بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد خاتم النبيين وعلى عترته الكرام الطيبين المعصومين ولعنة الله على أعدائهم أجمعين

تقسيم الواجب

(الفصل الخامس) فى تقسيم الواجب (ذي المقدمة) وفيه مباحث ، المبحث الأول ينقسم الواجب الى المطلق والمشروط ، وهذا التقسيم باعتبار ما له من المقدمة ، فان كانت مقدمة لوجوده فمطلق وان كانت لوجوبه فمشروط والذي يدخل فى محل النزاع هو الواجب المطلق دون الواجب المشروط لأن وجوبه حسب الفرض مشروط بوجود المقدمة فقبل وجودها لا وجوب فيه لكي يقال بترشحه عليها وبعد وجودها لا يعقل ترشح الوجوب من ذيها اليها إذ ذلك يكون من طلب الحاصل وتحصيل الحاصل بديهي البطلان.

على أن يكون ما هو متأخر متقدما إذ المقدمة لما كانت مقدمة للوجوب النفسي تكون متقدمة على وجوب الواجب النفسي بالطبع لكونها فى سلسلة العلل لوجوبه وترشح الوجوب الغيري الناشئ من الوجوب النفسي على المقدمة يستلزم تأخرها عن الوجوب النفسي بمرتبتين إذ لا يتعلق الوجوب الغيري بها إلا بمرتبة سابقة على وجودها فوجودها متأخر عن الوجوب الغيري المتأخر عن الوجوب النفسي ، نعم يشكل على هذا التقسيم بأنه ما من واجب إلا وان وجوبه مشروط بالشروط العامة كالبلوغ والعقل والقدرة والاختيار ، فحينئذ تكون جل الواجبات لو لم تكن كلها واجبات مشروطة فلا يصح التقسيم المذكور أي تقسيم الواجب الى المشروط والمطلق ، قال الاستاذ قدس‌سره في الكفاية ما لفظه ، (الظاهر ان وصفى الاطلاق والاشتراط وصفان اضافيان لا حقيقيان) (١) وإلّا لم يكد يوجد واجب مطلق ضرورة اشتراط وجود كل واجب ببعض الامور (لا اقل من الشرائط العامة كالبلوغ والعقل) ولكن لا يخفى ان هذا التقسيم بلحاظ توجه الخطاب ولا إشكال فى عدم صحة توجه الخطاب للفاقد لتلك الامور ، فخروج تلك الاشياء من الشرائط فى محل الكلام من باب التخصص.

وكيف كان الواجب المشروط عبارة من ان الوجوب ، معلق على وجود

__________________

(١) الظاهر ان من جعل الوصفين من الاوصاف الحقيقية يستثني الشرائط العامة كما هو صريح بعضهم فلا يرد النقص بها كما ان الاطلاق والاشتراط ليسا بالاضافة الى كل شيء كما ذكره (قدس‌سره) بقوله : (والحرى ان يقال ان الواجب مع كل شيء الخ) بل بالاضافة الى ما هو مقدمة للوجود مثلا الصلاة واجبة وجوبها مطلق بالاضافة الى الوضوء وغيره مما يتوقف عليه صحتها ووجودها وعليه تكون مقدمة الواجب دائما مقدمة وجود.

المقدمة فمع عدم وجودها لا وجوب كما هو ظاهر تعليق الجزاء على الشروط فى قولك. ان جاءك زيد فاكرمه ، فإن تعليق الطلب والبعث المستفاد من صيغة الامر هو تحققه عند مجيء زيد وانتفاؤه عند عدم مجيئه قال الاستاذ (قدس‌سره) فى الكفاية ما لفظه (ان الوجوب فيه مشروط بالشرط بحيث لا وجوب حقيقة ولا طلب واقعا قبل حصول الشرط كما هو ظاهر الخطاب التعليقى) وإن كان ما ذكره هنا مخالفا لما ذكره سابقا من أن شرط التكليف انما هو بوجوده اللحاظي والذي عليه التحقيق هو ما يظهر منه هاهنا من أن المعلق على الشرط بوجوده الواقعي هو تعليق نفس الطلب لا المطلوب كما ذهب اليه الشيخ الانصاري (قدس‌سره) مع اعترافه بكون ظاهر القضية الشرطية هو تعليق نفس الطلب إلّا أنه ادعي الخروج عن هذا الظهور بقرينتين لغوية وعقلية ، اما القرينة اللغوية فهي امتناع رجوع القيد الى الهيئة لكونها معنى حرفيا وهو جزئي حقيقى لا يكون قابلا للتقييد لعدم كونه قابلا للاطلاق فما لا يكون قابلا للاطلاق لا يمكن أن يكون قابلا للتقييد ، والقيد وان كان بحسب الظاهر يرجع الى الهيئة فهو راجع الى المادة ولكن لا يخفى انه يتم فيما اذا كان الجزاء هو صيغة الامر واما اذا كان الجزاء هو مادة الامر كما فى قول القائل (اذا جاءك زيد فأنت مأمور باكرامه) فلا يتأتى ما ذكره اذ لا يوجب الخروج عن ظهور القضية الشرطية لقبول المورد للتقييد.

واما القرينة العقلية على ما حكاه الاستاذ في الكفاية ما لفظه (واما لزوم كونه من قيود المادة (١) فلأن العاقل اذا توجه الى شىء والتفت اليه فأما أن

__________________

(١) قال بعض السادة الأجلة (قدس‌سره) في بحثه الشريف ان الصلاة فى قولنا الصلاة واجبة مثلا ماهية لها عارضان يطرأ عليها الطلب والشرط الخاص ـ

يتعلق طلبه به اولا يتعلق طلبه به اصلا لا كلام على الثاني وعلى الاول ، فأما ان ـ فان ورد اولا الطلب ثم الشرط ثانيا كان الشرط من قيود المادة بما هى مطلوبة وليست من قيودها مطلقا ولا من قيود الهيئة لكى يرد المانع اللفظي الذي ذكره الشيخ (قدس‌سره) فانه بناء على ما قوينا من مذهب الرضى في المعنى الحرفي من انه لا معنى لها اصلا وانما هى علامة على معنى في المدخول فاذا طرأت الهيئة على المادة كانت علامة على انها مطلوبة فلا يكون في الذهن ماهية وطلبها بل ليس الموجود في الذهن الا الصلاة لكن بقيد كونها مطلوبة واذا ورد بعد ذلك عليها شرط من الشروط يكون واردا عليها بذلك الاعتبار لا عليها مجردة عن ذلك الاعتبار ولا على ذلك الاعتبار نفسه والحاصل انه على هذا التوجيه لا يكون القيد راجعا الى نفس المادة ليلزم كون الطلب مطلقا والمادة مقيدة ليرجع الواجب المشروط الى المعلق كما انه لا يرجع الى مدلول الهيئة لكى يرد ما ذكره الشيخ (قدس‌سره) من المانع اللفظي بل يكون راجعا الى المادة بلحاظ كونها معروضة للطلب فحينئذ يكون الطلب مقصورا على مورد تحقق الشرط فلا طلب قبله لأن الشارع اذا بعث نحو المادة ثم قيد المادة بشرط بلحاظ كونها مبعوثا اليها يكون مقصورا على مورد الشرط فيلزم قصر الطلب والبعث على ذلك المورد اعنى مورد الشرط فهو وان لم يكن الشرط راجعا الى نفس الطلب لفظيا إلّا انه راجع الى المادة بلحاظ كونها معروضة للبعث ففي اللب والحقيقة يكون ذلك البعث قد قيد بذلك القيد وان لم يكن ذلك لفظيا وحينئذ يكون الواجب على هذا حكمه حكم ما لو رجع القيد الى الهيئة لفظا فكما انه لو رجع القيد الى الهيئة لفظا لا يتحقق الوجوب الا بعد تحقق ذلك القيد فكذلك لو رجع القيد الى المادة بلحاظ عروض البعث عليها لما عرفت من انه يكون راجعا الى البعث لبا وحقيقة فلا وجوب قبل حصول القيد فافهم وتأمل.

يكون ذلك الشىء موردا لطلبه وامره مطلقا على اختلاف طوارئه او على تقدير خاص وذلك التقدير تارة يكون من الامور الاختيارية واخرى لا يكون كذلك وما كان من الامور الاختيارية قد يكون مأخوذا فيه على نحو يكون موردا للتكليف وقد يكون لا كذلك على اختلاف الاغراض الداعية الى طلبه والامر به)

ولا يخفى ان هذه القرينة اعم من القرينة السابقة فأنك قد عرفت انها تختص بما يكون الجزاء بصيغة الامر وهذه القرينة لا تختص بذلك بل تشمل الموردين وقد اجاب الاستاذ (قدس‌سره) عن القرينة الاولى بأمر بن الاول ان الموضوع له كالمستعمل فيه في الحروف عام والخصوصية انما جاءت من قبل الاستعمال ولكن لا يخفى ان ذلك لا يصحح تقييد المعنى الحرفي اذ معاني الحروف ملحوظ باللحاظ الآلي كلحاظ المرآة بالنسبة الى المرئي وهذا اللحاظ لحاظ تبعي غير مقصور بنفسه والمعتبر في التقيد أن يكون ملحوظا باللحاظ الأصلي الاستقلالي فلذا منعنا ارجاع القيود الى المعاني الحرفية وبذلك قد أورد الاستاذ قدس‌سره فى حاشية المكاسب عند ذكر الشيخ الانصاري قدس‌سره لصحيحة ابي ولاد. (نعم قيمة بغل يوم خالفته) ما لفظه : (ان اليوم قيد للقيمة اما باضافة القيمة المضافة الى البغل اليه ثانيا يعني قيمة يوم المخالفة للبغل) بما حاصله ، ان هذا مستلزم لتقييد الاضافة المتحصلة من قيمة البغل وتقييد هذه الاضافة غير معقول لكونها من المعاني الحرفية وهي غير ملحوظة على نحو الاستقلال بل لحاظها بنحو التبعية والآلية ولا يعقل جعل الملحوظ بنحو الآلية مقيدا بقيد إذ التقييد يقتضى لحاظ المقيد بنحو الاستقلال فيوم المخالفة لا يعقل جعله قيدا الى الاضافة التي هي من المعاني الحرفية ولا يخفى ان ما ذكره هنا مناف الى ما ذكره في الحاشية وان امكن تصحيح ما ذكره هنا على

ما قويناه في المعنى الحرفى بأن الملحوظ فيه بنحو الالية وان كان اللحاظ استقلاليا

(الامر الثاني) ذكره بنحو التسليم للاول فقال ما لفظه : (مع انه لو سلم انه فرد فانما يمنع عن التقيد لو انشأ اولا غير مقيد لا ما انشأ من الاول مقيدا) ولا يخفى ما فيه لرجوع ذلك الى ان المنع عن تقييده بعد الانشاء لا قبله مع ان الشيخ (قدس‌سره) يلتزم بان المعنى الحرفى غير قابل للاطلاق والتقييد مطلقا والى ذلك أشار بقوله فافهم ثم ان الاستاذ (قدس‌سره) أجاب عن القرينة اللغوية بما لفظه : (ان الشيء اذا توجه اليه وكان موافقا للغرض بحسب ما فيه من المصلحة او غيرها كما يمكن ان يبعث فعلا اليه ويطلبه حالا لعدم المانع عن طلبه كذلك يمكن أن يبعث اليه معلقا ويطلبه استقبالا على تقدير شرط متوقع الحصول لاجل مانع عن الطلب والبعث فعلا قبل حصوله فلا يصح منه الا الطلب والبعث معلقا بحصوله لا مطلقا ولو متعلقا بذلك على التقدير فيصح منه طلب الاكرام بعد مجيء زيد ولا يصح الطلب المطلق الحالي للاكرام المقيد بالمجيء).

توضيح ذلك : ان توجه الخطاب الموافق للغرض يمكن ان يكون على نحوين فتارة يكون الطلب منه حالي والبعث اليه ايضا حالي لعدم المانع من طلبه واخرى يكون على نحو لا يمكن أن يطلب منه فعلا لحصول مانع منه أي من طلبه حالا فلا بد وأن يكون طلبه على نحو يكون معلقا على حصول الشرط فلا طلب قبل حصول الشرط لحصول المانع وهو المفسدة من طلبه حالا وهذا هو الواجب المشروط ولكن لا يخفى ما فيه اولا ان هذا لا يتم بالنسبة الى بعض الجمل الشرطية التي هي قطعا من الواجب المشروط مثل اذا نمت فاشترى اللحم فانه لا إشكال في انه لا طلب بعد النوم وكقول الشاعر.

(اذا مت فادفني الى جنب حيدر

أبا شبر أعني به وشبيري)

إذ لا يعقل طلب الدفن بذلك الجنب الشريف متحققا بعد الموت ولم يكن فى هذين التعليقين مجاز قطعا بل التعليق فيهما على نحو غيرهما من القضايا الشرطية التي لا يمكن فيها رعاية وعناية فمن ذلك يستكشف ان الطلب في هذين التعليقين سابق زمانا على تحقق الشرط وقس على ذلك القضايا الشرطية الأخر.

وثانيا بناء على ان الانشاء انما هو مقدمة لحصول المراد ولا اشكال فى حصول هذه المقدمة عن اختيار فحينئذ يكون الإنشاء مرادا بالارادة الغيرية لحصول المراد مثلا : الانشاء فى مثل ان جاءك زيد فاكرمه إنما هو مقدمة للاكرام الذي هو مراد بالإرادة النفسية وبما ان هذا الانشاء صدر عن اختيار فيتعلق به وجوب غيري فإذا تعلقت به ارادة غيرية فلا بد وان يتعلق بالاكرام الذي فرض ذا المقدمة ارادة نفسية لعدم انفكاك الارادة الغيرية عن الارادة النفسية وعليه تتعلق الارادة النفسية بالاكرام عند انشاء الطلب ولازمه ان يكون الطلب للاكرام فعليا لكي تتعلق الارادة الغيرية بالانشاء.

وثالثا ان ظهور القضية الشرطية يقتضي اناطة الجزاء بالشرط ولا يقتضي اناطته بارتفاع المانع الذي هو المفسدة كما ادعاه الأستاذ (قدس‌سره) حيث التزم باناطة الجزاء بالشرط مقارنا لارتفاع المانع فخرج عن ظهور القضية الشرطية فلا يكون بارجاع القيد الى الهيئة محافظا على ذلك الظهور بل على مقتضى ما بني عليه ان الذي له دخل فى تحقق الوجوب هو ارتفاع المانع وذلك مخالف لظهور القضية الشرطية ان قلت نفس الشرط الذي علق عليه الجزاء من قبيل المقتضي وارتفاع المفسدة من قبيل ارتفاع المانع.

قلت على ما ذكره لم تكن الاستطاعة مثلا شرطا في حصول الارادة وانما دخلها بنحو يكون من قيود الموضوع بيان ذلك انا لو فرضنا انتفاء المفسدة من

حين انشاء الارادة فنجد تحقق الارادة في الطلب ومع ذلك التعليق تتحقق فلو كانت الاستطاعة شرطا لما تحقق التعليق بلسان الدليل لانتفاء المانع حسب الفرض فهذا يدل على ان الاستطاعة لم تؤخذ شرطا لحصول المراد وانما اخذت فى موضوع الحكم فظهر مما ذكرنا ان الارادة فى الواجب المشروط تتعلق بالمراد بارادة فعلية وكذا على تقدير حصول الأمر الخاص خلافا للمشهور فان الارادة عندهم تعلق بالمراد على تقدير خاص بنحو لا يكون الفعل مرادا قبل تحقق ذلك الأمر الخاص لما عرفت أن بعض القيود عند تحققها لا تحصل الارادة كالنوم والموت ونحوهما وسره ان الحكم الشرعي انما ينتزع من اظهار الارادة التشريعية فالمولى اذا أنشأ ارادته ينتزع الحكم منه وبهذا المعنى يصير الحكم الشرعي فعليا سواء علم به المكلف أم لم يعلم وسواء كان مطلقا أو مشروطا فليس الفرق بين المشروط والمطلق من حيث الفعلية بأن يكون المطلق فعليا والمشروط انشائيا اذ من هذه الحيثية لا فرق بينهما نعم فرق بينهما من حيث السنخ والحقيقة ولذا آثارهما تختلف فإن المطلق حقيقته إرادة الفعل من المكلف على كل تقدير ولذا ينبعث المكلف مع العلم به من دون الانتظار الى شيء واما المشروط فحقيقته ارادة الفعل من المكلف على تقدير خاص فلا ينبعث عند العلم به قبل حصول الأمر المعلق عليه الواجب بل ينتظر حصوله ، وبعبارة اخرى ان القيود ترجع الى ناحية الموضوع فالفعلية لا تتبع وجود الموضوع خارجا وانما تحصل من اظهار الارادة بخلاف المحركية والباعثية انما تتبع وجود الموضوع وقيوده خارجا مثلا لو قال المولى اكرم العلماء لا تحصل المحركية الا بعد وجود العلماء خارجا بخلاف اصل وجود الحكم فانه يتحقق ولو لم يكن الموضوع متحققا خارجا اذ الموضوع في جعل الحكم انما هو معتبر بوجوده

اللحاظي وان كان اعتباره بنحو المرآة لما في الخارج فمع تصور الموضوع ينشأ الحكم وبهذا الانشاء يجعل الحكم فعليا وإلّا لزم التفكيك بين الانشاء والمنشأ وهو أمر غير معقول وبالجملة فعليته تحصل ولو لم يكن الموضوع وقيوده موجودا خارجا بخلاف المحركية والباعثية فانها منوطة بوجود الموضوع خارجا ففي فعلية الحكم يشترك المشروط والمطلق وفي المحركية يختلفان ودعوى ان في الواجب المشروط تعليق نفس الارادة على حصول الشرط فقبل تحقق الشرط لا ارادة أصلا لكي تكون فعلية ممنوعة اذ ذلك مخالف لما نجد من انفسنا بتحقق الارادة بنفس المريد الذى يكون فيه مصلحة على تقدير خاص وان لم يكن ذلك التقدير متحققا فالارادة الفعلية المنوطة على تقدير خاص هي الواجب المشروط في قبال الواجب المطلق الذي هو عبارة عن أن الارادة المطلقة فيه متعلقة بالفعل المقيد إلّا ان ذلك يستلزم ان يكون الملحوظ في الشرط المعلق عليه هو الوجود اللحاظى وان كان ذلك خلاف الظاهر فان الظاهر ان المعلق عليه بوجوده الخارجي او يقال بأن مفاد الهيئة الحكم بمرتبة المحركية والفاعلية وقد عرفت ان الحكم بهذه المرتبة يتبع الموضوع بوجوده الخارجي هذا وقد اختار بعض الأعاظم (قدس‌سره) ما ذكره المشهور واستدل عليه بما حاصله ان جعل الاحكام انما هو على نحو القضايا الحقيقية التي هي عبارة عن كون الموضوع فيها أخذ مفروض الوجود والشروط المعتبرة فى القضية انما تعتبر مقومة للموضوع فالحكم فيها انما يتحقق فى ظرف تحقق موضوعه فقبل تحققه لا حكم أصلا.

ولا يخفى ما فيه لما عرفت ان الحكم الشرعي انما هو عبارة عن نفس الارادة الشرعية التي تحصل بالقول أو بالفعل فباظهارها تكون فعلية من غير فرق بين ان يكون

متعلقها يحصل على كل تقدير أو على تقدير خاص وذلك لا يقتضي إلّا تصور الموضوع مع جميع قيوده فالحكم يكون فعليا قبل تحقق شرطه فلا يصح جعل الاحكام على نهج القضايا الحقيقة وانما يصح ان تكون الاحكام فعلية قبل تحقق موضوعها وقيوده (١) نعم لو قلنا بأن الاحكام انما هي مجعولات اعتبارية كالملكية فحينئذ يمكن ان تكون على نهج القضايا الحقيقية بأن يكون اعتبارها عند تحقق الشروط كما يمكن ان يكون اعتبارها قبل تحققها مع ان ظرف تحققها هو ما بعد الموت كما فى الوصية التملكية ولكنك قد عرفت ان الحكم الشرعي عبارة عن نفس الارادة التشريعية وهي تتحقق عند اظهار المريد للارادة بالقول أو الفعل وبمجرد الاظهار الناشئ عن الاشتياق المتحقق فى نفس المريد يكون فعليا من غير فرق بين ان يكون متعلق تلك الارادة على كل تقدير فهو الواجب المطلق أو على تقدير خاص فهو الواجب المشروط ثم ان الاستاذ (قدس‌سره) عقب ما اختاره بما

__________________

(١) لا يخفى ان الموضوع في القضية وان كان تصوره معتبرا إلّا انه يؤخذ بما يحكى عن الخارج فالعبرة حينئذ بما فى الخارج لان الذي له الدخل هو ما يكون مشتملا على المصلحة وكونه واجدا للملاك وليس ذلك إلّا الموضوع الخارجي وهو الذي اخذ فى القضايا الحقيقية فعليه فعلية الحكم تتبع وجود موضوعة خارجا ولا يتحقق الحكم قبل تحقق موضوعه فحينئذ لا يعقل ان تكون الاحكام فعلية قبل تحقق موضوعها نعم انما تتحقق الفعلية عند الانشاء في القضايا الخارجية لعدم انفكاك الانشاء عن الفعلية بالنسبة اليها لكون نسبة الفعلية الى الانشاء نسبة المعلول الى العلة فالحكم فيها على موضوع موجود سواء كان شخصا خاصا كمثل اكرم زيدا او عنوانا انتزاعيا عاما بنحو يكون الحكم على الموجودات الخارجية كاكرم من في الصحن وقد استوفينا الكلام في حاشيتنا على الكفاية.

لفظه (هذا بناء على تبعية الاحكام لمصالح فيها فى غاية الوضوح وأما بناء على تبعيتها للمصالح والمفاسد فى المأمور به والمنهي عنه فكذلك ضرورة ان التبعية كذلك انما تكون فى الاحكام الواقعية بما هي واقعية لا بما هى فعلية فان المنع عن فعلية تلك الاحكام غير عزيز كما في موارد الاصول والامارات على خلافها) ولا يخفى ما فيه إذ قياسه على موارد الأصول والامارات قياس مع الفارق فان الاحكام تابعة للمصالح في المأمور به وفعلية تلك الاحكام لا ترتفع فى موارد الاصول والامارات الا وان تكون المصلحة فيها مزاحمة لمفسدة أهم من تلك المصلحة لكون المفسدة حينئذ تمنع تنجز التكليف الواقعي كما ورد ذلك في السواك وهذا بخلاف المقام فان المفسدة فى مثل الحج لا تكون مانعة من انشاء التكليف لأن المفسدة لا تتصادم مع هذا الخطاب لأنها تترتب على اتيان الفعل قبل وقته وذلك لا يعارض فعلية الطلب اذ الطلب يستتبع اتيان الفعل في وقته المقرر له شرعا وبالجملة فرق بين المقام وموارد الاصول والامارات على خلافها فان المفسدة في المقام لا تعارض فعلية الطلب والارادة والمفسدة في تلك الموارد يعارضان فعليتها كما لا يخفى.

ينبغى التنبيه على امور

الأمر الأول : تظهر الثمرة بين المختار والمشهور فى الواجب المشروط بالنسبة الى المقدمات المفوتة وهي التي لو لم يأت بها المكلف قبل تحقق شرط التكليف لا يمكنه فعلها بعد تحققه فعلى المختار من أن التكليف بذي المقدمة فعلي قبل تحقق الشرط فتجب جميع المقدمات مطلقا من غير فرق بين كونها مفوتة وبين كونها غير مفوتة غاية الامر بالنسبة الى غير المفوتة تكون واجبة وجوبا غيريا تخييرا بين

الاتيان بها قبل تحقق الشرط وبين الاتيان بها بعده واما بالنسبة الى المقدمات المفوتة فيجب الاتيان بها تعيينا أي قبل تحقق الشرط لعدم امكان ايجادها بعد تحقق الشرط واما على المشهور فلا يجب اتيان المقدمات فلذا بالنسبة الى المقدمات المفوتة يحتاج الالتزام بإتيانها الى القول بمتمم الجعل او الوجوب التهيؤ او الزام العقل بها تحصيلا لغرض المولى على ما سيأتى بيانه إن شاء الله تعالى.

الأمر الثاني : قد عرفت مما تقدم انه على المختار فى الواجب المشروط هو ان فعلية الوجوب لا تناط بالوجود الخارجي خلافا لما ذكره المشهور هذا فيما اذا علم كون الواجب مشروطا او مطلقا وأما لو شككنا في الواجب انه مطلق او مشروط فعلى المختار يجب تحصيل مقدماته الوجودية قبل تحقق شرط الوجوب لكونه فعليا ومنجزا فيترشح على تلك المقدمات الوجودية سواء كان الواجب مطلقا او مشروطا واما على مبنى المشهور فلا يجب تحصيل تلك المقدمات لان الشك فيها يرجع الى الشك فى وجوب تحصيلها حيث ان وجوب تحصيلها مبني على كون المقدمات للواجب المطلق وعدم تحصيلها مبني على كونها من الواجب المشروط وبالجملة يرجع الشك فيها الى انه يجب اتيان تلك المقدمات أم لا فيكون موردا لجريان أصل البراءة ولكن لا يخفى أن هذا مسلم في مورد لم يكن الشرط متحققا فى الخارج وأما اذا كان متحققا فيه فلا ينبغي الاشكال انه على كلا القولين من وجوب اتيان المقدمات لانه حسب الفرض ان الوجوب منجز سواء أكان مطلقا أم مشروطا وسواء توقف الوجوب على الوجود الخارجي ام لا هذا كله اذا لم يكن لدليل الوجوب اطلاق وإلّا يؤخذ بإطلاق الدليل الدال على الوجوب هذا ولكن الظاهر انه لو دار الامر بين كون القيد قيدا للوجوب وبين

ان يكون قيدا للواجب فانه لا يصح التمسك بالاطلاق لا جماله فى حال اتصال القيد فى الكلام وللتعارض بين ظهور المادة وظهور الهيئة في حال انفصاله عن الكلام فالمرجع حينئذ هي الاصول العملية وقد رجح الشيخ الانصاري (قدس‌سره) رجوع القيد الى المادة فيما لو دار امره بين الرجوع اليها او الى الهيئة بامرين الاول ان إطلاق الهيئة شمولي بمعنى ان الوجوب الذي هو مفاد الهيئة على كل تقدير واطلاق المادة بدلى بمعنى ان يكون الواجب صرف الطبيعة الصادقة على أي فرد صدقا بدليا مثلا لو قال صل متطهرا وشك في اعتبار الطهارة في وجوب الصلاة أو اعتبارها في نفس الصلاة وقد رجح الاطلاق الشمولي على الاطلاق البدلي لكونه أقوى ولذا قدم الاطلاق الشمولي فى مثل لا تكرم فاسقا على الاطلاق البدلي فى مثل اكرم عالما وقد أيد بعض الاعاظم ما ذكره شيخنا الانصاري (قدس‌سرهما) من تقديم الاطلاق الشمولي على البدلي في خصوص ما كان التعارض بين مدلوليهما كالمثال المذكور لا ما كان ناشئا من العلم بكذب احدهما كالمقام بما حاصله ان الاطلاق البدلي يحتاج الى مئونة زائدة وهو احراز تساوي الافراد في وفائها بالغرض لكي يحكم العقل بالتخيير بخلاف الاطلاق الشمولي فانه لا يحتاج الى ازيد من تعلق النهي بالطبيعة الصرفة وبذلك يسري الى الافراد سراية قهرية ولازم ذلك كون الاطلاق الشمولي حاكما على الاطلاق البدلي وبذلك يقدم العام على الاطلاق الشمولي لان دلالته بالوضع ودلالة الاطلاق بمقدمات الحكمة ولكن لا يخفى ما فيه فان الاطلاق الشمولي لا يرجح على الاطلاق البدلي لاتحاد سبب الاطلاق فيهما وهو مقدمات الحكمة فانها تثبت كون المراد هو المطلق اما كونه بدليا أو شموليا فلا يستفاد منها وانما يستفادان من حكم العقل بمناسبة الحكم مع موضوعه كما لو

وقع لفظ المطلق متعلقا للامر فان العقل يحكم فى مقام الامتثال بالاكتفاء بالمرة الذي هو مفاد الاطلاق البدلي كما ان الطبيعة الواقعة تلو النهي يحكم العقل باطلاقها الشمولي حيث ان ترك الطبيعة انما يحصل بترك الافراد وبالجملة ان مقدمات الحكمة تثبت الاطلاق الموجب للظهور واما اثبات البدلية او كونه شموليا فيستفاد من حكم العقل واما المقام فاطلاق الهيئة شموليا يستفاد من عدم اناطة الطلب بشيء فان العقل يحكم بسعة الطلب الشامل لوجود القيد وعدمه المسمى ذلك بإطلاق الهيئة شموليا واطلاق المادة بدليا يستفاد من عدم تقييد المادة فيحكم العقل بسعتها وانطباقها على اي فرد منها اطلاقا بدليا ولا يتوهم تقديم الاطلاق الشمولي على الاطلاق البدلي مع ان منشأ الظهور فيهما واحد للعلم اجمالا برجوع القيد الى أحد الاطلاقين فيوجب ذلك تساقط الظهورين للعلم الاجمالي بكذب احدهما نعم العموم المستفاد من الوضع يقدم على الاطلاق الشمولي لكونه يحصل من مقدمات الحكمة وهي انما تجري حيث لا بيان والدلالة الوضعية صالحة للبيانية والى ذلك يرجع كلام الاستاذ (قده) فى الكفاية من عدم اقوائية الاطلاق الشمولي على الاطلاق البدلي لكونهما مستفادين من مقدمات الحكمة.

الأمر الثالث : ان تقييد الهيئة موجب لتقييد المادة من دون العكس ولا اشكال في ان ارتكاب تقييد واحد اولى من ارتكاب تقييدين ودعوى ان تقييد الهيئة موجب لبطلان العمل باطلاق المادة فحينئذ يدور الامر بين احد تقييدين اما المادة او الهيئة في غير محلها اذ مخالفة الاصل العقلائي الذي هو عدم الاخذ بالظهور لاحتمال قرينية الموجود يوجب انتفاء الظهور الفعلي في المادة والهيئة لانه ان أرجعنا القيد الى الهيئة ينتفي الظهور الفعلي في المادة والهيئة وان أرجعنا الى

خصوص المادة بقي ظهور الهيئة بحالها ولا اشكال في أرجحية ارتكاب الاخذ بانتفاء بعض الظهور على ارتكاب انتفاء اصل الظهور والحق في المقام ان يقال ان القيد ان كان متصلا اوجب اجمال الكلام لاتصاله بما يحتمل قرينية الموجود فلا يبقى مجال للاخذ بظهور الهيئة دون المادة واما اذا كان القيد منفصلا فلا اشكال في عدم اطلاق المادة للعلم بدخله في المادة لانه ان رجع اليها فهي مقيدة به اصالة وان رجع الى الهيئة فالمادة مقيدة به تبعا وحينئذ نعلم بتقييدها ونشك في تقييد الهيئة فلذا يصح لنا التمسك باطلاقها نعم بالنسبة الى وجوب تحصيل القيد يمكن نفيه بالبراءة بيان ذلك ان وجوب التحصيل يتوقف على تقييد المادة واطلاقها ينفي رجوعه اليها ويثبت به رجوع القيد الى الهيئة للعلم الاجمالي برجوعه الى أحدهما فالاطلاقان متعارضان ولا مرجح لأحدهما فيتساقطان وحينئذ يشك فى وجوب تحصيل القيد ويكون من الشك البدوي فينفى بالبراءة.

المعلق والمنجز

المبحث الثاني : ينقسم الواجب الى المعلق والمنجز لانه إن اقترن زمان الواجب بزمن الوجوب فمنجز وإلا فمعلق والمشهور جعلوا القسمة للواجب المطلق في قبال الواجب المشروط فلذا كانت القسمة عندهم ثلاثية وبعضهم انكر الواجب المعلق وقال باستحالته واستدل على ذلك بوجهين الاول ان الوجوب منتزع من الارادة وهي عبارة عن الشوق المؤكد نحو المراد من غير فرق بين التكوينية والتشريعية إلا أن الاولى تتعلق بفعل المريد نفسه والثانية تتعلق بفعل الغير وعليه كيف يعقل ان يكون التكليف المقيد بوقت فعليا قبل حصول القيد وبعبارة

اخرى ان الارادة التكوينية عبارة عن تحريك العضلات نحو المراد فهي بنفسها تبعث المزيد الى التحرك نحو المراد وفي الارادة التشريعية تبعث العبد للتحرك نحو المراد ولازمه ان لا يكون فعليا إلا مقارنا للعمل اذ لو لم يكن مقارنا له لم تكن الارادة منشأ لانتزاع الوجوب منها وعليه يستحيل ان يكون الواجب متأخرا عن الوجوب بل لا بد وان يكون الواجب مع الوجوب متقارنين فإن كان الواجب فعليا يكون الوجوب فعليا وان كان استقباليا يكون الوجوب استقباليا وعليه لازم هذا الوجه انحصار الواجبات كلها فى النفسية لانه اذا فرضنا تحقق الواجب الغيري يلزم انفكاك الارادة عن المراد النفسي زمانا لحيلولة الواجب الغيري بينهما.

أقول يمكن أن يكون هذا النزاع لفظيا بين من انكر المعلق وبين من يقول به اذ الطرفان يعترفان فى نفس الامر والواقع ان الارادة غير مقارنة للعمل وانما هي مقارنة لمقدماته فمن قال بالواجب المعلق لاحظ كون الارادة هي موضوع حكم العقل بوجوب الامتثال ومتى تحققت فوجب موافقتها فبهذه الارادة باعتبار تعلقها بالمقدمات تصير ارادة غيرية وباعتبار تعلقها بذيها تصير ارادة نفسية ومن انكر الواجب المعلق منع حكم العقل بوجوب امتثال مثل هذه الارادة والتزم بامتثال الارادة المقارنة لنفس العمل فتكون مقدماته خارجة عن دائرة تلك الارادة فلا يكون موضوعها الوجوب الغيري وعليه يكون الواجب هو ما كان مقارنا لتلك الارادة ومع عدم المقارنة لا يكون واجبا فالمنجز ما يكون وقت العمل متحققا وإلا فمشروط والذي يقتضيه التحقيق هو اقوائية الوجه الاول للوجدان الحاكم باستحقاق العقوبة لو أمر المولى عبده بشراء اللحم مثلا وكان امتثال امره موقوفا على مقدمات قد فات بعضها تسامحا وتساهلا من العبد فلم يحصل امتثال امر المولى فلو كان من

قبيل الواجب المشروط لم يكن مستحقا للعقوبة على ترك الشراء بل له الاعتذار بأن الطلب المصحح للعقوبة على مخالفته لم يكن متوجها إلا بعد فوت بعض المقدمات المانع من توجه التكليف ولا ريب ان ذلك مخالف للوجدان.

الوجه الثاني : ان يكون الواجب الاستقبالي مرددا بين أن يكون التكليف متوجها الى القيد والمقيد بأن يكون مطلوبا على وجه التقييد بالزمن المستقبل أم يكون متوجها لنفس ذات المقيد اما الاول فهو امر غير معقول لاستلزامه تعلق التكليف بالقيد الذي هو غير مقدور لعدم التمكن من اتيانه وأما الثاني فلا يخلو الحال فيه أما أن يكون التكليف غير مقيد فيصير منجزا وهو خلاف الفرض وأما أن يكون مقيدا أي معلقا على حصول الشرط كان من الواجب المشروط وهو المطلوب وببيان آخر أن الواجب المطلق ما يكون مقيدا بأمر غير مقدور أما حقيقة كما لو كان مقيدا بالزمان المستقبل وأما جعلا كما لو قيد بأمر مقدور إلا أنه أخذ على نحو لو حصل بطبعه من غير قصد.

وكيف كان فالقيد لم يؤخذ بنحو يكون داخلا تحت الاختيار وحينئذ لا يعقل تعلق الارادة التكوينية بفعل يعلم بكونه خارجا عن الاختيار كذلك لا يعقل تعلق الارادة التشريعية بما هو خارج عن الاختيار ولازم ذلك ان تكون الارادة معلقة على حصول الغير فيكون حينئذ من الواجب المشروط ولكن لا يخفى أنك قد عرفت أن ذلك مخالف للوجدان فان الواجب المنجز ذا المقدمات وجوبه فعلي مع أن الواجب استقبالي مع انه خارج عن الاختيار حين تنجز وجوبه لكونه استقباليا مضافا إلى أن كون الوجوب فعليا والواجب استقباليا غير عزيز كما في الاجزاء المتدرجة في الوجود فالجزء الاخير مثلا يجب وجوبه حين الاتيان

بالجزء الاول لوجوبه فوجوبه فعلي مع ان الواجب استقبالي ودعوى تدريجية الفعلية فى الاجزاء المتدرجة فى الوجود خلاف الوجدان وكيف كان فالارادة ان اقترنت بالمراد فتكون المقدمات خارجة عن دائرة الارادة فمع فوت بعض المقدمات بسوء اختياره يكون تاركا للواجب فيستحق العقوبة مع انه لو كان من قبيل الواجب المشروط لما استحق العقوبة وإن كانت الارادة غير مقترنة بالمراد بل اقترنت بالمقدمات فلا مانع من اختيار القول بتعلق الطلب بذات المقيد ولا محذور فيه لأن الذات المطلقة لم تكن مطلوبة بل مع القيد بنحو تكون توأما مع القيد بأن لا يكون في ذات المقيد جهة سعة يشمل صورة تجرده عن القيد وبالجملة ان بني على اعتبار مقارنة الارادة للعمل انحصرت القسمة في الواجب الحالي والمشروط دون المعلق وإن لم يبن على ذلك انحصرت القسمة في المنجز والمعلق دون المشروط حتى لا تكون القسمة إلا ثنائية وحينئذ يبقى الاشكال على القوم فى تثليث الأقسام وحاصله ان الاشكال يكون مبنيا على ان يكون القيد داخلا في المطلوب بنحو واحد في المشروط والمعلق والاختلاف بحسب ذات المقدمة فانه ان كانت لازمة التحصيل كان ذلك الواجب من قسم الواجب المطلق وإلا كان من الواجب المشروط وحينئذ يتجه الاشكال على المشهور من جعل القسمة ثلاثية فانه ان كانت المقدمة من غير المقدور كالوقت أو كانت مقدورة ولكن بنحو لم يطلب حصولها من داعي الأمر فالمقدمة خرجت من حين الأمر والواجب حينئذ على قول صار مشروطا وعلى قول معلقا وإن كانت مقدورة ولازمة التحصيل من داعي الامر فيكون الواجب منجزا حاليا فالأقسام إذن لا تخرج عن أمرين ويرد عليه مضافا الى ما سمعت من أن ذلك ينافى بناءهم الذي بنوا عليه من تثليث الأقسام أنه

يلزمهم مع ذلك تعلق الحب والشوق بغير المقدور من تلك المقدمات لان عدم القدرة لا يمنع من تعلق الشوق نعم هو مانع من تعلق الارادة والحال أنا نجد بالوجدان ان ما كان من مقدمات الواجب المشروط كالاستطاعة والوقت خارجان عن دائرة الارادة ومن مبادئ تلك الارادة هذا وقد ادعى بعض الأعاظم تثنية الأقسام بانكار الواجب المعلق وقال باستحالته بما حاصله ان جعل الأحكام الشرعية فى القضايا بنحو القضايا الحقيقية وان القيود الموجودة في القضايا ترجع الى ناحية الموضوع ولازم ذلك أن تكون القيود التي اخذت فى الموضوع تعتبر مفروضة الوجود وعليه لا يمكن ان تكون تلك الاحكام فعلية قبل تحقق الشرط لاستحالة فعلية الحكم قبل تحقق موضوعه وحينئذ كيف يعقل ان يتعلق الوجوب الفعلي بالواجب الاستقبالي ولكن لا يخفى ما فيه أولا نمنع جعل الاحكام على نهج القضايا الحقيقية وثانيا نمنع رجوع القيد الى ناحية الموضوع وثالثا ان ذلك مبني على بطلان الشرط المتأخر وقد عرفت امكانه على التفصيل المتقدم وتحقيق المقام على وجه يصح تثليث الاقسام ويندفع به الاشكال بحذافيره يبنى على مقدمتين الأولى ان القيود والمقدمات للمطلوب تختلف على نحوين فتارة تكون المقدمة لها دخل في الاتصاف بالمصلحة كما فى المثال الخارجي ان اتصاف الاسهال في اصلاح المزاج لا يكون إلا بعد حصول المرض فالمرض له دخل باتصاف الاسهال بصلاح المزاج فتكون مثل هذه المقدمة مقدمة للواجب المشروط وتسمى بمقدمة الاحتياج وأخرى تكون المقدمة لها دخل في ترتب الاسهال وحصوله فتكون مثل هذه المقدمة مقدمة الواجب المطلق وتسمى بمقدمة المحتاج اليه كشرب السقمونيا فانه له دخل في ترتب الاسهال وحصوله والفارق بين النحوين من المقدمة بحسب الارادة فان

المقدمة الاولى خارجة عن حيز الارادة مع مبادئها قطعا ضرورة ان الارادة مع مبادئها لا تتعلق بالمرض ولا يكون محبوبا إلا إذا كان طريقا الى تحصيل أمر اهم نعم ربما كان طلبه محبوبا لأجل الاعتذار عن شيء يصده المرض عنه فحينئذ يكون المرض محبوبا فلا تكون المقدمة مطلوبة بنفسها كحب الإنسان للمولود فانه يحب أن يولد له مولود مع انه اذا ولد له مولود لا بد له من القيام بوظائف التكليف المتوجهة الى الآباء من الاتفاق وغيره مما يحتاج في تعيشه وتربيته ولكن مثل هذه المقدمة قد تتفق وبالجملة ان هذه المقدمات التي ذكرناها هو حصولها من باب الاتفاق بخلاف المقدمة الثانية فان تحصيلها دائمي فان من ابتلى من باب الاتفاق بالمرض فلا ينفك منه ارادة السقمونيا فبهذا الذي ذكرناه اتضح منه تثليث الاقسام وبيانه ان القيود ان كانت من قيود الاحتياج كانت خارجة من حيز الارادة ومبادئها وكانت من الواجب المشروط وان كانت تلك القيود قيودا لوجود المحتاج اليه فان كانت تلك القيود التي هي المحتاج اليه سابقة على الفعل فمعلق وإلا فمنجز وظهر مما ذكرناه خروج قيود الاحتياج عن الارادة ومبادئها من الشوق والرغبة والحب والميل وظهر لك ايضا ان هذه القيود لا يعقل أخذها في موضوع الحكم ومتعلقه لان موضوع الحكم ما تعلقت به تلك الارادة وقد عرفت عدم أخذه في متعلقات الارادة فالحكم قد تعلق بالذات التي هي توأم مع القيد على نحو خروج القيد والتقييد.

المقدمة الثانية : ان الطبيعة لها اعتباران من اللحاظ فتارة تلاحظ الطبيعة مقيدة باللحاظ الذهني وهو المعبر عنه عند الحكماء بالتحلية وتارة تلاحظ الطبيعة معراة عن كل شيء حتى عن ذلك اللحاظ الذهني وان كانت ملحوظة بالذهن

وهو المعبر عنه بالتخلية وتكون تحليتها عين تخليتها وبهذا الاعتبار تارة تكون بالنسبة لما في الخارج ترى غير الخارج بنحو يكون بينهما اثنينية وأخرى ترى عين الخارج بأن يكون لحاظها آلة لما فى الخارج وعلى النحو الثاني تتعلق بها الاوامر على ما سيأتي إنشاء الله تعالى بيانه فى مبحث تعلق الاوامر بالطبائع وبالافراد لان الوجود الخارجي لا يكون هو المطلوب اذ هو ظرف للسقوط ولا يعقل تعلق الاوامر به وإلا لزم تحصيل الحاصل ولازم ذلك أن يكون الذي هو فى حيز الامر هو الطبيعة الحاكية عما في الخارج وتتحد معه بنحو من الاتحاد

ان قلت تعلق الاوامر بشيء يتبع وجود المصلحة فيه التي لا مزاحم لها ومع تعلق الامر بالطبيعة التي هي المقصود لا مصلحة فيها وانما المصلحة في الوجود الخارجي لا في الوجود الذهني قلت ان متعلق الامر لما كان متحدا مع ما فى الخارج بنحو المرآة مع المرئي فحينئذ بسري وصف أحدهما للآخر لما بينهما من الاتحاد فالمصلحة وإن كانت قائمة بما في الخارج إلا انه لما كان ما في الذهن يحكي عما فى الخارج ومتحد معه بنحو من الاتحاد سرى وصف ما فى الخارج الى ما في الذهن فالطبيعة ايضا تكون موصوفة بذلك من غير فرق بين تعلق الحكم بنفس الطبيعة أو تكون شرطا لمتعلق الحكم كالاستطاعة فانها تعتبر شرطا بلحاظ الوجود الذهني المتحد مع ما في الخارج الذي له الدخل في اتصاف الحكم بالمصلحة ولذا صح تعلق الارادة فعلا بها من غير حاجة الى تحقق الاستطاعة الخارجية اذا عرفت ذلك فاعلم ان الواجب لما كانت مقدماته مقدمة للاحتياج وكانت خارجة عن حيز الارادة مع مبادئها إلا اذا كانت من باب الاتفاق محبوبة لغرض من الأغراض إلا ان القوم لما بنوا على حصر المقدمات في ترتب المحتاج اليه اشكل عليهم الحال

في بعض المقدمات التي هي غير مقدورة وان كانت خارجة عن حيز الارادة إلا انها باقية تحت مبادئها ومنشأ ذلك هو اعتبار القدرة في صحة توجه الخطاب وبما ان الخطاب معلق على أمر غير مقدور كالوقت مثلا فى وجوب الصلاة لا يصح توجه الخطاب قبل الوقت ولكنك قد عرفت ان المعتبر في صحة توجه التكليف هو القدرة عليه في ظرف الايجاب وهذه القدرة متحققة فى المطلق والمنجز وحينئذ فبما ان المقدمات لها الدخل في وجود الواجب فتكون كل واحدة منها لها نصيب في وجوبه فمع كونها مقدورة تجب ويكون وجوبها من ناحية تلك المقدمة بأن يسد باب من ابواب انعدامه فيصح التثليث بالامر الذي يكون بعض مقدماته مقدورا وان كان بعضها غير مقدور لان المكلف يتمكن من بعض التحصيل وبالاتيان بتلك المقدمات المقدورة فيتمكن من امتثال خطاب المعلق قبل تحقق قيده بإتيان بعض المقدمات المفوتة وغيرها كما ان في المنجز لو كان له مقدمات ففي كل مقدمة يتوقف عليها وجوده فتتصف بالوجوب لوجود ملاكه الذي هو بإتيان كل واحد منها ينسد باب انعدام الواجب المنجز وبالجملة حال المعلق من هذه الجهة حال المنجز من غير فرق بينهما ولذا قلنا بأن المقدمات المفوتة بالواجب المشروط يجب الاتيان بها مع تقدمها على شرط الوجوب لتحقق الارادة التي هي منوطة بحصول المعلق وهي تقتضي وجوب تحصيل المقدمات المطلقة بالاضافة الى الواجب المشروط فان العقل انما يمنع السراية فى المقدمات الوجوبية فى الواجب المشروط دون المقدمات الوجودية فان من علم بحصول الاستطاعة فيما بعد مع ان حجه يتوقف وجودا على تحصيل مقدمات متقدمة على شرط الوجوب الذي هو الاستطاعة فانه يجب تحصيل تلك المقدمات ان قلت ان تلك المقدمات انما يترشح الوجوب اليها بعد وجوب

ذيها ومع فرض عدم تحقق المقدمة الوجوبية لذيها فلا يتصف ذوها بالوجوب فكيف تتصف المقدمات الوجودية لذيها حينئذ بالوجوب قلت هذا مسلم لو كان الوجوب فى الحج مثلا موقوفا على وجود الاستطاعة الخارجية ولكنك قد عرفت ان الوجوب فيه متوقف على الوجود اللحاظي الذي هو مرآة لما في الخارج فالحاكم اذا علم انطباق الصور الذهنية على ما فى الخارج تكون على نحوين نحو بعبارة التعليق كقولك حج ان استطعت ونحو بعبارة التنجيز كما لو قال حج ولا اشكال فى مثل هذه الصورة ان حكمه سابق على حصول الاستطاعة الخارجية فيترشح على المقدمات الحاصلة قبل الاستطاعة وجوب واما اذا علم بعدم انطباقها على ما في الخارج بأن علم عدم تحقق الاستطاعة الخارجية فلا اشكال في عدم السراية الى تلك المقدمات لأن المقصود فيها التوصل الى حصول المطلوب النفسي وبعد العلم بارتفاع المطلوب النفسي فكيف تسري المطلوبية الى تلك المقدمات إلا أن يكون الموضوع اخذ على نحو الشرط الفرضي لا على نحو كونه آليا الى ما فى الخارج ومرآتا بإزائه فى الخارج مثلا ان كنت مولاك فافعل كذا والمقصود افرضني مولاك وافعل كذلك ففى هذه الصورة يسري الوجوب الى المقدمات مطلقا أي سواء علم بالانطباق ام لم يعلم لان الشرط فى الحقيقة لم يعتبر له واقعية بل على نحو الفرضية وفرضيته قد حصلت فيترتب الحكم عليه فقد اتضح مما ذكرنا ان الارادة الفعلية تكون باعثة على الترشح الى مقدمات الوجود سواء أكانت قبل شرط الوجوب ام متأخرة عنه غاية الامر ان كان الشرط فرضيا يكون الترشح عليها مطلقا وان كانت على نحو الآلية والطريقية يكون الترشح فى صورة العلم بالانطباق فلا وجه لما التزمه بعض من انكر الواجب المعلق كما انه على ما اخترناه فى الواجب

المشروط لا يرد الاشكال بالنسبة الى المقدمات المفوتة التي يجب تحصيلها قبل شرط الوجوب كما ان بعضهم أراد الفرار عن الاشكال بالنسبة الى بعض ما تسالموا على تحصيل مقدماته السابقة على زمان الوجوب كالغسل بالليل لصيام الغد مع ان الواجب كالوجوب فى الغد بتقريب ان الغسل مقدمة للصيام في زمان سابق عليه ولم يجب الا في زمان متأخر فكيف يجب الغسل الذي هو سابق على الصيام لذلك التجأ الى تأسيس واجب معلق وفسره بما كان زمان الوجوب مقدما على زمان الواجب لكي تجب مقدماته الوجودية كالغسل مثلا لو لم يأت به المكلف لفات الواجب المسمى ذلك بالمقدمات المفوتة كما ان المنكرين المواجب المعلق يدفعون الاشكال المذكور بالالتزام بالوجوب العقلي من باب قبح تفويت الغرض أو من باب الوجوب النفسي التهيئي وسيأتي إن شاء الله ان في كلا الامرين نظرا وأما نحن ففى سعة من ذلك لما عرفته من ان الارادة المقرونة بالمحبة والشوق فعلية وان لم تكن الارادة الفاعلية متحققة فلذا تجب تلك المقدمات الوجودية من جهة فعلية الارادة المستتبعة لفعلية الوجوب من غير فرق في أقسام الواجب من المشروط والمعلق والمنجز فتجب جميع المقدمات الوجودية واما فيما لو علق عليه الواجب أو شرط به الوجوب فلا يجب تحصيل تلك المقدمات من غير فرق بين أن تكون مقدورة أو غير مقدورة كما لا يفرق بالنسبة الى الآثار والثمرة بين المختار والمشهور.

إن قلت على ما اخترته يلزم انه لو علم المكلف قبل الوقت بعدم تحصيل الماء بعد الوقت يجب عليه الطهارة قبل الوقت لأنه من المقدمة الواجبة المفوتة وعلى ما ذكرت يجب تحصيلها والحال انه من المتسالم عند الاصحاب عدم تحصيل مثل هذه الطهارة.

قلت مقتضى قوله (ع) : (اذا دخل الوقت وجبت الصلاة والطهور) هو أن ابتداء الاتيان بالطهارة من دخول الوقت وقد عرفت انه يجب الاتيان بالمقدمات فيما اذا لم يتعلق على امر متوقع كما فى المقام على انه لو سلم ففى مثل هذه المقدمة لا يجب الاتيان بها لورودها بالنص على خلاف القاعدة المستفادة من القضية الشرطية فيجب العمل بها تعبدا.

ان قلت على هذا ان الطهارة المأتي بها قبل الوقت لا تتصف بالمقدمية فلا يستباح بها الدخول فى الصلاة من غير فرق بين قصد التوصل بهذه الطهارة الى الصلاة او لغاية اخرى كمس كتابة القرآن مع انه لا يلتزم به أحد من الفقهاء رضوان الله عليهم وقد أجاب بعض أهل العصر بما حاصله ان الرواية المذكورة لم تدل الا على ان زمان الوجوب بعد دخول الوقت ولم تدل على ان ابتداء المقدمية من ذلك الحين ولكن لا يخفى ان دلالتها على كون زمان الوجوب بعد دخول الوقت ولازمه ان يكون ابتداء المقدمية من ذلك الحين إذ لو لم يكن كذلك لكان يكتفى بمطلق الطهارة ليسري اليه الوجوب على ما عرفت منا سابقا ان المقدمات الوجودية تجب قبل زمان الواجب فلا تقتضي الاعادة وبالجملة دلالة الرواية على ان ابتداء المقدمية من دخول الوقت بالدلالة الالتزامية فلذا يجب الخروج عما ذكرنا من القاعدة المستفادة من القضايا الشرطية فالحق في الجواب عن ذلك ان يقال بأن الطهارة في ذلك الحين لا تتصف بالمقدمية لأن الطهارة المأتي بها لغاية اخرى ليست مقدمة للصلاة بل المقدمة لها هي الطهارة الباقية بعد الوقت المقارنة لزمان الصلاة ودعوى انه يجب حفظ تلك الطهارة بعد حصولها قبل الوقت ممنوعة لأن مقدميتها لم تؤخذ على سبيل الاطلاق بل اخذت على نحو لو حصلت من باب الاتفاق فلذا تسالم

الأصحاب على عدم وجوب حفظ الطهارة المائية قبل الوقت وبالجملة ان لوحظ ما تسالم عليه الأصحاب من جواز تفويت الطهارة المائية قبل الوقت ولوحظ قوله (ع) : (اذا دخل الوقت وجبت الصلاة والطهور وقوله (ع) (لا صلاة إلا بطهور) يفهم أن للصلاة مقدمتين طهارة حادثة بعد الوقت وطهارة باقية من الوضوء الحاصل قبل الوقت وهذه ليست متصفة بالمقدمة ولا يجب تحصيلها قبل دخول الوقت كما لا يجب المحافظة عليها بل ربما يقال أن مفهوم قوله (ع) (اذا دخل الوقت وجبت الصلاة والطهور عدم مقدمية الطهارة قبل الوقت اللهم إلا أن يقال بأن دعوى ذلك على الاطلاق ممنوعة اذ ذلك يسلم لو قصد الاتيان بها قبل الوقت بداع الصلاة واما لو لم يأت بها بذلك الداعي فنمنع دلالة المفهوم بمقتضى قوله (ع) (لا صلاة إلا بطهور) نعم قد يقال بمنع الاطلاق لعدم دلالة القضية الشرطية على المفهوم إذ مفادها توقف الصلاة على الطهارة فقط من دون تعرض لكون وجوب الصلاة على جميع التقادير أو على تقدير خاص ، وبعبارة أخرى إن الاشكال على المختار من لزوم وجوب الوضوء قبل الوقت بالوجوب التعييني فيما لو علم المكلف بعجزه عنه فى الوقت أو بالوجوب التخييري فيما لو علم باستمرار تمكنه منه في الوقت مع ان الاجماع منعقد على عدم وجوب الوضوء قبل الوقت للصلاة الواجبة فيه بل على عدم مشروعيته لها فى غير محله لما عرفت من ان المستفاد من قوله : (ع) (إذا دخل الوقت وجبت الصلاة والطهور) المؤيد بالاتفاق المذكور هو عدم تحقق المصلحة الغيرية في الوضوء السابق على الوقت الذي هو ملاك المقدمية. نعم يستكشف من تسالم الأصحاب على تحقق المصلحة الغيرية فيما لو أتى بالوضوء لغاية اخرى مشروطة واستمر الى ما بعد الوقت وحينئذ

تتصف بالمقدمية وأما بالنسبة الى ما قبل الوقت فهو كسائر الوضوءات يجوز نقضه كما يجوز نقض غيره ولو لا ذلك لقلنا بوجوبه قبل الوقت نظير سائر المقدمات الوجودية من غير فرق بين كونها من المقدمات المفوتة وبين غيرها. غاية الامر فى المفوتة تجب تعيينا وفي غيرها تجب تخييرا كما انه لا يفرق بين كون المقدمات من قبيل وجوب التعلم وبين غيره فيجب تعيينا ان كان ترك التعلم يوجب تفويت الواجب بعجزه عن امتثاله. واما اذا لم يوجب العجز عن الامتثال بل كان ممكنا ولو بطريق الاحتياط فيجب التعلم تخييرا هذا على المختار واما على المشهور فيجب التعلم من باب الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار فما عن بعض الاعاظم (قدس‌سره) من أن وجوب التعلم ليس من المقدمات المفوتة ولذا تمسك في وجوبه بقاعدة وجوب رفع الضرر المحتمل ولم يتمسك بقاعدة الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار محل نظر لما عرفت من ان ترك التعلم تارة يوجب العجز عن الامتثال ويكون من المقدمات المفوتة فعلى المختار تجب تعيينا وعلى المشهور تجب من باب الامتناع بالاختيار لا ينافى الاختيار ، واخرى لا يوجب تركه العجز عن الامتثال بل يمكن امتثالها ولو بطريق الاحتياط فلا تكون حينئذ من المقدمات المفوتة فعلى المختار تجب تخييرا وعلى المشهور لا تجب أصلا.

وينبغي التنبيه على أمور (الأول) ان ظاهر القضية الشرطية هو رجوع القيد الى الهيئة ولذا التزم المشهور بهذا الظهور وجعل القيد من قيود الهيئة إلا أن من يرجع الواجب المشروط الى المعلق كما هو المنسوب الى الشيخ الأنصاري (قدس‌سره) أو من ينكر الواجب المعلق كما يدعيه بعض من تأخر لا بد له من صرف الظهور الى إرجاع القيد الى المادة على الاول والمادة المنتسبة على الثاني لجهتين : الاولى أن مفاد الهيئة معنى حرفي وهو جزئي غير قابل لارجاع القيد

اليه لعدم اطلاق فيه لكي يصلح للتقييد. الثانية ان معاني الحروف معان مغفول عنها لكونها ملحوظة باللحاظ الآلي ولا يصح ارجاع القيد الى ما هو كذلك اذ لازمه ملاحظته باللحاظ الاستقلالي ولكن لا يخفى ما فيهما.

أما عن الاولى فلأن معاني الحروف على ما عرفت منا سابقا انها موضوعة بالوضع العام والموضوع له عام فهي كلية صالحة للتقييد ولو سلم بأنها جزئيات فحينئذ يمنع تقييدها من حيث الافراد وأما بالنسبة الى الاحوال فلا مانع من تقييدها من تلك الحيثية ، كما انه لا مانع من إطلاقها من تلك الجهة ، واما عن الثانية فقد عرفت منا سابقا بأن معاني الحروف من خصوصيات المعنى الاسمي ومع كونها كذلك كيف تكون مما يغفل عنها مع انها معان مقصودة بالافادة ولذا صححنا إرجاع القيد الى الهيئة التي هي من المعاني الحرفية من دون حاجة الى ارجاعها الى المادة فرارا عن ذلك أو إرجاعها الى المادة المنتسبة فرارا من الالتزام بالواجب المعلق مع انه يرد على الاخير ان الانتساب معنى حرفي وارجاع القيد الى المادة المقيدة بالمعنى الحرفي في الحقيقة تقييد للمعنى الحرفى ان جعل المقيد نفس الانتساب ، وان جعل المقيد نفس المادة التي هي توأم مع القيد فيكون من الواجب المعلق الذي لا يقول به هذا القائل وكيف يلتزم بعدم تحقق الواجب المعلق مع تحققه بالتكليف بالاجزاء التدريجية فإن الجزء الثاني منها يكون التكليف به فعليا عند امتثال الجزء الاول مع كون الواجب وهو الجزء الثاني مستقبلا والالتزام بالفعلية التدريجية في مقام الامتثال التدريجي فى غير محله إذ لازم ذلك انا لو شككنا في جزء غير الجزء الأخير يكون من الشك في التكليف مثلا لو شككنا فى اعتبار جلسة الاستراحة في الركعة الاولى او الثالثة فمع جريان البراءة عن وجوبها ترتفع

فعلية التكليف بها وحينئذ نشك فى فعلية باقي الاجزاء للشك فى توجه الخطاب بالباقي مع انه من الواضح فساده.

ودعوى ان الجزء الواقع بعد الجزء المشكوك يكون منجزا بمجرد جريان البراءة السابقة وتنجزه مساوق لفعليته ففي غير محلها ، إذ ذلك يلزم ان تكون مثبتاتها حجة على ان التنجيز انما يتأتى بعد الفراغ من الجزء السابق فمع الشك في اعتباره يوجب الشك في توجه الخطاب للجزء اللاحق مع انه من الواضح ان التكليف بالاجزاء التي يحصل امتثالها بالتدريج يكون فعليا قبل تحقق الاجزاء وعليه فلا بد من الالتزام بالواجب المعلق أو بالشرط المتأخر كما لا يخفى.

التنبيه الثاني انك قد عرفت ان الارادة التشريعية على نهج الارادة التكوينية تتحقق مع ان موضوعها لم يتحقق فلذا تكون فعلية قبله فتجب المقدمات الوجودية باسرها من غير فرق بين كونها مفوتة أو غير مفوتة غاية الامر ان كانت مفوتة تجب تعيينا وان كانت غير مفوتة تجب تخييرا فعليه لو جاء نص من الشارع على وجوب بعض المقدمات يحمل على الوجوب الغيري ويستكشف من ذلك وجود مصلحة غيرية بمتعلقه ، وحينئذ يكون نص الشارع على طبق القاعدة إلا ان بعضهم أراد الفرار عن ذلك بتأسيس واجب نفسي تهيئي وجعله عبارة عما تكون الارادة نفسية متحققة فى متعلقه من دون تحقق مبادئها فقال في مقام التقسيم ان الواجب أما غيري أو نفسي ، والنفسي أما تهيئي وأما غير تهيئي ، لان الارادة ان كانت مع مبادئها غيرية فالواجب غيري ، وان كانت الارادة نفسية مع مبادئها فنفسي ، وان كانت الارادة نفسية دون مبادئها فهو نفسي تهيئي وجعل المقدمات التي تجب قبل ذيها من الواجب النفسي التهيئي ، ولكن لا يخفى

ما فيه لأن الارادة ان اعتبرت مقارنة للعمل فالمقدمات تكون خارجة عن حيز الارادة لاعتبار مقارنتها له سواء كانت المقدمات قبل وقت العمل او بعده ، فلذا لا تتصف المقدمات حينئذ بالوجوب الغيري ، وان اعتبرت غير مقارنة للعمل فالمقدمات كلها تتصف بالوجوب الغيري من غير فرق بينما كان منها قبل الوقت او بعده.

فعليه الواجب النفسي هو القسم الأول وحينئذ ينحصر في الواجب النفسي غير التهيئي على ان المصلحة المتحققة في المقدمات التي صارت ملاكا للوجوب التهيئي انما هي عبارة عن التهيؤ للواجب النفسي وهذه المصلحة ليست ملاكا للوجوب الغيري الذي هو عبارة عن التهيؤ لفعل الواجب النفسي ، فلا معنى لجعل الوجوب الغيري وجوبا نفسيا تهيئيا. وبالجملة الواجب اما غيري أو نفسي وليس لنا قسم ثالث يقال له واجب تهيئي.

هذا بناء على ما هو المختار من ان المراد من الارادة الانقداح نحو الشيء ولو كان مع الواسطة ، واما بناء على غير المختار من عدم جواز تفكيك الارادة عن المراد فلا معنى لهذا التقسيم ايضا كما انه لا معنى لهذا التقسيم لو رجع الى مرتبة الارادة أو مرتبة الاشتياق إذ لا معنى للاشتياق الى الشيء مقدمة للغير اللهم إلا ان يقال انه يمكن هذا التقسيم أي تقسيم الواجب الى النفسي غير التهيئي والتهيئي والغيري بالنسبة الى مرتبة التحميل والابراز لأن ابراز الارادة اما ان يكون بالتهيؤ الى توجه خطاب آخر فتهيئي وان كان ابراز الارادة للتوصل الى وجود واجب آخر فغيري وإلا فنفسي ولكن لا يخفى ان التقسيم لو رجع الى مقام التحميل والابراز ينبغي التفصيل بين المقدمات الشرعية والمقدمات العقلية حيث

ان المقدمات العقلية ليس فيها بعث وخطاب بخلاف الشرعية إلّا ان يدعى ان في العقلية منها بعثا حيث ان البعث لا يختص بالدلالة المطابقية بل يشمل حتى الدلالة الالتزامية فيتحقق الانبعاث نحو الشيء ولكن يمكن منع هذه الدعوى بعدم تحقق الدلالة الالتزامية للبعث نحو الشيء وكيف كان فالمشهور جعلوا التقسيم راجعا الى واقع الارادة فلذا لا معنى لتثليث الاقسام عندهم ولذا دفعوا الاشكال المذكور بقاعدة الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار وبهذه القاعدة أوجبوا الاتيان بالمقدمات المفوتة وحاصلها ان المكلف اذا علم بتحقق شرط الواجب فى المستقبل وبتعلق التكليف بالفعل الواجب المشتمل على مصلحة في ظرف متأخر فالعقل يحكم بالاحتفاظ بالقدرة عليه لامتثال ذلك التكليف فى ظرفه كما هو شأن العقلاء في معاملاتهم الراجعة لانفسهم كما لو علموا بأن في الزمان المستقبل تكون لهم مصلحة تتعلق ببعض الأمور فلذا يلزمون انفسهم بالاحتفاظ بما يتمكنون من ايجاد تلك الامور ومع عدم وجدانهم لبعض ما يحصل لهم التمكن من السعي الى ايجاده قبل مجيء زمان ذلك الفعل وهكذا بالنسبة الى بعض الامور المشتملة على مفسدة يعلم ابتلائهم بها بعد برهة من الزمن فتجدهم يحصلون على اشياء لمكافحة تلك المفاسد لكي لا يبتلوا بها واذا كان هذا شأن العقلاء في تحصيل مصالحهم المترقبة ودفع تلك المفاسد المتأخرة فليكن كذلك بالنسبة الى مصالح الشارع فيجب على من علم بتوجه الخطاب اليه في الزمن المتأخر الاحتفاظ بتلك القدرة على اتيان تلك الافعال المشتملة على المصالح ولذا يحكم العقل بإتيان المقدمات المفوتة قبل حصول شرط الواجب احتفاظا بالقدرة على اتيان الواجب في ظرفه ولازم ذلك استحقاق العقاب عند تركها لتقصيره بعدم اتيان ما يوجب تفويت الواجب ولكن لا يخفى

أن ذلك مسلم لو كان التكليف بالواجب متحققا لكي يوجب عدم الاتيان بالمقدمة تفويت الواجب ويكون مقصرا باعتبار عدم الاتيان بالمقدمات ويعاقب على عدم اتيان الواجب بتقصيره ولا ينافي ذلك ان يكون ممتنعا إذ امتناعه بالاختيار ، واما اذا لم يكن التكليف بالواجب متحققا وكان مشروطا بأمر متأخر فمن عدم اتيان المكلف بما يوجب التفويت لا يعد مقصرا اذ عند حصول الشرط فى الزمان المتأخر لا يتوجه الخطاب اليه لعدم قدرته عليه ولا يكون من الممتنع بالاختيار على ان المستفاد من القاعدة أن يكون التفويت عن تقصير فلو كان ذلك يثبت بهذه القاعدة لزم الدور الواضح البطلان مضافا الى ان هذه القاعدة لا تشمل صورة الجهل لعدم توجه الخطاب حينئذ عند حصول الشرط فلو عوقب معه لزم قبح العقاب من دون بيان وبهذا الملاك يجري في صورة العلم اذ علم المكلف بأنه سيخاطب لا يصير بيانا فعليا لكي يجب حفظ القدرة.

وعليه فليس فى البين ما يوجب تحصيل المقدمات المفوتة سوى ما قلنا بأن الارادة بالنسبة الى الاحكام الشرعية فعلية قبل حصول الشرط بمعنى ان البعث نحو المقدمة هو حفظ وجود الواجب من ناحية تلك المقدمة على ما عرفت منا سابقا

التنبيه الثالث انه لو تردد الواجب بين كونه معلقا او منجزا بمعنى انه قد علم بتقييد الواجب وشك فى اعتباره بنحو يكون اعتباره لو حصل من باب الاتفاق فيكون من المعلق او يعتبر قيدا للواجب بنحو يجب تحصيله فلا اشكال فى عدم جواز التمسك بالاطلاق للعلم بتقييد الواجب إلا انه وقع الشك في كيفية تقييده هل هو على نحو يجب تحصيله أم لا فحينئذ يرجع الشك في وجوب التحصيل الى الشك فى التكليف فيكون ذلك من موارد جريان البراءة.

(النفى والغيرى)

المبحث الثالث ينقسم الواجب الى الواجب النفسي والواجب الغيري وعرف الاول بما كان ايجابه لنفسه لا للتوصل به الى غيره وعرف الثاني بما كان ايجابه للغير لا لنفسه واورد على ذلك طردا وعكسا لخروج اكثر الواجبات ان لم نقل كلها كالصيام والصيام وغيرهما من الواجبات النفسية ودخولها فى الواجبات الغيرية لأن الواجبات النفسية بأسرها شرعية كانت ام عرفية ليس المقصود منها والمطلوب حقيقة إلا التوصل بها الى شيء آخر.

أما الواجبات الشرعية ، فالمطلوب الحقيقى هو المعرفة كما دلت على ذلك الآية الشريفة) (ما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) والمراد بالعبادة هي المعرفة على ما ذكرت التفاسير ، واما فى العرفيات فالمقصود الحقيقي فيها في استراحة النفس والحق فى الجواب عن هذا الاشكال يتوقف على معرفة الوجوب فنقول الوجوب بمعنى اللزوم واللابدية وهذا هو معنى الوجوب في التكوينيات فى مقابل الامتناع فيها لأن الشيء اذا وجب وجوده في الخارج بمعنى انه حصلت علته التامة فلذا يلزم وجوده هذا فى التكوينيات وفى الشرعيات المراد من الوجوب هو ذلك الوجوب ولكن يفترق عنه بأن ذلك وجوب حقيقى وهذا بنحو من الادعاء لوجود مقتضيه مثلا نفس خطاب الشارع مقتضى الوجود ويحتاج الى ضم ارادة العبد واختياره بالطاعة فاذا حكم العقل بلزوم الطاعة وحرمة المخالفة فكأن ذلك

الشيء قد وجدت تمام علته ولكن بنحو من الادعاء وبنحو من التنزيل فينتزع من ذلك الوجوب أي من مقام ابراز الارادة وظهورها الوجوب لان العقل يحكم بوجوب الشيء بعد ابراز تلك الارادة.

وبالجملة الوجوب منتزع من مقام التحميل ومقام الابراز والظهور لتلك الارادة لا من مقام واقع الارادة وإلا فظاهر ان واقع الارادة غيري وحينئذ فان كان ابراز الطلب بنحو التوصل به الى واجب فغيري وإلا فنفسي والى ما ذكرنا يرجع ما ذكره الاستاذ (قدس‌سره) فى الكفاية ما لفظه (وحيث كان طلب شيء وايجابه لا يكاد يكون بلا داع فان كان الداعي فيه هو التوصل به الى واجب لا يكاد يمكن التوصل بدونه اليه لتوقفه عليه فالواجب غيري وإلا فهو نفسي سواء كان الداعي محبوبية الواجب بنفسه كالمعرفة بالله تعالى او محبوبيته بما له من فائدة مترتبة عليه كاكثر الواجبات من العباديات والتوصليات) إلّا ان الاستاد قد أورد على هذا بقوله (ولكن لا يخفى أن لداعي لو كان محبوبا .. الخ) ولكنك قد عرفت ان اندفاع هذا الايراد مبني على واقع الارادة في حين ان التقسيم راجع الى بروز الارادة وليس راجعا الى واقعها وحيث تخيل رجوع التقسيم الى واقع الارادة توجه عليه ذلك الايراد ولذا تصدى الاستاد لدفعه فقال (فالاولى ان يقال ان الاثر المترتب عليه وان كان لازما. الخ) ما ملخصه ان ترتب الفائدة على الواجب يجعله متعنونا بعنوان حسن ويستقل العقل بالمدح على الموافقة والذم على المخالفة وكان بهذا العنوان الحسن متعلقا للايجاب وتعلقه بما هو كذلك لا ينافي كونه واقعا مطلوبا غيريا بخلاف الواجب الغيري فانه متمحض للايجاب بالغير وكونه على نحو المقدمية

فعلى هذا يندفع ذلك الايراد ولكن لا يخفى ما فيه اولا انه منقوض

بالواجبات النفسية العرفية مثل اسقني فانه لم يكن فيه عنوان حسن ومصلحة إلا للتوصل به الى استراحة النفس والحال انه لا اشكال في كونه واجبا نفسيا.

وثانيا ان الاوامر الشرعية المتعلقة بالعبادات النفسية مثل الصلاة والصيام والحج ونحو ذلك مما هو عبادة فعلى مختار الاستاد (قدس‌سره) ان القربة معتبرة فى الغرض وغير معتبرة في المأمور به فيكون في هذه العبادات جهة توصلية الى الغرض المشتمل على قصد القربة فترتب الغرض على الواجب يجعله حسنا فيوجب تعلق الوجوب بها فعليه يكون في مقام الترك العقاب على ترك الغرض المشتمل على قصد القربة وعقابه على ترك الصلاة المعنونة بعنوان حسن حيث لا اشكال انه لا عقوبة الا واحدة مترتبة على ترك الصلاة فقط.

إن قلت الفوائد لا تتسع العقوبات (قلت) هذا مسلم في الفوائد التى لم تكن لازمة التحصيل لا مثل ما نحن فيه فانه لما اخذ قصد التقرب فى الغرض صارت الفائدة واجبة التحصيل فبتركها يترتب العقاب. نعم لو لم يؤخذ قصد القربة فى الغرض وجوزنا اخذه فى المأمور به ترتب عقاب واحد لانه حينئذ تكون الفائدة غير لازمة التحصيل لعدم اخذ قصد القربة فيها. واما لو شك في ذلك فيرجع الشك الى كونها لازمة التحصيل فلا يجب مراعاتها لحصول الشك فى ذلك فلا يستحق العقوبة على التفويت. هذا كله لو علم كون الواجبات نفسية او غيرية واما لو شك فى واجب انه نفسي او غيري فان كان هناك اطلاق يقتضي كونه نفسيا لما هو معلوم ان الوجوب الغيري يحتاج الى مئونة زائدة فبدليل الاطلاق ينفى تلك المئونة. ودعوى انه لا يصح التمسك بالاطلاق لأن الوجوب النفسي او الغيري من مفاد الهيئة ولا اطلاق فيها لكونها معنى حرفيا وهو جزئي غير

قابل للاطلاق على انه مما يغفل عنه وهو غير صالح للتقييد ممنوعة لما عرفت منا سابقا بأن المعاني الحرفية كلية ومن خصوصيات المعانى الاسمية المقصودة بالافادة وبذلك يصلح للاطلاق والتقييد وان لم يكن هناك اطلاق فالمرجع هو الاشتغال فيما لو علم بفعلية التكليف النفسي كالتكليف بالصلاة والشك في وجوب الطهارة انه لنفسه أو لغيره فيجب الاتيان بالطهارة فى وقت الصلاة للعلم بوجوبها اما نفسيا أو غيريا وجريان البراءة فيما اذا لم يعلم بفعلية الخطاب كما لو شك في الطهارة قبل وقت الصلاة انها واجبة بالوجوب الغيري أو بالوجوب النفسي ، وأما لو شك فى كون ما يأتى به نفسيا او غيريا وعلى تقدير كونه غيريا يكون المقيد واجبا فعليا فالظاهر انه يجب الاتيان به ويكون من قبيل الاقل والاكثر فان الاقل يجب الاتيان به وان كان مرددا بين كونه نفسيا أو غيريا ، وتجرى البراءة في الاكثر ثم لا يخفى ان الداعى الى ارتكاب هذا التقسيم هو ابطال الثمرة التي رتبوها على القول بوجوب المقدمة وعدم وجوبها فعلى القول بوجوبها يحصل بتركها عقوبتان وعلى الثاني عقوبة واحدة صرح بذلك اكثر المحققين وزاد المتأخرون ابطال تلك الثمرة فقسموا الواجب الى قسمين فكأنهم يقولون لا ملازمة بين وجوب شيء وبين استحقاق العقوبة وانما ذلك فى الواجبات النفسية دون الغيرية ولكن لا يخفى ان ذلك على خلاف التحقيق عند من له النظر الدقيق لان مناط الاستحقاق في العقوبات على الطغيان واظهار المعصية وذلك ان ما يحصل من العصيان من حين ترك المقدمة فان من رمى رجلا وبعد ساعة يصل له السهم ويقتل فهل ترى العقلاء ينتظرون الوصول لكي يذموه بل بمجرد رميه يذمونه ويقبحونه وللمولى ان يعاقبه لأنه اظهر المعصية واظهر الطغيان على المولى وسيأتي بيان ذلك فى مسئلة

التجري إن شاء الله تعالى.

ان قلت اذا كان حين ترك المقدمة يعاقب فيقتضي ان يكون هناك عقوبتان عقوبة على ترك المقدمة وعقوبة على ترك ذيها ولازم ذلك ان تتعدد العقوبات على المقدمات المتعددة ولا اشكال في بطلان ذلك.

قلت ان مرحلة تعدد العقوبة واتحادها تابعة لتعدد الغرض واتحاده ، واذا كانت المقدمات متعددة والغرض واحد يعاقب عقوبة واحدة لانه فوت غرضا واحدا ، ولو كانت مقدمة واحدة ولها غرضان يعاقب عقوبتين لانه فوت غرضين

ان قلت اذا كانت وحدة العقوبة وتعددها تابعة لتعدد الغرض ووحدته فيلزم ان يكون التارك للشريعة كلها يقتضي ان يعاقب عقوبة واحدة لأن الغرض من كل الشريعة واحد وهو المعرفة بمقتضى الآية.

قلت ان المعرفة لم تجعل غرضا للاوامر الشرعية بل جعلت لخلق الجن والانس ، ولو سلم فيمكن ان تكون المعرفة جعلت غرضا في الجملة للتكاليف ولكن كل مرتبة من المعرفة تكون غرضا واحدا من التكاليف. مثلا يكون الغرض من الوضوء مرتبة من المعرفة غير المرتبة التي هي غرض من التكاليف بالصلاة

وبالجملة ان الوجدان شاهد على ان استحقاق العقاب على من اظهر المعصية واظهر التجري على المولى وان التعدد والاتحاد ملاكهما وحدة الغرض وتعدده كما تجد ان المولى لو أمر باتيان الماء لرفع العطش والعبد يعلم ان هذا الماء فيه سم ، فلو جاء العبد به الى المولى استحق العقوبة بتفويت الغرض فالحق في المسألة أن يقال ان الواجبات الغيرية كالواجبات النفسية ، فكما ان الواجبات النفسية يستحق على فعلها الثواب وعلى تركها العقاب فكذلك الواجبات الغيرية لأن

الواجبات الغيرية ينطبق عليها بالاتيان عنوان الانقياد ، وعلى الترك من حينه ينطبق عليه انه اظهر المعصية على المولى واظهر الطغيان فتجرى وعصى كما لا يخفى

ينبغى التنبيه على امرين

الأول لا ريب في ترتب الثواب على امتثال الواجبات النفسية وموافقتها سواء قلنا بأنه من باب التفضل كما ينسب الى المقيد (قدس‌سره) أو أنه بالاستحقاق كما هو المعروف بين المتكلمين وانما الكلام في ترتب ذلك على الواجبات الغيرية والظاهر عدم ترتب الثواب على امتثال الواجبات الغيرية حيث انه يترتب على موافقة التكاليف المحصلة للاغراض النفسية الموجبة للتكاليف النفسية ، ومن الواضح ان الواجب الغيري لا يترتب على موافقته الغرض النفسي لكي تكون موافقته موجبة لترتب الثواب. نعم لا مانع من ترتبه على الواجب النفسي في ظرف الإتيان بالمقدمة بقصد التوصل الى ذيها فان العقلاء يرون الآتي بالمقدمات الموصلة متشاغلا بامتثال الاوامر النفسية ويعدونه متلبسا بامتثالها ولذا استحق الآتي بالمقدمات لغاية الاتيان بالواجب النفسي المدح ، وليس ذلك إلا من رشحات الواجب النفسي لا انه شيء آخر يترتب على اتيان الواجبات الغيرية كما عرفت منا سابقا بالنسبة الى العقاب ، فان من لم يات بمقدمات الواجب النفسي في الوقت الذي يجب امتثاله يرونه متلبسا بعصيان الواجب النفسي ولو كان ذلك قبل وقته

ان قلت ما ذكرت ينافي ما ورد عن الشارع المقدس بترتب الثواب مطلقا أو على خصوص بعض المقدمات.

قلت ان الأوامر المطلقة كمثل من اطاع الله ورسوله فله أجر عظيم فقد

عرفت مما ذكرنا سابقا انها تحمل على الاوامر الارشادية لحكم العقل باستحقاق الثواب والعقاب فى مقام الاطاعة والعصيان ، نعم الاخبار المصرحة بترتب الثواب على خصوص بعض المقدمات فلا مانع من حملها على كونه ما تترتب عليه مستحبا نفسيا إذ ليس فى الخبر تصريح باستحقاق الثواب على الاطاعة الغيرية كما هو واضح.

التنبيه الثاني : انه قد استشكل في الطهارات الثلاث بانها امور عبادية مع ان الامر المتوجه اليها امرا غيريا غير صالح للتقرب به لكونه امرا توصليا ، وقد اجاب الاستاذ (قدس‌سره) ما لفظه : (ان المقدمة فيها بنفسها مستحبة وعبادة وغاياتها انما تكون متوقفة على احدى هذه العبادات فلا بد ان يؤتى بها عبادة وإلّا فلم يؤت بما هو مقدمة لها) ولكن لا يخفى انه لا يمكن الالتزام بذلك لأن عامة المتشرعين لا يمتثلون بمثل هذه الطهارات إلا امتثال الامر الغيري ولا يجعل مقاصدهم عنوانا مشيرا الى المقدمة ولا الى محبوبيتها النفسية. فعليه لا بد من الالتزام ببطلان عبادتهم ولا يلتزم به أحد ، على ان قصد الامر الغيري لو كان لتضمنه قصد الامر النفسي الموجب لعباديته فحينئذ يحتاج القصد الى ذلك الى الالتفات اليه ، ومن الواضح انه يمكن ايقاع الطهارات الثلاث بصرف داعي الأمر الغيري مع الغفلة عن عباديتها وقد اجيب عن ذلك بجوابين آخرين أحدهما ما حاصله ان عبادية الطهارات ليست لأجل امتثال امرها الغيري بل لتعنونها بعنوان تصير به عبادة ، وقد تعلق بها الأمر الغيري بما انها معنونة بذلك العنوان. وحيث ان ذلك العنوان مجهول وقد امكن تحصيله بقصد امرها الغيري لذا احتجنا الى قصده للاشارة الى ذلك العنوان ، ولكن لا يخفى ان ذلك لا يجري فيما إذا كانت

عباديته ذاتية كالخضوع والركوع والسجود لعدم احتياج ذلك فيها الى قصد العنوان على انه يمكن الاشارة اليه فيها بنحو التوصيف لا بنحو الغاية.

ثانيهما ان عبادية الطهارات ليست من مقتضيات الامر الغيري بل من جهة ان الغرض منها لا يترتب إلّا بذلك ولكن لا يخفى ان ذلك خلاف امتثال عامة المتشرعة فانهم كما عرفت لا يقصدون بامتثالهم الا امتثال الامر الغيري من دون اشارة الى شيء ، وذلك ليس إلّا انه من مقتضيات الامر الغيري فقط. فما افاده الاستاذ (قدس‌سره) ما لفظه : (والاكتفاء بقصد امرها الغيري فانما هو لاجل انه يدعو الى ما هو كذلك فى نفسه حيث انه لا يدعو إلّا الى ما هو المقدمة) بما توضيحه ان المتعلق في الطهارات ليست ذوات الافعال بل هي مع قصد امرها النفسي وقد تعلق الامر الغيري بالافعال مع هذا القصد ، فحينئذ يكون قصد امرها الغيري قصدا للامر النفسي الذي هو جزء من متعلق الامر الغيري محل نظر لما عرفت انه من الممكن الاتيان بذوات الافعال المسمّاة بالطهارات الثلاث بقصد امرها الغيري من دون التفات الى كونها مستحبات نفسية وقد عرفت مع عدم الالتفات الى كونها كذلك فلا معنى لكون قصد الامر النفسي يحصل من دون قصد الامر الغيري ، ثم ان بعض الاعاظم قد صحح عبادية الطهارات الثلاث بما صحح عبادية الواجب النفسي لبنائه على ان الامر المتعلق بذي المقدمة المركب من الاجزاء ينحل الى اوامر ضمنية بعدد الاجزاء كذلك له تعلق بشرائطه ، غاية الامر في الاجزاء تكون الاجزاء داخلة تحت الأمر قيدا وتقييدا وفى الشرائط تقييدا لا قيدا ، ولكنه لا يخفى انك قد عرفت ان ذلك يوجب خروج الشرط عن الشرطية ويجعله جزءا مع انه لو كانت الشرائط

تجب بالوجوب النفسي فلا مجال لترشح الوجوب الغيري عليها كما لا يخفى. فالحق في الجواب ان يقال هو ان العقلاء يرون من تلبس بالمقدمة مطيعا وينطبق عليه عنوان الانقياد ويستحق المدح والثواب بالشروع بالمقدمة ويترتب ثواب الواجب النفسي عند الشروع فيها كما انه يترتب عقابه بترك المقدمات. ولازم ذلك ان يكون الآتي بالمقدمة بقصد التوصل بها اليه قدم عدم ترتب ثواب الواجب النفسي والمدح على اتيانه به والعقاب والذم على تركه ما لم يقصد الايصال. ولكن لا يخفى ان هذا الوجه يتم بناء على اعتبار قصد الايصال في المقدمة. واما على القول بعدم الاعتبار كما هو المختار فلا يتم ذلك فى بعض الفروض فعليه يشكل ترتب الثواب والعقاب فيما اذا لم يقصد الايصال ، فالذي يكون رافعا للاشكال بحذافيره هو ان الامر الغيري يترشح على ما هو مقدمة وهي ذوات الافعال مع قصد التقرب فينبسط الامر الغيري على ذوات الافعال وعلى قصد التقرب كما ينبسط الامر النفسي المتعلق بمركب ذي اجزاء فيكون لكل جزء امرا ضمنيا بنحو يكون بالنسبة للامر الآخر المتعلق بجزء آخر بنحو يكون توأما معه فالامر المتعلق بذوات الافعال يكون مع الامر المتعلق بقصد التقرب بنحو التوأمية من غير فرق بالنسبة الى اجزاء المركب بين كونها كلها خارجية ، او بعضها خارجية ، وبعضها ذهنية كالمقام ، لاشتماله على الجزء الذهني وهو قصد التقرب فالامر الغيري ينحل الى امرين : امر تعلق بذوات الافعال من الطهارات ، وامر تعلق بها مع قصد التقرب ، وهذا الانحلال اليهما كان بنحو الطولية لطولية متعلقهما ، فان الجزء الذهني الذي هو قصد التقرب ليس فى عرض ذوات الافعال وانما نسبتها اليه نسبة العرض الى معروضه وبذلك يرتفع محذور الدور ، بيان ذلك ان الامر الغيري كما تعلق

بمركب او بمقيد فينبسط على ما تركب من الاجزاء الخارجية كانت او عقلية ولازم ذلك انحلال ذلك الامر الى اوامر ضمنية غيرية فيأخذ كل جزء امرا ضمنيا غيريا فتكون ذوات الافعال من الطهارات الثلاث متعلقة للامر الضمني ، فلو اتى بها يوجب سقوط الامر المتعلق بها لحصول متعلقه. ودعوى ان ذلك من لوازم القول باعتبار قصد الايصال فى المقدمة في غير محلها اذ انبساط الامر الغيري على الاجزاء الموجب لانحلاله الى اوامر عديدة فيكون كل جزء مأمورا به بامر ضمني بمعنى ان الامر الغيري الضمني المتعلق بذات الفعل التوأم مع قصد القربة ، وحينئذ الامر الغيري لم يتوجه الى ذوات الافعال من الطهارات باعتبار ايصالها او بما انها عبادة بل تعلق بذوات الافعال الصرفة من دون دخل شيء فيها ، وحيث انها متعلقة له بنحو التوأمية يكون الاتيان بها موجبا لسقوط الامر المتعلق بها ولا يسقط إلّا إذا اتى بها منضمة الى بقية الاجزاء.

والحاصل ان دفع اشكال عبادية الطهارات من ناحية انها مقدمة اما بقصد التوصل الى ذيها ففي ظرف الاتيان بالمقدمة حينئذ ينطبق على المكلف عنوان الانقياد ومع الترك ينطبق عليه عنوان العصيان واما بقصد الامر الغيري المتعلق بذوات الافعال من الطهارات مع قصد التقرب المنحل الى اوامر ضمنية (١)

__________________

(١) يرد عليه ان الامر المتعلق به ناشئ عن ارادة شخصية فهو غير قابل للانحلال لعدم قبول انحلال تلك الارادة الشخصية الى ارادتين كما انه لا يصح عبادية الطهارات الثلاث إلّا بتعلق امر نفسي بها ناشئ عن مصلحة نفسية تكون بذلك مستحبا نفسيا كسائر المستحبات التي يستحق فاعلها الاجر والثواب واحتياج امتثالها الى قصد القربة من هذه الجهة ثم يتعلق الامر الغيري بذوات الافعال من

ويأخذ كل جزء من المتعلق حصة منه بنحو التوأمية لان الاوامر الضمنية ناشئة من ارادة واحدة فلذا لا يسقط كل امر باتيان متعلقه الا بضمه الى بقية الاجزاء

(الاصلى والتبعى)

المبحث الرابع : ينقسم الواجب الى الاصلي والتبعي (١) وبيان ذلك

__________________

الطهارات الثلاث مع قصد التقرب من غير فرق بين الطهارات إذ لا مانع من دعوى كون التيمم من المستحبات النفسية كما يستفاد من بعض الاخبار ولا محذور فيما ذكرناه سوى ما يقال بان لازم ذلك انعدام الاستحباب النفسي بعد ورود الوجوب الغيري وإلّا لزم اجتماع الضدين للتضاد الموجود بين الاحكام الخمسة ، ولكن لا يخفى انه انما يلزم ذلك لو كان المتعلق للاستحباب النفسي والوجوب الغيري واحدا مع ان متعلقيهما مختلفان فان متعلق الاستحبابي نفس ذوات الافعال والوجوب الغيري ذوات الافعال مع قصد التقرب على ان ذوات الافعال ليس فيها ملاك الوجوب الغيري لعدم توقف الغير عليها فلذا لا يمكن تصحيح عبادية الطهارات الثلاث بتعدد الامر الغيري بدعوى ان امرا غيريا تعلق بذوات الافعال وامرا غيريا تعلق بها مع قصد التقرب لعدم وجود الملاك فيها الموجب لترشح الوجوب عليها وقد ذكرنا ذلك على التفصيل في حاشيتنا على الكفاية.

(١) لا يخفى ان الفرق بين الواجب الاصلي والواجب التبعي كالفرق بين المدلول التضمني والالتزامي وبين المطابقي فكما ان الجزء واللازم ويكونان تابعين في الدلالة للكل والملزوم بمعنى ان الجزء واللازم يحصل الدلالة عليهما بنفس الدلالة على الكل والملزوم لكونهما من توابع الكل والملزوم فالدلالة على الكل والملزوم

يتوقف على معرفة ان هذا التقسيم راجع الى الارادة ام الى ابرازها. فنقول الظاهر انها ترجع الى ابراز الارادة لا الى نفسها لانك قد عرفت فيما سبق انها دائما تكون تابعة للغرض الذي ينزف عليها فلا يكون التقسيم راجعا اليها إذ التقسيم ناظر الى الواجب الغيري لا مطلق الواجب بان يكون الواجب النفسي من قبيل الاصلي والواجب الغيري من قبيل التبعي وإلّا لكان اصطلاحا فى تسمية الواجب النفسي بالاصلي والغيري بالتبعي وهو لا يناسب جعله في مقابل النفسي والغيري كما انه لم يكن ملحوظا فى حال التقسيم كيفية لحاظ الموضوع ، فان كان لحاظه اصليا كان الحكم مثله اصليا ، وان كان لحاظه تبعيا كان الحكم مثله تبعيا لما نجد

__________________

وارادتهما من اللفظ دلالة قهرية عليهما وان لم يكونا مقصودين بأنفسهما فكذا فيما نحن فيه تكون ارادة الواجب الاصلي ارادة لما يدخل في توابعه وان لم يكن المريد متعلقا الى ذلك التابع بنفسه لا انا نقول ان الواجب التبعي يكون واجبا من دون التفات اليه اصلا فان ذلك غير معقول فعدم معقولية ايجاب شيء مع عدم الالتفات اليه ، بل نقول ان الواجب التبعي هو ما كان وجوبه وارادته فى ضمن ارادة الغير ووجوبه فالفرق الحقيقي بين الواجب الاصلي والتبعي هو ان الواجب التبعي بالنسبة الى الاصلي يعد من توابعه بحيث يكون ارادته تبعا لارادته فليس غرضنا من قولنا من دون التفات اليه نفي مطلق الالتفات حتى يرد ما تقدم من عدم المعقولية بل غرضنا من ذلك نفي مطلق الالتفات الموجب لتعلق الارادة به مستقلا من دون الالتفات اليه على نحو يوجب ان يكون متعلقا للارادة على نحو الاستقلال وبذلك صرح المحقق الخراساني (قدس‌سره) في كفايته بقوله (واخرى متعلقا للارادة تبعا لارادة غيره لاجل كون ارادته لازمة لارادته من دون التفات اليه بما يوجب ارادته).

من الاختلاف بين الحكم ولحاظ موضوعه فربما يكون اللحاظ اصليا والحكم تبعيا مثلا المولى قد يلحظ المقدمات لحاظا أصلا ويخص الحكم بذي المقدمات فيكون الحكم على المقدمات حكما تبعيا مع ان اللحاظ اصلي وقد ينعكس الحال فتكون المقدمات ملحوظة تبعا لكن الحكم يكون اصليا كما في المتلازمات فان لحاظ احد المتلازمين بلحظ فيه ملازمه تبعيا والحكم بان كل واحد منهما اصلي فانما هو راجع الى مقام التحميل ومقام التكليف.

فتحصل من هذا ان مرجع التقسيم ليس الى لب الارادة ولا الى كيفية اللحاظ بل يرجع الى مرحلة التحميل وابراز الارادة فان ابرز إراداته المتضمنة للتكليف بنحو الاستقلال كان اصليا وإلا كان تبعيا. هذا كله فيما لو علم كون الواجب اصليا او تبعيا ، واما لو شك في واجب انه اصلي او تبعي (١) قيل

__________________

(١) لا يخفى ان الاختلاف بين الوجوب الاصلي والتبعي سواء كان راجعا الى الارادة او راجعا الى كيفية اللحاظ أو راجعا الى الدلالة فانما هو من اوصاف الواجب وان اختلف منشؤه فعليه لا يجري اصالة العدم لكي يثبت ان الواجب تبعيا لعدم كونه عدميا لما عرفت انه عبارة عن كون الواجب على هذه الصفة وهو انه لم يكن متعلقا للارادة المستقلة أو لخطاب مستقل أو للحاظ تفصيلي وبعبارة اخرى العدم المأخوذ فيه انما هو عدم نعتي على نحو مفاد ليس الناقصة ومثله لا يثبت باصالة العدم المحمولي إذ من المعلوم ان استصحاب العدم المحمولي لا يثبت بعدم النعتي والعدم النعتي ليس له حالة سابقة لكي يستصحب فما ذكره المحقق الخراساني (قدس‌سره) من جريان اصالة العدم إذا كان له اثر شرعي كسائر الموضوعات المقومة بامور عدمية محل نظر إذ قد عرفت ان التبعي عبارة عن امر وجودي وهو الواجب المتعلق بعدم تعلق ارادة مستقلة أو لخطاب مستقل

ان التبعية تثبت باصالة عدم تعلق خطاب به مستقلا اذا فرض له اثر شرعي (١) إلّا انه محل نظر لعدم جريانها الا على القول بالاصل المثبت.

ثم لا يخفى على ما ذكرنا من رجوع التقسيم الى مقام الدلالة اتضح جريان التقسيم فى الواجبات النفسية كما يجري في الواجبات الغيرية اذ كما ان الواجب الغيري تارة يكون مستقلا بابراز الارادة فيكون اصليا واخرى لا يكون مستقلا فيكون تبعيا كذلك الواجبات النفسية فتارة تستقل بالخطاب كما في جل الواجبات النفسية واخرى تستقل كما انه لو لاحظ احد المتلازمين وحكم على ما لاحظه ونشأ منه الحكم على الملازم الآخر حكما تبعيا لا اصليا بناء على جواز الحكم على المتلازمين بحكمين فاتضح بذلك ان التبعية لا تتحقق بالنسبة الى الواجبات النفسية الا في المتلازمين دون غيرها.

__________________

أو للحاظ تفصيلي مضافا الى انه معارض باصالة عدم تعلق الارادة غير الاستقلالية

(١) هذا ان قلنا بان الاصول العدمية اصول شرعية مجعولة من الشارع فلا بد ان يكون مجراها اثرا شرعيا او ذا اثر شرعي. واما ان قلنا بانها اصول عقلائية قد جرى عليها العقلاء في امورهم فالظاهر انه لا يتوقف اجراؤها على ذلك بل يكفي فيه ان يكون حادثا مسبوقا بالعدم غاية الامر لا بد من اجرائها من اثر عملي وإلا كان ذلك لغوا ولا يلزم ان يكون شرعيا. نعم فى الشرعيات يلزم ان يكون الاثر العملي شرعيا لا انه شرط فى اجرائها بل يمكن ان يقال انها وان كانت اصولا عقلائية إلا انها حيث كان اجراؤها في الشرعيات موقوفا على امضاء من الشارع ولو بعدم الردع فلا بد وان يكون مجراها اثرا شرعيا أو ذا اثر شرعي بل قد يقال ان مجرد كونها موقوفة على الامضاء من الشارع لا يوجب اجرائها ما لم تكن مجعولة وسيأتي ان شاء الله تعالى التفصيل في الاصول العملية.

(تنبيه) : الغرض المقصود من هذا التقسيم في كلمات القوم هو دفع الاشكال الوارد عليهم وهو انه كيف يحكم على الغير الملتفت اليه بالحكم الخاص كما فى مثل مقامنا فان المقدمة غير ملتفت اليها مع انه يقال انها محكومة بحكم خاص كالوجوب مثلا ووجه كون هذا التقسيم دافعا لذلك بان يقال انه عندنا وجوب تبعي وتتصف المقدمة به ولو كانت غير ملتفت اليها فلا منافات بين ترشح الحكم وبين عدم الالتفات لظهور ان الالتفات الى الملازمة كاف في ايجابها.

