بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف الانبياء والمرسلين محمد خاتم النبيين وآله الطيبين الطاهرين المعصومين ولعنة الله على اعدائهم اجمعين.

اعلم ان المكلف اذا التفت الى حكم شرعى فاما ان يحصل له القطع او الظن أو الشك ، والمراد من المكلف من وضع عليه القلم لا خصوص من كلف بالتكليف الفعلى لظهور قيدية (اذا التفت) في الاحترازية ، ومع ارادة الفعلية يكون القيد توضيحيا (١) والمراد من الحكم هو الحكم الفعلى لعدم وجوب اتباع ما لم يبلغ مرتبة الفعلية ، نعم ليس المراد منها كون الحكم فعليا من جميع الجهات ، وانما المراد من كونه فعليا من جهة المولى وهو الذى يشترك العالم والجاهل به ،

__________________

(١) الظاهر عدم الاحتياج اليه إذ لا يمكن تحقق الاقسام المذكورة إلا بالنسبة إلى الواجد لتلك العناوين وقطعا انها لا تحصل إلا بالالتفات التفصيلي لعدم تعقل تحقق القطع بحكم أو احتماله للغافل لكي يحترز عنه فدعوى ان قيدية اذا التفت للاحتراز عن الغافل ممنوعة إذ ذلك حاصل من ذكر الاقسام التي تترتب عليها الاحكام كما لا يخفى.

وبهذا المعنى يؤخذ موضوعا للوظيفة الشرعية ولا يلزم منه الجمع بين الحكم الواقعى والظاهري لعدم المانع من تحقق الترخيص الشرعى ، إذ لا محذور من جعل الحكم فى قبال ذلك الحكم على ما سيأتى بيانه في مبحث الظن ، كما انه ليس المراد من المكلف خصوص المجتهد بل يعم المقلد لعدم اختصاص الاقسام المذكورة بالمجتهد لاطلاق ادلة اعتبارها ، وعن بعض الاعاظم (قدس‌سره) اختصاصه بالمجتهد بتقريبين :

الاول ان حصول هذه الاقسام من القطع والظن والشك للملتفت بالحكم بالتفصيل وذلك يختص بالمجتهد.

الثاني عدم تمكن المقلد من الفحص عن المعارض ولكن لا يخفى ما فيهما ، اما عن الاول : بان تلك الاقسام يمكن حصولها لغير البالغين درجة الاجتهاد فتشملهم الادلة لفرض اطلاقها ولغيرهم بعدم القول بالفصل ، واما عن الثانى فبأدلة الافتاء والاستفتاء يكون فحص المجتهد فحص المقلد ، وشكه ويقينه بمنزلة شك المقلد ويقينه ، وعليه لا مانع من القول بان المجتهد ينوب عن المقلد في الفحص عن المعارض وفي ترجيحه لاحد الخبرين وتظهر الثمرة بين القولين عند رجوع العامي الى المجتهد فانه بناء على التعميم ، المجتهد يخير العامي بين الافتاء له بمقتضى الاستصحاب الجاري فى حقه وبين ابقاء ما حصل للعامي من اليقين والشك والافتاء على يقين العامي السابق بخلاف ما لو قلنا بالاختصاص فانه يتعين على المجتهد الافتاء حسب ما قام عنده من الاستصحاب الجارى فى حقه ، والظاهر ان مقتضى الجمع بين دليل الافتاء والاستفتاء وبين شمول الخطاب للمقلد هو الاول.

بيان ذلك ان العامي عند رجوعه الى المجتهد كما لو رجع اليه بنجاسة الماء

المتغير باحد الاعيان النجسة حصل له يقين بالنجاسة لكون قول المجتهد بالنسبة الى العامي كالامارة القائمة عند المجتهد بدليل الافتاء والاستفتاء وبعد زوال تغيره يحصل للمقلد شك فيكون من مصاديق خطاب. (لا تنقض اليقين بالشك) إلّا ان المقلد لما لم يكن ملتفتا إلى ذلك المجتهد ينوب عنه في إعمال ذلك الاستصحاب المتحقق ركناه عند المقلد فيفتي المجتهد بالنجاسة بعد زوال تغيره من قبل نفسه بمدركين ، مدرك قائم عنده ، ومدرك قائم عند المقلد. وبالجملة المجتهد يخير العامي بعد رجوعه اليه بين الحجتين الحجة القائمة عنده التي هي حجة له ولمقلديه والحجة المحققة عند المقلد والعامي بعد رجوعه التي لم يكن ملتفتا اليها لذا ينوب المجتهد عن المقلد في إعمالها (١) وكيف كان فقد استشكل على التقسيم المذكور بتداخل

__________________

(١) وفاقا للمحقق الخراساني (قدس‌سره) في الحاشية ما لفظه (غاية الامر ان المجتهد لما كان متمكنا من تعيين مفاد الادلة ومجاري الاصول بما لها من الشرائط دون غيره ينوب عنه في ذلك) ، ولكن لا يخفى انه على ما تقدم من ان ملاك المسألة الاصولية عبارة عن كبرى لو انضمت إلى صغراها لانتجت حكما كليا في كل الموارد بخلاف نتيجة المسألة الفقهية فانها وان كانت كلية إلا انها تكون في مورد جزئيه فنتيجة المسألة الاصولية تنفع المجتهد ولا حظ للمقلد ، فحينئذ كيف يمكن القول بنيابة المجتهد عن المقلد فدعوى شمول (لا تنقض اليقين بالشك) في الشبهات الحكمية للمقلد ممنوعة أشد المنع ، إذ كيف يمكن شمول مثل ذلك لمن لا يحصل له اليقين والشك على انه لو حصلا فلا عبرة بهما ما لم يكن مجتهدا فى حجية الاستصحاب فلا يثمر قطع المقلد أو شكه. نعم انما يثمر قطع المجتهد وشكه. ومن ذلك يظهر ان المقصود بالذات فى الاستصحاب هو ما يثبت الاحكام الكلية كالاستصحاب الجاري في الشبهات الحكمية ، كما لو

بعض موارد الظن فى الشك وبعض موارده فى العلم بما حاصله انه لا وجه لتثليث الاقسام ، لان الظن ان قام دليل على اعتباره فلحق بالقطع وان لم يقم دليل

__________________

شك فى نجاسة الماء المتغير بعد زوال تغيره من قبل نفسه فيجرى المجتهد الاستصحاب ويفتى بنجاسته وذلك حجة فى حقه وحق مقلده ولا يلاحظ يقين المقلد وشكه ، ولا ينافي التعرض فى الأصول لمثل الاستصحاب الجارى في الشبهات الموضوعية غير المختص بالمجتهد فانها انما ذكرت من باب الاستطراد ، اللهم إلا أن يقال بان المقلد والمجتهد لا فرق بينهما بالنسبة إلى شمول الأدلة واما بالنسبة إلى متعلق القطع والظن والشك فيفرق بينهما فان متعلقها فى المقلد هو ما افتى به مقلده وطريقه اليه هو فتواه ، وفى المجتهد المتعلق فيها هو الحكم الواقعي وطريقه اليه هو الادلة الاربعة ، وحينئذ يكون ظهور كلام المجتهد حجة للمقلد ويتمسك باطلاق كلامه كما يتمسك المجتهد بظهور الادلة ، فعليه لا وجه لتخصيص المكلف فى المقسم بخصوص المجتهد بدعوى عدم جريان البراءة فى حق المقلد لعدم قدرته على شرط جريانها وهو الفحص فانها ممنوعة ، فان عدم امكان تحصيل الشرط لا يوجب عدم شمول دليلها للمقلد فيكون حاله كالمجتهد المحبوس غير المتمكن من الفحص ، فكما لا يجوز له الرجوع إلى البراءة لعدم تحقق شرط الرجوع اليها كذلك المقلد لا يرجع إلى البراءة لعدم امكان الفحص له وعليه لا مانع من تعميم المكلف في عبارة الشيخ الانصارى (قدس‌سره) وارادة الحكم الفعلي لا الإنشائي من الحكم في عبارته ، ولكن لا يخفى ان ذلك يتم لو كان المراد من الحكم المتعلق بنفس المكلف ، واما لو اريد من الحكم المتعلق بغيره كاحكام الحج قبل الموسم أو أحكام النساء من الحيض والنفاس فانها لا تصير فعلية بالنسبة إلى شخص المكلف فتكون وظيفة المجتهد كوظيفة الامام (ع) هو بيان الحكم المجعول من غير فرق بينهما ، إذ الامام (ع) يبين

على اعتباره فملحق بالشك فما وجه عده فى قبال القسمين ، ولأجل ذلك عدل الاستاذ عنه فى الكفاية فقال ما لفظه ان المكلف اما ان يحصل له القطع أو لا ، وعلى الثانى اما ان يقوم عنده طريق معتبر اولا لئلا تتداخل الاقسام ولكن لا يخفى ان الحكم الواقعي والمجتهد يبين مؤدى الطريق وبالجملة ان اريد من الحكم فى قوله (ان المكلف إذا التفت إلى حكم) الحكم المتعلق بشخص المكلف فان حصل له القطع يكون منجزا وإلا فان كان عنده طريق معتبر فيعمل على طبقه وإلا فإلى الاصول العملية من غير فرق بين المجتهد والمقلد.

غاية الأمر ان متعلق القطع والظن والشك يختلف ففى المجتهد هو الحكم المؤدى بالادلة الاربعة ، وفي المقلد هو ما أفتى به من يرجع اليه فى التقليد ، وقد عرفت انه بالنسبة إلى جريان الاصول على السوية حتى في مثل البراءة ، وعدم تمكن المقلد من الفحص لا يوجب اختصاص دليلها بالمجتهد ، إذ ذلك يكون حاله كالمجتهد الذي لا يتمكن من الفحص فكما ان ذلك لا يوجب خروج المجتهد من دليل البراءة فكذلك في المقلد وان اريد من الحكم هو الحكم غير المتعلق بشخص المكلف فلا معنى لارادة الحكم الفعلي بل المراد هو الحكم الكلي المجعول في حق الغير فمع تعلق القطع الوجداني أو التعبدي فيفتي على طبق ذلك ولو لم يحصل ذلك وكان له حالة سابقة وشك في نسخه أو سعة الدليل وضيقه فيجري استصحاب الحكم الكلي ويبني على مقتضاه ، ولا يلاحظ شك المقلد أو يقينه ، وعليه لا معنى لتعميم المكلف في العنوان بل لا بد من تخصيص ذلك بالمجتهد لما عرفت ان مثل هذه الاحكام إنما هي متعلقه بالغير وليست فعلية ومنجزة في حق المجتهد وانما شأنه هو بيان وظيفة الغير بل حتى فيما لو اعتبر شك المقلد ويقينه فله الافتاء لبيان وظيفة من يقلده كالماء المتمم بالنجس أو بعض أقسام الخيار وأمثال ذلك مما يمكن أن يجري الاستصحاب بلحاظ نفسه كما يمكن أن يجري الاستصحاب بلحاظ المقلد وشكه كما لا يخفى.

تثليث الاقسام لم يكن ناظرا الى مرحلة الحجية الفعلية وانما هو في مقام بيان ما للاقسام من الخصوصيات من الوجوب والامكان والامتناع.

بيان ذلك هو ان القطع لما كان كشفه تاما فهو حجة عقلا ولا يمنع عنه فلذا يكون واجب الحجية والظن لما لم يكن كشفه تاما بل ناقصا فيمكن ان يكون حجة بتتميم كشفه ، والشك لما كان عبارة عن الترديد بين الاحتمالين فلا كشف فيه اصلا فلذا يمتنع حجيته والى ذلك نظر الشيخ الانصارى (قدس‌سره) حيث ثلث الاقسام باعتبار ما تجب حجيته كالقطع وما امكنت حجيته كالظن وما امتنعت حجيته كالشك فعليه لا وجه للعدول عما ذكره الشيخ قدس‌سره الى ذلك وقد يوجه اشكال التداخل بوجه آخر بما حاصله الحاق ما هو مقرر للشاك فى الموضوع من الوظائف الشرعية بالعلم بالحكم فتكون الاقسام ثنائية ، ولكن لا يخفى ان هذه الاشكال يتم بناء على ان المراد من الحكم ما يعم الحكم الظاهرى وهو محل نظر إذ الظاهر ارادة خصوص الواقع من الحكم. بيان ذلك ان ما تعارف بين القوم من تبويب الاقسام وجعل أحكام القطع فى باب ، وأحكام الامارة فى باب ، وأحكام الشك في باب ، والشيخ (قدس‌سره) جعل التقسيم توطئه لبيان تبويب لتلك الاقسام فلذا ناسب ان يراد من الحكم فى عبارته وعبارة كل من حذا حذوه هو خصوص الواقع وبذلك يرتفع اشكال التداخل.

بقي الكلام في مجاري الاصول وهي منحصرة في أربعة (١) فالأولى

__________________

(١) والانحصار فى الأربعة كما ترى عقلى دائر بين النفى والاثبات إلا انه بالنسبة إلى مجاريها ، واما بالنسبة اليها نفسها فليس الحصر بعقلى لا مكان وجود اصول أخر ، نعم بالنسبة إلى الاصول العقلية الثلاثة من البراءة والاحتياط والتخيير يمكن أن يكون الحصر عقليا بان يقال ان التكليف اما نفي

فى ضبطها انه اما ان يلحظ الحالة السابقة أم لا فان لوحظت فهو مجرى

__________________

أو اثبات فعلى الأول البراءة ، وعلى الثاني اما ان يتردد بين المتباينين فالتخيير وإلا فالاحتياط ، واما كون المجارى أربعة مع ان هناك اصولا أخر قد تمسك بها الفقهاء رضوان الله عليهم مثل قاعدة الفراغ واصالة الصحة للشك فيها والقرعة وقاعدة الطهارة وامثال ذلك لأن الكلام فى القواعد التي لا تختص بباب دون باب ، وما عدى الاربعة يختص ببعض الأبواب على ان بعضها ليست من مباحث الاصول مثل القرعة واصالة الصحة وقاعدة الفراغ لانها يرجع اليها الشاك في موضوع الحكم الشرعى والاصول تبحث عن القواعد التي يرجع اليها الشاك في الحكم الشرعى الحالى ، واما بيان مجاري الاصول فعبارات الشيخ (قدس‌سره) مختلفة ولا يخلو فرائد إلا وتوجد فيها نسخ متعددة ، قال الاستاذ المحقق النائينى (قدس‌سره) الموجود في النسخة المصححة بقلم سيدنا الاستاذ ان المشكوك اما ان تكون له حالة سابقة ام لا ، والأول مجرى الاستصحاب ، والثاني اما ان يعلم بجنس التكليف ام لا ، وعلى الثانى مجرى البراءة ، وعلى الأول اما ان يتردد الأمر بين المتباينين أم لا ، فعلى الأول التخيير ، وعلى الثاني مجرى الاشتغال ، وقد أورد على الشيخ بانه كيف جعل مجرى الاستصحاب وهو صرف الحالة السابقة مع انه لا يجريه إلا فى الشك في الرافع على انه لا يصدق على الأقوال الأخر كما انه يرد عليه ان ليس مطلق التردد بين المتباينين مجرى التخيير بل مجراه فيما إذا لم يلزم انحلال العلم الاجمالى ولكن لا يخفى ان ذلك غير وارد على الشيخ (قدس‌سره) فانه ليس بصدد بيان مجرى الاصول بنحو الايجاب الكلي وانما هو بصدد الايجاب الجزئى ويكفى فيه جريانها في بعض الموارد نعم ايراد ان مجرى الاستصحاب هو لحاظ الحالة السابقة لا نفسها وارد لذا غير ذلك فى البراءة وقال إن كانت الحالة السابقة ملحوظة فهو الاستصحاب.

الاستصحاب ، وإلا فان أمكن الاحتياط أم لا ، فعلى الثانى فهو مجرى التخيير وعلى الاول فاما ان تكون حجة شرعية كانت أم عقلية أم لا ، وعلى الأول فهو مجرى الاحتياط ، وعلى الثانى البراءة ، وربما يشكل ويقال ان الشيخ الانصارى (قدس‌سره) يجري البراءة فيما لو علم المكلف بجنس التكليف وتردد بين الوجوب والتحريم مع انه ينبغى التخيير مدفوع بما سيأتى من عدم جريان البراءة فى ذلك لان العلم الاجمالى بيان تلك الواقعة فلا يكون مجال للبراءة بل هو من موارد جريان التخيير لا يقال العلم بجنس التكليف لا يعد بيانا فلا يمكن مراعاته لعدم القدرة على الاحتياط فاذا سقط فلا بيان فيتحقق موضوع البراءة ، لانا نقول العلم وان كانت بيانيته ساقطة من جهة عدم القدرة على الاحتياط إلا انه لم يسقط عن البيانية من حيث كونه علما فلم يتحقق موضوع البراءة الذى هو عدم البيان.

إذا عرفت ذلك فاعلم انه يقع الكلام فى مقاصد ثلاثة القطع والظن والشك.

__________________

أقول جعل الحصر عقليا انما هو بضميمة الاستقراء وبدونه لا يكون عقليا ولم يذكر من النقض على الحصر بمثل اصالة الطهارة لامكان ارجاعها إلى البراءة بحسب الآثار لو قلنا بانها أحكام وضعية منتزعة من التكاليف أو قلنا بان النجاسة عين الحكم التكليفي وهو وجوب الاجتناب نعم لو قلنا فى خصوص النجاسة والطهارة من الموضوعات الخفية التي كشف عنها الشارع فحينئذ تخرج اصالة الطهارة عن المقام اذ الكلام في الأحكام التكليفية.

هذا لو قلنا بان مجاري الاصول مختصة فى الاحكام ، واما لو عممناها للاحكام الوضعية لجريان مثل الاستصحاب والبراءة والاشتغال في الضمان والجناية وغيرهما من الأحكام الوضعية فلا مانع من الحاق مثل اصالة الطهارة بالبراءة فلا تغفل.

المقصد الاول فى القطع (١)

وفيه مباحث

الاول في حقيقته فنقول القطع عبارة عن انكشاف الواقع اما حقيقة واما اعتقادا ، فمن قطع بوجوب شيء أو حرمته يرى نفسه قد وصل الى الواقع

__________________

(١) لا يخفى ان البحث عن بعض مسائل القطع تشبه المسائل الكلامية كالبحث عن حسن العقاب على مخالفة العلم الذى هو من قبيل المسائل الكلامية الباحثة عن أحوال المبدأ والمعاد. نعم مثل البحث عن العلم الاجمالى هل تجب موافقته القطعية أو يحرم مخالفته القطعية يعد من مسائل الاصول ، ومنه يظهر الفرق بين المقام والبحث فى الظن فان البحث فى المقام بحث عن العلم بالاحكام الذي هو الموضوع من لوازم العلم بتلك المسائل فهو من الغايات المترتبة على المسائل الاصولية بخلاف البحث فى الظن بناء على الحكومة فانه وإن كان بحثا عن حجيته عقلا إلا انه ينتهي اليه في مقام العمل فلذا يدخل البحث فى الظن بناء على الحكومة في المسائل الاصولية لانتهاء المكلف اليه فى مقام العمل وكالمباحث الاصولية العقلية التي ينتهى اليه أمر الفقيه في مقام العمل بعد الفحص وكالبحث عن الأدلة والامارات بخلاف حجية القطع فانه باقسامه غير منوطة بالفحص والبحث عن الدليل هذا بناء على ان الغرض من تدوين علم الاصول هو ما ينتهى اليه أمر الفقيه ، واما بناء على ان الغرض أعم من ذلك بان يكون عبارة عما له دخل فى مقام اقامة الحجة على حكم العمل في الفقه كان لعد مسائل القطع من الأصول وجه اذ البحث عن منجزية القطع كالبحث عن منجزية الامارات إذ

وانكشف له الواقع انكشافا تاما فلا يرى بينه وبين الواقع ستره وحينئذ يكون طريقيته ذاتية لذا لا تناله يد الجعل لا تكوينيا ولا تشريعيا اما تكوينيا فلما عرفت انه من الذاتيات والذاتى لا يتوقف على اكثر من ايجاد الذات فاحتياج الطريقية إلى جعل ينافى كونه من الذاتيات واما تشريعيا فعدم معقوليته أوضح من سابقه لعدم تعلقه بالامور الذاتية الواقعية على انه يلزم منه تحصيل الحاصل وبعد معرفة حقيقته وان القاطع يرى نفسه قد وصل إلى الواقع فيجب العمل على وفقه والحركة نحوه وذلك بمقتضى الجبلة البشرية فان المكلف إذا قطع بحكم فقد أدرك عقله حسن العقاب على مخالفته فينقاد بحسب طبعه وجبلته إلى العمل على مقتضاه فليس ذلك من باب التحسين والتقبيح العقليين ، بل هو ما تقتضيه الفطرة البشرية ولا تتوقف على القول بهما لكون المقام من باب لزوم دفع الضرر المقطوع المسلم عند القائلين بالتحسين والتقبيح العقليين وعند غيرهم ، وعليه لا يحتمل الردع إذ احتماله ينافى الغريزة والعقل الفكرى ، وببيان آخر انه لا اشكال فى وجوب متابعة القطع والعمل على طبقه عقلا وإن كان فطريا فان العقل حاكم بان من علم علما جزميا لزمه اتباعه والتحرك على وفقه بالوجوب التكوينى ان كان من التكوينيات من جهة

__________________

هما فى مقام اقامة الحجة على حكم العمل في الفقه على حد سواء ، ولكن لا يخفى ما فيه إذ المنجزية فيما عدا القطع لما كانت تتوقف على وصول الحكم تنزيلا أو من حيث الاثر فلذا كان فى الاصول يبحث عنه لكون نتيجة البحث فيه مفيدة فى الفقه بخلاف القطع فانه لما كان حقيقته عبارة عن وصول الحكم الى المكلف ولا يتوقف العلم بفعل المكلف من حيث الاقتضاء والتنجيز فى الفقه على منجزية القطع فلا يكون نتيجة البحث مفيدا فى الفقه وقد استوفينا البحث فى حاشيتنا على الكفاية.

امتناع تخلف الغرض وان كان فى الشرعيات من جهة التحسين والتقبيح العقليين كما هو التحقيق وذلك عبارة اخرى عن حكمه بلزوم الاطاعة وحرمة المعصية وحكم العقل (١) بذلك لا يتوقف على عدم الردع بان يكون مانعا عن الحجية كما هو كذلك بالنسبة إلى الظن القياسي بناء على الحكومة وان ادعاه بعض ، فقد عرفت ان ذلك في غير محله إذ حجيته لا تتوقف على أكثر من وجود القطع فهو بنفسه علة تامة للحجية ، ومنه ظهر الفرق بين حجية القطع وحجية الظن القياسي فان الاول نفسه علة لها ، وفي الثانى مقتض للحجية ، وذلك يتوقف على عدم الردع لما هو معلوم ان المقتضي يؤثر فى ظرف عدم المانع. وظهر مما ذكرنا ان القطع بنفسه علة للحجية الموجب ذلك لعدم الردع بلا حاجة لدعوى المناقضة بتقريب ان من قطع ببولية شيء مثلا يلزمه الجري على قطعه فلو ردعه رادع يحصل منه المناقضة عند القاطع إذ ذلك يمكن منعه بان يكون الترخيص فى المرتبة المتأخرة

__________________

(١) لا يخفى ان حكم العقل بوجوب متابعة القطع والجرى على وفقه معلولا لطريقية القطع التي هي من اللوازم الذاتية للقطع كالزوجية للاربعة قال المقرر لبحث الاستاذ المحقق النائيني قدس‌سره (وهذا الوجوب ليس وجوبا شرعيا لأن طريقية القطع ذاتية لا تنالها يد التشريع إذ لا معنى لتشريع ما هو حاصل له ويتجمل بنفسه فان الجعل التشريعى انما يتعلق بما يكون تكوينه عين تشريعه لا ما يكون متكونا بنفسه وطريقية القطع تكون كذلك) وقد تخيل بعض فى شرحه للرسائل وقوع التهافت بين الصدر والذيل وهو في غير محله فان الناظر لكلام الاستاذ يجد انه فى بيان علية حكم العقل بوجوب متابعة القطع ببيان ان طريقيته ذاتية وليس فى مقام ان المبحوث عنه هو نفس الطريقية لكي يلزم ان تكون العلة عين المعلول أو الدليل عين المدعى فلا تغفل.

وبذلك ترتفع المناقضة إذ شرطها الاتحاد في المرتبة ، وسيأتي لذلك مزيد توضيح إن شاء الله تعالى.

وكيف كان فان من قطع بحرمة شيء مثلا حصل عنده صغرى وجدانية وهي هذا خمر ، وكبرى وهي كل خمر يجب الاجتناب عنه فينتج ان هذا يجب الاجتناب عنه والحاكم بهذه النتيجة هو العقل بمناط التحسين والتقبيح العقليين ، لا يؤخذ القطع فى القياس ولم يؤخذ القطع بالقياس بنحو يكون وسطا فيه لأن الحكم غير مرتب على المقطوع بما انه مقطوع ، وانما الحكم يترتب على الحكم الواقعي كما يفهم من الآية الشريفة (إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ!) فالشارع رتب وجوب الاجتناب على نفس الخمر الواقعي لا على مقطوع الخمرية ، فالقطع لم يؤخذ إلا على نحو الطريقية فلذا لم يصح أخذه في القياس ، إذ لو أخذ لتوهم انه اما تمام الموضوع أوله دخل في الموضوع هذا كله فيما إذا كانت الآثار مترتبة على نفس الواقع ، واما لو كانت مترتبة على نفس القطع كوجوب الاطاعة بنحو كان القطع بما هو طريق إلى الواقع له دخل فى ترتب الاثر بان أخذ موضوعا له كما هو كذلك فى الجهل المركب ، فمن قطع بكون السراب ماء فانه بمجرد القطع ينقدح فى نفسه ارادة تبعث التوجه نحو السراب أو قطع بكون الشبح اسدا فانه بمجرد ذلك يفر من ذلك الشبح مع انه لا واقع له ، ففى هذه الامثلة المتقدمة الاثر قد ترتب على نفس القطع والحاصل ان القطع لو كان طريقا للحكم وكانت الآثار مترتبة على نفس المقطوع لا يصح جعله وسطا فى القياس لعدم كونه عنوان الموضوع الواقعي او كان له الدخل فيه انما يكون عنوان الموضوع هو الامر الواقعى وهو يدور مدار واقعه بل ليس للقطع دخل في

الاكبر ولو بنحو التلازم فلا يطلق عليه الحجة باصطلاح المنطقي لعدم صحة جعله فى القياس بل ولا الحجة فى باب الادلة التي هي عبارة عن ان تكون وسطا لاثبات أحكام متعلقاتها بحسب الجعل الشرعي لما عرفت من ان حقيقة القطع هو نفس الانكشاف والوصول إلى الواقع فتكون طريقيته ذاتية ، فبمجرد تعلقه يثبت المقطوع كما لو حصل القطع بالخمرية فان عنوان الخمر يثبت المقطوع من دون حاجة الى توسيط جعل شرعى فى البين كما لا يحتاج الى تأليف القياس.

إذا عرفت ذلك فى القطع فاعلم ان الظن كالقطع فكما ان القطع لو كان طريقا للحكم لا يصح جعله وسطا فكذلك الظن لو كان طريقا للحكم بحيث يكون مترتبا على الواقع وليس للظن دخل في ترتب الحكم فلا يصح أخذه فى القياس نعم يصح أخذه إذا صار عنوانا مشيرا ، الى موضوع الحكم كما هو كذلك في القطع فانه يصح اخذه إذا صار عنوانا مشيرا فما ذكره شيخنا الانصاري قدس‌سره من التفصيل بين الظن والقطع بجواز أخذه في القياس في الاول دون الثانى محل نظر بل منع اذا لا فرق بينهما فى ترتب الحكم لو أخذ طريقا له نعم ربما يقال في بيان وجه الفرق بينهما بان الظن كما كان كشفه ناقصا فيمكن للشارع التعبدية بان يتمم كشفه وبعد تتميم كشفه يكون حجة شرعية فلذا صح جعله وسطا في القياس فيطلق عليه الحجة باصطلاح المنطقيين بخلاف القطع فانه لما كان كشفه تاما من دون حاجة الى دليل التعبد بل لا يعقل ورود تعبد من الشارع لما عرفت من كون طريقيته ذاتية فلذا لا تناله يد الجعل وحينئذ لا يصح جعله فى القياس (١) مضافا الى ان الفرق بين الظن والقطع متحقق بناء على ان التعبد المستفاد

__________________

(١) وفاقا للمحقق النائيني قدس‌سره حيث قال (ومن هنا يظهر انه لا يصح

من دليل التنزيل راجع الى التعبد في النسبة إذ عليه يكون المحمول فى الصغرى هو الخمر الواقعي فيكون محمولا على موضوعه بنسبة تعبدية كما هو كذلك في الكبرى فالمحمول فيها هو الحكم الواقعى كوجوب الاجتناب المحمول على الخمر الواقعى بنسبة تعبدية فتكون النتيجة هو نسبة وجوب الاجتناب الواقعي للخمر الواقعي تعبدا فحينئذ صح جعله اي الظن في القياس فيكون وسطا لاثبات حكم متعلقه فيطلق عليه الحجة باصطلاح المنطقيين وهذا لا يجري في القطع لأن القطع على ما عرفت لا يناله يد الجعل فلا يمكن التعبد بمضمونه شرعا فلا يصح أن يكون وسطا لاثبات متعلقه لكي يتألف منه القياس واما بناء على أن يكون المستفاد من دليل التنزيل التعبد في نفس المحمول

__________________

تأليف القياس الحقيقى من الادلة الشرعية بل هو صورة قياس اشبه بالمغالطة فقولك (هذا مظنون الخمرية وكل مظنون الخمرية يجب الاجتناب عنه فهذا يجب الاجتناب عنه قياس صورى لا واقع له) وقد تخيل البعض فى شرحه للرسائل ان الاكبر في القياس المؤلف من قولنا هذا مظنون الخمرية وكل مظنون الخمرية يجب الاجتناب عنه هو الخمرية لا وجوب الاجتناب فاشكل عليه ان الاكبر ليس هو الخمر وانما هو وجوب الاجتناب وليس المدعى عند شيخنا هو ما توهمه هذا البعض بل اقصى ما فيه ان القياس المؤلف هاهنا ليس هو على حد الاقيسة المنطقية الواقعية التي يكون بين الاكبر والاصغر تلازم بالعلية إذ لا تلازم واقعى بين وجوب الاجتناب ومظنون الخمرية لان وجوب الاجتناب مرتب على الخمر الواقعي ، ونفي التلازم الواقعي بينهما لا يمنع من ترتب وجوب الاجتناب ظاهرا على مظنون الخمرية بناء على ادلة التنزيل كما هو صريح عبارته ايضا حيث يقول (ومعه لا يصح تأليف القياس الحقيقى منه إلا بنحو من التأويل بعناية جعل الشارع الظن طريقا الى الخمر ومثبتا له فى الظاهر).

بان يراد من الخمر في الصغرى هو الخمر التعبدي ولكن بنسبة حقيقية والكبرى ايضا كذلك بان يكون المنسوب اليه هو وجوب الاجتناب بنسبة تعبدية فيكون من قبيل جعل المماثل للحكم وتكون النتيجة حينئذ الخمر حقيقة ثابتة له وجوب الاجتناب تعبدا هذا وان صح جعله وسطا في القياس إلّا انه ليس لحكم متعلقه بل لحكم مماثل له. وبالجملة بناء على التعبد فى المحمول بالنسبة الى حكم متعلق.

الظن كالقطع لا يصح جعله وسطا واما بناء على التعبد بالنسبة فيمكن دعوى الفرق بين القطع والظن على التقريب السابق ولكن لا يخفى ما فيه لان دليل التنزيل ان كان ناظرا الى تنزيل المؤدى منزلة الواقع كان قضيته كالقطع الوجدانى إلّا انه بنسبة تعبدية وان كان مفاده تنزيل الظن منزلة العلم كان قضيته القطع التعبدي بنسبة تعبدية وعلى كلا الامرين لا يعقل أخذ الظن وسطا لاثبات متعلقه اما على الاول فعدم اخذه وسطا لعدم ترتب الحكم على الظن بل على المؤدى واما على الثاني فائضا لا معنى له لانه عليه بكون الظن كالعلم والعلم لا يكون وسطا في القياس فكذلك الظن نعم يمكن اخذه عنوانا مشيرا كما هو كذلك في القطع. وببيان اوضح ان مفاد التنزيل تارة يستفاد منه تتميم الكشف أو تنزيل المؤدى أو جعل الحجية فعلى الاول لا يصح جعله وسطا لاثبات متعلقه لان جعل الطريق عبارة عن اثبات العلم التعبدي للظن ولازم ذلك هو ان يكون وسطا للعلم التعبدي مثلا هذا مظنون الخمرية وكل مظنون الخمرية فهو خمر بالعلم التعبدى فهو وان كان لازمه ترتيب آثار الواقع إلا انه من لوازم الاثبات والتصديق بثبوت النسبة وهو اجنبي عن كونه وسطا لاثبات متعلقه واما على الاخيرين فهو وان صح جعله وسطا إلا انه ليس لحكم متعلقه وانما هو لحكم مماثل له وبالجملة على جميع التقادير لا يصح جعله أي الظن وسطا للقياس لاثبات حكم متعلقه إلّا بصورة قياس أشبه بالمغالطة فأفهم وتأمل.

اقسام القطع

المبحث الثاني في أقسام القطع فنقول ان القطع تارة يكون طريقا محضا واخرى موضوعا وعلى الثاني اما تمام الموضوع او جزئه وكل منهما اما ان يؤخذ بنحو الطريقية واخرى على نحو الصفتية فتكون الاقسام خمسة والظاهر انها بأجمعها ممكنة وفاقا للاستاذ (قدس‌سره) في الكفاية فانه بعد ما ذكر الاقسام الأربعة للقطع الموضوعى قال ما لفظه (وذلك لان القطع لما كان من الصفات الحقيقية ذات الاضافة ولذا كان العلم نورا لنفسه ونورا لغيره صح أن يؤخذ فيه بما هو صفة خاصة وحالة مخصوصة بالغاء جهة كشفه أو اعتبار خصوصية اخرى فيه معها كما صح ان يؤخذ بما هو كاشف عن متعلقه وحاك عنه فتكون اقسامه أربعة مضافا الى ما هو طريق محض عقلا غير مأخوذ فى الموضوع شرعا) إلّا ان الذى يظهر من بعض الاعاظم (قدس‌سره) امتناع ما كان تمام الموضوع وقد اخذ على نحو الطريقية بما حاصله انه يوجب الجمع بين لحاظين متباينين فى آن واحد اخذه على نحو تمام الموضوع يوجب ان يكون النظر اليه لا الى الواقع المعلوم واخذه على نحو الطريقية يوجب أن يكون النظر الى الواقع لا الى القطع وذلك يستلزم المحال للزوم الجمع بين لحاظين متباينين فى آن واحد وحينئذ لا بد من اخذه على نحو تمام الموضوع ان يكون القطع قد اخذ على نحو الصفتية بالغاء جهة كشفه (١)

__________________

(١) لا يخفى ان القطع الذى هو محل الكلام هو عبارة عن نفس الانكشاف

ولكن لا يخفى ان القطع فيه حيثيتان حيثية نورانية وهى صفة قائمة بالنفس

__________________

فتكون الكاشفية عين حقيقية القطع ولذا كانت طريقيته ذاتية غير قابلة لان تنالها يد الجعل الشرعي فملاحظة القطع بنفسه من دون لحاظ الكاشفية معناه قطع النظر عن حقيقته لان حقيقة الانكشاف مقولة لا يعقل تحققها الا متعلقه بشيء فدعوى ان القطع له حيثيتان حيثية لحاظه بنفسه الذى هو صفة قائمة بالنفس وحيثية كونه كاشفا للغير ويمكن لحاظ احدهما من دون لحاظ الآخر ففي غير محلها إذ ملاحظة كونه على نحو الصفتية من دون الكاشفية معناه عدم ملاحظة حقيقة القطع فيكون قد لوحظ القطع مع قطع النظر عن حقيقته وهو معنى غير معقول إذ يكون من قبيل حفظ الشيء مع قطع النظر عما به هو هو ، فالتحقيق عدم امكان ان يكون القطع قد اخذ على نحو تمام الموضوع مع اخذه على نحو الصفتية لما عرفت ان لحاظ الصفتية في القطع ينافى حقيقته الذى هو الانكشاف ولذا قيل ان العلم نور ونور للغير بمعنى ان حقيقته النور ونوريته عين ظهور الغير له لما هو معلوم ان حقيقة الانكشاف حقيقة تعلقية بمتعلقه والامثلة التى ذكرها الشيخ الانصارى لاخذ اليقين بنحو الصفتية كاخذ اليقين فى الركعتين الاوليتين واليقين في الشهادة وفي نذر التصدق إذا تيقن بحياة ولده فليس اليقين فيه على نحو لا كاشفية فيه مع ان اعتباره فى المثالين الاولين اعلى مراتب الكشف إذ كيف يلغى جهة الكاشفية مع ان اعتبار العلم بالمعلوم بالذات والمراد بالكاشفية مطابقة ذلك لما فى الخارج الذى هو المعلوم بالعرض اقول ان ذلك وان صح توجيه كلام المحقق الخراساني قدس‌سره في الكفاية من جعل الأقسام فى الموضوع اربعة بتقريب ان اخذ العلم باعتبار كشفه عن المعلوم بالذات هو معنى أخذه بنحو الصفتية واخذه باعتبار كشفه عن الواقع المعلوم بالعرض الموجب لدخل الواقع فى الحكم هو اخذه بنحو الطريقية إلّا انه لا تندفع شبهة تثليث الاقسام لعدم تصور أخذ القطع تمام

وحيثية منوره للغير وهى قائمة بالغير ، والحيثية الاولى مع كونها قائمة بالنفس متعلقة بالصور الحاكية ، عما فى الخارج ، وحينئذ اذ يمكن للشخص ان يكون للحاظه لتلك الصور الذهنية القائمة بالنفس ان يلاحظ جهة كشفها ولو بالنظر الثانوي خصوصا إذا كان الجاعل غير القاطع هو الملاحظ ولذا أمكن له تفكيك العلم عن متعلقه لأن يلحظ الصور الحاكية عما في الخارج ويجعلها موضوعا لحكم آخر إذا عرفت ذلك فاعلم انه قد وقع الكلام في هذا المبحث في مقامين ، المقام الأول فى القطع الطريقي المحض وهو ما إذا تعلق بموضوع خارجي ، او بحكم شرعي فهل القطع المتعلق بذلك الموضوع او الحكم هل هو حجة وغير قابل لمنع الشارع فيكون حجيته على نحو العلية او هو حجة لو لم يمنع منه مانع فيكون حجيته على نحو المقتضي بمعنى انه يكون حجة لو لا المنع كما اختاره بعض اصحابنا في قطع القطاع بل هو اختيار معظم الاخباريين فقالوا بعدم القطع الناشئ من غير الكتاب والسنة بتقريب حكم العقل بوجوب اتباع القطع كان بنحو التعليق بمعنى

__________________

الموضوع على نحو الطريقية لاستلزام ذلك الجمع بين امرين متناقضين لأن اخذه بنحو الانكشاف عما فى الخارج الذى هو معنى الطريقية هو ان لثبوت المنكشف دخلا فى الحكم وهذا ينافي اعتبار تمام الموضوع اذ لازمه ان لا يكون الواقع له الدخل وذلك يقتضى الجمع بين امرين متناقضين فحينئذ تكون الأقسام ثلاثة تمام الموضوع على نحو الصفتية وجزء الموضوع على نحو الصفتية وعلى نحو الطريقية باضافة الطريقي المحض تكون الأقسام أربعة. إلّا ان ذلك مخالف للمعنى الحقيقى للعلم فان مطابقة ما في الخارج خارج عن حقيقة العلم إذ يمكن أن يكون علم ولا معلوم في الخارج وبالجملة مطابقة ما فى الخارج خارج عن حقيقة العلم فكيف يعد من أقسامه فافهم وتأمل.

انه حجة لو لم يمنع مانع ، فمع تحققه يكون مانعا من اتباعه وحينئذ يكون حاله حال الظن الانسدادي ، بناء على الحكومة ، إذ العقل حاكم وانه ان لم يرد نهي من الشارع فمع ورود النهي عنه كالظن القياسي لا يحكم العقل باتباعه وعلى ذلك يحمل من جوز ارتكاب جميع اطراف العلم الاجمالي والاشكال عليه بلزوم المناقضة والمضادة مع ورود الردع فى غير محله إذ ذلك لا يتنافى وكون حكم العقل بذلك تعليقا ، ولكن لا يخفى ان كون الحكم تعليقيا محل نظر بل منع فلذا الحق هو القول الأول وفاقا للاستاذ فى الكفاية. تبعا لشيخنا الانصاري قدس‌سرهما لما عرفت منا سابقا بان حكم العقل بوجوب اتباع القطع انما هو حكم تنجيزي غير معلق على عدم الردع فعليه متى حصل القطع يتبعه وجوب الموافقة بنحو العلية غير قابل للردع من غير فرق بين حصوله من المقدمات السمعية كالكتاب والسنة او من غيرها كالرمل والجفر ، كما انه لا يفرق فى تنجيزية حكم العقل بين كون القاطع قطاعا أو غيره ، نعم يمكن دعوى عدم اعتبار القطع الحاصل من تقصير المكلف في المقدمات التي حصل القطع منها فانه يمكن دعوى عدم معذوريته بقطعه لتقصيره فى المقدمات ، ويؤيد ذلك الاخبار الواردة من منع الخوض فى المقدمات العقلية ، فقد ورد (ان دين الله لا يصاب بالعقول ، وان السنة إذا قيست محق الدين) ، المستفاد منها النهي عن العمل بالاحكام الفرعية المستنبطة من تلك المباني العقلية كالاقيسة ونحوها ، كما انه يمكن حمل كلام من اعتبر ان لا يكون القاطع قطاعا على ما كان قطعه مستفادا من غير المتعارف مما لا يكون سببه عاديا ، كما انه يمكن حمل كلام الاخباريين على ذلك وبعض الاعاظم قدس‌سره حمل كلامهم على ما اخذ القطع موضوعا لمتعلقه فيما إذا كان حكما شرعيا بنحو نتيجة التقييد بتقريب ان

القطع إذا تعلق بموضوع لا حكم له فحينئذ يمكن اخذه موضوعا للحكم الشرعى فان جاعل الاحكام لما كان بيده الجعل ، فله اخذه في نفس ذلك الحكم ، على نحو الاطلاق ، بمعنى حصوله من اي سبب حصل كما ان له أخذه بنحو التقييد اي حصوله من سبب خاص كالكتاب أو السنة إلّا انه يحتاج الى بيان اخذه على أي النحوين فيسمى ذلك بمتمم الجعل كالاجماع الدال على اشتراك العالم والجاهل في التكليف وهو دال على عدم اعتبار العلم في التكاليف فاذا ثبت الاطلاق بالمتمم كذلك يثبت التقييد بالعلم به كاعتبار العلم في وجوب القصر وتقييد التكليف بالعلم اذا كان بنتيجة التقييد لا يلزم منه محذور الدور ويستفاد ذلك من دليل من خارج يسمى بمتمم الجعل وهو كما يمكن أن يكون دالا على التوسعة أن يدل دليل الحكم على اعتبار العلم من اي سبب حصل ولأي شخص حصل كذلك يمكن ان يكون دالا على التضييق مثل ان يدل دليل الحكم على اعتبار العلم من الامور العادية لا مثل الرمل والجفر ولا مانع من التخصيص بحسب الاسباب والاشخاص عقلا فى القطع بنحو التقييد حيث ان جاعل الاحكام لما كان بيده الجعل فله جعلها على الموضوعات اما مرسلة او مقيدة وعلى ما ذكرنا يحمل كلام الشيخ الانصاري (قدس‌سره) ما لفظه (وقد يدل دليل ذلك الحكم على ثبوته لشيء بشرط حصول القطع به من سبب خاص او شخص خاص مثل ما ذهب اليه بعض الاخباريين من عدم جواز العمل فى الشرعيات بالعلم الغير الحاصل من الكتاب والسنة كما سيجيء وما ذهب اليه بعض من منع عمل القاضي بعلمه في حقوق الله تعالى) ولكن لا يخفى ما فيه اما اولا فان هذا الحمل مخالف لنص كلام الاخباريين فانها صريحة فيما اذا كان القطع متعلقا بموضوع له حكم مرسل ولا يكون حجة إلا اذا حصل من الكتاب والسنة ولو حصل من الدليل العقلي

وعارضه دليل عقلى لا يكون حجة ولذا يشكل عليهم بانه إذا حصل من الدليل العقلي كيف يحصل القطع بخلافه وبالجملة الناظر الى كلامهم بعين البصيرة والانصاف تجدهم يتكلمون فى القطع الطريقي المحض المتعلق بموضوع له حكم مرسل وليس غرض الشيخ الانصاري (قدس‌سره) من ذكر كلامهم إلّا صرف التمثيل للقطع الموضوعي لا حمل كلامهم عليه وثانيا ان تقييد الاحكام بالعلم واطلاقها لا يحتاج الى متمم الجعل بل يكفي الجعل الاولى بيان ذلك ان ذات الموضوع الملحوظة فى الرتبة السابقة على العلم فتارة يكون فى مقام الجعل والتشريع له سعة بنحو يشمل حالتي العلم وعدمه واخرى يلحظ في تلك المرتبة توأما مع القيد الى حصة ملازمة للعلم به لا مقيدة به ولا مطلقة ولا يخفى انه يكفي في اطلاقها عدم لحاظ التقييد ولو من جهة استحالته ولذا كان الاطلاق والتقييد في المقام من قبيل الايجاب والسلب لا من قبيل التضاد او العدم والملكة كما هو كذلك بالنسبة الى الاطلاق والتقييد اللحاظيين فان ذلك يكون من قبيل احدهما حيث ان تقييد الاحكام بالعلم يحتاج الى لحاظ حصة التوأم مع القيد والاطلاق يتحقق من دون لحاظ ذلك اذ ذات الاحكام فيها سعة لحالتي العلم وعدمه فالتقييد يحتاج الى لحاظ دون الاطلاق نعم يحتاج الجعل الاولى انه على اي النحوين الى قرينة وهى اجنبية عن كونها متمم الجعل اذا المتمم انما يحتاج اليه لو كان القيد له دخل فى الملاك كما هو كذلك في قصد التقرب فلذا قلنا بان اعتباره في المأمور به على نحو التوأمية التى هي عبارة عن نتيجة التقييد يحتاج الى متمم الجعل ولذا يستحيل منه الاطلاق كون القيد له دخل في الملاك فالجعل قد توجه الى حصة توأم مع القيد فليس فيه سعة لكي يمكن اطلاقه وانما وجدت من اول الامر مضيقة ولا يمكن الاطلاق في معروض الجعل ولذلك يفرق بين المقام وقصد التقرب.

فان المقام يمكن الاطلاق فيه في معروض الجعل الاول لا مكان ان يكون التكليف له سعة لواجد القيد وعدمه وفى قصد التقرب لا يمكن فيه الاطلاق حيث ان معروض الجعل هو الحصة التوأمة مع القيد فلا سعة فيها لكي يمكن اطلاقه لما عرفت انه من اول الأمر وجد معروض الجعل الاولي ضيقا غير قابل للاطلاق ، ولا ينافى امكان التقييد لما عرفت ان المقابلة بين الاطلاق والتقييد من باب الايجاب والسلب لا من قبيل العدم والملكة ، حتّى يقال إذا امتنع احدهما امتنع الآخر وانما ذلك فى الاطلاق والتقييد اللحاظى كما لا يخفى ، وثالثا ان جعل وجوب القصر مقيدا بالعلم من باب نتيجة التقييد محل نظر للاحتمال ان يكون عدم الاعادة فى الفرعين من باب جعل البدل الموجب لتفويت المصلحة ، كما يظهر من بعض الأصحاب باستحقاق الجاهل المقصر للعقوبة فى الفرعين وإلا لو كان التقييد بنحو متمم الجعل لما استحق الجاهل فيهما للعقوبة ، إذ لا تقصير بناء على ذلك فلا تغفل.

ثم انه ينسب الى بعض حمل كلام الاخباريين على منع الملازمة بين حكم العقل والشرع استنادا الى بعض الأخبار كمثل (من دان الله بغير سماع من صادق ...) او قولهم (حرام عليكم ان تقولوا بشيء ما لم تسمعوا منا) ... الى غير ذلك من الاخبار الدالة على ان كل حكم لم يكن الحجة واسطة في تبليغه لم يجب امتثاله بل يكون من قبيل اسكتوا عما سكت الله (١) ولكن لا يخفى

__________________

(١) قيل ان مراد الاخباريين هو منع حصول القطع من غير الكتاب والسنة ولكن لا يخفي انه يبعد ان يكون مرادهم ذلك إذ ذلك خلاف تصريح جملة منهم بعدم العمل بالقطع الحاصل من غيرهما نعم يمكن حمل كلامهم على منع

ما فيه ان الاخبار لا دلالة لها على ذلك وانما هي فى قبال ما عليه العامة عن اخذ

__________________

استكشاف الحكم الشرعي من الحكم العقلي بناء على ان المراد من الحكم العقلي هو ادراك وجود المصلحة والمفسدة فى العقل وتبعة الاحكام للمصالح والمفاسد ومن ذلك يستكشف الحكم الشرعى فمن الواضح ان ادراك العقل بتحقق المصلحة لا يوجب استكشاف الحكم الشرعي على طبقها لامكان أن تكون المصلحة مقرونة بمفسدة تمنع من فعليتها ، كما يمكن ان تكون فعليتها مشروطة بشرط غير حاصل ، والعقل لا يمكنه الاحاطة بجميع الموانع والشرائط وحيث ان الشارع له الاحاطة بذلك لذا قيل بانه يجمع بين المتفرقات ويفرق بين المجتمعات إلا انه لو حصل القطع من ذلك فلا اشكال في حجيته لما عرفت من كونها ذاتية وغير قابلة للمنع للزوم المناقضة عند القاطع. ولا يخفى ان هذا المعنى للحكم العقلي هو محل الكلام بين الاخباريين وغيرهم واما لو كان المراد من الحكم العقلي إدراك استحقاق الذم أو المدح الذى هو من المستقلات العقلية فلا معنى للقول بانه يستكشف منه الحكم الشرعى لما هو معلوم ان ذلك في طول الحكم الشرعي ومن معلولاته فكيف يستكشف الحكم الشرعي ومثله ما لو كان المراد من الحكم العقلي ادراك امر خارجى مع قطع النظر عن تحقق شرع أو شريعة كادراكه بالملازمة بين المقدمة وذبها فلا يكون ادراك العقل لها ادراكا لحكم شرعي وبعد تحقق الحكم الشرعي بذي المقدمة يحصل للشخص القطع بوجوب المقدمة فالعلم بالملازمة أمر واقعي يدركه العقل ولم يكن هناك شرع أو شريعة ، نعم العلم باللازم معلول للعلم بالملازمة وثبوت الحكم الشرعي في الملزوم ولذا يكون حكم العقل بوجوب اللازم من الاحكام العقلية غير المستقلة فمع حصول القطع بوجوب اللازم يجب العمل على طبقه ولا يمكن للشارع منعه وإلّا يلزم وقوع المناقضة عند القاطع.

وبالجملة فادراك العقل بالملازمة لا يوجب ادراكا لحكم شرعي إذ هو ثابت وامر واقعي مع قطع النظر عن الشريعة ، وبعد العلم بالملازمة وحكم

أحكامهم من الظنون والاستحسانات والاقيسة.

وبالجملة حمل كلام الاخباريين على ما ذكرنا من كون حكم العقل تعليقيا بالنسبة الى حجية القطع اولى مما ذكر ، وقد عرفت ان الحق هو ان حكم العقل تنجيزي ، وبه يثبت ان القطع بنفسه علة تامة للحجية ، وقد استدل لذلك بان منع العمل على مقتضى القطع يستلزم التناقض ، لانه بمجرد القطع يحصل للقاطع صغرى وجدانية وهي هذا بول وكبرى شرعية وهي كل بول يجب الاجتناب عنه فمنع الشارع يناقضه ولكن لا يخفى ان ذلك يتم بناء على العلية ، واما بناء على كون القطع مقتضيها للحجية وهو محل منع لان مفاده كون القطع قابلا للمنع فيتم حينئذ نظير الظن القياسي الممنوع من العمل به لدى الانسداد فان العلم فى حال الانفتاح كالظن فى حال الانسداد ، فاستنادا لتناقض الى العلية التامة لمنجزية القطع دور محال لأن التناقض انما يتحقق اذا قلنا بالعلية التامة والتناقض يتوقف على العلية التامة ، فلو استند اليه فى اثباتها كانت العلية متوقفة على التناقض ، اللهم إلا أن يقال ان توقف التناقض على العلية غير توقف العلية على التناقض ، إذ توقف التناقض على العلية انما هو فى مرحلة الثبوت وتوقف العلية على التناقض انما هي في مرحلة الاثبات فلا دور لتغاير الموقوف عليه ، ولكن لا يخفى ان التوقف من كلا الجانبين حاصل فى مرحلة الاثبات إذا التناقض إنما يكون دليلا على العلية التامة ، والدليل ما يلزم من العلم به العلم بالمدلول ، والعلم بالمدلول معلوم من العلم بالدليل فلا بد ان يعلم ، اولا التناقض تم بواسطته يعلم بالعلية التامة والعلم بالعلية يتوقف على

__________________

الشارع بوجوب المقدمة يحكم العقل بوجوب المقدمة وذلك في طول الحكم الشرعي فلا يمكن منع العمل بقطعه لما عرفت من التناقض عند القاطع فلا تغفل.

العلم بالتناقض ، ومن الواضح ان العلم بالتناقض لا يكون إلّا بعد معرفة العلية ، فيلزم التوقف من كلا الجانبين في مرحلة الاثبات وهو الدور ، إلا انه يمكن الجواب عنه بما اجيب عن الدور في التبادر وهو بالاجمال والتفصيل فان توقف العلم بالتناقض على العلم بالعلية التامة اجمالا وتوقف العلم بالعلية على التناقض تفصيلا ويكفي فى رفع محذور الدور مطلق التغاير ولو بالاجمال والتفصيل فلا تغفل.

المقام الثاني فى القطع الموضوعي وهو ما إذا تعلق بموضوع وكان لمتعلق القطع دخل في ترتب الحكم الشرعي ودخل ذلك اما بنحو تمام الموضوع واخرى بنحو جزء الموضوع وعلى التقديرين اما بنحو الطريقية واخرى بنحو الصفتية لان القطع فيه جهتان جهة قيامة في النفس ، وجهة تعلقه بالغير كالنور ، فان نورية النور بنفسه وهو منور للغير فان اخذ القطع تمام الموضوع كان بجهة قيامه في النفس وكان على نحو الصفتية ، وان أخذ جهة منوريته وتعلقه بالغير كان ذلك مأخوذا في الموضوع على نحو الطريقية اما اذا تعلق بموضوع وكان ذا حكم شرعي مع قطع النظر عن تعلق القطع به فلا اشكال في كونه بالنسبة الى نفس الموضوع يكون طريقيا وكذا بالنسبة الى نفس الحكم الشرعي ، لا يعقل حينئذ أن يكون لنفس القطع دخل فى الموضوع او الحكم ، واما بالنسبة الى حكم آخر فيمكن اخذه فى الموضوع بشرط ان لا يكون مماثلا لذلك الحكم او مضادا له ، مثلا اذا قطعت بخمرية الشيء المحكوم عليه بوجوب الاجتناب يجب اجتنابه او يحرم اجتنابه ، بل يجوز أن يكون مخالفا له ، قال الاستاذ (قدس‌سره) في الكفاية : (وقد يؤخذ موضوعا

لحكم آخر يخالف متعلقه لا يماثله ولا يضاده ، كما إذا ورد مثلا في الخطاب انه إذا قطعت بوجوب شيء يجب عليك التصدق بكذا).

ودعوى انهما مع الاختلاف في المرتبة لا مانع من المماثلة والمضادة ممنوعة إذ حكم العقل في القطع لما كان تنجيزيا بموجب تنجز الحكم الاولي فى جميع المراتب ، فحينئذ لا يكون القطع موضوعا لحكم آخر مضاد له ، إذ كيف يعقل أن يكون القطع بحرمة الشيء الذي حكمه حرمة شربه ، موضوعا لوجوب شربه وليس ذلك إلا من قبيل الجمع بين الضدين.

واما المماثلة فللزوم اللغوية فى الجعل بعد حكم العقل بتنجز الحكم تنجيزيا ، واما بالنسبة الى نفس حكم المتعلق فلا يمكن جعله موضوعا له للزوم الدور الواضح إلا بنحو نتيجة التقييد على ما عرفت منا سابقا ، واما إذا تعلق القطع بموضوع لا حكم له فلا اشكال فى جواز اخذه فى موضوع ذلك الحكم ، بنحو تمام الموضوع أو جزئه على نحو الطريقية أو على نحو الصفتية. هذا كله بالنسبة الى اقسام القطع ، واما الظن فكالقطع فتارة يكون طريقيا محضا واخرى موضوعيا ، وعلى الأخير اما جزء الموضوع أو تمامه ، وعلى أي تقدير اما بنحو الطريقية أو بنحو الصفتية ، والكلام فى هذه الأقسام كالكلام في القطع نعم يختص المقام بامر آخر وهو انه على تقدير كونه طريقا لاثبات حكم متعلقه تارة يكون معتبرا واخرى غير معتبر ، ولا ريب انه إذا كان طريقا معتبرا لاثبات حكم المتعلق استحال جعله جزء لموضوع لحكم متعلقه لأنه لما كان منجزا بالطريق المعتبر امتنع انشاء حكم آخر مماثل له للغوية الجعل لا لأجل اجتماع المثلين مع تحقق الطولية في البين خصوصا بناء على المختار فى الأحكام

الظاهرية انها أحكام طريقية غير ناشئة عن ارادة وانما هي أحكام عذرية عند المخالفة وتوجب التنجز عند المصادقة. نعم يمكن انشاء حكم آخر مضاد له كما لو قال الشارع إذا قامت البينة على شرب الخمر مثلا وجب الحد فان وجوب الحد غير وجوب الاجتناب المنجز بالطريق المعتبر ، إذ مع كونه طريقا لحكم متعلقه لا ينافي كونه جزء موضوع لحكم آخر مضاد له ولا يلزم منه اجتماع الضدين للاختلاف بينهما بحسب المتعلق فلا تضاد في البين ، واما إذا كان الطريق المأخوذ فى موضوع حكم متعلقه غير معتبر فلا يصح اخذه جزء موضوع لحكم آخر مطلقا لأن كونه جزء الموضوع ، معناه ان الحكم مترتب على الواقع مع الطريق ، واذا لم يكن الواقع ثابتا بالطريق فكيف يترتب الحكم بعدم تحقق موضوعه. نعم يصح أخذه تمام الموضوع مطلقا (١).

__________________

(١) لا يخفى ان عبارة الشيخ الانصاري (قدس‌سره) مختلفة وذكر الاستاذ النائينى (قدس‌سره) ان النسخة المصححة هي المنقولة فى حاشية الكتاب (وقد يؤخذ موضوعا للحكم سواء كان موضوعا على وجه الطريقية لحكم متعلقه أو لحكم آخر يقوم مقامه سائر الطرق الشرعية فيقال حينئذ انه حجة وقد يؤخذ موضوعا لا على وجه الطريقية لحكم متعلقه أو لحكم آخر ولا يطلق عليه الحجة فلا بد من ملاحظة دليل ذلك).

أقول الذي يظهر منه (قدس‌سره) ان الامارة تارة تؤخذ بنحو الطريقية المحضة واخرى بنحو الموضوعية ، وعلى الثانى اما ان يكون موضوعا على نحو الطريقية واخرى على نحو الصفتية وعلى كل منهما اما موضوعا لحكم المتعلق أو لحكم آخر واطلق الحجة على ما كان طريقا محضا وعلى ما كان موضوعا على نحو الطريقية لحكم المتعلق أو لحكم آخر باعتبار ان نفس الطريقية موجبة لأن

ودعوى انه يلزم الجمع بين الضدين فيما لو أخذ موضوعا لما يضاد حكم

__________________

يكون وسطا دون ما كان ـ بنحو الصفتية فانه غير صالح لأن يكون وسطا ولا يخفى ما فيه.

اما اولا فلا يعقل أن يكون موضوعا لحكم المتعلق ان كان المراد شخصه إذ هو من الدور الواضح من غير فرق بين أن يؤخذ بنحو الطريقية أو الصفتية أو لمثله أو لضده فانه من قبيل اجتماع المثلين أو الضدين إلا ان يوجه بانه من قبيل اجتماع الحكم الظاهري والواقع لكون مرتبة الحكم الظاهري محفوظة فيكون موضوعا للحكم الظاهري فلا يكون من اجتماع المثلين أو الضدين للاختلاف بحسب المرتبة.

وثانيا ان الحجة عنده (قدس‌سره) ما كان وسطا لاثبات أحكام متعلقه فعليه كيف يطلق الحجة على ما كان موضوعا على نحو الطريقية لحكم آخر ثم ان المحقق النائيني (قدس‌سره) فى درسه الشريف بعد أن ذكر ان مراد الشيخ (قدس‌سره) من الحكم هو المثل فرق بين كون الظن المأخوذ موضوعا تمامه أو جزئه لحكم المماثل على نحو الطريقية وبين كونه على نحو الصفتية لعدم معقولية الاول دون الثانى لا لأجل محذور الجمع بين المثلين لعدم لزوم ذلك إذ العنوانين بينهما عموم من وجه أو مطلق ففي مورد التصادق يتأكد حكم المتعلق ، وانما المحذور هو ان الظن ليس من الطوارئ التى تحدث حكما آخر مماثل كالنذر مثلا بل ليس إلا احراز الواقع كما انه لا يعقل كونه موضوعا على وجه الطريقية لحكم مضاد للمتعلق بخلاف ما كان على نحو الصفتية فانه يكون حينئذ في العناوين التى تحدث أحكاما مماثلة أو مضادة فهو كالنذر ونحوه لعدم اعتبار الطريقية فيه. ثم اشكل على نفسه بان جعل الحكم المماثل فى الفرض يكون لغوا واجاب بعدم لزوم ذلك إذ الظن ان أخذ تمام الموضوع بان يقدم الظن ويقال مظنون الخمرية حرام فيكون بينه وبين نفس الخمر الواقعي حرام عموم من

متعلقه مدفوعة لعدم لزوم ذلك لاختلاف المرتبة بين الحكمين كما انه بذلك يرتفع توهم التأكد لو أخذ موضوعا لما يماثل الحكم إلا إذا أخذ عنوان المطلوبية بنحو الجهة التعبدية فيتأتى ذلك المحذور لعدم تحقق الطولية حينئذ. هذا فيما لو اخذ الظن الغير المعتبر تمام الموضوع ، واما لو اخذ الظن المعتبر تمام الموضوع فالظاهر صحة اخذه موضوعا لحكم آخر ما لم يكن مضادا أو مماثلا

__________________

وجه ، ففى مورد التصادق يتأكدان وان أخذ الظن جزأ للموضوع بأن يتأخر الظن ويقال الخمر المظنون حرام ، فان دعوى اللغوية له مجال إلّا انه يمكن الجواب عنه بان في مورد التصادق تزيد درجة او درجات. هذا فيما إذا كان الطريق مجعولا ومعتبرا تكون الاقسام الممكنة ستة ، واما إذا كان الطريق غير معتبر فالممكن هو قسمان وهو ما اذا اخذ على نحو الصفتية جزءا لموضوع أو بنحو تمام الموضوع فلا مانع من أخذه لحكم المماثل ، واما اخذه لحكم يضاده فغير معقول لتضاد الحكمين فى المصادفة بتقريب ان الحكم الظاهري وان كان مختصا بصورة الشك في الواقع ولكن اطلاق الحكم ثبوتا يشمل صورة تعلق الظن به وحينئذ كيف يمكن جعل حكم ترخيصي أو الزامى مضاد له وليس إلا الجمع بين المحذورين ، كما انه لا يعقل أخذه بنحو تمام الموضوع على نحو الطريقية لما عرفت انه يلزم اجتماع اللحاظين فحينئذ تكون الاقسام ثمانية وهذه الاقسام ليس لها في الفقه عين ولا اثر سوى ما اعتبر طريقا محضا كالظن بالضرر المعتبر فى السفر والافطار والظن في عدد الركعات ، والظن في العدالة ، والظن بدخول الوقت إذا كان في السماء علة ، والظن بالقبلة عند تعذر العلم ، وما توهم انهما مما أخذ في الموضوع فى غير محله وقد استوفينا الكلام فى تقريراتنا لبحثه الشريف.

لحكم متعلقه للزوم اجتماع الضدين أو المثلين فى المرتبة المتأخرة حيث انه حسب الفرض جعل الظن حجة وطريقا شرعيا تعبديا بتحقق حكم متعلقه في تلك المرتبة وحينئذ كيف يجعل فى تلك المرتبة حكم آخر مماثل له أو مضاد له وليس إلا من باب اجتماع المثلين أو المثلين كما لا يخفى.

قيام الامارات والاصول مقام القطع

المبحث الثالث في قيام الامارات والاصول مقام القطع الطريقي والموضوعي ، اما الامارات فقد وقع الكلام في قيامها مقام القطع على أقوال ثلاثة :

الاول قيامها مقام القطع الطريقي ولو اخذ في الموضوع ، الثانى عدم قيامها مقام ما اخذ فى الموضوع مطلقا ولو اخذ على نحو الطريقية ، الثالث قيامها مقام القطع بجميع اقسامه واختار شيخنا الأنصاري (قدس‌سره) الاول فقال ما لفظه : (ثم من خواص القطع الذى هو طريق الى الواقع قيام الامارات الشرعية والاصول العملية مقامه فى العمل بخلاف المأخوذ في الحكم على وجه الموضوعية فانه تابع لدليل الحكم ، فان ظهر منه او من دليل خارجي اعتباره على وجه الطريقية للموضوع كالامثلة المتقدمة قامت الامارات والاصول مقامه ، وان ظهر من دليل الحكم اعتبار صفة القطع في الموضوع من حيث كونها صفة خاصة قائمة بالشخص لم يقم مقامه غيره إلى آخره).

بيان ذلك هو أن مفاد ادلة حجيتها هو احراز الواقع ويكون ما قامت عليه الامارة بمنزلة الواقع ، ومقتضى ذلك كونها بمنزلة القطع في الحجية والطريق الى الواقع ولازمه ترتيب آثار الواقع على المؤدى وذلك معنى قيامها مقام القطع بنفس

دليل اعتبارها ، واما آثار نفس القطع المأخوذ في الموضوع بما انه صفة كسائر الصفات فلا دلالة لتلك الأدلة على قيامها مقامه ، فلذا لا تقوم الامارات والأصول مقامه بل يحتاج الى قيام دليل آخر على التنزيل وقد منع الاستاذ (قدس‌سره) من قيامها مقام القطع المأخوذ فى الموضوع على نحو الطريقية بدعوى ان قيامها مستلزم للجمع بين لحاظي الآلي والاستقلالي فى آن واحد وذلك محال فلا تتكفله ادلة الاعتبار بما حاصله ان تنزيل الامارة منزلة القطع على نحو الطريقية ، يقتضي لحاظ القطع والامارة آلة لمتعلقهما لرجوع ذلك الى تنزيل المؤدى منزلة الواقع فيكون النظر اليهما نظرا آليا وتنزيل الامارة منزلة القطع بلحاظ الموضوعية يقتضى ملاحظتهما مستقلا لرجوعه الى تنزيل الامارة منزلة العلم ، ولا ريب ان ذلك مستلزم للجمع بين اللحاظ الآلي والاستقلالي فى آن واحد ، ولا يفي دليل التنزيل إلا بأحدهما إذ ليس لدليل التنزيل مفهوم جامع ، يعم التنزيلين لكي يلحظ التنزيل بذلك المفهوم الجامع لهما فلا بد من حمل دليل التنزيل على أحدهما ، والظاهر ان المستفاد منه هو تنزيل المؤدى منزلة الواقع ، وبذلك يخرج دليل التنزيل عن الاجمال. وقد أجاب عن ذلك بعض الاعاظم (قده) بما حاصله ان المجعول فى الامارات هو الطريقية والاحراز الذى هو الجهة الثانية من لوازم العلم ولازمه ترتب الأثر على الواقع المحرز ، فقيام الامارة يوجب ان يكون الواقع محرزا من غير حاجة الى دليل آخر ، إذ المقام وان كان مركبا من جزءين الاحراز والواقع إلا انه ليس من قبيل سائر المركبات المحتاجة في ثبوتها الى دليلين كل دليل يتكفل لاثبات جزء ، بل المقام من قبيل تركب الشيء واحرازه فنفي الدليل الدال على الاحراز يوجب الاحراز يوجب تحقق

كلا جزئي الموضوع ولا يحتاج الى جعلين لكي يقال ان الجعل الواحد يوجب الجمع بين لحاظي الآلي والاستقلالي فى آن واحد وهو محال (١).

ولكن لا يخفى انه لا معنى لجعل الاحراز والطريقية فان حقيقة الاحراز والكشف لما كان من الامور التكوينية غير القابلة لجعلها لتحقق احتمال الخلاف بالوجدان بعد الجعل إلا ان يكون بمعنى الاحراز الادعائى على نحو الادعاء الذي يدعيه السكاكى ، فيكون التعبد بالاحراز ، ولا يصح ذلك إلا للحاظ الاثر المرتب عليه من معاملة مؤدى الظن معاملة الواقع لكى يحصل التنجيز بالاحراز الادعائي كما حصل بالاحراز الواقعي ولم يكن اثر آخر يصح التنزيل غير الجري العملي اي الأمر بمعاملة ما هو مؤدى الظن منزلة الواقع الراجع الى ابراز الارادة الواقعية بمثل تلك الاحكام المعبر عنها بالاحكام الظاهرية فهى احكام طريقية انشئت لحفظ الاحكام الواقعية ولم تنشأ عن ارادة اخرى فمؤدى الامارة والاصول

__________________

(١) ومن لوازم جعل الطريقية والوسطية فى الاثبات والكاشفية المسمى ذلك بتتميم الكشف حكومة الامارات على الاحكام الواقعية حكومة ظاهرية ليست بالحكومة الواقعية فان مناط الحكومة الواقعية هو التوسعة والتضييق فى ناحية الموضوع توسعة واقعية بنحو يكون هناك موضوع واقعي فى عرض الواقع الاولى كمثل قوله (الطواف بالبيت صلاة) بخلاف الحكومة الظاهرية فان الحكومة الظاهرية في الامارات عبارة عن جعل المحرزية في طول الواقع لا في عرضه ، فالمجعول نفس المحرزية ، واما التنجيز والعذرية فمن اللوازم العقلية المرتبة على ما هو المجعول وليست هي المجعول وبنفس جعل المحرزية والكاشفية يكون الواقع محرزا كالعلم فحينئذ تقوم الامارة مقامه من غير حاجة الى دليل آخر وبنفس هذا الاحراز يحصل كلا جزئي الموضوع لو فرض الموضوع مركبا

من غير فرق بين كونها تنزيلية أو غيرهما ، ولو مثل ايجاب الاحتياط انما هي

__________________

من الاحراز والواقع من غير حاجة الى دعوى الاحتياج الى تحقق الموضوع الى إحرازين أو تعبدين أو كان أحدهما محرزا بالوجدان والآخر بالتعبد كما هو كذلك بالنسبة الى الاجزاء المركبة كالصلاة لو اخذت موضوعا للتكليف مثلا فان ذلك يحتاج اليه بخلاف المقام فانه بنفس جعل المحرزية حصل الواقع المحرز فيحصل كلا جزئي الموضوع من غير حاجة الى تعدد التنزيل أو دعوى الملازمة العرفية بين تنزيل المؤدى منزلة الواقع وبين تنزيل الامارة منزلة العلم كما ادعاها المحقق الخراساني فى الحاشية وقد عدل عنه فى الكفاية بان ذلك يلزم الدور وليس له منشأ سوى الالتزام بتنزيل المؤدى وهو التزام باطل للزوم القول بالتصويب وعدم وجوب الاعادة والقضاء ، قال الاستاذ النائيني (قدس‌سره) انه لم لم يعكس ويقول بجعل المحرزية بان يكون التنزيل ناظرا لتنزيل الامارة منزلة العلم لسلم من جميع الاشكالات ، كما انه يندفع به الاشكال الدائر على السنة أهل العلم من زمان الشيخ الانصاري من ان الجعل الواحد كيف يتكفل كلا جزئي الموضوع فانه لازمه الجمع بين لحاظ الآلية والاستقلالية ، فان النظر الى الواقع آليا وإلى نفس العلم استقلاليا. وقد عرفت انه بنفس جعل المحرزية حصل كلا جزئي الموضوع من غير حاجة الى استفادة تعدد التنزيل المستلزم منه الجمع بين اللحاظين نعم يرد على جعل المؤدى هذا لو اخذ العلم طريقا محضا أو موضوعا على نحو الطريقية ، واما لو اخذ العلم على نحو الصفتية فلا تقوم الامارة مقام العلم لما عرفت من ان مفاد ادلتها الوسطية والكشف فكيف تكون موجبة لقيام الامارة مقامه من حيث كونه صفة. نعم يحتاج في قيامها مقامه الى دليل آخر ، ومع قيامه يكون من التنزيل الواقعي ويكون من الحكومة الواقعية نظير قوله (الطواف بالبيت صلاة) فدعوى الشيخ (قدس‌سره) انه لو قام دليل

ناشئة عن الارادة الواقعية فهى تبرز تلك الارادة تعبدا والابراز والاحراز يكون تعبدا والمبرز والمحرز حكما واقعيا ناشئا عن ارادة واقعية ، ولذا عند المصادفة يكون ذلك الحكم الواقعي الناشئ عن الارادة الواقعية هو المطلوب ، وعند عدم المصادفة يكون حكما صوريا لم ينشأ عن ارادة ، وبهذا المعنى تشترك الامارات والاصول ويصح قيامها مقام القطع موضوعيا أو طريقيا إلا انها تفرق من حيث مفادها ، فان الامارة تكشف عن نفس الحكم الواقعي فى ظرف الجهل بنحو تتميم الكشف بمعنى التوسعة في الاحراز : فيكون الاحراز تعبديا للحكم الواقعي ، وبهذا المعنى صح تأليف القياس بان يكون وسطا في القياس كالتغير الذي هو وسط فى القياس لكونه حينئذ من الوسائط الثبوتية ، وحيث انك قد عرفت ان التوسعة للاحراز تعبديا صارت الامارة حاكمة بالحكومة الظاهرية على الاصول المغياة بالعلم كالاستصحاب واصالتي الحل والطهارة لرجوعها الى توسعة العلم ظاهرا ، إذ مرجعه لبا الى جعل حكم ظاهري طريقي فى البين ، كما انها بهذا الملاك تكون حاكمة على بقية الاصول ولو قلنا بجعل الاحراز والطريقية من دون استتباع حكم شرعي كما افاده البعض فلا يكون للحكومة معنى لا ظاهريا ولا واقعيا ، بل تكون الامارات بالنسبة الى الاصول واردة ، لأنه على ذلك المبنى

__________________

بالخصوص يكون مفاده كادلة الامارات من حيث الحكومة فتكون ظاهرية فى غير محلها لما عرفت انه من الحكومة الواقعية لوجود مناطها وهو التوسعة أو التضييق في الحكم واقعا والذي يسهل الخطب انا لم نعثر على اخذ العلم بنحو الصفتية موضوعا لحكم في الفقه وما ذكر من الامثلة كاخذه في الشهادة ونحوه فانما هو من العلم الطريقي فافهم واغتنم.

يجعل مصداقا للعلم كما ان لازمة ان تكون حكومة الامارات على الاحكام الواقعية حكومة واقعية كمثل (الطواف فى البيت صلاة) كما هو لازم من يقول بجعل المؤدى منزلة الواقع مع انه لم يلتزم به أحد.

وبالجملة بناء على أن يكون الجعل متوجها الى الاحراز بنحو يكون مستتبعا للحكم الشرعي الذي مرجعه الى كون الاحراز تعبديا للحكم الواقعي الناشئ عن الارادة الواقعية ، ويكون الجعل بلحاظ الأثر المصحح له وهو الجري العملي الذي هو معاملة مؤدى الظن معاملة الواقع فصح قيام الامارات والاصول مقام القطع موضوعيا أم طريقيا ، وحينئذ يصح حكومتها ظاهرا على الاحكام الواقعية لكون مفاد دليل اعتبارها توسعة الاحراز تعبدا للاحكام الواقعية وحيث ان لسان الامارات لسان جهة احراز الواقع احرازا ظاهريا تكون حاكمة على الاصول المغياة بالعلم وغيرها حكومة ظاهرية ولا تكون واردة عليها لما عرفت من ان المختار كون الاحراز تعبديا وان كان المحرز حكما واقعيا بخلاف ما لو قلنا بان الاحراز يكون وجدانيا والمحرز حكما تعبديا كما هو مبنى البعض من جعل الاحراز من دون ان يستتبع حكما شرعيا من الامر بمعاملة مؤدى الامارة معاملة الواقع ، كما انه لا تتم حكومة الامارات على الاحكام الواقعية حكومة ظاهرية بل تكون واقعية (كالطواف بالبيت صلاة) كما هو لازم من يقول بجعل المؤدى ذلك.

إذا عرفت ذلك فاعلم انه على المختار من ان الاحكام الظاهرية انما هي أحكام طريقية انشئت لحفظ الواقع الناشئ عن الارادة الواقعية من دون أن تنشأ ارادة اخرى ، فحينئذ يرتفع اشكال جمع بين لحاظي الآلية والاستقلالية فى آن

واحد لا مكان الاخذ باطلاق دليل التنزيل (١) في مرحلة الاحراز والوصول وذلك يكون بلحاظ الآثار العملية المترتبة على الواقع والعلم ، ومرجعه الى الأمر بالمعاملة مع الظن معاملة العلم اما بموافقة حكم نفسه أو بموافقة متعلقه وببيان آخر ان المستفاد من دليل التنزيل انما هو في مقام العمل مثل قوله : (خذ معالم دينك

__________________

(١) لا يخفى ان دليل التنزيل ان كان ناظرا للمفهوم والمؤدى فلا يلزم الجمع بين اللحاظين الآلية والاستقلالية لا مكان لحاظ المفهوم والمؤدى بلحاظين مستقلين فى زمانين ، أو بلحاظ واحد في آن واحد بنحو يكون كل واحد ملحوظا ضمنيا ولا مانع من ذلك ، إذ هو كثير في الاستعمالات العرفية كقولك الكف مثل تلك الكف قاصدا تنزيل كل اصبع منها منزلة ما يناسبه ، وبهذا المضمون وردت بعض الاخبار الدالة على تنزيل الامارة منزلة العلم وتنزيل المؤدى منزلة الواقع كقوله (ع) (العمري وابنه ثقتان ما اديا عنى فعنى يؤديان او ما قالا فعنى يقولان) وما كان من الأخبار ليس بهذا المضمون فانه يحمل عليه جريا على ما هو المرتكز عند العقلاء في ترتب آثار العلم والمؤدى ، نعم لو كان المضمون منها ما هو ملحوظ فى مقام الجعل خصوص المفهوم فقط للزم فيه الجمع بين اللحاظين الآلية والاستقلالية لو اريد منه المؤدى لعدم امكان ان يكون المفهوم ملحوظا موضوعيا المقتضى لتنزيله منزلة العلم وطريقيا المقتضى لتنزيل المؤدى منزلة الواقع وعليه لا يفي دليل التنزيل لهما بل لا بد من حمله على احدهما قال المحقق الخراساني في الكفاية ما هذا لفظه (فان الدليل الدال على الغاء الاحتمال لا يكاد يفى إلا بأحد التنزيلين حيث لا بد فى كل تنزيل منهما من لحاظ المنزل والمنزل عليه ولحاظهما في أحدهما آلي وفي الآخر استقلالي ، إلى أن قال ولا يمكن الجمع بينهما ثم اشكل على نفسه بما ملخصه بانه لا يمكن حمل دليل التنزيل على أحدهما لاحتمال ارادة احدهما فيكون الدليل مجملا ، واجاب عن ذلك بظهور

من الثقاة) اي اعمل على وفق قول الثقة فيكون التنزيل ناظرا لمقام العمل اي

__________________

دليل التنزيل فالحمل على اللحاظ الآلي وارادة اللحاظ الاستقلالي اي خصوص الموضوعي يحتاج الى قرينة ولكن لا يخفى انه بناء على جعل المنجزية والعذرية على ما اختاره (قدس‌سره) في جعل الطرق لا يلزم منه الجمع بين اللحاظين إذ تنزيل الامارة منزلة القطع بقسميه لا يحتاج إلا إلى لحاظ واحد استقلالي حينئذ لأن القطع بنفسه له حكم عقلي وهو المنجزية والعذرية المترتبة على القطع الطريقى وله حكم شرعي مترتب على ما اخذ في الموضوع فعليه يمكن للشارع ان ينزل الامارة منزلة نفس القطع من جميع الحيثيات من دون نظر إلى الطريقية والموضوعية ولا يلزم منه الجمع بين اللحاظين بل يحصل ذلك بلحاظ واحد وهو اللحاظ الاستقلالى ، على ان اشكال الجمع بين اللحاظين انما يتأتى بناء على تنزيل المؤدى ، واما بناء تنزيل الامارة منزلة العلم فيكفي اللحاظ الاستقلالي فيه ، ودعوى تصحيح اللحاظ الواحد في مفاد دليل التنزيل بتقريب وفاء انشاء واحد للتنزيلين بان ينحل الى إنشاءين في عرض واحد يدل على أحدهما بالمطابقة والآخر بالالتزام بان يدل على تنزيل المؤدى منزلة الواقع بالمطابقة ويدل على التنزيل الآخر بالالتزام لما هو معلوم ان الاثر يترتب على الواقع باعتبار تعلق القطع ولكن لا يخفى ان صحة هذه الدعوى مبنية على تحقق الملازمة بين التنزيلين ولا يبعد تحققها كما ان صحتها مبنية على انحلال دليل التنزيل الى تعدد الانشاء وانهما في عرض واحد وان أحدهما محرر حقيقة والآخر تعبدا أو ان التنزيلين متقارنان واما إذا لم يكونا كذلك او لا يستفاد من دليل التنزيل التعدد بان كان دليل التنزيل يفي بأحدهما كما هو كذلك لعدم استفادة التعدد فيه فان التعدد يستفاد فيما اذا كان متعلقه مركبا من اجزاء كالامر بالصلاة فانه ينحل الامر بالصلاة الى الامر باجزاء

امر بتطبيق العمل على قول الثقة ، وإذا صار التنزيل فى مقام العمل صح قيام الامارة مقام القطع الطريقي والموضوعي ، إذ العلم بالنسبة إلى العمل له جهة موضوعية ، غاية الفرق ان العلم الطريقى له الدخالة بنحو الشرط الى المشروط والعلم الموضوعي له الدخالة بنحو المقتضى وبالجملة لما كان التنزيل ناظرا الى جهة العمل فيلحظ العلم حينئذ لحاظا استقلاليا لانه بالنسبة الى العمل فيه جهة موضوعية ، وعليه لا يلزم الجمع بين لحاظي الآلية والاستقلالية في آن واحد ، كما انه عليه صح حكومة الامارة على الاستصحاب وقاعدتى الحل والطهارة لان قيام الامارة تنزل الامارة منزلة العلم فيرتفع موضوع القاعدتين حكما لا حقيقة ، ولو سلمنا ان التنزيل ناظر الى خصوص الاثر ومنعنا التنزيل بخصوص العمل فنقول انا نمنع كون التنزيل ناظرا الى خصوص الاثر الشرعي المرتب على المنزل عليه ، بل نقول نوسع فى الاثر وانه يعم الاثر العقلي.

بيان ذلك ان لسان التنزيل تارة يكون ناظرا الى تنزيل شيء منزلة شىء فى خصوص ترتب الآثار الشرعية وحينئذ لا يصح إلا وان يكون للمنزل عليه آثار شرعية ، فمع عدم تحققها لا يكون للتنزيل معنى ، واخرى لم يكن التنزيل ناظرا الى هذه الخصوصية ، بل يكون نظره الى تنزيل شيء منزلة شىء من دون نظر الى الآثار الشرعية فانه يصح اذا كان المنزل عليه اثر ولو عقلي لان المستفاد من هذا التنزيل ترتيب جميع الآثار شرعية كانت أو عقلية. نعم لا يصح لو لم يكن للمنزل عليه اثر اصلا. وبالجملة مرجع هذا الوجه الى ان التنزيل

__________________

الصلاة وذلك لا يجرى فى المقام ، فان القطع بالخمرية التعبدية ليس من اجزاء المتعلق لكى يكون قابلا للانحلال فتأمل.

لا بشرط إلا وان يكون له اثر شرعي في المنزل عليه بل يكفي التنزيل للحاظ الاثر ولو كان عقليا ، والمستفاد من دليل التنزيل فى الامارة هو تنزيل الامارة منزلة العلم في ترتيب الآثار التى كانت مرتبة عليه عقلية كانت كما هو كذلك فى العلم الطريقي الذي هو وجوب العمل على طبقه ، او شرعية كانت كما في العلم الموضوعي. فعليه يلاحظ العلم في مقام التنزيل باللحاظ الاستقلالي إذ هو الموضوع للاثر. وعليه يحمل كلام الشيخ الانصاري من دعوى قيام الامارة منزلة القطع الموضوعي المأخوذ على نحو الطريقية. ودعوى حمله على ان المعتبر في الموضوع وان كان بظاهره يدل على ان المعتبر خصوصيته بما له من الانكشاف الوجداني إلا انه قد يدل دليل خارجي على ان اعتباره فيه بماله من الانكشاف الذي هو اعم من الوجداني والتعبدي وهذا النحو من الاعتبار ان تحقق فهو سار فى الامارة وكل دليل تعبدي ان يقوم مقام العلم ممنوعة ، فان ذلك مناف لما بنى عليه (قدس‌سره) من حكومة الامارة على الاستصحاب وقاعدتي الحل والطهارة إذ بناء على ما ذكر يكون قيام الامارة موجبا لتحقق مصداق الاحراز الموجب لرفع الشك الذى هو موضوع الاستصحاب والقاعدة فتكون الامارة بالنسبة اليها واردة عليها لا حاكمة. نعم هنا اشكال آخر وهو ان موضوع الاثر لو كان هو العلم مع متعلقه كما هو كذلك لو اخذ القطع جزء الموضوع وقلنا يجعل المؤدى فلا يكفي قيام الامارة مقام العلم بل يحتاج الى دليل آخر يتكفل بقيام المؤدى منزلة الواقع لأن دليل التنزيل ليس فيه دلالة إلا على احد التنزيلين اما تنزيل المؤدى منزلة الواقع او تنزيل الظن منزلة الواقع ولذا التزم الاستاذ (قدس‌سره) بصحة دليل التنزيل الدال على أحدهما اذا كان الجزء

الآخر محرزا بالوجدان او دلالة دليل التنزيل عليهما بالمطابقة وكلاهما محل نظر ، اما الاول فغير محقق والثاني لزوم الجمع بين اللحاظين الآلي والاستقلالى فى آن واحد ودعوى دلالة دليل التنزيل على أحدهما بالمطابقة والآخر بالالتزام بتقريب ان دليل حجية الامارة اذا كان دالا دلالة صريحة على تنزيل المؤدى منزلة الواقع بالمطابقة فقد دل بالدلالة الالتزامية العرفية على تنزيل نفس الامارة منزلة العلم. فيحصل من هذا التنزيل واقع تنزيلي قطعا وبالواقع التنزيلي فيترتب الاثر المترتب على الواقع والقطع به ممنوعة لاستلزام ذلك الدور فان توقف تنزيل التابع على المتبوع ضروري لكونه مقتضى التبعية واما تنزيل المتبوع على التابع في المقام فهو أيضا متحقق اذ لو لاه لكان التنزيل لغوا لأن التنزيل انما هو بلحاظ اثره الفعلي ومن الواضح ان الأثر الفعلي لا يترتب لذي المنزلة إلا اذا انضم اليه باقي الاجزاء لكي يتحقق موضوع الحكم وحسب الفرض ان الموضوع كان مركبا من جزءين ولكن لا يخفى ان ذلك إنما يتم لو قلنا بان التنزيل كان بلحاظ الأثر الفعلي ، واما لو قلنا بكفاية مطلق الاثر ولو كان تقديريا بان يكون دليل التنزيل ناظرا الى المتعلق باعتبار ترتب اثره لو انضم الى العلم وكذا العلم يترتب عليه الأثر لو انضم الى المتعلق وبمجموعهما يترتب عليه الأثر الفعلي فافهم وتأمل.

هذا كله فيما اذا اخذ القطع طريقا محضا (١) أو موضوعا على وجه

__________________

(١) لا يخفى ان الصور المنشأة فى صقع النفس الداخلي هي المعلومة بالذات وباعتبار انطباقها على ما في الخارج يكون الخارج معلوما وقد وقع الخلاف في تلك الصورة المعلومة بالذات فى انها من اي مقولة هل هي من مقولة

الطريقية تمام الموضوع أو جزئه ، وأما اذا أخذ القطع على نحو الصفتية فلا

__________________

الكيف ام من الفعل ام من الانفعال ام من الاضافة اى اضافة بين العلم والمعلوم ، الظاهر ان كل جهة من تلك الجهات متحققة فى العلم فكل قول يستند الى جهة من تلك الجهات فان نفس انتقاش الصورة فى عالم الذهن تعد من مقولة الانفعال وباعتبار حصولها تعد من مقولة الفعل وباعتبار قيامها في الذهن تعد من مقولة الكيف وباعتبار انطباق الصورة على ما في الخارج المعلوم بالعرض تعد من مقولة الاضافة وقيام الامارة مقام العلم لم يكن بلحاظ الجهات الثلاثة الاول لانها باعتبار تلك الجهات غير قابلة للجعل والتنزيل نعم التنزيل للحاظ الجهة الاخيرة وهذه الجهة ـ اي جهة الاضافة ـ لها اعتباران فتارة تلحظ بما انها محرزة للواقع واخرى تلحظ بما انها يترتب عليها الاثر ، والاول لسان الامارات والثانية لسان الاصول ، وببيان آخر ان للقطع ثلاث جهات جهة تلاحظ نفس الصور المنشأة فى صقع النفس الداخلى وهي المعلومة بالذات ، وجهة اخرى تلاحظ بما انها تحرز الواقع اى تحرز ما هو الموجود في الخارج باعتبار تطابق ما فى الخارج مع تلك الصورة المعلومة بالذات.

