المقدمة

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير خلقه أجمعين المبعوث لتأسيس قواعد الدين وعلى عترته الكرام الطيبين الطاهرين ولعنة الله على اعدائهم ومخالفيهم من الاولين والآخرين الى قيام يوم الدين.

وبعد فيقول الراجي عفو ربه الرحيم محمد ابراهيم بن الحاج الشيخ علي الكرباسي هذا ما استفدناه من تقرير بحث الاصول لدى استاذنا الذي انتهت اليه رئاسة التدريس فى القرن الرابع عشر شيخ الفقهاء والمجتهدين آية الله فى العالمين العلامة المحقق الشيخ ضياء الدين العراقي متع الله الاسلام بطول بقائه والذي شرع في اول مباحثه في شهر ذي القعدة الحرام سنة ١٣٤١ هجرية كتبناه تخليدا لذكره وحبا لانتفاع الهيئة العلمية بغرر فوائده ودرر فرائده وقد سميناه بمنهاج الاصول الاستنباط احكام آل الرسول (ص) راجيا من المولى أن يجعله خالصا لوجهه الكريم فانه الموفق والمعين.

وقد رتبته على مقدمة ومقاصد وخاتمة أما المقدمة ففي بيان امور :

الأول : أن موضوع كل علم ما يبحث فيه عن عوارضه الذاتية ، والمراد

بالعارض ما يقابل الذاتي أي مطلق الخارج عن الشيء المحمول عليه وجمعه عوارض وقد قسموا العوارض على ستة أقسام ثلاثة ذاتية وثلاثة غريبة ، اما الذاتية فالعارض اولا وبالذات كالتعجب اللاحق للانسان والعارض بواسطة أمر داخل مساو كالنطق اللاحق للانسان بواسطة الادراك والعارض بواسطة أمر خارج مساو للذات كالضحك اللاحق للانسان بواسطة التعجب.

واما الغريبة كالعارض بواسطة أمر أعم خارج أو أخص أو مباين واختلفوا فى الأمر السابع وهو العارض بواسطة امر داخل أعم كعروض الحركة على الانسان بواسطة الحيوان وبالجملة الملاك فى الذاتي الاستناد الى الذات والغريب ما لا يستند الى الذات هكذا ذكر أهل الميزان والحق كما ذهب اليه الاستاد المحقق الخراساني (قدس‌سره) من جعل المناط في الذاتي أن لا يكون في البين واسطة فى العروض (١) سواء كانت واسطة فى الثبوت كما اذا كانت الواسطة علة لعروض

__________________

(١) وهي أي الواسطة في العروض على ثلاثة أقسام اما أن تكون مع ذيها موجودتين بوجودين والاشارة الى احدهما غير الاشارة الى الآخر كالحركة بالنسبة الى الجالس في السفينة أو أن تكون الواسطة مع ذيها موجودتين بوجودين إلا ان الاشارة الى أحدهما عين الاشارة الى الآخر كبياضية البياض فانها تعرض على ذات الابيض وثانيا وبالعرض تعرض على الجسم ، فالجسم والبياض موجودان بوجودين إلا ان الاشارة الى احدهما عين الاشارة الى الآخر. وثالثها أن تكون الواسطة مع ذيها موجودتين بوجود واحد كالوجود العارض على الماهية فيقال الماهية موجودة والظاهر ان مراده (قدس‌سره) من الواسطة العروضية هو القسم الاول دون القسم الثاني والثالث فانهما يعدان من الواسطة في الثبوت ويظهر الفرق بين أهل الميزان وبين ما ذكره المحقق الخراساني (قدس‌سره) في عروض الحرارة

العرض على موضوعه بحسب الأمر والواقع كالحمى العارضة على الانسان بواسطة اختلال المزاج أو في الاثبات كما اذا كانت الواسطة علة للعلم بعروض العرض على موضوعه كالاقيسة المؤدية الى حصول العلم بالنتيجة وعليه فيشكل على اهل الميزان من ان الوسائط المذكورة ان كانت واسطة في العروض فكلها غريبة حينئذ لكونها بالعرض والمجاز وان كانت واسطة في الثبوت فكلها ذاتية حتى في الأمر المباين.

توضيح ذلك هو ان نسبة المحمول الى الموضوع على قسمين قسم يكون نسبته اليه حقيقية بان ينسب الى الشيء ما من حقه أن ينسب اليه كنسبة الانبات الى الله تعالى في قوله انبت الله البقل وقسم آخر تكون النسبة اليه مجازيه كنسبة الانبات الى الربيع في قولك انبت الربيع البقل ، فالعرض الغريب داخل في هذا القسم بجميع أقسامه ، واما القسم الأول فلا يخلو ان يكون الموضوع فيه اما تمام الموضوع للمحمول أو جزئه ، اما الأول فكعروض القول المفرد على الكلمة فان الكلمة بما هي تمام الموضوع للقول المفرد ، وهذا القسم لا يخلو اما ان يكون زيادة على كونه موضوعا يكون علة تامة كعروض الاحتياج على الممكن فان الممكن زيادة على كونه تمام الموضوع هو علة تامة له ، واما ان لا يكون علة تامة بل علة نسبة المحمول للموضوع هو شيء آخر كعروض الفاعلية على الكلمة فان عنوان الكلمة ليس لها دخل في عروض الفاعلية عليها بل بواسطة جعل الجاعل ، كما ان عروض الاحكام على فعل المكلف اذا كان تمام الموضوع بناء على أن الاحكام مجعولات للشارع

__________________

على الماء بواسطة النار فانها عرض غريب على رأي أهل الميزان لكون الواسطة مباينة وذاتية على رأيه لكون النار من الوساطة الثبوتية وهناك فروق أخر ذكرناها في حاشيتنا على الكفاية.

فان ذلك العنوان أي فعل المكلف ليس له دخل فى عروض الأحكام وان الذي له الدخل هو جعل الشارع. نعم اذا قلنا انها ليست مجعولات شرعية بل الشارع كشف عما هو الواقع فتكون من قبيل الأول اي كون العنوان ذا مدخلية في نفس العروض ، فهذا القسم بكلا قسمية لا اشكال في كونه ذاتيا لكون نسبة العرض الى الموضوع نسبة حقيقية ، وأما اذا لم يكن كذلك فان كان اعم او أخص أو مباينا فغريب وان كان مساويا فذاتي على خلاف فيه ، وأما الثاني وهو ما اذا كان جزء الموضوع كعروض الوجوب على الصلاة فانها مركبة من الفعل مع الموالاة ، فالوجوب عارض على الفعل الذي هو جزء من الموضوع فحينئذ لا يخلو اما ان يكون عروض الوجوب على الفعل عروضا استقلاليا فيكون عروضه عليه مجازا إذ من حقه ان ينسب الى الفعل مع الموالاة فنسبته الى الفعل وحده نسبة الى غير ما هو له فتكون النسبة مجازية فيعد من الاعراض الغريبة واما ان يكون عروضه على الفعل عروضا ضمنيا باعتبار أن عروضه على الصلاة يكون منبسطا على جميع اجزائها فلكل جزء حصة من الوجوب فيعد عرضا ذاتيا إذ على هذا الوجه ينسب الى ما هو له إلا انه لا يعد مثل هذا عرضا ذاتيا لاعتبار الاستقلال في العرض الذاتي فمن هذا يظهر لك ان العرض الذاتي يشترط فيه شيئان الاستقلال في العروض والانتساب الحقيقي فلا يكفي أحدهما دون الآخر ، ثم ان المشهور عرفوا الذاتي بانه ما يعرض للشيء لذاته أو لما يساويه فبقولهم لما يساويه أخرجوا ما كان بواسطة أمر أعم أو أخص او مباين فاشكل عليهم صاحب الفصول حيث قال ما لفظه :

(المراد بالعرض الذاتي ما يعرض الشيء لذاته أي لا بواسطة في العروض سواء احتاج الى واسطة فى الثبوت ولو إلى مباين أعم أولا أما الأول فكالاحكام

الشرعية الطارئة على افعال المكلفين باعتبار وعلى الادلة باعتبار بواسطة جعل الشارع وخطابه وهو أمر مباين للافعال والادلة وان كان له نوع تعلق بهما وأعم من كل منهما لتحققه في الاخرى) ولا يخفى ان ما ذكره من الجعل الذي هو واسطة في ثبوت الأحكام للفعل مبني على كون الاحكام مجعولة للشارع.

واما بناء على انها غير مجعولة بل الشارع كشف عنها ، فعروض الاحكام على الأفعال تكون ذاتية وليست بغريبة لكون الانتساب اليها بالحقيقة فتكون من الاعراض الذاتية وبالجملة ان العرض الذاتي يعتبر فيه الانتساب الحقيقي وان يكون مستقلا فيه بان لا يكون ضمنيا ، وعليه يظهر الاشكال فيما ذكره الاستاذ في ان الموضوع نفس موضوعات مسائله عينا وما يتحد معها خارجا وان كان يغايرها مفهوما تغاير الكلي ومصاديقه والطبيعي وأفراده.

بيان ذلك ان العرض الذاتي هو ما يعرض على الموضوع الذي هو جامع لشتات المسائل وحاوي لمتفرقاتها مثلا الكلمة التي هي موضوع علم النحو الجامعة للفاعل في قولهم كل فاعل مرفوع ولغيره مقتضى كونها موضوعا يقتضي عروض الرفع على الكلمة عروضا ذاتيا مع انه لا يكون ذاتيا لما عرفت من أن العرض الذاتي يشترط فيه الانتساب الحقيقي والاستقلال في الانتساب مع ان الرفع في المقام عرض على الكلمة بما انها جزء لان الرفع حسب الفرض قد عرض على الكلمة مع الفاعلية ، فعروضه على الكلمة يكون عروضا ضمنيا لا استقلاليا ولأن التزمت بعروض الرفع على الكلمة عروضا استقلاليا فحينئذ انتفى الشرط الأول.

وعليه فيكون النسبة مجازية ولازم ذلك ان عروض الاعراض على الكلمة التي هي موضوع علم النحو يكون من الاعراض الغريبة فتخرج عن الاعراض الذاتية ، وقس عليه موضوع علم الفقه فان الوجوب العارض على فعل المكلف بواسطة عروضه

على الصلاة يكون من العرض الغريب لان نسبته اليه بالعرض والمجاز لو كان استقلاليا ولا يكون من العرض الذاتي لو كان ضمنيا ، وهكذا في سائر العلوم فان الاعراض تعرض على الموضوعات الخاصة الذي يكون الموضوع جزء منها فيكون عروضها على الموضوع عرضا غريبا اللهم إلا ان يقال ان هذه العناوين الخاصة المأخوذة في موضوعات المسائل لم تأخذ بنحو التقييد حتى يكون الموضوع جزء منها وانما أخذت بنحو التعليل فتكون هذه العناوين من الجهات التعليلية ، فحينئذ يكون العرض العارض على نفس الموضوع عرضا حقيقيا ومستقلا في الانتساب ، فقولنا الفاعل مرفوع ليس معناه ان الرفع عرض على الكلمة مع الفاعلية وانما الرفع حقيقة واستقلالا عرض على نفس الكلمة وسبب ذلك هو كونه فاعلا ، فالفاعلية جهة تعليلية لا جهة تقييدية وهذا يجري في جميع مسائل العلوم ، فان العوارض العارضة على الموضوعات الخاصة تلك الخصوصيات لم تؤخذ بنحو التقييد وانما اخذت بنحو التعليل. وبما ذكرنا يندفع الاشكال الوارد على أهل الميزان من ان العارض على موضوع العلم بواسطة امر اخص يكون من الغريب فتخرج جميع المسائل من العلوم وحاصل الدفع أن تلك الخصوصيات انما هي جهات تعليله لا جهات تقييدية فتكون اعراضا ذاتية كعروض الضحك على الانسان بواسطة التعجب فان التعجب من الجهات التعليلية فتكون من الواسطة في الثبوت ، والعرض حينئذ يعرض على نفس موضوع العلم وليس عارضا على الاخص وعروضه على الاعم بسبب اتحاده الكلي مع افراده والطبيعي مع مصاديقه كما ادعاه الاستاذ (قدس‌سره).

وبالجملة ان الحيثية ان أخذت بنحو التقييد فالاعراض العارضة على موضوع المسألة عروضها على موضوع العلم من الاعراض الغريبة لكونها من الواسطة في العروض الذي ملاكه الانتساب الى الموضوع بالعرض والمجاز لعدم الاتحاد بين موضوع

المسألة مع موضوع العلم اذ الفرد مع التشخص غير الكلي ، وان اخذت الحيثية بنحو التعليل كما هو الظاهر فتكون الاعراض العارضة على موضوع المسألة عارضة على موضوع العلم عروضا حقيقيا وتكون تلك الوسائط جهات تعليله من غير حاجة الى الاتحاد خارجا والتغاير مفهوما (١). فظهر مما ذكرنا ان المراد من الواسطة في العروض ان يكون نسبة العرض الى موضوعه بالعرض والمجاز

__________________

(١) ولكن لا يخفى ان هذا انما يتم بالنسبة الى مثل عروض الرفع والنصب والجر على الكلمة بواسطة الفاعلية والمفعولية والمضاف اليه ، واما مثل عروض الاحكام على فعل المكلف المأخوذة فيها تلك العناوين بنحو التقييد كعروض الوجوب على الصلاة ونحوه المأخوذ فيه عنوان الصلاتية جهة تقييديه ، فعروض تلك الاحكام عليه بالعرض والمجاز لو كان بنحو الاستقلال.

ودعوى ان اخذ تلك الحيثيات بنحو التقييد تفيد العينية بتقريب أن ما به الاشتراك عين ما به الامتياز فهو وان كان صحيحا في حد نفسه بان تكون تلك الجهات. موجبة لاستعداد المعروض لعروض تلك العوارض بمعنى ان الكلمة من حيث الاعراب والبناء تصير مستعدة لحمل تلك العوارض عليها إلا ان تلك الحيثيات لا تنوع الاستعداد في ناحية الموضوع بان تكون كل حيثية توجب استعدادا خاصا لكي يحمل عليها تلك العوارض بل هي صالحة لحمل العوارض الأخر في حال استعدادها لهذه العوارض فالكلمة المقيدة بحيثية الاعراب والبناء مستعدة لحمل عوارض الصحة والاعلال مضافا الى ان هذه الحيثية المأخوذة في ناحية الموضوع انما تصحح العينية اذا كانت عين الخصوصيات مع انها متباينة تباينا ذاتيا فان خصوصية الصلاتية التي هي من مقولة الفعل مع خصوصية الصيام التي هي من مقولة الترك تباينا كليا. وبالجملة اخذ الحيثية التقييدية لا يرفع الاشكال. نعم لا مانع من كونها مما يحصل بها التمايز وأخذ الحيثية التعليلية وان رفع الاشكال من جهة

بنحو يصح سلبه والمراد من الواسطة في الثبوت ما يكون سببا لعروض العرض على موضوعه وتكون العوارض العارضة على الموضوع بتلك الواسطة عرضا ذاتيا سواء احتاج في عروض الواسطة على ذيها الى شيء ام لا فما فسره بعض الاعاظم (قدس‌سره) من ان المراد من الواسطة في العروض هو ما تحتاج الواسطة في عروضها الى شيء كالضحك العارض على الانسان بواسطة التعجب المحتاج في عروضه الى توسط ادراك الكليات وفسر الواسطة في الثبوت بما لا يحتاج في عروض الواسطة على ذيها الى شيء كعروض التعجب على الانسان بتوسط ادراك الكليات فان عروض التعجب على الانسان غير محتاج الى عروض ادراك الكليات عليه في غير محله اذ كما يجوز أن تكون الواسطة الاولى سببا لعروض الواسطة على الموضوع كذلك تكون سببا لعروض العرض على الموضوع فان الادراك الذي هو سبب لعروض التعجب على الانسان ايضا سبب لعروض الضحك على الانسان ولا ينافى وجود سبب آخر كالتعجب مثلا لجواز ان يكون احدهما مقتضيا والآخر شرطا اذ الواسطة في الثبوت عبارة عن كونها واقعة في مقام الثبوت مطلقا سواء كانت مقتضية ام شرطية مضافا الى انه لو سلم كون العروض بما ذكر فلا نسلم ان ذلك

__________________

إلا انه لا يطرد بالنسبة الى مثل عروض الوجوب على الصلاة ، واما الاتحاد في الوجود والتغاير مفهوما فهو رافع للاشكال عند من التزم بان موضوع العلم هو الكلي المتحد مع موضوعات المسائل ، وقد عرفت أن الالتزام بذلك في مثل علم الفقه غير معقول اذ لا يعقل وجود جامع يجمع موضوعات مسائله التي تفترق مقولاتها بعضها عن بعض على ان هذا الاشكال انما نشأ من الالتزام بان موضوع كل علم كلي وان ذلك الكلي هو الجامع للمسائل أما لو لم نلتزم بذلك اصلا واكتفينا بوحدة الغرض أو وحدة الاعتبار. فلا مجال حينئذ للاشكال.

موجب للغرابة مع ان الواسطتين من الجهات التعليلية الموجبة لكون الانتساب حقيقيا بنحو لا يصح سلبه الذي هو ملاك العرض الذاتي كما لا يخفى.

تمايز العلوم

ذكروا ان تمايز العلوم بحسب تمايز الموضوعات فان علم الفقه يمتاز عن علم الاصول بموضوعه فان موضوع الفقه فعل المكلف وموضوع علم الاصول هو الادلة كما انهما غير علم النحو لتغاير موضوعه عنهما وقد اشكل عليهم باتحاد موضوع علم النحو مع علم الصرف وعلم البلاغة فان الموضوع في كل منهما هو الكلمة فيلزم تداخل العلوم بعضها مع بعض واجيب عنه بان تمايز الموضوعات بالحيثيات فان الكلمة أخذت موضوعا لعلم النحو من حيث الاعراب والبناء وفي الصرف من حيث الصحة والاعلال وفي المعاني والبيان من حيث الفصاحة والبلاغة (١).

__________________

(١) ذكر بعض الاساطين من مشايخنا (قدس‌سره) بما حاصله أخذ الحيثية فى موضوعية الموضوع وبها يكون التمايز بيان ذلك يظهر بعد ذكر امور الاول ان الحيثية اما تقييدية وأما تعليلية وثالثة حيثية تكون عنوانا للموضوع كما يقال الماهية من حيث هي ليست إلا هى والمراد بها في المقام هي الحيثية التقييدية بمعنى انها داخلة بالمقيد بها بنحو توجب له استعدادا وقابلية لان يحمل عليه العرض مثلا الكلمة من حيث الاعراب والبناء معرب ومبني والكلمة من حيث الصحة والاعلال صحيحة ومعتلة والكلمة من حيث الفصاحة والبلاغة فصيحة وبليغة لا بمعنى أخذها في ناحية الموضوع وإلّا فلا معنى للحمل للزوم حمل الشيء على نفسه الثاني ان انضمام الحيثيات توجب تكثر الموضوع وتعدده بعد ما كان امرا واحدا كالكلمة فانها عنوان وحداني ولكن تتعد باعتبار انضمام الحيثيات فالكلمة من حيث الاعراب والبناء التي هي موضوع علم النحو غير الكلمة من حيث الصحة

وصاحب الفصول (قدس‌سره) لم يأخذ الحيثية في ناحية الموضوع فقال ما لفظه (فهم وان اصابوا في اعتبار الحيثية للتمايز بين العلوم لكنهم أخطئوا في اخذها قيدا للموضوع والصواب أخذها قيدا للبحث وهي عند التحقيق عنوان اجمالي المسائل الذي تقرر في العلم) والظاهر ان المراد من الحيثية المأخوذة في البحث هي منتزعة من المحمولات ولذا قال الاستاذ ولا بالمحمولات اشارة الى ما قاله صاحب الفصول على ما استظهره (قدس‌سره) منه ويرد عليه ان ذلك غير صالح للتميز به لعدم كونه مميزا في بعض العلوم كمسألة التحسين والتقبيح العقليين المبحوث

__________________

والاعلال الذي هو موضوع علم الصرف وهكذا في علم البيان اخذ في موضوعه حيثية الفصاحة والبلاغة وبالجملة انضمام الحيثيات الى الكلمة توجب تعددها الثالث ان هذه الحيثية بها جهة الاشتراك وبها جهة الامتياز فما به الاشتراك عين ما به الامتياز كالاعراض فان السواد الشديد والضعيف يشتركان في السواد وبالسواد يمتازان فالمائز بين الضعيف والشديد بالشدة وهي مرتبة من السواد وليس السواد الضعيف عبارة عن السواد وعدم الشدة بل للسواد مرتبة ضعيفة ومرتبة شديدة اذا عرفت ذلك فاعلم ان موضوع العلم يتقيد ويتحصص بالحيثية ومع كل حصة يكون موضوعا لعلم خاص وبهذه الحيثية التي قيدت الموضوع تكون جامعة لجميع المسائل وبها تنطبق على موضوعات المسائل بنحو العينية لا بنحو الكلي وفرده مثلا الكلمة لما كانت عامة وتقيدت بحيثية الاعراب والبناء وجعلت موضوعا للعلم انطبقت على موضوعات المسائل انطباقا عينيا فان البحث عن الفاعل مثلا ليس لخصوصية في نفسه من تقدم وتأخر بل بما هو معرب ومبني وهكذا في جميع ابواب النحو فانها تشترك بحيثية الاعراب والبناء وتمتاز بعضها عن بعض بهذه الحيثية فباب الفاعل مع باب المفعول او المضاف اليه يشتركان في الاعراب ويمتازان في الاعراب ايضا وقد اوضحنا ذلك في تقريراتنا لبحثه (قدس‌سره).

عنها في الاصول والكلام مضافا الى ما ذكره الاستاذ (قدس‌سره) ما لفظه وإلا كان كل باب بل كل مسألة من كل علم علما على حده كما هو واضح. انتهى.

ولاجل ذلك التزم الاستاذ (قدس‌سره) بان تمايز العلوم انما هو بالاغراض الداعية الى التدوين فوحدتها بوحدة الغرض وتعددها بتعدده ودعوى انه يلزم تعدد العلم الواحد لتعدد اشخاص الاغراض ممنوعة اذ الغرض الواحد مثل صون اللسان عن الخطأ في المقال يترتب على جل مسائل العلم فدخل كل مسألة في الغرض دخل جزء في الكل بخلاف موضوعات المسائل ومحمولاتها نسبتها الى موضوع العلم ومحموله نسبة الفرد لنوعه وبالجملة ليس الملحوظ شخص الغرض وانما الملحوظ نوعه وهو لا يترتب إلا على جل المسائل ولا يخفى انما ذكره (قدس‌سره) يتم بناء على ان الواحد لا يصدر منه إلا الواحد فالغرض الواحد يكشف عن مؤثر واحد كما ان الغرضين يكشفان عن مؤثرين فاذا فرض ان الغرض الواحد كاشفا عن وحدة ذي الغرض فحينئذ يكون التمايز بين العلوم بالموضوع بحسب الأمر والواقع دون مرحلة الاثبات والقوم يقصدون بالتمايز بين العلوم بحسب نفس الامر والواقع دون مرحلة الاثبات فحينئذ صح لنا دعوى ان تمايز العلوم بالموضوعات والطريق الى معرفة ذلك انما هو بالتمايز بالاغراض ومراد الاستاذ قدس‌سره بالتمايز بالاغراض انما هو في مقام الاثبات دون مرحلة الواقع فالموضوع الذي هو المؤثر يعلم اجمالا من غير حاجة الى معرفة اسمه وعنوانه الخاص بل يصح أن يعبر عنه بكل ما دل عليه ولو بمعرفة الغرض المترتب عليه فان ذلك معرفة له بوجه اذ معرفته باسمه وعنوانه بالخصوص ليس له دخل في موضوعيته هذا وان تم ما ذكره قدس‌سره إلا انه مبني على جريان قاعدة الواحد لا يصدر منه إلا الواحد فانه على تقدير تسليمها فانما هي في الامر البسيط لا مثل المقام الذي هو جامع عنواني يترتب على جل

المسائل ولا يستكشف منه الجامع بين موضوعات المسائل مضافا الى ان الغرض في المقام يترتب على العلم بالمسائل لانفسها ولو سلم ترتبه عليها فليس ترتبا بنحو العلية والمعلول وانما ترتبه عليها ترتب اضافة لذيها فان القواعد بتعلمها توجب استعدادا لترتب الفائدة والغرض فان نفس القواعد لا تترتب عليها هذه الفائدة مطلقا بل مع ضم تعلمها وتطبيقها على أن تصوير جامعا معنويا يجمع موضوعات المسائل بالنسبة الى بعض العلوم أمر غير معقول فان علم النحو موضوعه الكلمة والكلام والكلمة جزء من الكلام ولا يعقل وجود جامع بين الجزء والكل وتخلص بعضهم عن ذلك في ان موضوع علم العربية هو الكلام لا يرفع الاشكال اذ الكلام مركب من سنخ الالفاظ ومن سنخ المعاني كالنسبة ولا يعقل وجود جامع بين ما هو من سنخ الألفاظ وبين ما هو من سنخ المعاني كما ان علم البيان موضوعه الفصاحة والبلاغة والفصاحة جزء من البلاغة ولا يعقل جامع بين الجزء والكل وهكذا في علم المنطق فان موضوعه التصور والتصديق ولا جامع بينهما وكذا في الفقه فان فعل المكلف لا يكون جامعا بين الصلاة التي هي من مقولة الافعال والصيام الذي هو من التروك فالحق ان يقال بان الموجب لجمع المسائل يختلف باختلاف نظر المدوّن فتارة يكون نظره الى موضوع خاص ويبحث عن عوارضه واخرى يكون نظره الى محمول خاص كالنافع ويقصد البحث عما يعرض النافع عليه واخرى يكون نظره الى غرض خاص من دون نظر الى الموضوع والمحمول فعلى الأول يكون التميز بالموضوع وعلى الثاني يكون بالمحمول وعلى الثالث فالتميز بالغرض بل ربما يقال انه لا يحتاج الى ذلك اصلا بل يصح للمدوّن ان يكوّن وحدة اعتبارية فان المركب من اجزاء متمايزة تعتبر فيه وحدة اعتبارية فالمدوّن لما دوّن تلك المسائل المتمايزة اعتبرها علما واحدا فبهذا الاعتبار تعتبر

تلك المسائل علما وان ترتبت عليها اغراض عديدة فوحدته منوطة بالوحدة الاعتبارية كما لا يخفى.

موضوع علم الاصول

اختلف الاصوليون في موضوع علم الاصول بين قائل بان موضوعه الادلة الاربعة بقيد الدليلية وينسب الى صاحب القوانين قدس‌سره وبين قائل بذوات الادلة وينسب الى صاحب الفصول والفرق بين القولين يظهر في البحث عن دليليتها فانه بحث عن جزء الموضوع على الاول فيعد من المبادي وبحث عن احواله على الثاني ويعد من مسائل العلم وقول ثالث بان موضوع علم الاصول كلي ينطبق على موضوعات مسائله لا خصوص الادلة وبه قال الاستاذ قدس‌سره مستدلا عليه بان اكثر مباحث الاصول بما يعم الادلة كعمدة (١) مباحث تعادل والتراجيح ومسألة حجية خبر الواحد فان البحث عنهما ليس بحثا عن عوارض السنة ان اريد منها السنة المحكية وانما البحث عنها من عوارض الحاكي وارجاع البحث فيهما الى عوارض المحكي بان البحث فيهما عن ثبوت السنة الواقعية (٢) في غير محله فان

__________________

(١) التعبير بالعمدة لاخراج بعض المباحث غير المهمة فيها كالبحث عن تعارض الآيتين فانه من عوارض الكتاب الذي هو احد الادلة.

(٢) وقد اوضحه بعض السادة الاجلة قدس‌سره بان الثبوت اضافة بين الثابت والمثبت له فتارة النظر يكون الى الثابت فيعد من احواله وعوارضه واخرى يكون النظر الى المثبت له فيكون من عوارضه واحواله كالقطع فتارة يضاف الى القاطع فيقال السكين تقطع الخشب واخرى يضاف الى المقطوع فيقال الخشبة تنقطع بالسكين فهذا الاختلاف يوجب اختلافا في ناحية الموضوع ففى الاول في

البحث فيهما حينئذ عن ثبوت الموضوع الذي هو مفاد كان التامة فيعد من المبادي ولا يعد من مسائل العلم فانها مفاد كان الناقصة التي مفادها نسبة المحمول للموضوع بعد الفراغ عن وجوده وبعبارة اخرى السؤال تارة يقع بهل البسيطة كالسؤال عن اصل وجود الشيء واخرى يقع بهل المركبة كالسؤال عما يعرض عليه بعد الفراغ عن وجوده والجواب عن الأول يعبر عنه بمفاد كان التامة فيقال كان زيد في جواب هل وجد زيد والجواب عن الثاني يعبر عنه بمفاد كان الناقصة فيقال كان زيد قائما والبحث في مسائل العلم بحث عن عوارض الموضوع بعد الفراغ عن أصل وجوده واقعا والعلم لا يبحث عن ثبوت الموضوع واقعا فلو بحث عنه فهو يعد بحثا عن مبادي العلم وما يقال بان البحث في حجية الخبر انما هو بحث عن الثبوت التعبدى والثبوت التعبدي هو مقاد كان الناقصة فهو وان كان صحيحا إلا انه من عوارض الحاكي لا المحكي وبالجملة ان اردنا من السنة السنة المحكية أي نفس قول المعصوم أو فعله أو تقريره فالبحث عن خبر الواحد ليس بحثا عن عوارض

__________________

بيان حدة السكينة وفي الثاني في بيان صلابة الخشب وان كانت احدى الاضافتين تلازم الاخرى إلا ان جهة العروض يختلف وهكذا في المقام فان البحث في ان السنة تثبت بخبر الواحد كما تثبت بالخبر المتواتر غير البحث في ان خبر الواحد مثبت للسنة كما ان الخبر المتواتر يثبتها لتغاير الموضوع فيهما ففي الاول بحث عن عوارض السنة بخلاف الثاني فانه بحث عن عوارض الخبر فغرض الشيخ قدس‌سره من الارجاع جعل البحث في خبر الواحد من قبيل الاول ولكن لا يخفى ان ما ذكره قدس‌سره فانه صحيح في نفسه إلا انه لا يثبت إلا امكانه واما الذي يبحث عنه في خبر الواحد هو كون الاضافة الى المثبت فحينئذ يكون الموضوع هو الخبر فالبحث عنه بحث عن الحاكي للسنة الواقعية.

الموضوع وان اردنا من السنة الحاكي والمحكي فهو وان كان من عوارض السنة إلا أن البحث في غير واحد من مسائلها كمباحث الالفاظ وجملة من غيرها لا يخص الادلة بل يعم غيرها اقول ما المراد من ان السنة تثبت بخبر الواحد فان كان المراد ان خبر الواحد موجد لها واقعا فهو أمر غير معقول حيث انه من سلسلة المعلولات ولا يعقل ان يكون من سلسلة العلل وان كان المراد من الثبوت الثبوت التعبدي فهو ايضا خارج عن مسائل العلم ولا يكون من قبيل مفاد كان الناقصة لان مفادها البحث عما يعرض على الموضوع بعد الفراغ عن وجوده والبحث عن الوجود التعبدي ليس بحثا عما يعرض على الشيء بعد الفراغ عن وجوده اذ الوجود التعبدي لا يلازم الوجود الواقعي مضافا الى ان الثبوت التعبدي من عوارض الحاكي اي الخبر على اطلاقه محل نظر اذ يكون من عوارض الحاكي بناء على ان دليل التنزيل فى الامارات ناظر الى جعل المؤدي منزلة الواقع فانه حينئذ من عوارض الحاكي واما بناء على انه ناظر الى ان احتمال المطابقة منزل منزلة العلم فلا يتم ما ذكره قدس‌سره من انه من عوارض الحاكي وانما هو من عوارض السنة المحكية بيان ذلك ان احتمال المطابقة لو صار علما تكوينا لزم تبدل السنة الواقعية من الصفة الاولى اي كونها محتملة الى صفة اخرى وهي كونها معلوم فالتبدل يكون من حاله الى حالة اخرى من حالات السنة الواقعية وهكذا بالنسبة الى جعل الشارع فانه لما جعل احتمال المطابقة علما معناه بدل ذلك الاحتمال الى علم تعبدي وهذا التبديل صار من احوال السنة الواقعية ولازم ذلك تبدل الصفة المحتملة الى كونها معلوم ان قلت ان اتصاف كل شىء بصفة انما يعد من الحالات بعد الفراغ من وجوده في العلم الحقيقي فضلا عن العلم الجعلي ومع فرض عدم وجوده فكيف يكون من حالاته قلنا لا يقصد من البحث عن احوال السنة إلا البحث عن حالها على تقدير وجودها واقعا في

قبال من يدعي جعل مثل هذه الحالة من حالات الخبر الحاكي لها دونها وبالجملة البحث في هذه الصفة اي الصفة المعلومية متحققة ام ليست بمتحققة بحث عن عوارض نفس السنة الواقعية المحكية واما ما ذكره أخيرا من الاستدلال على كون الموضوع فى علم الاصول هو الكلي المنطبق على جميع المسائل لا خصوص الادلة بما لفظه (إلا ان البحث في غير واحد من مسائلها كمباحث الالفاظ وجملة من غيرها لا يخص الادلة بل يعم غيرها وان كان المهم معرفة أحوال خصوصها) بتقريب أن جهة البحث في تلك المباحث مثل أن الأمر يدل على الوجوب أو المرة أو الفور وامثال ذلك المذكورة في مباحث الالفاظ وغيرها من المباحث العقلية كحسن العقاب وقبحه هي مباحث عامة لا تختص بالادلة الأربعة وان كان المهم من تلك المسائل هو الأمر الموجود في الكتاب والسنة وكون وجود هذه الامور المهمة في المسائل لا يوجب اختصاص جهة البحث وحيث ان صاحب الفصول قال بان موضوع علم الاصول الادلة الأربعة التزم بان البحث عنها باعتبار وقوعها في الكتاب والسنة وقد أورد عليه بان الاعراض اللاحقة للجنس بتوسط أمر أخص من الاعراض الغريبة فيلزم من ذلك خروج جل المسائل عن العلم والجواب عنه بان اعتبار وقوعها في الكتاب والسنة ليست جهة تقييدية وانما هي من الجهات التعليلية فتلك الاعراض اللاحقة للجنس باعتبار وقوعها في الكتاب والسنة لا تعد من الأعراض الغريبة واما جهة البحث فهو وان كان عاما إلا انه لا يكون فيه جهة عموم بنحو يشمل غير الأدلة لما هو معلوم أن الغرض في كل شيء هو ما يتعلق به الارادة اولا على نحو يكون موجبا لتحصيل المقدمات فالمقدمات انما هي للتوصل الى ذيها فالارادة التوصلية تتعلق بما يوصل الى الغرض ومن هنا نقول ان دائرة ذي الغرض لا بد وأن يكون بمقدار دائرة الغرض وعليه الغرض من البحث ليس إلا

هو اعتبار وقوعها في الكتاب والسنة فسعة الغرض يوجب سعة البحث وضيقه يوجب ضيق جهة البحث فمن هنا صح لنا دعوى ان الغرض لما كان استنباط الاحكام الشرعية وانه مترتب على خصوص الأوامر والنواهي الموجودة في الكتاب والسنة لا على مطلق الامر فيستكشف منه انه لا يؤخذ قدرا جامعا ما يشمل الكتاب والسنة وغيرهما لما في الغرض من خصوصية لا تترتب على الأمر الجامع هذا غاية ما يوجه به كلام الفصول إلا انه مبني على ان نسبة الغرض الى ما يترتب عليه نسبة تأثير وتأثر فوحدته يوجب وحدة المؤثر وتعدده يوجب تعدده وقد عرفت منا سابقا ان ذلك لو سلم فانما هو فى الأمر البسيط لا مثل المقام الذي هو جامع عنواني فوحدته لا توجب وحدته هذا والذي يمكن ان يقال أن مباحث الاصول تنقسم الى ثلاثة أقسام مباحث الالفاظ كالامر للوجوب أو للفور ومثل ذلك ومداليل بنحو كان للفظ دخل فيها كاجتماع الأمر والنهي ودليلية الدليل كمباحث الحجج كمثل حجية خبر الواحد ونحو ذلك فلو قلنا بمقالة المحقق القمي القائل بان الموضوع هو الادلة بقيد الدليلية فالبحث عن الحجج تدخل في مباحث المبادي لان البحث فيها ليس من عوارض الموضوع بل بحث عن جزء من الموضوع فتخرج عن مسائل العلم وتخرج ايضا عن مباحث المداليل وكذا مباحث الالفاظ بناء على ان عوارض الجنس من العوارض الغريبة فلا يبقي لعلم الاصول مسألة يبحث عنها بل كلها تكون من المبادي واما لو قلنا بمقالة الفصول من ان الموضوع هو ذوات الادلة فلا يرد عليه الاشكال بمباحث الحجج كمباحث ظواهر الكتاب ومباحث العقل فان البحث فى تلك المباحث يكون من عوارض الموضوع ، نعم يرد عليه خروج مباحث المداليل واما بقية مباحث الحجج كمثل حجية الشهرة وحجية الاستصحاب فان تلك المباحث تخرج لان

البحث فيها ليس من عوارض الأدلة ومن هنا التزم الاستاذ قدس‌سره بان موضوع علم الاصول ما يعم هذه المسائل المتشتتة بحيث يكون ذلك الجامع هو الضابط للمسائل الاصولية ومع عدم شموله لا يعد من مسائل الاصول وقد عرفت منا سابقا عدم الالتزام باخذ جامع موضوعي او محمولي او الغرض بل يكفي لجمع تلك المسائل المتشتتة وحدة اعتبارية كما لا يخفى.

تعريف علم الاصول

عرف القوم الاصول بانه العلم بالقواعد الممهدة لاستنباط الاحكام الشرعية والاستاذ قدس‌سره جعل هذا التعريف مؤيدا لما اختاره من ان موضوع علم الاصول كلي ينطبق على موضوعات مسائله لا خصوص الادلة إذ لو كان الموضوع خصوص الادلة لقيدت القواعد في التعريف بها وانما جعله مؤيدا لا دليلا لجواز ان يكون التعريف بالاعم (١) وحيث ان هذا التعريف لا يكون جامعا لعدم شموله لحجية الظن بناء على الحكومة والاصول العملية في الشبهات الحكمية اضاف اليه قدس‌سره (او التي ينتهي اليها فى مقام العمل).

بيان ذلك أن المراد من الاستنباط ان القاعدة توجب تحصيل العلم بالواقع تعبدا فيستفاد منها الحكم الشرعي الواقعي مثلا حجية الامارة يستكشف منها الحكم

__________________

(١) مضافا الى ان هذه تعاريف لفظية لا يقصد منها إلا شرع الاسم فحينئذ لا يستكشف شيء منها بل ربما يقال ان ذكر الاحكام الشرعية يغني عن تقيد القواعد بالادلة حيث انها مستنبطة من الادلة ولكن لا يخفى ان كون الاحكام الشرعية تستخرج من الادلة لا يوجب اختصاص القواعد في التعريف بالادلة بل هي مطلقة تشمل الادلة وغيرها فافهم.

الواقعي فما لم يستكشف منه ذلك خارج عن دائرة الاستنباط كالظن بناء على الحكومة بمعنى أن منشأ حجيته حكم العقل بوجوب العمل على طبق الظن فيكون مفاده حكما ظاهريا عقليا فلم يقع في طريق الاستنباط بخلاف ما اذا قلنا بان نتيجة دليل الانسداد هي الكشف فانها يتوصل بها الى الحكم الشرعي كما يتوصل من بقية الامارات اليه وهكذا الحال بالنسبة الى الاصول العملية العقلية كالبراءة والاشتغال والتخيير الجارية في الشبهات الحكمية فانها لا يتوصل بها الى الحكم الشرعي سواء قلنا بانها عقلية او انها من باب جعل المماثل واما استفادة الحكم الشرعي منها فليس من التوصل بها اليه بل من باب تطبيق الكلي عليه واما الاصول الجارية فى الشبهات الموضوعية كالشك بان هذا المائع خمر او خل فليست من الاصول وانما هي احكام فرعية جزئية فظهر مما ذكرنا أن الظن بناء على الحكومة والاصول العملية الجارية فى الشبهات الحكمية لا تدخل تحت تعريف المشهور ومن شأنه أن يكون جامعا لجميع المسائل فلذا اضاف قدس‌سره او التي ينتهي اليها في مقام العمل اذ لا وجه لدعوى كون هذه المباحث المهمة ذكرت في الاصول استطرادا ثم أنه قدس‌سره عرف علم الاصول بانه صناعة يعرف بها القواعد التي يمكن ان تقع في طريق استنباط الاحكام فلم يدخل العلم في التعريف لما هو معلوم ان حقيقة كل علم مسائله فلذا يتعلق به العلم تارة والجهل اخرى فيقال عالم بالنحو وجاهل به فلو كان العلم داخلا فى حقيقة الفن فلا يتعلق العلم او الجهل به اللهم إلا ان يقال ان للشيء وجودات عديدة وجود واقعي ووجود علمي ووجود كتبي فالفن له وجود واقعي وهو نفس القواعد ووجود علمي وهو العلم بها فاخذ المشهور العلم في التعريف باعتبار وجوده العلمي واما قوله التي يمكن أن تقع فى طريق الاستنباط فقد خالف المشهور فى ذلك حيث ان ظاهر الاستنباط المأخوذ

فى تعريف المشهور هو الاستنباط الفعلي فلا يشمل ما يكون له استنباط شأني كاستصحاب المسبب مع استصحاب السبب مع ان ذلك من المسائل الاصولية فهو داخل تحت قوله التي يمكن نعم ترك لفظ الممهدة في غير محله لكونها مانعة من شمول التعريف للعلوم العربية ونحوها لانها تقع في طريق الاستنباط ولكنها لم تمهد لذلك كما أن اتيان لفظة صناعة فى غير محلها للزوم خروج المسائل المشتملة على نفس القواعد من العلم لعدم كونها صناعة وتختص مسائل العلم بما يكون من قبيل الاقيسة على انه يظهر من تعريفه ترتب غرضين على علم الاصول وهما استنباط الاحكام الشرعية والانتهاء فى مقام العمل وعليه ينبغي ان يجعل علم الاصول علمين لتعدد الغرض إذ لا جامع بين الاحكام الواقعية المستنبطة من الادلة وبين الاحكام الظاهرية المنتهى اليها فى مقام العمل ومن هنا عدلنا عن تعريفه لعلم الاصول الى تعريفه بالقواعد الممهدة التي يمكن ان تقع فى طريق تحصيل وظيفة المكلف في مقام العمل ومنه يعلم.

ملاك المسألة الاصولية

وهو ما يمكن ان يقع فى طريق تحصيل الوظيفة الكلية للمكلف في مقام العمل سواء أكان حكما واقعيا كمفاد الامارات أو حكما ظاهريا كمجاري الاصول بناء على جعل المماثل او حكما عقليا كالظن بناء على الحكومة وكالأصول العملية بناء على عدم جعل المماثل ولا يخفى أن جريان نتيجة المسألة الاصولية غير مختصة بباب خاص ولذا تخرج بعض القواعد الفقهية عن الاصول كقاعدة الطهارة وما يضمن بصحيحة يضمن بفاسده وكل ما لاقى نجسا تنجس وامثال هذه القواعد المختص جريانها بباب خاص نعم قاعدة الضرر والحرج يجريان فى ابواب الفقه إلا

ان مفادهما الحكم الجزئي ولا ينتجان الحكم الكلي وبالجملة ان ملاك المسألة الاصولية هي الوظيفة الكلية التي تكون ناظرة الى اثبات الحكم بنفسه أو بكيفية تعلقه بموضوعه فما كان متعلقا بنفس الموضوع خارج عن المسائل الاصولية كعلم الرجال والعلوم العربية والمشتق وأمثال ذلك واما المفاهيم والعام والخاص وامثالهما فهي داخلة فى المسائل الاصولية فان البحث فيها ليس في نفس الموضوع وانما هو فى كيفية تعلقه (١) واما جعل الملاك فى المسألة الاصولية هو وظيفة المجتهد فهو غير صالح بان يكون هو الميزان لانتقاضه بشروط الصلح والشروط المخالفة للكتاب أو السنة ونحو ذلك فانها قواعد فقهية مع أن تطبيقها بيد المجتهد وسيأتي له مزيد توضيح في الاستصحاب ان شاء الله تعالى.

__________________

(١) لا يخفى ان المفاهيم والعموم والخصوص والمطلق والمقيد وأمثالها البحث فيها راجع الى نفس الموضوع لانه يبحث فيها عن سعته وضيقه وذلك راجع اليه ومن هنا التزمنا فى حاشيتنا على الكفاية بان الملاك في المسألة الاصولية هي كبرى لو انضمت الى صغراها لانتجت حكما كليا شرعيا وعليه تخرج القواعد العربية والرجالية وامثالهما فانها لو انضمت الى صغرياتها لا تنتج مسألة كلية شرعية إلا بتوسط علم الاصول ومن ذلك تعرف ان علم الاصول بالنسبة الى علم الفقه كالجزء الأخير من العلة ولذا أضيف الاصول اليه فقالوا أصول الفقه ومنه يعلم تعريفه بالعلم بكبريات لو انضمت الى صغرياتها لانتجت مسألة كلية شرعية كما انه منه يعلم مرتبة علم الاصول من سائر العلوم وتقدمه على علم الفقه.

الامر الثاني فى الوضع (١)

الوضع نحو اختصاص اللفظ بالمعنى وارتباط خاص بينهما ناش من تخصيصه تارة ومن كثرة الاستعمال اخرى وتعريفه بهذا أصوب من تعريف بعض بتخصيص اللفظ بالمعنى اذ هو يختص بالتعيين ولا يشمل التعيني الناشئ من كثرة

__________________

(١) لا يخفى أن وجه مناسبة ذكر الوضع وأقسامه في مقدمة فن الأصول هو انك قد عرفت أن فن الاصول يبحث عما يترتب عليه الاستنباط ومن جملة ما يترتب عليه الاستنباط مباحث الالفاظ كقولنا الأمر يدل على الوجوب والنهي على الحرمة وصيغة أفعل على الوجوب وامثال تلك المباحث اللفظية وبما ان البحث فيها يتعلق بالدلالة وانها وضعية ناسب ذكر الوضع وأقسامه في المقدمة واما دلالة الالفاظ على المعاني هل هي ذاتية بنحو لا تحتاج الى وساطة شيء آخر فهي دعوى مجازفة اذ لا معنى لدعوى انها من لوازم الذات بل يمكن ان يدعى بان دلالة اللفظ على معناه لمناسبة ذاتية تقتضيها وإلا لزم الترجيح بلا مرجح ولازم هذه الدعوى ان الواضع للالفاظ هو علام الغيوب لانه المطلع على تلك الخصوصيات والمناسبات الذاتية وأوصله الى الخلق اما بالالهام أو بالوحي فالخلق يضع اللفظ للمعنى سواء كان ملتفتا الى المعنى أو لم يكن وأيد ذلك بان المعانى غير متناهية فيلزم ان تكون الالفاظ غير متناهية ولا يقدر على ذلك الاعلام الغيوب ولا يخفى ما فيه فان وضع الالفاظ للمعانى هو السبب لدلالة اللفظ على معناه بحيث لولاه لما دل من غير حاجة الى المناسبة الذاتية بين اللفظ والمعنى فانه ليس إلا من تصادف الاشياء وبواسطة تعدد الاشخاص من زمن آدم الى يومنا هذا حصل تعدد الوضع فان كل طبقة يضعون لفظا خاصا الى المعانى فلم تكن الاوضاع المتعددة بهذه الكثرة صدرت من شخص واحد لكي يقال ان هذه الكثرة لا يمكن حصولها

الاستعمال ثم لا يخفى ان معرفة الوضع موقوفة على معرفة خصوصيات تعريفه إذ معرفة المعرف موقوف على معرفة المعرف فاعلم ان الاختصاص الواقع بين شيئين أما خارجية أو ذهنية الأولى كالهيئة الحاصلة لاجزاء السرير فانه هيئته تحصل من ضم جزء الى آخر ومثله التقابل الحاصل من مقابلة شىء لآخر الثانية كنسبة الكلي الى فرده فانه لا وجود له في الخارج بل الذي له حظ من الوجود خارجا هو الفرد الخارجي الذي هو منشأ لانتزاع هذه النسبة التي موطنها الذهن والوضع من قبيل الثاني فان الخارج ليس ظرفا لهذا الاختصاص بل ظرفا لمنشئه وهو اما الجعل أو كثرة الاستعمال نظير الملكية فان الاختصاص فيها ليس الخارج ظرفا له بل لمنشئها وهو الجعل ، ولا يخفى ان اختصاص اللفظ بالمعنى من قبيل المرآة بالنسبة الى المرئي بنحو يكون اللفظ فانيا فى المعنى فبالقاء اللفظ يكون ملقيا للمعنى وانه هو هو ولذا يسري قبح المعنى الى اللفظ وحسنه يسري اليه لما بينهما من الاتحاد والعينية وسببه هو وحدة اللحاظ الواقع بين اللفظ والمعنى لا من قبيل الامارة وذيها او الملكية والمالك اذ الاثنينية بينهما متحققة ولذا لا يسري الحسن والقبح من احدهما الى الآخر فمن هنا عبر الاستاذ بان الوضع نحو اختصاص اللفظ بالمعنى ثم ان هذا الربط والعلقة الحاصلة بين اللفظ والمعنى الناشئة من الجعل هي واقعية لها تقرر فى عالم الاعتبار ولذا يتعلق بها العلم تارة والجهل اخرى فهي كالملازمة الذاتية

__________________

من شخص واحد وبالجملة وضع اللفظ للمعنى ليس للخصوصية الذاتية وانما هو لفظ مخصوص وضع للمعنى من باب الصدقة والاتفاق مع انه لو التزمنا بالمناسبة الذاتية بين اللفظ والمعنى لزم وجود المناسبة بين المتباينين في بعض الالفاظ المشتركة كالقرء للحيض والطهر وذلك باطل قطعا.

بين الزوجية والاربعة فانها ذاتية ولو لم تكن هناك أربعة وليست من الامور الانتزاعية التي لا تقرر لها لا في عالم الاعتبار ولا في عالم الاعيان بل لمنشئها تقرر كنفس الزوجية المنتزعة من الاربعة وبالجملة عالم الاعتبار كعالم الاعيان فكما ان عالم الاعيان له تقرر وواقع كذلك عالم الاعتبار فان تقرره ووجوده فى وعاء الاعتبار فهو متأصل في عالمه كما أن التقرر فى عالم الاعيان له تأصل فى عالمه غايته أن تأصله انما يكون بتعلق الارادة التكوينية الالهية وتأصل الأول انما يكون بالاعتبار فهو يوجد بنفس اعتبار من بيده الاعتبار ، هذا وينسب الى المحقق النهاوندي قدس‌سره جعل الوضع منتزعا من تعهد الواضع ارادة المعنى عند ذكر اللفظ فيكون من قبيل الاحكام الوضعية عند القائل بانها منتزعة من الأحكام التكليفية مثل أن يقال الملكية منتزعة من قول الشارع من حاز فلا يجوز لغيره التصرف فيما حازه فمن هذا القول ينتزع اختصاص واقع بين المحاز والمحيز وهو عبارة عن الملكية ولكن لا يخفى انا نمنع كون الأحكام الوضعية تابعة للاحكام التكليفية لان المستفاد من قول الشارع الناس مسلطون على اموالهم ولا يحل مال امرئ إلا بطيب نفسه الجعل المستقل وذلك ان المال المضاف الى الغير هو معنى الملكية قد أخذ موضوعا للتكليف وهو الحرمة ولا شبهة أنه لا يعقل انتزاع الملكية من هذا الحكم لان المفروض أخذه موضوعا للحكم فهو متقدم على الحكم فكيف ينتزع من أمر متأخر عنه فلا بد ان ينتزع من حكم آخر متقدم عليه ولازمه اجتماع المثلين على موضوع واحد واذا بطل ذلك تعين كونه مسبوقا بجعل مستقل على انه لو قلنا بالتبعية فى الأحكام الوضعية لا نقول بها في مقامنا اذ أن ارادة الواضع التعهدية لا تخلو اما ان تكون مسبوقة بجعل وهو الذي نسميه بالوضع فهو المدعى واما ان لا تكون مسبوقة بجعل فاما ان تكون هذه الارادة نفسيه وإما غيرية اما الأول فلا اشكال في بطلانه اذ ليس غرض

الواضع من وضع اللفظ سوى فهم المعنى من اللفظ فلا بد وان تكون غيرية واذا صارت الارادة المتعلقة باللفظ ارادة غيرية فلا بد وان تكون ناشئة من كون اللفظ مقدمة الى المعنى وكونه مقدمة لا بد وان يكون مسبوقا بجعل ، اذ ليس دلالة اللفظ على المعنى ذاتية وحينئذ ننقل الكلام الى ذلك الجعل ولا يعقل كونه ناشئا من الارادة الأولى لانها متفرعة فلا بد وان تكون ناشئة من ارادة اخرى وليست تلك الارادة ارادة نفسية بل غيرية وغيريتها لا بد وأن تكون من جهة مقدميتها ومقدميتها لا بد لها من جعل وننقل الكلام الى ذلك الجعل فاما ان ينتهي الى جعل مستقل او يتسلسل فالوضع لا بد وان يكون ناشئا من جعل أو من كثرة الاستعمال فالناشئ من الجعل هو التعيين وبعضهم توهم ان العلاقة الوضعية لا تحصل من كثرة الاستعمال وان الوضع يحصل من أحد الاستعمالات لان الاستعمالات السابقة على حصول العلاقة الوضعية انما هي مع القرينة الموجبة لها ومع فرض وجود القرينة لا تكون موجبة للدلالة الوضعية فلا بد وانها تحصل من استعمال خاص ويظهر ذلك من صاحب الفصول حيث عرف الوضع بتعيين اللفظ بالدلالة على المعنى بنفسه أدعى ان التعيين تارة يكون بالقصد وهو الوضع التعييني كالمرتجل واخرى من غير قصد وهو التعيني كما فى المنقولات بالغلبة ولكن لا يخفى ان الوجدان حاكم بان العلقة الوضعية كما تحصل من الجعل كذلك تحصل من مجموع استعمالات بنحو يكون كل استعمال له الدخل فى تحصيل تلك العلاقة فان الاستعمالات السابقة على العلقة الوضعية وان كانت مع القرينة إلا انها تضعف تلك القرينة بنفس الكثرة ومنها يحصل الانس بين اللفظ والمعنى بنحو يستغنى عن القرينة فهي كما تحصل من كثرة الاستعمال تحصل من الجعل ولذا الاستاذ قدس‌سره ، عرف الوضع بالاختصاص الحاصل من الجعل او من كثرة الاستعمال وجعل الاختصاص هو مجمع للقسمين

وقال بهذا صح تقسيمه اليهما ولا يخفى ان هذا التقسيم انما هو باعتبار السبب كالملكية فانها تنقسم باعتبار السبب الى قسمين فتارة تكون اختيارية كالحاصلة من الايجاب والقبول واخرى تحصل من سبب غير اختياري كالحاصلة من الارث ثم لا يخفى ان الوضع تارة يكون بالتصريح كأن يقول الواضع وضعت هذا اللفظ الخاص للمعنى الخاص واخرى يكون حاصلا بالكناية كالحاصل من الاستعمال بداعي الوضع ودعوى انه لا يعقل حصوله من نفس الاستعمال لكونه يلزم الجمع بين اللحاظين وهو اللحاظ الآلي واللحاظ الاستقلالي ممنوعة لأن لحاظ الآلية انما تعلق بشخص اللفظ والمعنى واللحاظ الاستقلالي متعلق بطبيعة اللفظ والمعنى فاللحاظان لم يجتمعا فى محل واحد.

اقسام الوضع (١)

لا يخفى ان الملحوظ حال الوضع اما ان يكون خاصا فيوضع اللفظ له فهو الوضع الخاص والموضوع له خاص كوضع الأعلام واما ان يكون عاما فاما ان يوضع له اللفظ فهو الوضع العام والموضوع له عام كوضع اسماء الاجناس واما ان يلحظ

__________________

(١) قيل ان هذا التقسيم راجع الى الوضع التعيينى دون التعييني لان تصور المعنى الموضوع له ووضع اللفظ له أو لمصاديقه لا يكاد يتأتى إلا بالنسبة الى الوضع التعييني ولكن لا يخفى أنه كما يجري هذا التقسيم بالنسبة الى الوضع التعيينى يمكن جريانه في الوضع التعينى لان الاستعمال بمنزلة الوضع في توقفه على تصور المستعمل فيه قبل الاستعمال فكل من يستعمل يلاحظ قبل الاستعمال معنى خاصا فيستعمل اللفظ فيه لو في مصاديقه ويجري على ذلك بقية المستعملين إلا ان كيفية تصور المعنى بالنسبة الى المستعملين غير منضبطة لكي يدعى ان الوضع تابع للاستعمال.

العام ويوضع اللفظ لأفراده ومصاديقه فهو الوضع العام والموضوع له خاص ولم يعقل تصور قسم رابع وهو الوضع الخاص والموضوع له عام لأن الخاص ليس وجها وعنوانا للعام بخلاف العام فانه من وجوه الخاص لأن تصور العام تصور للخاص بوجهه وان اردت توضيح ذلك فلاحظ الحكم اذ ان نسبة الحكم الى موضوعه كنسبة الوضع الى الموضوع له فكما أن في الوضع يحتاج الى تصور الموضوع له كذلك في الحكم لا بد من تصور المحكوم عليه وتصوره اما بحقيقته او بعنوانه فتارة يؤخذ موضوعا كليا من دون نظر الى الأفراد والمصاديق كمثل الانسان نوع واخرى يؤخذ الموضوع شخصيا كمثل اكرم زيدا وثالثة يؤخذ عنوانا مشيرا الى الوجودات الخاصة من دون خصوصية للعنوان مثل اكرم من في الصحن فان عنوان من فى الصحن لم يؤخذ إلا للاشارة الى الاشخاص الموجودين في الصحن فالتقسيم في الحكم انما هو من جهة موضوعه وإلا فالحكم الناشئ من الارادة يكون شخصيا لكونها شخصية وهذه الأقسام الثلاثة المتصورة فى الحكم بعينها متصورة فى الوضع لما عرفت ما بينهما من السنخية واما الصورة الرابعة فلا يعقل جريانها بالنسبة الى الحكم بان يؤخذ الخاص موضوعا للحكم على ما يعمه كذلك لا تجري بالنسبة الى الوضع فلا يعقل ان يجعل الخاص بما هو خاص مرآة للعام لكونه أخفى معرفة نعم يوجب تصوره تصور العام بكنهه فيوضع اللفظ له ودعوى ان العام بما هو عام ايضا لا يعقل ان يكون مرآة للخاص فمقتضى ذلك انكار الوضع العام والموضوع له الخاص ممنوعة فانك قد عرفت ان معرفة العام معرفة للخاص بوجه ونعني بذلك أن يكون معرفته بالعناوين الاجمالية لا المفاهيم العامة بيان ذلك هو انه فرق بين المفاهيم العامة كالانسان والحيوان والحجر والشجر والعناوين الاجمالية كعنوان ما يشار اليه ونحوه فان المفاهيم العامة تكشف عن

الحصص الموجودة فى ضمن الافراد المشتركة فى نوع واحد او جنس واحد من دون كشف لخصوصيات تلك الحصص اذ هي تعتبر جهة زائدة عنها فلذا لو أطلق الكلي واريد منه الخصوصية يكون الاستعمال مجازيا بخلاف العناوين الاجمالية كمثل (من في الصحن) (ومن في الدار) او عنوان ما يشار اليه فانها تحكي عن تلك الخصوصيات لانها عناوين اجمالية منتزعة من تلك الخصوصيات المفصلة فتكون نسبة الخصوصيات الى تلك العناوين الاجمالية نسبة تفصيل الى اجمال وان شئت توضيح الفرق بين القسمين فانه يظهر فيما لو وقعت الجهة الجامعة فى حيز الامر فانه على القسم الأول لو اردت التقرب بالخصوصية فهو تشريع محض حيث ان تلك الخصوصية على ذلك التقدير غير متعلقة للامر كما لو قال صلي على الاطلاق فانه لا يصح التقرب بخصوصية المسجدية مثلا لما عرفت من أن الخصوصية لم تدخل في حيز الخطاب بخلاف ما لو وقعت العناوين الاجمالية فى حيز الأمر فانه لك التقرب بتلك الخصوصيات كما لو قال صلي فى احد المساجد فلا شك فى صحة التقرب حينذاك بخصوصية المسجدية لوقوعها في حيز الخطاب اذا عرفت الفرق بين القسمين فاعلم ان ما يجعل مرآة للافراد ويكفي لحاظه عن لحاظ الافراد وهو القسم الثاني الذي هو عنوان اجمالي منطبق على الخصوصيات انطباق المجمل على المفصل لا ما يكون من قبيل الأول فان لحاظه ليس مرآة للافراد لعدم كشفه عن تلك الخصوصيات فاتضح مما ذكرنا ان الاشكال يتم لو كان المراد من العام الكلي لا العنوان المجمل ثم لا يخفى ان الوضع العام والموضوع له عام يتصور على نحوين الأول ان تكون الجهة الجامعة المحفوظة بين الافراد تلحظ في الذهن معراة عن تلك الخصوصيات كالانسانية والحيوانية فانها في الخارج لا توجد إلا مع خصوصية وتوجد في الذهن معراة عن خصوصيات الخارج والتعدد الموجود فى الخارج

لا يضر بتلك الوحدة المسماة بالجهة الجامعة الثاني ان تكون الجهة الجامعة المحفوظة بين الحصص والخصوصيات لا توجد معراة عن الخصوصية في الذهن فضلا عن الخارج وتكون تعريتها عين تحليتها كوضع الحروف فانه على القول بكونه من الوضع العام والموضوع له عام يكون من هذا النحو فان المعنى الحرفي لما كان من الامور النسبية والربطية فلا يعقل تحققه فى عالم الذهن إلا مع الخصوصية حتى مع لحاظه مجردا عن الخصوصية وهذا معنى تعريته عين تحليته فان ملاحظته معرى عن الخصوصيات لا بد وان يكون موجودا بالوجود الخاص في الذهن فيكون محلى بالوجود ، ولا يخفى ان ضم الخصوصيات المتكثرة لا تضر بالوحدة الجامعة وبالطبيعة السارية ولو اضر بتلك الوحدة لأضر التكثر الموجود في افراد الانسان خارجا بطبيعة الانسان التي هي وحدة جامعة بين افراد الانسان فالمعنى الحرفي فى عالم الذهن كالانسان فى عالم الخارج من دون تفاوت بينهما هذا كله فى اقسام الوضع بحسب الامكان واما بحسب الوقوع فاعلم انه لا ريب فى وقوع القسم الأول وهو الوضع الخاص والموضوع له خاص كوضع الاعلام وفي وقوع الثاني وهو الوضع العام والموضوع له عام بالمعنى المشهور كوضع أسماء الاجناس واما على النحو الغير المشهور فسيأتي ان شاء الله تعالى ، انه كوضع الحروف واما القسم الثالث : وهو الوضع العام والموضوع له خاص فاختلفوا في وقوعه وعدمه والذي قال بوقوعه مثل له بالحروف وما الحق به من الأسماء.

