسام كالكلام في
القطع نعم يختص المقام بامر آخر وهو انه على تقدير كونه طريقا لاثبات حكم متعلقه
تارة يكون معتبرا واخرى غير معتبر ، ولا ريب انه إذا كان طريقا معتبرا لاثبات حكم
المتعلق استحال جعله جزء لموضوع لحكم متعلقه لأنه لما كان منجزا بالطريق المعتبر
امتنع انشاء حكم آخر مماثل له للغوية الجعل لا لأجل اجتماع المثلين مع تحقق
الطولية في البين خصوصا بناء على المختار فى الأحكام
الظاهرية انها
أحكام طريقية غير ناشئة عن ارادة وانما هي أحكام عذرية عند المخالفة وتوجب التنجز
عند المصادقة. نعم يمكن انشاء حكم آخر مضاد له كما لو قال الشارع إذا قامت البينة
على شرب الخمر مثلا وجب الحد فان وجوب الحد غير وجوب الاجتناب المنجز بالطريق
المعتبر ، إذ مع كونه طريقا لحكم متعلقه لا ينافي كونه جزء موضوع لحكم آخر مضاد له
ولا يلزم منه اجتماع الضدين للاختلاف بينهما بحسب المتعلق فلا تضاد في البين ،
واما إذا كان الطريق المأخوذ فى موضوع حكم متعلقه غير معتبر فلا يصح اخذه جزء
موضوع لحكم آخر مطلقا لأن كونه جزء الموضوع ، معناه ان الحكم مترتب على الواقع مع
الطريق ، واذا لم يكن الواقع ثابتا بالطريق فكيف يترتب الحكم بعدم تحقق موضوعه.
نعم يصح أخذه تمام الموضوع مطلقا .
__________________
ودعوى انه يلزم
الجمع بين الضدين فيما لو أخذ موضوعا لما يضاد حكم
__________________
متعلقه مدفوعة
لعدم لزوم ذلك لاختلاف المرتبة بين الحكمين كما انه بذلك يرتفع توهم التأكد لو أخذ
موضوعا لما يماثل الحكم إلا إذا أخذ عنوان المطلوبية بنحو الجهة التعبدية فيتأتى
ذلك المحذور لعدم تحقق الطولية حينئذ. هذا فيما لو اخذ الظن الغير المعتبر تمام
الموضوع ، واما لو اخذ الظن المعتبر تمام الموضوع فالظاهر صحة اخذه موضوعا لحكم
آخر ما لم يكن مضادا أو مماثلا
__________________
لحكم متعلقه للزوم
اجتماع الضدين أو المثلين فى المرتبة المتأخرة حيث انه حسب الفرض جعل الظن حجة
وطريقا شرعيا تعبديا بتحقق حكم متعلقه في تلك المرتبة وحينئذ كيف يجعل فى تلك
المرتبة حكم آخر مماثل له أو مضاد له وليس إلا من باب اجتماع المثلين أو المثلين
كما لا يخفى.
قيام الامارات والاصول مقام القطع
المبحث الثالث في
قيام الامارات والاصول مقام القطع الطريقي والموضوعي ، اما الامارات فقد وقع الكلام
في قيامها مقام القطع على أقوال ثلاثة :
الاول قيامها مقام
القطع الطريقي ولو اخذ في الموضوع ، الثانى عدم قيامها مقام ما اخذ فى الموضوع
مطلقا ولو اخذ على نحو الطريقية ، الثالث قيامها مقام القطع بجميع اقسامه واختار
شيخنا الأنصاري (قدسسره) الاول فقال ما لفظه : (ثم من خواص القطع الذى هو طريق الى
الواقع قيام الامارات الشرعية والاصول العملية مقامه فى العمل بخلاف المأخوذ في
الحكم على وجه الموضوعية فانه تابع لدليل الحكم ، فان ظهر منه او من دليل خارجي
اعتباره على وجه الطريقية للموضوع كالامثلة المتقدمة قامت الامارات والاصول مقامه
، وان ظهر من دليل الحكم اعتبار صفة القطع في الموضوع من حيث كونها صفة خاصة قائمة
بالشخص لم يقم مقامه غيره إلى آخره).
بيان ذلك هو أن
مفاد ادلة حجيتها هو احراز الواقع ويكون ما قامت عليه الامارة بمنزلة الواقع ،
ومقتضى ذلك كونها بمنزلة القطع في الحجية والطريق الى الواقع ولازمه ترتيب آثار
الواقع على المؤدى وذلك معنى قيامها مقام القطع بنفس
دليل اعتبارها ،
واما آثار نفس القطع المأخوذ في الموضوع بما انه صفة كسائر الصفات فلا دلالة لتلك
الأدلة على قيامها مقامه ، فلذا لا تقوم الامارات والأصول مقامه بل يحتاج الى قيام
دليل آخر على التنزيل وقد منع الاستاذ (قدسسره) من قيامها مقام القطع المأخوذ فى الموضوع على نحو
الطريقية بدعوى ان قيامها مستلزم للجمع بين لحاظي الآلي والاستقلالي فى آن واحد
وذلك محال فلا تتكفله ادلة الاعتبار بما حاصله ان تنزيل الامارة منزلة القطع على
نحو الطريقية ، يقتضي لحاظ القطع والامارة آلة لمتعلقهما لرجوع ذلك الى تنزيل
المؤدى منزلة الواقع فيكون النظر اليهما نظرا آليا وتنزيل الامارة منزلة القطع
بلحاظ الموضوعية يقتضى ملاحظتهما مستقلا لرجوعه الى تنزيل الامارة منزلة العلم ،
ولا ريب ان ذلك مستلزم للجمع بين اللحاظ الآلي والاستقلالي فى آن واحد ، ولا يفي
دليل التنزيل إلا بأحدهما إذ ليس لدليل التنزيل مفهوم جامع ، يعم التنزيلين لكي
يلحظ التنزيل بذلك المفهوم الجامع لهما فلا بد من حمل دليل التنزيل على أحدهما ،
والظاهر ان المستفاد منه هو تنزيل المؤدى منزلة الواقع ، وبذلك يخرج دليل التنزيل
عن الاجمال. وقد أجاب عن ذلك بعض الاعاظم (قده) بما حاصله ان المجعول فى الامارات
هو الطريقية والاحراز الذى هو الجهة الثانية من لوازم العلم ولازمه ترتب الأثر على
الواقع المحرز ، فقيام الامارة يوجب ان يكون الواقع محرزا من غير حاجة الى دليل
آخر ، إذ المقام وان كان مركبا من جزءين الاحراز والواقع إلا انه ليس من قبيل سائر
المركبات المحتاجة في ثبوتها الى دليلين كل دليل يتكفل لاثبات جزء ، بل المقام من
قبيل تركب الشيء واحرازه فنفي الدليل الدال على الاحراز يوجب الاحراز يوجب تحقق
كلا جزئي الموضوع
ولا يحتاج الى جعلين لكي يقال ان الجعل الواحد يوجب الجمع بين لحاظي الآلي
والاستقلالي فى آن واحد وهو محال .
ولكن لا يخفى انه
لا معنى لجعل الاحراز والطريقية فان حقيقة الاحراز والكشف لما كان من الامور
التكوينية غير القابلة لجعلها لتحقق احتمال الخلاف بالوجدان بعد الجعل إلا ان يكون
بمعنى الاحراز الادعائى على نحو الادعاء الذي يدعيه السكاكى ، فيكون التعبد
بالاحراز ، ولا يصح ذلك إلا للحاظ الاثر المرتب عليه من معاملة مؤدى الظن معاملة
الواقع لكى يحصل التنجيز بالاحراز الادعائي كما حصل بالاحراز الواقعي ولم يكن اثر
آخر يصح التنزيل غير الجري العملي اي الأمر بمعاملة ما هو مؤدى الظن منزلة الواقع
الراجع الى ابراز الارادة الواقعية بمثل تلك الاحكام المعبر عنها بالاحكام
الظاهرية فهى احكام طريقية انشئت لحفظ الاحكام الواقعية ولم تنشأ عن ارادة اخرى
فمؤدى الامارة والاصول
__________________
من غير فرق بين
كونها تنزيلية أو غيرهما ، ولو مثل ايجاب الاحتياط انما هي
__________________
ناشئة عن الارادة
الواقعية فهى تبرز تلك الارادة تعبدا والابراز والاحراز يكون تعبدا والمبرز
والمحرز حكما واقعيا ناشئا عن ارادة واقعية ، ولذا عند المصادفة يكون ذلك الحكم
الواقعي الناشئ عن الارادة الواقعية هو المطلوب ، وعند عدم المصادفة يكون حكما
صوريا لم ينشأ عن ارادة ، وبهذا المعنى تشترك الامارات والاصول ويصح قيامها مقام
القطع موضوعيا أو طريقيا إلا انها تفرق من حيث مفادها ، فان الامارة تكشف عن نفس
الحكم الواقعي فى ظرف الجهل بنحو تتميم الكشف بمعنى التوسعة في الاحراز : فيكون
الاحراز تعبديا للحكم الواقعي ، وبهذا المعنى صح تأليف القياس بان يكون وسطا في
القياس كالتغير الذي هو وسط فى القياس لكونه حينئذ من الوسائط الثبوتية ، وحيث انك
قد عرفت ان التوسعة للاحراز تعبديا صارت الامارة حاكمة بالحكومة الظاهرية على
الاصول المغياة بالعلم كالاستصحاب واصالتي الحل والطهارة لرجوعها الى توسعة العلم
ظاهرا ، إذ مرجعه لبا الى جعل حكم ظاهري طريقي فى البين ، كما انها بهذا الملاك
تكون حاكمة على بقية الاصول ولو قلنا بجعل الاحراز والطريقية من دون استتباع حكم
شرعي كما افاده البعض فلا يكون للحكومة معنى لا ظاهريا ولا واقعيا ، بل تكون
الامارات بالنسبة الى الاصول واردة ، لأنه على ذلك المبنى
__________________
يجعل مصداقا للعلم
كما ان لازمة ان تكون حكومة الامارات على الاحكام الواقعية حكومة واقعية كمثل (الطواف
فى البيت صلاة) كما هو لازم من يقول بجعل المؤدى منزلة الواقع مع انه لم يلتزم به
أحد.
وبالجملة بناء على
أن يكون الجعل متوجها الى الاحراز بنحو يكون مستتبعا للحكم الشرعي الذي مرجعه الى
كون الاحراز تعبديا للحكم الواقعي الناشئ عن الارادة الواقعية ، ويكون الجعل بلحاظ
الأثر المصحح له وهو الجري العملي الذي هو معاملة مؤدى الظن معاملة الواقع فصح
قيام الامارات والاصول مقام القطع موضوعيا أم طريقيا ، وحينئذ يصح حكومتها ظاهرا
على الاحكام الواقعية لكون مفاد دليل اعتبارها توسعة الاحراز تعبدا للاحكام
الواقعية وحيث ان لسان الامارات لسان جهة احراز الواقع احرازا ظاهريا تكون حاكمة
على الاصول المغياة بالعلم وغيرها حكومة ظاهرية ولا تكون واردة عليها لما عرفت من
ان المختار كون الاحراز تعبديا وان كان المحرز حكما واقعيا بخلاف ما لو قلنا بان
الاحراز يكون وجدانيا والمحرز حكما تعبديا كما هو مبنى البعض من جعل الاحراز من
دون ان يستتبع حكما شرعيا من الامر بمعاملة مؤدى الامارة معاملة الواقع ، كما انه
لا تتم حكومة الامارات على الاحكام الواقعية حكومة ظاهرية بل تكون واقعية (كالطواف
بالبيت صلاة) كما هو لازم من يقول بجعل المؤدى ذلك.
إذا عرفت ذلك
فاعلم انه على المختار من ان الاحكام الظاهرية انما هي أحكام طريقية انشئت لحفظ
الواقع الناشئ عن الارادة الواقعية من دون أن تنشأ ارادة اخرى ، فحينئذ يرتفع
اشكال جمع بين لحاظي الآلية والاستقلالية فى آن
واحد لا مكان
الاخذ باطلاق دليل التنزيل في مرحلة الاحراز والوصول وذلك يكون بلحاظ الآثار العملية
المترتبة على الواقع والعلم ، ومرجعه الى الأمر بالمعاملة مع الظن معاملة العلم
اما بموافقة حكم نفسه أو بموافقة متعلقه وببيان آخر ان المستفاد من دليل التنزيل
انما هو في مقام العمل مثل قوله : (خذ معالم دينك
__________________
من الثقاة) اي
اعمل على وفق قول الثقة فيكون التنزيل ناظرا لمقام العمل اي
__________________
امر بتطبيق العمل
على قول الثقة ، وإذا صار التنزيل فى مقام العمل صح قيام الامارة مقام القطع
الطريقي والموضوعي ، إذ العلم بالنسبة إلى العمل له جهة موضوعية ، غاية الفرق ان
العلم الطريقى له الدخالة بنحو الشرط الى المشروط والعلم الموضوعي له الدخالة بنحو
المقتضى وبالجملة لما كان التنزيل ناظرا الى جهة العمل فيلحظ العلم حينئذ لحاظا
استقلاليا لانه بالنسبة الى العمل فيه جهة موضوعية ، وعليه لا يلزم الجمع بين
لحاظي الآلية والاستقلالية في آن واحد ، كما انه عليه صح حكومة الامارة على الاستصحاب
وقاعدتى الحل والطهارة لان قيام الامارة تنزل الامارة منزلة العلم فيرتفع موضوع
القاعدتين حكما لا حقيقة ، ولو سلمنا ان التنزيل ناظر الى خصوص الاثر ومنعنا
التنزيل بخصوص العمل فنقول انا نمنع كون التنزيل ناظرا الى خصوص الاثر الشرعي
المرتب على المنزل عليه ، بل نقول نوسع فى الاثر وانه يعم الاثر العقلي.
بيان ذلك ان لسان
التنزيل تارة يكون ناظرا الى تنزيل شيء منزلة شىء فى خصوص ترتب الآثار الشرعية
وحينئذ لا يصح إلا وان يكون للمنزل عليه آثار شرعية ، فمع عدم تحققها لا يكون
للتنزيل معنى ، واخرى لم يكن التنزيل ناظرا الى هذه الخصوصية ، بل يكون نظره الى
تنزيل شيء منزلة شىء من دون نظر الى الآثار الشرعية فانه يصح اذا كان المنزل عليه
اثر ولو عقلي لان المستفاد من هذا التنزيل ترتيب جميع الآثار شرعية كانت أو عقلية.
نعم لا يصح لو لم يكن للمنزل عليه اثر اصلا. وبالجملة مرجع هذا الوجه الى ان
التنزيل
__________________
لا بشرط إلا وان
يكون له اثر شرعي في المنزل عليه بل يكفي التنزيل للحاظ الاثر ولو كان عقليا ،
والمستفاد من دليل التنزيل فى الامارة هو تنزيل الامارة منزلة العلم في ترتيب
الآثار التى كانت مرتبة عليه عقلية كانت كما هو كذلك فى العلم الطريقي الذي هو
وجوب العمل على طبقه ، او شرعية كانت كما في العلم الموضوعي. فعليه يلاحظ العلم في
مقام التنزيل باللحاظ الاستقلالي إذ هو الموضوع للاثر. وعليه يحمل كلام الشيخ
الانصاري من دعوى قيام الامارة منزلة القطع الموضوعي المأخوذ على نحو الطريقية.
ودعوى حمله على ان المعتبر في الموضوع وان كان بظاهره يدل على ان المعتبر خصوصيته
بما له من الانكشاف الوجداني إلا انه قد يدل دليل خارجي على ان اعتباره فيه بماله
من الانكشاف الذي هو اعم من الوجداني والتعبدي وهذا النحو من الاعتبار ان تحقق فهو
سار فى الامارة وكل دليل تعبدي ان يقوم مقام العلم ممنوعة ، فان ذلك مناف لما بنى
عليه (قدسسره) من حكومة الامارة على الاستصحاب وقاعدتي الحل والطهارة إذ
بناء على ما ذكر يكون قيام الامارة موجبا لتحقق مصداق الاحراز الموجب لرفع الشك
الذى هو موضوع الاستصحاب والقاعدة فتكون الامارة بالنسبة اليها واردة عليها لا
حاكمة. نعم هنا اشكال آخر وهو ان موضوع الاثر لو كان هو العلم مع متعلقه كما هو
كذلك لو اخذ القطع جزء الموضوع وقلنا يجعل المؤدى فلا يكفي قيام الامارة مقام
العلم بل يحتاج الى دليل آخر يتكفل بقيام المؤدى منزلة الواقع لأن دليل التنزيل
ليس فيه دلالة إلا على احد التنزيلين اما تنزيل المؤدى منزلة الواقع او تنزيل الظن
منزلة الواقع ولذا التزم الاستاذ (قدسسره) بصحة دليل التنزيل الدال على أحدهما اذا كان الجزء
الآخر محرزا
بالوجدان او دلالة دليل التنزيل عليهما بالمطابقة وكلاهما محل نظر ، اما الاول
فغير محقق والثاني لزوم الجمع بين اللحاظين الآلي والاستقلالى فى آن واحد ودعوى
دلالة دليل التنزيل على أحدهما بالمطابقة والآخر بالالتزام بتقريب ان دليل حجية
الامارة اذا كان دالا دلالة صريحة على تنزيل المؤدى منزلة الواقع بالمطابقة فقد دل
بالدلالة الالتزامية العرفية على تنزيل نفس الامارة منزلة العلم. فيحصل من هذا
التنزيل واقع تنزيلي قطعا وبالواقع التنزيلي فيترتب الاثر المترتب على الواقع والقطع
به ممنوعة لاستلزام ذلك الدور فان توقف تنزيل التابع على المتبوع ضروري لكونه
مقتضى التبعية واما تنزيل المتبوع على التابع في المقام فهو أيضا متحقق اذ لو لاه
لكان التنزيل لغوا لأن التنزيل انما هو بلحاظ اثره الفعلي ومن الواضح ان الأثر
الفعلي لا يترتب لذي المنزلة إلا اذا انضم اليه باقي الاجزاء لكي يتحقق موضوع
الحكم وحسب الفرض ان الموضوع كان مركبا من جزءين ولكن لا يخفى ان ذلك إنما يتم لو
قلنا بان التنزيل كان بلحاظ الأثر الفعلي ، واما لو قلنا بكفاية مطلق الاثر ولو
كان تقديريا بان يكون دليل التنزيل ناظرا الى المتعلق باعتبار ترتب اثره لو انضم
الى العلم وكذا العلم يترتب عليه الأثر لو انضم الى المتعلق وبمجموعهما يترتب عليه
الأثر الفعلي فافهم وتأمل.
هذا كله فيما اذا
اخذ القطع طريقا محضا أو موضوعا على وجه
__________________
الطريقية تمام
الموضوع أو جزئه ، وأما اذا أخذ القطع على نحو الصفتية فلا
__________________
اشكال في عدم قيام
الامارة مقامه لعدم وفاء دليل التنزيل بذلك فان أدلة التنزيل بناء على تتميم الكشف
يكون مفادها كونها كالعلم في ترتيب آثاره من حيث طريقيته وكشفه وليس لها نظر الى
نوريته النفسية وانه صفة كسائر الصفات فحينئذ كيف يصح ان تقوم الامارة مقامه بتلك
الادلة. نعم يحتاج في قيام الامارات مقام القطع المأخوذ على نحو الصفتية الى دليل
آخر بالخصوص يصحح قيامها مقامه ، ولكن لا يخفى ان هذا النحو وان كان متصورا إلا
أنه لم يوجد في الفقه في لسان الادلة اخذ القطع على نحو الصفتية موضوعا للحكم ،
وما توهم اخذه بهذا النحو كباب الشهادة والحلف عن بت واخذه في الركعتين الاوليتين
ونحو ذلك فانه فاسد ، فان القطع فيها قد اخذ على نحو الطريقية المحضة. هذا كله
بناء على تنزيل الامارة منزلة العلم ، واما بناء على تنزيل المؤدى منزلة الواقع
فيشكل قيام الامارة منزلة القطع الموضوعي لما عرفت ان مفادها تتميم الكشف اى كون
__________________
الامارة علما
بالواقع ولو تعبدا ولذا منعنا حكومة الامارة على الاصول عليه لعدم اثبات كون
التنزيل يوجب اثبات العلم بالواقع لكي يرتفع الشك الذى هو موضوع الاصل. نعم يحصل
من ذلك العلم الوجدانى بالواقع التعبدي ومجرد حصوله لا يكفي بل يحتاج الى جعل آخر
يقتضى تنزيل العلم بالواقع التعبدي منزلة العلم بالواقع الحقيقى وبذلك يظهر الفرق
بين القولين اى القول بتنزيل المؤدى والقول بتتميم الكشف ، كما انه يظهر الفرق
بينهما في الحكومة فانه على القول بالمؤدى يكون مفادها تنزيل العلم بالواقع الجعلي
منزلة العلم بالواقع الحقيقى لما هو معلوم انه مع انتفاء القطع الوجداني ينتفي
الحكم المترتب عليه حقيقة فحينئذ كيف تترتب الآثار المرتبة على القطع للظن وليس
مفاده إلا توسعة في موضوع الحكم فيترتب الحكم واقعا وليس من باب التوسعة في الحكم
ظاهرا لكي تكون الحكومة ظاهرية ويكون التنزيل مفاده كمفاد (الطواف في البيت صلاة)
بخلاف ما لو كان مفادها تتميم الكشف بالنسبة الى احكام المتعلق فان القطع بالنسبة
اليها طريق محض فتكون الحكومة ظاهرية ، واما بالنسبة الى نفس آثار القطع فالحكومة
واقعية كما تقدم بيانه على التفصيل.
هذا تمام الكلام
في الامارات. واما الكلام في الاصول فنقول ان الاصول منها ما يكون محرزا
كالاستصحاب واخرى غير محرزة كالبراءة ، وهذه الاخيرة انما هي وظائف شرعية في مقام
الشك ليست متعرضة للاحكام الواقعية فلا معنى لقيامها مقام العلم لعدم اقتضاء
ادلتها لذلك قال الاستاذ في الكفاية : (واما الاصول فلا معنى لقيامها مقامه
بادلتها ايضا غير الاستصحاب لوضوح ان
المراد من قيام
المقام ترتيب ما له من الآثار والاحكام من تنجز التكاليف وغيره) ، واما الاصول
المحرزة كالاستصحاب فقد عرفت ان لسان دليله فيه جهة احراز وانه متعرض للحكم
الواقعي ولو كان في ظرف الشك فانه من هذه الجهة كالامارة يقوم مقام القطع الطريقى
ولكن لا يخفى ان ما ذكر لا يوجب فرقا في ذلك والظاهر ان الاصول بأجمعها تقوم مقام
القطع من غير فرق بين كونها محرزة وغيره وكما هو كذلك في بعض النسخ الفرائد باسقاط
البعض.
بيان ذلك هو ان ما
كان من الاصول العقلية كمثل الاحتياط العقلي ونحوه فانه خارج عن محل الكلام حيث ان
مفادها احكام عقلية تدل على حسن العقاب على المخالفة وليس في مقام ترتيب ما للواقع
من الآثار لكي يقال بانها تقوم مقام القطع الطريقى وانما الكلام في الاصول التي هي
من قبيل البراءة الشرعية خصوصا مثل (كل شيء لك حلال حتى تعلم انه حرام) من جعل
الحلية الواقعية في مرتبة الشك فيكون من قبيل جعل المؤدى فلا ريب انه يترتب عليها
ما يترتب على العلم الطريقي من كونه عذرا عند المخالفة فحينئذ يكون كالعلم
بالاباحة فلو فرض ان هناك أصل الزامي لكان يقوم مقام العلم الطريقى في كونه منجزا
للواقع وعند المصادفة وعذرا عند المخالفة إلا انه لا وجود له ، هذا مضافا الى ما
عرفت منا سابقا بأن مؤديات الاصول كمؤدى الامارات من انها احكام طريقية انشئت لحفظ
الواقع ولم تنشأ عن ارادة اخرى من غير فرق بين كونها تنزيلية وبين كونها غير
تنزيلية ولو مثل ايجاب الاحتياط فلذا عند المصادفة يكون ذلك الحكم الواقعى الناشئ
عن ارادة واقعية هو المطلوب ، وعند عدم المصادفة حكما صوريا لم ينشأ عن ارادة اصلا
فبهذه الجهة تقوم الاصول محرزة
وغير محرزة مقام
القطع الطريقي ، واما قيامها مقام القطع الموضوعي فما كانت غير محرزة فلا اشكال في
عدم قيامها مقامه واما المحرزة كالاستصحاب فقيامه مقامه مبني على ان موضوع الاثر
في الدليل مرتب على ظرف الانكشاف أو على نفى الشك فان كان الاول فتقوم الاصول مقام
القطع ، وان كان الثاني فلا تقوم والظاهر هو الثاني فلذا نختار ان قيامها محل نظر
واشكال وان التزمنا ان دليل الاصل التنزيلى يتكفل اثبات اليقين بالواقع في ظرف
الشك دون غير التنزيلي ولأجل ذلك يقدم على بقية الاصول.
وبالجملة
الاستصحاب فيه جهتان جهة اثبات اليقين بالواقع فهذه الجهة تقدم على سائر الاصول
وبجهة كون موضوعه الشك وليس رافعا للشك فبهذه الجهة يتأخر عن الامارة إذ مع قيام
الامارة يوجب رفع الشك رفعا تعبديا ولذا تكون الامارة مقدمة عليه وسيأتى له مزيد
كلام في المباحث الآتية ان شاء الله تعالى.
الملازمة بين حكم العقل والشرع
المبحث الرابع
ينسب الى بعض الاخباريين عدم العمل بالحكم الشرعي الحاصل من الحكم العقلي استنادا
الى ان العقل ليس له الاحاطة بكل الامور ، وان دين الله لا يصاب به العقول ، وقد
ارجعه بعض الى انكار الملازمة بين حكم العقل والشرع وقبل الشروع في ذكرها ينبغى
لنا التعرض لمسألة التحسين والتقبيح العقليين فقد وقع الكلام في مقام التصور اولا
فنقول
لنا مراتب قد وقع
الكلام فيها على سبيل التعاقب بمعنى انه بعد الفراغ عن الخلاف في مرتبة يقع الكلام
في المرتبة اللاحقة فأول مرتبة وقع الكلام فيها هو ان الافعال هل تختلف بالنقص
والكمال؟ والمراد من النقص كونه ناقصا بحده اى استعداده ناقص وكامل بحسب حده فان
الاستعداد الذاتى ان كان كاملا يكون في اعلى عليين ، وان كان ناقصا يكون في أسفل
السافلين ، فان (الناس معادن كمعادن الذهب والفضة) ، وبعد الفراغ من هذه المرتبة
يقع الكلام في ان هذا الاختلاف هل يقتضي حكم العقل بالحسن والقبح اولا؟ وبعد
الفراغ من المرتبة الثانية يقع الكلام في ان العقل حكم بالحسن ام لا ، وبعد الفراغ
من المرتبة الثالثة وقع الكلام في انه حكم بالحسن الفاعلي اي جهة الصدور أم لا؟
ومرجع هذه المرتبة الى النزاع المعروف بين المجبرة والمفوضة ، وبعد الفراغ من
المرتبة الرابعة يقع الكلام في ان الحكيم لو ادرك هذه المراتب هل يحكم بالملازمة
بين حكمه وحكم الشرع بحيث يكون منشأ لترتب الثواب والعقاب أم لا؟
إذا عرفت هذه
المراتب فاعلم ان الذي يتراءى من كلمات الاصحاب من تفسير التحسين والتقبيح الموجود
في عنوان المسألة بان العقل يدرك الحسن والقبح بحيث يترتب عليهما الذم والمدح
والثواب والعقاب وفي الحقيقة القائل بهذا التفسير يلتزم بجميع المراتب التي
ذكرناها فان التزامه بان العقل يدرك الحسن والقبح فلا بد وان يلتزم بالمراتب
الثلاث الاول والتزامه بحيث يترتب عليه المدح والذم والثواب والعقاب لا بد له من
الالتزام بالمرتبتين الاخيرتين ومقابل لذلك اي الذى لا يقول بهذا التفسير طوائف
فمنهم من انكرا صل
الاختلاف كما ربما
ينسب إلى بعض ، وطائفة ينكر اصل الاقتضاء مع تسليم الاختلاف وينسب ذلك الى بعض
الاشاعرة وطائفة ينكر حكم العقل مع تسليم الاقتضاء كما ينسب الى بعض الاخباريين
وطائفة يسلم تلك المرتبة ولكن ينكر الحسن الفاعلي وهو جهة الصدور كما ينسب ذلك الى
المجبرة وطائفة ينكر الملازمة بين حكم العقل والشرع والمثبت لادراك العقل التحسين
والتقبيح بنحو يترتب على الاول الثواب وعلى الثانى العقاب لا بد وان يكون مقابل
لجيمع تلك الطوائف ولكن يشكل على هذا التعريف ان البحث عن ذلك يغني عن بحث
الملازمة فلم جعلوا الاصحاب الملازمة بحثا آخر غير بحث التحسين والتقبيح فلا بد
وان يعرف بشيء لا يدخل تحته مبحث الملازمة بان يراد من التحسين هو اعجاب العقل
بذلك الحسن بحيث يترتب عليه المدح ومن التقبيح هو اشمئزاز العقل القبح بحيث يترتب
عليه الذم وبذلك ناسب عد الملازمة مسألة اخرى ومن هنا يظهر ان البحث عن الملازمة
لا يغني عن البحث عن مسألة التحسين والتقبيح لان ذلك انما يتم لو كان المنكرين
للملازمة من قبيل السالبة بانتفاء المحمول مع ان المفروض ليس كذلك فان المنكرين
ربما ينكرون ذلك من باب السالبة بانتفاء الموضوع فان من أنكر الملازمة قد يكون من
جهة انكار اصل الاختلاف بين الافعال او ينكر اصل الاقتضاء او ينكر حكم العقل
بالحسن والقبح أو انكاره من جهة انكار الحسن الفاعلي وكيف كان فالنزاع ان كان في
أصل الاقتضاء فالاخباريون من المثبتين وان كان النزاع في حكم العقل بالحسن والقبح
فالاخباريون من المنكرين ويؤيد ما ذكرنا من ان المراد من التحسين هو اعجاب العقل
والقبح هو اشمئزاز
العقل ان الذى
ينبغي أن يجعل هذا البحث تمهيدا لمبحث الملازمة هو البحث عن نفس الحسن والقبح
الذاتيين وإلا الحسن الذى يستتبع الثواب والقبح الذي يستتبع العقاب هو متأخر عن
القول بالملازمة اذ هو مساوق للاطاعة التي هي متأخرة عن الحسن الذاتى. وبالجملة
عندنا حسنان سابق على ما يترتب عليه المدح والثواب ، وحسن يستتبع ذلك والذي ينبغي
ان يكون مقدمة لبحث الملازمة هو الحسن المساوق لمرتبة الذات ثم لا يخفى ان الحسن
والقبح ان كانا بمعنى ان نفس ادراكهما يعجب العقل أو ينفره ولا يحتاج في ادراكهما
الى شيء آخر فهما ذاتيان وإلّا فعرضيان مثال الذاتي هو الظلم فان الظلم بنفسه يوجب
اشمئزاز النفس من غير حاجة الى ان يتصور شيء آخر لا يقال ان الظلم تارة يكون في
محله واخرى لا يكون في محله فليس على الاطلاق العقل يحكم بالاشمئزاز لانا نقول
مأخوذ في مفهوم الظلم ان لا يكون في محله واما مثل ضرب اليتيم للتأديب ففى الحقيقة
ليس من الظلم واما مثال الحسن الذاتي فقد مثل له بحسن الاحسان. فتحصل مما ذكرنا ان
الحسن والقبح تارة يكونان ذاتيين واخرى يكونان عرضيين فليس هما على الاطلاق ذاتيين
وليسا على الاطلاق عرضيين. اذا عرفت ذلك فاعلم ان الوجدان حاكم على ان العقل يدرك
الحسن الذاتي والقبح الذاتي فان العقل يدرك قبح الظلم لذاته من دون ان يتصور شىء
آخر من عادة وغيرها وقد خالف في ذلك بعض الاخباريين فانكروا ان العقل يدرك الحسن
والقبح الذاتيين وادعوا ان كل ما يدركه العقل مما يترتب عليه الذم فهو راجع الى
المقبحات العرفية وكذلك ادراكه مما يترتب عليه المدح فهو راجع الى المحسنات العرفية
ويؤيد ذلك بان هناك موارد مسلمة مثل
ما لو اسس قانون
واعلن فمن صدقه يمدح ومن لم يصدقه او لم يقبله يذم ويلومه العقلاء وبذلك قد جرت
العادة به فادراك العقل الحسن والقبح انما هو من جهة التقبيح العرفى أو التحسين
العرفى ومثل ما لو جعل قانون وخالف القانون فان العقلاء يلومونه على المخالفة من
جهة جريان عادة الناس على عدم المخالفة ومثل ما لو كان عند الناس متداولا ومعتادا
ترك الأكل في الاسواق فلو اكل أحد يلومونه فلذا قيل انه ينافى العدالة لانه يعتبر
فيها المحسنات العرفية والمقبحات العرفية التي عبر عنها بمنافيات المروءة وكيف كان
فهذه الامور الثلاثة انما تقبح من جهة جريان العادة على عدم المخالفة غاية الامر
بالنسبة الى الاولين العادة لها جهة طريقية بخلاف الثالث فان العادة لها جهة
موضوعية ولكن لا يخفى ما فيه
بيان ذلك اما
الاولين فالتقبيح فيهما يرجع الى كفر المنعم والتحسين فيهما يرجع الى شكر المنعم
غاية الامر نفس تطبيق موضوع تلك الكبريين اما بناء ادعائي او اعتقادي وبعبارة اخرى
من اعتقد او بنى على ان الجاعل للقوانين أو الجاعل للطرق مخالفته فيه ملامة
وموافقته فيه مدح ليس من جهة العادة بل انما هو من جهة انه بنى او اعتقد انه آمر
فتكون مخالفته كفرا للمنعم وموافقته شكرا للمنعم وهاتان الكبريان العقل يحكم بهما
مع قطع النظر عن العادة وبالجملة العادة محققة لموضوع تلك الكبريين لا انها سببا
لحكم العقل والشبهة انما نشأت من هذه الجهة فتخيل ان العادة هي التي صارت سببا
لحكم العقل وهذا توهم فاسد فان العادة محققة لحكم العقل وحكم العقل غير متوقف على
العادة وغيرها ، واما في الثالث فان انطباق موضوع حكم العقل انطباق على الامور
الرسمية قهرى بخلاف الاوليين فان من خالف العادة اما للزوم الضرر
أو الهتك فان
انطباق ذلك على الامور الرسمية قهرى كما لا يخفى ثم انه لو اغمضنا النظر عن
الوجدان فالادلة التي اقاموها للطرفين فاسدة اما ادلة المثبتين فمنها انه لو لم
يحكم العقل بالحسن والقبح يلزم افحام الانبياء والتالي باطل.
بيان ذلك ان النبي
لو قال انظروا في معجزتي لهم ان يقولوا على ذلك التقدير انه لا ننظر حتى يجب علينا
النظر ولا يجب النظر حتى ننظر وهذه المعارضة لا مدفع للنبي عنها وهذا هو معنى
الافحام ولكن لا يخفى ما فيه فان وجوب النظر انما هو من باب وجوب دفع الضرر
المحتمل ووجوب دفع الضرر فطرى للانسان بل فطري لسائر الحيوانات ولا يحتاج الى حكم
العقل وانما هو من الوجدانيات التي لا ينكرها الطرفان ومنها انه لو لم يحكم العقل
بالحسن والقبح لزم جواز صدور المعجزة من الكاذب والتالي واضح البطلان بيان ذلك ان
عدم جواز صدور المعجزة إلا من الصادق من جهة تصديق الله لدعوته لان تصديق الكاذب
قبيح فيمتنع صدوره منه تعالى لعلمه وحكمته وغناه فاذا بطل قبحه ثبت جوازه اذ لا
دليل عليه غيره ولكن لا يخفى ما فيه فان هذا يرجع الى نقض الغرض فان المولى لما
كان غرضه بيان صدق الصادق وكذب الكاذب فتصديق الكاذب نقض لذلك الغرض وهو أمر قبيح
يرجع الى قبح اجتماع الضدين الذي يحكم العقل بقبحه من غير حاجة الى حكم العقل
بالحسن والقبح المترتب عليهما المدح والذم والثواب والعقاب ومنها انه لو لم يحكم
العقل بالتحسين والتقبيح لزم عدم الوثوق بما جاء به النبي (ص) من الاحكام من معاد
وغيره فان الاحكام انما تثبت من الاخبار ونحن تحتمل صدور الكذب فيها فمع هذا
الاحتمال كيف نثق بالأخبار ولكن لا يخفى فان ذلك يرجع الى الدليل السابق وقد عرفت
الجواب عنه. واما ادلة النافين فاقوى أدلتهم هو ان التحسين والتقبيح
من الكيفيات
ومتعلقهما لو حكم به العقل من الافعال وهو أيضا من مقولة الاعراض فحينئذ كيف يقوم
العرض بالعرض وهذا مراد من قال بانه يلزم قيام المعنى بالمعنى لو حكم به العقل
ولكن لا يخفى انه يرد عليه أولا بالنقض في مثل الارادة فانها من الكيفيات مع ذلك
تتعلق بالافعال وثانيا بالحل فان التحسين والتقبيح من عوارض الصور المرتسمة في
النفس وهى أيضا من العوارض الكيفية فمقولة الكيف تعلقت بمقولة الكيف ولها جهة
اضافة الى الخارج أي بما ان تلك الصور حاكية عما في الخارج فتعلق التحسين والتقبيح
بالخارج بنحو اضافة فاذا عرفت ان الحق هو ان التحسين والتقبيح يحكم بهما العقل
فحينئذ يكون لنا مجال لمبحث الملازمة وإلّا لو قلنا بمقالة النافين فلا مجال له أصلا
فنقول وقع الكلام في مسألة الملازمة اي لو حكم العقل بشيء يلزمه ان يحكم الشارع به
وقبل الخوض في المقصود ينبغي تقديم مقدمة بها يتضح المقصود وهى ان حكم العقل
بالمصلحة مقتض لحكم الشارع لا على نحو العلية التامة فتكون تلك المصلحة بالنسبة
الى حكم الشارع من قبيل المقتضى الذي يرتفع لوجود المانع فحينئذ لا بد من احراز
عدم المانع والمزاحم حتى يترتب حكم الشارع والموانع والمزاحمات تارة تكون داخلية
أي لها دخل في أصل تحقق ادراك العقل الحسن الذاتي واخرى تكون خارجية وهذه
المزاحمات الخارجية تكون بعد الفراغ عن عدم مزاحم ذاتي وحينئذ نقول ان المزاحم
الخارجي يكون تارة مثل وجود ضد أهم واخرى ليس كذلك وثالثة يكون في الانبعاث عن
الارادة ورابعة يكون في نفس ارادة المولى فهذه المراتب طولية والاخيرة منها انما
يكون لها مجال بعد الفراغ عن سابقتها والمثبت يلتزم بجميع هذه المراتب.
اذا عرفت ذلك ذلك
فاعلم انه وقع الكلام في كل مرتبة مرتبة اما الاولى فيمكن نفي المزاحم الداخلي
بحكم العقل بحسن الشيء فانه لما حكم بان في الشيء حسنا يستكشف انه لا مزاحم داخلى
فاذا وقع فالعقل لا يحكم واما بالنسبة الى المرتبة الثانية وهو احتمال المزاحم
الخارجي من ضد أو مثله فان قطع بعدم وجود ذلك المزاحم فالعقل يحكم بحسنه ويلومه
على تركه واما مع احتمال وجود المزاحم الخارجي فلا يحكم بالحسن ولا يلوم على تركه
اللهم إلّا ان يقال بان نفس هذا الاحتمال لا يوجب رفع الملازمة على الترك بل يأتي
به بداعي الرجاء حيث انه يحتمل عدم وجود المزاحم فهذا الاحتمال يكون منجزا وهذا هو
شأن الاحتياط بانه حسن فان حسنه متحقق مع تحقق احتمال المزاحم ولا ينافي ذلك ما
ذكره شيخنا الانصاري (قدسسره) بان العقل لا يدرك جميع المقبحات والمحسنات حتى يحكم
بحسنه او قبحه لما عرفت بان حكم العقل بالحسن ليس من جهة ادراكه لرفع جميع الموانع
المقبحة بل من جهة كون نفس احتمال عدم وجود المزاحم هو منجز ، فعلى هذا يمكن منع
الملازمة بين حكم العقل
__________________
والشرع حيث ان
العقل قد حكم مع تحقق هذا الاحتمال ويحتمل ان الحكيم على
__________________
الاطلاق قد اطلع
على المزاحم فلذا لم يحكم فحصل التفكيك بالنسبة الى هذه
__________________
المرتبة وبعد
الفراغ من المرتبة الثانية يقع الكلام بالنسبة الى المرتبة الثالثة وهي المزاحمات
في نفس الايجاد والانبعاث عن تلك الارادة لان الارادة المحركة لا تتعلق بالشيء
الفاسد وانما الارادة المحركة تتعلق بالشيء الذى فيه مصلحة فاذا حكم العقل بحسنه
اي لم يكن فيه مزاحم داخلي ولا خارجى فلا يستكشف منه تحقق الارادة المحركية لما
ذكرناه فاذا لم يستكشف فلا ملازمة واما لو التزمنا بهذه المرتبة فيقع الكلام في
المرتبة الأخيرة وهي المزاحمات في نفس البعث والارادة.
فنقول لا اشكال
ولا ريب انه بالالتزام بالمراتب الثلاثة الاول نستكشف تحقق الارادة الواقعية التي
هي في نفس المولى فحينئذ هل الانبعاث والتحريك نحو المراد يحتاج الى بعث ام لا؟
والمراد بالبعث هو بروز وظهور تلك الارادة فحينئذ يقع الكلام في ان هذا البعث له
موضوعية في مقام المحركية ام لا فنقول لا اشكال ولا ريب انه بالنسبة الى المعاملات
فنفس البعث له موضوعية وإلا نفس الرضا بالبيع والصلح وغير ذلك لا يكفى بل يحتاج في
العقود الى ابراز الرضا من الطرفين بايجاب وقبول وفي الايقاعات يحتاج الى ابراز
الرضا من
__________________
طرف واحد واما
بالنسبة الى الاحكام والتكاليف لا يحتاج الى التحرك الى متعلقها أي ظهور وبروز بل
نفس العلم بتحققها في نفس المولى يكفي كمن يعلم ان المولى يحتاج الى ماء ولكن له
مانع لا يمكن له ابراز ارادته فيجب على العبد أن يأتي له بالماء فلو تركه والحال
هذه يلومه العقلاء اذا عرفت ذلك فاعلم انه يمكن لنا انكار الملازمة لو التزمنا
بالمرتبة الثانية أو المرتبة الثالثة من جهة حكم العقل بحسنه مع تحقق الامتثال
ويلام على تركه مع تحقق احتمال وجود المزاحم واما لو تعدينا عن المرتبة الثالثة وقلنا
بتحققها لا بد من الالتزام بالملازمة لما بيناه سابقا واما دعوى انه يمكن حكم
العقل بالحسن بالنسبة الى المرتبة الثالثة لا من جهة وجود الاحتمال حتى يمكن منع
الملازمة بل من جهة الترتب حيث انا نعلم بحسنه اما من جهة نفسه حسن على الاطلاق أو
حسنه منوط بعدم الاتيان بالاهم ففي ظرف عدم الاتيان بالاهم هو حسن ولكن لا يخفى ان
ذلك لا يجزى إلا إذا كان المزاحم هو الاهم واما لو كان باقى المرجحات غير الأهم
كانت موانع من حسنه فلا يجري الترتب فتحصل مما ذكرنا ان المنكرين للملازمة لا بد
ان يخدشوا في المرتبة الثانية والثالثة والانصاف انه لا تترتب ثمرة على القولين
لانه على عدم القول بالملازمة الثمرة عدم تحقق الملامة على الترك لأن الملامة انما
تكون لحكم الشارع فمع عدم استكشاف حكم الشارع كيف تتحقق الملامة وعلى القول
بالملازمة تتحقق الملامة من جهة تنجز هذا الاحتمال وبعبارة اخرى ان الثمرة تترتب
على القولين إذ على القول بعدم الملازمة يجب الاتيان في صورة الشك بتحقق الحكم
الشرعي لتنجز الاحتمال المانع من جريان قبح العقاب بلا بيان إذ بتنجز الاحتمال
يوجب كونه بيانا فيرتفع موضوع البراءة نعم هناك ثمرة اخرى وهى انه على القول
بعدم الملازمة فيما
لو ورد خطاب شرعي على خلاف حكم العقل فلا يجب طرحه حيث انه على ذلك التقدير يكون
حكم العقل من باب لا أدري وهو حكم في ظرف عدم العلم فمع مجيء حكم الشارع يرتفع
موضوعه من باب الورود بخلافه على الملازمة يجب طرحه وبهذا يمكن توجيه كلام
الاخباريين في ان الخطاب الشرعى مقدم على حكم العقل توضيح ذلك هو ان الاخباريين
لما التزموا بعدم الملازمة بين حكم العقل وبين حكم الشرع فيكون حكم العقل بالحسن
من باب قبح العقاب بلا بيان فمع مجىء خطاب الشرع يكون بيانا فخطاب الشرع لا يعارض
حكم العقل بخلافه على القول بالملازمة فانه يوجب طرح الخطاب الشرعى هذا غاية ما
يوجه به كلام الاخباريين وهو أحسن ما قيل بان مراد الاخباريين من حكم العقل الظني
أو غير ذلك من التوجيهات المخالفة لظواهر كلماتهم هذا كله فيما لو حكم العقل بشيء
هل يلازم ذلك حكم الشارع أم لا واما لو حكم الشارع بشيء هل يلازم ذلك حكم العقل أم
لا؟ فنقول ما المراد من حكم العقل هل هو عبارة عن نفس اطاعة الاوامر الشرعية أي
إذا حكم الشرع بشيء العقل يحكم باطاعته أو هو عبارة عن حكمه بالحسن الذي حكم
الشارع به فيكون حكم الشارع مع حكم العقل متعلقهما شيء واحد الظاهر هو الأخير فان
الاول خلاف الظاهر اولا وان حكم العقل الذي هو مرتب على حكم الشارع بحسب الظاهر هو
الحكم بالملازمة وقد عرفت ان الحكم بالملازمة لا يكون بالنسبة الى الاطاعة ثانيا
وبعد معرفة ان المراد هو حكم العقل مع حكم الشارع متعلقهما شيء واحد فحينئذ يقع
الكلام هل هناك ملازمة أم لا الظاهر انها متحققة لوجهين الاول الوجدان فان الوجدان
يحكم بان ارادة الشارع
لا تتعلق إلا
بالشىء الذي فيه مصلحة ولو ردع عن شيء لا بد وان تكون فيه مفسدة لأن الارادة من
مباديها الحب والحب مثلا لو وصل الى مرتبة يكون عشقا والعشق لا يتعلق بالوجه الذي
هو قبيح المنظر وليس إلا انه لا بد وان يكون في المتعلق حسن حتى يتملق به المحبة
وكذلك الارادة لانه المفروض ان الشارع حكيم على الاطلاق فاذا كان كذلك فلا بد وان
يوجه الارادة الى ما فيه المصلحة الوجه الثاني انه لا اشكال ولا ريب ان بين
الارادة والمصلحة ترتب طولى اي متى تحققت المصلحة تعلقت الارادة ولو كان يكفى نفس
تحقق المصلحة في الإرادة تكون المصلحة متأخرة عن الارادة فتكون نظير داعوية الامر
التي لا يعقل أخذها في المتعلق ثم ان القائلين بانه يكفي تحقق المصلحة في الارادة
ولا يحتاج الى تحقق المصلحة في المتعلق فذلك انما التزموا به من جهة أشياء تخيل
انها منها كالاوامر الامتحانية حيث ان الغرض منها نفس اصدار الامر وابرازه وهو فيه
مصلحة ولكن لا يخفى ان اوامر الامتحانية تارة يكون الامتحان فيها قائما بنفس العمل
مثلا يشتري دابة ويركبها لاجل الامتحان فهذا لا اشكال في ان المصلحة ليس في مقام
الابراز بل المصلحة في المتعلق واخرى يكون الامتحان في اظهار الامر والظاهر انه لا
ينصرف الامر الى العمل بل بمقدماته كمن امر بالقتل وليس غرضه في القتل فان الامر
ينصرف الى المقدمات فلا تغفل.
مبحث التجرى
المبحث الخامس في
التجري والكلام فيه يقع في مقامين المقام الاول في أن من لم يصادف قطعه الواقع هل
مخالفته توجب استحقاق العقاب أم لا عقاب إلا على من صادف قطعه الواقع؟ قولان
مشهوران اختار شيخنا الانصارى (قده)
__________________
الثانى والحق هو
الاول لوجود مناط استحقاق العقاب فيه.
بيان ذلك هو ان
مناط الاستحقاق هو اظهار التمرد والطغيان على المولى وهتك حرمته وتجريه عليه فمن
قطع بخمرية مائع في اناء فيه ماء وخالف فشربه عد عاصيا لانطباق تلك العناوين عليه من
ابراز الطغيان وخروجه عن رسم العبودية وهكذا في صورة المصادفة فان استحقاق العقاب
ليس لأجل المصادفة بل لانطباق ما هو موضوع الاستحقاق من كونه هتك المولى واظهر
الطغيان عليه وفاقا للاستاذ في الكفاية بما لفظه (الحق انه يوجبه لشهادة الوجدان
بصحة مؤاخذته على تجرّيه وهتك حرمته لمولاه وخروجه عن رسم عبوديته وكونه بصدد
الطغيان وعزمه على العصيان الخ) وان كنا لا نوافقه على جعل الاستحقاق على العزم إذ
العزم من الامور القصدية التي لا تستحق العقوبة عليه ما لم يظهر التمرد والطغيان
والمخالفة بما هو الحجة عليه. ثم ان الاستاذ قد اختار هنا ما ينافي ما ذكره في
مقدمة الواجب حيث قسم الواجب على قسمين غيري ونفسي وجعل العقوبة والمثوبة على
النفسى ولا مثوبة وعقوبة على الغيري حتى اشكل عليه بالطهارات الثلاث وهنا جعل
العقاب على الوقوف في قبال المولى وهتك حرمته وهو يحصل بالعزم على المعصية ، وايضا
يحصل بترك الواجب الغيري والمثوبة على الجري على طبق ارادة المولى وهو يحصل ولو
باتيان الواجب الغيرى.