(التعيينى والتخييرى)

المبحث الخامس : ينقسم الواجب الى التخييري والتعييني لان الامر ان تعلق بمعين خاص من دون ان يكون له عدل فهو التعييني كالامر المتعلق بالصلاة والزكاة في قوله تعالى (أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ) ، واما ان يتعلق الامر باحد الشيئين او الاشياء فهو الواجب التخييري لا اشكال ولا ريب فى تصوير الاول وانما الكلام فى الواجب التخييري فنقول لو تعلق الامر باحد الشيئين او الاشياء ففي وجوب كل منهما على التخيير او وجوب الواحد لا بعينه او وجوب كل منهما مع السقوط بفعل احدهما او وجوب المعين عند الله اقوال وقبل الخوض فى تنقيح المقام يستدعي بيان مقدمة وهي ان التخيير تارة يكون ارشاديا والحاكم بذلك هو العقل ولا يمكن تعلق الامر بهذا النحو من التخيير على نحو الالزام كما في الضدين الذين لا ثالث لهما أو بين النقيضين إذ في هذه الصورة لا موقع للحكم الالزامي المولوي إذ عليه يترتب مثوبة على الموافقة وعقوبة

على المخالفة وهما لا يترتبان إلا فيما يمكن فيه العصيان أما فيما لا يحصل العصيان فلا يعقل أن يتعلق به امر تخييري بين الفعل مطلقا وبين الترك مطلقا نعم لو كان في احد الطرفين تقييد كأن كان احد الطرفين عبادة على القول بامكان اخذ قصد التقرب في المأمور به فيمكن تعلق الامر بهما إذ بالتقييد يخرج عما نحن فيه إذ يكون له حينئذ ضد ثالث لتحقق العصيان لو خالف الامر التخييري بان يأتي بالفعل مطلقا هذا على القول بامكان اخذ قصد القربة.

وأما على مختار الاستاذ (قدس‌سره) من عدم امكان اخذ قصد القربة في المتعلق فلا يمكن تعلق الامر به تخييرا لأن الذات صارت مطلقة على ذلك التقدير وكذلك على ما اخترناه من ان الذات التي هى مع قصد القربة ليست مطلقة ولا مقيدة بل ذات مهملة اخذت توأما مع القيد لأن الذات التي مع القيد تكون حينئذ عين تلك الذات التي بدون القيد فلم يتحقق ضد ثالث فلذا لا يتحقق العصيان على ما اخترناه واخرى تخييرا فرعيا وهو ما أمكن تعلق الامر التخييري الالزامي به كما فى مورد الامر به تخييرا وثالثه تخييرا اصوليا كما في التخيير في باب تعارض الخبرين مع فقد المرجح فانه يحكم بالتخيير بين الاخذ باحد الخبرين وفرق واضح بين الاخيرين ، إذ الاول منهما التخيير فيما يتعلق به الامر وفى الثاني التخيير فى مدرك الموضوع للامر التعييني بحيث لو اختار احد الخبرين تعين عليه كالتخيير بين السفر والحضر ، فان سافر وجب القصر وان لم يسافر وجب تمام ففي الحقيقة الشخص يكون مخيرا بين موضوعي الامر والذي هو محل الكلام هو القسم الثاني من اقسام التخيير المسمى بالتخيير الفرعي وقد عرف بالواجب الذي له بدل وانه يسقط بفعل احد طرفى التخيير وهما اما ان يكونا من قبيل

المتواطي او من قبيل المشكك المختلفين بحسب القلة والكثرة أو من قبيل المتباينين لأنه اما ان يكون بين الطرفين جامع أو لا وعلى الاول فاما ان ينطبق الجامع على الطرفين بالسوية كالتخيير بين زيد وعمر فهو المتواطي وإلّا فهو المشكك كالتخيير بين الاقل والاكثر مثل التخيير بين الواحد والاكثر في التسبيحات الاربع وكالخط بين الطويل والقصير وعلى الثاني أي لا يكون بينهما جامع كخصال الكفارة فهو المتباينين. اذا عرفت هذه المقدمة فاعلم ان حقيقة الواجب التخييري هو تعلق الارادة بكل من الطرفين إلّا انها ليست ارادة تامة التي هي عبارة عن سد ابواب العدم من جميع الانحاء وانما هي ارادة ناقصة تتعلق بكل واحد من الطرفين التي هي عبارة عن سد ابواب العدم إلا من ناحية وجود الطرف المقابل بمعنى انها تسد ابواب عدمه الا باب عدمه فى ظرف وجود الطرف المقابل بنحو لا تكون الارادة المتعلقة بكل واحد من الطرفين محركة فى حال وجود الطرف الآخر ولازم ذلك هو جواز ترك احدهما في ظرف وجود الآخر وعليه تكون كل خصوصية من الطرفين او الاطراف متعلقة للارادة وحينئذ يكون التخيير بين الطرفين شرعيا لتعلق الامر الناشئ عن الارادة بكل واحد من الطرفين او الاطراف مع الخصوصية المقومة للفردية.

وبما ذكرنا لا يلزم من الالتزام بالواجب التخييري الشرعي محذور صدور الواحد من الكثير اذ ذلك لو سلم في مثل المقام فانما هو لو فرض كون الارادة المتعلقة بالطرفين ارادة تامة وقد عرفت انها ارادة ناقصة تتعلق بكل من الطرفين فما ذكره الاستاذ (قدس‌سره) فى الكفاية ما ملخصه انه ان كان كل من الطرفين وافيا بغرض واحد ولم يكن لخصوصية كل واحد منهما دخل فى الغرض بل كلاهما

مشتركان فى مقام التأثير فيكون الواجب فى هذه الصورة هو الجامع بينهما بمناط انهما يشتركان فى التأثير لأن الواحد لا يصدر منه إلا شىء واحد فلا يصدر الواحد من الاثنين لظهور السنخية بين العلة والمعلول فيكون التخيير عقليا محل تأمل بل منع لما عرفت ان ذلك يتم لو كانت الارادة المتعلقة بالاطراف ارادة تامة ولا يعقل تحققها فى كل واحد من الطرفين إلا بارجاعهما الى ارادة متعلقة بالقدر الجامع بين الطرفين ولازم ذلك أن يرجع التخيير الى كونه عقليا لا شرعيا مضافا الى أن هذا الكلام يتم بناء على تعلق الاوامر بالطبائع ، وأما على ما اخترنا من سراية الاوامر والنواهي من تلك الطبائع الى تلك الحصص فتكون تلك الحصص مأمورة بالامر الشرعي الناشئ عن الارادة إلّا انها حسب ما عرفت انها ناقصة بمعنى انها ناقصة في محركيتها اي ليست محركة للاتيان بمتعلقها فى ظرف وجود الطرف الآخر فيكون التخيير بين الطرفين أو الاطراف شرعيا من غير فرق بين أن تكون الاطراف تشترك في غرض واحد او لكل واحد منها غرض (١) وليس في المقام اشكال سوى الالتزام بتعدد العقوبة لو تركت

__________________

(١) لا يخفى ان النقص في الارادة بمعنى النقص فى محركيتها وداعويتها فى بعض الظروف والحالات امر غير معقول إلّا بتقيدها بغير حال وجود الطرف الآخر فيرجع حينئذ الى القول في الواجب التخييري بان وجوب كل واحد من الطرفين مشروط بعدم وجود الآخر إذ لا يعقل ان تكون الارادة المتعلقة بشيء موجودة من دون تقيدها بقيد ومع ذلك لا تكون الارادة محركة. فالحق ان الواجب التخييري الشرعي عبارة عما يكون التخيير بين الشيئين أو الاشياء فى لسان الدليل إذ لا معنى لاتصاف الشيء بالواجب ما لم يتعلق به الطلب فان كان الطلب

الاطراف ، ولكن لا يخفى انه لا مانع من الالتزام بذلك لتعدد الارادات الموجية لتعدد العقوبات على ان العقاب وعدمه يتبع فوت المصلحة فان كانت المصلحة فى الجميع واحدة فبترك جميع الاطراف تفوت مصلحة واحدة فيترتب عليه عقاب واحد ، والاستاذ (قدس‌سره) لم يتعرض لمرحلة للعقوبة بل اعرض

__________________

قد تعلق بكل واحد في لسان الدليل كان كل واحد منه هو الواجب في الظاهر والواقع وليس القدر الجامع هو الواجب ان لم يكن متعلقا للطلب فما ذكر المحقق (قدس‌سره) فى كفايته ما لفظه (كان الواجب في الحقيقة هو القدر الجامع بينهما) محل نظر إذ لا معنى لجعل الواجب هو القدر الجامع مع عدم اخذه في لسان الدليل لما عرفت من ان اتصاف الشيء بالواجب ما لم يكن متعلقا للطلب الالزامي مضافا الى ان ذلك خلاف الظاهر من كلمة (أو) في قوله افعل هذا أو ذلك فان ظاهرها دخول خصوصية كل واحد من الاطراف في المراد. ودعوى ارجاع التخيير الشرعي الى العقلي لكون الغرض الواحد يحصل من كل واحد من الطرفين أو الاطراف فلا بد ان يكون بين الاطراف جامع ويكون بذلك الجامع مؤثرا في الغرض الواحد وإلّا يلزم صدور الواحد من المتعدد ممنوعة بان هذه القاعدة لو سلمت فانما هى بالواحد الشخصي لا بالواحد النوعي مضافا الى انه لا يلزم ان يكون متعلق الطلب هو القدر الجامع لكي يكون التخيير عقليا لان اشتراكها فى ان كلا من الطرفين أو الاطراف مسقط للغرض لا يدل على ذلك بل يجوز ان يكون ذلك لاجل اشتراكها في قدر جامع بينها يكون هو الغرض من الطلب وملاكه مع كون متعلق التكليف هو كل واحد من الطرفين أو الاطراف لا ذلك القدر الجامع وبالجملة غاية ما دلت تلك القاعدة ان يكون بينهما قدر جامع هو ملاك الطلب والغرض وكون القدر الجامع هو ملاك الطلب والغرض منه لا يستلزم ان يكون هو متعلق الطلب فلم يثبت كون التخيير بين تلك الاشياء عقليا فافهم واغتنم

عنها ويمكن ان يكون قد اعتمد على ما سيجيء في مسألة الترتب حيث قال ما لفظه (لا اظن ان يلتزم القائل بالترتب بما هو لازمه من الاستحقاق فى صورة مخالفة الامرين لعقوبتين ضرورة قبح العقاب ... الخ.)

وحاصله اناط وحدة العقوبة وتعددها بالقدرة ولما لم يكن في هذا المقام قادرا فيكون العقاب واحدا وقد عرفت منا غير مرة انه لم تكن وحدة العقوبة وتعددها منوطين بالقدرة وانما هما منوطان بموافقة الامر ومخالفته.

ومما ذكرنا يظهر انه لا وجه لارجاع التخيير الشرعي الى العقلي يجعل متعلق التكليف هو القدر الجامع أو العنوان الانتزاعي لما عرفت انه خلاف ظاهر الخطاب المتعلق بكل واحد من الاطراف على ان الامر الناشئ من الارادة لا يتعلق بالعنوان الانتزاعي الا يجعله آلة لما ينطبق ذلك العنوان فالمعنون بخصوصيته قد تعلق به الطلب وحينئذ يكون التخيير شرعيا وقد صحح بعض الاعاظم (قدس‌سره) التخيير الشرعي بتعلق الارادة التشريعية بكل من الاطراف إذ كما انها تتعلق بالامر المعين تتعلق بالامر المبهم القابل للانطباق على كل من الطرفين وفرق بين الارادتين وقال بان الارادة التكوينية لا يمكن ان تتعلق بالامر المبهم وانما تتعلق بالفرد لما هو معلوم انها لا تتعلق بالكلي في الخارج إلا مع الخصوصيات واستدل على ذلك بان الارادة التكوينية محركة لعضلات المريد نحو الفعل ولا يعقل تحريكها نحو الفعل المردد بخلاف الارادة التشريعية حيث انها عبارة عن احداث الداعي للمكلف نحو الفعل وذلك كما يمكن تعلقه بمعين يمكن تعلقه بامر مردد ، بمعنى ان المطلوب ليس خصوص واحد منهما بعينه وانما المطلوب امر مبهم قابل للانطباق على أي واحد من الاطراف ، ولذا ترى ان المولى يأمر عبده باتيان أحد الشيئين

أو الاشياء فالعرف يرى ان كل واحد من الشيئين أو الاشياء امر مطلوب ، ولكن لا يخفى ان الارادة التشريعية كالارادة التكوينية لا يمكن ان تتعلق بالمردد حيث انها محركة لارادة المأمور به فى مقام الامتثال إذ لا معنى للامتثال إلا اتيان مراد المولى ولا يعقل ان تتعلق ارادة المأمور به في مقام الامتثال إلا بامر معين فعليه ان الارادة التشريعية لا يعقل ان تتعلق بامر مبهم إلا انك قد عرفت انها اذا كانت تامة أي بمعنى سد ابواب انعدامه من جميع الجهات. واما إذا كانت ناقصة بمعنى نقصا في محركيتها فتوجب سد ابواب العدم إلا من ناحية وجود الطرف الآخر فلا يكون مطلوبا مع وجود الطرف الآخر وقد صححنا الواجب التخييري بذلك.

ثم لا يخفى انه وقع الكلام فى التخيير بين الأقل والاكثر فقد يقال بعدم امكانه فان التخيير بين الطرفين لا يحصل إلا بان يتحقق لهما عدمان وهما عدم الضد في حال وجود الضد الآخر وعدمه فى حال عدم الآخر حتى يكون احد العدمين مرخصا فيه وبالآخر منهيا عنه كما ترى ذلك في المتباينتين ، ومقامنا ليس من ذلك القبيل فان الاكثر له عدمان عدم فى حال عدم الاقل وعدم مع وجود الاقل والاقل ليس كذلك فان له عدما واحدا وهو عدم الاقل في حال عدم الاكثر وليس له عدم في حال وجود الاكثر لانه موجود في ضمن الاكثر بعينه فاذا صار موجودا فيكون ذات الاقل واجبا بالوجوب التعيينى فلم يبق لنا معنى للتخيير إلا بين حد الاقل وحد الاكثر ، فان ذلك يمكن تصور التخيير بينهما إلّا انه يخرج عن التخيير بين الاقل والاكثر ويكون من قبيل المتباينين ويتحقق في الاقل حينئذ عدمان ، ولكن لا يخفى ان التخيير الشرعي فيما اذ لم يكونا

ضدين لا ثالث لهما إذ لو كان كذلك فلا يعقل جريان التخيير الشرعي بل يكون التخيير ارشادا الى حكم العقل اذ الحدان ضدان لا ثالث لهما لأنه بعد ما وجب الاقل على ما عرفت تعيينا فبعد وجوده لا يعقل توجه التخيير الشرعي لانهما ضدان لا ثالث لهما لأنه ان اقتصر على الاقل تحقق حد الاقل وإلا تحقق حد الاكثر.

وقد انقدح بما ذكرنا انه لا يعقل التخيير بين الاقل والاكثر. نعم يمكن التخيير بنحو الارشاد بان يكون التخيير بين الحدين. وبما ذكرنا يمكن المصالحة بين من يقول بعدم الجواز مراده التخيير المولوي والقائل بالجواز مراده الارشادي ولا يخفى ان ما ذكرنا من التخيير الشرعي بين الاقل والاكثر فيما اذا لم يكن الاقل مأخوذا بشرط لا كالتخيير بين القصر والاتمام في اماكن التخيير إذ هو في الحقيقة يرجع الى التخيير بين المتباينين لأخذ الاقل بشرط لا.

وبالجملة محل البحث فى التخيير بين الاقل والاكثر هو اعتبار الاقل لا بشرط فان اخذ الأقل بذاته اي اعتبر لا بشرط فتحقق التخييري في التدريجيات محل نظر إذ اتيان الاقل بذاته يوجب سقوط الامر التخييري فلا يبقى وجه لوجوب الباقي فلذا لا يجتمع وجوب الاقل لا بشرط مع وجوب الاكثر واما فى الدفعيات فتصوره مشكل إذ يجوز ترك الزائد على الاقل لا الى بدل فحينئذ يخرج عن كون الاكثر عدلا لعدم وجوبه اصلا لا تعيينيا ولا تخييرا اما عدم كونه تعيينيا لجواز تركه والتعيينى لا يجوز تركه اصلا واما تخييرا لجواز ترك الزائد الذي هو محصل لعنوان الاكثر لا الى بدل.

العينى والكفائى

المبحث السادس : ينقسم الواجب الى العيني والكفائي لأن الامر ان كان متوجها الى آحاد المكلفين بالخصوص بنحو لا يكون الاتيان من بعض يوجب سقوطه عن الآخرين كالصلاة والصوم وغيرهما فهو الواجب العينى وان كان يسقط الواجب بفعل بعض عن الآخرين ولو تركوا جميعا استحق جميعهم العقاب فهو الواجب الكفائي اما الاول فلا اشكال في تصويره كما هو اغلب الواجبات العبادية وغير العبادية وانما الكلام فى تصوير الواجب الكفائي قال الاستاذ (قدس‌سره) فى الكفاية انه سنخ من الوجوب وله تعلق بكل واحد بحيث لو أخل بامتثاله الكل لعوقبوا على مخالفته جميعا وان سقط عنهم لو اتى به بعضهم ... الخ الظاهر ان غرض الاستاذ من كونه سنخا من الوجوب انه نظير سنخ الوجوب التخييري وان كانا يفترقان من حيث لتعدد فان التعدد هناك في متعلق التكليف مع كون المكلف واحدا وهنا التعدد في المكلف ثم قال لانه قضية ما إذا كان هناك غرض واحد حصل بفعل واحد صادر عن الكل أو البعض كما ان الظاهر هو امثال الجميع لو أتوا به دفعة واستحقاقهم للمثوبة ويسقط الغرض بفعل الكل

كما هو قضية توارد العلل المتعددة على معلول واحد (١) ولكنك قد عرفت منا

__________________

(١) لأن العلل المجتمعة يوجب ان يكون الاثر مستندا الى الجامع بينهما لامتناع الاستناد الى كل منهما ففي المقام لما كان فعل المكلف علة لحصول الغرض فعند فعل الجميع يكون الاثر مستندا الى الجامع ولا ينافي ذلك ما تقدم من ان الواحد لا يصدر من الاثنين بما هما اثنان فان ذلك لا دخل له فى اجتماع العلل المتعددة على معلول واحد فان حاصل الاشكال كما اشار اليه الاستاذ في الكفاية بل صرح به مرارا في انه لا يمكن ان يكون الشيء الواحد صادرا تارة من هذه العلة وتارة من علة اخرى لأنه لا بد من مناسبة وربط خاص يحصل بين العلة والمعلول وإلّا لاثر كل شيء في كل شيء وحينئذ فاذا كان هذا الشيء الواحد صادرا من هذه العلة كان مناسبا لها فلا يمكن ان يكون صادرا تارة من علة وتارة من علة اخرى إذ لا يمكن ان يكون الشيء الواحد مناسبا لامرين متباينين بمحذور هذه القاعدة فى مسألة صدور الواحد من اثنين هو الذي ذكرناه بمعنى عدم معقولية مناسبة الشيء الواحد لشيئين متباينين لا لزوم تحصيل الحاصل كما يتوهم إذ ليس الغرض من صدور الواحد عن اثنين انه بعد ان يوجد بالعلة الاولى بمناسبة فكيف تكون الثانية موجدة له ايضا لكي يكون من تحصيل الحاصل بل المراد ان ذلك الشيء الواحد لا يمكن ان يوجد تارة بهذه العلة واخرى بعلة اخرى مثلا تارة يسقط الغرض باتيان الاطعام واخرى بالعتق حيث انه مقتضى حصوله بالاطعام ان يكون بينه وبين الاطعام مناسبة خاصة وربط خاص واذا كان مناسبا للاطعام فلا يعقل ان يكون مناسبا للعتق مع كون العتق مناسبا للاطعام كما يكون مناسبا للصيام مثلا فلذا لا بد من القول فيما لو اتحد الغرض فى الامور الثلاثة من ان يكون بينهما جامع هو المؤثر في اسقاط الغرض على ان محذور صدور الواحد عن اثنين بما هما اثنان هو لزوم وجود سنخيتين متباينتين لشيء واحد مع شيئين مختلفين لا لزوم

سابقا ان الارادة المتعلقة بافعال المكلفين في الواجب التخييري لم تكن ارادة مطلقة وانما هي ارادة ناقصة فبذلك صححنا الواجب التخييري وبه نصحح الواجب الكفائي فان الارادة المتعلقة بفعل كل واحد من المكلفين لم تكن مطلقة بنحو يسد باب انعدامه مطلقا اي مطلقا من حيث وجود فعل الآخر وعدمه وانما تكون مشروطة بعدم فعل الآخر والحاصل ان الواجب الكفائي مع الواجب التخييري يشتركان فى طلب الفعل على تقدير دون تقدير ويفترق عنه ان في الواجب التخييري التخيير واقع بين الاشياء كلها وفي الواجب الكفائي واقع بين اشخاص المكلفين فانهم لو جاءوا بالمأمور به سقط الامتثال والتكليف وهذا السقوط تارة ينشأ من جهة ارتفاع موضوع التكليف كتغسيل الميت فانه لو غسل يسقط عن الآخرين لارتفاع موضوعه فلا معنى لتكليف الآخرين واخرى ينشأ من كون الغرض متعلقا بالجامع فبإتيان البعض يرتفع مقتضى التكليف عن الباقين وثالثة ينشأ من اشتراط الامتثال من احدهم بعدم القيام به من الغير وفرق بين المنشأ في الاخير وما قبله فانه على الاخير يمتنع امتثال الجميع دفعة واحدة بخلاف الصورة التي قبلها وعلى الصورة الاخيرة يجوز ان يكون عدم امتثال الغير شرطا في الواجب كما انه يصح ان يكون شرطا للوجوب هذا كله بحسب مقام الثبوت وأما بحسب مقام الاثبات لا بد من ملاحظة لسان الدليل فان كان دالا على احد تلك الانحاء المتقدمة فيجب الأخذ به وان لم يدل لسان الدليل على نحو خاص فلا بد من الرجوع الى الاصول العملية للشك في قيام الغير بالمأمور به فانه على تقدير جعل عدم امتثال الغير شرطا للوجوب فالشك فى قيام الغير يوجب

__________________

تحصيل الحاصل على تفصيل ذكرناه في حاشيتنا على الكفاية.

الشك في الشرط وهو من الشك في اصل التكليف فمع عدم وجود اصل موضوعي ينقح عدم قيام الغير يكون حينئذ مجرى للبراءة وأما لو كان هناك اصل موضوعي فيجب الاتيان على وفقه لتقدمه على اصل البراءة وأما على تقدير جعل عدم امتثال الغير قيدا للواجب فلا تجري البراءة لانه على ذلك التقدير يكون شكا في سقوط الامر واذا رجع الشك اليه فالقاعدة تقتضي الاتيان به لاشتغال الذمة في المأمور به وبما ذكرنا تظهر الثمرة في رجوع القيد الى الواجب أو الى الوجوب اللهم إلّا ان يقال انه لا ثمرة فى المقام في ذلك لانه قل ما يوجد مورد خال من الأصل الموضوعي ينقح به الشرط المترتب عليه التكليف وأما لو حصل الشك في قيام الغير على الصورة المتقدمة فالحكم فيها كالحكم في الاخير من جريان قاعدة الاشتغال لانه يكون حينئذ من الشك في القدرة والعقل حاكم بالاتيان حتى يعلم اليقين بالعجز.

الموسع والمضيق

المبحث السابع : ينقسم الواجب الى الموسع والمضيق لانه أما ان يعين له وقت فهو الموقت أو لا يوقت بوقت فهو غير الموقت وعلى الأول أما ان يكون الوقت الذي عين له بمقدار امتثاله كالصوم الذي عين له مقدارا من الزمان وهو من طلوع الفجر الى دخول الليل المطابق ذلك الزمان لامتثال الصوم من دون زيادة أو نقيصة فيسمى بالمضيق وان كان ما عين له من الوقت اوسع من مقدار الامتثال فيسمى بالموسع وأما كون مقدار الامتثال ازيد من الزمان المعين له فهو غير معقول إذ هو من قبيل تكليف ما لا يطاق إلّا ان يكون الوقت مجعولا لبعض

اجزاء المطلوب كما لو صلى في آخر الوقت ولم يدرك إلا ركعة فبدليل الجعل اي قوله (ع) (من ادرك ركعة من الوقت فكأنما أدرك الوقت بتمامه) يصحح ذلك الامتثال وأما الموسع فقد نوقش بانه مستلزم لترك الواجب لجواز تأخيره الى آخر الوقت ولكن لا يخفى ان الواجب هو الجامع بين الافراد الطولية ولم يكن المطلوب الجامع بنحو السريان وانما هو بنحو صرف الوجود فالعقل حينئذ يخير بين تلك الافراد إذ لا فرق عنده بين الافراد العرضية والطولية كما انه اشكل على المضيق بانه لا بد ان يكون الزمان المعين له ازيد من ظرف امتثاله ولو بآن ما ، لان البعث لا بد ان يتحقق قبل الانبعاث ، ولكن لا يخفى فان تقدم العلة على المعلول تقدم رتبي ولا يحتاج الى التقدم الزماني وكيف كان فلا اشكال في وقوعهما شرعا فالاول كاكثر الواجبات كالصلاة اليومية والثاني كالامر بالصيام والوقوع ادل شيء على الامكان ثم لا يخفى انه لا ثمرة عملية للتعرض الى ان الوقت من قيود الواجب او من قيود الوجوب بعد ما فرض كون الوقت امرا غير اختياري للعبد ولا بمناط تحققه باختيار العبد فحينئذ ان حصل الوقت وجب امتثال التكليف المتوجه في ذلك الوقت وإلّا فلا من غير فرق بينما فرض قيدا للواجب أو للوجوب نعم لو كان امرا اختياريا يمكن جريان الثمرة وأما قصة مولانا امير المؤمنين عليه‌السلام في رد الشمس كما ردت الى يوشع بن نون فهي معجزة خارجة عن قدرة البشر فاذا عرفت ذلك فاعلم انه ربما توهم ان قصة مولانا امير المؤمنين عليه‌السلام تكون دليلا على كون الوقت شرطا للواجب لانه لو كان شرطا للوجوب لكان التكليف ساقطا بخروج الوقت وبعبارة اخرى ان تلك القصة تكشف عن كونه شرطا للواجب وربما يجاب عن ذلك بان رد الشمس له شوقا الى العبادة ليدرج نفسه فى موضوع التكليف

فردت الشمس له حتى يتوجه اليه التكليف الادائي وربما يؤيد ذلك انه روى عنه انه قال ان الجلسة في الجامع خير من الجلسة في الجنة لان الجلسة فى الجنة فيها رضى نفسي وفي الجامع فيه رضى ربي. ثم لا يخفى انه وقع البحث فى الموقت من غير فرق بين كونه موسعا أو مضيقا في ان الامر المتعلق به هل يدل على لزوم الاتيان بالواجب فى خارج الوقت مع عدم الاتيان به في الوقت أم لا يجب الاتيان به في خارج الوقت بل يحتاج وجوب الاتيان به الى دليل آخر ومرجع ذلك الى أن القضاء بالأمر الاول أم بامر جديد قولان مبنيان على ان المستفاد من التكليف الادائي تعدد المطلوب بان يكون الشيء مطلوبا بنفسه والخصوصية مطلوبة بدال آخر أو ان المستفاد من ذلك التكليف شيء واحد ومطلوب فارد فيبقى ببقاء الوقت ويفوت بفواته فالاول يبنى على الاول والثاني يبنى على الثاني ، هذا كله لو لم يكن لوجوب القضاء دليل مستقل كمثل قوله عليه‌السلام (من فاتته فريضة فليقضها كما فاتت) فهل يستفاد منه وجوب آخر ثابت بهذا الدليل او يدل على ان نفس الواجب هو الاول وان ايجاده في الوقت واجب آخر غير اصل وجوبه ومرجع ذلك الى ان الدليل الدال على وجوب القضاء هل يدل على تعدد المطلوب أم لا ، وجهان تظهر الثمرة فيمن علم بفوائت كثيرة من الفوائت اليومية ولم يعلم مقدارها وهو يتصور على انحاء لأن الجاهل بمقدار الفوائت اما ان يكون منشأ جهله بزمان بلوغه وأما ان يكون منشأ جهله هو الجهل بمقدار الفوائت وان علم تاريخ البلوغ وعلى كلا التقديرين اما ان يكون شكه قد حدث من هذا الحين أو يكون في هذا الحين مسبوقا بشك في الوقت وقد غفل عنه فلم يلتفت اليه حتى مضى عليه برهة من الزمان على هذا الحال وهو لا يزال بشك ويغفل عن مراعات شكه

فيه فهذه صور اربعة الاولى ان يعلم تاريخ بلوغه ويشك في مقدار الفوائت ومع ذلك كان شكه مسبوقا بشك في الوقت ، الثانية ان يعلم تاريخ بلوغه ويشك فى كميتها إلّا انه لم يكن شكه مسبوقا بشك في الوقت بل حدث فى خارج الوقت ، الثالثة ان لا يعلم بتاريخ بلوغه وكان شكه مسبوقا بشك فى الوقت ، الرابعة ان لا يعلم بتاريخ بلوغه وكان شكه بتمامه حاصلا في خارج الوقت اما الصورة الاولى فالحكم فيها على قولين قول بالبراءة وقول بالاحتياط ويبنى الثاني على ان المستفاد من الامر الادائي تعدد المطلوب فحينئذ يلزمه الاحتياط للعلم بتوجه التكليف بالشيء وانما الشك فى الخروج عن عهدة التكليف وهو مجرى الاحتياط ودعوى ان الشك فى خارج الوقت لا يعتد به كما يستفاد من قوله عليه‌السلام فقد حال حائل مدفوعة بانه ينصرف الى حدوث الشك فى خارج الوقت ومبنى الاول على وحدة المطلوب فاذا استفدنا من التكليف الادائي وحدة المطلوب يصير التكليف بالنسبة الى القضاء شكا في التكليف فتجري البراءة ، وأما الصورة الثانية فقد عرفت ان الشك حاصل في خارج الوقت ومثله لا يعتد به وهكذا الصورة الرابعة فان الشك فيه ايضا حدث فى خارج الوقت ، واما الصورة الثالثة فالشك فيه انما هو بأزيد مما يعلمه من مقدار فوات الواجب فلا يجب عليه الا ما تيقن بفواته ولكن الاقوى ان الاولى كبقية الصور ولا يجري فيها التفصيل المتقدم. بيان ذلك انه على مقتضى تعدد المطلوب المستفاد من التكليف الادائي لا يكون الفرد القضائي من افراد المأمور به لأن تحقق فردية القضائي منوط بعصيان الفرد الادائي ومع هذه الاناطة لا يعقل اندراج هذا الفرد فى المأمور به لأنه لو فرض ورود تكليف في القضاء يكون تكليفا مستقلا لا يكشف عن تعدد المطلوب فى الامر الادائي وحينئذ لو شك في

مقدار الفائت كان شكه راجعا الى الشك في التكليف بالقضاء وهو من موارد جريان البراءة ثم انه هل يمكن اثبات عنوان فوت الواجب لو شككنا فى فوته باستصحاب عدم الاتيان في الوقت ام لا وجهان مبنيان على ان الفوت الموجود في لسان الدليل امر وجودي أو عبارة عن عدم الاتيان به فى الوقت فعلى الاول لا تجري البراءة لكونها من الاصول المثبتة وعلى الثاني فلا مانع من جريانها.

(مسألة الضد)

الفصل السادس : في ان الامر بالشيء هل يقتضي النهي عن ضده ام لا؟ وقبل الخوض في المقصود ينبغي رسم امور :

الاول : الظاهر ان هذه المسألة من المسائل العقلية وليست من المسائل اللفظية لأن البحث فيها ليس مختصا بصورة تحقق الامر من اللفظ بل مطلقا حتى ولو كان مستفادا من دليل لبى كالاجماع ونحوه فلذا يشكل عدها من مباحث الالفاظ إلا باعتبار ان الغالب من الادلة ان تكون لفظية.

الثاني : ان عد هذه المسألة من المسائل الاصولية لاشتمالها على ملاكها لكونها من القواعد الكلية الواقعة فى طريق الاحكام الكلية التي هي ملاك المسألة الأصولية وان امكن عدها من المبادي الاحكامية باعتبار ان البحث فيها يرجع الى ان الحكم فى احد المتلازمين يستلزم الحكم على الملازم الآخر فيكون البحث فيها عن عوارض الاحكام ، نعم لا وجه لعدها من المسائل الفقهية وان

توهم اخذا بظاهر العنوان لعدم تحقق ملاكها على ما تقدم تفصيله في مقدمة الواجب

الثالث : ان الاقتضاء المأخوذ فى العنوان يراد به ما يعم الجزئية واللزوم والعينية بمعنى ان الامر بالشيء يدل على النهي عن الضد بالتضمن او بالالتزام او بالمطابقة لما هو معلوم ان عموم النزاع وخصوصه يتبع عموم الغرض وخصوصه ولا ينافي كون البحث في الاقتضاء في عالم الثبوت لان الاقتضاء في عالم الاثبات والدلالة انما هو من تبعات ذلك.

الرابع : ان المراد في الضد عند الاصوليين هو مطلق المعاند والمنافى الاعم من الوجودي والعدمي خلافا لاصطلاح اهل المعقول من ان المراد بالضد هو ما يكون التقابل بين الوجودين مع عدم التلازم بينهما بالتصور فلا يشمل تقابل الوجود والعدم كالسلب والايجاب او تقابل العدم والملكة او تقابل المتضايفين قال الاستاذ (قدس‌سره) في الكفاية ما لفظه : (المراد بالضد هاهنا هو مطلق المعاند والمنافى وجوديا كان او عدميا) إذا عرفت ذلك فاعلم ان الكلام في الضد يقع في مقامين ، المقام الاول في الضد الخاص (١).

__________________

(١) الأقوال فى مسألة الضد الخاص اربعة : الاول توقف وجود كل واحد من الضدين على عدم الآخر ، الثاني عدم كل واحد منهما على وجود الآخر الثالث التفصيل بين الضد الموجود وبين الضد المعدوم مثلا وجود الازالة تتوقف على عدم وجود الصلاة لو كانت الصلاة موجودة بان كان المكلف مشغولا بالصلاة ومع عدم اشتغاله بها لا يتوقف وجود الازالة على عدم الصلاة لعدم كون الصلاة مانعة من الازالة في ظرف عدمها ، الرابع عدم التوقف من الجانبين المشهور هو الاول باعتبار ان وجود الضد مانع عن الضد الآخر وعدم المانع من اجزاء العلة ولازم ذلك توقف وجود الضد على عدم الآخر توقف الشيء على عدم المانع

فنقول اختلف الاصحاب في دلالة الامر بالشيء على النهي عن ضده مثلا

__________________

ولا توقف لعدم احدهما على وجود الآخر لعدم استناد العدم الى وجود الشيء لا يقال انه كما لا يعقل ان يستند العدم الى الوجود كذلك لا يعقل ان يستند الوجود الى العدم لانا نقول لا مانع من جعل العدم من شرائط الوجود بارجاعه الى كونه مصححا لفاعلية الفاعل او متمما لقابلية القابل والى ذلك يرجع جعل عدم المانع من اجزاء وجود الشيء وبهذا المعنى يستند الوجود الى العدم ولا يعقل جعل الوجود من شرائط العدم لعدم كونه صادرا من الفاعل او يتحقق فى مورد لكي يكون الوجود مصححا للفاعل او متمما للقابل. وعليه فعدم الضد انما يستند الى عدم المقتضي.

بيان ذلك ان العدم تارة يراد منه العدم الازلي واخرى العدم الطارئ اما العدم الازلي فلا ريب في تحققه لعدم مقتضيه ، واما الطارئ فهو انما يتحقق مع اشتغال المحل باحد الضدين فعدم الضد الآخر انما هو لعدم ارادته اذ لا يعقل ارادة الضد المعدوم مع تعلق الارادة بالضد الموجود وإلّا لزم ارادة الضدين وهو غير معقول. مثلا لو كان مشتغلا بالازالة فعدم الصلاة الذي هو عدم طارئ لا يعقل ان يستند الى وجود الازالة اذ وجودها موجب لعدم تعلق الارادة بالصلاة التي هي مقتضي لوجودها فعدم الصلاة لعدم مقتضيها. ودعوى ان كون الشيء مانعا يتحقق في ظرف وجود المقتضى فالرطوبة تكون مانعة لاحتراق الخشب مع تحقق النار المقتضية للاحراق إذ مع عدمها لا معنى لكون الرطوبة مانعة من الاحراق وعليه لا يكون الضد مانعا للضد الآخر إلا بتحقق مقتضيه ولا يعقل إلّا بتحقق المقتضي للضدين وهو غير معقول في غير محلها إذ اجزاء العلة التي هي المقتضي والشرط وعدم المانع في عرض واحد فعدم المعلول يستند الى عدم وجود المانع مع عدم فرض المقتضي. ودعوى ان حفظ الرتبة بين الضدين

لو امر المولى عبده بازالة النجاسة عن المسجد فهل لهذا الامر دلالة على النهي عن الصلاة التي هي ضد خاص لها فيحرم ايقاعها حين الامر بالازالة. او لا؟ قولان استدل للاول باحد امرين : الاول ان ترك احد الضدين مقدمة لفعل ضده

__________________

يوجب منع مقدمية عدم احدهما لوجود الآخر إذ لا تقدم ولا تأخر بين الضدين بما هما ضدان فنقيض كل واحد منهما الذي هو لعدم البديل للوجود لا تقدم له على وجود الآخر. وبعبارة اخرى لو كان عدم احدهما مقدما على وجود الآخر لكان وجوده مقدما على وجود الآخر حفظا لوحدة الرتبة بين النقيضين ولازمه تقدم الشيء على نفسة وهو واضح البطلان ممنوعة إذ حفظ الرتبة بين الضدين لا يوجب حفظها بين عدم احدهما ووجود الآخر مع تحقق ملاك التقدم بالعلية او بالطبع اذ لا يسري ذلك الى نقيضه الذي هو بديله ولذا لا اشكال بتقدم العلة على المعلول ولا تقدم لها على عدمه كما ان المعلولين لهما معية بحسب الرتبة ولا معية مع عدمهما. وبالجملة نفي التقدم بين الضدين لا يوجب نفي تقدم عدم احدهما على وجود الآخر مع وجود ملاكه إلّا ان هذا لا يوجب القول بالمقدمية بنحو يسري الوجوب من ذيها الى المقدمة لعدم كون التقدم الرتبي موجبا لذلك وانما الموجب للسراية هو التقدم بالزمان.

وعليه يتجه الجواب عن المقدمية بتقريب ان المقارنة الزمانية محفوظة بين الضدين وذلك يقتضي حفظ المقارنة مع ما معه فى الزمان فاذا كان زمانا شيء متقدما على زمان الآخر فلا محالة ما معه فى الزمان متقدما فيتوجه حينئذ اشكال الدور وحاصله انه لو توقف وجود احد الضدين على عدم الآخر توقف عدمه على وجوده لحفظ الرتبة بين النقيضين فيلزم توقف الشيء على نفسه وهو محال فالقول بالمقدمية يلزم الدور فاذن الحق عدم التوقف من الجانبين.

الآخر ومقدمة الواجب واجبة ، الثانى ان ترك احد الضدين ملازم لفعل ضده الآخر فاذا وجب فعل احد الضدين لزم الحكم بوجوب ترك الضد الآخر ، اما الامر الاول فبيانه هو انه لا اشكال فى ان وجود الضد مانع عن وجود الضد الآخر فاذا كان احد الضدين مانعا عن الآخر كان عدم احد الضدين شرطا فى وجود الآخر فيكون ترك احد الضدين مقدمة للآخر فاذا وجب احد الضدين وجبت مقدمته ايضا فيكون فعل الضد الذي هو مانع حراما وقد اجيب عنه بوجوه :

احدها : ان مقدمية ترك احدهما لم يكن ناشئا من مضادة احدهما للآخر بل المقدمية انما تنشأ من التمانع بين الضدين لا من جهة التضاد في الوجود بينهما إذ فرق واضح بين الضد والمانع ، فان الضد إنما يزاحم الضد الآخر فى الوجود ، والمانع انما يمنع من تأثير المقتضي ولو كان الضد من قبيل المانع لصح ما ذكر من المقدمية لكن المفروض ان الضد مانع عن ضده الآخر فى الوجود مثلا الرطوبة مانعة من تأثير النار في احتراق الخشب فتكون الرطوبة مزاحمة لتأثير اقتضاء النار فيه. بخلاف السواد بالنسبة الى البياض فانه مزاحم له في الوجود وهذا هو المسمى بالضد فعدمه حينئذ شرط فى وجوده لا في تأثيره حتى يكون مقدمة.

ثانيها : انه يلزم من القول بمقدمية ترك احد الضدين لفعل الضد الآخر تقدم الشيء على نفسه بيان الملازمة ان رتبة النقيضين محفوظة فترك الصلاة مثلا وفعل الصلاة فى مرتبة واحدة فاذا تقدم شيء على شيء برتبة لا بد وان يكون متقدما على نقيضه رتبة لملاحظة حفظ الرتبة بين النقيضين مثلا اذا فرض تقدم ترك الصلاة على فعل الازالة فلا بد وان يتقدم ايضا على ترك الازالة للتوافق بين

النقيضين بحسب الرتبة حسب الغرض ثم نقول ان ترك الازالة يقتضي ان يكون شرطا لتحقق الصلاة من جهة المضادة بين الازالة والصلاة وقد عرفت ان ترك كل ضد شرط لفعل الضد الآخر فاذا كان ترك الازالة مقدما رتبة على فعل الصلاة كان ايضا مقدما على ترك الصلاة لما عرفت من ان حفظ التوافق بين النقيضين بحسب المرتبة وحينئذ يكون ترك الازالة مقدما على ترك الصلاة وقد كان ترك الصلاة مقدما على ترك الازالة فيكون ترك الازالة مقدما على نفسه هو محال بالضرورة :

الثالث : ليس جعل ترك الصلاة مقدمة الى فعل الازالة باولى من جعل الازالة مقدمة لترك الصلاة إذ فعل الازالة علة تامة لترك الصلاة فلذا يتوجه محذور الدور لأن الازالة تتوقف على ترك الصلاة على ما ذكره من كونه شرطا لتحقق الازالة وترك الصلاة يتوقف على فعل الازالة لكونها علة تامة لترك الصلاة فيلزم الدور وهو لازم على القول بترك الصلاة مقدمة لفعل الازالة واللازم باطل فالملزوم مثله لا يقال ان ترك الصلاة ليس مستندا الى فعل الازالة بل مستندا الى الى عدم ارادة الصلاة لانا نقول انها وان كانت مستندة الى عدمها الذي هو الصارف لكن منضما مع فعل الازالة لا اليه وحده ، إذ لو أردت ايجاد الصلاة مثلا توقف ايجادها على الارادة وترك المانع الذي فرضه هذا القائل مقدمة لها فيكون ترك المانع مع الارادة علة تامة لايجاد الصلاة ومن المعلوم ان انتفاء احدهما علة تامة لانتفائها فانه إذ انتفى ارادة الصلاة تحقق تركها ولو لم يوجد المانع وحينئذ يستند الترك اليه ، واما لو انتفت الارادة وعدم المانع بان لم توجد ارادة للصلاة ووجدت الازالة فيكون الانتفاء مستندا اليهما معا لا الى احدهما

المعين لبطلان الترجيح من غير مرجح ولا الى غير معين لامتناع استناد التأثير من واحد مبهم واقعا فانقدح مما ذكرنا ان ترك الصلاة ليس مستندا الى خصوص عدم الارادة الذي هو الصارف بل اليه والى الازالة فاذا استند الى الازالة ولو منظما اليه جاء محذور الدور من غير فرق فى انتهاء الارادة الى شخص واحد او الى شخصين كما إذا كان كل منهما لارادة شخص مثلا اراد احد الشخصين حركة شيء واراد الآخر سكونه فيكون المقتضي لكل منهما موجودا فالعدم حينئذ لا محال يستند الى وجود المانع لا لعدم المقتضي اللهم إلّا ان يقال بانه لا فرق بين الانتهاء الى شخص واحد والانتهاء الى شخصين بتقريب ان العدم يستند الى عدم المقتضي لا الى وجود المانع لان عدم كل واحد منهما يستند الى عدم المقتضي لأن وجود المراد يحتاج الى شيئين قدرة وارادة فاذا انتفت القدرة انتفى الاقتضاء ففي المغلوب منهما تنتفي القدرة فاذا انتفت استند العدم الى عدم المقتضي ثم قد يشكل بانه كيف يكون استناد التأثير فى عدم تحقق المراد اليهما معا اي الى عدم الارادة ووجود الضد والمفروض ان الاثر يستند الى المتقدم منهما كما فرض في مثال الحركة لأن المانع فيه مسبوق بعدم القدرة على ايجاد الإرادة فالترك حينئذ في المثال المتقدم يستند الى عدم القدرة الذي هو الصارف خاصة لا الى الصارف مع وجود الضد ، ولكن لا يخفى ان عدم القدرة على ايجاد مراده اما ان يكون علة لعدم حصول المراد في الزمان الاول الذي لم يكن قادرا عليه فقط لا في الزمان الذي بعده بحيث لو تجددت ذلك له قدرة على الايجاد لتمكن من حصول المراد وتحرك نحو المطلوب فاذا كانت العلة في عدم الحركة مثلا في الزمان الثاني هو عدم القدرة على الايجاد في ذلك الزمان وفرضنا اقتران تلك العلة في الزمان الذي اثر في عدم تحقق المراد

مع الضد الخاص كان الاثر مستندا الى وجود الضد وعدم القدرة لا الى عدم القدرة فقط.

فتحصل مما ذكرنا ان الضد يتوقف على ترك ضده لو اخذنا ترك الضد مقدمة شرطا لوجود الضد الآخر وترك الضد الآخر يتوقف على وجود الضد الذي هو مشروط اما بالتوقف الاستقلالي توقف المعلول على علته او بالتوقف الضمني اي يتوقف على وجود الضد المنضم الى الصارف فيكون توقفه توقف المعلول على جزء علته.

وقد انقدح مما ذكرنا لزوم التوقف الفعلى من الجانبين ولو سلمنا عدم التوقف الفعلي إلّا ان ملاك الاستحالة متحققة اما بالوجه الذي سمعته منا سابقا فى الوجه الثاني او لما ذكره الاستاذ قدس‌سره في الكفاية بما حاصله ان الشيء لما كان صالحا لان يكون موقوفا عليه شيء لا يعقل ان يكون الشيء موقوفا عليه مثلا لو كان صالحا لان يتوقف ترك الازالة على الصلاة لا يعقل ان تتوقف الصلاة على ترك الازالة وإذا توقف يلزم محذور الدور وهو تقدم الشيء على نفسه ثم ان بعض الاصحاب قرب المقدمية بان الضد مانع من الضد الآخر ولا اشكال ان عدم المانع من اجزاء علة وجود الشيء فيكون وجود الضد متوقفا على عدم ضده توقف الشيء على عدم المانع وقد التزم المحقق الخونساري قدس‌سره ذلك في الضد الموجود دون الضد المعدوم بدعوى ان الضد الموجود يتوقف على عدمه دون المعدوم مثلا وجود الازالة يتوقف على عدم الصلاة لو كانت الصلاة موجودة لتحقق المانعية فيها حينئذ واما مع عدم الصلاة فلا معنى لكون الصلاة مانعة لكي تتوقف الازالة على عدمها ، وقد اشار الى ذلك الاستاذ قدس‌سره في الكفاية

ما لفظه (وبان التوقف من طرف الوجود فعلي بخلاف التوقف من طرف العدم (١)

__________________

(١) وهو المنسوب الى المحقق الخونساري قدس‌سره بما حاصله ان التوقف من طرف الوجود فعلى بخلاف الترك فان توقفه على الوجود تقديري أي معلق على وجود المقتضى للضد والشرط فحينئذ يتوقف الترك على وجود الضد ومع عدم ذلك يكون الترك مستندا الى عدم المقتضى أو عدم الشرط لا لوجود المانع أي الضد وربما يكون وجود المقتضى ممتنعا وأما ما أضافه قدس‌سره من قوله (ولعله كان محالا لأجل انتهاء وجود أحد الضدين مع وجود الآخر الى عدم تعلق الارادة الازلية به) فليس من كلام المحقق الخونساري وانما ذكره قدس‌سره تتميما لكلامه واثباتا للمحالية وتفصيله ان الضدين الذين وجد احدهما وعدم الآخر أما ان يكونا من الافعال التكوينية وأما ان يكونا من الافعال الاختيارية للمكلف والثاني أما ان يكون فعل شخص واحد أو فعل شخصين بان يريد احدهما حركة جسم مثلا والآخر يريد سكونه فهذه صور ثلاث لوجود أحد الضدين مع عدم الآخر أما الصورة الاولى وهي ما إذا كان الضدان المعدوم احدهما مع وجود الآخر من الافعال التكوينية كالسواد والبياض فلا اشكال في ان عدم أحدهما لا يكون مستندا الى وجود الآخر وانما يستند عدمه الى عدم اشتماله على صلاح موافق للنظام وعدم ذلك الصلاح مقتضى لعدم تعلق الارادة التكوينية بوجوده وكذا في الضدين الذين هما من افعال العباد وكان وجود أحدهما وعدم الآخر بارادة شخص واحد وبفعله فان عدم أحدهما انما يكون مستندا الى عدم اشتماله على ما لا يلائم المكلف ويوجب تعلق ارادته به لا الى وجود الضد الآخر ففي هذين القسمين لم يكن عدم أحد الضدين متوقفا على وجود الآخر بل انما يكون مستندا أو متوقفا على عدم وجود المقتضى له وهو عدم الصلاح فى الأول الموجب لعدم تعلق الارادة التكوينية وعدم اشتماله على ما لا يلائم الشخص فى

ولكن لا يخفى ما فيه إذ كون الضد مانعا لا يفرق فيه بين كونه موجودا أو معدوما

__________________

فى الثاني الموجب لعدم تعلق ارادته به وحيث ثبت ان المقتضى غير موجود فى هاتين الصورتين فيكون العدم مستندا الى عدم المقتضى لا الى وجود المانع ويكون استناده الى وجود المانع تقديرا بمعنى انه لو وجد المقتضى لكان هذا مانعا عن وجود مقتضاه ولا يمكن العكس بان يجعل استناده فعلا الى وجود المانع والى عدم المقتضى تقديرا بمعنى لو لم يوجد المانع لكان العدم يستند الى عدم المقتضى لأن مرتبة المقتضى قبل مرتبة المانع فيستند الى عدم المقتضى لسبق مرتبته.

وأما الصورة الثالثة وهى ما إذا كان أحد الضدين مرادا لشخصين ففي هذه الصورة ايضا العدم يستند الى عدم المقتضي له وهو قدرة المغلوب فى ارادته لا الى وجود المانع وهو وجود الضد الآخر وانت خبير بما فيه فان عدم قدرة المغلوب ليس من قبيل عدم المقتضي فان ارادة المغلوب مقتضية لوجود مراده إلّا انه حيث زاحمها ارادة الغالب ويستند العدم الى ارادة الغالب المانعة من تأثير ارادة المغلوب في الضد الآخر لا الى عدم المقتضي وبالجملة المقتضي فيما نحن فيه موجود وهو ارادة المغلوب وكونه لو خلى ونفسه قادرا على الاتيان بمراده ولكن منع من تأثير ذلك المقتضي مانع وهو وجود ارادة الغالب فيكون العدم مستندا الى وجود المانع ولكن لما لم يكن المانع هو وجود الضد الآخر وانما هو ارادة الغالب لم يكن أحد الضدين متوقفا على وجود الآخر حتى يلزم الدور ومنه يظهر الجواب عن شبهة الكعبى وحاصلها ان ترك الحرام واجب وهو يتوقف على فعل من الافعال الوجودية توقف عدم الضد على وجود أحد الاضداد لما عرفت ان ترك الحرام مستند الى عدم المقتضي لا الى وجود المانع الذي هو الضد إذ لو أراد الحرام لا يعقل تعلق ارادته باحد الاضداد وإلّا لزم تعلق ارادتين بالضدين وهو

إذ ليست المانعية منوطة بوجود الضد إذ ليس عدمه من قبيل المانع لان كون الشيء مانعا بمعنى انه مانع لو كان موجودا لا انه مانع في حال وجوده.

وكيف كان فقد ذكر بعض الاعاظم قدس‌سره من ان المانعية لا توجب توقف احد الضدين على عدم الآخر بما حاصله ان المانعية لا تتحقق إلا بعد وجود المقتضى مع جميع شرائطه مثلا الرطوبة لا تتصف بالمانعية لاحتراق الجسم الا بعد وجود النار ومماستها للجسم فيظهر من ذلك ان توقف الازالة على عدم الصلاة مثلا لا بد وان يكون من جهة عدم المانع ولا تكون الصلاة مانعة الا مع وجود المقتضي للازالة وحينئذ لا يمكن ان يوجد مقتض للصلاة لعدم امكان اجتماع المقتضيين للضدين فتكون الصلاة معدومة لعدم وجود المقتضي لها. ومع انعدامها كيف تكون مانعة عن وجود الازالة وبالجملة احد الضدين لا يتوقف على عدم الآخر من جهة المانعية إذ مانعية احدهما للآخر لا يمكن إلّا فى ظرف وجود

__________________

غير معقول بالنسبة الى شخص واحد وبالنسبة الى ما لو كانا مرادا لشخصين فهو وان امكن تصوره إلّا انه لا يستند الترك الى الضد المانع وانما يستند الى ارادة الغالب التي هي المانعة من ارادة المغلوب.

وقد ظهر مما ذكرنا بطلان ما ذكر من الدور ودعوى وجود ملاكه وهو عدم جواز تقدم الشيء على ما يصلح ان يكون علة له لما هو معلوم انه مع فرض وجود الضد لا يعقل وجود المقتضى للضد المعلوم لكي يقال بان وجوده حينئذ مانع ويكون عدمه من قبيل عدم المانع.

وبالجملة ان المانعية لما كانت محالا فلا توقف اصلا من الجانبين أي لا وجود الضد يتوقف على عدم الضد الآخر ولا عدم الضد المعدوم يتوقف على الضد الموجود لاستناد العدم الى عدم المقتضى على تفصيل ذكرناه فى حاشيتنا على الكفاية

المقتضي للاثنين وهو غير معقول ولكن لا يخفى ان استناد عدم المعلول الى عدم كل جزء من اجزاء علته كاستناد وجوده الى كل واحد منها في عرض واحد وعليه بنينا مانعية عدم المأكولية في لباس المصلي وبالجملة ان عدم المعلول يستند الى وجود المانع حتى مع فرض عدم المقتضي فظهر لك مما ذكرنا انه ينحصر عدم توقف احد الضدين على عدم الآخر بان عدم كل واحد من الضدين في رتبة وجود الضد الآخر لما هو معلوم من وحدة المرتبة بين النقيضين على ما عرفته منا سابقا هذا كله على التقريب الاول اي فى المقدمية واما الثاني فتقريبه ان يقال ان فعل الضد ملازم لترك ضده الآخر فاذا صار فعل الضد واجبا كان لازمه وهو ترك الضد الآخر ايضا واجبا فاذا صار واجبا حرم فعل الضد الآخر وقد اجاب عنه الاستاذ قدس‌سره فى الكفاية ما هذا لفظه (واما من جهة لزوم عدم اختلاف المتلازمين في الوجود فى الحكم فغايته ان لا يكون احدهما فعلا محكوما بغير ما حكم به الآخر لا ان يكون محكوما بحكمه وعدم خلو الواقعة عن الحكم انما يكون بحسب الحكم الواقعي لا الفعلي فلا حرمة للضد من هذه الجهة ايضا بل على ما هو عليه لو لا الابتلاء بالمضاد للواجب الفعلي من الحكم الواقعي) لأن الحكم يتبع تحقق ملاكه فمناطه في احدهما لا يوجب تحقق الملاك في الآخر ، فلو قلنا بتحققه لأجل الملازمة فيلزم تحققه جزافا لعدم تحقق ملاكه ودعوى الملازمة فى الجعل بديهي البطلان من غير فرق بين الضدين الذين لا ثالث لهما وبين غيره فدعوى بعض الاعاظم بتحقق الملازمة العرفية فى الضدين الذين لا ثالث لهما كالحركة مثلا فان وجوبها ملازم عرفا لعدم السكون محل نظر لما عرفت ان الحكم يناط وجوده بتحقق ملاكه فلو تحقق الحكم فى الملازم الآخر مع عدم التحقق الملاك يكون حكما بلا

ملاك ولازمه ان يكون وجوده عبثا فلا يكون ارادة احدهما موجبا لارادة الآخر

ثمرة هذه المسألة

ثم انه ذكر الاصحاب ان ثمرة البحث عن اقتضاء الامر النهي عن ضده الخاص وعدمه هو فساد الضد المنهي عنه اذا كان عبادة بناء على الاقتضاء لانه حينئذ يكون منهيا عنه فلا يمكن ان يتقرب به فتقع العبادة باطلة وصحتها على القول بعدم الاقتضاء وقد انكر هذه الثمرة شيخنا البهائي قدس‌سره بدعوى بطلانها على القول بعدم الاقتضاء إذ العبادة تحتاج الى قصد الامر ومع عدم الامر لا يمكن التقرب بها ومن المعلوم عدم تعلق الامر بالعبادة وإلّا لزم طلب الضدين وهو محال وقد اجاب الاستاذ قدس‌سره بانه لا حاجة الى قصد الامر بل يكفي قصد المحبوبية والملاك (١) إذ سقوط الامر في المقام ليس ناشئا من النقص فى الملاك

__________________

(١) لا يخفى انه انما يحتاج الى الرجحان والمحبوبية فى تصحيح العبادة التي امر بضدها فيما اذا كان وقت العبادة مضيقا فانه حينئذ يمتنع الامر بضدها فى ذلك الوقت وتحتاج في تصحيحها الى الرجحان والمحبوبية اما إذا كان وقتها موسعا فلا حاجة الى ذلك لكونها حينئذ مأمورة بها لانها فرد من تلك الطبيعة المأمور بها والامر بالطبيعة لم يكن مخصوصا بما عدا هذا الفرد فان هذا الفرد كغيره من الافراد محصل لطبيعة المأمور بها غاية الامر من جهة انه في وقت هذا الفرد قد امر بضده فالعقل يحكم بانه حيث يمكنك امتثال الامر بهذا الضد بايقاعه في محله وامتثال الامر بتلك الطبيعة بتأخيرها الى ما بعد هذا الضد لكي يحصل

والمصلحة وانما نشاء من عدم امكان الامر بالضدين مع فرض اهمية احدهما بل لو قلنا بان الامر بالشيء يقتضي النهي عن ضده يمكن لنا تصحيح العبادة لان النهي المتعلق بالعبادة ليس ناشئا من مفسدة فى المتعلق وانما هو نهي غيري نشأ من الامر بالضد الاهم ولكن لا يخفى ان النهي اذا كان مولويا ولو غيريا يكون ناشئا عن ان مخالفته توجب هتك المولى فحينئذ كيف يمكن ان يتقرب بذلك بل ربما يقال بانه لا يمكن استكشاف الملاك بناء على عدم الاقتضاء لكون الامر المتعلق بالطبيعة المقيدة بعدم مزاحمة الاهم مثلا الامر المتعلق بالصلاة قد تقيد بان لا يزاحم الازالة فالفرد المزاحم للازالة خارج عن متعلق الامر لكونه غير مقدور

__________________

امتثال الامرين وظاهر ان هذا ليس تقييدا في الطبيعة المأمور بها وتخصيصا لها بما بعد فعل هذا الضد وحينئذ فلو عصى المكلف الامر بالضد فعلى هذا العقل يحكم بانه لو اتى بفرد من افراد تلك الطبيعة المأمور بها لم يكن قصورا في هذا الفرد الذي جاء به في صدق الطبيعة المأمور بها عليه فيكون مأمورا به فعلا فيكون صحيحا ولا يحتاج في تصحيحه الى رجحان او كونه محبوبا للمولى هذا بناء على تعلق الاوامر بالافراد واما بناء على تعلقها بالطبائع فالامر اوضح حيث ان الامر قد تعلق بصرف وجود الطبيعة باعتبار القدرة على سائر الافراد فحينئذ يمكن الاتيان بالفرد المزاحم الذي ليس له امر بالخصوص بداعي الامر المتعلق بالطبيعة لانطباقها عليها قهرا ودعوى ان متعلق الامر مقيد بالقدرة فيكون الفرد المزاحم غير مقدور فيخرج عن متعلق الامر في غير محلها اذ سقوط الامر بالفرد المزاحم لأجل المزاحمة وهي لا توجب التقييد في متعلق الامر على ان هذا الحكم العقلي غير صالح لتقييد المأمور به لتحققه بعد تعلق الامر بالاهم فكيف يكون صالحا لتقييد متعلق الامر كما لا يخفى.

فالعقل يحكم بقبح التكليف به ودعوى ان الفرد المزاحم للاهم مع سائر الافراد على حد سواء في ايجاد الطبيعة المأمور بها فحينئذ لا مانع من اتيان ذلك الفرد بقصد التقرب بالامر المتوجه الى الطبيعة (١) فتصح العبادة حتى على القول باحتياج العبادة الى قصد الامر لا مكان التقرب بالامر المتعلق بطبيعة العبادة محل نظر بل منع إذ التكاليف مشروطة بان يكون متعلقها مقدورا فالفرد المزاحم خارج عن متعلق الامر اللهم إلّا ان يقال بان القدرة على الموسع في الزمان الثاني اي بعد ارتفاع المزاحمة بالمضيق كافية في فعلية الامر فى الزمان الاول بناء على ما حققنا من

__________________

(١) لا يخفى انه فرق بين باب المزاحمة والتخصيص العقلي فان باب المزاحمة الامر باق على ما هو عليه من تعلقه بنفس الطبيعة وان الاشتغال بالاهم ليس تصرفا فى ناحية الامر ولا في ناحية الطبيعة المأمور بها وانما هو تصرف في ناحية الامتثال اي ان الافراد لطبيعة الصلاة المأمور بها المزاحمة للازالة باقية على كونها مشمولة للامر وانها داخلة تحت الطبيعة المأمور بها غاية الامر ان العقل لما رأى ان الامتثال للامر بالصلاة فى هذا الحال مفوت لامتثال الامر بالاهم حكم يلزم تأخير امتثال الامر بالصلاة والاشتغال فعلا بالازالة تحصيلا لكلا الطلبين فمورد هذا الحكم العقلي وموضوعه هو امتثال الامر بالصلاة فهو اي العقل يعترف ان الصلاة فعلا تقع امتثالا للأمر بطبيعة الصلاة ولكنه يحكم بلزوم تأخير هذا الامتثال والاشتغال فعلا بالاهم فاذا خالف المكلف هذه الحكومة العقلية واشتغل بالصلاة فعلا كانت تلك الصلاة امتثالا للأمر بطبيعة الصلاة وكانت مشمولة للأمر بداعيه وهذا هو معنى المزاحمة بخلاف ما لو قلنا بان المقام من باب التخصيص العقلي بمعنى ان تلك الافراد خارجة عن دائرة الامر لكون متعلقه مشروطا بالقدرة والعقل حاكم بقبح تكليف العاجز فلا تغفل.

تعقل الشرط المتأخر او القول بالواجب المعلق بان يكون الواجب الموسع وجوبه فعلى حال المزاحمة إلّا ان ظرف امتثاله والاتيان بمتعلقه يكون متأخرا أي بعد ارتفاع المزاحمة وحينئذ لا ثمرة في البين بناء على المختار من صحة الشرط المتأخر والواجب المعلق لصحة العبادة مطلقا اي قلنا بالاقتضاء ام بعدمه بناء على ان قصد الملاك كاف فى التقرب واما بناء على ان قصد الامر هو المحقق للعبادية فالعبادة تكون باطلة حينئذ مطلقا من غير فرق بين القول بالاقتضاء وبين القول بعدمه لعدم الامر بها كما لا يخفى فافهم وتأمل. هذا كله فى الضد الخاص.

(الضد العام)

المقام الثاني فى الضد العام الذي هو بمعنى الترك فنقول لا اشكال ولا ريب في ان الامر بالشيء يقتضي النهي عن تركه كما ان محبوبية كل شيء يستلزم ترك ضده وهذا مما لا ينبغي ان يقع الكلام فيه بين الاعلام نعم ينبغي ان يقع الكلام في ان هذا الاقتضاء هل هو بنحو العينية او التلازم والظاهر انه بنحو العينية مطلقا ان كان المراد بالنهي عن الشيء طلب الترك بحسب الانشاء والمفهوم لان طلب الايجاد عين طلب ترك الترك والعينية بحسب الانشاء فقط ان كان المراد من النهي عن الشيء بمعنى الزجر عنه بان يكون الامر بالشيء والنهي عن نقيضه العام متحدين بحسب الانشاء فقط واما بحسب المفهوم فهما مفهومان مختلفان وهما ارادته للمطلوب وبغضه عن نقيضه وهذان المفهومان منتزعان من انشاء واحد كمثل قوله (افعل) ،. ثم لا يخفى ان وجود كل شيء يناقض عدمه ولو تعلق ارادة المولى بوجود شيء لا بد في تحصيل ذلك الشيء الى تحصيل المقتضي له وطرد

مزاحمه فى الوجود فان الوجود يستند الى وجود المقتضي مع سد جميع ابواب عدمه والعدم ربما يستند الى عدم وجود المقتضي وربما يستند الى وجود المانع مع بقاء المقتضي للوجود فلو فرضنا ان للشيء ضدين وكانا بحسب المصلحة متساويين لم يصح من الآمر تخصيص امره باحد الضدين معينا بل يكون في طلبه للضدين على حد سواء ويحصل من طلبه لهما التخيير فليس للحكيم فى المقام ايجاب غير التخييري بل لا بد لو اراد ان يوجه طلبه ان يكون على نحو التخيير فالمأمور فى مقام الامتثال له اختيار كل منهما والى ذلك يرجع ما افاده بعض المحققين في معنى الواجب التخييري انه طلب الشيء مع المنع عن بعض انحاء تروكه بيان ذلك هو انه لما فرض اشتراكهما في اداء المصلحة على حد سواء ولم يكن في المقام ما يكون احدهما اهم فللمكلف ترك احد الضدين والاشتغال بالآخر وفي المقام لما كان الترك مستندا الى المزاحم والمانع لا الى عدم المقتضي فلا بد فى حصول الامر على نحو يكون من قبيل متمم الوجود الذي مآله الى حفظ الوجود من ناحيته عن الاشتغال بالضد المساوي له بالمصلحة بمعنى اني لا اريد انعدام المأمور به من قبيل انتفاء مقتضيه او من قبيل الاشتغال بضد آخر غير الضد المساوي فى المصلحة ففي الحقيقة يرخص في انعدام الضد مع الاشتغال في الضد الآخر ولا يرخص انعدامه من سائر الاضداد وبعبارة اخرى لو فرض انعدام الازالة تتساوى مع الصلاة في المصلحة ولم يكن هناك اهم في جهات الانعدام فمرة ينعدم من عدم الارادة للازالة واخرى ينعدم من قبل الصلاة فالمأمور به يمنع من الانعدام الناشئ من عدمه ولم يكن مانعا من الانعدام الناشئ من وجود الصلاة ومرجع ذلك الى التبعيض فى مطلوبية الوجود وهذا بخلاف ما لو كان من قبيل اتمام الوجود الذي هو عبارة عن كونه

طاردا لجميع انحاء انعدامه حتى ما كان انعدامه من قبيل الاشتغال بالضد المساوي الذي هو مفاد الطلب التعييني وذلك لا يعقل جريانه هاهنا فعلى هذا تكون العقوبة لو تركها عقوبتين بترك الضدين لا يقال العقوبة تدور مدار القدرة ولا قدرة على فعل الضدين وانما القدرة على فعل احدهما فمثوبة واحدة على احدهما وعقوبة واحدة على تركهما لانا نقول لم يكن استحقاق العقاب على المخالفة على قدر الامتثال بل على قدرة رفع التكليف باحد الوجوه المقبولة عند الشارع ولذا ترى ان تكليف الكافر بالقضاء مع انه في حال الكفر لا يمكن امتثاله ولو اسلم فالاسلام يجب ما قبله مع انه لو مات استحق العقوبة على مخالفة ذلك التكليف إذ يتعقل فى حقه انه قادر على رفع ذلك التكليف ولو بالاسلام الموجب لرفع التكليف ولو امتنانا منه سبحانه وتعالى والمقام من هذا القبيل من حيث انه يمكن رفع استحقاق العقوبتين بان ياتي باحد الضدين ويسقط الآخر بوجه مقبول عند الشارع والعقل في المقام لا يستقبح توجه العقوبتين على المخالفة من حيث التمكن على الخروج عن عهدتها بان يمتثل احدهما ويسقط الآخر ، ثم لا يخفى ان تعدد التكليف انما نشأ من تعدد الغرض فيستحق على المخالفة عقوبتين بخلاف الواجبات التخييرية كخصال الكفارة فانه يستحق عقوبة واحدة لوحدة الغرض لما عرفت ان تعدد العقوبة وعدمها دائرة مداره تعدد الغرض ووحدته إذا عرفت ما ذكرنا من معقولية توجه التكليف الى كل من الضدين غاية الامر انه لما كان الطلب غير معقول بنحو تمام الوجود صار الطلب فى كل منهما متوجها على نحو متمم الوجود وبمعنى ان التكليف بشيء يشترط ان يكون المكلف مختارا في فعله ومع عدمه تلبسه بالحركة مثلا يكون تلبسه بالسكون قهريا فلا معنى توجه التكليف بهما بل هما يكونان

الطلب الناشئ عن ارادة لم تكن تلك الارادة تامة بل كانت ناقصة اتضح لك فساد ما ربما يتوهم من عدم معقولية الطلب لكل من الضدين طلبا مشوبا بالترخيص ولعل منشأ هذا التوهم هو انه لا يعقل انشاء ارادتين فعليتين متعلقتين بالضدين كما لا يعقل ذلك فى الارادة التكوينية والحاصل ان الارادة التشريعية كالارادة التكوينية فكما لا يعقل تعلقها بالضدين كذلك لا يعقل تعلق الارادة التشريعية بهما ولكن لا يخفى انه فرق بين الارادتين فان الارادة التكوينية لا يعقل تعلقها بشيئين متضادين لان الارادة التكوينية بالنسبة الى المراد علة تامة لحصوله والعلة التامة يستحيل تعلقها بشيئين متضادين إذ لو صح ذلك لصح اجتماع المتضادين في الخارج وهو محال بخلاف الارادة التشريعية بالنسبة الى المراد كما فى المقام فانها بالنسبة اليه من قبيل المقتضي لحصوله فاذا حكم العقل بالامتثال والطاعة وجب عليه امتثاله واذا تعذر لاجل اقتضائه التكليف بما لا يطاق سقط امتثاله من جميع الوجوه ان تعذر من جميع الوجوه وإلّا اي وان لم يتعذر من جميع الوجوه بل من وجه واحد سقط امتثاله من ذلك الوجه وبقي له جهة اقتضاء من غير ذلك الوجه فيحصل من هذا تكليف ناقص لكونه ناشئا عن ارادة ناقصة فيحكم العقل بامتثاله على هذا النحو من التكليف فالفرق بين الارادتين اوضح من ان يخفى اذا عرفت ما ذكرنا لك من معنى التخييري الذي هو صريح عبارة بعض المحققين من غير فرق بين المقام وغيره فاعلم ان في معنى التخييري اوجها بل اقوالا أخر لا بأس بالاشارة اليها وما فيها احدها ان الواجب في الواجب التخييري هو القدر الجامع بين الافراد ولم يكن تكليفان بل تكليف واحد تعلق بذلك القدر الجامع وفيه انه مسلم فيما لو كانت الافراد من سنخ واحد واما لو كانت من

سنخيين كان يكون احدهما من سنخ الوجود والآخر من سنخ العدم فالظاهر انه لا جامع بين السنخين فكيف يتصور قدر جامع فى البين لكي يتعلق به التكليف ثانيها الواجب فى الواجب التخييري هو احد الافراد لا على التعين فيكون الترك في كل واحد منهما فى حال ترك الآخر منهيا عنه وتركه في حال وجود الآخر غير منهي عنه وفيه انه ان كان المراد من التكليف على نحو يكون تمام الوجود بمعنى ان يكون حافظا لجميع انحاء تروكه فقد عرفت انه يستحيل بالنسبة الى الضدين وان كان المراد من التكليف اتمام الوجود الذي هو عبارة عن المحافظة عليه من انحاء تروكه من غير ناحية ضده فيكون حينئذ طلبا ناقصا فيرجع الى ما حققناه وثالثها انه لما كان توجه التكليف بكل من الضدين محالا فلا بد من سقوطه فى احدهما واعتباره فى الآخر من دون تعيين فى ذلك وفيه ان الباقي بلا خصوصية مستحيل لان كل شيء ما لم يكن مع خصوصية ومع تشخص لا يعقل وجوده في الخارج. نعم يتعقل ذلك بالنسبة الى الوجود الذهني فان الذهن يتصور الكليات معراة عن الخصوصيات والجزئيات غير المعراة عن الخصوصيات ومن ذلك ظهرا وسعية الذهن من الخارج فان الخارج لا يكون إلّا ظرفا للجزئيات والذهن يكون ظرفا للجزئيات والكليات فان قلت هذا مناف لما ذكره الاستاذ قدس‌سره في غير هذا المقام من ان الحجتين المتعارضتين يبنى فيها على اعتبار احدهما وسقوط الآخر مع عدم التعين وينفى الاحتمال الثالث الخارج عن مؤدي الحجتين لاعتبار احدهما قلت اولا ان الاحتمال الثالث منفي ويستند نفيه الى كليهما لا لأحدهما لأن التعارض وقع بين المدلول المطابقي للخبرين وبالنسبة الى المدلول الالتزامي الذي هو خارج عن مؤدي الخبرين فلا تعارض إذ كل واحد منهما ينفيه كما لا يخفى

وثانيا فرق بين مقامنا وبين مسألة الحجية فان مسألة الحجية من الامور التي تلحق الشيء باعتبار ان يكون ظرف لحاظه الذهن ومقامنا من الامور التي يكون ظرفها الخارج لأنه تكليف وصادر من المولى الباعث على ايجاد متعلقه في الخارج ولا يعقل وجوده في الخارج بغير الخصوصية لأن ما لم يتشخص لم يوجد بخلاف ذلك لما عرفت منا سابقا من اوسعية الذهن فى الخارج فيجوز تعزية الملحوظ عن الخصوصيات كتصور الكليات مثلا فيبطل حينئذ جميع الاقوال فى الواجب التخييري الا ما حققناه وملخصه انه ان كان تعلق التكليف بكل من الضدين ناقصا وكان لهما ثالث فالضد الثالث ينفى بكل منهما ولم يكن مانع من تعلق التكليف بالضدين الا ما يتوهم من امتناعه وقد عرفت امكانه إذ لا محذور فى تعلقه بهما واضعف من هذا التوهم توهم ان في تعلق التكليف بهما يرجع الى الامر بشيء والنهي عنه وقد عرفت ان ذلك يلزم لو كان المراد من الامر المطلق التام الذي هو عبارة عن كونه حافظا لجميع انحاء تروكه وسادا لجميع انحاء انعدامه المعبر عنه بتمام الوجود فانه على هذا التقدير يكون الامر بشيء يقتضي ايجاده وحفظه عن جميع تروكه حتى حفظه عن الترك المستند الى وجود الضد فلو امر بالضد كان مقتضاه النهي عن جميع تروكه ومن جملة تروكه ما كان ناشئا عن وجود ضده الذي كان مطلوبا فيكون منهيا عنه بخلاف ما نحن فيه من كون التكليف ناقصا فلم يكن الامر بذلك الضد مقتضيا لنهي الترك الناشئ عن ذلك الضد الآخر فلا يكون منهيا عنه بل صرف انه مأمور به. نعم فى الضدين الذين لا ثالث لهما لا يعقل تعلق التكليف بهما مطلقا اما تاما فقد ظهر امتناعه في الضدين الذي لهما ثالث فهنا بالطريق الاولى واما ناقصا فان التكليف بشيء شرطه

أن يكون المكلف مختارا فى فعله وليس ذلك فيهما كالحركة والسكون إذ مع عدم احدهما يكون المكلف متلبسا بالآخر قهرا فلا معنى لتوجه التكليف بهما بل هما كالنقيضين فتلخص من جميع ما ذكرنا عدم معقولية التكليف الناقص الى الضدين الذين لا ثالث لهما وعدم صحة توجه التكليف التام الى الضدين اللذين لهما ثالث ومعقولية توجه التكليف الناقص الى الضدين اللذين لهما ثالث بالتوجيه المتقدم.

(الترتب)

ثم انك قد عرفت مما ذكرنا ان الامر بالشىء لا يقتضى النهى عن ضده الخاص وبعد الفراغ من هذه الجهة فقد وقع الكلام والبحث فى ان الامر بالشىء هل يوجب سقوط الامر بضده لو كان مهما كالامر بازالة النجاسة عن المسجد فانه يوجب سقوط الامر بالصلاة المزاحمة مع الازالة ام لا يقتضى سقوط الامر بالمهم قولان قيل بالاول لرجوعه الى الامر بالضدين فى عرض واحد في زمان واحد وذلك بديهي البطلان وعليه يبنى بطلان الترتب وهو ان يكون الامر بالصلاة مشروطا بعصيان الازالة بناء على جواز الشرط المتأخر او العزم على العصيان بناء على بطلانه لاستلزام جوازه استحالة الامر بالضدين فى عرض واحد في زمان واحد قال الاستاذ (قدس‌سره) في الكفاية ما لفظه (ما هو ملاك استحالة طلب الضدين في عرض واحد آت فى طلبهما كذلك فانه وان لم يكن فى مرتبة طلب الاهم اجتماع طلبهما إلّا انه كان في مرتبة الاهم الامر بغيره اجتماعهما بداهة فعلية الامر بالاهم في هذه المرتبة (١) توضيح ذلك هو

__________________

(١) قال بعض السادة الاجلة (قدس‌سره) في بحثه الشريف ان طلب الضدين انما يكون مستلزما لطلب الجمع بينهما اذا كان المطلوب من المكلف ، صرف القدرة في إحداهما

ان الضدين لما كان بينهما تمانع. بحسب الوجود في زمان واحد لذا قدرة

__________________

في ظرف صرف قدرته فى الآخر فان مرجعه الى ان صرف القدرة في كل منهما غير مقدور لانه عبارة اخرى عن الجمع بينهما اما اذا كان طلب احدهما وهو المهم معلقا على عدم الاتيان بالآخر وهو الاهم كان ذلك عبارة اخرى عن ان المهم لا يكون مطلوبا في ظرف صرف القدرة في الاهم بل انما يكون مطلوبا في ظرف عدم صرف القدرة في الاهم كما ان طلب الاهم وان كان متحققا في ظرف طلب المهم إلّا انه لما لم يكن صرف القدرة في المهم لازما بقول مطلق لم يلزم منه الا لزوم صرف القدرة في الاهم في ظرف القدرة على المهم وعدم الاتيان في الاهم وذلك لا ضير فيه اذ لم يكن صرف القدرة في المهم وعدم الاتيان بالاهم لازما في نظر الشارع وبالجملة ان طلب الاهم لا يزاحم موضوعه وهو عدم الاتيان بالاهم وصرف القدرة في المهم وبعبارة اوضح ان مرجع طلب الضدين الى طلب صرف القدرة في كل منهما عند صرفها في الآخر فيكون ممتنعا لكونه من طلب الجمع بين الضدين وما نحن فيه ليس من ذلك القبيل اذ اقصى ما فيه انه في ظرف صرف القدرة في احدهما وهو المهم يكون المكلف مأمورا بصرف القدرة في الآخر وهو الاهم وهو لا محذور فيه مع عدم العكس بل اغلب الواجبات من هذا القبيل فان كل من اشتغل بعمل غير مطلوب منه وكان المطلوب منه عملا آخر يطلب منه صرف القدرة في العمل الآخر المطلوب في ظرف صرف المقدورية في العمل الذي اشتغل به ونظير ما نحن فيه التخيير الشرعي بناء على ان كل فرد قد تعلق به الامر بمعنى انه يجب ان تصرف قدرتك في الفرد عند عدم صرفها في الفرد الآخر وان كان فرق بين ما نحن فيه والتخيير الشرعي عن حيث انه على الاخير هذا المعني اي لزوم صرف القدرة في احدهما في ظرف عدم صرفها في الآخر متحقق في جميع اطراف التخيير بخلاف

المكلف لم تسع الا تعلقها بأحدهما والقدرة في متعلق الامر معتبرة فمع فرض كون احدهما المعين اهم قد تعلق به امر المولى فيجب على المكلف صرف القدرة فيه بالخصوص لكي يجري على مقتضى امره وذلك يستلزم الجري على خلاف مقتضى الآخر اذ لا يعقل ان يكون فيه انبعاث نحو متعلقه مع تحقق الانبعاث نحو الاهم فلو تحقق امر في حين انبعاث الامر نحو الاهم لزم تحققه من دون

__________________

ما نحن فيه فان هذا المعنى متحقق في طرف المهم فقط وبالجملة طلب صرف القدرة ـ في كل من الفعلين في ظرف صرفها في الآخر وبالعكس يكون مستلزما لطلب الجمع بين الضدين اما طلب صرفها في احدهما عند عدم صرفها في الآخر وبالعكس فانه لا ضير فيه ولا يرجع الى طلب الجمع بين الضدين وهو الواجب التخييري المسلم عند الجميع لا يقال اذا كان الامر الثاني معلقا على عصيان الآمر الأول فان كان المراد به العصيان الخارجي فهو موقوف على مدة تسع الاهم ولم يفعله فيها ليتحقق فيها العصيان وهو خلاف الفرض حيث ان القرض ان الزمان لا يسع إلّا احدهما وان كان المراد انه يعصي فيما بعد بأن الشرط هو العنوان المنتزع من المعصية المتأخرة كان العلم بتحقق ذلك العنوان متوقفا على انقضاء المدة فيكشف للمكلف انه كان واجدا لذلك العنوان وقبل انكشاف ذلك لا يكاد يتأتى منه نية التقرب بالنسبة الى المهم لانا نقول انه اذا كان عازما على العصيان وعدم الاتيان بالاهم كان ذلك عبارة اخرى عن كونه عالما بانطباق ذلك العنوان عليه لا انا نقول ان الشرط هو العزم على العصيان بل نقول ان الشرط هو العنوان المنتزع من العصيان فيما بعد وان العزم على العصيان يكون كاشفا للمكلف بحسب قطعه بعدم الاتيان بالاهم انه واجد لذلك العنوان واذا قطع بكونه واجدا لذلك العنوان حصل له القطع بتوجه الامر بالمهم اليه وحينئذ يتمكن من ايجاد ذلك بنية التقرب كما لا يخفى

المعين وقد تعلق الامر به فيلزم صرف قدرة المكلف به بالخصوص ويجب ان يجري المكلف على مقتضى ذلك الامر ولازمه الجرى على خلاف مقتضى الآخر لعدم تحقق الانبعاث نحو الامر بالاهم فلو تحقق الامر حينئذ يلزم تحققه من دون انبعاث اذ لا يعقل تحقق الانبعاث نحو الضدين في آن واحد ودعوى تحقق الامر بالمهم فى ظرف عصيان الامر بالاهم ينحو الشرط المتأخر او العزم علي المعصية بنحو الشرط المقارن ممنوعة اذ فى ذلك الظرف لم يسقط الامر بالاهم وحينئذ يكون من الامر بالضدين في عرض واحد في آن واحد وهو غير معقول للزوم الامر بالجمع بين الضدين مع ما بينهما من المطاردة والمعاندة في الوجود فلا تصح العبادة حينئذ بناء على احتياجها الى قصد الامر كما يقوله الشيخ البهائي (قدس‌سره) وعدم كفاية قصد الامر المتوجه الى الطبيعة كما ينسب الى بعض المحققين إلّا ان بعض من تأخر صحح العبادة بالامر الترتبي بدعوى ان الامر المتوجه الى المهم لا يزاحم الامر بالاهم وليس ذلك من استحالة الامر بالضدين فى عرض واحد لعدم كونهما في عرض واحد فان الامر بالمهم في طول الامر بالاهم وليس في عرضه وهو الحق وبيان ذلك يتوقف على ذكر امور. الاول ان الاهم مع المهم من باب التزاحم الذي هو عبارة عن ان لكل من الاهم والمهم ملاكا ومصلحة لا يكون من باب التعارض الذي هو عبارة عن تكاذب الخطابين فى اصل الاقتضاء زائدا على اصل الفعلية والفرق بين باب التزاحم والتعارض ظاهر من حيث الترجيح ومن حيث الحكم اما الترجيح في باب التزاحم فهو باقوى الملاكين فيؤخذ باقواهما ولو كان اضعف سندا وفي التعارض يؤخذ بالاقوى سندا واما من حيثية الحكم فالعقل هو الحاكم في باب التزاحم

بانه مع تساوي الملاكين يحكم بالتخيير ومع اقوائيتهما يحكم بتعيين الاخذ به وفي التعارض العقل منعزل عن الحكم بالتخيير وانما يحكم بالتساقط واما التخيير فمرجعه الى الشرع وهو يحكم به بين الحجيتين لو لم يكن احدهما اقوى سندا. الثاني ان التزاحم تارة يكون بين المقتضيين الذي هو عبارة عن وجود ملاكين متضادين فى شىء واحد واخرى يكون بين الحكمين الذي هو عبارة عن امكان جعل كل على موضوع خاص والتزاحم نشأ من عدم قدرة المكلف والذي هو محل الكلام في المقام هو التزاحم بين الحكمين فانه بعد امكان جعل كل حكم على موضوع خاص إلّا انه لما لم يمكن امتثالهما لذا لا بد من ترك احدهما لعدم القدرة على امتثالهما لا من جهة الملاك (١) كما لا يخفى.

__________________

(١) بل ربما يقال ان تزاحم المقتضيين ليس من تزاحم الحكمين اذ مع تساويهما ينشأ حكم تخييري على طبقهما ومع اقوائية احدهما فبعد الكسر والانكسار ينشأ حكم على طبق الملاكين وكيف كان فقد ذكر بعض الاساطين لمرجحات باب التزاحم امورا الأول تقديم ما ليس له بدل على ماله بدل من غير فرق بين كون البدل عرضيا كما اذا كان المال لا يفي باداء الدين واطعام ستين مسكينا اذا كان عليه دين وكفارة مخيرة بين الخصال الثلاث او طوليا كما اذا كان الماء لا يكفي للوضوء او الغسل مع ازالة الخبث عن ثوب المصلي او بدنه لحكم العقل بذلك لأن بالتقديم يدرك كلا الواجبين ولو كان درك احدهما ببدله بخلاف ما لو قدم ما له بدل كما لو صرف الماء فى الوضوء او الغسل فانه يوجب ترك الواجب الآخر الذي هو ازالة الخبث عن الثوب او البدن بالمرة ومن ذلك يعلم وجه تقديم الواجب المضيق على الموسع فان الموسع له بدل دون المضيق الثاني تقديم ما ليس مقيدا بلسان الدليل على

الامر الثالث : ان الارادة الشرعية تارة تكون تامة بمعنى ان المولى

__________________

فان الموسع له بدل دون المضيق الثاني تقديم ما ليس مقيدا على ما قيد به لدخل التقييد المأخوذ في لسان الدليل فى الملاك فما ليس بمقيد فيه ملاكه غير مقيد فوجوبه يتبع الملاك فتقديم الواجب المطلق من حيث القدرة يوجب رفع الموضوع المقيد بالقدرة الشرعية لاعتبارها فى موضوعه فلو بقى الوجوب حينئذ بقي بلا ملاك. الثالث : الاهمية ملاك احد الواجبين لقبح ترجيح المرجوح على الراجح الرابع ـ تقديم ما هو متقدم زمانا فان العقل يحكم بوجوب صرف القدرة بإتيان المتقدم مع فعلية خطابه كما في الواجبين المتزاحمين اذا كان بينهما ترتب طولي بحسب الزمان مثلا لو تمكن من القيام في احدى ركعات صلاته فانه يجب عليه القيام في الركعة الاولى من صلاته لما عرفت من ان العقل حاكم بوجوب صرف القدرة في ما هو مقدم زمانا وحينئذ يوجب التعجيز عن الاتيان بالواجب المتأخر فيكون غير مقدور لو لم يكن احدهما اهم لان الخطاب بالنسبة الى الاول فعلي مع تحقق القدرة عليه فيجب امتثاله وبامتثاله يوجب العجز عن امتثال الخطاب الثاني مع فرض امكان الجمع بينهما واما لو كان احدهما اهم فيجب حفظ القدرة للواجب المتأخر لو كان اهم واما بالنسبة الى المهم فهل يجري الامر الترتبي ام لا ادعى بعض الاساطين عدم جريانه لان موضوعه العصيان وحينئذ ان كان المراد منه عصيان الواجب المتأخر فلا يتم الايتاء على الشرط المتأخر او الواجب المعلق للذين لا نقول بهما وان كان خطاب احفظ قدرتك فيلزم منه اما طلب الحاصل او طلب الممتنع لأن عصيان حفظ القدرة لا يمكن إلّا بصرفها في المهم فيلزم طلب الحاصل او بغير المهم فهو من طلب الممتنع وهكذا الكلام في المرجح الثاني فانه لم يجر فيه الترتب لأن فى ظرف عصيان الامر المشروط بالقدرة العقلية لا ملاك لما هو مشروط بالقدرة الشرعية فمع عدم وجود الملاك لا يتحقق الامر الترتبي إلّا ان ذلك محل نظر

يريد الفعل بنحو يسد ابواب انعدامه من جميع انحاء انعدامه ويطلق عليها ارادة مطلقة واخرى تكون ناقصة اي يريد سد ابواب انعدامه من غير ناحية انعدامه من وجود ضده الخاص وهذه هي التى تكون في الواجبات التخييرية فان اطلاق الامر فيها وان اقتضى الاول الا انا خرجنا عنه فى الواجبين المتزاحمين ودعوى سقوط الخطابين ويعد سقوطهما يحكم العقل بوجود خطاب تخييري بين المتزاحمين ممنوعة اذ لا موجب لرفع اليد عن الخطابين مع امكان الجمع العرفي برفع اطلاقهما اذ الضرورة تقدر بقدرها ولذا قلنا بالتخيير الشرعي بين الواجبين المتزاحمين المتساويين فان حقيقته هو التخيير بين امرين متباينين بما هما متباينان بخلاف التخيير العقلي الذي حقيقته ان يكون بين امور تندرج تحت جامع هو متعلق الامر وحيث لم يجد العقل تفاوتا بين تلك الامور فى ايجاد تلك الطبيعة المتعلقة للتكليف فيحكم العقل بالتخيير بينها اذا عرفت ذلك فاعلم ان المصلحة في احد الضدين لو كانت اهم بنظر الشارع كاهمية الازالة فى نظره مع الصلاة فى سعة الوقت فلا اشكال فى وجوب مراعاة الاهم لان التكليف بالاهم كان طاردا لكل ترك ناشئ من اي ضد كان حتى الترك الناشئ من وجود الصلاة والامر بالاهم مانع عن جميع انحاء تروكه ولا يجوز مخالفته ولو خالفه

__________________

اذ الاخير مبني على بطلان الشرط المتأخر والواجب المعلق كما ان الثاني لا وجه للترجيح به اذ الاتيان بالواجب المطلق تخصيص بلا مخصص وترجيح بلا مرجح مع ان المكلف قادر على اتيان كل واحد منهما منفردا فكل واحد منهما واجد للشرط شرعا وعقلا على ان القول باشتراط الوضوء بالقدرة الشرعية لمقابلته للتيمم محل نظر على تفصيل ذكرناه فى حاشيتنا على الكفاية.

كان عاصيا ويعاقب على الترك وحينئذ يصح تعلق الأمر بالصلاة لكن تعلقه على نحو لا يكون منافيا لذلك الأمر حتى يقال بمنع تعلق التكليف بالضدين لان صدوره ممتنع او يقال بلزوم الامر بشىء والنهي عنه بل يكون تعلقه على نحو يجامع الامر المتعلق بالاهم ولا يناقضه بان كان الأمر بالاهم ناقصا وكان ظرف حدوثه عصيان ذلك الامر بالاهم نعم لو كان الامر بالمهم ايضا تاما وكان مثل الأمر المتعلق بالاهم صح ما ذكر من كونه من قبيل التكليف بالضدين وهو محال ، ومعنى التكليف الناقص هنا ان ترك الصلاة ناشئ من اضداد متعددة ، فالترك المستند الى غير فعل الإزالة منهي عنه. واما الترك المستند الى فعل الازالة غير منهي عنه فالأمر بالإزالة يجامع الأمر بالصلاة ولا ينافيه.

فان قلت ان نقيض الواحد واحد فنقيض الصلاة عدم الصلاة فاذا صارت الصلاة مأمورا بها لا بد وان يكون نقيضها منهيا عنه ومبغوضا ونقيضها امر واحد ولا يكون الترك منهيا عنه مع الأكل وغير منهي عنه مع الازالة إذ هو واحد فكيف يتصور فيه جهتان واذا كان غير مرخص فيه فيمتنع اجتماعه مع الامر المتعلق بالصلاة.

قلت مسلم ان عدم الصلاة نقيض الصلاة ولم يكن فيه جهة تعدد بل التعدد انما هو بحسب اضافته فان عدم الصلاة بالاضافة الى فعل الإزالة غير منهي عنه وبالاضافة الى فعل غير الازالة منهي عنه فالعدم المضاف الى فعل الازالة تحت اختيار العبد فانه له ترك الصلاة وفعل الإزالة.

وبالجملة لا اشكال في صحة مثل هذا التكليف المتعلق بالضدين إذ غاية ما يتوهم في هذا المقام انه يلزم مع توجه التكليف بالضدين التكليف بما لا يطاق إذ بين امتثال التكليفين تدافع لان موافقة هذا التكليف يمنع من موافقة الآخر وقد

عرفت مما ذكرنا سابقا فساد هذا التوهم إذ لا اشكال في صحة تعلق الأمر الذي هو حافظ لوجود الشىء بالاهم وتعلق الأمر بالمهم مشروط بعصيانه للأمر الأول او اتفاق عدم موافقة التكليف الأول اذ التكليف المتعلق بالإزالة لا يمانع الصلاة ولا يدافعها بل انما هو لو اطاعه ارتفع موضوع الأمر الثاني المتعلق بالمهم. نعم لو عصى الامر الاول لحصل بعصيانه له توجه تكليفين احدهما بلسان أزل والآخر بلسان ان لم تزل صل وليس بينهما تمانع ولا تنافي اصلا كما لا يخفى.

ان قلت ان المشروط بعد وجود الشرط يكون مطلقا اذ لو وجد الشرط صار مطلقا فيكون هناك تكليفان مطلقان يمتنع اجتماعهما للزوم التكليف عند ذلك بما لا يطاق وهو محال.

قلت التكليف بالصلاة دائما باق على مشروطيته ولا يخرج عن ذلك بعد ارادة فعل الازالة فانه لو بدا له فعل الإزالة وترك الصلاة جاز له ذلك وارتفع التكليف بالصلاة ثم انه يمكن تقريب جواز الترتب بوجه آخر وهو ان الامر بالاهم يحكم العقل بموافقته وحينئذ لو تحققت تكون تلك المخالفة ناشئة من هوى نفسه وشهوته وتكون رتبة المخالفة مع الموافقة واحدة لاتحاد الرتبة بين النقيضين فاذا رتب الشارع الامر بالصلاة على المخالفة المتأخرة عن الامر بالازالة بمرتبتين فمع الاختلاف بالمرتبة يرتفع استحالة تعلق الامر بالضدين وان شئت توضيح ذلك فاعلم ان الارادة التشريعية قد تعلقت بايجاد الازالة على نحو العلية بالنسبة الى المراد نظير الارادة التكوينية غاية الامر في الارادة التكوينية بنحو العلة التامة للمراد وفي الارادة التشريعية بنحو المقتضي للمراد فهى لا تؤثر الا مع انتفاء المانع ولازم ذلك ان تاثيرها يكون في رتبة سابقة على المراد ولا يعقل ان يكون تأثيرها في

رتبته إذ هو في رتبة المعلول كما هو شأن جميع العلل مثلا فعل الازالة فى مرتبة المعلول بالنسبة الى الامر المتعلق بها ولا يعقل ان يكون تاثيره في حين الازالة وهكذا بالنسبة الى عدم الازالة فانه في مرتبة الازالة لاتحاد الرتبة بين النقيضين فيكون هذا العدم متاخرا عن الامر المتعلق بالازالة فلو كان عدم الازالة موضوعا للامر بالصلاة يكون الامر بالصلاة متأخرا عن الامر بالازالة بمرتبتين ومع الاختلاف بالمرتبة يرتفع استحالة الامر بالضدين حيث ان ذلك انما ينشأ مع الاتحاد في الرتبة ومع الاختلاف والطولية بينهما فلا محذور فى البين وعليه فلا مجال لدعوى عدم صحة الترتب للزوم اجتماع خطا بين في حال عصيان الامر بالاهم إذ لم يجتمع الخطابان فى مرتبة واحدة لما عرفت ان مرتبة الامر بالمهم متاخرة عن عصيان الأمر بالاهم تاخر الحكم عن موضوعه ومرتبة العصيان مع الاطاعة فى مرتبة واحد لكونها نقيضها والنقضان فى مرتبة واحدة ومن الواضح تاخر الاطاعة عن الامر تاخر المعلول عن علته فيكون الامر بالمهم متأخرا عن الامر بالاهم بمرتبتين. وبالجملة مناط الاستحالة اجتماع الخطابين في رتبة واحدة وان اختلفا زمانا كما لو وجه خطابه بصوم يوم الجمعة وصوم السبت وكان عاجزا عن صومهما او شرط صوم يوم السبت بمجىء عمرو مع العلم بمجيئه واما لو اختلفا رتبة بان لم يجتمعا في مرتبة واحدة فلا استحالة وان اتفقا زمانا كما في المقام فان خطاب المهم متاخر عن خطاب الاهم بمرتبتين فهو نظير خطاب الصوم مع الكفارة على من افطر عمدا فانه لا اشكال في صحة هذين الخطابين وان اتفقا زمانا فان الامر بالكفارة مقيد بعصيان الامر بالصوم ففى زمان واحد اجتمع الخطابان فى المثال ولم يكن بينهما تمانع وتنافي لما بينهما من الطولية بحسب الرتبة وبذلك ترتفع استحالة

الامر بالجمع بين الضدين لاجل ذلك جوز الترتب جملة من الاساطين كالمحقق الثانى قدس‌سره وايده سيد الاساطين الميرزا الشيرازي قدس‌سره وتبعه جملة من اساتذة العصر رضوان الله عليهم ولذا سمي هذا البحث بالترتب لما بين الامرين من الترتب الطولي إلّا انه يمكن ان يقال بصحة الامر بالمهم مع الامر بالاهم مع كونهما في عرض واحد من دون ان يكون بينهما ترتب طولي وان كان تسمية ذلك بالترتب مسامحة ، إذ غائلة استحالة الجمع بين الضدين ترتفع مع حفظ الرتبة بين الامرين بتقريب ان عصيان كل واحد منهما في رتبة امتثاله لكونه نقيضه والنقيضان في مرتبة واحدة ولا اشكال في تاخر امتثال كل امر عن نفس الامر لكونه من علل امتثاله وهكذا عصيانه فاذا كان العصيان كالامتثال له تاخر عن الامر تاخر المعلول عن علته فلا يكون للامر حينئذ اطلاق بالنسبة الى مرتبة العصيان لا بالاطلاق اللحاظى لما عرفت ان الامر بالنسبة الى مرحلة ايجاد المتعلق من قبيل المقتضي ولازمه ان يكون من طرف ايجاد المتعلق من قبيل تحصيل الحاصل ومن جهة تركه من قبيل طلب النقيضين ولا بنتيجة الاطلاق او التقييد بان يكون الاطلاق او التقييد يستفاد من جعل آخر يسمى بمتمم الجعل فان ذلك يستلزم في التقييد تحصيل الحاصل او طلب الجمع بين النقيضين وفي الاطلاق يستلزم الجمع بين المحالين فينتج من ذلك ان الامر بالاهم ليس له نظر لظرف الامتثال والعصيان فلو تعلق الامر بالمهم في ذلك الظرف فلا يكون الامر بالاهم مطاردا له ولا يكون ذلك من طلب ما لا يطاق او الجمع بين الضدين وان شئت توضيح ذلك فلاحظ المتزاحمين المتساويين فان العقل يحكم بالتخيير بينهما من دون ان يكون كل واحد منهما مقيدا بعصيان الآخر وتركه لما عرفت ان عصيان كل

مرتبة في رتبة اطاعته لاتحاد الرتبة بين النقيضين فلو قيد كل منهما بترك الآخر لزم ان يتاخر كل امر عن مرتبة اطاعته مع انه بديهى البطلان إذ الاطاعة عبارة عن الانبعاث والامر عبارة عن البعث ومن الواضح تاخر الانبعاث عن البعث تاخر المعلول عن علته وعليه التخير بين المتزاحمين ليس لاجل ذلك بل السر فى الحكم بالتخير بينهما هو ان الامر الناشئ عن ارادة لم تكن تامة بمعنى انها تسد ابواب انعدامه مطلقا وانما هي ارادة ناقصة بمعنى انها تسد ابواب انعدامه من غير ناحية عدمه في ظرف وجود ضده المزاحم له وبذلك يرتفع التمانع والتنافى بين الامرين لعدم المطاردة بينهما ولا يكونان حينئذ من باب التكليف بما لا يطاق او من الجمع بين الضدين فاذا عرفت حال المتزاحمين المتساويين فاعلم ان فيما اذا كان احدهما اهم والآخر المهم من ذلك القبيل لا يكون بين الامرين مطاردة وتمانع إذ الارادة المتعلق بالاهم والمهم لو كانت تامة لحصلت المطاردة والتمانع بين الامرين لكونهما نشأ كل واحد منهما من ارادة تامة فيكون من طلب الضدين اما اذا كانت الارادة المتعلقة بالمهم لم تكن تامة بل ناقصة بمعنى انها تسد ابواب انعدامه من غير ناحية وجود الاهم فليس للامر المهم تعرض لامر الاهم بل لو اتى بالاهم فالمهم غير مطلوب اصلا وبذلك يرتفع التنافي والتمانع والمطاردة بين الامرين من دون اعتبار ان يكون امر المهم مشروطا بعصيان امر الاهم. ودعوى ان المهم وان كان لا يطارد امر الاهم إلا ان امر الاهم يطارد امر المهم بمعنى ان امر الاهم يدعو الى ايجاد متعلقه في ظرف فعلية الامر بالمهم ويكفى في تحقق المطارد بين الامرين ولو من جانب واحد ممنوعة بان فى ذلك الظرف اى ظرف ايجاد الاهم ليس للامر بالمهم اقتضاء لكون امره ناشئا عن ارادة ناقصة وكيف يكون الامر

بالاهم طاردا لمثل هذه الارادة الناقصة فلا مطاردة بينهما اذ كما رفعت المطاردة بنقصان الارادتين كما فى المتزاحمين المتساويين كذلك ترفع بنقصان احدى الارادتين كما لو كان احدهما مهما والآخر اهم فان الارادة التامة التى فى الاهم لا تزاحم الارادة الناقصة فى المهم.