فى المعنى الحرفى (١)

اما الحروف فقد توهم انها من قبيل الوضع العام والموضوع له خاص كما توهم ان

__________________

(١) اما الحروف فاختلفوا فى وضعه على اقوال احدها ما ينسب الى الحاجب

الوضع كالموضوع له عامان والمستعمل فيه فيها خاصا والاستاذ قدس‌سره قال بان الحروف موضوعة للمعنى العام والمستعمل فيه عام والخصوصية انما جاءت من قبل الاستعمال واستدل على ذلك بتوضيح منّا بان الخصوصية التي اوجبت جزئية المعنى الحرفي اما خارجية او ذهنية اما الخارجية كما ينسب الى بعض المحققين فواضح

__________________

والعضدى ان الوضع عام والموضوع له خاص ، ثانيها ما ينسب الى بعض القدماء بان الوضع والموضوع له عامان والمستعمل فيه خاص ثالثها ما ينسب الى الرضي بان الحروف لا معنى لها وانما هي علامات كالرفع علامة للفاعلية والنصب علامة للمفعولية والكسرة علامة للمضاف اليه وقد اوضحه بعض من تأخر بما حاصله ان الحروف انما جعلت علامة لان يراد من المدخول معنى غير ما وضع له مثلا : الدار تلحظ بما انها موجودة بالعين واخرى تلحظ بما انها موجودة بالاين فكلمة (في) في قولنا دخلت في الدار علامة على ان يراد من المدخول اي الدار هو الوجود الايني لا الوجود العيني كما جعلت الضمة علامة للفاعلية والفتحة علامة للمفعولية والكسرة للمضاف اليه ولا يخفى ان هذا القول الاخير مخالف للوجدان فان المستفاد من الدار ليست الظرفية بل نفس الوجود العيني وانما الاينية والظرفية مستفادة من كلمة في ، وبالجملة ان الظرفية اما ان تكون داخلة في مفهوم الدار او تدل عليه كلمة (في) والاول باطل فتعين الثاني واما القول الثاني فهو باطل عند المحققين فانه لا معنى للوضع بخصوص معنى لا يستعمل فيه اللفظ وانما يستعمل فى معنى آخر ويكون مجازا بلا حقيقة كما ان القول الاول لم يعهد من القدماء وانما حدث من بعض من تأخر واول من نسب اليه هذا القول العضدى والحاجبى والسبب فى تنبههما الى ذلك هو انه لما رأيا ان المعنى الحرفي عبارة عن مصداق الابتداء لا مفهومه اذ مفهومه هو المعنى الاسمي ولم يكن من قبيل الوضع الخاص والموضوع له خاص لانه يلزم ان تكون الاوضاع غير متناهية ولا من قبيل الوضع العام والموضوع له العام للزوم كون الاستعمال فى

البطلان اذ كثير (١) ما يكون المستعمل فيه فيها كليا كما لو كانت الحروف متعلقة للامر كمثل سر من البصرة الى الكوفة فان من والى الواقعتين عقيب الامر لم يستعملا إلا في الكلي اذ لا يعقل تعلق الأمر بما هو موجود خارجي ومن هنا التجأ صاحب هذا القول الى كونه جزئيا اضافيا بان تصور كلى الابتداء ووضعها لخصوصيات الابتداء وان كانت كليا وفيه اولا ان هذا لا يخرج الموضوع له عن كونه عاما سوى انه اقل افرادا وثانيا لزوم استعمال اللفظ في اكثر من معنى في نحو سرت واكلت من البصرة والى هذا اشار الاستاذ قدس‌سره بقوله وهو كما ترى وان كانت الخصوصية ذهنية كما يدعيها في الفصول بتقريب ان الوجود على نحوين وجود فى الخارج ووجود في الذهن والوجود الخارجي على نحوين وجود جوهري وهو

__________________

الخصوصيات مجازا بلا حقيقة فلذا اخترعا هذا النحو من الوضع فقالا ان الواضع لاحظ كلي الابتداء الذي هو المعنى الاسمي وجعل لفظة من والى وعلى بازاء خصوصيات الابتداء والانتهاء والاستعلاء ولا ينافي كون المعنى الاسمي كما هو المعنى الاسمي مرآة ووجها للمعنى الحرفى اذ المرآة مع المرئى لا يلزم توافقهما في ذلك كما انه يمكن ان يكون المرآة امرا كليا والمرئى هو الجزئيات والخصوصيات.

(١) والتعبير بالكثرة لاخراج الادوات الواقعة فى حيز الاخبار كمثل سرت من البصرة الى الكوفة لان الأخبار لا بد وان تكون عن امر واقع محقق خارجي والاستعمالات الكثيرة في الحروف الواقعة تلو الاوامر وفى حيز الانشاءات فلذا عبر بالكثرة ، اللهم إلا ان يقال بان الحروف الواقعة في حيز الاخبار أيضا مستعملة في الكلي والخصوصية استفيدت من دال آخر كاستعمال اسماء الاجناس في حيز الاخبار فانه لا اشكال في كونها مستعملة في المعنى الكلى والخصوصية استفيدت من دال آخر فعليه الاولي ترك لفظة الكثيرة فى عبارة الاستاد.

ما يكون فى نفسه لنفسه ووجود عرضي وهو ما يكون في نفسه لغيره والوجود الذهني من هذه الجهة كالوجود الخارجي على نحوين فان الوجود الذهني عين اللحاظ ذاتا وانما يختلفان اعتبارا فهو اما ملحوظ استقلالا واما ملحوظ تبعا اما الملحوظ استقلالا فهي المعاني الاسمية والملحوظ تبعا هي المعاني الحرفية فاللحاظ الذهني الآلي المأخوذ بالمعنى الحرفي يوجب خصوصيته وتشخصه فيكون جزئيا ذهنيا واورد عليه الاستاذ بامور ثلاثة الاول : ان اللحاظ ان أخذ في الموضوع له أو فى المستعمل فيه بنحو يكون جزء من المعنى الحرفي انه يلزم فى استعمال واحد لحاظان لحاظ مقوم للاستعمال ولحاظ هو جزء من المعنى وحينئذ اما ان يتحدا او يتغايرا فان اتحدا فهو دور باطل للزوم تقدم الشيء على نفسه وان تغايرا فهو مخالف للوجدان لانا لا نجد في انفسنا فى استعمال واحد من لحاظين وانما هو لحاظ واحد جاء من قبل الاستعمال والى ذلك أشار بقوله كما ترى. الثاني انه لو قلنا بان من موضوعة للابتداء مع لحاظ الآلية بنحو يكون جزء المعنى فيلزم عدم صحة تعلق الأمر بما هو مقترن بالاداة فانه باقترانه بالاداة يخرج متعلقه أي متعلق الأمر عن المقدورية التي هي شرط فى تعلق الأمر مثلا لو قال المولى سر من البصرة الى الكوفة وقلنا بان من موضوعة للمعنى المقيد باللحاظ الآلي وهذا اللحاظ هو نفس الوجود الذهني فيكون مفاد الأمر ايجاد ما هو موجود بالوجود الذهني فى الخارج ومن الواضح انه لا يعقل انطباق ما هو مقيد فى الذهن على ما فى الخارج إلا بتجريده من اللحاظ الذهني ومعه ينطبق على ما في الخارج والالتزام بذلك في مقام الامتثال بعيد غايته وثالثا هو أنه لو أوجب لحاظ الآلية جزئية المعنى الحرفي لم لا يوجب لحاظ الاستقلال جزئية المعنى الاسمي فيستكشف من عدم دخل لحاظ الاستقلال فى المعنى الاسمي عدم دخل لحاظ الآلية فى المعنى الحرفي فعليه ان

المعنى الاسمي والحرفي متفقان بحسب الحقيقة وانما يختلفان بحسب اللحاظ واللحاظ ليس مأخوذا فى كل من المعنيين انتهى ما أوضحنا به كلام الاستاذ قدس‌سره وتحقيق المقال يتوقف على نقل عبارة الفصول لكي يتبين لك ان هذه الايرادات لا تتوجه عليه قال ما لفظه فان التحقيق ان الواضع لاحظ فى وضعها معانيها الكلية ووضعها بازائها باعتبار كونها آلة ومرآة لملاحظة حال متعلقاتها الخاصة فلاحظ فى وضع من مفهوم الابتداء المطلق ووضعها بازائه باعتبار كونها آلة ومرآة لملاحظة متعلقاتها الخاصة من السير والبصرة مثلا فيكون مداليلها خاصة لا محالة انتهى كلامه وبذلك ايضا صرح في موضع آخر وتوضيح كلامه هو ان كل موضوع بالنسبة الى حكمه مثل زيد قائم مثلا لا يعقل أخذ الحكم في موضوعه لان الحكم متأخر عن الموضوع ولو أخذ فيه يلزم ان يكون في رتبة الموضوع والمفروض أنه متأخر عنه مضافا الى انه يلزم انقلاب القضايا الممكنة ضرورية لأن ثبوت المحمول للموضوع بشرط المحمول ضروري كما تأتي الاشارة اليه في بحث المشتق ان شاء الله تعالى ، وايضا لا يعقل أخذ الموضوع مطلقا حتى يشمل حال الاجتماع مع ضد الحكم فان زيدا في (زيد قائم) لم يؤخذ مطلقا حتى يشمل حال اتصافه بالقعود بل يؤخذ الموضوع في القضية مهملا لا مطلقا ولا مقيدا بل حصة مضيقة التي هي توأم مع القيد ومن هنا صح ان يقال ان الفرد المقيد بالتشخص مطلق باعتبار الاحوال اذ الفرد الشخصي له احوال من القيام والقعود والنوم واليقظة وبالجملة ان الوجود الخارجي يحصص الماهية ويجعلها حصصا متعددة مثل ماهية الانسان الموجودة في زيد وعمر وبكر فالحصة فى زيد غير الحصة فى بكر فلذا لا ينطبق احدهما على الآخر فكذلك الوجود الذهني فانه يحصص الماهية ويجعلها جزئيات مختلفة فان لحاظ زيد أول الظهر غير لحاظه اول المغرب ويؤيد ذلك انه لو شككنا ان زيدا الملحوظ لحظته أول الظهر او اول

المغرب لكن علمنا اجمالا بوجود زيد في أحد الوقتين فى الذهن فالعلم الاجمالي تعلق بزيد الممكن انطباقه على كل من اللحاظين ولو لم يمكن الانطباق لما حصل ذلك العلم الاجمالي فالابتداء لما لوحظ تبعا صار الابتداء جزئيا اذ نفس تقيده باللحاظ جعله حصة يمتنع الصدق على كثيرين وتقيده باللحاظ الآلي ضيق دائرة الابتداء بحيث لا يشمل الابتداء المستقل ولم يؤخذ اللحاظ في الابتداء لما عرفت ان الموضوع له تقدم على المحمول رتبة فلا يعقل أخذه فيه فلحاظه ليس مأخوذا على نحو الشطرية حتى يمتنع انطباقه على الخارج فلم يمكن الامتثال بل هو بواسطة اللحاظ صيره حصة ضيقة أي لا ينطبق على سائر الحصص الذهنية ولا ينافي كونه كليا ينطبق على كثيرين بحسب الوجود الخارجي اذا عرفت ذلك ظهر لك انه لا مورد للاشكالات الثلاث اما الاشكال الاول فلا مجال له لعدم تعدد اللحاظ اذ لم يؤخذ اللحاظ جزء من المعنى الحرفى نعم ضيق دائرته كما ان الاشكال الثاني من عدم صدق الامتثال على الخارجيات إلا بالتجريد في غير محله لعدم أخذه فى المعنى حتى يحتاج الى تجريد كما ان الاشكال الثالث من النقض بان لحاظ الآلية كلحاظ الاستقلالية غير وارد لما عرفت أن اللحاظ ليس دخيلا وانما ضيق دائرة الموضوع فلحاظ الاستقلالية ضيق دائرة الابتداء بنحو لا يصدق على المعنى الحرفي ولحاظ الآلية ضيق دائرة الابتداء وجعله لا يشمل غيره وبالجملة أن كل مفهوم مقيد باللحاظ الخاص لا يشمل المفهوم الآخر المقيد بغيره نعم يرد على صاحب الفصول انه تخرج مفاهيم الاسماء من متحد المعنى وتدخل فى متكثر المعنى كالحروف ولكن لا يخفى انك قد عرفت مما ذكرنا ان الوضع العام والموضوع له عام على نحوين نحو يلحظ معرى عن الخصوصيات ونحو يلحظ مندكا في ضمن الافراد بحيث يكون وجوده الذهني كالوجود الخارجي والوضع في الحروف على النحو الثاني وحينئذ يرتفع

اشكال كون الاسماء من متكثر المعنى لأن الحصص المتكثرات الملحوظة استقلالا مشتركات فى جامع مندك فى الخصوصيات فيوضع اللفظ لذلك الجامع للخصوصيات وهو معنى وحداني وهكذا المعنى الحرفي فهو والمعنى الاسمي وان اشتركا فى وجود جامع مندك وضع اللفظ له ولكن افترقا من حيث اللحاظ فلحاظ الآلية المعتبرة في المعنى الحرفي ضيق دائرة ذلك الجامع كما أن لحاظ الاستقلالية ضيق دائرته بنحو لا يستعمل احدهما فى محل الآخر ومن هنا قال الاستاذ قدس‌سره فى مقام الفرق بين المعنى الاسمي والحرفي ما لفظه الفرق بينهما انما هو فى اختصاص كل منهما بوضع حيث انه وضع الاسم ليراد منه معناه بما هو هو وفى نفسه والحرف ليراد منه معناه لا كذلك بل بما هو حالة لغيره كما مرت الاشارة اليه غير مرة فالاختلاف بين الاسم والحرف في الوضع يكون موجبا لعدم جواز استعمال احدهما في موضع الآخر وان اتفقا فيما له الوضع انتهى ، وقد اورد عليه بعض المعاصرين بان اشتراط الواضع للمعنى الحرفي بلحاظ الآلية وللمعنى الاسمي بلحاظ الاستقلالية ان اوجبا تقييد الموضوع في كل منهما فلا مانع من استعمال احدهما فى موضع الآخر استعمالا مجازيا وان كان هذا الاشتراط لا يوجب تقيد الموضوع وانما هو اشتراط عملي كالشروط في ضمن العقود فلا يجب الالتزام بها بعد أن كان استعمال احدهما في موضع الآخر لا يوجب الخروج عن الموضوع له مضافا الى انه يلزم ارتفاع النقيضين اذ هو فى حد ذاته ليس مستقلا ولا غير مستقل وارتفاع النقيضين باطل ولكن لا يخفى ان شرط الوضع ليس كسائر الشروط بل هو يوجب تضيق الموضوع بيان ذلك ان الاستعمالات المترتبة على الوضع انما هي من قبيل الاغراض فان الغاية من وضع لفظ لمعنى هو استعمال ذلك اللفظ في المعنى فاذا اعتبر الواضع امرا في ناحية الاستعمال يكون الاستعمال مقيدا بشىء خاص فلا بد وان يتقيد

الموضوع له مثلا ان لحاظ الآلية لما اعتبره الواضع في ناحية استعمال (من) في الابتداء فحينئذ يتقيد ويتضيق الغرض من وضع (من) فى الابتداء فيتضيق دائرة الموضوع له وبالجملة ان تضيق ناحية الغرض يوجب تضيق ما رتب عليه الغرض كما ان سعته يوجب سعته فاستعمال من في مقام الابتداء يعد غلطا ومستهجنا ولا يكون من المجاز واما اشكال ارتفاع النقيضين فالاستقلالية وعدمها انما هو من شئون الاستعمال لا من شئون المستعمل فيه فاذا لم يكن من شئون المستعمل فيه فلا مانع من ارتفاع النقيضين كالجدار مثلا فانه لا يحكم عليه بالبصر فلا يصح ان يحكم عليه بالعمى لانه ليس من شأنه ذلك فالاستقلالية والآلية من كيفيات اللحاظ وليس لهما دخل فى المعنى الموضوع له والمستعمل فيه نعم يوجب تضيق دائرته لان الاستعمال حسب ما عرفت هو الغرض من الوضع وسعته يوجب سعته كما ان ضيقه يوجب تضييقه فالمعنى الاسمي والحرفي على ما ذكره وان اتحدا بحسب المعنى إلا انه لا يجوز استعمال احدهما فى موضع الآخر والتحقيق حسب ما يؤدي اليه النظر الدقيق ان معاني الحروف مع المعاني الاسمية تغاير بالهوية لان معاني الاسماء معان مستقلة وليست من سنخ النسب والاضافات بخلاف معاني الحروف فانها معان ربطية غير ملتفت اليها ، بيان ذلك هو ان المفاهيم الاسمية انما هي معان مستقلة غير محتاجة في تقومها الى شيء بخلاف المعاني الحرفية فانها معان غير مستقلة في مقام المفهوم وليست معان متحصلة فى مقام اللحاظ وانما هي لحاظها تبعا للغير مثلا زيد قائم النظر الاستقلالي لم يتعلق إلا بالطرفين واما النسبة التي بين الطرفين لم تلحظ إلا تبعا للطرفين فلو لوحظت النسبة استقلالا خرجت النسبة عن المعنى الحرفي وعدت من المعاني الاسمية فان قولنا نسبة القيام الى زيد قضية حمليه موضوعها نفس النسبة قد لوحظت مستقلا لكونها من احد الطرفين وخرجت عن حقيقة

النسبة والربط بل هي صارت تحتاج الى ربط يرتبط مع كلمة اخرى والى هذا يرجع من عرف المعنى الحرفي بانه لوحظ حالة لغيره فالمعنى الحرفي ليس إلا الربط الحاصل بين الطرفين الملحوظ اليهما بالنظر الاستقلالي والملحوظ الى المعنى الحرفي الذي هو الربط والنسبة بين الطرفين لحاظا تبعيا والذي يدل على كون معاني الحروف معان ربطية ما تجده انه قبل الاتيان بالادوات معان غير مرتبطة كزيد وقائم والسير والبصرة فبمجيء الادوات ترى ان هذه المعاني غير المرتبطة قد ارتبطت بعضها مع بعض بقولنا سرت من البصرة وارتبطت البصرة والكوفة بقولنا الى الكوفة فيحصل من ذلك جملة واحدة وهي قولنا سرت من البصرة الى الكوفة مضافا الى انا لو قلنا ابتداء سيري من البصرة هل تجد في نفسك ان فى القضية تكرارا ولو كانت من موضوعه لما وضع لفظ الابتداء لزم فى هذا التركيب تكرار وهو مخالف للوجدان وربما اشعر بما قلنا بأن من للابتداء وفى للظرفية ولم يعبر عن ذلك بان من هو الابتداء وفي هو الظرفية وان شئت توضيح ذلك فاعلم ان الموجود اما جوهر او عرض والعرض باقسامه التسعة باعتبار الموضوع على قسمين منها قائمة فى الخارج بشيء واحد كالحمرة فان في وجودها الخارجي لا بد من افتقارها الى جسم تعرض عليه وان كان وجودها الذهني لا يفتقر الى شيء كالاعراض غير النسبية واما ان تكون محتاجة في تحققها الى طرفين كالنسب فانها مفتقرة الى المنسوب والمنسوب اليه والاضافات فانها مفتقرة الى مضاف ومضاف اليه فالفرق بين المعنى الاسمي العرضي والحرفي كالفرق بين النحو الاول من الاعراض وبين النحو الثاني منها فان معاني الاسماء من قبيل الاول لانها تتقوم في الخارج بشىء واحد ومعاني الحروف من قبيل الثاني فانها معان ربطية لها تقوم بشيئين مثل ان يقال ابتداء سيري من البصرة فان الابتداء لما كان معنى

اسميا فيتقوم بشيء واحد وهو سيري ومن لما كان معناها ربطا فاحتاجت الى تقومها بشيئين وهما السير والبصرة وتختلف باختلاف أطرافها فان زيدا على السطح غير عمر على السطح وتعدد هذه النسبة في الذهن باختلاف الأطراف ولو كان بحسب الخارج متحدين وينطبقان على شيء واحد مثل زيد على الفرس وانسان على الفرس. والحاصل ان معاني الحروف ومعاني الاسماء بينهما تمام المباينة لما عرفت ان معاني الحروف معاني ربطية ومحتاجة فى تقومها الى طرفين بخلاف معاني الاسماء فانها مستقلة ولا تحتاج فى تقومها الى الطرفين.

واما دلالة المعاني الحرفية على الربط والنسب هل هي ايجادية أو اخطارية أدعى بعض الاعاظم بانه من لوازم كون معان الحروف نسبية أن تكون ايجادية لأنها قبل مجيء الادوات معان غير مرتبطة بعضها مع بعض فبمجيء الادوات حدث الارتباط بين المعاني وادعى ان جميع معاني الحروف ايجادية لا يفرق فيها فما يتراءى من صاحب الحاشية من اختصاص الايجادية ببعض الحروف واخراج النسب عن الايجادية لما لاحظ ان النسبة الكلامية تحكي عن النسبة الخارجية فتارة تطابقه تكون صادقة واخرى لا تطابقه تكون كاذبة فاذا كانت نسبة الكلامية تحكي عن النسبة الخارجية فتخرج عن الايجادية ثم دفع هذا التوهم بان المعنى الحرفى هو النسبة الكلامية والنسبة الخارجية سنخ آخر فمعنى المطابقة بين فردين بل وسنخين من النسب تحصل بينهما المطابقة تارة وعدمها اخرى فالمطابقة لا تخرج النسبة الكلامية عن كونها ايجادية هذا ولكن التحقيق ان معاني الحروف معان اخطارية كالاسماء من دون تفاوت بينهما من هذه الجهة.

بيان ذلك هو أن المعاني حسب ما هو مقرر في محله عبارة عن نفس الطبيعة المهملة المعراة عن كل خصوصية حتى لحاظ كونها معراة وانما الخصوصيات

استفيدت من دال آخر كلفظة من وعن وعلى فالقضية المركبة من الأسماء والافعال والحروف لوحظت اولا ثم تكلم المتكلم وبعد تكلمه صارت القضية قضية حملية كسرت من البصرة الى الكوفة كاشفة عما لوحظ اولا فالسير كاشف عن معناه الملحوظ ومن كاشفة عن التقيد الموجود الملحوظ من السير والبصرة وهذا الكشف انما هو اخطاري ولو كان التقيد المستفاد من لفظة من ايجاديا لم لا يكون الاطلاق والارسال المستفاد من مقدمات الحكمة ايضا ايجاديا لان حال التقيد كحال الاطلاق وببيان اوضح انك اذا لاحظت الحجر فوق الحجر تجد فى نفسك هيئة متحققة بين الحجرين فاذا اردت القاء هذه الهيئة بلفظ يحكيها فتقول الحجر على الحجر فليس للهيئة الملقاة ما يحكيها إلا لفظة على وإلا مع تصور نفس الحجرين من دون تصور للهيئة القائمة بينهما لا يوجد بينهما ارتباط فان الروابط الذهنية كالروابط الخارجية فكما انها لا يعقل تحققها بنفس الربط في الكلام مثلا فى الخارج زيد والقيام فلو لم يكن بين زيد والقيام نسبة تربط زيد بالقيام لما حصلت بتحققها فى الجملة الكلامية كذلك الربط فى الذهن فانه لو لم يلحظ ويتصور لا يعقل تحققه من الربط الموجود فى الجملة لان الغاية من الاحتياج الى الوضع هو القاء المعاني بالالفاظ وتلقى تلك المعاني على ما هو عليه من دون زيادة فيها اذ مقتضى المرآتية والحكاية هو هو فمع عدم تصور الربط بين المعاني كيف يحصل ذلك الربط من الاستعمال اذ معنى الاستعمال هو القاء المعنى الموجود بلفظه من غير فرق بين كون المعاني موجودة فى الخارج فتلقيها كما هي فى الخارج وبين كون المعانى موجودة فى عالم الاعتبار فتلقيها على ما هي عليه في عالم الاعتبار وبين كونها موجودة فى الذهن فتلقيها على ما هي عليه في عالم الذهن وبالجملة الالفاظ انما جعلت لالقاء المعاني الموجودة ووجود كل شيء بحسبه فلا توجد ما هو غير

موجود وحينئذ لو كانت تلك المعاني لوحظت مرتبطة بعضها مع بعض فتلقى تلك المعاني المرتبطة بالفاظ تدل على تلك المعاني ولفظ يدل على الربط فتقول الحجر على الحجر فتجد في نفسك انك قد لاحظت الحجرين مع لحاظ هيئة قائمة بينهما فكل من لفظ الحجرين دل على ما هو الملحوظ وكلمة (على) دلت على تلك الهيئة الملحوظة وهذا أمر وجداني يلتفت اليه كل من له أدنى تأمل مضافا الى انه لو كانت الحروف فى الجملة الكلامية توجد الربط بين المعاني لزم أن لا يتعلق الطلب بالمعاني المقيدة بتلك الادوات الموجدة للربط لأخذ ما لا يتأتى إلا من قبله فى متعلقه وهو بديهي البطلان للزوم تقدم الشيء على نفسه.

فظهر مما ذكرناه أن جميع معاني الحروف اخطارية من غير فرق بينها ودعوى أن ذلك انما يجري بالنسبة الى المركبات التقييدية كغلام زيد مثلا دون المركبات التامة كزيد قائم بتقريب ان فى الأولى تدل على نسبة محققه موجودة فتكون حاكية لها بخلاف المركبات التامة فانها ليس لها نسبة محققة بل توجد النسبة بنفس التكلم بالجملة فلم تكن حاكية ولعل نظر صاحب الحاشية الى ذلك ممنوعة لان كل نسبة تامة او ناقصة مركبة من معاني الاسماء والحروف لا بد من ملاحظتها اي تلك المعاني الاسمية مقيدة بتلك النسب سواء كانت ناقصة أم تامة فمع ارادة اظهار ما لاحظه اولا تلقى بالفاظ اسمية تدل على المعاني الاسمية الملحوظة وادوات تدل على ما لاحظه تبعا للمعاني الحرفية فبالنسبة الى المركبات التقييدية لما كان لها واقع محقق فيكون الملحوظ فانيا في ذلك الأمر الواقعي ومع فنائه فبه دلت عليه تلك الالفاظ بالعرض والمجاز اذ هو دال حقيقة على ما هو ملحوظ اولا وبفناء هذا الملحوظ فى الامر الواقعي دل عليه عرضا بخلاف المركبات التامة فانه ليس لها واقع محقق لكي يكون الملحوظ فانيا فيه فعدم وجود الدلالة العرضية لا يوجب ايجادية

المركبات التامة ووجودها لا يوجب كون المركبات الناقصة إخطارية وبالجملة انهما مشتركان فى الدلالة والحكاية عما هو ملحوظ في الذهن قبل التكلم بالفاظ لمركب وان افترقا ان فى التقييدية لها واقع محقق وفي التامة ليس لها واقع محقق وهذا الافتراق لا يوجب الفرق بينهما إلا بالنسبة الى الدلالة العرضية على ما هو الواقع وهو اجنبي عن الحكاية عما فى الذهن الدال عليه بالدلالة الذاتية التي هي مناط الحكاية والاخطار. ومن ذلك تعرف ايضا أنه لا فرق بين بعت الانشائية والخبرية فان كلا منهما تلحظ قبل النطق بالجملة اللفظية فهي كاشفة عما هو متصور في عالم الذهن وبما أن الخبرية لها واقع محقق يكون الملحوظ فى الذهن فانيا فى الامر الواقع المحقق وبسبب ذلك دلت الجملة اللفظية عليه دلالة عرضية دون الجملة الانشائية فليس لها هذه الدلالة فعدم وجودها لا يوجب جعل الجمل الانشائية ايجادية ومثلها أدوات النداء والتمني والتشبيه فانها في كل ذلك ليس لها واقع يكون الملحوظ فانيا فيه فعدم وجوده لا يوجب جعل هذه الادوات من الايجادية فدعوى الفرق بين هذه الادوات وبين غيرها من الادوات كمن وعلى ومن والى بالالتزام بايجادية الاولى واخطارية الثانية بتقريب انا نرى بالوجدان ان النداء والتمني والتشبيه غير متحققات قبل مجىء الادوات وانما تتحقق وتوجد بعد مجيئها فالنداء قبل قولك يا زيد ليس متحققا وانما يتحقق بقولك يا زيد وهكذا في التمني والتشبيه فتكون هذه الادوات موجدة لمعانيها بنفس التلفظ ممنوعة لما عرفت من عدم الفرق فى الحروف لانها باجمعها دالة على معانيها الملحوظة في الذهن من غير فرق بين ان يكون لها واقع محقق لكي يكون ذلك الملحوظ فانيا فيه فتكون تلك الالفاظ دالة عليه دلالة عرضية وبين ان لا يكون لها واقع محقق كمثل أدوات النداء والتمني والتشبيه والاستفهام ونحوها فانها ليس لها واقع محقق فلعدم وجوده تنتفي الدلالة العرضية

وانتفائها لا يوجب ايجاديتها مضافا الى ان هذه المعاني لو حصلت من الجملة اللفظية الموجبة لايجادية هذه الادوات لزمت ان تكون من شئون الاستعمال فتكون متأخرة عنه مع انها نفس المستعمل فيه ولازم ذلك أن يكون سابقا على الاستعمال فيلزم ان يكون شيئا واحدا متقدما ومتأخرا وهو باطل بالضرورة على ان ما نتصوره فى النفس من مفاهيم الاسماء إما مرتبطة بعضها مع بعض او غير مرتبطة فان كانت مرتبطة فلا معنى لكون الحروف توجد الربط بين المفاهيم الاسمية لانه يلزم تحصيل الحاصل وان تصورناها غير مرتبطة فلا يعقل احداث الربط بينها لان الموجود بحسب وعائه من الواقع او الاعتبار أو الذهن لا ينقلب عما هو عليه بعد أن فرض ان الالفاظ تحضر المعاني الموجودة وتلقيها الى المخاطب على ما هي عليه من غير ان تقلبه ويؤيد ما ذكرنا ما فى الرواية المروية عن مولانا امير المؤمنين عليه‌السلام الحرف ما انبأ عن معنى لا اسم ولا فعل فان التعبير بما انبأ فيه دلالة على كون الحروف كلها اخطارية وان كان يروى انه قال الحرف ما اوجد معنى في غيره وبعض الاعاظم رجح هذه النسخة لكونها موافقة لما حققه من كون الحروف ايجادية ولكن لا يخفى انها قابلة للتأويل فان الالفاظ لما كانت قوالبا للمعاني وان النسبة اللفظية تكشف عن النسبة الذهنية كشفا بنحو المرآة والمرئي فالقضية الملفوظة هي القضية المعقولة فتكون متحدة معها. فحينئذ تكون تلك الهيئة المخصوصة كأنها قد وجدت بنفسها.

فظهر مما ذكرنا ان الفرق بين المعنى الاسمي والحرفي انما هو بالهوية فان معاني الاسماء معان مستقلة وليست من سنخ النسب والاضافات بخلاف معاني الحروف فان معانيها ربطية ومن سنخ النسب والاضافات فلا يحل احدهما محل الآخر من غير فرق بين القول بانها ايجادية او اخطارية بل لو قلنا بان معاني الحروف هي

معاني الاسماء حقيقة ولكن يختلفان من ناحية الاستعمال فلا يجوز استعمال احدهما في موضع الآخر لما عرفت منا سابقا ان الغرض من الوضع هو الاستعمال وضيق الغرض يوجب ضيق ذي الغرض كما ان سعته يوجب سعته فاستعمال احدهما فى فى موضع الآخر يعد غلطا اذا عرفت ذلك فاعلم ان الموضوع له فى الادوات هل هي الخصوصيات المحفوفة أو الجامع بين تلك الاضافات والخصوصيات.

والذي يقتضيه التحقيق ان تلك الخصوصيات خارجة عن الموضوع له وهو الجهة الجامعة بين تلك الاضافات. بيان ذلك ان معاني الحروف ليست مستقلة وانما هي قائمة بالمعانى الاسمية كقيام العرض بالموضوع فكما ان العرض في مقام تحصله وتقومه لا يحتاج الى الموضوع وانما يحتاج اليه فى مقام وجوده فكذلك المفاهيم الحرفية فانها فى مقام تقومها لا تحتاج الى المعنى الاسمي وانما تحتاج اليه فى مقام الاستعمال ومقام الاستعمال نحو من انحاء الوجود ولا ينفك ايجادها عن المعنى الاسمي بل حتى اذا لوحظت معراة وقد ذكرنا ان تعريتها عين تحليتها فهو بالنسبة الى الوجود الذهني كالانسان فى الخارج لا بد وان يكون مع خصوصية من تلك الخصوصيات وهي لا توجب تعدد المعنى فان المعنى الحرفي في الذهن لا يحصل إلا مع خصوصية ويتحصص بحصة خاصة وهذا لا يضر بتلك الوحدة الجامعة بين تلك الخصوصيات فيكون وضعها لتلك الجهة الجامعة على نحو ما تصورنا من الوضع العام والموضوع له عام بان يكون الجامع بين الافراد جامعا مندكا فى ضمن الخصوصيات بنحو يكون وجوده فى الذهن على نحو وجود الطبيعة فى الخارج بنحو يرى مندكا فى الخصوصيات.

ومما ذكرنا يظهر لك فساد دعوى ان معانى الحروف لما كانت من سنخ النسب فلا يدلها في تقومها من طرفين فتكون الخصوصيات دخيلة في الموضوع له

ولكن لا يخفى ان تقومها انما يحتاج اليه فى مقام وجودها واما فى مقام الماهية فلا يحتاج في تقومها الى تلك الخصوصيات كالاعراض فانها فى مقام وجودها تحتاج الى موضوع يقوم به العرض ولا يحتاج في مقام ماهيته من موضوع يقوم به

ولا يخفى ان هذا الذي ذكرناه لا يفرق بين كون الحروف ايجادية أو اخطارية فان الايجادية تقتضي التشخص وهو مساوق للوجود والتخصص فى مقام الوجود لا يجعله من متكثر المعنى ويخرجه عن متحد المعنى فدعوى انه بناء على كونها ايجادية لا بد من القول بجزئيتها فى غير محلها اذ ذلك مبني على عدم وجود الكلي الطبيعي فى الخارج وان الموجود هو الاشخاص فحينئذ يكون التشخص فى مرتبة سابقة على الوجود. واما بناء على ان الكلي الطبيعى موجود فى الخارج واما التشخص مساوق للوجود فيكون الايجاد قد تعلق بشيء واحد وتحققه عبارة عن وجوده فى الخارج مشخصا بالخصوصيات فتكون تلك الخصوصيات خارجة عن ذلك المعنى الوحدانى.

وبالجملة ان هذه المتكثرات لما كانت تشترك بجامع مندك في الخصوصيات بنحو لا توجد إلا مع الخصوصية فحينئذ يمكن ان تتصور تلك الجهة الجامعة معراة عن الخصوصيات ويوضع اللفظ للجامع المندك في ضمن تلك الخصوصيات ولو كان ما تصوره معراة هو محلا بالخصوصية وبهذا المعنى تتصف الحروف بالكلية وتكون من متحد المعنى. فما ذكره صاحب القوانين من ان الحروف لا تتصف بكلية ولا بجزئية لأن معاني الحروف تبعية غير مستقلة بالمفهومية. واذا كانت كذلك فلا تتصف بهما وقوى ذلك بعض الافاضل بان معاني الحروف ايجادية وهي توجب الجزئية فلا تتصف بكلية ابدا ورده بعضهم بان معاني الحروف انما هي من سنخ النسب والاضافات وكلية النسبة تتبع الاطراف فاذا كانتا كليتين كمثل

مسيري من البصرة خير تكون النسبة كلية فان من تكلم لم يلحظ السير المعين من نقطة معينة فهي تابعة للاطراف فيصح اتصافها بالكلية والجزئية تبعا للاطراف فقد عرفت الجواب عن ذلك بما ذكرنا من تصور الوضع العام والموضوع له عام على غير المشهور بان يتصور المعنى معرى عن الخصوصيات ويجعله مرآة لتلك الحصص المقترنة بتلك الخصوصيات المشتركة بحقيقة واحدة وان كان ما تصوره مقترنا بالخصوصية ذهنا فيوضع اللفظ لتلك الحقيقة الجامعة فتكون كلية بهذا المعنى والخصوصية المقترنة ليست لها الدخل فى الموضوع له. نعم يلتزم بما ذكر اذا لم نتصور غير المشهور من الوضع العام والموضوع له عام فانه بناء عليه تلحظ الطبيعة معراة عن الخصوصية ومجردة عنها ذهنا وهو يكون مرآة لتلك الخصوصيات ويوضع اللفظ لذلك المعنى العام وحيث ان معانى الحروف لا يتصور فيها ذلك اذ كل ما يتصور من تلك المعاني لا بد وان تكون محفوفة بتلك الخصوصية فليس فيها جهة جامعة تلحظ مستقلا من دون الخصوصية الذهنية فلذا لا بد من الالتزام بان يجعل المعنى الاسمي العام مرآة للمعنى الحرفي بان تتصور كلي الابتداء مثلا الذي هو معنى اسمي وتجعله مرآة لتلك الخصوصيات وتضع اللفظ لتلك الخصوصيات فيكون من قبيل الوضع العام والموضوع له خاص ولكن لا يخفى ان ذلك مبني على ان العام يصلح للمرآتية للخصوصيات وقد عرفت انه غير صالح للمرآتية لعدم كشفه عن الخصوصيات. نعم العنوان الاجمالي بما انه منتزع عن الخصوصيات يصلح للمرآتية مضافا الى ان لازم ذلك ان يكون المعنى الحرفي مصداقا للمعنى الاسمي وينطبق عليه انطباق الكلي على فرده وقد عرفت منا سابقا ان التغاير بينهما تغاير بالهوية ولا يصح استعمال احدهما فى موضع الآخر فلو استعمل احدهما في موضع الآخر يكون مستهجنا وغلطا ولو كان من قبيل الكلي

وفرده لصح استعمال المعنى الاسمي المفروض كليته فى المعنى الحرفي المفروض كونه مصداقا له ويعد ذلك من المجاز وهو واضح البطلان لما عرفت من المباينة بينهما.

وأما كون المعاني الحرفية كلية كالمعاني الاسمية بمعنى انها لا يمتنع فرض صدقها على كثيرين فهو مبني على ما ذكره الاستاذ من عدم الفرق بين المعاني الاسمية والمعاني الحرفية إلا من ناحية الاستعمال بان يشترط الواضع بان يستعمل الحرف فى الموضوع له الاسم في حال كونه حالة للمعنى الاسمي ويستعمل الاسم فى المعنى الحرفي فى حالة ملاحظته له فى نفسه.

واما بناء على ما اختاره بعض الاعاظم من انها عبارة عن الربط والنسب فاطلاق الكلية على المعانى الحرفية باعتبار عدم دخول الخصوصيات فى المعنى الموضوع له ولا يطلق عليها الكلية بمعنى الصدق على الكثيرين لان ذلك تنافي ايجادية المعنى الحرفي ودعوى ان الايجادية توجب دخول الخصوصيات فى المعنى الموضوع له فى غير محلها لان تلك الخصوصيات لها دخل فى مقام الاستعمال لا فى تقومه وتجوهره إذ هو كالعرض فان تقومه بالموضوع انما هو في مقام تحققه في الخارج لا فى مقام تجوهره وتقرره.

واما على ما ذكرنا من ان الموضوع له في الحروف هو تلك الجهة الجامعة المتحققة في ضمن الخصوصيات التي لا ينفك تحققها إلا فى ضمن الخصوصيات حتى في مقام الذهن فلا يمكن تصورها منفصلة عن الخصوصيات وإلا خرج عن كونها معنى حرفي فعدم كونه كليا بمعنى عدم صدقه على كثيرين من الوضوح بمكان. نعم بمعنى عدم دخول الخصوصيات في المعنى الموضوع له وتكون تلك الجهة الجامعة هي الموضوع له يصح اطلاق الكلية عليه ويكون من متحد المعنى بمساعدة العرف عليه لان استعماله بتلك الجزئيات بلحاظ واحد مضافا الى ان استعماله في المعنى

العام لا يكون بالعناية والمجاز كقولنا سر من البصرة الى الكوفة فان (من) قد استعملت في الكلي كاستعمالها في الجزئى الحقيقي كقولنا سرت من البصرة وهل تجد بينهما فرقا وذلك شاهد على ان (من) استعملت في المقامين بمعنى واحد وليس إلا القدر المشترك الذي لا يمكن تحققه خارجا وذهنا إلا مع خصوصية ذهنية او خارجية ولا ينافي كون القدر المشترك لا يتحقق إلا مع الخصوصية كونه هو الموضوع له لان الخصوصية لها دخل فى تحققه ووجوده وليست داخلة فى حقيقته وماهيته وتلك الحقيقة الكلية هي الموضوع له الاداة الملحوظة باللحاظ الاصلي في ضمن لحاظ الاطراف وليس المعنى الحرفى ملحوظا مع الاطراف بنحو المرآتية لكي يكون مغفولا عنه وكيف يكون كذلك مع انه جزء من الكلام المقصود بالافادة بل يكون هو المقصود الاصلي ولذا صح تقيده فجاز التمسك بالاطلاق اذ التقيد والاطلاق امران اضافيان وسيأتى إن شاء الله تعالى صحة رجوع القيد الى الهيئة التي هي معنى حرفي في الواجب المشروط واستفادة المفهوم من الجملة الشرطية لدلالتها على تعليق سنخ الحكم على الشرط لينتفي بانتفائه.

ودعوى ان الايجادية تلازم كون المعاني الحرفية مغفولا عنها في غير محلها لان الايجادية لا تنافي اللحاظ الاصلي اذ المعنى الحرفي حينئذ ليس إلا الربط بين المفاهيم الاسمية وهذا هو مقصود بالاصالة ولم يؤخذ المعنى الحرفي بالنسبة الى المعنى الاسمي بنحو المرآتية كاستعمال الالفاظ فى معانيها الملازم لكون تلك المعانى مغفولا عنها. والحاصل ان المعنى الحرفي بالنسبة الى المعاني الاسمية ان كان بنحو المرآتية فيكون مغفولا عنه كما ادعاه بعض الاعاظم قدس‌سره فلا يصح ارجاع القيد في الواجب المشروط الى الهيئة ويلزم ارجاعه الى المادة لان التقييد يستدعي ان لا يكون المقيد من المعانى المغفول عنها فاذا لم يصح التقيد فلا يصح الاطلاق وان كان

بالنسبة الى المعاني الاسمية ملحوظا بالاصالة على ما هو المختار فيصح ارجاع القيد الى الهيئة في الواجب المشروط. اللهم إلا ان يقال بأن الموضوع له في الحروف خاصا اذ عليه يكون جزئيا حقيقيا فلا يصح تقييده فلا يصح اطلاقه ، ولكن لا يخفى ان من يقول بأن الموضوع له خاص لا يقول بأنه جزئي حقيقي بل جزئي اضافى وهو لا ينافي الكلية فمع كونه كليا لا مانع من تقييده اذا كان ملحوظا بالاصالة فحينئذ يتمسك بالاطلاق مضافا الى انه لو كان مراد القائل بكون الموضوع له خاصا هو الجزئي الحقيقي فلا اطلاق بالنسبة الى الاطلاق الافرادي واما بالنسبة الى الاطلاق الاحوالي فلا مانع من التمسك بالاطلاق فحينئذ يمكن تقييده. ومعنى الاطلاق الاحوالي هو ان الفرد الخارجي يوجد اما معلقا او غير معلق لا انه بعد وجوده خارجا يكون له اطلاق ويتقيد بالتقيد الاحوالي

الخبر والانشاء

قال الاستاذ قدس‌سره ان الخبر والانشاء كالحروف والأسماء من حيث أنهما يشتركان في الموضوع له ويفترقان في ناحية الاستعمال وتوضيح ذلك يحتاج الى مقدمة وهي ان كل شيء له مرتبتان مرتبة الايجاد ومرتبة الوجود ، ومرتبة الوجود متأخرة عن مرتبة الايجاد رتبة فان الشيء اذا تحرك من كتم العدم الى الوجود كان ايجادا وان اعتبر قد تلبس بقالب الوجود كان وجودا فالاسم مفردا او مركبا تركيبا ناقصا لما كان يحكى عن مسماه فيكون دالا على الوجود لا على نفس الايجاد لأنه يحكى عن المسمى فارغا عن الوجود فغلام زيد مثلا يطلق على الشخص بعد كونه غلاما موجودا وكذلك زيد فانه يطلق على مسماه بعد الفراغ عن كونه موجودا بخلاف المركبات التامة من الأسماء فانها تدل على نفس الايجاد والى

ذلك يرجع قولهم ان الأوصاف قبل العلم بها اخبار كما ان الاخبار بعد العلم بها أوصاف. والذي يدل على ان المركبات التامة هي عبارة عن ايقاع النسبة هو أنها من سنخ التصديقات والتصديق هو اذعان بالنسبة ، والاذعان يتعلق بالايجاد لا بالوجود ، وربما يطلقون على القضية اسم التصديق فيقال قضية تصديقية ولا يختص هذا الاطلاق بخصوص قضية خاصه بل يشمل كل قضية حتى المشكوكات والموهومات والكواذب ويستكشف من ذلك أنها تدل على الايجاد لا الوجود.

اذا عرفت ذلك فاعلم أن الجمل مطلقا خبرية كانت او انشائية يستفاد منها هو ايقاع النسبة فلا يكون فرق بينها بحسب الذات والفرق بين الخبرية والانشائية بانه تارة يقصد فيراد الحكاية عن شيء واخرى يقصد الوسيلة الى تحقق مضمونها مثلا بعت دالة على ايقاع النسبة وهي مشتركة بين الخبر والانشاء ولكن إن قصد بها الحكاية فهي خبر وان قصد بها الوسيلة الى تحقق مضمونها فهي انشاء فيكون الفرق بينهما بحسب الاستعمال لا بحسب الذات كانقسامهما الى الجد او الهزل فتارة يحكيان عن جد وأخرى يحكيان عن الهزل والسخرية والجد فى الانشاء ربما يكون منشأ لترتب الآثار كما اذا أنشأ البيع واجتمعت شرائطه يكون منشأ لترتب الملكية وقد لا يكون منشأ لترتب الأثر كالبيع الفضولي مع عدم تعقبه للاجازة

فتلخص مما ذكرنا أنه عندنا مراتب أربع الأولى ايقاع النسبة الكلامية ، الثانية الحكاية عن الواقع والموجودية ، الثالثة الجد والهزل ، الرابعة الوقوع

أما المرتبة الاولى فهي تشترك فيها جميع الجمل خبرية كانت او انشائية وهي من مقومات الجملة كالموضوع والمحمول.

اما المرتبة الثانية فهي الفارقة بين الخبر والانشاء حيث ان الخبر ايقاع النسبة بقصد الحكاية والانشاء ايقاع النسبة بقصد الموجدية وهي من قيود الاستعمال

لا من قيود المستعمل فيه كالحروف فكما ان الحروف لحاظ الآلية من شئون الاستعمال كذلك الأخبار وان كان هناك فرق من جهة اخرى ان فى الحروف والأسماء لحاظ الآلية والاستقلالية معلولان للحاظ وفى الجمل اللحاظ يتعلق بايقاع النسبة مع الحكاية أو الموجدية. فالحكاية والموجدية متقدمان على اللحاظ وبهذا الفرق يمكن دعوى أنهما يرجعان الى المستعمل فيه ومن قيوده ولا يستلزم منه تلك المحاذير التي ذكرت فى الحروف فلذا قال الاستاذ قدس‌سره لا يبعد أن يكون الاختلاف في الخبر والانشاء أيضا كذلك فعبر عن ذلك بنفي البعد لا بعدم المعقولية كالحروف ثم عقب ذلك بقوله فتأمل لعله اشارة الى ما ذكرنا من الفرق بين المقامين.

واما المرتبة الثالثة فلا اشكال ان الجد والهزل من الدواعي والدواعي خارجة عن المستعمل فيه.

واما المرتبة الرابعة فلا دخل لها في عالم الاستعمال هذا والمستفاد من الاستاذ قدس‌سره في الكفاية ما لفظه (فيكون الخبر موضوعا ليستعمل ثبوت معناه في موطنه والانشاء ليستعمل فى قصد تحققه وان اتفقا فيما استعملا فيه) ان ذلك في المركبات التامة الصالحة للخبر والانشاء كمثل بعت وزوجت وطلقت ونحوها ولا يجري ذلك فيما اذا كانت مختصة بصورة الانشاء كصيغة افعل التي لم يتصور فيها جهة حكاية وانما هي متمحضة لخصوص الانشاء كما أن الظاهر من أن مورد الأقوال والنزاع فى أن الخبر والانشاء موضوعان لمعنى واحد والاختلاف في ناحية الاستعمال كما اختاره الاستاذ قدس‌سره او ان الخبر موضوع للمعنى الجامع المقصود بالحكاية والانشاء موضوع للمعنى الجامع المقصود به الانشاء كما هو قول المشهور او انها موضوعة للمعاني الجزئية هو الجمل الصالحة للوجهين دون الجمل

المختصة بالانشاء والسر في ذلك هو ان الجمل الدالة على ايقاع النسبة والصدور يتأتى فيها ما ذكرنا واما الجمل التي تدل على صرف البعث والارسال ولا تكون لإيقاع النسبة والصدور مدخلية فلا مجال لذلك اصلا ولا نعني من البعث والارسال الخارجي حتى انه اذا لم يقع يكون استعماله مجازا لأنه لم يكن في الخارج بعث وانبعاث بل المراد به البعث المتصور الموجود فى عالم الذهن الذي يرى عين الخارج فانه يتحقق البعث بنفس الانشاء ولو لم يحصل بعث في الخارج وهذا الذي ذكرناه لم يختص بالجمل الانشائية بل يجري لكل معنى اسمي او حرفى او جملة خبرية فان مؤدى الجميع الصور الذهنية التي ترى خارجيا فلذا يتوهم ان مؤداها خارجية فعلى هذا يكون الطلب من لوازم المدلول لا عين المدلول لأن الارسال من لوازم الطلب ولو كان عينه يلزم أن لا يحتاج فى تقومها اي هيئة افعل مثلا الى طرفين بل تكون حينئذ من الأعراض التي تقوم بشيء واحد وقد عرفت ان ذلك هو المعنى الاسمي ولكن لا يخفى ان هذا بناء على اتحاد الطلب مع الارادة حتى لا يكون الطلب كالارادة من الأعراض القائمة بشيء واحد وهو النفس واما بناء على تغاير الطلب مع الارادة فلا بد حينئذ من دعوى ان الطلب هو مدلول الصيغة لأنه عليه يكون الطلب عين الارسال والتحقيق ان هيئات المركبات ناقصة او تامة اسمية او فعلية خبرية او انشائية من المعاني الحرفية دالة باجمعها على ربط العرض بموضوعه بان تتصور مفاهيم الأطراف مع لحاظ الربط بينها من دون نظر الى تحققها في الخارج او فى الاعتبار ودلالة الهيئة على ذلك دلالة ذاتية بلا تفاوت بينها وبذلك تصح اخطاريتها اذ هي دالة على ما هو المتصور وانما التفاوت بينها على حسب اختلاف انحائها من الصدورية والوقوعية والحالية والقيامية والايجادية والطلبية ونحوها باعتبار تحققها بحسب وعائها من الخارج او الاعتبار فان وجود

الربط يتبع القيد فان كان من الأمور العينية يلزم تحقق رابط بين الطرفين فى عالم الأعيان والواقع وان كان من الأمور الاعتبارية مثل الأحكام الشرعية وضعية كانت ام تكليفية فيلزم تحقق رابط بين الطرفين فى عالم الاعتبار وهذه الدلالة هي بالعرض لأنها تحصل من فناء ما تصوره في ما هو محقق خارجا أو اعتبارا وبوساطة هذه المرآتية والفناء حصل الفرق بين الخبر والانشاء ففي الخبر يكون المعنى المتصور الذي هو مدلول ذاتي للجملة التركيبية فانيا لما في الخارج أو لما في الاعتبار فلذا اعتبر في الخبر أن يكون له نسبة في الواقع تطابقه او لا تطابقه حتى بالنسبة الى القضايا الممتنع تحققها كمثل شريك الباري ممتنع او معدوم لا بد وأن يفرض محالا موضوع ومحمول ونسبة في الخارج لكي تدل عليه تلك النسبة بخلاف الانشاء فان المدلول الذاتي المتصور يرى فانيا في ايقاع النسبة فيما لم يكن مفروغا وجوده بل يرى أن الوجود نشأ من نفس انشاء الصيغة فيكون معلولا لهذا الانشاء فلذا لا تكون له نسبة لكي تطابقه او لا تطابقه فالبيع الجزئي الواقع عقيب بعت الانشائية انما هو نتيجة الانشاء وبذلك امتاز عن الفعل المضارع الحاكي عن واقع يتحقق ومفروغ وجوده متأخرا من ناحية الفعل المضارع فالدلالة عليه تكون دلالة عرضية.

وبالجملة الفرق بين الخبر والانشاء انما هو فى ناحية المحكي الملحوظ وجوده خارجا او اعتبارا الدالة عليه تلك الجملة بالدلالة العرضية وهكذا فى الجمل المختصة سواء كانت خيرية كزيد قائم أو انشائية كصيغة أفعل ففي الخبرية يكون لها نسبة قد فرض وجودها سابقا كالفعل الماضي أو يتوقع وجودها كالمضارع أو ليس فيها تحقق أو ترقب كالجمل الاسمية ففي الجميع تدل على الصور الذهنية دلالة ذاتية وبواسطة فنائها فى الخارج أو في الاعتبار تدل على ما في الخارج أو الاعتبار

دلالة عرضية فان حصلت المطابقة فهو صدق وان لم تحصل المطابقة فهو كذب وفي الجمل الانشائية كصيغة أفعل ان مدلولها الذاتي صار فانيا فى البعث الخارجي الذي هو البعث الشخصي الجزئي الحاصل من نفس هذا الانشاء فهو معلوله لا هو المنشأ وانما يكون ذلك المتصور فانيا فيه فتدل الصيغة عليه دلالة عرضية كما انه ليس لمدلولها واقع محقق لكي تطابقه او لا تطابقه وأما طلب المتكلم وارادته بناء على تغاير الطلب والارادة فهما منتزعان من نفس انشاء البعث بمثل صيغة أفعل فالدلالة عليهما بالدلالة العقلية لا بالدلالة اللفظية هذا كله في المركبات التامة واما المركبات الناقصة (١) فقد عرفت انها تدل على الثبوت واما هيئة الفعل فانها تدل على

__________________

(١) وقد يراد منها دلالتها على نفس النسبة من دون ملاحظة وجودها وعدمها ففي مقام الحكم تلحظ نفس المعنى ولذا يصح الحكم عليها بالوجود والعدم فنقول الرجل العالم موجود أو غير موجود واما الفرق بين التامة والناقصة فيظهر فيما لو أخذا قيدا لموضوع الحكم الشرعي فان أخذت النسبة التامة فى الموضوع كقوله (ع) اذا بلغ الماء قدر كر لا ينجسه شيء فان موضوع الحكم هو الماء المتحقق كونه كرا في الخارج لا نفس الماء من حيث هو فنقيضه هو الماء المتحقق كونه غير كر أخذ موضوعا للانفعال فمع الشك فى كرية الماء لا يجرى استصحاب العدم لاثبات اتصاف الماء المشكوك كونه كرا الا على القول بالأصل المثبت وهذا بخلاف ما أخذت النسبة الناقصة في الموضوع كما لو قال الماء الكر لا ينجسه شيء فانه لا مانع من جريان استصحاب العدم لأن المأخوذ فى لسان الدليل طبيعة الماء من دون نظر الى وجوده وعدمه فنقيضه هو عدم الماء الكر وهو يتحقق فى الخارج بعدم أحدهما فعليه لا مانع من استصحاب العدم لكي يتحقق موضوع المفهوم وهو عدم الماء الكر

صدور الحدث من فاعله وانه من رشحاته وثمراته من غير حاجة الى كونه مطابقا لما في الخارج فمثل امتنع واستحال يعد ان من الأفعال وليس لهما نسبة خارجية.

وما ذكرنا من مدلول الفعل بأنه حدث صادر من الفاعل هو المراد من الحركة في الخبر المروي عن مولانا أمير المؤمنين (ع) في أن الفعل ما أنبأ عن حركة المسمى وليس المراد منها الحركة من العدم الى الوجود إذ مثل امتنع واستحال يعد ان من الأفعال ولم يخرجا من العدم الى الوجود. وبما ذكرنا من معنى الحركة صححنا ايجار البساتين الموجود حال الايجار أعيان المنافع فان ايجارها باعتبار كون اعيان منافعها من رشحات تلك الأعيان ومن ثمراتها لأن ما فى الخارج لما كان من الممكنات يكون له اعتباران اعتبار من حيثية نفسه واعتبار من حيث صدوره وبهذا الاعتبار يعد الموجود من منافع الأعيان كالثمرة ولو لا ذلك لما صح إيجار البستان ليتصرف في الثمرة الموجودة حال الايجار إذ هي حينئذ من بعض الأعيان التي لا يجوز التصرف بها بالاتلاف إذ الاجارة تتعلق بمنافع الأعيان ويد المستأجر عليها يد أمانة. وحاصل الجواب أن الأثمار الموجودة حال الإجارة لها حيثيتان حيثية تتعلق بذاتها وحيثية تتعلق بصدورها.

اما الحيثية الأولى فليست متعلقة للإجارة. واما الحيثية الثانية فلا مانع من تعلق الإجارة لأن عنوان الرشح والصدور يجعل الشيء الموجود من منافع الأعيان وبالجملة أن هيئة الفعل تدل على ان الحدث من آثار الفاعل على نحو التحقق كالماضي وعلى نحو التوقع والترقب كالمضارع وعلى نحو الايقاع والاصدار كالأمر وهو مدلول الجمل الانشائية من غير فرق ، بينما يستعمل فى مقام انشاء المعاملات والايقاعات وبين انشاء الجمل الاخرى المستعملة فى معان أخر من الطلب والترجي والتمني وان كان فرق بينهما من جهة اخرى. اما الجمل الانشائية في مقام

المعاملات والايقاعات فلها أثر فى نظر الشارع أو العرف يترتب على وجودها الانشائي بخلاف انشاء الجمل المستعملة في الطلب والتمني والترجي فانه لا يترتب على وجودها الانشائي وانما يترتب على انشائها عناوين انتزاعية لا يمكن انتزاعها إلا بعد وجودها الانشائي فان صيغة الأمر تدل على إرادة المتكلم بصدور مادتها الطبيعية للمأمور وبعد انشائها ينتزع عنوان البعث والطلب والوجوب أو الاستحباب وهكذا صيغة التمني والترجى فان كلا منهما استعمل في معناه دل على وجود صفة التمني والترجي فى نفس المتكلم فينتزع من ذلك تلك العناوين ومن هذا القبيل دلالة حروف التمني والترجي والتشبيه والنداء الى غير ذلك من الحروف فانه من الواضح ان هذه الأدوات لم تستعمل في تلك الأوصاف القائمة فى النفس لأن تلك حقائق خارجية لا يمكن أن تحضر فى الذهن كما أنه ليست هذه الحروف بوجودها الخارجي أسبابا لوجود التمني والترجي في الخارج لأن ذلك موجب لانتفاء العلاقة الوضعية لأنها قبل الوضع لا علاقة بينها كما انه لا يمكن القول بأن هذه الحروف آلة لايجاد التمني والترجي في الخارج وانما هذه الأدوات قد استعملت في النسب الخاصة بين الشخصين كالتشوق الحاصل بين المترجي والمترجي والمتمني والمتمنى وهذا التشوق الموجود في ضمن تلك التشوقات الجزئيات جهة مشتركة بينها فهذه الأدوات موضوعة لتلك الجهة الجامعة فيكون الموضوع له عاما كالوضع كما ان المستعمل فيه عام فدلالتها على التشوق الجزئي القائم فى نفس المتمني أو المترجي دلالة عرضية فان مدلولها بالذات هي طبيعة التشوق الموجودة في تلك الخصوصيات وبسبب فناء ذلك المتصور في الجزئيات دل على تلك الجزئيات بالعرض ولذا صح اطلاق التمني والترجي على ما كان بداعي الهزل والسخرية وغيرهما من الدواعى الأخر اطلاقا حقيقيا لا مجازيا إذ الوجدان لا يرى بين

استعمالها فرق بين الجد والهزل وذلك كاشف ان الموضوع له نفس التشوق الموجود بين الجزئيات.