وكيف كان فمناط
استحقاق العقاب هو اظهار التمرد على المولى وطغيانه عليه وهو متحقق في التجري
فيستحق العقوبة بمجرد مخالفة ما هو حجة عليه كما هو كذلك بالنسبة الى المعصية
الحقيقية ودعوى ان لازم ذلك أخذ العلم بالنسبة الى
الاستحقاق على نحو
الصفتية في غير محلها اذ العلم قد اخذ موضوعا للاستحقاق بنحو الطريقية الى الواقع
ودعوى انه ليس موضوع حكم العقل بالقبح مطلق القطع ولو لم يصادف كما ينسب الى بعض
الاعاظم (قدسسره) بتقريب ان غير المصادف ليس بعلم وانما هو جهل مركب والقطع
بالحكم الشرعي الذي هو مناط حكم العقل بالاستحقاق في العقوبة والمثوبة فيما اذا
كان محرزا للواقع لكي ينبعث العبد عن ارادة المولى ومع كونه غير مصادف لارادة
المولى حتى ينبعث العبد نحو ارادته ففى غير محلها فان ذلك وان عد جهلا مركبا إلّا
انه لا ينافي ان يكون سببا لانطباق عنوانه انه متمرد على المولى وانه قد اظهر
طغيانه عليه الذي هو موضوع حكم العقل باستحقاق العقاب فحاله حال ما لو صادف العلم
بالواقع في ان ذلك يحدث عنوان الطغيان على ما اتى به الذي هو موضوع حكم العقل
بالاستحقاق كما هو كذلك بالنسبة الى الانقياد فانه في صورة عدم المصادفة لم يكن
موجبا للانبعاث نحو ما انقاد اليه إلا مثل هذا الذي هو جهل مركب وبالجملة الموجب
للانبعاث في الانقياد فيما لم يصادف قطعه الواقع هو الموجب لاستحقاق العقوبة وليس
في البين إلا ما يسمى بالجهل المركب ويؤيد ذلك تقبيح العقلاء للمخالفة والمدح على
الموافقة وليس ذلك لأجل كشفه عن خبث السريرة في المخالفة وحسن السريرة في الموافقة
كما ادعاه الشيخ الانصاري (قده) فان الوجدان يشهد بان القبح ليس لاجل ذلك وانما هو
لأجل انطباق ما هو موضوع حكم العقل بالاستحقاق من كونه هتكا للمولى وطغيانا وتمردا
عليه كانطباق عنوان الحسن في مقام الانقياد باتيان ما هو محتمل الوجوب وترك ما هو
محتمل الحرمة وقد التزم الاستاذ بان العقاب ليس على خبث السريرة
وانما هو على
العزم إذ هو شيء يحصل بعد خبث السريرة ولكن لا يخفى انه ان اراد العقاب على نفس
العزم من دون ما يحصل به اظهار الطغيان. فقد عرفت انه من الامور القصدية والعقاب
لا يكون على الامور القصدية وان اراد بالعزم المتعقب بما يظهر الطغيان فيكون
العقاب حال العزم من حيث شروعه في الطغيان بايجاد مقدمته فهو راجع الى ما قلناه من
استقلال العقل بقبح من خالف قطعه مطلقا من غير فرق بين كونه قد صادف قطعه الواقع
أم لم يصادف كما هو الحال في الانقياد فانه باتيان ما هو محتمل الوجوب أو ترك ما
هو محتمل الحرمة ينطبق عليه عنوان التسليم والانقياد الذي هو مناط استحقاق الثواب
ودعوى ان الثواب في مقام الانقياد تفضلي لا بنحو الاستحقاق ففى غير محلها اذ ذلك
ينافي التزامهم بحسن الاحتياط بداعي المحبوبية وليس إلا لأجل انطباق عنوان
الانقياد الموجب لاستحقاق الثواب حتى قيل بامكان تصحيح العبادة لأجل الحسن العقلي
وبالجملة القبح في المقام قبح عقلي لا قبح فاعلي كما ينسب الى بعض الاعاظم (قدسسره) من التفكيك بين الفعل وجهة الاصدار بالالتزام بان جهة
الاصدار فيه قبح ولا يسرى الى نفس الفعل إذ هو محل المنع فان جهة الاصدار عبارة عن
اضافة بين الفعل والفاعل فان كانت الاضافة قبيحة فقبحها يسرى الى ما تقوم به
الاضافة وهو الفعل وهو لا يلتزم به وان كانت الاضافة تكشف عن خبث السريرة فهو وان
امكن تصوره إلا ان خبث السريرة خارج عن الاختيار فكيف يحدث قبحا في الفاعل فدعوى
قبح الفاعل من دون سرايته الى الفعل لا وجه له فظهر مما ذكرنا ان العقل يستقل
بالقبح في التجري كما انه يستقل العقل بالحسن في الانقياد من غير ان
يستتبع حكما شرعيا
مولويا فلو ورد حكم شرعي يكون ارشادا لحكم العقل إذ لا معنى لاعمال المولوية مع
حكم العقل فلو حصل يعد لغوا اذ المولوية انما تنبعث نحو ايجاد الشيء أو تركه حذرا
من مخالفة التكليف ومع فرض ان العقل حاكم بالاتيان به او الزجر عنه فكيف يعقل في
هذا الحال اعمال المولوية حتى لو قلنا بالملازمة بين حكم العقل والشرع فان الحكم
العقلي يكون مستتبعا لحكم شرعي مولوي بناء على الملازمة فيما اذا كان الحسن والقبح
العقليان ناشئين عن مصلحة او مفسدة في المتعلق وهذا المعنى ليس متحققا في المقام
لما هو معلوم ان عنوان التجرى والانقياد ليسا بموجبي المصلحة او المفسدة لكي يكونا
مستتبعين حكما شرعيا مولويا فلو ورد تكليف شرعي فانما يكون ارشادا لحكم العقل
كالاوامر الواردة في باب الاطاعة فانها تحمل على الارشادية لعدم وجود ملاك
المولوية مع حكم العقل بقبح التجري لاجل تمرده وطغيانه على المولى وهذا الملاك كما
يتحقق في التجري يتحقق في العصيان الحقيقي كما انه قد يحصل عند شروعه في المقدمات
مستمرا الى ان يحصل العصيان الحقيقي وليست المصادفة هي الموجبة للعقوبة حتى يقال
بان لازم القول بان التجرى يوجب العقوبة الالتزام بتعدد العقوبة في المعصية
الحقيقية فانه توهم فاسد لما عرفت من ان مناط استحقاق العقوبة انما هو اظهار
التمرد والطغيان على المولى وهذا حاصل في التجري والمعصية الحقيقية ولذا ترى
العقلاء يذمون في حال الشروع في المقدمات المفضية الى الحرام ولا ينتظرون في ذمهم الى
ارتكاب الحرام وليس ذلك إلّا انهم يرون ان استحقاق العقوبة على اظهار التمرد
والطغيان وهو يتحقق في التجري والمعصية الحقيقية وليست العقوبة
على المصادفة في
المعصية الحقيقية ليلتزم بالتعدد او التداخل فيها حذرا من التعدد كما التزمه صاحب
الفصول (قدسسره) باعتبار اجتماع التجرى مع المعصية الواقعية فحينئذ يتداخل
العقابان فانه لا وجه لاجتماع التجرى مع المعصية الواقعية وان وجهه بعض الاعاظم
بتوجيه يرجع الى أمر معقول بان يقال ان مراده من المعصية المجتمعة مع التجري غير
المعصية التي علم بها وتجرى فيها بل معصية اخرى كما لو علم بخمرية مائع فتجرى
فشربه تم تبين انه مغصوب فتجرى بالنسبة الى شرب الخمر وعصى بالنسبة الى شرب
المغصوب بناء على ان جنس التكليف يكفى في تنجز العلم الاجمالى ففى المثال انه قد
تعلق علمه بحرمة شرب المائع على انه خمر فبالنسبة الى كونه خمرا قد اخطأ علمه وبالنسبة
الى الحرمة لم يخطأ وصادف الواقع لانه كان مغصوبا فيكون قد فعل محرما ويعاقب عليه
وان لم يعاقب على خصوصية الغصبية لعدم تعلق العلم بها بل يعاقب على القدر المشترك
من الخمرية والغصبية فلو فرض ان عقاب الغصب اشد يعاقب عقاب الخمر ولو انعكس الامر
وكان عقاب الخمر اشد يعاقب عقاب الغصب لان المفروض انه لم يشرب الخمر فلا يعاقب
عليه وفي الصورة الاولى انما يعاقب عقاب شرب الخمر مع انه لم يشرب الخمر من جهة ان
عقاب ما يقتضيه شرب الخمر هو المتيقن الاقل والمنفى عنه هو العقاب الزائد الذي
يقتضيه الغصب ففيه ما لا يخفى اولا انه خارج عن مؤدى الكلام الفصول فلا يحمل كلامه
عليه وثانيا انه غير وجيه فان العلم بالخمرية لا يوجب العلم بالغصبية ولا العلم
بالجامع فحينئذ كيف يتصور عصيان حرمة الغصب أو القدر المشترك بينهما وثالثا لا
يقاس المقام بالعلم الاجمالى بالجنس فان ذلك مع القول يتنجزه فانما
هو علم اجمالى
بالجنس القابل للانطباق على أحد الطرفين كما لو علمت بوجود حرام مردد بين الغصبية
والخمرية والمقام ليس من ذاك القبيل فان العلم بخصوصية الخمرية لا يوجب العلم
بالغصبية أو العلم بالقدر المشترك كما هو واضح فظهر مما ذكرنا ان مناط الاستحقاق
في الصورتين المصادفة وعدمها شيء واحد وهو ابراز التمرد على المولى وطغيانه عليه
ومع جعل كل من التجري والمعصية الحقيقية موجبا للاستحقاق فلا بد من القول بتعدد
العقوبة اذ لا وجه للقول بالتداخل لامتناعه بعد ان فرض كل واحد من التجري والمعصية
الحقيقية سبب مستقل وتعدد السبب يوجب تعدد المسبب ولذا قلنا في محله ان التداخل
على خلاف الاصل مضافا إلى ان الاوامر في باب الاطاعة والنواهي في باب العصيان
ارشادية ليست بمولوية لا يستتبعان المثوبة والعقوبة والسر في كونها ارشادية فقد
ذكر الاصوليون هو انها لو لم تكن ارشادية يلزم المحال وهو التسلسل إذ لو كانت
مولوية فيجب اطاعتها لكي تستتبع المثوبة على الموافقة والعقوبة على المخالفة فننقل
الكلام الى اطاعة هذه الاوامر المولوية الثانية فان كان حكم العقل فهو وحينئذ
يلتزم بها من أول الامر وان كان وجوب اطاعتها بامر شرعي فننقل الكلام الى هذه الاوامر
الثالثة وهكذا يتسلسل او نقول ان المناط بلزوم الاطاعة حكم العقل وإلا لزم التسلسل
فان الاوامر الصادرة من الشارع تحتاج في اطاعتها الى دليل فاذا فرض ان الدليل
منحصر في الامر بلزوم الاطاعة فحينئذ تكون هناك اطاعات غير متناهية واوامر غير
متناهية وذلك امر مستحيل ومن هذا القبيل باب العصيان ولكن لا يخفى ان ما ذكر محل
نظر إذ التسلسل إنما يجري في غير الامور الاعتبارية واما فيها فلا يجرى لانقطاعه
باعتبار المعتبر والمقام من الاعتباريات فان الامر بالاطاعة انما هو
اعتباري يحصل
باعتبار المعتبر فاذا انقطع الاعتبار زال فرض تعلق الامر بالاطاعة فالاولى في
توجيه المحالية هو ان الاوامر المولوية انما تحصل مقدمة لتحصيل الغرض فيكون الغرض
داعيا ومحركا لالقاء الامر فالامر ينبعث عن الغرض وكذلك النهى انما ينبعث أيضا من
الغرض من غير فرق بين ان يكون الغرض حقيقيا كما في صورة الاطاعة والعصيان أو
اعتقاديا كما في صورة التجري والانقياد وتعدد العقوبة والمثوبة تابع لوحدة الغرض
وتعدده فتحصيل الغرض انما يكون بالأمر المولوي فاذا حصل الأمر المولوي فيحكم العقل
بالامتثال لأجل تحصيل الغرض فحينئذ لا يبقى مجال للامر المولوى لعدم وجود ملاكه
حتى يستتبع وجوده وكذا النهي فانه مع حصول غرضه من حكم العقل لا معنى لوجود النهي
عنه وبالجملة بعد حصول الغرض من الأوامر والنواهي الارشادية لا يبقى مجال لاعمال
المولوية من الأوامر والنواهي ولو وجدت فهى بلا ملاك وكيف كان فلم يبق ما يمنع من
القول باستحقاق العقاب على التجري إلا دعوى ان العقوبة والمثوبة انما يستتبعان
اختيارية العنوان اذ العقل كيف يحسن أو يقبح أمرا غير اختياري وليس ذلك إلا
التكليف بما لا يطاق بتقريب ان عنوان التجري الذي قطع بما هو مبغوض قطعيا مخالفا
غير اختياري لكي يقصده الفاعل لعدم معقولية الالتفات اليه حين العمل وإلا خرج عن
كونه متجريا ولكن لا يخفى انك قد عرفت ان مناط الاستحقاق والقبح انما هو اظهار
التجرد والطغيان الجامع بين التجرى والمعصية الحقيقية وهذا الجامع مما يلتفت اليه
مثلا من أقدم على اتيان ما خمريته مقطوعة بقطع مخالف فقد اقدم بفعله على هتك
المولى وقد اظهر الطغيان عليه وبذلك يكون مقدما على عنوان
مبغوض عقلا نعم
كان يتخيل انه هو الواقع وقد غفل عن تحققه في غير هذا الفرد والغفلة عن ذلك لا
ينافى الالتفات الى ما هو مبغوض عقلا الجامع بين التجري والمعصية الحقيقية.
وبالجملة الغفلة
عن خصوص التجرى لا يوجب رفع القبح عن الجامع الذى مبغوضيته امر مفروغ عنه فافهم ،
وبذلك يجاب عما ذكره المحقق الخراساني في الحاشية بما حاصله ان عنوان مقطوع
المبغوضية بعنوان التجرى ليس اختياريا لأن التجري المقصود بالمعنى الأخص وهي
المعصية وقد فرض انها لم تحصل وما وقع منه وهو التجري بالمعنى الأعم. غير مقصود
فيكون من قبيل ما وقع لم يقصد وما قصد لم يقع فعلية التجري بكل عنوان ليس باختياري
كيف يوجب العقاب إذ العقاب انما يترتب على ان يكون بعنوان اختياري مقصود ولكنك قد
عرفت ان القادم على ارتكاب ما هو مبغوض للمولى فقد قدم على هتكه واظهر الطغيان عليه
وان غفل عن تحقق هذا العنوان في ضمن المعصية وحينئذ قد اتى بما هو ملاك الاستحقاق
الجامع بين التجرى والمعصية الحقيقية فان قصد الخصوصية وان كان يضاد قصد العام اذا
كان بنحو وحدة المطلوب إلّا انه لا يمنع من اختيارية العام وقصد المعصية بالخصوص
لا يمنع من التفاته الى الجامع بينها وبين التجري المقابل له.
المقام الثاني في
ان القطع المتعلق بشيء يكون من العناوين الطارية عليه فهل يغير الواقع عما هو عليه
من المحبوبية أو المبغوضية ام لا يغيره بل هو باق على ما هو عليه؟ اختار صاحب
الفصول الاول حيث قال ما لفظه : (فان قبح التجري ليس ذاتيا بل يختلف بالوجوه
والاعتبارات الى آخره) وحاصله ان
الفعل يتغير بما
يطرأ عليه من العناوين الثانوية نظرا إلى مزاحمة الجهات الواقعية مع الجهات
الظاهرية الناشئة من عدم كون قبح التجري ذاتيا بل يختلف بالوجوه والاعتبارات والحق
هو الاول لوجهين الاول الوجدان فانه شاهد على ان الواقع لا يتغير عما هو عليه بسبب
طرو شيء عليه اصلا ، فمن قطع بشىء انه محبوب للمولى وقد كان مبغوضا له كيف يوجب
هذا القطع تغييرا لمبغوضيته بل هو باق على ما هو عليه من المبغوضية. الثاني انه لو
غير العنوان الطاري على الشيء عما هو عليه لزم المحال وهو الدور الذى هو واضح
البطلان.
بيان ذلك ان محل
الكلام في القطع الطريقى وطريقيته انما تكون متأخرة عن ذي الطريق واذا فرض تأثير
الطريق بذيه فلا بد وان يكون سابقا عليه اذ لا يعقل أن يكون الشىء المتأخر يؤثر في
الشىء المتقدم فيكون الطريق بواسطة تأثيره سابقا على نفسه وهذا هو الدور الممتنع
عقلا كما لا يخفى واستدل الاستاذ في الكفاية على المختار بما هذا لفظه (ان الفعل
المتجرى به او المنقاد به مما هو مقطوع الحرمة او الوجوب لا يكون اختياريا فان
القاطع لا يقصده إلّا بما قطع انه عليه من عنوانه الواقعي الاستقلالى لا بعنوانه
الطارئ الآلي بل لا يكون غالبا بهذا العنوان مما يلتفت اليه فكيف يكون من جهات
الحسن أو القبح عقلا ومن مناطات الوجوب او الحرمة شرعا ولا يكاد يكون صفة موجبة
لذلك إلا إذا كانت اختيارية انتهى.
أقول ليس مقطوعية
الحرمة أو الوجوب هو مناط استحقاق العقوبة والمثوبة حتى يلزم الالتفات اليه بل
الذي هو المناط اظهار التمرد على المولى وهتك حرمته وطغيانه عليه وهو مما يلتفت
اليه وغير مغفول عنه.
ولو سلم وقلنا بان
المناط هو ذلك إلا انا تمنع اعتبار الالتفات اليه فان الافعال على أقسام فتارة
يحصل في الخارج بدون قصد العنوان ولا ارادة للعمل كالقتل والضرب واخرى يحصل
بالارادة مع قصد العنوان كما في مثل الضرب للتأديب والقيام للتعظيم وثالثة يحتاج
الى ارادة للعمل من دون قصد العنوان كما في المقام فان التجري يحصل ولو لم يقصد
العنوان.
ثم ان الشيخ
الانصاري قد أورد على صاحب الفصول تارة بان التجري قبيح ذاتا لكونه من الظلم
فيمتنع عروض صفة محسنة عليه كما ان الانقياد حسن ذاتا فيمنع عروض صفة مقبحة عليه
واخرى بانه لو سلم انه لا امتناع في ان يعرض له جهة محسنة إلا انه مقتض للقبح
ومؤثر فيه لو لم يمنع مانع يوجب رفع قبحه فهو كالكذب فانه مقتض للقبح لو لم يمنع
مانع يرفع قبحه ككونه لانجاء بني فانه باتّصافه بعنوان انجاء النبي رفع قبحه إلا
ان في المقام الاتصاف بعنوان انه ترك قتل المؤمن او النبي حيث انه كان مغفولا عنه
لا يتصف بحسن وقبح فكيف يكون رافعا لقبح التجرى ولكن لا يخفى ما فيه. اما عن الاول فبان المولى يمكن ان
يرى أهمية مصلحة
__________________
الواقع بالنسبة
الى مفسدة التجرى بنحو لا يبقى له مبغوضية واما عن الثاني فان غفلة القاطع عن
العنوان تمنع تأثيرها عن رفع القبح إلّا ان ذلك بالنسبة الى نظره واما بالنسبة الى
نظر الحاكم المشرع حيث انه يرى الواقع على ما هو عليه ويرى مصلحة الواقع اهم في
نظره من مفسدة التجري فحينئذ لا تكون غفلة القاطع لها دخل مع فرض اهمية مصلحة
الواقع بالنسبة الى مفسدة التجري في نظر الحاكم بنحو تؤثر في رفع قبح التجري ثم لا
يخفى ان ملاك استحقاق العقوبة هو عنوان هتك المولى وطغيانه عليه وبذلك يكون قبيحا
فهل ذلك يوجب قبح الفعل الخارجي ام لا؟ اختار الاستاذ (قدسسره) عدم سراية القبح من من التجري الى العمل الخارجي ويختص
القبح بالعزم وانه لو سرى يلزم اجتماع المحبوبية والمبغوضية في شىء واحد او يكون
الشىء الواحد حسنا وقبيحا في شىء واحد وبجهة واحدة وذلك غير معقول ولو قلنا بجواز
اجتماع الامر والنهي والحق هو الاول لما عرفت من ان العزم ان لم يكن معه شيء يظهر
الطغيان فهو من الامور القصدية التى لا يتصف بحسن ولا قبح واما شبهة اجتماع
المحبوبية والمبغوضية التي مرجعها الى ما ادعاه صاحب الفصول من المزاحمة بين
محبوبية الفعل ومبغوضيته وبعد التزاحم في الجهات الموجبة لرفع القبح عن التجري أو
انقلاب الواقع من المحبوبية الى كونه قبيحا او بالعكس وإلّا لزم
__________________
اجتماعهما في شىء
واحد بجهة واحدة وهو مستلزم للمحال. فيمكن الجواب عنها بان الاحكام على ما تقدم
انما هي متعلقة بالصور الذهنية المتحدة مع الخارج بحيث يراها عين الخارج مثلا السكنجبين
لما كان ذا مصلحة تعلقت به ارادة الشرب وتعلقها كان بعنوانه المرئى عين الخارج
ويكون محبوبا له فاذا اعتقد العبد مبغوضيته فتجرى بان اتى به فشربه يكون معلولا
لارادته وهو غير الشرب الذى كان معروضا للارادة وبعبارة اخرى ان للشرب عندنا
عنوانين طوليين عنوان معلول الارادة وعنوان معروض الارادة والذى هو معروض الارادة
هو الشرب الذى تتعلق به ارادة المولى والذى هو معلول للارادة هو الذى نشأ من ارادة
العبد فلما اختلفا بحسب الرتبة ورتبة احدهما لا دخل له برتبة الآخر فمن الممكن ان
يكون أحد العنوانين محبوبا والآخر مبغوضا وبغض أحدهما لا يسرى الى محبوبية الآخر
اذ كل منهما في مرتبة.
وبالجملة ان الشرب
الذى هو معروض الارادة محبوب وهو غير الشرب الذى هو معلول الارادة الذى هو مبغوض
ولا يسري أحدهما الى الآخر فلا يلزم من قبح العمل الخارجى اجتماع المحبوبية
والمبغوضية لما عرفت ان بين الذاتين طولية وان كان المنشأ واحد إلا انه بمرتبة
يكون قد تعلقت به الارادة وبمرتبة يكون في مقام سقوط الارادة وعليه لا يعقل سراية
الحسن القائم بمرتبة تعلق الارادة السابقة الى المرتبة اللاحقة التى هي مرتبة
السقوط مثلا لو قال اردت الصلاة فصليت فترى بالوجدان صلاتين صلاة تعلقت بها
الارادة وصلاة توجب سقوط الارادة وان كان المنشأ واحدا إلا انه بمرتبة سابقة هي
متعلق الامر وبمرتبة لاحقة هي موجبة لسقوط الامر. ودعوى ان العنوان الذى
اخذ في الحكم انما
اخذ مرآتا للوجود الخارجى فيكون اخذا له بلحاظ الخارج فيكون الخارج مجمعا للعنوانين
فالمرئي بهما شيء واحد وجهة فاردة فيكون الخارج المرئي بذينك العنوانين قد اجتمع
فيه امران متضادان الحسن والقبح وذلك واضح البطلان ممنوعة لما عرفت من ان بين
العنوانين طولية فلا يكون المرئي بهما شيئا واحدا بل المرئي في أحدهما غير الآخر
فان المرئى فيهما في عالم التصور ذاتان أحدهما معروض الامر والآخر معلول الامر
والاول بمرتبة سابقة والآخر بمرتبة لاحقة وان لم يكن في الخارج وفي عالم التصديق إلا
__________________
ذات واحدة وهى
بازاء العنوان الطاري وليست بازاء العنوان الاول والاحكام قد عرفت انها متعلقة بالعنوان
الاول الذي هو في عالم التصور فعليه لا مانع من الالتزام بقبح الفعل المتجرى به
بعنوان كونه تجريا وطغيانا مع بقاء الواقع على ما هو عليه من المحبوبية من دون
سراية احدهما الى الآخر كما هو كذلك في باب الانقياد المتسالم على حسنه حتى التزم
بعضهم بتصحيح العبادة لاجل
__________________
حسن الاحتياط مع
بقاء الواقع على ما هو عليه مع انه لو لا ما ذكرنا لزم اجتماع الحكمين في شيء واحد
وبما ذكرنا يندفع ما يقال بلزوم اجتماع المثلين في النذر ونحوه أو الالتزام
بالتأكد فان ذلك يتأتى لو لم يكن بين العنوانين طولية ومع تحقق الطولية لا يجتمع
المثلان وكيف يتحقق التأكد مع ما بينهما من الطولية إذ لازمه الاتحاد وقد عرفت انه
يستحيل ان يتحد العنوانان فكيف يقال بالتأكد كما هو واضح وتظهر الثمرة بين ما
اختاره الاستاذ (قده) وبين ما اخترناه في صلاة المرأة المعتقدة بانها حائض فعلى ما
اخترناه من سراية المبغوضية الى الفعل الخارجي انها تبطل وعلى ما اختاره الاستاذ
من عدم السراية تصح صلاتها لعدم سراية المبغوضية الى الفعل الخارجي هذا بناء على
الحرمة الذاتية واما لو قلنا بالحرمة التشريعية فعلى القولين تصح صلاتها إذا أتت
برجاء الواقع وبهذا يوجه كلام المشهور من بطلان صلاتها بناء على الحرمة الذاتية
وصحتها في بعض الموارد بناء على الحرمة التشريعية كما تظهر الثمرة بين القولين في
من صام مع خوف الضرر وانكشف عدم الضرر يبطل صومه بناء على المختار لسراية القبح
الى ما في الخارج ويصح على ما اختاره الاستاذ لعدم السراية واما الالتزام بان خوف
الضرر له موضوعية خلاف ظاهر الدليل وبما ذكرنا تظهر الثمرة بين ما اخترناه ومختار
الشيخ الانصارى (قدسسره) وتظهر الثمرة
__________________
ايضا فيما لو قصد
التقرب بعمل قد قامت الامارة على حرمته فانه على المختار من سراية القبح اليه فلا
يصلح للمقربية واما على مختار الشيخ بامكان التقرب به إذ أتى به برجاء الواقع لعدم
التنافى بين كشفه عن سوء السريرة وصلاحيته للمقربية كما انه يصح عمله وصلاحيته
للمقربية بناء على مختار الاستاد (قده) فلا تغفل.
الموافقة الالتزامية
المبحث السادس في
ان تنجز التكليف بالقطع هل يقتضى موافقته التزاما كما يقتضى موافقته عملا ام لا
يقتضى ذلك فلا يستحق العقوبة على مخالفتها وانما يستحق العقوبة على خصوص المخالفة
العملية؟ قولان الحق هو الثاني وفاقا للاستاذ (قده) في الكفاية ما هذا لفظه. (الحق
هو الثانى لشهادة الوجدان الحاكم في باب الاطاعة والعصيان بذلك واستقلال العقل
بعدم استحقاق العبد الممتثل لامر سيده إلا المثوبة دون العقوبة وان لم يكن مسلما
ومعتقدا له) مضافا الى انك قد عرفت منا سابقا ان ملاك استحقاق العقوبة هو اظهار
التمرد على المولى وهتكه وتجريه عليه وذلك لا ينطبق على من اتى بالعمل مع عدم
التزامه قلبا على انه لو كان الالتزام القلبي معتبرا لزم تعدد العقوبة مع المخالفة
العملية مع انه لا يلتزم به أحد.
ودعوى ان ذلك
ينبغي القول بجواز التشريع المجمع على بطلانه ممنوعة إذ فرق بين عدم الالتزام
بالحكم الواقعي وبين الالتزام بخلاف الحكم الواقعي والتشريع المجمع على بطلانه هو
الثاني دون الاول إذ يمكن دعوى عدم وجوب
الالتزام بالحكم
الواقعي مع عدم جواز الالتزام بخلافه فلا يقع الخلط بين المقامين. نعم ربما يقال
بانه مناف لوجوب الالتزام بما جاء به النبي (ص) بتقريب ان عدم وجوب الالتزام
بالحكم الواقعى هو عبارة عن عدم الالتزام بما جاء به النبي (ص) ومن الواضح انه يجب
الالتزام بجميع ما جاء به النبي (ص) وإلا فهو خارج عن ربقة المسلمين. اللهم إلا ان
يقال ان وجوب الالتزام بما جاء به النبى (ص) انما هو في العناوين الاجمالية لا انه
بحسب عناوينها التفصيلية.
بيان ذلك انا يجب
علينا الالتزام بالواجبات والمحرمات بعنوان ما جاء به النبي (ص) الذى هو عنوان
اجمالى لا انه يجب علينا الالتزام بالواجبات والمحرمات حتى بعناوينها التفصيلية إذ
من الجائز ان نكلف بالالتزام بالاول دون الثانى فالحق ان الموافقة الالتزامية غير
واجبة سواء كان التكليف وجوبيا أو تحريميا توصليا أو تعبديا نعم ربما يشكل في
التعبدي حيث انه معتبر فيه الوجه بناء على اعتباره فانه لو لم تحصل الموافقة الالتزامية
لم تتحقق نية الوجه فلا تتحقق العبادة ولكن لا يخفى انه خلط بين نية الوجه وبين
الموافقة الالتزامية وجعلها شيئا واحدا مع انهما متغايران ، فان نية الوجه عبارة
عن ان العبد يأتي بالفعل بداعي خصوص وجوبه لو كان واجبا لا بداعي مطلق الامر
المشترك بين الوجوب والندب والموافقة الالتزامية هو الالتزام والتدين بالوجوب الذي
تعلق بعنوانه التفصيلي وهما متغايران فيمكن الاتيان بالاول وترك الثاني فلا يقع
الخلط بينهما.
فتحصل من ذلك عدم
وجوب الموافقة الالتزامية. نعم يمكن ان يقال بانها لها الدخل في وجوب شكر المنعم
لما نجد بالوجدان فرقا بين من يعمل
ملتزما ومتدينا به
من اتى به من دون الالتزام فانه لا اشكال في ان الاول يعد مطيعا وهو اطوع من
الثانى ولكن هذا التفاوت بينهما لا يجعل المورد من كفران النعمة مضافا الى ان
المقدار المسلم وجوبه من شكر المنعم هو الالتزام الاجمالي ، واما الالتزام
التفصيلي فلم يقم عليه دليل ثم نه قد توهم ان القول بوجوب الموافقة الالتزامية في
الاحكام الفرعية كما تجب الموافقة العملية فيها تكون نظير اصول الدين حيث ان
المطلوب في كل منهما الالتزام وعقد القلب ولكن يفترق حيث ان اصول الدين يكون فيها
امتثال واحد من حيث انه عمل جانحي والاحكام الفرعية يكون فيها امتثالان احدهما
الموافقة الجانحي الذى هو التزام وثانيها الخارجى الذى هو العمل ولكن لا يخفى ان
وجوب الالتزام يحصل بعد حصول الحكم المتعلق أما بامر جانحي او خارجي فهو امر وراء
الحكم المتعلق باحدهما فحينئذ بعد ثبوت وجوب الاعتقاد وعقد القلب يقع النزاع بانه
هل يجب الالتزام والتدين بمثل هذا الوجوب من جهة الموافقة الالتزامية أم لا يجب؟
وبالجملة لا
اختصاص بهذا النزاع بالاحكام المتعلقة بافعال الجوارح بل يعم الاحكام المتعلقة
بافعال الجوارح كوجوب الصلاة والحج ونحوهما ، واحكام الجوانح كوجوب الاعتقاد
بالمبدإ والمعاد وعقد القلب برسالة الانبياء ونحو ذلك واضعف من هذا التوهم ان
الالتزام والتدين هو العلم واليقين الحاصل من الجزم والاعتقاد فانه توهم فاسد اذ
الالتزام في قبال الجحود والعلم يقابل بالشك ويؤيد ذلك قوله تعالى (جَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها
أَنْفُسُهُمْ). هذا كله في التكليف المعلوم بالتفصيل فقد عرفت انه لا
دليل على وجوب الالتزام به.
واما إذا كان
التكليف مرددا فلا معنى للقول بوجوب الالتزام بشخصه
إذ هو غير معلوم
كما انه لا معنى لوجوب الالتزام به أو بضده إذ التكليف لو قلنا بوجوب التزامه لا
يقتضى إلا التزامه بشخصه ولا يقتضى الالتزام به أو بضده تخييرا إذ الالتزام بضده
ليس التزام به. نعم لو قلنا بوجوب الالتزام بالتكليف المعلوم لاقتضاء نفس التكليف
أو يستفاد من دليل الالتزام بما جاء به النبي (ص) وجوب الالتزام بشخصه لاقتضى في
المقام هو الوجوب الالتزام الرجائي وهو الالتزام بالوجوب ان كان واجبا والحرمة ان
كان حراما فلا مانع من الالتزام بوجوب الموافقة الرجائية لامكانها ولو قلنا بجريان
الاصول في اطراف العلم الاجمالى على ما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى ، إذ من
الجائز أن يبني المكلف على الحلية الظاهرية في كل منهما والالتزام بوجوبه ان كان
واجبا والحرمة ان كان حراما هذا فيما إذا لم يقم طريق يدل على تعيين احدهما وإلا
تعين الالتزام بما قام عليه الطريق.
بقى الكلام في
جريان الاصول فقد وقع الكلام في جريان الاصول التي لا يلزم من جريانها مخالفة عملية
قطعية قيل بعدم جريانها لحكم العقل بوجوب الالتزام بمحتمل التكليف إلا ان يقال
بانه يتم لو كان حكم العقل تنجيزيا. واما لو كان تعليقيا بان يكون حكمه بوجوب
الالتزام بمحتمل التكليف معلقا على عدم جعل من الشارع للحكم الظاهرى فحينئذ جريان
الاصول يكون رافعا لحكم العقل والتحقيق انه لا مانع من جريان الاصول إذ لا تمانع
بين الالتزام بمحتمل الواقع على انه حكم واقعي وبين جريانها والالتزام بمضمون
الاصل على انه حكم ظاهرى إذ التمانع ينشأ من تضاد الحكمين اى الالتزام بحكمين
متضادين في موضوع واحد ولكن ذلك في مقام تضاد انشاء الاحكام تشريعا وهو
لا يقتضى تضادها
في مقام الالتزام.
واما دعوى ان
العلم الاجمالى بالحكم الواقعى ينافى جريان الاصول فهو في غير محله إذ الاصول نثبت
حكما ظاهريا ولا تنافي بين ثبوتها وثبوت الحكم الواقعي على ما هو عليه إلا ان يقال
بانه يجب الالتزام بكل حكم بشخصه ولكن لا يخفى انه محل منع إذ الالتزام بشخص الحكم
الواقعى غير مقدور مع فرض وجود العلم الاجمالى واما الالتزام بالوجوب التخييري فهو
من التشريع المحرم بل لا معنى للالتزام بوجوب ما لا يعلم أو حرمة ما لا يعلم ،
ومنه يظهر انه لا مانع من جريان الاصول الحكمية او الموضوعية لو جرت في نفسها لعدم
مانعية العلم الاجمالى إذ هو لا يوجب الالتزام لعدم اقتضائه وجوب كل واحد منهما
بالخصوص فلا يجري الاصل بلا مانع.
فظهر مما ذكرنا
انه لا تنافي بين اجراء الاصل في اطراف العلم الاجمالى والالتزام بالحكم الواقعي
لما هو معلوم ان مفاد الاصل حكم ظاهري مجعول في في مقام العمل والواقع على واقعه
محفوظ ولا منافات بينهما لاختلاف المرتبة بينهما فافهم واغتنم.
العلم الاجمالى
المبحث السابع في
ان العلم الاجمالى كالعلم التفصيلي فالكلام يقع تارة في ثبوت التكليف واخرى في
اسقاط التكليف.
المقام الاول في
ثبوت التكليف.
فنقول لا اشكال في
ان العلم الاجمالي في الجملة منجز للتكليف وليس
حاله كالشك في عدم
كونه منجزا للتكليف بناء على ان التكليف لا يتنجز إلا بالعلم التفصيلي أو بما يقوم
مقامه فان ذلك خلاف ما يقتضيه العقل فان العقل حاكم على ان التكليف يتنجز بالعلم الاجمالى
كما يتنجز بالعلم التفصيلي لان التكليف يتنجز بالوصول الى المكلف وكما يصل اليه
بالعلم التفصيلي يصل اليه بالعلم الاجمالى. نعم وقع الكلام في ان تنجزه بنحو العلة
التامة مطلقا أو هو مقتض مطلقا او هو مقتض بالنسبة الى الموافقة وعلة بالنسبة الى
المخالفة؟ أقوال اختار الاستاذ في الكفاية انه مقتض لا علة تامة حيث قال ما لفظه :
(نعم كان العلم الاجمالى كالتفصيلي في مجرد الاقتضاء لا في العلة التامة فيوجب
تنجز التكليف أيضا لو لم يمنع عنه مانع عقلا) واستدل على ذلك بما حاصله انحفاظ
رتبة الحكم الظاهري في اطراف العلم الاجمالى فتجري الاصول في الاطراف لكون كل واحد
منها مشكوك الحكم وليس هناك أصل يجري في قبال المعلوم لكى يحصل بينها المناقضة.
ودعوى ان جريان
الاصول في جميع الأطراف يستلزم الترخيص فيها وذلك يناقض منجزية العلم الاجمالى في
واحد منها ممنوعة بان ذلك يكون من قبيل الحكم الظاهرى والواقعي وقد علم في محله
انه لا تنافى بينهما ولكن لا يخفى ان ما ذكر من انحفاظ مرتبة الحكم الظاهري في
العلم الاجمالى محل منع فان ذلك يحصل بعد الفراغ عن ان العلم الاجمالى بالنسبة إلى
متعلقه مقتض للتنجيز فينحفظ رتبة الحكم الظاهري وإلا لو كان بنحو العلية التامة في
التنجيز فلا يمكن انحفاظ مرتبة الحكم الظاهري لكي يكون مجال لجريان الأصل.
وبالجملة انحفاظ
المرتبة لا يستكشف منها الاقتضاء بل بعد الفراغ من
الاقتضاء تصل
النوبة الى مرتبة الحكم الظاهري على ان الاستاذ قد عدل عن ذلك في الحاشية بما
حاصله ان المضادة حاصلة من جريان الاصول في المقام لفعلية التكليف في مقام العلم
الاجمالي بخلاف مقام الجمع بين الحكم الظاهرى والواقعي فان الحكم الواقعي لم يكن
فعليا في مقام الاصول فلذا صح للمولى الاذن في الترخيص ، واما لو كان الحكم
الواقعي فعليا كما في المقام فلا يجوز العقل الاذن في الترخيص بل يستقل العقل مع
قطعه ببعث المولى أو زجره ولو اجمالا بلزوم موافقته واطاعته. وهذا الذي ذكره في
الحاشية من ان العلم الاجمالي علة تامة لثبوت التكليف هو الحق. وبيان ذلك ينبغي
التكلم في مقام التصور أولا وفي مقام التصديق ثانيا.
أما التصور فنقول
انا نتصور تارة صورة تفصيلية بحيث تكون مرآة للخصوصيات على سبيل التفصيل مثلا
نتصور زيدا بماله من الخصوصيات فتكون الصورة التي حصلت في ذهننا منطبقة على شخص
واحد بخصوصه لا ازيد ، واخرى تحصل في ذهننا صورة قابلة للانطباق على شخص أو شخصين
كما لو تصورنا عنوان أحدهما فعنوان أحدهما قابل للانطباق على زيد أو عمرو ويكون
هذا العنوان مرآة للخصوصيات والترديد انما هو في انطباق هذا العنوان على أحد
الخصوصيات إذ لا ترديد في الصورة الموجودة في الذهن فان الشيء ما لم يتشخص لم يوجد
ولو كان وجودا ذهنيا ، وذكرنا في مباحث الالفاظ ان من هذا الباب الوضع العام
والموضوع له خاص ، وثالثة يتصور صورة اجمالية إلا انه بنحو كونها مستقلة ولا
نتصورها بنحو المرآتية كالصورة السابقة. مثلا نتصور الحيوان بصورة اجمالية يلحظ
مستقلا لا مرآتا الى تلك الخصوصيات ، ومن هذا
الباب استصحاب
الكلي هذا كله في مقام التصور.
واما مقام التصديق
فاعلم ان الفرض الثانى هو كون الصورة الاجمالية ملحوظة بنحو الآلية فاذا انقلب
التصور وصار مرتبة عالية بان كان علما وجزما بان تعلق باحدى الخصوصيتين الذي هو
عنوان لها فلا اشكال في ان العلم انما تعلق بذلك العنوان الاجمالي ولا يسري الى
احدى الخصوصيتين لما نجد بالوجدان من كون الخصوصيتين مشكوكتين فلو سرى اليه العلم
لاجتمع العلم والشك في مورد واحد وهو محال بل قد عرفت من مطاوى ما ذكرنا من ان
العلم كالحكم فكما ان الحكم لا يتعلق بالخارج لان الخارج ظرف السقوط لا ظرف التعلق
بل يتعلق بالصورة التى ترى عين الخارج ومرآة وحاكية عنه فكذلك العلم إذ هو نظيره
في انه لا تعلق له بحقيقة الخارج بل بالخارج التنزيلي وهو الصورة التي ترى عين
الخارج. نعم فرق بين العلم والحكم ، ان الحكم يتعلق بالصورة المنطبقة على الخارج
والعلم يتعلق بالصورة القابلة للانطباق.
وكيف كان فهل تجب
الموافقة القطعية كما تحرم المخالفة القطعية أم لا؟ فنقول بعد تنجز العلم الاجمالي
فان قلنا بان المتنجز هو خصوص الحاكى وهو الصورة الاجمالية فتنحصر حكومة العقل
بحرمة المخالفة القطعية ، وان قلنا ان المنجز الحاكي والمحكي وهي الخصوصيات فتجب
الموافقة القطعية كما تحرم المخالفة القطعية.
اما على الاول
فلان المنجز هو الصورة الاجمالية التي هى الجامعة لهذين الامرين فحفظ هذه الصورة
الاجمالية انما هو باتيان أحدهما وليست مقتضية لاتيان كل واحد من الخصوصيتين إذ
ليس المنجز للخصوصيتين حتى يجب اتيانهما
معا حفظا للخصوصيتين
، وانما الواجب عدم فوات تلك الصورة الاجمالية والواجب حفظها ولا يجوز انعدامها
وحفظها يحصل باتيان احدهما ولا يحتاج الى اتيان كل واحد من الخصوصيتين وبعبارة
اخرى المطلوب حفظ تلك الصورة فالذي يوجب انعدامها يجب تركه لا انه يجب اتيان
الخصوصيات باجمعها إذ باتيان أحدها انحفظت الصورة ، وليس المطلوب إلا حفظ الصورة.
واما على الثاني
فلا بد من الموافقة القطعية لان مراعاة الخصوصيات لا يمكن إلا باتيان جميع اطراف
العلم الاجمالي فتجب الموافقة القطعية كما تحرم المخالفة القطعية ولا يرتفع وجوب
الموافقة القطعية بجريان الاصل النافى إذ لا موقع لجريانه ولو لم يكن من جهة
المعارضة إذ مع تنجز العلم الاجمالى والتنجز انما هو في الخصوصيات فكيف يعقل
جريانه إذ جريانه موجب للترخيص بالمعصية وهو لا يصدر من الشارع. ودعوى انه لم يكن
ترخيص في المعصية المحققة بل ترخيص في محتمل المعصية وهو لا يضر بجريان الاصل
ممنوعة إذ لا يعقل الترخيص في محتمل المعصية كما لا يعقل الترخيص في تحقق المعصية
هذا على القول بالعلية. واما ان قلنا بالاقتضاء فالبراءة العقلية تسقط إذ ذلك ليس
من قبيل قبح العقاب بلا بيان فان العلم الاجمالي صالح للبيانية لما فيه من الاقتضاء.
نعم البراءة الشرعية لا مانع من جريانها لكون موضوعها عدم العلم وهو موجود مع
العلم الاجمالى مع انه محل كلام سيأتى في محله إن شاء الله تعالى.
إذا عرفت ذلك
فاعلم انه وقع الكلام في ان العلم الاجمالي هل هو علة تامة لتنجز الحكم الواقعي أو
هو مقتض؟ الحق هو الاول لان التنجز من الاوصاف اللاحقة للواقعيات لا انه لاحق
للصور المعلومة فان الصور المعلومة
ليست حاكية عن
خصوص الجامع الحاكى بل الصورة المعلومة حاكية عن الخصوصيات المحكية بالصور
المعلومة فيكون المتنجز الواقع المحكي بالصورة فعلى هذا يكون كل واحد من الطرفين محتمل
المصادفة للواقع المنجز المحكي بالصورة فاذا احتمل انطباقها امتنع الترخيص لانه
يكون من الترخيص في محتمل المعصية وهو محال اذ يكون كالترخيص في تحقق المعصية.
ودعوى انه كالظن الذي ثبتت حجيته بدليل الانسداد في انه قد ترد الرخصة في العمل
لبعض الظنون كالظن القياسي ممنوعة ، فانه قياس مع الفارق فان الذي ثبت من دليل
الانسداد ليس مطلق الظن بل ثبت حجيته معلقة على عدم ورود نهي من الشارع فيكون حاله
حال العلم التفصيلي في انه تجب موافقته القطعية كما تحرم المخالفة القطعية
والاحتمالية.
ثم لا يخفى انه قد
اورد على منجزية العلم التفصيلي بان منجزيته للحكم ما دام العلم باقيا فاذا حصل
الشك في اتيان متعلقه ينبغي جريان البراءة مع ان الاصحاب يجرون الاشتغال ، مثلا لو
علم في أول الوقت وجوب صلاة الظهر ثم شك في اتيانها بعد ساعة فالاصحاب يجرون قاعدة
الاشتغال لأن الشغل اليقينى يستدعي الفراغ اليقينى ، فلو كان العلم التفصيلي
مقصورا منجزيته على وجوده لكان المورد من مجاري البراءة ولو ادعي بان العلم
التفصيلي منجز في حالتي العلم والشك في الخروج عن العهدة قلنا على هذا امتنع جريان
قاعدة الشك بعد الفراغ إذ لا يعقل ان مجرى القاعدة مع تنجز العلم للزوم الترخيص في
المعصية. والجواب عن ذلك بانا نختار الشق الثانى ، واما المحذور فنقول ان مفاد
الدليل الدال على الترخيص يختلف لسانه فتارة يكون مفاده نفي
الاشتغال كاصل
البراءة فلا يمكن جريان مثل هذا الأصل لحصول المضادة من جريانه اذ بعد ثبوت
الاشتغال كيف يمكن ثبوت نفي الاشتغال ، وان كان مفاده امضاء حكم العقل بالاشتغال
بان يكون مفاده انه خرج عن عهدة التكليف إذ بحكم العقل اشتغلت ذمته بالتكليف فلا
بد له من مخرج والمخرج اما ان يكون بالقطع بالاتيان بان يأتي بالواقع ، واما ان
يكون بمخرج جعلى بان يأتى بما هو بدله فليس هذا اللسان مضادا لحكم العقل بالاتيان
وانما هو مقرر لما حكم به القتل وقس على ما ذكرنا العلم الاجمالى فلا تجري الاصول
النافية له لحصول المضادة بينهما فان العلم الاجمالي المثبت للتكليف يضاد الاصول
النافية للتكليف وتجرى القواعد التي تفيد تقرير حكم العقل لعدم المضادة بين
جريانها وبين العلم الاجمالي ولذا قلنا في محله ان بجريان الدليل المثبت أصلا كان
أو غيره في اطراف العلم الاجمالي يوجب انحلال العلم الاجمالي وبه يفترق عن العلم
التفصيلي فانه بقيام الدليل لا يرتفع العلم التفصيلي إذ لا موقع له إلا في رتبة
التطبيق اي مرتبة الامتثال ومع تحققه لا يبقى مجال للشك للعلم باشتغال الذمة وشغل
الذمة اليقيني يستدعي الفراغ اليقينى اما بمفرغ حقيقي أو بمفرغ جعلي.
ومما ذكرنا يظهر
الاشكال على ما ذكره الاستاذ في الكفاية ما لفظه : (ضرورة ان احتمال ثبوت
المتناقضين كالقطع بثبوتهما في الاستحالة فلا يكون عدم القطع بذلك معهما موجبا
لجواز الاذن فى الاقتحام بل لو صح معهما الاذن في المخالفة الاحتمالية صح في
القطعية).
بيان ذلك ان
الترخيص في أحد الأطراف كالترخيص في الجميع إذ على تقدير كون مورد الترخيص هو
المعلوم بالاجمال فمعناه ترخيص للمعلوم بالاجمال
وذلك موجب للتناقض
واحتمال اجتماع المتناقضين كامتناع اجتماعهما علما لو كان الترخيص في جميع الاطراف
ولكن لا يخفى ان الاصول منها ما يكون نافية للاشتغال فجريانها موجب لحصول المضادة
للعلم الاجمالى فلا تجري حتى في أحد الاطراف إذ احتمال اجتماع المتضادين ممتنع
كالعلم وان كان الترخيص يكون من قبيل جعل البدل بمعنى ان الشارع قد اكتفى في مقام
الفراغ بأحد المحتملين بنحو يكون فراغا جعليا ويكون حاله حال العلم التفصيلي فيما
لو تصرف الشارع في مقام الفراغ كما هو كذلك بالنسبة الى قاعدتي التجاوز والفراغ
فان الشارع اكتفى باتيان ما هو ناقص واقعا فلا مانع من الاذن والاقتحام في اطراف
العلم الاجمالي إذ ليس ذلك تصرفا في حجية العلم واقتضائه لاشتغال الذمة بل انما هو
تصرف في مقام الفراغ بجعل المفرغ التعبدي فيكون إمضاء لمنجزية العلم ولذا قلنا بان
جريان مثل ذلك في أطراف العلم الاجمالي موجب لانحلاله.
وبالجملة ان
الموجب لكون العلم الاجمالي هو العلية للموافقة القطعية هي الموجبة لكونه علة
للمخالفة القطعية ولا وجه للتفكيك بينهما بانه علة للمخالفة القطعية ومقتض بالنسبة
الى الموافقة إلا تخيل ان متعلق التكليف الجامع الحاكي عن منشئه بلا سراية الى
الخصوصيات فيكون كل واحد من الخصوصيات متعلقا للشك وحينئذ يكون مجرى للاصول إلا أن
جريان الاصول في جميع الاطراف موجب للمخالفة القطعية لذا يقتصر على الاتيان ببعض
الاطراف وان ذلك هو مقتضى الجمع بين تنجيز الجامع وبين الترخيص في ارتكاب
الخصوصيتين فهو نظير الجامع الواقع في حيز الامر مع جواز ترك الخصوصيات التي يتشخص
بها
الجامع فلا يجوز
ترك جميع الخصوصيات حذرا من الوقوع في المخالفة القطعية للتكليف المتعلق بالجامع
وبما ان الجامع يحصل ببعض الخصوصيات يكفى الاتيان بواحد منها بلا حاجة الى الاتيان
بجميعها لما هو معلوم ان الاتيان ببعضها موجب لسقوط الامر المتعلق بالجامع لتحققه
فيه ولكنك عرفت ان ذلك توهم فاسد حيث ان العلم الاجمالى قد تعلق بصورة حاكية لتلك
الخصوصيات بنحو لو علم به تفصيلا بوجوب تلك الخصوصيات لكان عين ما تعلق به العلم
ولكون انطباقه عليه بتمامه لا يجزئه كما هو كذلك بالنسبة الى الجامع الذي تعلق به
الامر والسر في ذلك هو ان متعلق الاحكام الطبيعة بما انها ترى خارجية لا بوصف
تعيينها في الخارج إذ قبل ايجادها قد تعلق الطلب بالطبيعة باعتبار ايجادها ويكون
تعيينها بحسب ايجادها وبذلك يكون لها قابلية الانطباق على كل واحد من الافراد وليس
كذلك بالنسبة الى ما تعلق به العلم الاجمالى فانه قد تعلق بامر موجود في الخارج
ومتعين وعدم تعيينه بتردده في انطباقه على احدى الخصوصيتين وليس له قابلية
الانطباق على احدى الخصوصيتين إلا احتمالا ولذا قلنا بانه لو انكشف الغطاء يكون
المعلوم بالاجمال عين المعلوم بالتفصيل من دون فرق بينهما.
فظهر مما ذكرنا ان
العلم الاجمالى كما هو علة تامة للمخالفة القطعية فهو علة تامة لوجوب الموافقة
القطعية هذا كله فيما لو علم اجمالا بوجوب شىء أو حرمته ، واما لو دار بين كون شيء
اما واجبا أو حراما ، فان كان أحدهما المحتمل تعبديا امكنت المخالفة القطعية فيجب
رعايتها وان لم يمكن الموافقة القطعية كما لو اضطر الى احد الاطراف فلا اشكال في
عدم وجوب رعاية الموافقة القطعية
لعدم امكانها. نعم
تجب رعاية المخالفة القطعية باتيان احدهما وترك الآخر فحينئذ تجب رعاية العلم
الاجمالى وينتج من ذلك الوجوب التخييري كما سيأتي إن شاء الله تعالى.
واما اذا لم يكن
تعبديا بان كان توصليا فبالنسبة الى الدفعة الاولى المخالفة والموافقة متعذرتان اذ
في واقع الامر اما ان يكون متلبسا او تاركا ويكون التخيير هنا عقليا لا شرعيا فان
الشرعي على ما تقدم منا سابقا في مباحث الالفاظ هو المنع عن بعض انحاء تروكه وهو
لا يكون إلا وان يتصور ان للشىء تركين حتى يكون باحدهما مرخصا بانعدامه والآخر
ممنوع منه ، واما في الدفعة الثانية فان ترك في الواقعة الاولى وترك في الواقعة
الثانية فهل له ذلك أم لا؟ قيل له ذلك مراعاة لجانب الموافقة القطعية ، وقيل ليس
له ذلك مراعاة لجانب المخالفة القطعية بناء على ان العلم الاجمالى بالنسبة الى
المخالفة علة تامة وبالنسبة الى الموافقة مقتض موقوف على عدم المنع من الشارع ،
ولكن لا يخفى انه لا ربط له بتنجز العلم الاجمالى وباقتضائه.
