
بسم الله الرحمن
الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام
على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد خاتم النبيين وعلى عترته الكرام الطيبين
المعصومين ولعنة الله على أعدائهم أجمعين
تقسيم الواجب
(الفصل الخامس) فى تقسيم الواجب (ذي
المقدمة) وفيه مباحث ، المبحث الأول ينقسم الواجب الى المطلق والمشروط ، وهذا
التقسيم باعتبار ما له من المقدمة ، فان كانت مقدمة لوجوده فمطلق وان كانت لوجوبه
فمشروط والذي يدخل فى محل النزاع هو الواجب المطلق دون الواجب المشروط لأن وجوبه
حسب الفرض مشروط بوجود المقدمة فقبل وجودها لا وجوب فيه لكي يقال بترشحه عليها
وبعد وجودها لا يعقل ترشح الوجوب من ذيها اليها إذ ذلك يكون من طلب الحاصل وتحصيل
الحاصل بديهي البطلان.
على أن يكون ما هو
متأخر متقدما إذ المقدمة لما كانت مقدمة للوجوب النفسي تكون متقدمة على وجوب
الواجب النفسي بالطبع لكونها فى سلسلة العلل لوجوبه وترشح الوجوب الغيري الناشئ من
الوجوب النفسي على المقدمة يستلزم تأخرها عن الوجوب النفسي بمرتبتين إذ لا يتعلق
الوجوب الغيري بها إلا بمرتبة سابقة على وجودها فوجودها متأخر عن الوجوب الغيري
المتأخر عن الوجوب النفسي ، نعم يشكل على هذا التقسيم بأنه ما من واجب إلا وان
وجوبه مشروط بالشروط العامة كالبلوغ والعقل والقدرة والاختيار ، فحينئذ تكون جل
الواجبات لو لم تكن كلها واجبات مشروطة فلا يصح التقسيم المذكور أي تقسيم الواجب
الى المشروط والمطلق ، قال الاستاذ قدسسره في الكفاية ما لفظه ، (الظاهر ان وصفى الاطلاق والاشتراط
وصفان اضافيان لا حقيقيان) وإلّا لم يكد يوجد واجب مطلق ضرورة اشتراط وجود كل واجب
ببعض الامور (لا اقل من الشرائط العامة كالبلوغ والعقل) ولكن لا يخفى ان هذا
التقسيم بلحاظ توجه الخطاب ولا إشكال فى عدم صحة توجه الخطاب للفاقد لتلك الامور ،
فخروج تلك الاشياء من الشرائط فى محل الكلام من باب التخصص.
وكيف كان الواجب
المشروط عبارة من ان الوجوب ، معلق على وجود
__________________
المقدمة فمع عدم
وجودها لا وجوب كما هو ظاهر تعليق الجزاء على الشروط فى قولك. ان جاءك زيد فاكرمه
، فإن تعليق الطلب والبعث المستفاد من صيغة الامر هو تحققه عند مجيء زيد وانتفاؤه
عند عدم مجيئه قال الاستاذ (قدسسره) فى الكفاية ما لفظه (ان الوجوب فيه مشروط بالشرط بحيث لا
وجوب حقيقة ولا طلب واقعا قبل حصول الشرط كما هو ظاهر الخطاب التعليقى) وإن كان ما
ذكره هنا مخالفا لما ذكره سابقا من أن شرط التكليف انما هو بوجوده اللحاظي والذي
عليه التحقيق هو ما يظهر منه هاهنا من أن المعلق على الشرط بوجوده الواقعي هو
تعليق نفس الطلب لا المطلوب كما ذهب اليه الشيخ الانصاري (قدسسره) مع اعترافه بكون ظاهر القضية الشرطية هو تعليق نفس الطلب
إلّا أنه ادعي الخروج عن هذا الظهور بقرينتين لغوية وعقلية ، اما القرينة اللغوية
فهي امتناع رجوع القيد الى الهيئة لكونها معنى حرفيا وهو جزئي حقيقى لا يكون قابلا
للتقييد لعدم كونه قابلا للاطلاق فما لا يكون قابلا للاطلاق لا يمكن أن يكون قابلا
للتقييد ، والقيد وان كان بحسب الظاهر يرجع الى الهيئة فهو راجع الى المادة ولكن
لا يخفى انه يتم فيما اذا كان الجزاء هو صيغة الامر واما اذا كان الجزاء هو مادة
الامر كما فى قول القائل (اذا جاءك زيد فأنت مأمور باكرامه) فلا يتأتى ما ذكره اذ
لا يوجب الخروج عن ظهور القضية الشرطية لقبول المورد للتقييد.
واما القرينة
العقلية على ما حكاه الاستاذ في الكفاية ما لفظه (واما لزوم كونه من قيود المادة فلأن العاقل اذا توجه الى شىء والتفت اليه فأما أن
__________________
يتعلق طلبه به
اولا يتعلق طلبه به اصلا لا كلام على الثاني وعلى الاول ، فأما ان ـ فان ورد اولا
الطلب ثم الشرط ثانيا كان الشرط من قيود المادة بما هى مطلوبة وليست من قيودها
مطلقا ولا من قيود الهيئة لكى يرد المانع اللفظي الذي ذكره الشيخ (قدسسره) فانه بناء على ما قوينا من مذهب الرضى في المعنى الحرفي
من انه لا معنى لها اصلا وانما هى علامة على معنى في المدخول فاذا طرأت الهيئة على
المادة كانت علامة على انها مطلوبة فلا يكون في الذهن ماهية وطلبها بل ليس الموجود
في الذهن الا الصلاة لكن بقيد كونها مطلوبة واذا ورد بعد ذلك عليها شرط من الشروط
يكون واردا عليها بذلك الاعتبار لا عليها مجردة عن ذلك الاعتبار ولا على ذلك
الاعتبار نفسه والحاصل انه على هذا التوجيه لا يكون القيد راجعا الى نفس المادة
ليلزم كون الطلب مطلقا والمادة مقيدة ليرجع الواجب المشروط الى المعلق كما انه لا
يرجع الى مدلول الهيئة لكى يرد ما ذكره الشيخ (قدسسره) من المانع اللفظي بل يكون راجعا الى المادة بلحاظ كونها
معروضة للطلب فحينئذ يكون الطلب مقصورا على مورد تحقق الشرط فلا طلب قبله لأن
الشارع اذا بعث نحو المادة ثم قيد المادة بشرط بلحاظ كونها مبعوثا اليها يكون
مقصورا على مورد الشرط فيلزم قصر الطلب والبعث على ذلك المورد اعنى مورد الشرط فهو
وان لم يكن الشرط راجعا الى نفس الطلب لفظيا إلّا انه راجع الى المادة بلحاظ كونها
معروضة للبعث ففي اللب والحقيقة يكون ذلك البعث قد قيد بذلك القيد وان لم يكن ذلك
لفظيا وحينئذ يكون الواجب على هذا حكمه حكم ما لو رجع القيد الى الهيئة لفظا فكما
انه لو رجع القيد الى الهيئة لفظا لا يتحقق الوجوب الا بعد تحقق ذلك القيد فكذلك
لو رجع القيد الى المادة بلحاظ عروض البعث عليها لما عرفت من انه يكون راجعا الى
البعث لبا وحقيقة فلا وجوب قبل حصول القيد فافهم وتأمل.
يكون ذلك الشىء
موردا لطلبه وامره مطلقا على اختلاف طوارئه او على تقدير خاص وذلك التقدير تارة
يكون من الامور الاختيارية واخرى لا يكون كذلك وما كان من الامور الاختيارية قد
يكون مأخوذا فيه على نحو يكون موردا للتكليف وقد يكون لا كذلك على اختلاف الاغراض
الداعية الى طلبه والامر به)
ولا يخفى ان هذه
القرينة اعم من القرينة السابقة فأنك قد عرفت انها تختص بما يكون الجزاء بصيغة
الامر وهذه القرينة لا تختص بذلك بل تشمل الموردين وقد اجاب الاستاذ (قدسسره) عن القرينة الاولى بأمر بن الاول ان الموضوع له كالمستعمل
فيه في الحروف عام والخصوصية انما جاءت من قبل الاستعمال ولكن لا يخفى ان ذلك لا
يصحح تقييد المعنى الحرفي اذ معاني الحروف ملحوظ باللحاظ الآلي كلحاظ المرآة
بالنسبة الى المرئي وهذا اللحاظ لحاظ تبعي غير مقصور بنفسه والمعتبر في التقيد أن
يكون ملحوظا باللحاظ الأصلي الاستقلالي فلذا منعنا ارجاع القيود الى المعاني
الحرفية وبذلك قد أورد الاستاذ قدسسره فى حاشية المكاسب عند ذكر الشيخ الانصاري قدسسره لصحيحة ابي ولاد. (نعم قيمة بغل يوم خالفته) ما لفظه : (ان
اليوم قيد للقيمة اما باضافة القيمة المضافة الى البغل اليه ثانيا يعني قيمة يوم
المخالفة للبغل) بما حاصله ، ان هذا مستلزم لتقييد الاضافة المتحصلة من قيمة البغل
وتقييد هذه الاضافة غير معقول لكونها من المعاني الحرفية وهي غير ملحوظة على نحو
الاستقلال بل لحاظها بنحو التبعية والآلية ولا يعقل جعل الملحوظ بنحو الآلية مقيدا
بقيد إذ التقييد يقتضى لحاظ المقيد بنحو الاستقلال فيوم المخالفة لا يعقل جعله قيدا
الى الاضافة التي هي من المعاني الحرفية ولا يخفى ان ما ذكره هنا مناف الى ما ذكره
في الحاشية وان امكن تصحيح ما ذكره هنا على
ما قويناه في
المعنى الحرفى بأن الملحوظ فيه بنحو الالية وان كان اللحاظ استقلاليا
(الامر الثاني)
ذكره بنحو التسليم للاول فقال ما لفظه : (مع انه لو سلم انه فرد فانما يمنع عن
التقيد لو انشأ اولا غير مقيد لا ما انشأ من الاول مقيدا) ولا يخفى ما فيه لرجوع
ذلك الى ان المنع عن تقييده بعد الانشاء لا قبله مع ان الشيخ (قدسسره) يلتزم بان المعنى الحرفى غير قابل للاطلاق والتقييد مطلقا
والى ذلك أشار بقوله فافهم ثم ان الاستاذ (قدسسره) أجاب عن القرينة اللغوية بما لفظه : (ان الشيء اذا توجه
اليه وكان موافقا للغرض بحسب ما فيه من المصلحة او غيرها كما يمكن ان يبعث فعلا
اليه ويطلبه حالا لعدم المانع عن طلبه كذلك يمكن أن يبعث اليه معلقا ويطلبه
استقبالا على تقدير شرط متوقع الحصول لاجل مانع عن الطلب والبعث فعلا قبل حصوله
فلا يصح منه الا الطلب والبعث معلقا بحصوله لا مطلقا ولو متعلقا بذلك على التقدير
فيصح منه طلب الاكرام بعد مجيء زيد ولا يصح الطلب المطلق الحالي للاكرام المقيد
بالمجيء).
توضيح ذلك : ان
توجه الخطاب الموافق للغرض يمكن ان يكون على نحوين فتارة يكون الطلب منه حالي
والبعث اليه ايضا حالي لعدم المانع من طلبه واخرى يكون على نحو لا يمكن أن يطلب
منه فعلا لحصول مانع منه أي من طلبه حالا فلا بد وأن يكون طلبه على نحو يكون معلقا
على حصول الشرط فلا طلب قبل حصول الشرط لحصول المانع وهو المفسدة من طلبه حالا
وهذا هو الواجب المشروط ولكن لا يخفى ما فيه اولا ان هذا لا يتم بالنسبة الى بعض
الجمل الشرطية التي هي قطعا من الواجب المشروط مثل اذا نمت فاشترى اللحم فانه لا
إشكال في انه لا طلب بعد النوم وكقول الشاعر.
(اذا مت فادفني الى جنب حيدر
|
|
أبا شبر أعني به
وشبيري)
|
إذ لا يعقل طلب
الدفن بذلك الجنب الشريف متحققا بعد الموت ولم يكن فى هذين التعليقين مجاز قطعا بل
التعليق فيهما على نحو غيرهما من القضايا الشرطية التي لا يمكن فيها رعاية وعناية
فمن ذلك يستكشف ان الطلب في هذين التعليقين سابق زمانا على تحقق الشرط وقس على ذلك
القضايا الشرطية الأخر.
وثانيا بناء على
ان الانشاء انما هو مقدمة لحصول المراد ولا اشكال فى حصول هذه المقدمة عن اختيار
فحينئذ يكون الإنشاء مرادا بالارادة الغيرية لحصول المراد مثلا : الانشاء فى مثل
ان جاءك زيد فاكرمه إنما هو مقدمة للاكرام الذي هو مراد بالإرادة النفسية وبما ان
هذا الانشاء صدر عن اختيار فيتعلق به وجوب غيري فإذا تعلقت به ارادة غيرية فلا بد
وان يتعلق بالاكرام الذي فرض ذا المقدمة ارادة نفسية لعدم انفكاك الارادة الغيرية
عن الارادة النفسية وعليه تتعلق الارادة النفسية بالاكرام عند انشاء الطلب ولازمه
ان يكون الطلب للاكرام فعليا لكي تتعلق الارادة الغيرية بالانشاء.
وثالثا ان ظهور
القضية الشرطية يقتضي اناطة الجزاء بالشرط ولا يقتضي اناطته بارتفاع المانع الذي
هو المفسدة كما ادعاه الأستاذ (قدسسره) حيث التزم باناطة الجزاء بالشرط مقارنا لارتفاع المانع
فخرج عن ظهور القضية الشرطية فلا يكون بارجاع القيد الى الهيئة محافظا على ذلك
الظهور بل على مقتضى ما بني عليه ان الذي له دخل فى تحقق الوجوب هو ارتفاع المانع
وذلك مخالف لظهور القضية الشرطية ان قلت نفس الشرط الذي علق عليه الجزاء من قبيل
المقتضي وارتفاع المفسدة من قبيل ارتفاع المانع.
قلت على ما ذكره
لم تكن الاستطاعة مثلا شرطا في حصول الارادة وانما دخلها بنحو يكون من قيود
الموضوع بيان ذلك انا لو فرضنا انتفاء المفسدة من
حين انشاء الارادة
فنجد تحقق الارادة في الطلب ومع ذلك التعليق تتحقق فلو كانت الاستطاعة شرطا لما
تحقق التعليق بلسان الدليل لانتفاء المانع حسب الفرض فهذا يدل على ان الاستطاعة لم
تؤخذ شرطا لحصول المراد وانما اخذت فى موضوع الحكم فظهر مما ذكرنا ان الارادة فى
الواجب المشروط تتعلق بالمراد بارادة فعلية وكذا على تقدير حصول الأمر الخاص خلافا
للمشهور فان الارادة عندهم تعلق بالمراد على تقدير خاص بنحو لا يكون الفعل مرادا
قبل تحقق ذلك الأمر الخاص لما عرفت أن بعض القيود عند تحققها لا تحصل الارادة
كالنوم والموت ونحوهما وسره ان الحكم الشرعي انما ينتزع من اظهار الارادة
التشريعية فالمولى اذا أنشأ ارادته ينتزع الحكم منه وبهذا المعنى يصير الحكم
الشرعي فعليا سواء علم به المكلف أم لم يعلم وسواء كان مطلقا أو مشروطا فليس الفرق
بين المشروط والمطلق من حيث الفعلية بأن يكون المطلق فعليا والمشروط انشائيا اذ من
هذه الحيثية لا فرق بينهما نعم فرق بينهما من حيث السنخ والحقيقة ولذا آثارهما
تختلف فإن المطلق حقيقته إرادة الفعل من المكلف على كل تقدير ولذا ينبعث المكلف مع
العلم به من دون الانتظار الى شيء واما المشروط فحقيقته ارادة الفعل من المكلف على
تقدير خاص فلا ينبعث عند العلم به قبل حصول الأمر المعلق عليه الواجب بل ينتظر
حصوله ، وبعبارة اخرى ان القيود ترجع الى ناحية الموضوع فالفعلية لا تتبع وجود
الموضوع خارجا وانما تحصل من اظهار الارادة بخلاف المحركية والباعثية انما تتبع
وجود الموضوع وقيوده خارجا مثلا لو قال المولى اكرم العلماء لا تحصل المحركية الا
بعد وجود العلماء خارجا بخلاف اصل وجود الحكم فانه يتحقق ولو لم يكن الموضوع
متحققا خارجا اذ الموضوع في جعل الحكم انما هو معتبر بوجوده
اللحاظي وان كان
اعتباره بنحو المرآة لما في الخارج فمع تصور الموضوع ينشأ الحكم وبهذا الانشاء
يجعل الحكم فعليا وإلّا لزم التفكيك بين الانشاء والمنشأ وهو أمر غير معقول
وبالجملة فعليته تحصل ولو لم يكن الموضوع وقيوده موجودا خارجا بخلاف المحركية
والباعثية فانها منوطة بوجود الموضوع خارجا ففي فعلية الحكم يشترك المشروط والمطلق
وفي المحركية يختلفان ودعوى ان في الواجب المشروط تعليق نفس الارادة على حصول
الشرط فقبل تحقق الشرط لا ارادة أصلا لكي تكون فعلية ممنوعة اذ ذلك مخالف لما نجد
من انفسنا بتحقق الارادة بنفس المريد الذى يكون فيه مصلحة على تقدير خاص وان لم
يكن ذلك التقدير متحققا فالارادة الفعلية المنوطة على تقدير خاص هي الواجب المشروط
في قبال الواجب المطلق الذي هو عبارة عن أن الارادة المطلقة فيه متعلقة بالفعل
المقيد إلّا ان ذلك يستلزم ان يكون الملحوظ في الشرط المعلق عليه هو الوجود
اللحاظى وان كان ذلك خلاف الظاهر فان الظاهر ان المعلق عليه بوجوده الخارجي او
يقال بأن مفاد الهيئة الحكم بمرتبة المحركية والفاعلية وقد عرفت ان الحكم بهذه
المرتبة يتبع الموضوع بوجوده الخارجي هذا وقد اختار بعض الأعاظم (قدسسره) ما ذكره المشهور واستدل عليه بما حاصله ان جعل الاحكام
انما هو على نحو القضايا الحقيقية التي هي عبارة عن كون الموضوع فيها أخذ مفروض
الوجود والشروط المعتبرة فى القضية انما تعتبر مقومة للموضوع فالحكم فيها انما
يتحقق فى ظرف تحقق موضوعه فقبل تحققه لا حكم أصلا.
ولا يخفى ما فيه
لما عرفت ان الحكم الشرعي انما هو عبارة عن نفس الارادة الشرعية التي تحصل بالقول
أو بالفعل فباظهارها تكون فعلية من غير فرق بين ان يكون
متعلقها يحصل على
كل تقدير أو على تقدير خاص وذلك لا يقتضي إلّا تصور الموضوع مع جميع قيوده فالحكم
يكون فعليا قبل تحقق شرطه فلا يصح جعل الاحكام على نهج القضايا الحقيقة وانما يصح
ان تكون الاحكام فعلية قبل تحقق موضوعها وقيوده نعم لو قلنا بأن الاحكام انما هي مجعولات اعتبارية
كالملكية فحينئذ يمكن ان تكون على نهج القضايا الحقيقية بأن يكون اعتبارها عند
تحقق الشروط كما يمكن ان يكون اعتبارها قبل تحققها مع ان ظرف تحققها هو ما بعد
الموت كما فى الوصية التملكية ولكنك قد عرفت ان الحكم الشرعي عبارة عن نفس الارادة
التشريعية وهي تتحقق عند اظهار المريد للارادة بالقول أو الفعل وبمجرد الاظهار
الناشئ عن الاشتياق المتحقق فى نفس المريد يكون فعليا من غير فرق بين ان يكون
متعلق تلك الارادة على كل تقدير فهو الواجب المطلق أو على تقدير خاص فهو الواجب
المشروط ثم ان الاستاذ (قدسسره) عقب ما اختاره بما
__________________
لفظه (هذا بناء
على تبعية الاحكام لمصالح فيها فى غاية الوضوح وأما بناء على تبعيتها للمصالح
والمفاسد فى المأمور به والمنهي عنه فكذلك ضرورة ان التبعية كذلك انما تكون فى
الاحكام الواقعية بما هي واقعية لا بما هى فعلية فان المنع عن فعلية تلك الاحكام
غير عزيز كما في موارد الاصول والامارات على خلافها) ولا يخفى ما فيه إذ قياسه على
موارد الأصول والامارات قياس مع الفارق فان الاحكام تابعة للمصالح في المأمور به
وفعلية تلك الاحكام لا ترتفع فى موارد الاصول والامارات الا وان تكون المصلحة فيها
مزاحمة لمفسدة أهم من تلك المصلحة لكون المفسدة حينئذ تمنع تنجز التكليف الواقعي
كما ورد ذلك في السواك وهذا بخلاف المقام فان المفسدة فى مثل الحج لا تكون مانعة
من انشاء التكليف لأن المفسدة لا تتصادم مع هذا الخطاب لأنها تترتب على اتيان
الفعل قبل وقته وذلك لا يعارض فعلية الطلب اذ الطلب يستتبع اتيان الفعل في وقته
المقرر له شرعا وبالجملة فرق بين المقام وموارد الاصول والامارات على خلافها فان
المفسدة في المقام لا تعارض فعلية الطلب والارادة والمفسدة في تلك الموارد يعارضان
فعليتها كما لا يخفى.
ينبغى التنبيه على امور
الأمر
الأول : تظهر الثمرة بين
المختار والمشهور فى الواجب المشروط بالنسبة الى المقدمات المفوتة وهي التي لو لم
يأت بها المكلف قبل تحقق شرط التكليف لا يمكنه فعلها بعد تحققه فعلى المختار من أن
التكليف بذي المقدمة فعلي قبل تحقق الشرط فتجب جميع المقدمات مطلقا من غير فرق بين
كونها مفوتة وبين كونها غير مفوتة غاية الامر بالنسبة الى غير المفوتة تكون واجبة
وجوبا غيريا تخييرا بين
الاتيان بها قبل
تحقق الشرط وبين الاتيان بها بعده واما بالنسبة الى المقدمات المفوتة فيجب الاتيان
بها تعيينا أي قبل تحقق الشرط لعدم امكان ايجادها بعد تحقق الشرط واما على المشهور
فلا يجب اتيان المقدمات فلذا بالنسبة الى المقدمات المفوتة يحتاج الالتزام
بإتيانها الى القول بمتمم الجعل او الوجوب التهيؤ او الزام العقل بها تحصيلا لغرض
المولى على ما سيأتى بيانه إن شاء الله تعالى.
الأمر
الثاني : قد عرفت مما تقدم
انه على المختار فى الواجب المشروط هو ان فعلية الوجوب لا تناط بالوجود الخارجي خلافا
لما ذكره المشهور هذا فيما اذا علم كون الواجب مشروطا او مطلقا وأما لو شككنا في
الواجب انه مطلق او مشروط فعلى المختار يجب تحصيل مقدماته الوجودية قبل تحقق شرط
الوجوب لكونه فعليا ومنجزا فيترشح على تلك المقدمات الوجودية سواء كان الواجب
مطلقا او مشروطا واما على مبنى المشهور فلا يجب تحصيل تلك المقدمات لان الشك فيها
يرجع الى الشك فى وجوب تحصيلها حيث ان وجوب تحصيلها مبني على كون المقدمات للواجب
المطلق وعدم تحصيلها مبني على كونها من الواجب المشروط وبالجملة يرجع الشك فيها
الى انه يجب اتيان تلك المقدمات أم لا فيكون موردا لجريان أصل البراءة ولكن لا
يخفى أن هذا مسلم في مورد لم يكن الشرط متحققا فى الخارج وأما اذا كان متحققا فيه
فلا ينبغي الاشكال انه على كلا القولين من وجوب اتيان المقدمات لانه حسب الفرض ان
الوجوب منجز سواء أكان مطلقا أم مشروطا وسواء توقف الوجوب على الوجود الخارجي ام
لا هذا كله اذا لم يكن لدليل الوجوب اطلاق وإلّا يؤخذ بإطلاق الدليل الدال على
الوجوب هذا ولكن الظاهر انه لو دار الامر بين كون القيد قيدا للوجوب وبين
ان يكون قيدا
للواجب فانه لا يصح التمسك بالاطلاق لا جماله فى حال اتصال القيد فى الكلام
وللتعارض بين ظهور المادة وظهور الهيئة في حال انفصاله عن الكلام فالمرجع حينئذ هي
الاصول العملية وقد رجح الشيخ الانصاري (قدسسره) رجوع القيد الى المادة فيما لو دار امره بين الرجوع اليها
او الى الهيئة بامرين الاول ان إطلاق الهيئة شمولي بمعنى ان الوجوب الذي هو مفاد
الهيئة على كل تقدير واطلاق المادة بدلى بمعنى ان يكون الواجب صرف الطبيعة الصادقة
على أي فرد صدقا بدليا مثلا لو قال صل متطهرا وشك في اعتبار الطهارة في وجوب
الصلاة أو اعتبارها في نفس الصلاة وقد رجح الاطلاق الشمولي على الاطلاق البدلي
لكونه أقوى ولذا قدم الاطلاق الشمولي فى مثل لا تكرم فاسقا على الاطلاق البدلي فى
مثل اكرم عالما وقد أيد بعض الاعاظم ما ذكره شيخنا الانصاري (قدسسرهما) من تقديم الاطلاق الشمولي على البدلي في خصوص ما كان
التعارض بين مدلوليهما كالمثال المذكور لا ما كان ناشئا من العلم بكذب احدهما
كالمقام بما حاصله ان الاطلاق البدلي يحتاج الى مئونة زائدة وهو احراز تساوي
الافراد في وفائها بالغرض لكي يحكم العقل بالتخيير بخلاف الاطلاق الشمولي فانه لا
يحتاج الى ازيد من تعلق النهي بالطبيعة الصرفة وبذلك يسري الى الافراد سراية قهرية
ولازم ذلك كون الاطلاق الشمولي حاكما على الاطلاق البدلي وبذلك يقدم العام على
الاطلاق الشمولي لان دلالته بالوضع ودلالة الاطلاق بمقدمات الحكمة ولكن لا يخفى ما
فيه فان الاطلاق الشمولي لا يرجح على الاطلاق البدلي لاتحاد سبب الاطلاق فيهما وهو
مقدمات الحكمة فانها تثبت كون المراد هو المطلق اما كونه بدليا أو شموليا فلا
يستفاد منها وانما يستفادان من حكم العقل بمناسبة الحكم مع موضوعه كما لو
وقع لفظ المطلق
متعلقا للامر فان العقل يحكم فى مقام الامتثال بالاكتفاء بالمرة الذي هو مفاد
الاطلاق البدلي كما ان الطبيعة الواقعة تلو النهي يحكم العقل باطلاقها الشمولي حيث
ان ترك الطبيعة انما يحصل بترك الافراد وبالجملة ان مقدمات الحكمة تثبت الاطلاق
الموجب للظهور واما اثبات البدلية او كونه شموليا فيستفاد من حكم العقل واما
المقام فاطلاق الهيئة شموليا يستفاد من عدم اناطة الطلب بشيء فان العقل يحكم بسعة
الطلب الشامل لوجود القيد وعدمه المسمى ذلك بإطلاق الهيئة شموليا واطلاق المادة
بدليا يستفاد من عدم تقييد المادة فيحكم العقل بسعتها وانطباقها على اي فرد منها
اطلاقا بدليا ولا يتوهم تقديم الاطلاق الشمولي على الاطلاق البدلي مع ان منشأ الظهور
فيهما واحد للعلم اجمالا برجوع القيد الى أحد الاطلاقين فيوجب ذلك تساقط الظهورين
للعلم الاجمالي بكذب احدهما نعم العموم المستفاد من الوضع يقدم على الاطلاق
الشمولي لكونه يحصل من مقدمات الحكمة وهي انما تجري حيث لا بيان والدلالة الوضعية
صالحة للبيانية والى ذلك يرجع كلام الاستاذ (قده) فى الكفاية من عدم اقوائية
الاطلاق الشمولي على الاطلاق البدلي لكونهما مستفادين من مقدمات الحكمة.
الأمر
الثالث : ان تقييد الهيئة
موجب لتقييد المادة من دون العكس ولا اشكال في ان ارتكاب تقييد واحد اولى من
ارتكاب تقييدين ودعوى ان تقييد الهيئة موجب لبطلان العمل باطلاق المادة فحينئذ
يدور الامر بين احد تقييدين اما المادة او الهيئة في غير محلها اذ مخالفة الاصل
العقلائي الذي هو عدم الاخذ بالظهور لاحتمال قرينية الموجود يوجب انتفاء الظهور
الفعلي في المادة والهيئة لانه ان أرجعنا القيد الى الهيئة ينتفي الظهور الفعلي في
المادة والهيئة وان أرجعنا الى
خصوص المادة بقي
ظهور الهيئة بحالها ولا اشكال في أرجحية ارتكاب الاخذ بانتفاء بعض الظهور على
ارتكاب انتفاء اصل الظهور والحق في المقام ان يقال ان القيد ان كان متصلا اوجب
اجمال الكلام لاتصاله بما يحتمل قرينية الموجود فلا يبقى مجال للاخذ بظهور الهيئة
دون المادة واما اذا كان القيد منفصلا فلا اشكال في عدم اطلاق المادة للعلم بدخله
في المادة لانه ان رجع اليها فهي مقيدة به اصالة وان رجع الى الهيئة فالمادة مقيدة
به تبعا وحينئذ نعلم بتقييدها ونشك في تقييد الهيئة فلذا يصح لنا التمسك باطلاقها
نعم بالنسبة الى وجوب تحصيل القيد يمكن نفيه بالبراءة بيان ذلك ان وجوب التحصيل
يتوقف على تقييد المادة واطلاقها ينفي رجوعه اليها ويثبت به رجوع القيد الى الهيئة
للعلم الاجمالي برجوعه الى أحدهما فالاطلاقان متعارضان ولا مرجح لأحدهما فيتساقطان
وحينئذ يشك فى وجوب تحصيل القيد ويكون من الشك البدوي فينفى بالبراءة.
المعلق والمنجز
المبحث
الثاني : ينقسم الواجب الى
المعلق والمنجز لانه إن اقترن زمان الواجب بزمن الوجوب فمنجز وإلا فمعلق والمشهور
جعلوا القسمة للواجب المطلق في قبال الواجب المشروط فلذا كانت القسمة عندهم ثلاثية
وبعضهم انكر الواجب المعلق وقال باستحالته واستدل على ذلك بوجهين الاول ان الوجوب
منتزع من الارادة وهي عبارة عن الشوق المؤكد نحو المراد من غير فرق بين التكوينية
والتشريعية إلا أن الاولى تتعلق بفعل المريد نفسه والثانية تتعلق بفعل الغير وعليه
كيف يعقل ان يكون التكليف المقيد بوقت فعليا قبل حصول القيد وبعبارة
اخرى ان الارادة
التكوينية عبارة عن تحريك العضلات نحو المراد فهي بنفسها تبعث المزيد الى التحرك
نحو المراد وفي الارادة التشريعية تبعث العبد للتحرك نحو المراد ولازمه ان لا يكون
فعليا إلا مقارنا للعمل اذ لو لم يكن مقارنا له لم تكن الارادة منشأ لانتزاع
الوجوب منها وعليه يستحيل ان يكون الواجب متأخرا عن الوجوب بل لا بد وان يكون
الواجب مع الوجوب متقارنين فإن كان الواجب فعليا يكون الوجوب فعليا وان كان
استقباليا يكون الوجوب استقباليا وعليه لازم هذا الوجه انحصار الواجبات كلها فى
النفسية لانه اذا فرضنا تحقق الواجب الغيري يلزم انفكاك الارادة عن المراد النفسي
زمانا لحيلولة الواجب الغيري بينهما.
أقول يمكن أن يكون
هذا النزاع لفظيا بين من انكر المعلق وبين من يقول به اذ الطرفان يعترفان فى نفس
الامر والواقع ان الارادة غير مقارنة للعمل وانما هي مقارنة لمقدماته فمن قال
بالواجب المعلق لاحظ كون الارادة هي موضوع حكم العقل بوجوب الامتثال ومتى تحققت
فوجب موافقتها فبهذه الارادة باعتبار تعلقها بالمقدمات تصير ارادة غيرية وباعتبار
تعلقها بذيها تصير ارادة نفسية ومن انكر الواجب المعلق منع حكم العقل بوجوب امتثال
مثل هذه الارادة والتزم بامتثال الارادة المقارنة لنفس العمل فتكون مقدماته خارجة
عن دائرة تلك الارادة فلا يكون موضوعها الوجوب الغيري وعليه يكون الواجب هو ما كان
مقارنا لتلك الارادة ومع عدم المقارنة لا يكون واجبا فالمنجز ما يكون وقت العمل
متحققا وإلا فمشروط والذي يقتضيه التحقيق هو اقوائية الوجه الاول للوجدان الحاكم
باستحقاق العقوبة لو أمر المولى عبده بشراء اللحم مثلا وكان امتثال امره موقوفا
على مقدمات قد فات بعضها تسامحا وتساهلا من العبد فلم يحصل امتثال امر المولى فلو
كان من
قبيل الواجب
المشروط لم يكن مستحقا للعقوبة على ترك الشراء بل له الاعتذار بأن الطلب المصحح
للعقوبة على مخالفته لم يكن متوجها إلا بعد فوت بعض المقدمات المانع من توجه
التكليف ولا ريب ان ذلك مخالف للوجدان.
الوجه الثاني : ان
يكون الواجب الاستقبالي مرددا بين أن يكون التكليف متوجها الى القيد والمقيد بأن
يكون مطلوبا على وجه التقييد بالزمن المستقبل أم يكون متوجها لنفس ذات المقيد اما
الاول فهو امر غير معقول لاستلزامه تعلق التكليف بالقيد الذي هو غير مقدور لعدم
التمكن من اتيانه وأما الثاني فلا يخلو الحال فيه أما أن يكون التكليف غير مقيد
فيصير منجزا وهو خلاف الفرض وأما أن يكون مقيدا أي معلقا على حصول الشرط كان من
الواجب المشروط وهو المطلوب وببيان آخر أن الواجب المطلق ما يكون مقيدا بأمر غير
مقدور أما حقيقة كما لو كان مقيدا بالزمان المستقبل وأما جعلا كما لو قيد بأمر
مقدور إلا أنه أخذ على نحو لو حصل بطبعه من غير قصد.
وكيف كان فالقيد
لم يؤخذ بنحو يكون داخلا تحت الاختيار وحينئذ لا يعقل تعلق الارادة التكوينية بفعل
يعلم بكونه خارجا عن الاختيار كذلك لا يعقل تعلق الارادة التشريعية بما هو خارج عن
الاختيار ولازم ذلك ان تكون الارادة معلقة على حصول الغير فيكون حينئذ من الواجب
المشروط ولكن لا يخفى أنك قد عرفت أن ذلك مخالف للوجدان فان الواجب المنجز ذا
المقدمات وجوبه فعلي مع أن الواجب استقبالي مع انه خارج عن الاختيار حين تنجز
وجوبه لكونه استقباليا مضافا إلى أن كون الوجوب فعليا والواجب استقباليا غير عزيز
كما في الاجزاء المتدرجة في الوجود فالجزء الاخير مثلا يجب وجوبه حين الاتيان
بالجزء الاول
لوجوبه فوجوبه فعلي مع ان الواجب استقبالي ودعوى تدريجية الفعلية فى الاجزاء
المتدرجة فى الوجود خلاف الوجدان وكيف كان فالارادة ان اقترنت بالمراد فتكون
المقدمات خارجة عن دائرة الارادة فمع فوت بعض المقدمات بسوء اختياره يكون تاركا
للواجب فيستحق العقوبة مع انه لو كان من قبيل الواجب المشروط لما استحق العقوبة
وإن كانت الارادة غير مقترنة بالمراد بل اقترنت بالمقدمات فلا مانع من اختيار
القول بتعلق الطلب بذات المقيد ولا محذور فيه لأن الذات المطلقة لم تكن مطلوبة بل
مع القيد بنحو تكون توأما مع القيد بأن لا يكون في ذات المقيد جهة سعة يشمل صورة
تجرده عن القيد وبالجملة ان بني على اعتبار مقارنة الارادة للعمل انحصرت القسمة في
الواجب الحالي والمشروط دون المعلق وإن لم يبن على ذلك انحصرت القسمة في المنجز
والمعلق دون المشروط حتى لا تكون القسمة إلا ثنائية وحينئذ يبقى الاشكال على القوم
فى تثليث الأقسام وحاصله ان الاشكال يكون مبنيا على ان يكون القيد داخلا في
المطلوب بنحو واحد في المشروط والمعلق والاختلاف بحسب ذات المقدمة فانه ان كانت
لازمة التحصيل كان ذلك الواجب من قسم الواجب المطلق وإلا كان من الواجب المشروط
وحينئذ يتجه الاشكال على المشهور من جعل القسمة ثلاثية فانه ان كانت المقدمة من
غير المقدور كالوقت أو كانت مقدورة ولكن بنحو لم يطلب حصولها من داعي الأمر
فالمقدمة خرجت من حين الأمر والواجب حينئذ على قول صار مشروطا وعلى قول معلقا وإن
كانت مقدورة ولازمة التحصيل من داعي الامر فيكون الواجب منجزا حاليا فالأقسام إذن
لا تخرج عن أمرين ويرد عليه مضافا الى ما سمعت من أن ذلك ينافى بناءهم الذي بنوا
عليه من تثليث الأقسام أنه
يلزمهم مع ذلك
تعلق الحب والشوق بغير المقدور من تلك المقدمات لان عدم القدرة لا يمنع من تعلق
الشوق نعم هو مانع من تعلق الارادة والحال أنا نجد بالوجدان ان ما كان من مقدمات
الواجب المشروط كالاستطاعة والوقت خارجان عن دائرة الارادة ومن مبادئ تلك الارادة
هذا وقد ادعى بعض الأعاظم تثنية الأقسام بانكار الواجب المعلق وقال باستحالته بما
حاصله ان جعل الأحكام الشرعية فى القضايا بنحو القضايا الحقيقية وان القيود
الموجودة في القضايا ترجع الى ناحية الموضوع ولازم ذلك أن تكون القيود التي اخذت
فى الموضوع تعتبر مفروضة الوجود وعليه لا يمكن ان تكون تلك الاحكام فعلية قبل تحقق
الشرط لاستحالة فعلية الحكم قبل تحقق موضوعه وحينئذ كيف يعقل ان يتعلق الوجوب
الفعلي بالواجب الاستقبالي ولكن لا يخفى ما فيه أولا نمنع جعل الاحكام على نهج
القضايا الحقيقية وثانيا نمنع رجوع القيد الى ناحية الموضوع وثالثا ان ذلك مبني
على بطلان الشرط المتأخر وقد عرفت امكانه على التفصيل المتقدم وتحقيق المقام على
وجه يصح تثليث الاقسام ويندفع به الاشكال بحذافيره يبنى على مقدمتين الأولى ان
القيود والمقدمات للمطلوب تختلف على نحوين فتارة تكون المقدمة لها دخل في الاتصاف
بالمصلحة كما فى المثال الخارجي ان اتصاف الاسهال في اصلاح المزاج لا يكون إلا بعد
حصول المرض فالمرض له دخل باتصاف الاسهال بصلاح المزاج فتكون مثل هذه المقدمة
مقدمة للواجب المشروط وتسمى بمقدمة الاحتياج وأخرى تكون المقدمة لها دخل في ترتب
الاسهال وحصوله فتكون مثل هذه المقدمة مقدمة الواجب المطلق وتسمى بمقدمة المحتاج
اليه كشرب السقمونيا فانه له دخل في ترتب الاسهال وحصوله والفارق بين النحوين من
المقدمة بحسب الارادة فان
المقدمة الاولى
خارجة عن حيز الارادة مع مبادئها قطعا ضرورة ان الارادة مع مبادئها لا تتعلق
بالمرض ولا يكون محبوبا إلا إذا كان طريقا الى تحصيل أمر اهم نعم ربما كان طلبه
محبوبا لأجل الاعتذار عن شيء يصده المرض عنه فحينئذ يكون المرض محبوبا فلا تكون
المقدمة مطلوبة بنفسها كحب الإنسان للمولود فانه يحب أن يولد له مولود مع انه اذا
ولد له مولود لا بد له من القيام بوظائف التكليف المتوجهة الى الآباء من الاتفاق
وغيره مما يحتاج في تعيشه وتربيته ولكن مثل هذه المقدمة قد تتفق وبالجملة ان هذه
المقدمات التي ذكرناها هو حصولها من باب الاتفاق بخلاف المقدمة الثانية فان
تحصيلها دائمي فان من ابتلى من باب الاتفاق بالمرض فلا ينفك منه ارادة السقمونيا
فبهذا الذي ذكرناه اتضح منه تثليث الاقسام وبيانه ان القيود ان كانت من قيود
الاحتياج كانت خارجة من حيز الارادة ومبادئها وكانت من الواجب المشروط وان كانت
تلك القيود قيودا لوجود المحتاج اليه فان كانت تلك القيود التي هي المحتاج اليه
سابقة على الفعل فمعلق وإلا فمنجز وظهر مما ذكرناه خروج قيود الاحتياج عن الارادة
ومبادئها من الشوق والرغبة والحب والميل وظهر لك ايضا ان هذه القيود لا يعقل أخذها
في موضوع الحكم ومتعلقه لان موضوع الحكم ما تعلقت به تلك الارادة وقد عرفت عدم
أخذه في متعلقات الارادة فالحكم قد تعلق بالذات التي هي توأم مع القيد على نحو
خروج القيد والتقييد.
المقدمة الثانية :
ان الطبيعة لها اعتباران من اللحاظ فتارة تلاحظ الطبيعة مقيدة باللحاظ الذهني وهو
المعبر عنه عند الحكماء بالتحلية وتارة تلاحظ الطبيعة معراة عن كل شيء حتى عن ذلك
اللحاظ الذهني وان كانت ملحوظة بالذهن
وهو المعبر عنه
بالتخلية وتكون تحليتها عين تخليتها وبهذا الاعتبار تارة تكون بالنسبة لما في
الخارج ترى غير الخارج بنحو يكون بينهما اثنينية وأخرى ترى عين الخارج بأن يكون
لحاظها آلة لما فى الخارج وعلى النحو الثاني تتعلق بها الاوامر على ما سيأتي إنشاء
الله تعالى بيانه فى مبحث تعلق الاوامر بالطبائع وبالافراد لان الوجود الخارجي لا
يكون هو المطلوب اذ هو ظرف للسقوط ولا يعقل تعلق الاوامر به وإلا لزم تحصيل الحاصل
ولازم ذلك أن يكون الذي هو فى حيز الامر هو الطبيعة الحاكية عما في الخارج وتتحد
معه بنحو من الاتحاد
ان قلت تعلق
الاوامر بشيء يتبع وجود المصلحة فيه التي لا مزاحم لها ومع تعلق الامر بالطبيعة
التي هي المقصود لا مصلحة فيها وانما المصلحة في الوجود الخارجي لا في الوجود
الذهني قلت ان متعلق الامر لما كان متحدا مع ما فى الخارج بنحو المرآة مع المرئي
فحينئذ بسري وصف أحدهما للآخر لما بينهما من الاتحاد فالمصلحة وإن كانت قائمة بما
في الخارج إلا انه لما كان ما في الذهن يحكي عما فى الخارج ومتحد معه بنحو من
الاتحاد سرى وصف ما فى الخارج الى ما في الذهن فالطبيعة ايضا تكون موصوفة بذلك من
غير فرق بين تعلق الحكم بنفس الطبيعة أو تكون شرطا لمتعلق الحكم كالاستطاعة فانها
تعتبر شرطا بلحاظ الوجود الذهني المتحد مع ما في الخارج الذي له الدخل في اتصاف
الحكم بالمصلحة ولذا صح تعلق الارادة فعلا بها من غير حاجة الى تحقق الاستطاعة
الخارجية اذا عرفت ذلك فاعلم ان الواجب لما كانت مقدماته مقدمة للاحتياج وكانت
خارجة عن حيز الارادة مع مبادئها إلا اذا كانت من باب الاتفاق محبوبة لغرض من
الأغراض إلا ان القوم لما بنوا على حصر المقدمات في ترتب المحتاج اليه اشكل عليهم
الحال
في بعض المقدمات
التي هي غير مقدورة وان كانت خارجة عن حيز الارادة إلا انها باقية تحت مبادئها
ومنشأ ذلك هو اعتبار القدرة في صحة توجه الخطاب وبما ان الخطاب معلق على أمر غير
مقدور كالوقت مثلا فى وجوب الصلاة لا يصح توجه الخطاب قبل الوقت ولكنك قد عرفت ان
المعتبر في صحة توجه التكليف هو القدرة عليه في ظرف الايجاب وهذه القدرة متحققة فى
المطلق والمنجز وحينئذ فبما ان المقدمات لها الدخل في وجود الواجب فتكون كل واحدة
منها لها نصيب في وجوبه فمع كونها مقدورة تجب ويكون وجوبها من ناحية تلك المقدمة
بأن يسد باب من ابواب انعدامه فيصح التثليث بالامر الذي يكون بعض مقدماته مقدورا
وان كان بعضها غير مقدور لان المكلف يتمكن من بعض التحصيل وبالاتيان بتلك المقدمات
المقدورة فيتمكن من امتثال خطاب المعلق قبل تحقق قيده بإتيان بعض المقدمات المفوتة
وغيرها كما ان في المنجز لو كان له مقدمات ففي كل مقدمة يتوقف عليها وجوده فتتصف
بالوجوب لوجود ملاكه الذي هو بإتيان كل واحد منها ينسد باب انعدام الواجب المنجز
وبالجملة حال المعلق من هذه الجهة حال المنجز من غير فرق بينهما ولذا قلنا بأن
المقدمات المفوتة بالواجب المشروط يجب الاتيان بها مع تقدمها على شرط الوجوب لتحقق
الارادة التي هي منوطة بحصول المعلق وهي تقتضي وجوب تحصيل المقدمات المطلقة
بالاضافة الى الواجب المشروط فان العقل انما يمنع السراية فى المقدمات الوجوبية فى
الواجب المشروط دون المقدمات الوجودية فان من علم بحصول الاستطاعة فيما بعد مع ان
حجه يتوقف وجودا على تحصيل مقدمات متقدمة على شرط الوجوب الذي هو الاستطاعة فانه
يجب تحصيل تلك المقدمات ان قلت ان تلك المقدمات انما يترشح الوجوب اليها بعد وجوب
ذيها ومع فرض عدم
تحقق المقدمة الوجوبية لذيها فلا يتصف ذوها بالوجوب فكيف تتصف المقدمات الوجودية
لذيها حينئذ بالوجوب قلت هذا مسلم لو كان الوجوب فى الحج مثلا موقوفا على وجود
الاستطاعة الخارجية ولكنك قد عرفت ان الوجوب فيه متوقف على الوجود اللحاظي الذي هو
مرآة لما في الخارج فالحاكم اذا علم انطباق الصور الذهنية على ما فى الخارج تكون
على نحوين نحو بعبارة التعليق كقولك حج ان استطعت ونحو بعبارة التنجيز كما لو قال
حج ولا اشكال فى مثل هذه الصورة ان حكمه سابق على حصول الاستطاعة الخارجية فيترشح
على المقدمات الحاصلة قبل الاستطاعة وجوب واما اذا علم بعدم انطباقها على ما في
الخارج بأن علم عدم تحقق الاستطاعة الخارجية فلا اشكال في عدم السراية الى تلك
المقدمات لأن المقصود فيها التوصل الى حصول المطلوب النفسي وبعد العلم بارتفاع
المطلوب النفسي فكيف تسري المطلوبية الى تلك المقدمات إلا أن يكون الموضوع اخذ على
نحو الشرط الفرضي لا على نحو كونه آليا الى ما فى الخارج ومرآتا بإزائه فى الخارج
مثلا ان كنت مولاك فافعل كذا والمقصود افرضني مولاك وافعل كذلك ففى هذه الصورة يسري
الوجوب الى المقدمات مطلقا أي سواء علم بالانطباق ام لم يعلم لان الشرط فى الحقيقة
لم يعتبر له واقعية بل على نحو الفرضية وفرضيته قد حصلت فيترتب الحكم عليه فقد
اتضح مما ذكرنا ان الارادة الفعلية تكون باعثة على الترشح الى مقدمات الوجود سواء أكانت
قبل شرط الوجوب ام متأخرة عنه غاية الامر ان كان الشرط فرضيا يكون الترشح عليها
مطلقا وان كانت على نحو الآلية والطريقية يكون الترشح فى صورة العلم بالانطباق فلا
وجه لما التزمه بعض من انكر الواجب المعلق كما انه على ما اخترناه فى الواجب
المشروط لا يرد
الاشكال بالنسبة الى المقدمات المفوتة التي يجب تحصيلها قبل شرط الوجوب كما ان
بعضهم أراد الفرار عن الاشكال بالنسبة الى بعض ما تسالموا على تحصيل مقدماته
السابقة على زمان الوجوب كالغسل بالليل لصيام الغد مع ان الواجب كالوجوب فى الغد
بتقريب ان الغسل مقدمة للصيام في زمان سابق عليه ولم يجب الا في زمان متأخر فكيف
يجب الغسل الذي هو سابق على الصيام لذلك التجأ الى تأسيس واجب معلق وفسره بما كان
زمان الوجوب مقدما على زمان الواجب لكي تجب مقدماته الوجودية كالغسل مثلا لو لم
يأت به المكلف لفات الواجب المسمى ذلك بالمقدمات المفوتة كما ان المنكرين المواجب
المعلق يدفعون الاشكال المذكور بالالتزام بالوجوب العقلي من باب قبح تفويت الغرض
أو من باب الوجوب النفسي التهيئي وسيأتي إن شاء الله ان في كلا الامرين نظرا وأما
نحن ففى سعة من ذلك لما عرفته من ان الارادة المقرونة بالمحبة والشوق فعلية وان لم
تكن الارادة الفاعلية متحققة فلذا تجب تلك المقدمات الوجودية من جهة فعلية الارادة
المستتبعة لفعلية الوجوب من غير فرق في أقسام الواجب من المشروط والمعلق والمنجز
فتجب جميع المقدمات الوجودية واما فيما لو علق عليه الواجب أو شرط به الوجوب فلا
يجب تحصيل تلك المقدمات من غير فرق بين أن تكون مقدورة أو غير مقدورة كما لا يفرق
بالنسبة الى الآثار والثمرة بين المختار والمشهور.
إن قلت على ما
اخترته يلزم انه لو علم المكلف قبل الوقت بعدم تحصيل الماء بعد الوقت يجب عليه
الطهارة قبل الوقت لأنه من المقدمة الواجبة المفوتة وعلى ما ذكرت يجب تحصيلها
والحال انه من المتسالم عند الاصحاب عدم تحصيل مثل هذه الطهارة.
قلت مقتضى قوله (ع)
: (اذا دخل الوقت وجبت الصلاة والطهور) هو أن ابتداء الاتيان بالطهارة من دخول
الوقت وقد عرفت انه يجب الاتيان بالمقدمات فيما اذا لم يتعلق على امر متوقع كما فى
المقام على انه لو سلم ففى مثل هذه المقدمة لا يجب الاتيان بها لورودها بالنص على
خلاف القاعدة المستفادة من القضية الشرطية فيجب العمل بها تعبدا.
ان قلت على هذا ان
الطهارة المأتي بها قبل الوقت لا تتصف بالمقدمية فلا يستباح بها الدخول فى الصلاة
من غير فرق بين قصد التوصل بهذه الطهارة الى الصلاة او لغاية اخرى كمس كتابة
القرآن مع انه لا يلتزم به أحد من الفقهاء رضوان الله عليهم وقد أجاب بعض أهل
العصر بما حاصله ان الرواية المذكورة لم تدل الا على ان زمان الوجوب بعد دخول
الوقت ولم تدل على ان ابتداء المقدمية من ذلك الحين ولكن لا يخفى ان دلالتها على
كون زمان الوجوب بعد دخول الوقت ولازمه ان يكون ابتداء المقدمية من ذلك الحين إذ
لو لم يكن كذلك لكان يكتفى بمطلق الطهارة ليسري اليه الوجوب على ما عرفت منا سابقا
ان المقدمات الوجودية تجب قبل زمان الواجب فلا تقتضي الاعادة وبالجملة دلالة
الرواية على ان ابتداء المقدمية من دخول الوقت بالدلالة الالتزامية فلذا يجب
الخروج عما ذكرنا من القاعدة المستفادة من القضايا الشرطية فالحق في الجواب عن ذلك
ان يقال بأن الطهارة في ذلك الحين لا تتصف بالمقدمية لأن الطهارة المأتي بها لغاية
اخرى ليست مقدمة للصلاة بل المقدمة لها هي الطهارة الباقية بعد الوقت المقارنة
لزمان الصلاة ودعوى انه يجب حفظ تلك الطهارة بعد حصولها قبل الوقت ممنوعة لأن
مقدميتها لم تؤخذ على سبيل الاطلاق بل اخذت على نحو لو حصلت من باب الاتفاق فلذا
تسالم
الأصحاب على عدم
وجوب حفظ الطهارة المائية قبل الوقت وبالجملة ان لوحظ ما تسالم عليه الأصحاب من
جواز تفويت الطهارة المائية قبل الوقت ولوحظ قوله (ع) : (اذا دخل الوقت وجبت
الصلاة والطهور وقوله (ع) (لا صلاة إلا بطهور) يفهم أن للصلاة مقدمتين طهارة حادثة
بعد الوقت وطهارة باقية من الوضوء الحاصل قبل الوقت وهذه ليست متصفة بالمقدمة ولا
يجب تحصيلها قبل دخول الوقت كما لا يجب المحافظة عليها بل ربما يقال أن مفهوم قوله
(ع) (اذا دخل الوقت وجبت الصلاة والطهور عدم مقدمية الطهارة قبل الوقت اللهم إلا
أن يقال بأن دعوى ذلك على الاطلاق ممنوعة اذ ذلك يسلم لو قصد الاتيان بها قبل الوقت
بداع الصلاة واما لو لم يأت بها بذلك الداعي فنمنع دلالة المفهوم بمقتضى قوله (ع) (لا
صلاة إلا بطهور) نعم قد يقال بمنع الاطلاق لعدم دلالة القضية الشرطية على المفهوم
إذ مفادها توقف الصلاة على الطهارة فقط من دون تعرض لكون وجوب الصلاة على جميع
التقادير أو على تقدير خاص ، وبعبارة أخرى إن الاشكال على المختار من لزوم وجوب
الوضوء قبل الوقت بالوجوب التعييني فيما لو علم المكلف بعجزه عنه فى الوقت أو
بالوجوب التخييري فيما لو علم باستمرار تمكنه منه في الوقت مع ان الاجماع منعقد
على عدم وجوب الوضوء قبل الوقت للصلاة الواجبة فيه بل على عدم مشروعيته لها فى غير
محله لما عرفت من ان المستفاد من قوله : (ع) (إذا دخل الوقت وجبت الصلاة والطهور)
المؤيد بالاتفاق المذكور هو عدم تحقق المصلحة الغيرية في الوضوء السابق على الوقت
الذي هو ملاك المقدمية. نعم يستكشف من تسالم الأصحاب على تحقق المصلحة الغيرية
فيما لو أتى بالوضوء لغاية اخرى مشروطة واستمر الى ما بعد الوقت وحينئذ
تتصف بالمقدمية
وأما بالنسبة الى ما قبل الوقت فهو كسائر الوضوءات يجوز نقضه كما يجوز نقض غيره
ولو لا ذلك لقلنا بوجوبه قبل الوقت نظير سائر المقدمات الوجودية من غير فرق بين كونها
من المقدمات المفوتة وبين غيرها. غاية الامر فى المفوتة تجب تعيينا وفي غيرها تجب
تخييرا كما انه لا يفرق بين كون المقدمات من قبيل وجوب التعلم وبين غيره فيجب
تعيينا ان كان ترك التعلم يوجب تفويت الواجب بعجزه عن امتثاله. واما اذا لم يوجب
العجز عن الامتثال بل كان ممكنا ولو بطريق الاحتياط فيجب التعلم تخييرا هذا على
المختار واما على المشهور فيجب التعلم من باب الامتناع بالاختيار لا ينافي
الاختيار فما عن بعض الاعاظم (قدسسره) من أن وجوب التعلم ليس من المقدمات المفوتة ولذا تمسك في
وجوبه بقاعدة وجوب رفع الضرر المحتمل ولم يتمسك بقاعدة الامتناع بالاختيار لا
ينافي الاختيار محل نظر لما عرفت من ان ترك التعلم تارة يوجب العجز عن الامتثال
ويكون من المقدمات المفوتة فعلى المختار تجب تعيينا وعلى المشهور تجب من باب
الامتناع بالاختيار لا ينافى الاختيار ، واخرى لا يوجب تركه العجز عن الامتثال بل
يمكن امتثالها ولو بطريق الاحتياط فلا تكون حينئذ من المقدمات المفوتة فعلى
المختار تجب تخييرا وعلى المشهور لا تجب أصلا.
وينبغي التنبيه
على أمور (الأول) ان ظاهر القضية الشرطية هو رجوع القيد الى الهيئة ولذا التزم
المشهور بهذا الظهور وجعل القيد من قيود الهيئة إلا أن من يرجع الواجب المشروط الى
المعلق كما هو المنسوب الى الشيخ الأنصاري (قدسسره) أو من ينكر الواجب المعلق كما يدعيه بعض من تأخر لا بد له
من صرف الظهور الى إرجاع القيد الى المادة على الاول والمادة المنتسبة على الثاني
لجهتين : الاولى أن مفاد الهيئة معنى حرفي وهو جزئي غير قابل لارجاع القيد
اليه لعدم اطلاق
فيه لكي يصلح للتقييد. الثانية ان معاني الحروف معان مغفول عنها لكونها ملحوظة
باللحاظ الآلي ولا يصح ارجاع القيد الى ما هو كذلك اذ لازمه ملاحظته باللحاظ
الاستقلالي ولكن لا يخفى ما فيهما.
أما عن الاولى
فلأن معاني الحروف على ما عرفت منا سابقا انها موضوعة بالوضع العام والموضوع له
عام فهي كلية صالحة للتقييد ولو سلم بأنها جزئيات فحينئذ يمنع تقييدها من حيث
الافراد وأما بالنسبة الى الاحوال فلا مانع من تقييدها من تلك الحيثية ، كما انه
لا مانع من إطلاقها من تلك الجهة ، واما عن الثانية فقد عرفت منا سابقا بأن معاني
الحروف من خصوصيات المعنى الاسمي ومع كونها كذلك كيف تكون مما يغفل عنها مع انها
معان مقصودة بالافادة ولذا صححنا إرجاع القيد الى الهيئة التي هي من المعاني
الحرفية من دون حاجة الى ارجاعها الى المادة فرارا عن ذلك أو إرجاعها الى المادة
المنتسبة فرارا من الالتزام بالواجب المعلق مع انه يرد على الاخير ان الانتساب
معنى حرفي وارجاع القيد الى المادة المقيدة بالمعنى الحرفي في الحقيقة تقييد
للمعنى الحرفى ان جعل المقيد نفس الانتساب ، وان جعل المقيد نفس المادة التي هي
توأم مع القيد فيكون من الواجب المعلق الذي لا يقول به هذا القائل وكيف يلتزم بعدم
تحقق الواجب المعلق مع تحققه بالتكليف بالاجزاء التدريجية فإن الجزء الثاني منها
يكون التكليف به فعليا عند امتثال الجزء الاول مع كون الواجب وهو الجزء الثاني
مستقبلا والالتزام بالفعلية التدريجية في مقام الامتثال التدريجي فى غير محله إذ
لازم ذلك انا لو شككنا في جزء غير الجزء الأخير يكون من الشك في التكليف مثلا لو
شككنا فى اعتبار جلسة الاستراحة في الركعة الاولى او الثالثة فمع جريان البراءة عن
وجوبها ترتفع
فعلية التكليف بها
وحينئذ نشك فى فعلية باقي الاجزاء للشك فى توجه الخطاب بالباقي مع انه من الواضح
فساده.
ودعوى ان الجزء
الواقع بعد الجزء المشكوك يكون منجزا بمجرد جريان البراءة السابقة وتنجزه مساوق
لفعليته ففي غير محلها ، إذ ذلك يلزم ان تكون مثبتاتها حجة على ان التنجيز انما
يتأتى بعد الفراغ من الجزء السابق فمع الشك في اعتباره يوجب الشك في توجه الخطاب
للجزء اللاحق مع انه من الواضح ان التكليف بالاجزاء التي يحصل امتثالها بالتدريج
يكون فعليا قبل تحقق الاجزاء وعليه فلا بد من الالتزام بالواجب المعلق أو بالشرط
المتأخر كما لا يخفى.
التنبيه الثاني
انك قد عرفت ان الارادة التشريعية على نهج الارادة التكوينية تتحقق مع ان موضوعها
لم يتحقق فلذا تكون فعلية قبله فتجب المقدمات الوجودية باسرها من غير فرق بين
كونها مفوتة أو غير مفوتة غاية الامر ان كانت مفوتة تجب تعيينا وان كانت غير مفوتة
تجب تخييرا فعليه لو جاء نص من الشارع على وجوب بعض المقدمات يحمل على الوجوب
الغيري ويستكشف من ذلك وجود مصلحة غيرية بمتعلقه ، وحينئذ يكون نص الشارع على طبق
القاعدة إلا ان بعضهم أراد الفرار عن ذلك بتأسيس واجب نفسي تهيئي وجعله عبارة عما
تكون الارادة نفسية متحققة فى متعلقه من دون تحقق مبادئها فقال في مقام التقسيم ان
الواجب أما غيري أو نفسي ، والنفسي أما تهيئي وأما غير تهيئي ، لان الارادة ان
كانت مع مبادئها غيرية فالواجب غيري ، وان كانت الارادة نفسية مع مبادئها فنفسي ،
وان كانت الارادة نفسية دون مبادئها فهو نفسي تهيئي وجعل المقدمات التي تجب قبل
ذيها من الواجب النفسي التهيئي ، ولكن لا يخفى
ما فيه لأن
الارادة ان اعتبرت مقارنة للعمل فالمقدمات تكون خارجة عن حيز الارادة لاعتبار
مقارنتها له سواء كانت المقدمات قبل وقت العمل او بعده ، فلذا لا تتصف المقدمات
حينئذ بالوجوب الغيري ، وان اعتبرت غير مقارنة للعمل فالمقدمات كلها تتصف بالوجوب
الغيري من غير فرق بينما كان منها قبل الوقت او بعده.
فعليه الواجب
النفسي هو القسم الأول وحينئذ ينحصر في الواجب النفسي غير التهيئي على ان المصلحة
المتحققة في المقدمات التي صارت ملاكا للوجوب التهيئي انما هي عبارة عن التهيؤ
للواجب النفسي وهذه المصلحة ليست ملاكا للوجوب الغيري الذي هو عبارة عن التهيؤ
لفعل الواجب النفسي ، فلا معنى لجعل الوجوب الغيري وجوبا نفسيا تهيئيا. وبالجملة
الواجب اما غيري أو نفسي وليس لنا قسم ثالث يقال له واجب تهيئي.
هذا بناء على ما
هو المختار من ان المراد من الارادة الانقداح نحو الشيء ولو كان مع الواسطة ، واما
بناء على غير المختار من عدم جواز تفكيك الارادة عن المراد فلا معنى لهذا التقسيم
ايضا كما انه لا معنى لهذا التقسيم لو رجع الى مرتبة الارادة أو مرتبة الاشتياق إذ
لا معنى للاشتياق الى الشيء مقدمة للغير اللهم إلا ان يقال انه يمكن هذا التقسيم
أي تقسيم الواجب الى النفسي غير التهيئي والتهيئي والغيري بالنسبة الى مرتبة
التحميل والابراز لأن ابراز الارادة اما ان يكون بالتهيؤ الى توجه خطاب آخر فتهيئي
وان كان ابراز الارادة للتوصل الى وجود واجب آخر فغيري وإلا فنفسي ولكن لا يخفى ان
التقسيم لو رجع الى مقام التحميل والابراز ينبغي التفصيل بين المقدمات الشرعية
والمقدمات العقلية حيث
ان المقدمات
العقلية ليس فيها بعث وخطاب بخلاف الشرعية إلّا ان يدعى ان في العقلية منها بعثا
حيث ان البعث لا يختص بالدلالة المطابقية بل يشمل حتى الدلالة الالتزامية فيتحقق
الانبعاث نحو الشيء ولكن يمكن منع هذه الدعوى بعدم تحقق الدلالة الالتزامية للبعث
نحو الشيء وكيف كان فالمشهور جعلوا التقسيم راجعا الى واقع الارادة فلذا لا معنى
لتثليث الاقسام عندهم ولذا دفعوا الاشكال المذكور بقاعدة الامتناع بالاختيار لا
ينافي الاختيار وبهذه القاعدة أوجبوا الاتيان بالمقدمات المفوتة وحاصلها ان المكلف
اذا علم بتحقق شرط الواجب فى المستقبل وبتعلق التكليف بالفعل الواجب المشتمل على
مصلحة في ظرف متأخر فالعقل يحكم بالاحتفاظ بالقدرة عليه لامتثال ذلك التكليف فى ظرفه
كما هو شأن العقلاء في معاملاتهم الراجعة لانفسهم كما لو علموا بأن في الزمان
المستقبل تكون لهم مصلحة تتعلق ببعض الأمور فلذا يلزمون انفسهم بالاحتفاظ بما
يتمكنون من ايجاد تلك الامور ومع عدم وجدانهم لبعض ما يحصل لهم التمكن من السعي
الى ايجاده قبل مجيء زمان ذلك الفعل وهكذا بالنسبة الى بعض الامور المشتملة على
مفسدة يعلم ابتلائهم بها بعد برهة من الزمن فتجدهم يحصلون على اشياء لمكافحة تلك
المفاسد لكي لا يبتلوا بها واذا كان هذا شأن العقلاء في تحصيل مصالحهم المترقبة
ودفع تلك المفاسد المتأخرة فليكن كذلك بالنسبة الى مصالح الشارع فيجب على من علم
بتوجه الخطاب اليه في الزمن المتأخر الاحتفاظ بتلك القدرة على اتيان تلك الافعال
المشتملة على المصالح ولذا يحكم العقل بإتيان المقدمات المفوتة قبل حصول شرط
الواجب احتفاظا بالقدرة على اتيان الواجب في ظرفه ولازم ذلك استحقاق العقاب عند
تركها لتقصيره بعدم اتيان ما يوجب تفويت الواجب ولكن لا يخفى
أن ذلك مسلم لو
كان التكليف بالواجب متحققا لكي يوجب عدم الاتيان بالمقدمة تفويت الواجب ويكون
مقصرا باعتبار عدم الاتيان بالمقدمات ويعاقب على عدم اتيان الواجب بتقصيره ولا
ينافي ذلك ان يكون ممتنعا إذ امتناعه بالاختيار ، واما اذا لم يكن التكليف بالواجب
متحققا وكان مشروطا بأمر متأخر فمن عدم اتيان المكلف بما يوجب التفويت لا يعد
مقصرا اذ عند حصول الشرط فى الزمان المتأخر لا يتوجه الخطاب اليه لعدم قدرته عليه
ولا يكون من الممتنع بالاختيار على ان المستفاد من القاعدة أن يكون التفويت عن
تقصير فلو كان ذلك يثبت بهذه القاعدة لزم الدور الواضح البطلان مضافا الى ان هذه
القاعدة لا تشمل صورة الجهل لعدم توجه الخطاب حينئذ عند حصول الشرط فلو عوقب معه
لزم قبح العقاب من دون بيان وبهذا الملاك يجري في صورة العلم اذ علم المكلف بأنه
سيخاطب لا يصير بيانا فعليا لكي يجب حفظ القدرة.
وعليه فليس فى
البين ما يوجب تحصيل المقدمات المفوتة سوى ما قلنا بأن الارادة بالنسبة الى
الاحكام الشرعية فعلية قبل حصول الشرط بمعنى ان البعث نحو المقدمة هو حفظ وجود
الواجب من ناحية تلك المقدمة على ما عرفت منا سابقا
التنبيه الثالث
انه لو تردد الواجب بين كونه معلقا او منجزا بمعنى انه قد علم بتقييد الواجب وشك
فى اعتباره بنحو يكون اعتباره لو حصل من باب الاتفاق فيكون من المعلق او يعتبر
قيدا للواجب بنحو يجب تحصيله فلا اشكال فى عدم جواز التمسك بالاطلاق للعلم بتقييد
الواجب إلا انه وقع الشك في كيفية تقييده هل هو على نحو يجب تحصيله أم لا فحينئذ
يرجع الشك في وجوب التحصيل الى الشك فى التكليف فيكون ذلك من موارد جريان البراءة.
(النفى والغيرى)
المبحث الثالث
ينقسم الواجب الى الواجب النفسي والواجب الغيري وعرف الاول بما كان ايجابه لنفسه
لا للتوصل به الى غيره وعرف الثاني بما كان ايجابه للغير لا لنفسه واورد على ذلك
طردا وعكسا لخروج اكثر الواجبات ان لم نقل كلها كالصيام والصيام وغيرهما من
الواجبات النفسية ودخولها فى الواجبات الغيرية لأن الواجبات النفسية بأسرها شرعية
كانت ام عرفية ليس المقصود منها والمطلوب حقيقة إلا التوصل بها الى شيء آخر.
أما الواجبات
الشرعية ، فالمطلوب الحقيقى هو المعرفة كما دلت على ذلك الآية الشريفة) (ما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ
إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) والمراد بالعبادة هي المعرفة على ما ذكرت التفاسير ، واما
فى العرفيات فالمقصود الحقيقي فيها في استراحة النفس والحق فى الجواب عن هذا
الاشكال يتوقف على معرفة الوجوب فنقول الوجوب بمعنى اللزوم واللابدية وهذا هو معنى
الوجوب في التكوينيات فى مقابل الامتناع فيها لأن الشيء اذا وجب وجوده في الخارج
بمعنى انه حصلت علته التامة فلذا يلزم وجوده هذا فى التكوينيات وفى الشرعيات
المراد من الوجوب هو ذلك الوجوب ولكن يفترق عنه بأن ذلك وجوب حقيقى وهذا بنحو من
الادعاء لوجود مقتضيه مثلا نفس خطاب الشارع مقتضى الوجود ويحتاج الى ضم ارادة
العبد واختياره بالطاعة فاذا حكم العقل بلزوم الطاعة وحرمة المخالفة فكأن ذلك
الشيء قد وجدت
تمام علته ولكن بنحو من الادعاء وبنحو من التنزيل فينتزع من ذلك الوجوب أي من مقام
ابراز الارادة وظهورها الوجوب لان العقل يحكم بوجوب الشيء بعد ابراز تلك الارادة.
وبالجملة الوجوب
منتزع من مقام التحميل ومقام الابراز والظهور لتلك الارادة لا من مقام واقع
الارادة وإلا فظاهر ان واقع الارادة غيري وحينئذ فان كان ابراز الطلب بنحو التوصل
به الى واجب فغيري وإلا فنفسي والى ما ذكرنا يرجع ما ذكره الاستاذ (قدسسره) فى الكفاية ما لفظه (وحيث كان طلب شيء وايجابه لا يكاد
يكون بلا داع فان كان الداعي فيه هو التوصل به الى واجب لا يكاد يمكن التوصل بدونه
اليه لتوقفه عليه فالواجب غيري وإلا فهو نفسي سواء كان الداعي محبوبية الواجب
بنفسه كالمعرفة بالله تعالى او محبوبيته بما له من فائدة مترتبة عليه كاكثر
الواجبات من العباديات والتوصليات) إلّا ان الاستاد قد أورد على هذا بقوله (ولكن
لا يخفى أن لداعي لو كان محبوبا .. الخ) ولكنك قد عرفت ان اندفاع هذا الايراد مبني
على واقع الارادة في حين ان التقسيم راجع الى بروز الارادة وليس راجعا الى واقعها
وحيث تخيل رجوع التقسيم الى واقع الارادة توجه عليه ذلك الايراد ولذا تصدى الاستاد
لدفعه فقال (فالاولى ان يقال ان الاثر المترتب عليه وان كان لازما. الخ) ما ملخصه
ان ترتب الفائدة على الواجب يجعله متعنونا بعنوان حسن ويستقل العقل بالمدح على
الموافقة والذم على المخالفة وكان بهذا العنوان الحسن متعلقا للايجاب وتعلقه بما
هو كذلك لا ينافي كونه واقعا مطلوبا غيريا بخلاف الواجب الغيري فانه متمحض للايجاب
بالغير وكونه على نحو المقدمية
فعلى هذا يندفع
ذلك الايراد ولكن لا يخفى ما فيه اولا انه منقوض
بالواجبات النفسية
العرفية مثل اسقني فانه لم يكن فيه عنوان حسن ومصلحة إلا للتوصل به الى استراحة النفس
والحال انه لا اشكال في كونه واجبا نفسيا.