وبهذا الاعتبار يكون ما فى الخارج معلوم بالعرض وبتعبير آخر ان الجهة الاولى يلحظ القطع بما انه نور في نفسه ، والجهة الثانية يلحظ القطع بما انه منور للغير ، وثالثة يلاحظ القطع باعتبار ترتب الآثار والجري العملي نحوه.

اذا عرفت ذلك فاعلم ان لسان دليل الامارة ليس ناظرا الى الجهة الاولى من جهات القطع وانما ادلة التنزيل ناظرة الى الجهة الثانية وهي الملحوظة فى جهة الاحراز فبذلك صح قيام الامارة مقام العلم من دون حاجة الى دليل آخر من غير فرق بين القول بان الحجة غير قابلة للجعل وانما هي مجعولة لمنشا انتزاعها كما هو مختار الشيخ (قده) أو انها هي المجعولة ومعنى جعلها هو جعل الاحراز

اشكال في عدم قيام الامارة مقامه لعدم وفاء دليل التنزيل بذلك فان أدلة التنزيل بناء على تتميم الكشف يكون مفادها كونها كالعلم في ترتيب آثاره من حيث طريقيته وكشفه وليس لها نظر الى نوريته النفسية وانه صفة كسائر الصفات فحينئذ كيف يصح ان تقوم الامارة مقامه بتلك الادلة. نعم يحتاج في قيام الامارات مقام القطع المأخوذ على نحو الصفتية الى دليل آخر بالخصوص يصحح قيامها مقامه ، ولكن لا يخفى ان هذا النحو وان كان متصورا إلا أنه لم يوجد في الفقه في لسان الادلة اخذ القطع على نحو الصفتية موضوعا للحكم ، وما توهم اخذه بهذا النحو كباب الشهادة والحلف عن بت واخذه في الركعتين الاوليتين ونحو ذلك فانه فاسد ، فان القطع فيها قد اخذ على نحو الطريقية المحضة. هذا كله بناء على تنزيل الامارة منزلة العلم ، واما بناء على تنزيل المؤدى منزلة الواقع فيشكل قيام الامارة منزلة القطع الموضوعي لما عرفت ان مفادها تتميم الكشف اى كون

__________________

والوسطية في الاثبات كما هو مختار المحقق النائينى (قدس‌سره) وان كان لا اثر عملي يترتب عليه ، واما الاصول التنزيلية فادلتها ناظرة الى الجهة الثالثة اى عبارة عن ترتيب الاثر والجرى العملي على وفقها.

ومنه يعلم حكومة الامارة على الاصل اذ الامارة في مقام احراز الواقع فلا يبقى مجال للاصل الذى هو حكم في ظرف الشك كما ان الامارة لما كانت في مقام احراز الواقع تترتب جميع آثار الواقع من الآثار الشرعية والعقلية بخلاف الاصل فانه في مقام الجري العملي ولا يحرز الواقع فما كان له من الآثار الشرعية يترتب وما كان له اثر عقلي لا يترتب إذ هي مترتبة على الواقع المحرز والاصل لا يجعل الواقع محرزا فافهم واغتنم.

الامارة علما بالواقع ولو تعبدا ولذا منعنا حكومة الامارة على الاصول عليه لعدم اثبات كون التنزيل يوجب اثبات العلم بالواقع لكي يرتفع الشك الذى هو موضوع الاصل. نعم يحصل من ذلك العلم الوجدانى بالواقع التعبدي ومجرد حصوله لا يكفي بل يحتاج الى جعل آخر يقتضى تنزيل العلم بالواقع التعبدي منزلة العلم بالواقع الحقيقى وبذلك يظهر الفرق بين القولين اى القول بتنزيل المؤدى والقول بتتميم الكشف ، كما انه يظهر الفرق بينهما في الحكومة فانه على القول بالمؤدى يكون مفادها تنزيل العلم بالواقع الجعلي منزلة العلم بالواقع الحقيقى لما هو معلوم انه مع انتفاء القطع الوجداني ينتفي الحكم المترتب عليه حقيقة فحينئذ كيف تترتب الآثار المرتبة على القطع للظن وليس مفاده إلا توسعة في موضوع الحكم فيترتب الحكم واقعا وليس من باب التوسعة في الحكم ظاهرا لكي تكون الحكومة ظاهرية ويكون التنزيل مفاده كمفاد (الطواف في البيت صلاة) بخلاف ما لو كان مفادها تتميم الكشف بالنسبة الى احكام المتعلق فان القطع بالنسبة اليها طريق محض فتكون الحكومة ظاهرية ، واما بالنسبة الى نفس آثار القطع فالحكومة واقعية كما تقدم بيانه على التفصيل.

هذا تمام الكلام في الامارات. واما الكلام في الاصول فنقول ان الاصول منها ما يكون محرزا كالاستصحاب واخرى غير محرزة كالبراءة ، وهذه الاخيرة انما هي وظائف شرعية في مقام الشك ليست متعرضة للاحكام الواقعية فلا معنى لقيامها مقام العلم لعدم اقتضاء ادلتها لذلك قال الاستاذ في الكفاية : (واما الاصول فلا معنى لقيامها مقامه بادلتها ايضا غير الاستصحاب لوضوح ان

المراد من قيام المقام ترتيب ما له من الآثار والاحكام من تنجز التكاليف وغيره) ، واما الاصول المحرزة كالاستصحاب فقد عرفت ان لسان دليله فيه جهة احراز وانه متعرض للحكم الواقعي ولو كان في ظرف الشك فانه من هذه الجهة كالامارة يقوم مقام القطع الطريقى ولكن لا يخفى ان ما ذكر لا يوجب فرقا في ذلك والظاهر ان الاصول بأجمعها تقوم مقام القطع من غير فرق بين كونها محرزة وغيره وكما هو كذلك في بعض النسخ الفرائد باسقاط البعض.

بيان ذلك هو ان ما كان من الاصول العقلية كمثل الاحتياط العقلي ونحوه فانه خارج عن محل الكلام حيث ان مفادها احكام عقلية تدل على حسن العقاب على المخالفة وليس في مقام ترتيب ما للواقع من الآثار لكي يقال بانها تقوم مقام القطع الطريقى وانما الكلام في الاصول التي هي من قبيل البراءة الشرعية خصوصا مثل (كل شيء لك حلال حتى تعلم انه حرام) من جعل الحلية الواقعية في مرتبة الشك فيكون من قبيل جعل المؤدى فلا ريب انه يترتب عليها ما يترتب على العلم الطريقي من كونه عذرا عند المخالفة فحينئذ يكون كالعلم بالاباحة فلو فرض ان هناك أصل الزامي لكان يقوم مقام العلم الطريقى في كونه منجزا للواقع وعند المصادفة وعذرا عند المخالفة إلا انه لا وجود له ، هذا مضافا الى ما عرفت منا سابقا بأن مؤديات الاصول كمؤدى الامارات من انها احكام طريقية انشئت لحفظ الواقع ولم تنشأ عن ارادة اخرى من غير فرق بين كونها تنزيلية وبين كونها غير تنزيلية ولو مثل ايجاب الاحتياط فلذا عند المصادفة يكون ذلك الحكم الواقعى الناشئ عن ارادة واقعية هو المطلوب ، وعند عدم المصادفة حكما صوريا لم ينشأ عن ارادة اصلا فبهذه الجهة تقوم الاصول محرزة

وغير محرزة مقام القطع الطريقي ، واما قيامها مقام القطع الموضوعي فما كانت غير محرزة فلا اشكال في عدم قيامها مقامه واما المحرزة كالاستصحاب فقيامه مقامه مبني على ان موضوع الاثر في الدليل مرتب على ظرف الانكشاف أو على نفى الشك فان كان الاول فتقوم الاصول مقام القطع ، وان كان الثاني فلا تقوم والظاهر هو الثاني فلذا نختار ان قيامها محل نظر واشكال وان التزمنا ان دليل الاصل التنزيلى يتكفل اثبات اليقين بالواقع في ظرف الشك دون غير التنزيلي ولأجل ذلك يقدم على بقية الاصول.

وبالجملة الاستصحاب فيه جهتان جهة اثبات اليقين بالواقع فهذه الجهة تقدم على سائر الاصول وبجهة كون موضوعه الشك وليس رافعا للشك فبهذه الجهة يتأخر عن الامارة إذ مع قيام الامارة يوجب رفع الشك رفعا تعبديا ولذا تكون الامارة مقدمة عليه وسيأتى له مزيد كلام في المباحث الآتية ان شاء الله تعالى.

الملازمة بين حكم العقل والشرع

المبحث الرابع ينسب الى بعض الاخباريين عدم العمل بالحكم الشرعي الحاصل من الحكم العقلي استنادا الى ان العقل ليس له الاحاطة بكل الامور ، وان دين الله لا يصاب به العقول ، وقد ارجعه بعض الى انكار الملازمة بين حكم العقل والشرع وقبل الشروع في ذكرها ينبغى لنا التعرض لمسألة التحسين والتقبيح العقليين فقد وقع الكلام في مقام التصور اولا فنقول

لنا مراتب قد وقع الكلام فيها على سبيل التعاقب بمعنى انه بعد الفراغ عن الخلاف في مرتبة يقع الكلام في المرتبة اللاحقة فأول مرتبة وقع الكلام فيها هو ان الافعال هل تختلف بالنقص والكمال؟ والمراد من النقص كونه ناقصا بحده اى استعداده ناقص وكامل بحسب حده فان الاستعداد الذاتى ان كان كاملا يكون في اعلى عليين ، وان كان ناقصا يكون في أسفل السافلين ، فان (الناس معادن كمعادن الذهب والفضة) ، وبعد الفراغ من هذه المرتبة يقع الكلام في ان هذا الاختلاف هل يقتضي حكم العقل بالحسن والقبح اولا؟ وبعد الفراغ من المرتبة الثانية يقع الكلام في ان العقل حكم بالحسن ام لا ، وبعد الفراغ من المرتبة الثالثة وقع الكلام في انه حكم بالحسن الفاعلي اي جهة الصدور أم لا؟ ومرجع هذه المرتبة الى النزاع المعروف بين المجبرة والمفوضة ، وبعد الفراغ من المرتبة الرابعة يقع الكلام في ان الحكيم لو ادرك هذه المراتب هل يحكم بالملازمة بين حكمه وحكم الشرع بحيث يكون منشأ لترتب الثواب والعقاب أم لا؟

إذا عرفت هذه المراتب فاعلم ان الذي يتراءى من كلمات الاصحاب من تفسير التحسين والتقبيح الموجود في عنوان المسألة بان العقل يدرك الحسن والقبح بحيث يترتب عليهما الذم والمدح والثواب والعقاب وفي الحقيقة القائل بهذا التفسير يلتزم بجميع المراتب التي ذكرناها فان التزامه بان العقل يدرك الحسن والقبح فلا بد وان يلتزم بالمراتب الثلاث الاول والتزامه بحيث يترتب عليه المدح والذم والثواب والعقاب لا بد له من الالتزام بالمرتبتين الاخيرتين ومقابل لذلك اي الذى لا يقول بهذا التفسير طوائف فمنهم من انكرا صل

الاختلاف كما ربما ينسب إلى بعض ، وطائفة ينكر اصل الاقتضاء مع تسليم الاختلاف وينسب ذلك الى بعض الاشاعرة وطائفة ينكر حكم العقل مع تسليم الاقتضاء كما ينسب الى بعض الاخباريين وطائفة يسلم تلك المرتبة ولكن ينكر الحسن الفاعلي وهو جهة الصدور كما ينسب ذلك الى المجبرة وطائفة ينكر الملازمة بين حكم العقل والشرع والمثبت لادراك العقل التحسين والتقبيح بنحو يترتب على الاول الثواب وعلى الثانى العقاب لا بد وان يكون مقابل لجيمع تلك الطوائف ولكن يشكل على هذا التعريف ان البحث عن ذلك يغني عن بحث الملازمة فلم جعلوا الاصحاب الملازمة بحثا آخر غير بحث التحسين والتقبيح فلا بد وان يعرف بشيء لا يدخل تحته مبحث الملازمة بان يراد من التحسين هو اعجاب العقل بذلك الحسن بحيث يترتب عليه المدح ومن التقبيح هو اشمئزاز العقل القبح بحيث يترتب عليه الذم وبذلك ناسب عد الملازمة مسألة اخرى ومن هنا يظهر ان البحث عن الملازمة لا يغني عن البحث عن مسألة التحسين والتقبيح لان ذلك انما يتم لو كان المنكرين للملازمة من قبيل السالبة بانتفاء المحمول مع ان المفروض ليس كذلك فان المنكرين ربما ينكرون ذلك من باب السالبة بانتفاء الموضوع فان من أنكر الملازمة قد يكون من جهة انكار اصل الاختلاف بين الافعال او ينكر اصل الاقتضاء او ينكر حكم العقل بالحسن والقبح أو انكاره من جهة انكار الحسن الفاعلي وكيف كان فالنزاع ان كان في أصل الاقتضاء فالاخباريون من المثبتين وان كان النزاع في حكم العقل بالحسن والقبح فالاخباريون من المنكرين ويؤيد ما ذكرنا من ان المراد من التحسين هو اعجاب العقل والقبح هو اشمئزاز

العقل ان الذى ينبغي أن يجعل هذا البحث تمهيدا لمبحث الملازمة هو البحث عن نفس الحسن والقبح الذاتيين وإلا الحسن الذى يستتبع الثواب والقبح الذي يستتبع العقاب هو متأخر عن القول بالملازمة اذ هو مساوق للاطاعة التي هي متأخرة عن الحسن الذاتى. وبالجملة عندنا حسنان سابق على ما يترتب عليه المدح والثواب ، وحسن يستتبع ذلك والذي ينبغي ان يكون مقدمة لبحث الملازمة هو الحسن المساوق لمرتبة الذات ثم لا يخفى ان الحسن والقبح ان كانا بمعنى ان نفس ادراكهما يعجب العقل أو ينفره ولا يحتاج في ادراكهما الى شيء آخر فهما ذاتيان وإلّا فعرضيان مثال الذاتي هو الظلم فان الظلم بنفسه يوجب اشمئزاز النفس من غير حاجة الى ان يتصور شيء آخر لا يقال ان الظلم تارة يكون في محله واخرى لا يكون في محله فليس على الاطلاق العقل يحكم بالاشمئزاز لانا نقول مأخوذ في مفهوم الظلم ان لا يكون في محله واما مثل ضرب اليتيم للتأديب ففى الحقيقة ليس من الظلم واما مثال الحسن الذاتي فقد مثل له بحسن الاحسان. فتحصل مما ذكرنا ان الحسن والقبح تارة يكونان ذاتيين واخرى يكونان عرضيين فليس هما على الاطلاق ذاتيين وليسا على الاطلاق عرضيين. اذا عرفت ذلك فاعلم ان الوجدان حاكم على ان العقل يدرك الحسن الذاتي والقبح الذاتي فان العقل يدرك قبح الظلم لذاته من دون ان يتصور شىء آخر من عادة وغيرها وقد خالف في ذلك بعض الاخباريين فانكروا ان العقل يدرك الحسن والقبح الذاتيين وادعوا ان كل ما يدركه العقل مما يترتب عليه الذم فهو راجع الى المقبحات العرفية وكذلك ادراكه مما يترتب عليه المدح فهو راجع الى المحسنات العرفية ويؤيد ذلك بان هناك موارد مسلمة مثل

ما لو اسس قانون واعلن فمن صدقه يمدح ومن لم يصدقه او لم يقبله يذم ويلومه العقلاء وبذلك قد جرت العادة به فادراك العقل الحسن والقبح انما هو من جهة التقبيح العرفى أو التحسين العرفى ومثل ما لو جعل قانون وخالف القانون فان العقلاء يلومونه على المخالفة من جهة جريان عادة الناس على عدم المخالفة ومثل ما لو كان عند الناس متداولا ومعتادا ترك الأكل في الاسواق فلو اكل أحد يلومونه فلذا قيل انه ينافى العدالة لانه يعتبر فيها المحسنات العرفية والمقبحات العرفية التي عبر عنها بمنافيات المروءة وكيف كان فهذه الامور الثلاثة انما تقبح من جهة جريان العادة على عدم المخالفة غاية الامر بالنسبة الى الاولين العادة لها جهة طريقية بخلاف الثالث فان العادة لها جهة موضوعية ولكن لا يخفى ما فيه

بيان ذلك اما الاولين فالتقبيح فيهما يرجع الى كفر المنعم والتحسين فيهما يرجع الى شكر المنعم غاية الامر نفس تطبيق موضوع تلك الكبريين اما بناء ادعائي او اعتقادي وبعبارة اخرى من اعتقد او بنى على ان الجاعل للقوانين أو الجاعل للطرق مخالفته فيه ملامة وموافقته فيه مدح ليس من جهة العادة بل انما هو من جهة انه بنى او اعتقد انه آمر فتكون مخالفته كفرا للمنعم وموافقته شكرا للمنعم وهاتان الكبريان العقل يحكم بهما مع قطع النظر عن العادة وبالجملة العادة محققة لموضوع تلك الكبريين لا انها سببا لحكم العقل والشبهة انما نشأت من هذه الجهة فتخيل ان العادة هي التي صارت سببا لحكم العقل وهذا توهم فاسد فان العادة محققة لحكم العقل وحكم العقل غير متوقف على العادة وغيرها ، واما في الثالث فان انطباق موضوع حكم العقل انطباق على الامور الرسمية قهرى بخلاف الاوليين فان من خالف العادة اما للزوم الضرر

أو الهتك فان انطباق ذلك على الامور الرسمية قهرى كما لا يخفى ثم انه لو اغمضنا النظر عن الوجدان فالادلة التي اقاموها للطرفين فاسدة اما ادلة المثبتين فمنها انه لو لم يحكم العقل بالحسن والقبح يلزم افحام الانبياء والتالي باطل.

بيان ذلك ان النبي لو قال انظروا في معجزتي لهم ان يقولوا على ذلك التقدير انه لا ننظر حتى يجب علينا النظر ولا يجب النظر حتى ننظر وهذه المعارضة لا مدفع للنبي عنها وهذا هو معنى الافحام ولكن لا يخفى ما فيه فان وجوب النظر انما هو من باب وجوب دفع الضرر المحتمل ووجوب دفع الضرر فطرى للانسان بل فطري لسائر الحيوانات ولا يحتاج الى حكم العقل وانما هو من الوجدانيات التي لا ينكرها الطرفان ومنها انه لو لم يحكم العقل بالحسن والقبح لزم جواز صدور المعجزة من الكاذب والتالي واضح البطلان بيان ذلك ان عدم جواز صدور المعجزة إلا من الصادق من جهة تصديق الله لدعوته لان تصديق الكاذب قبيح فيمتنع صدوره منه تعالى لعلمه وحكمته وغناه فاذا بطل قبحه ثبت جوازه اذ لا دليل عليه غيره ولكن لا يخفى ما فيه فان هذا يرجع الى نقض الغرض فان المولى لما كان غرضه بيان صدق الصادق وكذب الكاذب فتصديق الكاذب نقض لذلك الغرض وهو أمر قبيح يرجع الى قبح اجتماع الضدين الذي يحكم العقل بقبحه من غير حاجة الى حكم العقل بالحسن والقبح المترتب عليهما المدح والذم والثواب والعقاب ومنها انه لو لم يحكم العقل بالتحسين والتقبيح لزم عدم الوثوق بما جاء به النبي (ص) من الاحكام من معاد وغيره فان الاحكام انما تثبت من الاخبار ونحن تحتمل صدور الكذب فيها فمع هذا الاحتمال كيف نثق بالأخبار ولكن لا يخفى فان ذلك يرجع الى الدليل السابق وقد عرفت الجواب عنه. واما ادلة النافين فاقوى أدلتهم هو ان التحسين والتقبيح

من الكيفيات ومتعلقهما لو حكم به العقل من الافعال وهو أيضا من مقولة الاعراض فحينئذ كيف يقوم العرض بالعرض وهذا مراد من قال بانه يلزم قيام المعنى بالمعنى لو حكم به العقل ولكن لا يخفى انه يرد عليه أولا بالنقض في مثل الارادة فانها من الكيفيات مع ذلك تتعلق بالافعال وثانيا بالحل فان التحسين والتقبيح من عوارض الصور المرتسمة في النفس وهى أيضا من العوارض الكيفية فمقولة الكيف تعلقت بمقولة الكيف ولها جهة اضافة الى الخارج أي بما ان تلك الصور حاكية عما في الخارج فتعلق التحسين والتقبيح بالخارج بنحو اضافة فاذا عرفت ان الحق هو ان التحسين والتقبيح يحكم بهما العقل فحينئذ يكون لنا مجال لمبحث الملازمة وإلّا لو قلنا بمقالة النافين فلا مجال له أصلا فنقول وقع الكلام في مسألة الملازمة اي لو حكم العقل بشيء يلزمه ان يحكم الشارع به وقبل الخوض في المقصود ينبغي تقديم مقدمة بها يتضح المقصود وهى ان حكم العقل بالمصلحة مقتض لحكم الشارع لا على نحو العلية التامة فتكون تلك المصلحة بالنسبة الى حكم الشارع من قبيل المقتضى الذي يرتفع لوجود المانع فحينئذ لا بد من احراز عدم المانع والمزاحم حتى يترتب حكم الشارع والموانع والمزاحمات تارة تكون داخلية أي لها دخل في أصل تحقق ادراك العقل الحسن الذاتي واخرى تكون خارجية وهذه المزاحمات الخارجية تكون بعد الفراغ عن عدم مزاحم ذاتي وحينئذ نقول ان المزاحم الخارجي يكون تارة مثل وجود ضد أهم واخرى ليس كذلك وثالثة يكون في الانبعاث عن الارادة ورابعة يكون في نفس ارادة المولى فهذه المراتب طولية والاخيرة منها انما يكون لها مجال بعد الفراغ عن سابقتها والمثبت يلتزم بجميع هذه المراتب.

اذا عرفت ذلك ذلك فاعلم انه وقع الكلام في كل مرتبة مرتبة اما الاولى فيمكن نفي المزاحم الداخلي بحكم العقل بحسن الشيء فانه لما حكم بان في الشيء حسنا يستكشف انه لا مزاحم داخلى فاذا وقع فالعقل لا يحكم واما بالنسبة الى المرتبة الثانية وهو احتمال المزاحم الخارجي من ضد أو مثله فان قطع بعدم وجود ذلك المزاحم فالعقل يحكم بحسنه ويلومه على تركه واما مع احتمال وجود المزاحم الخارجي فلا يحكم بالحسن ولا يلوم على تركه اللهم إلّا ان يقال بان نفس هذا الاحتمال لا يوجب رفع الملازمة على الترك بل يأتي به بداعي الرجاء حيث انه يحتمل عدم وجود المزاحم فهذا الاحتمال يكون منجزا وهذا هو شأن الاحتياط بانه حسن فان حسنه متحقق مع تحقق احتمال المزاحم ولا ينافي ذلك ما ذكره شيخنا الانصاري (قدس‌سره) بان العقل لا يدرك جميع المقبحات والمحسنات حتى يحكم بحسنه او قبحه لما عرفت بان حكم العقل بالحسن ليس من جهة ادراكه لرفع جميع الموانع المقبحة بل من جهة كون نفس احتمال عدم وجود المزاحم هو منجز ، فعلى هذا يمكن منع الملازمة (١) بين حكم العقل

__________________

(١) لا يخفى ان بحث الملازمة تتم في بيان جهات كل جهة تعد مقدمة لما بعدها الاولى ذهبت الاشاعرة الى عدم الحسن والقبح الواقعيين وان الاحكام لا تنشأ من المصالح والمفاسد بل كل ما يحسنه الشارع يكون حسنا وكل ما يقبحه الشارع يكون قبيحا اذ الاحكام لا تنشأ إلا عن ارادة وكراهة فحينئذ لا مجال لحكم العقل بحسن شيء لكي يستكشف منه الحكم الشرعي حتى يقال بالملازمة إذ لا موضوع لها وأنت خبير بفساد هذه المقالة اذ العقل يستقل بقبح بعض الاشياء من دون ملاحظة شرع أو شارع مضافا الى أن لازمه ان تنشأ الاحكام

والشرع حيث ان العقل قد حكم مع تحقق هذا الاحتمال ويحتمل ان الحكيم على

__________________

الشرعية جزافا فيجب هذا دون ذاك أو يحرم هذا دون ذاك ترجيح بلا مرجح ولذا التزم بعض المحققين كالامام الفخر بان الاحكام تنشأ عن مصلحة نوعية وهى التي أوجبت تشريع الاحكام التى منها محرمة ومنها واجبة ومنها مكروهة ومنها مستحبة المتعلقة تلك الاحكام بطبيعة المأمور به أو المنهي عنه وان كانت بالنسبة الى الافراد متساوية الاقدام عندهم ترجيح بعض الافراد على بعض من دون مرجح بعد ما فرض وجود المرجح الذى أوجب تعلق الحكم بالطبيعة كتناول أحد الرغيفين أو سلوك أحد الطريقين اختيارا بلا مرجح.

الثانية بعد الفراغ عن تحقق الحسن والقبح بالنسبة الى بعض الاشياء إلا انه ذهب بعض الى ان العقل لا يحكم بالحسن والقبح لعدم احاطته بالمحسنات والمقبحات وانما نستكشف الحسن والقبح من الشارع فعليه لا يمكن استكشاف الحكم الشرعي من الحكم العقلي الذى هو ملاك القول بالملازمة لعدم تحققه وفيه ما لا يخفى انا لا ندعي الايجاب الكلي وانما ندعي الايجاب الجزئي بمعنى ان العقل يحكم بحسن وقبح بعض الأشياء مثلا الظلم العقل يحكم بقبحه ويحكم بحسن الاحسان وإلّا يوجب عزل العقل عن الادراك ولازمه هدم أساس اثبات الصانع وافحام الانبياء وابطال كل شيء إذ كل دليل لو لم يرجع إلى العقل فليس بدليل وانما دليليته بالعقل.

الجهة الثالثة بعد البناء على ان العقل يحكم بالحسن والقبح فقد ذهب بعض الى انكار الملازمة باعتبار منع تبعية الاحكام للمصالح والمفاسد في المأمور به بل يكفي تحققها في نفس التشريع كالاوامر الامتحانية وفيه ما لا يخفى اما اولا ان كلامنا في الاحكام الواقعية الناشئة عن ملاكات موجبة لتشريعها

الاطلاق قد اطلع على المزاحم فلذا لم يحكم فحصل التفكيك بالنسبة الى هذه

__________________

فحينئذ لا معنى لكون الملاك بالنسبة الى الاحكام الواقعية في التشريع وثانيا ان الاوامر الامتحانية أيضا ناشئة عن ملاك متحقق في المتعلق فان من امر شخصا بقتل ليس غرضه القتل ففى الحقيقة لم يامره بالقتل بل بمقدماته وقد يدفع الملازمة بانه وان حكم العقل بحسن أو قبح إلا ان في الواقع له مزاحم قد اختفي عن العقل وبما ان الشارع مطلع على الواقع وقد اطلع على المزاحم لذا لم يحكم على طبق العقل ولعله المراد بقوله (سكت عن أشياء لم يسكت عنها نسيانا) وبذلك احتج صاحب الفصول للقول بعدم الملازمة لاجل هذا الاحتمال إلّا انه اجاب عن ذلك بانا لا نقول بالملازمة الواقعية ولكن لا مانع من الالتزام بالملازمة الظاهرية ولكن لا يخفى ان وجود هذا الاحتمال مع تحقق حكم العقل باحاطة جميع ما له دخل في الملاك مما لا يجتمعان ولا يكون مصداقا للاخبار الدالة على السكوت لانه لما كان العقل رسولا باطنيا ومبلغا فلا يكون ما يستقل به مسكوتا عنه بل يكون حاله من هذه الجهة حال الرسول الظاهري واما الملازمة الظاهرية الذى ادعاها صاحب الفصول ممنوعة إذ مع فرض تسليم احتمال وجود المزاحم كيف يستكشف منه حكم الشرع ولو ظاهرا.

وبالجملة مع تحقق هذا الاحتمال لا يمكن حكم العقل بشيء ومع حكم العقل بحسن شىء أو قبحه لا يبقى مجال لدعوى احتمال وجود المزاحم كما لا يخفى واما كلام الاخباريين فلا يبعد انه ليس نظرهم إلى انكار الملازمة بين حكم الشرع وحكم العقل وانما نظرهم إلى الاخبار الدالة على مدخلية تبليغ الحجج صلوات الله عليهم في الاحكام واما الاحكام غير المتلقاة عنهم ليس هو حكم الله وهذه الدعوى وان امكن تصحيحها بمعنى انه يمكن تقييد الاحكام

المرتبة وبعد الفراغ من المرتبة الثانية يقع الكلام بالنسبة الى المرتبة الثالثة وهي المزاحمات في نفس الايجاد والانبعاث عن تلك الارادة لان الارادة المحركة لا تتعلق بالشيء الفاسد وانما الارادة المحركة تتعلق بالشيء الذى فيه مصلحة فاذا حكم العقل بحسنه اي لم يكن فيه مزاحم داخلي ولا خارجى فلا يستكشف منه تحقق الارادة المحركية لما ذكرناه فاذا لم يستكشف فلا ملازمة واما لو التزمنا بهذه المرتبة فيقع الكلام في المرتبة الأخيرة وهي المزاحمات في نفس البعث والارادة.

فنقول لا اشكال ولا ريب انه بالالتزام بالمراتب الثلاثة الاول نستكشف تحقق الارادة الواقعية التي هي في نفس المولى فحينئذ هل الانبعاث والتحريك نحو المراد يحتاج الى بعث ام لا؟ والمراد بالبعث هو بروز وظهور تلك الارادة فحينئذ يقع الكلام في ان هذا البعث له موضوعية في مقام المحركية ام لا فنقول لا اشكال ولا ريب انه بالنسبة الى المعاملات فنفس البعث له موضوعية وإلا نفس الرضا بالبيع والصلح وغير ذلك لا يكفى بل يحتاج في العقود الى ابراز الرضا من الطرفين بايجاب وقبول وفي الايقاعات يحتاج الى ابراز الرضا من

__________________

بالتبليغ عنهم بنحو نتيجة التقييد لكونها من الانقسامات الثانوية التي لا يمكن فيها التقييد اللحاظي والانصاف ان الناظر إلى تلك الاخبار يجدها انها ليست في مقام التقييد بل واردة في قبال اعدائهم الذين غصبوا حقوق أهل البيت وعزلوهم عن المقامات الرفيعة ودالة على ان الاعمال لو لا التمسك بهم تكون كسراب بقيعة يحسبه الضمآن ماء وقد استوفينا الكلام في تقريراتنا لبحث الاستاذ المحقق النائينى (قدس‌سره).

طرف واحد واما بالنسبة الى الاحكام والتكاليف لا يحتاج الى التحرك الى متعلقها أي ظهور وبروز بل نفس العلم بتحققها في نفس المولى يكفي كمن يعلم ان المولى يحتاج الى ماء ولكن له مانع لا يمكن له ابراز ارادته فيجب على العبد أن يأتي له بالماء فلو تركه والحال هذه يلومه العقلاء اذا عرفت ذلك فاعلم انه يمكن لنا انكار الملازمة لو التزمنا بالمرتبة الثانية أو المرتبة الثالثة من جهة حكم العقل بحسنه مع تحقق الامتثال ويلام على تركه مع تحقق احتمال وجود المزاحم واما لو تعدينا عن المرتبة الثالثة وقلنا بتحققها لا بد من الالتزام بالملازمة لما بيناه سابقا واما دعوى انه يمكن حكم العقل بالحسن بالنسبة الى المرتبة الثالثة لا من جهة وجود الاحتمال حتى يمكن منع الملازمة بل من جهة الترتب حيث انا نعلم بحسنه اما من جهة نفسه حسن على الاطلاق أو حسنه منوط بعدم الاتيان بالاهم ففي ظرف عدم الاتيان بالاهم هو حسن ولكن لا يخفى ان ذلك لا يجزى إلا إذا كان المزاحم هو الاهم واما لو كان باقى المرجحات غير الأهم كانت موانع من حسنه فلا يجري الترتب فتحصل مما ذكرنا ان المنكرين للملازمة لا بد ان يخدشوا في المرتبة الثانية والثالثة والانصاف انه لا تترتب ثمرة على القولين لانه على عدم القول بالملازمة الثمرة عدم تحقق الملامة على الترك لأن الملامة انما تكون لحكم الشارع فمع عدم استكشاف حكم الشارع كيف تتحقق الملامة وعلى القول بالملازمة تتحقق الملامة من جهة تنجز هذا الاحتمال وبعبارة اخرى ان الثمرة تترتب على القولين إذ على القول بعدم الملازمة يجب الاتيان في صورة الشك بتحقق الحكم الشرعي لتنجز الاحتمال المانع من جريان قبح العقاب بلا بيان إذ بتنجز الاحتمال يوجب كونه بيانا فيرتفع موضوع البراءة نعم هناك ثمرة اخرى وهى انه على القول

بعدم الملازمة فيما لو ورد خطاب شرعي على خلاف حكم العقل فلا يجب طرحه حيث انه على ذلك التقدير يكون حكم العقل من باب لا أدري وهو حكم في ظرف عدم العلم فمع مجيء حكم الشارع يرتفع موضوعه من باب الورود بخلافه على الملازمة يجب طرحه وبهذا يمكن توجيه كلام الاخباريين في ان الخطاب الشرعى مقدم على حكم العقل توضيح ذلك هو ان الاخباريين لما التزموا بعدم الملازمة بين حكم العقل وبين حكم الشرع فيكون حكم العقل بالحسن من باب قبح العقاب بلا بيان فمع مجىء خطاب الشرع يكون بيانا فخطاب الشرع لا يعارض حكم العقل بخلافه على القول بالملازمة فانه يوجب طرح الخطاب الشرعى هذا غاية ما يوجه به كلام الاخباريين وهو أحسن ما قيل بان مراد الاخباريين من حكم العقل الظني أو غير ذلك من التوجيهات المخالفة لظواهر كلماتهم هذا كله فيما لو حكم العقل بشيء هل يلازم ذلك حكم الشارع أم لا واما لو حكم الشارع بشيء هل يلازم ذلك حكم العقل أم لا؟ فنقول ما المراد من حكم العقل هل هو عبارة عن نفس اطاعة الاوامر الشرعية أي إذا حكم الشرع بشيء العقل يحكم باطاعته أو هو عبارة عن حكمه بالحسن الذي حكم الشارع به فيكون حكم الشارع مع حكم العقل متعلقهما شيء واحد الظاهر هو الأخير فان الاول خلاف الظاهر اولا وان حكم العقل الذي هو مرتب على حكم الشارع بحسب الظاهر هو الحكم بالملازمة وقد عرفت ان الحكم بالملازمة لا يكون بالنسبة الى الاطاعة ثانيا وبعد معرفة ان المراد هو حكم العقل مع حكم الشارع متعلقهما شيء واحد فحينئذ يقع الكلام هل هناك ملازمة أم لا الظاهر انها متحققة لوجهين الاول الوجدان فان الوجدان يحكم بان ارادة الشارع

لا تتعلق إلا بالشىء الذي فيه مصلحة ولو ردع عن شيء لا بد وان تكون فيه مفسدة لأن الارادة من مباديها الحب والحب مثلا لو وصل الى مرتبة يكون عشقا والعشق لا يتعلق بالوجه الذي هو قبيح المنظر وليس إلا انه لا بد وان يكون في المتعلق حسن حتى يتملق به المحبة وكذلك الارادة لانه المفروض ان الشارع حكيم على الاطلاق فاذا كان كذلك فلا بد وان يوجه الارادة الى ما فيه المصلحة الوجه الثاني انه لا اشكال ولا ريب ان بين الارادة والمصلحة ترتب طولى اي متى تحققت المصلحة تعلقت الارادة ولو كان يكفى نفس تحقق المصلحة في الإرادة تكون المصلحة متأخرة عن الارادة فتكون نظير داعوية الامر التي لا يعقل أخذها في المتعلق ثم ان القائلين بانه يكفي تحقق المصلحة في الارادة ولا يحتاج الى تحقق المصلحة في المتعلق فذلك انما التزموا به من جهة أشياء تخيل انها منها كالاوامر الامتحانية حيث ان الغرض منها نفس اصدار الامر وابرازه وهو فيه مصلحة ولكن لا يخفى ان اوامر الامتحانية تارة يكون الامتحان فيها قائما بنفس العمل مثلا يشتري دابة ويركبها لاجل الامتحان فهذا لا اشكال في ان المصلحة ليس في مقام الابراز بل المصلحة في المتعلق واخرى يكون الامتحان في اظهار الامر والظاهر انه لا ينصرف الامر الى العمل بل بمقدماته كمن امر بالقتل وليس غرضه في القتل فان الامر ينصرف الى المقدمات فلا تغفل.

مبحث التجرى (١)

المبحث الخامس في التجري والكلام فيه يقع في مقامين المقام الاول في أن من لم يصادف قطعه الواقع هل مخالفته توجب استحقاق العقاب أم لا عقاب إلا على من صادف قطعه الواقع؟ قولان مشهوران اختار شيخنا الانصارى (قده)

__________________

(١) المراد من التجري كلما كان مخالفا للحجة شرعية كانت أو عقلية ولا خصوصية لمخالفة القطع حتى انه لو خالف الاستصحاب أو قاعدة الاشتغال يعد متجريا ويقابله الانقياد فانه يعتبر ان لا يكون على خلاف الحجة من غير فرق بين ما يكون الانقياد هو مقتضى الحجية كالعمل الموافق للاستصحاب أو القاعدة ونحوهما وبين ما لا يكون كذلك كترك محتمل التحريم أو فعل محتمل الوجوب كما لا يخفى ان البحث في التجري يختلف يمكن ان يقرر في انه يستحق المتجرى العقاب أم لا يستحق فتكون مسألة كلامية ويمكن ان يقرر بان التجرى يوجب قبح الفعل المتجرى به ام لا فتكون مسألة اصولية حيث تستتبع حرمة الفعل وعدمه ويمكن ان يقرر النزاع شرعا في حرمة الفعل فتكون مسألة فرعية فقهية وظاهر القوم جعل النزاع هو الاول ثم لا يخفى ان البحث في التجري ليس منافيا لما ذكرنا سابقا من ان العقل يحكم بوجوب متابعة القطع مطلقا ولو لم يصادف وذلك بملاحظة نفس القاطع نفسه حيث انه لا يرى نفسه مخطأ فلو قلنا العقاب على من أصاب لم يكن تفصيلا في حجية القطع فلا تغفل.

الثانى والحق هو الاول لوجود مناط استحقاق العقاب فيه.

بيان ذلك هو ان مناط الاستحقاق هو اظهار التمرد والطغيان على المولى وهتك حرمته وتجريه عليه فمن قطع بخمرية مائع في اناء فيه ماء وخالف فشربه عد عاصيا لانطباق تلك العناوين عليه من ابراز الطغيان وخروجه عن رسم العبودية وهكذا في صورة المصادفة فان استحقاق العقاب ليس لأجل المصادفة بل لانطباق ما هو موضوع الاستحقاق من كونه هتك المولى واظهر الطغيان عليه وفاقا للاستاذ في الكفاية بما لفظه (الحق انه يوجبه لشهادة الوجدان بصحة مؤاخذته على تجرّيه وهتك حرمته لمولاه وخروجه عن رسم عبوديته وكونه بصدد الطغيان وعزمه على العصيان الخ) وان كنا لا نوافقه على جعل الاستحقاق على العزم إذ العزم من الامور القصدية التي لا تستحق العقوبة عليه ما لم يظهر التمرد والطغيان والمخالفة بما هو الحجة عليه. ثم ان الاستاذ قد اختار هنا ما ينافي ما ذكره في مقدمة الواجب حيث قسم الواجب على قسمين غيري ونفسي وجعل العقوبة والمثوبة على النفسى ولا مثوبة وعقوبة على الغيري حتى اشكل عليه بالطهارات الثلاث وهنا جعل العقاب على الوقوف في قبال المولى وهتك حرمته وهو يحصل بالعزم على المعصية ، وايضا يحصل بترك الواجب الغيري والمثوبة على الجري على طبق ارادة المولى وهو يحصل ولو باتيان الواجب الغيرى.

وكيف كان فمناط استحقاق العقاب هو اظهار التمرد على المولى وطغيانه عليه وهو متحقق في التجري فيستحق العقوبة بمجرد مخالفة ما هو حجة عليه كما هو كذلك بالنسبة الى المعصية الحقيقية ودعوى ان لازم ذلك أخذ العلم بالنسبة الى

الاستحقاق على نحو الصفتية في غير محلها اذ العلم قد اخذ موضوعا للاستحقاق بنحو الطريقية الى الواقع ودعوى انه ليس موضوع حكم العقل بالقبح مطلق القطع ولو لم يصادف كما ينسب الى بعض الاعاظم (قدس‌سره) بتقريب ان غير المصادف ليس بعلم وانما هو جهل مركب والقطع بالحكم الشرعي الذي هو مناط حكم العقل بالاستحقاق في العقوبة والمثوبة فيما اذا كان محرزا للواقع لكي ينبعث العبد عن ارادة المولى ومع كونه غير مصادف لارادة المولى حتى ينبعث العبد نحو ارادته ففى غير محلها فان ذلك وان عد جهلا مركبا إلّا انه لا ينافي ان يكون سببا لانطباق عنوانه انه متمرد على المولى وانه قد اظهر طغيانه عليه الذي هو موضوع حكم العقل باستحقاق العقاب فحاله حال ما لو صادف العلم بالواقع في ان ذلك يحدث عنوان الطغيان على ما اتى به الذي هو موضوع حكم العقل بالاستحقاق كما هو كذلك بالنسبة الى الانقياد فانه في صورة عدم المصادفة لم يكن موجبا للانبعاث نحو ما انقاد اليه إلا مثل هذا الذي هو جهل مركب وبالجملة الموجب للانبعاث في الانقياد فيما لم يصادف قطعه الواقع هو الموجب لاستحقاق العقوبة وليس في البين إلا ما يسمى بالجهل المركب ويؤيد ذلك تقبيح العقلاء للمخالفة والمدح على الموافقة وليس ذلك لأجل كشفه عن خبث السريرة في المخالفة وحسن السريرة في الموافقة كما ادعاه الشيخ الانصاري (قده) فان الوجدان يشهد بان القبح ليس لاجل ذلك وانما هو لأجل انطباق ما هو موضوع حكم العقل بالاستحقاق من كونه هتكا للمولى وطغيانا وتمردا عليه كانطباق عنوان الحسن في مقام الانقياد باتيان ما هو محتمل الوجوب وترك ما هو محتمل الحرمة وقد التزم الاستاذ بان العقاب ليس على خبث السريرة

وانما هو على العزم إذ هو شيء يحصل بعد خبث السريرة ولكن لا يخفى انه ان اراد العقاب على نفس العزم من دون ما يحصل به اظهار الطغيان. فقد عرفت انه من الامور القصدية والعقاب لا يكون على الامور القصدية وان اراد بالعزم المتعقب بما يظهر الطغيان فيكون العقاب حال العزم من حيث شروعه في الطغيان بايجاد مقدمته فهو راجع الى ما قلناه من استقلال العقل بقبح من خالف قطعه مطلقا من غير فرق بين كونه قد صادف قطعه الواقع أم لم يصادف كما هو الحال في الانقياد فانه باتيان ما هو محتمل الوجوب أو ترك ما هو محتمل الحرمة ينطبق عليه عنوان التسليم والانقياد الذي هو مناط استحقاق الثواب ودعوى ان الثواب في مقام الانقياد تفضلي لا بنحو الاستحقاق ففى غير محلها اذ ذلك ينافي التزامهم بحسن الاحتياط بداعي المحبوبية وليس إلا لأجل انطباق عنوان الانقياد الموجب لاستحقاق الثواب حتى قيل بامكان تصحيح العبادة لأجل الحسن العقلي وبالجملة القبح في المقام قبح عقلي لا قبح فاعلي كما ينسب الى بعض الاعاظم (قدس‌سره) من التفكيك بين الفعل وجهة الاصدار بالالتزام بان جهة الاصدار فيه قبح ولا يسرى الى نفس الفعل إذ هو محل المنع فان جهة الاصدار عبارة عن اضافة بين الفعل والفاعل فان كانت الاضافة قبيحة فقبحها يسرى الى ما تقوم به الاضافة وهو الفعل وهو لا يلتزم به وان كانت الاضافة تكشف عن خبث السريرة فهو وان امكن تصوره إلا ان خبث السريرة خارج عن الاختيار فكيف يحدث قبحا في الفاعل فدعوى قبح الفاعل من دون سرايته الى الفعل لا وجه له فظهر مما ذكرنا ان العقل يستقل بالقبح في التجري كما انه يستقل العقل بالحسن في الانقياد من غير ان

يستتبع حكما شرعيا مولويا فلو ورد حكم شرعي يكون ارشادا لحكم العقل إذ لا معنى لاعمال المولوية مع حكم العقل فلو حصل يعد لغوا اذ المولوية انما تنبعث نحو ايجاد الشيء أو تركه حذرا من مخالفة التكليف ومع فرض ان العقل حاكم بالاتيان به او الزجر عنه فكيف يعقل في هذا الحال اعمال المولوية حتى لو قلنا بالملازمة بين حكم العقل والشرع فان الحكم العقلي يكون مستتبعا لحكم شرعي مولوي بناء على الملازمة فيما اذا كان الحسن والقبح العقليان ناشئين عن مصلحة او مفسدة في المتعلق وهذا المعنى ليس متحققا في المقام لما هو معلوم ان عنوان التجرى والانقياد ليسا بموجبي المصلحة او المفسدة لكي يكونا مستتبعين حكما شرعيا مولويا فلو ورد تكليف شرعي فانما يكون ارشادا لحكم العقل كالاوامر الواردة في باب الاطاعة فانها تحمل على الارشادية لعدم وجود ملاك المولوية مع حكم العقل بقبح التجري لاجل تمرده وطغيانه على المولى وهذا الملاك كما يتحقق في التجري يتحقق في العصيان الحقيقي كما انه قد يحصل عند شروعه في المقدمات مستمرا الى ان يحصل العصيان الحقيقي وليست المصادفة هي الموجبة للعقوبة حتى يقال بان لازم القول بان التجرى يوجب العقوبة الالتزام بتعدد العقوبة في المعصية الحقيقية فانه توهم فاسد لما عرفت من ان مناط استحقاق العقوبة انما هو اظهار التمرد والطغيان على المولى وهذا حاصل في التجري والمعصية الحقيقية ولذا ترى العقلاء يذمون في حال الشروع في المقدمات المفضية الى الحرام ولا ينتظرون في ذمهم الى ارتكاب الحرام وليس ذلك إلّا انهم يرون ان استحقاق العقوبة على اظهار التمرد والطغيان وهو يتحقق في التجري والمعصية الحقيقية وليست العقوبة

على المصادفة في المعصية الحقيقية ليلتزم بالتعدد او التداخل فيها حذرا من التعدد كما التزمه صاحب الفصول (قدس‌سره) باعتبار اجتماع التجرى مع المعصية الواقعية فحينئذ يتداخل العقابان فانه لا وجه لاجتماع التجرى مع المعصية الواقعية وان وجهه بعض الاعاظم بتوجيه يرجع الى أمر معقول بان يقال ان مراده من المعصية المجتمعة مع التجري غير المعصية التي علم بها وتجرى فيها بل معصية اخرى كما لو علم بخمرية مائع فتجرى فشربه تم تبين انه مغصوب فتجرى بالنسبة الى شرب الخمر وعصى بالنسبة الى شرب المغصوب بناء على ان جنس التكليف يكفى في تنجز العلم الاجمالى ففى المثال انه قد تعلق علمه بحرمة شرب المائع على انه خمر فبالنسبة الى كونه خمرا قد اخطأ علمه وبالنسبة الى الحرمة لم يخطأ وصادف الواقع لانه كان مغصوبا فيكون قد فعل محرما ويعاقب عليه وان لم يعاقب على خصوصية الغصبية لعدم تعلق العلم بها بل يعاقب على القدر المشترك من الخمرية والغصبية فلو فرض ان عقاب الغصب اشد يعاقب عقاب الخمر ولو انعكس الامر وكان عقاب الخمر اشد يعاقب عقاب الغصب لان المفروض انه لم يشرب الخمر فلا يعاقب عليه وفي الصورة الاولى انما يعاقب عقاب شرب الخمر مع انه لم يشرب الخمر من جهة ان عقاب ما يقتضيه شرب الخمر هو المتيقن الاقل والمنفى عنه هو العقاب الزائد الذي يقتضيه الغصب ففيه ما لا يخفى اولا انه خارج عن مؤدى الكلام الفصول فلا يحمل كلامه عليه وثانيا انه غير وجيه فان العلم بالخمرية لا يوجب العلم بالغصبية ولا العلم بالجامع فحينئذ كيف يتصور عصيان حرمة الغصب أو القدر المشترك بينهما وثالثا لا يقاس المقام بالعلم الاجمالى بالجنس فان ذلك مع القول يتنجزه فانما

هو علم اجمالى بالجنس القابل للانطباق على أحد الطرفين كما لو علمت بوجود حرام مردد بين الغصبية والخمرية والمقام ليس من ذاك القبيل فان العلم بخصوصية الخمرية لا يوجب العلم بالغصبية أو العلم بالقدر المشترك كما هو واضح فظهر مما ذكرنا ان مناط الاستحقاق في الصورتين المصادفة وعدمها شيء واحد وهو ابراز التمرد على المولى وطغيانه عليه ومع جعل كل من التجري والمعصية الحقيقية موجبا للاستحقاق فلا بد من القول بتعدد العقوبة اذ لا وجه للقول بالتداخل لامتناعه بعد ان فرض كل واحد من التجري والمعصية الحقيقية سبب مستقل وتعدد السبب يوجب تعدد المسبب ولذا قلنا في محله ان التداخل على خلاف الاصل مضافا إلى ان الاوامر في باب الاطاعة والنواهي في باب العصيان ارشادية ليست بمولوية لا يستتبعان المثوبة والعقوبة والسر في كونها ارشادية فقد ذكر الاصوليون هو انها لو لم تكن ارشادية يلزم المحال وهو التسلسل إذ لو كانت مولوية فيجب اطاعتها لكي تستتبع المثوبة على الموافقة والعقوبة على المخالفة فننقل الكلام الى اطاعة هذه الاوامر المولوية الثانية فان كان حكم العقل فهو وحينئذ يلتزم بها من أول الامر وان كان وجوب اطاعتها بامر شرعي فننقل الكلام الى هذه الاوامر الثالثة وهكذا يتسلسل او نقول ان المناط بلزوم الاطاعة حكم العقل وإلا لزم التسلسل فان الاوامر الصادرة من الشارع تحتاج في اطاعتها الى دليل فاذا فرض ان الدليل منحصر في الامر بلزوم الاطاعة فحينئذ تكون هناك اطاعات غير متناهية واوامر غير متناهية وذلك امر مستحيل ومن هذا القبيل باب العصيان ولكن لا يخفى ان ما ذكر محل نظر إذ التسلسل إنما يجري في غير الامور الاعتبارية واما فيها فلا يجرى لانقطاعه باعتبار المعتبر والمقام من الاعتباريات فان الامر بالاطاعة انما هو

اعتباري يحصل باعتبار المعتبر فاذا انقطع الاعتبار زال فرض تعلق الامر بالاطاعة فالاولى في توجيه المحالية هو ان الاوامر المولوية انما تحصل مقدمة لتحصيل الغرض فيكون الغرض داعيا ومحركا لالقاء الامر فالامر ينبعث عن الغرض وكذلك النهى انما ينبعث أيضا من الغرض من غير فرق بين ان يكون الغرض حقيقيا كما في صورة الاطاعة والعصيان أو اعتقاديا كما في صورة التجري والانقياد وتعدد العقوبة والمثوبة تابع لوحدة الغرض وتعدده فتحصيل الغرض انما يكون بالأمر المولوي فاذا حصل الأمر المولوي فيحكم العقل بالامتثال لأجل تحصيل الغرض فحينئذ لا يبقى مجال للامر المولوى لعدم وجود ملاكه حتى يستتبع وجوده وكذا النهي فانه مع حصول غرضه من حكم العقل لا معنى لوجود النهي عنه وبالجملة بعد حصول الغرض من الأوامر والنواهي الارشادية لا يبقى مجال لاعمال المولوية من الأوامر والنواهي ولو وجدت فهى بلا ملاك وكيف كان فلم يبق ما يمنع من القول باستحقاق العقاب على التجري إلا دعوى ان العقوبة والمثوبة انما يستتبعان اختيارية العنوان اذ العقل كيف يحسن أو يقبح أمرا غير اختياري وليس ذلك إلا التكليف بما لا يطاق بتقريب ان عنوان التجري الذي قطع بما هو مبغوض قطعيا مخالفا غير اختياري لكي يقصده الفاعل لعدم معقولية الالتفات اليه حين العمل وإلا خرج عن كونه متجريا ولكن لا يخفى انك قد عرفت ان مناط الاستحقاق والقبح انما هو اظهار التجرد والطغيان الجامع بين التجرى والمعصية الحقيقية وهذا الجامع مما يلتفت اليه مثلا من أقدم على اتيان ما خمريته مقطوعة بقطع مخالف فقد اقدم بفعله على هتك المولى وقد اظهر الطغيان عليه وبذلك يكون مقدما على عنوان

مبغوض عقلا نعم كان يتخيل انه هو الواقع وقد غفل عن تحققه في غير هذا الفرد والغفلة عن ذلك لا ينافى الالتفات الى ما هو مبغوض عقلا الجامع بين التجري والمعصية الحقيقية.

وبالجملة الغفلة عن خصوص التجرى لا يوجب رفع القبح عن الجامع الذى مبغوضيته امر مفروغ عنه فافهم ، وبذلك يجاب عما ذكره المحقق الخراساني في الحاشية بما حاصله ان عنوان مقطوع المبغوضية بعنوان التجرى ليس اختياريا لأن التجري المقصود بالمعنى الأخص وهي المعصية وقد فرض انها لم تحصل وما وقع منه وهو التجري بالمعنى الأعم. غير مقصود فيكون من قبيل ما وقع لم يقصد وما قصد لم يقع فعلية التجري بكل عنوان ليس باختياري كيف يوجب العقاب إذ العقاب انما يترتب على ان يكون بعنوان اختياري مقصود ولكنك قد عرفت ان القادم على ارتكاب ما هو مبغوض للمولى فقد قدم على هتكه واظهر الطغيان عليه وان غفل عن تحقق هذا العنوان في ضمن المعصية وحينئذ قد اتى بما هو ملاك الاستحقاق الجامع بين التجرى والمعصية الحقيقية فان قصد الخصوصية وان كان يضاد قصد العام اذا كان بنحو وحدة المطلوب إلّا انه لا يمنع من اختيارية العام وقصد المعصية بالخصوص لا يمنع من التفاته الى الجامع بينها وبين التجري المقابل له.

المقام الثاني في ان القطع المتعلق بشيء يكون من العناوين الطارية عليه فهل يغير الواقع عما هو عليه من المحبوبية أو المبغوضية ام لا يغيره بل هو باق على ما هو عليه؟ اختار صاحب الفصول الاول حيث قال ما لفظه : (فان قبح التجري ليس ذاتيا بل يختلف بالوجوه والاعتبارات الى آخره) وحاصله ان

الفعل يتغير بما يطرأ عليه من العناوين الثانوية نظرا إلى مزاحمة الجهات الواقعية مع الجهات الظاهرية الناشئة من عدم كون قبح التجري ذاتيا بل يختلف بالوجوه والاعتبارات والحق هو الاول لوجهين الاول الوجدان فانه شاهد على ان الواقع لا يتغير عما هو عليه بسبب طرو شيء عليه اصلا ، فمن قطع بشىء انه محبوب للمولى وقد كان مبغوضا له كيف يوجب هذا القطع تغييرا لمبغوضيته بل هو باق على ما هو عليه من المبغوضية. الثاني انه لو غير العنوان الطاري على الشيء عما هو عليه لزم المحال وهو الدور الذى هو واضح البطلان.

بيان ذلك ان محل الكلام في القطع الطريقى وطريقيته انما تكون متأخرة عن ذي الطريق واذا فرض تأثير الطريق بذيه فلا بد وان يكون سابقا عليه اذ لا يعقل أن يكون الشىء المتأخر يؤثر في الشىء المتقدم فيكون الطريق بواسطة تأثيره سابقا على نفسه وهذا هو الدور الممتنع عقلا كما لا يخفى واستدل الاستاذ في الكفاية على المختار بما هذا لفظه (ان الفعل المتجرى به او المنقاد به مما هو مقطوع الحرمة او الوجوب لا يكون اختياريا فان القاطع لا يقصده إلّا بما قطع انه عليه من عنوانه الواقعي الاستقلالى لا بعنوانه الطارئ الآلي بل لا يكون غالبا بهذا العنوان مما يلتفت اليه فكيف يكون من جهات الحسن أو القبح عقلا ومن مناطات الوجوب او الحرمة شرعا ولا يكاد يكون صفة موجبة لذلك إلا إذا كانت اختيارية انتهى.

أقول ليس مقطوعية الحرمة أو الوجوب هو مناط استحقاق العقوبة والمثوبة حتى يلزم الالتفات اليه بل الذي هو المناط اظهار التمرد على المولى وهتك حرمته وطغيانه عليه وهو مما يلتفت اليه وغير مغفول عنه.

ولو سلم وقلنا بان المناط هو ذلك إلا انا تمنع اعتبار الالتفات اليه فان الافعال على أقسام فتارة يحصل في الخارج بدون قصد العنوان ولا ارادة للعمل كالقتل والضرب واخرى يحصل بالارادة مع قصد العنوان كما في مثل الضرب للتأديب والقيام للتعظيم وثالثة يحتاج الى ارادة للعمل من دون قصد العنوان كما في المقام فان التجري يحصل ولو لم يقصد العنوان.

ثم ان الشيخ الانصاري قد أورد على صاحب الفصول تارة بان التجري قبيح ذاتا لكونه من الظلم فيمتنع عروض صفة محسنة عليه كما ان الانقياد حسن ذاتا فيمنع عروض صفة مقبحة عليه واخرى بانه لو سلم انه لا امتناع في ان يعرض له جهة محسنة إلا انه مقتض للقبح ومؤثر فيه لو لم يمنع مانع يوجب رفع قبحه فهو كالكذب فانه مقتض للقبح لو لم يمنع مانع يرفع قبحه ككونه لانجاء بني فانه باتّصافه بعنوان انجاء النبي رفع قبحه إلا ان في المقام الاتصاف بعنوان انه ترك قتل المؤمن او النبي حيث انه كان مغفولا عنه لا يتصف بحسن وقبح فكيف يكون رافعا لقبح التجرى (١) ولكن لا يخفى ما فيه. اما عن الاول فبان المولى يمكن ان يرى أهمية مصلحة

__________________

(١) يرد عليه ان الامر الغير الاختيارى وان لم يتصف بالحسن والقبح إلا انه لا مانع في رفع اقتضاء ما يقتضى القبح كما ان الامر الغير الاختياري يوجب عدم العقاب على التجرى بخلاف العقاب لا بد وان يرجع الى امر اختياري اللهم إلا ان يقال بالفرق بين المقامين فانا نلتزم بان الغير الاختياري يوجب عدم اقتضاء القبح في التجرى وحينئذ يترتب عدم العقوبة بخلاف ما اذا قلنا بان التجرى مقتض للقبح ولكن نمنع بان الغير الاختيارى يرفع

الواقع بالنسبة الى مفسدة التجرى بنحو لا يبقى له مبغوضية واما عن الثاني فان غفلة القاطع عن العنوان تمنع تأثيرها عن رفع القبح إلّا ان ذلك بالنسبة الى نظره واما بالنسبة الى نظر الحاكم المشرع حيث انه يرى الواقع على ما هو عليه ويرى مصلحة الواقع اهم في نظره من مفسدة التجري فحينئذ لا تكون غفلة القاطع لها دخل مع فرض اهمية مصلحة الواقع بالنسبة الى مفسدة التجري في نظر الحاكم بنحو تؤثر في رفع قبح التجري ثم لا يخفى ان ملاك استحقاق العقوبة هو عنوان هتك المولى وطغيانه عليه وبذلك يكون قبيحا فهل ذلك يوجب قبح الفعل الخارجي ام لا؟ اختار الاستاذ (قدس‌سره) عدم سراية القبح من من التجري الى العمل الخارجي ويختص القبح بالعزم وانه لو سرى يلزم اجتماع المحبوبية والمبغوضية في شىء واحد او يكون الشىء الواحد حسنا وقبيحا في شىء واحد وبجهة واحدة وذلك غير معقول ولو قلنا بجواز اجتماع الامر والنهي والحق هو الاول لما عرفت من ان العزم ان لم يكن معه شيء يظهر الطغيان فهو من الامور القصدية التى لا يتصف بحسن ولا قبح واما شبهة اجتماع المحبوبية والمبغوضية التي مرجعها الى ما ادعاه صاحب الفصول من المزاحمة بين محبوبية الفعل ومبغوضيته وبعد التزاحم في الجهات الموجبة لرفع القبح عن التجري أو انقلاب الواقع من المحبوبية الى كونه قبيحا او بالعكس وإلّا لزم

__________________

قبحه لعدم صلاحيته للرفع لعدم انصافه بالحسن والقبح فكيف يرفع قبحه مع اقتضائه للقبح وسره هو الفرق بين الدفع والرفع فان الاول يكون غير الاختيارى يدفع القبح دون الثانى فانه يكون رافعا للقبح والدفع اهون من الرفع والى ذلك اشار الشيخ (قده) بقوله مضافا الى الفرق فلا تغفل.

اجتماعهما في شىء واحد بجهة واحدة وهو مستلزم للمحال. فيمكن الجواب عنها بان الاحكام على ما تقدم انما هي متعلقة بالصور الذهنية المتحدة مع الخارج بحيث يراها عين الخارج مثلا السكنجبين لما كان ذا مصلحة تعلقت به ارادة الشرب وتعلقها كان بعنوانه المرئى عين الخارج ويكون محبوبا له فاذا اعتقد العبد مبغوضيته فتجرى بان اتى به فشربه يكون معلولا لارادته وهو غير الشرب الذى كان معروضا للارادة وبعبارة اخرى ان للشرب عندنا عنوانين طوليين عنوان معلول الارادة وعنوان معروض الارادة والذى هو معروض الارادة هو الشرب الذى تتعلق به ارادة المولى والذى هو معلول للارادة هو الذى نشأ من ارادة العبد فلما اختلفا بحسب الرتبة ورتبة احدهما لا دخل له برتبة الآخر فمن الممكن ان يكون أحد العنوانين محبوبا والآخر مبغوضا وبغض أحدهما لا يسرى الى محبوبية الآخر اذ كل منهما في مرتبة.

وبالجملة ان الشرب الذى هو معروض الارادة محبوب وهو غير الشرب الذى هو معلول الارادة الذى هو مبغوض ولا يسري أحدهما الى الآخر فلا يلزم من قبح العمل الخارجى اجتماع المحبوبية والمبغوضية لما عرفت ان بين الذاتين طولية وان كان المنشأ واحد إلا انه بمرتبة يكون قد تعلقت به الارادة وبمرتبة يكون في مقام سقوط الارادة وعليه لا يعقل سراية الحسن القائم بمرتبة تعلق الارادة السابقة الى المرتبة اللاحقة التى هي مرتبة السقوط مثلا لو قال اردت الصلاة فصليت فترى بالوجدان صلاتين صلاة تعلقت بها الارادة وصلاة توجب سقوط الارادة وان كان المنشأ واحدا إلا انه بمرتبة سابقة هي متعلق الامر وبمرتبة لاحقة هي موجبة لسقوط الامر. ودعوى ان العنوان الذى

اخذ في الحكم انما اخذ مرآتا للوجود الخارجى فيكون اخذا له بلحاظ الخارج فيكون الخارج مجمعا للعنوانين فالمرئي بهما شيء واحد وجهة فاردة فيكون الخارج المرئي بذينك العنوانين قد اجتمع فيه امران متضادان الحسن والقبح وذلك واضح البطلان ممنوعة لما عرفت من ان بين العنوانين طولية فلا يكون المرئي بهما شيئا واحدا بل المرئي في أحدهما غير الآخر فان المرئى فيهما في عالم التصور ذاتان أحدهما معروض الامر والآخر معلول الامر والاول بمرتبة سابقة والآخر بمرتبة لاحقة (١) وان لم يكن في الخارج وفي عالم التصديق إلا

__________________

(١) مع فرض المعية في الوجود لا ترتفع غائلة اجتماع الضدين التقدم والتأخر الرتبي اذ الاختلاف في الرتبة لا يعدد الوجود في الخارج فما هو بمرتبة سابقة عين ما هو بمرتبة لاحقة وجودا نعم بالنسبة الى مقام الارادة ربما يلتزم به باعتبارين ما هو في الذهن متعلق الارادة ومقام ثبوتها وما في الخارج معلول الارادة ومقام سقوطها وان كان ربما يقال ان ما في الخارج الذى هو مقام سقوط الارادة وتعلق الارادة بها بالعرض والمجاز فلم تكن الارادة متعلقة بنفس ما في الخارج بل بما في الذهن على ان يرى خارجيا لغرض تحقق الارادة وانها متعلقة بموضوع يرى خارجيا ولو لم يكن هناك خارجية لها لفرض عصيانه أو نسيانه ونحو ذلك إلا انه غير نافع في المقام الذى هو مقام الحسن والقبح لفرض تعلقهما بنفس الموجود الخارجي اذ العناوين لا تتصف بالقبح أو الحسن ما لم يلاحظ انطباقهما على ما في الخارج فبناء على السراية يكون نفس الموجود الخارجي قبيحا باعتبار انطباق عنوان التجري الذي هو عبارة عن اظهار التمرد على المولى وتجريه عليه وفي الواقع قد فرض انه حسن ومحبوب فحينئذ قد اجتمعت المبغوضية والمحبوبية في الخارج في شيء واحد فلا بد من الالتزام اما بعدم السراية كما هو الحق أو

ذات واحدة وهى بازاء العنوان الطاري وليست بازاء العنوان الاول والاحكام قد عرفت انها متعلقة بالعنوان الاول الذي هو في عالم التصور فعليه لا مانع من الالتزام بقبح الفعل المتجرى به بعنوان كونه تجريا وطغيانا مع بقاء الواقع على ما هو عليه من المحبوبية من دون سراية احدهما الى الآخر كما هو كذلك في باب الانقياد المتسالم على حسنه حتى التزم بعضهم بتصحيح العبادة لاجل

__________________

الالتزام بتزاحم جهات الواقعية للظاهرية كما يدعيها صاحب الفصول (قده) هذا ويمكن توجيه كلام الاستاذ بتقريب ان هذه العناوين قد اخذت في الموضوع بنحو الجهة التقييدية فيكون حال المقام كالصلاة والغصب في باب اجتماع الامر والنهي بناء على ان كل واحد منهما من مقولة من دون فرق بين المقامين ولكن لا يخفى انا وان التزمنا في باب الاجتماع ذلك إلا انه لا يمكن الالتزام به في المقام حيث ان هذه العناوين بالنسبة الى الحسن والقبح بناء على السراية انما تؤخذ بنحو الجهة التعليلية اذ لا معنى للجهة التقييدية فان الموجود الخارجي بناء على السراية هو المتصف بالقبح مع ما عليه من المحبوبية واما النذر فهو من العناوين الطارية المتأخرة عن العناوين الاولية فلا مزاحمة بين العنوانين لكي يلتزم بالتأكد على ان التأكد بالنسبة الى نذر الاتيان بصلاة الليل لا يتم إلا باخذ العبادية من الامر الاستحبابي المترتب على العنوان الاولى والوجوب من النذر الموجب لتعنونها بالعنوان الثانوى فيحصل من المجموع ان صلاة الليل واجبة وجوبا تعبديا ولكن لا يخفى انه مع فرض الطولية بين الحكمين كيف يحصل التأكد على انه لا سنخية بينهما اذ كيف يكتسب الوجوب التوصلي العبادية فلا مانع من الالتزام بنية الاستحباب في صلاة الليل المنذورة إذ هي متعلق النذر والظاهر ان باب ايجار

حسن الاحتياط مع بقاء الواقع على ما هو عليه مع انه لو لا ما ذكرنا لزم اجتماع الحكمين في شيء واحد وبما ذكرنا يندفع ما يقال بلزوم اجتماع المثلين في النذر ونحوه أو الالتزام بالتأكد فان ذلك يتأتى لو لم يكن بين العنوانين طولية ومع تحقق الطولية لا يجتمع المثلان وكيف يتحقق التأكد مع ما بينهما من الطولية إذ لازمه الاتحاد وقد عرفت انه يستحيل ان يتحد العنوانان فكيف يقال بالتأكد كما هو واضح وتظهر الثمرة بين ما اختاره الاستاذ (قده) وبين ما اخترناه في صلاة المرأة المعتقدة بانها حائض فعلى ما اخترناه من سراية المبغوضية الى الفعل الخارجي انها تبطل وعلى ما اختاره الاستاذ من عدم السراية تصح صلاتها لعدم سراية المبغوضية الى الفعل الخارجي هذا بناء على الحرمة الذاتية واما لو قلنا بالحرمة التشريعية فعلى القولين تصح صلاتها إذا أتت برجاء الواقع وبهذا يوجه كلام المشهور من بطلان صلاتها بناء على الحرمة الذاتية وصحتها في بعض الموارد بناء على الحرمة التشريعية كما تظهر الثمرة بين القولين في من صام مع خوف الضرر وانكشف عدم الضرر يبطل صومه بناء على المختار لسراية القبح الى ما في الخارج ويصح على ما اختاره الاستاذ لعدم السراية واما الالتزام بان خوف الضرر له موضوعية خلاف ظاهر الدليل وبما ذكرنا تظهر الثمرة بين ما اخترناه ومختار الشيخ الانصارى (قدس‌سره) وتظهر الثمرة

__________________

العبادة عن الغير من هذا الباب مع انه لا يلتزم بالتأكد فيها بل يفرق بين النذر والايجار بان في النذر موضوعا واحدا وفي الايجار موضوعين احدهما عمل منوب عنه والآخر عمل التائب ولكن لا يخفى ان في النذر ايضا موضوعين وإلا فيبقى لنا سؤال الفرق بينهما مع انهما من واد واحد فافهم.

ايضا فيما لو قصد التقرب بعمل قد قامت الامارة على حرمته فانه على المختار من سراية القبح اليه فلا يصلح للمقربية واما على مختار الشيخ بامكان التقرب به إذ أتى به برجاء الواقع لعدم التنافى بين كشفه عن سوء السريرة وصلاحيته للمقربية كما انه يصح عمله وصلاحيته للمقربية بناء على مختار الاستاد (قده) فلا تغفل.

الموافقة الالتزامية

المبحث السادس في ان تنجز التكليف بالقطع هل يقتضى موافقته التزاما كما يقتضى موافقته عملا ام لا يقتضى ذلك فلا يستحق العقوبة على مخالفتها وانما يستحق العقوبة على خصوص المخالفة العملية؟ قولان الحق هو الثاني وفاقا للاستاذ (قده) في الكفاية ما هذا لفظه. (الحق هو الثانى لشهادة الوجدان الحاكم في باب الاطاعة والعصيان بذلك واستقلال العقل بعدم استحقاق العبد الممتثل لامر سيده إلا المثوبة دون العقوبة وان لم يكن مسلما ومعتقدا له) مضافا الى انك قد عرفت منا سابقا ان ملاك استحقاق العقوبة هو اظهار التمرد على المولى وهتكه وتجريه عليه وذلك لا ينطبق على من اتى بالعمل مع عدم التزامه قلبا على انه لو كان الالتزام القلبي معتبرا لزم تعدد العقوبة مع المخالفة العملية مع انه لا يلتزم به أحد.

ودعوى ان ذلك ينبغي القول بجواز التشريع المجمع على بطلانه ممنوعة إذ فرق بين عدم الالتزام بالحكم الواقعي وبين الالتزام بخلاف الحكم الواقعي والتشريع المجمع على بطلانه هو الثاني دون الاول إذ يمكن دعوى عدم وجوب

الالتزام بالحكم الواقعي مع عدم جواز الالتزام بخلافه فلا يقع الخلط بين المقامين. نعم ربما يقال بانه مناف لوجوب الالتزام بما جاء به النبي (ص) بتقريب ان عدم وجوب الالتزام بالحكم الواقعى هو عبارة عن عدم الالتزام بما جاء به النبي (ص) ومن الواضح انه يجب الالتزام بجميع ما جاء به النبي (ص) وإلا فهو خارج عن ربقة المسلمين. اللهم إلا ان يقال ان وجوب الالتزام بما جاء به النبى (ص) انما هو في العناوين الاجمالية لا انه بحسب عناوينها التفصيلية.

بيان ذلك انا يجب علينا الالتزام بالواجبات والمحرمات بعنوان ما جاء به النبي (ص) الذى هو عنوان اجمالى لا انه يجب علينا الالتزام بالواجبات والمحرمات حتى بعناوينها التفصيلية إذ من الجائز ان نكلف بالالتزام بالاول دون الثانى فالحق ان الموافقة الالتزامية غير واجبة سواء كان التكليف وجوبيا أو تحريميا توصليا أو تعبديا نعم ربما يشكل في التعبدي حيث انه معتبر فيه الوجه بناء على اعتباره فانه لو لم تحصل الموافقة الالتزامية لم تتحقق نية الوجه فلا تتحقق العبادة ولكن لا يخفى انه خلط بين نية الوجه وبين الموافقة الالتزامية وجعلها شيئا واحدا مع انهما متغايران ، فان نية الوجه عبارة عن ان العبد يأتي بالفعل بداعي خصوص وجوبه لو كان واجبا لا بداعي مطلق الامر المشترك بين الوجوب والندب والموافقة الالتزامية هو الالتزام والتدين بالوجوب الذي تعلق بعنوانه التفصيلي وهما متغايران فيمكن الاتيان بالاول وترك الثاني فلا يقع الخلط بينهما.

فتحصل من ذلك عدم وجوب الموافقة الالتزامية. نعم يمكن ان يقال بانها لها الدخل في وجوب شكر المنعم لما نجد بالوجدان فرقا بين من يعمل

ملتزما ومتدينا به من اتى به من دون الالتزام فانه لا اشكال في ان الاول يعد مطيعا وهو اطوع من الثانى ولكن هذا التفاوت بينهما لا يجعل المورد من كفران النعمة مضافا الى ان المقدار المسلم وجوبه من شكر المنعم هو الالتزام الاجمالي ، واما الالتزام التفصيلي فلم يقم عليه دليل ثم نه قد توهم ان القول بوجوب الموافقة الالتزامية في الاحكام الفرعية كما تجب الموافقة العملية فيها تكون نظير اصول الدين حيث ان المطلوب في كل منهما الالتزام وعقد القلب ولكن يفترق حيث ان اصول الدين يكون فيها امتثال واحد من حيث انه عمل جانحي والاحكام الفرعية يكون فيها امتثالان احدهما الموافقة الجانحي الذى هو التزام وثانيها الخارجى الذى هو العمل ولكن لا يخفى ان وجوب الالتزام يحصل بعد حصول الحكم المتعلق أما بامر جانحي او خارجي فهو امر وراء الحكم المتعلق باحدهما فحينئذ بعد ثبوت وجوب الاعتقاد وعقد القلب يقع النزاع بانه هل يجب الالتزام والتدين بمثل هذا الوجوب من جهة الموافقة الالتزامية أم لا يجب؟

وبالجملة لا اختصاص بهذا النزاع بالاحكام المتعلقة بافعال الجوارح بل يعم الاحكام المتعلقة بافعال الجوارح كوجوب الصلاة والحج ونحوهما ، واحكام الجوانح كوجوب الاعتقاد بالمبدإ والمعاد وعقد القلب برسالة الانبياء ونحو ذلك واضعف من هذا التوهم ان الالتزام والتدين هو العلم واليقين الحاصل من الجزم والاعتقاد فانه توهم فاسد اذ الالتزام في قبال الجحود والعلم يقابل بالشك ويؤيد ذلك قوله تعالى (جَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ). هذا كله في التكليف المعلوم بالتفصيل فقد عرفت انه لا دليل على وجوب الالتزام به.

واما إذا كان التكليف مرددا فلا معنى للقول بوجوب الالتزام بشخصه

إذ هو غير معلوم كما انه لا معنى لوجوب الالتزام به أو بضده إذ التكليف لو قلنا بوجوب التزامه لا يقتضى إلا التزامه بشخصه ولا يقتضى الالتزام به أو بضده تخييرا إذ الالتزام بضده ليس التزام به. نعم لو قلنا بوجوب الالتزام بالتكليف المعلوم لاقتضاء نفس التكليف أو يستفاد من دليل الالتزام بما جاء به النبي (ص) وجوب الالتزام بشخصه لاقتضى في المقام هو الوجوب الالتزام الرجائي وهو الالتزام بالوجوب ان كان واجبا والحرمة ان كان حراما فلا مانع من الالتزام بوجوب الموافقة الرجائية لامكانها ولو قلنا بجريان الاصول في اطراف العلم الاجمالى على ما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى ، إذ من الجائز أن يبني المكلف على الحلية الظاهرية في كل منهما والالتزام بوجوبه ان كان واجبا والحرمة ان كان حراما هذا فيما إذا لم يقم طريق يدل على تعيين احدهما وإلا تعين الالتزام بما قام عليه الطريق.

بقى الكلام في جريان الاصول فقد وقع الكلام في جريان الاصول التي لا يلزم من جريانها مخالفة عملية قطعية قيل بعدم جريانها لحكم العقل بوجوب الالتزام بمحتمل التكليف إلا ان يقال بانه يتم لو كان حكم العقل تنجيزيا. واما لو كان تعليقيا بان يكون حكمه بوجوب الالتزام بمحتمل التكليف معلقا على عدم جعل من الشارع للحكم الظاهرى فحينئذ جريان الاصول يكون رافعا لحكم العقل والتحقيق انه لا مانع من جريان الاصول إذ لا تمانع بين الالتزام بمحتمل الواقع على انه حكم واقعي وبين جريانها والالتزام بمضمون الاصل على انه حكم ظاهرى إذ التمانع ينشأ من تضاد الحكمين اى الالتزام بحكمين متضادين في موضوع واحد ولكن ذلك في مقام تضاد انشاء الاحكام تشريعا وهو

لا يقتضى تضادها في مقام الالتزام.

واما دعوى ان العلم الاجمالى بالحكم الواقعى ينافى جريان الاصول فهو في غير محله إذ الاصول نثبت حكما ظاهريا ولا تنافي بين ثبوتها وثبوت الحكم الواقعي على ما هو عليه إلا ان يقال بانه يجب الالتزام بكل حكم بشخصه ولكن لا يخفى انه محل منع إذ الالتزام بشخص الحكم الواقعى غير مقدور مع فرض وجود العلم الاجمالى واما الالتزام بالوجوب التخييري فهو من التشريع المحرم بل لا معنى للالتزام بوجوب ما لا يعلم أو حرمة ما لا يعلم ، ومنه يظهر انه لا مانع من جريان الاصول الحكمية او الموضوعية لو جرت في نفسها لعدم مانعية العلم الاجمالى إذ هو لا يوجب الالتزام لعدم اقتضائه وجوب كل واحد منهما بالخصوص فلا يجري الاصل بلا مانع.

فظهر مما ذكرنا انه لا تنافي بين اجراء الاصل في اطراف العلم الاجمالى والالتزام بالحكم الواقعي لما هو معلوم ان مفاد الاصل حكم ظاهري مجعول في في مقام العمل والواقع على واقعه محفوظ ولا منافات بينهما لاختلاف المرتبة بينهما فافهم واغتنم.

العلم الاجمالى

المبحث السابع في ان العلم الاجمالى كالعلم التفصيلي فالكلام يقع تارة في ثبوت التكليف واخرى في اسقاط التكليف.

المقام الاول في ثبوت التكليف.

فنقول لا اشكال في ان العلم الاجمالي في الجملة منجز للتكليف وليس

حاله كالشك في عدم كونه منجزا للتكليف بناء على ان التكليف لا يتنجز إلا بالعلم التفصيلي أو بما يقوم مقامه فان ذلك خلاف ما يقتضيه العقل فان العقل حاكم على ان التكليف يتنجز بالعلم الاجمالى كما يتنجز بالعلم التفصيلي لان التكليف يتنجز بالوصول الى المكلف وكما يصل اليه بالعلم التفصيلي يصل اليه بالعلم الاجمالى. نعم وقع الكلام في ان تنجزه بنحو العلة التامة مطلقا أو هو مقتض مطلقا او هو مقتض بالنسبة الى الموافقة وعلة بالنسبة الى المخالفة؟ أقوال اختار الاستاذ في الكفاية انه مقتض لا علة تامة حيث قال ما لفظه : (نعم كان العلم الاجمالى كالتفصيلي في مجرد الاقتضاء لا في العلة التامة فيوجب تنجز التكليف أيضا لو لم يمنع عنه مانع عقلا) واستدل على ذلك بما حاصله انحفاظ رتبة الحكم الظاهري في اطراف العلم الاجمالى فتجري الاصول في الاطراف لكون كل واحد منها مشكوك الحكم وليس هناك أصل يجري في قبال المعلوم لكى يحصل بينها المناقضة.

ودعوى ان جريان الاصول في جميع الأطراف يستلزم الترخيص فيها وذلك يناقض منجزية العلم الاجمالى في واحد منها ممنوعة بان ذلك يكون من قبيل الحكم الظاهرى والواقعي وقد علم في محله انه لا تنافى بينهما ولكن لا يخفى ان ما ذكر من انحفاظ مرتبة الحكم الظاهري في العلم الاجمالى محل منع فان ذلك يحصل بعد الفراغ عن ان العلم الاجمالى بالنسبة إلى متعلقه مقتض للتنجيز فينحفظ رتبة الحكم الظاهري وإلا لو كان بنحو العلية التامة في التنجيز فلا يمكن انحفاظ مرتبة الحكم الظاهري لكي يكون مجال لجريان الأصل.

وبالجملة انحفاظ المرتبة لا يستكشف منها الاقتضاء بل بعد الفراغ من

الاقتضاء تصل النوبة الى مرتبة الحكم الظاهري على ان الاستاذ قد عدل عن ذلك في الحاشية بما حاصله ان المضادة حاصلة من جريان الاصول في المقام لفعلية التكليف في مقام العلم الاجمالي بخلاف مقام الجمع بين الحكم الظاهرى والواقعي فان الحكم الواقعي لم يكن فعليا في مقام الاصول فلذا صح للمولى الاذن في الترخيص ، واما لو كان الحكم الواقعي فعليا كما في المقام فلا يجوز العقل الاذن في الترخيص بل يستقل العقل مع قطعه ببعث المولى أو زجره ولو اجمالا بلزوم موافقته واطاعته. وهذا الذي ذكره في الحاشية من ان العلم الاجمالي علة تامة لثبوت التكليف هو الحق. وبيان ذلك ينبغي التكلم في مقام التصور أولا وفي مقام التصديق ثانيا.

أما التصور فنقول انا نتصور تارة صورة تفصيلية بحيث تكون مرآة للخصوصيات على سبيل التفصيل مثلا نتصور زيدا بماله من الخصوصيات فتكون الصورة التي حصلت في ذهننا منطبقة على شخص واحد بخصوصه لا ازيد ، واخرى تحصل في ذهننا صورة قابلة للانطباق على شخص أو شخصين كما لو تصورنا عنوان أحدهما فعنوان أحدهما قابل للانطباق على زيد أو عمرو ويكون هذا العنوان مرآة للخصوصيات والترديد انما هو في انطباق هذا العنوان على أحد الخصوصيات إذ لا ترديد في الصورة الموجودة في الذهن فان الشيء ما لم يتشخص لم يوجد ولو كان وجودا ذهنيا ، وذكرنا في مباحث الالفاظ ان من هذا الباب الوضع العام والموضوع له خاص ، وثالثة يتصور صورة اجمالية إلا انه بنحو كونها مستقلة ولا نتصورها بنحو المرآتية كالصورة السابقة. مثلا نتصور الحيوان بصورة اجمالية يلحظ مستقلا لا مرآتا الى تلك الخصوصيات ، ومن هذا

الباب استصحاب الكلي هذا كله في مقام التصور.

واما مقام التصديق فاعلم ان الفرض الثانى هو كون الصورة الاجمالية ملحوظة بنحو الآلية فاذا انقلب التصور وصار مرتبة عالية بان كان علما وجزما بان تعلق باحدى الخصوصيتين الذي هو عنوان لها فلا اشكال في ان العلم انما تعلق بذلك العنوان الاجمالي ولا يسري الى احدى الخصوصيتين لما نجد بالوجدان من كون الخصوصيتين مشكوكتين فلو سرى اليه العلم لاجتمع العلم والشك في مورد واحد وهو محال بل قد عرفت من مطاوى ما ذكرنا من ان العلم كالحكم فكما ان الحكم لا يتعلق بالخارج لان الخارج ظرف السقوط لا ظرف التعلق بل يتعلق بالصورة التى ترى عين الخارج ومرآة وحاكية عنه فكذلك العلم إذ هو نظيره في انه لا تعلق له بحقيقة الخارج بل بالخارج التنزيلي وهو الصورة التي ترى عين الخارج. نعم فرق بين العلم والحكم ، ان الحكم يتعلق بالصورة المنطبقة على الخارج والعلم يتعلق بالصورة القابلة للانطباق.

وكيف كان فهل تجب الموافقة القطعية كما تحرم المخالفة القطعية أم لا؟ فنقول بعد تنجز العلم الاجمالي فان قلنا بان المتنجز هو خصوص الحاكى وهو الصورة الاجمالية فتنحصر حكومة العقل بحرمة المخالفة القطعية ، وان قلنا ان المنجز الحاكي والمحكي وهي الخصوصيات فتجب الموافقة القطعية كما تحرم المخالفة القطعية.

اما على الاول فلان المنجز هو الصورة الاجمالية التي هى الجامعة لهذين الامرين فحفظ هذه الصورة الاجمالية انما هو باتيان أحدهما وليست مقتضية لاتيان كل واحد من الخصوصيتين إذ ليس المنجز للخصوصيتين حتى يجب اتيانهما

معا حفظا للخصوصيتين ، وانما الواجب عدم فوات تلك الصورة الاجمالية والواجب حفظها ولا يجوز انعدامها وحفظها يحصل باتيان احدهما ولا يحتاج الى اتيان كل واحد من الخصوصيتين وبعبارة اخرى المطلوب حفظ تلك الصورة فالذي يوجب انعدامها يجب تركه لا انه يجب اتيان الخصوصيات باجمعها إذ باتيان أحدها انحفظت الصورة ، وليس المطلوب إلا حفظ الصورة.

واما على الثاني فلا بد من الموافقة القطعية لان مراعاة الخصوصيات لا يمكن إلا باتيان جميع اطراف العلم الاجمالي فتجب الموافقة القطعية كما تحرم المخالفة القطعية ولا يرتفع وجوب الموافقة القطعية بجريان الاصل النافى إذ لا موقع لجريانه ولو لم يكن من جهة المعارضة إذ مع تنجز العلم الاجمالى والتنجز انما هو في الخصوصيات فكيف يعقل جريانه إذ جريانه موجب للترخيص بالمعصية وهو لا يصدر من الشارع. ودعوى انه لم يكن ترخيص في المعصية المحققة بل ترخيص في محتمل المعصية وهو لا يضر بجريان الاصل ممنوعة إذ لا يعقل الترخيص في محتمل المعصية كما لا يعقل الترخيص في تحقق المعصية هذا على القول بالعلية. واما ان قلنا بالاقتضاء فالبراءة العقلية تسقط إذ ذلك ليس من قبيل قبح العقاب بلا بيان فان العلم الاجمالي صالح للبيانية لما فيه من الاقتضاء. نعم البراءة الشرعية لا مانع من جريانها لكون موضوعها عدم العلم وهو موجود مع العلم الاجمالى مع انه محل كلام سيأتى في محله إن شاء الله تعالى.

إذا عرفت ذلك فاعلم انه وقع الكلام في ان العلم الاجمالي هل هو علة تامة لتنجز الحكم الواقعي أو هو مقتض؟ الحق هو الاول لان التنجز من الاوصاف اللاحقة للواقعيات لا انه لاحق للصور المعلومة فان الصور المعلومة

ليست حاكية عن خصوص الجامع الحاكى بل الصورة المعلومة حاكية عن الخصوصيات المحكية بالصور المعلومة فيكون المتنجز الواقع المحكي بالصورة فعلى هذا يكون كل واحد من الطرفين محتمل المصادفة للواقع المنجز المحكي بالصورة فاذا احتمل انطباقها امتنع الترخيص لانه يكون من الترخيص في محتمل المعصية وهو محال اذ يكون كالترخيص في تحقق المعصية. ودعوى انه كالظن الذي ثبتت حجيته بدليل الانسداد في انه قد ترد الرخصة في العمل لبعض الظنون كالظن القياسي ممنوعة ، فانه قياس مع الفارق فان الذي ثبت من دليل الانسداد ليس مطلق الظن بل ثبت حجيته معلقة على عدم ورود نهي من الشارع فيكون حاله حال العلم التفصيلي في انه تجب موافقته القطعية كما تحرم المخالفة القطعية والاحتمالية.