بيان ذلك ان
القدرة انما هي شرط للتكاليف الواقعية فمع عدم تحقق القدرة لا تكليف بحسب الواقع
فلو رجحت الموافقة القطعية فلا بد من رفع اليد عن حرمة المخالفة القطعية واذا رفع
اليد عنها كان ذلك بحسب المعنى رفع اليد عن التكليف الواقعي ولو رجحت حرمة
المخالفة بمعنى انه لو اختار أحدهما تلزم المداومة عليه بحسب الوقائع الأخر حذرا
من المخالفة القطعية فلو كان التكليف على خلاف ما اختاره فلا بد من سقوط التكليف
عما اختاره بحسب الواقع اذ لو بقى التكليف لزم التكليف بما لا يطاق واما لو توافق
ما اختاره مع التكليف الواقعى يبقى
الواقع على فعليته
وبه يفترق عن الاول فان الاول نقطع بسقوط التكليف الواقعي بخلاف الثاني فانه مشكوك
السقوط يحتمل بقاؤه وعدمه. وبالجملة مع عدم القدرة لا بد من رفع اليد من التكليف
الواقعي إذ هي شرط تحققه وانتفاء الشرط يوجب انتفاء المشروط وهذا الذي ذكرناه غير
مرتبط بمسألة العلية والاقتضاء لأن البحث من هذه الجهة بحث عن وجه المنجزية بعد
الفراغ عن وجود التكليف بحسب الواقع ولم تكن العلية شرطا لتحقق التكليف أصلا وانما
يتأتى هذا البحث فيما احتمل الترخيص بمناط عدم البيان ولذا تراهم يستدلون باخبار
الحل على الترخيص. ومن ذلك يظهر قوة احتمال الاول.
ثم انه يحتمل
ترجيح الموافقة القطعية المستلزمة لجواز المخالفة القطعية ولازم ذلك لزوم التخالف
بين الواقعتين مثلا في الدفعة الاولى يأتى بالفعل وفي الدفعة الثانية يترك أو
بالعكس بتقريب ان العلم الاجمالى بالتكليف يوجب فعلية التكليف فمع دورانه بين
محذورين ترتفع الفعلية في الجملة اما بناء على وجوب الموافقة ترتفع فعلية التكليف
مطلقا أي على كل تقدير واما بناء على حرمة المخالفة فترتفع الفعلية في صورة
المخالفة المأتي به للواقع واما في صورة توافق المأتي به للواقع لا مانع من
الالتزام بفعلية التكليف ، فعلى الاول نقطع بان دليل فعلية التكليف الواقعي قد
يقيد اطلاقه لانه مما قامت عليه الحجة فلا تجري اصالة الظهور في احراز الاطلاق إذ
الاصل انما يجرى في صورة الشك ومع قيام الحجة يرتفع الشك فلا يبقى مجال لجريان
الاصل ، وعلى الثاني تكون الفعلية على تقدير دون تقدير فحينئذ يحصل الشك في
الفعلية فيكون مورد الجريان اصالة الظهور لتحقق موضوعها وهو السك فيتمسك بالاطلاق
في هذه الصورة
دون الاولى فيدور
الامر بين الالتزام بالتخصص أو التخصيص بلا مخصص ومن الواضح ان الاول هو المقدم ،
اللهم إلا أن يقال بانه يلزم من تقديم الموافقة القطعية المستلزمة لجواز المخالفة
القطعية المحال وهو انه يلزم من وجوده عدمه لان معنى تقديم الموافقة القطعية لازمه
كون التكليف بالواقع فعليا وان جوزنا المخالفة القطعية لا بد من رفع اليد عن فعلية
التكليف فالجمع بينهما محال فلزم من البناء على فعلية التكليف عدم فعليته وذلك
يلزم من وجوده عدمه وهو باطل ولكن لا يخفى ان الفعلية ليست مرتفعة على كل تقدير بل
في خصوص ما يخالف الواقع والمأتي به وجوبيا كان التكليف ام تحريميا ، واما في صورة
توافق المأتي به للواقع يكون الواقع على فعليته مثلا لو كان الواقع الوجوب وأتى
بالفعل في الدفعة الاولى وترك في الدفعة الثانية فانما ترتفع فعلية التكليف بالنظر
الى الواقعة الثانية ، فعلى هذا لا يلزم من فعلية التكليف عدمها لان الخطاب قد
تعدد بحسب الوقائع التي كانت محلا للابتلاء وجواز المخالفة انما هي فيما لم يتفق
المأتي به مع الواقع هذا غاية ما يمكن الالتزام بترجيح الموافقة القطعية المستلزمة
لجواز المخالفة القطعية وينتج من ذلك انه يأتي بالفعل بالواقعة الاولى ويترك في
الثانية أو بالعكس بناء على ترجيح التخصص على التخصيص من دون مخصص ولكن لا يخفى ان
ذلك مبني على ان الاصول اللفظية كالاطلاق ، بل وكذا الاصول العملية تجري في
العناوين الاجمالية كما تجري في العناوين التفصيلية لكي يتم الاستدلال بانا لو
قدمنا الموافقة القطعية المستلزمة لجواز المخالفة القطعية فحينئذ لا تجري اصالة
الاطلاق لعدم جواز التعبد به للقطع بانتفاء الفعلية فمع تحقق القطع لا مجال لجريان
الاصل لانتفاء موضوعه فلا تجري اصالة التعبد باطلاق
فعليته فيكون
تخصصا في دليل الاطلاق بخلاف ما لو عكسنا وقدمنا جانب المخالفة القطعية فان الواقع
يكون فعليا في صورة ما لو توافق الواقع مع المأتي به وليس بفعلي في صورة التخالف
فتجري قاعدة الاطلاق لتحقق موضوعه وهو الشك في الفعلية فرفع اليد عن الاطلاق في
هذا الفرض يحتاج الى دليل وبدونه يكون تخصيصا بلا مخصص وتقييدا بلا مقيد كما في ما
نحن فيه ، واما بناء على عدم جريان الاصول في العناوين التفصيلية وتجري في خصوص
العناوين الاجمالية كما هو طريقة بعض المحققين تكون كل واقعة يبتلى بها المكلف
فيحتمل فعلية التكليف وعدمه فيتحقق موضوع الاصل وهو الشك في فعلية التكليف وعليه
لا فرق بين تقديم وجوب الموافقة القطعية أو حرمة المخالفة القطعية فدعوى التفرقة
في غير محلها إذ عليه يكون في كل منهما تخصيصه يحتاج الى دليل فاذا كان في الطرفين
هذان الاحتمالان فيتعارضان فيتساقطان فيثبت التخيير الاستمراري هذا كله في اثبات
التكليف.
المقام الثانى في
اسقاط التكليف اى الخروج عن عهدة التكليف فهل يجوز الاكتفاء بالامتثال الاجمالى مع
التمكن من الامتثال التفصيلي أولا؟
فنقول اما في
التوصليات فلا اشكال في جواز الاكتفاء بالامتثال الاجمالى مع التمكن من الامتثال
التفصيلي لسقوط الامر بالاتيان بها باى نحو حصل لعدم اعتبار قصد الطاعة في
التوصليات وكذا لا اشكال في الاكتفاء بالامتثال الاجمالى في العبادات مع عدم
التمكن من الامتثال التفصيلى لسقوط قصد الطاعة في حال التعذر من غير فرق فيما
يستلزم التكرار وعدمه ، وانما الاشكال في العبادات خصوصا اذا استلزم التكرار مع
التمكن من الامتثال التفصيلي ولو
كان ظنا معتبرا
فهل يكتفى بالامتثال الاجمالى ام لا بد من الامتثال التفصيلي؟ قولان قيل بالثاني
لعدم الاكتفاء بالامتثال الاجمالى لا خلاله بما يحتمل الاعتبار كنية الوجه
والتمييز ، ولا دليل على نفى اعتبارهما ، أما الاطلاق فلا يمكن التمسك به لنفى
الاعتبار إذ لا يمكن أخذ نية الوجه في المتعلق لعدم امكان اخذ ما لا يتأتى إلا من
قبل الطلب في المتعلق ، ومع عدم امكان أخذها فيه كيف يتمسك باطلاقه لنفي اعتباره
ولو كان الاطلاق في مقام البيان ، والى ذلك اشار الشيخ الانصاري (قدسسره) بقوله : (وليس هذا تقييدا في دليل تلك العبادة حتى يرفع
باطلاقه) واما البراءة فجريانها لنفي اعتباره محل منع إذ جريانها مشروط بما امكن
وضعه وقد عرفت ان مثل نية الوجه لا يمكن وضعها فلا يمكن رفعها فمع الشك في اعتبار
مثل ذلك فالمرجع قاعدة الاشتغال لرجوع الشك الى الشك في الخروج عن العهدة وشغل
الذمة اليقيني يستدعي الفراغ اليقينى.
ولو قلنا بجريان
البراءة في الاقل والاكثر الارتباطيين لما عرفت من ان المقام من الشك في الطاعة
والعقل يستقل باتيان كلما له الدخل في الغرض والى ذلك أشار الشيخ الانصاري (قده)
بقوله : (الاصل عدم سقوط الغرض إلا باتيان كل ما شك في الاعتبار) ولكن لا يخفى انه
وان لم يمكن التمسك بالاطلاق اللفظي فيمكن التمسك بالاطلاق المقامي لنفى اعتبار ما
شك في اعتباره.
وحاصله ان المولى
إذا كان في مقام بيان ما له الدخل في الغرض وسكت عما شك في اعتباره فقد دل على عدم
اعتباره على انا ذكرنا سابقا في مبحث التعبدي والتوصلي انه يمكن التمسك باطلاق
الخطاب لنفى ما شك في الاعتبار بتقريب ان الانشاء الواحد كما يمكن ان ينحل الى
إنشاءات متعددة في عرض واحد
يمكن ان ينحل الى
انشاءات متعددة طولية بعضها محقق للآخر بان ينحل الى طلبين أحدهما متعلق بذات
الفعل والآخر متعلق بالفعل مع الدعوة فحينئذ يمكن التمسك باطلاق الخطاب لنفى ما شك
في اعتباره وكون عدم قابلية مثل تلك القيود اعتبارها في المتعلق لا ينافى امكان
اخذها في الارادة التى سعتها وضيقها تابعة للمصلحة القائمة بالمتعلق ، وبعبارة
اخرى ان المتعلق وان لم يمكن اعتبار هذه الامور فيه حتى يؤخذ باطلاقه إلا انه من
ناحية الارادة التابعة للمصلحة القائمة في المتعلق قابل للاطلاق والتقييد فيمكن
التمسك باطلاق الخطاب لنفي اعتبار تلك الامور في المصلحة إذ لو كان له الدخل في
المصلحة لزم اعتباره في الارادة فيلزم على المولى بيانه باخذه في حيز الخطاب فمن
عدم أخذه في حيز الخطاب دل على عدم اعتباره وببيان آخر انه وان لم يمكن أخذ مثل
دعوة الامر في المتعلق إلا انه مأخوذة بنحو نتيجة التقييد لان اعتبارها في الغرض
يوجب ان يكون المتعلق حصة غير مطلقة ولا مقيدة بل توأم مع القيد لكون سعتها وضيقها
يتبع الغرض فمع الشك في اعتبار مثل تلك القيود في الغرض يوجب الشك في سعة المتعلق
وضيقه فيمكن لنا التمسك باطلاق الخطاب لعدم اعتباره في الغرض وتكون الحصة حينئذ
لها سعة بنحو يشمل حال فقد تلك الامور هذا لو احرز ان المولى في مقام البيان ،
واما لو شك في كونه في مقام البيان فلا يمكن التمسك بالاطلاق بجميع اقسامه فيرجع
الامر الى الاصول الجارية في المقام ، فقيل يرجع الى البراءة ان كانت القيود يمكن
أخذها في المتعلق لتحقق شرط جريان البراءة وهو ان تكون قابلة للوضع تكون قابلة
للرفع فيكون المورد حينئذ من باب الاقل والاكثر الارتباطيين بتقريب ان الامر ينبسط
على اجزاء
المتعلق ومع الشك
في تعلق الأمر بالجزء المشكوك يكون من الشك في التكليف وهو مجرى للبراءة ، واما
إذا لم يكن أخذ تلك القيود في المتعلق وانها داخلة في الغرض فالشك في اعتبار شيء
في الغرض يكون من قبيل الشك في المسقط والخروج عن عهدة التكليف فيكون من الشك في
المكلف به ، ومن الواضح انه من موارد قاعدة الاشتغال ولكن لا يخفى انه بناء على ما
هو المختار من امكان أخذها بنحو نتيجة التقييد بان يكون لها الدخل في الغرض وهو
يوجب ضيقا في المتعلق بنحو يكون المتعلق حصة توأما مع القيد لا مطلقة ولا مقيدة
وحينئذ تكون في العهدة نفس تلك الحصة التي هي توأم مع القيد فمع الشك في اعتبار ما
له الدخل في الغرض فيشك في كون الذى صار في العهدة هل هو نفس الذات فقط أو الذات
التى هي توأم مع القيد فيستقل العقل باتيان ما تم فيه البيان وهو نفس الذات عارية
عن القيد واما وجوب اتيان شيء زائد فاصالة البراءة تنفيه فيكون المقام من دوران
الامر بين الأقل والأكثر الارتباطيين لا من باب التعيين والتخيير حتى يقال بان العقل
مستقل بجريان الاشتغال الحاكم بوجوب الاتيان بالتعيين. هذا وبعض الاعاظم (قدسسره) ادعى عدم كفاية الامتثال الاجمالي مع التمكن من الامتثال
التفصيلي بتقريب ان للطاعة مراتب أربعة طولية الامتثال التفصيلي والامتثال
الاجمالى والامتثال الظني والامتثال الاحتمالى ولا تصل النوبة الى الامتثال
الاحتمالى الا بعد تعذر الامتثال الظنى وكذا الظني لا تصل النوبة اليه إلا بعد
تعذر الاجمالي ، وكذا الاجمالى لا تصل النوبة إلا بعد تعذر التفصيلي ، وعليه بنى
بطلان عبادة تاركي طريقى الاجتهاد والتقليد واستدل على ذلك بان حقيقة الاطاعة هو
انبعاث العبد نحو بعث المولى
بحيث يكون الباعث
والمحرك للاتيان بالعمل هو نفس أمر المولى وفي الاجمالى لا يتحقق إذ الباعث
للاتيان بكل واحد من الطرفين ليس إلّا احتمال تعلق الأمر وهو وان كان ذلك نحو من
الاطاعة إلا انه متأخر بحسب الرتبة عن الامتثال التفصيلي.
وبالجملة العقل
يستقل في مقام الاطاعة انه مع التمكن من العلم التفصيلي انه يقدم على الامتثال
الاحتمالى لعدم الانبعاث عن امر المولى حينئذ بل ينبعث عن احتمال الامر ومع حصول
الشك في تحقق الاطاعة فالمرجع الى قاعدة الاشتغال ثم قال (قده) ان هذا الذى ذكر
فيما إذا تردد بين متباينين بنحو يكون الاحتياط مستلزما للتكرار واما اذا لم
يستلزم التكرار بان تردد بين الاقل والاكثر كالشك في وجوب السورة أو جلسة
الاستراحة فان الأقوى عدم وجوب ازالة الشبهة بالامتثال التفصيلي فانه يكفى في
ازالتها بالامتثال الاجمالى مع التمكن منها بالعلم او الاجتهاد لامكان قصد
التفصيلي بامتثال الأمر المتعلق بالصلاة مثلا وان لم يعلم بوجوب الجزء المشكوك
ولكن لا يخفى انه لا دليل على ما ذكره من طولية المراتب على ان الانبعاث والمحركية
في الامتثال الاجمالى ليس هو الاحتمال وانما المحرك فيه هو نفس الأمر .
__________________
وبالجملة الامر
الجزمي في الاجمالى هو المحرك والاحتمال مقدمة لتطبيق ما يدعوه جزما على مورده لا
انه يدعو الى الاتيان فعليه يكون المقام من قبيل دوران الامر بين الاقل والاكثر لا
من قبيل التعيين والتخيير لكى يقال بوجوب التعيين على ان المتعلق بالكل هو المتعلق
بنفس الاجزاء فالمحرك لكل جزء هو الامر الضمنى فعليه بالنسبة الى الجزء المشكوك
يكون احتمال الامر النفسي لا نفس الأمر. وبالجملة لا فرق بين ما استلزم التكرار
وعدمه فما ذكر من التفصيل محل منع وليس في البين غير احتمال اعتبار نية الوجه في
الامتثال وقد عرفت انها غير معتبرة للاطلاق المقامي بل واطلاق الخطاب ومع الشك
فالمرجع البراءة.
فانقدح مما ذكرنا
علية العلم الاجمالى لتنجز التكليف بالنسبة الى الموافقة القطعية كما هو علة
بالنسبة الى المخالفة القطعية بنحو لا تجري الاصول في اطرافه ولو كانت غير معارضة
إلا بنحو جعل البدل فتكون جارية في مقام الفراغ كما تجري في مقام الفراغ من
التكليف المنجز بالعلم التفصيلي إذ للشارع التصرف في مقام الفراغ بان يجعل مفرغا
تعبديا شرعيا كما هو قضية قاعدتي التجاوز والفراغ ، فعليه يجب الاتيان بجميع أطراف
العلم الاجمالى لتنجز التكليف به من غير فرق
__________________
بين أن يكون
المعلوم بالاجمال عنوانا معينا كالعلم الاجمالى المتعلق بنجاسة أحد الإناءين أو
بين عنوانين مختلفي الحقيقة كالعلم الاجمالى المتعلق بنجاسة هذا الاناء أو غصبيته
لوجود مناط حكم العقل بالتنجز في الصورتين ، فان ملاكه هو العلم بالالتزام المولوى
بلا دخل للخصوصية فاذا لم يكن في كشفه عن الالتزام المولوي قصور فيتحقق موضوع حكمه
بالاشتغال.
ودعوى ان حرمة
التصرف في الغصب منوطة بالعلم لا من لوازم الغصب الواقعي فلا يحدث حينئذ التكليف
الفعلي على كل تقدير لفرض ان التكليف بحرمة التصرف الغصبي معلق على العلم بالغصبية
وحيث لا علم فلا حرمة بالتصرف الغصبي ، واما النجاسة فانها وان كانت شرطا واقعيا
إلا انه من الشك البدوى الذي هو مجرى البراءة ممنوعة بمنع تعليق حرمة الغصب على
العلم بل الغصبية من الشرائط الواقعية كالنجاسة ولا ينافى كون المكلف تصح صلاته مع الجهل
__________________
بالغصبية إذ ذلك
معذور في حال الجهل لاشتمال الماتى به على المصلحة لعدم تأثير
__________________
المفسدة الغالبة
بناء على الامتناع وتغليب جانب المفسدة لأجل معذورية الجاهل وكيف كان فيجب ملاحظة
العلم الاجمالى بعد ان عرفت انه علة في مقام
__________________
التنجيز في
الموافقة القطعية والمخالفة القطعية ما لم يستلزم مخالفة للعلم التفصيلي فلا يجب
العمل به في مورد المخالفة لما هو معلوم انه يستحيل المنع عن العمل بالقطع وما
توهم من ان ظاهر المنع فلا بد من حمله على ما لا ينافى وجوب العمل على مقتضاه
كالفروع التي ذكرها الشيخ الانصاري (قدسسره) التي منها ما لو اودع شخص درهما وشخص آخر درهمين عند ثالث
فتلف أحدهما يعطى لصاحب الدرهمين درهم واحد والدرهم الآخر ينصف بينهما فلو انتقل النصفان الى ثالث بهبة ونحوه
__________________
واشترى بمجموعهما
جارية يعلم تفصيلا بعدم دخولها في ملكه لان بعض ثمنها ملك الغير قطعا فلا يجوز
وطئها والنظر اليها وقد ذكرت لذلك وجوه كالصلح
__________________
القهري أو التنصيف
إلا انها انما تصحح جواز انتقال كل من النصفين للشخص الثالث ما لم تستلزم مخالفة
للعلم التفصيلي اذ النص انما ورد على جواز التنصيف لا في جواز تصرف الشخص الثالث
في مجموعهما لكون ذلك مخالفة للعلم التفصيلى ولو ورد دليل يدل على جواز المخالفة
له لا بد من حمله وتأويله إذ لا يعقل المنع عن حجيته وكذا لو اختلف المتبايعان في
المثمن واتفقا على الثمن ووقوع البيع مثلا اتفقا على ثمن معين كعشرة دنانير
واختلفا في المثمن هل هو العبد أو الجارية؟ فانه يحكم بالانفساخ لو تحالفا مع عدم
البينة لاحدهما فيرد كل الى مالكه السابق فلو انتقل العبد والجارية الى شخص ثالث
فيعلم بعدم جواز التصرف باحدهما لكون احدهما ملكا للمشتري يقينا فان الحكم
بالانفساخ لو قلنا بانه يصحح النقل لثالث ما لم يستلزم مخالفة للعلم فلا يجوز
للثالث التصرف إذ عدم جواز مخالفة العلم ولو اجمالا ضرورى.
ومنها ما لو تردد
بين مكلفين كواجدى المني في الثوب المشترك فانا
__________________
نمنع ما اذا كان
أحدهما موردا لتكليف الآخر من غير فرق بين ان يحصل له العلم التفصيلي بتوجه خطاب
له كاقتداء أحدهما بالآخر في الصلاة للقطع حينئذ ببطلان صلاته اما لأجل صلاة نفسه
لكونه جنبا واقعا أو لأجل صلاة امامه إلا أن نقول بان صحة صلاة الامام ظاهرا توجب
صحة صلاة المأموم واقعا او يحصل له العلم بتوجه احدى الخطابين كحمل أحدهما للآخر
ودخوله المسجد فانه يعلم بتوجه أحد التكليفين من حرمة الدخول أو الادخال ، واما
إذا لم يكن أحدهما موردا للآخر فيجب عمل كل على تكليف نفسه حسب مقتضى جريان الاصل
في حقه. واما الكلام في الخنثى فالظاهر انه يجب عليها الاحتياط لانها
تعلم بتوجه خطاب
اما خطاب الرجال أو خطاب النساء
هذا تمام الكلام
في المقصد الاول في القطع والحمد لله
اولا وآخرا وظاهرا
وباطنا.
المقصد الثانى في الظن
وفيه مباحث
الاول في امكان
التعبد به فنقول : المراد من الامكان هو الامكان الوقوعي أي ما لا يلزم من التعبد
به محال في قبال الاستحالة الوقوعية اى ما يلزم
__________________
من التعبد به
استحالة وقوعية كلزوم اجتماع الضدين وليس المراد من الامكان هو الاحتمال كما هو
المراد من قول الشيخ الرئيس كلما قرع سمعك فذره في بقعة الامكان ما لم يذك قائم
البرهان) لما هو معلوم ان الاحتمال أمر محقق تكويني
__________________
غير قابل للنزاع
كما انه ليس المراد من الامكان الذاتي في قبال الاستحالة الذاتية اذ التعبد بالظن
ليس مما يحكم العقل باستحالته بمجرد تصوره كما في تصور اجتماع النقيضين أو الضدين
كما أنه ليس المراد من الامكان التشريعي ويقابله الامتناع في عالم التشريع كما
ادعاه بعض الاعاظم بتقريب أن التعبد بالامارة يوجب تفويت المصلحة والالقاء في
المفسدة أو وجوب ما هو حرام أو حرمة ما هو واجب ، فإن هذه المحاذير راجعة إلى عالم
التشريع وليست راجعه الى عالم التكوين لكى يكون المراد من الامكان التكوينى ففيه
ان هذه المحاذير وان كانت راجعة الى عالم التشريع إلا انه لا تخرج الامكان
والاستحالة من التكوين على أن محذور اجتماع الضدين او صدور القبيح من الحكيم كمثل
نقض الغرض راجعة إلى عالم التكوين فعليه لا يخرج الامكان والاستحالة في المقام عن
الامكان التكويني لمجرد كونه موضوعا لأمر تشريعي. وكيف كان فقد عرفت أن النزاع في
المقام هو في امكان وقوع التعبد بالظن الذي هو عبارة عما لا يلزم من وقوع التعبد
به محال ، ويقابله الامتناع الوقوعي الذي يكون بنفسه ليس محالا ولكن من وقوعه يستلزم
المحال كمثل اجتماع الضدين ، فإن وجود أحد الضدين في ظرف وجود الضد المقابل في
ذاته ليس محالا ولكنه يستلزم المحال فمرجع النزاع إلى ان وقوع التعبد بالظن يلزم
المحال مطلقا كاجتماع الضدين ، او بالنسبة إلى صدوره من الحكيم يكون محالا لكونه
يلزم من وقوع التعبد بالظن تحليل الحرام أو تحريم الحلال أم لا قيل بامتناعه
لوجهين :
الأول لو جاز
التعبد بخبر الواحد في الاخبار عن النبي (ص) لجاز التعبد به في الاخبار عن الله
تعالى والتالى باطل اجماعا.
الثانى أن التعبد
به موجب لتحريم الحلال وتحليل الحرام وقد اجاب الشيخ (قدسسره) عن الأول بأن الاجماع يدل على عدم الوقوع لا على الامتناع
مضافا الى ان عدم الجواز قياسا على الأخبار عن الله تعالى بعدم تسليم صحة الملازمة
انما هو فيما إذا بنى تأسيس الشريعة اصولا وفروعا على العمل بخبر الواحد لا مثل ما
نحن فيه مما ثبت أصل الدين وجميع فروعه بالادلة القطعية لكن عرض اختفاؤها في
الجملة من جهة العوارض واخفاء الظالمين للحق ، ولكن لا يخفى ما فيه ، إذ المانع من
العمل بخبر الواحد في اصول الدين وجود جهة مقبحة بنحو لا يصدر من الحكيم فحينئذ لا
يفرق بين ما بني عليه تأسيس أصل الشريعة وبينما ثبتت الشريعة بأصولها وفروعها إلا
أنه عرض عليها اخفاء بعض الظالمين ، فلذا الأولى في الجواب انه لا تلازم بينهما إذ
الفرق في ان الاخبار عن الله تعالى وعن نبوة النبي (ص) إنما يكون بتوسط الوحي
ونحوه وذلك لا يكون إلا ممن كان نبيا من الله سبحانه بخلاف الأخبار عن النبي (ص)
والأئمة (عليهمالسلام) في الحكم التكليفي ، فاتفاقهم على منع التعبد بخبر الواحد
في الاخبار عن الله تعالى ونبوة النبي (ص) لا يلازم منع العمل بخبر الواحد في
الاخبار عن النبي (ص) والأئمة (ع) في الأحكام لما عرفت من الفرق بينهما واستدل
المشهور على الامكان بانا نقطع بأنه لا يلزم من التعبد به محال واعترض على ذلك
الشيخ (قدسسره) بأن القطع بعدم لزوم المحال في الواقع موقوف على احاطة
العقل بجميع الجهات المحسنة والمقبحة وعلمه بانتفائها وهو غير حاصل فيما نحن فيه
ولكن لا يخفى فانه قد يحصل القطع للشخص باعتبار غفلته عن بعض الجهات المؤثرة في
الحسن والقبح فلا يرى إلا الجهة التي يذكرها
الخصم ، فحينئذ من
إبطال تلك الجهة يحصل له القطع بعدم المحالية ومن هنا لا مانع من ادعاء ان نفس
احتمال الامكان وعدم دليل يدل على الاستحالة يدل على كونه ممكنا وبذلك استدل الشيخ
الانصاري (قدسسره) على كون التعبد ممكنا ما هذا لفظه : (باننا لا نجد في
عقولنا بعد التأمل ما يوجب استحالته وهذا طريق يسلكه العقلاء في الحكم بالامكان).
وبيانه أن بناء
العقلاء جرى على كون الشيء ممكنا من جهة كونه محتملا ولا دليل يدل على استحالته ،
وهذا اصل عقلائي يجري في كل ما شك في امكانه وامتناعه ، وقد اعترض على ذلك الاستاذ
في الكفاية بعدم حصول الحكم الجزمي مع احتمال الامتناع ومنع تحقق سيرة العقلاء على
ترتيب آثار الامكان عند الشك فيه ومنع حجيتها لو سلم ثبوتها لعدم قيام دليل قطعي
على اعتبارها والظن بها لو كان. فالكلام الآن في امكان التعبد به وامتناعه ولكن لا
يخفى اما أولا فإن كلام الشيخ ليس في مقام حصول الحكم الجزمي بل حسبما عرفت ان نفس
احتمال الامكان وعدم دليل يدل على استحالته يدل على الامكان بمعنى انه يترتب عليه
آثار الامكان مع احتمال الاستحالة ، واما ثانيا فاشكال عدم تحقق السيرة أولا دليل
على اعتبارها فلا يرد إلا إذا كان مراد الشيخ تحقق السيرة على الامكان مطلقا ،
واما لو كان مراده ان العقلاء لا يعتنون باستحالته كما لو ورد دليل عام وشك انه
ناشئ عن مصلحة لكي يكون الحكم من الشارع الحكيم ممكنا أو أنه ليس فيه مصلحة لكي
يكون مستحيلا فمن الواضح انه يؤخذ بظهور الدليل في كونه ممكنا وينفى احتمال
الاستحالة ، وفي مقامنا لو خلينا وانفسنا لا تجد في عقولنا مما يوجب الحكم
باستحالته ، وعلى مثل هذا
جرت السيرة
العقلائية.
واما الوجه الثاني
من القول بالامتناع فقد اجاب الشيخ الانصاري (قده) عنه بما حاصله ان الخصم اما ان
يدعي الامتناع في صورة الانفتاح او في صورة الانسداد ، وعلى الثاني فأما أن يكون
عند قيام الامارة ذوي أحكام فلا محيص من ارجاعه إلى ما لا يفيد العلم من الاصول
والامارات الظنية إذ المفروض انسداد باب العلم وان لم يكن ذوي أحكام فلا يلزم منه
تحليل الحرام أو تحريم الحلال إذ لا حلال ولا حرام هناك فهي كالسالبة بانتفاء
الموضوع ، وعلى الأول فلا ضير في ان تكون قيام الامارة محدثا لمصلحة يتدارك بها
مصلحة الواقع ، ولكن لا يخفى انه على فرض تمامية مقدمات الانسداد فلا معنى للرجوع
إلى الأصول والامارات بل المرجع الى الظن بحكم العقل وان لم تتم مقدمات الانسداد
فالمرجع قبح العقاب بلا بيان التى هي البراءة العقلية فأين يلزم من التعبد بالظن
تحليل الحرام وتحريم الحلال.
وكيف كان فمحذور
تحريم الحلال وتحليل الحرام هو المنسوب الى ابن قبة وقد عبر عنه بعبارات مختلفة
مثل اجتماع المثلين فيما لو أصاب ، والضدين فيما لو أخطأ واجتماع الارادة والكراهة
والمصلحة والمفسدة ومثل تفويت المصلحة والالقاء في المفسدة ومثل نقض الغرض ولا
يخفى انه لا تتأتى هذه المحاذير على الطريقية في ظرف الانسداد إذ الطريقية ليست
إلا تنجيز الواقع عند الاصابة والعذرية عند الخطأ فلا يحصل من قيام الامارات انشاء
حكم لكي يلزم تحليل الحرام أو تحريم الحلال أو اجتماع المثلين أو الضدين كما ان
نقض الغرض وتفويت المصلحة يكون في فرض الانسداد أمرا قهريا بسبب جريان البراءة فلا
يستند
الى التعبد
بالامارة وهكذا لا يلزمان على الموضوعية لفواتهما بسبب البراءة. نعم يتوجه محذور
اجتماع المثلين أو الضدين على الموضوعية.
واما في صورة
الانفتاح والتمكن من العلم ولو بالسؤال عن المعصوم (ع) فعلى الموضوعية تتوجه جميع
تلك المحاذير ، واما على الطريقية فلا تتوجه إلا محذور تفويت المصلحة ونقض الغرض
وقد ادعى بعض الأعاظم (قده) عدم لزوم ذلك بتقريب ان المراد من انفتاح باب العلم هو
امكان وصول المكلف إلى الواقع ولو بالسؤال عن الامام لا فعلية الوصول فحينئذ يمكن أن تكون
__________________
الامارات الظنية
من حيث الاصابة والخطأ مثل اصابة العلم وخطأه فلا يلزم من التعبد بالامارة تفويت
المصلحة ولكن لا يخفى ما فيه فإن تفويت المصلحة في مورد العلم لو اخطأ امر قهرى
لعدم التفات القاطع لخطئه بخلاف التعبد بالامارة فان
__________________
احتمال الخطأ حاصل
فيكون التعبد بالامارة مع الخطأ تفويتا اختياريا وهو قبيح. وبالجملة فرق بين
التفويت في مورد العلم وبين التفويت في مورد الامارة.
وتنقيح المقام على
وجه ترتفع عنه غائلة الاشكال فنقول وبالله المستعان : ان التكاليف الواقعية انما
يجب امتثالها اذا ابرزت بصورة الخطاب ووصلت تلك الخطابات الى المكلفين وان لا يكون
هناك رادع للشهوة ، واللازم على الحكيم لما كان غرضه الاهتمام أن يصدر خطابا وان
يوصله اليهم وليس للشارع ان يردع من الشهوة لأنه يلزم منه الجبر ، فاللازم على
الحكيم ايجاد المقدمتين دون المقدمة الأخيرة ، وهذه المقدمات طوليات فان المقدمة
الأولى لم تكن لها فائدة إلا حفظ الوجود وسد العدم الناشئ من جهتها لا انها توجب
حفظ الوجود وسد العدم الناشئ من المقدمة الثانية إذ هى في طولها فلا يعقل شموله
لها فالخطاب لا يستدعي إلا حفظ الوجود من ناحيته سواء انضمت اليه مرتبة البلوغ أم
لا وعدم انضمام مرتبة البلوغ لا يضر في فعلية الخطاب وما هو مستدعي له من حفظ
الوجود.
وبالجملة ان ايجاد
الفعل له موانع وانعدامات فتارة تكون من عدم الخطاب واخرى من عدم التبليغ وثالثة
من وجود الشهوة فالخطاب الواقعى انما يوجد سد باب العدم الأول وليس له تعرض لسد
العدم الثانى سواء انضم اليه سد باب العدم الثاني أم لم ينضم فعدم الانضمام لا
يوجب نقصا في استعدادية الخطاب فان بلغ اهتمام المولى الى نحو ينبغي ايجاد الخطاب
وتبليغه فلا بد له من ايجادهما وإلّا اقتصر على مجرد الخطاب ويبقى المكلف جاهلا
فلو جاء ترخيص حينئذ لا يزاحم الخطاب الواقعى لان استعدادية الخطاب مع مجيء
الترخيص محفوظة وهو سد العدم الناشئ من ناحيته نعم لو بلغ مرتبة التكليف الواقعي
الى التبليغ وجاء ترخيص حصلت
المزاحمة بين التكليف
الواقعى والترخيص وبعبارة اخرى ان الخطاب الواقعي لو لم يصل الى مرتبة البلوغ لم
يكن الغرض منه إلا اخراجه من كتم العدم الى الوجود لمصلحة تقتضيه فلو جاء والحال
هذه ترخيص فانه لا ينافي ذلك الخطاب اذ الخطاب الواقعي لا يشمل مرتبة الترخيص
فكذلك الترخيص لا يشمل مرتبة الخطاب الواقعي فلا يتحقق بينهما المزاحمة اذ فائدة
الخطاب الواقعي محفوظة مع مجيء الترخيص اذ ربما يكون فيه مصلحة في انشائه مثل
الامتنان على العبد بانه مرخص فيه مع تحقق الخطاب الواقعي من غير فرق بين كون
الامارة على نحو الطريقية أو الموضوعية لما عرفت من اختلاف المرتبة بينهما بحيث
يكون الواقع محفوظا ولا يضر به قيام الامارة على الترخيص ولو كانت ذا مصلحة.
وبتقرير آخر ان
العناوين المنتزعة من مقام الوجود المعروضة للاحكام والمتصور في الذهن بنحو ترى
خارجية ، فتارة تكون في عرض واحد واخرى تكون بينها طولية ، وعلى الثاني فتارة تكون
الطولية بينها باعتبار عروض وصف على الذات واخرى تكون الطولية باعتبار طولية الذات
والفرق بينهما انه على الأول تكون الذات مجمعا للعنوانين ومصداقا لهما كالرقبة
المطلقة والرقبة المؤمنة فان بين العنوانين طولية مع انهما ينطبق الاول على ما انطبق
عليه الثانى فتكون الرقبة المؤمنة مصداقا لهما بخلافه على الثاني فان الذات لم تكن
محفوظة في المرتبتين فلا تكون الذات مصداقا للعنوانين كمثل الذات المعروضة للامر
والذات المعلولة لدعوته ومن هذا القبيل الحكم الواقعي مع الحكم الظاهري فان
الموضوع فيهما يختلف بحسب المرتبة بنحو لا يكون شىء واحد مجمعا لهما في عالم
العروض ومنشأ ذلك هو كون خطا بهما طوليين ومع فرض طولية الخطاب لا يكون كل واحد
منهما متعرضا لحال
الآخر فان الخطاب الواقعي ناشئ من مقدمات من قبل المولى كخطابه الموجب لدعوة
المأمور به ولا يكون متعرضا للخطاب الذى تحقق في ظرف جهل المكلف فيما اذا لم يتعلق
غرض المولى بحفظ وجود الخطاب الواقعي في جميع المراتب بل غرضه حفظ الوجود من قبل
خطابه الاول ، وحينئذ لا يتوجه الخطاب الى حفظ الوجود في المرتبة المتأخرة التي هي
عدم علم المكلف فللمولى السكوت ويدع المكلف على جهله فيرجع الى عقله ويجرى البراءة
العقلية بل للمولى ان ينشأ خطابا على خلاف الخطاب الاول بلا احتياج الى مصلحة مهمة
جابرة أو مزاحمة بل يكفى ادنى مصلحة في انشاء الخطاب ولو كانت امتنانا على العبد
بتحقق الترخيص ، نعم لو كان المولى مهتما بحفظ الوجود في المرتبة الثانية التي هي
مرتبة التبليغ والوصول الى المكلف لزم عليه ان ينشأ خطابا آخر في ظرف جهل المكلف
ولو بايجاب الاحتياط وحينئذ لا يصح له ابقاء المكلف على جهله بل يجب عليه رفع جهله
فضلا عن انشاء خطاب على خلاف الواقع ولا يمكن استكشاف غرض المولى على النحو
المذكور من الخطاب الواقعي لما عرفت انه لا اطلاق فيه باعتبار المرتبة المتأخرة
فلا يستكشف من الخطاب الواقعي إلا بمقدار ما له استعداد لحفظ الوجود من قبله
واحتياج حفظ الوجود من ناحية التبليغ الى خطاب آخر يسمى بمتمم الجعل فمع عدم حصوله
فلا يلزم على المولى حفظ الوجود من تلك الناحية فله أن يسكت ويترك المكلف غافلا
فيرجع الى عقله فيجرى البراءة العقلية أو ينصب له طريقا على خلافه من دون لزوم
محذور في البين لعدم المنافاة بين الخطاب الواقعى والترخيص على خلافه لعدم شمول
الخطاب الواقعى للترخيص وبالعكس.
اذا عرفت ذلك
فاعلم انه مع اختلاف المرتبة اين يلزم تحليل حرام وتحريم حلال باي تقريب حصل من
اجتماع المثلين أو الضدين او اجتماع المصلحة والمفسدة او الكراهة والارادة او
تفويت الغرض إذ ما عدى الاخير انما يلزم اذا كانت المرتبة محفوظة وإلا فلا تلزم
هذه اللوازم الباطلة واما الاخير فلا يلزم منه تفويت الغرض اذ انما يلزم لو كان
الخطاب الواقعى فائدته سد جميع أبواب العدم ولكن قد عرفت عدم معقوليته بل انما
يكون الغرض منه سد باب العدم الناشئ منه ولا ينافى المصلحة على وجود ترخيص في
مرتبة الحكم الظاهرى إذ لا مزاحمة بين المصلحتين لما كان بينهما من اختلاف المرتبة
واحدهما لا يصل الى مرتبة الآخر.
ومما ذكرنا ظهر
انه لا مجال لدعوى لزوم شىء من المحاذير من غير فرق بين كون قيام الامارة بنحو
الطريقية او الموضوعية اما على الطريقية فلا موضوع للشبهة لما عرفت انها عبارة عن
تنجيز الواقع في الاصابة وعذرية في الخطأ فلم يكن على الطريقية انشاء حكم لكي تلزم
تلك المحاذير من غير فرق بين صورة الانفتاح أو الانسداد واما على الموضوعية فهو
وان كان المؤدى مشتملا على حكم إلا انه لا يزاحم الواقع لما عرفت من الاختلاف بين
الحكم الواقعي ومؤدى الامارة بحسب المرتبة فلم تكن الذات مصداقا لهما فلا يسرى
الحكم من احد العنوانين الى الآخر.
وبالجملة الواقع
محفوظ ومحكوم بالحكم الواقعى ولا ينافيه كون مؤدى الامارة حكما ترخيصيا على خلافه
بناء على الموضوعية من غير ان يستلزم التصويب او الاجزاء باي معنى من معانيه فان
ذلك فيما اذا كان الواقع خاليا من الحكم ولا يلزم منه القول بالاجزاء إذ الاحكام
الواقعية لها مرتبتان مرتبة
الفعلية ومرتبة
التنجيز الذي هو مورد الامارة وليست المرتبة الاولى مورد الامارة فتلك المرتبة
باقية على واقعيتها محفوظة لا تتغير وان قامت امارة على خلافها لما عرفت انها لا
تنافيه أو تضاده لاختلاف المرتبة وعدم سراية أحدهما للآخر لعدم وجود اطلاق في
احدهما يشمل الآخر ، وقد ادعى بعض الاعاظم (قدسسره) ان الاختلاف في المرتبة لا يرفع غائلة محذور اجتماع
الضدين إذ الحكم الظاهري وان لم يكن في مرتبة الحكم الواقعى إلا ان الحكم الواقعى
يكون في مرتبة الحكم الظاهري ففي رتبة الشك قد اجتمع الحكمان المتضادان ولكن لا
يخفى ان ما ذكره مبني على سراية الاحكام الثابتة للعناوين الى المعنون الخارجي
فحينئذ يجتمع الحكمان المتضادان في المعنون الخارجي ولكن ذلك محل نظر بل منع ، إذ
المعنون الخارجى موطن سقوط الاحكام فلا يعقل ان يكون معروضا للاحكام وليس ذلك إلا
من طلب الحاصل فلذا قلنا ان معروض الاحكام الصور الذهنية بما انها ترى خارجية بنحو
لا يراها في مقام التصور قبال الخارج بل ترى عين الخارج بنحو لا ترى بينهما
اثنينية ولذا يكتسب أحدهما لون الآخر من الطرفين.
ومن هنا نقول
بقيام المصالح والمفاسد بالعناوين مع انها قائمة بما هو في الخارج أو تعلق الارادة
والكراهة بما هو في الخارج مع ان تعلقها بنفس العناوين لما بين العناوين وما في
الخارج من الاتحاد والعينية بالنظر التصورى وان كانت بالنظر التصديقى غيره مع وقوف
الحكم على نفس العنوان وعدم سرايته الى نفس المعنون الخارجي لما عرفت انه مقام
السقوط لا يعقل ان يكون معروضا للاحكام والعجب من هذا القائل بعدم كفاية الطولية
بين الحكم
الظاهري والواقعى
في الامارات والاصول المحرزة وكفاية طولية الحكمين في الاصول الغير المحرزة بتقريب
ان الاحكام الواقعية تارة تكون بمرتبة من الاهمية بنحو يجب رعايتها على المولى حتى
في صورة الجهل فيلزم عليه انشاء ما يرفع الجهل ولو بانشاء ايجاب الاحتياط واخرى
تكون بمثابة لا يجب رعايتها في ظرف الجهل وحينئذ للشارع جعل المؤمن بلسان الرفع او
بلسان الوضع فتكون كالرخصة المستفادة من حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان فكما ان
الرخصة التى تستفاد من حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان لا تنافى الحكم الواقعي ولا
تضاده كذلك الرخصة التي تستفاد من قوله (ص) : (رفع عن امتي ما لا يعلمون) والسر في
ذلك هو ان هذه الرخصة تكون في طول الحكم الواقعى متأخرة الرتبة عنه ومعه كيف يعقل
ان تضاد الحكم الواقعى مع ان ذلك يجري في الامارات والاصول التنزيلية وبذلك تندفع
الشبهة بجميع تقاريرها إلا انه تكون على ما بيناه من عدم سراية الاحكام الى
المعنونات الخارجية.
واما ما ذكره من
اندفاع الشبهة في الامارات والاصول المحرزة بانه ليس المجعول فيها حكما تكليفيا
وانما المجعول هو الطريقية والوسطية في الاثبات فهو وان اندفعت شبهة اجتماع الضدين
أو المثلين إلا انه تبقى شبهة نقض الغرض فانه مع فعلية الارادة يوجب حفظ غرضه
خصوصا في حال الانفتاح وحينئذ في هذا الحال يجعل ما يوجب تفويت غرضه فيكون نقضا
لغرضه وهو باطل على ان قياس المقام بالحجة العقلية على الخلاف حيث يقول (فالرخصة
المستفادة من حكم العقل الخ) في غير محله اذ ذلك بالنسبة الى حكم العقل يكون من
التفويت القهري فيحكم العقل بالبراءة فلا يكون من تفويت الغرض باختياره بخلاف
الجعل
الشرعي فانه يكون بالنسبة
الى ما لو كان على الخلاف تفويتا بسبب الامور الاختيارية فيكون من تفويت الغرض أو
المصلحة أو الالقاء في المفسدة باختياره وهو قبيح لا يصدر من الحكيم.
وبالجملة ما ذكره
من جعل الطريقية والمحرزية لا تندفع به الشبهة بجميع تقاريرها وانما يندفع لزوم
اجتماع المتضادين ونحوه لعدم انشاء حكم في مؤدى الطريق لكى يلزم مع المصادفة
اجتماع المثلين ومع المخالفة اجتماع الضدين على ان هذا المحذور أيضا يلزم الاصول
التنزيلية إذ ليس المجعول فيها الطريقية وقد التزم (قدسسره) بان المجعول الجرى العملي لا الحكم التكليفى فان رجع ذلك
الى الامر بالمعاملة والبناء على احد طرفى الشك فحينئذ يتوجه محذور اجتماع الضدين
وان لم يرجع الى ذلك فلا معنى للجري العملي.
فتحصل مما ذكرنا
انه لا تندفع الشبهة بجميع تقاريرها بذلك بل بما ذكرنا من طولية الحكمين بنحو لا
يسرى أحدهما للآخر والاستاذ (قدسسره) لما لم يلتزم بالطولية اجاب عن الشبهة بان اوامر الطرق
ليست مولوية وانما هي ارشادية لجعل الحجية ، وعلى تقدير تسليم انها مولوية فليست
إلا احكاما طريقية غير ناشئة عن ارادة ومصلحة في المتعلق وانما جعلت طريقا لحفظ
الواقع وحينئذ لم يكن في مفاد الامارة حكم لكى يلزم من جعل الامارة اجتماع الحكمين
المتضادين هذا في الطرق ، واما في الاصول ففى بعضها يقع الاشكال كمثل قاعدة
الطهارة والحلية واستصحابهما حيث ان مفادها الترخيص والاذن في الاقتحام فتكون
منافية للحكم الواقعي لو كان مخالفا حيث انه متضمن لارادة فعلية على الالزام ومعه
كيف يأذن ويرخص على خلاف تلك الارادة الفعلية وإلا
لزم المحال
لاستحالة الجمع بين الارادة الفعلية الواقعية مع الترخيص على الخلاف فاجاب (قدسسره) عن ذلك بان الحكم الواقعي في الامارات فعلي نعم تنجزه
يتوقف على علم المكلف بخلاف الاحكام الواقعية في موارد الاصول فانها باقية على
مرتبة الشأنية بنحو لو علم بها لتنجز لا المرتبة الشأنية المحضة بمعنى لو علم به
لم يتنجز فاذا كانت الاحكام في موارد الاصول المانع عن فعليتها جهل المكلف فهي
شأنية في موارد الاصول على الخلاف لم تبلغ الى مرتبة الفعلية فلا تكون مضادة لجعل
الترخيص على خلافها إذ المضادة انما تحصل مع بلوغها الى مرتبة الفعلية ولكن لا
يخفى ما فيه فان ذلك لا يدفع إلّا شبهة اجتماع الضدين او المثلين واما شبهة تفويت
الغرض او المصلحة في حال الانفتاح فيما ذكر فلا تندفع فان فعلية الغرض توجب حفظ
مرام المولى بنحو يلزم الفحص ومعه كيف يجعل ما بفوت به غرضه لاستحالة صدور ذلك من
الحكيم وكيف كان فقد اختلف القوم في قيام الامارة على أقوال ثلاثة الاول القول بالطريقية مطلقا اى سواء وافقت
__________________
الامارة للواقع ام
خالفت ومعنى الطريقية هو تنجيز الواقع عند المصادفة والعذرية عند المخالفة بنحو لا
تحدث مصلحة في المؤدى وليست الغاية من جعلها سوى
_________________
كونه طريقا الى
الواقع فمع المصادفة تترتب المثوبة والعقوبة على الواقع ومع عدم المصادفة لم تتحقق
عقوبة ومثوبة سوى المثوبة على الانقياد وعقوبة على التجري
_________________
الثاني القول
بالموضوعية مطلقا اى سواء وافقت الامارة الواقع ام لا ومعنى الموضوعية فيها هو انه
بقيام الامارة تحدث مصلحة في قبال الواقع ويكون الثواب والعقاب على الامارة لا على
الواقع.
_________________
الثالث التفصيل
بين التوافق والتخالف فعلى الاول الطريقية وعلى الثانى الموضوعية والذي يقتضيه
النظر الدقيق هو القول الاول وهو القول بالطريقية ولم تكن هناك مصلحة سوى مصلحة
الواقع والعقوبة والمثوبة على
_________________
الواقع لا على
مؤدى الطريق ، والدليل عليه هو ان ديدن الشارع امضاء طريقة العقلاء ، ولا اشكال
انا نجد من اهل العرف عند الاخبار عن شيء لم يكن غرضه إلا التوصل الى الواقع وقد
اعتبر الخبر للوصول اليه من دون غرض
_________________
فى الخبر نفسه
وهذا واضح لمن تتبع فيجد استقرار سيرة العرف على ذلك وليس للشارع إلا امضاء طريقة
اهل العرف وإلا كان عليه ان يرد عنهم ويخطئهم.
ثم لا يخفى ان
الامارة يختلف حالها بحسب حال الانفتاح والانسداد والمراد بحال الانسداد عدم
الوصول الى المعصوم (ع) والمراد بالانفتاح هو امكان الوصول اليه (ع).
_________________
بيان ذلك ان في
حال الانسداد الاتيان بمؤدى الامارة ان وافقت الواقع كان الواقع متنجزا ويستشعر
منه اهمية الواقع بانه وصل الى مرتبة التنجز وهو لا ينافى الانسداد بالمعنى الذى
عرفت وان لم يوافق الواقع فلا يكون الواقع منجزا والاتيان بمؤدى الطريق على خلاف
الواقع عذرا وبالنسبة الى المكلف سيان إذ في الصورتين يجب الاتيان بمؤدى الطريق
غايته على تقدير المصادفة يكون المؤدى هو الواقع وعلى تقدير المخالفة يكون عذرا ،
واما على الانفتاح فحيث انه يصل الى الامام (ع) فلا يمكن ان ينصب للمكلف امارة
تخالف الواقع إلا ان يكون مصلحة في سلوكها يتدارك به مفسدة ترك الواقع ، واما
الطريق الموافق للواقع فلا مصلحة في سلوكه إذ الواقع منجز بدون نصب الطريق إذ حسب
الفرض انه متمكن من الوصول الى الامام (ع) ولا يخفى ان المصلحة السلوكية يتدارك
بها ما فات من مصلحة الواقع بمقدار ما فات فتارة يتدارك ما فات منه وقت الفضيلة ،
واخرى مصلحة الوقت ، وثالثة مصلحة الصلاة لو لم يحصل الانكشاف الى آخر العمر وكل
ذلك يدل على ان الواقع محفوظ ولا يتغير بقيام الامارة على الخلاف لكي يلزم التصويب
المجمع على خلافه او القول بالاجزاء إذ مع انكشاف الخلاف يتنجز الحكم الواقعي ويجب
الاتيان به ان كان في الوقت يجب أداؤه وان كان في خارج الوقت يجب قضاؤه فافهم
وتأمل.