أسماء الاشارة

اختلف في ان اسماء الاشارة هل هي موضوعة لنفس الاشارة الخارجية أو انها لايجاد الاشارة؟ فتكون بمنزلة اليد أو أنها موضوعة للمعنى المشار اليه الذي تشخص بالاشارة بنحو تكون الخصوصيات دخيلة في الموضوع له أو أنها موضوعة للمعنى ليشار به اليه مثلا ذا وضع للمفرد المذكر ليشار به اليه بأن تكون الاشارة من مقومات الاستعمال لا من مقومات الموضوع له أو المستعمل فيه على أقوال والحق هو الأخير وفاقا للاستاذ قدس‌سره حيث قال (إن المستعمل فيه في مثل أسماء الاشارة والضمائر أيضا عام وان تشخصه انما نشأ من قبل طور استعمالها) بيان ذلك يتوقف على تمهيد مقدمات :

الأولى أن أنحاء التصور تختلف فتارة تكون تفصيليا كمن تصور شيئا مع جميع الخصوصيات وأخرى يكون تصوره متعلقا بشيء مردد فالأول يقال له العلم التفصيلي والثاني يقال له العلم الاجمالي وهو بعد الانكشاف تحصل له المطابقة مع العلم التفصيلي تطابقا بالتمام فيكون المعلوم بالاجمال منطبقا على المعلوم بالتفصيل انطباقا عينيا لا كانطباق الكلي على فرده للفرق بينهما فان انطباق الكلي على فرده باعتبار كونه جزء الفرد بخلاف انطباق المعلوم بالإجمال على المعلوم بالتفصيل فان انطباق المعلوم بالإجمال على المعلوم بالتفصيل تطابقا عينيا والتعبير بالعنوان الإجمالي لأجل ضيق المقام ومنشأ الخلط بينهما هو اتحاد الكلي فى الخارج فجعل الإبهام في العلم الاجمالي بمنزلة الابهام في العلم المتعلق بالكلي ولا يخفى أن ذلك انما يصحح

الحمل ولا يجعل بينهما التطابق التام وكيف يكون بينهما تطابقا تاما مع أن الكلي جزء من فرده

المقدمة الثانية ان الصور المنتقشة فى عالم الذهن تارة تكون معراة عن التوجه واللحاظية كما لو تصورنا شخصا من دون توجه وتخاطب معه وأخرى تكون الصورة المنتقشة في عالم الذهن مقرونة بالتوجه والتخاطب في مقام المحاورة كما لو تصورت شخصا وتوجهت اليه في مقام المحاورة ولا اشكال في وجود هذين النحوين فيظهر من ذلك أن بين اللحاظ والتوجه عموم وخصوص من مطلق والعموم في طرف اللحاظ إذ ما من توجه لا بد من لحاظ سابق وربما يوجد اللحاظ مع عدم تحقق التوجه كما عرفت من انتقاش صورة شخص في الذهن ولم يكن له توجه بالمخاطبة وانما الصورة وجدت في الذهن معراة عن التوجه

الثالثة إنه لو اجتمعا أي اللحاظ والتوجه يكونان من قبيل معاني الحروف غير مأخوذين في الذات والذات تكون معراة عن اللحاظ والتوجه ضرورة ان الذات مقيدة باللحاظ ليست متعلقة لهما بل بالذات المعراة عن هذين القيدين تكون متعلقة للحاظ والتوجه اذا عرفت ما مهدنا لك من المقدمات ظهر لك ما ذكره الأستاد بان اسماء الاشارة وضعت ليشار بها الى معانيها وكذا بعض الضمائر وبعضها ليخاطب بها المعنى ، والاشارة والتخاطب يستدعيان التشخص.

وحاصل ما ذكرنا أن مبهمات أسماء الاشارة من قبيل الصور المتعلقة بالمجملات حتى أنه لو ارتفع الإجمال انطبق على تمامه وتلك الصور المنتقشة تارة ينضم اليها التوجه وأخرى لا ينضم فمع الانضمام تجد التوجه واللحاظ غير داخلين في الذات فينتج من ذلك أن المستعمل فيه عام فلا بد أن يكون الموضوع له عام وإلا لو كان الموضوع له خاص بأن كان التقيد باللحاظ والتوجه دخيلان في الموضوع له لكانت

جميع هذه الاستعمالات مجازا بلا حقيقة وهو واضح الفساد ولكن لا يخفى أن ما ذكره الأستاذ من خروج الاشارة والتخاطب عن المعنى الموضوع له وجعله عاما مبني على ما ذكرنا من أن المعنى الموضوع له ذات مهملة لا مطلقة ولا مقيدة بل هي توأم مع القيد وعموم الموضوع له بالنحو الذي ذكرناه من تصور جهة عامة مبهمة لا يمكن انفكاكها عن الخصوصيات ويكون تعريتها عين تحليتها وبذلك تكون من متحد المعنى وتتصف بالكلية بهذا المعنى لا بمعنى الانطباق على كثيرين ومع الغض عن ذلك فيرد عليه أن اسماء الاشارة حينئذ تكون قد وضعت لأمرين للمعنى المشار اليه ولايجاد الإشارة ، مثلا ذا وضعت الدلالة على المفرد المذكر ولايجاد الإشارة فيلزم من استعمالها فى المعنى اجتماع لحاظين متباينين في ملحوظ واحد وهو باطل والذي يدل على ما ذكرناه أن الموضوع له في أسماء الاشارة هي تلك الجهة الجامعة بين تلك الحصص وخصوصياتها ليست داخلة فى المعنى الموضوع له دلالتها عليها التزاما فان من اطلاق اسم الاشارة ينتقل السامع عند تصوره لمعناه الى الاشارة الخارجية ومن الواضح خروج الاشارة الخارجية عن المعنى الموضوع له اللفظ والدلالة عليها تكون التزامية كدلالة لفظ العمى على البصر مع خروج البصر عن العمى قيدا او تقييدا على أنا لو أخذنا الاشارة الواقعية في الموضوع له بأن يكون التقييد داخلا فحينئذ تكون لفظة ذا مثلا موضوعة للمعنى الاسمي والحرفى وقد دل عليهما بدلالة واحدة وهذا شيء لم يعهد فى القواعد العربية مضافا الى عدم صحة استعمال اسم الاشارة في مقام الهزل والسخرية مع انه لا اشكال فى صحة استعمالها فى تلك الموارد على نحو الحقيقة وبالجملة ان المعنى الموضوع له لفظ الاشارة هي الحصة المبهمة وتكون الاشارة موجبة لتخصص الذات المبهمة وما به يكون التخصص خارج عن الموضوع له.

ومما ذكرنا ظهر لك بطلان القول الأول إذ حقيقة الاشارة الى أمر ما معنى ربطي كالمعاني الحرفية لا يتحقق إلّا بطرفين.

وحينئذ لا يمكن أخذها فى المعنى الموضوع له لعدم صلاحيته لأن يقع مسندا او مسندا اليه فصلوحه لذلك يستكشف منه عدم كونه من المعاني الحرفية. نعم مقترن به بنحو لا يكون التقييد داخلا بل يوجب ضيق الموضوع على أنه يتبادر من لفظة ذا المفرد المذكر ولو صدرت من نائم او ساهي ولو كانت الاشارة الحقيقية دخيلة لما حصل ذلك للسامع ، ومن ذلك يظهر بطلان القول الثاني فانه لا مانع من أن يكون اسم الاشارة لمعنى مبهم قد تضيق وتخصص بالاشارة الواقعية التي هي عبارة عن توجه النفس الى المشار اليه بأن يخرج التقيد عن المعنى الموضوع له فلا تكون الاشارة الخاصة الحاصلة بآلة من آلاتها دخيلة في المعنى كما ان القول الثالث مبني على كون الموضوع عاما والموضوع له خاص وقد عرفت منا امتناعه إذ العام من حيث هو عام لا يكون مرآة للخصوصية هذا كله في اسماء الاشارة

واما الضمائر فقد قيل انها موضوعة بالوضع العام والموضوع له خاص أي لخصوص الخطاب والغيبة والتكلم وقيل أنها موضوعة بالوضع العام والموضوع له عام وخصوصية الغيبة والتكلم والخطاب جاءت من قبل الاستعمال والتحقيق انها موضوعة لمعان مبهمة مقترنة بالخطاب او الغيبة أو التكلم كما أن حال الموصولات أيضا كذلك لأنها موضوعة لمعان مبهمة مقترنة بصلتها.

ثم ان الابهام فى أسماء الاشارة واسماء الموصول غير الإبهام فى اسماء الأجناس فان الابهام في اسماء الاجناس إبهام صرف بخلاف بقية المبهمات فانها معان مبهمة من جميع الخصوصيات إلا من ناحية الخصوصية التي تقترن بها فيحصل بها التمييز كالإشارة فى اسم الاشارة والصلة في اسم الموصول والتكلم والخطاب في

الضمائر فهذه الخصوصيات أوجبت ان تكون شبيهة بالمعنى الحرفى لتوقف تصورها على تصور الخصوصية المميزة لها فبذلك حصل التشابه مع الحروف فكما ان معاني الحرفية لا يمكن تصورها الا مع تلك الخصوصية كذلك هذه المبهمات وبما أنها مقترنة بهذه الخصوصيات المميزة عدت من المعارف ولم تعد اسماء الاجناس منها حيث أنها مبهمة على الاطلاق كما أن الموصوفة لم تعد منها لعدم معهودية صلتها كما اعتبرت في صلة الموصولة وبذلك حصل الفرق بينهما وباعتبار اقترانها بالاشارة والتخاطب والمعهودية فى ضمير الغائب والموصولات كانت مبنية لأن هذه المعاني المقترنة نوع من النسب والارتباطات كما أنه باعتبار دلالتها على الصور الاجمالية المتحدة مع الصور التفصيلية عند لحاظ الأشخاص بخصوصياتهم مثل هذا زيد الذي قد عرفت أن انطباقها على تلك الخصوصات انطباقا عينيا كانت اسماء لأنها بهذا المعنى مستقلة بالمفهومية ويؤيد ذلك أن الاسم المحلى بالألف واللام بعد اسم الاشارة أما بدل أو عطف بيان.

فظهر مما ذكرنا بطلان ما يقال بأن لهذه المبهمات حالات متناقضة مثل أسميتها وبنائها ومعرفتها فان الابهام ينافي المعرفة كما أن الاسمية تنافي بنائها لما عرفت من الاعتبارات الثلاثة الموجودة فى تلك المبهمات كما لا يخفى.

الامر الثالث

صحة الاستعمال فى ما يناسب ما وضع له هل هو بالوضع ام بالطبع؟ الظاهر انه بالطبع وفاقا للاستاذ قدس‌سره بيان ذلك يحتاج الى مقدمة ان الوضع ينقسم الى اربعة أقسام (١) فتارة تكون المادة والهيئة ملحوظتين حين الوضع كوضع

__________________

(١) لا يخفى ان هذا التقسيم باعتبار نفس الوضع وفيما سبق كان التقسيم ـ باعتبار الموضوع له فتارة يكون عاما واخرى يكون خاصا.

الجوامد والوضع فيها شخصي واخرى تكون المادة ملحوظة من دون ملاحظة هيئة خاصة كوضع مادة المشتقات مثلا : الضاد ، والراء ، والباء موضوعة للحدث في ضمن اي هيئة تحققت والوضع فيها نوعيا (١) وثالثة الهيئة ملحوظة من دون ملاحظة المادة مثلا صيغة فاعل فانها موضوعة لكل من تلبس بالمبدإ من دون ملاحظة مادة مخصوصة والوضع فيها نوعيا ، ورابعة لا يلاحظ في الوضع هيئة ولا مادة بل ليس من الواضع الا الرخصة فى الاستعمال كالعلاقات في باب المجاز.

اذا عرفت ذلك فاعلم ان محل الكلام هو القسم الأخير فالمشهور قالوا ان صحة الاستعمال فى ما يناسب ما وضع له يحتاج الى رخصة من الواضع المسماة بالعلاقة والظاهر ان صحة الاستعمال لا تحتاج الى ذلك بل تكفي المناسبة الطبيعية بشهادة الوجدان الحاكم بصحة الاستعمال فيما يحسنه الطبع ولو مع عدم الرخصة من الواضع واستهجان ما لا يحسنه الطبع ولو مع ترخيص الواضع مضافا الى ان صحة استعمال اللفظ في نوعه او صنفه او مثله (٢) يكون من ذلك القبيل ولا يخفى ان

__________________

(١) ودعوى ان وضع المواد شخصيا بخلاف الهيئة فان وضعها نوعي لكون المواد لها تقرر فى مقام تجوهرها بخلاف الهيئة فانها غير متقومة بذاتها فانها تلاحظ في ضمن المادة في غير محلها فان الهيئة كما لا يمكن ملاحظتها بدون المادة كذلك المادة لا يمكن ملاحظتها بدون الهيئة وليس للمادة تقرر في مقام تجوهرها وانما تقررها وتجوهرها تحصل فى ضمن هيآتها كما لا يخفى.

(٢) لا يقال ان هذه الاستعمالات لا تصلح ان تكون دليلا للمدعى فان المدعى استعمال اللفظ فيما ناسب ما وضع له ولازم ذلك ان يكون للفظ معنى قد وضع له لكي يستعمل فيما يناسبه بمناسبة طبيعية لأنا نقول ليس المدعي ان لهذه

هذه الصحة ليست إلّا لأجل المناسبة الطبيعية إذ من الواضح ان الألفاظ ليست موضوعة للنوع او الصنف او المثل ولا مستعملة فيها لوجود العلاقة لكي يكون الاستعمال فيها مجازا فانقدح من ذلك ان هذه الاستعمالات انما كانت لتحسين الطبع من دون توقفها على رخصة الواضع مضافا الى ان المهملات يصح استعمالها بهذا النحو فيقال (ديز) مهمل واريد به مطلق (ديز) او الواقع قبل مهمل إذا لم يقصد شخصه فيكون من الصنف واذا قصد شخصه فيكون من المثل فهذه الاستعمالات مما حسنه الطبع وليست برخصة من الواضع وإلّا لزم ان تكون المهملات موضوعة وهو واضح البطلان.

الامر الرابع

لا شبهة في صحة اطلاق اللفظ وارادة نوعه كما اذا قيل زيد اسم والتمثيل بذلك اولى من تمثيل الاستاذ (قده) ب (ضرب) فعل ماضي لعدم شمول النوع لضرب فى المثال كما ان الأنسب للمثل والصنف ان يمثل لهما بمثل زيد في ضرب زيد ليكون الفرق بينهما بقصد شخص اللفظ وعدمه فان قصد شخصه فهو مثل وان لم يقصد شخص اللفظ فيكون صنفا وكيف كان فصحة مثل هذه الاستعمالات تكون بحسب اقتضاء الطبع لا الوضع وهذا مما لا اشكال فيه وانما الاشكال في اطلاق اللفظ وارادة

__________________

الاستعمالات معان حقيقية وانما الغرض الاستشهاد بها بانها مما حسنها الطبع فيستكشف منها صحة الاستعمال فيما ناسب ما وضع له بالطبع من دون حاجة الى رخصة من الواضع إذ لو احتاجت اليها لما صحت تلك الاستعمالات ان قلت كيف تكون هذه الاستعمالات عربية مع عدم الرخصة فيها من العرب قلنا الأمر في ذلك سهل فانه يكفي فى عربيتها ان لها حقائق عربية.

شخصه كما اذا قيل زيد لفظ ففي صحته اشكال للزوم احد المحذورين اما اتحاد الدال والمدلول او تركب القضية من جزءين وقد اجاب الاستاذ (قده) عن المحذور الأول بكفاية التغاير بين الدال والمدلول اعتبارا فباعتبار كونه لفظ صادر من لافظ دال وباعتبار كونه مراد مدلول.

توضيح ذلك ان اللفظ من مقولة الكيف المسموع والكيف من مقولة العرض والعرض له وجود بنفسه ووجود في غيره فوجوده في غيره كونه صادرا من لافظه فهو الدال ولحاظ كونه مرادا وهو وجوده الأصلى فيكون مدلولا وانما خص الاعتبار الأول بكونه دالا والاعتبار الثاني بكونه مدلولا لأن الدال فيه حيثية غيرية والمدلول فيه حيثية استقلالية فلذا ناسب جعل الاعتبار الاول دالا لتحقق فيه تلك الحيثية الغيرية كما ان الثاني فيه حيثية الاستقلالية فناسب ان يكون مدلولا ولكن لا يخفى ان الاستعمال يحتاج الى تغاير حقيقي ولا يكفي التغاير الاعتباري لان النظر الى الدال آليا والنظر الى المدلول يكون استقلاليا ولا يعقل الجمع بينهما في شيء واحد على انه لو اكتفينا بالتغاير الاعتباري فلا ينفع في المقام لتأخر التغاير الاعتباري عن الاستعمال فلا يعقل ان يكون مصححا له.

واما محذور تركب القضية من جزءين كما ذكره في الفصول لعدم وجود حاك عن الموضوع وانما القضية مشتملة على المحمول والنسبة فتكون القضية مركبة من جزءين بل من جزء واحد وهو المحمول إذ النسبة لا بد لها من طرفين وقد أجاب الاستاذ قدس‌سره عن ذلك ما لفظه انما يلزم إذا لم يكن الموضوع نفس شخصه وإلّا كانت أجزاؤها الثلاثة تامة. بيان ذلك ان لزوم تركب القضية من ثلاثة أجزاء انما هو في القضية الذهنية اذ لا بد من تصور الموضوع والمحمول والنسبة واما فى القضية اللفظية فيما ان الموضوع فيها نفس اللفظ الملقى فلا يحتاج

الى وساطة حاك فيكون من قبيل ما لو وجد الموضوع خارجا كما لو حملت النار باليد ونظر اليها المخاطب وقلت حارة فحملت الحار على الموجود الخارجي ، وبالجملة ملاك القضية تحقق اجزائها الثلاثة ذهنا وفي زيد لفظ تحققت أجزاؤها الثلاثة فى الذهن لأنك لاحظت لفظة زيد ولفظة لفظ والنسبة بينهما ثم نطقت بزيد لفظ فحينئذ تحققت أجزاؤها الثلاثة في الذهن ومع تحققها فى الذهن حصل ملاك القضية ولو كان فى اللفظ نفس المحمول كما يقال صديقي من دون ذكر للفظ الموضوع (١) ولكن لا يخفى ان ذلك لا يعد من باب الاستعمال وانما هو من باب الالغاء (٢) والحاصل ان اطلاق اللفظ وارادة نوعه تارة يكون بنحو الاستعمال والحكاية وأخرى بنحو الالقاء فما كان بنحو الاستعمال فتارة يكون موضوعه مصداقا لذلك النوع كمثل زيد اسم واخرى لا يكون مصداقا كمثل ضرب فعل ماضي فما كان مصداقا يتصور فيه الاستعمال والالقاء وما لم يكن مصداقا لا يتصور فيه الالقاء لأن الموضوع ليس فردا ومثله اطلاق اللفظ وارادة صنفه كزيد الواقع عقيب ضرب اسم إذا لم يقصد شخص اللفظ فانه يصلح للاستعمال والالقاء. واما مثل زيد الواقع عقيب ضرب زيد فاعل فلا يصلح للالقاء لعدم كون زيد في المثال فاعلا

__________________

(١) ودعوى انه يلزم من ذلك تركب القضية من أمر لفظي خارجي وذهنى وهو غير معقول في غير محلها إذ حمل ما في الذهن على ما في الخارج ليس مقيدا بالوجود الذهني بل يلحظ مجردا فيتحد مع ما هو موجود في الخارج ولو كان لفظيا فان خارجية كل شيء بحسبه.

(٢) جعل زيد لفظ من اطلاق اللفظ وارادة شخصه محل اشكال إذ قبل ما ينطق بلفظة زيد هو كلي لأن الشيء قبل تشخصه كلي فيكون من قبيل اطلاق اللفظ وارادة نوعه ويصح جعله من باب الاستعمال كما لا يخفى

وانما هو مبتدأ ، نعم اطلاق اللفظ وارادة مثله كقولك زيد فى ضرب زيد اسم او فاعل إذا قصد شخص اللفظ فانه لا يكون من باب الالقاء وانما هو من باب الاستعمال لتعدد الدال والمدلول (١)

الامر الخامس

فى تبعية الدلالة للارادة

والتكلم في هذا الموضوع يتوقف على بيان امور : الأول في تقسيم الدلالة

__________________

(١) وبعض السادة الأجلة قدس‌سره جعل الصنف والمثل من واد واحد بما حاصله ان القيد اعنى الواقع عقيب ضرب قيدا للحكم لا للموضوع فحينئذ يكون الصنف والمثل على نحو واحد وبعبارة أخرى ان القيد ان رجع للموضوع لا يكون الصنف والمثل من باب الالقاء وان رجع القيد الى الحكم فالصنف والمثل يصح ان يكونا من باب الاستعمال والالقاء من غير فرق بينهما غاية الأمر القيود الطارئة على النوع الموجبة لكونه صنفا لا يوجب تشخصه وانما يوجب تضييق الدائرة بخلاف القيود الطارئة على المثل فانها توجب تشخصه ، وبالجملة المثل والصنف من باب واحد لا يقال على ما ذكر من رجوع القيد الى الحكم يوجب استعمال الموضوع في الكلي فيخرج عن الصنف والمثل بل يكون من قبيل النوع فما وجه التسعية بالصنف والمثل لانا تقول الأمر في ذلك سهل لأن التسمية باعتبار تقيد الحكم بها ودعوى انه يمكن توجيهه بارجاع القيود الى الموضوع بان يراد من الارادة المتعلقة بالموضوع ارادة استعمالية وبالحكم عليه ارادة جدية كاطلاق المطلق وارادة المقيد منه ولكن لا يخفى ان هذا يتم في باب الاستعمال لا مثل الالقاء المنحصر في تحقق ارادة جدية فلا اطلاق للموضوع حينئذ حتى يشمل الفرد الذي اخذ موضوعا

باعتبار الدال ذكر اهل الميزان ان الدلالة تارة تكون وضعية وهي الناشئة من الوضع والجعل كدلالة زيد على معناه الموضوع له وأخرى طبيعية كدلالة : ، أح أح ، على وجع الصدر وثالثة عقلية كمن تلفظ من وراء الجدار فان العقل يحكم بصدوره من اللافظ ولا يخفى ان الدلالة الطبيعية مع العقلية ليستا على نسق واحد فان الدلالة الطبيعية في مرحلة الواقع والثبوت والدلالة العقلية في مرحلة الاثبات والكشف ، فالتقسيم ان كان ناظرا الى مرحلة الواقع والثبوت فالدلالة وضعية وطبيعية وان كان ناظرا الى مرحلة الاثبات فالدلالة عقلية او كسائر القوى الوجدانية لأن العقل يوجب تحقق العلم بمقتضيات الدلالة فلا يكون له دخل في تلك المقتضيات ، نعم له دخل بالنسبة الى فعلية الدلالة.

فالتحقيق ان يقال ان الدلالة تتحقق اما من الجعل او من الملازمة بين شيئين والملازمة ، اما بين التصورين او بين المتصورين. اما الأول كمن تصور اللفظ فانه ينتقل الى تصور معناه بناء على المختار من فناء اللفظ فى المعنى ومثله ما لو انتقل من تصور امر الى تصور امر آخر للملازمة بين التصورين فانه يحصل التلازم بين التصورين مع عدم الملازمة بين معانيها كالخواطر التي تخطر في الذهن مع تباينها وجودا فى الخارج كما يقال الضد اقرب حضورا عند حضور ضده ، وقولهم الشيء بالشيء يذكر ومنه ما لو سمع انسان لفظا من لافظ بلا شعور فانه ينتقل الى معناه ودلالة الكتابة على معانيها من هذا القبيل.

واما الملازمة بين المتصورين فانما تحصل من الاعتقاد الملازمة بينهما وهي اما ذاتية او غير ذاتية ، اما الذاتية كما بين العلة والمعلول او معلولين لعلة ثالثة وغير الذاتية كما تحصل من جعل الجاعل كالملازمة المجعولة بين العلم ورأس الفرسخ فان من يرى علما منصوبا على رأس الفرسخ ينتقل منه اليه ومثله دلالة اللفظ على معناه

بناء على غير المختار من ان اللفظ بالنسبة الى معناه بنحو الامارة الى ذيها والفرق بين النحو الأول والثاني يظهر في دلالة اللفظ على معناه فان كان دلالته على معناه على النحو الأول يحتاج الى دلالتين تصديقيتين فى مقام الافادة احداهما كون المتكلم قد تصور المعنى ثانيهما كون المتكلم يريد افهام السامع ذلك المعنى ، وان كان دلالته على النحو الثاني فلا يحتاج الى دلالتين بل دلالة واحدة تصديقية وهي الدلالة على كون المتكلم فى مقام الافادة يريد افهام السامع.

الأمر الثاني تقسيم الدلالة باعتبار المدلول ، ذكر اهل الميزان ان الدلالة اللفظية تنقسم الى المطابقة والتضمن والالتزام ، لأن اللفظ ان دل على تمام ما وضع له فمطابقة وان دل على جزء ما وضع له فتضمن ، وان دل اللفظ على أمر خارج لازم لما وضع له فالتزام واعني به ان يكون اللزوم بين الدال والمدلول لزوما بينا بالمعنى الأخص اي يكفى تصور الملزوم وحده فى تصور اللازم كالاثنين نصف الأربعة فان من تصور الاثنين تصور انها نصف الأربعة وكالمفهوم المستفاد من منطوق القضية الشرطية لكونه لازم له ولذا نقول بحجيته لكون المنطوق حينئذ دالا عليه بالدلالة اللفظية الالتزامية ، واما اللزوم البين بالمعنى الأعم فليس من الدلالة اللفظية لأن الحكم باللزوم يحتاج الى تصور الطرفين ككون الأربعة تنقسم الى متساويين فان الحكم باللزوم بينهما يحتاج الى تصور الأربعة والانقسام الى متساويين. ومنه يظهر عدم كون اللزوم غير البين من دلالة اللفظ لأن ما يحتاج الحكم باللزوم فيه الى تصور الطرفين مع مقدمة أخرى ككون زوايا المثلث تساوي قائمتين فان الحكم بالملازمة علاوة على تصور الطرفين (الزوايا والقائمتان) تحتاج الى مقدمة هندسية فاللزوم البين بالمعنى الأعم واللزوم غير البين من الدلالات العقلية ولا يعدان من الدلالات اللفظية.

ولا يخفى ان الدلالتين الأوليتين (المطابقة والتضمن) كما يتحققان في الدلالة اللفظية يتحققان في غيرها لأن منشأ الدلالة غير اللفظية وجود الملازمة فمع تحققها ان دل على تمام ذلك المعنى اللازم فمطابقة وان دل على جزئه فتضمن واما الدلالة الالتزامية فيشكل تحققها في غير الدلالة اللفظية لأن لازم الشيء ولازم لازمه بالنسبة الى الملزوم الدال نسبة واحدة بلا مائز بينها ثم انه قد أشكل على تثليث الأقسام بجعل التضمن داخلا في الدلالة الالتزامية فان دلالة اللفظ على تمام ما وضع له لازمة الدلالة على جزء المعنى او بدعوى ان الدلالة التضمنية عين الدلالة المطابقية لأن الجزء بشرط الانضمام عين الكل فدلالته على كل جزء هو عين دلالته على الكل ولكن لا يخفى ما فيهما.

اما عن الأول فالدلالة الالتزامية عبارة عن دلالة اللفظ على الأمر الخارج عما وضع له فتوصيف الدلالة بالالتزامية من باب وصف الشيء بحال متعلقه لا بحال نفسه ولازم ذلك ان يكون من اللزوم البين بالمعنى الأخص لكي يدل اللفظ عليه وان كان للعقل دخل في ذلك والدلالة التضمنية لا تكون من هذا القبيل لعدم كون الجزء من المعنى المطابقي من لوازمه فالدلالة التضمنية وان اشتركت مع الدلالة الالتزامية فى ان للعقل دخلا في ذلك ولذا قال الشيخ الرئيس ان التضمن والالتزام لفظيان عقليان دون المطابقة فانها لفظية صرفة إلا انهما يفترقان في نفس المدلول فمدلول الالتزامية لازم للمعنى المطابقي ومدلول التضمنية جزء من المعنى المطابقى.

واما عن الثاني (جعل التضمن عين المطابقة) فهو مبنى على اعتبار الأجزاء بشرط الانضمام واما لو اعتبرنا الأجزاء بشرط لا فتكون الأجزاء حينئذ غير الكل فاللفظ الدال عليه يسمى بالدلالة التضمنية ، فالدلالة التضمنية عبارة عن تصور

جزء المعنى المطابقي بلحاظ خاص ودلالة مستقلة وان كانت هي مستتبعة الدلالة المطابقية فتوصيفها بالتضمن كتوصيف الدلالة بالتضمن والالتزام من باب وصف الشيء مجال متعلقه بمعنى أن الكل في الخارج مطابق لمدلول اللفظ فى المطابقة وان الجزء الذي هو مدلول اللفظ لكونه جزءا من الكل فى الدلالة التضمنية وانه يستلزم تصوره تصور اللازم الخارج الذي هو المدلول فى الدلالة الالتزامية ولا يكون وصف هذه الدلالات الثلاث بهذه الأوصاف بحال نفسه وانما هو بحال متعلقه فالدلالات الثلاث تحصل بتصورات ثلاثة مستقلة ودلالات أصلية مستقلة وان كان دلالة التضمن لها تأخر طولي بالنسبة الى المطابقة كما ان دلالة الالتزام تستتبع دلالة المطابقة. ويؤيد ما ذكرنا هو تحقق الدلالة المطابقة من دون دلالة التضمن كما لو انتقل الذهن الى المعنى المطابقي من دون تصور اجزائه فانه تحصل الدلالة المطابقية مع عدم حصول الدلالة التضمنية.

الأمر الثالث الارادة تارة تكون استعمالية وهي ارادة استعمال اللفظ في المعنى بنحو يكون اللفظ فانيا في معناه واخرى ارادة تفهيمية وهي اراد تفهيم المعنى للمخاطب بعد استعمال اللفظ فيه وثالثة ارادة جدية وهي ارادة المعنى جدا وحقيقة بعد استعمال اللفظ في المعنى وتفهيمه للمخاطب من غير فرق بين الأخبار والانشاء.

اذا عرفت هذه الأمور فاعلم انه وقع الكلام والبحث في ان الألفاظ موضوعة للمعاني بما هي مرادة او لنفس المعاني قيل بالأول ونسب ذلك الى العلمين الشيخ الرئيس والمحقق الطوسي (١) والظاهر هو الثاني لانسباق نفس المعاني من

__________________

(١) ومنشأ هذه النسبة هو انه من المسلم عند الكل بأن الدلالة تتبع الوضع كما يستفاد من تعريف الوضع بأنه تخصيص اللفظ بالمعنى بحيث لو لا وضعه

اطلاق الألفاظ وهذا الانسباق من حاق اللفظ وهذا هو التبادر الذي هو من علائم الحقيقة واما كونها مرادة فاحرازها يحتاج الى القرينة ولو كانت دخيلة في المعنى

__________________

لما فهم منه المعنى فيظهر منه ان فهم المعنى من اللفظ يحصل من الوضع وذلك عبارة اخرى عن كون الدلالة تتبع لوضع والعلمان قالا فى مقام الجواب عن الاشكال الوارد على الدلالات الثلاث المطابقة والتضمن والالتزام بانتقاض بعضها مع بعض في الالفاظ المشتركة بين الملزوم ولازمه كدلالة الشمس على الضوء فانها مطابقة مع انها دلالة التزامية عليه لكونه من لوازم جرم الشمس وفي الألفاظ المشتركة بين الكل والجزء كدلالة لا مكان على الامكان العام مطابقة مع انها تضمن. بأن المميز للدلالات هو الارادة فان دلالة الشمس على الضوء التزام اذا كانت دلالة الشمس على الجرم مرادة كما ان دلالة الامكان على الامكان العام تضمن في حال ارادة الامكان الخاص ومطابقة في حال ارادته بالخصوص فمن هذا الكلام يستفاد ان الدلالة تتبع الارادة فحينئذ ان كانت الارادة جزء من الموضوع له تكون القاعدتان اعنى الدلالة تتبع الارادة والدلالة تتبع الوضع يرجعان الى شيء واحد بأن يكون اللفظ موضوعا للمعنى مع الارادة واما إذا لم تكن الارادة جزءا من الموضوع له حصل التنافي بين القاعدتين فحذرا من ذلك وجه كلامهما بوضع الألفاظ للمعانى المرادة.

ولا يخفى ان حمل كلام العلمين على الدلالة التصديقية في غير محله إذ كلامهما في الدلالة التصورية اذ المطابقة والتضمن والالتزام في الدلالة التصورية ومع ذلك لا تصح النسبة اليهما بان الألفاظ موضوعة للمعاني المرادة فان كلام العلمين فى تعيين المراد من الدلالة لا فى اصل الدلالة فانها تتبع الوضع وتعيين المراد يحصل بعد تحقق الوضع فان المجمل يدل بذاته على أحد المعانى وتعيين المراد انما يحصل بالارادة.

الموضوع لما احتاج الى القرنية. ولذا يحصل هذا الانسباق من ناطق بلا شعور مضافا الى ما ذكره الاستاذ قدس‌سره من المحاذير الثلاثة بما حاصلها :

اولا ان الارادة تأتي من قبل الاستعمال كيف تؤخذ في الموضوع له او المستعمل فيه للزوم كون الشيء متأخرا متقدما وهو محال.

وثانيا ان الوجدان يحكم بأن المحمول فى قضية زيد قائم نفس القيام لا القيام المراد والموضوع نفس زيد لا الموضوع زيد المراد فيصح الحمل بلا تصرف فى الأطراف.

وثالثا يلزم ان تكون عامة الألفاظ موضوعة بالوضع العام والموضوع له خاص اذ من يقول بان الارادة دخيلة شخص الارادة لا مفهومها مع انه لا قائل بذلك ولكن لا يخفى ان هذه المحاذير انما تتوجه بناء على كون التقييد بالارادة دخيلة في المعنى الموضوع له واما لو قلنا بأن التقييد ليس له الدخل وانما الموضوع له الحصة التي هي توأم مع القيد بتقريب ان ارادة التفهيم هو الغرض من الوضع فضيقه يوجب ضيق ذي الفرض مثلا لو فرض ان الغرض من الضرب التأديب فلا بد من اختصاص الأمر بالضرب بالتأديب بنحو لا يشمل الضرب لغير التأديب ففي المقام لما كان لغرض من الوضع ارادة التفهيم وهو مترتب على الوضع فيوجب تضييق طبيعة المعنى الموضوع له بكونها حصة مقترنة

__________________

وبما ذكرنا من حمل كلامهما يتوجه دفع انتقاض الدلالات بعضها مع بعض واما حمل كلامهما على الدلالة التصديقية في مقام الثبوت فانه في هذا المقام لا يتحقق إلّا مع ارادة المتكلم فهو توجيه بما لا يرضى صاحبه فان من نظر الى كلامهما يجد صدق ما ذكرناه فان كلامهما حسبما ذكرنا فى الحاشية السابقة في مقام دفع الاشكال الوارد على الدلالات الثلاثة من انتقاض بعضها ببعض وذلك انما هو في الدلالة التصورية لا في الدلالة التصديقية في مقام الثبوت او الاثبات

بارادة التفهيم وهذه الارادة ليست جزءا من المعنى الموضوع له ولا التقيد بها جزء وانما اخذت مقترنة بها بنحو التوأمية فحينئذ لا ترد تلك الاشكالات الثلاثة لعدم اخذها في الموضوع له لكى يلزم اخذ ما هو متأخر في المتقدم وصح الحمل بدون تصرف في الاطراف إذ المحمول نفس القيام فى قولك زيد قائم ولا يلزم ان يكون الوضع عاما والموضوع له خاص فانه موضوع للجهة الجامعة خصوصا على ما ذكرنا من تصور للوضع العام والموضوع له عام على غير المشهور من الوضع للجهة الجامعة للحصص الخارجية والذهنية.

ان قلت هذا يختص بالوضع التعييني لأن ارادة التفهيم من الأمور الاختيارية القصدية فينبغي صدورها عن اختيار والوضع التعيني قهري الحصول.

قلنا ان الوضع التعيني انما يحصل من الاستعمالات الخاصة ولا اشكال ان تلك الاستعمالات انما تقع مقترنة بارادة التفهيم فمع تكاثرها حصلت العلقة الوضعية على ذلك النحو من الاستعمالات. هذا ولكن الانصاف ان دعوى وضع الألفاظ للمعاني بما انها مرادة بأي نحو كان ولو بنحو التوأمية مجازفة إذ هو خلاف التبادر فان من سمع اللفظ من لافظ ينسبق الذهن الى نفس المعنى ولو كان من لافظ بلا شعور واختيار وليس ذلك إلا كونه هو المعنى للموضوع له واما كونه مرادا فيستفاد من القرائن ولو كانت موضوعة للمعاني مع الارادة لما احتجنا الى كون المتكلم مريدا للافادة والاستفادة الى القرائن الحالية او المقالية.

واما ما نسب الى العلمين من أن الألفاظ موضوعة للمعاني بما انها مرادة فلا وجه له اذ يحمل كلامهما على دلالة الألفاظ على معانيها بالدلالة التصديقية فانها تابعة للارادة لا على الدلالة التصورية الحاصلة من سماع اللفظ فانه يوجب الانتقال الى

المعنى ولو كان من وراء الجدار او من لافظ بلا شعور واختيار وفاقا للاستاذ قدس‌سره.

الامر السادس

فى وضع المركبات

هل للمركبات وضع غير وضع المفردات بموادها وهيئاتها ام لا؟ ، اختار الاستاذ قدس‌سره عدم الحاجة بوضعها علاوة على وضع مفرداتها واستدل على ذلك بوجهين احدهما بلزوم اللغوية بوضعها لها لحصوله بوضع المفردات فان وضعها اي المفردات كاف بتمام المقصود منها ثانيهما لزوم الدلالة على المعنى مرتين مرة بملاحظة وضع المواد والهيئات واخرى بملاحظة وضع المركبات مع أن الوجدان حاكم بأنه ليس إلّا دلالة واحدة ، ويظهر منه قدس‌سره ان النزاع فى ذلك لفظي حيث قال ما لفظه (ولعل المراد من العبارات الموهمة لذلك هو وضع الهيئات على حدة غير وضع المواد) ولكن لا يخفى ان من لاحظ كلمات القوم يجد ان النزاع في ذلك معنوي لأن منشأ الخلاف في ذلك هو الخلاف الواقع في بحث المطلق والمقيد من أن المطلق هل هو موضوع للطبيعة المهملة المعبرة عنها باللابشرط المقسمي كما يقوله سلطان العلماء قدس‌سره فيكون المطلق مستعملا في المقيد على معناه الحقيقي او ان المطلق موضوع للاطلاق والارسال كما يقوله المشهور لكي يكون استعمال المطلق بالمقيد مجازا فعلى الأول يتم كلام الاستاذ قدس‌سره فان المواد المنضمة الى الهيئات مستعملة في معناها الحقيقي من دون تجوز وغير محتاجة الى وضع آخر وعلى الثاني يكون انضمام المواد الى الهيئات موجبا للاستعمال فى غير ما وضع له فيكون من المجاز وعليه يحصل معنى غير الموضوع له المواد والهيئات فحينئذ يمكن

ان يدعى ان المركبات قد وضعت له لتحقق معنى فيها غير المفردات ، هذا والانصاف ان للجمل معان متجددة غير المفردات كمثل الحصر الناشئ من تقدم المسند اليه او معرفة المسند اليه تفصيلا وامثال ذلك فان هذه المعاني المتجددة المستفادة من الجمل تكون من مداليلها قد وضعت الجملة لها لعدم المحذور في ذلك فان حديث الدلالة مرتين لا مانع منه إذا كان بتعدد الوضع واما التفصيل بين الجملة الاسمية والجملة الفعلية بالالتزام بوضع ثالث في الأولى دون الثانية لعدم احتياج الثانية اليه بعد وضع الفعل بمادته للحدث وبهيئته لنسبة الحدث الى الفاعل ففيه ما لا يخفى لأن هيئة الفعل دالة على نسبة الحدث الى فاعل ما ، واما نسبة الحدث الى خصوص فاعل شخصي فقد جاءت من الجملة الفعلية مثلا ضرب دالة على نسبة الحدث الى فاعل ما وقولنا ضرب زيد نسب الحدث الى فاعل هو زيد بالخصوص ودعوى ان ذلك مفاد الاعراب كالرفع فانه دال على الفاعل ممنوعة فان الرفع يدل على كونه فاعلا لأي فعل فكونه فاعلا للفعل الخاص مفاد الجملة الفعلية مضافا الى انه اي فرق بين قولنا ضرب زيد وزيد ضارب فلو كانت هيئة ضرب تغني عن وضع الهيئة التركيبية لم لا تكون هيئة ضارب لا تغني عن وضع الهيئة التركيبية مع انها متكفلة لانتساب الحدث الى فاعل ما.

وبالجملة فى الجمل معان حصلت منها لم تكن متحققة في المفردات كالحصر الحاصل من تقديم المسند اليه من الفعل ومعرفة الفاعل بالتفصيل فهذه المعاني هي مفاد الجمل قد وضعت لها الجمل من غير فرق بين القول بأن المطلق موضوع للطبيعة المهملة او انه موضوع للاطلاق والارسال.

علائم الحقيقة والمجاز

الأمر السابع ذكر للحقيقة والمجاز علائم الأول نص أهل اللغة بأن معنى اللفظ كذا فقد عد بعضهم انه من علائم الوضع وقد اختلفوا في اعتبار هذه العلامة هل هي من باب الرجوع الى أهل الخبرة او من باب الرواية او الشهادة او من دليل الانسداد على ما سيأتي البحث عن ذلك إن شاء الله تعالى والظاهر ان ذكر اهل اللغة لمعاني اللفظ لا دلالة فيه على المعنى الموضوع له لو لم يكن هناك قرينة على المعنى الحقيقي كما يقال ان ما يذكره اللغوي اولا هو المعنى الموضوع له لأن اللغوي ليس بصدد المعاني الحقيقية وانما هو بصدد بيان موارد الاستعمالات ولذا لم يذكر ذلك الاستاذ قدس‌سره.

الثاني : التبادر وهو انسباق المعنى من حاق اللفظ فانه علامة كونه من المعاني الحقيقية وهذا الانسباق يتوقف على العلم بالوضع (١) إذ لو لا العلم بالوضع لما حصل ذلك الانسباق وكون التبادر علامة للوضع يلزم توقف العلم بالوضع على التبادر وهو باطل للزوم الدور وقد أجاب الاستاذ قدس‌سره بما لفظه

__________________

(١) لا يخفى ان الوضع الموجب لأحداث العلقة بين اللفظ والمعنى ليس علة للتبادر إذ ربما يتحقق ولا يحصل التبادر وان العلة لحصوله هو العلم بالوضع فمع عدم العلم به لا يحصل التبادر ومنه يعلم وجه عدم ذكر عدم التبادر من علامة المجاز لما عرفت ان عدم التبادر لعدم العلم بالوضع وعدم العلم بالوضع لا يلزم المجازية لا كما قيل ان عدم ذكره لأجل الانتقاض بالمشترك لتبادر أحد المعانى على نحو الاجمال في اطلاق لفظ المشترك وهو يكفي لاثبات الحقيقة لان الاجمال نشأ من تعدد المعنى ولذا تعيين احد المعاني يتوقف على القرينة المعينة لا القرينة الصارفة.

(فان العلم التفصيلي بكونه موضوعا له موقوف على التبادر وهو موقوف على العلم الاجمالي الارتكازي به (١) لا التفصيلي)

وحاصله ان الموقوف عليه التبادر هو العلم الاجمالي الارتكازي بالوضع والموقوف على التبادر هو العلم التفصيلي بالوضع فمع تغاير الموقوف عليه فلا دور (٢) هذا بالنسبة الى تبادر العالم بالوضع واما الجاهل بالوضع فتبادر أهل المحاورة علامة له على وضع اللفظ للمعنى فالتغاير واضح كما لا يخفى هذا كله فيما اذا علم ان الانسباق كان من حاق اللفظ واما لو شك في الانسباق من اللفظ او من القرينة فتارة يكون ناشئا من قرينية الموجود كما لو اقترن بالكلام ما يصلح للقرينية

__________________

(١) يطلق العلم الاجمالي تارة على عنوان كلي وتلحظ الأفراد بنحو الاجمال ككلية الكبرى في الشكل الأول واخرى العلم الاجمالي المصطلح في الاصول المقابل للعلم التفصيلي وثالثة على معنى موجود في الذهن مغفول عنه وعند ذكر اللفظ يلتفت اليه وهذا الأخير هو المراد منه فى المقام ولذا قيده بالارتكازي وبالمعنى الأول يجاب عن الاشكال الوارد عن الشكل الاول من لزوم الدور وحاصله ان الاشكال كلها ترجع في مقام تصحيحها الى الشكل الاول والشكل الاول غير صحيح للزوم الدور لأن النتيجة تتوقف على الكبرى وكلية الكبرى تتوقف على النتيجة واجيب بالاجمال والتفصيل.

(٢) مضافا الى ان اشكال الدور يرتفع بتغاير الموقوف عليه التبادر وتوقف التبادر عليه ولو بالتغاير بالشخص من غير حاجة الى التغاير بالنوع فانا لو قلنا بتوقف التبادر على العلم التفصيلي وتوقفه على التبادر فلا دور لتعدد العلم التفصيلي فانهما مختلفان شخصا وان اتفقا نوعا إلّا انه يشكل بلغوية جعل التبادر حينئذ علامة للحقيقة

كالمتعقب لجمل عديدة والآخر يكون ناشئا من وجود القرينة فعلى الأول لا اصل لنا يعين الانسباق من حاق اللفظ او يعين المراد لأن ملاك حجية الاصول الأخذ بالظهور بناء على ان مثبتاتها حجة في الأصول اللفظية ومع الاقتران بما لا يصلح للقرينة لا ظهور لتلك الجمل فلا مجال لجريانها حينئذ إلّا بناء على اعتبارها من باب التعبد وعلى الثاني وهو ما لو شك في وجود القرينة فالذي يظهر من الاستاذ قدس‌سره هو عدم اعتبار اصالة عدم القرينة في الشك في الاستناد واعتبارها في الشك في المراد.

بيان ذلك هو ان الشك تارة يكون في الاستناد كما لو شك فى دلالة صيغة افعل على الوجوب هل هو بالوضع او بالقرينة ولو علم بأن المراد منها هو الوجوب واخرى الشك في المراد فانه يحصل ولو علم بالاستناد كما لو علم بأن لفظ الاسد موضوع للحيوان المفترس ومجاز في الرجل الشجاع إلا انه شك فى المراد منه في قوله جئني بأسد.

إذا عرفت ذلك فاعلم ان اصالة عدم القرينة لا تجري في الثانية لأن الاصول العدمية مثبتاتها حجة فى الاصول اللفظية لرجوعها الى تحقق الظهور واعتبر العقلاء الأخذ فى الظهور في تشخيص المراد ولم يعتبروا ظهور انسباق المعنى من اللفظ لا من القرينة (١) فلذا لا تجري اصالة عدم القرينة في ذلك

__________________

(١) ودعوى ان ملاك حجية الاصول هو الأخذ بالظهور وليس منحصرا بالمعنى الحقيقي بل قد يكون غيره بأن يكون معنى مجازيا فعليه لا فائدة فى التبادر ولا فى غيره من العلائم لأنها فى بيان المعنى الحقيقي والظهور الذي يؤخذ به ما كان اللفظ ظاهرا فيه سواء كان هو المعنى الحقيقي او كان معنى مجازيا ومع عدم

الثالث عدم صحة السلب بمعنى صحة الحمل بالحمل الاولي الذاتي الذي هو ملاكه الاتحاد فى المفهوم وان اختلفا اي الموضوع والمحمول بالاجمال والتفصيل كحمل اسد على الحيوان المفترس فانه علامة على كون الأسد موضوعا للحيوان المفترس (١) وصحة حمله بالشائع الصناعي الذي ملاكه الاتحاد بحسب الوجود علامة على كون الموضوع من مصاديق المحمول ومن افراده (٢) واما شبهة الدور

__________________

الظهور لا يؤخذ به ولو كان معنى حقيقيا ممنوعة إذ كون اللفظ حقيقة فى معنى يوجب كونه ظاهرا فيه فمع عدم نصب قرينة على خلافه يدل على كونه مراد المتكلم هو المعنى الحقيقي ويكون هذا الظهور هو المتبع ما لم ينصب قرينة على الخلاف والعقلاء قد اعتبروا هذا الظهور في محاوراتهم كما لا يخفى.

(١) ملاك الحمل الأولي الذاتي هو الاتحاد بالذات سواء اتحدا كحمل البشر على الانسان او اختلفا مفهوما بالاجمال او التفصيل كحمل الانسان على الحيوان الناطق او بالجزء كحمل الناطق على الانسان فان الجميع في ذلك الموضوع والمحمول متحدان ذاتا وبذلك صح الحمل حملا اوليا ذاتيا وذلك علامة على كونه نفس المعنى ولا يخفى ان عد الحمل الأولي الذاتي من علائم الحقيقة محل اشكال حيث ان وضع اللفظ لمعنى عبارة عن كون اللفظ قالبا لذلك المعنى ووجودا لفظيا له فالحمل الأولي الذاتى لا بد من المغايرة بينهما لكي يصح الحمل فمع المغايرة ولو اعتبارا لا يستكشف منه المعنى الحقيقي ولذا استشكل صاحب الحاشية على المعالم من جعل الحمل الأولي الذاتي علامة للحقيقة مضافا الى ان حمل الناطق على الانسان حملا اوليا ذاتيا للاتحاد الذاتى بينهما مع انه لا يدل على الحقيقة ولأجل ذلك ان صاحب القوانين لم يجعل الحمل الأولي الذاتي من علائم الحقيقة بل جعل العلامة لها الحمل الشائع الصناعي.

(٢) ملاك الحمل الشائع الصناعى هو الاتحاد في الوجود من غير فرق بين حمل الكلي على فرده او حمل المتساويين كحمل الضاحك على الانسان او عموم

فانها تجري في هذه العلامة والجواب عنها بالاجمال والتفصيل كما ذكر فى التبادر (١) ويشكل على العلامتين بأن المعنى الحقيقي يستفاد منهما فى زمانهما لا قبلهما مثلا لو ورد في الكنز خمس وشك فى ان المراد منه هل هو خصوص النقدين او يعم غيرهما من الجواهر فتبادر أحد المعنيين لا يثبت الأحكام الشرعية إلّا بناء على اصالة عدم النقل وهي غير مجدية إلا بناء على حجية الاصول المثبتة اللهم إلّا ان يقال بأنه يمكن التمسك بها لتوافق الزمانين باصالة تشابههما والدليل على حجيتها قيام السيرة على العمل بها

__________________

من وجه كحمل الابيض على الحيوان والذي عد من العلائم وهو ما كان دالا على كون الموضوع من مصاديق المحمول دون غيره من اقسام الحمل ولذا قال في هامش الكفاية ما لفظه فيما اذا كان المحمول والمحمول عليه كليا وفردا لا فيما اذا كانا كليين متساويين او غيرهما انتهى ، وقد يستشكل في كون هذا الحمل من علائم الحقيقة بأن المفهومين لما كانا متغايرين فكيف يكون الحمل علامة للحقيقة ولكن لا يخفى ان حمل الانسان على زيد مثلا يدل على ان للانسان معنى له سعة يشمل زيد فلو قلنا البليد حمار يستفاد منه ان الحمار موضوع لقليل الادراك فبهذا المعنى صح حمل الحمار على البليد حملا شائعا صناعيا فلو سلب الحمار عن البليد يستكشف ان الحمار ليس موضوعا لقليل الادراك والانصاف ان ذلك لا يعلم من الحمل وانما يعلم من الخارج فعليه عد ذلك من العلائم محل نظر فافهم

(١) ولا يخفى انه يمكن دفع الدور من غير حاجة الى الاجمال والتفصيل بأن صحة الحمل تثبت كون الموضوع فردا للمحمول ولازم ذلك كون المحمول موضوعا لمعنى يشمل الموضوع مثلا ان العلم بان البليد من افراد الانسان يتوقف على حمل الانسان عليه وحمل الانسان لا يتوقف على العلم بان البليد من افراد الانسان بل يتوقف على كون الانسان واسع الدائرة بنحو يشمل البليد فلا تغفل.

الرابع الاطراد وفسر بان اطلاق اللفظ على فرد بمعنى بنحو صح اطلاقه على سائر الأفراد بذلك المعنى فيستكشف منه وضعه لذلك المعنى الذي صح اطلاقه على الجميع بنحو واحد ، وان لم يصح اطلاقه على بقية الافراد بذلك النحو فلا يتحقق الاطراد مثلا يطلق الانسان على زيد باعتبار كونه حيوانا ناطقا فبهذا المعنى تجد الانسان مطردا في جميع افراده فيستكشف منه ان الانسان موضوع للحيوان الناطق وان لم يكن كذلك كما تجد الاسد يطلق على الرجل الشجاع لمشابهته للمعنى الحقيقي في الشجاعة فلا يطلق على غيره بمشابهته بشيء آخر ككونه ابخر فمن هذا يستكشف ان لفظ الأسد ليس موضوعا لكل ما يشابه الحيوان المفترس فيكون ذلك أي عدم الاطراد علامة للمجاز ويشكل عليه ان المجاز مطرد كالحقيقة فانه يصح استعمال اللفظ في المعنى مع تحقق العلاقة وقد اجيب عن ذلك بان المجاز ليس مطردا مع العلاقة لأن المصحح للاستعمال ليس نوع العلاقة وانما المصحح للاستعمال هو شخص العلاقة فان علاقة الجزء والكل نوعها ليس مصححا للاستعمال وانما المصحح خصوص ما كان للشيء تركب حقيقي وانه ينتفى الكل بانتفاء الجزء كالرقبة فانها تستعمل في الانسان فيقال اعتق رقبة ولا تطلق اليد عليه فالمجاز ليس مطردا في نوع العلاقة : ولا يخفى ان هذا الجواب يدفع الاشكال باعتبار نوع العلاقة.

وأما بالنسبة الى ما يصحح الاستعمال الذي هو خصوص العلاقة فلا يدفع الاشكال إذ هو مطرد فى خصوص ما يصح به الاستعمال كالحقيقة وصاحب الفصول قدس‌سره زاد فى تعريف الاطراد على وجه الحقيقة فهو وان اوجب اختصاص الاطراد بالحقيقة إلّا أنه يلزم منه الدور ولا يندفع بالاجمال والتفصيل كما دفع الدور في التبادر وعدم صحة السلب لكون الاطراد يتوقف على معرفة الحقيقة تفصيلا

حينئذ ومع معرفتها كذلك لا يبقى مجال لاستعلامها بالاطراد إذ هو من قبيل تحصيل الحاصل مضافا الى ان الاطراد ليس كونه علامة مستقلة وانما هو لاحراز تأثير التبادر بالعلم بالوضع.

بيان ذلك ان انسباق المعنى من اللفظ انما يكون من آثار الارتباط في نظر السامع واحراز كون انسباق المعنى من اللفظ مستندا الى الوضع لا من بعض القرائن يستفاد من الاطراد فالاطراد يكشف ان ذلك التبادر نشأ من حاق اللفظ لا من القرينة وبالجملة الاطراد يكون سببا محرزا لشرط تأثير التبادر بالعلم بالوضع.

فظهر مما ذكرنا ان الاطراد ان اعتبر في تبادر المعنى المشكوك فهو من قبيل ما يحرز شرطية التبادر فليس علامته على نهج علامة التبادر من كونه مستقلا بالعلامة للحقيقة وانما هو يكون متمما لتلك العلامة وان اعتبر الاطراد في صحة الاستعمال فلا يصح جعله علامة لكونه لازما اعم لوجوده في المجاز أيضا فيكون المجاز حينئذ مطردا كالحقيقة.

فى تعارض أحوال اللفظ

الأمر الثامن ذكر الأصحاب في تعارض الأحوال اللاحقة للفظ من حيث دورانه بين الاشتراك والاضمار والتخصيص (١) والتجوز والنقل امورا كلها

__________________

(١) عد التخصص من أحوال اللفظ مقابل التجوز مبني على ما اختاره المحقق الخراساني في الكفاية من انه ليس في استعمال الفاظ العموم في التخصيص تجوز اذ المراد من العام عموم ما يراد من المدخول ولذا لو دار الامر بين التخصيص والعموم لا تجري اصالة عدم التجوز الراجعة الى أصالة الحقيقة بل لو شك في التخصيص يرجع الى اصالة عدمه لأن التخصيص يحتاج الى مئونة زائدة والاصل ـ

استحسانية والتكلم في ذلك من جهتين الأولى دوران كل واحد منها مع المعنى الحقيقي والظاهر ترجيح المعنى الحقيقي عليها وفاقا للاستاذ قدس‌سره بعد ان ذكر للفظ احوالا خمسة (١) قال ما لفظه (لا يكاد يصار الى احدها فيما إذا دار بينها وبين المعنى الحقيقي إلا بقرينة صارفة).

بيان ذلك هو انه لو دار الاستعمال بين المعنى الحقيقي أو المعنى المجازي أو المعنى المشترك أو يحتمل انه معنى مجازي او مشترك أو بنحو الاضمار فيؤخذ بالمعنى الحقيقى فى هذه الموارد لاصالة الحقيقة فى الأول واصالة عدم الوضع في الثاني ولاصالتهما في الثالث واصالة عدم الاضمار فى الرابع من غير فرق بينما يكون في الكلام ما يحتمل القرينية وبينما لم يكن كذلك غاية الامر مع وجود ما يحتمل القرينية تجري هذه الأصول اما من باب التعبد أو أصول عقلائية فيؤخذ بها لا من باب الظهور. ومع عدم وجود ما يحتمل القرينية فيؤخذ بالاصول من باب الظهور عدمها الراجع الى الاخذ بالظهور.

__________________

(١) ذكر القوم للفظ احوال أخر غير الخمسة المذكورة مثل النسخ والتقييد والتضمين والكناية والاستخدام ولم يتعرض المحقق الخراسانى قدس‌سره في الكفاية لتلك الامور لدخول النسخ في التخصيص إذ هو تخصيص في الازمان والتقييد داخل في المجاز بناء على المشهور وكذا الكناية والاستخدام والتضمين فانها تدخل فى المجاز بناء على المشهور ولكن لا يخفى ان ذلك يوجب عدم ذكر التخصيص والاضمار لانهما داخلان في المجاز على المشهور. نعم بالنسبة الى التخصيص لا يدخل تحت المجاز بناء على ما اختاره وعليه يتوجه الايراد عليه انه ما وجه عدم ذكر بقية احوال اللفظ من التقييد والتضمين والكناية والاستخدام مع انها كلها لا تجوّز فيها على ما هو الحق من انها مستعملة في معانيها الحقيقية من دون تجوز.

كأصالة الحقيقة أو كونها أصول عقلائية. وأما لو دار الامر بين المعنى الحقيقى والنقل فتارة يدور بينه وبين ما يحتمل النقل واخرى يدور بينه وبين ما يعلم بالنقل والشك في تقدم الاستعمال عليه وتأخره عنه مع العلم بتأريخ احدهما وثالثة يجهل تاريخهما. فعلى الأول يؤخذ بالمعنى الحقيقى ولا يلتفت الى احتمال النقل وعلى الثاني فتارة يعلم تاريخ النقل ويشك في تقدم الاستعمال فلا أصل يعتد به هاهنا فيلزم التوقف في المقام. وأما اصالة تأخر الاستعمال فلم يعتبره العقلاء. واخرى يعلم بتاريخ الاستعمال ويشك فى تقدم النقل على الاستعمال وتأخره فيحمل على المعنى الحقيقى لاصالة عدم النقل في ظرف الاستعمال إذ هو أصل معتبر عند العقلاء. وعلى الثالث وهو ما إذا جهل تاريخهما فربما يقال بانه كالصورة السابقة لجريان اصالة عدم النقل في حال الاستعمال فيحمل على المعنى الحقيقي ولا يعارضه اصالة تأخر الاستعمال لما عرفت من عدم جريانها لعدم اعتبارها عند العقلاء. ودعوى ان موارد العلم الاجمالي في توارد الحالتين لا تجري فيها الأصول ولو كانت غير متعارضة لاحتمال انطباق اليقين المعلوم بالاجمال على ما هو المشكوك فيكون من احتمال انتقاض السابق باليقين اللاحق مدفوعة لأن المعلوم يوصف كونه معلوما لا ينطبق على المشكوك.