ثم لا يخفى انه قد اورد على منجزية العلم التفصيلي بان منجزيته للحكم ما دام العلم باقيا فاذا حصل الشك في اتيان متعلقه ينبغي جريان البراءة مع ان الاصحاب يجرون الاشتغال ، مثلا لو علم في أول الوقت وجوب صلاة الظهر ثم شك في اتيانها بعد ساعة فالاصحاب يجرون قاعدة الاشتغال لأن الشغل اليقينى يستدعي الفراغ اليقينى ، فلو كان العلم التفصيلي مقصورا منجزيته على وجوده لكان المورد من مجاري البراءة ولو ادعي بان العلم التفصيلي منجز في حالتي العلم والشك في الخروج عن العهدة قلنا على هذا امتنع جريان قاعدة الشك بعد الفراغ إذ لا يعقل ان مجرى القاعدة مع تنجز العلم للزوم الترخيص في المعصية. والجواب عن ذلك بانا نختار الشق الثانى ، واما المحذور فنقول ان مفاد الدليل الدال على الترخيص يختلف لسانه فتارة يكون مفاده نفي

الاشتغال كاصل البراءة فلا يمكن جريان مثل هذا الأصل لحصول المضادة من جريانه اذ بعد ثبوت الاشتغال كيف يمكن ثبوت نفي الاشتغال ، وان كان مفاده امضاء حكم العقل بالاشتغال بان يكون مفاده انه خرج عن عهدة التكليف إذ بحكم العقل اشتغلت ذمته بالتكليف فلا بد له من مخرج والمخرج اما ان يكون بالقطع بالاتيان بان يأتي بالواقع ، واما ان يكون بمخرج جعلى بان يأتى بما هو بدله فليس هذا اللسان مضادا لحكم العقل بالاتيان وانما هو مقرر لما حكم به القتل وقس على ما ذكرنا العلم الاجمالى فلا تجري الاصول النافية له لحصول المضادة بينهما فان العلم الاجمالي المثبت للتكليف يضاد الاصول النافية للتكليف وتجرى القواعد التي تفيد تقرير حكم العقل لعدم المضادة بين جريانها وبين العلم الاجمالي ولذا قلنا في محله ان بجريان الدليل المثبت أصلا كان أو غيره في اطراف العلم الاجمالي يوجب انحلال العلم الاجمالي وبه يفترق عن العلم التفصيلي فانه بقيام الدليل لا يرتفع العلم التفصيلي إذ لا موقع له إلا في رتبة التطبيق اي مرتبة الامتثال ومع تحققه لا يبقى مجال للشك للعلم باشتغال الذمة وشغل الذمة اليقيني يستدعي الفراغ اليقينى اما بمفرغ حقيقي أو بمفرغ جعلي.

ومما ذكرنا يظهر الاشكال على ما ذكره الاستاذ في الكفاية ما لفظه : (ضرورة ان احتمال ثبوت المتناقضين كالقطع بثبوتهما في الاستحالة فلا يكون عدم القطع بذلك معهما موجبا لجواز الاذن فى الاقتحام بل لو صح معهما الاذن في المخالفة الاحتمالية صح في القطعية).

بيان ذلك ان الترخيص في أحد الأطراف كالترخيص في الجميع إذ على تقدير كون مورد الترخيص هو المعلوم بالاجمال فمعناه ترخيص للمعلوم بالاجمال

وذلك موجب للتناقض واحتمال اجتماع المتناقضين كامتناع اجتماعهما علما لو كان الترخيص في جميع الاطراف ولكن لا يخفى ان الاصول منها ما يكون نافية للاشتغال فجريانها موجب لحصول المضادة للعلم الاجمالى فلا تجري حتى في أحد الاطراف إذ احتمال اجتماع المتضادين ممتنع كالعلم وان كان الترخيص يكون من قبيل جعل البدل بمعنى ان الشارع قد اكتفى في مقام الفراغ بأحد المحتملين بنحو يكون فراغا جعليا ويكون حاله حال العلم التفصيلي فيما لو تصرف الشارع في مقام الفراغ كما هو كذلك بالنسبة الى قاعدتي التجاوز والفراغ فان الشارع اكتفى باتيان ما هو ناقص واقعا فلا مانع من الاذن والاقتحام في اطراف العلم الاجمالي إذ ليس ذلك تصرفا في حجية العلم واقتضائه لاشتغال الذمة بل انما هو تصرف في مقام الفراغ بجعل المفرغ التعبدي فيكون إمضاء لمنجزية العلم ولذا قلنا بان جريان مثل ذلك في أطراف العلم الاجمالي موجب لانحلاله.

وبالجملة ان الموجب لكون العلم الاجمالي هو العلية للموافقة القطعية هي الموجبة لكونه علة للمخالفة القطعية ولا وجه للتفكيك بينهما بانه علة للمخالفة القطعية ومقتض بالنسبة الى الموافقة إلا تخيل ان متعلق التكليف الجامع الحاكي عن منشئه بلا سراية الى الخصوصيات فيكون كل واحد من الخصوصيات متعلقا للشك وحينئذ يكون مجرى للاصول إلا أن جريان الاصول في جميع الاطراف موجب للمخالفة القطعية لذا يقتصر على الاتيان ببعض الاطراف وان ذلك هو مقتضى الجمع بين تنجيز الجامع وبين الترخيص في ارتكاب الخصوصيتين فهو نظير الجامع الواقع في حيز الامر مع جواز ترك الخصوصيات التي يتشخص بها

الجامع فلا يجوز ترك جميع الخصوصيات حذرا من الوقوع في المخالفة القطعية للتكليف المتعلق بالجامع وبما ان الجامع يحصل ببعض الخصوصيات يكفى الاتيان بواحد منها بلا حاجة الى الاتيان بجميعها لما هو معلوم ان الاتيان ببعضها موجب لسقوط الامر المتعلق بالجامع لتحققه فيه ولكنك عرفت ان ذلك توهم فاسد حيث ان العلم الاجمالى قد تعلق بصورة حاكية لتلك الخصوصيات بنحو لو علم به تفصيلا بوجوب تلك الخصوصيات لكان عين ما تعلق به العلم ولكون انطباقه عليه بتمامه لا يجزئه كما هو كذلك بالنسبة الى الجامع الذي تعلق به الامر والسر في ذلك هو ان متعلق الاحكام الطبيعة بما انها ترى خارجية لا بوصف تعيينها في الخارج إذ قبل ايجادها قد تعلق الطلب بالطبيعة باعتبار ايجادها ويكون تعيينها بحسب ايجادها وبذلك يكون لها قابلية الانطباق على كل واحد من الافراد وليس كذلك بالنسبة الى ما تعلق به العلم الاجمالى فانه قد تعلق بامر موجود في الخارج ومتعين وعدم تعيينه بتردده في انطباقه على احدى الخصوصيتين وليس له قابلية الانطباق على احدى الخصوصيتين إلا احتمالا ولذا قلنا بانه لو انكشف الغطاء يكون المعلوم بالاجمال عين المعلوم بالتفصيل من دون فرق بينهما.

فظهر مما ذكرنا ان العلم الاجمالى كما هو علة تامة للمخالفة القطعية فهو علة تامة لوجوب الموافقة القطعية هذا كله فيما لو علم اجمالا بوجوب شىء أو حرمته ، واما لو دار بين كون شيء اما واجبا أو حراما ، فان كان أحدهما المحتمل تعبديا امكنت المخالفة القطعية فيجب رعايتها وان لم يمكن الموافقة القطعية كما لو اضطر الى احد الاطراف فلا اشكال في عدم وجوب رعاية الموافقة القطعية

لعدم امكانها. نعم تجب رعاية المخالفة القطعية باتيان احدهما وترك الآخر فحينئذ تجب رعاية العلم الاجمالى وينتج من ذلك الوجوب التخييري كما سيأتي إن شاء الله تعالى.

واما اذا لم يكن تعبديا بان كان توصليا فبالنسبة الى الدفعة الاولى المخالفة والموافقة متعذرتان اذ في واقع الامر اما ان يكون متلبسا او تاركا ويكون التخيير هنا عقليا لا شرعيا فان الشرعي على ما تقدم منا سابقا في مباحث الالفاظ هو المنع عن بعض انحاء تروكه وهو لا يكون إلا وان يتصور ان للشىء تركين حتى يكون باحدهما مرخصا بانعدامه والآخر ممنوع منه ، واما في الدفعة الثانية فان ترك في الواقعة الاولى وترك في الواقعة الثانية فهل له ذلك أم لا؟ قيل له ذلك مراعاة لجانب الموافقة القطعية ، وقيل ليس له ذلك مراعاة لجانب المخالفة القطعية بناء على ان العلم الاجمالى بالنسبة الى المخالفة علة تامة وبالنسبة الى الموافقة مقتض موقوف على عدم المنع من الشارع ، ولكن لا يخفى انه لا ربط له بتنجز العلم الاجمالى وباقتضائه.

بيان ذلك ان القدرة انما هي شرط للتكاليف الواقعية فمع عدم تحقق القدرة لا تكليف بحسب الواقع فلو رجحت الموافقة القطعية فلا بد من رفع اليد عن حرمة المخالفة القطعية واذا رفع اليد عنها كان ذلك بحسب المعنى رفع اليد عن التكليف الواقعي ولو رجحت حرمة المخالفة بمعنى انه لو اختار أحدهما تلزم المداومة عليه بحسب الوقائع الأخر حذرا من المخالفة القطعية فلو كان التكليف على خلاف ما اختاره فلا بد من سقوط التكليف عما اختاره بحسب الواقع اذ لو بقى التكليف لزم التكليف بما لا يطاق واما لو توافق ما اختاره مع التكليف الواقعى يبقى

الواقع على فعليته وبه يفترق عن الاول فان الاول نقطع بسقوط التكليف الواقعي بخلاف الثاني فانه مشكوك السقوط يحتمل بقاؤه وعدمه. وبالجملة مع عدم القدرة لا بد من رفع اليد من التكليف الواقعي إذ هي شرط تحققه وانتفاء الشرط يوجب انتفاء المشروط وهذا الذي ذكرناه غير مرتبط بمسألة العلية والاقتضاء لأن البحث من هذه الجهة بحث عن وجه المنجزية بعد الفراغ عن وجود التكليف بحسب الواقع ولم تكن العلية شرطا لتحقق التكليف أصلا وانما يتأتى هذا البحث فيما احتمل الترخيص بمناط عدم البيان ولذا تراهم يستدلون باخبار الحل على الترخيص. ومن ذلك يظهر قوة احتمال الاول.

ثم انه يحتمل ترجيح الموافقة القطعية المستلزمة لجواز المخالفة القطعية ولازم ذلك لزوم التخالف بين الواقعتين مثلا في الدفعة الاولى يأتى بالفعل وفي الدفعة الثانية يترك أو بالعكس بتقريب ان العلم الاجمالى بالتكليف يوجب فعلية التكليف فمع دورانه بين محذورين ترتفع الفعلية في الجملة اما بناء على وجوب الموافقة ترتفع فعلية التكليف مطلقا أي على كل تقدير واما بناء على حرمة المخالفة فترتفع الفعلية في صورة المخالفة المأتي به للواقع واما في صورة توافق المأتي به للواقع لا مانع من الالتزام بفعلية التكليف ، فعلى الاول نقطع بان دليل فعلية التكليف الواقعي قد يقيد اطلاقه لانه مما قامت عليه الحجة فلا تجري اصالة الظهور في احراز الاطلاق إذ الاصل انما يجرى في صورة الشك ومع قيام الحجة يرتفع الشك فلا يبقى مجال لجريان الاصل ، وعلى الثاني تكون الفعلية على تقدير دون تقدير فحينئذ يحصل الشك في الفعلية فيكون مورد الجريان اصالة الظهور لتحقق موضوعها وهو السك فيتمسك بالاطلاق في هذه الصورة

دون الاولى فيدور الامر بين الالتزام بالتخصص أو التخصيص بلا مخصص ومن الواضح ان الاول هو المقدم ، اللهم إلا أن يقال بانه يلزم من تقديم الموافقة القطعية المستلزمة لجواز المخالفة القطعية المحال وهو انه يلزم من وجوده عدمه لان معنى تقديم الموافقة القطعية لازمه كون التكليف بالواقع فعليا وان جوزنا المخالفة القطعية لا بد من رفع اليد عن فعلية التكليف فالجمع بينهما محال فلزم من البناء على فعلية التكليف عدم فعليته وذلك يلزم من وجوده عدمه وهو باطل ولكن لا يخفى ان الفعلية ليست مرتفعة على كل تقدير بل في خصوص ما يخالف الواقع والمأتي به وجوبيا كان التكليف ام تحريميا ، واما في صورة توافق المأتي به للواقع يكون الواقع على فعليته مثلا لو كان الواقع الوجوب وأتى بالفعل في الدفعة الاولى وترك في الدفعة الثانية فانما ترتفع فعلية التكليف بالنظر الى الواقعة الثانية ، فعلى هذا لا يلزم من فعلية التكليف عدمها لان الخطاب قد تعدد بحسب الوقائع التي كانت محلا للابتلاء وجواز المخالفة انما هي فيما لم يتفق المأتي به مع الواقع هذا غاية ما يمكن الالتزام بترجيح الموافقة القطعية المستلزمة لجواز المخالفة القطعية وينتج من ذلك انه يأتي بالفعل بالواقعة الاولى ويترك في الثانية أو بالعكس بناء على ترجيح التخصص على التخصيص من دون مخصص ولكن لا يخفى ان ذلك مبني على ان الاصول اللفظية كالاطلاق ، بل وكذا الاصول العملية تجري في العناوين الاجمالية كما تجري في العناوين التفصيلية لكي يتم الاستدلال بانا لو قدمنا الموافقة القطعية المستلزمة لجواز المخالفة القطعية فحينئذ لا تجري اصالة الاطلاق لعدم جواز التعبد به للقطع بانتفاء الفعلية فمع تحقق القطع لا مجال لجريان الاصل لانتفاء موضوعه فلا تجري اصالة التعبد باطلاق

فعليته فيكون تخصصا في دليل الاطلاق بخلاف ما لو عكسنا وقدمنا جانب المخالفة القطعية فان الواقع يكون فعليا في صورة ما لو توافق الواقع مع المأتي به وليس بفعلي في صورة التخالف فتجري قاعدة الاطلاق لتحقق موضوعه وهو الشك في الفعلية فرفع اليد عن الاطلاق في هذا الفرض يحتاج الى دليل وبدونه يكون تخصيصا بلا مخصص وتقييدا بلا مقيد كما في ما نحن فيه ، واما بناء على عدم جريان الاصول في العناوين التفصيلية وتجري في خصوص العناوين الاجمالية كما هو طريقة بعض المحققين تكون كل واقعة يبتلى بها المكلف فيحتمل فعلية التكليف وعدمه فيتحقق موضوع الاصل وهو الشك في فعلية التكليف وعليه لا فرق بين تقديم وجوب الموافقة القطعية أو حرمة المخالفة القطعية فدعوى التفرقة في غير محلها إذ عليه يكون في كل منهما تخصيصه يحتاج الى دليل فاذا كان في الطرفين هذان الاحتمالان فيتعارضان فيتساقطان فيثبت التخيير الاستمراري هذا كله في اثبات التكليف.

المقام الثانى في اسقاط التكليف اى الخروج عن عهدة التكليف فهل يجوز الاكتفاء بالامتثال الاجمالى مع التمكن من الامتثال التفصيلي أولا؟

فنقول اما في التوصليات فلا اشكال في جواز الاكتفاء بالامتثال الاجمالى مع التمكن من الامتثال التفصيلي لسقوط الامر بالاتيان بها باى نحو حصل لعدم اعتبار قصد الطاعة في التوصليات وكذا لا اشكال في الاكتفاء بالامتثال الاجمالى في العبادات مع عدم التمكن من الامتثال التفصيلى لسقوط قصد الطاعة في حال التعذر من غير فرق فيما يستلزم التكرار وعدمه ، وانما الاشكال في العبادات خصوصا اذا استلزم التكرار مع التمكن من الامتثال التفصيلي ولو

كان ظنا معتبرا فهل يكتفى بالامتثال الاجمالى ام لا بد من الامتثال التفصيلي؟ قولان قيل بالثاني لعدم الاكتفاء بالامتثال الاجمالى لا خلاله بما يحتمل الاعتبار كنية الوجه والتمييز ، ولا دليل على نفى اعتبارهما ، أما الاطلاق فلا يمكن التمسك به لنفى الاعتبار إذ لا يمكن أخذ نية الوجه في المتعلق لعدم امكان اخذ ما لا يتأتى إلا من قبل الطلب في المتعلق ، ومع عدم امكان أخذها فيه كيف يتمسك باطلاقه لنفي اعتباره ولو كان الاطلاق في مقام البيان ، والى ذلك اشار الشيخ الانصاري (قدس‌سره) بقوله : (وليس هذا تقييدا في دليل تلك العبادة حتى يرفع باطلاقه) واما البراءة فجريانها لنفي اعتباره محل منع إذ جريانها مشروط بما امكن وضعه وقد عرفت ان مثل نية الوجه لا يمكن وضعها فلا يمكن رفعها فمع الشك في اعتبار مثل ذلك فالمرجع قاعدة الاشتغال لرجوع الشك الى الشك في الخروج عن العهدة وشغل الذمة اليقيني يستدعي الفراغ اليقينى.

ولو قلنا بجريان البراءة في الاقل والاكثر الارتباطيين لما عرفت من ان المقام من الشك في الطاعة والعقل يستقل باتيان كلما له الدخل في الغرض والى ذلك أشار الشيخ الانصاري (قده) بقوله : (الاصل عدم سقوط الغرض إلا باتيان كل ما شك في الاعتبار) ولكن لا يخفى انه وان لم يمكن التمسك بالاطلاق اللفظي فيمكن التمسك بالاطلاق المقامي لنفى اعتبار ما شك في اعتباره.

وحاصله ان المولى إذا كان في مقام بيان ما له الدخل في الغرض وسكت عما شك في اعتباره فقد دل على عدم اعتباره على انا ذكرنا سابقا في مبحث التعبدي والتوصلي انه يمكن التمسك باطلاق الخطاب لنفى ما شك في الاعتبار بتقريب ان الانشاء الواحد كما يمكن ان ينحل الى إنشاءات متعددة في عرض واحد

يمكن ان ينحل الى انشاءات متعددة طولية بعضها محقق للآخر بان ينحل الى طلبين أحدهما متعلق بذات الفعل والآخر متعلق بالفعل مع الدعوة فحينئذ يمكن التمسك باطلاق الخطاب لنفى ما شك في اعتباره وكون عدم قابلية مثل تلك القيود اعتبارها في المتعلق لا ينافى امكان اخذها في الارادة التى سعتها وضيقها تابعة للمصلحة القائمة بالمتعلق ، وبعبارة اخرى ان المتعلق وان لم يمكن اعتبار هذه الامور فيه حتى يؤخذ باطلاقه إلا انه من ناحية الارادة التابعة للمصلحة القائمة في المتعلق قابل للاطلاق والتقييد فيمكن التمسك باطلاق الخطاب لنفي اعتبار تلك الامور في المصلحة إذ لو كان له الدخل في المصلحة لزم اعتباره في الارادة فيلزم على المولى بيانه باخذه في حيز الخطاب فمن عدم أخذه في حيز الخطاب دل على عدم اعتباره وببيان آخر انه وان لم يمكن أخذ مثل دعوة الامر في المتعلق إلا انه مأخوذة بنحو نتيجة التقييد لان اعتبارها في الغرض يوجب ان يكون المتعلق حصة غير مطلقة ولا مقيدة بل توأم مع القيد لكون سعتها وضيقها يتبع الغرض فمع الشك في اعتبار مثل تلك القيود في الغرض يوجب الشك في سعة المتعلق وضيقه فيمكن لنا التمسك باطلاق الخطاب لعدم اعتباره في الغرض وتكون الحصة حينئذ لها سعة بنحو يشمل حال فقد تلك الامور هذا لو احرز ان المولى في مقام البيان ، واما لو شك في كونه في مقام البيان فلا يمكن التمسك بالاطلاق بجميع اقسامه فيرجع الامر الى الاصول الجارية في المقام ، فقيل يرجع الى البراءة ان كانت القيود يمكن أخذها في المتعلق لتحقق شرط جريان البراءة وهو ان تكون قابلة للوضع تكون قابلة للرفع فيكون المورد حينئذ من باب الاقل والاكثر الارتباطيين بتقريب ان الامر ينبسط على اجزاء

المتعلق ومع الشك في تعلق الأمر بالجزء المشكوك يكون من الشك في التكليف وهو مجرى للبراءة ، واما إذا لم يكن أخذ تلك القيود في المتعلق وانها داخلة في الغرض فالشك في اعتبار شيء في الغرض يكون من قبيل الشك في المسقط والخروج عن عهدة التكليف فيكون من الشك في المكلف به ، ومن الواضح انه من موارد قاعدة الاشتغال ولكن لا يخفى انه بناء على ما هو المختار من امكان أخذها بنحو نتيجة التقييد بان يكون لها الدخل في الغرض وهو يوجب ضيقا في المتعلق بنحو يكون المتعلق حصة توأما مع القيد لا مطلقة ولا مقيدة وحينئذ تكون في العهدة نفس تلك الحصة التي هي توأم مع القيد فمع الشك في اعتبار ما له الدخل في الغرض فيشك في كون الذى صار في العهدة هل هو نفس الذات فقط أو الذات التى هي توأم مع القيد فيستقل العقل باتيان ما تم فيه البيان وهو نفس الذات عارية عن القيد واما وجوب اتيان شيء زائد فاصالة البراءة تنفيه فيكون المقام من دوران الامر بين الأقل والأكثر الارتباطيين لا من باب التعيين والتخيير حتى يقال بان العقل مستقل بجريان الاشتغال الحاكم بوجوب الاتيان بالتعيين. هذا وبعض الاعاظم (قدس‌سره) ادعى عدم كفاية الامتثال الاجمالي مع التمكن من الامتثال التفصيلي بتقريب ان للطاعة مراتب أربعة طولية الامتثال التفصيلي والامتثال الاجمالى والامتثال الظني والامتثال الاحتمالى ولا تصل النوبة الى الامتثال الاحتمالى الا بعد تعذر الامتثال الظنى وكذا الظني لا تصل النوبة اليه إلا بعد تعذر الاجمالي ، وكذا الاجمالى لا تصل النوبة إلا بعد تعذر التفصيلي ، وعليه بنى بطلان عبادة تاركي طريقى الاجتهاد والتقليد واستدل على ذلك بان حقيقة الاطاعة هو انبعاث العبد نحو بعث المولى

بحيث يكون الباعث والمحرك للاتيان بالعمل هو نفس أمر المولى وفي الاجمالى لا يتحقق إذ الباعث للاتيان بكل واحد من الطرفين ليس إلّا احتمال تعلق الأمر وهو وان كان ذلك نحو من الاطاعة إلا انه متأخر بحسب الرتبة عن الامتثال التفصيلي.

وبالجملة العقل يستقل في مقام الاطاعة انه مع التمكن من العلم التفصيلي انه يقدم على الامتثال الاحتمالى لعدم الانبعاث عن امر المولى حينئذ بل ينبعث عن احتمال الامر ومع حصول الشك في تحقق الاطاعة فالمرجع الى قاعدة الاشتغال ثم قال (قده) ان هذا الذى ذكر فيما إذا تردد بين متباينين بنحو يكون الاحتياط مستلزما للتكرار واما اذا لم يستلزم التكرار بان تردد بين الاقل والاكثر كالشك في وجوب السورة أو جلسة الاستراحة فان الأقوى عدم وجوب ازالة الشبهة بالامتثال التفصيلي فانه يكفى في ازالتها بالامتثال الاجمالى مع التمكن منها بالعلم او الاجتهاد لامكان قصد التفصيلي بامتثال الأمر المتعلق بالصلاة مثلا وان لم يعلم بوجوب الجزء المشكوك ولكن لا يخفى انه لا دليل على ما ذكره من طولية المراتب على ان الانبعاث والمحركية في الامتثال الاجمالى ليس هو الاحتمال وانما المحرك فيه هو نفس الأمر (١).

__________________

(١) وببيان آخر ان المحرك بالذات هي الارادة المنقدحة بوجودها في مقام النفس إذ لا يعقل ان يكون المحرك هي مطابقتها لما في الخارج إذ ذلك من الدواعي الذاتية وانما المطابقة من الدواعي العرضية فمع عدم المطابقة يكون الانبعاث عن مجرد التصور ومع المطابقة تكون اطاعة حقيقية تنبعث عن نفس البعث الذهنى إلّا انه بالمطابقة تكون من الداعي العرضي فالاتيان بالمحتملين ينبعث

وبالجملة الامر الجزمي في الاجمالى هو المحرك والاحتمال مقدمة لتطبيق ما يدعوه جزما على مورده لا انه يدعو الى الاتيان فعليه يكون المقام من قبيل دوران الامر بين الاقل والاكثر لا من قبيل التعيين والتخيير لكى يقال بوجوب التعيين على ان المتعلق بالكل هو المتعلق بنفس الاجزاء فالمحرك لكل جزء هو الامر الضمنى فعليه بالنسبة الى الجزء المشكوك يكون احتمال الامر النفسي لا نفس الأمر. وبالجملة لا فرق بين ما استلزم التكرار وعدمه فما ذكر من التفصيل محل منع وليس في البين غير احتمال اعتبار نية الوجه في الامتثال وقد عرفت انها غير معتبرة للاطلاق المقامي بل واطلاق الخطاب ومع الشك فالمرجع البراءة.

فانقدح مما ذكرنا علية العلم الاجمالى لتنجز التكليف بالنسبة الى الموافقة القطعية كما هو علة بالنسبة الى المخالفة القطعية بنحو لا تجري الاصول في اطرافه ولو كانت غير معارضة إلا بنحو جعل البدل فتكون جارية في مقام الفراغ كما تجري في مقام الفراغ من التكليف المنجز بالعلم التفصيلي إذ للشارع التصرف في مقام الفراغ بان يجعل مفرغا تعبديا شرعيا كما هو قضية قاعدتي التجاوز والفراغ ، فعليه يجب الاتيان بجميع أطراف العلم الاجمالى لتنجز التكليف به من غير فرق

__________________

عن شخص البحث على ان انطباق عنوان الانقياد نحو امر المولى من العناوين ـ الحسنة المنطبقة على كل واحد من المحتملين من دون دخل للتمكن من الامتثال وعدمه إذ من الواضح ان عنوان التمكن من الامتثال التفصيلي لا يوجب قبح الامتثال الاجمالى ولا عدم التمكن يوجب حسنه مضافا الى ان الانبعاث تفصيلا ان احتمل دخله في الامتثال فيمكن رفعه بالبراءة لو لم يمكن التمسك له بالاطلاق وان لم يحتمل دخله فحينئذ يقطع بسقوط الغرض بمجرد الموافقة الاجمالية فمع القطع بالسقوط لا يوجب التمسك بالاشتغال كما لا يخفى.

بين أن يكون المعلوم بالاجمال عنوانا معينا كالعلم الاجمالى المتعلق بنجاسة أحد الإناءين أو بين عنوانين مختلفي الحقيقة كالعلم الاجمالى المتعلق بنجاسة هذا الاناء أو غصبيته لوجود مناط حكم العقل بالتنجز في الصورتين ، فان ملاكه هو العلم بالالتزام المولوى بلا دخل للخصوصية فاذا لم يكن في كشفه عن الالتزام المولوي قصور فيتحقق موضوع حكمه بالاشتغال.

ودعوى ان حرمة التصرف في الغصب منوطة بالعلم لا من لوازم الغصب الواقعي فلا يحدث حينئذ التكليف الفعلي على كل تقدير لفرض ان التكليف بحرمة التصرف الغصبي معلق على العلم بالغصبية وحيث لا علم فلا حرمة بالتصرف الغصبي ، واما النجاسة فانها وان كانت شرطا واقعيا إلا انه من الشك البدوى الذي هو مجرى البراءة ممنوعة بمنع تعليق حرمة الغصب على العلم بل الغصبية من الشرائط الواقعية كالنجاسة (١) ولا ينافى كون المكلف تصح صلاته مع الجهل

__________________

(١) ظاهر الاصحاب ان الغصب شرط علمي بخلاف النجاسة فانها شرط واقعي فحينئذ لم يعلم بتوجه خطاب لا تغصب ، فيبقى خطاب اجتنب عن النجاسة ينفى بالاصل فتجري اصالة الطهارة فعليه يصح الوضوء بهذا الماء ولكن لا يخفى انه بالنسبة الى شرب هذا الماء لا يجوز للعلم بانه اما نجس أو مغصوب من غير فرق بين كون النجاسة والغصبية من الجهات التعليلية او من الجهات التقييدية غاية الامر انه على الاول تكون الحرمة معلومة بالتفصيل ، وعلى الثاني تكون الحرمة معلومة بالاجمال هذا بناء على ان العلم الاجمالى علة تامة للتنجيز فواضح ، واما بناء على ان منجزيته لأجل تعارض الاصول وتساقطها.

فنقول بناء على جريان اصالة الحرمة في الاموال فواضح انه لا يجوز شرب الماء كالسابق لانحلال العلم الاجمالى باعتبار جريان الاصل المثبت في طرف

بالغصبية إذ ذلك معذور في حال الجهل لاشتمال الماتى به على المصلحة لعدم تأثير

__________________

والنافى وهو قاعدة الطهارة في الطرف الآخر وكذا لا يجوز الشرب لو قلنا بجريان اصالة الحل في الاموال لتعارض اصالة الحل مع اصالة الطهارة فيتساقطان فلم يكن لنا مسوغ لجواز الشرب.

وبالجملة لا يجوز الشرب على جميع المبانى ، واما بالنسبة الى الوضوء فبناء على انحلال العلم الاجمالى بجريان اصالة الحرمة في الاموال فلا يجوز التوضؤ بالماء المشكوك نجاسته وغصبيته لأجل حرمة التصرف ، واما بناء على جريان اصالة الحل وعدم جريان اصالة الحرمة في الاموال فان قلنا بان سقوطها بالمعارضة مع اصالة الطهارة بالنسبة الى الشرب يوجب سقوطها بالنسبة الى بقية الآثار التي منها الوضوء فلا يجوز التوضؤ من هذا الماء واما بناء على ان المعارضة كانت بالنسبة الى الشرب ولا يلزم من بالنسبة الى الشرب السقوط بالنسبة الى بقية الآثار فحينئذ لا بد من ملاحظة اصالة الحل مع قاعدة الطهارة في بقية الآثار كالوضوء فهل تحصل معارضة بين اصالة الحل وبين اصالة الطهارة بالنسبة اليه ربما يقال بحصول المعارضة إذ بجريانهما تلزم المخالفة القطعية ولازم ذلك التساقط فلا يحصل شرط صحة الوضوء من اباحة الماء وطهارته اللهم إلا ان يقال انه من شرائط تأثير العلم الاجمالى في التنجيز ان يكون كل واحد من طرفيه على تقدير كونه هو المعلوم بالاجمال تكليفا الزاميا على نحو لو جرت الاصول تكون مخالفة قطعية للتكليف الالزامي المعلوم وجوده بين الاطراف ولا يختص ما ذكر من الشرط بمن يقول بان منجزيته لأجل التعارض الموجب للتساقط بل يلتزم به حتى من يقول بانه علة تامة للتنجيز لا من جهة التعارض فما نحن فيه لم يتحقق فيه هذا الشرط اذ الغصبية ولو كانت ذا تكليف الزامي الذى هو وجوب الاجتناب إلّا ان الطرف الآخر وهو النجاسة ليس له اثر إلا فساد الوضوء وليس ذلك بتكليف الزامي وانما هو حكم وضعى لم يستتبع

المفسدة الغالبة بناء على الامتناع وتغليب جانب المفسدة لأجل معذورية الجاهل وكيف كان فيجب ملاحظة العلم الاجمالى بعد ان عرفت انه علة في مقام

__________________

التكليف الالزامى كما هو كذلك بالنسبة الى الغصبية فعليه لا يكون العلم الاجمالى المردد بين نجاسة الماء وغصبيته مؤثرا في التنجز لكي لا يجوز الوضوء بل القول بجواز الوضوء من هذا الماء لا محذور فيه لقاعدة الطهارة ولا يعارضها اصالة الحل من جهة احتمال الغصبية إذ لا يلزم من الجمع بينهما مخالفة قطعية لتكليف منجز اذ اقصى ما يلزم فساد الوضوء لو صادف كونه نجسا وهو ليس بحكم تكليفى فلم يبق إلا احتمال حرمة الوضوء لاجل الغصبية وبجريان اصالة الحل لا يكون التصرف في الوضوء حراما.

ودعوى (انه يوجد تكليف الزامي من جهة النجاسة وهو الامر بوجوب الوضوء أو بوجوب الوضوء من ماء آخر فمع التعارض والتساقط لا يجوز الوضوء من هذا الماء ممنوعة) بان هذا التكليف سابق على العلم الاجمالى كما ان الوجوب الشرطى الذى هو طهارة ماء الوضوء الذى مرجعه الى ان وجوب الوضوء بالماء الطاهر الذى هو موجود قبل العلم وبعده فانه قبل الابتلاء بهذا الماء كان يجب عليه ان يتوضأ بماء طاهر وكذا بعد ابتلائه فعند الابتلاء لم يحدث عنده إلا احتمال تكليف بالاجتناب لاحتمال كونه مغصوبا فلا يكون هذا العلم الاجمالى محدثا لتكليف على كل تقدير فلذا لا يكون منجزا لما هو معلوم ان تنجيزه فيما اوجب تكليفا الزاميا على كل تقدير.

ودعوى (انحلال العلم الاجمالى لاجل جريان الاصل المثبت وهو استصحاب بقاء الامر وبقاء الحدث فيفسد الوضوء فيرجع في الطرف الآخر الى البراءة بعد سقوط اصالة الحل واصالة الطهارة للمعارضة فيجوز حينئذ التصرف ممنوعة) بان الاصول اذا كانت في مرتبة واحدة وحصلت المعارضة

التنجيز في الموافقة القطعية والمخالفة القطعية ما لم يستلزم مخالفة للعلم التفصيلي فلا يجب العمل به في مورد المخالفة لما هو معلوم انه يستحيل المنع عن العمل بالقطع وما توهم من ان ظاهر المنع فلا بد من حمله على ما لا ينافى وجوب العمل على مقتضاه كالفروع التي ذكرها الشيخ الانصاري (قدس‌سره) التي منها ما لو اودع شخص درهما وشخص آخر درهمين عند ثالث فتلف أحدهما يعطى لصاحب الدرهمين درهم واحد والدرهم الآخر ينصف بينهما (١) فلو انتقل النصفان الى ثالث بهبة ونحوه

__________________

بينها تسقط باجمعها ولا يقال بان المعارضة بين بعضها ويبقى الباقى سليما عن المعارض فان القلة والكثرة لا اثر لها مع كونها في مرتبة واحدة كما فيما نحن فيه ففى محتمل الغصبية تجري قاعدة الحل والبراءة الشرعية وفي محتمل النجاسة تجري ثلاثة من الاصول قاعدة الطهارة والحل واصالة البراءة وحيث انها كلها في مرتبة واحدة لذا تسقط بالمعارضة واما بقية الآثار من ازالة الخبث والتبريد فكالوضوء من غير فرق بينهما كما انه لا ينجس ملاقيه على جميع المباني لجريان استصحاب الطهارة في الملاقي (بالكسر) ان كانت له حالة سابقة أو قاعدة الطهارة ان لم يكن له حالة سابقة وكلاهما يجريان من دون معارض إذ مع التعارض في جريانها في الملاقى بالفتح ويحكم بتساقطها فليس ذلك هو الحكم بنجاسته ليحكم بتنجيس ملاقيه وان لم نقل بالتعارض فقاعدة الطهارة تجري في الملاقى بالفتح ويحكم بطهارة ما يلاقيه فافهم وتأمل.

(١) لا يخفى ان الاصحاب حكموا بتنصيف الدرهم بين صاحب الدرهم وبين صاحب الدرهمين لقاعدة العدل والانصاف إذ هى قاعدة عقلائية ممضاة من قبل الشارع في جملة من الموارد التى هي نظير المقام كما لو تداعى شخصان في مال واحد وكان المال تحت يدهما أو أقام كل واحد منهما البينة أو لم يتمكنا

واشترى بمجموعهما جارية يعلم تفصيلا بعدم دخولها في ملكه لان بعض ثمنها ملك الغير قطعا فلا يجوز وطئها والنظر اليها وقد ذكرت لذلك وجوه كالصلح

__________________

من اقامة البينة وحلفا أو نكلا ففي جميع تلك الموارد الشارع حكم بتنصيف المال بينهما أو من باب الصلح القهرى بان يكون المورد بحسب نوعه موردا للترافع فالشارع حسما لمادة النزاع حكم بالتنصيف. وكيف كان بقاعدة العدل والانصاف أو من باب الصلح القهرى يملك النصف بحكم الشارع واقعا فمع ملكيته واقعا لا مانع من اجتماع النصفين عند ثالث إذ الحكم بالتنصيف يغير الواقع فلا يحصل العلم التفصيلي بعدم وصول المال من صاحبه. نعم لو قلنا بان تلك الاحكام ظاهرية لا تغير الواقع فيلزم العمل على مقتضى العلم الاجمالى ما لم يحصل مخالفة للعلم التفصيلي إذ ادلة التنصيف انما دلت على جواز التنصيف لا جواز تصرف الشخص الثالث في مجموعهما إذ ذلك مخالفة للعلم التفصيلى وقد يقال بان الاجمال في المتعلق يغير الحكم واقعا فيلتزم بالمقام بالشركة والاشاعة بتقريب ان الاجمال المتحقق في الاموال كخلط من حنطة بمنين توجب الاشاعة اذ الملكية لما كانت متعلقة بخصوصية العينية قبل الخلط وبالخلط تبطل تلك الملكية القائمة بالخصوصية فاذا خرجت تلك الخصوصية الافرازية عن كونها متعلقة للملك فتحصل الاشاعة والاشتراك ويكون خلط الدرهم مع الدرهمين كخلط المن بالمنين فعليه لا بد من التقسيم حسب نسبة المالين فيعطى لصاحب الدرهم ثلث الدرهمين ولصاحب الدرهمين ثلثاهما فما ورد في درهم الودعي من تنصيف الدرهم بين صاحب الدرهم وبين صاحب الدرهمين فهو محمول على عدم الخلط كما هو قضية اشتباه المالين وعدم تمييز أحدهما عن الآخر من دون خلط فالحكم بالتصالح أو القرعة ولكن لا يخفى ان المقام اجنبي عن باب الامتزاج ولو كان منه لزم ان يحكم الاصحاب بالتثليث مع انهم حكموا بالتنصيف

القهري أو التنصيف إلا انها انما تصحح جواز انتقال كل من النصفين للشخص الثالث ما لم تستلزم مخالفة للعلم التفصيلي اذ النص انما ورد على جواز التنصيف لا في جواز تصرف الشخص الثالث في مجموعهما لكون ذلك مخالفة للعلم التفصيلى ولو ورد دليل يدل على جواز المخالفة له لا بد من حمله وتأويله إذ لا يعقل المنع عن حجيته وكذا لو اختلف المتبايعان في المثمن واتفقا على الثمن ووقوع البيع مثلا اتفقا على ثمن معين كعشرة دنانير واختلفا في المثمن هل هو العبد أو الجارية؟ فانه يحكم بالانفساخ لو تحالفا مع عدم البينة لاحدهما فيرد كل الى مالكه السابق فلو انتقل العبد والجارية الى شخص ثالث فيعلم بعدم جواز التصرف باحدهما لكون احدهما ملكا للمشتري يقينا فان الحكم بالانفساخ لو قلنا بانه يصحح النقل لثالث ما لم يستلزم مخالفة للعلم فلا يجوز للثالث التصرف إذ عدم جواز مخالفة العلم ولو اجمالا ضرورى.

ومنها ما لو تردد بين مكلفين كواجدى المني في الثوب المشترك فانا

__________________

ولم يحكموا بالقرعة وسر ذلك تقديم جانب الموافقة القطعية في الجملة مع المخالفة القطعية على المخالفة والموافقة الاحتماليتين في باب الاموال.

بيان ذلك ان في القرعة يحتمل وصول تمام المال الى المالك ويحتمل عدم وصول تمامه اليه وفي التنصيف يعلم بوصول بعض المال الى صاحبه فالشارع لاحظ وصوله الى المالك الاصلى ولو بعضه وقدمه على ما يحتمل عدم الوصول اصلا ويكون من قبيل صرف شيء من المال لوصوله الى المالك على ان القرعة موهونة لكثرة التخصيص الوارد عليها فلا يجوز الاستناد اليها ما لم ينجبر باستناد الاصحاب اليها فكيف في المقام الذي اعرض فيه الاصحاب عنها وحكموا بالتنصيف فلا تغفل.

نمنع ما اذا كان أحدهما موردا لتكليف الآخر من غير فرق بين ان يحصل له العلم التفصيلي بتوجه خطاب له كاقتداء أحدهما بالآخر في الصلاة للقطع حينئذ ببطلان صلاته اما لأجل صلاة نفسه لكونه جنبا واقعا أو لأجل صلاة امامه إلا أن نقول بان صحة صلاة الامام ظاهرا توجب صحة صلاة المأموم واقعا او يحصل له العلم بتوجه احدى الخطابين كحمل أحدهما للآخر ودخوله المسجد فانه يعلم بتوجه أحد التكليفين من حرمة الدخول أو الادخال ، واما إذا لم يكن أحدهما موردا للآخر فيجب عمل كل على تكليف نفسه حسب مقتضى جريان الاصل في حقه. واما الكلام في الخنثى فالظاهر انه يجب عليها الاحتياط لانها

تعلم بتوجه خطاب اما خطاب الرجال أو خطاب النساء

هذا تمام الكلام في المقصد الاول في القطع والحمد لله

اولا وآخرا وظاهرا وباطنا.

المقصد الثانى في الظن (١)

وفيه مباحث

الاول في امكان التعبد به فنقول : المراد من الامكان هو الامكان الوقوعي أي ما لا يلزم من التعبد به محال في قبال الاستحالة الوقوعية اى ما يلزم

__________________

(١) لا يخفى ان الحجية ليست من لوازم الظن لا بنحو العلية ولا بنحو الاقتضاء اما كونها ليست بنحو العلية فواضح اذ ذلك ملازم لطريقيته الذاتية كالقطع ومعلوم انه لا تحقق له إلا في القطع فلذا حكم العقل بوجوب متابعة القطع دون غيره. ودعوى ان العقل يحكم بوجوب اتباع القطع لوجوب دفع الضرر المقطوع كذلك يحكم العقل بوجوب اتباع الظن لوجوب دفع الضرر المظنون ممنوعة بان العقل انما حكم بوجوب اتباع القطع لكون طريقيته ذاتية الموجب لحكمه باستحقاق العقاب وليس كذلك في الظن فلا يحكم العقل باتباعه نعم لو ثبت حجيته بدليل ولو كان بدليل الانسداد فالعقل يحكم باتباعه بمناط وجوب دفع الضرر المظنون بناء على ان العقاب على مخالفة الواقع ، واما بناء على مخالفة الحجة فالعقاب يكون بمناط دفع الضرر المقطوع لا الضرر المظنون ، واما بنحو الاقتضاء فالوجدان حاكم بانه ليس فيه اقتضاء للحجية بمعنى انه لو لم يمنع من العمل به فهو حجة بل حجيته تحتاج الى جعل ولو كانت مقدمات دليل الانسداد بناء على تقريرها بنحو الحكومة ، قال المحقق

من التعبد به استحالة وقوعية كلزوم اجتماع الضدين وليس المراد من الامكان هو الاحتمال كما هو المراد من قول الشيخ الرئيس كلما قرع سمعك فذره في بقعة الامكان ما لم يذك قائم البرهان) لما هو معلوم ان الاحتمال أمر محقق تكويني

__________________

الخراساني في كفايته ما هذا لفظه : (انه لا ريب في ان الامارة غير العلمية ليست كالقطع في كون الحجية من لوازمها ومقتضياتها بنحو العلية بل مطلقا وان ثبوتها لها تحتاج الى جعل او ثبوت مقدمات وطرو حالات موجبة لاقتضائها الحجية عقلا بناء على تقرير مقدمات الانسداد بنحو الحكومة وذلك لوضوح عدم اقتضاء غير القطع للحجية بدون ذلك) إلا انه نمنع كون تقرير دليل الانسداد بنحو الحكومة موجبا لحجية الظن إذ التقرير على نحو الحكومة يوجب تضييق دائرة الاحتياط في مقام العمل بان يؤخذ بالظن ويترك المشكوكات والمظنونات فحينئذ لا مانع من دعوى كون حجية الظن منوطة بالجعل الشرعي ولو بالاستكشاف من دليل الانسداد من غير فرق بين مقام الثبوت ومقام السقوط.

ودعوى جواز الاكتفاء بالظن بالفراغ في مقام السقوط كما ينسب الى بعض المحققين ففي غير محله إذ لازمه الاكتفاء بالامتثال الاحتمالى عن الامتثال التفصيلي مع انه لا يلتزم به أحد إذ شغل الذمة اليقينى يستدعي الفراغ اليقينى.

نعم يمكن تأويل كلامه بانه ناظر الى مقام تعذر التمكن من الامتثال التفصيلي فله مجال للقول بالاكتفاء بالامتثال الظني على ان مرحلة السقوط أجنبية عن مرحلة مقام الحجية لما عرفت ان مقام السقوط انما هو بعد مقام الثبوت فاي معنى للقول بانه حجة في مقام السقوط إلّا بمعنى كفاية المفرغ الجعلي التعبدي وذلك لا بد أن يكون للجعل الشرعي إذ لا يعقل ان يكون المظنون مفرغا من دون جعل شرعي بكونه مفرغا فلا تغفل.

غير قابل للنزاع كما انه ليس المراد من الامكان الذاتي في قبال الاستحالة الذاتية اذ التعبد بالظن ليس مما يحكم العقل باستحالته بمجرد تصوره كما في تصور اجتماع النقيضين أو الضدين كما أنه ليس المراد من الامكان التشريعي ويقابله الامتناع في عالم التشريع كما ادعاه بعض الاعاظم بتقريب أن التعبد بالامارة يوجب تفويت المصلحة والالقاء في المفسدة أو وجوب ما هو حرام أو حرمة ما هو واجب ، فإن هذه المحاذير راجعة إلى عالم التشريع وليست راجعه الى عالم التكوين لكى يكون المراد من الامكان التكوينى ففيه ان هذه المحاذير وان كانت راجعة الى عالم التشريع إلا انه لا تخرج الامكان والاستحالة من التكوين على أن محذور اجتماع الضدين او صدور القبيح من الحكيم كمثل نقض الغرض راجعة إلى عالم التكوين فعليه لا يخرج الامكان والاستحالة في المقام عن الامكان التكويني لمجرد كونه موضوعا لأمر تشريعي. وكيف كان فقد عرفت أن النزاع في المقام هو في امكان وقوع التعبد بالظن الذي هو عبارة عما لا يلزم من وقوع التعبد به محال ، ويقابله الامتناع الوقوعي الذي يكون بنفسه ليس محالا ولكن من وقوعه يستلزم المحال كمثل اجتماع الضدين ، فإن وجود أحد الضدين في ظرف وجود الضد المقابل في ذاته ليس محالا ولكنه يستلزم المحال فمرجع النزاع إلى ان وقوع التعبد بالظن يلزم المحال مطلقا كاجتماع الضدين ، او بالنسبة إلى صدوره من الحكيم يكون محالا لكونه يلزم من وقوع التعبد بالظن تحليل الحرام أو تحريم الحلال أم لا قيل بامتناعه لوجهين :

الأول لو جاز التعبد بخبر الواحد في الاخبار عن النبي (ص) لجاز التعبد به في الاخبار عن الله تعالى والتالى باطل اجماعا.

الثانى أن التعبد به موجب لتحريم الحلال وتحليل الحرام وقد اجاب الشيخ (قدس‌سره) عن الأول بأن الاجماع يدل على عدم الوقوع لا على الامتناع مضافا الى ان عدم الجواز قياسا على الأخبار عن الله تعالى بعدم تسليم صحة الملازمة انما هو فيما إذا بنى تأسيس الشريعة اصولا وفروعا على العمل بخبر الواحد لا مثل ما نحن فيه مما ثبت أصل الدين وجميع فروعه بالادلة القطعية لكن عرض اختفاؤها في الجملة من جهة العوارض واخفاء الظالمين للحق ، ولكن لا يخفى ما فيه ، إذ المانع من العمل بخبر الواحد في اصول الدين وجود جهة مقبحة بنحو لا يصدر من الحكيم فحينئذ لا يفرق بين ما بني عليه تأسيس أصل الشريعة وبينما ثبتت الشريعة بأصولها وفروعها إلا أنه عرض عليها اخفاء بعض الظالمين ، فلذا الأولى في الجواب انه لا تلازم بينهما إذ الفرق في ان الاخبار عن الله تعالى وعن نبوة النبي (ص) إنما يكون بتوسط الوحي ونحوه وذلك لا يكون إلا ممن كان نبيا من الله سبحانه بخلاف الأخبار عن النبي (ص) والأئمة (عليهم‌السلام) في الحكم التكليفي ، فاتفاقهم على منع التعبد بخبر الواحد في الاخبار عن الله تعالى ونبوة النبي (ص) لا يلازم منع العمل بخبر الواحد في الاخبار عن النبي (ص) والأئمة (ع) في الأحكام لما عرفت من الفرق بينهما واستدل المشهور على الامكان بانا نقطع بأنه لا يلزم من التعبد به محال واعترض على ذلك الشيخ (قدس‌سره) بأن القطع بعدم لزوم المحال في الواقع موقوف على احاطة العقل بجميع الجهات المحسنة والمقبحة وعلمه بانتفائها وهو غير حاصل فيما نحن فيه ولكن لا يخفى فانه قد يحصل القطع للشخص باعتبار غفلته عن بعض الجهات المؤثرة في الحسن والقبح فلا يرى إلا الجهة التي يذكرها

الخصم ، فحينئذ من إبطال تلك الجهة يحصل له القطع بعدم المحالية ومن هنا لا مانع من ادعاء ان نفس احتمال الامكان وعدم دليل يدل على الاستحالة يدل على كونه ممكنا وبذلك استدل الشيخ الانصاري (قدس‌سره) على كون التعبد ممكنا ما هذا لفظه : (باننا لا نجد في عقولنا بعد التأمل ما يوجب استحالته وهذا طريق يسلكه العقلاء في الحكم بالامكان).

وبيانه أن بناء العقلاء جرى على كون الشيء ممكنا من جهة كونه محتملا ولا دليل يدل على استحالته ، وهذا اصل عقلائي يجري في كل ما شك في امكانه وامتناعه ، وقد اعترض على ذلك الاستاذ في الكفاية بعدم حصول الحكم الجزمي مع احتمال الامتناع ومنع تحقق سيرة العقلاء على ترتيب آثار الامكان عند الشك فيه ومنع حجيتها لو سلم ثبوتها لعدم قيام دليل قطعي على اعتبارها والظن بها لو كان. فالكلام الآن في امكان التعبد به وامتناعه ولكن لا يخفى اما أولا فإن كلام الشيخ ليس في مقام حصول الحكم الجزمي بل حسبما عرفت ان نفس احتمال الامكان وعدم دليل يدل على استحالته يدل على الامكان بمعنى انه يترتب عليه آثار الامكان مع احتمال الاستحالة ، واما ثانيا فاشكال عدم تحقق السيرة أولا دليل على اعتبارها فلا يرد إلا إذا كان مراد الشيخ تحقق السيرة على الامكان مطلقا ، واما لو كان مراده ان العقلاء لا يعتنون باستحالته كما لو ورد دليل عام وشك انه ناشئ عن مصلحة لكي يكون الحكم من الشارع الحكيم ممكنا أو أنه ليس فيه مصلحة لكي يكون مستحيلا فمن الواضح انه يؤخذ بظهور الدليل في كونه ممكنا وينفى احتمال الاستحالة ، وفي مقامنا لو خلينا وانفسنا لا تجد في عقولنا مما يوجب الحكم باستحالته ، وعلى مثل هذا

جرت السيرة العقلائية.

واما الوجه الثاني من القول بالامتناع فقد اجاب الشيخ الانصاري (قده) عنه بما حاصله ان الخصم اما ان يدعي الامتناع في صورة الانفتاح او في صورة الانسداد ، وعلى الثاني فأما أن يكون عند قيام الامارة ذوي أحكام فلا محيص من ارجاعه إلى ما لا يفيد العلم من الاصول والامارات الظنية إذ المفروض انسداد باب العلم وان لم يكن ذوي أحكام فلا يلزم منه تحليل الحرام أو تحريم الحلال إذ لا حلال ولا حرام هناك فهي كالسالبة بانتفاء الموضوع ، وعلى الأول فلا ضير في ان تكون قيام الامارة محدثا لمصلحة يتدارك بها مصلحة الواقع ، ولكن لا يخفى انه على فرض تمامية مقدمات الانسداد فلا معنى للرجوع إلى الأصول والامارات بل المرجع الى الظن بحكم العقل وان لم تتم مقدمات الانسداد فالمرجع قبح العقاب بلا بيان التى هي البراءة العقلية فأين يلزم من التعبد بالظن تحليل الحرام وتحريم الحلال.

وكيف كان فمحذور تحريم الحلال وتحليل الحرام هو المنسوب الى ابن قبة وقد عبر عنه بعبارات مختلفة مثل اجتماع المثلين فيما لو أصاب ، والضدين فيما لو أخطأ واجتماع الارادة والكراهة والمصلحة والمفسدة ومثل تفويت المصلحة والالقاء في المفسدة ومثل نقض الغرض ولا يخفى انه لا تتأتى هذه المحاذير على الطريقية في ظرف الانسداد إذ الطريقية ليست إلا تنجيز الواقع عند الاصابة والعذرية عند الخطأ فلا يحصل من قيام الامارات انشاء حكم لكي يلزم تحليل الحرام أو تحريم الحلال أو اجتماع المثلين أو الضدين كما ان نقض الغرض وتفويت المصلحة يكون في فرض الانسداد أمرا قهريا بسبب جريان البراءة فلا يستند

الى التعبد بالامارة وهكذا لا يلزمان على الموضوعية لفواتهما بسبب البراءة. نعم يتوجه محذور اجتماع المثلين أو الضدين على الموضوعية.

واما في صورة الانفتاح والتمكن من العلم ولو بالسؤال عن المعصوم (ع) فعلى الموضوعية تتوجه جميع تلك المحاذير ، واما على الطريقية فلا تتوجه إلا محذور تفويت المصلحة ونقض الغرض وقد ادعى بعض الأعاظم (قده) عدم لزوم ذلك بتقريب ان المراد من انفتاح باب العلم هو امكان وصول المكلف إلى الواقع ولو بالسؤال عن الامام لا فعلية الوصول (١) فحينئذ يمكن أن تكون

__________________

(١) ثم لا يخفي انه بعد ما ذكر (قده) المراد من انفتاح باب العلم هو امكان الوصول لا فعلية الوصول قال لا ملازمة بين الانفتاح وبين عدم الوقوع في خلاف الواقع إذ يمكن أن تكون الامارات الظنية في نظر الشارع كالاسباب المفيدة للعلم التى يعتمد عليها الانسان من حيث الاصابة والخطأ بقدر اصابة العلم وخطأه فلا يلزم محذور من التعبد بالامارات الغير العلمية لعدم تفويت الشارع من التعبد مصلحة على العباد ، ثم قال فما يظهر من الشيخ (قده) من الاعتراف بالقبح في صورة الانفتاح ليس في محله لما عرفت من امكان أن تكون الامارات الغير العلمية من حيث الاصابة والخطأ كالعلم بل الطرق المبحوث عنها في المقام كلها طرق عقلائية عرفية وتلك الطرق من حيث الإتقان عند العقلاء كالعلم من حيث الاصابة والخطأ والشارع قرر العقلاء على الأخذ بها ثم قال (قده) ومن ذلك يظهر انه لا وجه لتكثير الاقسام من كون الامارة غالب المصادفة أو دائم المصادفة أو أغلب مصادفة من الأسباب المفيدة للعلم مع ان المدار على كون الامارة من حيث الاتقان كالعلم ، ولا سبيل الى دعوى كون الامارة أكثر خطأ من العلم انتهى. وقد اعترض عليه بعض في شرحه

الامارات الظنية من حيث الاصابة والخطأ مثل اصابة العلم وخطأه فلا يلزم من التعبد بالامارة تفويت المصلحة ولكن لا يخفى ما فيه فإن تفويت المصلحة في مورد العلم لو اخطأ امر قهرى لعدم التفات القاطع لخطئه بخلاف التعبد بالامارة فان

__________________

للرسائل بما لفظه (انه لا وجه لاشكاله (قده) عليه بانه اعترف بالقبح في حال الانفتاح ولزوم تحليل الحرام حيث ان كلمات المصنف تنادى باعلى صوت بانه لا يلزم القبح على تقدير الانفتاح المقصود منه التمكن من تحصيل مطلق العلم).

اقول ان الناظر الى كلام الشيخ (قده) يجد انه قد اعترف بالقبح مع انفتاح باب العلم حيث يقول ايجاب العمل بالخبر على الوجه الأول وان كان في نفسه قبيحا مع انفتاح باب العلم. ودعوى انه يعترف بالقبح في العلم المصادف كما ادعاه هذا البعض في كلامه لا اصل له فان أول كلامه يجده الناظر انه (قده) يدعي ان المراد من الانفتاح هو التمكن من العلم ، فما تخيله هذا البعض ارادة المصادف من لفظ العلم فهو اجتهاد منه كيف يريده بذلك في أول كلامه مع انه بنى تشقيقات التي ذكرها على ارادة انفتاح مطلق العلم إذ كون العلم أغلب مطابقة أو مساويا لا يصح جعله من تشقيقات انفتاح باب العلم المصادف.

ودعوى استفادة ارادة العلم المصادف من قول الشيخ والاولى الاعتراف بالقبح مع التمكن من الواقع في غير محله إذ غرضه من التمكن امكان الوصول لا فعلية الوصول. نعم يرد على الشيخ ما ذكره الاستاذ المحقق النائيني من عدم وجه لتكثر الاقسام إذ لا فائدة فيها إذ المدار على كون الامارة من حيث الاتقان والاستحكام كالعلم كما هو الشأن فيما هو بيد العقلاء من الطرق والامارات ولا سبيل الى دعوى الامارة اكثر خطأ من العلم وقد استوفينا الكلام في تقريراتنا لبحثه الشريف.

احتمال الخطأ حاصل فيكون التعبد بالامارة مع الخطأ تفويتا اختياريا وهو قبيح. وبالجملة فرق بين التفويت في مورد العلم وبين التفويت في مورد الامارة.

وتنقيح المقام على وجه ترتفع عنه غائلة الاشكال فنقول وبالله المستعان : ان التكاليف الواقعية انما يجب امتثالها اذا ابرزت بصورة الخطاب ووصلت تلك الخطابات الى المكلفين وان لا يكون هناك رادع للشهوة ، واللازم على الحكيم لما كان غرضه الاهتمام أن يصدر خطابا وان يوصله اليهم وليس للشارع ان يردع من الشهوة لأنه يلزم منه الجبر ، فاللازم على الحكيم ايجاد المقدمتين دون المقدمة الأخيرة ، وهذه المقدمات طوليات فان المقدمة الأولى لم تكن لها فائدة إلا حفظ الوجود وسد العدم الناشئ من جهتها لا انها توجب حفظ الوجود وسد العدم الناشئ من المقدمة الثانية إذ هى في طولها فلا يعقل شموله لها فالخطاب لا يستدعي إلا حفظ الوجود من ناحيته سواء انضمت اليه مرتبة البلوغ أم لا وعدم انضمام مرتبة البلوغ لا يضر في فعلية الخطاب وما هو مستدعي له من حفظ الوجود.

وبالجملة ان ايجاد الفعل له موانع وانعدامات فتارة تكون من عدم الخطاب واخرى من عدم التبليغ وثالثة من وجود الشهوة فالخطاب الواقعى انما يوجد سد باب العدم الأول وليس له تعرض لسد العدم الثانى سواء انضم اليه سد باب العدم الثاني أم لم ينضم فعدم الانضمام لا يوجب نقصا في استعدادية الخطاب فان بلغ اهتمام المولى الى نحو ينبغي ايجاد الخطاب وتبليغه فلا بد له من ايجادهما وإلّا اقتصر على مجرد الخطاب ويبقى المكلف جاهلا فلو جاء ترخيص حينئذ لا يزاحم الخطاب الواقعى لان استعدادية الخطاب مع مجيء الترخيص محفوظة وهو سد العدم الناشئ من ناحيته نعم لو بلغ مرتبة التكليف الواقعي الى التبليغ وجاء ترخيص حصلت

المزاحمة بين التكليف الواقعى والترخيص وبعبارة اخرى ان الخطاب الواقعي لو لم يصل الى مرتبة البلوغ لم يكن الغرض منه إلا اخراجه من كتم العدم الى الوجود لمصلحة تقتضيه فلو جاء والحال هذه ترخيص فانه لا ينافي ذلك الخطاب اذ الخطاب الواقعي لا يشمل مرتبة الترخيص فكذلك الترخيص لا يشمل مرتبة الخطاب الواقعي فلا يتحقق بينهما المزاحمة اذ فائدة الخطاب الواقعي محفوظة مع مجيء الترخيص اذ ربما يكون فيه مصلحة في انشائه مثل الامتنان على العبد بانه مرخص فيه مع تحقق الخطاب الواقعي من غير فرق بين كون الامارة على نحو الطريقية أو الموضوعية لما عرفت من اختلاف المرتبة بينهما بحيث يكون الواقع محفوظا ولا يضر به قيام الامارة على الترخيص ولو كانت ذا مصلحة.

وبتقرير آخر ان العناوين المنتزعة من مقام الوجود المعروضة للاحكام والمتصور في الذهن بنحو ترى خارجية ، فتارة تكون في عرض واحد واخرى تكون بينها طولية ، وعلى الثاني فتارة تكون الطولية بينها باعتبار عروض وصف على الذات واخرى تكون الطولية باعتبار طولية الذات والفرق بينهما انه على الأول تكون الذات مجمعا للعنوانين ومصداقا لهما كالرقبة المطلقة والرقبة المؤمنة فان بين العنوانين طولية مع انهما ينطبق الاول على ما انطبق عليه الثانى فتكون الرقبة المؤمنة مصداقا لهما بخلافه على الثاني فان الذات لم تكن محفوظة في المرتبتين فلا تكون الذات مصداقا للعنوانين كمثل الذات المعروضة للامر والذات المعلولة لدعوته ومن هذا القبيل الحكم الواقعي مع الحكم الظاهري فان الموضوع فيهما يختلف بحسب المرتبة بنحو لا يكون شىء واحد مجمعا لهما في عالم العروض ومنشأ ذلك هو كون خطا بهما طوليين ومع فرض طولية الخطاب لا يكون كل واحد

منهما متعرضا لحال الآخر فان الخطاب الواقعي ناشئ من مقدمات من قبل المولى كخطابه الموجب لدعوة المأمور به ولا يكون متعرضا للخطاب الذى تحقق في ظرف جهل المكلف فيما اذا لم يتعلق غرض المولى بحفظ وجود الخطاب الواقعي في جميع المراتب بل غرضه حفظ الوجود من قبل خطابه الاول ، وحينئذ لا يتوجه الخطاب الى حفظ الوجود في المرتبة المتأخرة التي هي عدم علم المكلف فللمولى السكوت ويدع المكلف على جهله فيرجع الى عقله ويجرى البراءة العقلية بل للمولى ان ينشأ خطابا على خلاف الخطاب الاول بلا احتياج الى مصلحة مهمة جابرة أو مزاحمة بل يكفى ادنى مصلحة في انشاء الخطاب ولو كانت امتنانا على العبد بتحقق الترخيص ، نعم لو كان المولى مهتما بحفظ الوجود في المرتبة الثانية التي هي مرتبة التبليغ والوصول الى المكلف لزم عليه ان ينشأ خطابا آخر في ظرف جهل المكلف ولو بايجاب الاحتياط وحينئذ لا يصح له ابقاء المكلف على جهله بل يجب عليه رفع جهله فضلا عن انشاء خطاب على خلاف الواقع ولا يمكن استكشاف غرض المولى على النحو المذكور من الخطاب الواقعي لما عرفت انه لا اطلاق فيه باعتبار المرتبة المتأخرة فلا يستكشف من الخطاب الواقعي إلا بمقدار ما له استعداد لحفظ الوجود من قبله واحتياج حفظ الوجود من ناحية التبليغ الى خطاب آخر يسمى بمتمم الجعل فمع عدم حصوله فلا يلزم على المولى حفظ الوجود من تلك الناحية فله أن يسكت ويترك المكلف غافلا فيرجع الى عقله فيجرى البراءة العقلية أو ينصب له طريقا على خلافه من دون لزوم محذور في البين لعدم المنافاة بين الخطاب الواقعى والترخيص على خلافه لعدم شمول الخطاب الواقعى للترخيص وبالعكس.

اذا عرفت ذلك فاعلم انه مع اختلاف المرتبة اين يلزم تحليل حرام وتحريم حلال باي تقريب حصل من اجتماع المثلين أو الضدين او اجتماع المصلحة والمفسدة او الكراهة والارادة او تفويت الغرض إذ ما عدى الاخير انما يلزم اذا كانت المرتبة محفوظة وإلا فلا تلزم هذه اللوازم الباطلة واما الاخير فلا يلزم منه تفويت الغرض اذ انما يلزم لو كان الخطاب الواقعى فائدته سد جميع أبواب العدم ولكن قد عرفت عدم معقوليته بل انما يكون الغرض منه سد باب العدم الناشئ منه ولا ينافى المصلحة على وجود ترخيص في مرتبة الحكم الظاهرى إذ لا مزاحمة بين المصلحتين لما كان بينهما من اختلاف المرتبة واحدهما لا يصل الى مرتبة الآخر.

ومما ذكرنا ظهر انه لا مجال لدعوى لزوم شىء من المحاذير من غير فرق بين كون قيام الامارة بنحو الطريقية او الموضوعية اما على الطريقية فلا موضوع للشبهة لما عرفت انها عبارة عن تنجيز الواقع في الاصابة وعذرية في الخطأ فلم يكن على الطريقية انشاء حكم لكي تلزم تلك المحاذير من غير فرق بين صورة الانفتاح أو الانسداد واما على الموضوعية فهو وان كان المؤدى مشتملا على حكم إلا انه لا يزاحم الواقع لما عرفت من الاختلاف بين الحكم الواقعي ومؤدى الامارة بحسب المرتبة فلم تكن الذات مصداقا لهما فلا يسرى الحكم من احد العنوانين الى الآخر.

وبالجملة الواقع محفوظ ومحكوم بالحكم الواقعى ولا ينافيه كون مؤدى الامارة حكما ترخيصيا على خلافه بناء على الموضوعية من غير ان يستلزم التصويب او الاجزاء باي معنى من معانيه فان ذلك فيما اذا كان الواقع خاليا من الحكم ولا يلزم منه القول بالاجزاء إذ الاحكام الواقعية لها مرتبتان مرتبة

الفعلية ومرتبة التنجيز الذي هو مورد الامارة وليست المرتبة الاولى مورد الامارة فتلك المرتبة باقية على واقعيتها محفوظة لا تتغير وان قامت امارة على خلافها لما عرفت انها لا تنافيه أو تضاده لاختلاف المرتبة وعدم سراية أحدهما للآخر لعدم وجود اطلاق في احدهما يشمل الآخر ، وقد ادعى بعض الاعاظم (قدس‌سره) ان الاختلاف في المرتبة لا يرفع غائلة محذور اجتماع الضدين إذ الحكم الظاهري وان لم يكن في مرتبة الحكم الواقعى إلا ان الحكم الواقعى يكون في مرتبة الحكم الظاهري ففي رتبة الشك قد اجتمع الحكمان المتضادان ولكن لا يخفى ان ما ذكره مبني على سراية الاحكام الثابتة للعناوين الى المعنون الخارجي فحينئذ يجتمع الحكمان المتضادان في المعنون الخارجي ولكن ذلك محل نظر بل منع ، إذ المعنون الخارجى موطن سقوط الاحكام فلا يعقل ان يكون معروضا للاحكام وليس ذلك إلا من طلب الحاصل فلذا قلنا ان معروض الاحكام الصور الذهنية بما انها ترى خارجية بنحو لا يراها في مقام التصور قبال الخارج بل ترى عين الخارج بنحو لا ترى بينهما اثنينية ولذا يكتسب أحدهما لون الآخر من الطرفين.

ومن هنا نقول بقيام المصالح والمفاسد بالعناوين مع انها قائمة بما هو في الخارج أو تعلق الارادة والكراهة بما هو في الخارج مع ان تعلقها بنفس العناوين لما بين العناوين وما في الخارج من الاتحاد والعينية بالنظر التصورى وان كانت بالنظر التصديقى غيره مع وقوف الحكم على نفس العنوان وعدم سرايته الى نفس المعنون الخارجي لما عرفت انه مقام السقوط لا يعقل ان يكون معروضا للاحكام والعجب من هذا القائل بعدم كفاية الطولية بين الحكم

الظاهري والواقعى في الامارات والاصول المحرزة وكفاية طولية الحكمين في الاصول الغير المحرزة بتقريب ان الاحكام الواقعية تارة تكون بمرتبة من الاهمية بنحو يجب رعايتها على المولى حتى في صورة الجهل فيلزم عليه انشاء ما يرفع الجهل ولو بانشاء ايجاب الاحتياط واخرى تكون بمثابة لا يجب رعايتها في ظرف الجهل وحينئذ للشارع جعل المؤمن بلسان الرفع او بلسان الوضع فتكون كالرخصة المستفادة من حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان فكما ان الرخصة التى تستفاد من حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان لا تنافى الحكم الواقعي ولا تضاده كذلك الرخصة التي تستفاد من قوله (ص) : (رفع عن امتي ما لا يعلمون) والسر في ذلك هو ان هذه الرخصة تكون في طول الحكم الواقعى متأخرة الرتبة عنه ومعه كيف يعقل ان تضاد الحكم الواقعى مع ان ذلك يجري في الامارات والاصول التنزيلية وبذلك تندفع الشبهة بجميع تقاريرها إلا انه تكون على ما بيناه من عدم سراية الاحكام الى المعنونات الخارجية.

واما ما ذكره من اندفاع الشبهة في الامارات والاصول المحرزة بانه ليس المجعول فيها حكما تكليفيا وانما المجعول هو الطريقية والوسطية في الاثبات فهو وان اندفعت شبهة اجتماع الضدين أو المثلين إلا انه تبقى شبهة نقض الغرض فانه مع فعلية الارادة يوجب حفظ غرضه خصوصا في حال الانفتاح وحينئذ في هذا الحال يجعل ما يوجب تفويت غرضه فيكون نقضا لغرضه وهو باطل على ان قياس المقام بالحجة العقلية على الخلاف حيث يقول (فالرخصة المستفادة من حكم العقل الخ) في غير محله اذ ذلك بالنسبة الى حكم العقل يكون من التفويت القهري فيحكم العقل بالبراءة فلا يكون من تفويت الغرض باختياره بخلاف الجعل

الشرعي فانه يكون بالنسبة الى ما لو كان على الخلاف تفويتا بسبب الامور الاختيارية فيكون من تفويت الغرض أو المصلحة أو الالقاء في المفسدة باختياره وهو قبيح لا يصدر من الحكيم.

وبالجملة ما ذكره من جعل الطريقية والمحرزية لا تندفع به الشبهة بجميع تقاريرها وانما يندفع لزوم اجتماع المتضادين ونحوه لعدم انشاء حكم في مؤدى الطريق لكى يلزم مع المصادفة اجتماع المثلين ومع المخالفة اجتماع الضدين على ان هذا المحذور أيضا يلزم الاصول التنزيلية إذ ليس المجعول فيها الطريقية وقد التزم (قدس‌سره) بان المجعول الجرى العملي لا الحكم التكليفى فان رجع ذلك الى الامر بالمعاملة والبناء على احد طرفى الشك فحينئذ يتوجه محذور اجتماع الضدين وان لم يرجع الى ذلك فلا معنى للجري العملي.

فتحصل مما ذكرنا انه لا تندفع الشبهة بجميع تقاريرها بذلك بل بما ذكرنا من طولية الحكمين بنحو لا يسرى أحدهما للآخر والاستاذ (قدس‌سره) لما لم يلتزم بالطولية اجاب عن الشبهة بان اوامر الطرق ليست مولوية وانما هي ارشادية لجعل الحجية ، وعلى تقدير تسليم انها مولوية فليست إلا احكاما طريقية غير ناشئة عن ارادة ومصلحة في المتعلق وانما جعلت طريقا لحفظ الواقع وحينئذ لم يكن في مفاد الامارة حكم لكى يلزم من جعل الامارة اجتماع الحكمين المتضادين هذا في الطرق ، واما في الاصول ففى بعضها يقع الاشكال كمثل قاعدة الطهارة والحلية واستصحابهما حيث ان مفادها الترخيص والاذن في الاقتحام فتكون منافية للحكم الواقعي لو كان مخالفا حيث انه متضمن لارادة فعلية على الالزام ومعه كيف يأذن ويرخص على خلاف تلك الارادة الفعلية وإلا

لزم المحال لاستحالة الجمع بين الارادة الفعلية الواقعية مع الترخيص على الخلاف فاجاب (قدس‌سره) عن ذلك بان الحكم الواقعي في الامارات فعلي نعم تنجزه يتوقف على علم المكلف بخلاف الاحكام الواقعية في موارد الاصول فانها باقية على مرتبة الشأنية بنحو لو علم بها لتنجز لا المرتبة الشأنية المحضة بمعنى لو علم به لم يتنجز فاذا كانت الاحكام في موارد الاصول المانع عن فعليتها جهل المكلف فهي شأنية في موارد الاصول على الخلاف لم تبلغ الى مرتبة الفعلية فلا تكون مضادة لجعل الترخيص على خلافها إذ المضادة انما تحصل مع بلوغها الى مرتبة الفعلية ولكن لا يخفى ما فيه فان ذلك لا يدفع إلّا شبهة اجتماع الضدين او المثلين واما شبهة تفويت الغرض او المصلحة في حال الانفتاح فيما ذكر فلا تندفع فان فعلية الغرض توجب حفظ مرام المولى بنحو يلزم الفحص ومعه كيف يجعل ما بفوت به غرضه لاستحالة صدور ذلك من الحكيم وكيف كان فقد اختلف القوم في قيام الامارة على أقوال ثلاثة (١) الاول القول بالطريقية مطلقا اى سواء وافقت

__________________

(١) الغرض من تقسيم القوم الامارة الى الطريقية والموضوعية اي السببية هو دفع شبهة ابن قبة من تحليل الحرام وتحريم الحلال الذى هو أصل المحاذير التي ذكرت بما حاصله ان هذه المحاذير تندفع على اى تقدير مما يراد من الامارة طريقية كانت أو سببية بتقريب انها تارة ترجع الى ناحية الملاك كمثل تفويت الغرض والمصلحة او القاء في المفسدة واخرى ترجع الى ناحية الخطاب كمثل اجتماع الضدين أو المثلين اما ما يرجع الى ناحية الملاك فعلى الطريقية فيمكن دفع الشبهة في حال الانفتاح بان الزام المكلف بتحصيل العلم عسر وذلك ينافى سهولة الشريعة وسماحتها فحينئذ مصلحة التسهيل تزاحم الملاك فللشارع ان يقدم المصلحة النوعية على المصلحة الشخصية لاجل التسهيل من دون ان يكون

الامارة للواقع ام خالفت ومعنى الطريقية هو تنجيز الواقع عند المصادفة والعذرية عند المخالفة بنحو لا تحدث مصلحة في المؤدى وليست الغاية من جعلها سوى

_________________

هناك قبح اصلا نظير حق الشفعة للشريك إذ ربما يتضرر مع الشريك اللاحق فلا يكون التعبد بالامارة موجبا لتفويت المصلحة او الغرض مع تحقق المصلحة النوعية على ان طريقة الشارع بالنسبة الى الطرق انما هي امضاء لطريقة العقلاء ويكفى في تحقق الامضاء عدم تحقق الردع ، والردع انما يتحقق فيما اذا كان الطريق غالب المخالفة كالقياس مثلا ، واما مع قلة المخالفة بنحو يتدارك مع مصلحة التسهيل لا معنى للرفع ، واما مع الانسداد فلا مجال لتأتي الشبهة إذ في حال الانسداد لا بد من العمل بالظن لكونه أقرب الى الواقع مع عدم وجوب الاحتياط التام واما على السببية فهي على ثلاثة أقسام :

الاول أن يكون قيام الامارة يحدث حكما في الواقع كما هو المنسوب الى الاشاعرة فهو على بطلانه للزوم الدور الواضح انه لا حكم في الواقع لكي تتأتى الشبهة وانما هو من قبيل السالبة بانتفاء الموضوع.

الثانى قيام الامارة يكون من قبيل طرو عنوان ثانوي كمثل الحرج والضرر بنحو تكون عند المخالفة تبدل في الواقع وينقلب عما هو عليه ويكون الحكم الواقعي هو مؤدى الامارة كما هو المنسوب الى بعض المعتزلة فهو وان لم يكن مثل سابقه بالبطلان لكونه أمرا معقولا إلا انه مخالف للاجماع والروايات الدالة على بقاء الحكم الواقعي ولا موجب لتغيره عما هو عليه وانه يشترك العالم والجاهل فيه ومع ذلك كله لا تتأتى تلك الشبهة لانقلاب الحكم الواقعي مع تحقق امارة على الخلاف ويكون مؤدى الامارة هو الحكم الواقعي.

الثالث ان قيام الامارة يحدث مصلحة في سلوكها وهذه المصلحة لا تزاحم الواقع بل يتدارك بها بمقدار ما فات من المكلف بسبب قيام الامارة على الخلاف

كونه طريقا الى الواقع فمع المصادفة تترتب المثوبة والعقوبة على الواقع ومع عدم المصادفة لم تتحقق عقوبة ومثوبة سوى المثوبة على الانقياد وعقوبة على التجري

_________________

وذلك يختلف باختلاف مقدار السلوك فلو قامت امارة على وجوب صلاة الجمعة فالعمل على طبقها فيه مصلحة فلو انكشف الخلاف فتارة قبل انقضاء الوقت واخرى بعده وثالثة لم ينكشف الى آخر العمر ففي الاول يتدارك بمتابعة الامارة فضيلة الوقت وفي الثانية مصلحة الوقت وفي الثالثة يتدارك مصلحة اصل صلاة الظهر مثلا والسببية بهذا المعنى يقتضى عدم الاجزاء إذ الامارة لم تحدث مصلحة في المؤدى لكي يلتزم بالاجزاء او التصويب كما هو لازم الوجهين الاولين وانما المصلحة في تطبيق العمل على المؤدى وبذلك قال الشيخ الانصاري (قده) وان اضاف لفظ الامر بعض أصحابه قبل العمل فتكون العبارة إلا ان الامر بالعمل على طبقها الخ ، نظرا الى ان نفس المؤدى على هذا الفرض لا مصلحة فيه وان المجعول هو الحجية وهي من الاحكام الوضعية التي لا تعلق لها بعمل المكلف فلا عمل لكي يشتمل على المصلحة فلا بد من اضافة لفظ الامر لكي تكون المصلحة فيه ففيه ما لا يخفى اولا ان الحجية حكم وضعي منتزع من الحكم التكليفى بناء على ما اختاره (قده) فحينئذ يتعلق بالعمل لتعلق منشأ الانتزاع وعلى تقدير تأصلها بالجعل فالمصلحة تكون في المجعول لا الجعل وكيف كان فالسببية بهذا المعنى وان كانت معقولة ولم يكن اجماع على خلافها إلا أنه لا دليل على اعتبارها ولكنه مع ذلك يكفى احتمالها في رد دعوى الامتناع عن ابن قبة واما المحاذير من ناحية الخطاب كاجتماع الضدين أو المثلين بتخيل ان التعبد بالامارة يستلزم ذلك فيمتنع صدوره من الحكيم ولكن لا يخفى ان مؤدى الامارة هو الحكم الظاهري فان كان صادرا عن مصلحة الحكم الواقعي فلا يلزم ذلك المحذور وان

الثاني القول بالموضوعية مطلقا اى سواء وافقت الامارة الواقع ام لا ومعنى الموضوعية فيها هو انه بقيام الامارة تحدث مصلحة في قبال الواقع ويكون الثواب والعقاب على الامارة لا على الواقع.

_________________

كان انشاؤه غير انشاء الحكم الواقعي فان تعدد الانشاء لا يوجب تعدد الحكم ومع عدم تعدده فلا محذور راجع الى ناحية الانشاء والخطاب ، واما اذا انشأ الحكم الظاهرى عن ملاك غير ملاك الحكم الواقعي فلا محذور لو كان متماثلين لكونهما من قبيل العامين من وجه في مورد الاجتماع إذ في ذلك المورد لا يلزم منه اجتماع المثلين ، واما مع مخالفة الحكم الظاهرى للواقعي فيتخيل فيه اجتماع الضدين وهو محال وقد اجاب القوم بأجوبة مختلفة وبها يرتفع اشكال الجمع بين الحكم الواقعي والظاهرى منها ما اجاب به الشيخ الانصاري (قده) باختلاف الموضوع بينهما إذ الموضوع في الحكم الواقعي هو الافعال بعناوينها الاولية وفي الحكم الظاهري بعناوينها الثانوية اى بما هي مشكوكة ومع اختلاف الموضوع لا تضاد اذ شرطه وحدة الموضوع ولكن لا يخفى ان اختلاف الموضوع متحقق في الاصول لأخذ الشك في موضوعها دون الامارات لعدم أخذ الشك موضوعا لها كما وقد اجاب المحقق الخراسانى (قدس‌سره) بان اجتماع الحكم الظاهري الواقعي لا يلزم منه محذور اجتماع المثلين او الضدين لاختلافهما بالشأنية والفعلية فان الحكم الواقعي شاني والظاهرى فعلى او بان الحكم الواقعي انشائي والظاهري فعلى أو ان الحكم الواقعي فعلى من بعض الجهات والظاهري فعلى من كل الجهات ، او الحكم الواقعي نشأ عن ارادة والحكم الظاهري حكم طريقى لم ينشأ عن ارادة. هذا بناء على ان يكون المجعول في الامارات هو الحكم التكليفى وان الحجية امر منتزع واما بناء على جعل الحجية من دون أن تستتبع حكما تكليفيا فلا حكم لكي يجتمع الحكمان المثلان او الضدان

الثالث التفصيل بين التوافق والتخالف فعلى الاول الطريقية وعلى الثانى الموضوعية والذي يقتضيه النظر الدقيق هو القول الاول وهو القول بالطريقية ولم تكن هناك مصلحة سوى مصلحة الواقع والعقوبة والمثوبة على

_________________

ولكن لا يخفى انه ما المراد من الحكم الواقعي الشأني فان كان عبارة عن ثبوت المقتضي له من دون امتناع حكم لقيام الامارة على الخلاف فلازمه ان لا يكون للجاهل حكم واقعي وذلك هو التصويب الاشعري الواضح البطلان وان كان عبارة عن ثبوته للاشياء بعناوينها الاولية علي مقتضى طبعها فلازمه انه بقيام الامارة على الخلاف يكون مما يطرأ عليه عنوان ثانوى فيتبدل الحكم فهو من التصويب المعتزلي المجمع على بطلانه على ان فعلية الحكم الواقعي انما يتحقق بتحقق موضوعه فمع تحققه يستحيل عدم فعليته إذ هو من قبيل تخلف المعلول عن العلة فعليه لا يكون الحكم الواقعى مقيدا بعدم قيام الحجة على الخلاف فلازمه عند قيامها اجتماع الحكمين الفعليين وهو محال للزوم اجتماع الضدين ومع تقيده بعدم قيامها على الخلاف فلا فعلية له الملازم لعدم ثبوته هو التصويب المجمع على بطلانه وقد اجاب الاستاذ المحقق النائيني (قدس‌سره) بما حاصله ان في الامارات المجعول هو مجرد الوسطية وتتميم الكشف فلا حكم حتى ينافي الواقع ليقع التضاد او التصويب كما ان في الاصول التنزيلية ليس المجعول أمرا مغايرا للواقع بل الجعل الشرعي تعلق بالجرى العملى على المؤدى على انه هو الواقع واستفاد ذلك من بعض اخبار قاعدة التجاوز (بلا قد ركع) فان كان المؤدى هو الواقع فهو وإلا كان الجرى العملى واقعا في غير محله من دون ان يكون قد تعلق بالمؤدى حكم على خلاف ما هو عليه ، واما الاصول غير التنزيلية والاحكام الواقعية لا تكون محركة ما لم تصل الى مرتبة الوصول

الواقع لا على مؤدى الطريق ، والدليل عليه هو ان ديدن الشارع امضاء طريقة العقلاء ، ولا اشكال انا نجد من اهل العرف عند الاخبار عن شيء لم يكن غرضه إلا التوصل الى الواقع وقد اعتبر الخبر للوصول اليه من دون غرض

_________________

وهي مرتبة التنجيز والعذرية وهذه المرتبة متأخرة عن مرتبة الحكم الواقعي وللشارع ترك التصرف بهذه المرتبة إلا فيما لو كان الحكم الواقعى له اهمية بنظره فلا يرضى بتركه فيجب عليه ايصال التكليف ولو بايجاب الاحتياط وهذا ناشئ عن مصلحة الحكم الواقعي واما لو لم يكن الحكم الواقعي قد بلغ بتلك الاهمية فللشارع ترك المكلف واتّكاله الى عقله لتجرى في حقه البراءة او نصب دليل دال على الترخيص.

وبالجملة الحكم الظاهري في طول الواقعي ومع هذه الطولية لا تضاد بينهما ولكن لا يخفى ان اختلاف المرتبة لا يرفع التضاد إذ مع تحققه وفعليته كيف يرخص في الترك ولا يقاس على الترخيص العقلي لتعدد الحاكم في المقيس عليه ووحدته في المقيس على ان العقل ليس له حكم تكليفى وانما يدرك استحقاق العقاب في مورد عدم البيان بخلاف الترخيص الشرعي الذى هو حكم تكليفى.

وكيف كان فما ذكر من الاجوبة محل نظر حسبما عرفت من المتن والحاشية لذا ذكرنا في تعليقتنا على الكفاية جوابا آخر عن شبهة التضاد كما انه به يرتفع اشكال الجمع بين الحكم الواقعي والظاهري وحاصله ان الاحكام التكليفية انما هي اعتبار من المولى امرا على ذمة العبد كاعتبار الدين على ذمة المديون ويستفاد من اطلاق الدين على الحكم التكليفي حيث يقول (ان دين الله احق ان يقضى) وهذا المعنى اى كون الحكم الواقعي هو امر اعتبارى على رقبة العبد هو الذي يشترك فيه الجاهل والعالم حيث انه بعهدة البالغ العاقل نعم يختص العالم بكونه ينبعث عنه لعلمه بالحكم وبذلك لا يلزم التصويب وهذا

فى الخبر نفسه وهذا واضح لمن تتبع فيجد استقرار سيرة العرف على ذلك وليس للشارع إلا امضاء طريقة اهل العرف وإلا كان عليه ان يرد عنهم ويخطئهم.

ثم لا يخفى ان الامارة يختلف حالها بحسب حال الانفتاح والانسداد والمراد بحال الانسداد عدم الوصول الى المعصوم (ع) والمراد بالانفتاح هو امكان الوصول اليه (ع).

_________________

الاعتبار الذي هو بعهدة المكلف يكون مسبوقا بالشوق او الكراهة وملحوقا بالانشاء في الخارج وايصال ذلك الى المكلف وعليه لا مضادة بين التكليف بالالزام والترخيص الاعتباريين إلا بالعرض اى من ناحية ما سبق التكليف ومن ناحية ما لحقه اما من ناحية ما سبق التكليف فان الزام المكلف بشىء لا بد وان يكون ناشئا عن مصلحة في الفعل والزام المكلف بالترك لا بد وان يكون ناشئا عن مفسدة في الفعل واجتماع الامرين في شيء واحد غير ممكن فتقع المضادة بين الحكمين من حيث ما سبق وكذا تحصل المضادة العرضية من حيث ما لحق بالتكليف فان التكليف بالحرمة والترخيص بعد وصول كلا التكليفين يوجب المضادة ولا يخفى ان هذه المضادة العرضية انما تحصل مع كون كل من التكليفين واقعيين او ظاهريين ، واما لو كان احدهما واقعيا والآخر ظاهريا فلا مضادة بينهما اما من ناحية ما سبق على التكليف فالتكليف الواقعى ناشئ عن مصلحة في المتعلق والظاهري لم ينشأ عن مصلحة اصلا وانما نشأ عن مصلحة في الجعل كجعل الاحتياط لحفظ الواقع او جعل البراءة تسهيلا على المكلف ، واما من ناحية ما لحق بالتكليف فالتكليف الواقعي عند وصوله لا يبقى موضوع للحكم الظاهري ومع عدم وصوله يكون الواصل الحكم الظاهرى فلا تضاد حينئذ لعدم وصول الحكمين فلا تغفل.

بيان ذلك ان في حال الانسداد الاتيان بمؤدى الامارة ان وافقت الواقع كان الواقع متنجزا ويستشعر منه اهمية الواقع بانه وصل الى مرتبة التنجز وهو لا ينافى الانسداد بالمعنى الذى عرفت وان لم يوافق الواقع فلا يكون الواقع منجزا والاتيان بمؤدى الطريق على خلاف الواقع عذرا وبالنسبة الى المكلف سيان إذ في الصورتين يجب الاتيان بمؤدى الطريق غايته على تقدير المصادفة يكون المؤدى هو الواقع وعلى تقدير المخالفة يكون عذرا ، واما على الانفتاح فحيث انه يصل الى الامام (ع) فلا يمكن ان ينصب للمكلف امارة تخالف الواقع إلا ان يكون مصلحة في سلوكها يتدارك به مفسدة ترك الواقع ، واما الطريق الموافق للواقع فلا مصلحة في سلوكه إذ الواقع منجز بدون نصب الطريق إذ حسب الفرض انه متمكن من الوصول الى الامام (ع) ولا يخفى ان المصلحة السلوكية يتدارك بها ما فات من مصلحة الواقع بمقدار ما فات فتارة يتدارك ما فات منه وقت الفضيلة ، واخرى مصلحة الوقت ، وثالثة مصلحة الصلاة لو لم يحصل الانكشاف الى آخر العمر وكل ذلك يدل على ان الواقع محفوظ ولا يتغير بقيام الامارة على الخلاف لكي يلزم التصويب المجمع على خلافه او القول بالاجزاء إذ مع انكشاف الخلاف يتنجز الحكم الواقعي ويجب الاتيان به ان كان في الوقت يجب أداؤه وان كان في خارج الوقت يجب قضاؤه فافهم وتأمل.