تنبيهان الاول انه
اجاب عن اشكال ابن قبة بعض السادة المحققين (قده) بما حاصله ان الاحكام الشرعية
انما هي متعلقة بالصور الذهنية الحاكية عما في الخارج لا بنفس الخارج إذ الخارج
ظرف السقوط لا ظرف التعلق والثبوت
ولا اشكال في جواز
تعدد الحاكى مع وحدة المحكى ، فاذا فرض جواز التعدد فيجوز ايضا اختلاف الحاكيين
بحسب الحكمين فحينئذ لا يتحقق هناك تناقض اصلا ولا تضاد لتعدد متعلق الحكمين وفيه ان هذا الجواب لا يدفع به إلا
__________________
غائلة اجتماع
الحكمين واجتماع المحبوبية والمبغوضية واما اجتماع المفسدة مع المصلحة أو نقض
الغرض فلا يندفع بما ذكر. اما الاول فالمصلحة وكذا المفسدة لم تتعلق إلا بما هو
خارجى لا بما هو حاكى عن الخارج ، وكذا الثانى إذ
__________________
الغرض لم يتعلق
بالصور الذهنية بل بالوجودات الخارجية.
ثانيهما انه لا
اشكال ولا ريب في ان الامارة منجزة المواقع ومبينة له
__________________
وكاشفة عنه وانما
الاشكال في كيفية البيانية الذي به تصحح العقوبة على المخالفة والمثوبة على
الموافقة وذلك ربما يستشكل فيه.
بيان ذلك ان قيام
الامارة على كون صلاة الجمعة واجبة واقعا فيحتمل انها واجبة واقعا فيجب العمل على
طبقها اذ بها قد تنجز الواقع ويحتمل ان الواقع
__________________
لم يكن واجبا فلا
يجب العمل على طبقها وبعبارة اخرى ان صلاة الجمعة في زمان الغيبة يحتمل وجوبها
ويحتمل عدم وجوبها فحينئذ لو قامت امارة على وجوبها مثلا فلا يجب العمل على طبقها
للاجمال الواقع في مفادها وهو انه هل مفادها حكم مولوى ناشئ عن ارادة جدية مع
الموافقة او حكم صورى لم يترتب عليه شيء سوى كون مخالفته تجريا وموافقته انقيادا
فاذا كان المفاد مجملا فلا يجب اتباعه كما لو دار الامر بين الوجوب والاباحة لا
يجب اتباعه بل هو مجرى
__________________
قبح العقاب من دون
بيان وبجريان هذه القاعدة يرتفع الاحتمال الحاصل بقيام الامارة. نعم لو كان
الاحتمال هو الذى يكون به تمامية الحجة كان رافعا لقبح العقاب بلا بيان.
وعليه يمكن ان
يقال بانه لا اثر لقيام الامارة اذ الاحتمال يكون منجزا قبل قيام الامارة فقيامها حينئذ
لا اثر له اللهم إلا ان يقال انه ان لم تقم امارة يكون المورد من موارد التخيير أو
دوران الامر بين محذورين ولا يتمكن المكلف من الاحتياط وعند قيام الامارة يتعين
عليه الاحتمال الذى هو مؤدى الامارة بل ربما تكون مصلحة بقيام الامارة يتدارك بها
ما فات من مصلحة الواقع على تقدير عدم المصادفة. ولا يخفى ان هذا الاشكال انما
يجرى في صورة
__________________
الانسداد لا في
صورة الانفتاح وبهذا الاشكال نورد على كل من قال بكون قيام الامارة على نحو
الطريقية ولا يرد على من قال بكون الامارة على نحو الموضوعية. وقد عرفت منا سابقا
بان المختار في الامارات انها على نحو الطريقية لا الموضوعية وان العقاب والثواب
على الواقع المجهول لا على قيام الامارة وانها كالاصول الجارية في مواردها فكما ان
الاصول يبعد القول بالموضوعية فيها كذلك الامارات.
ودعوى انه يبعد
القول بالطريقية في الامارات بل هي وظائف شرعية ممنوعة بان الطريقية لها معنيان
الاول بتنجز الواقع الثانى جعله طريقا للواقع المجهول والمراد بالطريقية هو المعنى
الاول الذى يعم الامارات والاصول لا الثاني الذي يختص بالامارات إذ هي جعلت طريقا
هذا غاية ما يمكن في توجيه الاشكال وقد اجيب عن ذلك بوجوه الاول ما عن الاستاذ (قدسسره) في الكفاية بما حاصله ان المجعول في باب الامارة هو
الحجية لكونها من الامور الاعتبارية القابلة للجعل وجعلها يستتبع حكم العقل بوجوب
اتباعها وكونها قاطعة للعذر ولكن لا يخفى ما فيه إذ الحكم العقلي لا يستتبع جعل
الحجية فان العقل الحاكم بوجوب المتابعة يتبع الكاشفية من دون توقفه على جعله على
ان الحجية لا معنى لجعلها ودعوى انها القاطعة للعذر والمصححة للعقوبة على الترك
ممنوعة إذ سببية شيء لشيء انما تكون ناشئة عن أمر تكويني يوجب تأثيره في المسبب
فلذا لا تنالها يد الجعل ، فالحجية بهذا المعنى غير قابلة للجعل الشرعي.
ودعوى أن مرجع جعل
السببية الى جعل المسبب عند تحقق السبب كما ان الدلوك مثلا سبب لوجوب الصلاة فانه
يرجع الى ان وجوب الصلاة عند
الدلوك ممنوعة فإن
لازم ذلك ان يكون المسبب قابلا للجعل كما هو كذلك بالنسبة إلى وجوب الصلاة فقد جعل
وجوبها عند الدلوك وليس المقام من هذا القبيل إذ المسبب في المقام وهو حكم العقل
باستحقاق العقوبة غير قابل للجعل الشرعي لكي يجعل عند تحقق الامارة على ان ما ذكر
في الجواب مختص بالامارات لا يشمل الاصول وقد يجاب عن ذلك بما افاده بعض الاعاظم (قده)
بأن المجعول في باب الطرق هو الكاشفية والطريقية الموجب لصيرورة الظن وسطا فيكون
من مصاديق العلم فيترتب عليه ما يترتب على العلم من الحجية والمنجزية والقاطعية
للعذر ولكن لا يخفى ان ذلك يتم في الامارات دون الاصول لعدم الكشف فيها على انه لو
سلمنا كون المجعول هي الكاشفية لارجاع ذلك الى نحو من الادعاء والتنزيل لكي ستتبع
انطباق العلم عليه فيحتاج ذلك الى اثر شرعي لكي يصح التنزيل كما هو كذلك في بقية
التنزيلات الشرعية ومرجع التنزيل في الامارة ليس إلا بالامر بمعاملتها معاملة العلم
فحينئذ تشترك مع الاصول غاية الامر انها في الاصول أمر مجعول بدوي من غير ان
يستكشف من شىء أو في الامارات امر مجعول بجعل الطريقية وإلا فلا معنى لجعل
الكاشفية والمحرزية إذ هي امر تكوينى واقعي ليست من الحقائق الجعلية.
وعليه يقع الكلام
في هذا الامر المتولد من الكاشفية هل هو طريقي أو موضوعي يستتبع العقوبة على
مخالفته والمثوبة على موافقته اما كونه موضوعيا فلا يلتزم به أحد فينحصر في كونه
طريقيا وعليه يتوجه الاشكال المذكور بأنه أمر لا يجب امتثاله لكونه محتملا للوجوب
مع موافقته للواقع كما انه محتمل لكونه صوريا مع مخالفته للواقع فمع الشك في ذلك
فالمرجع البراءة وقد
اجاب عن هذا
الاشكال بعض الاجلة بأن أوامر الطرق هي طريقية ناشئة عن ارادة جدية شرعت لحفظ
الواقع نظير ما لو اختلطت جوهرة ثمينة مع احجار بنحو لا يمكن تمييزها من بين تلك
الاحجار فتتعلق ارادته بأخذ تلك الاحجار ومن الواضح ان هذه الارادة المتعلقة بأخذ
الاحجار ليست إلا طريقية لتحصيل ذلك الحجر الثمين ، وكما ان الامر في الارادة
التكوينية تكون طريقية كالمثال المذكور كذلك بالنسبة الى الارادة التشريعية
المتعلقة بفعل الغير فالامارة المصادفة للواقع تكون بمنزلة ذلك الجوهر الثمين
والامارة المخالفة للواقع تكون بمنزلة تلك الاحجار ولكن لا يخفى ما فيه إذ ما ذكر
من المثال ليس إلا ارادة واحدة تعلقت بتحصيل ذلك الجوهر الثمين ولكن لما لم يكن
منجزا واحتمل انطباقه على كل حجر صار نفس الاحتمال منشأ لأخذ تلك الاحجار وذلك من
قبيل الاحتمال المحرك لأطراف العلم الاجمالى فلم يكن هناك ارادات متعددة حتى يقال
انها نفسية ام طريقية بل ليس إلا ارادة واحدة تعلقت بالمطلوب الواقعي وان المحركية
قد تعددت بتعدد الاحتمال على انه لو سلم تعدد الارادة فذلك بالنسبة الى الجاهل
بالواقع لا بالنسبة الى العالم إذ لا يعقل تعلق ارادته إلا بمطلوبه الواقعي كما في
المقام حيث ان الشارع لما كان عالما بالواقعيات ومميزا بين الامارة المطابقة وبين
غيرها فلا معنى لجعل الامارة المطابقة وغير المطابقة حفظا للواقع إلا بدعوى ان
الارادة المتعلقة بالمجموع مقدمة لتحقق مرامه ليحصل للمكلف الداعي الى الاتيان
بالجميع لكي يحصل مطلوب المولى ضمنا ولكن لا يخفى ان ذلك يتم لو قلنا بكفاية
المصلحة في نفس الامر وهو محل منع.
ثم انك قد عرفت ان
الالتزام بجعل الحجية بناء على انها قابلة للجعل
او الالتزام بجعل
الحجة بناء على ان الحجية كالسببية والشرطية والمانعية التي غير قابلة للجعل فيكون
معنى جعل الحجة عبارة عن جعل مؤدى الامارة حجة كالعلم وان كانا يفترقان فان العلم
حجة عقلية والامارة حجة تعبدية لا يرفع الاشكال لاختصاص ذلك بالامارات فلا يشمل
الاصول مضافا الى انه يرد عليها انه بناء على الالتزام بجعل الحجية او جعل الحجة
يوجب رفع اليد عن ظهور دليل الاعتبار فانه ظاهر في المولوية والحكم التكليفي فصرفه
عن المولوية الى الامر الارشادي وعن الحكم التكليفى الى الحكم الوضعى رفع لظهور
دليل الاعتبار فالحق في الجواب هو انك قد عرفت منا سابقا ان الخطاب الواقعي لا
يكون حافظا وسادا للاعدام الناشئة من المرتبة الثانية وهي مرتبة الجهل بالواقع فسد
الاعدام الناشئة من المرتبة الثانية تحتاج الى خطاب آخر وهو الطرق فايجادها يكون
كاشفا عن ارادة ثانية متعلقة بالواقع وحينئذ يكشف عن كثرة الاهتمام بالواقع فلا
يرضى المولى بترك الواقع في كلتا الحالتين وهما العلم والشك وبذلك يكون رافعا لقبح
العقاب من دون بيان إذ المراد من البيان ما يصح معه العقوبة على المخالفة وهنا
كذلك إذ لما علمنا بان الواقع مما اهتم به فلا يرضى الشارع بتركه على تقدير مطابقة
الامارة للواقع فيجب العمل على طبقها من جهة احتمال مطابقة الامارة للواقع.
وبما ذكرنا يظهر
الفرق بين ما نحن فيه وبين الامر المجمل إذ الامر المجمل لما كان مرددا بين
الاباحة والوجوب ولم يكن على تقدير ارادته في أحد الطرفين مما يطلب لم يكن بيانا
بل يكون في ظرف اللابيان فيتحقق موضوع قبح العقاب بلا بيان بخلاف ما نحن فيه فانه
يريده ولا يرضى بتركه على تقدير المطابقة فيرفع
قاعدة قبح العقاب
بلا بيان فلذا صح معه العقوبة. ومن هنا صح لنا دعوى ان المنجزية في الامارات هو
احتمال المنجزية بتقريب ان اوامر الطرق كشفت عن ارادة الواقع في ظرف الجهل بها
فيكون التكليف المحتمل في مورد المطابقة كان مبينا بهذه الاوامر ويكون مما قام
عليه البيان فلا يبقى موضوع لحكم العقل بقبح العقاب من دون بيان ،
وبالجملة الاوامر
الطريقية صالحة لكونها بيانا في مورد المصادفة ومع صلوحها تصح العقوبة عليها فلا
يتحقق والحال هذه موضوع القاعدة وبما ذكرنا يفرق بين المقام والشبهات البدوية
فانها في مورد مصادفة الاحتمال للواقع لم يقم عليه البيان الواصل ومع عدم تحقق
البيان دخلت الشبهة تحت موضوع قاعدة قبح العقاب بلا بيان. والحاصل ان البيانية في
الامارات على تقدير المصادفة متحققة وهي نصب الطرق وفي الشبهات البدوية لم يكن
هناك بيان على تقدير مطابقة الاحتمال للواقع وتظهر الثمرة بين المختار وبين بقية
الوجوه في نتيجة دليل الانسداد فعلى المختار تكون النتيجة هى الحكومة أي يحكم
بتعيين العمل بالظن لانه لما علمنا بعدم رضاء الشارع بترك الوقائع مع انا لسنا
بمهملين نجزم بان الشارع يريد منا الواقع فيكون منجزا وبمقتضى المقدمة الرابعة
يتعين العمل بالظن وذلك معنى الحكومة ومقتضى بقية الوجوه تكون نتيجة الانسداد هو
الكشف حيث ان الشارع لم يرفع اليد عن الواقعيات كان من اللازم نصب الطرق المسماة
بمتمم الكشف وبمقتضى المقدمة الرابعة انا نستكشف ان الشارع عين لنا الطريق وليس
إلا الظن هذا تمام الكلام في امكان التعبد بالظن.
وقوع التعبد بالظن
المبحث الثانى في
وقوع التعبد بالظن فنقول لا اشكال ولا ريب في عدم جواز التعبد بالظن فيما لو شك في
اعتباره وقد استدل الشيخ (قدسسره) عليه بالادلة الاربعة فمن الكتاب قوله تعالى : (قُلْ آللهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى
اللهِ تَفْتَرُونَ) ومن السنة (رجل قضى بالحق وهو لا يعلم) ومن الاجماع ما
ادعاه الوحيد البهبهاني (قده) من ان حرمة العمل بما لا يعلم من البديهيات بين
العوام فضلا عن الخواص ومن العقل اطباق العقلاء على تقبيح العقل على تشريعه واسناد
ما لا يعلم انه منه وقد اشكل على ذلك الاستاذ (قده) بما حاصله
__________________
ان جواز الالتزام
ونسبة مؤدى الحجية اليه تعالى ليسا من آثار الحجية
__________________
ومن لوازمها
المساوية أو الاعم لكي يكون الاستدلال بعدم اللازم على عدم الملزوم كما هو كذلك
بالنسبة الى المؤمنية والمنجزية فانه يستدل على عدم الحجية بعدم تحقق المؤمنية
والمنجزية.
وبالجملة
الاستدلال على الحجية بما دل على حرمة الالتزام وحرمة النسبة امر غير مرتبط اذ
ليسا من اللوازم ولكن لا يخفى ان ما استدل به الشيخ (قده) يتم بناء على تتميم
الكشف نعم لا يتم على مبنى الاستاد من جعل الحجية.
بيان ذلك هو انه
بناء على تتميم الكشف مرجعه إلى جعل الامارة علما ومن الواضح انه لو تعلق العلم
بحكم لازمه التعبد به ونسبته الى الشارع فكذا لو تعلقت الامارة بخلاف ما لو قلنا
بجعل الحجية الذي هو مبنى الاستناد. فان التعبد والاسناد ليسا من لوازمها فلا
يستدل بعدمهما على عدم الحجية.
وبالجملة الخلاف
بين الشيخ والاستاذ بحسب المبنى. وكيف كان فما ذكره (قدسسره) من ان المنجزية لا تلازم جواز التعبد امر مفروغ عنه كما
هو كذلك في ايجاب الاحتياط والظن في باب الانسداد على الحكومة بناء على انه
__________________
مثبت للتكليف لا
انه مسقط كما هو مبنى من يقول بالتبعيض.
اذا عرفت ذلك
فاعلم ان المنجزية والمؤمنية من توابع العلم بالحجية ، فمع الشك في الحجية يقطع
بعدم تحققها وحينئذ لا يبقى مجال للشك في تحققها لكي يرجع الى استصحاب عدم الحجية
إذ يكون من قبيل ان ما هو محرز بالوجدان محرز بالتعبد وبما ذكرنا اعترض الاستاذ
على الشيخ الانصارى (قده) بما حاصله أن عدم الحجية من آثار نفس الشك وعدم احراز
التعبد إذ بمجرد الشك وعدم العلم يتحقق عدم الحجية فلا مجال لاستصحاب عدم الحجية
بعدم ترتب اثر عليه وقد دفع الاستاذ بعدم احتياج الاستصحاب الى الاثر إذا كان
مؤداه قابلا للجعل الشرعي كما في المقام فان الحجية لما كانت قابلة للجعل فقابلة
للرفع فلا مانع من جريان الاستصحاب سواء كان هناك اثر شرعي على المستصحب أم لا
ولكن لا يخفى ان ما ذكره الاستاذ (قدسسره) مبنى على ما اختاره من ان الحجية قابلة للجعل وان المجعول
في باب الطرق هي الحجية وان المستفاد من اخبار الاستصحاب انشاء حكم مماثل للمستصحب
في استصحاب الاحكام ولاحكامه في استصحاب الموضوعات. واما لو قلنا بعدم جعل الحجية
أو قلنا بها ولم نقل بجعل المماثل قلنا بانه بلحاظ الجري العملي لم يتوجه الاشكال
إذ حينئذ لم تكن تلك الآثار من آثار عدم الحجية لكي يجري الاستصحاب بل من آثار نفس
الشك فبمجرد تحقق الشك تترتب تلك الآثار لتحقق موضوعها على انه لو سلمنا ان تلك
الآثار تترتب على الشك وعلى العلم بعدم الحجية ولكن القاعدة تقدم في المقام على
الاستصحاب لكونها اسبق موردا من الاستصحاب حيث ان موضوعها الشك فبمجرد حصوله بتحقق
اثره وهو عدم الحجية فلا يبقى مجال لجريان استصحاب عدم الحجية لكي
يترتب ذلك الاثر
وبعبارة أخرى ان الاثر لما كان مترتبا على الجامع بين الشك والعلم بالعدم فاذا
تحقق الشك ترتب الاثر لسبقه على جريان الاستصحاب الموجب لتحقق عدم العلم الذي هو
أحد فردى الجامع المفروض انه موضوع الاثر بل لا فائدة في تحصيل الفرد الآخر للجامع
فان الجامع لما تحقق في ضمن احد فردى موضوع ترتب الاثر المشترك فلا مجال لاعمال
اصل يوجب تحقق موضوع الآخر لوضوح انه لا فائدة فيه مع ترتب الاثر على الفرد السابق
المحقق للجامع اللهم إلّا ان يقال بان هذا يتم لو كان مترتبا على الجامع بين العلم
بالعدم والشك واما لو كان الاثر يترتب على الواقع فيكون المورد مجمعا للقاعدة
وللاستصحاب وقد ذكر في محله ان الاستصحاب مقدم على القاعدة كما لو شك في وجوب شيء
وقد فرض عدم وجوبه سابقا فمشكوك الوجوب يكون مجمعا لقاعدة قبح العقاب بلا بيان
ولاستصحاب عدم الوجوب وقد قرر في محله ان الاستصحاب مقدم على القاعدة اذ بجريان
الاستصحاب يرتفع موضوع القاعدة وهو الشك تعبدا بخلاف العكس وكقاعدة الطهارة
واستصحابها فان استصحاب الطهارة حاكم على (كل شيء لك طاهر حتى تعلم انه قذر وبالجملة ان الاثر ان كان مترتبا على
__________________
الواقع فلا موقع
إلا للاستصحاب وان كان مترتبا على الشك فلا
__________________
يجري الاستصحاب بل
هو مجرى القاعدة وان كان مترتبا على الواقع والشك فهو مورد لهما إلّا ان الاستصحاب
حاكم على القاعدة كما هو كذلك بالنسبة الى ما نحن فيه فان الاثر مترتب على الجامع
بين الشك والعلم بالعدم ولكن الانصاف ان المقام ليس مما كان موردا لهما كمسألة
الطهارة ونحوها إذ الأثر مترتب على الجامع لا من آثار عدم الحجية واقعا فبمجرد
حصول الشك يتحقق الاثر لأسبقيته فلا مجال لجريان الاستصحاب كما لا يخفى وقد يقرر
الاصل بتقرير آخر وهو ان المقام دائر بين الوجوب والتحريم فاذا كان كذلك فيرجع الى
التخيير لكونه دائرا بين محذورين ولكن لا يخفى انك قد عرفت ان المقام غير دائر
بينهما بل مما قطع بالتحريم فان مجرد الشك يكفى في اثبات التحريم فلا يكون المقام
مرددا بين المحذورين لكي يرجع إلى التخيير اللهم إلّا ان يقال ان الحرمة من آثار
عدم الحجية واقعا فيكون المقام من دوران الامر بين الوجوب والحرمة وبذلك التزم
الشيخ الانصاري بناء على كون الحرمة من آثار عدم الحجية واقعا ولكن لا يخفى انه
بناء على ذلك لا يمكن الالتزام به اذ يكون من قبيل دوران الامر بين وجوب
__________________
الاخذ بالتعبد
بالظن وبين وجوب التعبد بالاصول فحينئذ اما الحكم بالتخيير بين الوجوبين أي وجوب
الاخذ اما بالتعبد بالظن او بالاصول او بتعيين الاخذ بالاصول والظاهر هو الثانى
لرجوع المقام الى الشك في تخصيص ادلة الاصول وحينئذ يرجع الى اصالة عدم التخصيص
ويعمل بالاصول.
وبالجملة لا يكون
المقام من دوران الامر بين محذورين الوجوب او الحرمة بل يكون من قبيل دورانه بين
الوجوبين وقد يقرر الاصل بان المقام من دوران الامر بين تحصيل مطلق الاعتقاد
بالاحكام الشرعية او خصوص الاعتقاد القطعي والعقل يحكم في مقام دوران الامر بين
التخيير والتعيين هو التعيين ، وقد اورد الاستاد قدسسره بان ذلك بتم في صورة ثبوت التكليف واما بالنسبة إلى سقوط
التكليف فالظاهر جريان البراءة من خصوصية التعيين واثبات التخيير ولكن لا يخفى ان
المقام ليس من مقام السقوط لكي يرجع الى البراءة بل المقام ليس من ذاك القبيل
وانما هو من قبيل ما يحتمل انطباق المعلوم بالاجمال على العلم بالواجب بنحو يوجب
انحلاله حكما فحينئذ يرجع الى الشك في الاثبات وانحلال العلم الاجمالي في خصوص
الاعتقاد القطعي او مطلق الاعتقاد على ان ادلة الاصول تدل على تحريم العمل بالظن
ومخالفتها مخالفة قطعية فيجب الاخذ بالاصول وترك العمل بالظن مضافا الى ان تحصيل
الاعتقاد بالاحكام انما هو مقدمة للعمل بها والحاكم بذلك العقل فلا معنى للترديد
في حكم العقل وقد يقرر الاصل بما قرره السيد المحقق الكاظمي قدسسره بان الاصل في الاشياء الاباحة ومن جملتها العمل بالظن
المشكوك اعتباره ولكن لا يخفى ان العمل بالظن تارة يكون لدينا طرق معتبرة بمقدار
المعلوم بالاجمال فلا اشكال في وجوب العمل بها ويحرم العمل بالظن واخرى
لم يكن لدينا طرق
اصلا او ليست بمقدار المعلوم اجمالا فينتهي الامر الى للعمل بالظن فيجب العمل به
لكونه اقرب من غيره الى الواقع فيكون العمل حينئذ بالظن واجبا لا جائزا ففي أي
مورد يكون العمل بالظن مباحا إذ هو اما محرم أو واجب على ان التعبد بغير العلم من
التشريع المحرم الحاكم قبحه العقل من غير ان يستتبع حكما شرعيا مولويا بنحو لو ورد
خطاب شرعي يكون ارشادا لحكم العقل إذ مع حكمه لا يبقى مجال لاعمال المولوية وهذا
هو ملاك الاوامر الارشادية كالاوامر الواردة في باب الاطاعة لما عرفت منا غير مرة
انها تحمل على الارشاد لحكم العقل لعدم وجود ملاك المولوية مع حكم العقل بحسن
الاطاعة إذ هي انما تحصل مقدمة لتحصيل الغرض فاذا كان العقل حاكما بالتحصيل فلا
يبقى مجال لاعمال المولوية كما هو كذلك في التجري ولذا حمل الشيخ (قده) الادلة على
حرمة التشريع على الارشاد فدعوى بعض الاعاظم من ان النواهي الواردة تحمل على
المولوية بناء على ان التشريع واقع في سلسلة العلل الذي هو ملاك الاوامر والنواهي
المولوية وليست واقعة في سلسلة المعلولات الذي هو ملاك الارشادية فهو محل نظر لما
عرفت ان الاوامر والنواهي انما هي مقدمة لتحصيل الغرض فمع حصول الغرض من حكم العقل
بالحسن او القبح لا يبقى مجال لاعمال المولوية وحيث ان العقل يستقل بقبحه فحينئذ
كيف يمكن اعمال المولوية الذي هو ملاك الارشادية من غير فرق بين ان يكون في سلسلة
المعلولات او العلل وهذا القبح يسري
__________________
الى الفعل الخارجي
فتسرى الحرمة التشريعية الى ما في الخارج لانطباق عنوان
__________________
وبهذا يفرق بين الاوامر والنواهى
الارشادية والمولوية وهذه التفرقة تحصل لمن له ادنى تأمل ولا يحتاج الى مثل ذلك
الى اكثر مما ذكر والعجب من بعض في شرحه للرسائل حيث قال متعجبا من بعض الاعاظم
حيث فرق بينهما بالوقوع في سلسلة المعلولات والعلل مع انه غير فارق وبلا دليل
وبرهان وما كفاه مراجعة وجدانه فانه لو راجعه وجدان هذه التفرقة حاصلة لمن له ادنى
تأمل واعجب من ذلك انه تفطن لامر في نظره قد اتى بشيء جديد ويتعجب من غفلة بعض الاساطين
عنه فقال ما هذا لفظه : (فكل خطاب من الشارع كان مستتبعا لاستحقاق العقاب كان
مولويا الى ان قال وكل خطاب لم يكن كذلك كان ارشاديا) ولا يخفى ان تشخيص كونه
مولويا او ارشاديا تظهر قبل مرحلة الاستحقاق اذ هي متأخرة عن ذلك فان استحقاق
العقاب انما يكون بعد امكان اعمال المولوية ومع عدم امكان اعمال المولوية يكون
ارشاديا فلا تترتب العقوبة وقد عرفت انه ان كان في سلسلة العلل يمكن اعمال
المولوية فيستحق العقوبة وان كان في سلسلة المعلولات فلا مجال لاعمال المولوية فلا
يستحق العقوبة وهذا امر واضح يعرفه كل من له ذوق سليم ووجدان صحيح خال من شوائب
الاوهام. ويضاف الى هذا العجب
التشريع عليه الذي
هو من العناوين المقبحة اللهم إلّا ان يقال ان التشريع من العناوين القصدية لكى
يكون نفس القصد حراما كما ذهب اليه الاستاذ (قده) في التجري فقد عرفت انه محل نظر
بل منع اذ الامور القصدية لا تكون مبغوضة ويعاقب عليها ولا توجب تغيير الواقع عما
هو عليه ما لم ينطبق على الفعل عنوان قبيح .
__________________
وبالجملة التشريع
كالتجري فكما ان عنوان التجري يوجب سراية القبح الى ما انطبق عليه هذا العنوان
فكذلك عنوان التشريع باعتبار انطباقه على الفعل المتشرع به فيكون حراما وان كان في
الواقع حراما ولا يكون من اجتماع المثلين
__________________
لما عرفت بينهما
طولية. ودعوى ان التشريع انما يتحقق فيما اذا لم يكن الواقع محكوما يحكم ممنوعة
فان التشريع موضوعه اسناد ما لم يعلم كما ان اسناد ما يعلم ليس من التشريع ولو لم
يكن في الواقع موجودا.
__________________
وكيف كان فمع
سراية الحرمة الى الخارج فيكون مقطوع الحرمة فلا يكون شك لكي يجرى الاصل هذا على
المختار من السراية الى ما في الخارج باعتبار انطباق عنوان عليه ، واما على غير المختار
فيجري الاصل من غير فرق بين دورانه بين الوجوب والاباحة او التحريم والاباحة او
التحريم والوجوب ، اما على الاولين فواضح ، واما على الأخير فليس المانع من جريان
الأصل إلا العلم الاجمالى وهو غير مانع لعدم لزوم المخالفة القطعية بناء على مختار
الشيخ (قدسسره) واما على المختار فالعقل حاكم بالتخيير فلا مجال لجريان
الأصل وكيف كان فجميع ما ذكر من الاصول لتأسيس الأصل غير جارية لما عرفت من ان نفس
الشك موجب للقطع بعدم الحجية ومعه لا يبقى مجال لجريان الاصول العملية لانتفاء
الشك الذي هو موضوع الأصل مضافا الى انها لا تجرى حتى القاعدة المذكورة لاجل دلالة
ادلة الاجتهادية من الآيات والروايات على تقدير تمام دلالتها فحينئذ لا يبقى مجال
للقاعدة فضلا عن جريان الاصول هذا تمام الكلام في تأسيس الأصل وقد عرفت انه يحرم
التعبد بالظن إلا ما خرج من ذلك. واما بيان ما خرج او قيل بخروجه يحصل في المباحث
الآتية إن شاء الله تعالى.
حجية الظواهر
المبحث الثالث في
الظواهر والكلام فيها يقع في مقامات ثلاثة الاول في حجية الظواهر الثاني في حجية ظواهر الكتاب ، الثالث في حجية
__________________
قول اللغوي.
المقام الاول في
حجية الظهور فنقول لا اشكال في اعتبار الظهور وانه مما هو متسالم عليه عند العقلاء
في محاوراتهم وبنوا عليه في جميع امورهم وليس للشارع طريقة خاصة في محاوراته بل هى
امضاء لطريقتهم مع عدم تحقق الردع منه ويكفى في تحقق الامضاء عدم تحقق الردع منه
والظاهر ان سيرة العقلاء منعقدة على الاخذ بالظهور من دون تقييد بان لا يكون ظن
على الخلاف كما انه لا يقيد بحصول الظن على الوفاق كما توهم نظرا الى ما يشاهد من
ان العقلاء لا يقنعون في امورهم المهمة كالاموال والاعراض والنفوس بمجرد الظهور بل
يحتاج الى الظن والاطمئنان والوثوق في تحصيل الواقع بنحو لو احتملوا خلاف الظاهر
يتوقفون كما هو كذلك بالنسبة الى كلام الطبيب فانه لا يعملون بظاهر
__________________
كلامه وانما
يعملون بكلامه فيما اذا لم يحتمل الخلاف بنحو يطمئن بكلامه ولكن لا يخفى ان ذلك
توهم فاسد إذ كلام الطيب ونحوه من الامور المهمة التي عليها سيرة
__________________
التجار في
مراسلاتهم بحيث لو تطرق ادنى احتمال لتوقفوا ولم يقدموا على ما يحتمل الخسارة فمثل
هذا يطلب منها تحصيل الواقع بخلاف المقام المطلوب منه الاخذ بالظهور للخروج عن
عهدة التكليف ويحصل له الامن من تبعة التكليف فانه لا اشكال ولا ريب ان سيرة
العقلاء قد انعقدت على الاخذ بمطلق الظهور ولذا لا يقبل
__________________
عذر العبد لو
اعتذر بمخالفة الظهور او عدم حصول ظن بالوفاق او حصل ظن بالخلاف ويقبل قوله لو احتج
بظهور الكلام كما انه لا يعتبر في العمل بالظهور من
__________________
حصول الظن الفعلي
وإلّا لسدّ باب المعارضة بين الاخبار والاخذ بالمرجحات لانتفاء الظن الفعلي
بالمتنافيين لكي ينتهي الامر الى الترجيح او التخيير.
بيان ذلك انه لو
اعتبرنا الظن الفعلي بكل واحد من الخبرين المتعارضين فيلزم اما عدم العمل بكل واحد
منهما فيما اذا لم يفد كل واحد منهما الظن الفعلي او الاخذ باحدهما لو أفاد الظن
الفعلي وكلاهما محل منع أما الاول فواضح المنع وإلّا لزم الظن الفعلي بالمتنافيين
، واما الثاني يلزم تعارض الحجة مع اللاحجة على انه مناف لاعمال المرجحات إذ ذلك
يوجب تحقق الملاك في كل من الخبرين وهو الاخذ بظهور كل واحد منهما حتى مع الظن
بالخلاف وهذا مراد من اعتبر الظهور من باب الظن النوعي بمعنى انه حجة مطلقا ولو
كان هناك ظن على الخلاف نعم لو قام ظن اطميناني على خلافه فلا يعمل به لعدم انعقاد
السيرة على اتباع مثل ذلك فلا يكون الظاهر متبعا لعدم وجود مقتض للحجية لا لوجود
المانع.
فان قلت اعتبار
الظن الاطمئناني يكون مانعا من اتباع الظهور فيستند الى وجود المانع لا لعدم
المقتضي. قلت الاعتبار بالسيرة العقلائية اذا انضم اليها امضاء من الشارع والمفروض
في المقام لم يتحقق امضاء بل حصل الردع من جهة الظن
__________________
الاطمئناني فلا بد
ان يكون عدم الاعتبار بالظهور الذي جاء على خلافه ظن اطمئناني مستند الى عدم
المقتضى.
وبالجملة الظهور
يتبع ما لم يقم ظن اطمئناني على خلافه من غير فرق بين ان يكون ظن غير معتبر على
خلافه ام لا ، لا يقال انه مع حصول ظن على الخلاف يشك في شمول السيرة العقلائية له
ومع الشك في ذلك لا يؤخذ به إذ هي دليل لبى يؤخذ فيه بالقدر المتيقن وهو الاخذ
بالظهور ما لم يكن هناك ظن على الخلاف ، لانا نقول بان معقد السيرة اطلاق الاخذ
بالظهور وتقييدها بما اذا لم يكن ظن على الخلاف ينافي اطلاقها ومع تحقق اطلاق
الدليل لا يؤخذ بالقدر المتيقن ولو كان الدليل لبيا ، كما انه لا اشكال في انعقاد
السيرة العقلائية على الاخذ بالظهور فيما لو شك في خروج ما هو من افراد العام عن
حكمه مع القطع بفرديته للعام كما لو قطع بان زيدا عالم. وشك في خروجه عن وجوب
اكرام العلماء. نعم وقع الاشكال لو قطع بخروجه عن حكم العام ولكن شك في فرديته
للعام كما لو ورد اكرم العلماء وعلم ان زيدا لا يجب اكرامه وشك في ان زيدا عالم
وخرج من العموم حكما فيكون من باب التخصيص او جاهل فيخرج من عموم العام موضوعا
فيكون من التخصص فهل يتمسك بالظهور ويحكم على زيد بانه ليس بعالم فيكون من باب
التخصص ام لا؟ قيل بالاول والظاهر هو الثاني لعدم ثبوت بناء العقلاء على الاخذ
بالظهور في مشكوك الفردية مع العلم بخروجه حكما على ان السيرة العقلائية من الادلة
اللبية فيؤخذ فيها بالقدر المتيقن وهو ما لو شك في الخروج عن حكم العام مع القطع
بفرديته للعام ولذلك امثلة متفرقة في ابواب الفقه .
__________________
ثم انه لا اشكال
في عدم اعتبار الظهور الصادر من النائم والغافل لعدم
__________________
جريان السيرة
العقلائية على اعتبار مثل هذا الظهور خصوصا لو قلنا برجوع اصالة عدم الغفلة وعدم
القرينة الى اصالة الظهور اذ ذلك موجب لعدم تحقق الظهور واما تعليل البعض بعدم
واقع لمثل هذا الظهور يمكن مطابقته له ففي غير محله اذ ربما يكون له واقع يطابقه
ذلك الظهور فيكون حجة للسامع كما ان دعوى ان مثل هذا الظهورات خارجة عما نحن فيه
اذ لا ارادة للمتكلم لمثل ذلك فمع فرض مطابقة الظهور للواقع لا يجب اتباعه للقطع
بعدم تحقق ارادة له محل منع اذ ذلك انما يتم لو كان اعتبار الظهور لاجل مطابقته
لارادة المتكلم ولكنك قد عرفت انه لا تعتبر معرفة ارادة المتكلم بل الظهور حجة على
العبد ولو لم يكن مرادا واقعا وينبغى التنبيه على امرين :
الاول انه ينسب
الى المحقق القمي (قده) عدم اعتبار الظهور الا لمن قصد افهامه واستدل على ذلك بما
حاصله ان المكلف اذا كان مقصودا بالافهام يأخذ بظاهر كلام المتكلم اذ ليس المانع
من اخذه إلّا احتمال غفلة المتكلم من نصب القرينة وغفلة المخاطب من عدم تفطنه الى
القرينة المنصوبة وكلاهما منفيان
__________________
بالاصل على انهما
مرجوحان لا يعتنى بهما العقلاء بخلاف ما اذا لم يكن المكلف مقصودا بالافهام لوجود
احتمال آخر وهو ان يكون بين المتكلم والمخاطب المقصود بالافهام قرينة حالية او
مقالية قد اختفت على غير المخاطب مثل هذا الاحتمال يعتني به العقلاء فلا يجوز
الاخذ بمثل هذا الظهور لعدم كشفه عن المراد بل مثل هذا الاحتمال ربما يمنع الظهور
التصديقى عن مراد المتكلم
__________________
ولكن لا يخفى ان
هذا الاحتمال مثل الاحتمالين الاولين فانه في نظر العقلاء
__________________
مرجوح لا يعتنى به
فهو منفى باصالة العدم.
__________________
ودعوى اختصاص حجية
الظهور بما احرز ان المتكلم في مقام تفهيم مراده لكل احد لا لشخص خاص ممنوعة بمنع
الاختصاص اذ العقلاء يأخذون بظاهر كلام المتكلم اذا كان في مقام تفهيم مراده ولو
كان الخطاب لشخص خاص ولذا ترى انه لو وقع كتاب شخص لشخص بيد ثالث فانه يأخذ بظاهر
الكتاب ويرتب عليه الاثر ومن هنا ترى ان الاصحاب يأخذون بظواهر الاخبار الصادرة عن
الأئمة الاطهار عليهمالسلام ويستفيدون الاحكام منها مع ان المقصودين بالافهام من كان
حاضرا في مجلس الخطاب من دون تأمل وذلك دليل على عدم اعتبار قصد الافهام في حجية
الظواهر فافهم.
__________________
الامر الثاني هل
ان اعتبار الظهور لاجل اصالة عدم القرينة وعدم الغفلة كاعتبار العموم والاطلاق
لاجل اصالة عدم القرينة من التخصيص والتقييد والمجاز كما يستفاد من الشيخ قدسسره من ارجاع الاصول الوجودية الى الاصول العدمية او ان جميع
هذه الاصول العدمية ترجع الى اصل واحد وجودي وهو الظهور فيؤخذ به عند احتمال ارادة
خلافه قولان الحق هو الثاني وفاقا للاستاذ قدسسره لما عرفت من استقرار سيرة العقلاء على الاخذ بالظهور ولا
يعتنون باحتمال الغفلة او احتمال القرينة او قرينة الموجود من دون احراز اصل من
تلك الاصول بل لا يرون امرا يؤخذ به غير الظهور ويرونها عبارة عن الظهور ولا
يرونها محرزة للظهور وتظهر الثمرة بين رجوع تلك الاصول العدمية الى اصل واحد وهو
اصالة الظهور وبين عدم ارجاعها الى ذلك فيما لو اقترن الكلام بما يصلح للقرينية
فان ذلك يسقط الظهور هذا بناء على المختار واما بناء على غير المختار تمسك باصالة
الحقيقة اذ اعتبارها بناء عليه ليس من باب الظهور بل من باب التعبد مطلقا اي سواء
كان هناك ظهور ام لا. نعم لو اعتبرنا في موضوع الحجية هو الظهور الواصل لاحتجنا
الى اصالة عدم القرينة فيما لو شك في احتفاف الكلام بما يصلح للقرينة حين صدوره
ولكن الظاهر هو اعتبار الظهور الصادر من المتكلم لانعقاد سيرة العقلاء على الاخذ
بالظهور الصادر منه.
«المقام الثاني في
حجية ظواهر الكتاب فنقول هل ظواهر الكتاب حجة
__________________
ام لا؟ الحق هو
الاول وفاقا للاصوليين وخلافا للمحدثين لما عرفت سابقا من اعتبار الظواهر مطلقا
وليس لظواهر الكتاب خصوصية تقتضي اخراجها من الظواهر وقد يتوهم عدم حجيتها لامور
منها ان معان القرآن غامضة لا يعرفها إلّا اهله وهم النبي (ص) والأئمة (ع) ففي
بعضها مقام الردع لابي حنيفة (ويحك ما ورثك الله من كتابه حرفا انما يعرف القرآن
من خوطب به) وبهذا المضمون روايات وردت تدل على ان القرآن لغموض معانيه وعلو
مطالبه بنحو لا يصل اليه فكر البشر إلا الراسخون في العلم لذا لا يؤخذ بظاهره ولكن
لا يخفى ان علو مضامين القرآن ودقتها لا يرفع ظهور الفاظه فيعرفها العارف باللغة
واما الباطن فيعرفه الراسخون في العلم وعلى ذاك تحمل تلك الاخبار.
وبالجملة الاخذ
بالظاهر لا ينافى ان لها بطونا لا يعرفها إلا اهله. ومنها ورد النهي عن تفسير
القرآن فعن تفسير العياشي عن ابي عبد الله (ع) من حكم برأيه بين اثنين فقد كفر ومن
فسر القرآن آية من كتاب الله فقد كفر ويظهر من ذلك ان لا يؤخذ بما يظهر من الآيات
لكونه يعد تفسيرا ولكن لا يخفى ان الاخذ بالظاهر ليس بتفسير اذ التفسير كشف القناع
والمستور والاخذ بالظاهر ليس بمستور. ومنها ورود التوبيخ على العامة في ادعائهم
معرفة القرآن وفيه ان التوبيخ على ادعائهم المعرفة حق المعرفة وذلك غير الاخذ
بظواهر القرآن فانه ليس من المعرفة حق المعرفة.
ومنها انا نعلم
اجمالا بطرو التقييد والتخصيص على آيات الكتاب وذلك موجب لسقوط ظواهره وقد اجاب
الاستاذ بما حاصله انحلال العلم الاجمالي بعد الفحص عن تلك المقيدات والمخصصات
والعثور على مقدار منها يمكن انطباق
المعلوم بالاجمال
عليها ولكن لا يخفى ان مثل هذا العلم لا ينحل بالعثور على مقدار من المخصصات
والمقيدات وإلّا لما وجب الفحص بعد العثور على مقدار منها فبقاء الفحص يكشف عن
بقاء اثر العلم الاجمالي فالاولى في الجواب هو ان يقال بان مع هذا العلم الاجمالي
هناك علم اجمالي آخر بوجود المخصصات والمقيدات فحينئذ ينحل ذلك العلم الاجمال الكبير
الى هذا العلم الاجمالي الصغير فلو ظفرنا بمقدار من المخصصات والمقيدات وهو الفحص
وعدم الظفر بقرينة تدل على خلاف الظهور فحينئذ نقطع بعدم تحققها فنأخذ بالظهور
بخروجه عن دائرة العلم الاجمالي الصغير أو نقول بان اطرافه مختصة بما لو تفحصنا
لظفرنا به هذا غاية ما ذكر في المقام من المنع بالاخذ بظاهر الكتاب وقد عرفت ان
شيئا منها غير صالح للمنع مضافا الى ما ورد بالامر بالرجوع الى الكتاب لرواية عبد
الاعلى فيمن عثر فانقطع ظفره فجعل على اصبعه مرارة قال (ع) (يعرف هذا وشبهه من
كتاب الله ما جعل عليكم في الدين من حرج امسح على المرارة وما في رواية زرارة في
جواب من اين علمت ان المسح ببعض الرأس من قوله (ع) ولمكان الباء) وكما في عرض
الاخبار على الكتاب قوله (ع) (ما وافق كتاب الله فخذوه وما خالف فاطرحوه).
وكيف كان فلم يبق
ما يكون مانعا من الاخذ بظهور الكتاب سوى دعوى العلم الاجمالي بوقوع التحريف فيه
ولكن لا يخفى ان ذلك ممنوع على ان هذا العلم الاجمالي لا اثر له اذ ليس متحققا في
آيات الاحكام فقط بل يحتمل تحققه في غيرها كآيات القصص ونحوها.
بقى في المقام ما
يلزم التنبيه عليه وهو ما لو اختلفت القراءة كقوله تعالى يطهرن بالتخفيف الظاهرة في
النقاء من الحيض وبالتشديد الطاهر في الاغتسال
فنقول تارة نقول
بتواترها واخرى لا نقول بذلك وعلى تقدير القول بعدم التواتر فتارة نقول بالتلازم
بين جواز القراءة والاستدلال بها واخرى لا نقول بالتلازم اما على الاول فان امكن
الجمع بينهما بحمل الظاهر على الاظهر وإلّا فيتوقف ويرجع الى الاصل او الدليل
الموجود في تلك المسألة اذ عليه تكون كآيتين متعارضتين وعلى الثاني فالكلام فيه
كالاول وعلى الثالث فلازمه التوقف اذ مع عدم القول بالتلازم بين جواز القراءة
والاستدلال يلزم الرجوع الى الاصول او الدليل الموجود في المسألة مثلا في المقام
اما الرجوع الى عموم (فاتوا حرثكم انى شئتم) بناء على استفادة العموم الزماني من
الآية او الرجوع الى استصحاب حكم المخصص ولكن لا يخفى ان هذا البحث قليل الفائدة
لورود الدليل الخاص على الجواز بمجرد حصول النقاء وقد عمل به المشهور.
المقام الثالث
حجية قول اللغوي فنقول ينسب الى جماعة حجيته لاجماع العقلاء والعلماء على الرجوع
الى اللغة والاستشهاد بقولهم في مقام الاحتجاج ولكونهم من اهل الخبرة وقد جرت
العادة على الرجوع اليهم فيما لهم خبرة فيه ولما دل على حجية خبر الواحد فيؤخذ
بقول اللغوي لكونه من اخبار الآحاد ولكن لا يخفى ان الرجوع الى اهل اللغة انما هو
فيما يتسامح به من تفسير خطبة أو شعر او رواية ليس لها تعلق بالاحكام وليس الرجوع
اليهم في استنباط الحكم الشرعي نعم ربما يحصل من مراجعة اللغة انه من المسلمات
فيحصل له الوثوق والاطمئنان ولو من لغوي واحد وذلك خارج عما نحن فيه.
واما كون اللغوي
من اهل الخبرة فممنوع حيث ان الرجوع الى اهل الخبرة فيما يعمل رأيه مما هو معلوم
لديه من الامور الحدسية لا مثل قول اللغوي الذي
يذكر موارد
الاستعمال من غير حاجة الى اعمال رأى فهو يذكر ما لديه من الامور الحسية اما حجيته
من جهة دخوله في خبر الآحاد ففيه ما لا يخفى اذ الظاهر ان حجية خبر الواحد انما هو
بالنسبة الى الاحكام فلا تشمل الموضوعات فعليه لا يشمل قول اللغوي الثقة اذ هو
كلامه في تشخيص الموضوع ولو سلمنا وقلنا بانه يشمل الموضوعات إلّا ان رواية مسعدة
بن صدقة (كل شيء لك حلال حتى تعلم انه حرام بعينه فتدعه من قبل نفسك وذلك مثل
الثوب يكون عليك ولعله سرقة او العبد يكون عندك ولعله حر قد باع نفسه او قهر فبيع
او خدع فبيع او امرأة تحتك وهي اختك او رضيعتك والاشياء كلها على هذا حتى يستبين
لك) يستفاد منها الردع في انه لا يعمل بخبر الواحد في الموضوعات ولو سلم وقلنا بان
السيرة قد انعقدت على اعتبار قول الثقة في الاحكام والموضوعات وخرجت الموضوعات
الجزئية كالامثلة المذكورة في رواية مسعدة بن صدقة ويبقى الباقي تحت انعقاد السيرة
ولكن الكلام في ان قول اللغوي ليس بصدد تعيين الموضوع له وانما هو في مقام بيان
موارد الاستعمال بلا نظر الى تعيين الموضوع له فعليه لا يكون قول اللغوي موجبا
لتشخيص الظهور على انه يحتاج الى وثوق من قوله واطمئنان ولعله قد يحصل من قول
بعضهم الوثوق والاطمئنان فيكون المناط هو تحصيل الوثوق والاطمئنان الموجب لتحقق
الظهور وليس لقول اللغوي موضوعية كما ادعاء البعض نعم قد استدل على حجية قوله
بالانسداد الصغير في خصوص اللغات فان معاني غالب الالفاظ مجهولة اما اصلا او سعة وضيقا ولكن
لا يخفى
__________________
ان باب العلم في
اللغة ان رجع الى انسداد العلم في الاحكام فبعد ضم بقية المقدمات فيرجع الى انسداد
الكبير في باب الاحكام فتكون النتيجة هو حجية الظن من غير فرق بين حصوله من قول
اللغوي او من غيره وان لم يرجع الى ذلك بنحو يكون باب الاحكام مفتوحا فلا اثر
لانسداد باب العلم في اللغات.