والتحقيق في المقام هو عدم جريان الاصول العدمية في الجهل بتاريخهما لاحراز موضوع الاثر لأن جريان الأصل في نفي أحدهما لا يرفع الشك بالنسبة الى الآخر. فمع عدم رفعه للشك لا يتحقق موضوع الاثر حتى لو قلنا بأن الأصل المثبت حجة بالنسبة الى الاصول اللفظية فان الاحراز انما يتحقق برفع الشك كما عرفت منا سابقا فيما لو علم تاريخ الاستعمال وشك فى تقدم النقل وتأخره فمع جريان اصالة عدم النقل فى ظرف الاستعمال يتحقق موضوع الاثر الذي هو احراز

الاستعمال مع عدم النقل وفي المقام لما لم يعلم بتاريخ الاستعمال فبجريان اصالة عدم النقل لا يرتفع الشك الحاصل في الاستعمال الذي احرازه هو الموضوع للاثر والسر في ذلك ان الاصل العدمي سواء كان اصلا عقلائيا أو أصلا تعبديا مفاده هو جريان العدم في جميع الازمنة ونفس العدم في ذلك الزمان المشكوك فيه وجود الآخر لا ينفع ولا يوجب رفع الشك بالنسبة الى الحادث الآخر ، نعم لو كان مفاده اثبات العدم في زمان الآخر فلا مانع من جريانه والأخذ به بناء على حجية الاصل المثبت كما لا يخفى.

الجهة الثانية .. وهو ما لو دار الامر بين بعضها مع بعض فتارة يكون الكلام محفوفا بما يحتمل القرينية واخرى لا يكون محفوفا بما يحتمل القرينية أما الاول فلا يؤخذ بتلك الاحوال إذ وجود ما يحتمل القرينية يمنع الظهور ومع عدم الظهور لا يؤخذ بالاصول ولو قلنا بانها من باب التعبد للتعارض الواقع بينها مع عدم الترجيح لاحدها هذا لو كان في كلام واحد وأما لو كان فى كلامين فحينئذ يعلم اجمالا بعدم ظهور أحد الكلامين فتقع المعارضة بينهما وحيث لا مرجح لاحد الظهورين فلا يؤخذ بأحدهما فيلزم التوقف في ذلك.

وأما الثاني وهو ما لو دار الامر بينهما ولم يكن في الكلام ما يحتمل قرينية الموجود فمع دورانه بين الاشتراك وبقية الاحوال فاصالة عدم تعدد الوضع ينفي الاشتراك وبنفيه تثبت بقية الاحوال كما انه لو دار بين النقل والتخصيص (١)

__________________

(١) لا يدور الأمر بين التخصيص والنقل وكذا بين الاضمار والاشتراك لأن الاصول غير متعارضة فان الأصول الجارية فى التخصيص والاضمار فى تشخيص المراد بخلاف الاصول الجارية فى النقل والاشتراك فانها لاثبات الوضع فلم يجتمعا

فاصالة عدم النقل تحرز بقية الاحوال. وأما لو دار بين الاضمار وبقية الاحوال أو بين الاستخدام وبقية الاحوال فان الاصول فيها متعارضة فان كان هناك ظهور يؤخذ به وإلا فيلزم التوقف.

ومما ذكرنا يظهر ان ما ذكره الاستاذ من انها وجوه استحسانية لا دليل على اعتبارها إلا إذا كانت موجبة لظهور اللفظ بالمعنى على اطلاقه محل منع لما عرفت ان بعضها مما قام الدليل على اعتبارها كما لا يخفى (١).

الحقيقة الشرعية

الأمر التاسع اختلف الاصحاب في ثبوت الحقيقة الشرعية وعدمها على أقوال وعلى تقدير الثبوت الظاهر تحققه في الوضع بقسميه اي التعييني والتعيني (٢)

فى مرتبة لكي تقع بينهما المعارضة ، نعم تقع المعارضة بين التخصيص والاضمار والتجوز لأن الاصول الجارية انما هي لتشخيص المراد كما تقع المعارضة بين النقل والاشتراك لانها جارية لاثبات الوضع ولا يخفى انه لا يؤخذ بشيء منها إلا إذا كانت موجبة للظهور فيؤخذ بها لبناء العقلاء على الاخذ به كما لا يخفى.

__________________

(١) الظاهر ان الاخذ باصالة العدم في الاشتراك والنقل ليس من باب التعبد وانما هو لتشخيص الظهور كالأخذ باصالة عدم القرينة الراجعة الى اصالة الحقيقة فما ذكره المحقق في الكفاية لا مانع من الاخذ باطلاقه ، نعم يرد عليه ان الاصول الوضعية كاصالة عدم النقل واصالة عدم الاشتراك لا تعارض الاصول المرادية كاصالة عدم التخصيص واصالة عدم القرينة الصارفة وأصالة عدم الاضمار لعدم كونها فى مرتبة واحدة فلا تغفل.

(٢) لا يخفى ان حصول الوضع التعينى من كثرة الاستعمالات مبنى على القول

وربما يبعد الاول إذ لم يعهد من النبي (ص) انه قال بملإ من الناس وضعت هذه الالفاظ للمعاني الذي اخترعتها مع توفر دواعي النقل ولم ينقل إذ لو كان لبان.

ولذا قرب الاستاذ قدس‌سره نحوا آخر من الوضع التعييني وحاصله ان الوضع تارة يكون تصريحيا أي يحصل بالقول واخرى استعماليا أي يحصل من استعمال اللفظ في المعنى الذي اخترعه بقصد تحقق الوضع إذ الوضع انشاء كسائر الانشاءات تارة تحصل من القول واخرى تحصل من الفعل كالمعاطاة والفسخ والرجوع بالطلاق فانها تحصل بالفعل مع قصد الانشاء بها وهذا الاستعمال الذي سبب حصول العلقة والارتباط ليس بحقيقة لانها معلولة له ومتأخر عنه فلا يعقل ان يكون الاستعمال حقيقيا (١) كما انه ليس بمجاز إذ لا علاقة بين المعاني المستعملة والمعاني الحقيقة لكي يكون الاستعمال مجازيا وكون الاستعمال كذلك غير ضائر بعد كونه مما يستحسنه الطبع ولازم ذلك ان يكون هذا مصداقا للاستعمال وللوضع وقد

__________________

بالجامع بين افراد هذه العناوين لكي تكون الاستعمالات فى معنى واحد ومن هذه الكثرة يحصل الارتباط والانس الحاصل بين اللفظ والمعنى وأما مع القول بعدم الجامع بين افراد هذه العناوين فلا تحصل كثرة استعمالات إذ لم يستعمل لفظ الصلاة مثلا فى معنى واحد حينئذ وعليه لا مجال لدعوى الوضع التعينى في زمان الشارع في لسانه ولسان تابعيه.

(١) هذا مبنى على كون الوضع منتزع من الانشاء وأما لو قلنا بانه منتزع من الالتزام النفسي فحينئذ يكون الاستعمال قد جرى على نحوه فيكون استعمالا في المعنى الموضوع له كما ان الفسخ يتحقق بالالتزام النفسي والفعل الواقع عقيبه يكون جاريا على طبقه فلذا يكون فسخا لأن الفسخ حينئذ يكون من الالتزامات النفسية والفعل يكون كاشفا عن البناء النفسي وبذلك صححنا تحقق الفسخ بالفعل.

اشكل على ذلك بلزوم الجمع بين لحاظ الآلية والاستقلالية بتقريب ان الاستعمال هو فناء اللفظ في المعنى ولازم ذلك ان يكون النظر الى اللفظ آلة للمعنى وغير ملتفت اليه وفي الوضع الملحوظ نفس اللفظ لحاظا مستقلا وملتفت اليه فلو قصد بالاستعمال الوضع يؤدي الى الجمع بين اللحاظين أي لحاظ الآل ولحاظ الاستقلال في زمان واحد وذلك باطل بالضرورة ولكن لا يخفى ان ذلك يكون محذورا لو اجتمع اللحاظان فى مورد واحد وفي المقام اللحاظان لم يجتمعا في مورد واحد فان الملحوظ فى الاستعمال شخص اللفظ والملحوظ فى الوضع طبيعة اللفظ لطبيعة المعنى فموضوع لحاظ أحدهما غير موضوع الآخر (١) هذا كله لو قلنا بان المعاني مستحدثة وان الشارع قد اخترعها ولم تكن معهودة سابقا واما لو قلنا بأنها كانت معهودة سابقا كما يظهر من بعض الآيات مثل قوله تعالى : (وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا) (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ) (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) الى غير ذلك من الآيات الدالة على ان هذه المعاني ثابتة فى الشرائع السابقة فقد قال الاستاذ قدس‌سره ما لفظه فالفاظها حقائق لغوية لا شرعية واختلاف الشرائع فيها جزء وشرطا لا يوجب اختلافها فى الحقيقة والماهية إذ لعله كان من قبيل

__________________

(١) يرد عليه ان ذلك خروج عن الفرض إذ الفرض ان نفس الاستعمال حصل منه الوضع وحصوله منه لازمه اللحاظ الاستقلالي لنفس اللفظ مع كونه ملحوظا آلة وهو جمع بين اللحاظين في آن واحد نعم يتم ذلك بناء على كون الوضع يحصل قبل الاستعمال بالبناء القلبي والالتزام النفسي والمظهر لذلك هو الاستعمال كما ذكرنا بالنسبة الى الافعال المظهرة للفسخ كالمتوقفة على الملك إلّا انه خلاف الفرض فان الفرض ان نفس الاستعمال حصل منه الوضع والوضع متأخر عنه تأخر المعلول عن علته كما لا يخفى.

الاختلاف في المصاديق والمحققات ولكن لا يخفى ان معهودية تلك المعاني في الاعصار القديمة لا يوجب جعلها حقائق لغوية إذ من المحتمل ان يكون الشارع قد اخترع الأسماء فوضعها لتلك المعاني القديمة واما الآيات المذكورة فلا دلالة لها على النقل باللفظ إذ من المحتمل قويا انها دالة على النقل بالمعنى لأن اللغات السابقة غير عربية وهذه الالفاظ عربية قد جرت على لسان الشارع ووضعها لتلك المعاني فتكون حقائق شرعية.

وعليه فلا وجه لما فرع عليه قدس‌سره انه مع هذا الاحتمال أي وجود هذه المعاني في الازمنة القديمة ما لفظه (لا مجال لدعوى الوثوق فضلا عن القطع بكونها حقائق شرعية) لما عرفت ان الحقيقة الشرعية تتحقق من اختراع الاسماء ووضعها للمسميات سواء كانت مخترعة كالاسماء او كانت معهودة في الازمنة القديمة.

نعم لو كانت هذه المعاني بالفاظها معهودة في الزمن السابق فحينئذ تكون حقائق لغوية ولا يصيرها حقائق شرعية بامضاء الشارع كما يدعى ذلك في المعاملات بان الشارع ليس له اختراع في المعاملات بل امضى المعنى العرفي المؤدي بالفاظ العقود كالبيع والصلح والاجارة. واما ان الشارع قد وضع الالفاظ لتلك المعاني بوضع جديد فلا يصيرها حقيقة شرعية لأن ذلك يوجب ان يكون النزاع لفظيا بمعنى ان من يقول بان لها وضع جديد يقول بالحقيقة الشرعية ومن لا يقول بالوضع الجديد لا يقول بها. والظاهر ان النزاع معنوي أي مبني على ان للشارع اختراع أم لا والظاهر ان هذه الالفاظ لم تكن معهودة لكونها عربية وقبلا كانت اللغة غير عربية على ان تبادر هذه المعاني من الالفاظ يعين القول بالحقيقة الشرعية. وما ذكره الاستاذ قدس‌سره بان ذلك لا ينفع مع وجود احتمال كون هذه المعاني قديمة محل نظر إذ التبادر في المحاورات كالظهور يرفع احتمال الخلاف فمع تحققه يلغى احتمال

كون هذه المعاني قديمة. ويستدل به على ثبوت الحقيقة الشرعية ولكن الانصاف ان القائل بالثبوت لا يلزم منه القول بتبادر تلك المعاني الشرعية إذ من الجائز ان يكون اللفظ مشتركا بين المعنى اللغوي والمعنى الشرعي.

ومما ذكرنا ظهر لك الاشكال في الثمرة التي رتبوها على القول بثبوت الحقيقة الشرعية وعدمها بحمل الالفاظ على المعاني الشرعية على الثبوت وعلى اللغوية على عدم الثبوت وفاقا لما ذكره الاستاذ قدس‌سره من الثمرة بين القولين. وحاصل الاشكال على ما ذكر هو ان القائل بعدم الثبوت يدعى تبادر المعنى اللغوي فتحمل الالفاظ على معانيها اللغوية. واما القائل بالثبوت لا يلزم منه القول بتبادر المعاني الشرعية لكي يجب حمل الالفاظ عليها إذ لازم دليله هو تجدد الوضع في قبال النافي إذ من الجائز ان يكون اللفظ مشتركا عنده بين المعنى اللغوي والمعنى الشرعي فان تجديد الوضع لا يوجب هجر المعنى الأول وعليه لا تحمل تلك الالفاظ على المعنى الشرعي بل لا بد من دال آخر يعين ذلك وحينئذ ينبغي ان تكون الثمرة بين القولين انه على القول بالثبوت يقتضي اجمال اللفظ وعلى القول بالعدم يتعين الحمل على المعنى اللغوي. اللهم إلّا ان يقال بان الاجمال ينافي غرض الناقل من الوضع الجديد لأن ديدن العقلاء في ما يخترعونه من العلوم والفنون ومن صناعاتهم ان يضعوا الالفاظ للمعاني بنحو تستفاد تلك المعاني من حاق اللفظ ولا يقاس على وضع المشتركات فان غرض الواضع منها توسعة المعاني ولا يقصد منها التفهيم وبالجملة ان الغرض من النقل هو فهم المعنى المنقول اليه من حاق اللفظ ولذا استدل القائل بالثبوت بتبادر تلك المعاني من حاق اللفظ إلا أن ذلك انما يتم بناء على أن القائل بالحقيقة الشرعية يلتزم بأن المعاني لم تكن معهودة في الأعصار السابقة. وأما مع احتمال

كونها معان معهودة والشارع اخترع لها ألفاظا عربية لم تكن معهودة سابقا فتكون حقائق شرعية فتسقط الثمرة المقررة حينئذ ، إذ على كلا القولين تجمل على المعاني القديمة غايته على القول بعدم الثبوت تكون المعاني لغوية وعلى القول بالثبوت تكون المعاني شرعية. وعليه فيعود الاشكال السابق وهو على القول بعدم ثبوت الحقيقة الشرعية تحمل الألفاظ على المعاني اللغوية وعلى القول بثبوتها تكون تلك الالفاظ مجملة لترددها بين المعاني القديمة إذا كان الاختراع بالنسبة الى التسمية وبين المعاني المستحدثة إذا كانت المعاني كالاسماء مخترعة ولم تكن معهودة سابقا على أن هذه الثمرة تترتب فيما اذا علم بتأخر الاستعمال عن الوضع إذ مع تقدم الاستعمال على الوضع تحمل تلك الالفاظ على المعنى اللغوي على القولين ، وأما مع الجهل بالتاريخ فهل تجري اصالة تأخر الاستعمال؟ قد ذكرنا ذلك سابقا على نحو التفصيل فراجع وتأمل.

الصحيح والاعم

الأمر العاشر في الصحيح والأعم وبيان ذلك يتوقف على ذكر أمور :

الأول النزاع في أن الالفاظ اسامي للصحيح أو للأعم يجري حتى على القول بعدم ثبوت الحقيقة الشرعية (١) إذ لا اشكال أن الشارع عند الاطلاق

__________________

(١) الغرض من التعرض لذلك دفع توهم أن الصحيح والأعم من ملحقات الحقيقة الشرعية فان ملاك الالحاق هو جريان النزاع على تقدير دون تقدير وقد عرفت جريانه على كل تقدير وإن كان يظهر من الأسامي في العنوان كونه من توابع مسألة الحقيقة الشرعية ولكن لا يخفى أن المراد من الاسامي في العنوان هو الاستعمال بل يظهر من تقريرات الانصاري أعلى الله مقامه ان جهة البحث عام وان كان العنوان خاصا وبقى على حاله لأجل المحافظة على عناوين القوم كما ابقوا الاستدلال

قصد المعاني التي هي عند المتشرعة من غير فرق أن الاطلاق كان بنحو الحقيقة أو بنحو المجاز فحينئذ وقع الخلاف أن تلك المعاني المقصودة هل هي الصحيحة أو هي الأعم؟ بتقريب أن الالفاظ المستعملة عند القائل بالصحيح تحمل على المعاني الصحيحة ابتداء ويحتاج حملها على الأعم الى قرينة صارفة عن المعنى الصحيح والقائل بالأعم يقول بأن الالفاظ تحمل على الأعم ويحتاج حملها على الصحيح الى قرينة صارفة عن الأعم. فمن يقول بالحقيقة الشرعية يعتبر العلاقة بينها وبين ما استعمل مجازا ، ومن لا يقول بالحقيقة الشرعية يدعي أن العلاقة اعتبرت اولا بين المعنى اللغوي والصحيح عند القائل بالصحيح وبين المعنى اللغوي والأعم عند القائل بالاعم ولا يلزم ذلك سبك مجاز بمجاز نعم بناء على قول الباقلاني الظاهر عدم تأتي النزاع (١) لانه على قوله لا بد من وجود قرينة تدل على تمام الاجزاء والشرائط فالنزاع في الحقيقة يرجع الى مقدار دلالة القرينة وليس فى مقام اطلاق اللفظ ومن الواضح أن النزاع فى ما يستفاد من الفاظ الشارع هل هو الصحيح أو الاعم لكي يحمل اللفظ على ما يستفاد منه وبالجملة النزاع في اطلاق تلك الالفاظ لا في القرينة.

الثاني المراد من الصحة فى العنوان التمامية وهي امر منتزع من كون المأتي

__________________

على القولين بالتبادر وعدم صحة السلب مع ان ذلك لا يلائم المجازية لما عرفت من عدم التغير والمحافظة على ما ذكره القوم كما لا يخفى.

(١) لا يخفى انه يمكن تأتي النزاع بناء على ما ذكره الباقلانى مع احتمال ان هذه المعانى كانت معهودة سابقا لان اللفظ حينئذ يكون موضوعا للكلي والاستعمال فى الصحيح أو الاعم يكون في المصداق وهو مجاز كما انه لو كان المعنى اللغوي العطف أو الميل أو الخضوع فالاطلاق حينئذ يكون على الفرد مجازا ويكون من باب إطلاق الكلي وارادة فرده وعليه فلا مانع من تأتي الخلاف والنزاع فافهم وتأمل.

وافيا بالغرض ، والفساد منتزع من عدم وفاء المأتي بالغرض ومن الواضح انه متأخر عن نفس الشيء المأتي فكيف يؤخذ فيه فمن ذلك يظهر انه ليس المراد من الصحة والفساد مفهومهما ولا مصداقهما وانما المراد ملزومهما وهو الاجزاء والشرائط ، فمعنى الصحيح تام الاجزاء والشرائط ، والفاسد ما لم يكن تام الاجزاء والشرائط وقد يطلق عليه الناقص والمعيب فالصحة عند الجميع بمعنى واحد وهي التمامية ، والاختلاف في تعريفها ليس الاختلاف فى معناها ، وانما الاختلاف في ما يترتب عليها من الاثر المقصود كما أن الاختلاف في تفسيرها بين المتكلم بموافقة الشريعة وبين الفقيه بسقوط القضاء والاعادة ليس راجعا الى المعنى وانما هو بالمهم من لوازمه نعم وقع النزاع فى التمامية هل هو تام الاجزاء دون الشرائط او الاجزاء والشرائط التي اخذت في رتبة سابقة على الامر كالطهارة والتستر والاستقبال ونحوها أو الاجزاء والشرائط مطلقا ولو كانت برتبة متأخرة الممكن تعلق الامر بها كاشتراط عدم المزاحمة للضد أو عدم تعلق النهي به أو الاجزاء والشرائط مطلقا ولو جاءت من قبل الامر التي لا يعقل اخذها في متعلقه كقصد التقرب وقصد امتثال الامر اقوال قيل بالاول لتقدم الاجزاء رتبة على الشرائط تقدم المقتضي على الشرط على ان الشرطية منتزعة من تقييد المسمى بالشرط ولازم ذلك تقدم المسمى عليه مضافا الى ان بعض الشرائط غير قصدية كالطهارة من الخبث فيلزم تركب الصلاة من أمور قصدية وغيرها وهو باطل ولكن لا يخفى ان ذلك لا يمنع من اعتبار الاجزاء مقترنة بالشرائط بنحو تؤخذ توأما معها فلا اطلاق للاجزاء حينئذ كما انها لا تقيد بالشرائط ولو انتفى المسمى بانتفاء بعضها كالطهور والقبلة بل يمكن اعتبارها على هذا النحو بالنسبة الى جميع الشرائط ولو جاءت من قبل الامر ولا

يلزم حينئذ اخذ ما لا يتأتى إلّا من قبل الامر في متعلقه فان ذلك يلزم لو اخذ فى المسمى المتعلق للامر. وأما على ما عرفت من انها معتبرة بنحو التوأمية الموجبة لتضييق دائرة الاجزاء فعليه لا محذور من اعتبار جميع الشرائط عند القائل بالصحيح إلّا ان ظاهر القوم عدم اعتبار الشرائط المتأخرة عن الامر التي يمكن ان يتعلق الامر بها فى معنى الصحة وان مثل ذلك خارج عن حريم النزاع لاتفاقهم على ان مثل تلك الشروط تجعل من العناوين الطارئة الحاصلة بعد تحقق المسميات ضرورة تحقق الصلاة مع مزاحمتها بالضد الاهم وتحقق الصيام في يوم العيد مع كونه منهيا عنه ولو فرض اعتبار عدم المزاحمة بالضد الاهم في مفهوم الصلاة وعدم كونه منهيا عنه في مفهوم الصوم لزم عدم تحقق الصلاة في فرض المزاحمة والصيام في فرض الحرمة وهكذا بالنسبة الى الشرائط المنتزعة من مقام الامتثال التي لا يعقل اخذها في متعلق الامر كقصد التقرب والامتثال وامثالهما فان مثل هذه الامور لم تؤخذ فى المسمى فلذا خرجت عن حريم النزاع فهي غير معتبرة على القولين وان امكن اعتبارها بنحو التوأمية لا القيدية. وبالجملة كلما لا يوجب انتفاءه انتفاء العنوان المأخوذ فى حيز الخطاب كالامور المتأخرة عن الامر مثل عدم المزاحمة للضد الاهم وعدم تعلق النهي وقصد الامتثال وأمثال ذلك مما لا يوجب انتفائها انتفاء العبادة فهي ليست دخيلة حينئذ بالمسمى وتخرج عن حريم النزاع وأما ما يوجب انتفاؤه انتفاء العنوان المأخوذ في حيز الخطاب كالامور المعتبرة قبل تعلق الامر كالطهور والتستر فهي داخلة في حريم النزاع فتعتبر فى المسمى بنحو التقييد على الصحيح اذ حالها عنده حال الاجزاء من غير فرق بينها ولا تعتبر فيه على القول بالاعم كما لا يخفى.

الثالث ان الفاظ العبادات هل هي موضوعة باوضاع متعددة للمعاني المتعددة فتكون من قبيل المشترك اللفظي فتعدّ من متكثر المعنى ، أم انها موضوعة لمعنى جامع بين افراد مختلفة فتكون من قبيل الاشتراك المعنوي فتعد من متحد المعنى قولان ، والحق الثاني إذ الالتزام بالاشتراك اللفظي فى الفاظ العبادات مخالف للوجدان. فعليه لا بد من القول بالصحيح أو الاعم من الالتزام بوجود جامع يوضع اللفظ له بنحو يجمع تلك الافراد المختلفة كما وكيفا. فلو كان الجامع متصورا على احد القولين وغير متصور على الآخر فعدم تصوره دليل على بطلانه والاستاذ (قدس‌سره) ادعى وجوده بين الافراد الصحيحة. قال ما لفظه :

(ولا اشكال في وجوده بين الافراد الصحيحة وامكان الاشارة اليه بخواصه وآثاره فان الاشتراك في الاثر كاشف عن الاشتراك في جامع واحد يؤثر الكل فيه بذلك الجامع) ولا يخفى ما فيه ، فان قاعدة وحدة الاثر يستكشف منها وحدة المؤثر لو سلمت فانما هو فى الواحد بالشخص لا الواحد بالنوع ، مضافا الى ان ذلك انما يتم فيما لو كان من قبيل العلة التامة لا ما كان من قبيل المعد كما في المقام ، فان الصلاة توجب تهذيب النفس وتكميلها بنحو تقرب من المولى وترتقي الى مقام بحيث تكون مستعدة لأن تنهى عن الفحشاء والمنكر ، ولذا لا يؤخذ النهي عن الفحشاء جامعا للعبادة لعدم كونها من قبيل العلة له لما عرفت من انها تعد النفس للفيض الإلهي بتوسط أمور غير اختيارية فهي بالنسبة اليه من قبيل المعد. فحينئذ هذه الآثار والعناوين خارجة عن اختيار العبد فلا تكون متعلقة للتكاليف. نعم يمكن استكشاف الجامع من جهة أخرى وهي ان انحاء الصلاة بحسب الاشخاص مختلفة مثلا لو كان زيد يصلي بالايماء وبكر بالاضطجاع وعمرو بالاختيار فتقول رأيت

الجماعة يصلون وتقصد هؤلاء الاشخاص فتجد هذا الاستعمال على نحو الحقيقة من غير تجوز وعناية. ولازمه استعمال لفظ الصلاة في القدر الجامع وإلا لزم استعمال اللفظ الواحد في اكثر من معنى واحد ، كما انه يستكشف الجامع من خطاب الشارع بالأمر بالصلاة على الاطلاق (أَقِيمُوا الصَّلاةَ) ولازمه ان يكون الاستعمال في معنى صالح للانطباق على صلاة المختار والمضطر على نحو واحد والخصوصيات تستفاد من دال آخر ، فلو لم تكن الصلاة مستعملة في معنى صالح للانطباق المعبر عنه بالجامع لكانت تلك الخصوصيات مستفادة من حاق اللفظ مع انه واضح البطلان. ودعوى ان كون الجامع هو متعلق الخطاب لازمه ان يكون المكلف مخيرا في الاتيان باي فرد من افراد الصلاة واللازم باطل بالضرورة ، ممنوعة إذ التخيير انما يتحقق بين المصاديق اذا كانت كلها في عرض واحد في كل آن متصفة بالمصداقية وفي المقام ليس كذلك فان صلاة الغريق تتصف بالمصداقية في حال الغرق لا مطلقا كما ان فردية التيمم للطهور إنما تكون في حال فقد الماء إلا ان تصوير الجامع بين افراد الصحيح فضلا عن تصوره بين الصحيح والفاسد محل نظر ، لأن الجامع إما عنواني أو ذاتي. أما الجامع العنواني ككون الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ، أو معراج المؤمن فلازمه استعمال الصلاة في المعنون يكون بالعناية والتجوز مضافا الى ما عرفت ان اخذ الجامع لاجل ان التكليف يتعلق به ، ولازم ذلك ان تكون الصلاة بالنسبة الى متعلق التكليف من قبيل العلة التامة ، ليكون مقدورا. والمفروض انها بالنسبة الى الجامع المنتزع من آثارها من قبيل المعد ، وأما الجامع المقولي الذاتي فهو غير معقول إذ اخذ جامع بين الافراد المتغايرة والمختلفة بحسب الاجزاء قلة وكثرة موجب لانطباقه على القليل والكثير ولازمه جواز

التشكيك في الماهية وهو بديهي البطلان مضافا الى انه كيف يؤخذ جامعا لمثل الصلاة التي هي مجمع مقولات متباينة بالذات كمقولة الاضافة ، والكيف والوضع مع انها اجناس عالية لا تندرج تحت جنس واحد. ودعوى ان الماهية المؤتلفة من عدة أمور تزيد وتنقص كما وكيفا تلاحظ حين الوضع تلك الماهية مبهمة غاية الابهام كالخمر فانه مبهم بالنسبة الى اتخاذه من العنب والتمر وغيرهما ومن حيث اللون والطعم والرائحة ومن حيث الشدة والضعف ممنوعة إذ ما المراد من الابهام ان كان بحسب الذات فالذات لا تختلف وإلا لزم التشكيك فى الماهية على انك قد عرفت ان مثل الصلاة التي هي مجمع مقولات متباينة بالذات لا يمكن اخذ جامع ذاتي لها بنحو ينطبق على تلك المقولات المتباينة وان كان المراد من الابهام العنوان العرض فلازمه كون الصلاة من العناوين العرضية والالتزام بذلك محل نظر لعدم قيام مصلحة فيه. وانما المصلحة في المعنون وعدم صلاحية العنوان للتقرب إذ العناوين لا مصلحة فيها ولا تقرب ، ولذا يشكل أخذ عنوان مخترع في الذهن بنحو ينطبق على الخارج انطباق المجمل على المفصل لا انطباق الكلي على الفرد لعدم صلاحية ذلك للتقرب ولاجل ذلك التزم شيخنا الانصاري (اعلى الله مقامه) بان الصلاة موضوعة للفرد الكامل وصلاة المضطجع والايماء والغريق انما هي ابدال وقد مال الى ذلك بعض الأعاظم قده وادعى ان الصلاة موضوعة للفرد الواجد لجميع الاجزاء والشرائط كصلاة المختار واستعمالها في غير ذلك من باب الادعاء والتنزيل ومن باب الاستعارة على ما ذهب اليه السكاكي. فحينئذ تكون الصلاة صنفين صنف حقيقي وهو المجعول فى المختار وصنف ادعائي حصل من تنزيل الشارع لها منزلة الواحد الجامع للشرائط ولو كان بعض اقسامها لا يساعده العرف على

التنزيل كصلاة الغرق. وأما الفاسد من الصلاة فالاطلاق عليه من باب المشابهة والمشاكلة ولكن لا يخفى ان اطلاق الصلاة على ما عدا المختار بالعناية والتنزيل محل نظر إذ الظاهر ان اطلاقها على المضطر على نحو اطلاقها على المختار كما ذكرنا ذلك في المثال المتقدم الجماعة يصلون فان الصلاة استعملت باستعمال واحد في صلاة المختار والمضطر ولازم ذلك انها استعملت في معنى صالح للانطباق على كل واحد منهما وإلا لزم استعمال اللفظ في اكثر من معنى واحد وهو باطل على ان صلاة الكامل تطلق على أمور مختلفة كالصبح والظهر والمغرب في الحضر والسفر والجمعة والعيد والكسوف على اختلاف انحائها في القلة والكثرة. ولازم ذلك ان تستعمل فى جامع يعم تلك المتشتتات ويجمع تلك المتفرقات والاشكال على تصوير الجامع بانه لا يعقل وجود جامع ذاتي يجمع تلك المتفرقات لأنه إما أن يكون مركبا أو بسيطا ولا يعقل ان يكون مركبا اذ يلزم ان يكون الجامع مركبا من اجزاء على البدل ، ولا يعقل وجود جامع على نحو ذلك كما هو واضح. وأما البسيط فلا يخلو إما عنوان المطلوب أو ملزوم عنوان المطلوب وكلاهما لا يصلحان للجامعية إذ يلزم الرجوع الى الاشتغال عند الشك في الجزئية لرجوعه الى الشك في المحصل مع ان المشهور القائلين بالصحيح يجرون البراءة في الشك في الجزئية وقد أجاب الاستاذ قدس‌سره عن ذلك بما لفظه (ان الجامع مفهوم واحد منتزع عن هذه المركبات المختلفة زيادة ونقيصة بحسب اختلاف الحالات متحدا معها نحو اتحاد ومثله تجري البراءة) ولا يخفى ان الظاهر من عبارته قدس‌سره ان الجامع أمر اعتباري لا تأصل له في الوجود وحينئذ يتحد مع منشأ الاعتبار ويرجع الشك في الحقيقة الى ذلك المنشأ والخطاب المتعلق بالجامع الاعتباري يرجع اليه لأنه متعلق

الخطاب حقيقة فلو شك فيما احتمل دخله يرجع الى الشك بين الاقل والاكثر فيكون من الشك فى التكليف وهو مجرى البراءة ولا يكون من الشك فى المحصل الذي هو مجرى قاعدة الاشتغال. ولا يخفى ان هذا مناف لما ذكره اولا من وجود جامع ذاتي بين الافراد الصحيحة المستكشف ذلك الجامع من وحدة الاثر فان وحدته يستكشف منه وحدة المؤثر. والذي يقتضيه التحقيق انه يمكن لنا تصوير جامع عرضي بين الافراد الصحيحة وهو مرتبة خاصة من الوجود السارية فى جميع وجودات تلك الافراد كالصلاة مثلا المركبة من مقولات متباينة بتمام الذات ولكن تشترك تلك المتباينات في مرتبة خاصة من الوجود فاخذت تلك المرتبة الخاصة معنى للصلاة. وبعبارة اخرى ان الصلاة وضعت للمرتبة الخاصة من الوجود المأخوذة بنحو لا يشرط من حيث القلة والكثرة السارية في ضمن وجود تلك المقولات ولم توضع لحقيقية الوجود المشتركة بين جميع الوجودات لكي يكون بين الصلاة والوجود ترادفا كما ان تلك المرتبة الخاصة من الوجود السارية بين جميع وجودات افرادها ينطبق على جميع الافراد على نحو واحد ولا تشمل افراد سائر العبادات. وبالجملة ان لكل عبادة وجود خاص سار في ضمن افرادها ولا يشمل افراد عبادة اخرى كمفهوم الكلمة فانه مركب من حرفين فما زاد المأخوذ من طرف القلة يشرط شيء ومن طرف الكثرة معتبر لا يشرط فمفهومها يصدق على القليل والكثير على نحو واحد. فالصلاة كالكلمة من حيث الجامع الوجودي لا الذاتي وان كان بينهما فرق من جهة اخرى وهو عدم اخذ الحروف المخصوصة في حقيقة الكلمة واخذ افعال مخصوصة كالاركان فى الصلاة مع ان صدق الكلمة على ما اجتمع من الحروف لا يفرق فيها بين طائفة دون طائفة بخلاف صدق الصلاة

على ما اجتمع من الافعال فانه يفرق بين الطوائف من المسافر والحاضر والمختار وغيره. نعم الصلاة والكلمة لهما تمام المشابهة بالنسبة الى الافراد العرضية من قبيل الكلي فى المعين وبالنسبة الى الزيادة والنقصان من قبيل المشكك القابل للصدق على القليل والكثير. وعليه يحمل كلام الاستاذ ويندفع به اشكال الرجوع الى الاشتغال فيما لو شك باعتبار شيء فى العيادة لانك قد عرفت ان الجامع أمر عرضي وهو مرتبة خاصة من الوجود والتكليف قد تعلق بنفس المقولات المتباينة المشتركة فى تلك المرتبة الخاصة فحينئذ الشك باعتبار شيء يكون من الشك في التكليف وليس من الشك في المكلف به. نعم لو اخذ الجامع ذاتيا لكانت تلك المقولات من المحصلات لذلك الجامع الذي تعلق به التكليف ويكون من الشك فى المحصل الذي هو مجري الاشتغال (١).

ادلة القول بالصحيح

استدل للقول بالصحيح بامور :

الاول : ما تقدم من ان وحدة الاثر يستكشف منه وحدة المؤثر ولازم ذلك

__________________

(١) يرد عليه انه لا مانع من جريان البراءة لانطباق الجامع ولو كان ذاتيا على افراده انطباق الكلي على مصاديقه فمع انطباقه يكون متعلقا للارادة والتكليف فينحل متعلق التكليف الى متيقن ومشكوك فيكون مجالا لجريان البراءة. نعم لو كان الجامع أمرا خارجا عن هذه المركبات ويكون مسببا عنها فالشك في اعتبار شيء فى المركبات يكون من قبيل الشك فى المحصل. وبالجملة الجامع ان اخذ أمرا انتزاعيا عرضيا متحد مع هذه المركبات أو جامعا ذاتيا على تقدير تصوره وينطبق على المركب انطباق الكلي على افراده فعلى الصورتين التكليف متعلق بنفس المركبات

وجود جامع بين الافراد الصحيحة ، إذ الفاسدة فاقدة لمراتب الكمالات.

الثاني : ان الظاهر من قوله (ع) : الصلاة قربان كل تقي ، العموم الاستغراقي وحينئذ يعم كل ما سمي بالصلاة فالفاسدة لو كانت من مصاديق الصلاة لكانت خارجة عن العموم حكما ، وهو معنى التخصيص ، وذلك منفي بحكم العام ولازمه خروجها موضوعا. وهو معنى التخصص.

الثالث : ان هذه القضية موجبة كلية تنعكس بعكس النقيض الى موجبة كلية ، فقولنا : الصلاة قربان كل تقي ، ومعراج المؤمن ، وتتهى عن الفحشاء والمنكر تنعكس بعكس النقيض الى قولنا : ما ليس بقربان كل تقى ليس بصلاة ، وما ليس بمعراج المؤمن ليس بصلاة ، وما لم تنه عن الفحشاء والمنكر ليس بصلاة ومن الواضح ان هذه الآثار لا تترتب على الفاسدة لفقدها تلك الكمالات.

الرابع : قوله (ع) : لا صلاة إلا بطهور ولا صلاة إلا بفاتحة الكتاب فان الظاهر من النفي نفي الحقيقة ، كما هو مقتضى وضع (لا) لها واستعمالها في نفي الكمال في بعض الموارد من باب نفي الحقيقة ادعاء. ولكن لا يخفى ما في هذه الادلة من النظر.

أما عن الاول : فقد عرفت مما تقدم ان قاعدة وحدة الاثر يستكشف منها وحدة المؤثر ، لو سلمت فانما هي في الواحد بالشخص لا الواحد بالنوع. وأما عن الثاني ، فلأن اصالة العموم على ما سيأتي ان شاء الله انما تجري فيما اذا كان الشك في الحكم مع العلم بانه من مصاديق الموضوع مثلا نعلم بان زيدا عالم ولكن

__________________

فالشك في اعتبار شيء فيها شك في التكليف وان اخذ من آثار المركب فالشك فى اعتبار شيء فيها شك في المحصل وهو مجرى الاشتغال.

شككنا في ان زيدا هل خرج من عموم اكرم العلماء ام لا؟ فاصالة العموم تدل بان زيدا داخل تحت العام ولا تجري اصالة العموم فيما اذا دار الامر بين التخصيص والتخصص مثلا اذا علم بأن زيدا خرج من حكم العام ولكن شك في ان خروجه من الحكم مع تلبسه بالموضوع فيخرج حكما ويكون من التخصيص أو خروجه من الحكم لعدم انطباق الموضوع عليه فيكون خروجه موضوعا فيكون من التخصص فلا يتمسك باصالة العموم ليحكم بانه خرج من الموضوع والمقام من هذا القبيل إذ الفاسدة علم بانها غير ناهية عن الفحشاء فخرجت من الحكم ولم يدل دليل على انها ليست بصلاة ليكون خروجها خروجا موضوعيا.

واما عن الثالث فان القضية الكلية اذا كانت بصورة الخبر احتملت الصدق والكذب فيجب تصديق ظهورها في العموم بدليل التعبد اذا كان هناك اثر عملي يترتب على مطابقتها للواقع كما هو كذلك في مفروض البحث فاذا كان دليل التعبد غير واف في الدلالة إلا بالنسبة الى ما هو معلوم الفردية فلا تحكم بصدق القضية إلا بالنسبة الى الافراد المعلومة الاندراج دون المشكوكة الذي وقع الكلام فيها بين الفريقين ، فاذا عكست بعكس النقيض كان العكس اللازم الصدق ليس إلا بالنسبة الى تلك الافراد المعلومة الاندراج دون غيرها التي هي مشكوكة الاندراج. وبالجملة الذي يتحصل في القضية الكلية بمعونة دليل التعبد ليس إلا كلما علم اندراجه في مسمى الصلاة تكون ناهية عن الفحشاء والمنكر فالمستفاد من عكسها ان الذي ليس ناهيا عن الفحشاء والمنكر لم يكن من الافراد المعلومة الاندراج وهذا المعنى المستفاد من العكس لا يجدي الخصم فيما يرومه من اثبات مدعاه بالنسبة الى خروج الفاسد عن الصلاة إذ لا يقتضي إلا الخروج عن الافراد المعلومة

الاندراج وهذا مما لا يتحاشاه كلا الفريقين.

وأما عن الرابع فقد أجاب المحقق القمي عنه بما حاصله ان الظاهر من هذه الجمل هو نفي الصفة أي الكمال لغلبة استعمال (لا) في نفي الصفة وبذلك يرتفع ظهور (لا) في نفي الحقيقة. ومنه يعلم عدم صحة الاستدلال على الصحيح بمثل لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب الظاهرة في نفي الصفة كما انه لا وجه للاستدلال على الصحيح بالتبادر وعدم صحة السلب فان ذلك يحتاج الى اثبات اذ من المحتمل أن يكون التبادر اطلاقي ينشأ من إطلاق اللفظ على انه يصح اطلاقها على الصلاة الفاسدة كما تجدهم يقولون : الجماعة يشتغلون بالصلاة مع العلم بفساد صلاتهم وظاهر الاطلاق ان يكون على نحو الحقيقة فلا يصح السلب كما لا يخفى.

ادلة القول بالاعم

استدل للقول بالاعم بامور : منها التبادر وصحة السلب ولا يخفى ما فيهما ، ومنها ما ورد من اخبار الأئمة عليهم‌السلام كقوله تعالى : (بني الاسلام على خمس الصلاة والزكاة والحج والصوم والولاية ولم يناد أحد كما نودي بالولاية فاخذ الناس باربع وتركوا هذه فلو ان أحدا صام نهاره وقام ليله ومات بغير ولاية لم يقبل له صومه ولا صلاته) بتقريب ان الظاهر من (الاربع) في الرواية الصلاة والصوم والزكاة والحج هو الاعم من الصحيح والفاسد إذ لو لم يكن للاعم بل كان لخصوص الصحيح لا معنى لاطلاقها حينئذ إذ هي فاسدة مع عدم الاخذ بالولاية ودعوى انه لا دلالة لذلك فان الاطلاق انما هو من جهة اعتقادهم بالصحة ممنوعة إذ ذلك ينافي سوق الرواية فانها في مقام اطلاق الاربع على تلك المذكورات على

ان ذلك لا يلائم قوله بني الاسلام فان البناء يلائم الصحة الواقعية. وبالجملة لو أريد بالاخذ بالأربع ما هو صحيح باعتقادهم حصل الاختلاف بين المشار والمشار اليه مع انه ينافي ما بني الاسلام عليه ، وان اريد الاعم لم يحصل ذلك إذ من الجائز ان يكون المراد من تلك الالفاظ خصوص الصحيح بدالين بنحو يكون الجامع مستفادا من اللفظ وقيد الصحة مستفادا من دال آخر والاربع خصوص الفاسد بان تكون الماهية مستفادة من حاق اللفظ وقيده من دال آخر ، ولكن لا يخفى ان الاستدلال بهذه الرواية على القول بالاعم محل للمنع لانه يلزم على ارادة الاعم ان يكون الأخذ بالاربع غير ما بني عليه الاسلام لأنه انما يبنى على الصحيح الواقعي لا الاعتقادي فحينئذ لو بني على الأعم فلا بد من التجوز في الرواية على أن الاستعمال أعم من الحقيقة مضافا الى ان الاستدلال بهذه الرواية يظهر منها ان الشرط غير معتبر في المسمى ولا يكون ردا للقول بالصحيح بمعنى كونه جامعا للاجزاء دون الشرائط. نعم يصلح ان يكون ردا لمن يقول بالصحيح بمعنى كونه جامعا للاجزاء والشرائط ودعوى ان الولاية شرط في القبول في غير محلها إذ الظاهر من الاخير ان المقرب هو نفس العبادة واما مع عدم الولاية لا تقرب بها اصلا مضافا الى انها مشتملة على التكتف في الصلاة وعدم المتعة في الحج والافطار قبل الغروب في الصيام مع انها يطلق عليها انها عبادة فلو كانت أساميها موضوعة لخصوص الصحيح لما صح ذلك الاطلاق.

ومنها قوله (ع) : دع الصلاة أيام اقرائك الظاهر أن هذا النهي مولويا وهو يقتضي ان يكون التحريم ذاتيا لا تشريعيا. فعليه المتحصل من الرواية ان الحائض يحرم عليها إتيان الصلاة في حال حيضها. وحينئذ لا بد ان تحمل الصلاة

على الأعم في هذه الرواية إذ لو لم تكن للأعم لحصل التباين بين الاتيان بها في حال الحيض وبين اتيانها فى حال عدمه لأن اتيانها في حال الحيض فاسدة وفي غير حال الحيض صحيحة وظاهر هذا التعبير هو الاتحاد بين اتيانها فى حال الحيض وعدمه ولكن لا يخفى ان ذلك لا يثبت إلا استعمالها فيه وهو أعم من الحقيقة. ومنها لا اشكال انه يتعلق النذر وشبهه بالصلاة بالحمام ويحصل الحنث لو أتيت الصلاة فيه وليس إلا ان الصلاة اسم للاعم إذ لو كانت اسم للصحيح لما حصل الحنث باتيانها فى الحمام مع ان الحنث فرع التمكن منه ولو كانت الصلاة اسم للصحيح لما أمكن اتيانها لعدم القدرة عليها بل يلزم من وجود النذر عدمه وقد أجاب الأستاذ قدس‌سره بما حاصله ان متعلق النذر هو الاعم ولا يصح تعلقه بالصحيح وذلك لا ينافى وضع اللفظ له على أنه يمكن القول بان متعلق النذر خصوص الصحيح والمراد به الصحة اللولائية أي صحيح لو لا النذر. فعليه يحنث لو أتي بمتعلق النذر مضافا الى ان الفساد الحاصل من طرو النذر ليس مأخوذا فى متعلقه لاستحالة أخذ ما يتأتى من قبل الحكم فى متعلقه فليس متعلق النذر إلا الصلاة الصحيحة في نفسها والحق في الجواب ان الصلاة المتعلق بها النذر تكون مكروهة وقد اختلفوا في معنى الكراهة فى العبادة فقيل معناها المرجوحية وقيل اقلية الثواب ومنشأ الاختلاف ان المرجوحية راجعة الى نفس الكينونية في الحمام لا الى ذات العبادة او ان النهي تعلق بنفس العبادة المتكيفة بالخصوصية الكذائية إذ لا معنى لمرجوحية العبادة فلذا يئول الى اقلية الثواب فعلى القول الأول النذر يتعلق بالخصوصية إذ في تركها رجحان وأما نفس العبادة لم يتعلق النذر بها لرجحانها فليس في تركها رجحان فحينئذ لا دلالة لصحة تعلق النذر على ارادة الاعم منها

بل لو قلنا بارادة الصحيح منها لأمكن القول بصحة تعلق النذر بها. وأما بناء على القول الثاني فالعبادة راجحة وهو مانع من تعلق النذر سواء قلنا بالصحيح أو بالأعم إذا عرفت ذلك فاعلم ان الحق هو القول بالاعم لامكان تصوير الجامع له من وجوه :

الأول ما ذكرناه سابقا من تصوير الجامع بين الافراد الصحيحة يمكن تصويره للاعم من الصحيح والفاسد فان المرتبة الخاصة من الوجود السارية فى وجودات الافراد تكون لها سعة بنحو تنطبق على الافراد الصحيحة والفاسدة

الثاني ان كل مصداق من الصلاة الجامع للاجزاء والشرائط يتحقق فيه فعلية التأثير المترتب عليه الاثر فمع انعدام جزء أو شرط لا يتحقق ذلك التأثير الفعلي لأنه منوط بالاجتماع فمع فقد بعضها تحصل شأنية التأثير مثلا ان القوة القائمة بعشرة رجال فى رفع حجر ثقيل من الارض فبالنسبة الى قوة كل رجل منهم لها دخل شأني بمعنى انه لو انضم اليه سائر القوى لحصل التأثير الفعلي وهو معنى القوة الفعلية الحاصلة بالاجتماع فتكون لنا حينئذ قوة فعلية وشأنية ولا بد من ان يكون لهما قدر جامع وهو القوة المعراة عن ملاحظة كل منهما.

اذا عرفت المثال الخارجي فمقامنا نظيره فان الصلاة لما كانت مركبة من عشرة اجزاء مثلا فمع تحققها تحصل المرتبة الفعلية من التأثير وتطلق على التسعة المرتبة الشأنية أي لو انضمت الى الجزء العاشر لحصل فعلية التأثير وهكذا بالنسبة الى ثمانية أجزاء أو سبعة أجزاء أو ستة أجزاء حتى لو بقي جزء واحد من العشرة اطلق عليه المرتبة الشأنية فان كلها قابلة لانطباق لفظ الصلاة عليها وليس ذلك إلا لأجل جامع بين المرتبتين الفعلية والشأنية بنحو يكون انطباقه على القليل كانطباقه على الكثير.

الثالث ما نسب الى المشهور ان الموضوع له هو معظم الاجزاء فانه على ظاهره لا يمكن الاخذ به إلا بتقريب ان الموضوع له هو مصداق هذا المفهوم بنحو الكلي في المعين كالصلاة مثلا المركبة من عشرة أجزاء فالستة أو السبعة أو الثمانية من هذه الاجزاء العشرة كلي في المعين بمعنى انه ينطبق على أي ستة مثلا من هذه العشرة مثل ما لو بعث صاعا من هذه الصيعان فلك ان تختار صاعا ينطبق على أي صاع اردته من الصيعان فى الخارج. هذا كله في تصوير الجامع للاعم وقد عرفت منا سابقا انه يمكن تصوير جامع للصحيح إلا ان الظاهر من الأدلة هو ان المراد من العبادة هو المعنى الأعم مثل قوله (ع) : لا تعاد الصلاة إلا من خمس بتقريب ان معنى الاعادة في النفي والاثبات هو المعنى الاعم الشامل للصحيحة والفاسدة إذ لو كان معناها خصوص الصحيح لما كان معنى لاعادتها إذ لا معنى لاعادة الفاسدة وظاهر هذا الاستعمال هو الاستعمال في المعنى الحقيقي ، ودعوى ان أداة الاستثناء كالعطف توجب اعادة الفعل فان قوله : لا تعاد الصلاة إلا من خمس في قوة قوله وتعاد الصلاة من خمسة فحينئذ تكون الصلاة مستعملة في النفي غير استعمالها في الاثبات مدفوعة لأن أداة الاستثناء كالعطف توجب تقدير المعنى المستثنى منه لا تقدير اللفظ لكي يتكرر استعماله على انه يحتل التركيب إذ يكون معناه ان الصلاة المذكورة في القضية المنفية لا تعاد من اجل أمور خمسة ، وتعاد صلاة اخرى من اجل تلك الامور الخمسة ، وحينئذ يخرج الاستثناء عن وضعه وشأنه لأنه وضع لاثبات ما نفى عن الأول لا لاثبات أمر آخر غير المنفى ومثل قوله من زاد في صلاته فليستقبل فان الظاهر ان لفظ الصلاة قد استعملت فيما زاد المصلي سواء كانت الزيادة حقيقية أو تشريعية وظاهر هذا الاستعمال انه بنحو

الحقيقة بلا عناية وتجوز. ويؤيد ما ذكرنا ان عادة الشارع في تكاليفه المتعلقة فى الموضوعات على حسب عادة اهل العرف ولا اشكال ان عادة الواضعين من أهل العرف فيما لو وضعوا لفظا لمركب ذى أجزاء لا يقدح فيه لو اختل بعض الشرائط والاجزاء فكذلك وضع الشارع للالفاظ فقد جرى على حسب عادة الواضعين بالنسبة الى وضعهم من ان اخلال شيء من الشرائط والاجزاء لا ينافي ذلك في وضعهم هذا اذا قلنا بثبوت الحقيقة الشرعية ، واما لو قلنا بعدم ثبوتها فالامر اوضح لأنها تكون حينئذ معان عرفية وتجري مجرى سائر الحقائق العرفية التي لا يقدح نقصان بعض الاجزاء والشرائط فيها. ودعوى ان الغرض من الوضع تعيين المسميات الذي هو محل الحاجة وليس إلا المسمى بالصحيح إذ لا يترتب على الفاسد حاجة لكي يوضع للاعم منه ممنوعة بانه قد تمس الحاجة بالوضع للاعم كمثل التمسك بالاطلاق في الفاظ العبادات إذ لو كانت لخصوص الصحيح لما أمكن التمسك بالاطلاق فيها لصيرورتها حينئذ مجملة ويلزم الرجوع الى الاصول ان قلت ان القائل بالصحيح يرجع الى البراءة في الشك بالجزئية فالقائل بالصحيح والاعم متوافقان بالنتيجة لأنا نقول كفى فارقا بينهما انه على القول بالاعم يتمسك في مقام الشك بالجزئية يرفعها بالدليل الاجتهادي ، والقائل بالأعم يتمسك في رفعها بالدليل الفقاهتي ويشهد لما ذكرنا تقسيم الصلاة الى الصحيحة والفاسدة ولو لم يكن بينهما قدر جامع لما صح التقسيم. ودعوى كون التقسيم راجع الى التسمية ممنوعة لأن الصحة والفساد ليستا من أوصاف التسمية وانما هما من اوصاف المعاني فلا بد ان يكون بينهما قدر جامع ليصح التقسيم.

ثمرة النزاع

الأمر الرابع فى بيان الثمرة بين القولين أما الثمرة بين القول بالوضع لخصوص الفرد الكامل كصلاة المختار وما عداها ابدال وبين الوضع للاعم منها ومن ابدالها كصلاة المضطر هو جريان الاشتغال على الاول والبراءة على الثاني ، لأنه على الأول تكون معنى الصلاة هي صلاة المختار وافراد صلاة المضطر معتبرة بنحو البدلية بمعنى ان الايماء جعل بدلا عن الركوع أو السجود ، فاذا شك بجزئية شيء أو شرطية شيء للبدل المفرغ للذمة يلزم الاحتياط بفعله ولا يصح جريان البراءة لكونه من الشك في الفراغ ، وأما على الثاني بان يكون معنى الصلاة هو الجامع بين جميع افرادها الصحيحة فالشك بجزئية شيء أو شرطيته سواء كانت فى حال الاختيار أم الاضطرار يرجع الى الشك في التكليف وهو مجرى للبراءة ولكن لا يخفى ان ذلك يتم فى الاحكام الوضعية غير المشروطة بالقدرة على تنفيذها مثلا تشتغل الذمة بمال الغير بعد وضع اليد مع عدم الاذن من المالك أو تشتغل الذمة بالافتراض منه ونحو ذلك فمع تحقق هذه الاسباب تشتغل الذمة ويخاطب بالاداء ولو لم يقدر على ادائه فمع الشك باعتبار شيء وهو مجرى الاشتغال بخلاف الاحكام التكليفية فانها مشروطة بالقدرة فمع عدم القدرة لا خطاب ، فلو شك فى اعتبار شيء أو شرطيته للبدل المخاطب به في حال الاضطرار يكون من الشك فى التكليف وهو مجرى البراءة كما لو شك في اعتبار شيء فى صلاة المختار كما هو واضح.

فعليه لا ثمرة مهمة بين جعل المراتب الناقصة المجعولة بدلا لصلاة المختار وبين جعلها من مصاديقها. وأما الثمرة بناء على انها من المصاديق وان لفظ للعبادة موضوعة

للقدر الجامع فقيل على الصحيح يرجع الى الاشتغال فيما لو شك في اعتبار شيء في المأتي به. لرجوع الشك فيه الى الشك في السقوط بعد العلم بتوجه التكليف ، وعلى الأعم يرجع الى البراءة لرجوع الشك فيه الى ثبوت التكليف فيما لم يكن شكا فيما له الدخل في المسمى. ولكن لا يخفى ان متعلق التكليف وإن كان هو الجامع إلا أنه قد أخذ باعتبار انطباقه على المركب الخارجي فالشك في الحقيقة متعلق بما ينطبق عليه ذلك الجامع فيرجع الى الشك في التكليف. وانه تعلق بالأقل أو بالأكثر ، فالاقل هو القدر المتيقن لتعلق التكليف ، والاكثر هو المشكوك فيه وهذا الانحلال هو ملاك الرجوع الى البراءة فلذا اكثر القائلين بالصحيح يجرون البراءة ومن هنا شيخنا الأنصاري قدس‌سره جعل الثمرة راجعة الى الاصول اللفظية لتقدمها على الاصول العملية فقال على الصحيح لا يرجع الى الاطلاق ، لاجمال متعلق الخطاب ، وعلى الاعم يمكن الرجوع الى الاطلاق فيما اذا تمت مقدمات الحكمة ولم يكن الشك فيما له الدخل فى المسمى وقد أورد عليه بأن التمسك بالاطلاق انما هو في متعلق الأمر والأمر لا يتعلق إلا بالصحيح ففي الحقيقة الشك فيما يعتبر في المسمى على الأعم راجع الى الشك فيما له الدخل فى المأمور به الصحيح إذ الأعم انما يقول بالتعميم بالتسمية لا بالمأمور به فلا يجوز التمسك بالاطلاق حينئذ مطلقا حتى على القول بالأعم ، ولكن لا يخفى ان ذلك خلط بين مقام الثبوت ومقام الاثبات.

بيان ذلك أن الطلب يتوقف على صحة المطلوب وانه وافيا بتمام المصلحة هذا بحسب الثبوت وأما إحراز المطلوبية والعلم به فغير متوقف على احراز صحته وانما يتوقف على انطباق العنوان الواقع عقيب الأمر على ما يتفاهم عرفا ، فاذا

انطبق عرفا كان من ثمراته استكشاف الصحة ، فالصحة عند الأعم ليست عنوانا مأخوذا فى متعلق امر حتى يلزم الاجمال بل الأعم يقتفي الموارد التي يصح اطلاق لفظ الصلاة عرفا فان وجد المورد مما يصح فيه اطلاق لفظ الصلاة عليه بنى على صحته واقعا وإلا فلا.

وبالجملة الفرق بين القولين أن الصحيحي يتخذ الصحة عنوانا للمأمور به والأعمي يتخذها ثمرة له. فالصلاة التي هي بنظر العرف اخذت متعلقة للأمر وهي تصدق على كل صلاة لم تفقد من مقومات التسمية. فحينئذ يتمسك بالاطلاق المستتبع ذلك للحكم بالصحة شرعا. اللهم إلا أن يقال أن الصحة على القول بالصحيح لم تؤخذ في التسمية لا قيدا ولا تقييدا وإنما اللفظ وضع للحصة المقارنة للصحة التي هي توأم معها كما انه على الأعم الامر تعلق بالحصة التي هي توأم مع الصحة.

فبالنسبة الى متعلق الأمر لا يفرق بين القولين إلا في وضع اللفظ للحصة المقارنة على الصحيح ولمطلق الحصة على الأعم وهو غير فارق بالنسبة الى متعلق الأمر فانه متعلق بالحصة المقارنة للصحة على ان هذه الخطابات لا يمكن التمسك باطلاقها على القولين لكونها واردة في مقام التشريع وليست واردة في مقام البيان الذي هو شرط التمسك بالاطلاق مضافا الى أنه على الصحيح وان لم يمكن التمسك بالاطلاق اللفظي فى نفي احتمال جزئية شيء أو شرطيته إلا أنه يمكن التمسك بالاطلاق المقامي المستفاد من رواية حماد المتعرضة لأجزاء الصلاة وشرائطها ، فانها لما كانت واردة في مقام البيان فيمكن التمسك باطلاقها في رفع ما يحمل جزئية شيء أو شرطيته غير المذكورة فيها. وبالجملة عدم ذكر ما يحتمل الاعتبار في الرواية التي هي فى مقام البيان دليل على عدم اعتباره وحينئذ لا ثمرة بين القولين كما لا يخفى.