وثانيا ان الاوامر
الشرعية المتعلقة بالعبادات النفسية مثل الصلاة والصيام والحج ونحو ذلك مما هو
عبادة فعلى مختار الاستاد (قدسسره) ان القربة معتبرة فى الغرض وغير معتبرة في المأمور به
فيكون في هذه العبادات جهة توصلية الى الغرض المشتمل على قصد القربة فترتب الغرض
على الواجب يجعله حسنا فيوجب تعلق الوجوب بها فعليه يكون في مقام الترك العقاب على
ترك الغرض المشتمل على قصد القربة وعقابه على ترك الصلاة المعنونة بعنوان حسن حيث
لا اشكال انه لا عقوبة الا واحدة مترتبة على ترك الصلاة فقط.
إن قلت الفوائد لا
تتسع العقوبات (قلت) هذا مسلم في الفوائد التى لم تكن لازمة التحصيل لا مثل ما نحن
فيه فانه لما اخذ قصد التقرب فى الغرض صارت الفائدة واجبة التحصيل فبتركها يترتب
العقاب. نعم لو لم يؤخذ قصد القربة فى الغرض وجوزنا اخذه فى المأمور به ترتب عقاب
واحد لانه حينئذ تكون الفائدة غير لازمة التحصيل لعدم اخذ قصد القربة فيها. واما
لو شك في ذلك فيرجع الشك الى كونها لازمة التحصيل فلا يجب مراعاتها لحصول الشك فى
ذلك فلا يستحق العقوبة على التفويت. هذا كله لو علم كون الواجبات نفسية او غيرية
واما لو شك فى واجب انه نفسي او غيري فان كان هناك اطلاق يقتضي كونه نفسيا لما هو
معلوم ان الوجوب الغيري يحتاج الى مئونة زائدة فبدليل الاطلاق ينفى تلك المئونة.
ودعوى انه لا يصح التمسك بالاطلاق لأن الوجوب النفسي او الغيري من مفاد الهيئة ولا
اطلاق فيها لكونها معنى حرفيا وهو جزئي غير
قابل للاطلاق على
انه مما يغفل عنه وهو غير صالح للتقييد ممنوعة لما عرفت منا سابقا بأن المعاني
الحرفية كلية ومن خصوصيات المعانى الاسمية المقصودة بالافادة وبذلك يصلح للاطلاق
والتقييد وان لم يكن هناك اطلاق فالمرجع هو الاشتغال فيما لو علم بفعلية التكليف
النفسي كالتكليف بالصلاة والشك في وجوب الطهارة انه لنفسه أو لغيره فيجب الاتيان
بالطهارة فى وقت الصلاة للعلم بوجوبها اما نفسيا أو غيريا وجريان البراءة فيما اذا
لم يعلم بفعلية الخطاب كما لو شك في الطهارة قبل وقت الصلاة انها واجبة بالوجوب
الغيري أو بالوجوب النفسي ، وأما لو شك فى كون ما يأتى به نفسيا او غيريا وعلى
تقدير كونه غيريا يكون المقيد واجبا فعليا فالظاهر انه يجب الاتيان به ويكون من
قبيل الاقل والاكثر فان الاقل يجب الاتيان به وان كان مرددا بين كونه نفسيا أو
غيريا ، وتجرى البراءة في الاكثر ثم لا يخفى ان الداعى الى ارتكاب هذا التقسيم هو
ابطال الثمرة التي رتبوها على القول بوجوب المقدمة وعدم وجوبها فعلى القول بوجوبها
يحصل بتركها عقوبتان وعلى الثاني عقوبة واحدة صرح بذلك اكثر المحققين وزاد
المتأخرون ابطال تلك الثمرة فقسموا الواجب الى قسمين فكأنهم يقولون لا ملازمة بين
وجوب شيء وبين استحقاق العقوبة وانما ذلك فى الواجبات النفسية دون الغيرية ولكن لا
يخفى ان ذلك على خلاف التحقيق عند من له النظر الدقيق لان مناط الاستحقاق في
العقوبات على الطغيان واظهار المعصية وذلك ان ما يحصل من العصيان من حين ترك
المقدمة فان من رمى رجلا وبعد ساعة يصل له السهم ويقتل فهل ترى العقلاء ينتظرون
الوصول لكي يذموه بل بمجرد رميه يذمونه ويقبحونه وللمولى ان يعاقبه لأنه اظهر
المعصية واظهر الطغيان على المولى وسيأتي بيان ذلك فى مسئلة
التجري إن شاء
الله تعالى.
ان قلت اذا كان
حين ترك المقدمة يعاقب فيقتضي ان يكون هناك عقوبتان عقوبة على ترك المقدمة وعقوبة
على ترك ذيها ولازم ذلك ان تتعدد العقوبات على المقدمات المتعددة ولا اشكال في
بطلان ذلك.
قلت ان مرحلة تعدد
العقوبة واتحادها تابعة لتعدد الغرض واتحاده ، واذا كانت المقدمات متعددة والغرض
واحد يعاقب عقوبة واحدة لانه فوت غرضا واحدا ، ولو كانت مقدمة واحدة ولها غرضان
يعاقب عقوبتين لانه فوت غرضين
ان قلت اذا كانت
وحدة العقوبة وتعددها تابعة لتعدد الغرض ووحدته فيلزم ان يكون التارك للشريعة كلها
يقتضي ان يعاقب عقوبة واحدة لأن الغرض من كل الشريعة واحد وهو المعرفة بمقتضى
الآية.
قلت ان المعرفة لم
تجعل غرضا للاوامر الشرعية بل جعلت لخلق الجن والانس ، ولو سلم فيمكن ان تكون
المعرفة جعلت غرضا في الجملة للتكاليف ولكن كل مرتبة من المعرفة تكون غرضا واحدا
من التكاليف. مثلا يكون الغرض من الوضوء مرتبة من المعرفة غير المرتبة التي هي غرض
من التكاليف بالصلاة
وبالجملة ان
الوجدان شاهد على ان استحقاق العقاب على من اظهر المعصية واظهر التجري على المولى
وان التعدد والاتحاد ملاكهما وحدة الغرض وتعدده كما تجد ان المولى لو أمر باتيان
الماء لرفع العطش والعبد يعلم ان هذا الماء فيه سم ، فلو جاء العبد به الى المولى
استحق العقوبة بتفويت الغرض فالحق في المسألة أن يقال ان الواجبات الغيرية
كالواجبات النفسية ، فكما ان الواجبات النفسية يستحق على فعلها الثواب وعلى تركها
العقاب فكذلك الواجبات الغيرية لأن
الواجبات الغيرية
ينطبق عليها بالاتيان عنوان الانقياد ، وعلى الترك من حينه ينطبق عليه انه اظهر
المعصية على المولى واظهر الطغيان فتجرى وعصى كما لا يخفى
ينبغى التنبيه على امرين
الأول لا ريب في
ترتب الثواب على امتثال الواجبات النفسية وموافقتها سواء قلنا بأنه من باب التفضل
كما ينسب الى المقيد (قدسسره) أو أنه بالاستحقاق كما هو المعروف بين المتكلمين وانما
الكلام في ترتب ذلك على الواجبات الغيرية والظاهر عدم ترتب الثواب على امتثال
الواجبات الغيرية حيث انه يترتب على موافقة التكاليف المحصلة للاغراض النفسية
الموجبة للتكاليف النفسية ، ومن الواضح ان الواجب الغيري لا يترتب على موافقته
الغرض النفسي لكي تكون موافقته موجبة لترتب الثواب. نعم لا مانع من ترتبه على
الواجب النفسي في ظرف الإتيان بالمقدمة بقصد التوصل الى ذيها فان العقلاء يرون
الآتي بالمقدمات الموصلة متشاغلا بامتثال الاوامر النفسية ويعدونه متلبسا
بامتثالها ولذا استحق الآتي بالمقدمات لغاية الاتيان بالواجب النفسي المدح ، وليس
ذلك إلا من رشحات الواجب النفسي لا انه شيء آخر يترتب على اتيان الواجبات الغيرية
كما عرفت منا سابقا بالنسبة الى العقاب ، فان من لم يات بمقدمات الواجب النفسي في
الوقت الذي يجب امتثاله يرونه متلبسا بعصيان الواجب النفسي ولو كان ذلك قبل وقته
ان قلت ما ذكرت
ينافي ما ورد عن الشارع المقدس بترتب الثواب مطلقا أو على خصوص بعض المقدمات.
قلت ان الأوامر
المطلقة كمثل من اطاع الله ورسوله فله أجر عظيم فقد
عرفت مما ذكرنا
سابقا انها تحمل على الاوامر الارشادية لحكم العقل باستحقاق الثواب والعقاب فى
مقام الاطاعة والعصيان ، نعم الاخبار المصرحة بترتب الثواب على خصوص بعض المقدمات
فلا مانع من حملها على كونه ما تترتب عليه مستحبا نفسيا إذ ليس فى الخبر تصريح
باستحقاق الثواب على الاطاعة الغيرية كما هو واضح.
التنبيه الثاني :
انه قد استشكل في الطهارات الثلاث بانها امور عبادية مع ان الامر المتوجه اليها
امرا غيريا غير صالح للتقرب به لكونه امرا توصليا ، وقد اجاب الاستاذ (قدسسره) ما لفظه : (ان المقدمة فيها بنفسها مستحبة وعبادة
وغاياتها انما تكون متوقفة على احدى هذه العبادات فلا بد ان يؤتى بها عبادة وإلّا
فلم يؤت بما هو مقدمة لها) ولكن لا يخفى انه لا يمكن الالتزام بذلك لأن عامة
المتشرعين لا يمتثلون بمثل هذه الطهارات إلا امتثال الامر الغيري ولا يجعل مقاصدهم
عنوانا مشيرا الى المقدمة ولا الى محبوبيتها النفسية. فعليه لا بد من الالتزام ببطلان
عبادتهم ولا يلتزم به أحد ، على ان قصد الامر الغيري لو كان لتضمنه قصد الامر
النفسي الموجب لعباديته فحينئذ يحتاج القصد الى ذلك الى الالتفات اليه ، ومن
الواضح انه يمكن ايقاع الطهارات الثلاث بصرف داعي الأمر الغيري مع الغفلة عن
عباديتها وقد اجيب عن ذلك بجوابين آخرين أحدهما ما حاصله ان عبادية الطهارات ليست
لأجل امتثال امرها الغيري بل لتعنونها بعنوان تصير به عبادة ، وقد تعلق بها الأمر
الغيري بما انها معنونة بذلك العنوان. وحيث ان ذلك العنوان مجهول وقد امكن تحصيله
بقصد امرها الغيري لذا احتجنا الى قصده للاشارة الى ذلك العنوان ، ولكن لا يخفى ان
ذلك لا يجري فيما إذا كانت
عباديته ذاتية
كالخضوع والركوع والسجود لعدم احتياج ذلك فيها الى قصد العنوان على انه يمكن
الاشارة اليه فيها بنحو التوصيف لا بنحو الغاية.
ثانيهما ان عبادية
الطهارات ليست من مقتضيات الامر الغيري بل من جهة ان الغرض منها لا يترتب إلّا
بذلك ولكن لا يخفى ان ذلك خلاف امتثال عامة المتشرعة فانهم كما عرفت لا يقصدون
بامتثالهم الا امتثال الامر الغيري من دون اشارة الى شيء ، وذلك ليس إلّا انه من
مقتضيات الامر الغيري فقط. فما افاده الاستاذ (قدسسره) ما لفظه : (والاكتفاء بقصد امرها الغيري فانما هو لاجل
انه يدعو الى ما هو كذلك فى نفسه حيث انه لا يدعو إلّا الى ما هو المقدمة) بما
توضيحه ان المتعلق في الطهارات ليست ذوات الافعال بل هي مع قصد امرها النفسي وقد
تعلق الامر الغيري بالافعال مع هذا القصد ، فحينئذ يكون قصد امرها الغيري قصدا
للامر النفسي الذي هو جزء من متعلق الامر الغيري محل نظر لما عرفت انه من الممكن
الاتيان بذوات الافعال المسمّاة بالطهارات الثلاث بقصد امرها الغيري من دون التفات
الى كونها مستحبات نفسية وقد عرفت مع عدم الالتفات الى كونها كذلك فلا معنى لكون
قصد الامر النفسي يحصل من دون قصد الامر الغيري ، ثم ان بعض الاعاظم قد صحح عبادية
الطهارات الثلاث بما صحح عبادية الواجب النفسي لبنائه على ان الامر المتعلق بذي
المقدمة المركب من الاجزاء ينحل الى اوامر ضمنية بعدد الاجزاء كذلك له تعلق
بشرائطه ، غاية الامر في الاجزاء تكون الاجزاء داخلة تحت الأمر قيدا وتقييدا وفى
الشرائط تقييدا لا قيدا ، ولكنه لا يخفى انك قد عرفت ان ذلك يوجب خروج الشرط عن
الشرطية ويجعله جزءا مع انه لو كانت الشرائط
تجب بالوجوب
النفسي فلا مجال لترشح الوجوب الغيري عليها كما لا يخفى. فالحق في الجواب ان يقال هو
ان العقلاء يرون من تلبس بالمقدمة مطيعا وينطبق عليه عنوان الانقياد ويستحق المدح
والثواب بالشروع بالمقدمة ويترتب ثواب الواجب النفسي عند الشروع فيها كما انه
يترتب عقابه بترك المقدمات. ولازم ذلك ان يكون الآتي بالمقدمة بقصد التوصل بها
اليه قدم عدم ترتب ثواب الواجب النفسي والمدح على اتيانه به والعقاب والذم على
تركه ما لم يقصد الايصال. ولكن لا يخفى ان هذا الوجه يتم بناء على اعتبار قصد
الايصال في المقدمة. واما على القول بعدم الاعتبار كما هو المختار فلا يتم ذلك فى
بعض الفروض فعليه يشكل ترتب الثواب والعقاب فيما اذا لم يقصد الايصال ، فالذي يكون
رافعا للاشكال بحذافيره هو ان الامر الغيري يترشح على ما هو مقدمة وهي ذوات
الافعال مع قصد التقرب فينبسط الامر الغيري على ذوات الافعال وعلى قصد التقرب كما
ينبسط الامر النفسي المتعلق بمركب ذي اجزاء فيكون لكل جزء امرا ضمنيا بنحو يكون
بالنسبة للامر الآخر المتعلق بجزء آخر بنحو يكون توأما معه فالامر المتعلق بذوات
الافعال يكون مع الامر المتعلق بقصد التقرب بنحو التوأمية من غير فرق بالنسبة الى
اجزاء المركب بين كونها كلها خارجية ، او بعضها خارجية ، وبعضها ذهنية كالمقام ،
لاشتماله على الجزء الذهني وهو قصد التقرب فالامر الغيري ينحل الى امرين : امر
تعلق بذوات الافعال من الطهارات ، وامر تعلق بها مع قصد التقرب ، وهذا الانحلال
اليهما كان بنحو الطولية لطولية متعلقهما ، فان الجزء الذهني الذي هو قصد التقرب
ليس فى عرض ذوات الافعال وانما نسبتها اليه نسبة العرض الى معروضه وبذلك يرتفع
محذور الدور ، بيان ذلك ان الامر الغيري كما تعلق
بمركب او بمقيد
فينبسط على ما تركب من الاجزاء الخارجية كانت او عقلية ولازم ذلك انحلال ذلك الامر
الى اوامر ضمنية غيرية فيأخذ كل جزء امرا ضمنيا غيريا فتكون ذوات الافعال من الطهارات
الثلاث متعلقة للامر الضمني ، فلو اتى بها يوجب سقوط الامر المتعلق بها لحصول
متعلقه. ودعوى ان ذلك من لوازم القول باعتبار قصد الايصال فى المقدمة في غير محلها
اذ انبساط الامر الغيري على الاجزاء الموجب لانحلاله الى اوامر عديدة فيكون كل جزء
مأمورا به بامر ضمني بمعنى ان الامر الغيري الضمني المتعلق بذات الفعل التوأم مع
قصد القربة ، وحينئذ الامر الغيري لم يتوجه الى ذوات الافعال من الطهارات باعتبار
ايصالها او بما انها عبادة بل تعلق بذوات الافعال الصرفة من دون دخل شيء فيها ،
وحيث انها متعلقة له بنحو التوأمية يكون الاتيان بها موجبا لسقوط الامر المتعلق
بها ولا يسقط إلّا إذا اتى بها منضمة الى بقية الاجزاء.
والحاصل ان دفع
اشكال عبادية الطهارات من ناحية انها مقدمة اما بقصد التوصل الى ذيها ففي ظرف
الاتيان بالمقدمة حينئذ ينطبق على المكلف عنوان الانقياد ومع الترك ينطبق عليه
عنوان العصيان واما بقصد الامر الغيري المتعلق بذوات الافعال من الطهارات مع قصد
التقرب المنحل الى اوامر ضمنية
__________________
ويأخذ كل جزء من المتعلق
حصة منه بنحو التوأمية لان الاوامر الضمنية ناشئة من ارادة واحدة فلذا لا يسقط كل
امر باتيان متعلقه الا بضمه الى بقية الاجزاء
(الاصلى والتبعى)
المبحث الرابع :
ينقسم الواجب الى الاصلي والتبعي وبيان ذلك
__________________
يتوقف على معرفة
ان هذا التقسيم راجع الى الارادة ام الى ابرازها. فنقول الظاهر انها ترجع الى
ابراز الارادة لا الى نفسها لانك قد عرفت فيما سبق انها دائما تكون تابعة للغرض
الذي ينزف عليها فلا يكون التقسيم راجعا اليها إذ التقسيم ناظر الى الواجب الغيري
لا مطلق الواجب بان يكون الواجب النفسي من قبيل الاصلي والواجب الغيري من قبيل
التبعي وإلّا لكان اصطلاحا فى تسمية الواجب النفسي بالاصلي والغيري بالتبعي وهو لا
يناسب جعله في مقابل النفسي والغيري كما انه لم يكن ملحوظا فى حال التقسيم كيفية
لحاظ الموضوع ، فان كان لحاظه اصليا كان الحكم مثله اصليا ، وان كان لحاظه تبعيا
كان الحكم مثله تبعيا لما نجد
__________________
من الاختلاف بين
الحكم ولحاظ موضوعه فربما يكون اللحاظ اصليا والحكم تبعيا مثلا المولى قد يلحظ
المقدمات لحاظا أصلا ويخص الحكم بذي المقدمات فيكون الحكم على المقدمات حكما تبعيا
مع ان اللحاظ اصلي وقد ينعكس الحال فتكون المقدمات ملحوظة تبعا لكن الحكم يكون
اصليا كما في المتلازمات فان لحاظ احد المتلازمين بلحظ فيه ملازمه تبعيا والحكم
بان كل واحد منهما اصلي فانما هو راجع الى مقام التحميل ومقام التكليف.
فتحصل من هذا ان
مرجع التقسيم ليس الى لب الارادة ولا الى كيفية اللحاظ بل يرجع الى مرحلة التحميل
وابراز الارادة فان ابرز إراداته المتضمنة للتكليف بنحو الاستقلال كان اصليا وإلا
كان تبعيا. هذا كله فيما لو علم كون الواجب اصليا او تبعيا ، واما لو شك في واجب
انه اصلي او تبعي قيل
__________________
ان التبعية تثبت
باصالة عدم تعلق خطاب به مستقلا اذا فرض له اثر شرعي إلّا انه محل نظر لعدم جريانها الا على القول بالاصل
المثبت.
ثم لا يخفى على ما
ذكرنا من رجوع التقسيم الى مقام الدلالة اتضح جريان التقسيم فى الواجبات النفسية
كما يجري في الواجبات الغيرية اذ كما ان الواجب الغيري تارة يكون مستقلا بابراز
الارادة فيكون اصليا واخرى لا يكون مستقلا فيكون تبعيا كذلك الواجبات النفسية
فتارة تستقل بالخطاب كما في جل الواجبات النفسية واخرى تستقل كما انه لو لاحظ احد
المتلازمين وحكم على ما لاحظه ونشأ منه الحكم على الملازم الآخر حكما تبعيا لا
اصليا بناء على جواز الحكم على المتلازمين بحكمين فاتضح بذلك ان التبعية لا تتحقق
بالنسبة الى الواجبات النفسية الا في المتلازمين دون غيرها.
__________________
(تنبيه) : الغرض
المقصود من هذا التقسيم في كلمات القوم هو دفع الاشكال الوارد عليهم وهو انه كيف
يحكم على الغير الملتفت اليه بالحكم الخاص كما فى مثل مقامنا فان المقدمة غير
ملتفت اليها مع انه يقال انها محكومة بحكم خاص كالوجوب مثلا ووجه كون هذا التقسيم
دافعا لذلك بان يقال انه عندنا وجوب تبعي وتتصف المقدمة به ولو كانت غير ملتفت
اليها فلا منافات بين ترشح الحكم وبين عدم الالتفات لظهور ان الالتفات الى
الملازمة كاف في ايجابها.
(التعيينى والتخييرى)
المبحث الخامس :
ينقسم الواجب الى التخييري والتعييني لان الامر ان تعلق بمعين خاص من دون ان يكون
له عدل فهو التعييني كالامر المتعلق بالصلاة والزكاة في قوله تعالى (أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ) ، واما ان يتعلق الامر باحد الشيئين او الاشياء فهو الواجب
التخييري لا اشكال ولا ريب فى تصوير الاول وانما الكلام فى الواجب التخييري فنقول
لو تعلق الامر باحد الشيئين او الاشياء ففي وجوب كل منهما على التخيير او وجوب
الواحد لا بعينه او وجوب كل منهما مع السقوط بفعل احدهما او وجوب المعين عند الله
اقوال وقبل الخوض فى تنقيح المقام يستدعي بيان مقدمة وهي ان التخيير تارة يكون
ارشاديا والحاكم بذلك هو العقل ولا يمكن تعلق الامر بهذا النحو من التخيير على نحو
الالزام كما في الضدين الذين لا ثالث لهما أو بين النقيضين إذ في هذه الصورة لا
موقع للحكم الالزامي المولوي إذ عليه يترتب مثوبة على الموافقة وعقوبة
على المخالفة وهما
لا يترتبان إلا فيما يمكن فيه العصيان أما فيما لا يحصل العصيان فلا يعقل أن يتعلق
به امر تخييري بين الفعل مطلقا وبين الترك مطلقا نعم لو كان في احد الطرفين تقييد
كأن كان احد الطرفين عبادة على القول بامكان اخذ قصد التقرب في المأمور به فيمكن
تعلق الامر بهما إذ بالتقييد يخرج عما نحن فيه إذ يكون له حينئذ ضد ثالث لتحقق
العصيان لو خالف الامر التخييري بان يأتي بالفعل مطلقا هذا على القول بامكان اخذ
قصد القربة.
وأما على مختار
الاستاذ (قدسسره) من عدم امكان اخذ قصد القربة في المتعلق فلا يمكن تعلق
الامر به تخييرا لأن الذات صارت مطلقة على ذلك التقدير وكذلك على ما اخترناه من ان
الذات التي هى مع قصد القربة ليست مطلقة ولا مقيدة بل ذات مهملة اخذت توأما مع
القيد لأن الذات التي مع القيد تكون حينئذ عين تلك الذات التي بدون القيد فلم
يتحقق ضد ثالث فلذا لا يتحقق العصيان على ما اخترناه واخرى تخييرا فرعيا وهو ما
أمكن تعلق الامر التخييري الالزامي به كما فى مورد الامر به تخييرا وثالثه تخييرا
اصوليا كما في التخيير في باب تعارض الخبرين مع فقد المرجح فانه يحكم بالتخيير بين
الاخذ باحد الخبرين وفرق واضح بين الاخيرين ، إذ الاول منهما التخيير فيما يتعلق
به الامر وفى الثاني التخيير فى مدرك الموضوع للامر التعييني بحيث لو اختار احد
الخبرين تعين عليه كالتخيير بين السفر والحضر ، فان سافر وجب القصر وان لم يسافر
وجب تمام ففي الحقيقة الشخص يكون مخيرا بين موضوعي الامر والذي هو محل الكلام هو
القسم الثاني من اقسام التخيير المسمى بالتخيير الفرعي وقد عرف بالواجب الذي له
بدل وانه يسقط بفعل احد طرفى التخيير وهما اما ان يكونا من قبيل
المتواطي او من
قبيل المشكك المختلفين بحسب القلة والكثرة أو من قبيل المتباينين لأنه اما ان يكون
بين الطرفين جامع أو لا وعلى الاول فاما ان ينطبق الجامع على الطرفين بالسوية
كالتخيير بين زيد وعمر فهو المتواطي وإلّا فهو المشكك كالتخيير بين الاقل والاكثر
مثل التخيير بين الواحد والاكثر في التسبيحات الاربع وكالخط بين الطويل والقصير
وعلى الثاني أي لا يكون بينهما جامع كخصال الكفارة فهو المتباينين. اذا عرفت هذه
المقدمة فاعلم ان حقيقة الواجب التخييري هو تعلق الارادة بكل من الطرفين إلّا انها
ليست ارادة تامة التي هي عبارة عن سد ابواب العدم من جميع الانحاء وانما هي ارادة
ناقصة تتعلق بكل واحد من الطرفين التي هي عبارة عن سد ابواب العدم إلا من ناحية
وجود الطرف المقابل بمعنى انها تسد ابواب عدمه الا باب عدمه فى ظرف وجود الطرف
المقابل بنحو لا تكون الارادة المتعلقة بكل واحد من الطرفين محركة فى حال وجود الطرف
الآخر ولازم ذلك هو جواز ترك احدهما في ظرف وجود الآخر وعليه تكون كل خصوصية من
الطرفين او الاطراف متعلقة للارادة وحينئذ يكون التخيير بين الطرفين شرعيا لتعلق
الامر الناشئ عن الارادة بكل واحد من الطرفين او الاطراف مع الخصوصية المقومة
للفردية.
وبما ذكرنا لا
يلزم من الالتزام بالواجب التخييري الشرعي محذور صدور الواحد من الكثير اذ ذلك لو
سلم في مثل المقام فانما هو لو فرض كون الارادة المتعلقة بالطرفين ارادة تامة وقد
عرفت انها ارادة ناقصة تتعلق بكل من الطرفين فما ذكره الاستاذ (قدسسره) فى الكفاية ما ملخصه انه ان كان كل من الطرفين وافيا بغرض
واحد ولم يكن لخصوصية كل واحد منهما دخل فى الغرض بل كلاهما
مشتركان فى مقام
التأثير فيكون الواجب فى هذه الصورة هو الجامع بينهما بمناط انهما يشتركان فى
التأثير لأن الواحد لا يصدر منه إلا شىء واحد فلا يصدر الواحد من الاثنين لظهور
السنخية بين العلة والمعلول فيكون التخيير عقليا محل تأمل بل منع لما عرفت ان ذلك
يتم لو كانت الارادة المتعلقة بالاطراف ارادة تامة ولا يعقل تحققها فى كل واحد من
الطرفين إلا بارجاعهما الى ارادة متعلقة بالقدر الجامع بين الطرفين ولازم ذلك أن
يرجع التخيير الى كونه عقليا لا شرعيا مضافا الى أن هذا الكلام يتم بناء على تعلق
الاوامر بالطبائع ، وأما على ما اخترنا من سراية الاوامر والنواهي من تلك الطبائع
الى تلك الحصص فتكون تلك الحصص مأمورة بالامر الشرعي الناشئ عن الارادة إلّا انها
حسب ما عرفت انها ناقصة بمعنى انها ناقصة في محركيتها اي ليست محركة للاتيان
بمتعلقها فى ظرف وجود الطرف الآخر فيكون التخيير بين الطرفين أو الاطراف شرعيا من
غير فرق بين أن تكون الاطراف تشترك في غرض واحد او لكل واحد منها غرض وليس في المقام اشكال سوى الالتزام بتعدد العقوبة لو تركت
__________________
الاطراف ، ولكن لا
يخفى انه لا مانع من الالتزام بذلك لتعدد الارادات الموجية لتعدد العقوبات على ان
العقاب وعدمه يتبع فوت المصلحة فان كانت المصلحة فى الجميع واحدة فبترك جميع
الاطراف تفوت مصلحة واحدة فيترتب عليه عقاب واحد ، والاستاذ (قدسسره) لم يتعرض لمرحلة للعقوبة بل اعرض
__________________
عنها ويمكن ان
يكون قد اعتمد على ما سيجيء في مسألة الترتب حيث قال ما لفظه (لا اظن ان يلتزم
القائل بالترتب بما هو لازمه من الاستحقاق فى صورة مخالفة الامرين لعقوبتين ضرورة
قبح العقاب ... الخ.)
وحاصله اناط وحدة
العقوبة وتعددها بالقدرة ولما لم يكن في هذا المقام قادرا فيكون العقاب واحدا وقد
عرفت منا غير مرة انه لم تكن وحدة العقوبة وتعددها منوطين بالقدرة وانما هما
منوطان بموافقة الامر ومخالفته.
ومما ذكرنا يظهر
انه لا وجه لارجاع التخيير الشرعي الى العقلي يجعل متعلق التكليف هو القدر الجامع
أو العنوان الانتزاعي لما عرفت انه خلاف ظاهر الخطاب المتعلق بكل واحد من الاطراف
على ان الامر الناشئ من الارادة لا يتعلق بالعنوان الانتزاعي الا يجعله آلة لما
ينطبق ذلك العنوان فالمعنون بخصوصيته قد تعلق به الطلب وحينئذ يكون التخيير شرعيا
وقد صحح بعض الاعاظم (قدسسره) التخيير الشرعي بتعلق الارادة التشريعية بكل من الاطراف
إذ كما انها تتعلق بالامر المعين تتعلق بالامر المبهم القابل للانطباق على كل من
الطرفين وفرق بين الارادتين وقال بان الارادة التكوينية لا يمكن ان تتعلق بالامر
المبهم وانما تتعلق بالفرد لما هو معلوم انها لا تتعلق بالكلي في الخارج إلا مع
الخصوصيات واستدل على ذلك بان الارادة التكوينية محركة لعضلات المريد نحو الفعل
ولا يعقل تحريكها نحو الفعل المردد بخلاف الارادة التشريعية حيث انها عبارة عن
احداث الداعي للمكلف نحو الفعل وذلك كما يمكن تعلقه بمعين يمكن تعلقه بامر مردد ،
بمعنى ان المطلوب ليس خصوص واحد منهما بعينه وانما المطلوب امر مبهم قابل للانطباق
على أي واحد من الاطراف ، ولذا ترى ان المولى يأمر عبده باتيان أحد الشيئين
أو الاشياء فالعرف
يرى ان كل واحد من الشيئين أو الاشياء امر مطلوب ، ولكن لا يخفى ان الارادة
التشريعية كالارادة التكوينية لا يمكن ان تتعلق بالمردد حيث انها محركة لارادة
المأمور به فى مقام الامتثال إذ لا معنى للامتثال إلا اتيان مراد المولى ولا يعقل
ان تتعلق ارادة المأمور به في مقام الامتثال إلا بامر معين فعليه ان الارادة
التشريعية لا يعقل ان تتعلق بامر مبهم إلا انك قد عرفت انها اذا كانت تامة أي
بمعنى سد ابواب انعدامه من جميع الجهات. واما إذا كانت ناقصة بمعنى نقصا في
محركيتها فتوجب سد ابواب العدم إلا من ناحية وجود الطرف الآخر فلا يكون مطلوبا مع
وجود الطرف الآخر وقد صححنا الواجب التخييري بذلك.
ثم لا يخفى انه
وقع الكلام فى التخيير بين الأقل والاكثر فقد يقال بعدم امكانه فان التخيير بين
الطرفين لا يحصل إلا بان يتحقق لهما عدمان وهما عدم الضد في حال وجود الضد الآخر
وعدمه فى حال عدم الآخر حتى يكون احد العدمين مرخصا فيه وبالآخر منهيا عنه كما ترى
ذلك في المتباينتين ، ومقامنا ليس من ذلك القبيل فان الاكثر له عدمان عدم فى حال
عدم الاقل وعدم مع وجود الاقل والاقل ليس كذلك فان له عدما واحدا وهو عدم الاقل في
حال عدم الاكثر وليس له عدم في حال وجود الاكثر لانه موجود في ضمن الاكثر بعينه
فاذا صار موجودا فيكون ذات الاقل واجبا بالوجوب التعيينى فلم يبق لنا معنى للتخيير
إلا بين حد الاقل وحد الاكثر ، فان ذلك يمكن تصور التخيير بينهما إلّا انه يخرج عن
التخيير بين الاقل والاكثر ويكون من قبيل المتباينين ويتحقق في الاقل حينئذ عدمان
، ولكن لا يخفى ان التخيير الشرعي فيما اذ لم يكونا
ضدين لا ثالث لهما
إذ لو كان كذلك فلا يعقل جريان التخيير الشرعي بل يكون التخيير ارشادا الى حكم
العقل اذ الحدان ضدان لا ثالث لهما لأنه بعد ما وجب الاقل على ما عرفت تعيينا فبعد
وجوده لا يعقل توجه التخيير الشرعي لانهما ضدان لا ثالث لهما لأنه ان اقتصر على
الاقل تحقق حد الاقل وإلا تحقق حد الاكثر.
وقد انقدح بما
ذكرنا انه لا يعقل التخيير بين الاقل والاكثر. نعم يمكن التخيير بنحو الارشاد بان
يكون التخيير بين الحدين. وبما ذكرنا يمكن المصالحة بين من يقول بعدم الجواز مراده
التخيير المولوي والقائل بالجواز مراده الارشادي ولا يخفى ان ما ذكرنا من التخيير
الشرعي بين الاقل والاكثر فيما اذا لم يكن الاقل مأخوذا بشرط لا كالتخيير بين
القصر والاتمام في اماكن التخيير إذ هو في الحقيقة يرجع الى التخيير بين
المتباينين لأخذ الاقل بشرط لا.
وبالجملة محل
البحث فى التخيير بين الاقل والاكثر هو اعتبار الاقل لا بشرط فان اخذ الأقل بذاته
اي اعتبر لا بشرط فتحقق التخييري في التدريجيات محل نظر إذ اتيان الاقل بذاته يوجب
سقوط الامر التخييري فلا يبقى وجه لوجوب الباقي فلذا لا يجتمع وجوب الاقل لا بشرط
مع وجوب الاكثر واما فى الدفعيات فتصوره مشكل إذ يجوز ترك الزائد على الاقل لا الى
بدل فحينئذ يخرج عن كون الاكثر عدلا لعدم وجوبه اصلا لا تعيينيا ولا تخييرا اما
عدم كونه تعيينيا لجواز تركه والتعيينى لا يجوز تركه اصلا واما تخييرا لجواز ترك
الزائد الذي هو محصل لعنوان الاكثر لا الى بدل.
العينى والكفائى
المبحث السادس :
ينقسم الواجب الى العيني والكفائي لأن الامر ان كان متوجها الى آحاد المكلفين
بالخصوص بنحو لا يكون الاتيان من بعض يوجب سقوطه عن الآخرين كالصلاة والصوم
وغيرهما فهو الواجب العينى وان كان يسقط الواجب بفعل بعض عن الآخرين ولو تركوا
جميعا استحق جميعهم العقاب فهو الواجب الكفائي اما الاول فلا اشكال في تصويره كما
هو اغلب الواجبات العبادية وغير العبادية وانما الكلام فى تصوير الواجب الكفائي
قال الاستاذ (قدسسره) فى الكفاية انه سنخ من الوجوب وله تعلق بكل واحد بحيث لو
أخل بامتثاله الكل لعوقبوا على مخالفته جميعا وان سقط عنهم لو اتى به بعضهم ...
الخ الظاهر ان غرض الاستاذ من كونه سنخا من الوجوب انه نظير سنخ الوجوب التخييري
وان كانا يفترقان من حيث لتعدد فان التعدد هناك في متعلق التكليف مع كون المكلف
واحدا وهنا التعدد في المكلف ثم قال لانه قضية ما إذا كان هناك غرض واحد حصل بفعل
واحد صادر عن الكل أو البعض كما ان الظاهر هو امثال الجميع لو أتوا به دفعة
واستحقاقهم للمثوبة ويسقط الغرض بفعل الكل
كما هو قضية توارد
العلل المتعددة على معلول واحد ولكنك قد عرفت منا
__________________
سابقا ان الارادة
المتعلقة بافعال المكلفين في الواجب التخييري لم تكن ارادة مطلقة وانما هي ارادة
ناقصة فبذلك صححنا الواجب التخييري وبه نصحح الواجب الكفائي فان الارادة المتعلقة
بفعل كل واحد من المكلفين لم تكن مطلقة بنحو يسد باب انعدامه مطلقا اي مطلقا من
حيث وجود فعل الآخر وعدمه وانما تكون مشروطة بعدم فعل الآخر والحاصل ان الواجب
الكفائي مع الواجب التخييري يشتركان فى طلب الفعل على تقدير دون تقدير ويفترق عنه
ان في الواجب التخييري التخيير واقع بين الاشياء كلها وفي الواجب الكفائي واقع بين
اشخاص المكلفين فانهم لو جاءوا بالمأمور به سقط الامتثال والتكليف وهذا السقوط
تارة ينشأ من جهة ارتفاع موضوع التكليف كتغسيل الميت فانه لو غسل يسقط عن الآخرين
لارتفاع موضوعه فلا معنى لتكليف الآخرين واخرى ينشأ من كون الغرض متعلقا بالجامع
فبإتيان البعض يرتفع مقتضى التكليف عن الباقين وثالثة ينشأ من اشتراط الامتثال من
احدهم بعدم القيام به من الغير وفرق بين المنشأ في الاخير وما قبله فانه على
الاخير يمتنع امتثال الجميع دفعة واحدة بخلاف الصورة التي قبلها وعلى الصورة
الاخيرة يجوز ان يكون عدم امتثال الغير شرطا في الواجب كما انه يصح ان يكون شرطا
للوجوب هذا كله بحسب مقام الثبوت وأما بحسب مقام الاثبات لا بد من ملاحظة لسان
الدليل فان كان دالا على احد تلك الانحاء المتقدمة فيجب الأخذ به وان لم يدل لسان
الدليل على نحو خاص فلا بد من الرجوع الى الاصول العملية للشك في قيام الغير
بالمأمور به فانه على تقدير جعل عدم امتثال الغير شرطا للوجوب فالشك فى قيام الغير
يوجب
__________________
الشك في الشرط وهو
من الشك في اصل التكليف فمع عدم وجود اصل موضوعي ينقح عدم قيام الغير يكون حينئذ
مجرى للبراءة وأما لو كان هناك اصل موضوعي فيجب الاتيان على وفقه لتقدمه على اصل
البراءة وأما على تقدير جعل عدم امتثال الغير قيدا للواجب فلا تجري البراءة لانه
على ذلك التقدير يكون شكا في سقوط الامر واذا رجع الشك اليه فالقاعدة تقتضي
الاتيان به لاشتغال الذمة في المأمور به وبما ذكرنا تظهر الثمرة في رجوع القيد الى
الواجب أو الى الوجوب اللهم إلّا ان يقال انه لا ثمرة فى المقام في ذلك لانه قل ما
يوجد مورد خال من الأصل الموضوعي ينقح به الشرط المترتب عليه التكليف وأما لو حصل
الشك في قيام الغير على الصورة المتقدمة فالحكم فيها كالحكم في الاخير من جريان
قاعدة الاشتغال لانه يكون حينئذ من الشك في القدرة والعقل حاكم بالاتيان حتى يعلم
اليقين بالعجز.
الموسع والمضيق
المبحث السابع :
ينقسم الواجب الى الموسع والمضيق لانه أما ان يعين له وقت فهو الموقت أو لا يوقت
بوقت فهو غير الموقت وعلى الأول أما ان يكون الوقت الذي عين له بمقدار امتثاله
كالصوم الذي عين له مقدارا من الزمان وهو من طلوع الفجر الى دخول الليل المطابق
ذلك الزمان لامتثال الصوم من دون زيادة أو نقيصة فيسمى بالمضيق وان كان ما عين له
من الوقت اوسع من مقدار الامتثال فيسمى بالموسع وأما كون مقدار الامتثال ازيد من
الزمان المعين له فهو غير معقول إذ هو من قبيل تكليف ما لا يطاق إلّا ان يكون
الوقت مجعولا لبعض
اجزاء المطلوب كما
لو صلى في آخر الوقت ولم يدرك إلا ركعة فبدليل الجعل اي قوله (ع) (من ادرك ركعة من
الوقت فكأنما أدرك الوقت بتمامه) يصحح ذلك الامتثال وأما الموسع فقد نوقش بانه
مستلزم لترك الواجب لجواز تأخيره الى آخر الوقت ولكن لا يخفى ان الواجب هو الجامع
بين الافراد الطولية ولم يكن المطلوب الجامع بنحو السريان وانما هو بنحو صرف
الوجود فالعقل حينئذ يخير بين تلك الافراد إذ لا فرق عنده بين الافراد العرضية
والطولية كما انه اشكل على المضيق بانه لا بد ان يكون الزمان المعين له ازيد من
ظرف امتثاله ولو بآن ما ، لان البعث لا بد ان يتحقق قبل الانبعاث ، ولكن لا يخفى
فان تقدم العلة على المعلول تقدم رتبي ولا يحتاج الى التقدم الزماني وكيف كان فلا
اشكال في وقوعهما شرعا فالاول كاكثر الواجبات كالصلاة اليومية والثاني كالامر
بالصيام والوقوع ادل شيء على الامكان ثم لا يخفى انه لا ثمرة عملية للتعرض الى ان
الوقت من قيود الواجب او من قيود الوجوب بعد ما فرض كون الوقت امرا غير اختياري
للعبد ولا بمناط تحققه باختيار العبد فحينئذ ان حصل الوقت وجب امتثال التكليف
المتوجه في ذلك الوقت وإلّا فلا من غير فرق بينما فرض قيدا للواجب أو للوجوب نعم
لو كان امرا اختياريا يمكن جريان الثمرة وأما قصة مولانا امير المؤمنين عليهالسلام في رد الشمس كما ردت الى يوشع بن نون فهي معجزة خارجة عن
قدرة البشر فاذا عرفت ذلك فاعلم انه ربما توهم ان قصة مولانا امير المؤمنين عليهالسلام تكون دليلا على كون الوقت شرطا للواجب لانه لو كان شرطا
للوجوب لكان التكليف ساقطا بخروج الوقت وبعبارة اخرى ان تلك القصة تكشف عن كونه
شرطا للواجب وربما يجاب عن ذلك بان رد الشمس له شوقا الى العبادة ليدرج نفسه فى
موضوع التكليف
فردت الشمس له حتى
يتوجه اليه التكليف الادائي وربما يؤيد ذلك انه روى عنه انه قال ان الجلسة في
الجامع خير من الجلسة في الجنة لان الجلسة فى الجنة فيها رضى نفسي وفي الجامع فيه
رضى ربي. ثم لا يخفى انه وقع البحث فى الموقت من غير فرق بين كونه موسعا أو مضيقا
في ان الامر المتعلق به هل يدل على لزوم الاتيان بالواجب فى خارج الوقت مع عدم
الاتيان به في الوقت أم لا يجب الاتيان به في خارج الوقت بل يحتاج وجوب الاتيان به
الى دليل آخر ومرجع ذلك الى أن القضاء بالأمر الاول أم بامر جديد قولان مبنيان على
ان المستفاد من التكليف الادائي تعدد المطلوب بان يكون الشيء مطلوبا بنفسه
والخصوصية مطلوبة بدال آخر أو ان المستفاد من ذلك التكليف شيء واحد ومطلوب فارد
فيبقى ببقاء الوقت ويفوت بفواته فالاول يبنى على الاول والثاني يبنى على الثاني ،
هذا كله لو لم يكن لوجوب القضاء دليل مستقل كمثل قوله عليهالسلام (من فاتته فريضة
فليقضها كما فاتت) فهل يستفاد منه وجوب آخر ثابت بهذا الدليل او يدل على ان نفس
الواجب هو الاول وان ايجاده في الوقت واجب آخر غير اصل وجوبه ومرجع ذلك الى ان
الدليل الدال على وجوب القضاء هل يدل على تعدد المطلوب أم لا ، وجهان تظهر الثمرة
فيمن علم بفوائت كثيرة من الفوائت اليومية ولم يعلم مقدارها وهو يتصور على انحاء
لأن الجاهل بمقدار الفوائت اما ان يكون منشأ جهله بزمان بلوغه وأما ان يكون منشأ
جهله هو الجهل بمقدار الفوائت وان علم تاريخ البلوغ وعلى كلا التقديرين اما ان
يكون شكه قد حدث من هذا الحين أو يكون في هذا الحين مسبوقا بشك في الوقت وقد غفل
عنه فلم يلتفت اليه حتى مضى عليه برهة من الزمان على هذا الحال وهو لا يزال بشك
ويغفل عن مراعات شكه
فيه فهذه صور
اربعة الاولى ان يعلم تاريخ بلوغه ويشك في مقدار الفوائت ومع ذلك كان شكه مسبوقا
بشك في الوقت ، الثانية ان يعلم تاريخ بلوغه ويشك فى كميتها إلّا انه لم يكن شكه
مسبوقا بشك في الوقت بل حدث فى خارج الوقت ، الثالثة ان لا يعلم بتاريخ بلوغه وكان
شكه مسبوقا بشك فى الوقت ، الرابعة ان لا يعلم بتاريخ بلوغه وكان شكه بتمامه حاصلا
في خارج الوقت اما الصورة الاولى فالحكم فيها على قولين قول بالبراءة وقول
بالاحتياط ويبنى الثاني على ان المستفاد من الامر الادائي تعدد المطلوب فحينئذ
يلزمه الاحتياط للعلم بتوجه التكليف بالشيء وانما الشك فى الخروج عن عهدة التكليف
وهو مجرى الاحتياط ودعوى ان الشك فى خارج الوقت لا يعتد به كما يستفاد من قوله عليهالسلام فقد حال حائل مدفوعة بانه ينصرف الى حدوث الشك فى خارج
الوقت ومبنى الاول على وحدة المطلوب فاذا استفدنا من التكليف الادائي وحدة المطلوب
يصير التكليف بالنسبة الى القضاء شكا في التكليف فتجري البراءة ، وأما الصورة
الثانية فقد عرفت ان الشك حاصل في خارج الوقت ومثله لا يعتد به وهكذا الصورة
الرابعة فان الشك فيه ايضا حدث فى خارج الوقت ، واما الصورة الثالثة فالشك فيه
انما هو بأزيد مما يعلمه من مقدار فوات الواجب فلا يجب عليه الا ما تيقن بفواته
ولكن الاقوى ان الاولى كبقية الصور ولا يجري فيها التفصيل المتقدم. بيان ذلك انه
على مقتضى تعدد المطلوب المستفاد من التكليف الادائي لا يكون الفرد القضائي من
افراد المأمور به لأن تحقق فردية القضائي منوط بعصيان الفرد الادائي ومع هذه
الاناطة لا يعقل اندراج هذا الفرد فى المأمور به لأنه لو فرض ورود تكليف في القضاء
يكون تكليفا مستقلا لا يكشف عن تعدد المطلوب فى الامر الادائي وحينئذ لو شك في
مقدار الفائت كان
شكه راجعا الى الشك في التكليف بالقضاء وهو من موارد جريان البراءة ثم انه هل يمكن
اثبات عنوان فوت الواجب لو شككنا فى فوته باستصحاب عدم الاتيان في الوقت ام لا
وجهان مبنيان على ان الفوت الموجود في لسان الدليل امر وجودي أو عبارة عن عدم
الاتيان به فى الوقت فعلى الاول لا تجري البراءة لكونها من الاصول المثبتة وعلى
الثاني فلا مانع من جريانها.
(مسألة الضد)
الفصل السادس : في
ان الامر بالشيء هل يقتضي النهي عن ضده ام لا؟ وقبل الخوض في المقصود ينبغي رسم
امور :
الاول : الظاهر ان
هذه المسألة من المسائل العقلية وليست من المسائل اللفظية لأن البحث فيها ليس
مختصا بصورة تحقق الامر من اللفظ بل مطلقا حتى ولو كان مستفادا من دليل لبى
كالاجماع ونحوه فلذا يشكل عدها من مباحث الالفاظ إلا باعتبار ان الغالب من الادلة
ان تكون لفظية.
الثاني : ان عد
هذه المسألة من المسائل الاصولية لاشتمالها على ملاكها لكونها من القواعد الكلية
الواقعة فى طريق الاحكام الكلية التي هي ملاك المسألة الأصولية وان امكن عدها من
المبادي الاحكامية باعتبار ان البحث فيها يرجع الى ان الحكم فى احد المتلازمين يستلزم
الحكم على الملازم الآخر فيكون البحث فيها عن عوارض الاحكام ، نعم لا وجه لعدها من
المسائل الفقهية وان
توهم اخذا بظاهر
العنوان لعدم تحقق ملاكها على ما تقدم تفصيله في مقدمة الواجب
الثالث : ان
الاقتضاء المأخوذ فى العنوان يراد به ما يعم الجزئية واللزوم والعينية بمعنى ان
الامر بالشيء يدل على النهي عن الضد بالتضمن او بالالتزام او بالمطابقة لما هو
معلوم ان عموم النزاع وخصوصه يتبع عموم الغرض وخصوصه ولا ينافي كون البحث في
الاقتضاء في عالم الثبوت لان الاقتضاء في عالم الاثبات والدلالة انما هو من تبعات
ذلك.
الرابع : ان
المراد في الضد عند الاصوليين هو مطلق المعاند والمنافى الاعم من الوجودي والعدمي
خلافا لاصطلاح اهل المعقول من ان المراد بالضد هو ما يكون التقابل بين الوجودين مع
عدم التلازم بينهما بالتصور فلا يشمل تقابل الوجود والعدم كالسلب والايجاب او
تقابل العدم والملكة او تقابل المتضايفين قال الاستاذ (قدسسره) في الكفاية ما لفظه : (المراد بالضد هاهنا هو مطلق
المعاند والمنافى وجوديا كان او عدميا) إذا عرفت ذلك فاعلم ان الكلام في الضد يقع
في مقامين ، المقام الاول في الضد الخاص .
__________________
فنقول اختلف
الاصحاب في دلالة الامر بالشيء على النهي عن ضده مثلا
__________________
لو امر المولى
عبده بازالة النجاسة عن المسجد فهل لهذا الامر دلالة على النهي عن الصلاة التي هي
ضد خاص لها فيحرم ايقاعها حين الامر بالازالة. او لا؟ قولان استدل للاول باحد
امرين : الاول ان ترك احد الضدين مقدمة لفعل ضده
__________________
الآخر ومقدمة
الواجب واجبة ، الثانى ان ترك احد الضدين ملازم لفعل ضده الآخر فاذا وجب فعل احد
الضدين لزم الحكم بوجوب ترك الضد الآخر ، اما الامر الاول فبيانه هو انه لا اشكال
فى ان وجود الضد مانع عن وجود الضد الآخر فاذا كان احد الضدين مانعا عن الآخر كان
عدم احد الضدين شرطا فى وجود الآخر فيكون ترك احد الضدين مقدمة للآخر فاذا وجب احد
الضدين وجبت مقدمته ايضا فيكون فعل الضد الذي هو مانع حراما وقد اجيب عنه بوجوه :
احدها : ان مقدمية
ترك احدهما لم يكن ناشئا من مضادة احدهما للآخر بل المقدمية انما تنشأ من التمانع
بين الضدين لا من جهة التضاد في الوجود بينهما إذ فرق واضح بين الضد والمانع ، فان
الضد إنما يزاحم الضد الآخر فى الوجود ، والمانع انما يمنع من تأثير المقتضي ولو
كان الضد من قبيل المانع لصح ما ذكر من المقدمية لكن المفروض ان الضد مانع عن ضده
الآخر فى الوجود مثلا الرطوبة مانعة من تأثير النار في احتراق الخشب فتكون الرطوبة
مزاحمة لتأثير اقتضاء النار فيه. بخلاف السواد بالنسبة الى البياض فانه مزاحم له
في الوجود وهذا هو المسمى بالضد فعدمه حينئذ شرط فى وجوده لا في تأثيره حتى يكون
مقدمة.
ثانيها : انه يلزم
من القول بمقدمية ترك احد الضدين لفعل الضد الآخر تقدم الشيء على نفسه بيان
الملازمة ان رتبة النقيضين محفوظة فترك الصلاة مثلا وفعل الصلاة فى مرتبة واحدة
فاذا تقدم شيء على شيء برتبة لا بد وان يكون متقدما على نقيضه رتبة لملاحظة حفظ
الرتبة بين النقيضين مثلا اذا فرض تقدم ترك الصلاة على فعل الازالة فلا بد وان
يتقدم ايضا على ترك الازالة للتوافق بين
النقيضين بحسب
الرتبة حسب الغرض ثم نقول ان ترك الازالة يقتضي ان يكون شرطا لتحقق الصلاة من جهة
المضادة بين الازالة والصلاة وقد عرفت ان ترك كل ضد شرط لفعل الضد الآخر فاذا كان
ترك الازالة مقدما رتبة على فعل الصلاة كان ايضا مقدما على ترك الصلاة لما عرفت من
ان حفظ التوافق بين النقيضين بحسب المرتبة وحينئذ يكون ترك الازالة مقدما على ترك
الصلاة وقد كان ترك الصلاة مقدما على ترك الازالة فيكون ترك الازالة مقدما على
نفسه هو محال بالضرورة :
الثالث : ليس جعل
ترك الصلاة مقدمة الى فعل الازالة باولى من جعل الازالة مقدمة لترك الصلاة إذ فعل
الازالة علة تامة لترك الصلاة فلذا يتوجه محذور الدور لأن الازالة تتوقف على ترك
الصلاة على ما ذكره من كونه شرطا لتحقق الازالة وترك الصلاة يتوقف على فعل الازالة
لكونها علة تامة لترك الصلاة فيلزم الدور وهو لازم على القول بترك الصلاة مقدمة لفعل
الازالة واللازم باطل فالملزوم مثله لا يقال ان ترك الصلاة ليس مستندا الى فعل
الازالة بل مستندا الى الى عدم ارادة الصلاة لانا نقول انها وان كانت مستندة الى
عدمها الذي هو الصارف لكن منضما مع فعل الازالة لا اليه وحده ، إذ لو أردت ايجاد
الصلاة مثلا توقف ايجادها على الارادة وترك المانع الذي فرضه هذا القائل مقدمة لها
فيكون ترك المانع مع الارادة علة تامة لايجاد الصلاة ومن المعلوم ان انتفاء احدهما
علة تامة لانتفائها فانه إذ انتفى ارادة الصلاة تحقق تركها ولو لم يوجد المانع
وحينئذ يستند الترك اليه ، واما لو انتفت الارادة وعدم المانع بان لم توجد ارادة
للصلاة ووجدت الازالة فيكون الانتفاء مستندا اليهما معا لا الى احدهما
المعين لبطلان
الترجيح من غير مرجح ولا الى غير معين لامتناع استناد التأثير من واحد مبهم واقعا
فانقدح مما ذكرنا ان ترك الصلاة ليس مستندا الى خصوص عدم الارادة الذي هو الصارف
بل اليه والى الازالة فاذا استند الى الازالة ولو منظما اليه جاء محذور الدور من
غير فرق فى انتهاء الارادة الى شخص واحد او الى شخصين كما إذا كان كل منهما لارادة
شخص مثلا اراد احد الشخصين حركة شيء واراد الآخر سكونه فيكون المقتضي لكل منهما
موجودا فالعدم حينئذ لا محال يستند الى وجود المانع لا لعدم المقتضي اللهم إلّا ان
يقال بانه لا فرق بين الانتهاء الى شخص واحد والانتهاء الى شخصين بتقريب ان العدم
يستند الى عدم المقتضي لا الى وجود المانع لان عدم كل واحد منهما يستند الى عدم
المقتضي لأن وجود المراد يحتاج الى شيئين قدرة وارادة فاذا انتفت القدرة انتفى
الاقتضاء ففي المغلوب منهما تنتفي القدرة فاذا انتفت استند العدم الى عدم المقتضي
ثم قد يشكل بانه كيف يكون استناد التأثير فى عدم تحقق المراد اليهما معا اي الى
عدم الارادة ووجود الضد والمفروض ان الاثر يستند الى المتقدم منهما كما فرض في
مثال الحركة لأن المانع فيه مسبوق بعدم القدرة على ايجاد الإرادة فالترك حينئذ في
المثال المتقدم يستند الى عدم القدرة الذي هو الصارف خاصة لا الى الصارف مع وجود
الضد ، ولكن لا يخفى ان عدم القدرة على ايجاد مراده اما ان يكون علة لعدم حصول
المراد في الزمان الاول الذي لم يكن قادرا عليه فقط لا في الزمان الذي بعده بحيث
لو تجددت ذلك له قدرة على الايجاد لتمكن من حصول المراد وتحرك نحو المطلوب فاذا
كانت العلة في عدم الحركة مثلا في الزمان الثاني هو عدم القدرة على الايجاد في ذلك
الزمان وفرضنا اقتران تلك العلة في الزمان الذي اثر في عدم تحقق المراد
مع الضد الخاص كان
الاثر مستندا الى وجود الضد وعدم القدرة لا الى عدم القدرة فقط.
فتحصل مما ذكرنا
ان الضد يتوقف على ترك ضده لو اخذنا ترك الضد مقدمة شرطا لوجود الضد الآخر وترك
الضد الآخر يتوقف على وجود الضد الذي هو مشروط اما بالتوقف الاستقلالي توقف
المعلول على علته او بالتوقف الضمني اي يتوقف على وجود الضد المنضم الى الصارف
فيكون توقفه توقف المعلول على جزء علته.
وقد انقدح مما
ذكرنا لزوم التوقف الفعلى من الجانبين ولو سلمنا عدم التوقف الفعلي إلّا ان ملاك
الاستحالة متحققة اما بالوجه الذي سمعته منا سابقا فى الوجه الثاني او لما ذكره
الاستاذ قدسسره في الكفاية بما حاصله ان الشيء لما كان صالحا لان يكون
موقوفا عليه شيء لا يعقل ان يكون الشيء موقوفا عليه مثلا لو كان صالحا لان يتوقف
ترك الازالة على الصلاة لا يعقل ان تتوقف الصلاة على ترك الازالة وإذا توقف يلزم
محذور الدور وهو تقدم الشيء على نفسه ثم ان بعض الاصحاب قرب المقدمية بان الضد
مانع من الضد الآخر ولا اشكال ان عدم المانع من اجزاء علة وجود الشيء فيكون وجود
الضد متوقفا على عدم ضده توقف الشيء على عدم المانع وقد التزم المحقق الخونساري قدسسره ذلك في الضد الموجود دون الضد المعدوم بدعوى ان الضد
الموجود يتوقف على عدمه دون المعدوم مثلا وجود الازالة يتوقف على عدم الصلاة لو
كانت الصلاة موجودة لتحقق المانعية فيها حينئذ واما مع عدم الصلاة فلا معنى لكون
الصلاة مانعة لكي تتوقف الازالة على عدمها ، وقد اشار الى ذلك الاستاذ قدسسره في الكفاية
ما لفظه (وبان
التوقف من طرف الوجود فعلي بخلاف التوقف من طرف العدم
__________________
ولكن لا يخفى ما
فيه إذ كون الضد مانعا لا يفرق فيه بين كونه موجودا أو معدوما
__________________
إذ ليست المانعية
منوطة بوجود الضد إذ ليس عدمه من قبيل المانع لان كون الشيء مانعا بمعنى انه مانع
لو كان موجودا لا انه مانع في حال وجوده.
وكيف كان فقد ذكر
بعض الاعاظم قدسسره من ان المانعية لا توجب توقف احد الضدين على عدم الآخر بما
حاصله ان المانعية لا تتحقق إلا بعد وجود المقتضى مع جميع شرائطه مثلا الرطوبة لا
تتصف بالمانعية لاحتراق الجسم الا بعد وجود النار ومماستها للجسم فيظهر من ذلك ان
توقف الازالة على عدم الصلاة مثلا لا بد وان يكون من جهة عدم المانع ولا تكون
الصلاة مانعة الا مع وجود المقتضي للازالة وحينئذ لا يمكن ان يوجد مقتض للصلاة
لعدم امكان اجتماع المقتضيين للضدين فتكون الصلاة معدومة لعدم وجود المقتضي لها.
ومع انعدامها كيف تكون مانعة عن وجود الازالة وبالجملة احد الضدين لا يتوقف على
عدم الآخر من جهة المانعية إذ مانعية احدهما للآخر لا يمكن إلّا فى ظرف وجود
__________________
المقتضي للاثنين
وهو غير معقول ولكن لا يخفى ان استناد عدم المعلول الى عدم كل جزء من اجزاء علته
كاستناد وجوده الى كل واحد منها في عرض واحد وعليه بنينا مانعية عدم المأكولية في
لباس المصلي وبالجملة ان عدم المعلول يستند الى وجود المانع حتى مع فرض عدم
المقتضي فظهر لك مما ذكرنا انه ينحصر عدم توقف احد الضدين على عدم الآخر بان عدم
كل واحد من الضدين في رتبة وجود الضد الآخر لما هو معلوم من وحدة المرتبة بين
النقيضين على ما عرفته منا سابقا هذا كله على التقريب الاول اي فى المقدمية واما
الثاني فتقريبه ان يقال ان فعل الضد ملازم لترك ضده الآخر فاذا صار فعل الضد واجبا
كان لازمه وهو ترك الضد الآخر ايضا واجبا فاذا صار واجبا حرم فعل الضد الآخر وقد
اجاب عنه الاستاذ قدسسره فى الكفاية ما هذا لفظه (واما من جهة لزوم عدم اختلاف
المتلازمين في الوجود فى الحكم فغايته ان لا يكون احدهما فعلا محكوما بغير ما حكم
به الآخر لا ان يكون محكوما بحكمه وعدم خلو الواقعة عن الحكم انما يكون بحسب الحكم
الواقعي لا الفعلي فلا حرمة للضد من هذه الجهة ايضا بل على ما هو عليه لو لا
الابتلاء بالمضاد للواجب الفعلي من الحكم الواقعي) لأن الحكم يتبع تحقق ملاكه
فمناطه في احدهما لا يوجب تحقق الملاك في الآخر ، فلو قلنا بتحققه لأجل الملازمة
فيلزم تحققه جزافا لعدم تحقق ملاكه ودعوى الملازمة فى الجعل بديهي البطلان من غير
فرق بين الضدين الذين لا ثالث لهما وبين غيره فدعوى بعض الاعاظم بتحقق الملازمة
العرفية فى الضدين الذين لا ثالث لهما كالحركة مثلا فان وجوبها ملازم عرفا لعدم
السكون محل نظر لما عرفت ان الحكم يناط وجوده بتحقق ملاكه فلو تحقق الحكم فى
الملازم الآخر مع عدم التحقق الملاك يكون حكما بلا
ملاك ولازمه ان
يكون وجوده عبثا فلا يكون ارادة احدهما موجبا لارادة الآخر
ثمرة هذه المسألة
ثم انه ذكر
الاصحاب ان ثمرة البحث عن اقتضاء الامر النهي عن ضده الخاص وعدمه هو فساد الضد
المنهي عنه اذا كان عبادة بناء على الاقتضاء لانه حينئذ يكون منهيا عنه فلا يمكن
ان يتقرب به فتقع العبادة باطلة وصحتها على القول بعدم الاقتضاء وقد انكر هذه
الثمرة شيخنا البهائي قدسسره بدعوى بطلانها على القول بعدم الاقتضاء إذ العبادة تحتاج
الى قصد الامر ومع عدم الامر لا يمكن التقرب بها ومن المعلوم عدم تعلق الامر
بالعبادة وإلّا لزم طلب الضدين وهو محال وقد اجاب الاستاذ قدسسره بانه لا حاجة الى قصد الامر بل يكفي قصد المحبوبية والملاك
إذ سقوط الامر في المقام ليس ناشئا من النقص فى الملاك
__________________
والمصلحة وانما
نشاء من عدم امكان الامر بالضدين مع فرض اهمية احدهما بل لو قلنا بان الامر بالشيء
يقتضي النهي عن ضده يمكن لنا تصحيح العبادة لان النهي المتعلق بالعبادة ليس ناشئا
من مفسدة فى المتعلق وانما هو نهي غيري نشأ من الامر بالضد الاهم ولكن لا يخفى ان
النهي اذا كان مولويا ولو غيريا يكون ناشئا عن ان مخالفته توجب هتك المولى فحينئذ
كيف يمكن ان يتقرب بذلك بل ربما يقال بانه لا يمكن استكشاف الملاك بناء على عدم
الاقتضاء لكون الامر المتعلق بالطبيعة المقيدة بعدم مزاحمة الاهم مثلا الامر
المتعلق بالصلاة قد تقيد بان لا يزاحم الازالة فالفرد المزاحم للازالة خارج عن
متعلق الامر لكونه غير مقدور
__________________
فالعقل يحكم بقبح
التكليف به ودعوى ان الفرد المزاحم للاهم مع سائر الافراد على حد سواء في ايجاد
الطبيعة المأمور بها فحينئذ لا مانع من اتيان ذلك الفرد بقصد التقرب بالامر
المتوجه الى الطبيعة فتصح العبادة حتى على القول باحتياج العبادة الى قصد الامر
لا مكان التقرب بالامر المتعلق بطبيعة العبادة محل نظر بل منع إذ التكاليف مشروطة
بان يكون متعلقها مقدورا فالفرد المزاحم خارج عن متعلق الامر اللهم إلّا ان يقال
بان القدرة على الموسع في الزمان الثاني اي بعد ارتفاع المزاحمة بالمضيق كافية في
فعلية الامر فى الزمان الاول بناء على ما حققنا من
__________________
تعقل الشرط
المتأخر او القول بالواجب المعلق بان يكون الواجب الموسع وجوبه فعلى حال المزاحمة
إلّا ان ظرف امتثاله والاتيان بمتعلقه يكون متأخرا أي بعد ارتفاع المزاحمة وحينئذ
لا ثمرة في البين بناء على المختار من صحة الشرط المتأخر والواجب المعلق لصحة
العبادة مطلقا اي قلنا بالاقتضاء ام بعدمه بناء على ان قصد الملاك كاف فى التقرب
واما بناء على ان قصد الامر هو المحقق للعبادية فالعبادة تكون باطلة حينئذ مطلقا
من غير فرق بين القول بالاقتضاء وبين القول بعدمه لعدم الامر بها كما لا يخفى
فافهم وتأمل. هذا كله فى الضد الخاص.
(الضد العام)
المقام الثاني فى
الضد العام الذي هو بمعنى الترك فنقول لا اشكال ولا ريب في ان الامر بالشيء يقتضي
النهي عن تركه كما ان محبوبية كل شيء يستلزم ترك ضده وهذا مما لا ينبغي ان يقع
الكلام فيه بين الاعلام نعم ينبغي ان يقع الكلام في ان هذا الاقتضاء هل هو بنحو
العينية او التلازم والظاهر انه بنحو العينية مطلقا ان كان المراد بالنهي عن الشيء
طلب الترك بحسب الانشاء والمفهوم لان طلب الايجاد عين طلب ترك الترك والعينية بحسب
الانشاء فقط ان كان المراد من النهي عن الشيء بمعنى الزجر عنه بان يكون الامر
بالشيء والنهي عن نقيضه العام متحدين بحسب الانشاء فقط واما بحسب المفهوم فهما
مفهومان مختلفان وهما ارادته للمطلوب وبغضه عن نقيضه وهذان المفهومان منتزعان من
انشاء واحد كمثل قوله (افعل) ،. ثم لا يخفى ان وجود كل شيء يناقض عدمه ولو تعلق
ارادة المولى بوجود شيء لا بد في تحصيل ذلك الشيء الى تحصيل المقتضي له وطرد
مزاحمه فى الوجود
فان الوجود يستند الى وجود المقتضي مع سد جميع ابواب عدمه والعدم ربما يستند الى
عدم وجود المقتضي وربما يستند الى وجود المانع مع بقاء المقتضي للوجود فلو فرضنا
ان للشيء ضدين وكانا بحسب المصلحة متساويين لم يصح من الآمر تخصيص امره باحد
الضدين معينا بل يكون في طلبه للضدين على حد سواء ويحصل من طلبه لهما التخيير فليس
للحكيم فى المقام ايجاب غير التخييري بل لا بد لو اراد ان يوجه طلبه ان يكون على
نحو التخيير فالمأمور فى مقام الامتثال له اختيار كل منهما والى ذلك يرجع ما افاده
بعض المحققين في معنى الواجب التخييري انه طلب الشيء مع المنع عن بعض انحاء تروكه
بيان ذلك هو انه لما فرض اشتراكهما في اداء المصلحة على حد سواء ولم يكن في المقام
ما يكون احدهما اهم فللمكلف ترك احد الضدين والاشتغال بالآخر وفي المقام لما كان
الترك مستندا الى المزاحم والمانع لا الى عدم المقتضي فلا بد فى حصول الامر على
نحو يكون من قبيل متمم الوجود الذي مآله الى حفظ الوجود من ناحيته عن الاشتغال
بالضد المساوي له بالمصلحة بمعنى اني لا اريد انعدام المأمور به من قبيل انتفاء
مقتضيه او من قبيل الاشتغال بضد آخر غير الضد المساوي فى المصلحة ففي الحقيقة يرخص
في انعدام الضد مع الاشتغال في الضد الآخر ولا يرخص انعدامه من سائر الاضداد
وبعبارة اخرى لو فرض انعدام الازالة تتساوى مع الصلاة في المصلحة ولم يكن هناك اهم
في جهات الانعدام فمرة ينعدم من عدم الارادة للازالة واخرى ينعدم من قبل الصلاة
فالمأمور به يمنع من الانعدام الناشئ من عدمه ولم يكن مانعا من الانعدام الناشئ من
وجود الصلاة ومرجع ذلك الى التبعيض فى مطلوبية الوجود وهذا بخلاف ما لو كان من
قبيل اتمام الوجود الذي هو عبارة عن كونه
طاردا لجميع انحاء
انعدامه حتى ما كان انعدامه من قبيل الاشتغال بالضد المساوي الذي هو مفاد الطلب
التعييني وذلك لا يعقل جريانه هاهنا فعلى هذا تكون العقوبة لو تركها عقوبتين بترك
الضدين لا يقال العقوبة تدور مدار القدرة ولا قدرة على فعل الضدين وانما القدرة
على فعل احدهما فمثوبة واحدة على احدهما وعقوبة واحدة على تركهما لانا نقول لم يكن
استحقاق العقاب على المخالفة على قدر الامتثال بل على قدرة رفع التكليف باحد
الوجوه المقبولة عند الشارع ولذا ترى ان تكليف الكافر بالقضاء مع انه في حال الكفر
لا يمكن امتثاله ولو اسلم فالاسلام يجب ما قبله مع انه لو مات استحق العقوبة على
مخالفة ذلك التكليف إذ يتعقل فى حقه انه قادر على رفع ذلك التكليف ولو بالاسلام
الموجب لرفع التكليف ولو امتنانا منه سبحانه وتعالى والمقام من هذا القبيل من حيث
انه يمكن رفع استحقاق العقوبتين بان ياتي باحد الضدين ويسقط الآخر بوجه مقبول عند
الشارع والعقل في المقام لا يستقبح توجه العقوبتين على المخالفة من حيث التمكن على
الخروج عن عهدتها بان يمتثل احدهما ويسقط الآخر ، ثم لا يخفى ان تعدد التكليف انما
نشأ من تعدد الغرض فيستحق على المخالفة عقوبتين بخلاف الواجبات التخييرية كخصال
الكفارة فانه يستحق عقوبة واحدة لوحدة الغرض لما عرفت ان تعدد العقوبة وعدمها
دائرة مداره تعدد الغرض ووحدته إذا عرفت ما ذكرنا من معقولية توجه التكليف الى كل
من الضدين غاية الامر انه لما كان الطلب غير معقول بنحو تمام الوجود صار الطلب فى
كل منهما متوجها على نحو متمم الوجود وبمعنى ان التكليف بشيء يشترط ان يكون المكلف
مختارا في فعله ومع عدمه تلبسه بالحركة مثلا يكون تلبسه بالسكون قهريا فلا معنى
توجه التكليف بهما بل هما يكونان
الطلب الناشئ عن
ارادة لم تكن تلك الارادة تامة بل كانت ناقصة اتضح لك فساد ما ربما يتوهم من عدم
معقولية الطلب لكل من الضدين طلبا مشوبا بالترخيص ولعل منشأ هذا التوهم هو انه لا
يعقل انشاء ارادتين فعليتين متعلقتين بالضدين كما لا يعقل ذلك فى الارادة
التكوينية والحاصل ان الارادة التشريعية كالارادة التكوينية فكما لا يعقل تعلقها
بالضدين كذلك لا يعقل تعلق الارادة التشريعية بهما ولكن لا يخفى انه فرق بين
الارادتين فان الارادة التكوينية لا يعقل تعلقها بشيئين متضادين لان الارادة التكوينية
بالنسبة الى المراد علة تامة لحصوله والعلة التامة يستحيل تعلقها بشيئين متضادين
إذ لو صح ذلك لصح اجتماع المتضادين في الخارج وهو محال بخلاف الارادة التشريعية
بالنسبة الى المراد كما فى المقام فانها بالنسبة اليه من قبيل المقتضي لحصوله فاذا
حكم العقل بالامتثال والطاعة وجب عليه امتثاله واذا تعذر لاجل اقتضائه التكليف بما
لا يطاق سقط امتثاله من جميع الوجوه ان تعذر من جميع الوجوه وإلّا اي وان لم يتعذر
من جميع الوجوه بل من وجه واحد سقط امتثاله من ذلك الوجه وبقي له جهة اقتضاء من
غير ذلك الوجه فيحصل من هذا تكليف ناقص لكونه ناشئا عن ارادة ناقصة فيحكم العقل
بامتثاله على هذا النحو من التكليف فالفرق بين الارادتين اوضح من ان يخفى اذا عرفت
ما ذكرنا لك من معنى التخييري الذي هو صريح عبارة بعض المحققين من غير فرق بين
المقام وغيره فاعلم ان في معنى التخييري اوجها بل اقوالا أخر لا بأس بالاشارة
اليها وما فيها احدها ان الواجب في الواجب التخييري هو القدر الجامع بين الافراد
ولم يكن تكليفان بل تكليف واحد تعلق بذلك القدر الجامع وفيه انه مسلم فيما لو كانت
الافراد من سنخ واحد واما لو كانت من
سنخيين كان يكون
احدهما من سنخ الوجود والآخر من سنخ العدم فالظاهر انه لا جامع بين السنخين فكيف
يتصور قدر جامع فى البين لكي يتعلق به التكليف ثانيها الواجب فى الواجب التخييري
هو احد الافراد لا على التعين فيكون الترك في كل واحد منهما فى حال ترك الآخر
منهيا عنه وتركه في حال وجود الآخر غير منهي عنه وفيه انه ان كان المراد من
التكليف على نحو يكون تمام الوجود بمعنى ان يكون حافظا لجميع انحاء تروكه فقد عرفت
انه يستحيل بالنسبة الى الضدين وان كان المراد من التكليف اتمام الوجود الذي هو
عبارة عن المحافظة عليه من انحاء تروكه من غير ناحية ضده فيكون حينئذ طلبا ناقصا
فيرجع الى ما حققناه وثالثها انه لما كان توجه التكليف بكل من الضدين محالا فلا بد
من سقوطه فى احدهما واعتباره فى الآخر من دون تعيين فى ذلك وفيه ان الباقي بلا
خصوصية مستحيل لان كل شيء ما لم يكن مع خصوصية ومع تشخص لا يعقل وجوده في الخارج.