تنبيهان الاول انه اجاب عن اشكال ابن قبة بعض السادة المحققين (قده) بما حاصله ان الاحكام الشرعية انما هي متعلقة بالصور الذهنية الحاكية عما في الخارج لا بنفس الخارج إذ الخارج ظرف السقوط لا ظرف التعلق والثبوت

ولا اشكال في جواز تعدد الحاكى مع وحدة المحكى ، فاذا فرض جواز التعدد فيجوز ايضا اختلاف الحاكيين بحسب الحكمين فحينئذ لا يتحقق هناك تناقض اصلا ولا تضاد لتعدد متعلق الحكمين (١) وفيه ان هذا الجواب لا يدفع به إلا

__________________

(١) وببيان اوضح ان الاحكام لا تعلق لها بالموجودات الخارجية حتى يتوهم ان الفعل الخارجى المجهول حكمه مجمع لموضوع الحكم الواقعي وموضوع الحكم الظاهرى فيلزم اجتماع الضدين في موضوع واحد بل تعلق بالموجودات الذهنية من حيث انها حاكية عن الخارج والعنوان المتعلق للحكم الواقعي مع العنوان المتعلق بالحكم الظاهري لا يحتملان في الوجود الذهنى حتّى يكون هناك عنوانان لموضوعي الحكمين ، وذلك ان موضوع الحكم الواقعي نفس الفعل المجرد عن لحاظ العلم بحكمه والشك فيه وموضوع الحكم الظاهرى هو الفعل بوصف كونه مشكوك الحكم فكيف يجتمع لحاظ التجرد ولحاظ الاتصاف ولكن لا يخفى ما فيه ان شرب التتن مثلا لا يعقل ان يلحظ مجردا عن العلم وعدمه إذ يكون حينئذ مهملا إذ الماهية من حيث هي ليست إلا هي فعليه لا يكون لها اعتبار فلا تكون مطلوبة ولا غير مطلوبة فكيف تلاحظ مع الحكم كما انها لا يعقل ان تكون ملحوظة مجردة عن العلم بنحو بشرط لا فلا بد حينئذ أن تلاحظ بالنسبة الى العلم وعدمه لا بشرط اى لا بشرط القسمى مثلا شرب التتن الذي هو موضوع الحكم الواقعي يلاحظ بنحو لا يكون مقترنا بالعلم ولا بعدمه بمعنى لا بشرط منهما ولازم ذلك ان الذات الذى هو شرب التتن محفوظة في مقام العلم بحكمه وعدم العلم بحكمه فاذا كانت الذات محفوظة في المقامين فيكون شرب التتن مثلا في حال كونه مجهولا قد حكم بحكمين متضادين من حيث ذاته ونفسه قد حكم عليه بالحكم الواقعي ومن حيث كونه مجهول

غائلة اجتماع الحكمين واجتماع المحبوبية والمبغوضية واما اجتماع المفسدة مع المصلحة أو نقض الغرض فلا يندفع بما ذكر. اما الاول فالمصلحة وكذا المفسدة لم تتعلق إلا بما هو خارجى لا بما هو حاكى عن الخارج ، وكذا الثانى إذ

__________________

الحكم محكوما بحكم آخر مضاد له.

وبالجملة ان تعدد الموضوع مع كون الذات محفوظة في المقامين لا يرفع غائلة استحالة اجتماع الضدين ولاجل ذلك اضاف بعضهم الى تعدد الموضوع اختلافهما بحسب المرتبة دفعا لذلك المحال بتقريب ان الحرمة الواقعية موضوعها شرب الخمر مثلا والحلية الظاهرية موضوعها الشك بالحرمة الواقعية ومن الواضح تأخر الشك بها عن الحرمة بمرتبة ، وقد اخذ ذلك موضوعا للحلية الظاهرية فلزم تأخر الحلية الظاهرية التى هي الحكم الظاهري عن الحرمة الواقعية التي هى الحكم الواقعي بمرتبتين ومع اختلاف المرتبة بالتقدم والتأخر لا يجتمع الحكم الواقعى مع الظاهري وحينئذ يرتفع محذور اجتماع الضدين من الجمع بين حكم الواقعى مع الظاهري ، وقد اشكل على ذلك المحقق الخراساني (قدس‌سره) في كفايته بما لفظه : (فان الظاهري وان لم يكن في تمام مراتب الواقعي إلا انه يكون في مرتبته أيضا وعلى تقدير المنافاة لزم اجتماع المتنافيين في هذه المرتبة) ولكن لا يخفى انه مع تسليم الاختلاف بين الحكم الواقعي والظاهري بالتقدم والتأخر بحسب الرتبة فحينئذ كيف يكون الحكم الواقعى في مرتبة الظاهري وذلك ينافى كون الحكم الواقعي في المرتبة المتقدمة والظاهرى متأخر بمرتبتين إلا ان الكلام ان الاختلاف بحسب المرتبة بمعنى يكون ترتب طولى بين الحكمين من غير فرق ان ذلك الترتب بين السببين أو ترتب بينهما بالطبع فان ذلك لا يرفع غائلة استحالة الجمع بين الضدين مع تحقق المعية في الوجود

الغرض لم يتعلق بالصور الذهنية بل بالوجودات الخارجية.

ثانيهما انه لا اشكال ولا ريب في ان الامارة منجزة المواقع ومبينة له

__________________

الخارجى زمانا ، فان ذلك يكفى في تحقق استحالة الجمع بين الضدين إذ المعاندة والمطاردة بين الضدين انما يكون بحسب الوجود الخارجى وليس مرتبة الطبع من المراتب الوجودية الخارجية لكي يقال لا تزاحم للموجود في هذه المرتبة كيف وربما يكون المتقدم والمتأخر بالطبع متساويين في نيل الوجود الخارجى الزماني.

وبالجملة ان هذا المعنى من التقدم والتأخر لا ينافي المعية في الوجود فمع تحقق المعية في الوجود الزماني لا يرتفع غائلة استحالة اجتماع الضدين أو المثلين أو اجتماع المصلحة والمفسدة إذ هما يقومان بالوجود الخارجي وقد اجاب المحقق الخراساني (قده) عن تلك الاستحالة بان الحكم الظاهري حكم طريقى غير ناشئ عن ارادة وكراهة بالاضافة الى نفس النبي (ص) او الوصي عليه‌السلام لا بالاضافة اليه تقدست اسماؤه لعدم انقداحهما في نفسه تعالى إذ الارادة عنده جل وعلا عبارة عن العلم بالصلاح فان تعلقت بنظام العالم فهى ارادة تكوينية وان تعلقت بافعال المكلفين فهي ارادة تشريعية ، والذى ينشأ عن ارادة وكراهة في نفس النبي (ص) او الوصي (ع) إنما هو الحكم الواقعى ، واما الحكم الظاهري فهو طريقي محض لا ينشأ عن ارادة وكراهة في نفسهما إذ لم ينشأ إلا لحفظ الواقع لمصلحة في نفسه لا لمصلحة في المتعلق كما هو قضية الحكم الواقعي فعليه لا يلزم محذور اجتماع الضدين إذ هو صورة حكم انشأ لتنجز الواقع عند المصادفة وصحة الاعتذار عند الخطأ إلا انه (قدس‌سره) قد استشكل تأتى الجواب المتقدم في الاصول كاصالة الحلية نظرا الى ان المستفاد من قوله (ع) (كل شىء لك حلال حتى تعلم انه

وكاشفة عنه وانما الاشكال في كيفية البيانية الذي به تصحح العقوبة على المخالفة والمثوبة على الموافقة وذلك ربما يستشكل فيه.

بيان ذلك ان قيام الامارة على كون صلاة الجمعة واجبة واقعا فيحتمل انها واجبة واقعا فيجب العمل على طبقها اذ بها قد تنجز الواقع ويحتمل ان الواقع

__________________

حرام) هو الترخيص الحقيقى في الاقدام وهو ينافي المنع الواقعي والالتزام بان مفاد اصالة الحل حكم صورى طريقى امر غير ممكن ، ولذا اخيرا التزم كون الاحكام الواقعية فعلية فلا تكون معها ارادة أو كراهة دفعا المحاذير من اجتماع الضدين او الارادة والكراهة او المصلحة والمفسدة. ولكن لا يخفى ما فيه إذ الاحكام الواقعية التي لا ارادة وكراهة معها كيف تتنجز بالعلم مع ان تنجزه بالعلم باعتبار حكايته عن الارادة والكراهة ومع عدم حكايته عنهما لا يكون موضوع اثر في نظر العقل. فالالتزام بعدم حكايته عنهما مع انه لو علم به لتنجز التزام بالمتنافيين فالاولى في الجواب ما ذكره بعض المحققين (قده) عن محذور اجتماع الارادة والكراهة بما حاصله ان الاحكام التكليفية لا تضاد بينهما بحسب أنفسها وانما التضاد يقع بينها بحسب مباديها فلا يعقل ان يكون شيء واحد بما هو شيء واحد واجبا ومحرما باعتبار ان وجوبه ناشئ عن ارادة المولى والحرمة ناشئة عن كراهته إذ مقتضى تعلق الارادة به يكون وجوده ارجح من عدمه ومقتضى تعلق الكراهة يكون عدمه أرجح من وجوده وذلك من المحالات الاولية التي لا يقع فيها خلاف ونزاع وانما الكلام فيما لو كان للشيء جهات من ناحية ايجاده فيمكن ان يريده من جهة ويبغضه من جهة اخرى كما يتصور ذلك في المركب المشتمل على اجزاء كالبيت المشتمل على جدران وسقوف فانه يمكن ان يريد البيت بما يكون مشتملا على الجدران من دون اشتماله على السقوف فتعلق

لم يكن واجبا فلا يجب العمل على طبقها وبعبارة اخرى ان صلاة الجمعة في زمان الغيبة يحتمل وجوبها ويحتمل عدم وجوبها فحينئذ لو قامت امارة على وجوبها مثلا فلا يجب العمل على طبقها للاجمال الواقع في مفادها وهو انه هل مفادها حكم مولوى ناشئ عن ارادة جدية مع الموافقة او حكم صورى لم يترتب عليه شيء سوى كون مخالفته تجريا وموافقته انقيادا فاذا كان المفاد مجملا فلا يجب اتباعه كما لو دار الامر بين الوجوب والاباحة لا يجب اتباعه بل هو مجرى

__________________

ارادته بالبيت بما انه مشتمل على الجدران وكراهة بالبيت المشتمل على السقف فيكون البيت الواجد تعلقت به ارادة بالجدران وكراهة في السقف ، واما اذا كان راجحا من الحيثيتين فلا بد وان تنبعث ارادة بايجاد البيت بما له تلك الحيثيتين ولا يعقل ان تحدث كراهة متعلقة بالبيت بما له تلك الحيثيتين او احدهما للزوم المحال وهو اجتماع الارادة والكراهة في الشىء الواحد بما هو واحد.

اذا عرفت ذلك في الارادة التكوينية فاعلم ان الارادة التشريعية على نحو الارادة التكوينية بل هي من سنخها غاية الامر ان الارادة التكوينية تتعلق بالامور التكوينية والتشريعية تتعلق بافعال المكلفين ففعل المكلف المتعلق لارادة المولى له حيثيتان حيثية ايجاد الحكم الشرعى وحيثية ايصاله الى المكلف لكي ينبعث العبد الى ايجاده ، ومع حصول تلك الحيثيتين يكون ايجاد الفعل الخارجى متعلقا لارادة المولى ولا يعقل ان يتعلق كراهة به وإلّا لزم المحال وهو اجتماع الكراهة والارادة في شيء واحد واما اذا تعلقت ارادة المولى بايجاد الحكم فقط من دون مصلحة في ايصاله واعلام المكلف بل كان يكره اعلامه فتكون الارادة تعلقت بغير ما تعلقت الكراهة فلا يحصل التنافى بينهما لاختلاف متعلقيهما فاذا لم تحصل المنافاة بينهما فلا محذور من جعل الترخيص بالنسبة الى

قبح العقاب من دون بيان وبجريان هذه القاعدة يرتفع الاحتمال الحاصل بقيام الامارة. نعم لو كان الاحتمال هو الذى يكون به تمامية الحجة كان رافعا لقبح العقاب بلا بيان.

وعليه يمكن ان يقال بانه لا اثر لقيام الامارة اذ الاحتمال يكون منجزا قبل قيام الامارة فقيامها حينئذ لا اثر له اللهم إلا ان يقال انه ان لم تقم امارة يكون المورد من موارد التخيير أو دوران الامر بين محذورين ولا يتمكن المكلف من الاحتياط وعند قيام الامارة يتعين عليه الاحتمال الذى هو مؤدى الامارة بل ربما تكون مصلحة بقيام الامارة يتدارك بها ما فات من مصلحة الواقع على تقدير عدم المصادفة. ولا يخفى ان هذا الاشكال انما يجرى في صورة

__________________

الجهة المتعلقة به الكراهة إذ تلك الجهة لم تتعلق بها الارادة وبذلك لا تحصل المنافاة بين الحكم الواقعي والترخيص والرضا بالمخالفة إذ الترخيص في ظرف الشك لا ينافي الارادة الواقعية لتعلق الارادة بالوجود من حيثية جعل الحكم فقط والترخيص بلحاظ جهة الاعلام وهذه الجهة ليست موضوعا للارادة حسب الفرض نعم لا يعقل تحقق الترخيص لو كان الواقع مرادا من الحيثيتين حيثية ايجاد الحكم وحيثية ايصاله ولو كان بايجاب الاحتياط.

فظهر مما ذكرنا انه لا تنافى بين الاحكام الواقعية والتعبد بالامارة او الأصل لعدم لزوم اجتماع المثلين في مورد الاصابة إذ التعبد نشأ عن ارادة الوجوب من جهة اقامة الحجة على الحكم لا من جهة الحكم ولعدم لزوم اجتماع الضدين في صورة عدم الاصابة لو كان الواقع الزاميا اذ التعبد حينئذ وان كان حاكيا عن الترخيص إلا انه لا ينافي الارادة الواقعية لما عرفت من اختلاف الجهة فمن جهة الحكم يكون مريدا ومن جهة الايصال يكون كارها فلا تغفل.

الانسداد لا في صورة الانفتاح وبهذا الاشكال نورد على كل من قال بكون قيام الامارة على نحو الطريقية ولا يرد على من قال بكون الامارة على نحو الموضوعية. وقد عرفت منا سابقا بان المختار في الامارات انها على نحو الطريقية لا الموضوعية وان العقاب والثواب على الواقع المجهول لا على قيام الامارة وانها كالاصول الجارية في مواردها فكما ان الاصول يبعد القول بالموضوعية فيها كذلك الامارات.

ودعوى انه يبعد القول بالطريقية في الامارات بل هي وظائف شرعية ممنوعة بان الطريقية لها معنيان الاول بتنجز الواقع الثانى جعله طريقا للواقع المجهول والمراد بالطريقية هو المعنى الاول الذى يعم الامارات والاصول لا الثاني الذي يختص بالامارات إذ هي جعلت طريقا هذا غاية ما يمكن في توجيه الاشكال وقد اجيب عن ذلك بوجوه الاول ما عن الاستاذ (قدس‌سره) في الكفاية بما حاصله ان المجعول في باب الامارة هو الحجية لكونها من الامور الاعتبارية القابلة للجعل وجعلها يستتبع حكم العقل بوجوب اتباعها وكونها قاطعة للعذر ولكن لا يخفى ما فيه إذ الحكم العقلي لا يستتبع جعل الحجية فان العقل الحاكم بوجوب المتابعة يتبع الكاشفية من دون توقفه على جعله على ان الحجية لا معنى لجعلها ودعوى انها القاطعة للعذر والمصححة للعقوبة على الترك ممنوعة إذ سببية شيء لشيء انما تكون ناشئة عن أمر تكويني يوجب تأثيره في المسبب فلذا لا تنالها يد الجعل ، فالحجية بهذا المعنى غير قابلة للجعل الشرعي.

ودعوى أن مرجع جعل السببية الى جعل المسبب عند تحقق السبب كما ان الدلوك مثلا سبب لوجوب الصلاة فانه يرجع الى ان وجوب الصلاة عند

الدلوك ممنوعة فإن لازم ذلك ان يكون المسبب قابلا للجعل كما هو كذلك بالنسبة إلى وجوب الصلاة فقد جعل وجوبها عند الدلوك وليس المقام من هذا القبيل إذ المسبب في المقام وهو حكم العقل باستحقاق العقوبة غير قابل للجعل الشرعي لكي يجعل عند تحقق الامارة على ان ما ذكر في الجواب مختص بالامارات لا يشمل الاصول وقد يجاب عن ذلك بما افاده بعض الاعاظم (قده) بأن المجعول في باب الطرق هو الكاشفية والطريقية الموجب لصيرورة الظن وسطا فيكون من مصاديق العلم فيترتب عليه ما يترتب على العلم من الحجية والمنجزية والقاطعية للعذر ولكن لا يخفى ان ذلك يتم في الامارات دون الاصول لعدم الكشف فيها على انه لو سلمنا كون المجعول هي الكاشفية لارجاع ذلك الى نحو من الادعاء والتنزيل لكي ستتبع انطباق العلم عليه فيحتاج ذلك الى اثر شرعي لكي يصح التنزيل كما هو كذلك في بقية التنزيلات الشرعية ومرجع التنزيل في الامارة ليس إلا بالامر بمعاملتها معاملة العلم فحينئذ تشترك مع الاصول غاية الامر انها في الاصول أمر مجعول بدوي من غير ان يستكشف من شىء أو في الامارات امر مجعول بجعل الطريقية وإلا فلا معنى لجعل الكاشفية والمحرزية إذ هي امر تكوينى واقعي ليست من الحقائق الجعلية.

وعليه يقع الكلام في هذا الامر المتولد من الكاشفية هل هو طريقي أو موضوعي يستتبع العقوبة على مخالفته والمثوبة على موافقته اما كونه موضوعيا فلا يلتزم به أحد فينحصر في كونه طريقيا وعليه يتوجه الاشكال المذكور بأنه أمر لا يجب امتثاله لكونه محتملا للوجوب مع موافقته للواقع كما انه محتمل لكونه صوريا مع مخالفته للواقع فمع الشك في ذلك فالمرجع البراءة وقد

اجاب عن هذا الاشكال بعض الاجلة بأن أوامر الطرق هي طريقية ناشئة عن ارادة جدية شرعت لحفظ الواقع نظير ما لو اختلطت جوهرة ثمينة مع احجار بنحو لا يمكن تمييزها من بين تلك الاحجار فتتعلق ارادته بأخذ تلك الاحجار ومن الواضح ان هذه الارادة المتعلقة بأخذ الاحجار ليست إلا طريقية لتحصيل ذلك الحجر الثمين ، وكما ان الامر في الارادة التكوينية تكون طريقية كالمثال المذكور كذلك بالنسبة الى الارادة التشريعية المتعلقة بفعل الغير فالامارة المصادفة للواقع تكون بمنزلة ذلك الجوهر الثمين والامارة المخالفة للواقع تكون بمنزلة تلك الاحجار ولكن لا يخفى ما فيه إذ ما ذكر من المثال ليس إلا ارادة واحدة تعلقت بتحصيل ذلك الجوهر الثمين ولكن لما لم يكن منجزا واحتمل انطباقه على كل حجر صار نفس الاحتمال منشأ لأخذ تلك الاحجار وذلك من قبيل الاحتمال المحرك لأطراف العلم الاجمالى فلم يكن هناك ارادات متعددة حتى يقال انها نفسية ام طريقية بل ليس إلا ارادة واحدة تعلقت بالمطلوب الواقعي وان المحركية قد تعددت بتعدد الاحتمال على انه لو سلم تعدد الارادة فذلك بالنسبة الى الجاهل بالواقع لا بالنسبة الى العالم إذ لا يعقل تعلق ارادته إلا بمطلوبه الواقعي كما في المقام حيث ان الشارع لما كان عالما بالواقعيات ومميزا بين الامارة المطابقة وبين غيرها فلا معنى لجعل الامارة المطابقة وغير المطابقة حفظا للواقع إلا بدعوى ان الارادة المتعلقة بالمجموع مقدمة لتحقق مرامه ليحصل للمكلف الداعي الى الاتيان بالجميع لكي يحصل مطلوب المولى ضمنا ولكن لا يخفى ان ذلك يتم لو قلنا بكفاية المصلحة في نفس الامر وهو محل منع.

ثم انك قد عرفت ان الالتزام بجعل الحجية بناء على انها قابلة للجعل

او الالتزام بجعل الحجة بناء على ان الحجية كالسببية والشرطية والمانعية التي غير قابلة للجعل فيكون معنى جعل الحجة عبارة عن جعل مؤدى الامارة حجة كالعلم وان كانا يفترقان فان العلم حجة عقلية والامارة حجة تعبدية لا يرفع الاشكال لاختصاص ذلك بالامارات فلا يشمل الاصول مضافا الى انه يرد عليها انه بناء على الالتزام بجعل الحجية او جعل الحجة يوجب رفع اليد عن ظهور دليل الاعتبار فانه ظاهر في المولوية والحكم التكليفي فصرفه عن المولوية الى الامر الارشادي وعن الحكم التكليفى الى الحكم الوضعى رفع لظهور دليل الاعتبار فالحق في الجواب هو انك قد عرفت منا سابقا ان الخطاب الواقعي لا يكون حافظا وسادا للاعدام الناشئة من المرتبة الثانية وهي مرتبة الجهل بالواقع فسد الاعدام الناشئة من المرتبة الثانية تحتاج الى خطاب آخر وهو الطرق فايجادها يكون كاشفا عن ارادة ثانية متعلقة بالواقع وحينئذ يكشف عن كثرة الاهتمام بالواقع فلا يرضى المولى بترك الواقع في كلتا الحالتين وهما العلم والشك وبذلك يكون رافعا لقبح العقاب من دون بيان إذ المراد من البيان ما يصح معه العقوبة على المخالفة وهنا كذلك إذ لما علمنا بان الواقع مما اهتم به فلا يرضى الشارع بتركه على تقدير مطابقة الامارة للواقع فيجب العمل على طبقها من جهة احتمال مطابقة الامارة للواقع.

وبما ذكرنا يظهر الفرق بين ما نحن فيه وبين الامر المجمل إذ الامر المجمل لما كان مرددا بين الاباحة والوجوب ولم يكن على تقدير ارادته في أحد الطرفين مما يطلب لم يكن بيانا بل يكون في ظرف اللابيان فيتحقق موضوع قبح العقاب بلا بيان بخلاف ما نحن فيه فانه يريده ولا يرضى بتركه على تقدير المطابقة فيرفع

قاعدة قبح العقاب بلا بيان فلذا صح معه العقوبة. ومن هنا صح لنا دعوى ان المنجزية في الامارات هو احتمال المنجزية بتقريب ان اوامر الطرق كشفت عن ارادة الواقع في ظرف الجهل بها فيكون التكليف المحتمل في مورد المطابقة كان مبينا بهذه الاوامر ويكون مما قام عليه البيان فلا يبقى موضوع لحكم العقل بقبح العقاب من دون بيان ،

وبالجملة الاوامر الطريقية صالحة لكونها بيانا في مورد المصادفة ومع صلوحها تصح العقوبة عليها فلا يتحقق والحال هذه موضوع القاعدة وبما ذكرنا يفرق بين المقام والشبهات البدوية فانها في مورد مصادفة الاحتمال للواقع لم يقم عليه البيان الواصل ومع عدم تحقق البيان دخلت الشبهة تحت موضوع قاعدة قبح العقاب بلا بيان. والحاصل ان البيانية في الامارات على تقدير المصادفة متحققة وهي نصب الطرق وفي الشبهات البدوية لم يكن هناك بيان على تقدير مطابقة الاحتمال للواقع وتظهر الثمرة بين المختار وبين بقية الوجوه في نتيجة دليل الانسداد فعلى المختار تكون النتيجة هى الحكومة أي يحكم بتعيين العمل بالظن لانه لما علمنا بعدم رضاء الشارع بترك الوقائع مع انا لسنا بمهملين نجزم بان الشارع يريد منا الواقع فيكون منجزا وبمقتضى المقدمة الرابعة يتعين العمل بالظن وذلك معنى الحكومة ومقتضى بقية الوجوه تكون نتيجة الانسداد هو الكشف حيث ان الشارع لم يرفع اليد عن الواقعيات كان من اللازم نصب الطرق المسماة بمتمم الكشف وبمقتضى المقدمة الرابعة انا نستكشف ان الشارع عين لنا الطريق وليس إلا الظن هذا تمام الكلام في امكان التعبد بالظن.

وقوع التعبد بالظن

المبحث الثانى في وقوع التعبد بالظن فنقول لا اشكال ولا ريب في عدم جواز التعبد بالظن فيما لو شك في اعتباره وقد استدل الشيخ (قدس‌سره) عليه بالادلة الاربعة فمن الكتاب قوله تعالى : (قُلْ آللهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللهِ تَفْتَرُونَ) ومن السنة (رجل قضى بالحق وهو لا يعلم) ومن الاجماع ما ادعاه الوحيد البهبهاني (قده) من ان حرمة العمل بما لا يعلم من البديهيات بين العوام فضلا عن الخواص ومن العقل اطباق العقلاء على تقبيح العقل على تشريعه واسناد ما لا يعلم انه منه (١) وقد اشكل على ذلك الاستاذ (قده) بما حاصله

__________________

(١) لا يخفى ان الاستدلال بالآيات والاخبار على حرمة التعبد بما ليس يعلم على تقدير الاستفادة منها ليس بحثا عن مسألة اصولية وانما هو بحث عن مسألة فرعية خارجة عن مقاصد الكتاب مضافا الى ان التمسك بمثل ذلك بحرمة العمل بما يشك في اعتباره من قبيل التمسك بالعام فيما شك في فرديته كالتمسك بعموم اكرام العلماء لوجوب اكرام ما شك في كونه عالما.

بيان ذلك هو ان المستفاد من هذه العمومات هو عدم العمل بالظنون الذي لم يلغ فيها احتمال الخلاف فلو جاء دليل خاص او عام يدل على الغاء احتمال الخلاف عما يفيد الظن يكون حاكما على تلك الادلة فمع الشك في كون هذا الظن مما الغي فيه الخلاف ام لاقى الحقيقة يرجع الى الشك في فردية العام ولا اشكال في عدم

ان جواز الالتزام ونسبة مؤدى الحجية اليه تعالى ليسا من آثار الحجية

__________________

جواز التمسك بالعام مع الشك في الفردية ولو قلنا بجواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية اللهم إلّا ان يقال بان نسبة ادلة الحجية الى الادلة المانعة من قبيل نسبة المخصص الى العام فالشك في حجية شيء يكون من الشك في المخصص فيرجع فيه الى عموم العام بكونه من الشبهة المفهومية وإلّا لما جاز التمسك بادلة الاصول عند احتمال وجود الحجة على خلافها والتالى باطل.

إذا عرفت ذلك فاعلم ان جواز التعبد بالامارة والالتزام بمؤداها على انه حكم الله تعالى هل يلازم حجيتها بنحو يستكشف من حرمة التعبد عدم الحجية او انها ليست من اللوازم إذ قد تكون الامارة حجة مع عدم جواز التعبد والنسبة الى الشارع اختار المحقق الخراساني (قده) الثاني فقال ما لفظه :

(واما صحة الالتزام بما ادى اليه من الاحكام صحة نسبته اليه تعالى فليسا من آثارهما ضرورة ان حجية الظن عقلا على تقدير الحكومة في حال الانسداد لا يوجب صحتها) خلافا للاستاذ النائيني (قدس‌سره) فانه قال بالاول نظرا الى ما بنى عليه من جعل الطرق وجعل المحرزية والوسطية في الاثبات فيكون حال الامارة حال العلم فكما انه لو علم بحكم فيجب التعبد به ويصح النسبة الى الشارع فكذلك كون الامارة حجة إذ معنى حجيتها جعلها كالعلم كما انه يتم الاستدلال بالآيات والاخبار على حرمة التعبد بما لا يعلم وقبح ما يسند الى الشارع لكونه من التشريع المحرم على ما بنى عليه الشيخ (قده) من تتميم الكشف نعم لا يتم ذلك على مبنى المحقق الخراساني (قدس‌سره) من جعل الحجية فان التعبد والاسناد الى الشارع ليس من لوازمها ولا يلزم من عدمها عدم الحجية واما الظن الانسدادي على الحكومة فليس من لوازمها التعبد والاسناد على جميع المباني لما سيأتي ان شاء الله تعالى من ان معنى كون

ومن لوازمها المساوية أو الاعم لكي يكون الاستدلال بعدم اللازم على عدم الملزوم كما هو كذلك بالنسبة الى المؤمنية والمنجزية فانه يستدل على عدم الحجية بعدم تحقق المؤمنية والمنجزية.

وبالجملة الاستدلال على الحجية بما دل على حرمة الالتزام وحرمة النسبة امر غير مرتبط اذ ليسا من اللوازم ولكن لا يخفى ان ما استدل به الشيخ (قده) يتم بناء على تتميم الكشف نعم لا يتم على مبنى الاستاد من جعل الحجية.

بيان ذلك هو انه بناء على تتميم الكشف مرجعه إلى جعل الامارة علما ومن الواضح انه لو تعلق العلم بحكم لازمه التعبد به ونسبته الى الشارع فكذا لو تعلقت الامارة بخلاف ما لو قلنا بجعل الحجية الذي هو مبنى الاستناد. فان التعبد والاسناد ليسا من لوازمها فلا يستدل بعدمهما على عدم الحجية.

وبالجملة الخلاف بين الشيخ والاستاذ بحسب المبنى. وكيف كان فما ذكره (قدس‌سره) من ان المنجزية لا تلازم جواز التعبد امر مفروغ عنه كما هو كذلك في ايجاب الاحتياط والظن في باب الانسداد على الحكومة بناء على انه

__________________

الظن حجة عقلا ليس هو كون متعلقه حكما شرعيا إذ ليس وظيفة العقل تشريع الاحكام وانما هو بمعنى الاكتفاء بالاطاعة الظنية عند تعذر الاطاعة العلمية فليست الحجة فيه كالحجة في الامارة اذ الحجة في الامارة ما يقع طريقا لمتعلقه والحجة في الظن الانسدادي على الحكومة فانما يقع في طريق اسقاط التكليف.

وبالجملة الذي هو محل البحث في الحجية هي التي تكون وسطا لاثبات التكليف لا مرجعا في مقام الامتثال كالظن الانسدادي بناء على الحكومة كما ان محل الكلام في الطرق المتعلقة بالاحكام الشرعية لا الطرق التي تتعلق بالامور العادية كالظن بالماء والجدار والخشب ونحو ذلك فلا تغفل.

مثبت للتكليف لا انه مسقط كما هو مبنى من يقول بالتبعيض.

اذا عرفت ذلك فاعلم ان المنجزية والمؤمنية من توابع العلم بالحجية ، فمع الشك في الحجية يقطع بعدم تحققها وحينئذ لا يبقى مجال للشك في تحققها لكي يرجع الى استصحاب عدم الحجية إذ يكون من قبيل ان ما هو محرز بالوجدان محرز بالتعبد وبما ذكرنا اعترض الاستاذ على الشيخ الانصارى (قده) بما حاصله أن عدم الحجية من آثار نفس الشك وعدم احراز التعبد إذ بمجرد الشك وعدم العلم يتحقق عدم الحجية فلا مجال لاستصحاب عدم الحجية بعدم ترتب اثر عليه وقد دفع الاستاذ بعدم احتياج الاستصحاب الى الاثر إذا كان مؤداه قابلا للجعل الشرعي كما في المقام فان الحجية لما كانت قابلة للجعل فقابلة للرفع فلا مانع من جريان الاستصحاب سواء كان هناك اثر شرعي على المستصحب أم لا ولكن لا يخفى ان ما ذكره الاستاذ (قدس‌سره) مبنى على ما اختاره من ان الحجية قابلة للجعل وان المجعول في باب الطرق هي الحجية وان المستفاد من اخبار الاستصحاب انشاء حكم مماثل للمستصحب في استصحاب الاحكام ولاحكامه في استصحاب الموضوعات. واما لو قلنا بعدم جعل الحجية أو قلنا بها ولم نقل بجعل المماثل قلنا بانه بلحاظ الجري العملي لم يتوجه الاشكال إذ حينئذ لم تكن تلك الآثار من آثار عدم الحجية لكي يجري الاستصحاب بل من آثار نفس الشك فبمجرد تحقق الشك تترتب تلك الآثار لتحقق موضوعها على انه لو سلمنا ان تلك الآثار تترتب على الشك وعلى العلم بعدم الحجية ولكن القاعدة تقدم في المقام على الاستصحاب لكونها اسبق موردا من الاستصحاب حيث ان موضوعها الشك فبمجرد حصوله بتحقق اثره وهو عدم الحجية فلا يبقى مجال لجريان استصحاب عدم الحجية لكي

يترتب ذلك الاثر وبعبارة أخرى ان الاثر لما كان مترتبا على الجامع بين الشك والعلم بالعدم فاذا تحقق الشك ترتب الاثر لسبقه على جريان الاستصحاب الموجب لتحقق عدم العلم الذي هو أحد فردى الجامع المفروض انه موضوع الاثر بل لا فائدة في تحصيل الفرد الآخر للجامع فان الجامع لما تحقق في ضمن احد فردى موضوع ترتب الاثر المشترك فلا مجال لاعمال اصل يوجب تحقق موضوع الآخر لوضوح انه لا فائدة فيه مع ترتب الاثر على الفرد السابق المحقق للجامع اللهم إلّا ان يقال بان هذا يتم لو كان مترتبا على الجامع بين العلم بالعدم والشك واما لو كان الاثر يترتب على الواقع فيكون المورد مجمعا للقاعدة وللاستصحاب وقد ذكر في محله ان الاستصحاب مقدم على القاعدة كما لو شك في وجوب شيء وقد فرض عدم وجوبه سابقا فمشكوك الوجوب يكون مجمعا لقاعدة قبح العقاب بلا بيان ولاستصحاب عدم الوجوب وقد قرر في محله ان الاستصحاب مقدم على القاعدة اذ بجريان الاستصحاب يرتفع موضوع القاعدة وهو الشك تعبدا بخلاف العكس وكقاعدة الطهارة واستصحابها فان استصحاب الطهارة حاكم على (كل شيء لك طاهر حتى تعلم انه قذر (١) وبالجملة ان الاثر ان كان مترتبا على

__________________

(١) ولكن لا يخفى انه ربما يفرق بين المقام وقاعدة الطهارة بناء على ما ذهب اليه المحقق الخراساني قدس‌سره في كفايته من ان مفاد قاعدة الطهارة انما هو حكم في ظرف الشك بحيث يكون المكلف عند الشك بالطهارة واجدا لها واقعا فمع انكشاف الخلاف يتبدل الموضوع فحينئذ يكون المجعول في حق كل مكلف طهارتين احدهما في مورد العلم والثانية في مورد الشك فحينئذ جريان الاستصحاب يحقق العلم بالغاية وهو العلم بالطهارة أو النجاسة فيرتفع موضوع القاعدة بخلاف المقام فان الاثر لما كان للجامع فمع تحقق الشك يتحقق موضوع القاعدة فيترتب

الواقع فلا موقع إلا للاستصحاب وان كان مترتبا على الشك فلا

__________________

الاثر لسبقه فلا يبقى بحال للاستصحاب ولكن الانصاف ان الالتزام بان مفاد قاعدة الطهارة هو ما ذكر محل منع لما يلزم عليه من اللوازم التي لا يمكن ان يلتزم بها مثل القول بعدم الاعادة لمن توضأ بماء محكوم بالطهارة للقاعدة وصلى ثم انكشف نجاسة الماء باعتباره واجدا للطهارة الواقعية الثانوية وكالالتزام بطهارة الملاقي المشكوك الطهارة والنجاسة وان انكشف بعد ذلك انه بول الى غير ذلك من اللوازم التي لا يلتزم بها وقد ذكرنا في محله ان دليل القاعدة لا يفيد جعل الحكم في مورد الشك وبيان توسعة دائرة الاشتراط بل مفاده هو احراز الواقع بها وتنزيل مؤداها منزلة الواقع فما دام الخلاف لم ينكشف يحب ترتيب الطهارة على المشكوك فاذا انكشف الخلاف يجب العمل على طبقه وهكذا اصالة الاباحة مع الاستصحاب فان الاستصحاب مقدم على اصالة الاباحة اذ المجعول في باب الاستصحاب تنزيل المودى منزلة الواقع وفي باب الامارة نفس العلم واليقين التعبدي وكلاهما يرفعان الشك الذي هو موضوع اصالة الاباحة ويقدمان عليه بنحو الورود أن أخذ العلم في القاعدة ما يعم الظاهري وبنحو الحكومة ان أخذ العلم خصوص الواقعي اللهم إلا ان يقال ان المقام لا يقاس على ما ذكر اذ المفروض ان الاثر قد ترتب على الشك والعلم بعدم الحجية ولازمه ان يكون الاثر قد ترتب على الجامع بينهما ويكون كل واحد منهما فردا للجامع فمع تحقق الشك فقد تحقق أحد فردي الجامع بالوجدان فلا محيص عن ترتب الاثر فحينئذ لا يحتاج إلى اثبات العلم بالعدم بالاستصحاب للزوم تحصيل الحاصل اذ احراز ما هو حاصل بالوجدان يحرز بالتعبد أو لغوية الاستصحاب هذا غاية ما يقال في المنع عن جريان الاستصحاب ولكن الإنصاف انه لا يلزم ما ذكر في المنع اما عن الاولين فالعقل انما يحكم بمجرد الشك في الحجية انما هو عدم الحجية الفعلية وما هو مورد الاستصحاب هو انشاء

يجري الاستصحاب بل هو مجرى القاعدة وان كان مترتبا على الواقع والشك فهو مورد لهما إلّا ان الاستصحاب حاكم على القاعدة كما هو كذلك بالنسبة الى ما نحن فيه فان الاثر مترتب على الجامع بين الشك والعلم بالعدم ولكن الانصاف ان المقام ليس مما كان موردا لهما كمسألة الطهارة ونحوها إذ الأثر مترتب على الجامع لا من آثار عدم الحجية واقعا فبمجرد حصول الشك يتحقق الاثر لأسبقيته فلا مجال لجريان الاستصحاب كما لا يخفى وقد يقرر الاصل بتقرير آخر وهو ان المقام دائر بين الوجوب والتحريم فاذا كان كذلك فيرجع الى التخيير لكونه دائرا بين محذورين ولكن لا يخفى انك قد عرفت ان المقام غير دائر بينهما بل مما قطع بالتحريم فان مجرد الشك يكفى في اثبات التحريم فلا يكون المقام مرددا بين المحذورين لكي يرجع إلى التخيير اللهم إلّا ان يقال ان الحرمة من آثار عدم الحجية واقعا فيكون المقام من دوران الامر بين الوجوب والحرمة وبذلك التزم الشيخ الانصاري بناء على كون الحرمة من آثار عدم الحجية واقعا ولكن لا يخفى انه بناء على ذلك لا يمكن الالتزام به اذ يكون من قبيل دوران الامر بين وجوب

__________________

الحجية فما هو مورد الاستصحاب غير مورد القاعدة فلم يكن ما هو محرز بالوجدان يحرز بالتعبد او ما هو حاصل يراد تحصيله وأما عن محذور اللغوية فحكم العقل انما هو في طول الحكم الشرعي بان يكون الاثر يترتب على الشك بحكم العقل لو لا التعبد فالعقل وان كان مستقلا بعدم جواز الاستناد إلى مشكوك الحجية إلا انه منوط بعدم التعبد الشرعي فاذا ثبت كان الاثر مترتبا فعلى التقديرين يستقل العقل بعدم الحجية إلّا انه على الاول يستقل بما انه مشكوك الحجية وعلى الثاني بما انه مقطوع العدم بلحاظ التعبد فلا لغوية في جريان الاستصحاب فلا تغفل

الاخذ بالتعبد بالظن وبين وجوب التعبد بالاصول فحينئذ اما الحكم بالتخيير بين الوجوبين أي وجوب الاخذ اما بالتعبد بالظن او بالاصول او بتعيين الاخذ بالاصول والظاهر هو الثانى لرجوع المقام الى الشك في تخصيص ادلة الاصول وحينئذ يرجع الى اصالة عدم التخصيص ويعمل بالاصول.

وبالجملة لا يكون المقام من دوران الامر بين محذورين الوجوب او الحرمة بل يكون من قبيل دورانه بين الوجوبين وقد يقرر الاصل بان المقام من دوران الامر بين تحصيل مطلق الاعتقاد بالاحكام الشرعية او خصوص الاعتقاد القطعي والعقل يحكم في مقام دوران الامر بين التخيير والتعيين هو التعيين ، وقد اورد الاستاد قدس‌سره بان ذلك بتم في صورة ثبوت التكليف واما بالنسبة إلى سقوط التكليف فالظاهر جريان البراءة من خصوصية التعيين واثبات التخيير ولكن لا يخفى ان المقام ليس من مقام السقوط لكي يرجع الى البراءة بل المقام ليس من ذاك القبيل وانما هو من قبيل ما يحتمل انطباق المعلوم بالاجمال على العلم بالواجب بنحو يوجب انحلاله حكما فحينئذ يرجع الى الشك في الاثبات وانحلال العلم الاجمالي في خصوص الاعتقاد القطعي او مطلق الاعتقاد على ان ادلة الاصول تدل على تحريم العمل بالظن ومخالفتها مخالفة قطعية فيجب الاخذ بالاصول وترك العمل بالظن مضافا الى ان تحصيل الاعتقاد بالاحكام انما هو مقدمة للعمل بها والحاكم بذلك العقل فلا معنى للترديد في حكم العقل وقد يقرر الاصل بما قرره السيد المحقق الكاظمي قدس‌سره بان الاصل في الاشياء الاباحة ومن جملتها العمل بالظن المشكوك اعتباره ولكن لا يخفى ان العمل بالظن تارة يكون لدينا طرق معتبرة بمقدار المعلوم بالاجمال فلا اشكال في وجوب العمل بها ويحرم العمل بالظن واخرى

لم يكن لدينا طرق اصلا او ليست بمقدار المعلوم اجمالا فينتهي الامر الى للعمل بالظن فيجب العمل به لكونه اقرب من غيره الى الواقع فيكون العمل حينئذ بالظن واجبا لا جائزا ففي أي مورد يكون العمل بالظن مباحا إذ هو اما محرم أو واجب على ان التعبد بغير العلم من التشريع المحرم الحاكم قبحه العقل من غير ان يستتبع حكما شرعيا مولويا بنحو لو ورد خطاب شرعي يكون ارشادا لحكم العقل إذ مع حكمه لا يبقى مجال لاعمال المولوية وهذا هو ملاك الاوامر الارشادية كالاوامر الواردة في باب الاطاعة لما عرفت منا غير مرة انها تحمل على الارشاد لحكم العقل لعدم وجود ملاك المولوية مع حكم العقل بحسن الاطاعة إذ هي انما تحصل مقدمة لتحصيل الغرض فاذا كان العقل حاكما بالتحصيل فلا يبقى مجال لاعمال المولوية كما هو كذلك في التجري ولذا حمل الشيخ (قده) الادلة على حرمة التشريع على الارشاد فدعوى بعض الاعاظم من ان النواهي الواردة تحمل على المولوية بناء على ان التشريع واقع في سلسلة العلل الذي هو ملاك الاوامر والنواهي المولوية وليست واقعة في سلسلة المعلولات الذي هو ملاك الارشادية فهو محل نظر لما عرفت ان الاوامر والنواهي انما هي مقدمة لتحصيل الغرض فمع حصول الغرض من حكم العقل بالحسن او القبح لا يبقى مجال لاعمال المولوية وحيث ان العقل يستقل بقبحه فحينئذ كيف يمكن اعمال المولوية الذي هو ملاك الارشادية من غير فرق بين ان يكون في سلسلة المعلولات او العلل (١) وهذا القبح يسري

__________________

(١) ولكن لا يخفى ان حكم الشارع اذا كان في سلسلة المعلولات غير قابل لاعمال المولوية إذ تلك المرتبة تعد من مراتب الاطاعة والانقياد لحصوله بعد حكم العقل بتحصيل الغرض فلا يكون معنى للأمر المولوي الملقى لأجل

الى الفعل الخارجي فتسرى الحرمة التشريعية الى ما في الخارج لانطباق عنوان

__________________

تحصيل الغرض فلذا يحمل على الارشاد لحكم العقل بخلاف ما اذا كان في سلسلة العلل فانه يمكن اعمال المولوية من انبعاثه نحو تحصيل الغرض فان الاحكام العقلية الواقعة في هذه السلسلة الراجعة إلى التحسين والتقبيح العقليين الناشئين عن ادراك المصالح والمفاسد هي التي تكون موردا لقاعدة الملازمة فحكم الشارع في هذه السلسلة يكون أمرا مولويا ينبعث عن ارادة لايجاد العمل ومحركا نحوه بخلاف ما اذا كان في سلسلة المعلولات فانه غير قابل للتحريك نحو المراد لحصوله من حكم العقل ولازمه ان يكون ارشادا الى حكم العقل.

وبهذا يفرق بين الاوامر والنواهى الارشادية والمولوية وهذه التفرقة تحصل لمن له ادنى تأمل ولا يحتاج الى مثل ذلك الى اكثر مما ذكر والعجب من بعض في شرحه للرسائل حيث قال متعجبا من بعض الاعاظم حيث فرق بينهما بالوقوع في سلسلة المعلولات والعلل مع انه غير فارق وبلا دليل وبرهان وما كفاه مراجعة وجدانه فانه لو راجعه وجدان هذه التفرقة حاصلة لمن له ادنى تأمل واعجب من ذلك انه تفطن لامر في نظره قد اتى بشيء جديد ويتعجب من غفلة بعض الاساطين عنه فقال ما هذا لفظه : (فكل خطاب من الشارع كان مستتبعا لاستحقاق العقاب كان مولويا الى ان قال وكل خطاب لم يكن كذلك كان ارشاديا) ولا يخفى ان تشخيص كونه مولويا او ارشاديا تظهر قبل مرحلة الاستحقاق اذ هي متأخرة عن ذلك فان استحقاق العقاب انما يكون بعد امكان اعمال المولوية ومع عدم امكان اعمال المولوية يكون ارشاديا فلا تترتب العقوبة وقد عرفت انه ان كان في سلسلة العلل يمكن اعمال المولوية فيستحق العقوبة وان كان في سلسلة المعلولات فلا مجال لاعمال المولوية فلا يستحق العقوبة وهذا امر واضح يعرفه كل من له ذوق سليم ووجدان صحيح خال من شوائب الاوهام. ويضاف الى هذا العجب

التشريع عليه الذي هو من العناوين المقبحة اللهم إلّا ان يقال ان التشريع من العناوين القصدية لكى يكون نفس القصد حراما كما ذهب اليه الاستاذ (قده) في التجري فقد عرفت انه محل نظر بل منع اذ الامور القصدية لا تكون مبغوضة ويعاقب عليها ولا توجب تغيير الواقع عما هو عليه ما لم ينطبق على الفعل عنوان قبيح (١).

__________________

عجب آخر وهو انه اشكل عليه بما هو غير لازم عليه بل مما يقول به اذ اشكل عليه بمثال الاطاعة والمعصية حيث انهما حكمان عقليان واقعان في سلسلة المعلولات في حين ان الاوامر والنواهي ارشادية ولست ادرى على اى موقع يكون هذا الاشكال في حين ان بعض الاعاظم (قده) الذى اشكل عليه هو نفسه قد صرح بان هذه من الاوامر الواقعة في سلسلة المعلولات من الاوامر الارشادية على ان هذا البعض غفل عن الفرق بين حكم العقل في الحسن والقبح في سلسلة العلل وبين حكمه بهما في سلسلة المعلولات مع وضوح الفرق بينهما لما بينهما من الطولية فان الاول في مرتبة الذات وهما الحسن والقبح الذاتيين وهي التي يترتب عليها القول بالملازمة ويمكن اعمال المولوية في تلك المرتبة وفي الثانية متأخرة عن القول بالملازمة وهي مرتبة الاطاعة والمعصية ولا يمكن اعمال المولوية في تلك المرتبة فتكون الاوامر فيها ارشادية بخلاف المرتبة الاولى فانها تكون مولوية فافهم واغتنم.

(١) لا يخفى ان حكم العقل بقبح التشريع تارة يكون ناشئا من ملاك واحد بحيث يترتب عليه حكم واحد في جميع الحالات أعني حالة العلم والجهل والشك واخرى يكون بملاكين حكم في صورة العلم وحكم في صورة الجهل والشك كالضرر فان حكمه في صرف الشك بملاك آخر غير الملاك مع العلم وهو

وبالجملة التشريع كالتجري فكما ان عنوان التجري يوجب سراية القبح الى ما انطبق عليه هذا العنوان فكذلك عنوان التشريع باعتبار انطباقه على الفعل المتشرع به فيكون حراما وان كان في الواقع حراما ولا يكون من اجتماع المثلين

__________________

الخوف بالوقوع بالضرر الواقعي والتشريع ان كان من قبيل الاول فقد عرفت ان حكم العقل يتحقق في جميع الحالات بملاك واحد فلا يكون للاستصحاب مجال اصلا إذ مع تحقق حكم العقل بالوجدان فكيف يحرز بالتعبد وان كان من قبيل الثانى فيكون للتشريع موضوعان موضوع العلم بالعدم الذى مجرى الاستصحاب وموضوع عدم العلم ولما كان موضوع عدم العلم متحققا ومحرزا بالوجدان فلا يحتاج الى احراز الموضوع الآخر للغويته أو لأسبقيته.

ان قلت هذا الاشكال بعينه يرد على الامارات حيث ان الشيء لما احرز بالوجدان لا معنى لقيام الامارة على حجيته او عدم حجيته قلنا فرق بين الامارات والاصول من جهتين : الاول ان قيام الامارات لم يؤخذ في موضوعها الشك والاصول قد اخذ في موضوعها الشك ، الثانى ان المجعول في الامارات الوسطية في الاثبات وبعبارة اخرى المجعول فيها هو المرتبة الثانية من الاحراز بخلاف الاصول فان المجعول فيها هو الجرى العملي فلذا تكون الامارة موجبة لرفع الشك الذى هو موضوع القاعدة.

وبالجملة يصح قيام الامارة على عدم الحجية دون الاصل اذا عرفت ذلك فاعلم انه وقع الكلام في ان حكم العقل يقبح التشريع هل هو حكم طريقي فيكون نظير حكمه بقبح الاقدام على ما لا يؤمن منه الوقوع في الظلم او لا يكون طريقيا بنحو يكون تمام المناط في نظر العقل هو اسناد ما لا يعلم الى الشارع من دون دخل للواقع في ذلك ، الظاهر هو الثاني وفاقا للاستاذ

لما عرفت بينهما طولية. ودعوى ان التشريع انما يتحقق فيما اذا لم يكن الواقع محكوما يحكم ممنوعة فان التشريع موضوعه اسناد ما لم يعلم كما ان اسناد ما يعلم ليس من التشريع ولو لم يكن في الواقع موجودا.

__________________

المحقق النائيني (قده).

بيان ذلك ان التشريع المحرم لما كان موضوعه هو اسناد ما لا يعلم الى الشارع فليس له واقع يصيبه المكلف أو لا يصيبه بل واقعه هو نفس اسناد الشىء الى الشارع مع عدم علمه بتشريعه فليس حكم العقل بقبح التشريع لحكمه بقبح الظلم مما يكون للعقل حكمان حكم موضوعى موضوعه قبح التصرف في أموال الناس واقعا مع العلم وحكم آخر طريقى لقبح ما يشك كونه من أموال الناس بنحو لو خالف واتفق انه لم يكن مال الناس في الواقع فليس عليه إلا عقوبة التجري لما عرفت انه ليس للعقل في قبح التشريع إلا حكم واحد بنحو يعم العلم والظن والشك فهو بقبح الضرر فان قبحه يحكم به العقل بملاك واحد فان موضوعه هو عدم الامن في الوقوع في الضرر سواء في ذلك العلم بالضرر أو الظن او الشك من غير دخل للواقع بوجود الضرر واقعا ام لا ويدل على ذلك تسالم الاصحاب بان سلوك الطريق الذى لا يأمن الخطر يكون من سفر المعصية فيجب اتمام الصلاة عند انكشاف الخلاف.

ودعوى البعض في شرحه للرسائل بان العمل بالظن لعدم حصول القطع غالبا وإلّا يلزم لغوية ترتب الاحكام المترتبة على الضرر وجعله من الانسداد الصغير تمحل لا يرجع الى محصل على ان التشريع المحرم لما كان من سلسلة العلل يمكن استكشاف الحكم الشرعى لقاعدة الملازمة فلا يبقى للانسداد الصغير أو الكبير مجال فلا تغفل.

وكيف كان فمع سراية الحرمة الى الخارج فيكون مقطوع الحرمة فلا يكون شك لكي يجرى الاصل هذا على المختار من السراية الى ما في الخارج باعتبار انطباق عنوان عليه ، واما على غير المختار فيجري الاصل من غير فرق بين دورانه بين الوجوب والاباحة او التحريم والاباحة او التحريم والوجوب ، اما على الاولين فواضح ، واما على الأخير فليس المانع من جريان الأصل إلا العلم الاجمالى وهو غير مانع لعدم لزوم المخالفة القطعية بناء على مختار الشيخ (قدس‌سره) واما على المختار فالعقل حاكم بالتخيير فلا مجال لجريان الأصل وكيف كان فجميع ما ذكر من الاصول لتأسيس الأصل غير جارية لما عرفت من ان نفس الشك موجب للقطع بعدم الحجية ومعه لا يبقى مجال لجريان الاصول العملية لانتفاء الشك الذي هو موضوع الأصل مضافا الى انها لا تجرى حتى القاعدة المذكورة لاجل دلالة ادلة الاجتهادية من الآيات والروايات على تقدير تمام دلالتها فحينئذ لا يبقى مجال للقاعدة فضلا عن جريان الاصول هذا تمام الكلام في تأسيس الأصل وقد عرفت انه يحرم التعبد بالظن إلا ما خرج من ذلك. واما بيان ما خرج او قيل بخروجه يحصل في المباحث الآتية إن شاء الله تعالى.

حجية الظواهر

المبحث الثالث في الظواهر والكلام فيها يقع في مقامات ثلاثة الاول في حجية الظواهر (١) الثاني في حجية ظواهر الكتاب ، الثالث في حجية

__________________

(١) لا يخفى ان البحث عن حجية الظهور بحث عن المسائل الاصولية

قول اللغوي.

المقام الاول في حجية الظهور فنقول لا اشكال في اعتبار الظهور وانه مما هو متسالم عليه عند العقلاء في محاوراتهم وبنوا عليه في جميع امورهم وليس للشارع طريقة خاصة في محاوراته بل هى امضاء لطريقتهم مع عدم تحقق الردع منه ويكفى في تحقق الامضاء عدم تحقق الردع منه والظاهر ان سيرة العقلاء منعقدة على الاخذ بالظهور من دون تقييد بان لا يكون ظن على الخلاف كما انه لا يقيد بحصول الظن على الوفاق كما توهم نظرا الى ما يشاهد من ان العقلاء لا يقنعون في امورهم المهمة كالاموال والاعراض والنفوس بمجرد الظهور بل يحتاج الى الظن والاطمئنان والوثوق في تحصيل الواقع بنحو لو احتملوا خلاف الظاهر يتوقفون كما هو كذلك بالنسبة الى كلام الطبيب فانه لا يعملون بظاهر

__________________

لما عرفت من ان الضابط فيها ان تكون كبرى لو انضمت الى صغراها لانتجت مسألة فرعية والبحث عن حجية الظواهر من هذا القبيل نعم لو جعلنا موضوع الاصول الادلة بقيد الدليلية كما جعله صاحب القوانين (قده) يكون البحث فيها من المبادئ لكون البحث فيها بحثا عن جزء الموضوع إذ البحث فيها عن دليلية الدليل والبحث عن الموضوع او جزئه يعد بحثا عن المبادئ ولكنك قد عرفت ان الموضوع في الاصول عما يعم الادلة لا بما هي هي ولا بقيد الدليلية واما البحث عما يوجب تعيين الظهور وتشخيصه كالبحث عن قول اللغوى وعن القرائن العامة المشخصة للظهور كوقوع الامر عقيب الحظر ونحو ذلك مما يوجب انعقاد الظهور في المعانى الافرادية والجمل التركيبية خارجة عن الاصول وانما هي من المبادئ كالبحث عن الرواة والسند وما ذكره البعض في شرحه للرسائل بانها من الاصول معترضا على ما ذكره بعض الاعاظم (قده)

كلامه وانما يعملون بكلامه فيما اذا لم يحتمل الخلاف بنحو يطمئن بكلامه ولكن لا يخفى ان ذلك توهم فاسد إذ كلام الطيب ونحوه من الامور المهمة التي عليها سيرة

__________________

من انها من المبادئ بدعوى انها من الكبريات التي تقع في طريق الاستنباط ففي غير محله إذ ليس كل ما يقع طريقا للاستنباط من الاصول وإلّا النحو والبلاغة والصرف تقع في طريق الاستنباط وانما الذي يعد من الاصول هو ما يكون الجزء الاخير من العلة بنحو يكون كبرى لو انضمت الى صغراها لانتجت مسألة فرعية والعجب من التزامه بان البحث عن الرواة والسند من المبادئ لكون البحث فيها بحثا صغرويا راجعا الى وجود الموضوع الذي هو حجية خبر الواحد بلا ان يكون كبرويا اصلا بخلاف البحث عن المذكورات فان الذي يظهر منه ان مناط المسألة الاصولية عنده البحث الكبروي ومناط غيرها بحث صغروي مع ان البحث عن كل فاعل مرفوع وكل مفعول منصوب ونحو ذلك من الكليات في علم النحو والمنطق والمعاني والبيان وكليات علم الرجال واقعة في طريق الاستنباط مع ان القوم التزموا بانها من المبادئ وليس إلا انها ليست بنحو الجزء الاخير من العلة فضابط المسألة الاصولية هي كبرى لو انضمت الى صغراها لانتجت مسألة فرعية وهذا الضابط لا ينطبق على مثل قول اللغوي وقول الرجالي وكل ما يوجب تشخيص الظهور اذ كل ذلك من المبادئ الموجبة لتشخيص الظهور الذي هو موضوع الحجية وان كان البحث عن تلك الامور ابحاثا كلية والوقوع في طريق الاستنباط بتوسط انها من مشخصات الظهور كخروج دلالة الامر على الوجوب والنهي على الحرمة وامثال ذلك مما عرفت انها من المعدات وليس البحث عنها من قبيل الجزء الاخير من العلة لكي تدخل تحت الضابط في المسألة الاصول وقد غفل البعض عن ذلك فقال لا وجه له وقد عرفت وجهه وقد استوفينا الكلام في تقريراتنا لبحث الاستاذ النائيني (قده).

التجار في مراسلاتهم بحيث لو تطرق ادنى احتمال لتوقفوا ولم يقدموا على ما يحتمل الخسارة فمثل هذا يطلب منها تحصيل الواقع بخلاف المقام المطلوب منه الاخذ بالظهور للخروج عن عهدة التكليف ويحصل له الامن من تبعة التكليف فانه لا اشكال ولا ريب ان سيرة العقلاء قد انعقدت على الاخذ بمطلق الظهور (١) ولذا لا يقبل

__________________

(١) ذكرنا في تقريراتنا لبحث الاستاذ النائيني (قده) ان للظواهر جهات ثلاث : الاول ظواهر المعاني الافرادية وتسمى بالدلالة التصورية ، واخرى الجمل التركيبية وتسمى بالدلالة التصديقية ، وثالثة في تعيين المراد من الدلالة التصديقية اما الظهور في الدلالة التصورية فهو حاصل بمجرد التلفظ بالمفردات ولا يحتاج الى اكثر من معرفة المعنى اما من الوضع أو العرف ، واما الدلالة التصديقية التي هي في الجمل التركيبية خبرية أو انشائية فينعقد لها ظهور فيما اذا لم يكن هناك قرينة متصلة فمعها يرتفع ظهور (ما قال) ولا يتوقف تحققه على انتفاء قرينة منفصلة واما تعيين المراد من الدلالة التصديقية المساوق الى انه (ما ذا أراد) فمتوقفة على انتفاء القرينة المنفصلة ثم ان الدلالة التصورية قد تتفق مع الدلالة التصديقية كما اذا لم يحتف بالكلام قرينة المجاز أو التقييد أو التخصيص ونحو ذلك مما يوجب صرف مفاد الجملة الكلامية عما يقتضيه مفاد المفردات وقد يكون مفاد الجملة مغايرا لمفاد المفردات كما اذا احتف بالجملة ما يوجب صرفها مما يقتضيه مفاد المفردات وكذا الدلالة التصديقية تتوقف على فراغ المتكلم من كلامه فانّ للمتكلم ان يلحق بكلامه ما شاء من القرائن فما دام متشاغلا لا ينعقد لكلامه الدلالة التصديقية فلا يصح ان ينقل كلامه ما دام متشاغلا الى ان يفرغ من كلامه بخلاف الدلالة التصورية فانها تحصل في حال تشاغل المتكلم بكلامه فان السامع ينتقل ذهنه الى معاني المفردات مع تشاغله بالكلام.

عذر العبد لو اعتذر بمخالفة الظهور او عدم حصول ظن بالوفاق او حصل ظن بالخلاف ويقبل قوله لو احتج بظهور الكلام كما انه لا يعتبر في العمل بالظهور من

__________________

اذا عرفت ذلك فاعلم ان المتكفل للدلالة التصورية هي الاوضاع اللغوية وغيرها من معرفة المعانى العرفية والمتكفل للدلالة التصديقية ان كانت على خلاف مفاد المعاني الافرادية هي القرائن التي تحتف بالكلام وهي قد تكون عامة كوقوع الامر عقيب الحظر نحوه وخاصة ، فينعقد لها ظهوران لم يكن فيها قرائن واتباع الظهور مما قامت عليه السيرة العقلائية فمن ذلك يستكشف كون الظاهر مرادا وهي الجهة الثالثة من الظواهر ولكن تفترق عما تقدم بان استكشاف مراد المولى يحتاج إلى الاطمئنان لكونه مرادا فمع عدم حصول الاطمئنان كمن كان من عادته الاعتماد على القرائن الخارجية فلا يجوز له الاخذ بظاهره لاحراز مراده قبل الفحص عن القرائن المنفصلة واما بعد الفحص فلا مانع من الاخذ بالظاهر كما هو قضية الاخبار فانه لا يؤخذ بظاهرها ما لم يتفحص عن القرائن المنفصلة نعم يجوز الاخذ بظاهرها بعد الفحص وهذا لا ينافى ان بناء العقلاء على الاخذ بالظاهر ولو لم يحصل لهم الوثوق فان ذلك في مقام الحجة والاحتجاج وحينئذ ليس للمولى مؤاخذة العبد على العمل بالظاهر بخلاف تعيين مراد المولى فانه في مقام تعلق الغرض باستخراج واقع مراد المتكلم من ظاهر كلامه فهو لا يكون إلا بعد الوثوق بان الظاهر هو المراد وليس ذلك تفصيلا في بناء العقلاء باعتبار ظاهر دون ظاهر وانما هو اقتضاء دليل الحجية وطريقة الاحتجاج بين المولى والعبيد فما ذكره بعض في شرحه للرسائل من التشويش في كلماته في غير محله. واعجب من ذلك انه نسب إلى الاستاذ ما هذا لفظه نفى بناء العقلاء في جميع المقامات على التعبد مع الشك وعدم حصول الوثوق والاطمئنان مع انه صرح الاستاذ بانه اذا كان الغرض الالزام والالتزام بالظواهر في مقام الحجة والاحتجاج فان مثل ذلك لا بد فيه من الاخذ

حصول الظن الفعلي وإلّا لسدّ باب المعارضة بين الاخبار والاخذ بالمرجحات لانتفاء الظن الفعلي بالمتنافيين لكي ينتهي الامر الى الترجيح او التخيير.

بيان ذلك انه لو اعتبرنا الظن الفعلي بكل واحد من الخبرين المتعارضين فيلزم اما عدم العمل بكل واحد منهما فيما اذا لم يفد كل واحد منهما الظن الفعلي او الاخذ باحدهما لو أفاد الظن الفعلي وكلاهما محل منع أما الاول فواضح المنع وإلّا لزم الظن الفعلي بالمتنافيين ، واما الثاني يلزم تعارض الحجة مع اللاحجة على انه مناف لاعمال المرجحات إذ ذلك يوجب تحقق الملاك في كل من الخبرين وهو الاخذ بظهور كل واحد منهما حتى مع الظن بالخلاف وهذا مراد من اعتبر الظهور من باب الظن النوعي بمعنى انه حجة مطلقا ولو كان هناك ظن على الخلاف نعم لو قام ظن اطميناني على خلافه فلا يعمل به لعدم انعقاد السيرة على اتباع مثل ذلك فلا يكون الظاهر متبعا لعدم وجود مقتض للحجية لا لوجود المانع.

فان قلت اعتبار الظن الاطمئناني يكون مانعا من اتباع الظهور فيستند الى وجود المانع لا لعدم المقتضي. قلت الاعتبار بالسيرة العقلائية اذا انضم اليها امضاء من الشارع والمفروض في المقام لم يتحقق امضاء بل حصل الردع من جهة الظن

__________________

بظاهر الكلام ولو لم يحصل الوثوق بكونه هو المراد.

وبالجملة لم تنعقد سيرة العقلاء على الاخذ بالظهور فيما لو اريد تحصيل الواقع كما هو كذلك في سيرة التجار والعمل بقول الطبيب ونحو ذلك مما يتعلق الغرض بتحصيل الواقع نعم السيرة منعقدة على العمل بالظواهر فيما يكون في مقام الخروج عن عهده التكليف والامن من تبعة التكلف ولو لم يحصل الوثوق والاطمئنان وذلك ليس تفصيلا في بناء العقلاء ولا في حجية الظواهر وقد غفل البعض عن ذلك فافهم وتأمل.

الاطمئناني فلا بد ان يكون عدم الاعتبار بالظهور الذي جاء على خلافه ظن اطمئناني مستند الى عدم المقتضى.

وبالجملة الظهور يتبع ما لم يقم ظن اطمئناني على خلافه من غير فرق بين ان يكون ظن غير معتبر على خلافه ام لا ، لا يقال انه مع حصول ظن على الخلاف يشك في شمول السيرة العقلائية له ومع الشك في ذلك لا يؤخذ به إذ هي دليل لبى يؤخذ فيه بالقدر المتيقن وهو الاخذ بالظهور ما لم يكن هناك ظن على الخلاف ، لانا نقول بان معقد السيرة اطلاق الاخذ بالظهور وتقييدها بما اذا لم يكن ظن على الخلاف ينافي اطلاقها ومع تحقق اطلاق الدليل لا يؤخذ بالقدر المتيقن ولو كان الدليل لبيا ، كما انه لا اشكال في انعقاد السيرة العقلائية على الاخذ بالظهور فيما لو شك في خروج ما هو من افراد العام عن حكمه مع القطع بفرديته للعام كما لو قطع بان زيدا عالم. وشك في خروجه عن وجوب اكرام العلماء. نعم وقع الاشكال لو قطع بخروجه عن حكم العام ولكن شك في فرديته للعام كما لو ورد اكرم العلماء وعلم ان زيدا لا يجب اكرامه وشك في ان زيدا عالم وخرج من العموم حكما فيكون من باب التخصيص او جاهل فيخرج من عموم العام موضوعا فيكون من التخصص فهل يتمسك بالظهور ويحكم على زيد بانه ليس بعالم فيكون من باب التخصص ام لا؟ قيل بالاول والظاهر هو الثاني لعدم ثبوت بناء العقلاء على الاخذ بالظهور في مشكوك الفردية مع العلم بخروجه حكما على ان السيرة العقلائية من الادلة اللبية فيؤخذ فيها بالقدر المتيقن وهو ما لو شك في الخروج عن حكم العام مع القطع بفرديته للعام ولذلك امثلة متفرقة في ابواب الفقه (١).

__________________

(١) من الامثلة غسالة الاستنجاء فيما لو شك في طهارتها أو نجاستها

ثم انه لا اشكال في عدم اعتبار الظهور الصادر من النائم والغافل لعدم

__________________

حيث استدل على طهارتها بعموم ما دل على عدم جواز استعمال النجس ولكن الظاهر ان ماء الاستنجاء نجس معفو عنه اما لما سلكه الشيخ (قده ،) من انه لدينا عمومات ثلاثة احدها ان النجس منجس ثانيها المتنجس منجس ثالثها الماء القليل يتنجس بالملاقاة وحينئذ ان قلنا بطهارة ماء الاستنجاء لزمنا رفع اليد عن العموم الاول وهو ان النجس منجس وان قلنا بطهارة الماء ونجاسة ملاقيه رفعنا اليد عن ان المتنجس منجس وبعد العلم بلزوم رفع اليد عن احدهما يقع التعارض بين هذين العمومين وبعد التساقط يكون المرجع العموم الثالث وهو نجاسة الماء القليل بملاقاته للنجاسة فاذا رجعنا اليه يحكم نجاسة ماء الاستنجاء إلا انه لا ينجس ملاقيه للادلة الخاصة واما لما سلكه بعض اجلة العصر من عدم وجود عمومات لفظية ليقع الكلام فيها إلّا انه يمكن لنا ان نتصيد من ادلة شتى قاعدة لبية وهي سراية النجاسة من الملاقي (بالكسر) الى الملاقى (بالفتح) ولا بد لنا من رفع اليد عن مقتضى السراية في المورد اما في الماء أو الثوب ولعل تقدم الزمانى نافع في المقام فان الماء في رتبة ملاقاته للنجاسة سابق على ملاقاة الثوب وحينئذ يكون الماء محكوما بالنجاسة في أول ملاقاته للنجاسة وعند الوصول الى ملاقاته للثوب يتعين الخروج عن مقتضى السراية أو يقال ان الثوب لا تجرى فيه ادلة السراية اما لخروجه موضوعا لو قلنا بطهارة الماء أو لخروجه حكما لو قلنا بنجاسة الماء وحينئذ يتعين جريان ادلة السراية في الماء لانها فيه بلا معارض هذا ونحن قد اطنبنا البحث في بحوثنا الفقهية وقد تنظرنا في كلمات القوم إلّا انه ذكرنا اخيرا ان القواعد الاولية تقتضى ان الماء القليل ينفعل بملاقاته للنجاسة وذلك يقتضى نجاسة ماء الاستنجاء إلا انه وردت روايات تدل على عدم تنجيسه للثوب وما يترشح على البدن ولذا

جريان السيرة العقلائية على اعتبار مثل هذا الظهور خصوصا لو قلنا برجوع اصالة عدم الغفلة وعدم القرينة الى اصالة الظهور اذ ذلك موجب لعدم تحقق الظهور واما تعليل البعض بعدم واقع لمثل هذا الظهور يمكن مطابقته له ففي غير محله اذ ربما يكون له واقع يطابقه ذلك الظهور فيكون حجة للسامع كما ان دعوى ان مثل هذا الظهورات خارجة عما نحن فيه اذ لا ارادة للمتكلم لمثل ذلك فمع فرض مطابقة الظهور للواقع لا يجب اتباعه للقطع بعدم تحقق ارادة له محل منع اذ ذلك انما يتم لو كان اعتبار الظهور لاجل مطابقته لارادة المتكلم ولكنك قد عرفت انه لا تعتبر معرفة ارادة المتكلم بل الظهور حجة على العبد ولو لم يكن مرادا واقعا وينبغى التنبيه على امرين :

الاول انه ينسب الى المحقق القمي (قده) عدم اعتبار الظهور الا لمن قصد افهامه واستدل على ذلك بما حاصله ان المكلف اذا كان مقصودا بالافهام يأخذ بظاهر كلام المتكلم اذ ليس المانع من اخذه إلّا احتمال غفلة المتكلم من نصب القرينة وغفلة المخاطب من عدم تفطنه الى القرينة المنصوبة وكلاهما منفيان

__________________

يلتزم بذلك بالخصوص ونقتصر عليه ونصحح الصلاة بذلك لانه القدر المتيقن منها واما بقية احكام النجاسة فترتب عليها ولكن الانصاف ان الالتزام بذلك محل نظر لان المستفاد من نفى (لا باس) طهارة ملاقى ماء الاستنجاء وبالدلالة الالتزامية تستفاد طهارته كالملازمة بين نجاسة الملاقى ونجاسته ولذا بنى بعض الاساطين على انها دلالة التزامية لفظية وبها تخصص ادلة انفعال القليل كما تخصص ما دل على تنجيس المتنجس ومن الامثلة المعاطاة من جهة انه بيع يفيد الاباحة أو ليس بيع كما ان منها الزكاة من جهة انها متعلقة بالعين أو الذمة مع ان تعينها بيد المالك الى غير ذلك من الامثلة فلا تغفل.

بالاصل على انهما مرجوحان لا يعتنى بهما العقلاء بخلاف ما اذا لم يكن المكلف مقصودا بالافهام لوجود احتمال آخر وهو ان يكون بين المتكلم والمخاطب المقصود بالافهام قرينة حالية او مقالية قد اختفت على غير المخاطب مثل هذا الاحتمال يعتني به العقلاء فلا يجوز الاخذ بمثل هذا الظهور لعدم كشفه عن المراد بل مثل هذا الاحتمال ربما يمنع الظهور التصديقى عن مراد المتكلم (١)

__________________

(١) لا يخفى ان هذه المقالة لو سلمت فانما تتم لو كان الثالث من قبيل من يسترق السمع او نقش الخطاب بالجدران واما لو كان المقصود بالخطاب هو بنفسه نقله الى ثالث نقلا بالمعنى او كان الثالث حاضرا في مجلس التخاطب كما يوجد في بعض الاخبار بقوله : (سأله وانا حاضر) فان كان من قبيل الاول فمثل زرارة الذى هو من الوثاقة بمكان ولم يطلعنا على تحقق القرينة نقطع بعدم تحققها اذ لو كانت موجودة في الواقع ولم يطلعنا يعد خائنا وهو خلاف الفرض لا سيما لو كان النقل بالمعنى كما هو ديدن اكثر الرواة إلا بعض الرواة الذين يثبتون قول الامام عليه‌السلام بالطوامير وكذلك نقل من كان حاضرا في مجلس الخطاب فانه مع ثقته لو نقل الينا لا سيما بالمعنى مما يقطع بعدم تحقق ذلك الاحتمال اعنى احتمال ان المتكلم اعتمد على قرائن حالية او مقالية حيث انه مع تحقق هذا الاحتمال كيف يسوغ له النقل من دون نقل القرينة على انه يمكن ان يدعى ان طبع كلام المتكلم لو كان في مقام البيان وكانت هناك قرينة لا طلعنا عليها وحيث لم يطلعنا ينبغى الاخذ بظاهره لانعقاد ظهوره وجريان السيرة على الاخذ بذلك الظهور.

وحاصل الكلام في بحث الظواهر من حيث الكبرى اى في حجيتها فنقول بالنسبة الى ما كان الغرض هو التصنيف والتأليف فانه لا اشكال انه

ولكن لا يخفى ان هذا الاحتمال مثل الاحتمالين الاولين فانه في نظر العقلاء

__________________

لا يختص بمن قصد افهامه واما بالنسبة الى غير هذا الفرض فيمكن دعوى عدم حجية الظهور من جهات الاول انه ليس بحجة بالنسبة الى غير من قصد افهامه لاحتمال وجود قرينة اختفت عنهم بخلاف من قصد افهامه فانه يجب عليه ان يلقى اليه الكلام محفوفا بجميع القرائن الدالة على المراد واما احتمال الغفلة فلا يعتنى به. الثانية لو سلمنا الجهة الاولى يمكن دعوى طرو التخصيص والتقيد وهذا الاحتمال يوجب بطلان التمسك بالعمومات ، الثالثة وجود العلم الاجمالى بالمخصصات والمقيدات ومقتضاه رفع اليد عن العمومات ولكن لا يخفى ان شيئا من هذه الجهات لا يوجب رفع اليد من الظواهر اما الاولى فممنوعة حيث ان احتمال وجود قرينة احتفت بالكلام احتمال لا يلتفت اليه ولا يعتبره العقلاء فانهم لا يفرقون بين من قصد افهامه وبين من لم يقصد.

ودعوى ان من لم يقصد افهامه لا تجرى في حقه اصالة عدم الغفلة فلا يمكنه التمسك بظواهر الكلام ففي غير محلها اذ اصالة عدم الغفلة ليست اصلا لاصالة الظهور بل كل منهما اصل برأسه وبينهما عموم من وجه فتفترق اصالة عدم الغفلة عن اصالة الظهور في نقل البالغ العاقل اذا احتمل صدوره غفلة وتفترق اصالة الظهور عنها في كلام النبي (ص) والامام (ع) لعدم احتمال صدور الغفلة منهما ويجتمعان في كلام اهل العرف فاصالة الظهور اصل عقلائي برأسه يجرى بالنسبة الى من قصد افهامه ومن لم يقصد كان حاضرا مجلس الخطاب أو لم يكن.

ودعوى ان التقطيع في الاخبار يوجب احتمال قرينة على خلاف الظاهر في الصدر أو الذيل ومع هذا الاحتمال كيف يتمسك بالظهور ففي محل المنع

مرجوح لا يعتنى به فهو منفى باصالة العدم.

__________________

اذ ذلك يتم فيما لو كان التقطيع للاخبار بيد غير الثقة واما مع فرض ان التقطيع بيد الثقة العارف بخواص الكلام كالشيخ الكلينى (قدس‌سره) ونحوه مما ثبت تورعهم في الدين ولهم خبرة بخواص الكلام وعرفوا لحن الخطاب الصادر من اهل البيت عليهم‌السلام فلذا يستبعد خفاء القرينة عليهم وينقلون ما هو خال عن القرينة على انه لو سلمنا اختصاص الخطاب بمن قصد افهامه فانا نمنع ان رواة الاحاديث ليسوا مقصودين بالافهام وهكذا بالنسبة الى الكتب فان كل من نظر اليها يكون مقصودا بالافهام وعليه لا يلزم من القول باختصاص حجية الظواهر بمن قصد افهامه انسداد باب العلم اما الجهتان الاخيرتان فغاية ما يوجبانه الفحص واما رفع اليد عن الظواهر فلا يوجبانه.

فانقدح مما ذكر ان حجية الظواهر فيما اذا لم يحصل الظن المعتبر على خلافه مما استقرت عليه سيرة العقلاء من الاخذ به مطلقا من غير فرق بين من قصد افهامه ام لا هذا اذا احرز مراد المتكلم واما اذا شك في مراده فتارة لعدم انعقاد الظهور واخرى لاحتمال عدم ارادته وسبب الاول تارة للشك في تحقق الموضوع واخرى لاحتمال قرينة الموجود وثالثه لاحتمال وجود القرينة وسبب الثاني اما احتمال غفلة المتكلم عن نصب القرينة أو تركه عمدا لمصلحة في الترك واتكاله على قرينة منفصلة ، اما اذا كان الشك في المراد من قبيل الثاني فالعقلاء لا يعتنون بالاحتمالات الثلاثة ويأخذون بالظهور لا لاجل اصالة عدم القرينة كما ربما يستفاد من كلام الشيخ الانصاري (قدس‌سره) لو لم يحمل كلامه ، على انه يتمسك بالظهور لاجل احتمال القرينة لا ما اذا شك في المراد فانه لا اشكال في الاخذ بالظهور إذ ليس منشأ إلّا احتمال القرينة المتصلة المانعة للظهور غير الحاصلة في المقام فلم يبق إلا احتمال وجود القرينة المنفصلة وهي لا تخل بالظهور مع

ودعوى اختصاص حجية الظهور بما احرز ان المتكلم في مقام تفهيم مراده لكل احد لا لشخص خاص ممنوعة بمنع الاختصاص اذ العقلاء يأخذون بظاهر كلام المتكلم اذا كان في مقام تفهيم مراده ولو كان الخطاب لشخص خاص ولذا ترى انه لو وقع كتاب شخص لشخص بيد ثالث فانه يأخذ بظاهر الكتاب ويرتب عليه الاثر ومن هنا ترى ان الاصحاب يأخذون بظواهر الاخبار الصادرة عن الأئمة الاطهار عليهم‌السلام ويستفيدون الاحكام منها مع ان المقصودين بالافهام من كان حاضرا في مجلس الخطاب من دون تأمل وذلك دليل على عدم اعتبار قصد الافهام في حجية الظواهر فافهم.

__________________

تحققها واما اذا كان الشك من قبيل الاول فتارة يكون الشك لاجمال في اللفظ كلفظ الصعيد هل هو لخصوص التراب أو مطلق وجه الارض فمرجعه قول اللغوي او العرف وإلا فالاصول العملية واخرى يكون من احتفاف الكلام بما يحتمل القرينة لوقوع الامر عقيب الحظر او تعقب الاستثناء بجمل عديدة ونحو ذلك فان قلنا بان اصالة الحقيقة اصل عقلائي كما هو مبنى من يقول بان ظاهر الاستعمال الحقيقة فيكون محرزا للظهور فهو المتبع أو نقول بانها المرجع تعبدا فيؤخذ بها أيضا واما اذا لم نقل بذلك واعتبرنا الظهور ولو من باب النوعي فلا ظهور نوعا في المقام فلذا لا يؤخذ به والمرجع الى الاصول العملية وثالثة يكون الشك ناشئا من وجود المانع وذلك اما ان يكون داخليا كاحتمال غفلة المخاطب عن استماع القرينة وأخرى خارجيا لوقوع سقط في الكلام كاحتمال سقوط قرينة ونحوها مما يوجب سقوط الظهور كما لو عرض التقطيع في الاخبار اما الاول فالعقلاء جرت سيرتهم على الاخذ بالظهور من غير اعتبار باحتمال غفلة المخاطب واما الثاني فكذلك لا يعتنى به اذا كان الرواة ثقات بنحو لا يحتمل في حقهم

الامر الثاني هل ان اعتبار الظهور لاجل اصالة عدم القرينة وعدم الغفلة كاعتبار العموم والاطلاق لاجل اصالة عدم القرينة من التخصيص والتقييد والمجاز كما يستفاد من الشيخ قدس‌سره من ارجاع الاصول الوجودية الى الاصول العدمية او ان جميع هذه الاصول العدمية ترجع الى اصل واحد وجودي وهو الظهور فيؤخذ به عند احتمال ارادة خلافه قولان الحق هو الثاني وفاقا للاستاذ قدس‌سره لما عرفت من استقرار سيرة العقلاء على الاخذ بالظهور ولا يعتنون باحتمال الغفلة او احتمال القرينة او قرينة الموجود من دون احراز اصل من تلك الاصول بل لا يرون امرا يؤخذ به غير الظهور ويرونها عبارة عن الظهور ولا يرونها محرزة للظهور وتظهر الثمرة بين رجوع تلك الاصول العدمية الى اصل واحد وهو اصالة الظهور وبين عدم ارجاعها الى ذلك فيما لو اقترن الكلام بما يصلح للقرينية فان ذلك يسقط الظهور هذا بناء على المختار واما بناء على غير المختار تمسك باصالة الحقيقة اذ اعتبارها بناء عليه ليس من باب الظهور بل من باب التعبد مطلقا اي سواء كان هناك ظهور ام لا. نعم لو اعتبرنا في موضوع الحجية هو الظهور الواصل لاحتجنا الى اصالة عدم القرينة فيما لو شك في احتفاف الكلام بما يصلح للقرينة حين صدوره ولكن الظاهر هو اعتبار الظهور الصادر من المتكلم لانعقاد سيرة العقلاء على الاخذ بالظهور الصادر منه.

«المقام الثاني في حجية ظواهر الكتاب فنقول هل ظواهر الكتاب حجة

__________________

اسقاط القرائن عن الكلام والظاهر انه جرت سيرة العقلاء على العمل بالظهور ولا يحتاج الاخذ به الى اصالة عدم القرينة وعدم الغفلة اذ هو اصل وجودى ترجع جميع الاصول العدمية من اصالة عدم التقييد والتخصيص والمجاز اليه فلا تغفل

ام لا؟ الحق هو الاول وفاقا للاصوليين وخلافا للمحدثين لما عرفت سابقا من اعتبار الظواهر مطلقا وليس لظواهر الكتاب خصوصية تقتضي اخراجها من الظواهر وقد يتوهم عدم حجيتها لامور منها ان معان القرآن غامضة لا يعرفها إلّا اهله وهم النبي (ص) والأئمة (ع) ففي بعضها مقام الردع لابي حنيفة (ويحك ما ورثك الله من كتابه حرفا انما يعرف القرآن من خوطب به) وبهذا المضمون روايات وردت تدل على ان القرآن لغموض معانيه وعلو مطالبه بنحو لا يصل اليه فكر البشر إلا الراسخون في العلم لذا لا يؤخذ بظاهره ولكن لا يخفى ان علو مضامين القرآن ودقتها لا يرفع ظهور الفاظه فيعرفها العارف باللغة واما الباطن فيعرفه الراسخون في العلم وعلى ذاك تحمل تلك الاخبار.

وبالجملة الاخذ بالظاهر لا ينافى ان لها بطونا لا يعرفها إلا اهله. ومنها ورد النهي عن تفسير القرآن فعن تفسير العياشي عن ابي عبد الله (ع) من حكم برأيه بين اثنين فقد كفر ومن فسر القرآن آية من كتاب الله فقد كفر ويظهر من ذلك ان لا يؤخذ بما يظهر من الآيات لكونه يعد تفسيرا ولكن لا يخفى ان الاخذ بالظاهر ليس بتفسير اذ التفسير كشف القناع والمستور والاخذ بالظاهر ليس بمستور. ومنها ورود التوبيخ على العامة في ادعائهم معرفة القرآن وفيه ان التوبيخ على ادعائهم المعرفة حق المعرفة وذلك غير الاخذ بظواهر القرآن فانه ليس من المعرفة حق المعرفة.

ومنها انا نعلم اجمالا بطرو التقييد والتخصيص على آيات الكتاب وذلك موجب لسقوط ظواهره وقد اجاب الاستاذ بما حاصله انحلال العلم الاجمالي بعد الفحص عن تلك المقيدات والمخصصات والعثور على مقدار منها يمكن انطباق

المعلوم بالاجمال عليها ولكن لا يخفى ان مثل هذا العلم لا ينحل بالعثور على مقدار من المخصصات والمقيدات وإلّا لما وجب الفحص بعد العثور على مقدار منها فبقاء الفحص يكشف عن بقاء اثر العلم الاجمالي فالاولى في الجواب هو ان يقال بان مع هذا العلم الاجمالي هناك علم اجمالي آخر بوجود المخصصات والمقيدات فحينئذ ينحل ذلك العلم الاجمال الكبير الى هذا العلم الاجمالي الصغير فلو ظفرنا بمقدار من المخصصات والمقيدات وهو الفحص وعدم الظفر بقرينة تدل على خلاف الظهور فحينئذ نقطع بعدم تحققها فنأخذ بالظهور بخروجه عن دائرة العلم الاجمالي الصغير أو نقول بان اطرافه مختصة بما لو تفحصنا لظفرنا به هذا غاية ما ذكر في المقام من المنع بالاخذ بظاهر الكتاب وقد عرفت ان شيئا منها غير صالح للمنع مضافا الى ما ورد بالامر بالرجوع الى الكتاب لرواية عبد الاعلى فيمن عثر فانقطع ظفره فجعل على اصبعه مرارة قال (ع) (يعرف هذا وشبهه من كتاب الله ما جعل عليكم في الدين من حرج امسح على المرارة وما في رواية زرارة في جواب من اين علمت ان المسح ببعض الرأس من قوله (ع) ولمكان الباء) وكما في عرض الاخبار على الكتاب قوله (ع) (ما وافق كتاب الله فخذوه وما خالف فاطرحوه).

وكيف كان فلم يبق ما يكون مانعا من الاخذ بظهور الكتاب سوى دعوى العلم الاجمالي بوقوع التحريف فيه ولكن لا يخفى ان ذلك ممنوع على ان هذا العلم الاجمالي لا اثر له اذ ليس متحققا في آيات الاحكام فقط بل يحتمل تحققه في غيرها كآيات القصص ونحوها.

بقى في المقام ما يلزم التنبيه عليه وهو ما لو اختلفت القراءة كقوله تعالى يطهرن بالتخفيف الظاهرة في النقاء من الحيض وبالتشديد الطاهر في الاغتسال

فنقول تارة نقول بتواترها واخرى لا نقول بذلك وعلى تقدير القول بعدم التواتر فتارة نقول بالتلازم بين جواز القراءة والاستدلال بها واخرى لا نقول بالتلازم اما على الاول فان امكن الجمع بينهما بحمل الظاهر على الاظهر وإلّا فيتوقف ويرجع الى الاصل او الدليل الموجود في تلك المسألة اذ عليه تكون كآيتين متعارضتين وعلى الثاني فالكلام فيه كالاول وعلى الثالث فلازمه التوقف اذ مع عدم القول بالتلازم بين جواز القراءة والاستدلال يلزم الرجوع الى الاصول او الدليل الموجود في المسألة مثلا في المقام اما الرجوع الى عموم (فاتوا حرثكم انى شئتم) بناء على استفادة العموم الزماني من الآية او الرجوع الى استصحاب حكم المخصص ولكن لا يخفى ان هذا البحث قليل الفائدة لورود الدليل الخاص على الجواز بمجرد حصول النقاء وقد عمل به المشهور.