الامر الخامس فى المعاملات

المعاملة تارة تطلق ويراد منها المسبب كالملكية الحاصلة من الايجاب والقبول وأخرى تطلق ويراد منها نفس السبب كنفس الايجاب والقبول. فعلى الأول لا مجال للنزاع في أن ألفاظ المعاملات موضوعة للصحيح أو للأعم لما عرفت من أن المتصف بالصحة والفساد عبارة عن مركب ذى اجزاء وشرائط فمع اجتماعها يكون صحيحا ومع فقدان بعضها يكون فاسدا ، ولذا يكون التقابل بين الصحة والفساد تقابل العدم والملكة. وأما البسيط الذي لا جزء له ولا شرط فلا يتصور فيه صحة وفسادا بل يتصف بالوجود تارة وبالعدم أخرى. اللهم إلا أن يقال أن المسبب لو كان أمرا حقيقيا واقعيا يتحقق في الواقع عند تحقق بعض أسبابه ، ونهي الشارع عنه يرجع الى تخطئة العرف لما يرونه سببا يتم ما ذكر. وأما بناء على أن البيع أمر واقعي يتحقق فى الواقع بنحوين من الأسباب وأن اشتراط الشارع في تحقق أحكام البيع من وجوب التسليم وحرمة التصرف في المبيع يرجع الى تحقق البيع بسبب مخصوص. فالسببان وإن اشتركا في إيجاده وتحققه إلا أن الشارع خصص تحققها بسبب دون سبب أو أن مفهوم البيع فى نظر العرف والشرع شيء واحد إلا أن مصاديقه بما انها أمور اعتبارية تختلف باختلاف الاعتبار فيرجع نهي الشارع الى تخطئة العرف في المحققات. فحينئذ النزاع ـ في أن الفاظ المعاملات موضوعة للصحيح أو للاعم له ـ مجال واسع إذ القائل بالصحيح يدعي أن اسماء المعاملات موضوعة للمعاملة التي تترتب عليها آثار الملكية وأحكامها. أما للاشتراط أو للاختلاف بالاعتبار. وبعبارة أخرى أن لفظ البيع مثلا موضوع للاثر

المتسبب من السبب المقترن بالشرط ، أو ان لفظ البيع موضوع للبيع الذي يكون مصداقه في نظر الشارع ، والقائل بالأعم يدعي ان اسماء المعاملات موضوعة للمسببات المتحققة في الواقع عند تحقق اسبابها مطلقا ولو مع عدم اقترانها بالشرط أو انها موضوعة لنفس المفهوم مع قطع النظر عن المصاديق إلا أن تحقق الوجه الأول محل إشكال. والاستاذ قدس‌سره جعل النزاع في الاسباب دون المسببات واختار ان وضع الفاظ المعاملات للصحيح من الاسباب وادعى بانها موضوعة للعقد المؤثر لأثر كذا شرعا وعرفا ولكن لا يخفى ما فيه أولا انك قد عرفت انه يمكن جريان النزاع بالنسبة للمسببات أيضا ، وثانيا ان القول بوضعها للاعم هو الحق. وثالثا ان الموضوع له هو العقد المؤثر شرعا وعرفا مبني على ان التأثير والتأثر من الامور الواقعية ولذا ارجع التخطئة الى المصداق مع ان الظاهر انها أمور اعتبارية تترتب عليها آثار شرعا وعرفا وفاقا لما علقه على مكاسب الشيخ قدس‌سره.

اذا عرفت ذلك فاعلم ان الظاهر ان الفاظ المعاملات موضوعة للمسببات لما هو معلوم أن الشارع فى المعاملات ليس له اختراع وانما هو أمضى هذه العناوين بما لها من المعاني العرفية ، ومن الواضح أن معاني الالفاظ عند اهل العرف هي نفس المسببات فان قول القائل باع داره أو بعت داري ليس المراد منه إلا نفس المبادلة ، وعلى ذلك تحمل الاطلاقات والعمومات الواردة في الكتاب والسنة مثل قوله تعالى : (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ) فالعموم فيها محمول على البيع بما له من المعنى العرفي فيكون الشارع قد حكم بصحة كل ما هو بيع عرفا من أي سبب حصل ولازم ذلك إمضاء لسببية كل ما هو سبب عند العرف ، ولذا يمكن التمسك بالاطلاق لرفع احتمال مدخلية شيء فيه عند الشارع نعم لا يمكن التمسك بالاطلاق فيما لو شك في

اعتبار شيء عند العرف ، لأن التمسك بالاطلاق انما هو مع تحقق الموضوع له ومع الشك في مدخلية شيء عند العرف يوجب شكا في تحققه فهو من قبيل الشبهة المصداقية التي لا يجوز التمسك بالاطلاق وبالجملة ان الشارع لما أمضى طريقة العرف فيكون ما هو مؤثر عرفا هو مؤثر شرعا فتنزل المؤثرات الشرعية على المؤثرات العرفية ، فلو شك في اعتبار شيء عند الشارع يرجع الى الاطلاق ويتمسك به حتى على القول بالصحيح إذ لا إجمال فيه لحمله على المعاني العرفية. فالمعاني العرفية لما كانت معلومة وليس للشارع اختراع كالمعاني العبادية وانما هي موضوعات امضائية فلو شك في اعتباره شرعا يرجع الى تلك المعاني العرفية.

وبما ذكرنا تعرف أن امضاء المسبب لازم لامضاء سببه ودعوى أن امضاء المسبب لا يلزم منه امضاء السبب لكون كل واحد منهما له وجود مستقل ولذا التجأ بعض الأعاظم قده الى ان العقود والايقاعات بالنسبة الى معانيها آلات لايجاد تلك المعاني عند العرف ، فامضاء تلك المعاني الموجودة بتلك الآلات بنحو العموم امضاء لآلية تلك الآلات وبهذا المعنى صحح التمسك بالاطلاق ولكن لا يخفى ان ذلك لا يرفع الاشكال ، فان العقود والايقاعات مع معانيها تغاير بالوجود فلكل واحد منها وجود غير الآخر ، فان العقود والايقاعات لها وجود تكويني أي أفعال تصدر من الاشخاص وهذه المعاني لها وجود في عالم الاعتبار فكيف يكون امضاء احدهما موجب لامضاء الآخر ، إلا انك قد عرفت ان تعدد الوجود لا يمنع الامضاء بتقريب ان الحكم بنفوذ كل فرد من أفراد المعاملة العرفية الخاصة يلازم امضاء سببية كل ما هو سبب عند العرف وإلا يلزم التخصيص في ناحية العموم والتقييد في ناحية الاطلاق والحاصل ان امضاء المسبب انما هو إمضاء لسببه وإلا

كان اطلاق دليل الدال على المسبب مقيدا بغير ذلك السبب المدعى عدم امضائه أو لا يكون له إطلاق وهكذا الحال لو قلنا بأن الفاظ المعاملات موضوعة للاسباب فانه لا مانع من التمسك بالاطلاق على القول بالصحيح لما هو معلوم ان المراد من الصحيح هو الصحيح عند العرف وليس للشارع اختراع فى مقابل العرف. نعم لو قلنا بأن للشارع اختراع في المعاملات وان الفاظها موضوعة للصحيح عنده فحينئذ يكون اللفظ مجملا فلا يتمسك بالاطلاق اللفظي. نعم لا مانع من التمسك بالاطلاق المقامي كما هو واضح.

الاشتراك

الأمر الحادي عشر في المشترك فقد وقع الكلام فيه بين قائل بامكانه أو بامتناعه أو بوجوبه والحق هو الأول لوقوعه ، والوقوع اقوى دليل على الامكان ودعوى امتناعه لأن الاشتراك ينافي حكمة الوضع وهي التفهيم مدفوعة ، اذ ربما تكون الحكمة تحصل بالاجمال واقوى ما يستدل للقائلين بالامتناع بان الوضع عبارة عن اختصاص اللفظ بالمعنى وحقيقة الاختصاص نفي الأغيار ، فاللفظ بازاء المعنى يكون دالا على نفيها ، وحينئذ كيف يوضع اللفظ بوضع آخر الى معنى آخر فوضعه كذلك ينافي الاختصاص ، وبعبارة أخرى وضع اللفظ للمعنى عبارة عن جعل اللفظ مرآة للمعنى وحاكيا له بحيث يكون اللفظ فانيا في المعنى فمع وضعه لمعنى آخر يلزم ان يكون للفظ الواحد فانيا في معنيين وهذا يكون من قبيل وجود ماهيتين لشيء واحد وهو واضح البطلان لان اللفظ لما كان وجودا للمعنى فمع وضعه لمعنى آخر يلزم ان يكون لفظ واحد وجودا لمعنيين ولكن لا يخفى ان وضع اللفظ

للمعنى لم يؤخذ بنحو المرآتية وانما هو ايجاد علقة بين اللفظ والمعنى بمعنى انه يوجب استعدادا لأن يكون اللفظ حاكيا للمعنى ولا مانع من ان يكون اللفظ حاكيا لمعنى في آن وحاكيا لمعنى آخر في آن آخر ، فالمشترك عبارة عن ان يكون اللفظ قابلا لأن يكون حاكيا لمعنيين في آنين لا انه يكون حاكيا لمعنيين في آن واحدا ، مضافا الى انك قد عرفت ان الاشتراك واقع في لغة العرب وأدل شيء على الامكان وقوعه وأما الاستدلال للوجوب بتناهي الالفاظ وتناهي المعاني فيجب الالتزام بالاشتراك ففي غير محله لعدم الحاجة الماسة الى تفهيم جميع المعاني بل الحاجة ماسة الى تفهيم ما يتعلق به اغراض كل امة وهي متناهية مضافا الى ان معاني الجزئية غير متناهية واما كلياتها فمتناهية فيمكن الوضع لكلياتها وبذلك يستغنى عن جزئياتها كما لا يخفى.

استعمال اللفظ فى اكثر من معنى واحد

الأمر الثاني عشر في استعمال اللفظ في اكثر من معنى واحد على سبيل الانفراد والاستقلال فقد وقع الكلام فيه على اقوال : ثالثها عدم جوازه في المفرد وجوازه في التثنية والجمع ، وبيان ذلك يتوقف على بيان امرين :

الأول ان المعنى الواحد تارة ينتزع من امور متعددة كالاثنين والثلاث ، وكاسماء الجموع مثل قوم ورهط مما كان وحدة المعنى منتزعا ومؤلفا من وحدات متعددة ، واخرى يكون اللفظ الواحد مستعملا في معنيين او اكثر ، سواء أكان هذا الاستعمال بتصور واحد او بتصور كل واحد من المعنيين ولا إشكال ان النحو الأول خارج عن حريم النزاع.

الثاني : ان الاستقلال تارة يعتبر بالنسبة الى اللحاظ فيكون كل واحد من المعنى مستقلا باللحاظ ، وفي قباله لحاظ واحد متعلق بالمتكثرات ، واخرى يعتبر بالنسبة الى ارادة التفهيم مع قطع النظر عن اللحاظ إذ قد يكون لحاظ واحد يتعلق بالمتكثرات مع ان ارادة التفهيم تتعلق بكل واحد منها بنحو الاستقلال ، وثالثة تعتبر بالنسبة الى الحكم الواقعي فقد يكون كل واحد من المتكثرات قد تعلق به حكم مستقل مع لحاظ واحد تعلق بالمتكثرات كقوله (ص) : «رفع عن امتي تسعة أشياء» ومحل النزاع بالاستقلال هو المعنى الأول. لا الاخيرين إذ لا إشكال في جوازه عليهما ، نعم يظهر من صاحب المعالم (قده) ان المراد بالاستقلال فى محل النزاع هو الاخير حيث قال بما ملخصه : «على ان كلا من المعنيين مناط للنفي والاثبات» فان النفي والاثبات من متعلقات الحكم الواقعي فما ذكره (قده) عبارة اخرى عن الاستقلال في الحكم ، ولكن لا يخفى ان مراد صاحب المعالم قدس‌سره من الحكم النسبة الكلامية لا الحكم الواقعي فان الحكم الواقعي كما عرفت لا يلازم الاستقلال في اللحاظ بخلاف الاستقلال في الحكم بمعنى النسبة الكلامية فانها تلازم الارادة الاستعمالية وهي لا تحصل إلا بالاستقلال في اللحاظ الذي هو محل النزاع وغير هذا المعنى سواء أكان استقلالا فى الحكم أو استقلالا في ارادة التفهيم خارج عن حريم النزاع. وكيف كان فقد تخيل بعض بانه يستغنى عن قيد الانفراد والاستقلال في العنوان بذكر لفظة (باكثر من معنى واحد) إذ لو كانت المتكثرات بلحاظ واحد لا يكون من الاستعمال في اكثر من معنى واحد بل يكون من الاستعمال فى معنى واحد ولا يخفى انه تخيل فاسد ، إذ الاستعمال عبارة عن جعل اللفظ قالبا للمعنى ومرآة له ولحاظه كذلك إنما يتأتى من قبل

الاستعمال فلا يعقل ان يؤخذ في المعنى المستعمل فيه لتأخره عنه تأخر الحكم عن موضوعه فمع لحاظ واحد يتعلق بالمتكثرات تكون جهة الكثرة ملحوظة بلحاظ واحد وبالجملة اللحاظ والملحوظ لا تلازم بينهما من حيث التعدد والوحدة فربما يكون اللحاظ واحدا والملحوظ متعددا كلحاظ النقاط المتعددة الملحوظة بلحاظ واحد.

إذا عرفت ان محل النزاع هو الاستقلال في اللحاظ الاستعمالي ، فاعلم ان الحق عدم جواز استعمال اللفظ في اكثر من معنى واحد مفردا كان أو مثنى أو جمعا. لأن الاستعمال لما كان عبارة عن جعل اللفظ مرآة وحاكيا للمعنى والنظر اليه نظرا آليا فلو استعمل اللفظ في اكثر من معنى واحد يلزم ان يلحظ اللفظ الواحد بلحاظين آليين فى آن واحد وذلك غير معقول. بل قد يدعى عدم معقولية ذلك بناء على كون الالفاظ بالنسبة الى معانيها بنحو الامارة والعلامة ، غاية الامر ان جهة الاستحالة تختلف فبالنسبة الى كونها بنحو المرآتية لمعانيها تستند الاستحالة الى قيام اللحاظين باللفظ في آن واحد لجعله في هذه الصورة مرآة وحاكيا فيتوجه اللحاظان الى نفس اللفظ الذي اخذ طريقا وحاكيا للمعنى ، وأما بالنسبة الى كونها اخذت بنحو الامارية لمعانيها فالاستحالة لم تستند الى اللفظ لعدم كونه حاكيا بل اخذ علامة ويمكن ان يكون الشيء الواحد علامة لأمور متعددة ، وإنما الاستحالة حينئذ تستند الى قيام اللحاظين بملاحظ واحد في آن واحد ، ولكن الانصاف انه لا استحالة فى تعدد اللحاظ فى آن واحد بملاحظ واحد ، حيث ان النفس لما كانت من الجوهر البسيط وهو يقبل اجتماع الامثال والاضداد في آن واحد ، ولذا تجد في النفس انك في حال حبك لشيء تكره شيئا آخر وفي حال ارادتك لعمل تريد عملا آخر مع انه لا اشكال فى ان صدور الارادة عن تصور

ولحاظ ولازم ذلك صدور كل ارادة لعمل خاص عن لحاظ وتصور ، وذلك جمع بين اللحاظين في آن واحد بملاحظ واحد ويظهر لك ذلك جليا انك تجد في نفسك في آن واحد حكمك على أمر وهو يستدعي تصور الموضوع والمحمول والنسبة بتصورات عديدة في آن واحد ، وحيث بنينا علي ان الالفاظ بالنسبة الى معانيها على نحو المرآتية والحكاية فيكون النظر الى اللفظ في مقام الاستعمال نظرا آليا ، وحينئذ لا يعقل ان يلاحظ نفس اللفظ في آن واحد بلحاظين آليين وهو لازم لاستعمال اللفظ في اكثر من معنى واحد وهو الموجب للقول بعدم جوازه ولو لا ذلك لكان القول بالجواز هو الحق لعدم صلاحية ما ذكر لعدم الجواز من وجه فان دعوى ان الالفاظ بالنسبة الى معانيها في مقام الاستعمال تعد من الوجودات التنزيلية والوجود التنزيلي كالوجود الحقيقي فكما لا يعقل ان يكون له ماهيتان كذلك بالنسبة الى الوجود التنزيلي لا يعقل ان يكون الوجود الواحد وجودين تنزيليين ، فمع استعمال اللفظ في اكثر من معنى واحد يلزم ان يكون الوجود الواحد وجودين تنزيليين. وهو باطل بالضرورة في غير محلها ، لأن ذلك فى الوجود بالذات أمر مسلم حيث ان الوجود الواحد الحقيقي لا بد وان تكون له ماهية واحدة ولا يعقل ان يكون الوجود الواحد له ماهيتان سواء قلنا باصالة الماهية أو باصالة الوجود ، وأما في الوجود التنزيلي كما فى المقام فلا نسلّم ذلك لأنه لما كان من الامور الاعتبارية فهو تابع لنظر المعتبر فيجوز له ان ينزل أمرا واحدا منزلة أمرين كما ان الاستدلال على عدم الجواز بان العلم بوضع اللفظ للمعنى وسماعه علة لتصور المعنى ، فمع استعماله في أكثر من معنى واحد يلزم ان يكون الشيء الواحد علة لاكثر من معنى واحد ولازمه صدور الكثير من الواحد وهو

محال في غير محله ، فان سماع اللفظ بعد العلم بالوضع ليس علة تامة لتصور المعنى ولذا سماع لفظ المشترك لا يكون علة تامة لتشخيص أحد المعنيين إلا مع القرينة وكما استدل على عدم الجواز حقيقة وجوازه مجازا بتقريب ان لفظ المشترك موضوع للمعنى مع قيد الوحدة فاذا استعمل اللفظ في اكثر من معنى واحد زال قيد الوحدة ويكون الاستعمال مجازا من حيث ان اللفظ الموضوع للكل استعمل في الجزء واستعماله كذلك يكون مجازا ، وبه قال صاحب المعالم (قده) في غير محله لما عرفت ان الموجب لعدم الجواز كون اللفظ مجمعا للحاظين آليين في آن واحد والمجازية لا ترفع المحالية مضافا الى ان الوحدة التي اخذت في المعنى الموضوع له ان اريد بها الوحدة الذاتية التي هي قائمة في الموجودات الخارجية فهي لا تزال مع انضمام المعنى الى شيء آخر في مقام الاستعمال اذ كل واحد من المعنيين واحد بالذات وان اريد منها الوحدة في الوجود فهو أوضح فسادا من سابقه اذ الانضمام لا يجعل المعينين الموجودين وجودا واحدا ، وان اريد بها الوحدة في الاستعمال فهو صحيح إلا انها ليست مأخوذة في الموضوع له او المستعمل فيه لأنها جاءت من قبل الاستعمال فهي متأخرة عنه فكيف تؤخذ فيه ولذا صاحب القوانين (قده) لم يأخذ الوحدة في الموضوع له مع انه قائل بعدم جواز استعمال اللفظ في اكثر من معنى واحد وحاصل ما ذكره (قدس‌سره) هو ان الواضع وضع اللفظ في حال الانفراد والوضع أمر توقيفي لا يجوز التعدي الى غيره فلو انضم الى معنى آخر في مقام الاستعمال فقد خالف نهج الواضع ومقرراته فهو على ظاهره يمنع أشد المنع إذ حالات الواضع وصفاته لا تكون ملحوظة في مقام الاستعمال ، وإلا لكان لحاظ كونه ضاحكا أو قائما أو غير ذلك من الحالات الحاصلة حين الوضع

ينبغي ان تؤخذ في مقام الاستعمال والالتزام بذلك واضح الفساد ولكن عند التأمل في كلامه (قدس‌سره) يحمل على ان الواضع جعل اللفظ بتمامه مرآة للمعنى فمع انضمام معنى آخر اليه لم يكن اللفظ بتمامه مرآة له ، وان كان المعنى بتمامه مرئيا للفظ أو يحمل كلامه على ما ذكرنا سابقا من ان الغرض من الوضع هو الاستعمال فاذا الواضع اعتبر شيئا فى ناحية الاستعمال فقد ضيق دائرة الغرض فمع تضييقه يوجب تضييق ذى الغرض ، كما ان ما كان من شئون الوضع يكون مانعا من اطلاق الوضع فيتبعه الغرض وهو الاستعمال ، وبالجملة الاستعمال يتبع الوضع فضيق الوضع موجب لضيق دائرة الاستعمال وفي المقام لحاظ الانفراد لم يؤخذ قيدا للمستعمل فيه وانما اخذ من شئون الوضع وذلك يوجب عدم الاطلاق فيه ويتبعه الاستعمال فلا يكون اطلاقا فيه فالاستعمال فى غيره يعد غلطا ومستهجنا ، ثم ان ما ذكرنا من استحالة لحاظين آليين يقومان بلفظ واحد لا يفرق فيه بين ان يكون ذلك اللفظ مفردا أو مثنى أو جمعا. ودعوى جوازه في المثنى والجمع لكونهما بمنزلة تكرير اللفظ فكأنه فى المثنى لفظان وفي الجمع الفاظ ففيه أولا انه مع فرض تعدد اللفظ في المثنى والجمع فكل لفظ فيهما استعمل في معنى فيخرج عن محل النزاع الذي هو لفظ واحد استعمل في معنيين وثانيا ان هيئة التثنية أو الجمع تدل على ارادة المتعدد مما يراد من المدخول والظاهر ان المراد من المدخول هو طبيعة واحدة والتعدد يعتبر فى افرادها فلفظ العين في عينين يراد منها أما طبيعة الباكية أو طبيعة النابعة وأداة التثنية أو الجمع تدل على ارادة التعدد من المدخول أي تعدد نفس الطبيعة الواحدة بان يراد فردان من الباكية أو من النابعة في المثنى وافراد من الباكية أو النابعة في الجمع وان شئت توضيح ذلك فلاحظ

تثنية اسم الجنس كرجل مثلا فتقول رجلان فيراد منها فردان من جنس الرجل وهكذا اسم الاشارة كهذا مثلا فتقول هذان أي فردان من معنى هذا وهو مفهوم مبهم من جميع الخصوصيات الا خصوصية الاشارة وبهذا المعنى يقبل الصدق على كثيرين فبدخول أداة التثنية أو الجمع فهمت خصوصية التعدد وهكذا تثنية الاسماء الموصولة والضمائر أو جمعها واما الاعلام فعند تثنيتها أو جمعها لم تستعمل في معانيها لعدم التعدد فيها وانما تستعمل فى مفهوم عام وهو المسمى فيراد من زيدان في تثنية زيد مسميان بزيد ولذا قيل بان الاعلام تثنيتها وجمعها تخرج عن التعريف ومن هنا لا تثنى الاعلام الا بمجيء لام العهد فلا تقول جاء زيدان بل تقول جاء الزيدان تداركا لما فاتها من التعريف ودعوى ان تثنية المشترك يراد منه طبيعتان أو فرد من طبيعة وفرد آخر من طبيعة أخرى فيدخل حينئذ في محل النزاع في غير محلها لأن ذلك خلاف المتفاهم العرفي فان العرف لا يفهم من لفظة عينيين الا فردان من الباكية أو فردان من النابعة مضافا الى انه لو اريد ذلك واكتفينا بتثنية الاعلام بالاتحاد في اللفظ فلا مانع من دعوى ان هيئة التثنية أو الجمع موضوعة للتعدد فيكون حالها حال اثنين أو رهط أو قوم فيخرج عن محل النزاع ويكون من قبيل استعمال لفظ واحد فى معنى واحد ومما ذكرنا ظهر انه لا وجه لما استدل على جواز استعمال اللفظ فى اكثر من معنى واحد بان ذلك من قبيل الحكم المتعلق بالعام حيث ان العام جعل طريقا لافراده والحكم قد تعلق بكل فرد على نحو الاستقلال فلو كان استعمال اللفظ في اكثر من معنى واحد محالا لاستحيل مثل هذا الحكم المتعلق بكل فرد فرد وقاسه أيضا على الوضع العام والموضوع له خاص حيث انه وضع واحد تعلق بكل واحد من أفراد العام مستقلا. لأنك قد عرفت

ان منشأ المحالية هو قيام لحاظين آليين بلفظ واحد وهو لا يوجد فى تعلق الحكم بالافراد ولا بالوضع العام والموضوع له خاص لأن فيهما لحاظا واحدا تعلق بصورة اجمالية جعلت طريقا للافراد والحكم تعلق بكل فرد فرد فاللحاظ واحد وان كان الحكم متعددا وكذلك الوضع العام والموضوع له خاص فان الواضع لاحظ صورة اجمالية ووضع اللفظ لافراد تلك الصورة الاجمالية فاللحاظ واحد وان كان الموضوع له متعددا على انه فرق بين المقام والحكم المتعلق بالعام فان المقام من موارد الاستعمال وهو متقوم باللحاظ بخلاف الحكم فانه غير متقوم باللحاظ لحصوله بعده فهو متأخر عنه رتبة فلا يعقل ان يؤخذ اللحاظ في الحكم فاذا لم يؤخذ فيه فلا توجد فيه منشأ المحالية. وبالجملة منشأ المحالية هو لحاظان آليان يقومان بلفظ واحد وهو لا يوجد في الحكم المتعلق بالعام لوحدة اللحاظ فيه ، وتوجد في استعمال اللفظ فى اكثر من معنى واحد لقيام لحاظين بلفظ واحد في آن واحد ، ولذا قلنا ان الحق هو عدم جوازه مفردا كان أو مثنى أو جمعا ، فما يتوهم منه وقوع استعمال اللفظ في اكثر من معنى واحد في مثل قوله تعالى : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا ما آتاها) بتقريب ان ما الموصولة استعملت في المال والتكليف ، وكذا الايتاء استعمل في الاعطاء والاعلام ، مع انه لا جامع بين المال والتكليف ، وكذا بين الاعلام والاعطاء لعدم الجامع بين جعل ما مفعولا مطلقا وجعلها مفعولا به ، ولكن لا يخفى ما فيه فانه يمكن ان يراد من الموصول مفعولا له ، والايتاء هو التكليف بمعنى مشقة الكلفة الحاصلة من جهة الأعلام تارة والاعطاء اخرى ، وله مزيد توضيح يأتي ان شاء الله تعالى في مبحث البراءة.

المشتق

الأمر الثالث عشر فى المشتق اختلفوا في ان المشتق حقيقة فى خصوص ما تلبس بالمبدإ أو حقيقة في الاعم من المتلبس ومن المنقضي على أقوال بعد اتفاقهم على انه مجاز فيما يتلبس به فى المستقبل وبيان ذلك يتوقف على ذكر أمور :

الأول المراد من المشتق (١) هو ما يجري على الذات بواسطة اتصافها بامر خارج عن الذات من غير فرق بين كون الامر الخارج من الأمور المتأصلة كالسواد أو كونه أمرا اعتباريا كالزوجية والحرية وأمثالهما قال الاستاذ قدس‌سره ما لفظه (ما كان مفهومه ومعناه جاريا على الذات ومنتزعا منها بملاحظة اتصافها بعرض (٢) أو عرضي) فيدخل في محل النزاع جميع الاحكام الشرعية وضعية كانت أم تكليفية لانها تنتزع من الذات باعتبار انضمام امر اعتباري اليها ككون الصلاة واجبة أو ان السورة جزء اوان الطهارة أو الاستقبال شرط ، ويقابل ذلك ما يسمى بالجامد

__________________

(١) بين المشتق عند الاصوليين والمشتق عند اهل العربية عموم وخصوص من وجه يجتمعان في اسماء الفاعلين والمفعولين ويطلق المشتق الاصولي على ما كان جاريا على الذات بواسطة اتصافها بامر اعتباري شرعي مثل الزوجية والحرية وعند أهل العربية يعد من الجوامد ويطلق المشتق عند اهل العربية على ما لا يكون جاريا على الذات كالافعال واسماء المصادر وعند الاصولي لا يطلق عليه المشتق.

(٢) المراد من العرض هو ما كان من الامور المتأصلة كالسواد والعرضي ما كان من الامور الاعتبارية كالزوجية والرقية خلافا لاكثر اهل المعقول فان العرض عندهم ما قابل الجوهر كالسواد والعرضي هو المشتق منه كالاسود قال في المنظومة وعرضى الشيء لا كالعرض ذا كالبياض وذاك مثل الابيض.

والمراد به فى المقام هو ما كان منتزعا من الذات من دون اتصافها بامر خارج كانتزاع الانسانية من ذات الانسان او الذاتيات كانتزاع الحيوانية او الناطقية من اجزاء الذات فان هذه العناوين تنتزع من الذات من دون ضم أي ضميمة اليها فهي خارجة عن حريم النزاع لأن هذه العناوين تحصل من نفس الذات ومع زوالها تنعدم ولا تبقى الذات لكي يتأتى النزاع في انه حقيقة فيما تلبس أو اعم لما انقضى لعدم تصور الانقضاء فيه وبذلك تعرف الفرق بينهما. وحاصله هو انه لو سلب الوصف العنواني كما لو سلب وصف الانسانية أو الحيوانية أو الناطقية عن ذات الانسان فان انتفى انتفت الذات فيقال له ذاتي ويقال له الجامد ، وأما لو سلب الوصف العنواني وبقيت الذات كما لو سلب وصف التكلم أو الضحك أو الضرب أو القيام وأمثال ذلك فان الذات باقية فهو عرضي ويقال له المشتق وينطبق عنوان المشتق أيضا على ما انتزع من الذات بواسطة اتصافها بامر اعتباري شرعي كالزوجية المنتزعة من ذات اتصفت بكونها زوجة أو زوجا ، فمع زوال الزوجية تبقى الذات. فلذا قلنا بان ما كان من قبيل ذلك داخل فى حريم النزاع ويشهد لذلك ما ذكره فخر المحققين قدس‌سره في الايضاح ـ فيما اذا كان له زوجتان كبيرتان ارضعتا زوجته الصغيرة ـ ما لفظه : (تحرم المرضعة الاولى والصغيرة مع الدخول بالكبيرتين (١) ، وأما المرضعة الاخيرة ففي تحريمها خلاف فاختار والدي

__________________

(١) الظاهر ان المعتبر الدخول باحدى الكبيرتين ولعل فى نسخة الكفاية غلطا بالطبع. ولا يخفى ان هذه المسألة تفرض بلبن غير الزوج بان يكون لبن كل واحدة من الكبيرتين لفحل غير الزوج إذ لو فرضت المسألة بلبن الزوج فتحرم الصغيرة لكونها بنتا لا لكونها ربيبة وحينئذ لا يحتاج فى التحريم الى الدخول باحدى الكبيرتين

المصنف (ره) وابن ادريس تحريمها لأنه يصدق عليها أم زوجة ، لأنه لا يشترط في المشتق بقاء المشتق منه) ومثله ما عن المسالك من ابتناء الحكم فيها على الخلاف في المشتق والاصل في هذه المسألة رواية علي بن مهزيار عن أبي جعفر (ع) قال قيل له ان رجلا تزوج بجارية صغيرة فارضعتها امرأته ثم ارضعتها امرأة له أخرى فقال ابن شبرمة حرمت عليه الجارية وامرأتاه فقال ابو جعفر (ع) : (أخطأ ابن شبرمة تحرم عليه الجارية وامرأته التي ارضعتها أولا ، وأما الأخيرة فلم تحرم عليه لأنها ارضعت ابنته) ، ولا يخفى ان هذه الرواية فى غاية الاعتبار من حيث السند وابن ادريس (قدس‌سره) لم يعمل بها جريا على عادته من عدم العمل بخبر الآحاد ، واما العلامة (قدس‌سره) لم يعمل بها للاشكال الوارد عليها الموجب لعدم الوثوق بصدور الرواية.

بيان الاشكال هو ان الرواية لما كانت مشتملة على التعليل وهو (لأنها ارضعت ابنته) فيظهر منها انها وردت على طبق القواعد ولم تكن في مقام التعبد بمضمونها مع انه لا يمكن تطبيقها على القواعد إذ القاعدة تقتضي عدم حرمة الاولى أيضا. توضيح ذلك ان ام الزوجة النسبية تحرم مؤبدا كذلك تحرم ام الزوجة الرضاعية وان بنت الزوجة نسبا تحرم مؤبدا بشرط الدخول بامها كذلك بنت الزوجة الرضاعية فانها تحرم مؤبدا مع الدخول بامها لقوله (ع) : (لحمة الرضاع كلحمة النسب)

إذا عرفت ذلك فاعلم ان المستفاد من آية : (وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ) تحريم ام الزوجة هو في حال كونها زوجة تحرم امها ، وأما تحريم الأمّ مع طلاق الزوجة

__________________

اذ يمكن ان تحملا بالجذب اي جذب ماء الرجل من غير دخول ولو ارضعتها حينئذ تحرم الصغيرة لكونها بنته.

أو موتها فمستفاد من دليل آخر كالاجماع فانه دال على تحريم عنوان من كانت ام زوجة وهذا العنوان ينطبق على موت الزوجة أو طلاقها فلا يصدق عليها ام زوجة بل كانت ام زوجة والمقام ليس من هذا القبيل بالنسبة الى المرضعة الثانية فانه امومتها فعلية والزوجية في الزمان السابق وتنطبق عليها ام من كانت زوجة وهذا ليس هو العنوان المحرم وانما المحرم هو من كانت ام زوجة فان هذا العنوان يصدق فيما كانت امومة سابقة على الزوجية لا الزوجية سابقة على الامومة وهذا هو مفاد تعليل الامام (ع) لأنها أرضعت بنته. وحاصل ما ذكرنا بالنسبة الى المرضعة الثانية هو ان العنوان المحرم المستفاد من الادلة هو عنوان من كانت ام زوجة بان تكون الامومة سابقة على الزوجة ، وأما عنوان ام من كانت زوجة بان تكون الزوجة سابقة على الامومة كما في المقام فلم يستفد من الادلة انه من العناوين المحرمة اذا عرفت ذلك في المرضعة الثانية فالكلام بعينه يجري فى المرضعة الأولى لعدم صدق عنوان المحرم بل يصدق عليها عنوان غير محرم وهو ام من كانت زوجة لأن الرضعة الأخيرة التي نشأت منها الحرمة صارت علة لشيئين وهما امومة المرضعة وبنتية المرتضعة ولا ينطبق العنوان المحرم الذي هو من كانت ام زوجة لأن هذا العنوان يتحقق مع تقدم الامومة على الزوجية ولا يتحقق مع كون الامومة فعلية والزوجية في الزمن السابق وبالجملة العنوان المحرم يصدق مع اجتماع العنوانين في آن واحد كما هو مفاد من كانت ام زوجة وأما مع عدم اجتماعهما ينطبق العنوان المحلل وهو ام من كانت زوجة وبعبارة أخرى ان الادلة التي قامت على حرمة ام الزوجة لا تبقى على ظاهرها بل لا بد لنا من التصرف فاما ان يتصرف فى المضاف اليه أي الزوجية بان تكون الامومة فعلية والزوجية

مطلقة أي ولو كانت سابقة فتحرم المرضعة الثانية لصدق العنوان المحرم عليها ولا يمكن الالتزام بذلك لمخالفته لتعليل الامام (ع) لعدم الحرمة بكونها ارضعت بنتا وان تصرفنا بالمضاف أي الامومة وأريد منها الامومة المطلقة أي ولو كانت في الزمن السابق أما فبالنسبة الى المرضعة الثانية ينطبق عليها العنوان المحلل وينطبق عليها تعليل الامام (ع) إلّا انه يشكل بالنسبة الى المرضعة الاولى بان ذلك جار بعينه فيها لأن الرضعة الأخيرة صارت علة لشيئين أمومة المرضعة الأولى وبنتية المرتضعة فلم يجتمعا في آن واحد لكي يصدق العنوان المحرم عليها ولعله لهذا الاشكال أفتى العلامة قدس‌سره على طبق ما يقوله ابن شبرمة لعدم وثوقه بصدور الرواية وقد أجاب عن هذا الاشكال بعض اهل النظر بما حاصله ان مرتبة المضاف اليه متقدمة على مرتبة المضاف فعليه يطلق على المرضعة الأولى العنوان المحرم الذي هو من كانت ام زوجة ولكن لا يخفى ان بين المضاف والمضاف اليه ربطا وهو انما يتحقق فيما لو كانت الامومة مع زوجيته الصغيرة يجتمعان في آن واحد والمقام ليس كذلك اذ تحقق الامومة توجب ارتفاع زوجية الاخرى فان الرضعة الاخيرة من المرضعة الأولى جعلتها أما ورفعت الزوجية من الصغيرة وجعلتها بنتا فلا اضافة حينئذ متحققة بين الأمّ والزوجة والحق في الجواب هو ان الاحكام الشرعية تنزل على المفاهيم العرفية ولا تلاحظ فيها هذه المدافة العقلية فبالنسبة الى المرضعة الأولى تنزل على فهم العرف فانهم يطلقون عليها ام زوجة ولا يلتفتون الى الدقة العقلية لبنائهم على التسامح في فهم العناوين وتنزل اطلاقات الشارع على فهم العرف وبالنسبة الى المرضعة الثانية موافقة لفهم العرف ولا ينافى موافقتها للدقة العقلية فافهم وتأمل.

الأمر الثاني ان المصحح لجريان النزاع فى المشتق هو بقاء الذات بعد انقضاء مبدأ الاشتقاق فلذا يشكل جريان النزاع بالنسبة الى اسم الزمان فان الذات المتصورة فيه هو نفس الزمان وبانقضاء المبدأ تنعدم الذات لأنه لم يكن من الامور القارة بل تدريج الحصول فبمجرد انقضاء المبدأ يفنى الزمان الذي كان بالنسبة اليه ذاتا له فلا يبقى حينئذ مجال للنزاع بان اسم الزمان حقيقة في خصوص المتلبس ومجاز في المنقضى أو حقيقة في الاعم منهما لعدم تصور الانقضاء فيه وقد أجاب الاستاذ قده بما حاصله ان كون المفهوم منحصرا في مصداق لا يوجب أن يكون موضوعا لذلك المصداق الخاص كلفظ واجب الوجود فانه موضوع للمعنى العام الكلي مع انه منحصر بفرد خاص (١).

ولكن لا يخفى ان هذا الجواب مبني على تسليم تصور الانقضاء في اسم الزمان مع انك قد عرفت ان تصوره غير معقول والأولى في الجواب انه لو سلمنا عدم تحقق الانقضاء في اسم الزمان فنقول ان ذلك مبني على فهم العرف فان اهل العرف يرون ان يوم العاشر من محرم هو زمان القتل لأن عادتهم على التسامح ، فالزمان الذي وقع القتل في قطعة منه يرونه ممتدا ولا اشكال في ان اهل العرف هم

__________________

(١) ان هذا يتم لو كان في مثل مقتل ومأكل ونحوهما من الالفاظ المشتركة بين اسم الزمان والمكان مما يمكن ان يدعى بانها موضوعة لمفهوم عام وهو ما كان وعاء للقتل والأكل زمانا أو مكانا وحينئذ لا ينافى انحصار الزمان في مصداق خاص وهو المتلبس. فانه لا مانع من دخول مثل ذلك في محل النزاع لعدم لغويته وأما لو قلنا بان الموضوع له اسم الزمان خصوص ما يكون وعاؤه الزمان ، فانه وان كان مفهوما كليا إلّا انه بحسب الخارج منحصر مصداقه في المتلبس فحينئذ لا ثمرة عملية لكي يقع النزاع فى ان الاستعمال حقيقة أو مجاز كما لا يخفى.

المرجع والمحكم في باب الالفاظ نظير تحكيمهم في استصحاب الزمان فقد استشكل بمثله على جريان استصحاب الزمان ، وحاصله ان في الاستصحاب يعتبر أن يكون المتيقن عين المشكوك ، فالطهارة المتيقنة سابقا هي بنفسها مشكوكة في الزمان اللاحق وفي استصحاب الزمان لم يكن من ذاك القبيل اذ ما تيقنت بتحققه قطعا ـ انعدم وزال وتشك فى تحقق اللاحق. واجيب بما ذكرناه سابقا ، وحاصله ان العرف يرى بقاء الزمان وان مثل ـ اليوم ، والشهر ، والسنة ، يعتبر امرا واحدا فيرى انها تحصل من أول آن وجودها حتى ينتهي ذلك اليوم ، أو الشهر ، أو السنة.

فمع الشك في بقاء اليوم أو السنة ، أو الشهر يجري استصحاب بقائه لما يراه العرف ان المشكوك عين المتيقن ، وهكذا في المقام العرف يرى ان الساعة التي صادف فيها القتل يصدق عليها التلبس بالمبدإ وبعد ساعة يصدق عليها المنقضي ويكون اليوم بتمامه من قبيل الذات الباقية المستمرة. ولكن لا يخفى انه فرق بين المقام والاستصحاب فان الاستصحاب لما كان بنفسه حكما شرعيا يترتب على موضوع فيرجع الى اهل العرف بالنسبة الى موضوعه بخلاف المقام فانه ليس من ذاك القبيل إذ لم يشك فى معنى اللفظ أو في مصداقه لكي يرجع الى العرف وانما الشك من حيث التوسعة بان يطلق اللفظ على ما يعم المعنى الحقيقي وحينئذ يكون من قبيل اطلاق الاحمر على الاصغر ولا يجب اتباع اهل العرف فى مثل هذه التطبيقات لأن العرف يرجع اليهم فيما يكون الشك في المسمى لا الشك في التطبيق بعد تعيين المسمى ، ولأجل ذلك بنى الأصحاب في الفقه على ان الفقاع خصوص ما اتخذ من الشعير لا كل ما يسمى فقاعا عرفا ، خلافا للشهيد الثاني (قدس‌سره) حيث اعتبر الفقاع بما يسمى فقاعا عرفا ، ويمكن ان يجاب بما ذكره الاستاذ (قدس‌سره) في الاستصحاب

بان الاشكال انما يرد لو كانت الحركة هي الحركة القطعية ، وأما لو كانت هي الحركة التوسطية فهي من الامور المستمرة فلا يرد الاشكال وسيأتي ان شاء الله له مزيد توضيح في مبحث الاستصحاب.

الأمر الثالث ـ في صيغ المشتقات ، وبيان ذلك : ان المشتق كالجامد له مادة وهيئة غاية الامر ان وضع الجوامد ـ هيئة ، ومادة ـ موضوعة بالوضع الشخصي وأما وضع المشتقات وضعا نوعيا ، وهذا مما لا اشكال فيه وانما الكلام في وضع المشتقات هل لكل من المادة أو الهيئة وضع مستقل أو ان المجموع موضوعة بالوضع النوعي وضعا واحدا. وجهان ، وبيانه يتوقف على معرفة الوضع النوعي وهو بان يجعل الواضع خصوصية بين اللفظ والمعنى بحيث لا يختص بلفظ دون لفظ مثلا الواضع يقول وضعت مادة ضرب للحدث الخاص في أي هيئة حصلت أو يقول وضعت هيئة ضرب للانتساب الى فاعل ما ، في أي مادة حصلت. هذا لو قلنا بانه لكل منهما وضعا مستقلا ، وأما لو قلنا بان المجموع لهما وضع فالمراد به انه أولا وضع المادة للمعاني وضعا شخصيا ، كضرب وأكل ، وغيرهما من المصادر ثم بعد ذلك يضع بقوانين كلية ، كأن يقول وضعت ما كان على زنة (فاعل) لكذا .. فيكون قوله ما كان على زنة (فاعل) يشير به الى مجموع المادة والهيئة لا لخصوص احدهما فحينئذ تكون المادة مع الهيئة موضوعين بوضع واحد (وكيف كان) فان وضع المشتقات يباين وضع الجوامد لما عرفت ان مجموع المادة والهيئة فيها موضوعة بوضع شخصي لا توعى.

واما الكلام في مادة المشتقات. فاعلم ان كل مادة فى عالم النطق والتعبير مقرونة بهيئة حتى لو عبرت عنها بالفاء ، والراء والباء ، مثلا كانت مقرونة بهيئة

خاصة إذ هذا التعبير هيئة من الهيئات ولا اشكال ان طرو هذه الهيئات على تلك المادة لها معان متباينة وغير مندرجة تحت جامع واحد.

بيان ذلك ان المادة تختلف باختلاف اللحاظ والاعتبارات فان لاحظها من حيث وجودها في نفسها من دون ملاحظة جهة الاصدار والانتساب الى فاعل ما فذلك اسم المصدر ، كغسل (بضم الغين) ، وان لاحظها مقرونة بنسبة الى فاعل ما كان مصدرا كغسل (بفتح الغين) ولا يخفى ان بين الهيئتين تباينا فلا يعقل ان يكون جامع بينهما ، إذ أي جامع يؤخذ بين الواجد والفاقد وهكذا بالنسبة الى سائر الهيئات فانها غير صالحة لأن تكون مادة لسائر المشتقات لأن كل هيئة ملحوظة بلحاظ خاص ، فهيئة الفعل يلاحظ فيها انتساب الذات الى فاعل بنسبة تحققية انقضائية ، وهو مفاد فعل الماضي ، أو النسبة التلبسية التحقيقية التي هي مفاد الفعل المضارع ، أو النسبة الطلبية التي هي مفاد فعل الامر ، أو النسبة التلبسية على اختلاف انحائها من حيث الصدور والحلول والقيام والانتزاع التي هي مفاد المشتقات.

اذا عرفت ذلك فاعلم ان المادة التي تؤخذ مادة للمشتقات هي كلية طبيعية مندكة فى ضمن الهيئات المخصوصة نظير الكلي الطبيعي المندك في ضمن الوجودات الخاصة غاية الامر ان في الكلي الطبيعي يمكن احضاره فى الذهن معرى عن خصوصية من خصوصيات الوجود الخارجية ، وبالنسبة الى المادة لا يمكن تعقلها من دون هيئة من الهيئات. وبالجملة هي مندكة فى ضمن الهيئات حتى فى مقام اللحاظ والاعتبار ، ثم ان الاقرب الى المادة الكلية المندكة هو اسم المصدر لتجرده عن جميع الحيثيات والاضافات حتى حيثية التجرد إذ المراد منه هو عدم اعتبار شيء

من تلك الحيثيات ، لا اعتبار عدمها وكم فرق بين اعتبار العدم وعدم الاعتبار وبالجملة اسم المصدر عبارة عن ملاحظة نفس الحدث من دون ملاحظة اصداره وانتسابه الى الفاعل ولذا توهم انه اصل المشتقات ولكنك قد عرفت انه غير صالح لكونه أصلا ومادة للمشتقات لاشتماله على هيئة دالة على عدم اعتبار خصوصية من الخصوصيات وهو ينافي أن يكون مادة. وأما المصدر فمدلوله معنى حدثي ينتسب الى فاعل ما (١) وأما سائر المشتقات ففيها زيادة على المعنى المصدري وهي مختلفة حسب اختلاف الهيئات فان كانت الهيئة دالة على المعنى الحدثي المنتسب الى فاعل ما مقرونا بالسبق كان ماضيا ، أو باللحوق فمضارع أو بالحال فامرا أو نهيا ، وان كانت دالة على المعنى الحدثي مع انتسابه الى مكان أو زمان فاسمى المكان والزمان وهكذا بقية المشتقات. وبالجملة المشتقات محتوية على معنى الحدث مع الزيادة ففيها ما في اسم المصدر مع زيادة ولأجل ذلك توهم جعل اسم المصدر هو مبدأ المشتقات ثم ان المشتقات منها ما يحصل ترتب لفظي كالمضارع بالنسبة الى الماضي فان المضارع لفظ الماضي مع زيادة عليه ولذا يعد متأخرا عنه ومتفرعا عليه ومنها ما يكون بينهما ترتب بحسب المعنى كما يقال بين اسم الفاعل والفعل ترتب معنوي فان اسم الفاعل يدل على الوقوع والفعل يدل على النسبة الايقاعية ولا اشكال ان الوقوع

__________________

(١) ولا يخفى ان جهة الاصدار معتبرة في المصدر وغير معتبرة فى اسم المصدر بل الملحوظ فيه نفس وجود الحدث من دون ملاحظة الاصدار والانتساب ولذا قيل بان اسم المصدر من نتائج المصدر ويظهر الفرق فى النهي المتعلق بالبيع فان كان بمعنى اسم المصدر الذي هو نفس النقل والانتقال فيدل على الفساد لكون نفس النقل مبغوضا للشارع فينافي امضائه وان كان بمعنى المصدر فلا يدل النهي على الفساد إذ جهة الاصدار يكون مبغوضا للشارع ولا ينافي امضاء ذات الصادر.

متأخر عن الايقاع ولأجل ذلك قيل بان اسم الفاعل مشتق من الفعل وبهذه الاعتبارات التي ذكرناها صح ان يقال بعضها مشتق من بعض ولو لا ذلك لأمكن المناقشة فيه حيث ان كل واحد منها مشتملة على هيئة خاصة وبين الهيئات الطارئة على المادة تباين فحينئذ كيف يعقل ان يكون بعضها مادة لها وأصلا ، لما عرفت ان المادة كلي طبيعي سارية فى ضمن الافراد وتؤخذ لا بشرط حتى لا تأبى عن الاجتماع مع الخصوصيات وان اسم المصدر مفاده الإهمال لا انه معتبر لا يشرط فلا يعقل ان يكون هو المادة ، وهكذا لا يعقل ان تكون سائر المشتقات هو المادة فان كل واحد منها مشتمل على هيئة تباين بقية الهيئات فان هيئة الفعل تدل على ربط المبدأ بالذات بنحو اضافة بين المنفصلين ولذا كانت هيئة الفعل من سنخ المعاني الحرفية لدلالتها على ربط بين المتمايزين ولاجل ذلك بنيت الافعال ولم تصلح لدخول العوامل لدلالتها على لحاظ المبدأ متميزا عن الذات بخلاف هيئة المشتق فانها تدل على ربط المبدأ بالذات بنحو يرى الاتحاد بينهما ولذا عد من الاسماء المعربة لدلالته على المتحدين وبذلك صلح لأن يدخل عليه العوامل كما لا يخفى.

الأمر الرابع : فيما يتعلق بالفعل هل له دلالة على الزمان وهل هي بالتضمن أو بالالتزام الذي يظهر من ابن مالك بانه يدل بالدلالة التضمنية قال في منظومته المصدر اسم ما سوى الزمان من مدلولي الفعل كامن من أمن واكثر النحوين على دلالة الفعل على الزمان بالدلالة الالتزامية والتحقيق ان الزمان ليس مدلولا للفعل لا تضمنا ولا التزاما بيان ذلك يحتاج الى تمهيد مقدمة وهي ان المفرد كزيد مثلا ، والمركب الناقص كغلام زيد فانهما دالان على معان تصورية من دون نظر الى ما في الخارج فان من سمع زيد وكذا غلام زيد ينتقل الى معانيها المتصورة من دون نظر

الى وجودها وعدمها بخلاف المركبات التامة فانها تدل على النسبة التامة الحاصلة بين الطرفين وينتقل الى الوجود الخارجي وترى تلك النسبة خارجية من غير فرق بين الجملة الاسمية أو الفعلية. فالجمل الفعلية تدل على نسبة الحدث الى الفاعل ويلحظ الخارج بالنسبة الى تلك النسبة فان كان ذلك بنحو التحقق فماض أو بنحو الترقب فمضارع ولاجل ذلك توهم ان الزمان من مداليل الأفعال حيث ان لحاظ الخارج تارة يكون بنحو التحقق واخرى بنحو الترقب وهو لا يكون إلّا بالزمان ولكن لا يخفى انه لو اقتضى ملاحظة الخارج كون الزمان مدلولا للفعل فلم لا يكون مدلولا للجملة الاسمية اذ انه لا فرق بينهما من جهة الانتقال الى ما في الخارج وبالجملة الزمان غير معتبر في الجملة الفعلية لعدم دلالتها عليه باحدى الدلالات الثلاث إذ ان انتفاء المطابقة والتضمن ظاهر واما الالتزام فشرطه اللزوم الذهني وهو غير متحقق فيها نعم لا مانع من دعوى اللزوم الخارجي لأنه من لوازم كل زماني إذا تحقق في الخارج كما انه من لوازمه تحققه في مكان مع انه لا قائل بدلالة الافعال على المكان مضافا الى ان دلالة الافعال على الزمان مشروطة بامرين الأول اطلاق الكلام لا من قبيل ما كان ماضيا بالاضافة الثاني الاسناد الى الزمانيات اي ما يكون الزمان ظرفا له ولازم ذلك ان الاسناد الى غيرها كالمجردات كعلم الله أو الاسناد الى نفس الزمان كمضي امس مما ليس الزمان ظرفا له من التجوز او الاشتراك اللفظي وهو خلاف ظاهر من يقول يكون الزمان من مداليل الافعال على انه يلزم استثناء فعل الامر لعدم دلالته على الزمان وانما يدل على نفس الطلب وكيف كان انه بالنسبة الى الزمان لا فرق بين الجملة الاسمية والجملة الفعلية وان كان بينهما فرق من جهة اخرى وهو فيما ينتقل اليه فى الخارج ففي الجملة الاسمية يفهم منها الانتقال

فى الخارج بالنسبة الى الطرفين الى الوجود المطلق فيلزمه مطلق الزمان وفى الجملة الفعلية الانتقال في الخارج بعد تصور الطرفين الى الوجود المحدود ولازمه الزمان المحدود فالزمان بالنسبة اليهما من لوازم ما ينتقل اليه فان كان وجودا مطلقا فيلزمه مطلق للزمان وان كان ينتقل اليه وجودا محدودا فيلزمه الزمان المحدود ان كان زمانيا واذا لم يكن زمانيا فلا يلزمه ذلك والوجود المحدود ان انتزع منه السبق فماضي وان انتزع اللحوق فمضارع وهما (السبق واللحوظ) ليسا منحصرين في الزمانيات بل يتحققان في غيرها فبالنسبة اليها فالسبق واللحوق باعتبار الزمان وبالنسبة الى العلل والمعلولات السبق واللحوق الرتبي وبالنسبة الى اجزاء الزمان السبق واللحوق الذاتي كما لا يخفى.

الأمر الخامس : ان اختلاف المشتقات حسب اختلاف المبادى فقد تؤخذ حرفة واخرى صنعة وفى بعضها قوة وفى بعضها فعليا ولا يخفى ان هذه الاختلافات لا توجب تفاوتا بحسب دلالة المشتقات مثلا اطلاق العالم والتاجر على من لم يتشاغل بتحصيل العلم والتجارة ليس من باب استعمال المشتق فيما انقضى عنه بل من جهة اخذه في المبدأ سعة ككونه صنعة أو ملكة فيكون الاطلاق عليه اطلاقا على المتلبس لكونه واجدا فعلا لتلك الملكة أو الصنعة والانقضاء يصدق مع نسيان الملكة أو الصنعة لزوالهما معه فيكون الاطلاق عليه حينئذ بلحاظ من انقضى عنه إلا انه يشكل بان المادة في العالم والتاجر على نسق ما اعتبرت في سائر المشتقات مثل علم يعلم واتجر يتجر وبلا اشكال ان مثل هذه المشتقات قد اعتبرت المادة فيها على نحو الفعلية فيستكشف ان وضع المادة لخصوص الفعلية فالالتزام بكون المادة في العالم هي الملكة وفي التاجر هي الحرفة خلاف ما وضع لها المادة فلا بد حينئذ اما التجوز

فى الكلمة أو التجوز في امر عقلي وكلاهما خلاف الظاهر بيان ذلك ان حمل العالم على الملكة والتاجر على الصنعة ان كان من قبيل التجوز في الكلمة فهو حمل على خلاف الظاهر يحتاج في ارتكابه الى القرينة وان كان من قبيل التصرف فى أمر عقلي بان يراد من المبدأ الفعلية ويدعى بان الآنات التي لم يكن متلبسا بها حقيقة انها متلبسة بها ادعاء فيراد من الفعلية الفعلية الادعائية وهو ارتكاب خلاف الظاهر من غير دليل. نعم هذا الاشكال لا يرد بناء على ان مجموع الهيئة والمادة موضوع بوضع واحد فان وضعها كذلك يوجب ان تغاير سائر المشتقات وحينئذ لا ينافي ارادة الصنعة من مادة التأخر والملكة من مادة العالم وعدم ارادتهما من علم يعلم أو اتجر يتجر. وأما لو قلنا بان لكل من المادة والهيئة وضعا مستقلا فلا دافع لهذا الاشكال إذ الموضوع له المادة لا يختلف بطرو الهيئات والحق كما عرفت بأن لكل من المادة والهيئة وضعا مستقلا على حدة فيتجه الاشكال ولا محيص عنه (١) ثم ان مبادي المشتقات تختلف أيضا فتارة تكون آنية واخرى تكون مستمرة أما الآنية فكالقتل والزنا والسرقة ، واما الاستمرارية فكالعلم والفسق ، ويختلف حال

__________________

(١) لا يخفى ان ما ذكره لا يتم بالنسبة الى المجتهد والعادل مما اخذ فيه المبدأ بمعنى الملكة إذ لا معنى لاخذ المبدأ الحدثي فيها فليس المراد من المبدأ في كل واحد منهما إلا بمعنى ملكة الاجتهاد أو ملكة العدالة لأن اطلاق المجتهد على من ليس عنده استنباط فعلي على الحقيقة بلا تجوز فيه وان كان مبدؤهما في الافعال اخذ بنحو الفعلية. وهكذا بالنسبة الى المبادئ المأخوذة في الافعال فانها تؤخذ بنحو الفعلية كمثل اتجر أو علم أو قتل وامثالها ولا تؤخذ بنحو الملكة أو الحرفة او الصنعة لأن هيئة الفعل تدل على انتساب الحدث الى الذات ولا معنى لاخذ المبدأ فيها الملكة او الحرفة او الصنعة فان ارادتها منه ينافي المعنى الحدثي بخلاف هيئة المشتق ـ

المشتقات باعتبار تضمن احدهما فان تضمن المشتق المبدأ الآتي مثل القاتل اقتله فلا دلالة على مقارنة النسبة الحكمية لزمان الجري لو لم نقل بانها دالة على عدم المقارنة لأن المتبادر عند العرف في تلك المشتقات عدم المقارنة كقوله تعالى : (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما) وقوله تعالى : (السَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما) وان تضمن المشتق المبدأ الاستمراري كاكرم العالم فانه يدل على مقارنة زمان الجري مع النسبة الحكمية إذ هو المتبادر من الاطلاق كما يتبادر ذلك من قولهم يكره البول تحت الشجرة المثمرة.

الأمر السادس ان النزاع فى ان المشتق حقيقة في خصوص من تلبس بالمبدإ أو اعم منه ومن المنقضي هل هو في تعيين مفهوم المشتق وانه ذو سعة أو ضيق أو فى صدقه وانطباقه بعد معرفة موضوعه ادعى صاحب المحجة قده ان النزاع فى الانطباق والصدق وليس النزاع في المفهوم سعة وضيقا لمعلوميته وعدم خفائه بحسب نظر العرف فان المفهوم عبارة عن عنوان ينتزع من الذات بملاحظة اتصافها بامر خارج عنها مما لا إشكال فيه ولا ريب يعتريه فكيف يكون هو محل النزاع.

وبالجملة على هذا القول يرجع النزاع فيه الى ان المنقضي عنه المبدأ هل هو من مصاديق المشتق أم لا يعد من مصاديقه ولكن لا يخفى ما فيه إذ مرجع النزاع في المصداق يرجع الى النزاع فى توسعة المفهوم وضيقه مثلا جعل الرجل الشجاع من افراد الاسد لازمه ان يكون الاسد موضوعا لمعنى يعم الرجل الشجاع لكي يكون فانها تدل على المتحدين اي اتحاد الذات مع المبدأ فلا يلحظ المعنى الحدثي مستقلا فلا مانع من ارادة الملكة او الحرفة او الصنعة في مبادئ المشتقات مع ارادتها في مبادئ الافعال الفعلية.

من افراده فدعوى انه من افراده ولم يعتبر في الأسد معنى يعم الشجاع ممنوعة اذ الانطباق امر تكويني فمع تحقق الفردية ينطبق قهرا ومع عدم الفردية لا يعقل الانطباق ومن الواضح أن الفردية منوطة بسعة المفهوم وعدم الفردية منوط بعدم سعته مضافا الى ان الثمرة لا تترتب لو جعل النزاع فى الانطباق والصدق مع ان المقصود من البحث في المشتق ترتب الثمرة بيان ذلك هو ان عنوان (ام الزوجة) (أو كون الشجرة مثمرة) بناء على كون المشتق حقيقة في الأعم يصدق عنوان ام الزوجة على امرأة لها بنت وقد تزوجت وطلقت أو ماتت وعلى الشجرة كانت مثمرة هذا بناء على كون النزاع في المفهوم وأما بناء على ان النزاع في الصدق والانطباق فعلى الأعم يكون مثل هذه الامرأة مصداقا ادعائيا أو كون الشجرة مثمرة ادعاء ولا يخفى ان هذا الادعاء لا فائدة فيه اذ هو ادعاء عرفي على ان الناظر لادلة القوم من التبادر وعدم صحة السلب ونحوهما يجدان النزاع في مفهوم المشتق ولم يكن فى مقام الانطباق والصدق كما لا يخفى.