نعم يتعقل ذلك بالنسبة الى الوجود الذهني فان الذهن يتصور الكليات معراة عن
الخصوصيات والجزئيات غير المعراة عن الخصوصيات ومن ذلك ظهرا وسعية الذهن من الخارج
فان الخارج لا يكون إلّا ظرفا للجزئيات والذهن يكون ظرفا للجزئيات والكليات فان
قلت هذا مناف لما ذكره الاستاذ قدسسره في غير هذا المقام من ان الحجتين المتعارضتين يبنى فيها
على اعتبار احدهما وسقوط الآخر مع عدم التعين وينفى الاحتمال الثالث الخارج عن
مؤدي الحجتين لاعتبار احدهما قلت اولا ان الاحتمال الثالث منفي ويستند نفيه الى
كليهما لا لأحدهما لأن التعارض وقع بين المدلول المطابقي للخبرين وبالنسبة الى
المدلول الالتزامي الذي هو خارج عن مؤدي الخبرين فلا تعارض إذ كل واحد منهما ينفيه
كما لا يخفى
وثانيا فرق بين
مقامنا وبين مسألة الحجية فان مسألة الحجية من الامور التي تلحق الشيء باعتبار ان
يكون ظرف لحاظه الذهن ومقامنا من الامور التي يكون ظرفها الخارج لأنه تكليف وصادر
من المولى الباعث على ايجاد متعلقه في الخارج ولا يعقل وجوده في الخارج بغير
الخصوصية لأن ما لم يتشخص لم يوجد بخلاف ذلك لما عرفت منا سابقا من اوسعية الذهن
فى الخارج فيجوز تعزية الملحوظ عن الخصوصيات كتصور الكليات مثلا فيبطل حينئذ جميع
الاقوال فى الواجب التخييري الا ما حققناه وملخصه انه ان كان تعلق التكليف بكل من
الضدين ناقصا وكان لهما ثالث فالضد الثالث ينفى بكل منهما ولم يكن مانع من تعلق
التكليف بالضدين الا ما يتوهم من امتناعه وقد عرفت امكانه إذ لا محذور فى تعلقه
بهما واضعف من هذا التوهم توهم ان في تعلق التكليف بهما يرجع الى الامر بشيء
والنهي عنه وقد عرفت ان ذلك يلزم لو كان المراد من الامر المطلق التام الذي هو
عبارة عن كونه حافظا لجميع انحاء تروكه وسادا لجميع انحاء انعدامه المعبر عنه
بتمام الوجود فانه على هذا التقدير يكون الامر بشيء يقتضي ايجاده وحفظه عن جميع
تروكه حتى حفظه عن الترك المستند الى وجود الضد فلو امر بالضد كان مقتضاه النهي عن
جميع تروكه ومن جملة تروكه ما كان ناشئا عن وجود ضده الذي كان مطلوبا فيكون منهيا
عنه بخلاف ما نحن فيه من كون التكليف ناقصا فلم يكن الامر بذلك الضد مقتضيا لنهي
الترك الناشئ عن ذلك الضد الآخر فلا يكون منهيا عنه بل صرف انه مأمور به. نعم فى
الضدين الذين لا ثالث لهما لا يعقل تعلق التكليف بهما مطلقا اما تاما فقد ظهر
امتناعه في الضدين الذي لهما ثالث فهنا بالطريق الاولى واما ناقصا فان التكليف
بشيء شرطه
أن يكون المكلف
مختارا فى فعله وليس ذلك فيهما كالحركة والسكون إذ مع عدم احدهما يكون المكلف
متلبسا بالآخر قهرا فلا معنى لتوجه التكليف بهما بل هما كالنقيضين فتلخص من جميع
ما ذكرنا عدم معقولية التكليف الناقص الى الضدين الذين لا ثالث لهما وعدم صحة توجه
التكليف التام الى الضدين اللذين لهما ثالث ومعقولية توجه التكليف الناقص الى
الضدين اللذين لهما ثالث بالتوجيه المتقدم.
(الترتب)
ثم انك قد عرفت
مما ذكرنا ان الامر بالشىء لا يقتضى النهى عن ضده الخاص وبعد الفراغ من هذه الجهة
فقد وقع الكلام والبحث فى ان الامر بالشىء هل يوجب سقوط الامر بضده لو كان مهما
كالامر بازالة النجاسة عن المسجد فانه يوجب سقوط الامر بالصلاة المزاحمة مع
الازالة ام لا يقتضى سقوط الامر بالمهم قولان قيل بالاول لرجوعه الى الامر بالضدين
فى عرض واحد في زمان واحد وذلك بديهي البطلان وعليه يبنى بطلان الترتب وهو ان يكون
الامر بالصلاة مشروطا بعصيان الازالة بناء على جواز الشرط المتأخر او العزم على
العصيان بناء على بطلانه لاستلزام جوازه استحالة الامر بالضدين فى عرض واحد في
زمان واحد قال الاستاذ (قدسسره) في الكفاية ما لفظه (ما هو ملاك استحالة طلب الضدين في
عرض واحد آت فى طلبهما كذلك فانه وان لم يكن فى مرتبة طلب الاهم اجتماع طلبهما
إلّا انه كان في مرتبة الاهم الامر بغيره اجتماعهما بداهة فعلية الامر بالاهم في
هذه المرتبة توضيح ذلك هو
__________________
ان الضدين لما كان
بينهما تمانع. بحسب الوجود في زمان واحد لذا قدرة
__________________
المكلف لم تسع الا
تعلقها بأحدهما والقدرة في متعلق الامر معتبرة فمع فرض كون احدهما المعين اهم قد
تعلق به امر المولى فيجب على المكلف صرف القدرة فيه بالخصوص لكي يجري على مقتضى
امره وذلك يستلزم الجري على خلاف مقتضى الآخر اذ لا يعقل ان يكون فيه انبعاث نحو
متعلقه مع تحقق الانبعاث نحو الاهم فلو تحقق امر في حين انبعاث الامر نحو الاهم
لزم تحققه من دون
__________________
المعين وقد تعلق
الامر به فيلزم صرف قدرة المكلف به بالخصوص ويجب ان يجري المكلف على مقتضى ذلك
الامر ولازمه الجرى على خلاف مقتضى الآخر لعدم تحقق الانبعاث نحو الامر بالاهم فلو
تحقق الامر حينئذ يلزم تحققه من دون انبعاث اذ لا يعقل تحقق الانبعاث نحو الضدين
في آن واحد ودعوى تحقق الامر بالمهم فى ظرف عصيان الامر بالاهم ينحو الشرط المتأخر
او العزم علي المعصية بنحو الشرط المقارن ممنوعة اذ فى ذلك الظرف لم يسقط الامر
بالاهم وحينئذ يكون من الامر بالضدين في عرض واحد في آن واحد وهو غير معقول للزوم
الامر بالجمع بين الضدين مع ما بينهما من المطاردة والمعاندة في الوجود فلا تصح
العبادة حينئذ بناء على احتياجها الى قصد الامر كما يقوله الشيخ البهائي (قدسسره) وعدم كفاية قصد الامر المتوجه الى الطبيعة كما ينسب الى
بعض المحققين إلّا ان بعض من تأخر صحح العبادة بالامر الترتبي بدعوى ان الامر
المتوجه الى المهم لا يزاحم الامر بالاهم وليس ذلك من استحالة الامر بالضدين فى
عرض واحد لعدم كونهما في عرض واحد فان الامر بالمهم في طول الامر بالاهم وليس في
عرضه وهو الحق وبيان ذلك يتوقف على ذكر امور. الاول ان الاهم مع المهم من باب
التزاحم الذي هو عبارة عن ان لكل من الاهم والمهم ملاكا ومصلحة لا يكون من باب
التعارض الذي هو عبارة عن تكاذب الخطابين فى اصل الاقتضاء زائدا على اصل الفعلية
والفرق بين باب التزاحم والتعارض ظاهر من حيث الترجيح ومن حيث الحكم اما الترجيح
في باب التزاحم فهو باقوى الملاكين فيؤخذ باقواهما ولو كان اضعف سندا وفي التعارض
يؤخذ بالاقوى سندا واما من حيثية الحكم فالعقل هو الحاكم في باب التزاحم
بانه مع تساوي
الملاكين يحكم بالتخيير ومع اقوائيتهما يحكم بتعيين الاخذ به وفي التعارض العقل
منعزل عن الحكم بالتخيير وانما يحكم بالتساقط واما التخيير فمرجعه الى الشرع وهو
يحكم به بين الحجيتين لو لم يكن احدهما اقوى سندا. الثاني ان التزاحم تارة يكون
بين المقتضيين الذي هو عبارة عن وجود ملاكين متضادين فى شىء واحد واخرى يكون بين
الحكمين الذي هو عبارة عن امكان جعل كل على موضوع خاص والتزاحم نشأ من عدم قدرة
المكلف والذي هو محل الكلام في المقام هو التزاحم بين الحكمين فانه بعد امكان جعل
كل حكم على موضوع خاص إلّا انه لما لم يمكن امتثالهما لذا لا بد من ترك احدهما
لعدم القدرة على امتثالهما لا من جهة الملاك كما لا يخفى.
__________________
الامر الثالث : ان
الارادة الشرعية تارة تكون تامة بمعنى ان المولى
__________________
يريد الفعل بنحو
يسد ابواب انعدامه من جميع انحاء انعدامه ويطلق عليها ارادة مطلقة واخرى تكون
ناقصة اي يريد سد ابواب انعدامه من غير ناحية انعدامه من وجود ضده الخاص وهذه هي
التى تكون في الواجبات التخييرية فان اطلاق الامر فيها وان اقتضى الاول الا انا
خرجنا عنه فى الواجبين المتزاحمين ودعوى سقوط الخطابين ويعد سقوطهما يحكم العقل
بوجود خطاب تخييري بين المتزاحمين ممنوعة اذ لا موجب لرفع اليد عن الخطابين مع
امكان الجمع العرفي برفع اطلاقهما اذ الضرورة تقدر بقدرها ولذا قلنا بالتخيير
الشرعي بين الواجبين المتزاحمين المتساويين فان حقيقته هو التخيير بين امرين
متباينين بما هما متباينان بخلاف التخيير العقلي الذي حقيقته ان يكون بين امور
تندرج تحت جامع هو متعلق الامر وحيث لم يجد العقل تفاوتا بين تلك الامور فى ايجاد
تلك الطبيعة المتعلقة للتكليف فيحكم العقل بالتخيير بينها اذا عرفت ذلك فاعلم ان
المصلحة في احد الضدين لو كانت اهم بنظر الشارع كاهمية الازالة فى نظره مع الصلاة
فى سعة الوقت فلا اشكال فى وجوب مراعاة الاهم لان التكليف بالاهم كان طاردا لكل
ترك ناشئ من اي ضد كان حتى الترك الناشئ من وجود الصلاة والامر بالاهم مانع عن
جميع انحاء تروكه ولا يجوز مخالفته ولو خالفه
__________________
كان عاصيا ويعاقب
على الترك وحينئذ يصح تعلق الأمر بالصلاة لكن تعلقه على نحو لا يكون منافيا لذلك
الأمر حتى يقال بمنع تعلق التكليف بالضدين لان صدوره ممتنع او يقال بلزوم الامر
بشىء والنهي عنه بل يكون تعلقه على نحو يجامع الامر المتعلق بالاهم ولا يناقضه بان
كان الأمر بالاهم ناقصا وكان ظرف حدوثه عصيان ذلك الامر بالاهم نعم لو كان الامر
بالمهم ايضا تاما وكان مثل الأمر المتعلق بالاهم صح ما ذكر من كونه من قبيل
التكليف بالضدين وهو محال ، ومعنى التكليف الناقص هنا ان ترك الصلاة ناشئ من اضداد
متعددة ، فالترك المستند الى غير فعل الإزالة منهي عنه. واما الترك المستند الى
فعل الازالة غير منهي عنه فالأمر بالإزالة يجامع الأمر بالصلاة ولا ينافيه.
فان قلت ان نقيض
الواحد واحد فنقيض الصلاة عدم الصلاة فاذا صارت الصلاة مأمورا بها لا بد وان يكون
نقيضها منهيا عنه ومبغوضا ونقيضها امر واحد ولا يكون الترك منهيا عنه مع الأكل
وغير منهي عنه مع الازالة إذ هو واحد فكيف يتصور فيه جهتان واذا كان غير مرخص فيه
فيمتنع اجتماعه مع الامر المتعلق بالصلاة.
قلت مسلم ان عدم
الصلاة نقيض الصلاة ولم يكن فيه جهة تعدد بل التعدد انما هو بحسب اضافته فان عدم
الصلاة بالاضافة الى فعل الإزالة غير منهي عنه وبالاضافة الى فعل غير الازالة منهي
عنه فالعدم المضاف الى فعل الازالة تحت اختيار العبد فانه له ترك الصلاة وفعل
الإزالة.
وبالجملة لا اشكال
في صحة مثل هذا التكليف المتعلق بالضدين إذ غاية ما يتوهم في هذا المقام انه يلزم
مع توجه التكليف بالضدين التكليف بما لا يطاق إذ بين امتثال التكليفين تدافع لان
موافقة هذا التكليف يمنع من موافقة الآخر وقد
عرفت مما ذكرنا
سابقا فساد هذا التوهم إذ لا اشكال في صحة تعلق الأمر الذي هو حافظ لوجود الشىء
بالاهم وتعلق الأمر بالمهم مشروط بعصيانه للأمر الأول او اتفاق عدم موافقة التكليف
الأول اذ التكليف المتعلق بالإزالة لا يمانع الصلاة ولا يدافعها بل انما هو لو
اطاعه ارتفع موضوع الأمر الثاني المتعلق بالمهم. نعم لو عصى الامر الاول لحصل
بعصيانه له توجه تكليفين احدهما بلسان أزل والآخر بلسان ان لم تزل صل وليس بينهما
تمانع ولا تنافي اصلا كما لا يخفى.
ان قلت ان المشروط
بعد وجود الشرط يكون مطلقا اذ لو وجد الشرط صار مطلقا فيكون هناك تكليفان مطلقان
يمتنع اجتماعهما للزوم التكليف عند ذلك بما لا يطاق وهو محال.
قلت التكليف
بالصلاة دائما باق على مشروطيته ولا يخرج عن ذلك بعد ارادة فعل الازالة فانه لو
بدا له فعل الإزالة وترك الصلاة جاز له ذلك وارتفع التكليف بالصلاة ثم انه يمكن
تقريب جواز الترتب بوجه آخر وهو ان الامر بالاهم يحكم العقل بموافقته وحينئذ لو
تحققت تكون تلك المخالفة ناشئة من هوى نفسه وشهوته وتكون رتبة المخالفة مع
الموافقة واحدة لاتحاد الرتبة بين النقيضين فاذا رتب الشارع الامر بالصلاة على
المخالفة المتأخرة عن الامر بالازالة بمرتبتين فمع الاختلاف بالمرتبة يرتفع
استحالة تعلق الامر بالضدين وان شئت توضيح ذلك فاعلم ان الارادة التشريعية قد
تعلقت بايجاد الازالة على نحو العلية بالنسبة الى المراد نظير الارادة التكوينية
غاية الامر في الارادة التكوينية بنحو العلة التامة للمراد وفي الارادة التشريعية
بنحو المقتضي للمراد فهى لا تؤثر الا مع انتفاء المانع ولازم ذلك ان تاثيرها يكون
في رتبة سابقة على المراد ولا يعقل ان يكون تأثيرها في
رتبته إذ هو في
رتبة المعلول كما هو شأن جميع العلل مثلا فعل الازالة فى مرتبة المعلول بالنسبة
الى الامر المتعلق بها ولا يعقل ان يكون تاثيره في حين الازالة وهكذا بالنسبة الى
عدم الازالة فانه في مرتبة الازالة لاتحاد الرتبة بين النقيضين فيكون هذا العدم
متاخرا عن الامر المتعلق بالازالة فلو كان عدم الازالة موضوعا للامر بالصلاة يكون
الامر بالصلاة متأخرا عن الامر بالازالة بمرتبتين ومع الاختلاف بالمرتبة يرتفع
استحالة الامر بالضدين حيث ان ذلك انما ينشأ مع الاتحاد في الرتبة ومع الاختلاف
والطولية بينهما فلا محذور فى البين وعليه فلا مجال لدعوى عدم صحة الترتب للزوم
اجتماع خطا بين في حال عصيان الامر بالاهم إذ لم يجتمع الخطابان فى مرتبة واحدة
لما عرفت ان مرتبة الامر بالمهم متاخرة عن عصيان الأمر بالاهم تاخر الحكم عن
موضوعه ومرتبة العصيان مع الاطاعة فى مرتبة واحد لكونها نقيضها والنقضان فى مرتبة
واحدة ومن الواضح تاخر الاطاعة عن الامر تاخر المعلول عن علته فيكون الامر بالمهم
متأخرا عن الامر بالاهم بمرتبتين. وبالجملة مناط الاستحالة اجتماع الخطابين في
رتبة واحدة وان اختلفا زمانا كما لو وجه خطابه بصوم يوم الجمعة وصوم السبت وكان
عاجزا عن صومهما او شرط صوم يوم السبت بمجىء عمرو مع العلم بمجيئه واما لو اختلفا
رتبة بان لم يجتمعا في مرتبة واحدة فلا استحالة وان اتفقا زمانا كما في المقام فان
خطاب المهم متاخر عن خطاب الاهم بمرتبتين فهو نظير خطاب الصوم مع الكفارة على من
افطر عمدا فانه لا اشكال في صحة هذين الخطابين وان اتفقا زمانا فان الامر بالكفارة
مقيد بعصيان الامر بالصوم ففى زمان واحد اجتمع الخطابان فى المثال ولم يكن بينهما
تمانع وتنافي لما بينهما من الطولية بحسب الرتبة وبذلك ترتفع استحالة
الامر بالجمع بين
الضدين لاجل ذلك جوز الترتب جملة من الاساطين كالمحقق الثانى قدسسره وايده سيد الاساطين الميرزا الشيرازي قدسسره وتبعه جملة من اساتذة العصر رضوان الله عليهم ولذا سمي هذا
البحث بالترتب لما بين الامرين من الترتب الطولي إلّا انه يمكن ان يقال بصحة الامر
بالمهم مع الامر بالاهم مع كونهما في عرض واحد من دون ان يكون بينهما ترتب طولي
وان كان تسمية ذلك بالترتب مسامحة ، إذ غائلة استحالة الجمع بين الضدين ترتفع مع
حفظ الرتبة بين الامرين بتقريب ان عصيان كل واحد منهما في رتبة امتثاله لكونه
نقيضه والنقيضان في مرتبة واحدة ولا اشكال في تاخر امتثال كل امر عن نفس الامر
لكونه من علل امتثاله وهكذا عصيانه فاذا كان العصيان كالامتثال له تاخر عن الامر
تاخر المعلول عن علته فلا يكون للامر حينئذ اطلاق بالنسبة الى مرتبة العصيان لا
بالاطلاق اللحاظى لما عرفت ان الامر بالنسبة الى مرحلة ايجاد المتعلق من قبيل
المقتضي ولازمه ان يكون من طرف ايجاد المتعلق من قبيل تحصيل الحاصل ومن جهة تركه
من قبيل طلب النقيضين ولا بنتيجة الاطلاق او التقييد بان يكون الاطلاق او التقييد
يستفاد من جعل آخر يسمى بمتمم الجعل فان ذلك يستلزم في التقييد تحصيل الحاصل او
طلب الجمع بين النقيضين وفي الاطلاق يستلزم الجمع بين المحالين فينتج من ذلك ان
الامر بالاهم ليس له نظر لظرف الامتثال والعصيان فلو تعلق الامر بالمهم في ذلك
الظرف فلا يكون الامر بالاهم مطاردا له ولا يكون ذلك من طلب ما لا يطاق او الجمع
بين الضدين وان شئت توضيح ذلك فلاحظ المتزاحمين المتساويين فان العقل يحكم
بالتخيير بينهما من دون ان يكون كل واحد منهما مقيدا بعصيان الآخر وتركه لما عرفت
ان عصيان كل
مرتبة في رتبة
اطاعته لاتحاد الرتبة بين النقيضين فلو قيد كل منهما بترك الآخر لزم ان يتاخر كل
امر عن مرتبة اطاعته مع انه بديهى البطلان إذ الاطاعة عبارة عن الانبعاث والامر
عبارة عن البعث ومن الواضح تاخر الانبعاث عن البعث تاخر المعلول عن علته وعليه
التخير بين المتزاحمين ليس لاجل ذلك بل السر فى الحكم بالتخير بينهما هو ان الامر
الناشئ عن ارادة لم تكن تامة بمعنى انها تسد ابواب انعدامه مطلقا وانما هي ارادة
ناقصة بمعنى انها تسد ابواب انعدامه من غير ناحية عدمه في ظرف وجود ضده المزاحم له
وبذلك يرتفع التمانع والتنافى بين الامرين لعدم المطاردة بينهما ولا يكونان حينئذ
من باب التكليف بما لا يطاق او من الجمع بين الضدين فاذا عرفت حال المتزاحمين
المتساويين فاعلم ان فيما اذا كان احدهما اهم والآخر المهم من ذلك القبيل لا يكون
بين الامرين مطاردة وتمانع إذ الارادة المتعلق بالاهم والمهم لو كانت تامة لحصلت
المطاردة والتمانع بين الامرين لكونهما نشأ كل واحد منهما من ارادة تامة فيكون من
طلب الضدين اما اذا كانت الارادة المتعلقة بالمهم لم تكن تامة بل ناقصة بمعنى انها
تسد ابواب انعدامه من غير ناحية وجود الاهم فليس للامر المهم تعرض لامر الاهم بل
لو اتى بالاهم فالمهم غير مطلوب اصلا وبذلك يرتفع التنافي والتمانع والمطاردة بين
الامرين من دون اعتبار ان يكون امر المهم مشروطا بعصيان امر الاهم. ودعوى ان المهم
وان كان لا يطارد امر الاهم إلا ان امر الاهم يطارد امر المهم بمعنى ان امر الاهم
يدعو الى ايجاد متعلقه في ظرف فعلية الامر بالمهم ويكفى في تحقق المطارد بين
الامرين ولو من جانب واحد ممنوعة بان فى ذلك الظرف اى ظرف ايجاد الاهم ليس للامر
بالمهم اقتضاء لكون امره ناشئا عن ارادة ناقصة وكيف يكون الامر
بالاهم طاردا لمثل
هذه الارادة الناقصة فلا مطاردة بينهما اذ كما رفعت المطاردة بنقصان الارادتين كما
فى المتزاحمين المتساويين كذلك ترفع بنقصان احدى الارادتين كما لو كان احدهما مهما
والآخر اهم فان الارادة التامة التى فى الاهم لا تزاحم الارادة الناقصة فى المهم.
فظهر مما ذكرنا ان
ارادة كل واحد من الامرين فى عرض الآخر مع عدم التمانع بينهما من غير حاجة الى
اشتراط امر المهم بعدم اتيان امر الاهم بل امر المهم لما كان ناشئا من ارادة ناقصة
ارتفع التمانع والتنافى بين الامرين وبالجملة يحتاج رفع التنافي الى ارتكاب خلاف
الظاهر اما باشتراط امر المهم بعدم اتيان الاهم او يرفع اليد عن ظهور الامر في
التمامية ولا يبعد كون الظاهر هو الاخير. وعليه يبقى التمسك بالاطلاق لرفع الاشتراط
ولازمه كون امر المهم مع امر الاهم فى رتبة واحدة وبالنسبة الى المطلوبية فى عرض
واحد فلا طولية بينهما
__________________
هذا كله كان
الكلام فى الأمر المتعلق بالأهم والمهم وكانا مضيقين. واما الكلام في الموسعين فهل
يقتضي بقاء الامر المتوجه الى الضدين على الاطلاق ام
__________________
لا بد من تصرف فى
احد الامرين بالخصوص اذا كان اهم او التصرف بكليهما اذا كانا متساويين في المصلحة
الظاهر هو الثاني لان مقتضى التوسعة التخيير فى جميع
__________________
الوقت فيجوز له
ترك المأمور به لأن الاول اذا أتي به في الزمان الثاني فالطلب بحسب ترك الفرد
الأول من الوقت بعد ناقصا لجواز تركه فيه واتيانه فى الوقت الثاني فلا يقتضي
المحافظة على اتيان متعلقه على الاطلاق واما هو بالنسبة الى غير هذه الافراد
كالتكليف بالصلاة اليومية واتفق ان عليه صلاة الآيات فمقتضى الاخذ باطلاقه ان يكون
مانعا من التشاغل بتلك الصلوات وان كان بالنسبة الى تلك الافراد تكليفا ناقصا وكذلك
اطلاق تلك الصلوات يقتضى المنع من التشاغل من صلوات اليومية فتقع المزاحمة
والمطاردة من الجانبين فلا بد من التصرف في احدهما اذا كان احدهما هو المهم وابقاء
الآخر او فى كل واحد منهما اذا كانا متساويين كما رفعنا اليد من كل واحد منهما
بالنسبة الى افرادهما وبالجملة يكون تخيير فى تخيير فله ترك صلاة اليومية في الجزء
الاول اما بداعي اتيان تلك الصلاة اليومية فى الجزء الثاني من الوقت او بداعي
اتيان صلاة الآيات في الجزء الثاني من الوقت ثم لا يخفى ان مقامنا لا يفرق فيه بين
كون احدهما اهم او متساويين في الامرين الموسعين اذ غاية ما يقال انه يجب مراعاة
الاهم ويجب تقديمه على المهم وفي مقامنا لا يلزم ذلك
__________________
اذ المكلف في سعة
من الوقت ويمكن الجمع بين الامرين فيه لو ترك الاهم واتى بالمهم ، فى اول الوقت ثم
ياتي بالاهم في الثاني هذا كله فيما اذا كان الامران موسعين واما اذا كان احدهما
مضيقا والآخر موسعا فلا اشكال في وجوب مراعاة المضيق وهو انه لو عصى فيبنى على
الخلاف المتقدم في الترتب فإن قلنا بالترتب كما هو التحقيق يكون في الموسع امر
فيأتي به بداعي هذا الأمر وان لم نقل بالترتب كان الفرد الذي هو مزاحم للمضيق
خارجا عن حيز الأمر وخارجا عن الطلب ولكن هل يجوز الإتيان بهذا الفرد بداعي الأمر
بالطبيعة قولان واحتمل الأستاذ جوازه قال ما لفظه (يمكن ان يقال انه حيث كان الأمر
بها على حاله وان صارت مضيقة بخروج ما زاحمه الاهم من افرادها من تحتها امكن ان
يأتي بما زوحم منها بداعي ذلك الأمر فانه وان كان خارجا عن تحتها بما هي مأمور بها
إلّا انه لما كان وافيا بغرضها كالباقى تحتها كان عقلا مثله فى الإتيان به في مقام
الامتثال والاتيان به بداعي ذلك الأمر ... الخ) محل نظر إذ المراد من الداعوية في
الاوامر في العبادات هي ما كانت داعية الى متعلقها فعلا وباعثة ومحركة نحو المطلوب
وهذا انما يتم فى الامر المتعلق بالافراد واما الذي لم يتعلق بها الأمر لم يكن
لذلك الامر المتعلق بذلك الفرد صلاحية لداعوية الفرد غير المتعلق به نعم انما يستقيم
لو كان الامر في العبادات علة غائية يمكن ان يكون الفرد الذي لم يتعلق به الأمر
مسقطا عما تعلق به الامر لكن الانصاف ان هذا المعنى لم يعتبر في داعوية الاوامر
المتعلقة بالعبادات لظهور ان ذلك قد يتفق مع العصيان كما في مثل المقام وهذا لا
يجوز ان يكون غرضا في الأوامر العبادية.
بقى شىء
لا يخفى ان الترتب
هل يجري فيما اذا كان الجهل عن تقصير ام لا. قيل بعدم الجريان لأن جريانه فيما اذا
كان الامر بالاهم قابلا للبعث والمحركية في ظرف تحقق موضوع المهم الذي هو عصيان
الامر بالاهم واما لو لم يكن كذلك كما في الجهر في موضع الاخفات او بالعكس او
القصر فى موضع الاتمام جهلا بالحكم فانه انما يصح من الجاهل بالحكم او الناسي له
ولا يصح من العامد على ما يستفاد من نفس الدليل الدال على الاجزاء فى ظرفي الجهل
والنسيان ومن الواضح ان فى ظرفهما لا بعث حقيقة ولا تحريك للحكم الواقعي ولو لا الدليل
الخاص المستكشف منه وجود المصلحة المساوية لمصلحة الواقع المقتضية للاجزاء لقلنا
بالبطلان لعدم كفاية الامر العقلي عن الامر الواقعي ، ولكن لا يخفى ان ذلك لا يتم
في الجاهل المقصر لتحقق موضوع الترتب لكونه كالعامد عاصيا للامر الواقعي المتوجه
اليه فعند عصيانه يتحقق موضوع الامر الترتبي.
__________________
ودعوى بعض الاعاظم
قدسسره ان موضوع الامر الترتبي هو عصيان امر الاهم ولا يتحقق
العصيان إلا بعد وصول التكليف الى المكلف وذلك ينافي الجهل به إذ هو عبارة عن عدم
وصوله اليه ومعه لا معصية ولو تحققت المعصية للحكم الواقعي فلا جهل واما العقاب
فليس على ترك التكليف الواقعي وانما هو على ترك التعلم لما عرفت من ان وجوب التعلم
نفسي ناشئ عن ملاك ولذا نسميه بمتمم الجعل محل نظر اذ احتمال التكليف لما كان
منجزا قبل الفحص يحكم العقل بأن المخالفة على ذلك التكليف المنجز وبه تتحقق
المعصية اذ لا نعنى منها الا مخالفة التكليف المنجز وعليه لا مانع من تحقق التكليف
الواقعي فى حق الجاهل المقصر وان مخالفته معصية بعد فرض تنجزه في حقه وبذلك يتحقق
موضوع الامر الترتبي ولا يقاس الجاهل المقصر بالناسي فان التكليف الواقعي ليس
منجزا فى حقه فلا تتحقق معصية فى حقه بخلاف الجاهل المقصر فان التكليف فى حقه منجز
فهو كالعامد ، هذا تمام الكلام فى مبحث الضد والحمد لله رب العالمين.
__________________
امر الآمر مع علمه بانتفاء شرطه
الفصل السابع في
انه هل يجوز امر الآمر مع علمه بانتفاء شرطه ام لا؟
__________________
على قولين قيل
بالاول وينسب الى الاشاعرة ، وبالثاني وينسب الى العدلية وقبل الخوض فى المقصود
ينبغى تقديم مقدمة وهي ان الشرط في العنوان ليس شرط الآمر بارجاع ضمير (شرطه) اليه
إذ الشرط من اجزاء علة الشيء ولا يمكن تحقق المعلول إلا بتمام اجزاء علته وحينئذ
كيف يقع النزاع في تحقق شرطه الذى هو من اجزاء العلة قال الاستاذ قدسسره فى الكفاية ما لفظه : (ضرورة انه لا يكاد يكون الشيء مع
عدم علته كما هو المفروض هاهنا فان الشرط من اجزائها ) كما انه لا يراد من الامر
__________________
بعض مراتبه وضمير (شرطه)
يراد منه بعض مراتبه الأخر بمعنى انه يجوز امر الآمر بمرتبة الانشاء مع العلم
بانتفاء مرتبة الفعلية إذ لا إشكال في تحققه ووقوعه
__________________
كالامارات والاصول
المؤدية الى خلاف الواقع فان الواقع حينئذ يبقى على مرتبة الانشاء بل بعض الاحكام
لم تصل الى مرتبة الفعلية اصلا كقوله (ع) (ان
__________________
الله سكت عن اشياء
لم يسكت عنها نسيانا الحديث) هذا وان ذكره الاستاذ فى الكفاية بما لفظه (نعم لو
كان المراد من لفظ الامر الامر ببعض مراتبه ومن الضمير الراجع اليه بعض مراتبه
الأخر بان يكون النزاع فى ان امر الآمر يجوز انشاؤه مع علمه بانتفاء شرطه بمرتبة
فعليته) إلّا انه خلاف ظاهر كلمات القوم بل لا ينبغى ان يقع النزاع فى مثل ذلك بعد
ما عرفت من وقوعه كما هو واضح من دون شك وشبهه كما انه ليس المراد من الشرط شرط
المأمور به الذى اذا انتفى لا ينتفي المأمور به فانه لا إشكال فى صحة التكليف
بالصلاة مع انتفاء الطهارة مثلا.
اذا عرفت ذلك
فاعلم ان المراد من الشرط فى العنوان هو شرط المأمور به مع عدم القدرة عليه لكي
يكون النزاع فى جواز تكليف العاجز عن اتيان الشيء ام لا ومرجع ذلك الى جواز
التكليف بالمحال ام لا وحيث ان الاشاعرة جوزوا ذلك على زعمهم الفاسد بانه تعالى
يجوز ان يكلف عباده بشيء لا يقدرون على الاتيان به لذا جاز عندهم امر الآمر مع
علمه بانتفاء القدرة عليه التى هى من شرائط متعلق التكليف ولا ينافي كونه من
التكليف بالمحال لجوازه عندهم ولذا نسب القوم الجواز فى هذه المسأله الى الاشاعرة
ولما كان ذلك منافيا لما عليه العدلية من اعتبار القدرة فى متعلق التكليف لقبح
العقل بتكليف العاجز وانه يلزم منه التكليف بالمحال الذى يأباه العقل الحاكم
بالتحسين والتقبيح العقليين لذا ترى ما عدا الاشاعرة يرون عدم جواز امر الآمر مع
علمه بانتفاء شرطه ولكن الانصاف ان هذه المسألة ليست مبنية على ما ذكر وانما هى
مبنية على مسألة اتحاد الطلب. والارادة او مغايرتهما فان قلنا بالاتحاد لا يجوز
امر الآمر مع علمه بانتفاء شرط المأمور به لانه حينئذ يكون الطلب عين الارادة
فعليه لا يعقل تعلق الإرادة بما هو غير مقدور. وان قلنا بان
الطلب غير الارادة
فحينئذ يمكن ان يتصور بان يتعلق التكليف بالمحال وحيث انه ليس مشتملا على الارادة
فلا محذور فيه على ما ذكرناه سابقا إلا انك قد عرفت منا ان الحق هو اتحاد الطلب مع
الارادة لعدم تحقق صفة في النفس غير الارادة تسمى بالطلب وتكون هى موضوعا لحكم
العقل بوجوب الامتثال لذا الحق هو عدم جواز امر الآمر مع علمه بانتفاء شرط المأمور
به كما لا يخفى.
تعلق الاوامر
بالطبائع او بالافراد
الفصل الثامن فى
ان الاوامر هل تتعلق بالطبائع او بالافراد ؟
__________________
الحق هو الاول لان
المستفاد من صيغة الامر في مثل قوله تعالى (أَقِيمُوا الصَّلاةَ
وَآتُوا الزَّكاةَ) هو ذلك وبيانه ان صيغة افعل مشتملة على هيئة ومادة أما
الهيئة فهى دالة على البعث نحو المطلوب واما المادة فهى تدل على صرف الطبيعة فلم
يكن لهذين الامرين دلالة على خصوصية الفردية فعليه استفادة خصوصية الفردية منها
تحتاج الى قرينة.
ان قلت لا يمكن
امتثال نفس الطبيعة بما هي طبيعة فكيف يعقل تعلق الامر
__________________
بها؟ وعليه لا بد
من صرف ما هو ظاهره التعلق بالطبيعة الى الفرد فالخصوصية تستفاد من الحكم العقلى
لاعتبار القدرة في متعلق الامر.
قلت المطلوب حقيقة
هو الطبيعة والاتيان بالفرد لا لخصوصية فيه بل لايجاد الطبيعة لاتحادها معه على ان
ذلك مما يشهد به الوجدان لما نجد ان خصوصيات الفرد خارجة عن غرض المولى وليست
دخيلة فيه ولم يكن في غرضه تعلق بها كما نجد ان من امر بماء لم يكن غرضه إلّا
ايجاد الماء باي خصوصية كانت كما هو واضح لمن راجع الوجدان. وبالجملة الفرد
بخصوصيته ليس مطلوبا. نعم ليس الفرد خارجا عن دائرة المطلوب فانه بالنسبة الى كونه
موجودا للطبيعة مطلوب.
بيان ذلك ان كل
فرد ينتزع منه ثلاثة اشياء ، طبيعة ، وحصة ، وخصوصية ولا اشكال في اخراج الخصوصية
عن دائرة الغرض وبقاء الحصة تحت المطلوبية إذ فرق بين الحصص والخصوصيات ، فان
الحصص تشترك تحت جامع ذاتى يشتمل على الجنس والفصل ولم يكن بينها تمايز إلا بحسب
المرتبة بخلاف الخصوصيات فانها متباينة بالذات ليس لها قدر جامع وان امكن اشتراكها
فى جامع إلا انه عرضى لا ذاتي فهذه الامور الثلاثة بحسب الخارج متحدة وان كانت
بلحاظ العقل امورا متعددة منتزعة من الفرد.
إذا عرفت ذلك
فنقول ان الطبيعة المتعلقة للامر تارة يراد منها الطبيعة السارية واخرى مجرد
الطبيعة من دون اعتبار انها سارية فان اخذت بالنحو الاول فلا اشكال في سراية الحكم
من الطبيعة الى الحصص المقارنة للخصوصيات من غير خلاف من احد إذ يكون حينئذ من
قبيل العام المستوعب لجميع افراده فكما في العام المستوعب يسرى الحكم من العام الى
ما تحته من الافراد كذلك في الطبيعة
السارية وان كان
فرق بينهما من جهة اخرى وهو ان في العام يسرى الحكم منه الى الخصوصيات وفي الطبيعة
السارية لا يسرى منها اليها وانما يسرى الى الحصص المقارنة للخصوصيات وتظهر الثمرة
بين الالتزام بسراية الحكم الى الخصوصية وعدمها فيمن قصد الامتثال بالخصوصية فعلى
السراية كما فى العام يكون مطيعا بما امتثل من الاتيان بالخصوصية وعلى عدم السراية
يكون عاصيا بذلك لتشريعه بقصد امتثال ما لم يكن مأمورا به وبالجملة في صورة اخذ
المتعلق الطبيعة السارية لا بد من الالتزام بسراية الحكم منها الى الحصص من دون
السراية الى خصوصية الفرد وان اخذت الطبيعة بالنحو الثانى اى بان لا يراد منها
السارية بل كان متعلق الأمر صرف الايجاد وكانت مأخوذة لا بشرط بنحو يكفى في
امتثالها اول وجود فهل يسري الحكم منها الى الحصص مع القطع بعدم سرايتها الى
الخصوصيات ام لا يسري؟ قولان قيل بالثاني واستدل له بان اللازم من القول بالسراية
ان تنطبق الطبيعة على تلك الحصة حتى تتلون تلك الحصة بلون الطبيعة وذلك لا يتحقق
فى مقامنا لانه تارة يلحظ قبل امتثال العبد واخرى في مقام الامتثال فان كان الاول
فالعبد له اختيار التطبيق على اي حصة تحققت ففى ذلك الظرف لم يكن تطبيق لكى تتلون
الطبيعة بلون الحصة نعم لها قابلية التطبيق وهى لا توجب ان تتلون الطبيعة بلون
الحصة. وان كان الثاني ففى مقام الامتثال والايجاد مقام الاطاعة والامتثال وهو
مقام سقوط الامر وبهذا المقام وان حصل التطبيق إلا انه غير نافع لسقوط الامر فلا
سراية للحكم من الطبيعة الى الحصة. وبالجملة فى الصورة الاولى لم يحصل التطبيق لكى
تتحقق السراية وفي الثانية لا امر لكي يقال بسرايته فالفرد ليس مأمورا به لا بحسب
حصته ولا بخصوصية بل يكون الفرد حينئذ مقدمة للمأمور به
والى ذلك يرجع ما
ذكره المحقق القمى قدسسره من دعوى كون الفرد مقدمة وبذلك يندفع ما يرد عليه من عدم
المغايرة بين الفرد والكلى إذ لا اثنينية بينهما مع ان المقدمية تستدعى المغايرة
والاثنينية لما عرفت انه بعدم السراية يكون الفرد مغايرا للكلى فلا مانع من دعوى
المقدمية كما انه لو تم ما ذكر عن عدم السراية ترتفع محالية اجتماع الامر والنهى
في محل واحد إذ بمقتضى دليل عدم السراية لم يتعلق بالفرد امر ولا نهى لتعلقهما
حينئذ بالطبيعة ولم يسر الحكم منها الى الفرد لا بحسب حصته ولا بحسب خصوصيته والذى
يقتضيه التحقيق هو القول الاول اي سراية الحكم من الطبيعة الى الافراد وبيانه
يتوقف على ذكر امرين :
الاول ان الماهية
في مرحلة الحكم لم تلحظ امرا في قبال الخارج بل ترى عين الخارج ومتحدة معه اتحاد
المرآة مع المرئى ولو لم يكن هناك خارج مثلا شريك البارى ممتنع يراه متحدا مع
افراده في الخارج مع انه يقطع بعدم وجوده فيه ويحكم عليه بالامتناع بلحاظ انه متحد
مع ما فى الخارج فاذا كان الحكم على الموضوع بلحاظ اتحاد الموضوع لما فى الخارج
وكان لحاظ الموضوع آلة للحاظ الموجود الخارجى فيسرى من الموضوع الملحوظ الى ما فى
الخارج من جهة اتحاده ولا اشكال انه متحد مع الحصص كما عرفت فلا يسرى الا اليها لا
الى الخصوصيات لعدم اتحاده مع الخصوصيات.
الامر الثانى ان
لحاظ الافراد يكون على نحوين من اللحاظ فتارة تكون الافراد ملحوظة منضما بعضها مع
بعض بنحو يلحظها بلحاظ واحد واخرى يلحظ كل فرد منفردا عن الفرد الآخر فان كان من
قبيل الاول فلا اشكال في عدم
انطباق الطبيعة
المأمور بها على ما هو اول الوجود وان كان من قبيل الثانى فائضا لا اشكال في
انطباقها على ما هو اول الوجود إذ كل فرد بذلك اللحاظ يكون موردا لانطباق الطبيعة
فاذا صار موردا لانطباق الطبيعة فيسرى منها الى كل فرد في حال عدم الفرد الآخر
فيكون مطلوبا بالطلب الناقص الذى هو عبارة عن سد ابواب انعدامه من غير ناحية الفرد
الآخر. إذا عرفت ما ذكرنا من الامرين ظهر لك بطلان القول بعدم السراية إذ منشأ ذلك
هو ان السراية تكون الى الافراد الخارجية الثابتة في الخارج وذلك غير معقول إذ هو
مقام السقوط فى الامر حتى يقال بالسراية لكنك قد عرفت ان السراية ليست الى تلك
الافراد الخارجية الثابتة في الخارج بل الى الافراد الخارجية الزعمية (الادعائية)
التى ترى خارجية ولو لم تتحقق فى الخارج كتكليف الكفار والعصاة كما انه ظهر لك ان
الافراد تكون مطلوبة إلّا انه بالطلب التخييرى اي الطلب الناقص المعبر عنه طلبه في
حال عدم الآخر والامر المتعلق بالطبيعة يكون تعيينيا لان الطبيعة على ما عرفت تتحد
مع كل فرد وجميع انحاء تروك الطبيعة بعض من انحاء تروك الفرد.
وبالجملة مقتضى
اتحاد الطبيعة مع الفرد أن يكون الامر المتعلق بها ينهى عن تروك الطبيعة وتروكها
بعض من تروك الفرد. هذا كله كان الكلام في تعلق الامر بالطبيعة ام بالفرد . واما الكلام فى انه هل الامر يتعلق بالطبيعة ام بوجودها
قولان وربما يتوهم ان هذا النزاع هو بعينه النزاع المتقدم ولكن لا يخفى
__________________
ان ملاك النزاع في
هذه المسألة عن السابقة يختلف فان الملاك في السابقة ان الامر هل هو متعلق
بالطبيعة او بالافراد الموجودة بالوجود الخارجي الزعمي اى الادعائي ولو لم يكن له
تحقق في الخارج بل ربما يتحقق مع الممتنع على ما عرفت سابقا وفي
__________________
هذه المسألة
ملاكها ان الامر يتعلق بالطبيعة ام بالفرد الخارجي الحقيقي وفرق واضح بينهما اذ
ربما يمكن ان يقال في تلك المسألة بتعلق الامر بالفرد الخارجي الادعائي ، وفي هذه
المسألة بالطبيعة بدعوى ان الحكم منها لا يسري الى ما فى الخارج الحقيقي او بالعكس
بدعوى سراية الحكم المتعلق بالطبيعة الى ما فى الخارج. إذا عرفت ذلك فاعلم ان مورد
البحث ليس في تعلق الطلب بالماهية في قبال الوجود الذهني إذ الماهية من حيث هي
ليست إلا هي ، ولا يجوز ان تكون مطلوبة كما انه ليس مورد البحث في الوجود الخارجي
إذ يلزم ان يكون البعث الى امر موجود فى الخارج فيكون من طلب الحاصل وتحصيل الحاصل
بديهي البطلان بل مورد البحث والنزاع انما هو فى ان الماهية بلحاظ ترى عين الايجاد
الذى هو المعنى المصدري دون الوجود الذى هو المعنى الاسم المصدري فحينئذ يكون
النظر الى الماهية تبعيا والملحوظ بالاصالة هو نفس الايجاد الذى هو خروج الشى من
كتم العدم الى الوجود والطلب قد تعلق بنفس الماهية الملحوظة تبعا وبعد معرفة ذلك
فقد وقع النزاع بين القوم بعد الفراغ من تعلق الامر بالماهية الملحوظة بلحاظ الخارج
الزعمي فهل يقف ولا يتعدى الى ما فى الخارج الحقيقي او يتعدى الى ما في الخارج
الحقيقي الظاهر هو الاول لوجهين :
الاول انه لا
اشكال في ان محل قيام الطلب انما هو في النفس فيكون من الكيفيات النفسانية كما انه
لا اشكال فى انه ليس له وجود مستقل بل هو امر قائم بالطرفين ولا يوجد بنفسه فينتج
من ذلك ان لا يعقل ان يكون احد مقوماته الوجود الخارجي الحقيقي كما يدعيه الخصم
بناء على سراية الحكم الى ما فى الخارج الحقيقي اذ على ذلك التقدير يكون الوجود
الخارجي له دخل في تحقق الطلب فاذا لم
يتحقق فلا طلب ولا
معصية مع انه واضح البطلان اذ بالوجدان تحقق الطلب مع عدم تحقق الموجود الخارجي
وعليه يكون الطلب يتقوم بامر معدوم وان شئت توضيح ذلك فالطلب نظير القطع فى كونه
من الصفات النفسانية ولم يكن من قوامه الوجود الخارجي الحقيقي اذ لو كان من قوامه
لزم عدم حصول خطأ فيه مع انه بالوجدان حصوله في القطع بل انما يتعلق بالصور
الذهنية التى ترى متحدة مع الخارج ادعاء منه حتى مع مخالفتها لما في الخارج لعدم
الالتفات الى المخالفة.
الثاني ان الموجود
فى الخارج له لحاظان فى عالم التصور فباعتبار تعلق الارادة به يلاحظ الموجود
الخارجي سابقا على الارادة لكونه موضوعا لها وباعتبار وقوعه معلولا للارادة يلاحظ
متاخرا عنها تاخر المعلول عن علته مثلا يصح ان يقال اردت الصلاة فصليت وبالجملة
باعتبار تعلق الارادة به يلحظ متقدما وباعتبار معلوليته لها يلاحظ متاخرا فما كان
لحاظه متقدما الذى هو قبل (فاء) فصليت ليس له ما بازاء في الخارج نعم هو في لحاظه
الثانى له ما بازاء فى الخارج إلّا انه لما كان فى رتبة المعلول للارادة لا يعقل
ان يؤخذ موضوعا للارادة لعدم جواز اخذ ما بازاء اللحاظ الثانى فى موضوع الارادة
لانه في مرتبة ما بازائه كما لا يخفى.
ينبغى التنبيه على امرين
التنبيه الاول انه
فرق صاحب الفصول بين متعلق الامر وبين متعلق الطلب فجعل متعلق الامر هو الماهية
ومتعلق الطلب هو الايجاد الخارجي قال صاحب الفصول قدسسره ما لفظه على ما حكى عنه (ثم اعلم انا نفرق بين ما تعلق به
الامر اعنى
مفاد اللفظ
باعتبار الهيئة وبين ما تعلق به الطلب فالامر عندنا لا يتعلق إلّا بالطبيعة من حيث
هي) الى ان قال (واما الطلب فلا يتعلق إلّا بالفرد وهو الايجاد الذى هو عين الوجود
الخارجي بحسب الذات وان غايره بحسب الاعتبار) وتبعه في ذلك الاستاذ قدسسره في الكفاية فقال ما لفظه (فانقدح بذلك ان المراد بتعلق
الاوامر بالطبائع دون الافراد انها بوجودها السعي بما هو وجودها قبالا لخصوص
الوجود متعلقة للطلب لا انها بما هي كانت متعلقة له كما ربما يتوهم فانها كذلك
ليست إلّا هي نعم هي كذلك تكون متعلقة للامر فانه طلب الوجود فافهم) وحاصله أن
الفرق بين الامر والطلب أن الوجود مأخوذ فى متعلق الطلب لان الطبيعة بذاتها لا
مطلوبة ولا غير مطلوبة بخلاف الامر فان الوجود له الدخل فى حقيقة الامر حيث انه
عبارة عن ايجاد الماهية ولكن لا يخفى ان الطلب كالامر في انهما يتعلقان بنفس
الماهية فان الامر ماهيته يدل على البعث نحو المطلوب والمادة تدل على نفس الطبيعة
فعليه الايجاد ليس مدلولا لاحدهما على ان جعل الوجود دخيلا فى متعلق الطلب غير
معقول اذ الوجود الخارجي ظرف السقوط فكيف يعقل تعلق الطلب به وليس إلّا من طلب
الحاصل ، وتحصيل الحاصل واضح البطلان وتوهم ان المراد من الوجود هو اصداره فيكون
المراد منه الايجاد ممنوع اذ الايجاد متاخر عن الطلب كما يظهر في قولك طلب منى
الايجاد فاوجدته فعليه كيف يعقل ان يؤخذ فى المتعلق اذ أخذه فى المتعلق يلزم ان
يكون سابقا عليه مضافا الى ان الوجود لو كان داخلا فى هيئة الامر يلزم الفرق بين
قولنا صل وبين اوجد الصلاة اذ يلزم على التعبير الثانى تجريد الهيئة من الوجود
والالزام لحاظه مرتين مرة من جهة المادة واخرى من جهة الهيئة وبعبارة اخرى ان
الايجاد لو كان له دخل في هيئة الامر لزم في
مثل اوجد الصلاة
اما تجريدها عن الوجود فهو المجاز بلا قرينة او دلالتها على طلب ايجاد الايجاد وهو
لغو صرف وبالجملة على ما ذكرناه يلزم في المثال المذكور اما اللغوية او مجاز بلا
قرينة ولعل منشأ ما ذكرناه هو ان الطبيعة بما هي ليست إلّا هي لا يتعلق بها الطلب
لعدم قيام الاثر او المصلحة بها إلّا باعتبار وجودها لذا اخذ الوجود فى متعلق
الطلب والوجود في حقيقة الامر إلّا أنّك قد عرفت ان هناك اعتبارا ثالثا لا يرد
عليه شىء من المحاذير وهو ان المتعلق هو لحاظ الطبيعة بان تكون مرآتا للخارج
فحينئذ تتلون بلون الخارج ولذا يتصف بالمصلحة كما يتصف الخارج بالمرادية لما بين
اللحاظ الذى هو مرآة للخارج وبين ما فى الخارج من الاتحاد بنحو يرى عين الخارج.
التنبيه الثانى هو
ان حكاية شىء عن شىء ربما يكون اتحاد بنحو يرى بالنظر المسامحى عينه بنحو لا يرى
اثنينية وذلك يوجب ان يتلون احدهما بلون الآخر كحكاية زجاج الاحمر عن الضياء فهذه
الحكاية توجب سراية صفة الزجاج الى الضياء بان يتلون الضياء بلون الاحمر فيقال
الضياء احمر لما بينهما من الاتحاد بنحو لا ترى الا ضياءً احمر ومن هذا القبيل
حكاية الالفاظ عن معانيها ولذا يسري قبح المعنى وحسنه الى اللفظ مثلا الالفاظ التي
تحكي عن معان يشمئز الطبع من سماعها فانه يسري الاشمئزاز الى الالفاظ فتكون تلك الالفاظ
كريهة على الطبع اذ المعانى القيت بهذه الالفاظ كما انه ربما تكون الالفاظ تحكى عن
معان حسنة يستلذ الطبع بسماعها فيسري الاستلذاذ الى تلك الالفاظ ولذا كانت الالفاظ
وجودا للمعنى وانها قوالب للمعانى والنظر الى الالفاظ بالنسبة الى المعاني كالمرآة
للمرئى إذا عرفت ذلك تعرف ان الاوامر لما قلنا بتعلقها بالصور الحاكية عما فى
الخارج فتكون تلك الصور مطلوبات على نحو حكايتها عما فى الخارج وبما ان اتحادها
مع الخارج نحو
اتحاد المرآة بالنسبة الى المرئى فلذا تسري صفة المطلوبية الى المحكى عنه الذي هو
الخارج فيكون الخارج متصفا بالمطلوبية لما كان بينهما من الاتحاد وتوصيف الخارج
بالمطلوبية على هذا ليس توصيفا تسامحيا بل التوصيف بهذا النحو من التوصيف الحقيقى
وان كان منشؤه الاتحاد بين الصور الذهنية وبين ما بازائها فان هذا المنشأ لما لم
يلاحظ فربما يكون المنشأ اضيق من التوصيف وتكون دائرة التوصيف اوسع من دائرة
العروض مثلا التجارة لا تعرض الا وان يتلبس الشخص بحرفة التجارة ولكن توصيفه
بالتجارة بان يقال له تاجر بنحو يكون اوسع كاطلاقه على من كان نائما انه تاجر
ودعوى ان المبدا في مقام التوصيف اخذ بنحو الملكة والملكة موجودة في حال النوم ممنوعة
اذ ذلك ليس مناطا للاطلاق وإلّا لجاز اطلاق التاجر على من عنده ملكة التجارة إلّا
انه لم يمارسها وكان طول حياته مشغولا بطلب العلم مع انه قطعا لا يطلق عليه انه
تاجر وبالجملة انا نرى بالوجدان توسعة حقيقية في اطلاق عنوان التاجر مع التضييق في
دائرة عروض التجارة وذلك اعظم شاهد لما قلنا بان دائرة التوصيف تكون اوسع من دائرة
العروض اذا عرفت ذلك فلا بد لنا من ثلاثة اقسام احدهما ان يكون ظرف العروض وظرف
الاتصاف هو الذهن كالنوعية والجنسية فانهما يلحقان الماهية عروضا واتصافا في الذهن
فقط ثانيهما ان يكون ظرف العروض والاتصاف هو الخارج كالحرارة والبرودة فانهما
يعرضان على الشىء ويتصف الشىء بهما في الوجود الخارجى ثالثها ما كان ظرف العروض
الذهن وظرف الاتصاف الخارج مثلا الطلب والقطع اللذان هما منشأ انتزاع المطلوبية
والمعلومية فان الذهن ظرف عروضهما والخارج ظرف اتصافهما فظهر لك بطلان القول
بالحاق هذين القسمين الآخرين بالقسم الاول الذي هو
ظرف العروض
والاتصاف فيه هو الذهن خاصة كما ظهر ان محل الكلام هو القسم الثالث وان لحاظ
الطبيعة بنحو ترى عين الخارج فيسرى الى ما في الخارج صفة المطلوبية والسراية انما
هى الى الحصص إلّا انها على نحو البدل ولا يسرى الى خصوصيات الافراد فالخصوصية
خارجة عن حيز الطلب فافهم وتامل.
نسخ الوجوب
الفصل التاسع فى
انه اذا نسخ الوجوب فهل يبقى الجواز بالمعنى الاخص الذى هو الاباحة او بالمعنى
الاعم الذى عبارة عن الترخيص الاعم من رجحان الفعل مع المنع عن الترك كالوجوب او
الاذن فى الترك كالاستحباب او تساوى الفعل مع الترك كالاباحة ام لا يبقى الجواز
بالمعنى الاخص وبالمعنى الاعم؟ قيل بالاول بدعوى ان الوجوب عبارة عن رجحان الفعل
مع المنع عن الترك فالنسخ انما رفع الفصل الذى هو المنع عن الترك وبعد رفعه لا
يعقل بقاء الجنس بلا فصل ولازمه ان يحل نقيضه محله وهو الاذن في الترك وذلك هو
معنى الاستحباب هذا لو قلنا بتركب الوجوب من الجنس والفصل واما لو قلنا بان الوجوب
والاستحباب يختلفان بحسب الشدة والضعف فالنسخ يتوجه الى جهة الشدة فمع زوال تلك
المرتبة تبقى المرتبة الضعيفة ولكن لا يخفى ان الوجوب عبارة عن مرتبة يتضمن الجواز
والرجحان والالزام فالنسخ يرفع احد هذه الثلاثة فكما يحتمل رفع الالزام يحتمل رفع
الرجحان او رفع الجواز فمن النسخ لا يظهر بقاء الجواز بالمعنيين على انك قد عرفت
منا سابقا ان الوجوب يفترق عن الندب بشدة الطلب والشدة من مراتبه ، والندب يفترق
عن الوجوب بالضعف اى الاذن في الترك وهو ليس من سنخ الارادة وانما هو حد خاص
فالوجوب من قبيل الوجود
المطلق اى غير
محدود بحد من جهة ان الشدة من سنخ الطلب وليست من حدوده لان حد الشىء لا يكون من
سنخه والندب من قبيل الوجود المحدود لاشتماله على الضعف وهو ليس من سنخ الارادة
فالوجوب بسيط والندب يحتاج الى مئونة زائدة لكونه مركبا من الطلب مع الاذن في
الترك. فعليه ان نسخ الوجود المطلق لا يعين المراتب الأخر المحدودة بحدود خاص
لاحتياج كل واحد منها الى قرينة تعين المراد. نعم بناء على ان الاستحباب والوجوب كلاهما
من المعانى البسيطة وليس بينهما الا الاختلاف بحسب المرتبة لانهما من توابع
الارادة والارادة تختلف شدة وضعفا فمن الواضح ان نفى الشدة يوجب بقاء الرجحان
الضعيف وهو معنى الاستحباب لانطباقه على المرتبة الباقية بل ربما يقال بانه كما
يتم ذلك في مقام الثبوت فربما يستفاد ذلك ايضا من مقام الاثبات اي من دليل الناسخ
إذ المقام يكون من قبيل ما اذا ورد دليل على وجوب شيء ثم ورد دليل يعارضه ويدل على
جواز تركه فان مقتضى الجمع بين الدليلين رفع اليد عن ظهور الدليل الدال على الوجوب
ويؤخذ بظهور الدال على الترخيص ولكن لا يخفى ان المقام ليس من قبيل الجمع بين
الدليلين فان ذلك فيما اذا لم يكن لاحد الدليلين حكومة على الآخر واما لو كان
احدهما حاكما على الآخر كما في المقام فان دليل الناسخ حاكم على دليل المنسوخ فانه
يؤخذ بدليل الناسخ ويطرح دليل المنسوخ ومعه لا دلالة له على بقائه اذ الجواز
بالمعنى الاخص الذى هو الاباحة يباين الوجوب فيحتاج فى بقائه بعد ارتفاع الوجوب
الى دليل ودليل الناسخ لا دلالة له على بقائه كما ان الجواز بالمعنى الاعم ليس
لدليل الناسخ ولا لدليل المنسوخ دلالة على بقائه باحدى الدلالات الثلاث اما
المطابقة فواضح واما التضمن فغاية ما يمكن تصوره ان الجواز جزء من مدلول المنسوخ
وارتفاع الجزء لا
يوجب ارتفاع الجزء الآخر ولكن لا يخفى ان الجزء الباقى هو الجنس ومن الواضح
ارتفاعه بارتفاع فصله فلو بقي يلزم تحققه بلا فصل وهو ممنوع ، واما الدلالة
الالتزامية فتحتاج الى تحقق الملازمة بين النسخ وبقاء الجواز ولا ملازمة بينهما
كما هو واضح ، ولذا لو صرح المولى ببقاء الحرمة بعد نسخ الوجوب لم يكن مناقضا هذا
والانصاف ان ذلك يلتزم به فيما اذا كان لدليل الناسخ حكومة ونظر بنحو يرفع جميع
مراتب المنسوخ. واما لو لم يكن كذلك بل له حكومة يرفع بعض مراتبه كرفع الالزام
مثلا فيؤخذ بظهور دليل المنسوخ ويثبت الرجحان بل لو شك في مقدار رفع دليل الناسخ
فيؤخذ بالقدر المتيقن فيه وهو حمله على نفس الالزام ويؤخذ بظهور دليل المنسوخ
ويثبت الرجحان ولا يسرى اجماله اليه.
اللهم إلّا ان
يقال بان مقتضى اطلاق دليل الناسخ هو نفى جميع مراتب الارادة الشديدة التى هي منشأ
الوجوب فان ذلك لا يحتاج الى مئونة زائدة بخلاف نفى بعض مراتبه الذى هو الشدة مثلا
فانه يحتاج الى مئونة زائدة فاثبات الرجحان مع الاذن في الترك الذى هو الاستحباب
او الاباحة التى هي تساوى الفعل والترك يحتاج الى دليل. هذا كله حال الدليل
الاجتهادي ، واما الدليل الفقاهتي فنقول لو لم يكن اطلاق لدليل الناسخ ، لا لدليل
المنسوخ ووصلت النوبة الى الاصل العملى فقد توهم ان الاستصحاب يجري بدعوى ان
الجواز كان متحققا في ضمن الوجوب وبعد ارتفاع الوجوب بدليل النسخ يشك فى رفع
الجواز فيستصحب بقاؤه ولكن لا يخفى ان هذا من قبيل القسم الثالث من استصحاب الكلي
لان الجواز يثبت فى ضمن الاحكام الاربعة غير التحريم ولا اشكال فى تباينها فمع
العلم بارتفاعه بمقتضى النسخ فى ضمن الوجوب واحتمل ثبوته في ضمن الاباحة او
الاستحباب فيكون
من قبيل ما لو علم
بارتفاع فرد وشك في وجود فرد آخر مقارن لارتفاع ذلك الفرد فلا يكون حينئذ من الشك
فى البقاء لكى يجري الاستصحاب إلّا ان يقال بان المشكوك من المراتب الضعيفة
بالنسبة الى ما علم بارتفاعه كما لو غسل الثوب الاسود الحالك الشديد السواد بماء
فقطع بارتفاع الشدة التى هي مرتبة من السواد وشك فى بقاء السواد الضعيف فلا مانع
من جريان استصحاب السواد لصدق الشك في البقاء عرفا لعدم مباينة الضعيف للقوى وجودا
وانما يباينه بحسب المرتبة ولكن لا يخفى ان بين الاحكام تضادا وتباينا وليس
الاستحباب من مراتب الوجوب لكى يكون التفاوت بحسب المرتبة فعليه لا يجري استصحاب
بقاء الجواز مع العلم بارتفاع الوجوب ويكون من قبيل ما لو قطع بارتفاع فرد وشك فى
حدوث فرد آخر مقارن لارتفاع ذلك الفرد فانه من المسلّم عدم جريان الاستصحاب فيه
وسيأتى إن شاء الله تعالى بيانه في الاستصحاب.
(الامر بالامر)
الفصل العاشر فى
ان الامر بالامر بشىء امر بذلك الشىء او لا ، وجهان لان الآمر بامره بذلك الشىء ان
كان نظره الى ايجاد المتعلق بنحو يكون غرضه ايجاده وليس غرضه يحصل بمجرد الامر
الثانى وانما أتى به وسيلة وطريقا الى اتيان المتعلق فالامر بالامر بشيء يكون امرا
به وان كان الغرض يتحقق بنفس الامر وليس له غرض في وجود المتعلق فلا يكون الامر
بالامر بشيء امرا به الظاهر هو الاول. لان العرف يفهم ان الامر الثانى انما جعل
وسيلة وطريقا الى اتيان المتعلق فان الظاهر من قول النبى صلىاللهعليهوآله (مروهم بالصلاة
وهم ابناء
سبع سنين) هو
الاتيان بنفس الفعل إلّا انه (ص) عدل عن امرهم مباشرة الى توسيط الاولياء لضعف
عقول الاطفال فلا يعتنون بذلك الامر فعليه تكون عبادات الصبى شرعية اذ امر
الاولياء بامر غير البالغين بالصلاة حسب الفرض انه امر لهم بها نعم لو لم نستفد
ذلك بل كان الامر لصرف تحقق الامر من الاولياء فتكون عباداتهم تمرينية بل لو
احتملنا ذلك فيحتاج دلالة الامر بالامر بشيء على الامر به الى دليل وقرينة وحيث لم
تكن قرينة فلا دلالة عليه فلا تكون عباداتهم ايضا شرعية اللهم إلّا ان يقال بانه
يستفاد شرعية عباداتهم من ادلة التشريع مثل قوله تعالى (أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ*
كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ) ونحوها من الخطابات التى تعم البالغ وغيره واما رفع القلم
فلا يرفع الا الالزام فعليه لو فعل الصبى العبادة فى الوقت ثم بلغ فلا يحتاج الى
الاعادة ودعوى كون عبادات الصبى تمرينية بان يكون الامر لصرف التمرين وصيرورتها
عادة لهم من دون فائدة اخرى فيها بعيد اذ ذلك خلاف ظواهر الاوامر الواردة المتعلقة
باتيان الافعال فدعوى الاستاذ قدسسره فى الكفاية ما لفظه (انه لا دلالة بمجرد الامر بالامر على
كونه امرا به ولا بد في الدلالة عليه من قرينة عليه) محل نظر ومنع اذ يمكن دعوى
القرينة النوعية على كون الامر بشيء من قبيل الامر بالتبليغ لم يلحظ فيه الا كونه
طريقا لايجاد المتعلق اذ كون الغرض من ذلك صرف التبليغ وان الامر صادر من الاولياء
خلاف الظاهر كما لا يخفى.
ورود الامر عقيب الامر
الفصل الحادي عشر
في ما لو ورد امر عقيب امر قبل امتثال الامر الاول فهل هو تأكيد فيكفى الامتثال
بوجود واحد أم تاسيس فيكون طلبا آخر غير الطلب
الاول لتعدد
موضوعه فيجب امتثال كل بغير امتثال الآخر قيل بالاول تقديما لاطلاق المادة فان
اطلاقها يقتضى الاتحاد مع المادة في الامر الاول فحينئذ المأمور به فيهما مفهوم
واحد يتحقق بوجود واحد على ان الطلب لو كان بنحو التأسيس لا يعقل تعلقه بطبيعة
واحدة الا مع التقييد لكي يكون المتعلق في الاول مع الثانى مختلفين وجودا ولكن
التحقيق هو عدم استفادة التاكيد او التأسيس بل هو من هذه الجهة مجمل لتعارض اقتضاء
المادة مع اقتضاء الهيئة فان المادة تقتضي التاكيد لان الطلب لا يعقل تاسيسا ان
يتعلق بطبيعة واحدة مرتين ولم يكن فى البين تقييد ولو كان ولو بمثل مرة اخرى حتى
يكون المتعلق في احدهما غير المتعلق فى الآخر ومقتضى اطلاق الهيئة التأسيس لاقتضاء
الهيئة البعث في المقامين فلا بد من التقييد بالمرة الاولى بالنسبة للامر الاول
والمرة الثانية بالنسبة الى الامر الثانى فانقدح مما ذكرنا حصول الاجمال فمع حصوله
يكون المرجع الى الاصول العملية وليس فى البين ما يرجع اليه منها الا اصل البراءة
لكون المقام من الشك في وجوب الاتيان به مرة ثانية وهو من الشك فى التكليف وهو
مجرى لاصل البراءة من وجوب التكرار كما لا يخفى. هذا تمام الكلام في ما يتعلق
بالمقصد الاول من الاوامر والحمد لله رب العالمين.
(المقصد الثانى فى النواهى)
وفيه فصول :
الفصل الاول فى ان
النهي هل يراد منه طلب الترك او طلب الكف قيل بالاول واستدل له بان النهي عبارة عن
نفي المعنى ونفي المعنى مساوق للترك فلذا دل النهي على الترك ورد بانه لا يمكن ان
يلتزم بالترك المحض لعدم كونه مقدورا فلا يكون مطلوبا لخروجه عن الاختيار لكونه
عدما ازليا والعدم الازلي خارج عن القدرة ولذا يجب الالتزام بالقول الثاني وهو ان النهي
عبارة عن الكف لكونه مقدورا وامرا اختياريا فيصلح لتعلق الطلب به وقد اجيب عن ذلك
بان الممتنع العدم الازلي وهو ليس بمطلوب فى النهي وانما المطلوب فيه ابقاء ذلك
العدم وابقاؤه من الامور الاختيارية لانه قادر على هدم ذلك العدم بارادة الفعل
فحينئذ صح ان يطلب ابقاء هذا العدم لكونه حينئذ غير خارج عن الاختيار ويكون مقدورا
لتحقق القدرة على الفعل بحيث يصدق عليه انشاء فعل وانشاء لم يفعل ولكن لا يخفى ان
هذا النزاع بناء على خلاف التحقيق حيث ان مورده اخذ الماهية في قبال الوجود
الخارجي ولكن التحقيق حسب ما عرفت في مسألة تعلق الأوامر بالطبائع من ان المراد
بالطبيعة المتعلقة للامر ان تكون بنحو الحكاية عما في الخارج كحكاية المرآة لمرئيه
ومتحد معه اتحاد المرآة مع المرئي لما عرفت من ان صيغة الامر مركبة من مادة وهيئة
مادتها تدل على نفس الطبيعة وهيئتها تدل على البعث نحو الطبيعة وكذلك في النهي فان
المراد بمادته هي نفس الطبيعة وهيئته تدل
على الزجر والردع
نحو الطبيعة فلو كان مفاد صيغة النهي طلب ترك الفعل لزم ان لا تكون صيغة النهي
كصيغة الامر من المشتقات حيث لم تكن لها هيئة تدل على ربط المادة كما كان ذلك في
صيغة الامر.