المقام الثالث حجية قول اللغوي فنقول ينسب الى جماعة حجيته لاجماع العقلاء والعلماء على الرجوع الى اللغة والاستشهاد بقولهم في مقام الاحتجاج ولكونهم من اهل الخبرة وقد جرت العادة على الرجوع اليهم فيما لهم خبرة فيه ولما دل على حجية خبر الواحد فيؤخذ بقول اللغوي لكونه من اخبار الآحاد ولكن لا يخفى ان الرجوع الى اهل اللغة انما هو فيما يتسامح به من تفسير خطبة أو شعر او رواية ليس لها تعلق بالاحكام وليس الرجوع اليهم في استنباط الحكم الشرعي نعم ربما يحصل من مراجعة اللغة انه من المسلمات فيحصل له الوثوق والاطمئنان ولو من لغوي واحد وذلك خارج عما نحن فيه.

واما كون اللغوي من اهل الخبرة فممنوع حيث ان الرجوع الى اهل الخبرة فيما يعمل رأيه مما هو معلوم لديه من الامور الحدسية لا مثل قول اللغوي الذي

يذكر موارد الاستعمال من غير حاجة الى اعمال رأى فهو يذكر ما لديه من الامور الحسية اما حجيته من جهة دخوله في خبر الآحاد ففيه ما لا يخفى اذ الظاهر ان حجية خبر الواحد انما هو بالنسبة الى الاحكام فلا تشمل الموضوعات فعليه لا يشمل قول اللغوي الثقة اذ هو كلامه في تشخيص الموضوع ولو سلمنا وقلنا بانه يشمل الموضوعات إلّا ان رواية مسعدة بن صدقة (كل شيء لك حلال حتى تعلم انه حرام بعينه فتدعه من قبل نفسك وذلك مثل الثوب يكون عليك ولعله سرقة او العبد يكون عندك ولعله حر قد باع نفسه او قهر فبيع او خدع فبيع او امرأة تحتك وهي اختك او رضيعتك والاشياء كلها على هذا حتى يستبين لك) يستفاد منها الردع في انه لا يعمل بخبر الواحد في الموضوعات ولو سلم وقلنا بان السيرة قد انعقدت على اعتبار قول الثقة في الاحكام والموضوعات وخرجت الموضوعات الجزئية كالامثلة المذكورة في رواية مسعدة بن صدقة ويبقى الباقي تحت انعقاد السيرة ولكن الكلام في ان قول اللغوي ليس بصدد تعيين الموضوع له وانما هو في مقام بيان موارد الاستعمال بلا نظر الى تعيين الموضوع له فعليه لا يكون قول اللغوي موجبا لتشخيص الظهور على انه يحتاج الى وثوق من قوله واطمئنان ولعله قد يحصل من قول بعضهم الوثوق والاطمئنان فيكون المناط هو تحصيل الوثوق والاطمئنان الموجب لتحقق الظهور وليس لقول اللغوي موضوعية كما ادعاء البعض نعم قد استدل على حجية قوله بالانسداد الصغير في خصوص اللغات (١) فان معاني غالب الالفاظ مجهولة اما اصلا او سعة وضيقا ولكن لا يخفى

__________________

(١) وغاية ما قيل في تقريبه بان من جملة مقدمات الانسداد عدم جواز الرجوع الى البراءة اما للزوم الخروج عن الدين او للزوم المخالفة القطعية وعند

ان باب العلم في اللغة ان رجع الى انسداد العلم في الاحكام فبعد ضم بقية المقدمات فيرجع الى انسداد الكبير في باب الاحكام فتكون النتيجة هو حجية الظن من غير فرق بين حصوله من قول اللغوي او من غيره وان لم يرجع الى ذلك بنحو يكون باب الاحكام مفتوحا فلا اثر لانسداد باب العلم في اللغات.

__________________

انسداد باب العلم في خصوص اللغات في المقام لا يلزم من الرجوع الى البراءة خروج من الدين إلّا انه يلزم من الرجوع اليها مخالفة قطعية لان غالب الالفاظ في الكتاب معانيها مجهولة لو لم يرجع الى قول اللغة فلا بد لنا من الرجوع الى الظن الحاصل من قول اللغوي ولكن لا يخفى انا نمنع انه لو لم يرجع الى قول اللغوي يلزم مخالفة قطعية اذ ليس في الفاظ الكتاب والسنة الفاظ مجهولة المعنى إلا القليل سيما في الاحكام الالزامية بل لم نجد الا الفاظا معدودة على ان مقدمات الانسداد ليست منحصرة بعدم الرجوع الى البراءة بل لها مقدمات أخر مثل عدم امكان الاحتياط او عدم وجوبه لكونه موجبا للعسر او للحرج او مخلا بالنظام ومن ان شيئا منها لا يلزم لو لم يرجع الى قول اللغوي ولا يقاس على تعديلات اهل الرجال فانه لو لم يعتمد على تعديلاتهم يلزم الانسداد الكبير لا الصغير كما ادعى في ترك العمل بقول اللغوي وقد عرفت انه ان رجع الى الانسداد الكبير فهو وإلّا فليس بمحذور وقد ادعى الشيخ (قده) رجوعه الى الانسداد الكبير في الحاشية على الكتاب بقوله ولكن الانصاف بان قول اللغوي مما يحتاج اليه في كثير من الموارد المهمة كمثل الوطن ونحوه فمن تركه يلزم العسر ولكن لا يخفى ما فيه فان الموارد التي ذكرها في الحاشية انما هي امور عرفية يرجع فيها الى اهل العرف لا اقل من الاخذ بالقدر المتيقن مضافا الى انه من ترك العمل بقول اللغوي في تلك المواضع لا يلزم العسر نعم يمكن اعتبار قول اللغوى باعتباره كونه من اهل

الاجماع المنقول

المبحث الرابع في ان الاجماع المنقول بخبر الواحد حجه ام لا قيل بحجيته نظرا الى اندراجه تحت خبر الواحد فتشمله جميع الادلة الدالة على حجية خبر

__________________

الخبرة والعقل يحكم بالرجوع الى اهل الخبرة ولا يعتبر في اهل الخبرة التعدد اذ ذلك في باب الشهادة والفرق بين باب الشهادة واهل الخبرة هو ان باب الشهادة عبارة عن الاخبار عن حس واهل الخبرة يتألف من جزءين احدهما ان لا يكون من الامور الحسية بل يكون من الامور التي يتوقف على اعمال فكر ونظر وثانيهما ان تكون تلك المعرفة مخصوصة بطائفة دون اخرى بحيث لا يلتفت اليها كل أحد وحينئذ دعوى ان اللغوي من اهل الخبرة غير مجازفة اذ اطلاعه على الاوضاع تعد كصنعة له واما حجية قول اهل الخبرة فهو مما جرت عليه السيرة العقلائية بالرجوع اليهم واعتبار قولهم من باب الطريقية لا من باب التعبد ولا يشترط في اعتبار قولهم التعدد لما عرفت انه ليس من باب الشهادة المعتبر فيها التعدد واما اعتبار التعدد في بعض المقامات كخيار العيب والدعاوي فالظاهر ان ذلك من جهة تنزيل قولهم منزلة المحسوسات وبعد التنزيل يتحقق موضوع الشهادة ولكن الاشكال ان اهل اللغة ليسوا بصدد نقل وضع الالفاظ وانما هم بصدد ذكر موارد الاستعمالات فحينئذ يشكل الاخذ بقولهم نعم ان حصل الوثوق والاطمئنان من قول اللغوي فيؤخذ به لا لانه قول اللغوي بل من جهة حصول الظهور والاخذ بالظهور مما استقرت عليه سيرة العقلائية فلا تغفل.

الواحد بل ربما يقال بانه من الخبر العالي السند لكونه حاكيا عن الامام (ع) بلا واسطة ولكن لا يخفى ان شمول ادلة حجية خبر الواحد للاجماع المنقول محل نظر فان السيرة وبناء العقلاء والاجماعات المحكية ادلة لبية لا اطلاق فيها فيؤخذ بالقدر المتيقن وهو ما كان خبرا عن حس فلا تشمل ما يكون من الامور الحدسية واما الاخبار والآيات ما عدى آية النبأ فانما هي بلسان التقرير وامضاء الطرق العادية فلا يكون فيها اطلاق لكي يؤخذ باطلاقها بل هي كالأدلة اللبية يؤخذ فيها بالقدر المتيقن وقد عرفت انه ما كان عن حس فلا يشمل المقام الذي هو اخبار عن حدس واما آية النبأ فهي وان كانت تعم مطلق الاخبار ولو كانت عن حدس إلّا ان مقابلة الفسق للعدالة في الآية وعموم التعليل فيها يوجب صرفه الى الاخبار عن حس حيث ان المستفاد منها هو رفع احتمال تعمد الكذب لاجل ما يستفاد منها اعتبار العدالة أو الوثوق في المخبر وليست في مقام رفع خطأ المخبر لاشتباهه ونحوه الذي يحصل من الحدس لكي تشمل الاخبار عن حدس بل الرافع له الاصل العقلائي ان قلت على هذا يلزم قبول شهادة الفاسق اذا علم عدم تعمده الكذب واما احتمال الخطأ والاشتباه فقد فرضت انه مرفوع بالاصل العقلائي المجمع عليه مع ان شهادته مرددة اجماعا قلت العدالة في الشهادة مما لها موضوعية قطعا وذلك لا ينافي كون الآية بصدد مانعية الفسق من حيث احتمال تعمده للكذب فيكون المفهوم عدم المانع في العادل من هذه الجهة الموجب لاختصاصها بالخبر عن حس وليست بصدد نفى الخطأ والاشتباه لكى تشمل الاخبار عن حدس على ان خبر الفاسق لا يعتنى به لكونه نوع ركون الى الظالم لانه ظالم لنفسه لقوله تعالى (وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ) والركون الى الظالم منهى عنه بمقتضى قوله تعالى

(وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَما لَكُمْ مِنْ ...) فمثل هذا النهي قرينة على تعميم آية النبأ بحسب المنطوق للاخبار التي هي عن حس أو عن حدس فيكون المفهوم على القول به تكون من قبيل الادلة اللبية التي يؤخذ فيها بالقدر المتيقن وذلك هو الخبر عن حس لان المفهوم نقيض المنطوق والمنطوق لما كان عاما من جميع الجهات فرفعه يحصل بالايجاب الجزئي وهو الاخبار عن حس فتندرج الاخبار عن حدس تحت الاصل المقرر في الامارات الظنية وهو حرمة العمل بالظن فان قلت معنى كون المنطوق عاما ومطلقا بمعنى ان ينحل الى اشخاص وافراد متعددة ومن جملة الافراد الخبر الفاسق عن حدس فحينئذ يدخل تحت مفهوم خبر العادل عن حدس قلت فرق بين كون الاطلاق في التعليق وبين كونه في الجزاء المعلق وما ذكرت انما يتم لو كان الاطلاق في التعليق واما لو كان في الجزء المعلق فلا يكون في طرف المفهوم الا الايجاب الجزئي وحينئذ يحتمل انطباقه على كلا الخبرين فيوجب الاجمالي في الآية ولازمه الاخذ بالقدر المتيقن وهو الخبر عن حس فان قلت لو افاد خبر الفاسق الجزم فان الاصحاب يعملون به مع انه ركون الى الفاسق قلنا لم يكن ركونا الى الفاسق بل العمل بخبره ركون الى الجزم واليقين كما هو اوضح من ان يخفى اذا عرفت ذلك فاعلم ان ادلة حجية خبر الواحد كادلة الشهادة تختص بما اذا كان الخبر يستند الى الحس أو الحدس القريب من الحس كالاخبار بالشجاعة والعدالة فلا تشمل ما كان مستندا الى الحدس المحض كناقل الاجماع فان المستند لنقله ليس عن امر حسي بل حدس محض لبعده عن وصوله الى الامام (ع) وسماعه منه خصوصا اذا كان في الاعصار المتأخرة نعم يمكن دعوى حجية بعض الاجماعات المتحققة في زمان الغيبة الصغرى

كزمان الكليني والسفراء بل واوائل الغيبة الكبرى كزمان السيدين والمفيد ممن يمكن في حقه ان تكون دعواه اتفاق الامة الظاهر دخول المعصوم (ع) ولو احتمالا فيشمله حينئذ ادلة حجية خبر الواحد لكون اخباره عن حس بل وان كان عن حدس إلّا انه قريب من الحس فيكون كالاخبار عن شجاعة شخص او عدالته اذ ذلك حدس مستند الى الحس وكيف كان فناقل الاجماع ان كان ممن يرى حجيته بالتضمن كالسيد المرتضى (قده) او قاعدة اللطف كالشيخ (قده) او الاتفاق الذي يكشف عن رضاء المعصوم (ع) بنحو تكون ملازمه بين الاتفاق ورضاء المعصوم ولو كانت عادية فان ذلك كله يشمله ادلة حجية خبر الواحد فان ذلك على تقدير تحققه يكون من الحدس القريب من الحس نظير الاخبار بالشجاعة استنادا الى ما يراه من اقدامه والاخبار بالعدالة استنادا الى ما نراه من زهده وتقواه فانه من الاخبار بالحدس قريب من الحس واما اذا كان عن اتفاق جماعة لم يكن بينه وبين رأي الامام ورضاه ملازمة عادية فهو من الحدس المحض فليس بحجة لعدم كونه مشمولا لادلة حجية خبر الواحد ثم لا يخفى ان حجية الاجماع لا تنحصر بتحقق الملازمة بين الاتفاق وقول الامام (ع) بل ولو كانت ملازمة عادية بين ما نقله من الاتفاق ووجود دليل معتبر ولو كان مخالفا للاصول والقواعد وبالجملة فناقل الاجماع تارة يكون نقله عن حس كما هو مبنى التضمن واللطف فلا اشكال في اعتباره ولكن يبعد تحققه الا في زمان الغيبة الصغرى واوائل الغيبة الكبرى واخرى يكون حدسا قريبا من الحس كما لو كانت ملازمة ولو عادية بين نقله ورأى الامام او وجود دليل معتبر كما ربما يحصل للمرءوسين المنقادين لرئيسهم لو اتفقوا على امر يكشف ان ما اتفقوا عليه هو رأي رئيسهم

فان ذلك حجة لكونه مشمولا لادلة حجة الخبر وثالثة يكون حدسا محضا كما لو نقل عن جماعة لا يكشف عن رأى الامام بنحو لا تكون ملازمة بينهما فهو ليس بحجة فلا يكون مشمولا لادلة حجة الخبر هذا كله في نقل المسبب واما نقل السبب فيختلف باختلاف الناقلين للاجماع فتارة يكون حدسيا قريبا من الحس كما لو كان الناقل له الاحاطة باقوال الاصحاب بنحو يحصل من ذلك الحدس القوى بكونه متفقا عليه في الاعصار المتقدمة وحينئذ يؤخذ بقوله اذا كان قد بلغ الى مقدار يلازم عادة قول الامام عليه‌السلام واخرى لا يكون من ذلك القبيل بل يحتاج ضم ما يتم السبب فاذا حصل ذلك يستكشف منه قول الامام عليه‌السلام فيؤخذ به وإلا فلا يؤخذ به ومثل نقل الاجماع نقل التواتر فان كان النقل للتواتر ثبت عند المنقول اليه بنحو لو ظفر هو باخبار تلك الجماعة لحصل عنده التواتر فيرتب عليه الاثر وإلا ان حصل من ضم ما يحصله من أخبار جماعة اخرى فائضا يترتب عليه آثاره ومع عدم حصول ملك الضميمة فلا يترتب عليه آثاره واقعا وتظهر الثمرة فيما لو نذر ان يحفظ الاخبار المتواترة فان كان نذره معلقا على التواتر الواقعي فلا يترتب النذر على الاخير ويلزم ترتبه على الاولين إلا اذا نذر على التواتر في الجملة وحينئذ يلزم حفظها من دون حاجة الى ضم ضميمة فافهم وتأمل.

حجية الشهرة

المبحث الخامس في حجية الشهرة فنقول الشهرة على ثلاثة اقسام :

الشهرة في الرواية وهى عبارة عن اشتهار الرواية بين الرواة بكثرة نقلها

في اصولهم وفي الكتب المنقولة من الاصول قبل الجوامع الاربعة التى هى التهذيب والكافي والاستبصار والفقيه وهي التي تكون من المرجحات في باب التعارض وهي المقصودة من قوله عليه‌السلام : (خذ بما اشتهر بين اصحابك) والشهرة العملية وهى عبارة عن اشتهار العمل بالرواية بنحو تستند الفتوى اليها والمراد باشتهار العمل هو عمل الاصحاب القدماء إذ لا عبرة بعمل المتأخرين وهذه هي التى تكون جابرة لضعف الرواية كما يدعى (ان رواية على اليد ما اخذت حتى تؤدى) من انها ضعيفة لعدم نقلها في الجوامع ولم تذكر من طرقنا وانما ذكرت من طرق العامة فان الحسن البصرى رواها عن سمرة بن جندب ومعلوم ان سمرة بن جندب ضعيف للغاية كما يظهر ذلك من حديث لا ضرر على انه يقال ان الحسن البصري لم يرو حديثا عنه ومع هذا كله افتى الاصحاب بمضمونها مستندين في الفتوى الى هذا الحديث.

وبالجملة ان عمل الاصحاب بحديث ولو كان من الضعف بمكان يكون جابرا لضعفه واعراضهم عن حديث ولو كان صحيحا مع انه بمرأى ومسمع منهم يكون موهنا له والشهرة الفتوائية التي هى عبارة عن اشتهار الفتوى بين الاصحاب في المسألة من دون استناد الى رواية من دون فرق بين وجود رواية على خلاف ما اشتهر من الفتوى او هناك رواية موافقة للفتوى إلّا انه لم تستند الفتوى اليها اذ الفتوى مع موافقتها لمضمون الرواية لا يعد استنادا اليها وهذه الشهرة هى التى قد وقع الكلام في حجيتها فقيل بحجيتها وانها من الظنون الخاصة الخارجة عن الاصل الذي دل على حرمة العمل بالظن لامور اربعة.

الاول بما في المقبولة (فان المجمع عليه لا ريب فيه) فانه يستفاد منها عموم التعليل لكل ما لا ريب فيه والشهرة الفتوائية لا ريب فيها فيجب الاخذ بها. الثاني بما في المرفوعة. (خذ بما اشتهر بين اصحابك ودع الشاذ النادر) فانها تدل على الاخذ بتلك الشهرة وترك ما يقابلها الثالث اولوية الاخذ بهذه الشهرة من الاخذ بخبر الواحد أو الظن الحاصل منها اقوى من الظن الحاصل من الخبر ، الرابع التمسك بذيل آية النبأ (أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ) بناء على ان المراد من الجهالة السفاهة إذ الاخذ بالشهرة في الفتوى ليست من السفاهة.

ولكن لا يخفى ان جميع ما ذكر محل نظر بل منع اما عن الاول فان المراد من قوله عليه‌السلام (فان المجمع عليه لا ريب فيه) هو الرواية لما يظهر ذلك من استشهاد الامام عليه‌السلام بقوله : (انما الامور ثلاثة امر بين رشده فيتبع وامر بين غيه فيجتنب وامر مشكل يرد حكمه الى الله ورسوله) قال الشيخ الانصارى (قده) ما هذا لفظه (ولهذا كانت الرواية المشهورة من قبيل بين رشده والشاذ من قبيل المشكل الذي يرد علمه الى اهله وإلّا فلا معنى للاستشهاد بحديث التثليث) (١) واما عن الثانى فمع الاغماض عن ضعف السند فالمراد بالموصول

__________________

(١) مضافا الى انه يتم بناء على عموم التعليل المستفاد من قوله (فان المجمع لا ريب فيه) لكي يكون من منصوص العلة حتى يتعدى من المورد فيكون حاله مثل قوله الخمر حرام لانه مسكر حيث انه يكون المناط هو الاسكار فيتعدى الى غير الخمر من المسكرات وبعبارة اخرى ان عموم التعليل بنحو يكون كبرى كلية لكي يشمل غير المورد ويكون من منصوص العلة فيكون

فى قوله عليه‌السلام (بما اشتهر بين اصحابك) هو الشهرة في الرواية لا مطلق الشهرة اذ لا عموم فيه لكى يشمل الشهرة في الفتوى كما يظهر ذلك من ذيل الرواية (فقلت يا سيدى انهما مشهوران) ومن المعلوم ان الشهرة الفتوائية

__________________

المراد من الرواية انه يجب الاخذ بكل ما لا ريب فيه فتشمل الشهرة في الفتوى ولكن ارادة ذلك محل نظر بل منع اذ لا يصح ان يقال يجب الاخذ بكل ما لا ريب فيه في قبال ما فيه الريب وإلا لزم الاخذ بكل راجح بالنسبة الى غيره وباقوى الشهرتين والظن المطلق الى غير ذلك من اللوازم الباطلة التي لا يمكن الالتزام بها على ان المراد من المجمع ان كان هو الاجماع المصطلح فلا يعم الشهرة في الفتوى وان كان المراد منه المشهور فلا يصح حمل قوله لا ريب فيه بقول مطلق فلا بد من ارادة (من لا ريب فيه) هو عدم الريب بالاضافة الى ما يقابله وهو يوجب خروج التعليل عن كونه كبرى كلية لكي يتعدى عن المورد فاذا لم يكن في مقام الكبرى الكلية فلا عموم فيه فحينئذ لا يتعدى المورد وهو الشهرة في الرواية واما الموصول في قوله (ما اشتهر) هو خاص بالشهرة في الرواية فلا يعم الشهرة الفتوائية وذلك ليس تخصصا للعام في المورد لكي يشكل ويقال بان المورد لا يخصص العام وانما هو لعدم عموم في الموصول على ان المعرف لما يراد من الموصول كما يمكن ان يكون هو صلته يمكن ان يكون شىء آخر كما هو كذلك في المقام فان السؤال في المرفوعة عن الخبرين المتعارضين هو الذى يكون معرفا لما يراد من الموصول وهو الخبر ان المتعارضان المشهوران في الرواية دون مطلق ما يكون مشهورا كما لا يخفى فظهر مما ذكرنا ان الشهرة الفتوائية لا دليل على حجيتها إلّا ان شهرة القدماء تكون موهنة للرواية على خلافها ولكن الانصاف ان مخالفتها مشكل وموافقتها من دون دليل اشكل فلا تغفل.

لا يعقل تحققها في الطرفين واما عن الثالث فالاولوية انما تتحقق لو قلنا بان اعتبار خبر الواحد من باب افادته للظن ولكن ذلك محل منع اذ حجية خبر الواحد لأجل قيام الادلة على حجيته ولو لم يفد الظن بل هو حجة ولو كان هناك ظن على الخلاف واما عن الرابع فان غاية ما يدل على عدم الاخذ بما فيه جهالة واما وجوب الاخذ بكل ما ليس فيه جهالة فلا دلالة عليه اذ لا مفهوم له مثلا لو قال لا تأكل الرمان لانه حامض فانه لا يدل على عدم جواز اكل كلما ليس بحامض.

وبالجملة الشهرة الفتوائية ان افادت الظن وقلنا باعتبار مطلق الظن فتكون حجة وإلّا فليست بحجة لعدم الدليل عليها وما ذكر من الادلة قد عرفت انها غير صالحة للدلالة كما انها لا تكون جابرة لضعف السند كما قلنا بان الشهرة في الرواية او العمل بها تكون جابرة لضعف السند نعم يمكن دعوى كونها موهنة للرواية اذا كانت على خلافها إلّا ان ذلك بالنسبة الى شهرة القدماء فلا تغفل.

حجية خبر الواحد

المبحث السادس في ان خبر الواحد هل هو حجة في الجملة اولا والمختار هو الاول وقبل الخوض في المقصود ينبغي بيان ان هذه المسألة هل هي من المسائل الاصولية المبحوث عنها في الاصول اولا فنقول قال الاستاذ (قدس‌سره) في الكفاية (ان هذه المسألة من أهم مسائل الاصولية وقد عرفت في اول

الكتاب ان ملاك المسألة الاصولية صحة وقوع نتيجة المسألة في طريق الاستنباط) ويشكل عليه بانتقاض ذلك بقاعدة اصالة الحل فانها لم تكن متعلقة بجهة الاستنباط وذكر الشيخ الانصارى (قدس‌سره) ان ملاك المسألة الاصولية هي الوظيفة المختصة بالمجتهد والفرعية هي ما اشترك فيها المجتهد والمقلد ويشكل عليه بانتقاضه بقاعدة الطهارة حيث انها لا اشكال في كونها مسألة فرعية مع انها من خصائص المجتهد اذ محلها الشبهة الحكمية التى هي من وظائف المجتهد ولا يعرفها المقلد ولو اجيب عن هذا الانتقاض بزيادة قيد وهو انه لا يختص بباب دون باب فتخرج قاعدة الطهارة عن المسائل الاصولية لاختصاصها بباب الطهارة اشكل في الحاق بعض مسائل الاصولية كقاعدة الاشتغال فانها وظيفة يشترك فيها المجتهد والمقلد وذكر المحقق القمي (قدس‌سره) بان المسألة الاصولية هي ما تتعلق بعمل المكلف بالواسطة والفرعية ما تتعلق بالعمل بلا واسطة وخبر الواحد من قبيل الاول بتقريب ان مفاده الامر بتصديق العادل ارشاد الى جعل الحجية فيرجع اولا وبالذات الى البحث عن حال الخبر وبالعرض ثانيا يتعلق بعمل المكلف فيكون مثل البحث عن حجية الخبر متعلقا بالعمل بالواسطة فيتحقق فيه ملاك المسألة الاصولية فتدخل في مسائل الاصول.

ولكن لا يخفى ان ما ذكره (قدس‌سره) انما يتم بناء على مختار الاستاذ من كون الامر المتعلق بالتعبد ارشادا الى جعل الحجية ولا يتم بناء على ما اخترناه من كون الامر انما هو حكم تكليفى ليس إلا مضمون قوله صدق العادل فيما يخبر به فيكون متعلقا بالعمل بلا واسطة فحينئذ تدخل هذه المسألة في المسائل الفرعية لوجود ملاكها فلذا لا بد من جعل الملاك في المسألة الاصولية

هو ما يبحث عن الوظيفة المقررة للمكلف متعلقة باستنباط الاحكام سواء كانت الوظيفة متعلقة باستنباط الاحكام الواقعية او كانت راجعة الى الحكم الظاهري المجعول في حق المكلف عند الشك وجهله بالواقع وضابط المسألة الفرعية ما يبحث عن الاحكام الشرعية اللاحقة لعمل المكلفين ومسألة خبر الواحد من قبيل الاول لانه يبحث عن وجه استنباط الحكم الواقعي فتكون الوظيفة للمكلف اتباع الخبر في المؤدى.

هذا وقد تصدى شيخنا الانصاري (قده) لادراج مسألة حجية خبر الواحد في المسائل الاصولية بجعل السنة نفس قول المعصوم (ع) او فعله او تقريره وجعل البحث عن الخبر بحثا عن عوارضها بتقريب ان البحث عن الخبر يرجع الى ان السنة ثبتت بخبر الواحد ام لا بل لا بد من ثبوتها من دليل قطعي كالتواتر ونحوه وقد اعترض عليه الاستاذ (قدس‌سره) بان البحث بهذا النحو يكون بحثا عن نفس الموضوع الذى هو مفاد كان التامة ان اريد من الثبوت الواقعي وإلّا فليس من عوارض السنة المحكية وانما هو من عوارض الخبر ولكن لا يخفى ان هذا انما يتم لو كان مفاد دليل التنزيل هو تنزيل المؤدى منزلة الواقع ولكنه خلاف التحقيق فان المختار في مقام التنزيل هو تنزيل الامارة منزلة العلم فيكون بسبب التنزيل السنة الواقعية معلومة الحكم ومن الواضح ان المعلومية من عوارض الشيء فانه يحصل بعد تحققه فحينئذ يكون البحث بحثا عن العارض الذى هو مفاد كان الناقصة.

ومما ذكرنا من كون مفاد ادلة التنزيل نفى الشك لا التعبد في ظرف الشك يندفع ما ذكره الاستاذ من الاشكال عليه بان البحث في الثبوت التعبدى ليس من

عوارض السنة لعدم النزاع في وجوب العمل في السنة الواقعية بل من عوارض مشكوك السنة الذى هو مؤدى الخبر ومن احواله هذا ولكن التحقيق ان العوارض التى يبحث عنها في العلم ما كانت تعرض للشيء اولا وبالذات لا العوارض الذى يبحث عنها ثانيا وبالعرض وما نحن فيه من العوارض التى يعرض للشىء ثانيا وبالعرض لانك قد عرفت مما تقدم ان صفة العلم انما هى من عوارض الصور الذهنية حقيقة واتصاف الخارجية بها يكون ثانيا وبالعرض إذ ما يكون عروضه لما في الذهن لا يمكن ان يعرض لما في الخارج إلا بالعناية وكون الصورة الذهنية مرآة لما في الخارج بنحو ترى عينه فيسرى ما هو من عوارضها الى ما في الخارج فالعلم التنزيلى المستفاد من ادلة التنزيل انما هو من عوارض السنة حقيقة لا من عوارض السنة الخارجية الذى هو الموضوع فالبحث عن عوارض السنة الخارجية ليس بحثا عن عوارض الموضوع الحقيقي (١) وعلى

__________________

(١) لا يخفى ان العمل بخبر الواحد يتوقف على امور ثلاثة حجية الظهور وجهة الصدور واصل الصدور اما حجية الظهور فقد تقدم ان سيرة العقلاء على الاخذ بالظهور واما جهة الصدور فائضا سيرة العقلاء منعقدة على عدم الاعتناء باحتمال عدم كون الكلام صادرا لغير بيان المراد بل ظاهر الكلام ان يكون صادرا لبيان مراده الواقعي واما اصل الصدر فالمتكفل له هو البحث عن حجية خبر الواحد الراجع الى ان السنة الواقعية تثبت بخبر الواحد وبذلك عد الشيخ الانصاري (قده) خبر الواحد من المسائل الاصول بان ارجع البحث عنه الى ان السنة تثبت بخبر الواحد ام لا فيكون البحث عن عوارض السنة والمحقق الخراساني (قده) اشكل عليه بما حاصله ان المسائل التى تعد من الفن ان يكون البحث فيها بمفاد كان الناقصة لا بمفاد كان التامة والبحث عن ثبوت

كل فصرف الكلام الى المهم في المقام اولا ، فنقول وهو المستعان اختلفوا في حجية

__________________

السنة ان كان واقعا فهو من المبادئ لانها مفاد كان التامة وان كان الثبوت تعبديا فهو من عوارض الخبر الحاكى للسنة وقد وجه كلام الشيخ (قده) المحقق النائينى بنحو لا يرد عليه بتقريب ان البحث ليس عن ثبوت السنة واقعا وانما البحث عنه يرجع الى البحث عن انطباق السنة على مؤدى الخبر وعدم الانطباق وذلك من العوارض اللاحقة كالبحث عن وجود الموضوع في اى زمان او في اى مكان فان ذلك يكون عما يعرض عن الموضوع فارغا عن وجوده وحمل كلامه (قده) الى الصدق والكذب كما عن بعض في شرحه للرسائل فهو من الغرابة بمكان اذ المصادفة وعدمها ليستا راجعتين الى الصدق او الكذب وانما نشأ من عدم معرفة كلامه.

بيان ذلك ان الانطباق انما يكون بالتنزيل والتنزيل يستدعى وجود منزل ومنزل عليه وجهة التنزيل والمفروض في المقام ان المنزل هو الخبر والمنزل عليه هي السنة وجهة التنزيل وجوب العمل به فكما يمكن ان يبحث عن تنزيل الخبر منزلة السنة فيكون البحث عن عوارض الخبر كذلك يمكن ان يبحث عن كون السنة منزلا عليها فيكون البحث عن عوارض السنة ومثل ذلك ذكرنا في الحاشية في الجزء الاول عن بعض السادة الاجلة بان الثبوت اضافة بين الثابت والمثبت له فتارة يكون النظر الى الثابت فيكون من احواله واخرى يكون النظر الى المثبت له فيكون من عوارضه.

وبالجملة الانطباق والتنزيل والثبوت اضافة بين شيئين وفي المقام السنة الواقعية مع الخبر فالبحث عن انطباق السنة على مؤدى الخبر ولا انطباقها بحيث عن احوال السنة وعوارضها ولكن لا يخفى ان ذلك وان صح ان يكون من عوارض السنة إلّا ان جهة البحث الذى يبحث عنها الاصولى ليس إلّا البحث

خبر الواحد فقيل بعدم الحجية وفاقا للسيد والقاضي وابن زهرة والطبرسي وابن ادريس واحتجوا على ذلك بما ورد من الآيات الناهية عن اتباع غير العلم فانه رافع ورادع لبناء العقلاء الذى بنى على منع العمل الغير العلم وألسنة الآيات مختلفة منها لسان لا تقف ما ليس لك به علم ومنها ما ورد بلسان ان الظن لا يغني من الحق شيئا والجواب عن الآيتين ان الاستدلال بهما انما يتم لو كان لهما تعرض لبيان المصاديق ويحتمل قويا انهما لم يكونا ناظرين لتعيين المصاديق بل تعيين المصاديق موكولة الى العقل نظير قول المولى اكرم العالم فانه لم يكن متعرضا إلا لحكم كبروى من دون نظر الى الافراد من زيد عالم وغيره بل هو موكول الى العقل وغيره من الادلة بالحكم عليه انه عالم ليندرج تحت عموم اكرم العلماء ام ليس بعالم لكي يخرج من موضوع الحكم وهاتان الآيتان من هذا القبيل إذ لما انعقدت السيرة على العمل بالخبر الواحد وصار علما حكما لا حقيقة فيخرج عن غير العلم الذى هو الموضوع في الآيتين.

__________________

عن نفس الخبر بانه حجة ام لا فالبحث عن حجية الخبر باى نحو حصل من جعل المؤدى او تنزيل الامارة منزلة العلم او تتميم الكشف او نحو ذلك كلها من عوارض الحاكى لا المحكى هذا والانصاف ان هذا الاشكال انما يتوجه اذا حصرنا موضوع علم الاصول بالادلة الاربعة واما اذا عممنا الموضوع للادلة وغيرها بان جعلناه عنوانا اجماليا يشار اليه بلوازمه وذلك يغنى عن معرفته باسمه فلا يتوجه اشكال اصلا كما انه بناء على المختار من عدم اعتبار الموضوع لكل علم وانه التزام بلا ملزم فالاشكال مندفع من أصله وقد ذكرنا ذلك في الجزء الاول على نحو التفصيل فراجع.

ودعوى ان بناء العقلاء متبع لو لا الردع ومن الآيتين يستفاد الردع لبناء العقلاء فعليه لا يتبع بناء العقلاء ممنوعة بان الردع من الآيتين انما يتحقق فيما فيما اذا كانا متعرضين لصورة التطبيق على المصاديق واما على ما قويناه من عدم تعرضهما الا للحكم الكبروي غير المتعرض لبيان المصاديق بل بيانها موكول الى حكم العقل وغيره فلما انعقد بناء العقلاء على كونه كالعلم حكما يخرج الخبر من موضوع الآيتين وذلك البناء يوجب تضيق دائرة الموضوع فهو نظير الحكومة فكما ان الحكومة قد تفيد التضيق كذلك بناء العقلاء قد يفيد تضيقا لدائرة الموضوع فلم يكن بناء العقلاء مع الآيتين من قبيل المتعاكسين حتى تكون الآيتان قابلتين للردع.

وبالجملة بعد الاغماض عن الآيتين في مقام اصول الدين وتسليم عمومها لمطلق الاحكام الشرعية فحينئذ تكون ادلة حجية خبر الواحد بعد تسليم دلالتها موجبة لخروج العمل به عن كونه عملا بالظن لكونه علما حكما فتكون ادلة حجية خبر الواحد حاكمة على تلك الادلة (١) على ان تلك الادلة دالة على نفى

__________________

(١) خلافا للشيخ الانصاري (قدس‌سره) حيث قال ما لفظه :

(واما الجواب عن الآيات فبانها بعد تسليم دلالتها عمومات مخصصة بما سيجىء من الادلة) بتقريب ان هذه الآيات واردة في بيان اصول الدين فليس لها اطلاق لكي يؤخذ باطلاقها او يقال بان المورد لا يخصص الاطلاق بعد ان كان المتيقن في مقام التخاطب هو اصول الدين وعلى تقدير تسليم اطلاقها او عمومها فان ادلة حجية الخبر اخص مطلقا منها فتخصص تلك العمومات بها ولكن لا يخفى انه بناء على تتميم الكشف وان الخبر منزل منزلة العلم تكون ادلة حجية الخبر حاكمة على تلك الادلة بل قيل بالورود باعتبار ان عمل العقلاء بخبر الثقة ليس من العمل

اقتضاء ذاته بحجية الظن في قبال العلم فلا ينافى حجيته لمقتض خارجى فعليه لا تصلح الآيات للرادعية عن بناء العقلاء والعمل بخبر الواحد ودعوى انه لو اقتضت الرادعية لزم محذور الدور بتقريب ان رادعية الآيات للسيرة تتوقف على ان

__________________

بالظن لعدم الالتفات الى احتمال الخلاف للواقع.

ولكن الظاهر ان القول بالورود محل منع اذ احتمال الخلاف متحقق إلا دليل التنزيل يوجب عدم الاعتناء به ومن هنا يظهر ان القول بحكومة ادلة حجية الخبر على الآيات الناهية هو الحق ولذا المحقق النائيني (قدس‌سره) ذكر الورود إلّا انه التزم اخبرا بالحكومة قال ما لفظه : (وان منعت عن ذلك كله فلا اقل من ان يكون حال السيرة وسائر الادلة الدالة على حجية الخبر الواحد من كونها حاكمة على الآيات الناهية والمحكوم لا يصلح ان يكون رادعا عن الحاكم.

وبالجملة لا يمكن الالتزام كون السيرة الدالة على حجية خبر الواحد مخصصة للآيات وإلّا لزم محذور الدور اذ رادعية السيرة بالآيات الناهية تتوقف على ان لا تكون السيرة مخصصة لها وعدم كونها مخصصة لها يتوقف على ان تكون رادعة عنها ولا دافع لذلك إلا القول بحكومة السيرة على تلك الادلة ومع حكومتها لا مجال لدعوى ان الآيات الناهية رادعة عن حجية السيرة ثم ان الاستاذ المحقق النائيني (قدس‌سره) ذكر دعوى الاجماع على المنع وقال ربما يؤخذ ذلك من بعض كلمات شيخ الطائفة (قدس‌سره) ولكن يعارض بمثله نعم يمكن ان يراد من الخبر الشاذ وما لا يوثق بروايته فان الخبر الواحد له اطلاقان اطلاق يطلق على ما يقابل المحفوف بالقرينة واطلاق على ما هو شاذ ولعل المراد في معقد اجماع الشيخ (قده) هو الثاني فلا تغفل.

لا تكون السيرة مخصصة لعمومات الآيات وعدم كونها مخصصة للآيات تتوقف على كون الآيات رادعة.

ولكن لا يخفى ان حجية السيرة متوقفة على عدم الردع توقف المشروط على شرطه فاذا جرت اصالة العموم في الآيات فلا يبقى مجال لحجية السيرة إذ هى تكون رادعة في المرتبة السابقة على حجية السيرة فلا تتحقق حجية السيرة بلا احتياج الى محذور الدور إلا ان صلاحية هذه الآيات للردع انما هى لو كان بناء العقلاء غير راجع الى معادهم وإلّا تكون سيرة المتشرعة ومع تحقق السيرة المتشرعة بما هم متشرعة لا تصلح هذه النواهى للردع اذ من المستحيل تحققها مع ثبوت الردع من هذه الآيات فمن تحققها نستكشف عدم صلاحيتها للردع ثم انه قد اجيب عن الآيات بانها ليست ناظرة الى الخبر بعنوانه الثانوى الذي طرأ عليه من الحالات والطوارئ نعم هي ناظرة للخبر بعنوانه الاولى من حيث انه ظن وربما يكون الشيء يحرم اتباعه بعنوانه الاولى ولكن بسبب الطوارئ والحالات يجب اتباعه كما يقال الغنم حلال ولكن بواسطة طرو حالة تعرض عليها توجب حرمتها فلم يكن قوله الغنم حلال ناظرا الى ذلك اي العناوين المحرمة الثانوية ولكن لا يخفى ان الناظر الى الآية يرى انها متعرضة لجميع الحالات فيحرم اتباع الظن بجميع حالاته اذ مع قيام الخبر يوجب كونه علما حكما فيخرج عنه موضوعا فلا يكون قيام الامارة من العناوين الطارية عليه ومن حالاته كما لا يخفى وقد اجيب عن الآيتين بأنهما متعرضتان لمسائل اصول الدين فلا ربط لهما بالمسائل الفرعية ولكن لا يخفى انه ربما يوهن هذا الانصراف ما ورد عن السجاد عليه‌السلام (ليس لك ان تتكلم ما شئت لان الله تعالى يقول ولا تقف ما ليس لك به علم) فان اطلاق (ليس لك ان

تتكلم ما شئت) شامل للفرعية كما انه شامل لاصول الدين. ومما استدل به للمنع الروايات الدالة على عدم الاخذ بخبر ليس عليه شاهد من كتاب الله او الخبر المخالف والعمل على الخبر الموافق أو عليه شاهد من الكتاب ونحو ذلك فانها وان لم تكن متواترة لفظا كما تواتر النقل عن النبي (ص) في غدير خم (من كنت مولاه فهذا علي مولاه) ولم يكن من التواتر المعنوي كما لو اتفق على نقل معنى ملازم لمضمون ما ينقل من تلك الأخبار كما تواتر النقل على شجاعة علي عليه‌السلام فإن الشجاعة لم تنقلها الرواة ولكن نقلوا وقائعا ملازمة للشجاعة وان التواتر في المقام هو اجمالى وهو ما يكون نقل الاخبار بالغا الى درجة القطع بصدور بعضها من غير تعيين كما فيما نحن فيه فإن كل طائفة من الاخبار بعينها لم تكن متواترة على سبيل الاجمال وهو يكفى دليلا للخصم والجواب : اما عن الطائفة التى تنهى عن اتباع غير العلم فانها لو قطعنا تفصيلا بصدورها فهي غير مفيدة للخصم إذ لم تكن افادتها اكثر من الآيات التى كانت بهذا اللسان لما عرفت من عدم نهوض الاستدلال بها وبنظائرها عن المنع عن العمل بخبر الآحاد بحكومة ادلة حجية خبر الواحد عليها. واما بقية الروايات فلو سلم التواتر الاجمالى فيها بالخصوص من دون انضمامها الى تلك الروايات التى لسانها لسان الآيات فهي ايضا غير ناهضة دليلا للخصم.

بيان ذلك ان الاخبار على اربعة طوائف منها (غير الموافق لم اقله) ومنها (غير الموافق ليس بحجة) ومنها (المخالف لم اقله) ومنها (المخالف ليس بحجة) ولكن لما كان غير الموافق اعم مطلقا من المخالف فيؤخذ بالقدر المتيقن فتعلم اجمالا اما بصدور المخالف الذي ليس بحجة او المخالف الذي لم اقله

والمخالف في كلتا الطائفتين لا يراد منه ما كان بينهما عموم من مطلق او من وجه إذ نعلم تفصيلا بصدور المخالف الذى بينهما عموم مطلق او من وجهه فينحصر ان يراد من المخالف التباين فيكون علمنا الاجمالى دائرا بين ان يكون الصادر المخالف بنحو التباين الذى لم اقله او المخالف بنحو التباين ليس بحجة فنقول لا اثر لهذا العلم الاجمالى لأننا نعلم تفصيلا بعدم صدور المخالف فمع هذا العلم التفصيلي ينحل العلم الاجمالى لاحتمال انطباق المعلوم بالاجمال على المعلوم بالتفصيل ولو سلمنا وقلنا بأننا نعلم اجمالا بصدور كلتا الطائفتين ومع بطلان أحدهما بالانحلال لا تضر بالاخرى ويكفى الخصم دعوى تواتر الطائفة الاخرى وليس هو دليلا لبيا لكي يؤخذ بالقدر المتيقن بل انما هو حاصل من تتبع الأخبار مع عدم انصراف المخالفة الى التباين بل يعم العموم من وجه او مطلق بل تتعين الأخيرتان في خصوص الأخبار العلاجية فإن المخالفة فيها انما هي العموم من وجه لا التباين لان ما كان مخالفا للكتاب بنحو التباين لا يكون فيه مقتضى الحجية ومقام الاخبار العلاجية ما كان في كل منهما فيه مقتضى الحجية.

وبالجملة موافقة الكتاب ترجح الحجية لا تعينها فلسان المخالفة من الاخبار العلاجية تكون مانعا عن انصراف المخالفة في هذه الاخبار الى التباين لتوافق اللسانين في منطوق الاخبار والجواب : اما الاخبار التي نعلم بصدورها لسانها ان المخالف ليس بمعتبرة وهذه القضية لها اطلاقان اطلاق يشمل مورد التباين والعموم من وجه والمطلق واطلاق شامل لمورد التعارض وعدمه والاخبار العلاجية دالة على عدم اعتبار المخالف للكتاب في غير مورد التعارض اذ التعارض يمنع من الحجية ومع عدم التعارض لا بد من الاخذ به وهذه الاخبار انما تقضي بعدم

اعتبار المخالف بالنحوين المذكورين عند عدم التعارض وهو المطلوب كما لا يخفى وربما يستدل للمنع بالاجماع على عدم المنع بخبر الواحد وهو ممنوع إذ المنقول منه ليس بحجة والمحصل منه غير حاصل خصوصا في هذه المسألة التي كثرت فيها الاقوال كما انه استدل على المنع بالدليل العقلى وهو الذى ذكرناه سابقا عن ابن قبة من امتناع جعل الطريق بلزوم تحريم الحلال وتحليل الحرام وقد عرفت الجواب عنه مفصلا هذا كله من ادلة المانعين لحجية خبر الواحد.

واما المثبتون لحجية خبر الواحد فقد استدلوا بالادلة الاربعة اما الكتاب فبآيات منها آية النبأ قال الله تعالى (إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ) وتقريب الاستدلال بهذه الآية من وجوه أحدها اناطة التبين بالفسق ويفهم منها ان العلة لوجوب التبيين هو الفسق لا خبر الواحد ولو كانت العلة هو كون الخبر واحدا لكان اناطة التبين به اولى لأن الفسق وصف عرضي بخلاف كون الخبر خبرا واحدا فانه امر ذاتي ولا اشكال ان التعليل بالذاتى اولى من التعليل بالعرضى كما لا يخفى (١)

__________________

(١) هذا ما افاده الشيخ الانصاري (قده) بما هذا لفظه (انه تعالى امر بالتثبت عند اخبار الفاسق وقد اجتمع فيه وصفان ذاتي وهو كونه خبر واحد وعرضي وهو كونه فاسقا ومقتضى التثبت هو الثاني للمناسبة والاقتران فان الفسق يناسب عدم القبول فلا يصلح الاول للعلية وإلا وجب الاستناد اليه اذ التعليل بالذاتى الصالح للعلية اولى من التعليل بالعرض بحصوله قبل حصول العرضي فيكون الحكم حصل قبل حصول العرض).

توضيح ذلك ان خبر الفاسق له حيثيتان ذاتية وهو كونه خبرا واحدا وعرضية وهو كونه فاسقا وقد علق وجوب التبيين في الآية الشريفة على

ثانيها الاستدلال بمفهوم الوصف عند القائلين فانه يدل بمفهومه على عدم التبين

__________________

العنوان العرضي دون العنوان الذاتي ولو لم يكن هو العلة للحكم لكان العدول عن الذاتي قبيحا وخارجا عن طريقة المحاورات العرفية كما لو علل نجاسة الدم بملاقاته للنجس فحينئذ يكون الملاك هو الامر العرضي فمع انتفائه ينفى الحكم وهو المطلوب والمراد بالذاتي في عبارة الشيخ (قدس‌سره) هو الذاتي في مقام البرهان وهو ما يكفى صحة انتزاعه عنه مجرد وضع الشىء من دون احتياج الى امر خارجى معه كالامكان بالاضافة الى الانسان والزوجية بالنسبة الى الاربعة لا الذاتى في باب الكليات فان الخبر في ذاته يحتمل الصدق والكذب ويصح حمل ذلك عليه من دون احتياج الى ضم امر خارجى بخلاف كونه خبر فاسق فانه ليس ذاتيا للخبر اصلا ومما ذكرنا من المراد بالذاتي يندفع ما اورد على الشيخ (قدس‌سره) بان قبلية الذاتى على العرض قبلية ذاتية طبيعية لا قبلية زمانية وجودية لكى لا تنتهي النوبة في التأثير الى العرضى المتأخر او يقال بان ذلك ينفى العلية بالاستقلال للخبرية للاشتراك مع الفسق في التأثير او يقال بان كلا العنوانين عرضيان بتقريب ان المراد بخبر الواحد في قبال خبر المتواتر وكون الخبر واحدا سواء كان بالاضافة او الصفة انما هو امر عرضي للخبر لا الذاتى فتعليق الحكم على خبر الواحد او على خبر الفاسق انما هو تعليق على امر عرضي.

هذا وقد عرفت ان هذه الايرادات مبنية على تخيل ان مراد الشيخ (قده) من الذاتى في باب الكليات واما على ما ذكرناه من ان المراد من الذاتي هو ما كان انتزاعه من الشىء من دون احتياجه الى ضم امر خارجى كما هو كذلك في الخبر فان انتزاع عنوان الخبرية من نفس ما يكون محتملا للصدق والكذب من دون ضم امر خارجى والعرضي ما احتاج الى انضمام امر خارجى

في خبر العادل ثالثها الاستدلال بمفهوم الشرط بتقريب انه ان لم يجب التثبت بخبر العادل فاما ان يجب قبوله فهو المطلوب واما ان يجب رده فيكون أسوأ حالا من الفاسق وهو باطل والشيخ الانصاري (قدس‌سره) قال لا حاجة الى مقدمة الأسوئية فان الاستدلال يتم بدونها.

بيان ذلك ان وجوب التبين انما هو وجوب شرطى لا وجوب نفسي لما يستفاد من التعليل بالوقوع بالندم ومن الاجماع الدال على عدم كون الوجوب نفسيا فاذا كان الوجوب شرطيا يكون المعنى ان خبر الفاسق يشترط فيه التبين فيفهم منه ان خبر العادل لا يشترط فيه التبين وبذلك يثبت المطلوب من دون ضم الأسوئية نعم يلزم ضم مقدمة الأسوئية فيما اذا قلنا بكون وجوب التبين نفسيا اللهم إلّا ان يقال انه لا يلزم من عدم قبول خبر العادل كونه اسوأ حالا اذ من الجائز ان يكون عدم قبول الخبر مشتركا بين العادل والفاسق ولكن في الفاسق يجب التفتيش والفحص عن خبره دون العادل وذلك نوع اكرام

__________________

في مقام الانتزاع كانتزاع عنوان الفاسق فلا يرد جميع تلك الاشكال نعم يرد عليه ان ذلك لم يكن استدلالا مستقلا وانما هو راجع الى مفهوم الوصف وانه هل له مفهوم اولا وقد علم في محله ان القيد ان رجع الى الموضوع لا يكون له مفهوم اذ لا يستفاد منه علية الحكم لكي يكون له مفهوم وحينئذ يكون ذكر الوصف الاشتقاقي لنكتة اخرى لكي يخرج عن اللغوية كما يحتمل أن يكون ذكره في الآية لأجل التنبيه على كون المخبر فاسقا كالوليد مثلا وان رجع الى قيد الحكم واستفدنا ان التعليق فيها هو سنخ الحكم فيستفاد المفهوم ويكون حجة لكن استفادة ذلك محل اشكال خصوصا فيما اذا لم يعتمد على موصوف كما في المقام فلا تغفل.

للعادل هذا ما تحصل لنا من عبارة الشيخ (قده) في فرائده ولكن لا يخفى ان وجوب التبين كما يمكن حمله على احد النحوين المذكورين الذين ذكرهما الشيخ (قدس‌سره) يمكن ان يكون على نحو آخر وهو الوجوب الطريقى دون النفسي والارشاد الى الشرطية واذا حمل على الوجوب الطريقى لا بد من الافتقار في مقام التقريب الى مقدمية الأسوئية بل ربما يتعين ما ذكرنا من الوجوب الطريقى لان الارشادي رفع اليد عن ظهور الامر في المولوية اذ لو لا تلك الموانع التى منعت من النفسية لوجب الحمل على النفسية حفظا لظهور الامر ومع وجود المانع من الحمل على النفسية حمله على الارشادية يوجب رفع اليد عن اصل الظهور فحفظا لبقاء مقدار من الظهور يجب حمل الامر على الطريقى فيكون معنى الآية الشريفة بناء على الوجوب الطريقى ان الفاسق لما اخبر بالنبإ وكان محتملا للصدق والكذب وجب التبين في خبره ومفهومه ان خبر العادل لا يجب التبين في خبره وعدم التبين اما لالغاء احتمال الخلاف وهو المطلوب واما احتمال الغاء الصدق فيكون اسوأ حالا من الفاسق.

ثم ان الشيخ (قدس‌سره) ذكر ان المراد من التبين العلم الجزمى فيكون الوجوب المتعلق بالتبين وجوبا عقليا فالمعنى حينئذ خبر الفاسق مشروط بالعلم الجزمى وخبر العادل غير مشروط ولكن لا يخفى ان هذا لا يتم بناء على التحقيق في جعل الطرق والامارات من كونها احكاما طريقية ودلالتها على الاحكام الشرعية بلسان مفاد صدق العادل وظاهر ان اشتراط العمل بخبر الفاسق بالعلم وخبر العادل غير مشروط بأمر وراء التكليف ولا مساس به ، لا يقال ان العقل كما يحكم باتباع الحجية كذلك يحكم باتباع التكاليف الشرعية المستفادة من دليل

الاعتبار فالحكم العقلي لا ينفك من دليل الاعتبار من غير فرق بين كونه تكليفيا او وضعيا فلو بنى على ان مفاد الآية لبيان الحكم العقلي وان خبر الفاسق مشروط في مقام العمل بالتبين العلمي وخبر العادل غير مشروط فيكون الاستدلال متجها على كلا القولين فالتفرقة بما ذكر غير متجهة والجواب بالفرق بين الوضع والتكليف اذ لو كان المفهوم ناظرا الى التكليف كان حكم العقل باتباعه من باب لزوم الاطاعة وهو غير مختص بالمقام بل هو جار في جميع التكاليف الشرعية واقعية كانت او ظاهرية وهو حكم عقلي مستقل لا اختصاص له بمورد تصديق العادل فيحتاج استفادة التكليف من الآية الى دلالة ولا دلالة فيها عليه لفرض انها حملت على الارشاد الى الشرط العقلى بالعلم بالعمل بخبر الفاسق وعدمه في خبر العادل وهذا المعنى غير دلالتها على التكليف المستتبع لحكم العقل بوجوب الاطاعة واما على الوضع والحجية فيتجه القول بالمفهوم ويكون اتباع قول العادل في حال الشك والتردد كاتباع قول الفاسق مع العلم بصدقه لازما عقلا ويكون المتحصل حينئذ ان خبر الفاسق يشترط في العمل به حصول العلم بصدقه بخلاف العادل فان العلم يصدق قوله ليس يشترط في العمل به لكون اخباره بمنزلة العلم في ترتب الآثار.

وبالجملة عدم وجوب التبين في خبر العادل بحصول الوثوق بقوله غالبا لا تقتضي نفى الشرطية في خبر الفاسق فيجب التبين في خبر الفاسق لتحصيل الوثوق بخبره اي العلم العادى الجزمى ، واما العادل فيقبل لحصول الشرط وهو العلم العادى بقوله فتكون الآية في مقام الارشاد الى حكم العقل بحصول الشرط في العادل وعدم حصوله عند الفاسق.

وكيف كان فاثبات المفهوم يتحقق بطريق الوصف وبطريق الشرط ، اما الاول فتعليق وجوب التبين على وصف الفسق يدل على انتفاء الوجوب في خبر العادل ولكن لا يخفى انه يمكن لنا انكار المفهوم خصوصا في الوصف غير المعتمد على الموصوف بناء على ان المعلق شخص الحكم لا سنخه والمفهوم انما يستفاد لو كان المعلق سنخ الحكم بتقريب ان سنخ وجوب التبين يرتفع عند خبر العادل فيجب قبوله فمع عدم قبوله يكون اسوأ حالا منه ولو كان شخص الوجوب معلقا فانه يرتفع قطعا ولا ينافيه ثبوت وجوب آخر بتحقق فلا يستفاد منه المفهوم وظاهر كل قضية ثبوت شخص الحكم إلّا اذا ثبت كون الوصف له الدخل في سنخ الحكم ويمكن تقريب الاستدلال لمفهوم الوصف المستفاد من الآية الشريفة وذلك يتوقف على امرين احدهما انا نقطع بان ليس لنا إلا حكم واحد يستفاد منها ، الثاني انه لو ثبت وجوب التبين بخبر العادل فانه نقطع ان ثبوته لم يكن إلا من جهة كونه خبرا واحدا لا لأجل كونه عادلا إذ العدالة لا تقتضى التبين ، وبعد معرفة هذين الامرين فنقول ان اناطة وجوب التبين لخبر الفاسق هل هو لأجل كونه خبرا واحدا أو لكونه فاسقا وظاهر الآية اناطة التبين بكونه فاسقا فحينئذ نقطع بعدم اناطته لأجل كونه خبرا واحدا إذ لو كان هو العلة لوجب التعليل به لكونه تعليلا بالامر الذاتى فاذا تعين ان التبين معلق على عنوان الفاسق فينتفي التبين بالنسبة الى خبر العادل بمقدمة الأسوئية. نعم يمكن ان يقال بمنع كون الفاسقية هي العلة ويمكن ان يكون ذكر الفسق لبيان فسق الوليد او لنكتة اخرى.

وبالجملة اثبات مفهوم الوصف يحتاج الى كون المعلق على العنوان العرضى

سنخ الحكم لا شخصه وثبوت ذلك تكلف اذ هو خلاف ظاهر القضية إذ ظاهر كل وصف ان يكون قيدا للموضوع والمعلق عليه يكون شخص الحكم ويوجب عدم تحقق المفهوم لكونه حينئذ من قبيل السالبة بانتفاء الموضوع واما اثبات المفهوم بطريق مفهوم الشرط وبيانه على وجه يرتفع عنه بعض ما اشكل عليه هو ان القضية الشرطية لا بد وان تشتمل على موضوع محفوظ في جانب المنطوق وفي جانب المفهوم وشرط وهو لا ربط له بالموضوع فلا يتوهم كون الشرط في القضية الشرطية هو الموضوع إذ لو كان هو الموضوع لما كان للنزاع في المفهوم معنى إذ انتفاء الجزاء بانتفاء الشرط يكون عقليا اذ لا اشكال في انتفاء الجزاء بانتفاء الموضوع ويخرج عن النزاع ويدخل في المتسالم عليه في عدم تحقق المفهوم لانه يكون من قيود الموضوع ويكون حاله كحال مفهوم اللقب مثلا الموضوع في (ان جاء زيد فاكرمه) هو زيد المحفوظ في جانب المفهوم والمنطوق لا مجيء زيد اذ لو كان مجىء زيد كان بانتفائه ينتفي الإكرام عقلا فلا مجال للنزاع قطعا.

وبالجملة الشرط ليس له دخل في الموضوعية حتى حيثية انه اضافة الموضوع الى الشرط تكون ملغية وعليه تكون الآية الموضوع فيها هو النبأ قد رتب عليه عليه وجوب التبين بحسب حالتي مجىء الفاسق وعدمه وليس الموضوع هو مجىء الفاسق لما بينا ان الشرط لا دخل له بالموضوعية. ومما ذكرنا يظهر ضعف ما ذكره الشيخ الانصاري (قدس‌سره) في فرائده بما حاصله ان انتفاء التبين بانتفاء مجىء الفاسق ليس بالمفهوم بل الحاكم به العقل اذ العقل حاكم بانتفاء الحكم لانتفاء موضوعه.

ولا يخفى ان ما ذكره (قدس‌سره) مبنى على جعل التنوين في النبأ للتنكير والتبين المعلق على مجىء الفاسق بنبإ هو شخصه لا سنخه فيكون الانتفاء عند الانتفاء

بحكم العقل لا بالمفهوم وهو بعيد من مساق الآية فان ظاهرها تعليق سنخ الحكم واضعف من ذلك ما عرفت من اخذ الشرط دخيلا في الموضوع ومن قيوده لكي يكون الانتفاء عند الانتفاء بحكم العقل لا بالمفهوم والانصاف ان الظاهر من مساق الآية ان سنخ التبين معلق على عنوان الفاسق والتنوين في النبأ هو تنوين التمكن لا التنكير والشرط لا دخل له بالموضوع ومقتضى ذلك دلالة الآية على المفهوم فبه يستدل على الانتفاء عند الانتفاء ويمكن تقريب المفهوم مع جعل التنوين في النبأ للتنكير بان يكون المعنى ان العمل بالواقعة مشروط بالتبين ان جاء الفاسق بنبإ وليس مشروطا بالتبين ان جاء العادل بنبإ واليه يرجع كلام الاستاذ في الكفاية بما هذا لفظه (وان تعليق الحكم بايجاب التبين عن النبأ الذى جىء به على كون الجائي به الفاسق يقتضى انتفاؤه عند انتفائه (١)).

__________________

(١) بيانه يستدعى ذكر امور الاول ان القيد ان رجع الى الموضوع كقولك زيد الجائى اكرمه او الى المتعلق كقولك الصلاة يوم الجمعة واجبة فلا دلالة فيه على المفهوم وان رجع الى الحكم وكان تعليق السنخ الحكم فيدل على المفهوم.

الثانى ان التعليق تارة يكون بحكم العقل كما في مثل قولك ان رزقت ولدا فاختنه واخرى التعليق يكون بحكم الشرع وكان سنخه معلقا فان كان من قبيل الاول فلا مفهوم للقضية لانها مسوقة لبيان الموضوع ، وان كان من قبيل الثاني فالتعليق ان كان بسنخ الحكم فتدل القضية على المفهوم ، الثالث ان الموضوع في القضية الشرطية قد يكون مركبا من جزءين احدهما ما يكون التعليق فيه لحكم العقل والآخر ما لا يكون بحكم العقل مثل قولك ان ركب زيد وكان ركوبه يوم الجمعة فخذ بركابه فتعليق الاخذ بالركاب بالنسبة الى

وقد يشكل على القول بالمفهوم بانه عليه تحصل معارضة بين المفهوم والتعليل بالندم ، فان التعليل لم يختص بخبر الفاسق بل كما يكون في الفاسق

__________________

ركوبه يكون عقليا وبالنسبة الى كونه يوم الجمعة لا يكون عقليا بل شرعيا فيكون بالاضافة الى ما كان التعليق فيه عقليا لا يكون له مفهوم لكونه لبيان وجود الموضوع وبالاضافة الى كونه يوم الجمعة يمكن ان يستفاد منه المفهوم اذا كان التعليق سنخ الحكم وكان القيد له.

اذا عرفت ذلك فاعلم ان الشرط في الآية الشريفة مركب من جزءين النبأ وكون الآتي به الفاسق والجزاء الذى هو وجوب التبين ان لوحظ بالنسبة الى النبأ يكون عقليا فيكون مسوقا لبيان الموضوع وان لوحظ بالنسبة الى مجىء الفاسق بنحو يكون مجىء الفاسق قيدا لسنخ الحكم كما هو ظاهر القضية فينتفى وجوب التبين بانتفاء كونه فاسقا.

ودعوى رجوع القيد الذي هو كونه فاسقا الى النبأ الذى هو الموضوع فيكون الموضوع هو نبأ الفاسق فلا يكون له مفهوم لكونها حينئذ مسوقة لبيان الموضوع كما في مثل ان رزقت ولدا فاختنه ممنوعة اذ القيود تختلف فتارة ترجع الى ناحية الموضوع كما لو كان بنحو التوصيف كقولك زيد الجائي اكرمه واخرى يكون الحكم عقليا كمثل ان رزقت ولدا فاختنه وثالثة يحتمل الامرين واذ استكشف رجوعه الى الحكم بظاهر القضية كما في المقام فانه يستفاد من التعليق ان وجوب التبين قد علق على مجىء الفاسق ولم يوجد هذا العنوان في ظرف الموضوع فيدل على المفهوم وقد ادعى الاستاذ المحقق النائينى (قده) انه يستفاد من الآية الشريفة كبرى كلية لتميز الاخبار التي يجب التبين عنها عن الاخبار التى لا يجب التبين عنها وقد علق الوجوب فيها على كون المخبر فاسقا فيكون الشرط لوجوب التبين هو كون المخبر فاسقا لا كون الخبر واحدا اذ لو كان الشرط

يكون في العادل بل ربما يقال بان التعليل اقوى فيكون قرينة على عدم ارادة

__________________

ذلك لعلق وجوب التبين في الآية عليه لأنه باطلاقه شامل لخبر الفاسق فعدم التعرض لخبر الواحد وجعل الشرط خبر الفاسق كاشف عن انتفاء التبين في خبر غير الفاسق ، وما ذكره الاستاذ (قده) من الكبرى الكلية بنحو يكون المورد من صغرياتها لكي لا يكون المورد خارجا عنها استفادة من نفس التعليق ومورد النزول فلا يرد عليه ما ذكره البعض في شرحه للرسائل لو كانت الآية دالة على هذه الكبرى فلا بحث ولا نزاع اذ تلك استفادة فلا يقال لمن استفاد شيئا انها لو حصلت هذه الاستفادة فلا يقع النزاع والبحث.

نعم للمعترض ان يناقش في ان الآية لا يظهر منها ذلك كما هو كذلك فان استفادة ما ذكر محل نظر بل ربما يقال بان الآية ظاهرة في انها مسوقة لبيان اثبات الموضوع مثل ان رزقت ولدا فاختنه وفاقا للشيخ الانصاري (قده) إذ ظاهر (فتبينوا) وجوب هذا التبين عن النبأ الذي جاء به الفاسق بان يقدر (عنه) صلة لخلو الكلام عن الصلة والضمير يرجع الى ما ذكر لا مطلق النبأ اذ لا وجه له حيث ان قوله (ان جاءكم بنبإ) عبارة ان اخبركم والاخبار عن وجود الخبر فالشرط يكون نفس الوجود لا صفة في المخبر وهو كونه فاسقا كما هو ظاهر القضية فتكون الصفة من قيود الموضوع فلا مجال لدعوى المفهوم ومن هنا يظهر الاشكال فيما ذكره المحقق الخراساني (قدس‌سره) في كفايته ما هذا لفظه : (مع انه يمكن ان يقال ان القضية ولو كانت مسوقة لذلك إلّا انها ظاهرة في انحصار موضوع وجوب التبين في النبأ الذى جاء به الفاسق الخ) اذ الشرط المسوق لبيان الموضوع لا يفيد إلا كون الموضوع في القضية خاصا ومن المعلوم ان اثبات الحكم لموضوع خاص لا يستلزم انتفاءه عن موضوع اجنبي عنه فلا تغفل.

المفهوم وقد ادعى بعض الاعاظم (قدس‌سره) بعدم معارضة التعليل المفهوم بل المفهوم حاكم على عموم التعليل بتقريب ان مفاد صدر الآية الغاء احتمال مخالفة خبر العادل للواقع وجعله محرزا وكاشفا عنه فلا يشمله عموم التعليل اذ اقصى ما يقتضي عموم التعليل هو عدم جواز العمل بما وراء العلم والمفهوم بجعل خبر العادل علما في عالم التشريع وحينئذ يقدم المفهوم على التعليل بنحو الحكومة فلا يقع التعارض بين المفهوم والتعليل إذ المحكوم لا يعارض الحاكم ولو كان ظهور المحكوم اقوى من الحاكم ولا يلاحظ النسبة بينهما ولكن لا يخفى ان هذا يتم لو لم يكونا في كلام واحد لكى ينعقد للكلام ظهور يستفاد منه المفهوم فحينئذ تقع المعارضة أو يكون أحدهما حاكما على الآخر واما مع كونهما في كلام واحد كما في المقام فلا ينعقد لصدر الآية ظهور لكي يستفاد منه المفهوم إذ المتكلم ما دام متشاغلا بكلامه له ان يلحق ما يشاء ومع الحاقه بما يصلح للقرينة لا يبقى مجال لاستفادة المفهوم ، على ان المقام ربما يقال بحكومة عموم التعليل على المفهوم كما في اكرم العلماء لأنهم عدول فان عموم التعليل يقتضى اكرام كل عادل حتى الجهال اذا كانوا عدولا وكما في قولك لا تأكل الرمان لأنه حامض فيؤخذ بعموم التعليل ويمتنع عن اكل كل حامض وقد اجاب الاستاذ (قدس‌سره) في الكفاية بما لفظه. (ان الاشكال انما يبنى على كون الجهالة بمعنى عدم العلم مع ان دعوى انها بمعنى السفاهة وفعل ما لا ينبغى صدوره من العاقل غير بعيدة) ولكن لا يخفى ان احتمال تفسيرها بعدم العلم الذي هو مبني الاشكال مضر بالاستدلال إذ متى جاء الاحتمال سقط الاستدلال.

ثم انه قد اجيب عنه ايضا بان الجهالة تارة تفسر بعدم العلم واخرى

بالسفاهة فعلى الاول يكون معنى التعليل النهي عن اتباع غير العلم وقضيته وان كان يعم الفاسق والعادل ولكن اخذ المفهوم في صدر الآية موجبا لرفع الجهالة في خبر العادل فتكون النسبة بين المفهوم وبين التعليل نسبة الحاكم والمحكوم والاشكال في كون الحاكم هو المتبع ولو كان اضعف دلالة من المحكوم وان كان بمعنى السفاهة فلا يكون للعلة عموم حتى يشمل خبر العادل.

ودعوى حمل الجهالة على السفاهة ينافى مورد الآية اذ الآية نزلت نهيا لما عمله العقلاء من الصحابة بخبر الوليد الفاسق فلو كان في قبول قول الفاسق سفاهة لما عملوا به ممنوعة لاحتمال ان يكون الردع واردا لتخطئة عملهم بتخيل منهم انه حسن فردعهم ونبههم بانه يعد من السفاهة ولكن لا يخفى انه محل نظر بكلا شقيه اما الشق الاول فيرد عليه اولا انه لا ينعقد ظهور للكلام ما دام المتكلم متشاغلا بالكلام حتى يحصل الفرغ منه فاذا فرغ انعقد له ظهور وذيل الآية اتصل به ما يكون صالحا لعدم الاخذ بالمفهوم فلا ينعقد للقضية ظهور في المفهوم.

وثانيا لو سلمنا ظهور القضية الشرطية في المفهوم ولكن ذلك لا يوجب رفع اليد عن عموم التعليل اذ الندامة لا ترتفع بالعلم التنزيلي والظن التعبدي بل انما ترتفع بالعلم الحقيقى وكان المستشكل قاسها على الملامة فكما ان الملامة لا ترتفع بالعلم التنزيلى فكذلك الندامة وهو في غاية الفساد اذ الندامة ليست كالملامة إذ خبر العادل ولو كان حجة لا يخرج عن كونه معرضا للندم لا يقال ان الندامة عليه لا ترتفع بالعلم الحقيقى كما انها لا ترتفع بالعلم التنزيلى ولازم ذلك التوقف حتى مع العلم وذلك بديهي البطلان اذ هو خلاف صريح الآية لانا نقول من علم حقيقة بصدق الخبر وقدم عليه ارتفع موضوع الندم لكونه مستندا الى العلم فمع انكشاف الخطأ يحصل له تأثر

وهو غير الندم بل هو امر وراء الندم كما لا يخفى ويمكن ان يقال في رفع المناقضة بين المفهوم والتعليل بتقريب ان خبر العادل على تقدير الخطأ فيه مصلحة متداركة لمفسدة الواقع فاذا كان للشرطية مفهوم يستكشف بالإنّ ان هناك مصلحة متداركة وعموم التعليل بالندم لا ينافى المفهوم ولا يوجب الغاء المفهوم لأن عموم الندامة فرع فوات الواقع بدون التدارك وقضية المفهوم هو تدارك الواقع فيخرج خبر العادل من التعليل لعدم حصول الندامة مع تحقق التدارك.

ولكن لا يخفى ان ظهور القضية الشرطية في المفهوم لا يبقى مع ابتلائه بالمعارض في ذيل الآية فقد يكون للشيء ظهور لو لا الابتلاء بالمعارض وجعل مصلحة يتدارك بها المفسدة فانما هو بناء على تمامية الحجية وذلك اول الكلام اذ الحجية لم تتم مع الابتلاء بالمعارض.

ان قلت لم لا تكون الندامة بمعنى الملامة حتى يتجه ما ذكرناه من حكومة المفهوم على التعليل بل هو المتعين إذ لو لم يحمل على ما ذكرنا من الملامة ويكون معنى الندم هو الاعم يكون مفاده عدم اعتبار كل ما هو غير علمي ومن المعلوم حجية بعض ما هو غير علمي كالسوق واليد ونحوهما والقول بانها مخصصات مدفوع بانه يلزم تخصيص الاكثر وهو مستهجن بخلاف ما اذا حمل على الملامة ويكون نحوه نحو الحاكم والمحكوم.

قلت حمل الندامة على الملامة خروج عن مقتضى الظاهر وقضيته وان كان عدم اعتبار كل شيء غير علمي إلا انه لما كان من الامور غير العلمية ما اتفقت العلماء الاعلام على اعتبارها اوجب تقييدا في الندامة ولكن لا على وجه يلائم المفهوم ولازم ذلك الاخذ بمقتضى الندم والعمل على مقتضاه نعم يحصل التردد في خبر العادل اذ مقتضى المفهوم العمل على طبقه وبمقتضى التعليل عدم

العمل على طبقه ولم يكن احدهما بالوضع والآخر بالاطلاق حتى يتوهم تقديم الوضع على الاطلاق بل عموم كل واحد منهما بالاطلاق فتكون الآية مجملة الدلالة فلا تصلح للاستدلال (١) هذا كله اذا فسرنا الجهالة بعدم العلم واما لو فسرت

__________________

(١) لا يخفى ان عمدة الاشكال على الاستدلال بالآية هو معارضة التعليل مع المفهوم وذلك مبني على تفسير الجهالة في التعليل بمعنى عدم العلم وعليه يكون العادل كالفاسق في انه يجب التبين في خبره حذرا من الوقوع في خلاف الواقع وحينئذ اما ان نقول بالمفهوم ونرفع اليد عن عموم التعليل او نقول بعموم التعليل ونرفع اليد عن المفهوم ادعى المحقق النائيني (قدس‌سره) تقديم المفهوم لحكومته على عموم التعليل اذ مقتضى المفهوم جعل خبر العادل محرزا للواقع فيجعله علما تعبدا فيخرج عن عموم التعليل.

ودعوى ان ذلك فرع ثبوت المفهوم للقضية الشرطية وعموم التعليل باتصاله يمنع عن ظهور القضية في المفهوم ممنوعة فان ذلك ناشئ من منافاة المفهوم مع عموم التعليل مع انه لا منافاة بينهما اذ ليس المفهوم موجبا لتخصيص العموم وانما العموم على حاله مع تحقق المفهوم فان المفهوم يخرجه عن موضوع العموم ولذا قلنا بان المفهوم حاكم على التعليل وبما ذكرنا من الحكومة يندفع ما يقال بانه بتقديم المفهوم يلزم الدور بتقريب ان ثبوت المفهوم يتوقف على عدم انعقاد عموم للعلة لكونها متصلة فاذا خصصنا العموم بالمفهوم يلزم توقف الشيء على نفسه ولكن لا يخفى ان ثبوت المفهوم غير متوقف على رفع اليد عن عموم التعليل بل العموم باق على حاله مع ثبوت المفهوم والمفهوم يخرج خبر العادل عن موضوع العموم فيكون حاكما عليه فلذا لا يعقل أن يكون عموم التعليل مانعا من ثبوته ولكن الانصاف ان هذا الاشكال مبني على ارادة عدم العلم من الجهالة وارادة ذلك خلاف الظاهر اذ يلزم منه تخصيص الحكم بما دل

الجهالة بالسفاهة فائضا كذلك إذ ليس محط التعليل هو الجهالة حتى يختلف في حالتي الفسق والعدالة باختلاف تفسير الجهالة بل محط التعليل هو الندم بعدم اصابة الواقع وذلك جار على كلا التفسيرين للفظ الجهالة هذا كله في الخدشة في الاستدلال بالآية من ناحية التعارض بين المفهوم والمنطوق.

وقد يخدش فيها من وجوه أخر منها ان الآية لو قلنا بالمفهوم لحصلت المعارضة بين الآيات الناهية عن اتباع غير العلم كقوله تعالى : (إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ. شَيْئاً* وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) ولكن لا يخفى انه على

__________________

على حجية البينة والفتوى واهل الخبرة مع ان سياق الآية آبية عن التخصيص فلذا الحق ارادة السفاهة من الجهالة فيكون مفاد الآية التحذير عما يكون العمل فيه سفاهة عند العقلاء وقطعا العمل بخبر العادل ليس من السفاهة كما عليه سيرة العقلاء على الاخذ بخبر العادل دون الفاسق.

فان قلت لو لم يصح الاعتماد على خبر الفاسق فكيف اعتمد الصحابة على خبر الوليد الفاسق وارادوا تجهيز الجيش على قتال بنى المصطلق عند اخبار الوليد بارتدادهم. قلت ربما يركن اليه غفلة او لاعتقاد عدالته فنزلت الآية للتنبيه على غفلتهم او لسلب اعتقادهم عدالته ثم لا يخفى قد يشكل بان التبين في الآية ان اريد خصوص العلم الوجداني فلا يستفاد منه المفهوم لان حجية العلم ذاتية فيكون الوجوب عقليا والامر بالوجوب يكون ارشادا لحكم العقل وان اريد مجرد الوثوق فتقع المنافاة بين المنطوق والمفهوم حيث ان المنطوق يستفاد منه الاخذ بمطلق الوثوق ولو كان من فاسق والمفهوم يعتبر العدالة وان لم يكن موثقا كما اذا اعرض الاصحاب عنه ولكن لا يخفى انه لا يلزم التنافي بين المفهوم والمنطوق فان المفهوم يقتضى حجية قول العادل إلا ان اطلاقه يقيد بدليل آخر اذا لم يكن

تقدير استفادة المفهوم من الآية الشريفة تكون حاكمة على تلك الآيات الناهية عن اتباع غير العلم فان تلك الآيات تدل على ان الظن بذاته ليس بحجة اي لا مقتض للحجية ولا ينافى انه ثبت له الحجية لاجل بعض الطوارئ والحالات فيكون حجة ويخرج عن موضوع الآيات الناهية عن اتباع غير العلم ومنها ان شمول الآية لخبر السيد مثلا يقتضى عدم حجية اخبار الآحاد لأنه اخبر بعدم حجية خبر الواحد.

ودعوى قصور شمول الآية لخبره ممنوعة كما ان دعوى شموله لخبر السيد يلزم من وجوده عدمه ممنوعة اذ المحذور انما يتأتى لو كان مؤدى كلام السيد حكاية الاجماع على عدم اعتبار خبر الواحد في مرحلة الظاهر وليس هو كذلك بل مؤدى كلامه نفى اعتباره واقعا فيكون التعبد بكلام السيد ظاهرا على عدم اعتبار الخبر واقعا وليس هذا من موارد المحذور لتغاير الرتبة بينهما بحسب الظاهر والواقع ودعوى عدم شمول الآية لخبر السيد لكون مفاده عدم حجية الاخبار فلو سلم فهو انما يوجب خروج خبر السيد واما من حيث دلالته على عدم حجية سائر الاخبار فلا محذور فيه فيكون من الحيثية الثانية مندرجا تحت آية النبأ فلا مدفع للاشكال المذكور ولكن لا يخفى انه لما كان خبر السيد من الحيثية الأولى خارجا من جهة شمول مفاده له فلا بد من خروج خبر السيد بحسب الحيثية الثانية ايضا ، على انه لم يكن مفاده شاملا له حتى يلتزم بالتفكيك لعدم شمول المفاد لنفسه وشموله لسائر الاخبار بل يدل على عدم اعتباره بتنقيح المناط لا بالدلالة اللفظية

__________________

معرضا عنه على ان المستفاد من الآية وجوب تحصيل العلم عند ارادة العمل بخبر الفاسق وذلك امر مولوي لا وجوب العمل على طبق العلم ليكون الامر الوارد ارشاديا فلا تغفل.

إذ لم يكن مفاد خبر السيد الذى هو نفى اعتبار الاخبار إلا لكونه خبرا واحدا وهذا المعنى متحقق في خبر السيد فيوجب الحكم بالحاق خبر السيد بمقتضى مفاده الدال على عدم الاعتبار اللهم إلا ان يقال بان الآية لم تشمل خبر السيد إذ لو شملته لزم من شمولها تخصيص الاكثر وذلك مستهجن لخروج سائر الاخبار فيما لو شملته ولكن لا يخفى انه لا يلزم من شمول الآية لخبر السيد تخصيص الاكثر بيان ذلك ان خبر السيد بالنسبة الى حكايته لعدم حجية سائر الاخبار نسبة الحكم الى الموضوع فيكون عدم حجية سائر الاخبار هو الموضوع نظير الحكم الواقعي وخبر السيد هو الحكم نظير الحكم الظاهري في كونها متأخرة رتبة عن خبر السيد.

وبالجملة يكون المعنى تعبدا ظاهرا بخبر السيد بعدم حجية سائر الاخبار واقعا والتعبد الظاهري بعدم الحجية لا ينافي الحجية واقعا ونظير ذلك ما عرفت من الجمع بين الحكم الظاهرى والحكم الواقعي من الاختلاف بحسب المرتبة فلا يلزم من شمول آية النبأ لخبر السيد على عدم حجية سائر اخبار الآحاد محذور لكي يقال في تقريب دفعه بان المفهوم دل على حجية خبر الواحد الى زمان صدور خبر السيد فلما كان خبر السيد شاملا لتلك الاخبار نسخت تلك الحجية ودعوى ان النسخ في مثل خبر السيد ممتنع اذ مؤداه عدم اعتبار الخبر من حين الصدور ممنوعة اذ لا نسلم ان مؤداه ذلك بل مؤداه عدم الحجية من حين صدور خبر السيد لا فيما سبق على زمان صدوره فيكون تبعيضا في حجية الدلالة.

وبالجملة الاشكال لا يندفع بما ذكر (١) واضعف من ذلك ما يقال في دفعه ان المفهوم اذا كان يشمل خبر السيد كان عبارة اخرى عن نفى اعتبارها

__________________

(١) وقد اجيب عن ذلك بان مضمون خبر السيد لا يشمل نفسه

فيكون قد نفى اعتبارها بعبارة ظاهرة الدلالة على اعتبارها ولكن لا يخفى ان هذا الدفع لا يحتاج الى رد لبداهة بطلانه والحق في الجواب على وجه يكون حاسما لمفاده

__________________

لكونه في مرتبة سابقة ويكون خبر السيد من قبيل الحكم فهو متأخر عنه تأخر الحكم عن الموضوع بل يمكن ان يعم نفسه فلا يحكم عليه بالحجية ايضا اذ عدم الحجية والحجية امران متناقضان والنقيضان في مرتبة واحدة فاذا كان عدم الحجية في رتبة سابقة على خبر السيد كانت الحجية كذلك لكونها في مرتبته فلو حكمنا عليه بالحجية لزم تأخرها عنه في الرتبة وقد فرضنا ان عدم الحجية كان سابقا في المرتبة على الخبر وهذا خلف.

ولكن لا يخفى ما فيه اما عما لا يعم نفسه فان الاحكام الانشائية الكلية تارة تلحظ مقام جعلها واخرى تلاحظ مقام فعليتها اما مقام جعلها فهى على منهج القضايا الحقيقية والقضية الحقيقية تنحل الى قضية شرطية مقدمها ثبوت الموضوع وتاليها ثبوت المحمول له وتأخر الحكم عن الموضوع انما هو في الاحكام الفعلية دون الانشائية فالمحكي بخبر السيد هو عدم الحجية إنشاء فلا يتوقف على وجود الموضوع في الخارج فضلا عن تأخره عنه.

وبالجملة المتأخر عن خبر السيد هو عدم الحجية الفعلية واما المتقدم على خبره فهو عدم الحجية الانشائية واما انه ليس بحجة لأجل كون النقيضين في مرتبة واحدة فقد عرفت في مباحث الضد انه اذا كان بين شيئين تقدم وتأخر رتبي فلا يوجب ان يكون تقتضي في كل واحد منهما مع الآخر تقدم رتبي مثلا النار لها تقدم رتبي مع الحرارة الناشئة منه فلا يوجب ان يكون تقدما رتبيا بين عدم النار المتحد مع وجوده في المرتبة لكونهما نقيضين ليس له تقدم رتبي على الحرارة اصلا لعدم العلية بينهما وعليه ملاك تقدم عدم الحجية على اخبار السيد

الاشكال هو ان يقال انه لما كانت مرتبة التعبد بخبر السيد هو التعبد الظاهري وموضوعه سائر الاخبار هو مرتبة الواقع ومن المعلوم ان الحكم الظاهرى موضوعه الشك بالواقع فالمفهوم لا يكون مشمولا لخبر السيد الا وان يشك في حجية سائر الاخبار فاذا كانت حجية سائر الاخبار معلومة بحكم المفهوم لغى الشك فلا يكون مشمولا لخبر السيد اذ شمولها لخبر السيد فرع الشك بالحجية وقد انتفى بحكم المفهوم وبعبارة اخرى ان الامر يدور بين التخصيص والتخصص ولا اشكال في ترجيح الاخير.

بيان ذلك ان مفهوم آية النبأ ان اردت تطبيقه على سائر الاخبار يكون المعنى نفى احتمال الخلاف فلم تكن مشكوكة فلا يتحقق تعبد بخبر السيد لانتفاء موضوعه وهو الشك بحجية سائر الاخبار اذ من المعلوم يحكم المفهوم انتفاء الشك فيكون خبر السيد خارجا موضوعا عن آية النبأ وهو التخصص وان اردت ان تطبقه على خبر السيد فيكون المعنى لا تتعبد باحتمال الخلاف في خبر السيد فتكون سائر الاخبار مشكوكة الاعتبار فيكون موردا للتعبد بخبر السيد وسائر الاخبار ايضا لها صلاحية لدخولها تحت ادلة اعتبار الاخبار فيفتقر الى خروجها عن حكم العام الى مخصص دال على الخروج والمخصص غير حاصل فاخراجها

__________________

كونه محكيا بذلك الخبر وهذا الملاك غير موجود في الحجية ولذا الاولى في الجواب هو معارضة ما اخبر به السيد بمثله على انه لو شمله يلزم من وجوده عدمه او ان الامر يدور بين دخول خصوص خبر السيد تحت ادلة الحجية وخروج ما عداه وبالعكس ومن الواضح تعين الثانى اذ الاول يستلزم تخصيص الاكثر وهو مستهجن لاختصاصه بخبر السيد الى غير ذلك من المحاذير المذكورة في المتن فلا تغفل.

تخصيص بلا مخصص وهو واضح البطلان.

ودعوى عدم شمول ادلة الاعتبار لما يلزم من اعتباره عدم الاعتبار كما عن بعض الاعاظم (قدس‌سره) فانها وان كانت في نفسها قوية إلّا ان ذلك يتوقف على امكان شمول اطلاق المضمون لمثل تلك المراتب المتأخرة وإلا فلا تنتهى النوبة الى مثل ذلك الجواب على انك قد عرفت ان المقام يدور بين التخصيص والتخصص والثانى هو المتعين ان قلت ان لازم شمول المفهوم لخبر السيد يوجب القطع بعدم حجية ما عداه فتخرج سائر الاخبار من باب التخصص لا التخصيص قلت ان مؤديات ما عدى خبر السيد انما هو الوجوب او الحرمة واقعا وهذه المؤديات لا يرتفع منها الشك لو شمل المفهوم خبر السيد لكي يخرج ما عدى خبر السيد من باب التخصص بل يخرج من باب التخصيص على ان عدم شمول المفهوم لخبر السيد اولى لا بلزوم تخصيص الاكثر بل يكون امر ينافيه طريقة العقلاء ويكون كما لو قال صدق زيدا بجميع ما يخبرك به وقد اخبر زيد بالف خبر ثم اخبر بكذب كل ما اخبر فلو اريد من الامر بتصديقه في جميع اخباره بنحو العموم خصوص الخبر الآخر فانه يكون مستقبحا غايته ودعوى التفكيك بالازمنة بان خبر السيد يتم في الازمنة المتأخرة فلا يشمل ما تقدمه من الازمنة ممنوعة اذ خبر الواحد اذا كان حجة في زمان يكون حجة في جميع الازمنة على ان ظهور الكلام في العموم الازمانى يقدم على العموم الافرادي الموجب لشمول خبر السيد مع جواز الفصل واقعا او ظاهرا.