الأمر السابع فى ان المراد في الحال في العنوان هل هو حال التلبس أم حال الجري أم غيرهما فنقول تارة يطلق الحال ويراد منه التلبس أي تلبس الذات بالمبدإ واخرى يطلق ويراد به التطبيق والجري وثالثة براد به تعلق الحكم ولا يخفى ان هذه المراتب بينها ترتب طولي لأن التلبس بالمبدإ كمثل ضرب زيد يحصل أولا ثم بعده يحصل الجري والتطبيق كما يقال زيد ضارب فانه يحصل بعد التلبس بالمبدإ ثم بعده يتعلق الحكم به فتقول اكرم زيدا الضارب إذا عرفت ذلك فاعلم ان الحال في محل النزاع لا يراد منه المرتبة الأخيرة لتأخرها عن المشتق لأخذه أحد طرفي النسبة فهي متأخرة عنه تأخر الحكم عن موضوعه ومع تأخرها لا معنى

لأن تؤخذ في مفهومه وكذلك المرتبة الثانية لما هو معلوم ان الجري والتطبيق انما يحصل من توصيف زيد بكونه ضاربا فيكون الجري والتطبيق متأخرا عن المشتق فكيف يؤخذ في مفهومه فتعين ان يراد من الحال في العنوان هو حال التلبس أي تلبس الذات بالمبدإ وليس المراد منه التلبس الخارجي لما هو معلوم ان المفرد كزيد مثلا موضوع للصورة الذهنية وليس موضوعا لما هو الموجود في الخارج ولذا يحمل العدم على زيد فتقول معدوم مع انه لو كان موضوعا لما في الخارج لما صح حمل العدم عليه للزوم التناقض والمشتق لما كان من الأسامي المفردة فهو موضوع للتلبس الذهني إلّا انه يرى خارجيا وليس موضوعا لنفس الصورة الذهنية وإلّا يلزم لغوية النزاع في انه حقيقة فيمن تلبس بالمبدإ أو يعم المنقضي وانه مجاز فيمن يتلبس لعدم تصور هذه الامور في عالم الذهن بل ليس فيه الإحالة واحدة وهي ذات متلبسة بالمبدإ ومنه يظهر عدم اخذ الزمان فى مفهومه لعدم اخذه في المعاني المفردة مضافا الى ما عرفت منا سابقا من ان المشتق مركب من مادة وهيئة المادة تدل على الحدث والهيئة تدل على نسبة الحدث الى الذات فليس فيه ما يدل على الزمان كما أنه لا اعتبار بحال النطق اذ قد يتوافق حال التلبس وحال النطق وقد يتخالفان بان يكون استعمال المشتق بلحاظ حال التلبس بالمبدإ فى الزمان الماضي فانه حقيقة فيه وان كان بالنسبة الى حال النطق منقضيا واما حال الجري فهو ملاك انتزاع عنوان المشتق من الذات باعتبار اتصافها بامر خارج عنها فمع توافقه مع حال التلبس فهو مما لا اشكال في كون اطلاق المشتق عليه بنحو الحقيقة كما انه لو اجري على الذات عنوان المشتق فعلا باعتبار تلبسها في المستقبل فهو مما اتفق على مجازيته كما في مثل زيد ضارب غدا بان يكون الغد لبيان التلبس مع ان الجري بالفعل واما لو كان

الغد لبيان الجري والتلبس فهو مما لا إشكال في كونه على نحو الحقيقة وأما لو كان الجري والتطبيق بالفعل مع ان التلبس في الزمان الماضي كما فى مثل زيد ضارب أمس بان يكون أمس لبيان التلبس مع ان الجري بالفعل فهو الذي وقع النزاع فى انه حقيقة أو مجاز وأما لو كان (أمس) لبيان التلبس والجري فلا اشكال في كونه على نحو الحقيقة ولذا ينبغي جعل العنوان في المشتق انه هل هو حقيقة في الجري بلحاظ الحال أي حال التلبس أو للأعم منه ومن الجري فعلا والتلبس بالمبدإ سابقا وأما لو كان الجري فعلا والتلبس في المبدأ في المستقبل فمجاز بالاتفاق وهذا أولى مما جعله الأستاذ قدس‌سره في عنوان المسألة من أن (المشتق) حقيقة في خصوص ما تلبس بالمبدإ فى الحال) فالحال فيما ذكره لا يراد منه حال التلبس إذ يلزم ان يكون المعنى حقيقة فيما تلبس بالمبدإ في حال التلبس فى المبدأ فلا بد وان يراد منه حال الجري وقد عرفت عدم امكان اخذه في مفهوم المشتق لكونه متأخرا عنه فكيف يؤخذ في مفهومه ولا يخفى ان عبارة الاستاذ قدس‌سره فى الكفاية مختلفة وان كان أخيرا رتب العنوان على حسب ما ذكرنا حيث قال ما لفظه (لا ينبغي الاشكال في كون المشتق حقيقة فيما اذا جرى على الذات بلحاظ حال التلبس ولو كان فى الماضي أو الاستقبال وانما الخلاف فى كونه حقيقة في خصوصه أو فيما يعم ما اذا جرى عليها في الحال بعد ما انقضى عنه التلبس الخ وكيف كان ان وافق حال الجري حال التلبس فهو حقيقة وان تقدم حال الجري على حال التلبس فهو مما اتفق على مجازيته وان تقدم حال التلبس على حال الجري فهو محل الخلاف في انه حقيقة أو مجاز اذا عرفت ذلك فاعلم انه قد استشكل في الثمرة التي رتبها القوم على القولين حيث قالوا بانه يكره البول تحت الشجرة المثمرة والثمرة

تترتب على الشجرة التي كانت ذات ثمار فعلى القول بكونه حقيقة في خصوص حال التلبس لا يكره البول تحتها وعلى القول بالأعم منه ومن المنقضي يكره البول تحتها وحاصل الاشكال ان العنوان الذي أخذ في لسان الدليل هو كونها مثمرة فمع مضي الثمرة عنها يصدق عليها انها مثمرة بلحاظ حال التلبس لكي يكون الجري والتلبس واحدا فعلى كلا القولين حينئذ لا ثمرة بينهما اذ يكره البول تحت الشجرة التي كانت مثمرة على القولين ويمكن حل الاشكال بان ظاهر الهيئة التركيبية ان يكون الجري والتوصيف فعليا لأنه من لوازم النسبة الحكمية فمع الأخذ بهذا الظهور يكون الجري فعليا وان كان التلبس ماضيا فمع الاثمار الفعلي في الشجرة يكره البول تحتها على القولين وأما لو كانت مثمرة في الزمن الماضي وبالفعل تعنونت بعنوان كونها مثمرة كما هو ظاهر الهيئة التركيبية فحينئذ تترتب الثمرة على القولين فعلى القول بان المشتق حقيقة في خصوص حال التلبس فلا يكره البول تحتها وعلى القول بالأعم منه ومن المنقضي يكره البول تحتها كما لا يخفى.

الأمر الثامن لا أصل في هذه المسألة يرجع اليه فى مقام الشك اما الاصول اللفظية فاصالة عدم ملاحظة الخصوصية معارض باصالة عدم ملاحظة العموم فلأن كل واحد منهما حادث والأصل يقتضي عدمه وليس لأحدهما أثر دون الآخر لكي يجري دونه ودعوى ترجيح الوضع للأعم لكونه موجبا للاشتراك المعنوي والوضع لخصوص من تلبس بالمبدإ يوجب التجوز فيما انقضى عنه والاشتراك المعنوي أولى من المجاز للغلبة ممنوعة لمنع الغلبة أولا لكون اكثر لغة العرب مجازا وثانيا ان الغلبة لا توجب الترجح بها ما لم تبلغ حد الظهور وأما الاصول العملية فيجري استصحاب عدم الوجوب في مثل ما لو ورد اكرم كل عالم بالنسبة الى

ما انقضى عنه المبدأ قبل مجيء الخطاب وبالنسبة الى ما كان متلبسا بالمبدإ وورد الخطاب فى ذلك الحال ثم انقضى عنه المبدأ فلا مانع من استصحاب الوجوب ولا مجال لجريان اصالة كونه عالما حال التلبس لكي يجري استصحابه في الصورتين لأن ذلك من المفهوم المردد الذي لا نقول بجريان الاستصحاب فيه وبالنسبة الى طرفي لترديد فلا يجري الأصل لكون احدهما معلوم الارتفاع والأخر معلوم البقاء وعليه يرجع بالنسبة الى المفهوم المردد بين الاقل والاكثر الى الاطلاق أو العموم اذا عرفت ذلك فاعلم أن الحق هو ان المشتق حقيقة في خصوص من تلبس بالمبدإ ومجاز فيما انقضى عنه من غير فرق بين كونه متعديا أو لازما أو كونه من اسماء الفاعلين أو المفعولين أو من غيرها وسواء كان المبدأ قد أخذ فعليا أو ملكة أو حرفة أو صناعة أو غيرهما للتبادر فان من قال زيد نائم لا يفهم منه إلّا انه متلبس بالنوم ولا يفهم انه مستيقظ وانما اطلق عليه النائم بلحاظ ما انقضى عنه وبصحة السلب عن المنقضي عنه المبدأ فان من تلبس بالقعود فعلا يصح سلب القيام عنه ويطلق عليه قاعد ولا يقال له قائم ودعوى ان صحة السلب علامة فيما اذا كانت مطلقة لا ما كانت مقيدة ممنوعة لامكان رجوع القيد الى السلب او الى نفس الموضوع فيكون السلب مطلقا مثلا يسلب عن زيد الآن القيام مطلقا بان يكون قيدا للموضوع كما انه يصح زيد ليس الآن بقائم مطلقا بان يكون الآن قيدا للسلب وتقييد الموضوع أو السلب لا ينافي الاستدلال بذلك مع وجود الاطلاق في المحمول وبانه لا اشكال ولا ريب ان بين الصفات المتقابلة تضادا كما بين القائم والقاعد والمتحرك والساكن مع انه على الاعم يلزم رفع التضاد بينهما أو الجمع بين الضدين مثلا القائم يصدق على من كان قاعدا فيقال له قائم وقاعد وعلى من كان ساكنا

متحرك وساكن وعلى من كان عادلا عادل وفاسق ومنشأ هذا التضاد بين الصفات المتقابلة هو التضاد بين مباديها فان القائم والقاعد بينهما تضاد لأجل التضاد بين القيام والقعود ودعوى أن التضاد متحقق بين المبادئ وأما المشتقات فالتضاد انما هو على القول بالوضع لخصوص من تلبس بالمبدإ وأما لو قلنا بالوضع للأعم فلا تضاد بينها ممنوعة لأن التضاد امر وجداني لا يفرق فيه بين المبادئ والصفات المتقابلة واما دعوى عدم امكان الوضع للاعم كما ينسب الى بعض الاعاظم قدس‌سره بتقريب ان من يقول بالأعم لا يقول بالاشتراك اللفظي بل يقول بان المشتق موضوع للقدر الجامع بين المتلبس والمنقضي وليس بينهما جامع سوى الزمان والزمان ليس معتبرا في الفعل فكيف يعتبر فى الاسم فهي ممنوعة لعدم المانع من اخذ عنوان المتلبس بالمبدإ جامعا سواء كان موافقا للجري والانتساب او كان في حال الانقضاء وهذا وان كان ملازما للزمان إلّا انه ليس دخيلا في مفهومه وان كان في التعبير عن مفهوم المشتق بذلك تسامح اذ هو مطابق لمفهومه وليس هو الموضوع له إذ لو كان هو الموضوع له لزم ان يكون مثل حال التلبس أو حال الجري أو حال الحكم مأخوذا في مفهومه بنحو دخول التقييد وخروج القيد فيلزم ان يؤخذ في الموضوع ما يتوقف على الوضع وهو باطل أو قلنا بانه على نحو خروج القيد والتقيد بان يكون موضوعا للحصة المقارنة لأحد هذه الأمور فيلزم عدم تحقق الموضوع له إلا بتحقق هذه الأمور وهو خلاف الوجدان اذ المشتق يتحقق بمادته وهيئته وان لم يتحقق له مطابق في الخارج فالأولى التعبير عنه بالمفهوم الذي يكون مطابقه ومصداقه في الخارج هو خصوص المتلبس في حال تلبسه او انه موضوع لمفهوم يمكن صدقه على المتلبس والمنقضي عنه وعليه لا يفرق بين القول ببساطة المشتق أو تركبه

ادلة الاعم

ومما ذكرنا. نعرف انه لا وجه لما استدل به للأعم بالتبادر وعدم صحة السلب وقد عرفت ان المتبادر هو المتلبس بالمبدإ بالخصوص كما أن المنقضي عنه المبدأ يصح سلبه والحاكم بذلك هو الوجدان وايضا استدل للقول بالاعم باستدلال الامام (ع) تأسيا بالنبي (ص) بقوله تعالى (لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) على عدم لياقة من كان عابدا صنما لمنصب الامامة وظاهر ان هذا الاستدلال لا يتم إلا بناء على ان وضع لفظة ظالم للاعم ولكن لا يخفى انه يتم استدلال الامام على ان يراد من ظالم الأعم وذلك لا يلزم ان يكون على نحو الحقيقة بل يتم ولو على نحو المجاز اللهم إلّا ان يقال ان المجاز يحتاج الى القرينة وهي غير موجودة فى المقام ويمكن ان يقال بتحقق القرينة وهي مناسبة الحكم للموضوع فان الخلافة منصب شريف ومرتبة عالية لا تليق لمن تلبس بالظلم ولو آناً ما أو ان الاستعمال في المقام على نحو الحقيقة بان يكون بلحاظ حال التلبس ولكن لا يخفى انه يمنع ذلك فان ظاهر الهيئة التركيبية تدل على فعلية الجري الذي هو مفاد النسبة الحكمية فجعل هذه الآية الشريفة بلحاظ حال التلبس خلاف ظاهرها وان امكن الالتزام بذلك في مثل السارق والسارقة أو الزاني والزانية إلّا ان ذلك في الأمور الآنية لا مثل الامور القارة وما يقال ان المقام من الأمور الآنية لأن الظلم آني ففي غير محله فان المراد من الظلم هو الشرك وهو من الامور القابلة للاستدامة وعليه ان ظهور الهيئة التركيبية يدل على كون الجري فعليا أي انطباق عنوان الظالم يكون فعليا وان كان التلبس بمبدإ الظلم منقضيا فعليه استدلال الامام (ع) بهذه الرواية لا يتم إلّا بناء على وضع لفظ المشتق للأعم

إلّا أن الشأن في الرواية سندا ودلالة كما لا يخفى.

بساطة مفهوم المشتق

وينبغي التنبيه على أمور :

الأول ان المشتق بسيط أو مركب ولا يخفى ان البساطة تارة تكون بحسب اللحاظ بان ينسبق المعنى من اللفظ بمجرد سماعه كرجل مثلا ويقابله المركب لحاظا وهو الانتقال الى معان من سماع الفاظها كغلام زيد مثلا واخرى بحسب الحقيقة والواقع ويقابله التركيب الحقيقي أما المعنى الأول من البساطة فغير مراد في المقام إذ المشتق لفظ كسائر الالفاظ والالفاظ بالنسبة الى معانيها وجودات لها فاللفظ بتمامه وجود لمعناه لا كل جزء من اللفظ وجود لكل جزء من المعنى فحينئذ عند سماع كل لفظ ينتقل الى معناه ولذا لا معنى للقول بالتركيب في اللحاظ وأما النحو الثاني من البساطة فتارة يكون بسيطا حتى في مقام التحليل كالوجود وأخرى بسيطا بالنسبة الى معناه الحقيقي وان كان عند التحليل يحلله العقل الى اجزاء كالانسان فانه بسيط حقيقة وعند التحليل يحلله العقل الى جنس وفصل وهكذا اكثر المفاهيم فانها معان حقيقية بسيطة إلا ان العقل يحللها الى شيئين وهذا مما لا إشكال فيه بالنسبة الى ما كان مجموع المادة والهيئة موضوعين لمعنى واحد كالجوامد وأما بالنسبة الى المشتقات فقد وقع الكلام فيها على أقوال ، الأول انه مركب من مادة وحدث ونسبة.

الثاني مركب من نسبة وحدث والذات خارجة عن مفهومه وانما هي من لوازم للمعنى ويقال له بسيط باعتبار عدم دخول الذات في مفهومه.

الثالث مفاده هو المبدأ وليست الذات ولا النسبة دخيلتين في مفهومه وانما هو عبارة عن المبدأ إلا انه أخذ لا بشرط والمبدأ اخذ بشرط لا والحق هو القول الثاني لأن المشتق يشتمل على مادة وهيئة والمادة موضوعة لنفس الحدث والهيئة موضوعة لانتساب الحدث فلم يكن في المشتق ما يدل على الذات فمن اين جاءت الذات؟ نعم هي من لوازم معناه ودعوى عدم دخول النسبة ممنوعة للزوم لغوية الهيئة حينئذ كما ان دعوى دخول النسبة فى مفهومه يتوقف على دخول الذات لأنها لا تتحقق بدون الطرفين فى غير محلها لأن النسبة تحتاج الى المنتسبين واقعا لا انها تحتاج الى المنتسبين فى مقام الدلالة اللفظية ولذا قلنا بان الذات من لوازم المعنى وما يقال بان خروج الذات عن مفهوم المشتق يوجب عدم صحة الحمل لأنه يعتبر فيه الاتحاد وجودا ومع عدم دخول الذات يكون المحمول المبدأ والنسبة وهما ليسا متحدين مع الموضوع فلا يصح الحمل فانه يقال بان الذات من لوازم المعنى والمشتق يدل عليها بالدلالة العقلية وذلك كاف فى صحة الحمل ثم انه قد استشكل على اعتبار الذات في مفهوم المشتق ولو بالدلالة العقلية بانها أما مفهومها معتبر أو مصداقها فان كان الأول فهو خلاف ما نجده لو كان المشتق موضوعا في القضية وان كان الثاني كما هو كذلك بالنسبة الى قولنا النامي أما حيوان أو انسان فيراد منه مصداق الذات وهو الجسم او المتحرك أما إنسان أو فرس فالمراد منه هو الحيوان الذي هو مصداق الذات فحينئذ يلزم ان يكون المشتق من متكثر المعني مع انه لا إشكال عند القوم بعده من متحد المعنى ، ولكن لا يخفى ما فيه فان المراد من الذات المدلول عليها بالدلالة العقلية هو نفس المفهوم لكنه لم يؤخذ بما انه مفهوم بل بنحو يشير الى ما يطابقها من المصاديق مما يناسب مادة المشتق فعليه يخرج من متكثر المعنى

لعدم إرادة المصاديق بخصوصها. ومما ذكرنا ظهر لك بطلان القول الأول والثالث أما القول الأول فلما عرفت من ان المشتق مركب من مادة وهيئة مادته تدل على الحدث وهيئته تدل على النسبة فلم يكن فيه ما يدل على الذات فعليه من أين جاءت الذات للمشتق واما القول الثالث فلما عرفت من ان الهيئة موضوعة للنسبة ومع كون المشتق هو المبدأ مفهوما يلزم ان لا يكون للهيئة معنى وهو مخالف للوجدان ودعوى ان الهيئة في المشتقات لها معنى آخر وهو قلب المشتق من عدم صحة الحمل الى صحة الحمل إذ المبدأ إذا اخذ بشرط لا لا يصح حمله واذا اخذ لا بشرط صح حمله في غير محلها اذ المبدأ حيث لم يكن متصفا بهيئة خاصة فلا يكون له قابلية لأن يصح حمله لما عرفت انه كلي سار في ضمن الهيئات فبدون هيئة غير قابل لأن يحمل ومع تلبسه بهيئة خاصة كهيئة المصدر فانه غير قابل للحمل ولو اعتبر لا بشرط نعم يصح حمله اذا قصد منه المبالغة وقصدها اجنبي عن مفاد الهيئة كما لا يخفى

الأمر الثاني : استدل السيد الشريف على خروج الذات عن مفهوم المشتق بما ملخصه ان مفهوم الشيء لا يعتبر في مفهوم الناطق مثلا وإلا لكان العرض العام داخلا في الفصل ولو اعتبر فيه ما صدق عليه الشيء انقلبت مادة الامكان الخاص ضرورة لأن الشيء الذي له الضحك هو الانسان وثبوت الشىء لنفسه ضروري وقد أجاب صاحب الفصول عنه باختيار الشق الاول ودفع المحذور الذي ذكره بان الفصل مثلا يعتبر مجردا عن الذات عند اهل المنطق ولا ينافي اعتبار الذات في مفهومه عند اهل اللغة وقد أورد عليه الأستاذ قدس‌سره بأن اهل المنطق جعلوا الناطق فصلا بما له من معناه اللغوي ثم ان الاستاذ قدس‌سره أجاب عن السيد الشريف بما لفظه (ان مثل الناطق ليس بفصل حقيقي بل لازم ما هو الفصل

واظهر خواصه وانما يكون فصلا مشهورا منطقيا يوضع مكانه إذا لم يعلم نفسه بل لا يكاد يعلم) وحاصله ان التعاريف منحصرة بالرسوم كما يحكى ذلك عن الشيخ الرئيس قال في تعليقاته (لم يكن بد إلا التعريف باللوازم والخواص) وسر ذلك عدم الوصول الى معرفة الفصول الحقيقية فان كل ما يكون فصلا مشهورا منطقيا فهو من لوازم الفصل الحقيقي فان الناطق مثلا الذي يعده المنطقيون فصلا فهو ليس بفصل حقيقي لأن النطق اما بمعنى الادراك فهو من الكيف النفساني وان اخذ من النطق الظاهري فهو كيف مسموع وكيف كان فالنطق من الاعراض ليس من الذاتيات نعم هو من لوازم الفصل الحقيقي بل لا يعقل معرفة الفصول الحقيقية لغير علام الغيوب كما عن صدر المتألهين من ان الفصول الحقيقية هي الوجودات والوجود غير معلوم بالكنه لغير علام الغيوب ودعوى ان الناطق اخذ فصلا للانسان بمعنى ذو النفس الناطقة ولم يؤخذ بمعنى الادراك أو التكلم وعليه حينئذ يطلق عليه الفصل حقيقة ويتوجه المحذور المذكور لكونه فصلا حقيقيا ممنوعة فان ذو النفس الناطقة انما هو النوع وليس بالفصل (١) ثم انه ينسب الى بعض الاعاظم قدس‌سره الميل الى ان الشيء ليس من الاعراض العامة وإلا لاختص بجنس لأنه من لوازم العرض العام ذلك مع ان شيئية الشيء تعرض لكل ماهية من الماهيات وليس وراء الشيئية امر يكون هو الجهة الجامعة لكي تكون الشيئية من عوارضه وخواصه ولازم ذلك ان يكون الشيء جنس الاجناس فحينئذ لا يلزم اخذ العرض فى الفصل بل من قبيل اخذ الجنس فى الفصل ولا محذور فيه ولكن لا يخفى

__________________

(١) هذا بناء على ان ذو اشارة الى جهة الاجمال فحينئذ يكون معناه الانسان الذي هو النوع وأما بناء على ان ذو اشارة الى جهة التفصيل كما هو مراد

ان الشيء من الاعراض العامة خارج عن دائرة المقولات ولا يختص بجنس أو بفصل بل يعرض على كل جنس وفصل ولا يعقل ان يكون جنسا عاليا لعدم امكان ان يكون ما به الاشتراك بين الجنس الذي يكون اخص منه وبين فصله حيث ان الجنس معتبر بنحو القوة والشأنية والفصل بنحو الفعلية ومن هنا تعرف ان الشيء لا يكون جنسا عاليا (١) والتحقيق هو ان يقال انه لا مانع من جعل الناطق فصلا حقيقيا لا مشهورا منطقيا بيان ذلك هو ان المشتق يدل على الذات أما بالوضع أو بالدلالة العقلية على ما هو المختار وليس المراد منها المفهوم بما هو هو

__________________

من يقول بانه الفصل الحقيقي فيكون حينئذ اشارة الى جهة الفصل فلا يكون عبارة عن النوع كما لا يخفى.

(١) وربما يوجه الاشكال بان صدق الشيء على الفصل لازم لكونه جنسا فيكون ما به الاشتراك هو نفس الشيء فحينئذ يحتاج الفصل الى فصل وهكذا بالنسبة الى فصل الفصل فما به الاشتراك هو الشيء فيحتاج الى الفصل وهكذا ولكن لا يخفى ان ذلك يتأتى بالنسبة الى الجوهر الذي هو من الاجناس فانه يصدق على ما هو بالقوة كالحيوان وعلى ما هو بالفعل كالناطق كما ان مقتضى صدقه على الفصل يكون هو ما به الاشتراك فيحتاج الفصل الى فصل وهكذا فكلما يجاب بالنسبة الى الجوهر يجاب عن كون الشيء جنسا فالحق فى الجواب ان الشيء من العوارض العامة ولا يكون من الاجناس إذ الجنس ما يكون مقوما لأنواعه وشيئية الشيء لا يحصل بها القوام مضافا الى انه لو كان جنسا يلزم ان يكون جنس الاجناس لصدقه على الجنس كالجوهر وعلى العرض ولا يعقل ان يكون لهما جامع ذاتي اذ حقيقة الجوهر ما يتقوم بنفسه والعرض ما يتقوم بالغير ولا يعقل ان تكون حقيقة واحدة تتقوم بنفسها وبغيرها كما لا يخفى فافهم وتأمل.

وانما يراد منها المفهوم مشيرا الى المصداق والمبدأ المأخوذ في المشتق هو طبيعي الحدث كالضرب مثلا ولازمه ان يكون ما يعرض عليه ذلك المبدأ هو طبيعي ما يصدق عليه المفهوم وحينئذ يكون مفاد المشتق هو طبيعي الذات مشيرا بها الى الامر الكلي القائم به المبدأ الذي هو من خواص الفصل وبعبارة أخرى ان النظر الى الذات تارة يكون مستقلا واخرى يكون النظر اليها تبعيا وعليه يكون النظر الأصلي متوجها الى ما ينطبق عليه من الذات وهو الطبيعة القائم بها المبدأ فان لوحظت الذات بالنحو الثاني يكون المقصود من الذات المصداق لا المفهوم وحيث ان المبدأ القائم بالذات انما هو طبيعي الحدث ولازمه ان الذي يقوم به الحدث هو امر كلي وإلا لو كان مشيرا الى اشخاص مصاديق الذات كان من متكثر المعنى مع انه لا اشكال عند القوم انه من متحد المعنى وحينئذ نفس المبدأ أي النطق سواء كان معناه التكلم أو ادراك الكليات انما هو عرض من الاعراض ولا يعد من الفصول ولكن مع اخذ الذات أما وضعا أو التزاما في مفهوم الناطق الذي جعل فصلا واشير به الى ما هو معروض للنطق الذي هو من لوازم الفصل الحقيقي فيكون مشيرا الى نفس الفصل الحقيقي فعليه يصح اطلاق الفصل حقيقة على الناطق ان قلت لم لا يطلق على مثل الضاحك والقائم والقاعد فصولا مع ان الذات بالمعنى الذي ذكر قد اخذت فيها قلنا ان القوم لما لم يصلوا الى معرفة الفصل اخذوا من خواص ما هو الفصل الحقيقي وأقاموه مقامه فبالنسبة الى النوع الذي هو الانسان اخذ فيه ما هو من خواص الفصل الحقيقي الذي هو النطق بمعنى ادراك الكليات لقربه منه وأقاموه مقامه وليس كذلك الضحك والقيام أو نحوهما لبعدها عنه فلم يجعلوها بمقام الفصل الحقيقى اما تسميتها بالخاصة والعامة فانما هو باعتبار نفس المبدأ فان كان من خواص

النوع سمي بالخاصة وان كان مما يعمه سمي بالعامة وبالجملة المبدأ الذي هو من لوازم الفصل الحقيقى قيام طبيعته بطبيعة الذات المشيرة الى ما هو معروض لذلك المبدأ يعد ذلك فصلا حقيقيا لا فصلا مشهورا منطقيا فافهم.

ثم ان صاحب الفصول أجاب عن الشق الثاني فقال ما حاصله ان المحمول ليس مصداق الشيء والذات مطلقا بل مقيدا بالوصف وليس ثبوته للموضوع حينئذ بالضرورة لجواز ان لا يكون القيد ضروريا توضيح الجواب بان القضية الضرورية تفتقر الى حمل المساوي على المساوي أو حمل الاعم على الاخص والمقام لم يكن من أحدهما اذ انضمام القيد الى الذات فى المحمول يوجب جعلها اخص من الذات في الموضوع فيكون من باب حمل الاخص على الأعم وهو لا يلزم ان يكون ضروريا وقد أورد عليه الاستاذ قدس‌سره في الكفاية ما لفظه ان عدم كون ثبوت القيد ضروريا لا يضر بدعوى الانقلاب فان المحمول إذا كان ذات المقيد وكان القيد خارجا وان كان التقيد داخلا بما هو معنى حرفي فالقضية لا محالة تكون ضرورية ضرورة ضرورية ثبوت الانسان الذي يكون مقيدا بالنطق للانسان.

بيان ذلك ان القيد إذا بني على خروجه يكون معروضه وهو المقيد باق على اطلاقه وأما التقيد لا يوجب تضيق دائرة المعروض إذ كان داخلا لأن التقيد معنى حرفي لم يلحظ إلا تبعا للمعروض واللحاظ الاستقلالي متعلق به ففي مقام اللحاظ لم يلحظ استقلالا فحينئذ يكون المقيد باقيا على اطلاقه (مثلا ضارب زيد) معناه له الضرب فالنظر الاستقلالي قد توجه الى الطرفين وهو زيد والضرب والتقيد لم يكن متوجها اليه النظر لأنه معنى حرفي ولذا جعل مدلولا للام فعليه يكون من حمل المساوي على المساوي وبهذا البيان يندفع الاشكال عنه وهو ان التقيد إذا كان

داخلا يوجب ان يكون المحمول اخص فيكون من باب حمل الاخص على الاعم وهو بالامكان لا بالضرورة لما عرفت انه لا اثر لدخوله إذ هو معنى حرفي لم يكن النظر متوجها اليه فيكون المقيد باقيا على اطلاقه وهو من حمل المساوي على المساوي وهو ضروري لا ممكن هذا ولكنه يرد عليه ان ما ذكر من البناء فاسد لأن القيد ولو كان خارجا ولكن المقيد يكون حصة توأما مع القيد فيكون اخص من المعروض وهو من باب حمل الاخص على الاعم وحمله كذلك بالامكان لا بالضرورة ثم قال الاستاذ قدس‌سره بالنسبة الى الشق الثاني (وان كان المقيد بما هو مقيد على ان يكون القيد داخلا فقضية الانسان ناطق ينحل فى الحقيقة الى قضيتين احدهما قضية الانسان انسان فهي ضرورية والاخرى قضية الانسان له النطق وهي ممكنة وذلك لأن الاوصاف قبل العلم بها اخبار كما ان الاخبار بعد العلم تكون أوصافا فعقد الحمل ينحل الى قضية كما ان عقد الوضع ينحل الى قضية مطلقة عامة عند الشيخ. وقضية ممكنة عند الفارابي فتأمل) بيان ذلك انك قد عرفت منا سابقا ان النسبة الناقصة كغلام زيد تدل على وقوع النسبة والنسبة التامة تدل على ايقاعها وحينئذ تكون النسبة الناقصة متأخرة عن النسبة التامة لتأخر الوقوع عن الايقاع فاذا ابرزت النسبة الخبرية الى عالم النطق كزيد ضارب انحلت الى قضيتين عقد في طرف الموضوع وهو حمل زيد على زيد والمحمول في هذا العقد صار موضوعا للقضية الثانية كزيد له الضرب ولذا كانت القضية الأولى ضرورية والثانية ممكنة (١)

__________________

(١) يتم ما ذكره قدس‌سره بناء على ان كل جزء من المحمول خبر مستقل مثل قولك زيد شاعر كاتب وأما بناء على ان المجموع هو الخبر كقولك هذا حلو حامض أو هذه رقبة مؤمنة فهو قضية واحدة.

ولكن لا يخفى ان اخذ القيد داخلا يوجب الانحلال إلا ان المحمول على الموضوع هو مجموع القضية الثانية ويكون حمله من باب حمل الاخص على الاعم وحمله بالامكان لا بالضرورة فان قلت ان الموضوع فى كل قضية يؤخذ توأما مع القيد بمعنى انه يؤخذ طبيعة مهملة لا مطلقة حتى يشمل حال عدم القيد ولا مقيدة بل يؤخذ حصة توأما مع القيد فحينئذ يكون الحمل في المركبات التامة من باب حمل المساوي على المساوى أو حمل الاعم على الاخص وهما من القضايا الضرورية لا من باب حمل الاخص على الاعم الذي هو بالامكان قلنا ان مرتبة الموضوع سابقة على مرتبة المحمول في الجملة وحين ارادة الحكم على الموضوع لا بد ان مراد به نفس الموضوع أي القابل لطرو العوارض من غير اختصاص له بالبعض فاذا تحقق الحمل وتم الاخبار خرج الموضوع عما كان له من التوسعة ففي هذه الحالة لا يشمل حالة ضد القيد بل يكون توأما معه وبالجملة فرق بين الحالة السابقة والحالة اللاحقة والحمل معتبر بالنسبة الى الحالة السابقة ففي تلك الحالة يكون الحمل ضروريا أو ممكنا فافهم ثم لا يخفى ان انقلاب القضية الممكنة الى الضرورية غير مختص بما لو اخذ مصداق الشيء كما هو ظاهر الكلام المنقول عن السيد الشريف بل يجري حتى لو اخذ مفهوم الشيء فى المشتق ضرورة صدق مفهوم الذات على كل مصاديقه التي منها موضوع القضية ثم انه قد استدل على البساطة بانه لو كان فى المشتق تركيب يلزم تكرر الموصوف مع ان في مثل زيد العالم جاءني ليس في الموصوف تكرير كما انه يلزم التكرير في مقام الاخبار لأنه أولا يحصل الانتقال الى زيد ثم يحصل الانتقال اليه ثانيا ضمنا فى المحمول ومن الواضح انه ليس الامر كذلك إذ لا يحصل الانتقال الى ذاتين بل الى ذات واحدة وهذا شاهد على بساطة المشتق ولكن لا يخفى ان ذلك يلزم

لو قلنا بدخول الذات في مفهوم المشتق وقد عرفت ان المشتق مركب من مادة وهيئة مادته موضوعة لنفس الحدث والهيئة موضوعة لنسبة الحدث وحينئذ من اين جاءت الذات دخيلة فى مفهوم المشتق ودعوى انها مأخوذة فيه لأنه يفهم من ضارب الذات ممنوعة إذ فهم الذات من ضارب ليس لاجل ان الذات مأخوذة فيه بل لأجل ان الذات كانت طرفا للنسبة والنسبة تفتقر الى الطرفين كما لا يخفى

الأمر الثالث ، الفرق بين المبدأ والمشتق ان المبدأ ما يكون آبيا عن الحمل والمشتق ما لا يكون آبيا عنه وسر ذلك هو ان المشتق لما كان مستلزما للذات ويكون النظر اليها باللحاظ الأصلي فلذا صح حمله بخلاف المبدأ فانه لا دلالة له على الذات بل يرى مميزا عنها فلذا لا يصح حمله والاستاذ قده في الكفاية جعل وجه صحة الحمل فى المشتقات هو انها مأخوذة لا بشرط وعدم صحة الحمل في المبادي هو اخذها بشرط لا وبهذا جعل الفرق بين المبادي والمشتقات ويتضح ذلك بقياسه على الأمور الخارجية مثل الصلاة التي اجزاؤها الركوع والسجود مثلا تارة تعتبر هذه الاجزاء من حيث انبساط طبيعة الصلاة عليها فهي عين الكل وتارة تلحظ بما انها متباينة بحدودها فهي لم تحمل بعضها على بعض وهو معنى بشرط لا وتارة تلحظ بما لها من اجزاء الصلاة وانها تتضمن الوجوب الذي هو أعم من الاستقلالي والضمني فحينئذ يصح حمل بعضها على بعض وهو معنى لا بشرط اذا عرفت ذلك بالنسبة الى الاجزاء الخارجية يتضح لك الحال بالنسبة الى الاجزاء الذهنية مثل الجنس والفصل فانه بالنسبة الى بعضها مع بعض مأخوذة لا بشرط فلذا صح حمل بعضها على بعض ولكن لا يخفى ان اخذ المشتق لا بشرط ليس هو المصحح للحمل لعدم صحة نسبة ما هو من شئون الذات اليه مثل اكرم العالم أو

قبّل يده حيث انه على ذلك المبنى ان الملحوظ فى العالم ليس إلا نفس المبدأ منفصلا عن الذات فعليه لا ينسب اليه ما يكون من خواص الذات وبعبارة اخرى ان اللابشرطية اخذت بنحو يصحح الحمل كما اخذت في الجنس أو الفصل وذلك لا يوجب حضور الذات عند حملهما بل اعتبر فى المشتق نفس المبدأ من دون اعتبار حضور الذات وعليه كيف يصح ان ينسب اليه ما هو من شئون الذات وخواصها مثل الاكرام والتقبيل وذلك لا يجري على ما اخترناه من خروج الذات من المشتق فانها وان خرجت مفهوما إلا انها من لوازم معناه لعدم امكان تعقل المبدأ من دون تعقل الذات بل ينظر الى المبدأ نظرا تبعيا كالنظر الى ثياب الرجل فان النظر الأصلي تعلق بذاته والنظر الى ثيابه تبعي ولذا صح نسبة ما هو من شئون الذات من الاوصاف الى الذات وانها بالنظر الاصلي هي المحمول وان حمل الوصف بلحاظ كونه من توابع الذات ومن شئونها بنحو لا يرى بينهما المغايرة وانما يرى الاتحاد بينهما بل في مقام النظر يرى عينه وانه من مراتبه وبالجملة الذات ملحوظة بما انها متجلية بمبدإ من المبادي وأما نفس اخذ المشتق لا بشرط لا يوجب صحة الحمل ما لم تلحظ الذات ومما ذكرنا ظهر ان ملاك الحمل في المشتقات هو كون الذات من لوازم معنى المشتق فانه بذلك تحصل الهوهوية والاتحاد وجودا الذي هو الملاك في الحمل وعمدة ما دعاهم الى الالتزام بخروج الذات عن المشتق وانه عبارة عن نفس المبدأ هو حمل صفات الباري جل وعلا كعالم وحاكم والموجود ونحوها من الصفات مع الجزم بانه تعالى عين العلم والحكم والوجود لا ذات له العلم أو الحكم او الوجود لما هو معلوم ان صفاته عين ذاته بنحو لا يرى تعدد في ذاته تعالى فلا ترى في ذاته جل وعلا ذات مع صفة العلم ومن هنا كان كمال توحيده نفي الصفات عنه. ولكن

لا يخفى ان الصفات الجارية عليه تعالى على نحو جريانها على الممكن بتقريب ان الصفات الجارية على الممكن حاكية عن ذات تجلت بمبدإ من المبادي كذلك بالنسبة الى ذاته تعالى فانها أيضا تحكي عن ذات تجلت بمبدإ دون مبدأ.

غاية الأمر ان الصفات الجارية عليه تعالى تتجلى الذات بتلك الصفات بتجليات ذاتية وبعين ذاته لكون صفاته عين ذاته وفى الممكن تجلت الذات بمبدإ خاص بتجلى عرضي لكون صفاته زائدا على ذاته كانطباق الابيض على الجسم الأبيض المتصف بالبياض وعلى نفس البياض فان الجسم يبض بالبياض ببياض عرضي وبياضية البياض ببياض ذاتي وهذا لا يوجب فرقا بالنسبة الى صدق المشتق فان صدقه على نحو واحد.

الامر الرابع ان الذات تارة تتلبس بالمبدإ حقيقة كما اذا نسب الى ما هو له كنسبته الجريان الى الماء فتقول جرى الماء واخرى ما يكون التلبس مجازا كما اذا نسب الى غير ما هو له كنسبة الجريان الى الميزاب فتقول جرى الميزاب وهذا مما لا إشكال فيه وانما الكلام في إطلاق المشتق كالجاري مثلا على الميزاب هل من باب التجوز في الكلمة أو من التجوز في الاسناد قولان اختار صاحب الفصول قدس‌سره الاول واعتبر الاسناد الحقيقي في صدق المشتق حقيقة واختار الاستاذ قدس‌سره الثاني قال ما لفظه (فاسناد الجريان الى الميزاب وان كان اسنادا الى غير ما هو له وبالمجاز إلّا انه بالاسناد لا في الكلمة) وقد يقرب القول الاول بأن المشتق يدل على النسبة الناقصة وهي تحصل من النسبة التامة لأنها من نتائج التامة مثلا اذا نسب الجريان الى الماء فيقال جرى الماء ثم يصدق عنوان الجاري على الماء وحينئذ اطلاق المشتق على موضوع من نتائج النسبة التامة فان كان الانتساب الى

ما هو له كما فى المثال المتقدم يكون اطلاق المشتق على المتلبس اطلاقا حقيقيا وان كان الانتساب الى غير ما هو له كما في مثل جري الميزاب فان الذي يجري هو الماء لا الميزاب يكون اطلاق المشتق وهو عنوان الجاري على المتلبس بالجريان مجازا وذلك من باب التجوز فى الكلمة لا في الاسناد ولكن لا يخفى ان النسبة الناقصة الجزئية من نتائج النسبة التامة والمشتق يدل على النسبة الناقصة الكلية والانصاف انه لا تجوز في الكلمة ولا في الاسناد وانما التجوز فى المسند اليه وهو فى الميزاب بان يدعى انه ماء وأسند اليه الوصف اليه حقيقة فهو من باب الاستعارة بالكناية على حد قوله (انشبت المنية اظفارها) والحمد لله رب العالمين.

المقصد الاول فى الاوامر

وفيه فصول :

الفصل الاول في مادة الأمر ، والكلام فيها من جهات ، الأولى : ذكر القوم لمادة الامر معان متعددة كالطلب والشيء والفعل العجيب ومطلق الفعل والشأن والحادثة والغرض واختلفوا في أن مادة الأمر موضوعة للقدر الجامع بين هذه المعاني فيكون من المشترك المعنوي أو انها موضوعة للطلب بوضع مستقل ولجامع يجمع بقية المعاني بوضع مستقل فيكون من المشترك اللفظي بين الطلب وبين ما يجمع بقية المعاني. والجامع لبقية المعاني قيل هو الشيء كما هو ظاهر كلام الاستاذ (قدس‌سره) أو الشأن كما ينسب الى الفصول وقد أورد الاستاذ عليه ، بان الشأن ليس من المعاني لكي يؤخذ جامعا إذ لم يستعمل في معنى الشأن فى مثل قوله (شغله امر كذا) وانما استعمل في مصداقه وهكذا بالنسبة الى الحادثة والغرض والفعل فانها لا تعد من معانيه إلّا إذا استعمل الأمر في مفاهيمها مع انها لم تستعمل إلا في مصاديقها فان كون الشيء الواحد مصداقا لمفاهيم متعددة ـ كزيد مثلا ـ مصداقا للكاتب وللشاعر وللعالم لا يصحح ان تعد هذه المفاهيم من معاني زيد فلذا قال الاستاذ ما لفظه : لا يبعد دعوى كونه حقيقة في الطلب في الجملة والشيء (١).

__________________

(١) لا يخفى ان هذا ينافى ما ذكره أخيرا ـ فى الكفاية ـ ما لفظه ، كما لا يبعد ان يكون كذلك في الاول ، أى الطلب فانه ينافى جعل الامر حقيقة فى الطلب والشيء ، اللهم إلا ان يقال : ان ما ذكره أولا انما هو باعتبار الوضع وما ذكره أخيرا فانما هو فى مقام الظهور ، ومقام الظهور لا ينافي مقام الوضع اذ الظهور يعين المراد لا الموضوع له كما انه لا ينافي كونه مشتركا لفظيا إذ ربما

وقد ادعى بعض الأعاظم قدس‌سره ، ان مادة الأمر موضوعة للجامع بين المعاني اذ الاشتراك اللفظي بين هذه المعاني بعيد ولكن لا يخفى ان صرف البعد لا يوجب نفي الاشتراك اللفظي بل هو المختار في ذلك لعدم امكان تصوير الجامع بين الطلب والشيء لأن الطلب معنى حدثي ، يصح الاشتقاق منه والشيء من قبيل الجوامد غير قابل للاشتقاق منه ويدل على ذلك جمع الامر بمعنى الطلب على اوامر وجمعه بمعنى الشيء على أمور ، فمن الاختلاف فى الجمع يستكشف ان للامر مفهومين ولا جامع بينهما ، فعليه لا مانع من الالتزام بالاشتراك اللفظي ، إذ الاستعمال في كل من المعنيين يحتاج القرينة المعينة ، وذلك شأن جميع المشتركات اللفظية (١) ،

__________________

يكون المشترك اللفظي ظاهرا في أحد المعاني كما انه يشكل على جعل الطلب من معاني الأمر حيث انه يتعدى بنفسه والامر يتعدى بالباء ، ولازم ذلك ان يتغايرا مفهوما اللهم إلا ان يقال بان الذي هو من معاني الامر هو الطلب الالزامي وهو يتعدى بالباء.

(١) أخذ الشيء جامعا لما عدا الطلب محل نظر حيث ان الشيء يطلق على الاعيان ، والامر لا يطلق عليها اللهم إلّا ان يقال : ان اطلاقه عليها باعتبار صدورها من الفاعل ومع هذه الملاحظة ـ أي لحاظ صدورها ـ يصدق عليها الفعل ايضا فعليه لا مانع من جعله هو الجامع لا الشيء ، بل لا يبعد جعل الفعل جامعا لجميع المعاني حتى الطلب ، بيان ذلك ان جميع الاشياء اذا لوحظت بحسب صدورها سواء كانت من فاعلها أو خالقها تعد من الافعال وهذا المعنى عام يشمل ما تعلقت به الارادة التكوينية وما تعلقت به الارادة التشريعية كالاحكام الشرعية ، فانها تعد أفعالا باعتبار تعلق الارادة التشريعية ـ اي انها مجعولة فى عالم الاعتبار فيقال لها فعل تشريعي ، وكذا الاعيان والذوات يقال لها أفعالا باعتبار تعلق الارادة

هذا كله بالنسبة الى مقام الوضع ، وأما بالنسبة الى تشخيص المراد فيحتاج حمل اللفظ عليه الى قرينة إلا اذا كان اللفظ ظاهرا في أحد المعاني. ولو كان للانسباق الى الاطلاق وإلا فلا يحمل على أحدها لعدم ما يوجب الحمل فيرجع في ذلك الى الأصول العملية الجارية في المقام (١) ثم لا يخفى ان وضع الامر للطلب يتصور على نحوين فتارة يراد منه نفس حقيقته واخرى يوضع لما يكون كاشفا عنه من غير فرق بين ان يكون ذلك هو القول أو الفعل أو الكتابة والظاهر ان يراد منه هو النحو الأول بشهادة الذوق السليم فانه يشهد بان القول ونحوه خارج عن الامر وان الطلب المنكشف بالقول ونحوه داخل فى حقيقة الأمر مضافا الى انه لو كان نفس الكاشف دخيلا لما صح الاشتقاق منه. نعم وقع الاشكال في انه لو كان اظهار الطلب بلفظ الأمر بان يقول أمرك بكذا فحينئذ يتوقف تحقق معنى الأمر على استعماله مع ان الاستعمال متوقف على تحقق معناه فيلزم الدور ، واجيب عن

__________________

التكوينية ، وهكذا الطلب يقال له فعل باعتبار انه منتزع من الارادة التشريعية فظهر مما ذكرنا انه لا يبعد القول بالاشتراك المعنوي لامكان اخذ جامع بين جميع المعاني وهو الفعل ، ولا يصلح لأن يكون الشأن هو الجامع لأن الظاهر منه كونه اخص من الفعل فانه يعتبر فيه استدامه الفعل لكي يعد من شئونه ومع عدم الاستدامة لا يعد من الشئون.

(١) إذ لا حاجة الى الاصول العملية فى ذلك لعدم التردد في المراد فان الاستعمال يعينه اذ استعمال الأمر بمعنى الطلب غير استعماله بمعنى الشيء ، فان الأول يحتاج الى المطلوب والمطلوب منه دون الثاني ، وبالجملة ان كان للفظ الأمر ظهور في احدهما فيؤخذ به ، وإلا فلا تردد بينهما في تعيين المراد ، اذ المراد يعين بالاستعمال لكونهما يختلفان فى مقام الاستعمال.

عن ذلك بان الاستعمال متوقف على المفهوم ووجوده يتوقف على الاستعمال.

الجهة الثانية : انه لا يبعد اعتبار العلو فى معنى الأمر ، فأمر السافل للعالي وكذا المساوي ليس بأمر حقيقة واطلاق الأمر عليه كان بنحو من العناية ، كما كما لا يعتبر الاستعلاء فاطلاق الأمر عليه أيضا كان بنحو من العناية وتوبيخ الطالب السافل من العالي المستعلى عليه بانه لم تأمره ليس لأمره بل لاستعلائه ومنه يظهر بطلان القول باعتبار احدهما اذ ذلك يلزم ان يكون جامعا بين العلو والاستعلاء ، مع ان الظاهر انه لا جامع بينهما. كما لا يخفى.

الجهة الثالثة : فى أن الأمر هل يدل على الوجوب ، أم يدل على مطلق الطلب وجهان : واختار الاستاذ (قدس‌سره) الأول بدعوى الانسباق من الاطلاق وأيّد ذلك بآية الحذر ، ورواية المشقة فى السواك والتوبيخ على مخالفة الأمر مثل قوله تعالى : (ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ) ولكن لا يخفى ان العام انما يكون حجة فيما علم انه مصداق له لا فيما يشك في كونه مصداقا ، مع العلم بخروجه من الحكم كما في المقام. وبعبارة أخرى ان التمسك بالعموم فيما علم كونه مصداقا وشك فى الخروج عن الحكم فيؤخذ بالعام وينفي التخصيص به ، ولا يتمسك فيما لو علم بخروجه عن الحكم وشك فى كونه مصداقا كمثل المقام ، فان الندب خارج عن الحكم لعدم تعلق التحذير والتوبيخ والمشقة به ، ويشك انه من افراد الأمر فلا يتمسك بعموم الأمر لنفي فردية الندب لكي يكون من باب التخصص لعدم انعقاد بناء العقلاء على التمسك به ، فظهر مما ذكرنا ان ما ذكر من الآيات والروايات لا دلالة فيها على كون لفظ الأمر للوجوب فلذا نختار ان الأمر موضوع للأعم لصدقه على الندب مع صدوره من العالي بلا عناية وتجوز على

ان تقسيمه الى الوجوب والندب يقتضي ذلك وان كان المنسبق من الاطلاق هو الوجوب بمعونة مقدمات الحكمة بتقريب : ان حقيقة الوجوب هو الطلب التام الذي ليس له حد ، بخلاف الندب فان طلبه محدود من جهة النقص فحينئذ ارادة الوجوب لا تحتاج الى قرينة فعدمها يدل على الوجوب بخلاف ارادة الندب فانها تحتاج الى بيان حدود النقص ، وبالجملة لو ورد الكلام من دون قرينة يحمل على الوجوب لعدم احتياجه الى مئونة زائدة ولا يحمل على الندب لاحتياجه الى المئونة (١).

الجهة الرابعة : في انه ما المراد من الطلب هل هو الطلب الحقيقي أم الانشائي ، وبيانه يحتاج الى معرفة أقسام الطلب فنقول : الطلب يطلق تارة ويراد به الحقيقي من غير فرق بين ان يكون عين الارادة أو غيرها ، واخرى يطلق ويراد منه الطلب المفهومي ، وهو الذي يفهم من الاستعمال ، وثالثة يطلق ويراد به الطلب الانشائي. وهو عبارة عن الطلب المفهومي المبرز بعالم اللفظ مع قصد الموجدية ، والأستاذ (قدس‌سره) ـ فى الكفاية ـ جعل المراد منه هو الأخير وربما يشكل عليه بانه كيف يجعل الطلب الانشائي متعلقا للقول في مقام تعريفه بانه الطلب بالقول والمفروض ان الانشائية كيفية متصيدة من الاستعمال القولي فحينئذ يكون من شئون الاستعمال وطواريه ، فكيف يجعل من مدلول الأمر. اللهم إلا أن يقال بان هذه الكيفية الحاصلة من الاستعمال لما كانت فانية في المعنى ومتحدة معه

__________________

(١) لا يخفى ان الطلب لا يتصف بالتام والناقص كما ان باعتبار كشفه عن الارادة ، لا يفرق فيها بين الوجوب والندب إذ الارادة في الوجوب بعينها ارادة في الندب ، ولا معنى للفرق بين الارادتين بالشدة والضعف ، وانما الفرق بين الوجوب والاستحباب هو بالنسبة الى الملاك والمصلحة ، ففى الوجوب المصلحة تقتضي المنع عن الترك ، وفي الندب المصلحة تقتضي جواز الترك.

بنحو من الاتحاد ، فكأنه يرى بحسب النظر المسامحي ان المعنى الطلبي انشائي وليس حقيقته هو الطلب الانشائي بل حقيقته هو مفهوم الطلب والانشائية إنما نشأت من بروز القول المقصود به الانشاء والايجاد ، ثم لا يخفى ان حقيقة الأمر لم يحصل فيما لم يكن هناك جد وارادة حقيقية ، لأن الأوامر الامتحانية انما هي اوامر صورية لا حقيقية ، فظهر مما ذكرنا ان المختار ، في ان الأمر عبارة عن : طلب انشائي ناشئ عن جد وارادة حقيقية. ثم لا يخفى كم فرق بين الانشاء في الطلب والانشاء في الأمور الاعتبارية مثل انشاء الملكية بناء على اتحاد الطلب مع الارادة ، فان الانشاء في الامور الاعتبارية كانشاء الملكية هي من قبيل الواسطة في الثبوت ـ أي نفس الانشاء علة لتحقق ذلك الأمر الاعتباري كالملكية ـ وأما بالنسبة الى الانشاء في الطلب فهو من قبيل الواسطة في الاثبات ـ أي انشاء الطلب يكون علة لتحقق العلم بالطلب الحقيقي ، فمع تحققه ينتزع الوجوب والالزام وأما اذا قلنا بتغاير الطلب والارادة ، وبنينا على كون الارادة من الصفات النفسية فحينئذ تكون عبارة عن تلك الصفة النفسية فتعد من مقولة الكيف النفساني والطلب يكون عبارة عن التحريك والبعث فعليه يكون الطلب الانشائي بالنسبة الى التحريك والبعث واسطة في الثبوت إذ لو لا الانشاء لما حصل التحريك ، وأما بالنسبة الى الارادة والطلب الحقيقيتين ، فهو من الواسطة في الاثبات.

اتحاد الطلب والارادة

الجهة الخامسة : في ان الطلب عين الارادة كما عليه المعتزلة ، أم غيرها ، كما عليه الاشاعرة ، ومنشأ التزام الاشاعرة بالتغاير هو انه لما رأوا ذات الباري

جل وعلا قديمة أزلية ، فلا بد وان تكون صفاته كذلك ، اذ هي تابعة للذات بالنسبة الى القدم والحدوث مع ان كتاب الله حادث ففرارا عن ذلك ، التزموا بوجود صفة نفسانية قائمة بالنفس غير الطلب والارادة ، وعبروا عنها بالنسبة الى الاخبار كلاما نفسيا وفي الانشاء طلبا. وقد أجاب الاستاذ (قدس‌سره) بأنا لا تجد فى انفسنا صفة اخرى غير الارادة ومقدماتها قائمة بالنفس تسمى في الانشاء طلبا وفي الاخبار كلاما نفسيا. وعقب ذلك يجعل هذا النزاع لفظيا ، وحاصله ان الطلب تارة يطلق ويراد به الحقيقي وأخرى يطلق ويراد به الانشائي وكذلك الارادة. فتارة تطلق ويراد بها الحقيقي ، وأخرى تطلق ويراد بها الانشائي ، والارادة حين الاطلاق تنصرف الى الحقيقي ، والطلب حين الاطلاق ينصرف الى الانشائي فباعتبار هذا الانصراف حصلت المغايرة بينهما. وإلا هما متحدان مفهوما وانشاء وحقيقة ، فمن يقول بالمغايرة ، قصد من الارادة الحقيقي ومن الطلب الانشائي ، ومن قال بعدمها قصد اتحادهما مفهوما وانشاء وحقيقة. ولكن الانصاف ان جعل هذا النزاع لفظيا في غير محله ، اذ النزاع بين الفريقين نزاع معنوي يرجع الى ان الطلب القائم بالنفس مغاير للارادة الحقيقية ويظهر ذلك مما سنبينه من ادلة الاشاعرة.

والذي ينبغي ان يقال انه يمكن ان نتصور معنى ثالث غير الارادة النفسية وهو عقد القلب الذي يتعرض له الفقهاء فى حرمة التشريع وفى اعتباره فى أصول الدين وفي البناء على الاكثر في مسألة الشك بين الثلاث والاربع ، فمن هذه الاشياء نستكشف وجود صفة اخرى غير العلم والارادة تسمى بعقد القلب وله انحاء فبعض انحائه يسمى بالطلب وحينئذ يمكن ان يكون ذلك مراد القائل بالمغايرة

ولكن لا يخفى انه لا يمكن انكار مثل هذا المعنى لأنه امر متحقق زائد على الارادة ومقدماتها ، إلا انه مع ذلك لا يفيد القائل بالمغايرة لأن هذا المعنى الثالث لا يحكم العقل بموافقته ولا بمخالفته ، إلا وان تقترن به ارادة ، اللهم إلا ان يقال ان الاشاعرة لا يرون العقل هو الحاكم بالموافقة والمخالفة لعدم التزامهم بالتحسين والتقبيح العقليين ، وانما يرون ان الموافقة والمخالفة تتبع ترتب الثواب والعقاب فيحكمون بثبوته فيما لو حكم الشارع بثبوته ويحكمون بعدمه فيما لو نفى الشارع الحكم عنه ، وان كان العقل فى بعض الموارد يقبح ما اثبته الشارع ويحسن ما نفاه ، وكيف كان فقد استدلت الاشاعرة على المغايرة بين الطلب والارادة بامور :

الأول انه لا ريب في تحقق الاوامر الامتحانية مع العلم بعدم تحقق الارادة الجدية فيها فعلى القول بالاتحاد يلزم نفي الطلب عنها ومع عدمه لا معنى لتحقق الاوامر فيها فتحققها يستلزم تحقق الطلب لاخذه في مفهوم الامر مع عدم وجود الارادة فيها. ولازم ذلك تحقق المغايرة.

الثاني : انه لا إشكال في تكليف الكفار والعصاة وانهم معاقبون على عدم الاتيان بمتعلقات التكاليف ولازم ذلك تحقق الطلب فيها إذ لا معنى لتحقق التكليف بلا طلب مع ان الارادة فيها ليست بمتحققة وإلا لزم تخلف المراد عن ارادته تعالى.

الثالث : ان التكاليف الشرعية المتعلقة بالعباد لا يعقل تحقق الارادة فيها لأنها لا بد ان تتعلق بما هو مقدور والمفروض ان المكلف مجبر على اتيان فعله فحينئذ لا ارادة مع تحقق التكليف المشتمل على الطلب اذ مع انتفائه ينتفى التكليف مع انه بالوجدان ان العباد مكلفون بهذه التكاليف. ولكن لا يخفى ما في هذه

الادلة من النظر. أما عن الأول : فالتكاليف تارة تكون لمصلحة موجودة في متعلقاتها واخرى تكون لمصلحة متحققة فى نفس الامر بها. فعلى الأول لا إشكال في تحقق الارادة الجدية الحقيقية فيها ، وعلى الثاني فان التكليف ليس إلا صورة تكليف ، وانما الغرض استكشاف استعداد المكلف للطاعة أو عدمها ففي مثل ذلك لا امر حقيقة ولا ارادة جدية. وعن الثاني ان الارادة المعتبرة في التكاليف هي الارادة التشريعية وهي العلم بمصلحة المكلف ، وهي لا محذور في تخلفها عن المراد وانما لا تتخلف عن المراد فهي الارادة التكوينية وهي العلم بالنظام على النحو الكامل وهي غير مأخوذة في التكاليف كما لا يخفى.