وبالجملة ان جعلنا
صيغة النهي احدى صيغ المشتقات وهي مركبة من مادة وهيئة مادتها تدل على نفس الطبيعة
وهيئتها تدل على امر ربطي يقوم بالمادة واما ان لم تكن كذلك خرجت صيغة النهي من
صيغ المشتقات وبالجملة مفاد المادة في الامر والنهي الحكاية عما في الخارج فيكون
متعلق الامر عبارة عن البعث نحو المادة التى ترى خارجية وفي النهي عبارة عن الزجر
نحو المادة اذ هذا المعنى يقبل لان يتعلق بالوجود فيكون مفاد النهي كالامر مقدورا
فلا حاجة الى ما ذكر من جعل المراد من العدم الازلي ابقاؤه.
فظهر مما ذكرنا
حيث قلنا بان المادة انما هي ملحوظة مرآتا للخارج في الامر والنهي فالوجود حينئذ
يكون مأخوذا فيهما فهما مشتركان في ذلك وانما المائز بينهما هو اخذ البعث فى مفاد
هيئة الامر والزجر فى مفاد هيئة النهى فهما يتفقان في المادة ويفترقان
بالنسبة الى الهيئة ومن ذلك ظهر فساد اخذ العدم في حقيقة النهي والوجود فى حقيقة
الامر اذ ذلك يوجب ان يكون التمايز بينهما بحسب المتعلق وذلك انما يتم لو لم يؤخذ
المتعلق بنحو المرآة لما فى الخارج وبالجملة اخذ المتعلق بنحو المرآة لما في
الخارج يوجب اتفاقهما في اخذ الوجود فيهما ولازمه ان يكون بينهما تغاير في دلالة
الهيئة ففي هيئة الامر دلالة على البعث نحو المادة وفي النهي دلالة على الزجر عما
تقتضيه المادة فافهم وتأمل.
__________________
(دلالة النهى على التكرار)
الفصل الثاني في
ان النهى يدل على التكرار أو لا؟ وجهان قيل بالاول نظرا الى ان مفاد النهي هو عدم
ايجاد الطبيعة ولا يحصل ذلك إلا بترك جميع الافراد العرضية والطولية وقد اورد عليه
بان التكرار المدعى فى المقام ما كان مستتبعا لمخالفات متعددة وعلى ما ذكر من
التكرار ليس فيه مخالفات متعددة إذ العصيان ضد الاطاعة والاطاعة تتحقق بانعدام
الطبيعة بالمرة الاولى فتكون المرة
__________________
الثانية خالية من
العصيان وهو مما لا يلتزم به احد ضرورة تكرر العصيان بتكرر المخالفة كما ترى ذلك
فى المحرمات كالزنا والسرقة وشرب الخمر إلا ان يفهم من النهي السريان وهو مستلزم
لتكرار المخالفات المستتبع لتعدد العصيان ولم يكن ذلك مستفادا من النهي ولكن لا
يخفى ان هذا وان امكن الالتزام به إلا انه لا يكون مثبتا لتلك الدعوى اذ الدعوى
استفادة التكرار عن النهي وهذا انما يستفاد من الاستلزام اى كون التكرار لازما
لكون النهي للسريان. نعم يتم ذلك في النواهي الغيرية التي يسقط النهي بالمخالفة
لأول مرة ، مثلا من احدث فى صلاته انتقض وضوؤه وبطلت صلاته ولو احدث ثانيا لم يكن
لحدثه ثانيا اثر يترتب عليه الانتقاض فالاولى في توجيه الاستدلال ان يقال ان صيغة
النهي كصيغة الامر تشتمل على مادة وهيئة ، اما المادة فيهما فهي صرف الطبيعة التى
ترى خارجية واما هيئتهما فتدل على سراية البعث فى الاوامر والزجر في النواهي الى
تمام الافراد ولذا يكون الطلب متعددا على حسب تعدد الافراد ومقتضى تعدد الطلب تعدد
العصيان ومقتضى ان يكون الامر كالنهي بالدلالة على التكرار إلا ان ذلك يمتنع في
الاوامر للزوم الحرج المنفي في الشريعة فمن نفيه في الشريعة يستدل على عدم دلالة
الامر على التكرار بخلاف النواهي حيث انه لا حرج في الترك ولا يخفى انه ربما يعارض
اطلاق الهيئة باطلاق المادة فان اطلاق المادة يقتضي الانتهاء بصرف الوجود ومرجعه
الى نهي واحد تعلق بطبيعة واحدة فهو وان كان مستلزما للتكرار فى مقام الامتثال
إلّا انه فى مقام العصيان لا يكون إلّا عصيانا واحدا لو خولف بصرف الوجود ولا مرجح
لاحد الاطلاقين. نعم ربما يقال بامكان ترجيح اطلاق الهيئة على اطلاق المادة بدعوى
ان الهيئة فى عالم الاعتبار ترى علة لحصول المادة فى عالم الخارج ولا اشكال
ان العلة مقدمة
على المعلول فانه يرى المعلول من تبعات العلة فيكون اطلاق الهيئة مقدما على اطلاق
المادة فلذا يؤخذ به هذا كله بالنسبة الى ملاحظة نفس المادة والهيئة.
واما ما تقتضيه
مقدمات الحكمة فالذي ينبغى ان يقال بان ما تقتضيه مقدمات الحكمة من المادة هو
ارادة الماهية المهملة التى تعم المخلوطة والمجردة المعبر عنها باللابشرط المقسمى
فلا مجال للاشكال بانه يحصل الامتثال بالترك في الزمان الاول كما يحصل الامتثال
بالامر باول وجود الماهية لان الموضوع على ذلك التقدير هو الماهية المهملة وهي لا
تنعدم إلّا بانعدام جميع افرادها العرضية والطولية كما ان تحققها باول الوجود هو
مقتضى ذلك في الاوامر.
نعم للاشكال مجال
بناء على ان مقدمات الحكمة تثبت صرف الوجود اي الماهية الصرفة فى قبال المقيدة
والمخلوطة المعبر عنها باللابشرط القسمي لان الماهية الصرفة اذا تحققت في اول
الازمنة فلا يتحقق فيها تكرار لانه اذا تحقق متعلق النهى بان تركت تلك الطبيعة في
اول الازمنة يسقط النهى فلا يبقى مجال في تحققه في ثانى الوجود من الامتثال لعدم
انطباق الماهية الصرفة عليه لان صرف الشىء غير قابل للتكرار بنحو التعاقب فمهما
تحقق فى الخارج يسقط النهى عنه ولا يكاد يبقى الاتيان به في ثاني الوجود كما لا
يخفى.
ثم انك قد عرفت ان
مقتضى دلالة النهي على الزجر عما تقتضيه المادة دلالته على الدوام كذلك مقتضاه
ايضا يدل على الفورية إذ لازم انعدام الطبيعة حين الانشاء خلو صفحة الوجود منها
حين النهى وبذلك يفرق بين النهى والامر بدعوى عدم دلالة الامر على الدوام والفورية
ودلالة النهى عليهما لان مقتضى
طبع النهي ذلك
فافهم وتأمل.
(اجتماع الامر والنهى)
الفصل الثالث
اختلفوا في جواز اجتماع الامر والنهى فى واحد على اقوال ثالثها جوازه عقلا
وامتناعه عرفا وقبل الخوض فى المقصود يستدعي بيان امور :
الاول المراد من
الواحد في العنوان هو مطلق ما كان له جهتان ومتعنونا بعنوانين كان باحدهما موردا
للامر وبالآخر موردا للنهي من غير فرق بين وحدة شخصية أو كلية كما لو كان كليا
مجمعا للعنوانين كالكون الكلي الذي ينطبق عليه انه صلاة وغصب ، وبذلك يظهر بطلان
ما التزم به صاحب المعالم والفصول قدسسرهما من ان المراد بالواحد الشخصي فلا يعم الكلي. نعم ليس
المراد منه الواحد بالجنس كالسجود لله تعالى والسجود للصنم فانهما واحد بالجنس
باعتبار دخولهما تحت ماهية واحدة التى هي السجود لكونهما متغايرين بحسب الوجود كما
لا يخفى.
الامر الثاني ذكر
الاستاد قدسسره فى الكفاية الفرق بين هذه المسألة والمسألة الآتية باختلاف
جهة البحث الموجب لتعنون كل مسألة على حدة بما حاصله ان الجهة المبحوث عنها في
مسألة الاجتماع هي سراية كل من الامر والنهى الى ما تعلق به الآخر من جهة اتحاد
متعلقيهما ام لا يسري لتعدد العنوان والجهة الموجب لتعدد المتعلق فمع تعدد المتعلق
يكون الامر قد تعلق بغير ما تعلق به النهى بخلاف الجهة المقصودة بالبحث عنها في
المسألة الآتية فان البحث في تلك
المسألة في دلالة
النهي على الفساد او لا وذلك انما يتأتى بعد الفراغ عن توجه النهي اليها. نعم لو
قلنا بالامتناع مع ترجيح جانب النهي تكون من صغريات المسألة الآتية فالفرق بين
المسألتين في غاية الوضوح. وذكر صاحب القوانين الفرق بين المسألتين بان مسألة
الاجتماع تكون فيما لو كان بين العنوانين عموم وخصوص من وجه بخلاف مسألة دلالة
النهي على الفساد فانها فيما لو كان بين العنوانين عموم وخصوص من مطلق وقد اورد
عليه في الفصول بان ذلك ليس فارقا بين المسألتين وانما الفرق بينهما بان النزاع فى
مسألة اجتماع الامر والنهي انما يتأتى فيما اذا تعلق الامر والنهي بطبيعتين
متغايرتين بحسب الحقيقة وان كان بينهما عموم وخصوص من مطلق كالامر المتعلق بالحركة
والنهي المتعلق بالتدانى فان التدانى اخص من الحركة وفى مسألة النهي يقتضى الفساد
هو ما كان بين متعلق النهي والامر اتحاد وان كان متغايرا بالاطلاق والتقييد بان
كان احدهما مطلقا والآخر مقيدا كصل ولا تصل في الدار المغصوبة.
اقول يمكن ارجاع
كلام الفصول الى كلام الاستاذ بتقريب انه اذا كان بين الطبيعتين تغاير يمكن جريان
النزاع في سراية احدهما لمتعلق الآخر مثلا لما كان بين الصلاة والغصب تغاير فى
الحقيقة ففى المجمع لو اتفق بان صلى في الدار المغصوبة يمكن النزاع فى سراية الامر
الى ما تعلق به النهي او عدم سراية كل من الامر او النهي الى متعلق الآخر بخلاف ما
اذا كان بين متعلق الامر والنهي اتحاد فلازمه سراية احدهما للآخر فتكون من صغريات
مسألة دلالة النهي على الفساد فلا يكون للنزاع مجال ولعله الى ذلك يرجع كلام صاحب
القوانين بان ما لو كان بين العنوانين عموم وخصوص من وجه يكون للنزاع في سراية كل
من متعلق الامر
والنهي الى ما
تعلق به الآخر وعدمه مجال بخلاف ما لو كان بينهما عموم وخصوص من مطلق فانه لا مجال
للنزاع فى ذلك اذ فى هذه الصورة مما يقطع بالسراية فلذا يكون من صغريات مسألة
دلالة النهي على الفساد إلّا ان الظاهر ان ما اورده صاحب الفصول عليه في محله اذ
ليس الملاك فى هذه المسألة العموم والخصوص من وجه بل التغاير بين متعلق الامر
والنهي حقيقة ولو كان بينهما عموم وخصوص من مطلق وان كان ما ذكره من المثال لذلك
محل نظر اذ الحركة والتدانى وان كان بينهما عموم وخصوص من مطلق إلّا انه بحسب المورد
ولكن بحسب الوجود هما موجودان بوجودين إذ التدانى معلول للحركة تقول تحرك فتدانى
ولا اشكال في خروج مثل ذلك عن محل النزاع لعدم كون شيء واحد مجمعا للعنوانين بل
شيئان متجاوران قد تحققا في وقت واحد وجود احدهما مطابق لعنوان الواجب والآخر
مطابق لعنوان المحرم فلم يكن مثل هذا الاجتماع المسمى بالاجتماع الموردي محلا
للنزاع بل يكون حاله حال النظر الى الاجنبية في الصلاة الذي لا اشكال فى خروج مثل
ذلك عن محل النزاع إذ متعلق الامر غير متعلق النهى وجودا فمن نظر الى الاجنبية في
الصلاة اطاع من جهة صلاته وعصى من جهة النظر ولا يكون مثل هذا العصيان يوجب فساد
الصلاة فالاولى فى بيان الفرق بين المسألتين هو ان مسألة اجتماع الامر والنهي من
باب التزاحم لا من باب التعارض ولذا كان الفساد فيها مانعا مع العلم بالنهي فلو لم
يعلم به صحت صلاته لتحقق الملاك فيها بخلاف مسألة ان النهي يقتضي الفساد فان
الفساد تابع لواقع النهى وان لم يعلم به وبالجملة الفساد فى هذه المسألة من آثار
العلم وفى تلك المسألة من آثار الواقع فكم فرق بين المسألتين كما لا يخفى.
الامر الثالث
اشترط بعضهم قيد المندوحة فى محل النزاع بان يكون للمكلف
مندوحة في مقام
الامتثال فمع عدمها بان ينحصر مصداق الكلي في المجمع فهو خارج عن محل النزاع لكونه
من التكليف بالمحال وهو مما لا اشكال فى عدم صلاحه لان يقع النزاع فى صحته وفساده
لكونه من التكليف بغير المقدور وقد اعترض على ذلك الاستاذ قدسسره فى الكفاية بما حاصله ان عدم اعتبار المندوحة غير مضر بما
هو المهم إذ المهم فيه هل ان تعدد الجهة يرفع محالية التكليف ام لا يرفع وهذا لا
يتفاوت بين وجود المندوحة وعدمها. نعم بالنسبة الى التكليف بالمحال يفرق فيه بين
وجود المندوحة وعدمها وملاك النزاع فى مسألة الاجتماع هو كون التكليف محالا لا
التكليف بالمحال. نعم لو كان الملاك فيه هو التكليف بالمحال كان لاعتبار قيد
المندوحة وجه إلّا أنّك قد عرفت ان الملاك هو محالية نفس التكليف فعليه لا وجه
لاعتبار قيد المندوحة. نعم على القول بالجواز يلزمه اعتبار قيد المندوحة انتهى
كلامه ملخصا
اقول اشتراط
المندوحة انما يتم ويتوجه على القول بالجواز اذا بنينا على عدم سراية الطلب من
الطبيعة الى الافراد إذ على هذا التقدير يصح اشتراط المندوحة إذ مع عدمها يستحيل
التكليف بالجامع لانه حسب الفرض متعذر الامتثال من غير الفرد الغصبى ومعلوم ان
الفرد الغصبى ممنوع منه بحكم العقل قرارا من مخالفة النهى عن الغصب وحينئذ لا يكون
امتثال التكليف مقدورا بجميع الوجوه واما مع وجود المندوحة يمكن له امتثال ذلك
الجامع بغير هذا الفرد. واما اذا قلنا بالسراية على ما هو التحقيق فيكون المجمع
يسرى اليه الامر والبعث على نحو التخيير فيكون الفرد مطلوبا فعله مع ترك بقية
الافراد والمفروض انه مع ذلك منهى عنه لكونه مشتملا على الغصب ويستحيل البعث الى
شىء منهي عنه فلا بد
من ان لا تشمله
الطبيعة بما هى مأمور بها فلا يكون المجمع من المامور به وحينئذ فنقول ان اكتفينا
فى الصحة بالمحبوبية صحت صلاته وإلّا لم تصح سواء كانت هناك مندوحة للمكلف ام لا ،
على القول بالجواز فضلا عن القول بالامتناع نعم يمكن صحة صلاته بناء على ما اختاره
الاستاذ من جواز دعوة الامر الى غير متعلقه كما عرفت ذلك فى مسألة الضد ولكنك عرفت
الخدشة فى ذلك المقام بان الداعوية التى هي معتبرة في العبادات ما كانت بنحو العلة
الفاعلية دون الغائية والمتصور من الداعوية فى الفرد الخارج من حيز الامر انما هو
بنحو العلة الغائية التى لا تنفع فى العبادات ثم انه ربما يتوهم جواز صدور العمل
بنحو العلة الفاعلية لكن على القول بالترتب بان يقول المولى انهاك عن التصرف
الغصبى ولكن ان تصرفت بالغصب فليكن تصرفك بنحو الصلاة فيكون الامر بالصلاة مرتبا
على النهي عن الغصب وهذا النحو من الامر جائز بناء على القول بالترتب ولكن لا يخفى
ما فيه فان مسألة الترتب بناء على الاختلاف فى المرتبة والمقام ليس من ذلك القبيل
فان المرتبة فى المقام ليست مختلفة بل الامر والنهي فى عرض واحد فلا يلزم من القول
بالترتب القول بالجواز.
الامر الرابع ان
الاستاذ قدسسره تعرض في الكفاية الى توهمين في ابتناء النزاع احدهما ان
القول بجواز اجتماع الامر والنهي مبني على تعلق الاوامر بالطبائع وعدم الجواز مبني
على القول بالتعلق بالافراد ثانيهما ان النزاع فى الجواز وعدمه مبنى على القول
بتعلقهما بالطبائع إذ مع القول بتعلقهما بالافراد لا محل للنزاع فى جواز الاجتماع
وعدمه إذ لا يعقل القول بالجواز بناء على ذلك وقد اجاب الاستاذ قدسسره عن كلا التوهمين بما حاصله ان ملاك النزاع متحقق على
كلا القولين اذ
مرجعه الى ان تعدد الجهة يوجب تعدد الموجه من غير فرق بين القول بتعلق الاوامر
والنواهي بالطبائع او بالافراد وحيث يتضح من كلام الاستاذ ان مبنى الجواز هو ان
تعدد الجهة يوجب تعدد الموجه فاعلم ان معرفة ذلك وتحقيق الحال فيه يقتضي معرفة
الجهات المتعددة التى يكون مبنى للقول بالجواز فنقول ومن الله المستعان ان الجهات
على انحاء منها الاختلاف بالاجمال والتفصيل كتصور الانسان الحاكي عن حقيقته وتصور
الحيوان الناطق الحاكي عن حقيقته والحقيقة فيهما واحدة إلّا انه في الاولى الحكاية
كانت اجمالية وفي الثانية كانت الحكاية على نحو التفصيل ولا اشكال ولا ريب ان مثل
هذا الاختلاف لا يكون مبنى الجواز لان تغايرهما في الحكاية لا يوجب تغاير المحكي
والمحكي عنه اذ هما يحكيان عن حقيقة واحدة ومنها ان يكون الاختلاف بينهما
بالاعتبار كالاختلاف بين الجنس والهيولى والفصل والصورة فان الاختلاف بينهما بحسب
الاعتبار فان شيئا واحدا ان اعتبر لا بشرط صار جنسا وصح حمله على الذات وان اعتبر
بشرط لا صار هيولى ولا يصح الحمل ولا يخفى ان هذا النحو من الاختلاف لا يكون مبنى
للقول بالجواز بل هو كسابقه يحكيان عن شىء واحد ومعنى فارد والاختلاف بالاعتبار لا
يوجب اختلافا في ناحية المحكي ومنها ان يكون الاختلاف بين الجهتين من جهة اختلاف
منشئهما وكانتا من الاوصاف الاعتبارية بحيث لا واقع لهما الا بمنشإ انتزاعهما فاذا
كان كذلك يكونان من الجهات التعليلية لا من الجهات التقييدية لانهما لا يصلحان
لتعلق الحكم بهما لكونهما اوصاف اعتبارية كالملكية والزوجية مثلا امر بايجاد مملوك
لزيد ونهي عن ايجاد زوج لهند والملكية والزوجية لا يصلحان لتعلق الحكمين بنحو تعلق
الاوامر بالطبائع لما عرفت من انهما من الاوصاف
الاعتبارية التى
لا يكون لها واقع الا لمنشا انتزاعهما فظهر مما ذكرنا انه على هذا الوجه ايضا لا
يكون مبنى للقول بالجواز لان الملكية والزوجية لا يصلحان لتعلق الحكمين بهما بل
ربما يقال بخروج مثل ذلك عن نظر المجوزين من جهة اتحاد المتعلق فيهما كما اتحد في
مثل اكرم العلماء ولا تكرم الفساق فانه في مورد اجتماع العالم والفاسق فى واحد لم
يكن هناك جهة تعدد فعليه لم يكن مندرجا تحت محل النزاع ومثله هذا المقام اذ
المطلوب من الزوجية والملكية ليس إلّا ايجاد واحد فلم يكن المتعلق متعددا ولكن لا
يخفى ان الجهة التى في مثال الاكرام متحدة ولا يسرى الاختلاف الواقع بين العلماء
والفساق الى الاكرام لان الاكرام من مقولة الفعل والعلم والفسق من مقولة الكيف
فالاختلاف في مقولة الكيف لا يوجب الاختلاف في مقولة الفعل وهذا بخلاف ما نحن فيه
اذ الايجاد المضاف الى الزوجية والمملوكية هو بعينه وجودهما ولا يكون بينهما
اختلاف إلّا بحسب الاعتبار فما يكون الاختلاف بينهما بحسب الوجود يكون لا حقا لهما
بحسب الايجاد ومنها ان يكون الاختلاف بين الجهتين ناشئا من الاختلاف بالمنشإ
وبالاعتبار كالاختلاف بين الحلو والابيض فيكون من المحمولات بالضميمة بخلاف الصورة
التى قبلها فان الاختلاف بينهما على نحو خارج المحمول فظهر الفرق بين هذه الصورة
وبين الصورة التى قبلها وهذا الوجه من الاختلاف انما ينفع اذا كان الوصفان لا
يجتمعان فى مجمع مشترك بينهما فعلى هذا لا بد من الالتزام ببساطة المشتق حتى ينفع
القائل بالجواز لان الجهتين متغايرتان بتمام التغاير وذلك يوجب تعدد الموجه واما
على القول بالتركيب فلا ينفع القائل بالجواز لان الجهتين ليسا متغايرتين بتمام
الذات بل متغايرتان بجهة اذ على ما عرفت ان القول بالتركيب من الذات والتلبس
بالحلاوة في الحلو والذات
والبياض فى الابيض
وهذا كما ترى اذ ان الحلو والابيض ليس بينهما تغاير بتمامهما بل بجزء من حقيقتهما
فلا ينفع القائل بالجواز الا القول بالبساطة هذا كله لو اغمضنا عما اخترناه فى
المشتق واما على ما حققناه فيه فنقول انه على القول بالبساطة ايضا لا يجدي القول
بالجواز اذ على ما اخترناه في مقام الحمل ان المشتق مأخوذ فى مقام الحمل بنحو
النظر الآلي لا على نحو النظر الاستقلالي بل أخذ على نحو كونه مرآتا فعليه يكون
المشتق حاكيا عن الذات فلا ينفع القول بالجواز نعم يجدى القول بالجواز لو قلنا ان
المصحح للحمل فى المشتقات اعتبارها لا بشرط على ما ذكرنا فى بحث المشتق ومنها ان
يكون الاختلاف بين الجهتين بنحو الاختلاف بالجنسية والفصلية او النوعية والشخصية
فان كل واحد منهما يحكي عما لا يحكيه الآخر فمثل هذا الاختلاف هو الذى ينبغى ان
يجعل محطا لنظر القائل بالجواز الذى يجتزي بتعدد الجهة ولكن المعروف من مثالهم هو
الصلاة والغصب فينبغى ان يقع الكلام فيهما فنقول قد اختلفت كلمات الفقهاء رضوان
الله عليهم في بيان معانيهما على اقوال فمنها ان الصلاة عبارة عن الخضوع الذى
يترتب على هذه الاكوان والغصب عبارة عن الكون المتحد مع هذه الافعال فعلى هذا لا
يكون المثال من باب الاجتماع لان الصلاة والغصب على هذا يكونان طوليين لا عرضيين
فعلى كلا القولين يمكن القول بالجواز فلم يكن مثل هذا محلا للنزاع.
ومنها ان الصلاة
عبارة عن الاوضاع الخارجية من الركوع والسجود والغصب عبارة عن نفس الكون فى المكان
الذى لا يرضى صاحبه وعلى هذا يكونان بحسب المصداق متغايرين ولكن بحسب الوجود
متحدين ومنها بان الصلاة عبارة عن كون خاص والغصب عبارة عن كون خاص فعليه يشتركان
فى الكون ويفترقان
بالنسبة الى
الخصوصية فيكون التمايز بين الصلاة والغصب بتمايز الاضافة فباعتبار اضافة الكون
الى ما لها هيئات الركوع والسجود والموالاة والترتيب تمتاز الصلاة عن الغصب
وباعتبار اضافة الكون الى المكان الذى لا يرضى صاحبه يمتاز الغصب عن الصلاة وهاتان
الاضافتان ليستا من قبيل الملكية والزوجية التى لا واقع لها الا بمنشئها لان تلك
الهيئات لها تحقق بحسب الخارج وكذلك تلك الاضافة الى مكان لا يرضى به صاحبه لها
تحقق في الخارج وواقعها ليس منحصرا في اللحاظ الذهنى كما في الامور الاعتبارية بل
تتحقق سواء كان هناك لاحظ ام لا فظهر لك ان هاتين الاضافتين غير تلك الاضافتين
فيجوز جعلهما متعلقين للاحكام بخلاف تلك الاضافتين فيكونان من الجهات التقييدية لا
من الجهات التعليلية والحق هو القول الاخير ويؤيده اشتراط الاستقلال فى بعض اوضاع
الصلاة كالقيام ونحوه مما يعتبر فيه الاستقلال فلا يصح الاستناد فمن هذا الاشتراط
يقرب اعتبار الكون في مفهوم الصلاة. واما الغصب فالمتبادر منه هو التصرف فيما لا
يرضى صاحبه ولا اشكال في كون هذا المعنى مما يتضمن الكون فيه ففعل الصلاة مع الغصب
يشتركان في جزء وهو الكون وينفرد كل منهما عن الآخر باضافة خاصة وهذا الاشتراك على
هذا النحو هو المعقول والمتصور فلا يرد ان هذا الاشتراك يكون موجبا وقرينة عقلية
على خروج مثل هذا النحو من المتفاهم العرفي لا يقال على هذا تكون الصلاة والغصب
كلاهما من مقولة الفعل فهما يشتركان في تلك المقولة واشتراكهما فى ذلك يوجب اجتماع
الفعلين في فعل واحد يكون مجمعا للفعلين ومعنونا بعنوانين ولا يعقل ان يكون شيء
واحد مجمعا لفعلين فاذا كان ذلك غير معقول فلا بد ان يكون كل واحد منهما من مقولة
خاصة بان تكون الصلاة من مقولة الفعل والغصب من مقولة
الاين وهى
الكينونة في المكان المغصوب لانا نقول ما المراد باستحالة اجتماع فعلين في فعل
واحد ان كان المراد ان الفعلين المتغايرين في الخارج يجتمعان فى فعل شخصي واحد
فمسلم عدم معقوليته لكنه خارج عن محل الكلام ، فان محل الكلام انطباق عنوانين على
شيء واحد فان كان المراد محالية انطباق العنوانين على شيء واحد واستحالة انتزاع
عنوانين عن معنون واحد فهو ممنوع أشد المنع إذ كما يجوز ان يكون مجمع واحد لجامعين
يختلف بحسب المقولة كذلك يجوز ان يكون مجمع واحد لجامعين متفقي الحقيقة والاختلاف
بحسب الحد بان يكون كل واحد منهما محدودا بحد مغاير لحد الآخر ومثاله يتضح بالفرض
فانا لو فرضنا ان الانسان مضيق الدائرة على وجه لا يشمل إلّا لزيد وعمرو ثم انتزع
انسان آخر مضيق الدائرة بحيث لا يشمل إلا فردين مثل زيد وبكر فاشترك العنوانان
والجامعان في زيد فانطباق العنوانين على زيد لم يكن بينهما تغاير بالحقيقة لما
عرفت من اشتراكهما من حيث الحقيقية ولكن التمايز انما هو بحسب الحد.
فاذا عرفت ذلك ظهر
لك الحال فيما نحن فيه فان الصلاة والغصب بمقتضى ما عرفت من المتفاهم العرفى
مشتركان في الجزء ولكن التمايز انما هو بحسب الاضافة فان في الغصب كونا مشوبا بوضع
خاص ، وفي الصلاة كون مشوب بوضع خاص فاشتركا بحسب جزء وتفارقا في آخر. ثم انك قد
عرفت ان مبني القول بالجواز ان يكون التعدد بحسب المفهوم وبمنشإ الاعتبار وان تكون
الجهة بنحو الجهة التقييدية لا على نحو الجهة التعليلية بخلاف بقية الصور. نعم
ربما يقال ان القول بالجواز يمكن ان يكفيه تعدد المفهوم عن اعتبار تعدد في منشأ
الاعتبار لان الاحكام انما تتعلق بالصور الذهنية ولا تتعدى الى الخارجيات فوحدة
المنشأ لا يضر بها
ويتفرع على هذا
امكان ان يكون اجزاء المركب فيها حكمان متضادان فتكون الاجزاء واجبة بالوجوب
النفسي اذا لوحظت بحيالها واستقلالها ، واما اذا لوحظت فى ضمن الكل فتكون واجبة
بالوجوب الغيري ولا ينافي وحدة المنشأ إذ الحكمان متعلقان بالصور الذهنية ولا يسرى
من تلك الصور الى الخارجيات فلا يضر وحدتها على ان التغاير بالاجمال والتفصيل
متحقق ايضا الذى هو مبنى القول بالجواز كما انه يمكن ان يحصل التغاير بلا بشرط
وبشرط لا الذى يمكن ان يكون مبنى للقول بالجواز. وبالجملة ان ذلك لو تم تكون الصور
الثلاثة مبنى للقول بالجواز. اللهم إلّا يقال بمنع الصورة الثالثة لان يكون مبنى
للقول بالجواز لانه على ذلك التقدير تؤخذ الجهة على نحو التعليل وعليه لا يمكن
تعلق الحكم بها وعلى تقدير الحكم بها فلا بد من صرفه الى ما في الخارج والمفروض ان
ما في الخارج واحد لا تعدد فيه ولكن الانصاف انه على أي تقدير من تلك الصور التى
ذكرنا حتى على ما اخترناه منها يمكن منع اجتماع الامر والنهي. اما على الصورتين
الاوليتين فلا ينفع الاختلاف بحسب المفهوم مع كون ما فى الخارج متحدا لان ما في
الذهن لم يؤخذ على نحو الاستقلال بل انما يؤخذ على سبيل الآلية وكونه مرآتا وحاكيا
لما فى الخارج واخذه على ذلك النحو يوجب ان يكتسب لونا من المحكي عنه لما كان
بينهما اتحاد كاتحاد المرآة بالنسبة الى المرئى بنحو لا يرى إلّا المحكى عنه.
فيكون النظر الى الحاكى نظرا آليا فاذا عرفت ذلك تعرف ان الحاكي يكتسب اتحادا من
المحكي فيما نحن فيه فاذا تلونت الصورة من الخارج لون الاتحاد فتكون الصورتان
متحدتين فحينئذ كيف يعقل توارد الحكمين على تلك الصورتين وقس على ما ذكر اجتماع
الوجوب النفسى والغيري في اجزاء المركب فاتضح من ذلك انه لا يعقل القول
بالجواز في
الصورتين الاوليتين كالصورة الثالثة.
واما الصورة
الرابعة التى نختارها فيمكن منع جواز الاجتماع لانه لما كانت الصلاة مع الغصب
يشتركان فى جزء فلا بد ان يكون ذلك الجزء يسري اليه الحكمان ولا يعقل اجتماع
الحكمين المتضادين في مورد واحد. بيان ذلك ان الصلاة لما كانت عبارة عن الكون
المخصوص بالركوع والسجود وغيرهما من اوضاع الصلاة وكان الغصب عبارة عن الكون
المقيد بما لا يرضى به صاحبه وتعلق الامر بالصلاة والنهي بالغصب فلا بد وان يكون
كل حكم منهما يسري الى جميع ما له من الاجزاء فالامر بالصلاة ينبسط على جميع
اجزائها وهى الكون وتلك الاوضاع المخصوصة والنهي تعلق بالغصب فينبسط على اجزائه
وهى الكون وما لا يرضى به صاحبه فيكون في الكون وجوب ضمنى من طرف كونه جزءا من
الصلاة وحرمة ضمنية من جهة كونه جزءا من الغصب فالكون الواحد صار مجمعا وموردا
للوجوب الضمنى والحرمة الضمنية ولا يعقل اجتماع حكمين متضادين ولو كانا ضمنيين فى
مورد واحد. وعليه لا بد من ارتفاع احد الحكمين عن الكون لكى ترتفع الاستحالة فاذا
ارتفع احد الحكمين من الكون يلزم ارتفاعه من تمام الخصوصية اذ لا يعقل ارتفاع
الحكم من الجزء وبقاؤه بالنسبة الى الكل فمن ارتفاعه من احد الجزءين يستلزم
ارتفاعه من الجزء الآخر نعم لو قام دليل خاص على بقاء الحكم بالنسبة الى الجزء
الآخر لكان حكما مستقلا فلا مانع منه وفي الفرض المذكور لم يقم دليل إلا دليل نفس الكل
وحينئذ لو انتفى الحكم من جزء يوجب انتفاءه من الكل وعليه لا يبقى الجزء الآخر
متعلقا لذلك الحكم.
هذا ويمكن ان يقال
بوجود الدليل على بقاء الجزء الآخر على حكمه
وليس ذلك دليل
الكل. بيانه ان ما كان من قبيل تزاحم الحكمين كالمقام عند ارتفاع الحكم كما في
الجزء المشترك لا ترتفع المصلحة الموجودة بالنسبة الى ما لم يتزاحم فيه الحكمان إذ
لا ينافيها ارتفاع احد الحكمين بالنسبة الى ما وقع فيه التزاحم إذ المصلحة فيه لم
ترتفع وانما ارتفعت فعليتها ويؤيده الوجدان فانه يقضى بان ارتفاع فعلية المصلحة في
الكون من جهة تزاحم الحكمين لا يوجب ارتفاع المصلحة فى الاضافة الخاصة فلا بد من
مراعاة تلك المصلحة مثلا لو فرضنا ان مفسدة الحرمة غالبة على مصلحة الوجوب فتزول
مصلحة الوجوب ونحكم بالحرمة ولكن لو عصى الفعل له ان يلزمه بحفظ مرتبة الاضافة
الخاصة وبعبارة اخرى انه يحصل بعد عصيان ذلك النهي وجوب الزامى ناشئ من الحكم بحفظ
خصوصية الصلاة بان يقول لو عصيت حرمة الكون فيجب عليك حفظ المصلحة الملزمة
للخصوصية بقدر الامكان. نعم يبقى اشكال كيفية امكان صحة التقرب منه فنقول ان مسألة
قصد التقرب مسألة فقهية يلاحظ فيها لسان الدليل فان دل الدليل على اعتبارها فى
جميع اجزاء الصلاة لا يمكن ان يتأتى منه قصد التقرب لان المفروض ان في الكون مفسدة
اوجبت رفع المصلحة المتحققة فيه فكيف يمكن ان يتقرب مع ارتفاعها وان لم يدل دليل
اعتبارها على جميع الاجزاء بل ولو كانت متحققة في جزء من الاجزاء فيمكن ان يتأتى
منه قصد التقرب وتصح الصلاة إلّا ان ذلك ليس ملاكا لمسألة جواز الاجتماع وعليه ان
مبنى الجواز هو كون الجهتين لا يشتركان في جزء من الموجود لكى يسرى كل من الامر
والنهي الى ما تعلق به الآخر ودعوى ان مبنى الجواز هو ان تعدد الجهة يوجب تعدد
الموجه وجود الكي يكون التركيب انضماميا محل نظر اذ الفرض على تقدير تحققه فهو
خارج عن محل الكلام اذ لا اشكال في جوازه ولا
يبغي لاحد ان يقول
بامتناع تعلق الامر بشىء مغاير للمنهي عنه وجودا بدعوى الالتزام باجتماع الضدين اذ
ذلك يكون من قبيل المتلازمين وجودا المختلفين في الحكم الذى لا اشكال فى جوازه
ويكون من اجتماع الحكمين المختلفين موردا فما ذكره بعض الاعاظم قدسسره من ان مبنى الجواز هو كون التركيب انضماميا لكون المجمع
حينئذ مركبا من حقيقة العنوانين ويكون مجمعا للمقولتين كان باحدهما متعلقا للامر
وبالآخر متعلقا للنهي فلا يسرى احدهما الى الآخر في غير محله اذ مع هذا الفرض بان
يكون كل عنوان له ما بازائه وجود خاص فيكون من قبيل المقولتين المتجاورتين باحدهما
يتعلق الامر وبالآخر النهي مما ينبغي القطع بخروجه عن محل النزاع اذ لا يرتاب احد
بعدم سراية كل من الامر والنهي الى متعلق الآخر وانما الذى يصلح ان يكون محلا
للنزاع هو ان يكون وجود واحد له جهتان من دون فرق بين كونهما اعتباريين او احدهما
اعتباريا والآخر مقوليا لكى يمكن ان يقع النزاع في سراية الحكم من احدهما الى
متعلق الآخر فان قلنا ان تعدد الجهة يوجب تعدد الموجه بنحو لا يسرى الامر من
احدهما الى الآخر فيجوز الاجتماع وان قلنا بان تعدد الجهة يوجب تعدد الموجه بنحو
يسرى الامر من احدهما الى متعلق الآخر فلا يجوز الاجتماع من دون فرق بين كون
الجهتين تعليليتين او تقيديتين فدعوى ان الامتناع مبنى على كون الجهتين تعليلتين
والجواز على كونهما تقييديتين في غير محلها اذ الجهتان ان اشتركا فى جزء من
المتعلق فيوجب تعلق كل منهما بما اشتركا به فيلزم القول بالامتناع وان لم يشتركا
بل كان كل جهة يكشف عن حد خاص من الموجود الخارجى فيلزم القول بالجواز من غير فرق
بين كون الجهتين تعليلتين او تقييديين.
ودعوى كون الجهتين
تقييديتين مما يوجب جعل الوجود تركيبا انضماميا بنحو يكون من قبيل انضمام مقولتين
فالظاهر ان ذلك مما لا ينبغي ان يجعل محلا للكلام اذ لا اشكال فى جوازه لاختلاف
متعلق الامر والنهي بحسب الوجود ولذا ان الاستاذ قدسسره فى الكفاية وفاقا للمشهور جعل العنوان هو ما ذكرناه من ان
تعدد الجهة يوجب تعدد الموجه من دون التقييد بكون الجهة تقييدية او تعليلية ولم
يبن الجواز على كون الجهة تقييدية فعمدة نظر القائل بالجواز هو عدم السراية اي
سراية كل من الامر والنهي الى متعلق الآخر لتعدد الجهة بنحو يكون تعدد الجهة يوجب
تكثر جهات الوجود من غير فرق بين القول بسراية الحكم من الطبيعة الى فرده وعدمه
غاية الامر بالنسبة الى القول بعدم السراية لا يحتاج الى تعدد الجهات الموجبة
لتكثر جهات الوجود بل يكتفى بالتعدد ولو بالاطلاق والتقييد فكم فرق بين القول
بالسراية وبين عدمها بناء على الجواز اذ على السراية يلتزم القائل بالجواز بكون
المجمع داخلا تحت عنوانين مختلفين بنحو يكون كل عنوان ينتزع من مرتبة خاصة من
الوجود غير المرتبة التى انتزع منها العنوان الآخر فلا ينتزعان من خصوص جهة خاصة
والقائل بالامتناع يرده ويدعى عدم انطباق كل عنوان على مرتبة خاصة فيقع النزاع بين
الفريقين في التطبيق وان الموجود الخارجي غير صالح لان ينتزع منه لكل حد وجهة
عنوان على الامتناع والقائل بالجواز يدعى صلاحية الموجود الخارجي لذلك فلذا لا
يسرى الحكم من احدهما الى ما تعلق به الآخر واما بناء على عدم السراية فالقائل
بالجواز في سعة من ذلك فيمكن له القول بالجواز ولو لم يكن لمتعلق الامر والنهي
اختلاف بالعنوان الموجب لتكثر جهات الوجود بل يجري حتى فيما اذا كان بين العنوانين
اتحاد عنوانا ولكنهما يختلفان بالكلية
والجزئية وبالجملة
فليس القائل بالجواز يلزمه القول بعدم سراية الامر أو النهي من الكلي الى الفرد بل
يمكن له القول بذلك على كلا القولين كما ان القول بالامتناع لا يبتني على القول
بالسراية وان كان جهة النزاع تختلف باعتبار القول بالسراية وعدمها فعلى السراية
يكون النزاع في التطبيق على ما في الخارج وان ما في الخارج فيه جهات متكثرة وموجه
بوجهين مختلفين باحدهما تعلق الامر والآخر تعلق به النهي فمرجعه الى النزاع في
الصغرى مع تسليم اصل الكبرى بان ما كان موجها بعنوانين وكان متكثر الوجود بحسب
الجهة بنحو ينتزع من كل جهة من جهاته بالخصوص عنوان غير ما ينتزع من الجهة الاخرى
فلم يشتركا في انتزاعهما من جهة واحدة فلم يقع النزاع في ذلك وانما النزاع حينئذ
فى ان ما في الخارج هو من اي النحوين فالقائل بالجواز يدعي اشتمال المجمع على
حيثيتين يكون بحيثية وبحد ينتزع عنوان قد تعلق به الامر وبحيثية اخرى انتزع عنوان
يتعلق به النهي والامر وان سرى من العنوان الكلي الى المجمع إلّا انه لا يسري الى
ما تعلق به النهي من الجهة الاخرى وينكر القائل بالامتناع ذلك بالنسبة الى الموجود
الخارجي الذي هو الصلاة في الدار المغصوبة مثلا واما على عدم السراية فالنزاع بين
الفريقين فى اصل الكبرى مع عدم المخالفة فى الصغرى.
اذا عرفت عنوان
البحث فقد وقع الخلاف بين قائل بالامتناع وقائل بالجواز قال الاستاذ قدسسره بالاول واستدل عليه بامور : الاول انه لا
__________________
اشكال في التضاد
الواقع بين الاحكام التكليفية الثاني ان المتعلق في الاوامر والنواهي هي نفس
المعنونات بتوسط العناوين ولا يتعلق بالعناوين التى ليس لها
__________________
ما بازاء في
الخارج ويكون من خارج المحمول كالملكية والزوجية والرقية والحرية والمغصوبية الى
غير ذلك لوضوح ان البعث والزجر لا يكون عنها وانما تجعل آلة
__________________
للحاظ متعلقاتها.
الثالث ان تعدد
الوجه لا يوجب تعدد الموجه كما هو كذلك بالنسبة الى
__________________
المفاهيم
والعناوين المنطبقة عليه تعالى فانه بسيط من جميع الجهات تصدق عليه مفاهيم عديدة
تحكي عن تلك الذات البسيطة. الرابع ان الموجود الواحد لا يكون له الا ماهية واحدة
وبعد ذكر هذه المقدمات قال ما لفظه فالمجمع وان تصادقا عليه متعلقا الامر والنهي
إلّا انه كما يكون واحدا وجودا يكون واحدا ماهية وذاتا وحاصله انه على القول
بالجواز يلزم اجتماع الحكمين المتضادين في المجمع مع ان تعدد الجهة فيه لا يوجب
تعدده وذلك محال وما يستلزم المحال محال ولكنك قد عرفت ان مبنى القولين ليس على
القول بالسراية وعدمها فان قلنا بسراية الامر والنهي من الكلي الى الفرد قلنا
بالامتناع وإلّا فبالجواز لما عرفت من انه لو قلنا بالسراية يمكن القول بالجواز
بدعوى ان تعدد الجهات يوجب تكثرا في ناحية الوجود بالالتزام بانتزاع عنوان من حد
خاص والآخر من حد آخر على انه يظهر من
__________________
المقدمة الثانية
عدا المغصوبية من الامور الاعتبارية التى هي من الخارج المحمول كالملكية والزوجية
مع الفرق الواضح بين الامور الاعتبارية كالملكية والزوجية وبين المغصوبية فان
الملكية والزوجية يناطان بالجعل وبعد الجعل ليس لهما وجود إلا في الذهن فاذا توجه
طلب للملكية فلا بد من صرفه الى ما يوجد في الخارج لأن الأمر الاعتباري لما لم يكن
بازائه شيء فى الخارج لا يعقل تعلق الحكم به. أما تعلق الطلب بالملكية فان اريد
بطلب الملكية طلب تحصيلها فيكون المراد طلب جعلها وان اريد من طلب الملكية طلب
إبقائها كان المراد إيجاد المملوك المجعول ملكيته. وبالجملة ان الملكية والزوجية
بعد الجعل ليس لهما وجود فى الخارج ويؤيد ذلك ان الملكية والزوجية موقوفان على
لحاظهما فلو لم يكن هناك لاحظ لم يوجدا ، وأما فى المغصوبية فهي خلاف ذلك فانها
منتزعة من نسبة المكان الى ما يكره مالكه من الكون فيه والكراهة والرضا لا إشكال
انهما من الامور الواقعية وكان لهما حظ من الوجود الخارجي ولا يتوقف تحقق هذه
النسبة على لاحظ ومعتبر بل لو لم يكن هناك لاحظ كانت تلك النسبة متحققة كالتحتية
فانها منتزعة من كون أحد الشيئين اخفض من الآخر فاذا كان أحد الشيئين اخفض من
الآخر كما تنتزع التحتية تنتزع الفوقية ولو لم يكن في العالم لاحظ والحاصل لا وجه
لقياس المغصوبية على الملكية والزوجية مع كمال الفرق بينهما.
فتحقق مما ذكرنا
انه يمكن القول بالجواز فيما كانت الجهة مختلفة اما بتمام المنشأ كالاختلاف بين
الجنس والفصل وأما فى بعض المنشأ والاشتراك في البعض الآخر كالمشتقات على القول
باعتبار الذات في مفهومها ونظير المشتقات ما ذكرناه بالنسبة الى الغصب والصلاة
بناء على ما اخترنا من كونهما يشتركان فى نفس الكون.
فان قلت ان الجنس
والفصل بحسب الوجود متحدان وذلك ينافي القول بالجواز (قلت) نعم ينافي تعلق الأمر
والارادة الفعلية مع كونه منهيا عنه ولكن لا ينافى تعلق المحبوبية مع المبغوضية
بالشيء الواحد باعتبارين بل يمكن القول بتعلق الأمر به بنحو ما ذكرنا بالترتب كأن
يقول لا توجد الجنس فى أي نوع كان ثم يقول ان عصيت ذلك وخالفت ما نهيتك فآمرك ان
توجد الجنس في النوع الانساني المميز عن غيره بالناطقية.
وكيف كان فالحق هو
التفصيل بين ما إذا كانت الجهتان تشتركان في جزء كما في الصلاة والغصب فانهما
يشتركان فى نفس الحركة في الدار الغصبية فما يكون غصبا هو جزء للصلاة فنقول بالامتناع إذ حينئذ لا إشكال في
__________________
سراية كل من الأمر
والنهي الى ما به الاشتراك حتى تكون نفس الحركة متعلقا
__________________
للحب والكراهة فهو
مستلزم للمحال وما يستلزمه يكون محالا وبين ما يكون المجمع وجودا واحدا إلا ان
الجهتين لا يشتركان فى شيء واحد بل يكون كل جهة تكشف عن حد من حدود ذلك الوجود كما
يتصور ذلك في الجوهر الذي يكون بطرفه محبوبا وبطرفه الآخر مبغوضا فلا مانع من
القول بالجواز إذ من الممكن قابلية الوجود الواحد للتقسيم الى جهتين كل جهة منشأ
لترتب اثر بل ربما يقال ان الفرد الشخصي وان لم يكن له عناوين متعددة ولكن لما كان
منحلا الى طبيعة وخصوصية فربما كانت الطبيعة مشتملة على مصلحة فتكون محبوبه
والخصوصية مشتملة على مفسدة فتكون مبغوضة ولا مانع من اجتماع المحبوبية والمبغوضية
فى شيء واحد وكان موجها بجهتين فبجهة محبوب وبجهة مبغوض ولا مزاحمة بين المفسدة
والمصلحة في عالم المحبوبية والمبغوضية قبل بلوغهما الى مرتبة الفعلية ومع بلوغهما
الى تلك المرتبة تحصل المضادة بينهما فى عالم التأثير والايجاد فيكون التأثير لما
هو الأقوى
__________________
فان كانت جهة
المفسدة هي الأقوى فتكون هي المؤثرة وحينئذ تكون جميع افرادها مبغوضة لما عرفت ان
النهي سار فى تمام الأفراد ولا يكون من اجتماع الأمر والنهي وان كانت الجهتان
متساويتين فينتهي الأمر الى التخيير بينهما فلا يكون ايضا من باب اجتماع الأمر
والنهي لأنه لا يكون فى البين امر ولا نهي واما اذا كانت جهة المصلحة اقوى فتسقط
جهة المفسدة من التأثير ويكون التأثير فقط للطبيعة وقد عرفت ان مطلوبية الطبيعة لا
بشرط وبالنسبة الى افرادها يكون الطلب تخييريا فيكون تركها مبغوضا بترك جميع
الأفراد وليس مبغوضا مع ايجاد بعض الأفراد فمع انحصار الطبيعة بفرد يكون تركها
مبغوضا بترك ذلك الفرد واما مع عدم الانحصار فترك ذلك الفرد ليس بمبغوض لعدم تركه
إلا للخصوصية لا لأصل الطبيعة فعليه تكون الخصوصية وجودها وعدمها سواء فتكون مباحة
مع ان الطبيعة واجب فيجتمع الوجوب والاباحة في واحد شخصي فباعتبار طبيعته واجبة
وباعتبار خصوصيته مباح فاذا صح ذلك واجتمع الوجوب والاباحة فى شيء واحد فليجتمع
الوجوب والحرمة في شيء واحد شخصي باعتبارين لاشتراكهما فى كون الأحكام متضادة لأن
الخصوصية ولو كانت فيها جهة مفسدة إلا ان جانب المصلحة غالبة عليها فتنعزل تلك
الخصوصية عن التأثير والتنجز لغلبة تلك المصلحة ولكن لا تزول جهة المبغوضية عنها
هذا لو لم نقل بالترتب.
واما لو قلنا
بالترتب فلازمه جواز الاجتماع ولو كان النهي منجزا وتقريب تنجزه ان يقال انك قد
عرفت ان تعلق الأمر بالطبيعة معناه ايجاد الطبيعة في أي فرد كان مخيرا بين كون
الخصوصية ذات مفسدة او لم تكن ، واما تعلق النهي فقد عرفت فى مسألة تعلق الأوامر
والنواهي بالطبائع ان تعلقه بنحو السراية بمعنى
ان المطلوب ترك
جميع افراد المنهي عنه فتكون الخصوصية التي فيها مفسدة بالنسبة الى الطبيعة
المأمور بها نسبة المضيق المهم الى الموسع الأهم لأن الطبيعة لم تكن مأمورا بها
مطلقا بل تكون مأمورا بها في الجملة اي فى اي فرد كانت فيجزى الاتيان بغير المجمع بخلاف
الطبيعة المنهى عنها فانما يحصل الامتثال بها بترك جميع افرادها حتى فرد المجمع
فيكون المأمور به موسعا والمنهي عنه مضيقا وقد عرفت في المباحث المتقدمة ترجيح
المضيق ولو كان مهما على الموسع ولو كان أهم فلو توجه الى الطبيعة امر فلا بد من
صرفه الى غير المجمع فيكون المجمع خارجا عن دائرة الأمر إلا ان يكون تاركا بقية
الأفراد فيمكن تعلق الأمر على نحو الأمر الترتبي.
وبالجملة انا لو
قلنا بالترتب فيجتمع الأمر والنهي ولو كانا فعليين واما لو قلنا بعدم الترتب فيمنع
من اجتماع الامر والنهي الفعليين ولكن لا مانع من الالتزام باجتماع المبغوضية
والمحبوبية في شيء واحد شخصي باعتبارين ومما ذكرنا يظهر ان تعلق النواهي بالعبادات
يبقى على ظاهره من دلالته على الحزازة والمنقصة.
بيان ذلك هو ان
العبادة تارة يكون لها بدل واخرى لا بدل لها فما كان لها بدل فيكون الترك المبغوض
هو ترك الطبيعة رأسا واما تركها الذي لا يستتبع تركها رأسا فليس بمبغوض بل ربما
يكون راجحا ففي هذه الصورة تكون الطبيعة واجبة والمكروه هي الخصوصية. واما فيما لا
بدل له فنقول ترك الطبيعة مرجوح وترك الخصوصية راجح مثلا ان الصوم فى نفسه راجح
ولكن ايقاعه فى يوم عاشوراء مثلا مرجوح فيكون النهي راجعا إلى خصوصية الاضافة
وحينئذ ترك الصوم مرجوح وترك الخصوصية راجح ويمكن ان يجعل هذا الوجه لما له بدل
كما
لا يخفى. ومن جميع
ما ذكرنا يظهر لك وجه المختار وحاصله انه يجوز اجتماع المحبوبية والمبغوضية في
الشيء الواحد باعتبارين او بما له من الحدين واستحالة الجمع بين البعث والزجر في
الشيء الواحد على القول بالسراية. واما على القول بعدمها فلا مانع من اجتماعهما
وقد عرفت وجه ذلك.
وملخصه انه لا
يخلو اما ان يكونا متخالفين بتمام المنشأ او لا فان كانا متخالفين بتمام المنشأ
فلا اشكال فى جواز اجتماع الأمر والنهي سواء كانا فعليين ام لا. واما اذا لم يكونا
متخالفين بتمام المنشأ فلا يخلو اما ان يتحدا بحسب المنشأ فلا اشكال في عدم جواز
اجتماع الأمر والنهي من غير فرق بين كونهما فعليين ام لا واما لو كانا متفقين في
بعض المنشأ ومختلفين في البعض الآخر كما هو شأن الغصب والصلاة بناء على ما هو
المختار من اتحادهما فى الكون واختلافهما بالاضافة فقد عرفت جواز اجتماع الأمر
والنهي في الجهة التي اختلفا فيها من غير فرق بين ان يكون بين العنوانين عموم
وخصوص من وجه كصل ولا تغصب او بينهما عموم وخصوص من مطلق كصل ولا تغصب فى هذه
الصلاة. واما بناء على غير المختار من ان بين الغصب والصلاة اختلافا بتمام المنشأ
بأن يكون كل واحد من مقولة مستقلة فلا اشكال فى جواز اجتماع الأمر والنهي في مقام
المحبوبية والمبغوضية وفي مقام فعلية الأمر والنهي بخلاف المبنى الأول فانه يجوز
اجتماعهما في مقام المحبوبية والمبغوضية.
واما ما يظهر من
عبارة الاستاذ قدسسره في الكفاية من جعل المغصوبية من قبيل الملكية وجعلها من
الامور التي ليس بازائها شيء فى الخارج فتكون من الامور الاعتبارية المحضة فلا
يجوز اجتماع الأمر والنهي في مرتبة الفعلية ومرتبة
المحبوبية
والمبغوضية لأن ما يكون له حظ في الاتصاف بالمحبوبية والمبغوضية لا يكون من الامور
الاعتبارية وانما يكون المتصف بهما مما له حظ فى الخارج لأنه هو الذي تقوم به
المصلحة والمفسدة ، والاختلاف بالأمر الاعتباري لا يوجب اختلافا في ناحية الخارج
ولا يغيره بل هو باق على ما فيه من المصلحة أو المفسدة.
اذا عرفت ذلك
فاعلم ان ما في الخارج ليس إلا الكون والمفروض انه شيء واحد وحينئذ يمتنع اتصافه
بالضدين وما في الاعتبار وان كان مختلفا إلا انه لا يتصف بالمحبوبية والمبغوضية
ولا يخفى انه بعد تسليم المبنى فلا اشكال من القول بعدم جواز الاجتماع في مرتبة
الفعلية ومرتبة المحبوبية والمبغوضية ولكنك عرفت عدم صحة المبنى إذ فرق بين
الملكية والغصبية فان انتزاع الملكية بعد الجعل يتوقف على اللحاظ والغصبية تنتزع
من عدم رضى المالك ولا يتوقف انتزاعها على لاحظ كالفوقية. هذا كله لو كان مناط
الخلاف في اجتماع الأمر والنهي هو ان تعدد الجهة يوجب تعدد الموجه كما لا يبعد ان
يكون خلافهم مبنيا على ذلك واما لو كان خلافهم مبنيا على السراية وعدمها فقد عرفت
ان الجواز لما كان مبنيا على عدم السراية فلازمه ان يقول القائل به مطلقا أي من
غير فرق بين ان يكون متعلق الأمر والنهي متعددا او متحدا كمثل اكرم العلماء ولا
تكرم الفساق في العموم والخصوص من وجه او مثل اكرم العلماء ولا تكرم العالم الفاسق
في العموم من مطلق كما انه على القول بعدم السراية الذي هو مبنى للقول بالجواز
يلزم ان نقول بجواز الاجتماع فى مرتبة البعث والزجر فضلا عن الاجتماع في مرتبة
المحبوبية والمبغوضية بل ربما يقال بانه على السراية يمكن القول بالجواز بالنسبة
الى مرتبة المحبوبية والمبغوضية مع عدم بلوغهما الى مرتبة البعث والزجر فالعالم
الفاسق اكرامه
محبوب لعلمه
ومبغوض لفسقه واما فى العبادات فان قلنا باعتبار قصد القربة ولو فى جهة في ذلك
الوجود فتصح تلك العبادة لما فيها من جهة المحبوبية وان اعتبرناها فى تمام جهات
ذلك الوجود بطلت العبادة والظاهر اعتبارها على النحو الثاني فلا ثمرة فى العباديات
واما في التوصليات فيمكن تصور الثمرة من جهة عدم اعتبار قصد التقرب فيها ولكن
الانصاف ان ذلك انما يكون فيما لو كانت المصلحة غالبة واما لو كانت المصلحة مغلوبة
فتكون من قبيل المضيق مع الموسع ولا اشكال في وجوب مراعاة المضيق الذي كان هو
النهي فانه يقدم على امتثال الموسع الذي فرض انه هو الأمر كما انه ربما يقال بانه
على السراية يمكن القول بالجواز بدعوى ان الصلاة من مقولة الفعل او الوضع والغصب
من مقولة الاضافة باعتبار ان الغصب عبارة عن اشغال مال الغير او الاستيلاء عليه
ولو بوضع اليد عليه كما تدل عليه تعاريفهم فى باب الغصب فلا يسري الحكم من احدهما
الى الآخر لكون كل واحد منهما من مقولة والى ذلك يرجع ان الجواز مبني على كون
الجهتين تقييديتين ولكن لا يخفى ان ذلك مبني على ان يكون احد المقولتين كالاضافة
مثلا من مشخصات المقولة الاخرى لكي يكون المجمع متحدا وجودا وإلا لو كان المجمع
المشتمل على المقولتين له تعدد فى الوجود فقد عرفت انه خارج عن محل الكلام
والالتزام بما ذكر يوجب سراية الحكم من أحدهما الى الآخر لما عرفت من الاتحاد في
الوجود على انه لو قلنا بان الغصب هو الاشغال تكون الصلاة فى الكون الغصبي مما به
الاشغال اي تكون مقدمة لتحقق الاشغال ولا اشكال فى ان مثل ذلك مما تسري الحرمة
اليه لكونه بمنزلة العلة التامة وقد عرفت في بحث المقدمة ان الحرمة تسري الى ما
يكون من قبيل العلة لذيها فحينئذ يجتمع الوجوب النفسي مع الحرمة
الغيرية على انه
لو قلنا بان ماهية الغصب موجودة بوجود خاص غير وجود الصلاة لكي يكون من التركيب
الانضمامي إلا ان الحرمة ليست منحصرة بماهية الغصب بل نفس التصرف في مال الغير
بغير إذن مالكه من المحرم ومن الواضح ان نفس حركات الصلاة بذلك المكان ينطبق عليه
عنوان التصرف فاذا انطبق عليه عنوان المحرم تكون تلك الحركات محرمة فيكون التركيب
حينئذ اتحاديا لاتحاد مثل هذا العنوان المحرم على تلك الحركات الواجبة فيجتمع في نفس
الحركات الوجوب والحرمة فيكون من قبيل اجتماع الضدين فلذا يلزم القول بالامتناع
مضافا الى ان تلك الحركات الصلاتية تعد من المنافع فتكون حركة الصلاة من القيام
والقعود في المكان الغصبي استيفاء لمنفعته وهذا الاستيفاء من دون إذن من المالك
بنفسه حرام فعليه تكون تلك الحركات بنفسها حراما مع انها متصفة بالوجوب فيعود ذلك
المحذور ولأجل ما ذكرنا من كون تلك الحركات مصداقا للحرام ومنطبقا عليه الحرام
فتكون من مصاديق العنوانين فلا محيص من سراية الحكم من احد العنوانين الى الآخر
فيكون المجمع لهما قد اجتمع فيه الحكمان المتضادان ومن هذه الجهة تكون الجهتان
تعليليتين لكونهما خارجتين عن موضوع الحكم ويكون تمام الموضوع نفس الجهة المشتركة
ان قلت ان الجهات الزائدة عن الجهة المشتركة اذا اخذت في لسان الدليل لا بد وان
تؤخذ بنحو الجهة التقييدية لا التعليلية قلنا ان ذلك مسلم ولكن لما كانت هناك جهة
اشتراك توجب سراية الحكم من احد العنوانين الى الآخر لزم عدم مدخلية تلك الجهة
فلذا قلنا بأنها تعليلية في قبال من يدعي بانها هي الفارقة بين العنوانين بتمام
الحيثية كما هو قول من يقول بانها تقييدية وكيف كان فجعل الجواز مبنيا على كون
الجهتين تقييديتين
والامتناع على كون
الجهتين تعليليتين ليس كما ينبغي اذ لنا ان نقول بكون الجهتين تقييديتين باعتبار
اخذهما في لسان الدليل إلّا انهما لهما جهة اشتراك في جهة ضمنية بنحو يسرى الحكم
من احد العنوانين الى ما ينطبق عليه الآخر من الجهة المشتركة الضمنية فلذا ينبغي
ان يجعل عنوان النزاع في ان تلك الجهتين هل فيهما جهة مشتركة ضمنية بنحو يسري
الحكم من احدهما الى الآخر ام لم يكن بينهما جهة مشتركة ضمنية من غير فرق بين كون
الجهتين تقييديتين او تعليليتين اذا عرفت عنوان المسألة فاعلم ان كل عنوان من
العنوانين تارة يؤخذ من مرتبة من الوجود بنحو يكون مميزا عن الآخر بتمام الحقيقة
واخرى يؤخذ من مرتبة من الوجود بنحو يشترك مع الآخر بجهة من الجهات فان قلنا
بالأول يمكن القول بالجواز وان قلنا بسراية الحكم من الطبيعة الى الفرد اذ على ذلك
التقدير المجمع قد اجتمع فيه كل فرد من العنوانين في ضمن حيثية مخصوصة وسراية
الحكم من الطبيعة الى الفرد الى ما بازائه من الحيثية الخارجية بلا سراية الى غيره
وكونهما واحدا وجودا لا يمنع عن الجمع بين المتضادين فى الحيثيتين المحفوظتين فلا
يلزم اجتماع الضدين في شىء واحد وان قلنا بالثاني فاشتراكهما فى تلك الجهة الضمنية
اوجب سراية كل واحد من الامر او النهي الى الآخر فلذا يكون من قبيل الجمع بين
الضدين ولازمه القول بالامتناع وقد عرفت مما تقدم ان الصلاة والغصب من هذا القبيل
على نحو التفصيل وبالجملة ان محل الكلام في ما اذا كان الاتحاد بحسب الوجود إلا
انه بالنسبة الى الحيثيتين ان كان بينهما اشتراك فى جهة ضمنية فيكون التركيب
اتحاديا وجودا وحيثية وان لم يكن بينهما جهة اشتراك بل بينهما تمام المباينة
والاختلاف فيكون التركيب انضماميا وعلى الاول تكون الحيثيتان تعليليتين ولازمه
القول
بالامتناع لسراية
الحكم من كل من العنوانين الى تلك الجهة الاشتراكية فى المجمع وحينئذ يكون من قبيل
الجمع بين الضدين وعلى الثاني تكون الحيثيتان تقييديتين باصطلاح القوم ولازمه
القول بالجواز لعدم سراية الحكم من احدهما الى الآخر لعدم وجود جهة اشتراك هذا على
القول بسراية الحكم من الطبيعة واما على القول بعدم السراية فلا مانع من القول
بالجواز بجميع مراتبه أي مرتبة المحبوبية والمبغوضية ومرتبة الارادة والكراهة
ومرتبة البعث والزجر من غير فرق بين وجود المندوحة وعدمها اللهم إلا ان يقال بعدم
اعتبار المندوحة بالنسبة الى مرتبة المحبوبية والمبغوضية فانه من الممكن ان تكون الطبيعة
محبوبة والفرد مبغوضا واعتبارها بالنسبة الى مرتبة الارادة والكراهة فان الارادة
الفعلية لا مانع من تعلقها بالطبيعة والكراهة بالفرد غير المنحصر والى مثل ذلك نظر
من اعتبر المندوحة فى محل النزاع اذ مع عدم المندوحة يلزم تعلق ارادة فعلية
بالطبيعة مع تعلق ارادة فعلية بترك الفرد المنحصر بالحرمة وهو محال لكونه من الجمع
بين الضدين كما انه لا وجه لاعتبارها فيما لو قلنا بالجواز على السراية بدعوى كون
تكثر الجهة مما يوجب التعدد فى جهات الوجود فانه وان كان المقام من قبيل
المتلازمين إلا انه لا يمكن اجتماع الارادة الفعلية مع الكراهة الفعلية في الوجود
الواحد حتى مع وجود المندوحة فضلا عن عدمها كما ان دعوى عدم الجواز مبنية على كون
الاجتماع مأموريا لا آمريا بتقريب ان المولى علق امره بنفس الطبيعتين المتغايرتين
إلا ان العبد بسوء الاختيار جمع بينهما باتيان المجمع وذلك لا قبح فيه على الآمر
بالنسبة لأمره بالطبيعتين ممنوعة لان الجواز ان كان مبنيا على عدم السراية فلا
يكون فى البين اجتماع آمري ولا مأموري وان كان مبنيا على السراية ومكثرية الجهة مع
عدم تحقق جهة مشتركة ضمنية فلا
يكون فى البين
ايضا اجتماع لا آمري ولا مأموري من غير فرق بين وجود المندوحة وعدمها كما انه مع
تحقق الجهة المشتركة الضمنية والقول بالسراية يلزم محذور اجتماع الامر والنهي من
غير فرق بين وجود المندوحة وعدمها ودعوى ان الفرق بين وجود المندوحة وبين عدمها
بانه مع وجودها يكون الاجتماع مأموريا لا آمريا إذ المأمور بسوء الاختيار قد اتى
بالمجمع ولا قبح فيه على الآمر ومع عدم المندوحة يلزم ان يكون الاجتماع آمريا لانه
على تقديره يكون هو الذي اوقعه في ذلك ممنوعة بناء على ان ملاك الاستحالة فى باب
الاجتماع هو اجتماع الضدين لما عرفت انه بناء على الجواز بأي ملاك اخذ من عدم
السراية او السراية ومكثرية الجهة مع عدم الاشتراك في الجهة الضمنية فلا محذور في
اجتماع الامر والنهي لا من ناحية الآمر ولا من ناحية المأمور من غير فرق بين وجود
المندوحة وبين عدمها واما بناء على الامتناع كما لو قلنا بالسراية مع وجود جهة
مشتركة ضمنية فيلزم محذور اجتماع الضدين من ناحية الآمر ولو مع وجود المندوحة نعم
يمكن دعوى الفرق بين وجود المندوحة وبين عدمها لو كان المحذور في باب الاجتماع هو
التكليف بما لا يطاق بناء على عدم سراية التكليف من المتعلق الى الفرد فمع وجود
المندوحة فلا محذور فى الاجتماع لعدم لزوم التكليف بما لا يطاق لا بالنسبة الى
الآمر ولا بالنسبة الى المأمور ومع عدم المندوحة يمنع من الاجتماع ويكون آمريا
لكونه بالنسبة الى الآمر يكون من التكليف بما لا يطاق إلا ان المحذور الذي ذكره
القوم راجع الى توجه الخطاب وهو استحالة الجمع بين الضدين فعليه لا مجال للتفصيل بين
كون الاجتماع آمريا او مأموريا فقط نعم لو اريد من محل النزاع هو الاجتماع فى مقام
الامتثال كان لهذا التفصيل مجال نعم لا بد من اعتبار المندوحة على القول بالجواز
في المعاملة
التى تستلزم
التصرف في مال الغير كما لو اجر نفسه لنساجة ثوب فنسجه في المكان المغصوب فان
المندوحة معتبرة حال الايجار والاستيجار ومع عدمها تقع الاجارة باطلة من حينها
واما على الامتناع يكون العمل المأتي به في ذلك المكان منهيا عنه فليس بمال شرعا
فلا تشمله الاجارة ولا يستحق العامل الاجرة لا المسمى ولا اجرة المثل من غير فرق
بين المندوحة وعدمها كما لا يخفى ثم انه استدل للقول بالجواز بوقوع ذلك فى
الشرعيات كالعبادات المكروهة على اقسامها الثلاثة وهي ما تعلق النهي بذاته ولا بدل
له كصوم يوم عاشوراء وما تعلق بذاته وله بدل كالصلاة في الحمام وما لا يتعلق بذاته
بل تعلق بما هو مجامع له كالصلاة فى مواضع التهمة بيان ذلك انه لا اشكال فى تحقق
التضاد بين الاحكام وكما لا يعقل اجتماع الوجوب والحرمة في شيء واحد لكونه من قبيل
اجتماع الضدين كذلك لا يعقل اجتماع الوجوب والكراهة او الاستحباب والكراهة للمحذور
المتقدم ولكنه لما كان الاخير واقعا في الشرعيات دل على عدم استحالته وسره ان تعدد
الجهة يوجب تعدد الموجه وبذلك ترتفع غائلة استحالة الجمع بين الضدين في المقامين
وقد اجاب الاستاذ قدسسره في الكفاية بما حاصله انه اذا تعلق النهي بذاته ولا بدل له
يكون رجحان الترك زائدا على مصلحة الفعل وهو ليس كالرجحان الناشئ عن مفسدة في الفعل
لان ارجحيته على الفعل انما نشأ من اهتمام الشارع بمصلحته ولذا لا يوجب حزازة
ومنقصة فى الفعل فيمكن ان يتقرب به لاشتماله على المصلحة الموافقة للغرض بخلاف ما
يكون الرجحان ناشئا من مفسدة في الفعل فلا يمكن معها التقرب به وقد اعترض على ذلك
في الحاشية بان ارجحية الترك وان لم تكن ناشئة من مفسدة في الفعل إلا انه يوجب
الامر بالترك وهو يوجب النهي عنه ومعه
لا يمكن ان يتقرب
بالفعل وقد اجاب عنه بالفرق بين النهي التحريمي والنهي التنزيهي فان التحريمي
يقتضي الفساد فلا يمكن ان يتقرب بما هو معصية بخلاف التنزيهي فانه لا يقتضي الفساد
فلا مانع من التقرب به اذ لم يكن ناشئا عن منقصة وحزازة في الفعل وانما نشأ من
المصلحة الراجحة فحينئذ الفعل باق على ما هو عليه من المحبوبية والرجحان فلذا لم
تفسد العبادة اذا كانت ضدا لمستحب اهم اتفاقا وبما ذكر او لا اجاب عما اذا تعلق
النهي بذاته وله بدل على انه يمكن ان يقال بان الكراهة في العبادة بمعنى اقل ثوابا
بالقياس الى نفس الطبيعة المتشخصة بما لا يحدث معه مزية لها ولا منقصة من المشخصات
وكذا كونه اكثر ثوابا وحينئذ يكون النهي في هذا القسم للارشاد كما انه اجاب عن
القسم الثالث بما ذكر اخيرا على الامتناع مع الاتحاد اذ الاتحاد مع العنوان يعد من
المشخصات الموجبة لاختلاف الطبيعة المأمور بها في زيادة الثواب ونقصانه وعلى القول
بالجواز فالنهى يمكن ان يكون ارشاديا الى غيرها من الافراد مما يكون متحدا معه او
ملازما له ويمكن ان يكون مولويا بأن النهي عن العبادة بالعرض والمجاز والنهي حقيقة
قد تعلق بذلك العنوان المتحد مع العبادة او الملازم وهكذا لو قلنا بالامتناع مع
الملازمة ولكن لا يخفى ان الترك لما كان عدميا يمتنع ان يكون فيه مصلحة كما ان
انطباق العنوان على الترك ان كان وجوديا يمتنع انطباقه على الترك وان كان عدميا
فليس فيه مصلحة على ان اقلية الثواب عما يقتضيه طبع العبادة لا تسمى بالكراهة اذ
قلة الثواب لقصور في الاقتضاء اجنبي عن كونها اقل لاجل مزاحمة المصلحة مع المفسدة
غير الملزمة وهو الصالح لاطلاق الكراهة عليه.