ثم انه قد استشكل على مفاد الآية بدعوى انصرافها الى الخبر بلا واسطة ولكن لا يخفى انه لا منشأ لدعوى الانصراف ولذا ترى الاصحاب يأخذون

بالاخبار مع الواسطة او الوسائط من دون تشكيك منهم وقد اجاب الشيخ (قدس‌سره) بما حاصله بان كل واسطة يخبر خبرا بلا واسطة فمع تعدد الواسطة كما لو قال الشيخ حدثنى المفيد قال حدثنى الصدوق قال حدثنى الصفار قال سمعت العسكري (ع) يقول كذا ، يكون اخبارا متعددة كل مخبر يخبر عن الآخر بلا واسطة ولكن لا يخفى ان المراد من الانصراف هو الانصراف الى الخبر عن الامام (ع) فعليه لا يشمل بقية الاخبار اذ هي تحكى عن الامام عليه‌السلام بواسطة اللهم إلا أن يقال بان المستفاد من (أَنْ جاءَكُمْ) في الآية هو خصوص الخبر المشافهة لا ما وصل الى المخبر من دون مشافهة ولكن لا يخفى ان ذلك ممنوع اذ المستفاد من قوله تعالى : (أَنْ جاءَكُمْ) هو الوصول لا خصوص المشافهة لان المجىء كناية عن الوصول وعليه تشمل جميع الاخبار ولا تختص بالخبر المشافهة الذي هو بلا واسطة ثم ان الوصول قد يحتاج الى اجازة او يكفى حصوله بالوجادة ربما يقال باحتياجه الى الاجازة وعدم اعتبار الوصول بطريق الوجادة لان الوجادة لا تحقق المخاطبة بين صاحب الكتاب وبين نافله ولأجل ذلك اشترط بعضهم الاجازة في حجية الاخبار باحد الطرق واما بالقراءة او بالإجازة في النقل.

وهكذا الى ان يصل الينا فكأنه بالاجازة تحققت المخاطبة ولكن لا يخفى انك قد عرفت ان المراد من (أَنْ جاءَكُمْ) هو الوصول باي نحو حصل سواء كان بالوجادة او الاجازة وقد يقرب الاشكال بتقريب آخر ان معنى التعبد بالخبر ليس إلّا الاعتداد بما ينقله فاذا فرض ان هناك واسطة بين المخبر وبين الامام يكون معنى الاعتداد بخبر المخبر هو الاعتداد بما ينقله وهو ما يحكيه من الواسطة

فيكون البناء على وجود الواسطة ولكن نفس وجود الواسطة لا يكفى الا وان يأتي دليل على ما يحكيه من الامام والمفروض انه لم يكن لنا الا دليل واحد وهو الذى حقق وجود الواسطة فيكون خبر الواسطة خاليا من الدليل فلا يكون له اثر شرعي يتعبد به.

والجواب عن هذا الاشكال (١) اما بناء على ان مفاد ادلة التنزيل هو

__________________

(١) ذكرنا في تقريراتنا لبحث الاستاذ المحقق النائينى (قدس‌سره) ان الاشكال يقرب بتقريبات ستة :

الاول عدم شمول الآية للاخبار الطولية لانصرافها الى الاخبار العرضية ولكن لا يخفى ان هذا الاشكال ان رجع الى دعوى كون حجية الظواهر انما هو مخصوص بالمشافهين لانهم مقصودون بالافهام فلا يشمل من لم يقصد افهامه وقد عرفت دفعه من المباحث السابقة وحاصلها ان الظهورات ليست مخصوصة بمن قصد افهامها بل يمم مضافا الى انه كل خبر بالنسبة الى ما اخبر عنه يعد مشافها فيشمله دليل الحجية وان رجع الى كون دليل الحجية لا يشمل السند بل ينصرف الى الاخبار التي لا سند لها فيرد عليه منع الانصراف مضافا الى ان كل خبر بالنسبة الى من اخبر لا تتحقق الواسطة فتشمله دليل الحجية كما لا يخفى.

الثاني ان المستفاد من دليل الحجية هو ترتب الاثر فما لم يكن فيه اثر لا يشمله دليل الحجية حيث انه يلغى تنزيل المؤدى منزلة الواقع فان التنزيل بلحاظ الاثر وحينئذ الواصل الينا مثلا خبر الشيخ بانه اخبره المفيد ليس فيه اثر وخبر زرارة وان كان يترتب عليه الاثر ولكن لم يصل الينا فلا يشمله دليل الحجية لعدم وصوله ولا يشمل خبر الشيخ لعدم ترتب الاثر عليه ولكن

تنزيل المؤدى منزلة الواقع فنقول ان معنى الحكم بوجوب تصديق المخبر فيما

__________________

لا يخفى ان جعل الطرق ليس المستفاد منها إلا صرف الاحراز ولا تستفاد من ادلة اعتبارها ترتب الاثر مضافا انا لو سلمنا ذلك فنقول مدخلية الاثر ولو بوسائط عديدة يكفى في شمول صدق له فان خبر الشيخ اعني ما اخبره المفيد وان لم يكن له اثر إلّا انه بسبب اخباره عن المفيد الذى اخبره الصفار الى ان يصل الى زرارة المترتب على خبره الاثر فحينئذ بهذه الواسطة يترتب الاثر على خبر الشيخ فافهم.

الثالث اتحاد الحكم مع الموضوع. بيان ذلك انك لما عرفت ان المستفاد من دليل حجية الخبر هو رتب الاثر ففى هذه القضية قد اخذ الموضوع فيها هو الاثر والحكم في هذه القضية هو (رتب) فحينئذ لا بد من تحقق اثر خارجي حتى يترتب مثلا العدالة لها اثر خارجى وهو الاقتداء فلو جاء دليل من خارج على ان زيدا المشكوك عدالته عادل فمفاد أنه رتب الاثر المترتب على العدالة الواقعية رتبها على العدالة المشكوكة الذى هو الاقتداء واما لو كان نفس الاثر هو الترتب فهو غير معقول لانه يلزم ان يكون رتب الاثر عين الاثر ومن الواضح تأخره عن الاثر وفي المقام من هذا القبيل لان دليل حجية الخبر لو شمل مثل قول الشيخ فمفاد شموله رتب الاثر على خبر الشيخ اعنى ما اخبره المفيد والمفروض انه ليس له اثر سوى تصديقه فيما اخبر به وهو كون المفيد مخبرا له وهذا واضح الفساد ولكن لا يخفى ان مبنى هذا الاشكال هو ان رتب الاثر حكم شخصى واما لو كان الحكم بنحو العموم الانحلالى فحينئذ ينحل العموم الى احكام متعددة بمقدار تعدد الاخبار فعليه خبر زرارة كان خبرا ذا اثر خارجي فيصدق العادل يوجب ترتب ذلك الاثر الخارجي وهذا بنفسه يصير موضوعا لخبر حريز فخبر حريز يصير خبرا ذا أثر فيشمله صدق العادل الى ان تصل السلسلة الى خبر الشيخ فتلك السلسلة

يحكيه هو التعبد بحكم الشارع الواصل اليه من طريق الواسطة فان خبر الواسطة

__________________

يكون خبر الشيخ خبرا ذا اثر فيشمله (صدق العادل) نعم لو كان حكما شخصيا لاتجه الاشكال.

الرابع يلزم أن يشمل الحكم موضوعا متولدا منه. بيان ذلك انه لا اشكال ولا ريب ان الحكم متأخر رتبة عن موضوعه (ورتب) الذي هو الموضوع سابق على حكمه فلا يعقل ان يتولد موضوع ذلك الحكم من نفس موضوعه لانه يلزم تقدم الشىء على نفسه وتأخر الموضوع عن حكمه وفي المقام يجري هذا المحذور البديهي البطلان فان خبر الشيخ لما شمله دليل الحجية اعنى (صدق العادل) صار خبر الشيخ عما يحكيه من المفيد موضوعا لصدق العادل فكيف يعقل ان يكون صدق العادل موجبا لتحقق موضوعه ونظير ذلك كل خبري صادق فان هذه القضية لا تصدق إلا بعد مجىء صادق وبعد مجيء (صادق) انعقدت القضية فلا يعقل ان تكون مشمولة لنفسها ولكن لا يخفى ان العموم لما كان انحلاليا فحينئذ يكون عندنا رتب الاثر بمقدار السلسلة غاية الامر هنا بعكس الجواب عن تقريره السابق فان الجواب السابق كان مبنى على ان (رتب) شاملا للسلسلة من قول زرارة وهنا يندفع الاشكال بشمول رتب لخبر الشيخ وحاصله ان العموم لما كان انحلاليا فيصير عندنا (صدق) بمقدار يحقق موضوعا له فبشموله لخبر الشيخ يوجب ان يحدث موضوعا (لصدق الآخر) وصدق الآخر موجب لحدوث صدق الثالث وهكذا.

وبالجملة ان شمول صدق لخبر الشيخ يوجب ان يحدث موضوعا وهو خبر المقيد لصدق الآخر المستفاد من العموم الانحلالى.

الخامس هو الاشكال السابق ولكن بتقريب الدور حيث ان الحكم لا بد وان يكون مترتبا على الموضوع فالحكم على الموضوع متأخر عنه فلو تولد الموضوع منه

لم يتحقق وجدانا بل يتحقق بالتعبد ومعنى التعبد بحكم الشارع هو وصول الحكم

__________________

لزم توقف الموضوع عليه وهو الدور الواضح الفساد ولكن لا يخفى انه يندفع بما ذكرناه سابقا من ان الموضوع المتولد ليس موضوعا لنفس صدق الاول وانما هو لصدق آخر وهكذا.

السادس اتحاد الحاكم والمحكوم بيان ذلك هو ان من شأن الحاكم ان يكون مغايرا للمحكوم اذ لا معنى لكون الشىء حاكما على نفسه ومن هنا وقع الاشكال في تقديم الاصل السببي على المسببي بانه ليس عندنا إلا (لا تنقض اليقين بالشك) ففي تقديم السببي على المسببي يلزم تقديم (لا تنقض اليقين بالشك) على نفسه وفي المقام صدق العادل لما شمل خبر الشيخ صار حاكما عليه بمعنى انه اوجب توسعة موضوع التصديق بهذا المعنى فحينئذ كيف يعقل ان يكون بنفسه موجبا لتوسعة الموضوع لخبر الصفار وهو محذور باطل ولكن لا يخفى ان الحكومة تارة يكون عبارة عن الشرح والتفسير كمثل اعنى ونحوه كما يوجد في بعض الاخبار واخرى يكون الحاكم موجبا لتضييق دائرة المحكوم كمثل لا شك للمأموم مع حفظ الامام وامثال ذلك وهذا النحو من الحكومة يرجع الى التخصيص وثالثة يكون الحاكم مخرجا للموضوع عن دائرة المحكوم كمثل لا شك لكثير الشك ومثل اكرم العلماء ويأتي بعده دليل على ان زيدا ليس بعالم فهذا الدليل اوجب الخروج عن دائرة الموضوع تعبدا وبقيد التعبد يفرق بين هذا القسم من الحكومة وبين الورود فان الورود اخراج عن دائرة الموضوع حقيقة وجدانا وحكومة الاصل السببي على الاصل المسببي يوجب اخراج الاصل المسببي عن عموم (لا تنقض) موضوعا ومن هذا القبيل المقام بناء على ان عموم صدق العادل انحلالى يتعدد بتعدد الموضوع فنقول صدق العادل الشامل لخبر الشيخ صار حاكما عليه فلما كان حاكما عليه نشأ موضوع

الينا من الامام (ع) واما بناء على تنزيل الامارة منزلة العلم فائضا لا اشكال

__________________

آخر فترتب عليه صدق العادل ثانيا وصار صدق العادل الآخر حاكما عليه وهكذا غاية الامر تتغاير هذه الحكومة مع الحكومة السابقة فان الحكومة في السابق نحو اخراج الموضوع عن دائرة المحكوم عليه وهنا ادخال الموضوع في دائرة المحكوم عليه فان خبر الشيخ قبل شمول (صدق) كان مشكوك الحجية فبمجيء صدق جعله كالخبر الواقعى فبشموله له حقق موضوعا آخر اعنى خبر المفيد من الصفار لصدق آخر وهكذا كل صدق يدخل موضوعا تحت ذلك العموم.

ثم قال (قدس‌سره) انه يمكن تقريب الدور بتقريب آخر هو ان المستفاد من جريان الاصول هو ترتيب الآثار فلو توقف الاثر على وجود شىء لا معنى لجريان الاصل قبل ذلك الشىء مثلا احراز الطهارة بالاصل يتوقف أثرها على تحقق الشرائط السابقة مثل استقبال القبلة وامثاله من شرائط الصلاة واما مع عدم احرازها لا معنى لجريان اصالة الطهارة والمقام من هذا القبيل حيث ان شمول صدق العادل لخبر الشيخ يتوقف على شموله لخبر المفيد وشموله لخبر المفيد يتوقف على شموله لخبر الشيخ لان خبر المفيد لا اثر له إلا بعد شموله لخبر الشيخ وبالعكس يتوقف شمول كل واحد من السلسلة على الآخر وهو الدور الواضح البطلان ولكن لا يخفى ان العموم لما كان انحلاليا فتتحقق تلك الافراد دفعة واحدة ولا يتوقف أحدهما على الآخر نعم يتوقف ثبوت الصدور على شمول العموم لهذه الاخبار ولكن لا يتوقف الشمول لهذه الاخبار على ثبوت الصدور وانما ثبوت الصدور يتوقف على ثبوته الواقعي ولو سلمنا انه يلزم التوقف ولكن نمنع من كونه مما يتوقف على نفسه إذ الدور في المقام دورا معيا والدور المعي لا محذور فيه اصلا فلم يبق لنا في الآية محذور سوى انه لو حمل على المفهوم يلزم خروج المورد فان المورد هو الاخبار عن الارتداد

فيه حيث ان الخبر الذي اخبر عن الواسطة لم يفدنا إلّا العلم التعبدي ولا اشكال ان العلم التعبدى غير نفس الخبر فانه لم ينشأ من وجوب التصديق بنفس الخبر بل العلم به.

وبالجملة فعلى ما ذكرنا من مبنى التنزيل لا موقع للاشكال لان الخبر في نفسه على واقعه محقق الوجود إلّا انه لم يكن محرزا إلّا بالعلم التعبدى الذى قد استفيد من وجوب تصديق المخبر نعم لو نشأ وجوب التصديق نفس الخبر

__________________

والارتداد من الموضوعات التي لا تثبت إلا بالتعدد ولا يكفى فيها خبر واحد فلو عملنا بالمفهوم يلزم منه اخراج المورد.

واجاب عن هذا الاشكال شيخنا الانصاري (قدس‌سره) بما حاصله ان نسبة المورد الى المفهوم نسبة الصغرى الى الكبرى فاذا كان كذلك ينتج ان يكون المورد خارج العام فحينئذ كل ما يتراءى كونه كذلك لا بد من تقييد العام لشىء يوجب كون المورد ليس موردا مثلا لو قال القائل اكرم العلماء وكان في مقام اكرام زيد وعلم من دليل خارج ان زيدا لا يجب اكرامه فلا بد من تقييد العام بقيد يوجب كون زيد ليس من المورد.

اقول لا يخلو الحال اما ان نقول بان كون المفهوم كالمنطوق من المداليل اللفظية ولو بالدلالة الالتزامية وكان بالوضع فيجىء ما ذكره الشيخ واما اذا قلنا بان الجملة الشرطية لا دلالة فيها الا على اثبات الجزاء للشرط فحينئذ يستفاد المفهوم من الاطلاق بسبب مقدمات الحكمة فعليه يمكن ان يكون المورد داخلا في المنطوق ولا يدخل تحت المفهوم فان خبر الوليد بارتداد بنى المصطلق بعنوان انه فاسق يجب فيه التبين وهذا يدخل في المنطوق ولا يدخل بالمفهوم فافهم واغتنم.

لكان للاشكال محل ومجال ولكنك قد عرفت بطلانه وان الذى ينشأ هو العلم التعبدى وهو غير محقق للخبر لا يقال انه على ما ذكرت بان مفاد وجوب تصديق المخبز هو العلم بتحقق الواسطة لا نفس التحقق يلزم اللغوية في ادلة التنزيل اذ ادلة التنزيل انما تصح في مورد للمنزل عليه اثر ولا اشكال في عدم ترتب الاثر على العلم بتحقق الخبر نفسه بل لا بد من وجود دليل آخر يدل على وجوب وجوده المحرز وجوده بوجوب التصديق وبعبارة اوضح ان الاثر مترتب على شيئين مجتمعين وهما العلم بخبر الواسطة والحكم بوجوب تصديق خبر الواسطة وادلة التنزيل على ما قررت انما هى ناظرة الى العلم بخبر الواسطة وهو مفقود الاثر الا وان يدل دليل آخر على الحكم بوجوب تصديق خبر الواسطة حتى يرتفع محذور اللغوية والمفروض عدم وجود دليل بل ليس عندنا إلا دليل واحد فيعود المحذور لانا نقول دليل وجوب التصديق عام يشمل كل خبر سواء كان قد حصل بالعلم الوجداني او قد حصل بالعلم التعبدي ولما اخبر المخبر بخبر الواسطة حصل بسبب اخباره نفس تحققه في نفس الأمر والواقع تنزيلا فيكون مشمولا لدليل وجوب التصديق نعم لا يكون مشمولا بناء على المسلك الاول في ادلة التنزيل لان الذى يتولد من الحكم لا يعقل ان يكون موضوعا له ولكنه خلاف المختار فان المختار في ادلة التنزيل مفادها العلم التعبدي.

ومما يقرب الاشكال المذكور بتقريب ادق من سابقه وهو ان المستفاد من ادلة التنزيل هو الحكم بوجوب التصديق ولا معنى لوجوبه الا ترتيب الاثر عليه فلا بد من ان يكون هناك اثر حتى يترتب عليه وليس هناك إلا وجوب

التصديق فلا بد من ترتبه فيلزم حينئذ اتحاد الحكم مع الموضوع وهو بديهي البطلان.

وبعبارة اخرى انه لا بد من التغاير بين الحكم والموضوع في الخارج وفي الذهن مثلا اذا قلت يجب الصلاة لا بد وان تكون الصلاة متقدمة رتبة على الوجوب في عالم الذهن ومعلولا للوجوب في عالم الخارج.

وبالجملة لا يتحد الحكم مع الموضوع في مرتبة بل لا بد من المغايرة بينهما بحسب المرتبة اذا عرفت ذلك ففي المقام الاثر المرتب على وجوب التصديق يكون موضوعه وجوب التصديق ولا يكون ذلك الاثر هو وجوب التصديق مثلا في فرض الرواية اذا وردت الينا عن الحسين بن سعيد عن محمد بن مسلم عن زرارة عن الامام عليه‌السلام فخبر ابن سعيد ليس له اثر شرعي إلا الحكم بوجوب تصديقه في اخباره عن محمد بن مسلم والفرض ان وجوب التصديق حكم فكيف يصلح لأن يكون هو الاثر المحكوم بوجوب ترتيبه وما هو الا كون الحكم نفس الموضوع ولا اشكال في محاليته.

واجاب الاستاذ (قدس‌سره) بما حاصله (١) (ان هذا الاشكال انما

__________________

(١) توضيحه هو ان الاثر الثابت للمؤدى الذي صحح دليل التنزيل تارة يكون بلحاظ طبيعة الاثر نفسه واخرى بلحاظ الافراد ولا يعقل ان يلاحظ على النحو الثاني اذ الفرد الملحوظ المأخوذ موضوعا لوجوب التصديق لازمه ان يكون غير الحكم بوجوب التصديق وإلّا لزم الاشكال المذكور واما لو كان على النحو الاول فلا يتوجه الاشكال إذ طبيعة الاثر غير الحكم بوجوب التصديق فاذا حصلت المغايرة لا مانع من كونه موضوعا بتقريب ان الحكم قد

لو لم تكن القضية طبيعية وإلا لو جاز كونها طبيعية فلا مانع من كون الحكم

__________________

ثبت لتلك الطبيعة والطبيعة كانت بنحو الطبيعة السارية فتسرى الى نفس وجوب التصديق فيسرى اليه حكمها ايضا سراية حكم الطبيعة الى افرادها التي تسرى هي اليها.

ولكن لا يخفى ان المصحح ليس هو طبيعة الاثر وانما هو مصداقه على ان ملاحظة الطبيعة اما مطلقة أو مهملة اما الاطلاق غير معقول اذ كيف يمكن أن يكون له اطلاق يشمل حكمه ومعه يلزم المحذور المذكور والاهمال يوجب قصور شمول الآية لما اذا كان اثر مؤداه وجوب التصديق.

وقد اجاب المحقق الخراساني (قده) بجواب آخر فقال ما لفظه (مضافا الى القطع بتحقق ما هو المناط في سائر الآثار في هذا الاثر) الخ بيانه هو ان الآية انما تدل على وجوب تصديق كل خبر حتى خبر الواسطة بلحاظ ما عدى وجوب التصديق من الآثار فلما علم وجود مناط الحجية في خبر الواسطة فلا يفرق بينه وبين غيره من الآثار في وجوب الترتيب او عدم القول بالفصل بينه وبين غيره من الآثار فلذا نقول بوجوب ترتيبه أيضا كغيره من الآثار ولكن لا يخفى انه بذلك لا يكون جوابا عن الاشكال وانما هو فرار عنه فلذا الاولى في الجواب بانه يمكن ان يكون الانشاء الواحد وبجعل واحد ينحل الى انشاءات متعددة تترتب بعضها على بعض بنحو يكون بعضها موضوعا للآخر وترتيبها ثبوتا لا يقتضى ترتيبها بحسب الانشاء اذ يجوز للجاعل أن ينشئ هذه الوجودات المترتبة بانشاء واحد وسره ان موضوعية احدهما للآخر ليس بوجوده الانشاء الخارجى لكي يتوقف انشاء خبر الواسطة على انشاء اثر له وحينئذ يمتنع انشاؤهما بانشاء واحد بل يكون موضوعا بوجوده الفرضى.

وببيان آخر اوضح ان منشأ الاشكال هو اتحاد الحكم للموضوع وذلك

بوجوب التصديق يسري الى الافراد سراية الطبيعة الى افراده فلا يلزم محذور اتحاد الحكم مع موضوعه (ولكن لا يخفى ان هذا الجواب عن ذلك لا يتم إلّا

__________________

يتم لو كان مفاد الآية حكم شخصى وقد ثبت الى موضوعات عديدة وكان بعض افراد الموضوع مستندا في وجوده الى الحكم واما اذا كان الانشاء الواحد منحلا الى أحكام متعددة على نهج القضية الحقيقية فلا مانع من أن يكون احدهما موجدا لموضوع الآخر كما في المقام فانه انشاء واحد ينحل الى احكام عديدة بحسب افراد الخبر وان كان المظهر لها امر واحد فوجوب تصديق خبر الشيخ يثبت لنا خبر المفيد ويترتب عليه وهكذا الى ان تنتهى الى الخبر بلا واسطة.

ودعوى شمول صدق لخبر الواسطة اتحاد الحاكم مع المحكوم ممنوعة اذ الحكومة تارة تكون بلسان الشرح والتفسير كلفظة (اعنى وأي) قد يوجد في بعض الاخبار واخرى تكون ناظرا الى عقد الوضع بنحو التوسعة كقوله عليه‌السلام (الفقاع خمر استصغره الناس) او بنحو التضيق كمثل لا شك لكثير الشك او يكون ناظرا الى عقد الحمل كحكومة لا ضرر ولا حرج علي الاحكام الواقعية وثالثة الحكومة تكون في تطبيق الموضوع على فرد كحكومة الامارات على الاصول وحكومة الاصل السببي على المسببي.

ولا يخفى ان التعدد بين الحاكم والمحكوم معتبر بالنسبة الى الحكومة بالنسبة الى الاولين دون الثالث فانه لا يعتبر التعدد كما هو كذلك بالنسبة الى اصل السببي والمسببي فان دليل حرمة نقض اليقين بالشك وان كان واحدا إلا انه منحل الى احكام عديدة بعدد افراد اليقين فلا مانع من حكومة بعضها على بعض على التفصيل المتقدم عند التعرض لتقرير بحث الاستاذ المحقق النائينى (قدس‌سره).

ان يكون مبنى الاشكال هو استحالة لحاظ الحكم في الموضوع فيتوجه الجواب عنه باخذ القضية بنحو الطبيعة حتى يكون انطباقها على الافراد قهريا بحيث لا تحتاج الى لحاظ لا اجمالا ولا تفصيلا.

وبالجملة المحمول الذى اخذ في القضية الطبيعية لم يكن ملحوظا في عالم الذهن عند تصور الموضوع ولكن لما كان المحمول من مصاديق الموضوع ينطبق عليه بلا حاجة الى اندراجه تحت الموضوع لمجىء المحذور واما لو كان مبنى الاشكال على ان المحمول غير مندرج تحت الموضوع وخارج عن دائرته فلا بد وان يكون الموضوع طبيعة مقيدة بما عدى المحمول ومن الواضح خروج المحمول عن الموضوع خروجا واقعا اذ العقل يرى ان المحمول منحاز عن الموضوع وعليه يمنع شموله للحكم ولا ترتفع هذه الشبهة باخذ القضية طبيعية كما لا يخفى والتحقيق في الجواب على وجه ترتفع عنه غائلة الاوهام يحتاج الى معرفة حال الانشاء والاخبار فاعلم ان الانشاءات والاخبارات تشترك في ايقاع النسبة وتفترق حيث ان الانشاء لقصد الموجدية والاخبار لقصد الحكاية.

ثم ان الانشاء في الاحكام غير الانشاء في المعاملة فان الانشاء في الاحكام له جهة مرآتية بالنسبة الى واقع الارادة بخلاف الانشاء في المعاملة ليس له واقع يحكيها بل لصرف الموجدية كالملكية والزوجية.

وبالجملة الانشاءات في الاحكام لها شبه بالاخبار حيث ان لها جهة حكاية عن واقع الارادة المتعلقة بالاشياء بما انها حاكية عن الخارجيات بحيث ترى خارجية لا انها متعلقة بالامور الخارجية اذ الامور الخارجية ظرف سقوط الارادة لا ظرف تعلقها كما لا يخفى ثم ان حكايتها عن الارادة لها انحاء فتارة تحكى عن

شخص ارادة قائمة بصرف الوجود واخرى تحكى عن شخص ارادة قائمة بالطبيعة السارية في ضمن الافراد وهو المعبر عنه بالعموم السارى وثالثة تكون حاكية عن ارادات متعددة متعلقة بمرادات متعددة يجمعها مفهوم ارادة واحدة ومراد واحد فيكون سنخ ارادة متعلقة بسنخ مراد وبه يفرق عن الثاني حيث ان الثاني شخص ارادة قائمة بالطبيعة السارية والاخير سنخ ارادة قائمة بسنخ مراد وبهذا يظهر ان الاخير كما ينطبق على افراد عرضية ينطبق على افراد طولية اذ ليس المعتبر الا سنخ الارادة وهى متحققة الانطباق بينهما بخلاف الثاني فانه لا ينطبق إلّا على افراد عرضية لانه بعد فرض كون الارادة شخصية متعلقة بطبيعة سارية فلا يعقل شمول الطبيعة لها لان العقل يحكم بخروج الحكم والاثر والارادة عن دائرة المحكوم والمؤثر والمراد. اذا عرفت ذلك فاعلم ان المقام لما كانت الاخبار بلا واسطة مرجعها الى اخبارات مرتبة بحسب سلسلة السند كان الاثر انما هو بحسب النحو الاخير الذى هو في غاية المعقولية بان يكون ترتب الاثر هو الموضوع في قوله (يجب ترتب الاثر) متفرع من افراد ومصاديق طولية كما ان حكمه وهو الايجاب متفرع من ارادات طولية فيكون جامع الوجوب تعلق بجامع رتب الاثر.

توضيح ما ذكرنا ان الاخبار تارة تكون في عرض واحد كخبر زرارة عن الامام عليه‌السلام في باب الصلاة وخبر محمد بن مسلم عنه في باب الصوم وخبر ابو بصير في باب الزكاة بحيث يكون خبر كل واحد لا ربط له بخبر الآخر فلا اشكال في شمول صدق العادل للجميع ولا يلزم منه اتحاد الحكم مع الموضوع واخرى تكون الاخبار طولية بان يخبر حسين بن سعيد عن محمد بن مسلم عن زرارة عن الامام فنقول صدق العادل شامل لها جميعا ولا يلزم اتحاد الحكم مع

الموضوع بتقريب ان خبر الواسطة له لحاظان لحاظ لما فوقه ولحاظ لما دونه فيكون بحسب ما فوقه حكما وبحسب ما دونه موضوعا نظير الاجناس المتوسطة فانها اجناس لما تحتها وانواع لما فوقها وفوق الكل الذي هو قول الامام متمحض للموضوعية والمتأخر عن الكل متمحض للحكمية ففى مثالنا المتقدم قول الامام (ع) موضوعا فقط لما دونه الذي هو وجوب التعبد بخبر زرارة ووجوب التعبد بخبر زرارة حكم بلحاظ قول الامام (ع) وموضوع بلحاظ وجوب التعبد بخبر محمد بن مسلم وكذا خبر ابن مسلم لخبر حسين بن سعيد وخبر ابن سعيد متمحض للحكمية ونظير قول الامام كالجنس العالى ونظير حسين بن سعيد كالنوع السافل فاعتبار الموضوعية جامع انتزاعي وهو الاثر منتزع من حيث الاضافة الى ما دونه واعتبار الحكمية منتزع من حيث الاضافة الى ما فوقه ويكون هناك جامعان انتزاعيان من حيثيتين فلما لم يصح تعلق احدهما بالآخر يكون احدهما موضوعا والآخر حكما.

ودعوى البعض بالالتزام بان المجعول في باب الطرق هي الطريقية والوسطية في الاثبات بان يكون في جميع السلسلة المجعول هي الطريقية فيكون كل لاحق طريق الى سابقه الى ان ينتهي الى قول الامام ففيه ما لا يخفى فان كان الغرض من الوسطية والطريقية ترتيب اثر المؤدي فنقول ليس للمؤدى اثر غير تتميم الكشف فبقى الاشكال بحاله وان كان الغرض منه اثر آخر السلسلة فلا حاجة الى شمول الدليل للوسائط بل يكفى تتميم الكشف لاول السلسلة في ترتب آثار آخر السلسلة مع انه اول الكلام ولا يمكن الالتزام.

وبالجملة فلا يندفع الاشكال بما ذكر بل بما ذكرناه سابقا من قضية انشاء واحد

ينحل الى انشاءات عديدة حسب تعدد حصص الطبيعي وبعد شمول الدليل لمن يحكى قول الامام عليه‌السلام بطريقة الوسائط ذا اثر شرعي فيشملها دليل صدق العادل فتكون الاخبار بين ما هو اثر وموضوع محض كالخبر الحاكى عن الامام وبين ما هو حكم محض كالخبر الذي تنتهى اليه السلسلة كخبر الشيخ وما فيه الجهتان ذا اثر وموضوع للاحق وحكم للسابق ففي مثل رتب الاثر يكون عبارة عن مفهوم وجوب بما هو حاك عن وجوبات عديدة وارادات طولية وموضوع هذا الوجوب هو الاثر محضا او اعتبار فترتب ذلك الحكم على هذا الموضوع بمقدار ما يكون متضمنا من ارادات طولية يكون متعلقة بمرادات طولية فيكون عنوان رتب الاثر عنوانا انتزاعيا من تلك الاخبار ولو كان بعضها يوجب تحقق الآخر كما لا يخفى فافهم واغتنم فانه لا يخلو عن دقة.

ثم انه استشكل على الاستدلال بآية النبأ وهو انه يلزم من الاستدلال به عدم وجوب الفحص عن المعارض وان الفحص عن المعارض نوع من التبين المنفى بالمفهوم والتالى باطل فالمقدم مثله ولكن لا يخفى ان التبين تارة يكون عن المخبر بلحاظ الصدق والكذب واخرى يكون بلحاظ وجود المعارض وعدمه والمنفي بمقتضى المفهوم هو الاول دون الثاني خصوصا بعد اعتبار التبين طريقيا حيث يكون مفاده ان خبر الفاسق ليس بطريق وخبر العادل طريق والفحص لا ينافي الطريقية واما اذا كان وجوب التبين شرطيا فلا يرد الاشكال ايضا اذا كان شرطا للعمل نفسه اذ لم يكن الفحص منافيا للتبين لاعتبار العادل نعم لو كان شرطا للوجوب لا للعمل توجه الاشكال اذ عليه يكون الفحص منافيا لاعتبار خبر العادل كما لا يخفى.

ومما استدل به على حجية خبر الواحد آية النفر قال الله تعالى (فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) وقربوا دلالة الآية على المدعى بوجوه ثلاثة : احدها ان لفظة لعل بعد انسلاخها عن الترجي الحقيقي اذ لا يعقل ذلك في حقه سبحانه وتعالى استعملت في الطلب واذا صار مطلوبا صار واجبا لعدم القول بالفصل. ثانيها ان الانذار لما كان واجبا لكونه غاية للنفر الواجب بمقتضى كلمة لو لا وجب التحذير وإلّا لغا وجوبه. ثالثها ان التحذير جعل غاية للانذار والانذار واجب وغاية الواجب واجبة ولكن لا يخفى ان مبنى هذه الوجوه على استعمال كلمة (لعل) في الطلب ولم يثبت بل هو ممتنع لامتناع تعلق الطلب بالحذر لكونه امرا غير اختياري نعم يتم المطلوب اذا اخذت كلمة (لعل) كناية عن العمل المتسبب عن الحذر ولكنه خروج من ظاهر لفظ (لعل) فالاولى في تقريب الاستدلال هو أن يقال ان (لعل) هنا استعملت بمعنى الاحتمال كما في قوله تعالى (لَعَلَّ اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً) وقول الشاعر (لا تهن الفقير علك ان تركع يوما والدهر قد رفعه) ولما كان الاحتمال بالنسبة اليه تعالى ممتنعا فلا بد من صرفه للعباد فيكون المراد من الآية ان النفر الملقى بالانذار محتمل الحذرية مظنة للضرر والمراد من الضرر ليس هو الدنيوي اذ ليس ذلك مترتبا على خصوص الانذار بل يحصل ولو من غيره. بجعل التلازم بين الانذار ومحتمل الحذرية دالا على ان المراد من ضرره هو الاخروية لا الدنيوية. ومن الواضح انه لا يكون احتمال العقوبة إلّا بان يكون الانذار. مقبولا اذ لا اصل يرفع احتمال العقوبة وليس العقاب عقابا بلا بيان لوجود البيان المذكور ولكن لا يخفى ان هذا التقريب لا يتم إلّا باطلاق الملازمة بين احتمال

العقوبة وتحقق الانذار ولكنه ممنوع بل لو سلم كون الآية دالة على ان المراد من الضرر هو الأخروية ولكن يخدش في الاطلاق وتقريب الاطلاق هو ان يقال لو حمل الحذر على المضرة الدنيوية كان لا بد من التقييد اذ المضرة الدنيوية تارة تترتب على الانذار كما لو لم يكن المنذر بالفتح يلتفت اليها ولو لم يعلم الا بعد تحقق الانذار واخرى لا تترتب على الانذار كما لو كان حصول الحذر مترتبا قبل الانذار فلو حمل على المضرة الدنيوية فلا بد من تقييده بالصورة الاولى فيرتكب التقييد بخلاف ما لو حمل على المضرة الأخروية فانها بجميع اقسامها مترتبة على الانذار مخصصا للاطلاق فعليه لا بد من حمله على المضرة الاخروية ولكن لا يخفى ما فيه فان هذا الاطلاق ليس بحجة اذ يكون من باب ما يعلم بخروجه عن حيز حكم الاطلاق ويشك في خروجه عنه وبلا اشكال ان مثل هذا الاطلاق لا يكشف المراد

وبالجملة الذي ينبغى ان يشكل على الآية هو الذي ذكرناه ومع الاغماض عنه فهي في غاية الدلالة ولا يخدش فيها بنحو من الوجوه التي ذكروها للخدشة فهي محل نظر بل منع منها انا نمنع كون الآية مسوقة للاطلاق فلا اقل من الشك لعدم احراز اطلاق يقتضي وجوبه على الاطلاق ضرورة ان الآية مسوقة لبيان وجوب النفر لا لبيان غاية التحذير ولعل وجوبه كان مشروطا بما افاد العلم ولكن لا يخفى ان هذا الاشكال مناف لما بنينا عليه الاستدلال من ان المراد بالحذر العمل المتسبب من الحذر لا نفسه اذ لا معنى لطلبه اذا كان المراد به ذلك بجعله غاية للانذار الواجب الشرعي يستلزم كون العمل المتسبب من الحذر ايضا واجبا شرعيا لان غاية الواجب الشرعي ايضا شرعي ولا يكون الحذر بذلك المعنى واجبا شرعيا الا وان يكون خاليا من العلم اذ مع الاقتران بالعلم يكون وجوب

الحذر عقليا وهو مناف لجعله غاية للواجب الشرعي ومنها انه لا اشكال في ان المراد من التفقه انما هو في الامور الواقعية كما انه لم يكن المراد من الانذار الانذار في الامور الواقعية وبمقتضى جعل الحذر غاية لهما لا بد ان يراد من الحذر هو العمل المتسبب من الحذر ولكنك قد عرفت انه خروج عن ظاهر اللفظ وعرفت انه يمكن ان يكون مبنى الاستدلال على جعل الحذر على معناه وجعل (لعل) بمعنى الاحتمال ولا ينافى كون التفقه عن الامر الواقعي والانذار أيضا عن الامر الواقعي لان من تفقه عن الامر الواقعي وانذر بالامر الواقعي كان في معرض الخوف عن الامر الواقعي وان لم يكن الواقع معلوما لدى المنذرين بالفتح مثلا من يحتمل وجود (اسد) في الطريق يحصل له خوف في سلوك ذلك الطريق كما يحصل ذلك مع العلم ومنها ان اخذ الحذر والخوف في مفهوم الانذار يشعر بالعلية بانه انما يجب الانذار اذا حصل خوف بالانذار فاذا لم يحصل الخوف لم يجب الانذار وهذا لا دخل له بما هو المهم في المقام من الاستدلال على حجية الاخبار مطلقا أي سواء حصل من الاخبار خوف ام لا ، بل هذه الآية تكون اليق بالاستدلال بها على وجوب التقليد على العوام اذ الذي يحصل الخوف من اخباره هو المرشد لا الراوي وقد اجاب الاستاذ (قده) في الكفاية بأن الرواة في الصدر الأول كانوا كنقلة الفتوى الى العوام في زماننا واذا كان كذلك فلا اشكال في حصول الخوف من اخبارهم ويتم المطلوب في غيرهم بعدم القول بالفصل ولكن لا يخفى ما في هذا الجواب من الضعف (١) والتحقيق في الجواب ان اخذ قيد التخويف في مفهوم

__________________

(١) لا يخفى ان الاستدلال (بآية النفر) يتوقف على اخراجها عن كونها واردة في خصوص الجهاد لامرين الأول امر تعالى فيها بقوله (لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ)

الانذار لا يشعر بالعلية اذ لعل الاتيان به لاجل الغلبة او لنكتة اخرى فيقع الشك في المراد في الدلالة على حجية الفتوى ولكن الظاهر ، من كون التفقه

__________________

والدين يعم الجهاد. الثاني ان الأئمة عليهم‌السلام جعلوا موردها التفقه في الاصول والفحص عن وجود الامام كما ورد في روايات كثيرة ذكرها الشيخ الانصاري (قده) واما تقريب الاستدلال فيتوقف على أمور خمسة.

الاول ان عموم لينذروا عموم انحلالي وليس المراد منها عموما مجموعيا بمعنى ان الهيئة الاجتماعية بجمعهم لينذروا ويتفقهوا ولا ينافى ذلك كون قوم وطائفة اسم جمع فإن اسم الجمع من قبيل المادة المشتركة يصلح لهما مضافا الى ان محل الاستدلال انما هو لينذروا وليتفقهوا لا قوم وطائفة.

الثاني ان الظاهر من الانذار هو التخويف الذي يذكره الوعاظ من اوصاف الجنة والصراط والميزان ونحو ذلك ولكن تعقب الانذار بالتفقه يوجب صرفه عن ذلك الظهور فيراد منه ذكر شيء يوجب الانذار اعني التخويف فيدل على الانذار بالدلالة الالتزامية بخلاف ما لو اردنا منه المعنى الاول فانه يدل على التخويف بالمطابقة لا بالالتزام.

الثالث ان كلمة لعل تارة تستعمل في الابتداء كقوله تعالى : (فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ) واخرى تستعمل في العلة الغائية كمثل (لعله يتذكر أو يخشى) وثالثة تستعمل في غيرهما والمقام من قبيل الثاني وليس في استعمال (لعل) في المقام انسلاخ عن معناها بل نقول ان الالفاظ المشتركة بين الممكن والواجب ليس في استعمالها نحو ان بل على نحو واحد مثلا لعل مستعملة في الغاية ولا يفرق في استعمالها نسبتها الى الواجب والممكن غاية الامر انه بالنسبة الى الممكن تختلط تلك الغاية بالمبادئ التصورية وفي الواجب تعرى من تلك المبادئ بل

مقدمة للانذار كون الذي له الدخالة هو حكايته عما في الواقع كما هو شأن الاخبار لا حكايته عما في الرأي كما هو شأن الفتوى اذ لو كان الذي له الدخالة هو حكايته عما في الرأي لكان المناسب في الآية جعل الانذار مقدمة للتفقه لان المراد

__________________

تكون من قبيل خذ الغايات واترك المبادئ واذا كان ما بعد (لعل) غاية لما قبلها فحينئذ يعطى حكم المغيى للغاية من وجوب او ندب وبلا اشكال ان الانذار واجب فيجب الحذر الرابع ان الحذر عبارة عن التخويف وليس المراد فيه هو التأثر القلبي والتخويف عبارة عن ترتب الاثر الخارجي بل الظاهر ان كلما تستعمل كلمة التحذير فليس المراد منه تأثر قلبي وانما المراد هو ترتب الاثر الخارجي كقولك احذر من (الاسد) الخامس ان المراد من التفقه هو تعلم المسائل الفقهية وهذا كما يحصل لاهل الفتوى كذلك حاصل للرواة ايضا من دون فرق بينهما غاية الامر بالنسبة الى اهل الفتوى يحتاج التعلم الى اعمال فكر ونظر بخلاف الرواة فان فعل الرواية لا يحتاج الى اعمال فكر ورأى ويشهد لذلك ان الامام عليه‌السلام قد استعمل التفقه في تعلم المسائل كقوله (ع) لبعض اصحابه افقه منك فلان بمعنى اكثر منك جامعية للمسائل اذا عرفت هذه المقدمات تعرف وجه التمسك بالآية الشريفة على حجية خبر الواحد وبيانه واضح بعد الالتفات الى المقدمات وبما ذكرنا من معرفة وجه التمسك بهذه الآية على حجية خبر الواحد يتضح دفع الاشكالات الواردة في المقام منها ان هذه الآية دالة على اعتبار وعظ الوعاظ فهي اجنبية عما نحن فيه ولكن لا يخفى ما فيه فان الانذار لما تعقب التفقه خرج عن وعظ الوعاظ ومنها انها في مقام الفتوى ولا تشمل الرواية ولكن لا يخفى انه بشمولها للفتوى بذلك المناط تشمل الرواية من غير فرق بينهما لما عرفت من تحقق الجامع بينهما.

ومنها ان الآية ليست واردة مورد البيان وانما هي واردة في مقام

من الانذار الاخبار والاخبار يكون مقدمة للرأى لا العكس. فالعكس يدل على

__________________

الاهمال والاجمال فحينئذ يؤخذ بالقدر المتيقن وهو الخبر المفيد للعلم فلا يشمل الخبر غير المفيد للعلم على ان المستفاد من الخبر هو الذي لا يفيد العلم واما استفادة العلم فليست من الخبر وانما هي من القرائن الخارجية مضافا الى انه لو تم هذا الاشكال لامكن الاشكال به على سائر المطلقات لامكان ردها بانها واردة في مقام الاهمال والاجمال ومنها ان الانذار والحذر على الامور الواقعية وخبر الواحد لا يعلم بكونه موصلا الى الواقعيات فيكون التمسك بالآية على حجية خبر الواحد من قبيل التمسك بالعام في الشبهة الموضوعية ويكون الحال فيه كمثل التمسك بعموم اكرم العلماء على وجوب اكرام من شك في انه عالم ام ليس بعالم ولكن لا يخفى انه لو فتح هذا الباب لزم الاشكال في التمسك بعموم الكتاب والسنة كمثل أحل الله البيع وتجارة عن تراض على البيع الصحيح والفاسد ومثل أوفوا بالعقود على من شك في كون العقد لازما ام لا وحاصل دفع هذا الاشكال المشترك بين المقام وبين العمومات هو ان صحة البيع ولزوم العقد يستفاد من عقد الحمل فكيف يعقل ان يكون مأخوذا في الموضوع وفي المقام من هذا القبيل حيث انا استفدنا من آية النفر كون مؤدى الخبر منزل منزلة الواقع فلا يعقل ان يكون مأخوذا في الموضوع ومنها أن الآية في مقام بيان النفر والانذار لا ترتب الحذر عليه فليس لها اطلاق من حيث وجوب الحذر وعليه فالمتيقن من مورد وجوب الحذر فيما لو حصل الاطمئنان من الخارج أو من الخبر اذا احتف بالقرائن القطعية ولكن لا يخفى ما فيه فان كون الحذر عند الانذار اذا حصل الاطمئنان من الخارج يوجب القاء جهة الانذار مع ان تحققه في الآية يوجب ان تكون له خصوصية مع ان تخصيص الحذر بما اذا حصل الاطمئنان يوجب ان يكون مختصا بفرد نادر وذلك مستهجن فلا تغفل.

اعتبار الخبر دون الفتوى فتكون دالة على اعتبار الخبر فافهم وتأمل. (ومنها آية الكتمان) ومما استدل به على حجية خبر الواحد آية الكتمان قال الله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتابِ أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ) وبيان الاستدلال بها ان حرمة الكتمان تستلزم عقلا وجوب القبول اذ لو لا هذا الاستلزام للغا حرمة الكتمان (١) ولكن

__________________

(١) ويمكن تقريب الاستدلال بناء على ثبوت الملازمة بين حرمة الكتمان ووجوب العمل بالخبر وإلّا لغا حرمة الكتمان ولاجل ذلك افتى الاصحاب بقبول دعوى المرأة في كونها حاملا تمسكا بقوله تعالى (أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللهُ فِي أَرْحامِهِنَّ) لما هو معلوم ان الملازمة العرفية تدل على حجية قولهن في ذلك ولكن لا يخفى ان المقام لا يقاس على حجية قول المرأة اذ مورد الآيتين مختلف حيث ان احراز ما في الارحام ينحصر باخبارهن ولولاه لكان امرا مخفيا بخلاف المقام فان تحريم الكتمان انما هو شأن علماء اليهود الذين اخفوا على الناس ما كان موجودا في التوراة من صفات النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بعثته واحواله فليس الغرض من تحريم الكتمان الا وضوح الحق لعامة الناس باخبارهم لا التعبد بقولهم كما هو المطلوب لما يظهر من ان ورود الآية في حرمة ستر ما هو ظاهر في طبعه كما يظهر من ذيلها (من بعد ما بيناه للناس) فعليه لا ربط لها بوجوب العمل بالخبر الذي هو اظهار ما خفي في نفسه على ان موضوع حرمة الكتمان في الآية عام استغراقي فيحرم الكتمان على كل واحد منهم وقد يحصل من اخبار جميعهم القطع فيكون كالخبر المتواتر وعليه يحتمل ان يكون الملاك في حرمة الكتمان هو ذلك وحينئذ لا ملازمة بين حرمة الكتمان ووجوب القبول. لا يقال ان مقتضى اطلاق الآية انه مع تيقن المخبر

لا يخفى ان كان الغرض من حرمة الكتمان اظهار الحق ووضوحه منعنا الملازمة بين حرمة الكتمان ووجوب القبول وان كان الغرض منه وجوب القبول شرعا فتصح الملازمة وحينئذ فنقول ان الوجوب الشرعي في القبول انما يكون في خبر الواحد حيث لا يكون خبر الواحد محفوفا بقرائن علمية وإلا لو كان محفوفا بقرائن علمية لكان وجوب القبول عقليا وكما ذكرنا فساد دعوى انه مع الالتزام بالملازمة لا معنى لمنع الاطلاق كما ان الاشكال بان وجوب الاظهار انما يكون حيث يخبر عن الواقع وذلك لا يكون إلا حيث يكون معلوما بالجزم واليقين وبيان ظهور الفساد هو ان هذا الاشكال انما يتجه اذا كان المدعى هو الملازمة بين وجوب ظهور الحق وبين وجوب العمل واما على ما بيناه من الملازمة بين وجوب الظهور وبين وجوب القبول فلا موقع له لان القبول نوع حركة من المخبر الى الذي قاله المخبر وهذا يجتمع مع الشك في صدقه وكذبه على انه من المحتمل قويا ان وجوب الاظهار عليهم لرجاء وضوح الحق من جهة اخبارهم بحصول العلم لهم لاجل تعدد المظهرين كما يظهر انها في مقام اصول الدين التي لا يكتفى فيها بغير العلم. اللهم إلّا ان يقال ان للآية اطلاقا يقتضي وجوب الاظهار عليهم ولو مع عدم افادة العلم بالواقع وعليه يمكن التمسك بها على وجوب القبول لما عرفت من الملازمة إلّا ان الشأن في اثبات ذلك.

__________________

بان اخباره لا يفيد القطع للسامعين ولا ينضم خبره الى خبر آخر فيدل على وجوب القبول بالملازمة لانا نقول ان ما ذكرناه هو حكمة لا علة فلا يلزم سرايته في جميع الموارد فيكون كتشريع العدة لعدم اختلاط المياه فلا تغفل.

آية السؤال : ومما استدل به على حجية خبر الواحد قوله تعالى (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) وتقريب الاستدلال بهذه الآية بما هو في آية الكتمان من ان ايجاب السؤال ليس إلّا لوجوب القبول عقلا ولكن لا يخفى ان السؤال ليس إلا لتحصيل العلم لا للتعبد بالجواب حتى يفيد المطلوب ودعوى ان مقتضى اطلاق الآية شمولها لخبر الواحد غير المقيد للعلم دليل على كون الجواب للتعبد ممنوعة اذ سياق السؤال يقتضي عدم اطلاقها على خبر غير المقيد للعلم على ان المراد من أهل الذكر علماء أهل الكتاب الذين لهم خبرة بنبوة نبينا (ص) ويمكن تقريب الاستدلال بهذه الآية بغير ما ذكرناه وهو دليل الملازمة بين وجوب السؤال ووجوب القبول شرعا ولا بد من كون الجواب للتعبد اذ مع وجود العلم لا ملازمة شرعية بل وجوب القبول عقلي ولكن لا يخفى منع دلالة الآية على الملازمة بل ليس المقصود منها العمل بما يقوله المسئول من غير نظر الى جهة التعبد فيكون القدر المتيقن صورة استفادة العلم مضافا الى ما ذكرناه من عدم ظهور الآية في كون الجواب للتعبد وعلى تقدير تسليم ظهورها فهل هي منطبقة على الرواية أو منطبقة على الفتوى وجهان الظاهر انها منطبقة على الرواية (١) لان الظاهر من

__________________

(١) خلافا للشيخ الانصاري (قده) حيث قال ان الظاهر من اهل الذكر هم العلماء وحجية قولهم لا يستلزم منه حجية خبر الراوي وأجاب المحقق الخراساني بان أغلب الرواة في الصدر الاول كانوا فقهاء واذا ثبت قولهم ثبت في غيرهم بعدم القول بالفصل ولكن لا يخفى ان الظاهر من الآية ان للذكر به مدخل في القبول فعليه لا تشمل الرواية على ان تعليق الامر بالسؤال على عدم العلم ان الغاية منه هو تحصيل العلم بالسؤال ولا اقل من تحصيل الوثوق والاطمئنان وليس الغرض هو التعبد بالجواب كما هو مبنى الاستدلال على انه وردت عدة روايات بان المراد

جواب السؤال انما هو نظره الى الواقع فيكون اعتباره من جهة حكايته عن الواقع لا من جهة حكايته عن الاستفادة والاستنباط حتى ينطبق على الفتوى لا يقال ان اضافة الاهل الى الذكر يشعر بان الذكرية لها مدخل في جواب السؤال وحينئذ لا ينطبق إلا على اهل الفتوى لانا نقول لا نمنع استفادة خصوص الذكرية ولكن في الفتوى الحكاية عن الواقع مقدمة للذكر أي الفهم ولا نستفيد من الآية ذلك بل نستفيد كون الفهم والذكر مقدمة للاخبار والحكاية عن الواقع فعليه تكون الآية مختصة بالاستدلال بها على الرواية ولا يكون لها نظر في الفتوى فافهم وتأمل. (آية الاذن) ومما استدل به على حجية خبر الواحد قوله تعالى (وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ) وتقريب الاستدلال هو انه سبحانه وتعالى مدح نبيه (ص) بانه هو اذن وانه يصدق للمؤمنين واذا كان التصديق حسنا يكون واجبا وبه يتم المطلوب (١) ولكن

__________________

من أهل الذكر هم الأئمة سلام الله عليهم وربما يقال بان نزولها في علماء اليهود ينافي تفسيرها بذلك ولكن لا يخفى ان اهل الذكر عنوان عام يختلف بحسب الموارد مما كان في مقام اثبات النبوة وما وصف به نبيه في الكتب السماوية منهم علماء اليهود والنصارى ولم يمكن ان يراد باهل الذكر الأئمة لان اثبات كونهم من اهل الذكر نوع ثبوت النبوة وان كان في مقام يعد اثبات النبوة فاهل الذكر هم الأئمة (ع) وان كان في زمان الغيبة منهم العلماء والفقهاء وبالجملة اهل الذكر معنى واحد ولكن يختلف حسب الموارد والازمنة وكيف كان فلا يستدل بهذه الآية وما قبلها على حجية خبر الواحد فلا تغفل.

(١) لا يخفى ان مبنى الاستدلال بهذه الآية على حجية خبر الواحد بان يراد من التصديق التعبد بثبوت المخير به مع انه محل المنع اذ لا معنى التعبد

لا يخفى فصور هذه الآية عن الاستدلال بها لما نحن فيه من حيث انها متعرضة لمكارم اخلاقه وحسن معاملته ومعاشرته مع المؤمنين من حيث عدم مجابهتهم بالتكذيب فتكون أجنبية عما نحن فيه ولا ربط لها بالمقام ولو لا هذه الجهة من التقريب المذكور لاشكل التمسك بهذه الآية حيث انها تعم الفاسق بقرينة قوله لكم الراجعة الى الذين يؤذون النبي ولا يمكن تخصيصها بمفهوم آية النبأ وبما ذكرنا يظهر لك الفرق بين هذه الآية وسائر الآيات عن آية النبأ ان لسان سائر الآيات غير آية النبأ لو تم التقريب فيها فلسانها غير آب عن تخصيصها بآية النبإ بخلاف هذه الآية فانها نص في العموم فهي غير قابلة للتخصيص فيشكل الجمع ولكنك قد عرفت انها واردة لبيان اخلاق النبي (ص) وحسن معاشرته فتكون اجنبية عن الاستدلال بها على حجية خبر الواحد هذا تمام الكلام في الاستدلال بالآيات

__________________

بخبر الفاسق الذي هو مورد الآية وانما المراد من التصديق هو اظهار القبول وعدم المبادرة الى تكذيب المخبر فيكون تصديقه له صوريا لا حقيقيا كما ورد عنه (ع) (كذب سمعك وبصرك عن اخيك فان شهد عندك خمسون قسامة انه قال قولا وقال لم اقله فصدقهم وكذبهم) (ويشهد لما ذكرنا من ان المراد من التصديق هو اظهار القبول مورد نزول الآية فانها نزلت في عبد الله بن نوفل حيث كان يسمع كلام النبي (ص) وينقله الى المنافقين فاوقف الله نبيه على تلك النميمة فاحضره النبي (ص) فسأله عن ذلك فحلف له انه لم يكن شيء مما نم عليه فقبل (ص) منه فاخذ هذا الرجل يطعن عليه ويقول يقبل كل ما يسمع فاخبره الله اني انم عليه فقبل واخبرته اني لم افعل فقبل فرده الله بقوله لنبيه (ص) (قل اذن خير لكم) ومن المعلوم ان تصديقه (ص) للمنافق لم يكن إلا اظهارا للقبول وعدم مبادرته لتكذيبه وبذلك قال الشيخ الانصاري (قده) مستشهدا عليه باختلاف

الاستدلال على حجية خبر الواحد بالسنة (١) ومما استدل به على حجية خبر الواحد بالاخبار وهي متواترة وإلا فلا تصلح للاستدلال بها على حجية خبر الواحد لانه

__________________

السباق ففي الجملة الأولى عدا كلمة يؤمن بالباء وفي الثانية عدا باللام وذلك دليل على اختلاف ما يراد من كلمة (يؤمن) ولكن لا يخفى ان الاختلاف انما نشأ من كون التصديق ان كان متعلقا بوجود الشيء فيتعدى بالباء كما في قوله آمن الرسول بما انزل اليه من ربه وان كان متعلقا بالقول فيتعدى باللام كما في قوله تعالى (وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا) ويظهر من ذلك ان التعدية تعدية (يؤمن) باللام يقيد تصديق قولهم ودعوى انه يناسب تعدية الجملة الاولى باللام حيث ان الغرض تصديق قول الله ممنوعة فان لفظة الجلالة عبارة عن الذات الجامعة لجميع صفات الكمال فالتصديق بوجوده يلازم التصديق بقوله فتكون ملازمة بين التصديق بوجوده والتصديق بقوله ولهذه النكتة عبر بالباء ولو كان التعبير باللام لما فهمت هذه الملازمة وكيف كان ، فالآية الشريفة لا دلالة لها على حجية خبر الواحد فافهم وتأمل.

(١) والشيخ الانصاري (قده) جعلها أربعة طوائف الاولى الاخبار العلاجية فان الذي يظهر منها ان وجوب العمل في نفسه كان مفروغا عنه عند الائمة عليهم‌السلام واصحابهم وانهم اتفقوا على العمل به ولم يكن مانع عن العمل به الا التعارض بين الاخبار لذا ارجعهم الى المرجحات او التخيير ودعوى ان عمل الاصحاب انما هو بمقطوعي الصدور ولا يعملون بمشكوك الصدور ممنوعة اذ الاخبار العلاجية على كثرتها لم تكن في الخبرين المقطوع صدورهما لبعد وقوع المعارضة بين مقطوعي الصدور على ان ظاهر سؤال الراوي باني عنكم الخبران المتعارضان عن مشكوكى الصدور ، الثانية الاخبار الامر بالرجوع الى مثل زرارة كقوله (ع) عليك بهذا الجالس واشار الى زرارة وقوله (ع) ما يمنعك من الثقفي

يلزم اثبات الشيء بنفسه بل الذي يدل عليه هي وجود الاخبار المستفيضة المتواترة ولو اجمالا بان نعلم اجمالا بصدور طائفة منها عن الامام عليه‌السلام ولا يؤخذ إلا بما هو المتيقن من بين تلك الاخبار وهو خبر الثقة لكونه متيقنا من بين تلك الطوائف وان حصل الشك في كون خبر الثقة هو المتيقن فليؤخذ بخبر العدل المزكى بشاهدين فانه المتيقن من بين تلك الاخبار ولا يكون حينئذ كل خبر ثقة حجة إلا ان يقوم خبر عدل مزكى بعدلين على حجية مطلق الثقة فيكون كل خبر الثقة حجة هذا بناء على توترها اجمالا واما بناء على انها متواترة معنى فيمكن دعوى تواتر الاخبار على حجية خبر الموثوق صدروا او مضمونا والانصاف ان التشكيك في اعتبار قول مطلق الثقة المتواترة بالتواتر المعنوي او المتيقن لو قلنا بالتواتر الاجمالي لا يعبأ به بل ممنوع اشد المنع لمن راجع الاخبار حيث تجد ان خبر الثقة هو المتيقن بين تلك الطوائف وحصر المتيقن في خصوص خبر العادل المزكى بعدلين في غاية البعد ومن التزمه تعسف غاية التعسف كما لا يخفى على من تأمل في المقام.

__________________

وهو محمد بن مسلم وقوله (ع) عليك بزكريا بن آدم المامون على الدين والدنيا الى غير ذلك من الاخبار الامر بالرجوع اليهم وظاهر الارجاع اليهم نحو فهم الرواية لا خصوص الرجوع اليهم في الفتوى ، الثالثة الاخبار الدالة على الاخذ من الثقات كقوله (ع) لا عذر لأحد في التشكيك فيما يرويه ثقاتنا ، الرابعة الاخبار الواردة بالسنة مختلفة يستفاد منها اعتبار الخبر وادعى ان تواترها تواتر اجمالي لا لفظي ولا معنوي وهو ان نعلم بصدور بعضها وان امكن منعه وبدعوى ان التواتر الاجمالي يؤخذ به ان رجع الى وجود قدر مشترك لازم من اخبار المخبرين والاعتبار به حيث ان كل واحد من الاخبار الموجودة بايدينا نراه محتملا للصدف والكذب فاين الخبر المقطوع بصدوره ولأجل ذلك انكر المحقق النائيني

الاستدلال على حجية خبر الواحد بالاجماع! ومما استدل به على حجيه خبر الوحد بالاجماع المنقول من الشيخ وغيره وهو مبني على اعتبار الاجماع المنقول وقد عرفت عدم اعتباره على انه مبتلى بالمعارض وهو الاجماع المنقول من السيد المرتضى قده (١) وقد يتمسك للاجماع بالسيرة المتشرعة فانهم يعملون

__________________

التواتر الاجمالي وادعى التواتر المعنوي بان المستفاد من مجموع الاخبار اعتبار الخبر الثقة ولا تعتبر العدالة حيث ان مناط قبول الخبر هو احراز كون المخبر متحرزا عن الكذب واما اعتبار ما عدا ذلك مما هو معتبر في العدالة فهي اجنبية بل لو قلنا بالتواتر الاجمالي فيؤخذ بالاخص من الاخبار والظاهر ان الاخص وهو الخبر الموثوق فعليه المستفاد من الاخبار اعتبار الخبر الموثوق بناء على التواتر الاجمالي وبذلك قال المحقق الخراساني حيث بنى على التواتر الاجمالي قال ما ملخصه المتيقن من هذه الاخبار انما هو حجية الخبر الصحيح وفي جملتها خبر صحيح يدل على حجية الموثق بواسطة واحدة ولكن لا يخفى انه لا يشمل الخبر الضعيف المنجبر بعمل الاصحاب فانه مقتضى اعتبار وثاقة الراوي لا المخبر إلا انه يمكن القول باعتبار اندراجه تحت آية النبأ حسب ما عرفت من شمولها لكل خبر ما عدا خبر الفاسق نعم يشكل اندراجه تحت هذه الاخبار اللهم إلا ان يقال ان المستفاد من هذه الاخبار هو الرجوع الى الثقة ليس لموضوعية في خبره بل لان خبره يكشف الواقع وفيه جهة احراز من خبره ما لا يحصل من غيره فاذا صار هذا هو الملاك في اعتبار خبر العدل فاذا وجد في غيره ينبغي اعتباره كمثل خبر المنجبر بالشهرة ولكن استفادة ذلك بنحو يكون كبرى كلية لكي يشمل مثل تلك الاخبار محل نظر فافهم وتأمل.

(١) الاجماع تارة يقرر بالقولى وهو المنقول من غير السيد وابن ادريس

بخبر الواحد من الصدر الأول الى زماننا ولا يحتاج في حجية السيرة الى امضاء من المعصوم أو تقرير بل مجرد انعقاد السيرة يكشف من رضا المعصوم بخلاف بناء العقلاء فانه يحتاج في التمسك في اثبات الدعوى الى امضاء وتقرير من المعصوم فانهم قد يبنون ويجرون طريقتهم على شيء من غير اتباع الشارع فالتمسك ببناء العقلاء في

__________________

لعدم الاعتناء بخلاقهم واخرى يقرر بالاجماع العملي وهو ان الاصحاب عملوا بالاخبار التي بايدينا ولم يخالف منهم احد ولا يخفى ان ذلك لا يكون حجة على العمل بخبر الواحد تعبدا حيث ان ذلك الاجماع لا يكشف عن رضاء المعصوم الذي هو الملاك في حجيته نعم يمكن التمسك بالسيرة المستمرة على العمل بخبر الآحاد وهى سيرة عقلائية قد استقرت على العمل باخبار الآحاد ولم يثبت ردع من الشارع اذ لو كان هناك ردع لظهر واشتهر من حفاظ الحديث كما حصل بالنسبة الى القياس فان الاخبار المانعة عن العمل بالقياس كثيرة حتى عدها بعضهم الى خمسمائة رواية على المنع عن العمل بالقياس وبالجملة سيرة العقلاء وعدم الردع من الشارع موجبه للعمل بخبر الآحاد وذلك غير قابل للانكار إلا انه وقع الاشكال في صلاحية آيات الناهية عن اتباع غير العلم للردع فقد ذكر المحقق الخراساني وجوها لذلك ذكرنا بعضها مما سبق والجميع غير صالحة لجعل الآيات ناهية بعد كون السيرة مع الآيات نسبه الحاكم والمحكوم وان السيرة هي حاكمة على الآيات حيث ان موارد السيرة بالحج العقلائية لم يكن في نظرهم عملا بغير علم كعملهم بالظواهر فان السيرة المستقرة على العمل بها ليس إلا انهم يرونها علما ولا يخفى ان سيرتهم على العمل بالخبر الموثق لا يفرق بين ما يكون الوثوق ناشئا من وثاقة الراوي او من جهة اخرى لعمل المشهور فالخبر في مورد السيرة اخبار الصحاح والحسان والموثقات باجمعها كما لا يخفى.

مثل المورد يتوقف على تقرير من المعصوم واني لهم باثبات التقرير أو عدم الردع لا يقال بانه لو كان ردع لاشتهر فعدم الشهرة يكشف عدم الردع وهو يكفي في اثبات المطلوب لانا نقول يمكن ان تكون الجهة في عدم الردع غير الامضاء وذلك انه يجري طريقتهم على انهم لم يعملوا بالامور الدينية اذ لم تكن الامور الدينية محلا لابتلائهم والردع انما يكون من الشارع اذا كان موردا للابتلاء وهو الامر الديني إلّا ان يقال ان ذلك انما يكون في اوائل الشريعة لا مثل هذه الاعصار التي استقر عمل العقلاء عليه في الامور الدينية فان عملهم في مثل هذه الاعصار يكشف عن رضا المعصوم (ع) وبما ذكرنا يظهر ان الآيات الناهية عن العمل بغير العلم غير قابلة للرادعية لانها لو كانت قابلة لمنعت من حجية السيرة فمع انعقادها يكشف عدم قابليتها للرادعية لجهة او قرنية اختفت علينا وهم قد اطلعوا عليها وليس البحث فيه الا بحثا علميا بعد ما عرفت من استقرار سيرتهم على العمل بالظواهر وربما يقال في وجه عدم رادعية هذه الآيات ما ذكرناه سابقا من كون هذه الآيات غير ناظرة الى تنقيح الموضوع بل تعطي حكما كليا تطبيقه بيد العرف والعقلاء وقد عرفت ان مبنى العقلاء على العمل به وانه بمنزلة العلم لانطباق الآيات على هذا المورد كما لا يخفى.

(الاستدلال على حجية خبر الواحد بالدليل العقلي) وقد يستدل به على حجية خبر الواحد بالدليل العقلي وقربه الشيخ الانصاري (قده) بانه عندنا علم اجمالي بوجود اخبار يعلم بصدورها فيجب العمل بكل خبر ظن بصدوره او بمظنون المطابقة (١) ثم اعترض عليه بانه لم يكن هذا الدليل موجبا للعمل بالخبر بل يقتضى

__________________

(١) توضيح كلامه (قده) هو ان مقتضى ما ذكره من تحقق العلم الاجمالي بصدور جملة من الاخبار في الكتب المروية عند الشيعة هو لزوم العمل على طبق جميع الامارات حتى غير المعتبرة للعلم الاجمالي بمطابقة بعضها للواقع فلا ينحصر الاحتياط بالاخبار المروية في الكتب المعتبرة للعلم الاجمالي بمطابقة بعضها للواقع مع أنه لا يلتزم به احد وقد اجاب المحقق الخراساني قدس‌سره بان للعلم الاجمالي مراتب ثلاثة الاولى العلم الاجمالى الكبير واطرافه جميع المشتبهات وينشأ من الالتفات الى معني الشرع والشريعة فانه بمجرد ذلك يحصل له العلم بالاحكام الشرعية الذي تشمل المشكوكات والمظنونات والموهومات ، الثانية العلم الاجمالي المتوسط ومورده الامارات المعتبرة وغير المعتبرة الثالثة العلم الاجمالي في خصوص الاخبار وبعد معرفة مراتب العلم الاجمالي فاعلم ان المرتبة الاولى تنحل بالمرتبة الثانية والثانية تنحل بالثالثة اذ ملاك الانحلال هو ان لا يكون المعلوم بالعلم الاجمالى الصغير اقل عددا من المعلوم بالاجمالي الكبير المحتمل انطباقه عليه وتمييز ذلك انه لو افرزنا من اطراف العلم الاجمالى الصغير بالمقدار المتيقن لم يبق لنا علم اجمالي في بقية اطراف الشبهة ففي المقام ان المعلوم بالاجمال المتحقق في جميع وقائع المشتبهة لا يزيد على المعلوم بالاجمال في ضمن المظنونات اذ منشأ العلم الاجمالي الكبير ليس إلّا استلزام الشرع لوجود احكام فيها ويكفى في ذلك ما قامت عليه الامارات من التكليف فانحل العلم الاجمالى الكبير

الاحتياط في اطراف العلم خيرا كان ام لا ثم صور صورا تارة يجب العمل بالاخبار خاصة ان كان عندنا علم اجمالي بثبوت تكاليف في خصوص الاخبار

__________________

بالمتوسط وينحل المتوسط بالصغير اذ لو عزّ لنا عددا معينا من اطراف العلم الاجمالي الصغير اعني بها الاخبار المروية في الكتب المعتبرة بمقدار المعلوم بالاجمال الموجود فيها لم يبق لنا علم بوجود تكاليف في غيرها ولو ضممنا سائر الامارات غير المعتبرة التي لم تكن موافقة وذلك يكشف عن ان عدد المعلوم بالاجمال في اطراف العلم المتوسط لا يزيد على عدد المعلوم في العلم الاجمالي الصغير ولازم ذلك انحلال العلم المتوسط بالصغير فيكون الشك في غيرها من الشك البدوي لا المقرون بالعلم الاجمالي ، وقد خالف ما ذكره قدس المحقق النائينى في درسه الشريف بان المتوسط لا ينحل بالصغير وفاقا للشيخ الانصارى قدس‌سره بعد ان ذكر استكشاف الانحلال وعدمه بعزل طائفة من المعلوم بالاجمال الصغير فان بقي المعلوم بالاجمال الكبير فالعلم الاجمالي الصغير لا يوجب انحلال الكبير وان كان مع هذا العزل لا يبقى المعلوم بالاجمال الكبير فهو يوجب الانحلال

وبالجملة المعيار في الانحلال كون المعلوم بالاجمال الصغير بمقدار المعلوم بالاجمال الكبير فلو عزّ لنا طائفة من المظنونات وضممناها الى المشكوكات يوجب رفع العلم الاجمالي لان ضم المشكوكات لا يوجب إلّا الشك بخلاف العلم الاجمالي المتوسط واما لو عزّ لنا طائفة من الاخبار وجعلنا عوضها الامارات فالعلم الاجمالي باق بحاله فلا يوجب انحلاله لأن مناط عدم الانحلال متحقق وهو وجود قضيتين مشكوكتين ان قلت الامارات ما عدا الاخبار لم يكن بخصوصها علم اجمالى وانما هي طرف للمعلوم بالاجمال ويحتمل ان ينطبق على ما في الاخبار وحينئذ يسقط العلم الاجمالى عن التنجيز حيث انها لما كانت الاخبار احد الاطراف

بمقدار المعلوم بالاجمال الكبير فيوجب الانحلال فينتج العمل بالاخبار ، واخرى يكون عندنا علم اجمالي لم يكن بمقدار المعلوم بالاجمال فلا يوجب الانحلال وجعل المقام من الثاني واشكل عليه الاستاذ (قده) بانه لا يلزم من انحلال العلم الاجمالي الكبير بعلم اجمالي بثبوت تكاليف في الاخبار بمقدار المعلوم بالاجمال بل ولو لم يكن وجود تكاليف بمقدار ذلك ولكن وجود حجة صادرة من الامام (ع) بمقدار المعلوم بالاجمال فانا نعلم بصدور أخبار بمقدار المعلوم بالاجمال وذلك موجب للانحلال ولأجل ذلك قرب الدليل العقلي في الكفاية بوجه مختص بالخبر على وجه يرفع اشكال الشيخ الانصاري (قده) فراجع ذلك ليتضح لك الحال.

وتحقيق المقام أنه لا اشكال في كون العلم الاجمالي الصغير إن كان بمقدار المعلوم بالاجمال الكبير موجب للانحلال بناء على ما سلكه الشيخ والاستاذ

__________________

والاخبار فيها علم اجمالى بخصوصها ويكون من قبيل ما لو علم بوقوع قطرة بول اما باناء معلوم نجاسته او باناء آخر ولا ريب ان مثل هذا العلم الاجمالى يوجب الانحلال قلت هذا خلط بين باب الانحلال وباب التاثير فان مناط الانحلال هو وجود قضية متيقنة وقضية مشكوكة والمقام ليس من ذاك القبيل إذ ليس ذلك متحققا فيه مضافا الى ان باب التاثير انما هو فيما اذا كان الطرف المنجز معارضا بمنجز سابق يرفع بمنجز لا فيما اذا كانا في عرض واحد كما في المقام فان العلم الاجمالى المتوسط مع العلم الاجمالى الصغير حصلا في آن واحد فحينئذ لا يوجب انحلاله وثانيا نتيجة دليل الانسداد لو تمت فانما يوجب العمل بما هو ارجح مطابقة للواقع لا العمل بمظنون الصدور.

وبالجملة الاستدلال بهذا الدليل لا يثبت المدعى ولا يخفى ان هذا الاشكال يرد على الانسداد الكبير فافهم وتامل.

قدس‌سرهما وإن كان لا يخلو عن الخدشة في ذلك وإن كان العلم الإجمالي يبقى مع أى طائفة كانت تفرض بعزلها من الاخبار فلا يكون العلم الاجمالي منحلا ومقتضاه رعاية العلم الاجمالي الكبير فيجب الاحتياط في أطرافه وإن كان العلم الاجمالي يبقى على تقدير عزل شيء من الاخبار والانضمام الى طائفة معينة من الامارات فلا يكون العلم الاجمالي منحلا إلا في الجملة اي بالنسبة الى ما لا يبقى معه ذلك العلم من الطوائف فينبغي التخيير بين دائرة الاخبار وبين طائفة منها منضمة الى سائر الامارات إذ ليس لنا إلا تكليف واحد متحقق في ضمن الأخبار مع الضم إلى تلك الطائفة المعينة واما ضمها إلى بقية الطوائف فلم يكن هناك تكليف إذ لم يكن هناك علم إجمالي فيكون مشكوكا شكا بدويا فتجري البراءة فمثل هذا العلم الاجمالي لا يراعي بوجه إلا على وجه التخيير بين رعاية الاخبار وبين تلك الطائفة المعينة وبقية الامارات بخلاف الاول فانه انما يوجب الاحتياط ولا ينحل العلم الاجمالي من جهة وجود القطع لتحقق تكليف وراء ذلك التكليف فيعلم بتحقق تكليفين فيجب الاحتياط في اطراف العلم الاجمالى الكبير لعدم انحلاله.

وبالجملة لا يجب مراعاة العلم الاجمالي إلا على النحو الأول دون النحو الثاني فانه كما عرفت يجب عليه التخيير بين دائرة الأخبار وبين تلك الطائفة المعينة وسائر الأخبار وكيف كان فلا اشكال في جريان الاصول النافية في اطراف العلم الاجمالي واما الاصول المثبتة فان كانت بمقدار العلم الاجمالي فتوجب انحلاله وإلّا فلا توجب الانحلال هذا ان كانت عقلية وان كانت شرعية فان كانت اقل من العلم الاجمالي فلا ينحل وينحل اذا كانت بمقدار يزيد على المعلوم بالاجمال ان كانت تلك الاصول في مورد الأمارات غير الأخبار ، واما اذا كانت في موارد

الأخبار وكانت بحيث تزيد على المعلوم بالاجمال فيشكل انحلال العلم الاجمالي لأنه اذا كانت في موارد الأخبار فلا بد من توافق بعض الأخبار مع بعض الاصول فاذا حصل التوافق سقطت الاصول من الاعتبار لحكومة الأخبار عليها كما هو المختار أو ورودها كما هو غير المختار فيسقط البعض من الاصول عن الاعتبار ولما لم يكن لهذا البعض معين سقطت الأصول عن الاعتبار ووجب العمل بمقتضى العلم الاجمالي وكذا اذا كانت الاصول بقدر المعلوم بالاجمال في الأخبار إذ هو ايضا مع توافق بعض الاصول وبعض الأخبار يوجب طرح بعض الاصول كسابقه على انه مع طرح الاصول لا يكون بمقدار المعلوم بالاجمال واما لو كان العلم الاجمالي يبقى مع انعزال طائفة خاصة كما تقدم منا. وقلنا ان مقتضاه التخيير ، فان قلنا بالاحتياط في دائرة الأخبار لم تكن الاصول المثبتة موجبة للانحلال وان قلنا بالتخيير لزم بواسطة الأصول انحلال العلم الاجمالي كما لا يخفى (١) فتأمل في المقام فانه لا يخلو عن دقة.

__________________

(١) ذكر الاستاذ المحقق النائينى قده وجها ثانيا عن استاذه جريان تلك المقدمات في الاحكام الظاهرية وهي انا نعلم اجمالا بصدور اخبار من المعصوم عليه‌السلام وبضميمة اصالة الظهور وعدم التقية تدل على وجوب التعبد بالاخبار وبضم المقدمات الآخر نعلم بصدور احكام ظاهرية ازيد من المعلوم بالاجمال المتوسط فحينئذ يوجب انحلاله لتحقق ملاك الانحلال الذي هو كون المعلوم الصغير ازيد من المعلوم الاجمالي المتوسط ، وهذا المقدار انما يتحقق في المقام دون الوجه السابق من جهة حكم الشارع بالهوهوية فيزيد المعلوم عليه فيوجب انحلاله ومن هنا يعلم ان هذا الوجه اصح من سابقه من جهة تحقق مناط الانحلال في هذا

ثم انه قال ان مقتضي التقريب المتقدم هو مجرد وجوب العمل بالاخبار المثبتة للتكليف ولا تثبت به حجيتها شرعا بنحو تنهض لصرف ظواهر الادلة

__________________

الوجه دون سابقه.

اقول نتيجة هذا الدليل تتحد مع مقالة صاحب الحاشية على ما سيأتي إن شاء الله تعالى في دليل الانسداد فان مرجع تلك المقالة الى ان الشارع نصب طريقا واراد منا تحصيل تلك التكاليف بالطرق المنصوبة فينتج حجية الظن بالطريق لا بالواقع وفي المقام مثل ذلك غاية الامر ان الشك في ذلك المقام في طريقية الطريق وهنا في اصل الطريق. وكيف كان يرد عليه اولا ان الانحلال انما يترتب على الحجية والحجية وان كانت من الاحكام الواقعية غير منوطة بالعلم إلّا انه لا تحصل ما دامت غير واصلة فمع عدم الوصول لا حجية. وبعبارة اخرى ان الحجية عبارة عن التعبد بالظهور ، ومع الشك في صدور الخبر كيف يمكن التعبد بظهوره والتعبد على تقدير دون تقدير يلزم حصول الظهور على تقدير دون تقدير وهو باطل.

وكيف كان فالانحلال يتوقف على كون الاخبار الصادرة تفيد احكاما ظاهرية بعد جريان الاصول اللفظية والجهتية وبذلك يرتفع الاشكال المذكور نعم يتوجه الاشكال بناء على ما ذكره الشيخ من ان الاخبار الصادرة تفيد احكاما واقعية وبما ذكرنا يفرق بين كلام الشيخ والاستاد قدس الذي هو مناط الانحلال وعدمه وثانيا ان بطلان الاحتياط الذى هو احد مقدمات دليل الانسداد الصغير والكبير ينافى القول بالانحلال لان بطلان الاحتياط ليس عبارة الا الرخصة في ترك البعض ولعل الذي تركه هو المعلوم بالاجمال مثلا لو علمنا اجمالا عشرين موطوءة في ضمن قطيع من الغنم ثم علمنا في عشرين من البيض موطوءة فالاحتياط

القطعية كالكتاب والسنة ولكن لا يخفى ان جريان اصالة الظهور انما تجرى بعد الفراغ عن تحقق الظهور وفي الأخبار الصادرة المعلومة بالاجمال ومع الشك لا تجري اصالة الظهور فحينئذ تبقى العمومات والمطلقات على حجيتها. واما الاصول الشرعية فالنافية غير جاربة في اطراف العلم الاجمالي ولو كانت غير معارضة لمانعية العلم الاجمالي من جريانها ، واما المثبتة مما كان منها عقلية كقاعدة الاشتغال فلا مانع من جريانها لعدم تنافيها للعلم الاجمالي ، وما كان منها شرعية كمثل الاستصحاب فهي وان قلنا بجريانها في جميع اطراف العلم الاجمالي إلّا ان في المقام لا تجري لحكومة تلك الحجج الشرعية على بعض تلك الاصول الجارية في مواردها وتخصيص

__________________

فى البيض يوجب انحلال العلم الاجمالي المتحقق في قطيع من الغنم فلو لم يجر الاحتياط في البيض لمانع فلا يبقى له قطع بتحقق التكليف فلا ينحل والمقام كذلك فان الاحتياط لو لم يجر في جميع الاطراف فكيف ينحل إذ لعل ما اتى به ليس بمتحقق بالعلم الاجمالي.

وبالجملة مفاد عدم الاحتياط ليس إلّا التكليف المتوسط والتكليف المتوسط ليس إلّا الاخذ بمثل المظنونات وترك المشكوكات والموهومات وهذا التكليف المتوسط لا يوجب انحلاله.

ان قلت ان انحلال العلم الكبير انما هو بالعلم الصغير والتكليف المتوسط في مرتبة الامتثال فانحلاله سابق عليه ، لانا نقول فهو وان كان في مرتبة الامتثال ولكن معنى عدم جريان الاحتياط هو رجوع العلم الاجمالي الى الاخذ بالامتثال الظني وترك المشكوك والموهوم وفي الحقيقة هذا ليس انحلالا له فافهم وتأمل.

(لا تنقض) الموجب لسقوط الجميع لعدم المرجح عن الاعتبار ولذا نقول بعدم قابلية الاصول المثبتة لانحلال العلم الاجمالي بالاخبار الصادرة ولو كانت بضميمة الاصول المثبتة بمقدار المعلوم بالاجمال هذا مع عدم احراز الظهور ، واما مع احراز الظهور كما هو كذلك لا مانع من جريان اصالة الظهور وبه تسقط الاصول عن الاعتبار (١) فافهم.

__________________

(١) لا يخفى ان الاخذ بالاخبار المروية في الكتب المعتبرة من جهة العلم الاجمالي بصدور بعضها او اكثرها هل كان من باب الاحتياط او كان من باب اعتبارها طرفا للواقع بنحو تقدم على الاصول اللفظية كاصالة الاطلاق والعموم او عملية تنزيلية كانت او غير تنزيلية فالكلام يقع من جهتين الاولى بالنسبة الى الاصول العملية الجاربة في اطراف العلم الاجمالى فتارة يكون مفاد العلم الاجمالى حكما الزاميا واخرى حكما ترخيصا فان كان حكما الزاميا فلا تجري الاصول النافية في جميع الاطراف من غير فرق بين كونها محرزة كما لو علمنا بنجاسة احد الإناءين الطاهرين فان جريان استصحاب الطهارة في الإناءين معا موجب للمخالفة القطعية وفي احدهما دون الآخر ترجيح بلا مرجح وفي كونها غير محرزة كالمثال السابق مع فرض ان الإناءين ليسا لهما حالة سابقة فان كلا من الإناءين يكون موردا لقاعدة الطهارة فجريانها في الإناءين موجب للمخالفة القطعية ومثله ما لو كان احدهما مسبوقا بالطهارة والثاني غير مسبوق بالطهارة فبالنسبة الى المسبوق بالطهارة تجري استصحاب الطهارة وبالنسبة الى غير المسبوق تجري قاعدة الطهارة.

ودعوى تقدم الاصل المحرز على غيره فهو بالنسبة الى ما يكون في مورد واحد لا في موردين هذا فيما لو كان مفاد العلم الاجمالى مفاده حكما الزاميا والاصل

__________________

الخارجي ناف ، وأما لو كان مفاد العلم الاجمالي ترخيصا والأصل الجارى حكما الزاميا فان كان الأصل مبينا للتكليف ولم يكن من الاصول المحرزة فلا اشكال في جريانه في جميع الاطراف كما لو علمنا بجواز النظر الى احدى المرأتين نسبا او مصاهرة فلا مانع من الرجوع الى قاعدة الاشتغال لعدم تحقق المخالفة القطعية ، واما إذا كان الاصل محرزا كالاستصحاب ، ففى جريانه خلاف. فذهب الشيخ والاستاذ المحقق النائينى الى عدم جريانه خلافا للمحقق الخراسانى ، وسيأتى ذلك ان شاء الله تعالى.

وبعد معرفة ذلك فاعلم ان في المقام لنا علم اجمالي بوجود احكام الزامية وترخيصية في ضمن الروايات المعتبرة فبالنسبة الى الاحكام الالزامية لا تجري الاصول العملية بجميع اقسامها. واما بالنسبة الى الترخيصية فعلى القول بحجيتها. فكذلك لا تجري ايضا الاصول العملية ، واما بناء على جواز العمل بها من باب العلم الاجمالي بصدور كثيرها بل اكثرها فقاعدة الاشتغال تجري في موارد العلم الاجمالي من غير خلاف.

واما الاستصحاب المثبت للتكليف فقد عرفت انه محل خلاف على تفصيل يأتي ان شاء الله تعالى.

أما الجهة الثانية : نسبة الامارات الى الاصول اللفظية تخصيص أو تقييد كما لو ورد عام او مطلق مقطوع الصدور بالتواتر او بغيره. ثم ورد خبر واحد مفاده التخصيص او التقييد ، فعلى القول بحجيته يتقدم على العام او المطلق لان الخاص بمنزلة القرينة لتخصيص العام. واما بناء على وجوب العمل بالاخبار من باب الاحتياط ، فهل يتقدم على العمومات والمطلقات القطعية الصدور ام لا؟ فيه خلاف ينسب الى صاحب الكفاية هو الثاني نظرا الى ان

__________________

المطلق او العام حجة في مدلوله ، ولا يرفع اليد عنه بحجة اقوى مع ان كل واحد من الامارات غير ثابت الحجية بالخصوص ومجرد العلم الاجمالي بوجود الصادر فيها لا اثر له والحق ان مفاد الامارة اذا كان عمومه بالاطلاق فتارة يكون حكما الزاميا والخاص حكم غير الزامي كقوله تعالى : (حَرَّمَ الرِّبا) وقوله (ع): «لا ربا بين الوالد والولد». واخرى يكون مفاد العام حكما ترخيصيا ، والخاص حكما الزاميا كقوله تعالى : (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ) وقوله (ع) : نهى النبي (ص) عن بيع الغرر ، فعلى الاول يتقدم العام ولا يعمل بالخاص بعد فرض عدم حجيته لان العلم الاجمالي بورود التخصيص على العمومات اجمالا وان اوجب سقوط اصالة العموم في كل واحد منها إلا ان العلم الاجمالي بارادة العموم من بعضها يقتضي لزوم العمل بجميع العمومات المتضمنة للاحكام الالزامية ولا يعارضها العلم الاجمالي بصدور بعض المخصصات غير المتضمنة للحكم الالزامي إذ لا اثر للعلم الاجمالي غير المتعلق بالحكم الالزامي فيجب الاخذ بالعمومات والمطلقات من باب الاحتياط لا من جهة حجية اصالة العموم او الاطلاق. اللهم إلا ان يقال بحجية الامارات فيحل بها العلم الاجمالي. وعلى الثانى يجب تقديم المخصصات ولو كان العمل بها من باب الاحتياط للعلم الاجمالي بصدور بعضها المشتمل على الاحكام الالزامية فانه يقتضي سقوط الاصول اللفظية كاصالة العموم او الاطلاق في جميع اطرافه كما تسقط الاصول العملية في جميع الاطراف إذ اجرائها مستلزم للمخالفة القطعية وإجراؤها في بعضها ترجيح بلا مرجح ومع عدم جريان الاصول اللفظية في المقام لا مجال لدعوى ان العموم او الاطلاق يكون حجة ولا يرفع اليد عنها إلا بحجة اقوى كما لا يخفى.

ومما استدل به على حجية الاخبار الموجودة في الكتب المعتبرة عند الطائفة ما ذكره في الوافية ما لفظه : (انا نقطع ببقاء التكليف الى يوم القيامة سيما بالاصول الضرورية كالصلاة والزكاة والصوم والحج والمتاجر والانكحة ونحوها. مع ان جل اجزائها وشرائطها وموانعها إنما يثبت بالخبر غير القطعي بحيث يقطع بخروج حقائق هذه الامور عن كونها هذه الامور عند ترك العمل بخبر الواحد ومن انكر انما ينكر باللسان وقلبه مطمئن بالايمان) انتهى موضع الحاجة من نقل كلامه قدس‌سره واعترض عليه الشيخ الانصاري قدس‌سره.

اولا ـ بأن العلم الاجمالي حاصل بجميع الاخبار لا خصوص الاخبار الموجودة بالكتب المعتمد عليها عند الطائفة ، فعليه يجب العمل بكل خبر او العمل بكل مظنون الصدور.

ثانيا ـ ان هذا الدليل إنما يفيد اعماله في الاخبار المثبتة ، واما الاخبار النافية فلا يتأتى إذ مقتضى العلم الاجمالي الاحتياط ، والاحتياط إنما يكون في الاخبار المثبتة دون النافية.