__________________
الاجماع المنقول
المبحث الرابع في
ان الاجماع المنقول بخبر الواحد حجه ام لا قيل بحجيته نظرا الى اندراجه تحت خبر
الواحد فتشمله جميع الادلة الدالة على حجية خبر
__________________
الواحد بل ربما
يقال بانه من الخبر العالي السند لكونه حاكيا عن الامام (ع) بلا واسطة ولكن لا
يخفى ان شمول ادلة حجية خبر الواحد للاجماع المنقول محل نظر فان السيرة وبناء
العقلاء والاجماعات المحكية ادلة لبية لا اطلاق فيها فيؤخذ بالقدر المتيقن وهو ما
كان خبرا عن حس فلا تشمل ما يكون من الامور الحدسية واما الاخبار والآيات ما عدى
آية النبأ فانما هي بلسان التقرير وامضاء الطرق العادية فلا يكون فيها اطلاق لكي
يؤخذ باطلاقها بل هي كالأدلة اللبية يؤخذ فيها بالقدر المتيقن وقد عرفت انه ما كان
عن حس فلا يشمل المقام الذي هو اخبار عن حدس واما آية النبأ فهي وان كانت تعم مطلق
الاخبار ولو كانت عن حدس إلّا ان مقابلة الفسق للعدالة في الآية وعموم التعليل
فيها يوجب صرفه الى الاخبار عن حس حيث ان المستفاد منها هو رفع احتمال تعمد الكذب
لاجل ما يستفاد منها اعتبار العدالة أو الوثوق في المخبر وليست في مقام رفع خطأ
المخبر لاشتباهه ونحوه الذي يحصل من الحدس لكي تشمل الاخبار عن حدس بل الرافع له
الاصل العقلائي ان قلت على هذا يلزم قبول شهادة الفاسق اذا علم عدم تعمده الكذب
واما احتمال الخطأ والاشتباه فقد فرضت انه مرفوع بالاصل العقلائي المجمع عليه مع
ان شهادته مرددة اجماعا قلت العدالة في الشهادة مما لها موضوعية قطعا وذلك لا
ينافي كون الآية بصدد مانعية الفسق من حيث احتمال تعمده للكذب فيكون المفهوم عدم
المانع في العادل من هذه الجهة الموجب لاختصاصها بالخبر عن حس وليست بصدد نفى
الخطأ والاشتباه لكى تشمل الاخبار عن حدس على ان خبر الفاسق لا يعتنى به لكونه نوع
ركون الى الظالم لانه ظالم لنفسه لقوله تعالى (وَمَنْ يَتَعَدَّ
حُدُودَ اللهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ) والركون الى الظالم منهى عنه بمقتضى قوله تعالى
(وَلا تَرْكَنُوا
إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَما لَكُمْ مِنْ ...) فمثل هذا النهي قرينة على تعميم آية النبأ بحسب المنطوق
للاخبار التي هي عن حس أو عن حدس فيكون المفهوم على القول به تكون من قبيل الادلة
اللبية التي يؤخذ فيها بالقدر المتيقن وذلك هو الخبر عن حس لان المفهوم نقيض المنطوق
والمنطوق لما كان عاما من جميع الجهات فرفعه يحصل بالايجاب الجزئي وهو الاخبار عن
حس فتندرج الاخبار عن حدس تحت الاصل المقرر في الامارات الظنية وهو حرمة العمل
بالظن فان قلت معنى كون المنطوق عاما ومطلقا بمعنى ان ينحل الى اشخاص وافراد
متعددة ومن جملة الافراد الخبر الفاسق عن حدس فحينئذ يدخل تحت مفهوم خبر العادل عن
حدس قلت فرق بين كون الاطلاق في التعليق وبين كونه في الجزاء المعلق وما ذكرت انما
يتم لو كان الاطلاق في التعليق واما لو كان في الجزء المعلق فلا يكون في طرف
المفهوم الا الايجاب الجزئي وحينئذ يحتمل انطباقه على كلا الخبرين فيوجب الاجمالي
في الآية ولازمه الاخذ بالقدر المتيقن وهو الخبر عن حس فان قلت لو افاد خبر الفاسق
الجزم فان الاصحاب يعملون به مع انه ركون الى الفاسق قلنا لم يكن ركونا الى الفاسق
بل العمل بخبره ركون الى الجزم واليقين كما هو اوضح من ان يخفى اذا عرفت ذلك فاعلم
ان ادلة حجية خبر الواحد كادلة الشهادة تختص بما اذا كان الخبر يستند الى الحس أو
الحدس القريب من الحس كالاخبار بالشجاعة والعدالة فلا تشمل ما كان مستندا الى
الحدس المحض كناقل الاجماع فان المستند لنقله ليس عن امر حسي بل حدس محض لبعده عن
وصوله الى الامام (ع) وسماعه منه خصوصا اذا كان في الاعصار المتأخرة نعم يمكن دعوى
حجية بعض الاجماعات المتحققة في زمان الغيبة الصغرى
كزمان الكليني
والسفراء بل واوائل الغيبة الكبرى كزمان السيدين والمفيد ممن يمكن في حقه ان تكون
دعواه اتفاق الامة الظاهر دخول المعصوم (ع) ولو احتمالا فيشمله حينئذ ادلة حجية
خبر الواحد لكون اخباره عن حس بل وان كان عن حدس إلّا انه قريب من الحس فيكون
كالاخبار عن شجاعة شخص او عدالته اذ ذلك حدس مستند الى الحس وكيف كان فناقل
الاجماع ان كان ممن يرى حجيته بالتضمن كالسيد المرتضى (قده) او قاعدة اللطف كالشيخ
(قده) او الاتفاق الذي يكشف عن رضاء المعصوم (ع) بنحو تكون ملازمه بين الاتفاق
ورضاء المعصوم ولو كانت عادية فان ذلك كله يشمله ادلة حجية خبر الواحد فان ذلك على
تقدير تحققه يكون من الحدس القريب من الحس نظير الاخبار بالشجاعة استنادا الى ما
يراه من اقدامه والاخبار بالعدالة استنادا الى ما نراه من زهده وتقواه فانه من
الاخبار بالحدس قريب من الحس واما اذا كان عن اتفاق جماعة لم يكن بينه وبين رأي
الامام ورضاه ملازمة عادية فهو من الحدس المحض فليس بحجة لعدم كونه مشمولا لادلة
حجية خبر الواحد ثم لا يخفى ان حجية الاجماع لا تنحصر بتحقق الملازمة بين الاتفاق
وقول الامام (ع) بل ولو كانت ملازمة عادية بين ما نقله من الاتفاق ووجود دليل
معتبر ولو كان مخالفا للاصول والقواعد وبالجملة فناقل الاجماع تارة يكون نقله عن
حس كما هو مبنى التضمن واللطف فلا اشكال في اعتباره ولكن يبعد تحققه الا في زمان
الغيبة الصغرى واوائل الغيبة الكبرى واخرى يكون حدسا قريبا من الحس كما لو كانت
ملازمة ولو عادية بين نقله ورأى الامام او وجود دليل معتبر كما ربما يحصل
للمرءوسين المنقادين لرئيسهم لو اتفقوا على امر يكشف ان ما اتفقوا عليه هو رأي
رئيسهم
فان ذلك حجة لكونه
مشمولا لادلة حجة الخبر وثالثة يكون حدسا محضا كما لو نقل عن جماعة لا يكشف عن رأى
الامام بنحو لا تكون ملازمة بينهما فهو ليس بحجة فلا يكون مشمولا لادلة حجة الخبر
هذا كله في نقل المسبب واما نقل السبب فيختلف باختلاف الناقلين للاجماع فتارة يكون
حدسيا قريبا من الحس كما لو كان الناقل له الاحاطة باقوال الاصحاب بنحو يحصل من
ذلك الحدس القوى بكونه متفقا عليه في الاعصار المتقدمة وحينئذ يؤخذ بقوله اذا كان
قد بلغ الى مقدار يلازم عادة قول الامام عليهالسلام واخرى لا يكون من ذلك القبيل بل يحتاج ضم ما يتم السبب
فاذا حصل ذلك يستكشف منه قول الامام عليهالسلام فيؤخذ به وإلا فلا يؤخذ به ومثل نقل الاجماع نقل التواتر
فان كان النقل للتواتر ثبت عند المنقول اليه بنحو لو ظفر هو باخبار تلك الجماعة
لحصل عنده التواتر فيرتب عليه الاثر وإلا ان حصل من ضم ما يحصله من أخبار جماعة
اخرى فائضا يترتب عليه آثاره ومع عدم حصول ملك الضميمة فلا يترتب عليه آثاره واقعا
وتظهر الثمرة فيما لو نذر ان يحفظ الاخبار المتواترة فان كان نذره معلقا على
التواتر الواقعي فلا يترتب النذر على الاخير ويلزم ترتبه على الاولين إلا اذا نذر
على التواتر في الجملة وحينئذ يلزم حفظها من دون حاجة الى ضم ضميمة فافهم وتأمل.
حجية الشهرة
المبحث الخامس في
حجية الشهرة فنقول الشهرة على ثلاثة اقسام :
الشهرة في الرواية
وهى عبارة عن اشتهار الرواية بين الرواة بكثرة نقلها
في اصولهم وفي
الكتب المنقولة من الاصول قبل الجوامع الاربعة التى هى التهذيب والكافي والاستبصار
والفقيه وهي التي تكون من المرجحات في باب التعارض وهي المقصودة من قوله عليهالسلام : (خذ بما اشتهر بين اصحابك) والشهرة العملية وهى عبارة عن
اشتهار العمل بالرواية بنحو تستند الفتوى اليها والمراد باشتهار العمل هو عمل
الاصحاب القدماء إذ لا عبرة بعمل المتأخرين وهذه هي التى تكون جابرة لضعف الرواية
كما يدعى (ان رواية على اليد ما اخذت حتى تؤدى) من انها ضعيفة لعدم نقلها في
الجوامع ولم تذكر من طرقنا وانما ذكرت من طرق العامة فان الحسن البصرى رواها عن
سمرة بن جندب ومعلوم ان سمرة بن جندب ضعيف للغاية كما يظهر ذلك من حديث لا ضرر على
انه يقال ان الحسن البصري لم يرو حديثا عنه ومع هذا كله افتى الاصحاب بمضمونها
مستندين في الفتوى الى هذا الحديث.
وبالجملة ان عمل
الاصحاب بحديث ولو كان من الضعف بمكان يكون جابرا لضعفه واعراضهم عن حديث ولو كان
صحيحا مع انه بمرأى ومسمع منهم يكون موهنا له والشهرة الفتوائية التي هى عبارة عن
اشتهار الفتوى بين الاصحاب في المسألة من دون استناد الى رواية من دون فرق بين
وجود رواية على خلاف ما اشتهر من الفتوى او هناك رواية موافقة للفتوى إلّا انه لم
تستند الفتوى اليها اذ الفتوى مع موافقتها لمضمون الرواية لا يعد استنادا اليها
وهذه الشهرة هى التى قد وقع الكلام في حجيتها فقيل بحجيتها وانها من الظنون الخاصة
الخارجة عن الاصل الذي دل على حرمة العمل بالظن لامور اربعة.
الاول بما في
المقبولة (فان المجمع عليه لا ريب فيه) فانه يستفاد منها عموم التعليل لكل ما لا
ريب فيه والشهرة الفتوائية لا ريب فيها فيجب الاخذ بها. الثاني بما في المرفوعة. (خذ
بما اشتهر بين اصحابك ودع الشاذ النادر) فانها تدل على الاخذ بتلك الشهرة وترك ما
يقابلها الثالث اولوية الاخذ بهذه الشهرة من الاخذ بخبر الواحد أو الظن الحاصل
منها اقوى من الظن الحاصل من الخبر ، الرابع التمسك بذيل آية النبأ (أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ
فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ) بناء على ان المراد من الجهالة السفاهة إذ الاخذ بالشهرة
في الفتوى ليست من السفاهة.
ولكن لا يخفى ان
جميع ما ذكر محل نظر بل منع اما عن الاول فان المراد من قوله عليهالسلام (فان المجمع عليه
لا ريب فيه) هو الرواية لما يظهر ذلك من استشهاد الامام عليهالسلام بقوله : (انما الامور ثلاثة امر بين رشده فيتبع وامر بين
غيه فيجتنب وامر مشكل يرد حكمه الى الله ورسوله) قال الشيخ الانصارى (قده) ما هذا
لفظه (ولهذا كانت الرواية المشهورة من قبيل بين رشده والشاذ من قبيل المشكل الذي
يرد علمه الى اهله وإلّا فلا معنى للاستشهاد بحديث التثليث) واما عن الثانى فمع الاغماض عن ضعف السند فالمراد بالموصول
__________________
فى قوله عليهالسلام (بما اشتهر بين
اصحابك) هو الشهرة في الرواية لا مطلق الشهرة اذ لا عموم فيه لكى يشمل الشهرة في
الفتوى كما يظهر ذلك من ذيل الرواية (فقلت يا سيدى انهما مشهوران) ومن المعلوم ان
الشهرة الفتوائية
__________________
لا يعقل تحققها في
الطرفين واما عن الثالث فالاولوية انما تتحقق لو قلنا بان اعتبار خبر الواحد من
باب افادته للظن ولكن ذلك محل منع اذ حجية خبر الواحد لأجل قيام الادلة على حجيته
ولو لم يفد الظن بل هو حجة ولو كان هناك ظن على الخلاف واما عن الرابع فان غاية ما
يدل على عدم الاخذ بما فيه جهالة واما وجوب الاخذ بكل ما ليس فيه جهالة فلا دلالة
عليه اذ لا مفهوم له مثلا لو قال لا تأكل الرمان لانه حامض فانه لا يدل على عدم
جواز اكل كلما ليس بحامض.
وبالجملة الشهرة
الفتوائية ان افادت الظن وقلنا باعتبار مطلق الظن فتكون حجة وإلّا فليست بحجة لعدم
الدليل عليها وما ذكر من الادلة قد عرفت انها غير صالحة للدلالة كما انها لا تكون
جابرة لضعف السند كما قلنا بان الشهرة في الرواية او العمل بها تكون جابرة لضعف
السند نعم يمكن دعوى كونها موهنة للرواية اذا كانت على خلافها إلّا ان ذلك بالنسبة
الى شهرة القدماء فلا تغفل.
حجية خبر الواحد
المبحث السادس في
ان خبر الواحد هل هو حجة في الجملة اولا والمختار هو الاول وقبل الخوض في المقصود
ينبغي بيان ان هذه المسألة هل هي من المسائل الاصولية المبحوث عنها في الاصول اولا
فنقول قال الاستاذ (قدسسره) في الكفاية (ان هذه المسألة من أهم مسائل الاصولية وقد
عرفت في اول
الكتاب ان ملاك
المسألة الاصولية صحة وقوع نتيجة المسألة في طريق الاستنباط) ويشكل عليه بانتقاض
ذلك بقاعدة اصالة الحل فانها لم تكن متعلقة بجهة الاستنباط وذكر الشيخ الانصارى (قدسسره) ان ملاك المسألة الاصولية هي الوظيفة المختصة بالمجتهد
والفرعية هي ما اشترك فيها المجتهد والمقلد ويشكل عليه بانتقاضه بقاعدة الطهارة
حيث انها لا اشكال في كونها مسألة فرعية مع انها من خصائص المجتهد اذ محلها الشبهة
الحكمية التى هي من وظائف المجتهد ولا يعرفها المقلد ولو اجيب عن هذا الانتقاض
بزيادة قيد وهو انه لا يختص بباب دون باب فتخرج قاعدة الطهارة عن المسائل الاصولية
لاختصاصها بباب الطهارة اشكل في الحاق بعض مسائل الاصولية كقاعدة الاشتغال فانها
وظيفة يشترك فيها المجتهد والمقلد وذكر المحقق القمي (قدسسره) بان المسألة الاصولية هي ما تتعلق بعمل المكلف بالواسطة
والفرعية ما تتعلق بالعمل بلا واسطة وخبر الواحد من قبيل الاول بتقريب ان مفاده
الامر بتصديق العادل ارشاد الى جعل الحجية فيرجع اولا وبالذات الى البحث عن حال
الخبر وبالعرض ثانيا يتعلق بعمل المكلف فيكون مثل البحث عن حجية الخبر متعلقا
بالعمل بالواسطة فيتحقق فيه ملاك المسألة الاصولية فتدخل في مسائل الاصول.
ولكن لا يخفى ان
ما ذكره (قدسسره) انما يتم بناء على مختار الاستاذ من كون الامر المتعلق
بالتعبد ارشادا الى جعل الحجية ولا يتم بناء على ما اخترناه من كون الامر انما هو
حكم تكليفى ليس إلا مضمون قوله صدق العادل فيما يخبر به فيكون متعلقا بالعمل بلا
واسطة فحينئذ تدخل هذه المسألة في المسائل الفرعية لوجود ملاكها فلذا لا بد من جعل
الملاك في المسألة الاصولية
هو ما يبحث عن
الوظيفة المقررة للمكلف متعلقة باستنباط الاحكام سواء كانت الوظيفة متعلقة
باستنباط الاحكام الواقعية او كانت راجعة الى الحكم الظاهري المجعول في حق المكلف
عند الشك وجهله بالواقع وضابط المسألة الفرعية ما يبحث عن الاحكام الشرعية اللاحقة
لعمل المكلفين ومسألة خبر الواحد من قبيل الاول لانه يبحث عن وجه استنباط الحكم
الواقعي فتكون الوظيفة للمكلف اتباع الخبر في المؤدى.
هذا وقد تصدى
شيخنا الانصاري (قده) لادراج مسألة حجية خبر الواحد في المسائل الاصولية بجعل
السنة نفس قول المعصوم (ع) او فعله او تقريره وجعل البحث عن الخبر بحثا عن عوارضها
بتقريب ان البحث عن الخبر يرجع الى ان السنة ثبتت بخبر الواحد ام لا بل لا بد من
ثبوتها من دليل قطعي كالتواتر ونحوه وقد اعترض عليه الاستاذ (قدسسره) بان البحث بهذا النحو يكون بحثا عن نفس الموضوع الذى هو
مفاد كان التامة ان اريد من الثبوت الواقعي وإلّا فليس من عوارض السنة المحكية
وانما هو من عوارض الخبر ولكن لا يخفى ان هذا انما يتم لو كان مفاد دليل التنزيل
هو تنزيل المؤدى منزلة الواقع ولكنه خلاف التحقيق فان المختار في مقام التنزيل هو
تنزيل الامارة منزلة العلم فيكون بسبب التنزيل السنة الواقعية معلومة الحكم ومن
الواضح ان المعلومية من عوارض الشيء فانه يحصل بعد تحققه فحينئذ يكون البحث بحثا
عن العارض الذى هو مفاد كان الناقصة.
ومما ذكرنا من كون
مفاد ادلة التنزيل نفى الشك لا التعبد في ظرف الشك يندفع ما ذكره الاستاذ من
الاشكال عليه بان البحث في الثبوت التعبدى ليس من
عوارض السنة لعدم
النزاع في وجوب العمل في السنة الواقعية بل من عوارض مشكوك السنة الذى هو مؤدى
الخبر ومن احواله هذا ولكن التحقيق ان العوارض التى يبحث عنها في العلم ما كانت
تعرض للشيء اولا وبالذات لا العوارض الذى يبحث عنها ثانيا وبالعرض وما نحن فيه من
العوارض التى يعرض للشىء ثانيا وبالعرض لانك قد عرفت مما تقدم ان صفة العلم انما
هى من عوارض الصور الذهنية حقيقة واتصاف الخارجية بها يكون ثانيا وبالعرض إذ ما
يكون عروضه لما في الذهن لا يمكن ان يعرض لما في الخارج إلا بالعناية وكون الصورة
الذهنية مرآة لما في الخارج بنحو ترى عينه فيسرى ما هو من عوارضها الى ما في
الخارج فالعلم التنزيلى المستفاد من ادلة التنزيل انما هو من عوارض السنة حقيقة لا
من عوارض السنة الخارجية الذى هو الموضوع فالبحث عن عوارض السنة الخارجية ليس بحثا
عن عوارض الموضوع الحقيقي وعلى
__________________
كل فصرف الكلام
الى المهم في المقام اولا ، فنقول وهو المستعان اختلفوا في حجية
__________________
خبر الواحد فقيل
بعدم الحجية وفاقا للسيد والقاضي وابن زهرة والطبرسي وابن ادريس واحتجوا على ذلك
بما ورد من الآيات الناهية عن اتباع غير العلم فانه رافع ورادع لبناء العقلاء الذى
بنى على منع العمل الغير العلم وألسنة الآيات مختلفة منها لسان لا تقف ما ليس لك
به علم ومنها ما ورد بلسان ان الظن لا يغني من الحق شيئا والجواب عن الآيتين ان
الاستدلال بهما انما يتم لو كان لهما تعرض لبيان المصاديق ويحتمل قويا انهما لم
يكونا ناظرين لتعيين المصاديق بل تعيين المصاديق موكولة الى العقل نظير قول المولى
اكرم العالم فانه لم يكن متعرضا إلا لحكم كبروى من دون نظر الى الافراد من زيد
عالم وغيره بل هو موكول الى العقل وغيره من الادلة بالحكم عليه انه عالم ليندرج
تحت عموم اكرم العلماء ام ليس بعالم لكي يخرج من موضوع الحكم وهاتان الآيتان من
هذا القبيل إذ لما انعقدت السيرة على العمل بالخبر الواحد وصار علما حكما لا حقيقة
فيخرج عن غير العلم الذى هو الموضوع في الآيتين.
__________________
ودعوى ان بناء
العقلاء متبع لو لا الردع ومن الآيتين يستفاد الردع لبناء العقلاء فعليه لا يتبع
بناء العقلاء ممنوعة بان الردع من الآيتين انما يتحقق فيما فيما اذا كانا متعرضين
لصورة التطبيق على المصاديق واما على ما قويناه من عدم تعرضهما الا للحكم الكبروي
غير المتعرض لبيان المصاديق بل بيانها موكول الى حكم العقل وغيره فلما انعقد بناء
العقلاء على كونه كالعلم حكما يخرج الخبر من موضوع الآيتين وذلك البناء يوجب تضيق
دائرة الموضوع فهو نظير الحكومة فكما ان الحكومة قد تفيد التضيق كذلك بناء العقلاء
قد يفيد تضيقا لدائرة الموضوع فلم يكن بناء العقلاء مع الآيتين من قبيل المتعاكسين
حتى تكون الآيتان قابلتين للردع.
وبالجملة بعد
الاغماض عن الآيتين في مقام اصول الدين وتسليم عمومها لمطلق الاحكام الشرعية
فحينئذ تكون ادلة حجية خبر الواحد بعد تسليم دلالتها موجبة لخروج العمل به عن كونه
عملا بالظن لكونه علما حكما فتكون ادلة حجية خبر الواحد حاكمة على تلك الادلة على ان تلك الادلة دالة على نفى
__________________
اقتضاء ذاته بحجية
الظن في قبال العلم فلا ينافى حجيته لمقتض خارجى فعليه لا تصلح الآيات للرادعية عن
بناء العقلاء والعمل بخبر الواحد ودعوى انه لو اقتضت الرادعية لزم محذور الدور
بتقريب ان رادعية الآيات للسيرة تتوقف على ان
__________________
ولكن الظاهر ان القول بالورود محل منع
اذ احتمال الخلاف متحقق إلا دليل التنزيل يوجب عدم الاعتناء به ومن هنا يظهر ان
القول بحكومة ادلة حجية الخبر على الآيات الناهية هو الحق ولذا المحقق النائيني (قدسسره) ذكر الورود إلّا
انه التزم اخبرا بالحكومة قال ما لفظه : (وان منعت عن ذلك كله فلا اقل من ان يكون
حال السيرة وسائر الادلة الدالة على حجية الخبر الواحد من كونها حاكمة على الآيات
الناهية والمحكوم لا يصلح ان يكون رادعا عن الحاكم.
وبالجملة لا يمكن الالتزام كون السيرة
الدالة على حجية خبر الواحد مخصصة للآيات وإلّا لزم محذور الدور اذ رادعية السيرة
بالآيات الناهية تتوقف على ان لا تكون السيرة مخصصة لها وعدم كونها مخصصة لها
يتوقف على ان تكون رادعة عنها ولا دافع لذلك إلا القول بحكومة السيرة على تلك
الادلة ومع حكومتها لا مجال لدعوى ان الآيات الناهية رادعة عن حجية السيرة ثم ان
الاستاذ المحقق النائيني (قدسسرهقدسسره) ولكن يعارض بمثله
نعم يمكن ان يراد من الخبر الشاذ وما لا يوثق بروايته فان الخبر الواحد له اطلاقان
اطلاق يطلق على ما يقابل المحفوف بالقرينة واطلاق على ما هو شاذ ولعل المراد في
معقد اجماع الشيخ (قده) هو الثاني فلا تغفل.
لا تكون السيرة
مخصصة لعمومات الآيات وعدم كونها مخصصة للآيات تتوقف على كون الآيات رادعة.
ولكن لا يخفى ان
حجية السيرة متوقفة على عدم الردع توقف المشروط على شرطه فاذا جرت اصالة العموم في
الآيات فلا يبقى مجال لحجية السيرة إذ هى تكون رادعة في المرتبة السابقة على حجية
السيرة فلا تتحقق حجية السيرة بلا احتياج الى محذور الدور إلا ان صلاحية هذه
الآيات للردع انما هى لو كان بناء العقلاء غير راجع الى معادهم وإلّا تكون سيرة
المتشرعة ومع تحقق السيرة المتشرعة بما هم متشرعة لا تصلح هذه النواهى للردع اذ من
المستحيل تحققها مع ثبوت الردع من هذه الآيات فمن تحققها نستكشف عدم صلاحيتها للردع
ثم انه قد اجيب عن الآيات بانها ليست ناظرة الى الخبر بعنوانه الثانوى الذي طرأ
عليه من الحالات والطوارئ نعم هي ناظرة للخبر بعنوانه الاولى من حيث انه ظن وربما
يكون الشيء يحرم اتباعه بعنوانه الاولى ولكن بسبب الطوارئ والحالات يجب اتباعه كما
يقال الغنم حلال ولكن بواسطة طرو حالة تعرض عليها توجب حرمتها فلم يكن قوله الغنم
حلال ناظرا الى ذلك اي العناوين المحرمة الثانوية ولكن لا يخفى ان الناظر الى
الآية يرى انها متعرضة لجميع الحالات فيحرم اتباع الظن بجميع حالاته اذ مع قيام
الخبر يوجب كونه علما حكما فيخرج عنه موضوعا فلا يكون قيام الامارة من العناوين
الطارية عليه ومن حالاته كما لا يخفى وقد اجيب عن الآيتين بأنهما متعرضتان لمسائل
اصول الدين فلا ربط لهما بالمسائل الفرعية ولكن لا يخفى انه ربما يوهن هذا
الانصراف ما ورد عن السجاد عليهالسلام (ليس لك ان تتكلم
ما شئت لان الله تعالى يقول ولا تقف ما ليس لك به علم) فان اطلاق (ليس لك ان
تتكلم ما شئت)
شامل للفرعية كما انه شامل لاصول الدين. ومما استدل به للمنع الروايات الدالة على
عدم الاخذ بخبر ليس عليه شاهد من كتاب الله او الخبر المخالف والعمل على الخبر
الموافق أو عليه شاهد من الكتاب ونحو ذلك فانها وان لم تكن متواترة لفظا كما تواتر
النقل عن النبي (ص) في غدير خم (من كنت مولاه فهذا علي مولاه) ولم يكن من التواتر
المعنوي كما لو اتفق على نقل معنى ملازم لمضمون ما ينقل من تلك الأخبار كما تواتر
النقل على شجاعة علي عليهالسلام فإن الشجاعة لم تنقلها الرواة ولكن نقلوا وقائعا ملازمة
للشجاعة وان التواتر في المقام هو اجمالى وهو ما يكون نقل الاخبار بالغا الى درجة
القطع بصدور بعضها من غير تعيين كما فيما نحن فيه فإن كل طائفة من الاخبار بعينها
لم تكن متواترة على سبيل الاجمال وهو يكفى دليلا للخصم والجواب : اما عن الطائفة
التى تنهى عن اتباع غير العلم فانها لو قطعنا تفصيلا بصدورها فهي غير مفيدة للخصم
إذ لم تكن افادتها اكثر من الآيات التى كانت بهذا اللسان لما عرفت من عدم نهوض
الاستدلال بها وبنظائرها عن المنع عن العمل بخبر الآحاد بحكومة ادلة حجية خبر الواحد
عليها. واما بقية الروايات فلو سلم التواتر الاجمالى فيها بالخصوص من دون انضمامها
الى تلك الروايات التى لسانها لسان الآيات فهي ايضا غير ناهضة دليلا للخصم.
بيان ذلك ان
الاخبار على اربعة طوائف منها (غير الموافق لم اقله) ومنها (غير الموافق ليس بحجة)
ومنها (المخالف لم اقله) ومنها (المخالف ليس بحجة) ولكن لما كان غير الموافق اعم
مطلقا من المخالف فيؤخذ بالقدر المتيقن فتعلم اجمالا اما بصدور المخالف الذي ليس
بحجة او المخالف الذي لم اقله
والمخالف في كلتا
الطائفتين لا يراد منه ما كان بينهما عموم من مطلق او من وجه إذ نعلم تفصيلا بصدور
المخالف الذى بينهما عموم مطلق او من وجهه فينحصر ان يراد من المخالف التباين
فيكون علمنا الاجمالى دائرا بين ان يكون الصادر المخالف بنحو التباين الذى لم اقله
او المخالف بنحو التباين ليس بحجة فنقول لا اثر لهذا العلم الاجمالى لأننا نعلم
تفصيلا بعدم صدور المخالف فمع هذا العلم التفصيلي ينحل العلم الاجمالى لاحتمال
انطباق المعلوم بالاجمال على المعلوم بالتفصيل ولو سلمنا وقلنا بأننا نعلم اجمالا
بصدور كلتا الطائفتين ومع بطلان أحدهما بالانحلال لا تضر بالاخرى ويكفى الخصم دعوى
تواتر الطائفة الاخرى وليس هو دليلا لبيا لكي يؤخذ بالقدر المتيقن بل انما هو حاصل
من تتبع الأخبار مع عدم انصراف المخالفة الى التباين بل يعم العموم من وجه او مطلق
بل تتعين الأخيرتان في خصوص الأخبار العلاجية فإن المخالفة فيها انما هي العموم من
وجه لا التباين لان ما كان مخالفا للكتاب بنحو التباين لا يكون فيه مقتضى الحجية
ومقام الاخبار العلاجية ما كان في كل منهما فيه مقتضى الحجية.
وبالجملة موافقة
الكتاب ترجح الحجية لا تعينها فلسان المخالفة من الاخبار العلاجية تكون مانعا عن
انصراف المخالفة في هذه الاخبار الى التباين لتوافق اللسانين في منطوق الاخبار
والجواب : اما الاخبار التي نعلم بصدورها لسانها ان المخالف ليس بمعتبرة وهذه
القضية لها اطلاقان اطلاق يشمل مورد التباين والعموم من وجه والمطلق واطلاق شامل
لمورد التعارض وعدمه والاخبار العلاجية دالة على عدم اعتبار المخالف للكتاب في غير
مورد التعارض اذ التعارض يمنع من الحجية ومع عدم التعارض لا بد من الاخذ به وهذه
الاخبار انما تقضي بعدم
اعتبار المخالف
بالنحوين المذكورين عند عدم التعارض وهو المطلوب كما لا يخفى وربما يستدل للمنع
بالاجماع على عدم المنع بخبر الواحد وهو ممنوع إذ المنقول منه ليس بحجة والمحصل
منه غير حاصل خصوصا في هذه المسألة التي كثرت فيها الاقوال كما انه استدل على
المنع بالدليل العقلى وهو الذى ذكرناه سابقا عن ابن قبة من امتناع جعل الطريق
بلزوم تحريم الحلال وتحليل الحرام وقد عرفت الجواب عنه مفصلا هذا كله من ادلة
المانعين لحجية خبر الواحد.
واما المثبتون
لحجية خبر الواحد فقد استدلوا بالادلة الاربعة اما الكتاب فبآيات منها آية النبأ
قال الله تعالى (إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ
بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما
فَعَلْتُمْ نادِمِينَ) وتقريب الاستدلال بهذه الآية من وجوه أحدها اناطة التبين
بالفسق ويفهم منها ان العلة لوجوب التبيين هو الفسق لا خبر الواحد ولو كانت العلة
هو كون الخبر واحدا لكان اناطة التبين به اولى لأن الفسق وصف عرضي بخلاف كون الخبر
خبرا واحدا فانه امر ذاتي ولا اشكال ان التعليل بالذاتى اولى من التعليل بالعرضى
كما لا يخفى
__________________
ثانيها الاستدلال
بمفهوم الوصف عند القائلين فانه يدل بمفهومه على عدم التبين
__________________
في خبر العادل
ثالثها الاستدلال بمفهوم الشرط بتقريب انه ان لم يجب التثبت بخبر العادل فاما ان
يجب قبوله فهو المطلوب واما ان يجب رده فيكون أسوأ حالا من الفاسق وهو باطل والشيخ
الانصاري (قدسسره) قال لا حاجة الى مقدمة الأسوئية فان الاستدلال يتم
بدونها.
بيان ذلك ان وجوب
التبين انما هو وجوب شرطى لا وجوب نفسي لما يستفاد من التعليل بالوقوع بالندم ومن
الاجماع الدال على عدم كون الوجوب نفسيا فاذا كان الوجوب شرطيا يكون المعنى ان خبر
الفاسق يشترط فيه التبين فيفهم منه ان خبر العادل لا يشترط فيه التبين وبذلك يثبت
المطلوب من دون ضم الأسوئية نعم يلزم ضم مقدمة الأسوئية فيما اذا قلنا بكون وجوب
التبين نفسيا اللهم إلّا ان يقال انه لا يلزم من عدم قبول خبر العادل كونه اسوأ
حالا اذ من الجائز ان يكون عدم قبول الخبر مشتركا بين العادل والفاسق ولكن في
الفاسق يجب التفتيش والفحص عن خبره دون العادل وذلك نوع اكرام
__________________
للعادل هذا ما
تحصل لنا من عبارة الشيخ (قده) في فرائده ولكن لا يخفى ان وجوب التبين كما يمكن
حمله على احد النحوين المذكورين الذين ذكرهما الشيخ (قدسسره) يمكن ان يكون على نحو آخر وهو الوجوب الطريقى دون النفسي
والارشاد الى الشرطية واذا حمل على الوجوب الطريقى لا بد من الافتقار في مقام
التقريب الى مقدمية الأسوئية بل ربما يتعين ما ذكرنا من الوجوب الطريقى لان
الارشادي رفع اليد عن ظهور الامر في المولوية اذ لو لا تلك الموانع التى منعت من
النفسية لوجب الحمل على النفسية حفظا لظهور الامر ومع وجود المانع من الحمل على
النفسية حمله على الارشادية يوجب رفع اليد عن اصل الظهور فحفظا لبقاء مقدار من
الظهور يجب حمل الامر على الطريقى فيكون معنى الآية الشريفة بناء على الوجوب
الطريقى ان الفاسق لما اخبر بالنبإ وكان محتملا للصدق والكذب وجب التبين في خبره
ومفهومه ان خبر العادل لا يجب التبين في خبره وعدم التبين اما لالغاء احتمال
الخلاف وهو المطلوب واما احتمال الغاء الصدق فيكون اسوأ حالا من الفاسق.
ثم ان الشيخ (قدسسره) ذكر ان المراد من التبين العلم الجزمى فيكون الوجوب
المتعلق بالتبين وجوبا عقليا فالمعنى حينئذ خبر الفاسق مشروط بالعلم الجزمى وخبر
العادل غير مشروط ولكن لا يخفى ان هذا لا يتم بناء على التحقيق في جعل الطرق
والامارات من كونها احكاما طريقية ودلالتها على الاحكام الشرعية بلسان مفاد صدق
العادل وظاهر ان اشتراط العمل بخبر الفاسق بالعلم وخبر العادل غير مشروط بأمر وراء
التكليف ولا مساس به ، لا يقال ان العقل كما يحكم باتباع الحجية كذلك يحكم باتباع
التكاليف الشرعية المستفادة من دليل
الاعتبار فالحكم
العقلي لا ينفك من دليل الاعتبار من غير فرق بين كونه تكليفيا او وضعيا فلو بنى
على ان مفاد الآية لبيان الحكم العقلي وان خبر الفاسق مشروط في مقام العمل بالتبين
العلمي وخبر العادل غير مشروط فيكون الاستدلال متجها على كلا القولين فالتفرقة بما
ذكر غير متجهة والجواب بالفرق بين الوضع والتكليف اذ لو كان المفهوم ناظرا الى
التكليف كان حكم العقل باتباعه من باب لزوم الاطاعة وهو غير مختص بالمقام بل هو
جار في جميع التكاليف الشرعية واقعية كانت او ظاهرية وهو حكم عقلي مستقل لا اختصاص
له بمورد تصديق العادل فيحتاج استفادة التكليف من الآية الى دلالة ولا دلالة فيها
عليه لفرض انها حملت على الارشاد الى الشرط العقلى بالعلم بالعمل بخبر الفاسق
وعدمه في خبر العادل وهذا المعنى غير دلالتها على التكليف المستتبع لحكم العقل
بوجوب الاطاعة واما على الوضع والحجية فيتجه القول بالمفهوم ويكون اتباع قول
العادل في حال الشك والتردد كاتباع قول الفاسق مع العلم بصدقه لازما عقلا ويكون
المتحصل حينئذ ان خبر الفاسق يشترط في العمل به حصول العلم بصدقه بخلاف العادل فان
العلم يصدق قوله ليس يشترط في العمل به لكون اخباره بمنزلة العلم في ترتب الآثار.
وبالجملة عدم وجوب
التبين في خبر العادل بحصول الوثوق بقوله غالبا لا تقتضي نفى الشرطية في خبر
الفاسق فيجب التبين في خبر الفاسق لتحصيل الوثوق بخبره اي العلم العادى الجزمى ،
واما العادل فيقبل لحصول الشرط وهو العلم العادى بقوله فتكون الآية في مقام
الارشاد الى حكم العقل بحصول الشرط في العادل وعدم حصوله عند الفاسق.
وكيف كان فاثبات
المفهوم يتحقق بطريق الوصف وبطريق الشرط ، اما الاول فتعليق وجوب التبين على وصف
الفسق يدل على انتفاء الوجوب في خبر العادل ولكن لا يخفى انه يمكن لنا انكار
المفهوم خصوصا في الوصف غير المعتمد على الموصوف بناء على ان المعلق شخص الحكم لا
سنخه والمفهوم انما يستفاد لو كان المعلق سنخ الحكم بتقريب ان سنخ وجوب التبين
يرتفع عند خبر العادل فيجب قبوله فمع عدم قبوله يكون اسوأ حالا منه ولو كان شخص
الوجوب معلقا فانه يرتفع قطعا ولا ينافيه ثبوت وجوب آخر بتحقق فلا يستفاد منه
المفهوم وظاهر كل قضية ثبوت شخص الحكم إلّا اذا ثبت كون الوصف له الدخل في سنخ
الحكم ويمكن تقريب الاستدلال لمفهوم الوصف المستفاد من الآية الشريفة وذلك يتوقف
على امرين احدهما انا نقطع بان ليس لنا إلا حكم واحد يستفاد منها ، الثاني انه لو
ثبت وجوب التبين بخبر العادل فانه نقطع ان ثبوته لم يكن إلا من جهة كونه خبرا
واحدا لا لأجل كونه عادلا إذ العدالة لا تقتضى التبين ، وبعد معرفة هذين الامرين
فنقول ان اناطة وجوب التبين لخبر الفاسق هل هو لأجل كونه خبرا واحدا أو لكونه
فاسقا وظاهر الآية اناطة التبين بكونه فاسقا فحينئذ نقطع بعدم اناطته لأجل كونه
خبرا واحدا إذ لو كان هو العلة لوجب التعليل به لكونه تعليلا بالامر الذاتى فاذا
تعين ان التبين معلق على عنوان الفاسق فينتفي التبين بالنسبة الى خبر العادل
بمقدمة الأسوئية. نعم يمكن ان يقال بمنع كون الفاسقية هي العلة ويمكن ان يكون ذكر
الفسق لبيان فسق الوليد او لنكتة اخرى.
وبالجملة اثبات
مفهوم الوصف يحتاج الى كون المعلق على العنوان العرضى
سنخ الحكم لا شخصه
وثبوت ذلك تكلف اذ هو خلاف ظاهر القضية إذ ظاهر كل وصف ان يكون قيدا للموضوع
والمعلق عليه يكون شخص الحكم ويوجب عدم تحقق المفهوم لكونه حينئذ من قبيل السالبة
بانتفاء الموضوع واما اثبات المفهوم بطريق مفهوم الشرط وبيانه على وجه يرتفع عنه
بعض ما اشكل عليه هو ان القضية الشرطية لا بد وان تشتمل على موضوع محفوظ في جانب
المنطوق وفي جانب المفهوم وشرط وهو لا ربط له بالموضوع فلا يتوهم كون الشرط في
القضية الشرطية هو الموضوع إذ لو كان هو الموضوع لما كان للنزاع في المفهوم معنى
إذ انتفاء الجزاء بانتفاء الشرط يكون عقليا اذ لا اشكال في انتفاء الجزاء بانتفاء
الموضوع ويخرج عن النزاع ويدخل في المتسالم عليه في عدم تحقق المفهوم لانه يكون من
قيود الموضوع ويكون حاله كحال مفهوم اللقب مثلا الموضوع في (ان جاء زيد فاكرمه) هو
زيد المحفوظ في جانب المفهوم والمنطوق لا مجيء زيد اذ لو كان مجىء زيد كان
بانتفائه ينتفي الإكرام عقلا فلا مجال للنزاع قطعا.
وبالجملة الشرط
ليس له دخل في الموضوعية حتى حيثية انه اضافة الموضوع الى الشرط تكون ملغية وعليه
تكون الآية الموضوع فيها هو النبأ قد رتب عليه عليه وجوب التبين بحسب حالتي مجىء
الفاسق وعدمه وليس الموضوع هو مجىء الفاسق لما بينا ان الشرط لا دخل له
بالموضوعية. ومما ذكرنا يظهر ضعف ما ذكره الشيخ الانصاري (قدسسره) في فرائده بما حاصله ان انتفاء التبين بانتفاء مجىء
الفاسق ليس بالمفهوم بل الحاكم به العقل اذ العقل حاكم بانتفاء الحكم لانتفاء
موضوعه.
ولا يخفى ان ما
ذكره (قدسسره) مبنى على جعل التنوين في النبأ للتنكير والتبين المعلق
على مجىء الفاسق بنبإ هو شخصه لا سنخه فيكون الانتفاء عند الانتفاء
بحكم العقل لا
بالمفهوم وهو بعيد من مساق الآية فان ظاهرها تعليق سنخ الحكم واضعف من ذلك ما عرفت
من اخذ الشرط دخيلا في الموضوع ومن قيوده لكي يكون الانتفاء عند الانتفاء بحكم
العقل لا بالمفهوم والانصاف ان الظاهر من مساق الآية ان سنخ التبين معلق على عنوان
الفاسق والتنوين في النبأ هو تنوين التمكن لا التنكير والشرط لا دخل له بالموضوع
ومقتضى ذلك دلالة الآية على المفهوم فبه يستدل على الانتفاء عند الانتفاء ويمكن
تقريب المفهوم مع جعل التنوين في النبأ للتنكير بان يكون المعنى ان العمل بالواقعة
مشروط بالتبين ان جاء الفاسق بنبإ وليس مشروطا بالتبين ان جاء العادل بنبإ واليه
يرجع كلام الاستاذ في الكفاية بما هذا لفظه (وان تعليق الحكم بايجاب التبين عن
النبأ الذى جىء به على كون الجائي به الفاسق يقتضى انتفاؤه عند انتفائه ).
__________________
وقد يشكل على
القول بالمفهوم بانه عليه تحصل معارضة بين المفهوم والتعليل بالندم ، فان التعليل
لم يختص بخبر الفاسق بل كما يكون في الفاسق
__________________
يكون في العادل بل
ربما يقال بان التعليل اقوى فيكون قرينة على عدم ارادة
__________________
المفهوم وقد ادعى
بعض الاعاظم (قدسسره) بعدم معارضة التعليل المفهوم بل المفهوم حاكم على عموم
التعليل بتقريب ان مفاد صدر الآية الغاء احتمال مخالفة خبر العادل للواقع وجعله
محرزا وكاشفا عنه فلا يشمله عموم التعليل اذ اقصى ما يقتضي عموم التعليل هو عدم
جواز العمل بما وراء العلم والمفهوم بجعل خبر العادل علما في عالم التشريع وحينئذ
يقدم المفهوم على التعليل بنحو الحكومة فلا يقع التعارض بين المفهوم والتعليل إذ
المحكوم لا يعارض الحاكم ولو كان ظهور المحكوم اقوى من الحاكم ولا يلاحظ النسبة
بينهما ولكن لا يخفى ان هذا يتم لو لم يكونا في كلام واحد لكى ينعقد للكلام ظهور
يستفاد منه المفهوم فحينئذ تقع المعارضة أو يكون أحدهما حاكما على الآخر واما مع
كونهما في كلام واحد كما في المقام فلا ينعقد لصدر الآية ظهور لكي يستفاد منه
المفهوم إذ المتكلم ما دام متشاغلا بكلامه له ان يلحق ما يشاء ومع الحاقه بما يصلح
للقرينة لا يبقى مجال لاستفادة المفهوم ، على ان المقام ربما يقال بحكومة عموم
التعليل على المفهوم كما في اكرم العلماء لأنهم عدول فان عموم التعليل يقتضى اكرام
كل عادل حتى الجهال اذا كانوا عدولا وكما في قولك لا تأكل الرمان لأنه حامض فيؤخذ
بعموم التعليل ويمتنع عن اكل كل حامض وقد اجاب الاستاذ (قدسسره) في الكفاية بما لفظه. (ان الاشكال انما يبنى على كون
الجهالة بمعنى عدم العلم مع ان دعوى انها بمعنى السفاهة وفعل ما لا ينبغى صدوره من
العاقل غير بعيدة) ولكن لا يخفى ان احتمال تفسيرها بعدم العلم الذي هو مبني
الاشكال مضر بالاستدلال إذ متى جاء الاحتمال سقط الاستدلال.
ثم انه قد اجيب
عنه ايضا بان الجهالة تارة تفسر بعدم العلم واخرى
بالسفاهة فعلى
الاول يكون معنى التعليل النهي عن اتباع غير العلم وقضيته وان كان يعم الفاسق
والعادل ولكن اخذ المفهوم في صدر الآية موجبا لرفع الجهالة في خبر العادل فتكون
النسبة بين المفهوم وبين التعليل نسبة الحاكم والمحكوم والاشكال في كون الحاكم هو
المتبع ولو كان اضعف دلالة من المحكوم وان كان بمعنى السفاهة فلا يكون للعلة عموم
حتى يشمل خبر العادل.
ودعوى حمل الجهالة
على السفاهة ينافى مورد الآية اذ الآية نزلت نهيا لما عمله العقلاء من الصحابة
بخبر الوليد الفاسق فلو كان في قبول قول الفاسق سفاهة لما عملوا به ممنوعة لاحتمال
ان يكون الردع واردا لتخطئة عملهم بتخيل منهم انه حسن فردعهم ونبههم بانه يعد من
السفاهة ولكن لا يخفى انه محل نظر بكلا شقيه اما الشق الاول فيرد عليه اولا انه لا
ينعقد ظهور للكلام ما دام المتكلم متشاغلا بالكلام حتى يحصل الفرغ منه فاذا فرغ
انعقد له ظهور وذيل الآية اتصل به ما يكون صالحا لعدم الاخذ بالمفهوم فلا ينعقد
للقضية ظهور في المفهوم.
وثانيا لو سلمنا
ظهور القضية الشرطية في المفهوم ولكن ذلك لا يوجب رفع اليد عن عموم التعليل اذ
الندامة لا ترتفع بالعلم التنزيلي والظن التعبدي بل انما ترتفع بالعلم الحقيقى
وكان المستشكل قاسها على الملامة فكما ان الملامة لا ترتفع بالعلم التنزيلى فكذلك
الندامة وهو في غاية الفساد اذ الندامة ليست كالملامة إذ خبر العادل ولو كان حجة
لا يخرج عن كونه معرضا للندم لا يقال ان الندامة عليه لا ترتفع بالعلم الحقيقى كما
انها لا ترتفع بالعلم التنزيلى ولازم ذلك التوقف حتى مع العلم وذلك بديهي البطلان
اذ هو خلاف صريح الآية لانا نقول من علم حقيقة بصدق الخبر وقدم عليه ارتفع موضوع
الندم لكونه مستندا الى العلم فمع انكشاف الخطأ يحصل له تأثر
وهو غير الندم بل
هو امر وراء الندم كما لا يخفى ويمكن ان يقال في رفع المناقضة بين المفهوم
والتعليل بتقريب ان خبر العادل على تقدير الخطأ فيه مصلحة متداركة لمفسدة الواقع فاذا
كان للشرطية مفهوم يستكشف بالإنّ ان هناك مصلحة متداركة وعموم التعليل بالندم لا
ينافى المفهوم ولا يوجب الغاء المفهوم لأن عموم الندامة فرع فوات الواقع بدون
التدارك وقضية المفهوم هو تدارك الواقع فيخرج خبر العادل من التعليل لعدم حصول
الندامة مع تحقق التدارك.
ولكن لا يخفى ان
ظهور القضية الشرطية في المفهوم لا يبقى مع ابتلائه بالمعارض في ذيل الآية فقد
يكون للشيء ظهور لو لا الابتلاء بالمعارض وجعل مصلحة يتدارك بها المفسدة فانما هو
بناء على تمامية الحجية وذلك اول الكلام اذ الحجية لم تتم مع الابتلاء بالمعارض.
ان قلت لم لا تكون
الندامة بمعنى الملامة حتى يتجه ما ذكرناه من حكومة المفهوم على التعليل بل هو
المتعين إذ لو لم يحمل على ما ذكرنا من الملامة ويكون معنى الندم هو الاعم يكون
مفاده عدم اعتبار كل ما هو غير علمي ومن المعلوم حجية بعض ما هو غير علمي كالسوق
واليد ونحوهما والقول بانها مخصصات مدفوع بانه يلزم تخصيص الاكثر وهو مستهجن بخلاف
ما اذا حمل على الملامة ويكون نحوه نحو الحاكم والمحكوم.
قلت حمل الندامة
على الملامة خروج عن مقتضى الظاهر وقضيته وان كان عدم اعتبار كل شيء غير علمي إلا
انه لما كان من الامور غير العلمية ما اتفقت العلماء الاعلام على اعتبارها اوجب
تقييدا في الندامة ولكن لا على وجه يلائم المفهوم ولازم ذلك الاخذ بمقتضى الندم
والعمل على مقتضاه نعم يحصل التردد في خبر العادل اذ مقتضى المفهوم العمل على طبقه
وبمقتضى التعليل عدم
العمل على طبقه
ولم يكن احدهما بالوضع والآخر بالاطلاق حتى يتوهم تقديم الوضع على الاطلاق بل عموم
كل واحد منهما بالاطلاق فتكون الآية مجملة الدلالة فلا تصلح للاستدلال هذا كله اذا فسرنا الجهالة بعدم العلم واما لو فسرت
__________________
الجهالة بالسفاهة
فائضا كذلك إذ ليس محط التعليل هو الجهالة حتى يختلف في حالتي الفسق والعدالة
باختلاف تفسير الجهالة بل محط التعليل هو الندم بعدم اصابة الواقع وذلك جار على
كلا التفسيرين للفظ الجهالة هذا كله في الخدشة في الاستدلال بالآية من ناحية
التعارض بين المفهوم والمنطوق.
وقد يخدش فيها من
وجوه أخر منها ان الآية لو قلنا بالمفهوم لحصلت المعارضة بين الآيات الناهية عن اتباع
غير العلم كقوله تعالى : (إِنَّ الظَّنَّ لا
يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ. شَيْئاً* وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) ولكن لا يخفى انه على
__________________
تقدير استفادة
المفهوم من الآية الشريفة تكون حاكمة على تلك الآيات الناهية عن اتباع غير العلم
فان تلك الآيات تدل على ان الظن بذاته ليس بحجة اي لا مقتض للحجية ولا ينافى انه
ثبت له الحجية لاجل بعض الطوارئ والحالات فيكون حجة ويخرج عن موضوع الآيات الناهية
عن اتباع غير العلم ومنها ان شمول الآية لخبر السيد مثلا يقتضى عدم حجية اخبار
الآحاد لأنه اخبر بعدم حجية خبر الواحد.
ودعوى قصور شمول
الآية لخبره ممنوعة كما ان دعوى شموله لخبر السيد يلزم من وجوده عدمه ممنوعة اذ
المحذور انما يتأتى لو كان مؤدى كلام السيد حكاية الاجماع على عدم اعتبار خبر
الواحد في مرحلة الظاهر وليس هو كذلك بل مؤدى كلامه نفى اعتباره واقعا فيكون
التعبد بكلام السيد ظاهرا على عدم اعتبار الخبر واقعا وليس هذا من موارد المحذور
لتغاير الرتبة بينهما بحسب الظاهر والواقع ودعوى عدم شمول الآية لخبر السيد لكون
مفاده عدم حجية الاخبار فلو سلم فهو انما يوجب خروج خبر السيد واما من حيث دلالته
على عدم حجية سائر الاخبار فلا محذور فيه فيكون من الحيثية الثانية مندرجا تحت آية
النبأ فلا مدفع للاشكال المذكور ولكن لا يخفى انه لما كان خبر السيد من الحيثية
الأولى خارجا من جهة شمول مفاده له فلا بد من خروج خبر السيد بحسب الحيثية الثانية
ايضا ، على انه لم يكن مفاده شاملا له حتى يلتزم بالتفكيك لعدم شمول المفاد لنفسه
وشموله لسائر الاخبار بل يدل على عدم اعتباره بتنقيح المناط لا بالدلالة اللفظية
__________________
إذ لم يكن مفاد
خبر السيد الذى هو نفى اعتبار الاخبار إلا لكونه خبرا واحدا وهذا المعنى متحقق في
خبر السيد فيوجب الحكم بالحاق خبر السيد بمقتضى مفاده الدال على عدم الاعتبار
اللهم إلا ان يقال بان الآية لم تشمل خبر السيد إذ لو شملته لزم من شمولها تخصيص
الاكثر وذلك مستهجن لخروج سائر الاخبار فيما لو شملته ولكن لا يخفى انه لا يلزم من
شمول الآية لخبر السيد تخصيص الاكثر بيان ذلك ان خبر السيد بالنسبة الى حكايته
لعدم حجية سائر الاخبار نسبة الحكم الى الموضوع فيكون عدم حجية سائر الاخبار هو
الموضوع نظير الحكم الواقعي وخبر السيد هو الحكم نظير الحكم الظاهري في كونها
متأخرة رتبة عن خبر السيد.
وبالجملة يكون
المعنى تعبدا ظاهرا بخبر السيد بعدم حجية سائر الاخبار واقعا والتعبد الظاهري بعدم
الحجية لا ينافي الحجية واقعا ونظير ذلك ما عرفت من الجمع بين الحكم الظاهرى
والحكم الواقعي من الاختلاف بحسب المرتبة فلا يلزم من شمول آية النبأ لخبر السيد
على عدم حجية سائر اخبار الآحاد محذور لكي يقال في تقريب دفعه بان المفهوم دل على
حجية خبر الواحد الى زمان صدور خبر السيد فلما كان خبر السيد شاملا لتلك الاخبار
نسخت تلك الحجية ودعوى ان النسخ في مثل خبر السيد ممتنع اذ مؤداه عدم اعتبار الخبر
من حين الصدور ممنوعة اذ لا نسلم ان مؤداه ذلك بل مؤداه عدم الحجية من حين صدور
خبر السيد لا فيما سبق على زمان صدوره فيكون تبعيضا في حجية الدلالة.