فظهر مما ذكرنا ان ارادة كل واحد من الامرين فى عرض الآخر مع عدم التمانع بينهما من غير حاجة الى اشتراط امر المهم بعدم اتيان امر الاهم بل امر المهم لما كان ناشئا من ارادة ناقصة ارتفع التمانع والتنافى بين الامرين وبالجملة يحتاج رفع التنافي الى ارتكاب خلاف الظاهر اما باشتراط امر المهم بعدم اتيان الاهم او يرفع اليد عن ظهور الامر في التمامية ولا يبعد كون الظاهر هو الاخير. وعليه يبقى التمسك بالاطلاق لرفع الاشتراط ولازمه كون امر المهم مع امر الاهم فى رتبة واحدة وبالنسبة الى المطلوبية فى عرض واحد فلا طولية بينهما (١)

__________________

(١) يرد عليه ان كل واحد من الامرين فى المتزاحمين المتساويين وان لم يكن اخذ فى احدهما عدم اتيان متعلق الامر فى موضوع الآخر للمحذور المذكور إلّا انه من الممكن ان يؤخذ عدم احدهما بالخصوص فى موضوع الآخر كالمقام فان عدم الاتيان بالاهم قد اخذ موضوعا للامر بالمهم ولا محذور فيه اصلا على ان النقص او التمام في الارادة بالمعنى المذكور غير متصور لكونها من الكيفيات النفسانية فان الارادة الناشئة من الشوق المؤكد لا يفرق فيها بين ان يريد منها سد ابواب انعدام المتعلق مطلقا اي من جميع انحاء الانعدام او سد انعدامه من غير ناحية انعدامه من وجود ضده الخاص وبالجملة ان رجع سد ابواب انعدامه من غير انعدامه من ناحية ضده الى اشتراط الامر بالمهم بعصيان امر الاهم فهو وإلا فلا معنى محصل له فالعمدة في الجواب هو ما ذكر من الترتب الطولى وبه يرتفع محذور لزوم المحال

هذا كله كان الكلام فى الأمر المتعلق بالأهم والمهم وكانا مضيقين. واما الكلام في الموسعين فهل يقتضي بقاء الامر المتوجه الى الضدين على الاطلاق ام

__________________

للقول بالترتب وهو فعلية الامر بالضدين في آن واحد إذ القائل بالترتب يقول بفعلية امر الاهم لصورة الاتيان بالمهم وصورة تركه ففي ظرف اتيان المهم يكون كلا الامرين فعليا ولازم ذلك الامر بالضدين في آن واحد ، ولكن لا يخفى ان المحذور في الحقيقة هو الجمع بين الضدين في آن واحد ولا الامر بالضدين في آن واحد فانه لا مانع منه اذا لم يستلزم الجمع بين الضدين فالقول بالترتب يقتضي عدم الجمع بينهما لانه عند اتيان الاهم لا امر للمهم لكى يزاحمه كما انه مع الاتيان بالمهم وان كان امر الاهم فعليا ايضا إلّا انه حسب الفرض مشروط بترك الاهم ففى هذا الظرف امر المهم يدعو الى اتيانه فى حال ترك الاهم فحينئذ كيف يكون داعيا الى الجمع بينهما فى آن واحد.

بيان ذلك ان احد الخطابين اما ان يكون رافعا لموضوع الآخر كما اذا لم يكن المال وافيا لاداء الدين والاستطاعة فلا اشكال فى ان خطاب أد الدين يرفع موضوع الحج الذى هو الاستطاعة ففى هذا الفرض لم يجتمع الخطابان لكى يكون من قبيل طلب الضدين واخرى يكون بامتثاله رافعا لموضوع الخطاب الآخر وحينئذ اما ان بقيد اطلاق كل واحد من الخطابين بعدم امتثال الآخر فلا اشكال فى وقوعه كالواجبات التخييرية واما ان تكون فعلية احدهما مقيدة بعصيان الآخر مع عدم تقييد الآخر كالمقام فان خطاب المهم مقيد بعصيان الاهم مع عدم تقييد خطاب الاهم بترك المهم بل كان من هذه الحيثية مطلقا ولا يخفى انه بذلك ارتفع محذور طلب الجمع بين الضدين إذ امر الاهم فى رتبة عصيانه ولو كان موجودا إلّا انه لا يدعو الى ايجاد متعلقه مع حفظ عصيانه بل يدعو الى هدم موضوع امر المهم

لا بد من تصرف فى احد الامرين بالخصوص اذا كان اهم او التصرف بكليهما اذا كانا متساويين في المصلحة الظاهر هو الثاني لان مقتضى التوسعة التخيير فى جميع

__________________

وامتثال امر المهم يتوقف على وجوده وهو يتوقف على عصيان امر الاهم وبعبارة اوضح ان امر الاهم فى ظرف عصيان امره يدعو الى هدم موضوع امر المهم وامر المهم الى ايجاد متعلقه فى ظرف عدم الاتيان بالاهم فلا يكون من الجمع بين امرين متضادين بل لا يعقل ان يكون مثل هذين الامرين من طلب الجمع بين الضدين بل يمكن ان يقال بصورة قضية مانعة الجمع اما ممتثل لامر الاهم واما المهم مطلوب فيظهر ذلك ان امتثال الاهم مع مطلوبية المهم متنافيان على انه قد ذكرت فروع لا تصح إلّا بالامر الترتبي كمن حرم عليه قصد الاقامة لجهة من الجهات وعصى ونوى الاقامة وجب عليه الصوم كما انه يجب عليه اتمام الصلاة او كان قصد الاقامة واجبا وعصى ولم ينو الاقامة وجب عليه القصر كما ان بعض الفروع لا تصح لعدم مجىء الامر الترتبي كما لو كان احد التكليفين مشروطا بالقدرة العقلية والآخر بالقدرة الشرعية مثلا لو كان عنده ماء يكفى للوضوء او لرفع العطش عمن هو مشرف على الهلاك او كصرفه فى الوضوء او اعطائه للعيال الواجب النفقة فان المشروط بالقدرة العقلية يقدم على المشروط بالقدرة الشرعية وظاهر ان القدرة الشرعية لها دخل فى الملاك وحينئذ بالتقديم لا ملاك للمشروط بالقدرة الشرعية فلا يحدث الامر الترتبي لعدم تحقق الملاك ولذا لم يفت بعض الاساطين بصحة الوضوء فى الفرضين إلّا ان ذلك مبنى على اعتبار القدرة فى الوضوء شرعا المستفاد من اشتراط التيمم بفقدان الماء وعدم التمكن بقرينة المقابلة وان التفصيل قاطع للشركه وهو محل نظر اذ تقييد احد المتقابلين لا يوجب تقييد المقابل الآخر كما انه يكفى فى قطع الشركة عدم كون التكليف بالوضوء فى عرض التيمم بل يصح فى ظرف عصيان التيمم كما

الوقت فيجوز له ترك المأمور به لأن الاول اذا أتي به في الزمان الثاني فالطلب بحسب ترك الفرد الأول من الوقت بعد ناقصا لجواز تركه فيه واتيانه فى الوقت الثاني فلا يقتضي المحافظة على اتيان متعلقه على الاطلاق واما هو بالنسبة الى غير هذه الافراد كالتكليف بالصلاة اليومية واتفق ان عليه صلاة الآيات فمقتضى الاخذ باطلاقه ان يكون مانعا من التشاغل بتلك الصلوات وان كان بالنسبة الى تلك الافراد تكليفا ناقصا وكذلك اطلاق تلك الصلوات يقتضى المنع من التشاغل من صلوات اليومية فتقع المزاحمة والمطاردة من الجانبين فلا بد من التصرف في احدهما اذا كان احدهما هو المهم وابقاء الآخر او فى كل واحد منهما اذا كانا متساويين كما رفعنا اليد من كل واحد منهما بالنسبة الى افرادهما وبالجملة يكون تخيير فى تخيير فله ترك صلاة اليومية في الجزء الاول اما بداعي اتيان تلك الصلاة اليومية فى الجزء الثاني من الوقت او بداعي اتيان صلاة الآيات في الجزء الثاني من الوقت ثم لا يخفى ان مقامنا لا يفرق فيه بين كون احدهما اهم او متساويين في الامرين الموسعين اذ غاية ما يقال انه يجب مراعاة الاهم ويجب تقديمه على المهم وفي مقامنا لا يلزم ذلك

__________________

انه يمكن ان دعوى الفروع المذكورة لا دخل لها بالامر الترتبي فانه انما يجري فيما يكون التضاد بين متعلقي التكليف سابقا عليه كالازالة وفعل الصلاة واما لو كان التضاد ناشئا من تقييد احد الطلبين بعدم الآخر كما في الفروع المذكورة فلا محالة تقع المعارضة بين دليلهما فيرجع الى ادلة العلاج بين الدليلين. والحاصل ان محذور الامر بالجمع بين الضدين انما ياتى فيما لو كان التضاد ذاتيا سابقا على التكليف وحينئذ امكن النزاع في جريان الترتب بدعوى ارتفاع ذلك المحذور بنحو الأمر الترتبى. واما لو كان التضاد ناشئا من جعل الشارع فلا يكون من طلب الجمع بين الضدين فيرجع الى التعارض بين الدليلين كما لا يخفي.

اذ المكلف في سعة من الوقت ويمكن الجمع بين الامرين فيه لو ترك الاهم واتى بالمهم ، فى اول الوقت ثم ياتي بالاهم في الثاني هذا كله فيما اذا كان الامران موسعين واما اذا كان احدهما مضيقا والآخر موسعا فلا اشكال في وجوب مراعاة المضيق وهو انه لو عصى فيبنى على الخلاف المتقدم في الترتب فإن قلنا بالترتب كما هو التحقيق يكون في الموسع امر فيأتي به بداعي هذا الأمر وان لم نقل بالترتب كان الفرد الذي هو مزاحم للمضيق خارجا عن حيز الأمر وخارجا عن الطلب ولكن هل يجوز الإتيان بهذا الفرد بداعي الأمر بالطبيعة قولان واحتمل الأستاذ جوازه قال ما لفظه (يمكن ان يقال انه حيث كان الأمر بها على حاله وان صارت مضيقة بخروج ما زاحمه الاهم من افرادها من تحتها امكن ان يأتي بما زوحم منها بداعي ذلك الأمر فانه وان كان خارجا عن تحتها بما هي مأمور بها إلّا انه لما كان وافيا بغرضها كالباقى تحتها كان عقلا مثله فى الإتيان به في مقام الامتثال والاتيان به بداعي ذلك الأمر ... الخ) محل نظر إذ المراد من الداعوية في الاوامر في العبادات هي ما كانت داعية الى متعلقها فعلا وباعثة ومحركة نحو المطلوب وهذا انما يتم فى الامر المتعلق بالافراد واما الذي لم يتعلق بها الأمر لم يكن لذلك الامر المتعلق بذلك الفرد صلاحية لداعوية الفرد غير المتعلق به نعم انما يستقيم لو كان الامر في العبادات علة غائية يمكن ان يكون الفرد الذي لم يتعلق به الأمر مسقطا عما تعلق به الامر لكن الانصاف ان هذا المعنى لم يعتبر في داعوية الاوامر المتعلقة بالعبادات لظهور ان ذلك قد يتفق مع العصيان كما في مثل المقام وهذا لا يجوز ان يكون غرضا في الأوامر العبادية.

بقى شىء

لا يخفى ان الترتب هل يجري فيما اذا كان الجهل عن تقصير ام لا. قيل بعدم الجريان لأن جريانه فيما اذا كان الامر بالاهم قابلا للبعث والمحركية في ظرف تحقق موضوع المهم الذي هو عصيان الامر بالاهم واما لو لم يكن كذلك كما في الجهر في موضع الاخفات او بالعكس او القصر فى موضع الاتمام جهلا بالحكم فانه انما يصح من الجاهل بالحكم او الناسي له ولا يصح من العامد على ما يستفاد من نفس الدليل الدال على الاجزاء فى ظرفي الجهل والنسيان ومن الواضح ان فى ظرفهما لا بعث حقيقة ولا تحريك للحكم الواقعي ولو لا الدليل الخاص المستكشف منه وجود المصلحة المساوية لمصلحة الواقع المقتضية للاجزاء لقلنا بالبطلان لعدم كفاية الامر العقلي عن الامر الواقعي ، ولكن لا يخفى ان ذلك لا يتم في الجاهل المقصر لتحقق موضوع الترتب لكونه كالعامد عاصيا للامر الواقعي المتوجه اليه فعند عصيانه يتحقق موضوع الامر الترتبي. (١)

__________________

(١) لا يخفى ان وصفى الجهر والاخفات بالنسبة الى القراءة من الضدين الذين لا ثالث لهما لعدم تحقق القراءة من دون احد الوصفين ودعوى انه يمكن ان يكون لهما ثالث بان يترك القراءة ممنوعة إذ الوصفان للقراءة التي هي مفروضة الوجود في الصلاة قد تعلق الامر بالجهر او الاخفات فى القراءة وحينئذ عدم احد الضدين يلازم وجود الضد الآخر في القراءة فهو من قبيل ما اذا كان بين المتزاحمين تلازم في الوجود في عدم جريان الامر الترتبي كالامر باستقبال القبلة في اواسط العراق واجبا في وقت مخصوص وفي ذلك الوقت يحرم استبدار الجدى اذ لو جرى الامر الترتبي لزم منه طلب الحاصل لان عصيان كل واحد منهما يلازم امتثال الآخر ومن

ودعوى بعض الاعاظم قدس‌سره ان موضوع الامر الترتبي هو عصيان امر الاهم ولا يتحقق العصيان إلا بعد وصول التكليف الى المكلف وذلك ينافي الجهل به إذ هو عبارة عن عدم وصوله اليه ومعه لا معصية ولو تحققت المعصية للحكم الواقعي فلا جهل واما العقاب فليس على ترك التكليف الواقعي وانما هو على ترك التعلم لما عرفت من ان وجوب التعلم نفسي ناشئ عن ملاك ولذا نسميه بمتمم الجعل محل نظر اذ احتمال التكليف لما كان منجزا قبل الفحص يحكم العقل بأن المخالفة على ذلك التكليف المنجز وبه تتحقق المعصية اذ لا نعنى منها الا مخالفة التكليف المنجز وعليه لا مانع من تحقق التكليف الواقعي فى حق الجاهل المقصر وان مخالفته معصية بعد فرض تنجزه في حقه وبذلك يتحقق موضوع الامر الترتبي ولا يقاس الجاهل المقصر بالناسي فان التكليف الواقعي ليس منجزا فى حقه فلا تتحقق معصية فى حقه بخلاف الجاهل المقصر فان التكليف فى حقه منجز فهو كالعامد ، هذا تمام الكلام فى مبحث الضد والحمد لله رب العالمين.

__________________

هذا القبيل مورد اجتماع الامر والنهى بناء على الامتناع وترجيح جانب النهي لاشتمال المورد حينئذ على عصيان النهى فلو قال ان عصيت فصل بمعنى ان غصبت فصل ففى ذلك الظرف تكون الصلاة متحققة فمع تحققها يكون الامر بها من طلب الحاصل على انه لو امكن مجىء الامر الترتبي إلّا انه لا يمكن ان يتقرب بمتعلقه لاشتماله على المبغوضية الفاعلية ومعها لا يمكن التقرب.

واما المقدمة المحرمة فالكلام فى جريان الترتب فيها ينبغي ان لا يكون الحرمة اهم اذ لو كانت كذلك لوجب سقوط الوجوب من ذيها لوقوع المزاحمة بين الحرمة النفسية في المقدمة والوجوب النفسى في ذيها كما انه مع التساوى العقل

امر الآمر مع علمه بانتفاء شرطه

الفصل السابع في انه هل يجوز امر الآمر مع علمه بانتفاء شرطه ام لا؟

__________________

لا يحكم بتعين احدهما نعم فيما اذا كان وجوب ذي المقدمة اهم فهل يوجب سقوط حرمة المقدمة فيكون الدخول في ارض الغير بدون اذنه مباحا ولو لم يتعقبه انقاذ الغريق ام يقيد اطلاقها بما اذا لم يتعقبه الانقاذ الظاهر هو الثاني إذ من المستبعد الالتزام بالاول بان يقال بجواز دخول ارض الغير بدون رضاه ظلما وعدوانا ويتصف ذلك بالوجوب. وعليه يمكن تصحيح ذلك بالامر الترتبي بدعوى تقييد اطلاق النهي بصورة عصيان ذى المقدمة فلو لم يأت به يكون دخوله بالارض المغصوبة حراما وينحصر الوجوب بصورة الاتيان بذي المقدمة ولا محذور في ذلك سوى اجتماع الوجوب والحرمة في شىء واحد او الالتزام بالشرط المتاخر إلّا انه عند التأمل لا يعد محذورا. اما الاول فلم يجتمعا لاختلاف معروض كل واحد منهما اما الوجوب فهو عارض على الارض التى يتعقبها الانقاذ والحرمة تعرض على ما لا يتعقبها ذلك واما الشرط المتاخر فلا محذور فيه مع مساعدة الدليل على ارادة التعقب كالعقل الحاكم بذلك ولكن التحقيق ان المقام ليس من موارد جريان الترتب فانه بناء على اعتبار الايصال فى المقدمة او ان الواجب هو ذات المقدمة بنحو التوأمية فالمقدمة تنقسم قسمين قسم يترتب عليها الايصال فهى واجبة ليس إلّا ، وقسم لا يترتب عليها الايصال فهي حرام ليس إلّا فلم يجتمع الحكمان العقليان لكى يصحح بالترتب. واما بناء على ان الواجب مطلق المقدمة فلا يخلو اما ان يكون ترك ذى المقدمة مستندا الى ترك المقدمة فيكون بتركها من طلب الحاصل وان كان الترك مستندا الى غير المقدمة المحرمة فيلزم ان يكون الشىء الواحد منهيا ومأمورا به في وقت واحد هذا اذا كانت المقدمة سابقة على ذيها واما اذا كانت مقارنة وقد مثل لها بمقدمية ترك الصلاة لفعل الازالة مع

على قولين قيل بالاول وينسب الى الاشاعرة ، وبالثاني وينسب الى العدلية وقبل الخوض فى المقصود ينبغى تقديم مقدمة وهي ان الشرط في العنوان ليس شرط الآمر بارجاع ضمير (شرطه) اليه إذ الشرط من اجزاء علة الشيء ولا يمكن تحقق المعلول إلا بتمام اجزاء علته وحينئذ كيف يقع النزاع في تحقق شرطه الذى هو من اجزاء العلة قال الاستاذ قدس‌سره فى الكفاية ما لفظه : (ضرورة انه لا يكاد يكون الشيء مع عدم علته كما هو المفروض هاهنا فان الشرط من اجزائها (١)) كما انه لا يراد من الامر

__________________

اهميتها فترك الصلاة واجب بالوجوب الغيري ويكون فعلها حراما فلو وجبت الصلاة بالامر الترتبي فيلزم محذور اجتماع الحرمة المقدمية مع الوجوب النفسى فى فعل الصلاة كما ان في تركها يجتمع الوجوب الغيري لمقدميته لفعل الازالة والحرمة النفسية لوجوب الصلاة بالامر الترتبي حسب الفرض ويمكن ان يجاب عنه بعدم مصادمة الحرمة النفسية مع الوجوب الغيرى بدعوى ان الوجوب الغيري لترك الصلاة في ظرف عدم عصيان الازالة والحرمة النفسية له في رتبة العصيان إلّا ان ذلك كله بناء على كون ترك الصلاة مقدمة لفعل الازالة وقد عرفت بطلانه فافهم وتأمل.

(١) لا يخفى ان الشرط تارة يكون لصدور الامر واخرى لتنجزه وثالثة للمأمور به فان اريد من الشرط هو الاول فلا معنى للنزاع فيه فان شرط حصول الامر وصدوره من الآمر من اجزاء علته ولا يقل تحقق المعلول مع عدم تحقق تمام اجزاء علته على انه لو كان المراد ذلك فلا وجه لتفيده بعلم الآمر كما قيده القوم وجهل المأمور كما زاده بعض اذ علم الامر وجهل المأمور لا دخل له فى جواز صدور الامر مع انتفاء شرط صدوره وعدم الجواز ولو فرض ان يكون محل النزاع هذا الوجه فالحق فيه القول بالامتناع صدور المعلول مع عدم تمام اجزاء علته وان اريد من الشرط هو شرط التنجز بان يكون ضمير (شرطه) يرجع

بعض مراتبه وضمير (شرطه) يراد منه بعض مراتبه الأخر بمعنى انه يجوز امر الآمر بمرتبة الانشاء مع العلم بانتفاء مرتبة الفعلية إذ لا إشكال في تحققه ووقوعه

__________________

الى الامر باعتبار تنجزه بنحو الاستخدام كالاستطاعة بالنسبة الى الحج وغيرها من الشرائط التى هى من شرائط الوجوب فان اريد من الامر الامر الجدي فلا اشكال فى عدم جوازه اذ مقتضى الشرطية عدم المشروط عند عدم شرطه فكيف يعقل وجود الامر بمعنى التنجز مع عدم شرط التنجز وان اريد من الامر الانشائي وان لم يكن جديا وبداعي ارادة المكلف واقعا بل كان بداعي الاختيار والاعتذار فالحق هو الجواز لجواز ان ينشأ الطلب وان لم يكن شرط تنجزه موجودا لوجود الغرض فى نفس الانشاء وان اريد من الشرط شرط المأمور به فان كان غير مقدور لعارض كفاقد الطهورين فهو راجع الى ما تقدم من شرط التنجز انه لا يجوز وان كان مقدورا فلا اشكال فى جواز الامر به مع العلم بانتفاء هذا الشرط وعلى اى تقدير لا مجال للنزاع فيه ودعوى انه باختلاف انحاء الشرط يمكن ان يقع التصالح بين الجانبين كما ادعاه المحقق الخراساني قدس‌سره فى كفايته محل تأمل ونظر اذ ذلك يأباه كلام القوم كما ان دعوى ان المراد من الجواز بمعنى الامكان الذاتي بان يقال بان انتفاء شرط وجود الامر وان كان يقتضي امتناع صدور الامر إلّا ان ذلك لا ينافي الامكان الذاتي اذ كل ممكن بالذات فى ظرف عدم علته ممتنع بالغير ويقال له الممتنع بالعارض ممنوعة اذ ظاهر الجواز في كلمات الاعلام هو ما يقابل الامتناع ولو كان بالغير وإلا فلا مجال للنزاع فى ذلك قال المحقق الخراساني قدس‌سره فى كفايته ما لفظه (وكون الجواز في العنوان بمعنى الامكان الذاتي بعيد عن محل الخلاف بين الاعلام) وقد اوضح ذلك بعض السادة الأجلة قدس‌سره بان الامكان الذاتي يقابل الامتناع الذاتي كما ان الامكان الوقوعي يقابله الامتناع الوقوعي وقد يعبر

كالامارات والاصول المؤدية الى خلاف الواقع فان الواقع حينئذ يبقى على مرتبة الانشاء بل بعض الاحكام لم تصل الى مرتبة الفعلية اصلا كقوله (ع) (ان

__________________

عن هذا بالامتناع العارضي اي امتناع الشيء لأجل عارض وان كان فى حد ذاته ممكنا وتفصيل ذلك ان الشيء الممتنع بالذات كاجتماع النقيضين ووجود المعلول بدون علته فان لزم من وجود احد هذين العنوانين مثلا من دون واسطة كوجود قيام زيد مع عدم قيامه ووجود الاثر من دون مؤثر فهما الممتنع بالذات فلا يصدق عليه انه ممكن بالذات وان لم يترتب على وجود احد هذين العنوانين اولا وبالذات بل يكون ترتب احدهما عليه بواسطة مقدمة اخرى فهو ممتنع بالعارض وحينئذ يصدق عليه انه ممكن بالذات وان كان بالنظر الى تلك المقدمة غير ممكن لان عدم الامكان انما هو بواسطة تلك المقدمة فهو عدم الامكان بالعارض فلا ينافيه الامكان الذاتي وما نحن فيه من هذا القبيل فان وجود الامر مع عدم شرطه ليس هو مما ينطبق عليه عنوان وجود المعلول من دون علته نعم بعد النظر بان الشرط من اجزاء العلة وان بعض اجزاء المركب يوجب انتفاء المركب وعدم وجوده بما انه مركب انه يلزم عليه وجود المعلول من دون علته بواسطة هاتين المقدمتين فهو ممكن في حد ذاته وان كان ممتنعا بالنظر الى هاتين المقدمتين فيكون ممكن ذاتا وممتنع وقوعا بحسب العارض وعلى ما ذكره قدس‌سره من التوضيح نقول بالنسبة الى الشرط فما كان من شرط صدور الامر وشرط تنجزه فهو من الممتنع بالعارض وان كان ممكنا ذاتا وما كان من شرط المأمور به الذى هو مقدور فهو جائز اى الجواز وقوعا هذا والتحقيق انه لا مجال لهذا النزاع لما هو معلوم ان الاحكام على نهج القضايا الحقيقية وان الشرائط في المأمور به عقليها وشرعيها تؤخذ في ناحية الموضوع فمع اخذها كذلك لا يعقل ان يتوجه الخطاب الى من فقد بعضها ومع عدم توجهه كيف يقع النزاع في صحته وفساده على تفصيل ذكرناه في تقريرات الاستاذ المحقق النائيني قدس‌سره.

الله سكت عن اشياء لم يسكت عنها نسيانا الحديث) هذا وان ذكره الاستاذ فى الكفاية بما لفظه (نعم لو كان المراد من لفظ الامر الامر ببعض مراتبه ومن الضمير الراجع اليه بعض مراتبه الأخر بان يكون النزاع فى ان امر الآمر يجوز انشاؤه مع علمه بانتفاء شرطه بمرتبة فعليته) إلّا انه خلاف ظاهر كلمات القوم بل لا ينبغى ان يقع النزاع فى مثل ذلك بعد ما عرفت من وقوعه كما هو واضح من دون شك وشبهه كما انه ليس المراد من الشرط شرط المأمور به الذى اذا انتفى لا ينتفي المأمور به فانه لا إشكال فى صحة التكليف بالصلاة مع انتفاء الطهارة مثلا.

اذا عرفت ذلك فاعلم ان المراد من الشرط فى العنوان هو شرط المأمور به مع عدم القدرة عليه لكي يكون النزاع فى جواز تكليف العاجز عن اتيان الشيء ام لا ومرجع ذلك الى جواز التكليف بالمحال ام لا وحيث ان الاشاعرة جوزوا ذلك على زعمهم الفاسد بانه تعالى يجوز ان يكلف عباده بشيء لا يقدرون على الاتيان به لذا جاز عندهم امر الآمر مع علمه بانتفاء القدرة عليه التى هى من شرائط متعلق التكليف ولا ينافي كونه من التكليف بالمحال لجوازه عندهم ولذا نسب القوم الجواز فى هذه المسأله الى الاشاعرة ولما كان ذلك منافيا لما عليه العدلية من اعتبار القدرة فى متعلق التكليف لقبح العقل بتكليف العاجز وانه يلزم منه التكليف بالمحال الذى يأباه العقل الحاكم بالتحسين والتقبيح العقليين لذا ترى ما عدا الاشاعرة يرون عدم جواز امر الآمر مع علمه بانتفاء شرطه ولكن الانصاف ان هذه المسألة ليست مبنية على ما ذكر وانما هى مبنية على مسألة اتحاد الطلب. والارادة او مغايرتهما فان قلنا بالاتحاد لا يجوز امر الآمر مع علمه بانتفاء شرط المأمور به لانه حينئذ يكون الطلب عين الارادة فعليه لا يعقل تعلق الإرادة بما هو غير مقدور. وان قلنا بان

الطلب غير الارادة فحينئذ يمكن ان يتصور بان يتعلق التكليف بالمحال وحيث انه ليس مشتملا على الارادة فلا محذور فيه على ما ذكرناه سابقا إلا انك قد عرفت منا ان الحق هو اتحاد الطلب مع الارادة لعدم تحقق صفة في النفس غير الارادة تسمى بالطلب وتكون هى موضوعا لحكم العقل بوجوب الامتثال لذا الحق هو عدم جواز امر الآمر مع علمه بانتفاء شرط المأمور به كما لا يخفى.

تعلق الاوامر بالطبائع او بالافراد

الفصل الثامن فى ان الاوامر هل تتعلق بالطبائع او بالافراد (١)؟

__________________

(١) قال بعض السادة الاجلة قدس‌سره فى بحثه الشريف اختلفوا فى ان الامر والنهى هل يتعلقان بالطبيعة من حيث هي او من حيث الوجود او يتعلقان بالفرد؟ على اقوال اما الاخير منها فهو مبنى على ان الطبائع لا وجود لها في الخارج والموجود هو الفرد ومع عدم وجودها لا معنى لتعلقهما بالطبائع لعدم القدرة عليها مع فرض عدم وجودها فعليه لا بد من حملها على الافراد ولكن قد عرفت في محله ان الموجود هو الطبائع والافراد عين الطبائع. فعليه لا ينبغى ان يعد ذلك من الاقوال لعدم صحته على انه يلزم طلب الحاصل إذ ليس المقصود من الفرد مفهومه إذ مفهومه طبيعة من الطبائع بل المقصود مصاديق الافراد المتحققة في الخارج ولا اشكال ان الفرد الخارجى لا يتعلق به الطلب إذ يكون طلبه من تحصيل الحاصل.

وعليه فالكلام يقع فى القولين الاولين.

أما الاول منهما وهو تعلق الطلب والنهى بالطبيعة من حيث هى وذلك مبنى على ان الامر والنهى من مقولة الطلب والارادة إلا ان الامر عبارة عن طلب الايجاد والنهى عبارة عن طلب الترك. وبعبارة اخرى ان متعلقهما هو الطبيعة من

الحق هو الاول لان المستفاد من صيغة الامر في مثل قوله تعالى (أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ) هو ذلك وبيانه ان صيغة افعل مشتملة على هيئة ومادة أما الهيئة فهى دالة على البعث نحو المطلوب واما المادة فهى تدل على صرف الطبيعة فلم يكن لهذين الامرين دلالة على خصوصية الفردية فعليه استفادة خصوصية الفردية منها تحتاج الى قرينة.

ان قلت لا يمكن امتثال نفس الطبيعة بما هي طبيعة فكيف يعقل تعلق الامر

__________________

حيث هى فى المامور به والمنهى عنه شىء واحد والاختلاف انما هو فى ناحية الامر والنهى فالامر طلب الايجاد والنهى طلب الترك والعدم.

واما الثانى منهما وهو تعلق الامر والنهى بالطبيعة من حيث الوجود فهو مبنى على انهما من مقولة الطلب ولا فرق بينهما الا فى متعلقهما ففى الامر المتعلق هو الطبيعة من حيث الوجود وفى النهى الطبيعة من حيث العدم والترك وعليه يكون المامور به هو الطبيعة من حيث الوجود والمنهى عنه هو الطبيعة من حيث العدم فتلخص من هذين الوجهين انه لا بد في الاوامر من لحاظ الوجود وفى النواهى من لحاظ العدم ولكن على الوجه الاول يكون الوجود داخلا فى مفهوم الامر والعدم داخلا فى مفهوم النهى فلا بد وان يكون متعلق الامر والنهى الطبيعة من حيث هى وعلى الوجه الثانى يكون الوجود داخلا فى متعلق الامر والعدم داخلا في متعلق النهى والامر والنهى يكونان من مقولة الطلب من غير فرق بينهما وانما الفرق في متعلقهما فمتعلق الاوامر الطبيعة من حيث الوجود وفي النواهى الطبيعة من حيث العدم والاظهر من الوجهين هو الاول اذ الظاهر انه لا فرق بين الطبيعة في قولنا اضرب وبينها في قولنا لا تضرب وانها ليست مقيدة في الاول بالوجود وفي الثاني بالعدم فلا بد وان يكون الوجود والعدم داخلين في مفهوم الامر والنهى فيكون متعلقهما الطبيعة من حيث هى فلا تغفل.

بها؟ وعليه لا بد من صرف ما هو ظاهره التعلق بالطبيعة الى الفرد فالخصوصية تستفاد من الحكم العقلى لاعتبار القدرة في متعلق الامر.

قلت المطلوب حقيقة هو الطبيعة والاتيان بالفرد لا لخصوصية فيه بل لايجاد الطبيعة لاتحادها معه على ان ذلك مما يشهد به الوجدان لما نجد ان خصوصيات الفرد خارجة عن غرض المولى وليست دخيلة فيه ولم يكن في غرضه تعلق بها كما نجد ان من امر بماء لم يكن غرضه إلّا ايجاد الماء باي خصوصية كانت كما هو واضح لمن راجع الوجدان. وبالجملة الفرد بخصوصيته ليس مطلوبا. نعم ليس الفرد خارجا عن دائرة المطلوب فانه بالنسبة الى كونه موجودا للطبيعة مطلوب.

بيان ذلك ان كل فرد ينتزع منه ثلاثة اشياء ، طبيعة ، وحصة ، وخصوصية ولا اشكال في اخراج الخصوصية عن دائرة الغرض وبقاء الحصة تحت المطلوبية إذ فرق بين الحصص والخصوصيات ، فان الحصص تشترك تحت جامع ذاتى يشتمل على الجنس والفصل ولم يكن بينها تمايز إلا بحسب المرتبة بخلاف الخصوصيات فانها متباينة بالذات ليس لها قدر جامع وان امكن اشتراكها فى جامع إلا انه عرضى لا ذاتي فهذه الامور الثلاثة بحسب الخارج متحدة وان كانت بلحاظ العقل امورا متعددة منتزعة من الفرد.

إذا عرفت ذلك فنقول ان الطبيعة المتعلقة للامر تارة يراد منها الطبيعة السارية واخرى مجرد الطبيعة من دون اعتبار انها سارية فان اخذت بالنحو الاول فلا اشكال في سراية الحكم من الطبيعة الى الحصص المقارنة للخصوصيات من غير خلاف من احد إذ يكون حينئذ من قبيل العام المستوعب لجميع افراده فكما في العام المستوعب يسرى الحكم من العام الى ما تحته من الافراد كذلك في الطبيعة

السارية وان كان فرق بينهما من جهة اخرى وهو ان في العام يسرى الحكم منه الى الخصوصيات وفي الطبيعة السارية لا يسرى منها اليها وانما يسرى الى الحصص المقارنة للخصوصيات وتظهر الثمرة بين الالتزام بسراية الحكم الى الخصوصية وعدمها فيمن قصد الامتثال بالخصوصية فعلى السراية كما فى العام يكون مطيعا بما امتثل من الاتيان بالخصوصية وعلى عدم السراية يكون عاصيا بذلك لتشريعه بقصد امتثال ما لم يكن مأمورا به وبالجملة في صورة اخذ المتعلق الطبيعة السارية لا بد من الالتزام بسراية الحكم منها الى الحصص من دون السراية الى خصوصية الفرد وان اخذت الطبيعة بالنحو الثانى اى بان لا يراد منها السارية بل كان متعلق الأمر صرف الايجاد وكانت مأخوذة لا بشرط بنحو يكفى في امتثالها اول وجود فهل يسري الحكم منها الى الحصص مع القطع بعدم سرايتها الى الخصوصيات ام لا يسري؟ قولان قيل بالثاني واستدل له بان اللازم من القول بالسراية ان تنطبق الطبيعة على تلك الحصة حتى تتلون تلك الحصة بلون الطبيعة وذلك لا يتحقق فى مقامنا لانه تارة يلحظ قبل امتثال العبد واخرى في مقام الامتثال فان كان الاول فالعبد له اختيار التطبيق على اي حصة تحققت ففى ذلك الظرف لم يكن تطبيق لكى تتلون الطبيعة بلون الحصة نعم لها قابلية التطبيق وهى لا توجب ان تتلون الطبيعة بلون الحصة. وان كان الثاني ففى مقام الامتثال والايجاد مقام الاطاعة والامتثال وهو مقام سقوط الامر وبهذا المقام وان حصل التطبيق إلا انه غير نافع لسقوط الامر فلا سراية للحكم من الطبيعة الى الحصة. وبالجملة فى الصورة الاولى لم يحصل التطبيق لكى تتحقق السراية وفي الثانية لا امر لكي يقال بسرايته فالفرد ليس مأمورا به لا بحسب حصته ولا بخصوصية بل يكون الفرد حينئذ مقدمة للمأمور به

والى ذلك يرجع ما ذكره المحقق القمى قدس‌سره من دعوى كون الفرد مقدمة وبذلك يندفع ما يرد عليه من عدم المغايرة بين الفرد والكلى إذ لا اثنينية بينهما مع ان المقدمية تستدعى المغايرة والاثنينية لما عرفت انه بعدم السراية يكون الفرد مغايرا للكلى فلا مانع من دعوى المقدمية كما انه لو تم ما ذكر عن عدم السراية ترتفع محالية اجتماع الامر والنهى في محل واحد إذ بمقتضى دليل عدم السراية لم يتعلق بالفرد امر ولا نهى لتعلقهما حينئذ بالطبيعة ولم يسر الحكم منها الى الفرد لا بحسب حصته ولا بحسب خصوصيته والذى يقتضيه التحقيق هو القول الاول اي سراية الحكم من الطبيعة الى الافراد وبيانه يتوقف على ذكر امرين :

الاول ان الماهية في مرحلة الحكم لم تلحظ امرا في قبال الخارج بل ترى عين الخارج ومتحدة معه اتحاد المرآة مع المرئى ولو لم يكن هناك خارج مثلا شريك البارى ممتنع يراه متحدا مع افراده في الخارج مع انه يقطع بعدم وجوده فيه ويحكم عليه بالامتناع بلحاظ انه متحد مع ما فى الخارج فاذا كان الحكم على الموضوع بلحاظ اتحاد الموضوع لما فى الخارج وكان لحاظ الموضوع آلة للحاظ الموجود الخارجى فيسرى من الموضوع الملحوظ الى ما فى الخارج من جهة اتحاده ولا اشكال انه متحد مع الحصص كما عرفت فلا يسرى الا اليها لا الى الخصوصيات لعدم اتحاده مع الخصوصيات.

الامر الثانى ان لحاظ الافراد يكون على نحوين من اللحاظ فتارة تكون الافراد ملحوظة منضما بعضها مع بعض بنحو يلحظها بلحاظ واحد واخرى يلحظ كل فرد منفردا عن الفرد الآخر فان كان من قبيل الاول فلا اشكال في عدم

انطباق الطبيعة المأمور بها على ما هو اول الوجود وان كان من قبيل الثانى فائضا لا اشكال في انطباقها على ما هو اول الوجود إذ كل فرد بذلك اللحاظ يكون موردا لانطباق الطبيعة فاذا صار موردا لانطباق الطبيعة فيسرى منها الى كل فرد في حال عدم الفرد الآخر فيكون مطلوبا بالطلب الناقص الذى هو عبارة عن سد ابواب انعدامه من غير ناحية الفرد الآخر. إذا عرفت ما ذكرنا من الامرين ظهر لك بطلان القول بعدم السراية إذ منشأ ذلك هو ان السراية تكون الى الافراد الخارجية الثابتة في الخارج وذلك غير معقول إذ هو مقام السقوط فى الامر حتى يقال بالسراية لكنك قد عرفت ان السراية ليست الى تلك الافراد الخارجية الثابتة في الخارج بل الى الافراد الخارجية الزعمية (الادعائية) التى ترى خارجية ولو لم تتحقق فى الخارج كتكليف الكفار والعصاة كما انه ظهر لك ان الافراد تكون مطلوبة إلّا انه بالطلب التخييرى اي الطلب الناقص المعبر عنه طلبه في حال عدم الآخر والامر المتعلق بالطبيعة يكون تعيينيا لان الطبيعة على ما عرفت تتحد مع كل فرد وجميع انحاء تروك الطبيعة بعض من انحاء تروك الفرد.

وبالجملة مقتضى اتحاد الطبيعة مع الفرد أن يكون الامر المتعلق بها ينهى عن تروك الطبيعة وتروكها بعض من تروك الفرد. هذا كله كان الكلام في تعلق الامر بالطبيعة ام بالفرد (١). واما الكلام فى انه هل الامر يتعلق بالطبيعة ام بوجودها قولان وربما يتوهم ان هذا النزاع هو بعينه النزاع المتقدم ولكن لا يخفى

__________________

(١) لا يخفى ان مرجع النزاع فى ذلك الى ان خصوصيات الافراد على البدل داخلة تحت الطلب ام انها خارجة عنه لا انها ملازمة له وقيدنا دخولها تحت الطلب بانها على البدل لكى يكون التخيير على القولين عقليا اذ يستبعدان يكون

ان ملاك النزاع في هذه المسألة عن السابقة يختلف فان الملاك في السابقة ان الامر هل هو متعلق بالطبيعة او بالافراد الموجودة بالوجود الخارجي الزعمي اى الادعائي ولو لم يكن له تحقق في الخارج بل ربما يتحقق مع الممتنع على ما عرفت سابقا وفي

__________________

النزاع فى هذه المسألة يرجع الى كون التخيير شرعيا بناء على التعلق بالفرد أو عقليا بناء على التعلق بالطبيعة والحق تعلقهما بالطبيعة بما لها من الوجود السعى وتكون خصوصيات الافراد ملازمة لها على البدل بناء على ما هو الحق من ان الكلي الطبيعى عين الافراد وانه من الامور المناصلة بمعنى ان له ما بحذاء في الخارج وليس من الامور الانتزاعية التى ليس لها وجود إلا منشأ الانتزاع وهو الافراد والذي يدل على ذلك تعلق ارادة الفاعل الطبيعى ولو لم يكن من الامور المتأصلة وانه من الامور الانتزاعية كيف يعقل تعلق ارادة الفاعل به بل لا بد من تعلقها بالفرد بما له من جميع الخصوصيات والمشخصات وذلك امر مستحيل لان ما يفرض دخله منها كالزمان والمكان وغيرهما من الملازمات لمثل شرب الماء لم يصل الى حد الاحصاء فعليه لا بد من اخراج بعض الخصوصيات ومع الاخراج يكون كليا من غير فرق بين كونه صنفا او نوعا فاذا كانت ارادة الفاعل متعلقة بالكلي الطبيعي كانت ارادة الامر على نحو تلك الارادة كما هو معلوم ان الارادة الآمرية عبارة عن تحريك الارادة الفاعلية نحو المطلوب ولازم ذلك توافق الارادتين على ان مقتضى ظهور الخطابات يدل على ان متعلق الطلب هو وجود المادة بما لها من الوجود السعي وليس للخصوصيات الملازمة دخل فى الطلب لعدم تعلق الغرض بها كما هو واضح كما لو امر بايجاد الماء مثلا كما انه ليس المراد مفهوم المادة وماهيتها اذ لا يعقل تعلق الطلب بها اذ الماهية من حيث هي ليست إلّا هي ولا يكون شيئا حينئذ لكي يتعلق بها الطلب الحقيقي بل المصلحة لا تتحقق بنفس ماهية المادة بل ما فيه المصلحة وجود المادة لا ماهيتها على تفصيل ذكرناه فى تقريرات الاستاذ المحقق النائينى قدس‌سره.

هذه المسألة ملاكها ان الامر يتعلق بالطبيعة ام بالفرد الخارجي الحقيقي وفرق واضح بينهما اذ ربما يمكن ان يقال في تلك المسألة بتعلق الامر بالفرد الخارجي الادعائي ، وفي هذه المسألة بالطبيعة بدعوى ان الحكم منها لا يسري الى ما فى الخارج الحقيقي او بالعكس بدعوى سراية الحكم المتعلق بالطبيعة الى ما فى الخارج. إذا عرفت ذلك فاعلم ان مورد البحث ليس في تعلق الطلب بالماهية في قبال الوجود الذهني إذ الماهية من حيث هي ليست إلا هي ، ولا يجوز ان تكون مطلوبة كما انه ليس مورد البحث في الوجود الخارجي إذ يلزم ان يكون البعث الى امر موجود فى الخارج فيكون من طلب الحاصل وتحصيل الحاصل بديهي البطلان بل مورد البحث والنزاع انما هو فى ان الماهية بلحاظ ترى عين الايجاد الذى هو المعنى المصدري دون الوجود الذى هو المعنى الاسم المصدري فحينئذ يكون النظر الى الماهية تبعيا والملحوظ بالاصالة هو نفس الايجاد الذى هو خروج الشى من كتم العدم الى الوجود والطلب قد تعلق بنفس الماهية الملحوظة تبعا وبعد معرفة ذلك فقد وقع النزاع بين القوم بعد الفراغ من تعلق الامر بالماهية الملحوظة بلحاظ الخارج الزعمي فهل يقف ولا يتعدى الى ما فى الخارج الحقيقي او يتعدى الى ما في الخارج الحقيقي الظاهر هو الاول لوجهين :

الاول انه لا اشكال في ان محل قيام الطلب انما هو في النفس فيكون من الكيفيات النفسانية كما انه لا اشكال فى انه ليس له وجود مستقل بل هو امر قائم بالطرفين ولا يوجد بنفسه فينتج من ذلك ان لا يعقل ان يكون احد مقوماته الوجود الخارجي الحقيقي كما يدعيه الخصم بناء على سراية الحكم الى ما فى الخارج الحقيقي اذ على ذلك التقدير يكون الوجود الخارجي له دخل في تحقق الطلب فاذا لم

يتحقق فلا طلب ولا معصية مع انه واضح البطلان اذ بالوجدان تحقق الطلب مع عدم تحقق الموجود الخارجي وعليه يكون الطلب يتقوم بامر معدوم وان شئت توضيح ذلك فالطلب نظير القطع فى كونه من الصفات النفسانية ولم يكن من قوامه الوجود الخارجي الحقيقي اذ لو كان من قوامه لزم عدم حصول خطأ فيه مع انه بالوجدان حصوله في القطع بل انما يتعلق بالصور الذهنية التى ترى متحدة مع الخارج ادعاء منه حتى مع مخالفتها لما في الخارج لعدم الالتفات الى المخالفة.

الثاني ان الموجود فى الخارج له لحاظان فى عالم التصور فباعتبار تعلق الارادة به يلاحظ الموجود الخارجي سابقا على الارادة لكونه موضوعا لها وباعتبار وقوعه معلولا للارادة يلاحظ متاخرا عنها تاخر المعلول عن علته مثلا يصح ان يقال اردت الصلاة فصليت وبالجملة باعتبار تعلق الارادة به يلحظ متقدما وباعتبار معلوليته لها يلاحظ متاخرا فما كان لحاظه متقدما الذى هو قبل (فاء) فصليت ليس له ما بازاء في الخارج نعم هو في لحاظه الثانى له ما بازاء فى الخارج إلّا انه لما كان فى رتبة المعلول للارادة لا يعقل ان يؤخذ موضوعا للارادة لعدم جواز اخذ ما بازاء اللحاظ الثانى فى موضوع الارادة لانه في مرتبة ما بازائه كما لا يخفى.

ينبغى التنبيه على امرين

التنبيه الاول انه فرق صاحب الفصول بين متعلق الامر وبين متعلق الطلب فجعل متعلق الامر هو الماهية ومتعلق الطلب هو الايجاد الخارجي قال صاحب الفصول قدس‌سره ما لفظه على ما حكى عنه (ثم اعلم انا نفرق بين ما تعلق به الامر اعنى

مفاد اللفظ باعتبار الهيئة وبين ما تعلق به الطلب فالامر عندنا لا يتعلق إلّا بالطبيعة من حيث هي) الى ان قال (واما الطلب فلا يتعلق إلّا بالفرد وهو الايجاد الذى هو عين الوجود الخارجي بحسب الذات وان غايره بحسب الاعتبار) وتبعه في ذلك الاستاذ قدس‌سره في الكفاية فقال ما لفظه (فانقدح بذلك ان المراد بتعلق الاوامر بالطبائع دون الافراد انها بوجودها السعي بما هو وجودها قبالا لخصوص الوجود متعلقة للطلب لا انها بما هي كانت متعلقة له كما ربما يتوهم فانها كذلك ليست إلّا هي نعم هي كذلك تكون متعلقة للامر فانه طلب الوجود فافهم) وحاصله أن الفرق بين الامر والطلب أن الوجود مأخوذ فى متعلق الطلب لان الطبيعة بذاتها لا مطلوبة ولا غير مطلوبة بخلاف الامر فان الوجود له الدخل فى حقيقة الامر حيث انه عبارة عن ايجاد الماهية ولكن لا يخفى ان الطلب كالامر في انهما يتعلقان بنفس الماهية فان الامر ماهيته يدل على البعث نحو المطلوب والمادة تدل على نفس الطبيعة فعليه الايجاد ليس مدلولا لاحدهما على ان جعل الوجود دخيلا فى متعلق الطلب غير معقول اذ الوجود الخارجي ظرف السقوط فكيف يعقل تعلق الطلب به وليس إلّا من طلب الحاصل ، وتحصيل الحاصل واضح البطلان وتوهم ان المراد من الوجود هو اصداره فيكون المراد منه الايجاد ممنوع اذ الايجاد متاخر عن الطلب كما يظهر في قولك طلب منى الايجاد فاوجدته فعليه كيف يعقل ان يؤخذ فى المتعلق اذ أخذه فى المتعلق يلزم ان يكون سابقا عليه مضافا الى ان الوجود لو كان داخلا فى هيئة الامر يلزم الفرق بين قولنا صل وبين اوجد الصلاة اذ يلزم على التعبير الثانى تجريد الهيئة من الوجود والالزام لحاظه مرتين مرة من جهة المادة واخرى من جهة الهيئة وبعبارة اخرى ان الايجاد لو كان له دخل في هيئة الامر لزم في

مثل اوجد الصلاة اما تجريدها عن الوجود فهو المجاز بلا قرينة او دلالتها على طلب ايجاد الايجاد وهو لغو صرف وبالجملة على ما ذكرناه يلزم في المثال المذكور اما اللغوية او مجاز بلا قرينة ولعل منشأ ما ذكرناه هو ان الطبيعة بما هي ليست إلّا هي لا يتعلق بها الطلب لعدم قيام الاثر او المصلحة بها إلّا باعتبار وجودها لذا اخذ الوجود فى متعلق الطلب والوجود في حقيقة الامر إلّا أنّك قد عرفت ان هناك اعتبارا ثالثا لا يرد عليه شىء من المحاذير وهو ان المتعلق هو لحاظ الطبيعة بان تكون مرآتا للخارج فحينئذ تتلون بلون الخارج ولذا يتصف بالمصلحة كما يتصف الخارج بالمرادية لما بين اللحاظ الذى هو مرآة للخارج وبين ما فى الخارج من الاتحاد بنحو يرى عين الخارج.

التنبيه الثانى هو ان حكاية شىء عن شىء ربما يكون اتحاد بنحو يرى بالنظر المسامحى عينه بنحو لا يرى اثنينية وذلك يوجب ان يتلون احدهما بلون الآخر كحكاية زجاج الاحمر عن الضياء فهذه الحكاية توجب سراية صفة الزجاج الى الضياء بان يتلون الضياء بلون الاحمر فيقال الضياء احمر لما بينهما من الاتحاد بنحو لا ترى الا ضياءً احمر ومن هذا القبيل حكاية الالفاظ عن معانيها ولذا يسري قبح المعنى وحسنه الى اللفظ مثلا الالفاظ التي تحكي عن معان يشمئز الطبع من سماعها فانه يسري الاشمئزاز الى الالفاظ فتكون تلك الالفاظ كريهة على الطبع اذ المعانى القيت بهذه الالفاظ كما انه ربما تكون الالفاظ تحكى عن معان حسنة يستلذ الطبع بسماعها فيسري الاستلذاذ الى تلك الالفاظ ولذا كانت الالفاظ وجودا للمعنى وانها قوالب للمعانى والنظر الى الالفاظ بالنسبة الى المعاني كالمرآة للمرئى إذا عرفت ذلك تعرف ان الاوامر لما قلنا بتعلقها بالصور الحاكية عما فى الخارج فتكون تلك الصور مطلوبات على نحو حكايتها عما فى الخارج وبما ان اتحادها

مع الخارج نحو اتحاد المرآة بالنسبة الى المرئى فلذا تسري صفة المطلوبية الى المحكى عنه الذي هو الخارج فيكون الخارج متصفا بالمطلوبية لما كان بينهما من الاتحاد وتوصيف الخارج بالمطلوبية على هذا ليس توصيفا تسامحيا بل التوصيف بهذا النحو من التوصيف الحقيقى وان كان منشؤه الاتحاد بين الصور الذهنية وبين ما بازائها فان هذا المنشأ لما لم يلاحظ فربما يكون المنشأ اضيق من التوصيف وتكون دائرة التوصيف اوسع من دائرة العروض مثلا التجارة لا تعرض الا وان يتلبس الشخص بحرفة التجارة ولكن توصيفه بالتجارة بان يقال له تاجر بنحو يكون اوسع كاطلاقه على من كان نائما انه تاجر ودعوى ان المبدا في مقام التوصيف اخذ بنحو الملكة والملكة موجودة في حال النوم ممنوعة اذ ذلك ليس مناطا للاطلاق وإلّا لجاز اطلاق التاجر على من عنده ملكة التجارة إلّا انه لم يمارسها وكان طول حياته مشغولا بطلب العلم مع انه قطعا لا يطلق عليه انه تاجر وبالجملة انا نرى بالوجدان توسعة حقيقية في اطلاق عنوان التاجر مع التضييق في دائرة عروض التجارة وذلك اعظم شاهد لما قلنا بان دائرة التوصيف تكون اوسع من دائرة العروض اذا عرفت ذلك فلا بد لنا من ثلاثة اقسام احدهما ان يكون ظرف العروض وظرف الاتصاف هو الذهن كالنوعية والجنسية فانهما يلحقان الماهية عروضا واتصافا في الذهن فقط ثانيهما ان يكون ظرف العروض والاتصاف هو الخارج كالحرارة والبرودة فانهما يعرضان على الشىء ويتصف الشىء بهما في الوجود الخارجى ثالثها ما كان ظرف العروض الذهن وظرف الاتصاف الخارج مثلا الطلب والقطع اللذان هما منشأ انتزاع المطلوبية والمعلومية فان الذهن ظرف عروضهما والخارج ظرف اتصافهما فظهر لك بطلان القول بالحاق هذين القسمين الآخرين بالقسم الاول الذي هو

ظرف العروض والاتصاف فيه هو الذهن خاصة كما ظهر ان محل الكلام هو القسم الثالث وان لحاظ الطبيعة بنحو ترى عين الخارج فيسرى الى ما في الخارج صفة المطلوبية والسراية انما هى الى الحصص إلّا انها على نحو البدل ولا يسرى الى خصوصيات الافراد فالخصوصية خارجة عن حيز الطلب فافهم وتامل.

نسخ الوجوب

الفصل التاسع فى انه اذا نسخ الوجوب فهل يبقى الجواز بالمعنى الاخص الذى هو الاباحة او بالمعنى الاعم الذى عبارة عن الترخيص الاعم من رجحان الفعل مع المنع عن الترك كالوجوب او الاذن فى الترك كالاستحباب او تساوى الفعل مع الترك كالاباحة ام لا يبقى الجواز بالمعنى الاخص وبالمعنى الاعم؟ قيل بالاول بدعوى ان الوجوب عبارة عن رجحان الفعل مع المنع عن الترك فالنسخ انما رفع الفصل الذى هو المنع عن الترك وبعد رفعه لا يعقل بقاء الجنس بلا فصل ولازمه ان يحل نقيضه محله وهو الاذن في الترك وذلك هو معنى الاستحباب هذا لو قلنا بتركب الوجوب من الجنس والفصل واما لو قلنا بان الوجوب والاستحباب يختلفان بحسب الشدة والضعف فالنسخ يتوجه الى جهة الشدة فمع زوال تلك المرتبة تبقى المرتبة الضعيفة ولكن لا يخفى ان الوجوب عبارة عن مرتبة يتضمن الجواز والرجحان والالزام فالنسخ يرفع احد هذه الثلاثة فكما يحتمل رفع الالزام يحتمل رفع الرجحان او رفع الجواز فمن النسخ لا يظهر بقاء الجواز بالمعنيين على انك قد عرفت منا سابقا ان الوجوب يفترق عن الندب بشدة الطلب والشدة من مراتبه ، والندب يفترق عن الوجوب بالضعف اى الاذن في الترك وهو ليس من سنخ الارادة وانما هو حد خاص فالوجوب من قبيل الوجود

المطلق اى غير محدود بحد من جهة ان الشدة من سنخ الطلب وليست من حدوده لان حد الشىء لا يكون من سنخه والندب من قبيل الوجود المحدود لاشتماله على الضعف وهو ليس من سنخ الارادة فالوجوب بسيط والندب يحتاج الى مئونة زائدة لكونه مركبا من الطلب مع الاذن في الترك. فعليه ان نسخ الوجود المطلق لا يعين المراتب الأخر المحدودة بحدود خاص لاحتياج كل واحد منها الى قرينة تعين المراد. نعم بناء على ان الاستحباب والوجوب كلاهما من المعانى البسيطة وليس بينهما الا الاختلاف بحسب المرتبة لانهما من توابع الارادة والارادة تختلف شدة وضعفا فمن الواضح ان نفى الشدة يوجب بقاء الرجحان الضعيف وهو معنى الاستحباب لانطباقه على المرتبة الباقية بل ربما يقال بانه كما يتم ذلك في مقام الثبوت فربما يستفاد ذلك ايضا من مقام الاثبات اي من دليل الناسخ إذ المقام يكون من قبيل ما اذا ورد دليل على وجوب شيء ثم ورد دليل يعارضه ويدل على جواز تركه فان مقتضى الجمع بين الدليلين رفع اليد عن ظهور الدليل الدال على الوجوب ويؤخذ بظهور الدال على الترخيص ولكن لا يخفى ان المقام ليس من قبيل الجمع بين الدليلين فان ذلك فيما اذا لم يكن لاحد الدليلين حكومة على الآخر واما لو كان احدهما حاكما على الآخر كما في المقام فان دليل الناسخ حاكم على دليل المنسوخ فانه يؤخذ بدليل الناسخ ويطرح دليل المنسوخ ومعه لا دلالة له على بقائه اذ الجواز بالمعنى الاخص الذى هو الاباحة يباين الوجوب فيحتاج فى بقائه بعد ارتفاع الوجوب الى دليل ودليل الناسخ لا دلالة له على بقائه كما ان الجواز بالمعنى الاعم ليس لدليل الناسخ ولا لدليل المنسوخ دلالة على بقائه باحدى الدلالات الثلاث اما المطابقة فواضح واما التضمن فغاية ما يمكن تصوره ان الجواز جزء من مدلول المنسوخ

وارتفاع الجزء لا يوجب ارتفاع الجزء الآخر ولكن لا يخفى ان الجزء الباقى هو الجنس ومن الواضح ارتفاعه بارتفاع فصله فلو بقي يلزم تحققه بلا فصل وهو ممنوع ، واما الدلالة الالتزامية فتحتاج الى تحقق الملازمة بين النسخ وبقاء الجواز ولا ملازمة بينهما كما هو واضح ، ولذا لو صرح المولى ببقاء الحرمة بعد نسخ الوجوب لم يكن مناقضا هذا والانصاف ان ذلك يلتزم به فيما اذا كان لدليل الناسخ حكومة ونظر بنحو يرفع جميع مراتب المنسوخ. واما لو لم يكن كذلك بل له حكومة يرفع بعض مراتبه كرفع الالزام مثلا فيؤخذ بظهور دليل المنسوخ ويثبت الرجحان بل لو شك في مقدار رفع دليل الناسخ فيؤخذ بالقدر المتيقن فيه وهو حمله على نفس الالزام ويؤخذ بظهور دليل المنسوخ ويثبت الرجحان ولا يسرى اجماله اليه.

اللهم إلّا ان يقال بان مقتضى اطلاق دليل الناسخ هو نفى جميع مراتب الارادة الشديدة التى هي منشأ الوجوب فان ذلك لا يحتاج الى مئونة زائدة بخلاف نفى بعض مراتبه الذى هو الشدة مثلا فانه يحتاج الى مئونة زائدة فاثبات الرجحان مع الاذن في الترك الذى هو الاستحباب او الاباحة التى هي تساوى الفعل والترك يحتاج الى دليل. هذا كله حال الدليل الاجتهادي ، واما الدليل الفقاهتي فنقول لو لم يكن اطلاق لدليل الناسخ ، لا لدليل المنسوخ ووصلت النوبة الى الاصل العملى فقد توهم ان الاستصحاب يجري بدعوى ان الجواز كان متحققا في ضمن الوجوب وبعد ارتفاع الوجوب بدليل النسخ يشك فى رفع الجواز فيستصحب بقاؤه ولكن لا يخفى ان هذا من قبيل القسم الثالث من استصحاب الكلي لان الجواز يثبت فى ضمن الاحكام الاربعة غير التحريم ولا اشكال فى تباينها فمع العلم بارتفاعه بمقتضى النسخ فى ضمن الوجوب واحتمل ثبوته في ضمن الاباحة او الاستحباب فيكون

من قبيل ما لو علم بارتفاع فرد وشك في وجود فرد آخر مقارن لارتفاع ذلك الفرد فلا يكون حينئذ من الشك فى البقاء لكى يجري الاستصحاب إلّا ان يقال بان المشكوك من المراتب الضعيفة بالنسبة الى ما علم بارتفاعه كما لو غسل الثوب الاسود الحالك الشديد السواد بماء فقطع بارتفاع الشدة التى هي مرتبة من السواد وشك فى بقاء السواد الضعيف فلا مانع من جريان استصحاب السواد لصدق الشك في البقاء عرفا لعدم مباينة الضعيف للقوى وجودا وانما يباينه بحسب المرتبة ولكن لا يخفى ان بين الاحكام تضادا وتباينا وليس الاستحباب من مراتب الوجوب لكى يكون التفاوت بحسب المرتبة فعليه لا يجري استصحاب بقاء الجواز مع العلم بارتفاع الوجوب ويكون من قبيل ما لو قطع بارتفاع فرد وشك فى حدوث فرد آخر مقارن لارتفاع ذلك الفرد فانه من المسلّم عدم جريان الاستصحاب فيه وسيأتى إن شاء الله تعالى بيانه في الاستصحاب.

(الامر بالامر)

الفصل العاشر فى ان الامر بالامر بشىء امر بذلك الشىء او لا ، وجهان لان الآمر بامره بذلك الشىء ان كان نظره الى ايجاد المتعلق بنحو يكون غرضه ايجاده وليس غرضه يحصل بمجرد الامر الثانى وانما أتى به وسيلة وطريقا الى اتيان المتعلق فالامر بالامر بشيء يكون امرا به وان كان الغرض يتحقق بنفس الامر وليس له غرض في وجود المتعلق فلا يكون الامر بالامر بشيء امرا به الظاهر هو الاول. لان العرف يفهم ان الامر الثانى انما جعل وسيلة وطريقا الى اتيان المتعلق فان الظاهر من قول النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله (مروهم بالصلاة وهم ابناء

سبع سنين) هو الاتيان بنفس الفعل إلّا انه (ص) عدل عن امرهم مباشرة الى توسيط الاولياء لضعف عقول الاطفال فلا يعتنون بذلك الامر فعليه تكون عبادات الصبى شرعية اذ امر الاولياء بامر غير البالغين بالصلاة حسب الفرض انه امر لهم بها نعم لو لم نستفد ذلك بل كان الامر لصرف تحقق الامر من الاولياء فتكون عباداتهم تمرينية بل لو احتملنا ذلك فيحتاج دلالة الامر بالامر بشيء على الامر به الى دليل وقرينة وحيث لم تكن قرينة فلا دلالة عليه فلا تكون عباداتهم ايضا شرعية اللهم إلّا ان يقال بانه يستفاد شرعية عباداتهم من ادلة التشريع مثل قوله تعالى (أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ* كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ) ونحوها من الخطابات التى تعم البالغ وغيره واما رفع القلم فلا يرفع الا الالزام فعليه لو فعل الصبى العبادة فى الوقت ثم بلغ فلا يحتاج الى الاعادة ودعوى كون عبادات الصبى تمرينية بان يكون الامر لصرف التمرين وصيرورتها عادة لهم من دون فائدة اخرى فيها بعيد اذ ذلك خلاف ظواهر الاوامر الواردة المتعلقة باتيان الافعال فدعوى الاستاذ قدس‌سره فى الكفاية ما لفظه (انه لا دلالة بمجرد الامر بالامر على كونه امرا به ولا بد في الدلالة عليه من قرينة عليه) محل نظر ومنع اذ يمكن دعوى القرينة النوعية على كون الامر بشيء من قبيل الامر بالتبليغ لم يلحظ فيه الا كونه طريقا لايجاد المتعلق اذ كون الغرض من ذلك صرف التبليغ وان الامر صادر من الاولياء خلاف الظاهر كما لا يخفى.

ورود الامر عقيب الامر

الفصل الحادي عشر في ما لو ورد امر عقيب امر قبل امتثال الامر الاول فهل هو تأكيد فيكفى الامتثال بوجود واحد أم تاسيس فيكون طلبا آخر غير الطلب

الاول لتعدد موضوعه فيجب امتثال كل بغير امتثال الآخر قيل بالاول تقديما لاطلاق المادة فان اطلاقها يقتضى الاتحاد مع المادة في الامر الاول فحينئذ المأمور به فيهما مفهوم واحد يتحقق بوجود واحد على ان الطلب لو كان بنحو التأسيس لا يعقل تعلقه بطبيعة واحدة الا مع التقييد لكي يكون المتعلق في الاول مع الثانى مختلفين وجودا ولكن التحقيق هو عدم استفادة التاكيد او التأسيس بل هو من هذه الجهة مجمل لتعارض اقتضاء المادة مع اقتضاء الهيئة فان المادة تقتضي التاكيد لان الطلب لا يعقل تاسيسا ان يتعلق بطبيعة واحدة مرتين ولم يكن فى البين تقييد ولو كان ولو بمثل مرة اخرى حتى يكون المتعلق في احدهما غير المتعلق فى الآخر ومقتضى اطلاق الهيئة التأسيس لاقتضاء الهيئة البعث في المقامين فلا بد من التقييد بالمرة الاولى بالنسبة للامر الاول والمرة الثانية بالنسبة الى الامر الثانى فانقدح مما ذكرنا حصول الاجمال فمع حصوله يكون المرجع الى الاصول العملية وليس فى البين ما يرجع اليه منها الا اصل البراءة لكون المقام من الشك في وجوب الاتيان به مرة ثانية وهو من الشك فى التكليف وهو مجرى لاصل البراءة من وجوب التكرار كما لا يخفى. هذا تمام الكلام في ما يتعلق بالمقصد الاول من الاوامر والحمد لله رب العالمين.

(المقصد الثانى فى النواهى)

وفيه فصول :

الفصل الاول فى ان النهي هل يراد منه طلب الترك او طلب الكف قيل بالاول واستدل له بان النهي عبارة عن نفي المعنى ونفي المعنى مساوق للترك فلذا دل النهي على الترك ورد بانه لا يمكن ان يلتزم بالترك المحض لعدم كونه مقدورا فلا يكون مطلوبا لخروجه عن الاختيار لكونه عدما ازليا والعدم الازلي خارج عن القدرة ولذا يجب الالتزام بالقول الثاني وهو ان النهي عبارة عن الكف لكونه مقدورا وامرا اختياريا فيصلح لتعلق الطلب به وقد اجيب عن ذلك بان الممتنع العدم الازلي وهو ليس بمطلوب فى النهي وانما المطلوب فيه ابقاء ذلك العدم وابقاؤه من الامور الاختيارية لانه قادر على هدم ذلك العدم بارادة الفعل فحينئذ صح ان يطلب ابقاء هذا العدم لكونه حينئذ غير خارج عن الاختيار ويكون مقدورا لتحقق القدرة على الفعل بحيث يصدق عليه انشاء فعل وانشاء لم يفعل ولكن لا يخفى ان هذا النزاع بناء على خلاف التحقيق حيث ان مورده اخذ الماهية في قبال الوجود الخارجي ولكن التحقيق حسب ما عرفت في مسألة تعلق الأوامر بالطبائع من ان المراد بالطبيعة المتعلقة للامر ان تكون بنحو الحكاية عما في الخارج كحكاية المرآة لمرئيه ومتحد معه اتحاد المرآة مع المرئي لما عرفت من ان صيغة الامر مركبة من مادة وهيئة مادتها تدل على نفس الطبيعة وهيئتها تدل على البعث نحو الطبيعة وكذلك في النهي فان المراد بمادته هي نفس الطبيعة وهيئته تدل

على الزجر والردع نحو الطبيعة فلو كان مفاد صيغة النهي طلب ترك الفعل لزم ان لا تكون صيغة النهي كصيغة الامر من المشتقات حيث لم تكن لها هيئة تدل على ربط المادة كما كان ذلك في صيغة الامر.

وبالجملة ان جعلنا صيغة النهي احدى صيغ المشتقات وهي مركبة من مادة وهيئة مادتها تدل على نفس الطبيعة وهيئتها تدل على امر ربطي يقوم بالمادة واما ان لم تكن كذلك خرجت صيغة النهي من صيغ المشتقات وبالجملة مفاد المادة في الامر والنهي الحكاية عما في الخارج فيكون متعلق الامر عبارة عن البعث نحو المادة التى ترى خارجية وفي النهي عبارة عن الزجر نحو المادة اذ هذا المعنى يقبل لان يتعلق بالوجود فيكون مفاد النهي كالامر مقدورا فلا حاجة الى ما ذكر من جعل المراد من العدم الازلي ابقاؤه.

فظهر مما ذكرنا حيث قلنا بان المادة انما هي ملحوظة مرآتا للخارج في الامر والنهي فالوجود حينئذ يكون مأخوذا فيهما فهما مشتركان في ذلك وانما المائز بينهما هو اخذ البعث فى مفاد هيئة الامر (١) والزجر فى مفاد هيئة النهى فهما يتفقان في المادة ويفترقان بالنسبة الى الهيئة ومن ذلك ظهر فساد اخذ العدم في حقيقة النهي والوجود فى حقيقة الامر اذ ذلك يوجب ان يكون التمايز بينهما بحسب المتعلق وذلك انما يتم لو لم يؤخذ المتعلق بنحو المرآة لما فى الخارج وبالجملة اخذ المتعلق بنحو المرآة لما في الخارج يوجب اتفاقهما في اخذ الوجود فيهما ولازمه ان يكون بينهما تغاير في دلالة الهيئة ففي هيئة الامر دلالة على البعث نحو المادة وفي النهي دلالة على الزجر عما تقتضيه المادة فافهم وتأمل.

__________________

(١) لا يخفى ان المادة فى الامر والنهى انما هى نفس الطبيعة ويستفاد الوجود

(دلالة النهى على التكرار)

الفصل الثاني في ان النهى يدل على التكرار أو لا؟ وجهان قيل بالاول نظرا الى ان مفاد النهي هو عدم ايجاد الطبيعة ولا يحصل ذلك إلا بترك جميع الافراد العرضية والطولية وقد اورد عليه بان التكرار المدعى فى المقام ما كان مستتبعا لمخالفات متعددة وعلى ما ذكر من التكرار ليس فيه مخالفات متعددة إذ العصيان ضد الاطاعة والاطاعة تتحقق بانعدام الطبيعة بالمرة الاولى فتكون المرة

__________________

والعدم من تسلط الهيئة على المادة بان يراد من النهى طلب ترك الطبيعة ومن الامر طلب ايجاد الطبيعة واما البعث والزجر انما يلزمان صيغة الامر والنهى وليسا من مفاد الهيئة والعدم المستفاد من النهى تارة يراد منه العدم الجامع بين جميع الاعدام بنحو يكون المجموع موضوعا واحدا يكون من قبيل العام المجموعي فلا يتحقق امتثاله إلّا بترك جميع وجودات الطبيعة واخرى يراد منه سرايته الى جميع وجودات تلك الطبيعة بنحو يكون كل فرد موضوعا مستقلا ويكون نظير العام الاستغراقى وعلى الاول لا ينحل النهى الى نواهى متعددة بخلاف الثانى فانه ينحل الى نواهى بحسب تعدد الافراد فيكون لكل فرد امتثال وعصيان مستقل لا يرتبط بالفرد الآخر والحق هو الثانى اذ مقتضى الاخذ بالظهور هو ذلك لان الطبيعة لها وجود فى ضمن اى فرد وبما ان النهى يتعلق بما فيه المفسدة فالطبيعة فى اي فرد تكون فيها مفسدة إذ لو اختصت فى فرد خاص كان على المولى بيانه فمن عدم البيان يستكشف ان المبغوضية والمفسدة فى جميع الافراد وذلك يقتضي انحلال الفرد بجميع الافراد على تفصيل ذكرناه فى تقريرات الاستاذ النائيني قدس‌سره.

الثانية خالية من العصيان وهو مما لا يلتزم به احد ضرورة تكرر العصيان بتكرر المخالفة كما ترى ذلك فى المحرمات كالزنا والسرقة وشرب الخمر إلا ان يفهم من النهي السريان وهو مستلزم لتكرار المخالفات المستتبع لتعدد العصيان ولم يكن ذلك مستفادا من النهي ولكن لا يخفى ان هذا وان امكن الالتزام به إلا انه لا يكون مثبتا لتلك الدعوى اذ الدعوى استفادة التكرار عن النهي وهذا انما يستفاد من الاستلزام اى كون التكرار لازما لكون النهي للسريان. نعم يتم ذلك في النواهي الغيرية التي يسقط النهي بالمخالفة لأول مرة ، مثلا من احدث فى صلاته انتقض وضوؤه وبطلت صلاته ولو احدث ثانيا لم يكن لحدثه ثانيا اثر يترتب عليه الانتقاض فالاولى في توجيه الاستدلال ان يقال ان صيغة النهي كصيغة الامر تشتمل على مادة وهيئة ، اما المادة فيهما فهي صرف الطبيعة التى ترى خارجية واما هيئتهما فتدل على سراية البعث فى الاوامر والزجر في النواهي الى تمام الافراد ولذا يكون الطلب متعددا على حسب تعدد الافراد ومقتضى تعدد الطلب تعدد العصيان ومقتضى ان يكون الامر كالنهي بالدلالة على التكرار إلا ان ذلك يمتنع في الاوامر للزوم الحرج المنفي في الشريعة فمن نفيه في الشريعة يستدل على عدم دلالة الامر على التكرار بخلاف النواهي حيث انه لا حرج في الترك ولا يخفى انه ربما يعارض اطلاق الهيئة باطلاق المادة فان اطلاق المادة يقتضي الانتهاء بصرف الوجود ومرجعه الى نهي واحد تعلق بطبيعة واحدة فهو وان كان مستلزما للتكرار فى مقام الامتثال إلّا انه فى مقام العصيان لا يكون إلّا عصيانا واحدا لو خولف بصرف الوجود ولا مرجح لاحد الاطلاقين. نعم ربما يقال بامكان ترجيح اطلاق الهيئة على اطلاق المادة بدعوى ان الهيئة فى عالم الاعتبار ترى علة لحصول المادة فى عالم الخارج ولا اشكال

ان العلة مقدمة على المعلول فانه يرى المعلول من تبعات العلة فيكون اطلاق الهيئة مقدما على اطلاق المادة فلذا يؤخذ به هذا كله بالنسبة الى ملاحظة نفس المادة والهيئة.

واما ما تقتضيه مقدمات الحكمة فالذي ينبغى ان يقال بان ما تقتضيه مقدمات الحكمة من المادة هو ارادة الماهية المهملة التى تعم المخلوطة والمجردة المعبر عنها باللابشرط المقسمى فلا مجال للاشكال بانه يحصل الامتثال بالترك في الزمان الاول كما يحصل الامتثال بالامر باول وجود الماهية لان الموضوع على ذلك التقدير هو الماهية المهملة وهي لا تنعدم إلّا بانعدام جميع افرادها العرضية والطولية كما ان تحققها باول الوجود هو مقتضى ذلك في الاوامر.

نعم للاشكال مجال بناء على ان مقدمات الحكمة تثبت صرف الوجود اي الماهية الصرفة فى قبال المقيدة والمخلوطة المعبر عنها باللابشرط القسمي لان الماهية الصرفة اذا تحققت في اول الازمنة فلا يتحقق فيها تكرار لانه اذا تحقق متعلق النهى بان تركت تلك الطبيعة في اول الازمنة يسقط النهى فلا يبقى مجال في تحققه في ثانى الوجود من الامتثال لعدم انطباق الماهية الصرفة عليه لان صرف الشىء غير قابل للتكرار بنحو التعاقب فمهما تحقق فى الخارج يسقط النهى عنه ولا يكاد يبقى الاتيان به في ثاني الوجود كما لا يخفى.

ثم انك قد عرفت ان مقتضى دلالة النهي على الزجر عما تقتضيه المادة دلالته على الدوام كذلك مقتضاه ايضا يدل على الفورية إذ لازم انعدام الطبيعة حين الانشاء خلو صفحة الوجود منها حين النهى وبذلك يفرق بين النهى والامر بدعوى عدم دلالة الامر على الدوام والفورية ودلالة النهى عليهما لان مقتضى

طبع النهي ذلك فافهم وتأمل.

(اجتماع الامر والنهى)

الفصل الثالث اختلفوا في جواز اجتماع الامر والنهى فى واحد على اقوال ثالثها جوازه عقلا وامتناعه عرفا وقبل الخوض فى المقصود يستدعي بيان امور :

الاول المراد من الواحد في العنوان هو مطلق ما كان له جهتان ومتعنونا بعنوانين كان باحدهما موردا للامر وبالآخر موردا للنهي من غير فرق بين وحدة شخصية أو كلية كما لو كان كليا مجمعا للعنوانين كالكون الكلي الذي ينطبق عليه انه صلاة وغصب ، وبذلك يظهر بطلان ما التزم به صاحب المعالم والفصول قدس‌سرهما من ان المراد بالواحد الشخصي فلا يعم الكلي. نعم ليس المراد منه الواحد بالجنس كالسجود لله تعالى والسجود للصنم فانهما واحد بالجنس باعتبار دخولهما تحت ماهية واحدة التى هي السجود لكونهما متغايرين بحسب الوجود كما لا يخفى.

الامر الثاني ذكر الاستاد قدس‌سره فى الكفاية الفرق بين هذه المسألة والمسألة الآتية باختلاف جهة البحث الموجب لتعنون كل مسألة على حدة بما حاصله ان الجهة المبحوث عنها في مسألة الاجتماع هي سراية كل من الامر والنهى الى ما تعلق به الآخر من جهة اتحاد متعلقيهما ام لا يسري لتعدد العنوان والجهة الموجب لتعدد المتعلق فمع تعدد المتعلق يكون الامر قد تعلق بغير ما تعلق به النهى بخلاف الجهة المقصودة بالبحث عنها في المسألة الآتية فان البحث في تلك

المسألة في دلالة النهي على الفساد او لا وذلك انما يتأتى بعد الفراغ عن توجه النهي اليها. نعم لو قلنا بالامتناع مع ترجيح جانب النهي تكون من صغريات المسألة الآتية فالفرق بين المسألتين في غاية الوضوح. وذكر صاحب القوانين الفرق بين المسألتين بان مسألة الاجتماع تكون فيما لو كان بين العنوانين عموم وخصوص من وجه بخلاف مسألة دلالة النهي على الفساد فانها فيما لو كان بين العنوانين عموم وخصوص من مطلق وقد اورد عليه في الفصول بان ذلك ليس فارقا بين المسألتين وانما الفرق بينهما بان النزاع فى مسألة اجتماع الامر والنهي انما يتأتى فيما اذا تعلق الامر والنهي بطبيعتين متغايرتين بحسب الحقيقة وان كان بينهما عموم وخصوص من مطلق كالامر المتعلق بالحركة والنهي المتعلق بالتدانى فان التدانى اخص من الحركة وفى مسألة النهي يقتضى الفساد هو ما كان بين متعلق النهي والامر اتحاد وان كان متغايرا بالاطلاق والتقييد بان كان احدهما مطلقا والآخر مقيدا كصل ولا تصل في الدار المغصوبة.

اقول يمكن ارجاع كلام الفصول الى كلام الاستاذ بتقريب انه اذا كان بين الطبيعتين تغاير يمكن جريان النزاع في سراية احدهما لمتعلق الآخر مثلا لما كان بين الصلاة والغصب تغاير فى الحقيقة ففى المجمع لو اتفق بان صلى في الدار المغصوبة يمكن النزاع فى سراية الامر الى ما تعلق به النهي او عدم سراية كل من الامر او النهي الى متعلق الآخر بخلاف ما اذا كان بين متعلق الامر والنهي اتحاد فلازمه سراية احدهما للآخر فتكون من صغريات مسألة دلالة النهي على الفساد فلا يكون للنزاع مجال ولعله الى ذلك يرجع كلام صاحب القوانين بان ما لو كان بين العنوانين عموم وخصوص من وجه يكون للنزاع في سراية كل من متعلق الامر

والنهي الى ما تعلق به الآخر وعدمه مجال بخلاف ما لو كان بينهما عموم وخصوص من مطلق فانه لا مجال للنزاع فى ذلك اذ فى هذه الصورة مما يقطع بالسراية فلذا يكون من صغريات مسألة دلالة النهي على الفساد إلّا ان الظاهر ان ما اورده صاحب الفصول عليه في محله اذ ليس الملاك فى هذه المسألة العموم والخصوص من وجه بل التغاير بين متعلق الامر والنهي حقيقة ولو كان بينهما عموم وخصوص من مطلق وان كان ما ذكره من المثال لذلك محل نظر اذ الحركة والتدانى وان كان بينهما عموم وخصوص من مطلق إلّا انه بحسب المورد ولكن بحسب الوجود هما موجودان بوجودين إذ التدانى معلول للحركة تقول تحرك فتدانى ولا اشكال في خروج مثل ذلك عن محل النزاع لعدم كون شيء واحد مجمعا للعنوانين بل شيئان متجاوران قد تحققا في وقت واحد وجود احدهما مطابق لعنوان الواجب والآخر مطابق لعنوان المحرم فلم يكن مثل هذا الاجتماع المسمى بالاجتماع الموردي محلا للنزاع بل يكون حاله حال النظر الى الاجنبية في الصلاة الذي لا اشكال فى خروج مثل ذلك عن محل النزاع إذ متعلق الامر غير متعلق النهى وجودا فمن نظر الى الاجنبية في الصلاة اطاع من جهة صلاته وعصى من جهة النظر ولا يكون مثل هذا العصيان يوجب فساد الصلاة فالاولى فى بيان الفرق بين المسألتين هو ان مسألة اجتماع الامر والنهي من باب التزاحم لا من باب التعارض ولذا كان الفساد فيها مانعا مع العلم بالنهي فلو لم يعلم به صحت صلاته لتحقق الملاك فيها بخلاف مسألة ان النهي يقتضي الفساد فان الفساد تابع لواقع النهى وان لم يعلم به وبالجملة الفساد فى هذه المسألة من آثار العلم وفى تلك المسألة من آثار الواقع فكم فرق بين المسألتين كما لا يخفى.

الامر الثالث اشترط بعضهم قيد المندوحة فى محل النزاع بان يكون للمكلف

مندوحة في مقام الامتثال فمع عدمها بان ينحصر مصداق الكلي في المجمع فهو خارج عن محل النزاع لكونه من التكليف بالمحال وهو مما لا اشكال فى عدم صلاحه لان يقع النزاع فى صحته وفساده لكونه من التكليف بغير المقدور وقد اعترض على ذلك الاستاذ قدس‌سره فى الكفاية بما حاصله ان عدم اعتبار المندوحة غير مضر بما هو المهم إذ المهم فيه هل ان تعدد الجهة يرفع محالية التكليف ام لا يرفع وهذا لا يتفاوت بين وجود المندوحة وعدمها. نعم بالنسبة الى التكليف بالمحال يفرق فيه بين وجود المندوحة وعدمها وملاك النزاع فى مسألة الاجتماع هو كون التكليف محالا لا التكليف بالمحال. نعم لو كان الملاك فيه هو التكليف بالمحال كان لاعتبار قيد المندوحة وجه إلّا أنّك قد عرفت ان الملاك هو محالية نفس التكليف فعليه لا وجه لاعتبار قيد المندوحة. نعم على القول بالجواز يلزمه اعتبار قيد المندوحة انتهى كلامه ملخصا

اقول اشتراط المندوحة انما يتم ويتوجه على القول بالجواز اذا بنينا على عدم سراية الطلب من الطبيعة الى الافراد إذ على هذا التقدير يصح اشتراط المندوحة إذ مع عدمها يستحيل التكليف بالجامع لانه حسب الفرض متعذر الامتثال من غير الفرد الغصبى ومعلوم ان الفرد الغصبى ممنوع منه بحكم العقل قرارا من مخالفة النهى عن الغصب وحينئذ لا يكون امتثال التكليف مقدورا بجميع الوجوه واما مع وجود المندوحة يمكن له امتثال ذلك الجامع بغير هذا الفرد. واما اذا قلنا بالسراية على ما هو التحقيق فيكون المجمع يسرى اليه الامر والبعث على نحو التخيير فيكون الفرد مطلوبا فعله مع ترك بقية الافراد والمفروض انه مع ذلك منهى عنه لكونه مشتملا على الغصب ويستحيل البعث الى شىء منهي عنه فلا بد

من ان لا تشمله الطبيعة بما هى مأمور بها فلا يكون المجمع من المامور به وحينئذ فنقول ان اكتفينا فى الصحة بالمحبوبية صحت صلاته وإلّا لم تصح سواء كانت هناك مندوحة للمكلف ام لا ، على القول بالجواز فضلا عن القول بالامتناع نعم يمكن صحة صلاته بناء على ما اختاره الاستاذ من جواز دعوة الامر الى غير متعلقه كما عرفت ذلك فى مسألة الضد ولكنك عرفت الخدشة فى ذلك المقام بان الداعوية التى هي معتبرة في العبادات ما كانت بنحو العلة الفاعلية دون الغائية والمتصور من الداعوية فى الفرد الخارج من حيز الامر انما هو بنحو العلة الغائية التى لا تنفع فى العبادات ثم انه ربما يتوهم جواز صدور العمل بنحو العلة الفاعلية لكن على القول بالترتب بان يقول المولى انهاك عن التصرف الغصبى ولكن ان تصرفت بالغصب فليكن تصرفك بنحو الصلاة فيكون الامر بالصلاة مرتبا على النهي عن الغصب وهذا النحو من الامر جائز بناء على القول بالترتب ولكن لا يخفى ما فيه فان مسألة الترتب بناء على الاختلاف فى المرتبة والمقام ليس من ذلك القبيل فان المرتبة فى المقام ليست مختلفة بل الامر والنهي فى عرض واحد فلا يلزم من القول بالترتب القول بالجواز.

الامر الرابع ان الاستاذ قدس‌سره تعرض في الكفاية الى توهمين في ابتناء النزاع احدهما ان القول بجواز اجتماع الامر والنهي مبني على تعلق الاوامر بالطبائع وعدم الجواز مبني على القول بالتعلق بالافراد ثانيهما ان النزاع فى الجواز وعدمه مبنى على القول بتعلقهما بالطبائع إذ مع القول بتعلقهما بالافراد لا محل للنزاع فى جواز الاجتماع وعدمه إذ لا يعقل القول بالجواز بناء على ذلك وقد اجاب الاستاذ قدس‌سره عن كلا التوهمين بما حاصله ان ملاك النزاع متحقق على

كلا القولين اذ مرجعه الى ان تعدد الجهة يوجب تعدد الموجه من غير فرق بين القول بتعلق الاوامر والنواهي بالطبائع او بالافراد وحيث يتضح من كلام الاستاذ ان مبنى الجواز هو ان تعدد الجهة يوجب تعدد الموجه فاعلم ان معرفة ذلك وتحقيق الحال فيه يقتضي معرفة الجهات المتعددة التى يكون مبنى للقول بالجواز فنقول ومن الله المستعان ان الجهات على انحاء منها الاختلاف بالاجمال والتفصيل كتصور الانسان الحاكي عن حقيقته وتصور الحيوان الناطق الحاكي عن حقيقته والحقيقة فيهما واحدة إلّا انه في الاولى الحكاية كانت اجمالية وفي الثانية كانت الحكاية على نحو التفصيل ولا اشكال ولا ريب ان مثل هذا الاختلاف لا يكون مبنى الجواز لان تغايرهما في الحكاية لا يوجب تغاير المحكي والمحكي عنه اذ هما يحكيان عن حقيقة واحدة ومنها ان يكون الاختلاف بينهما بالاعتبار كالاختلاف بين الجنس والهيولى والفصل والصورة فان الاختلاف بينهما بحسب الاعتبار فان شيئا واحدا ان اعتبر لا بشرط صار جنسا وصح حمله على الذات وان اعتبر بشرط لا صار هيولى ولا يصح الحمل ولا يخفى ان هذا النحو من الاختلاف لا يكون مبنى للقول بالجواز بل هو كسابقه يحكيان عن شىء واحد ومعنى فارد والاختلاف بالاعتبار لا يوجب اختلافا في ناحية المحكي ومنها ان يكون الاختلاف بين الجهتين من جهة اختلاف منشئهما وكانتا من الاوصاف الاعتبارية بحيث لا واقع لهما الا بمنشإ انتزاعهما فاذا كان كذلك يكونان من الجهات التعليلية لا من الجهات التقييدية لانهما لا يصلحان لتعلق الحكم بهما لكونهما اوصاف اعتبارية كالملكية والزوجية مثلا امر بايجاد مملوك لزيد ونهي عن ايجاد زوج لهند والملكية والزوجية لا يصلحان لتعلق الحكمين بنحو تعلق الاوامر بالطبائع لما عرفت من انهما من الاوصاف

الاعتبارية التى لا يكون لها واقع الا لمنشا انتزاعهما فظهر مما ذكرنا انه على هذا الوجه ايضا لا يكون مبنى للقول بالجواز لان الملكية والزوجية لا يصلحان لتعلق الحكمين بهما بل ربما يقال بخروج مثل ذلك عن نظر المجوزين من جهة اتحاد المتعلق فيهما كما اتحد في مثل اكرم العلماء ولا تكرم الفساق فانه في مورد اجتماع العالم والفاسق فى واحد لم يكن هناك جهة تعدد فعليه لم يكن مندرجا تحت محل النزاع ومثله هذا المقام اذ المطلوب من الزوجية والملكية ليس إلّا ايجاد واحد فلم يكن المتعلق متعددا ولكن لا يخفى ان الجهة التى في مثال الاكرام متحدة ولا يسرى الاختلاف الواقع بين العلماء والفساق الى الاكرام لان الاكرام من مقولة الفعل والعلم والفسق من مقولة الكيف فالاختلاف في مقولة الكيف لا يوجب الاختلاف في مقولة الفعل وهذا بخلاف ما نحن فيه اذ الايجاد المضاف الى الزوجية والمملوكية هو بعينه وجودهما ولا يكون بينهما اختلاف إلّا بحسب الاعتبار فما يكون الاختلاف بينهما بحسب الوجود يكون لا حقا لهما بحسب الايجاد ومنها ان يكون الاختلاف بين الجهتين ناشئا من الاختلاف بالمنشإ وبالاعتبار كالاختلاف بين الحلو والابيض فيكون من المحمولات بالضميمة بخلاف الصورة التى قبلها فان الاختلاف بينهما على نحو خارج المحمول فظهر الفرق بين هذه الصورة وبين الصورة التى قبلها وهذا الوجه من الاختلاف انما ينفع اذا كان الوصفان لا يجتمعان فى مجمع مشترك بينهما فعلى هذا لا بد من الالتزام ببساطة المشتق حتى ينفع القائل بالجواز لان الجهتين متغايرتان بتمام التغاير وذلك يوجب تعدد الموجه واما على القول بالتركيب فلا ينفع القائل بالجواز لان الجهتين ليسا متغايرتين بتمام الذات بل متغايرتان بجهة اذ على ما عرفت ان القول بالتركيب من الذات والتلبس بالحلاوة في الحلو والذات

والبياض فى الابيض وهذا كما ترى اذ ان الحلو والابيض ليس بينهما تغاير بتمامهما بل بجزء من حقيقتهما فلا ينفع القائل بالجواز الا القول بالبساطة هذا كله لو اغمضنا عما اخترناه فى المشتق واما على ما حققناه فيه فنقول انه على القول بالبساطة ايضا لا يجدي القول بالجواز اذ على ما اخترناه في مقام الحمل ان المشتق مأخوذ فى مقام الحمل بنحو النظر الآلي لا على نحو النظر الاستقلالي بل أخذ على نحو كونه مرآتا فعليه يكون المشتق حاكيا عن الذات فلا ينفع القول بالجواز نعم يجدى القول بالجواز لو قلنا ان المصحح للحمل فى المشتقات اعتبارها لا بشرط على ما ذكرنا فى بحث المشتق ومنها ان يكون الاختلاف بين الجهتين بنحو الاختلاف بالجنسية والفصلية او النوعية والشخصية فان كل واحد منهما يحكي عما لا يحكيه الآخر فمثل هذا الاختلاف هو الذى ينبغى ان يجعل محطا لنظر القائل بالجواز الذى يجتزي بتعدد الجهة ولكن المعروف من مثالهم هو الصلاة والغصب فينبغى ان يقع الكلام فيهما فنقول قد اختلفت كلمات الفقهاء رضوان الله عليهم في بيان معانيهما على اقوال فمنها ان الصلاة عبارة عن الخضوع الذى يترتب على هذه الاكوان والغصب عبارة عن الكون المتحد مع هذه الافعال فعلى هذا لا يكون المثال من باب الاجتماع لان الصلاة والغصب على هذا يكونان طوليين لا عرضيين فعلى كلا القولين يمكن القول بالجواز فلم يكن مثل هذا محلا للنزاع.

ومنها ان الصلاة عبارة عن الاوضاع الخارجية من الركوع والسجود والغصب عبارة عن نفس الكون فى المكان الذى لا يرضى صاحبه وعلى هذا يكونان بحسب المصداق متغايرين ولكن بحسب الوجود متحدين ومنها بان الصلاة عبارة عن كون خاص والغصب عبارة عن كون خاص فعليه يشتركان فى الكون ويفترقان

بالنسبة الى الخصوصية فيكون التمايز بين الصلاة والغصب بتمايز الاضافة فباعتبار اضافة الكون الى ما لها هيئات الركوع والسجود والموالاة والترتيب تمتاز الصلاة عن الغصب وباعتبار اضافة الكون الى المكان الذى لا يرضى صاحبه يمتاز الغصب عن الصلاة وهاتان الاضافتان ليستا من قبيل الملكية والزوجية التى لا واقع لها الا بمنشئها لان تلك الهيئات لها تحقق بحسب الخارج وكذلك تلك الاضافة الى مكان لا يرضى به صاحبه لها تحقق في الخارج وواقعها ليس منحصرا في اللحاظ الذهنى كما في الامور الاعتبارية بل تتحقق سواء كان هناك لاحظ ام لا فظهر لك ان هاتين الاضافتين غير تلك الاضافتين فيجوز جعلهما متعلقين للاحكام بخلاف تلك الاضافتين فيكونان من الجهات التقييدية لا من الجهات التعليلية والحق هو القول الاخير ويؤيده اشتراط الاستقلال فى بعض اوضاع الصلاة كالقيام ونحوه مما يعتبر فيه الاستقلال فلا يصح الاستناد فمن هذا الاشتراط يقرب اعتبار الكون في مفهوم الصلاة. واما الغصب فالمتبادر منه هو التصرف فيما لا يرضى صاحبه ولا اشكال في كون هذا المعنى مما يتضمن الكون فيه ففعل الصلاة مع الغصب يشتركان في جزء وهو الكون وينفرد كل منهما عن الآخر باضافة خاصة وهذا الاشتراك على هذا النحو هو المعقول والمتصور فلا يرد ان هذا الاشتراك يكون موجبا وقرينة عقلية على خروج مثل هذا النحو من المتفاهم العرفي لا يقال على هذا تكون الصلاة والغصب كلاهما من مقولة الفعل فهما يشتركان في تلك المقولة واشتراكهما فى ذلك يوجب اجتماع الفعلين في فعل واحد يكون مجمعا للفعلين ومعنونا بعنوانين ولا يعقل ان يكون شيء واحد مجمعا لفعلين فاذا كان ذلك غير معقول فلا بد ان يكون كل واحد منهما من مقولة خاصة بان تكون الصلاة من مقولة الفعل والغصب من مقولة

الاين وهى الكينونة في المكان المغصوب لانا نقول ما المراد باستحالة اجتماع فعلين في فعل واحد ان كان المراد ان الفعلين المتغايرين في الخارج يجتمعان فى فعل شخصي واحد فمسلم عدم معقوليته لكنه خارج عن محل الكلام ، فان محل الكلام انطباق عنوانين على شيء واحد فان كان المراد محالية انطباق العنوانين على شيء واحد واستحالة انتزاع عنوانين عن معنون واحد فهو ممنوع أشد المنع إذ كما يجوز ان يكون مجمع واحد لجامعين يختلف بحسب المقولة كذلك يجوز ان يكون مجمع واحد لجامعين متفقي الحقيقة والاختلاف بحسب الحد بان يكون كل واحد منهما محدودا بحد مغاير لحد الآخر ومثاله يتضح بالفرض فانا لو فرضنا ان الانسان مضيق الدائرة على وجه لا يشمل إلّا لزيد وعمرو ثم انتزع انسان آخر مضيق الدائرة بحيث لا يشمل إلا فردين مثل زيد وبكر فاشترك العنوانان والجامعان في زيد فانطباق العنوانين على زيد لم يكن بينهما تغاير بالحقيقة لما عرفت من اشتراكهما من حيث الحقيقية ولكن التمايز انما هو بحسب الحد.