اقول الانصاف : ان الكتب التي هي محل الاعتماد كالكتب الاربعة ليست كسائر الامارات الظنية ، إذ هي محل للاطمئنان ، والعمل بهذه الاخبار الموجودة في تلك الكتب يختلف فكل بحسبه ، فالعمل بالاخبار المثبتة ان كانت متعلقة بالجوارح وهي الاعمال الخارجية ، فهو وإلا كان بالجوانح وهي الاعمال القلبية كالاعتقادات التي ترجع الى الجنان وان كانت الاخبار النافية ، فالعمل بها هي الموافقة للجنانية النافية التي قام على اعتبارها دليل قطعي فكما ان الذي قام على اعتباره دليل قطعي

يجب الاخذ بمفاده ، فكذا هذه الاخبار. هذا بناء على وجوب الموافقة الالتزامية ، واما بناء على عدم وجوب الموافقة الالتزامية فلا يلزم البناء في كلا المقامين والعمل إنما يكون بالبناء القلبي ولكن غير لازم ، ويمكن ان يقال بوجود العلم الاجمالي بثبوت تكاليف في مورد الاخبار النافية فلا تكون معتبرة بل تكون ساقطة عن الاعتبار لوجود العلم الاجمالي ، ولكن لا يخفى ان دعوى مثل هذا العلم الاجمالي في مثل المقام محل منع ولاجل ما ذكرنا عدل الاستاذ قدس‌سره في الكفاية الى اشكال آخر ما لفظه : (بأن قضيته إنما هو الاحتياط بالاخبار المثبتة فيما لم تقم حجة معتبرة على نفيهما من عموم او اطلاق لا الحجية بحيث يخصص او يقيد بالمثبت منها او يعمل بالنافي في قبال حجة على الثبوت ولو كان اصلا كما لا يخفى انتهى).

والحق في الجواب عن هذا الاشكال هو ان العمومات والاطلاقات في قبال الاخبار النافية لا اعتبار بها لانا نعلم بتخصيصها وتقييدها بتلك الاخبار فتكون مجملة إذ هي متخصصة بمبهم فتكون بحكم المجمل فلا اعتبار بتلك العمومات والاطلاقات كما انه لا اعتبار بالاصول الشرعية في قبال تلك الاخبار النافية لانه مع العلم بصدور بعض الاخبار تكون الاصول الشرعية محكومة فتسقط الاصول الشرعية عن الاعتبار ، واما الاصول العقلية فالحكم بالاشتغال في مسألة الشك في الشرطية والجزئية ، وستعرف ان شاء الله تعالى ان الحق في تلك المسألة هو القول بالبراءة ، وان القول بالاشتغال خلاف التحقيق ولو وجد مورد من غير تلك المسألة يكون مجرى قاعدة الاحتياط فهو نادر ولو فرض فلا يضر كونه في قبال الاخبار النافية فتأمل في المقام.

ومما استدل به على حجية الخبر ما ملخصه انه لا اشكال ولا ريب بوجوب العمل بالكتاب والسنة والاجماع ، فان امكن الرجوع اليهما بالعلم فهو وإلا فلا بد من الرجوع اليهما على وجه يحصل منهما الظن ، ولكن لا يخفى انه ما المراد بالوجوب ان كان المراد به الوجوب العقلي الناشئ عن الكتاب والسنة من جهة مراعاة الاحكام الواقعية فهو يرجع الى ما سيأتي ان شاء الله من دليل الانسداد ، وتعرف من قريب الدليل والجواب ان شاء الله تعالى ، وان كان المراد من الوجوب الوجوب العقلي ولكن غير ذلك الوجوب العقلي الذي ذكرناه سابقا ، بل يكون ناشئا من العلم الاجمالي بصدور ما بأيدينا من الاخبار فهو راجع الى الدليل السابق ، وقد مر تقريبه والجواب عنه وان كان المراد من الوجوب الوجوب التعبدي أي يجب علينا تعبدا العمل بالاخبار وظواهر الكتاب. فنقول : انه ليس من المتفق عليه العمل بها كيف وقد خالف جل الاخباريين في العمل بظواهر الكتاب ، وبالجملة المسألة لم تكن بهذا الوضوح والظهور كما لا يخفى علي من تأمل.

هذا تمام الكلام في حجية خبر الواحد وبذلك يتم البحث عن الظنون الخاصة والحمد لله رب العالمين.

حجية مطلق الظن

المبحث السابع : في ان مطلق الظن حجة خبرا كان أو غيره ، وقد استدل عليه بوجوه :

الأول ـ ان في مخالفة الظن بالوجوب أو التحريم مظنة للضرر ودفع الضرر المظنون واجب ، أما الصغرى فللملازمة بين الظن بالوجوب أو الحرمة وبين الظن بالعقوبة على المخالفة أو الظن بالمفسدة بناء على تبعية الأحكام للمصالح والمفاسد. وأما الكبرى فلاستقلال العقل بدفع الضرر (١) ولكن لا يخفى انه ما المراد من الضرر هل الأخروي أو الدنيوى؟ فان كان المراد بالضرر

__________________

(١) والظاهر ان وجوب دفع الضرر ليس من الاحكام العقلية وإنما هو امر فطري جبلي وهو حاصل لمن له ادنى شعور وادراك على الفرار من الاضرار بل ذلك جار في الحيوانات والاطفال في مبدإ نشوئهم وادراكهم. ومنه يعلم فساد ما قيل بأن دفع الضرر المظنون واجب اذا قلنا بأن التحسين والتقبيح عقليان وإلا فلا. لما عرفت انه من الامر الفطري الذي هو حاصل لمن له ادنى شعور وادراك ، وليس من الاحكام العقلية على انه لو قلنا بأنه من الاحكام العقلية فانه يحكم العقل ولو لم نقل بالتحسين والتقبيح العقليين. قال المحقق الخراساني في كفايته ما لفظه : (فلاستقلال العقل بدفع الضرر المظنون ولو لم نقل بالتحسين والتقبيح لوضوح عدم انحصار ملاك حكمه بهما بل بكون التزامه بدفع الضرر

الاخروي فنمنع الصغرى وهي كون مخالفة الظن بالوجوب أو التحريم مظنة

__________________

المظنون بل المحتمل بما هو كذلك ولو لم يستقل بالتحسين والتقبيح) مضافا الى ان باب التحسين والتقبيح العقليين إنما هو في سلسلة المعلولات فأحدهما اجنبي عن الآخر وقد اجيب عن ذلك بوجوه. والصحيح منها هو انه ما المراد من الضرر فان اريد من الضرر الاخروي فنمنع الصغرى إذ لا يستلزم من الظن بالتكليف الظن بالعقوبة على المخالفة مع حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان.

ودعوى جريان قبح العقاب بلا بيان فيما لو احتمل التكليف ، ولا يجري فيما لو ظن بالتكليف لعدم استقلال العقل فيما لو ظن بالتكليف بقبح العقاب بلا بيان ممنوعة بأن الظن مع عدم حجيته ، فهو كالشك والاحتمال وحينئذ يجري قبح العقاب بلا بيان في الظن كما يجري في الشك.

ومما ذكرنا يظهر الاشكال فيما ذكره المحقق الخراسانى قدس‌سره في الكفاية بما حاصله بأن العقل وان لم يكن مستقلا باستحقاق العقاب على مخالفة التكليف المظنون ولكنه غير مستقل بعدمه فيكون العقاب محتملا والعقل حاكم بلزوم دفع الضرر المحتمل إذ العقل يحكم باستحقاق العقاب لكونه من آثار مخالفة التكليف المنجز وقد فرض ان الظن بالتكليف ليس بحجة معتبرة فلا يكون منجزا للتكليف فمع عدم البيان فالعقل يستقل بعدم العقاب فكيف يتحقق احتمال العقاب وحكم العقل بذلك من دون ان تتحقق هناك مصلحة يتدارك بها الضرر على تقدير تحققه خلافا للشيخ قدس‌سره حيث قال : «الاولى ان يقال ان الضرر وإن كان مظنونا إلا ان الشارع حكم قطعا او ظنا بالرجوع في مورد الظن الى البراءة والاستصحاب

للضرر إذ كونه مظنة للضرر لا يكون إلا وأن يكون التكليف الواقعي منجزا

__________________

وترخيصه بترك مراعاة الظن اوجب القطع او الظن بتدارك ذلك الضرر المظنون الخ». ولكن لا يخفى انه يرد عليه.

اولا ـ ان المصلحة السلوكية على تقدير تسليمها فانما هي في الاخبار في مقام الانفتاح بمعنى امكان الوصول الى الواقعيات حيث ان جعل الطريق في ذاك الحال لا يصح إلا بالالتزام بالمصلحة السلوكية حذرا في فوات الواقع ، واما في الاصول فجعلها إنما يكون في طرف عدم الوصول الى الواقع فلا معنى للمصلحة السلوكية حيث انه فيها المكلف هو اوقع نفسه في خلاف الواقع بخلاف التعبد في الأخبار بكون الشارع اوقعه في خلاف الواقع فيقبح من الشارع نصب الطريق ما لم تكن هناك مصلحة سلوكية تتدارك ما فانه من مخالفة الواقع.

وثانيا ـ ان العام لو كان شموله للافراد يحتاج الى عناية وكلفة ، فيدعي عدم شموله إلا إذا بقي العام بلا مورد لو لا تلك المئونة الزائدة فعموم ادلة الاصول لو كان شاملا للظن بالحكم توقف على اثبات تدارك الضرر والمفسدة ، وإذا توقف على ذلك فمن اول الامر العموم لا يشمل مورد الظن بالحكم ولا يلزم من ذلك بقاء العموم بلا مورد إذ المشكوكات باقية تحت العموم.

وثالثا ـ جريان القاعدة التي هي حكم العقل بقبح ما لا يؤمن منه الضرر يكون واردا او حاكما على الاصل العملي وان اريد الضرر الدنيوي فيمكن منع الصغرى حتى بناء تبعية الاحكام للمصالح والمفاسد إذ ليس في مخالفة التكليف الوجوبى او التحريمي إلا الظن بفوات المصلحة لا الظن بالضرر فلا تغفل.

بالظن ، ولا يحصل التنجز إلا بعد تمامية مقدمات الانسداد ، فمع عدم تماميتها لا تكليف واقعي منجز بهذا الظن ، وحيث ان مخالفته لا تترتب عليه عقوبة ، فلا يظن بالضرر بل هو مجال حكم العقل بقبح العقاب من دون بيان ، فمع حكم العقل بالبراءة يقطع بانتفاء العقوبة ، فلا تحصل مظنة بالضرر ، بل يقطع بانتفاء الضرر ، وان كان المراد من الضرر هو الضرر الدنيوي فأيضا يمكن منع الصغرى اذ التكاليف انما تتبع المصالح والمفاسد ، وليست تابعة للمضار والمنافع ، فمع مخالفة التكليف المظنون يظن فوات المنفعة أو الوقوع في المفسدة ، وليس فوات المنفعة أو الوقوع في المفسدة اللذان انيطت بهما الأحكام بمضر لعدم التلازم بين فوات المنفعة والوقوع بالمفسدة وبين المضرة مع ان المصالح والمفاسد التي انيطت بها الأحكام بحسب الغالب إنما هي المصالح النوعية والمفاسد النوعية ، وعلى تقدير الملازمة فانما هي بين المفاسد النوعية وبين المضرة النوعية ومن الواضح ان الذي يجب دفعه هي المضرة الشخصية لا النوعية. اللهم إلا ان يقال انا نمنع الغلبة النوعية ، بل الذي هو الغالب في باب الأحكام المضرة الشخصية ، ولما كان المناط بحسب الغالب المضرة الشخصية ، فلا مانع من الالتزام بأن ترخيص الشارع في الاقدام يدل على تدارك الضرر المظنون او المحتمل فيتوقف على اثبات البراءة الشرعية كما افاده شيخنا الأنصاري قدس‌سره في رسائله (١). وأورد عليه بعض الأعاظم (قده)

__________________

(١) وقد اورد عليه المحقق الخراساني قدس‌سره بأن المفسدة الواقعية الحاصلة بالفعل لا يتدارك بمصلحة الترخيص لفرض انها قائمة بنفس الترخيص لا بالفعل فالفعل باق على ما هو عليه قبل الترخيص فاحتمال الضرر فيه غير متدارك. نعم ما ذكر من الاشكال لا يتأتى فيما لو اريد من الضرر

__________________

المحتمل هو العقاب لكون الترخيص ولو عن مصلحة يمنع من ترتب العقاب فمع احتمال العقاب لعدم حكم العقل بقبحه مع الظن بالتكليف إلا ان عموم ادلة البراءة توجب الامن من العقوبة. اللهم إلا ان يقال بأن القاعدة حاكمة على البراءة ولكنه محل منع إذ القاعدة إنما تتأتى مع احتمال الضرر والبراءة رافعة لهذا الاحتمال فلا يبقى مجال لمجيء القاعدة وكيف كان فقد قال المحقق النائيني في درسه الشريف : ان كلمات الشيخ في هذا المقام مضطربة فحينئذ ينبغي رسم امور لتوضيح مقصوده (قده) على نحو الاجمال وسيأتي ان شاء الله تعالى في بحث الاشتغال على نحو التفصيل :

الامر الأول ـ ان الوظيفة تارة ترجع الى الشارع واخرى ترجع الى العبد ، اما ما ترجع الى ناحية الشارع باعتبار كونه مشرعا من ارسال الرسل وتبليغ الاحكام ونصب الطرق وايصالها الى المكلف ويجمعها امكان حصول العلم العادي بالتكليف للعبد فاذا تحققت وظيفة الشارعية فتتبعه وظيفة العبودية من التفحص لكى يحصل له العلم العادي فيأتي العبد بالفعل المأمور به او ينتهي عما نهى عنه. فالامور التي ترجع الى الشارع يلزم عليه اعمالها ، فلو لم يحصل مثل عدم ارسال الرسل ولم يحصل التبليغ او ان الرسل بلغوا ولكن حصل مانع من التبليغ فهو مجرى قاعدة قبح العقاب بلا بيان ، وفي هذا المقام ليس مجرى وجوب دفع الضرر المحتمل واما الامور التي ترجع الى وظيفة العبد مثلا الشارع المقدس ارسل الرسل وقاموا بتبليغ الاحكام بحيث لو تفحص العبد لحصل عنده علم عادي

من ان تدارك الضرر انما يجب على الشارع اذا كان قد اوقع المكلف في خلاف الواقع

__________________

ولكن وظيفته لم يعملها بأن لم يتفحص ، ففي هذا المقام تجري قاعدة الضرر المحتمل وليس موردا لجريان قاعدة قبح العقاب بلا بيان ، اذا عرفت ذلك فاعلم انه بالنسبة الى ما علم من اي القسمين يعمل به من غير اشكال واما لو شك في انه من اي القسمين كمثل الشبهات الحكمية الذي هو محل الخلاف بين الاصوليين والاخباريين ، فهل لنا اصل يحرز دخوله تحت قاعدة قبح العقاب بلا بيان ، او قاعدة دفع الضرر المحتمل التحقيق ، انه مع الشك يدخل تحت قاعدة قبح وجوب دفع الضرر المحتمل لان قاعدة قبح العقاب بلا بيان ، إنما تكون مؤمنة من العقاب في صورة العلم لعدم حصول وظيفة الشارع ومع الشك لم تحرز المؤمنية فتجري قاعدة دفع الضرر المحتمل وتفصيل ذلك في بحث الاشتغال.

الامر الثاني ـ ان الملاكات بحسب عالم الثبوت تارة تكون لها اهمية بحيث توجب جعلين كمثل الدماء والفروج فان فيها ملاكا يبلغ اهميته الى جعلين جعل في ظرف العلم ، وجعل في ظرف الشك واخرى لا يكون له ملاك يبلغ الى حد يوجب جعلين بل انما يوجب جعل واحد فلا يجب الاحتياط واما لو شك في ان الملاك من اي القسمين فليس عندنا ما يحرز بأنه من اي القسمين إلا دعوى ان مقتضى قاعدة قبح العقاب بلا بيان ان الملاك من قبيل الثانى بيان ذلك ان الجعل الثانى على نحو الجعل الاول في انه بيد الشارع وليس للعقل تشريع جعل ، فاذا شك في تحققه فمن الواضح انه من موارد قاعدة قبح العقاب بلا بيان ولا يكون من

الشارع قد أوقع المكلف في خلاف الواقع ، إذ لو لا التعبد بالاصول لكان المكلف

__________________

موارد قاعدة وجوب دفع الضرر المحتمل.

الامر الثالث ـ انه بناء على القسم الثاني من عدم اهمية الملاك الموجب لجعلين بل يوجب جعلا واحدا ، ففي ظرف الشك هل يلزم على الشارع جعل ما يتدارك من فوات مصلحة الواقع ام الوقوع في المفسدة ام لا يلزم ، الظاهر انه لا يجب وانما يجب التدارك لو كان هو نصب الطريق مع امكان العلم بالواقع مع انه اخطأ الطريق لا مثل المقام. وبعبارة اخرى ان جعل الطريق لما كان راجعا اليه وهو الذي اوقع العبد في مخالفة الواقع فيجب التدارك كما حققناه في مبحث جعل الطرق وليس المقام من ذاك القبيل فظهر مما ذكرنا الاشكال فيما ذكره شيخنا الانصاري في هذا المقام من الخلط بين المقامين فافهم.

الامر الرابع ـ ان الضرر تارة يكون اخرويا واخرى يكون دنيويا فان كان الضرر اخرويا فيخرج عن مورد قاعدة وجوب دفع الضرر إذ المولى لما كان عليه البيان مع امكان الوصول عادة فمع عدم وصوله واحتماله يكون من موارد قاعدة قبح العقاب بلا بيان فمع شمولها لا يبقى موضوع لصغرى قاعدة وجوب دفع الضرر وان كان الضرر دنيويا اي المفاسد الدنيوية ، فحينئذ لا يخلو الحال من ان يراد بها المصالح او المفاسد النوعية ، والمراد بها الشخصية ، فان كانت النوعية فلا يحصل الظن بها حيث ان المفسدة النوعية اجنبية عما اتى بها حيث انه مع اتيان الفعل لم يكن هناك احتمال الضرر وان كانت شخصية فلا يخلو اما ان تكون واجبة او محرمة ، وعلى الاول اما عبادة او غير عبادة ، اما اذا كانت واجبة فلا تكون مضرة وانما هو جلب منفعة مضافا الى ان العبادة متقومة بقصد التقرب ، وقصد

قد وقع في المفسدة ، ولكن لا يخفى ما فيه إذ بعد فرض كون المفسدة هى الضرر لا بد للشارع من حفظ المكلف من الوقوع فيه ولو بايجاب الاحتياط. ثم لا يخفى ان المناط لما كان الغالب هي المضرة الشخصية دون المضرة النوعية كان الاولى العدول عما ذكر من الجواب على تقدير ان يراد من المضرة هى المضرة الدنيوية. والجواب عنه بنحو آخر بأن يقال بمنع الكبرى وهي وجوب دفع الضرر المظنون فان الحكم بدفع الضرر المظنون ان كان هو الحكم فيها بملاك التحسين والتقبيح فيكون الحكم عقليا فلا يجب مراعاته إلا على القول بالملازمة بين الحكم العقلي ،

__________________

التقرب انما يحصل بالامر ومع الشك فيه كيف يحصل امتثال الامر العبادي وان كانت محرمة فالمناط في المفسدة النوعية فكالواجبة ، فان المناط فيها هي المصلحة النوعية وان كانت شخصية فهو وان حصل الظن بالضرر إلا ان الكبرى غير مسلمة إذ لا يجب دفع الضرر الدنيوي المظنون اذا عرفت ذلك فاعلم ان الاحكام المظنونة بظنون غير معتبرة اما ان تكون عبادية او نظامية او شخصية ، فان كانت عبادية فالظن بها لا يلازم الظن بالضرر حيث انها منوطة بقصد التقرب ، وقصد التقرب لا يحصل إلا في صورة العلم بالامر الواقعي ومن الواضح يتوقف على احراز الواقع ، اما بالعلم او الظن الخاص وان كانت نظامية اي واجبات كفائية كالطبابة والخياطة ونحوهما من الاشياء التي يتوقف عليها النظام فمخالفة الظن بها لا يلزم منه الظن بالضرر لاعتبار الضرر فيها نوعيا لا شخصيا والعقل لا يحكم بوجوب دفع الضرر النوعي وانما يحكم بوجوب دفع الضرر الشخصي وان كانت احكاما شخصيه فلا يكون فوات المصلحة والوقوع في المفسدة ضررا لرجوعه الى عدم النفع في الاول وكونه اعم من الضرر في الثاني فافهم وتأمل.

والحكم الشرعي. وقد عرفت من مطاوى كلماتنا بمنع الملازمة وحينئذ نقول بعدم التلازم بينهما ، فلا اشكال في عدم كون العقل يدرك جميع مقتضيات الشيء وموانعه ، وليس لأحد ذلك إلا للشارع الحكيم العالم بجميع مقتضياته وموانعه فاذا كان ذلك كذلك فربما يحكم العقل بشيء وكان له مانع لم يدركه ومنع عنه الشارع لاطلاعه على المانع فينفك حكم العقل من حكم الشارع. وأما اذا كان حكمه حكما جبليا فقد استقرت سيرة المتشرعة على العمل به فهو لا يكون حكما عقليا محضا ، وانما هو من الأحكام الشرعية لقيام سيرة المتشرعة على العمل به على انه يمكن لنا منع قيام السيرة فافهم وتأمل.

الثاني ـ مما استدل به على حجية مطلق الظن هو انه لو لم يؤخذ بالظن واخذ بغيره لكان ترجيحا بلا مرجح واللازم باطل ، فكذا الملزوم (١) ، وفيه

__________________

(١) وحاصل هذا الوجه هو ان الأخذ بغير الظن يلزم ترجيح المرجوح وهو باطل فيلزم الأخذ بالظن ولا يتم هذا الوجه إلا بأن يكون التكليف منجزا وتردد بين الأمر في مقام الامتثال بين الأخذ بالظن والأخذ بخلافه كما لو ترددت القبلة بجهات يظن بأنها في بعض الجهات ولم يمكن الاحتياط فيتعين الأخذ بالظن وإلّا لزم ترجيح بلا مرجح أو ترجيح المرجوح وان لم يكن التكليف ثابتا فلا مانع من الرجوع الى البراءة أو الرجوع اليها لا يكون من ترجيح المرجوح. والحاصل ان هذا الوجه يتوقف على أمرين بتنجز التكليف وعدم امكان الاحتياط ، ومع هذا كله لا ينبغي عده دليلا مستقلا بل هو راجع الى دليل الانسداد وقد قربه بعض المحققين بأن ترجيح المرجوح قبيح ، إنما هو بحسب الاغراض المولوية لا بحسب الاغراض الشخصية إذ ذلك من المحالات الاولية

انه لا ينبغي جعل هذا الدليل دليلا برأسه بل هو أحد مقدمات دليل الانسداد ، فبضم باقي المقدمات الى هذه المقدمة ينتج تعين الأخذ بالظن فهو راجع الى دليل الانسداد ، فلا معنى لجعله دليلا برأسه وان لم ينضم الى سائر المقدمات فلا ينتج تعين الأخذ بالظن وتقديمه على الوهم والشك كما لا يخفى فافهم.

الثالث ـ مما استدل على حجية مطلق الظن ما عن السيد الطباطبائي قدس‌سره من انا نعلم بوجود محرمات وواجبات ، فبمقتضى هذا العلم الاجمالي الاحتياط في جميع اطراف العلم الاجمالي ولكن يلزم من الاحتياط العسر المنفي بلسان الاخبار ، فالجمع بين قاعدة الاحتياط وقاعدة نفي العسر يقتضي اتيان المظنونات وترك المشكوكات والموهومات. وفيه ما لا يخفى انه راجع الى دليل الانسداد فان انضم الى باقي المقدمات تعين الأخذ بالظن وعليه لا معنى لعده

__________________

لاستحالة تأثير الأضعف دون الاقوى فلا معنى للترديد في المراد في الراجح هل هو في اغراض المولى أو في اغراض الفاعل بل لو وافق ما هو مرجوح بحسب غرض المولى للاغراض العقلائية فانه لا يخرجه عن المرجوحية بحسب غرض المولى ، والغرض العقلائي يوجب رجحانه بحسب ذاته ولا يجعله راجحا بالفعل إذ مقام العبودية والمولوية محفوظ عند العقلاء ايضا فليس للعبد ترجيح ما يوافق غرض العقلاء على غرض المولى ، فقولنا الظن بالوجوب يوجب رجحان الوجوب على غيره انما هو في حد ذاته لا بالفعل إذ ذلك يتوقف على كون الظن حجة معتبرة وإلا لكان الراجح بالفعل غيره. فتمامية هذا الدليل تبتني على مقدمات الانسداد حتى تتمحض المسألة في الظن والوهم حتى يقال الامتثال الظني ارجح من الامتثال الوهمي فلا تغفل.

دليلا مستقلا في قبال دليل الانسداد وان لم ينضم الى بقية مقدمات الانسداد فلا ينتج تعين الأخذ بالظن فلذا ينبغي صرف الكلام الى بيان دليل الانسداد واغماض النظر عن هذين الدليلين الاخيرين واطناب الكلام في بيانهما وبيان ردهما بلا فائدة بعد ارجاعهما الى دليل الانسداد كما لا يخفى.

دليل الانسداد

الرابع ـ الدليل المعروف بدليل الانسداد فقد استدل به على حجية مطلق الظن وهو مركب من مقدمات اربعة كما عن الشيخ الأنصاري في رسائله ، ومن مقدمات خمسة كما عن الاستاذ في كفايته (١) الاولى : العلم الاجمالى بوجود واجبات

__________________

(١) وقد أورد الاستاذ المحقق النائيني قدس‌سره بعدم الحاجة الى المقدمة الاولى وان العلم بوجود المحرمات والواجبات فعلية إذ ذلك من الامور المسلمة لعدم الشك في ان حلال محمد حلال الى يوم القيامة ، وحرامه حرام الى يوم القيامة ودعوى ان بقاء التكليف يرجع الى المقدمة الثانية ممنوعة إذ المقدمة الثانية لرفع احتمال انه بالانسداد يرتفع التكليف فتكون المقدمة الثانية ترفع ذاك الاحتمال وبالجملة انه ان اريد من العلم ببقاء التكليف هو عدم نسخ الشريعة وان الاحكام باقية الى يوم القيامة فيرد عليه انه لو عد مثل ذلك في المقدمات لعد مثل وجود الصانع والنبوة منها ايضا مع انه من الواضح ان مثل ذلك من قبيل المبادئ ومن الاصول المسلمة المفروغ تحققها فكذلك بقاء التكليف. وان كان المراد من العلم ببقاء التكليف في الوقائع المشتبهة فهو راجع الى المقدمة الثانية

ومحرمات فعلية. الثانية : انسداد باب العلم والعلمي. الثالثة : لسنا مهملين

__________________

أي انا لسنا بمهملين ، ولكن لا يخفى فان اسقاط الاولى من المقدمات ان كان لاجل عدم مقدميتها فمن الواضح انه لولاها لما كان مجال لبقية المقدمات إلا بنحو السالبة بانتفاء الموضوع وان كان لاجل وضوحها فمن الواضح ان ذلك لا يوجب عدم مقدميتها والاستغناء عن ذكرها كما ان دعوى ادراج المقدمة الثانية في الرابعة بتقريب انه لا يجب الامتثال العلمي مطلقا ، أما التفصيلي فلعدم التمكن لانسداد باب العلم أو العلمي ، واما الاجمالي فللزوم الاختلال أو الضرر والحرج ممنوعة إذ ان تعدد مصاديق المقدمة لا يوجب تعددها كما ان انتزاع جامع يجمعها لا يوجب وحدة المقدمة بل تتعدد حسب تعدد الجهات بيان ذلك ان عدم الامتثال التفصيلي لاجل السالبة بانتفاء الموضوع يغاير عدم لزوم الامتثال الاجمالي وهذه الجهة هي التي لها الدخل في النتيجة فالجهة التي لها الدخل في المقدمة الثانية غير التي لها الدخل في المقدمة الرابعة وان أمكن انتزاع جهة جامعة ثم لا يخفى ان المحقق الخراساني قدس‌سره في الحاشية جعل عقلية الدليل باعتبار عقلية النتيجة وبعد تحقق المقدمات الخمسة يستقل العقل بحجية الظن ولا يخفى ان ذلك انما يتم بناء على الحكومة ، واما بناء على الكشف لحكم الشرع بحجية الظن فلا تكون عقلية والظاهر ان العقلية باعتبار استلزام النتيجة للمقدمات فيكون من قبيل استلزام التالي للمقدم بمعنى انه لو حصلت المقدمات حصلت النتيجة فيكون هذا الاستلزام عقليا بعد فرض عدم امكان الرجوع الى غير الاصول المعمولة اجماعا اذ بعد فرض تحقق المقدم أي المقدمات لو لم يتعين الظن يلزم الخلف أو التكليف بما لا يطاق او التنزل الى مقابليه يلزم ترجيح

فلا يجب لنا التعرض للاحكام الشرعية. الرابعة : عدم وجوب الاحتياط للعسر والحرج او لاختلال النظام وعدم الرجوع الى الاصول او فتوى الفقيه. الخامسة : ترجيح المرجوح قبيح فينتج من هذه المقدمات تعين العمل بالظن ولا يخفى ان كون المقدمات اربعة او خمسة انما هو باعتبار النتيجة فان عد العلم الاجمالى من المقدمات تكون النتيجة التبعيض في الاحتياط محضا وان لم يعد العلم الاجمالى منها تكون النتيجة اما بنحو الحكومة او الكشف على تفصيل يأتي ان شاء الله تعالى وينبغي قبل بيان هذه المقدمات والتعرض الى تفصيلها ، بيان أمر آخر وهو انه لا اشكال ولا ريب ان العقل لما كان حاكما بالبراءة من جهة قبح العقاب من دون بيان فلا بد من الخروج عن هذا الحكم لأجل وجود بيان لكي يرفع حكم العقل فحينئذ ينبغي لنا تعيين ما هو المصحح للعقوبة على المخالفة والمثوبة على الموافقة.

فنقول : تنجز التكاليف بالبيان على نحو يرتفع موضوع حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان يتصور على اربعة مسالك :

الأول ـ منجزية تلك الأحكام بالعلم كما هو مبنى الاستاذ في الكفاية حيث عد الاجمالي من مقدمات دليل الانسداد فجعل بيانية تلك الأحكام الواقعية منحصرة بالعلم ، فاذا وجد بيان ارتفع موضوع حكم العقل بالبراءة فمقتضى بيانية العلم الاجمالي بالاحتياط الكلي في جميع اطراف العلم الاجمالي من المظنونات والمشكوكات والموهومات فاذا كان العلم الاجمالي يوجب ذلك فيلزم العسر

__________________

المرجوح والرجوع الى ما يطابق احد هذه الامور باطل اجماعا كغير هذه الاصول الاربعة او لادلة خاصة كنفس هذه الاربعة فلا محالة يتعين العمل بالظن عقلا.

والحرج فبضميمة حكم العقل بقبح ترجيح المرجوح على الراجح فيتعين العمل بالظن ولكن يشكل على من جعل منجزية الأحكام بالعلم الاجمالي وجعله أحد مقدمات دليل الانسداد كما ذكرها الاستاذ قدس‌سره في الكفاية فعليه لا ينتج الدليل المذكور إلا الحكومة ولا يكون للكشف مجال لأن تعيين العمل في الظن في المظنونات هي من وظائف حكم العقل وليس للشارع حكم مولوي. نعم يمكن صحته على نحو الارشادية إذ به رجح الظن على غيره فترديد النتيجة على هذا المسلك بين القول بالكشف أو الحكومة لا معنى له بل يتعين حمله على الحكومة كما لا يخفى وايضا يشكل بأن غرض المستدلين بهذا الدليل هو تعيين ما هو البيان ويكون رافعا لموضوع البراءة فيكون الظن مثبتا للتكليف وهذا ينافى انحصار البيانية بالعلم الاجمالي إذ مع كونه بيانا لا معنى لبيان آخر فيكون العمل بالظن مع كون البيان بالعلم ليس إلا كونه مرجعا في مقام الاسقاط والخروج عن عهدة التكليف. وبالجملة كون الظن هو البيان لا بد من انحلال العلم الاجمالي وينحصر بيانيته بالظن لكونه من صغريات قيام امارة تثبت التكليف في اطراف العلم الاجمالي ولا اشكال في انحلال مثل هذا العلم الاجمالي والمفروض انه على هذا المسلك تنحصر البيانية في العلم ولا يكون غيره بيانا ثم انه على القول بكون الظن هو البيان بمقدمات الانسداد بني على اعتباره من قبل الشارع كما يقوله أهل الكشف فهل يكون اعتباره بنحو البدلية او فقط هو مثبت للتكليف وجهان الظاهر هو الثاني لأنه لو كان على نحو البدلية يكون لازمه انتفاء الحكم في المشكوكات فمع انتفاء الحكم فيها يخرج المشكوكات من اطراف العلم الاجمالي ومن الواضح بطلان اللازم لما نجد في انفسنا وجود الشك في التكليف على نحو يتساوى فيه الطرفان

من غير مرجح كما لا يخفى.

المسلك الثاني ـ في ان منجزية تلك الأحكام غير منحصرة بالعلم ، بل يعم العلمي ايضا وعليه يكون في مورد وجوب الاحتياط تكون العقوبة على نفس الاحتياط ولم يكن العقاب على نفس الواقع لعدم تحقق البيان له لكي يتنجز ، ومع عدم تحقق البيان والتنجز لا تترتب العقوبة عليه وايضا لازم هذا المسلك ان نتيجة دليل الانسداد هو الكشف دون الحكومة بعكس المسلك المتقدم فلازمه الحكومة دون الكشف لان قضية انسداد باب العلم والعلمي وعدم اهمال التكليف بالنسبة الينا حصول العلم بوجود بيان من الشارع وبمقتضى بطلان الاحتياط وقبح ترجيح المرجوح يتعين البيان بالظن فيكون الظن هو البيان المنصوب من قبل الشارع فاذا وجد بيان من الشارع انحل ذلك العلم الاجمالي بوجود تكاليف لقيام إمارة من الشارع على أحد أطراف ذلك العلم الموجب لسقوط العلم عن المؤثرية.

المسلك الثالث ـ فى منجزية تلك الأحكام وان منجزية تلك الأحكام غير منحصرة بما ذكر من العلم أو العلمي بل يعم ذلك والاحتمال المتعلق بالتكليف الذي يحرز اهتمامه ، فكما ان العلم والعلمي منجزان للواقع كذلك الاحتمال المهتم به ايضا منجز للواقع مثلا الشارع اوجب الاحتياط مع احتمال التكليف ليس إلا لمنجزية الاحتمال كالاختبار للحائض ، وكوجوب الفحص مع احتمال التكليف ، فان الاختبار والفحص ليس إلا لمنجزية ذلك الاحتمال. وبالجملة ان عندنا كثير من الموارد يعرفها المتتبع يتنجز التكليف فيها بمجرد الاحتمال وليس مجرد الاحتمال يوجب تنجز التكاليف بل لا بد من ايجاد دليل يدل على وجود الاهتمام بهذا

الاحتمال وقد عرفت انه بمقتضى المقدمة الثالثة (١) انا لسنا بمهملين وان الشارع

__________________

(١) وقد استدل لهذه المقدمة بامور ثلاثة : (الاول) الاجماع وهو وان لم يكن فعليا إلا انه يظهر للمتتبع بأن كل من تعرض لمسألة الانسداد يلتزم به بل انا نقطع من مذاق المتشرعة هو عدم اهمالنا من التكاليف كالبهائم. (الثاني) الخروج عن الدين لو لم يتعرض إلى الوقائع المشتبهة.

(الثالث) العلم الاجمالي بوجود تكاليف واجبة او محرمة وذلك يوجب التعرض للوقائع المشتبهة وعلى مقتضى هذه المدارك تختلف النتيجة ، فان المدرك ان كان الاجماع او خروج عن الدين فهو اساس الكشف ، وان كان المدرك هو العلم الاجمالي فان بنينا على كونه منجزا في الموافقة والمخالفة فيحرم مخالفته القطعية كما يجب موافقته القطعية فهو مبنى الحكومة وان بنينا على كونه منجزا بالنسبة الى المخالفة القطعية فيحرم المخالفة القطعية وليس منجزا بالنسبة الى الموافقة القطعية فلا تجب الموافقة القطعية فهو مبني التبعيض في الاحتياط بيان ذلك ان عدم الاهمال ان كان لاجل الاجماع والضرورة فهو اساس الكشف حيث انه بقيام الاجماع على وجوب التعرض للوقائع المشتبهة او بلزوم الخروج عن الدين لو لم يتعرض لتلك الوقائع فينتج من ذلك ان الشارع لم يترك التكاليف ، والاحتياط في المقام لم يكن بنفسه طريقا موصلا فان العقل وان حكم ابتداء بوجوب تحصيل المحتملات إلا انه ليس مجعولا حيث انه بمرتبة توجب اختلال النظام وبمرتبة منه يوجب العسر والحرج وهما منفيان وبمرتبة منه لا يلزم شيئا منهما وهو التبعيض وهو يحتاج الى جعل كالظن ، وان حجيته تحتاج الى جعل شرعي وليس إلّا الظن فحينئذ يدل على حجية الظن شرعا وان كان المدرك لعدم

مما اهتم بالتكليف فلا بد من حكم العقل بطريق أدنى من العلم وليس إلا الظن إذ هو القدر المتيقن فعليه تكون النتيجة حجية الظن من دون احتياج الى ضم بقية المقدمات الأخر ، بل يكفى انسداد باب العلم أو العلمى وعدم الاهمال وضم مقدمة لم يذكرها الشيخ في رسائله ، والمحقق الخراساني في كفايته قدس‌سرهما وهي اهتمام الشارع فيحكم العقل باتباع الظن ولا يحتاج الى ضم بطلان الاحتياط وترجيح المرجوح ، ولا يخفى ان النتيجة على هذا المسلك هي الحكومة لأن العقل يحكم باتباع الظن بمقتضى المقدمات الثلاث.

المسلك الرابع ـ في ان منجزية تلك الأحكام بما ذكرناه في الفرض السابق مع زيادة عليه وهي كون المنجزية من اساس الدين ، فان التكاليف تارة

__________________

الاهمال هو العلم الاجمالي بناء على وجوب الموافقة القطعية وحرمة المخالفة القطعية فهو اساس الكشف حيث يحكم ابتداء بتنجز العلم الاجمالي بوجوب الاتيان بجميع المحتملات ولكن لما كان موجبا للاختلال او العسر والحرج فالعقل يحكم اما بالتبعيض او حجية الظن ولا يخفى ان كشف العقل بحجية الظن شرعا او حكم العقل بلزوم التبعيض في الاحتياط انما هو فيما إذا لم يعلم اهتمام الشارع بها كالدماء والفروج والاموال الخطيرة واما فيها فلا معنى للكشف المذكور فان العلم برضاء الشارع بالاحتياط في معظم الأحكام وعدم ابتناء امر الشريعة على الامتثال الاحتمالي لا ينافى وجوب الاحتياط في موارد خاصة كما ان العقل عند عدم التمكن من الامتثال القطعي في جميع الموارد لا يتنزل الى الامتثال الظني مطلقا بل يحكم بوجوب الامتثال القطعي في الموارد المهمة ويتنزل الى الامتثال الظني في غيرها فلا تغفل.

يتبين منها على وجه يتحقق بها اساس الدين ، واخرى لم يتبين ذلك فعلى الاول يجري قبح العقاب بلا بيان بالنسبة الى الزائد عما يتبين به اساس الشريعة.

وعلى الثاني لا تجري قاعدة قبح العقاب بلا بيان لأن العقل حاكم باتيان ما به اساس الدين ، فكل مورد يحتمل كونه منه يجب الاتيان به وعلى هذا المسلك يكون دليل الانسداد ايضا مركبا من ثلاث مقدمات انسداد باب العلم أو العلمى واحتمال المنجزية بمناط كونه اساس الدين وترجيح المرجوح قبيح فحينئذ يتعين العمل بالظن فهو كالمسلك المتقدم في كون دليل الانسداد مركبا من ثلاثة مقدمات غاية الأمر ان الفرق بينهما احتمال المنجزية في المسلك السابق انه اذا لم يبلغ الى كونه مما اهتم به لا يكون منجزا بخلاف هذا المسلك فانه بمجرد الاحتمال يتنجز التكليف ولا يحتاج الى احراز الاهتمام ، وبالجملة المسالك التي ذكرناها اربعة فعلى المسلك الاول دليل الانسداد مركب من مقدمات خمسة كما ذكره الاستاذ في الكفاية وعليه تكون النتيجة هي الحكومة ثبوتا ، وعلى المسلك الثاني يكون دليل الانسداد مركبا من مقدمات اربعة كما ذكره الشيخ في الفرائد وتكون النتيجة هى الكشف ثبوتا ، وعلى المسلك الثالث تكون النتيجة مركبة من ثلاثة مقدمات انسداد باب العلم والعلمي وعدم الاهمال واحتمال الاهتمام فتكون النتيجة هى الحكومة اثباتا لا ثبوتا وعلى المسلك الرابع ايضا الدليل يتركب من ثلاث مقدمات انسداد باب العلم والعلمي واحتمال المنجزية بمناط كونه اساس الدين وترجيح المرجوح قبيح فتكون النتيجة هي الحكومة اثباتا لا ثبوتا ، بقي الكلام في ما ذكره الاستاذ قدس‌سره في الكفاية مسلكا خامسا هو ما ذكره في المقدمة الثانية بما حاصله هو ان الامور الواقعية انما تتنجز بنصب الحجة او بانشاء حكم الاحتياط

وهذان المنجزان يتركان في كون كل واحد منهما في ظرف الشك ولكن يفترقان حيث ان الأول في مقام تنزيل المؤدي ، والثاني حكم في ظرف الشك وحينئذ اذا علمنا انا مكلفون في الوقائع ولكن حصل التردد في كيفية اعتبار المنجز هل هو بنحو الأول أو الثاني والنحو الأول من المتيقن اعتباره فحينئذ يجب الاحتياط ولما كان الاحتياط عسرا تعين العمل بالمظنونات لقبح ترجيح المرجوح انتهى ما لخصناه من كلامه قدس‌سره.

اقول : انه على هذا المسلك الخامس يوجب انحلال العلم الاجمالي فاذا انحل العلم الاجمالي يسقط عن منجزية تلك الأحكام فحينئذ يتوجه الاشكال على الاستاذ قدس‌سره انه بذلك يحصل التنافي لما جعله من كون العلم الاجمالي منجزا اذا عرفت ما ذكرناه لك من المسالك الخمسة في منجزية الأحكام الواقعية ، فاعلم ان المختار من هذه المسالك هو المسلك الثالث ، أما المسلك الأول الذي منجزية الاحكام بالعلم الاجمالي فقد عرفت انحلاله بالحجة المستكشفة من مقدمة عدم الاهمال فمع الانحلال يسقط العلم عن المنجزية ، وأما المسلك الثاني فقد عرفت في جعل الطرق والامارات من انه لا ينحصر المنجزية في خصوص الامارات بل يعم حتى الاحتمال المهتم به ، وأما المسلك الرابع فهو لا يصار اليه إلا في صورة عدم احراز الاهتمام وبمقتضى مقدمة عدم الاهمال فقد احرز احتمال الشارع لتلك التكاليف.

وأما المسلك الخامس ـ فمقتضاه انحصار المنجزية في نصب الحجة وجعل الاحتياط وقد عرفت عدم الانحصار بل يكفي في المنجزية احراز الاهتمام ثم انه على تقدير منجزية العلم الاجمالي ، أما ان يكون العلم الاجمالي في الدوائر واحدا أو متعددا وعلى تقدير التعدد اما ان يكون في كل دائرة علم لا ربط له بدائرة اخرى

أو يكون التعدد بالتلفيق بأن يكون علم اجمالي في دائرة المظنونات مع بعض المشكوكات والموهومات مع بعض المظنونات وضابطة تعدد العلم واتحاده انه لو انعزل المظنونات وبقيت المشكوكات مع الموهومات فان بقي العلم الاجمالي مع انعزال تلك الدائرة فهو متعدد وإلا فمتحد.

فاذا كانت العلوم متعددة بحسب الدوائر كانت نسبة الاحتياط الى تلك الدوائر على السوية ولا مزية له مظنونات على غيرها ولا يلزم العمل بالاحتياط في الموهومات ترجيح بلا مرجح ولكن الانصاف أن دعوى تعدد العلم الاجمالي بحسب الدوائر مخالفة للوجدان إذ الوجدان حاكم بأنه ليس لنا إلا علم اجمالي واحد بين تلك الدوائر فبمقتضى هذا العلم الاجمالي العمل بجميع الدوائر وهو الاحتياط. ولكن الاحتياط باطل لمانع إما عقلي وهو ما يكون موجبا لاختلال النظام ، أو شرعي وهو ما كان موجبا للعسر والحرج الذي لا يبلغ إلى حد اختلال النظام.

أما الكلام في بطلان الاحتياط من جهة الاخلال بالنظام فيحكم العقل ببطلان الاحتياط فمقتضاه التخيير بين الدوائر ولكن لما كان ترجيح المرجوح قبيحا تعين العمل على مقتضي الظن فيترك الاحتياط في دائرة المشكوكات والموهومات وهذا واضح ولكن الاشكال في أن الترخيص الناشئ من حكم العقل بترك الاحتياط هل هو مطلق أو مشروط بمراعاة الاحتياط في دائرة المظنونات بحيث لو ترك الاحتياط في دائرة المظنونات يجب العمل بالاحتياط في المشكوكات أو الموهومات فيه وجهان مبنيان على مسألة الترتب فمن قال ببطلانه قال بالاول ، ومن قال بصحته قال بالثاني.

فعلى الأول يكون التكليف واحدا في دائرة المظنونات. وعلى الثاني :

يكون متعددا أحدهما في دائرة الظنون مطلق والآخر في دائرة المشكوكات والموهومات مشروط بترك الاحتياط في الظنون هذا بكليهما في التكليف الناشئ من حكم العقل.

وأما التكليف الواقعي فيختلف حاله بالنسبة الى العلم بفعلية التكليف وعدمه من جهة الخلاف في كون التكليف بالاحتياط واحدا أو متعددا ، فمن قال بالوحدة نظرا الى محالية الترتب عنده كان اللازم القول بعدم فعلية التكليف لأنه من المحتمل كون التكليف في دائرة المشكوكات والموهومات ، فعلى تقدير وجوده لا يكون فعليا لوجود الترخيص ففي دائرة المظنونات نشك في وجوده فلا يكون فعليا. ومن قال بالتعدد نظرا الى صحة الترتب يكون التكليف بالواقعي فعليا لأنه على هذا القول بتولد علم اجمالي بفعلية التكليف إما مطلقا يتحقق في ضمن المظنونات أو مشروطا يتحقق في ضمن المشكوكات والموهومات فظهر من ذلك ان انحصار المنجزية في العلم الاجمالي مع الذهاب الى الترخيص المطلق متنافيان لأن الترخيص المطلق مستلزم لعدم تنجيز العلم الاجمالي.

بيان ذلك انه على تقدير انحصار التنجز بالعلم يلزم العمل بجميع الأطراف للخروج عن العهدة ولما كان العمل بجميع الأطراف متعذرا سقط حكم العقل بالعمل بالجميع الذي هو الاحتياط التام ، فالمقام يكون من قبيل ما لو تعذر بعض اطراف العلم غير المعين منجزا وكان بمقتضى حكم العقل التخيير بين الدوائر الثلاثة وبمقتضى المقدمة الأخيرة وهي قبح ترجيح المرجوح تعين العمل في خصوص المظنونات فتكون المشكوكات والموهومات تحت الترخيص المطلق فعلى تقدير وجود التكليف فيهما لا يكون فعليا فلا يكون منجزا لأن التنجيز فرع الفعلية فلا يكون العلم بيانا

مع كون الترخيص مطلقا سواء قلنا بأنه علة تامة أو قلنا بأنه مقتض ، وأما لو كان الترخيص مشروطا في دائرة المشكوكات فيجتمع بيانية العلم مع حكم العقل أو القول بالتبعيض فنعلم اجمالا بتوجه تكليف اما مطلقا في دائرة المظنونات أو مشروطا في دائرة المشكوكات والموهومات فيجب عليه بسبب توجه هذا التكليف العمل بدائرة المظنونات فان عصي فيجب العمل في دائرة المشكوكات والموهومات.

وبالجملة : الموجب لحصر التنجيز في خصوص العلم هو كون العلم مقتض للتنجز والقول بالترتب لكي يتم ما ذكره من دليل الانسداد إذ مع عدم أحدهما لا يتم الدليل المذكور مع حصر التنجز بالعلم إذ لا أظن أن القائلين بالانسداد يلتزمون ذلك فلو قال بعلية العلم الاجمالي لا يجري الدليل المذكور حيث لا معنى لمجيء الترخيص أو القول بعدم الترتب فانه ايضا لا يجري الدليل المذكور.

اذا عرفت ما ذكرنا لك من المسالك الخمسة فاعلم انه يقع الكلام في بيان مقدمات باب الانسداد فاعلم ان المقدمة الاولى لا اشكال في انسداد باب العلم الوجداني فان العلم التفصيلي بالحكم من النصوص المتواترة ومن الاجماعات القطعية قليل لا يفي بالأحكام الشرعية وأما بالنسبة الى انسداد باب العلم فهو في محل المنع لما عرفت من تمامية الأدلة الدالة على حجية خبر الواحد الموثوق الصدور الدال على معظم الأحكام الشرعية بنحو لا يحصل محذور من الرجوع الى الاصول العملية الجارية في الموارد الخالية من النصوص. ولذا كان البحث في أن دليل الانسداد بنحو الحكومة أو الكشف قليل الفائدة.

وأما المقدمة الثانية : التي هي عدم اهمال التكاليف في الوقائع المشكوكة

والرجوع الى البراءة الأصلية مما لا اشكال في اعتبارها وانما الكلام في مدرك هذه المقدمة هل هو العلم الاجمالى بالتكليف أو هو الاجماع او محذور الخروج عن الدين وقد عرفت اختلاف النتيجة حكومة وكشفا أو تبعيضا والظاهر أن المدرك هو الاجماع ومحذور الخروج عن الدين وبذلك يستكشف وجود مرجح آخر مثبت للتكاليف الواقعية بالمقدار الكافي غير العلم الاجمالى وعليه يسقط العلم الاجمالى عن البيانية لانحلاله بذلك المنجز بل ربما يقال ان المدرك هو خصوص محذور الخروج عن الدين لاحتمال ان يكون مدرك المجمعين هو ذلك وعليه لا معنى للتبعيض.

وبما ذكرنا يظهر انه لا حاجة لما التزمه صاحب الكفاية (قده) من انحلال العلم الاجمالى بالأحكام الثابتة في موارد الاصول المثبتة مع ضم الاجماعات القطعية والنصوص المتواترة أو المحفوفة بالقرينة وما علم من الأحكام الشرعية.

وأما المقدمة الثالثة : التي هي عبارة عن بطلان الرجوع الى الطرق المقررة للجاهل من التقليد أو الاصول المثبتة أو الأخذ بالاحتياط فمدركه هو دعوى الاجماع القطعي على عدم جواز الرجوع الى مثل التقليد ونحوه إذ ذلك وظيفة الجاهل ولا يشمل مثل من كان باذلا جهده لبطلان مدرك العالم المخطئ له في اعتقاده كما انه لا معنى للرجوع الى الاصول النافية لتحقق العلم الاجمالى بالتكاليف والمستلزمة للمخالفة القطعية المعبر عنه بالخروج عن الدين ، وأما المثبتة كالاستصحاب والاحتياط في الموارد التي تكون الشبهة من أطراف العلم الاجمالى فقيل بعدم جريانها لوجهين : الاول منافاته للعلم الاجمالى كما عن الشيخ الانصاري قدس‌سره. والثاني قصور في المجعول الذي هو مفاد الاصول التنزيلية كما عن

بعض الاعاظم (قده) حيث أن مفادها البناء العملي وبالاخذ بأحد طرفي الشك والغاء الطرف الآخر تشريعا وذلك انما يتم في الشبهات البدوية لا المقرونة بالعلم الاجمالى إذ مع تحققه يعلم بانتقاض الحالة السابقة وانقلاب الاحراز السابق الى احراز آخر يضاده وحينئذ لا يمكن الحكم ببقاء الحالة السابقة تعبدا إذ لا يعقل اجتماع الاحراز التعبدي مع الاحراز الواقعي ولكن لا يخفى ما في هذين الوجهين من النظر أما لزوم الاحتياط للعسر والحرج فهو ممنوع لقلة موارده.

وأما عن الثاني فلما ذكرناه سابقا ان اليقين الوجداني يتعلق بالعنوان الاجمالى من دون سرايته الى الخصوصيات فلا مانع من جريان الاصل بالنسبة الى الخصوصيات وتحقق اليقين بالعنوان الاجمالى لتغاير متعلقيهما ، فلا يكون الاحراز التعبدي منافيا للاحراز الواقعي فان متعلق الاصول هي العناوين التفصيلية المتعلقة للشك والعنوان الاجمالى قد تعلق به اليقين فلا يكون أحدهما مضادا للآخر إذ موضوع التعبد بالابقاء ليس هو اليقين بأحد العنوانين ولا احد الخصوصيتين لكي ينافي العلم الاجمالى وإنما هو العنوان على نحو التفصيل اللهم إلا ان نقول بسراية العلم الاجمالى الى الخصوصيات ، وقد عرفت ضعفه وبما ذكرناه يندفع ما يقال المنع من جريان الاصول المحرزة بتحقق المضادة بينهما وبين العلم الاجمالى.

واما بطلان الاحتياط فالذي يدل عليه الاجماع القطعي وقاعدتي نفي العسر والحرج بل واختلال النظام النوعي والشخصي من غير فرق بين ان يكون الحاكم بالاحتياط به هو العقل من جهة العلم الاجمالي او الحاكم به الشرع من جهة الاجماع.

لما عرفت من ان الاجماع القطعى وادلة نفي العسر والحرج تدل على

عدم وجوبه. نعم وقع الاشكال بالنسبة الى الأخير بدعوى ان ادلة نفى العسر والحرج ترفع الأحكام التي يكون لها حالتان : حالة عسره او حرجه ، وحالة غيرهما كأدلة الضرر تارة ولا تتصف به اخرى ، واما لو كان الحكم دائما ضرريا كالزكاة والجهاد فلا تشمله تلك الأدلة والاحتياط من قبيل الثاني فانه ليس إلّا ضرريا ولكن لا يخفى ان ذلك يتم لو كان دليل نفي الحرج ناظرا الى خصوص إيجاب الاحتياط واما لو كان نظره الى الحكم الواقعي فلا اشكال في اتصافه بحالتين حالة تكون امتثاله حرجا وعسرا ، واخرى لا يلزم ذلك فعلى الأول يكون عسره لأجل الاشتباه فيرتفع فعلية ذلك الحكم الملازم لانتفاء وجوب الاحتياط وبذلك يجاب عن شبهة عدم شمول ادلة نفي الضرر والحرج لنفي الاحتياط العقلي بتقريب ان الضرر والحرج لا يتأتيان من نفس الحكم الشرعى وانما حصلا بالأمر الخارجي وهو حكم العقل بالجمع بين المحتملات وحينئذ ادلة الضرر والحرج لا تكون ناظرا لمثله حتى يكون منفيا بعموم تلك الأدلة. وقد عرفت ان ذلك مندفع لأن الضرر والحرج وان كانا من جهة امر خارجي ولكن منشأ ذلك هو فعلية التكاليف المجهولة. ومن الواضح ان تلك الادلة ترفع ايجاب الاحتياط باعتبار انها ترفع منشأه ـ اعني فعلية تلك التكاليف ـ. نعم بقي في المقام ما ينبغي له التعرض هو ان الشيخ الانصاري قدس‌سره ذكر في ذيل المقدمة الثالثة (١) ما ملخصه ان العلم الاجمالى لما كان مقتضيا للعمل بجميع الاطراف

__________________

(١) وهي عدم وجود منجز وطريق نرجع اليه من الامارات والاصول النافية والمثبتة وكالقرعة وأمثالها. أما الاصول فلا تجري في اطراف العلم الاجمالى لانتقاض مجراها للمعلوم بالاجمال ، ولصاحب الكفاية

ولزم من رعاية الاحتياط عسر وحرج فينتج من ذلك التبعيض بالاحتياط بمقدار

__________________

ـ قدس‌سره كلام حاصله أن لنا مراتب ثلاث :

الأول ـ ان الاصول التنزيلية تجري ولا يمنع من جريانها العلم الاجمالى بالانتقاض. ولكن لا يخفى ان المناقضة ليست في الدليل كما يظهر من شيخنا الأنصاري (قده) وانما المناقضة تحصل في نفس الجعل لعدم معقولية جعل شيئين متناقضين.

الثاني ـ انه لو سلم كون العلم الاجمالى مانعا عن جريان الاصول لكن نمنع ذلك في خصوص المقام لعدم مناقضته إذ المشكوكات التي هي مجرى للاصول ليست احكامها فعلية فلا تجري الاصول في جميع الاطراف وانما تجري الاصول فيما لو كانت فعليا دون ما لم يكن كذلك.

أقول : ان ذلك ينبغي ان يجعل اشكالا علميا في جريان الاصول

بيان ذلك يحتاج الى تمهيد مقدمة وهي ان الشك في الحكم الكلي إنما هو وظيفة للمجتهد كالشك في وجود النسخ ، وكالشك في نجاسة الماء إذا زال تغيره فيجري الاستصحاب في نفس الحكم الكلي. وأما لو شك في نفس الموضوع الخارجي فليس اثبات الحكم الجزئى من وظيفة المجتهد فلذا وقع الاشكال في جريان الاستصحاب في الاحكام الجزئية لعدم كونها من وظائف المجتهد ، اذ استنباط المجتهد للاحكام الشرعية لم يكن على نحو النيابة بل من جهة كونه يرى نفسه نفس المكلف فيكون عنده امور ثلاثة كلية أي علوما كلية : (الاول) يعلم كون بعض الموضوعات حصل فيها التغير لكي يكون مجرى للاصول. (الثانى) يشك كليا في ثبوت الحكم لها. (الثالث) حصول العلم بانتقاض احداها. فهذه الامور الثلاثة كانت بنحو الكلية والشك الذي هو موضوع الاصل يكون

يرتفع به العسر بأن لا يعمل بالاحتياط في الموهومات ويعمل بالاحتياط في

__________________

فعليا في جميع الاطراف ولا يمكن جريان الاستصحاب في جميع الاطراف للزوم المخالفة العملية القطعية بل لو لم نقل المانع من جريان الاصول في اطراف العلم الاجمالى هو لزوم المخالفة العملية كما هو مختار صاحب الكفاية فلا مانع من جريانه ما لم يلزم منه ذلك كما لو علم بطهارة أحد الإناءين المسبوقين بالنجاسة فانه لا يلزم من استصحاب نجاستهما مخالفة عملية.

وأما لو قلنا بأن العلم الاجمالى بانتقاض الحالة السابقة في بعض الاطراف بنفسه مانع من جريان الاستصحاب في اطرافه كما هو مختار الشيخ الانصاري قدس‌سره فلا مجال للرجوع الى استصحاب التكليف في المقام للعلم بانتقاض الحالة السابقة وان لم يلزم منه مخالفة عملية. ودعوى أن تدريجية الاستنباط يوجب عدم كون الشك الذي هو موضوع الاصل فعليا بالاضافة الى جميع الاطراف لعدم الالتفات اليها دفعة ليحصل له شك فعلي بل يكون التفاته اليها تدريجيا وكلما التفت الى حكم كان شكه فعليا فيجري فيه الاستصحاب ، واما ما لم يلتفت اليه لا يكون موردا للاستصحاب فلا تحصل المناقضة من جريان الاستصحاب إذ لا يكون العلم الاجمالى بانتقاض الحالة السابقة في بعض الموارد مانعا عن جريان الاستصحاب في المقام كما هو الحال في استنباط الاحكام للمجتهد ولكن لا يخفى ان المجتهد وان لم يكن ملتفتا الى جميع الشبهات دفعة واحدة إلا انه بعد استنباطها وجعلها في الرسالة ليس له الافتاء للعلم بانتقاض الحالة السابقة في بعضها على انه لا يمنع ذلك من جريان الاصول النافية إذ المانع من جريانها. اما ان يكون العلم الاجمالي او لزوم الخروج عن الدين او الاجماع مع ان الاول غير حاصل والاخيران إنما يمنعان من اجرائها في الجميع لا من خصوص

المظنونات والمشكوكات ودعوى لزوم الحرج بضم المشكوكات الى المظنونات خلاف

__________________

واقعه مع الغفلة عن غيرها مضافا الى ان الشك لما كان بنحو الكلية فيكون في جميع الأطراف فعليا فيجري الاستصحاب في جميع الأطراف ومع جريانه في الجميع يوجب العلم بانتقاض الحالة السابقة في بعضها وذلك مانع من الجريان في جميع الأطراف

الثالثة ـ ان ضم الاصول المثبتة الى القطعيات موجب لانحلال العلم الاجمالي ، ولكن لا يخفى ان الاصول المثبتة وان اوجبت انحلال العلم الاجمالي بوجود تكاليف في الشريعة إلا انه لا يوجب انحلال العلم الاجمالي بوجود امارات دالة على الأحكام الواقعية لعدم كونها بقدرها حتى توجب الانحلال. وأما الكلام في الاحتياط فقد عرفت ان له مراتب ثلاثة :

فمرتبة توجب اختلال النظام ولا اشكال في عدم اتباعها. ومرتبة توجب العسر والحرج ولا يخفى ان ادلة العسر والحرج حاكمة على الموضوعات الواقعية ، والحكومة تارة تكون بلفظ التفسير ، واخرى تكون بنحو التخصيص والتقييد ، وثالثة تكون بنحو التعرض لشرح اللفظ بلسان رفع الموضوع كمثل لا شك لكثير الشك. ومن الواضح حكومة ما كان من قبيل الثالث على الدليل الواقعي والمقام من هذا القبيل إلا انه استشكل في حكومة ادلة الحرج والعسر على الاحتياط وحاصله أن المستفاد من ادلة لا حرج والعسر حكومتها على الأدلة لواقعية بمعنى ان الحكم الواقعي ان كان حرجيا فهو مرخص في فعله فالحكم الواقعي في المقام ليس حرجيا والاحتياط وان كان حرجيا إلا أنه ليس من الأحكام الواقعية ولكن لا يخفى ان الحكم الواقعي في المقام نفسه وان لم يكن حرجيا وضرريا ولكن على تقدير المصادفة يكون الحكم الواقعي منجزا وحيث لا يعلم في أي

الأنصاف لقلة المشكوكات لكون الغالب أما الظن بالوجوب أو بالعدم اللهم إلا أن يقوم اجماع على ترك العمل بالمشكوكات ولكن الانصاف أن دعوى قيام الاجماع على ترك العمل فيها مشكل وان كان تحققه مظنونا بالظن القوي ولكنه لا ينفع ما لم ينته الى حد العلم ثم ان الشيخ الأنصاري قدس‌سره ذكر اعتراضا ما لفظه.

ان قلت : اذا ظن بعدم وجوب الاحتياط في المشكوكات فقد ظن بأن المرجع في كل مورد منها الى ما يقتضيه الأصل الجاري في ذلك المورد فتصير الاصول مظنونة الاعتبار في المسائل المشكوكة فالمظنون في تلك المسائل عدم وجوب الواقع فيها على المكلف وكفاية الرجوع الى الاصول وسيجيء انه

__________________

طرف من اطراف العلم الاجمالي ، فالعقل يحكم بالاتيان بجميع أطرافه ومع فرض كون الاتيان بها حرجيا او ضرريا فيرتفع تنجزه بمقدار ما يرتفع به الحرج فيثبت له التكليف المتوسط ويكون حال هذا التكليف المنجز على تقدير المصادفة حال الاضطرار الى واحد لا بعينه مع مصادفة التكليف الواقعي في ضمنه بناء على ما هو الحق من عدم الفرق بين الاضطرار الى واحد بعينه والاضطرار الى واحد لا بعينه مضافا الى ان ادلة الحرج والضرر حاكمة على الحكم العقلي والاحتياط لما كان الحاكم به العقل من جهة عدم المؤمن ، فلو حصل المؤمن يكون حاكما عليه وعلى تقدير حكومته فليس إلا بمقدار ما يحصل به رفع الحرج والضرر لا رفع ما لا يكون حرجيا وضرريا ، ومن الواضح ان طرح الكل ليس حرجيا فلذا لا يرفع وإنما يرفع ما به يكون حرجيا وضرريا فحينئذ يثبت التكليف المتوسط والاتيان بما ليس بحرج ولا ضرر فلا تغفل.

لا فرق في الظن الثابت حجيته بدليل الانسداد بين الظن المتعلق بالواقع وبين الظن المتعلق بكون الشيء طريقا الى الواقع وكون العمل به مجزيا عن الواقع وبدلا عنه ولو تخلف عن الواقع وأجاب عن هذا الاعتراض بجوابين :

أحدهما : في متن الكتاب والآخر في الحاشية ، اما الذي في المتن فملخصه ان الظن بالطريق إنما يكون كالظن بالواقع إذا كان الظن حرجيا في مقام اثبات التكليف لا فيما إذا كان في مقام اسقاط التكليف كما هو في مقامنا فانه قد تنجز بالعلم الاجمالي فيكون الظن مسقطا لا مرجعا.

واما المذكور في الحاشية كما هو الأصح بحسب النسخة ما لفظه :

«قلت مرجع الاجماع قطعيا كان أو ظنيا على الرجوع في المشكوكات الى الاصول هو الاجماع على وجود الحجة الكافية في المسائل التي انسد فيها باب العلم حتى تكون المسائل الخالية عنها موارد للاصول ومرجع هذا الى دعوى الاجماع على حجية الظن بعد الانسداد». انتهى كلامه رفع في الخلد مقامه (١).

__________________

(١) قال الشيخ الانصاري قدس‌سره : (اللهم الا يدعي قيام الاجماع على عدم وجوب الاحتياط في المشكوكات .... الخ) وحاصله ان معنى انعقاد الاجماع على عدم وجوب الاحتياط في المشكوكات هو ان الشارع لا يريد إلا الامتثال الاحتمالي ومرجعه الى ان الشارع لا يريد الاطاعة العلمية ولكن الانصاف ان مثل دعوى هذا الاجماع مشكل والظن بتحققه لا يفيد ثم اعترض (قده) على نفسه بما حاصله بأن الظن بمثل هذا الاجماع يستلزم الظن بجريان الاصول في الموارد المشكوكة فتصير الاصول مظنونة الاعتبار. وسيجىء الكلام في اعتبار مظنون الاعتبار نعم لا فرق

ولا يخفى أن جوابه ناظر الى كون العلم ساقطا عن المنجزية فيكون الظن مثبتا للتكليف خلاف الجواب المذكور في المتن فانه ناظر الى ان المنجزية في العلم

__________________

في كون نتيجة دليل الانسداد الظن بالواقع لا الظن بالطريق. ثم اجاب في المتن بعبارات عديدة مختلفة وحاصلها انا نتكلم في مقدمات دليل الانسداد فادخال النتيجة فيها موجب للزوم الدور وبيانه واضح وقد اورد الاستاذ النائيني قدس‌سره على ما ذكره الشيخ بايرادين :

الاول ـ ان الاجماع الظني يوجب الظن بقيام الاصول فتكون الاصول مظنونة الاعتبار وهي اما ان تكون نافية ، فالنفي يصير مظنون الاعتبار واثبات التكليف يكون موهوما فيلحق بالموهومات وان كانت مثبتة للتكليف فيكون التكليف مظنونا فيلحق بالمظنونات ، واما المشكوكات فأما ان تلحق بالمظنونات او بالموهومات.

الثانى ـ ان ادلة الاصول ان كانت ظنية فيرفع اليد عنها بالظن وان كانت قطعية كما هو المفروض فلا يخلو الحال فيها اما ان تكون قطعية كالبراءة العقلية ، او بالغة حد التواتر المفيد للقطع العادي فحينئذ لا يرفع اليد عنها إلا بالقطع ، فالاصول الجارية في المشكوكات يوجب رفع اليد عنها بلحاظ العلم الاجمالي بالتكليف ولكن لما قام الاجماع الظني على جريان الاصول فلازمه جريانها وان كان سقوطها مع قيام الاجماع الظني احتماليا إلّا ان هذا الاحتمال لا يضر بجريان الاصول ولأجل هذين الأمرين اسقط سيدنا الاستاذ ما في المتن من العبارات المختلفة وذكر في حاشية الكتاب (مرجع الاجماع قطعيا او ظنيا ... الخ) بعد عرض ذلك على استاذه وامضاءه لما اراده في الحاشية. وحاصل ذلك تعرضه لشيئين :

احدهما ـ اختيار ان نتيجة دليل الانسداد هي الكشف لا الحكومة

وكونه مسقطا للتكليف لا مثبتا له وكيف كان فتوضيح كلامه (قده) يحتاج الى معرفة الفرق بين كون ثبوت الترخيص في المشكوكات بمناط العسر والحرج او بمناط قيام الاجماع على الترخيص فان كان بمناط الاول أى العسر والحرج فيشكل دعوى انحصار منجزية العلم لأن مقتضى المنجزية أن يكون التكليف فعليا على أي تقدير من أطراف العلم الاجمالي والمقام ليس من ذاك القبيل إذ التكليف بالنسبة الى المظنونات فعلي وبالنسبة الى المشكوكات مشروط بعصيان ذلك التكليف فلا يكون العلم منجزا سواء قلنا بأن العلم علة تامة للتنجز أو قلنا بأنه مقتض.

واما اذا كان بمناط الثاني بأن يكون الترخيص بمناط الاجماع أيضا لا يمكن مجيء الترخيص بهذا المناط ولكن ليس على الاطلاق بل إذا كان العلم علة تامة ، وأما إذا كان مقتضيا فيمكن مجيء الترخيص إذ معنى كونه مقتضيا هو كونه قابلا لمنع المانع ، ومع قيام الاجماع على أحد الأطراف فيتحقق الترخيص بمناط الاجماع ، وأما بناء على العلية فلا يعقل مجيء الترخيص إلا

__________________

لما عرفت من ان قيام الاجماع بذلك المعنى يستلزم جعلا من الشارع وليس شيء قابلا للجعل في المقام سوى جعل الظن حجة.

وثانيهما : ان الاجماع ولو كان ظنيا يوجب كون الاصول مظنونة الاعتبار فان كانت مثبتة للتكاليف فتلحق بمظنونات الاعتبار وان كانت نافية تلحق اثبات التكليف بالموهومات فلا معنى لجعل المشكوكات في قبال المظنونات والموهومات وسيأتي زيادة توضيح في الحاشية الاخرى. فافهم وتأمل.

إذا كان العلم الاجمالي منحلا ، اما بقيام حجة على تعيين المعلوم بالاجمال أو بقيام امارة مثبتة للتكليف المعبر عنه بجعل البدل ، فاذا حصل أحد هذين الامرين فيجوز الترخيص. فالترخيص إنما ينشأ بعد حصول هذين الامرين ومعلولا لاحدهما ولا يحصل ما لم يحصل أحدهما ولا يوجد قبل وجود أحدهما.

اذا عرفت ذلك فنقول اتضح لك انه لا يعقل التوصل من العلم بالترخيص الى العلم بالحجة بتعيين المعلوم بالاجمال أو جعل البدل لان العلم بالترخيص متأخر عن الترخيص والترخيص متأخر عن العلم بالحجة أو العلم بالبدل تأخر المعلول عن العلة ، فاذا كان العلم بالترخيص متأخرا عن العلم بالحجة أو البدل بمرتبتين فكيف يستكشف من العلم بالترخيص العلم بالحجة أو جعل البدل ، فان قلت لنا أن نستكشف بطريق ال (إن) ولا ينافي تأخره رتبة قلت : طريق ال (إن) انما يستكشف اذا لم يكن العلم الاول علة للعلم الثاني ، وأما اذا كان علة فلا يستكشف ، وإلا فلا يلزم وجود المعلول قبل وجود العلة.

فظهر مما ذكرنا ان قيام الاجماع على الترخيص لا يتأتى بناء على كون العلم الاجمالى علة تامة لانه انما يتحقق بعد العلم بالانحلال أو جعل البدل على انه يشكل بأنه لو علمنا بوجود الحجة وعيناها في الظنون من قيام الاجماع على الترخيص فقد انحل العلم الاجمالي من جهة جعل البدل ولكن كان الاخذ بالحجة هو قيام الاجماع ولم يكن ثابتا من دليل الانسداد والمفروض من عقد هذا الدليل. اثبات جعل البدل منه لا من غيره وإلا يكون الباب منفتحا لا منسدا مع ان الفرض انسداده كما لا يخفى.

وأما بناء على كون العلم الاجمالي مقتضيا فيمكن مجيء الترخيص إلا انه لا بد من ثبوته بالعلم لا بالظن واليه ترجع عبارة الشيخ قدس‌سره لكنه لم ينفع ما لم ينته الى حد العلم ولا يبعد كون اعتراضه على نفسه مبنيا على كون العلم الاجمالي مقتضيا اذ بناء على كونه علة تامة لا وجه لاعتراضه عليه ولقد أجاد في الجواب المذكور في المتن بما ملخصه ان العلم لما كان مقتضيا للتنجز لا يكون له مانع من كونه منجزا الا بمجيء مانع يمنع اقتضاؤه ولم يكن قيام الدليل على اعتبار الظن مانعا من اقتضائه وكون الظن بالواقع والظن بالطريق على السوية إنما هو من حيث اثبات التكليف ، وأما من حيث اسقاطه فلا يكون هناك تسوية بينهما.

ومن هنا ظهر الفرق في الجواب الذي ذكره في المتن وبين ما ذكره في الحاشية حيث ان الظن في الاول مرجع في الاسقاط ، وفي الثاني مرجع في الاثبات ، وغاية ما يستدل بكون الظن مرجعا في مقام الاثبات كما أفاده في الحاشية هو انه لما كنا غير مهملين بعد انسداد باب العلم والعلمي ينتج وجود حجة كافية وبضميمة قبح ترجيح المرجوح يعين كون تلك الحجة هي الظن ولكن لا يخفى انه لا يتم إلا بناء على انحصار البيانية بالكاشفية لا باحتمال المهتم به إذ لا كاشفية له ، وأما بناء على ما هو التحقيق من عدم انحصار الكاشفية فيه ويكفي كون الاحتمال منجزا ومصححا للعقوبة كما في صورة اختبار الحائض وطلب الماء مقدار غلوة سهم أو سهمين لمن لم يجد الماء فان التكليف في هذين الموضوعين وامثالها لم يكن من الكاشفية بل من جهة الاحتمال المهتم به ، ودلنا على الاهتمام في مقامنا هو مقدمة عدم الاهمال فانا لما كنا غير مهملين

نستكشف عدم رضاء المولى بفوات التكليف عند الاحتمال وبمجرد وجود الاحتمال يكون التكليف منجزا.

نعم اذا قام اجماع على ان التكليف يلزم اثباته لا بنحو الاحتمال والرجاء فلا بد للشارع من نصب حجة كاشفة عن ذلك التكليف ولكن أنى لنا باثبات ذاك الاجماع. ويمكن دعوى اجماع غير هذا الاجماع بأن الاحتمال الذي هو في مقامنا ليس مثل الاحتمال الذي هو في أطراف الشبهة المحصورة الذي لا ينجز إلا بالعلم ولا يتنجز بالاحتمال بل في مقامنا يتنجز بالحجة الكاشفة وبالاحتمال فدعوى قيام الاجماع على كون التكليف لا يتنجز في مقامنا إلا بالكاشف ضعيفة جدا.

ومما ذكرنا ظهر ان ما ذكره في الحاشية على خلاف المختار ثم انه لو أغمضنا عن المختار فهو أيضا فيه نظر لانه إن كان مبنى الاعتراض هو أن العلم الاجمالي علة تامة فلا يخلو الحال من أحد أمرين :

أما امتناع تحقق الظن بالترخيص ، فلان المتحقق هو القطع بالترخيص دون الظن ، بيان ذلك أن العلم الاجمالي اما ان يكون منحلا أولا فعلى الاول كيف يعقل مجيء الترخيص مع كون العلم الاجمالي غير منحل ، وعلى الثاني وهو كون العلم الاجمالي منحلا فنقطع بالترخيص.

فدعوى كون الظن بالترخيص يرجع الى جعل حجة كافية ممنوعة على كل تقدير وان كان مبنى الاعتراض على كون العلم الاجمالي مقتضيا فيمكن مجىء الترخيص بقيام دليل شرعي عليه إلا أنه نمنع الملازمة بين الظن بالترخيص ووجود حجة كافية لا مكان انتفاء الحجة الشرعية مع تحققه فيجب الاحتياط

فى جميع الأطراف ومراعاة التكليف في جميع موارد احتمالاته.

ودعوى ان الاجماع الظني الدال علي عدم وجوب الاحتياط في المشكوكات يلازم الظن بجريان الاصول فيها فيلحق المشكوكات بالموهومات.

بيان ذلك ان الظن باعتبار الأصل العدمي الجاري فيها يوجب الالحاق بالموهومات لوحدة الأثر فان الظن في الفراغ والخروج عن العهدة يحصل من جريان الأصل وحينئذ لا يجب الاحتياط في الموهومات ، وذلك يكفي في حجية الظن بالطريق من دون حاجة الى تمامية المقدمات ، ولذا عدل الشيخ قدس‌سره عما في المتن الى ما ذكره في الحاشية بقوله : «مرجع الاجماع قطعيا كان أو ظنيا .... الخ»

كما ينسب ذلك الى بعض الأعاظم ممنوعة إذ ذلك لا يتم ما ذكره من لحوق المشكوكات بالموهومات من قيام الاجماع الظني إذ الظن باعتبار الأصل وإن كان يوجب الظن بالفراغ إلا ان احتمال العقاب باق لمنجزية العلم الاجمالي الموجب للاحتياط بل هو من موارد قاعدة دفع الضرر المحتمل.

ودعوى ان ذلك يجري في الموهومات ممنوعة إذ هي مورد لقاعدة قبح العقاب بلا بيان ، وكذا المشكوكات ان قلنا : بأن النتيجة حجية الظن ، وهكذا لو قلنا : بأن الظن بالطريق مثل الظن بالواقع ، والظاهر ان ما ذكره في الحاشية لم يكن بنحو العدول ، وانما هو جواب آخر إذ مجرد وجود الاجماع الدال على عدم وجوب الاحتياط في المشكوكات الملازم لجريان الأصل فيها لا يوجب الترخيص في المشكوكات ما لم تكن هناك حجة كافية بمقدار المعلوم بالاجمال إذ لو لم ينحل العلم الاجمالي انحلالا حقيقيا أو حكميا بالعلم التفصيلي

لم يلزم جريان الأصل في بقية الأطراف بل يكشف نفس الاجماع على اجراء الأصول عن أن الشارع نصب الحجة الكافية وهي ليست إلا المظنون فحينئذ تنتج المقدمات الكشف للاجماع على حجية الظن لا الحكومة لكي يبحث عن تماميتها أو لزوم التبعيض ، ولذا يمكن أن يتوجه ايراد ما ذكره في الحاشية بأنه رجوع عن الحكومة الى الكشف على انك قد عرفت منع دعوى الاجماع على عدم وجوب الاحتياط واجراء الأصل الكاشف عن نصب الطريق بناء على كون العلم الاجمالي علة تامة للتنجز بالنسبة الى الموافقة القطعية الموجب لعدم جريان الأصل في بعض الأطراف إلا بعد العلم بنصب الطريق وذلك لا ينافي النصب الواقعي إذ القطع بنصب الشارع الطريق في بعض الأطراف يوجب جواز الترخيص شرعا وعقلا وجريان الأصل في الطرف الآخر ولو لم يكن في الواقع قد نصبه ومع عدم العلم لا يتحقق الترخيص في أطراف العلم ولا تجري الاصول في الأطراف ولو كان في الواقع طريق منصوب.

وبالجملة ان الانحلال والعلم بنصب الطريق في بعض الأطراف موجب للترخيص وجريان الأصل في الآخر فعليه لا يكون الاستكشاف والعلم بالنصب معلولا لجريان الأصل ، ومن هنا يعلم أن العلة لجريان الأصل العلم بالنصب لا النصب الواقعي. نعم بناء على كون العلم الاجمالي مقتضيا للتنجز لا مانع من جريان الأصل لعدم دلالته على جعل الشارع الظن حجة إذ يمكن أن يكون الترخيص وجريان الاصول لمنع المانع من الاقتضاء على انه لا معنى لتحقق الاجماع الظني بل ولا الاحتمالي وعلى تقدير تحققه لا بد وأن يكون مسبوقا باجماع آخر على نصب الطريق وكون الظن حجة من قبل الشارع ،

فلذا يترتب لازمه وهو جريان الأصل (١). ثم انه يشكل على من استنتج

__________________

(١) ولكن لا يخفى ان ما ذكره هو عين ما في الحاشية حيث جعل الاجماع على الرجوع في المشكوكات الى الاصول كاشفا عن وجود الحجة وليس في المقام إلا الظن فيستنتج من ذلك القول بالكشف ولذا اورد عليه المحقق النائيني (قده) بأنه عدل من الحكومة الى الكشف وذلك ينافى ما يذكره من ترتب آثار الحكومة ونتائجها. بيان ذلك ان مراتب الامتثال ثلاثة :

فتارة تكون على نحو الامتثال التفصيلي كالصلاة الى القبلة المعلومة واخرى يكون على نحو الامتثال الاجمالي كالصلاة الى اربع جهات.

وثالثة تكون على نحو الامتثال الظنى كما لو تعذرت الصلاة الى اربع جهات فمعه يتعين الامتثال الظنى ولو لم يحصل الظن لا بد من الامتثال الاحتمالى فحينئذ لو قلنا بأن عدم اهمال التكاليف مستند الى العلم الاجمالي. وقلنا :

بمنجزيته ، فالعقل يحكم بالاحتياط فمع تعذره لا بد من القول بالتبعيض إذ هو الواصل بنفسه.

ودعوى ان العقل يحكم بالظن فاسد حيث ان ذلك يحتاج الى جعل ومع وصوله الى مرحلة الامتثال ينتفي الجعل وان كان مستندا الى الاجماع والخروج عن الدين فلا بد من الاحتياط ومع تعذره نستكشف جعلا من الشارع وليس إلا الظن هذا كله لو قلنا : بأن بطلان الاحتياط لاجل الاجماع على عدم العمل بالموهومات فلا يخلو اما ان يكون لسانه بطلان الاحتياط في خصوص الموهومات فينتج التبعيض ، واما ان يكون لسانه عدم اكتفاء الشارع بالامتثال الاحتمالي فيستكشف منه جعل شرعي وليس لنا إلا الظن.

من لزوم التبعيض العمل بالاحتياط في خصوص الظن.

__________________

فتحصل مما ذكرناه ان القول بالكشف ، إما ان يستند فيه عدم الاهمال الى الخروج عن الدين او الاجماع. وقلنا : بان بطلان الاحتياط من جهة الاختلال او من جهة العسر والحرج فلازم ذلك هو القول بحجية الظن شرعا واما ان يستند عدم الاهمال الى الاجماع والخروج عن الدين وقلنا : ان بطلان الاحتياط من جهة الاجماع بأن يكون لسانه عدم الرضا بالتكليف الاحتمالي فلا بد لنا من القول بالكشف ، واما الحكومة فطريقها منحصر بأن يستند عدم الاهمال الى العلم الاجمالي وان الاحتياط باطل لاحد الوجوه المذكورة فلا بد من القول بالتبعيض. لما عرفت ان مرجعه الى مرحله الامتثال ومن الواضح ان هذه المرحلة ليس للشارع فيها جعل.

فتحصل مما ذكرناه ان مقدمات الانسداد على تقدير تسليمها لا تنتج الكشف بل ولا الحكومة إلّا ان ترجع الى مرحلة الامتثال كما لو كان التكليف واحدا وقد تعذر فيه العلم التفصيلي والاجمالى وان تعذر فالامتثال الظنى ففي هذه المرتبة اعنى مرتبة الاسقاط ليس للشارع فيها بيان حجة وطريق ، والمقام ليس من ذاك القبيل إذ التكاليف لما كانت متعددة ومرددة بين المشكوكات والمظنونات والموهومات ومرجع ذلك إلى ان التكاليف بأي مرتبة ثابتة ، فبدليل الانسداد يثبت التكليف فمع رجوع الامر الى هذه الجهة ليس للعقل الحكم بأن الظن هو الحجة. ولو سلمنا وقلنا بأن التكاليف كلها بمنزلة التكليف الوحداني نقطع بتحققها ويكون الشك راجعا الى مقام الفراغ عنها فيكون المقام مقام السقوط فمع تعذر العلم التفصيلي والاجمالي تصل الى مرحلة حكم العقل بحجية الظن ولكن

بيان ذلك ان المعلوم بالاجمال لما كان مرددا بين القليل والكثير فتجرى البراءة من الزائد فيكون المعلوم بالاجمال المتيقن مرددا بين الدوائر الثلاثة فتكون دائرة الشك ودائرة الظن بالنسبة الى انطباق المعلوم بالاجمال عليها على السوية فحينئذ ينبغي التخيير بين الدوائر لا تعيين العمل بالظن. نعم لو لم تجر البراءة كان اللازم تعيين العمل في خصوص الظن لأن فائدة جريان البراءة التوسعة ، والتوسعة هنا موجودة إذ لو لا البراءة لكان احتمال التكليف الزائد لازم المراعاة في كل من الدوائر لو لا مزية رجحان للظن وبما أن الظن هو الأقرب لذا حكم العقل بالأخذ به وطرح الشك والوهم ومن هنا ظهر لك الفرق بين جريان البراءة وعدمها لا يقال على تقدير جريان البراءة

__________________

قيام الاجماع ظنيا او قطعيا على عدم ارادة الشارع الامتثال الاحتمالي ولازم ذلك ان يجعل الشارع حجة وليس إلا الظن فحينئذ ينتج من ذلك الكشف لا الحكومة فمقدمات الانسداد يستحيل ان تنتج الحكومة وعلى تقدير تسليم هذا المحال بالاجماع نقول بالكشف ، فالحكومة محال في محال ولذا اوردنا على القول بالحكومة بما حاصله ان الامر لما رجع الى مرحلة الامتثال لفرضه كالتكليف الوجداني ، وبعد تعذر العلم التفصيلى او الاجمالى فيتعين الامتثال الظني لا العمل بالظن ، ومعنى الامتثال الظنى هو ان يأتى الى ان يحصل الفراغ الظنى قلا ينتج الحكومة بالعمل بالظن بل بالفراغ الظنى وكم فرق بينهما ولكن الانصاف ان ما ذكر من الاشكال لا يرد بعد ان دل الدليل على بطلان العمل بالاحتياط بأدلة الحرج والعسر والاجماع على ترك الموهومات والحاق المشكوكات به فلا يبقى مجال لحكومة العقل بالعمل الظن فينحصر الاشكال بما ذكرناه سابقا.

من الزائد لا يكون العلم الاجمالي بالنسبة الى دائرة الشك والظن على السوية كيف والظن أقرب من الشك ومعه لا يكون انطباق المعلوم اجمالا على كل واحد منهما بالسوية لأنا نقول احتمال انطباق العلم على المظنونات ليس إلا كانطباقه على المشكوكات فان في المظنونات جهتين بحسب اللحاظ ، فبلحاظ كونه تكليفا واقعيا متعلق لاحتمال راجح على خلافه وبلحاظ كونه هو ذاك المعلوم اجمالا فهو مساوق لاحتمال خلافه وان اشتبه عليك الحال فقسه الى صورة كون أحد أطراف العلم الاجمالى علما تفصيلي كما لو علمت تفصيلا بأن أحد الإناءين نجس مع كونه أحد أطراف العلم الاجمالي فهذا الاناء من حيث كونه نجسا معلوم بالتفصيل ومن حيث كونه قد انطبق عليه المعلوم بالاجمال يكون هو والطرف الآخر الذي هو المشكوك بحسب الانطباق عليه على السوية فاذا تصورت ذلك في العلم التفصيلي فهو جار بطريق أولى فيما لو فرض كون أحد الأطراف ظنا تفصيليا فصح من جهة كونه مظنونا تارة ومن جهة كونه مشكوكا أخرى فمن جهة كون التكليف واقعا مظنونا ومن جهة كونه منطبقا عليه العلم الاجمالي مشكوكا فجعل نتيجة التبعيض خصوص العمل بالظن لا وجه له بل كما يكون العمل على وفق الظن يصح العمل على وفق الشك ويتخير بينهما.

ودعوى ان الظن هو الاقرب فينبغي أخذه ممنوعة إذ ملاك الاحتياط لم يكن هو التكليف الواقعي كيف ما كان وانما هو فيما يظن بانطباق التكليف الاجمالي إذ هم العقل إنما هو الخروج عن عهدة ما تنجز عليه من التكليف لا الخروج عن عهدة مطلق التكاليف الواقعية ولو لم تكن منجزة.

نعم لو قلنا : بسقوط العلم الاجمالي من جهة الحرج أو العسر المقارن للعلم الاجمالي يتعين تقرير الحكومة إذ بعد تمامية المقدمات يكون العمل بالظن أقرب الى الواقع من الشك والوهم فيحكم بلزوم الاخذ به والرجوع فيما عداه الى البراءة إذ المقام يرجع الى حصر التكليف في دائرة الظن لكى يرجع الى البراءة فيما عداه وليس المقام من الانحصار بالظن بالفراغ كى يحتاج الى الظن بحصر التكليف في الظنون.

نعم يتم ذلك بناء على مسلك التبعيض الراجع الى تحصيل الظن في مقام الفراغ والاسقاط.

فدعوى اعتبار ذلك على الحكومة لا وجه له إذ يكون من قبيل الخلط بين الحكومتين.

وبالجملة الاخذ بالظن من باب الاحتياط لم يكن مثبتا لحجية الظن وانما هو من جهة انطباق ما هو معلوم بالاجمال عليه وهذا المعنى ينطبق على الشك إذ من هذه الجهة المشكوك والمظنون على حد سواء.