وبالجملة الاشكال
لا يندفع بما ذكر واضعف من ذلك ما يقال في دفعه ان المفهوم اذا كان يشمل خبر
السيد كان عبارة اخرى عن نفى اعتبارها
__________________
فيكون قد نفى
اعتبارها بعبارة ظاهرة الدلالة على اعتبارها ولكن لا يخفى ان هذا الدفع لا يحتاج
الى رد لبداهة بطلانه والحق في الجواب على وجه يكون حاسما لمفاده
__________________
الاشكال هو ان
يقال انه لما كانت مرتبة التعبد بخبر السيد هو التعبد الظاهري وموضوعه سائر
الاخبار هو مرتبة الواقع ومن المعلوم ان الحكم الظاهرى موضوعه الشك بالواقع
فالمفهوم لا يكون مشمولا لخبر السيد الا وان يشك في حجية سائر الاخبار فاذا كانت
حجية سائر الاخبار معلومة بحكم المفهوم لغى الشك فلا يكون مشمولا لخبر السيد اذ
شمولها لخبر السيد فرع الشك بالحجية وقد انتفى بحكم المفهوم وبعبارة اخرى ان الامر
يدور بين التخصيص والتخصص ولا اشكال في ترجيح الاخير.
بيان ذلك ان مفهوم
آية النبأ ان اردت تطبيقه على سائر الاخبار يكون المعنى نفى احتمال الخلاف فلم تكن
مشكوكة فلا يتحقق تعبد بخبر السيد لانتفاء موضوعه وهو الشك بحجية سائر الاخبار اذ
من المعلوم يحكم المفهوم انتفاء الشك فيكون خبر السيد خارجا موضوعا عن آية النبأ
وهو التخصص وان اردت ان تطبقه على خبر السيد فيكون المعنى لا تتعبد باحتمال الخلاف
في خبر السيد فتكون سائر الاخبار مشكوكة الاعتبار فيكون موردا للتعبد بخبر السيد
وسائر الاخبار ايضا لها صلاحية لدخولها تحت ادلة اعتبار الاخبار فيفتقر الى خروجها
عن حكم العام الى مخصص دال على الخروج والمخصص غير حاصل فاخراجها
__________________
تخصيص بلا مخصص
وهو واضح البطلان.
ودعوى عدم شمول
ادلة الاعتبار لما يلزم من اعتباره عدم الاعتبار كما عن بعض الاعاظم (قدسسره) فانها وان كانت في نفسها قوية إلّا ان ذلك يتوقف على
امكان شمول اطلاق المضمون لمثل تلك المراتب المتأخرة وإلا فلا تنتهى النوبة الى
مثل ذلك الجواب على انك قد عرفت ان المقام يدور بين التخصيص والتخصص والثانى هو
المتعين ان قلت ان لازم شمول المفهوم لخبر السيد يوجب القطع بعدم حجية ما عداه
فتخرج سائر الاخبار من باب التخصص لا التخصيص قلت ان مؤديات ما عدى خبر السيد انما
هو الوجوب او الحرمة واقعا وهذه المؤديات لا يرتفع منها الشك لو شمل المفهوم خبر
السيد لكي يخرج ما عدى خبر السيد من باب التخصص بل يخرج من باب التخصيص على ان عدم
شمول المفهوم لخبر السيد اولى لا بلزوم تخصيص الاكثر بل يكون امر ينافيه طريقة
العقلاء ويكون كما لو قال صدق زيدا بجميع ما يخبرك به وقد اخبر زيد بالف خبر ثم
اخبر بكذب كل ما اخبر فلو اريد من الامر بتصديقه في جميع اخباره بنحو العموم خصوص
الخبر الآخر فانه يكون مستقبحا غايته ودعوى التفكيك بالازمنة بان خبر السيد يتم في
الازمنة المتأخرة فلا يشمل ما تقدمه من الازمنة ممنوعة اذ خبر الواحد اذا كان حجة
في زمان يكون حجة في جميع الازمنة على ان ظهور الكلام في العموم الازمانى يقدم على
العموم الافرادي الموجب لشمول خبر السيد مع جواز الفصل واقعا او ظاهرا.
ثم انه قد استشكل
على مفاد الآية بدعوى انصرافها الى الخبر بلا واسطة ولكن لا يخفى انه لا منشأ
لدعوى الانصراف ولذا ترى الاصحاب يأخذون
بالاخبار مع
الواسطة او الوسائط من دون تشكيك منهم وقد اجاب الشيخ (قدسسره) بما حاصله بان كل واسطة يخبر خبرا بلا واسطة فمع تعدد
الواسطة كما لو قال الشيخ حدثنى المفيد قال حدثنى الصدوق قال حدثنى الصفار قال
سمعت العسكري (ع) يقول كذا ، يكون اخبارا متعددة كل مخبر يخبر عن الآخر بلا واسطة
ولكن لا يخفى ان المراد من الانصراف هو الانصراف الى الخبر عن الامام (ع) فعليه لا
يشمل بقية الاخبار اذ هي تحكى عن الامام عليهالسلام بواسطة اللهم إلا أن يقال بان المستفاد من (أَنْ جاءَكُمْ) في الآية هو خصوص الخبر المشافهة لا ما وصل الى المخبر من
دون مشافهة ولكن لا يخفى ان ذلك ممنوع اذ المستفاد من قوله تعالى : (أَنْ جاءَكُمْ) هو الوصول لا خصوص المشافهة لان المجىء كناية عن الوصول
وعليه تشمل جميع الاخبار ولا تختص بالخبر المشافهة الذي هو بلا واسطة ثم ان الوصول
قد يحتاج الى اجازة او يكفى حصوله بالوجادة ربما يقال باحتياجه الى الاجازة وعدم
اعتبار الوصول بطريق الوجادة لان الوجادة لا تحقق المخاطبة بين صاحب الكتاب وبين
نافله ولأجل ذلك اشترط بعضهم الاجازة في حجية الاخبار باحد الطرق واما بالقراءة او
بالإجازة في النقل.
وهكذا الى ان يصل
الينا فكأنه بالاجازة تحققت المخاطبة ولكن لا يخفى انك قد عرفت ان المراد من (أَنْ جاءَكُمْ) هو الوصول باي نحو حصل سواء كان بالوجادة او الاجازة وقد
يقرب الاشكال بتقريب آخر ان معنى التعبد بالخبر ليس إلّا الاعتداد بما ينقله فاذا
فرض ان هناك واسطة بين المخبر وبين الامام يكون معنى الاعتداد بخبر المخبر هو
الاعتداد بما ينقله وهو ما يحكيه من الواسطة
فيكون البناء على
وجود الواسطة ولكن نفس وجود الواسطة لا يكفى الا وان يأتي دليل على ما يحكيه من
الامام والمفروض انه لم يكن لنا الا دليل واحد وهو الذى حقق وجود الواسطة فيكون
خبر الواسطة خاليا من الدليل فلا يكون له اثر شرعي يتعبد به.
والجواب عن هذا
الاشكال اما بناء على ان مفاد ادلة التنزيل هو
__________________
تنزيل المؤدى
منزلة الواقع فنقول ان معنى الحكم بوجوب تصديق المخبر فيما
__________________
يحكيه هو التعبد
بحكم الشارع الواصل اليه من طريق الواسطة فان خبر الواسطة
__________________
لم يتحقق وجدانا
بل يتحقق بالتعبد ومعنى التعبد بحكم الشارع هو وصول الحكم
__________________
الينا من الامام (ع)
واما بناء على تنزيل الامارة منزلة العلم فائضا لا اشكال
__________________
فيه حيث ان الخبر
الذي اخبر عن الواسطة لم يفدنا إلّا العلم التعبدي ولا اشكال ان العلم التعبدى غير
نفس الخبر فانه لم ينشأ من وجوب التصديق بنفس الخبر بل العلم به.
وبالجملة فعلى ما
ذكرنا من مبنى التنزيل لا موقع للاشكال لان الخبر في نفسه على واقعه محقق الوجود
إلّا انه لم يكن محرزا إلّا بالعلم التعبدى الذى قد استفيد من وجوب تصديق المخبر
نعم لو نشأ وجوب التصديق نفس الخبر
__________________
لكان للاشكال محل
ومجال ولكنك قد عرفت بطلانه وان الذى ينشأ هو العلم التعبدى وهو غير محقق للخبر لا
يقال انه على ما ذكرت بان مفاد وجوب تصديق المخبز هو العلم بتحقق الواسطة لا نفس
التحقق يلزم اللغوية في ادلة التنزيل اذ ادلة التنزيل انما تصح في مورد للمنزل
عليه اثر ولا اشكال في عدم ترتب الاثر على العلم بتحقق الخبر نفسه بل لا بد من
وجود دليل آخر يدل على وجوب وجوده المحرز وجوده بوجوب التصديق وبعبارة اوضح ان
الاثر مترتب على شيئين مجتمعين وهما العلم بخبر الواسطة والحكم بوجوب تصديق خبر
الواسطة وادلة التنزيل على ما قررت انما هى ناظرة الى العلم بخبر الواسطة وهو
مفقود الاثر الا وان يدل دليل آخر على الحكم بوجوب تصديق خبر الواسطة حتى يرتفع
محذور اللغوية والمفروض عدم وجود دليل بل ليس عندنا إلا دليل واحد فيعود المحذور
لانا نقول دليل وجوب التصديق عام يشمل كل خبر سواء كان قد حصل بالعلم الوجداني او
قد حصل بالعلم التعبدي ولما اخبر المخبر بخبر الواسطة حصل بسبب اخباره نفس تحققه
في نفس الأمر والواقع تنزيلا فيكون مشمولا لدليل وجوب التصديق نعم لا يكون مشمولا
بناء على المسلك الاول في ادلة التنزيل لان الذى يتولد من الحكم لا يعقل ان يكون
موضوعا له ولكنه خلاف المختار فان المختار في ادلة التنزيل مفادها العلم التعبدي.
ومما يقرب الاشكال
المذكور بتقريب ادق من سابقه وهو ان المستفاد من ادلة التنزيل هو الحكم بوجوب
التصديق ولا معنى لوجوبه الا ترتيب الاثر عليه فلا بد من ان يكون هناك اثر حتى
يترتب عليه وليس هناك إلا وجوب
التصديق فلا بد من
ترتبه فيلزم حينئذ اتحاد الحكم مع الموضوع وهو بديهي البطلان.
وبعبارة اخرى انه
لا بد من التغاير بين الحكم والموضوع في الخارج وفي الذهن مثلا اذا قلت يجب الصلاة
لا بد وان تكون الصلاة متقدمة رتبة على الوجوب في عالم الذهن ومعلولا للوجوب في
عالم الخارج.
وبالجملة لا يتحد
الحكم مع الموضوع في مرتبة بل لا بد من المغايرة بينهما بحسب المرتبة اذا عرفت ذلك
ففي المقام الاثر المرتب على وجوب التصديق يكون موضوعه وجوب التصديق ولا يكون ذلك
الاثر هو وجوب التصديق مثلا في فرض الرواية اذا وردت الينا عن الحسين بن سعيد عن
محمد بن مسلم عن زرارة عن الامام عليهالسلام فخبر ابن سعيد ليس له اثر شرعي إلا الحكم بوجوب تصديقه في
اخباره عن محمد بن مسلم والفرض ان وجوب التصديق حكم فكيف يصلح لأن يكون هو الاثر
المحكوم بوجوب ترتيبه وما هو الا كون الحكم نفس الموضوع ولا اشكال في محاليته.
واجاب الاستاذ (قدسسره) بما حاصله (ان هذا الاشكال
انما
__________________
لو لم تكن القضية
طبيعية وإلا لو جاز كونها طبيعية فلا مانع من كون الحكم
__________________
بوجوب التصديق
يسري الى الافراد سراية الطبيعة الى افراده فلا يلزم محذور اتحاد الحكم مع موضوعه (ولكن
لا يخفى ان هذا الجواب عن ذلك لا يتم إلّا
__________________
ان يكون مبنى
الاشكال هو استحالة لحاظ الحكم في الموضوع فيتوجه الجواب عنه باخذ القضية بنحو
الطبيعة حتى يكون انطباقها على الافراد قهريا بحيث لا تحتاج الى لحاظ لا اجمالا
ولا تفصيلا.
وبالجملة المحمول
الذى اخذ في القضية الطبيعية لم يكن ملحوظا في عالم الذهن عند تصور الموضوع ولكن
لما كان المحمول من مصاديق الموضوع ينطبق عليه بلا حاجة الى اندراجه تحت الموضوع
لمجىء المحذور واما لو كان مبنى الاشكال على ان المحمول غير مندرج تحت الموضوع
وخارج عن دائرته فلا بد وان يكون الموضوع طبيعة مقيدة بما عدى المحمول ومن الواضح
خروج المحمول عن الموضوع خروجا واقعا اذ العقل يرى ان المحمول منحاز عن الموضوع
وعليه يمنع شموله للحكم ولا ترتفع هذه الشبهة باخذ القضية طبيعية كما لا يخفى والتحقيق في
الجواب على وجه ترتفع عنه غائلة الاوهام يحتاج الى معرفة حال الانشاء والاخبار
فاعلم ان الانشاءات والاخبارات تشترك في ايقاع النسبة وتفترق حيث ان الانشاء لقصد
الموجدية والاخبار لقصد الحكاية.
ثم ان الانشاء في
الاحكام غير الانشاء في المعاملة فان الانشاء في الاحكام له جهة مرآتية بالنسبة
الى واقع الارادة بخلاف الانشاء في المعاملة ليس له واقع يحكيها بل لصرف الموجدية
كالملكية والزوجية.
وبالجملة الانشاءات
في الاحكام لها شبه بالاخبار حيث ان لها جهة حكاية عن واقع الارادة المتعلقة
بالاشياء بما انها حاكية عن الخارجيات بحيث ترى خارجية لا انها متعلقة بالامور
الخارجية اذ الامور الخارجية ظرف سقوط الارادة لا ظرف تعلقها كما لا يخفى ثم ان
حكايتها عن الارادة لها انحاء فتارة تحكى عن
شخص ارادة قائمة
بصرف الوجود واخرى تحكى عن شخص ارادة قائمة بالطبيعة السارية في ضمن الافراد وهو
المعبر عنه بالعموم السارى وثالثة تكون حاكية عن ارادات متعددة متعلقة بمرادات
متعددة يجمعها مفهوم ارادة واحدة ومراد واحد فيكون سنخ ارادة متعلقة بسنخ مراد وبه
يفرق عن الثاني حيث ان الثاني شخص ارادة قائمة بالطبيعة السارية والاخير سنخ ارادة
قائمة بسنخ مراد وبهذا يظهر ان الاخير كما ينطبق على افراد عرضية ينطبق على افراد
طولية اذ ليس المعتبر الا سنخ الارادة وهى متحققة الانطباق بينهما بخلاف الثاني
فانه لا ينطبق إلّا على افراد عرضية لانه بعد فرض كون الارادة شخصية متعلقة بطبيعة
سارية فلا يعقل شمول الطبيعة لها لان العقل يحكم بخروج الحكم والاثر والارادة عن
دائرة المحكوم والمؤثر والمراد. اذا عرفت ذلك فاعلم ان المقام لما كانت الاخبار
بلا واسطة مرجعها الى اخبارات مرتبة بحسب سلسلة السند كان الاثر انما هو بحسب
النحو الاخير الذى هو في غاية المعقولية بان يكون ترتب الاثر هو الموضوع في قوله (يجب
ترتب الاثر) متفرع من افراد ومصاديق طولية كما ان حكمه وهو الايجاب متفرع من
ارادات طولية فيكون جامع الوجوب تعلق بجامع رتب الاثر.
توضيح ما ذكرنا ان
الاخبار تارة تكون في عرض واحد كخبر زرارة عن الامام عليهالسلام في باب الصلاة وخبر محمد بن مسلم عنه في باب الصوم وخبر
ابو بصير في باب الزكاة بحيث يكون خبر كل واحد لا ربط له بخبر الآخر فلا اشكال في
شمول صدق العادل للجميع ولا يلزم منه اتحاد الحكم مع الموضوع واخرى تكون الاخبار
طولية بان يخبر حسين بن سعيد عن محمد بن مسلم عن زرارة عن الامام فنقول صدق العادل
شامل لها جميعا ولا يلزم اتحاد الحكم مع
الموضوع بتقريب ان
خبر الواسطة له لحاظان لحاظ لما فوقه ولحاظ لما دونه فيكون بحسب ما فوقه حكما
وبحسب ما دونه موضوعا نظير الاجناس المتوسطة فانها اجناس لما تحتها وانواع لما
فوقها وفوق الكل الذي هو قول الامام متمحض للموضوعية والمتأخر عن الكل متمحض
للحكمية ففى مثالنا المتقدم قول الامام (ع) موضوعا فقط لما دونه الذي هو وجوب
التعبد بخبر زرارة ووجوب التعبد بخبر زرارة حكم بلحاظ قول الامام (ع) وموضوع بلحاظ
وجوب التعبد بخبر محمد بن مسلم وكذا خبر ابن مسلم لخبر حسين بن سعيد وخبر ابن سعيد
متمحض للحكمية ونظير قول الامام كالجنس العالى ونظير حسين بن سعيد كالنوع السافل
فاعتبار الموضوعية جامع انتزاعي وهو الاثر منتزع من حيث الاضافة الى ما دونه
واعتبار الحكمية منتزع من حيث الاضافة الى ما فوقه ويكون هناك جامعان انتزاعيان من
حيثيتين فلما لم يصح تعلق احدهما بالآخر يكون احدهما موضوعا والآخر حكما.
ودعوى البعض
بالالتزام بان المجعول في باب الطرق هي الطريقية والوسطية في الاثبات بان يكون في
جميع السلسلة المجعول هي الطريقية فيكون كل لاحق طريق الى سابقه الى ان ينتهي الى
قول الامام ففيه ما لا يخفى فان كان الغرض من الوسطية والطريقية ترتيب اثر المؤدي
فنقول ليس للمؤدى اثر غير تتميم الكشف فبقى الاشكال بحاله وان كان الغرض منه اثر
آخر السلسلة فلا حاجة الى شمول الدليل للوسائط بل يكفى تتميم الكشف لاول السلسلة
في ترتب آثار آخر السلسلة مع انه اول الكلام ولا يمكن الالتزام.
وبالجملة فلا
يندفع الاشكال بما ذكر بل بما ذكرناه سابقا من قضية انشاء واحد
ينحل الى انشاءات
عديدة حسب تعدد حصص الطبيعي وبعد شمول الدليل لمن يحكى قول الامام عليهالسلام بطريقة الوسائط ذا اثر شرعي فيشملها دليل صدق العادل فتكون
الاخبار بين ما هو اثر وموضوع محض كالخبر الحاكى عن الامام وبين ما هو حكم محض
كالخبر الذي تنتهى اليه السلسلة كخبر الشيخ وما فيه الجهتان ذا اثر وموضوع للاحق
وحكم للسابق ففي مثل رتب الاثر يكون عبارة عن مفهوم وجوب بما هو حاك عن وجوبات
عديدة وارادات طولية وموضوع هذا الوجوب هو الاثر محضا او اعتبار فترتب ذلك الحكم
على هذا الموضوع بمقدار ما يكون متضمنا من ارادات طولية يكون متعلقة بمرادات طولية
فيكون عنوان رتب الاثر عنوانا انتزاعيا من تلك الاخبار ولو كان بعضها يوجب تحقق
الآخر كما لا يخفى فافهم واغتنم فانه لا يخلو عن دقة.
ثم انه استشكل على
الاستدلال بآية النبأ وهو انه يلزم من الاستدلال به عدم وجوب الفحص عن المعارض وان
الفحص عن المعارض نوع من التبين المنفى بالمفهوم والتالى باطل فالمقدم مثله ولكن
لا يخفى ان التبين تارة يكون عن المخبر بلحاظ الصدق والكذب واخرى يكون بلحاظ وجود
المعارض وعدمه والمنفي بمقتضى المفهوم هو الاول دون الثاني خصوصا بعد اعتبار
التبين طريقيا حيث يكون مفاده ان خبر الفاسق ليس بطريق وخبر العادل طريق والفحص لا
ينافي الطريقية واما اذا كان وجوب التبين شرطيا فلا يرد الاشكال ايضا اذا كان شرطا
للعمل نفسه اذ لم يكن الفحص منافيا للتبين لاعتبار العادل نعم لو كان شرطا للوجوب
لا للعمل توجه الاشكال اذ عليه يكون الفحص منافيا لاعتبار خبر العادل كما لا يخفى.
ومما استدل به على
حجية خبر الواحد آية النفر قال الله تعالى (فَلَوْ لا نَفَرَ
مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ
وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) وقربوا دلالة الآية على المدعى بوجوه ثلاثة : احدها ان
لفظة لعل بعد انسلاخها عن الترجي الحقيقي اذ لا يعقل ذلك في حقه سبحانه وتعالى
استعملت في الطلب واذا صار مطلوبا صار واجبا لعدم القول بالفصل. ثانيها ان الانذار
لما كان واجبا لكونه غاية للنفر الواجب بمقتضى كلمة لو لا وجب التحذير وإلّا لغا
وجوبه. ثالثها ان التحذير جعل غاية للانذار والانذار واجب وغاية الواجب واجبة ولكن
لا يخفى ان مبنى هذه الوجوه على استعمال كلمة (لعل) في الطلب ولم يثبت بل هو ممتنع
لامتناع تعلق الطلب بالحذر لكونه امرا غير اختياري نعم يتم المطلوب اذا اخذت كلمة (لعل)
كناية عن العمل المتسبب عن الحذر ولكنه خروج من ظاهر لفظ (لعل) فالاولى في تقريب
الاستدلال هو أن يقال ان (لعل) هنا استعملت بمعنى الاحتمال كما في قوله تعالى (لَعَلَّ اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ
أَمْراً) وقول الشاعر (لا تهن الفقير علك ان تركع يوما والدهر قد
رفعه) ولما كان الاحتمال بالنسبة اليه تعالى ممتنعا فلا بد من صرفه للعباد فيكون
المراد من الآية ان النفر الملقى بالانذار محتمل الحذرية مظنة للضرر والمراد من
الضرر ليس هو الدنيوي اذ ليس ذلك مترتبا على خصوص الانذار بل يحصل ولو من غيره.
بجعل التلازم بين الانذار ومحتمل الحذرية دالا على ان المراد من ضرره هو الاخروية
لا الدنيوية. ومن الواضح انه لا يكون احتمال العقوبة إلّا بان يكون الانذار.
مقبولا اذ لا اصل يرفع احتمال العقوبة وليس العقاب عقابا بلا بيان لوجود البيان
المذكور ولكن لا يخفى ان هذا التقريب لا يتم إلّا باطلاق الملازمة بين احتمال
العقوبة وتحقق الانذار
ولكنه ممنوع بل لو سلم كون الآية دالة على ان المراد من الضرر هو الأخروية ولكن
يخدش في الاطلاق وتقريب الاطلاق هو ان يقال لو حمل الحذر على المضرة الدنيوية كان
لا بد من التقييد اذ المضرة الدنيوية تارة تترتب على الانذار كما لو لم يكن المنذر
بالفتح يلتفت اليها ولو لم يعلم الا بعد تحقق الانذار واخرى لا تترتب على الانذار
كما لو كان حصول الحذر مترتبا قبل الانذار فلو حمل على المضرة الدنيوية فلا بد من
تقييده بالصورة الاولى فيرتكب التقييد بخلاف ما لو حمل على المضرة الأخروية فانها
بجميع اقسامها مترتبة على الانذار مخصصا للاطلاق فعليه لا بد من حمله على المضرة
الاخروية ولكن لا يخفى ما فيه فان هذا الاطلاق ليس بحجة اذ يكون من باب ما يعلم
بخروجه عن حيز حكم الاطلاق ويشك في خروجه عنه وبلا اشكال ان مثل هذا الاطلاق لا
يكشف المراد
وبالجملة الذي
ينبغى ان يشكل على الآية هو الذي ذكرناه ومع الاغماض عنه فهي في غاية الدلالة ولا
يخدش فيها بنحو من الوجوه التي ذكروها للخدشة فهي محل نظر بل منع منها انا نمنع
كون الآية مسوقة للاطلاق فلا اقل من الشك لعدم احراز اطلاق يقتضي وجوبه على
الاطلاق ضرورة ان الآية مسوقة لبيان وجوب النفر لا لبيان غاية التحذير ولعل وجوبه
كان مشروطا بما افاد العلم ولكن لا يخفى ان هذا الاشكال مناف لما بنينا عليه
الاستدلال من ان المراد بالحذر العمل المتسبب من الحذر لا نفسه اذ لا معنى لطلبه
اذا كان المراد به ذلك بجعله غاية للانذار الواجب الشرعي يستلزم كون العمل المتسبب
من الحذر ايضا واجبا شرعيا لان غاية الواجب الشرعي ايضا شرعي ولا يكون الحذر بذلك
المعنى واجبا شرعيا الا وان يكون خاليا من العلم اذ مع الاقتران بالعلم يكون وجوب
الحذر عقليا وهو
مناف لجعله غاية للواجب الشرعي ومنها انه لا اشكال في ان المراد من التفقه انما هو
في الامور الواقعية كما انه لم يكن المراد من الانذار الانذار في الامور الواقعية
وبمقتضى جعل الحذر غاية لهما لا بد ان يراد من الحذر هو العمل المتسبب من الحذر
ولكنك قد عرفت انه خروج عن ظاهر اللفظ وعرفت انه يمكن ان يكون مبنى الاستدلال على
جعل الحذر على معناه وجعل (لعل) بمعنى الاحتمال ولا ينافى كون التفقه عن الامر
الواقعي والانذار أيضا عن الامر الواقعي لان من تفقه عن الامر الواقعي وانذر
بالامر الواقعي كان في معرض الخوف عن الامر الواقعي وان لم يكن الواقع معلوما لدى
المنذرين بالفتح مثلا من يحتمل وجود (اسد) في الطريق يحصل له خوف في سلوك ذلك
الطريق كما يحصل ذلك مع العلم ومنها ان اخذ الحذر والخوف في مفهوم الانذار يشعر
بالعلية بانه انما يجب الانذار اذا حصل خوف بالانذار فاذا لم يحصل الخوف لم يجب
الانذار وهذا لا دخل له بما هو المهم في المقام من الاستدلال على حجية الاخبار مطلقا
أي سواء حصل من الاخبار خوف ام لا ، بل هذه الآية تكون اليق بالاستدلال بها على
وجوب التقليد على العوام اذ الذي يحصل الخوف من اخباره هو المرشد لا الراوي وقد
اجاب الاستاذ (قده) في الكفاية بأن الرواة في الصدر الأول كانوا كنقلة الفتوى الى
العوام في زماننا واذا كان كذلك فلا اشكال في حصول الخوف من اخبارهم ويتم المطلوب
في غيرهم بعدم القول بالفصل ولكن لا يخفى ما في هذا الجواب من الضعف والتحقيق في الجواب ان اخذ قيد التخويف في مفهوم
__________________
الانذار لا يشعر
بالعلية اذ لعل الاتيان به لاجل الغلبة او لنكتة اخرى فيقع الشك في المراد في
الدلالة على حجية الفتوى ولكن الظاهر ، من كون التفقه
__________________
مقدمة للانذار كون
الذي له الدخالة هو حكايته عما في الواقع كما هو شأن الاخبار لا حكايته عما في
الرأي كما هو شأن الفتوى اذ لو كان الذي له الدخالة هو حكايته عما في الرأي لكان
المناسب في الآية جعل الانذار مقدمة للتفقه لان المراد
__________________
من الانذار
الاخبار والاخبار يكون مقدمة للرأى لا العكس. فالعكس يدل على
__________________
اعتبار الخبر دون
الفتوى فتكون دالة على اعتبار الخبر فافهم وتأمل. (ومنها آية الكتمان) ومما استدل
به على حجية خبر الواحد آية الكتمان قال الله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ
يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى مِنْ بَعْدِ ما
بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتابِ أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ
اللَّاعِنُونَ) وبيان الاستدلال بها ان حرمة الكتمان تستلزم عقلا وجوب
القبول اذ لو لا هذا الاستلزام للغا حرمة الكتمان ولكن
__________________
لا يخفى ان كان
الغرض من حرمة الكتمان اظهار الحق ووضوحه منعنا الملازمة بين حرمة الكتمان ووجوب
القبول وان كان الغرض منه وجوب القبول شرعا فتصح الملازمة وحينئذ فنقول ان الوجوب
الشرعي في القبول انما يكون في خبر الواحد حيث لا يكون خبر الواحد محفوفا بقرائن
علمية وإلا لو كان محفوفا بقرائن علمية لكان وجوب القبول عقليا وكما ذكرنا فساد
دعوى انه مع الالتزام بالملازمة لا معنى لمنع الاطلاق كما ان الاشكال بان وجوب
الاظهار انما يكون حيث يخبر عن الواقع وذلك لا يكون إلا حيث يكون معلوما بالجزم
واليقين وبيان ظهور الفساد هو ان هذا الاشكال انما يتجه اذا كان المدعى هو
الملازمة بين وجوب ظهور الحق وبين وجوب العمل واما على ما بيناه من الملازمة بين
وجوب الظهور وبين وجوب القبول فلا موقع له لان القبول نوع حركة من المخبر الى الذي
قاله المخبر وهذا يجتمع مع الشك في صدقه وكذبه على انه من المحتمل قويا ان وجوب
الاظهار عليهم لرجاء وضوح الحق من جهة اخبارهم بحصول العلم لهم لاجل تعدد المظهرين
كما يظهر انها في مقام اصول الدين التي لا يكتفى فيها بغير العلم. اللهم إلّا ان
يقال ان للآية اطلاقا يقتضي وجوب الاظهار عليهم ولو مع عدم افادة العلم بالواقع
وعليه يمكن التمسك بها على وجوب القبول لما عرفت من الملازمة إلّا ان الشأن في
اثبات ذلك.
__________________
آية السؤال : ومما
استدل به على حجية خبر الواحد قوله تعالى (فَسْئَلُوا أَهْلَ
الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) وتقريب الاستدلال بهذه الآية بما هو في آية الكتمان من ان
ايجاب السؤال ليس إلّا لوجوب القبول عقلا ولكن لا يخفى ان السؤال ليس إلا لتحصيل
العلم لا للتعبد بالجواب حتى يفيد المطلوب ودعوى ان مقتضى اطلاق الآية شمولها لخبر
الواحد غير المقيد للعلم دليل على كون الجواب للتعبد ممنوعة اذ سياق السؤال يقتضي
عدم اطلاقها على خبر غير المقيد للعلم على ان المراد من أهل الذكر علماء أهل
الكتاب الذين لهم خبرة بنبوة نبينا (ص) ويمكن تقريب الاستدلال بهذه الآية بغير ما
ذكرناه وهو دليل الملازمة بين وجوب السؤال ووجوب القبول شرعا ولا بد من كون الجواب
للتعبد اذ مع وجود العلم لا ملازمة شرعية بل وجوب القبول عقلي ولكن لا يخفى منع
دلالة الآية على الملازمة بل ليس المقصود منها العمل بما يقوله المسئول من غير نظر
الى جهة التعبد فيكون القدر المتيقن صورة استفادة العلم مضافا الى ما ذكرناه من
عدم ظهور الآية في كون الجواب للتعبد وعلى تقدير تسليم ظهورها فهل هي منطبقة على
الرواية أو منطبقة على الفتوى وجهان الظاهر انها منطبقة على الرواية لان الظاهر من
__________________
جواب السؤال انما
هو نظره الى الواقع فيكون اعتباره من جهة حكايته عن الواقع لا من جهة حكايته عن
الاستفادة والاستنباط حتى ينطبق على الفتوى لا يقال ان اضافة الاهل الى الذكر يشعر
بان الذكرية لها مدخل في جواب السؤال وحينئذ لا ينطبق إلا على اهل الفتوى لانا
نقول لا نمنع استفادة خصوص الذكرية ولكن في الفتوى الحكاية عن الواقع مقدمة للذكر
أي الفهم ولا نستفيد من الآية ذلك بل نستفيد كون الفهم والذكر مقدمة للاخبار
والحكاية عن الواقع فعليه تكون الآية مختصة بالاستدلال بها على الرواية ولا يكون
لها نظر في الفتوى فافهم وتأمل. (آية الاذن) ومما استدل به على حجية خبر الواحد
قوله تعالى (وَمِنْهُمُ الَّذِينَ
يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ
يُؤْمِنُ بِاللهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ) وتقريب الاستدلال هو انه سبحانه وتعالى مدح نبيه (ص) بانه
هو اذن وانه يصدق للمؤمنين واذا كان التصديق حسنا يكون واجبا وبه يتم المطلوب ولكن
__________________
لا يخفى فصور هذه
الآية عن الاستدلال بها لما نحن فيه من حيث انها متعرضة لمكارم اخلاقه وحسن
معاملته ومعاشرته مع المؤمنين من حيث عدم مجابهتهم بالتكذيب فتكون أجنبية عما نحن
فيه ولا ربط لها بالمقام ولو لا هذه الجهة من التقريب المذكور لاشكل التمسك بهذه
الآية حيث انها تعم الفاسق بقرينة قوله لكم الراجعة الى الذين يؤذون النبي ولا
يمكن تخصيصها بمفهوم آية النبأ وبما ذكرنا يظهر لك الفرق بين هذه الآية وسائر
الآيات عن آية النبأ ان لسان سائر الآيات غير آية النبأ لو تم التقريب فيها
فلسانها غير آب عن تخصيصها بآية النبإ بخلاف هذه الآية فانها نص في العموم فهي غير
قابلة للتخصيص فيشكل الجمع ولكنك قد عرفت انها واردة لبيان اخلاق النبي (ص) وحسن
معاشرته فتكون اجنبية عن الاستدلال بها على حجية خبر الواحد هذا تمام الكلام في
الاستدلال بالآيات
__________________
الاستدلال على
حجية خبر الواحد بالسنة ومما استدل به على حجية خبر الواحد بالاخبار وهي متواترة
وإلا فلا تصلح للاستدلال بها على حجية خبر الواحد لانه
__________________
يلزم اثبات الشيء
بنفسه بل الذي يدل عليه هي وجود الاخبار المستفيضة المتواترة ولو اجمالا بان نعلم
اجمالا بصدور طائفة منها عن الامام عليهالسلام ولا يؤخذ إلا بما هو المتيقن من بين تلك الاخبار وهو خبر
الثقة لكونه متيقنا من بين تلك الطوائف وان حصل الشك في كون خبر الثقة هو المتيقن
فليؤخذ بخبر العدل المزكى بشاهدين فانه المتيقن من بين تلك الاخبار ولا يكون حينئذ
كل خبر ثقة حجة إلا ان يقوم خبر عدل مزكى بعدلين على حجية مطلق الثقة فيكون كل خبر
الثقة حجة هذا بناء على توترها اجمالا واما بناء على انها متواترة معنى فيمكن دعوى
تواتر الاخبار على حجية خبر الموثوق صدروا او مضمونا والانصاف ان التشكيك في
اعتبار قول مطلق الثقة المتواترة بالتواتر المعنوي او المتيقن لو قلنا بالتواتر
الاجمالي لا يعبأ به بل ممنوع اشد المنع لمن راجع الاخبار حيث تجد ان خبر الثقة هو
المتيقن بين تلك الطوائف وحصر المتيقن في خصوص خبر العادل المزكى بعدلين في غاية البعد
ومن التزمه تعسف غاية التعسف كما لا يخفى على من تأمل في المقام.
__________________
الاستدلال على
حجية خبر الواحد بالاجماع! ومما استدل به على حجيه خبر الوحد بالاجماع المنقول من
الشيخ وغيره وهو مبني على اعتبار الاجماع المنقول وقد عرفت عدم اعتباره على انه
مبتلى بالمعارض وهو الاجماع المنقول من السيد المرتضى قده وقد يتمسك للاجماع بالسيرة المتشرعة فانهم يعملون
__________________
بخبر الواحد من
الصدر الأول الى زماننا ولا يحتاج في حجية السيرة الى امضاء من المعصوم أو تقرير
بل مجرد انعقاد السيرة يكشف من رضا المعصوم بخلاف بناء العقلاء فانه يحتاج في
التمسك في اثبات الدعوى الى امضاء وتقرير من المعصوم فانهم قد يبنون ويجرون
طريقتهم على شيء من غير اتباع الشارع فالتمسك ببناء العقلاء في
__________________
مثل المورد يتوقف
على تقرير من المعصوم واني لهم باثبات التقرير أو عدم الردع لا يقال بانه لو كان ردع
لاشتهر فعدم الشهرة يكشف عدم الردع وهو يكفي في اثبات المطلوب لانا نقول يمكن ان
تكون الجهة في عدم الردع غير الامضاء وذلك انه يجري طريقتهم على انهم لم يعملوا
بالامور الدينية اذ لم تكن الامور الدينية محلا لابتلائهم والردع انما يكون من
الشارع اذا كان موردا للابتلاء وهو الامر الديني إلّا ان يقال ان ذلك انما يكون في
اوائل الشريعة لا مثل هذه الاعصار التي استقر عمل العقلاء عليه في الامور الدينية
فان عملهم في مثل هذه الاعصار يكشف عن رضا المعصوم (ع) وبما ذكرنا يظهر ان الآيات
الناهية عن العمل بغير العلم غير قابلة للرادعية لانها لو كانت قابلة لمنعت من
حجية السيرة فمع انعقادها يكشف عدم قابليتها للرادعية لجهة او قرنية اختفت علينا
وهم قد اطلعوا عليها وليس البحث فيه الا بحثا علميا بعد ما عرفت من استقرار سيرتهم
على العمل بالظواهر وربما يقال في وجه عدم رادعية هذه الآيات ما ذكرناه سابقا من
كون هذه الآيات غير ناظرة الى تنقيح الموضوع بل تعطي حكما كليا تطبيقه بيد العرف
والعقلاء وقد عرفت ان مبنى العقلاء على العمل به وانه بمنزلة العلم لانطباق الآيات
على هذا المورد كما لا يخفى.
(الاستدلال على
حجية خبر الواحد بالدليل العقلي) وقد يستدل به على حجية خبر الواحد بالدليل العقلي
وقربه الشيخ الانصاري (قده) بانه عندنا علم اجمالي بوجود اخبار يعلم بصدورها فيجب
العمل بكل خبر ظن بصدوره او بمظنون المطابقة ثم اعترض عليه بانه لم يكن هذا الدليل موجبا للعمل بالخبر
بل يقتضى
__________________
الاحتياط في اطراف
العلم خيرا كان ام لا ثم صور صورا تارة يجب العمل بالاخبار خاصة ان كان عندنا علم
اجمالي بثبوت تكاليف في خصوص الاخبار
__________________
بمقدار المعلوم
بالاجمال الكبير فيوجب الانحلال فينتج العمل بالاخبار ، واخرى يكون عندنا علم
اجمالي لم يكن بمقدار المعلوم بالاجمال فلا يوجب الانحلال وجعل المقام من الثاني
واشكل عليه الاستاذ (قده) بانه لا يلزم من انحلال العلم الاجمالي الكبير بعلم
اجمالي بثبوت تكاليف في الاخبار بمقدار المعلوم بالاجمال بل ولو لم يكن وجود
تكاليف بمقدار ذلك ولكن وجود حجة صادرة من الامام (ع) بمقدار المعلوم بالاجمال
فانا نعلم بصدور أخبار بمقدار المعلوم بالاجمال وذلك موجب للانحلال ولأجل ذلك قرب
الدليل العقلي في الكفاية بوجه مختص بالخبر على وجه يرفع اشكال الشيخ الانصاري (قده)
فراجع ذلك ليتضح لك الحال.
وتحقيق المقام أنه
لا اشكال في كون العلم الاجمالي الصغير إن كان بمقدار المعلوم بالاجمال الكبير
موجب للانحلال بناء على ما سلكه الشيخ والاستاذ
__________________
قدسسرهما وإن كان لا يخلو عن الخدشة في ذلك وإن كان العلم الإجمالي
يبقى مع أى طائفة كانت تفرض بعزلها من الاخبار فلا يكون العلم الاجمالي منحلا
ومقتضاه رعاية العلم الاجمالي الكبير فيجب الاحتياط في أطرافه وإن كان العلم
الاجمالي يبقى على تقدير عزل شيء من الاخبار والانضمام الى طائفة معينة من
الامارات فلا يكون العلم الاجمالي منحلا إلا في الجملة اي بالنسبة الى ما لا يبقى
معه ذلك العلم من الطوائف فينبغي التخيير بين دائرة الاخبار وبين طائفة منها منضمة
الى سائر الامارات إذ ليس لنا إلا تكليف واحد متحقق في ضمن الأخبار مع الضم إلى
تلك الطائفة المعينة واما ضمها إلى بقية الطوائف فلم يكن هناك تكليف إذ لم يكن هناك
علم إجمالي فيكون مشكوكا شكا بدويا فتجري البراءة فمثل هذا العلم الاجمالي لا
يراعي بوجه إلا على وجه التخيير بين رعاية الاخبار وبين تلك الطائفة المعينة وبقية
الامارات بخلاف الاول فانه انما يوجب الاحتياط ولا ينحل العلم الاجمالي من جهة
وجود القطع لتحقق تكليف وراء ذلك التكليف فيعلم بتحقق تكليفين فيجب الاحتياط في
اطراف العلم الاجمالى الكبير لعدم انحلاله.
وبالجملة لا يجب
مراعاة العلم الاجمالي إلا على النحو الأول دون النحو الثاني فانه كما عرفت يجب
عليه التخيير بين دائرة الأخبار وبين تلك الطائفة المعينة وسائر الأخبار وكيف كان
فلا اشكال في جريان الاصول النافية في اطراف العلم الاجمالي واما الاصول المثبتة
فان كانت بمقدار العلم الاجمالي فتوجب انحلاله وإلّا فلا توجب الانحلال هذا ان
كانت عقلية وان كانت شرعية فان كانت اقل من العلم الاجمالي فلا ينحل وينحل اذا
كانت بمقدار يزيد على المعلوم بالاجمال ان كانت تلك الاصول في مورد الأمارات غير
الأخبار ، واما اذا كانت في موارد
الأخبار وكانت
بحيث تزيد على المعلوم بالاجمال فيشكل انحلال العلم الاجمالي لأنه اذا كانت في
موارد الأخبار فلا بد من توافق بعض الأخبار مع بعض الاصول فاذا حصل التوافق سقطت
الاصول من الاعتبار لحكومة الأخبار عليها كما هو المختار أو ورودها كما هو غير
المختار فيسقط البعض من الاصول عن الاعتبار ولما لم يكن لهذا البعض معين سقطت
الأصول عن الاعتبار ووجب العمل بمقتضى العلم الاجمالي وكذا اذا كانت الاصول بقدر
المعلوم بالاجمال في الأخبار إذ هو ايضا مع توافق بعض الاصول وبعض الأخبار يوجب
طرح بعض الاصول كسابقه على انه مع طرح الاصول لا يكون بمقدار المعلوم بالاجمال
واما لو كان العلم الاجمالي يبقى مع انعزال طائفة خاصة كما تقدم منا. وقلنا ان
مقتضاه التخيير ، فان قلنا بالاحتياط في دائرة الأخبار لم تكن الاصول المثبتة
موجبة للانحلال وان قلنا بالتخيير لزم بواسطة الأصول انحلال العلم الاجمالي كما لا
يخفى فتأمل في المقام فانه لا يخلو عن دقة.
__________________
ثم انه قال ان مقتضي
التقريب المتقدم هو مجرد وجوب العمل بالاخبار المثبتة للتكليف ولا تثبت به حجيتها
شرعا بنحو تنهض لصرف ظواهر الادلة
__________________
القطعية كالكتاب
والسنة ولكن لا يخفى ان جريان اصالة الظهور انما تجرى بعد الفراغ عن تحقق الظهور
وفي الأخبار الصادرة المعلومة بالاجمال ومع الشك لا تجري اصالة الظهور فحينئذ تبقى
العمومات والمطلقات على حجيتها. واما الاصول الشرعية فالنافية غير جاربة في اطراف
العلم الاجمالي ولو كانت غير معارضة لمانعية العلم الاجمالي من جريانها ، واما
المثبتة مما كان منها عقلية كقاعدة الاشتغال فلا مانع من جريانها لعدم تنافيها
للعلم الاجمالي ، وما كان منها شرعية كمثل الاستصحاب فهي وان قلنا بجريانها في
جميع اطراف العلم الاجمالي إلّا ان في المقام لا تجري لحكومة تلك الحجج الشرعية
على بعض تلك الاصول الجارية في مواردها وتخصيص
__________________
(لا تنقض) الموجب
لسقوط الجميع لعدم المرجح عن الاعتبار ولذا نقول بعدم قابلية الاصول المثبتة
لانحلال العلم الاجمالي بالاخبار الصادرة ولو كانت بضميمة الاصول المثبتة بمقدار
المعلوم بالاجمال هذا مع عدم احراز الظهور ، واما مع احراز الظهور كما هو كذلك لا
مانع من جريان اصالة الظهور وبه تسقط الاصول عن الاعتبار فافهم.
__________________
__________________
__________________
ومما استدل به على
حجية الاخبار الموجودة في الكتب المعتبرة عند الطائفة ما ذكره في الوافية ما لفظه
: (انا نقطع ببقاء التكليف الى يوم القيامة سيما بالاصول الضرورية كالصلاة والزكاة
والصوم والحج والمتاجر والانكحة ونحوها. مع ان جل اجزائها وشرائطها وموانعها إنما
يثبت بالخبر غير القطعي بحيث يقطع بخروج حقائق هذه الامور عن كونها هذه الامور عند
ترك العمل بخبر الواحد ومن انكر انما ينكر باللسان وقلبه مطمئن بالايمان) انتهى
موضع الحاجة من نقل كلامه قدسسره واعترض عليه الشيخ الانصاري قدسسره.
اولا ـ بأن العلم
الاجمالي حاصل بجميع الاخبار لا خصوص الاخبار الموجودة بالكتب المعتمد عليها عند
الطائفة ، فعليه يجب العمل بكل خبر او العمل بكل مظنون الصدور.
ثانيا ـ ان هذا
الدليل إنما يفيد اعماله في الاخبار المثبتة ، واما الاخبار النافية فلا يتأتى إذ
مقتضى العلم الاجمالي الاحتياط ، والاحتياط إنما يكون في الاخبار المثبتة دون
النافية.
اقول الانصاف : ان
الكتب التي هي محل الاعتماد كالكتب الاربعة ليست كسائر الامارات الظنية ، إذ هي
محل للاطمئنان ، والعمل بهذه الاخبار الموجودة في تلك الكتب يختلف فكل بحسبه ،
فالعمل بالاخبار المثبتة ان كانت متعلقة بالجوارح وهي الاعمال الخارجية ، فهو وإلا
كان بالجوانح وهي الاعمال القلبية كالاعتقادات التي ترجع الى الجنان وان كانت
الاخبار النافية ، فالعمل بها هي الموافقة للجنانية النافية التي قام على اعتبارها
دليل قطعي فكما ان الذي قام على اعتباره دليل قطعي
يجب الاخذ بمفاده
، فكذا هذه الاخبار. هذا بناء على وجوب الموافقة الالتزامية ، واما بناء على عدم
وجوب الموافقة الالتزامية فلا يلزم البناء في كلا المقامين والعمل إنما يكون
بالبناء القلبي ولكن غير لازم ، ويمكن ان يقال بوجود العلم الاجمالي بثبوت تكاليف
في مورد الاخبار النافية فلا تكون معتبرة بل تكون ساقطة عن الاعتبار لوجود العلم
الاجمالي ، ولكن لا يخفى ان دعوى مثل هذا العلم الاجمالي في مثل المقام محل منع
ولاجل ما ذكرنا عدل الاستاذ قدسسره في الكفاية الى اشكال آخر ما لفظه : (بأن قضيته إنما هو
الاحتياط بالاخبار المثبتة فيما لم تقم حجة معتبرة على نفيهما من عموم او اطلاق لا
الحجية بحيث يخصص او يقيد بالمثبت منها او يعمل بالنافي في قبال حجة على الثبوت
ولو كان اصلا كما لا يخفى انتهى).
والحق في الجواب
عن هذا الاشكال هو ان العمومات والاطلاقات في قبال الاخبار النافية لا اعتبار بها
لانا نعلم بتخصيصها وتقييدها بتلك الاخبار فتكون مجملة إذ هي متخصصة بمبهم فتكون
بحكم المجمل فلا اعتبار بتلك العمومات والاطلاقات كما انه لا اعتبار بالاصول
الشرعية في قبال تلك الاخبار النافية لانه مع العلم بصدور بعض الاخبار تكون الاصول
الشرعية محكومة فتسقط الاصول الشرعية عن الاعتبار ، واما الاصول العقلية فالحكم
بالاشتغال في مسألة الشك في الشرطية والجزئية ، وستعرف ان شاء الله تعالى ان الحق
في تلك المسألة هو القول بالبراءة ، وان القول بالاشتغال خلاف التحقيق ولو وجد
مورد من غير تلك المسألة يكون مجرى قاعدة الاحتياط فهو نادر ولو فرض فلا يضر كونه
في قبال الاخبار النافية فتأمل في المقام.
ومما استدل به على
حجية الخبر ما ملخصه انه لا اشكال ولا ريب بوجوب العمل بالكتاب والسنة والاجماع ،
فان امكن الرجوع اليهما بالعلم فهو وإلا فلا بد من الرجوع اليهما على وجه يحصل
منهما الظن ، ولكن لا يخفى انه ما المراد بالوجوب ان كان المراد به الوجوب العقلي
الناشئ عن الكتاب والسنة من جهة مراعاة الاحكام الواقعية فهو يرجع الى ما سيأتي ان
شاء الله من دليل الانسداد ، وتعرف من قريب الدليل والجواب ان شاء الله تعالى ،
وان كان المراد من الوجوب الوجوب العقلي ولكن غير ذلك الوجوب العقلي الذي ذكرناه
سابقا ، بل يكون ناشئا من العلم الاجمالي بصدور ما بأيدينا من الاخبار فهو راجع
الى الدليل السابق ، وقد مر تقريبه والجواب عنه وان كان المراد من الوجوب الوجوب
التعبدي أي يجب علينا تعبدا العمل بالاخبار وظواهر الكتاب. فنقول : انه ليس من
المتفق عليه العمل بها كيف وقد خالف جل الاخباريين في العمل بظواهر الكتاب ،
وبالجملة المسألة لم تكن بهذا الوضوح والظهور كما لا يخفى علي من تأمل.
هذا تمام الكلام
في حجية خبر الواحد وبذلك يتم البحث عن الظنون الخاصة والحمد لله رب العالمين.
حجية مطلق الظن
المبحث السابع :
في ان مطلق الظن حجة خبرا كان أو غيره ، وقد استدل عليه بوجوه :
الأول ـ ان في
مخالفة الظن بالوجوب أو التحريم مظنة للضرر ودفع الضرر المظنون واجب ، أما الصغرى
فللملازمة بين الظن بالوجوب أو الحرمة وبين الظن بالعقوبة على المخالفة أو الظن
بالمفسدة بناء على تبعية الأحكام للمصالح والمفاسد. وأما الكبرى فلاستقلال العقل
بدفع الضرر ولكن لا يخفى انه ما المراد من الضرر هل الأخروي أو
الدنيوى؟ فان كان المراد بالضرر
__________________
الاخروي فنمنع
الصغرى وهي كون مخالفة الظن بالوجوب أو التحريم مظنة
__________________
للضرر إذ كونه
مظنة للضرر لا يكون إلا وأن يكون التكليف الواقعي منجزا
__________________
بالظن ، ولا يحصل
التنجز إلا بعد تمامية مقدمات الانسداد ، فمع عدم تماميتها لا تكليف واقعي منجز
بهذا الظن ، وحيث ان مخالفته لا تترتب عليه عقوبة ، فلا يظن بالضرر بل هو مجال حكم
العقل بقبح العقاب من دون بيان ، فمع حكم العقل بالبراءة يقطع بانتفاء العقوبة ،
فلا تحصل مظنة بالضرر ، بل يقطع بانتفاء الضرر ، وان كان المراد من الضرر هو الضرر
الدنيوي فأيضا يمكن منع الصغرى اذ التكاليف انما تتبع المصالح والمفاسد ، وليست
تابعة للمضار والمنافع ، فمع مخالفة التكليف المظنون يظن فوات المنفعة أو الوقوع
في المفسدة ، وليس فوات المنفعة أو الوقوع في المفسدة اللذان انيطت بهما الأحكام
بمضر لعدم التلازم بين فوات المنفعة والوقوع بالمفسدة وبين المضرة مع ان المصالح
والمفاسد التي انيطت بها الأحكام بحسب الغالب إنما هي المصالح النوعية والمفاسد
النوعية ، وعلى تقدير الملازمة فانما هي بين المفاسد النوعية وبين المضرة النوعية
ومن الواضح ان الذي يجب دفعه هي المضرة الشخصية لا النوعية. اللهم إلا ان يقال انا
نمنع الغلبة النوعية ، بل الذي هو الغالب في باب الأحكام المضرة الشخصية ، ولما
كان المناط بحسب الغالب المضرة الشخصية ، فلا مانع من الالتزام بأن ترخيص الشارع
في الاقدام يدل على تدارك الضرر المظنون او المحتمل فيتوقف على اثبات البراءة
الشرعية كما افاده شيخنا الأنصاري قدسسره في رسائله . وأورد عليه بعض الأعاظم (قده)
__________________
__________________
من ان تدارك الضرر
انما يجب على الشارع اذا كان قد اوقع المكلف في خلاف الواقع
__________________
الشارع قد أوقع
المكلف في خلاف الواقع ، إذ لو لا التعبد بالاصول لكان المكلف
__________________
قد وقع في المفسدة ،
ولكن لا يخفى ما فيه إذ بعد فرض كون المفسدة هى الضرر لا بد للشارع من حفظ المكلف
من الوقوع فيه ولو بايجاب الاحتياط. ثم لا يخفى ان المناط لما كان الغالب هي
المضرة الشخصية دون المضرة النوعية كان الاولى العدول عما ذكر من الجواب على تقدير
ان يراد من المضرة هى المضرة الدنيوية. والجواب عنه بنحو آخر بأن يقال بمنع الكبرى
وهي وجوب دفع الضرر المظنون فان الحكم بدفع الضرر المظنون ان كان هو الحكم فيها
بملاك التحسين والتقبيح فيكون الحكم عقليا فلا يجب مراعاته إلا على القول
بالملازمة بين الحكم العقلي ،
__________________
والحكم الشرعي.