فالتحقيق في
الجواب ان يقال انه بالنسبة الى ما له بدل كالصلاة في الحمام
او الصلاة في
مواضع التهم فالمصلحة القائمة بطبيعة الصلاة التي اوجبت تعلق الامر بها تسري الى
الحصص المتحققة في الافراد ولا تسري الى خصوصيات الافراد فالفرد المشتمل على مفسدة
غير ملزمة لما كان فيه حصة من الطبيعة وخصوصة فبالنسبة الى حصته لاتحاده مع الجامع
تكون مفسدته مغلوبة ومنتفية وحينئذ تبقى المفسدة في خصوصية محفوظة لا مزاحم لها
فعليه مصلحة الجامع لا تزاحم المفسدة المتحققة في الخصوصية لا في مقام التأثير ولا
في مقام الايجاد والعقل يحكم بأن مقتضى الجمع بين المصلحة القائمة بالجامع المنطبق
على الحصة الموجودة في الفرد وبين المفسدة القائمة بالخصوصية بترك الفرد تركا
تنزيهيا بمعنى انه برشد الى الاتيان بالافراد التى لم تكن فيها تلك المفسدة من
الخصوصيات الملاءمة ولاجل ذلك لا يحكم العقل بالتخيير بين هذا الفرد وبين بقية
الافراد كما حكم في غير هذا المقام لما هو معلوم انه يحكم بالتخيير فيما اذا كانت
الافراد متساوية الاقدام بالنسبة الى مقام الايجاد من دون خصوصية ومزية في بعضها
ومع تحقق المزية يحكم بتقديمها ان كانت بنحو تلائم الطبيعة بمقدار ملائمتها فمع
وجود المرجح ولو كان تنزيهيا فالعقل يحكم بترجيحه بمقدار مزيته من الكراهة وهذه لا
تمنع التقرب بالفرد لاشتماله على المصلحة القائمة بالجامع المنطبق على الحصة
الموجودة في الفرد. هذا كله فيما له البدل.
واما بالنسبة الى
ما لا بدل له كالصلاة في الأوقات المخصوصة فيمكن ان يقال بان الكراهة متحققة فى
الكون الخاص ولا تزاحم المصلحة المتحققة في ذات العبادة وبعبارة اخرى المصلحة تقوم
فى الافعال والكراهة والمبغوضية في كونها فى الظرف الخاص فلا مزاحمة بينهما ، وهذا
الذي ذكرناه اولى من الالتزام بان
الكراهة في
العبادة أقل ثوابا لا بقاء الكراهة على حقيقتها المصطلحة واقلية الثواب لا يتحقق
مع الكراهة التي هي عبارة عن الحرازة والمنقصة إلا انها ليست كالحزازة والمنقصة فى
النهي التحريمي على ان حمل الكراهة على الاقل ثوابا يوجب التصرف في النهي الظاهر
في الكراهة ويبعد حمل النهي على ذلك.
ويظهر مما ذكرنا
ضعف ما ذكره الشيخ الانصاري قدسسره من ان الفعل المتعبد به لا يكون بنفسه مكروها وانما يكون
تركه مستحبا أكد من وجوده لانطباق عنوان راجح عليه فان ذلك خلاف ظاهر النهي فان
ظاهره مرجوحية فعل العبادة لا ان تركها راجح على ان ذلك العنوان ان كان وجوديا كيف
ينطبق على الترك والترك امر عدمي واذا كان عدميا فلا مصلحة فيه لكي يكون سببا
لرجحان ما ينطبق عليه اللهم إلا ان يقال بان ما هو الراجح هو عنوان ملازم للترك
فيكون الترك راجحا لملازمته لذلك العنوان وهذا اولى من الالتزام برجحانية الترك
لكونه امرا عدميا فلا مصلحة فيه لكي يكون راجحا ولكن لا يخفى ان ذلك وان كان صحيحا
في نفسه إلا انه لا يوجب مرجوحية العبادة لكي تكون مكروهة إذ هي ليست نقيضا لذلك
العنوان الملازم لكي يكون مرجوحا وانما هو نقيض لتركه الذي ليس فيه رجحان حسب
الفرض ومن هنا ظهر الاشكال فيما ذكره الاستاذ في الحاشية من ان التنزيهي نشأ من
المصلحة الراجحة ولم ينشأ من الحزازة والمنقصة فان المصلحة الراجحة ان كانت في
الترك فانه امر عدمي ليس فيه مصلحة وان كانت في العنوان المنطبق عليه فان كان ذلك
امرا وجوديا فلا يعقل انطباقه على الأمر العدمي وان كان عدميا فليس فيه مصلحة لكي
يوجب رجحان الترك فيكون الفعل مرجوحا وان كان الرجحان بفعل ملازم للترك فلا يوجب
مرجوحية
الفعل لعدم كونه
نقيضه وانما هو نقيض للترك الخالي من الرجحان فافهم وتأمل.
(تنبيهات اجتماع الامر والنهى)
ينبغي التنبيه على
امور : الاول ان المسألة المفروضة انما هي من باب التزاحم الذي هو عبارة ان يكون
كل من متعلق الامر مشتملا على مصلحة ومتعلق النهي مشتملا على مفسدة لكي يكون
المجمع مشتملا عليهما مثلا الكون فى الدار الغصبية اشتمل على مقتضى الصلاة وعلى
مقتضى الغصب وليست المسألة المفروضة من باب التعارض الذي هو عبارة عن تنافي
الدليلين الموجب للعلم بوجود المقتضي في احدهما من غير فرق بين ان يكون التنافي
بين الدليلين او لا وبالذات كما لو دل احدهما على الوجوب والآخر على الحرمة او
ثانيا وبالعرض كما لو دل دليل على وجوب الظهر يوم الجمعة. وآخر على وجوب الجمعة
فيها مع انا نعلم من الخارج انه لا تجب في يوم الجمعة إلا صلاة واحدة فبسبب هذا
العلم الاجمالي اوجب العلم بكذب احد الدليلين هذا بحسب مقام الثبوت ، واما بحسب
مقام الاثبات فيعلم كون المورد من التزاحم او التعارض من الدليل قال الاستاذ قدسسره في الكفاية ما لفظه (فالروايتان الدالتان على الحكمين
متعارضتان اذا احرز ان المناط من قبيل الثاني فلا بد من عمل ، المعارضة حينئذ
بينهما من الترجيح والتخيير وإلا فلا تعارض في البين بل كان من باب التزاحم بين
المقتضيين الخ) وهذا الدليل الذي
__________________
احرز فيه وجود
المقتضيين لا يخلو اما ان يكون قطعيا يدل على اجتماع الملاكين
__________________
في مجمع واحد
فيكون من باب التزاحم ويخرج عن باب التعارض بخلاف ما لو قام دليل على وجود ملاك
واحد في المجمع فيدخل في باب التعارض ويخرج عن باب التزاحم واخرى يكون ظنيا بان
يحرز اجتماع الملاكين من ظاهر الدليل كما هو ظاهر صل فانه يقتضي قيام المصلحة فى
المتعلق من غير فرق بين الموارد وكذلك لا تغصب فانه يدل على قيام المفسدة في
المتعلق من غير فرق بين مورد ومورد فالمجمع بمقتضى ظاهر الدليلين يكون فيه كلا
المقتضيين فيكون من باب التزاحم ويدخل في مسألة الاجتماع بخلاف ما لو ورد صل ولا
تصل فانه يستحيل اشتمال العنوان الواحد على مصلحة ومفسدة فيكونان من باب التعارض
فيحتاج الى مرجح لكي يميز ما هو
__________________
الحجة من غيرها ومن
صور التعارض ما لو اتفق اقتران قرينة عقلية بالعنوانين المختلفين دالة على كون
الحكمين لم ينشئا إلا من ملاك واحد كما لو قام دليل دال على الوجوب والآخر دال على
عدم الوجوب ولكن يشترط ان تكون دلالته على عدم الوجوب بالمطابقة كصل ولا يجب الغصب
فان مقتضى الأول تحقق وجود المقتضي فى المجمع ومقتضى الثاني انتفاء المقتضي فيه
ولا يعقل ان يكون شيء واحد جامعا للمقتضيين وعدمه فاذا كان من ذلك القبيل فيكون
ذلك من باب التعارض فيحتاج الى اعمال المرجحات المقررة لباب التعارض.
فان قلت ايضا اذا
اجتمع الوجوب والتحريم كما في مقام التزاحم يكون من هذا القبيل إذ دليل التحريم
قاض بعدم الوجوب فيكون من باب التعارض والفرق بينهما تحكم قلت انا احترزنا في اصل
العنوان بان تكون الدلالة مطابقة فرارا عن هذا الاشكال إذ دليل الحرمة لا يدل إلا
على اشتمال المتعلق على المفسدة ولما كانت المفسدة مزاحمة مع المصلحة كان ذلك
الدليل بالالتزام دالا على عدم الوجوب فدلالته على عدمه لا من حيث عدم كون الوجوب
فيه مصلحة بل من حيث مزاحمته.
وبالجملة ان اطلاق
الدليلين يقتضي وجود الملاك فى المجمع فيكون من باب التزاحم ويجب اعمال مرجحاته
المقررة له إلا اذا كانت قرينة تدل على عدم المزاحمة كما لو كانت عقلية تهدم اصل
الاطلاق بان يحكم العقل بأدنى التفات الى عدم تحقق الاطلاق فى المتعلق كما لو قال
تهجد فى الليل فان العقل يحكم بعدم تحقق اطلاق له بنحو يشمل اليقظة والنوم فيكون
من قبيل القرينة المتصلة بالكلام الرافعة لأصل الاطلاق فلا يكون لمثل هذا الدليل
شمول لمورد الاجتماع لكي
يكون فيه ملاكه
ومن القرينة العقلية ما عرفت من اقترانها بدلالة احد الدليلين بالمطابقة على عدم
الوجوب فانه بالنسبة الى ما دل على الوجوب يكون من باب التعارض لحصول التكاذب بين
الدليلين واما تقديم احد الدليلين على الآخر لكونه اقوى ملاكا فلا يكون من القرينة
العقلية الرافعة للاطلاق المستكشف منه عدم الملاك في المجمع إذ ذلك انما يكون بعد
ان ينعقد للكلام ظهور وبه يتحقق الاطلاق ومع تحققه فى الدليلين يكون المجمع مؤدى
لكلا الاطلاقين الكاشفين عن تحقق الملاكين في المجمع وبالتقديم يرتفع حجية الاطلاق
ولا يرتفع اصل الاطلاق ويكون من قبيل القرينة المنفصلة عن الكلام غير رافعة
للاطلاق. وبالجملة بالتقديم يوجب سقوط الظهور عن الحجية لا اصل الظهور الكاشف عن
تحقق الملاك وهذا التقديم انما يتحقق فيما اذا كان متعلق الخطابين متعددا بنحو لا
يكون بينهما جهة اشتراك ولو اجتمعا فى واحد شخصي فانه وان كان العقل حاكما بعدم
تحقق الكراهة والارادة في الواحد الشخصي إلا ان ذلك من باب القرينة المنفصلة فلا
ينافي الظهور الموجب لتحقق الملاك فى المجمع فيعد من باب التزاحم بخلاف ما لو لم
يكن الخطابان متعددين بل كلاهما متعلق بشيء واحد بنحو يدرك المكلف بفطرته ان
المولى لا يريد كليهما للتناقض بينهما بل يجوز ان يريد احدهما ومثل ذلك يعد من باب
التعارض لعدم انعقاد ظهور للخطابين الفعليين ويكون ذلك من قبيل القرينة المتصلة
المانعة من انعقاد الظهور ومن ذلك يعلم الفرق بين التعارض والتزاحم. وحاصله هو ان
الخطابين ان كان المكلف يدرك تحقق التدافع والتمانع بينهما كما لو تعلقا بشيء واحد
فلا ظهور لكل من الخطابين ولا يستكشف من احدهما ارادة ولا كراهة بل يكون كل منهما
مكذبا للآخر وطاردا له فهو باب التعارض ويلحق به
ما لو اخذ في
موضوع احد الخطابين جزء وفي الآخر كل فان ما كان موضوعه الكل يمنع الحكم على ما
كان موضوعه الجزء وكذا العكس فيكون بينهما تمانع وتضاد فلذا يعد من التعارض ومن
هنا قلنا بان ما كان بين الدليلين عموم وخصوص مطلق يدخل تحت التعارض لما كان
بينهما بالنسبة الى الأخص تمانع وتعارض بخلاف ما كان بين الخطابين عموم وخصوص من
وجه فانه يعد من باب التزاحم لشمول كلا الخطابين لمورد الاجتماع وتصادقهما فى
مورده لا يرفع اصل الاطلاق وان رفع اجتماع الارادة والكراهة فيه او المحبوبية
والمبغوضية فيه بناء على الامتناع اذ ذلك لا ينافي بقاء الاطلاق بالنسبة الى مرتبة
الاقتضاء فمن كل اطلاق يستكشف ثبوت الملاك فى مورد الاجتماع وقد عرفت ان تقديم احد
الخطابين على الآخر كما هو لازم القول بالامتناع لكونه اقوى ملاكا لا يرفع اصل
الاطلاق المحقق للملاك بل يرفع حجيته ولاجل ذلك يمكن لنا القول بان الاصل في باب
العام والخاص من وجه التزاحم كما ان الأصل فى العام والخاص المطلق التعارض وكيف
كان فباب اجتماع الأمر والنهي من صغريات باب التزاحم لاستكشاف الملاكين من اطلاق
الخطابين الشاملين لمورد الاجتماع فيكون مورده مجمعا للملاكين ولازمه الاخذ
بأقواهما لا بقوة السند اذ ربما يقدم ما هو اقوى ملاكا في امثال المقام على ما هو
اقوى سندا ودعوى ارجاع المقام الى باب التعارض بتقريب انه يكون من التزاحم فى مقام
التأثير الذي هو من مختصات باب التعارض وتخصيص التزاحم في التضاد وجودا بتقريب ان
التزاحم فى التأثير يرجع امره الى المولى وربما يقدم ما هو اقوى سندا بخلاف ما لم
يكن التزاحم في التأثير بل يكون فى مقام الوجود فليس امر التعيين بيد المولى بل
يرجع امره الى العقل فيحكم بما هو
اقوى ملاكا لا
اقوى سندا ممنوعة فانه بعد فرض كون الاطلاق يثبت وجود الملاك في مقام التأثير فلا
مانع من تأثير كل من الملاكين الا تمانعهما في مقام التأثير فحينئذ كيف يرجع امر
ذلك الى المولى فيقدم ما هو اقوى سندا مع ان العقل يرى تقديم ما هو اقوى ملاكا نعم
للمولى ذلك مع وجود مانع للتأثير فان العقل ينعزل عن الحكم معه وتحققه خلاف الغرض
وكيف كان فظاهر اطلاق الخطاب يقتضي شمول الحكم لجميع المراتب من مرتبة المحبوبية
والمبغوضية ومرتبة الارادة والكراهة ومرتبة الاقتضاء فعلى الامتناع يلزم رفع
الاطلاق بالنسبة الى المرتبتين الاوليتين واما بالنسبة الى المرتبة الاخيرة فلا
موجب لرفع الاطلاق فحينئذ لا مانع من بقاء الاطلاقين وبقائهما بالنسبة الى تلك
المرتبة يوجب بقاء الملاكين فى المجمع فيدخل فى باب التزاحم ولا مانع من التفكيك
بين انحاء الظهور فان ذلك غير عزيز كالعام فانه حجة في الباقي بعد التخصيص ولا
يخفى ان ما ذكرناه من التبعيض فى انحاء الظهور بان نأخذ بالاطلاق بالنسبة الى
مرتبة الاقتضاء ولا نأخذ بالاطلاق بالنسبة الى مرتبة الارادة والكراهة ومرتبة
المحبوبية والمبغوضية اولى من التمسك باطلاق المادة دون الهيئة لاثبات تحقق الملاك
فى مورد الاجتماع كما ادعاه بعض إذ اطلاقها منفي بعد اتصالها بالهيئة لكونه من
قبيل الاتصال بما يصلح للقرينية وخصوصا مع تبعية احدهما للآخر فلا مجال للتفكيك
بينهما اطلاقا وعدما عرفا فلا تغفل.
ثم لا يخفى انه
ذكر الاستاذ (قدسسره) في الكفاية في الأمر التاسع ما لفظه (ولو كان بصدد الحكم
الفعلي فلا اشكال في استكشاف ثبوت المقتضي في الحكمين على القول بالجواز إلا اذا
علم اجمالا بكذب احد الدليلين فيعامل معهما معاملة
المتعارضين واما
على القول بالامتناع فالاطلاقان متنافيان من غير دلالة على ثبوت المقتضي للحكمين
فى مورد الاجتماع اصلا فان انتفاء احد المتنافيين كما يمكن ان يكون لاجل المانع مع
ثبوت المقتضي له يمكن ان يكون لاجل انتفائه) ولا يخفى ما فيه فانه ليس مبنى الجواز
على حسب مرتبة الفعلية اذ لا يعقل الاجتماع في تلك المرتبة وانما مبنى الجواز على
حسب مرتبة المبغوضية والمحبوبية. نعم يمكن القول بالجواز بحسب مرتبة الفعلية بناء
على القول بعدم السراية لكن ذلك خلاف ما اختاره الاستاذ (قدسسره) واذا ارتفقت الفعلية لم يكن يستكشف جهة الاقتضاء فى كل
واحد منهما فمع عدم الاستكشاف فلا معنى للحكم بكونه من باب التزاحم دون التعارض
وكذا ليس القول بالامتناع يبنى على التعارض كما توهم بتقريب ان التضاد بين الحكمين
يوجب عدم وصولهما الى مرتبتهما الفعلية وحينئذ لا يستكشف الملاك ومع عدمه لا يكون
من التزاحم بل من باب التعارض ولكن لا يخفى ان كون التضاد مانعا لوصولهما الى تلك
المرتبة لا يوجب رفع الظهور بالنسبة الى مرتبة الاقتضاء لما عرفت انه لا مانع من
التفكيك بين انحاء الظهور بأن لا يكون الدليل ظاهرا بالنسبة الى المرتبة الفعلية
ولكن له ظهور بالنسبة الى قيام المصلحة بالمتعلق فيكون المجمع منطبقا عليه
العنوانان قد اشتمل على المصلحة والمفسدة فيكون من باب التزاحم على القول
بالامتناع كما لا يخفى.
التنبيه الثاني
انه لا اشكال في صحة الصلاة فى الدار المغصوبة لمن كان غافلا عن الموضوع او كان
جاهلا مركبا ولمن علم بالموضوع وناسيا للحكم او كان جاهلا فيه ولكن كان عن قصور
لان صحة الصلاة موقوفة على امكان الاتيان بقصد التقرب وفى جميع هذه الصور يمكن
للمكلف اتيانها بقصد القربة برجاء المحبوبية
او بقصد التوصل
الى الفرض او باعتقاد المطلوبية ولا يخفى ان هذا هو الوجه في صحة العبادة فى الدار
المغصوبة في هذه الموارد فما ذكره بعض من صحتها في الموارد المذكورة ففي الغفلة عن
الموضوع هو عدم تنجز التكليف بالنهي لعدم العلم به فيكون غير مقدور ومن شرط
التكليف القدرة فلا يكون النهي مع تلك الحالة متحققا فيبقى الأمر من دون مزاحمته
للنهي فيأتي المكلف بالصلاة بداعي الأمر. واما بالنسبة الى بقية الموارد كالغفلة
بالحكم والاعتقاد بالخلاف ونسيان الحكم والجهل وبه قصورا فانها تمنع من تنجز النهي
فتكون مصلحة الأمر متحققة من دون مزاحم فتؤثر اثرها فتكون الصلاة حينئذ متمحضة للارادة
والطلب محل منع لانه بناء على الامتناع وتغليب جانب الحرمة تكون المصلحة مغلوبة
فيكون العمل متمحضا للمبغوضية فاذا كان مبغوضا لم يتعلق به ارادة في مرتبة الفعلية
ومعه لا يمكن التقرب به. ودعوى ان الصلاة في حال الجهل قصورا صحيحة لعدم كون
مخالفة الخطاب مبعدا فيبقى الخطاب الآخر مقربا بلا مزاحم ممنوعة اذ الجهل بالخطاب
لا يغير الواقع عما هو عليه من المبغوضية فتنحصر جهة المقربية بما ذكرناه من رجاء
المحبوبية او التوصل الى الفرض او اعتقاد المطلوبية او بدعوة رجاء الأمر ولذا
اشتهر ان اباحة المكان من الشرائط العلمية حيث ان الحرمة لا تكون مانعة عن التقرب
إلا في مقام تنجز النهي من غير فرق بين كونها معلومة او غير معلومة كما فى الجاهل
المقصر وبالجملة المدار على تنجز النهي فمع تنجزه لا يمكن التقرب بمتعلقه كما فى
صورة العلم والجهل تقصيرا ومع عدم تنجزه يمكن لنا التقرب بالانحاء المتقدمة ولا
مانع بالاكتفاء لمثل ذلك فى مقام التقرب بعد كون العمل واجدا للملاك لا يقال ان ما
ذكر لا يكون موجبا لتصحيح العبادة إذ لازمه ان يلتزم بصحتها قبل دخول
وقتها بزعم انه قد
دخل لعدم الفرق بين الصورتين مع انه فى الأخير لا اشكال فى الفساد من غير خلاف
فكذا الصورة الاولى لأنا نقول بين الصورتين فرق واضح فان الغرض يتوقف على حصول قصد
القربة فمع الاتيان برجاء المحبوبية يحصل قصد القربة فيترتب الغرض بخلاف باقي
الشرائط كالوقت مثلا فان اعتقاد الخلاف لا يحصل الشرط وبعبارة اخرى ان القربة اوسع
من غيرها فان غيرها معتبرة واقعا فلا يكفي في تحققه احتمال التحقق بخلاف القربة
فانها تحصل برجاء المحبوبية او باعتقاد المطلوبية كما لا يخفى فافهم وتأمل.
التنبيه الثالث
الاضطرار الى المكان الغصبي تارة يكون بسوء الاختيار واخرى لا بسوء الاختيار وعلى
كلا التقديرين اما ان يكون الغصب هو الفضاء دون الأرض او الأرض دون الفضاء او
كلاهما وعلى جميع التقادير اما ان يكون الاضطرار مستمرا او لا فان كان الاضطرار
ناشئا لا بسوء الاختيار وان الغصب عبارة عن الأرض دون الفضاء كان له الاتيان
بالصلاة وليس له تركها ويجب مراعاتها لانها لا تترك بحال ولكن يجب الاقتصار على
مقدار يتأتى به الواجب مثلا لو قدر ان يأتي بالواجب على رجل واحدة وجب وتعين ولا
يجوز له الانتقال إلا من جهة عدم القدرة وهكذا يتنزل من الأكثر تصرفا في الدار الى
الاقل تصرفا هذا اذا استمر الاضطرار الى آخر الوقت واما اذا لم يستمر فينتظر حتى
يرتفع الاضطرار فيأتي بالصلاة على حسب ما يأتي به المختار واما اذا كان الفضاء
مغصوبا دون الأرض كان له صلاة المختار لانه لا بد من ان يكون جسمه شاغلا للفضاء
وهذا الشغل لا يتفاوت بحال عن حال فلذا لا يفرق في تصرفاته في حد الفضاء بحالة دون
حالة وكيفية دون كيفية وبالجملة انه على هذه الصورة يصلي صلاة المختار
لو تضيق عليه
الوقت ولم يكن له مندوحة ومثله في سعة الوقت لو علم باستمرار الاضطرار بل ربما
نقول يصلي صلاة المختار حتى مع عدم العلم او العلم بالعدم لأن الصلاة بعد ان كانت
مطلوبة فى الحال ولا يتفاوت الحال عليه في اختلاف الأحوال ولم تكن كيفية الصلاة
بما هي تفتقر الى كون زائد على ما يقتضيه اصل الكون فلا بأس بالتقرب بالصلاة حينئذ
وقد عرفت مما ذكرنا ان التقرب بالكيفيات المتقدمة لا محذور فيه وانها صالحة للتقرب
بها لا الكون الغصبي لما عرفت انه مشتمل على مفسدة لا يصلح معها التقرب وحينئذ
يكون التقرب باتمام العمل لا بتمامه ولا اشكال فيه إذ الاجماع انما قام على اعتبار
التقرب بالتمام فقط في حال الاختيار ولم ينعقد الاجماع على اعتباره في حال
الاضطرار فتلخص مما ذكرنا انه على هذا الفرض لا يتفاوت بين حالة وحالة كما لا
يتفاوت بين العلم بالاستمرار وعدمه فيصلي صلاة المختار وان كان الأرض والفضاء معا
مغصوبين فيأتي بصلاة المختار بجميع احواله ما عدا السجود فلا يأتي به بنحو سجود
المختار لأنه بسجوده يحصل مكث زائد على مقدار الكون الغصبي لأنه يشغل الأرض
والفضاء على وجه يزيد على ترك الاتيان بتلك الأفعال والهوي ايضا يسقط لأنه مقدمة
ومع سقوط ذي المقدمة لا معنى لوجوب المقدمة ولكن هذا مع العلم بالاستمرار واما مع
عدم العلم بالاستمرار فلا بد من الانتظار الى زوال الاضطرار لأن المطلوب في حال
الاختيار الاستيفاء فلا يسوغ له الاتيان بها ناقصة إلا فى مرحلة الاستمرار اذ معه
يحصل له العذر فلا يجوز له مع التمكن من الصلاة الاختيارية فظهر مما ذكرنا ان
الاضطرار اذا كان عن قصور لا اشكال فى صحة صلاته على نحو صلاة المختار وتقربه يكون
باتيانه بقصد التوصل به الى الغرض نظير تقرب الجاهل القاصر ولا يمكنه التقرب بأمره
لما عرفت ان ما هو
مبغوض لا يصح التقرب به وطرو الاضطرار لا يرفع مبغوضيته ودعوى ان الفعل وان كان
مبغوضا إلا انه له رجحان فاعلي وهو كاف في التقرب برجحان عمله ممنوعة فان رجحان
الفاعل ان كان المراد منه حسن ذاته فهو اجنبي عن رجحان العمل وان كان المراد صدور
الفعل منه فلا معنى لمرجوحية الفعل اذ مرجعه الى التفكيك بين ايجاد الفعل ووجوده
بان يكون الايجاد راجحا والوجود مرجوحا مع انهما متحدان وجودا وان كان المراد منه
اضافته الى الفاعل فهو اجنبي عن التقرب بنفس العمل هذا كله لو لم يتمكن من الخروج
واما لو تمكن من الخروج فقيل يجب الخروج لتحصيل وجوب التخلص الذي هو واجب بالوجوب
الشرعي ولكن لا يخفى ان ذلك مبني على كون الخروج مقدمة لترك الغصب مع انه ليس كذلك
اذ ترك الغصب نقيضه البقاء وهما في مرتبة واحدة فكيف يعقل ان يكون ترك أحدهما
مقدمة للآخر اذ لازمه تقدم احد النقيضين على النقيض الآخر مع انك قد عرفت ان وحدة
الرتبة محفوظة بين النقيضين على ان البقاء لو كان بمقدار الخروج زمانا لم يكن
البقاء حراما اذ ذلك ملازم لارتكاب الغصب الزائد فلا يقتضي حرمة ارتكاب الغصب
الزائد حرمة بقائه كما هو الشأن في المتلازمات ولكن الانصاف ان وجوب المبادرة لكي
لا يستلزم من بقائه زيادة ارتكاب الغصب ليس وجوبا شرعيا وانما هو بمعنى اللابدية
بمعنى انه لا بد من ترك الملزوم من جهة حرمة اللازم وعليه لا مانع من القول بصحة
الاتيان بالصلاة على نحو صلاة المختار فى حال بقائه فى الدار المغصوبة مع فرض
تمكنه اذا كان فى سعة الوقت وكان مقدار بقائه بمقدار خروجه لأن هذا المقدار مقهور
عليه مع كونه معاقبا عليه من اول الأمر فلا يكون هذا المقدار مبعدا في حقه وانما
المعبد لازمه وهو الغصب
الزائد ويعاقب
عليه لكونه داخلا تحت الاختيار ولو بان يختار ملزومه.
وبالجملة الصلاة
في هذا المقدار لا محذور فيها ويصح الاتيان بها على نحو صلاة الكامل واما لو كان
الخروج اقل من البقاء فمع سعة الوقت يجب الصبر حتى يخرج من الغصب ولا تصح منه
الصلاة اصلا نعم مع الضيق يجب الاتيان بالصلاة في حال مشيه بايماء للسجود بل يمكن
ان يقال بانه فى هذه الصورة لما كان له بقاؤه بمقدار خروجه فله الاتيان بهذا
المقدار من صلاة المختار واتيان البقية فى حال المشي ناقصا فى الزائد عن هذا
الزمان ودعوى ان فرض تمكن اتيان الصلاة ولو ناقصا من دون غصب يوجب ان يكون المأتي
بها فى هذا الزمان مبعدا ولو كان ناقصا ومع كونه كذلك كيف تكون صحيحة ممنوعة بأن
ذلك يكون مثل ما لو كان الغصب من اول الأمر بسوء الاختيار اذ لا فرق بينهما في كون
ما يأتي به مبعدا فمع تحقق الضيق ينتقل الى الاشارات ويكون حاله كالغريق هذا كله
ما لو كان بغير سوء الاختيار واما لو كان الاضطرار بسوء الاختيار فلا شبهة فى
استحقاق العقوبة على الدخول وعلى كل تصرف يحصل فى الأرض فعليه لا تصح الصلاة لعدم
امكان قصد التقرب إلا ان تكون الصلاة اهم فى نظر الشارع من الغصب فيأتي بها
واتيانه بها على تقدير الأهمية لا بد وان تكون بنحو صلاة الغريق اذ الأهمية لا
تقتضي إلا اتيان الصلاة ولم تدل على استيفاء الافعال التي يستوفيها المختار اللهم
إلا ان يقوم دليل خاص على الاتيان بالأفعال على نحو ما يأتي بها المختار فاذا قام
مثل ذلك الدليل يجب اتيانها على ذلك النحو ولكن لا يخفى انه ليس عندنا مثل ذلك
الدليل بل ربما يقال انه غير معقول اذ مع حرمة الغصب لا يعقل استيفاء الأفعال
الاختيارية لأنه على تقدير الأهمية يكون الغصب مهما
بالنسبة الى
الصلاة الاختيارية ولا اشكال ان حرمة المهم تسقط مع الأهم ولازمه جوز ارتكاب الغصب
مقدمة لاتيان الصلاة واللازم باطل فيلزم بطلان الملزوم والتحقيق ان الأهمية لا
تقتضي جواز الدخول فى الأرض المغصوبة بيان ذلك ان ترك الصلاة فى ذلك المكان يكون
على نحوين فتارة يحصل بترك الدخول فيه واخرى بالتشاغل عن الصلاة بعد الدخول وبين
التركين اختلاف بحسب المحبوبية والمبغوضية فيكون ترك الصلاة في الدار المغصوبة من
جهة ترك الدخول محبوبا فيكون الدخول ولو مقدمة للصلاة مبغوضا ومعاقبا عليه وترك
الصلاة في الدار بعد الدخول مبغوضا ومنهيا عنه فيجب بعد الدخول حفظ مصلحة الصلاة
من جهة الأهمية فليس بمستحيل ان يقوم دليل على اهمية الصلاة الاختيارية على غيرها
من التصرفات الغصبية ولكن الكلام فى قيام مثل هذا الدليل فنقول لم نقف على دليل
دال إلا دليل الصلاة لا تترك بحال وهذا لا يدل إلا على عدم تركها ولم يكن دالا على
عدم تركها بنحو صلاة المختار فينتقل في هذا الحال الى ما يكون صلاته اقل تصرفا
كصلاة الغريق فيؤمي الى الركوع والسجود والذي يقتضيه النظر الدقيق هو جواز الاتيان
بصلاة المختار بتقريب ان شرط التكليف تحقق القدرة على متعلقه اذ لو سقطت القدرة
فلا معنى لبقاء التكليف وهو تابع للقدرة فى الاطلاق والتقييد فاذا كانت القدرة
مطلقة كان التكليف مطلقا واذا كانت القدرة مقيدة كان التكليف مقيدا ففي المقام ان
القدرة على ترك الغصب لم يكن إلا بترك الدخول وبعد الدخول يكون مضطرا الى الغصب
فلا يكون مقدورا له ترك الغصب فلا يتوجه نهي حينئذ الى الغصب اذ تعلق النهي بشيء
فرع القدرة على تركه ومع عدم القدرة على تركه كيف يعقل توجه النهي اليه فاذن يسقط
النهي فلا تكون جهة الغصبية
مبعدة اي مانعا من
التقرب فيجوز له الاتيان بالصلاة بقصد القربة إلا ان يقال بأن سقوط النهي بسوء
الاختيار لا يقتضي سقوط المبعدية كما لو ألقي من شاهق ومع بقائه على المبعدية
فيخرج عن الجزئية للصلاة ولذا نلتزم باتيان الصلاة مقتصرا على النية والقراءة
والايماء بالرأس للركوع والسجود بناء على عدم عد ذلك تصرفا وإلا فبالايماء
بالاجفان وقد احتمل ذلك الشيخ صاحب الجواهر (قدسسره) ولكن لا يخفى ان ذلك مناف لما ذكره الأصحاب في ما لو كان
الاضطرار بسوء الاختيار وكان الوقت ضيقا فان بناءهم على اتيان الصلاة بنحو صلاة
المختار فيركع ما عدا السجود فانه يومئ له ولا يجلس للتشهد إلا ان يقال بأن اتيان
الركوع والسجود بلا مكث لا يعد تصرفا زائدا غصبيا فلا تغفل.
التنبيه الرابع لو
تمكن من الخروج فلا ريب في وجوبه ولكن
الكلام
__________________
في ان الحركة
للخروج هل هي مقدمة له حتى يكون وجوبها غيريا او يكون مطلوبا
__________________
لنفسها حتى يكون
وجوبه نفسيا وجهان وتحقيق الحال يعلم من ان الحركة للخروج
__________________
من اي مقولة فنقول
ان الحركة عبارة عن كون الجسم في مكان بعد كونه في مكان
__________________
آخر والخروج تابع
للغصب بمعنى ان الغصب من اي مقولة كان الخروج مثله ، فان كان الغصب من مقولة الفعل
اي الكون الشاغل للمحل كان الخروج ايضا من مقولة الفعل فيكون معناه شغل الجسم في
مكان آخر. وقد عرفت ان الحركة عبارة عن ذلك فتتحد الحركة مع الخروج وان كان الغصب
من مقولة الاين اي اشغال المحل الغصبى فيكون الخروج عبارة عن الفراغ المحل
والافراغ مغاير للحركة إذ الافراغ غير التبديل بل الحركة مقدمة لفراغ المحل.
وبالجملة الحركة
تارة تكون بنحو المقدمية ، للخروج واخرى تكون عين الخروج. وعلى اي تقدير لا اشكال
في وجوبها عقلا ولكن هل هو بمناط المقدمية او بمناط اقل القبيحين ومنشأ ذلك هو ان
الحركة محبوبة او مبغوضة فالمحبوبية لازمة للمقدمية والمبغوضية لازمة لارتكاب اقل
القبيحين وتظهر الثمرة بينهما انه لو قلنا بالمحبوبية يصح للمكلف اتيان الصلاة
الاختيارية وإلا اقتصر على اقل الافراد تصرفا كصلاة الغريق. وقد عرفت مما ذكرنا
انه لا مانع من الالتزام بالاول باعتبار ان لترك الغصب نحوين من الترك تركه بترك
الدخول وتركه بترك التشاغل بالصلاة ولا مانع من التفكيك بين التركين فى المحبوبية
والمبغوضية. فاذا
__________________
عصى المكلف تركه
بترك الدخول سقط التكليف لعدم وجود القدرة وقد علمت ان شرط التكليف القدرة فلا يكون
فيه مبعدية فيكون فيه صرف المحبوبية فقط فيمكن التقرب بالعبادة إلا ان يقال بانه
وان اوجب ذلك سقوط النهي إلا ان المبعدية لم تسقط ولذا انه يأتي بالصلاة بنحو صلاة
الغريق. كما انه لو قلنا بان الخروج منهي عنه قبل الدخول لكونه مقدورا بترك الدخول
وان الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار فلذا يلزم على المكلف مع الضيق أن يأتي
بالصلاة باقل الافراد تصرفا لكونها لا تترك بحال سيما وان حق الناس مقدم على حق
الله لو دار الامر بينهما. نعم لو قلنا بان الخروج واجب لكونه مقدمة للتخلص الذي
هو واجب شرعا لكان القول بجواز الاتيان بصلاة المختار حال المشي بركوع وسجود ولو
مع سعة الوقت كما لا يخفى.
التنبيه الخامس
انه على الامتناع ذكر الاصحاب وجوها لترجيح النهي على الأمر والظاهر ان الترجيح
انما يتصور في خصوص الصلاة والغصب نظرا الى ان الغصب من حق الناس والصلاة من حق
الله ، ومعلوم ان حق الناس مقدم على حق الله مع التزاحم وليس ما ذكر من الترجيح
بمطرد بحيث يقدم جانب النهي على الامر في كل مقام إذ ما ذكر في الترجيح لا يعتد به
لضعفه فان اقوى ما يستدل به لذلك هو ان النهي دلالته اقوى من دلالة الأمر فان
دلالة النهي على الاستيعاب بالوضع ودلالة الأمر على الاستيعاب بالاطلاق وما كان
بالوضع اقوى بحسب الدلالة مما كان بالاطلاق فحينئذ يصلح ان يكون ما هو اقوى بيانا
وقرينة على تعيين المراد من الاضعف فيكون النهي بيانا على تقييد الأمر بغير مورد
الغصب ولكن لا يخفى ما فيه فان الترجيح انما يكون بما هو اقوى ظهورا إذ الاظهر
صالح لان يكون
بيانا لظهور الآخر ، واقوائية الظهور لا تختص بالنهي إذ ربما يكون الاقوى ظهورا في
خصوص الامر وكونه بالوضع لا يوجب الاقوائية بحسب الظهور ، على ان هذا الكلام انما
يلائم التعارض وقد عرفت ان باب اجتماع الأمر والنهي انما هو من باب التزاحم فهذا
التوجيه لا ربط له بذلك ، وعن بعض ترجيح النهي برواية ما اجتمع الحلال والحرام إلا
وغلب الحرام الحلال فان ظاهر التغلب حصره بالمزاحمة فان الغلبة لا تصدق إلا وان
يكون للحلية مقتض حتى تصدق الغلبة ولكن لا يخفى ان الاستدلال بهذه الرواية على
الترجيح فى غاية الوهن بعد طرح الاصحاب الاستدلال بها على الترجيح على ان روايات
أخر بلسان المعارضة لهذه الرواية كما فى رواية ما حرم حرام حلالا قط.
التنبيه السادس ان
الاكثر بل الكل فى باب اجتماع الامر والنهي مثلوا بالغصب والصلاة وذلك مبني على ان
الامر بالصلاة بنحو ساري في تمام الافراد والنهي عن الغصب سار فى افراده ففي
الصلاة في الدار الغصبية قد اجتمع فيه مقتضى الامر ومقتضى النهي فحينئذ يكون
المثال من باب التزاحم وإلا لو لم يكن الامر مأخوذا بنحو السراية بل الامر مأخوذ
بنحو صرف الوجود فلا يكون من هذه المسألة بل يكونان من باب الموسع المجتمع مع
المضيق حيث ان الغصب لا مندوحة فيه بخلاف الصلاة فان لها مندوحة فيكون الغصب مضيقا
بالنسبة الى الصلاة ولا اشكال فى وجوب تقديم المضيق على الموسع ولو كان المضيق
مهما إلا ان يكون في آخر الوقت فيكونا من قبيل المضيقين ، فعليه يكون في كل واحد
منهما مقتضى فيعدان من باب التزاحم.
فتلخص مما ذكرنا
ان مثال الغصب مع الصلاة اما ان يكون المراد من الامر
المتعلق بالصلاة
كالنهي المتعلق بالغصب فى كونه ساريا الى الافراد حتى يكون كل واحد منهما فيه
مقتضي فيعدان من باب التزاحم او يكونان من باب المضيقين واما في غير هاتين
الصورتين لا يكون المثال من باب التزاحم. نعم ربما يقال في خصوص مثال الصلاة
والغصب يعد من باب التزاحم لما ورد من ان الصلاة لا تترك بحال. وقد عرفت مما تقدم
ان الصلاة الاختيارية تسقط ويصلي ما هو اقل تصرفا فافهم وتأمل فقد زل غير واحد من
الاعلام.
التنبيه السابع قد
عرفت مما تقدم ان الخلاف فى مسألة الاجتماع يمكن ان يبنى على ان تعدد الجهة يوجب
تعدد الموجه او لا يوجب تعدده ، كما انه يمكن ان يبنى على سراية الطلب الى الافراد
او عدم سرايته اليها وقد عرفت الفرق بين المبنيين.
اذا عرفت ذلك
فاعلم ان مثال اكرم العلماء ولا تكرم الفساق يكون من مسألة اجتماع الامر والنهي
اذا بنى على السراية وعدمها واما لو بنى على ان تعدد الجهة يوجب تعدد الموجه او لا
يوجبه فلا يدخل مثل ذلك تحت مسألة الاجتماع وبما ان المعروف بين الاصحاب ان مبنى
مسألة الاجتماع هو اختلاف الجهة وعدم اختلافها فيكون المثال المذكور خارجا عن
مسألة الاجتماع.
ومما ذكرنا يظهر
الاشكال فبما ذكره الاستاذ (قدسسره) في الكفاية ما لفظه : (الامر الثالث) الظاهر لحوق تعدد
الاضافات بتعدد العنوانات والجهات فى انه لو كان تعدد الجهة والعنوان كافيا مع
وحدة المعنون وجودا في جواز الاجتماع كان تعدد الاضافات مجديا ضرورة انه يوجب ايضا
اختلاف المضاف لها بحسب المصلحة والمفسدة والحسن والقبح عقلا ، وبحسب الوجوب
والحرمة شرعا فيكون مثل (اكرم العلماء) و (ولا تكرم الفساق) من باب الاجتماع
(كصل ولا تغصب) لا
من باب التعارض.
توضيح ما فيه هو
انه قد جعل مبنى مسألة الاجتماع ان تعدد الجهة يوجب تعدد الموجه او لا يوجب كما هو
المعروف بين اكثر من عنون مسألة الاجتماع فعليه لا وجه لدخول مثل اكرم العلماء ولا
تكرم الفساق فى مسألة الاجتماع إذ دخول مثل ذلك في مسألة الاجتماع يتم لو قلنا بان
مسألة الاجتماع مبنية على السراية وعدمها كما هو اوضح من ان يخفى هذا آخر ما اردنا
بيانه من مسألة اجتماع الأمر والنهي والحمد لله اولا وآخرا وظاهرا وباطنا.
(اقتضاء النهى للفساد)
الفصل الرابع في
ان النهي عن الشيء هل يقتضى الفساد اولا يقتضيه وقبل الخوض فى المقصود ينبغي تقديم
امور :
الاول الفرق بين
هذه المسألة وبين مسألة اجتماع الأمر والنهي هو ان في مسألة الاجتماع الفساد
والمبغوضية تابع للعلم بالنهي وفي هذه المسألة الفساد تابع لواقع النهي. وبعبارة
اخرى فى هذه المسألة النهي بوجوده الواقعي يقتضى الفساد الذي هو عبارة عن عدم ترتب
الاثر المقصود من سقوط القضاء والاعادة فى العبادات وعدم ترتب الاثر المقصود
بانشائه في المعاملات وفي تلك المسألة النهي بوجوده العلمي يقتضي الفساد الناشئ عن
قصور في التقرب مع عدم قصور في المصلحة المقتضية للامر به واقعا ولأجل ذلك عدت تلك
المسألة من باب التزاحم
ولذا قلنا بصحة
الصلاة في المكان المغصوب مع النسيان والجهل قصورا ولا تعد هذه المسألة من ذلك
الباب وانما تعد من باب التعارض لكون الفساد لما كان تابعا لواقع النهي فيكون
ناشئا عن قصور في الاقتضاء ومع كونه كذلك يكون التكاذب في عالم الاقتضاء ولازمه
خروجه عن باب التزاحم على انه لو قلنا بان تلك المسألة من باب التعارض بدعوى ان
التعارض فى الفعلية يوجب التكاذب بين الأمر والنهي الذي هو ملاك التعارض مع تحقق
الفرق بين المسألتين بتقريب ان المسألة السابقة التكاذب في فعلية الحكم وهذه
المسألة التكاذب فى مقام الاقتضاء ويظهر الفرق بينهما في الجهل قصورا بالنهي لفعلي
من حيث الصحة والفساد كما لا يخفى.
الأمر الثاني ان
الاقتضاء في العنوان يمكن ان يراد منه الاقتضاء في مقام الثبوت بمعنى ان مدلول
النهي بذاته يستلزم الفساد اذا كان عبادة فتكون المسألة من المباحث العقلية ويمكن
ان يراد منه الاقتضاء فى مقام الاثبات فيكون البحث فى المقام بحثا لفظيا والظاهر
هو الثاني لشمول البحث فى هذه المسألة لما كان النهي ارشادا الى عدم المشروعية بلا
مبغوضية فى المتعلق فيختص البحث في ذلك بدلالة اللفظ فتكون هذه المسألة من مباحث
الالفاظ وحينئذ يكون النهي فى العنوان يعم النهي الحقيقي الكاشف عن المبغوضية
والمفسدة في المتعلق والنهي الارشادي الكاشف عن عدم المشروعية.
الأمر الثالث ان
الظاهر من كون النهي يقتضي الفساد انه بمدلوله يقتضي عدم المصلحة اما لكون المفسدة
ملازمة لذلك العدم او لكون النهي بذاته يدل على نفس العدم وذلك لا يقتضي وجود مقتض
للصحة في المتعلق.
ودعوى انا لا
نحتاج الى دلالة النهي على ذلك بل يكفي فى انتفاء الصحة وفساد العمل اصالة عدم
المشروعية ممنوعة بان تحقيق مثل هذا الأصل لا ينافى البحث في المسألة عن دلالة
النهي إذ ذلك بحث عن الدليل الاجتهادي. ومن الواضح تقدم الدليل الاجتهادى على
الأصل العملي فمع تحققه لا مجال لاتيانه. نعم يكون البحث عنه مع فقد الدليل
الاجتهادي ومن هنا قلنا بان النزاع فى دلالة النهي على الفساد ليس مختصا بما يشمله
اطلاق الدليل او عمومه بنحو لو لا النهي لوقع صحيحا اذا كانت عبادة ويكون نافذا
اذا كانت معاملة بتقريب انه لو لم يشمله الاطلاق والعموم يكفي في فساده وعدم صحته
اصالة عدم المشروعية لما عرفت ان النتيجة اذا كانت تحصل بالاصل لا مانع من التكلم
بها بلحاظ الدليل الاجتهادي على انه لو لم يلحظ الدليل الاجتهادى لا اصل يقضي
بالفساد بنحو يرجع اليه في المسألة الاصولية. واما في المسألة الفقهية فالاصل
يختلف فان كان مشكوك الاعتبار معاملة فمقتضى الأصل عدم الصحة حيث لا عموم ولا
اطلاق يثبت الصحة وان كان مشكوك الاعتبار عبادة فالاصل يقضي بفسادها وان كان مشكوك
الاعتبار جزءا للعبادة او شرطا لها فالشك في ذلك يرجع الى كونه مانعا ام لا قيل
بجريان الاشتغال وقيل بجريان البراءة والخلاف فى ذلك راجع الى الاختلاف في المبنى
وقد حزر ذلك فى محله كما لا يخفى.
الأمر الرابع ان
الصحة والفساد امران اضافيان وان للصحة مفهوما واحد وهو التمامية ولا تختلف
باختلاف الآثار والانظار وهذا مما لا اشكال ولا شبهة تعتريه وإنما الاشكال انها هل
تختلف باختلاف المنشأ ام لا وتحقيق الحال فيه يستدعي بيان مقدمة وهي انه عندنا
امور متأصلة وامور اعتبارية وفى المتأصلة
مرتبتان حقيقية
وهي ما كان ظرفها الخارج ومفهوم وهو ما كان ظرفه الذهن وهو الذى يكون مدلولا للفظ
ولا يكون هناك مرتبة ثالثة بعد التعدى عن الثانية واما الامور الاعتبارية كالملكية
مثلا فيتصور فيها ثلاث مراتب حقيقية ومنشأ اعتبار تلك الحقيقة ومفهوم كاشف عن
الحقيقة اما مرتبة الحقيقة في الملكية فهي الربط الحاصل بين المالك والمملوك وهذه
الحقيقة ظرفها الذهن ولا يعقل ان يكون ظرفها الخارج ومرتبة المفهوم هي ما كان من
المعقولات الثانية ومنشأ انتزاعها تلك الحقيقة فان حقيقة الملكية منتزعة من الجعل
وبما ذكرنا ظهر الفرق بين الامور المتأصلة والامور الاعتبارية وبعد معرفة ذلك
فنقول ان الاتحاد في المفهوم يكشف عن الاتحاد في الحقيقة إذ لا يعقل ان يكون مفهوم
واحد يكشف عن حقائق متعددة إلا وان يكون مفهوم منتزعا عن قدر جامع بين تلك الحقائق
المتعددة كما ان الاختلاف في المنشأ لا يوجب الاختلاف في الحقيقة لان الاختلاف
بحسب منشأ الملكية من الجعل او التوارث او غيرهما لا يوجب اختلافا في حقيقة
الملكية مع كون المفهوم واحدا اذ المفهوم الواحد يكشف عن حقيقة واحدة اذا عرفت ذلك
من المقدمة فاعلم ان الصحة من الامور الاعتبارية لها ثلاث مراتب
__________________
حقيقة ومفهوم
ومنشأ الانتزاع على قياس غيرها من الامور الاعتبارية والصحة تارة تنتزع من
المطابقة واخرى تنتزع من السقوط وقد عرفت ان الاختلاف فى المنشأ لا يوجب الاختلاف
في الحقيقة مع كون المفهوم واحدا الكاشف عن حقيقة واحدة ومما ذكرنا ظهر لك انه لا
وجه لما تصدى الاستاذ (قدسسره) في الكفاية من الرد على صاحب التقريرات حيث ادعى ان الصحة
امر اعتبارى من اى شيء انتزعت فاورد عليه بما حاصله ان الصحة ان اخذت من سقوط الاعادة
يكون عقليا من لوازم الاتيان بالامر الواقعي فلا يكون جعليا لما
__________________
عرفت منا سابقا ان
الاختلاف في المنشأ لا يوجب الاختلاف في الحقيقة اذا عرفت ما مهدنا لك من الامور فاعلم
انه يقع الكلام في مقامين :
__________________
المقام الاول في
العبادة فنقول النهي اما ان يتعلق بالعبادة أو يجزئها او بشرطها الخارج عنها او
بوصفها الملازم لها أو وصفها غير الملازم لها اما اذا تعلق بالعبادة فتارة يكون
النهي في مقام دفع توهم الايجاب كأن يكون هناك عموم او اطلاق بحيث يتوهم الشمول
كاقيموا الصلاة مثلا فيتوجه النهي لدفع توهم الشمول واخرى يكون النهي فى مقام دفع
المشروعية الفعلية وثالثة يكون النهي لدفع المشروعية الاقتضائية ورابعة يكون النهي
للارشاد الى المفسدة الموجودة بالفعل وخامسة يكون النهي مولويّا فان كان الأول
فيؤخذ بذلك الاطلاق أو العموم ويكون مشروعا اذ النهي في تلك الصورة لم يدل إلا على
رفع توهم الايجاب فلم يكن فيه تعرض للمشروعية بل ربما يقال بان الفعل فى الصورة المذكورة
مستحبا وان لم يكن هناك اطلاق أو عموم فلا يكون الفعل مشروعا لوجود اصالة عدم
المشروعية المقتضية للفساد وهو في هذه الصورة لم يستفد من دليل النهي لما عرفت انه
دال على رفع توهم الايجاب وذلك لا يقتضي الفساد وان كان النهي على النحو الثاني اي
النهي فى مقام دفع توهم المشروعية فان كان هناك اطلاق او عموم فالنهي ايضا ليس فيه
دلالة على الفساد ولكن تقع المعارضة بينه وبين الاطلاق او العموم فيتساقطان فيرجع
الى اصالة الفساد ، واما الثالث فكذلك فان نهيه لا يقتضي الفساد ، واما الرابع فلم
يكن النهي دالا على الفساد ، واما النهي على النحو الخامس وهو ما كان النهي
المتعلق بنفس العبادة مولويا فهو محل الكلام قيل بدلالته على
__________________
الفساد واستدل له
بوجوه : الأول الاجماع فقد نقله غير واحد على ذلك الثاني :
__________________
انه لا اشكال في
ان النهي يدل على مفسدة فى المتعلق واطلاق الامر او عمومه الشامل لمتعلق النهي
يكشف عن وجود مصلحة فيه ومع تقديم النهي تكون المفسدة غالبة على المصلحة فلا يصلح
للتقرب فلذا يقع العمل فاسدا الثالث انك قد عرفت ان هذه المسألة فيما اذا كان بين
متعلق الأمر والنهي عموم من مطلق مثلا صم ولا تصم يوم العيد فكل واحد من الدليلين
دال على وجود ملاكه فالامر دال على وجود المصلحة فى متعلقه كما ان النهي يدل على
وجود المفسدة في متعلقة ففي صوم العيد تكون المفسدة والمصلحة متعارضتان والحكم اما
بالتساقط او تقديم جانب النهى فالعبادة فى مورد المعارضة غير مشروعة فتقع فاسدة
ولكن لا يخفى اما الاجماع فمحصله لا محصل له في المقام فضلا عن المنقول ، واما
الثاني فلو تم فانما
__________________
يدل على فساد
العبادة فى حال تنجز النهي فمع عدم تنجزه لا يكون مبغوضا ولا مانع من اتيانه لوجود
ملاك الأمر وقد عرفت ان ذلك من مقتضيات باب التزاحم واما عن الثالث فمع التساقط
فالحكم بالفساد لاصالة عدم المشروعية لا من مقتضيات النهي كما انه لو قلنا بتقديم
جانب النهي لكونه اخص فانما يلتزم به في المدلول المطابقى واما بالنسبة الى مدلوله
الالتزامي فليس الخاص باقوى من دلالة العام فمع التكافؤ يرجع الى اصالة عدم
المشروعية فلا يكون النهي مقتضيا للفساد اللهم إلا ان يقال بتقديم الخاص على العام
فى المدلول المطابقى والالتزامى فلا مانع من الالتزام بدلالة النهي على الفساد
والالتزام بذلك محل نظر ولكن التحقيق انه ان قلنا بان النهي يكشف عن مفسدة نفسية
موجودة فى المتعلق فلا اشكال فى دلالته على الفساد إذ لا يعقل ان يكون مع هذا
الكشف وجود مصلحة في متعلق النهي لامتناع اجتماع المصلحة مع المفسدة ، واما لو
قلنا بان النهي فى لسان الشارع لا يكشف عن المفسدة النفسية بل يكشف عن المفاسد الغيرية
كما هو الحال فى الأوامر الغيرية في انها لا تكشف عن المصالح النفسية في المتعلق
وانما هى تكشف عن مصالح غيرية توصلية كاستراحة النفس مثلا فلا مجال لدعوى ان يكون
النهي مقتضيا للفساد لان من الممكن اشتمال الفعل على مصلحة نفسية ومفسدة غيرية او
مصلحة غيرية غاية الامر الشارع غلب جانب المفسدة على جانب المصلحة فعليه العمومات
الكاشفة عن مصالح غيرية تبقى بلا معارض فتكون من باب اجتماع الامر والنهي والفساد
فيه ليس من مقتضيات واقع النهي بل من مقتضيات العلم بالنهي هذا كله لو تعلق النهي
بنفس العبادة واما لو تعلق النهي بالجزء
__________________
كالنهي عن قراءة
سورة العزائم في الصلاة مثلا أو تعلق بالشرط كالنهي عن
__________________
التستر والاستقبال
فى الصلاة فالنهي المتعلق بهما كالنهي المتعلق بالعبادة فجميع
__________________
تلك المحتملات من
كون النهي لدفع توهم المشروعية او لدفع توهم الايجاب او للارشاد الى مانعية المنهي
عنه عن صحة العبادة او كون النهي مولويا محضا غاية الامر ان الشرط يفترق عن الجزء
فى ان النهي المتعلق بالشرط ولو كان يكشف عن مفسدة نفسية لا يقتضي الفساد لانه مع
كونه كاشفا عن مفسدة لا ينافى وجود مصلحة نفسية في المشروط لان الشرط بالنسبة الى
المشروط من مقدماته لا نفسه بخلاف الجزء من الشيء فانه لو كان يكشف عن مفسدة نفسية
يوجب فساده وحينئذ يوجب فساد الكل لانتفاء الكل بانتفاء الجزء هذا كله في مقام
الثبوت واما الكلام في مقام الاثبات فنقول ان النهي اذا لم يكن في مقام دفع توهم
الايجاب وغيره من تلك المقامات فالنهي ظاهر في كونه مولويا ويحتاج الى كونه
للارشاد الى قرينة فاذا كان كذلك دل على تحقق المفسدة فان اوجب تخصيص العمومات به
وتقيد الاطلاقات به فحينئذ دل النهي على الفساد واما اذا لم يوجب ذلك فيكون فى
متعلق النهي مصلحة فيلزم اجتماع المصلحة والمفسدة فيقع التعارض بينها فيتساقطان مع
عدم اقوائية احدهما ويرجع الى اصالة الفساد وعليه لا يدل النهي على الفساد وإنما
اقتضى اصالة الفساد ذلك واما اذا كان في مقام يوهم أحد هذه الامور من الوجوب
والمشروعية الفعلية او الاقتضائية فلا يكون النهى حينئذ ظاهرا في المولوية لوروده
في ذلك المقام الموجب لرفع ظهوره في ذلك ويكون من قبيل القرينة العامة الموجبة
لعدم الحمل عليه فان كانت قرينة معينة لاحد تلك المقامات فيؤخذ بها وإلا فلا وكيف
كان فالنهى لما لم يحمل على المولوية لا يدل على الفساد في جميع تلك المقامات من
غير فرق بين تعلق النهي
بالعبادة أو بجزئها.
__________________
بيان ذلك انه
بالنسبة الى ما لو كان النهي فى مقام توهم المشروعية فانه يدل على عدم تشريعه
والعموم يدل على كونه مشروعا فيقع التعارض بينهما فيتساقطان فيرجع الى اصالة عدم
التشريع وهي دالة على الفساد من دون اقتضاء النهي لذلك واما بالنسبة الى دفع توهم
الايجاب فواضح فى ان النهي لا يدل على الفساد واما بالنسبة الى كونه للارشاد
فالنهي حينئذ وان اقتضى مانعية ما تعلق به إلا انه لا يقتضي فساده اذ مع تحقق
الاطلاق او العموم يقتضى صحته وان أوجب فساد العبادة المقترنة به وادعى بعض
الاعاظم ان النهي المتعلق بالجزء يرجع الى كونه مانعا ولازمه تقييد العبادة بعدمه
وذلك يوجب البطلان فمع الاتيان به يكون من الزيادة المبطلة للعبادة ولكن لا يخفى
ان هذا يتم لو كان النهي دالا على المانعية واما اذا كان في مقام دفع توهم
المشروعية او الحرمة المولوية فلا يستفاد منه تقييد العبادة لكي يكون اشتمالها
عليه من الزيادة المبطلة.
بيان ذلك ان النهي
فى ذلك لا يوجب فساد متعلقة بل يكون الفساد مستندا الى اصالة عدم التشريع نعم ربما
يقال بان فساد ذلك يوجب فساد العبادة المشتملة عليه لكونه زيادة فيها أو يكون
موجبا لنقصانها باعتبار انه يشترط عدمها إلا انه لا يكون من جهة دلالة النهي على
الفساد وانما هو لدليل آخر يقتضى بطلان العبادة المقترنة به والانصاف انه تحتاج
تلك المحتملات الى قرينة تعين واحدا منها واما مع عدم قريبة تعين احدها فالنواهي
تكون ظاهرة في المانعية
__________________
كما يستفاد من
الاوامر الواردة في اجزاء العبادة وشرائطها دخلها فيها واما دلالة
__________________
النهي على فساد
متعلقة فليس له دلالة إلا ان يدعي بان فى امثال هذه النواهي التي
__________________
هي في مقام توهم
المشروعية ظهور ثانوي يقتضي عدم المشروعية فيكون النهي بلفظه دالا عليه فيدل على
الفساد ولكن اثبات هذه الدعوى محل نظر بل منع بل ربما يقال يعدم استفادة المانعية
بالنسبة الى النهي المتعلق بالجزء والشرط اذ النهي عنهما لا يستكشف منه المانعية
وانما يدل على توهم الجزئية أو الشرطية بلا استفادة مانعية ومخلية كل منهما. نعم
يمكن استفادة ذلك من دليل آخر كما دل على كون الزيادة في الصلاة مبطلة ومانعة من
صحتها.
واما الوصف
المفارق كالغصبية بالنسبة الى الصلاة فهو من باب اجتماع الامر والنهي وهكذا يكون
من باب الاجتماع بالنسبة الى الوصف الملازم كالجهر بناء على انه من الكيفيات
القائمة بالغير فهو يكون كسائر الاعراض واما بناء على انه من مراتب الموصوف فيمكن
دعوى ظهور النهي في الارشاد الى المانعية كما يجري ذلك فى الوصف المفارق إلا اذا
كان متعلقا بعنوان آخر مفارق مع العبادة تارة ومجتمعا معها اخرى فانه حينئذ يمنع
ظهور النهي في الارشاد الى المانعية اذ على هذا التقدير يمكن دعوى ظهوره فى
المولوية وعليه لا يقتضي الفساد واقعا وانما يقتضي الفساد من جهة قصور فى التقرب
في صورة الاجتماع مع المأمور به هذا كله في العبادات.
المقام الثانى فى المعاملات
لا يخفى ان التكلم
في المعاملة يقع في موضعين :
الاول : المعاملة
بالمعنى الاعم فان جميع المحتملات المتقدمة المذكورة فى
__________________
العبادات تجرى فى
المعاملات إلا احتمال كون النهي فى مقام دفع توهم الايجاب فان هذا الاحتمال لا
يتأتى في المعاملة اذ لا يتوهم أحد وجوبه بالعنوان الاولى ولا يقتضي النهي الفساد
فى بقية المحتملات إلا فيما اذا كان في مقام دفع توهم المشروعية فانه ينافي
المؤثرية وهو الذي ينبغي ان يقع الكلام فيه فنقول :
النهي ان دل على
دفع توهم المشروعية فانه يقتضي الفساد بدعوى ان للنهي ظهورا ثانويا فى الارشاد الى
دفع توهم المشروعية وان منعنا هذا الظهور فحينئذ يترجح عدم دلالة النهى على الفساد
لكون النهى حينئذ ظاهرا فى المولوية النفسية وقد عرفت ان ذلك لا يوجب الفساد.
وبالجملة ان اخذنا بالظهور الاولى وهو كونه مولويا منعنا دلالة النهي على الفساد
وان منعنا عن ذلك بدعوى انعقاد ظهور ثانوي في الارشاد الى دفع توهم المشروعية
فيلزم القول بدلالة النهى على الفساد لكن اثبات ذلك محل نظر كما لا يخفى.
الموضع الثاني في
المعاملة بالمعنى الاخص لا يخفى ان النهى في المعاملة يكون على انحاء فتارة يراد
منها المعاملة المعبر عنها بالسبب كالعقد المشتمل على الايجاب والقبول واخرى يراد
منها المسبب وهو الاثر المترتب على العقد كالملكية وبعبر عنه بمضمون العقد وثالثة
يراد منها التسبب بان يكون النهى واردا على جعل السبب الخاص وصلة الى تحصيل المسبب
كان ينهى عن جعل البيع وصلة الى حصول الملكية مع عدم كون البيع منهيا عنه وعدم كون
التمليك منهيا عنه فيكون النهى في الحقيقة راجعا الى التسبب بالبيع فكأنه يقول لا
تتوصل بالبيع وتوصل اليها بالهبة مثلا ورابعة بنتيجة المعاملة بان يتعلق النهي
بنفس الآثار كالنهي عن التصرف فى احد العوضين ومثل هذه الاقسام تجزي في الايقاعات
ايضا اما تعلق النهي
بنفس السبب من عقد
أو ايقاع كان يقول لا تبع وقت النداء فالنهي المتعلق به لا يقتضي الفساد اذا كان
النهي مولويا سواء كان نفسيا أو غيريا اذ لا تستلزم مبغوضية السبب فساده لعدم
المنافاة بين كون البيع محرما وبين ترتب اثره الذى هو الملكية وذلك لعدم اعتبار
التقرب في المعاملة ولذا يشكل ذلك في بعض المعاملات التي اعتبر فيها التقرب
كالصدقة مثلا إذ لازم التقرب رجحانه ومع تحقق المفسدة ينافي ذلك فما عن ابي حنيفة
من دعوى دلالة النهي على الصحة انما يتم فى غير العبادي واما بالنسبة الى ما كان
عبادة ففيه اشكال بل منع على ان ذلك لا يتم لو كان النهي فى مقام دفع توهم
المشروعية بان يكون في مقام ردع العقلاء فى بنائهم على ترتب الاثر بل ربما يدعى
ظهور النهي فى ذلك ظهورا ثانويا وعليه لا مانع من دعوى كون النهي المتعلق بالسبب
دالا على الفساد باعتبار هذا الظهور الثانوي اللهم إلا ان يقال بان ذلك ليس من
مقتضى طبع النهي وانما دل عليه بهذا الظهور الثانوي باعتبار اقترانه بما يصرف
النهي عن الظهور الاولى فيكون من قبيل ما اقترن بما يصلح للقرينة ولو كانت تلك
القرينة مقامية.
وبالجملة ان النهي
عن السبب ان كان ظاهرا في المولوية فلا يدل على الفساد إلا اذا كان في مقام دفع
توهم المشروعية فحينئذ يكون النهي فى مقام الرادعية واذا كان في ذلك المقام يكون
النهي دالا على الفساد بظهور ثانوي وكونه في هذا المقام يحتاج الى احراز انه في
مقام ردع العقلاء فى بنائهم على ترتيب الاثر ومع الشك في ذلك فلا مانع من جريان
اصالة عدم الردع وذلك يقضي بالصحة لانه يستكشف منه عدم الردع فيكون المقام من قبيل
التمسك بالاطلاق المقامي على امضاء
عمل العقلاء من
ترتيب الاثر.
والحاصل ان النهي
اما ان يكون مولويا فلا دلالة له على الفساد لعدم اخذ قصد التقرب في المعاملة واما
ان يكون ارشادا الى الرادعية فيكون فى مقام دفع توهم المشروعية فيدل على الفساد
هذا لو احرز ان النهي من احد القبيلين واما مع عدم الاحراز فالشك في ذلك يرجع الى
الشك في الرادعية واصالة عدم الرادعية تقضي بالصحة.
واما النهي
المتعلق بالمسبب فاذا كان مولويا ربما يقال بانه يقتضى الفساد بدعوى انه يقتضى سلب
سلطنة الشخص عن ايجاد الامر ويعجزه شرعا عن ايجاده ولا نعني بالدلالة على الفساد
إلا ذلك ولذا افتى الأصحاب ببطلان اجارة الواجبات المجانية ولكن لا يخفى ان النهي
المتعلق بالمسبب لا يقتضي إلا كون المسبب مبغوضا للشارع واما انه يسلب سلطنته عن
ايجاد الاثر فلا دلالة للنهي عليه شرعا واما فتوى الاصحاب ببطلان اجارة الواجبات
المجانية فللدليل الدال على البطلان ولذا قيل بدلالته في هذه الصورة على الصحة
بتقريب ان النهى المولوى لو اقتضى عدم ترتب الاثر يوجب ان يكون متعلقه غير مقدور
وذلك يوجب انتفاؤه لاعتبار القدرة في المتعلق والانصاف ان ذلك يتم فيما اذا كانت
المعاملة مجعولة شرعا حكما وموضوعا واما اذا كانت من المجعولات العرفية فنهي
الشارع عن ترتب الاثر على تلك المعاملة يدل على كون الاثر مبغوضا لدى الشارع فنهيه
يدل على عدم ترتبه كما هو كذلك بالنسبة الى المعاملة الربوية فمعنى نهى الشارع
عنها عدم ترتب الاثر كالملكية المترتبة على تلك المعاملة ولا نعنى بفسادها
إلا عدم ترتب
الأثر عند الشارع مع الالتزام بدلالة النهي على ترتب الاثر عند أهل العرف الذي هو
الصحة عندهم لان ذلك يجعل المنهى عنه شرعا مقدورا الذي هو شرط فى صحة تعلق النهي
هذا اذا احرز كون النهي مولويا. واما مع عدم الاحراز لذلك فيمكن دعوى ظهور ثانوي
للنهي بدلالته على الفساد لكونه في مقام الردع وارشادا الى عدم الامضاء ولا نعني
بالفساد إلا ذلك على انه لو انكرنا الظهور الثانوي وكان النهي محتملا للمولوية او
الارشاد الى المانعية ومع تكافؤ الاحتمالين يكون النهي مجملا فمع عدم عموم او
اطلاق يدل على الامضاء فالمرجع هو اصالة الفساد ، واما مع وجود العموم او الاطلاق
فلا مانع من التمسك لصحة المعاملة بذلك العموم او الاطلاق لان اجمال النهى لا يسري
الى العموم او الاطلاق لكون ذلك منفصلا فيكون من قبيل ما اذا كان المخصص المجمل
منفصلا فان اجماله لا يسري الى العموم.
ومما ذكرنا ظهر
حال النهي عن التسبب بالعقد ففي الحقيقة يرجع ذلك الى النهي عن التسبب الى الملكية
بالمعاملة الخاصة الظاهر انه لا يقتضي الفساد بل قد يقال بان مقتضى ذلك الصحة حيث
ان البيع مثلا اذا لم يكن سببا للملكية فلا يمكن التوصل به اليها فلا يصح النهي عن
التسبب به لعدم كونه مقدورا هذا اذا كان النهي مولويا كما هو ظاهر ذلك من النهي
وهو انما يتحقق فيما اذا لم يكن في مقام الردع لبناء العقلاء بهذا التسبب واما اذا
كان في ذلك المقام فيرتفع ظهور النهي في المولوية ويكون ظاهرا فى الرادعية وعليه
يكون النهي دالا على الفساد اللهم إلّا ان يقال ان مجرد كونه لدفع الرادعية لا
يوجب الظهور في الرادعية اذ
الاقتران بما يصلح
للقرينة يوجب الاجمال وحينئذ يرجع الى اصالة عدم الرادعية ولكن ذلك محل نظر بل منع
إذ مع تحقق العموم أو الاطلاق فى مورد المعاملة يرجع الى ذلك وإلّا فالمرجع اصالة
الفساد.
واما النهي
المتعلق بنتيجة المعاملة بان يتعلق النهي بنفس الآثار كقولهم ثمن العذرة سحت او ثمن
الكلب سحت او لا تتصرف بالثمن الظاهر ان ذلك يدل على الفساد فيكون الثمن باقيا على
ملك صاحبه ولم ينقل بسبب هذه المعاملة الى البائع ولذا يأكل البائع ذلك الثمن سحتا
من غير فرق بين كون النهى مولويا او ارشادا الى المانعية نعم لو كان المنع عن
التصرف لاجل عنوان ثانوي من نذر وغيره فاته لا يقتضي الفساد قطعا هذا كله في النهي
المتعلق بنفس المعاملة واما تعلقه بالجزء او الشرط فلا يبعد دعوى كون النهي عنهما
دالا على الفساد إذ الظاهر ان النهي عنهما في مقام المانعية كما يستفاد ذلك
بالنسبة الى النهي المتعلق بالوصف المفارق او الملازم اذ لا معنى للنهى عنهما
مولويا وإنما النهى وارد مورد الارشاد الى المانعية هذا لو احرز كون النهى في مقام
دفع توهم المشروعية كما هو ظاهر النواهي المتعلقة بها واما لو احتمل كونها في مقام
دفع توهم المشروعية فحينئذ يشك فى كونها وردت فى مقام الرادعية المقتضية للمانعية
فالمرجع الى اصالة الفساد. وبالجملة النهي المتعلق بها على عكس النواهي المتعلقة
بالاجزاء والشرائط في العبادات.