فاذا عرفت ذلك ظهر لك الحال فيما نحن فيه فان الصلاة والغصب بمقتضى ما عرفت من المتفاهم العرفى مشتركان في الجزء ولكن التمايز انما هو بحسب الاضافة فان في الغصب كونا مشوبا بوضع خاص ، وفي الصلاة كون مشوب بوضع خاص فاشتركا بحسب جزء وتفارقا في آخر. ثم انك قد عرفت ان مبني القول بالجواز ان يكون التعدد بحسب المفهوم وبمنشإ الاعتبار وان تكون الجهة بنحو الجهة التقييدية لا على نحو الجهة التعليلية بخلاف بقية الصور. نعم ربما يقال ان القول بالجواز يمكن ان يكفيه تعدد المفهوم عن اعتبار تعدد في منشأ الاعتبار لان الاحكام انما تتعلق بالصور الذهنية ولا تتعدى الى الخارجيات فوحدة المنشأ لا يضر بها

ويتفرع على هذا امكان ان يكون اجزاء المركب فيها حكمان متضادان فتكون الاجزاء واجبة بالوجوب النفسي اذا لوحظت بحيالها واستقلالها ، واما اذا لوحظت فى ضمن الكل فتكون واجبة بالوجوب الغيري ولا ينافي وحدة المنشأ إذ الحكمان متعلقان بالصور الذهنية ولا يسرى من تلك الصور الى الخارجيات فلا يضر وحدتها على ان التغاير بالاجمال والتفصيل متحقق ايضا الذى هو مبنى القول بالجواز كما انه يمكن ان يحصل التغاير بلا بشرط وبشرط لا الذى يمكن ان يكون مبنى للقول بالجواز. وبالجملة ان ذلك لو تم تكون الصور الثلاثة مبنى للقول بالجواز. اللهم إلّا يقال بمنع الصورة الثالثة لان يكون مبنى للقول بالجواز لانه على ذلك التقدير تؤخذ الجهة على نحو التعليل وعليه لا يمكن تعلق الحكم بها وعلى تقدير الحكم بها فلا بد من صرفه الى ما في الخارج والمفروض ان ما في الخارج واحد لا تعدد فيه ولكن الانصاف انه على أي تقدير من تلك الصور التى ذكرنا حتى على ما اخترناه منها يمكن منع اجتماع الامر والنهي. اما على الصورتين الاوليتين فلا ينفع الاختلاف بحسب المفهوم مع كون ما فى الخارج متحدا لان ما في الذهن لم يؤخذ على نحو الاستقلال بل انما يؤخذ على سبيل الآلية وكونه مرآتا وحاكيا لما فى الخارج واخذه على ذلك النحو يوجب ان يكتسب لونا من المحكي عنه لما كان بينهما اتحاد كاتحاد المرآة بالنسبة الى المرئى بنحو لا يرى إلّا المحكى عنه. فيكون النظر الى الحاكى نظرا آليا فاذا عرفت ذلك تعرف ان الحاكي يكتسب اتحادا من المحكي فيما نحن فيه فاذا تلونت الصورة من الخارج لون الاتحاد فتكون الصورتان متحدتين فحينئذ كيف يعقل توارد الحكمين على تلك الصورتين وقس على ما ذكر اجتماع الوجوب النفسى والغيري في اجزاء المركب فاتضح من ذلك انه لا يعقل القول

بالجواز في الصورتين الاوليتين كالصورة الثالثة.

واما الصورة الرابعة التى نختارها فيمكن منع جواز الاجتماع لانه لما كانت الصلاة مع الغصب يشتركان فى جزء فلا بد ان يكون ذلك الجزء يسري اليه الحكمان ولا يعقل اجتماع الحكمين المتضادين في مورد واحد. بيان ذلك ان الصلاة لما كانت عبارة عن الكون المخصوص بالركوع والسجود وغيرهما من اوضاع الصلاة وكان الغصب عبارة عن الكون المقيد بما لا يرضى به صاحبه وتعلق الامر بالصلاة والنهي بالغصب فلا بد وان يكون كل حكم منهما يسري الى جميع ما له من الاجزاء فالامر بالصلاة ينبسط على جميع اجزائها وهى الكون وتلك الاوضاع المخصوصة والنهي تعلق بالغصب فينبسط على اجزائه وهى الكون وما لا يرضى به صاحبه فيكون في الكون وجوب ضمنى من طرف كونه جزءا من الصلاة وحرمة ضمنية من جهة كونه جزءا من الغصب فالكون الواحد صار مجمعا وموردا للوجوب الضمنى والحرمة الضمنية ولا يعقل اجتماع حكمين متضادين ولو كانا ضمنيين فى مورد واحد. وعليه لا بد من ارتفاع احد الحكمين عن الكون لكى ترتفع الاستحالة فاذا ارتفع احد الحكمين من الكون يلزم ارتفاعه من تمام الخصوصية اذ لا يعقل ارتفاع الحكم من الجزء وبقاؤه بالنسبة الى الكل فمن ارتفاعه من احد الجزءين يستلزم ارتفاعه من الجزء الآخر نعم لو قام دليل خاص على بقاء الحكم بالنسبة الى الجزء الآخر لكان حكما مستقلا فلا مانع منه وفي الفرض المذكور لم يقم دليل إلا دليل نفس الكل وحينئذ لو انتفى الحكم من جزء يوجب انتفاءه من الكل وعليه لا يبقى الجزء الآخر متعلقا لذلك الحكم.

هذا ويمكن ان يقال بوجود الدليل على بقاء الجزء الآخر على حكمه

وليس ذلك دليل الكل. بيانه ان ما كان من قبيل تزاحم الحكمين كالمقام عند ارتفاع الحكم كما في الجزء المشترك لا ترتفع المصلحة الموجودة بالنسبة الى ما لم يتزاحم فيه الحكمان إذ لا ينافيها ارتفاع احد الحكمين بالنسبة الى ما وقع فيه التزاحم إذ المصلحة فيه لم ترتفع وانما ارتفعت فعليتها ويؤيده الوجدان فانه يقضى بان ارتفاع فعلية المصلحة في الكون من جهة تزاحم الحكمين لا يوجب ارتفاع المصلحة فى الاضافة الخاصة فلا بد من مراعاة تلك المصلحة مثلا لو فرضنا ان مفسدة الحرمة غالبة على مصلحة الوجوب فتزول مصلحة الوجوب ونحكم بالحرمة ولكن لو عصى الفعل له ان يلزمه بحفظ مرتبة الاضافة الخاصة وبعبارة اخرى انه يحصل بعد عصيان ذلك النهي وجوب الزامى ناشئ من الحكم بحفظ خصوصية الصلاة بان يقول لو عصيت حرمة الكون فيجب عليك حفظ المصلحة الملزمة للخصوصية بقدر الامكان. نعم يبقى اشكال كيفية امكان صحة التقرب منه فنقول ان مسألة قصد التقرب مسألة فقهية يلاحظ فيها لسان الدليل فان دل الدليل على اعتبارها فى جميع اجزاء الصلاة لا يمكن ان يتأتى منه قصد التقرب لان المفروض ان في الكون مفسدة اوجبت رفع المصلحة المتحققة فيه فكيف يمكن ان يتقرب مع ارتفاعها وان لم يدل دليل اعتبارها على جميع الاجزاء بل ولو كانت متحققة في جزء من الاجزاء فيمكن ان يتأتى منه قصد التقرب وتصح الصلاة إلّا ان ذلك ليس ملاكا لمسألة جواز الاجتماع وعليه ان مبنى الجواز هو كون الجهتين لا يشتركان في جزء من الموجود لكى يسرى كل من الامر والنهي الى ما تعلق به الآخر ودعوى ان مبنى الجواز هو ان تعدد الجهة يوجب تعدد الموجه وجود الكي يكون التركيب انضماميا محل نظر اذ الفرض على تقدير تحققه فهو خارج عن محل الكلام اذ لا اشكال في جوازه ولا

يبغي لاحد ان يقول بامتناع تعلق الامر بشىء مغاير للمنهي عنه وجودا بدعوى الالتزام باجتماع الضدين اذ ذلك يكون من قبيل المتلازمين وجودا المختلفين في الحكم الذى لا اشكال فى جوازه ويكون من اجتماع الحكمين المختلفين موردا فما ذكره بعض الاعاظم قدس‌سره من ان مبنى الجواز هو كون التركيب انضماميا لكون المجمع حينئذ مركبا من حقيقة العنوانين ويكون مجمعا للمقولتين كان باحدهما متعلقا للامر وبالآخر متعلقا للنهي فلا يسرى احدهما الى الآخر في غير محله اذ مع هذا الفرض بان يكون كل عنوان له ما بازائه وجود خاص فيكون من قبيل المقولتين المتجاورتين باحدهما يتعلق الامر وبالآخر النهي مما ينبغي القطع بخروجه عن محل النزاع اذ لا يرتاب احد بعدم سراية كل من الامر والنهي الى متعلق الآخر وانما الذى يصلح ان يكون محلا للنزاع هو ان يكون وجود واحد له جهتان من دون فرق بين كونهما اعتباريين او احدهما اعتباريا والآخر مقوليا لكى يمكن ان يقع النزاع في سراية الحكم من احدهما الى متعلق الآخر فان قلنا ان تعدد الجهة يوجب تعدد الموجه بنحو لا يسرى الامر من احدهما الى الآخر فيجوز الاجتماع وان قلنا بان تعدد الجهة يوجب تعدد الموجه بنحو يسرى الامر من احدهما الى متعلق الآخر فلا يجوز الاجتماع من دون فرق بين كون الجهتين تعليليتين او تقيديتين فدعوى ان الامتناع مبنى على كون الجهتين تعليلتين والجواز على كونهما تقييديتين في غير محلها اذ الجهتان ان اشتركا فى جزء من المتعلق فيوجب تعلق كل منهما بما اشتركا به فيلزم القول بالامتناع وان لم يشتركا بل كان كل جهة يكشف عن حد خاص من الموجود الخارجى فيلزم القول بالجواز من غير فرق بين كون الجهتين تعليلتين او تقييديين.

ودعوى كون الجهتين تقييديتين مما يوجب جعل الوجود تركيبا انضماميا بنحو يكون من قبيل انضمام مقولتين فالظاهر ان ذلك مما لا ينبغي ان يجعل محلا للكلام اذ لا اشكال فى جوازه لاختلاف متعلق الامر والنهي بحسب الوجود ولذا ان الاستاذ قدس‌سره فى الكفاية وفاقا للمشهور جعل العنوان هو ما ذكرناه من ان تعدد الجهة يوجب تعدد الموجه من دون التقييد بكون الجهة تقييدية او تعليلية ولم يبن الجواز على كون الجهة تقييدية فعمدة نظر القائل بالجواز هو عدم السراية اي سراية كل من الامر والنهي الى متعلق الآخر لتعدد الجهة بنحو يكون تعدد الجهة يوجب تكثر جهات الوجود من غير فرق بين القول بسراية الحكم من الطبيعة الى فرده وعدمه غاية الامر بالنسبة الى القول بعدم السراية لا يحتاج الى تعدد الجهات الموجبة لتكثر جهات الوجود بل يكتفى بالتعدد ولو بالاطلاق والتقييد فكم فرق بين القول بالسراية وبين عدمها بناء على الجواز اذ على السراية يلتزم القائل بالجواز بكون المجمع داخلا تحت عنوانين مختلفين بنحو يكون كل عنوان ينتزع من مرتبة خاصة من الوجود غير المرتبة التى انتزع منها العنوان الآخر فلا ينتزعان من خصوص جهة خاصة والقائل بالامتناع يرده ويدعى عدم انطباق كل عنوان على مرتبة خاصة فيقع النزاع بين الفريقين في التطبيق وان الموجود الخارجي غير صالح لان ينتزع منه لكل حد وجهة عنوان على الامتناع والقائل بالجواز يدعى صلاحية الموجود الخارجي لذلك فلذا لا يسرى الحكم من احدهما الى ما تعلق به الآخر واما بناء على عدم السراية فالقائل بالجواز في سعة من ذلك فيمكن له القول بالجواز ولو لم يكن لمتعلق الامر والنهي اختلاف بالعنوان الموجب لتكثر جهات الوجود بل يجري حتى فيما اذا كان بين العنوانين اتحاد عنوانا ولكنهما يختلفان بالكلية

والجزئية وبالجملة فليس القائل بالجواز يلزمه القول بعدم سراية الامر أو النهي من الكلي الى الفرد بل يمكن له القول بذلك على كلا القولين كما ان القول بالامتناع لا يبتني على القول بالسراية وان كان جهة النزاع تختلف باعتبار القول بالسراية وعدمها فعلى السراية يكون النزاع في التطبيق على ما في الخارج وان ما في الخارج فيه جهات متكثرة وموجه بوجهين مختلفين باحدهما تعلق الامر والآخر تعلق به النهي فمرجعه الى النزاع في الصغرى مع تسليم اصل الكبرى بان ما كان موجها بعنوانين وكان متكثر الوجود بحسب الجهة بنحو ينتزع من كل جهة من جهاته بالخصوص عنوان غير ما ينتزع من الجهة الاخرى فلم يشتركا في انتزاعهما من جهة واحدة فلم يقع النزاع في ذلك وانما النزاع حينئذ فى ان ما في الخارج هو من اي النحوين فالقائل بالجواز يدعي اشتمال المجمع على حيثيتين يكون بحيثية وبحد ينتزع عنوان قد تعلق به الامر وبحيثية اخرى انتزع عنوان يتعلق به النهي والامر وان سرى من العنوان الكلي الى المجمع إلّا انه لا يسري الى ما تعلق به النهي من الجهة الاخرى وينكر القائل بالامتناع ذلك بالنسبة الى الموجود الخارجي الذي هو الصلاة في الدار المغصوبة مثلا واما على عدم السراية فالنزاع بين الفريقين فى اصل الكبرى مع عدم المخالفة فى الصغرى.

اذا عرفت عنوان البحث فقد وقع الخلاف بين قائل بالامتناع وقائل بالجواز (١) قال الاستاذ قدس‌سره بالاول واستدل عليه بامور : الاول انه لا

__________________

(١) قال بعض السادة الاجلة قدس‌سره فى بحثه الشريف ان العمدة فى هذا المقام هو ان اجتماع الامر والنهي من قبيل اجتماع الضدين واجتماع الضدين محال ولكن الكبرى لما كانت من المسلمات الضرورية فلذا ينبغى تحقيق حال الصغرى

اشكال في التضاد الواقع بين الاحكام التكليفية الثاني ان المتعلق في الاوامر والنواهي هي نفس المعنونات بتوسط العناوين ولا يتعلق بالعناوين التى ليس لها

__________________

وهى موقوفة على امرين : الاول ان الامر والنهى اعنى الوجوب والحرمة من قبيل المتضادين ، الثاني المحل واحد لا تعدد فيه وتعدد الجهة غير كاف وقد اشار الى الاول بقوله (احدها انه لا ريب فى ان الاحكام الخمسة متضادة فى مقام فعليتها وبلوغها الى مرتبة البعث والزجر ... الخ مما يرجع الى ناحية الصغرى وأشار الى الثاني ببقية الامور والأنسب أن يراد من قوله في مقام فعليتها فى هذا المقام من الحكم الانشائي والحكم الفعلي غير ما هو مذكور فى مراتب الحكم لأن المراد بالحكم الانشائي المذكور في مراتب الحكم هو الحكم الانشائي الذي لم يبلغ مرتبة البعث والزجر وبالفعلي ما بلغ تلك المرتبة وظاهر ان ذلك لا ربط له فى المقام فالأولى في هذا المقام ان يراد من الحكم الشأني ما كان واردا على نفس الموضوع من غير نظر الى الجهات الأخر المعارضة لذلك الحكم مثل ان تقول الغنم حلال من غير نظر الى حيث كونها مغصوبة أو ميتة أو غير ذلك مما يوجب حرمتها وبالحكم الفعلي ما كان واردا على الموضوع مع النظر الى الجميع حيث يحكم بحلية الغنم مع ملاحظة جميع الجهات من كونها مغصوبة أو ميتة فالاحكام إنما تكون بينها المضادة إذا كانت فعلية بهذا المعنى لا فيما إذا كانت شأنية كذلك مثلا يحكم على الغنم بالحلية من حيث انها غنم من دون نظر الى كونها مغصوبة فلا ينافي ذلك الحكم عليها من حيث كونها مغصوبة بالحرمة. وعليه فالقائل بالجواز يقول ان الصلاة بجميع شئونها وحيثياتها واجبة سواء كانت فى مكان مغصوب أو غيره وان الغصب بجميع شئونه وجهاته حرام سواء كان فى ضمن الصلاة أو غيرها وحينئذ يجتمع الحكمان الفعليان فى الصلاة فى المكان المغصوب والقائل

ما بازاء في الخارج ويكون من خارج المحمول كالملكية والزوجية والرقية والحرية والمغصوبية الى غير ذلك لوضوح ان البعث والزجر لا يكون عنها وانما تجعل آلة

__________________

بالامتناع يقول ان الصلاة من حيث انها صلاة من غير نظر الى عوارضها وحيثياتها واجبة والغصب من حيث انه غصب من غير نظر الى عوارضه وحيثياته انه حرام ففى الصلاة فى الدار المغصوبة يجتمع المقتضي لكلا الحكمين أعني حيثية الصلاة وحيثية الغصب فأيها يكون الغالب هو الفعلي وقد يكون الفعلي غير هذين الحكمين إذا لم يكن مرجح فى البين وحينئذ فلم يجتمع الحكمان الفعليان بل يكون أحدهما فعليا والآخر شأنيا أو كلاهما شأنيين والحق هو جواز اجتماع الأمر والنهي لأن الفعل الخارجي لم يكن متعلقا للأمر والنهي إذ لو كان ذلك متعلقا لهما لكان من طلب الحاصل ويستحيل تحصيل الحاصل فلا بد وأن يكون المتعلق للأمر والنهي هو الطبيعة أي الماهية الملحوظة مرآة للخارج من دون سراية ذلك الى نفس ما فى الخارج من أفراد تلك الطبيعة وحيث انها تلحظ مرآة لا يوجب سراية الحكم منها الى تلك الأفراد وعليه يكون متعلق الأمر هو الطبيعة فى ظرف العدم وكذا متعلق النهي وحينئذ لم يجتمع الحكمان لعدم اتحاد متعلقيهما وأما ما يقع في الخارج إطاعة للأمر وعصيانا للنهي باعتبار مطابقيته لما يتعلق به الأمر ولما تعلق به النهي فالخارج ليس إلا ظرف الاطاعة والعصيان ولا يكون ظرف التعلق وإنما ظرفه الذهن ففي ظرف التعلق الذي هو الذهن لم يجتمع الحكمان وفى ظرف الخارج لا أمر ولا نهي فما ذكر من ان جواز الاجتماع يوجب التكليف المحال لا التكليف بالمحال وان كان واضحا إلا انه لم يكن هناك اجتماع حتى يشكل عليه باستلزامه لذلك المحال وحينئذ فليس فى نفس الشارع إرادة وكراهة بالنسبة الى شيء واحد.

أقول ان تعلق الاوامر والنواهي بالصور الذهنية ليس باعتبار وجوداتها

للحاظ متعلقاتها.

الثالث ان تعدد الوجه لا يوجب تعدد الموجه كما هو كذلك بالنسبة الى

__________________

الذهنية بل بما انها تحكى عما فى الخارج لقيام المصالح والمفاسد بالموجودات الخارجية فهي مرادة ومطلوبة بالعرض بواسطة حكاية تلك الصور الذهنية عنها فبعد الاعتبار يسري الأمر والنهي الى المجمع فيكون من قبيل الجمع بين الضدين لأن النفس تجعل تلك الصور الذهنية وسيلة لارادة تلك الوجودات الخارجية بنحو يسري اليها الطلب قبل تحققها فى الخارج لكي لا يقال بأن الخارج ظرف السقوط لا الثبوت ومما ذكرنا من سراية الوجوب والنهي الى ما فى الخارج بواسطة تلك الصور الذهنية يظهر ان اجتماع الأمر والنهي يكون آمريا لا مأموريا فقط بدعوى ان الجوار مبني على ان الاجتماع مأموري لا آمري بتقريب ان الآمر في مقام الجعل أورد أمره على الطبيعة والنهي على طبيعة اخرى لا ربط لأحدهما بالاخرى وإنما المأمور فيما إذا كان له مندوحة طبق الاثنين بسوء الاختيار على الواحد الذي هو مجمع العنوانين ممنوعة لأن هذا يرجع الى ما تقدم وقد عرفت الجواب عنه. كما ان دعوى الجواز مبني على ان تعلق الأحكام على المفاهيم ليست باعتبار نتيجة الحمل أي رتبة اتحادها مع المصاديق وإنما تعلقها بالمفاهيم باعتبار رتبة الحمل فانها رتبة للتغاير وبهذا الاعتبار يصح الحمل لما هو معلوم ان الحمل يحتاج الى مغايرة واثنينية في غير محلها لما عرفت ان تلك المفاهيم المتصورة ليست معتبرة بما انها موجودات في الذهن بل اعتبرت بما انها حاكيات عن الخارج فعليه يسري كل من الأمر والنهي الى ما فى الخارج فيلزم أن يكون فى المجمع اجتماع الضدين ومنه يظهر بطلان دعوى الجواز بناء على ان متعلق الأحكام هي الماهيات بلحاظ عدم تحصلها فانها في هذه المرتبة مثار الكثرة ففي هذا الظرف أي ظرف الخطاب

المفاهيم والعناوين المنطبقة عليه تعالى فانه بسيط من جميع الجهات تصدق عليه مفاهيم عديدة تحكي عن تلك الذات البسيطة. الرابع ان الموجود الواحد لا يكون له الا ماهية واحدة وبعد ذكر هذه المقدمات قال ما لفظه فالمجمع وان تصادقا عليه متعلقا الامر والنهي إلّا انه كما يكون واحدا وجودا يكون واحدا ماهية وذاتا وحاصله انه على القول بالجواز يلزم اجتماع الحكمين المتضادين في المجمع مع ان تعدد الجهة فيه لا يوجب تعدده وذلك محال وما يستلزم المحال محال ولكنك قد عرفت ان مبنى القولين ليس على القول بالسراية وعدمها فان قلنا بسراية الامر والنهي من الكلي الى الفرد قلنا بالامتناع وإلّا فبالجواز لما عرفت من انه لو قلنا بالسراية يمكن القول بالجواز بدعوى ان تعدد الجهات يوجب تكثرا في ناحية الوجود بالالتزام بانتزاع عنوان من حد خاص والآخر من حد آخر على انه يظهر من

__________________

وتعلق الأحكام لم يجتمع الحكمان ولكن لا يخفى ان ذلك يتم لو اخذت الماهيات موجودة في الذهن من دون اعتبار حكايتها لما فى الخارج ولكن قد عرفت بطلانه إذ بهذا الاعتبار لا ينطبق على ما فى الخارج فلا يمكن الامتثال وان اخذت بنحو حكايتها عما فى الخارج سرى كل من الأمر والنهي الى ما فى الخارج فيكون فى المجمع قد اجتمع فيه الأمر والنهي فيلزم ذلك المحذور ولا رافع له إلا بما ذكره بعض الأساطين من التركيب الانضمامي بأن يكون المجمع قد اجتمع فيه مقولتان أحدهما صارت متعلقة للأمر والاخرى للنهي ولكن لا يخفى ان مثل ذلك خارج عن محل النزاع إذ يكونان من قبيل المقولتين المتجاورتين الذي لا إشكال عند القوم من جواز تعلق الأمر بأحدهما والنهي بالآخر فافهم وتأمل.

المقدمة الثانية عدا المغصوبية من الامور الاعتبارية التى هي من الخارج المحمول كالملكية والزوجية مع الفرق الواضح بين الامور الاعتبارية كالملكية والزوجية وبين المغصوبية فان الملكية والزوجية يناطان بالجعل وبعد الجعل ليس لهما وجود إلا في الذهن فاذا توجه طلب للملكية فلا بد من صرفه الى ما يوجد في الخارج لأن الأمر الاعتباري لما لم يكن بازائه شيء فى الخارج لا يعقل تعلق الحكم به. أما تعلق الطلب بالملكية فان اريد بطلب الملكية طلب تحصيلها فيكون المراد طلب جعلها وان اريد من طلب الملكية طلب إبقائها كان المراد إيجاد المملوك المجعول ملكيته. وبالجملة ان الملكية والزوجية بعد الجعل ليس لهما وجود فى الخارج ويؤيد ذلك ان الملكية والزوجية موقوفان على لحاظهما فلو لم يكن هناك لاحظ لم يوجدا ، وأما فى المغصوبية فهي خلاف ذلك فانها منتزعة من نسبة المكان الى ما يكره مالكه من الكون فيه والكراهة والرضا لا إشكال انهما من الامور الواقعية وكان لهما حظ من الوجود الخارجي ولا يتوقف تحقق هذه النسبة على لاحظ ومعتبر بل لو لم يكن هناك لاحظ كانت تلك النسبة متحققة كالتحتية فانها منتزعة من كون أحد الشيئين اخفض من الآخر فاذا كان أحد الشيئين اخفض من الآخر كما تنتزع التحتية تنتزع الفوقية ولو لم يكن في العالم لاحظ والحاصل لا وجه لقياس المغصوبية على الملكية والزوجية مع كمال الفرق بينهما.

فتحقق مما ذكرنا انه يمكن القول بالجواز فيما كانت الجهة مختلفة اما بتمام المنشأ كالاختلاف بين الجنس والفصل وأما فى بعض المنشأ والاشتراك في البعض الآخر كالمشتقات على القول باعتبار الذات في مفهومها ونظير المشتقات ما ذكرناه بالنسبة الى الغصب والصلاة بناء على ما اخترنا من كونهما يشتركان فى نفس الكون.

فان قلت ان الجنس والفصل بحسب الوجود متحدان وذلك ينافي القول بالجواز (قلت) نعم ينافي تعلق الأمر والارادة الفعلية مع كونه منهيا عنه ولكن لا ينافى تعلق المحبوبية مع المبغوضية بالشيء الواحد باعتبارين بل يمكن القول بتعلق الأمر به بنحو ما ذكرنا بالترتب كأن يقول لا توجد الجنس فى أي نوع كان ثم يقول ان عصيت ذلك وخالفت ما نهيتك فآمرك ان توجد الجنس في النوع الانساني المميز عن غيره بالناطقية.

وكيف كان فالحق هو التفصيل بين ما إذا كانت الجهتان تشتركان في جزء كما في الصلاة والغصب فانهما يشتركان فى نفس الحركة في الدار الغصبية فما يكون غصبا هو جزء للصلاة (١) فنقول بالامتناع إذ حينئذ لا إشكال في

__________________

(١) بناء على ان الحركة فى الايوان المغصوبة فى الدار الغصبية كما انها غصب كذلك يكون جزأ للصلاة ولكنه خلاف التحقيق فان الحركة فى كل مقولة هي عين تلك المقولة إذ هي ليست بمقولة مستقلة وإنما هي عبارة عن تجدد المقولة فالحركة فى الابن اين فاذا فرض ان الغصب من مقولة الابن فتكون الحركة فى الابن غصبا وليست مرادا للصلاة لأنها من مقولة الوضع فلا يعقل اتحاد مقولة الوضع مع مقولة الابن مضافا الى ان الحركة الخاصة ليست من المقولة إلا انها توجد مقولتين متباينتين باحدهما تعلق الأمر وبالاخرى تعلق النهي لكي يكون التركيب انضماميا ولذا ادعى بعض الأساطين بأن القول بالجواز مبني على كون التركيب انضماميا ولكن لا يخفى انه مع عدم تحقق الاتحاد بينهما يكونان من قبيل مقولتين متجاورتين موجودتين بوجودين فمثل ذلك خارج عن محل النزاع إذ لا إشكال فى جوازه وان فرض بينهما اتحاد كما ادعاه «قدس‌سره» بأن يكون أحدهما من مشخصات الاخرى وبذلك يكون وحدة بينهما بنحو يكون

سراية كل من الأمر والنهي الى ما به الاشتراك حتى تكون نفس الحركة متعلقا

__________________

مركبا واحدا فهو وان أمكن دخوله في محل النزاع إلا أن فرضه غير معقول مع كون الصلاة من مقولة والغصب من مقولة اخرى إذ لا يعقل ان يكون أحد المقولتين من مشخصات الاخرى فلذا الحق هو امتناع اجتماع الأمر والنهي بناء على ما هو الحق من ان متعلق التكليف هي الوجودات الذهنية بما انها حاكية عما في الخارج ويسري الأمر أو النهي بواسطة تلك الصور الذهنية الى ما في الخارج مثلا الحركة الحاصلة في دار الغير أو أرضه بغير رضى المالك مصداق حقيقي لما هو المحرم كما ان الصلاة ليست إلا هذه الحركات الحاصلة في ذلك المكان أو تكون محصلات لأوضاع الصلاة فيجتمع الوجوب والحرمة. غاية الأمر بالنسبة إلى الأول الوجوب النفسي مع الحرمة النفسية يجتمعان وفي الثاني الوجوب المقدمي والحرمة النفسية يجتمعان والحاصل ان الوجود الخارجي ان كان من قبيل المقولتين المتجاورتين فلا اشكال في جواز اجتماع الأمر والنهي بأن يتعلق الأمر بمقولة والنهي بمقولة إلا ان مثل ذلك خارج عن محل النزاع وان لم يكن كذلك وقلنا بتعلق الأوامر والنواهي بالوجودات الذهنية بما انها ترى خارجية فلا محيص من القول بالامتناع لكونه واحدا وجودا وان كان متعددا مفهوما إذ تعدده لا يوجب تعددا في الوجود فلا محالة يكون من قبيل اجتماع الضدين على ان الغصب والصلاة ليسا من قبيل مقولتين وانما هما من الامور الاعتبارية فان الغصب مما اعتبره العقلاء فقد اعتبروا التصرف بدون رضى المالك واذنه غصبا وعلى هذا النحو أمضاه الشارع كما ان الشارع اعتبر الأوضاع الخاصة والاذكار صلاة.

وعليه يكون التركيب اتحاديا لانطباقهما على شيء واحد ودعوى انهما من قبيل مبادئ المشتقات لكي يكون التركيب انضماميا وليسا من قبيل المشتقات لكي

للحب والكراهة فهو مستلزم للمحال وما يستلزمه يكون محالا وبين ما يكون المجمع وجودا واحدا إلا ان الجهتين لا يشتركان فى شيء واحد بل يكون كل جهة تكشف عن حد من حدود ذلك الوجود كما يتصور ذلك في الجوهر الذي يكون بطرفه محبوبا وبطرفه الآخر مبغوضا فلا مانع من القول بالجواز إذ من الممكن قابلية الوجود الواحد للتقسيم الى جهتين كل جهة منشأ لترتب اثر بل ربما يقال ان الفرد الشخصي وان لم يكن له عناوين متعددة ولكن لما كان منحلا الى طبيعة وخصوصية فربما كانت الطبيعة مشتملة على مصلحة فتكون محبوبه والخصوصية مشتملة على مفسدة فتكون مبغوضة ولا مانع من اجتماع المحبوبية والمبغوضية فى شيء واحد وكان موجها بجهتين فبجهة محبوب وبجهة مبغوض ولا مزاحمة بين المفسدة والمصلحة في عالم المحبوبية والمبغوضية قبل بلوغهما الى مرتبة الفعلية ومع بلوغهما الى تلك المرتبة تحصل المضادة بينهما فى عالم التأثير والايجاد فيكون التأثير لما هو الأقوى

__________________

يكون التركيب اتحاديا ، انما تتم بناء على دخول الذات في حقيقة المشتق لكي ينطبق عنوان المشتق على الذات المأخوذة فى مفهومه فيكون التركيب اتحاديا. واما بناء على ما هو الحق من عدم دخول الذات في مفهوم المشتق وان الفرق بين المبدأ والمشتق بصرف الاعتبار فالمشتق يعتبر لا بشرط والمبدأ بشرط لا فلا فرق بينهما في المفهوم ولا تترتب الثمرة التي ذكرت بانه ان جعل المقام من قبيل المشتقات فالتركيب اتحادي لصدق عناوين المشتقات على الذات وان جعل من قبيل المبادئ فالتركيب انضمامي لعدم صدق المبادئ على تلك الذات لما عرفت من ان الفرق بينهما بالاعتبار فلحاظ المفهوم باللحاظين لا يوجب التغيير بحسب ذات الملحوظ في الخارج تغييرا جوهريا كما لا يخفى.

فان كانت جهة المفسدة هي الأقوى فتكون هي المؤثرة وحينئذ تكون جميع افرادها مبغوضة لما عرفت ان النهي سار فى تمام الأفراد ولا يكون من اجتماع الأمر والنهي وان كانت الجهتان متساويتين فينتهي الأمر الى التخيير بينهما فلا يكون ايضا من باب اجتماع الأمر والنهي لأنه لا يكون فى البين امر ولا نهي واما اذا كانت جهة المصلحة اقوى فتسقط جهة المفسدة من التأثير ويكون التأثير فقط للطبيعة وقد عرفت ان مطلوبية الطبيعة لا بشرط وبالنسبة الى افرادها يكون الطلب تخييريا فيكون تركها مبغوضا بترك جميع الأفراد وليس مبغوضا مع ايجاد بعض الأفراد فمع انحصار الطبيعة بفرد يكون تركها مبغوضا بترك ذلك الفرد واما مع عدم الانحصار فترك ذلك الفرد ليس بمبغوض لعدم تركه إلا للخصوصية لا لأصل الطبيعة فعليه تكون الخصوصية وجودها وعدمها سواء فتكون مباحة مع ان الطبيعة واجب فيجتمع الوجوب والاباحة في واحد شخصي فباعتبار طبيعته واجبة وباعتبار خصوصيته مباح فاذا صح ذلك واجتمع الوجوب والاباحة فى شيء واحد فليجتمع الوجوب والحرمة في شيء واحد شخصي باعتبارين لاشتراكهما فى كون الأحكام متضادة لأن الخصوصية ولو كانت فيها جهة مفسدة إلا ان جانب المصلحة غالبة عليها فتنعزل تلك الخصوصية عن التأثير والتنجز لغلبة تلك المصلحة ولكن لا تزول جهة المبغوضية عنها هذا لو لم نقل بالترتب.

واما لو قلنا بالترتب فلازمه جواز الاجتماع ولو كان النهي منجزا وتقريب تنجزه ان يقال انك قد عرفت ان تعلق الأمر بالطبيعة معناه ايجاد الطبيعة في أي فرد كان مخيرا بين كون الخصوصية ذات مفسدة او لم تكن ، واما تعلق النهي فقد عرفت فى مسألة تعلق الأوامر والنواهي بالطبائع ان تعلقه بنحو السراية بمعنى

ان المطلوب ترك جميع افراد المنهي عنه فتكون الخصوصية التي فيها مفسدة بالنسبة الى الطبيعة المأمور بها نسبة المضيق المهم الى الموسع الأهم لأن الطبيعة لم تكن مأمورا بها مطلقا بل تكون مأمورا بها في الجملة اي فى اي فرد كانت فيجزى الاتيان بغير المجمع بخلاف الطبيعة المنهى عنها فانما يحصل الامتثال بها بترك جميع افرادها حتى فرد المجمع فيكون المأمور به موسعا والمنهي عنه مضيقا وقد عرفت في المباحث المتقدمة ترجيح المضيق ولو كان مهما على الموسع ولو كان أهم فلو توجه الى الطبيعة امر فلا بد من صرفه الى غير المجمع فيكون المجمع خارجا عن دائرة الأمر إلا ان يكون تاركا بقية الأفراد فيمكن تعلق الأمر على نحو الأمر الترتبي.

وبالجملة انا لو قلنا بالترتب فيجتمع الأمر والنهي ولو كانا فعليين واما لو قلنا بعدم الترتب فيمنع من اجتماع الامر والنهي الفعليين ولكن لا مانع من الالتزام باجتماع المبغوضية والمحبوبية في شيء واحد شخصي باعتبارين ومما ذكرنا يظهر ان تعلق النواهي بالعبادات يبقى على ظاهره من دلالته على الحزازة والمنقصة.

بيان ذلك هو ان العبادة تارة يكون لها بدل واخرى لا بدل لها فما كان لها بدل فيكون الترك المبغوض هو ترك الطبيعة رأسا واما تركها الذي لا يستتبع تركها رأسا فليس بمبغوض بل ربما يكون راجحا ففي هذه الصورة تكون الطبيعة واجبة والمكروه هي الخصوصية. واما فيما لا بدل له فنقول ترك الطبيعة مرجوح وترك الخصوصية راجح مثلا ان الصوم فى نفسه راجح ولكن ايقاعه فى يوم عاشوراء مثلا مرجوح فيكون النهي راجعا إلى خصوصية الاضافة وحينئذ ترك الصوم مرجوح وترك الخصوصية راجح ويمكن ان يجعل هذا الوجه لما له بدل كما

لا يخفى. ومن جميع ما ذكرنا يظهر لك وجه المختار وحاصله انه يجوز اجتماع المحبوبية والمبغوضية في الشيء الواحد باعتبارين او بما له من الحدين واستحالة الجمع بين البعث والزجر في الشيء الواحد على القول بالسراية. واما على القول بعدمها فلا مانع من اجتماعهما وقد عرفت وجه ذلك.

وملخصه انه لا يخلو اما ان يكونا متخالفين بتمام المنشأ او لا فان كانا متخالفين بتمام المنشأ فلا اشكال فى جواز اجتماع الأمر والنهي سواء كانا فعليين ام لا. واما اذا لم يكونا متخالفين بتمام المنشأ فلا يخلو اما ان يتحدا بحسب المنشأ فلا اشكال في عدم جواز اجتماع الأمر والنهي من غير فرق بين كونهما فعليين ام لا واما لو كانا متفقين في بعض المنشأ ومختلفين في البعض الآخر كما هو شأن الغصب والصلاة بناء على ما هو المختار من اتحادهما فى الكون واختلافهما بالاضافة فقد عرفت جواز اجتماع الأمر والنهي في الجهة التي اختلفا فيها من غير فرق بين ان يكون بين العنوانين عموم وخصوص من وجه كصل ولا تغصب او بينهما عموم وخصوص من مطلق كصل ولا تغصب فى هذه الصلاة. واما بناء على غير المختار من ان بين الغصب والصلاة اختلافا بتمام المنشأ بأن يكون كل واحد من مقولة مستقلة فلا اشكال فى جواز اجتماع الأمر والنهي في مقام المحبوبية والمبغوضية وفي مقام فعلية الأمر والنهي بخلاف المبنى الأول فانه يجوز اجتماعهما في مقام المحبوبية والمبغوضية.

واما ما يظهر من عبارة الاستاذ قدس‌سره في الكفاية من جعل المغصوبية من قبيل الملكية وجعلها من الامور التي ليس بازائها شيء فى الخارج فتكون من الامور الاعتبارية المحضة فلا يجوز اجتماع الأمر والنهي في مرتبة الفعلية ومرتبة

المحبوبية والمبغوضية لأن ما يكون له حظ في الاتصاف بالمحبوبية والمبغوضية لا يكون من الامور الاعتبارية وانما يكون المتصف بهما مما له حظ فى الخارج لأنه هو الذي تقوم به المصلحة والمفسدة ، والاختلاف بالأمر الاعتباري لا يوجب اختلافا في ناحية الخارج ولا يغيره بل هو باق على ما فيه من المصلحة أو المفسدة.

اذا عرفت ذلك فاعلم ان ما في الخارج ليس إلا الكون والمفروض انه شيء واحد وحينئذ يمتنع اتصافه بالضدين وما في الاعتبار وان كان مختلفا إلا انه لا يتصف بالمحبوبية والمبغوضية ولا يخفى انه بعد تسليم المبنى فلا اشكال من القول بعدم جواز الاجتماع في مرتبة الفعلية ومرتبة المحبوبية والمبغوضية ولكنك عرفت عدم صحة المبنى إذ فرق بين الملكية والغصبية فان انتزاع الملكية بعد الجعل يتوقف على اللحاظ والغصبية تنتزع من عدم رضى المالك ولا يتوقف انتزاعها على لاحظ كالفوقية. هذا كله لو كان مناط الخلاف في اجتماع الأمر والنهي هو ان تعدد الجهة يوجب تعدد الموجه كما لا يبعد ان يكون خلافهم مبنيا على ذلك واما لو كان خلافهم مبنيا على السراية وعدمها فقد عرفت ان الجواز لما كان مبنيا على عدم السراية فلازمه ان يقول القائل به مطلقا أي من غير فرق بين ان يكون متعلق الأمر والنهي متعددا او متحدا كمثل اكرم العلماء ولا تكرم الفساق في العموم والخصوص من وجه او مثل اكرم العلماء ولا تكرم العالم الفاسق في العموم من مطلق كما انه على القول بعدم السراية الذي هو مبنى للقول بالجواز يلزم ان نقول بجواز الاجتماع فى مرتبة البعث والزجر فضلا عن الاجتماع في مرتبة المحبوبية والمبغوضية بل ربما يقال بانه على السراية يمكن القول بالجواز بالنسبة الى مرتبة المحبوبية والمبغوضية مع عدم بلوغهما الى مرتبة البعث والزجر فالعالم الفاسق اكرامه

محبوب لعلمه ومبغوض لفسقه واما فى العبادات فان قلنا باعتبار قصد القربة ولو فى جهة في ذلك الوجود فتصح تلك العبادة لما فيها من جهة المحبوبية وان اعتبرناها فى تمام جهات ذلك الوجود بطلت العبادة والظاهر اعتبارها على النحو الثاني فلا ثمرة فى العباديات واما في التوصليات فيمكن تصور الثمرة من جهة عدم اعتبار قصد التقرب فيها ولكن الانصاف ان ذلك انما يكون فيما لو كانت المصلحة غالبة واما لو كانت المصلحة مغلوبة فتكون من قبيل المضيق مع الموسع ولا اشكال في وجوب مراعاة المضيق الذي كان هو النهي فانه يقدم على امتثال الموسع الذي فرض انه هو الأمر كما انه ربما يقال بانه على السراية يمكن القول بالجواز بدعوى ان الصلاة من مقولة الفعل او الوضع والغصب من مقولة الاضافة باعتبار ان الغصب عبارة عن اشغال مال الغير او الاستيلاء عليه ولو بوضع اليد عليه كما تدل عليه تعاريفهم فى باب الغصب فلا يسري الحكم من احدهما الى الآخر لكون كل واحد منهما من مقولة والى ذلك يرجع ان الجواز مبني على كون الجهتين تقييديتين ولكن لا يخفى ان ذلك مبني على ان يكون احد المقولتين كالاضافة مثلا من مشخصات المقولة الاخرى لكي يكون المجمع متحدا وجودا وإلا لو كان المجمع المشتمل على المقولتين له تعدد فى الوجود فقد عرفت انه خارج عن محل الكلام والالتزام بما ذكر يوجب سراية الحكم من أحدهما الى الآخر لما عرفت من الاتحاد في الوجود على انه لو قلنا بان الغصب هو الاشغال تكون الصلاة فى الكون الغصبي مما به الاشغال اي تكون مقدمة لتحقق الاشغال ولا اشكال فى ان مثل ذلك مما تسري الحرمة اليه لكونه بمنزلة العلة التامة وقد عرفت في بحث المقدمة ان الحرمة تسري الى ما يكون من قبيل العلة لذيها فحينئذ يجتمع الوجوب النفسي مع الحرمة

الغيرية على انه لو قلنا بان ماهية الغصب موجودة بوجود خاص غير وجود الصلاة لكي يكون من التركيب الانضمامي إلا ان الحرمة ليست منحصرة بماهية الغصب بل نفس التصرف في مال الغير بغير إذن مالكه من المحرم ومن الواضح ان نفس حركات الصلاة بذلك المكان ينطبق عليه عنوان التصرف فاذا انطبق عليه عنوان المحرم تكون تلك الحركات محرمة فيكون التركيب حينئذ اتحاديا لاتحاد مثل هذا العنوان المحرم على تلك الحركات الواجبة فيجتمع في نفس الحركات الوجوب والحرمة فيكون من قبيل اجتماع الضدين فلذا يلزم القول بالامتناع مضافا الى ان تلك الحركات الصلاتية تعد من المنافع فتكون حركة الصلاة من القيام والقعود في المكان الغصبي استيفاء لمنفعته وهذا الاستيفاء من دون إذن من المالك بنفسه حرام فعليه تكون تلك الحركات بنفسها حراما مع انها متصفة بالوجوب فيعود ذلك المحذور ولأجل ما ذكرنا من كون تلك الحركات مصداقا للحرام ومنطبقا عليه الحرام فتكون من مصاديق العنوانين فلا محيص من سراية الحكم من احد العنوانين الى الآخر فيكون المجمع لهما قد اجتمع فيه الحكمان المتضادان ومن هذه الجهة تكون الجهتان تعليليتين لكونهما خارجتين عن موضوع الحكم ويكون تمام الموضوع نفس الجهة المشتركة ان قلت ان الجهات الزائدة عن الجهة المشتركة اذا اخذت في لسان الدليل لا بد وان تؤخذ بنحو الجهة التقييدية لا التعليلية قلنا ان ذلك مسلم ولكن لما كانت هناك جهة اشتراك توجب سراية الحكم من احد العنوانين الى الآخر لزم عدم مدخلية تلك الجهة فلذا قلنا بأنها تعليلية في قبال من يدعي بانها هي الفارقة بين العنوانين بتمام الحيثية كما هو قول من يقول بانها تقييدية وكيف كان فجعل الجواز مبنيا على كون الجهتين تقييديتين

والامتناع على كون الجهتين تعليليتين ليس كما ينبغي اذ لنا ان نقول بكون الجهتين تقييديتين باعتبار اخذهما في لسان الدليل إلّا انهما لهما جهة اشتراك في جهة ضمنية بنحو يسرى الحكم من احد العنوانين الى ما ينطبق عليه الآخر من الجهة المشتركة الضمنية فلذا ينبغي ان يجعل عنوان النزاع في ان تلك الجهتين هل فيهما جهة مشتركة ضمنية بنحو يسري الحكم من احدهما الى الآخر ام لم يكن بينهما جهة مشتركة ضمنية من غير فرق بين كون الجهتين تقييديتين او تعليليتين اذا عرفت عنوان المسألة فاعلم ان كل عنوان من العنوانين تارة يؤخذ من مرتبة من الوجود بنحو يكون مميزا عن الآخر بتمام الحقيقة واخرى يؤخذ من مرتبة من الوجود بنحو يشترك مع الآخر بجهة من الجهات فان قلنا بالأول يمكن القول بالجواز وان قلنا بسراية الحكم من الطبيعة الى الفرد اذ على ذلك التقدير المجمع قد اجتمع فيه كل فرد من العنوانين في ضمن حيثية مخصوصة وسراية الحكم من الطبيعة الى الفرد الى ما بازائه من الحيثية الخارجية بلا سراية الى غيره وكونهما واحدا وجودا لا يمنع عن الجمع بين المتضادين فى الحيثيتين المحفوظتين فلا يلزم اجتماع الضدين في شىء واحد وان قلنا بالثاني فاشتراكهما فى تلك الجهة الضمنية اوجب سراية كل واحد من الامر او النهي الى الآخر فلذا يكون من قبيل الجمع بين الضدين ولازمه القول بالامتناع وقد عرفت مما تقدم ان الصلاة والغصب من هذا القبيل على نحو التفصيل وبالجملة ان محل الكلام في ما اذا كان الاتحاد بحسب الوجود إلا انه بالنسبة الى الحيثيتين ان كان بينهما اشتراك فى جهة ضمنية فيكون التركيب اتحاديا وجودا وحيثية وان لم يكن بينهما جهة اشتراك بل بينهما تمام المباينة والاختلاف فيكون التركيب انضماميا وعلى الاول تكون الحيثيتان تعليليتين ولازمه القول

بالامتناع لسراية الحكم من كل من العنوانين الى تلك الجهة الاشتراكية فى المجمع وحينئذ يكون من قبيل الجمع بين الضدين وعلى الثاني تكون الحيثيتان تقييديتين باصطلاح القوم ولازمه القول بالجواز لعدم سراية الحكم من احدهما الى الآخر لعدم وجود جهة اشتراك هذا على القول بسراية الحكم من الطبيعة واما على القول بعدم السراية فلا مانع من القول بالجواز بجميع مراتبه أي مرتبة المحبوبية والمبغوضية ومرتبة الارادة والكراهة ومرتبة البعث والزجر من غير فرق بين وجود المندوحة وعدمها اللهم إلا ان يقال بعدم اعتبار المندوحة بالنسبة الى مرتبة المحبوبية والمبغوضية فانه من الممكن ان تكون الطبيعة محبوبة والفرد مبغوضا واعتبارها بالنسبة الى مرتبة الارادة والكراهة فان الارادة الفعلية لا مانع من تعلقها بالطبيعة والكراهة بالفرد غير المنحصر والى مثل ذلك نظر من اعتبر المندوحة فى محل النزاع اذ مع عدم المندوحة يلزم تعلق ارادة فعلية بالطبيعة مع تعلق ارادة فعلية بترك الفرد المنحصر بالحرمة وهو محال لكونه من الجمع بين الضدين كما انه لا وجه لاعتبارها فيما لو قلنا بالجواز على السراية بدعوى كون تكثر الجهة مما يوجب التعدد فى جهات الوجود فانه وان كان المقام من قبيل المتلازمين إلا انه لا يمكن اجتماع الارادة الفعلية مع الكراهة الفعلية في الوجود الواحد حتى مع وجود المندوحة فضلا عن عدمها كما ان دعوى عدم الجواز مبنية على كون الاجتماع مأموريا لا آمريا بتقريب ان المولى علق امره بنفس الطبيعتين المتغايرتين إلا ان العبد بسوء الاختيار جمع بينهما باتيان المجمع وذلك لا قبح فيه على الآمر بالنسبة لأمره بالطبيعتين ممنوعة لان الجواز ان كان مبنيا على عدم السراية فلا يكون فى البين اجتماع آمري ولا مأموري وان كان مبنيا على السراية ومكثرية الجهة مع عدم تحقق جهة مشتركة ضمنية فلا

يكون فى البين ايضا اجتماع لا آمري ولا مأموري من غير فرق بين وجود المندوحة وعدمها كما انه مع تحقق الجهة المشتركة الضمنية والقول بالسراية يلزم محذور اجتماع الامر والنهي من غير فرق بين وجود المندوحة وعدمها ودعوى ان الفرق بين وجود المندوحة وبين عدمها بانه مع وجودها يكون الاجتماع مأموريا لا آمريا إذ المأمور بسوء الاختيار قد اتى بالمجمع ولا قبح فيه على الآمر ومع عدم المندوحة يلزم ان يكون الاجتماع آمريا لانه على تقديره يكون هو الذي اوقعه في ذلك ممنوعة بناء على ان ملاك الاستحالة فى باب الاجتماع هو اجتماع الضدين لما عرفت انه بناء على الجواز بأي ملاك اخذ من عدم السراية او السراية ومكثرية الجهة مع عدم الاشتراك في الجهة الضمنية فلا محذور في اجتماع الامر والنهي لا من ناحية الآمر ولا من ناحية المأمور من غير فرق بين وجود المندوحة وبين عدمها واما بناء على الامتناع كما لو قلنا بالسراية مع وجود جهة مشتركة ضمنية فيلزم محذور اجتماع الضدين من ناحية الآمر ولو مع وجود المندوحة نعم يمكن دعوى الفرق بين وجود المندوحة وبين عدمها لو كان المحذور في باب الاجتماع هو التكليف بما لا يطاق بناء على عدم سراية التكليف من المتعلق الى الفرد فمع وجود المندوحة فلا محذور فى الاجتماع لعدم لزوم التكليف بما لا يطاق لا بالنسبة الى الآمر ولا بالنسبة الى المأمور ومع عدم المندوحة يمنع من الاجتماع ويكون آمريا لكونه بالنسبة الى الآمر يكون من التكليف بما لا يطاق إلا ان المحذور الذي ذكره القوم راجع الى توجه الخطاب وهو استحالة الجمع بين الضدين فعليه لا مجال للتفصيل بين كون الاجتماع آمريا او مأموريا فقط نعم لو اريد من محل النزاع هو الاجتماع فى مقام الامتثال كان لهذا التفصيل مجال نعم لا بد من اعتبار المندوحة على القول بالجواز في المعاملة

التى تستلزم التصرف في مال الغير كما لو اجر نفسه لنساجة ثوب فنسجه في المكان المغصوب فان المندوحة معتبرة حال الايجار والاستيجار ومع عدمها تقع الاجارة باطلة من حينها واما على الامتناع يكون العمل المأتي به في ذلك المكان منهيا عنه فليس بمال شرعا فلا تشمله الاجارة ولا يستحق العامل الاجرة لا المسمى ولا اجرة المثل من غير فرق بين المندوحة وعدمها كما لا يخفى ثم انه استدل للقول بالجواز بوقوع ذلك فى الشرعيات كالعبادات المكروهة على اقسامها الثلاثة وهي ما تعلق النهي بذاته ولا بدل له كصوم يوم عاشوراء وما تعلق بذاته وله بدل كالصلاة في الحمام وما لا يتعلق بذاته بل تعلق بما هو مجامع له كالصلاة فى مواضع التهمة بيان ذلك انه لا اشكال فى تحقق التضاد بين الاحكام وكما لا يعقل اجتماع الوجوب والحرمة في شيء واحد لكونه من قبيل اجتماع الضدين كذلك لا يعقل اجتماع الوجوب والكراهة او الاستحباب والكراهة للمحذور المتقدم ولكنه لما كان الاخير واقعا في الشرعيات دل على عدم استحالته وسره ان تعدد الجهة يوجب تعدد الموجه وبذلك ترتفع غائلة استحالة الجمع بين الضدين في المقامين وقد اجاب الاستاذ قدس‌سره في الكفاية بما حاصله انه اذا تعلق النهي بذاته ولا بدل له يكون رجحان الترك زائدا على مصلحة الفعل وهو ليس كالرجحان الناشئ عن مفسدة في الفعل لان ارجحيته على الفعل انما نشأ من اهتمام الشارع بمصلحته ولذا لا يوجب حزازة ومنقصة فى الفعل فيمكن ان يتقرب به لاشتماله على المصلحة الموافقة للغرض بخلاف ما يكون الرجحان ناشئا من مفسدة في الفعل فلا يمكن معها التقرب به وقد اعترض على ذلك في الحاشية بان ارجحية الترك وان لم تكن ناشئة من مفسدة في الفعل إلا انه يوجب الامر بالترك وهو يوجب النهي عنه ومعه

لا يمكن ان يتقرب بالفعل وقد اجاب عنه بالفرق بين النهي التحريمي والنهي التنزيهي فان التحريمي يقتضي الفساد فلا يمكن ان يتقرب بما هو معصية بخلاف التنزيهي فانه لا يقتضي الفساد فلا مانع من التقرب به اذ لم يكن ناشئا عن منقصة وحزازة في الفعل وانما نشأ من المصلحة الراجحة فحينئذ الفعل باق على ما هو عليه من المحبوبية والرجحان فلذا لم تفسد العبادة اذا كانت ضدا لمستحب اهم اتفاقا وبما ذكر او لا اجاب عما اذا تعلق النهي بذاته وله بدل على انه يمكن ان يقال بان الكراهة في العبادة بمعنى اقل ثوابا بالقياس الى نفس الطبيعة المتشخصة بما لا يحدث معه مزية لها ولا منقصة من المشخصات وكذا كونه اكثر ثوابا وحينئذ يكون النهي في هذا القسم للارشاد كما انه اجاب عن القسم الثالث بما ذكر اخيرا على الامتناع مع الاتحاد اذ الاتحاد مع العنوان يعد من المشخصات الموجبة لاختلاف الطبيعة المأمور بها في زيادة الثواب ونقصانه وعلى القول بالجواز فالنهى يمكن ان يكون ارشاديا الى غيرها من الافراد مما يكون متحدا معه او ملازما له ويمكن ان يكون مولويا بأن النهي عن العبادة بالعرض والمجاز والنهي حقيقة قد تعلق بذلك العنوان المتحد مع العبادة او الملازم وهكذا لو قلنا بالامتناع مع الملازمة ولكن لا يخفى ان الترك لما كان عدميا يمتنع ان يكون فيه مصلحة كما ان انطباق العنوان على الترك ان كان وجوديا يمتنع انطباقه على الترك وان كان عدميا فليس فيه مصلحة على ان اقلية الثواب عما يقتضيه طبع العبادة لا تسمى بالكراهة اذ قلة الثواب لقصور في الاقتضاء اجنبي عن كونها اقل لاجل مزاحمة المصلحة مع المفسدة غير الملزمة وهو الصالح لاطلاق الكراهة عليه.

فالتحقيق في الجواب ان يقال انه بالنسبة الى ما له بدل كالصلاة في الحمام

او الصلاة في مواضع التهم فالمصلحة القائمة بطبيعة الصلاة التي اوجبت تعلق الامر بها تسري الى الحصص المتحققة في الافراد ولا تسري الى خصوصيات الافراد فالفرد المشتمل على مفسدة غير ملزمة لما كان فيه حصة من الطبيعة وخصوصة فبالنسبة الى حصته لاتحاده مع الجامع تكون مفسدته مغلوبة ومنتفية وحينئذ تبقى المفسدة في خصوصية محفوظة لا مزاحم لها فعليه مصلحة الجامع لا تزاحم المفسدة المتحققة في الخصوصية لا في مقام التأثير ولا في مقام الايجاد والعقل يحكم بأن مقتضى الجمع بين المصلحة القائمة بالجامع المنطبق على الحصة الموجودة في الفرد وبين المفسدة القائمة بالخصوصية بترك الفرد تركا تنزيهيا بمعنى انه برشد الى الاتيان بالافراد التى لم تكن فيها تلك المفسدة من الخصوصيات الملاءمة ولاجل ذلك لا يحكم العقل بالتخيير بين هذا الفرد وبين بقية الافراد كما حكم في غير هذا المقام لما هو معلوم انه يحكم بالتخيير فيما اذا كانت الافراد متساوية الاقدام بالنسبة الى مقام الايجاد من دون خصوصية ومزية في بعضها ومع تحقق المزية يحكم بتقديمها ان كانت بنحو تلائم الطبيعة بمقدار ملائمتها فمع وجود المرجح ولو كان تنزيهيا فالعقل يحكم بترجيحه بمقدار مزيته من الكراهة وهذه لا تمنع التقرب بالفرد لاشتماله على المصلحة القائمة بالجامع المنطبق على الحصة الموجودة في الفرد. هذا كله فيما له البدل.

واما بالنسبة الى ما لا بدل له كالصلاة في الأوقات المخصوصة فيمكن ان يقال بان الكراهة متحققة فى الكون الخاص ولا تزاحم المصلحة المتحققة في ذات العبادة وبعبارة اخرى المصلحة تقوم فى الافعال والكراهة والمبغوضية في كونها فى الظرف الخاص فلا مزاحمة بينهما ، وهذا الذي ذكرناه اولى من الالتزام بان

الكراهة في العبادة أقل ثوابا لا بقاء الكراهة على حقيقتها المصطلحة واقلية الثواب لا يتحقق مع الكراهة التي هي عبارة عن الحرازة والمنقصة إلا انها ليست كالحزازة والمنقصة فى النهي التحريمي على ان حمل الكراهة على الاقل ثوابا يوجب التصرف في النهي الظاهر في الكراهة ويبعد حمل النهي على ذلك.

ويظهر مما ذكرنا ضعف ما ذكره الشيخ الانصاري قدس‌سره من ان الفعل المتعبد به لا يكون بنفسه مكروها وانما يكون تركه مستحبا أكد من وجوده لانطباق عنوان راجح عليه فان ذلك خلاف ظاهر النهي فان ظاهره مرجوحية فعل العبادة لا ان تركها راجح على ان ذلك العنوان ان كان وجوديا كيف ينطبق على الترك والترك امر عدمي واذا كان عدميا فلا مصلحة فيه لكي يكون سببا لرجحان ما ينطبق عليه اللهم إلا ان يقال بان ما هو الراجح هو عنوان ملازم للترك فيكون الترك راجحا لملازمته لذلك العنوان وهذا اولى من الالتزام برجحانية الترك لكونه امرا عدميا فلا مصلحة فيه لكي يكون راجحا ولكن لا يخفى ان ذلك وان كان صحيحا في نفسه إلا انه لا يوجب مرجوحية العبادة لكي تكون مكروهة إذ هي ليست نقيضا لذلك العنوان الملازم لكي يكون مرجوحا وانما هو نقيض لتركه الذي ليس فيه رجحان حسب الفرض ومن هنا ظهر الاشكال فيما ذكره الاستاذ في الحاشية من ان التنزيهي نشأ من المصلحة الراجحة ولم ينشأ من الحزازة والمنقصة فان المصلحة الراجحة ان كانت في الترك فانه امر عدمي ليس فيه مصلحة وان كانت في العنوان المنطبق عليه فان كان ذلك امرا وجوديا فلا يعقل انطباقه على الأمر العدمي وان كان عدميا فليس فيه مصلحة لكي يوجب رجحان الترك فيكون الفعل مرجوحا وان كان الرجحان بفعل ملازم للترك فلا يوجب مرجوحية

الفعل لعدم كونه نقيضه وانما هو نقيض للترك الخالي من الرجحان فافهم وتأمل.

(تنبيهات اجتماع الامر والنهى)

ينبغي التنبيه على امور : الاول ان المسألة المفروضة انما هي من باب التزاحم الذي هو عبارة ان يكون كل من متعلق الامر مشتملا على مصلحة ومتعلق النهي مشتملا على مفسدة لكي يكون المجمع مشتملا عليهما مثلا الكون فى الدار الغصبية اشتمل على مقتضى الصلاة وعلى مقتضى الغصب وليست المسألة المفروضة من باب التعارض الذي هو عبارة عن تنافي الدليلين الموجب للعلم بوجود المقتضي في احدهما من غير فرق بين ان يكون التنافي بين الدليلين او لا وبالذات كما لو دل احدهما على الوجوب والآخر على الحرمة او ثانيا وبالعرض كما لو دل دليل على وجوب الظهر يوم الجمعة. وآخر على وجوب الجمعة فيها مع انا نعلم من الخارج انه لا تجب في يوم الجمعة إلا صلاة واحدة فبسبب هذا العلم الاجمالي اوجب العلم بكذب احد الدليلين هذا بحسب مقام الثبوت ، واما بحسب مقام الاثبات فيعلم كون المورد من التزاحم او التعارض من الدليل قال الاستاذ قدس‌سره في الكفاية ما لفظه (فالروايتان الدالتان على الحكمين متعارضتان اذا احرز ان المناط من قبيل الثاني فلا بد من عمل ، المعارضة حينئذ بينهما من الترجيح والتخيير وإلا فلا تعارض في البين بل كان من باب التزاحم بين المقتضيين (١) الخ) وهذا الدليل الذي

__________________

(١) قال بعض السادة الأجلة قدس‌سره في بحثه الشريف ان الدليلين

احرز فيه وجود المقتضيين لا يخلو اما ان يكون قطعيا يدل على اجتماع الملاكين

__________________

اذا كانا مجملين او كان احدهما مجملا فلا اشكال فى عدم احراز المقتضي لكلا الحكمين فى مورد الاجتماع وان كانا مطلقين كان مقتضى اطلاقهما سراية الحكم الى مصاديق المتعلق مثلا اذا ورد صل ولا تغصب وكانت مادة الصلاة مطلقة كان مقتضى اطلاقها ارادة جميع ما هو مصداق لطبيعة الصلاة حتى مورد الغصب وكذا اذا كانت مادة الغصب مطلقة فيكون مورد الاجتماع داخلا فى كل من الدليلين ومتحققا فيه كل من العنوانين فبناء على جواز الاجتماع لا اشكال في ذلك لعدم المانع على هذا القول من تأثير كل عنوان اثره كما اذا لم يكن إلا عنوان واحد وعلى الامتناع كان تأثير كل منهما مزاحما للآخر ومانعا منه فلا بد وان يكون المؤثر ما هو الأقوى فيكون المرجع فى ذلك باب التزاحم دون التعارض فان الحكم فى كل من الدليلين وان كان فعليا إلا ان فعليته انما هو بالقياس الى الموانع الشرعية فان اطلاقه انما ينفي تلك الموانع دون الموانع العقلية وبناء على الامتناع تكون فعلية كل واحد من الحكمين في الموارد مانعا عقليا عن فعلية الآخر فلا يكون الاطلاق متعرضا لنفيه نظير ما لو اتفق مزاحمة الواجب لواجب آخر والحاصل انه بناء على القول بالامتناع يصدق كل واحد من الدليلين في حكايته عن الحكم الفعلي بمعنى المقابل للموانع الشرعية ويكون تقديما لأحد الملاكين على الآخر في مقام التزاحم غير مناف لما يظهر من دليل آخر من كون الحكم فيه فعليا لعدم خروجه بذلك عن الفعلية بهذا المعنى. نعم لو كان كل من الدليلين متعرضا لاثبات فعلية الحكم من جميع الجهات وفي جميع الموانع حتى هذا المانع العقلي الناشئ عن المزاحمة كان كل من الدليلين معارضا للآخر اذ لا يمكننا تصديقهما معا ولزم الرجوع الى باب المعارضة إلا أن ذلك محض فرض والفرق بين الموانع الشرعية والعقلية هو

في مجمع واحد فيكون من باب التزاحم ويخرج عن باب التعارض بخلاف ما لو قام دليل على وجود ملاك واحد في المجمع فيدخل في باب التعارض ويخرج عن باب التزاحم واخرى يكون ظنيا بان يحرز اجتماع الملاكين من ظاهر الدليل كما هو ظاهر صل فانه يقتضي قيام المصلحة فى المتعلق من غير فرق بين الموارد وكذلك لا تغصب فانه يدل على قيام المفسدة في المتعلق من غير فرق بين مورد ومورد فالمجمع بمقتضى ظاهر الدليلين يكون فيه كلا المقتضيين فيكون من باب التزاحم ويدخل في مسألة الاجتماع بخلاف ما لو ورد صل ولا تصل فانه يستحيل اشتمال العنوان الواحد على مصلحة ومفسدة فيكونان من باب التعارض فيحتاج الى مرجح لكي يميز ما هو

__________________

انه بالنسبة الى الشرعية يكون مضيقة لدائرة الحكم حتى في عالم المقتضى بنحو ينحصر المقتضي للحكم في غير مورد ذلك المانع بخلاف الموانع العقلية الناشئة من التزاحم فانها انما تنشأ من قبل عدم امكان فعلية المتزاحمين وتأثيرهما في حق المكلف فلا اثر لها في المقتضى فلا يكون مستلزما لتضييق دائرة المقتضي وانما يكون مستلزما لانحصار فعلية احد الحكمين في مورد عدم فعلية الآخر ولذلك يكون الفعل المأتي به في مورد المزاحمة بالتكليف الآخر الذى هو الاقوى اقتضاء صحيحا لبقائه على ما هو عليه من الصلاح وملاك الامر ومقتضيه غاية الأمر عدم دخوله تحت الطبيعة بما هي مأمور بها فعلا ولأجل مزاحمة الأمر المتعلق بما هو اهم منه واقوى اقتضاء بل يمكن ان يؤتى به بداعي الامر لعدم قصوره في كونه فردا لطبيعة المأمور به وان كان الامر لا يشمل هذا الفرد لاجل المزاحمة وقد اشكل على صحة العبادة على الامتناع وقد يقال بصحتها مع التقصير بدعوى امكان التقرب بها وان كان معاقبا عليها فان التقرب بالجهة الصلاتية لا ينافي العصيان بالجهة الغصبية كما لا يخفى.

الحجة من غيرها ومن صور التعارض ما لو اتفق اقتران قرينة عقلية بالعنوانين المختلفين دالة على كون الحكمين لم ينشئا إلا من ملاك واحد كما لو قام دليل دال على الوجوب والآخر دال على عدم الوجوب ولكن يشترط ان تكون دلالته على عدم الوجوب بالمطابقة كصل ولا يجب الغصب فان مقتضى الأول تحقق وجود المقتضي فى المجمع ومقتضى الثاني انتفاء المقتضي فيه ولا يعقل ان يكون شيء واحد جامعا للمقتضيين وعدمه فاذا كان من ذلك القبيل فيكون ذلك من باب التعارض فيحتاج الى اعمال المرجحات المقررة لباب التعارض.

فان قلت ايضا اذا اجتمع الوجوب والتحريم كما في مقام التزاحم يكون من هذا القبيل إذ دليل التحريم قاض بعدم الوجوب فيكون من باب التعارض والفرق بينهما تحكم قلت انا احترزنا في اصل العنوان بان تكون الدلالة مطابقة فرارا عن هذا الاشكال إذ دليل الحرمة لا يدل إلا على اشتمال المتعلق على المفسدة ولما كانت المفسدة مزاحمة مع المصلحة كان ذلك الدليل بالالتزام دالا على عدم الوجوب فدلالته على عدمه لا من حيث عدم كون الوجوب فيه مصلحة بل من حيث مزاحمته.

وبالجملة ان اطلاق الدليلين يقتضي وجود الملاك فى المجمع فيكون من باب التزاحم ويجب اعمال مرجحاته المقررة له إلا اذا كانت قرينة تدل على عدم المزاحمة كما لو كانت عقلية تهدم اصل الاطلاق بان يحكم العقل بأدنى التفات الى عدم تحقق الاطلاق فى المتعلق كما لو قال تهجد فى الليل فان العقل يحكم بعدم تحقق اطلاق له بنحو يشمل اليقظة والنوم فيكون من قبيل القرينة المتصلة بالكلام الرافعة لأصل الاطلاق فلا يكون لمثل هذا الدليل شمول لمورد الاجتماع لكي

يكون فيه ملاكه ومن القرينة العقلية ما عرفت من اقترانها بدلالة احد الدليلين بالمطابقة على عدم الوجوب فانه بالنسبة الى ما دل على الوجوب يكون من باب التعارض لحصول التكاذب بين الدليلين واما تقديم احد الدليلين على الآخر لكونه اقوى ملاكا فلا يكون من القرينة العقلية الرافعة للاطلاق المستكشف منه عدم الملاك في المجمع إذ ذلك انما يكون بعد ان ينعقد للكلام ظهور وبه يتحقق الاطلاق ومع تحققه فى الدليلين يكون المجمع مؤدى لكلا الاطلاقين الكاشفين عن تحقق الملاكين في المجمع وبالتقديم يرتفع حجية الاطلاق ولا يرتفع اصل الاطلاق ويكون من قبيل القرينة المنفصلة عن الكلام غير رافعة للاطلاق. وبالجملة بالتقديم يوجب سقوط الظهور عن الحجية لا اصل الظهور الكاشف عن تحقق الملاك وهذا التقديم انما يتحقق فيما اذا كان متعلق الخطابين متعددا بنحو لا يكون بينهما جهة اشتراك ولو اجتمعا فى واحد شخصي فانه وان كان العقل حاكما بعدم تحقق الكراهة والارادة في الواحد الشخصي إلا ان ذلك من باب القرينة المنفصلة فلا ينافي الظهور الموجب لتحقق الملاك فى المجمع فيعد من باب التزاحم بخلاف ما لو لم يكن الخطابان متعددين بل كلاهما متعلق بشيء واحد بنحو يدرك المكلف بفطرته ان المولى لا يريد كليهما للتناقض بينهما بل يجوز ان يريد احدهما ومثل ذلك يعد من باب التعارض لعدم انعقاد ظهور للخطابين الفعليين ويكون ذلك من قبيل القرينة المتصلة المانعة من انعقاد الظهور ومن ذلك يعلم الفرق بين التعارض والتزاحم. وحاصله هو ان الخطابين ان كان المكلف يدرك تحقق التدافع والتمانع بينهما كما لو تعلقا بشيء واحد فلا ظهور لكل من الخطابين ولا يستكشف من احدهما ارادة ولا كراهة بل يكون كل منهما مكذبا للآخر وطاردا له فهو باب التعارض ويلحق به

ما لو اخذ في موضوع احد الخطابين جزء وفي الآخر كل فان ما كان موضوعه الكل يمنع الحكم على ما كان موضوعه الجزء وكذا العكس فيكون بينهما تمانع وتضاد فلذا يعد من التعارض ومن هنا قلنا بان ما كان بين الدليلين عموم وخصوص مطلق يدخل تحت التعارض لما كان بينهما بالنسبة الى الأخص تمانع وتعارض بخلاف ما كان بين الخطابين عموم وخصوص من وجه فانه يعد من باب التزاحم لشمول كلا الخطابين لمورد الاجتماع وتصادقهما فى مورده لا يرفع اصل الاطلاق وان رفع اجتماع الارادة والكراهة فيه او المحبوبية والمبغوضية فيه بناء على الامتناع اذ ذلك لا ينافي بقاء الاطلاق بالنسبة الى مرتبة الاقتضاء فمن كل اطلاق يستكشف ثبوت الملاك فى مورد الاجتماع وقد عرفت ان تقديم احد الخطابين على الآخر كما هو لازم القول بالامتناع لكونه اقوى ملاكا لا يرفع اصل الاطلاق المحقق للملاك بل يرفع حجيته ولاجل ذلك يمكن لنا القول بان الاصل في باب العام والخاص من وجه التزاحم كما ان الأصل فى العام والخاص المطلق التعارض وكيف كان فباب اجتماع الأمر والنهي من صغريات باب التزاحم لاستكشاف الملاكين من اطلاق الخطابين الشاملين لمورد الاجتماع فيكون مورده مجمعا للملاكين ولازمه الاخذ بأقواهما لا بقوة السند اذ ربما يقدم ما هو اقوى ملاكا في امثال المقام على ما هو اقوى سندا ودعوى ارجاع المقام الى باب التعارض بتقريب انه يكون من التزاحم فى مقام التأثير الذي هو من مختصات باب التعارض وتخصيص التزاحم في التضاد وجودا بتقريب ان التزاحم فى التأثير يرجع امره الى المولى وربما يقدم ما هو اقوى سندا بخلاف ما لم يكن التزاحم في التأثير بل يكون فى مقام الوجود فليس امر التعيين بيد المولى بل يرجع امره الى العقل فيحكم بما هو

اقوى ملاكا لا اقوى سندا ممنوعة فانه بعد فرض كون الاطلاق يثبت وجود الملاك في مقام التأثير فلا مانع من تأثير كل من الملاكين الا تمانعهما في مقام التأثير فحينئذ كيف يرجع امر ذلك الى المولى فيقدم ما هو اقوى سندا مع ان العقل يرى تقديم ما هو اقوى ملاكا نعم للمولى ذلك مع وجود مانع للتأثير فان العقل ينعزل عن الحكم معه وتحققه خلاف الغرض وكيف كان فظاهر اطلاق الخطاب يقتضي شمول الحكم لجميع المراتب من مرتبة المحبوبية والمبغوضية ومرتبة الارادة والكراهة ومرتبة الاقتضاء فعلى الامتناع يلزم رفع الاطلاق بالنسبة الى المرتبتين الاوليتين واما بالنسبة الى المرتبة الاخيرة فلا موجب لرفع الاطلاق فحينئذ لا مانع من بقاء الاطلاقين وبقائهما بالنسبة الى تلك المرتبة يوجب بقاء الملاكين فى المجمع فيدخل فى باب التزاحم ولا مانع من التفكيك بين انحاء الظهور فان ذلك غير عزيز كالعام فانه حجة في الباقي بعد التخصيص ولا يخفى ان ما ذكرناه من التبعيض فى انحاء الظهور بان نأخذ بالاطلاق بالنسبة الى مرتبة الاقتضاء ولا نأخذ بالاطلاق بالنسبة الى مرتبة الارادة والكراهة ومرتبة المحبوبية والمبغوضية اولى من التمسك باطلاق المادة دون الهيئة لاثبات تحقق الملاك فى مورد الاجتماع كما ادعاه بعض إذ اطلاقها منفي بعد اتصالها بالهيئة لكونه من قبيل الاتصال بما يصلح للقرينية وخصوصا مع تبعية احدهما للآخر فلا مجال للتفكيك بينهما اطلاقا وعدما عرفا فلا تغفل.

ثم لا يخفى انه ذكر الاستاذ (قدس‌سره) في الكفاية في الأمر التاسع ما لفظه (ولو كان بصدد الحكم الفعلي فلا اشكال في استكشاف ثبوت المقتضي في الحكمين على القول بالجواز إلا اذا علم اجمالا بكذب احد الدليلين فيعامل معهما معاملة

المتعارضين واما على القول بالامتناع فالاطلاقان متنافيان من غير دلالة على ثبوت المقتضي للحكمين فى مورد الاجتماع اصلا فان انتفاء احد المتنافيين كما يمكن ان يكون لاجل المانع مع ثبوت المقتضي له يمكن ان يكون لاجل انتفائه) ولا يخفى ما فيه فانه ليس مبنى الجواز على حسب مرتبة الفعلية اذ لا يعقل الاجتماع في تلك المرتبة وانما مبنى الجواز على حسب مرتبة المبغوضية والمحبوبية. نعم يمكن القول بالجواز بحسب مرتبة الفعلية بناء على القول بعدم السراية لكن ذلك خلاف ما اختاره الاستاذ (قدس‌سره) واذا ارتفقت الفعلية لم يكن يستكشف جهة الاقتضاء فى كل واحد منهما فمع عدم الاستكشاف فلا معنى للحكم بكونه من باب التزاحم دون التعارض وكذا ليس القول بالامتناع يبنى على التعارض كما توهم بتقريب ان التضاد بين الحكمين يوجب عدم وصولهما الى مرتبتهما الفعلية وحينئذ لا يستكشف الملاك ومع عدمه لا يكون من التزاحم بل من باب التعارض ولكن لا يخفى ان كون التضاد مانعا لوصولهما الى تلك المرتبة لا يوجب رفع الظهور بالنسبة الى مرتبة الاقتضاء لما عرفت انه لا مانع من التفكيك بين انحاء الظهور بأن لا يكون الدليل ظاهرا بالنسبة الى المرتبة الفعلية ولكن له ظهور بالنسبة الى قيام المصلحة بالمتعلق فيكون المجمع منطبقا عليه العنوانان قد اشتمل على المصلحة والمفسدة فيكون من باب التزاحم على القول بالامتناع كما لا يخفى.

التنبيه الثاني انه لا اشكال في صحة الصلاة فى الدار المغصوبة لمن كان غافلا عن الموضوع او كان جاهلا مركبا ولمن علم بالموضوع وناسيا للحكم او كان جاهلا فيه ولكن كان عن قصور لان صحة الصلاة موقوفة على امكان الاتيان بقصد التقرب وفى جميع هذه الصور يمكن للمكلف اتيانها بقصد القربة برجاء المحبوبية

او بقصد التوصل الى الفرض او باعتقاد المطلوبية ولا يخفى ان هذا هو الوجه في صحة العبادة فى الدار المغصوبة في هذه الموارد فما ذكره بعض من صحتها في الموارد المذكورة ففي الغفلة عن الموضوع هو عدم تنجز التكليف بالنهي لعدم العلم به فيكون غير مقدور ومن شرط التكليف القدرة فلا يكون النهي مع تلك الحالة متحققا فيبقى الأمر من دون مزاحمته للنهي فيأتي المكلف بالصلاة بداعي الأمر. واما بالنسبة الى بقية الموارد كالغفلة بالحكم والاعتقاد بالخلاف ونسيان الحكم والجهل وبه قصورا فانها تمنع من تنجز النهي فتكون مصلحة الأمر متحققة من دون مزاحم فتؤثر اثرها فتكون الصلاة حينئذ متمحضة للارادة والطلب محل منع لانه بناء على الامتناع وتغليب جانب الحرمة تكون المصلحة مغلوبة فيكون العمل متمحضا للمبغوضية فاذا كان مبغوضا لم يتعلق به ارادة في مرتبة الفعلية ومعه لا يمكن التقرب به. ودعوى ان الصلاة في حال الجهل قصورا صحيحة لعدم كون مخالفة الخطاب مبعدا فيبقى الخطاب الآخر مقربا بلا مزاحم ممنوعة اذ الجهل بالخطاب لا يغير الواقع عما هو عليه من المبغوضية فتنحصر جهة المقربية بما ذكرناه من رجاء المحبوبية او التوصل الى الفرض او اعتقاد المطلوبية او بدعوة رجاء الأمر ولذا اشتهر ان اباحة المكان من الشرائط العلمية حيث ان الحرمة لا تكون مانعة عن التقرب إلا في مقام تنجز النهي من غير فرق بين كونها معلومة او غير معلومة كما فى الجاهل المقصر وبالجملة المدار على تنجز النهي فمع تنجزه لا يمكن التقرب بمتعلقه كما فى صورة العلم والجهل تقصيرا ومع عدم تنجزه يمكن لنا التقرب بالانحاء المتقدمة ولا مانع بالاكتفاء لمثل ذلك فى مقام التقرب بعد كون العمل واجدا للملاك لا يقال ان ما ذكر لا يكون موجبا لتصحيح العبادة إذ لازمه ان يلتزم بصحتها قبل دخول

وقتها بزعم انه قد دخل لعدم الفرق بين الصورتين مع انه فى الأخير لا اشكال فى الفساد من غير خلاف فكذا الصورة الاولى لأنا نقول بين الصورتين فرق واضح فان الغرض يتوقف على حصول قصد القربة فمع الاتيان برجاء المحبوبية يحصل قصد القربة فيترتب الغرض بخلاف باقي الشرائط كالوقت مثلا فان اعتقاد الخلاف لا يحصل الشرط وبعبارة اخرى ان القربة اوسع من غيرها فان غيرها معتبرة واقعا فلا يكفي في تحققه احتمال التحقق بخلاف القربة فانها تحصل برجاء المحبوبية او باعتقاد المطلوبية كما لا يخفى فافهم وتأمل.

التنبيه الثالث الاضطرار الى المكان الغصبي تارة يكون بسوء الاختيار واخرى لا بسوء الاختيار وعلى كلا التقديرين اما ان يكون الغصب هو الفضاء دون الأرض او الأرض دون الفضاء او كلاهما وعلى جميع التقادير اما ان يكون الاضطرار مستمرا او لا فان كان الاضطرار ناشئا لا بسوء الاختيار وان الغصب عبارة عن الأرض دون الفضاء كان له الاتيان بالصلاة وليس له تركها ويجب مراعاتها لانها لا تترك بحال ولكن يجب الاقتصار على مقدار يتأتى به الواجب مثلا لو قدر ان يأتي بالواجب على رجل واحدة وجب وتعين ولا يجوز له الانتقال إلا من جهة عدم القدرة وهكذا يتنزل من الأكثر تصرفا في الدار الى الاقل تصرفا هذا اذا استمر الاضطرار الى آخر الوقت واما اذا لم يستمر فينتظر حتى يرتفع الاضطرار فيأتي بالصلاة على حسب ما يأتي به المختار واما اذا كان الفضاء مغصوبا دون الأرض كان له صلاة المختار لانه لا بد من ان يكون جسمه شاغلا للفضاء وهذا الشغل لا يتفاوت بحال عن حال فلذا لا يفرق في تصرفاته في حد الفضاء بحالة دون حالة وكيفية دون كيفية وبالجملة انه على هذه الصورة يصلي صلاة المختار

لو تضيق عليه الوقت ولم يكن له مندوحة ومثله في سعة الوقت لو علم باستمرار الاضطرار بل ربما نقول يصلي صلاة المختار حتى مع عدم العلم او العلم بالعدم لأن الصلاة بعد ان كانت مطلوبة فى الحال ولا يتفاوت الحال عليه في اختلاف الأحوال ولم تكن كيفية الصلاة بما هي تفتقر الى كون زائد على ما يقتضيه اصل الكون فلا بأس بالتقرب بالصلاة حينئذ وقد عرفت مما ذكرنا ان التقرب بالكيفيات المتقدمة لا محذور فيه وانها صالحة للتقرب بها لا الكون الغصبي لما عرفت انه مشتمل على مفسدة لا يصلح معها التقرب وحينئذ يكون التقرب باتمام العمل لا بتمامه ولا اشكال فيه إذ الاجماع انما قام على اعتبار التقرب بالتمام فقط في حال الاختيار ولم ينعقد الاجماع على اعتباره في حال الاضطرار فتلخص مما ذكرنا انه على هذا الفرض لا يتفاوت بين حالة وحالة كما لا يتفاوت بين العلم بالاستمرار وعدمه فيصلي صلاة المختار وان كان الأرض والفضاء معا مغصوبين فيأتي بصلاة المختار بجميع احواله ما عدا السجود فلا يأتي به بنحو سجود المختار لأنه بسجوده يحصل مكث زائد على مقدار الكون الغصبي لأنه يشغل الأرض والفضاء على وجه يزيد على ترك الاتيان بتلك الأفعال والهوي ايضا يسقط لأنه مقدمة ومع سقوط ذي المقدمة لا معنى لوجوب المقدمة ولكن هذا مع العلم بالاستمرار واما مع عدم العلم بالاستمرار فلا بد من الانتظار الى زوال الاضطرار لأن المطلوب في حال الاختيار الاستيفاء فلا يسوغ له الاتيان بها ناقصة إلا فى مرحلة الاستمرار اذ معه يحصل له العذر فلا يجوز له مع التمكن من الصلاة الاختيارية فظهر مما ذكرنا ان الاضطرار اذا كان عن قصور لا اشكال فى صحة صلاته على نحو صلاة المختار وتقربه يكون باتيانه بقصد التوصل به الى الغرض نظير تقرب الجاهل القاصر ولا يمكنه التقرب بأمره

لما عرفت ان ما هو مبغوض لا يصح التقرب به وطرو الاضطرار لا يرفع مبغوضيته ودعوى ان الفعل وان كان مبغوضا إلا انه له رجحان فاعلي وهو كاف في التقرب برجحان عمله ممنوعة فان رجحان الفاعل ان كان المراد منه حسن ذاته فهو اجنبي عن رجحان العمل وان كان المراد صدور الفعل منه فلا معنى لمرجوحية الفعل اذ مرجعه الى التفكيك بين ايجاد الفعل ووجوده بان يكون الايجاد راجحا والوجود مرجوحا مع انهما متحدان وجودا وان كان المراد منه اضافته الى الفاعل فهو اجنبي عن التقرب بنفس العمل هذا كله لو لم يتمكن من الخروج واما لو تمكن من الخروج فقيل يجب الخروج لتحصيل وجوب التخلص الذي هو واجب بالوجوب الشرعي ولكن لا يخفى ان ذلك مبني على كون الخروج مقدمة لترك الغصب مع انه ليس كذلك اذ ترك الغصب نقيضه البقاء وهما في مرتبة واحدة فكيف يعقل ان يكون ترك أحدهما مقدمة للآخر اذ لازمه تقدم احد النقيضين على النقيض الآخر مع انك قد عرفت ان وحدة الرتبة محفوظة بين النقيضين على ان البقاء لو كان بمقدار الخروج زمانا لم يكن البقاء حراما اذ ذلك ملازم لارتكاب الغصب الزائد فلا يقتضي حرمة ارتكاب الغصب الزائد حرمة بقائه كما هو الشأن في المتلازمات ولكن الانصاف ان وجوب المبادرة لكي لا يستلزم من بقائه زيادة ارتكاب الغصب ليس وجوبا شرعيا وانما هو بمعنى اللابدية بمعنى انه لا بد من ترك الملزوم من جهة حرمة اللازم وعليه لا مانع من القول بصحة الاتيان بالصلاة على نحو صلاة المختار فى حال بقائه فى الدار المغصوبة مع فرض تمكنه اذا كان فى سعة الوقت وكان مقدار بقائه بمقدار خروجه لأن هذا المقدار مقهور عليه مع كونه معاقبا عليه من اول الأمر فلا يكون هذا المقدار مبعدا في حقه وانما المعبد لازمه وهو الغصب

الزائد ويعاقب عليه لكونه داخلا تحت الاختيار ولو بان يختار ملزومه.

وبالجملة الصلاة في هذا المقدار لا محذور فيها ويصح الاتيان بها على نحو صلاة الكامل واما لو كان الخروج اقل من البقاء فمع سعة الوقت يجب الصبر حتى يخرج من الغصب ولا تصح منه الصلاة اصلا نعم مع الضيق يجب الاتيان بالصلاة في حال مشيه بايماء للسجود بل يمكن ان يقال بانه فى هذه الصورة لما كان له بقاؤه بمقدار خروجه فله الاتيان بهذا المقدار من صلاة المختار واتيان البقية فى حال المشي ناقصا فى الزائد عن هذا الزمان ودعوى ان فرض تمكن اتيان الصلاة ولو ناقصا من دون غصب يوجب ان يكون المأتي بها فى هذا الزمان مبعدا ولو كان ناقصا ومع كونه كذلك كيف تكون صحيحة ممنوعة بأن ذلك يكون مثل ما لو كان الغصب من اول الأمر بسوء الاختيار اذ لا فرق بينهما في كون ما يأتي به مبعدا فمع تحقق الضيق ينتقل الى الاشارات ويكون حاله كالغريق هذا كله ما لو كان بغير سوء الاختيار واما لو كان الاضطرار بسوء الاختيار فلا شبهة فى استحقاق العقوبة على الدخول وعلى كل تصرف يحصل فى الأرض فعليه لا تصح الصلاة لعدم امكان قصد التقرب إلا ان تكون الصلاة اهم فى نظر الشارع من الغصب فيأتي بها واتيانه بها على تقدير الأهمية لا بد وان تكون بنحو صلاة الغريق اذ الأهمية لا تقتضي إلا اتيان الصلاة ولم تدل على استيفاء الافعال التي يستوفيها المختار اللهم إلا ان يقوم دليل خاص على الاتيان بالأفعال على نحو ما يأتي بها المختار فاذا قام مثل ذلك الدليل يجب اتيانها على ذلك النحو ولكن لا يخفى انه ليس عندنا مثل ذلك الدليل بل ربما يقال انه غير معقول اذ مع حرمة الغصب لا يعقل استيفاء الأفعال الاختيارية لأنه على تقدير الأهمية يكون الغصب مهما

بالنسبة الى الصلاة الاختيارية ولا اشكال ان حرمة المهم تسقط مع الأهم ولازمه جوز ارتكاب الغصب مقدمة لاتيان الصلاة واللازم باطل فيلزم بطلان الملزوم والتحقيق ان الأهمية لا تقتضي جواز الدخول فى الأرض المغصوبة بيان ذلك ان ترك الصلاة فى ذلك المكان يكون على نحوين فتارة يحصل بترك الدخول فيه واخرى بالتشاغل عن الصلاة بعد الدخول وبين التركين اختلاف بحسب المحبوبية والمبغوضية فيكون ترك الصلاة في الدار المغصوبة من جهة ترك الدخول محبوبا فيكون الدخول ولو مقدمة للصلاة مبغوضا ومعاقبا عليه وترك الصلاة في الدار بعد الدخول مبغوضا ومنهيا عنه فيجب بعد الدخول حفظ مصلحة الصلاة من جهة الأهمية فليس بمستحيل ان يقوم دليل على اهمية الصلاة الاختيارية على غيرها من التصرفات الغصبية ولكن الكلام فى قيام مثل هذا الدليل فنقول لم نقف على دليل دال إلا دليل الصلاة لا تترك بحال وهذا لا يدل إلا على عدم تركها ولم يكن دالا على عدم تركها بنحو صلاة المختار فينتقل في هذا الحال الى ما يكون صلاته اقل تصرفا كصلاة الغريق فيؤمي الى الركوع والسجود والذي يقتضيه النظر الدقيق هو جواز الاتيان بصلاة المختار بتقريب ان شرط التكليف تحقق القدرة على متعلقه اذ لو سقطت القدرة فلا معنى لبقاء التكليف وهو تابع للقدرة فى الاطلاق والتقييد فاذا كانت القدرة مطلقة كان التكليف مطلقا واذا كانت القدرة مقيدة كان التكليف مقيدا ففي المقام ان القدرة على ترك الغصب لم يكن إلا بترك الدخول وبعد الدخول يكون مضطرا الى الغصب فلا يكون مقدورا له ترك الغصب فلا يتوجه نهي حينئذ الى الغصب اذ تعلق النهي بشيء فرع القدرة على تركه ومع عدم القدرة على تركه كيف يعقل توجه النهي اليه فاذن يسقط النهي فلا تكون جهة الغصبية

مبعدة اي مانعا من التقرب فيجوز له الاتيان بالصلاة بقصد القربة إلا ان يقال بأن سقوط النهي بسوء الاختيار لا يقتضي سقوط المبعدية كما لو ألقي من شاهق ومع بقائه على المبعدية فيخرج عن الجزئية للصلاة ولذا نلتزم باتيان الصلاة مقتصرا على النية والقراءة والايماء بالرأس للركوع والسجود بناء على عدم عد ذلك تصرفا وإلا فبالايماء بالاجفان وقد احتمل ذلك الشيخ صاحب الجواهر (قدس‌سره) ولكن لا يخفى ان ذلك مناف لما ذكره الأصحاب في ما لو كان الاضطرار بسوء الاختيار وكان الوقت ضيقا فان بناءهم على اتيان الصلاة بنحو صلاة المختار فيركع ما عدا السجود فانه يومئ له ولا يجلس للتشهد إلا ان يقال بأن اتيان الركوع والسجود بلا مكث لا يعد تصرفا زائدا غصبيا فلا تغفل.

التنبيه الرابع لو تمكن من الخروج فلا ريب في وجوبه (١) ولكن الكلام

__________________

(١) لا يخفى ان الاضطرار الى ارتكاب الغصب تارة يكون لا بسوء الاختيار واخرى بسوء الاختيار اما الاول فلا اشكال فى جواز التصرف فى ملك الغير بدون اذنه مكثا فيما اذا لم يتمكن من الخروج كما اذا كان محبوسا فى ارض الغير وحينئذ يجوز صرف ذلك فى صلاته بنحو صلاة المختار ولو قطع بخروجه بعد ذلك قبل مضي وقتها فضلا عما لو شك بسقوط النهي بالاضطرار والصلاة مشتملة على الملاك فيعمها الأوامر العامة لأن الملاك لما كان مستكشفا من الاطلاق وقد قيد هذا الاطلاق بالنهي النفسي فمع وجوده لا يمكن ان يتقرب به ومع سقوطه امكن ان يتقرب به ولو قلنا بالامتناع ودعوى بقاء المبعدية مع سقوط النهي ممنوعة فان المبعدية جاءت من قبل النهي فمع سقوطه ترتفع المبعدية فيصلي حينئذ صلاة المختار على الجواز مطلقا وعلى الامتناع فكذلك فيما اذا كانت الأرض والفضاء غصبا لأن ما يشغله الانسان من المكان فى حال قيامه لا يزيد على

في ان الحركة للخروج هل هي مقدمة له حتى يكون وجوبها غيريا او يكون مطلوبا

__________________

ما يشغله فى حال جلوسه لأن المحتاج الى الحيز هو الجسم وهو لا يختلف بالنسبة الى الحالات من الوقوف والجلوس والاضطجاع. نعم لو كان الفضاء مباحا والارض مغصوبة يمكن دعوى اتيان الصلاة على رجل واحدة لو لم يستلزم الحرج ويأتي بركوع المختار ولا يسجد على الأرض لعد ذلك تصرفا زائدا عرفا وله ان يسجد سجود المختار لو كان الفضاء مغصوبا والأرض مباحة هذا فيما اذا لم يتمكن من الخروج واما لو تمكن من الخروج فيأتي بالصلاة على ذلك النحو في حال الخروج لو تضيق الوقت كما يجوز له الاتيان مكثا بذلك النحو لو كان مقدار الخروج يساوي اتيانها واما مع عدم ذلك وقد أخرها حتى انقضت مدة الخروج فيكون من صغريات ما لو كان الاضطرار بسوء الاختيار من غير فرق بين ضيق الوقت وسعته نعم بالنسبة الى ما لو كان مقدار الخروج اقل من مدة الصلاة ففي الضيق يمكن الاتيان بها بما يساوي زمان الخروج على نحو صلاة المختار والباقي يكون بنحو الايماء واما لو كان الاضطرار بسوء الاختيار فلا اشكال في حرمة التصرف مكثا وانما الكلام في التصرف بنحو الخروج فقد اختلفت الاقوال بالنسبة الى حكمه التكليفي فقيل انه حرام فقط استنادا الى ان النهي يدل على حرمة التصرف مطلقا من غير فرق بين انحاء التصرف دخولا ومكثا وخروجا اذ جميع هذه التصرفات مقدورة لامكان تركها من اول الأمر بترك الدخول وجعل بعض التصرفات غير مقدورة وممتنعة لا ينافي كونها اختيارية اذ الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار وقيل بالوجوب ايضا وينسب الى ابي هاشم المعتزلي والمحقق القمي باعتبار انه مصداق للتخلص فيكون واجبا وقول ثالث بوجوبه فقط لسقوط النهي بعصيانه بالدخول ولذلك يعاقب على عصيانه وينسب ذلك الى الفصول ورابع وجوبه من دون ان يعاقب لكونه حسنا فلا قبح فيه لا قبل الدخول ولا بعده فلا مانع من تعلق الأمر

لنفسها حتى يكون وجوبه نفسيا وجهان وتحقيق الحال يعلم من ان الحركة للخروج

__________________

لا عقلا ولا شرعا وخامس ليس فعلا مأمورا به ولا منهيا عنه ولكن يجري عليه حكم المعصية من جهة استحقاقه للعقاب بالنهي السابق ولكن العقل يلزمه بالخروج من باب اقل المحذورين والانصاف ان الخروج كالدخول والمكث مبغوض شرعا لكونه من انحاء التصرف المنهي عنه ودعوى سقوط النهي بعد الدخول لاعتبار القدرة فى متعلقه في غير محلها اذ القدرة متحققة فى الخروج والمكث بترك الدخول ولا ينافى عدم تحققها بسوء اختياره اذ ذلك لا ينافي الاختيار والامتناع والوجوب بالاختيار لا ينافي الاختيار اللهم إلا ان يقبح تكليف العاجز وان كان هو عجز نفسه بسوء الاختيار وليس ذلك من موارد القاعدة لانها فيما اذا كان التكليف متوجها الى المكلف وهو قادر على الامتثال وقد عجز نفسه فجعله ممتنعا عليه لا انه حال العجز مكلف بالاتيان اذ هو غير معقول او هو قبيح عقلا على ان هذه القاعدة تجري في الضرورة السابقة لا الضرورة اللاحقة بيان ذلك ان كل ممكن محفوف بضرورتين سابقة في مرتبة العلة التامة فان الشيء ما لم يجب لم يوجد وضرورة لاحقة وهي الضرورة بشرط المحمول كما يقال ان التكليف لا يتعلق بما هو واجب او ممتنع والقاعدة ناظرة الى الضرورة السابقة والوجوب والامتناع في المقام من قبيل الضرورة اللاحقة فلا تكون القاعدة شاملة للمقام وقد ذكر الاستاذ المحقق النائيني (قدس‌سره) لعدم شمولها للمقام امورا ذكرناها فى تقريرات بحثه وان كانت محل نظر بل منع إلا انها لا توجب جعل الخروج واجبا كما اختاره لعدم ملاك الوجوب فيه اصلا لا النفسي ولا الغيري اما الوجوب النفسي فلعدم انطباق رد المال او عنوان التخلص عن الحرام على الخروج واما الغيري فلأن الخروج ليس مقدمة وليس بمانع عن وجود الحرام لكي يكون عدمه معتبرا على انه لو قلنا بكون الخروج مقدمة لترك الحرام إلا انه لا يوجب تحقق ملاك الوجوب الغيري

من اي مقولة فنقول ان الحركة عبارة عن كون الجسم في مكان بعد كونه في مكان

__________________

فيه لعدم وجوب ترك الحرام لكى تجب مقدمته فلا يقاس المقام بشرب الخمر للتداوي إذ حفظ النفس واجب نفسي ومع فرض انحصار حفظ النفس بشربه لذا يلزم شربه فيكون فى شربه ملاك الوجوب الغيري بخلاف المقام لما عرفت انه لا ملاك لوجوب الخروج لا نفسيا ولا غيريا.

ومما ذكر ظهر ان دعوى وجوبه فقط كما هو المنسوب الى الشيخ الانصاري قدس‌سره محل نظر ، كما ان دعوى كون الخروج منهيا عنه بالنهي السابق ومعاقب عليه محل نظر لما عرفت من اعتبار القدرة فى متعلق التكليف والخروج غير مقدور فعله وتركه شرعا لتنجز النهي عن الدخول والمكث فلذا لم يتعلق النهي به من اول الامر. وبعبارة اخرى النهي لم يتعلق بالخروج للمزاحمة المتحققة بينه وبين المكث ومما ذكرنا ظهر الاشكال فى جميع الاقوال فدعوى ان الخروج ليس بواجب ولا محرم غير مجازفة هذا بالنسبة الى حال الخروج واما الصلاة في حال الخروج فبناء على مختار الشيخ الانصاري والاستاذ المحقق النائيني (قدس‌سرهما) من وقوع الخروج حسنا وانه مأمور به فتقع الصلاة صحيحة قطعا فمع عدم استلزام اتيانها تصرفا زائدا على الخروج كما لو كان راكبا سيارة او سفينة يصح اتيان الصلاة بدون ايماء للركوع والسجود لعدم استلزام ذلك تصرفا زائدا على ذلك. واما فتوى المشهور باتيان الركوع والسجود بالايماء فلعله كان ذلك فيما لو استلزم زيادة التصرف كما يدعى ذلك عرفا مع عدم كونه ذلك دقة وان كان يشكل على ذلك بان العرف متبع فى تعيين المفاهيم وتشخيصها لا فى تطبيقها كالمقام فان معنى الغصب الذي هو التصرف في مال الغير بدون اذنه معلوم إلا ان التصرف الخروجي بهذا الركوع والسجود ينطبق عليه التصرف الغصبي الزائد على الخروج ام لا فلا يرجع في زواله الى العرف.