وقد عرفت من مطاوى كلماتنا بمنع الملازمة وحينئذ نقول بعدم التلازم بينهما ، فلا
اشكال في عدم كون العقل يدرك جميع مقتضيات الشيء وموانعه ، وليس لأحد ذلك إلا
للشارع الحكيم العالم بجميع مقتضياته وموانعه فاذا كان ذلك كذلك فربما يحكم العقل
بشيء وكان له مانع لم يدركه ومنع عنه الشارع لاطلاعه على المانع فينفك حكم العقل
من حكم الشارع. وأما اذا كان حكمه حكما جبليا فقد استقرت سيرة المتشرعة على العمل
به فهو لا يكون حكما عقليا محضا ، وانما هو من الأحكام الشرعية لقيام سيرة
المتشرعة على العمل به على انه يمكن لنا منع قيام السيرة فافهم وتأمل.
الثاني ـ مما
استدل به على حجية مطلق الظن هو انه لو لم يؤخذ بالظن واخذ بغيره لكان ترجيحا بلا
مرجح واللازم باطل ، فكذا الملزوم ، وفيه
__________________
انه لا ينبغي جعل
هذا الدليل دليلا برأسه بل هو أحد مقدمات دليل الانسداد ، فبضم باقي المقدمات الى
هذه المقدمة ينتج تعين الأخذ بالظن فهو راجع الى دليل الانسداد ، فلا معنى لجعله
دليلا برأسه وان لم ينضم الى سائر المقدمات فلا ينتج تعين الأخذ بالظن وتقديمه على
الوهم والشك كما لا يخفى فافهم.
الثالث ـ مما
استدل على حجية مطلق الظن ما عن السيد الطباطبائي قدسسره من انا نعلم بوجود محرمات وواجبات ، فبمقتضى هذا العلم
الاجمالي الاحتياط في جميع اطراف العلم الاجمالي ولكن يلزم من الاحتياط العسر
المنفي بلسان الاخبار ، فالجمع بين قاعدة الاحتياط وقاعدة نفي العسر يقتضي اتيان
المظنونات وترك المشكوكات والموهومات. وفيه ما لا يخفى انه راجع الى دليل الانسداد
فان انضم الى باقي المقدمات تعين الأخذ بالظن وعليه لا معنى لعده
__________________
دليلا مستقلا في
قبال دليل الانسداد وان لم ينضم الى بقية مقدمات الانسداد فلا ينتج تعين الأخذ
بالظن فلذا ينبغي صرف الكلام الى بيان دليل الانسداد واغماض النظر عن هذين
الدليلين الاخيرين واطناب الكلام في بيانهما وبيان ردهما بلا فائدة بعد ارجاعهما
الى دليل الانسداد كما لا يخفى.
دليل الانسداد
الرابع ـ الدليل
المعروف بدليل الانسداد فقد استدل به على حجية مطلق الظن وهو مركب من مقدمات اربعة
كما عن الشيخ الأنصاري في رسائله ، ومن مقدمات خمسة كما عن الاستاذ في كفايته الاولى : العلم الاجمالى بوجود واجبات
__________________
ومحرمات فعلية.
الثانية : انسداد باب العلم والعلمي. الثالثة : لسنا مهملين
__________________
فلا يجب لنا
التعرض للاحكام الشرعية. الرابعة : عدم وجوب الاحتياط للعسر والحرج او لاختلال
النظام وعدم الرجوع الى الاصول او فتوى الفقيه. الخامسة : ترجيح المرجوح قبيح
فينتج من هذه المقدمات تعين العمل بالظن ولا يخفى ان كون المقدمات اربعة او خمسة
انما هو باعتبار النتيجة فان عد العلم الاجمالى من المقدمات تكون النتيجة التبعيض
في الاحتياط محضا وان لم يعد العلم الاجمالى منها تكون النتيجة اما بنحو الحكومة
او الكشف على تفصيل يأتي ان شاء الله تعالى وينبغي قبل بيان هذه المقدمات والتعرض
الى تفصيلها ، بيان أمر آخر وهو انه لا اشكال ولا ريب ان العقل لما كان حاكما
بالبراءة من جهة قبح العقاب من دون بيان فلا بد من الخروج عن هذا الحكم لأجل وجود
بيان لكي يرفع حكم العقل فحينئذ ينبغي لنا تعيين ما هو المصحح للعقوبة على
المخالفة والمثوبة على الموافقة.
فنقول : تنجز
التكاليف بالبيان على نحو يرتفع موضوع حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان يتصور على
اربعة مسالك :
الأول ـ منجزية
تلك الأحكام بالعلم كما هو مبنى الاستاذ في الكفاية حيث عد الاجمالي من مقدمات
دليل الانسداد فجعل بيانية تلك الأحكام الواقعية منحصرة بالعلم ، فاذا وجد بيان
ارتفع موضوع حكم العقل بالبراءة فمقتضى بيانية العلم الاجمالي بالاحتياط الكلي في
جميع اطراف العلم الاجمالي من المظنونات والمشكوكات والموهومات فاذا كان العلم
الاجمالي يوجب ذلك فيلزم العسر
__________________
والحرج فبضميمة
حكم العقل بقبح ترجيح المرجوح على الراجح فيتعين العمل بالظن ولكن يشكل على من جعل
منجزية الأحكام بالعلم الاجمالي وجعله أحد مقدمات دليل الانسداد كما ذكرها الاستاذ
قدسسره في الكفاية فعليه لا ينتج الدليل المذكور إلا الحكومة ولا
يكون للكشف مجال لأن تعيين العمل في الظن في المظنونات هي من وظائف حكم العقل وليس
للشارع حكم مولوي. نعم يمكن صحته على نحو الارشادية إذ به رجح الظن على غيره
فترديد النتيجة على هذا المسلك بين القول بالكشف أو الحكومة لا معنى له بل يتعين
حمله على الحكومة كما لا يخفى وايضا يشكل بأن غرض المستدلين بهذا الدليل هو تعيين
ما هو البيان ويكون رافعا لموضوع البراءة فيكون الظن مثبتا للتكليف وهذا ينافى
انحصار البيانية بالعلم الاجمالي إذ مع كونه بيانا لا معنى لبيان آخر فيكون العمل
بالظن مع كون البيان بالعلم ليس إلا كونه مرجعا في مقام الاسقاط والخروج عن عهدة
التكليف. وبالجملة كون الظن هو البيان لا بد من انحلال العلم الاجمالي وينحصر
بيانيته بالظن لكونه من صغريات قيام امارة تثبت التكليف في اطراف العلم الاجمالي
ولا اشكال في انحلال مثل هذا العلم الاجمالي والمفروض انه على هذا المسلك تنحصر
البيانية في العلم ولا يكون غيره بيانا ثم انه على القول بكون الظن هو البيان
بمقدمات الانسداد بني على اعتباره من قبل الشارع كما يقوله أهل الكشف فهل يكون
اعتباره بنحو البدلية او فقط هو مثبت للتكليف وجهان الظاهر هو الثاني لأنه لو كان
على نحو البدلية يكون لازمه انتفاء الحكم في المشكوكات فمع انتفاء الحكم فيها يخرج
المشكوكات من اطراف العلم الاجمالي ومن الواضح بطلان اللازم لما نجد في انفسنا
وجود الشك في التكليف على نحو يتساوى فيه الطرفان
من غير مرجح كما
لا يخفى.
المسلك الثاني ـ في
ان منجزية تلك الأحكام غير منحصرة بالعلم ، بل يعم العلمي ايضا وعليه يكون في مورد
وجوب الاحتياط تكون العقوبة على نفس الاحتياط ولم يكن العقاب على نفس الواقع لعدم
تحقق البيان له لكي يتنجز ، ومع عدم تحقق البيان والتنجز لا تترتب العقوبة عليه
وايضا لازم هذا المسلك ان نتيجة دليل الانسداد هو الكشف دون الحكومة بعكس المسلك
المتقدم فلازمه الحكومة دون الكشف لان قضية انسداد باب العلم والعلمي وعدم اهمال
التكليف بالنسبة الينا حصول العلم بوجود بيان من الشارع وبمقتضى بطلان الاحتياط
وقبح ترجيح المرجوح يتعين البيان بالظن فيكون الظن هو البيان المنصوب من قبل
الشارع فاذا وجد بيان من الشارع انحل ذلك العلم الاجمالي بوجود تكاليف لقيام إمارة
من الشارع على أحد أطراف ذلك العلم الموجب لسقوط العلم عن المؤثرية.
المسلك الثالث ـ فى
منجزية تلك الأحكام وان منجزية تلك الأحكام غير منحصرة بما ذكر من العلم أو العلمي
بل يعم ذلك والاحتمال المتعلق بالتكليف الذي يحرز اهتمامه ، فكما ان العلم والعلمي
منجزان للواقع كذلك الاحتمال المهتم به ايضا منجز للواقع مثلا الشارع اوجب
الاحتياط مع احتمال التكليف ليس إلا لمنجزية الاحتمال كالاختبار للحائض ، وكوجوب
الفحص مع احتمال التكليف ، فان الاختبار والفحص ليس إلا لمنجزية ذلك الاحتمال.
وبالجملة ان عندنا كثير من الموارد يعرفها المتتبع يتنجز التكليف فيها بمجرد
الاحتمال وليس مجرد الاحتمال يوجب تنجز التكاليف بل لا بد من ايجاد دليل يدل على
وجود الاهتمام بهذا
الاحتمال وقد عرفت
انه بمقتضى المقدمة الثالثة انا لسنا بمهملين وان الشارع
__________________
مما اهتم بالتكليف
فلا بد من حكم العقل بطريق أدنى من العلم وليس إلا الظن إذ هو القدر المتيقن فعليه
تكون النتيجة حجية الظن من دون احتياج الى ضم بقية المقدمات الأخر ، بل يكفى
انسداد باب العلم أو العلمى وعدم الاهمال وضم مقدمة لم يذكرها الشيخ في رسائله ،
والمحقق الخراساني في كفايته قدسسرهما وهي اهتمام الشارع فيحكم العقل باتباع الظن ولا يحتاج الى
ضم بطلان الاحتياط وترجيح المرجوح ، ولا يخفى ان النتيجة على هذا المسلك هي
الحكومة لأن العقل يحكم باتباع الظن بمقتضى المقدمات الثلاث.
المسلك الرابع ـ في
ان منجزية تلك الأحكام بما ذكرناه في الفرض السابق مع زيادة عليه وهي كون المنجزية
من اساس الدين ، فان التكاليف تارة
__________________
يتبين منها على
وجه يتحقق بها اساس الدين ، واخرى لم يتبين ذلك فعلى الاول يجري قبح العقاب بلا
بيان بالنسبة الى الزائد عما يتبين به اساس الشريعة.
وعلى الثاني لا
تجري قاعدة قبح العقاب بلا بيان لأن العقل حاكم باتيان ما به اساس الدين ، فكل
مورد يحتمل كونه منه يجب الاتيان به وعلى هذا المسلك يكون دليل الانسداد ايضا
مركبا من ثلاث مقدمات انسداد باب العلم أو العلمى واحتمال المنجزية بمناط كونه
اساس الدين وترجيح المرجوح قبيح فحينئذ يتعين العمل بالظن فهو كالمسلك المتقدم في
كون دليل الانسداد مركبا من ثلاثة مقدمات غاية الأمر ان الفرق بينهما احتمال
المنجزية في المسلك السابق انه اذا لم يبلغ الى كونه مما اهتم به لا يكون منجزا
بخلاف هذا المسلك فانه بمجرد الاحتمال يتنجز التكليف ولا يحتاج الى احراز الاهتمام
، وبالجملة المسالك التي ذكرناها اربعة فعلى المسلك الاول دليل الانسداد مركب من
مقدمات خمسة كما ذكره الاستاذ في الكفاية وعليه تكون النتيجة هي الحكومة ثبوتا ،
وعلى المسلك الثاني يكون دليل الانسداد مركبا من مقدمات اربعة كما ذكره الشيخ في
الفرائد وتكون النتيجة هى الكشف ثبوتا ، وعلى المسلك الثالث تكون النتيجة مركبة من
ثلاثة مقدمات انسداد باب العلم والعلمي وعدم الاهمال واحتمال الاهتمام فتكون
النتيجة هى الحكومة اثباتا لا ثبوتا وعلى المسلك الرابع ايضا الدليل يتركب من ثلاث
مقدمات انسداد باب العلم والعلمي واحتمال المنجزية بمناط كونه اساس الدين وترجيح
المرجوح قبيح فتكون النتيجة هي الحكومة اثباتا لا ثبوتا ، بقي الكلام في ما ذكره
الاستاذ قدسسره في الكفاية مسلكا خامسا هو ما ذكره في المقدمة الثانية بما
حاصله هو ان الامور الواقعية انما تتنجز بنصب الحجة او بانشاء حكم الاحتياط
وهذان المنجزان
يتركان في كون كل واحد منهما في ظرف الشك ولكن يفترقان حيث ان الأول في مقام تنزيل
المؤدي ، والثاني حكم في ظرف الشك وحينئذ اذا علمنا انا مكلفون في الوقائع ولكن
حصل التردد في كيفية اعتبار المنجز هل هو بنحو الأول أو الثاني والنحو الأول من
المتيقن اعتباره فحينئذ يجب الاحتياط ولما كان الاحتياط عسرا تعين العمل
بالمظنونات لقبح ترجيح المرجوح انتهى ما لخصناه من كلامه قدسسره.
اقول : انه على
هذا المسلك الخامس يوجب انحلال العلم الاجمالي فاذا انحل العلم الاجمالي يسقط عن
منجزية تلك الأحكام فحينئذ يتوجه الاشكال على الاستاذ قدسسره انه بذلك يحصل التنافي لما جعله من كون العلم الاجمالي
منجزا اذا عرفت ما ذكرناه لك من المسالك الخمسة في منجزية الأحكام الواقعية ،
فاعلم ان المختار من هذه المسالك هو المسلك الثالث ، أما المسلك الأول الذي منجزية
الاحكام بالعلم الاجمالي فقد عرفت انحلاله بالحجة المستكشفة من مقدمة عدم الاهمال
فمع الانحلال يسقط العلم عن المنجزية ، وأما المسلك الثاني فقد عرفت في جعل الطرق
والامارات من انه لا ينحصر المنجزية في خصوص الامارات بل يعم حتى الاحتمال المهتم
به ، وأما المسلك الرابع فهو لا يصار اليه إلا في صورة عدم احراز الاهتمام وبمقتضى
مقدمة عدم الاهمال فقد احرز احتمال الشارع لتلك التكاليف.
وأما المسلك
الخامس ـ فمقتضاه انحصار المنجزية في نصب الحجة وجعل الاحتياط وقد عرفت عدم
الانحصار بل يكفي في المنجزية احراز الاهتمام ثم انه على تقدير منجزية العلم
الاجمالي ، أما ان يكون العلم الاجمالي في الدوائر واحدا أو متعددا وعلى تقدير
التعدد اما ان يكون في كل دائرة علم لا ربط له بدائرة اخرى
أو يكون التعدد
بالتلفيق بأن يكون علم اجمالي في دائرة المظنونات مع بعض المشكوكات والموهومات مع
بعض المظنونات وضابطة تعدد العلم واتحاده انه لو انعزل المظنونات وبقيت المشكوكات
مع الموهومات فان بقي العلم الاجمالي مع انعزال تلك الدائرة فهو متعدد وإلا فمتحد.
فاذا كانت العلوم
متعددة بحسب الدوائر كانت نسبة الاحتياط الى تلك الدوائر على السوية ولا مزية له
مظنونات على غيرها ولا يلزم العمل بالاحتياط في الموهومات ترجيح بلا مرجح ولكن
الانصاف أن دعوى تعدد العلم الاجمالي بحسب الدوائر مخالفة للوجدان إذ الوجدان حاكم
بأنه ليس لنا إلا علم اجمالي واحد بين تلك الدوائر فبمقتضى هذا العلم الاجمالي
العمل بجميع الدوائر وهو الاحتياط. ولكن الاحتياط باطل لمانع إما عقلي وهو ما يكون
موجبا لاختلال النظام ، أو شرعي وهو ما كان موجبا للعسر والحرج الذي لا يبلغ إلى
حد اختلال النظام.
أما الكلام في
بطلان الاحتياط من جهة الاخلال بالنظام فيحكم العقل ببطلان الاحتياط فمقتضاه
التخيير بين الدوائر ولكن لما كان ترجيح المرجوح قبيحا تعين العمل على مقتضي الظن
فيترك الاحتياط في دائرة المشكوكات والموهومات وهذا واضح ولكن الاشكال في أن
الترخيص الناشئ من حكم العقل بترك الاحتياط هل هو مطلق أو مشروط بمراعاة الاحتياط
في دائرة المظنونات بحيث لو ترك الاحتياط في دائرة المظنونات يجب العمل بالاحتياط
في المشكوكات أو الموهومات فيه وجهان مبنيان على مسألة الترتب فمن قال ببطلانه قال
بالاول ، ومن قال بصحته قال بالثاني.
فعلى الأول يكون
التكليف واحدا في دائرة المظنونات. وعلى الثاني :
يكون متعددا
أحدهما في دائرة الظنون مطلق والآخر في دائرة المشكوكات والموهومات مشروط بترك
الاحتياط في الظنون هذا بكليهما في التكليف الناشئ من حكم العقل.
وأما التكليف
الواقعي فيختلف حاله بالنسبة الى العلم بفعلية التكليف وعدمه من جهة الخلاف في كون
التكليف بالاحتياط واحدا أو متعددا ، فمن قال بالوحدة نظرا الى محالية الترتب عنده
كان اللازم القول بعدم فعلية التكليف لأنه من المحتمل كون التكليف في دائرة
المشكوكات والموهومات ، فعلى تقدير وجوده لا يكون فعليا لوجود الترخيص ففي دائرة
المظنونات نشك في وجوده فلا يكون فعليا. ومن قال بالتعدد نظرا الى صحة الترتب يكون
التكليف بالواقعي فعليا لأنه على هذا القول بتولد علم اجمالي بفعلية التكليف إما
مطلقا يتحقق في ضمن المظنونات أو مشروطا يتحقق في ضمن المشكوكات والموهومات فظهر
من ذلك ان انحصار المنجزية في العلم الاجمالي مع الذهاب الى الترخيص المطلق
متنافيان لأن الترخيص المطلق مستلزم لعدم تنجيز العلم الاجمالي.
بيان ذلك انه على
تقدير انحصار التنجز بالعلم يلزم العمل بجميع الأطراف للخروج عن العهدة ولما كان
العمل بجميع الأطراف متعذرا سقط حكم العقل بالعمل بالجميع الذي هو الاحتياط التام
، فالمقام يكون من قبيل ما لو تعذر بعض اطراف العلم غير المعين منجزا وكان بمقتضى
حكم العقل التخيير بين الدوائر الثلاثة وبمقتضى المقدمة الأخيرة وهي قبح ترجيح المرجوح
تعين العمل في خصوص المظنونات فتكون المشكوكات والموهومات تحت الترخيص المطلق فعلى
تقدير وجود التكليف فيهما لا يكون فعليا فلا يكون منجزا لأن التنجيز فرع الفعلية
فلا يكون العلم بيانا
مع كون الترخيص
مطلقا سواء قلنا بأنه علة تامة أو قلنا بأنه مقتض ، وأما لو كان الترخيص مشروطا في
دائرة المشكوكات فيجتمع بيانية العلم مع حكم العقل أو القول بالتبعيض فنعلم اجمالا
بتوجه تكليف اما مطلقا في دائرة المظنونات أو مشروطا في دائرة المشكوكات
والموهومات فيجب عليه بسبب توجه هذا التكليف العمل بدائرة المظنونات فان عصي فيجب العمل
في دائرة المشكوكات والموهومات.
وبالجملة : الموجب
لحصر التنجيز في خصوص العلم هو كون العلم مقتض للتنجز والقول بالترتب لكي يتم ما
ذكره من دليل الانسداد إذ مع عدم أحدهما لا يتم الدليل المذكور مع حصر التنجز
بالعلم إذ لا أظن أن القائلين بالانسداد يلتزمون ذلك فلو قال بعلية العلم الاجمالي
لا يجري الدليل المذكور حيث لا معنى لمجيء الترخيص أو القول بعدم الترتب فانه ايضا
لا يجري الدليل المذكور.
اذا عرفت ما ذكرنا
لك من المسالك الخمسة فاعلم انه يقع الكلام في بيان مقدمات باب الانسداد فاعلم ان
المقدمة الاولى لا اشكال في انسداد باب العلم الوجداني فان العلم التفصيلي بالحكم
من النصوص المتواترة ومن الاجماعات القطعية قليل لا يفي بالأحكام الشرعية وأما
بالنسبة الى انسداد باب العلم فهو في محل المنع لما عرفت من تمامية الأدلة الدالة
على حجية خبر الواحد الموثوق الصدور الدال على معظم الأحكام الشرعية بنحو لا يحصل
محذور من الرجوع الى الاصول العملية الجارية في الموارد الخالية من النصوص. ولذا
كان البحث في أن دليل الانسداد بنحو الحكومة أو الكشف قليل الفائدة.
وأما المقدمة
الثانية : التي هي عدم اهمال التكاليف في الوقائع المشكوكة
والرجوع الى
البراءة الأصلية مما لا اشكال في اعتبارها وانما الكلام في مدرك هذه المقدمة هل هو
العلم الاجمالى بالتكليف أو هو الاجماع او محذور الخروج عن الدين وقد عرفت اختلاف
النتيجة حكومة وكشفا أو تبعيضا والظاهر أن المدرك هو الاجماع ومحذور الخروج عن
الدين وبذلك يستكشف وجود مرجح آخر مثبت للتكاليف الواقعية بالمقدار الكافي غير
العلم الاجمالى وعليه يسقط العلم الاجمالى عن البيانية لانحلاله بذلك المنجز بل
ربما يقال ان المدرك هو خصوص محذور الخروج عن الدين لاحتمال ان يكون مدرك المجمعين
هو ذلك وعليه لا معنى للتبعيض.
وبما ذكرنا يظهر
انه لا حاجة لما التزمه صاحب الكفاية (قده) من انحلال العلم الاجمالى بالأحكام
الثابتة في موارد الاصول المثبتة مع ضم الاجماعات القطعية والنصوص المتواترة أو
المحفوفة بالقرينة وما علم من الأحكام الشرعية.
وأما المقدمة
الثالثة : التي هي عبارة عن بطلان الرجوع الى الطرق المقررة للجاهل من التقليد أو
الاصول المثبتة أو الأخذ بالاحتياط فمدركه هو دعوى الاجماع القطعي على عدم جواز
الرجوع الى مثل التقليد ونحوه إذ ذلك وظيفة الجاهل ولا يشمل مثل من كان باذلا جهده
لبطلان مدرك العالم المخطئ له في اعتقاده كما انه لا معنى للرجوع الى الاصول
النافية لتحقق العلم الاجمالى بالتكاليف والمستلزمة للمخالفة القطعية المعبر عنه
بالخروج عن الدين ، وأما المثبتة كالاستصحاب والاحتياط في الموارد التي تكون
الشبهة من أطراف العلم الاجمالى فقيل بعدم جريانها لوجهين : الاول منافاته للعلم
الاجمالى كما عن الشيخ الانصاري قدسسره. والثاني قصور في المجعول الذي هو مفاد الاصول التنزيلية
كما عن
بعض الاعاظم (قده)
حيث أن مفادها البناء العملي وبالاخذ بأحد طرفي الشك والغاء الطرف الآخر تشريعا
وذلك انما يتم في الشبهات البدوية لا المقرونة بالعلم الاجمالى إذ مع تحققه يعلم
بانتقاض الحالة السابقة وانقلاب الاحراز السابق الى احراز آخر يضاده وحينئذ لا
يمكن الحكم ببقاء الحالة السابقة تعبدا إذ لا يعقل اجتماع الاحراز التعبدي مع
الاحراز الواقعي ولكن لا يخفى ما في هذين الوجهين من النظر أما لزوم الاحتياط
للعسر والحرج فهو ممنوع لقلة موارده.
وأما عن الثاني
فلما ذكرناه سابقا ان اليقين الوجداني يتعلق بالعنوان الاجمالى من دون سرايته الى
الخصوصيات فلا مانع من جريان الاصل بالنسبة الى الخصوصيات وتحقق اليقين بالعنوان
الاجمالى لتغاير متعلقيهما ، فلا يكون الاحراز التعبدي منافيا للاحراز الواقعي فان
متعلق الاصول هي العناوين التفصيلية المتعلقة للشك والعنوان الاجمالى قد تعلق به
اليقين فلا يكون أحدهما مضادا للآخر إذ موضوع التعبد بالابقاء ليس هو اليقين بأحد
العنوانين ولا احد الخصوصيتين لكي ينافي العلم الاجمالى وإنما هو العنوان على نحو
التفصيل اللهم إلا ان نقول بسراية العلم الاجمالى الى الخصوصيات ، وقد عرفت ضعفه
وبما ذكرناه يندفع ما يقال المنع من جريان الاصول المحرزة بتحقق المضادة بينهما
وبين العلم الاجمالى.
واما بطلان
الاحتياط فالذي يدل عليه الاجماع القطعي وقاعدتي نفي العسر والحرج بل واختلال النظام
النوعي والشخصي من غير فرق بين ان يكون الحاكم بالاحتياط به هو العقل من جهة العلم
الاجمالي او الحاكم به الشرع من جهة الاجماع.
لما عرفت من ان
الاجماع القطعى وادلة نفي العسر والحرج تدل على
عدم وجوبه. نعم
وقع الاشكال بالنسبة الى الأخير بدعوى ان ادلة نفى العسر والحرج ترفع الأحكام التي
يكون لها حالتان : حالة عسره او حرجه ، وحالة غيرهما كأدلة الضرر تارة ولا تتصف به
اخرى ، واما لو كان الحكم دائما ضرريا كالزكاة والجهاد فلا تشمله تلك الأدلة
والاحتياط من قبيل الثاني فانه ليس إلّا ضرريا ولكن لا يخفى ان ذلك يتم لو كان
دليل نفي الحرج ناظرا الى خصوص إيجاب الاحتياط واما لو كان نظره الى الحكم الواقعي
فلا اشكال في اتصافه بحالتين حالة تكون امتثاله حرجا وعسرا ، واخرى لا يلزم ذلك
فعلى الأول يكون عسره لأجل الاشتباه فيرتفع فعلية ذلك الحكم الملازم لانتفاء وجوب
الاحتياط وبذلك يجاب عن شبهة عدم شمول ادلة نفي الضرر والحرج لنفي الاحتياط العقلي
بتقريب ان الضرر والحرج لا يتأتيان من نفس الحكم الشرعى وانما حصلا بالأمر الخارجي
وهو حكم العقل بالجمع بين المحتملات وحينئذ ادلة الضرر والحرج لا تكون ناظرا لمثله
حتى يكون منفيا بعموم تلك الأدلة. وقد عرفت ان ذلك مندفع لأن الضرر والحرج وان
كانا من جهة امر خارجي ولكن منشأ ذلك هو فعلية التكاليف المجهولة. ومن الواضح ان
تلك الادلة ترفع ايجاب الاحتياط باعتبار انها ترفع منشأه ـ اعني فعلية تلك
التكاليف ـ. نعم بقي في المقام ما ينبغي له التعرض هو ان الشيخ الانصاري قدسسره ذكر في ذيل المقدمة الثالثة ما ملخصه ان العلم الاجمالى لما كان مقتضيا للعمل بجميع
الاطراف
__________________
ولزم من رعاية
الاحتياط عسر وحرج فينتج من ذلك التبعيض بالاحتياط بمقدار
__________________
يرتفع به العسر
بأن لا يعمل بالاحتياط في الموهومات ويعمل بالاحتياط في
__________________
المظنونات
والمشكوكات ودعوى لزوم الحرج بضم المشكوكات الى المظنونات خلاف
__________________
الأنصاف لقلة
المشكوكات لكون الغالب أما الظن بالوجوب أو بالعدم اللهم إلا أن يقوم اجماع على
ترك العمل بالمشكوكات ولكن الانصاف أن دعوى قيام الاجماع على ترك العمل فيها مشكل
وان كان تحققه مظنونا بالظن القوي ولكنه لا ينفع ما لم ينته الى حد العلم ثم ان
الشيخ الأنصاري قدسسره ذكر اعتراضا ما لفظه.
ان قلت : اذا ظن
بعدم وجوب الاحتياط في المشكوكات فقد ظن بأن المرجع في كل مورد منها الى ما يقتضيه
الأصل الجاري في ذلك المورد فتصير الاصول مظنونة الاعتبار في المسائل المشكوكة
فالمظنون في تلك المسائل عدم وجوب الواقع فيها على المكلف وكفاية الرجوع الى
الاصول وسيجيء انه
__________________
لا فرق في الظن الثابت
حجيته بدليل الانسداد بين الظن المتعلق بالواقع وبين الظن المتعلق بكون الشيء
طريقا الى الواقع وكون العمل به مجزيا عن الواقع وبدلا عنه ولو تخلف عن الواقع
وأجاب عن هذا الاعتراض بجوابين :
أحدهما : في متن
الكتاب والآخر في الحاشية ، اما الذي في المتن فملخصه ان الظن بالطريق إنما يكون
كالظن بالواقع إذا كان الظن حرجيا في مقام اثبات التكليف لا فيما إذا كان في مقام
اسقاط التكليف كما هو في مقامنا فانه قد تنجز بالعلم الاجمالي فيكون الظن مسقطا لا
مرجعا.
واما المذكور في
الحاشية كما هو الأصح بحسب النسخة ما لفظه :
«قلت مرجع الاجماع
قطعيا كان أو ظنيا على الرجوع في المشكوكات الى الاصول هو الاجماع على وجود الحجة
الكافية في المسائل التي انسد فيها باب العلم حتى تكون المسائل الخالية عنها موارد
للاصول ومرجع هذا الى دعوى الاجماع على حجية الظن بعد الانسداد». انتهى كلامه رفع
في الخلد مقامه .
__________________
ولا يخفى أن جوابه
ناظر الى كون العلم ساقطا عن المنجزية فيكون الظن مثبتا للتكليف خلاف الجواب
المذكور في المتن فانه ناظر الى ان المنجزية في العلم
__________________
وكونه مسقطا
للتكليف لا مثبتا له وكيف كان فتوضيح كلامه (قده) يحتاج الى معرفة الفرق بين كون
ثبوت الترخيص في المشكوكات بمناط العسر والحرج او بمناط قيام الاجماع على الترخيص
فان كان بمناط الاول أى العسر والحرج فيشكل دعوى انحصار منجزية العلم لأن مقتضى
المنجزية أن يكون التكليف فعليا على أي تقدير من أطراف العلم الاجمالي والمقام ليس
من ذاك القبيل إذ التكليف بالنسبة الى المظنونات فعلي وبالنسبة الى المشكوكات
مشروط بعصيان ذلك التكليف فلا يكون العلم منجزا سواء قلنا بأن العلم علة تامة
للتنجز أو قلنا بأنه مقتض.
واما اذا كان
بمناط الثاني بأن يكون الترخيص بمناط الاجماع أيضا لا يمكن مجيء الترخيص بهذا
المناط ولكن ليس على الاطلاق بل إذا كان العلم علة تامة ، وأما إذا كان مقتضيا
فيمكن مجيء الترخيص إذ معنى كونه مقتضيا هو كونه قابلا لمنع المانع ، ومع قيام
الاجماع على أحد الأطراف فيتحقق الترخيص بمناط الاجماع ، وأما بناء على العلية فلا
يعقل مجيء الترخيص إلا
__________________
إذا كان العلم
الاجمالي منحلا ، اما بقيام حجة على تعيين المعلوم بالاجمال أو بقيام امارة مثبتة
للتكليف المعبر عنه بجعل البدل ، فاذا حصل أحد هذين الامرين فيجوز الترخيص.
فالترخيص إنما ينشأ بعد حصول هذين الامرين ومعلولا لاحدهما ولا يحصل ما لم يحصل
أحدهما ولا يوجد قبل وجود أحدهما.
اذا عرفت ذلك
فنقول اتضح لك انه لا يعقل التوصل من العلم بالترخيص الى العلم بالحجة بتعيين
المعلوم بالاجمال أو جعل البدل لان العلم بالترخيص متأخر عن الترخيص والترخيص
متأخر عن العلم بالحجة أو العلم بالبدل تأخر المعلول عن العلة ، فاذا كان العلم
بالترخيص متأخرا عن العلم بالحجة أو البدل بمرتبتين فكيف يستكشف من العلم بالترخيص
العلم بالحجة أو جعل البدل ، فان قلت لنا أن نستكشف بطريق ال (إن) ولا ينافي تأخره
رتبة قلت : طريق ال (إن) انما يستكشف اذا لم يكن العلم الاول علة للعلم الثاني ،
وأما اذا كان علة فلا يستكشف ، وإلا فلا يلزم وجود المعلول قبل وجود العلة.
فظهر مما ذكرنا ان
قيام الاجماع على الترخيص لا يتأتى بناء على كون العلم الاجمالى علة تامة لانه
انما يتحقق بعد العلم بالانحلال أو جعل البدل على انه يشكل بأنه لو علمنا بوجود
الحجة وعيناها في الظنون من قيام الاجماع على الترخيص فقد انحل العلم الاجمالي من
جهة جعل البدل ولكن كان الاخذ بالحجة هو قيام الاجماع ولم يكن ثابتا من دليل
الانسداد والمفروض من عقد هذا الدليل. اثبات جعل البدل منه لا من غيره وإلا يكون
الباب منفتحا لا منسدا مع ان الفرض انسداده كما لا يخفى.
وأما بناء على كون
العلم الاجمالي مقتضيا فيمكن مجيء الترخيص إلا انه لا بد من ثبوته بالعلم لا بالظن
واليه ترجع عبارة الشيخ قدسسره لكنه لم ينفع ما لم ينته الى حد العلم ولا يبعد كون
اعتراضه على نفسه مبنيا على كون العلم الاجمالي مقتضيا اذ بناء على كونه علة تامة
لا وجه لاعتراضه عليه ولقد أجاد في الجواب المذكور في المتن بما ملخصه ان العلم
لما كان مقتضيا للتنجز لا يكون له مانع من كونه منجزا الا بمجيء مانع يمنع اقتضاؤه
ولم يكن قيام الدليل على اعتبار الظن مانعا من اقتضائه وكون الظن بالواقع والظن
بالطريق على السوية إنما هو من حيث اثبات التكليف ، وأما من حيث اسقاطه فلا يكون
هناك تسوية بينهما.
ومن هنا ظهر الفرق
في الجواب الذي ذكره في المتن وبين ما ذكره في الحاشية حيث ان الظن في الاول مرجع
في الاسقاط ، وفي الثاني مرجع في الاثبات ، وغاية ما يستدل بكون الظن مرجعا في
مقام الاثبات كما أفاده في الحاشية هو انه لما كنا غير مهملين بعد انسداد باب
العلم والعلمي ينتج وجود حجة كافية وبضميمة قبح ترجيح المرجوح يعين كون تلك الحجة
هي الظن ولكن لا يخفى انه لا يتم إلا بناء على انحصار البيانية بالكاشفية لا
باحتمال المهتم به إذ لا كاشفية له ، وأما بناء على ما هو التحقيق من عدم انحصار
الكاشفية فيه ويكفي كون الاحتمال منجزا ومصححا للعقوبة كما في صورة اختبار الحائض
وطلب الماء مقدار غلوة سهم أو سهمين لمن لم يجد الماء فان التكليف في هذين
الموضوعين وامثالها لم يكن من الكاشفية بل من جهة الاحتمال المهتم به ، ودلنا على
الاهتمام في مقامنا هو مقدمة عدم الاهمال فانا لما كنا غير مهملين
نستكشف عدم رضاء
المولى بفوات التكليف عند الاحتمال وبمجرد وجود الاحتمال يكون التكليف منجزا.
نعم اذا قام اجماع
على ان التكليف يلزم اثباته لا بنحو الاحتمال والرجاء فلا بد للشارع من نصب حجة
كاشفة عن ذلك التكليف ولكن أنى لنا باثبات ذاك الاجماع. ويمكن دعوى اجماع غير هذا
الاجماع بأن الاحتمال الذي هو في مقامنا ليس مثل الاحتمال الذي هو في أطراف الشبهة
المحصورة الذي لا ينجز إلا بالعلم ولا يتنجز بالاحتمال بل في مقامنا يتنجز بالحجة
الكاشفة وبالاحتمال فدعوى قيام الاجماع على كون التكليف لا يتنجز في مقامنا إلا
بالكاشف ضعيفة جدا.
ومما ذكرنا ظهر ان
ما ذكره في الحاشية على خلاف المختار ثم انه لو أغمضنا عن المختار فهو أيضا فيه
نظر لانه إن كان مبنى الاعتراض هو أن العلم الاجمالي علة تامة فلا يخلو الحال من
أحد أمرين :
أما امتناع تحقق
الظن بالترخيص ، فلان المتحقق هو القطع بالترخيص دون الظن ، بيان ذلك أن العلم
الاجمالي اما ان يكون منحلا أولا فعلى الاول كيف يعقل مجيء الترخيص مع كون العلم
الاجمالي غير منحل ، وعلى الثاني وهو كون العلم الاجمالي منحلا فنقطع بالترخيص.
فدعوى كون الظن
بالترخيص يرجع الى جعل حجة كافية ممنوعة على كل تقدير وان كان مبنى الاعتراض على
كون العلم الاجمالي مقتضيا فيمكن مجىء الترخيص بقيام دليل شرعي عليه إلا أنه نمنع
الملازمة بين الظن بالترخيص ووجود حجة كافية لا مكان انتفاء الحجة الشرعية مع
تحققه فيجب الاحتياط
فى جميع الأطراف
ومراعاة التكليف في جميع موارد احتمالاته.
ودعوى ان الاجماع
الظني الدال علي عدم وجوب الاحتياط في المشكوكات يلازم الظن بجريان الاصول فيها
فيلحق المشكوكات بالموهومات.
بيان ذلك ان الظن
باعتبار الأصل العدمي الجاري فيها يوجب الالحاق بالموهومات لوحدة الأثر فان الظن
في الفراغ والخروج عن العهدة يحصل من جريان الأصل وحينئذ لا يجب الاحتياط في الموهومات
، وذلك يكفي في حجية الظن بالطريق من دون حاجة الى تمامية المقدمات ، ولذا عدل
الشيخ قدسسره عما في المتن الى ما ذكره في الحاشية بقوله : «مرجع
الاجماع قطعيا كان أو ظنيا .... الخ»
كما ينسب ذلك الى
بعض الأعاظم ممنوعة إذ ذلك لا يتم ما ذكره من لحوق المشكوكات بالموهومات من قيام
الاجماع الظني إذ الظن باعتبار الأصل وإن كان يوجب الظن بالفراغ إلا ان احتمال
العقاب باق لمنجزية العلم الاجمالي الموجب للاحتياط بل هو من موارد قاعدة دفع
الضرر المحتمل.
ودعوى ان ذلك يجري
في الموهومات ممنوعة إذ هي مورد لقاعدة قبح العقاب بلا بيان ، وكذا المشكوكات ان
قلنا : بأن النتيجة حجية الظن ، وهكذا لو قلنا : بأن الظن بالطريق مثل الظن
بالواقع ، والظاهر ان ما ذكره في الحاشية لم يكن بنحو العدول ، وانما هو جواب آخر
إذ مجرد وجود الاجماع الدال على عدم وجوب الاحتياط في المشكوكات الملازم لجريان الأصل
فيها لا يوجب الترخيص في المشكوكات ما لم تكن هناك حجة كافية بمقدار المعلوم
بالاجمال إذ لو لم ينحل العلم الاجمالي انحلالا حقيقيا أو حكميا بالعلم التفصيلي
لم يلزم جريان
الأصل في بقية الأطراف بل يكشف نفس الاجماع على اجراء الأصول عن أن الشارع نصب
الحجة الكافية وهي ليست إلا المظنون فحينئذ تنتج المقدمات الكشف للاجماع على حجية
الظن لا الحكومة لكي يبحث عن تماميتها أو لزوم التبعيض ، ولذا يمكن أن يتوجه ايراد
ما ذكره في الحاشية بأنه رجوع عن الحكومة الى الكشف على انك قد عرفت منع دعوى
الاجماع على عدم وجوب الاحتياط واجراء الأصل الكاشف عن نصب الطريق بناء على كون
العلم الاجمالي علة تامة للتنجز بالنسبة الى الموافقة القطعية الموجب لعدم جريان
الأصل في بعض الأطراف إلا بعد العلم بنصب الطريق وذلك لا ينافي النصب الواقعي إذ
القطع بنصب الشارع الطريق في بعض الأطراف يوجب جواز الترخيص شرعا وعقلا وجريان
الأصل في الطرف الآخر ولو لم يكن في الواقع قد نصبه ومع عدم العلم لا يتحقق
الترخيص في أطراف العلم ولا تجري الاصول في الأطراف ولو كان في الواقع طريق منصوب.
وبالجملة ان
الانحلال والعلم بنصب الطريق في بعض الأطراف موجب للترخيص وجريان الأصل في الآخر
فعليه لا يكون الاستكشاف والعلم بالنصب معلولا لجريان الأصل ، ومن هنا يعلم أن
العلة لجريان الأصل العلم بالنصب لا النصب الواقعي. نعم بناء على كون العلم
الاجمالي مقتضيا للتنجز لا مانع من جريان الأصل لعدم دلالته على جعل الشارع الظن
حجة إذ يمكن أن يكون الترخيص وجريان الاصول لمنع المانع من الاقتضاء على انه لا
معنى لتحقق الاجماع الظني بل ولا الاحتمالي وعلى تقدير تحققه لا بد وأن يكون
مسبوقا باجماع آخر على نصب الطريق وكون الظن حجة من قبل الشارع ،
فلذا يترتب لازمه
وهو جريان الأصل . ثم انه يشكل على من استنتج
__________________
من لزوم التبعيض
العمل بالاحتياط في خصوص الظن.
__________________
بيان ذلك ان
المعلوم بالاجمال لما كان مرددا بين القليل والكثير فتجرى البراءة من الزائد فيكون
المعلوم بالاجمال المتيقن مرددا بين الدوائر الثلاثة فتكون دائرة الشك ودائرة الظن
بالنسبة الى انطباق المعلوم بالاجمال عليها على السوية فحينئذ ينبغي التخيير بين
الدوائر لا تعيين العمل بالظن. نعم لو لم تجر البراءة كان اللازم تعيين العمل في
خصوص الظن لأن فائدة جريان البراءة التوسعة ، والتوسعة هنا موجودة إذ لو لا
البراءة لكان احتمال التكليف الزائد لازم المراعاة في كل من الدوائر لو لا مزية
رجحان للظن وبما أن الظن هو الأقرب لذا حكم العقل بالأخذ به وطرح الشك والوهم ومن
هنا ظهر لك الفرق بين جريان البراءة وعدمها لا يقال على تقدير جريان البراءة
__________________
من الزائد لا يكون
العلم الاجمالي بالنسبة الى دائرة الشك والظن على السوية كيف والظن أقرب من الشك
ومعه لا يكون انطباق المعلوم اجمالا على كل واحد منهما بالسوية لأنا نقول احتمال
انطباق العلم على المظنونات ليس إلا كانطباقه على المشكوكات فان في المظنونات
جهتين بحسب اللحاظ ، فبلحاظ كونه تكليفا واقعيا متعلق لاحتمال راجح على خلافه
وبلحاظ كونه هو ذاك المعلوم اجمالا فهو مساوق لاحتمال خلافه وان اشتبه عليك الحال
فقسه الى صورة كون أحد أطراف العلم الاجمالى علما تفصيلي كما لو علمت تفصيلا بأن
أحد الإناءين نجس مع كونه أحد أطراف العلم الاجمالي فهذا الاناء من حيث كونه نجسا
معلوم بالتفصيل ومن حيث كونه قد انطبق عليه المعلوم بالاجمال يكون هو والطرف الآخر
الذي هو المشكوك بحسب الانطباق عليه على السوية فاذا تصورت ذلك في العلم التفصيلي
فهو جار بطريق أولى فيما لو فرض كون أحد الأطراف ظنا تفصيليا فصح من جهة كونه
مظنونا تارة ومن جهة كونه مشكوكا أخرى فمن جهة كون التكليف واقعا مظنونا ومن جهة
كونه منطبقا عليه العلم الاجمالي مشكوكا فجعل نتيجة التبعيض خصوص العمل بالظن لا
وجه له بل كما يكون العمل على وفق الظن يصح العمل على وفق الشك ويتخير بينهما.
ودعوى ان الظن هو
الاقرب فينبغي أخذه ممنوعة إذ ملاك الاحتياط لم يكن هو التكليف الواقعي كيف ما كان
وانما هو فيما يظن بانطباق التكليف الاجمالي إذ هم العقل إنما هو الخروج عن عهدة
ما تنجز عليه من التكليف لا الخروج عن عهدة مطلق التكاليف الواقعية ولو لم تكن
منجزة.
نعم لو قلنا :
بسقوط العلم الاجمالي من جهة الحرج أو العسر المقارن للعلم الاجمالي يتعين تقرير
الحكومة إذ بعد تمامية المقدمات يكون العمل بالظن أقرب الى الواقع من الشك والوهم
فيحكم بلزوم الاخذ به والرجوع فيما عداه الى البراءة إذ المقام يرجع الى حصر
التكليف في دائرة الظن لكى يرجع الى البراءة فيما عداه وليس المقام من الانحصار
بالظن بالفراغ كى يحتاج الى الظن بحصر التكليف في الظنون.
نعم يتم ذلك بناء
على مسلك التبعيض الراجع الى تحصيل الظن في مقام الفراغ والاسقاط.
فدعوى اعتبار ذلك
على الحكومة لا وجه له إذ يكون من قبيل الخلط بين الحكومتين.
وبالجملة الاخذ
بالظن من باب الاحتياط لم يكن مثبتا لحجية الظن وانما هو من جهة انطباق ما هو
معلوم بالاجمال عليه وهذا المعنى ينطبق على الشك إذ من هذه الجهة المشكوك والمظنون
على حد سواء.
(فان قلت) : لم
خصصت الشك والظن بالاحتياط وتركت الوهم ولم نجعله في عرضهما لكي يكون التخيير بين
الدوائر الثلاثة مع اشتراك الجميع في انطباق ما هو معلوم بالاجمال.
(قلت) : فرق بين
تلك الدائرتين وبين دائرة الموهومات فان في الدائرتين بالنسبة الى انطباق المعلوم
بالاجمال عليهما على حد سواء من جهة كون الانطباق مشكوكا وهو مشترك بينهما لا
تفاوت بينهما. وأما بالنسبة الى الموهومات فليس من قبيل ذلك بل انطباقه على دائرة
الموهومات موهوم
ومرجوح بالنسبة
الى تلك الدائرتين والسر في ذلك ان احتمال الانطباق لو كان يساوي تلك الدائرتين
لكان احتمال التكليف في الموهومات شكيا لا احتمالا وهميا.
(إن قلت) : فكما
ان الظن في دائرة المظنونات متعلق بالتكليف الواقعي ولا ينافي كون انطباق العلم
عليه مشكوكا كذلك الوهم في دائرة الموهومات متعلق بالتكليف ولا ينافي كونه مشكوكا
من حيث انطباق العلم عليه ، فعليه ينبغي التخيير بين الدوائر الثلاثة من غير فرق
بينهما من حيث انطباق المعلوم بالاجمال على كل واحد منها إذ الانطباق على كل واحد
يكون مشكوكا.
(قلت) : فرق
بينهما إذ الظن متعلق بالتكليف ولا ينافي الشك في انطباق العلم عليه بخلاف الظن
فان الوهم بالتكليف يوجب الوهم بالانطباق إذ لو شك في انطباق ما هو معلوم بالاجمال
على دائرة الموهومات لما كان موهوما وإن اشتبه عليك الحال فاستوضحه في مثال
الحيوان والانسان ، فان التكليف الواقعي لما كان يحتمل الشمول للمعلوم بالاجمال
ولغيره افرضه حيوانا والمعلوم بالاجمال لما كان منحصرا افرضه انسانا وافرض مراتب
بالنسبة الى الحيوان كما فرضته في التكليف وهم بالحيوان وشك وظن به ، فلو احتملت
موهوما وجود الحيوان في الدار امتنع عقلا أن يكون لك حالة شك في الانسان الذي هو
فرد الحيوان اذ الشك في تحقق الانسان يوجب الشك في تحقق الحيوان فلا يعقل أن يجتمع
الشك مع كونه احتمالا وهميا إذ الانسان أخص من الحيوان ، فالشك فيه يوجب الشك في
الحيوان وهذا بخلاف الظن بوجود
الحيوان فانه يمكن
أن يكون الحيوان مظنونا مع أنه قد شكك في تحقق الانسان لأن الظن
بالأعم لا يوجب الظن بالأخص بل يجتمع مع الشك في الأخص بخلاف الوهم في الأعم فانه
يوجب الوهم في الأخص فاذا عرفت في مثال الحيوان والانسان.
فنقول : ان في
مقامنا التكليف أعم مما علم إجمالا ثم تعلق الظن أو الوهم بالتكليف الواقعي وتعلق
الشك بالمعلوم بالاجمال فترى أنه لا يجتمع كون التكليف موهوما مع كون العلم مشكوك
الانطباق إذ الشك فيه يوجب الشك بالتكليف لكونه أخص منه بخلاف الظن فافهم وتأمل
حتى لا يشتبه عليك الحال.
ثم لا يخفى أن
الاستاذ في الكفاية سلك في تبعيض الاحتياط طريقا غير ما سلكه شيخنا الانصاري (قده)
فالذي ينبغي أولا هو الأخذ بمقتضى الاصول المثبتة شرعية كانت أم عقلية والاصول
الشرعية المثبتة للتكليف في موارد الأخبار تكون ساقطة عن الاعتبار لكونها محكومة
بتلك الأخبار إذ الأخبار وإن لم تكن معلومة الاعتبار كما هو فرض انسداد باب العلم
والعلمي إلا انها لم تخل من العلم الاجمالي بصدور بعضها مثلا نعلم بصدور مائة في
هذه الاخبار التي بأيدينا فحينئذ تكون تلك الاصول الشرعية محكومة لتلك الاخبار ..
ودعوى انه لا تكون
محكومة إلا بعد اعتبارها ولا يثبت اعتبارها إلا بعد تميزها ولا ينافى كون الاخذ
بجميعها من باب الاحتياط للفرق بين كون الاخذ من باب الاحتياط وبين الاخذ من باب
كونها حجة كما لا يخفى ممنوعة بأن العلم بصدور بعضها يوجب طرح الاصول ولو لم يتميز
ذلك البعض إذ
حجية الاصول في
مورد عدم وجود دليل لفظي ومع الشك في وجوده يوجب الشك في حجيتها ، ومع الشك في
الحجية يحكم العقل بعدمها على انه لم تكن حجة من جهة عدم تمييز الحجة بغير الحجة
محل منع.