وأما عن الثالث : فهو شبهة في قبال البديهة اذ كل من يتأمل ويفكر بادنى تفكير يجد فرقا بين حركة يد المرتعش وحركة يد الفاعل المختار ، وان اردت الجواب العلمي فبيانه : ان الاوصاف العارضة على الانسان تارة لا تكون من لوازم وجوده ، كالاختيار اللاحق للانسان فعلى الاول يحتاج العارض الى جعل مستقل ولا يكفي ذلك بجعل معروضه ، فان علم الانسان بكون ما يفعله ذا مصلحة يحتاج الى تعلق ارادة أزلية منه ـ تعالى ـ بذلك الفعل ولا تكفي الارادة الازلية التي تعلقت بوجود الانسان وعلى الثاني ، جعل العارض يحصل بجعل المعروض ولا يحتاج الى جعل مستقل ، لأن الاختيار لما كان من لوازم وجود الانسان ولو في بعض مراتبه ففي تلك المرتبة بمجرد وجوده يكون مقهورا بالاتصاف بالاختيار فحينئذ الفعل الصادر عن الانسان الناشئ عن الاختيار يكون له نسبتان نسبة اليه باعتبار صدوره عن اختيار الذي هو من لوازم الوجود المجعول بجعل نفس الانسان لا بجعل مستقل واخرى ينسب اليه تعالى ، باعتبار صدوره عن العلم بالفائدة

والشوق ونحوها المجعولة بجعل مستقل لا انها مجعولة تبعا لعدم كون العلم ونحوه من المجعولات التبعية ، وانما هي مجعولة بجعل مستقل ، فيكون الفعل الصادر من الانسان لا جبر ، باعتبار صدور الفعل عن اختيار الانسان المنتهى الى ذاته ، ولا تفويض ، باعتبار ان بعض مبادئه. كالعلم بالفائدة والشوق المحرك للعضلة مستند الى ذاته تعالى ، وهذا معنى (الامر بين الامرين). لا يقال ان الافعال انما تصدر عن مبادئها. كالعلم بالفائدة والشوق المحرك للعضلة والقدرة والارادة ، وأما صفة الاختيار التي هي من لوازم وجود الانسان المجعولة بجعله لا دخل لها في وجود الفعل ، لأنا نقول : ان هذه الصفة ـ أعني صفة الاختيار فى الانسان ـ قبل صدور الفعل من الفاعل كانت بنحو القوة وبصدوره تكون بنحو الفعلية ، ومما ذكرنا ظهر بطلان ما قاله الأشاعرة من انتفاء الحسن والقبح العقليين لكون الانسان مجبورا على فعله ، بأن الفعل الصادر لما كان عن اختيار بلا قهر وجبر فيحكم العقل باستحقاق الثواب والعقاب على الاطاعة والمعصية وليس للشارع حكم في ذلك ، ولو حكم فانما هو ارشاد الى حكم العقل. ثم انه قد التزم بعض الاعاظم (قدس‌سره) بالمغايرة بين الطلب والارادة فرارا عن شبهة الجبر ، بتقريب : ان الارادة عبارة عن الشوق المؤكد ، الذي هو من مقولة الكيف والطلب عبارة عن التصدي لتحصيل المراد الذي هو من مقولة الفعل ولا اشكال بتغايرهما على ان حركة العضلات المترتبة على الطلب هي من الانفعال ولازمه ان يحصل من الفعل وليس إلا ان الطلب من مقولة الفعل فاذا كان الطلب عبارة عن التصدي لتحصيل المراد وهو من افعال النفس وهو فعل اختياري لها من دون مدخلية شيء لان النفس لها السلطة التامة على التصدي وليست مجبرة عليه وهذا الاختيار للنفس ذاتي والذاتي

لا يعلل ، وبالجملة ان الفاعل المختار لما تحققت فيه الارادة يجد نفسه بالنسبة الى نفس الفعل له ان يفعل وله ان لا يفعل وذلك هو اختيارية النفس وهذه الصفة هي التي تؤثر في الفعل من دون مدخلية شيء. فهو وان كان قد خالفنا بتقدم الارادة على الاختيار لما عرفت منا سابقا من تقدم الاختيار على الارادة لأن النفس لما كانت صفة الاختيار متحققة فيها فلها ان تفعل ولها ان تترك فالارادة هي التي يحصل بها الترجيح للفعل أو الترك فمع تحقق ارادة الفعل يتحقق الفعل ومع ارادة الترك لا يتحقق فالارادة متوسطة بين الاختيار والفعل ولكن وافقنا على كون الافعال مستندة الى الاختيار الذي هو من الصفات القائمة بالنفس ولا يحتاج الى علة اخرى (١) اذا عرفت ما ذكرنا من بطلان دعوى الاشاعرة بالمغايرة

__________________

(١) يرد عليه ان صيرورة ما هو بالقوة فعليا تحتاج الى علة تامة ولو كانت هي النفس الى ان تنتهي الى علة تامة قديمة وإلّا لزم التسلسل الذي هو بديهي البطلان أو لزوم وجود الشيء بلا وجود عليته التامة وبطلانه أوضح من سابقه كما انه يرد على بعض الاعاظم قدس‌سره بان حملة النفس وتصديها للفحص عن الشيء من الامور التي تتجدد على النفس وهي حادثة تحتاج الى علة تامة الى ان تنتهي الى علة قديمة وإلّا لزم التسلسل أو لوجود بلا علة تامة وكلاهما بديهي البطلان ولذا لا تندفع شبهة المجيرة بما ذكراه وحاصلها ان ارادة العبد المستتبعة لتحريك العضلات تحتاج الى علة لحدوثها وتلك العلة لا بد ان تنتهي الى علة لا تكور معلولة للغير وإلّا لزم التسلسل الواضح البطلان ، فمع تحقق علته التامة يكون الفعل ضروري الوجود ومع عدمها يكون ضروري العدم فحينئذ لا اختيار وقد أجاب عنها المتكلمون بما حاصله ان ذلك يتم في الفاعل الطبيعي لا الفاعل الارادي اذ الفاعل الارادي له جهة اختيار فله ان يفعل وله ان يترك فالفعل الصادر عن ارادة واختيار اختياري

فاعلم ان الحق هو القول بالاتحاد مع الارادة التشريعية لأننا لا نجد فى انفسنا غير

__________________

حتى بالنسبة الى ما كان نفس الذات فيه علة تامة لوجوده كما هو بالنسبة الى ذاته تعالى فانها علة تامة للمعلول الاول فانه لم يكن صدوره ضروريا بل هو تعالى مختار في فعله فله اصداره وله تأخيره بعد حين وتأخره لا ينقض عليته التامة كما ان الحكماء أجابوا عن هذه الشبهة بما حاصله ان وجوب الفعل بايجاب الفاعل لا يخرجه عن كونه اختياريا مع كونه مسبوقا بالارادة فهو وان كان ضروريا بالاضافة الى الارادة إلا انه لا ينافى اختيارية ذاته لأنه يصير ضروريا وواجبا بالغير ولا ينافي ذلك امكانيته وإلا لو كان الوجوب الغيرى ينافى اختيارية الفعل لزم ان يكون ضرورية ما هو معلول لذاته جل وعلا كالصادر الاول ضروريا وواجبا بالغير منافيا لكونه تعالى فاعلا مختارا ولا منافاة فى ذلك إذ الوجوب بالاختيار لا ينافى الاختيار كما ان الامتناع بالاختيار لا ينافى الاختيار هذا وقد ذكرنا في تعليقتنا على الكفاية جوابا لبعض المحققين قدس‌سره عن الشبهة بتوضيح منا وبيانه يتوقف على بيان أمور :

الأول ان الماهيات الامكانية متمايزة بالذات كالحجرية والشجرية.

الثاني ان المجعول بالاصل وبالذات هو الوجود وان الماهية مجعولة بالعرض.

الثالث ان افاضة الوجود على الماهيات المتباينة بالذات على السوية والاختلاف بينهما من حيث الشدة والضعف ليس من ناحية افاضة الوجود وانما هو من ناحية قبولها للافاضة وان شئت زيادة التوضيح لهذا الأمر فلاحظ النور المنبسط على الزجاجات المختلفة الالوان من السواد والبياض والاحمرار وغيرها وليس هذا الاختلاف من ناحية النور اذ افاضته على الزجاج على نحو واحد وانما هو من ناحية القابل وهو نفس الزجاج فيكون منه يلائم النور فيكتسب شدة النور ومنه لا يلائم النور فلا يكتسب من النور الا القليل.

الارادة صفة اخرى تسمى بالطلب وتكون مدلولا للامر وموضوعا لحكم العقل بوجوب الاطاعة وان امكن تصور صفة اخرى تسمى بالبناء القلبي غير الارادة لأنها من صفات النفس وغير اختيارية والبناء القلبي من افعال القلب وهو اختياري

__________________

الرابع كلما امكن وجوده بالذات يجب وجوده لعدم نقص فى علة العلل فلا بد وان يرجع النقص الى المعلول بان يكون مانع ذاتي يقتضي عدمه.

اذا عرفت ذلك فاعلم ان الاختلاف فى السعادة والشقاوة انما بالهوية والمجعول بالاصالة هو الوجود والماهية مجعولة بالعرض فلا يبقى حينئذ مجال للسؤال بانه لم صار السعيد سعيدا والشقى شقيا لأن السعيد سعيد فى بطن أمه والشقي شقي فى بطن أمه على رواية وفي رواية الشقي من شقى في بطن أمه. وأما بالنسبة الى افاضة الوجود على الماهيات على السوية والاختلاف بينها باعتبار قبول القابل فرب قابل يلائمه الوجود الكامل فيكون كاملا ورب قابل لا يلائمه ذلك فلا يكون وجوده كاملا (فان الناس معادن كمعادن الذهب والفضة) قال الله تعالى (أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها ... الآية) وعليه لا يبقى مجال للسؤال انه لم اوجد الشقي الناشئ منه المضار لانك قد عرفت ان الشيء الممكن انما لا يوجد اما لنقصان في علة العلل تعالى الله عما يقول الظالمون أو لعدم امكانه وقد عرفت انه ممكن والجعل انما هو من ناحية المبدأ الفياض ليس إلا الوجود وهو خبر محض فالشقي لم يجعله شقيا بل اوجده فصار شقيا وعلمه بانه يوجد شقيا ليس علة تامة بل هو تابع للمعلوم كما هو شأن كل علم بالنسبة الى كل معلوم.

حقيقة لعلم انكشاف الواقع

له من المعلوم حكم التابع

وبالجملة الصادر من المبدأ الفياض الوجود وهو خير والشرور اعدام والماهيات امور اعتبارية مجعولة بالجعل العرضي فافهم وتأمل.

إلا أن تلك الصفة لا تكون موضوعا لحكم العقل بوجوب الاطاعة ولا موافقتها موضوعا لاستحقاق الثواب ولا مخالفتها موضوعا لاستحقاق العقاب وعليه لا تكون تلك الصفة هي الطلب لكي تحصل بها مغايرة الطلب للارادة كما ان جعل الطلب من مقوله الفعل في غير محله فانا لا نتعقل اشياء تحدث في النفس بعد حدوث الارادة يقال له الطلب سواء كان من افعال النفس أو من صفاتها فانها إما ان تكون من مبادي الارادة أو مما يتعلق بها الارادة.

ثم انك قد عرفت ان الاطاعة لا بد وان تكون مسبوقة بالارادة. فالارادة لا تحصل إلا مع ملاحظة مصلحة في المتعلق ولا يمكن ان تكون قائمة بنفسها اذ من مبادئ الارادة المحبوبية ، والمحبوبية لا تحصل إلا بالمتعلق. كما انه يستحيل وصولها الى مرتبة الفعلية إلا وان تنتفي جميع الموانع من تحميل العبد بالتكليف ومن هنا قيل : ان الاحكام الشرعية الطاف في الواجبات العقلية لوضوح ان الارادة لم تنبعث إلا حيث توجد مصلحة في المأمور به ، فاذا حكم الشارع بشيء حكم العقل به لأن حكم الشارع انما يكون لمصلحة أكيدة في المتعلق فالعقل أيضا يحكم باتيانه وحينئذ كلما حكم الشرع بشيء حكم العقل به من دون العكس ، اذ العقل يحكم بوجوب شيء لوجود مصلحة فيه وربما لا يحكم الشرع بذلك لمانع كمثل المشقة المانعة من وجوب السواك نعم لا مانع من دعوى الملازمة من الجانب الآخر ـ أي لو حكم الشارع بالوجوب يستكشف منه وجود مصلحة في المتعلق. وحينئذ يتحقق موضوع حكم العقل هذا بناء على ما قوينا من اتحاد الطلب والارادة التشريعية وأما بناء على القول الآخر وهو القول بالمغايرة فلا ملازمة من الجانبين كما هو واضح ، ان قلت : ان هذه الارادة ان كانت متحققة فى تكليف الكفار يلزم تخلف

الارادة عن المراد ، وان كانت غير متحققة فحينئذ ليسوا بعصاة. قلت : ذكرنا سابقا ان الارادة على قسمين : ارادة تشريعية وارادة تكوينية ، أما الأولى : فعبارة عن العلم بمصلحة المكلف ، والثانية عبارة عن العلم بالنظام التام الكامل ، وتخلف الارادة عن المراد ، انما لا يعقل بالنسبة الى القسم الثاني المعبر عنها (بكن فيكون) لا الاولى ، والتي هي متحققة في حق الكفار هي الاولى لا الثانية وتوضيح الفرق بين الارادتين : ان الاختلاف بينهما باختلاف جهات انعدام الشيء فتارة يكون انعدامه بانعدام مقتضيه ، واخرى انعدامه لوجود المانع وثالثة انعدامه من جهة فوات بعض المقدمات فحينئذ اذا تعلقت ارادة المولى وكان منسدا عنه ابواب الانعدام وهو قادر على الاتيان والايجاد فحينئذ لا بد من حصول الشيء عند تعلق الارادة بالوجود وهذه هي الارادة التكوينية وهي لا تتخلف عن المراد وأما اذا تعلقت ارادة المولى بحفظ الوجود من قبل عدم المقتضي بمعنى ان ارادة المولى إحداث مقتضي الوجود من قبل امره ، لكي يتحقق بذلك مورد حكم العقل بالموافقة ، امكن تخلف مثل هذه الارادة بملاحظة فوات بعض المقدمات أو وجود المزاحمات وهذه هى المسماة بالارادة التشريعية على ان هذا الاشكال اعني تخلف المراد عن الارادة انما يتأتى بناء على اتحاد الطلب والارادة (١) واما بناء على المغايرة

__________________

(١) لا يخفى ان هذا الاشكال لا دخل له بحديث المغايرة والاتحاد كما ان الفرق بين الارادة التشريعية والتكوينية بان المراد يتخلف عن الارادة في الاولى دون الثانية محل نظر اذ لا يعقل تخلف المراد عن الارادة مطلقا بيان ذلك ان هذا التقسيم ليس راجعا الى حقيقة الارادة فان حقيقتها معنى وحداني وهو العلم بالصلاح وانما التقسيم باعتبار ما تقتضيه الارادة من المراد فتارة يكون العلم بالصلاح على النحو الكامل اعني ما يتعلق بنظام العالم كانزال الكتب وارسال الرسل المتوقف

فلا ارادة فى التكاليف مع تحقق الطلب لكي يلزم اشكال تخلف المراد عن الارادة فافهم

__________________

مصلحة العالم ونظامه عليه فحينئذ يقتضي الخلق والتكوين واخرى لا يقتضي ذلك وانما يكون العلم بالصلاح أي بمصلحة المكلف يقتضي الامر والتشريع وفي الصورتين لم تنفك الارادة عن المراد فان المراد في الاول هو انزال الكتب وبعث الرسل وقد حصل كما ان المراد الثاني هو الامر والتشريع فقد حصل أيضا نعم يمكن ان يوجه كلام القوم بان يراد من المراد هو العرضي وهو الفعل في الخارج وأما تسمية الاولى بالتكوينية والثانية بالتشريعية فبملاحظة ما تقتضيها الارادة على انه لو التزمنا بالفرق بين الارادتين إلا ان التكاليف متعلقة للارادة التكوينية التي لا تتخلف عن المراد فلا يكون ما ذكر من الدفع رافعا للاشكال.

بيان ذلك هو ان جميع ما فى الكون من جواهر واعراض انما تكون بالارادة التكوينية ومن جملة الاعراض افعال المكلفين فلا بد من ان يكون وجودها أو عدمها بالارادة التكوينية فاذا تعلقت بايجادها فلا بد من ايجادها واذا تعلقت بعدمها فلا بد من عدمها لاستحالة تخلف المراد بالارادة التكوينية عن الارادة من غير فرق بين ان يتعلق بها ارادة تشريعية أم لا وقد أجيب عنه بان الارادة التكوينية لم تتعلق بمطلق الفعل وانما تعلقت بالفعل الناشئ عن الارادة فلا بد حينئذ ان يصدر الفعل عن الارادة ولو فرض صدوره بلا ارادة يلزم تخلف المراد عن الارادة التكوينية وهو محال واستناد الافعال الى الارادة ليست بنحو العلة والمعلول لكي تأتي شبهة المجبرة بل استنادها الى الارادة بنحو الداعي والمرجح أو المقتضي فان الممكن حسب ما هو مقرر يحتاج الى مرجح يرجح جانب الوجود أو العدم والارادة بالنسبة اليه يرجح أحدهما على الآخر كما انه لا ينسب التفويض المطلق للخلق إلّا بناء على ان العلة المحدثة هي العلة المبقية وان الباقي غير محتاج الى المؤثر وهو باطل فان العبد وان كان مختارا إلّا ان ارادته وقدرته كانت

فيما يتعلق بصيغة الامر

الفصل الثاني فيما يتعلق بصيغة الأمر وفيه مباحث :

__________________

بافاضته جل وعلا ومحتاج في كل آن الى فيضه وحينئذ كيف تكون العلة المحدثة هي المبقية.

ومن ذلك تعرف الحالة الوسطى الثابتة للعبد المعبر عنها بلسان الاخبار (بالامر بين الامرين) فان هذا الخبر الشريف قد فسر بتفاسير عديدة اجودها بنظري القاصر هو ان للشيء نسبتين طوليتين أحدهما حاصل بالمباشرة والآخر بالتسبب الاول ارادة العبد وقدرته الثاني ارادة الواجب التي هي عبارة عن اعطاء هذه الارادة للعبد وافاضة الوجود عليه من ناحيته جل وعلا فان لاحظت قدرة العبد ينسب اليه وان لاحظت ارادة الواجب ينسب اليه فالفعل لا جبر فيه لنسبته الى العبد بالاختيار والارادة ولا تفويض لنسبته الى الواجب بان منه الفيض لا يقال ان فعل العبد لما كان فيه هذان النسبتان فما وجه انتساب الحسنات الى الله تعالى والسيئات الى العبد لانا نقول بان الاخبار تدل على وقوع المشاجرة بين جنود العقل وجنود الجهل فان غلب جنود العقل ارتدع عن القبيح وشملته العناية الرحمانية وقرب من الملائكة وهذه هى المجاهدة للنفس المعبر عنها فى الاخبار بالجهاد الاكبر وان غلب جنود الجهل وقع فى القبيح وبعد عن الرحمة الربانية وصار من حزب الشياطين وحينئذ فما كان سببا لأن تشمله العناية الإلهية كالحسنات فهو احق بالانتساب الى الله تعالى وما يستند الى الجهل الناشئ من جهة ظلمة النفس التى هي أمارة بالسوء كالسيئات فهي الى العبد أولى وهو معنى الخذلان فانه لما تغلب جنود الجهل اخذته النزعة الشيطانية فبعد عن ساحة الرحمة فلا يوفق الى الخيرات فافهم وتأمل فانه دقيق.

الأول : انه قد ذكر للصيغة معان كالترجي والتمني والتهديد والانذار والاهانة والاحتقار والتعجيز والتسخير الى غير ذلك ولا يخفى انها ليست من معانيها اذ لم تستعمل فيها وانما استعملت في معنى واحد وهو نسبة بين الفاعل والمبدأ ، وهى قائمة بالطرفين وهما المادة والذات ، وهذا المعنى له دواع فتارة ينشأ بداعي الطلب الحقيقي فيكون بعثا حقيقيا ، واخرى بداعي الترجي فيكون ترجيا وثالثة بداعي التهديد فيكون تهديديا ، وهكذا ، وهذه الامور هى دواع ليست دخيلة في المعنى المستعمل فيه فلذا اختلافها لا يوجب اختلافا فى ناحية المستعمل فيه لكي يقال ان صيغة الامر بالنسبة الى هذه الامور مشتركا لفظيا ، او انها بنحو الحقيقة والمجاز والاستاذ (قدس‌سره) ذكر ان هذه الامور هي دواع وان صيغة الامر مدلولها حقيقة واحدة إلا ان جعل معناها انشاء الطلب فى غير محله اذ ان انشاء الطلب ان كان عين الارادة فهو من مقولة الكيف ، وان كان غيرها فهو من مقولة الفعل وعلى كلا التقديرين لا يمكن ان يكون مدلولا للصيغة لما عرفت ان الصيغة معنى حرفيا ومعنى ربطيا تدل على النسب والارتباطات ، وكيف كان فمدلول الصيغة الذي هو نسبة قائمة بين الفاعل والمبدأ ترى خارجية ، وان لم يكن لها مطابق في الخارج كسائر المفاهيم التي ترى خارجية ، وان لم يكن لها مطابق في الخارج وهكذا الكلام في بقية الصيغ الانشائية ، كلعلّ للترجي ، وليت للتمني وكأن للتشبيه ونحوها فان لها مفاهيم ترى فانية في الخارج. وان لم يكن لها مطابق فيه كسائر المفاهيم الاسمية مثلا ، لعل يدل على الترجي المرتبط بالذات بنحو يرى فانيا في الخارج ولو لم يكن ترجيا فى الخارج ، وهكذا فى التمني والتشبيه ونحوهما. ويظهر مما ذكرناه ان ما ذكره الاستاذ ما لفظه (وقصارى ما يمكن ان يدعى

ان تكون الصيغة موضوعة لانشاء الطلب فيما اذا كان بداعي البعث والتحريك لا بداع آخر منها فيكون انشاء الطلب بها بعثا حقيقة وانشاؤه بها تهديدا مجازا وهذا غير كونها مستعملة في التهديد) محل نظر.

أولا ما عرفت من ان الصيغة ليست دالة على انشاء الطلب مضافا الى ان داعي البعث والتحريك لا يكون دخيلا فى المستعمل فيه ولا في الموضوع له فعليه كيف يكون حقيقة فيما اذا كانت بداعي البعث ومجازا فيما اذا كانت بداعي التهديد ، ودعوى ان داعي البعث اخذ قيدا للوضع ففي غير محلها ، اذ ان ذلك لا يوجب كونه في التهديد مجازا لانه يكون حينئذ من مقررات الوضع والاستعمال على خلاف مقررات الوضع على ما بيناه سابقا ، يعد غلطا ومستهجنا. نعم فى مقام تشخيص المراد يمكن ان يدعى ان الصيغة عند اطلاقها تنصرف الى ما كان الداعي فيه بنحو البعث والتحريك لاحتياج غيره الى عناية زائدة فينفي باطلاق الصيغة ولكن لا يخفى انه يمنع الاخذ باطلاقها ، إذ هذه الدواعي ليست دخيلة في المستعمل فيه فلذا لا يتمسك بالاطلاق اللفظي ، نعم لا مانع من الاطلاق المقامي. فان أحرز ان المولى في مقام البيان فينصرف الى الارادة الحقيقية وانه في مقام الجد لا في مقام السخرية والهزل وأما لو شك فى انه أراد ذلك أم لا ، يرجع الى ظاهر حال المتكلم ، فان ظاهر حاله يقتضي الإرادة الحقيقية. وهو أصل يرجع اليه في مقامنا وامثاله ، لاعتبار ذلك عند العقلاء ويرجعون اليه عنه الشك ، كما لا يخفى.

المبحث الثاني في ان الصيغة حقيقة في الوجوب ومجاز في الندب أو حقيقة في الأعم منهما وجوه : وقوّى الاستاذ انه حقيقة في الوجوب بدعوى التبادر عند استعمالها بلا قرينة ، وأيّد ذلك بعدم صحة الاعتذار عن المخالفة باحتمال الندب ،

ولكن لا يخفى ان التبادر ممنوع وعدم صحة الاعتذار أعم من الوضع للوجوب ولكن دعوى كون صيغة الامر ظاهرة في الوجوب عند عدم القرينة على خلافه غير مجازفة لما نراهم يستدلون على وجوب شيء بظاهر الأمر ، وأما ان هذا الظهور مستند الى الوضع أم الى الاطلاق فليس عندنا ما يعين ذلك ، على انه ليس من شأن الأصولي تنقيح ما هو مستند الظهور إذ لا ثمرة تترتب فيما يهم الاصولي من البحث عن استنباط الاحكام الشرعية. نعم ربما تحصل ثمرة حينما شك في كونه فى مقام البيان ، فاذا كان الظهور مستندا الى الوضع يحمل عليه ولا يحتاج الى مراجعة حال المتكلم ، وظاهر حاله. وأما إذا كان مستند الظهور الى الاطلاق فلا يحمل عليه ، لأن ظهوره انما يبقى اذا صار في مقام البيان ، واما اذا لم يكن فلا ظهور ، ولا يخفى ما فيه. لانك قد عرفت بانا نرجع الى ظهور الاطلاق بمعونة الاصل المقرر في المطلقات وهو ظاهر حال المتكلم فيمكن احراز انه فى مقام البيان حتى يترتب عليه الاخذ بالظهور بالاصل المقرر وهو ظاهر حال المتكلم ، ان قلت ان هذا الظهور ينافي كثرة استعمالها في الندب. قلنا : ان استعمالها فى الوجوب اكثر ولو سلم فلا يجعل ذلك من المجاز المشهور لكي يجب العمل به للشهرة ، ولو سلم فذلك لأجل الشهرة ، وتلك قرينة حالية فمع عدمها يحمل على الوجوب ولا يحمل على الندب ثم لا يخفى انه يشكل التمسك باطلاق الصيغة أي باطلاقها اللفظي لعدم جريان مقدمات الحكمة بالنسبة الى مدلول الصيغة لما عرفت ان مدلولها عبارة عن النسبة القائمة بين الذات والمبدأ وهي لا يفرق بين كونها بنحو الوجوب او الندب كما انها لا تجري بالنسبة الى الارادة التي تتضمنها الصيغة لكونها ارادة شخصية جزئية فلا اطلاق فيها وليست الشدة والضعف من عوارضها بعد وجودها لكي

يكون الاطلاق معينا احدهما بل توجد أما شديدة أو ضعيفة وأما تمسكنا بالاطلاق اللفظي لتعيين الوجوب بالنسبة الى مادة الامر لانها كلية طبيعية فتجري مقدمات الحكمة فاذا جرت دلت على المصلحة اللزومية ومنها تنشأ الارادة التشريعية الشديدة فدلالة مادة الامر على الارادة الشديدة بالدلالة الالتزامية وهذا المعنى لا يتأتى في دلالة الصيغة لعدم جريان مقدمات الحكمة في تعيين اطلاقها نعم لا مانع من جريان مقدمات الحكمة بالنسبة الى الاطلاق المقامي فانه لما كان المتكلم في مقام البيان وكان كلامه صالحا لان ينطبق على أحد امرين أحدهما غير محتاج الى مئونة والآخر في حاجة الى ذكر مئونة فعدم ذكرها يدل على عدم اعتبارها.

بيان ذلك : ان الوجوب عبارة عن الطلب الشديد والندب عبارة عن الطلب الضعيف أي يجوز تركه ، فالوجوب يفترق عن الندب بشدة الطلب ، والشدة من مراتبة ، والندب يفترق عن الوجوب بالضعف أي الاذن في الترك وهو ليس من سنخ الارادة ، وانما هو حد خاص لها ، فيكون الوجوب من قبيل الوجود المطلق ـ أي غير محدود بحد ـ لما عرفت من أن الشدة من سنخ الطلب ، وليس من حدوده ، لأن حد الشيء لا يكون من سنخه والندب من قبيل الوجود المحدود لاشتماله على الضعف ، وهو ليس من سنخ الارادة فالوجوب حينئذ يكون بسيطا والندب يحتاج الى مئونة زائدة ، لكونه مركبا من الطلب مع الاذن في الترك ويترتب على ذلك ان المولى اذا كان بصدد البيان. وقد اتى بكلام يكشف عن مراده وكان صالحا لانطباقه على أحد الامرين ، مع ان احدهما لا يحتاج الى مئونة زائدة فحينئذ يحمل كلامه عليه ولا يحمل على ما يحتاج الى المئونة ، هذا إذا أحرز ان المولى في مقام البيان ومع الشك في انه في مقام البيان يحمل عليه أيضا ،

لما عرفت منا سابقا من وجود أصل مقرر عند العقلاء يحرز ان المولى في مقام البيان فيعمل على طبقه في مقام الشك ، كما لا يخفى.

المبحث الثالث في ان الجملة الخبرية المستعملة في مقام الطلب كمثل يغتسل ويتوضأ ، هل هي منسلخة عن معنى الاخبار أو انها تدل على وقوع المخبر به في في المستقبل ، أما لغفلة عن موانعه أو لعدم الاعتناء بها أو انها تدل على ايقاع النسبة بداعي البعث والطلب : احتمالات ، قيل بالأول كما يظهر من بعض كلمات القدماء ، بان استعمال الجملة الخبرية في الطلب مجاز ، ولكن لا يخفى انه لا نجد تجوزا فى ذلك بل استعمالها فى المقامين على نحو واحد من غير فرق بين استعمالها فى مقام الاخبار وبين مقام الطلب ، كما قيل بالثاني بتقريب ان المقام من قبيل اخبار بعض الاطباء بوقوع بعض العوارض لاطلاعهم على تحقق بعض اسباب الوقوع. بيان ذلك : ان المولى اذا اخبر بوقوع الفعل من العبد بقوله : يغتسل ، أو يتوضأ أو يعيد ، تعويلا على تحقق مقتضيه لعلمه ان من مقتضيات فعل العبد هو طلب المولى وارادته ، ولكن لا يخفى ان وجود الارادة واقعا لا تكون مقتضية للفعل ، وانما المقتضى له هو وجودها العلمي ، فلو توقف العلم بها على الاخبار بوقوع الفعل لزم الدور الباطل ، وحاصله ان الاخبار بوقوع الفعل يتوقف على تحقق مقتضيه فى الخارج ، وتحقق مقتضيه يتوقف على الاخبار بوقوعه فلذا قوّينا الوجه الاخير لأن استعمال الجملة الخبرية في مقام الطلب على هذا الوجه لم تكن أخبارا عن الوقوع وانما استعملت في ايقاع النسبة بداعي التوسل والتسبب لوقوعها في الخارج ويكشف ذلك عن طلبه وارادته على ايجاد الفعل من العبد وهذا هو السبب في ايجاد الجملة الخبرية ، وليس الغرض منها علمه بتحقق مقتضيه لكي

يتوجه اشكال الدور ثم لا يخفى انه بعد الفراغ من ان الجملة الخبرية تدل على الطلب فهل دلالتها على مطلق الطلب أو خصوص الطلب الالزامي وجهان : الظاهر ان الجملة الخبرية تدل على النسبة الايقاعية من غير فرق بين الطلب الالزامي ومطلق الطلب ، لكونها صالحة لهما ، لأنها بحد ذاتها صالحة لأن يفهم منها الالزامي ويفهم منها غيره فعليه ليس عندنا ظهور وضعي لاحدهما ، نعم لا يبعد دعوى ظهورها فى الالزامي بمعونة مقدمات الحكمة بتقريب ان الوجوب من الوجود المطلق ، وانه غير محدود والندب من الوجود المحدود فلذا ، يحتاج الى مئونة زائدة فمع عدم بيانها يحمل على الطلب الالزامي ، ودعوى بعض الاعاظم الحمل على الطلب الالزامي بتقريب ان اطاعة المولى واجبة عقلا فكل ما ينشأ بصيغة (افعل) أو بمادة الأمر أو بلفظ الطلب ، ولم يدل على جواز الترك فحينئذ يكون من مصاديق الاطاعة فيجب امتثاله ممنوعة ، بمنع الكبرى التى هي (اطاعة المولى واجبة) لانها يجب امتثالها اذا كان متعلقها واجبا امتثاله ، وأما مع كونه مندوبا فحينئذ لا يجب امتثاله وان صدق عليه اطاعة فليس كل اطاعة يجب امتثالها ، ثم لا يخفى ان هذا الذي ذكرناه على طبق ما ذكره الاستاذ في الكفاية حيث قال : (مع انه اذا أتى بها في مقام البيان فمقدمات الحكمة مقتضية لحملها على الوجوب) وان كان مخالفا لما ذكره في غير الكفاية حيث جعل صحيحة البزنطي ـ قال سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن غسل الجنابة فقال تغسل يدك ، وتبول ان قدرت على البول ثم تدخل يدك فى الاناء .. الخ ـ دليلا على الاستحباب قال في وجه ذلك بما ملخصه انه لا أقل من عدم ظهور ذلك في الوجوب لعدم وضع الجملة الخبرية للوجوب وكثرة استعمالها في الاستحباب.

المبحث الرابع في ان صيغة أفعل هل هي ظاهرة فى الوجوب أم لا؟ لو سلم عدم الوضع له قيل بظهورها فيه استنادا الى غلبة الاستعمال أو غلبة الوجود أو اكمليته ولكن لا يخفى ان شيئا منها لا يوجب الظهور. أما غلبة الاستعمال فهو وان أوجب الظهور إلا إنه لو تحققت مع ان الاستعمال في الندب كثير لو لم يكن اكثر. وأما غلبة الوجود لمنع ذلك أولا وثانيا لا توجب الظهور وأما اكملية الوجوب فهي لا توجب الظهور وإلا لزم انصراف الفاظ المشككة الى المرتبة الشديدة على ان ذلك لا يتم بناء على ان مفاد الصيغة هي لنسبة الإيقاعية وليس الوجوب اكمل باعتبارها. والتحقيق ان الموجب للظهور هو ان الوجوب من قبيل الوجود المطلق لاشتماله على الشدة الذي هو من سنخه بخلاف الندب فانه من قبيل الوجود المحدود لاشتماله على الضعف وهو من حدوده فلذا لا يكون من سنخه فارادة الندب تحتاج الى بيان ذلك فمع عدم البيان بمعونة مقدمات الحكمة تكون صيغة أفعل ظاهرة في الوجوب وعلى ذلك يحمل ما ذكره الاستاذ قدس‌سره في الكفاية ما لفظه (فان الندب كانه يحتاج الى مئونة بيان التحديد والتقيد بعدم المنع من الترك بخلاف الوجوب فانه لا تحديد فيه للطلب ولا تقيد فاطلاق اللفظ وعدم تقيده مع كون المطلق في مقام البيان كاف في بيانه فافهم) (١).

__________________

(١) لا يخفى ان ما ذكره في الكفاية يمكن ان يحمل على ان الوجوب منتزع من الطلب التام والندب منتزع من الطلب الناقص فان التمامية من سنخ الطلب بخلاف النقص فالندب يحتاج الى مئونة زائدة بخلاف الوجوب كما انه يمكن حمل كلامه قدس‌سره على كون الوجوب والندب أمرين عقليين بان يحكم العقل بالانبعاث نحو المأمور به عند اطلاق الصيغة فيكون الوجوب حينئذ من المداليل الالتزامية العرفية وحكمه بالندب عند قيام الدليل على الرخصة وعلى هذين الوجهين يرتفع

التعبدى والتوصلى

المبحث الخامس في أن إطلاق الصيغة هل يقتضي كون الوجوب (١) توصليا

__________________

الاشكال فى مثل اغتسل للجمعة وللجنابة وحاصله ان اغتسل تكون مستعملة فى الوجوب لنسبته الى الجنابة وفي الندب لنسبته الى الجمعة فتكون من باب استعمال اللفظ في اكثر من معنى واحد. لأن الصيغة لم تستعمل الا في ايقاع النسبة في الصورتين فمع الاطلاق يحمل على الوجوب ويحتاج الندب الى دليل فمع قيام الدليل على الندب نخرج من الظهور بالنسبة اليه كما هو كذلك بالنسبة الى الجمعة فقد قام الدليل على الاذن في الترك في غسل الجمعة. نعم يرد الاشكال لو كان الوجوب والندب من المداليل اللفظية للصيغة او انهما من أوصاف الارادة فانه كما لا يمكن استعمال اللفظ في اكثر من معنى واحد الذي هو المحذور كذلك احضار مرتبة الشدة والضعف في آن واحد في الذهن غير معقول. وكيف كان فكلام الاستاذ مبني على ان الوجوب معنى بسيط لكي تكون الشدة من سنخه فيكون من الوجود المطلق بخلاف الندب فانه مركب من الطلب مع الاذن في الترك فيكون مشتملا على فصل ليس من سنخه فيكون من الوجود المحدود محل نظر إذ قياسه على الوجود الواجبي قياس مع الفارق إذ هو بسيط غاية البساطة وليس له اجزاء خارجية ولا عقلية ولا مقدارية وجميع ما عداه مركب ومحدود فكما ان الندب محدود كذلك الوجوب محدود إذ هما من أوصاف الطلب فكما ان الطلب الضعيف محدود كذلك الطلب الشديد فكما ان جهة الضعف تحتاج الى بيان كذلك الشدة. إلا ان يقال ان تحديده بالشدة بنحو لا يحتاج الى بيان بل يحمل اللفظ عليه عند اطلاقه بمعونة مقدمات الحكمة بخلاف الندب.

(١) لا يخفى ان هذا التقسيم لا يرجع الى الوجوب الذي هو مفاد الصيغة

أم لا يقتضي ذلك بل يوجب التوقف والرجوع الى الاصول العملية عند الشك في التعبدي والتوصلي؟ قولان (١) وبيان ذلك يتوقف على ذكر أمور :

__________________

فان الوجوب عبارة عن الزام المكلف بالاتيان ولا يتفاوت فيه الحال بين ان يكون تعبديا أو توصليا على انه جعل الملاك في التقسيم هو الغرض من الواجب فان سقط مطلقا ولو مع عدم قصد التقرب فتوصلي وإلا فتعبدي فلذا يتعين جعلها من أقسام الواجب ومما ذكرنا ظهر لك ان المراد من التمسك باطلاق الصيغة لنفي قيدية القيد ليس هو اطلاق الهيئة التي مفادها الوجوب وانما هو اطلاق المادة التى هي الواجب

(١) لا يخفى ان الاقوال فيما لو شك فى التعبدى والتوصلي ثلاثة : قول باصالة التعبدية كما ينسب الى بعض المحققين وقول باصالة التوصلية وثالث بالتوقف ولم يتعرض الاستاذ قدس‌سره تبعا للكفاية القول باصالة التعبدية حيث ان محل كلامهما في اطلاق الصيغة والقول باصالة التعبدية يستند فيه الى العمومات مثل قوله تعالى (وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) وبالاخبار مثل قوله انما الاعمال بالنيات وأجيب عن الاول بان المراد من الاخلاص في العبادة ما يقابل الشرك وعن الثاني بانه ليس في بيان عبادية الشيء وانما هو بيان معنى الاخلاص فارغا عن كور الشيء عبادة. نعم بناء على تفسير التوصلي بما يسقط بفعل الغير سواء كان على وجه النيابة او بنحو التبرع أو بما يسقط ولو بفعل غير اختياري أو بما يسقط ولو بالفعل المحرم يكون اطلاق الصيغة مقتضيا للتعبدية كما انه بالنسبة الى الاصلي العملي على هذه التفاسير يقتضي التعبدية كالاصل اللفظي فانه حينئذ يكون من قبيل دوران الامر بين التعيين والتخيير ولا اشكال ان قاعدة الاشتغال يقتضي التعيين. ودعوى جريان البراءة بعد الاتيان من النائب أو من المتبرع للشك في ثبوت التكليف مدفوعة بانه قبل اتيان النائب او المتبرع نعلم بتوجه التكليف وبعد اتيانهما نشك في سقوط التكليف وهو مجرى الاشتغال اللهم إلا ان يقال بان

الأول في بيان المراد من التعبدي والتوصلي فقد عرفهما القدماء بان الغرض ان كان معلوما للمكلف فهو توصلى وإلا فتعبدي ولكن لا يخفى ان الغرض عبارة عن المصلحة والملاك وغالبا المصالح ليست معلومة في التوصليات وما ذكر من العلل فليست بعلل وانما هي حكم على انه كما رتبت على التعبديات رتبت على التوصليات ولذلك عدل المتأخرون وعرفوا التوصلي بان مجرد الاتيان يوجب سقوط الغرض والتعبدي بان مجرد الاتيان لا يسقط الغرض بل يحتاج في سقوطه الى قصد التقرب وبذلك عرف الاستاذ في الكفاية حيث قال ما لفظه (الوجوب التوصلي هو ما كان الغرض منه يحصل بمجرد حصول الواجب ويسقط بمجرد وجوده بخلاف التعبدي فان العرض منه لا يكاد يحصل بذلك بل لا بد في سقوطه وحصول غرضه من الاتيان به متقربا منه تعالى) وتعريف بعضهم بانه ان احتاج فى تفريغ الذمة الى قصد امتثال الامر فتعبدي وإلا فتوصلي فهو وان كان اجمع وأشمل إلا ان ذلك

__________________

الوجوب مشكوك الثبوت مع فعل احدهما فحينئذ يكون من باب الشك فى التكليف وهو مجرى البراءة ودعوى عدم جريانها لكون المقام مجرى للاستصحاب وهو الوجوب الثابت قبل فعل النائب أو المتبرع مدفوعة بان المقام من قبيل الفرد المردد الذي لا نقول يجريان الاستصحاب فيه على ان استصحاب الجامع بين ما لا يسقط بفعل الغير وبين ما يسقط بفعل الغير لا يجري لعدم ترتب الاثر على الجامع بينهما مع انه شرط في جريان الاستصحاب ترتب الاثر على المستصحب مضافا الى حكومة البراءة على الاستصحاب في المقام لأن بقاء الجامع مسبب عن الشك في تقييد الواجب بعدم اتيان الغير فالبراءة ترفع التقييد تعبدا فلا يبقى موضوع للاستصحاب وسيأتي له مزيد توضيح ان شاء الله تعالى في تعارض الاستصحاب مع الاصول العملية.

يرجع الى مقام العمل والكلام فيهما من حيث انفسهما.

وكيف كان فلا إشكال فى ان صحة العبادة يعتبر فيها قصد التقرب فعدم صحتها أما لمانع من تحقق قصد التقرب كعبادة الكافر لعدم تأتي قصد التقرب منه وأما ان يكون لاجل المانع في المتعلق كالجاهل المقصر فى السؤال إذا صلى في الدار المغصوبة فالعبادة في الدار المغصوبة باطلة من حيث المانع وهو الغصب ولا يخفى ان تعريف التعبدي بعدم سقوط الغرض إلا مع الاتيان بقصد القربة وإلا فتوصلي وان اشتهر بين من تأخر إلا انه يشكل عليهم بالنقض في طرده بالعبادات الذاتية كالسجود لله تعالى فى المكان المغصوب فان عباديتها غير مفتقرة الى شيء مع انها مبغوضة فى نظر الشارع والغاء قصد التقرب في تعريف التعبدي واتيان قصد الامر فهو وان لم يرد عليه النقض حينئذ إلا انه خلاف ما يظهر من كلمات الاصحاب ، فان العبادة عندهم هي ما يتوقف سقوطها على الاتيان بقصد القربة وبدونها لا يكون المأتي عبادة عندهم. وبالجملة الفرق بين التعبدي والتوصلي عند المتأخرين بسقوط الغرض فان لم يسقط إلا مع الاتيان بقصد القربة فتعبدي وإلا فتوصلى وقد أورد بعض الأعاظم قدس‌سره على هذه التفرقة بما حاصله ان الغرض لا يصلح لان يكون فارقا إلا اذا كان هو المأمور به ولا يكون كذلك إلا إذا كان المأتي به بالنسبة اليه بنحو العلة لكي يكون الغرض داخلا تحت الاختيار مع انه لا اشكال ان الفعل المأتي به بالنسبة الى الغرض الذي هو عبارة عن المصلحة المتحققة في المأمور به بنحو السبب المعد فلذا عدل عن تعريف المشهور الى ان التعبدي هو ما لم يسقط الامر إلا مع الاتيان بقصد التقرب وإلا فتوصلي ولكن لا يخفى انه يكفي في مقام التفرقة ثبوتا كون المأتي بالنسبة الى الغرض يكون من قبيل المعد من غير حاجة الى

ان التفرقة بالغرض يلزمه تعلق التكليف به بنحو العلة لتحصيل الغرض فافهم.

الأمر الثاني ان قصد القربة المعتبرة فى العبادة ليست هي عبارة عن قصد الامتثال أو قصد الامر بناء على ما ذهب اليه صاحب الجواهر قدس‌سره من اعتبار قصد الامر بالعبادة ولم يكتف في الامتثال بداعي المصلحة او المحبوبية وانما هي مسببة عن الامتثال أو قصد الامر وإلا لزم الاجتزاء بعبادة الجاهل المقصر فى السؤال إذا أتى بها بداعي الامتثال لتأتي ذلك منه كما ينبغي صحة عبادة الكافر إذا أتى بها بقصد الامر فانه يتأتى منه ذلك مع ان جل الفقهاء رضوان الله عليهم يعللون بطلان عباداتهم بعدم تأتي قصد القربة منهم فان ظاهر ذلك انحصار تعليل البطلان بعدم كون اعمالهم مقربة.

ومما ذكرنا ظهر لك الاشكال في عبارة الاستاذ قدس‌سره في الكفاية حيث قال : (ان التقرب المعتبر في التعبدي ان كان بمعنى قصد الامتثال والاتيان بالواجب بداعي امره) وحاصل الاشكال هو انه قدس‌سره جعل قصد القربة عبارة عن قصد الامتثال وقصد الامر وقد عرفت منا ان قصد القربة يحصل منهما وإلا لزم المحذور السابق نعم وقع الاشكال فى كون العبادة مقربة من جهتين الاولى انه من لوازم كون العبادة مقربة ان لا تحرم إلا تشريعا اذ حرمتها ذاتا ينافي كونها عبادة لعدم انفكاك العبادة حينئذ عن التقرب. الثانية انه لا يصح النيابة فى العبادة بل تعتبر المباشرة لعدم صحة تقرب انسان بعمل غيره ولكن لا يخفى ان العبادة لا تصلح للنيابة اذا كانت العبادية تحصل من نفس طلب المولى من عبده مع علمه من الخارج بان امره لا يسقط إلا مع قصد القربة فان عباديته منوطة بايجاده متقربا ومعه لا بد وان تكون حرمته تشريعية لا مولوية ناشئة عن مفسدة فيها اذ المفسدة

تنافي عباديتها وأما لو كانت العبادة تحصل من جعل العقلاء كمثل الركوع والسجود وتقبيل اليد والشارع قد امضى بعض ما هو عبادة عرفا ولذا يحتاج مثل ذلك الى قصد العنوان اذ لو لم يقصده لا تكون عبادة كما لو سجد لا بعنوان السجود لا يكون سجودا كما انه يعتبر ان يكون قصد العنوان بنحو التعظيم فلو لم يقصد التعظيم لا يكون عبادة فمثل هذه العبادة المجعولة بجعل العقلاء تكون صالحة لأن تدخلها النيابة اذ كما ان عباديتها تحصل بجعل العقلاء كذلك العقلاء يصححون ان تدخلها النيابة فمن استناب شخصا لتقبيل يد مولاه فانهم يعدون ذلك من التعظيم بل يتحقق التعظيم حتى اذا لم يستنبه للتقبيل ولكن رضي المنوب عنه بهذا التبرع من التقبيل فمثل ذلك يعد من مقتضيات القرب للمولى فمع نهي الشارع للتقرب بمثل ذلك مثلا يخرج عن المقربية ولكن لا تخرج عن وظائف العبودية ففي مثل هذا النوع من العبادة النهي يكون مولويا لامكان وجود المصلحة بتلك الوظيفة مجتمعة مع المفسدة الطارية من العوارض الخارجية وحينئذ يمكن ان تستوفي المصلحة مع كونها محرمة

الأمر الثالث في انه هل يمكن أخذ قصد التقرب فى متعلق الامر أم لا وجهان اختار الاستاذ قدس‌سره في الكفاية عدم امكان اخذها فقال ما لفظه : (لاستحالة أخذ ما لا يكاد يتأتى إلا من قبل الامر بشيء في متعلق ذلك الامر) بيان ذلك ان الامر بالصلاة مثلا من قبيل الحكم والمتعلق من قبيل الموضوع ولازمه ان يتقدم على الحكم ودعوة الامر تتأتى بعد تحقق الامر فحينئذ تكون دعوة الامر متأخرة عن المتعلق بمرتبتين لأن داعي الامر متأخر عن الامر المتأخر عن المتعلق فلو اخذ داعي الامر في المتعلق لزم اخذ ما هو متأخر بمرتبتين في المتعلق وذلك باطل وقرب ذلك بعض الاعاظم قدس‌سره بما حاصله ان القضايا الشرعية المتضمنة

للتكاليف على نهج القضايا الحقيقية التي يكون الموضوع مفروض الوجود كما ان ما يعتبر فيه من الشروط كالبلوغ والعقل والحرية والاستطاعة تؤخذ مفروضة الوجود ثم بعد تحقق الموضوع بجميع ما يعتبر فيه يتوجه الجعل والانشاء فلو أخذ قصد التقرب في المتعلق الذي اخذ في القضية الحقيقية يلزم ان يلحظ ذلك القصد مفروض الوجود قبل توجه الحكم ولازم ذلك تقدم الشيء على نفسه وهو بديهي البطلان وهذا المحذور يلزم أيضا بالنسبة الى فعلية الحكم ضرورة تأخر فعلية الحكم عن فعلية موضوعه ومع فرض اخذ داعي الامر فى الموضوع الفعلي يلزم وجود فعلية الحكم قبل وجوده كما انه يلزم هذا المحذور بالنسبة الى نفس الامتثال فان امتثال الامر يحصل بعد اتيان المتعلق بجميع اجزائه وقيوده فمع اخذ قصد التقرب في الامتثال يلزم ان يكون المكلف في حال الامتثال يقصد الامتثال قبل الامتثال وهذا لا يرجع الى محصل وبالجملة لا يمكن ان يؤخذ قصد التقرب في المتعلق بجميع المراتب مرتبة الجعل والانشاء ومرتبة الفعلية ومرتبة الامتثال ولكن لا يخفى ان ما ذكره الاستاذ قدس‌سره فى الكفاية يرد عليه ان التكاليف انما تتعلق بما هو موجود فى الذهن بدون قيدية الوجود الذهني ولا يتعلق بالموجود الخارجي اذ الخارج ظرف للسقوط لا ظرف لتعلق التكاليف وان التقت الى ذلك حيث قال (وان كان تصوره بمكان من الامكان) إلا انه أشكل بما حاصله ان القدرة شرط في متعلق التكليف ومع اخذ دعوة الامر في متعلق التكليف لا يكون المتعلق مقدورا ولكن لا يخفى ان القدرة المعتبرة في التكاليف هي القدرة في حال الامتثال لا حين توجه التكاليف فان الحج يجب قبل الموسم باشهر مع انه غير مقدور حين الوجوب وحينئذ الصلاة لما أمكن تصورها مع الدعوة تعلق الامر بها وبعد تعلقه يكون المتعلق مقدورا

ومما ذكرنا تعرف الجواب عما ذكره بعض الاعاظم (قده) بان المتعلق في مقام الجعل والانشاء لم يؤخذ فيه قصد التقرب بما انه موجود خارجي لوضوح ان الخارج ظرف للسقوط لا ظرف للتعلق وانما اخذ القصد في المتعلق بما انه موجود ذهني مع الغاء قيدية الوجود الذهني كما ان فعلية التكليف ليست متوقفة على فعلية الموضوع خارجا بل على فرض وجوده ذهنا كما ان قصد امتثال الامر يوجب قصد امتثال الأمر لو اخذ قصد الامتثال في المتعلق انما لا يرجع الى محصل لو قلنا باعتبار القدرة حين التكليف وقد عرفت منا سابقا عدم اعتبارها إلا في حال الامتثال ومما ذكرنا يجاب عن إشكال الدور وحاصله انه لا اشكال في توقف دعوة الامر على الامر اذ مع عدم الامر لا يعقل ان تتحقق الدعوة فلو اخذت الدعوة في المتعلق لزم توقف الأمر على الدعوة لكونها جزء من المتعلق ولازمه توقف الشيء على نفسه وحاصل الجواب ان دعوة الامر تتوقف على الأمر في الخارج والأمر يتوقف على الدعوة فى الذهن فلا دور نعم ربما يقرب المحذور بوجه آخر وهو ان الأمر يدعو الى متعلقه فلو اخذت الدعوة في المتعلق يكون الأمر قد تعلق بالصلاة منظما الى الدعوة فعليه الصلاة من دون الدعوة ليست متعلقة للامر فكيف يأتي بالصلاة بداعي الأمر وقد اجيب عن ذلك بان الأمر انبسط على الصلاة والدعوة فالصلاة قد تعلق بها أمر ضمني فيأتي بها بداعي امرها الضمنى وأورد عليه الأستاذ قدس‌سره في الكفاية بما حاصله ان الدعوة المعتبرة في المتعلق على تقدير اعتبارها من الاجزاء التحليلية لا من الأجزاء الخارجية وحينئذ لا تتصف الاجزاء بالوجوب لأنه ليس إلا وجوب واحد قد تعلق بالكل ولا يخفى ما فيه لأن الكليات باسرها في عالم الوجود متحدة مع التشخصات ولم يكونا موجودين بوجودين بل بوجود واحد

ولكن العقل يحلله الى شيئين فمع كونه جزءا تحليليا يتصف بالوجوب ولم تكن الخصوصية دخيلة في الاتصاف بالوجوب على انه يمكن ان تكون المصلحة متعلقة بشيء بسيط له حيثيتان كل منهما له الدخل فى المصلحة كما انه يمكن ان تتعلق المصلحة بمركب خارجي بنحو يكون كل جزء من اجزائه له الدخل فى حصول المصلحة المتعلقة بالمجموع فتكون الارادة متعلقة بالمجموع تبعا لتعلق المصلحة اذا عرفت امكان كلا الأمرين أمكن اتيان العمل بدعوة الأمر الضمني الذي تعلق بالفعل المقيد بناء على كون قصد القربة شرطا على التصوير الأول أو بالفعل المنظم مع ذلك الجزء بناء على الجزئية على التصوير الثاني ومما ذكرنا ظهر ضعف ما استدل به على امتناع تعلق الأمر بالصلاة مع الدعوة من لزوم ان يكون الشيء داعيا الى نفسه أو يكون الشيء علة لعلية نفسه واللازم باطل فان الأمر المتعلق بالصلاة مع الدعوة ينحل الى قطعتين قطعة تعلقت بالصلاة وقطعة منه تعلقت بالدعوة فما هو علة هي القطعة التي تعلقت بالدعوة وما هو معلول هى القطعة التي تعلقت بالصلاة لا يقال دعوة الأمر الضمني لا تحصل إلا بعد حصول الأمر والأمر لا يحصل إلا بعد تمامية الاجزاء إذ لو لم تلحق بقية الاجزاء وتنظم اليها لم يتحقق هناك امر فمن هذا يعلم توقف الأمر على ضم بقية الاجزاء التي منها دعوة الأمر وقد عرفت ان صدق الداعوية على الجزء لم يتحقق إلا بعد تحقق الامر فحينئذ يلزم الدور وفرق بين هذا الدور وسابقه فانه كان في مقام الجعل والانشاء وهذا في مقام الامتثال لأنا نقول لا نسلم توقف داعوية الأمر على لحوق بقية الأجزاء نعم دعوة الأمر تتوقف على العلم بانطباق الواجب على المأتي فى مرحلة الامتثال ولازم هذا العلم بلحوق بقية الأجزاء فاذا كان المكلف يعلم بالحاق بقية الأجزاء يمكن ان يأتي بالعمل

بداعي أمره الضمني الذي يحصل من تعلق الأمر الاستقلالي بالعمل المقيد بقصد القربة اللهم إلا ان يقال بان داعوية الأمر الضمني موقوفة على العلم بالانطباق المستلزم لضم بقية الاجزاء والعلم بذلك الانطباق المستلزم لذلك موقوف على تلك الداعوية فحينئذ يعود محذور الدور ولكن لا يخفى ان دعوة الأمر الضمني ليست متوقفة على العلم بالانطباق بل تتوقف على الجامع منه ومن وفاء العمل بالمصلحة اذا أتى بداعي الأمر الضمني ان قلت لا يحصل الوفاء بالمصلحة إلا اذا علمت باتيان الجزء الآخر فعليه لا فرق بينهما فلا يرتفع محذور الدور قلت العلم بالانطباق ليس موقوفا على دعوة الأمر نعم هو مستلزم لها وفرق واضح بين الاستلزام والتوقف ثم انه استدل للامتناع بتقريب آخر لاستحالة تقدم الشيء على نفسه مع تسليم جميع ما ذكرنا سابقا من ان الأمر على تقدير تعلقه بالصلاة مع الدعوة يكون منبسطا عليهما فحينئذ ينشأ من ذلك امران ضمنيان أحدهما تعلق بالعمل والآخر تعلق بالدعوة ومقتضى ذلك ان يكون القيد الذي هو الداعي مع العمل في مرتبة واحدة لفرض تناول الامر لهما وذلك يقتضي الاتحاد في المرتبة مع انه لا إشكال في تقدمهما على الأمر تقدما طبيعيا إذ هما من قبيل الموضوع للامر والأمر لا يتعلق إلا بعد احراز موضوعه فيتوقف الأمر على احراز الداعوية التي هى جزء من موضوعه مع ان الداعوية انما تتأتى من بعد تعلق الأمر بالعمل وبالجملة الداعوية على تقدير أخذها في المامور به تكون متقدمة رتبة والمفروض تأخرها رتبة عن الأمر فيلزم تقدم الشيء على نفسه ولكن لا يخفى فرق واضح بين الداعوية المتقدمة على الأمر والداعوية المتأخرة عن الأمر أما المتقدمة على الأمر فهي جزء من موضوع الامر وقد تعلق الامر بها مع الفعل فالمراد بها ما كان ظرفها الوجود الذهني وأما

المتأخرة عن الامر التي لا يعقل تعلق الأمر بها فهي التي يكون ظرفها الخارج فحينئذ لم يلزم تقدم الشيء على نفسه بل يلزم تقدم أحد الشيئين على الآخر ولا إشكال فى صحته وتحقيق ذلك هو انه يمكن للآمر ان ينشأ شيئين طوليين بانشاء واحد بان يكون من قبيل كل خبري صادق فان الحكم فيه قد تعلق بموضوع وجداني يكون سببا لتحقق موضوع تعبدي فالحكم ينحل الى موضوعات متعددة حسب تعدد الأفراد الوجدانية والتعبدية فيكون الموضوع كليا يشمل الافراد الوجدانية والتعبدية كما ان الحكم المترتب على ذلك الموضوع أيضا كلي ينحل الى أحكام وجدانية وتعبدية فلا يلزم اتحاد الحكم مع الموضوع ولا علية الشيء لنفسه والمقام من ذلك القبيل فان المولى يمكن ان ينشأ شيئين طوليين بانشاء واحد ووجوب واحد احدهما تعلق بذات المأمور به أي بما أنها توأم مع القيد والآخر تعلق بتلك الحصة مع قصد القربة فلا يلزم من ذلك محذور أصلا إن قلت فما الفائدة في شمول الأمر للدعوة وجعلها جزء من موضوع الأمر إذ هي مما لا بد منها فحينئذ أي فائدة في تعلقه قلت الفائدة انك تأتي بالفعل بداعي أمرها الضمني ومن تعلقه بالداعوية وجعلها جزء موضوع الأمر يعلم بالاتيان بهذا النحو من الامتثال ان قلت سلمنا جميع ذلك ولكن الأمر العبادي مستتبع لاستحقاق العقوبة لو خالف واعطاء المثوبة لو اطاع ومع تعلقه بالدعوة لم يكن الأمر المتعلق بالفعل من ذلك النحو لأن تعلقه بالفعل يكون حينئذ توصليا لأنه لم يكن فيه قصد التقرب وأما تعلقه بالدعوة فهو أمر ارشادي فعليه لم يكن مترتبا على هذا الأمر العبادي مثوبة في مقام الاطاعة ولا عقوبة فى مقام المخالفة قلت لا نسلم كون الامر المتعلق بالدعوة إرشاديا إذ كونه ارشاديا خلاف الظاهر لأن ظاهر الأمر ان يكون مولويا وحمل الامر

عليه لامكان ان يكون الغرض من الاعلام ان يكون داعيا لصدور الأمر المولوي وهو يستتبع العقوبة لو خالف كما لا يخفى ان قلت يلزم من تعلق الأمر بالدعوة ان يكون داعيا للداعي وهو غير معقول قلت لا ضير فيه فان رجاء المحبوبية والفرار عن العقوبة فانهما داعيان الى إتيان المأمور به بداعي امره فيكون داعيا للداعي ان قلت لا حاجة الى تعلق الامر بالداعي إذ يكفي تعلقه بالفعل فقط قلت لو لم يتعلق الامر بالداعي فلربما يأتي بالفعل بلا دعوة فحينئذ يكون منافيا لغرض المولى فلا بد من التعلق حتى لا يحصل منافات لغرض المولى ان قلت يلزم ان يتعلق الامر بامر غير اختياري لو تعلق بالدعوة لان الداعي حينئذ عبارة عن الارادة وهي غير اختيارية قلنا مسلم ان الارادة غير اختيارية ولكن التكليف لا يتعلق بالامر غير الاختياري ليس على الاطلاق بل اذا لم ينشأ من الامور الاختيارية وإما إذا كان ناشئا من الامور الاختيارية فلا مانع من تعلق التكليف به كما في المقام بان يتصور مفسدته فينهاه أو يتصور مصلحته فيأمر به هذا غاية ما يمكن ان يستدل على امكان اخذ قصد التقرب في المأمور به ولكن التحقيق انه لا يعقل اخذها في المأمور به (١) لانه لو اخذت في المتعلق يلزم ان يلاحظ المتعلق متأخرا عن الامر

__________________

(١) لا يخفى ان الاستاذ قدس‌سره في الدورة الأخيرة قوى إمكان اخذ داعي الأمر في المتعلق بتقريب ان المولى يمكن ان ينشأ بانشاء واحد وجوبيين طوليين أحدهما متعلق بنفس الحصة التي هي توأم مع الدعوة وثانيهما متعلق بالحصة مع الدعوة ولا يتوهم ان لازم ذلك استعمال اللفظ في اكثر من معنى واحد لأن الانشاء انما هو بطبيعي الوجوب واستفادة كل من الخصوصين بدال أخر ولا ينافى كون أحدهما محققا لموضوع آخر إذ كما يمكن ان يكون انشاء واحد ينحل الى انشاءات متعددة في عرض واحد يمكن ان ينحل الى انشاءات بعضها في طول

لتقيده بما هو ناشئ من الامر ولا إشكال في تأخر ما هو ناشئ من الامر كالعلم به والوجه والتمييز وقصد التقرب أو مقيدا بما هو ناشئ منه لحاظا وتصورا فمع كونه كذلك كيف يعقل تعلق الامر بالمتعلق لانه حينئذ يكون المتعلق المقيد بما هو ناشئ من الامر متقدما لحاظا تقدم الموضوع على الحكم فيلزم ان يكون ما هو متأخر لحاظا متقدما وذلك غير معقول للزوم ان يكون الشيء الواحد في اللحاظ متأخرا ومتقدما وبعبارة اخرى ان الدعوة وان كانت معتبرة بما هي موجودة

__________________

الآخر وان شئت توضح الحال فالمقام من قبيل صدق العادل الشامل لخير الشيخ الحاكي عن السنة بواسطة أو وسائط كخبر الشيخ عن الصفار عن زرارة عن أبي عبد الله عليه‌السلام فان شموله لهذه الاخبار ينحل الى وجوبات طولية التي بعضها اخذت موضوعا للاخرى فشمول صدق العادل لخبر الشيخ الذي هو عادل بالوجدان وبذلك يتحقق خبر الصفار تعبدا وخبر زرارة كذلك فحال هذا العموم كحال بقية العمومات مثل أحل الله البيع فكما ان ذلك ينحل الى انشاءات عديدة حسب تعدد الموضوعات كذلك في مثل صدق العادل إلّا ان تلك افراد عرضية وفي صدق العادل افراد طولية ولكن لا يخفى ان ذلك قياس مع الفارق فان الانحلال في مثل صدق العادل انما هو لاجل انه اخذ الموضوع على نحو الحقيقة بان يكون طبيعة سارية فحينئذ ينحل الموضوع فيتبعه الحكم فاذا تعدد الموضوع يتعدد الحكم ويكون نظير كل خبري صادق الشامل لما أخبر به ولا مانع من ان يكون بعض الأفراد يحقق موضوع الآخر وبذلك ارتفع الاشكال الوارد على شمول صدق العادل للاخبار مع الواسطة بخلاف المقام فان الامر ان تعلق بنفس المتعلق من دون قصد التقرب فلا انحلال فيه وان تعلق بالمتعلق مع قصد التقرب فيلزم ما ذكر من محذور الدور بتقريباته أو ملاكه الذي هو تقدم الشيء على نفسه واقعا أو لحاظا وهذه المحاذير لا تتأتى في مثل صادق العادل وكل خبري صادق فلا تغفل.