آخر والخروج تابع للغصب بمعنى ان الغصب من اي مقولة كان الخروج مثله ، فان كان الغصب من مقولة الفعل اي الكون الشاغل للمحل كان الخروج ايضا من مقولة الفعل فيكون معناه شغل الجسم في مكان آخر. وقد عرفت ان الحركة عبارة عن ذلك فتتحد الحركة مع الخروج وان كان الغصب من مقولة الاين اي اشغال المحل الغصبى فيكون الخروج عبارة عن الفراغ المحل والافراغ مغاير للحركة إذ الافراغ غير التبديل بل الحركة مقدمة لفراغ المحل.

وبالجملة الحركة تارة تكون بنحو المقدمية ، للخروج واخرى تكون عين الخروج. وعلى اي تقدير لا اشكال في وجوبها عقلا ولكن هل هو بمناط المقدمية او بمناط اقل القبيحين ومنشأ ذلك هو ان الحركة محبوبة او مبغوضة فالمحبوبية لازمة للمقدمية والمبغوضية لازمة لارتكاب اقل القبيحين وتظهر الثمرة بينهما انه لو قلنا بالمحبوبية يصح للمكلف اتيان الصلاة الاختيارية وإلا اقتصر على اقل الافراد تصرفا كصلاة الغريق. وقد عرفت مما ذكرنا انه لا مانع من الالتزام بالاول باعتبار ان لترك الغصب نحوين من الترك تركه بترك الدخول وتركه بترك التشاغل بالصلاة ولا مانع من التفكيك بين التركين فى المحبوبية والمبغوضية. فاذا

__________________

واما بالنسبة الى بقية الاقوال فبما ان التصرف الخروجي يكون كالتصرف بالدخول والمكث يقع مبغوضا فمع امكان اتيان الصلاة جامعة لجميع الاجزاء والشرائط فلا اشكال فى فساد الصلاة ولو قلنا بجواز الاجتماع لوجود القبح الفاعلي المانع من التقرب واما مع عدم امكان اتيانها كذلك وقد ضاق الوقت فيجب اتيانها لعدم سقوطها بحال ، وسقوط النهي بهذا الحال على تفصيل ذكرناه في حاشيتنا على الكفاية.

عصى المكلف تركه بترك الدخول سقط التكليف لعدم وجود القدرة وقد علمت ان شرط التكليف القدرة فلا يكون فيه مبعدية فيكون فيه صرف المحبوبية فقط فيمكن التقرب بالعبادة إلا ان يقال بانه وان اوجب ذلك سقوط النهي إلا ان المبعدية لم تسقط ولذا انه يأتي بالصلاة بنحو صلاة الغريق. كما انه لو قلنا بان الخروج منهي عنه قبل الدخول لكونه مقدورا بترك الدخول وان الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار فلذا يلزم على المكلف مع الضيق أن يأتي بالصلاة باقل الافراد تصرفا لكونها لا تترك بحال سيما وان حق الناس مقدم على حق الله لو دار الامر بينهما. نعم لو قلنا بان الخروج واجب لكونه مقدمة للتخلص الذي هو واجب شرعا لكان القول بجواز الاتيان بصلاة المختار حال المشي بركوع وسجود ولو مع سعة الوقت كما لا يخفى.

التنبيه الخامس انه على الامتناع ذكر الاصحاب وجوها لترجيح النهي على الأمر والظاهر ان الترجيح انما يتصور في خصوص الصلاة والغصب نظرا الى ان الغصب من حق الناس والصلاة من حق الله ، ومعلوم ان حق الناس مقدم على حق الله مع التزاحم وليس ما ذكر من الترجيح بمطرد بحيث يقدم جانب النهي على الامر في كل مقام إذ ما ذكر في الترجيح لا يعتد به لضعفه فان اقوى ما يستدل به لذلك هو ان النهي دلالته اقوى من دلالة الأمر فان دلالة النهي على الاستيعاب بالوضع ودلالة الأمر على الاستيعاب بالاطلاق وما كان بالوضع اقوى بحسب الدلالة مما كان بالاطلاق فحينئذ يصلح ان يكون ما هو اقوى بيانا وقرينة على تعيين المراد من الاضعف فيكون النهي بيانا على تقييد الأمر بغير مورد الغصب ولكن لا يخفى ما فيه فان الترجيح انما يكون بما هو اقوى ظهورا إذ الاظهر

صالح لان يكون بيانا لظهور الآخر ، واقوائية الظهور لا تختص بالنهي إذ ربما يكون الاقوى ظهورا في خصوص الامر وكونه بالوضع لا يوجب الاقوائية بحسب الظهور ، على ان هذا الكلام انما يلائم التعارض وقد عرفت ان باب اجتماع الأمر والنهي انما هو من باب التزاحم فهذا التوجيه لا ربط له بذلك ، وعن بعض ترجيح النهي برواية ما اجتمع الحلال والحرام إلا وغلب الحرام الحلال فان ظاهر التغلب حصره بالمزاحمة فان الغلبة لا تصدق إلا وان يكون للحلية مقتض حتى تصدق الغلبة ولكن لا يخفى ان الاستدلال بهذه الرواية على الترجيح فى غاية الوهن بعد طرح الاصحاب الاستدلال بها على الترجيح على ان روايات أخر بلسان المعارضة لهذه الرواية كما فى رواية ما حرم حرام حلالا قط.

التنبيه السادس ان الاكثر بل الكل فى باب اجتماع الامر والنهي مثلوا بالغصب والصلاة وذلك مبني على ان الامر بالصلاة بنحو ساري في تمام الافراد والنهي عن الغصب سار فى افراده ففي الصلاة في الدار الغصبية قد اجتمع فيه مقتضى الامر ومقتضى النهي فحينئذ يكون المثال من باب التزاحم وإلا لو لم يكن الامر مأخوذا بنحو السراية بل الامر مأخوذ بنحو صرف الوجود فلا يكون من هذه المسألة بل يكونان من باب الموسع المجتمع مع المضيق حيث ان الغصب لا مندوحة فيه بخلاف الصلاة فان لها مندوحة فيكون الغصب مضيقا بالنسبة الى الصلاة ولا اشكال فى وجوب تقديم المضيق على الموسع ولو كان المضيق مهما إلا ان يكون في آخر الوقت فيكونا من قبيل المضيقين ، فعليه يكون في كل واحد منهما مقتضى فيعدان من باب التزاحم.

فتلخص مما ذكرنا ان مثال الغصب مع الصلاة اما ان يكون المراد من الامر

المتعلق بالصلاة كالنهي المتعلق بالغصب فى كونه ساريا الى الافراد حتى يكون كل واحد منهما فيه مقتضي فيعدان من باب التزاحم او يكونان من باب المضيقين واما في غير هاتين الصورتين لا يكون المثال من باب التزاحم. نعم ربما يقال في خصوص مثال الصلاة والغصب يعد من باب التزاحم لما ورد من ان الصلاة لا تترك بحال. وقد عرفت مما تقدم ان الصلاة الاختيارية تسقط ويصلي ما هو اقل تصرفا فافهم وتأمل فقد زل غير واحد من الاعلام.

التنبيه السابع قد عرفت مما تقدم ان الخلاف فى مسألة الاجتماع يمكن ان يبنى على ان تعدد الجهة يوجب تعدد الموجه او لا يوجب تعدده ، كما انه يمكن ان يبنى على سراية الطلب الى الافراد او عدم سرايته اليها وقد عرفت الفرق بين المبنيين.

اذا عرفت ذلك فاعلم ان مثال اكرم العلماء ولا تكرم الفساق يكون من مسألة اجتماع الامر والنهي اذا بنى على السراية وعدمها واما لو بنى على ان تعدد الجهة يوجب تعدد الموجه او لا يوجبه فلا يدخل مثل ذلك تحت مسألة الاجتماع وبما ان المعروف بين الاصحاب ان مبنى مسألة الاجتماع هو اختلاف الجهة وعدم اختلافها فيكون المثال المذكور خارجا عن مسألة الاجتماع.

ومما ذكرنا يظهر الاشكال فبما ذكره الاستاذ (قدس‌سره) في الكفاية ما لفظه : (الامر الثالث) الظاهر لحوق تعدد الاضافات بتعدد العنوانات والجهات فى انه لو كان تعدد الجهة والعنوان كافيا مع وحدة المعنون وجودا في جواز الاجتماع كان تعدد الاضافات مجديا ضرورة انه يوجب ايضا اختلاف المضاف لها بحسب المصلحة والمفسدة والحسن والقبح عقلا ، وبحسب الوجوب والحرمة شرعا فيكون مثل (اكرم العلماء) و (ولا تكرم الفساق) من باب الاجتماع

(كصل ولا تغصب) لا من باب التعارض.

توضيح ما فيه هو انه قد جعل مبنى مسألة الاجتماع ان تعدد الجهة يوجب تعدد الموجه او لا يوجب كما هو المعروف بين اكثر من عنون مسألة الاجتماع فعليه لا وجه لدخول مثل اكرم العلماء ولا تكرم الفساق فى مسألة الاجتماع إذ دخول مثل ذلك في مسألة الاجتماع يتم لو قلنا بان مسألة الاجتماع مبنية على السراية وعدمها كما هو اوضح من ان يخفى هذا آخر ما اردنا بيانه من مسألة اجتماع الأمر والنهي والحمد لله اولا وآخرا وظاهرا وباطنا.

(اقتضاء النهى للفساد)

الفصل الرابع في ان النهي عن الشيء هل يقتضى الفساد اولا يقتضيه وقبل الخوض فى المقصود ينبغي تقديم امور :

الاول الفرق بين هذه المسألة وبين مسألة اجتماع الأمر والنهي هو ان في مسألة الاجتماع الفساد والمبغوضية تابع للعلم بالنهي وفي هذه المسألة الفساد تابع لواقع النهي. وبعبارة اخرى فى هذه المسألة النهي بوجوده الواقعي يقتضى الفساد الذي هو عبارة عن عدم ترتب الاثر المقصود من سقوط القضاء والاعادة فى العبادات وعدم ترتب الاثر المقصود بانشائه في المعاملات وفي تلك المسألة النهي بوجوده العلمي يقتضي الفساد الناشئ عن قصور في التقرب مع عدم قصور في المصلحة المقتضية للامر به واقعا ولأجل ذلك عدت تلك المسألة من باب التزاحم

ولذا قلنا بصحة الصلاة في المكان المغصوب مع النسيان والجهل قصورا ولا تعد هذه المسألة من ذلك الباب وانما تعد من باب التعارض لكون الفساد لما كان تابعا لواقع النهي فيكون ناشئا عن قصور في الاقتضاء ومع كونه كذلك يكون التكاذب في عالم الاقتضاء ولازمه خروجه عن باب التزاحم على انه لو قلنا بان تلك المسألة من باب التعارض بدعوى ان التعارض فى الفعلية يوجب التكاذب بين الأمر والنهي الذي هو ملاك التعارض مع تحقق الفرق بين المسألتين بتقريب ان المسألة السابقة التكاذب في فعلية الحكم وهذه المسألة التكاذب فى مقام الاقتضاء ويظهر الفرق بينهما في الجهل قصورا بالنهي لفعلي من حيث الصحة والفساد كما لا يخفى.

الأمر الثاني ان الاقتضاء في العنوان يمكن ان يراد منه الاقتضاء في مقام الثبوت بمعنى ان مدلول النهي بذاته يستلزم الفساد اذا كان عبادة فتكون المسألة من المباحث العقلية ويمكن ان يراد منه الاقتضاء فى مقام الاثبات فيكون البحث فى المقام بحثا لفظيا والظاهر هو الثاني لشمول البحث فى هذه المسألة لما كان النهي ارشادا الى عدم المشروعية بلا مبغوضية فى المتعلق فيختص البحث في ذلك بدلالة اللفظ فتكون هذه المسألة من مباحث الالفاظ وحينئذ يكون النهي فى العنوان يعم النهي الحقيقي الكاشف عن المبغوضية والمفسدة في المتعلق والنهي الارشادي الكاشف عن عدم المشروعية.

الأمر الثالث ان الظاهر من كون النهي يقتضي الفساد انه بمدلوله يقتضي عدم المصلحة اما لكون المفسدة ملازمة لذلك العدم او لكون النهي بذاته يدل على نفس العدم وذلك لا يقتضي وجود مقتض للصحة في المتعلق.

ودعوى انا لا نحتاج الى دلالة النهي على ذلك بل يكفي فى انتفاء الصحة وفساد العمل اصالة عدم المشروعية ممنوعة بان تحقيق مثل هذا الأصل لا ينافى البحث في المسألة عن دلالة النهي إذ ذلك بحث عن الدليل الاجتهادي. ومن الواضح تقدم الدليل الاجتهادى على الأصل العملي فمع تحققه لا مجال لاتيانه. نعم يكون البحث عنه مع فقد الدليل الاجتهادي ومن هنا قلنا بان النزاع فى دلالة النهي على الفساد ليس مختصا بما يشمله اطلاق الدليل او عمومه بنحو لو لا النهي لوقع صحيحا اذا كانت عبادة ويكون نافذا اذا كانت معاملة بتقريب انه لو لم يشمله الاطلاق والعموم يكفي في فساده وعدم صحته اصالة عدم المشروعية لما عرفت ان النتيجة اذا كانت تحصل بالاصل لا مانع من التكلم بها بلحاظ الدليل الاجتهادي على انه لو لم يلحظ الدليل الاجتهادى لا اصل يقضي بالفساد بنحو يرجع اليه في المسألة الاصولية. واما في المسألة الفقهية فالاصل يختلف فان كان مشكوك الاعتبار معاملة فمقتضى الأصل عدم الصحة حيث لا عموم ولا اطلاق يثبت الصحة وان كان مشكوك الاعتبار عبادة فالاصل يقضي بفسادها وان كان مشكوك الاعتبار جزءا للعبادة او شرطا لها فالشك في ذلك يرجع الى كونه مانعا ام لا قيل بجريان الاشتغال وقيل بجريان البراءة والخلاف فى ذلك راجع الى الاختلاف في المبنى وقد حزر ذلك فى محله كما لا يخفى.

الأمر الرابع ان الصحة والفساد امران اضافيان وان للصحة مفهوما واحد وهو التمامية ولا تختلف باختلاف الآثار والانظار وهذا مما لا اشكال ولا شبهة تعتريه وإنما الاشكال انها هل تختلف باختلاف المنشأ ام لا وتحقيق الحال فيه يستدعي بيان مقدمة وهي انه عندنا امور متأصلة وامور اعتبارية وفى المتأصلة

مرتبتان حقيقية وهي ما كان ظرفها الخارج ومفهوم وهو ما كان ظرفه الذهن وهو الذى يكون مدلولا للفظ ولا يكون هناك مرتبة ثالثة بعد التعدى عن الثانية واما الامور الاعتبارية كالملكية مثلا فيتصور فيها ثلاث مراتب حقيقية ومنشأ اعتبار تلك الحقيقة ومفهوم كاشف عن الحقيقة اما مرتبة الحقيقة في الملكية فهي الربط الحاصل بين المالك والمملوك وهذه الحقيقة ظرفها الذهن ولا يعقل ان يكون ظرفها الخارج ومرتبة المفهوم هي ما كان من المعقولات الثانية ومنشأ انتزاعها تلك الحقيقة فان حقيقة الملكية منتزعة من الجعل وبما ذكرنا ظهر الفرق بين الامور المتأصلة والامور الاعتبارية وبعد معرفة ذلك فنقول ان الاتحاد في المفهوم يكشف عن الاتحاد في الحقيقة إذ لا يعقل ان يكون مفهوم واحد يكشف عن حقائق متعددة إلا وان يكون مفهوم منتزعا عن قدر جامع بين تلك الحقائق المتعددة كما ان الاختلاف في المنشأ لا يوجب الاختلاف في الحقيقة لان الاختلاف بحسب منشأ الملكية من الجعل او التوارث او غيرهما لا يوجب اختلافا في حقيقة الملكية مع كون المفهوم واحدا اذ المفهوم الواحد يكشف عن حقيقة واحدة اذا عرفت ذلك من المقدمة فاعلم ان الصحة (١) من الامور الاعتبارية لها ثلاث مراتب

__________________

(١) لا يخفى ان تقابل الصحة والفساد من قبيل تقابل العدم والملكة لا من قبيل تقابل الايجاب والسلب الذى هو عبارة عن الوجود والعدم المحمول بالنسبة الى الماهية الامكانية أو الماهية الممتنعة ولا من قبيل تقابل الضدين الذى هو عبارة عن كون المتقابلين وجوديين يترتبان على موضوع واحد من دون اعتبار فى قابلية المحل وقد بينا فى بعض المباحث ان القائمية وعدمها من هذا القبيل ولذا قلنا بعدم جريان استصحاب العدم الازلي بالنسبة الى عدم القائمية لعدم احراز الموضوع لان

حقيقة ومفهوم ومنشأ الانتزاع على قياس غيرها من الامور الاعتبارية والصحة تارة تنتزع من المطابقة واخرى تنتزع من السقوط وقد عرفت ان الاختلاف فى المنشأ لا يوجب الاختلاف في الحقيقة مع كون المفهوم واحدا الكاشف عن حقيقة واحدة ومما ذكرنا ظهر لك انه لا وجه لما تصدى الاستاذ (قدس‌سره) في الكفاية من الرد على صاحب التقريرات حيث ادعى ان الصحة امر اعتبارى من اى شيء انتزعت فاورد عليه بما حاصله ان الصحة ان اخذت من سقوط الاعادة يكون عقليا من لوازم الاتيان بالامر الواقعي فلا يكون جعليا (١) لما

__________________

الصحة والفساد لا يطرءان إلا بعد كون المحل قابلا لهما كالعمى والبصير فهما يردان على موضوع واحد فتارة يكون صحيحا واخرى يكون فاسدا ومنه يعلم ان الصحة والفساد بالنسبة الى الاحكام الشرعية لا يردان على البسائط وانما تتصف بهما المركبات إذ الشيء البسيط اما ان يوجد او لا يوجد على تفصيل ذكرناه فى تقريرات بحث الاستاذ المحقق النائينى قدس‌سره.

(١) لا يخفى انه وقع الكلام في ان الصحة والفساد من الامور الانتزاعية أو من الامور المجعولة القابلة لان تنالها يد الجعل او انها مجعولة فى المعاملات دون العبادات أو التفصيل بين الصحة الواقعية وبين الصحة الظاهرية بالالتزام بجعلها فى الثانية دون الأولى فقد اختلفوا على اقوال والحق هو الأول فيكون من قبيل السببية والمانعية والجزئية والشرطية من الامور التي قد اتفق الكل على كونها منتزعة وليست من قبيل الضمان والحرية والرقية والزوجية التي هي من الامور المتأصلة بيان ذلك ان الصحة منتزعة من انطباق الطبيعة المأمور بها على الفرد المأتي به وهو غير قابل لان تناله يد الجعل لان انطباق الطبيعة على الفرد انما هو امر عقلي وليس امرا مجعولا واما منشأ الانتزاع فبالنسبة كل امر الى

عرفت منا سابقا ان الاختلاف في المنشأ لا يوجب الاختلاف في الحقيقة اذا عرفت ما مهدنا لك من الامور فاعلم انه يقع الكلام في مقامين :

__________________

متعلقه سواء كان واقعيا أو اضطراريا او كان ظاهريا غير قابل للجعل لان اجزاء ما اتى به عن امره المتعلق به عقلي وليس قابلا للجعل. نعم بالنسبة الى المطابقة الظاهرية فى بعض الموارد مع الشك به واقعا فمنشأ الانتزاع ربما يقال بجعله من غير فرق بين ما كان في ظرف عدم العلم أو كان بعد الانكشاف فما كان موضوعه عدم العلم كقاعدة التجاوز والفراغ ونحو ذلك فان الشك له طرفان وليس لاحدهما ترجيح والشارع لما بنى على أحد الطرفين معناه الاكتفاء عن الأمر الواقعي بهذا المشكوك وذلك انما يكون بجعل الشارع واما في صورة الانكشاف فيحتاج الى كون الأمر الظاهري يجزي عن الامر الواقعي الى جعل آخر وان كانت القاعدة الأولية يقتضي عدم الاكتفاء بذلك فكذا يكون قابلا للجعل وبالجملة ان الصحة والفساد من الامور الانتزاعية غير قابلة للجعل عبادة كانت أو معاملة وانما المجعول هو منشأ الانتزاع فى بعض الموارد كما في صورة الأمر الظاهري لا بالنسبة الى متعلقه بل عن الأمر الواقعي ودعوى التفصيل بين العبادات والمعاملات بالالتزام بالجعل فى الأول دون الثاني بتخيل ان العبادة لما كان الشارع رتب حكما عليها فيكون بذلك قابلا للجعل بخلاف المعاملات حيث ان الشارع امضى أهل العرف بحسب معاملاتهم فلم يكن للشارع اختراع جديد فيها فلا تكون الصحة فيها قابلة للجعل ولا يخفى ما فيه إذ العبادات كالمعاملات بالنسبة الى الصحة والفساد فان الشارع انما رتب الحكم على كلي العبادة لا على المصداق والصحة والفساد بالنسبة الى نفس هذا المصداق ومن الواضح ان منشأ انتزاع الصحة فضلا عن نفسها غير قابل للجعل لان انطباق متعلق الأمر على مصداقه عقلى وليس قابلا للجعل على تفصيل ذكرناه في تقريراتنا للاستاذ المحقق النائينى قدس‌سره.

المقام الاول في العبادة فنقول النهي اما ان يتعلق بالعبادة أو يجزئها او بشرطها الخارج عنها او بوصفها الملازم لها أو وصفها غير الملازم لها اما اذا تعلق بالعبادة فتارة يكون النهي في مقام دفع توهم الايجاب كأن يكون هناك عموم او اطلاق بحيث يتوهم الشمول كاقيموا الصلاة مثلا فيتوجه النهي لدفع توهم الشمول واخرى يكون النهي فى مقام دفع المشروعية الفعلية وثالثة يكون النهي لدفع المشروعية الاقتضائية ورابعة يكون النهي للارشاد الى المفسدة الموجودة بالفعل وخامسة يكون النهي مولويّا فان كان الأول فيؤخذ بذلك الاطلاق أو العموم ويكون مشروعا اذ النهي في تلك الصورة لم يدل إلا على رفع توهم الايجاب فلم يكن فيه تعرض للمشروعية بل ربما يقال بان الفعل فى الصورة المذكورة مستحبا وان لم يكن هناك اطلاق أو عموم فلا يكون الفعل مشروعا لوجود اصالة عدم المشروعية المقتضية للفساد وهو في هذه الصورة لم يستفد من دليل النهي لما عرفت انه دال على رفع توهم الايجاب وذلك لا يقتضي الفساد وان كان النهي على النحو الثاني اي النهي فى مقام دفع توهم المشروعية فان كان هناك اطلاق او عموم فالنهي ايضا ليس فيه دلالة على الفساد ولكن تقع المعارضة بينه وبين الاطلاق او العموم فيتساقطان فيرجع الى اصالة الفساد ، واما الثالث فكذلك فان نهيه لا يقتضي الفساد ، واما الرابع فلم يكن النهي دالا على الفساد ، واما النهي على النحو الخامس وهو ما كان النهي المتعلق بنفس العبادة مولويا (١) فهو محل الكلام قيل بدلالته على

__________________

(١) المراد من العبادة هو المعنى الاخص وهي خصوص الوظيفة التى شرعت لاجل التقرب بها لله سبحانه وتعالى وليس المراد منها هو المعنى الاعم الشامل لكل ما يصح ان يتقرب به مثل غسل الثوب من النجاسة فانه وان صح ان

الفساد واستدل له بوجوه : الأول الاجماع فقد نقله غير واحد على ذلك الثاني :

__________________

يتقرب به إلا انه لا يتوقف حصول اثره الذي هو زوال النجاسة على وقوعه قريبا بل يقع ولو كان منهيا عنه كالغسل بماء مغصوب وهذا الاشكال فيه وانما وقع الاشكال فى تعلق النهي بالعبادة بما حاصله ان ذلك ينافي كونها عبادة إذ ما هو محبوب لله تعالى ومقربا اليه يكون عبادة والنهي النفسي لا يتعلق إلا بما هو مبغوض لله تعالى وحينئذ كيف يمكن ان يتقرب بما هو مبغوض ومبعد عنه تعالى ولكن لا يخفى انه ليس المراد من العبادة التعبد الفعلي والمقربية الفعلية بل المراد بها وظيفة شرعت لان يتعبد به في نوعها وبعبارة اخرى انها من شأنها أن يتقرب بها لو تعلق بها الأمر وبعد الفراغ عن هذه الجهة فقد وقع الكلام فى أن النهي المتعلق بالعبادة يدل على الفساد ام لا فعلى مختار صاحب الجواهر (قدس‌سره) من احتياج العبادة الى أمر فدلالته على الفساد واضح لان النهي لما دل على التحريم فقد اخرج متعلقة من دائرة الأمر من غير فرق بين كون الاطلاق شموليا أم بدليا لان شموله للافراد مشروط بان تكون الافراد متساوية الاقدام ومع تحقق النهي لا تكون متساوية.

واما على ما هو المختار من ان تصحيح العبادة لا يحتاج الى امر بل يكفى فيها وجود الملاك فيمكن القول بصحتها حينئذ من جهة وجود الملاك ولكن لا يخفى ان الملاك المقتضى للصحة لا بد وان يكون تاما فى الملاكية وليس لنا دليل لفظي يستكشف ذلك وانما يحكم العقل بتحققه ولذا قلنا لا يكفي حسن الفعل فقط فى استكشاف وجود الملاك بل تحتاج فى استكشافه مع ذلك الى حسن الفاعل فحينئذ ان وجد مانع فتارة يكون لسانه عدم ترتب الاثر على الملاك بمعنى ان وجوده كعدمه واخرى يقدم المانع من باب اقوى الملاكين كالعلم والفسق فانه يتصور فيه هذين النحوين وعلى كلا الصورتين لا يكون الملاك تاما فى الملاكية فاذا لم يمكن احرازه فالنهي يكون دالا على وجود المفسدة الموجبة لتخصيص العموم

انه لا اشكال في ان النهي يدل على مفسدة فى المتعلق واطلاق الامر او عمومه الشامل لمتعلق النهي يكشف عن وجود مصلحة فيه ومع تقديم النهي تكون المفسدة غالبة على المصلحة فلا يصلح للتقرب فلذا يقع العمل فاسدا الثالث انك قد عرفت ان هذه المسألة فيما اذا كان بين متعلق الأمر والنهي عموم من مطلق مثلا صم ولا تصم يوم العيد فكل واحد من الدليلين دال على وجود ملاكه فالامر دال على وجود المصلحة فى متعلقه كما ان النهي يدل على وجود المفسدة في متعلقة ففي صوم العيد تكون المفسدة والمصلحة متعارضتان والحكم اما بالتساقط او تقديم جانب النهى فالعبادة فى مورد المعارضة غير مشروعة فتقع فاسدة ولكن لا يخفى اما الاجماع فمحصله لا محصل له في المقام فضلا عن المنقول ، واما الثاني فلو تم فانما

__________________

أو تقييد الاطلاق. نعم لو امكن احرازه كما اذا لم يمكن امتثال الأمر من جهة عدم قدرة المكلف كما في المتزاحمين فى الوجود لما عرفت ان القدرة العقلية ليست لها الدخل فى الملاك فلا يكون النهي فى ذلك مقتضيا للفساد ويكون من باب التزاحم واما لو كان من جهة اخرى كالتزاحم بين الملاكين فيقدم ما هو الاقوى) ملاكا أو كان من جهة عدم تحقق الحسن الفاعلي كما لو قلنا ببطلان الصلاة في الدار المغصوبة على القول بالجواز من الجهة الاولى لعدم تحقق حسن الفاعلى والملاك لا يكفى فيه حسن الفعل بل يحتاج مع ذلك الى حسن الفاعلي وفي المقام لما ورد النهي فيستكشف منه كون ملاك النهي اقوى من ملاك الامر فحينئذ يدل النهي على الفساد من غير فرق بين ان يكون اطلاق الامر شموليا ام بدليا لان النهي يخرج متعلقه عن دائرة الامر من جهة كشفه عن ملاك اقوى وهذا الذي ذكرنا يجري ايضا فيما اذا كان النهي متعلقا بذات العبادة لاجل جزئه أو شرطه أو وصفه بنحو يكون ذلك من الجهات التعليلية فافهم.

يدل على فساد العبادة فى حال تنجز النهي فمع عدم تنجزه لا يكون مبغوضا ولا مانع من اتيانه لوجود ملاك الأمر وقد عرفت ان ذلك من مقتضيات باب التزاحم واما عن الثالث فمع التساقط فالحكم بالفساد لاصالة عدم المشروعية لا من مقتضيات النهي كما انه لو قلنا بتقديم جانب النهي لكونه اخص فانما يلتزم به في المدلول المطابقى واما بالنسبة الى مدلوله الالتزامي فليس الخاص باقوى من دلالة العام فمع التكافؤ يرجع الى اصالة عدم المشروعية فلا يكون النهي مقتضيا للفساد اللهم إلا ان يقال بتقديم الخاص على العام فى المدلول المطابقى والالتزامى فلا مانع من الالتزام بدلالة النهي على الفساد والالتزام بذلك محل نظر ولكن التحقيق انه ان قلنا بان النهي يكشف عن مفسدة نفسية موجودة فى المتعلق فلا اشكال فى دلالته على الفساد إذ لا يعقل ان يكون مع هذا الكشف وجود مصلحة في متعلق النهي لامتناع اجتماع المصلحة مع المفسدة ، واما لو قلنا بان النهي فى لسان الشارع لا يكشف عن المفسدة النفسية بل يكشف عن المفاسد الغيرية كما هو الحال فى الأوامر الغيرية في انها لا تكشف عن المصالح النفسية في المتعلق وانما هى تكشف عن مصالح غيرية توصلية كاستراحة النفس مثلا فلا مجال لدعوى ان يكون النهي مقتضيا للفساد لان من الممكن اشتمال الفعل على مصلحة نفسية ومفسدة غيرية او مصلحة غيرية غاية الامر الشارع غلب جانب المفسدة على جانب المصلحة فعليه العمومات الكاشفة عن مصالح غيرية تبقى بلا معارض فتكون من باب اجتماع الامر والنهي والفساد فيه ليس من مقتضيات واقع النهي بل من مقتضيات العلم بالنهي هذا كله لو تعلق النهي بنفس العبادة (١) واما لو تعلق النهي بالجزء

__________________

(١) هذا في النهي التحريمي واما النهي التشريعي فينبغي ان يخرج عن

كالنهي عن قراءة سورة العزائم في الصلاة مثلا أو تعلق بالشرط كالنهي عن

__________________

محل الكلام لان التشريع عبارة عن اتيان العبادة التى لم يأمر بها بداعي الأمر وذلك يوجب الفساد فالفساد حاصل من دون النهي لا انه بالنهي يكون فاسدا فلو شك فى مشروعية شيء واتى به بعنوان التشريع أو علم عدم المشروعية ثم اتى به فصادف مشروعيته فهل الفعل يقع فاسدا ام لا فنقول اما المعاملة فالظاهر انها لا تقع فاسدة لعدم اعتبار قصد التقرب فيها بل المعتبر في صحتها صرف المصادفة واما العبادة فبانها تحتاج الى ذكر مقدمة وهي ان الاحكام العقلية على قسمين فتارة يكون ذا حكم واحد وهو ما كان العقل حاكما يحكم بمناط واحد من غير فرق بين صورة الشك والعلم واخرى يكون ذا حكمين وهو ما كان العقل حاكما بحكم على نفس الواقع بمناط وفي صورة الشك بمناط آخر كما فى الضرر فانه له حكم على واقع الضرر بمناط وفي صورة الشك بمناط آخر والفرق بين القسمين يظهر بجريان الأصل وعدمه فان الأصل لا يجرى فيما اذا كان حكم واحد لانه يلزم ان ما يحرز بالوجدان يحرز بالتعبد وهو باطل.

ومن هذا القبيل الشك في الحجية فان الأصل لا يجري فيها اذ العقل حاكم بالعدم فلا يحتاج في احرازه الى جريان الأصل وإلا لزم ما احرز بالوجدان يحرز بالتعبد وهو بديهى البطلان ، بخلاف ما كان ذا حكمين فانه لا مانع من جريان الأصل في ظرف الشك فانه يرفع الحكم الموجود في ظرف الشك كما فى الضرر وباب التشريع من قبيل ما اذا كان ذا حكم واحد فان العقل يقبح استناد ما ليس صادرا من المولى فى صورتى العلم والشك في المشروعية من غير فرق بين الشك فى اصل المشروعية أو فى الاتصاف.

اذا عرفت ذلك فاعلم ان العبادة التى يأتي بها مع الشك في مشروعيتها بقصد المشروعية ثم انكشف مطابقتها المواقع لا اشكال في حرمتها فتكون فاسدة اذ

التستر والاستقبال فى الصلاة فالنهي المتعلق بهما كالنهي المتعلق بالعبادة فجميع

__________________

كيف يتقرب بقصد الامر بما لم يعلم فيه امر ودعوى ان النهي المستكشف من حكم العقل نهي ارشادي وهو لا يوجب الفساد اذ الموجب له ما كان مولويا ممنوعة إذ ليس كلما رجع الى حكم العقل يكون الأمر أو النهى ارشاديا وانما هو فيما اذا كان منجعلا بالتكوين كوجوب الاطاعة وحجية العلم لا كل ما حكم به العقل وإلا كل الواجبات تكون اوامرها ارشادية لان ما بالعرض ينتهي الى ما بالذات واللازم باطل لا يقال ان النهي المولوي يدل على الفساد حيث انه مع الامر فى مرتبة واحدة لذا يوجب تقييد الامر فتخرج العبادة بالنهي عن دائرة الامر فيوجب تقييد الامر فالعبادة حينئذ بلا أمر تقع فاسدة بخلاف النهي التشريعي فانه لا يوجب تقييد الأمر اذ ليس فى مرتبته وانما هو فى مرتبة متأخرة عن مرتبة الامر فلا ينافى حرمة العبادة مع صحتها لانا نقول النهي التشريعي مع الامر في مرتبتين ولا يوجب تقييد الامر ولذا يكون الفعل حسنا مع تحققه إلا انه بسببه يوجب القبح الفاعلي لاشتماله على جهة التشريع المبغوض ، وقد عرفت ان حسن الفعل فقط غير كاف فى التقرب بل يحتاج فيه الى حسن فاعلي وهو مفقود في المقام.

ان قلت ان التشريع انما هو في نفس النية وذلك لا يسري الى الفعل فهو باق على حسنه واقعا قلت التشريع ليس عبارة عن الخطرات القلبية والتصورات النفسية وانما هو عبارة عن اظهار ما يشرع به اذ لا طريق لنا الى حكم العقل بقبح تلك الخطرات والتصورات بل لا بد وان يرجع الى عالم الاظهار اما بالافتاء أو بايجاد العمل فاذا كان الفعل هو المشرع به فالحرمة متعلقة به لا بالنية والعزم نعم النية تكون سببا الى تحقق التشريع لا ان نفس النية هي التشريع لما عرفت انه يرجع الى عالم الاظهار على تفصيل ذكرناه في تقريراتنا لبحث الاستاذ المحقق النائيني (قدس‌سره).

تلك المحتملات من كون النهي لدفع توهم المشروعية او لدفع توهم الايجاب او للارشاد الى مانعية المنهي عنه عن صحة العبادة او كون النهي مولويا محضا غاية الامر ان الشرط يفترق عن الجزء فى ان النهي المتعلق بالشرط ولو كان يكشف عن مفسدة نفسية لا يقتضي الفساد لانه مع كونه كاشفا عن مفسدة لا ينافى وجود مصلحة نفسية في المشروط لان الشرط بالنسبة الى المشروط من مقدماته لا نفسه بخلاف الجزء من الشيء فانه لو كان يكشف عن مفسدة نفسية يوجب فساده وحينئذ يوجب فساد الكل لانتفاء الكل بانتفاء الجزء هذا كله في مقام الثبوت واما الكلام في مقام الاثبات فنقول ان النهي اذا لم يكن في مقام دفع توهم الايجاب وغيره من تلك المقامات فالنهي ظاهر في كونه مولويا ويحتاج الى كونه للارشاد الى قرينة فاذا كان كذلك دل على تحقق المفسدة فان اوجب تخصيص العمومات به وتقيد الاطلاقات به فحينئذ دل النهي على الفساد واما اذا لم يوجب ذلك فيكون فى متعلق النهي مصلحة فيلزم اجتماع المصلحة والمفسدة فيقع التعارض بينها فيتساقطان مع عدم اقوائية احدهما ويرجع الى اصالة الفساد وعليه لا يدل النهي على الفساد وإنما اقتضى اصالة الفساد ذلك واما اذا كان في مقام يوهم أحد هذه الامور من الوجوب والمشروعية الفعلية او الاقتضائية فلا يكون النهى حينئذ ظاهرا في المولوية لوروده في ذلك المقام الموجب لرفع ظهوره في ذلك ويكون من قبيل القرينة العامة الموجبة لعدم الحمل عليه فان كانت قرينة معينة لاحد تلك المقامات فيؤخذ بها وإلا فلا وكيف كان فالنهى لما لم يحمل على المولوية لا يدل على الفساد في جميع تلك المقامات من غير فرق بين تعلق النهي

بالعبادة (١) أو بجزئها.

__________________

(١) وبعض السادة الاجلة (قدس‌سره) في بحثه الشريف قال بان النهي في العبادة يقتضي الفساد سواء كان تحريميا أو تنزيهيا. نعم لو ثبتت الصحة فى العبادة المنهى عنها تنزيها كما في العبادات المكروهة فلا بد من تأويل لاقتضاء النهي عن شيء ولو تنزيها مبغوضيته وذلك ينافي صحته من غير فرق بين كون النهي فى العبادة ارشاديا أو مولويا اما الاول فلانه يكون ارشادا الى عدم كونها مطلوبة وخروجها عن دائرة الامر فتكون فاسدة لعدم الامر بها فان صحة العبادة تتوقف على الامر واما الثاني فلانه يكون دالا على منقصة فيها وهو مناف لطلبها من غير فرق بين كون النهي تحريميا أو تنزيهيا فالتحريمي المتعلق بالعبادة يتصور على وجهين الاول ان تكون حرمتها ذاتية كصوم يوم العيد فانه بنفسه محرم ومبغوض للمولى فلا اشكال في اقتضائه للفساد سواء كانت الحرمة فعلية أو كانت غير فعلية لكونه خارجا عن المأمور به وهو كاف فى الفساد. الثانى ان تكون حرمتها غير ذاتية بل لاجل ابتلائها بالمحرم كالصلاة فى المكان المغصوب.

ان قلنا ان حرمتها ليست بنفسها بل لاجل اشتمالها على الغصب وفي هذا القسم لا تكون العبادة فاسدة إلا اذا كانت الحرمة فعلية فانه حينئذ يمتنع صحتها والامر بها لكونها مشتملة على الحرام فعلا اما اذا كانت الحرمة غير فعلية فلا مانع من الامر بها والظاهر ان المراد من النهي فى العبادة هو الوجه الاول فيخرج المنهى عنه عن المأمور به ولذا يفسد ولو لم تكن حرمته فعلية.

اقول : هذا يتم بناء على صحة العبادة بالامر واما بناء على ان صحتها بالملاك فلا يتم ما ذكره فالذي يقتضيه الفساد هو ان النهي يكشف عن مبغوضية واقعية وبارتفاع النهي لا ترتفع المبغوضية الناشئة من المفسدة الذاتية ولذا تبطل العبادة فى مورد عدم تنجز النهي كما لا يخفى.

بيان ذلك انه بالنسبة الى ما لو كان النهي فى مقام توهم المشروعية فانه يدل على عدم تشريعه والعموم يدل على كونه مشروعا فيقع التعارض بينهما فيتساقطان فيرجع الى اصالة عدم التشريع وهي دالة على الفساد من دون اقتضاء النهي لذلك واما بالنسبة الى دفع توهم الايجاب فواضح فى ان النهي لا يدل على الفساد واما بالنسبة الى كونه للارشاد فالنهي حينئذ وان اقتضى مانعية ما تعلق به إلا انه لا يقتضي فساده اذ مع تحقق الاطلاق او العموم يقتضى صحته وان أوجب فساد العبادة المقترنة به وادعى بعض الاعاظم ان النهي المتعلق بالجزء يرجع الى كونه مانعا ولازمه تقييد العبادة بعدمه وذلك يوجب البطلان فمع الاتيان به يكون من الزيادة المبطلة للعبادة ولكن لا يخفى ان هذا يتم لو كان النهي دالا على المانعية واما اذا كان في مقام دفع توهم المشروعية او الحرمة المولوية فلا يستفاد منه تقييد العبادة لكي يكون اشتمالها عليه من الزيادة المبطلة.

بيان ذلك ان النهي فى ذلك لا يوجب فساد متعلقة بل يكون الفساد مستندا الى اصالة عدم التشريع نعم ربما يقال بان فساد ذلك يوجب فساد العبادة المشتملة عليه لكونه زيادة فيها أو يكون موجبا لنقصانها باعتبار انه يشترط عدمها إلا انه لا يكون من جهة دلالة النهي على الفساد وانما هو لدليل آخر يقتضى بطلان العبادة المقترنة به والانصاف انه تحتاج تلك المحتملات الى قرينة تعين واحدا منها واما مع عدم قريبة تعين احدها فالنواهي تكون ظاهرة في المانعية (١)

__________________

(١) لا يخفى ان النهي تارة يتعلق بالعبادة لذاتها واخرى يتعلق بها لاجل جزئها او الوصف المتحد معها أو مع جزئها وثالثة يتعلق بنفس الجزء أو الوصف المتحد مع الجزء او المتحد مع العبادة الظاهر ان النهي المتعلق بالجميع يدل على

كما يستفاد من الاوامر الواردة في اجزاء العبادة وشرائطها دخلها فيها واما دلالة

__________________

لفساد إلّا ان الملاك يختلف فما تعلق بالعبادة مطلقا ولو كان لاجل جزئها او وصفها بنحو يكون من الجهات التعليلية ملاكه ان النهى يكشف عن منقصة وحزازة في المتعلق بنحو يوجب تخصيص العمومات أو تقييد الاطلاقات ولذا تقول ببطلان العبادة ولو كانت فى ظرف عدم التنجز لكونها مبغوضة واقعا واما تعلقه بالجزء أو الوصف المتحد معه أو مع العبادة فملاك الفساد فيها هو استفادة المانعية من تعلق النهي بها ولذا ينبغي التعرض للمانعية.

فنقول قسموا المانعية على ثلاثة اقسام تارة يستفاد من النهي الغيرى كقوله لا تصل في غير المأكول واخرى يستفاد من النهي النفسي كقوله لا تلبس الحرير وثالثة يستفاد من التزاحم أما المانعية المستفادة من النهي الغيري فهي تتبع واقع النهي ولا يناط بتنجزه واما صحته فى صورة النسيان والجهل والاضطرار فهو لدليل ثانوي يدل على صحته وإلّا فمقتضى الدليل الاولي كون المانعية تقتضي الفساد.

واما القسم الثالث فالمانعية تناط بتنجز النهي ووصوله الى المكلف وبذلك يفرق بين القسم الأول والثالث ويوجد فرق آخر بين القسمين يرجع الى نفس الأصل الجاري في الشك في المانعية فان الشك من التزاحم ليس له موضوعية في مقام العذرية وانما جريان الاصل في الشك في المانعية من جهة التزاحم يوجب ترتب الحكم وحينئذ يكون حكما واقعيا ثانويا وبعبارة اخرى الشك ليس له موضوعية اذ يمكن ان تترتب عليه العذرية كما يمكن ان يتنجز نفس التكليف فبضميمة الأصل يترتب الحكم فيكون الاصل الجارى في الشك بالمانعية من جهة التزاحم له جهة موضوعية بخلاف الشك في المانعية من جهة النهي الغيرى فان جريان الاصل فى صورة الشك انما هو طريق لان المانعية تابعة لواقع النهي فاذا كان كذلك

النهي على فساد متعلقة فليس له دلالة إلا ان يدعي بان فى امثال هذه النواهي التي

__________________

فيكون بعد انكشاف الخلاف يرجع الى الخلاف في مسألة الاجزاء واما المانعية المستفادة من النهي النفسي فهي برزخ بين القسمين فمن جهة كون المانعية تناط بواقع النهى لا بتنجزه فكالقسم الاول ومن جهة انه ليس للشك حكم بل بجريان الأصل يكون له حكم فكالقسم الثالث ولذا حكموا بصحة الصلاة فى لباس الحرير في مورد النسيان والاضطرار وفي مورد الشك.

اما الاول فلان خطاب النهي اخص من الامر فيقيد اطلاق الامر سواء كان اطلاقه بدليا ام شموليا فاذا قيد تكون المانعية تابعة للنهي وجودا وعدما ومن الواضح ان الناسي والمضطر لا يعقل ان يتوجه اليهما الخطاب فنرتفع المانعية فيبقى الأمر بحاله واما في صورة الشك فلان الشك فى المانعية مسبب عن الشك في الحرمة ومع جريان اصالة الحل في مشكوك الحرمة لا يبقى موضوع للشك فى المانعية ولكن لا يخفى ما فيه ففي مورد النسيان والاضطرار لا يلزم من انتفاء النهي انتفاء المانعية اذ هما معلولان للمفسدة ولا يلزم من انتفاء احد المتلازمين انتفاء الآخر اللهم إلا ان يقال بان الدليل اللفظى الدال على الصحة في مورد النسيان والاضطرار كما رفع الخطاب يرفع الملاك ايضا فمع رفعه للملاك لا تبقى المانعية وذلك الدليل هو حديث الرفع (رفع عن امتي الخطأ والنسيان ... الخ) إلا ان ذلك وان كان ممكنا إلّا ان اثبات ذلك بدليل الرفع محل نظر بل منع واما مورد الشك فنقول الاحكام تارة تكون مترتبة على نفس العنوان الواقعي كمثل لا تصل في جلد الارانب واخرى تكون مترتبة على نفس الاحراز الذي هو حكم ثانوي وان كان واقعيا إلا أنه ثانوي ولو سلمنا الترتب بين المانعية والنهى إلا ان اصالة الحل ترفع المانعية الظاهرية بمعنى انه مرخص فى الفعل وليس ممنوعا عنه ولكن لا ترفع المانعية الواقعية المنوطة بواقع النهى وبالجملة جريان الاصل فى ظرف السبب

هي في مقام توهم المشروعية ظهور ثانوي يقتضي عدم المشروعية فيكون النهي بلفظه دالا عليه فيدل على الفساد ولكن اثبات هذه الدعوى محل نظر بل منع بل ربما يقال يعدم استفادة المانعية بالنسبة الى النهي المتعلق بالجزء والشرط اذ النهي عنهما لا يستكشف منه المانعية وانما يدل على توهم الجزئية أو الشرطية بلا استفادة مانعية ومخلية كل منهما. نعم يمكن استفادة ذلك من دليل آخر كما دل على كون الزيادة في الصلاة مبطلة ومانعة من صحتها.

واما الوصف المفارق كالغصبية بالنسبة الى الصلاة فهو من باب اجتماع الامر والنهي وهكذا يكون من باب الاجتماع بالنسبة الى الوصف الملازم كالجهر بناء على انه من الكيفيات القائمة بالغير فهو يكون كسائر الاعراض واما بناء على انه من مراتب الموصوف فيمكن دعوى ظهور النهي في الارشاد الى المانعية كما يجري ذلك فى الوصف المفارق إلا اذا كان متعلقا بعنوان آخر مفارق مع العبادة تارة ومجتمعا معها اخرى فانه حينئذ يمنع ظهور النهي في الارشاد الى المانعية اذ على هذا التقدير يمكن دعوى ظهوره فى المولوية وعليه لا يقتضي الفساد واقعا وانما يقتضي الفساد من جهة قصور فى التقرب في صورة الاجتماع مع المأمور به هذا كله في العبادات.

المقام الثانى فى المعاملات

لا يخفى ان التكلم في المعاملة يقع في موضعين :

الاول : المعاملة بالمعنى الاعم فان جميع المحتملات المتقدمة المذكورة فى

__________________

لا يرفع الشك فى المانعية بل يرفع المانعية الظاهرية وقد استوفينا الكلام فى تقريراتنا لبحث الاستاذ المحقق النائيني (قدس‌سره).

العبادات تجرى فى المعاملات إلا احتمال كون النهي فى مقام دفع توهم الايجاب فان هذا الاحتمال لا يتأتى في المعاملة اذ لا يتوهم أحد وجوبه بالعنوان الاولى ولا يقتضي النهي الفساد فى بقية المحتملات إلا فيما اذا كان في مقام دفع توهم المشروعية فانه ينافي المؤثرية وهو الذي ينبغي ان يقع الكلام فيه فنقول :

النهي ان دل على دفع توهم المشروعية فانه يقتضي الفساد بدعوى ان للنهي ظهورا ثانويا فى الارشاد الى دفع توهم المشروعية وان منعنا هذا الظهور فحينئذ يترجح عدم دلالة النهى على الفساد لكون النهى حينئذ ظاهرا فى المولوية النفسية وقد عرفت ان ذلك لا يوجب الفساد. وبالجملة ان اخذنا بالظهور الاولى وهو كونه مولويا منعنا دلالة النهي على الفساد وان منعنا عن ذلك بدعوى انعقاد ظهور ثانوي في الارشاد الى دفع توهم المشروعية فيلزم القول بدلالة النهى على الفساد لكن اثبات ذلك محل نظر كما لا يخفى.

الموضع الثاني في المعاملة بالمعنى الاخص لا يخفى ان النهى في المعاملة يكون على انحاء فتارة يراد منها المعاملة المعبر عنها بالسبب كالعقد المشتمل على الايجاب والقبول واخرى يراد منها المسبب وهو الاثر المترتب على العقد كالملكية وبعبر عنه بمضمون العقد وثالثة يراد منها التسبب بان يكون النهى واردا على جعل السبب الخاص وصلة الى تحصيل المسبب كان ينهى عن جعل البيع وصلة الى حصول الملكية مع عدم كون البيع منهيا عنه وعدم كون التمليك منهيا عنه فيكون النهى في الحقيقة راجعا الى التسبب بالبيع فكأنه يقول لا تتوصل بالبيع وتوصل اليها بالهبة مثلا ورابعة بنتيجة المعاملة بان يتعلق النهي بنفس الآثار كالنهي عن التصرف فى احد العوضين ومثل هذه الاقسام تجزي في الايقاعات ايضا اما تعلق النهي

بنفس السبب من عقد أو ايقاع كان يقول لا تبع وقت النداء فالنهي المتعلق به لا يقتضي الفساد اذا كان النهي مولويا سواء كان نفسيا أو غيريا اذ لا تستلزم مبغوضية السبب فساده لعدم المنافاة بين كون البيع محرما وبين ترتب اثره الذى هو الملكية وذلك لعدم اعتبار التقرب في المعاملة ولذا يشكل ذلك في بعض المعاملات التي اعتبر فيها التقرب كالصدقة مثلا إذ لازم التقرب رجحانه ومع تحقق المفسدة ينافي ذلك فما عن ابي حنيفة من دعوى دلالة النهي على الصحة انما يتم فى غير العبادي واما بالنسبة الى ما كان عبادة ففيه اشكال بل منع على ان ذلك لا يتم لو كان النهي فى مقام دفع توهم المشروعية بان يكون في مقام ردع العقلاء فى بنائهم على ترتب الاثر بل ربما يدعى ظهور النهي فى ذلك ظهورا ثانويا وعليه لا مانع من دعوى كون النهي المتعلق بالسبب دالا على الفساد باعتبار هذا الظهور الثانوي اللهم إلا ان يقال بان ذلك ليس من مقتضى طبع النهي وانما دل عليه بهذا الظهور الثانوي باعتبار اقترانه بما يصرف النهي عن الظهور الاولى فيكون من قبيل ما اقترن بما يصلح للقرينة ولو كانت تلك القرينة مقامية.

وبالجملة ان النهي عن السبب ان كان ظاهرا في المولوية فلا يدل على الفساد إلا اذا كان في مقام دفع توهم المشروعية فحينئذ يكون النهي فى مقام الرادعية واذا كان في ذلك المقام يكون النهي دالا على الفساد بظهور ثانوي وكونه في هذا المقام يحتاج الى احراز انه في مقام ردع العقلاء فى بنائهم على ترتيب الاثر ومع الشك في ذلك فلا مانع من جريان اصالة عدم الردع وذلك يقضي بالصحة لانه يستكشف منه عدم الردع فيكون المقام من قبيل التمسك بالاطلاق المقامي على امضاء

عمل العقلاء من ترتيب الاثر.

والحاصل ان النهي اما ان يكون مولويا فلا دلالة له على الفساد لعدم اخذ قصد التقرب في المعاملة واما ان يكون ارشادا الى الرادعية فيكون فى مقام دفع توهم المشروعية فيدل على الفساد هذا لو احرز ان النهي من احد القبيلين واما مع عدم الاحراز فالشك في ذلك يرجع الى الشك في الرادعية واصالة عدم الرادعية تقضي بالصحة.

واما النهي المتعلق بالمسبب فاذا كان مولويا ربما يقال بانه يقتضى الفساد بدعوى انه يقتضى سلب سلطنة الشخص عن ايجاد الامر ويعجزه شرعا عن ايجاده ولا نعني بالدلالة على الفساد إلا ذلك ولذا افتى الأصحاب ببطلان اجارة الواجبات المجانية ولكن لا يخفى ان النهي المتعلق بالمسبب لا يقتضي إلا كون المسبب مبغوضا للشارع واما انه يسلب سلطنته عن ايجاد الاثر فلا دلالة للنهي عليه شرعا واما فتوى الاصحاب ببطلان اجارة الواجبات المجانية فللدليل الدال على البطلان ولذا قيل بدلالته في هذه الصورة على الصحة بتقريب ان النهى المولوى لو اقتضى عدم ترتب الاثر يوجب ان يكون متعلقه غير مقدور وذلك يوجب انتفاؤه لاعتبار القدرة في المتعلق والانصاف ان ذلك يتم فيما اذا كانت المعاملة مجعولة شرعا حكما وموضوعا واما اذا كانت من المجعولات العرفية فنهي الشارع عن ترتب الاثر على تلك المعاملة يدل على كون الاثر مبغوضا لدى الشارع فنهيه يدل على عدم ترتبه كما هو كذلك بالنسبة الى المعاملة الربوية فمعنى نهى الشارع عنها عدم ترتب الاثر كالملكية المترتبة على تلك المعاملة ولا نعنى بفسادها

إلا عدم ترتب الأثر عند الشارع مع الالتزام بدلالة النهي على ترتب الاثر عند أهل العرف الذي هو الصحة عندهم لان ذلك يجعل المنهى عنه شرعا مقدورا الذي هو شرط فى صحة تعلق النهي هذا اذا احرز كون النهي مولويا. واما مع عدم الاحراز لذلك فيمكن دعوى ظهور ثانوي للنهي بدلالته على الفساد لكونه في مقام الردع وارشادا الى عدم الامضاء ولا نعني بالفساد إلا ذلك على انه لو انكرنا الظهور الثانوي وكان النهي محتملا للمولوية او الارشاد الى المانعية ومع تكافؤ الاحتمالين يكون النهي مجملا فمع عدم عموم او اطلاق يدل على الامضاء فالمرجع هو اصالة الفساد ، واما مع وجود العموم او الاطلاق فلا مانع من التمسك لصحة المعاملة بذلك العموم او الاطلاق لان اجمال النهى لا يسري الى العموم او الاطلاق لكون ذلك منفصلا فيكون من قبيل ما اذا كان المخصص المجمل منفصلا فان اجماله لا يسري الى العموم.

ومما ذكرنا ظهر حال النهي عن التسبب بالعقد ففي الحقيقة يرجع ذلك الى النهي عن التسبب الى الملكية بالمعاملة الخاصة الظاهر انه لا يقتضي الفساد بل قد يقال بان مقتضى ذلك الصحة حيث ان البيع مثلا اذا لم يكن سببا للملكية فلا يمكن التوصل به اليها فلا يصح النهي عن التسبب به لعدم كونه مقدورا هذا اذا كان النهي مولويا كما هو ظاهر ذلك من النهي وهو انما يتحقق فيما اذا لم يكن في مقام الردع لبناء العقلاء بهذا التسبب واما اذا كان في ذلك المقام فيرتفع ظهور النهي في المولوية ويكون ظاهرا فى الرادعية وعليه يكون النهي دالا على الفساد اللهم إلّا ان يقال ان مجرد كونه لدفع الرادعية لا يوجب الظهور في الرادعية اذ

الاقتران بما يصلح للقرينة يوجب الاجمال وحينئذ يرجع الى اصالة عدم الرادعية ولكن ذلك محل نظر بل منع إذ مع تحقق العموم أو الاطلاق فى مورد المعاملة يرجع الى ذلك وإلّا فالمرجع اصالة الفساد.

واما النهي المتعلق بنتيجة المعاملة بان يتعلق النهي بنفس الآثار كقولهم ثمن العذرة سحت او ثمن الكلب سحت او لا تتصرف بالثمن الظاهر ان ذلك يدل على الفساد فيكون الثمن باقيا على ملك صاحبه ولم ينقل بسبب هذه المعاملة الى البائع ولذا يأكل البائع ذلك الثمن سحتا من غير فرق بين كون النهى مولويا او ارشادا الى المانعية نعم لو كان المنع عن التصرف لاجل عنوان ثانوي من نذر وغيره فاته لا يقتضي الفساد قطعا هذا كله في النهي المتعلق بنفس المعاملة واما تعلقه بالجزء او الشرط فلا يبعد دعوى كون النهي عنهما دالا على الفساد إذ الظاهر ان النهي عنهما في مقام المانعية كما يستفاد ذلك بالنسبة الى النهي المتعلق بالوصف المفارق او الملازم اذ لا معنى للنهى عنهما مولويا وإنما النهى وارد مورد الارشاد الى المانعية هذا لو احرز كون النهى في مقام دفع توهم المشروعية كما هو ظاهر النواهي المتعلقة بها واما لو احتمل كونها في مقام دفع توهم المشروعية فحينئذ يشك فى كونها وردت فى مقام الرادعية المقتضية للمانعية فالمرجع الى اصالة الفساد. وبالجملة النهي المتعلق بها على عكس النواهي المتعلقة بالاجزاء والشرائط في العبادات.

بيان ذلك ان الظاهر من النهي في العبادات على ما عرفت من المولوية فلذا لا دلالة للنهي فيها على الفساد ومع الشك فى كون النهي للمولوية واحتملنا انه ارشاد

الى المانعية فلا يرجع الى اصالة الفساد لجريان البراءة العقلية والنقلية في نفي المانعية بخلاف المعاملة فانه مع الشك في كون النهي للمولوية يرجع الى اصالة الفساد لعدم جريان البراءة فيها اما البراءة العقلية فلا تجرى لعدم احتمال العقاب فيها واما الشرعية فهي وان كانت شاملة لها إلا انها وارده في مقام الامتنان وذلك يمنع من شمولها اذ لو شملت يجب الوفاء بالمعاملة وذلك خلاف الامتنان هذا آخر ما اردنا بيانه من المقصد الثاني في النواهي والحمد لله رب العالمين.

(المقصد الثالث فى المفاهيم)

وفيه فصول :

الفصل الأول في المفهوم والمنطوق :

فنقول عرف المفهوم بما دل عليه اللفظ لا في محل النطق والمنطوق بما دل عليه اللفظ في محل النطق ولا يخفى ان تعريف المنطوق بذلك يوجب حصره في الدلالة المطابقية والتضمنية لانهما المدلولان للفظ فى محل النطق وتعريف المفهوم بذلك يوجب شموله لمطلق المداليل الالتزامية سواء أكانت من البين بالمعنى الاخص او الأعم أو غير البين من غير فرق بين المداليل الافرادية او التركيبية اذ دلالة المطابقة والتضمن والالتزام كما تكون فى الافرادية تكون فى التركيبية وان اختلفت التسمية ففي الافرادية تسمى الدلالة بالمطابقة والتضمن والالتزام وفي التركيبية تسمى بالمفهوم والمنطوق وعليه تكون جميع مداليل الالفاظ تندرج تحت ما ذكر من تعريف المفهوم والمنطوق حتى مثل دلالة الآيتين على اقل الحمل كما ادعى صاحب الفصول (قده) ان ذلك مندرج تحت منطوق لآيتين وحينئذ لا يخرج شيء من تلك المداليل عنهما نعم مثل الاشارة والايماء ليستا من مداليل الالفاظ فلا يشملهما التعريف لخروجهما من المقسم الذى هو مداليل الالفاظ ولكن لا يخفى ما فيه فان المستفاد من الكلمات حصر المفهوم بقسم خاص من الدلالة الالتزامية وهو ان يكون اللزوم من البين بالمعنى الاخص الذي هو عبارة

عن ان تصور الملزوم كاف فى تصور اللازم فلذا يدل اللفظ عليه بنفسه من دون ضم مقدمة عقلية بخلاف البين بالمعنى الأعم فانه لا يكفي فيه تصور الملزوم بل يحتاج مع ذلك الى مقدمة عقلية فى استفادة اللزوم فلذا لا يعد ذلك من المداليل اللفظية بل من باب الملازمات فضلا عن غير البين كما انه يستفاد من الكلمات حصر المفهوم بالجمل التركيبية فلا تشمل الافرادية كدلالة حاتم على الجود أو الشمس على الضوء فالمفهوم والمنطوق عندهم عبارة عن دلالة قضية لفظية على قضية غير لفظية من غير فرق بين كون القضية غير اللفظية موافقة بالايجاب والسلب للمنطوق فيقال لها مفهوم الموافقة كما تستفاد حرمة الضرب أو الايذاء من قوله تعالى : (فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍ) او مخالفة لها بذلك فيقال لها مفهوم المخالفة كما تستفاد حرمة اكرام زيد عند عدم مجيئه من قوله ان جاءك زيد فاكرمه ولقد اجاد الاستاذ (قدس‌سره) فى الكفاية في تعريف المفهوم بحكم غير مذكور حيث جعله من الجمل التركيبية لا من الافرادية ولم يخصه بالحكم المخالف لكي يختص بمفهوم المخالفة.

ودعوى ان مفهوم الموافقة هو ان الحكم مذكور فى المنطوق فيكون من المنطوق لا من المفهوم في غير محلها اذ الحكم فيها غير مذكور فيه وانما المذكور في المفهوم مثل المنطوق اذا الضرب والايذاء ليسا داخلين تحت التأفيف الذي هو المنطوق نعم يرد عليه انه ينبغي ان يقيد الحكم غير المذكور في التعريف بما بين الحكمين لزوم بين بالمعنى الاخص هذا وان امكن الاعتذار عنه بان هذه التعاريف من قبيل شرح اللفظ وانه تعريف بالاعم ومع هذا فهو من اجود التعاريف خصوصا لو اريد من الحكم سنخ الحكم كما صرح به (قدس‌سره) في الامر الأول بما لفظه (ان المفهوم هو انتفاء سنخ الحكم المعلق على الشرط عند انتفائه لا انتفاء شخصه)

وعليه فالعمدة فى تحقق المفهوم هو تعليق سنخ الحكم لا شخصه وذلك يتوقف على معرفة سنخ الحكم وشخصه فنقول الحكم الشخصي يتحقق بنحوين من التشخص نحو يحصل من الانشاء وهو الذي اخرجه من العدم الى الوجود ونحو يتشخص بالعوارض والمقارنات لكونه متعلقا بفعل خاص وموضوع خاص كقولنا اكرم زيدا فان تشخصه حصل بالمقارنات من العوارض والموضوع الخاص وهذا التشخص فى طول التشخص الأول اذ الحكم يتشخص اولا وبالذات بوجوده الانشائي ثم يتشخص بالموضوع وبالمقارنات ثانيا وبالعرض وهذا هو الذي يطلق عليه الحكم الذي هو مورد الاطاعة والعصيان واما سنخ الحكم فهو يحصل بامور ثلاثة الأول ان يراد منه الطبيعة المهملة ، الثانية يراد منه صرف وجود الطبيعة ، الثالث الطبيعة السارية وبعد معرفة ذلك فلا اشكال في ان تشخص الحكم بالنحو الأول غير مراد من الحكم اذ هو ينعدم بانعدام الانشاء وانما المراد هو النحو الثاني من التشخص اذ الانشاء يوجد شخصا خاصا من الحكم متشخصا بمقارناته وبموضوعه حتى لو كان موقتا بوقت فيكون له الداخل فى تشخصه بل كل قيوده يكون لها الدخل في التشخص فكل عنوان اخذ موضوعا للحكم مع ما له من القيود والحالات يكون لها دخل في نفس الحكم بنحو يكون جميع ما ذكر فى ناحية الموضوع تمام الموضوع لذلك الحكم فيكون ظاهر القضية بالنسبة الى الاحكام المترتبة على موضوعاتها يدل على ان جميع ما أخذ في الموضوع يكون له الدخل فى الحكم بنحو تكون باجمعها تمام الموضوع وتكون للحكم بمنزلة العلة المنحصرة مثلا لو قال اكرم الهاشمي يستفاد ان عنوان الهاشمي له الدخل في وجوب الاكرام فلو قيده بيوم الجمعة فيكون تمام الموضوع عنوان الهاشمى في يوم الجمعة كما انه لو

قيد ذلك ببلد مخصوص يكون تمام الموضوع الهاشمي يوم الجمعة فى البلد الخاص فلذا نرى الأصحاب في المطلق والمقيد يحملون المطلق على المقيد مثلا لو قال اعتق رقبة ثم ورد دليل آخر اعتق رقبة مؤمنة لما يرون بين الدليلين تعارضا وذلك يكشف عن أخذ الموضوع فى كل من القضية تمام الموضوع اذ لو أخذ على نحو لا يكون تمام الموضوع فى المطلق لا يكون بينهما تعارض فلا يوجب حمل المطلق على المقيد وكيف كان فلا يبقى الاشكال فى ان ظاهر القضية أخذ الموضوع على نحو التمامية من غير فرق بين القضية الشرطية أو الوصفية بل حتى القضية المشتملة على اللقب اذ كل قضية ظاهرة في كون تمام الموضوع هو ما أخذ فيه على نحو العلة المنحصرة بالنسبة الى الحكم المترتب عليه مما لا ريب فيه ولا شبهه تعتريه.

فدعوى استفادة المفهوم من ظهور القضية فى العلة المنحصرة فى غير محلها اذ هذا المعنى ثابت حتى في اللقب بل فى جميع القضايا فعليه ليس نظر الاصحاب الى الالتزام بالمفهوم راجعا الى ما ذكرنا من ظهور القضية في العلة المنحصرة والمنكر يدعى عدم ظهورها فى ذلك اذ قد عرفت ان الجميع يلتزمون بذلك الظهور وانما نظرهم الى غير ذلك وهو ان من يدعى المفهوم فى بعض القضايا يدعى بان المعلق في القضايا هو سنخ الحكم ومن ينكر المفهوم ان المعلق شخص الحكم فمرجع النزاع في المفهوم وعدمه الى ذلك بعد الفراغ عما ذكرنا من ظهور القضايا باجمعها على أخذ العناوين في جانب الموضوع بالنسبة الى الحكم بنحو العلة المنحصرة وعليه فمركز البحث بين المنكر والمثبت في الخطاب المعلق على العنوان هل هو سنخ الحكم أو شخصه ، بيان ذلك ان اثبات الحكم لموضوعه سواء كان بنحو التعليق اولا مثلا ان جاءك زيد فاكرمه ان كان المراد من الحكم هو صرف

وجود الاكرام فذلك اما بسبب لفظه ان او بمقدمات الحكمة فلا محالة يدل على انه بانتفاء المجيء ينتفى صرف وجود الطبيعة للوجوب لكون المجيء علة منحصرة لذلك وان كان المراد منه الطبيعة المهملة فهي في قوة الجزئية حيث انها قابلة للانطباق على شخص الحكم ولو بقرينة من خارج فلذا لا يستفاد المفهوم من القضية المشتملة على ذلك واما ارادة الطبيعة السارية من الحكم بنحو يكون المعلق فى القضية جميع افراد تلك الطبيعة فهو امر غير معقول كما انه لا يعقل ارادة التشخص بخصوص ما يوجد بإنشائه اذ هو ينعدم بانعدام الانشاء كما انه لا دخل لوجود المنشئ في تشخص حكمه اذ يلزم ان ينعدم بانعدام المنشئ مع أنه يتحقق الحكم الشخصي مع انعدام المنشئ وانما المراد من الحكم الشخصي هو ما يكون تشخيصه بموضوعه مع ما له من القيود بنحو تكون باجمعها تمام الموضوع ويكون ذلك دخيلا فى قوامه وتحققه وبانعدام ينعدم الحكم لفرض ان الموضوع بتمامه بنحو العلة المنحصرة له ولذا لا يعقل يقاؤه وإلا لزم بقاء المعلول من دون علته فلذا كان انتفاء الحكم مع زوال الموضوع من البديهات غير القابلة للانكار فعليه لا مجال لتقرير الانكار من منع العلة تارة أو الانحصار اخرى أو السنخ ثالثة بل لا بد وان يرجع النزاع في المفهوم الى ان التعليق هو السنخ أو الشخص وان شئت توضح ذلك فاعلم ان القضية تنحل الى عقدين عقد الواضع وعقل الحمل مثلا اعتق رقبة مؤمنة فالرقبة المؤمنة عقد الوضع يتصور فيه ثلاث احتمالات.

الاول ان لا يكون للايمان دخل في الموضوعية بل انما اتى به لكونه اكمل الافراد.

الثاني كون الرقبة المؤمنة تمام الموضوع لترتب الحكم.

الثالث ان لا يكون فى مقام البيان لاحتمال وجود قيد آخر لم يذكر ككونها بخفية مثلا وحينئذ بمقتضى الصورة الاولى والثانية انه لو جاء دليل آخر بلسان الموضوع المطلق لا يقع بين الدليلين تعارض اذ لا معارضة بينهما ولكن المعروف عند القوم تحقق المعارضة بين الدليلين وذلك يكشف ان الموضوع اخذ على نحو يكون تمام الموضوع كما هو مقتضى الصورة الثانية وذلك مقتضى ظاهر أخذ الموضوع في القضايا فلذا تجد المعارضة بين الدليلين وعليه كلما ذكر في عقد الوضع من نفس الموضوع وقيوده المأخوذة فيه يكون ظاهرا فى العلية المنحصرة لثبوت المحمول له فلذا ينبغي صرف الكلام عنه وجعل البحث مختصا بعقد الحمل فان عقد الحمل في المثال هو نفس الأمر بالعتق فيتصور فيه الطبية المهملة أو الطبيعة بمعنى صرف الوجود واما الطبيعة السارية فبمعنى جميع افراده فغير معقول نعم بالنسبة الى المراتب المتصورة فلا مانع من ارادتها فالذي يدعى المفهوم يثبت كون المراد هو الطبيعة بمعنى صرف الوجود لكي ينتفي صرف الوجود عند انتفاء ما علق عليه واثبات ذلك اما من لفظة (ان) او بمقدمات الحكمة والمنكر له يدعى ان المراد شخص الحكم او سنخه بمعنى الطبيعة المهملة كما هو طبع القضية فان المراد من المحمول حسب طبعه الاولى هو ارادة الطبيعة المهملة منه وذلك لا يقتضي بنفسه نفي الحكم في غير مورده فلا يكون له مفهوم فمن يدعى المفهوم يحتاج الى عناية زائدة في القضايا من كونها فى مقام تعليق المحمول باطلاقه على الموضوع فتلك الجهة الزائدة تحتاج الى دال آخر يدل عليها زيادة على ما يقتضيه طبع القضية كادوات الشرط او الغاية أو الوصف أو الحصر وإلا فالجميع ليس لها دلالة تزيد على طبع القضية فلا مفهوم لها ويكون حالها كالالقاب فانه لا يتوهم أحد فى دلالتها على المفهوم إلا

اذا قامت قرينة شخصية تدل على خصوصية زائدة عما يقتضيه طبع القضية من كونه في مقام التحديد ينبغي لنا التكلم في تحقق تلك الجهة الزائدة (١) ولذا وقع

__________________

(١) لا يخفى ان المنشأ فى الجملة الخبرية والانشائية انما هي طبيعة الحكم لا شخصه اذ الخصوصية الموجبة للتشخص انما تحصل بعد حصول المنشأ فلا يعقل اخذها فيه نعم ارادته بالخصوص يحتاج الى قرينة خاصة تدل عليه وإلّا القضية بطبعها تقتضي الحكم وحينئذ ان كان ما علق عليه من العلة المنحصرة بطبيعة الحكم يثبت المفهوم لانعدامها بانعدام تلك العلة المنحصرة ومعنى انعدامها انعدامها بانعدام تمام افراد الطبيعة وان لم يكن ما علق عليه من العلة المنحصرة لا يمكن اثبات المفهوم كما انه لا يمكن الالتزام بالمفهوم لو كان المنشأ شخص الحكم حتى لو كان المقدم بنحو العلة المنحصرة اذ انتفاء شخص الحكم بانتفاء موضوعه عقلي فالقول بالمفهوم يحتاج الى امرين كون المنشأ سنخ الحكم اي طبيعة الحكم وان المقدم من العلة المنحصرة واثبات ذلك يمكن ان يكون بوضع الاداة ويمكن اثباته بالاطلاق اى بمقدمات الحكمة في اطلاق الجزاء بعد كون المنشأ هو طبيعة الحكم اذ لو كان المنشأ في الجزاء الشخصي لما امكن استفادة المفهوم اذ انتفاء شخصه عند انتفاء المقدم عقلي مع ان طبيعة الحكم الذي هو من السنخ لم يكن مذكورا فى المنطوق لكي يدل على انتفائه عند انتفاء المقدم فيكون من المفهوم ومنه يعلم فساد دعوى عدم توقف جعل المنشأ سنخ الحكم في أخذ المفهوم بل اخذه مع كون المنشأ شخصه اذا كان المقدم علة منحصرة لسنخه اذا لو كان المنشأ شخصه لما كان سنخ الحكم مذكورا في المنطوق فلا يدل على انتفاء سنخ الحكم عند انتفاء المقدم بالدلالة الالتزامية فلا بد عند أخذ المفهوم من كون المنشأ فيه سنخ الحكم وكان المقدم من العلة المنحصرة فحينئذ يكون انتفاء سنخه عند انتفاء المقدم مدلولا التزاميا للمنطوق وكيف كان فالمفهوم يحصل من جريان مقدمات الحكمة لاثبات الاطلاق فى الجزاء والظاهر انه لا محذور فى جريانها سوى ان الجزاء اذا كان

الكلام فى بعض القضايا كالقضية الشرطية او الوصفية أو الغاية أو الحصر حيث يمكن دعوى اشتمالها على تلك الجهة الزائدة التي بثبوتها يثبت المفهوم وبانتفائها ينتفي المفهوم وحاصل ما استفيد من تلك القضايا انها ان لم تشتمل على جهة زائدة على ربط الحكم بالموضوع بان تكون القيود راجعة الى ناحية الموضوع كمثل ان ركب الامير فخذ بركابه او ان رزقت ولدا فاختنه وامثال ذلك مما كانت القيود محققة للموضوع فلا يستفاد منها المفهوم وان اشتملت على جهة زائدة على ربط الحكم بموضوعه كما هو الظاهر من القضية الشرطية مثل ان جاءك زيد فاكرمه حيث ان مقتضى أداة الشرط ربط الحكم بالشرط زائدا على ربطه بموضوعه أو مقتضي جريان مقدمات الحكمة ذلك فحينئذ يمكن دعوى الاطلاق بتلك الجهة الزائدة الموجبة لتولد المفهوم وبذلك يخرج عن الاجمال والاهمال وان كان هناك اجمال واهمال فى الجهة الاخرى إذ لا تنافى بين اطلاق الحكم من جهة واهماله من جهة اخرى لجريان مقدمات الحكمة في تلك الجهة الزائدة دون الجهة الاخرى

بيان ذلك انه لو اشتملت القضية الواحدة على الشرط والوصف كما فى ان جاءك زيد قائما فاكرمه وقلنا بالمفهوم في الشرط ومنعناه في الوصف كما هو الحق

__________________

انشائيا يكون سنخ الحكم من مفاد الهيئة وهي من المعانى الحرفية لا اطلاق فيها لعدم قبولها للتقييد اما لانها جزئية غير قابلة للانطباق على الكثيرين واما لانها مما يغفل عنها. ولكنك قد عرفت منا سابقا بان المعان الحرفية كلية مقصودة بالافادة إلا انها ملحوظة تبعا فهي قابلة للاطلاق والتقييد على ان المعلق هو نتيجة الجملة اى طبيعة وجوب اكرام زيد في قولك ان جاءك زيد فاكرمه وهو معنى اسمي قابل للاطلاق والتقييد على تفصيل ذكرناه في حاشيتنا على الكفاية.

من ان الوصف كاللقب بملاحظة كونه من قيود الموضوع فيكون به تمام الموضوع للحكم فلذا لا يكون من الجهة الزائدة على ربط الحكم بالموضوع فلا يكون له مفهوم فتجري مقدمات الحكمة في الحكم بالنسبة الى الشرط الموجب لتولد المفهوم منه ولا تجرى فيه بالنسبة الى الوصف وان كان الحكم واحدا ودعوى ان الحكم المعلق في القضية لما كان واحدا لا يعقل ان يكون مهملا بالاضافة الى الوصف ومطلقا بالاضافة للشرط ممنوعة فان المعنى الواحد يمكن اطلاقه بلحاظ واهماله بلحاظ آخر كما يتصور ذلك في الكلي فان له افرادا واحوالا فيمكن ان تجري مقدمات الحكمة فى افراده فيكون له اطلاق بالنسبة اليها ولا تجري في احواله فلا يكون له اطلاق بالنسبة الى الاحوال كما يمكن ذلك بالعكس بل نادر تحصيل الاطلاق من الجهتين اذ لا يستلزم الاطلاق من جهة ، الاطلاق من سائر الجهات لعدم المنافاة بين الاطلاق من جهة والاهمال من الجهة الاخرى فان الحكم المعلق على الشرط فيه اقتضاء للاطلاق بالنسبة اليه وبالنسبة الى الوصف فلا اقتضاء فيه لذلك ومن الواضح عدم المزاحمة بين الاقتضاء واللااقتضاء فلا تنافي بينهما. هذا اذا امكن انفكاك الوصف عن الشرط كالمثال المتقدم واما اذا لم يمكن انفكاكهما فان الاهمال فى احدهما يستلزم الاهمال في الآخر ولو قلنا بان الشرط يجرد عن المفهوم ويكون فى مقام بيان وجود الموضوع فلازمه الالتزام بالاهمال فى الوصف ويرتفع المفهوم منه لرفعه من الشرط كما التزم ذلك الشيخ الانصاري (قدس‌سره) فى آية النبأ فانها مشتملة على الشرط والوصف فجعل الشرط انما جيء به لبيان وجود الموضوع فرفع المفهوم من الآية المباركة وان كان الاستاذ (قدس‌سره) قال باثبات المفهوم للشرط إلّا انه جعله ملازما لمفهوم اللقب حيث ان الشرط فيها هو موضوع الحكم فبملاحظة كونه

موضوعا للحكم لا اقتضاء بالنسبة الى المفهوم فيكون مساوقا للقلب وبملاحظة كونه شرطا معلقا يكون ذا اقتضاء ومن الواضح عدم المزاحمة بين الاقتضاء واللااقتضاء فيكون للآية الشريفة مفهوم والتحقيق هو ما ذكره الاستاذ (قدس‌سره) إلا ان يدعى بان امثال هذه القضايا وردت لبيان وجود الموضوع كما لا يخفى لان لهما مفهوما ويكون من السالبة بانتفاء الموضوع.

ثم انك قد عرفت مما تقدم ان المفهوم تابع للمنطوق وانه من المداليل الالتزامية للمنطوق لما بينهما من اللزوم البين فيكون من اللوازم العقلية والاحكام العقلية غير المستقلة (١) ولازم ذلك ان يكون المفهوم تابعا للمنطوق بجميع ما له

__________________

(١) ولذا يعتبر فى المفهوم جميع الخصوصيات المأخوذة فى طرف المنطوق بنحو لا يفرق بينهما الا بالايجاب والسلب فان قولنا ان جاءك زيد راكبا فاكرمه مفهومه ان لم يجئك زيد راكبا فلا تكرمه ومن هنا وقع الاشكال فى ادلة الكر كما في قوله (ع) (اذا بلغ الماء قدر كر لا ينجسه شيء) فان مفهومه يتنجس الماء بشيء ما عند ارتفاع الكرية وذلك من جهة أخذ السلب الكلي في المنطوق ونقيضه الايجاب الجزئي فمفهوم هذه الرواية لا يدل على تنجس الماء القليل بكل واحد من النجاسات فضلا عن دلالته على تنجسه بالمتنجسات ولكن لا يخفى ان المعلق على الشرط هو الحكم المستفاد من النكرة فى سياق النفي لا عموم الحكم فحينئذ يكون الحكم انحلاليا ففي الحقيقة المنطوق عبارة عن ان الماء الذي بلغ مقدار الكر لا يتنجس بملاقات العذرة والبول والدم وغير ذلك من النجاسات والمتنجسات فعلق في الرواية عدم الانفعال باحد المذكورات على الكرية فيكون مفهومه رفع هذا الحكم بارتفاع الكرية ومعنى عدم الانفعال باحدها عبارة اخرى عن غير الكر ينفعل باحدها ولو سلم ان مفهومه يثبت الايجاب الجزئي فنقول يثبت العموم بعدم

من الخصوصيات فلا معنى لتخصيصه أو تقييده بنحو لا يتصرف في منطوقه وبالجملة لا بد من التصرف فى المنطوق بالتخصيص او التقييد حيث يقصد تخصيص المفهوم او تقييده لما هو معلوم انه من توابع المنطوق كما لا يخفى.

مفهوم الشرط

الفصل الثاني في مفهوم الشرط فنقول اختلف القوم في ان للقضية الشرطية مفهوما أم لا؟ قال الاستاذ (قدس‌سره) في الكفاية : (فلا بد للقائل بالدلالة من اقامة الدليل على الدلالة باحد الوجهين على تلك الخصوصية المستتبعة لترتب الجزاء على الشرط نحو ترتب المعلول على علته المنحصرة واما القائل بعدم الدلالة ففي فسخه فان له منع دلالتها على اللزوم بل على مجرد الثبوت عند الثبوت ولو من باب الاتفاق أو منع دلالتها على الترتب أو على نحو الترتب على العلة أو العلة المنحصرة بعد تسليم اللزوم أو العلية لكن منع دلالتها على اللزوم).

وحاصله ان المثبت للقضية الشرطية بان لها مفهوما يستدل باحد امرين الأول ان ادوات الشرط موضوعة لان يكون مدخولها علة منحصرة لثبوت الجزاء المعلق على ثبوته. الثاني جريان مقدمات الحكمة لاحراز كون الشرط اخذ بنحو

__________________

القول بالفصل اذ لم يذهب أحد الى الفصل بين النجاسات وعليه لا يشمل المتنجسات إذ ذلك يشمل ما فرض نجسا واما تنجيس المتنجس فيستفاد من دليل آخر ولا يستفاد من هذا الدليل وقد استوفينا البحث فى تقرير الاستاذ المحقق النائينى (قدس‌سره).

العلة المنحصرة المترتبة عليه والمنكر فله جهات للانكار اما ينكر اللزوم كالقضية الاتفاقية أو ينكر الترتب أو ينكر العلية مع تسليم اللزوم مع الترتب بان يلتزم بالترتب وينكر العلية كالترتب بالطبع أو يسلم العلية ولكن ينكر الانحصار ولكن لا يخفى انك قد عرفت ان ظاهر القضية الشرطية بل كل قضية دخل كل عنوان فى شخص الحكم بنحو العلة فلذا لا معنى لجعل البحث في مفهوم الشرط يرجع الى كون الشرط بنحو العلة المنحصرة وعدمه الى عدمه بل مرجعه الى تعليق سنخ الحكم او شخصه فنقول ان طبع القضية من حيث اقتضاء أداة الشرط ربط الحكم بشرطه زائدا على ربط الحكم بموضوعه فاذا اشتملت القضية على تلك الزيادة فحينئذ مقدمات الحكمة تقضي اطلاق الحكم الملازم لتجريده من هذه الجهة فلذا يمكن ان يدعى جريان اصالة الاطلاق وبجريانها يقتضي التجريد من هذه الجهة وان كان بالاضافة الى طرف الموضوع يبقى على حاله من حيث ان طبيعة الاهمال في طرف المحمول بالاضافة الى موضوعه.

وعليه تكون مقدمات الحكمة تثبت المفهوم ان كان المعلق سنخ الحكم وان كان شخص الحكم فلا موقع لجريانها حيث انك قد عرفت ان عنوان الموضوع مع جميع ما له من القيود يكون بالنسبة اليه من العلة المنحصرة فمع انتفائه ينتفي شخص الحكم عقلا بلا حاجة الى جريان مقدمات الحكمة فلذا قلنا ان مرجع النزاع فى الحقيقة فى اثبات المفهوم وعدمه الى ان المعلق شخص الحكم او سنخه فان كان الأول يلزم القول بعدم ثبوت المفهوم للقضية الشرطية وان كان الثاني فالقول ثبوت المفهوم لها والتحقيق هو الثاني.

بيان ذلك ان المعلق في القضية الشرطية هو طبيعي الحكم من غير فرق

بين أن يكون المنشأ بمادة الوجوب او التحريم او التحريم أو بهيئتهما كصيغة أفعل اما ما كان بالمادة كمثل ان جاءك زيد فيجب عليك اكرامه فلا اشكال في ان المادة موضوعة بالوضع العام والموضوع له عام واما ما كان منشأ بهيئتهما فعلى المختار في وضع الحروف من الوضع العام والموضوع له عام فيكون المنشأ هو طبيعي الحكم فعليه ان احرز اطلاق الحكم بمقدمات الحكمة ثبت ان كل حكم يثبت بثبوت موضوعه ولازمه ان ينتفي بانتفائه فيكون مفاده ان طبيعي الحكم يثبت بثبوت الموضوع وينتفي بانتفائه وليس المفهوم إلا ذلك وهذا المفهوم إنما حصل بمقدمات الحكمة المثبتة للاطلاق من الجهة الزائدة على ربط الحكم بموضوعه وهو الشرط ولا ينافي عدم جريانها بالنسبة الى نفس ربط الحكم بموضوعه فيلتزم بالاهمال من جهة الموضوع والاطلاق بالجهة الزائدة اذ الاخذ بالاطلاق من جهة لا ينافى الاهمال من جهة اخرى لعدم منع الاهمال من جهة التمسك بالاطلاق من سائر الجهات وبهذه العناية ربما نقول بمفهوم الغاية والحصر واما الوصف حيث ان الوصف من شئون الموضوع لذا يصير منشأ للتشكيك في جريان اصالة الاطلاق وان كان الظاهر عدم جريانها لما عرفت من ان مقتضى طبع القضية اهمال الحكم بالنسبة الى موضوعه بجميع شئونه وقيوده والوصف من شئون الموضوع وقيوده فلم يكن في القضية الوصفية ما تكون جهة زائدة على ربط الحكم بموضوعه.

وبالجملة ان المفهوم يستفاد من جريان مقدمات الحكمة لاثبات اطلاق الحكم بالنسبة الى الجهة الزائدة من الشرط وغيره ولا ينافي اهماله بالنسبة الى موضوعه

ان قلت هذا يتم فيما اذا كان الحكم بمادة الوجوب كما لو قال ان جاءك زيد يجب اكرامه بخلاف ما اذا كان بهيئة كما لو قال ان جاءك زيد اكرمه حيث ان

مفادها معنى حرفى وهو جزء غير قابل للاطلاق. فكيف يثبته مقدمات الحكمة لانا نقول هذا يتم بناء على مختار الشيخ الانصاري (قدس‌سره) من كون معان الحروف جزئية والجزئي لا اطلاق فيه ، واما بناء على المختار من ان وضع الحروف بالوضع العام والموضوع له عالم فلا مانع من جريان مقدمات الحكمة لاثبات الاطلاق ودعوى ان المعنى الحرفي ملحوظ آليا لكونه مما يغفل عنها والاطلاق والتقييد يحتاج الى الاستقلال فى اللحاظ.

قال الاستاذ (قدس‌سره) فى الكفاية اولا هذا فيما لو تمت هناك مقدمات الحكمة ولا يكاد يتم فيما هو مفاد معنى حرفي كما هاهنا وإلّا لما كان معنى حرفيا كما يظهر وجهه بالتأمل ممنوعة فانك قد عرفت منا سابقا بان معان الحروف من خصوصيات المعنى الاسمي وانها معاني مقصودة بالافادة ومع كونها كذلك كيف تكون مما يغفل عنها ولاجل ذلك صححنا ارجاع القيود الى الهيئة مع كونها معنى حرفيا فاذا صح ذلك فلا مانع من جريان مقدمات الحكمة لاثبات الاطلاق فيها كما لا يخفى ثم انه استدل غير واحد على المفهوم باطلاق الشرط بتقريب ان اطلاقه يقتضي ان يكون هو تمام المؤثر وكونه علة تامة اذ لو لم يكن كذلك لقيد فلما لم يقيد يعلم انه تمام المؤثر.

اقول ذكر الشرط من دون تقييد لا يدل على كونه علة تامة لانه يمكن ان يكون المؤثر امرين متضادين بنحو يؤثر أحدهما فلو سبق احدهما لا يبقى مجال لتأثير الآخر وحينئذ لا يدل على انحصار العلة إلا ان يدعى بان هذا الاطلاق بالنسبة الى المعلول والجزاء يثبت المطلوب بتقريب ان ظاهر استناد المعلول والجزاء الى الشرط بنحو الاطلاق يدل على انه لا يستند الى شىء آخر فحينئذ يدل على

الانتفاء عند الانتفاء وقد يقرب اطلاق الشرط بان اطلاق الشرط يقتضي التعيين كما ان اطلاق الامر يقتضي التعيين للوجوب.

اقول لا يخفى ان قياسه على الوجوب التعييني لا من جهة الاختلاف في انحاء الترتب حتى يتوجه ايراد الاستاذ (قدس‌سره) في الكفاية بما حاصله ان التعيين والتعدد في الشرط من نحو واحد بخلاف التعدد والوحدة فى الوجوب فليسا من نحو واحد. بل من جهة انه لو كان المعلول والجزاء له علة اخرى فلا بد ان يكون فى حال انعدامه لا يكون مستندا الى عدم العلة المذكورة في القضية مطلقا بل يكون مستندا انعدامه الى تلك العلة ولكن عند عدم الآخر فهو نظير ما عرفت فى الواجب التخييري ومن الواضح ان ظاهر القضية الشرطية كون انعدام المعلول مستندا الى انعدام العلة المذكورة مطلقا ولو عند وجود الآخر وهذا لا يتم إلا ان يكون المذكور مؤثرا بتمام جهاته وحدوده وعلى مسلك الاستاذ (قدس‌سره) من ان محل النزاع في المفهوم يرجع الى كون المذكور في القضية الشرطية العلية بنحو الانحصار واما بناء على ما اخترناه من كون الاطلاق الناشئ من مقدمات الحكمة يثبت كون سنخ الحكم المعلق على الشرط بنحو يوجب ربطه بالجهة الزائدة زائدا على ربط الحكم بالموضوع فلا مجال لكون المذكور فى القضية بنحو العلة المنحصرة ام بنحو اللزوم إذ ذلك ليس محلا للكلام فى كون القضية بالنسبة الى عقد الوضع كان بنحو الانحصار وانما النزاع فى عقد الحمل فان لاحظت الحكم بالنسبة الى الجهة الزائدة مهملا كما انه بالنسبة الى موضوعه فلا مفهوم في البين وان جرت مقدمات الحكمة وتحقق الاطلاق بالنسبة الى تلك الجهة الزائدة يثبت المفهوم ولا ينافى ثبوت الاهمال من جهة الموضوع.

ومما ذكرنا من كون النزاع فى عقد الحمل يظهر ان مثل الوصايا والاقارير التي توجب انتفاء الحكم عند انتفاء الموضوع ليس ذلك من المفهوم واما على مسلك الاستاد من ان النزاع في عقد الوضع يشكل ذلك في مثل تلك الامثلة.

بيان ذلك هو انه لما استظهرنا كون الموضوع في القضية اخذ على سبيل العلة المنحصرة فبانتفاء الموضوع أو قيد من قيوده ينتفي عقلا كما في الوصايا والأقارير والنذور ونحوها مثلا لو قال يجب اعطاء زيد القارئ للقرآن فبانتفاء القراءة ينتفي الاعطاء بحكم العقل ولا يحتاج الى اثبات المفهوم لما عرفت ان الموضوع يؤخذ بنحو العلية المنحصرة كما هو ظاهر عقد الوضع واما على مسلك الاستاذ حيث جعل النزاع فى عقد الحمل فلا يكون انتفاء الموضوع في مثل هذه الصور عقليا لان الموضوع لم يؤخذ على نحو العلة المنحصرة اذ من المحتمل انتفائها مع بقاء الحكم فلا يكون الانتفاء عقليا.

ان قلت غرض الاستاذ (قدس‌سره) انه لا اشكال في الانشاء المخصوص قيامه بالموضوع قيام العرض بالمعروض والانشاء الشخصي ينتفى مع انتفاء موضوعه ولو لم يكن الموضوع بنحو العلة المنحصرة.

قلت نعم الانشاء كذلك ولكن ليس الكلام فيه بل الكلام فى المنشأ بهذا الانشاء ففى المثال المذكور يصح فيما لو كان زيد ان يعطى في غير حال القراءة وحينئذ لو انتفت القراءة من زيد لا ينتفي الاعطاء عقلا. نعم لا يعطي لعدم الدليل عليه عند عدم القراءة.

وكيف كان فما ذكره الاستاذ (قدس‌سره) من الوصايا والتقارير والنذور انما هي تصير مؤيدة لما قلنا من ان محل النزاع فى عقد الحمل وليس في عقد الوضع

نزاع اصلا إذ ظاهر كل قضية تدل على كون الموضوع بما له من القيود له دخل في الحكم دخل العلية بنحو الانحصار كما في تلك القضايا المذكورة وهذا اجنبي على الكلام في المفهوم فانه راجع الى عقد الحمل كما لا يخفى.

تنبيهات مفهوم الشرط

ينبغي التنبيه على امور :

الاول ان المناط فى أخذ المفهوم من تعليق سنخ الحكم على الشرط هو ان يكون له فردان فرد مذكور فى القضية وفرد غير مذكور وكان المقصود من تعليق سنخ الحكم دفع توهم وجود الحكم لفرد آخر اولا يلزم من أخذ المفهوم تحقق فردين للحكم بل ولو كان بنحو انحصار الكلي في الفرد وحينئذ يكفى فى ارادة السنخية من الحكم الذي هو مناط اخذ المفهوم وبعبارة اخرى ان المدار على التجريد في مورد امكان ان يكون له فرد آخر او يكفي امكان التجريد عن الشرط وان لم يكن فرد آخر الظاهر كفاية امكان مجرد التجريد في الاخذ بالمفهوم إذ يمكن تعليق سنخ الحكم على الموضوع ولو كان بنحو انحصار الكلي بالفرد إذ لا مانع من كون اللحاظ كليا من دون ملاحظة الافراد وتظهر الثمرة في مثل قولك إن كان زيد موجودا فاكرمه فما كان الشرط محققا للموضوع فعلى الصورة الاولى لا مجال لاخذ المفهوم اذ ليس لزيد فردان فرد مذكور في القضية وفرد لم يكن مذكورا فيها وعلى الصورة الثانية يمكن تحقق المفهوم بان لوحظ مجردا عن الشرط

إلا انه يكون كمفهوم اللقب وحينئذ يكون المفهوم من قبيل السالبة بانتفاء الموضوع لا المحمول ومن هذا القبيل آية النبأ فعلى الصورة الاولى لا مفهوم لها وعلى الثانية يكون لها مفهوم ولكن بنحو السالبة بانتفاء الموضوع ويكون كمفهوم اللقب على ما فصلنا سابقا ثم لا يخفى ان من التزم بمفهوم الغاية في مثل كل شيء لك حلال حتى تعلم انه حرام لا بد وان يلتزم بالمفهوم فى آية النبأ ولو بنحو السالبة بانتفاء الموضوع فلا وجه لتفرقه الاستاذ (قدس‌سره) بينهما فلا تغفل.

التنبيه الثاني ذكر الاستاذ (قدس‌سره) في الكفاية (اشكال ودفع) اما الاشكال فحاصلة كيف يكون المناط في المفهوم سنخ الحكم مع ان الشرط في القضية انما وقع شرطا للمنشإ المتشخص بالانشاء الخاص وحاصل الدفع ان الخصوصية ليست داخلة في الموضوع له ولا في المستعمل فيه وانما هي من شئون الاستعمال كما ان خصوصية الاخبار والحكاية في الجمل الاخبارية ناشئة من الاستعمال وليست داخلة في الموضوع له.

اقول لا يخفى انه يمكن التفرقة بين الاخبار والانشاء وذلك ان الاخبار لما كانت فيها جهة حكاية عن الواقع الثابت فيمكن ان يكون للمحكي سنخية واطلاقه بحيث يشمل المحكي بالحكاية الاخرى فان تعدد الطريقة لا يوجب اختلافا في المحكي وهو بخلاف الانشاء فان المنشأ بهذا الانشاء لا يشمل المنشأ بانشاء آخر فان المنشأ بهذا الانشاء تضييقه بنحو لا يكون له سعة يشمل ما انشاء بانشاء آخر فلا تتحققه السنخية ان قلت هذا لو لم ينشأ تمام الحكم اما لو انشأ تمامه فلا يعقل ان يرد به انشاء آخر إلا ويحمل على التأكيد ومع عدم حمله عليه يبد ناقضا له فعليه مع تحقق انشاء تمام الملكية لا يعقل انشاء آخر مقابل لذلك الانشاء إلا

وان يحمل على التناقض ولا نعنى السنخ إلا ذلك لانا نقول لا اشكال فى امكان انشاء الملكية بسنخها أو بشخصها ثانيا يعد انشائه اولا لوقوعه ثانيا بعد انشائه اولا والوقوع يكشف عن مرحلة الامكان والوقوع مع الامكان يكشفان عن قاعدة التناسب بين العلة والمعلول بحسب الضيق والسعة فالتحقيق في حل الاشكال ان الانشائيات على قسمين قسم لا يكون من سنخ الاخبار اصلا كانشاء الوضعيات مثل الملكية والزوجية ونحوهما فانه ليست لها واقعية قبل الانشاء وانما يكون لها واقعية بسبب الانشاء فهذا القسم من الانشاء من الامور الاعتبارية التي لا يكشف عن شيء لا يكون له اطلاق بحيث يشمل ما لو انشأ بانشاء آخر فلو جاء انشاء آخر يكون معارضا له وقسم يكون فيه جهة حكاية مثل مطلق الاحكام التكليفية فانه وان كان طلبا انشائيا إلا انه فيه جهة حكاية عن الارادة الجدية وحينئذ تارة تحكي عن سنخ الارادة واخرى عن شخصها فعلى الاول تقع المعارضة لو انشأ ثانيا بخلافه على الثاني ومعنى سنخ الارادة هو انطباق سنخها على الارادة القائمة بالنفس ومنحصرة بها انحصار الكلي بفرده وليس المراد ان الارادة القائمة بالنفس تسمى بالسنخ في قبال الشخص لكي يتوجه الاعتراض بان الارادة القائمة بالنفس ليست إلا شخصية كما لا يخفى.