بيان ذلك ان
الظاهر من النهي في العبادات على ما عرفت من المولوية فلذا لا دلالة للنهي فيها
على الفساد ومع الشك فى كون النهي للمولوية واحتملنا انه ارشاد
الى المانعية فلا
يرجع الى اصالة الفساد لجريان البراءة العقلية والنقلية في نفي المانعية بخلاف
المعاملة فانه مع الشك في كون النهي للمولوية يرجع الى اصالة الفساد لعدم جريان
البراءة فيها اما البراءة العقلية فلا تجرى لعدم احتمال العقاب فيها واما الشرعية
فهي وان كانت شاملة لها إلا انها وارده في مقام الامتنان وذلك يمنع من شمولها اذ
لو شملت يجب الوفاء بالمعاملة وذلك خلاف الامتنان هذا آخر ما اردنا بيانه من
المقصد الثاني في النواهي والحمد لله رب العالمين.
(المقصد الثالث فى المفاهيم)
وفيه فصول :
الفصل الأول في
المفهوم والمنطوق :
فنقول عرف المفهوم
بما دل عليه اللفظ لا في محل النطق والمنطوق بما دل عليه اللفظ في محل النطق ولا
يخفى ان تعريف المنطوق بذلك يوجب حصره في الدلالة المطابقية والتضمنية لانهما
المدلولان للفظ فى محل النطق وتعريف المفهوم بذلك يوجب شموله لمطلق المداليل
الالتزامية سواء أكانت من البين بالمعنى الاخص او الأعم أو غير البين من غير فرق
بين المداليل الافرادية او التركيبية اذ دلالة المطابقة والتضمن والالتزام كما
تكون فى الافرادية تكون فى التركيبية وان اختلفت التسمية ففي الافرادية تسمى
الدلالة بالمطابقة والتضمن والالتزام وفي التركيبية تسمى بالمفهوم والمنطوق وعليه
تكون جميع مداليل الالفاظ تندرج تحت ما ذكر من تعريف المفهوم والمنطوق حتى مثل
دلالة الآيتين على اقل الحمل كما ادعى صاحب الفصول (قده) ان ذلك مندرج تحت منطوق
لآيتين وحينئذ لا يخرج شيء من تلك المداليل عنهما نعم مثل الاشارة والايماء ليستا
من مداليل الالفاظ فلا يشملهما التعريف لخروجهما من المقسم الذى هو مداليل الالفاظ
ولكن لا يخفى ما فيه فان المستفاد من الكلمات حصر المفهوم بقسم خاص من الدلالة
الالتزامية وهو ان يكون اللزوم من البين بالمعنى الاخص الذي هو عبارة
عن ان تصور
الملزوم كاف فى تصور اللازم فلذا يدل اللفظ عليه بنفسه من دون ضم مقدمة عقلية
بخلاف البين بالمعنى الأعم فانه لا يكفي فيه تصور الملزوم بل يحتاج مع ذلك الى
مقدمة عقلية فى استفادة اللزوم فلذا لا يعد ذلك من المداليل اللفظية بل من باب الملازمات
فضلا عن غير البين كما انه يستفاد من الكلمات حصر المفهوم بالجمل التركيبية فلا
تشمل الافرادية كدلالة حاتم على الجود أو الشمس على الضوء فالمفهوم والمنطوق عندهم
عبارة عن دلالة قضية لفظية على قضية غير لفظية من غير فرق بين كون القضية غير
اللفظية موافقة بالايجاب والسلب للمنطوق فيقال لها مفهوم الموافقة كما تستفاد حرمة
الضرب أو الايذاء من قوله تعالى : (فَلا تَقُلْ لَهُما
أُفٍ) او مخالفة لها بذلك فيقال لها مفهوم المخالفة كما تستفاد
حرمة اكرام زيد عند عدم مجيئه من قوله ان جاءك زيد فاكرمه ولقد اجاد الاستاذ (قدسسره) فى الكفاية في تعريف المفهوم بحكم غير مذكور حيث جعله من
الجمل التركيبية لا من الافرادية ولم يخصه بالحكم المخالف لكي يختص بمفهوم
المخالفة.
ودعوى ان مفهوم
الموافقة هو ان الحكم مذكور فى المنطوق فيكون من المنطوق لا من المفهوم في غير
محلها اذ الحكم فيها غير مذكور فيه وانما المذكور في المفهوم مثل المنطوق اذا
الضرب والايذاء ليسا داخلين تحت التأفيف الذي هو المنطوق نعم يرد عليه انه ينبغي
ان يقيد الحكم غير المذكور في التعريف بما بين الحكمين لزوم بين بالمعنى الاخص هذا
وان امكن الاعتذار عنه بان هذه التعاريف من قبيل شرح اللفظ وانه تعريف بالاعم ومع
هذا فهو من اجود التعاريف خصوصا لو اريد من الحكم سنخ الحكم كما صرح به (قدسسره) في الامر الأول بما لفظه (ان المفهوم هو انتفاء سنخ الحكم
المعلق على الشرط عند انتفائه لا انتفاء شخصه)
وعليه فالعمدة فى
تحقق المفهوم هو تعليق سنخ الحكم لا شخصه وذلك يتوقف على معرفة سنخ الحكم وشخصه
فنقول الحكم الشخصي يتحقق بنحوين من التشخص نحو يحصل من الانشاء وهو الذي اخرجه من
العدم الى الوجود ونحو يتشخص بالعوارض والمقارنات لكونه متعلقا بفعل خاص وموضوع
خاص كقولنا اكرم زيدا فان تشخصه حصل بالمقارنات من العوارض والموضوع الخاص وهذا
التشخص فى طول التشخص الأول اذ الحكم يتشخص اولا وبالذات بوجوده الانشائي ثم يتشخص
بالموضوع وبالمقارنات ثانيا وبالعرض وهذا هو الذي يطلق عليه الحكم الذي هو مورد
الاطاعة والعصيان واما سنخ الحكم فهو يحصل بامور ثلاثة الأول ان يراد منه الطبيعة
المهملة ، الثانية يراد منه صرف وجود الطبيعة ، الثالث الطبيعة السارية وبعد معرفة
ذلك فلا اشكال في ان تشخص الحكم بالنحو الأول غير مراد من الحكم اذ هو ينعدم
بانعدام الانشاء وانما المراد هو النحو الثاني من التشخص اذ الانشاء يوجد شخصا
خاصا من الحكم متشخصا بمقارناته وبموضوعه حتى لو كان موقتا بوقت فيكون له الداخل
فى تشخصه بل كل قيوده يكون لها الدخل في التشخص فكل عنوان اخذ موضوعا للحكم مع ما
له من القيود والحالات يكون لها دخل في نفس الحكم بنحو يكون جميع ما ذكر فى ناحية
الموضوع تمام الموضوع لذلك الحكم فيكون ظاهر القضية بالنسبة الى الاحكام المترتبة
على موضوعاتها يدل على ان جميع ما أخذ في الموضوع يكون له الدخل فى الحكم بنحو
تكون باجمعها تمام الموضوع وتكون للحكم بمنزلة العلة المنحصرة مثلا لو قال اكرم
الهاشمي يستفاد ان عنوان الهاشمي له الدخل في وجوب الاكرام فلو قيده بيوم الجمعة
فيكون تمام الموضوع عنوان الهاشمى في يوم الجمعة كما انه لو
قيد ذلك ببلد
مخصوص يكون تمام الموضوع الهاشمي يوم الجمعة فى البلد الخاص فلذا نرى الأصحاب في
المطلق والمقيد يحملون المطلق على المقيد مثلا لو قال اعتق رقبة ثم ورد دليل آخر
اعتق رقبة مؤمنة لما يرون بين الدليلين تعارضا وذلك يكشف عن أخذ الموضوع فى كل من
القضية تمام الموضوع اذ لو أخذ على نحو لا يكون تمام الموضوع فى المطلق لا يكون
بينهما تعارض فلا يوجب حمل المطلق على المقيد وكيف كان فلا يبقى الاشكال فى ان
ظاهر القضية أخذ الموضوع على نحو التمامية من غير فرق بين القضية الشرطية أو
الوصفية بل حتى القضية المشتملة على اللقب اذ كل قضية ظاهرة في كون تمام الموضوع
هو ما أخذ فيه على نحو العلة المنحصرة بالنسبة الى الحكم المترتب عليه مما لا ريب
فيه ولا شبهه تعتريه.
فدعوى استفادة
المفهوم من ظهور القضية فى العلة المنحصرة فى غير محلها اذ هذا المعنى ثابت حتى في
اللقب بل فى جميع القضايا فعليه ليس نظر الاصحاب الى الالتزام بالمفهوم راجعا الى
ما ذكرنا من ظهور القضية في العلة المنحصرة والمنكر يدعى عدم ظهورها فى ذلك اذ قد
عرفت ان الجميع يلتزمون بذلك الظهور وانما نظرهم الى غير ذلك وهو ان من يدعى
المفهوم فى بعض القضايا يدعى بان المعلق في القضايا هو سنخ الحكم ومن ينكر المفهوم
ان المعلق شخص الحكم فمرجع النزاع في المفهوم وعدمه الى ذلك بعد الفراغ عما ذكرنا
من ظهور القضايا باجمعها على أخذ العناوين في جانب الموضوع بالنسبة الى الحكم بنحو
العلة المنحصرة وعليه فمركز البحث بين المنكر والمثبت في الخطاب المعلق على
العنوان هل هو سنخ الحكم أو شخصه ، بيان ذلك ان اثبات الحكم لموضوعه سواء كان بنحو
التعليق اولا مثلا ان جاءك زيد فاكرمه ان كان المراد من الحكم هو صرف
وجود الاكرام فذلك
اما بسبب لفظه ان او بمقدمات الحكمة فلا محالة يدل على انه بانتفاء المجيء ينتفى
صرف وجود الطبيعة للوجوب لكون المجيء علة منحصرة لذلك وان كان المراد منه الطبيعة
المهملة فهي في قوة الجزئية حيث انها قابلة للانطباق على شخص الحكم ولو بقرينة من
خارج فلذا لا يستفاد المفهوم من القضية المشتملة على ذلك واما ارادة الطبيعة
السارية من الحكم بنحو يكون المعلق فى القضية جميع افراد تلك الطبيعة فهو امر غير
معقول كما انه لا يعقل ارادة التشخص بخصوص ما يوجد بإنشائه اذ هو ينعدم بانعدام
الانشاء كما انه لا دخل لوجود المنشئ في تشخص حكمه اذ يلزم ان ينعدم بانعدام
المنشئ مع أنه يتحقق الحكم الشخصي مع انعدام المنشئ وانما المراد من الحكم الشخصي
هو ما يكون تشخيصه بموضوعه مع ما له من القيود بنحو تكون باجمعها تمام الموضوع
ويكون ذلك دخيلا فى قوامه وتحققه وبانعدام ينعدم الحكم لفرض ان الموضوع بتمامه
بنحو العلة المنحصرة له ولذا لا يعقل يقاؤه وإلا لزم بقاء المعلول من دون علته
فلذا كان انتفاء الحكم مع زوال الموضوع من البديهات غير القابلة للانكار فعليه لا
مجال لتقرير الانكار من منع العلة تارة أو الانحصار اخرى أو السنخ ثالثة بل لا بد
وان يرجع النزاع في المفهوم الى ان التعليق هو السنخ أو الشخص وان شئت توضح ذلك
فاعلم ان القضية تنحل الى عقدين عقد الواضع وعقل الحمل مثلا اعتق رقبة مؤمنة
فالرقبة المؤمنة عقد الوضع يتصور فيه ثلاث احتمالات.
الاول ان لا يكون
للايمان دخل في الموضوعية بل انما اتى به لكونه اكمل الافراد.
الثاني كون الرقبة
المؤمنة تمام الموضوع لترتب الحكم.
الثالث ان لا يكون
فى مقام البيان لاحتمال وجود قيد آخر لم يذكر ككونها بخفية مثلا وحينئذ بمقتضى
الصورة الاولى والثانية انه لو جاء دليل آخر بلسان الموضوع المطلق لا يقع بين
الدليلين تعارض اذ لا معارضة بينهما ولكن المعروف عند القوم تحقق المعارضة بين
الدليلين وذلك يكشف ان الموضوع اخذ على نحو يكون تمام الموضوع كما هو مقتضى الصورة
الثانية وذلك مقتضى ظاهر أخذ الموضوع في القضايا فلذا تجد المعارضة بين الدليلين
وعليه كلما ذكر في عقد الوضع من نفس الموضوع وقيوده المأخوذة فيه يكون ظاهرا فى
العلية المنحصرة لثبوت المحمول له فلذا ينبغي صرف الكلام عنه وجعل البحث مختصا
بعقد الحمل فان عقد الحمل في المثال هو نفس الأمر بالعتق فيتصور فيه الطبية
المهملة أو الطبيعة بمعنى صرف الوجود واما الطبيعة السارية فبمعنى جميع افراده
فغير معقول نعم بالنسبة الى المراتب المتصورة فلا مانع من ارادتها فالذي يدعى
المفهوم يثبت كون المراد هو الطبيعة بمعنى صرف الوجود لكي ينتفي صرف الوجود عند
انتفاء ما علق عليه واثبات ذلك اما من لفظة (ان) او بمقدمات الحكمة والمنكر له
يدعى ان المراد شخص الحكم او سنخه بمعنى الطبيعة المهملة كما هو طبع القضية فان
المراد من المحمول حسب طبعه الاولى هو ارادة الطبيعة المهملة منه وذلك لا يقتضي
بنفسه نفي الحكم في غير مورده فلا يكون له مفهوم فمن يدعى المفهوم يحتاج الى عناية
زائدة في القضايا من كونها فى مقام تعليق المحمول باطلاقه على الموضوع فتلك الجهة
الزائدة تحتاج الى دال آخر يدل عليها زيادة على ما يقتضيه طبع القضية كادوات الشرط
او الغاية أو الوصف أو الحصر وإلا فالجميع ليس لها دلالة تزيد على طبع القضية فلا
مفهوم لها ويكون حالها كالالقاب فانه لا يتوهم أحد فى دلالتها على المفهوم إلا
اذا قامت قرينة
شخصية تدل على خصوصية زائدة عما يقتضيه طبع القضية من كونه في مقام التحديد ينبغي
لنا التكلم في تحقق تلك الجهة الزائدة ولذا وقع
__________________
الكلام فى بعض
القضايا كالقضية الشرطية او الوصفية أو الغاية أو الحصر حيث يمكن دعوى اشتمالها
على تلك الجهة الزائدة التي بثبوتها يثبت المفهوم وبانتفائها ينتفي المفهوم وحاصل
ما استفيد من تلك القضايا انها ان لم تشتمل على جهة زائدة على ربط الحكم بالموضوع
بان تكون القيود راجعة الى ناحية الموضوع كمثل ان ركب الامير فخذ بركابه او ان
رزقت ولدا فاختنه وامثال ذلك مما كانت القيود محققة للموضوع فلا يستفاد منها
المفهوم وان اشتملت على جهة زائدة على ربط الحكم بموضوعه كما هو الظاهر من القضية
الشرطية مثل ان جاءك زيد فاكرمه حيث ان مقتضى أداة الشرط ربط الحكم بالشرط زائدا
على ربطه بموضوعه أو مقتضي جريان مقدمات الحكمة ذلك فحينئذ يمكن دعوى الاطلاق بتلك
الجهة الزائدة الموجبة لتولد المفهوم وبذلك يخرج عن الاجمال والاهمال وان كان هناك
اجمال واهمال فى الجهة الاخرى إذ لا تنافى بين اطلاق الحكم من جهة واهماله من جهة
اخرى لجريان مقدمات الحكمة في تلك الجهة الزائدة دون الجهة الاخرى
بيان ذلك انه لو
اشتملت القضية الواحدة على الشرط والوصف كما فى ان جاءك زيد قائما فاكرمه وقلنا
بالمفهوم في الشرط ومنعناه في الوصف كما هو الحق
__________________
من ان الوصف
كاللقب بملاحظة كونه من قيود الموضوع فيكون به تمام الموضوع للحكم فلذا لا يكون من
الجهة الزائدة على ربط الحكم بالموضوع فلا يكون له مفهوم فتجري مقدمات الحكمة في
الحكم بالنسبة الى الشرط الموجب لتولد المفهوم منه ولا تجرى فيه بالنسبة الى الوصف
وان كان الحكم واحدا ودعوى ان الحكم المعلق في القضية لما كان واحدا لا يعقل ان
يكون مهملا بالاضافة الى الوصف ومطلقا بالاضافة للشرط ممنوعة فان المعنى الواحد
يمكن اطلاقه بلحاظ واهماله بلحاظ آخر كما يتصور ذلك في الكلي فان له افرادا
واحوالا فيمكن ان تجري مقدمات الحكمة فى افراده فيكون له اطلاق بالنسبة اليها ولا
تجري في احواله فلا يكون له اطلاق بالنسبة الى الاحوال كما يمكن ذلك بالعكس بل
نادر تحصيل الاطلاق من الجهتين اذ لا يستلزم الاطلاق من جهة ، الاطلاق من سائر
الجهات لعدم المنافاة بين الاطلاق من جهة والاهمال من الجهة الاخرى فان الحكم
المعلق على الشرط فيه اقتضاء للاطلاق بالنسبة اليه وبالنسبة الى الوصف فلا اقتضاء
فيه لذلك ومن الواضح عدم المزاحمة بين الاقتضاء واللااقتضاء فلا تنافي بينهما. هذا
اذا امكن انفكاك الوصف عن الشرط كالمثال المتقدم واما اذا لم يمكن انفكاكهما فان
الاهمال فى احدهما يستلزم الاهمال في الآخر ولو قلنا بان الشرط يجرد عن المفهوم
ويكون فى مقام بيان وجود الموضوع فلازمه الالتزام بالاهمال فى الوصف ويرتفع
المفهوم منه لرفعه من الشرط كما التزم ذلك الشيخ الانصاري (قدسسره) فى آية النبأ فانها مشتملة على الشرط والوصف فجعل الشرط
انما جيء به لبيان وجود الموضوع فرفع المفهوم من الآية المباركة وان كان الاستاذ (قدسسره) قال باثبات المفهوم للشرط إلّا انه جعله ملازما لمفهوم
اللقب حيث ان الشرط فيها هو موضوع الحكم فبملاحظة كونه
موضوعا للحكم لا
اقتضاء بالنسبة الى المفهوم فيكون مساوقا للقلب وبملاحظة كونه شرطا معلقا يكون ذا
اقتضاء ومن الواضح عدم المزاحمة بين الاقتضاء واللااقتضاء فيكون للآية الشريفة
مفهوم والتحقيق هو ما ذكره الاستاذ (قدسسره) إلا ان يدعى بان امثال هذه القضايا وردت لبيان وجود
الموضوع كما لا يخفى لان لهما مفهوما ويكون من السالبة بانتفاء الموضوع.
ثم انك قد عرفت
مما تقدم ان المفهوم تابع للمنطوق وانه من المداليل الالتزامية للمنطوق لما بينهما
من اللزوم البين فيكون من اللوازم العقلية والاحكام العقلية غير المستقلة ولازم ذلك ان يكون المفهوم تابعا للمنطوق بجميع ما له
__________________
من الخصوصيات فلا
معنى لتخصيصه أو تقييده بنحو لا يتصرف في منطوقه وبالجملة لا بد من التصرف فى
المنطوق بالتخصيص او التقييد حيث يقصد تخصيص المفهوم او تقييده لما هو معلوم انه
من توابع المنطوق كما لا يخفى.
مفهوم الشرط
الفصل الثاني في
مفهوم الشرط فنقول اختلف القوم في ان للقضية الشرطية مفهوما أم لا؟ قال الاستاذ (قدسسره) في الكفاية : (فلا بد للقائل بالدلالة من اقامة الدليل
على الدلالة باحد الوجهين على تلك الخصوصية المستتبعة لترتب الجزاء على الشرط نحو
ترتب المعلول على علته المنحصرة واما القائل بعدم الدلالة ففي فسخه فان له منع
دلالتها على اللزوم بل على مجرد الثبوت عند الثبوت ولو من باب الاتفاق أو منع
دلالتها على الترتب أو على نحو الترتب على العلة أو العلة المنحصرة بعد تسليم
اللزوم أو العلية لكن منع دلالتها على اللزوم).
وحاصله ان المثبت
للقضية الشرطية بان لها مفهوما يستدل باحد امرين الأول ان ادوات الشرط موضوعة لان
يكون مدخولها علة منحصرة لثبوت الجزاء المعلق على ثبوته. الثاني جريان مقدمات
الحكمة لاحراز كون الشرط اخذ بنحو
__________________
العلة المنحصرة
المترتبة عليه والمنكر فله جهات للانكار اما ينكر اللزوم كالقضية الاتفاقية أو
ينكر الترتب أو ينكر العلية مع تسليم اللزوم مع الترتب بان يلتزم بالترتب وينكر
العلية كالترتب بالطبع أو يسلم العلية ولكن ينكر الانحصار ولكن لا يخفى انك قد
عرفت ان ظاهر القضية الشرطية بل كل قضية دخل كل عنوان فى شخص الحكم بنحو العلة
فلذا لا معنى لجعل البحث في مفهوم الشرط يرجع الى كون الشرط بنحو العلة المنحصرة
وعدمه الى عدمه بل مرجعه الى تعليق سنخ الحكم او شخصه فنقول ان طبع القضية من حيث
اقتضاء أداة الشرط ربط الحكم بشرطه زائدا على ربط الحكم بموضوعه فاذا اشتملت
القضية على تلك الزيادة فحينئذ مقدمات الحكمة تقضي اطلاق الحكم الملازم لتجريده من
هذه الجهة فلذا يمكن ان يدعى جريان اصالة الاطلاق وبجريانها يقتضي التجريد من هذه
الجهة وان كان بالاضافة الى طرف الموضوع يبقى على حاله من حيث ان طبيعة الاهمال في
طرف المحمول بالاضافة الى موضوعه.
وعليه تكون مقدمات
الحكمة تثبت المفهوم ان كان المعلق سنخ الحكم وان كان شخص الحكم فلا موقع لجريانها
حيث انك قد عرفت ان عنوان الموضوع مع جميع ما له من القيود يكون بالنسبة اليه من
العلة المنحصرة فمع انتفائه ينتفي شخص الحكم عقلا بلا حاجة الى جريان مقدمات
الحكمة فلذا قلنا ان مرجع النزاع فى الحقيقة فى اثبات المفهوم وعدمه الى ان المعلق
شخص الحكم او سنخه فان كان الأول يلزم القول بعدم ثبوت المفهوم للقضية الشرطية وان
كان الثاني فالقول ثبوت المفهوم لها والتحقيق هو الثاني.
بيان ذلك ان
المعلق في القضية الشرطية هو طبيعي الحكم من غير فرق
بين أن يكون المنشأ
بمادة الوجوب او التحريم او التحريم أو بهيئتهما كصيغة أفعل اما ما كان بالمادة
كمثل ان جاءك زيد فيجب عليك اكرامه فلا اشكال في ان المادة موضوعة بالوضع العام
والموضوع له عام واما ما كان منشأ بهيئتهما فعلى المختار في وضع الحروف من الوضع
العام والموضوع له عام فيكون المنشأ هو طبيعي الحكم فعليه ان احرز اطلاق الحكم
بمقدمات الحكمة ثبت ان كل حكم يثبت بثبوت موضوعه ولازمه ان ينتفي بانتفائه فيكون
مفاده ان طبيعي الحكم يثبت بثبوت الموضوع وينتفي بانتفائه وليس المفهوم إلا ذلك
وهذا المفهوم إنما حصل بمقدمات الحكمة المثبتة للاطلاق من الجهة الزائدة على ربط
الحكم بموضوعه وهو الشرط ولا ينافي عدم جريانها بالنسبة الى نفس ربط الحكم بموضوعه
فيلتزم بالاهمال من جهة الموضوع والاطلاق بالجهة الزائدة اذ الاخذ بالاطلاق من جهة
لا ينافى الاهمال من جهة اخرى لعدم منع الاهمال من جهة التمسك بالاطلاق من سائر
الجهات وبهذه العناية ربما نقول بمفهوم الغاية والحصر واما الوصف حيث ان الوصف من
شئون الموضوع لذا يصير منشأ للتشكيك في جريان اصالة الاطلاق وان كان الظاهر عدم
جريانها لما عرفت من ان مقتضى طبع القضية اهمال الحكم بالنسبة الى موضوعه بجميع
شئونه وقيوده والوصف من شئون الموضوع وقيوده فلم يكن في القضية الوصفية ما تكون
جهة زائدة على ربط الحكم بموضوعه.
وبالجملة ان
المفهوم يستفاد من جريان مقدمات الحكمة لاثبات اطلاق الحكم بالنسبة الى الجهة
الزائدة من الشرط وغيره ولا ينافي اهماله بالنسبة الى موضوعه
ان قلت هذا يتم
فيما اذا كان الحكم بمادة الوجوب كما لو قال ان جاءك زيد يجب اكرامه بخلاف ما اذا
كان بهيئة كما لو قال ان جاءك زيد اكرمه حيث ان
مفادها معنى حرفى
وهو جزء غير قابل للاطلاق. فكيف يثبته مقدمات الحكمة لانا نقول هذا يتم بناء على
مختار الشيخ الانصاري (قدسسره) من كون معان الحروف جزئية والجزئي لا اطلاق فيه ، واما
بناء على المختار من ان وضع الحروف بالوضع العام والموضوع له عالم فلا مانع من
جريان مقدمات الحكمة لاثبات الاطلاق ودعوى ان المعنى الحرفي ملحوظ آليا لكونه مما
يغفل عنها والاطلاق والتقييد يحتاج الى الاستقلال فى اللحاظ.
قال الاستاذ (قدسسره) فى الكفاية اولا هذا فيما لو تمت هناك مقدمات الحكمة ولا
يكاد يتم فيما هو مفاد معنى حرفي كما هاهنا وإلّا لما كان معنى حرفيا كما يظهر
وجهه بالتأمل ممنوعة فانك قد عرفت منا سابقا بان معان الحروف من خصوصيات المعنى
الاسمي وانها معاني مقصودة بالافادة ومع كونها كذلك كيف تكون مما يغفل عنها ولاجل
ذلك صححنا ارجاع القيود الى الهيئة مع كونها معنى حرفيا فاذا صح ذلك فلا مانع من
جريان مقدمات الحكمة لاثبات الاطلاق فيها كما لا يخفى ثم انه استدل غير واحد على
المفهوم باطلاق الشرط بتقريب ان اطلاقه يقتضي ان يكون هو تمام المؤثر وكونه علة
تامة اذ لو لم يكن كذلك لقيد فلما لم يقيد يعلم انه تمام المؤثر.
اقول ذكر الشرط من
دون تقييد لا يدل على كونه علة تامة لانه يمكن ان يكون المؤثر امرين متضادين بنحو
يؤثر أحدهما فلو سبق احدهما لا يبقى مجال لتأثير الآخر وحينئذ لا يدل على انحصار
العلة إلا ان يدعى بان هذا الاطلاق بالنسبة الى المعلول والجزاء يثبت المطلوب
بتقريب ان ظاهر استناد المعلول والجزاء الى الشرط بنحو الاطلاق يدل على انه لا
يستند الى شىء آخر فحينئذ يدل على
الانتفاء عند
الانتفاء وقد يقرب اطلاق الشرط بان اطلاق الشرط يقتضي التعيين كما ان اطلاق الامر
يقتضي التعيين للوجوب.
اقول لا يخفى ان
قياسه على الوجوب التعييني لا من جهة الاختلاف في انحاء الترتب حتى يتوجه ايراد
الاستاذ (قدسسره) في الكفاية بما حاصله ان التعيين والتعدد في الشرط من نحو
واحد بخلاف التعدد والوحدة فى الوجوب فليسا من نحو واحد. بل من جهة انه لو كان
المعلول والجزاء له علة اخرى فلا بد ان يكون فى حال انعدامه لا يكون مستندا الى
عدم العلة المذكورة في القضية مطلقا بل يكون مستندا انعدامه الى تلك العلة ولكن
عند عدم الآخر فهو نظير ما عرفت فى الواجب التخييري ومن الواضح ان ظاهر القضية
الشرطية كون انعدام المعلول مستندا الى انعدام العلة المذكورة مطلقا ولو عند وجود
الآخر وهذا لا يتم إلا ان يكون المذكور مؤثرا بتمام جهاته وحدوده وعلى مسلك
الاستاذ (قدسسره) من ان محل النزاع في المفهوم يرجع الى كون المذكور في القضية
الشرطية العلية بنحو الانحصار واما بناء على ما اخترناه من كون الاطلاق الناشئ من
مقدمات الحكمة يثبت كون سنخ الحكم المعلق على الشرط بنحو يوجب ربطه بالجهة الزائدة
زائدا على ربط الحكم بالموضوع فلا مجال لكون المذكور فى القضية بنحو العلة
المنحصرة ام بنحو اللزوم إذ ذلك ليس محلا للكلام فى كون القضية بالنسبة الى عقد
الوضع كان بنحو الانحصار وانما النزاع فى عقد الحمل فان لاحظت الحكم بالنسبة الى
الجهة الزائدة مهملا كما انه بالنسبة الى موضوعه فلا مفهوم في البين وان جرت
مقدمات الحكمة وتحقق الاطلاق بالنسبة الى تلك الجهة الزائدة يثبت المفهوم ولا
ينافى ثبوت الاهمال من جهة الموضوع.
ومما ذكرنا من كون
النزاع فى عقد الحمل يظهر ان مثل الوصايا والاقارير التي توجب انتفاء الحكم عند
انتفاء الموضوع ليس ذلك من المفهوم واما على مسلك الاستاد من ان النزاع في عقد
الوضع يشكل ذلك في مثل تلك الامثلة.
بيان ذلك هو انه
لما استظهرنا كون الموضوع في القضية اخذ على سبيل العلة المنحصرة فبانتفاء الموضوع
أو قيد من قيوده ينتفي عقلا كما في الوصايا والأقارير والنذور ونحوها مثلا لو قال
يجب اعطاء زيد القارئ للقرآن فبانتفاء القراءة ينتفي الاعطاء بحكم العقل ولا يحتاج
الى اثبات المفهوم لما عرفت ان الموضوع يؤخذ بنحو العلية المنحصرة كما هو ظاهر عقد
الوضع واما على مسلك الاستاذ حيث جعل النزاع فى عقد الحمل فلا يكون انتفاء الموضوع
في مثل هذه الصور عقليا لان الموضوع لم يؤخذ على نحو العلة المنحصرة اذ من المحتمل
انتفائها مع بقاء الحكم فلا يكون الانتفاء عقليا.
ان قلت غرض
الاستاذ (قدسسره) انه لا اشكال في الانشاء المخصوص قيامه بالموضوع قيام
العرض بالمعروض والانشاء الشخصي ينتفى مع انتفاء موضوعه ولو لم يكن الموضوع بنحو
العلة المنحصرة.
قلت نعم الانشاء
كذلك ولكن ليس الكلام فيه بل الكلام فى المنشأ بهذا الانشاء ففى المثال المذكور
يصح فيما لو كان زيد ان يعطى في غير حال القراءة وحينئذ لو انتفت القراءة من زيد
لا ينتفي الاعطاء عقلا. نعم لا يعطي لعدم الدليل عليه عند عدم القراءة.
وكيف كان فما ذكره
الاستاذ (قدسسره) من الوصايا والتقارير والنذور انما هي تصير مؤيدة لما
قلنا من ان محل النزاع فى عقد الحمل وليس في عقد الوضع
نزاع اصلا إذ ظاهر
كل قضية تدل على كون الموضوع بما له من القيود له دخل في الحكم دخل العلية بنحو
الانحصار كما في تلك القضايا المذكورة وهذا اجنبي على الكلام في المفهوم فانه راجع
الى عقد الحمل كما لا يخفى.
تنبيهات مفهوم الشرط
ينبغي التنبيه على
امور :
الاول ان المناط
فى أخذ المفهوم من تعليق سنخ الحكم على الشرط هو ان يكون له فردان فرد مذكور فى
القضية وفرد غير مذكور وكان المقصود من تعليق سنخ الحكم دفع توهم وجود الحكم لفرد
آخر اولا يلزم من أخذ المفهوم تحقق فردين للحكم بل ولو كان بنحو انحصار الكلي في
الفرد وحينئذ يكفى فى ارادة السنخية من الحكم الذي هو مناط اخذ المفهوم وبعبارة
اخرى ان المدار على التجريد في مورد امكان ان يكون له فرد آخر او يكفي امكان
التجريد عن الشرط وان لم يكن فرد آخر الظاهر كفاية امكان مجرد التجريد في الاخذ
بالمفهوم إذ يمكن تعليق سنخ الحكم على الموضوع ولو كان بنحو انحصار الكلي بالفرد
إذ لا مانع من كون اللحاظ كليا من دون ملاحظة الافراد وتظهر الثمرة في مثل قولك إن
كان زيد موجودا فاكرمه فما كان الشرط محققا للموضوع فعلى الصورة الاولى لا مجال
لاخذ المفهوم اذ ليس لزيد فردان فرد مذكور في القضية وفرد لم يكن مذكورا فيها وعلى
الصورة الثانية يمكن تحقق المفهوم بان لوحظ مجردا عن الشرط
إلا انه يكون
كمفهوم اللقب وحينئذ يكون المفهوم من قبيل السالبة بانتفاء الموضوع لا المحمول ومن
هذا القبيل آية النبأ فعلى الصورة الاولى لا مفهوم لها وعلى الثانية يكون لها
مفهوم ولكن بنحو السالبة بانتفاء الموضوع ويكون كمفهوم اللقب على ما فصلنا سابقا
ثم لا يخفى ان من التزم بمفهوم الغاية في مثل كل شيء لك حلال حتى تعلم انه حرام لا
بد وان يلتزم بالمفهوم فى آية النبأ ولو بنحو السالبة بانتفاء الموضوع فلا وجه
لتفرقه الاستاذ (قدسسره) بينهما فلا تغفل.
التنبيه الثاني
ذكر الاستاذ (قدسسره) في الكفاية (اشكال ودفع) اما الاشكال فحاصلة كيف يكون
المناط في المفهوم سنخ الحكم مع ان الشرط في القضية انما وقع شرطا للمنشإ المتشخص
بالانشاء الخاص وحاصل الدفع ان الخصوصية ليست داخلة في الموضوع له ولا في المستعمل
فيه وانما هي من شئون الاستعمال كما ان خصوصية الاخبار والحكاية في الجمل
الاخبارية ناشئة من الاستعمال وليست داخلة في الموضوع له.
اقول لا يخفى انه
يمكن التفرقة بين الاخبار والانشاء وذلك ان الاخبار لما كانت فيها جهة حكاية عن
الواقع الثابت فيمكن ان يكون للمحكي سنخية واطلاقه بحيث يشمل المحكي بالحكاية
الاخرى فان تعدد الطريقة لا يوجب اختلافا في المحكي وهو بخلاف الانشاء فان المنشأ
بهذا الانشاء لا يشمل المنشأ بانشاء آخر فان المنشأ بهذا الانشاء تضييقه بنحو لا
يكون له سعة يشمل ما انشاء بانشاء آخر فلا تتحققه السنخية ان قلت هذا لو لم ينشأ
تمام الحكم اما لو انشأ تمامه فلا يعقل ان يرد به انشاء آخر إلا ويحمل على التأكيد
ومع عدم حمله عليه يبد ناقضا له فعليه مع تحقق انشاء تمام الملكية لا يعقل انشاء
آخر مقابل لذلك الانشاء إلا
وان يحمل على
التناقض ولا نعنى السنخ إلا ذلك لانا نقول لا اشكال فى امكان انشاء الملكية بسنخها
أو بشخصها ثانيا يعد انشائه اولا لوقوعه ثانيا بعد انشائه اولا والوقوع يكشف عن
مرحلة الامكان والوقوع مع الامكان يكشفان عن قاعدة التناسب بين العلة والمعلول
بحسب الضيق والسعة فالتحقيق في حل الاشكال ان الانشائيات على قسمين قسم لا يكون من
سنخ الاخبار اصلا كانشاء الوضعيات مثل الملكية والزوجية ونحوهما فانه ليست لها
واقعية قبل الانشاء وانما يكون لها واقعية بسبب الانشاء فهذا القسم من الانشاء من
الامور الاعتبارية التي لا يكشف عن شيء لا يكون له اطلاق بحيث يشمل ما لو انشأ
بانشاء آخر فلو جاء انشاء آخر يكون معارضا له وقسم يكون فيه جهة حكاية مثل مطلق
الاحكام التكليفية فانه وان كان طلبا انشائيا إلا انه فيه جهة حكاية عن الارادة
الجدية وحينئذ تارة تحكي عن سنخ الارادة واخرى عن شخصها فعلى الاول تقع المعارضة
لو انشأ ثانيا بخلافه على الثاني ومعنى سنخ الارادة هو انطباق سنخها على الارادة
القائمة بالنفس ومنحصرة بها انحصار الكلي بفرده وليس المراد ان الارادة القائمة
بالنفس تسمى بالسنخ في قبال الشخص لكي يتوجه الاعتراض بان الارادة القائمة بالنفس
ليست إلا شخصية كما لا يخفى.
التنبيه الثالث ما
اذا تعدد الشرط واتحد الجزاء مثل اذا خفي عليك الاذان فقصر واذا خفي عليك الجدران
فقصر فلا بد من التصرف باحدهما او في كليهما اما بتخصيص مفهوم كل واحد منهما
بمنطوق الآخر او رفع اليد عن مفهومهما واما بارجاعهما الى الشرط واحد اما بتخصيص
كل واحد بمنطوق الآخر واما بالالتزام بالقدر المشترك يكون هو الشرط هكذا قيل في
هذه المسألة لا ان الظاهر انه
لا حاجة الى هذه
التصرفات الأربعة بل لا بد من الالتزام اما بان الشرط كلاهما أو الشرط هو القدر الجامع
بينهما اذ تقييد مفهوم كل واحد بمنطوق الآخر لا يثبت المطلوب إلا بارجاعه الى كون
الشرط هو القدر الجامع ولكن التحقيق ان هذه المسألة خارجة عن القول بالمفهوم فانها
اجنبية عن ذلك إذ ظاهر التعليق هو شخص الحكم لا سنخه الذي هو المناط في أخذ
المفهوم فحاله حال الوصايا والتقارير الذي قد أخذ المحمول فيهما هو الشخص وظاهر
أخذ الموضوع بما له من القيود ليكون بنحو العلة المنحصرة فيكون انتفاء الحكم عند
انتفاء المقدم فى المقام كالموضوع في الوصايا والاقارير من الحكم العقلي فمع وجود
دليل آخر يكون معارضا لهذا الدليل فيجب اعمال المعارضة فمع التساوي يسقط كلا
الدليلين عن الحجية ليتعين حكم كل منها ويكون المرجع حينئذ هو الأصل وهو يختلف
بالنسبة الى الحكم الفرعي فقاصد السفر يتم حتى يخفى عليه الاذان والجدران معا
لاستصحاب وجوب التمام والمسافر يقصر حتى يرى الجدران ويسمع الاذان لا استصحاب وجوب
القصر وظهر مما ذكرنا الاشكال فيما ذكره الاستاذ (قدسسره) من جعل هذه المسألة من متعلقات القول بالمفهوم لما عرفت
انها اجنبية عن المفهوم ولا يخفى ان هذا التنبيه ينبغي ان يعنون بما اذا لم يكن
الجزاء قابلا للتكرار لكي يكون التنبيه الآتي بعده معنويا بما يكون قابلا للتكرار
ومما ذكرنا ظهر رفع الاشكال على ما ذكره الاستاذ من عدم الفرق بين الأمر الثاني
والثالث فى الكفاية مع اتحاد العنوان فان الأمر الثاني فيما اذا لم يكن قابلا
للتكرار والثالث فيما كان قابلا للتكرار فافهم.
التنبيه الرابع ما
اذا تعدد الشرط واتحد الجزاء وكان قابلا للتكرار
لا يخفى ان جميع
ما ذكر فى الفرض السابق يجرى في هذا التنبيه ويزيد عليه فى المقام التصرف فى
الجزاء وعلى كلا التقديرين لا بد من التصرف فى ظاهر القضية الشرطية اما من جهة
الشرط بان تلغى خصوصية الشرطية وجعل الشرط هو القدر الجامع ويكون ذلك على خلاف
ظهور القضية فان ظاهرها رعاية الخصوصية واما من جهة الجزاء بان تلغى الخصوصية فى
الجزاء يراد مطلق الطلب بنحو الاهمال الذي هو خلاف ظاهر القضية وفرق بين الخصوصية
من الطلب وبين مطلق الطلب فان الاول لا يعقل ارادته لاستحالة توارد طلبين نحو شخص
بخلاف الثاني فانه لا ينافي توارد طلبين على امر كلي لا يقال انه لا يمكن التصرف
فى ناحية الجزاء إذ لا يعقل ارادة مطلق الطلب على سبيل الاهمال لان الطلب من
الكيفيات النفسانية والكيفيات النفسانية لها تقرر في الخارج والاشياء ما لم تتشخص
لم توجد في الخارج لانا نقول لنا اعتباران فى الطلب المنشأ بالصيغة فباعتبار كونه
من الكيفيات النفسية يكون محلى بالخصوصية وباعتبار انشائه يختلف فمرة ينشأ غير
ملحوظ مع الخصوصية واخرى ينشأ معها وبالجملة الاهمال أو الخصوصية معتبرة فى الطلب
المنشأ بالصيغة لا بما له تقرر خارجي فاذا لم يعتبر فى عالم الانشاء فلا بد من
التداخل بالاكتفاء باتيان فعل واحد إلا ان يحصل سبب آخر يوجب تكرر الجزاء كما لو
افطر ثم كفر ثم ظاهر وجب عليه كفارة اخرى لانتفاء التأكد والى ذلك يرجع التفصيل
بين تخلل الشرطين بالامتثال وعدمه.
اذا عرفت ذلك
فاعلم ان المهم في المقام تنقيح ان المتأثر من ناحية الشرط هل هو الطلب الذي هو
الجزاء أو متعلقه فنقول ان سنخ الملازمة بين المقدم والتأني في القضايا التشريعية
سنخ الملازمات التكوينية ولكن هناك فرق هو انه
في الاول ادعائي
وفى الثاني حقيقي فكما ان بين طلوع الشمس ووجود النهار ملازمة تكوينية كذلك في قول
المولى ان جاءك زيد فاكرمه فان المولى لما رأى مصلحة في اكرام زيد حين مجيئه ادعى
الملازمة بين المجيء وبين الاكرام ونزل المجيء منزلة العلة التامة فاذا كانت
القضايا التشريعية كالقضايا التكوينية ادعاء فحينئذ يشتركان في ان الملازمة التي
تذكر فى القضية اللفظية إنما هي تابعة الملازمة الملحوظة بحسب الخارج فيكون الأصل
بالملازمة هو الخارج والانشاء اللفظي تابع له ويتفرع عليه ولا اشكال ان الخارج
يعتبر فيه الملازمة بين الشرط ومتعلق الحكم لا بينه وبين الحكم فاذا كانت الملازمة
بينه وبين متعلق الحكم فان كان المتعلق متحد العنوان والشرط متعدد فيكون تعدده
بتعدد الوجود فلا يخرج عن الامتثال إلا بالتكرار وان كان يتعدد العنوان فيجزي
اتيان شيء واحد تنطبق فيه العناوين فلا مانع من الاتيان بمجمع تنطبق عليه تلك
العناوين كما هو كذلك فى مجمع الصلاتية والغصبية بناء على الجواز وحيث انتهى بنا
الكلام الى هذا المقام فلذا ينبغي لنا التعرض على نحو التفصيل الى مسألة التداخل وينبغي
لنا التكلم فيها من جهتين الجهة الاولى في تداخل الاسباب فنقول :
اختلف الاصحاب فى
تداخل الأسباب بين قائل بعدم التداخل مطلقا وقائل بالتداخل مطلقا وقائل بالتفصيل
بين متحد السنخ دون مختلفه فقال بالتداخل بالأول دون الثاني وقائل بالتفصيل بين ما
أتي بالجزاء بعد الشرط الاول فقال بعدم التداخل أي بلزوم اتيانه بعد الشرط لو وجد
ثانيا وبين ما اذا لم يأت بالجزاء حتى تكرر منه الشرط فقال بالتداخل فيكفي الاتيان
بجزاء واحد والتحقيق هو عدم التداخل مطلقا وذلك يقتضي تعدد الشرط فان ظاهر كل شرط
ان يكون هو
المؤثر مستقلا
ولازم ذلك تعدد الجزاء مع قرض كون الحكم سنخ الوجود قابلا للتكرار ولا يعارض هذا
الظهور إلا ظهور الجزاء فى الوحدة بدعوى انه ظاهر فى صرف الوجود وذلك ينطبق على
اول وجود الطبيعة لعدم ظهور الجزاء في الوحدة إذ الواحد انما يجزي لكونه مما يتحقق
به المأمور به فحينئذ يصلح تعدد الشرط بيانا لتعدد الجزاء وبالجملة الجزاء بالنسبة
الى الوحدة لا اقتضاء والشرط فيه جهة اقتضاء للمؤثرية فيقدم ما فيه الاقتضاء على
ما لا اقتضاء فيه من غير فرق بين تكرر الشرط قبل الجزاء وعدمه بان يتخلل امتثال
بين الشرطين فدعوى التفصيل بين تكرر الشرط فيلتزم بالتداخل وبين تخلل الامتثال
بينهما فيلتزم بعدم التداخل كما هو المنسوب الى العلامة (قدسسره) بتقريب ان ظهور الشرط فى الاستقلال فى المؤثرية لا ينافي
الاكتفاء بوجود واحد حيث ان تعدد الشرط موجب لحدوث مصالح فيه حسب تعدده وذلك لا
يوجب إلا تعدد الطلب حسب تعدد المصالح وهو لا يوجب إلا ان يكون اجتماعها موجبا
لتأكيد بعضها بعضا وهو معنى التداخل نعم لو تخلل بين الشرطين امتثال باتيان الجزاء
يلزم ان يؤثر فى وجوب آخر فلا يكون حينئذ من التداخل في غير محلها فان ظاهر القضية
الشرطية كون الشرط فيها مقتضيا لوجود الموضوع للوجوب ومع تحقق الموضوع له يكون
الوجوب من تبعات الموضوع وحينئذ فوجود كل شرط موجب لتحقق الوجوب تشريعا ولازم ذلك
ان يكون كل شرط ظاهر فى المؤثرية مستقلا وذلك يقتضي وجودا مستقلا للجزاء ومع كون
الجزاء واحدا يخرج كل واحد من الشرطين عن المؤثرية مستقلا بل تكون المؤثرية مستندة
الى الجمع وحتى فيما لو قلنا بالتأكد فيما لو تعدد الشرط باعتبار اجتماع اوامر
متعددة على جزاء واحد يوجب أن يكون بعضها مؤكدا للآخر فان الجزاء لم يستند الى كل
واحد من الشرطين وانما يستند الى المجموع
إذ الوجوبان
المستقلان يقتضيان وجودين مستقلين وهو معنى عدم التداخل.
ثم لا يخفى ان ما
ذكرنا هو الموجب لاختيار عدم التداخل لا ما ذكره بعضهم من ان الشرط يدل على تعدد
الجزاء بالوضع ومقدمات الحكمة تدل على وحدة الجزاء ولا اشكال في تقدم الدلالة
الوضعية على الدلالة بسبب مقدمات الحكمة اذ لا مجال لجريانها مع تحقق الدلالة
الوصفية لان تعدد الشرط الموجب لتعدد الجزاء انما هو بمقدمات الحكمة على انه لو
اقتضى تعدد الشرط تعدد الجزاء فهو يوجب تعدد الطلب المستفاد من الجزاء مع عدم
الالتزام بتعدد المتعلق إذ من الممكن تعدد الطلب مع وحدة متعلقة هذا كله فيما اذا
تعدد الشرط وكان الجزاء قابلا للتكرار واما اذ لم يكن قابلا للتكرار وكان المعلق
في القضية شخص الجزاء فلا محيص من رفع اليد عن ظهور الشرط فى المؤثرية بنحو
الاستقلال فمع التقارن يستند الجزاء الى المجموع خصوصا اذا اقتضى كل واحد منهما
بالخصوص وجود الجزاء إذ لا يمكن ان يستند الى كل واحد منهما بالخصوص للزوم الترجيح
بلا مرجح فلا بد ان يستند اليهما معا نعم مع تقدم أحدهما وتأخر الآخر يكون التأثير
للمتقدم ويلغى تأثير المتأخر لاستناد الاثر لاول الوجودين قهرا كما لا يخفى.
الجهة الثانية في
تداخل المسببات بمعنى انه يكفي الاتيان بمسبب واحد
__________________
في مقام امتثال ما
تقتضيه الاسباب المتعددة والظاهر انه بعد معرفة عدم التداخل
__________________
فى الاسباب يظهر
عدم التداخل فى المسببات اذ قد عرفت ان ظاهر تعدد الشرط كون كل شرط أخذ علة مستقلة
واليه يستند التأثير وذلك يقتضي تعدد الجزاء
__________________
من غير فرق بين ما
اذا كان بين موضوعي الخطابين عموم وخصوص من وجه كمثل اكرم العالم واكرم الهاشمي أو
كان بينهما مباينة كمثل المرأة يجب عليها الغسل من الحيض ومن الجنابة بناء على ان
الغسل بنظر الشارع يختلف بحسب الماهية والحقيقة باعتبار ترتب الآثار.
ودعوى انه اذا كان
بين موضوعي الخطاب عموم من وجه كالمثال المذكور فالتداخل على وفق القاعدة من غير
حاجة الى اقامة دليل عليه بالخصوص بتقريب ان اكرام العالم الهاشمي قد انطبق عليه
العنوانان اي عنوان اكرام الهاشمي واكرام العالم وذلك يوجب تعدد الاضافات الموجب
لتعدد الامتثال بالنسبة الى التكاليف المتعددة ممنوعة إذ ذلك مناف لظهور القضية
الشرطية فان ظاهر كل شرط يقتضي وجوبا مستقلا وهو يوجب امتثاله بوجود مستقل فاتيان
الوجود الواحد المجمع للعنوانين يوجب تأكيد بعضها بعضا وذلك خلاف ظاهر تعدد الشرط
على ان تعدد الاضافات لا يوجب تعدد الوجود الواحد وبالجملة
__________________
الامتثال باتيان
الفعل الواحد اما ان يكون من باب التأكد واما اتيانه مرتين لوجوب تعدد الامتثال
الناشي من تعدد الوجوب الناشئ من تعدد الشرط الظاهر في كون كل شرط علة مستقلة فلا
محيص من القول بعدم تداخل المسببات كما قلنا فى عدم تداخل الاسباب إذ الدليل الذي
اوجب عدم تداخل الاسباب هو الذى اوجب عدم تداخل المسببات فلذا قلنا ان القاعدة
تقتضى عدم التداخل فى الاسباب والمسببات إلا ان يقوم دليل على التداخل كما دل على
كفاية وضوء واحد عن اسباب متعددة من غير فرق بين تكرر السبب الواحد كما اذا نام
مكررا او كان السبب مختلفا كما اذا نام وبال وكما دل على كفاية غسل الجنابة عن
بقية الاغسال فلا تغفل.
مفهوم الوصف
الفصل الثالث
مفهوم الوصف فقد اختلف الاصحاب في دلالة القضية المشتملة على الوصف على انتفاء
الحكم عند انتفاء الوصف وعدمها على قولين الحق عدم دلالة الوصف على المفهوم وفاقا
للمشهور على العكس من القضية الشرطية قال الاستاذ قدس في الكفاية ما لفظه : (الظاهر
انه لا مفهوم للوصف وما بحكمه
__________________
مطلقا) نظرا الى
كون الاوصاف من قيود الموضوع ومن شئونه وتكون نسبة
__________________
الحكم اليها كنسبة
المحمول الى نفس الموضوع وقد عرفت ان المحمول بالنسبة الى الموضوع قد اخذ بنحو
الاهمال وهو مما يقتضيه طبع القضايا ومع كونها كذلك لا دلالة للوصف على المفهوم
فانه عبارة عن ربط الحكم بخصوصية زائدة على ربط الحكم بموضوعه ولذا يتمسك باطلاق
تلك الجهة الزائدة وبذلك يستفاد المفهوم والوصف ليس من ذاك القبيل لما عرفت انه من
قيود الموضوع فلا يوجب ربط
__________________
الحكم به زائدا
على ربط الحكم بموضوعه وبعبارة اخرى ان في مثل قضية الشرطية يتصور فيها نسبتان
نسبة ربط الحكم بموضوعه ونسبة ربط الحكم بتلك الخصوصية الزائدة كالشرط مثلا وحينئذ
باطلاق تلك الجهة الزائدة يتحصل المفهوم ولا ينافي الاهمال فى الحكم بالنسبة الى
موضوعه وفي مثل القضية الوصفية لم يكن فيها نسبتان وانما هى مشتملة على موضوع وحكم
مرتبط بالموضوع مع جميع شئونه والوصف من شئون الموضوع وقيوده.
ودعوى ان ذكر
الوصف مشتمل على جهة زائدة توجب ربط الحكم بها زيادة على ربط الحكم بموضوعه فيكون
ذكره متمحضا لتلك الخصوصية الزائدة على ما يقتضيه طبع القضية من نسبة الحكم الى
موضوعه وذلك يقتضى ان يراد من المحمول سنخ الحكم اي ارادة الطبيعة المرسلة منه لا
الطبيعة المهملة ممنوعة لان ذلك يتم لو كان الوصف من قيود الحكم وكونه كذلك محل
منع اذ الظاهر ان ذلك من قيود الموضوع فيكون حاله حال اللقب لا يقال ان نسبة الحكم
الى الوصف غير نسبته الى الموصوف ولذا قيل بان الوصف يشعر بالعلية وذلك يوجب الاخذ
باطلاق الوصف ولا ينافى الاهمال من جهة اخرى لما عرفت من امكان التفكيك بينهما كما
هو كذلك في القضية الشرطية لانا نقول ان القضية الوصفية عند تحليلها تنحل الى
نسبتين ولكن بحسب الخارج العرف يراها قضية واحدة مشتملة على موضوع ومحمول وان
الوصف من مقومات الموضوع وحينئذ فلا معنى للتفكيك بين انتساب الحكم الى الموضوع
وبين انتسابه الى الوصف من حيث الاطلاق والتقيد.
ثم لا يخفى انه
على تقدير استفادة الظهور من القضية الوصفية فلازمه
تعليق الحكم على
تلك الجهة التي اخذت زائدة على ربط الحكم بموضوعه مع حفظ بقية الخصوصيات ففي مثل قوله : (فى الغنم السائمة زكاة)
بناء على استفادة المفهوم هو انتفاء الزكاة عن معلوفة الغنم لا نفي الزكاة عن
معلوفة الابل نعم لو استفيد منها عدم خصوصية للموضوع كان له وجه فافهم واغتنم.
مفهوم الغاية
الفصل الرابع
مفهوم الغاية والتكلم فى الغاية يقع في مقامين :
الاول فى ان
الغاية داخلة في المغيا ام لا؟ فنقول اختلف الاصحاب فى ذلك فبين قائل بدخولها
مطلقا وقائل بالعدم مطلقا وثالث بالتفصيل بين ما كانت الغاية من جنس المغيى فقال
بدخولها وبين ما لم تكن من جنسها فقال بعدمه
__________________
ورابع التفصيل بين
الادوات ، والظاهر هو الاخير إذ الفرق ظاهر بين مثل أداة (حتى وإلى) فان الاولى
ظاهرة فى دخول الغاية فى المغيى كما يظهر ذلك من موارد استعمالها كمثل (اكلت
السمكة حتى راسها) بخلاف الثانية فان الظاهر من موارد استعمالها عدم دلالتها على
دخول الغاية فيه اذ مقتضى الانتهاء ذلك كما ان مثل كلمة (من) التي هي للابتداء تدل
على ان ما قبلها خارجة عما بعدها كما هو مقتضى الابتداء. ثم ان الظاهر بالنسبة الى
شخص الحكم يقتضى انتفاؤه فى ظرف وجود المدخول نظرا الى ان كلمة (الى) تدل على
انتهاء السابق فى ظرف المدخول ولازمه انعدامه في ظرف المدخول من غير فرق بين كون
الغاية قيدا للموضوع او للمحمول او للنسبة الحكمية وذلك ليس من المفهوم لما عرفت
ان انتفاء شخص الحكم مما يقتضيه طبع القضية وانما المفهوم هو انتفاء سنخ الحكم فلا
تغفل.
المقام الثاني في
ان للغاية مفهوما ام لا؟ .
__________________
فنقول لا اشكال
ولا ريب انه يستفاد المفهوم الذي هو انتفاء سنخ الحكم من الغاية من القرائن
الخارجية من غير فرق بين كون الغاية قيدا للموضوع او
__________________
__________________
يفصل بين كون
الغاية قيدا للموضوع او المحمول او قيدا للنسبة الكلامية فيلتزم بالمفهوم على
الاخير دون الاولين الظاهر هو الاخير نظرا الى ان طبع القضية يقتضى الاهمال فى طرف
الحكم بالنسبة الى الموضوع والمحمول كما هو كذلك في اللقب مثلا الحكم الوارد على
الموضوع الخاص كاكرم زيدا او اكرم الرجل العالم ونحو ذلك مما كان الحكم فيها قد
اخذ بنحو الطبيعة المهملة وقد تشخص بالانشاء ومثله الحكم الوارد على موضوع مقيد بغاية
كما قيل الوجه من قصاص الشعر الى الذقن يجب غسله واليد من المرفق الى اطراف
الاصابع يجب غسلها فان الحكم فيها ليس إلّا طبيعة مهملة بنحو يكون حصة من الوجوب
لا سنخه لكي يكون انتفاؤه بانتفاء الموضوع واما بالنسبة الى ما لو كانت الغاية
قيدا للنسبة فان ظاهر تقييد الحكم بالغاية هو ارادة سنخه وذلك مقتضى اصالة الاطلاق
الحاكمة بالاخذ باطلاق النسبة. ودعوى ان النسبة من المعاني الحرفية لا اطلاق فيها
ممنوعة بانك قد عرفت منا سابقا بانها معان كلية يمكن تقييدها فيمكن التمسك
باطلاقها وبالجملة الاخذ باطلاق النسبة يوجب ان يؤخذ سنخ الحكم وبذلك يدل على ان
طبيعة الحكم تنتفى عند حصول الغاية وهو معنى المفهوم لا يقال ان النسبة الكلامية
من المعاني الحرفية والاطلاق والتقييد فيها يتبع الطرفين فحينئذ كيف يمكن الالتزام
بالاطلاق في النسبة الكلامية وبالاهمال فى الطرفين لانا نقول ان التفكيك يمكن
تحققه في عالم الاثبات إذ القضية تقتضى بحسب طبعها الاهمال
__________________
بالنسبة الى
الموضوع والمحمول ولا ينافي وجود مقتضى الاطلاق فيما لو تحقق امر خارجي يقتضيه فان
النسبة الكلامية جهة زائدة على الموضوع والمحمول فلا مانع من الاطلاق بالنسبة
اليها مع بقاء الجملة على ما لها من عدم الاقتضاء للاطلاق إذ لا منافات بين لا
اقتضائية الجملة لاطلاق الموضوع مع اقتضاء الغاية فى النسبة اطلاق تعليق سنخ الحكم
ولاجل ذلك قلنا بالمفهوم فيها دون ما لو كانت الغاية للموضوع والمحمول فافهم
وتأمل.
مفهوم الحصر
الفصل الخامس فى
الحصر ومنه أداة الاستثناء ك (الا) مثلا فانه لا اشكال فى اختصاص الحكم بالمستثنى
منه سلبا او ايجابا ولا يعم المستثنى ولاجل ذلك قالوا بان الاستثناء من النفي
اثبات ومن الاثبات نفي وذلك مقتضى ظهور كلمة (الا) الاستثنائية هو حصر الحكم في
المستثنى منه واخراج المستثنى عن تحت ذلك الحكم المذكور ومثله فى ذلك القيد فانه
أيضا يوجب اخراج المفيد به عن حكم المطلق وان فرق بينهما من جهة اخرى وهو ان
التقييد يجعل المقيد عنوانا يكون به موضوعا للحكم كمثل اعتق رقبة مؤمنة فان تقييد
الرقبة بالايمان جعلها عنوانا في قبال المطلق بخلاف الاستثناء فانه باخراج
المستثنى من حكم المستثنى منه لا يوجب تعنونه بعنوان وتظهر الثمرة بينهما في الشك فانه
__________________
يمكن جريان
الاستصحاب فيما لو شك في القيد بان شك في كون الرقبة مؤمنة
__________________
وكانت لها حالة
سابقة فى الايمان فيستصحب ايمان الرقبة وبه يتحقق موضوع
__________________
العتق بخلافه على
الاستثناء فانه لا يجري الاستصحاب إذ جريانه لا يوجب الاندراج في المستثنى منه
إلّا بناء على القول بالاصل المثبت ولم يثبت وكيف كان فقد وقع الكلام فى دلالة مثل
الا وامثالها على المفهوم بل قيل انه اقوى من بقية المفاهيم اذ لا معنى للحصر الا
ذلك ولكن لا يخفى ان الملاك في الالتزام بالمفهوم ان كان هو العلة المنحصرة فيتم
ما ذكر من كون مفهوم الحصر هو اقوى
__________________
المفاهيم واما اذا
كان الملاك هو اخذ سنخ الحكم فى القضية قد علق على خصوصية زائدة على ربط الحكم
بموضوعه فيشكل اظهرية مفهوم الحصر من سائر المفاهيم إذ يمكن منع ذلك ويدعى بان
المراد من الحكم في الحصر شخصه ومع هذا الاحتمال لا ينفي الحصر شخص آخر من الحكم
في غير مورده فلا يكون حينئذ له مفهوم وبذلك يكون الحصر مثل بقية المفاهيم ودعوى
ان اخذ المفهوم من أداة الحصر اقوى من غيرها فى غير محلها اذ ذلك لا يوجب
الاقوائية بعد ما عرفت ان الحصر من لوازم العلة المنحصرة وذلك لا يوجب إلّا رفع
الحكم الشخصي والمفهوم الذي هو محل الكلام هو انتفاء سنخ الحكم وحينئذ يكون حاله
حال سائر المفاهيم من دون خصوصية له والظاهر دلالة مثل (الا) الاستثنائية ونحوها كانما ، على المفهوم من غير فرق بين كون الا في حيز
__________________
الاثبات او النفى
دون غيرها مما يفيد الحصر ولو كان ذلك من مقدمات الحكمة ولو قلنا بان الاداة ك (الا)
يستفاد منها الحصر بالوضع اذ الحصر على ما عرفت لا يلزم منه القول بالمفهوم فانه
يدل على انتفاء شخص الحكم والمفهوم عبارة عن
__________________
انتفاء سنخه بل
ربما يقال بان هذه الجهة تمتاز عن بقية المفاهيم فان مثل الا تدل على العلة
المنحصرة بالوضع ومقدمات الحكمة يستفاد منها المفهوم بخلاف باقي المفاهيم فان
الانحصار والسنخية يستفاد ان من مقدمات الحكمة ولكن لا يخفى ان ذلك لا يوجب
اقوائية مفهوم الحصر فلا تغفل.
__________________
مفهوم العدد واللقب
الفصل السادس
مفهوم العدد واللقب اما العدد كمثل جئنى بعشرة رجال فلا مفهوم له اذ تحديد الموضوع
بعدد خاص لا يدل على انتفاء الحكم عند انتفائه ويكون نظير الوصف فانه لما كان من
شئون الموضوع وقيوده فلا يكون الحكم الا مهملا بالنسبة اليه فلو قال صم ثلاثة ايام
في كل شهر لا يدل على عدم استحباب صوم آخر فلو جاء دليل آخر يدل على استحباب ما
زاد على الثلاثة لا يكون معارضا لهذا الدليل نعم لو كان في مقام تحديد تمام المراد
بنحو يلاحظ فى القضية جهة زائدة على ربط الحكم بموضوعه فحينئذ يصح تعليق سنخ الحكم
بتلك الجهة الزائدة كان للقول بمفهوم العدد وجه كما لو كان الدليل في مقام الحد
الاعلى كمثل الدليل الدال على وجوب صيام ثلاثين يوما من شهر رمضان ولكن ذلك لا
يستفاد من العدد بل من خصوصية المورد الدالة عليها بالقرينة وبالجملة لا مفهوم
للتحديد بالعدد الا مع قيام القرينة على تحديد تمام المراد واما اللقب وهو كل اسم
قد اخذ موضوعا لحكم من غير فرق بين كونه جامدا او مشتقا كمثل قوله تعالى (السَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا
أَيْدِيَهُما) ولا يخفى ان نسبة كل حكم الى موضوع لا يستفاد منه المفهوم
الذي هو عبارة عن انتفاء سنخ الحكم على انا منعنا دلالة الوصف على المفهوم ففي
اللقب بطريق اولى هذا آخر ما اردنا بيانه من المقصد الثالث فى المفاهيم والحمد لله
رب العالمين.
المقصد الرابع فى العام والخاص
وفيه فصول
الفصل الأول تعريف
العموم وأقسامه أما تعريفه فقد عرف بتعاريف كثيرة وقد اورد عليها بعدم الاطراد
والانعكاس مع عدم المقتضي لذلك لكونها تعاريف لفظية ليس الغرض منها إلا بيان مفهوم
يعم جميع ما هو من افراد العام ولكن الاحسن تعريفها باستيعاب مفهوم اللفظ لكل فرد
من افراد ما يصدق عليها من غير فرق فى ما يدل على الاستيعاب أداة كانت او كلمة كل
أو الجميع أو هيئة كوقوع الطبيعة فى حيز النفي أو حرفا كلام الاستغراق الداخلة على
المفرد أو الجمع وأما تعريف الخاص هو ما اشتمل على خصوصية تقتضي عدم الاستيعاب
والشمول من غير فرق بين المنع من صدقه على كثيرين فهو الجزئي الحقيقى وبين جواز
صدقه على كثيرين فهو الجزئي الاضافي والمراد بالاستيعاب هو شمول المفهوم لخصوصيات
الافراد وبذلك يفرق بين العام والطبيعة السارية فانها للسراية فقط من دون شمولها
لخصوصية الفردية وتظهر الثمرة لو نوى الامتثال بالخصوصية فعلى العام يعد ممتثلا
بخلافه على الطبيعة السارية.
وكيف كان فقد اشكل
على هذا التعريف بان الاستيعاب الذي هو عبارة عن الاحاطة غير صالح لان يجعل مدلولا
لبعض الفاظ العموم كمثل كل والجميع حيث انها تعد من الأسماء ولذا تقع مسندا اليه
مع ان الاحاطة من المعاني
الحرفية أما
لكونها معنى قائما بالغير وغير مستقل بنفسه كما يظهر من عبارة الاستاذ (قدسسره) في الكفاية حيث يقول بان كل موضوعه لعموم ما يراد من
متعلقة أو ان الاحاطة نسبة قائمة بين المستوعب بالكسر والمستوعب بالفتح ومن الواضح
ان النسبة من المعاني الحرفية ولكن لا يخفى ما فيه اذ لا مانع من الالتزام بان مثل
كلمة كل من قبيل اسماء المقادير ومن المحدودات كبغض ويكون من قبيل ربع ونصف ويكون العموم
مستفادا من انتساب الحكم الى موضوعه على انه ليس مفهوم الاحاطة مدلولا للفظة كل
لعدم تبادر المفهوم منها ولا مصداقها لان مصداقها من سنخ الاضافات وهي لا تصلح لان
تكون من مداليل الاسماء إلا ان كل وجميع ونحوهما تدل عليها بالدلالة الالتزامية
وهي لا تنافى الاسمية فكلمة كل جعلت مسندا اليه بمعناها المطابقي ولذا جعلت بعض
الفاظ العموم مثل اللام حرفا كالهيئة الدالة على العموم لدلالتها بالمطابقة على
مصداق الاحاطة الذي هو من المعاني الحرفية.
واما اقسام العموم
فنقول قسم القول العموم على ثلاثة أقسام استغراقي ومجموعي وبدلي والاستاذ (قدسسره) جعل منشأ هذا التقسيم هو اختلاف كيفية تعلق الحكم فقال ما حاصله ان كان كل فرد قد أخذ موضوعا للحكم
__________________
فاستغراقي وان أخذ
الجميع موضوعا واحدا فمجموعي وان أخذ كل واحد على البدل فبدلي ولكن لا يخفى ان ما
ذكره من المائز يتم بالنسبة الى الاستغراقي والمجموعى لعدم المائز بينهما بحسب
الصدق لكون الصدق فيهما عرضيا فحينئذ ينحصر المائز بينهما بجهة تعلق الحكم ، واما
بالنسبة الى البدلي وغيره فنمنع ذلك اذ المائز بينهما بحسب المفهوم والحقيقة فان
الصدق في غير البدلي من الاستغراقي والمجموعي صدق عرضي بخلاف البدلي فان الصدق فيه
بنحو التبادل لا بنحو العرض وبعبارة اخرى امتياز البدلي عن غيره إنما هو من جهة
خصوصية في المدخول ففي البدلي الصدق بنحو التبادل وفى غيره الصدق بنحو العرض
وبالجملة البدلى مع غيره يختلفان بحسب المفهوم بخلاف الاستغراقي والمجموعي فانهما
متفقان من حيث
__________________
المفهوم والمائز
بينهما من جهة كيفية تعلق الحكم.
ومما ذكرنا تعرف
الاشكال على تثليث الأقسام إذ التقسيم إنما يكون التغاير مع بين الأقسام بحسب
الحقيقة والمفهوم وقد عرفت ان التمايز بين الاستغراقي والمجموعي بلحاظ كيفية تعلق
الحكم لا لخصوصية فى الاستيعاب يقتضي عد كل واحد قسما على حدة اذ التقسيم باعتبار
التغاير فى الحقيقة فلذا لا ينبغي تقسيم العموم الى الأقسام الثلاثة وإنما ينبغي
تقسيمه الى العموم البدلي وغيره فلا تغفل.
__________________
الفاظ العموم
الفصل الثاني في
الالفاظ الدلالة على العموم فنقول لا اشكال في ان للعموم الفاظا تخصه وهي اما
بالوضع أو بالاطلاق المستفاد من مقدمات الحكمة فمنها (كل)
__________________
فانها تدل على
الاستيعاب بالوضع لتبادر ذلك منه بنحو يحتاج في استعمالها فى غيره الى قرينة ولا
يستفاد منها التكرر بحسب الوجود ففي مثل أكلت السمكة كلها أو أكلت كل جزء من
السمكة يراد منه محض استيعاب الطبيعة بلا تعدد فى الوجود الخارجي وان كان في
المثال الثاني فيه تعدد إلا انه اعتباري نعم فى مثل اكلت كل سمكة فيها تعدد خارجي
إلا انه ليس دخيلا فى مفهوم كل لكي يتوهم ان لفظة كل لها معان متعددة والاطلاق
يكون بنحو الاشتراك اللفظي فظهر مما ذكرنا ان لفظه كل موضوعة لمطلق الاستيعاب من
غير اعتبار تعدد خارجى وانما الاختلاف بين المصاديق ومثل كل في الدلالة على العموم
(الجميع وتمام واي ومجموع) بنحو يحتاج فى استعمالها في غيره الى قرينة فمن هذه
الجهة تشترك في دلالتها على العموم إلا انها يفترق بعضها مع بعض.
بيان ذلك ان
الافراد التي هي متكثرات بحسب الوجود اما ان يكون لحاظها منضما واما ان يكون
لحاظها مستقلا فما كان منضما فهو مفاد لفظ الجميع ولذا يضاف الى جماعة فيقال جميع
الناس ولا يقال جميع انسان بخلاف لفظة كل فانها تستعمل مرة بلحاظ الافراد منضما
واخرى مستقلا فيقال اكرم كل انسان يراد بالانسان الطبيعة السارية الملغى فيها
الخصوصية فيصدق عليه المتكثرات فيكون مفاد كل اوسع من مفاد الجميع كما ان مفاد اي
اوسع من مفاد كل فان كل مختص بالعموم الشمولي ولكن لفظة أي تستعمل في العموم
البدلي ايضا فيقال اكرم
__________________
رجلا أي رجل ولا
يقال اكرم رجلا كل رجل واما المجموع فانه يشترك مع الجميع في كون كل منهما يلحظ
منضما ولكن يفترقان بان الجميع يتبادر منه العموم الاستغراقي والمجموع يتبادر منه
العموم المجموعي وسره الفرق بين اسم الفاعل واسم المفعول فان اسم الفاعل ما تلبس
بالمبدإ من قبل نفسه واسم المفعول ما تلبس به من قبل غيره فان لفظة جميع من الصفات
المشبهة باسم الفاعل فهي نظير اسم الفاعل بدلالته على الاستيعاب من قبل نفسه بخلاف
لفظ المجموع فان دلالته على الاستيعاب من قبل الغير الذي هو لحاظ الوحدة والمصلحة
وبالجملة لفظة كل تستعمل في مورد العام الاستغراقي والعام المجموعي والجميع لخصوص
الاستغراقي والمجموع للمجموعي واوسع الكل لفظه (اي) فانه يستعمل فى العام الشمولي
والبدلي.