وأما الاصول
العقلية مثل حكم العقل بالاشتغال فيما إذا دار الأمر بين المتباينين وكحكمه
بالبراءة فيما إذا دار بين الأقل والأكثر الارتباطيين فيشكل القول بتقديمها على
الظن لو كان هناك عسر من الجمع بين مقتضى الاصول ومظنونات التكليف إذ عليه ينبغي
التخيير لا تعين الأخذ بالاصول وإلا لزم التبعيض في الاصول النافية فما ذكره في
الكفاية من أنه يجب العمل على الاصول المثبتة شرعا أو عقلا والاحتياط في الاصول
النافية وإن لزم العسر محل نظر للزوم رفع اليد بمقدار منها الموجب لرفع العسر كما
لا يخفى.
هذا كله إذا كان
المراد بالعسر والحرج المخلين بالنظام فان الاستاذ في الكفاية قد تنظر في حكومة
قاعدتي العسر والحرج على وجوب الاحتياط بل منعه نظرا الى أن المنفي حقيقة هو
الموضوع ولكن بلسان نفي الحكم فلا تكون حاكمة على الاحتياط.
نعم لو قلنا : ان
المنفي هو عدم جعل حكم ينشأ منه الضرر فيتم ما ذكره من الحكومة وربما يتوهم أن
تخصيص النفي بالحكم الشرعي دون العقلي من جهة أن الشارع إنما له التصرف في أحكامه
لا في الاحكام العقلية مثل ايجاب الاحتياط ولكنه محل المنع إذ للشارع تصرف في
الأحكام العقلية الناشئة من الحكم الشرعي برفع منشئه ولو سلم.
فنقول : ان الحكم
الشرعي لما كان مطلقا يلازم العسر إذ مقتضى
إطلاقه العمل به
مطلقا وهو يلازم العسر ، فلذا يقتضي التقييد بمقدار يرتفع العسر وذلك إنما يكون
تقييده بحال ترك الآخر ولازم ذلك الامتثال التخييري كما لا يخفى فافهم وتأمل في
المقام فانه من مزال الأقدام.
تنبيهات الانسداد
وينبغي التنبيه
على امور :
(الاول) : ان
نتيجة دليل الانسداد هل هو الظن بالواقع أو الظن بالطريق أو كليهما.
الظاهر الاول لأن
الواقع إنما يكون منجزا في حال الانسداد على أحد الوجوه والمسالك المذكورة ، فيجب
مراعاة الاحتياط ، فمع العسر والحرج يكون اللازم هو الاخذ بأقرب الطرق مع فرض أن
في المقام الاقرب هو الظن بالواقع فلا يكون المتبع الظن بالطريق إلا إذا كان هناك
علم اجمالي بنصب بعض الطرق التي بأيدينا فيكون المتعين حينئذ الاخذ بالظن المتعلق
بالطريق ، وكيف كان فالقول بالتخيير بين الاخذ بالظن بالواقع وبين الاخذ بالطريق
لا وجه له.
بل قد عرفت انه في
خصوص صورة عدم وجود العلم الاجمالي بالطريق وتحقق العلم الاجمالي بالواقع يتعين الاخذ
بالظن بالواقع وفي صورة وجود العلم الاجمالي بالطرق يتعين الاخذ بالظن بالطريق.
(إن قلت) : الظن
كالقطع في حالة الانفتاح فكما ان القطع في حالة الانفتاح حجة مطلقة أي سواء تعلق
بالواقع أم بالطريق فكذا الظن في حال الانسداد.
(قلت) : فرق بين
القطع في حال الانفتاح والظن في حال الانسداد فالقطع في حال الانفتاح قد ثبتت
حجيته بالعقل. والعقل لا يرى فرقا بين القطع المتعلق بالواقع وبين القطع المتعلق
بالطريق بخلاف الظن فان اعتباره تابع لتنجز المظنون فان كان المتنجز هو الواقع كان
المتعين خاصة وان كان المتنجز هو الواقع المدلول بالطريق كان المتعين ذلك خاصة ،
فالتخيير بينهما لا وجه له بل على ما عرفت يتعين الاخذ بالظن بالواقع فيما لو حصل
علم اجمالي بالواقع والاخذ بالظن بالطريق فيما لو حصل علم اجمالي بالطرق.
(إن قلت) : ليس هم
العقل إلا الأمن من العقوبة على تقدير المخالفة وهو كما يحصل من الظن بالواقع يحصل
من الظن بالطريق إذ الظن بالواقع أيضا ظن بالمؤمن.
(قلت) : الذي يهتم
به العقل حصول الأمن من الشيء المتنجز وليس هنا إلا التكاليف الواقعية المنجزة من
دون دخل للطرق على تقدير عدم وجود علم اجمالي لصدور بعض الطرق فيتعين العمل بالظن بالواقع
، وعلى الواقع المؤدي بالطريق على تقدير وجود العلم بالطرق.
وبالجملة العقل
إنما يناط بما هو المتنجز ومع فرض عدم وجود علم اجمالي بالطرق فليس المتنجز إلا
الواقع لا المؤدى بالطريق ، فالطريق مع فرض عدم العلم به ليس بمؤمن إذ التأمين من
لوازم الوجود الواقعي ولم يثبت اعتبارها أي الطرق ، فالقول بالتخيير بين الظن
بالواقع والظن بالطريق.
فقد عرفت انه لا
وجه له وغاية ما يقال في توجيهه ان في قيام الظن على تحريم صلاة الجمعة مثلا في
زمن الغيبة ، ومع ذلك تقوم امارة مظنونة الاعتبار
على وجوبها ، ففي
هذه الصورة يتخير بين الاخذ بالظن بالواقع وبين الاخذ بالظن بالطريق ولكن التخيير
منوط بعدم وجود العلم الاجمالى في الطرق وإلا فاللازم مراعاة الظن بالطرق وفاقا
لصاحب الفصول حيث ادعى بأن الواقعيات منجزة بمؤدى الطرق ، فلا يجب رعاية الواقع
الذي هو مؤدى الطريق وما ينسب الى صاحب الفصول من القول بتقييد الواقعيات بمؤدى
الطرق ، ففي غير محله بل غرضه تقييد تنجز الواقعيات بمؤدى الطرق لا الواقع مقيدا
بما هو في مرتبة الواقع بل هو من حيث كونه مقيدا بمرتبة التنجز.
وبالجملة فالقول
بالتخيير بين الظن بالواقع والظن بالطريق على الاطلاق لا وجه له ، بل في خصوص مثال
صلاة الجمعة في زمان الغيبة وما عدا هذا الفرض لا وجه للتخيير بل يلزمه القول
بالظن بالواقع فقط ، في خصوص صورة وجود العلم الاجمالى بالواقع دون الطريق.
والقول بالظن
بالطريق فقط. في خصوص صورة وجود العلم الاجمالى بالطرق كما ذكره الشيخ قدسسره في فرائده ، وقد وافقه عليه
__________________
الاستاذ في
الكفاية من القول بالتخيير على الاطلاق مما لم يعلم وجهه خصوصا
__________________
على ما ذهب اليه
الاستاذ في مسألة التجري من سراية الحرمة الى
__________________
العمل الخارجي
خلافا للشيخ حيث اختار عدم السراية ، وحينئذ لو قامت
__________________
امارة مظنونة
الاعتبار على وجوب صلاة الجمعة التي يظن بتحريمها واقعا فاذا
__________________
أخذ بالامارة على
طبقها يكون منجزا لأنه لم يكن عنده علم اجمالى في الطرق التي بأيدينا فمع فرض عدم قيام
العلم بالطرق يكون احتمال مخالفة الامارة للواقع معتدا به فمع كونه كذلك فكيف يسوغ
الأخذ بالامارة المظنونة الاعتبار وليس العمل بها إلا تجريا وحرمة التجري تسري الى
العمل الخارجي كما هو رأي الاستاذ (قده) فيكون على رأيه العمل بالامارة تعريض
للنفس للعقوبة بلا ظن بالمؤمن. نعم هو بناء على رأي الشيخ في أن العمل بها ظن
بالمؤمن لعدم سراية حرمة التجري الى العمل الخارجي وانما هو ينبئ عن سوء السريرة.
وبالجملة القول
بالتخيير على مسلك الشيخ متجه وعلى ما سلكه الاستاذ غير متجه. ثم لا يخفى ان أحسن
ما يمكن توجيه القول بالتخيير دعوى ثبوت العلم الاجمالى بوجود تكاليف فعلية التي
هي أعم من الواقعية والظاهرية ، فعليه يتم القول بالتخيير وربما يستشكل على صاحب
الفصول بأن حصر الاعتبار في خصوص الظن بالطريق لا يفيد إذ كل واقع يظن بأنه مؤدى
وإن لم يكن واصلا الينا. ولكن لا يخفي ما فيه بأن ذلك إنما يتم لو كان مدعاه وجود
علم اجمالى في الطرق ولو لم يصل الينا ولكن خلاف مؤدى العبارة التي نقلها الشيخ (قده)
حيث قال : «بأنا مكلفون تكليفا فعليا بالعمل بمؤدى طرق مخصوصة». فان هذه العبارة
ظاهرة في أن دعوى صاحب الفصول هو تحقق العلم الاجمالي في الطرق الواصلة الينا فاذا
كانت دعواه ذلك فلا يرد عليه هذا الاشكال إذ الواقع المظنون ما لم يكن مؤدى طريق
واصل لم يكن من أطراف العلم الاجمالى ثم لا يخفى أنه قد استدل لاعتبار الظن
بالطريق بالخصوص دون الظن بالواقع بوجه آخر وهو ما ذكره صاحب الحاشية بما
حاصله ان الشارع
لم يرد منا الواقعيات على الاطلاق ، ولم تكن الواقعيات على الاطلاق مطلوبة بل
الواقعيات مطلوبة على وجه مخصوص فلو جيء بها على غير ذلك الوجه لم يأت بما هو
المطلوب ، ففي الانسداد لو لم يظن بالمأذونية لم يجتز به عن الواقع ، فلا بد من
الظن بالمأذونية ، والظن بالمأذونية يساوق الظن بالطريق ولكن لا يخفى ان لازم هذا
عدم العمل بالقطع إلا أن يرد امضاء من الشارع إذ لو لا ذلك لا معنى للعمل به إذ
العمل به على هذا النحو خلاف المرخص به ولازم ذلك ان يكون القطع مما تناله يد
الجعل.
وقد عرفت في مبحث
القطع أن القطع لا تناله يد الجعل لا إثباتا ولا نفيا بل هو بنفسه منجعل غير قابل
للجعل فاذا كان القطع غير قابل للجعل بالنسبة الى حال الانفتاح ، فالظن في حال
الانسداد كالقطع في حال الانفتاح فالظن بالواقع في حال الانسداد كالقطع في حال
الانفتاح ، ولو سلم قبوله للردع ، إلا انه لا يتوقف على الامضاء من الشارع بل يكفي
عدم الردع وفي المقام لم يثبت من الشارع ردع ، فلذا يجب العمل بالظن بالواقع.
ثم لا يخفى انه
على القول بأن الظن بالواقع هو المعتبر بناء على القول بتبعيض الاحتياط بمناط تحقق
العلم الاجمالى للتكليف ، وأما بناء على الكشف فأما أن نقول بوجود علم اجمالى بنصب
الطرق كان المدار على الظن بالواقع وان كان ثمة علم اجمالى فان كان بين الامارات
التي بأيدينا وبين غيرها فيكون العمل بالظن بالواقع كما تقدم ، وان كان في خصوص
التي بأيدينا كان المدار على الظن بالطريق إذ الواقع لم يكن منجزا إلا بمقدار ما بأيدينا.
والحاصل ان الظن إن قررت مقدمات الانسداد على نحو الكشف فلا اشكال في استكشاف
حجيته مطلقا من
غير فرق بين الظن بالواقع ، وبين الظن بالطريق ، وأما على تقرير الحكومة فحاله
يختلف بحسب تقريرها ، فعلى تقريرها بملاك الاهتمام فيمكن دعوى اختصاصها بخصوص الظن
بالواقع إذ القدر المتيقن من الاهتمام إنما هو اهتمام الشارع بالتكاليف الواقعية
في دائرة الظنون. وأما الطرق المجعولة واقعا فلم يحرز اهتمامها فلا معنى لتعميم
النتيجة وأما بناء على تقريرها بمناط التخلص عن محذور الخروج عن الدين فللتعميم
مجال إذ العمل بأيهما حصل يرتفع المحذور المذكور وأما بناء على مسلك التبعيض
فيختلف الحال باختلاف العلم الاجمالى ، فان كان العلم الاجمالى بالواقعيات فلا
معنى للتعميم بل لا بد من تخصيص النتيجة بخصوص الظن بالواقعيات وان حصل العلم
الاجمالى بالطرق فلازمه تخصيص النتيجة بخصوص الظن بالطريق.
ودعوى ان المقدمات
إنما تقرر لحفظ الواقع والخروج عن عهدته وهو كما يحصل بالظن بالواقع يحصل بالظن
بالطريق مدفوعة بأن وجود العلم الاجمالى بالواقعيات موجب لعدم تحقق العلم الاجمالى
بالطرق أو لعدم تحقق الانسداد فيها.
نعم لو قلنا بتحقق
العلم الاجمالى بمطلق الوظيفة الفعلية التي هي أعم من الواقعية والظاهرية فتكون
النتيجة هو التعميم.
وأما لو قلنا :
بتحقق العلم الاجمالى بالتكاليف الواقعية وعلم اجمالى بجعل الطرق فتكون النتيجة هو
خصوص الظن بالطريق لانحلال العلم الاجمالى بالتكاليف الواقعية المؤداة بتلك الطرق
والى ذلك نظر صاحب الفصول على ما عرفت منا سابقا حيث قال : «ومرجع القطعين ... الخ»
فان غاية ما يمكن
توجيه كلامه هو انحلال العلم الاجمالى الى مؤديات تلك الطرق فيكون الشك فيما عداها
من الشك البدوي وبهذا التوجيه يندفع اشكال الشيخ (قده) إذ مع الانحلال فلا بد من
القول بالظن بالطريق.
ودعوى عدم انحلال
العلم الاجمالى إذ لازمه جريان الاصول لفظية وغيرها وجريانها منوط بوصول تلك الطرق
الى المكلف على نحو التفصيل ومع عدم العلم بوصولها تفصيلا لا تجري تلك الاصول ومع
عدم جريانها يبقى العلم الاجمالى الكبير مدفوعة بأن الموجب للانحلال هو الجزم
بظهور ما هو الصادر اجمالا وبذلك ينحل العلم الاجمالى الكبير وكيف كان فمع تحقق
العلم الاجمالى بالواقعيات وعدم وجود علم اجمالى بالطرق يكون المدار على الظن
بالواقع ، وأما مع تحقق العلم الاجمالى بالطرق فالمدار على العمل بالظن بالطريق.
وهكذا لو قلنا
بتحقق العلم الاجمالى بالتكاليف وانها هي مؤديات الطرق فتكون النتيجة الظن
بالطريق.
وبالجملة لا معنى
للتخيير بين الظن بالطريق بالواقع الا على بعض الوجوه التي ذكرناها فلا تغفل.
التنبيه الثاني :
في أن نتيجة دليل الانسداد هل هي مهملة أم غير مهملة فنقول : على ما هو المختار من
كون نتيجة دليل الانسداد هي الحكومة فلا بد من التعميم من حيث السبب ومن حيث
المرتبة فيمكن القول بالإهمال ، وأما على الكشف فقد ذكر الشيخ الأنصارى (قده)
التعميم لعدم وجود مرجح فما يتوهم كونه مرجحا ، اما لتيقن اعتباره واما لأقوائية
بعض الظنون على بعض وإما من جهة كون بعض الظنون مظنون الاعتبار أما المرجح الأول :
فعلى تقدير
وجوده لا يفي
بمسائل الفقه. وأما الثاني : فان الأقوائية غير منضبطة ، فرب قوي يوجد ما هو أقوى
منه وعلى تقدير وجود ما ليس أقوى منه فليس إلا الظن الاطمئناني وهو لا يفي بمسائل
الفقه. وأما الثالث : فان ملاك الحجية انما هو بنظر الشارع والعقل ليس له دخل في
الحجية فيمكن أن يجعل الشارع الموهوم حجة دون المظنون.
وبالجملة ان
المرجحات بعضها غير مرجح وبعضها مرجح لا يفيد. هذا ملخص كلام الشيخ الأنصاري (قده)
في فرائده.
وأما الاستاذ (قده)
في الكفاية قال : بأن تعميم النتيجة على الوجهين الأولين مبني على كون الطريق
الواصل الى المكلف بنفسه إذ عليه لا يكون مجال لاستكشاف حجة أخرى غير الظن إذ مع
التردد لا تكون الحجة واصلة ولكن لا يخفى أن هذا في مورد لا يكون متيقن في البين ،
وأما لو كان متيقن وهو كاف في الفقه كان المجعول بدليل الانسداد هو لا غير
فالترجيح بمتيقن الاعتبار له وجه لا الترجيح بمظنون الاعتبار وكونه أقوى.
لما عرفت أن مناط
الحجية بيد الشارع فللشارع جعل الموهوم والضعيف دون المظنون والقوي. والاستاذ (قده)
قرب الترجيح بمظنون الاعتبار بوجه آخر حيث قال : ثم لا يخفى ان الظن باعتبار الظن
بالخصوص يوجب اليقين باعتباره من باب دليل الانسداد على تقرير الكشف بناء على كون
النتيجة هو الطريق الواصل بنفسه فانه حينئذ يقطع بكونه حجة كان غيره حجة أو لا
واحتمال عدم حجيته بالخصوص لا ينافي القطع بحجيته بملاحظة الانسداد ضرورة أنه على
الفرض لا يحتمل أن يكون غيره حجة بلا نصب قرينة ولكنه من
المحتمل أن يكون
هو الحجة دون غيره لما فيه من خصوصية الظن بالاعتبار.
وبالجملة الأمر
يدور بين حجية الكل وحجيته فيكون مقطوع الاعتبار.
أقول : ما المراد
بالوصول بنفسه فان كان المراد بالوصول بنفسه الاطلاع على ملاك الحجية فهو ليس
بمظنون الاعتبار بعدم الاطلاع على ملاك الحجية إذ ليس لأحد أن يدعي الاطلاع على
ملاكات الحجج ولعلها كانت في موهومه وإن كان المراد بالوصول بنفسه وصول الطريق
بنفسه ولم يعرص عليه الدواعى المؤمنية للاخفاء فهو ليس إلا القول باهمال النتيجة إذ
ليس الواصل خصوص مظنون الاعتبار بل الذي وصل المشكوك والموهوم أيضا فتكون النتيجة
هي الاهمال ودعوى تعميم النتيجة ، وأن تعيين خصوص مظنون الاعتبار يحصل باجراء
مقدمات انسداد آخر فيه ضعيفة إذ هو توجيه لكلامه بما لا يرتضيه فراجع كلامه في
الحاشية حتى يتضح لك الحال.
وبالجملة فملخص
كلام الاستاذ في الكفاية أنه بناء على الطريق الواصل بنفسه يحكم بتعيين النتيجة أو
التعيين في متيقن الاعتبار من غير حاجة الى اجراء مقدمة الانسداد وبناء على الطريق
الواصل ولو بطريقة يحتاج في تعميمها الى اجراء مقدمات الانسداد وبناء على أن النتيجة
هو الطريق ولو لم يصل فلا بد من كون النتيجة هي الاهمال. وكيف كان فاهمال النتيجة
واطلاقها بالنسبة الى الموارد والأسباب والمراتب يختلف بحسب المسالك التي ذكرناها
__________________
فإنّه بناء على
مسلك التبعيض في الاحتياط بملاك منجزية العلم الاجمالى الرادع
__________________
عن الرجوع الى
الظن عقلا في مقام الاسقاط فتكون النتيجة هو الاطلاق.
__________________
لما عرفت ان
النوبة لما انتهت الى الامتثال الظني بمقتضى المقدمة الرابعة فحينئذ لا يفرق العقل
في الحكم بالرجوع الى الظن بين موارده واسبابه ومراتبه
وأما بناء على
مسلك الحكومة الذي هو المختار فالنتيجة هي الاطلاق يحسب الموارد والأسباب.
لما عرفت انه
بمقتضى المقدمة الرابعة يستقل العقل بكون الظن مرجعا من غير فرق بين الموارد
والأسباب.
نعم بحسب المراتب
يتعين الأخذ بأقوى المراتب من الظنون مع فرض كونه وافيا بمعظم الفقه لكون ذلك هو
أقرب الطرق الى الواقع من غير فرق بين تقرير الحكومة بملاك الاهتمام أو بملاك
الفرار عن محذور الخروج عن الدين وعلى تقديره فلا اهمال على ما اخترناه من
الحكومة. وأما بناء على الكشف
__________________
فلا اطلاق بحسب
الموارد والأسباب والمراتب حيث ان الملاك على الكشف
__________________
ليس الى حكم العقل
بلزوم الأخذ بالأقرب مجال وإنما هو أمره راجع الى الشرع
__________________
فيمكن للشارع جعل
مطلق الظن أو الظن في الجملة ، فلا بد من استفادة الاطلاق من الامور الخارجية.
__________________
والحق انه بناء
على الكشف إما أن تكون النتيجة الطريق الواصل
__________________
بنفسه ، وإما ان
تكون الواصل بطريقه ، وإما أن تكون مطلق الطريق ولو لم يصل فعلى الأول يلزم القول
بالاطلاق بحسب الموارد والأسباب والمراتب لما هو معلوم بالاستقلال العقل بالأقرب
بمقتضى المقدمة الرابعة فيكون الشارع أو كل في تعيين مجعوله الى العقل ، ولا اهمال
في حكم العقل بحسب الموارد والاسباب فالنتيجة بحسبهما مطلقة وبحسب المرتبة متعينة
وهو الأخذ بالأقرب فالأقرب ، ومن ذلك يعلم ان الجمع بين حجية الظن عقلا مع القول
باهمال النتيجة تهافت ومن هنا نقول بترجيح مظنون الاعتبار على غيره لقربه الى
الواقع أو الى
مظنون بظن رابع
وهكذا الى ما لا نهاية له وهو واضح البطلان مضافا الى ان ذلك مجرد خيال وإلا فلا
يفرق بين مظنون الاعتبار وبين ما هو مظنون الاعتبار بظن قد ظن باعتباره بالنسبة
الى الاقربية لمصلحة الواقع بناء على المصلحة السلوكية على تقدير المخالفة ، واما
ما افاد شيخنا العلامة الانصاري (قده) اخيرا بما حاصله ان مظنون الاعتبار انما
يكون مرجحا فيما اذا كان اعتباره بالظن المطلق لا ما إذا كان اعتباره من باب الظن
الخاص حيث ان المدعي مرجحية ما يكون من سنخ ما يقصد ترجيحه لا ما من سنخ آخر ولكن
لا يخفى ان معنى اهمال النتيجة كونها بين مراتب الظنون ولا يمكن تقديم بعضها على
بعض للزوم الترجيح من غير مرجح فلو فرض ثبوت مرجح لبعض الظنون فحينئذ يخرج عن
استحالة الترجيح من غير مرجح وهذه المزية لا يفرق فيها بينما تكون مستفادة من دليل
الانسداد وبينما تكون مستفادة من غيره إذ الفرض اخراجه عن دائرة الترجيح من دون
مرجح ولعله الى ذلك اشار بقوله فافهم على تفصيل ذكرناه في تقريراتنا لبحث الاستاذ
المحقق النائيني قدسسره.
بدله مع فرض
المخالفة للواقع لما هو معلوم ان الظن بالحجية ظن بتدارك ما خالف الواقع والأخذ
بمظنون الاعتبار متعين بلا حاجة الى استفادة ذلك من دليل خارجي.
وأما على الثاني
أى كون النتيجة هو الطريق الواصل ولو بطريقة فيحتاج في رفع الاهمال الى اجراء
مقدمات انسداد آخر في تعيين ذلك الطريق مرارا الى ان يحصل ظن واحد فيؤخذ به
لتعيينه قهرا أو ظنون متعددة متساوية الاعتبار فيؤخذ بالجميع لعدم وجود مرجح.
وعلى الثالث وهو
كون النتيجة هو الطريق ولو لم يصل فلا بد من القول بالاهمال.
أقول : ما ذكره
الشيخ (قده) سابقا من دعوى قيام الاجماع على إلحاق المشكوكات بالموهومات ومرجعه
الى حجية الظن في دليل الانسداد ينافي ما ذكره من ان مناط الحجية ليس بيد العقل ،
والشارع له التصرف ، فيمكن أن يجعل الموهوم ولم يجعل المظنون لأن قيام الاجماع على
حجية الظن في دليل الانسداد كون خصوص الظن هو المجعول ولا يحتمل غيره.
نعم لو كان
استكشاف حجية الظن من غير الاجماع على القول بالكشف بل كان بمقدمة عدم الاهمال
بحيث لو لم يكن عندنا علم اجمالي يمكن القول بمقدمية انا غير مهملين وهو لا يكون
إلا بأن يكون بيان منصوب من الشارع وذلك يوجب الانحلال إلا ان الحجة لم تتعين في
خصوص الظن بل يحتمل كون الحجة في غير الظن ، فحينئذ يتوجه اعتراض الشيخ (قده)
ويتجه كلام الاستاذ بأنه يمكن تعيينها بمتيقن الاعتبار بناء على كون الحجة هى
الواصلة بنفسها
وكان متيقن
الاعتبار بمقدار الكفاية فلا بد من التعميم كما انه بناء على كون الحجية هو الواصل
ولو بالطريق يمكن القول بالتعميم والتعيين بمقدمات دليل الانسداد ، وبناء على كون
الحجية الطريق ولو لم يصل لا بد من التعميم ورعاية الاحتياط في جميع الأطراف ولو
لم يكن متيقن الاعتبار بمقدار الكفاية ثم ان الاستاذ (قده) في الكفاية جعل الطريق
الواصل ولو بطريقه ، والطريق ولو لم يصل في عرض واحد وهو ممنوع إذ جعل الطريق
الواصل ولو بطريقه يبتنى على عدم امكان الاحتياط إذ مع امكانه فلا تنتهي النوبة
الى الاقتصار على متيقن الاعتبار ونصب الطريق ولو لم يصل مبني على امكان الاحتياط فافهم
وتأمل.
التنبيه الثالث :
لا اشكال ولا ريب في خروج الظن القياسي وإنما الكلام والاشكال في وجه خروجه بناء
على الحكومة إذ بناء على الكشف فوجه الخروج واضح ، لأن بمقدمات الانسداد نستكشف ان
الشارع جعل الظن حجه ما عدا الظن القياسي ، كما انه لا يرد الاشكال بناء على مسلك
الاهتمام كما هو المختار فانه من المعلوم أن الشارع لم يكن له اهتمام بالواقعيات
التي هى في مورد الظن القياسي كما انه لا يرد بناء على ما سلكه الاستاذ قدسسره من جعل الاحتياط شرعا إذ نتيجته هو القول بالكشف.
وقد عرفت عدم
جريانه على القول بالكشف وإنما الاشكال يتجه على القول بالحكومة وتقريبه. أن
الواقعيات لما كانت متنجزة بالعلم الاجمالي فتكون معلومة بالاجمال في تنجزها في
حال الانسداد كالواقعيات المعلومة بالتفصيل في حال الانفتاح ، فاذا كانت كذلك فيجب
على المكلفين الخروج
عن عهدتها ،
والعقل لما حكم باتباع الظن فحينئذ كيف يخرج الظن القياسى عنه إذ يكون ذلك من
التخصيص في حكم العقل مع انه من المعلوم أن حكم العقل غير قابل للتخصيص والاستاذ (قده)
في الكفاية أجاب عن ذلك ان حكم العقل لم يكن منجزا تنجزا فعليا بل حكم معلق على
عدم نصب طريق من الشارع ولكن لا يخفى.
انك قد عرفت ان
تنجز الواقعيات بالعلم الاجمالي وحكم العقل باتباع الظن إنما يكون في مرحلة
الاسقاط ، فاذا صار في مرحلته لا تناله يد التصرف من الشارع ، فاذا فرض ذلك كيف
يكون الظن القياسي خارجا وليس ذلك إلا تخصيصا في حكم العقل.
نعم يتم جوابه عن
الاشكال بناء على مسلك مؤسسية الدين ولكن هذا المسلك لم يتعرض له الاستاذ حتى يبني
عليه بل نحن ذكرناه من باب الاحتمال وأيدناه وجعلناه من جملتها خ وحاصل الكلام انه
بناء على الحكومة يتوجه الاشكال إلا انه إن كان بمناط الاهتمام فلا يمكن اخراج الظن
__________________
القياسي حيث أن
العقل حاكم بأن الظن حجة فيما إذا كان محتملا للتكليف فحينئذ يقطع باهتمام الشارع
ولكن الشأن في ذلك إذ مع نهي الشارع عن العمل بالظن القياسي لا يبقى مجال للقطع
باهتمام الشارع كي يكون موردا لحكم العقل بل يكون كالشك البدوي في أصل الاهتمام
كما انه لا يرد الاشكال بناء على تقريب الحكومة لمناط منجزية الاحتمال كما هو في
الاحتمال قبل الفحص إذ حكم
__________________
العقل في المقام
من الأحكام المعلقة على عدم الترخيص الواصل من الشارع لا معلقة على عدم نهي الشارع
عن العمل بالظن.
نعم يتوجه الاشكال
على مسلك التبعيض في الاحتياط بمناط منجزية العلم الاجمالي ولزوم الأخذ بالأقرب في
مقام اسقاط التكليف فانه لا يعقل اخراج الظن القياسي وليس له دافع لذلك إلا
الالتزام بتعليقية حكم العقل أو استكشاف جعل البدل من النواهى.
وبالجملة لا مدفع
عن هذا الاشكال على تقدير تسليمه على بعض المسالك إلا بالتزام بتعليقية حكم العقل
في فرض الانسداد على عدم تحقق نهي من الشارع ، وأما مع فرض تنجيزية حكمه لا بد من
الالتزام بكلية النتيجة وعدم خروج الظن القياسي كما لا يخفى.
التنبيه الرابع :
في انه إذا قام ظن على عدم حجية ظن فهل نتيجة دليل الانسداد هو حجية الظن المانع
أو الممنوع أو الأقوى منهما أو التساقط وجوه .
__________________
فنقول : انه يختلف
الحال بحسب المسالك :
فعلى المسلك الأول
ـ الذي هو منجزية العلم يكون المدار هو الظن بالمانع ، لأن الظن بالمانع لا يقتضي
إلا عدم منجزية الظن بالممنوع بالتكليف من دون اقتضاءه لمخالفة العلم الاجمالي فلا
يقتضي إلغاء الظن بالممنوع بناء على التبعيض بل لا بد من الأخذ بالظن بالممنوع في
مقام العمل.
وأما بناء على
المسلك الثاني ـ الذي هو عبارة عن منجزية ما يعم العلم فيكون المدار على الظن
بالمانع لأنه بناء على ذلك يكون تعيين الطريق موكولا الى حكم العقل.
وقد عرفت أن العمل
قد عين ان نتيجة دليل الانسداد هو مظنون الاعتبار لا موهومه وبقيام الظن على عدم
ظن آخر يكون الظن الممنوع موهوم
__________________
الاعتبار فيخرج عن
دائرة الظن الذي هو حجة.
وأما بناء على
المسلك الثالث ـ وهو كون المنجز هو الاحتمال المهتم به أيضا يكون المدار على الظن
بالمانع دون الظن بالممنوع لأن قيام الظن على عدم الحجية يكشف أن التكليف في مورد
الظن الممنوع ليس مما اهتم به فيخرج عن دائرة الظن الذي هو حجة ونظيره ما عرفت في
الظن القياسي على هذا المسلك.
وأما بناء على
المسلك الرابع ـ وهو كون المنجز من اساس الدين فأيضا يكون المدار هو الظن المانع
لأن الظن بالممنوع إنما يؤخذ به مع عدم الأخذ بالمانع فالأخذ به معلق على عدم
الأخذ بالظن بالمانع لأن العقل لا يحكم بحجية ظن احتمل المنع منه فضلا عن الظن به
ففي مورد لم تف الظنون لا بد من التنزل الى الشك إما مطلقا أو بمقدار الاحتياج ولم
يرجع الى الظن بالممنوع فيرجع حينئذ الى الشك مثلما لو فرض عدم تحقق اصل في
المقدار الوافى إذ العقل لا يفرق في تنزله الى مرتبة الشك بين فقد أصل الظن أو فقد
قيده وهو حجيته.
نعم لو كان حكم
العقل بتنجز حجيته بمقدار واف وتعليقيته بالنسبة الى الزائد فلا بد وان يلاحظ
الاحتياج في الظن بالممنوع بظن آخر فان احتيج اليه فلا محيص عن ارتفاع الظن بالمنع
وإلا فلا محيص من طرحه.
وأما بناء على
المسلك الخامس ـ الذي ذكره الاستاذ (قده) وهو التنجز بالاحتياط الشرعي فيكون
المدار ايضا على الظن بالمانع دون الظن بالممنوع لأنه على هذا المسلك نتيجة دليل
الانسداد هو الكشف فيمكن عروض
التخصيص على ما هو
المجعول شرعا فيكون الدليل كاشفا عن حجية الظن ما عدا الظن الممنوع.
وكيف كان وقد عرفت
منا سابقا تعليقية حكم العقل في باب الانسداد على عدم قيام دليل أو حجة على المنع
منه فلا بد من تقديم المانع إذ تنجزه يكون صالحا للردع عن الظن الممنوع ونتيجة ذلك
هو ان حكم العقل في أحدهما تنجزي ، والآخر تعليقى ، ومن الواضح ان تنجزية أحدهما
يقدم على تعليقية الآخر. فلذا يختص الاشكال في المقام بناء على مسلك التبعيض في
الاحتياط حيث انه بناء عليه يكون المنجز هو العلم الاجمالي وبعد تنجيزه يحكم العقل
بالأخذ بالأقرب في مقام تحصيل الفراغ فحينئذ لا يعقل مجيء الترخيص على الخلاف ، فلذا
لا محيص عن الأخذ بالممنوع وطرح المانع لكونه منجزا فلا يمكن الجمع بينهما ، ولكن
لا يخفى ان الظن المانع بتنجزه يقدم قهرا على الظن الممنوع إذ لا مانع له في هذه
المرتبة إلا الممنوع الذي قد عرفت استحالة صلاحيته المانعية عنه إذ بدخول الظن
المانع تحت دليل الانسداد وحكم العقل فيه بالحجية يوجب رفع الموضوع في طرف الممنوع
كما هو أوضح في أن يخفى.
التنبيه الخامس :
انه لا فرق في كون الظن حجة سواء كان الظن بالحكم ناشئا من امارة أو من آية أو
رواية أو من قول لغوي لو أوجب ظن بمراد الشارع من لفظه وهذا واضح لا يعتريه شك ولا
شبهة ثم لا يخفى ان الاستاذ (قده) في الكفاية قد تعرض الى استقلال العقل بتقليل
الاحتمالات من حيث السند والدلالة أو الجهة مهما أمكن وعقد له تنبيها فقال ما لفظه
:
«لا يبعد استقلال
العقل بلزوم تقليل الاحتمالات المتطرفة الى مثل السند أو الدلالة أو جهة الصدور مهما
أمكن في الرواية وعدم الاقتصار على الظن الحاصل منها بلا سد بابه فيه بالحجة من
علم أو علمي وذلك لعدم جواز التنزل في صورة الانسداد الى الضعيف مع التمكن من
القوى أو ما يحكمه عقلا فتأمل جيدا».
أقول : ان التعليل
ممنوع إذ الأمر يرجع الى كون الظن بالحكم الفرعي الواقعي سواء قلت الاحتمالات أم
لا ، هذا ويمكن المناقشة بأن تقليل الاحتمالات يوجب قوة الظن الذي تعلق بالواقع.
وقد عرفت فيما
تقدم كون النتيجة متعينة في الظن الأقوى ولا اطلاق فيها ولا تعميم وحينئذ يلزم
تقليل الاحتمالات لتحصيل تلك المرتبة التي يوجب تعيين حجية الظن فيه وهي مرتبة
القوة على ان هذا التعليل يوجب تقليل الاحتمالات حقيقة فيما إذا كان موجبا للفحص.
وأما إذا كان موجبا لتقليلها حكما كما إذا كانت الحجة علميا فاقتضاؤه للفحص محل
اشكال إذ لو لم يكن الظن بحالة وبمرتبة لا يقوى على الفحص لا يحكم العقل بوجوبه فلا
يكون موجبا لحكم العقل.
والحاصل ان اعتبار
ما يورثه الظن بالحكم الفرعي يختص فيما ينسد به باب العلم مثلا قول اللغوي يكون
حجة فيما يوجب الظن بالحكم الفرعي مع فرض الانسداد فلا تغفل.
التنبيه السادس :
ان جريان مقدمات الانسداد انما تجري في مقام الاثبات لا في مقام الاسقاط والفراع
إذ المرجع في ذلك الى قاعدة الاشتغال لو لم تكن مثل قاعدتي الفراغ والتجاوز لعدم
كفاية الظن بالفراغ والظاهر انه مما لا اشكال فيه وان نسب الى شيخنا الأنصاري (قده)
من حجية الظن
الاطمئناني نظرا
لجريان بناء العقلاء ، ولكن لا يخفى انه محل نظر.
نعم يمكن حمله على
ما يكون مثل الضرر الذي صار موضوعا لأحكام كثيرة كجواز التيمم والافطار والصلاة
بالنجس أو من جلوس ونحو ذلك ، فانه يمكن دعوى العمل بالظن عند انسداد باب العلم
بالأحكام مع ان اجراء اصالة العدم يوجب الوقوع فيه ولكن ذلك يتم لو لم نقل باناطة
الأحكام على خوف الضرر وظنه لا على الضرر الواقعي وإلا فلا تجري مقدمات الانسداد
وحاصل الكلام ان مقدمات الانسداد انما تجري في نفس الأحكام الكلية لا في تطبيق تلك
الاحكام على ما المأتي به مثلا لو شك في وجوب صلاة الجمعة وقد حصل له الظن بوجوبها
، فمع فرض الانسداد يجب به لكون الظن حجة لا الظن باتيانها مع القطع بوجوبها. قال
الاستاذ (قده) في الكفاية ما لفظه : «إنما الثابت بمقدمات دليل الانسداد في
الاحكام هو حجية الظن فيها لا حجيته في تطبيق المأتي به في الخارج معها فيتبع مثلا
في وجوب صلاة الجمعة يومها لا في اتيانها بل لا بد من علم أو علمي باتيانها» ومثل
ذلك لو شك في الموضوعات الخارجية كالشك في كونه ترابا خالصا والشك في الجهة
المعينة للقبلة الى غير ذلك من المقامات الراجعة الى الشك في تطبيق تلك المفاهيم
الكلية عليها. فقد عرفت انه لا يجدي الظن بها فلا تغفل.
التنبيه السابع :
في أن الظن في حال الانسداد متبع في الفروع وغير متبع في الاصول التي يطلب فيها
صرف الاعتقاد لكونها من الامور الاعتقادية التي لم يطلب فيها إلا العمل الجوانحي
لا الجوارحي فانه وإن انسد باب القطع إلا انه لم ينسد باب الاعتقاد اجمالا بما هو
واقعه والانقياد له بخلاف العمل
الجارحي فانه لا
يمكن فيه الانقياد والموافقة إلا بالاحتياط ، والمفروض عدم وجوبه شرعا أو عقلا ،
وهذا واضح لا اشكال فيه ، وإنما الكلام الذي يجب التنبيه عليه أن المنكر لبعض
ضروريات الدين هل يحكم بكفره مطلقا أو فيما إذا كان انكاره موجبا لتكذيب النبي (ص)
وكلمات الأصحاب في هذا المقام مختلفة والذي ينبغى أن يقال ان هذا المنكر إن كان
ناشئا بين المسلمين فيحكم بكفره بمجرد الانكار لأن انكاره راجع الى تكذيب النبي (ص)
إذ يبعد في حقه الجهالة وان لم يكن ناشئا بين المسلمين لم يحكم بكفره إذ لم يكن
راجعا الى تكذيب النبي (ص) وهذا هو الموافق لما استظهرناه من الأدلة ثم لا يخفى ان
غير المقر بالشهادتين لو كان قاصرا لم يحكم باطنا بكفره ولكن محكوم بالكفر ظاهرا
إذا الاسلام مترتب على الاقرار الظاهري وهو لم يتحقق.
فان قلت : ورد
عنهم (ع) : ان الناس إذا لم يجحدوا لم يكفروا ، فعليه لم يحكم بالكفر مع عدم
الجحود.
قلت : انه محمول
على الكفر الباطني ، وكيف كان لا ثمرة للحكم بالكفر وعدمه بعد القطع بعدم وجود
القاصر لأنا نقطع انه لا بد لكل أحد من الالتفات الى أنه لا بد له من موجد ، ورازق
، ومدير ، ومع هذا القطع كيف يتحقق وجود القاصر ، ثم لا يخفى انه على تقدير تنزلنا
الى العمل بالظن لا دليل على لزوم الانقياد والتدين بالمعرفة الظنية بل لا يمكن
التدين بها لدوران الأمر بين محذورين إذ نبوة شخص مظنونة يجامع احتمال العدم فيدور
الأمر بين الأخذ بالظن أو الاحتمال فيكون الأمر دائرا بين محذورين واذا دار الامر
بينهما يحكم العقل بالتخيير.
نعم يمكن أن يقال
: بأن العقل يحكم بالتخيير فيما إذا لم يكن في أحد الاحتمالين رجحان ، وأما اذا
كان في أحدهما رجحان كما في المقام لا يحكم العقل بالتخيير بل يحكم بالاخذ بالراجح
وهو في المقام الظنى فيحكم العقل باتباعه.
والحاصل ان العمل
بالظن في الاصول الاعتقادية تتوقف على تمامية مقدمات الانسداد وتماميتها غير معقول
لأن من المقدمات عدم امكان الاحتياط لكي يوجب الدوران بين الاخذ بالمظنون أو
بالموهوم وبقاعدة الترجيح بلا مرجح يوجب الأخذ بالمظنون وفي المقام لا يتصور ذلك
الدوران لا مكان الاعتقاد به اجمالا.
بقي الكلام في
جابرية الظن وموهنيته ومرجحيته وان كان خارجا
__________________
عن دليل الانسداد
ولكن جريا على عادة الاصحاب في ذكره ملحقا بدليل الانسداد.
__________________
__________________
فنقول ومن الله
الاستعانة : ان الظن لا يكون جابرا بناء على ان دليل اعتبار الرواية من حيث كون
سنده صحيحا من غير اعتبار الوثوق بصدورها ومطابقتها للواقع إذ عليه لا يختلف الحال
في أن هناك ظن أم لا وكذا بناء على ان دليل الاعتبار من حيث أن فيه صفة الوثوق
النوعي إذ عليه ان هذا الوثوق يحصل ولو لم يكن هناك ظن فالظن وجوده وعدمه سواء ،
وكذا بناء على الوثوق الشخصي ولكن كان الوثوق الذي هو محقق للاعتبار ما كان ناشئا
من الامارات الداخلية كما هو المختار أيضا لا يكون الظن الخارجي جابرا وأما لو
قلنا : بأن اعتبار الامارة من حيث الوثوق الشخصي ، والوثوق المعتبر أعم من الخارج
والداخل يكون الظن جابرا ، وكيف كان فالظن الحاصل من الشهرة على تقدير الجبر ليس
عن مطلق الشهرة بل الشهرة الروائية لا الفتوائية إذ الشهرة الفتوائية غير قابلة
للجبر في غير فرق بين السند والدلالة ، أما جبر السند فظاهر انه لا يفيد ولا يجبر
بها لان الشهرة الفتوائية لا تصير الرواية موثوقة الصدور ، وأما الدلالة فاعتبارها
بالظهور فتدور الحجية مدار الظهور ، فان كان حاصلا تكون الحجية حاصلة ، وان كان
مفقودا تكون الحجية مفقودة ، وهذا لا يفرق فيه بين كون الشهرة مطابقة له أم لا.
وبالجملة الشهرة
في الفتوى لا أثر لها وإنما الذى تصلح للجبر الشهرة الاستنادية.
على ما عرفت منا
سابقا بأن تكون الفتوى مستندة الى الخبر. وأما الكلام في الموهنية كالكلام في
المرجحية حرفا بحرف ، وانها تعرف في مباحث التعادل والتراجيح. وسيأتي البحث عنها
ان شاء الله تعالى. هذا كله فيما إذا كان الظن غير منهيا عنه ، وأما لو كان منهيا
عنه فلا ينبغى الاشكال
في انه غير معتد
به وليس له قابلية للجبر والترجيح كما لا يخفى. هذا ما أردنا
بيانه من مبحث
الظن ، والى هنا ينتهي الكلام في الجزء الثالث من
كتابنا المسمى ب (منهاج
الاصول) ونسأله التوفيق لاخراج بقية
الاجزاء ، والحمد
لله رب العالمين والصلاة والسلا
م على سيدنا محمد
وآله الطيبين الطاهرين ، وقد
وقع الفراغ منه في
جوار مرقد سيد الوصيين
أمير المؤمنين (ع)
بقلم مؤلفه
الراجي عفو ربه
محمد ابراهيم نجل
المرحوم الحاج شيخ علي الكرباسي
طاب ثراه
فهرس الجزء الثالث
من كتاب منهاج الاصول
الصفحة
|
|
الصفحة
|
|
|
المقدمة
|
٤١
|
كفاية الاثر
التقديري في مقام التنزيل
|
٣
|
احكام المكلف
|
٤٤
|
قيام الاصول
مقام القطع
|
٧
|
تثليث الاقسام
|
٤٦
|
الملازمة بين
حكم العقل والشرع
|
٩
|
بيان مجاري
الاصول
|
٤٩
|
الحسن والقبح
الذاتيين
|
١٠
|
المقصد الاول في
القطع
|
٥١
|
العقل يحكم
بالحسن والقبح
|
١٢
|
وجوب متابعة
القطع
|
٥٥
|
انكار الملازمة
الواقعية
|
١٣
|
لا يؤخذ القطع
في القياس
|
٥٧
|
الثمرة بين
القولين
|
١٦
|
صحة وقوع الظن
في القياس اقسام القطع
|
٦٠
|
مبحث التجري
|
١٩
|
المقام الاول في
القطع الطريقي
|
٦٣
|
قبح التجري عقلى
|
٢١
|
نتيجة التقييد
والاطلاق
|
٦٧
|
الفرق بين
الاوامر الارشادية والمولوية
|
٢٥
|
توقف التناقض
على العلية
|
٧١
|
قبح التجري يسري الى الفعل الخارجي
|
٢٩
|
لا يؤخذ القطع
في موضوع حكم نفسه ومثله وضده
|
٧٥
|
الثمرة بين
القولين
|
٣١
|
قيام الامارات
والاصول مقام القطع
|
٧٦
|
الموافقة
الالزامية
|
٣٥
|
حكومة الامارات
على الاصول
|
٧٩
|
وجوب الموافقة
الرجائية
|
|
|
٨٠
|
العلم الاجمالي
|
|
|
٨٣
|
وجوب الموافقة
القطعية
|
الصفحة
|
|
الصفحة
|
|
٨٧
|
العلم الاجمالي
علة للموافقة القطعية
|
١٥٩
|
ماء الاستنجاء
نجس معفو عنه
|
٩١
|
تقديم الموافقة
القطعية
|
١٦٣
|
حجية الظواهر
لمن لم يقصد افهامه
|
٩٧
|
العلم الاجمالي
لتنجز التكليف
|
١٦٥
|
حجية ظواهر
الكتاب
|
٩٩
|
فيما لو علم
بغصبية الماء او نجاسته
|
١٦٩
|
حجية قول اللغوي
|
١٠١
|
حكم الاصحاب
بالتصنيف
|
١٧١
|
الاجماع المنقول
|
١٠٥
|
المقصد الثاني
في الظن
|
١٧٣
|
أدلة حجية الخبر
لا تشمل الاجماع المنقول
|
١٠٨
|
امكان التعبد
بالظن
|
١٧٥
|
حجية الشهرة
|
١١١
|
بيان صورة
الانفتاح والمراد منه
|
١٧٧
|
لا دليل على
حجية الشهرة الفتوائية
|
١١٥
|
الحكم الواقعي
ليس في مرتبة الظاهري
|
١٧٩
|
حجية الخبر
الواحد
|
١٢١
|
الامارة على نحو
السببية
|
١٨٣
|
بيان ملاك
المسألة الاصولية
|
١٢٣
|
اجوبة القوم عن
محذور الجمع بين الحكمين
|
١٨٥
|
حكومة ادلة حجية
الخبر
|
١٢٥
|
بيان المختار من
دفع شبهة التضاد
|
١٨٧
|
ادلة المانعين
لحجية خبر الواحد
|
١٢٧
|
الجواب عن شبهة
ابن قبة
|
١٩١
|
الاستدلال بمفهوم آية النساء
|
١٣٣
|
احتمال المنجزية منجز
|
١٩٥
|
إثبات المفهوم بطريق الوصف
|
١٣٩
|
وقوع التعبد
بالظن
|
١٩٧
|
اثبات المفهوم بطريق الشرط
|
١٤٣
|
الاستصحاب يقدم
على القاعدة
|
٢٠١
|
التعارض بين
المفهوم والتعليل
|
١٤٩
|
التشريع من
العناوين القصدية
|
٢٠٥
|
الاشكال في شمول
الآية لخبر السيد
|
١٥١
|
اصالة حرمة
العمل بالظن
|
٢٠٩
|
الاشكال في شمول
الآية لخبر الواسطة
|
١٥٢
|
حجية الظواهر
|
٢١١
|
الجواب عن
الاشكال المذكور
|
١٥٥
|
للظواهر جهات
ثلاث
|
٢١٧
|
تقريب الاشكال
المذكور بوجه ادق
|
١٥٧
|
لا يعتبر الظن
الفعلي في الظهور
|
٢٢١
|
التحقيق في
الجواب عن الاشكال
|
الصفحة
|
|
الصفحة
|
|
٢٢٥
|
الاستدلال بآية
النفر
|
٢٨١
|
بيان مراتب
الاحتياط
|
٢٢٧
|
دلالة آية النفر
على وجوب التقليد
|
٢٨٣
|
الاجماع على عدم
وجوب الاحتياط
|
٢٢٩
|
دفع الاشكالات
على آية النفر
|
٢٨٥
|
الترخيص بمناط
الاجماع
|
٢٣١
|
دلالة آية
الكتمان على حجية خبر الواحد
|
٢٩٣
|
التخيير بين
الدوائر الثلاث
|
٢٣٣
|
الاستدلال بآية
السؤال
|
٢٩٩
|
تنبيهات
الانسداد
|
٢٣٥
|
الاستدلال بآية
الاذن
|
٣٠١
|
نتيجة الانسداد
الظن بالواقع او بالطريق
|
٢٣٧
|
الاستدلال
بالسنة على حجية خبر الواحد
|
٣٠٥
|
حجية الظن
بالواقع
|
٢٣٩
|
الاستدلال بالاجماع
على حجية خبر الواحد
|
٣٠٩
|
اهمال النتيجة
او كليتها
|
٢٤١
|
الاستدلال على
حجية خبر الواحد بالدليل العقلي
|
٣١٥
|
كلية النتيجة
بناء على الحكومة
|
٢٤٥
|
ملاك انحلال
العلم الاجمالي
|
٣١٩
|
الاهمال في حكم
العقل
|
٢٤٩
|
نسبة الامارات
الى الاصول
|
٣٢١
|
التنبيه الثالث
في الظن القياسي
|
٢٥١
|
حجية الاخبار
الموجودة في الكتب المعتبرة
|
٣٢٥
|
التنبيه الرابع
في حجية الظن المانع دون الممنوع
|
٢٥٤
|
حجية مطلق الظن
|
٣٢٧
|
التنبيه الخامس
حجية الظن الحاصل من الرواية وغيرها
|
٢٥٧
|
الضرر نوعي أو
شخصي
|
٣٢٨
|
التنبيه السادس
حجية الظن في مقام الاثبات دون الاسقاط
|
٢٦١
|
المصالح نوعية
أو شخصية
|
٣٢٩
|
التنبيه السابع
حجية الظن في الفروع دون الاصول
|
٢٦٤
|
دليل الانسداد
|
٣٣١
|
جابرية الظن
ومرجحيته وموهنيته
|
٢٦٧
|
منجزية الاحكام
بالعلم الاجمالي
|
٣٣٣
|
جابرية الشهرة
الروائية
|
٢٦٩
|
بيان المقدمة
الثالثة
|
|
|
٢٧٣
|
الكلام في بطلان
الاحتياط
|
|
|
|