التنبيه الثالث ما اذا تعدد الشرط واتحد الجزاء مثل اذا خفي عليك الاذان فقصر واذا خفي عليك الجدران فقصر فلا بد من التصرف باحدهما او في كليهما اما بتخصيص مفهوم كل واحد منهما بمنطوق الآخر او رفع اليد عن مفهومهما واما بارجاعهما الى الشرط واحد اما بتخصيص كل واحد بمنطوق الآخر واما بالالتزام بالقدر المشترك يكون هو الشرط هكذا قيل في هذه المسألة لا ان الظاهر انه

لا حاجة الى هذه التصرفات الأربعة بل لا بد من الالتزام اما بان الشرط كلاهما أو الشرط هو القدر الجامع بينهما اذ تقييد مفهوم كل واحد بمنطوق الآخر لا يثبت المطلوب إلا بارجاعه الى كون الشرط هو القدر الجامع ولكن التحقيق ان هذه المسألة خارجة عن القول بالمفهوم فانها اجنبية عن ذلك إذ ظاهر التعليق هو شخص الحكم لا سنخه الذي هو المناط في أخذ المفهوم فحاله حال الوصايا والتقارير الذي قد أخذ المحمول فيهما هو الشخص وظاهر أخذ الموضوع بما له من القيود ليكون بنحو العلة المنحصرة فيكون انتفاء الحكم عند انتفاء المقدم فى المقام كالموضوع في الوصايا والاقارير من الحكم العقلي فمع وجود دليل آخر يكون معارضا لهذا الدليل فيجب اعمال المعارضة فمع التساوي يسقط كلا الدليلين عن الحجية ليتعين حكم كل منها ويكون المرجع حينئذ هو الأصل وهو يختلف بالنسبة الى الحكم الفرعي فقاصد السفر يتم حتى يخفى عليه الاذان والجدران معا لاستصحاب وجوب التمام والمسافر يقصر حتى يرى الجدران ويسمع الاذان لا استصحاب وجوب القصر وظهر مما ذكرنا الاشكال فيما ذكره الاستاذ (قدس‌سره) من جعل هذه المسألة من متعلقات القول بالمفهوم لما عرفت انها اجنبية عن المفهوم ولا يخفى ان هذا التنبيه ينبغي ان يعنون بما اذا لم يكن الجزاء قابلا للتكرار لكي يكون التنبيه الآتي بعده معنويا بما يكون قابلا للتكرار ومما ذكرنا ظهر رفع الاشكال على ما ذكره الاستاذ من عدم الفرق بين الأمر الثاني والثالث فى الكفاية مع اتحاد العنوان فان الأمر الثاني فيما اذا لم يكن قابلا للتكرار والثالث فيما كان قابلا للتكرار فافهم.

التنبيه الرابع ما اذا تعدد الشرط واتحد الجزاء وكان قابلا للتكرار

لا يخفى ان جميع ما ذكر فى الفرض السابق يجرى في هذا التنبيه ويزيد عليه فى المقام التصرف فى الجزاء وعلى كلا التقديرين لا بد من التصرف فى ظاهر القضية الشرطية اما من جهة الشرط بان تلغى خصوصية الشرطية وجعل الشرط هو القدر الجامع ويكون ذلك على خلاف ظهور القضية فان ظاهرها رعاية الخصوصية واما من جهة الجزاء بان تلغى الخصوصية فى الجزاء يراد مطلق الطلب بنحو الاهمال الذي هو خلاف ظاهر القضية وفرق بين الخصوصية من الطلب وبين مطلق الطلب فان الاول لا يعقل ارادته لاستحالة توارد طلبين نحو شخص بخلاف الثاني فانه لا ينافي توارد طلبين على امر كلي لا يقال انه لا يمكن التصرف فى ناحية الجزاء إذ لا يعقل ارادة مطلق الطلب على سبيل الاهمال لان الطلب من الكيفيات النفسانية والكيفيات النفسانية لها تقرر في الخارج والاشياء ما لم تتشخص لم توجد في الخارج لانا نقول لنا اعتباران فى الطلب المنشأ بالصيغة فباعتبار كونه من الكيفيات النفسية يكون محلى بالخصوصية وباعتبار انشائه يختلف فمرة ينشأ غير ملحوظ مع الخصوصية واخرى ينشأ معها وبالجملة الاهمال أو الخصوصية معتبرة فى الطلب المنشأ بالصيغة لا بما له تقرر خارجي فاذا لم يعتبر فى عالم الانشاء فلا بد من التداخل بالاكتفاء باتيان فعل واحد إلا ان يحصل سبب آخر يوجب تكرر الجزاء كما لو افطر ثم كفر ثم ظاهر وجب عليه كفارة اخرى لانتفاء التأكد والى ذلك يرجع التفصيل بين تخلل الشرطين بالامتثال وعدمه.

اذا عرفت ذلك فاعلم ان المهم في المقام تنقيح ان المتأثر من ناحية الشرط هل هو الطلب الذي هو الجزاء أو متعلقه فنقول ان سنخ الملازمة بين المقدم والتأني في القضايا التشريعية سنخ الملازمات التكوينية ولكن هناك فرق هو انه

في الاول ادعائي وفى الثاني حقيقي فكما ان بين طلوع الشمس ووجود النهار ملازمة تكوينية كذلك في قول المولى ان جاءك زيد فاكرمه فان المولى لما رأى مصلحة في اكرام زيد حين مجيئه ادعى الملازمة بين المجيء وبين الاكرام ونزل المجيء منزلة العلة التامة فاذا كانت القضايا التشريعية كالقضايا التكوينية ادعاء فحينئذ يشتركان في ان الملازمة التي تذكر فى القضية اللفظية إنما هي تابعة الملازمة الملحوظة بحسب الخارج فيكون الأصل بالملازمة هو الخارج والانشاء اللفظي تابع له ويتفرع عليه ولا اشكال ان الخارج يعتبر فيه الملازمة بين الشرط ومتعلق الحكم لا بينه وبين الحكم فاذا كانت الملازمة بينه وبين متعلق الحكم فان كان المتعلق متحد العنوان والشرط متعدد فيكون تعدده بتعدد الوجود فلا يخرج عن الامتثال إلا بالتكرار وان كان يتعدد العنوان فيجزي اتيان شيء واحد تنطبق فيه العناوين فلا مانع من الاتيان بمجمع تنطبق عليه تلك العناوين كما هو كذلك فى مجمع الصلاتية والغصبية بناء على الجواز وحيث انتهى بنا الكلام الى هذا المقام فلذا ينبغي لنا التعرض على نحو التفصيل الى مسألة التداخل وينبغي لنا التكلم فيها من جهتين الجهة الاولى في تداخل الاسباب فنقول :

اختلف الاصحاب فى تداخل الأسباب بين قائل بعدم التداخل مطلقا وقائل بالتداخل مطلقا وقائل بالتفصيل بين متحد السنخ دون مختلفه فقال بالتداخل بالأول دون الثاني وقائل بالتفصيل بين ما أتي بالجزاء بعد الشرط الاول فقال بعدم التداخل أي بلزوم اتيانه بعد الشرط لو وجد ثانيا وبين ما اذا لم يأت بالجزاء حتى تكرر منه الشرط فقال بالتداخل فيكفي الاتيان بجزاء واحد والتحقيق هو عدم التداخل مطلقا وذلك يقتضي تعدد الشرط فان ظاهر كل شرط ان يكون هو

المؤثر مستقلا ولازم ذلك تعدد الجزاء مع قرض كون الحكم سنخ الوجود قابلا للتكرار ولا يعارض هذا الظهور إلا ظهور الجزاء فى الوحدة بدعوى انه ظاهر فى صرف الوجود وذلك ينطبق على اول وجود الطبيعة لعدم ظهور الجزاء في الوحدة إذ الواحد انما يجزي لكونه مما يتحقق به المأمور به فحينئذ يصلح تعدد الشرط بيانا لتعدد الجزاء وبالجملة الجزاء بالنسبة الى الوحدة لا اقتضاء والشرط فيه جهة اقتضاء للمؤثرية فيقدم ما فيه الاقتضاء على ما لا اقتضاء فيه من غير فرق بين تكرر الشرط قبل الجزاء وعدمه بان يتخلل امتثال بين الشرطين فدعوى التفصيل بين تكرر الشرط فيلتزم بالتداخل وبين تخلل الامتثال بينهما فيلتزم بعدم التداخل كما هو المنسوب الى العلامة (قدس‌سره) بتقريب ان ظهور الشرط فى الاستقلال فى المؤثرية لا ينافي الاكتفاء بوجود واحد حيث ان تعدد الشرط موجب لحدوث مصالح فيه حسب تعدده وذلك لا يوجب إلا تعدد الطلب حسب تعدد المصالح وهو لا يوجب إلا ان يكون اجتماعها موجبا لتأكيد بعضها بعضا وهو معنى التداخل نعم لو تخلل بين الشرطين امتثال باتيان الجزاء يلزم ان يؤثر فى وجوب آخر فلا يكون حينئذ من التداخل في غير محلها فان ظاهر القضية الشرطية كون الشرط فيها مقتضيا لوجود الموضوع للوجوب ومع تحقق الموضوع له يكون الوجوب من تبعات الموضوع وحينئذ فوجود كل شرط موجب لتحقق الوجوب تشريعا ولازم ذلك ان يكون كل شرط ظاهر فى المؤثرية مستقلا وذلك يقتضي وجودا مستقلا للجزاء ومع كون الجزاء واحدا يخرج كل واحد من الشرطين عن المؤثرية مستقلا بل تكون المؤثرية مستندة الى الجمع وحتى فيما لو قلنا بالتأكد فيما لو تعدد الشرط باعتبار اجتماع اوامر متعددة على جزاء واحد يوجب أن يكون بعضها مؤكدا للآخر فان الجزاء لم يستند الى كل واحد من الشرطين وانما يستند الى المجموع

إذ الوجوبان المستقلان يقتضيان وجودين مستقلين وهو معنى عدم التداخل.

ثم لا يخفى ان ما ذكرنا هو الموجب لاختيار عدم التداخل لا ما ذكره بعضهم من ان الشرط يدل على تعدد الجزاء بالوضع ومقدمات الحكمة تدل على وحدة الجزاء ولا اشكال في تقدم الدلالة الوضعية على الدلالة بسبب مقدمات الحكمة اذ لا مجال لجريانها مع تحقق الدلالة الوصفية لان تعدد الشرط الموجب لتعدد الجزاء انما هو بمقدمات الحكمة على انه لو اقتضى تعدد الشرط تعدد الجزاء فهو يوجب تعدد الطلب المستفاد من الجزاء مع عدم الالتزام بتعدد المتعلق إذ من الممكن تعدد الطلب مع وحدة متعلقة هذا كله فيما اذا تعدد الشرط وكان الجزاء قابلا للتكرار واما اذ لم يكن قابلا للتكرار وكان المعلق في القضية شخص الجزاء فلا محيص من رفع اليد عن ظهور الشرط فى المؤثرية بنحو الاستقلال فمع التقارن يستند الجزاء الى المجموع خصوصا اذا اقتضى كل واحد منهما بالخصوص وجود الجزاء إذ لا يمكن ان يستند الى كل واحد منهما بالخصوص للزوم الترجيح بلا مرجح فلا بد ان يستند اليهما معا نعم مع تقدم أحدهما وتأخر الآخر يكون التأثير للمتقدم ويلغى تأثير المتأخر لاستناد الاثر لاول الوجودين قهرا كما لا يخفى.

الجهة الثانية في تداخل المسببات (١) بمعنى انه يكفي الاتيان بمسبب واحد

__________________

(١) لا يخفى ان القاعدة فى المسببات هو عدم التداخل اذ تعدد الشرط يوجب ذلك بل مقتضى الاصل فى مقام الشك فى التداخل وعدمه هو عدم التداخل بتقريب ان الشك فى ذلك يرجع الى الشك فى الخروج عن عهدة تكاليف متعددة بالاتيان بالفعل الواحد وحينئذ يكون من الشك في السقوط وهو مجرى الاشتغال وهو معنى عدم التداخل ومن هذه الجهة يفترق عن الشك في تداخل

في مقام امتثال ما تقتضيه الاسباب المتعددة والظاهر انه بعد معرفة عدم التداخل

__________________

الاسباب فانه يكون من الشك في الثبوت اذ مرجعه الى الشك فى اشتغال الذمة بازيد من واحد فينفى بالبراءة وهو معنى التداخل لا يقال انه لا يمكن الأخذ بتعدد الشرط المقتضي لعدم التداخل في المسببات إذ ذلك يعارض باطلاق المادة فى ناحية الجزاء المقتضى لعدم تكرار العمل لان تكراره يوجب رفع اليد عن مقتضى اطلاق المادة لانا نقول ان اطلاق المادة مقتض لما ذكر لو خلي ونفسه إلا ان اطلاق الشرط فى كل من القضيتين المقتضى لتكرار ايجاد الطبيعة يكون حاكما على اطلاق المادة إذ يعد بيانا فلا معارضه على ان القائل بالتداخل فى المسبب مع اعترافه بالتداخل في ناحية السبب لا بد له من الالتزام بمقدمتين أحدهما أن يكون طبيعة الوضوء الواجبة بالشرط الأول مغايرة للطبيعة الواجبة بالشرط الثانى ولو من جهة إضافته الى السبب والثانية الى الثاني لا ان يكون ذلك بنفسه موجبا للتعدد بل من جهة كشفه عن التعدد الواقعي ولو باعتبار ان تعدد السبب يكشف عن تعدد المسبب ثانيهما ان يقال ان التغاير بين الطبيعتين ليس على نحو التباين بحيث لا يمكن اجتماعهما بل هو من قبيل تعدد العناوين المختلفة القابلة للاتحاد بينها في المصداق الخارجي كالهاشمي والعالم ومع تمامية المتقدمتين للمكلف ان يمتثل الأمرين المتوجهين له بالاتيان بفرد واحد يكون مجمعا للعنوانين مصداقا لكل من الطبيعتين وهو مراد القائل بالتداخل ولكن لا يخفى ان مجرد ذلك لا يكون سببا لتأسيس قاعدة كلية وهي اصالة التداخل فى المسببات لكى تحمل الأخبار الواردة مما ظاهرها التداخل كمثل ما ورد من كفاية غسل واحد لمن عليه اغسال متعددة إذ الاكتفاء بالغسل الواحد كما يحتمل ان يكون من قبيل تداخل المسببات يحتمل ان يكون الاتيان بغسل الجنابة مثلا يكون رافعا لموضوع الباقي أو ان الشارع اكتفى بغسل الجنابة واسقط الباقي على انه لو قلنا يتداخل المسببات لا بد من

فى الاسباب يظهر عدم التداخل فى المسببات اذ قد عرفت ان ظاهر تعدد الشرط كون كل شرط أخذ علة مستقلة واليه يستند التأثير وذلك يقتضي تعدد الجزاء

__________________

اعتبار القصد فيما يكون امتثالا للجميع مع انه ربما يقال بالاكتفاء مع عدم القصد الى الجميع.

وبالجملة انه بعد البناء على عدم تداخل الاسباب وكون كل سبب مؤثرا فى ناحية الجزاء فيكون فى مثل اذا بلت فتوضأ واذا نمت فتوضأ وجوبات متعددة متعلقة بطبيعة الوضوء حيث ان الطبيعة الواحدة على وحدتها لا يعقل ان تكون مجمعا لحكمين متعددين وعليه لا بد من رفع اليد عن اطلاق المادة في ناحية الجزاء وحينئذ فيكون الواجب بالشرط الاول غير ما وجب بالشرط المتحقق ثانيا فيكون الواجب بالاول فردا من الواجب وبالثاني فردا آخر وحينئذ يظهر لك انه يستحيل الالتزام بتداخل المسببات اذ مرجع ذلك الى صحة ان يكون الواحد اثنين وذلك بعد ان صار الواجب علينا فردين من الوضوء فكيف يمكن القول بان وضؤ واحدا يكفي عن الاثنين وقد عرفت ان القائل بذلك لا بد له من الالتزام بتلك المقدمتين والالتزام بهما حسبما عرفت لا ينفع بنحو يوجب تأسيس قاعدة كلية وهي اصالة التداخل بالنسبة الى المسببات ولا يقاس المقام بما كان من قبيل اكرم عالما واكرم هاشميا مما كان المطلوب صرف الوجود وكان الاطلاق بدليا إذ الاتيان بالمجمع وان اوجب سقوط الوجوبين لاجل ان العقل لا يرى تفاوتا بين الاتيان بالمجمع فيسقط الخطابان أو الاتيان بكل فرد من العالم فقط والهاشمي فقط إلا انه لا يلزم من اجتماع الوجوبين فى الوجود الواحد تأكد أحدهما للآخر نعم لو كان الخطابان شموليين أو أحدهما بدليا أو شموليا لزم من القول بالتداخل اما للتأكد أو لاجتماع المثلين.

وبالجملة الاتيان بالمجمع فيما اذا كان أحدا لخطابين بدليا من غير فرق بين

من غير فرق بين ما اذا كان بين موضوعي الخطابين عموم وخصوص من وجه كمثل اكرم العالم واكرم الهاشمي أو كان بينهما مباينة كمثل المرأة يجب عليها الغسل من الحيض ومن الجنابة بناء على ان الغسل بنظر الشارع يختلف بحسب الماهية والحقيقة باعتبار ترتب الآثار.

ودعوى انه اذا كان بين موضوعي الخطاب عموم من وجه كالمثال المذكور فالتداخل على وفق القاعدة من غير حاجة الى اقامة دليل عليه بالخصوص بتقريب ان اكرام العالم الهاشمي قد انطبق عليه العنوانان اي عنوان اكرام الهاشمي واكرام العالم وذلك يوجب تعدد الاضافات الموجب لتعدد الامتثال بالنسبة الى التكاليف المتعددة ممنوعة إذ ذلك مناف لظهور القضية الشرطية فان ظاهر كل شرط يقتضي وجوبا مستقلا وهو يوجب امتثاله بوجود مستقل فاتيان الوجود الواحد المجمع للعنوانين يوجب تأكيد بعضها بعضا وذلك خلاف ظاهر تعدد الشرط على ان تعدد الاضافات لا يوجب تعدد الوجود الواحد وبالجملة

__________________

كون الخطاب الآخر بدليا أو شموليا ليس من التداخل كما انه ليس من التداخل ما لم يكن السبب قابلا للتعدد كمثل اذا افطرت فى شهر رمضان فعليك الكفارة فان ناحية الافطار لا تعدد فيها واما مثل الخيار الذي هو غير قابل للتعدد بالنسبة الى عقد واحد من شخص واحد ولكن بالنسبة الى اسباب متعددة كالمجلس وكون المبيع حيوانا والغبن وغير ذلك من اسباب الخيار يمكن تقييده باحد هذه الاسباب فلو قال صاحب الخيار اسقطت خياري من الغبن او المجلس فلا يسقط خياره إلا من حيث اضافته الى ذلك السبب واما من سائر الجهات فيبقى بحاله وحينئذ مثل ذلك يدخل تحت محل النزاع ويلحق بما اذا كان المسبب قابلا للتعدد على تفصيل ذكرناه في حاشيتنا على الكفاية.

الامتثال باتيان الفعل الواحد اما ان يكون من باب التأكد واما اتيانه مرتين لوجوب تعدد الامتثال الناشي من تعدد الوجوب الناشئ من تعدد الشرط الظاهر في كون كل شرط علة مستقلة فلا محيص من القول بعدم تداخل المسببات كما قلنا فى عدم تداخل الاسباب إذ الدليل الذي اوجب عدم تداخل الاسباب هو الذى اوجب عدم تداخل المسببات فلذا قلنا ان القاعدة تقتضى عدم التداخل فى الاسباب والمسببات إلا ان يقوم دليل على التداخل كما دل على كفاية وضوء واحد عن اسباب متعددة من غير فرق بين تكرر السبب الواحد كما اذا نام مكررا او كان السبب مختلفا كما اذا نام وبال وكما دل على كفاية غسل الجنابة عن بقية الاغسال فلا تغفل.

مفهوم الوصف

الفصل الثالث مفهوم الوصف فقد اختلف الاصحاب في دلالة القضية المشتملة على الوصف على انتفاء الحكم عند انتفاء الوصف وعدمها على قولين الحق عدم دلالة الوصف على المفهوم وفاقا للمشهور على العكس من القضية الشرطية قال الاستاذ قدس في الكفاية ما لفظه : (الظاهر انه لا مفهوم للوصف وما بحكمه (١)

__________________

(١) المراد بحكمه هو الوصف الضمني كقوله (ص) (لان يمتلئ بطن الرجل قيحا خير من ان يمتلئ شعرا فان امتلاء البطن كناية عن الشعر الكثير فيدل بمفهومه على تقدير القول به على عدم البأس بالشعر القليل والمراد بقوله مطلقا سواء اعتمد على الموصوف ام لم يعتمد والظاهر خروج ما لم يعتمد على

مطلقا) نظرا الى كون الاوصاف من قيود الموضوع ومن شئونه وتكون نسبة

__________________

الموصوف عن محل النزاع إذ هو من قبيل مفهوم اللقب وان قال بعض السادة الاجلة قدس‌سره بدخوله فى محل النزاع ولذا ادعي دلالة آية النبأ على حجية الخبر من جهة مفهوم الوصف بل مقتضى استدلالهم على المفهوم بان الوصف مشعر بالعلية من غير تقييد بما اذا اعتمد على موصوف وان لم يوافقه استدلالهم بلزوم اللغوية لو لم يدل على المفهوم فانها انما تكون فيما اذا ذكر الموصوف مع الوصف ولم يكن دالا على المفهوم.

وكيف كان فقد استدل للقول بمفهوم الوصف بان الاصل فى القيود الاحترازية وبلزوم اللغوية وبالوضع وبان تعليق الحكم على الوصف مشعر بالعلية وبلزوم حمل المطلق على المقيد وقد اجاب المحقق الخراسانى قدس‌سره عن الاول فى كفايته بما لفظه : (لان الاحترازية لا توجب إلّا تضييق دائرة موضوع الحكم في القضية الخ).

وتوضيحه ان لنا مقامين الاول كون الحكم المذكور فى القضية واردا على موضوع معين ولا يتناول غيره من الافراد ، الثاني ان تكون القضية تدل على نفى الحكم المذكور عن غير هذا الموضوع ولا يخفى ان بين هذين المقامين فرقا واضحا فانه على الاول لا تكون القضية دالة على نفي الحكم عن غير هذا الموضوع ولا على وجوده بخلافه على الثاني فانها تدل على عدم الحكم في غير هذا الموضوع بنحو لو وجد دليل على ثبوت الحكم لغير هذا الموضوع يكون معارضا وعلى الاول يحمل احترازية القيود والقول بالمفهوم يحمل على المقام الثاني وبالجملة لا منافات بين كون القيود احترازية مع عدم القول بالمفهوم واما الجواب عن اللغوية بعدم لزوم اللغوية بدونه لعدم انحصار الفائدة به لامكان ان تكون الفائدة زيادة الاهتمام بالموصوف واما عن الوضع فبأنه لم يثبت الوضع لذلك لو لم يثبت

الحكم اليها كنسبة المحمول الى نفس الموضوع وقد عرفت ان المحمول بالنسبة الى الموضوع قد اخذ بنحو الاهمال وهو مما يقتضيه طبع القضايا ومع كونها كذلك لا دلالة للوصف على المفهوم فانه عبارة عن ربط الحكم بخصوصية زائدة على ربط الحكم بموضوعه ولذا يتمسك باطلاق تلك الجهة الزائدة وبذلك يستفاد المفهوم والوصف ليس من ذاك القبيل لما عرفت انه من قيود الموضوع فلا يوجب ربط

__________________

خلافه واما الاشعار بالعلية فلا يقتضي استفادة المفهوم إلّا ان تكون بنحو الانحصار إذ من الممكن ان يكون للحكم علتان تنوب احداهما مناب الاخرى.

واما عن حمل المطلق على المقيد فانما هو من جهة التنافي بينهما من حيث التضييق والتوسعة فان دليل المطلق موسع توسعة موضوعه كمطلق الرقبة في قولنا اعتق رقبة بخلاف موضوع دليل التقييد فى قولنا اعتق رقبة مؤمنة ولا يخفى ان هذا المقدار من التنافى كاف فى حمل المطلق على المقيد وبالجملة حمل المطلق على المقيد راجع الى المقام الاول ولا يتوقف على المقام الثاني فظهر مما ذكرنا ان الحق هو عدم المفهوم للوصف اذ مناط اخذه هو كون الوصف راجعا الى الحكم بمعنى رجوعه الى المحمولات المنتسبة واما لو رجع الى الموضوع فيكون كاللقب من غير فرق بينهما هذا لو علم برجوع القيد الى الموضوع وهكذا لا مفهوم فيما اذا دار امره بين ما يكون قيدا للموضوع او الحكم ولا معين له كما في مفهوم الشرط حيث انه يستفاد منه تعليق جملة بجملة ولازمه تقييد الحكم فيكون له مفهوم بخلاف المقام لعدم وجود المعين لاحدهما نعم يستثنى مورد ان احدهما لو كانت هناك قرينة حالية او مقالية على كونه قيدا للحكم ويدل على المفهوم ولكن لا من جهة الدلالة اللفظية وثانيهما انه بمناسبة الحكم للموضوع يدل على ان الوصف له جهة خصوصية وانه يكون قيدا للحكم فيدل على المفهوم بالدلالة اللفظية فافهم.

الحكم به زائدا على ربط الحكم بموضوعه وبعبارة اخرى ان في مثل قضية الشرطية يتصور فيها نسبتان نسبة ربط الحكم بموضوعه ونسبة ربط الحكم بتلك الخصوصية الزائدة كالشرط مثلا وحينئذ باطلاق تلك الجهة الزائدة يتحصل المفهوم ولا ينافي الاهمال فى الحكم بالنسبة الى موضوعه وفي مثل القضية الوصفية لم يكن فيها نسبتان وانما هى مشتملة على موضوع وحكم مرتبط بالموضوع مع جميع شئونه والوصف من شئون الموضوع وقيوده.

ودعوى ان ذكر الوصف مشتمل على جهة زائدة توجب ربط الحكم بها زيادة على ربط الحكم بموضوعه فيكون ذكره متمحضا لتلك الخصوصية الزائدة على ما يقتضيه طبع القضية من نسبة الحكم الى موضوعه وذلك يقتضى ان يراد من المحمول سنخ الحكم اي ارادة الطبيعة المرسلة منه لا الطبيعة المهملة ممنوعة لان ذلك يتم لو كان الوصف من قيود الحكم وكونه كذلك محل منع اذ الظاهر ان ذلك من قيود الموضوع فيكون حاله حال اللقب لا يقال ان نسبة الحكم الى الوصف غير نسبته الى الموصوف ولذا قيل بان الوصف يشعر بالعلية وذلك يوجب الاخذ باطلاق الوصف ولا ينافى الاهمال من جهة اخرى لما عرفت من امكان التفكيك بينهما كما هو كذلك في القضية الشرطية لانا نقول ان القضية الوصفية عند تحليلها تنحل الى نسبتين ولكن بحسب الخارج العرف يراها قضية واحدة مشتملة على موضوع ومحمول وان الوصف من مقومات الموضوع وحينئذ فلا معنى للتفكيك بين انتساب الحكم الى الموضوع وبين انتسابه الى الوصف من حيث الاطلاق والتقيد.

ثم لا يخفى انه على تقدير استفادة الظهور من القضية الوصفية فلازمه

تعليق الحكم على تلك الجهة التي اخذت زائدة على ربط الحكم بموضوعه مع حفظ (١) بقية الخصوصيات ففي مثل قوله : (فى الغنم السائمة زكاة) بناء على استفادة المفهوم هو انتفاء الزكاة عن معلوفة الغنم لا نفي الزكاة عن معلوفة الابل نعم لو استفيد منها عدم خصوصية للموضوع كان له وجه فافهم واغتنم.

مفهوم الغاية

الفصل الرابع مفهوم الغاية والتكلم فى الغاية يقع في مقامين :

الاول فى ان الغاية داخلة في المغيا ام لا؟ فنقول اختلف الاصحاب فى ذلك فبين قائل بدخولها مطلقا وقائل بالعدم مطلقا وثالث بالتفصيل بين ما كانت الغاية من جنس المغيى فقال بدخولها وبين ما لم تكن من جنسها فقال بعدمه

__________________

(١) لا يخفى ان الصفة تارة تكون اعم من الموصوف او اخص او مساوية اما اذا كانت الصفة اخص فلا اشكال في دخولها فى محل النزاع واما فيما كان بينهما عموم من وجه ففيما كان الافتراق من جانب الموصوف فهو داخل فى محل النزاع واما فيما كان الافتراق من جانب الوصف والموصوف كقولنا في الغنم السائمة زكاة يدل على نفى الزكاة عن معلوفة الابل فالظاهر انه ليس من محل الكلام لما هو معلوم ان المفهوم انتفاء سنخ الحكم عن نفس الموضوع المذكور فى المنطوق لا انتفاؤه عن موضوع آخر غير الموضوع المذكور في المنطوق وهذا هو غرض المحقق في كفايته من الافتراق من جانب الوصف والظاهر ان مثل هذا ليس من قبيل الافتراق من جانب الوصف.

ورابع التفصيل بين الادوات ، والظاهر هو الاخير إذ الفرق ظاهر بين مثل أداة (حتى وإلى) فان الاولى ظاهرة فى دخول الغاية فى المغيى كما يظهر ذلك من موارد استعمالها كمثل (اكلت السمكة حتى راسها) بخلاف الثانية فان الظاهر من موارد استعمالها عدم دلالتها على دخول الغاية فيه اذ مقتضى الانتهاء ذلك كما ان مثل كلمة (من) التي هي للابتداء تدل على ان ما قبلها خارجة عما بعدها كما هو مقتضى الابتداء. ثم ان الظاهر بالنسبة الى شخص الحكم يقتضى انتفاؤه فى ظرف وجود المدخول نظرا الى ان كلمة (الى) تدل على انتهاء السابق فى ظرف المدخول ولازمه انعدامه في ظرف المدخول من غير فرق بين كون الغاية قيدا للموضوع او للمحمول او للنسبة الحكمية وذلك ليس من المفهوم لما عرفت ان انتفاء شخص الحكم مما يقتضيه طبع القضية وانما المفهوم هو انتفاء سنخ الحكم فلا تغفل.

المقام الثاني في ان للغاية مفهوما ام لا؟ (١).

__________________

(١) ذكر بعض السادة الاجلة قدس‌سره فى بحثه الشريف ان المستفاد من الغاية للشيء هل هو انقطاع ذلك الشيء عليها او مجرد وصوله اليها وعدم انقطاعه قبلها من دون نظر الى انقطاعه عليها والانصاف ان موارد الاستعمال مختلفة فربما كان المراد هو الاول كما فى مثل اجلس في هذا المكان الى الزوال اذا كان المراد تحديد الجلوس وانقطاعه عند الزوال وربما كان المراد هو الثاني كما فى المثال المذكور اذا كان المراد مجرد عدم انقطاع الجلوس قبل الزوال ومحض وصوله الى الزوال من دون نظر الى انقطاعه عليه ولكن لا يبعد دعوى ظهور الغاية فى النحو الاول وان النحو الثاني محتاج الى عناية لان انقطاع الجلوس عند الزوال يلزمه وصوله اليه وعدم انقطاعه قبله ثم بعد البناء على ان المستفاد

فنقول لا اشكال ولا ريب انه يستفاد المفهوم الذي هو انتفاء سنخ الحكم من الغاية من القرائن الخارجية من غير فرق بين كون الغاية قيدا للموضوع او

__________________

من الغاية هو النحو الاول وقع النزاع فى مفهوم الغاية فنقول اما غاية نفس الحكم مثل يجب عليك الامساك الى غروب الشمس بناء على ان تعلق الى بيجب فغاية دلالتها انما هي على انقطاع الحكم عندها ولا ينافيها وجوب الامساك فيما بعد ذلك بوجوب آخر لمصلحة اخرى تقتضى ذلك فلا يكون هذا المثال معارضا لما يدل على وجوب الامساك من الغروب الى غيبوبة الحمرة المغربية مثلا. نعم فى التحديد بالغاية دلالة على عدم استمرار ذلك الحكم بنفسه الى ما بعد الغاية فلا تكون معارضا الا لما يدل على بقاء ذلك الحكم الى ما بعد الغاية.

وبالجملة ففي المقام احتمالان احدهما احتمال استمرار الحكم المغيّا الى ما بعد الغاية وهذا الاحتمال ينفيه نفس الغاية بناء على ظهورها فيما تقدم من النحو الاول والاحتمال الآخر احتمال حدوث حكم آخر مماثل لهذا الحكم ناش من مصلحة اخرى يكون ثابتا فيما بعد الغاية وهذا الاحتمال لا يمكن نفيه بالغاية إذ لا دلالة لتحديد الحكم الموجود فيها على نفى حكم آخر يكون ثابتا فيما بعدها نعم بعض الاحكام لا يتأتي فيها هذا الاحتمال الثاني مثل الصحة والفساد والطهارة والنجاسة فان مثل هذه الاحكام إذا حددت بغاية مثل الماء طاهر حتى يلاقى النجس لم يحتمل فيها الابقاء ذلك الحكم بنفسه واستمراره الى ما بعد الغاية وهو منتف بمقتضى التحديد بالغاية الدالة على الانقطاع كما عرفت اما احتمال حدوث حكم آخر ثابت فيما بعد الغاية فهو وان لم يمكن نفيه بنفس الغاية إلّا انه منتف في مثل تلك الاحكام في نفسه للقطع بانه على تقدير ان يكون الماء طاهرا فيما بعد الملاقاة فانما هو تلك الطهارة الثابتة قبل الملاقاة لا طهارة اخرى وفرد آخر من الطهارة يكون ثابتا بعد الملاقاة لاجل مصلحة اخرى تقتضى ذلك الفرد من

للمحمول او للنسب الكلامية وانما الاشكال في ان ذلك هل يستفاد من ظاهر القضية مع قطع النظر عن القرائن الخارجية مطلقا ام لا يستفاد ذلك مطلقا ام

__________________

الطهارة كما قلنا في الوجوب هذا حال غاية الحكم واما غاية موضوع الحكم فيظهر لك حالها مما ذكرنا فى غاية الحكم.

وحاصله ان غاية الموضوع مثل سر الى الكوفة بناء على تعلق الى بالحدث والمادة لا بمفاد الهيئة لا دلالة لها على ازيد من انقطاع السير الذي هو موضوع الحكم عند بلوغ الكوفة من دون تعرض لنفى السير فيما بعد الكوفة موضوعا لوجوب آخر ثابت بمصلحة اخرى فتكون معارضا لما يدل على استمرار السير الذي هو موضوع هذا الحكم الموجود الى ما بعد الكوفة ولا يعارض ما يدل على ان السير فيما بعد الكوفة يكون موضوعا لوجوب آخر لمصلحة اخرى.

فتلخص ان غاية ما تدل عليه الغاية هو انقطاع ما يكون غاية له عليها فتعارض ما يدل على استمرار ذيها الى ما بعدها ولا تدل على نفى فرد آخر مماثل لذيها لكونه متحققا بعدها فلا يكون معارضة لما يدل على تحقق الفرد المذكور بعدها وغرض القائلين بالمفهوم فى باب الغاية هو الثاني وقد عرفت انه لم يثبت ما يوجب دلالتها على ذلك فجعل القول بمفهوم الغاية اقرب من القول بمفهوم الشرط مما لا يعلم وجهه واما النزاع في دخول نفس الغاية فيما قبلها وعدمه فهو مثل النزاع في ان مدخول من الابتدائية يكون دخلا فيما بعدها والظاهر ان موارد الاستعمال مختلفة ولا يمكن الجزم بظهور اللفظ في احد الطرفين مطلقا إلّا انه من الواضح ان النزاع انما يتأتى فيما يمكن فيه الدخول او الخروج اماما لا يمكن مثل الزوال والمرفق بناء على كونه المفصل لا مجمع العظمين فلا يكون داخلا فى النزاع المذكور ثم لا يبعد ان يقال ان الظاهر من كون الشىء الفلاني غاية ان ذلك الشيء بتمامه ومجموع اجزائه يكون غاية فاذا قيل سرت الى الكوفة كانت

يفصل بين كون الغاية قيدا للموضوع او المحمول او قيدا للنسبة الكلامية فيلتزم بالمفهوم على الاخير دون الاولين الظاهر هو الاخير نظرا الى ان طبع القضية يقتضى الاهمال فى طرف الحكم بالنسبة الى الموضوع والمحمول كما هو كذلك في اللقب مثلا الحكم الوارد على الموضوع الخاص كاكرم زيدا او اكرم الرجل العالم ونحو ذلك مما كان الحكم فيها قد اخذ بنحو الطبيعة المهملة وقد تشخص بالانشاء ومثله الحكم الوارد على موضوع مقيد بغاية كما قيل الوجه من قصاص الشعر الى الذقن يجب غسله واليد من المرفق الى اطراف الاصابع يجب غسلها فان الحكم فيها ليس إلّا طبيعة مهملة بنحو يكون حصة من الوجوب لا سنخه لكي يكون انتفاؤه بانتفاء الموضوع واما بالنسبة الى ما لو كانت الغاية قيدا للنسبة فان ظاهر تقييد الحكم بالغاية هو ارادة سنخه وذلك مقتضى اصالة الاطلاق الحاكمة بالاخذ باطلاق النسبة. ودعوى ان النسبة من المعاني الحرفية لا اطلاق فيها ممنوعة بانك قد عرفت منا سابقا بانها معان كلية يمكن تقييدها فيمكن التمسك باطلاقها وبالجملة الاخذ باطلاق النسبة يوجب ان يؤخذ سنخ الحكم وبذلك يدل على ان طبيعة الحكم تنتفى عند حصول الغاية وهو معنى المفهوم لا يقال ان النسبة الكلامية من المعاني الحرفية والاطلاق والتقييد فيها يتبع الطرفين فحينئذ كيف يمكن الالتزام بالاطلاق في النسبة الكلامية وبالاهمال فى الطرفين لانا نقول ان التفكيك يمكن تحققه في عالم الاثبات إذ القضية تقتضى بحسب طبعها الاهمال

__________________

الكوفة مجموعها غاية ومقتضى ذلك انقطاع السير على اول اجزائها اذ لو لم ينقطع واستمر الى آخر اجزائها لم تكن الكوفة بتمام اجزائها غاية بل كانت الغاية هو الجزء الاخير منها فلا تغفل.

بالنسبة الى الموضوع والمحمول ولا ينافي وجود مقتضى الاطلاق فيما لو تحقق امر خارجي يقتضيه فان النسبة الكلامية جهة زائدة على الموضوع والمحمول فلا مانع من الاطلاق بالنسبة اليها مع بقاء الجملة على ما لها من عدم الاقتضاء للاطلاق إذ لا منافات بين لا اقتضائية الجملة لاطلاق الموضوع مع اقتضاء الغاية فى النسبة اطلاق تعليق سنخ الحكم ولاجل ذلك قلنا بالمفهوم فيها دون ما لو كانت الغاية للموضوع والمحمول فافهم وتأمل.

مفهوم الحصر

الفصل الخامس فى الحصر ومنه أداة الاستثناء ك (الا) مثلا فانه لا اشكال فى اختصاص الحكم بالمستثنى منه سلبا او ايجابا ولا يعم المستثنى ولاجل ذلك قالوا بان الاستثناء من النفي اثبات ومن الاثبات نفي وذلك مقتضى ظهور كلمة (الا) الاستثنائية هو حصر الحكم في المستثنى منه واخراج المستثنى عن تحت ذلك الحكم المذكور ومثله فى ذلك القيد فانه أيضا يوجب اخراج المفيد به عن حكم المطلق وان فرق بينهما من جهة اخرى وهو ان التقييد يجعل المقيد عنوانا يكون به موضوعا للحكم كمثل اعتق رقبة مؤمنة فان تقييد الرقبة بالايمان جعلها عنوانا في قبال المطلق بخلاف الاستثناء فانه باخراج المستثنى من حكم المستثنى منه لا يوجب تعنونه بعنوان وتظهر الثمرة بينهما في الشك (١) فانه

__________________

(١) كما تظهر بالفرق بين الا الاستثنائية وإلّا الوصفية مثلا او قال المقر في ذمتى لزيد عشرة دراهم الا درهم يجعل الا وصفية فيكون قد اقر له بعشرة

يمكن جريان الاستصحاب فيما لو شك في القيد بان شك في كون الرقبة مؤمنة

__________________

دراهم موصوفة بانها غير درهم بخلاف ما لو قال بذمتي لزيد عشرة دراهم الا درهما يجعل إلا استثنائية فيكون قد اقر لزيد بتسعة دراهم وهكذا لو قال ليس فى ذمتي عشرة دراهم إلا درهم فان كانت بنحو الوصفية فلا يكون معترفا بشيء من الدراهم وان كانت استثنائية يكون معترفا بدرهم واحد ولا يخفى انه فى المثال الاول يعرف الفرق بين الصورتين بالاعراب فان قرأ المستثنى بالرفع فالا وصفية وان قرأ بالنصب فالا استثنائية وفى المثال الثاني لا يعرف الفرق بين الصورتين لصحة الرفع فيهما لكون الا واقعة فى حيز النفى وكان الاستثناء متصلا فلذا يجوز نصب المستثنى على الاستثناء ويجوز ان يكون من توابع المستثنى منه بالاعراب على البدلية فلذا فى المثال يحتمل ان تكون الا استثنائية كما يحتمل ان تكون وصفية وعليه لا يعلم باشتغال ذمة القائل بانه ليس بذمتى عشرة دراهم الا درهم بشيء من الدراهم إلّا ان يقال بان الاصل فى الا الحصر لكونها موضوعة له فيكون المستثنى بدلا عما قبله وعليه يكون القائل بذلك معترفا بدرهم واحد واما لو قال ، ما له عندي عشرة دراهم الا درهما بالنصب فالمحقق في الشرائع والعلامة فى القواعد قالا لم يكن اقرارا بشيء وقد وجه ذلك فى المسالك بان الاخراج قبل الحكم والاسناد ومرجعه الى ان العشرة الا درهما ليس على وهو معنى كون النفى متوجها الى التسعة ولكن لا يخفى ان الاخراج قبل الحكم والاسناد لا يلائم كون لا استثنائية وانما يلائم كونها وصفية فان الاستثناء انما يتصور من الحكم وبذلك فرق بين الا الوصفية وبين الا الاستثنائية بان الاولى اخراج قبل الحكم والثانية اخراج من الحكم ومن هنا اشكل بالتناقض كما عن نجم الائمة قدس‌سره وحاصله ان القضية المشتملة على الا تنحل الى حكمين حكم في الاثبات وحكم بالنفى ولذا قيل بان الاستثناء من الاثبات نفى ومن النفى اثبات وحينئذ يكون

وكانت لها حالة سابقة فى الايمان فيستصحب ايمان الرقبة وبه يتحقق موضوع

__________________

المستثنى محكوما بحكمين مختلفين متناقضين ولكن لا يخفى انه لا وجه لهذا الاشكال اذ المتكلم ما دام متشاغلا بالكلام له ان يلحق به ما يشاء فلو حكم بماله ظاهر ينبغي ان يتوقف الى ان يتم كلامه وبعد تمامه ينعقد له ظهور كما هو ديدنهم في محاوراتهم فى بيان مرادهم يحصل بالمخصصات والمقيدات والقرائن المتصلة والمنفصلة ولذا ترى التعارض يرتفع بالجمع العرفي مضافا الى ان من راجع وجدانه لا يرى شكا في كون الاستثناء من قيود الحكم ومن توابعه فلا يعقل ان يكون من قيود الموضوع قبل الحكم والاسناد وبالجملة الفرق بين الا الاستثنائية وبين الا الوصفية فى ان الاخراج ان كان قبل الحكم والاسناد فالا وصفية وان كان من الحكم فالا استثنائية ففي المثال المذكور لا يمكن توجيهه بما ذكر من كون الاخراج قبل الحكم اذ ذلك مخالف للقواعد العربية فان الا الاستثنائية الواقعة في حيز النفى يجوز فيها نصب المستثنى والاتباع وعلى تقدير النصب كما هو المفروض فى المثال يتعين النصب على الاستثناء ولا يصلح للاتباع لان ما قبله مرفوع ولا يصح اتباع المنصوب للمرفوع فلا بد من ان يحمل على تقدير النصب على الاستثناء ولازم ذلك ان يكون الاخراج من الحكم لا قبله وحيث ان الظاهر من الا هو الاستثنائية فعلى تقديرى الرفع والنصب يكون قد اقر بالدرهم فى المثال المذكور وفاقا للشيخ قدس‌سره في الجواهر وكيف كان فقد ارجع النزاع في دلالة الا وامثالها على المفهوم الى ان الاخراج ان كان قبل الحكم فلا مفهوم لها لكونها من قيود الموضوع وتكون الا وصفية وان كان الاخراج من الحكم فيكون الا استثنائية فتدل على حصر الحكم فيما عدا المستثنى ويستفاد منها المفهوم والظاهر من كلمة الا الاستثنائية هو حصر الحكم فى المستثنى منه واخراج المستثنى من حكم المستثنى منه ولا يبعد دعوى ان منشأ هذا الظهور وضع الاداة لذلك وتوهم

العتق بخلافه على الاستثناء فانه لا يجري الاستصحاب إذ جريانه لا يوجب الاندراج في المستثنى منه إلّا بناء على القول بالاصل المثبت ولم يثبت وكيف كان فقد وقع الكلام فى دلالة مثل الا وامثالها على المفهوم بل قيل انه اقوى من بقية المفاهيم اذ لا معنى للحصر الا ذلك ولكن لا يخفى ان الملاك في الالتزام بالمفهوم ان كان هو العلة المنحصرة فيتم ما ذكر من كون مفهوم الحصر هو اقوى

__________________

عدم دلالتها على المفهوم فمنشؤه ان المستفاد من كلمة الا وامثالها مطلق الاخراج وقد عرفت انه محل منع بل الظاهر انها فى الاخراج من الحكم واما الاستدلال لعدم المفهوم بمثل لا صلاة إلّا بطهور وبكلمة التوحيد فمحل نظر اما عن الاول فيمكن ان يكون الغرض من مثل هذه الجملة بيان عدم امكان تحقق الصلاة من غير طهور وحينئذ فيمكن ان ينحل الى حكم سلبى على المستثنى منه وهو ان الصلاة بدون طهور لا يمكن تحققها وحكم ايجابي على المستثنى وهو ان الصلاة مع الطهور يمكن تحققها واما عن الثاني فلا يخفى ان مشركي العرب لم يقولوا بنفى الصانع او أن له شريكا فى الخلق والصنع بل انما يقولون بان لله تعالى شريكا فى العبادة فهم يعترفون بوجوده وانه خالق العالم بلا مشارك في خلقه ولكنهم يعبدون اصناما يزعمون انها شريكة له في العبادة لا في الخلق وعليه فيكون معنى لا إله إلّا الله عدم وجود معبود غيره فتكون هذه الجملة فيها معنى التوحيد له تعالى في العبادة وان لم نقل بان الجملة الاستثنائية لها مفهوم وبما ذكرنا يندفع الاشكال الوارد على كلمة التوحيد بعدم استفادته منها بان خبر لا اما يقدر ممكن او موجود وعلى كل تقدير لا دلالة لها على التوحيد اما على الاول فتدل على امكان الوجود على وجوده تعالى واما على الثاني فلانها وان دلت على وجوده تعالى إلّا انه لا دلالة لها على عدم امكان إله آخر. بان يقال ان لا إله معناه المعبود بحق

المفاهيم واما اذا كان الملاك هو اخذ سنخ الحكم فى القضية قد علق على خصوصية زائدة على ربط الحكم بموضوعه فيشكل اظهرية مفهوم الحصر من سائر المفاهيم إذ يمكن منع ذلك ويدعى بان المراد من الحكم في الحصر شخصه ومع هذا الاحتمال لا ينفي الحصر شخص آخر من الحكم في غير مورده فلا يكون حينئذ له مفهوم وبذلك يكون الحصر مثل بقية المفاهيم ودعوى ان اخذ المفهوم من أداة الحصر اقوى من غيرها فى غير محلها اذ ذلك لا يوجب الاقوائية بعد ما عرفت ان الحصر من لوازم العلة المنحصرة وذلك لا يوجب إلّا رفع الحكم الشخصي والمفهوم الذي هو محل الكلام هو انتفاء سنخ الحكم وحينئذ يكون حاله حال سائر المفاهيم من دون خصوصية له والظاهر دلالة مثل (الا) الاستثنائية (١) ونحوها كانما ، على المفهوم من غير فرق بين كون الا في حيز

__________________

واولئك المشركون يدعون ان في الوجود اشياء تشارك الله تعالى في ذلك فاذا قال القائل لا إله إلّا الله فقد نفى ان يكون في الوجود إله ومعبود واثبت وجود ذلك المعبود المقدس على ما هو مقتضى المفهوم فلا اشكال ان من يقول بذلك هو موحد له تعالى في العبادة وبالجملة ان المشركين يزعمون ان له شريكا في العبادة والموحد ينفى وجود جميع الآلهة ويثبت الله فقط وهو المعنى الحاصل من لا إله إلّا الله التي هي كلمة التوحيد واما جواب المحقق الخراساني قدس‌سره في كفايته فهو مبني على ان معنى الإله واجب الوجود ولم يثبت على تفصيل ذكرناه في حاشيتنا على الكفاية.

(١) لا يخفى ان ادوات الحصر تختلف فبعضها كمثل الا الاستثنائية مطلقا ولو كانت في حيز النفى ومثل انما فانها تدل على انتفاء حكم المستثنى منه عن المستثنى من غير شك ولا شبهة وانما النزاع وقع في ان دلالتها على ذلك بالمفهوم او

الاثبات او النفى دون غيرها مما يفيد الحصر ولو كان ذلك من مقدمات الحكمة ولو قلنا بان الاداة ك (الا) يستفاد منها الحصر بالوضع اذ الحصر على ما عرفت لا يلزم منه القول بالمفهوم فانه يدل على انتفاء شخص الحكم والمفهوم عبارة عن

__________________

بالمنطوق على قولين اختار المحقق الخراساني قدس‌سره فى الكفاية بان دلالتها على ذلك بالمفهوم وفاقا للمشهور بتقريب ان أداة الاستثناء تقتضى تضيق دائرة موضوع سنخ حكم المستثنى منه ولازم ذلك انتفاء سنخ الحكم عن المستثنى لا ان مفاد الأداة نفى حكم المستثنى منه عن المستثنى فتكون الدلالة بالمنطوق والانصاف ان الحصر تارة يستفاد من نفس القضية واخرى من نفس كلمة الاداة فان قلنا بالاول فيكون الدلالة على انتفاء سنخ الحكم عن المستثنى بالمفهوم وان قلنا باستفادة ذلك من نفس الاداة فلا يبعد كونها بالمنطوق وتظهر الثمرة بينهما ما لو قلنا بان دلالة المفهوم اضعف من المنطوق على ما هو المشهور ففى ما لو تعارض الاستثناء مع دليل آخر فعلى القول بان ذلك من المفهوم يقدم الدليل الآخر وعلى القول بانها من المنطوق يقدم الاستثناء ولكن لا يخفى ما فيه اولا نمنع كون المفهوم اضعف من المنطوق بل ربما يكون اقوى من المنطوق وثانيا ان المفهوم انما يستفاد من خصوصية فى المنطوق ومن الواضح ان الخصوصية التى اوجبت المفهوم من المنطوق فيرجع التعارض الى التعارض بين المنطوقين فعليه لا فائدة في النزاع في ذلك ولذا قال صاحب الكفاية قدس‌سره ما لفظه وان كان تعين ذلك غير مفيد واما بل للاضراب فما اتى بها للدلالة على ان المضروب عنه وقع عن غفله او بنحو الغلط او اتى بها للدلالة على تأكيد المضروب عنه او تقريره كما في قولنا زيد عالم بل شاعر فلا دلالة لها في الصورتين على الحصر لكى تدل على المفهوم واما إذا أتى بها للدلالة على الردع كما في قوله تعالى

انتفاء سنخه بل ربما يقال بان هذه الجهة تمتاز عن بقية المفاهيم فان مثل الا تدل على العلة المنحصرة بالوضع ومقدمات الحكمة يستفاد منها المفهوم بخلاف باقي المفاهيم فان الانحصار والسنخية يستفاد ان من مقدمات الحكمة ولكن لا يخفى ان ذلك لا يوجب اقوائية مفهوم الحصر فلا تغفل.

__________________

(أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جاءَهُمْ بِالْحَقِ) فتدل على الحصر اذ تدل الآية الشريفة على انتفاء مجيئه بغير الحق فحينئذ إن استفيد حصر سنخ الحكم فتدل على المفهوم وإلّا فلا بل ربما يقال بانها لا تدل على الحصر اذ ابطال الاول والاضراب عنه لا يوجب إلّا كونه مسكوتا عنه واما كونه محكوما عليه بالعدم بنحو يكون مفيدا للحصر كما في الاستثناء فلا يوجب الاضراب ذلك وعلى كل يحتاج تعين ان بل لاى صورة من الصور الثلاثة الى قرينة واما تعريف المسند اليه باللام فان كانت للاستغراق او للطبيعة المرسلة او كون الحمل اوليا ذاتيا فانه يفيد الحصر واما اذا كانت اللام للجنس اي الإشارة الى صرف الطبيعة والحمل يكون على ما هو المتعارف من كونه شايعا صناعيا الذي ملاكه الاتحاد فى الوجود فالظاهر انه لا تدل على الحصر والاصل في اللام الداخلة على الجنس هو الإشارة الى نفس الجنس مع كون الحمل شايعا صناعيا فلذا لا يكون تعريف المسند اليه مفيدا للحصر إلّا ان تقوم قرينة على إرادة الاستغراق او الطبيعة المطلقة او كون الحمل اوليا ذاتيا واما تقديم المفعول كقوله تعالى (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) ونحو ذلك فلا دلالة له على المفهوم الا مع قرينة تدل على الحصر وبالجملة ان استفيد الحصر وكان المستفاد من الحكم هو سنخه كان دالا على المفهوم وإلّا فلا فافهم وتأمل.

مفهوم العدد واللقب

الفصل السادس مفهوم العدد واللقب اما العدد كمثل جئنى بعشرة رجال فلا مفهوم له اذ تحديد الموضوع بعدد خاص لا يدل على انتفاء الحكم عند انتفائه ويكون نظير الوصف فانه لما كان من شئون الموضوع وقيوده فلا يكون الحكم الا مهملا بالنسبة اليه فلو قال صم ثلاثة ايام في كل شهر لا يدل على عدم استحباب صوم آخر فلو جاء دليل آخر يدل على استحباب ما زاد على الثلاثة لا يكون معارضا لهذا الدليل نعم لو كان في مقام تحديد تمام المراد بنحو يلاحظ فى القضية جهة زائدة على ربط الحكم بموضوعه فحينئذ يصح تعليق سنخ الحكم بتلك الجهة الزائدة كان للقول بمفهوم العدد وجه كما لو كان الدليل في مقام الحد الاعلى كمثل الدليل الدال على وجوب صيام ثلاثين يوما من شهر رمضان ولكن ذلك لا يستفاد من العدد بل من خصوصية المورد الدالة عليها بالقرينة وبالجملة لا مفهوم للتحديد بالعدد الا مع قيام القرينة على تحديد تمام المراد واما اللقب وهو كل اسم قد اخذ موضوعا لحكم من غير فرق بين كونه جامدا او مشتقا كمثل قوله تعالى (السَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما) ولا يخفى ان نسبة كل حكم الى موضوع لا يستفاد منه المفهوم الذي هو عبارة عن انتفاء سنخ الحكم على انا منعنا دلالة الوصف على المفهوم ففي اللقب بطريق اولى هذا آخر ما اردنا بيانه من المقصد الثالث فى المفاهيم والحمد لله رب العالمين.

المقصد الرابع فى العام والخاص

وفيه فصول

الفصل الأول تعريف العموم وأقسامه أما تعريفه فقد عرف بتعاريف كثيرة وقد اورد عليها بعدم الاطراد والانعكاس مع عدم المقتضي لذلك لكونها تعاريف لفظية ليس الغرض منها إلا بيان مفهوم يعم جميع ما هو من افراد العام ولكن الاحسن تعريفها باستيعاب مفهوم اللفظ لكل فرد من افراد ما يصدق عليها من غير فرق فى ما يدل على الاستيعاب أداة كانت او كلمة كل أو الجميع أو هيئة كوقوع الطبيعة فى حيز النفي أو حرفا كلام الاستغراق الداخلة على المفرد أو الجمع وأما تعريف الخاص هو ما اشتمل على خصوصية تقتضي عدم الاستيعاب والشمول من غير فرق بين المنع من صدقه على كثيرين فهو الجزئي الحقيقى وبين جواز صدقه على كثيرين فهو الجزئي الاضافي والمراد بالاستيعاب هو شمول المفهوم لخصوصيات الافراد وبذلك يفرق بين العام والطبيعة السارية فانها للسراية فقط من دون شمولها لخصوصية الفردية وتظهر الثمرة لو نوى الامتثال بالخصوصية فعلى العام يعد ممتثلا بخلافه على الطبيعة السارية.

وكيف كان فقد اشكل على هذا التعريف بان الاستيعاب الذي هو عبارة عن الاحاطة غير صالح لان يجعل مدلولا لبعض الفاظ العموم كمثل كل والجميع حيث انها تعد من الأسماء ولذا تقع مسندا اليه مع ان الاحاطة من المعاني

الحرفية أما لكونها معنى قائما بالغير وغير مستقل بنفسه كما يظهر من عبارة الاستاذ (قدس‌سره) في الكفاية حيث يقول بان كل موضوعه لعموم ما يراد من متعلقة أو ان الاحاطة نسبة قائمة بين المستوعب بالكسر والمستوعب بالفتح ومن الواضح ان النسبة من المعاني الحرفية ولكن لا يخفى ما فيه اذ لا مانع من الالتزام بان مثل كلمة كل من قبيل اسماء المقادير ومن المحدودات كبغض ويكون من قبيل ربع ونصف ويكون العموم مستفادا من انتساب الحكم الى موضوعه على انه ليس مفهوم الاحاطة مدلولا للفظة كل لعدم تبادر المفهوم منها ولا مصداقها لان مصداقها من سنخ الاضافات وهي لا تصلح لان تكون من مداليل الاسماء إلا ان كل وجميع ونحوهما تدل عليها بالدلالة الالتزامية وهي لا تنافى الاسمية فكلمة كل جعلت مسندا اليه بمعناها المطابقي ولذا جعلت بعض الفاظ العموم مثل اللام حرفا كالهيئة الدالة على العموم لدلالتها بالمطابقة على مصداق الاحاطة الذي هو من المعاني الحرفية.

واما اقسام العموم فنقول قسم القول العموم على ثلاثة أقسام استغراقي ومجموعي وبدلي والاستاذ (قدس‌سره) جعل منشأ هذا التقسيم هو اختلاف كيفية تعلق الحكم (١) فقال ما حاصله ان كان كل فرد قد أخذ موضوعا للحكم

__________________

(١) والظاهر ان المراد من الاختلاف الناشئ من كيفية الحكم باعتبار موضوعية الحكم لا أن ذلك يتحقق بتعلق الحكم اذ لا يعقل ان يكون الاختلاف المتقدم بالطبع ناشئا من أمر متأخر بالطبع ولازم ذلك أن يكون الاختلاف ناشئا من أمر متقدم يكون لكل نوع من ذلك موضوعا للحكم فان الافراد لها تكثر ذاتي ووحدة اعتبارية فتارة تؤخذ الكثرة الذاتية موضوعا

فاستغراقي وان أخذ الجميع موضوعا واحدا فمجموعي وان أخذ كل واحد على البدل فبدلي ولكن لا يخفى ان ما ذكره من المائز يتم بالنسبة الى الاستغراقي والمجموعى لعدم المائز بينهما بحسب الصدق لكون الصدق فيهما عرضيا فحينئذ ينحصر المائز بينهما بجهة تعلق الحكم ، واما بالنسبة الى البدلي وغيره فنمنع ذلك اذ المائز بينهما بحسب المفهوم والحقيقة فان الصدق في غير البدلي من الاستغراقي والمجموعي صدق عرضي بخلاف البدلي فان الصدق فيه بنحو التبادل لا بنحو العرض وبعبارة اخرى امتياز البدلي عن غيره إنما هو من جهة خصوصية في المدخول ففي البدلي الصدق بنحو التبادل وفى غيره الصدق بنحو العرض وبالجملة البدلى مع غيره يختلفان بحسب المفهوم بخلاف الاستغراقي والمجموعي فانهما متفقان من حيث

__________________

بنحو يكون كل واحد من تلك الافراد أخذ موضوعا للحكم فهو المراد من العموم الاستغراقي واخرى تلحظ الوحدة الاعتبارية بنحو تلغى جهة التكثر الذاتي فتؤخذ موضوعا للحكم فهو العام المجموعي فالحكم يكون واردا على أحد النحوين من الكثرة الذاتية أو الوحدة الاعتبارية وهكذا فى العام البدلي الكثرة الذاتية مع الوحدة الاعتبارية محفوظة فيه غاية الأمر اعتبرت الكثرة فيه بنحو البدل أخذت موضوعا للحكم وفي غيره أخذ الكثير اما بتمامه موضوعا للحكم أو جزء موضوع الحكم وبالجملة مفهوم العام متقوم بوحدة اعتبارية وكثرة ذاتية ولكن يختلف باعتبار أخذ أحد النحوين موضوعا للحكم فان اخذت الكثرة الذاتية بنحو الشمول والصدق العرضى على الافراد موضوعا للحكم مع الغاء الوحدة الاعتبارية فالعام استغراقى وان أخذت الوحدة الاعتبارية والغيت جهة الكثرة في موضوع الحكم فالعام مجموعي وان أخذت الكثرة الذاتية وكانت بنحو البدل موضوعا للحكم فالعام بدلي فافهم واغتنم.

المفهوم والمائز بينهما من جهة كيفية تعلق الحكم.

ومما ذكرنا تعرف الاشكال على تثليث الأقسام إذ التقسيم إنما يكون التغاير مع بين الأقسام بحسب الحقيقة والمفهوم وقد عرفت ان التمايز بين الاستغراقي والمجموعي بلحاظ كيفية تعلق الحكم لا لخصوصية فى الاستيعاب يقتضي عد كل واحد قسما على حدة اذ التقسيم باعتبار التغاير فى الحقيقة فلذا لا ينبغي تقسيم العموم الى الأقسام الثلاثة وإنما ينبغي تقسيمه الى العموم البدلي (١) وغيره فلا تغفل.

__________________

(١) لا يخفى انه لا وجه لعد العموم البدلي من أقسام العموم اذ هو عبارة عن نتيجة تعلق الحكم بنفس الطبيعة اعنى حكم العقل بكفاية اول وجودها كما ان الاستغراقي والمجموعي اعتباران طارئان على نفس الطبيعة مع قطع النظر عن الحكم حيث ان الاول عبارة عن لحاظ كل فرد فرد من افراد الطبيعة اجمالا ثم يورد عليها الحكم والثاني عبارة عن ملاحظة تلك الافراد منضما بعضها الى بعض ولحاظها شيئا واحدا ثم يرد عليها الحكم ومن الواضح ان ذلك اللحاظ قبل الحكم فلا يكون باعتباره وإلا لكانت العمومات لاحقة للحكم نفسه باعتبار شموله لكل فرد فرد أو وروده على الجميع مع انه واضح الفساد وكيف كان فقد وقع الكلام فيما لو دار الأمر بين كون العام استغراقيا أو مجموعيا قيل الأصل كونه استغراقيا بدعوى ان العام المجموعي يحتاج الى عناية زائدة وهو لحاظ المجموع أمرا واحدا وهو أمر زائد بخلاف العام الاستغراقى فانه لا يزيد على أصل لحاظ الاستيعاب بالنسبة الى الافراد ولازم ذلك استقلال كل فرد بموضوعيته لحكم مستقل فلو جاء لحاظ آخر تعلق بمجموع الافراد فلا يكون كل فرد موضوعا على حدة فذلك لحاظ زائد ينتفي باصالة الاطلاق فيتعين الاستغراق وقيل يقدم

الفاظ العموم

الفصل الثاني في الالفاظ الدلالة على العموم فنقول لا اشكال في ان للعموم الفاظا تخصه وهي اما بالوضع أو بالاطلاق المستفاد من مقدمات الحكمة فمنها (كل)

__________________

المجموعي إذ الاستغراق يحتاج الى مئونة زائدة والانصاف ان المائز بين الاستغراقي والمجموعي باللحاظ كما تقدم منا كان وجها لتقديم الاستغراقي على المجموعي لاحتياج المجموعي الى لحاظ زائد ينفي بالاصل ولكن يمكن منعه بدعوى ان اللحاظ لم يؤخذ بنحو الموضوعية وانما أخذ بنحو الطريقية الى المصلحة المتحققة في المتعلق فان كانت المصلحة منحلة الى مصالح بعدد الافراد فالعام استغراقي وان لم تنحل الى المصالح بل كان طريقا الى مصلحة واحدة تتحقق في ضمن الافراد باجمعها لذا تكون الافراد ارتباطية وحينئذ يكون التمايز بينهما واقعيا فليس لنا أصل يعين أحدهما واما لو دار الأمر بين العموم البدلي أو الاستغراقي فلا أصل بعين أحدهما اذ كل واحد منهما يحتاج الى عناية ليست متحققة في الاخرى فان البدلي يحتاج الى ملاحظة موضوع الحكم صرف الوجود والعام الاستغراقي الى ملاحظة موضوع الحكم الطبيعة السارية ولا معين لاحد الاحتمالين لكون كل واحد من الاحتمالين فيه عناية زائدة نعم لو دار الامر بين المطلق الشمولي والعام الاصولي فيقدم العام على المطلق الشمولي لكون العام الاصولي يصلح ان يكون بيانا للمطلق الشمولي لان الشمول في العام مستفاد من نفس اللفظ بخلاف المطلق الشمولي فانه يحصل من مقدمات الحكمة وهو صالح لان يكون بيانا فلا تعارض بينهما بل هما في مرتبتين وليستا فى مرتبة واحدة وبالجملة ظهور العام فى العموم

فانها تدل على الاستيعاب بالوضع لتبادر ذلك منه بنحو يحتاج في استعمالها فى غيره الى قرينة ولا يستفاد منها التكرر بحسب الوجود ففي مثل أكلت السمكة كلها أو أكلت كل جزء من السمكة يراد منه محض استيعاب الطبيعة بلا تعدد فى الوجود الخارجي وان كان في المثال الثاني فيه تعدد إلا انه اعتباري نعم فى مثل اكلت كل سمكة فيها تعدد خارجي إلا انه ليس دخيلا فى مفهوم كل لكي يتوهم ان لفظة كل لها معان متعددة والاطلاق يكون بنحو الاشتراك اللفظي فظهر مما ذكرنا ان لفظه كل موضوعة لمطلق الاستيعاب من غير اعتبار تعدد خارجى وانما الاختلاف بين المصاديق ومثل كل في الدلالة على العموم (الجميع وتمام واي ومجموع) بنحو يحتاج فى استعمالها في غيره الى قرينة فمن هذه الجهة تشترك في دلالتها على العموم إلا انها يفترق بعضها مع بعض.

بيان ذلك ان الافراد التي هي متكثرات بحسب الوجود اما ان يكون لحاظها منضما واما ان يكون لحاظها مستقلا فما كان منضما فهو مفاد لفظ الجميع ولذا يضاف الى جماعة فيقال جميع الناس ولا يقال جميع انسان بخلاف لفظة كل فانها تستعمل مرة بلحاظ الافراد منضما واخرى مستقلا فيقال اكرم كل انسان يراد بالانسان الطبيعة السارية الملغى فيها الخصوصية فيصدق عليه المتكثرات فيكون مفاد كل اوسع من مفاد الجميع كما ان مفاد اي اوسع من مفاد كل فان كل مختص بالعموم الشمولي ولكن لفظة أي تستعمل في العموم البدلي ايضا فيقال اكرم

__________________

مقدم على اطلاق المطلق حيث ان الظهور في العموم تنجيزي يحصل من الوضع وظهور المطلق تعليقى يحصل من مقدمات الحكمة ولا اشكال فى تقديم ما يقتضيه التنجيزي على ما يقتضيه التعليقى لعدم المعارضة بينهما كما لا يخفى.

رجلا أي رجل ولا يقال اكرم رجلا كل رجل واما المجموع فانه يشترك مع الجميع في كون كل منهما يلحظ منضما ولكن يفترقان بان الجميع يتبادر منه العموم الاستغراقي والمجموع يتبادر منه العموم المجموعي وسره الفرق بين اسم الفاعل واسم المفعول فان اسم الفاعل ما تلبس بالمبدإ من قبل نفسه واسم المفعول ما تلبس به من قبل غيره فان لفظة جميع من الصفات المشبهة باسم الفاعل فهي نظير اسم الفاعل بدلالته على الاستيعاب من قبل نفسه بخلاف لفظ المجموع فان دلالته على الاستيعاب من قبل الغير الذي هو لحاظ الوحدة والمصلحة وبالجملة لفظة كل تستعمل في مورد العام الاستغراقي والعام المجموعي والجميع لخصوص الاستغراقي والمجموع للمجموعي واوسع الكل لفظه (اي) فانه يستعمل فى العام الشمولي والبدلي.

وكيف كان فتعيين هذه الامور من الاستغراقية أو المجموعية أو البدلية يحتاج الى معين وإلا فنفس ألفاظ العموم ليس فيها دلالة إلا على نفس الاستيعاب من دون تعيين لاحدها وبذلك يمتاز عن اسماء الاعداد فان لفظة العشرة بنفسها تدل على استيعاب محدود وهذا التحديد يستفاد من لفظ العشرة بلا حاجة الى قرينة تدل عليها نعم العموم يطرأ عليها كما يطرأ على اسم الجنس حيث انه يدل على نفس الطبيعة والعموم يطرأ عليه بدخول الفاظ العموم وان كان فرق بينهما باعتبار ان العموم الطارئ على اسماء العدد يكون مجموعيا بخلاف الطارئ على اسم الجنس فانه لا يستفاد منه إلا الشمول واما كونه استغراقيا او مجموعيا فيحتاج الى معين وذلك من جهة ان المتعلق اذا كان عددا يلاحظ بلحاظ واحد فيكون فيها جهة اقتضاء لان يكون العموم مجموعيا بخلاف ما اذا كان المتعلق اسم الجنس فانه من هذه الجهة لا اقتضاء فلذا يحتاج فى تعيين العموم الطارئ عليه الى معين

واما الجمع فهو برزخ بين اسم الجنس والعدد فبالنسبة الى طرف القلة محدود بحد خاص وهو الثلاثة وهو كالعدد وبالنسبة الى طرف الزيادة فهو كاسم الجنس واما الفاظ العموم الواردة على الجمع كمثل اكرم كل الرجال فهل يستفاد منها استيعاب العنوان الذي هو عبارة عن ثلاثة لكونها أقل مراتب الجمع او استيعاب الآحاد أي كل فرد فرد الظاهر الثاني لكون الأول يلزم التداخل فلذا تعين صرف النظر عن العنوان وجعل العموم بلحاظ الآحاد ومما يدل على العموم النكرة فى سياق النفي او والنهي فهل هو بالاطلاق ومقدمات الحكمة او بالوضع؟ احتمالان (١) مبنيان على ان المطلق هل هو موضوع للطبيعة السارية فى الافراد كما

__________________

(١) بل ثلاثة احتمالات باضافة وقوعها في سياق النفي فانه مقتضي للعموم اما احتمال الوضع فضعيف جدا إذ النكرة لم تكن موضوعة لذلك وكذا حرف النفي كما أن المجموع منهما لا يدل إلا على نفي ما يراد من المدخول فلذا يتعين الاحتمالين الآخرين وربما يختار ان اطلاقها مستفاد من مقدمات الحكمة بتقريب ان ادخال حرف النفى على الماهية لا يوجب نفي جميع افرادها ما لم يثبت الاطلاق فيها ولذا لو صرح بتقييدها فلا يدل النفي إلا على نفى ذلك المقيد ولكن لا يخفى انه لا حاجة الى ذلك بل يكفى في الاطلاق مجرد وقوع الطبيعة فى حيز النفى فالعقل يحكم بعدم وجود جميع افرادها وإلا لما صدق نفي الطبيعة نعم لا بد فى ذلك من أن لا يكون هناك قيد لها لا انه لا بد من احراز عدم القيد وفرق واضح بين احراز عدم القيد وعدم احراز القيد والذي يتوقف على التمسك بالاطلاق هو الاول والذي يتوقف عليه دلالة النكرة فى سياق النفى على العموم هو الثاني والحاصل انه فرق واضح بين ثبوت الحكم للطبيعة وبين سلبها عنها ففى الثبوت يكون مفاده هو الأمر بايجاد الطبيعة وايجادها يكون باول وجودها ونتيجة ذلك هو العموم

يقوله المشهور أو للطبيعة المهملة كما يقوله سلطان العلماء فان قلنا بالاول فتكون دلالتها على العموم بالوضع وان قلنا بالثاني فلا تدل على العموم إلا بالاطلاق

__________________

البدلي فلا يكون مقتضيا للاستيعاب واما فى النفى فنفيها عبارة عن سد ابواب جميع افرادها وذلك يقتضي الاستيعاب من دون حاجة الى جريان مقدمات الحكمة اذ استفادة الاطلاق فى ذلك الحال عقلي ولكن لا يخفى ان ذلك يتم لو اخذت الطبيعة صرف الوجود قد تعلق بها الحكم من غير ملاحظة الافراد واما اذا لم نؤخذ كذلك فلا يقتضى مجرد تعلق النفى بها الاستيعاب بل يحتاج فى ذلك الى جريان مقدمات الحكمة بل ربما يقال بان تشخيص كون المتعلق للنفى هو صرف الطبيعة لا الطبيعة الخاصة يحتاج الى جريان مقدمات الحكمة ليرتفع احتمال تلك الخصوصية وعليه فالحق هو عدم دلالة وقوع النكرة فى حيز النفي على العموم إلا بالاطلاق وجريان مقدمات الحكمة وكذا في المفرد المحلى باللام فان العموم يستفاد منه بسبب مقدمات الحكمة وكذا فى الجمع ولا يخفى ان الاستغراق فيه بلحاظ الآحاد لا بلحاظ المراتب بتوهم ان اللام تدل على عموم ما يراد من المدخول ، والمدخول هو الجمع فيكون قول القائل اكرم الرجال عبارة اكرم جماعة جماعة كما في التثنية في قوله اكرم كل عالمين اي كل اثنين من العلماء.

ولكن لا يخفى انه فرق بين الجمع والتثنية تدل على الاثنين المحدود من طرف القلة والكثرة والجمع يدل التحديد من طرف القلة لا الكثرة فان اقل الجمع ثلاثة ولا حد لا كثرة وحينئذ كل ما يفرض من طرف الكثرة فهو مرتبة من الجمع حتى لو كان الحد الاقصى فهو مرتبة منه لا انه مجموع المراتب فعليه الاستغراقية فيه باعتبار آحاد تلك المرتبة الاقصى لا مراتبها المتعددة فهو كاستغراق الآحاد فى المفرد المحلى باللام غاية الامر انه باعتبار عدم الاستغراق بينهما فوق ففى المفرد يقتصر على واحد وفي الجمع يقتصر على الثلاثة التي هي أقل الجمع فلا تغفل.

ومقدمات الحكمة وحيث اخترنا فى المطلق هو ما قاله سلطان العلماء لذا نحتاج في اثبات دلالتها على العموم في المقام الى تمامية مقدمات الحكمة واما المفرد المحلى باللام فلا يستفاد منه العموم كما فى الجمع المحلى باللام لعدم تبادره ولذا كان استعماله فى غيره لم يكن بعناية كما لا يخفى.

العام المخصص

بالمتصل او بالمنفصل

الفصل الثالث في العام المخصص بالمتصل أو بالمنفصل فنقول يقع الكلام فيه في مقامين المقام الأول في ان استعمال العام في الباقي بعد التخصيص هل هو حقيقة مطلقا أو مجاز مطلقا (١) ام يفصل بين كون المخصص متصلا فحقيقة أم

__________________

(١) لا يخفى ان منشأ توهم المجاز يحصل من امور ثلاثة اما التجوز في الاداة بدعوى وضعها للعموم وقد استعملت في غيره أو التجوز في المدخول بدعوى انه موضوع للطبيعة المرسلة ولم تستعمل في غيرها أو التجوز فى المركب منهما بدعوى انهما موضوعان معا للعموم وقد استعمل المركب منهما في غيره ولكن ذلك توهم فاسد اما الاخير فمنعه ظاهر إذ لا وضع للمركبات بعد وضع المفردات واما الاداة فلانها موضوعة لشمول الحكم لكل ما ينطبق عليه المدخول وسعة الانطباق وضيقه لا يغير شيئا من مفاد الاداة والاستعمال كان فيما وضع له فلم يكن في الاداة تجوز واما المدخول فانه قد استعمل فيما وضع له وهو الطبيعة المهملة من غير

منفصلا فمجاز أقوال الحق هو القول الأول لعدم التجوز فى المدخول ولا في الاداة اما المدخول فبناء على ما هو المختار وفاقا لقول سلطان العلماء من ان الموضوع له هو الطبيعة المهملة والقيد قد استفيد من دال آخر فيكون المدخول قد استعمل فيما وضع له الذي هو اللابشرط المقسمي المعبر عنه بالطبيعة المهملة بنحو يكون الارسال مستفادا من مقدمات الحكمة والتضييق مستفاد من القيد والتخصيص واما الاداة فهي موضوعة لاستيعاب ما ينطبق عليه المدخول وقد استعملت في ذلك من غير فرق بين أن يكون المخصص متصلا أو منفصلا غاية الامر مع كونه

__________________

فرق بين التخصيص بالمتصل والمنفصل غاية الأمر في المتصل لم تنفك الارادة الاستعمالية عن الجدية ، وفي المنفصل قد انفكت الارادة الاستعمالية عن الجدية ومناط الحقيقة والمجاز هى الارادة الاستعمالية.

بيان ذلك انه عندنا مقامات ثلاثة : الأول معرفة معنى اللفظ ، الثاني انه مستعمل فيه ام فى غيره ، الثالث ان المستعمل فيه مراد جدا والمتكفل للاول هو العرف فانه المرجع في تعيين المعنى ، واما الثاني فالمرجع هو الأصل العقلائي اي الأصل في كل كلام ان يكون مستعملا فى معناه لا في غيره وهو المعبر عنها باصالة الحقيقة ، اما الثالث فالمرجع ايضا الأصل العقلائي وهو الأصل فى كل كلام مستعمل فى معناه ان يطابق ارادة المتكلم فحينئذ لو جاء دليل مثل اكرم العالم ثم ورد لا تكرم العالم الفاسق فان مقتضى تقديم الخاص هو وجوب رفع اليد عن المقام الثالث بان يقال بان الارادة الجدية لم تتعلق بالعموم واما بالنسبة الى المقام الثاني فلا مقتضى لرفع اليد عنه ويحكم بعدم استعماله فى العموم كما انه لا مقتضى لرفع اليد عن المقام الأول ويحكم بعدم كون العموم معنى له فان المقامين الاولين لا يقتضي رفع اليد عنهما بتقديم الخاص على تفصيل ذكرناه في حاشيتنا على الكفاية.

متصلا لكون دائرة ما استعمل فيه لفظ المدخول مضيقا مرادا بالارادة الجدية ومع كونه منفصلا لا يكون ذلك الاستيعاب مرادا بالارادة الجدية وإنما استعمل لمصلحة دعت الى ذلك. ودعوى ان استعمال الاداة فى الباقي خلاف ما وضعت له لانها وضعت للاستيعاب ومع فقده يكون الباقي غير ما وضع له فيكون الاستعمال فيه مجازا بل ربما يشكل حمله على الباقي لكونه مجملا لتعدد المجازات وان اجيب عنه بانه يحمل على الباقي لانه أقرب المجازات ممنوعة لان الاداة موضوعة لما ينطبق عليه المدخول وحينئذ بالتخصيص ينطبق المدخول على الباقي وعليه تكون الاداة مستعملة فيما وضع له ودعوى ان ذلك يتم فيما اذا كان المخصص متصلا واما اذا كان منفصلا فالمدخول قد استعمل في الخصوص لكونه هو المراد واقعا فيكون مجازا ولكن لا يخفى انك قد عرفت ان المدخول لما كان عبارة عن الطبيعة المهملة وإنما التقييد والاطلاق يستفاد ان من دليل آخر وتكون الادوات بمثابة مقدمات الحكمة يستفاد العموم منها غاية الامر انه بالنسبة الى المتصل يكون اللفظ المستعمل فيه تمام مراد المتكلم وبالنسبة الى المنفصل لا يكون المستعمل فيه تمام المراد بل يحتاج الى تتميم المراد ببيان منفصل وبالجملة فى المتصل تتفق الارادة الاستعمالية مع الجدية وفى المنفصل تنفك الارادة الاستعمالية عن الجدية ومناط الحقيقة والمجاز هي الارادة الاستعمالية لا الارادة الجدية.

المقام الثاني : في ان العام هل هو حجة فيما بقي أو ليس بحجة قيل بالثاني لكونه بعد التخصيص يكون مجملا لتعدد المجازات والظاهر حجيته في الباقي بعد التقييد أو التخصيص.

بيان ذلك ان الباقي أما ان يكون بنحو التقييد فلا شبهة انه بعده حجة

لان التقييد ليس إلا تضييق ما يوهم السعة فما أوهم السعة في اطلاق اعناق الرقبة فبإتيان القيد ينطبق المطلق ولم ينازع أحد فى ذلك نعم جرى الخلاف فى التخصيص بالاستثناء فقيل بحجيته وقيل بعدمه وقيل بالتفصيل بين المتصل والمنفصل فيكون حجة فى الباقي على الاول دون الثاني وسر الفرق بين التقييد بالوصف والتخصيص بالاستثناء مع انهما بحسب الظاهر من باب واحد والمفروض انهم اتفقوا في الاول واختلفوا في الثاني هو ان التقييد يوجب تغير العنوان الذي كان تمام الموضوع للحكم مثلا موضوع اعتق رقبة هو مطلق الرقبة وهو تمام الموضوع ولما قيد بالايمان انقلب الموضوع وجعل الموضوع للاعتاق هو الرقبة المقيدة بالايمان بخلاف الاستثناء فانه بالاخراج لا يتغير الموضوع ولا يجعل المخصص معنونا في قبال موضوع العام ومن هذا يظهر لك الفرق فى وجه تخصيص اشكال التناقض بالتخصيص بالاستثناء دون الاخراج بالوصف ولكن لا يخفى ان هذا الاشكال مع تخصيصه بباب التخصيص بالاستثناء مدفوع لان العام وان كان قاضيا بدخوله تحت العام بحسب الاقتضاء ويكون محكوما بحكمه ولكن ذلك بحسب الاقتضاء وهو منوط بما اذا لم يكن مانع بمنع من الدخول والاستثناء مانع فمع وجود الاستثناء يمنع دخول الخاص في العام فقط واما غيره فلا يمنع فيكون حجة فى الباقي بتقريب ان الالفاظ بلحاظ معانيها مرآة وحكايات لمعانيها فان طبعها حاك عن جميع المتكثرات ما لم يمنع هناك مانع ومع وجود المانعية ترتفع الحكاية بمقدار المانع ويبقى الباقي تحت اللفظ بمقتضى مرآتيته الأولية فلذا يحمل على الباقى ويكون حجة فيه.

ودعوى ان للعام ظهورا واحدا وحكاية واحدة تكشف عما يصلح ان ينطبق عليه وعند ورود دليل خاص يسقط هذا الظهور عن الحجية لتقدمه عليه وحينئذ

لا يبقى للعام دلالة على الباقي لسقوط ذلك الظهور ممنوعة فان الظهور وان كان واحدا إلا انه يكشف عن احكام متعددة حسب تعدد الافراد وبعد مجىء دليل الخاص يسقط ذلك الظهور عن الحجية بالنسبة الى ذلك البعض ولم يسقط بالنسبة الى الباقي لعدم المعارضة بينهما وبالجملة في القطعة المعارضة يسقط عن الحجية وفى القطعة غير المعارضة يبقى العام حجة فيه وببيان أوضح ان دلالة العام على الاحكام المتعددة تنحل الى دلالات وحكايات وبعد مجىء دليل الخاص يعارض بعض الدلالات فيسقط بعضها ولا يسقط البعض الآخر لكونها في عرض واحد ولم يكن بينها ارتباط بنحو لو سقط بعضها يسقط الجميع وبالجملة بالنسبة الى الحجية الدلالات في عرض واحد ولا يوجب سقوط بعضها عدم دلالة لفظ العام على الباقي من غير فرق بين كون المخصص متصلا أو منفصلا ودعوى ان بينهما فرقا من حيث انه فى المتصل بعد التخصيص ينعقد ظهور للفظ في المخصص من الأول فكأن العام لم يخصص وفى المنفصل ينعقد الظهور في العام من اول الأمر وبعد التخصيص ينكشف ان العام لم يستعمل فى معناه فيكون مجازا وحينئذ لم يكن له ظهور فى الباقي لان مراتب المجاز متعددة ولا موجب لتعيين أحدها ممنوعة لما عرفت منا سابقا بان التخصيص مطلقا لا يوجب التجوز في المدخول وفي المنفصل انما يزاحم العام فى الحجية ولا يصادم الظهور فحينئذ يبقى العام ظاهرا فيما لا يزاحمه وهو الباقي بل ربما يقال بان ظهور العام في الباقى ليس من مقتضيات القرينة وانما هو من مقتضيات الوضع حيث ان الباقي لما كان من المحكي فكون اللفظ ظاهرا فيه مقتضى وضعه والمتصل انما يمنع عن افادة الوضع لأعلى مراتب الظهور فيبقى اقتضاؤه للمرتبة الاخرى بحاله وفى القرائن المنفصلة ترفع اليد عن حجية

المرتبة الاعلى فتحصل مما ذكرنا ان الدلالة وان كانت واحدة إلا انها لما كانت تحكي عن مصاديق متعددة فيكون المحكي بذلك متعددا ولازمه تعدد الحكاية ومع تعددها وكانت عرضية وليس منوطا بعضها ببعض لذا مع مجىء دليل المخصص يرتفع بعضها فلا يوجب رفع بقية الدلالات واما ما ينسب الى الشيخ الانصاري (قدس‌سره) من انه على تقدير تسليم المجازية تكون دلالة العام على كل فرد غير منوطة بدلالته على الفرد الآخر من افراده إذ هي بواسطة عدم شموله للافراد المخصوصة لا بواسطة دخول غيرها في مدلوله فالمقتضى للحمل على الباقي موجود والمانع مفقود فمحل منع حيث انك قد عرفت أن المدخول لا تجوز فيه وعلى تقدير المجازية يشكل تعيينه بالباقي فلذا الحق ما ذكرنا من تقريب الحجية واما تقريبها بان الاستثناء ان كان متصلا فهو انما يقتضي تضييقا في دائرة المدخول ويكون الاستغراق بحسب ما يراد من المدخول (١) فلم تخرج (الا) عن وضعها وان

__________________

(١) وبذلك قال المحقق الخراساني (قدس‌سره) في كفايته بما لفظه (كما لا ينافى دلالة مثل لفظ (كل) على العموم وضعا كون عمومه بحسب ما يراد من مدخوله ولذا لا ينافيه تقييد المدخول بقيود كثيرة) توضيح ذلك ان لفظة (كل) مثلا موضوعة لعموم معناه انه موضوع لشمول افراد ما يراد من مدخوله فان كان مدخوله لفظة عالم مثلا كان لشمول جميع افراد العالم وان كان مدخوله العالم المقيد بالعادل كان لفظ كل لشمول افراد العالم العادل فتقييد مدخوله لا يوجب خروجه عما يقتضيه وضعه من الدلالة على شمول جميع ما يراد من مدخوله وحينئذ فاطلاق التخصيص على مثل كل رجل عالم من التسامح بل هو من قبيل ضيق فم الركية اي اوجده ضيقا وهكذا الكلام فى جميع افراد الالفاظ الموضوعة للعموم وقد أورد بعض السادة الاجلة بما حاصله ان ذلك يتم في مثل (كل) واما فى

كان الاستثناء منفصلا فهو انما يزاحم حجيته ويكون تضييقا في حجته وان كان الاستعمال أوسع ولكن لا يخفى ان هذا انما يتم اذا كان التخصيص من قبيل التقييد فقد عرفت الفرق بينهما ودعوى انها حجة في الباقي مع التزام بالمجاز فى

__________________

في مثل الجمع المحلى باللام فلا يتم فانه لو قيد بقيد واريد منه خصوص بعض افراده لكان مجازا ولا ينافيه ما ذكر وحينئذ فلا بد من أن يقال في وجه كونه حقيقة انه بعد التقييد لا يكون اللفظ مستعملا في الباقي بل هو مستعمل فيما وضع من الشمول بجميع الافراد ولكن لما كان الحكم على مثل العلماء مختلفا فتارة يكون على نحو يسري الى جميع افراده وهذا النحو لا يحتاج الى بيان بل يكفي فيه مجرد تعليق الحكم على لفظ العلماء لكونه موضوعا لجميع الافراد واخرى يكون على نحو يسرى الى بعض دون بعض وهذا النحو لا بد من بيانه من قرينة وتلك القرينة هي مثل لفظ العدول وهو لا دخل له فيما استعمل فيه اللفظ وانما له دخل في كيفية تعلق الحكم على مثل هذا الموضوع وبعبارة اخرى لفظ العلماء يكون محضرا لمعناه وهو جميع الافراد واحضاره تارة يكون لاجل الحكم على تمامه وتارة لاجل الحكم على بعض تلك الافراد وهذان كيفيتان للحكم على ذلك المعنى الذي احضره اللفظ والكيفية الاولى محتاجة الى الدليل كالكيفية الثانية ولكن الفرق بينهما ان الاولى موافقة لوضع اللفظ فيكفي فيها مجرد عدم الدليل على التقييد فعدم التقييد دليل عليها والكيفية الثانية لا يكفي فيها مجرد اللفظ بل لا بد من دليل عليها وتلك القرينة هي التقييد باللفظ ففي الجميع مستعمل في معنى واحد وهو شمول جميع الافراد وانما اختلفت كيفية الحكم عليه فلا تجوز فيه اصلا لا فى الصورة الاولى ولا في الثانية ومنه يظهر لك امكان القول بالحقيقة فى مثل كل رجل عالم وان قلنا ان كل موضوع لشمول جميع افراد مدخوله لا خصوص ما يراد منها فافهم.

استعمال اللفظ فى الباقي لانه أقرب المجازات (١) ممنوعة بان ذلك اذا كان

__________________

(١) لا يخفى انه على القول بالمجاز في الباقى لا بد من الالتزام بالحجية فيه لان اصالة الظهور قبل التخصيص كانت شاملة لجميع الافراد وبعد التخصيص ارتفعت اصالة الظهور بالنسبة الى المخصص لورود دليل اقوى منها وبقيت حجيتها بالنسبة الى ما بقى بيان ذلك ان المجاز تارة يطلق على ما استعمل فى المعنى المجازي بحيث يكون مباينا للمعنى الحقيقي كالاسد المستعمل في الرجل الشجاع واخرى يطلق على ما كان موضوعا للعموم ثم خرج منه شيء واستعمل في الباقي كالعشرة فانه موضوع لتمام العشرة فلو خرج الواحد أو الاثنين فقد استعملت العشرة في التسعة أو الثمانية وليس استعمالها فيما بقى استعمالا فى غير ما وضع له بل شمولها لما بقى على نحو شمولها فيما قبل التخصيص وانما الذي اوجب المجازية هو خروج البعض فخروج البعض لا يوجب رفع الظهور بالنسبة الى ما بقى والى ذلك يرجع كلام الشيخ الانصارى (قدس‌سره) بان دلالة العام على الافراد ليست ارتباطية توضيح ذلك هو انه على القضايا الحقيقة يكون للقيود اطلاق فيها مثلا اكرم كل عالم سواء كان فقيها ام لا ، متكلما أم لا ، فاسقا أم لا وبعد مجيء التقييد بالعادل ارتفع ذلك الاطلاق ولا يرتفع اطلاقه بالنسبة الى باقي القيود فحينئذ المجازية تحصل من خروج البعض لا شموله للباقي فيكون حجة فى الباقي ولو كان مجازا واما على القضايا الخارجية فكذلك لان شموله للافراد لم يكن على وجه الارتباط وبعد مجيء التخصيص ارتفع ذلك الارتباط فخروج البعض اوجب المجازية لا شموله للباقي ومجازية هذا ليست كمجازية اطلاق لفظ الاسد على الرجل الشجاع فان بين المجازين فرقا فان المجازية في مثل الاسد قد استعمل اللفظ في خلاف المعنى الحقيقي بالكلية بخلاف ما نحن فيه فان شموله للباقى على نحو شموله للمعنى الحقيقي قبل التخصيص والذي

الاستثناء قرينة على دخول الباقي فى الحكم وخروج الخارج وهو محل منع بل قد عرفت انه قرينة على عدم ارادة اعلى مراتب الظهور وظهوره فى الباقي مقتضى وضع الاداة وربما يجاب بأن للمريد ارادتين ارادة جدية وارادة استعمالية فمن (كل) يراد الارادة الاستعمالية وهو العموم ومن (الا) الاستثنائية الارادة الجدية وهو الخصوص فيتغاير الارادتين يندفع اشكال التناقض ولكن لا يخفى ما فيه لانه يلزم خروج إلا عن وضعها للاخراج لانه ان كان الاخراج من الارادة الجدية لم يكن هناك عموم حتى يخرج وان كان من الارادة الاستعمالية فهي عامة ولم يخرج منها الخاص لأن المفروض ان الارادة الاستعمالية تتعلق بالعموم فالحق انه لا يندفع اشكال التناقض بذلك لعدم تماميته وقد عرفت منا سابقا اندفاعه بما ذكرنا.

تخصيص العام بمجمل

الفصل الرابع تخصيص العام بمخصص مجمل فهل يسري اجماله الى العام أم لا فنقول المخصص المجمل أما متصل أو منفصل وعلى اي تقدير أما ان يكون اجماله مرددا بين الأقل والأكثر او بين المتباينين اما اذا كان المخصص متصلا وكان اجماله مرددا بين الاقل والاكثر كمثل عنوان الفاسق فى قولك اكرم

__________________

اوجب ـ المجازية هو خروج البعض الآخر على تفصيل ذكرناه فى تقرير بحث الاستاذ المحقق النائينى (قدس‌سره).

العلماء إلا الفساق المردد بين خصوص مرتكب الكبيرة او مطلق المرتكب فيشمل مرتكب الكبيرة ومرتكب الصغيرة والأول اخص اي اقل افرادا من الثاني فلا شبهة في سراية اجمال الخاص الى العام فلا يتمسك بعمومه فى الأقل لتيقن خروجه كما انه لا يتمسك به فى الفرد المشكوك كالمرتكب للصغيرة لما عرفت ان المخصص اذا كان متصلا لا ينعقد للعام ظهور مما لم يعلم خروجه عن عنوان المخصص وحينئذ يرجع فيه الى الاصول العملية نعم يتمسك بالعام بناء على جريان اصالة الحقيقة تعبدا ولكن قد عرفت منا سابقا ان الرجوع الى مثل ذلك من باب بناء العقلاء وقد منعنا بنائهم على ازيد من العمل بالظهور فلا مجال للتمسك بالعموم بالنسبة الى الفرد المشكوك نعم هو حجة بالنسبة الى ما عدا المخصص واما ان يكون اجماله مرددا بين المتباينين كقولنا اكرم العلماء الا زيدا وتردد زيد بين شخصين فلا اشكال فى سراية الاجمال الى العام بالنسبة الى كل واحد منهما بعينه اذ التخصيص لما كان مجملا يكون مورد العام مجملا لعدم انعقاد ظهور له في ذلك المورد فمع عدم ظهوره في ذلك ترتفع حجيته نعم هو حجة فى غير مورد الخاص من غير فرق بين القول بان المخصص المتصل كالتقييد يعنون العام بعنوان خاص او القول بعدمه كما هو الظاهر ان حال التخصيص كفقد بعض الافراد لا يوجب تعنون العام وبالجملة بالنسبة الى كل واحد بعينه لا يتمسك بالعام لارتفاع ظهوره بالنسبة الى خصوص كل واحد منهما فيكون حاله حال الاقل والاكثر واما الواحد المردد فلا يخلو اما ان يعلم بدخول الآخر المردد مع العلم بخروج احدهما بسبب التخصص او نحتمل دخوله تحت العام فان كان الاول فيكون كل واحد من المتباينين من اطراف العلم الاجمالى ويكون نظير الشبهة الوجوبية المحصورة

وان كان الثاني فوجهان فمن انه محتمل دخوله تحت العام وان المخصص انما دل على احدهما مع القطع بان المخصص لم يخرجهما فمن هذه الجهة يمكن التمسك بالعام في غير مقطوع الخروج فلو شك فى ذلك يكون من قبيل ما لو علم بدخوله ويكون كل واحد منهما من اطراف العلم الاجمالى ويجب العمل على مقتضاه وقد عرفت انه نظير الشبهة الوجوبية المحصورة لانه في الفرد المحتمل دخوله قد قامت الحجة على دخوله تحت العام فيكون كالمقطوع بالدخول ويجب العمل على مقتضى قيام الحجة ولا يخفى ان هذا الوجه غير جار في الأقل والاكثر للفرق بينهما فان في الأقل والاكثر احتمال خروج الاكثر بلسان المخصص لا بلسان آخر غير لسان المخصص بخلاف المتباينين فان الزائد لو كان خارجا فبلسان آخر غير لسان المخصص بل شيء آخر خارج عن المخصص ففي الاقل والاكثر بنفس اتيان المخصص يرتفع ظهور العام بالنسبة الى الاكثر بوجود ذلك الاحتمال الموجب لاحتمال اندراجه تحت المخصص ولكن فى المتباينين الزائد ان كان خروجه فهو بغير لسان التخصيص مع القطع بعدم دلالة الخاص عليه فلذا لا مانع من التمسك بعموم العام.

فظهر مما ذكرنا وجه جواز التمسك بالعام فى المتباينين واما وجه عدم جواز التمسك بالعام فيهما هو ان ظهور العام في كل شيء فرع كونه مرآة له ومع عدم كشفه لا يكون ظاهرا فيه بيان ذلك ان العام انما يكشف عن العناوين التفصيلية ولا يكشف عن العناوين الاجمالية مثلا اذا قال المولى اكرم كل عالم وفرض انه منحصر في اربعة اشخاص وهم زيد وعمرو وخالد وبكر مثلا فالعام إنما يكشف عن هذه العناوين التي هي مرآة لمعانيها تفصيلا بلا اجمال في مرآتيتها ولا يكشف عن عناوينها الاجمالية مثل الذي كان في المسجد او في الصحن

ونحوهما وعنوان أحدهما من العناوين الاجمالية فلا يكون العام ظاهرا فيه ومرآة وكاشفا عنه والمباين الآخر انما هو معلوم بعنوانه الاجمالى وهو عنوان أحدهما ومع فرض عدم كشف العام عنه لا يكون ظاهرا فيه فلا يكون مرآة له فلا يكون حجة فيه ولذا الحق انه لا يتمسك بالعام مطلقا اذا كان المخصص متصلا من غير فرق بين ان يكون الاجمال ناشئا من الترديد بين الاقل والاكثر أو بين المتباينين لما عرفت من انه لا ينعقد له ظهور اصلا وحيث لا ظهور فلا حجة واما اذا كان المخصص منفصلا فلا يخلو اما ان يكون الاجمال في المفهوم أو في المصداق اما اذا كان الاجمال بحسب المفهوم فتارة يكون بين الاقل والاكثر أو بين المتباينين وعلى اي تقدير قد عرفت ان العام يكون ظاهرا في العموم والخاص لا يزاحمه في ظهوره وانما يزاحمه في الحجية فيبقى ظهوره وترتفع حجيته فيما يزاحمه فبالنسبة الى الاقل يؤخذ بالخاص لمزاحمته له وبالنسبة الى الاكثر لم يكن الخاص مزاحما لحجيته لان احتمال اندراجه تحت الخاص يعارضه ظهور العام فيتمسك بظهوره واما في المتباينين فبالنسبة الى كل واحد منهما بخصوصه العام ظاهر فيه والخاص نص فيقدم لوجوب تقديم النص على الظاهر وكذا لو كان اظهر وإلا فيكون من باب تعارض الظاهرين فيرجع الى الامور المقررة في تعارض الظاهرين هذا كله بالنسبة الى كل واحد منهما بالخصوص واما بالنسبة الى الواحد المردد أي الواحد لا بعينه فنقول ان حكم العام اما ان يكون حكما طلبيا ومحلا للابتلاء فالظاهر عدم قصور في التمسك بالعام بالنسبة الى الواحد المردد وحينئذ يجب العمل بالاحتياط لانه يكون من باب العلم الاجمالى واما ان لم يكن حكم العام طلبيا أو لم يكن أحد الطرفين من محل الابتلاء فلا يجب العمل بعموم العام لعدم حجية اصالة الظهور في مثل

ذلك إذ لا معنى للتعبد بشيء ما لم يكن هناك اثر عملى على ذلك.