(فان قلت) : لم خصصت الشك والظن بالاحتياط وتركت الوهم ولم نجعله في عرضهما لكي يكون التخيير بين الدوائر الثلاثة مع اشتراك الجميع في انطباق ما هو معلوم بالاجمال.

(قلت) : فرق بين تلك الدائرتين وبين دائرة الموهومات فان في الدائرتين بالنسبة الى انطباق المعلوم بالاجمال عليهما على حد سواء من جهة كون الانطباق مشكوكا وهو مشترك بينهما لا تفاوت بينهما. وأما بالنسبة الى الموهومات فليس من قبيل ذلك بل انطباقه على دائرة الموهومات موهوم

ومرجوح بالنسبة الى تلك الدائرتين والسر في ذلك ان احتمال الانطباق لو كان يساوي تلك الدائرتين لكان احتمال التكليف في الموهومات شكيا لا احتمالا وهميا.

(إن قلت) : فكما ان الظن في دائرة المظنونات متعلق بالتكليف الواقعي ولا ينافي كون انطباق العلم عليه مشكوكا كذلك الوهم في دائرة الموهومات متعلق بالتكليف ولا ينافي كونه مشكوكا من حيث انطباق العلم عليه ، فعليه ينبغي التخيير بين الدوائر الثلاثة من غير فرق بينهما من حيث انطباق المعلوم بالاجمال على كل واحد منها إذ الانطباق على كل واحد يكون مشكوكا.

(قلت) : فرق بينهما إذ الظن متعلق بالتكليف ولا ينافي الشك في انطباق العلم عليه بخلاف الظن فان الوهم بالتكليف يوجب الوهم بالانطباق إذ لو شك في انطباق ما هو معلوم بالاجمال على دائرة الموهومات لما كان موهوما وإن اشتبه عليك الحال فاستوضحه في مثال الحيوان والانسان ، فان التكليف الواقعي لما كان يحتمل الشمول للمعلوم بالاجمال ولغيره افرضه حيوانا والمعلوم بالاجمال لما كان منحصرا افرضه انسانا وافرض مراتب بالنسبة الى الحيوان كما فرضته في التكليف وهم بالحيوان وشك وظن به ، فلو احتملت موهوما وجود الحيوان في الدار امتنع عقلا أن يكون لك حالة شك في الانسان الذي هو فرد الحيوان اذ الشك في تحقق الانسان يوجب الشك في تحقق الحيوان فلا يعقل أن يجتمع الشك مع كونه احتمالا وهميا إذ الانسان أخص من الحيوان ، فالشك فيه يوجب الشك في الحيوان وهذا بخلاف الظن بوجود

الحيوان فانه يمكن أن يكون الحيوان مظنونا مع أنه قد شكك في تحقق الانسان لأن الظن بالأعم لا يوجب الظن بالأخص بل يجتمع مع الشك في الأخص بخلاف الوهم في الأعم فانه يوجب الوهم في الأخص فاذا عرفت في مثال الحيوان والانسان.

فنقول : ان في مقامنا التكليف أعم مما علم إجمالا ثم تعلق الظن أو الوهم بالتكليف الواقعي وتعلق الشك بالمعلوم بالاجمال فترى أنه لا يجتمع كون التكليف موهوما مع كون العلم مشكوك الانطباق إذ الشك فيه يوجب الشك بالتكليف لكونه أخص منه بخلاف الظن فافهم وتأمل حتى لا يشتبه عليك الحال.

ثم لا يخفى أن الاستاذ في الكفاية سلك في تبعيض الاحتياط طريقا غير ما سلكه شيخنا الانصاري (قده) فالذي ينبغي أولا هو الأخذ بمقتضى الاصول المثبتة شرعية كانت أم عقلية والاصول الشرعية المثبتة للتكليف في موارد الأخبار تكون ساقطة عن الاعتبار لكونها محكومة بتلك الأخبار إذ الأخبار وإن لم تكن معلومة الاعتبار كما هو فرض انسداد باب العلم والعلمي إلا انها لم تخل من العلم الاجمالي بصدور بعضها مثلا نعلم بصدور مائة في هذه الاخبار التي بأيدينا فحينئذ تكون تلك الاصول الشرعية محكومة لتلك الاخبار ..

ودعوى انه لا تكون محكومة إلا بعد اعتبارها ولا يثبت اعتبارها إلا بعد تميزها ولا ينافى كون الاخذ بجميعها من باب الاحتياط للفرق بين كون الاخذ من باب الاحتياط وبين الاخذ من باب كونها حجة كما لا يخفى ممنوعة بأن العلم بصدور بعضها يوجب طرح الاصول ولو لم يتميز ذلك البعض إذ

حجية الاصول في مورد عدم وجود دليل لفظي ومع الشك في وجوده يوجب الشك في حجيتها ، ومع الشك في الحجية يحكم العقل بعدمها على انه لم تكن حجة من جهة عدم تمييز الحجة بغير الحجة محل منع.

وأما الاصول العقلية مثل حكم العقل بالاشتغال فيما إذا دار الأمر بين المتباينين وكحكمه بالبراءة فيما إذا دار بين الأقل والأكثر الارتباطيين فيشكل القول بتقديمها على الظن لو كان هناك عسر من الجمع بين مقتضى الاصول ومظنونات التكليف إذ عليه ينبغي التخيير لا تعين الأخذ بالاصول وإلا لزم التبعيض في الاصول النافية فما ذكره في الكفاية من أنه يجب العمل على الاصول المثبتة شرعا أو عقلا والاحتياط في الاصول النافية وإن لزم العسر محل نظر للزوم رفع اليد بمقدار منها الموجب لرفع العسر كما لا يخفى.

هذا كله إذا كان المراد بالعسر والحرج المخلين بالنظام فان الاستاذ في الكفاية قد تنظر في حكومة قاعدتي العسر والحرج على وجوب الاحتياط بل منعه نظرا الى أن المنفي حقيقة هو الموضوع ولكن بلسان نفي الحكم فلا تكون حاكمة على الاحتياط.

نعم لو قلنا : ان المنفي هو عدم جعل حكم ينشأ منه الضرر فيتم ما ذكره من الحكومة وربما يتوهم أن تخصيص النفي بالحكم الشرعي دون العقلي من جهة أن الشارع إنما له التصرف في أحكامه لا في الاحكام العقلية مثل ايجاب الاحتياط ولكنه محل المنع إذ للشارع تصرف في الأحكام العقلية الناشئة من الحكم الشرعي برفع منشئه ولو سلم.

فنقول : ان الحكم الشرعي لما كان مطلقا يلازم العسر إذ مقتضى

إطلاقه العمل به مطلقا وهو يلازم العسر ، فلذا يقتضي التقييد بمقدار يرتفع العسر وذلك إنما يكون تقييده بحال ترك الآخر ولازم ذلك الامتثال التخييري كما لا يخفى فافهم وتأمل في المقام فانه من مزال الأقدام.

تنبيهات الانسداد

وينبغي التنبيه على امور :

(الاول) : ان نتيجة دليل الانسداد هل هو الظن بالواقع أو الظن بالطريق أو كليهما.

الظاهر الاول لأن الواقع إنما يكون منجزا في حال الانسداد على أحد الوجوه والمسالك المذكورة ، فيجب مراعاة الاحتياط ، فمع العسر والحرج يكون اللازم هو الاخذ بأقرب الطرق مع فرض أن في المقام الاقرب هو الظن بالواقع فلا يكون المتبع الظن بالطريق إلا إذا كان هناك علم اجمالي بنصب بعض الطرق التي بأيدينا فيكون المتعين حينئذ الاخذ بالظن المتعلق بالطريق ، وكيف كان فالقول بالتخيير بين الاخذ بالظن بالواقع وبين الاخذ بالطريق لا وجه له.

بل قد عرفت انه في خصوص صورة عدم وجود العلم الاجمالي بالطريق وتحقق العلم الاجمالي بالواقع يتعين الاخذ بالظن بالواقع وفي صورة وجود العلم الاجمالي بالطرق يتعين الاخذ بالظن بالطريق.

(إن قلت) : الظن كالقطع في حالة الانفتاح فكما ان القطع في حالة الانفتاح حجة مطلقة أي سواء تعلق بالواقع أم بالطريق فكذا الظن في حال الانسداد.

(قلت) : فرق بين القطع في حال الانفتاح والظن في حال الانسداد فالقطع في حال الانفتاح قد ثبتت حجيته بالعقل. والعقل لا يرى فرقا بين القطع المتعلق بالواقع وبين القطع المتعلق بالطريق بخلاف الظن فان اعتباره تابع لتنجز المظنون فان كان المتنجز هو الواقع كان المتعين خاصة وان كان المتنجز هو الواقع المدلول بالطريق كان المتعين ذلك خاصة ، فالتخيير بينهما لا وجه له بل على ما عرفت يتعين الاخذ بالظن بالواقع فيما لو حصل علم اجمالي بالواقع والاخذ بالظن بالطريق فيما لو حصل علم اجمالي بالطرق.

(إن قلت) : ليس هم العقل إلا الأمن من العقوبة على تقدير المخالفة وهو كما يحصل من الظن بالواقع يحصل من الظن بالطريق إذ الظن بالواقع أيضا ظن بالمؤمن.

(قلت) : الذي يهتم به العقل حصول الأمن من الشيء المتنجز وليس هنا إلا التكاليف الواقعية المنجزة من دون دخل للطرق على تقدير عدم وجود علم اجمالي لصدور بعض الطرق فيتعين العمل بالظن بالواقع ، وعلى الواقع المؤدي بالطريق على تقدير وجود العلم بالطرق.

وبالجملة العقل إنما يناط بما هو المتنجز ومع فرض عدم وجود علم اجمالي بالطرق فليس المتنجز إلا الواقع لا المؤدى بالطريق ، فالطريق مع فرض عدم العلم به ليس بمؤمن إذ التأمين من لوازم الوجود الواقعي ولم يثبت اعتبارها أي الطرق ، فالقول بالتخيير بين الظن بالواقع والظن بالطريق.

فقد عرفت انه لا وجه له وغاية ما يقال في توجيهه ان في قيام الظن على تحريم صلاة الجمعة مثلا في زمن الغيبة ، ومع ذلك تقوم امارة مظنونة الاعتبار

على وجوبها ، ففي هذه الصورة يتخير بين الاخذ بالظن بالواقع وبين الاخذ بالظن بالطريق ولكن التخيير منوط بعدم وجود العلم الاجمالى في الطرق وإلا فاللازم مراعاة الظن بالطرق وفاقا لصاحب الفصول حيث ادعى بأن الواقعيات منجزة بمؤدى الطرق ، فلا يجب رعاية الواقع الذي هو مؤدى الطريق وما ينسب الى صاحب الفصول من القول بتقييد الواقعيات بمؤدى الطرق ، ففي غير محله بل غرضه تقييد تنجز الواقعيات بمؤدى الطرق لا الواقع مقيدا بما هو في مرتبة الواقع بل هو من حيث كونه مقيدا بمرتبة التنجز.

وبالجملة فالقول بالتخيير بين الظن بالواقع والظن بالطريق على الاطلاق لا وجه له ، بل في خصوص مثال صلاة الجمعة في زمان الغيبة وما عدا هذا الفرض لا وجه للتخيير بل يلزمه القول بالظن بالواقع فقط ، في خصوص صورة وجود العلم الاجمالى بالواقع دون الطريق.

والقول بالظن بالطريق فقط. في خصوص صورة وجود العلم الاجمالى بالطرق كما ذكره الشيخ قدس‌سره في فرائده (١) ، وقد وافقه عليه

__________________

(١) وفاقا للاستاذ المحقق النائينى (قده) بتقريب ان مقدمات الانسداد إنما تقتضي كون الظن مؤمنا في حال الانسداد كالقطع في حال الانفتاح فكما أن القطع في حال الانفتاح لا يفرق فيه بين القطع بالواقع والقطع بالطريق ، فكذلك الظن في حال الانسداد لا يفرق فيه بين كونه ظنا بالواقع او بالطريق وخلافا لصاحب الفصول وصاحب الحاشية حيث اختارا حجية الظن المتعلق بالطريق ، وقد استدل الاول منهما بما حاصله انا نقطع أنا مكلفون بالتكاليف الواقعية ونقطع ايضا بأن الشارع قد نصب لنا طرقا

الاستاذ في الكفاية من القول بالتخيير على الاطلاق مما لم يعلم وجهه خصوصا

__________________

محصلة للتكاليف فمرجع القطعين الى انا مكلفون بالواقع المستفاد من الطرق المنصوبة لنا انتهى.

أقول : ليس غرضه (قده) من مرجع القطعين هو انقلاب الواقع الى مؤدى الطريق لكي يرد عليه بأن لازمه التصويب المجمع على بطلانه بل مراده أن العلم بالتكاليف الواقعية تنحل الى العلم بالطرق فيعد الانحلال يكون التكليف بالواقع المؤدي بالطريق وليس كلامه ناظرا الى التصويب المجمع على بطلانه.

وبالجملة مرجع كلام صاحب الفصول الى ان العلم الاجمالي الكبير ينحل بقيام منجز ولو كان ذلك المنجز علما اجماليا قام على بعض الأطراف فيكون المقام نظير ما ذكر في الانسداد الصغير المدعى في الأخبار غاية الأمر أن ذلك إقامة دليل الانسداد في موضوع الطريق أي بجعل اصل الطريق وفي المقام إقامة دليل الانسداد لطريقية الطريق ولا يخفى ان مقالة الفصول لا ترجع الى محصل إذ المنجزية والمعذرية إنما هما من لوازم الصورة المعلومة في صقع النفس فما لم تكن الصورة معلومة لا تحصل المنجزية ولا المعذرية إذ الحكم الواقعي في ظرفه ليس بمنجز وانما يتنجز بعد وصوله ، فالحجية عبارة عن الوصول فالعلم الاجمالي بالطريق لا يوجب الوصول الى المكلف فما لم يصل بنفسه او بطريقه لا يوجب انحلال العلم الاجمالى الكبير. وقد استدل الثانى وهو صاحب الحاشية (قده) انه من المسلم انما يكون في حال الانفتاح المعتبر فيه العلم يكفي في حال الانسداد الظن به إذ الظن في حال الانسداد كالعلم في حال الانفتاح ولازم ذلك ان يكون متعلق العلم والظن شيئا واحدا وبيان كلامه (قده) يتألف من مقدمات ثلاثة :

على ما ذهب اليه الاستاذ في مسألة التجري من سراية الحرمة الى

__________________

(الأول) : ان خروج المكلف عن عهدة التكليف في مرحلة الامتثال في حال الانفتاح إنما يكون يحكم العقل ببراءة ذمته وخروجه عن عهدة التكليف وليس معناه انه لا يكفي العلم بالتكليف الواقعي إذ ان كفايته عقلية ولا مجال لانكاره بل المراد ان تحصيل الامتثال شرعا ما يحصل به الواقع بالطرق الشرعية وهو الذي يكون مستتبعا لفراغ الذمة عن حكم المكلف ولازم ذلك ان تترتب المقدمة الثانية التي هي كون المكلف به هو العلم بالطرق الشرعية لتحصيل المراد دون الأحكام الواقعية كيفما انفق واذا كان كذلك كان يحكم المقدمة التي جعلناها اصلا موضوعيا هو كفاية الظن بالطريق الذي يحكم معه بفراغ الذمة.

لما عرفت ان الذي يعتبر في حال الانفتاح نفس الطريق فلا بد وان يكون في حال الانسداد يكفي الظن بالطريق ، فان ظنية الطريق تلازم الظن بالفراغ عن حكم المكلف وهذان المقدمتان لا يثبتان المطلوب إلا بضم المقدمة الثالثة وهي ان العلم بالواقع في مرحلة الانفتاح لما كان طريقا عقليا كان في مرتبة نفس الطريق الشرعي وليس في مرتبة العلم بالطريق الشرعي إذ العلم بالطريق الشرعي ليس علما بالواقع وانما هو علم بنفس الطريق المحرز للواقع ولازم ذلك انه في ظرف الانفتاح يتخير في الإتيان بأحد الطريقين العقلي او الشرعي بالنسبة الى مرحلة الامتثال ، واما في ظرف الانسداد فلا بد من سقوط الطريق العقلي اعني العلم بالواقع ولا يمكن قيام الظن مقامه حيث ان العلم لما كان من الصفات النفسانية غير القابل لوقوع الظن مقامه فيبقى الطريق الآخر اعنى العلم بالطريق الشرعي لما كان ساقطا من جهة الانسداد لا ينافى قيام الظن بالطريق مقامه

العمل الخارجي خلافا للشيخ حيث اختار عدم السراية ، وحينئذ لو قامت

__________________

ولازم قيام الظن هو الظن بفراغ الذمة عمّا اشتغلت بحكم المكلف فظهر من ذلك ان الظن بالطريق هو الحجة دون الظن بالواقع هذا غاية ما يمكن ان يقال في تقريب كلامه (قده) إلّا أنّك خبير ان في كلامه مواقع للنظر.

اولا ـ ان المناط في تفريغ الذمة عن حكم المكلف في مرحلة الامتثال مما لا يرجع الى محصل حيث ان مقام الامتثال غير قابل لحكم شرعي مولوي وانما هو وظيفة العقل فيحكم بحسن الامتثال في مورد الموافقة وبقبح العصيان في مورد المخالفة ولسنا ندعي ان مورد الامتثال غير قابل لجعل شرعي حتى في مورد الشك فان قاعدة التجاوز او الاستصحاب الموضوعي إنما هى مجعولة في مورد الشك وإنما ندعي ان حكم الشارع في غير مورد الشك في مرحلة الامتثال غير قابل للجعل فجعل حكم شرعي في ظرف الامتثال لغو لا بالاصالة ولا بالملازمة.

لما عرفت ان باب الملازمة إنما هي في الاحكام العقلية الواقعة في سلسلة علل الاحكام لا ما يكون في سلسلة معلولات الأحكام ومن الواضح ان مرحلة الفراغ انما هي من قبيل الثاني دون الاول.

وثانيا ـ ان اعتبار الطريق ليس كيفما اتفق وانما هو من جهة انه مؤدى لنفس الأحكام الواقعية بالهوهوية التي ذكرناها سابقا في جعل الطرق وإلّا لو كان اعتبار الطريق مطلقا لزم التصويب المجمع على بطلانه.

وبالجملة اعتبار الطريق باعتبار ان ما حكم الشارع حكما جعليا بأنه نفس الأمر الواقعي فظهر مما ذكرنا انه ليس المناط في ظرف الانسداد اعتبار الطريق كيفما اتفق وانما الاعتبار باعتبار انه مؤدى نفس الواقع.

امارة مظنونة الاعتبار على وجوب صلاة الجمعة التي يظن بتحريمها واقعا فاذا

__________________

وثالثا : دعوى ان الطريق في مرتبة الواقع ممنوعة حيث ان الطريق بنفسه لا اثر له وانما الذي يترتب عليه الآثار من المنجزية والمعذرية بوجودها العامي فعليه يكون العلم بالواقع مع العلم بالطريق في مرتبة واحدة فيترتب عليه ان الظن بالطريق والظن بالواقع في مرتبة واحدة.

فاتضح مما ذكرنا ان مقدمات دليل الانسداد لا تنتج حجية الظن بالطريق بل يعم الظن بالطريق والظن بالواقع ، واما القول باعتبار الظن بالواقع من دون اعتبار الظن بالطريق كما هو المنسوب الى المحقق الشريف وبعض تلامذته بما حاصله ان التعبد بالطريق ليس إلا بما فيه جهة كاشفية عن الواقع وليس للطريق موضوعية فالمناط هو تحصيل الواقع فلو دار الامر بين الظن بالطريق والظن بالواقع فالظن بالواقع متيقن الارادة فحينئذ يتعين ارادته ، واما الظن بالطريق فاعتباره مشكوك فيه ويكفي في عدم الحجية نفس الشك ولكن لا يخفى انك قد عرفت ان الظن في حال الانسداد كالعلم في حال الانفتاح ، فكما ان في حال الانفتاح العلم بالواقع والعلم بالطريق في مرتبة واحدة وكلاهما حجة ، فكذلك الظن في حال الانسداد وقد عرفت ان حجية الطريق ليس شيئا مباينا مع الواقع وفي عرضه ، وانما هو جعل مؤدى الطريق هو الواقع وهو المراد من جعل الهوهوية فحينئذ يكون الظن بالطريق ظنا بالواقع.

نعم لو قلنا بالتصويب يكون المجعول بالطريق في عرض الواقع فظهر مما ذكرناه وجه المختار من انه لا فرق بين الظن بالطريق ، والظن بالواقع على تفصيل ذكرناه في تقريراتنا لبحث الاستاذ المحقق النائيني قدس‌سره.

أخذ بالامارة على طبقها يكون منجزا لأنه لم يكن عنده علم اجمالى في الطرق التي بأيدينا فمع فرض عدم قيام العلم بالطرق يكون احتمال مخالفة الامارة للواقع معتدا به فمع كونه كذلك فكيف يسوغ الأخذ بالامارة المظنونة الاعتبار وليس العمل بها إلا تجريا وحرمة التجري تسري الى العمل الخارجي كما هو رأي الاستاذ (قده) فيكون على رأيه العمل بالامارة تعريض للنفس للعقوبة بلا ظن بالمؤمن. نعم هو بناء على رأي الشيخ في أن العمل بها ظن بالمؤمن لعدم سراية حرمة التجري الى العمل الخارجي وانما هو ينبئ عن سوء السريرة.

وبالجملة القول بالتخيير على مسلك الشيخ متجه وعلى ما سلكه الاستاذ غير متجه. ثم لا يخفى ان أحسن ما يمكن توجيه القول بالتخيير دعوى ثبوت العلم الاجمالى بوجود تكاليف فعلية التي هي أعم من الواقعية والظاهرية ، فعليه يتم القول بالتخيير وربما يستشكل على صاحب الفصول بأن حصر الاعتبار في خصوص الظن بالطريق لا يفيد إذ كل واقع يظن بأنه مؤدى وإن لم يكن واصلا الينا. ولكن لا يخفي ما فيه بأن ذلك إنما يتم لو كان مدعاه وجود علم اجمالى في الطرق ولو لم يصل الينا ولكن خلاف مؤدى العبارة التي نقلها الشيخ (قده) حيث قال : «بأنا مكلفون تكليفا فعليا بالعمل بمؤدى طرق مخصوصة». فان هذه العبارة ظاهرة في أن دعوى صاحب الفصول هو تحقق العلم الاجمالي في الطرق الواصلة الينا فاذا كانت دعواه ذلك فلا يرد عليه هذا الاشكال إذ الواقع المظنون ما لم يكن مؤدى طريق واصل لم يكن من أطراف العلم الاجمالى ثم لا يخفى أنه قد استدل لاعتبار الظن بالطريق بالخصوص دون الظن بالواقع بوجه آخر وهو ما ذكره صاحب الحاشية بما

حاصله ان الشارع لم يرد منا الواقعيات على الاطلاق ، ولم تكن الواقعيات على الاطلاق مطلوبة بل الواقعيات مطلوبة على وجه مخصوص فلو جيء بها على غير ذلك الوجه لم يأت بما هو المطلوب ، ففي الانسداد لو لم يظن بالمأذونية لم يجتز به عن الواقع ، فلا بد من الظن بالمأذونية ، والظن بالمأذونية يساوق الظن بالطريق ولكن لا يخفى ان لازم هذا عدم العمل بالقطع إلا أن يرد امضاء من الشارع إذ لو لا ذلك لا معنى للعمل به إذ العمل به على هذا النحو خلاف المرخص به ولازم ذلك ان يكون القطع مما تناله يد الجعل.

وقد عرفت في مبحث القطع أن القطع لا تناله يد الجعل لا إثباتا ولا نفيا بل هو بنفسه منجعل غير قابل للجعل فاذا كان القطع غير قابل للجعل بالنسبة الى حال الانفتاح ، فالظن في حال الانسداد كالقطع في حال الانفتاح فالظن بالواقع في حال الانسداد كالقطع في حال الانفتاح ، ولو سلم قبوله للردع ، إلا انه لا يتوقف على الامضاء من الشارع بل يكفي عدم الردع وفي المقام لم يثبت من الشارع ردع ، فلذا يجب العمل بالظن بالواقع.

ثم لا يخفى انه على القول بأن الظن بالواقع هو المعتبر بناء على القول بتبعيض الاحتياط بمناط تحقق العلم الاجمالى للتكليف ، وأما بناء على الكشف فأما أن نقول بوجود علم اجمالى بنصب الطرق كان المدار على الظن بالواقع وان كان ثمة علم اجمالى فان كان بين الامارات التي بأيدينا وبين غيرها فيكون العمل بالظن بالواقع كما تقدم ، وان كان في خصوص التي بأيدينا كان المدار على الظن بالطريق إذ الواقع لم يكن منجزا إلا بمقدار ما بأيدينا. والحاصل ان الظن إن قررت مقدمات الانسداد على نحو الكشف فلا اشكال في استكشاف

حجيته مطلقا من غير فرق بين الظن بالواقع ، وبين الظن بالطريق ، وأما على تقرير الحكومة فحاله يختلف بحسب تقريرها ، فعلى تقريرها بملاك الاهتمام فيمكن دعوى اختصاصها بخصوص الظن بالواقع إذ القدر المتيقن من الاهتمام إنما هو اهتمام الشارع بالتكاليف الواقعية في دائرة الظنون. وأما الطرق المجعولة واقعا فلم يحرز اهتمامها فلا معنى لتعميم النتيجة وأما بناء على تقريرها بمناط التخلص عن محذور الخروج عن الدين فللتعميم مجال إذ العمل بأيهما حصل يرتفع المحذور المذكور وأما بناء على مسلك التبعيض فيختلف الحال باختلاف العلم الاجمالى ، فان كان العلم الاجمالى بالواقعيات فلا معنى للتعميم بل لا بد من تخصيص النتيجة بخصوص الظن بالواقعيات وان حصل العلم الاجمالى بالطرق فلازمه تخصيص النتيجة بخصوص الظن بالطريق.

ودعوى ان المقدمات إنما تقرر لحفظ الواقع والخروج عن عهدته وهو كما يحصل بالظن بالواقع يحصل بالظن بالطريق مدفوعة بأن وجود العلم الاجمالى بالواقعيات موجب لعدم تحقق العلم الاجمالى بالطرق أو لعدم تحقق الانسداد فيها.

نعم لو قلنا بتحقق العلم الاجمالى بمطلق الوظيفة الفعلية التي هي أعم من الواقعية والظاهرية فتكون النتيجة هو التعميم.

وأما لو قلنا : بتحقق العلم الاجمالى بالتكاليف الواقعية وعلم اجمالى بجعل الطرق فتكون النتيجة هو خصوص الظن بالطريق لانحلال العلم الاجمالى بالتكاليف الواقعية المؤداة بتلك الطرق والى ذلك نظر صاحب الفصول على ما عرفت منا سابقا حيث قال : «ومرجع القطعين ... الخ»

فان غاية ما يمكن توجيه كلامه هو انحلال العلم الاجمالى الى مؤديات تلك الطرق فيكون الشك فيما عداها من الشك البدوي وبهذا التوجيه يندفع اشكال الشيخ (قده) إذ مع الانحلال فلا بد من القول بالظن بالطريق.

ودعوى عدم انحلال العلم الاجمالى إذ لازمه جريان الاصول لفظية وغيرها وجريانها منوط بوصول تلك الطرق الى المكلف على نحو التفصيل ومع عدم العلم بوصولها تفصيلا لا تجري تلك الاصول ومع عدم جريانها يبقى العلم الاجمالى الكبير مدفوعة بأن الموجب للانحلال هو الجزم بظهور ما هو الصادر اجمالا وبذلك ينحل العلم الاجمالى الكبير وكيف كان فمع تحقق العلم الاجمالى بالواقعيات وعدم وجود علم اجمالى بالطرق يكون المدار على الظن بالواقع ، وأما مع تحقق العلم الاجمالى بالطرق فالمدار على العمل بالظن بالطريق.

وهكذا لو قلنا بتحقق العلم الاجمالى بالتكاليف وانها هي مؤديات الطرق فتكون النتيجة الظن بالطريق.

وبالجملة لا معنى للتخيير بين الظن بالطريق بالواقع الا على بعض الوجوه التي ذكرناها فلا تغفل.

التنبيه الثاني : في أن نتيجة دليل الانسداد هل هي مهملة أم غير مهملة فنقول : على ما هو المختار من كون نتيجة دليل الانسداد هي الحكومة فلا بد من التعميم من حيث السبب ومن حيث المرتبة فيمكن القول بالإهمال ، وأما على الكشف فقد ذكر الشيخ الأنصارى (قده) التعميم لعدم وجود مرجح فما يتوهم كونه مرجحا ، اما لتيقن اعتباره واما لأقوائية بعض الظنون على بعض وإما من جهة كون بعض الظنون مظنون الاعتبار أما المرجح الأول : فعلى تقدير

وجوده لا يفي بمسائل الفقه. وأما الثاني : فان الأقوائية غير منضبطة ، فرب قوي يوجد ما هو أقوى منه وعلى تقدير وجود ما ليس أقوى منه فليس إلا الظن الاطمئناني وهو لا يفي بمسائل الفقه. وأما الثالث : فان ملاك الحجية انما هو بنظر الشارع والعقل ليس له دخل في الحجية فيمكن أن يجعل الشارع الموهوم حجة دون المظنون.

وبالجملة ان المرجحات بعضها غير مرجح وبعضها مرجح لا يفيد. هذا ملخص كلام الشيخ الأنصاري (قده) في فرائده.

وأما الاستاذ (قده) في الكفاية قال : بأن تعميم النتيجة على الوجهين الأولين مبني على كون الطريق الواصل الى المكلف بنفسه إذ عليه لا يكون مجال لاستكشاف حجة أخرى غير الظن إذ مع التردد لا تكون الحجة واصلة ولكن لا يخفى أن هذا في مورد لا يكون متيقن في البين ، وأما لو كان متيقن وهو كاف في الفقه كان المجعول بدليل الانسداد هو لا غير فالترجيح بمتيقن الاعتبار له وجه لا الترجيح بمظنون الاعتبار وكونه أقوى.

لما عرفت أن مناط الحجية بيد الشارع فللشارع جعل الموهوم والضعيف دون المظنون والقوي. والاستاذ (قده) قرب الترجيح بمظنون الاعتبار بوجه آخر حيث قال : ثم لا يخفى ان الظن باعتبار الظن بالخصوص يوجب اليقين باعتباره من باب دليل الانسداد على تقرير الكشف بناء على كون النتيجة هو الطريق الواصل بنفسه فانه حينئذ يقطع بكونه حجة كان غيره حجة أو لا واحتمال عدم حجيته بالخصوص لا ينافي القطع بحجيته بملاحظة الانسداد ضرورة أنه على الفرض لا يحتمل أن يكون غيره حجة بلا نصب قرينة ولكنه من

المحتمل أن يكون هو الحجة دون غيره لما فيه من خصوصية الظن بالاعتبار.

وبالجملة الأمر يدور بين حجية الكل وحجيته فيكون مقطوع الاعتبار.

أقول : ما المراد بالوصول بنفسه فان كان المراد بالوصول بنفسه الاطلاع على ملاك الحجية فهو ليس بمظنون الاعتبار بعدم الاطلاع على ملاك الحجية إذ ليس لأحد أن يدعي الاطلاع على ملاكات الحجج ولعلها كانت في موهومه وإن كان المراد بالوصول بنفسه وصول الطريق بنفسه ولم يعرص عليه الدواعى المؤمنية للاخفاء فهو ليس إلا القول باهمال النتيجة إذ ليس الواصل خصوص مظنون الاعتبار بل الذي وصل المشكوك والموهوم أيضا فتكون النتيجة هي الاهمال ودعوى تعميم النتيجة ، وأن تعيين خصوص مظنون الاعتبار يحصل باجراء مقدمات انسداد آخر فيه ضعيفة إذ هو توجيه لكلامه بما لا يرتضيه فراجع كلامه في الحاشية حتى يتضح لك الحال.

وبالجملة فملخص كلام الاستاذ في الكفاية أنه بناء على الطريق الواصل بنفسه يحكم بتعيين النتيجة أو التعيين في متيقن الاعتبار من غير حاجة الى اجراء مقدمة الانسداد وبناء على الطريق الواصل ولو بطريقة يحتاج في تعميمها الى اجراء مقدمات الانسداد وبناء على أن النتيجة هو الطريق ولو لم يصل فلا بد من كون النتيجة هي الاهمال. وكيف كان فاهمال النتيجة واطلاقها بالنسبة الى الموارد والأسباب والمراتب (١) يختلف بحسب المسالك التي ذكرناها

__________________

(١) قال الاستاذ المحقق النائينى (قده) في مجلس درسه الشريف «ان بيان كلية النتيجة او اهمالها تظهر في ذكر امور» :

(الاول) : ان المناط في كلية النتيجة او اهمالها هل هو كون

فإنّه بناء على مسلك التبعيض في الاحتياط بملاك منجزية العلم الاجمالى الرادع

__________________

الظن المستنتج بدليل الانسداد على النهج العام الاصولي بمعنى ثبوت حجية الظن في كل مسألة مسألة أو كون النتيجة هو الظن بنحو العام المجموعي بمعنى حجية الظن في مجموع المسائل. وبعبارة اخرى حجية الظن في الجملة بحيث يحتاج في تعيين كل مرتبة في الظن الى تعدد اعمال دليل الانسداد الى ان تحصل المرتبة المعينة مثلا لو كانت النتيجة حجية الظن في الجملة.

فأول ما يوجب التعيين هو القدر المتيقن كالخبر الصحيح المزكى بعدلين ، فان لم يف فيجري دليل انسداد ثان ونتيجته ايضا تكون مهملة فيؤخذ بالمتيقن من الباقى بعد اخراج الصحيح الاعلائى فان لم يف فيجري دليل انسداد ثالث. وهكذا الى يحصل ما يفي بمعظم الفقه.

(الأمر الثاني) : ان كلية النتيجة ليست في خصوص التكاليف الالزامية بل تجري في غيرها من الكراهة والاستحباب والاباحة كما انها تجرى في الاحكام التكليفية والوضعية لعموم الملاك المستفاد من المقدمة الثانية التي هي وجوب التعرض لامتثال الاحكام في غير فرق بين التكليفية وغيرها.

(الامر الثالث) : انك قد عرفت ان مدرك المقدمة الثانية أحد امور ثلاثة : الإجماع ، والخروج عن الدين ، والعلم الاجمالي. ومدرك المقدمة الثالثة التي هي عدم وجوب الاحتياط أحد امرين : احدهما ان الشارع لم يكتف في مقام الامتثال بالامتثال الاحتمالي ، وثانيهما نفي العسر والحرج اذا عرفت ذلك فاعلم انه بناء على كون المدرك في المقدمة الثانية هو الاجماع ، وفي الثالثة ايضا الاجماع على عدم رضا الشارع بالامتثال الاحتمالى تكون النتيجة مستلزمة للكلية حيث ان الاجماع على عدم

عن الرجوع الى الظن عقلا في مقام الاسقاط فتكون النتيجة هو الاطلاق.

__________________

الرضا بترك التعرض لامتثال الوقائع المشتبهة وانا لسنا مهملين كالبهائم انما هو من فروع الاجماع الكلي الدال على عدم جواز الرجوع الى الأصول في موارد الفحص عن الدليل الاجتهادي فاذا كان الاجماع في المقام من فروع ذلك الاجماع فلا يرجع الى الاصول النافية كما هو مقتضى الاجماع ، واما المثبتة فلمكان العلم الاجمالى بمخالفتها للاخبار التي بأيدينا فتسقط لأجل العلم الاجمالى ، وأما الاحتياط فيسقط للاجماع على عدم رضاء الشارع بالامتثال الاحتمالى فيستكشف من ذلك وجود حجة وافية بالفقه وليس إلا الظن بحكم العقل في كل مسألة فرض انسداد باب العلم ضرورة ان سقوط الاصول والاحتياط في كل مسألة يستتبع حجية الظن وإلّا لزم التكليف بغير المقدور ، وهكذا الحال لو بنينا على كون المدرك في المقدمة الثانية العلم الاجمالى اذ الاصول لا تجري مطلقا المثبتة والنافية لتعارضها وتساقطها. وبالمقدمة الثالثة تقتضي عدم وجوب الاحتياط في كل مسألة ، فلا مجال إلا عن حجية الظن في كل مسألة وإلا لزم المحال المذكور. وأما لو كان المدرك للمقدمة الثانية هو الخروج عن الدين فلا تصل النوبة الى حجية الظن حتى يقع البحث في ان النتيجة مهملة أم مطلقة ، إذ البحث عن كون النتيجة مهملة او مطلقة فرع الوصول الى النتيجة ومع عدم الوصول لا معنى للبحث.

بيان ذلك هو ان لزوم الخروج عن الدين إنما يلزم لو جرت الاصول النافية في كل الموارد ، وأما لو جرت في بعضها والاحتياط في البقية فلا يلزم الخروج عن الدين إذ عليه تكون النتيجة هي التبعيض لا حجية الظن.

نعم لو اغمضنا النظر عن هذا الاشكال وقلنا بحجية الظن

لما عرفت ان النوبة لما انتهت الى الامتثال الظني بمقتضى المقدمة الرابعة فحينئذ لا يفرق العقل في الحكم بالرجوع الى الظن بين موارده واسبابه ومراتبه

وأما بناء على مسلك الحكومة الذي هو المختار فالنتيجة هي الاطلاق يحسب الموارد والأسباب.

لما عرفت انه بمقتضى المقدمة الرابعة يستقل العقل بكون الظن مرجعا من غير فرق بين الموارد والأسباب.

نعم بحسب المراتب يتعين الأخذ بأقوى المراتب من الظنون مع فرض كونه وافيا بمعظم الفقه لكون ذلك هو أقرب الطرق الى الواقع من غير فرق بين تقرير الحكومة بملاك الاهتمام أو بملاك الفرار عن محذور الخروج عن الدين وعلى تقديره فلا اهمال على ما اخترناه من الحكومة. وأما بناء على الكشف (١)

__________________

فلا يتم على نحو الاطلاق لكونه حجة في الجملة فيمكن جريان الاصول النافية في بعض الموارد. وهكذا لو بنينا على كون المدرك في المقدمة الثانية هو الاجماع. وفي الثالثة نفي العسر والحرج.

لما عرفت منا سابقا ان جريان العسر والحرج يوجبان التبعيض لا حجية الظن ومع الاغماض فينتج حجية الظن في الجملة.

وهكذا الحال لو كان المدرك في المقدمة الثانية هو الخروج عن الدين ، وفي الثالثة نفي العسر والحرج.

(١) كما هو مختار الاستاذ النائيني (قده) وعليه ان كلية النتيجة تدور مدار سقوط البراءة في المقدمة الثانية بنحو العام الاصولى وعدم وجوب الاحتياط بالاجماع وذلك واضح بناء على ان سقوط الاصول النافية لأجل الاجماع على وجوب التعرض للوقائع المشتبهة والاصول

فلا اطلاق بحسب الموارد والأسباب والمراتب حيث ان الملاك على الكشف

__________________

المثبتة لمكان العلم الاجمالى بما في ايدينا من الاخبار.

واما بناء على ان تلك المقدمة الثانية مدركها هو لزوم الخروج عن الدين ، وفي الثالثة الاجماع وان استلزم الكشف إلّا انه ينتج حجية الظن في الجملة.

واما بناء على الحكومة فتكون النتيجة كلية لو كان المستفاد من المقدمة الثانية هو وجوب الموافقة القطعية الموجب لسقوط الاصول في كل مسألة مسألة. وفي المقدمة الثالثة هو الاجماع على عدم ارادة الامتثال الاحتمالى.

نعم لو كان المدرك من المقدمة الثالثة هو لزوم العسر والحرج تكون النتيجة حجية الظن في الجملة. وكيف كان فالاهمال يحتاج الى معين ولا يخفى ان المعين لو كان محفوظا في مرتبة اخذ النتيجة ، وكذا المعمم لو كان محفوظا في مقام النتيجة كانت حجية الظن بذلك المعين او المعمم واصلا بطريقه بخلاف ما لو كانت النتيجة كلية فان حجية الظن تكون واصلة بنفسها لا بطريقها. واما لو كان المعين غير محفوظ في مرتبة النتيجة كما لو جرت مقدمات الانسداد.

ثانيا وثالثا : كانت النتيجة واصلة بطريقها لا بنفسها وسر الفرق انه لو كان المعين محفوظا في تلك المرتبة يكون مانعا عن جريان مقدمات الانسداد. ثانيا لأن من جملتها انسداد باب العلم والعلمي ومع تحقق المعين في تلك المرتبة يكون الباب مفتوحا لا منسدا فظهر مما ذكرناه ان ضابط الواصل بنفسه هو ما يكون معلوما حجيته بحكم العقل بلا حاجة في هذا الحكم الى عناية بخلاف الواصل بطريقه فانه يحتاج الحكم الى

ليس الى حكم العقل بلزوم الأخذ بالأقرب مجال وإنما هو أمره راجع الى الشرع

__________________

عناية كانت العناية مقدمة عقلية أم غيرها ، فان تلك العناية هي طريق للايصال.

اذا عرفت ذلك فنقول : ان انتفاء المعين موجب للتعميم ومن هنا جعل الترجيح بلا مرجح ملاكا للتعميم فحينئذ ان اثبات المعين لأجل ان يكون الترجيح مع المرجح لا بد من بيان امور :

الاول ـ هو الظن الاطمئناني وبحسب الظاهر انه بمقدار الكفاية فدعوى شيخنا الأنصاري (قده) انه ليس بمقدار الكفاية مدفوعة ويظهر له ذلك لمن تتبع. هذا بحسب المورد ، وأما بحسب السبب فالظاهر انه هو المعين وهو ايضا بمقدار الكفاية فان الطرق العقلائية المفيدة للوثوق تكفي لمن تتبع وهي متيقنة الاعتبار في ظرف الانسداد ، فدعوى شيخنا الأنصاري (قده) كون القدر المتيقن هو خصوص الظن المسبب عن الخبر المزكى بعدلين ورجاله مزكي بعدلين في تمام السلسلة ولا يكون تمييز مشتركاته بظن أضعف من الظنون المعمولة في تزكية رجاله وان لا يكون المشهور على خلافه وان لا يكون على خلافه ظن آخر يوجب تضعيفه الى آخر ما ذكره من الشروط الخمسة فان ذلك خلط بين متيقن ومتيقن ، فان المتيقن الذي ذكره هو المتيقن في باب خبر الواحد بمقتضى ما دل دليل اعتباره لا المتيقن في باب الانسداد ، فان المراد منه ان لا يحتمل اعتبار غيره من الظنون وعدم اعتباره ولو اغمضنا عن ذلك فلا بد للمصير الى المتيقن الاضافى وان كان شيخنا الأنصاري (قده) تردد فيه من جهة انه لا يعلم أي شيء متيقن اضافي بمعنى انه لو فرض ان طائفة كانت من رجال سنده مزكى بعدلين في تمام السلسلة ولكن تمييز مشتركاته بظن

فيمكن للشارع جعل مطلق الظن أو الظن في الجملة ، فلا بد من استفادة الاطلاق من الامور الخارجية.

__________________

ضعيف وكانت الطائفة الاخرى على العكس بأن كان تمييز مشتركاته بظن قوي ورجاله مزكى بعدل واحد وهكذا. ولكن الانصاف ان ذلك إنما يتم على مسلكه ، واما على ما ذكرناه من معنى القدر المتيقن فلا يتم حيث ان الخبر المزكى بعدلين جميع الطبقات مما يوجب الوثوق ولا يكون حجة غيره مع عدم حجيته. واما بحسب الموارد فالظاهر انه لا معين له فحينئذ يتعين التعميم.

المرجح الثاني ـ مظنون الاعتبار ومعناه ان الخبر لو قام على حجيته الشهرة مثلا يكون الظن الحاصل من الشهرة مظنون الاعتبار في قبال الظن القياسي الذي لم يقم حجة على اعتباره.

ثم ان القائلين بمرجحية مظنون الاعتبار على طائفتين :

احدهما ـ جعل مظنون الاعتبار انما هو بنفسه من دون ان يكون الظن بالاعتبار مستندا الى دليل الانسداد.

وثانيهما ـ يكون مرجحية الظن بالنسبة الى الظن المستنتج من دليل انسداد آخر المعبر عنه بالانسداد الصغير.

وكيف كان فقد ذكروا ان المدرك في اعتبار مظنون الاعتبار اقرب الى الحجة واقرب الى تحصيل مصلحة الواقع.

وبالجملة المرجح في الحقيقة مركب من جزءين اقرب الى الحجة واقرب الى تحصيل الواقع ، اما الجزء الاول فواضح حيث انه يحتمل حجيته من دون بقية الظنون ، واما كونه اقرب الى مصلحة الواقع ، فلأنه بناء على المصلحة السلوكية يكون اقرب من بقية الظنون بالنسبة الى

والحق انه بناء على الكشف إما أن تكون النتيجة الطريق الواصل

__________________

مصلحة الواقع ، في صورة المصادفة فيصل الى مصلحة الواقع ، واما في صورة الخطأ فتحصل مصلحة عوضا عن مصلحة الواقع وهي المصلحة السلوكية بخلاف الظنون التي لم يقم دليل على اعتبارها فانها في صورة الخطأ لا مصلحة سلوكية فيها كما هو اوضح من ان يخفى. إلا ان شيخنا الانصاري قدس‌سره اورد على كلتا المقدمتين اما المقدمة الاولى فلأن الأقربية الى الحجية لا توجب تعيين ما هو الحجة شرعا فان الحجة إنما تكون واصلة بنفسها او بطريقها.

ودعوى حكومة العقل بأن مظنون الاعتبار اقرب الى الحجة بلا دليل بل هو صرف استحسان لا توجب الحجية شرعا.

نعم ذلك يكون مرجحا في ناحية الارادة كما لو تردد في سلوك احد الطريقين ولا يخفى ان ذلك موجب للخلط بين باب الارادة وباب الحجة ، واما الاقربية الى تحصيل مصلحة الواقع فيرد عليه انه ترجيح بالاولوية بلا مرجح حيث ان المكلف لم يكن مكلفا بتحصيل المصالح الواقعية ، وانما هو مكلف بمتعلقات التكاليف الواقعية ومجرد كونه المظنون اقرب الى تحصيل مصلحة الواقعية لا تفيد إلا الاولوية ولا يوجب تعيين الحكم بالطريق.

لما عرفت من كون الطريق طريقا يتوقف على كونه حجة شرعا او عقلا ومظنون الاعتبار لم يثبت حجيته لكي يثبت طريقيته. وثانيا ينبغي ان يكون المرجح هو ما يكون مظنونا بظن آخر مظنون اعتباره فإنّه هو اولى مما لا يكون قد ظن بظن آخر قد ظن اعتباره اللهم إلا ان يقال : بأن الترجيح بمظنون الاعتبار قد ظن باعتباره مستلزم للتسلسل فان الظن الثاني يكون مظنون الاعتبار بظن ثالث وهذا ايضا مظنون

بنفسه ، وإما ان تكون الواصل بطريقه ، وإما أن تكون مطلق الطريق ولو لم يصل فعلى الأول يلزم القول بالاطلاق بحسب الموارد والأسباب والمراتب لما هو معلوم بالاستقلال العقل بالأقرب بمقتضى المقدمة الرابعة فيكون الشارع أو كل في تعيين مجعوله الى العقل ، ولا اهمال في حكم العقل بحسب الموارد والاسباب فالنتيجة بحسبهما مطلقة وبحسب المرتبة متعينة وهو الأخذ بالأقرب فالأقرب ، ومن ذلك يعلم ان الجمع بين حجية الظن عقلا مع القول باهمال النتيجة تهافت ومن هنا نقول بترجيح مظنون الاعتبار على غيره لقربه الى الواقع أو الى

مظنون بظن رابع وهكذا الى ما لا نهاية له وهو واضح البطلان مضافا الى ان ذلك مجرد خيال وإلا فلا يفرق بين مظنون الاعتبار وبين ما هو مظنون الاعتبار بظن قد ظن باعتباره بالنسبة الى الاقربية لمصلحة الواقع بناء على المصلحة السلوكية على تقدير المخالفة ، واما ما افاد شيخنا العلامة الانصاري (قده) اخيرا بما حاصله ان مظنون الاعتبار انما يكون مرجحا فيما اذا كان اعتباره بالظن المطلق لا ما إذا كان اعتباره من باب الظن الخاص حيث ان المدعي مرجحية ما يكون من سنخ ما يقصد ترجيحه لا ما من سنخ آخر ولكن لا يخفى ان معنى اهمال النتيجة كونها بين مراتب الظنون ولا يمكن تقديم بعضها على بعض للزوم الترجيح من غير مرجح فلو فرض ثبوت مرجح لبعض الظنون فحينئذ يخرج عن استحالة الترجيح من غير مرجح وهذه المزية لا يفرق فيها بينما تكون مستفادة من دليل الانسداد وبينما تكون مستفادة من غيره إذ الفرض اخراجه عن دائرة الترجيح من دون مرجح ولعله الى ذلك اشار بقوله فافهم على تفصيل ذكرناه في تقريراتنا لبحث الاستاذ المحقق النائيني قدس‌سره.

بدله مع فرض المخالفة للواقع لما هو معلوم ان الظن بالحجية ظن بتدارك ما خالف الواقع والأخذ بمظنون الاعتبار متعين بلا حاجة الى استفادة ذلك من دليل خارجي.

وأما على الثاني أى كون النتيجة هو الطريق الواصل ولو بطريقة فيحتاج في رفع الاهمال الى اجراء مقدمات انسداد آخر في تعيين ذلك الطريق مرارا الى ان يحصل ظن واحد فيؤخذ به لتعيينه قهرا أو ظنون متعددة متساوية الاعتبار فيؤخذ بالجميع لعدم وجود مرجح.

وعلى الثالث وهو كون النتيجة هو الطريق ولو لم يصل فلا بد من القول بالاهمال.

أقول : ما ذكره الشيخ (قده) سابقا من دعوى قيام الاجماع على إلحاق المشكوكات بالموهومات ومرجعه الى حجية الظن في دليل الانسداد ينافي ما ذكره من ان مناط الحجية ليس بيد العقل ، والشارع له التصرف ، فيمكن أن يجعل الموهوم ولم يجعل المظنون لأن قيام الاجماع على حجية الظن في دليل الانسداد كون خصوص الظن هو المجعول ولا يحتمل غيره.

نعم لو كان استكشاف حجية الظن من غير الاجماع على القول بالكشف بل كان بمقدمة عدم الاهمال بحيث لو لم يكن عندنا علم اجمالي يمكن القول بمقدمية انا غير مهملين وهو لا يكون إلا بأن يكون بيان منصوب من الشارع وذلك يوجب الانحلال إلا ان الحجة لم تتعين في خصوص الظن بل يحتمل كون الحجة في غير الظن ، فحينئذ يتوجه اعتراض الشيخ (قده) ويتجه كلام الاستاذ بأنه يمكن تعيينها بمتيقن الاعتبار بناء على كون الحجة هى الواصلة بنفسها

وكان متيقن الاعتبار بمقدار الكفاية فلا بد من التعميم كما انه بناء على كون الحجية هو الواصل ولو بالطريق يمكن القول بالتعميم والتعيين بمقدمات دليل الانسداد ، وبناء على كون الحجية الطريق ولو لم يصل لا بد من التعميم ورعاية الاحتياط في جميع الأطراف ولو لم يكن متيقن الاعتبار بمقدار الكفاية ثم ان الاستاذ (قده) في الكفاية جعل الطريق الواصل ولو بطريقه ، والطريق ولو لم يصل في عرض واحد وهو ممنوع إذ جعل الطريق الواصل ولو بطريقه يبتنى على عدم امكان الاحتياط إذ مع امكانه فلا تنتهي النوبة الى الاقتصار على متيقن الاعتبار ونصب الطريق ولو لم يصل مبني على امكان الاحتياط فافهم وتأمل.

التنبيه الثالث : لا اشكال ولا ريب في خروج الظن القياسي وإنما الكلام والاشكال في وجه خروجه بناء على الحكومة إذ بناء على الكشف فوجه الخروج واضح ، لأن بمقدمات الانسداد نستكشف ان الشارع جعل الظن حجه ما عدا الظن القياسي ، كما انه لا يرد الاشكال بناء على مسلك الاهتمام كما هو المختار فانه من المعلوم أن الشارع لم يكن له اهتمام بالواقعيات التي هى في مورد الظن القياسي كما انه لا يرد بناء على ما سلكه الاستاذ قدس‌سره من جعل الاحتياط شرعا إذ نتيجته هو القول بالكشف.

وقد عرفت عدم جريانه على القول بالكشف وإنما الاشكال يتجه على القول بالحكومة وتقريبه. أن الواقعيات لما كانت متنجزة بالعلم الاجمالي فتكون معلومة بالاجمال في تنجزها في حال الانسداد كالواقعيات المعلومة بالتفصيل في حال الانفتاح ، فاذا كانت كذلك فيجب على المكلفين الخروج

عن عهدتها ، والعقل لما حكم باتباع الظن فحينئذ كيف يخرج الظن القياسى عنه إذ يكون ذلك من التخصيص في حكم العقل مع انه من المعلوم أن حكم العقل غير قابل للتخصيص والاستاذ (قده) في الكفاية أجاب عن ذلك ان حكم العقل لم يكن منجزا تنجزا فعليا بل حكم معلق على عدم نصب طريق من الشارع ولكن لا يخفى.

انك قد عرفت ان تنجز الواقعيات بالعلم الاجمالي وحكم العقل باتباع الظن إنما يكون في مرحلة الاسقاط ، فاذا صار في مرحلته لا تناله يد التصرف من الشارع ، فاذا فرض ذلك كيف يكون الظن القياسي خارجا وليس ذلك إلا تخصيصا في حكم العقل.

نعم يتم جوابه عن الاشكال بناء على مسلك مؤسسية الدين ولكن هذا المسلك لم يتعرض له الاستاذ حتى يبني عليه بل نحن ذكرناه من باب الاحتمال وأيدناه وجعلناه من جملتها خ وحاصل الكلام انه بناء على الحكومة يتوجه الاشكال (١) إلا انه إن كان بمناط الاهتمام فلا يمكن اخراج الظن

__________________

(١) وحاصله انه يلزم بخروج الظن القياسي تخصيص لحكم العقل والأحكام العقلية غير قابلة للتخصيص بناء على الحكومة ولكن لا يخفى انه لا مجال لهذا الاشكال.

بيان ذلك ان المستفاد من الأدلة الدالة على عدم اعتبار الظن القياسي اما ان تكون بنحو الموضوعية أو بنحو الطريقية. ومعنى الموضوعية هو الأخذ بالظن القياسي في قبال الأئمة عليهم‌السلام ، ومن الواضح ان الأخذ بهذا النحو فيه مفسدة لا بمعنى المفسدة السلوكية ، فعليه لا مجال

القياسي حيث أن العقل حاكم بأن الظن حجة فيما إذا كان محتملا للتكليف فحينئذ يقطع باهتمام الشارع ولكن الشأن في ذلك إذ مع نهي الشارع عن العمل بالظن القياسي لا يبقى مجال للقطع باهتمام الشارع كي يكون موردا لحكم العقل بل يكون كالشك البدوي في أصل الاهتمام كما انه لا يرد الاشكال بناء على تقريب الحكومة لمناط منجزية الاحتمال كما هو في الاحتمال قبل الفحص إذ حكم

__________________

لهذا الاشكال. وأما بناء على الطريقية فيمكن ان يقال في مقام الجواب انه إنما ردع عن العمل بالظن القاسي لكونه اكثر خطأ للواقع ولكن لا يخفى انه بذلك لا يندفع الاشكال ، فالتحقيق في الجواب عن هذا الاشكال انه بناء على الكشف من قيام الادلة على عدم اعتبار الظن القياسي يوجب تقييد موضوع الحجة بعدم الظن القياسي. وأما بناء على الحكومة. فنقول : الظن الذي حكم به العقل عبارة عن الظن الحاصل من سبب متعارف لا ما يحصل من النوم ونحوه الذي لا يمكن الركون اليه فحينئذ من قيام الادلة الدالة على عدم اعتبار الظن القياسي نستكشف عدم حصول مثل هذا الظن الحاصل من السبب المتعارف وان القياس ليس سببا متعارفا.

وبالجملة ما حكم به العقل شيء مقيد لا مطلق فلم يقع الاشكال في خروج الظن القياسي ، فبقيام الادلة نستكشف خروجه من اول الامر ويكون من باب التخصص لا من باب التخصيص ، وبذلك قال شيخنا الاستاذ المحقق النائيني (قده) وانه هو الحق في الجواب ، واما الاجوبة الستة التي تعرض لها شيخنا الانصاري (قده) ، فالظاهر انها كلها مخدوشة تظهر بالتأمل فتأمل.

العقل في المقام من الأحكام المعلقة على عدم الترخيص الواصل من الشارع لا معلقة على عدم نهي الشارع عن العمل بالظن.

نعم يتوجه الاشكال على مسلك التبعيض في الاحتياط بمناط منجزية العلم الاجمالي ولزوم الأخذ بالأقرب في مقام اسقاط التكليف فانه لا يعقل اخراج الظن القياسي وليس له دافع لذلك إلا الالتزام بتعليقية حكم العقل أو استكشاف جعل البدل من النواهى.

وبالجملة لا مدفع عن هذا الاشكال على تقدير تسليمه على بعض المسالك إلا بالتزام بتعليقية حكم العقل في فرض الانسداد على عدم تحقق نهي من الشارع ، وأما مع فرض تنجيزية حكمه لا بد من الالتزام بكلية النتيجة وعدم خروج الظن القياسي كما لا يخفى.

التنبيه الرابع : في انه إذا قام ظن على عدم حجية ظن فهل نتيجة دليل الانسداد هو حجية الظن المانع أو الممنوع أو الأقوى منهما أو التساقط وجوه (١).

__________________

(١) الظاهر ان نتيجة دليل الانسداد يختص بالمانع ولا يعم الممنوع.

بيان ذلك ان الظن المانع بالنسبة الى الظن الممنوع كالحاكم بالنسبة الى المحكوم ، ومن الواضح تقديم الحاكم وسره هو ان دليل الحاكم شموله للظن المانع يوجب خروج المحكوم عن الدليل موضوعا ، اما بلفظه او بنحو الالتزام بخلاف دليل المحكوم فانه لا يوجب خروجه موضوعا.

والحاصل ان دليل الانسداد لما شمل الظن المانع أوجب خروج الظن الممنوع عن الدليل موضوعا.

فنقول : انه يختلف الحال بحسب المسالك :

فعلى المسلك الأول ـ الذي هو منجزية العلم يكون المدار هو الظن بالمانع ، لأن الظن بالمانع لا يقتضي إلا عدم منجزية الظن بالممنوع بالتكليف من دون اقتضاءه لمخالفة العلم الاجمالي فلا يقتضي إلغاء الظن بالممنوع بناء على التبعيض بل لا بد من الأخذ بالظن بالممنوع في مقام العمل.

وأما بناء على المسلك الثاني ـ الذي هو عبارة عن منجزية ما يعم العلم فيكون المدار على الظن بالمانع لأنه بناء على ذلك يكون تعيين الطريق موكولا الى حكم العقل.

وقد عرفت أن العمل قد عين ان نتيجة دليل الانسداد هو مظنون الاعتبار لا موهومه وبقيام الظن على عدم ظن آخر يكون الظن الممنوع موهوم

__________________

ودعوى انهما في مرتبة واحدة ممنوعة فان كل حاكم مع المحكوم قبل شمول الدليل في مرتبة واحدة كما في الشك السببي والمسببي فانهما قبل شمول دليل الاستصحاب في مرتبة واحدة اعنى مرتبة الشك ولكن بعد شمول دليل الاستصحاب للشك السببي اوجب خروج الشك المسببي عن الدليل موضوعا ، وهكذا في المقام فان الظن المانع مع الممنوع قبل ملاحظة دليل الانسداد في مرتبة واحدة ولكن لما كانت نتيجة دليل الانسداد ان لا يكون قاطعا عن الخلاف ، فمن شموله للظن المانع تحقق القاطع على الخلاف فيلزم خروج الظن الممنوع عن دليل الانسداد موضوعا ومن هنا يعلم وجه تقديم الظن المانع على الممنوع ولا يحتاج الى الالتزام بتقديم ما هو الاقوى منهما لما هو معلوم ان دليل الحاكم مقدم على المحكوم ولو كان اضعف فافهم وتأمل.

الاعتبار فيخرج عن دائرة الظن الذي هو حجة.

وأما بناء على المسلك الثالث ـ وهو كون المنجز هو الاحتمال المهتم به أيضا يكون المدار على الظن بالمانع دون الظن بالممنوع لأن قيام الظن على عدم الحجية يكشف أن التكليف في مورد الظن الممنوع ليس مما اهتم به فيخرج عن دائرة الظن الذي هو حجة ونظيره ما عرفت في الظن القياسي على هذا المسلك.

وأما بناء على المسلك الرابع ـ وهو كون المنجز من اساس الدين فأيضا يكون المدار هو الظن المانع لأن الظن بالممنوع إنما يؤخذ به مع عدم الأخذ بالمانع فالأخذ به معلق على عدم الأخذ بالظن بالمانع لأن العقل لا يحكم بحجية ظن احتمل المنع منه فضلا عن الظن به ففي مورد لم تف الظنون لا بد من التنزل الى الشك إما مطلقا أو بمقدار الاحتياج ولم يرجع الى الظن بالممنوع فيرجع حينئذ الى الشك مثلما لو فرض عدم تحقق اصل في المقدار الوافى إذ العقل لا يفرق في تنزله الى مرتبة الشك بين فقد أصل الظن أو فقد قيده وهو حجيته.

نعم لو كان حكم العقل بتنجز حجيته بمقدار واف وتعليقيته بالنسبة الى الزائد فلا بد وان يلاحظ الاحتياج في الظن بالممنوع بظن آخر فان احتيج اليه فلا محيص عن ارتفاع الظن بالمنع وإلا فلا محيص من طرحه.

وأما بناء على المسلك الخامس ـ الذي ذكره الاستاذ (قده) وهو التنجز بالاحتياط الشرعي فيكون المدار ايضا على الظن بالمانع دون الظن بالممنوع لأنه على هذا المسلك نتيجة دليل الانسداد هو الكشف فيمكن عروض

التخصيص على ما هو المجعول شرعا فيكون الدليل كاشفا عن حجية الظن ما عدا الظن الممنوع.

وكيف كان وقد عرفت منا سابقا تعليقية حكم العقل في باب الانسداد على عدم قيام دليل أو حجة على المنع منه فلا بد من تقديم المانع إذ تنجزه يكون صالحا للردع عن الظن الممنوع ونتيجة ذلك هو ان حكم العقل في أحدهما تنجزي ، والآخر تعليقى ، ومن الواضح ان تنجزية أحدهما يقدم على تعليقية الآخر. فلذا يختص الاشكال في المقام بناء على مسلك التبعيض في الاحتياط حيث انه بناء عليه يكون المنجز هو العلم الاجمالي وبعد تنجيزه يحكم العقل بالأخذ بالأقرب في مقام تحصيل الفراغ فحينئذ لا يعقل مجيء الترخيص على الخلاف ، فلذا لا محيص عن الأخذ بالممنوع وطرح المانع لكونه منجزا فلا يمكن الجمع بينهما ، ولكن لا يخفى ان الظن المانع بتنجزه يقدم قهرا على الظن الممنوع إذ لا مانع له في هذه المرتبة إلا الممنوع الذي قد عرفت استحالة صلاحيته المانعية عنه إذ بدخول الظن المانع تحت دليل الانسداد وحكم العقل فيه بالحجية يوجب رفع الموضوع في طرف الممنوع كما هو أوضح في أن يخفى.

التنبيه الخامس : انه لا فرق في كون الظن حجة سواء كان الظن بالحكم ناشئا من امارة أو من آية أو رواية أو من قول لغوي لو أوجب ظن بمراد الشارع من لفظه وهذا واضح لا يعتريه شك ولا شبهة ثم لا يخفى ان الاستاذ (قده) في الكفاية قد تعرض الى استقلال العقل بتقليل الاحتمالات من حيث السند والدلالة أو الجهة مهما أمكن وعقد له تنبيها فقال ما لفظه :

«لا يبعد استقلال العقل بلزوم تقليل الاحتمالات المتطرفة الى مثل السند أو الدلالة أو جهة الصدور مهما أمكن في الرواية وعدم الاقتصار على الظن الحاصل منها بلا سد بابه فيه بالحجة من علم أو علمي وذلك لعدم جواز التنزل في صورة الانسداد الى الضعيف مع التمكن من القوى أو ما يحكمه عقلا فتأمل جيدا».

أقول : ان التعليل ممنوع إذ الأمر يرجع الى كون الظن بالحكم الفرعي الواقعي سواء قلت الاحتمالات أم لا ، هذا ويمكن المناقشة بأن تقليل الاحتمالات يوجب قوة الظن الذي تعلق بالواقع.

وقد عرفت فيما تقدم كون النتيجة متعينة في الظن الأقوى ولا اطلاق فيها ولا تعميم وحينئذ يلزم تقليل الاحتمالات لتحصيل تلك المرتبة التي يوجب تعيين حجية الظن فيه وهي مرتبة القوة على ان هذا التعليل يوجب تقليل الاحتمالات حقيقة فيما إذا كان موجبا للفحص. وأما إذا كان موجبا لتقليلها حكما كما إذا كانت الحجة علميا فاقتضاؤه للفحص محل اشكال إذ لو لم يكن الظن بحالة وبمرتبة لا يقوى على الفحص لا يحكم العقل بوجوبه فلا يكون موجبا لحكم العقل.

والحاصل ان اعتبار ما يورثه الظن بالحكم الفرعي يختص فيما ينسد به باب العلم مثلا قول اللغوي يكون حجة فيما يوجب الظن بالحكم الفرعي مع فرض الانسداد فلا تغفل.

التنبيه السادس : ان جريان مقدمات الانسداد انما تجري في مقام الاثبات لا في مقام الاسقاط والفراع إذ المرجع في ذلك الى قاعدة الاشتغال لو لم تكن مثل قاعدتي الفراغ والتجاوز لعدم كفاية الظن بالفراغ والظاهر انه مما لا اشكال فيه وان نسب الى شيخنا الأنصاري (قده) من حجية الظن

الاطمئناني نظرا لجريان بناء العقلاء ، ولكن لا يخفى انه محل نظر.

نعم يمكن حمله على ما يكون مثل الضرر الذي صار موضوعا لأحكام كثيرة كجواز التيمم والافطار والصلاة بالنجس أو من جلوس ونحو ذلك ، فانه يمكن دعوى العمل بالظن عند انسداد باب العلم بالأحكام مع ان اجراء اصالة العدم يوجب الوقوع فيه ولكن ذلك يتم لو لم نقل باناطة الأحكام على خوف الضرر وظنه لا على الضرر الواقعي وإلا فلا تجري مقدمات الانسداد وحاصل الكلام ان مقدمات الانسداد انما تجري في نفس الأحكام الكلية لا في تطبيق تلك الاحكام على ما المأتي به مثلا لو شك في وجوب صلاة الجمعة وقد حصل له الظن بوجوبها ، فمع فرض الانسداد يجب به لكون الظن حجة لا الظن باتيانها مع القطع بوجوبها. قال الاستاذ (قده) في الكفاية ما لفظه : «إنما الثابت بمقدمات دليل الانسداد في الاحكام هو حجية الظن فيها لا حجيته في تطبيق المأتي به في الخارج معها فيتبع مثلا في وجوب صلاة الجمعة يومها لا في اتيانها بل لا بد من علم أو علمي باتيانها» ومثل ذلك لو شك في الموضوعات الخارجية كالشك في كونه ترابا خالصا والشك في الجهة المعينة للقبلة الى غير ذلك من المقامات الراجعة الى الشك في تطبيق تلك المفاهيم الكلية عليها. فقد عرفت انه لا يجدي الظن بها فلا تغفل.

التنبيه السابع : في أن الظن في حال الانسداد متبع في الفروع وغير متبع في الاصول التي يطلب فيها صرف الاعتقاد لكونها من الامور الاعتقادية التي لم يطلب فيها إلا العمل الجوانحي لا الجوارحي فانه وإن انسد باب القطع إلا انه لم ينسد باب الاعتقاد اجمالا بما هو واقعه والانقياد له بخلاف العمل

الجارحي فانه لا يمكن فيه الانقياد والموافقة إلا بالاحتياط ، والمفروض عدم وجوبه شرعا أو عقلا ، وهذا واضح لا اشكال فيه ، وإنما الكلام الذي يجب التنبيه عليه أن المنكر لبعض ضروريات الدين هل يحكم بكفره مطلقا أو فيما إذا كان انكاره موجبا لتكذيب النبي (ص) وكلمات الأصحاب في هذا المقام مختلفة والذي ينبغى أن يقال ان هذا المنكر إن كان ناشئا بين المسلمين فيحكم بكفره بمجرد الانكار لأن انكاره راجع الى تكذيب النبي (ص) إذ يبعد في حقه الجهالة وان لم يكن ناشئا بين المسلمين لم يحكم بكفره إذ لم يكن راجعا الى تكذيب النبي (ص) وهذا هو الموافق لما استظهرناه من الأدلة ثم لا يخفى ان غير المقر بالشهادتين لو كان قاصرا لم يحكم باطنا بكفره ولكن محكوم بالكفر ظاهرا إذا الاسلام مترتب على الاقرار الظاهري وهو لم يتحقق.

فان قلت : ورد عنهم (ع) : ان الناس إذا لم يجحدوا لم يكفروا ، فعليه لم يحكم بالكفر مع عدم الجحود.

قلت : انه محمول على الكفر الباطني ، وكيف كان لا ثمرة للحكم بالكفر وعدمه بعد القطع بعدم وجود القاصر لأنا نقطع انه لا بد لكل أحد من الالتفات الى أنه لا بد له من موجد ، ورازق ، ومدير ، ومع هذا القطع كيف يتحقق وجود القاصر ، ثم لا يخفى انه على تقدير تنزلنا الى العمل بالظن لا دليل على لزوم الانقياد والتدين بالمعرفة الظنية بل لا يمكن التدين بها لدوران الأمر بين محذورين إذ نبوة شخص مظنونة يجامع احتمال العدم فيدور الأمر بين الأخذ بالظن أو الاحتمال فيكون الأمر دائرا بين محذورين واذا دار الامر بينهما يحكم العقل بالتخيير.

نعم يمكن أن يقال : بأن العقل يحكم بالتخيير فيما إذا لم يكن في أحد الاحتمالين رجحان ، وأما اذا كان في أحدهما رجحان كما في المقام لا يحكم العقل بالتخيير بل يحكم بالاخذ بالراجح وهو في المقام الظنى فيحكم العقل باتباعه.

والحاصل ان العمل بالظن في الاصول الاعتقادية تتوقف على تمامية مقدمات الانسداد وتماميتها غير معقول لأن من المقدمات عدم امكان الاحتياط لكي يوجب الدوران بين الاخذ بالمظنون أو بالموهوم وبقاعدة الترجيح بلا مرجح يوجب الأخذ بالمظنون وفي المقام لا يتصور ذلك الدوران لا مكان الاعتقاد به اجمالا.

بقي الكلام في جابرية الظن (١) وموهنيته ومرجحيته وان كان خارجا

__________________

(١) لا يخفى ان الشهرة تارة ترجع الى ناحية الدلالة واخرى ترجع الى ناحية السند.

اما الاول ـ فلا اعتبار بها حيث انه لا توجب ظهورا للفظ الذي هو مناط الحجية. واما من ناحية السند فنقول : الشهرة تارة روائية واخرى استنادية وثالثه مطابقية ، ومعنى الشهرة الروائية هو ما تكون متداولة في الاصول مروية عن الأئمة الاطهار عليهم‌السلام ، والاستنادية هو ما يعلم كون الفتوى مستندة الى رواية خاصة ، والمطابقية هو كونه من باب الاتفاق مطابقة للرواية اما الاخير فلا اشكال في كونها غير جابرة. واما الاولان فالظاهر انهما يجبران الرواية وبسببهما يوجب الوثوق فيحصل للخبر فرد ومصداق. واما تشخيصها وهو ان الرواية اذا ذكرت في الاصول التي هي مروية عن الأئمة (ع) فهي شهرة الرواية ولا عبرة بذكرها في المجاميع التي دونت متأخرة عن الاصول ، واما الاستنادية

عن دليل الانسداد ولكن جريا على عادة الاصحاب في ذكره ملحقا بدليل الانسداد.

__________________

فتشخيصها بالتفحص في كتب القدماء فان ديدنهم على التعرف الى باب ويتعرضون الى الرواية ، فيفهم من ذلك ان الفتوى مستندة الى تلك الرواية ولا عبرة بمن تأخر عن الطبقة الاولى وان كانوا ادق نظرا منهم كمثل الطبقة الوسطى فانهم اساطين الفن كالعلامة ، والشهيدين وامثالهم رضوان الله عليهم. وكيف كان فربما يشكل ويقال بأن الشهرة الاستنادية قليلة حيث انه لم يعلم استناد الفتاوى الى رواية خاصة فلعلهم استندوا الى رواية اخرى.

نعم تكون من الشهرة المطابقية ولكن لا يخفى ان من تفحص وتتبع ووجد فتوى مخالفة للقواعد والاصول ثم وجد رواية في الباب فانه يحصل له العلم الاطمئناني بأن تلك الفتاوى مستندة الى الرواية التي وجدها ويظهر لمن تفحص كثيرا كمثل فتوى الفقهاء بالتخيير بين الرد والارش في باب الخيارات مع انه لم توجد رواية إلا في فقه الرضوي ومثل اغتسال المرأة في الليل وهو يغني عن الغسل مع انه ليس فيها إلا رواية في الفقه الرضوي الى غير ذلك من الفتاوى المخالفة للقواعد والاصول وليس الإفتاء بها إلا للرواية الخاصة المروية في مثل فقه الرضوي فيعلم ان استناد تلك الفتاوى الى تلك الروايات.

ومما ذكرنا ربما يظهر انه قد يوجب الوثوق بالفقه الرضوي. واما الكلام في ان الشهرة هل تكون كاسرة وموهنة للخير المخالف ام لا. اما بالنسبة الى السند فكونها موهنة مشروط بثلاثة شروط :

__________________

الاول ـ ان تكون الشهرة من القدماء لا من المتأخرين اذ لو كانت من المتأخرين لا تضر بالرواية.

الثانى ـ ان تكون الرواية بمسمع وبمرأى من القدماء فلو لم تكن عندهم وحصل فيما بعد كالاشعثيات ودعائم الاسلام وفقه الرضوي وحصل الاعراض لعدم حصوله فيما بين ايديهم لا يكون اعراضهم مخلا.

الثالث ـ ان لا يكون اعراضهم عن الروايات لاجل عدم توثيق رجال السند. فلو فرضنا انه كان بنظرنا ثقات فلا يضر اعراضهم وباجتماع هذه الامور لا اشكال في كون الشهرة كاسرة.

بيان ذلك ان اعراض القدماء مع ان الرواية بمرأى وبمسمع منهم وانه لا يعلم كون اعراضهم لاجل عدم توثيق رجال السند دليل ان ذلك يوجب وهنا وضعفا في الرواية. واما الشهرة في الدلالة فقد ذكر الاستاذ النائيني (قده) فيما سبق ان المختار كون الشهرة كاسرة للدلالة بتقريب ان الشهرة لما كانت على خلاف الظهور فتحتمل وجود قرينة متصلة قد خفيت علينا والظهور لا يوجب إلا الظن ومع تحقق هذا الاحتمال ترتفع حجية هذا الظهور ولكن الانصاف إن كانت الشهرة على نحو الشهرة الحاصلة للمرءوسين على خلاف ظهور كلام رئيسهم فحينئذ يستكشف ان تحققها قرينة على خلاف ذلك الظهور فان طريقة العقلاء مبنية على ذلك.

نعم الشهرة على هذا النحو لا تكشف عن مراد الرئيس وانما تكشف عن خلل في الظهور وان لم تكن الشهرة وصلت الى تلك المرتبة فكونها كاسرة محل اشكال وبذلك تم ما يراد بيانه في مبحث الظن من تقريراتنا لبحث الاستاذ المحقق النائيني (قده) وهذا آخر ما حصل لنا من التعليق على هذا الجزء من كتابنا (منهاج الاصول) والحمد لله رب العالمين.

فنقول ومن الله الاستعانة : ان الظن لا يكون جابرا بناء على ان دليل اعتبار الرواية من حيث كون سنده صحيحا من غير اعتبار الوثوق بصدورها ومطابقتها للواقع إذ عليه لا يختلف الحال في أن هناك ظن أم لا وكذا بناء على ان دليل الاعتبار من حيث أن فيه صفة الوثوق النوعي إذ عليه ان هذا الوثوق يحصل ولو لم يكن هناك ظن فالظن وجوده وعدمه سواء ، وكذا بناء على الوثوق الشخصي ولكن كان الوثوق الذي هو محقق للاعتبار ما كان ناشئا من الامارات الداخلية كما هو المختار أيضا لا يكون الظن الخارجي جابرا وأما لو قلنا : بأن اعتبار الامارة من حيث الوثوق الشخصي ، والوثوق المعتبر أعم من الخارج والداخل يكون الظن جابرا ، وكيف كان فالظن الحاصل من الشهرة على تقدير الجبر ليس عن مطلق الشهرة بل الشهرة الروائية لا الفتوائية إذ الشهرة الفتوائية غير قابلة للجبر في غير فرق بين السند والدلالة ، أما جبر السند فظاهر انه لا يفيد ولا يجبر بها لان الشهرة الفتوائية لا تصير الرواية موثوقة الصدور ، وأما الدلالة فاعتبارها بالظهور فتدور الحجية مدار الظهور ، فان كان حاصلا تكون الحجية حاصلة ، وان كان مفقودا تكون الحجية مفقودة ، وهذا لا يفرق فيه بين كون الشهرة مطابقة له أم لا.

وبالجملة الشهرة في الفتوى لا أثر لها وإنما الذى تصلح للجبر الشهرة الاستنادية.

على ما عرفت منا سابقا بأن تكون الفتوى مستندة الى الخبر. وأما الكلام في الموهنية كالكلام في المرجحية حرفا بحرف ، وانها تعرف في مباحث التعادل والتراجيح. وسيأتي البحث عنها ان شاء الله تعالى. هذا كله فيما إذا كان الظن غير منهيا عنه ، وأما لو كان منهيا عنه فلا ينبغى الاشكال

في انه غير معتد به وليس له قابلية للجبر والترجيح كما لا يخفى. هذا ما أردنا

بيانه من مبحث الظن ، والى هنا ينتهي الكلام في الجزء الثالث من

كتابنا المسمى ب (منهاج الاصول) ونسأله التوفيق لاخراج بقية

الاجزاء ، والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلا

م على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين ، وقد

وقع الفراغ منه في جوار مرقد سيد الوصيين

أمير المؤمنين (ع) بقلم مؤلفه

الراجي عفو ربه

محمد ابراهيم نجل المرحوم الحاج شيخ علي الكرباسي

طاب ثراه

فهرس الجزء الثالث

من كتاب منهاج الاصول

الصفحة

الصفحة

المقدمة

٤١

كفاية الاثر التقديري في مقام التنزيل

٣

احكام المكلف

٤٤

قيام الاصول مقام القطع

٧

تثليث الاقسام

٤٦

الملازمة بين حكم العقل والشرع

٩

بيان مجاري الاصول

٤٩

الحسن والقبح الذاتيين

١٠

المقصد الاول في القطع

٥١

العقل يحكم بالحسن والقبح

١٢

وجوب متابعة القطع

٥٥

انكار الملازمة الواقعية

١٣

لا يؤخذ القطع في القياس

٥٧

الثمرة بين القولين

١٦

صحة وقوع الظن في القياس اقسام القطع

٦٠

مبحث التجري

١٩

المقام الاول في القطع الطريقي

٦٣

قبح التجري عقلى

٢١

نتيجة التقييد والاطلاق

٦٧

الفرق بين الاوامر الارشادية والمولوية

٢٥

توقف التناقض على العلية

٧١

 قبح التجري يسري الى الفعل الخارجي

٢٩

لا يؤخذ القطع في موضوع حكم نفسه ومثله وضده

٧٥

الثمرة بين القولين

٣١

قيام الامارات والاصول مقام القطع

٧٦

الموافقة الالزامية

٣٥

حكومة الامارات على الاصول

٧٩

وجوب الموافقة الرجائية

٨٠

العلم الاجمالي

٨٣

وجوب الموافقة القطعية

الصفحة

الصفحة

٨٧

العلم الاجمالي علة للموافقة القطعية

١٥٩

ماء الاستنجاء نجس معفو عنه

٩١

تقديم الموافقة القطعية

١٦٣

حجية الظواهر لمن لم يقصد افهامه

٩٧

العلم الاجمالي لتنجز التكليف

١٦٥

حجية ظواهر الكتاب

٩٩

فيما لو علم بغصبية الماء او نجاسته

١٦٩

حجية قول اللغوي

١٠١

حكم الاصحاب بالتصنيف

١٧١

الاجماع المنقول

١٠٥

المقصد الثاني في الظن

١٧٣

أدلة حجية الخبر لا تشمل الاجماع المنقول

١٠٨

امكان التعبد بالظن

١٧٥

حجية الشهرة

١١١

بيان صورة الانفتاح والمراد منه

١٧٧

لا دليل على حجية الشهرة الفتوائية

١١٥

الحكم الواقعي ليس في مرتبة الظاهري

١٧٩

حجية الخبر الواحد

١٢١

الامارة على نحو السببية

١٨٣

بيان ملاك المسألة الاصولية

١٢٣

اجوبة القوم عن محذور الجمع بين الحكمين

١٨٥

حكومة ادلة حجية الخبر

١٢٥

بيان المختار من دفع شبهة التضاد

١٨٧

ادلة المانعين لحجية خبر الواحد

١٢٧

الجواب عن شبهة ابن قبة

١٩١

 الاستدلال بمفهوم آية النساء

١٣٣

 احتمال المنجزية منجز

١٩٥

 إثبات المفهوم بطريق الوصف

١٣٩

وقوع التعبد بالظن

١٩٧

 اثبات المفهوم بطريق الشرط

١٤٣

الاستصحاب يقدم على القاعدة

٢٠١

التعارض بين المفهوم والتعليل

١٤٩

التشريع من العناوين القصدية

٢٠٥

الاشكال في شمول الآية لخبر السيد

١٥١

اصالة حرمة العمل بالظن

٢٠٩

الاشكال في شمول الآية لخبر الواسطة

١٥٢

حجية الظواهر

٢١١

الجواب عن الاشكال المذكور

١٥٥

للظواهر جهات ثلاث

٢١٧

تقريب الاشكال المذكور بوجه ادق

١٥٧

لا يعتبر الظن الفعلي في الظهور

٢٢١

التحقيق في الجواب عن الاشكال

الصفحة

الصفحة

٢٢٥

الاستدلال بآية النفر

٢٨١

بيان مراتب الاحتياط

٢٢٧

دلالة آية النفر على وجوب التقليد

٢٨٣

الاجماع على عدم وجوب الاحتياط

٢٢٩

دفع الاشكالات على آية النفر

٢٨٥

الترخيص بمناط الاجماع

٢٣١

دلالة آية الكتمان على حجية خبر الواحد

٢٩٣

التخيير بين الدوائر الثلاث

٢٣٣

الاستدلال بآية السؤال

٢٩٩

تنبيهات الانسداد

٢٣٥

الاستدلال بآية الاذن

٣٠١

نتيجة الانسداد الظن بالواقع او بالطريق

٢٣٧

الاستدلال بالسنة على حجية خبر الواحد

٣٠٥

حجية الظن بالواقع

٢٣٩

الاستدلال بالاجماع على حجية خبر الواحد

٣٠٩

اهمال النتيجة او كليتها

٢٤١

الاستدلال على حجية خبر الواحد بالدليل العقلي

٣١٥

كلية النتيجة بناء على الحكومة

٢٤٥

ملاك انحلال العلم الاجمالي

٣١٩

الاهمال في حكم العقل

٢٤٩

نسبة الامارات الى الاصول

٣٢١

التنبيه الثالث في الظن القياسي

٢٥١

حجية الاخبار الموجودة في الكتب المعتبرة

٣٢٥

التنبيه الرابع في حجية الظن المانع دون الممنوع

٢٥٤

حجية مطلق الظن

٣٢٧

التنبيه الخامس حجية الظن الحاصل من الرواية وغيرها

٢٥٧

الضرر نوعي أو شخصي

٣٢٨

التنبيه السادس حجية الظن في مقام الاثبات دون الاسقاط

٢٦١

المصالح نوعية أو شخصية

٣٢٩

التنبيه السابع حجية الظن في الفروع دون الاصول

٢٦٤

دليل الانسداد

٣٣١

جابرية الظن ومرجحيته وموهنيته

٢٦٧

منجزية الاحكام بالعلم الاجمالي

٣٣٣

جابرية الشهرة الروائية

٢٦٩

بيان المقدمة الثالثة

٢٧٣

الكلام في بطلان الاحتياط

منهاج الأصول - ٣

المؤلف: محمّد ابراهيم الكرباسي
الصفحات: 338
  • المقدمة
  • تقريب الاشكال المذكور بوجه ادق
  • التخيير بين الدوائر الثلاث
  • دلالة آية الكتمان على حجية خبر الواحد
  • الترخيص بمناط الاجماع
  • دفع الاشكالات على آية النفر
  • الاجماع على عدم وجوب الاحتياط
  • دلالة آية النفر على وجوب التقليد
  • بيان مراتب الاحتياط
  • الاستدلال بآية النفر
  • التحقيق في الجواب عن الاشكال
  • لا يعتبر الظن الفعلي في الظهور
  • للظواهر جهات ثلاث
  • تنبيهات الانسداد
  • الجواب عن الاشكال المذكور
  • حجية الظواهر
  • الاشكال في شمول الآية لخبر الواسطة
  • اصالة حرمة العمل بالظن
  • الاشكال في شمول الآية لخبر السيد
  • التشريع من العناوين القصدية
  • التعارض بين المفهوم والتعليل
  • الاستصحاب يقدم على القاعدة
  •  اثبات المفهوم بطريق الشرط
  • وقوع التعبد بالظن
  •  إثبات المفهوم بطريق الوصف
  • الاستدلال بآية السؤال
  • الاستدلال بآية الاذن
  •  الاستدلال بمفهوم آية النساء
  • حجية مطلق الظن
  • بيان المقدمة الثالثة
  • جابرية الشهرة الروائية
  • منجزية الاحكام بالعلم الاجمالي
  • جابرية الظن ومرجحيته وموهنيته
  • دليل الانسداد
  • التنبيه السابع حجية الظن في الفروع دون الاصول
  • المصالح نوعية أو شخصية
  • التنبيه السادس حجية الظن في مقام الاثبات دون الاسقاط
  • الضرر نوعي أو شخصي
  • التنبيه الخامس حجية الظن الحاصل من الرواية وغيرها
  • التنبيه الرابع في حجية الظن المانع دون الممنوع
  • نتيجة الانسداد الظن بالواقع او بالطريق
  • حجية الاخبار الموجودة في الكتب المعتبرة
  • التنبيه الثالث في الظن القياسي
  • نسبة الامارات الى الاصول
  • الاهمال في حكم العقل
  • ملاك انحلال العلم الاجمالي
  • كلية النتيجة بناء على الحكومة
  • الاستدلال على حجية خبر الواحد بالدليل العقلي
  • اهمال النتيجة او كليتها
  • الاستدلال بالاجماع على حجية خبر الواحد
  • حجية الظن بالواقع
  • الاستدلال بالسنة على حجية خبر الواحد
  •  احتمال المنجزية منجز
  • الجواب عن شبهة ابن قبة
  • كفاية الاثر التقديري في مقام التنزيل
  • صحة وقوع الظن في القياس اقسام القطع
  • قيام الامارات والاصول مقام القطع
  • الثمرة بين القولين
  • لا يؤخذ القطع في موضوع حكم نفسه ومثله وضده
  •  قبح التجري يسري الى الفعل الخارجي
  • توقف التناقض على العلية
  • الفرق بين الاوامر الارشادية والمولوية
  • نتيجة التقييد والاطلاق
  • قبح التجري عقلى
  • المقام الاول في القطع الطريقي
  • مبحث التجري
  • الثمرة بين القولين
  • حكومة الامارات على الاصول
  • لا يؤخذ القطع في القياس
  • انكار الملازمة الواقعية
  • وجوب متابعة القطع
  • العقل يحكم بالحسن والقبح
  • المقصد الاول في القطع
  • الحسن والقبح الذاتيين
  • بيان مجاري الاصول
  • الملازمة بين حكم العقل والشرع
  • تثليث الاقسام
  • قيام الاصول مقام القطع
  • احكام المكلف
  • الموافقة الالزامية
  • وجوب الموافقة الرجائية
  • ادلة المانعين لحجية خبر الواحد
  • أدلة حجية الخبر لا تشمل الاجماع المنقول
  • بيان المختار من دفع شبهة التضاد
  • حكومة ادلة حجية الخبر
  • اجوبة القوم عن محذور الجمع بين الحكمين
  • بيان ملاك المسألة الاصولية
  • الامارة على نحو السببية
  • حجية الخبر الواحد
  • الحكم الواقعي ليس في مرتبة الظاهري
  • لا دليل على حجية الشهرة الفتوائية
  • بيان صورة الانفتاح والمراد منه
  • حجية الشهرة
  • امكان التعبد بالظن
  • المقصد الثاني في الظن
  • العلم الاجمالي
  • الاجماع المنقول
  • حكم الاصحاب بالتصنيف
  • حجية قول اللغوي
  • فيما لو علم بغصبية الماء او نجاسته
  • حجية ظواهر الكتاب
  • العلم الاجمالي لتنجز التكليف
  • حجية الظواهر لمن لم يقصد افهامه
  • تقديم الموافقة القطعية
  • ماء الاستنجاء نجس معفو عنه
  • العلم الاجمالي علة للموافقة القطعية
  • وجوب الموافقة القطعية
  • الكلام في بطلان الاحتياط