وكيف كان فتعيين
هذه الامور من الاستغراقية أو المجموعية أو البدلية يحتاج الى معين وإلا فنفس
ألفاظ العموم ليس فيها دلالة إلا على نفس الاستيعاب من دون تعيين لاحدها وبذلك
يمتاز عن اسماء الاعداد فان لفظة العشرة بنفسها تدل على استيعاب محدود وهذا
التحديد يستفاد من لفظ العشرة بلا حاجة الى قرينة تدل عليها نعم العموم يطرأ عليها
كما يطرأ على اسم الجنس حيث انه يدل على نفس الطبيعة والعموم يطرأ عليه بدخول
الفاظ العموم وان كان فرق بينهما باعتبار ان العموم الطارئ على اسماء العدد يكون
مجموعيا بخلاف الطارئ على اسم الجنس فانه لا يستفاد منه إلا الشمول واما كونه
استغراقيا او مجموعيا فيحتاج الى معين وذلك من جهة ان المتعلق اذا كان عددا يلاحظ
بلحاظ واحد فيكون فيها جهة اقتضاء لان يكون العموم مجموعيا بخلاف ما اذا كان
المتعلق اسم الجنس فانه من هذه الجهة لا اقتضاء فلذا يحتاج فى تعيين العموم الطارئ
عليه الى معين
واما الجمع فهو
برزخ بين اسم الجنس والعدد فبالنسبة الى طرف القلة محدود بحد خاص وهو الثلاثة وهو
كالعدد وبالنسبة الى طرف الزيادة فهو كاسم الجنس واما الفاظ العموم الواردة على
الجمع كمثل اكرم كل الرجال فهل يستفاد منها استيعاب العنوان الذي هو عبارة عن
ثلاثة لكونها أقل مراتب الجمع او استيعاب الآحاد أي كل فرد فرد الظاهر الثاني لكون
الأول يلزم التداخل فلذا تعين صرف النظر عن العنوان وجعل العموم بلحاظ الآحاد ومما
يدل على العموم النكرة فى سياق النفي او والنهي فهل هو بالاطلاق ومقدمات الحكمة او
بالوضع؟ احتمالان مبنيان على ان المطلق هل هو موضوع للطبيعة السارية فى
الافراد كما
__________________
يقوله المشهور أو
للطبيعة المهملة كما يقوله سلطان العلماء فان قلنا بالاول فتكون دلالتها على
العموم بالوضع وان قلنا بالثاني فلا تدل على العموم إلا بالاطلاق
__________________
ومقدمات الحكمة
وحيث اخترنا فى المطلق هو ما قاله سلطان العلماء لذا نحتاج في اثبات دلالتها على
العموم في المقام الى تمامية مقدمات الحكمة واما المفرد المحلى باللام فلا يستفاد
منه العموم كما فى الجمع المحلى باللام لعدم تبادره ولذا كان استعماله فى غيره لم
يكن بعناية كما لا يخفى.
العام المخصص
بالمتصل او بالمنفصل
الفصل الثالث في
العام المخصص بالمتصل أو بالمنفصل فنقول يقع الكلام فيه في مقامين المقام الأول في
ان استعمال العام في الباقي بعد التخصيص هل هو حقيقة مطلقا أو مجاز مطلقا ام يفصل بين كون المخصص متصلا فحقيقة أم
__________________
منفصلا فمجاز
أقوال الحق هو القول الأول لعدم التجوز فى المدخول ولا في الاداة اما المدخول
فبناء على ما هو المختار وفاقا لقول سلطان العلماء من ان الموضوع له هو الطبيعة
المهملة والقيد قد استفيد من دال آخر فيكون المدخول قد استعمل فيما وضع له الذي هو
اللابشرط المقسمي المعبر عنه بالطبيعة المهملة بنحو يكون الارسال مستفادا من
مقدمات الحكمة والتضييق مستفاد من القيد والتخصيص واما الاداة فهي موضوعة لاستيعاب
ما ينطبق عليه المدخول وقد استعملت في ذلك من غير فرق بين أن يكون المخصص متصلا أو
منفصلا غاية الامر مع كونه
__________________
متصلا لكون دائرة
ما استعمل فيه لفظ المدخول مضيقا مرادا بالارادة الجدية ومع كونه منفصلا لا يكون
ذلك الاستيعاب مرادا بالارادة الجدية وإنما استعمل لمصلحة دعت الى ذلك. ودعوى ان
استعمال الاداة فى الباقي خلاف ما وضعت له لانها وضعت للاستيعاب ومع فقده يكون
الباقي غير ما وضع له فيكون الاستعمال فيه مجازا بل ربما يشكل حمله على الباقي
لكونه مجملا لتعدد المجازات وان اجيب عنه بانه يحمل على الباقي لانه أقرب المجازات
ممنوعة لان الاداة موضوعة لما ينطبق عليه المدخول وحينئذ بالتخصيص ينطبق المدخول
على الباقي وعليه تكون الاداة مستعملة فيما وضع له ودعوى ان ذلك يتم فيما اذا كان
المخصص متصلا واما اذا كان منفصلا فالمدخول قد استعمل في الخصوص لكونه هو المراد
واقعا فيكون مجازا ولكن لا يخفى انك قد عرفت ان المدخول لما كان عبارة عن الطبيعة
المهملة وإنما التقييد والاطلاق يستفاد ان من دليل آخر وتكون الادوات بمثابة
مقدمات الحكمة يستفاد العموم منها غاية الامر انه بالنسبة الى المتصل يكون اللفظ
المستعمل فيه تمام مراد المتكلم وبالنسبة الى المنفصل لا يكون المستعمل فيه تمام
المراد بل يحتاج الى تتميم المراد ببيان منفصل وبالجملة فى المتصل تتفق الارادة
الاستعمالية مع الجدية وفى المنفصل تنفك الارادة الاستعمالية عن الجدية ومناط
الحقيقة والمجاز هي الارادة الاستعمالية لا الارادة الجدية.
المقام الثاني :
في ان العام هل هو حجة فيما بقي أو ليس بحجة قيل بالثاني لكونه بعد التخصيص يكون
مجملا لتعدد المجازات والظاهر حجيته في الباقي بعد التقييد أو التخصيص.
بيان ذلك ان
الباقي أما ان يكون بنحو التقييد فلا شبهة انه بعده حجة
لان التقييد ليس
إلا تضييق ما يوهم السعة فما أوهم السعة في اطلاق اعناق الرقبة فبإتيان القيد
ينطبق المطلق ولم ينازع أحد فى ذلك نعم جرى الخلاف فى التخصيص بالاستثناء فقيل
بحجيته وقيل بعدمه وقيل بالتفصيل بين المتصل والمنفصل فيكون حجة فى الباقي على
الاول دون الثاني وسر الفرق بين التقييد بالوصف والتخصيص بالاستثناء مع انهما بحسب
الظاهر من باب واحد والمفروض انهم اتفقوا في الاول واختلفوا في الثاني هو ان
التقييد يوجب تغير العنوان الذي كان تمام الموضوع للحكم مثلا موضوع اعتق رقبة هو
مطلق الرقبة وهو تمام الموضوع ولما قيد بالايمان انقلب الموضوع وجعل الموضوع
للاعتاق هو الرقبة المقيدة بالايمان بخلاف الاستثناء فانه بالاخراج لا يتغير
الموضوع ولا يجعل المخصص معنونا في قبال موضوع العام ومن هذا يظهر لك الفرق فى وجه
تخصيص اشكال التناقض بالتخصيص بالاستثناء دون الاخراج بالوصف ولكن لا يخفى ان هذا
الاشكال مع تخصيصه بباب التخصيص بالاستثناء مدفوع لان العام وان كان قاضيا بدخوله
تحت العام بحسب الاقتضاء ويكون محكوما بحكمه ولكن ذلك بحسب الاقتضاء وهو منوط بما
اذا لم يكن مانع بمنع من الدخول والاستثناء مانع فمع وجود الاستثناء يمنع دخول
الخاص في العام فقط واما غيره فلا يمنع فيكون حجة فى الباقي بتقريب ان الالفاظ
بلحاظ معانيها مرآة وحكايات لمعانيها فان طبعها حاك عن جميع المتكثرات ما لم يمنع
هناك مانع ومع وجود المانعية ترتفع الحكاية بمقدار المانع ويبقى الباقي تحت اللفظ
بمقتضى مرآتيته الأولية فلذا يحمل على الباقى ويكون حجة فيه.
ودعوى ان للعام
ظهورا واحدا وحكاية واحدة تكشف عما يصلح ان ينطبق عليه وعند ورود دليل خاص يسقط
هذا الظهور عن الحجية لتقدمه عليه وحينئذ
لا يبقى للعام
دلالة على الباقي لسقوط ذلك الظهور ممنوعة فان الظهور وان كان واحدا إلا انه يكشف
عن احكام متعددة حسب تعدد الافراد وبعد مجىء دليل الخاص يسقط ذلك الظهور عن الحجية
بالنسبة الى ذلك البعض ولم يسقط بالنسبة الى الباقي لعدم المعارضة بينهما وبالجملة
في القطعة المعارضة يسقط عن الحجية وفى القطعة غير المعارضة يبقى العام حجة فيه
وببيان أوضح ان دلالة العام على الاحكام المتعددة تنحل الى دلالات وحكايات وبعد
مجىء دليل الخاص يعارض بعض الدلالات فيسقط بعضها ولا يسقط البعض الآخر لكونها في
عرض واحد ولم يكن بينها ارتباط بنحو لو سقط بعضها يسقط الجميع وبالجملة بالنسبة
الى الحجية الدلالات في عرض واحد ولا يوجب سقوط بعضها عدم دلالة لفظ العام على
الباقي من غير فرق بين كون المخصص متصلا أو منفصلا ودعوى ان بينهما فرقا من حيث
انه فى المتصل بعد التخصيص ينعقد ظهور للفظ في المخصص من الأول فكأن العام لم يخصص
وفى المنفصل ينعقد الظهور في العام من اول الأمر وبعد التخصيص ينكشف ان العام لم
يستعمل فى معناه فيكون مجازا وحينئذ لم يكن له ظهور فى الباقي لان مراتب المجاز
متعددة ولا موجب لتعيين أحدها ممنوعة لما عرفت منا سابقا بان التخصيص مطلقا لا
يوجب التجوز في المدخول وفي المنفصل انما يزاحم العام فى الحجية ولا يصادم الظهور
فحينئذ يبقى العام ظاهرا فيما لا يزاحمه وهو الباقي بل ربما يقال بان ظهور العام
في الباقى ليس من مقتضيات القرينة وانما هو من مقتضيات الوضع حيث ان الباقي لما
كان من المحكي فكون اللفظ ظاهرا فيه مقتضى وضعه والمتصل انما يمنع عن افادة الوضع
لأعلى مراتب الظهور فيبقى اقتضاؤه للمرتبة الاخرى بحاله وفى القرائن المنفصلة ترفع
اليد عن حجية
المرتبة الاعلى
فتحصل مما ذكرنا ان الدلالة وان كانت واحدة إلا انها لما كانت تحكي عن مصاديق
متعددة فيكون المحكي بذلك متعددا ولازمه تعدد الحكاية ومع تعددها وكانت عرضية وليس
منوطا بعضها ببعض لذا مع مجىء دليل المخصص يرتفع بعضها فلا يوجب رفع بقية الدلالات
واما ما ينسب الى الشيخ الانصاري (قدسسره) من انه على تقدير تسليم المجازية تكون دلالة العام على كل
فرد غير منوطة بدلالته على الفرد الآخر من افراده إذ هي بواسطة عدم شموله للافراد
المخصوصة لا بواسطة دخول غيرها في مدلوله فالمقتضى للحمل على الباقي موجود والمانع
مفقود فمحل منع حيث انك قد عرفت أن المدخول لا تجوز فيه وعلى تقدير المجازية يشكل
تعيينه بالباقي فلذا الحق ما ذكرنا من تقريب الحجية واما تقريبها بان الاستثناء ان
كان متصلا فهو انما يقتضي تضييقا في دائرة المدخول ويكون الاستغراق بحسب ما يراد
من المدخول فلم تخرج (الا) عن وضعها وان
__________________
كان الاستثناء
منفصلا فهو انما يزاحم حجيته ويكون تضييقا في حجته وان كان الاستعمال أوسع ولكن لا
يخفى ان هذا انما يتم اذا كان التخصيص من قبيل التقييد فقد عرفت الفرق بينهما
ودعوى انها حجة في الباقي مع التزام بالمجاز فى
__________________
استعمال اللفظ فى
الباقي لانه أقرب المجازات ممنوعة بان ذلك اذا كان
__________________
الاستثناء قرينة
على دخول الباقي فى الحكم وخروج الخارج وهو محل منع بل قد عرفت انه قرينة على عدم
ارادة اعلى مراتب الظهور وظهوره فى الباقي مقتضى وضع الاداة وربما يجاب بأن للمريد
ارادتين ارادة جدية وارادة استعمالية فمن (كل) يراد الارادة الاستعمالية وهو
العموم ومن (الا) الاستثنائية الارادة الجدية وهو الخصوص فيتغاير الارادتين يندفع
اشكال التناقض ولكن لا يخفى ما فيه لانه يلزم خروج إلا عن وضعها للاخراج لانه ان
كان الاخراج من الارادة الجدية لم يكن هناك عموم حتى يخرج وان كان من الارادة
الاستعمالية فهي عامة ولم يخرج منها الخاص لأن المفروض ان الارادة الاستعمالية
تتعلق بالعموم فالحق انه لا يندفع اشكال التناقض بذلك لعدم تماميته وقد عرفت منا
سابقا اندفاعه بما ذكرنا.
تخصيص العام بمجمل
الفصل الرابع
تخصيص العام بمخصص مجمل فهل يسري اجماله الى العام أم لا فنقول المخصص المجمل أما
متصل أو منفصل وعلى اي تقدير أما ان يكون اجماله مرددا بين الأقل والأكثر او بين
المتباينين اما اذا كان المخصص متصلا وكان اجماله مرددا بين الاقل والاكثر كمثل
عنوان الفاسق فى قولك اكرم
__________________
العلماء إلا
الفساق المردد بين خصوص مرتكب الكبيرة او مطلق المرتكب فيشمل مرتكب الكبيرة ومرتكب
الصغيرة والأول اخص اي اقل افرادا من الثاني فلا شبهة في سراية اجمال الخاص الى
العام فلا يتمسك بعمومه فى الأقل لتيقن خروجه كما انه لا يتمسك به فى الفرد
المشكوك كالمرتكب للصغيرة لما عرفت ان المخصص اذا كان متصلا لا ينعقد للعام ظهور
مما لم يعلم خروجه عن عنوان المخصص وحينئذ يرجع فيه الى الاصول العملية نعم يتمسك
بالعام بناء على جريان اصالة الحقيقة تعبدا ولكن قد عرفت منا سابقا ان الرجوع الى
مثل ذلك من باب بناء العقلاء وقد منعنا بنائهم على ازيد من العمل بالظهور فلا مجال
للتمسك بالعموم بالنسبة الى الفرد المشكوك نعم هو حجة بالنسبة الى ما عدا المخصص
واما ان يكون اجماله مرددا بين المتباينين كقولنا اكرم العلماء الا زيدا وتردد زيد
بين شخصين فلا اشكال فى سراية الاجمال الى العام بالنسبة الى كل واحد منهما بعينه
اذ التخصيص لما كان مجملا يكون مورد العام مجملا لعدم انعقاد ظهور له في ذلك
المورد فمع عدم ظهوره في ذلك ترتفع حجيته نعم هو حجة فى غير مورد الخاص من غير فرق
بين القول بان المخصص المتصل كالتقييد يعنون العام بعنوان خاص او القول بعدمه كما
هو الظاهر ان حال التخصيص كفقد بعض الافراد لا يوجب تعنون العام وبالجملة بالنسبة
الى كل واحد بعينه لا يتمسك بالعام لارتفاع ظهوره بالنسبة الى خصوص كل واحد منهما
فيكون حاله حال الاقل والاكثر واما الواحد المردد فلا يخلو اما ان يعلم بدخول
الآخر المردد مع العلم بخروج احدهما بسبب التخصص او نحتمل دخوله تحت العام فان كان
الاول فيكون كل واحد من المتباينين من اطراف العلم الاجمالى ويكون نظير الشبهة
الوجوبية المحصورة
وان كان الثاني
فوجهان فمن انه محتمل دخوله تحت العام وان المخصص انما دل على احدهما مع القطع بان
المخصص لم يخرجهما فمن هذه الجهة يمكن التمسك بالعام في غير مقطوع الخروج فلو شك
فى ذلك يكون من قبيل ما لو علم بدخوله ويكون كل واحد منهما من اطراف العلم
الاجمالى ويجب العمل على مقتضاه وقد عرفت انه نظير الشبهة الوجوبية المحصورة لانه
في الفرد المحتمل دخوله قد قامت الحجة على دخوله تحت العام فيكون كالمقطوع بالدخول
ويجب العمل على مقتضى قيام الحجة ولا يخفى ان هذا الوجه غير جار في الأقل والاكثر
للفرق بينهما فان في الأقل والاكثر احتمال خروج الاكثر بلسان المخصص لا بلسان آخر
غير لسان المخصص بخلاف المتباينين فان الزائد لو كان خارجا فبلسان آخر غير لسان
المخصص بل شيء آخر خارج عن المخصص ففي الاقل والاكثر بنفس اتيان المخصص يرتفع ظهور
العام بالنسبة الى الاكثر بوجود ذلك الاحتمال الموجب لاحتمال اندراجه تحت المخصص
ولكن فى المتباينين الزائد ان كان خروجه فهو بغير لسان التخصيص مع القطع بعدم
دلالة الخاص عليه فلذا لا مانع من التمسك بعموم العام.
فظهر مما ذكرنا
وجه جواز التمسك بالعام فى المتباينين واما وجه عدم جواز التمسك بالعام فيهما هو
ان ظهور العام في كل شيء فرع كونه مرآة له ومع عدم كشفه لا يكون ظاهرا فيه بيان
ذلك ان العام انما يكشف عن العناوين التفصيلية ولا يكشف عن العناوين الاجمالية
مثلا اذا قال المولى اكرم كل عالم وفرض انه منحصر في اربعة اشخاص وهم زيد وعمرو
وخالد وبكر مثلا فالعام إنما يكشف عن هذه العناوين التي هي مرآة لمعانيها تفصيلا
بلا اجمال في مرآتيتها ولا يكشف عن عناوينها الاجمالية مثل الذي كان في المسجد او
في الصحن
ونحوهما وعنوان
أحدهما من العناوين الاجمالية فلا يكون العام ظاهرا فيه ومرآة وكاشفا عنه والمباين
الآخر انما هو معلوم بعنوانه الاجمالى وهو عنوان أحدهما ومع فرض عدم كشف العام عنه
لا يكون ظاهرا فيه فلا يكون مرآة له فلا يكون حجة فيه ولذا الحق انه لا يتمسك
بالعام مطلقا اذا كان المخصص متصلا من غير فرق بين ان يكون الاجمال ناشئا من
الترديد بين الاقل والاكثر أو بين المتباينين لما عرفت من انه لا ينعقد له ظهور
اصلا وحيث لا ظهور فلا حجة واما اذا كان المخصص منفصلا فلا يخلو اما ان يكون
الاجمال في المفهوم أو في المصداق اما اذا كان الاجمال بحسب المفهوم فتارة يكون
بين الاقل والاكثر أو بين المتباينين وعلى اي تقدير قد عرفت ان العام يكون ظاهرا
في العموم والخاص لا يزاحمه في ظهوره وانما يزاحمه في الحجية فيبقى ظهوره وترتفع
حجيته فيما يزاحمه فبالنسبة الى الاقل يؤخذ بالخاص لمزاحمته له وبالنسبة الى
الاكثر لم يكن الخاص مزاحما لحجيته لان احتمال اندراجه تحت الخاص يعارضه ظهور
العام فيتمسك بظهوره واما في المتباينين فبالنسبة الى كل واحد منهما بخصوصه العام
ظاهر فيه والخاص نص فيقدم لوجوب تقديم النص على الظاهر وكذا لو كان اظهر وإلا
فيكون من باب تعارض الظاهرين فيرجع الى الامور المقررة في تعارض الظاهرين هذا كله
بالنسبة الى كل واحد منهما بالخصوص واما بالنسبة الى الواحد المردد أي الواحد لا
بعينه فنقول ان حكم العام اما ان يكون حكما طلبيا ومحلا للابتلاء فالظاهر عدم قصور
في التمسك بالعام بالنسبة الى الواحد المردد وحينئذ يجب العمل بالاحتياط لانه يكون
من باب العلم الاجمالى واما ان لم يكن حكم العام طلبيا أو لم يكن أحد الطرفين من
محل الابتلاء فلا يجب العمل بعموم العام لعدم حجية اصالة الظهور في مثل
ذلك إذ لا معنى
للتعبد بشيء ما لم يكن هناك اثر عملى على ذلك.
ثم لا يخفى ان
الظهور له مراتب مختلفة فمرتبة منه خفيف المئونة وهو عبارة عن حصوله من نفس اللفظ
فانه ينتقل الى المعنى مع العلم بالوضع وتسمى هذه المرتبة بالظهور التصوري وهذا
الانتقال يحصل فى الذهن ولو من خفقان الطير ومرتبة اخرى يكون فى مقام الافادة
والاستفادة وحينئذ لا بد من العلم بالوضع واحراز كون المتكلم فى ذلك المقام وهو
المعبر عنه بالظهور النوعي وثالثة يقوى ذلك حتى يحصل منه الظن الشخصى ورابعة يقوى
ذلك حتى يحصل القطع وما عدا الأول يعبر عنه بالظهور التصديقي والذى هو محط انظار
الاعلام في حجية الظهور هو المرتبة الثانية هذا كله في الشبهة المفهومية واما
الشبهة المصداقية فسيأتي الكلام فيه إن شاء الله تعالى فى الفصل الآتي.
الشبهة المصداقية
الفصل الخامس في
تخصيص العام بمخصص منفصل وشك فى فرد انه من مصاديق المخصص أم لا مع العلم بانه من
مصاديق العام مثلا لو ورد دليل اكرم العلماء ثم ورد لا تكرم الفساق منهم وشككنا في
زيد العالم انه فاسق ام لا فهل يتمسك بعموم اكرم العلماء فيجب اكرامه ام لا؟ قولان
قيل بالجواز
__________________
وينسب الى السيد
الفقيه الحجة الطباطبائي اليزدي (قدسسره) بتقريب ان
__________________
الفرد لما كان
مشكوك الدخول تحت الخاص فلا يكون الخاص ظاهرا فيه ولا حجية له بالنسبة اليه كما ان
تقديم الخاص على العام تحكيما للنص على الظاهر او الاظهر على الظاهر لا يوجب
ارتفاع ظهور العام فى الفرد المشكوك لما عرفت من
__________________
ان المخصص المنفصل
لا يوجب رفع ظهوره في الافراد وانما يزاحم حجيته فيها فيما علم بفرديته له ففى
الفرد المشكوك لا يزاحمه فى الحجية بالنسبة اليه فلذا لا مانع من التمسك بالعام
بالنسبة الى الفرد المشكوك لا يقال ان الشك المتعلق بالفرد المشكوك تارة يكون من
جهة الشبهة الحكمية واخرى يكون من جهة الشبهة الموضوعية فما كان من الجهة الاولى
فالشك ينشأ من احتمال مطابقته للحكم الواقعي وعدم مطابقته له وكان من الجهة
الثانية فالشك انما يكون ناشئا من تردد زيد مثلا بين كونه من افراد الخاص او من
غيره ولا يخفى ان اصالة العموم انما ترفع الشك من الجهة الاولى لا الثانية لان
الشارع وظيفته بيان الحكم الواقعي لا بيان الموضوع وإنما تشخيصه راجع الى المكلف
فعليه لم يكن العام متعرضا لاخراج الفرد المشكوك من الخاص ويعين انه ليس من افراده
لكي يكون العام حجة فيه بلا مزاحم من الخاص لانا نقول ان الفرد المشكوك قد احرز
انه فرد للعام قطعا وذلك كاف فى اندراجه تحت العام وكونه من مصاديقه ولا يحتاج الى
احراز انه غير الخاص وحينئذ يكون العام حجة فى جميع مصاديقه الى ان يعلم المخصص
وما يقال ان المخصص المنفصل بتخصيصه يعنون الموضوع ويجعله مركبا من العام والمخصص
وبعبارة اخرى ان التخصيص يقلب العام من تمام الموضوع الى جزء الموضوع فحينئذ كيف
يتمسك في العام فى الفرد المشكوك للزوم التمسك بعموم الحكم مع الشك في تحقق موضوعه
وهو بديهي البطلان ولكن لا يخفى انه مسلم لو كان التخصيص كالتقييد إلا انه محل منع
اذ التخصيص من قبيل فقد بعض الافراد لا يوجب تعنون العام بيان ذلك ان افراد العام
بعد التخصيص على ما هو عليه قبل التخصيص مثلا افراد العلماء العدول لم تكن قبل
التخصيص تمام الموضوع لوجوب الاكرام وبعد التخصيص صارت جزء
للموضوع بل هي
تمام الموضوع للوجوب قبل التخصيص وبعده من غير فرق بين الحالتين نعم الفرق انه قبل
التخصيص قد انضم الى تلك الافراد افراد الفساق وبعد التخصيص لم تنضم اليها هذه
الافراد ولا يوجب ضمها اليها تقييدها كما لا يوجب عدم ضمها اليها ذلك مثلا اخراج
الفساق من العلماء لا يوجب تقييد افراد العام بعدم الفاسق وبالجملة افراد العلماء
هو تمام الموضوع قبل التخصيص بالعدول وبعده لا يوجب تقييدها بالعدول او بغير
الفساق وانما الموضوع فيه هي الافراد اللازمة للعدالة أو عدم الفسق والتخصيص يوجب
قصر الحكم على ما كان ثابتا قبل التخصيص وقد عرفت ان تلك الافراد لم تكن مقيدة
بعنوان المخصص فليس الباقى إلا تلك الافراد الملازمة لعنوان القيد ويكون التخصيص
نظير موت احد افراد العام فانه لا يوجب تقييد العام وتعنونه بما عدا ذلك الفرد
المفقود كما ان الافراد الباقية تحت العام على حالتها من كونها تمام الموضوع للحكم
بعد فقد بعض الافراد وبذلك يمتاز التخصيص عن التقييد ودعوى ان قصر الحكم على
الباقي يوجب تضييق العام وتحديده بحد خاص فان اخراج الفساق من العلماء عبارة اخرى
عن قصر وجوب الاكرام على العلماء غير الفساق فيكون حينئذ كالتقييد في تعنون الباقى
بعنوان الخاص ممنوعة بانه خلط بين التقييد والتخصيص فان التقييد عبارة عن قلب ما
هو تمام الموضوع الى جزء الموضوع فان الرقبة التى هي كانت تمام الموضوع صارت
بقيدها جزء الموضوع ويكون الموضوع هو الرقبة المؤمنة فان الفرد الذي هو ملازم
للعدالة قبل التخصيص هو تمام الموضوع وبعد التخصيص هو بنفسه تمام الموضوع والضيق
انما جاء من قصر الحكم على الباقى وحيث ان ذلك ناشئ من الحكم فكيف يكون موجبا
لانقلاب الموضوع بنحو
يكون العام جزءا
للموضوع لاستحالة اخذ الضيق الناشئ من الأمر المتأخر الذي هو الحكم فى الأمر
المتقدم الذى هو الموضوع اذا عرفت ان التخصيص لا يوجب تعنون العام فلا مانع من
التمسك بعموم العام بعد تخصيصه في الفرد المشكوك دخوله في الخاص لعدم مزاحمة الخاص
له في ظهوره ولا فى حجيته ولو سلمنا ان التخصيص كالتقييد وانه يوجب تعنون العام
بعنوان ولو عنوان غير الخاص فحينئذ يحتاج الى احراز ذلك العنوان فنقول يمكن احراز
ذلك باصالة العموم المقتضية لرفع الشك في كونه من الخاص مثلا لو قال اكرم العلماء
ثم ورد دليل آخر لا تكرم النحويين ومقتضى تقديم الخاص هو تعنون العام بوجوب اكرام
غير النحويين فيتمسك بعمومه لرفع الشك في كونه نحويا ويكون العام ظاهرا فيه
وللشارع جعل امارة على تشخيص الموضوعات كما جعلت اليد والبينة والسوق لذلك ودعوى
انه لا يمكن جريان اصالة العموم بالنسبة الى الشبهة المصداقية لرجوعها الى الشبهة
في الموضوع وهي في طول الشبهة في الحكم لانها تنقح موضوعه ولازم ذلك ان يكون العام
حجة فى المقامين ومرجعه الى كون العام موضوعا لتعبدين طوليين وذلك غير معقول اذ
يستحيل ان يكون ظهور واحد يتحمل حكمين متماثلين يردان على موضوع واحد إذ هو في
الاستحالة كالضدين بل الظهور الواحد لا يتحمل إلا حكما واحدا ممنوعة فان مفاد
التعبد هو وجوب العمل على مقتضاه فيتم ما ذكره ولكن يمكن أن يكون المراد هو الغاء
احتمال الخلاف وحينئذ يمكن ان يكون دليل واحد يكون متكفلا لالغاء الاحتمالين ولو
كان أحدهما فى طول الآخر اذ لا قصور فى شمول الدليل لهما كما هو كذلك في آية النبأ
وانها تشمل الأخبار بالواسطة مع ان التقييد بكل سابق ينقح موضوع اللاحق فظهر مما
ذكرنا انه
لا مانع من جريان
اصالة العموم فى الشبهة الحكمية والموضوعية مع ان احدهما ينقح موضوع الآخر ودعوى
انه لا مجال للتمسك بالعام في مقام الشك في المصداق وان الخاص وان لم يكن مزاحما
للعام في ظهوره إلا انه لما كان مزاحما له في الحجية فيكون العام حجة في غير مورد
الخاص والفرد المشكوك وان كان فردا للعام إلا انه بما هو عام لا بما هو حجة واذا
لم يعلم انه فرد بما هو حجة فلا يكون حجة لاختصاص حجيته بما عدا الخاص وليس مندرجا
تحت الخاص للشك في اندراجه به فحينئذ يشك في اندراج الفرد المشكوك في احدى الحجتين
فلذا يرجع فيه الى الاصول ولكن لا يخفى ان ذلك لا يتم إلا ان يكون دليل الخاص يوجب
ان تكون حجية العام مقصورة على قطعة من مدلوله مثلا بسبب ورود دليل لا تكرم الفساق
منهم يوجب ان يكون دليل اكرم العلماء مقصورا على العلماء العدول فحينئذ يشك فى
انطباق العام على الفرد المشكوك إلّا انه محل منع اذ ذلك مبنى على كون العام عبارة
عن مرتبة خاصة لكي يوجب حصر الحجية بالباقى بعد التخصيص مع انك قد عرفت ان العام
ليس عبارة عن ذلك وانما هو عبارة عن معنى قابل لانطباقه على خصوص العدول او على
جميع الافراد فاذا كان معنى قابلا للانطباق على القليل والكثير فبعد التخصيص
بالنسبة الى الفرد المشكوك قبوله للانطباق فحينئذ يتمسك بعمومه وبذلك لا يقع الشك
ويحكم عليه بحكم العام هذا غاية ما يمكن ان يقرب جواز التمسك بالعام فى الشبهة
المصداقية وبالتمسك باصالة العموم موجب لرفع الشك فى الموضوع ولكن التحقيق ان
اصالة العموم غير قابلة لرفع ذلك الشك حيث ان الظهور الكاشف عن كون المتكلم قاصدا
للافادة والاستفادة ولازم ذلك كون المتكلم بقصد بهذا الظهور ابراز مرامه بهذا
اللفظ فحينئذ لا يكون
ذلك في مقام افادة
ما كان مشتبها فيه فلا يكون الظهور كاشفا عنه فاذا لم يكن كذلك فلا يكون حجة فيه
وبالجملة معنى كون الظهور حجة هو كشفه عن كون المتكلم في مقام الافادة ومع كون
الشيء مشتبها كيف يعقل ان يكون المتكلم مريدا له لكي يشمله الظهور فيكون حجة نعم
لو كان منشأ الشبهة هو الشبهة الحكمية امكن دعوى ان رفع الجهل بيد المولى فحينئذ
باصالة العموم يوجب رفع الشك اذ الظهور يكشف عن كون المولى مريدا وقاصدا للافادة
والاستفادة فيكون اصالة العموم من قبيل الامارات الرافعة للشك هذا كله في المخصص
اللفظي واما اذا كان المخصص لبيا فتارة يكون عرفا يعد من القرائن المتصلة الموجبة
لصرف الظهور واخرى لا يكون كذلك اما الاول فلا كلام في عدم جواز التمسك بالعام في
الفرد المشكوك لعدم انعقاد ظهور العام إلا في الباقي فهو كالمخصص اللفظي من دون
فرق بينهما واما الثاني فهل يجوز التمسك بالعام به في الفرد المشكوك مثلا لو قال
المولى اكرم جيراني وقطع العبد بانه لا يريد اكرام من كان عدوا له فيجب اكرام كل
جيرانه إلا من قطع بكونه عدوا له أم لا يجوز التمسك بالعموم فى الفرد المشكوك فلا
يجب اكرام من شك في كونه عدوه قولان قال الاستاذ (قدسسره) بالاول ما لفظه (كان اصالة العموم باقية على الحجية
بالنسبة الى من لم يعلم بخروجه عن عموم الكلام للعلم بعداوته لعدم حجة اخرى بدون
ذلك على خلافه) وحاصله ان المخصص في اللبي هو العلم فلذا لا ينطبق على المشكوك
قطعا وحينئذ تجري اصالة العموم بلا معارض بخلاف المخصص المنفصل اللفظي فانه لما
كان من الالفاظ وهى موضوعة لمعانيها الواقعية ليست منوطة بالعلم فلذا يكون الفرد
المشكوك محتمل الاندراج تحت أحد الحجتين فلذا لا تجري اصالة العموم في الفرد
المشكوك
هذا والتحقيق ان
المخصص اللبي كالمخصص اللفظي من دون فرق بينهما لما عرفت ان الظهور انما يكون
تصديقيا الذي هو مناط حجيته فيما اذا كشف عن كون المتكلم في مقام الافادة
والاستفادة ومن الواضح ان الجهل بالموضوع يمنع المولى فى ان يكون بصدد الافادة
والاستفادة فحينئذ لا يعقل ان تكون اصالة العموم ترفع الشك عن الفرد المشكوك فى
مقام الشك فى الموضوع للجهل ولا معنى للتعبد به بما لا يكون بصدد الافادة فعليه لا
مجال للتفصيل بين المخصص اللفظي واللبي كالاجماع والعقل كما لا يخفي.
__________________
تنبيهات الشبهة
المصداقية
ينبغي التنبيه على
أمور : الأول : أن للحجة اطلاقين ، اطلاق يراد منها
__________________
ما يندفع منها
احتمال الخلاف. واطلاق يراد منها قاطعية العذر وهي المصحح
__________________
للعقوبة والمثوبة
والمراد فى محل البحث هو الحجية بالمعنى الأول لا بالمعنى الثاني لأن العام حجة فى
بيان معناه أي يوجب الغاء احتمال الخلاف ولكن لا يكون قاطعا للعذر ، لأن قاطعية
العذر منوطة؟ بسد جميع أبواب الاعتذار مع وجود الخاص لا اشكال في انه ليس بحجة
بالمعنى الثاني وعليه بنى من قال بعدم جواز التمسك بالعام في الفرد المشكوك وعلى
الأول بنى من قال بالجواز ، ولكن التحقيق حسب ما يؤدي اليه النظر الدقيق انه
التفصيل بينما لو كان الباقي بعد التخصيص معلوم الحكم وبينما لم يكن كذلك فان كان
من قبيل الأول كان العام حجة في الفرد المشكوك لأن العام قد صدر من الشارع لتشريع
الحكم وإذا لم يكن متكفلا لرفع الشك من ناحية الموضوع فيكون تشريع الشارع بهذا
العموم لغوا ، إذ لا اشكال ان حكم الخاص معلوم بغير هذا العموم وان كان من قبيل
الثاني
__________________
فالعام لم يكن حجة
فيه لأن التعبد بالعموم موجب لترتيب الأثر على غير الخاص وهو الحكم والتعبد بأنه
غير نحوي ـ مثلا ـ فرع ترتب الأثر فيكون متأخرا عن ترتب الاثر على هذا العنوان
وترتبه عليه انما حصل من التعبد بالعموم فلا يعقل أن يكون مع شموله لترتب الاثر أن
يشمل ما يتفرع عليه وبالجملة : أن حكم غير النحوي ـ مثلا ـ انما فهم من العام
والتعبد بالظهور بحسب الموضوع إنما هو متأخر عن التعبد بالحكم فمع شموله للتعبد
بالحكم لا يعقل شموله للموضوع وبعبارة أخرى ان الشبهة إما في الموضوع فقط أو فيه
وفي الحكم أما اذا كانت الشبهة في الموضوع مع القطع فى الحكم فلا بد من شموله لرفع
هذه الشبهة إذ لو لم يحمل على رفعها كان اتيان العام لغوا وإن كان مع كونه مشتبها
فى الموضوع ، أيضا مشتبها في الحكم فنقول : أن التعبد بالظهور بحسب الموضوع فرع
ترتب الاثر على الموضوع لأن كل تعبد بلسان الموضوع لا بد وان يلحظ بلسان ترتب
الأثر ومع عدم وجود الأثر لا معنى للتنزيل في طرف الموضوع فاذا كان التعبد بالظهور
يشمل الحكم ورفع الشك من ناحية الحكم لا يعقل مع شموله أن يكون شاملا لرفع الشك فى
الموضوع هذا كله فيما اذا كان المخصص لفظيا وأما اذا كان لبيا يتمسك بالعموم لان
التعبد بالعموم لا يعارض التعبد بالخاص لان التعبد انما يتصور فى الألفاظ وحيث أن
المخصص اللبي ليس من سنخ الألفاظ فلذا لا معنى للتعبد به ولاجل ذلك التزم الاستاذ (قدسسره) بجواز التمسك بالعام فيما اذا كان المخصص لبيا هذا غاية
ما يقال في جواز التمسك بالعام في المخصص اللبى ولكنك قد عرفت انه بالنسبة الى
الشبهة المصداقية الراجعة الى الشبهة في الموضوع لا مجال للتمسك بالعموم بالنسبة
الى الفرد المشكوك إذ لا معنى للتعبد بما كان جاهلا فيه إذ التعبد انما يتصور
فى الدلالة
التصديقية اي ما يكون المتكلم فى مقام الافادة والاستفادة ومع تحقق الجهل بالموضوع
فهو غير قابل لأن يكون فى ذلك المقام ولو لا هذه الجهة لأمكن حمل كلام العلمين
الفقيه الحجة الطباطبائي والمحقق الحجة الاستاذ (قدسسرهما) على التفصيل المذكور كما انه بذلك يمكن جعل النزاع بينهما
لفظيا كما لا يخفى.
التنبيه الثاني :
ذكر الاستاذ (قدسسره) في الكفاية ما لفظه (ان الباقي تحت العام بعد تخصيصه
بالمنفصل أو كالاستثناء من المتصل لما كان غير معنون بعنوان خاص بل بكل عنوان لم
يكن ذلك بعنوان الخاص كان احراز المشتبه منه بالأصل الموضوعى في غالب الموارد إلا
ما شذ ممكنا فبذلك يحكم عليه بحكم العام وإن لم يجز التمسك به بلا كلام ضرورة انه قلما يوجد عنوان
يجري فيه
__________________
فيه اصل ينقح انه
ما بقي تحته مثلا اذا شك ان امرأة تكون قرشية فهي وان
__________________
كانت وجدت إما
قرشية أو غيرها فلا أصل يحرز أنها قرشية أو غيرها إلا أن اصالة عدم تحقق الانتساب
بينها وبين قريش يجدي في تنقيح انها ممن لا تحيض إلا الى الخمسين .. الخ).
أقول : إن ما ذكره
(قدسسره) من عموم ان المرأة ترى الدم الى الخمسين إلا القرشية مبني
على أن يكون ناظرا الى العموم الافرادي والاحوالي لكي يكون اصالة عدم الانتساب
منقحا لموضوع حكم العام ولكنه محل منع ، إذ العموم المذكور ليس ناظرا الى ذلك بل
لم يكن ناظرا إلا الى العموم الافرادي بيان ذلك : ان المرأة المنتسبة الى قريش
انما هي مرآة لبعض الافراد ولم تؤخذ
__________________
بنحو العنوان
فحينئذ يكون الباقي مندرجا تحت العام من دون كونه معنونا بما عدا القرشية فعليه
ليس فى العموم تعرض إلا للافراد وليس له تعرض للاحوال والاصل المذكور المنقح انما
يتعرض لحالة الفرد فحينئذ الأصل المذكور غير صالح لان ينقح موضوع حكم العام نعم لو
كان العام متعرضا للاحوال أيضا كانت اصالة عدم الانتساب ينقح موضوع حكم العام
ولكنه خلاف الغرض كما عرفت انه متعرض لخصوص الافراد وبالجملة موضوع العام هو الفرد
والأصل ينقح حالة الفرد فلم يكن جريانه على طبق حكم العام نعم يمكن جريان استصحاب
نفي حكم الخاص وبيانه يحتاج الى تمهيد مقدمات ثلاثة :
الأولى : انه لا
يشترط فى الاستصحاب ترتب الاثر على نفس المستصحب بل يكفي أن يترتب على نقيضه مثلا
: لو كان الاكرام مترتبا على زيد العادل ولم يكن زيد عادلا وحصل الشك في عدالته
يستصحب عدمها فيترتب عدم وجوب الاكرام.
الثانية : أنه في الاستصحاب
يكفى ترتب الأثر على البقاء ولا يلزم في جريان الاستصحاب ترتبه على الحدوث.
الثالثة : أن نسبة
العرض الى المعروض كنسبة العلة الى المعلول فكما ان عدم المعلول يستند الى عدم
العلة فكذلك عدم العرض يستند الى عدم المعروض ووجوده الى وجوده بان يقال وجد زيد فوجد
وعدم فعدم وليس المراد بالاستناد هو التأثير بل المراد هو التوقف وإلا العدم لا
يؤثر في نفسه. إذا عرفت ذلك فاعلم : أن مشكوكة القرشية يمكن دعوى استصحاب عدم
كونها قرشية أي العدم السابق على وجود المرأة فيستصحب ذلك الى حين وجودها والأثر
وإن لم يكن مترتبا على
نفسه إلا أنه
يترتب في ظرف بقائه وهو حين وجود المرأة على ما عرفت من المقدمة الثانية والاثر لم
يكن مجعولا على العدم ولكن يكفي في جريانه ترتبه على نقيضه بمقتضى المقدمة الأولى
إن قلت إن الأثر مترتب بمقتضى حكم العام قلت نحن قد اجرينا الاستصحاب مع الغض عن
العموم والغرض من الاستصحاب نفي الآثار المترتبة على عنوان الخاص لا ترتب آثار
العام إلا أن يكون بين حكم العام مع الخاص تناقض فنفى الآثار المترتبة على الخاص
بعينه تشريع الآثار المترتبة على العام مثلا لو قال المولى : (يجب اكرام العلماء)
ثم قال بدليل منفصل (يحرم اكرام الفساق منهم) فلو شك بان زيد عادل أولا يستصحب عدم
فسقه فهو بعينه تشريع ترتب الآثار المترتبة على العام وهو الذي نقوله غير التمسك
بالعام إذ لو لم يكن هناك عام بالاستصحاب تترتب الآثار وأما إذا كان حكم الخاص مع
العام مضادة فلا يترتب عليه حكم العام الابناء على جريان الأصل المثبت ولم يثبت
كما لا يخفى :
وبالجملة نحن مع
الاستاذ من حيث النتيجة متفقون في خصوص المناقضة دون المضادة ولكن من حيث الملاك
متخالفون فهو يقول : الاصل ينقح شمول العام ويصحح التمسك به مطلقا أي سواء كان
هناك مضادة بين الحكمين أم مناقضة ونحن نرتب آثار العام على المشكوك بمقتضى الاصل
العملي فى خصوص ما كان بين الحكمين مناقضة وبعبارة اخرى : هو يتمسك مطلقا بالدليل
الاجتهادي ونحن نرتب الآثار التي هي للعام في المناقضة بالخصوص بمقتضى الدليل
الفقاهتي وكيف كان الاصل الجارى في الفرد المشكوك المصداق كاصالة عدم المخالفة في
الشروط المشكوكة المخالفة وكالشروط في الصلح الموجبة لاجراء احكام العام عليه يغني
عن
التمسك بالعام في
الشبهة المصداقية وربما يحمل ما نسب الى المشهور من التمسك بالعام في الشبهة
المصداقية على ذلك ودعوى ان هذا الاصل من العدم الازلي وجريانه فيه من الاصول
المثبتة بتقريب ان موضوع الاثر هو العدم الملحوظ بالمرتبة المتأخرة عن الوجود وهو
العدم النعتي الذى هو مفاد ليس الناقصة وهو مباين للعدم الازلى السابق على الوجود
الذي هو مفاد ليس التامة فما هو موضوع الاثر ليس له حالة سابقة وما هو له حالة
سابقة ليس موضوع الاثر فلو اريد اثبات العدم النعتي باستصحاب العدم الازلي فهو من
الاصل المثبت الذي لا نقول به ولكن لا يخفى ان مرجع التقييد الى قيام اضافة بين
الشيئين فتارة تلاحظ تلك بين الذاتين واخرى تلحظ باعتبار الوجود وعلى الاخير
الاضافة لم تكن منوطة بالوجود الخارجي إذ هو ظرف سقوط الارادة والكراهة لا ظرف
ثبوتهما وإن قيام الاعراض بموضوعاتها انما هو باعتبار الوجود الذهنى ففى صقع الذات
قبل الخارج ليست متصفة بتلك الصفة فحينئذ لا مانع من جر ذلك العدم المحفوظ في مقام
الذات الى ما بعد الوجود الخارجي وببقاء هذا العدم الى ما بعد الوجود الخارجي
يترتب الاثر وليس العدم قبل الوجود مفاد ليس التامة وبعد الوجود مفاد ليس الناقصة
وانما هو عدم لمفاد ليس الناقصة نستصحبه ونرتب عليه الاثر نعم بالنسبة الى الصورة
الاولى التي كانت الاضافة من لوازم الذات فليس له حالة سابقة لعدم كونه مسبوقا
باليقين فى مرحلة صقع الذات قبل الوجود إلا بجر العدم الازلي المحصل مع عدم
الموضوع لاثبات العدم المحمولي وهو من الاصول المثبتة وبالجملة الاعدام الازلية
التي هى محل لجريان الاصل هى الاوصاف العارضة على الذات بتوسط وجودها كالمرأة
المشكوك كونها من قريش وكالشرط المشكوك مخالفته للكتاب لا بالنسبة الى ما هو من
لوازم الذات فانه لا مجال
لجريان الاصل
العدمي لعدم وجود حالة سابقة ولكن الانصاف ان الاصل المذكور وان قلنا بجريانه إلا
انه لا ينفع إلا نفي حكم الخاص وأما اثبات الحكم العام فمحل منع الابناء على ان
التخصيص كالتقييد في انه يقلب العام عن تمامية الموضوع وجعله جزء الموضوع ولكنك قد
عرفت فساده وان التخصيص كفقد بعض الافراد لا يغير العام عما هو عليه فالافراد
الباقية تحت العام هي تمام الموضوع بعد التخصيص كما كانت قبل التخصيص فعليه لا
ينفع جريان الاصل بالنسبة الى الفرد المشكوك بل هو من موارد العلم الاجمالي لكونه
محكوما اما بحكم العام او بحكم الخاص ونفي احد الحكمين بالاصل لا يثبت الحكم الآخر
إلا بالاصل المثبت وقد عرفت أنه لا يمكن التمسك بالعموم بالنسبة الى ما كان من
الجهل بالموضوع فى مثل المقام ولعدم امكان التقييد بالظهور في ما لم يكن بصدد
الافادة والاستفادة لعدم امكان إبراز مرامه لعدم وجوب رفع الجهل الناشئ من الموضوع
على المولى نعم بالنسبة الى ما كان من الشك في مخالفة الشرط للكتاب فانه يمكن دعوى
التمسك باصالة العموم لكون ذلك امر رفعه بيد المولى وما كان بيده فيمكن ابراز
مرامه بالتعبد بالظهور فبجريان اصالة العموم يوجب رفع الشك من دون حاجة الى جريان
الاصل ولعل بناء المشهور على التمسك بالعموم فى الشبهة المصداقية في مثل هذه
الموارد فافهم وتأمل.
التنبيه الثالث :
ربما يتوهم انه يجوز التمسك بالعام فى الشبهة المصداقية استنادا الى قاعدة المقتضى
والمانع بتقريبين الاول ان العام حجة فى كل ما يشمله من الافراد بمعنى انه مقتض
للحجية والمخصص المنفصل يكون مانعا للتمسك بالعام في الافراد الثابت كونها من
المخصص لكون تقديمه على العام من باب تقديم ما هو اقوى
الحجتين فلذا لا
يرفع اقتضاء العام حجيته فى افراد الخاص ففي الفرد المشكوك كونه من افراد الخاص
يشك فى تطبيق المانع عليه فلذا يؤخذ بالمقتضى وهو العام فشأنه شأن كل حجة يتمسك به
الى أن يتحقق المانع وبالجملة المقتضى للتمسك بالعام بالنسبة الى الافراد متحقق
والمخصص مشكوك المانعية بالنسبة اليه ولكن لا يخفى ان ذلك من الشك فى الاقتضاء
بناء على ما اخترناه من أن وجه عدم الجواز بان حجية العام انما هو إذا كان المتكلم
بصدد مقام الافادة والاستفادة وما كان المتكلم يشارك المخاطب فى الجهل بها فلا
يمكن رفعها بالتمسك بعموم العام لعدم تحقق الدلالة التصديقية فى العام إذ انها تتحقق
فيما لو كان المتكلم يستهدف رفع الشبهة عن المخاطب بالنسبة الى كشف المتكلم عن
مقصوده ، كما هو كذلك بالنسبة الى الشبهات الحكمية إذ المتكلم فيها في مقام كشف
مراده وهو يحصل بالدلالة التصديقية والشارع نهج في كشف مراده على نهج أهل العرف
فعليه يرجع الامر في التمسك بالعام فى الفرد المشكوك الى الشك في أصل الاقتضاء ولا
يكون العام بالنسبة اليه مما احرز منه المراد والشك في المانع لكي يكون من موارد
قاعدة المقتضى والمانع نعم على بعض الوجوه الأخر يكون من الشك في تطبيق الحجة على
المورد بدعوى ان الخاص يوجب قلب موضوع الحجة فيكون المورد مشكوك الدخول تحت احدى
الحجتين فحينئذ يمكن تطبيق القاعدة على الفرد المشكوك بان العقل يحكم باجراء العلم
بالعدم عليه وان كان حجيته فعلا مشكوكة كما هو الشأن فى كل حكم يشك فى فعليته من
جهة وجود المزاحم ، واما التقريب الثاني هو ان مقتضى ظهور العام فى الافراد هو كون
الافراد واجدة للملاك والخاص لما كان منفصلا لا يرفع ظهوره وانما زاحم حجيته في
خصوص افراد الخاص
ورفع الحجية يلزم
منه رفع الحكم الفعلي ولا يوجب رفع الملاك والمحبوبية إذ هما من لوازم الظهور وهو
متحقق وانما ارتفعت الحجية بالنسبة الى افراد الخاص مع بقائها على ما لها من
الملاك والمحبوبية ففي الفرد المشكوك يكون المقتضى فيه محرزا وهو الملاك والشك فى
تحقق المانع لكونه مما يشك في انه من مصاديق الخاص فحينئذ يكون التمسك بالعام فى
الفرد المشكوك من موارد قاعدة المقتضى والمانع ولكن لا يخفى ما فيه فان الخاص لو
كان بنحو المانع يكون عدمه مأخوذا في الملاك بنحو الشرطية فيكون متمما لاقتضاء
المقتضى فمع الشك في الفرد يكون شكا في تحقق الملاك الذى فرض مقتضيا فلا يمكن
التمسك بالعام في الفرد المشكوك للشك فى تحقق مقتضيه فيخرج من قاعدة المقتضى
والمانع إذ هي تجري فيما احرز المقتضى لكي يكون المانع مانعا من تأثر المقتضى ولو
سلم وقلنا بانه يمكن احراز المقتضى ولو باصالة عدم المانع لكي يمكن التمسك بالعام
فى الفرد المشكوك ولكن نمنع من تحقق القاعدة فى المورد إذ هى انما تتأتى فيما لو
تعلق غرض المولى بكل من الموردين المتزاحمين بنحو لا يمكن تحققهما لعدم القدرة من
وجودهما اما لذاتهما أو لعدم قدرة العبد على ايجادهما فحينئذ يعلم بان فى كل منهما
ملاكا إلا أنه لم يوجدا لعدم تحقق القدرة عليهما لا مثل المقام الذي لم يتعلق غرض
المولى بوجود المانع وانما الخاص مانع عن فعلية غرض الآخر بنحو لا ينتهي امره الى
الشك فى القدرة على حفظ الغرضين وبالجملة نمنع حكم العقل بالاتيان فى الفرد
المشكوك إذ ليس مرجعه الى الشك فى القدرة لكي يعلم بتحقق الملاك إذ الخاص لا يكشف
عن وجود ملاك ملزم غير الذي دل عليه العام وانما يدل على المانع الذي دل عليه
العام كما لا يخفى.
التنبيه الرابع :
انه يظهر من بعضهم جواز التمسك بالعموم فيما لو شك في صحته كما لو شك فى صحة
الوضوء او الغسل بمائع مضاف فيستكشف صحته بعموم (اوفوا بالنذور) لو وقع متعلقا للنذر بان يقال انه يجب الاتيان بهذا
__________________
الوضوء لاجل
الوفاء بالنذر وكل ما يجب وفاؤه لا محالة يكون صحيحا لما هو معلوم انه لو لا صحته
لما وجب الوفاء به ولكن لا يخفى ما فيه لما عرفت منا سابقا من الفرق بين العام
المخصص والمطلق المقيد فان العام بعد التخصيص كما هو قبل التخصيص تمام المطلوب
مثلا قولنا «يجب اكرام كل عالم» قبل التخصيص لفظ العام تمام الموضوع لوجوب الاكرام
وهو العالم وبعد مجيء يحرم اكرام الفساق منهم ايضا تمام الموضوع العالم واتيان
التخصيص لا يغير الموضوع الذي كان قبل التخصيص بخلاف القيد فانه قبل ورود التقييد
الموضوع وهو المطلق وبعد وروده بكون الموضوع المقيد فبالتقييد ينقلب الموضوع عما
هو عليه ويصير جزء الموضوع بعد ان كان تمامه.
اذا عرفت ذلك
فاعلم : ان ادلة الوفاء بالنذر بعد دليل التقييد يكون الموضوع فيها مقيدا بالرجحان
فلا يمكن التمسك بعموم الوفاء بالنذر في الفرد المشكوك صحته لو تعنون بعنوان النذر
ما لم يحرز انضمامه الى القيد وهو الرجحان إذ مع عدم احرازه لا يحرز موضوع الوفاء
فكيف يتمسك بالعموم ما لم يحرز
__________________
موضوعه ومن ذلك
يظهر أن ما التزم به الاستاذ (قدسسره) في الكفاية في مقام الجواب عن هذا التوهم من الفرق بين
العناوين الاولية والثانوية محل نظر بل منع إذ لو كان من قبيل الاطلاق والتقييد لا
يفرق بين العناوين الأولية والثانوية كما انه لو كان من قبيل العام والخاص فائضا
لا يفرق بينهما وبعبارة اخرى انه لو صح التمسك بالعموم فيما لو شك فى صحته وكان من
قبيل التقييد لزم صحة التمسك بالاطلاق لاحراز ما يؤخذ في الموضوع وهو محل منع.
وإلا لزم صلاحية اصالة الاطلاق لاحراز قيده الثابت بدليل منفصل فضلا عن القيد
المأخوذ في نفس متعلق نذره لرجوع الشك فيه الى الشك فى تطبيق عنوان المطلق على
المورد من غير فرق بين العناوين الاولية والعناوين الثانوية كما لا يخفى.
التنبيه الخامس :
لو شك فى مصداقية فرد للعام مع العلم بخروجه عن حكم العام مثلا يعلم بحرمة اكرام
زيد ولكن يشك في كونه عالما لكي يكون خروجه من العام بنحو التخصيص بمعنى انه قد
خرج عن حكم العام او ليس بعالم لكي يخرج عن العام بنحو التخصص بمعنى يخرج عن موضوع
العام ففي هذه الصورة هل يتمسك بعموم العام في ذلك الفرد المشكوك مصداقيته أم لا
وجهان. ربما ينسب الى الشيخ الانصاري (قدسسره) تمسكه باصالة العموم فيما شك في مصداقيته للعام مع القطع
بخروج ما شك عن حكم العام كما في الاطلاقات الواردة في ماء الاستنجاء لاثبات
طهارته وكما يظهر من الاستاذ (قدسسره) في الصحيح والأعم من الرجوع الى اصالة العموم في رفع الشك
في المصداق والحق عدم حجية اصالة العموم فيما لو شك في المصداقية للعام إذ مدرك
ذلك هو السيرة وبناء العقلاء ولم يعلم بناؤهم على العمل بالعموم في مشكوك
المصداقية وانما علم انها حجة فيما علم
بالفردية وشك في
الخروج عن الحكم إن قلت مقتضى أن لكل قضية عكس النقيض بنحو يكون من لوازمها فقولنا
كل عالم يجب اكرامه ينعكس بعكس النقيض الى قولنا كل ما لا يجب اكرامه ليس بعالم
فاذا ثبت أن زيدا لا يجب اكرامه وجب الحكم بانه ليس بعالم بعكس النقيض ولا ينافيه
كون ذلك من اللوازم لان اصالة العموم تستفاد من الظهور وهو من الامارات وهي كما
تكون حجة بالنسبة الى مدلولها المطابقي تكون حجة بالنسبة الى مدلولها الالتزامي
فيكون العموم دالا بمدلوله الالتزامي على ان كل ما لا يكون محكوما بحكمه لا يكون
من افراده لانا نقول ان اصالة الظهور من الامارات فلذا تكون مثبتاتها حجة إلا ان
حجة كل شيء يكون بمقدار دلالة دليله ومن الواضح ان حجية الظهور بالنسبة الى مدلوله
منشأه بناء العقلاء وبما انه من الادلة اللبية فلذا يقتصر فيه على القدر المتيقن
ولذا لا تثبت حجيته بالنسبة الى ما دل عليه بالالتزام وهو عكس نقيض القضية لعدم
معلومية بناء العقلاء عليه فلا يحكم بحجيته بل يرجع الى اصالة عدم الحجية ولا مانع
من التفكيك بين دلالة القضية على معناها المطابقي ودلالتها على عكس النقيض
بالدلالة الالتزامية. ودعوى ان بين القضية وعكس نقيضها تلازما واقعيا فكيف يدعى
التفكيك بينهما ممنوعة. إذ التلازم بينهما ولو كان واقعيا عقليا ، ولا يمكن انكاره
إلّا أن الغرض هو انه ليس لنا طريق مثبت للحجية بالنسبة. الى الدلالة الالتزامية فلا
مانع لدعوى التفكيك فى الحجية فلذا فى جميع القضايا الظنية التعبدية بالنسبة الى
الموجبة الكلية نقول بثبوت العموم فيها لجريان الاصل فيها ولا نقول به فى عكس
نقيضها لما عرفت من حجية اصالة العموم فى الموجهة دون العكس كما لا يخفى.
العمل بالعام قبل الفحص عن المخصص
الفصل السادس هل
يجوز العمل بالعام قبل الفحص عن المخصص مطلقا ام لا مطلقا ام يفصل بين ما كان
العام في معرض التخصيص فيجب الفحص عن المخصص أم لم يكن في معرض التخصيص فلا يجب
الفحص عنه اقوال قيل بالتفصيل استنادا الى ان بناء العقلاء على اتباع ظهور العام
فيما ينطبق عليه لكشفه نوعا عن ارادة المتكلم لما ينطبق عليه بنحو يستقر ذلك
الظهور التصديقى النوعي وذلك سيرة العقلاء على وجوب الأخذ بذلك الظهور إلا انه اذا
كان في معرض التخصيص لا يرون العقلاء حجيته وليس ذلك من جهة عدم جريان مقدمات
الحكمة بناء على فقد أحد المقدمات وهو لم يكن المولى في مقام البيان بل لما عرفت
ان الاستدلال بالظهور ليس بسبب جريانها وانما الأخذ بالظهور لاجل سيرة العقلاء على
الاخذ به وان العام اذا كان فى معرض التخصيص لا ينعقد له ظهور.
ودعوى ان ذلك يوجب
عدم الأخذ بالعام حتى بعد الفحص ممنوعة إذ احتمال التخصيص لا يرفع الظهور وإنما
المعرضية توجب عدم تحقق الظهور بل ربما يقال بعدم العمل بالعام قبل الفحص مطلقا
للعلم الاجمالى بوجود مخصصات ومقيدات للعمومات الواردة في الكتاب والسنة كما هو
الشأن بالنسبة الى الأصل العملي فانه لا يعمل به ما لم يتفحص عن الحجة للعلم الاجمالي
بوجود محرمات وواجبات ودعوى انه يلزم ان يعمل بالعام من دون فحص بعد الظفر بمقدار
المعلوم اجمالا لانحلال العلم الاجمالي بذلك مع ان الأصحاب يلزمون الفحص حتى فى
الشبهة الواحدة مع الظفر باكثر ما علم اجمالا ممنوعة إذ العلم بالمقيدات والمخصصات
وان
أوجب انحلال العلم
الاجمالي لتردد المقيدات والمخصصات بين الأقل والاكثر فيؤخذ بالقدر المتيقن وهو
الأقل وينفي الاكثر بالأصل إلا ان الأقل هو مردد بين المتباينات فى جميع ابواب
الفقه فلذا لا يمكن الأخذ بالعام ما لم يفحص وما ذكرنا أولى مما ذكره بعض الاعاظم
من أن المعلوم بالاجمال اذا كان معنونا بعنوان غير عنوان الكمية وكان بذلك العنوان
منجزا فلا يوجب انحلاله وان أوجب انحلاله بحسب الكمية فاذا تنجز بذلك العنوان وهو
كون المعلوم فى الكتب الأربعة أو التي بايدينا وكان ذلك منتشرا فى ابواب الفقه
فلذا يجب الفحص عن المقيدات والمخصصات ولكن لا يخفى ان تعنون المقيدات والمخصصات
بعنوان خاص وكان ذلك مرددا بين الأقل والأكثر فانه يوجب انحلال العلم الاجمالى الى
قدر متيقن وشك بدوي ولذا قلنا في الجواب عن هذه الشبهة لا يجب الفحص لانحلال العلم
الاجمالي الى قدر متيقن وشك بدوي بما حاصله ان الأقل هو مردد بين المتباينين
المنتشر في ابواب الفقه فلذا يجب الفحص عن ذلك.
الفصل السابع ـ فى خطاب المشافهة
اختلفوا في أن
الخطاب هل هو مختص بالحاضرين أم يشمل الحاضرين والغائبين بل المعدومين؟ فنقول إن
الخطاب على انحاء تارة يكون بخطاب مثل (يا زيد يجب على الحاضرين كذا وعلى الغائبين
كذا) وهذا النحو من الخطاب لا خلاف من أحد أنه يعم الغائبين والمعدومين ، واخرى
يكون بلسان الحكاية عن موضوع التكليف كقوله يجب عليكم الصيام أو يجب عليكم الصلاة
مثلا. فان ظاهر هذا التكليف يشعر بخصوص الحاضرين فقط ومثل هذا في الأخبار كثير.
وفى مثله وقع
النزاع ولكن بناء الأصحاب في الفقه على الغاء الخصوصيات ولا يبعد أن يكون ذلك
جاريا بحسب التفاهم العرفي فينعقد لذلك ظهور ثانوي ، وثالثا يكون الخطاب من قبيل
يا أيها الذين آمنوا ، ويا أيها الناس فان الخطاب يشتمل على كلمتين كلمة (يا) وهي
تفيد الحضور وكلمة (أيها الناس) تفيد العموم ، فهاتان الكلمتان كل منهما يقتضي نفي
الآخر فلا بد أن يأخذ باحدهما والظاهر انه كسائر الخطابات يقتضي الغاء الخصوصيات.
فان قلت إن
المعدومين لما لم يكونوا موجودين في مجلس الخطاب بل ولا موجودين أصلا لا يعقل توجه
التكليف إليهم.
قلنا هو في غاية
المعقولية لو كان المقصود التكليف التعليقى لا التكليف الفعلى فيكون من قبيل
الواجب المشروط فيكون التكليف للمعدومين متوجها اليهم على فرض وجودهم فتحصل مما ذكرنا أنه ينعقد ظهور ثانوي للكلام بالغاء
__________________
الخصوصيات كما هو
ديدنهم فى مثل صحيحتي زرارة لا ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشك فان هذه القاعدة
ليست مخصوصة لزرارة بل تعمه وغيره فالاصحاب ألغوا الخصوصية فالحق فى المسألة هو
القول بالتعميم ولا يختص بالحاضرين وقد ذكروا للتعميم وجوها غير ما ذكرنا ، الأول
: ان المخاطب لا بد وأن يكون موجودا في مجلس الخطاب ولكن توسع في وجوده بأن كان
موجودا فعليا أو موجودا تنزيليا فيكون المعدومون مشمولين بهذا الخطاب بسبب التوسعة
فى الوجود.
وفيه أن هذا خلاف
المحاورات العرفية إذ هي مبنية على انهم لا يخاطبون إلا وان يكون المخاطب موجودا
فعليا في مجلس الخطاب ولا يكتفون بالمجلس الادعائي الثاني : أن ادوات الخطاب
موضوعة للخطاب الإيقاعي الانشائي وهو غير مختص بالحاضرين بل يعم المعدومين وفيه ما
لا يخفى فان وضع لفظة (يا) وان كان كذلك إلا انه بواسطة الكلام والخطاب صار له
ظهور ثانوي بالخطاب الفعلى الحقيقى وهو لا يعم المعدومين.
الثالث : ان
الخطاب وإن كان مختصا بالحاضرين إلا أن ملاك الحكم والمصلحة موجودة حتى في غير
الحاضرين فيكون ملاك الحكم والمصلحة أوسع من نفس التكليف.
فان قلت : القدرة
شرط فى التكليف فمع عدم القدرة لا مصلحة والمعدومون لما كانوا غير موجودين لم
يكونوا قادرين على امتثال التكليف فلا يكون فيه مصلحة وملاك المحبوبية.
قلت : فرق بين
اعتبار القدرة في التكليف شرعا وبين اعتبارها عقلا
فان اعتبرت شرعا
أوجب زوال المصلحة فى التكليف مع انتفاء القدرة وان اعتبرت عقلا فلا توجب زوال
المصلحة عند انتفائها ، فلذا يتحقق الحكم عند وجود القدرة لتحقق ملاكه ولأجل ذلك
ذهب الأصحاب الى صحة الصلاة المبتلاة بالمزاحم الأهم لأن الضد انما يزاحم فعلية
التكليف وهذا هو المراد من اطلاق المادة فانها شاملة لحالتي العجز والقدرة بخلاف
الصيغة. اذا عرفت ذلك فاعلم ان المقام من هذا القبيل فان الخطاب وإن كان مختصا بالحاضرين
ولا يشمل المعدومين ولكن المولى لم يجعله قيدا في متعلق حكمه فيكون من قبيل القدرة
المعتبرة عقلا لا شرعا هذا غاية ما يوجه به هذا الوجه ولكن لا يخفى ما فيه فانا لا
نتعقل اطلاقا للمادة مع التقيد في طرف الهيئة لأن المادة الواقعة في حيز الحكم لا
يعقل اطلاقها مع تخصيص الحكم بل اطلاقها وتقييدها منوطان بالحكم فكذلك الخطاب
الملقى الى الحاضرين فانه لا يعقل تخصيصه بالحاضرين مع كون متعلقه عاما للحاضرين
والمعدومين وغاية ما يتصور من اطلاق المادة أن تفرض القدرة من القيود المنفصلة إذ
جعلها من المتصلة لا يعقل معه اطلاق المادة ومع جعلها من المنفصلة يمكن دعوى
الاطلاق فى طرف المادة للقادرين وغيرهم ولكن لا يمكن دعوى الاطلاق بلحاظ المكلفين
فالتزام الاطلاق بالنظر اليهم في غاية البعد.
ثمرة المسألة :
ربما قيل بظهور الثمرة في هذا النزاع بانه على القول بالتعميم يتمسك بظهور الكتاب
بالنسبة الى المعدومين لكونه حجة بالنسبة اليهم بخلافه لو قلنا بأنه مختص
بالحاضرين فلا يكون حجة بالنسبة الى المعدومين.
وفيه ما لا يخفى.
بانه حجية الظواهر شاملة للمعدومين سواء كان الخطاب مختصا بالحاضرين أم عاما
للمعدومين.
وربما قيل بظهور
الثمرة بانه على القول بالتعميم يمكن التمسك للمعدومين بالاطلاقات القرآنية ولا
يحتاج الى تسرية الحكم بقاعدة الاشتراك وأما لو قلنا بانه لا تشمل المعدومين بل
تختص بالحاضرين فلا يمكن التمسك بالاطلاقات القرآنية فلا بد على هذا من تسرية
الحكم للمعدومين من قاعدة الاشتراك وهي ايضا لا تنفع لانها إنما تفيد رفع مدخلية
الاشخاص واما احتمال الصفات العرضية التى تحتمل الدخل لا ترفعها وفيه ما لا يخفى
اما اولا : ان هذه الثمرة عين تلك الثمرة وقد عرفت الجواب عن الاولى بان الاطلاقات
هي حجة ويصح للمعدومين التمسك بها ولو قلنا باختصاص الخطاب للمعدومين ، واما ثانيا
: لو سلمنا بان هذه الثمرة غير تلك الثمرة فنقول انه لو قلنا باختصاص الخطاب
للحاضرين فهو انما يمنع عن التمسك بالاطلاق بالنظر الى المعدومين واما التمسك
بالاطلاق في حق المشافهين حتى يثبت التكليف الذي فهمناه من الخطاب للمشافهين الى
انفسنا بقاعدة الاشتراك فلم يكن من التمسك بالاطلاق فى حق المعدومين فانقدح مما
ذكرنا انه لا ثمرة للنزاع بين القولين فان الحكم للمعدومين على القول بالتعميم
يتمسك بالاطلاق من اول الأمر وعلى القول بالاختصاص يتمسك بالاطلاق في حق المشافهين
ثم بواسطة قاعدة الاشتراك يثبت للمعدومين فلا ثمرة عملية تترتب على هذا النزاع فلا
تغفل.
تعقب العام بالضمير
الفصل الثامن :
إذا تعقب العام ضمير يرجع الى بعض افراده فهل يوجب تخصيصه ام لا؟ وجهان بل قولان.
والذي ينبغى ان يعلم ان تحرير المسألة على
__________________
اطلاقه باطل فان
الضمير المتعقب بالعام وراجع على بعض افراده اما ان يكون من التوابع ويعد ملحقا به
بان كان في كلام واحد فلا يبقى للعام ظهور بل يكون العام من المجمل لاقترانه بما
يصلح للقرينية اللهم إلّا ان يقال ان اصالة العموم حجيتها من باب التعبد لا من باب
بناء العقلاء وهو خلاف التحقيق ، فالذي ينبغي ان يحرر موضوع النزاع فيما لو كان
العام فى كلام ثم عقب بكلام آخر فيه ذلك العام ومتعقبا بضمير راجع الى بعض افراده
حتى يبقى للعام الأول ظهور فيجري ذلك النزاع بانه هل مثل هذا العام الثاني المتعقب
بالضمير الذي يعدانه
__________________
مخصص له فهل يخصص
العام الأول ام لا لأن العام الأول لما كان ظهوره غير زائل فيكون حجة والحق في
المسألة ان يقال بان العام الأول باق على ظهوره والعام الثاني بتخصيصه لم يرفع
الظهور ولا يسري اجمال الثاني الى الاول.