ثم لا يخفى ان الظهور له مراتب مختلفة فمرتبة منه خفيف المئونة وهو عبارة عن حصوله من نفس اللفظ فانه ينتقل الى المعنى مع العلم بالوضع وتسمى هذه المرتبة بالظهور التصوري وهذا الانتقال يحصل فى الذهن ولو من خفقان الطير ومرتبة اخرى يكون فى مقام الافادة والاستفادة وحينئذ لا بد من العلم بالوضع واحراز كون المتكلم فى ذلك المقام وهو المعبر عنه بالظهور النوعي وثالثة يقوى ذلك حتى يحصل منه الظن الشخصى ورابعة يقوى ذلك حتى يحصل القطع وما عدا الأول يعبر عنه بالظهور التصديقي والذى هو محط انظار الاعلام في حجية الظهور هو المرتبة الثانية هذا كله في الشبهة المفهومية واما الشبهة المصداقية فسيأتي الكلام فيه إن شاء الله تعالى فى الفصل الآتي.

الشبهة المصداقية

الفصل الخامس في تخصيص العام بمخصص منفصل وشك فى فرد انه من مصاديق المخصص أم لا مع العلم بانه من مصاديق العام مثلا لو ورد دليل اكرم العلماء ثم ورد لا تكرم الفساق منهم وشككنا في زيد العالم انه فاسق ام لا فهل يتمسك بعموم اكرم العلماء فيجب اكرامه ام لا؟ قولان (١) قيل بالجواز

__________________

(١) وقرب بعض السادة الاجلة (قدس‌سره) فى بحثه الشريف جواز التمسك بالعام في الفرد المشكوك دخوله في الخاص بانه لما كان امره دائرا بين

وينسب الى السيد الفقيه الحجة الطباطبائي اليزدي (قدس‌سره) بتقريب ان

__________________

ان يكون محكوما واقعا بحكم العام لاحتمال كونه من افراده الباقية وبين ان يكون محكوما واقعا بحكم الخاص لاحتمال كونه من افراده فيمكن للشارع ان يجعل له حكما على طبق احدهما فى هذا الحال وان اتفق كونه في الواقع محكوما بحكم على خلاف ما يجعله الشارع لما تقرر من جواز مخالفة الاحكام الظاهرية للاحكام الواقعية وحينئذ مع عدم وجود دليل من الشارع على جعل الحكم لهذا المشكوك فيمكن ان يكون هذا الجعل ثابتا بدليل العام بان يكون العام متعرضا لحكم افراده الخارجة عن افراد الخاص واقعا ولحكم افراده المشكوكة كونها من افراد الخاص فيكون المراد من العالم في قولنا اكرم كل عالم بعد ورود لا تكرم العالم الفاسق اعم من أن يكون العالم غير الفاسق واقعا والعالم المشكوك كونه فاسقا وهذا نظير ما يقال فى مثل كل شىء لك طاهر بيان ذلك ان لفظة شيء تشمل الاشياء بعناوينها الاولية فيكون (كل شىء لك طاهر) دليلا اجتهاديا مثبتا للطهارة الواقعية للاشياء بعناوينها الأولية وللاشياء بعناوينها الثانوية اي بما انها مشكوكة الحكم فتكون اصلا عمليا مثبتة للطهارة الظاهرية للاشياء بعناوينها الثانوية ومن هذا القبيل ما نحن فيه فيكون مثل اكرم كل عالم دليلا اجتهاديا مثبتا لوجوب الاكرام الواقعي لما عدا افراد الخاص واصلا عمليا مثبتا لوجوب الاكرام ظاهرا للافراد المشكوك دخولها تحت عنوان الخاص.

اقول : لا يخفى انه فرق بين ما نحن فيه وبين (كل شيء لك طاهر) فان المشكوك بعنوان كونه مشكوكا فرد من افراد الشيء فى عرض بقية افراده اي الاشياء بعناوينها الاولية وحينئذ يمكن دخوله تحت (كل شىء لك طاهر) وبعد دخوله تحته تكون الثابتة له طهارة ظاهرية لكون موضوعها قد أخذ فيه الشك فيكون ذلك دليلا اجتهاديا واصلا عمليا وما نحن فيه لا يتأتى فيه ذلك اذ افراد

الفرد لما كان مشكوك الدخول تحت الخاص فلا يكون الخاص ظاهرا فيه ولا حجية له بالنسبة اليه كما ان تقديم الخاص على العام تحكيما للنص على الظاهر او الاظهر على الظاهر لا يوجب ارتفاع ظهور العام فى الفرد المشكوك لما عرفت من

__________________

العام بعد ورود التخصيص قد انحصرت في نوعين عالم وفاسق الفاسق محكوم بعدم وجوب اكرامه والعالم غير الفاسق محكوم بوجوب اكرامه فعليه لا يكون العام متعرضا لحال الشك لكي يتمسك بالعموم فى ظرف الشك ثم انه ربما يتوهم بان حكم الأصحاب ان اليد المشكوكة العدوان بانها يد عادية استند الى عموم (على اليد) يكون من التمسك بعموم العام فى الشبهة المصداقية ولكن لا يخفى ما فيه اذ بناء على ان المستفاد من كلمة على هو العدوان فحينئذ تخرج الايادي غير العادية من العموم خروجا موضوعيا فعليه لا يمكن التمسك بالعموم ولو قلنا بجواز التمسك بالعام فى الشبهة المصداقية لكون الشك فيها يرجع الى الشك في انطباق العنوان كما لو شك فى كون الفرد الخاص عالما أم لا فبلا اشكال لا يتمسك بعموم (اكرم العلماء) على انه لو قلنا بعدم استفادة العدوان من كلمة على فليس مدرك حكم الاصحاب بذلك هو القاعدة بل المدرك فى كونها عادية هو استصحاب كونها عادية ويكون من قبيل ما احرز أحد الجزءين بالأصل والآخر بالوجدان حيث ان موضوع الغصب استيلاء الغاصب ورضى المالك وليسا من قبيل العرض ومحله بل هما عرضان لمحلين فان الاستيلاء عرض قائم بالغاصب والرضا عرض قائم بنفس المالك وليس هناك بينهما سوى الاجتماع فى الزمان والاثر مترتب على نفس اجتماعهما وليس له دخل في التأثير كعنوان الحال فحينئذ فى الشك فى كون اليد مضمنة فيستصحب تضمين الغاصب فان له حالة سابقة وهو قبل وضع يده وضم ذلك الى الاستيلاء الذي هو امر وجداني فيترتب الاثر وهو الضمان على تفصيل ذكرناه فى تقريراتنا لبحث الاستاذ المحقق النائينى (قدس‌سره)

ان المخصص المنفصل لا يوجب رفع ظهوره في الافراد وانما يزاحم حجيته فيها فيما علم بفرديته له ففى الفرد المشكوك لا يزاحمه فى الحجية بالنسبة اليه فلذا لا مانع من التمسك بالعام بالنسبة الى الفرد المشكوك لا يقال ان الشك المتعلق بالفرد المشكوك تارة يكون من جهة الشبهة الحكمية واخرى يكون من جهة الشبهة الموضوعية فما كان من الجهة الاولى فالشك ينشأ من احتمال مطابقته للحكم الواقعي وعدم مطابقته له وكان من الجهة الثانية فالشك انما يكون ناشئا من تردد زيد مثلا بين كونه من افراد الخاص او من غيره ولا يخفى ان اصالة العموم انما ترفع الشك من الجهة الاولى لا الثانية لان الشارع وظيفته بيان الحكم الواقعي لا بيان الموضوع وإنما تشخيصه راجع الى المكلف فعليه لم يكن العام متعرضا لاخراج الفرد المشكوك من الخاص ويعين انه ليس من افراده لكي يكون العام حجة فيه بلا مزاحم من الخاص لانا نقول ان الفرد المشكوك قد احرز انه فرد للعام قطعا وذلك كاف فى اندراجه تحت العام وكونه من مصاديقه ولا يحتاج الى احراز انه غير الخاص وحينئذ يكون العام حجة فى جميع مصاديقه الى ان يعلم المخصص وما يقال ان المخصص المنفصل بتخصيصه يعنون الموضوع ويجعله مركبا من العام والمخصص وبعبارة اخرى ان التخصيص يقلب العام من تمام الموضوع الى جزء الموضوع فحينئذ كيف يتمسك في العام فى الفرد المشكوك للزوم التمسك بعموم الحكم مع الشك في تحقق موضوعه وهو بديهي البطلان ولكن لا يخفى انه مسلم لو كان التخصيص كالتقييد إلا انه محل منع اذ التخصيص من قبيل فقد بعض الافراد لا يوجب تعنون العام بيان ذلك ان افراد العام بعد التخصيص على ما هو عليه قبل التخصيص مثلا افراد العلماء العدول لم تكن قبل التخصيص تمام الموضوع لوجوب الاكرام وبعد التخصيص صارت جزء

للموضوع بل هي تمام الموضوع للوجوب قبل التخصيص وبعده من غير فرق بين الحالتين نعم الفرق انه قبل التخصيص قد انضم الى تلك الافراد افراد الفساق وبعد التخصيص لم تنضم اليها هذه الافراد ولا يوجب ضمها اليها تقييدها كما لا يوجب عدم ضمها اليها ذلك مثلا اخراج الفساق من العلماء لا يوجب تقييد افراد العام بعدم الفاسق وبالجملة افراد العلماء هو تمام الموضوع قبل التخصيص بالعدول وبعده لا يوجب تقييدها بالعدول او بغير الفساق وانما الموضوع فيه هي الافراد اللازمة للعدالة أو عدم الفسق والتخصيص يوجب قصر الحكم على ما كان ثابتا قبل التخصيص وقد عرفت ان تلك الافراد لم تكن مقيدة بعنوان المخصص فليس الباقى إلا تلك الافراد الملازمة لعنوان القيد ويكون التخصيص نظير موت احد افراد العام فانه لا يوجب تقييد العام وتعنونه بما عدا ذلك الفرد المفقود كما ان الافراد الباقية تحت العام على حالتها من كونها تمام الموضوع للحكم بعد فقد بعض الافراد وبذلك يمتاز التخصيص عن التقييد ودعوى ان قصر الحكم على الباقي يوجب تضييق العام وتحديده بحد خاص فان اخراج الفساق من العلماء عبارة اخرى عن قصر وجوب الاكرام على العلماء غير الفساق فيكون حينئذ كالتقييد في تعنون الباقى بعنوان الخاص ممنوعة بانه خلط بين التقييد والتخصيص فان التقييد عبارة عن قلب ما هو تمام الموضوع الى جزء الموضوع فان الرقبة التى هي كانت تمام الموضوع صارت بقيدها جزء الموضوع ويكون الموضوع هو الرقبة المؤمنة فان الفرد الذي هو ملازم للعدالة قبل التخصيص هو تمام الموضوع وبعد التخصيص هو بنفسه تمام الموضوع والضيق انما جاء من قصر الحكم على الباقى وحيث ان ذلك ناشئ من الحكم فكيف يكون موجبا لانقلاب الموضوع بنحو

يكون العام جزءا للموضوع لاستحالة اخذ الضيق الناشئ من الأمر المتأخر الذي هو الحكم فى الأمر المتقدم الذى هو الموضوع اذا عرفت ان التخصيص لا يوجب تعنون العام فلا مانع من التمسك بعموم العام بعد تخصيصه في الفرد المشكوك دخوله في الخاص لعدم مزاحمة الخاص له في ظهوره ولا فى حجيته ولو سلمنا ان التخصيص كالتقييد وانه يوجب تعنون العام بعنوان ولو عنوان غير الخاص فحينئذ يحتاج الى احراز ذلك العنوان فنقول يمكن احراز ذلك باصالة العموم المقتضية لرفع الشك في كونه من الخاص مثلا لو قال اكرم العلماء ثم ورد دليل آخر لا تكرم النحويين ومقتضى تقديم الخاص هو تعنون العام بوجوب اكرام غير النحويين فيتمسك بعمومه لرفع الشك في كونه نحويا ويكون العام ظاهرا فيه وللشارع جعل امارة على تشخيص الموضوعات كما جعلت اليد والبينة والسوق لذلك ودعوى انه لا يمكن جريان اصالة العموم بالنسبة الى الشبهة المصداقية لرجوعها الى الشبهة في الموضوع وهي في طول الشبهة في الحكم لانها تنقح موضوعه ولازم ذلك ان يكون العام حجة فى المقامين ومرجعه الى كون العام موضوعا لتعبدين طوليين وذلك غير معقول اذ يستحيل ان يكون ظهور واحد يتحمل حكمين متماثلين يردان على موضوع واحد إذ هو في الاستحالة كالضدين بل الظهور الواحد لا يتحمل إلا حكما واحدا ممنوعة فان مفاد التعبد هو وجوب العمل على مقتضاه فيتم ما ذكره ولكن يمكن أن يكون المراد هو الغاء احتمال الخلاف وحينئذ يمكن ان يكون دليل واحد يكون متكفلا لالغاء الاحتمالين ولو كان أحدهما فى طول الآخر اذ لا قصور فى شمول الدليل لهما كما هو كذلك في آية النبأ وانها تشمل الأخبار بالواسطة مع ان التقييد بكل سابق ينقح موضوع اللاحق فظهر مما ذكرنا انه

لا مانع من جريان اصالة العموم فى الشبهة الحكمية والموضوعية مع ان احدهما ينقح موضوع الآخر ودعوى انه لا مجال للتمسك بالعام في مقام الشك في المصداق وان الخاص وان لم يكن مزاحما للعام في ظهوره إلا انه لما كان مزاحما له في الحجية فيكون العام حجة في غير مورد الخاص والفرد المشكوك وان كان فردا للعام إلا انه بما هو عام لا بما هو حجة واذا لم يعلم انه فرد بما هو حجة فلا يكون حجة لاختصاص حجيته بما عدا الخاص وليس مندرجا تحت الخاص للشك في اندراجه به فحينئذ يشك في اندراج الفرد المشكوك في احدى الحجتين فلذا يرجع فيه الى الاصول ولكن لا يخفى ان ذلك لا يتم إلا ان يكون دليل الخاص يوجب ان تكون حجية العام مقصورة على قطعة من مدلوله مثلا بسبب ورود دليل لا تكرم الفساق منهم يوجب ان يكون دليل اكرم العلماء مقصورا على العلماء العدول فحينئذ يشك فى انطباق العام على الفرد المشكوك إلّا انه محل منع اذ ذلك مبنى على كون العام عبارة عن مرتبة خاصة لكي يوجب حصر الحجية بالباقى بعد التخصيص مع انك قد عرفت ان العام ليس عبارة عن ذلك وانما هو عبارة عن معنى قابل لانطباقه على خصوص العدول او على جميع الافراد فاذا كان معنى قابلا للانطباق على القليل والكثير فبعد التخصيص بالنسبة الى الفرد المشكوك قبوله للانطباق فحينئذ يتمسك بعمومه وبذلك لا يقع الشك ويحكم عليه بحكم العام هذا غاية ما يمكن ان يقرب جواز التمسك بالعام فى الشبهة المصداقية وبالتمسك باصالة العموم موجب لرفع الشك فى الموضوع ولكن التحقيق ان اصالة العموم غير قابلة لرفع ذلك الشك حيث ان الظهور الكاشف عن كون المتكلم قاصدا للافادة والاستفادة ولازم ذلك كون المتكلم بقصد بهذا الظهور ابراز مرامه بهذا اللفظ فحينئذ لا يكون

ذلك في مقام افادة ما كان مشتبها فيه فلا يكون الظهور كاشفا عنه فاذا لم يكن كذلك فلا يكون حجة فيه وبالجملة معنى كون الظهور حجة هو كشفه عن كون المتكلم في مقام الافادة ومع كون الشيء مشتبها كيف يعقل ان يكون المتكلم مريدا له لكي يشمله الظهور فيكون حجة نعم لو كان منشأ الشبهة هو الشبهة الحكمية امكن دعوى ان رفع الجهل بيد المولى فحينئذ باصالة العموم يوجب رفع الشك اذ الظهور يكشف عن كون المولى مريدا وقاصدا للافادة والاستفادة فيكون اصالة العموم من قبيل الامارات الرافعة للشك هذا كله في المخصص اللفظي واما اذا كان المخصص لبيا فتارة يكون عرفا يعد من القرائن المتصلة الموجبة لصرف الظهور واخرى لا يكون كذلك اما الاول فلا كلام في عدم جواز التمسك بالعام في الفرد المشكوك لعدم انعقاد ظهور العام إلا في الباقي فهو كالمخصص اللفظي من دون فرق بينهما واما الثاني فهل يجوز التمسك بالعام به في الفرد المشكوك مثلا لو قال المولى اكرم جيراني وقطع العبد بانه لا يريد اكرام من كان عدوا له فيجب اكرام كل جيرانه إلا من قطع بكونه عدوا له أم لا يجوز التمسك بالعموم فى الفرد المشكوك فلا يجب اكرام من شك في كونه عدوه قولان قال الاستاذ (قدس‌سره) بالاول ما لفظه (كان اصالة العموم باقية على الحجية بالنسبة الى من لم يعلم بخروجه عن عموم الكلام للعلم بعداوته لعدم حجة اخرى بدون ذلك على خلافه) وحاصله ان المخصص في اللبي هو العلم فلذا لا ينطبق على المشكوك قطعا وحينئذ تجري اصالة العموم بلا معارض بخلاف المخصص المنفصل اللفظي فانه لما كان من الالفاظ وهى موضوعة لمعانيها الواقعية ليست منوطة بالعلم فلذا يكون الفرد المشكوك محتمل الاندراج تحت أحد الحجتين فلذا لا تجري اصالة العموم في الفرد المشكوك

هذا والتحقيق ان المخصص اللبي كالمخصص اللفظي من دون فرق بينهما لما عرفت ان الظهور انما يكون تصديقيا الذي هو مناط حجيته فيما اذا كشف عن كون المتكلم في مقام الافادة والاستفادة ومن الواضح ان الجهل بالموضوع يمنع المولى فى ان يكون بصدد الافادة والاستفادة فحينئذ لا يعقل ان تكون اصالة العموم ترفع الشك عن الفرد المشكوك فى مقام الشك فى الموضوع للجهل ولا معنى للتعبد به بما لا يكون بصدد الافادة فعليه لا مجال للتفصيل بين المخصص اللفظي واللبي كالاجماع والعقل (١) كما لا يخفي.

__________________

(١) وينسب الى الشيخ الانصاري (قدس‌سره) جواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية اذا كان المخصص لبيا مطلقا وفصل المحقق صاحب الكفاية (قدس‌سره) بين ما كان المخصص اللبي من قبيل الأمور الضرورية التي تصح ان يتكل المولى في بيان مراده ويكون كالمتصل في عدم انعقاد ظهور له فى العموم فلا يجوز التمسك به فيها وبين ما لم تكن كذلك فيجوز التمسك به فيها بل ربما يستكشف من جريان اصالة العموم ان الفرد المشكوك ليس فردا للخاص كما فى قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله (لعن الله بنى امية قاطبة) فما علم بان الشخص مؤمنا يخرج عن العموم وما شك فى ايمانه يجوز لعنه وكل من جاز لعنه فليس بمؤمن فينتج من الشكل الأول ان هذا الشخص ليس بمؤمن قيل فى توجيهه ان المخصص اللبي هو العلم وهو حجة عند العقل وذلك لا ينطبق على الفرد المشكوك للتضاد بين العلم والشك فمشكوك الفسق مما لم يعلم بحرمة اكرامه فما يعلم بانه ليس موضوعا للحجة على خلاف العام اي العلم بحرمة الاكرام فحينئذ لا يجوز رفع اليد عن عموم العام ويحكم بعدم كون الفرد المشكوك فردا للخاص فعليه يترتب الشكل الاول الذي هو الفرد المشكوك ايمانه من بني امية يجوز لعنه وكل من جاز لعنه فليس بمؤمن فينتج ان هذا الشخص ليس بمؤمن وبذلك

تنبيهات الشبهة المصداقية

ينبغي التنبيه على أمور : الأول : أن للحجة اطلاقين ، اطلاق يراد منها

__________________

يمتاز عن المخصص اللفظي فان المخصص فيه هو اللفظ الكاشف عن الحجة الواقعية فيكون المولى القى الى عبده حجتين العام والخاص ويكون الفرد المشكوك يشك في دخوله تحت احدى الحجتين فلذا لا يصح التمسك باحدهما فى ذلك الفرد بخلاف المخصص اللبي فان المولى قد القى الى عبده حجة واحدة وهو العام والمخصص هو العلم ليس ملقى من المولى وانما العقل حاكم بحجيته والفرد المشكوك مما يقطع بعدم دخوله تحت المخصص للتضاد الواقع بين العلم والشك.

ولكن لا يخفى ان هذا يتم بناء على عدم سراية العلم الى الخارج واما على ما يظهر منه فى الاستصحاب من سرايته الى الخارج فالفرد المشكوك مما يحتمل كونه موضوعا للعلم بحرمة الاكرام الذي هو حجة على خلاف العام فالاولى توجيهه بما ذكره بعض السادة الاجلة (قدس‌سره) في بحثه الشريف بما حاصله ان المخصص اللبي اذا كان بلسان الاجماع او العقل وحصل الشك في بعض المصاديق مثلا لو قال اكرم جيراني وعلم قطعا انه لا يريد اكرام عدوه وشك في عدواة بعض الجيران فالعام يكون محكما فيه من دون معارض وسره ان العقل حاكم بعدم وجوب اكرام الجار انما هو على نحو التعليق بمعنى انه لو كان فيهم عدو وفهو لا يريد اكرامه قطعا فمن علم بكونه عدوا منهم لا يجوز الحكم عليه بحكم العام وهو وجوب الاكرام للقطع بان المولى لا يريد اكرامه فالحكم العقلى في نفسه لا يكون مزاحما للعام لما عرفت انه تقديرى وانما يزاحمه القطع بعدم ارادة وجوب اكرام بعض الافراد

ما يندفع منها احتمال الخلاف. واطلاق يراد منها قاطعية العذر وهي المصحح

__________________

وهو لا يحصل إلا اذا علم بان هذا الفرد مثلا عدو له وحينئذ يحصل لنا صغرى وكبرى يتولد منهما ذلك القطع فيقال هذا عدو وكل عدو لا يريد اكرامه فهذا لا يريد اكرامه قطعا وحينئذ لا يصح الحكم عليه بحكم العام اما الصغرى فوجدانية واما الكبرى فهي بحكم العقل واما ما شك في كونه عدوا فلا يتحقق فيه الصغرى فلا يحصل القطع بكونه لا يريد اكرامه ومجرد وجود الكبرى لا ينفع في حصول ذلك القطع ما لم تتحقق الصغرى واذا كان ذلك الفرد غير مقطوع بان كان المولى لا يريد اكرامه فلا مانع من جريان حكم العام فى حقه للشك فى وجود المخصص فان غايته ان يتولد من الشك فى كونه عدوا الشك فى ارادة وجوب اكرامه والعام يكون مزيلا لذلك الشك لما عرفت من رجوعه فى الحقيقة الى الشك في المخصص ولذا جاز لعن من شك في كونه مؤمنا من بني امية بخلاف المخصص اللفظي فانه لما كان منوعا لافراد العام وحاصرا لها فى قسمين قسم لا يجب اكرامه وهو العالم الفاسق وقسم يجب اكرامه وهو ما بقى فالفرد المشكوك لا بد وان يكون داخلا تحت أحد القسمين فعمدة الفرق بين اللفظي واللبي هو التنويع وعدمه ولكن لا يخفى ما فيه فان الاجماع لما قام على خروج بعض الافراد ولو كان بنحو التعليق يوجب تقييد العام واقعا ويكون كالمخصص اللفظي في تقييد المراد الواقعى من العام بعدم كونه من مصاديق الخاص فعليه لا بد من احراز هذا العنوان لكى يكون مشمولا بحكم العام ومع الشك فى المصداق لا يمكن التمسك في العام لعدم احراز العنوان كما في مثل (ارجعوا الى رجل روى حديثنا وعرف حلالنا وحرامنا) فان هذه الرواية دالة على الرجوع الى الرجل الموصوف بهذه الصفة ولا تدل على مدخلية العدالة فى موضوع الرواية ولكن الاجماع قام على اعتبار العدالة فيكون الموضوع مقيدا بالعدالة فمع الشك فيها كيف يرجع الى عموم (ارجعوا الى

للعقوبة والمثوبة والمراد فى محل البحث هو الحجية بالمعنى الأول لا بالمعنى الثاني لأن العام حجة فى بيان معناه أي يوجب الغاء احتمال الخلاف ولكن لا يكون قاطعا للعذر ، لأن قاطعية العذر منوطة؟ بسد جميع أبواب الاعتذار مع وجود الخاص لا اشكال في انه ليس بحجة بالمعنى الثاني وعليه بنى من قال بعدم جواز التمسك بالعام في الفرد المشكوك وعلى الأول بنى من قال بالجواز ، ولكن التحقيق حسب ما يؤدي اليه النظر الدقيق انه التفصيل بينما لو كان الباقي بعد التخصيص معلوم الحكم وبينما لم يكن كذلك فان كان من قبيل الأول كان العام حجة في الفرد المشكوك لأن العام قد صدر من الشارع لتشريع الحكم وإذا لم يكن متكفلا لرفع الشك من ناحية الموضوع فيكون تشريع الشارع بهذا العموم لغوا ، إذ لا اشكال ان حكم الخاص معلوم بغير هذا العموم وان كان من قبيل الثاني

__________________

رجل ... الخ) نعم لو كان المخصص لم يكن فى مقام استكشاف تقييد الموضوع وانما ادرك ملاك حكم الشارع واقعا او قام الاجماع على كونه ملاكا لحكم الشارع كما في قوله (ع) (لعن الله بني امية قاطبة) فان العقل قد ادرك ان ملاك اللعن هو بغض أهل البيت وحينئذ يدرك العقل بانه ليس فيهم مؤمن. فعليه تقييد العام بما عدا المؤمن منهم ليس من تقييد العام بعدم كونه مؤمنا بل هو تقييد الملاك واذ رجع ذلك الى تقييد الملاك فيكون احرازه بيد المولى بنحو لو لم يأت بالقيد يكشف كشفا إنيا ان الملاك في العموم مثلا في مثل قوله (ع) لعن الله بني امية قاطبة ابرزه بصورة العموم كشف كشفا إنيا ان الملاك في العموم فلذا يكون رافعا للشك فيمن شك في ايمانه من بني امية لكون المخصص في مثله لا يوجب عنوان العام كما فى صورة تقييد الموضوع على تفصيل ذكرناه فى تقريراتنا لبحث الاستاذ المحقق النائيني (قدس‌سره).

فالعام لم يكن حجة فيه لأن التعبد بالعموم موجب لترتيب الأثر على غير الخاص وهو الحكم والتعبد بأنه غير نحوي ـ مثلا ـ فرع ترتب الأثر فيكون متأخرا عن ترتب الاثر على هذا العنوان وترتبه عليه انما حصل من التعبد بالعموم فلا يعقل أن يكون مع شموله لترتب الاثر أن يشمل ما يتفرع عليه وبالجملة : أن حكم غير النحوي ـ مثلا ـ انما فهم من العام والتعبد بالظهور بحسب الموضوع إنما هو متأخر عن التعبد بالحكم فمع شموله للتعبد بالحكم لا يعقل شموله للموضوع وبعبارة أخرى ان الشبهة إما في الموضوع فقط أو فيه وفي الحكم أما اذا كانت الشبهة في الموضوع مع القطع فى الحكم فلا بد من شموله لرفع هذه الشبهة إذ لو لم يحمل على رفعها كان اتيان العام لغوا وإن كان مع كونه مشتبها فى الموضوع ، أيضا مشتبها في الحكم فنقول : أن التعبد بالظهور بحسب الموضوع فرع ترتب الاثر على الموضوع لأن كل تعبد بلسان الموضوع لا بد وان يلحظ بلسان ترتب الأثر ومع عدم وجود الأثر لا معنى للتنزيل في طرف الموضوع فاذا كان التعبد بالظهور يشمل الحكم ورفع الشك من ناحية الحكم لا يعقل مع شموله أن يكون شاملا لرفع الشك فى الموضوع هذا كله فيما اذا كان المخصص لفظيا وأما اذا كان لبيا يتمسك بالعموم لان التعبد بالعموم لا يعارض التعبد بالخاص لان التعبد انما يتصور فى الألفاظ وحيث أن المخصص اللبي ليس من سنخ الألفاظ فلذا لا معنى للتعبد به ولاجل ذلك التزم الاستاذ (قدس‌سره) بجواز التمسك بالعام فيما اذا كان المخصص لبيا هذا غاية ما يقال في جواز التمسك بالعام في المخصص اللبى ولكنك قد عرفت انه بالنسبة الى الشبهة المصداقية الراجعة الى الشبهة في الموضوع لا مجال للتمسك بالعموم بالنسبة الى الفرد المشكوك إذ لا معنى للتعبد بما كان جاهلا فيه إذ التعبد انما يتصور

فى الدلالة التصديقية اي ما يكون المتكلم فى مقام الافادة والاستفادة ومع تحقق الجهل بالموضوع فهو غير قابل لأن يكون فى ذلك المقام ولو لا هذه الجهة لأمكن حمل كلام العلمين الفقيه الحجة الطباطبائي والمحقق الحجة الاستاذ (قدس‌سرهما) على التفصيل المذكور كما انه بذلك يمكن جعل النزاع بينهما لفظيا كما لا يخفى.

التنبيه الثاني : ذكر الاستاذ (قدس‌سره) في الكفاية ما لفظه (ان الباقي تحت العام بعد تخصيصه بالمنفصل أو كالاستثناء من المتصل لما كان غير معنون بعنوان خاص بل بكل عنوان لم يكن ذلك بعنوان الخاص كان احراز المشتبه منه بالأصل الموضوعى في غالب الموارد إلا ما شذ ممكنا فبذلك يحكم عليه بحكم العام (١) وإن لم يجز التمسك به بلا كلام ضرورة انه قلما يوجد عنوان يجري فيه

__________________

(١) قيل فى تقرير مرامه أن الافراد الباقية لما لم تكن معنونة بعنوان خاص فبأي عنوان تعنونت تدخل تحت العام ما لم يكن ذلك العنوان هو عنوان الخاص مثلا : إذا قال اكرم العلماء ثم قال لا تكرم الفساق منهم كان الباقي تحت العام لم يؤخذ فيه عنوان خاص فالفرد بأي عنوان تعنون يكون من جملة أفراد الباقي إلا إذا تعنون بالخاص فلا يكون من جملة الباقي فالفرد المشكوك كونه فاسقا وان لم يكن له حالة سابقة من فسق أو عدالة إلا انه لما كان اتصافه بالفسق حادث وهو مشكوك فالأصل عدمه وحينئذ يكون هو الفرد بهذا العنوان اعني انه لم يتصف بالفسق دخلا في جملة الافراد الباقية لا أنا نقول الأصل عدم كونه فاسقا حتى يرد علينا أن الفرد حسب الفرض ليس له حالة سابقة بان كان ولم يكن فاسقا حتى يستصحب تلك الحالة وهو عدم الفسق بل نقول أن اتصاف هذا الفرد بالفسق حادث فالاصل عدمه وبعبارة اخرى عدم الفسق تارة يؤخذ على نحو ليس التامة بمعنى عدم اتصاف هذا الشخص بل يكفي فيه أن يكون اتصاف الشخص بالفسق

فيه اصل ينقح انه ما بقي تحته مثلا اذا شك ان امرأة تكون قرشية فهي وان

__________________

مسبوقا بالعدم حتى أن الشخص لو لم يكن له وجود سابق اصلا بل فرض وجوده فعلا للشك في اتصافه بالفسق فالأصل عدمه بمعنى الأصل عدم عروض الفسق عليه واتصافه به ولكن لا يخفى ما فيه. أولا : أن الخاص انما اخرج ما هو المتصف بعنوان الفسق مثلا من الافراد فالباقي تحت العام من الافراد هو ليس بفاسق واقعا وهو لا تزيد الافراد إذا دخل فيه هذا العنوان المحرز بالأصل وحينئذ لا وجه لجريان قاعدة العموم في هذا الفرد المشكوك بعد اجراء الأصل الموضوعى فيه كما هو كذلك لو شك في التخصيص ابتداء كما لو قال : اكرم العلماء وشككنا فى أن زيدا خارج أم لا ولو لم يجر اصالة العموم تنقص افراد العام بمقداره للحكم على العام بما عدا زيد وبجريانها تزيد أفراد العام وبالجملة في المقام الباقي تحت العام بعد ورود التخصيص لو جرى الاصل الموضوعي في الفرد المشكوك كما لو جرت اصالة العموم لا يوجب زيادة الافراد بل الافراد على حالها قبل جريانها فلا فائدة فيها ولا أثر لها فلا يصح اجراؤها وثانيا : انه لو كان الغرض من اجراء هذا الاصل الموضوعي نفي آثار عنوان الخاص كان مثبتا فان اصالة عدم عروض الفسق على هذا الشخص لا يثبت كون هذا الشخص مسلوبا عنه الفسق ولاجل ذلك قال بعض السادة الأجلة قدس‌سره (يمكن أن نقرر الأصل الموضوعي بنحو لا يرد عليه ذلك بان نقول يكفي في المقام نفي عنوان الخاص وهو حاصل باصالة عدم الاتصاف فيجرى حكم العام من غير مانع فان المانع انما هو عنوان الخاص فاذا نفى بالاصل بقى بلا مانع ولا يرد عليه ما ذكر أولا إذ على هذا التقرير لا يوجب ادخال الفرد في العام ليحكم عليه بحكمه ليكون من قبيل الدليل الاجتهادي وانما الغرض بالاصل نفى عنوان الخاص وبذلك يجرى عليه حكم العام فيكون ذلك من قبيل الدليل الفقاهتي أقول : إن ذلك لا يوجب دفع الاشكال فان مجرد جريان الاصل الموضوعي

كانت وجدت إما قرشية أو غيرها فلا أصل يحرز أنها قرشية أو غيرها إلا أن اصالة عدم تحقق الانتساب بينها وبين قريش يجدي في تنقيح انها ممن لا تحيض إلا الى الخمسين .. الخ).

أقول : إن ما ذكره (قدس‌سره) من عموم ان المرأة ترى الدم الى الخمسين إلا القرشية مبني على أن يكون ناظرا الى العموم الافرادي والاحوالي لكي يكون اصالة عدم الانتساب منقحا لموضوع حكم العام ولكنه محل منع ، إذ العموم المذكور ليس ناظرا الى ذلك بل لم يكن ناظرا إلا الى العموم الافرادي بيان ذلك : ان المرأة المنتسبة الى قريش انما هي مرآة لبعض الافراد ولم تؤخذ

__________________

لا يوجب جريان حكم العام عليه ما لم يتمسك بالعموم لان غاية اصالة عدم الفسق ان لا يكون هو الشخص فاسقا لحكم الاصل إلا ان الحكم عليه بوجوب الاكرام يتوقف على كونه من افراد العام وذلك لا يتم إلا بجريان قاعدة العموم في حقه واما اصالة عدم الانتساب فقد ذكر المحقق النائينى (قدس‌سره) بانه مبني على الاصل لا يجري في الأمر المتأصل ككون المرأة قرشية مثلا لعدم وجود حالة سابقة ولكن يمكن أن يشرع عنوان كمثل الانتساب ولعدمه حالة سابقة فيقال لم يتحقق عدم الانتساب الى قريش وقد اشكل على ذلك بانه من باب تبديل الامر المتأصل بالامر الانتزاعي ولو سلم فالانتساب من العرضي وهو ليس له حالة سابقة ثم قال ان مفاد ليس تارة يكون غير محمولي واخرى محموليا وهو المسمى بالعدم النعتي والاول وان كان له حالة سابقة إلا انه لا يفيد لعدم ترتب الاثر عليه والثاني وان ترتب عليه الاثر إلا انه لا يجري لعدم وجود حالة سابقة واستصحاب العدم غير المحمولي المسمى بالعدم الازلي لاثبات العدم المحمولي المسمى بالعدم النعتي من الاصول المثبتة فلا تغفل.

بنحو العنوان فحينئذ يكون الباقي مندرجا تحت العام من دون كونه معنونا بما عدا القرشية فعليه ليس فى العموم تعرض إلا للافراد وليس له تعرض للاحوال والاصل المذكور المنقح انما يتعرض لحالة الفرد فحينئذ الأصل المذكور غير صالح لان ينقح موضوع حكم العام نعم لو كان العام متعرضا للاحوال أيضا كانت اصالة عدم الانتساب ينقح موضوع حكم العام ولكنه خلاف الغرض كما عرفت انه متعرض لخصوص الافراد وبالجملة موضوع العام هو الفرد والأصل ينقح حالة الفرد فلم يكن جريانه على طبق حكم العام نعم يمكن جريان استصحاب نفي حكم الخاص وبيانه يحتاج الى تمهيد مقدمات ثلاثة :

الأولى : انه لا يشترط فى الاستصحاب ترتب الاثر على نفس المستصحب بل يكفي أن يترتب على نقيضه مثلا : لو كان الاكرام مترتبا على زيد العادل ولم يكن زيد عادلا وحصل الشك في عدالته يستصحب عدمها فيترتب عدم وجوب الاكرام.

الثانية : أنه في الاستصحاب يكفى ترتب الأثر على البقاء ولا يلزم في جريان الاستصحاب ترتبه على الحدوث.

الثالثة : أن نسبة العرض الى المعروض كنسبة العلة الى المعلول فكما ان عدم المعلول يستند الى عدم العلة فكذلك عدم العرض يستند الى عدم المعروض ووجوده الى وجوده بان يقال وجد زيد فوجد وعدم فعدم وليس المراد بالاستناد هو التأثير بل المراد هو التوقف وإلا العدم لا يؤثر في نفسه. إذا عرفت ذلك فاعلم : أن مشكوكة القرشية يمكن دعوى استصحاب عدم كونها قرشية أي العدم السابق على وجود المرأة فيستصحب ذلك الى حين وجودها والأثر وإن لم يكن مترتبا على

نفسه إلا أنه يترتب في ظرف بقائه وهو حين وجود المرأة على ما عرفت من المقدمة الثانية والاثر لم يكن مجعولا على العدم ولكن يكفي في جريانه ترتبه على نقيضه بمقتضى المقدمة الأولى إن قلت إن الأثر مترتب بمقتضى حكم العام قلت نحن قد اجرينا الاستصحاب مع الغض عن العموم والغرض من الاستصحاب نفي الآثار المترتبة على عنوان الخاص لا ترتب آثار العام إلا أن يكون بين حكم العام مع الخاص تناقض فنفى الآثار المترتبة على الخاص بعينه تشريع الآثار المترتبة على العام مثلا لو قال المولى : (يجب اكرام العلماء) ثم قال بدليل منفصل (يحرم اكرام الفساق منهم) فلو شك بان زيد عادل أولا يستصحب عدم فسقه فهو بعينه تشريع ترتب الآثار المترتبة على العام وهو الذي نقوله غير التمسك بالعام إذ لو لم يكن هناك عام بالاستصحاب تترتب الآثار وأما إذا كان حكم الخاص مع العام مضادة فلا يترتب عليه حكم العام الابناء على جريان الأصل المثبت ولم يثبت كما لا يخفى :

وبالجملة نحن مع الاستاذ من حيث النتيجة متفقون في خصوص المناقضة دون المضادة ولكن من حيث الملاك متخالفون فهو يقول : الاصل ينقح شمول العام ويصحح التمسك به مطلقا أي سواء كان هناك مضادة بين الحكمين أم مناقضة ونحن نرتب آثار العام على المشكوك بمقتضى الاصل العملي فى خصوص ما كان بين الحكمين مناقضة وبعبارة اخرى : هو يتمسك مطلقا بالدليل الاجتهادي ونحن نرتب الآثار التي هي للعام في المناقضة بالخصوص بمقتضى الدليل الفقاهتي وكيف كان الاصل الجارى في الفرد المشكوك المصداق كاصالة عدم المخالفة في الشروط المشكوكة المخالفة وكالشروط في الصلح الموجبة لاجراء احكام العام عليه يغني عن

التمسك بالعام في الشبهة المصداقية وربما يحمل ما نسب الى المشهور من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية على ذلك ودعوى ان هذا الاصل من العدم الازلي وجريانه فيه من الاصول المثبتة بتقريب ان موضوع الاثر هو العدم الملحوظ بالمرتبة المتأخرة عن الوجود وهو العدم النعتي الذى هو مفاد ليس الناقصة وهو مباين للعدم الازلى السابق على الوجود الذي هو مفاد ليس التامة فما هو موضوع الاثر ليس له حالة سابقة وما هو له حالة سابقة ليس موضوع الاثر فلو اريد اثبات العدم النعتي باستصحاب العدم الازلي فهو من الاصل المثبت الذي لا نقول به ولكن لا يخفى ان مرجع التقييد الى قيام اضافة بين الشيئين فتارة تلاحظ تلك بين الذاتين واخرى تلحظ باعتبار الوجود وعلى الاخير الاضافة لم تكن منوطة بالوجود الخارجي إذ هو ظرف سقوط الارادة والكراهة لا ظرف ثبوتهما وإن قيام الاعراض بموضوعاتها انما هو باعتبار الوجود الذهنى ففى صقع الذات قبل الخارج ليست متصفة بتلك الصفة فحينئذ لا مانع من جر ذلك العدم المحفوظ في مقام الذات الى ما بعد الوجود الخارجي وببقاء هذا العدم الى ما بعد الوجود الخارجي يترتب الاثر وليس العدم قبل الوجود مفاد ليس التامة وبعد الوجود مفاد ليس الناقصة وانما هو عدم لمفاد ليس الناقصة نستصحبه ونرتب عليه الاثر نعم بالنسبة الى الصورة الاولى التي كانت الاضافة من لوازم الذات فليس له حالة سابقة لعدم كونه مسبوقا باليقين فى مرحلة صقع الذات قبل الوجود إلا بجر العدم الازلي المحصل مع عدم الموضوع لاثبات العدم المحمولي وهو من الاصول المثبتة وبالجملة الاعدام الازلية التي هى محل لجريان الاصل هى الاوصاف العارضة على الذات بتوسط وجودها كالمرأة المشكوك كونها من قريش وكالشرط المشكوك مخالفته للكتاب لا بالنسبة الى ما هو من لوازم الذات فانه لا مجال

لجريان الاصل العدمي لعدم وجود حالة سابقة ولكن الانصاف ان الاصل المذكور وان قلنا بجريانه إلا انه لا ينفع إلا نفي حكم الخاص وأما اثبات الحكم العام فمحل منع الابناء على ان التخصيص كالتقييد في انه يقلب العام عن تمامية الموضوع وجعله جزء الموضوع ولكنك قد عرفت فساده وان التخصيص كفقد بعض الافراد لا يغير العام عما هو عليه فالافراد الباقية تحت العام هي تمام الموضوع بعد التخصيص كما كانت قبل التخصيص فعليه لا ينفع جريان الاصل بالنسبة الى الفرد المشكوك بل هو من موارد العلم الاجمالي لكونه محكوما اما بحكم العام او بحكم الخاص ونفي احد الحكمين بالاصل لا يثبت الحكم الآخر إلا بالاصل المثبت وقد عرفت أنه لا يمكن التمسك بالعموم بالنسبة الى ما كان من الجهل بالموضوع فى مثل المقام ولعدم امكان التقييد بالظهور في ما لم يكن بصدد الافادة والاستفادة لعدم امكان إبراز مرامه لعدم وجوب رفع الجهل الناشئ من الموضوع على المولى نعم بالنسبة الى ما كان من الشك في مخالفة الشرط للكتاب فانه يمكن دعوى التمسك باصالة العموم لكون ذلك امر رفعه بيد المولى وما كان بيده فيمكن ابراز مرامه بالتعبد بالظهور فبجريان اصالة العموم يوجب رفع الشك من دون حاجة الى جريان الاصل ولعل بناء المشهور على التمسك بالعموم فى الشبهة المصداقية في مثل هذه الموارد فافهم وتأمل.

التنبيه الثالث : ربما يتوهم انه يجوز التمسك بالعام فى الشبهة المصداقية استنادا الى قاعدة المقتضى والمانع بتقريبين الاول ان العام حجة فى كل ما يشمله من الافراد بمعنى انه مقتض للحجية والمخصص المنفصل يكون مانعا للتمسك بالعام في الافراد الثابت كونها من المخصص لكون تقديمه على العام من باب تقديم ما هو اقوى

الحجتين فلذا لا يرفع اقتضاء العام حجيته فى افراد الخاص ففي الفرد المشكوك كونه من افراد الخاص يشك فى تطبيق المانع عليه فلذا يؤخذ بالمقتضى وهو العام فشأنه شأن كل حجة يتمسك به الى أن يتحقق المانع وبالجملة المقتضى للتمسك بالعام بالنسبة الى الافراد متحقق والمخصص مشكوك المانعية بالنسبة اليه ولكن لا يخفى ان ذلك من الشك فى الاقتضاء بناء على ما اخترناه من أن وجه عدم الجواز بان حجية العام انما هو إذا كان المتكلم بصدد مقام الافادة والاستفادة وما كان المتكلم يشارك المخاطب فى الجهل بها فلا يمكن رفعها بالتمسك بعموم العام لعدم تحقق الدلالة التصديقية فى العام إذ انها تتحقق فيما لو كان المتكلم يستهدف رفع الشبهة عن المخاطب بالنسبة الى كشف المتكلم عن مقصوده ، كما هو كذلك بالنسبة الى الشبهات الحكمية إذ المتكلم فيها في مقام كشف مراده وهو يحصل بالدلالة التصديقية والشارع نهج في كشف مراده على نهج أهل العرف فعليه يرجع الامر في التمسك بالعام فى الفرد المشكوك الى الشك في أصل الاقتضاء ولا يكون العام بالنسبة اليه مما احرز منه المراد والشك في المانع لكي يكون من موارد قاعدة المقتضى والمانع نعم على بعض الوجوه الأخر يكون من الشك في تطبيق الحجة على المورد بدعوى ان الخاص يوجب قلب موضوع الحجة فيكون المورد مشكوك الدخول تحت احدى الحجتين فحينئذ يمكن تطبيق القاعدة على الفرد المشكوك بان العقل يحكم باجراء العلم بالعدم عليه وان كان حجيته فعلا مشكوكة كما هو الشأن فى كل حكم يشك فى فعليته من جهة وجود المزاحم ، واما التقريب الثاني هو ان مقتضى ظهور العام فى الافراد هو كون الافراد واجدة للملاك والخاص لما كان منفصلا لا يرفع ظهوره وانما زاحم حجيته في خصوص افراد الخاص

ورفع الحجية يلزم منه رفع الحكم الفعلي ولا يوجب رفع الملاك والمحبوبية إذ هما من لوازم الظهور وهو متحقق وانما ارتفعت الحجية بالنسبة الى افراد الخاص مع بقائها على ما لها من الملاك والمحبوبية ففي الفرد المشكوك يكون المقتضى فيه محرزا وهو الملاك والشك فى تحقق المانع لكونه مما يشك في انه من مصاديق الخاص فحينئذ يكون التمسك بالعام فى الفرد المشكوك من موارد قاعدة المقتضى والمانع ولكن لا يخفى ما فيه فان الخاص لو كان بنحو المانع يكون عدمه مأخوذا في الملاك بنحو الشرطية فيكون متمما لاقتضاء المقتضى فمع الشك في الفرد يكون شكا في تحقق الملاك الذى فرض مقتضيا فلا يمكن التمسك بالعام في الفرد المشكوك للشك فى تحقق مقتضيه فيخرج من قاعدة المقتضى والمانع إذ هي تجري فيما احرز المقتضى لكي يكون المانع مانعا من تأثر المقتضى ولو سلم وقلنا بانه يمكن احراز المقتضى ولو باصالة عدم المانع لكي يمكن التمسك بالعام فى الفرد المشكوك ولكن نمنع من تحقق القاعدة فى المورد إذ هى انما تتأتى فيما لو تعلق غرض المولى بكل من الموردين المتزاحمين بنحو لا يمكن تحققهما لعدم القدرة من وجودهما اما لذاتهما أو لعدم قدرة العبد على ايجادهما فحينئذ يعلم بان فى كل منهما ملاكا إلا أنه لم يوجدا لعدم تحقق القدرة عليهما لا مثل المقام الذي لم يتعلق غرض المولى بوجود المانع وانما الخاص مانع عن فعلية غرض الآخر بنحو لا ينتهي امره الى الشك فى القدرة على حفظ الغرضين وبالجملة نمنع حكم العقل بالاتيان فى الفرد المشكوك إذ ليس مرجعه الى الشك فى القدرة لكي يعلم بتحقق الملاك إذ الخاص لا يكشف عن وجود ملاك ملزم غير الذي دل عليه العام وانما يدل على المانع الذي دل عليه العام كما لا يخفى.

التنبيه الرابع : انه يظهر من بعضهم جواز التمسك بالعموم فيما لو شك في صحته كما لو شك فى صحة الوضوء او الغسل بمائع مضاف فيستكشف صحته بعموم (١) (اوفوا بالنذور) لو وقع متعلقا للنذر بان يقال انه يجب الاتيان بهذا

__________________

(١) لا يخفى ان ذلك لو تم لما كان مختصا بالفرد المشكوك بل يتأتى بالفرد المعلوم الفساد فيقال بصحته اذا نذر فعله على انه مقتضى التمسك بادلة وجوب الوفاء اثبات جواز ذلك الفعل الذي تعلق به النذر لعدم معقولية التفكيك بين الوجوب والجواز فان الفعل اذا لم يكن جائزا كيف يجب ولكن لا يخفى ان هذا يتم لو كان بين الوجوب والجواز محض التلازم فيستكشف الأول من ثبوت الثاني إلا ان المقام ليس من ذلك القبيل فان الأول يكون بمنزلة الموضوع للثاني فلا بد من احرازه بدليل آخر ولو باصل عملي وحينئذ فنقول ان كان الغرض من اثبات التمسك الجواز في نفس ذلك الفعل ولو فى غير مورد النذر فلا يخفى بشاعته وان كان الغرض اثبات جوازه في خصوص مورد النذر فلا يخفى ما فيه من اللغوية لان الفعل اذا ثبت وجوبه فى مورد النذر فاي حاجة الى اثبات جوازه وان كان الغرض اثبات جواز المنعقد نذره من جهة اشتراطه الجواز في انعقاد النذر فعليه لا بد من احراز الجواز مع قطع النظر عن تعلق النذر لتقدمه رتبة فيتوقف انعقاد النذر عليه فلو اريد اثباته بانعقاده لزم الدور الواضح ولاجل ذلك قربه بعض السادة الأجلة بما يدفع ذلك فقال ما حاصله بانه ليس غرضه اثبات ذلك الحكم المشكوك فيه من الجواز او الصحة بل الغرض انه بعد فرض تعليق النذر بمثل هذه الاشياء يحصل الشك في انعقاد النذر ولو من جهة الشك فى جواز ذلك الفعل المنذور وعدم جوازه وبادلة وجوب الوفاء فالنذر يصحح انعقاده لا اصل جواز ذلك الفعل ولكن لا يخفى انه بهذا التقرير وان رفع اكثر الاشكالات ولكن لا يمكن الالتزام به لان تلك الأدلة

الوضوء لاجل الوفاء بالنذر وكل ما يجب وفاؤه لا محالة يكون صحيحا لما هو معلوم انه لو لا صحته لما وجب الوفاء به ولكن لا يخفى ما فيه لما عرفت منا سابقا من الفرق بين العام المخصص والمطلق المقيد فان العام بعد التخصيص كما هو قبل التخصيص تمام المطلوب مثلا قولنا «يجب اكرام كل عالم» قبل التخصيص لفظ العام تمام الموضوع لوجوب الاكرام وهو العالم وبعد مجيء يحرم اكرام الفساق منهم ايضا تمام الموضوع العالم واتيان التخصيص لا يغير الموضوع الذي كان قبل التخصيص بخلاف القيد فانه قبل ورود التقييد الموضوع وهو المطلق وبعد وروده بكون الموضوع المقيد فبالتقييد ينقلب الموضوع عما هو عليه ويصير جزء الموضوع بعد ان كان تمامه.

اذا عرفت ذلك فاعلم : ان ادلة الوفاء بالنذر بعد دليل التقييد يكون الموضوع فيها مقيدا بالرجحان فلا يمكن التمسك بعموم الوفاء بالنذر في الفرد المشكوك صحته لو تعنون بعنوان النذر ما لم يحرز انضمامه الى القيد وهو الرجحان إذ مع عدم احرازه لا يحرز موضوع الوفاء فكيف يتمسك بالعموم ما لم يحرز

__________________

التى دلت على اعتبار كون متعلق النذر مباحا فى انعقاده ان كان على نحو التقييد لم يصح التمسك باطلاق دليل الوفاء بالنذر على انعقاده لعدم احرازه فيه نعم لو احرز القيد ولو باصل عملى صح التمسك بالاطلاق على الانعقاد بان كان مثل استصحاب الاباحة لو كان المقام من موارده واما اصالة الاباحة الثابتة بالبراءة ونحوها فالظاهر انها غير نافعة فى احراز ذلك القيد حيث ان القيد هو الاباحة الواقعية الثابتة للشيء بعنوانه الاولى واصالة الاباحة انما ثبتت الاباحة الثابتة له بعنوانه الثانوي وان كان مفاده على نحو التخصيص فهو نظير التخصيص بامر منفصل ويدخل تحت المسألة السابقة كما لا يخفى.

موضوعه ومن ذلك يظهر أن ما التزم به الاستاذ (قدس‌سره) في الكفاية في مقام الجواب عن هذا التوهم من الفرق بين العناوين الاولية والثانوية محل نظر بل منع إذ لو كان من قبيل الاطلاق والتقييد لا يفرق بين العناوين الأولية والثانوية كما انه لو كان من قبيل العام والخاص فائضا لا يفرق بينهما وبعبارة اخرى انه لو صح التمسك بالعموم فيما لو شك فى صحته وكان من قبيل التقييد لزم صحة التمسك بالاطلاق لاحراز ما يؤخذ في الموضوع وهو محل منع. وإلا لزم صلاحية اصالة الاطلاق لاحراز قيده الثابت بدليل منفصل فضلا عن القيد المأخوذ في نفس متعلق نذره لرجوع الشك فيه الى الشك فى تطبيق عنوان المطلق على المورد من غير فرق بين العناوين الاولية والعناوين الثانوية كما لا يخفى.

التنبيه الخامس : لو شك فى مصداقية فرد للعام مع العلم بخروجه عن حكم العام مثلا يعلم بحرمة اكرام زيد ولكن يشك في كونه عالما لكي يكون خروجه من العام بنحو التخصيص بمعنى انه قد خرج عن حكم العام او ليس بعالم لكي يخرج عن العام بنحو التخصص بمعنى يخرج عن موضوع العام ففي هذه الصورة هل يتمسك بعموم العام في ذلك الفرد المشكوك مصداقيته أم لا وجهان. ربما ينسب الى الشيخ الانصاري (قدس‌سره) تمسكه باصالة العموم فيما شك في مصداقيته للعام مع القطع بخروج ما شك عن حكم العام كما في الاطلاقات الواردة في ماء الاستنجاء لاثبات طهارته وكما يظهر من الاستاذ (قدس‌سره) في الصحيح والأعم من الرجوع الى اصالة العموم في رفع الشك في المصداق والحق عدم حجية اصالة العموم فيما لو شك في المصداقية للعام إذ مدرك ذلك هو السيرة وبناء العقلاء ولم يعلم بناؤهم على العمل بالعموم في مشكوك المصداقية وانما علم انها حجة فيما علم

بالفردية وشك في الخروج عن الحكم إن قلت مقتضى أن لكل قضية عكس النقيض بنحو يكون من لوازمها فقولنا كل عالم يجب اكرامه ينعكس بعكس النقيض الى قولنا كل ما لا يجب اكرامه ليس بعالم فاذا ثبت أن زيدا لا يجب اكرامه وجب الحكم بانه ليس بعالم بعكس النقيض ولا ينافيه كون ذلك من اللوازم لان اصالة العموم تستفاد من الظهور وهو من الامارات وهي كما تكون حجة بالنسبة الى مدلولها المطابقي تكون حجة بالنسبة الى مدلولها الالتزامي فيكون العموم دالا بمدلوله الالتزامي على ان كل ما لا يكون محكوما بحكمه لا يكون من افراده لانا نقول ان اصالة الظهور من الامارات فلذا تكون مثبتاتها حجة إلا ان حجة كل شيء يكون بمقدار دلالة دليله ومن الواضح ان حجية الظهور بالنسبة الى مدلوله منشأه بناء العقلاء وبما انه من الادلة اللبية فلذا يقتصر فيه على القدر المتيقن ولذا لا تثبت حجيته بالنسبة الى ما دل عليه بالالتزام وهو عكس نقيض القضية لعدم معلومية بناء العقلاء عليه فلا يحكم بحجيته بل يرجع الى اصالة عدم الحجية ولا مانع من التفكيك بين دلالة القضية على معناها المطابقي ودلالتها على عكس النقيض بالدلالة الالتزامية. ودعوى ان بين القضية وعكس نقيضها تلازما واقعيا فكيف يدعى التفكيك بينهما ممنوعة. إذ التلازم بينهما ولو كان واقعيا عقليا ، ولا يمكن انكاره إلّا أن الغرض هو انه ليس لنا طريق مثبت للحجية بالنسبة. الى الدلالة الالتزامية فلا مانع لدعوى التفكيك فى الحجية فلذا فى جميع القضايا الظنية التعبدية بالنسبة الى الموجبة الكلية نقول بثبوت العموم فيها لجريان الاصل فيها ولا نقول به فى عكس نقيضها لما عرفت من حجية اصالة العموم فى الموجهة دون العكس كما لا يخفى.

العمل بالعام قبل الفحص عن المخصص

الفصل السادس هل يجوز العمل بالعام قبل الفحص عن المخصص مطلقا ام لا مطلقا ام يفصل بين ما كان العام في معرض التخصيص فيجب الفحص عن المخصص أم لم يكن في معرض التخصيص فلا يجب الفحص عنه اقوال قيل بالتفصيل استنادا الى ان بناء العقلاء على اتباع ظهور العام فيما ينطبق عليه لكشفه نوعا عن ارادة المتكلم لما ينطبق عليه بنحو يستقر ذلك الظهور التصديقى النوعي وذلك سيرة العقلاء على وجوب الأخذ بذلك الظهور إلا انه اذا كان في معرض التخصيص لا يرون العقلاء حجيته وليس ذلك من جهة عدم جريان مقدمات الحكمة بناء على فقد أحد المقدمات وهو لم يكن المولى في مقام البيان بل لما عرفت ان الاستدلال بالظهور ليس بسبب جريانها وانما الأخذ بالظهور لاجل سيرة العقلاء على الاخذ به وان العام اذا كان فى معرض التخصيص لا ينعقد له ظهور.

ودعوى ان ذلك يوجب عدم الأخذ بالعام حتى بعد الفحص ممنوعة إذ احتمال التخصيص لا يرفع الظهور وإنما المعرضية توجب عدم تحقق الظهور بل ربما يقال بعدم العمل بالعام قبل الفحص مطلقا للعلم الاجمالى بوجود مخصصات ومقيدات للعمومات الواردة في الكتاب والسنة كما هو الشأن بالنسبة الى الأصل العملي فانه لا يعمل به ما لم يتفحص عن الحجة للعلم الاجمالي بوجود محرمات وواجبات ودعوى انه يلزم ان يعمل بالعام من دون فحص بعد الظفر بمقدار المعلوم اجمالا لانحلال العلم الاجمالي بذلك مع ان الأصحاب يلزمون الفحص حتى فى الشبهة الواحدة مع الظفر باكثر ما علم اجمالا ممنوعة إذ العلم بالمقيدات والمخصصات وان

أوجب انحلال العلم الاجمالي لتردد المقيدات والمخصصات بين الأقل والاكثر فيؤخذ بالقدر المتيقن وهو الأقل وينفي الاكثر بالأصل إلا ان الأقل هو مردد بين المتباينات فى جميع ابواب الفقه فلذا لا يمكن الأخذ بالعام ما لم يفحص وما ذكرنا أولى مما ذكره بعض الاعاظم من أن المعلوم بالاجمال اذا كان معنونا بعنوان غير عنوان الكمية وكان بذلك العنوان منجزا فلا يوجب انحلاله وان أوجب انحلاله بحسب الكمية فاذا تنجز بذلك العنوان وهو كون المعلوم فى الكتب الأربعة أو التي بايدينا وكان ذلك منتشرا فى ابواب الفقه فلذا يجب الفحص عن المقيدات والمخصصات ولكن لا يخفى ان تعنون المقيدات والمخصصات بعنوان خاص وكان ذلك مرددا بين الأقل والأكثر فانه يوجب انحلال العلم الاجمالى الى قدر متيقن وشك بدوي ولذا قلنا في الجواب عن هذه الشبهة لا يجب الفحص لانحلال العلم الاجمالي الى قدر متيقن وشك بدوي بما حاصله ان الأقل هو مردد بين المتباينين المنتشر في ابواب الفقه فلذا يجب الفحص عن ذلك.

الفصل السابع ـ فى خطاب المشافهة

اختلفوا في أن الخطاب هل هو مختص بالحاضرين أم يشمل الحاضرين والغائبين بل المعدومين؟ فنقول إن الخطاب على انحاء تارة يكون بخطاب مثل (يا زيد يجب على الحاضرين كذا وعلى الغائبين كذا) وهذا النحو من الخطاب لا خلاف من أحد أنه يعم الغائبين والمعدومين ، واخرى يكون بلسان الحكاية عن موضوع التكليف كقوله يجب عليكم الصيام أو يجب عليكم الصلاة مثلا. فان ظاهر هذا التكليف يشعر بخصوص الحاضرين فقط ومثل هذا في الأخبار كثير.

وفى مثله وقع النزاع ولكن بناء الأصحاب في الفقه على الغاء الخصوصيات ولا يبعد أن يكون ذلك جاريا بحسب التفاهم العرفي فينعقد لذلك ظهور ثانوي ، وثالثا يكون الخطاب من قبيل يا أيها الذين آمنوا ، ويا أيها الناس فان الخطاب يشتمل على كلمتين كلمة (يا) وهي تفيد الحضور وكلمة (أيها الناس) تفيد العموم ، فهاتان الكلمتان كل منهما يقتضي نفي الآخر فلا بد أن يأخذ باحدهما والظاهر انه كسائر الخطابات يقتضي الغاء الخصوصيات.

فان قلت إن المعدومين لما لم يكونوا موجودين في مجلس الخطاب بل ولا موجودين أصلا لا يعقل توجه التكليف إليهم.

قلنا هو في غاية المعقولية لو كان المقصود التكليف التعليقى لا التكليف الفعلى فيكون من قبيل الواجب المشروط فيكون التكليف للمعدومين متوجها اليهم على فرض وجودهم (١) فتحصل مما ذكرنا أنه ينعقد ظهور ثانوي للكلام بالغاء

__________________

(١) لا يخفى ان محل النزاع فى صحة توجيه الخطاب للغائبين فضلا عن المعدومين أم لا يصح ، الظاهر امكانه عقلا من غير فرق بين كون القضايا خارجية أو حقيقية كما انه لا يفرق بين كون الخطاب مفاد الهيئة أو مفاد الحرف لاحتياج الخطاب الى مخاطب ولا يلزم أن يكون موجودا خارجيا بل لا يلزم أن يكون قابلا للخطاب بل يكفى ادعاء شعوره كمثل (ايا جبل نعمان) ودعوى وضع أداة الخطاب (كيا) موضوعة لمن حضر مجلس الخطاب ممنوعة فانها موضوعة للخطاب واما بخصوص من حضر فلم يثبت على ان استعمالها على نحو العناية والمجاز يكفي لاثبات المطلوب من صحة توجيه الخطاب للمعدومين فضلا عن الغائبين بان يفرض وجودهما واما بالنسبة الى ثبوت الحكم الكلي للطبيعة فشمولها للمعدومين فضلا عن الغائبين مما لا اشكال فيه وينبغي ان يخرج عن محل النزاع لان نسبة الطبيعة الى الافراد الموجودة والمعدومة على حد سواء فافهم وتأمل.

الخصوصيات كما هو ديدنهم فى مثل صحيحتي زرارة لا ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشك فان هذه القاعدة ليست مخصوصة لزرارة بل تعمه وغيره فالاصحاب ألغوا الخصوصية فالحق فى المسألة هو القول بالتعميم ولا يختص بالحاضرين وقد ذكروا للتعميم وجوها غير ما ذكرنا ، الأول : ان المخاطب لا بد وأن يكون موجودا في مجلس الخطاب ولكن توسع في وجوده بأن كان موجودا فعليا أو موجودا تنزيليا فيكون المعدومون مشمولين بهذا الخطاب بسبب التوسعة فى الوجود.

وفيه أن هذا خلاف المحاورات العرفية إذ هي مبنية على انهم لا يخاطبون إلا وان يكون المخاطب موجودا فعليا في مجلس الخطاب ولا يكتفون بالمجلس الادعائي الثاني : أن ادوات الخطاب موضوعة للخطاب الإيقاعي الانشائي وهو غير مختص بالحاضرين بل يعم المعدومين وفيه ما لا يخفى فان وضع لفظة (يا) وان كان كذلك إلا انه بواسطة الكلام والخطاب صار له ظهور ثانوي بالخطاب الفعلى الحقيقى وهو لا يعم المعدومين.

الثالث : ان الخطاب وإن كان مختصا بالحاضرين إلا أن ملاك الحكم والمصلحة موجودة حتى في غير الحاضرين فيكون ملاك الحكم والمصلحة أوسع من نفس التكليف.

فان قلت : القدرة شرط فى التكليف فمع عدم القدرة لا مصلحة والمعدومون لما كانوا غير موجودين لم يكونوا قادرين على امتثال التكليف فلا يكون فيه مصلحة وملاك المحبوبية.

قلت : فرق بين اعتبار القدرة في التكليف شرعا وبين اعتبارها عقلا

فان اعتبرت شرعا أوجب زوال المصلحة فى التكليف مع انتفاء القدرة وان اعتبرت عقلا فلا توجب زوال المصلحة عند انتفائها ، فلذا يتحقق الحكم عند وجود القدرة لتحقق ملاكه ولأجل ذلك ذهب الأصحاب الى صحة الصلاة المبتلاة بالمزاحم الأهم لأن الضد انما يزاحم فعلية التكليف وهذا هو المراد من اطلاق المادة فانها شاملة لحالتي العجز والقدرة بخلاف الصيغة. اذا عرفت ذلك فاعلم ان المقام من هذا القبيل فان الخطاب وإن كان مختصا بالحاضرين ولا يشمل المعدومين ولكن المولى لم يجعله قيدا في متعلق حكمه فيكون من قبيل القدرة المعتبرة عقلا لا شرعا هذا غاية ما يوجه به هذا الوجه ولكن لا يخفى ما فيه فانا لا نتعقل اطلاقا للمادة مع التقيد في طرف الهيئة لأن المادة الواقعة في حيز الحكم لا يعقل اطلاقها مع تخصيص الحكم بل اطلاقها وتقييدها منوطان بالحكم فكذلك الخطاب الملقى الى الحاضرين فانه لا يعقل تخصيصه بالحاضرين مع كون متعلقه عاما للحاضرين والمعدومين وغاية ما يتصور من اطلاق المادة أن تفرض القدرة من القيود المنفصلة إذ جعلها من المتصلة لا يعقل معه اطلاق المادة ومع جعلها من المنفصلة يمكن دعوى الاطلاق فى طرف المادة للقادرين وغيرهم ولكن لا يمكن دعوى الاطلاق بلحاظ المكلفين فالتزام الاطلاق بالنظر اليهم في غاية البعد.

ثمرة المسألة : ربما قيل بظهور الثمرة في هذا النزاع بانه على القول بالتعميم يتمسك بظهور الكتاب بالنسبة الى المعدومين لكونه حجة بالنسبة اليهم بخلافه لو قلنا بأنه مختص بالحاضرين فلا يكون حجة بالنسبة الى المعدومين.

وفيه ما لا يخفى. بانه حجية الظواهر شاملة للمعدومين سواء كان الخطاب مختصا بالحاضرين أم عاما للمعدومين.

وربما قيل بظهور الثمرة بانه على القول بالتعميم يمكن التمسك للمعدومين بالاطلاقات القرآنية ولا يحتاج الى تسرية الحكم بقاعدة الاشتراك وأما لو قلنا بانه لا تشمل المعدومين بل تختص بالحاضرين فلا يمكن التمسك بالاطلاقات القرآنية فلا بد على هذا من تسرية الحكم للمعدومين من قاعدة الاشتراك وهي ايضا لا تنفع لانها إنما تفيد رفع مدخلية الاشخاص واما احتمال الصفات العرضية التى تحتمل الدخل لا ترفعها وفيه ما لا يخفى اما اولا : ان هذه الثمرة عين تلك الثمرة وقد عرفت الجواب عن الاولى بان الاطلاقات هي حجة ويصح للمعدومين التمسك بها ولو قلنا باختصاص الخطاب للمعدومين ، واما ثانيا : لو سلمنا بان هذه الثمرة غير تلك الثمرة فنقول انه لو قلنا باختصاص الخطاب للحاضرين فهو انما يمنع عن التمسك بالاطلاق بالنظر الى المعدومين واما التمسك بالاطلاق في حق المشافهين حتى يثبت التكليف الذي فهمناه من الخطاب للمشافهين الى انفسنا بقاعدة الاشتراك فلم يكن من التمسك بالاطلاق فى حق المعدومين فانقدح مما ذكرنا انه لا ثمرة للنزاع بين القولين فان الحكم للمعدومين على القول بالتعميم يتمسك بالاطلاق من اول الأمر وعلى القول بالاختصاص يتمسك بالاطلاق في حق المشافهين ثم بواسطة قاعدة الاشتراك يثبت للمعدومين فلا ثمرة عملية تترتب على هذا النزاع فلا تغفل.

تعقب العام بالضمير (١)

الفصل الثامن : إذا تعقب العام ضمير يرجع الى بعض افراده فهل يوجب تخصيصه ام لا؟ وجهان بل قولان. والذي ينبغى ان يعلم ان تحرير المسألة على

__________________

(١) لا يخفى ان العام إذا تعقب ضميرا يرجع الى بعض افراده كمثل قوله تعالى (وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ) الى (وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ) فان ضمير بعولتهن يراد منه الرجعيات التي هي بعض أفراد المطلقات فحينئذ يدور الأمر بين ان يراد من المرجع الذي هو المطلقات العموم فهو الاستخدام أو خصوص الرجعيات فهو التخصيص وكلاهما خلاف الظاهر ولكن لا يخفى أن ارتكاب خلاف الظاهر فى التخصيص مبني على كون استعمال العام في الباقي مجازا واما بناء على ان الاستعمال فى الباقي على نحو الحقيقة فلا يكون خلاف الظاهر كما ان الاستخدام انما يتصور فيما اذا كان استعمال العام في العموم مع ارادته للخصوص باعتبار كونه مرجعا للضمير يوجب استعمال اللفظ في معنيين واما لو قلنا بان اللفظ دائما مستعمل فى معنى واحد وان القيود والخصوصيات تستفاد من دال آخر فليس في البين استخدام لكي يكون اصالة عدم الاستخدام معارضا لاصالة العموم على ان التخصيص لا يوجب تجوزا في العام فلا موضوع للاستخدام مضافا الى ان اصالة عدم الاستخدام انما تجري فيما اذا شك في المراد لانها من الاصول اللفظية ومن الواضح ان الاصول اللفظية تجرى للكشف عن المرادات الواقعية ولا تجري فيما لو شك فى كيفية المراد مع القطع باصل المراد كما في العام فان المراد منه معلوم فى أن بعولتهن لخصوص الرجعيات وانما الكلام في انه يلزم التخصيص أم لا فحينئذ لا يجري فى أصل المراد لحصول القطع فكيف يجري فى لازم المراد وهو التخصيص

اطلاقه باطل فان الضمير المتعقب بالعام وراجع على بعض افراده اما ان يكون من التوابع ويعد ملحقا به بان كان في كلام واحد فلا يبقى للعام ظهور بل يكون العام من المجمل لاقترانه بما يصلح للقرينية اللهم إلّا ان يقال ان اصالة العموم حجيتها من باب التعبد لا من باب بناء العقلاء وهو خلاف التحقيق ، فالذي ينبغي ان يحرر موضوع النزاع فيما لو كان العام فى كلام ثم عقب بكلام آخر فيه ذلك العام ومتعقبا بضمير راجع الى بعض افراده حتى يبقى للعام الأول ظهور فيجري ذلك النزاع بانه هل مثل هذا العام الثاني المتعقب بالضمير الذي يعدانه

__________________

ان قلت انه مع فرض لا مجرى بالنسبة الى أصل المراد لم لا يجري بالنسبة الى لازم المراد كما هو كذلك بالنسبة الى الأصل العملى فانه يجري بالنسبة الى لازم المراد مع عدم جريانه في أصل المراد الذي هو الملزوم كما بالنسبة الى اللحم المفقود وبقى الصوف والوبر وان الأصل لا يجري في اللحم لفقده مع جريانه في صوفه ووبره من جهة كونه لازما ولا يلزم من عدم جريانه فى الملزوم عدم جريانه فى اللازم قلت فرق بين الأصول العملية والاصول اللفظية فان الأصل العملي تجري في اللازم ولو لم يجر فى الملزوم بخلاف الأصل اللفظي فانه يجرى فى اللازم مع جريانه فى الملزوم لكون مثبته حجة بيان ذلك ان اللازم الشرعي انما هو فى عرض ملزومه بالنسبة الى التعبد فكما ان التعبد يرد على نفس الملزوم يرد على نفس اللازم فينحل الأصل العملى الى تعبدين فمع عدم جريان احدهما لا يلزم عدم جريان الآخر وليس كذلك مثبته فان اثباته فى طول اثبات الملزوم فاذا لم يجر بالنسبة الى الملزوم فكيف يجري بالنسبة الى اللازم فظهر مما ذكرنا ان الحق عود الضمير الى بعض افراد العام لا يوجب تصرفا في العام كما هو واضح إذ تقييد الحكم فى الجملة المشتملة على الضمير لا يوجب تقييد العام كما لا يخفى فافهم.

مخصص له فهل يخصص العام الأول ام لا لأن العام الأول لما كان ظهوره غير زائل فيكون حجة والحق في المسألة ان يقال بان العام الأول باق على ظهوره والعام الثاني بتخصيصه لم يرفع الظهور ولا يسري اجمال الثاني الى الاول.

تخصيص العام بمفهوم المخالفة

الفصل التاسع إذ اورد عام ثم ورد خاص دال بمفهوم المخالفة (١) فهل

__________________

(١) الذي يظهر من كلمات الأصحاب حصر الكلام فى مفهوم المخالفة ولكن ينبغي تعميمه إذ نظر القائل بتقديم العام على المفهوم هو كونه من المنطوق والمنطوق اقوى من المفهوم وهذا لا يختص بمفهوم المخالفة بل يجري حتى فى مفهوم الموافقة.

وتنقيح المقام هو انك قد عرفت فى باب المفاهيم ان المفهوم لازما بينا للمنطوق وهو ينقسم الى الموافق والمخالف والمراد بالموافق هو ما يكون موافقا بالايجاب والسلب كما في قوله تعالى : (فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍ) يستفاد منها انه لا تضربهما والموافق تارة يستفاد من الأولوية واخرى يستفاد من المساوات. اما الأول مثل حرمة الضرب المستفادة من حرمة التأفيف وهذه الاستفادة تحصل باحد وجهين أحدهما ان يكون من قبيل دلالة الألفاظ كأن يكون من باب التنبيه بالخاص على العام وهذه تكون من الدلالة اللفظية ثانيهما تكون من قبيل الدلالة العقلية كما لو دل على وجوب اكرام خدام العلماء بالمطابقة وحينئذ العقل يحكم بان اكرام العلماء بالاولوية واما ما يكون مستفادا من التساوي فهو على قسمين أما أن يكون من العلة المنصوصة أو من العلة المستنبطة وضابط العلة المنصوصة هي ما يكون كبرى كلية على وجه يكون موضوع الحكم الخبري المعلل جزئيا حقيقيا لذلك الكبرى كقولنا الخمر حرام لانه مسكر والعلة المستنبطة تارة تكون علة للحكم

يخصص ذلك العام أم لا؟ وجهان بل قولان : وتحقيق الحال ان العام والخاص إما ان يكونا فى كلام واحد أو فى كلامين وعلى كلا التقديرين فاما أن يكونا دلالتهما على العموم والخصوص بحسب الوضع أو بالاطلاق أو مختلفين فان كان في

__________________

واخرى علة لتشريعه وحيث ابحر الكلام الى ذلك فلا بأس ببيانه وهو يقع في مقامين المقام الاول فقد قسم أهل المعقول الواسطة على قسمين واسطة في العروض وواسطة في الثبوت ونعني بالواسطة في العروض ما يكون المحمول منسوبا الى عنوان كلي وذلك العنوان لما كان متحدا مع شيء ينسب الى ذلك الشيء بالعرض والمجاز والواسطة في الثبوت عبارة عن جهة مقتضية لثبوت صفة لذات المعروض كما في عروض الادراك على الانسان لمكان اشتماله على النفس الناطقة والفرق بينهما ان الواسطة في العروض هو انها فى قوة كبرى كلية تطرد مع الافراد بخلاف الواسطة في الثبوت فانها تختلف الحال فيها فتارة تكون مطردة واخرى غير مطردة وبالجملة الواسطة فى الثبوت يكون فيها الاطراد وعدمه بخلاف الواسطة فى العروض فانها تختص بالاطراد واما علل الشرعية فهي من الوساطة الثبوتية فتارة تكون علة لنفس الحكم فتكون مطردة واخرى تكون علة للتشريع فلا تكون مطردة كمسألة اختلاط المياه بالنسبة الى العدة وأما تسريته الى بقية الافراد فيحتاج الى دليل آخر فتحصل مما ذكرنا ان منصوص العلة انما يكون على نحو الواسطة فى العروض التي هي فى قوة كبرى كلية فتكون مطردة بخلاف علة التشريع فانها لم تكن في قوة كبرى كلية فلا تكون مطردة. المقام الثاني في بيان احراز ان العلة المذكورة من أي قسم هل هي من العلة المنصوصة أو العلة التشريعية أو غيرهما فنقول ان كون العلة المنصوصة التي هي عبارة عن كبرى كلية احرازها موقوف على كون العلة من الموضوعات القابلة لالقائها الى المخاطب لا انها من الملكات التي احرازها بيد علام الغيوب كمثل ان الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر فان النهي عن ذلك

كلام واحد وفرضنا دلالتهما بحسب الوضع كانا من باب التزاحم وحصل الاجمال إن تساويا بحسب الظهور وإلا فان كان هناك أظهر يؤخذ به وكذلك إذا كانت دلالتهما بالاطلاق أما اذا كانت دلالة أحدهما بالوضع والآخر بالاطلاق

__________________

ليس قابلا لان يلقى الى المخاطب فلو كانت العلة المذكورة من قبيل ذلك فليست من العلة المنصوصة فاذا احرز كون العلة من الموضوعات القابلة للالقاء الى المخاطب فحينئذ يقع الترديد في انها من قبيل العلة المنصوصة أو من قبيل علة الحكم ان استكشفنا اطراد العلة من الامور الخارجية كتنقيح المناط أو غير ذلك أو يكون علة للتشريع ان لم نستفد ذلك فحينئذ يقع الكلام فى وجه الاستفادة بيان ذلك ان العلة المذكورة فى الكلام تارة تكون لها جهة اضافة الى المورد مثل الخمر حرام لاسكاره واخرى لا يكون كذلك مثل الخمر حرام لانه مسكر فان كان من قبيل الأول فذكر العلة لا يحتاج الى مئونة بل علة الحرمة هو الاسكار الموجود فى خصوص المورد ولا يتوقف صحته على ازيد من ذلك بخلاف الثاني فان صحته موقوفة على الفراغ من وجود كبرى كلية حتى يكون المورد من مصاديق تلك العلة ولو لم تحرز الكبرى الكلية بل كان بعضه حراما وبعضه ليس بحرام لا يصح هذا التعليل لان التعليل بنحو الكبرى الكلية.

والحاصل ان التعليل ان كان لا يحتاج الى احراز كلية الكبرى بل صرف اضافة الى المورد بالخصوص فليس من قبيل منصوص العلة فان استفدنا من الامور الخارجية ان العلة مطردة فهو علة الحكم وإلّا فعلة التشريع وان كان صحة التعليل تتوقف على احراز الكبرى كما فى المثال الثاني فهو من باب منصوص العلة لا من باب علة التشريع وهذا النحو يقال له مفهوم الموافق وان لم يصطلحوا عليه لانطباق تعريفه عليه وهو ما كان الحكم بغير المذكور أولى من ثبوته للمذكور

فيؤخذ ما كانت دلالته بالوضع لأن دلالته بالوضع تنجيزية والدلالة بحسب الاطلاق تعليقية لانها منوطة بعدم وجود البيان ولا اشكال فى تقدم التنجيزية على التعليقية بل لا تعارض بينهما ولذا قلنا بعدم صلاحية الظهور الاطلاقي للقرينة بالنسبة الى الظهور الوضعى فلا يضر بظهور العام لو اتصل به فى الكلام وان كانا في كلامين فان كان المتكلم بصدد بيان مراده فهذا الكلام بالخصوص فيقع التعارض بين الظهورين سواء كان بحسب الوضع أو بحسب مقدمات الحكمة أو مختلفين وتوهم

__________________

وفي العلة المنصوصة استفادة الحكم لغير المذكور من علة الخطاب كما عرفت ان ذلك ينطبق ايضا على ما كانت بالدلالة اللفظية وعلى ما كانت بالدلالة العقلية القطعية.

اذا عرفت ذلك فاعلم ان التعارض بين المفهوم الموافق مع العام يرجع الى التعارض بين المنطوق والعام لانه بعد تسليم ان المنطوق من افراد المفهوم فكيف يعقل ان لا يحصل التعارض بين العام والمنطوق مثلا الآية لما دلت بالمطابقة على حرمة التأفيف بالمطابقة ودلالة ذلك على حرمة ايذاء الوالدين اما بالدلالة اللفظية أو بالدلالة العقلية القطعية فاذا قيس الى قوله مثلا اضرب كل أحد لا بد وان يكون التعارض بالقضية بما لها من المفهوم ولا يعقل التفكيك فاذا قدم المنطوق على العام لا بد وان يقدم المفهوم ايضا وإلا لزم التفكيك بين اللازم والملزوم هذا كله في مفهوم الموافقة واما الكلام في مفهوم المخالفة فبعد الفراغ من استفادة المفهوم فاذا كان اخص فيقدم في غير ما استفيد العموم والمفهوم من مقدمات الحكمة واما مع استفادتهما منها فيشكل تقديم كل واحد منهما لصلاحية كل واحد منهما لبيانية الآخر ولكن لا يخفى ان الخاص لما كان هو الاقوى فيصلح للبيانية للعام بخلاف العكس على تفصيل ذكرناه في تقريراتنا لبحث الاستاذ المحقق النائينى (قدس‌سره).

تقديم الظهور الوضعي على الاطلاقي فيما اذا كانا في كلامين ففيه ما لا يخفى فان ذلك مسلم لو كان البيان المانع عن الاطلاق مطلق البيان ولو كانا في كلامين واما لو قلنا بان البيان المانع عن الظهور الاطلاقى هو البيان الذي فى كلام التخاطب لا مطلقا فلذا يكون كل منهما ظهورا تنجيزيا فلذا قلنا لا بد ان يعامل معهما معاملة اقوى الظهورين وذلك قد يختلف بحسب خصوصيات المورد فى الفقه لعدم اندراجه تحت ضابط فافهم.

تعقب الاستثناء جملا

الفصل العاشر إذا تعقب الاستثناء جملا فهل هو راجع الى الجميع أو الى الاخير؟ أقول أولا فليعلم انه لا اشكال في أن الاخيرة متيقنة على كل حال ولا أحد يشك فيه وينازع ثم ظاهر عبارة القوم النزاع فى المخصص المتصل وان ظاهر عباراتهم ان الاستثناء من الجملة الاخيرة ، ذلك وايضا لو كان النزاع فى المنفصل لما كان الاخيرة متيقنة بل هي كغيرها وعلى كل حال فقد اشكل بالرجوع الى الجميع بانه يلزم استعمال اللفظ في اكثر من معنى لأن كل جملة مستقلة بنفسها فارجاع الاستثناء الى الجميع يلزم ذلك المحذور ويدفعه ان الاخراج من الجميع يعد أمرا واحدا وانما تختلف خصوصيات الاخراج باختلاف كيفياته فان لوحظ المخرج والمخرج منه متكثرات انضمامية كان ذلك معنى واحدا من معاني (إلا) وان لوحظ متكثرات استقلالية كان ذلك معنى آخر فان الاستقلال والانضمام يختلف بهما الاخراج فهما نظير كون العموم الاستقلالي والمجموعي فاستعمال اللفظ بأحد هذين النحوين لم يكن من قبيل استعمال اللفظ فى اكثر من معنى

نعم لو استعملت في كلا النحوين صار استعمال اللفظ في اكثر من معنى لكن خلاف الفرض ولو اغمضنا عن ذلك فنقول هذا على خلاف المبنى من وضع الحروف فان التحقيق وضعها بالوضع العام والموضوع له عام وفاقا للاستاذ وان كان اختلافنا فى كيفية الاعتبار فالاستاذ (قدس‌سره) يقول بالوضع العام والموضوع له عام بحيث تراه منعزلا عن الخصوصيات منطبقا عليها انطباق الكلي على جزئياته ومختارنا بالوضع العام والموضوع له عام ولكن يرى مندكا مع الخصوصيات ملحوظا معها تبعا وعلى كلا المسلكين فلا يلزم استعمال اللفظ في اكثر من معنى والتحقيق أن رجوعه الى الاخيرة متيقنة وغيره لا دليل عليه فتجري اصالة العموم فيما عدا الاخيرة (١) هذا اذا كان العموم وضعيا فلا يكون القيد صالحا

__________________

(١) لا يخفى ان صلاحية رجوع الاستثناء الى الجميع مما لا يكاد ينكر ولا مانع من اتكال المتكلم عليه اذ الارجاع الى الجميع لا يلزم فيه محذور من ارتكاب خلاف الأصل أو لانه مجازا من غير فرق بين القول بان وضع الحروف عاما أو خاصا اذ تعدد المخرج لا يلزم منه تعدد الاخراج بل يمكن اخراج المستثنى من الجميع باخراج واحد من غير فرق بين ان يكون الاستثناء بواسطة الحرف (كالا) أو بواسطة الاسم كمثل (سوى) فالحق في المقام هو عدم التمسك باصالة العموم فى الجميع لسقوطها عن الظهور لاحتفاف الكلام بما يصلح للقرينية من غير فرق بين ان تكون الجمل السابقة مذكور فيها الموضوع والمحمول جميعا كقوله اكرم العلماء وضيف السادات ووقر الكبار إلا الفساق وبين ما لم يكن كذلك بل يكون الموضوع واحدا لم يتكرر كقوله اكرم العلماء واضفهم ووقرهم بدعوى ان الاستثناء انما هو اخراج من الموضوع باعتبار الحكم ففى صورة ذكر الموضوع مستقلا وقد ذكر فى الجملة الاخيرة فحينئذ الاستثناء يأخذ محله لانه المتيقن بالرجوع

للقرينية واما اذا كان اطلاقيا فلا يكون في الجمل اطلاق لا لكونها متعقبة بما يصلح للقرينية بل لكون كل ظهور متوقفا على عدم ظهور الغير وهو الدور الواضح هذا اذا كان المتعقب حرفا (كالا) واما لو كان المتعقب اسما مثل لفظة (سوى) فيما كان المستثنى قابلا للانطباق على المخرج فى كل جملة فاذا كان العام اطلاقه وضعيا يؤخذ به ويقدم على اطلاق الاستثناء والمستثنى ولو قلنا برجوع اصالة العموم الى اصالة الظهور لورود ذلك على ذلك الاطلاق نعم يشكل الأمر لو قلنا بكون العموم اطلاقيا فجريان اصالة العموم يتوقف على عدم جريان الاطلاق كما ان جريان الاطلاق يتوقف على عدم جريان العموم فحينئذ ينتفي الظهور لا لاجل اتصال الكلام بما يصلح للقرينية كما لا يخفى.

__________________

اليه وليس هناك ما يدل على الرجوع الى سائر الجمل فلا مانع من جريان اصالة العموم في الجمل السابقة سوى توهم وجود ما يصلح للقرينية وهو غير صالح لذلك إذ بعد ما كانت الجملة الأخيرة مشتملة على الموضوع ورجع الاستثناء اليها فقد اخذ الاستثناء محله فحينئذ لا يكون ما يوجب تضييق الموضوعات بخلاف ما اذا لم يذكر الموضوع إلا فى صدر الكلام فرجوعه اليه مما لا اشكال فيه فلازمه رجوعه الى الجميع ممنوعة اذ هي دعوى بلا برهان فان الكلام ما دام لم ينقطع للمتكلم له ان يلحق به ما يشاء والجملة الفاصلة ليست بمنزلة السكوت فى الحيلولة ولا يخفى ان المقام من اظهر موارد احتفاف الكلام بما يصلح للقرينية كما لا يخفى.

تخصيص الكتاب بالخبر الواحد

الفصل الحادى عشر اختلفوا فى جواز تخصيص الكتاب بالخبر الواحد أم لا على قولين والمانع ناظر الى أن الخبر ظني والكتاب قطعي والقطعي لا يعارض الظني ولكن لا يخفى أن الخبر أيضا قطعي بحسب الدلالة فكل واحد منهما قطعيا من وجه وظنيا من وجه آخر وثانيا أن التعارض انما يكون بحسب الدلالة ولا اشكال فى قطعية الخبر فيقدم وربما يمنع من جهة الأخبار فان الأخبار الدالة على طرح ما خالف الكتاب وانه زخرف وانه اطرحه على الجدار ولكن لا يخفى أن المراد بالمخالفة التباين لا بنحو العموم والخصوص وهذا كثير واقع؟ فى لسانهم (ع) وربما يمنع بدعوى ان التعبد في سند الخبر يعارضه التعبد فى دلالة الكتاب وليس أحدهما أولى وأقوى من الآخر حتى يقدم وفيه ما لا يخفى أن هذا يجري فى كل خاص تعبدي سواء كان العام من عمومات الكتاب أم لا وقد بينا أن الخاص مقدم على العام من جهة قوة دلالته كما لا يخفى.

تعارض العام مع الخاص

الفصل الثاني عشر إذا ورد خاص وعام متخالفان بحسب الحكم فهل يكون الخاص مخصصا للعام أو ناسخا لحكمه أو منسوخا بالعام؟ فيه أقوال وربما فصل بين ما كان مقارنا للعام أو واردا بعده قبل حضور وقت العمل وبين ما كان واردا بعد حضور وقت العمل فيكون في الاول مخصصا لا ناسخا وفى الثاني ناسخا لا مخصصا ولكن لا يخفى أن هذا التفصيل انما يصح بعد تسليم مقدمتين

وهما عندنا ممنوعتان. أما الأولى : فتأخير البيان عن وقت الحاجة غير معقول فالخاص الوارد بعد حضور وقت العمل لا يعقل أن يكون مخصصا بل ناسخا وإلا لزم تأخير البيان عن وقت الحاجة ولا يخفى من منع هذه المقدمة فان من الممكن أن يؤخر البيان عن وقت الحاجة لمصلحة ولحكمة تقتضي ذلك ثم ما المراد بالحاجة إن كانت حاجة المكلف فهو فى غاية المعقولية إن كانت هناك مصلحة وإن كانت حاجة المولى وهي أن يكون بصدد بيان مرامه فهو في غاية عدم المعقولية وظاهر كلماتهم الأولى.

واما الثانية أن النسخ رفع الحكم الفعلى الثابت في الواقعة المنسوخة فلا يصلح الخاص الوارد قبل حضور وقت العمل إلا وأن يكون مخصصا لامتناع النسخ مع هذا الفرض ولا يخفى ما فيه فان البداء فى الأحكام كالبداء في التكوينيات فانه كما يجوز للمولى أن يظهر شيئا لمصلحة ثم يتبين خلافه فكذلك يجوز للمولى أن يظهر حكما مشروطا بشيء ثم يتبين خلافه قبل حصوله فيكون على مسلك المشهور في الواجب المشروط رفع حكم غير فعلى وعلى مسلكنا أنه رفع لحكم فعلى فلو ورد الخاص بعد العام يحتمل أن يكون مخصصا سواء أكان قبل حضور وقت العمل أم بعده وكذلك ايضا إذا كان العام بعد الخاص فيحتمل أن يكون ناسخا ويحتمل أن يكون مخصصا نعم لو كان الخاص مقرونا بالعام لا يعقل هنا النسخ ، لان النسخ يفتقر أن يمضي زمان على الحكم المنسوخ وبالجملة فلا فرق في الخاص بين أن يكون متقدما على حضور وقت العمل أو بعده في كونه ناسخا أو مخصصا فلا مجال للتفصيل وتقديم التخصيص على النسخ لأن اكثر المواضع لو لم يكن الكل هو التخصيص حتى اشتهر وقيل «ما من عام إلا وقد خص» مبنى على تلك

المقدمتين التين منعناهما فلا بد من الرجوع الى الاصول العملية ويمكن دعوى أرجحية التخصيص لا من جهته بل من جهة اخرى فيقال فرق بين التخصيص والنسخ فان فى التخصيص يستهجن خروج اكثر الأفراد بخلاف النسخ فانه لا يستهجن خروج اكثر الأفراد مثلا لو قال المولى اكرم العلماء ثم اخرج منهم فلم يبق إلا اثنين أو ثلاثة استهجن بخلاف ما لو قال أكرم زيدا ونسخه بعد يوم وان لزم خروج اكثر الافراد لظهور القضية في الاستمرار.

وسر الفرق بينهما يحتاج الى بيان مقدمة وهي : أن المتكلم ربما يلقي كلامه بلا غرض له الى قصد معناه بل ألقاه لأجل أن يتلقى السامع منه ويفهم من ظاهر كلامه ويتبع ذلك الظهور وربما يذكر اللفظ ويريد منه المعنى المجازي ويسمى تصرفا في اللفظ وربما يلقى الى المخاطب كلاما لا يعتقده أي المتكلم ولكن انما أتى به والقاه لأجل تصديق المخاطب مثل الأقوال الكاذبة ومثلها صدور الأخبار التي لا يعقل عليهم الكذب فيسمى بالتقية ويسمى تصرفا في الجهة وليس مثل هذا التصرف مستعملا في غير ما وضع له فلم يجز موضوعه الاصلي بل التصرف فى الجهة إذ ظاهر المتكلم أن يكون بصدد بيان حكمه الواقعي فاذا لم يكن كذلك لم يرتكب مجازا والنسخ من التصرف في الجهة فيمكن أن يبرز الحكم بما ظاهره الاستمرار ثم ينسخه وليس فيه محذور ولو كان الخارج بالنسخ اكثر من الداخل وباب التخصيص من التصرف بالدلالة. إذا عرفت أن باب النسخ غير باب التخصيص فاعلم انه فيما لو دار الامر بين النسخ والتخصيص يرجع الدوران الى التصرف في الدلالة أو فى الجهة والمعروف عند الأصحاب تقديم جانب التصرف في الدلالة ولكن اختلفوا فى وجهه فمنهم جعل وجهه شيوع التخصيص وقد عرفت ان ذلك مبنى على مقدمتين ممنوعتين عندنا ومنهم من قال انه كما كانت اصالة

الظهور معتبرة فى الألفاظ كذلك اصالة الجهة فلو دار الأمر تعين رفع اليد عن الأولى لأن التعبد باصالة الظهور انما يتأتي بعد الفراغ عن اصالة الجهة إذ بعد التصرف في الجهة لا معني لاصالة الظهور ولما لم يمكن جمعهما روعي جانب اصالة الجهة حتى يمكن التعبد باصالة الظهور فاذا بنى على عدم التصرف بالجهة فلا بد من التخصيص ويرد عليه أما اولا فالمراد من اعتبار الجهة والدلالة إن كان المراد منه الجري على مقتضاه والعمل على طبقه فالجهة والدلالة متساويان إذ نسبتهما الى العمل كنسبة اجزاء تركيبه الى المركب المؤتلف منها ليس لبعضها تقدم على بعض فان المركب ينعدم بانعدام جزء منه واما ثانيا ان هذا انما يتم فيما لو كان هناك دليل واحد لو تعارض فيه الجهتان لا فى الدليلين كما هو مفروض الكلام.

وتحقيق المقام ان الخاص ان كان مقدما على العام فاصالة العموم فى ناحية العام انما تتم إذا فرض كون الخاص اضعف من العام واما مع فرض كون الخاص اقوى كان ذلك تخصصا فى اعتبار العام ولا يكون تخصيصا بخلاف ما اذا بنى على النسخ واعتبر العام بالنسخ يكون ذلك تخصيصا ومعلوم انه لو دار الأمر بين التخصيص والتخصص اخذ بالتخصص وإن كان قبل حضور وقت العمل بالعام لزم العمل على مقتضى التخصيص ويطرح النسخ لأن النسخ لا بد من حضور وقت العمل وقبل حضوره لا اثر حتى ينسخ وان ورد يعده يعامل معاملة النسخ بلا تزاحم لأن اصالة الجهة جارية في العموم الى ان يعلم الخاص فيكون قبل مجيء الخاص العام مبينا للحكم الواقعي وبصدد البيان الى مجىء الخاص ففي المدرك مع القوم مختلف فمدركنا اصالة الجهة في الخاص لوروده بعد حضور وقت العمل وعدم اعتبارها لو ورد قبل حضور وقت العمل واما مدركهم فقد عرفت انه مبني على مقدمتين غير مسلمتين عندنا.

(تنبيه) إن ما ذكرنا من الخاص بعد حضور وقت العمل لو كان لسان الخاص انه محكوم عليه من حين صدوره فانه يحكم بالنسخ وأما لو كان لسانه محكوما عليه من حين الأزل فتقع المعارضة بين العام والخاص والخاص لما كان اقوى فيقدم على العام.

فان قلت كيف يعقل ان يكون دليل الخاص فيه دلالة على محكومية الخاص من الأزل وهل هو إلا كالمنشآت الوضعية حيث ان مضامينها من حين صدور الانشاء كالملكية والزوجية والحرية والرقية قلت قياس مع الفارق فان المقام فيه جهة حكاية عما قبل كما يروي الراوي عن الامام (ع) بخلاف الانشاءات الوضعية فانها لم يكن فيها جهة حكاية عن مضامينها من حين صدور الانشاء. هذا كله فيما اذا علم بتاريخهما واما لو جعل تاريخهما فان كان الخاص دالا على تقدم حكمه من الازل بنى على التخصيص إذ لا يخرج أمره من الفروض المحتملة فيه وكلها تبني على التخصيص دون النسخ واما اذا كان غير ناظر الى الازلية فيجىء احتمال النسخ او التخصيص من جهة احتمال انه قبل وقت العمل او يعده وإن كان قيل وقت العمل يبني على التخصيص وإن كان بعده يبني على النسخ وحيث لم يكن معين لاحد الاحتمالين ولم يكن مرجح فى البين تعين الرجوع الى الاصول العملية. هذا ما اردنا بيانه من المقصد الرابع في العام والخاص والحمد لله رب العالمين.