تخصيص العام بمفهوم المخالفة
الفصل التاسع إذ
اورد عام ثم ورد خاص دال بمفهوم المخالفة فهل
__________________
يخصص ذلك العام أم
لا؟ وجهان بل قولان : وتحقيق الحال ان العام والخاص إما ان يكونا فى كلام واحد أو
فى كلامين وعلى كلا التقديرين فاما أن يكونا دلالتهما على العموم والخصوص بحسب
الوضع أو بالاطلاق أو مختلفين فان كان في
__________________
كلام واحد وفرضنا
دلالتهما بحسب الوضع كانا من باب التزاحم وحصل الاجمال إن تساويا بحسب الظهور وإلا
فان كان هناك أظهر يؤخذ به وكذلك إذا كانت دلالتهما بالاطلاق أما اذا كانت دلالة
أحدهما بالوضع والآخر بالاطلاق
__________________
فيؤخذ ما كانت
دلالته بالوضع لأن دلالته بالوضع تنجيزية والدلالة بحسب الاطلاق تعليقية لانها
منوطة بعدم وجود البيان ولا اشكال فى تقدم التنجيزية على التعليقية بل لا تعارض
بينهما ولذا قلنا بعدم صلاحية الظهور الاطلاقي للقرينة بالنسبة الى الظهور الوضعى
فلا يضر بظهور العام لو اتصل به فى الكلام وان كانا في كلامين فان كان المتكلم
بصدد بيان مراده فهذا الكلام بالخصوص فيقع التعارض بين الظهورين سواء كان بحسب
الوضع أو بحسب مقدمات الحكمة أو مختلفين وتوهم
__________________
تقديم الظهور
الوضعي على الاطلاقي فيما اذا كانا في كلامين ففيه ما لا يخفى فان ذلك مسلم لو كان
البيان المانع عن الاطلاق مطلق البيان ولو كانا في كلامين واما لو قلنا بان البيان
المانع عن الظهور الاطلاقى هو البيان الذي فى كلام التخاطب لا مطلقا فلذا يكون كل
منهما ظهورا تنجيزيا فلذا قلنا لا بد ان يعامل معهما معاملة اقوى الظهورين وذلك قد
يختلف بحسب خصوصيات المورد فى الفقه لعدم اندراجه تحت ضابط فافهم.
تعقب الاستثناء جملا
الفصل العاشر إذا
تعقب الاستثناء جملا فهل هو راجع الى الجميع أو الى الاخير؟ أقول أولا فليعلم انه
لا اشكال في أن الاخيرة متيقنة على كل حال ولا أحد يشك فيه وينازع ثم ظاهر عبارة
القوم النزاع فى المخصص المتصل وان ظاهر عباراتهم ان الاستثناء من الجملة الاخيرة
، ذلك وايضا لو كان النزاع فى المنفصل لما كان الاخيرة متيقنة بل هي كغيرها وعلى
كل حال فقد اشكل بالرجوع الى الجميع بانه يلزم استعمال اللفظ في اكثر من معنى لأن
كل جملة مستقلة بنفسها فارجاع الاستثناء الى الجميع يلزم ذلك المحذور ويدفعه ان
الاخراج من الجميع يعد أمرا واحدا وانما تختلف خصوصيات الاخراج باختلاف كيفياته
فان لوحظ المخرج والمخرج منه متكثرات انضمامية كان ذلك معنى واحدا من معاني (إلا)
وان لوحظ متكثرات استقلالية كان ذلك معنى آخر فان الاستقلال والانضمام يختلف بهما الاخراج
فهما نظير كون العموم الاستقلالي والمجموعي فاستعمال اللفظ بأحد هذين النحوين لم
يكن من قبيل استعمال اللفظ فى اكثر من معنى
نعم لو استعملت في
كلا النحوين صار استعمال اللفظ في اكثر من معنى لكن خلاف الفرض ولو اغمضنا عن ذلك
فنقول هذا على خلاف المبنى من وضع الحروف فان التحقيق وضعها بالوضع العام والموضوع
له عام وفاقا للاستاذ وان كان اختلافنا فى كيفية الاعتبار فالاستاذ (قدسسره) يقول بالوضع العام والموضوع له عام بحيث تراه منعزلا عن
الخصوصيات منطبقا عليها انطباق الكلي على جزئياته ومختارنا بالوضع العام والموضوع
له عام ولكن يرى مندكا مع الخصوصيات ملحوظا معها تبعا وعلى كلا المسلكين فلا يلزم
استعمال اللفظ في اكثر من معنى والتحقيق أن رجوعه الى الاخيرة متيقنة وغيره لا
دليل عليه فتجري اصالة العموم فيما عدا الاخيرة هذا اذا كان العموم وضعيا فلا يكون القيد صالحا
__________________
للقرينية واما اذا
كان اطلاقيا فلا يكون في الجمل اطلاق لا لكونها متعقبة بما يصلح للقرينية بل لكون
كل ظهور متوقفا على عدم ظهور الغير وهو الدور الواضح هذا اذا كان المتعقب حرفا (كالا)
واما لو كان المتعقب اسما مثل لفظة (سوى) فيما كان المستثنى قابلا للانطباق على
المخرج فى كل جملة فاذا كان العام اطلاقه وضعيا يؤخذ به ويقدم على اطلاق الاستثناء
والمستثنى ولو قلنا برجوع اصالة العموم الى اصالة الظهور لورود ذلك على ذلك
الاطلاق نعم يشكل الأمر لو قلنا بكون العموم اطلاقيا فجريان اصالة العموم يتوقف
على عدم جريان الاطلاق كما ان جريان الاطلاق يتوقف على عدم جريان العموم فحينئذ
ينتفي الظهور لا لاجل اتصال الكلام بما يصلح للقرينية كما لا يخفى.
__________________
تخصيص الكتاب بالخبر الواحد
الفصل الحادى عشر
اختلفوا فى جواز تخصيص الكتاب بالخبر الواحد أم لا على قولين والمانع ناظر الى أن
الخبر ظني والكتاب قطعي والقطعي لا يعارض الظني ولكن لا يخفى أن الخبر أيضا قطعي
بحسب الدلالة فكل واحد منهما قطعيا من وجه وظنيا من وجه آخر وثانيا أن التعارض
انما يكون بحسب الدلالة ولا اشكال فى قطعية الخبر فيقدم وربما يمنع من جهة الأخبار
فان الأخبار الدالة على طرح ما خالف الكتاب وانه زخرف وانه اطرحه على الجدار ولكن
لا يخفى أن المراد بالمخالفة التباين لا بنحو العموم والخصوص وهذا كثير واقع؟ فى
لسانهم (ع) وربما يمنع بدعوى ان التعبد في سند الخبر يعارضه التعبد فى دلالة
الكتاب وليس أحدهما أولى وأقوى من الآخر حتى يقدم وفيه ما لا يخفى أن هذا يجري فى
كل خاص تعبدي سواء كان العام من عمومات الكتاب أم لا وقد بينا أن الخاص مقدم على
العام من جهة قوة دلالته كما لا يخفى.
تعارض العام مع الخاص
الفصل الثاني عشر
إذا ورد خاص وعام متخالفان بحسب الحكم فهل يكون الخاص مخصصا للعام أو ناسخا لحكمه
أو منسوخا بالعام؟ فيه أقوال وربما فصل بين ما كان مقارنا للعام أو واردا بعده قبل
حضور وقت العمل وبين ما كان واردا بعد حضور وقت العمل فيكون في الاول مخصصا لا
ناسخا وفى الثاني ناسخا لا مخصصا ولكن لا يخفى أن هذا التفصيل انما يصح بعد تسليم
مقدمتين
وهما عندنا
ممنوعتان. أما الأولى : فتأخير البيان عن وقت الحاجة غير معقول فالخاص الوارد بعد
حضور وقت العمل لا يعقل أن يكون مخصصا بل ناسخا وإلا لزم تأخير البيان عن وقت
الحاجة ولا يخفى من منع هذه المقدمة فان من الممكن أن يؤخر البيان عن وقت الحاجة
لمصلحة ولحكمة تقتضي ذلك ثم ما المراد بالحاجة إن كانت حاجة المكلف فهو فى غاية
المعقولية إن كانت هناك مصلحة وإن كانت حاجة المولى وهي أن يكون بصدد بيان مرامه
فهو في غاية عدم المعقولية وظاهر كلماتهم الأولى.
واما الثانية أن
النسخ رفع الحكم الفعلى الثابت في الواقعة المنسوخة فلا يصلح الخاص الوارد قبل
حضور وقت العمل إلا وأن يكون مخصصا لامتناع النسخ مع هذا الفرض ولا يخفى ما فيه
فان البداء فى الأحكام كالبداء في التكوينيات فانه كما يجوز للمولى أن يظهر شيئا
لمصلحة ثم يتبين خلافه فكذلك يجوز للمولى أن يظهر حكما مشروطا بشيء ثم يتبين خلافه
قبل حصوله فيكون على مسلك المشهور في الواجب المشروط رفع حكم غير فعلى وعلى مسلكنا
أنه رفع لحكم فعلى فلو ورد الخاص بعد العام يحتمل أن يكون مخصصا سواء أكان قبل
حضور وقت العمل أم بعده وكذلك ايضا إذا كان العام بعد الخاص فيحتمل أن يكون ناسخا
ويحتمل أن يكون مخصصا نعم لو كان الخاص مقرونا بالعام لا يعقل هنا النسخ ، لان
النسخ يفتقر أن يمضي زمان على الحكم المنسوخ وبالجملة فلا فرق في الخاص بين أن
يكون متقدما على حضور وقت العمل أو بعده في كونه ناسخا أو مخصصا فلا مجال للتفصيل
وتقديم التخصيص على النسخ لأن اكثر المواضع لو لم يكن الكل هو التخصيص حتى اشتهر
وقيل «ما من عام إلا وقد خص» مبنى على تلك
المقدمتين التين
منعناهما فلا بد من الرجوع الى الاصول العملية ويمكن دعوى أرجحية التخصيص لا من
جهته بل من جهة اخرى فيقال فرق بين التخصيص والنسخ فان فى التخصيص يستهجن خروج
اكثر الأفراد بخلاف النسخ فانه لا يستهجن خروج اكثر الأفراد مثلا لو قال المولى
اكرم العلماء ثم اخرج منهم فلم يبق إلا اثنين أو ثلاثة استهجن بخلاف ما لو قال
أكرم زيدا ونسخه بعد يوم وان لزم خروج اكثر الافراد لظهور القضية في الاستمرار.
وسر الفرق بينهما
يحتاج الى بيان مقدمة وهي : أن المتكلم ربما يلقي كلامه بلا غرض له الى قصد معناه
بل ألقاه لأجل أن يتلقى السامع منه ويفهم من ظاهر كلامه ويتبع ذلك الظهور وربما
يذكر اللفظ ويريد منه المعنى المجازي ويسمى تصرفا في اللفظ وربما يلقى الى المخاطب
كلاما لا يعتقده أي المتكلم ولكن انما أتى به والقاه لأجل تصديق المخاطب مثل
الأقوال الكاذبة ومثلها صدور الأخبار التي لا يعقل عليهم الكذب فيسمى بالتقية
ويسمى تصرفا في الجهة وليس مثل هذا التصرف مستعملا في غير ما وضع له فلم يجز
موضوعه الاصلي بل التصرف فى الجهة إذ ظاهر المتكلم أن يكون بصدد بيان حكمه الواقعي
فاذا لم يكن كذلك لم يرتكب مجازا والنسخ من التصرف في الجهة فيمكن أن يبرز الحكم
بما ظاهره الاستمرار ثم ينسخه وليس فيه محذور ولو كان الخارج بالنسخ اكثر من
الداخل وباب التخصيص من التصرف بالدلالة. إذا عرفت أن باب النسخ غير باب التخصيص
فاعلم انه فيما لو دار الامر بين النسخ والتخصيص يرجع الدوران الى التصرف في
الدلالة أو فى الجهة والمعروف عند الأصحاب تقديم جانب التصرف في الدلالة ولكن
اختلفوا فى وجهه فمنهم جعل وجهه شيوع التخصيص وقد عرفت ان ذلك مبنى على مقدمتين
ممنوعتين عندنا ومنهم من قال انه كما كانت اصالة
الظهور معتبرة فى
الألفاظ كذلك اصالة الجهة فلو دار الأمر تعين رفع اليد عن الأولى لأن التعبد
باصالة الظهور انما يتأتي بعد الفراغ عن اصالة الجهة إذ بعد التصرف في الجهة لا
معني لاصالة الظهور ولما لم يمكن جمعهما روعي جانب اصالة الجهة حتى يمكن التعبد
باصالة الظهور فاذا بنى على عدم التصرف بالجهة فلا بد من التخصيص ويرد عليه أما اولا
فالمراد من اعتبار الجهة والدلالة إن كان المراد منه الجري على مقتضاه والعمل على
طبقه فالجهة والدلالة متساويان إذ نسبتهما الى العمل كنسبة اجزاء تركيبه الى
المركب المؤتلف منها ليس لبعضها تقدم على بعض فان المركب ينعدم بانعدام جزء منه
واما ثانيا ان هذا انما يتم فيما لو كان هناك دليل واحد لو تعارض فيه الجهتان لا
فى الدليلين كما هو مفروض الكلام.
وتحقيق المقام ان
الخاص ان كان مقدما على العام فاصالة العموم فى ناحية العام انما تتم إذا فرض كون
الخاص اضعف من العام واما مع فرض كون الخاص اقوى كان ذلك تخصصا فى اعتبار العام
ولا يكون تخصيصا بخلاف ما اذا بنى على النسخ واعتبر العام بالنسخ يكون ذلك تخصيصا
ومعلوم انه لو دار الأمر بين التخصيص والتخصص اخذ بالتخصص وإن كان قبل حضور وقت
العمل بالعام لزم العمل على مقتضى التخصيص ويطرح النسخ لأن النسخ لا بد من حضور
وقت العمل وقبل حضوره لا اثر حتى ينسخ وان ورد يعده يعامل معاملة النسخ بلا تزاحم
لأن اصالة الجهة جارية في العموم الى ان يعلم الخاص فيكون قبل مجيء الخاص العام
مبينا للحكم الواقعي وبصدد البيان الى مجىء الخاص ففي المدرك مع القوم مختلف
فمدركنا اصالة الجهة في الخاص لوروده بعد حضور وقت العمل وعدم اعتبارها لو ورد قبل
حضور وقت العمل واما مدركهم فقد عرفت انه مبني على مقدمتين غير مسلمتين عندنا.
(تنبيه) إن ما
ذكرنا من الخاص بعد حضور وقت العمل لو كان لسان الخاص انه محكوم عليه من حين صدوره
فانه يحكم بالنسخ وأما لو كان لسانه محكوما عليه من حين الأزل فتقع المعارضة بين
العام والخاص والخاص لما كان اقوى فيقدم على العام.
فان قلت كيف يعقل
ان يكون دليل الخاص فيه دلالة على محكومية الخاص من الأزل وهل هو إلا كالمنشآت
الوضعية حيث ان مضامينها من حين صدور الانشاء كالملكية والزوجية والحرية والرقية
قلت قياس مع الفارق فان المقام فيه جهة حكاية عما قبل كما يروي الراوي عن الامام (ع)
بخلاف الانشاءات الوضعية فانها لم يكن فيها جهة حكاية عن مضامينها من حين صدور
الانشاء. هذا كله فيما اذا علم بتاريخهما واما لو جعل تاريخهما فان كان الخاص دالا
على تقدم حكمه من الازل بنى على التخصيص إذ لا يخرج أمره من الفروض المحتملة فيه
وكلها تبني على التخصيص دون النسخ واما اذا كان غير ناظر الى الازلية فيجىء احتمال
النسخ او التخصيص من جهة احتمال انه قبل وقت العمل او يعده وإن كان قيل وقت العمل
يبني على التخصيص وإن كان بعده يبني على النسخ وحيث لم يكن معين لاحد الاحتمالين
ولم يكن مرجح فى البين تعين الرجوع الى الاصول العملية. هذا ما اردنا بيانه من
المقصد الرابع في العام والخاص والحمد لله رب العالمين.
المقصد الخامس فى المطلق والمقيد
وفيه فصول :
الفصل الاول فى
تعريف المطلق فنقول عرف المطلق بما دل على شائع في جنسه والمراد بالجنس ما يشمل
النوع والصنف أي مطلق ما كان سنخ الشيء المحفوظ في ضمن قيود طارئة عليه من غير فرق
بين كونه موجودا بين وجودات متعددة أو وجود واحد لا الجنس المنطقي أو النحوي
المعبر عنه باسم الجنس أو علمه المخصوص بالكليات الصادقة على الكثير والمراد
بالشيوع ما احتمل انطباقه على القليل والكثير وهذا مما لا اشكال فيه وانما الكلام
فى ان الشيوع داخل في حقيقة المطلق أم يفهم ذلك من مقدمات الحكمة على قولين ينسب الأول
__________________
الى المشهور
والثاني الى المحقق سلطان العلماء (قدسسره) وهو الحق وفاقا لاكثر من تأخر من المحققين وبيانه يحتاج
الى تمهيد مقدمه وهى أن الوجود الذهني
__________________
كالوجود الخارجي
فكما انه يشخص الماهية ويحددها ويجعلها جزء حقيقيا بعد ما كانت كليا عقليا ويصيرها
مصداقا لكلي معرى عن قيد التشخص فكذلك الوجود الذهنى فانه ايضا يحدد الماهية
ويجعلها جزئيا ذهنيا بنحو لا ينطبق على
__________________
كثيرين في الذهن
إذ الوجود الذهنى مع الوجود الخارجي يرتضعان من ابن واحد. فالماهية الموجودة فى
عالم الذهن لا بد وان تحدد بحد التجرد أو بحد عدمه
__________________
مثلا الرقبة لو
لوحظت اما ان تلاحظ مجردة أي سارية في جميع الافراد أو تلاحظ مقيدة اي لم تكن
سارية في جميع الافراد. والمراد بالمجرد مصداقه لا مفهومه فلا يعقل وجود الماهية
فى عالم الذهن بدون هذين الشيئين بل لا بد وان تكون مقيدة بالتجرد أو بعدمه ولا
وجود لها مستقلا منحازة عن هذين إلا وأن تكون مندكة في أحدهما والماهية بلحاظ حد
التجرد هي من المعقولات الاولية التي هي قابلة للانطباق على القليل والكثير وان
كانت بلحاظ التقييد تكون من المعقولات الثانوية لان عنوان ضيق الطبيعة يمنع عن
الانطباق على كثيرين فلذا عد من المعقولات الثانوية بخلاف الوجود الخارجي فانه ليس
من المعقولات اصلا وانما هو من الموجودات الخارجية المباينة للموجودات الذهنية.
ولا يخفى انه لا جامع
__________________
بين حد التجرد
والتقييد إذ لا يعقل أن يكون جامع بين شيئين متناقضين وهما الواجد والفاقد إلا
بحفظ الماهية بين الحدين وبه يمكن تصور جامع بينهما إلا انه لا وجود له مستقلا
بنحو ينحاز عنهما بل وجوده مندك فى احدهما وقد ذكرنا نظير ذلك فى بحث المشتق
بالنسبة الى تصور مبدأ الاشتقاق. فقد ذكرنا انه لا يعقل وجود مبدأ جامع بين اسم
المصدر وغيره اذ يلزم ان يكون شيء واحد جامعا بين الواجد والفاقد إلا بحفظ المبدأ
بينهما بنحو يكون مندكا في المشتقات وبذلك صورنا جامعا بينهما اذا عرفت ذلك فاعلم
ان سلطان العلماء (قدسسره) ذهب الى ان الموضوع له في المطلق هو الجامع المجرد من كلا
الحدين وان كان في عالم الذهن لا بد وان يقترن باحدهما وهو الحق للتبادر فان
المتبادر من حاق لفظ المطلق هو تلك الماهية المعراة عن كلا الحدين وذلك علامة وضع
لفظ المطلق لها والمشهور ذهب الى ان الموضوع له هو الماهية المجردة والفرق
بين المذهبين
__________________
هو انه على مذهب
السلطان يكون استعمال لفظ المطلق في المقيد حقيقة وعلى مذهب المشهور مجازا وبعبارة
اخرى ان للماهيات اعتبارات تارة تلاحظ غير مقيدة بشيء
__________________
من اعتبارات
الماهية وتسمى باللابشرط المقسمى واخرى تلاحظ مرسلة وهي المعبر عنه باللابشرط
القسمي وثالثة تلحظ مقيدة بشيء خاص وهي المعبر عنه بالمقيد فلو
__________________
استعمل لفظ المطلق
في المقيد على الأول كما يقول سلطان العلماء يكون حقيقة وهو من قبيل تعدد الدال
والمدلول وعلى الثاني يكون مجازا إذ استعماله فى المقيد
__________________
لا يكون مستعملا
فيما وضع له بل يكون في غير ما وضع له لكونه على ذلك موضوع للارسال والتقييد غير
الارسال ان قلت كيف يمكن ان يضع الواضع
__________________
لشيء مع انه لا
وجود له مستقلا فان الماهية المهملة لا وجود لها فى نفسها فمن الواضح ان الواضع
عند وضع اللفظ لها لا بد وان يتصورها مستقلا لكي يضع اللفظ لذلك الملحوظ. قلت لا
يلزم من وضع لفظ لمعنى ان يتصوره مستقلا بل يكفي ملاحظته لنفس المعنى الموضوع له
تبعا مثلا يتصور ماهية محدودة بحد التجرد ولكن لم يضع اللفظ لتلك الماهية المجردة
بل للاعم منها ومن المخلوطة لا يقال كيف يمكن الامتثال على مذهب السلطان لانا نقول
أن المقيد في عالم الذهن يرى شيئين متعددين والمجرد يرى شيئا واحدا. والذي هو
موضوع حكم العقل هو ما يرى شيئا واحدا الذي هو من المعقولات الاولية كما انه هو
الذى تعينه
__________________
مقدمات الحكمة
فتكون مقدمات الحكمة على مذهبه معينة للمراد وبالجملة أن الماهية مع الحد إن عدت
هناك اثنينية لم تكن من المعقولات الأولية التي هي قابلة للقليل والكثير فلم تنطبق
على الخارجيات وان لم يكن هناك اثنينية بل ترى مع القيد شيئا واحدا فتكون من
المعقولات الأولية وتنطبق على ما في الخارج وبتقريب آخر أن الشياع المأخوذ فى
التعريف تارة يراد منه معنى قابلا للانطباق بتمام معناه على القليل والكثير وبهذا
المعنى قد اخذ في متعلق الأمر ولازمه انطباق تمامه على أول الوجود وذلك يقتضي
السقوط واخرى يراد منه الساري فى ضمن الموجودات المتعددة ولازمه عدم انطباقه بتمام
معناه على القليل بل لا ينطبق إلا على الكثير ولازمه تعدد الامتثال وعدم سقوط
التكليف وبهذا المعنى قد أخذ فى النواهي بل وغالب الأحكام الوضعية كمثل (أحل الله
البيع) وبين هذين النحوين تباين بنحو لا يتصور جامع بينهما اذ كيف يتصور جامع بين
الواجد أي المأخوذ فيه خصوصية السريان الذي هو المعنى الثاني منها المعبر عنه
بالطبيعة السارية وبين الفاقد غير المأخوذ فيه خصوصية بل اعتبر معرى عن جميع
الخصوصيات القابلة للانطباق على القليل والكثير الذي هو المعنى الأول إلا بدعوى
كون الجامع هو المعنى المحفوظ في ضمن الواجد والفاقد وحينئذ كما يمكن تصور الجامع
بين هذين المعنيين من الشياع كذلك يمكن لنا دعوى تحقق جامع يجمع جميع تلك الصور
المتصورة وهو المعنى المحفوظ بين الشياع الجامع لمعنييه وبين غيره الذي هو المحفوظ
فى ضمن المقيد غير القابل للصدق إلا على القليل وهذا الجامع كالمادة المحفوظة في
ضمن هيئات المشتقات الحاكية عن مفهوم واحد ومنه يعلم أنه ليس نسبة الجامع المحفوظ
بين المعاني المتصورة الثلاث المعبر عنه باللابشرط المقسمي بالنسبة الى ما هو
المعبر عنه
باللابشرط القسمي نسبة الكل الى الفرد بل نسبته اليه كنسبة منشأ الانتزاع الى ما في
الخارج فكما لم يكن منشأ الانتزاع الجامع فى ضمن الافراد الخارجية له وجود في
الخارج فى قبال مصداقه في الخارج كذلك اللابشرط المقسمي بالنسبة الى القسمي ليس له
وجود فى عالم الذهن فى قبال وجوده وانما هو جهة محفوظة فى ضمن المعاني المتصورة
المتعددة ولذا أمكننا أن نعبر عن تلك الجهة المحفوظة بان وجوده عين الوجودات
الذهنية المتصورة وليست لتلك الجهة وجود مستقل في الذهن في قبال تلك الصور الذهنية
المتعددة كما لا يخفى.
وبيان أوضح ان
بناء الأصحاب على ان اطلاق المطلق على أحد المعنيين ليس على نحو المجازية ولازمه
ان يكون المراد به الجهة المحفوظة بين نحوي الشياع بنحو لا يكون له وجود مستقل فى
الذهن عاريا عن الجهتين نعم بناؤهم على مجازية المطلق لو اريد منه التقييد بغير
الشياع فاذا صح ذلك قلنا دعوى ان يراد من المطلق معنى أوسع من ذلك بنحو يشمل النحو
الثالث بان يراد منه معنى محفوظ بين الجهتين وما هو فى ضمن القيد غير جهة الشياع
فحينئذ يرد على المشهور بانه لا وجه لاختصاص مفهوم المطلق بالشياع وذلك لانسياقه
الى الذهن من حاق اللفظ المعبر عنه بالطبيعة المهملة المناسب لكل لون وبتعبير آخر
هو اللابشرط المقسمي الجامع لما هو مقيد بقيد غير الشياع والفاقد لجميع الخصوصيات
الزائدة عن الطبيعي القابل للانطباق على القليل والكثير المعبر عنه بالشياع
واللابشرط القسمي المحتاج اثباته الى مقدمات الحكمة ولذا يكون استعمال اللفظ فى
جميع المقامات بنحو الحقيقة بنحو تكون الخصوصية مستفادة من دال آخر وقد عرفت ان تلك
الجهة المحفوظة في ضمن اللابشرط القسمي ويشرط شيء المعبر عنها باللابشرط المقسمي
ليست لها وجود في
الذهن مستقل فى قبال افراده بل هي موجودة في الذهن بعين وجود افراده.
ومما ذكرنا ظهر
بطلان ما قيل من الفرق بين اللابشرط المقسمي واللابشرط القسمي بدعوى ان المقسمى
الماهية المجردة حتى عن قيد التجرد والقسمي هو الماهية المقيدة بقيد التجرد الذهني
لوضوح ان مع هذا القيد كيف يعقل انطباقه على ما في الخارج على ان بناء الأصحاب ان
اللابشرط القسمي قابل للانطباق على القليل والكثير وصلاحيته لذلك يحصل من مقدمات
الحكمة كما هو قضية أخذ المطلق فى حيز الأمر كما انه ظهر بطلان الفرق بينهما بدعوى
ان المقسمي عبارة عن ان الملحوظ نفس ذاته بما له من الذاتيات والقسمي هو الملحوظ
معه أمر خارج عن ذاته من غير فرق بين كون الخارج عن الذات أمرا عدميا أم وجوديا أو
الاعم منهما لبداهة ان الماهية مع لحاظ تجردها عن عوارضها الخارجية تكون قابلة
للانطباق على القليل والكثير وهو الذي نثبته مقدمات الحكمة بالنسبة الى ما أخذ فى
حيز الأوامر المعبر عنه باللابشرط القسمى فعليه ليس لنا لا بشرط المقسمي إلّا ان
يدعى كما ينسب الى البعض بانه عين وجود افراده في الذهن وليس له وجود مستقل فى
قبال الافراد فحينئذ يرجع الى ما قلنا من ان تلك الجهة المحفوظة في ضمن الافراد
الذهنية ليس لها وجود فى الذهن في قبال الافراد فى الذهن بل وجودها معنى وجود
الافراد وهذا الجامع المحفوظ بين اللابشرط القسمي وبشرط شيء هو المتبادر من لفظ
المطلق بنحو تستفاد تلك الخصوصيات من دال آخر وليست تلك الخصوصيات مستفادة من حاق
اللفظ ولذا قلنا ان الحق هو قول سلطان العلماء (قدسسره) كما لا يخفى.
ما يدل على المطلق
الفصل الثاني فى
بيان ما يدل على المطلق وقد ذكروا له امورا : منها اسم الجنس كرجل وفرس وانسان ،
وعرف بانه صرف المفهوم من غير ملاحظة شيء معه ومقتضى ذلك ان يكون اسم الجنس موضوعا
لذات الماهية المحفوظة في الذهن في ضمن صور متباينة حسب تباين اعتبارات الماهية من
دون أخذ خصوصية الفقدان والوجدان وان كانت تلك الماهية لا تنفك في الذهن عن تلك
الاعتبارات فيكون المعنى فى الذهن متحققا بنفسه ولا يكون له حد خاص وصورة مخصوصة
فيه فحاله في الذهن كالكلي الطبيعي في حال اجتماعه مع الخصوصيات الشخصية وحينئذ
فطبع اللفظ ليس فيه اقتضاء لمعنى صالح للانطباق على القليل والكثير أو لمعنى مضيق
غير صالح لذلك بل ذلك المعنى ذات المبهم يجتمع مع كل من اعتبارات الماهية ككونها
فاقدة لجميع الخصوصيات أو مقيدة بخصوصية من تلك الخصوصيات قال الاستاذ (قدسسره) فى الكفاية ما لفظه (الموضوع له اسم الجنس هو نفس المعنى
وصرف المفهوم غير الملحوظ معه شىء اصلا ... الخ) وتكون تلك
__________________
الخصوصيات مستفادة
من دال آخر كمثل مقدمات الحكمة أو لفظ يدل على تقييد الماهية باحد القيود والى ذلك
يرجع كلام سلطان العلماء (قدسسره) من ان لفظ المطلق موضوع الى الماهية المعراة عن حيثية
السعة والضيق فان المراد من عرائها في مقام الوضع لا فى مقام الذهن وقد عرفت أن
ذلك مما يقتضيه الوجدان من تبادر المعنى المناسب مع جميع تلك الخصوصيات وذلك هو
المعنى المحفوظ فى ضمن جميع الاعتبارات والحدود بلا استقلال بنفسه فى مقام الذهن المعبر
عنه بالماهية المبهمة باعتبار كون تلك الماهية متحققة في الذهن بلا حد في نفسها
مستقلا بل هي متحققة في ضمن الحدود الزائدة عن حيز الوضع وتكون كالمادة السارية في
ضمن المشتقات فانها متشكلة باحد صور الاشتقاقية فلذا قلنا في مبحث المشتق بوضع لفظ
المادة الى المعنى المبهم السارى فى ضمن الصور المتباينة وهو الجامع لجميع تلك
الخصوصيات المتباينة من دون وجود لها مستقلا بنفسها بل وجودها فى ضمن تلك الهيئات
الخاصة كما لا يخفى.
ومنها علم الجنس
كاسامة فانه موضوع لصرف المعنى بلا لحاظ شيء فيه
__________________
فلذا صح انطباقه
على القليل والكثير فهو كاسم الجنس وان كان فرق بينهما من حيث التعريف باعتبار انه
قد أخذ فى مفهوم علم الجنس الاشارة الذهنية وذلك يوجب ترتب أحكام المعرفة عليه فان
حقيقة الاشارة نحو توجه النفس الى الصور وهو غير مرتبط بعالم اللحاظ لكي يشكل بانه
لا ينطبق على ما في الخارج ولذا ترى عند لحاظ صور متعددة توجه النفس الى بعضها دون
البعض الآخر وتشير الى ان بعضها أحسن من البعض فحينئذ يكون التقييد بمثل ذلك لا
يضر بانطباقه على ما في الخارج فدعوى ان التقييد بمثل ذلك يوجب عدم انطباقي المقيد
به على ما في الخارج فى غير محلها لما عرفت أن ذلك لو كان من سنخ اللحاظ لأوجب ذلك
عدم الانطباق إلا أنك قد عرفت ان توجيه النفس والاشارة ليست من سنخ اللحاظ على انه
لو كان من سنخ اللحاظ قلنا بان علم الجنس موضوع للطبيعة بلحاظ التعيين لكي يترتب
عليه احكام المعرفة حقيقة لا لفظا فيشكل عليه
__________________
بعدم الانطباق على
ما فى الخارج ولكن لا يخفى إن هذا الاشكال انما يتم لو كان التعيين جزء أو قيدا
للموضوع له إذ لا يعقل انطباق ما هو مقيد بخصوصية لا توجد إلا في الذهن على ما في
الخارج واما اذا لم يؤخذ القيد على هذا النحو بل أخذ على نحو المرآتية بان يكون
مرآة واشارة الى المعنى الموضوع له الذي هو الطبيعة وليست بما هي هى بل بما هي حصة
مساوقة للخصوصية الذهنية بنحو خروج القيد والتقييد بان يكون لفظ علم الجنس موضوعا
لنفس ذات المعنى التي تعلق بها الاشارة ويكون المعنى قد أخذ بالنسبة اليها على نحو
التوأمية وبذلك يفرق عن اسم الجنس فانه موضوع لنفس المعنى غير المقيد لما يشار
اليه أو بما لا يشار اليه وبما ذكرنا من الفرق عد علم الجنس من المعرفة حقيقة ولا
يخفى أن الفرق بين الجنس واسم الجنس هو الفرق بين المعاني الاسمية والحرفية على ما
ذكرنا في المعنى الحرفي من أنه عبارة عن معنى توأم مع اللحاظ الآلي والمعنى الاسمي
هو التوأم مع اللحاظ الاستقلالى وعلى ذلك يحملنا عبارة الفصول فلذا لم ترد عليه
الاشكالات الثلاثة التي
__________________
ذكرها الأستاذ (قدسسره).
ومنها الجمع
المحلى بالالف واللام فقد قيل بدلالته على العموم لأجل دلالة اللام على التعيين
ولا تعيين إلا للمرتبة الأخيرة والظاهر استفادة ذلك من الاطلاق لا من الوضع فدعوى
دلالته عليه بالوضع فى غير محلها لعدم وضع المدخول لذلك كما ان دعوى ان دلالته على
العموم ناش من التعيين حيث لا تعيين إلا للمرتبة الاخيرة محل اشكال فلذا الحق
استفادة المرتبة الاخيرة التي هى الاستغراق من الاطلاق الناشئ من مقدمات الحكمة
وفاقا للاستاذ (قدسسره) في العام والخاص ما لفظه (بل انما يفيده فيما اذا اقتضته
مقدمات الحكمة) فلا تغفل.
ومنها النكرة كرجل
مثلا فانه قيل انها من المطلق بتقريب أن معناه هو مفهوم الواحد الصالح للانطباق
على القليل والكثير ولكن لا يخفى ما فيه للفرق بين النكرة ومفهوم الواحد فان
النكرة يعتبر فيها التشخص الخارجي وانما التردد حصل من عدم معرفة الحد الخارجي
بخلاف الواحد فانه لم يؤخذ فيه الخصوصية الخارجية فينطبق على القليل والكثير ولذا
عد الواحد واسم الجنس من قبيل الكلي والنكرة من قبيل الجزئي الحقيقي ، فلو قيل اكرم
واحدا فانه يحصل الامتثال لو اكرم جماعة بخلاف ما لو قال اكرم رجلا فانه لا يمتثل
بالجميع بل باحدهم وقد عرفت سر ذلك فان النكرة لما كانت الخصوصية الخارجية داخلة
من مفهومها صارت مأخوذة فى حيز الطلب بخلاف الواحد فانه لما لم تكن الخصوصية داخلة
في مفهومه فلذا لم تكن مأخوذة في حيز الطلب فما ذكره الاستاذ (قدسسره) فى الكفاية ما لفظه (من كونها قابلا للانطباق) مبني على
كون معنى النكرة كليا طبيعيا قد قيد بمفهوم الوحدة فيكون كمثل الرجل العالم العادل
الصالح للانطباق
على الكثير
انطباقا عرضيا ولكنه محل منع اذ الوحدة المأخوذة فى معنى النكرة هى الحاكية عن
التشخص الخارجي وحينئذ غير صالح للانطباق على الواحد على البدل وبذلك يمتاز عن اسم
الجنس ولفظ الواحد وبتقريب آخر ان مفهوم النكرة هى الطبيعة المقيدة يكونها فى ضمن
أحد الشخصيات بنحو يكون القيد هو التشخص غير المعين فينطبق على الخارج على البدل
وذلك يلازم الفرد وحينئذ يكون قابلا للصدق على كثيرين بواسطة عدم تعينه واقعا
وبذلك يمتاز عن اسم الجنس فان قبوله للانطباق على كثيرين انطباقا عرضيا فالنكرة هى
وسط بين اسم الجنس والفرد فهي تشارك اسم الجنس في قبولها الصدق على كثيرين وتمتاز
عنه بان الصدق فيها على البدل وفيه صدقا عرضيا كما انه تمتاز عن الفرد بقبولها
للصدق على كثيرين دونه لعدم صدقه على ذلك ولذا عبر عنه بالفرد المنتشر لأخذ التشخص
في مفهومه وبذلك يكون فردا ولأجل عدم تعيين القيد كان القيد منتشرا بالنسبة الى
الخصوصيات المتعينة بنحو يصلح للانطباق على كل منها انطباقا بدليا.
ودعوى ان النكرة
كاسم الجنس في قبولها للانطباق على كثيرين انطباقا عرضيا فهي انما تتم هذه الدعوى
بناه على أخذ مفهوم الوحدة في مفهوم النكرة ولكنك قد عرفت فساده إذ ذلك ينافي كون
النكرة فيها معنى الفردية ولازم ذلك أخذ مصداق التشخص في مفهومها فحينئذ يكون
انطباقها على كثيرين انطباقا تبادليا وهى كالفرد المنتشر من حيث أخذ مصداق التعيين
الذاتي في قبال الفرد المعين فان أخذ التشخص فيه بنحو يكون عرضيا ملحوظا في قبال
الغير الطارد لغيره وبذلك صح اطلاق المطلق عليه بهذا اللحاظ بخلاف الفرد المعين
فانه لا يطلق عليه المطلق لعدم شيوع له من حيث الفردية.
نعم لا مانع من
صحة اطلاق المطلق من حيث الحالات. ثم لا يخفى ان النكرة تطلق على اسم الجنس
باعتبار كونها حاكية عن نفس الطبيعة العارية عن أداة التعريف بلام أو غيره كما هو
المعروف عند علماء العربية أن اسم الجنس نكرة فى قبال علم الجنس أو المعرف بلامه
فحينئذ يكون هذا الاطلاق على اسم الجنس القابل للصدق على كثيرين صدقا عرضيا وبهذا
الاطلاق تمتاز النكرة عن الفرد المنتشر لكونها أوسع منه إذ لا يطلق الفرد المنتشر
على الاطلاق الثاني بل ربما يقال بان تعريفها بالمعنى الثاني يغاير تعريفها
بالمعنى الأول حيث انها على الثاني تكون من الماهيات البسيطة ويكون تعريفها كعلم
الجنس أو المعرف بلامه قابلا للانطباق على كثيرين انطباقا عرضيا بخلاف تعريفها على
المعنى الاول فانه غير صالح للصدق على كثيرين وهو المعبر عنه بالفرد المعين.
كما أن النكرة
تطلق على الفرد المعين كما لو قال جاءني رجل حيث أن الأخبار تحكي عن واقع معلوم.
فتحصل مما ذكرنا
أن النكرة لها اطلاقات ثلاث تطلق على الفرد المنتشر وعلى مفهوم اسم الجنس ، وعلى
الفرد المعين ، وعلى الأولين يطلق عليها اسم المطلق لقبولها الانطباق على كثيرين
في قبال المعنى الاخير غير قابل للانطباق عليها ، غاية الأمر أن الاطلاق بالمعنى
الأول قبولها للانطباق على كثيرين انطباقا بدليا ، وعلى الثاني انطباقا عرضيا.
ومما ذكرنا ظهر الفرق بين جئني برجل وجاءني رجل فان الأخبار تحكي عن واقع معلوم
والانشاء لا يحكيه بل يتعلق برجل لا تعين له فى عالم الخارج فالفرق بينهما ناشئ من
الخصوصية الكلامية وهي لا توجب تغايرا في الحقيقة والذات كما لا يخفى.
مقدمات الحكمة
الفصل الثالث في
بيان جريان مقدمات الحكمة فنقول ان دلالة المطلق كرجل مثلا على الماهية المبهمة
المعبر عنها باللابشرط المقسمي بالوضع وان الشياع والسريان خارج عما وضع له
ويستفاد من دال آخر وهو الحكمة وهي تتوقف على مقدمات وهي كون المتكلم بصدد بيان
تمام مراده بهذا الكلام ولم تقم قرينة ولم يكن هناك قدر متيقن فمع هذه المقدمات يحكم العقل بالاطلاق جزما. إن
__________________
كانت المقدمات
جزمية وإلا فظنية فبجريان هذه المقدمات نستكشف مراد المولى وربما يستشكل ويقال أن
عندنا مرحلتين ومقامين مقام الواقع ومقام الحجية
__________________
والمقدمات سواء أكانت
جزمية أم ظنية انما تثبت مقام الحجية وليس لها دخل بمقام الواقع فان الكلام الذي
يتلقاه المخاطب بجريان المقدمات يصير حجة لو لم
__________________
يكن هناك جهة اخرى
فيمكن تخلفه عن الواقع ولذا لو ظفر بالمقيد انكشف له الواقع والى ذلك اشار الاستاذ
(قدسسره) في كفايته ما لفظه : (ثم لا يخفى ان المراد بكونه في مقام
بيان تمام مراده مجرد بيان ذلك واظهاره وافهامه ولو لم يكن عن جد بل قاعدة وقانونا
لتكون حجة فيما لم تكن حجة اقوى على خلافه لا البيان فى قاعدة قبح تأخير البيان عن
وقت الحاجة فلا يكون الظفر بالمقيد ولو كان مخالفا كاشفا عن عدم كون المتكلم فى
مقام البيان ولذا لا ينثلم به اطلاقه وصحة التمسك به اصلا) ولكن لا يخفى أن معنى
حجية المطلق كشفه عن مراده فاذا كانت المقدمات جزمية كان المطلق كاشفا تاما عن
الواقع عن مراد المولى ولم يحصل التفكيك بين الحجية ومراد المولى فمع ورود المقيد
اما أن يطرح أو يئول ولا يكون
__________________
من باب تعارض
الحجتين بل من باب تعارض الحجية واللاحجية.
ان قلت ان الأصحاب
كلهم اجمعوا على انه قبل الظفر بالمقيد يعملون بالمطلق ومع الظفر يطرحون المطلق
ويعملون بالمقيد. قلت العمل بالمطلق قبل الظفر بالمقيد من جهة الأصل العقلائي
فبجريانه يحرز الاطلاق ومع الظفر به يترك ذلك الأصل وهو ظهور كونه في مقام البيان
ويعمل بمقتضى الظفر لأنه يكشف أن اتيان المطلق معه لم يكن فى مقام البيان فيرتفع
الأصل هذا وربما يستشكل على القوم بان مقتضى جريان مقدمات الحكمة اثبات الاطلاق
بنفسها من دون احتياجها الى مقدمة زائدة مع انها بالنسبة الى النواهي لا تثبت
الطبيعة السارية التي لا تتحقق بصرف الوجود بل تحتاج الى تعدد الوجود الذي هو
مقتضى ذلك فى النواهي نعم بالنسبة الى الأوامر يكون جريانها تثبت الاطلاق حيث انه
مقتضاه أن يكون الموضوع فيها صرف الوجود وهو يتحقق باول وجود وبعبارة اخرى أن
مقدمات الحكمة تقلب موضوع الحكم من نفس الطبيعة المهملة أي المعراة من جميع
الحيثيات المعبر عنها باللابشرط المقسمي الى اللابشرط القسمي الذي هو الشياع بمعنى
الصرف ولازمه سقوط الحكم قهرا باول وجوده أما بالاطاعة كما في الأوامر أو بالعصيان
كما فى النواهي لاستحالة انطباق صرف الوجود على ثاني الوجودين مع أن استفادة
الطبيعة السارية خصوصا في النواهى تحتاج الى مقدمة زائدة مع أن ظاهر المشهور عدم
احتياج استفادة الاطلاق فى النواهى الى ازيد من ذلك وبالجملة يلزم الفرق بين
الأوامر والنواهى باحتياج استفادة الاطلاق في النواهى الى مقدمة زائدة عليها دون
الأوامر مع أن القوم لا يظهر منهم الفرق بينهما ولكن لا يخفى أن هذا الاشكال يتم
لو كان طبع مقدمات الحكمة قلب موضوع الحكم من اللابشرط
المقسمي الى خصوص
اللابشرط القسمي واما لو قلنا بان طبعها لا يقتضي أزيد من أن مدلول لفظ المطلق هو
الجامع بين اللابشرط وبشرط شيء الذي هو تمام الموضوع للحكم بلا دخل لخصوصية زائدة
فيه وحينئذ أن هذا المعنى في طرف الأوامر ينطبق على أول الوجود كما عرفت أن الأمر
عبارة عن طلب الوجود وذلك يحصل قهرا باول وجود الطبيعة وفي طرف النهى حيث أن
المطلوب فيه عدم هذا الوجود فيكون تمام الموضوع فيه عدم الوجود الصادق على
الوجودات المتعاقبة وذلك لا يحصل إلا بترك تمام افراده العرضية والطولية وبالجملة
طبع المقدمات جعل الموضوع بتمامه نفس مدلول اللفظ غاية الأمر المدلول فى طرف
الايجاد يتحقق بتمامه لأول الوجود وفي طرف الترك لا يتحقق إلا بترك تمام الافراد.
وبالجملة ان منشأ
هذا التوهم كون المطلوب هو اللابشرط المقسمي وان طبع المقدمات الناشئة عن كون
المولى بصدد البيان مع عدم ذكر القيد كون الوجود فى الذهن هو الطبيعة المجردة
وانها تمام المطلوب الموجب ذلك ضيقا في انطباقها على ثاني الوجود ولكن عند التأمل
انك تجد ان تلك المقدمات لا توجب كون الموجود الذهنى هو تمام المطلوب بل ان طبعها
يقتضي أن مدلول اللفظ تمام الموضوع للخطاب وذلك يختلف بحسب الخطابات من كونها
ايجادية كما فى الأوامر واعدامية كما في النواهي لاختلاف اقتضاء نفس الخطاب عقلا
من دون اختلاف فى ناحية موضوع الحكم فان موضوع الحكم الأوامر والنواهى نفس الطبيعة
المجردة إلا ان في الأوامر حيث انه يقتضي خطابها ايجاد موضوع الحكم وذلك عقلا
ينطبق على أول الوجود ولا معنى لانطباقه على ثانيه وفي النواهي حيث انه المطلوب
فيها اعدام تلك الطبيعة المجردة ولا يحصل ذلك إلا بخلو صفحة الوجود عنها الذي هو
عبارة
عن ترك جميع
الافراد العرضية والطولية نعم للشبهة مجال لو قلنا بان طبع المقدمات تقتضي قلب
الطبيعة المعراة عن جميع الحيثيات المعبر عنها باللابشرط المقسمي الى اللابشرط
القسمي ولكنك قد عرفت أن طبعها لا يقتضي ذلك.
ثم لا يخفى أن طبع
مقدمات الحكمة يقتضي قلب ما هو الموضوع له من الطبيعة المعراة الى الطبيعة المجردة
وبتلك يكون لفظ المطلق ظاهرا فيه ظهورا اطلاقيا كسائر الظواهر اللفظية غاية الأمر
انه ليس هذا الظهور من الظواهر الظنية بل مرجعه الى الحكم العقلي الجزمي بالملازمة
بين تلك المقدمات وبين الاطلاق إذ مع جريانها يحصل الجزم قهرا بذلك الاطلاق كما ان
القيد يوجب الحكم العقلي بالملازمة بين ذكر القيد بالكلام مع التقييد وإلا لزم عدم
فائدته بان يكون واردا مورد الغالب أو لبيان جهة اخرى. وبذلك يظهر ان كل عنوان يؤخذ
في موضوع الحكم لا بد وان يكون بخصوصيته له دخل في المقصود زيادة على ما يستفاد من
الكلام اطلاقا أو تقييدا.
وبالجملة دعوى ان
جريان المقدمات لا يوجب الجزم بتحقق الظهور خلاف الانصاف نعم لا مانع من دعوى كون
الظهور فى المقام كسائر الظواهر اللفظية بناء على جريان اصالة البيان فحينئذ يكون
احراز هذا الظهور من الأصل العقلائي ويكون طريقا لاحرازه بناء على ان تلك المقدمات
بوجودها الواقعي موجبة لظهور اللفظ كما انه لو قلنا بان اصالة البيان موجبة لكسب
اللفظ ظهورا في المعنى المراد يكون ايضا من الظواهر اللفظية الظنية وحينئذ لا مانع
في الصورتين من الاتكال عليه في مقام الاحتجاج نعم يشكل الاتكال على هذا الكلام
فيما لو لم يكن ظهور في مقام البيان لعدم انعقاد بناء العقلاء على الأخذ بالاطلاق
معه لرجوعه الى الظن بالظهور واتباعه محل اشكال إلا بناء على حجية الظن المطلق فلا
تغفل
تنبيهات المطلق والمقيد
وينبغي التنبيه
على أمور : الأول : انه على مذهب سلطان العلماء يختلف انحاء الاطلاق فنحو يكون
الاطلاق بحسب الافراد فقط وآخر يكون بحسب الحالات وثالثا يكون بحسب الأسباب ورابعا
يكون من جميع الجهات ومقتضى الأصل هو الأخير وعلى المشهور لا يختلف حاله وسر ذلك
ان سلطان العلماء التزم بالاطلاق بالقرينة والقرينة مختلفة فتارة تثبت الاطلاق من
جميع الجهات واخرى تثبته من بعض الجهات ولكن المشهور لما قالوا بالوضع التزموا
بالاطلاق من جميع الجهات فلا يعقل التفكيك بين انحاء الجهات بل إذا كان هناك اطلاق
لا بد وأن يكون من جميع الانحاء.
التنبيه الثاني :
ان الإطلاق على مذهب سلطان العلماء (ره) قد عرفت أنه محتاج الى مقدمات منها ان لا
يكون ما يدل على تعيين الموارد فان كان ما يدل فلا يكون هناك اطلاق والقيد اذا كان
عاديا للافراد بان يكون لازما بحسب العادة لا يمكن التمسك بالاطلاق كحال عدم القيد
فمن ذلك ما لو قيل باختصاص الخطاب بالمشافهين فانه لا يعقل شموله للمعدومين بمجرد
اطلاق اللفظ لاحتمال دخل الحضور في الخطاب وانما لم يذكر هذا الشرط لأحتمال
الاستغناء عن ذكره.
التنبيه الثالث :
قد عرفت مما ذكرنا أن من المقدمات أن لا يكون قدر متيقن في مقام التخاطب ولكن ربما
يقال انه على اطلاقه محل نظر فان كونه في مقام البيان امر له انحاء فتارة يكون في
مقام البيان بهذا اللفظ أو بغيره تمام مراده
ولم يكن قاصدا الى
أن يتفطن المخاطب الى ذلك واخرى يكون في مقام بيان تمام مراده بهذا اللفظ ولم يكن
قاصدا الى تفطن المخاطب وثالثة يكون فى مقام بيان تمام مراده بهذا اللفظ ولكن كان
قاصدا الى تفطن المخاطب والتفاته وهذا الشرط المذكور انما يتم فى الصورة الثانية
واما على الصورة الأولى فمطلق ما يكون قدر المتيقن ولو كان من الخارج فهو يضر
بالاطلاق إذ يصح للمولى أن يعتمد عليه وكذلك على الصورة الاخيرة ولكن لا يخفى ان
الشروط انما اعتبرت مع التجرد عن القرينة ومع عدمه لا تجري لأن الصورة الأولى لا
يكون الكلام وافيا بتمام المراد لأن ظاهر المتكلم أن يكون بخصوص هذا الكلام واف
لمراده وعلى الصورة الأخيرة مما يندر ان يتعلق غرض المولى بالتفهيم ولم يبق من هذه
الصور إلا الصورة الثانية وعليه جرت سيرة العقلاء ولذا جرى الاصل العقلائي وقد أخذ
به في محاوراتهم.
وبتقريب آخر ان
المتكلم اذا كان فى مقام البيان فتارة يكون في بيان تمام المراد بنحو يفهم المخاطب
بانه تمامه واخرى يكون بصدد تمام المراد واقعا ولو لم يفهم المخاطب انه تمامه فعلى
الاول لا بد من الاخذ بالاطلاق ولو كان في البين قدر متيقن لعدم احتمال دخل
الخصوصية في المقصود إذ لو كان لها دخل لا خلت بالمقصود فدعوى اتكال العقل على
الاخذ بالمتيقن في غير محلها إذ الاطلاق والتقييد بينهما تباين لرجوع الاطلاق الى
عدم دخل الخصوصية في الغرض بخلاف التقييد لرجوعه الى دخل تلك الخصوصية فهما فى
عالم الذهن متباينان لرجوعهما الى العدم والوجود فكيف يتصور وجود قدر متيقن بينهما
فمع فرض كون المتكلم في بيان تمام المراد بنحو يفهم المخاطب بذلك لا يبقى مجال لاتكال
المتكلم فى بيان غرضه
على الاخذ بالقدر
المتيقن واما كون الخاص هو القدر المتيقن لا يوجب دخل تلك الخصوصية فى الفرض مع ان
المتكلم فى مقام بيان تمام مراده بهذا الكلام على نحو يفهم المخاطب واما على الاول
فلا قصور في الاخذ بالقدر المتيقن لاحتمال كون خصوصية الخاص لها دخل فى تمام
المراد وان لم يفهم المخاطب انه تمامه.
وبالجملة ان القدر
المتيقن يضر بالاطلاق اذا كان المتكلم فى مقام تمام مراده الواصل الى المكلف ولو
من الخارج وان لم يفهم انه تمامه واما اذا كان فى مقام بيان تمام مراده الواصل الى
المكلف بالكلام الذي خاطبه به فلا يضر وجود القدر المتيقن بالاطلاق من قبل ذلك
الكلام وفاقا للاستاذ (قدسسره) في الكفاية كما لا يخفى.
التنبيه الرابع :
لو تعارض عام ومطلق قالوا بتقديم العام بدعوى ان دلالة العام بالوضع ودلالة المطلق
بمقدمات الحكمة ولا تجري تلك المقدمات مع دلالة العام لان دلالته بالوضع دلالة
تنجيزية بخلاف دلالة المطلق فانها تعليقية أي فيما لم يكن هناك ما يدل على التعيين
وحينئذ يصلح أن يكون العام بيانا ولكن لا يخفي على اطلاقه محل نظر بل انما يتم لو
كان المتكلم بصدد أنه في مقام البيان بهذا الكلام أو بغيره فانه حينئذ يكون دلالة
العام تنجيزيا والمطلق تعليقيا ، واما لو كان المتكلم في مقام البيان بهذا الكلام
بالخصوص فلا بد من التعارض فيقدم ما هو اقوى ظهورا لانه يكون على ذلك الفرض كالعام
تنجيزيا كما لا يخفى.
التنبيه الخامس :
لا يخفى أن عمدة مقدمات الحكمة كون المتكلم فى مقام البيان وهو تارة يكون فى مقام
بيان تمام المراد بهذا اللفظ المطلق فلا شبهة انه يكون مضادا مع التقييد إذ
التقييد حينئذ مخالف لما هو بصدد البيان فعليه لا حاجة الى
المقدمة الاخرى
وهو عدم القرينة على التقييد إذ من لوازم البيان المذكور لزوم الاطلاق الموجب
لظهور اللفظ بلا توقف على امر سلبي وهو عدم ذكر القيد وعليه لو وجد القيد فى كلام
آخر يلزم طرحه ولا يصح الاخذ به لكون ظهور اللفظ بالاطلاق جزميا بل لو فرض احرازه
باصالة البيان فيكون ظاهرا في عدم اقامة قرينة على التقييد وحينئذ لو ورد التقييد
بكون مزاحما له فلا معنى للقول يكون ورود القيد موجبا لرفع الاطلاق حيث أنه يتوقف
على عدمه فمع وجوده يكون رافعا له واخرى يكون المراد من كونه فى مقام البيان بيان
تمام المراد بتمام كلام قد خاطبه به لا بخصوص اللفظ المطلق وحينئذ يكون البيان
مقيدا بعدم ذكر القيد ولازمه دخل العدم في الاطلاق فمع حصول القيد يوجب رفع
الاطلاق لكون حصوله متوقفا على عدمه ومما ذكرنا يظهر الاشكال فى اطلاق كلام
الاستاذ فى الكفاية كما لا يخفى.
التنبيه السادس :
للانصراف مراتب ثلاث فتارة ينصرف الذهن الى بعض الافراد بالنظر الاول ولكن يزول
بالتأمل ويسمى باصطلاحهم بالانصراف البدوي واخرى تكون تلك الافراد المنصرف اليها
متيقنة ولكن الشك في غيرها فانه يضر بالتمسك بالاطلاق لاحتمال اتكال المولى على
ذلك وثالثة يكون المنصرف الى تلك الافراد المتيقنة مع القطع بعدم ارادة غيره من
اللفظ فيسمى بالمبين.
وبالجملة ان الاول
لا يمنع من التمسك باطلاق اللفظ وعلى الاخيرين يمنع من التمسك بالاطلاق وان أمكن
الفرق بينهما فانه على أول الاخيرين لو جاء دليل آخر يشمل الافراد فمع وحدة
المطلوب يقدم الثاني لانه يكون من باب تعارض
الحجة مع اللاحجة
بخلاف ثانيهما فانه لو جاء دليل آخر يكون من باب تعارض الحجتين فيؤخذ باقواهما ثم
لا يخفى ان الانصراف ربما يكون في حالة دون اخرى كما لو كان المطلق منصرفا في حالة
التمكن الى غير ما هو منصرف اليه في حال العجز كما في التيمم فى ضرب اليدين على
التراب فان فى حالة الاختيار ينصرف الى باطن الكف وفي حالة الاضطرار ينصرف الى ظاهر
الكفين والانصراف فى حالة الاختيار غير الانصراف فى حال التعذر وعليه لا وجه لما
اعترضه بعض الاجلة كما لا يخفى.
ورود المطلق والمقيد
الفصل الرابع :
اذا ورد مطلق ومقيد فلا يخلو اما أن يكونا في كلام واحد أو فى كلامين وعلى كلا
التقديرين اما ان يكونا مثبتين أو منفيين أو مختلفين فان كان الأول وكانا في كلام
واحد مثلا قال : اعتق رقبة ثم قال : اعتق رقبة مؤمنة المشهور على حمل المطلق على
المقيد ولكن التحقيق انه ان قلنا على ان صيغة
__________________
الامر تدل على
الوجوب بالوضع فحينئذ يقدم على الاطلاق لان الاطلاق انما يكون معتبرا حيث لا يكون
في قباله بيان على خلافه ومع فرض دلالة الصيغة على الوجوب
__________________
بالوضع صلح لان
يكون بيانا واما اذا استفدنا الوجوب منها بالاطلاق أو فرض كونهما من كلامين
فالمتضح فيهما ما هو الاظهر وعليه لا وجه لاطلاق قول المشهور
__________________
في حمل المطلق على
المقيد كما أنه لو احرز ملاك المطلق وكان ذلك ايضا محرزا في المقيد كما في رقبة
الكافرة مثلا فلا وجه لحمل المطلق على المقيد بناء على القول
__________________
الامر الثالث : قد اشرنا الى ان المطلق
والمقيد المتنافيين يعتبر فى تنافيهما وحدة التكليف يشترط ان يكونا الزاميين فلو
كانا غير الزاميين كأن يكونا استحبابيين أو المقيد استحبابيا فلا يوجب حمل المطلق
على المقيد اذ لما كانا استحبابيين لعدم التنافى للوجوب لحمل المطلق على المقيد
وكذا اذا كان المقيد استحبابيا لا تنافى بينهما ايضا بخلاف ما اذا كانا الزاميين
فانه يحصل التنافي بينهما الموجب لحمل المطلق على المقيد نعم يتصور المنافاة فى
المستحبات فيما اذا احرز أن كل واحد من الدليلين متعرض الى درجة مخصوصة وانى لنا
باثبات ذلك فى ادلة المستحبات بل ليس هذا إلا خيالا لا واقع له.
فانقدح مما ذكرنا انما عليه المشهور بل
هو المجمع عليه عند الاصوليين في المستحبات من عدم حمل المطلق على المقيد فيها في
غاية التحقيق وقد عرفت سر ذلك مما ذكره بعضهم من التشنيع عليهم بانهم لا يحملون
المطلق على المقيد فى غير
بجواز اجتماع
الحكمين المتماثلين بمناط السراية واما بناء على الامتناع أو القول بالجواز لتعدد
الجهة فيمكن القول بالحمل على المقيد في مقام العمل أي يؤخذ بالمقيد
__________________
في مقامه لأن
المقيد أقوى مناطا إذ على الامتناع لا يمكن اجتماع الحكمين في المقيد فلا بد من
رفع احدهما وحيث ان المقيد أقوى من المطلق فيؤخذ به ويحمل المطلق على
__________________
صرف الاقتضاء دون
الفعلية ثم أن التقييد هل يوجب أن يكون عنوانا للمطلق مثلا تقييد الرقبة بالايمان
يجعل عنوانا لمطلق الرقبة أم لا يوجب وانما هو صرف التقييد فى متعلق الأمر من غير
ان يعنون المطلق بعنوان ويترتب على ذلك ثمرة هي انه بناء على تعنون التقييد للمطلق
فيمكن لنا التمسك باصالة عدم العنوان لو شك في حين الوجود انه معنون بالعنوان أولا
مثلا لو شك من حين الابتداء في الرقبة انها
__________________
مؤمنة أم لا يمكن
لنا القول باستصحاب عدم الايمان على نحو السلب المحصل كما قلنا ذلك في القرشية
مثلا بخلاف ما لا يوجب كون التقييد عنوانا للمطلق هذا كله فى المتوافقين.
واما المتخالفين
فلا يخلو اما ان يكون بلسان يجب عتق الرقبة ولا يجب عتق الرقبة الكافرة أو صل ولا
تصل واما ان يكون بلسان يجب عليك عتق الرقبة ويحرم عليك عتق الرقبة الكافرة فان
كان بلسان الأول فلا اشكال فى حمل المطلق على المقيد والعمل على المقيد وان كان
بلسان الثاني ففي حمل المطلق على المقيد اشكال لان مقتضى اطلاق كون ملاك الوجوب هو
المصلحة الموجودة في مورد القيد ومقتضى تحريم المقيد كون ملاكه ايضا موجودا هو
المفسدة ولا تنافي بين الملاكين لامكان اجتماعهما وان كان التأثير لأحدهما إلا ان
يقال ان فى النهي جنبتين جنبة تكليف وجنبة ارشاد فجنبة التكليف ترفع الوجود وجنبة
الارشاد ترفع ملاك الوجود هذا تمام الكلام فى مبحث المطلق والمقيد.
المقصد السادس فى المجمل والمبين
اما المجمل هو ما
لم يكن ظاهر الدلالة ولا يكون قالبا لمعنى خاص بل هو قالب لمعاني كثيرة كالمشترك
وهو غير المهمل فان المهمل ليس قالبا لشيء من المعاني والمبين خلافه والمبين
والمجمل كلاهما معتبران فى الدلالة والمهمل لا دلالة فيه وهذا واضح لا يعتريه ريب
وانما الكلام ان هذه الدلالة دلالة تصورية أم تصديقية الظاهر هو الاول فيكفي في
كونه مبينا انتقاله من سماع اللفظ الى المعنى وان لم يكن
مرادا بل لو قطع
بعدم ارادته نعم فى مقام الحجية لا بد من احتمال الارادة فلا يعتد بكلام الناسي
والساهي. ومما ذكرنا فى معنى المبين يظهر فساد من التزم من القوم بانه لو كان
الكلام ظاهرا فى المعنى الحقيقي وقامت قرينة منفصلة عقلية كانت أم لفظية وبالقيام
حصل التردد كما يشهد لذلك نزاعهم في قوله لا صلاة إلا بطهور فتكون من المجملات على
الاعم لتردده بين نفي الصحة ونفي الكمال ومبين على الصحيح وبيان الفساد ان المبين
ما كان ظاهرا فيه والمجمل ما لم يكن كذلك وهذا يجتمع مع عدم الارادة ومن ذلك يظهر
ان عد آية السرقة من المجملات في غير محله لأن ارادة اليد في بعض المقامات الى
الزند والى المرفق في مقام آخر لا يخرجها عن معناها الحقيقي لو استعملت مجردة عن
القرينة وكون المعنى الحقيقي مرادا أم لا لا دخل له في كون اللفظ ظاهرا أم لا
وليكن هذا آخر ما اردنا بيانه من بحث المجمل والمبين وبه ينتهي الكلام في الجزء
الثاني من كتابنا المسمى بمنهاج الاصول المستفاد من خلاصة بحث استاذنا المحقق
العراقي طاب ثراه في مباحث الألفاظ الذي فرغ منه آخر ذي الحجة الحرام سنة الف
وثلاثمائة وثلاث واربعين هجرية على مهاجرها أفضل السلام والتحية واسأله تعالى
التوفيق لاخراج باقي الاجزاء والحمد لله أولا وآخرا وصلى الله على سيدنا محمد وآله
الطيبين الطاهرين والحمد لله رب العالمين يسر الفراغ منه في جوار مرقد سيد الوصيين
امير المؤمنين عليه وآله الطاهرين أفضل الصلاة والسلام بقلم مؤلفه الراجي عفو ربه
محمد ابراهيم ابن المرحوم الحاج الشيخ على بن الشيخ محمد حسين بن الشيخ محمد مهدي
بن الحجة الكبرى آية الله الشيخ محمد ابراهيم الشهير بالكلباسي صاحب الاشارات
والمناهج وغيرهما من المؤلفات القيمة والآثار الخالدة.
فهرس الجزء الثاني من كتاب مناهج الاصول
الصفحة
|
|
الصفحة
|
|
٢
|
تقسيم الواجب
|
٥٣
|
الفرق بين الارادة التكوينية
والتشريعية
|
٤
|
المطلق والمشروط
|
٥٦
|
العينى والكفائى
|
٩
|
الفرق بين المطلق والمشروط
|
٥٩
|
الموسع والمضيق
|
١٣
|
لو شك انه مطلق أو مشروط
|
٦٣
|
مسألة الضد
|
١٥
|
تقييد الهيئة يوجب تقييد المادة
|
٦٤
|
الضد الخاص
|
١٦
|
المعلق والمنجز
|
٧١
|
ما ينسب الى المحقق الخوانساري
|
٢١
|
تلبث الاقسام
|
٧٥
|
ثمرة هذه المسألة
|
٢٣
|
المقدمات المفوتة
|
٧٨
|
الضد العام
|
٣١
|
انكار الواجب التهيئي
|
٨١
|
الاقوى فى التخييرى
|
٣٣
|
لو شك فى واجب انه معلق او منجز
|
٨٤
|
الترتب
|
٣٤
|
النفسى والغيرى
|
٨٩
|
مرجحات باب التزاحم
|
٣٧
|
لو شك فى واجب انه نفسى او غيرى
|
٩٧
|
الترتب يرفع محذور الجمع بين الضدين
|
٣٩
|
ترتب الثواب على الواجب النفسى
|
١٠١
|
جريان الترتب فى الجهل والنسيان
|
٤١
|
تصحيح عبادية الطهارات
|
١٠٣
|
جريان الترتب فى المقدمة المحرمة
|
٤٣
|
دفع اشكال عبادية الطهارات
|
١٠٤
|
امر الامر مع علمه بانتفاء شرطه
|
٤٤
|
الاصلى والتبعى
|
١٠٥
|
الامكان الذاتى والوقوعى
|
٤٥
|
الفرق بين الاصلى والتبعى
|
١٠٨
|
تعلق الاوامر بالطابع أو بالافراد
|
٤٧
|
التقسيم يرجع الى مقام الدلالة
|
١١٥
|
تعلق الاوامر بالوجود الخارجى
الادعائى
|
٤٨
|
التعينى والتخييرى
|
|
|
٤٩
|
اقسام التخيير
|
|
|
الصفحة
|
|
الصفحة
|
|
١١٩
|
تعلق الاوامر بالصور الذهنية
|
٢١٦
|
المفهوم والمنطوق
|
١٢٠
|
نسخ الوجوب
|
٢٢٣
|
المفهوم تابع للمنطوق
|
١٢٣
|
الأمر بالامر
|
٢٢٤
|
مفهوم الشرط
|
١٢٤
|
ورد الامر عقيب الامر
|
٢٣٠
|
تنبيهات مفهوم الشرط
|
١٢٦
|
المقصد الثانى فى النواهى
|
٢٣٣
|
تعدد الشرط
|
١٢٨
|
دلالة النهى على التكرار
|
٢٣٥
|
تداخل الاسباب
|
١٣١
|
اجتماع الامر والنهى
|
٢٣٩
|
الحق عدم تداخل المسببات
|
١٤١
|
مبانى الجواز
|
٢٤١
|
مفهوم الوصف
|
١٤٧
|
أدلة المحقق الخراسانى على الامتناع
|
٢٤٥
|
مفهوم الغاية
|
١٥٣
|
الحق هو امتناع الاجتماع
|
٢٥٠
|
مفهوم الحصر
|
١٦٣
|
الفرق بين المندوحة وعدمها.
|
٢٥٧
|
مفهوم العدم واللقب
|
١٦٧
|
الكراهة فى العبادة
|
٢٥٨
|
المقصد الرابع فى العام والخاص
|
١٦٨
|
تنبيهات اجتماع الامر والنهى
|
٢٥٩
|
تعريف العموم واقسامه
|
١٧٣
|
الاجتماع من صغريات باب التزاحم
|
٢٦٢
|
الفاظ العموم
|
١٧٩
|
الاضطرار لا بسوء الاختيار
|
٢٦٧
|
العام المخصص
|
١٨١
|
الاضطرار بسوء الاختيار
|
٢٧٥
|
تخصيص العام بمجمل
|
١٨٧
|
ذكروا لترجيح النهى وجودها
|
٢٧٩
|
الشبهة المصداقية
|
١٩٠
|
اقتضاء النهى للفساد
|
٢٨٧
|
المخصص اللبى
|
١٩٦
|
المقام الاول فى العبادات
|
٢٨٨
|
تنبيهات الشبهة المصداقية
|
٢٠٥
|
اقسام المانعية
|
٢٩٥
|
استصحاب نفى حكم الخاص
|
٢٠٧
|
المقام الثانى فى المعاملات
|
٣٠١
|
التمسك فى العام فى مشكوك الصحة
|
٢١٤
|
المقصد الثالث فى المفاهيم
|
٣٠٥
|
العمل بالعام قبل الفحص عن المخصص
|
الصفحة
|
|
الصفحة
|
|
٣٠٦
|
خطاب المشافهة
|
٣٣٩
|
ما يدل على المطلق
|
٣١١
|
تعقيب العام بالضمير
|
٣٤١
|
اسم الجنس وعلمه
|
٣١٣
|
تخصيص العام بمفهوم المخالفة
|
٣٤٣
|
الجمع المحلى بالالف واللام
|
٣١٧
|
تعقيب الاستثناء جملا
|
٣٤٥
|
اطلاقات النكرة
|
٣٢٠
|
تخصيص الكتاب بخبر الوحد
|
٣٤٧
|
مقدمات الحكمة
|
٣٢١
|
تعارض العام مع الخاص
|
٣٥٣
|
تنبيهات المطلق والمقيد
|
٣٢٣
|
الدوران بين التخصيص والجهة
|
٣٥٥
|
تعارض العام مع المطلق
|
٣٢٥
|
المقصد الخامس فى المطلق والمقيد
|
٣٥٧
|
ورود المطلق مع المقيد
|
٣٢٦
|
تعريف المطلق
|
٣٥٩
|
حمل المطلق على المقيد
|
٣٢٧
|
تقديم العام على المطلق
|
٣٦٣
|
لا يحمل المطلق على المقيد فى غير
الالزامى
|
٣٢٩
|
اعتبارات الماهية
|
٣٦٤
|
المقصد السادس فى المجمل والمبين
|
٣٣٣
|
مااختاره سلطان العلماء هو الحق
|
|
|
|