المقصد الخامس فى المطلق والمقيد

وفيه فصول :

الفصل الاول فى تعريف المطلق فنقول عرف المطلق بما دل على شائع في جنسه والمراد بالجنس ما يشمل النوع والصنف أي مطلق ما كان سنخ الشيء المحفوظ في ضمن قيود طارئة عليه من غير فرق بين كونه موجودا بين وجودات متعددة أو وجود واحد لا الجنس المنطقي أو النحوي المعبر عنه باسم الجنس أو علمه المخصوص بالكليات الصادقة على الكثير والمراد بالشيوع ما احتمل انطباقه على القليل والكثير وهذا مما لا اشكال فيه وانما الكلام فى ان الشيوع داخل في حقيقة المطلق (١) أم يفهم ذلك من مقدمات الحكمة على قولين ينسب الأول

__________________

(١) وبيان حقيقته يتوقف على بيان امور الأول الظاهر ان معنى المطلق قد استعمل بما له من معناه اللغوي الذي هو الارسال والتقيد ضد الارسال وليس للاصوليين معنى آخر والتعاريف المذكورة له على ما ذكرنا ليست إلا تعاريف لفظية وهذا الاطلاق الذي هو بمعنى الارسال والتقيد ضده انما هو من أوصاف المعاني حقيقة والألفاظ إنما يتصف بها بالعرض وهو تارة يتحقق فى المعاني الافرادية واخرى يتحقق فى المعاني التركيبية وليس الاطلاق في المعاني الافرادية مثل الاطلاق فى المعاني التركيبية بل يختلفان فان الاطلاق بين المعاني الافرادية يقتضي التوسعة بخلاف الاطلاق فى المعاني التركيبية فانه يقتضي التضييق كما ان اطلاق الأمر يقتضي الوجوب العيني التعيني النفسي واطلاق العقد يقتضي نقد البلد واخرى يقتضي التوسعة فانقدح بذلك ان الاطلاق فى المعاني التركيبية

الى المشهور والثاني الى المحقق سلطان العلماء (قدس‌سره) وهو الحق وفاقا لاكثر من تأخر من المحققين وبيانه يحتاج الى تمهيد مقدمه وهى أن الوجود الذهني

__________________

ليس تحت جامع واحد ومن هذا يعلم أن محل الكلام انما هو فى المعاني الافرادية دون المعاني التركيبية كما لا يخفى الأمر الثاني ان المطلق تارة يكون من قبيل الطبيعة واخرى يكون من قبيل الفرد المنتشر وهو النكرة وعلى أي تقدير اما أن يكون فى حيز النفي واخرى يكون في خير الاثبات فان كان الحكم الوارد على النكرة في حيز الاثبات يستفاد الايجاب الجزئي وان كان في حيز النفي يستفاد السلب وان كان الحكم الوارد على الطبيعة فى حيز النفي يستفاد السلب الكلي وإلا فتارة يستفاد الايجاب الجزئي كأن يكون متعلقا للامر وربما يستفاد الايجاب الكلي كما فى مثل الوضعيات وهذه الأقسام ليست داخلة في حقيقة المطلق وانما هي تنشأ من الحكم الوارد في حيز النفي أو في حيز الاثبات وكيف كان فقد عرفوا المطلق بما دل على شائع فى جنسه فقد أشكل عليه بانه لا يشتمل اقسام المطلق جميعها فانه لا يشمل الحكم الوارد على الطبيعة ولكن لا يخفى ان هذا الاشكال يرد على من فسر الشيوع بالتردد واما لو فسرناه بما انتشر فى جنسه لشمل القسمين ولعل هذا التعريف نشأ من الطبقة الوسطى كالتفتازاني القائلين بعدم وجود الكلي الطبيعي وايده بقية الأصحاب بالتسليم بتأويل الشيوع بالمعنى الثاني مضافا الى ان الذي يستفاد من قوله (بما دل) هو ان الاطلاق والتقييد من صفات الألفاظ لا من صفات المعاني مع انك قد عرفت انها كالكلية والجزئية من صفات المعاني لا الالفاظ فانقدح مما ذكرنا ان معنى الاطلاق ليس إلا الارسال وهذا المعنى تارة يكون في الطبيعة واخرى فى النكرة فان كان فى الطبيعة فان كانت فى حيز النفى افاد العموم الشمولي وإلا فلا والفرق بين العموم الشمولي في المطلق والعام الاصولي من وجهين الاول ان استفادة العموم من المطلق من جهة عدم البيان ولو احرز من

كالوجود الخارجي فكما انه يشخص الماهية ويحددها ويجعلها جزء حقيقيا بعد ما كانت كليا عقليا ويصيرها مصداقا لكلي معرى عن قيد التشخص فكذلك الوجود الذهنى فانه ايضا يحدد الماهية ويجعلها جزئيا ذهنيا بنحو لا ينطبق على

__________________

الأصل العقلائي وليس مدلول للفظه بخلاف العام الاصولى فان الشمول مدلوله اللفظى ولذا قلنا بتقديم العام الاصولي على المطلق الشمولي حيث انه يصلح لان يكون بيانا.

الثاني ان استفادة الشمول من المطلق بمجرد عدم البيان لا يكفي بل يحتاج الى مقدمة خارجية وهي كون الافراد متساوية الاقدام بالنسبة الى انطباق الطبيعة بخلاف العام الأصولي فان تساوي الاقدام فيه من مدلوله اللفظي ولذا قدم العام الاصولى على المطلق الشمولي حيث انه يصلح بيانا وبذلك ايضا قلنا بتقديم المطلق الشمولي على المطلق البدلي حيث ان استفادة الاطلاق فيه انما يتم بعد احراز كون الافراد متساوية الاقدام بالنسبة اليه ومع شمول الاطلاق لبعض الافراد يخرجه عن كونه متساوية الاقدام مع باقي الافراد وهذا بخلاف الاطلاق فانه لا يصلح لان يوجب خروج بعض ما ينطبق عليه المطلق الشمولي بمعنى كونه متساويا مع باقى افراده وبالجملة الاطلاق الشمولي قابل لان يكون بيانا للمطلق البدلي فيكون حاكما عليه كما لا يخفى.

الامر الثالث ـ ان التقابل بين الاطلاق والتقييد هل هو من باب الضدين أو من باب تقابل الايجاب والسلب أو من باب تقابل العدم والملكة والمراد من تقابل الضدين امران وجوديان وبتقابل الايجاب والسلب ما يرد على الماهية الامكانية بحيث لا يعتبر فيها شيء من الاشياء وبتقابل العدم والملكة ما يعتبر شيء زائد من طرف الوجود بحيث يكون المحل قابلا لورود الاطلاق والتقييد فحينئذ بناء على مسلك المشهور من انه الموضوع للا بشرط القسمي أي بقيد الارسال يكون

كثيرين في الذهن إذ الوجود الذهنى مع الوجود الخارجي يرتضعان من ابن واحد. فالماهية الموجودة فى عالم الذهن لا بد وان تحدد بحد التجرد أو بحد عدمه

__________________

التقابل بينهما من قبيل تقابل الضدين لان الاطلاق والتقييد يكونان وجودين واما على ما هو التحقيق وفاقا لسلطان العلماء (قدس‌سره) من انه موضوع للا بشرط المقسمي وان السريان يستفاد من مقدمات الحكم يكون التقابل تقابل العدم والملكة لانه عليه لا بد وان يكون المحل قابلا لورود الاطلاق والتقييد ولذا قلنا لو امتنع التقييد امتنع الاطلاق وبالعكس حيث انك قد عرفت انهما امران اضافيان ولا يحتاج الى اقامة برهان لامتناع الآخر بل مجرد امتناع احدهما يوجب امتناع الآخر كما قلنا نظير ذلك فى مبحث المقدمة الموصلة ومبحث التعبدي والتوصلي نعم لو كان التقابل تقابل الوجود والعدم الطارئين على نفس الماهيات الامكانية كان لذلك وجه ولكن على ما هو التحقيق التقابل بينهما على ذلك الوجه لانهما يردان على الاشياء بعد وجودها نظير الصفات الطارئة على الماهيات الموجودة كالقيام وغيره فان التقابل بينها يكون من تقابل العدم والملكة فان له باب عريض ومنه العدم النعتي وكالمشتقات فان التقابل بينها وبين نقيضها تقابل الوجود والعدم الطارئين على الموضوع الموجود فانقدح مما ذكرنا ان تقابل العدم والملكة يحتاج الى امرين الاول ـ ان يكون المحل قابلا لورود الاطلاق والتقييد.

الثاني ـ ان يكونا عارضين على الموضوع الموجود وإلا كان من تقابل الايجاب والسلب فافهم وتأمل.

الامر الرابع ـ الاطلاق الذى هو محل النزاع بين المشهور وسلطان العلماء ليس بالنسبة الى الجمل التركيبية فان الاطلاق فيها مستفاد من مقدمات الحكمة ولا يدعي احد انه مستفاد من الوضع نعم لو قلنا بالوضع فى المركبات كان لذلك القول وجه إلا ان الالتزام بالوضع للمركبات بديهي البطلان وانما النزاع بينهما

مثلا الرقبة لو لوحظت اما ان تلاحظ مجردة أي سارية في جميع الافراد أو تلاحظ مقيدة اي لم تكن سارية في جميع الافراد. والمراد بالمجرد مصداقه لا مفهومه فلا يعقل وجود الماهية فى عالم الذهن بدون هذين الشيئين بل لا بد وان تكون مقيدة بالتجرد أو بعدمه ولا وجود لها مستقلا منحازة عن هذين إلا وأن تكون مندكة في أحدهما والماهية بلحاظ حد التجرد هي من المعقولات الاولية التي هي قابلة للانطباق على القليل والكثير وان كانت بلحاظ التقييد تكون من المعقولات الثانوية لان عنوان ضيق الطبيعة يمنع عن الانطباق على كثيرين فلذا عد من المعقولات الثانوية بخلاف الوجود الخارجي فانه ليس من المعقولات اصلا وانما هو من الموجودات الخارجية المباينة للموجودات الذهنية. ولا يخفى انه لا جامع

__________________

فى المعاني الافرادية اذا عرفت ذلك فاعلم ان المعاني الافرادية تارة تلاحظ بما انها شخصية واخرى تلاحظ حالاتها وثالثة تلاحظ بمفاهيمها الكلية اما على الأول فهو خارج عن محل النزاع لعدم قبوله للاطلاق والتقييد لوضعه لشخص خاص وعلى الثاني ايضا خارج عن محل النزاع فانه وان أمكن الاطلاق والتقييد بالنسبة الى الحالات إلا انه من المسلم عند الكل انها ليست موضوعة لها فان الاطلاق بالنسبة اليها على القولين يستفاد من مقدمات الحكمة ولا يدعى أحد بان الاطلاق فيها مستفاد من الوضع وعلى الثالث فما كان من قبيل المعاني الحرفية خارج عن محل النزاع لملاحظة الآلية فيها وبذلك يخرجها عن قبولها للاتصاف بالاطلاق والتقييد فينحصر النزاع في المعاني الافرادية التي هي مفاهيم كلية على نحو المعاني الاسمية ومرجعه الى ان الاطلاق الذي هو بمعنى الارسال في قولنا اعتق رقبة بمعنى اي رقبة الى انه مدلول لفظي أم يستفاد من مقدمات الحكمة والمشهور على الاول وسلطان العلماء (قدس‌سره) ومن تأخر على الثاني فافهم.

بين حد التجرد والتقييد إذ لا يعقل أن يكون جامع بين شيئين متناقضين وهما الواجد والفاقد إلا بحفظ الماهية بين الحدين وبه يمكن تصور جامع بينهما إلا انه لا وجود له مستقلا بنحو ينحاز عنهما بل وجوده مندك فى احدهما وقد ذكرنا نظير ذلك فى بحث المشتق بالنسبة الى تصور مبدأ الاشتقاق. فقد ذكرنا انه لا يعقل وجود مبدأ جامع بين اسم المصدر وغيره اذ يلزم ان يكون شيء واحد جامعا بين الواجد والفاقد إلا بحفظ المبدأ بينهما بنحو يكون مندكا في المشتقات وبذلك صورنا جامعا بينهما اذا عرفت ذلك فاعلم ان سلطان العلماء (قدس‌سره) ذهب الى ان الموضوع له في المطلق هو الجامع المجرد من كلا الحدين وان كان في عالم الذهن لا بد وان يقترن باحدهما وهو الحق للتبادر فان المتبادر من حاق لفظ المطلق هو تلك الماهية المعراة عن كلا الحدين وذلك علامة وضع لفظ المطلق لها (١) والمشهور ذهب الى ان الموضوع له هو الماهية المجردة والفرق بين المذهبين

__________________

(١) وقد ذكرنا فى تقريراتنا لبحث الاستاذ المحقق النائينى (قده) بان تحقيق ما هو الحق يحتاج الى تمهيد مقدمات الأولى أن أهل المعقول قسموا الماهيات الكلية الى اللابشرط وبشرط لا وبشرط شيء وهذا التقسيم يكون دليلا قطعيا على أن هناك مقسما جامعا لهذه الأقسام وأمرا قابلا للانقسام لهذه الاقسام ولا اشكال أن ذلك المقسم غير تلك الاقسام هو المسمى بلا شرط المقسمي وفي الحقيقة هذه المقدمة من الاصول الموضوعة المسلمة عندهم المقدمة الثانية ذكروا ان بشرط لا له معنيان الاول أن يطلقوا بشرط لا على الماهية المعراة عن جميع الخصوصيات القابلة للانضمام اليه الخارجية والذهنية فحينئذ لا يكون إلا كليا عقليا لا موطن له إلا في الذهن وبهذا المعنى يكون قابلا لحمل المعقولات الثانوية عليه من الكلية والجنسية ونحوها الثاني يطلق بشرط لا على المبادي المشتقات في قبال المشتقات ويجعلون الفرق بين

هو انه على مذهب السلطان يكون استعمال لفظ المطلق في المقيد حقيقة وعلى مذهب المشهور مجازا وبعبارة اخرى ان للماهيات اعتبارات تارة تلاحظ غير مقيدة بشيء

__________________

المشتقات ومباديها لا بشرط وبشرط لا ويعنون من لا بشرط هو لا بشرط عما يتحلى به فيكون مشتقا وبشرط عدم الاتحاد فيكون مبدأ كالفرق بين الجنس والهيولى والفصل والصورة والمراد من بشرط لا في المقام هو المعنى الاول حتى يكون من أقسام اللابشرط المقسمي وحينئذ يكون المراد من لا بشرط ما يقابل هذا المعنى.

المقدمة الثالثة اضطربت كلمات أهل المعقول فى المراد من الكلي الطبيعي الواقع فيه النزاع هل هو من الامور المتأصلة فيكون موجودا في الخارج أم يكون من الامور المنتزعة وليس في الخارج إلا الافراد وهل هو اللابشرط القسمي أم اللابشرط المقسمي ادعى المحقق السبزواري في المنظومة ان الكلي الطبيعي هو اللابشرط المقسمي دون القسمي قال وان أوهم بعض الكلمات كونه من اللابشرط القسمي وتبعه على ذلك فى التقريرات وصاحب الكفاية على ما يظهر منه حيث جعل اللابشرط القسمي كليا عقليا وعبارة الاساطين كلها مصرحة في ان الكلي الطبيعي هو اللابشرط القسمي كصاحب الشوارق والخواجة والقوشجي وليست عباراتهم موهمة كما ادعاه المحقق السبزواري بل مصرحة بذلك والحق ان الكلي الطبيعي عبارة عن اللابشرط القسمي لا المقسمي وفاقا لاكثر الاساطين بيان ذلك هو أنك قد عرفت من المقدمة الاولى أن اللابشرط المقسمي هو الجامع بين اللابشرط القسمي الذي هو عبارة عن الجامع بين الخصوصيات الخارجية وبين بشرط شيء الذي هو عبارة عن المقيد ببعض الخصوصيات وبين بشرط لا الذي هو عبارة عن المعرى عن جميع الخصوصيات الذي لا موطن له الا في الذهن وما يكون جامعا بين ما هو وعائه في الذهن والخارج لا وجود له إلا في الذهن فلا يعقل أن يكون له محقق فى الخارج فحينئذ كيف يجعل كليا طبيعيا الذي وقع

من اعتبارات الماهية وتسمى باللابشرط المقسمى واخرى تلاحظ مرسلة وهي المعبر عنه باللابشرط القسمي وثالثة تلحظ مقيدة بشيء خاص وهي المعبر عنه بالمقيد فلو

__________________

فيه النزاع فى تحققه فى الخارج أم أنه كالانتزاعية مع أن الكلي الطبيعي يحمل على افراده في الخارج بالحمل الشائع الصناعي ولو جعل الكلي الطبيعي عبارة عن اللابشرط المقسمي فلا يحمل على ما فى الخارج إلا باعتبار اللابشرط القسمي ثم ان الفرق بين لا بشرط القسمي ولا بشرط المقسمي بحسب اللحاظ وإلا بحسب الواقع لا فرق بينهما كما ذكره فى التقريرات لما عرفت من عدم معقولية أخذ اللحاظ في الموضوع له ولا المستعمل فيه والعجب من صاحب الكفاية بعد جعل اللابشرط القسمي كليا عقليا بني على كون اللابشرط المقسمي هو الكلي الطبيعي ما لفظه (وبالجملة الموضوع له اسم الجنس هو نفس المعنى وصرف المفهوم غير الملحوظ معه شيء أصلا الذي هو المعنى بشرط شيء ولو كان ذلك الشيء هو الارسال والعموم البدلي ولا الملحوظ معه عدم لحاظ شيء معه الذي هو الماهية اللابشرط القسمي وذلك لوضوح صدقها بما لها من المعنى على الخارجيات بلا عناية التجريد كما هو قضية الاشتراط والتقييد فيها كما لا يخفى مع بداهة عدم صدق المفهوم بشرط العموم على فرد من الافراد ... الخ).

أقول ليس المراد باللابشرط القسمي إلا الجامع بين الافراد الخارجية القابلة للانطباق عليها حقيقة بلا احتياج عناية التجريد وليس من الكلي العقلى بل هو فى الحقيقة مناف للكلي العقلي إذ ليس المراد من التقييد بالارسال إلا أن ذات المرسل في قوة قوله سواء كان هذا أو ذاك وهذا المعنى من لوازم كونه جامعا بين الافراد اذا عرفت ما مهدناه لك من المقدمات فاعلم انه وقع النزاع بين المشهور وسلطان العلماء فى أن معنى المطلق هو اللابشرط القسمي أو معنى المطلق هو اللابشرط المقسمي وأن استفادة اللابشرط القسمى من مقدمات الحكمة بخلافه

استعمل لفظ المطلق في المقيد على الأول كما يقول سلطان العلماء يكون حقيقة وهو من قبيل تعدد الدال والمدلول وعلى الثاني يكون مجازا إذ استعماله فى المقيد

__________________

على الاول فانها يستفاد بالوضع والحق هو ما اختاره سلطان العلماء لان الانسان مثلا تارة يحمل عليه المعقولات الثانوية كالانسان كلي أو الانسان نوع واخرى تحمل عليه الامور الخارجية كالانسان قائم أو قاعد ومن الواضح ان نحو الاستعمال لا يختلف بل تراه فى الجميع مستعملا على نحو واحد فلا بد وان يكون مستعملا في القدر الجامع القابل للانطباق على كل واحد من الافراد مضافا الى أن مرتبة اللابشرط وبشرط شيء مرتبة الحكم بالنسبة الى الموضوع فحينئذ كيف يكون اللفظ موضوعا للمعنى المقيد مما يكون من مراتب الحكم. توضيح ما ذكرنا هو انه لو حصل الشك والتشكيك. فلا نشك فى امور الاول ان معنى الاطلاق الذي لا بد من احرازه فى باب المطلقات عبارة عما يرجع الى أي فرد مثلا رقبة اي رقبة سواء كان هذه الاستفادة بالوضع أو بمقدمات الحكمة الثاني أن مرجع النزاع بين السلطان والمشهور أن هذه الاستفادة التي هي عبارة عن اي رقبة هل هي بالوضع كما عليه المشهور أم بمقدمات الحكمة كما عليه السلطان.

الثالث ان هذه الانقسامات التي ذكرها أهل المعقول من اللابشرط وبشرط لا وبشرط شيء لا بد وان يكون بينها التباين حتى يكون كل واحد قسيما للآخر ولا يرجع أحدهما الى الآخر وإلا يلزم تثنية الأقسام ولا يحصل التثليث وجعل اللابشرط القسمي من الكلى العقلي ارجاع اللابشرط الى بشرط لا وكذلك ارجاعه الى بشرط شيء يوجب تثنية الأقسام مع أن الاقسام عند القوم ثلاثة فلا بد من عدم تداخل بعضها مع بعض بيان ذلك ان المراد من لا بشرط عبارة عن لا بشرط عن الخصوصيات الخارجية أو ما هو أعم من الخارجية والذهنية وبشرط لا عبارة عن كون الماهية معراة عن جميع الخصوصيات من الذهنية

لا يكون مستعملا فيما وضع له بل يكون في غير ما وضع له لكونه على ذلك موضوع للارسال والتقييد غير الارسال ان قلت كيف يمكن ان يضع الواضع

__________________

وبشرط شيء عبارة عن التقييد بخصوصية خارجية وفى الحقيقة لا بشرط الذي هو مقابل لهذين القسمين هو لا بشرط عن هذين القسمين فان قلت قد ذكرت ان بشرط لا عبارة عن التجرد عن جميع الخصوصيات ولكن لا بد من لحاظه كذلك فحينئذ يكون مقيدا بتلك الخصوصية فيخرج عن بشرط لا ويدخل تحت بشرط شيء. قلنا ان لحاظه كذلك وان كان نحو وجوده في الذهن ولكن لم يلحظ اليه نظرا استقلاليا بل يكون لحاظه اليه مرآة الى بقية الصور ومنه يعلم رفع الاشكال على ما يقال الانسان معدوم فان الحكم على معدومية الانسان هو نحو لوجود الانسان فكيف يحكم عليه بانه معدوم فان وجود الانسان انما أخذ مرآة للافراد المعدومة فى الخارج. فالنظر اليه ليس إلا نظرا مرآتيا وبالجملة هذه الاقسام الثلاثة لا بد وان يكون لها جامع واقعي هو المقسم وكان نسبته الى الاقسام نسبة الكل الى افراده فحينئذ لا بد ان يكون الفرق بين اللابشرط القسمي والمقسمي واقعيا لا بحسب اللحاظ كما فى التقريرات. ثم ان الكلي الطبيعي هل هو عبارة عن اللابشرط القسمي أم المقسمي قد تقدم انه محل للانظار والمحقق السبزوارى جعله عبارة عن اللابشرط المقسمي وتبعه الشيخ الأنصاري كما في التقريرات ، وصاحب الكفاية (قدس‌سرهما) ولكن الاساطين ذهبوا الى خلاف ذلك فجعلوه عبارة عن اللابشرط القسمي وتحقيق الكلام فيه هو أن الكلي الطبيعي عبارة عما يقع في جواب السؤال عن حقيقته هو هو فحينئذ ان جعلنا بشرط لا من أفراد الماهية ولو كان وجوده ذهنيا فلا بد من القول بكون الكلي الطبيعي هو اللابشرط المقسمي وان لم نجعله من افرادها وانما هو من المفاهيم المحضة فلا بد من القول بان الكلي الطبيعى هو اللابشرط القسمي والحق ان بشرط لا من المفاهيم المحضة وليس مصداقا للا بشرط المقسمي. بيان ذلك ان مفهوم كل شيء عبارة عما يكون

لشيء مع انه لا وجود له مستقلا فان الماهية المهملة لا وجود لها فى نفسها فمن الواضح ان الواضع عند وضع اللفظ لها لا بد وان يتصورها مستقلا لكي يضع اللفظ لذلك الملحوظ. قلت لا يلزم من وضع لفظ لمعنى ان يتصوره مستقلا بل يكفي ملاحظته لنفس المعنى الموضوع له تبعا مثلا يتصور ماهية محدودة بحد التجرد ولكن لم يضع اللفظ لتلك الماهية المجردة بل للاعم منها ومن المخلوطة لا يقال كيف يمكن الامتثال على مذهب السلطان لانا نقول أن المقيد في عالم الذهن يرى شيئين متعددين والمجرد يرى شيئا واحدا. والذي هو موضوع حكم العقل هو ما يرى شيئا واحدا الذي هو من المعقولات الاولية كما انه هو الذى تعينه

__________________

مدركا عقلائيا في مقام التصور والمدرك العقلائي انما يصير بشرط لا اذا لوحظ مجردا عن كل خصوصية ولحاظه كذلك ليس إلا لحاظه انه مفهوم محض وليس لحاظه كذلك مرآة الى ما فى الخارج وبهذا الاعتبار لا يكون مصداقا للطبيعة النوعية فلا يحمل عليه المعقولات الثانوية مثل النوعية والجنسية ولو كان فردا ومصداقا لحمل عليه ذلك ولا يتوهم ان هذا من المثل الافلاطونية لأنه على تقدير تفسيرها بالافراد العقلية فهي في الحقيقة افراد ومصاديق وما نحن فيه من المفهوم المحض الذي هو ليس فردا ومصداقا اذا عرفت ما ذكرناه من التوضيح فحينئذ يترتب عليه النزاع بين المشهور وسلطان العلماء ومرجع ذلك الى ان الاطلاق على المشهور يستفاد من الوضع بخلافه على قول سلطان العلماء فانه عليه يستفاد من مقدمات الحكمة وقد عرفت ان الحق هو ذلك لما ذكرناه من الدليلين وحاصل الاول الوجدان الذي هو لا يختلف فيه انحاء الاستعمالات فى انطباقه على الافراد العقلية والخارجية والثاني ان مرتبة لا بشرط وبشرط شيء وبشرط لا هي من مراتب الحكم فكيف تؤخذ في الموضوع فلا تغفل.

مقدمات الحكمة فتكون مقدمات الحكمة على مذهبه معينة للمراد وبالجملة أن الماهية مع الحد إن عدت هناك اثنينية لم تكن من المعقولات الأولية التي هي قابلة للقليل والكثير فلم تنطبق على الخارجيات وان لم يكن هناك اثنينية بل ترى مع القيد شيئا واحدا فتكون من المعقولات الأولية وتنطبق على ما في الخارج وبتقريب آخر أن الشياع المأخوذ فى التعريف تارة يراد منه معنى قابلا للانطباق بتمام معناه على القليل والكثير وبهذا المعنى قد اخذ في متعلق الأمر ولازمه انطباق تمامه على أول الوجود وذلك يقتضي السقوط واخرى يراد منه الساري فى ضمن الموجودات المتعددة ولازمه عدم انطباقه بتمام معناه على القليل بل لا ينطبق إلا على الكثير ولازمه تعدد الامتثال وعدم سقوط التكليف وبهذا المعنى قد أخذ فى النواهي بل وغالب الأحكام الوضعية كمثل (أحل الله البيع) وبين هذين النحوين تباين بنحو لا يتصور جامع بينهما اذ كيف يتصور جامع بين الواجد أي المأخوذ فيه خصوصية السريان الذي هو المعنى الثاني منها المعبر عنه بالطبيعة السارية وبين الفاقد غير المأخوذ فيه خصوصية بل اعتبر معرى عن جميع الخصوصيات القابلة للانطباق على القليل والكثير الذي هو المعنى الأول إلا بدعوى كون الجامع هو المعنى المحفوظ في ضمن الواجد والفاقد وحينئذ كما يمكن تصور الجامع بين هذين المعنيين من الشياع كذلك يمكن لنا دعوى تحقق جامع يجمع جميع تلك الصور المتصورة وهو المعنى المحفوظ بين الشياع الجامع لمعنييه وبين غيره الذي هو المحفوظ فى ضمن المقيد غير القابل للصدق إلا على القليل وهذا الجامع كالمادة المحفوظة في ضمن هيئات المشتقات الحاكية عن مفهوم واحد ومنه يعلم أنه ليس نسبة الجامع المحفوظ بين المعاني المتصورة الثلاث المعبر عنه باللابشرط المقسمي بالنسبة الى ما هو

المعبر عنه باللابشرط القسمي نسبة الكل الى الفرد بل نسبته اليه كنسبة منشأ الانتزاع الى ما في الخارج فكما لم يكن منشأ الانتزاع الجامع فى ضمن الافراد الخارجية له وجود في الخارج فى قبال مصداقه في الخارج كذلك اللابشرط المقسمي بالنسبة الى القسمي ليس له وجود فى عالم الذهن فى قبال وجوده وانما هو جهة محفوظة فى ضمن المعاني المتصورة المتعددة ولذا أمكننا أن نعبر عن تلك الجهة المحفوظة بان وجوده عين الوجودات الذهنية المتصورة وليست لتلك الجهة وجود مستقل في الذهن في قبال تلك الصور الذهنية المتعددة كما لا يخفى.

وبيان أوضح ان بناء الأصحاب على ان اطلاق المطلق على أحد المعنيين ليس على نحو المجازية ولازمه ان يكون المراد به الجهة المحفوظة بين نحوي الشياع بنحو لا يكون له وجود مستقل فى الذهن عاريا عن الجهتين نعم بناؤهم على مجازية المطلق لو اريد منه التقييد بغير الشياع فاذا صح ذلك قلنا دعوى ان يراد من المطلق معنى أوسع من ذلك بنحو يشمل النحو الثالث بان يراد منه معنى محفوظ بين الجهتين وما هو فى ضمن القيد غير جهة الشياع فحينئذ يرد على المشهور بانه لا وجه لاختصاص مفهوم المطلق بالشياع وذلك لانسياقه الى الذهن من حاق اللفظ المعبر عنه بالطبيعة المهملة المناسب لكل لون وبتعبير آخر هو اللابشرط المقسمي الجامع لما هو مقيد بقيد غير الشياع والفاقد لجميع الخصوصيات الزائدة عن الطبيعي القابل للانطباق على القليل والكثير المعبر عنه بالشياع واللابشرط القسمي المحتاج اثباته الى مقدمات الحكمة ولذا يكون استعمال اللفظ فى جميع المقامات بنحو الحقيقة بنحو تكون الخصوصية مستفادة من دال آخر وقد عرفت ان تلك الجهة المحفوظة في ضمن اللابشرط القسمي ويشرط شيء المعبر عنها باللابشرط المقسمي

ليست لها وجود في الذهن مستقل فى قبال افراده بل هي موجودة في الذهن بعين وجود افراده.

ومما ذكرنا ظهر بطلان ما قيل من الفرق بين اللابشرط المقسمي واللابشرط القسمي بدعوى ان المقسمى الماهية المجردة حتى عن قيد التجرد والقسمي هو الماهية المقيدة بقيد التجرد الذهني لوضوح ان مع هذا القيد كيف يعقل انطباقه على ما في الخارج على ان بناء الأصحاب ان اللابشرط القسمي قابل للانطباق على القليل والكثير وصلاحيته لذلك يحصل من مقدمات الحكمة كما هو قضية أخذ المطلق فى حيز الأمر كما انه ظهر بطلان الفرق بينهما بدعوى ان المقسمي عبارة عن ان الملحوظ نفس ذاته بما له من الذاتيات والقسمي هو الملحوظ معه أمر خارج عن ذاته من غير فرق بين كون الخارج عن الذات أمرا عدميا أم وجوديا أو الاعم منهما لبداهة ان الماهية مع لحاظ تجردها عن عوارضها الخارجية تكون قابلة للانطباق على القليل والكثير وهو الذي نثبته مقدمات الحكمة بالنسبة الى ما أخذ فى حيز الأوامر المعبر عنه باللابشرط القسمى فعليه ليس لنا لا بشرط المقسمي إلّا ان يدعى كما ينسب الى البعض بانه عين وجود افراده في الذهن وليس له وجود مستقل فى قبال الافراد فحينئذ يرجع الى ما قلنا من ان تلك الجهة المحفوظة في ضمن الافراد الذهنية ليس لها وجود فى الذهن في قبال الافراد فى الذهن بل وجودها معنى وجود الافراد وهذا الجامع المحفوظ بين اللابشرط القسمي وبشرط شيء هو المتبادر من لفظ المطلق بنحو تستفاد تلك الخصوصيات من دال آخر وليست تلك الخصوصيات مستفادة من حاق اللفظ ولذا قلنا ان الحق هو قول سلطان العلماء (قدس‌سره) كما لا يخفى.

ما يدل على المطلق

الفصل الثاني فى بيان ما يدل على المطلق وقد ذكروا له امورا : منها اسم الجنس كرجل وفرس وانسان ، وعرف بانه صرف المفهوم من غير ملاحظة شيء معه ومقتضى ذلك ان يكون اسم الجنس موضوعا لذات الماهية المحفوظة في الذهن في ضمن صور متباينة حسب تباين اعتبارات الماهية من دون أخذ خصوصية الفقدان والوجدان وان كانت تلك الماهية لا تنفك في الذهن عن تلك الاعتبارات فيكون المعنى فى الذهن متحققا بنفسه ولا يكون له حد خاص وصورة مخصوصة فيه فحاله في الذهن كالكلي الطبيعي في حال اجتماعه مع الخصوصيات الشخصية وحينئذ فطبع اللفظ ليس فيه اقتضاء لمعنى صالح للانطباق على القليل والكثير أو لمعنى مضيق غير صالح لذلك بل ذلك المعنى ذات المبهم يجتمع مع كل من اعتبارات الماهية ككونها فاقدة لجميع الخصوصيات أو مقيدة بخصوصية من تلك الخصوصيات قال الاستاذ (قدس‌سره) فى الكفاية ما لفظه (الموضوع له اسم الجنس هو نفس المعنى وصرف المفهوم غير الملحوظ معه شىء اصلا (١) ... الخ) وتكون تلك

__________________

(١) توضيحه ان للماهية اعتبارات متعددة فتارة تلحظ بذاتها من دون اعتبار زيادة عليها واخرى مع اعتبار زيادة من سنخها وثالثة اعتبار زيادة من غير سنخها وعلى الاخير اما أن يكون وجوديا ام عدميا فان كان وجوديا فتسمى الماهية بشرط شيء وان كان عدميا فتسمى بشرط لا شيء وهما نوعان من المقيد ، وعلى الثاني فما كان من سنخ الماهية فتارة بنحو الاستيعاب فتسمى بالماهية السارية

الخصوصيات مستفادة من دال آخر كمثل مقدمات الحكمة أو لفظ يدل على تقييد الماهية باحد القيود والى ذلك يرجع كلام سلطان العلماء (قدس‌سره) من ان لفظ المطلق موضوع الى الماهية المعراة عن حيثية السعة والضيق فان المراد من عرائها في مقام الوضع لا فى مقام الذهن وقد عرفت أن ذلك مما يقتضيه الوجدان من تبادر المعنى المناسب مع جميع تلك الخصوصيات وذلك هو المعنى المحفوظ فى ضمن جميع الاعتبارات والحدود بلا استقلال بنفسه فى مقام الذهن المعبر عنه بالماهية المبهمة باعتبار كون تلك الماهية متحققة في الذهن بلا حد في نفسها مستقلا بل هي متحققة في ضمن الحدود الزائدة عن حيز الوضع وتكون كالمادة السارية في ضمن المشتقات فانها متشكلة باحد صور الاشتقاقية فلذا قلنا في مبحث المشتق بوضع لفظ المادة الى المعنى المبهم السارى فى ضمن الصور المتباينة وهو الجامع لجميع تلك الخصوصيات المتباينة من دون وجود لها مستقلا بنفسها بل وجودها فى ضمن تلك الهيئات الخاصة كما لا يخفى.

ومنها علم الجنس كاسامة فانه موضوع لصرف المعنى بلا لحاظ شيء فيه

__________________

والمطلق الشمولي وان كان بنحو البدلية فتسمى بالماهية على البدل والمطلق البدلي وعلى الأول فتارة تلحظ بذاتها تفصيلا فهي المسماة باللابشرط القسمي والماهية قد اخذت بنحو صرف الوجود وهذا القسم مع ما قبله من الماهية المطلقة واخرى تلحظ الماهية من حيث الاطلاق والتقييد فهي الماهية المهملة المعبر عنها باللابشرط المقسمي وهو الجامع بين جميع اقسام الماهية وقد ذهب سلطان العلماء وجملة ممن تأخر عنه بوضع لفظ المطلق له خلافا للمشهور على تفصيل ذكرناه فى حاشيتنا على الكفاية

فلذا صح انطباقه على القليل والكثير فهو كاسم الجنس وان كان فرق بينهما من حيث التعريف باعتبار انه قد أخذ فى مفهوم علم الجنس الاشارة الذهنية وذلك يوجب ترتب أحكام المعرفة عليه فان حقيقة الاشارة نحو توجه النفس الى الصور وهو غير مرتبط بعالم اللحاظ لكي يشكل بانه لا ينطبق على ما في الخارج ولذا ترى عند لحاظ صور متعددة توجه النفس الى بعضها دون البعض الآخر وتشير الى ان بعضها أحسن من البعض فحينئذ يكون التقييد بمثل ذلك لا يضر بانطباقه على ما في الخارج فدعوى ان التقييد بمثل ذلك يوجب عدم انطباقي المقيد به على ما في الخارج فى غير محلها لما عرفت أن ذلك لو كان من سنخ اللحاظ لأوجب ذلك عدم الانطباق إلا أنك قد عرفت ان توجيه النفس والاشارة ليست من سنخ اللحاظ على انه لو كان من سنخ اللحاظ قلنا بان علم الجنس موضوع للطبيعة بلحاظ التعيين لكي يترتب عليه احكام المعرفة حقيقة لا لفظا (١) فيشكل عليه

__________________

(١) الذي يظهر من بعض كلمات اعلام أهل العربية هو أن تعريف اسم الجنس لفظى كالتأنيث اللفظي كمثل غرفة وبشرى وصحراء قال الشيخ نجم الائمة (قدس‌سره) فالحق ان العلمية فى مثل اسامة لفظي وقال في مبحث العلم اذا كان لنا تأنيث لفظي كغرفة وبشرى وصحراء ونسبة لفظية نحو كرسي فلا بأس أن يكون لنا تعريف لفظي اما باللام كما ذكرنا قبل وأما بالعلمية كما في اسامة وبذلك قال الاستاذ المحقق الخراساني في كفايته ما لفظه : (لكن التحقيق انه موضوع لصرف المعنى بلا لحاظ شيء معه اصلا كاسم الجنس والتعريف فيه لفظي) والظاهر أن المراد من التعيين الذهني فى كلمات القوم كون المعنى له مطابق فى الذهن وذلك يوجب نحوا من التعيين كالتعيين الحاصل للمعهود الذكرى والخارجي غاية الأمر ان منشأ حضور المطابق الذهني يختلف فتارة يكون منشؤه تقدم الذكر

بعدم الانطباق على ما فى الخارج ولكن لا يخفى إن هذا الاشكال انما يتم لو كان التعيين جزء أو قيدا للموضوع له إذ لا يعقل انطباق ما هو مقيد بخصوصية لا توجد إلا في الذهن على ما في الخارج واما اذا لم يؤخذ القيد على هذا النحو بل أخذ على نحو المرآتية بان يكون مرآة واشارة الى المعنى الموضوع له الذي هو الطبيعة وليست بما هي هى بل بما هي حصة مساوقة للخصوصية الذهنية بنحو خروج القيد والتقييد بان يكون لفظ علم الجنس موضوعا لنفس ذات المعنى التي تعلق بها الاشارة ويكون المعنى قد أخذ بالنسبة اليها على نحو التوأمية وبذلك يفرق عن اسم الجنس فانه موضوع لنفس المعنى غير المقيد لما يشار اليه أو بما لا يشار اليه وبما ذكرنا من الفرق عد علم الجنس من المعرفة حقيقة ولا يخفى أن الفرق بين الجنس واسم الجنس هو الفرق بين المعاني الاسمية والحرفية على ما ذكرنا في المعنى الحرفي من أنه عبارة عن معنى توأم مع اللحاظ الآلي والمعنى الاسمي هو التوأم مع اللحاظ الاستقلالى وعلى ذلك يحملنا عبارة الفصول فلذا لم ترد عليه الاشكالات الثلاثة التي

__________________

اما صريحا أو ضمنا ، واخرى حضوره الخارجي وثالثة غير ذلك كأسامة مثلا فانها موضوعة لنفس الأسد المتعين حضوره في ذهن السامع قبل الكلام كالمعرف بلام الجنس فانه كعلمه غاية الأمر ان فى المعرف بلام الجنس يستفاد التعيين من لامه وفى علم الجنس يستفاد من لفظه وهكذا لام العهد الذهني فانه كلام الجنس غاية الأمر الفرق بينهما ان مدلول الأول الفرد المنتشر ومدلول الثاني نفس الجنس.

وبالجملة الموضوع في علم الجنس هو المعنى الذي له مطابق فى الذهن وبذلك بعد علم الجنس من المعرفة حقيقة كما هو شأن المعارف من كونها حاكيات عن المفاهيم بما انها لها مطابق فى الذهن فلا تغفل.

ذكرها الأستاذ (قدس‌سره).

ومنها الجمع المحلى بالالف واللام فقد قيل بدلالته على العموم لأجل دلالة اللام على التعيين ولا تعيين إلا للمرتبة الأخيرة والظاهر استفادة ذلك من الاطلاق لا من الوضع فدعوى دلالته عليه بالوضع فى غير محلها لعدم وضع المدخول لذلك كما ان دعوى ان دلالته على العموم ناش من التعيين حيث لا تعيين إلا للمرتبة الاخيرة محل اشكال فلذا الحق استفادة المرتبة الاخيرة التي هى الاستغراق من الاطلاق الناشئ من مقدمات الحكمة وفاقا للاستاذ (قدس‌سره) في العام والخاص ما لفظه (بل انما يفيده فيما اذا اقتضته مقدمات الحكمة) فلا تغفل.

ومنها النكرة كرجل مثلا فانه قيل انها من المطلق بتقريب أن معناه هو مفهوم الواحد الصالح للانطباق على القليل والكثير ولكن لا يخفى ما فيه للفرق بين النكرة ومفهوم الواحد فان النكرة يعتبر فيها التشخص الخارجي وانما التردد حصل من عدم معرفة الحد الخارجي بخلاف الواحد فانه لم يؤخذ فيه الخصوصية الخارجية فينطبق على القليل والكثير ولذا عد الواحد واسم الجنس من قبيل الكلي والنكرة من قبيل الجزئي الحقيقي ، فلو قيل اكرم واحدا فانه يحصل الامتثال لو اكرم جماعة بخلاف ما لو قال اكرم رجلا فانه لا يمتثل بالجميع بل باحدهم وقد عرفت سر ذلك فان النكرة لما كانت الخصوصية الخارجية داخلة من مفهومها صارت مأخوذة فى حيز الطلب بخلاف الواحد فانه لما لم تكن الخصوصية داخلة في مفهومه فلذا لم تكن مأخوذة في حيز الطلب فما ذكره الاستاذ (قدس‌سره) فى الكفاية ما لفظه (من كونها قابلا للانطباق) مبني على كون معنى النكرة كليا طبيعيا قد قيد بمفهوم الوحدة فيكون كمثل الرجل العالم العادل الصالح للانطباق

على الكثير انطباقا عرضيا ولكنه محل منع اذ الوحدة المأخوذة فى معنى النكرة هى الحاكية عن التشخص الخارجي وحينئذ غير صالح للانطباق على الواحد على البدل وبذلك يمتاز عن اسم الجنس ولفظ الواحد وبتقريب آخر ان مفهوم النكرة هى الطبيعة المقيدة يكونها فى ضمن أحد الشخصيات بنحو يكون القيد هو التشخص غير المعين فينطبق على الخارج على البدل وذلك يلازم الفرد وحينئذ يكون قابلا للصدق على كثيرين بواسطة عدم تعينه واقعا وبذلك يمتاز عن اسم الجنس فان قبوله للانطباق على كثيرين انطباقا عرضيا فالنكرة هى وسط بين اسم الجنس والفرد فهي تشارك اسم الجنس في قبولها الصدق على كثيرين وتمتاز عنه بان الصدق فيها على البدل وفيه صدقا عرضيا كما انه تمتاز عن الفرد بقبولها للصدق على كثيرين دونه لعدم صدقه على ذلك ولذا عبر عنه بالفرد المنتشر لأخذ التشخص في مفهومه وبذلك يكون فردا ولأجل عدم تعيين القيد كان القيد منتشرا بالنسبة الى الخصوصيات المتعينة بنحو يصلح للانطباق على كل منها انطباقا بدليا.

ودعوى ان النكرة كاسم الجنس في قبولها للانطباق على كثيرين انطباقا عرضيا فهي انما تتم هذه الدعوى بناه على أخذ مفهوم الوحدة في مفهوم النكرة ولكنك قد عرفت فساده إذ ذلك ينافي كون النكرة فيها معنى الفردية ولازم ذلك أخذ مصداق التشخص في مفهومها فحينئذ يكون انطباقها على كثيرين انطباقا تبادليا وهى كالفرد المنتشر من حيث أخذ مصداق التعيين الذاتي في قبال الفرد المعين فان أخذ التشخص فيه بنحو يكون عرضيا ملحوظا في قبال الغير الطارد لغيره وبذلك صح اطلاق المطلق عليه بهذا اللحاظ بخلاف الفرد المعين فانه لا يطلق عليه المطلق لعدم شيوع له من حيث الفردية.

نعم لا مانع من صحة اطلاق المطلق من حيث الحالات. ثم لا يخفى ان النكرة تطلق على اسم الجنس باعتبار كونها حاكية عن نفس الطبيعة العارية عن أداة التعريف بلام أو غيره كما هو المعروف عند علماء العربية أن اسم الجنس نكرة فى قبال علم الجنس أو المعرف بلامه فحينئذ يكون هذا الاطلاق على اسم الجنس القابل للصدق على كثيرين صدقا عرضيا وبهذا الاطلاق تمتاز النكرة عن الفرد المنتشر لكونها أوسع منه إذ لا يطلق الفرد المنتشر على الاطلاق الثاني بل ربما يقال بان تعريفها بالمعنى الثاني يغاير تعريفها بالمعنى الأول حيث انها على الثاني تكون من الماهيات البسيطة ويكون تعريفها كعلم الجنس أو المعرف بلامه قابلا للانطباق على كثيرين انطباقا عرضيا بخلاف تعريفها على المعنى الاول فانه غير صالح للصدق على كثيرين وهو المعبر عنه بالفرد المعين.

كما أن النكرة تطلق على الفرد المعين كما لو قال جاءني رجل حيث أن الأخبار تحكي عن واقع معلوم.

فتحصل مما ذكرنا أن النكرة لها اطلاقات ثلاث تطلق على الفرد المنتشر وعلى مفهوم اسم الجنس ، وعلى الفرد المعين ، وعلى الأولين يطلق عليها اسم المطلق لقبولها الانطباق على كثيرين في قبال المعنى الاخير غير قابل للانطباق عليها ، غاية الأمر أن الاطلاق بالمعنى الأول قبولها للانطباق على كثيرين انطباقا بدليا ، وعلى الثاني انطباقا عرضيا. ومما ذكرنا ظهر الفرق بين جئني برجل وجاءني رجل فان الأخبار تحكي عن واقع معلوم والانشاء لا يحكيه بل يتعلق برجل لا تعين له فى عالم الخارج فالفرق بينهما ناشئ من الخصوصية الكلامية وهي لا توجب تغايرا في الحقيقة والذات كما لا يخفى.

مقدمات الحكمة

الفصل الثالث في بيان جريان مقدمات الحكمة فنقول ان دلالة المطلق كرجل مثلا على الماهية المبهمة المعبر عنها باللابشرط المقسمي بالوضع وان الشياع والسريان خارج عما وضع له ويستفاد من دال آخر وهو الحكمة وهي تتوقف على مقدمات وهي كون المتكلم بصدد بيان تمام مراده بهذا الكلام ولم تقم قرينة ولم يكن هناك قدر متيقن فمع هذه المقدمات (١) يحكم العقل بالاطلاق جزما. إن

__________________

(١) ذكرنا في تقريراتنا لبحث الاستاذ المحقق النائيني (قدس‌سره) في بيان مقدمات الحكمة انها على ثلاثة أقسام :

الأول أن يكون المحل قابلا لورود الاطلاق والتقييد فلا يجري ما اذا لم يكن كذلك كالتعبدية والتوصلية فانهما غير قابلين لطرو الاطلاق والتقييد.

الثاني ان يكون المولى فى مقام البيان لا في مقام التشريع أو فى مقام بيان حكم آخر فاذا لم يكن في مقام البيان بل كان في مقام التشريع كمثل (أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ) ونحو ذلك مما يكون لبيان أصل التشريع فلا يجوز التمسك بالاطلاق وكذلك اذا كان فى بيان التعرض لحكم آخر كقوله (فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ) فانه في بيان حلية الاكل وليس فى بيان طهارة محل العضو الذي عضه الكلب المعلم حتى يتمسك بالاطلاق فيحكم بجواز أكل موضع العض من دون تطهير ، واما فيما اذا لم يكن فى مقام التشريع ولا لبيان حكم آخر فبأي شيء يتمسك الاطلاق فنقول يمكن ذلك بالأصل العقلائي الجاري فى كل متكلم ، فان الأصل فى كل من تكلم بكلام ان يكون كلامه كاشفا للمراد وانه ليس في مقام الاجمال والاهمال

كانت المقدمات جزمية وإلا فظنية فبجريان هذه المقدمات نستكشف مراد المولى وربما يستشكل ويقال أن عندنا مرحلتين ومقامين مقام الواقع ومقام الحجية

__________________

الثالث عدم وجود قيد وانه من عدم وجود القيد يستكشف انه اراد الاطلاق وإلا لأخل بغرضه ولا يفرق بين استفادة القيدية من المتصل والمنفصل وان كان فيه فرق من جهة اخرى حيث ان المتصل يرفع الظهور المساوق لما قال والمنفصل يرفع الدلالة التصديقية المساوقة لما أراد إلا انه بالنسبة الى ما نحن فيه لا يفرق الحال فيه اذا تمت هذه المقدمات يستكشف من العدم في مقام الاثبات العدم فى مقام الثبوت فاذا حصل ذلك تم الإطلاق ويؤخذ به وبذلك يكون حجة ولا يحتاج الى اضافة ما هو المنقول عن شريف العلماء حتى صار متداولا في ألسنة تلامذته كصاحب الضوابط وغيره بانه لو كان للبعض لكان ترجيحا بدون مرجح ولو كان للبعض المعين لبينه فان هذه المقدمة وان كانت صحيحة في نفسها إلا انه لا يحتاج اليها فى هذا المقام وانما يحتاج اليها فيما لو علم اجمالا بخروج بعض الافراد ولكن شك في انه اي شيء هو المراد فيحتاج الى ذلك من غير فرق بين الأدلة اللفظية والاصول العملية كما انه ايضا لا يحتاج الى احراز كون المتكلم حكيما كما يستفاد من بعض العبارات لجريان الأصل الذى ذكرناه فى كل كلام صدر عن متكلم من غير فرق بين كونه حكيما وغيره ولعل منشأ هذا التوهم هو التعبير عن تلك المقدمات بمقدمات الحكمة فتوهم اعتبار كون المتكلم حكيما ولعل المراد بالحكمة هو حكمة المتكلم أي ان طبع المتكلم اذا تكلم لا بد وان يبين تمام مراده ثم ان صاحب الكفاية (قدس‌سره) جعل من المقدمات انتفاء القدر المتيقن ولكن لا يخفى انه لا يتم إلا بناء على مختاره من أن الاطلاقات والعمومات من باب ضرب القاعدة والارادة فيها ارادة استعمالية ولكن لا يخفى ان استفادة الارادة الاستعمالية وضرب القاعدة من دليل آخر دال على صرف التعبد في الظهور

والمقدمات سواء أكانت جزمية أم ظنية انما تثبت مقام الحجية وليس لها دخل بمقام الواقع فان الكلام الذي يتلقاه المخاطب بجريان المقدمات يصير حجة لو لم

__________________

والعمومات والاطلاقات ليست إلا لبيان الحكم الواقعي والغرض الاصلي مضافا الى انه لا يلتزم به فى جميع الموارد. نعم فى مسألة التجاوز خصص الدليل بالمورد.

فنحصل مما ذكرنا ان التمسك بالاطلاقات تحتاج الى المقدمات الثلاثة فعند جريانها يستكشف من العدم فى مقام الاثبات العدم في مقام الثبوت بالدليل الآتي.

اقول الظاهر ان كلام المحقق الخراساني فى الكفاية غير مبني على ضرب القاعدة والارادة الاستعمالية إذ ليس المراد من القدر المتيقن هو التخصيص بالمورد بل الظاهر أن مراده هو قسم من الانصراف الذي لا يبلغ حد التقييد بل يكون من قبيل المحفوف بالقرينة ثم ان مقدمات الحكمة انما تجري للعلم بمراد المتكلم واستكشاف مراده ثبوتا لا أنها تجري لرفع تحير المخاطب فان ذلك اجنبي عن استفادة تلك المقدمات إذ الاستفادة منها ربما تتوقف على جريانها في مصب الاطلاق مرتين الأول من حيث الأنواع بمعنى ان الحكم الوارد على العالم فى قولنا اكرم العالم بالنسبة الى جميع انواعه الثاني من حيث كل نوع باعتبار افراده بمعنى انه ليس لبعض الافراد جهة مانع أو مزاحم وجريان مقدمات الحكمة من الجهة الأولى لا تغني عن الجهة الثانية بل تحتاج مع ذلك الى جريان مقدمات الحكمة ايضا ولا فرق بين العمومات والاطلاقات في احتياجها الى مقدمات الحكمة في الجهة الأولى. نعم فرق بينهما بالنسبة الى الجهة الثانية فان استفادة العموم من لفظ العام بالنسبة الى تلك الجهة بالوضع بخلاف الاطلاق فان استفادة الاطلاق من لفظ المطلق يحتاج الى جريان مقدمات الحكمة ثم أن الاستاذ الشريف (قدس‌سره) ذكر للانصراف خمسة عشر قسما العمدة منها ثلاثة اقسام أحدها الانصراف

يكن هناك جهة اخرى فيمكن تخلفه عن الواقع ولذا لو ظفر بالمقيد انكشف له الواقع والى ذلك اشار الاستاذ (قدس‌سره) في كفايته ما لفظه : (ثم لا يخفى ان المراد بكونه في مقام بيان تمام مراده مجرد بيان ذلك واظهاره وافهامه ولو لم يكن عن جد بل قاعدة وقانونا لتكون حجة فيما لم تكن حجة اقوى على خلافه لا البيان فى قاعدة قبح تأخير البيان عن وقت الحاجة فلا يكون الظفر بالمقيد ولو كان مخالفا كاشفا عن عدم كون المتكلم فى مقام البيان ولذا لا ينثلم به اطلاقه وصحة التمسك به اصلا) ولكن لا يخفى أن معنى حجية المطلق كشفه عن مراده فاذا كانت المقدمات جزمية كان المطلق كاشفا تاما عن الواقع عن مراد المولى ولم يحصل التفكيك بين الحجية ومراد المولى فمع ورود المقيد اما أن يطرح أو يئول ولا يكون

__________________

الناشئ من كثرة الوجود ويسمى انصرافا بدويا ثانيها ما يكون ناشئا من قبيل التشكيك فى الماهية وحينئذ تارة يكون بالغا حد القيدية واخرى لا يكون بالغا حدها بل يكون نظير الكلام المحفوف بما يحتمل القرينية وعلى الاخيرين لا يجوز التمسك بالاطلاق لانتفاء المقدمة الثالثة التي هي عبارة عن القيد أو ما يحتمل القيدية ثم انه مما يتفرع على النزاع بين سلطان العلماء والمشهور في اطلاق المطلق على المقيد فعلى الاولى حقيقة وعلى الثاني مجازا وقد اخترنا القول الاول فتعين كون الاطلاق اطلاقا حقيقيا واستفادة القيد من دال آخر ويكون حاله حال استعمال العام فى المخصص فقد اخترنا كونه حقيقة فيه ففى المطلق بطريق أولى من غير فرق بينهما فى كون التقييد بالمتصل أو بالمنفصل واما على مسلك المشهور فلا بد من القول بالمجازية لان الذي كان موضوعا للاطلاق كالرقبة الموضوعة للرقبة أي رقبة فلما قيد زال ذلك الاطلاق واستعمل فى غير الموضوع له فيكون مجازا لانه تعدى عن موضوعه الاصلى وعليه ايضا لا يفرق بين أن يكون التقييد بالمتصل أو بالمنفصل كما لا يخفى

من باب تعارض الحجتين بل من باب تعارض الحجية واللاحجية.

ان قلت ان الأصحاب كلهم اجمعوا على انه قبل الظفر بالمقيد يعملون بالمطلق ومع الظفر يطرحون المطلق ويعملون بالمقيد. قلت العمل بالمطلق قبل الظفر بالمقيد من جهة الأصل العقلائي فبجريانه يحرز الاطلاق ومع الظفر به يترك ذلك الأصل وهو ظهور كونه في مقام البيان ويعمل بمقتضى الظفر لأنه يكشف أن اتيان المطلق معه لم يكن فى مقام البيان فيرتفع الأصل هذا وربما يستشكل على القوم بان مقتضى جريان مقدمات الحكمة اثبات الاطلاق بنفسها من دون احتياجها الى مقدمة زائدة مع انها بالنسبة الى النواهي لا تثبت الطبيعة السارية التي لا تتحقق بصرف الوجود بل تحتاج الى تعدد الوجود الذي هو مقتضى ذلك فى النواهي نعم بالنسبة الى الأوامر يكون جريانها تثبت الاطلاق حيث انه مقتضاه أن يكون الموضوع فيها صرف الوجود وهو يتحقق باول وجود وبعبارة اخرى أن مقدمات الحكمة تقلب موضوع الحكم من نفس الطبيعة المهملة أي المعراة من جميع الحيثيات المعبر عنها باللابشرط المقسمي الى اللابشرط القسمي الذي هو الشياع بمعنى الصرف ولازمه سقوط الحكم قهرا باول وجوده أما بالاطاعة كما في الأوامر أو بالعصيان كما فى النواهي لاستحالة انطباق صرف الوجود على ثاني الوجودين مع أن استفادة الطبيعة السارية خصوصا في النواهى تحتاج الى مقدمة زائدة مع أن ظاهر المشهور عدم احتياج استفادة الاطلاق فى النواهى الى ازيد من ذلك وبالجملة يلزم الفرق بين الأوامر والنواهى باحتياج استفادة الاطلاق في النواهى الى مقدمة زائدة عليها دون الأوامر مع أن القوم لا يظهر منهم الفرق بينهما ولكن لا يخفى أن هذا الاشكال يتم لو كان طبع مقدمات الحكمة قلب موضوع الحكم من اللابشرط

المقسمي الى خصوص اللابشرط القسمي واما لو قلنا بان طبعها لا يقتضي أزيد من أن مدلول لفظ المطلق هو الجامع بين اللابشرط وبشرط شيء الذي هو تمام الموضوع للحكم بلا دخل لخصوصية زائدة فيه وحينئذ أن هذا المعنى في طرف الأوامر ينطبق على أول الوجود كما عرفت أن الأمر عبارة عن طلب الوجود وذلك يحصل قهرا باول وجود الطبيعة وفي طرف النهى حيث أن المطلوب فيه عدم هذا الوجود فيكون تمام الموضوع فيه عدم الوجود الصادق على الوجودات المتعاقبة وذلك لا يحصل إلا بترك تمام افراده العرضية والطولية وبالجملة طبع المقدمات جعل الموضوع بتمامه نفس مدلول اللفظ غاية الأمر المدلول فى طرف الايجاد يتحقق بتمامه لأول الوجود وفي طرف الترك لا يتحقق إلا بترك تمام الافراد.

وبالجملة ان منشأ هذا التوهم كون المطلوب هو اللابشرط المقسمي وان طبع المقدمات الناشئة عن كون المولى بصدد البيان مع عدم ذكر القيد كون الوجود فى الذهن هو الطبيعة المجردة وانها تمام المطلوب الموجب ذلك ضيقا في انطباقها على ثاني الوجود ولكن عند التأمل انك تجد ان تلك المقدمات لا توجب كون الموجود الذهنى هو تمام المطلوب بل ان طبعها يقتضي أن مدلول اللفظ تمام الموضوع للخطاب وذلك يختلف بحسب الخطابات من كونها ايجادية كما فى الأوامر واعدامية كما في النواهي لاختلاف اقتضاء نفس الخطاب عقلا من دون اختلاف فى ناحية موضوع الحكم فان موضوع الحكم الأوامر والنواهى نفس الطبيعة المجردة إلا ان في الأوامر حيث انه يقتضي خطابها ايجاد موضوع الحكم وذلك عقلا ينطبق على أول الوجود ولا معنى لانطباقه على ثانيه وفي النواهي حيث انه المطلوب فيها اعدام تلك الطبيعة المجردة ولا يحصل ذلك إلا بخلو صفحة الوجود عنها الذي هو عبارة

عن ترك جميع الافراد العرضية والطولية نعم للشبهة مجال لو قلنا بان طبع المقدمات تقتضي قلب الطبيعة المعراة عن جميع الحيثيات المعبر عنها باللابشرط المقسمي الى اللابشرط القسمي ولكنك قد عرفت أن طبعها لا يقتضي ذلك.

ثم لا يخفى أن طبع مقدمات الحكمة يقتضي قلب ما هو الموضوع له من الطبيعة المعراة الى الطبيعة المجردة وبتلك يكون لفظ المطلق ظاهرا فيه ظهورا اطلاقيا كسائر الظواهر اللفظية غاية الأمر انه ليس هذا الظهور من الظواهر الظنية بل مرجعه الى الحكم العقلي الجزمي بالملازمة بين تلك المقدمات وبين الاطلاق إذ مع جريانها يحصل الجزم قهرا بذلك الاطلاق كما ان القيد يوجب الحكم العقلي بالملازمة بين ذكر القيد بالكلام مع التقييد وإلا لزم عدم فائدته بان يكون واردا مورد الغالب أو لبيان جهة اخرى. وبذلك يظهر ان كل عنوان يؤخذ في موضوع الحكم لا بد وان يكون بخصوصيته له دخل في المقصود زيادة على ما يستفاد من الكلام اطلاقا أو تقييدا.

وبالجملة دعوى ان جريان المقدمات لا يوجب الجزم بتحقق الظهور خلاف الانصاف نعم لا مانع من دعوى كون الظهور فى المقام كسائر الظواهر اللفظية بناء على جريان اصالة البيان فحينئذ يكون احراز هذا الظهور من الأصل العقلائي ويكون طريقا لاحرازه بناء على ان تلك المقدمات بوجودها الواقعي موجبة لظهور اللفظ كما انه لو قلنا بان اصالة البيان موجبة لكسب اللفظ ظهورا في المعنى المراد يكون ايضا من الظواهر اللفظية الظنية وحينئذ لا مانع في الصورتين من الاتكال عليه في مقام الاحتجاج نعم يشكل الاتكال على هذا الكلام فيما لو لم يكن ظهور في مقام البيان لعدم انعقاد بناء العقلاء على الأخذ بالاطلاق معه لرجوعه الى الظن بالظهور واتباعه محل اشكال إلا بناء على حجية الظن المطلق فلا تغفل

تنبيهات المطلق والمقيد

وينبغي التنبيه على أمور : الأول : انه على مذهب سلطان العلماء يختلف انحاء الاطلاق فنحو يكون الاطلاق بحسب الافراد فقط وآخر يكون بحسب الحالات وثالثا يكون بحسب الأسباب ورابعا يكون من جميع الجهات ومقتضى الأصل هو الأخير وعلى المشهور لا يختلف حاله وسر ذلك ان سلطان العلماء التزم بالاطلاق بالقرينة والقرينة مختلفة فتارة تثبت الاطلاق من جميع الجهات واخرى تثبته من بعض الجهات ولكن المشهور لما قالوا بالوضع التزموا بالاطلاق من جميع الجهات فلا يعقل التفكيك بين انحاء الجهات بل إذا كان هناك اطلاق لا بد وأن يكون من جميع الانحاء.

التنبيه الثاني : ان الإطلاق على مذهب سلطان العلماء (ره) قد عرفت أنه محتاج الى مقدمات منها ان لا يكون ما يدل على تعيين الموارد فان كان ما يدل فلا يكون هناك اطلاق والقيد اذا كان عاديا للافراد بان يكون لازما بحسب العادة لا يمكن التمسك بالاطلاق كحال عدم القيد فمن ذلك ما لو قيل باختصاص الخطاب بالمشافهين فانه لا يعقل شموله للمعدومين بمجرد اطلاق اللفظ لاحتمال دخل الحضور في الخطاب وانما لم يذكر هذا الشرط لأحتمال الاستغناء عن ذكره.

التنبيه الثالث : قد عرفت مما ذكرنا أن من المقدمات أن لا يكون قدر متيقن في مقام التخاطب ولكن ربما يقال انه على اطلاقه محل نظر فان كونه في مقام البيان امر له انحاء فتارة يكون في مقام البيان بهذا اللفظ أو بغيره تمام مراده

ولم يكن قاصدا الى أن يتفطن المخاطب الى ذلك واخرى يكون في مقام بيان تمام مراده بهذا اللفظ ولم يكن قاصدا الى تفطن المخاطب وثالثة يكون فى مقام بيان تمام مراده بهذا اللفظ ولكن كان قاصدا الى تفطن المخاطب والتفاته وهذا الشرط المذكور انما يتم فى الصورة الثانية واما على الصورة الأولى فمطلق ما يكون قدر المتيقن ولو كان من الخارج فهو يضر بالاطلاق إذ يصح للمولى أن يعتمد عليه وكذلك على الصورة الاخيرة ولكن لا يخفى ان الشروط انما اعتبرت مع التجرد عن القرينة ومع عدمه لا تجري لأن الصورة الأولى لا يكون الكلام وافيا بتمام المراد لأن ظاهر المتكلم أن يكون بخصوص هذا الكلام واف لمراده وعلى الصورة الأخيرة مما يندر ان يتعلق غرض المولى بالتفهيم ولم يبق من هذه الصور إلا الصورة الثانية وعليه جرت سيرة العقلاء ولذا جرى الاصل العقلائي وقد أخذ به في محاوراتهم.

وبتقريب آخر ان المتكلم اذا كان فى مقام البيان فتارة يكون في بيان تمام المراد بنحو يفهم المخاطب بانه تمامه واخرى يكون بصدد تمام المراد واقعا ولو لم يفهم المخاطب انه تمامه فعلى الاول لا بد من الاخذ بالاطلاق ولو كان في البين قدر متيقن لعدم احتمال دخل الخصوصية في المقصود إذ لو كان لها دخل لا خلت بالمقصود فدعوى اتكال العقل على الاخذ بالمتيقن في غير محلها إذ الاطلاق والتقييد بينهما تباين لرجوع الاطلاق الى عدم دخل الخصوصية في الغرض بخلاف التقييد لرجوعه الى دخل تلك الخصوصية فهما فى عالم الذهن متباينان لرجوعهما الى العدم والوجود فكيف يتصور وجود قدر متيقن بينهما فمع فرض كون المتكلم في بيان تمام المراد بنحو يفهم المخاطب بذلك لا يبقى مجال لاتكال المتكلم فى بيان غرضه

على الاخذ بالقدر المتيقن واما كون الخاص هو القدر المتيقن لا يوجب دخل تلك الخصوصية فى الفرض مع ان المتكلم فى مقام بيان تمام مراده بهذا الكلام على نحو يفهم المخاطب واما على الاول فلا قصور في الاخذ بالقدر المتيقن لاحتمال كون خصوصية الخاص لها دخل فى تمام المراد وان لم يفهم المخاطب انه تمامه.

وبالجملة ان القدر المتيقن يضر بالاطلاق اذا كان المتكلم فى مقام تمام مراده الواصل الى المكلف ولو من الخارج وان لم يفهم انه تمامه واما اذا كان فى مقام بيان تمام مراده الواصل الى المكلف بالكلام الذي خاطبه به فلا يضر وجود القدر المتيقن بالاطلاق من قبل ذلك الكلام وفاقا للاستاذ (قدس‌سره) في الكفاية كما لا يخفى.

التنبيه الرابع : لو تعارض عام ومطلق قالوا بتقديم العام بدعوى ان دلالة العام بالوضع ودلالة المطلق بمقدمات الحكمة ولا تجري تلك المقدمات مع دلالة العام لان دلالته بالوضع دلالة تنجيزية بخلاف دلالة المطلق فانها تعليقية أي فيما لم يكن هناك ما يدل على التعيين وحينئذ يصلح أن يكون العام بيانا ولكن لا يخفي على اطلاقه محل نظر بل انما يتم لو كان المتكلم بصدد أنه في مقام البيان بهذا الكلام أو بغيره فانه حينئذ يكون دلالة العام تنجيزيا والمطلق تعليقيا ، واما لو كان المتكلم في مقام البيان بهذا الكلام بالخصوص فلا بد من التعارض فيقدم ما هو اقوى ظهورا لانه يكون على ذلك الفرض كالعام تنجيزيا كما لا يخفى.

التنبيه الخامس : لا يخفى أن عمدة مقدمات الحكمة كون المتكلم فى مقام البيان وهو تارة يكون فى مقام بيان تمام المراد بهذا اللفظ المطلق فلا شبهة انه يكون مضادا مع التقييد إذ التقييد حينئذ مخالف لما هو بصدد البيان فعليه لا حاجة الى

المقدمة الاخرى وهو عدم القرينة على التقييد إذ من لوازم البيان المذكور لزوم الاطلاق الموجب لظهور اللفظ بلا توقف على امر سلبي وهو عدم ذكر القيد وعليه لو وجد القيد فى كلام آخر يلزم طرحه ولا يصح الاخذ به لكون ظهور اللفظ بالاطلاق جزميا بل لو فرض احرازه باصالة البيان فيكون ظاهرا في عدم اقامة قرينة على التقييد وحينئذ لو ورد التقييد بكون مزاحما له فلا معنى للقول يكون ورود القيد موجبا لرفع الاطلاق حيث أنه يتوقف على عدمه فمع وجوده يكون رافعا له واخرى يكون المراد من كونه فى مقام البيان بيان تمام المراد بتمام كلام قد خاطبه به لا بخصوص اللفظ المطلق وحينئذ يكون البيان مقيدا بعدم ذكر القيد ولازمه دخل العدم في الاطلاق فمع حصول القيد يوجب رفع الاطلاق لكون حصوله متوقفا على عدمه ومما ذكرنا يظهر الاشكال فى اطلاق كلام الاستاذ فى الكفاية كما لا يخفى.

التنبيه السادس : للانصراف مراتب ثلاث فتارة ينصرف الذهن الى بعض الافراد بالنظر الاول ولكن يزول بالتأمل ويسمى باصطلاحهم بالانصراف البدوي واخرى تكون تلك الافراد المنصرف اليها متيقنة ولكن الشك في غيرها فانه يضر بالتمسك بالاطلاق لاحتمال اتكال المولى على ذلك وثالثة يكون المنصرف الى تلك الافراد المتيقنة مع القطع بعدم ارادة غيره من اللفظ فيسمى بالمبين.

وبالجملة ان الاول لا يمنع من التمسك باطلاق اللفظ وعلى الاخيرين يمنع من التمسك بالاطلاق وان أمكن الفرق بينهما فانه على أول الاخيرين لو جاء دليل آخر يشمل الافراد فمع وحدة المطلوب يقدم الثاني لانه يكون من باب تعارض

الحجة مع اللاحجة بخلاف ثانيهما فانه لو جاء دليل آخر يكون من باب تعارض الحجتين فيؤخذ باقواهما ثم لا يخفى ان الانصراف ربما يكون في حالة دون اخرى كما لو كان المطلق منصرفا في حالة التمكن الى غير ما هو منصرف اليه في حال العجز كما في التيمم فى ضرب اليدين على التراب فان فى حالة الاختيار ينصرف الى باطن الكف وفي حالة الاضطرار ينصرف الى ظاهر الكفين والانصراف فى حالة الاختيار غير الانصراف فى حال التعذر وعليه لا وجه لما اعترضه بعض الاجلة كما لا يخفى.

ورود المطلق والمقيد

الفصل الرابع : اذا ورد مطلق ومقيد فلا يخلو اما أن يكونا في كلام واحد أو فى كلامين وعلى كلا التقديرين اما ان يكونا مثبتين أو منفيين أو مختلفين فان كان الأول وكانا في كلام واحد مثلا قال : اعتق رقبة ثم قال : اعتق رقبة مؤمنة المشهور على حمل المطلق على المقيد (١) ولكن التحقيق انه ان قلنا على ان صيغة

__________________

(١) توضيح المقام يتوقف على بيان امور الاول ان نسبة القيد الى المقيد نسبة القرينة الى ذيها فيقدم ظهور القيد على ظهور المقيد وان كان ظهوره اضعف لا أنه يقدم أقوى الظهورين مطلقا أو يفصل بينما يكون أمرين أو نهيين لما عرفت أن نسبة القيد الى مقيده نسبة الحاكم الى المحكوم ومن الواضح تقديم الحاكم على المحكوم ولو كان ظهوره اضعف فهنا دعويان الأول ان نسبة القيد الى المقيد نسبه القرينة الى ذيها الثانية أن نسبتها الى ذيها نسبة الحكومة.

الامر تدل على الوجوب بالوضع فحينئذ يقدم على الاطلاق لان الاطلاق انما يكون معتبرا حيث لا يكون في قباله بيان على خلافه ومع فرض دلالة الصيغة على الوجوب

__________________

اما الأول : فان الظاهر أن جميع الفضلات من الحال والتمييز والمفعول فيه والمطلق من قبيل القرينة لان المستفادة منها بيان اجزاء الكلام لا العكس فحينئذ يمكن دعوى أن هناك ضابطا بالنسبة الى جميع تلك الفضلات ويعبر عنها بمتمم الكلام واما بالنسبة الى اجزاء الكلام كالمفعول به وغيره مما يعد من اجزاء الكلام فليس له ضابط بنحو يجمع تلك الاجزاء بل يختلف الحال فيه لو حصل التعارض فى نفس الاجزاء بخلاف ما هو متمم الكلام فانه صالح لان يكون جامعا ونسبته الى اجزاء الكلام نسبة القيد الى ذيها.

واما الثاني : وهو أن نسبة القيد الى ذيه كنسبة الحاكم الى المحكوم بيان ذلك ان اطلاق يرمي في قولنا رأيت اسدا يرمي على رمي النبال له ظهور اطلاقي واطلاق الاسد على الحيوان المفترس بالوضع ومن الواضح ان ظهور الوضع اقوى بمراتب من الظهور الاطلاقي مع ان القوم لا يشكون في تقديم ظهور (يرمي) على ظهور (أسد) وسر ذلك هو أن الشك في ارادة الحيوان المفترس من الاسد ام الرجل الشجاع مسبب من المراد من لفظة يرمي هل هو رمي النبال أم غيره ولما كان لفظه (يرمي) ظاهرة فى رمى النبال بالاطلاق فيكون حاكما عليه فيؤخذ به لما هو معلوم من أن الأصل الجاري فى السبب يكون حاكما على الأصل الجاري فى المسبب وهذا شأن كل حاكم أن يقدم ويؤخذ به ويترك المحكوم وإلا لو قدم لزم الدور الواضح بخلاف تقدم الحاكم فانه لا يبقى موضوع للمحكوم ولذا قلنا أن اصالة الظهور في طرف القيد تكون مقدمة على اصالة الحقيقة فى طرف المطلق حتى لو قلنا بان الاصول اللفظية مثبتاتها حجة إلا أنه لما كان محكوما يلزم من تقديمه الدور الجارى في جميع الموارد التي قدم فيها المحكوم. فان قيل هذا يتم

بالوضع صلح لان يكون بيانا واما اذا استفدنا الوجوب منها بالاطلاق أو فرض كونهما من كلامين فالمتضح فيهما ما هو الاظهر وعليه لا وجه لاطلاق قول المشهور

__________________

لو كان القيد متصلا أما اذا كان منفصلا فلا يعامل معاملة القرينة قلنا لا يفرق بين المتصل والمنفصل فى تعيين المراد غاية الامر أنه فى المتصل يرفع الدلالة التصورية المساوقة (لما ذا قال) والمنفصل يرفع الدلالة التصديقية المساوقة (لما ذا اراد) وهذا لا يوجب فرقا فانه في كل منهما في مقام بيان المراد.

الامر الثاني : يشترط في حمل المطلق على المقيد أن يحرز وحدة التكليف ولا يجب احراز معرفة الوحدة من الخارج بل الظاهر أن الموجب لحمل المطلق على المقيد هو احراز الوحدة من نفس القضية لا من الخارج لان احرازه من الخارج عبارة اخرى عن الحمل واحراز الوحدة انما يكون فيما لم يكن الاطلاق والتقييد مختلفين بحسب الاشتراط وعدمه كأن يكون احدهما المطلق مقيدا بسبب دون المقيد مثلا إن ظاهرت فاعتق رقبة واعتق رقبة مؤمنة.

بيان ذلك ان في هذه الصورة في كل واحد من الخطابين اطلاق من جهة وتقييد من جهة أخرى فمن جهة الوجوب اطلاق في أحد الخطابين وتقييد في الخطاب الآخر ومن جهة المتعلق اطلاق في احدهما وتقييد فى الآخر ففى بادئ النظر يمكن دعوى ان كل واحد من الاطلاقين يقيد بالآخر ولكن عند التحقيق أنه لو قيد كل اطلاق بتقييد الآخر يلزم الدور المحال.

بيان ذلك : أن التقييد فى ناحية الهيئة التي هي الوجوب تتوقف على وحدة المتعلق اذ مع تعدد المتعلق يستلزم تعدد الوجوب فلا وحدة للوجوب الذى هو شرط الحمل ووحدة المتعلق يستلزم وحدة الوجوب فيلزم الدور وغاية ما يمكن فى دفعه أن يقال بان مرتبة الوجوب سابقة على مرتبة المتعلق فحينئذ لا يتوقف تقييد الوجوب على احراز وحدة المتعلق حيث انا نعلم بايجاد عتق فى الجملة

في حمل المطلق على المقيد كما أنه لو احرز ملاك المطلق وكان ذلك ايضا محرزا في المقيد كما في رقبة الكافرة مثلا فلا وجه لحمل المطلق على المقيد بناء على القول

__________________

ولكن لا يخفى ان العلم بوجوب عتق مردد بين الواحد والمتعدد لا يوجب احراز وحدة التكليف وانما يحرز وحدته فيما اذا كان المتعلق واحدا ووحدة المتعلق تتوقف على احراز وحدة الوجوب فيلزم الدور فلذا كانت هذه الصورة خارجة عن محل الكلام وتبقى الصور الاخرى داخلة فيه وهي ما اذا كانا مطلقين بحسب الاشتراط أو مقيدين بالسبب اذ في هاتين الصورتين يمكن احراز وحدة التكليف من نفس الخطاب حيث أن متعلق كل واحد منهما صرف الوجود ولازمه كون التكليف متحدا بخلاف ما اذا اختلفا بحسب السبب بان يكون السبب متعددا كقولنا ان ظاهرت فاعتق رقبة وان جاءك زيد فاعتق رقبة مؤمنة فان تعدد السبب يوجب تعدد المسبب الذي هو التكليف فلا تغفل.

الامر الثالث : قد اشرنا الى ان المطلق والمقيد المتنافيين يعتبر فى تنافيهما وحدة التكليف يشترط ان يكونا الزاميين فلو كانا غير الزاميين كأن يكونا استحبابيين أو المقيد استحبابيا فلا يوجب حمل المطلق على المقيد اذ لما كانا استحبابيين لعدم التنافى للوجوب لحمل المطلق على المقيد وكذا اذا كان المقيد استحبابيا لا تنافى بينهما ايضا بخلاف ما اذا كانا الزاميين فانه يحصل التنافي بينهما الموجب لحمل المطلق على المقيد نعم يتصور المنافاة فى المستحبات فيما اذا احرز أن كل واحد من الدليلين متعرض الى درجة مخصوصة وانى لنا باثبات ذلك فى ادلة المستحبات بل ليس هذا إلا خيالا لا واقع له.

فانقدح مما ذكرنا انما عليه المشهور بل هو المجمع عليه عند الاصوليين في المستحبات من عدم حمل المطلق على المقيد فيها في غاية التحقيق وقد عرفت سر ذلك مما ذكره بعضهم من التشنيع عليهم بانهم لا يحملون المطلق على المقيد فى غير

بجواز اجتماع الحكمين المتماثلين بمناط السراية واما بناء على الامتناع أو القول بالجواز لتعدد الجهة فيمكن القول بالحمل على المقيد في مقام العمل أي يؤخذ بالمقيد

__________________

الالزامي مع انه يوجب الحمل الالزامي فى غير محله بل هو ممنوع أشد المنع.

اذا عرفت ذلك فاعلم ان المطلق اما أن يكون لصرف الوجود أو يكون انحلاليا اما اذا كان لصرف الوجود فاما أن يكونا ايجابيين واما يكون احدهما ايجابيا ويكون الآخر نهيا اما اذا كانا ايجابيين فقد وقع الكلام فى حمل المطلق على المقيد أم لا بان يكون المقيد لبيان واجب في واجب أو يكون بيانا لتكليف مستقل أو يكون بيانا لأفضل الافراد واما اذا كانا مختلفين بالأمر والنهي فقد وقع الكلام فى انه هل يحمل المطلق على المقيد أو يحمل النهي على الكراهة واما بقية الاحتمالات فلا تتأتى لكون النهى منافيا لها فيتردد الأمر بين الاحتمالين المذكورين والظاهر هو حمل المطلق على المقيد ولا يحمل المقيد على الكراهة لان النهي فى مثل لا تعتق الكافرة ظاهر فى الحرمة وهذا الظهور يكون حاكما على المطلق وان كان ظهوره أضعف من ظهور المطلق لما عرفت ان نسبة القرينة الى ذيها على نحو الحكومة والحاكم يقدم على المحكوم وان كان ظهوره اضعف واما اذا كانا ايجابيين فالمطلق يحمل على المقيد لأن حمل المقيد على الاستحباب ينافي ظهور المطلق فى الالزام كما ان احتمال واجب في واجب اضعف من سابقه لان ظاهر تعلق التكليف في قولنا اعتق رقبة مؤمنة بالجنس والفصل وأما احتمال تعلقه بالفصل فقط والجنس تعلق به تكليف آخر وهو التكليف بالمطلق فهو خلاف الظاهر كاحتمال تعلق تكليف مستقل به لما عرفت أن متعلق التكليف فى المطلق والمقيد انما هو صرف الوجود ولازمه وحدة التكليف إذ مع تعدده ينافي صرف الوجود فاذا اتحد التكليف فلا بد من حمل المطلق على المقيد وعليه لا يبقى مجال لاحتمال كون التكليف مستقلا قد تعلق بخصوص المقيد واما ان كان الخطابان

في مقامه لأن المقيد أقوى مناطا إذ على الامتناع لا يمكن اجتماع الحكمين في المقيد فلا بد من رفع احدهما وحيث ان المقيد أقوى من المطلق فيؤخذ به ويحمل المطلق على

__________________

انحلاليين فلا يخلو اما أن يكونا أمرين وأما أن يكون أحدهما أمرا والآخر نهيا وعلى الثاني اما أن يكون الاطلاق والتقييد فى المتعلق واما يكونا فى متعلق المتعلق فان كانا في نفس المتعلق وكان بينهما عموم من وجه فيندرجان فى باب اجتماع الأمر والنهي أو كان بينهما عموم مطلق فيندرجان تحت باب النهي في العبادة وان كان الاطلاق والتقييد في متعلق المتعلق فيندرجان تحت باب التعارض وان كانا أمرين فقلما يتفق كونهما انحلاليين كما فى مثل قوله في الغنم السائمة زكاة وفي الغنم زكاة فلا يحمل المطلق على المقيد لعدم حصول شرط الحمل وهو التنافى لكون المطلق متعرضا لجميع الأفراد والمقيد قد تعرض لبعض الافراد مع أن الوصف لا مفهوم له على ما هو الحق إذ هو حينئذ يكون بمنزلة مفهوم اللقب فلا يحصل التنافي بينهما نعم لو كان التقييد بصدد تضييق دائرة لموضوع المطلق كما ربما يدعى ذلك في مثل الغنم السائمة زكاة فيدخل تحت باب التعارض وهذا الذى ذكرناه لا يفرق بين ان يكون الخطابان تكليفيين أو وضعيين واما اذا كان نفس الخطاب مشروطا كما في قولنا ان استطعت فحج ثم قال حج فانه لا يخلو اما ان يكون للشرط مفهوم ولازمه حمل المطلق على المقيد لدلالة المفهوم على الحمل فهو خارج عما نحن فيه وان لم يكن له مفهوم كأن يكون مسوقا لتحقق الموضوع فحينئذ يدخل فى باب المطلق والمقيد كما يقتضيه ظاهر الخطاب من حمل المطلق على المقيد.

فان قلت حمل المطلق على المقيد يحتاج الى وحدة التكليف والتكليف فى المقام متعدد ، قلنا وحدة المتعلق تكشف عن وحدة التكليف فلذا لا بد من حمل المطلق على المقيد. فتحصل مما ذكرنا ان العمدة فى حمل المطلق على المقيد هو

صرف الاقتضاء دون الفعلية ثم أن التقييد هل يوجب أن يكون عنوانا للمطلق مثلا تقييد الرقبة بالايمان يجعل عنوانا لمطلق الرقبة أم لا يوجب وانما هو صرف التقييد فى متعلق الأمر من غير ان يعنون المطلق بعنوان ويترتب على ذلك ثمرة هي انه بناء على تعنون التقييد للمطلق فيمكن لنا التمسك باصالة عدم العنوان لو شك في حين الوجود انه معنون بالعنوان أولا مثلا لو شك من حين الابتداء في الرقبة انها

__________________

أن لا يكون الاطلاق والاشتراط بحسب الوجوب للزوم الدور المحال على ما عرفت منا سابقا وان يكونا الزاميين اذ لو كان احدهما إلزاميا والآخر غير إلزامي أو كلاهما غير الزاميين ففي هذه الصورتين لا يحمل المطلق على المقيد لعدم المنافاة بينهما الذي هو شرط الحمل.

بيان ذلك : ان الاستحباب لما كان له مراتب فيمكن ان يكون كل واحد منهما ناظرا الى مرتبة الاستحباب مثلا لو دل دليل على استحباب الدعاء ثم وجد دليل آخر على استحباب الدعاء عند رؤية الهلال بقوله اذا رأيت الهلال فادع فان هذا ليس مسوقا لبيان المفهوم لما هو معلوم ان الشرطية في ناحية الاستحباب انما هي في بيان تحقق الموضوع فاذا كانت كذلك فتكون ناظرة الى مرتبة الاستحباب فيتحقق عند تحقق موضوعه ومن هنا جرت سيرة الفقهاء على عدم حمل المطلق على المقيد في المستحبات نعم لو كان كل من الدليلين ناظرا الى مرتبة خاصة من مراتب الاستحباب لكان لدعوى الحمل وجه لكن الشأن فى اثبات ذلك بل الظاهر ان كل واحد من الدليلين متعرض لمرتبة من مراتب الاستحباب كما هو اوضح من ان يخفى وبهذا ثم ما اوردنا بيانه فى باب المطلق والمقيد مما استفدناه من بحث الاستاذ المحقق الأعظم شيخنا النائيني (قدس‌سره) وليكن هذا آخر ما سنخ لنا من التعليق على هذا الجزء من كتابنا منهاج الاصول والحمد لله رب العالمين

مؤمنة أم لا يمكن لنا القول باستصحاب عدم الايمان على نحو السلب المحصل كما قلنا ذلك في القرشية مثلا بخلاف ما لا يوجب كون التقييد عنوانا للمطلق هذا كله فى المتوافقين.

واما المتخالفين فلا يخلو اما ان يكون بلسان يجب عتق الرقبة ولا يجب عتق الرقبة الكافرة أو صل ولا تصل واما ان يكون بلسان يجب عليك عتق الرقبة ويحرم عليك عتق الرقبة الكافرة فان كان بلسان الأول فلا اشكال فى حمل المطلق على المقيد والعمل على المقيد وان كان بلسان الثاني ففي حمل المطلق على المقيد اشكال لان مقتضى اطلاق كون ملاك الوجوب هو المصلحة الموجودة في مورد القيد ومقتضى تحريم المقيد كون ملاكه ايضا موجودا هو المفسدة ولا تنافي بين الملاكين لامكان اجتماعهما وان كان التأثير لأحدهما إلا ان يقال ان فى النهي جنبتين جنبة تكليف وجنبة ارشاد فجنبة التكليف ترفع الوجود وجنبة الارشاد ترفع ملاك الوجود هذا تمام الكلام فى مبحث المطلق والمقيد.

المقصد السادس فى المجمل والمبين

اما المجمل هو ما لم يكن ظاهر الدلالة ولا يكون قالبا لمعنى خاص بل هو قالب لمعاني كثيرة كالمشترك وهو غير المهمل فان المهمل ليس قالبا لشيء من المعاني والمبين خلافه والمبين والمجمل كلاهما معتبران فى الدلالة والمهمل لا دلالة فيه وهذا واضح لا يعتريه ريب وانما الكلام ان هذه الدلالة دلالة تصورية أم تصديقية الظاهر هو الاول فيكفي في كونه مبينا انتقاله من سماع اللفظ الى المعنى وان لم يكن

مرادا بل لو قطع بعدم ارادته نعم فى مقام الحجية لا بد من احتمال الارادة فلا يعتد بكلام الناسي والساهي. ومما ذكرنا فى معنى المبين يظهر فساد من التزم من القوم بانه لو كان الكلام ظاهرا فى المعنى الحقيقي وقامت قرينة منفصلة عقلية كانت أم لفظية وبالقيام حصل التردد كما يشهد لذلك نزاعهم في قوله لا صلاة إلا بطهور فتكون من المجملات على الاعم لتردده بين نفي الصحة ونفي الكمال ومبين على الصحيح وبيان الفساد ان المبين ما كان ظاهرا فيه والمجمل ما لم يكن كذلك وهذا يجتمع مع عدم الارادة ومن ذلك يظهر ان عد آية السرقة من المجملات في غير محله لأن ارادة اليد في بعض المقامات الى الزند والى المرفق في مقام آخر لا يخرجها عن معناها الحقيقي لو استعملت مجردة عن القرينة وكون المعنى الحقيقي مرادا أم لا لا دخل له في كون اللفظ ظاهرا أم لا وليكن هذا آخر ما اردنا بيانه من بحث المجمل والمبين وبه ينتهي الكلام في الجزء الثاني من كتابنا المسمى بمنهاج الاصول المستفاد من خلاصة بحث استاذنا المحقق العراقي طاب ثراه في مباحث الألفاظ الذي فرغ منه آخر ذي الحجة الحرام سنة الف وثلاثمائة وثلاث واربعين هجرية على مهاجرها أفضل السلام والتحية واسأله تعالى التوفيق لاخراج باقي الاجزاء والحمد لله أولا وآخرا وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين والحمد لله رب العالمين يسر الفراغ منه في جوار مرقد سيد الوصيين امير المؤمنين عليه وآله الطاهرين أفضل الصلاة والسلام بقلم مؤلفه الراجي عفو ربه محمد ابراهيم ابن المرحوم الحاج الشيخ على بن الشيخ محمد حسين بن الشيخ محمد مهدي بن الحجة الكبرى آية الله الشيخ محمد ابراهيم الشهير بالكلباسي صاحب الاشارات والمناهج وغيرهما من المؤلفات القيمة والآثار الخالدة.

فهرس الجزء الثاني من كتاب مناهج الاصول

الصفحة

الصفحة

٢

تقسيم الواجب

٥٣

الفرق بين الارادة التكوينية والتشريعية

٤

المطلق والمشروط

٥٦

العينى والكفائى

٩

الفرق بين المطلق والمشروط

٥٩

الموسع والمضيق

١٣

لو شك انه مطلق أو مشروط

٦٣

مسألة الضد

١٥

تقييد الهيئة يوجب تقييد المادة

٦٤

الضد الخاص

١٦

المعلق والمنجز

٧١

ما ينسب الى المحقق الخوانساري

٢١

تلبث الاقسام

٧٥

ثمرة هذه المسألة

٢٣

المقدمات المفوتة

٧٨

الضد العام

٣١

انكار الواجب التهيئي

٨١

الاقوى فى التخييرى

٣٣

 لو شك فى واجب انه معلق او منجز

٨٤

الترتب

٣٤

 النفسى والغيرى

٨٩

مرجحات باب التزاحم

٣٧

لو شك فى واجب انه نفسى او غيرى

٩٧

الترتب يرفع محذور الجمع بين الضدين

٣٩

ترتب الثواب على الواجب النفسى

١٠١

جريان الترتب فى الجهل والنسيان

٤١

تصحيح عبادية الطهارات

١٠٣

جريان الترتب فى المقدمة المحرمة

٤٣

دفع اشكال عبادية الطهارات

١٠٤

امر الامر مع علمه بانتفاء شرطه

٤٤

الاصلى والتبعى

١٠٥

الامكان الذاتى والوقوعى

٤٥

الفرق بين الاصلى والتبعى

١٠٨

تعلق الاوامر بالطابع أو بالافراد

٤٧

التقسيم يرجع الى مقام الدلالة

١١٥

تعلق الاوامر بالوجود الخارجى الادعائى

٤٨

التعينى والتخييرى

٤٩

اقسام التخيير

الصفحة

الصفحة

١١٩

تعلق الاوامر بالصور الذهنية

٢١٦

المفهوم والمنطوق

١٢٠

نسخ الوجوب

٢٢٣

المفهوم تابع للمنطوق

١٢٣

الأمر بالامر

٢٢٤

مفهوم الشرط

١٢٤

ورد الامر عقيب الامر

٢٣٠

تنبيهات مفهوم الشرط

١٢٦

المقصد الثانى فى النواهى

٢٣٣

تعدد الشرط

١٢٨

دلالة النهى على التكرار

٢٣٥

تداخل الاسباب

١٣١

اجتماع الامر والنهى

٢٣٩

الحق عدم تداخل المسببات

١٤١

مبانى الجواز

٢٤١

مفهوم الوصف

١٤٧

أدلة المحقق الخراسانى على الامتناع

٢٤٥

مفهوم الغاية

١٥٣

الحق هو امتناع الاجتماع

٢٥٠

مفهوم الحصر

١٦٣

الفرق بين المندوحة وعدمها.

٢٥٧

مفهوم العدم واللقب

١٦٧

الكراهة فى العبادة

٢٥٨

المقصد الرابع فى العام والخاص

١٦٨

تنبيهات اجتماع الامر والنهى

٢٥٩

تعريف العموم واقسامه

١٧٣

الاجتماع من صغريات باب التزاحم

٢٦٢

الفاظ العموم

١٧٩

الاضطرار لا بسوء الاختيار

٢٦٧

العام المخصص

١٨١

الاضطرار بسوء الاختيار

٢٧٥

تخصيص العام بمجمل

١٨٧

ذكروا لترجيح النهى وجودها

٢٧٩

الشبهة المصداقية

١٩٠

اقتضاء النهى للفساد

٢٨٧

المخصص اللبى

١٩٦

المقام الاول فى العبادات

٢٨٨

تنبيهات الشبهة المصداقية

٢٠٥

اقسام المانعية

٢٩٥

استصحاب نفى حكم الخاص

٢٠٧

المقام الثانى فى المعاملات

٣٠١

التمسك فى العام فى مشكوك الصحة

٢١٤

المقصد الثالث فى المفاهيم

٣٠٥

العمل بالعام قبل الفحص عن المخصص

الصفحة

الصفحة

٣٠٦

خطاب المشافهة

٣٣٩

ما يدل على المطلق

٣١١

تعقيب العام بالضمير

٣٤١

اسم الجنس وعلمه

٣١٣

تخصيص العام بمفهوم المخالفة

٣٤٣

الجمع المحلى بالالف واللام

٣١٧

تعقيب الاستثناء جملا

٣٤٥

اطلاقات النكرة

٣٢٠

تخصيص الكتاب بخبر الوحد

٣٤٧

مقدمات الحكمة

٣٢١

تعارض العام مع الخاص

٣٥٣

تنبيهات المطلق والمقيد

٣٢٣

الدوران بين التخصيص والجهة

٣٥٥

تعارض العام مع المطلق

٣٢٥

المقصد الخامس فى المطلق والمقيد

٣٥٧

ورود المطلق مع المقيد

٣٢٦

تعريف المطلق

٣٥٩

حمل المطلق على المقيد

٣٢٧

تقديم العام على المطلق

٣٦٣

لا يحمل المطلق على المقيد فى غير الالزامى

٣٢٩

اعتبارات الماهية

٣٦٤

المقصد السادس فى المجمل والمبين

٣٣٣

مااختاره سلطان العلماء هو الحق

منهاج الأصول - ٢

المؤلف: محمّد ابراهيم الكرباسي
الصفحات: 368
  • تقسيم الواجب
  • الاضطرار لا بسوء الاختيار
  • اقسام المانعية
  • تنبيهات الشبهة المصداقية
  • المقام الاول فى العبادات
  • المخصص اللبى
  • اقتضاء النهى للفساد
  • الشبهة المصداقية
  • ذكروا لترجيح النهى وجودها
  • تخصيص العام بمجمل
  • الاضطرار بسوء الاختيار
  • العام المخصص
  • الفاظ العموم
  • المقام الثانى فى المعاملات
  • الاجتماع من صغريات باب التزاحم
  • تعريف العموم واقسامه
  • تنبيهات اجتماع الامر والنهى
  • المقصد الرابع فى العام والخاص
  • الكراهة فى العبادة
  • مفهوم العدم واللقب
  • الفرق بين المندوحة وعدمها
  • مفهوم الحصر
  • الحق هو امتناع الاجتماع
  • مفهوم الغاية
  • استصحاب نفى حكم الخاص
  • التمسك فى العام فى مشكوك الصحة
  • مفهوم الوصف
  • تنبيهات المطلق والمقيد
  • المقصد السادس فى المجمل والمبين
  • اعتبارات الماهية
  • لا يحمل المطلق على المقيد فى غير الالزامى
  • تقديم العام على المطلق
  • حمل المطلق على المقيد
  • تعريف المطلق
  • ورود المطلق مع المقيد
  • المقصد الخامس فى المطلق والمقيد
  • تعارض العام مع المطلق
  • الدوران بين التخصيص والجهة
  • تعارض العام مع الخاص
  • المقصد الثالث فى المفاهيم
  • مقدمات الحكمة
  • تخصيص الكتاب بخبر الوحد
  • اطلاقات النكرة
  • تعقيب الاستثناء جملا
  • الجمع المحلى بالالف واللام
  • تخصيص العام بمفهوم المخالفة
  • اسم الجنس وعلمه
  • تعقيب العام بالضمير
  • ما يدل على المطلق
  • خطاب المشافهة
  • العمل بالعام قبل الفحص عن المخصص
  • أدلة المحقق الخراسانى على الامتناع
  • مبانى الجواز
  • الفرق بين الارادة التكوينية والتشريعية
  • ثمرة هذه المسألة
  • الترتب يرفع محذور الجمع بين الضدين
  • لو شك فى واجب انه نفسى او غيرى
  • مرجحات باب التزاحم
  •  النفسى والغيرى
  • الترتب
  •  لو شك فى واجب انه معلق او منجز
  • الاقوى فى التخييرى
  • انكار الواجب التهيئي
  • الضد العام
  • المقدمات المفوتة
  • تلبث الاقسام
  • جريان الترتب فى الجهل والنسيان
  • ما ينسب الى المحقق الخوانساري
  • المعلق والمنجز
  • الضد الخاص
  • تقييد الهيئة يوجب تقييد المادة
  • مسألة الضد
  • لو شك انه مطلق أو مشروط
  • الموسع والمضيق
  • الفرق بين المطلق والمشروط
  • العينى والكفائى
  • المطلق والمشروط
  • ترتب الثواب على الواجب النفسى
  • تصحيح عبادية الطهارات
  • الحق عدم تداخل المسببات
  • نسخ الوجوب
  • اجتماع الامر والنهى
  • تداخل الاسباب
  • دلالة النهى على التكرار
  • تعدد الشرط
  • المقصد الثانى فى النواهى
  • تنبيهات مفهوم الشرط
  • ورد الامر عقيب الامر
  • مفهوم الشرط
  • الأمر بالامر
  • المفهوم تابع للمنطوق
  • المفهوم والمنطوق
  • جريان الترتب فى المقدمة المحرمة
  • تعلق الاوامر بالصور الذهنية
  • اقسام التخيير
  • التعينى والتخييرى
  • تعلق الاوامر بالوجود الخارجى الادعائى
  • التقسيم يرجع الى مقام الدلالة
  • تعلق الاوامر بالطابع أو بالافراد
  • الفرق بين الاصلى والتبعى
  • الامكان الذاتى والوقوعى
  • الاصلى والتبعى
  • امر الامر مع علمه بانتفاء شرطه
  • دفع اشكال عبادية الطهارات
  • مااختاره سلطان العلماء هو الحق