في الذهن إلا انها تلاحظ بما انها طريق الى الخارج فالآمر يلاحظ الدعوة متأخرة عن الامر فمع اعتبارها فى المتعلق يلزم ان تلاحظ متقدمة على الامر فيلزم التهافت والتناقض في نفس اللحاظ لا فى نفس الملحوظ لكي يقال بانه يمكن تصور الامور المتناقضة وبالجملة الذي اخذ موضوعا للامر ما في الذهن إلا انه بما انه يرى خارجيا فاعتبار الدعوة فى المتعلق تلاحظ بما انها خارجية ولازم ذلك التناقض في مقام اللحاظ هذا كله لو كان اعتبار قصد التقرب في المتعلق بأمر واحد وأما لو كان اعتبارها في المتعلق بامرين احدهما يتعلق بذات الفعل وثانيهما يتعلق باتيانه بداعي امره فهل للآمر ان يتوسل الى تمام غرضه بذلك ام غرضه يحصل بلا حاجة الى الامر الثاني قال الاستاذ قدس‌سره بعدم الحاجة الى ذلك بما حاصله ان الامر الاول ان سقط فلا مجال للامر الثاني وان لم يسقط فليس إلّا من جهة بقاء الغرض الذي صار سببا لحدوثه والعقل يحكم باتيان كل ما يحتمل دخله في الغرض وعليه لا حاجة الى الامر الثاني (١) ولازمه ذلك ان يكون الامر الثاني لو توجه يكون ارشادا الى حكم العقل ولكن لا يخفى ان ذلك مبني على عدم جريان البراءة وقلنا بجريان الاشتغال المقتضي لاتيان كل ما يحتمل دخله في المتعلق وأما لو قلنا بجريان البراءة فيما يشك فى كونه تعبديا أو توصليا فلا مانع من كون الامر الثاني مولويا اذ لا ينحصر الغرض من الامر في كونه داعيا الى الفعل بل يمكن ان ينشأ الامر مولويا لغرض معرفة التكليف تفصيلا لا يقال ان اتيان المأمور به بالامر الاول من دون قصد التقرب ان كان يسقط كما هو مقتضى امره لكونه تعلق بذات الفعل بلا قصد

__________________

(١) وقربه بعض السادة الاجلة قدس‌سره بان الامر الاول ان كان داعيا لمتعلقه كما هو مقتضى موضوع الامر الثاني فلا مجال للامر الثاني لكونه من تحصيل

التقرب فحينئذ لا يكون عبادة مع انه حسب الغرض انه عبادة وان لم يسقط إلا مع قصد التقرب اتجهت عباديته فلا حاجة الى الامر الثاني لحكم العقل بالاتيان مع

__________________

الحاصل وان لم يكن داعيا فيكون من قبيل الاوامر الصورية وأيد ذلك بان الامر الثاني انما تعلق بالصلاة ليلبسها لباسا خاصا ويعنونها بعنوان خاص أعني كونها مطلوبة ومحبوبة له وبهذا العنوان تترتب المثوبة مع الاتيان والعقوبة مع المخالفة فمع تعنون المتعلق بالامر الاول فلا معنى للامر الثاني لكونه تحصيلا للحاصل وإلا فلا موضوع له ولكن لا يخفى ما فيه فان كون الامر يدعو الى متعلقه لا يفرق بين كونه تعبديا أو توصليا على ان الامر لا يعنون المتعلق ولو عنونه بكونه محبوبا ومطلوبا لزم ان تكون جميع الاوامر عبادية لكونها باجمعها تعنون المتعلق بذلك مضافا الى ان عنوان العبادية تحصل بعد تعلق الامر فهو من قبيل الحكم بالنسبة الى الموضوع لا من قبيل المعلول بالنسبة الى علته وأما ما ذكره في الكفاية فيتم فيما لو علم بكون الامر عباديا وأما لو شك في كونه تعبديا أو توصليا الذي هو محل الكلام فمن اين يستكشف كون غرض المولى لا يسقط بمجرد الاتيان فلا بد من استكشاف غرض المولى من امر آخر فمع عدمه يحكم بعدم بقائه لو كان المولى في مقام البيان مضافا الى انا نختار ان الاتيان بمتعلق الامر الاول يوجب السقوط ولا ينافي ذلك لكونه يوجب رفع موضوع الامر الثاني بان يكون عاصيا برفع موضوعه ودعوى انه لا مجال للامر الثاني حينئذ ممنوعة بل لا مجال لبقائه مع سقوط الامر الاول على انه سيأتي منه قدس‌سره في الامتثال عقيب الامتثال انه يجوز التبديل فيما اذا لم يكن المأتي علة لسقوط الغرض وان جاز الاكتفاء به لو اقتصر عليه فعليه لنا اختيار سقوط الامر الاول مع الاتيان بمتعلقه ولا يوجب ذلك انتفاء الامر الثاني لعدم كون الاتيان يوجب سقوط الغرض فيعيد مع الاتيان بالدعوة لكي يسقط الغرض.

قصد التقرب لانا نقول ان هذا يتم فيما لو علم عبادية المأتي وأما لو شك في عباديته ولم نقل بالاشتغال في مثل المقام فلا مناص للحكم عن ان يظهر غرضه باتيان أمر آخر يتعلق بالفعل مع قصد التقرب.

ومما ذكرنا تعرف ان ما أورده بعض الاعاظم قدس‌سره على الاستاذ بان العقل ليس من وظيفته الالزام بفعل خاص لعدم كونه مشرعا في قبال الشارع وانما وظيفته اتيان العمل على طبق امر الشارع ولذا لا يكون الامر الثاني ارشادا الى حكم العقل وانما هو من قبيل المتمم للجعل محل نظر إذ ليس غرض الاستاذ ان العقل هو المشرع بل غرضه الحكم بالاحتياط في موارد الشك في الامتثال الامر الفعلي على ان تعدد الامر والجعل لا يجعل المحال ممكنا فان اخذ الدعوة بناء على عدم إمكان اخذها في المتعلق فحينئذ يكون محالا ثبوتا فكيف اخذها اثباتا ولو كان ذلك بجعلين اذ تعدده لا يصحح الباطل (١) هذا كله اذا كان الداعي للامتثال هو

__________________

(١) لا يخفى ان تعدد الجعل يرفع المحالية اذ هي عبارة عن كون الشيء الواحد علة ومعلولا وهو يلزم لو كان جعل واحد واما لو كان جعلان تعلق احدهما بالفعل والآخر بالفعل مع الدعوة فلا محالية لعدم لزوم المحذور الذي أوجب المحالية وليس كل جعل منهما ناشئا عن ملاك لكي يكونا من قبيل الواجبين المتزاحمين بل الجعلان نشئا من ملاك واحد حيث ان الجعل الاول لم يكن مستوفيا للملاك لذا احتاج المولى في التوسل الى غرضه الى جعل ثاني ليستوفى غرضه به ولذا يسمى بمتمم الجعل وليس نتيجه الجعل التقيد دائما بل كما يكون نتيجة التقيد يكون نتيجة الاطلاق بيان ذلك ان الملاك الموجب للبعث والتحريك تارة يكون مقيدا وأخرى يكون مطلقا فان كان بعث المولى بجعل واحد وافيا لبيان اطلاق الملاك أو تقيده فلا حاجة الى جعل ثاني واما اذا لم يكن وافيا لذلك بان كان القيد من الانقسامات

قصد التقرب وأما اذا كان الداعي للامتثال غيره كداعي المصلحة والحب والارادة فهل يمكن اخذها أم لا قال الاستاذ قدس‌سره ما لفظه فاعتباره في متعلق الامر وان كان بمكان من الامكان إلا انه غير معتبر فيه قطعا لكفاية الاقتصار على قصد الامتثال الذي عرفت عدم امكان اخذه فيه بديهة وقد أورد عليه بان داعي المصلحة مثل قصد الامر فان المصلحة في الخارج انما تحصل بقصد الامر مع انها لو اعتبرت في المتعلق لا بد من فرضها حينئذ سابقة على الامر فيعود المحذور السابق وهو تقدم

__________________

المتأخرة غير القابلة لاخذها في متعلق الخطاب كقصد التقرب في العبادة والعلم فى التكاليف والايصال فى المقدمة فان محذور الدور لازم في هذه المقامات فاذا لم يمكن التقيد بها لا يمكن الاطلاق بالنسبة اليها فلذا تحتاج الى بيان آخر يتمم الجعل الاول والبيان تارة يضيق دائرته كما في المقام فان الجعل الثاني يقيد الاول بنحو نتيجة التقيد واخرى يوسع دائرة الجعل الاول بنتيجة الاطلاق كقيام الاجماع أو الضرورة على كون التكاليف يشترك فيها الجاهل والعالم ففي الصورتين لو شك في تحقق البيان الثاني لا يتمسك باطلاق الجعل الاول نعم لا مانع من التمسك بالاطلاق المقامي وظهر مما ذكرنا ان الفرق بين التعبدي والتوصلي هو وجود جعلين احدهما متعلق بذات الفعل والآخر بالفعل مع الدعوة على التعبدي وجعل واحد متعلق بذات الفعل على التوصلي وهو أولى من الفرق المنسوب الى الميرزا الشيرازي الكبير قدس‌سره ان في متعلق الامر العبادي قد اخذ عنوان ملازم لقصد التقرب بنحو لا ينفك عنه وجودا أو عدما بخلاف متعلق الامر التوصلي لورود الاشكال عليه أولا انه لو فرض محالا انفكاكه يلزم عدم صحة المأتي به لو اتى به بقصد التقرب وثانيا ان هذا العنوان لا واقع له بل هو صرف فرض والاثر يترتب على ما هو موجود واقعي وقد ذكرنا في حاشيتنا على الكفاية فروقا أخر لا نطيل بذكرها

الشيء على نفسه ولكن لا يخفى ان المقام من قبيل الامور القصدية التي تكون ذاتها قبل تحقق القصد مستعدة لأن ينظم اليها القصد مثلا ذات القيام فيه جهة استعداد للتعظيم وبقصد التعظم يخرج من الاستعداد الى الفعلية والتعظيم الفعلي ينشأ من القصد واما نفس الاستعداد فهو حاصل قبل طرو القصد ومثل ذلك الفعل الذي تعلق به الامر فيه جهة استعداد للمصلحة وبقصد الامر تحصل فعلية المصلحة ومحذور تقدم الشيء على نفسه انما يتأتى لو قلنا بان نفس الفعلية قد اخذت في المتعلق وأما لو قلنا بان الاستعداد هو المعتبر في المتعلق لا نفس الفعلية وأما الفعلية فهي تحصل من قبل الامر فلا محذور فيه أصلا ودعوى بعض الاعاظم عدم امكان داعي المصلحة في المتعلق لأن اخذه يوجب ان يكون في عرض المتعلق مع انه من علله ممنوعة بان اخذها فى المتعلق يكون من قبيل داعي الداعي فان الامر الذي تعلق بالصلاة مع داعي المصلحة يدعو المكلف الى الاتيان بالفعل بداعي المصلحة ولا محذور في الالتزام بذلك اذا عرفت ما مهدنا لك من الامور الثلاثة فاعلم انه لا يصح التمسك باطلاق الصيغة لاثبات التوصلية لما عرفت من عدم امكان اخذ قصد التقرب في متعلق الامر فاذا لم يمكن تقييده فلا يمكن استكشاف الاطلاق من عدم تقييده اذ يمكن ان يكون عدمه لعدم امكان القيد لا لاجل الاطلاق فما امكن تقييده يمكن استكشاف عدمه بالاطلاق وما لم يمكن تقييده لا يستكشف من عدمه ارادة الاطلاق ولذا كان التقابل بين الاطلاق والتقيد تقابل العدم والملكة كما انه لا يمكن التمسك باطلاق الامر الاول لنفي الامر الثاني لو شك في وجوده لكون الامر الثاني في طول الاول ومتأخر عنه تأخر الحكم عن موضوعه فلا يمكن تقييد الاول به فلذا لو قلنا باعتبار التعبدية من وجود أمرين أيضا لا يمكن لنا التمسك بالاطلاق اللفظي

لنفي وجود الامر الثاني المساوق لاثبات التوصلية نعم لا مانع من التمسك بالاطلاق المقامي لنفي اعتبار قصد التقرب بتقريب ان المولى لو كان بصدد البيان ولم يكن في البين ما يدل على اعتبار قصد التقرب ولو كان حكم العقل دل على عدم اعتباره وأما لو وجد دليل وان كان حكم العقل بالاشتغال وكان القيد مغفولا عنه فلا يمكن التمسك بالاطلاق المقامي وان صح التمسك بالاطلاق اللفظي فيما لو كان العقل حاكما باتيان كلما يحتمل الاعتبار مع كون مشكوك الاعتبار يمكن اخذه في المتعلق لان الاطلاق اللفظي يكون بالنسبة الى حكم العقل من قبيل الورود فلا يبقى مجال لحكم العقل لأن موضوعه عدم البيان وبالاطلاق اللفظي يتحقق البيان فلا موضوع له حينئذ فما ذكره الاستاذ قدس‌سره فى الكفاية من الاطلاق المقامي ما لفظه (نعم اذا كان الآمر في مقام بصدد بيان تمام ما له دخل في حصول غرضه وان لم يكن له دخل في متعلق امره ومعه سكت فى المقام) على اطلاقه محل نظر فانه يتم جريان الاطلاق المقامي فيما اذا لم يكن بيان يتكل عليه الآمر كما في المقام من حكم العقل بالاشتغال أي اتيان كلما يحتمل دخله في الغرض فيكون سكوت المولى اتكالا على حكم العقل.

ومما ذكرنا يظهر الفرق بين الاطلاق اللفظي والاطلاق المقامي فان الاطلاق اللفظي وارد على حكم العقل بالاشتغال وحكم العقل بالاشتغال يتكل عليه في مقام البيان فلذا يقدم على الاطلاق المقامي فهو انما يجري فيما اذا لم يكن بيانا وكان القيد مما يغفل عنه فحينئذ يكون سكوت المولى في مقام البيان دليلا على عدم اعتبار ما شك في اعتباره سواء امكن اخذه فى المتعلق ام لم يمكن اخذه في المتعلق بخلاف الاطلاق اللفظي فانه يتمسك به اذا امكن اخذ القيد في المتعلق من غير فرق بين ان نقول وفاقا للشيخ الانصاري قدس‌سره من ارجاع الاصول الوجودية الى الاصول

العدمية كاصالة الاطلاق التي مرجعها الى اصالة عدم التقييد أو نقول وفاقا للاستاذ قدس‌سره بانها أصول وجودية قد اعتبرها العقلاء فى قبال الاصول العدمية فعلى التقديرين يمكن التمسك بالاطلاق اللفظي مع امكان اخذ ما شك فى اعتباره في المتعلق ولا يتمسك به مع عدم امكان اخذه في المتعلق ويتمسك بالاطلاق المقامي اذا كان ما يحتمل دخله مما يغفل عنه وبتعدد الاطلاق يرتفع التهافت الموجود في عبارة الشيخ الانصاري قدس‌سره حيث انه مرة ينفي التمسك بالاطلاق فيما لو شك في اعتباره واخرى يتمسك بالاطلاق لنفي ما شك في اعتباره فتحمل عبارة النفي على الاطلاق اللفظي وعبارة الاثبات على الاطلاق المقامي ولكن لا يخفى ان تحقق الاطلاق المقامي بعد معهودية العبادات في شرعنا محل نظر إذ بعد المعهودية لا يكون القيد مما يغفل عنه وما يقال بانه غير معهود في محاوراتهم ففيه ما لا يخفى اذ ذلك لا يقتضي الغفلة في الشرعيات بعد فرض معهودية العبادة في شرعنا وعليه ليس لدينا من الاطلاقات إلا اللفظية ولا إشكال في ان التمسك بالاطلاق اللفظي مشروط بأن يكون المولى في مقام البيان.

تأسيس الاصل

ومع عدم ذلك فلا بد من الرجوع فيما لو شك في اعتباره الى الاصول العملية فقد وقع الكلام بين الاعلام بان المرجع في ذلك الى البراءة او الى الاشتغال فنقول بناء على امكان اخذ قصد التقرب في المتعلق يكون المقام من صغريات دوران الامر بين الاقل والاكثر الارتباطين فما قيل فى تلك المسألة من البراءة العقلية أو النقلية أو الاشتغال قيل هنا من دون فرق بين المقامين لأن الدعوة حينئذ كسائر الاجزاء

المعتبرة لو اخذت فى المتعلق فالشك في اعتبارها يكون كالشك فى اعتبار شيء في المتعلق ، وأما بناء على عدم امكان اخذ قصد التقرب في المتعلق فقد قال الاستاذ قدس‌سره بعدم الملازمة بين المقامين ما لفظه (بانه لا مجال هاهنا إلا لاصالة الاشتغال ولو قيل باصالة البراءة فيما اذا دار الأمر بين الأقل والاكثر الارتباطيين) وحاصله ان المقام من الشك في الخروج عن عهدة التكليف لو أتى بدون قصد التقرب بخلافه بالنسبة الى الاقل والاكثر فان العلم بالتكليف بالنسبة اليه ينحل الى شك بدوي تعلق بالاكثر وعلم تفصيلي تعلق بالاقل فيكون من موارد جريان البراءة لنفي الشك البدوي ودعوى ان المقام أيضا ينحل الى الشك البدوي والعلم التفصيلي في غير محلها اذ ذلك فرع امكان اخذ قصد التقرب في المتعلق لينحل العلم بالتكليف الى ذلك وأما بناء على عدم امكان اخذه في المتعلق فلا يكون الاكثر شكا بدويا حينئذ ولكن لا يخفى ان ملاك جريان البراءة هو انحلال العلم بالتكليف الى علم تفصيلي وشك بدوي وملاك جريان الاشتغال هو عدم انحلاله الى ذلك وحينئذ بالنسبة الى الاقل والاكثر الارتباطين فانحلال العلم وعدمه فيه مبني على ان الاقل بدون الانضمام تارة يكون عين الاقل في ضمن الاكثر أي المنظم فالركوع غير المنظم عين الركوع فى حال الانضمام الى بقية الاجزاء واخرى يعد مغايرا له بان يكون الاقل فى ضمن الاكثر مغايرا لماهية الاقل الذي لا يكون في ضمنه فعلى الأول يكون الاقل الذي قامت الحجة عليه قد اشتغلت الذمة به قطعا وما عداه لا تشتغل به الذمة للشك فى اعتباره فتجري فيه البراءة وعلى الثاني يكون الاقل والاكثر الارتباطين من قبيل المتباينين لمغايرة الاقل فى ضمن الاكثر مع الاقل الذي لا يكون في ضمنه فمع الاتيان بالاقل لا يوجب العلم بامتثال التكليف المعلوم لاحتمال

ان يكون متعلق التكليف غير ما فعله كما لو أتى باحد المتباينين فانه لا يوجب العلم بامتثال التكليف لاحتمال ان يكون ما فعله غير متعلق التكليف فلا ينحل العلم الاجمالي الى علم تفصيلي وشك بدوي وهذا الذي ذكرناه لا يفرق بين ما احتمل اعتباره مما امكن اخذه في المتعلق وبينما لا يمكن اخذه فيه مثل قصد التقرب والظاهر ان الاقل الذي هو في ضمن الاكثر بنفسه وشخصه هو الاقل الذي لم يكن في ضمن الاكثر كالركوع مثلا مع عدم الانضمام هو عين الركوع لو انضم الى بقية الاجزاء فعليه العلم بالتكليف ينحل الى علم تفصيلى وشك بدوي في المقام وباب الاقل والاكثر الارتباطيين من دون فرق بينهما نعم يمكن دعوى الفرق بين المقامين لو قلنا بان الغرض يجب تحصيله فيجب اتيان كلما شك في اعتباره فيما لا يمكن اخذه في المتعلق كالمقام لكونه حينئذ يكون من الشك فى المحصل وهو مجرى الاشتغال بخلاف ما امكن أخذه فتجرى البراءة فيتعين المحصل وقد أجاب عن ذلك بعض الاعاظم قدس‌سره بأن هذا يتم لو كانت الافعال بالنسبة الى الاغراض من المسببات التوليدية بان يكون المأتي به معنونا بعنوان كونه مسببا وأما بناء على ان الافعال بالنسبة الى الاغراض والمصالح من قبيل المعد كما هو الظاهر لأن الاغراض ليست واجبة التحصيل لعدم كونها من الامور الاختيارية فكلما يحتمل دخله في الغرض لا يجب تحصيله فحينئذ يكون من الشك فى التكليف وهو مجرى البراءة أقول انه بناء على ان الغرض واجب التحصيل يمكن القول بالفرق بين المقام الذي لا يمكن اخذه في المتعلق وبينما امكن اخذه فيه ، بيان ذلك ان الغرض القائم بمركب ارتباطي المتعلق به التكليف يكون كل جزء له الدخل فيه فحينئذ ينبسط التكليف على الاجزاء بان يكون كل جزء له الدخل في الغرض يناله حصة من التكليف

فلو شك في اعتبار شيء يمكن اخذه يكون شكا في تعلق التكليف فهو مجرى للبراءة وأما ما لا يمكن اخذه في المتعلق فلا يمكن أيضا اخذه بنحو القيدية للغرض اذ كونه قيدا له غير معقول لأن الغرض والحب يتعلقان بنفس الفعل من دون فرق بين ان ينضم اليه قصد التقرب ام لا ، غاية الامر بالنسبة الى العبادة يكون الامر يتعلق بالحصة التي هي توأم مع القربة.

فحينئذ يكون الآتي بالحصة من دون دعوة الأمر موجبا للشك فى الخروج عن عهدة التكليف ولذا يجب الاحتياط ، اللهم الا يقال بالنسبة الى ما امكن اخذه في متعلق التكليف ينبسط التكليف على الحصة التي هي توأم مع الجزء الآخر فيكون المجموع قائما به بالغرض وعليه لا فرق بين ما امكن اخذه فى المتعلق وبين ما لا يمكن اخذه فيه في ان الذي يكون بعهدة المكلف هي الحصة التي هي توأم مع القيد وحينئذ لو شك فى اعتبار شيء فيه مطلقا يكون شكا في ان ما هو في العهدة هو نفس الذات فقط أو مع ما احتمل اعتباره فبالنسبة الى ما احتمل اعتباره يشك فى كونه تشتغل الذمة به فحينئذ نعلم تفصيلا ان نفس الذات بعهدة المكلف لما عرفت انها بعينها لو انضمت الى مشكوك الاعتبار ونشك في اعتبار ذلك المحتمل فهو مجرى للبراءة التي ملاكها انحلال العلم الاجمالي الى علم تفصيلي وشك بدوي هذا كله بالنسبة الى البراءة العقلية وأما البراءة الشرعية فقد قال الاستاذ قدس‌سره بعدم جريانها لأن شرط الجريان ان يكون المرفوع بيد الشارع له وضعه فله رفعه (١) وحيث

__________________

(١) ولذا قلنا فى مبحث البراءة ان المرقوع فيما لا يعلمون هو نفس التكليف المجعول لانه عبارة عن الانبعاث نحو الشىء ولا يجعل ذلك فى حق الجاهل ولذا منة رفعه الشارع بان يراد من الرفع الدفع وقيام الاجماع على ان الاحكام يشترك

ان دعوة الأمر لا يعقل اخذها في المتعلق فليس له وضعها فليس له رفعها ولا يرجع ذلك الى التفرقة بين المحصلات العقلية وبين المحصلات الشرعية بعدم جريان البراءة النقلية في الاول وجريانها في الثاني كما يظهر ذلك من بعض الاعاظم لما عرفت ان كلام الاستاذ ناظر الى ان شرط البراءة ان يكون المرفوع يناله الجعل الشرعي لكي يصلح للرفع مضافا الى ان البراءة النقلية انما تجري مع عدم البيان ومع قرض حكم العقل بالاشتغال يصلح ان يكون ذلك بيانا فلا يكون من موارد البراءة بيان ذلك ان القيد اذا امكن اخذه وكان مما يغفل عنه فحينئذ لا يتكل المولى على حكم العقل بالاتيان اذ اتكاله عليه مع ارادته يكون نقضا للغرض مع عدم البيان فيكون المشكوك من موارد البراءة وأما لو لم يمكن اخذه كدعوة الأمر وهي مما يغفل عنها فللحكيم ان يتكل في استيفاء غرضه على حكم العقل فيصلح لكونه بيانا حينئذ فلا يكون

__________________

فيها العالم والجاهل فهو بمعنى انها بعهدة البالغ العاقل واما ما ينبعث عنه المكلف فليس إلا العالم بالحكم فالتكليف مختص به ولا يلزم التصويب مع كون ما في العهدة مشتركا بينه وبين الجاهل بالحكم فهو نظير كون الدين بذمة الشخص طالبه الدائن أم لم يطالبه إلّا انه مع المطالبة يجب عليه الاداء فوجوب الاداء يتوقف على المطالبة وبذلك جمعنا بين الحكم الواقعي والظاهري ودعوى ان الحكم الواقعي بمرتبة الظاهر رفعه الشارع قفي غير محلها اذ الحكم الواقعي فى تلك المرتبة ان لم يكن موجودا لزم التصويب الواضح البطلان لقيام الاجماع على ان الاحكام يشترك فيها العالم والجاهل وان كان متحققا فاي شىء ارتفع بحديث الرفع كما ان المؤاخذة ليست مرفوعة بها لكونها مرفوعة بحكم العقل وإلّا لزم ما هو محقق بالوجدان يحرز بالتعبّد واللازم باطل ودعوى ان المرفوع وجوب الاحتياط ولو بمتمم الجعل فهو غير مجهول لكي يرفع وسيأتي له مزيد توضح في مبحث البراءة ان شاء الله تعالى.

موردا للبراءة. ولكي لا يخفي ان ذلك مبني على جريان قاعدة الاشتغال في باب الأقل والاكثر واما بناء على ما هو التحقيق من انحال العلم الاجمال الى علم تفصيلي وشك بدوي بان يكون الاقل معلوما بالتفصيل والشك فى وجوب الاكثر فتجري البراءة العقلية كما انها تجري البراءة النقلية أيضا هذا كله فيما لو كان بامر واحد وأما لو قلنا بأن العبادة تتحقق بأمرين ففي مورد الشك في تحقق الأمر الثانى فهل تجري اصالة البراءة لنفي الأمر الثاني الظاهر انه لا تجري اصالة البراءة لاثبات عبادية الاول لأنها من الاصول المثبتة التي لا تقول بها كما لا يخفى.

المبحث السادس

فى ان اطلاق الصيغة هل يقتضي كون الوجوب عينيا تعيينيا نفسيا أم لا يقتضي ذلك اقواهما الأول وفاقا للاستاذ قدس‌سره حيث قال ان كل واحد مما يقابلها يكون فيه تقيد الوجوب وتضيق دائرته بتوضيح منا هو ان ما يقابل الوجوب النفسي العيني التعييني مشتمل على خصوصيات توجب تضييق دائرة الوجوب وتقيده حيث ان الوجوب فيها مشروط بما يوجب التضيق والتقيد مثلا الواجب الكفائي مشروط بعدم اتيان الغير به فانه لو اتى به الغير يسقط الواجب كما ان التخييري مشروط بعدم اتيان عدله والغيري مشروط بوجوب ذي المقدمة ففي كل ذلك يحتاج فى مقام البيان الى مئونة زائدة فاطلاق الصيغة بنفي ذلك (١)

__________________

(١) يرد عليه ان هذه الشروط ملحوظة بمرتبة متأخرة عن الامر فلا يعقل اخذها في المرتبة السابقة فان عدم اتيان الغير أو عدم اتيان العدل بمرتبة الاتيان لان بديل كل شيء بمرتبة نفس الشيء ومن الواضح ان مرتبة الاتيان هى مرتبة السقوط وهي متأخرة عن التكليف فحينئذ لا يعقل ان يشترط التكليف به وإلا لجاز

ولا يخفى ان محل الكلام فيما اذا كان الموضوع الذي تعلق به الامر قابلا للتكرار وأما ما ليس قابلا لذلك مثل الدفن والتغسيل فلا ينبغي ان يكون محلا للكلام بين الأعلام حيث انه لا تترتب ثمرة عملية فيما لو شك فى كونه عينيا او كفائيا لأنه لو كان كفائيا وقد اتى به الغير سقط قطعا وان كان عينيا وقد اتى به الغير يسقط التكليف أيضا لارتفاع الموضوع فلا اثر لهذا النزاع. ان قلت يمكن تحقق الثمرة بين حمله على العينى وبين حمله على الكفائي لأنه على الأول يجب الاقدام والتحريك نحو الامتثال فى صورة احتمال قيام الغير بالدفن فان في هذه الصورة يحكم العقل

__________________

ان يكون التكليف مشروطا بعدم المعصية وهو باطل للزوم ان يكون الثبوت مشروطا بالسقوط على ان انشاء الصيغة بالنسبة اليها لا تختلف وهذا الاختلاف يرجع الى ناحية الغرض والى ذلك يرجع كلام بعض السادة الأجلة قدس‌سره في درسه الشريف بان هذا الاشتراط راجع الى لب الواقع وليس راجعا الى مقام الاثبات إلّا بناء على ان كل ما هو شرط بحسب الثبوت يكون شرطا بحسب الاثبات وهو محل نظر بل منع كالمقام فان هذه الامور متأخرة فلا يعقل اخذها في المرتبة المتقدمة فكيف يكون اطلاق الصيغة موجبا لنفيها ثم قال قدس‌سره انه يمكن ان يقرب الاطلاق بوجه آخر اشبه بالاطلاق المقامي ولا يوجب تضيق دائرة الوجوب وتقييده بتقريب ان المولى اذا كان في مقام البيان وكان مريدا لما يقابل الواجب النفسي العيني التعيني يحتاج الى مئونة زائدة فان التخيري يحتاج في مقام التكلم الى اضافة عدل لفظه (أو) والكفائي يحتاج الى اضافة (لو أتى به الغير لسقط) والغيري يحتاج الى ذكر (ذي المقدمة) فعدم ذكر تلك الاضافات في كلام المولى وكان في مقام البيان يستكشف عدم ارادتها على انه يمكن ان يقال ان استفادة الوجوب العيني التعييني من نفس الهيئة التركيبية من دون حاجة الى التمسك بالاطلاق كما لا يخفى.

بلزوم مراعاته مهما أمكن حتى يعلم بعدم القدرة عليه لأن المقام يكون من قبيل الشك في القدرة واذا صار الشك فيها يجب مراعاته بخلاف ما لو حملناه على الثاني فانه يكون من قبيل الشك في التكليف مع احتمال قيام الغير لأنه بخصوصه لا تكليف عليه إلا مع عدم قيام الغير ومع ذلك الاحتمال يكون الشك في التكليف وهو مجرى البراءة. قلت هذا الفرق مستحسن ومتجه لو لم يكن هناك اصل موضوعي يعين قيام الغير به اذ مع قيامه ووجوده بفعل الغير فلا فرق بينهما اصلا كما لا يخفى نعم يتحقق بينهما فرق ما لو كان الموضوع قابلا للتكرار على حسب ما عرفت منا سابقا فلا تغفل

(الأمر عقيب الحظر)

المبحث السابع

في ان الأمر الواقع عقيب الحظر هل هو ظاهر في الوجوب ام ظاهر في الاباحة ام لا ظهور فى احدهما بل هو تجمل وفاقا للاستاذ قدس‌سره والأول منسوب الى بعض العامة والأظهر هو الثاني وفاقا للمشهور بشهادة التبادر العرفي حيث نراهم يتبادرون من الأمر الواقع عقيب الحظر الاباحة ولو اغمضنا النظر عن ذلك لقلنا بالاجمال وفاقا للاستاذ قدس‌سره فلذا لم يجز التمسك به على الوجوب لأن كونه عقيب الحظر يسقط ظهوره لكونه متصلا بما يصلح للقرينة اللهم إلا ان يقال ان اصالة الحقيقة تعتبر من باب التعبد فلذا يمكن لنا التمسك بها مع وجود ما يحتمل القرينة كما يظهر مما ذكرنا بطلان ما ينسب الى بعض العامة من كونها تابعة لما قبل النهي ان علق الامر بزوال النهي مثل قوله تعالى (فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ) وقوله تعالى (فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ) وقوله تعالى (وَإِذا حَلَلْتُمْ

فَاصْطادُوا) لأن استعمالها في مثل ذلك لا يجعل لها ظهورا في الوجوب أو في غيره لاتصال الكلام بما يصلح للقرينية الموجبة للاجمال لأن محل الكلام في ان الامر عقيب الحظر هل هو من القرائن العامة التي لا يجوز العدول عنها الموجب لكون الصيغة ظاهرة في الاباحة أم ليس من القرائن. واما استعماله في بعض الموارد كالأمثلة المذكورة لا يوجب جعل ذلك من القرائن العامة فلعله كان لقرينة بالخصوص كما لا يخفى.

المبحث الثامن

في ان صيغة الأمر تدل على المرة أو على التكرار أو لا دلالة لها على احدهما أقوال الحق هو الاخير بيان ذلك يحتاج الى ذكر أمرين احدهما ان المراد من المرة هل هو الفرد او الدفعة الظاهر هو الثاني كما هو المستفاد من كلمات الاصحاب وان كان يجري النزاع أيضا لو اريد من المرة هو الأول ولا تعد هذه المسألة من ملحقات مسألة تعلق الاوامر بالطبيعة أو بالافراد بدعوى انه على تقدير تعلقها بالفرد هل هو المرة او التكرار اذ على تقدير تعلقها بالطبيعة لا يتأتى هذا النزاع اذ الغرض من مسألة تعلق الامر بالطبيعة أو الفرد هو ان خصوصية الفرد داخلة في حيز الخطاب لكي يجب الاتيان بها على القول بتعلقها بالفرد أو غير دخلية في حيز الخطاب لكي يكون الآتي بها مشرعا وكيف كان فيأتي النزاع على القولين أما على القول بالفرد فواضح واما على القول بتعلقه بالطبيعة فليس المراد بها من حيث نفسها بل من حيث وجودها وحينئذ هل يراد ايجادها في ضمن فرد أو فى ضمن الافراد ثانيهما ما المراد من التكرار هل هو على نحو الارتباط بمعنى انه

لا يتحقق امتثال بالمرة إلا بالحاق الباقي من الافراد فلو لم يضم بقية الافراد لا يقال له مطيع بوجه من الوجوه وانما يقال له عاص أم لم يكن بنحو الارتباط بل يكون كل مرة معتبرة مستقلا فلو اتى بفرد واحد ولم يضم بقية الافراد يكون ممتثلا من جهة وعاصيا من جهة احتمالان ولا يخفى ان عبارات الاصحاب بالنسبة الى ذلك مجملة لا اشعار فيها فى تعيين احد الاحتمالين اذا عرفت ذلك فاعلم ان الحق وفاقا للاستاذ قدس‌سره ولمعظم الاصحاب عدم دلالة صيغة الامر على المرة ولا على التكرار لما عرفت منا سابقا بانها مركبة من مادة وهيئة مادتها تدل على نفس الماهية اللابشرط وهيئتها تدل على انتساب الحدث الى الفاعل فالمرة والتكرار خارجان عن مدلولها على ان المتبادر عرفا من قول المولى لعبده اكرم زيدا هو نفس الطلب من دون مرة وتكرار وأما سقوط الامر بمجرد الاتيان بالمرة فلوجود الطبيعة بالمرة لا من جهة ان الامر يدل على المرة ودعوى ان المصدر الخالي من الالف واللام والتنوين يدل على نفس الماهية اتفاقا على ما حكاه السكاكي يوجب حصر النزاع في المقام فى الهيئة ممنوعة فان المصدر ليس مادة لسائر المشتقات لما بينهما من المباينة فالاتفاق على كون مادة المصدر تدل على نفس الماهية لا يوجب ان يكون ذلك فى مادة سائر المشتقات قال الاستاذ قدس‌سره فى الكفاية ما لفظه (ان كون المصدر كذلك لا يوجب الاتفاق على ان مادة الصيغة لا تدل إلا على نفس الماهية ضرورة ان المصدر ليس مادة لسائر المشتقات بل هو صيغه مثلها) ولكن لا يخفى ان الاستشهاد بالمصدر على عدم دلالته على المرة والتكرار لا يدل على كونه هو المادة بل لبيان اننا نستكشف من عدم دلالة المصدر عليهما عدم دلالة المادة المشتركة بينه وبين سائر المشتقات ان قلت لا وجه لخصوصية المصدر اذ الماضي والمضارع لا دلالة

لهما على المرة والتكرار لما هو معلوم ان المقصود بهما الاخبار عن التحقق كما في الماضي وعن الترقب كما فى المضارع من دون نظر الى المرة والتكرار. قلنا ان ذلك لا يستبعد بالنسبة الى الماضي والمضارع بان يدعي بان الماضي يخبر عن امر واقع مرة والمضارع يخبر عن امر يقع مرة واما بالنسبة الى المصدر فيستبعد دعوى ذلك حيث ان المصدر الخالي من الالف واللام والتنوين لا يراد منه سوى الماهية من دون دلالة على المرة او التكرار فلذا اختص المصدر بالذكر دون سائر المشتقات كما لا يخفى. هذا كله فى دلالة الصيغة وقد عرفت انها لا دلالة لها على المرة ولا على تكرار وانما تدل على مطلق الطلب واما الكلام فى مقام الامتثال فهل يقتصر على اتيان المأمور به مرة أم لا بد من التكرار قيل بالأول بناء على ما سيجيء ان شاء الله تعالى فى المطلق والمقيد من ان المطلق هو حصة شائعة فى الافراد على سبيل التبادل كما هو مختار المشهور فعليه انه لا حاجة الى التكرار لانطباق الطبيعة باول وجودها على المرة وأما بناء على ما هو التحقيق كما اختاره سلطان العلماء من ان المطلق موضوع للماهية المهملة القابلة للانطباق على القليل والكثير فلا بد من الاجتزاء بالمرة من جريان مقدمات الحكمة فهي كما تجري فى الهيئة تجري فى المادة وجريانها فى كل واحد منهما على التعاكس فان جرت فى المادة أي المتعلق دلت على جواز الاقتصار بالمرة وان جرت فى الهيئة أي فى الطلب دلت على التكرار ولأجل ذلك لا يمكن دعوى انه يقتصر فى مقام الامتثال على المرة لعدم ما يوجب ترجيح اطلاق المادة على اطلاق الهيئة فلا بد من القول بالتوقف وما يقال بتقديم اطلاق المادة على الهيئة بتقريب ان المادة اخذت موضوعا للحكم الناشي من الطلب فتكون المادة متقدمة على الهيئة تقدم الموضوع على حكمه فحينئذ تكون مقدمات الحكمة

الجارية في المادة اسبق من جريانها في الهيئة فعليه لا يبقى مجال لجريان مقدمات الحكمة في الهيئة لأنا نقول ان هذا يتم بحسب مقام الثبوت واما في مقام الاثبات والدلالة لا تقدم للمادة على الهيئة ففي تلك المرحلة هما سواء ومقدمات الحكمة تجري في مقام الاثبات لا فى مرحلة الثبوت بل ربما يقال بان فى مقام الاثبات تقدم الهيئة على المادة بتقريب ان الطلب الذي هو مفاد الهيئة عبارة عن التحريك نحو المطلوب فيكون بحسب الخارج مقدما على وجود الفعل فى الخارج ولأجل ذلك تراهم يستدلون على ان النهي يدل على الاستمرار ولو عصى يلزم منه مخالفات عديدة فيجرون مقدمات الحكمة فى الطلب ولا يجرونها في المطلوب لأنه لو اجريناها فى المطلوب يقتضي ان السقوط بعصيانه بالمرة الاولى والاولى في مقام الفرق ان التكرار في متعلق الامر يلزم منه الحرج والحرج مرفوع بحسب مرتكز المتشرعة وفي النهي لا يلزم منه ذلك ولأجل ذلك تراهم يقدمون اطلاق المادة على اطلاق الهيئة واما مع عدم المحذور فقد عرفت ان اطلاق الهيئة مقدم على اطلاق المادة كما بالنسبة الى المستحبات فانهم قد استفادوا منها الطبيعة السارية كما انه ربما يختلف متعلق الامر فيراد منه تارة صرف الطبيعة فيكتفي باول وجود واخرى الطبيعة السارية فيحتاج الى التعدد وقد عرفت ان اطلاق المادة هو الاول واطلاق الهيئة هو الثاني ودعوى ان فى الأوامر المتعلق هو الطبيعة المهملة وهي تحصل باول الوجود وفى النواهي هي الطبيعة السارية وهي لا تحصل إلا بانعدام جميع الافراد في غير محلها فان متعلق الامر هو متعلق النهي فان كان المتعلق الطبيعة المهملة فكما يحصل متعلق الامر باول الوجود كذلك النهي يحصل الترك بانعدامه باول الوجود وان كان المتعلق في الامر الطبيعة السارية فلا يكتفى فى مقام الامتثال باول الوجود بل يحتاج الى التكرار الى ان يحصل الحرج

فيكون مانعا من التكرار وأما في النهي فحيث لا حرج فلذا يدل على انعدام الطبيعة من جميع الازمنة وهو يلازم التكرار فيكون الفرق بين متعلق الامر والنهي بلزوم الحرج في الاول فيراد منها صرف الوجود وبعدمه في الثاني فيراد منها الطبيعة السارية وقد يتصور فرق آخر بينهما ادق من السابق مع انهما يشتركان من حيث معنى المتعلق ومتعلقهما عبارة عن الطبيعة المهملة الصالحة للانطباق على أي صورة من صورها فبالنسبة الى الاوامر حيث ان المتعلق الذي هو الطبيعة المهملة تتحقق باول وجودها فيسقط الامر لتحقق موضوعه بخلاف النهي فانه وان تعلق بنفس الطبيعة المهملة إلّا ان المقصود منها اعدامها ولا يحصل اعدامها إلّا باعدام جميع صورها ومن جملتها الطبيعة السارية وحينئذ لا يتحقق اعدام تلك الطبيعة المهملة إلّا باعدام الطبيعة السارية وبالجملة الفرق بينهما هو ان العقل يحكم بالنسبة الى ايجاد الطبيعة المهملة بحصولها باول وجودها وبالنسبة الى تركها فالعقل يحكم بان انعدامها لا يتحقق إلا بانعدام جميع أفرادها التي منها الطبيعة السارية فيظهر منه ان ترك الطبيعة السارية يوجب انعدام الطبيعة المهملة وله مزيد بيان سيأتى ان شاء الله تعالى في المطلق والمقيد بقي الكلام في الثمرة بين القولين فنقول أما بين القول بالطبيعة وبين القول بالتكرار هو انه على الاول يحصل الامتثال باول مرة بخلافه على القول الثاني وأما بين القول بالطبيعة وبين القول بالمرة بمعنى الفرد فتطهر الثمرة لو اتينا بالمتعدد دفعه واحدة فعلى القول الاول حصل الامتثال بالجميع لانطباق الطبيعة عليه وعلى القول الثاني حصل الامتثال بالفرد الموجود في ضمنها نعم لو قلنا بالمرة بمعنى الدفعة اشكل الفرق بين القول بالطبيعة والقول بالمرة وربما تظهر الثمرة لو أتى بالدفعة عقيب الدفعة فعلى القول بالطبيعة حصل الامتثال بتكرر الطبيعة وعلى القول بالمرة لا يحصل

الامتثال لو اردنا المرة بشرط لا ثم انه لو علق الامر على الشرط فهل يقتضي التكرار عند تكرر الشرط ام لا وجهان بل قولان مبنيان على ان تعلق الامر بالشرط هل هو بنحو الطبيعة لسارية أم على حصول الشرط وحدوثه باول مرة وتمام الكلام سيأتي ان شاء الله تعالى في مبحث المفاهيم.

المبحث التاسع

في ان الصيغة هل تدل على الفور أم على التراخي أم لا دلالة لها على شيء منهما الحق هو الاخير لما عرفت من ان مادتها تدل على الحدث وهيئتها تدل على انتساب الحدث فالفورية والتراخي خارجان من مدلولها نعم ربما يقال ان الاطلاق يقتضي التراخي لأن ارادة الفورية من الصيغة يحتاج الى نصب قرينة تدل عليه فمع عدمها دل على ارادة عدم الفورية وهو التراخي ويؤيد ذلك هو ان جريان مقدمات الحكمة هنا أولى من جريانها في المسألة السابقة لما عرفت من وقوع المعارضة في تلك المسألة فان جريانها فى المادة يعارضها جريانها في الهيئة بخلاف المقام فان مقدمات الحكمة في المقام لا تجري في الهيئة لكى تدل على الفورية واما الاستدلال على المختار بما تقدم من عدم دلالة صيغ المشتقات على الزمان ولازم القول بالفورية الالتزام بدلالة الفعل على الزمان وليس إلا زمان الحال ففيه ما لا يخفى فان الفورية عبارة عن الاسراع الى الاتيان بمتعلق التكليف وليست عبارة عن الزمان الحال لكي تدل الصيغة على زمان وان كان الزمان الحال لازما للفورية اذ فرق بين كون زمان الحال هو معنى الفورية وبين كونه لازما له ثم انه استدل للقول بالفورية بوجهين الاول ان تمامية الدلالة على الفورية مبنية على انكار الواجب

المعلق بما حاصله ان الطلب الناشئ عن ارادة فعلية باعثة على تحريك العضلات نحو المراد والمطلوب وتلك الارادة ارادة تكونية لا تفتقر الى وساطة ارادة الغير في حصول المراد بل المريد بنفسه يتكفل بالقيام بلا وساطة استعانة بالغير بخلاف الارادة التشريعية فانها تفتقر الى وساطة الغير فاذا صارت الارادة فعلية فلا بد من استتباع الطلب في مقام تحققه ولا يكاد يتخلف وهو لازم للفورية ولا يخفى انه غير تام وسيأتي بيانه ان شاء الله تعالى في الواجب المعلق الثاني وجود دليل عقلي ونقلي يدلان على الفورية كآية المسارعة والاستباق بناء على ان المراد من المسارعة والاستباق الى الخير هو سبب الخير وأما ان المسارعة مما يحكم العقل (١) بحسنها

__________________

(١) وقرب بعض السادة الاجلة في بحثه الشريف (*) دلالة حكم العقل على وجوب الفورية بما حاصله ان الامر لما توجه نحو المكلف فالعقل يحكم بوجوب امتثاله فى اول ازمنة الامكان اذ مع تحقق القدرة لا عذر له مع التأخير اعتمادا على احتمال بقاء الامر فى الزمان الثاني المساوق لمعنى التراخي فلو أخر مع تحقق القدرة عليه وانكشف ان الآمر غير راض بالتأخير عد عاصيا وليس ذلك إلّا لاجل حكم العقل بوجوب امتثاله فورا ولذا لا يبقى مجال للتمسك بالاطلاق لنفي الفورية أما اللفظي فواضح لعدم اعتبار الفورية في المدلول لكي ينفى به اعتبارها واما المقامي فانما تجري مقدمات الحكمة حيث لا بيان وقد عرفت ان حكم العقل صالح للبيانية كما انه يظهر من ذلك عدم جريان البراءة العقلية والنقلية اذ جريانهما فى ظرف عدم البيان ومع حكم العقل بالفورية يكون بيانا وعليه يحتاج جواز التأخير الذي هو معنى التراخي الى البيان فصح لنا دعوى ان الالتزام بان حكم العقل يعين الفورية

__________________

(*) وهو السيد الفقيه الاستاذ السيد ابو الحسن الاصفهاني قدس سره وهو المقصود بالتعبير بذلك في الكتاب.

فعليه يحمل الامر في الآيتين على الارشاد قال الاستاذ قدس‌سره في الكفاية ما لفظه (ولا يبعد دعوى استقلال العقل بحسن المسارعة والاستباق وكان ما ورد من الآيات والروايات فى مقام البعث نحوه ارشادا الى ذلك كالآيات والروايات الواردة في البعث على اصل الطاعة) محل منع فان العقل انما يحكم بحسن المسارعة لا بوجوبها فيبقى مجال لان يكون الامر الدال على الوجوب مولويا ولكن لا يخفي ان ما ذكر لا يصلح ان يكون دليلا على الفورية لان الظاهر من المسارعة والاستباق هو الترغيب لا الحتم والالزام كما ان ذلك هو مقتضى مادة المسارعة فحينئذ يكون ذلك قرينة مانعة لظهور الصيغة في الوجوب فلا تغفل.

(الاجزاء)

الفصل الثالث في اتيان المأمور به على وجهه هل يقتضي الاجزاء أم لا وقبل الخوض فى المقصود ينبغي تقديم امور :

الامر الأول هل المراد من الوجه في العنوان حسن الفعل او كون المأتى به جامعا للاجزاء والشرائط الممكن اخذها شرعا المعبر عنها بالعنوان الأولي أو كونه جامعا لجميع ما يعتبر فيه ولو عقلا المعبر عنه بما اخذت فيه الاجزاء والشرائط ولو بالعنوان الثانوي ليس المراد من الوجه هو الاول وإلا لخرجت المعاملات عن العنوان اذ اتيانها ليست لحسنها كما انه ليس المراد هو الثاني وإلا لخرجت العبادات من العنوان على العكس من الأول لعدم امكان اخذ قصد التقرب في المتعلق فالآتي بالمتعلق من دون قصد التقرب لا يكون آتيا بما هو عبادة فتعين ارادة المعنى الثالث

__________________

فللمولى الاتكال على حكم العقل في ارادة الفورية فلا يكون المولى حينئذ مخلا بغرضه لو أراد الفورية ولكن لا يخفى ان حكم العقل بذلك محل نظر فان حكمه الاتيان بالمأمور به اما انه فورا فليس له حكم وقد ذكرنا ذلك في حاشيتنا على الكفاية.

فيشمل العبادات كما يشمل المعاملات وهو مراد من عبر عن الوجه بالنهج المأمور به شرعا وعقلا ولكن لا يخفى ان ذلك يوجب ان يكون هذا القيد توضيحا لأن المراد بالمأمور به في العنوان الحصة التي هي توأم مع القيد أي قصد التقرب لعدم امكان اخذ القيد في المأمور به شرعا فلا اطلاق للامر المتعلق بالحصة بنحو يشمل غيرها التي لا تقرب بها فحينئذ الآتي بالحصة بلا تقرب لم يكن آتيا بالمأمور به ولازم ذلك ان يكون القيد للاشارة الى ان المراد بالمقيد جميع ما يعتبر به حتى لو كان بعنوانه الثانوي نعم لو كان المأمور به في العنوان هو حصة مطلقة لصلح ان يكون القيد (على وجهه) في العنوان احترازيا.

الأمر الثاني ان الاجزاء بمعناه لغة هو الكفاية وان كان يختلف ما يكفي عنه فتارة يكون المأتي به موجبا لعدم الاعادة أي الاتيان به ثانيا في الوقت واخرى يكون المأتي به موجبا لاسقاط القضاء أي الاتيان به في خارج الوقت وهذا الاختلاف لا يوجب تعددا لمعنى الاجزاء كما يظهر من بعض العبارات بأن له معنيين وهما اسقاط الاعادة واسقاط القضاء كما لا يخفى.

الأمر الثالث ان النزاع فى الاجزاء انما هو في مقام الثبوت دون الاثبات ولذا نسب الاجزاء الى الاتيان ومرجعه الى ان الاتيان علة لسقوط الامر أم لا ومنه يظهر الفرق بين هذه المسألة وبين مسألة المرة والتكرار فان مرجع النزاع في الاخيرة الى دلالة الصيغة على المرة أو التكرار وبعد الفراغ من دلالتها على احدهما يقع النزاع فى الاولى بان يقال لو قلنا بالمرة فهل اتيان المأمور به مرة علة لسقوط الأمر أم لا أو قلنا بالتكرار فهل ان اتيان المأمور به مكررا يوجب سقوط الامر أم لا نعم القول بعدم الاجزاء يلازم التكرار عملا لا ملاكا والنزاع انما هو بحسب

الملاك فان الملاك فى كل واحد منهما مختلف فان ملاك التكرار هو عدم حصول تمام المطلوب وملاك الاجزاء هو عدم حصول المطلوب لعدم وفاء المأتي به للغرض كما ان الفرق بين الاجزاء ومسألة تبعية القضاء للاداء اختلافهما بحسب الموضوع فلا يتوهم ان القول بعدم الاجزاء عين تبعية القضاء للاداء والقول بالاجزاء عين عدم تبعية القضاء للاداء فان موضوع الاجزاء هو اتيان المأمور به وموضوع تبعية الاداء للقضاء هو الفوت على ان مسألة تبعية القضاء للاداء هي في مقام تعيين ما هو المأمور به وفي الاجزاء تعيين ما هو المقتضي للمأمور به مضافا الى ان البحث في الاجزاء في مرحلة الثبوت والبحث في تلك المسألة في مقام الاثبات والدلالة فاحدى المسألتين اجنبية عن الاخرى كما لا يخفى.

الأمر الرابع ان البحث في الاجزاء هل هو من المسائل الاصولية العقلية أم من المسائل الاصولية اللفظية قيل بالاول كما هو ظاهر من نسب الاقتضاء فى العنوان الى الاتيان لرجوع البحث في الاجزاء الى ان الأمر معلول للغرض فالاتيان بالمأمور به يوجب سقوط الغرض فلا مجال لبقاء الأمر وإلا لزم بقائه بلا علة وقيل بالثاني كما هو ظاهر من نسب الاقتضاء فى العنوان الى الامر اذ لا يراد من الاقتضاء فى العنوان حينئذ العلية لعدم تصور كون الأمر علة للاجزاء ثبوتا لأن الامر معلول للغرض حدوثا فلا يعقل ان يكون الامر علة لسقوط الغرض وإلا لزم ان يكون الشيء علة لسقوط نفسه وهو بديهي البطلان ولذا لا بد وان يراد من الاقتضاء في العنوان الكشف والدلالة لأن مرجع البحث في الاجزاء حينئذ الى ان الامر هل يدل على الاجزاء بمعنى ان تعلق الامر يدل على وجود الغرض فى متعلقه فمع الاتيان به يحصل الغرض فيسقط الأمر لحصوله فيعد الأجزاء

من المسائل الأصولية اللفظية كما انه على الأول يعد من المسائل الأصولية العقلية والظاهر انه من المسائل اللفظية حيث ان محل النزاع فيه ان الأمر الظاهري أو الاضطراري هل يجري عن الأمر الواقعي وليس ذلك إلا باعتبار دلالة دليليهما على الاجزاء ومرجع ذلك أما الى حكومة بعض الأدلة على بعض أو تقييد بعضها ببعض أو لاشتمال المأتي على مصلحة تفي بمصلحة الواقع وأما بالنسبة الى اتيان المأمور به بالنسبة الى امره فهو حكم عقلي لا مجال للنزاع فيه ولأجل ذلك جعل الأجزاء من مباحث الالفاظ فما ذكره الأستاذ قدس‌سره من تفسير الاقتضاء في العنوان بمعنى العلية والتأثير لكي يكون النزاع فى الاجزاء واقعا فى مرحلة الثبوت لا في مرحلة الاثبات محل نظر لما عرفت ان مرجع النزاع في الأجزاء الى ان أدلة الأحكام الواقعية الثانوية والأحكام الظاهرية هل تدل على كفاية الاتيان بمتعلقاتها عن الأوامر الواقعية بعد الفراغ عن ان الاتيان بمتعلق الأوامر الواقعية بالنسبة الى امره الواقعي مما يحكم به العقل.

اذا عرفت هذه الأمور فاعلم ان المأمور به أما ان يكون ظرفه الواقع المغبر عنه بالواقعي الاولي وأما ان يكون ظرفه الاضطرار المعبر عنه بالواقعي الثانوي وأما ان يكون ظرفه الجهل وعدم العلم المعبر عنه بالعنوان الثانوي وهو مورد الأصول والأمارات فيقع الكلام فى ثلاث مقامات المقام الأول وهو ما كان ظرفه الواقع كالاحكام الواقعية المتعلقة بالموضوعات بعناوينها الأولية فان الاتيان بمتعلقاتها مسقط لأمرها الواقعي لسقوط الغرض بالاتيان فلا يبقى مجال لبقاء الأمر ولا اعرف من يقول ببقائه سوى ما ينسب الى الجبائي المحمولة عبارته على ما سيأتي ان شاء الله تعالى من جواز تبديل الامتثال اذ الالتزام بذلك محل منع لما عرفت

ان أمر المولى ينشا من الغرض والاتيان بمتعلقه علة لسقوط الغرض فلا معنى لبقاء الأمر حينئذ وإلا لزم بقاؤه بلا علة ومع سقوطه لا يبقى مجال للامتثال ثانيا إذ الامتثال عقيب الامتثال غير معقول نعم قيل بامكان تبديل الامتثال ووقوعه وفاقا للاستاذ قدس‌سره بما حاصله ان اتيان المأمور به تارة يكون علة لحصول الغرض وأخرى لا يكون علة له أما على الأول فلا إشكال فى عدم جواز تبديل الامتثال كما لا يجوز جعل الامتثال عقيب الامتثال لما عرفت من ان إتيان المأمور به موجب لسقوط الغرض الموجب لسقوط الأمر فمعه لا يبقى مجال لتبديل امتثاله بعد سقوطه وأما على الثاني كما لو أمر المولى باتيان الماء لرفع عطشه فاتى له بالماء وقبل أن يشرب للعبد أن يأتي بماء آخر لعدم سقوط غرضه بالاتيان أولا وإن جاز له الاكتفاء به لو اقتصر عليه ولذا لو اطلع العبد على اراقة الماء وجب عليه الاتيان ثانيا ثم انه بعد أن صور إمكان تبديل الامتثال ادعى وقوعه فقال ما لفظه : (بل يدل عليه ما ورد من الروايات فى باب إعادة من صلى فرادى جماعة بأن الله يختار أحبهما اليه) ولكن لا يخفى ان ما ذكره يتم بناء على القول بالمقدمة الموصلة بتقريب أن فعل العبد انما هو مقدمة للغرض وتتصف المقدمة بالوجوب اذا ترتب عليها الغرض (١)

__________________

(١) ولا يخفى ان كون فعل الصلاة مقدمة للغرض لكي يكون وجوبها غيريا مبني على وجوب تحصيل الغرض مع ان الالتزام بذلك محل نظر فان الافعال بالنسبة الى الغرض من المعدات وليست بنحو العلية ولذا ان الاستاذ المحقق النائيني قدس‌سره حيث بنى على جعلها معدات للغرض صحح تبديل الامتثال بتقريب ان أفعال العبد ليست علة لترتب الغرض فانها قد يحصل متعلق الامر مع عدم ترتبه لأن ترتبه من لوازم القبول وهو يحتاج الى جهات أخر فحينئذ له ان يأتي بفرد

لعدم تحقق الايصال ما لم يترتب الغرض وحينئذ يجوز له الاتيان به ثانيا وثالثا الى ان يحصل الغرض ومع ترتبه ينصف الأخير بالوجوب ولذا تتصف الصلاة المعادة جماعة بالوجوب لترتب الغرض عليها فتكون هي التي اختارها المولى ولأجل ذلك

__________________

آخر لكي يكون موردا للقبول الملازم لاختيار الله تعالى له ولكن لا يخفى ان جعل الافعال من ذلك القبيل لا يصحح تبديل الامتثال اذ مرحلة القبول غير مرحلة الامتثال فانه يوجب اسقاط الأمر الموجب لسقوط الغرض وأما عدم ترتب الثواب والوصول الى درجات راقية في التقوى فليس لأجل عدم تحقق الامتثال اذ من الواضح ان المأتي به لما كان منبعثا عن الأمر وكان اتيانه على وجه المطلوبية من اشتماله على جميع الاجزاء والشرائط فلا إشكال فى سقوط الأمر ومع سقوطه لا يبقى مجال للامتثال ثانيا لعدم تحقق البعث حينئذ لكي يتحقق الانبعاث على انك قد عرفت منا سابقا ان المأتي به على وجه المطلوبية موجب لسقوط الغرض الموجب لسقوط الأمر فمع سقوط الغرض ان بقي الأمر يلزم بقاؤه بلا علة وان سقط فلا بعث لكي يتحقق امتثال آخر فيكون من تبديل الامتثال وأما المثال الذي ذكره المحقق الخراساني قدس‌سره في الكفاية لجواز التبديل ففي غير محله اذ الغرض فيه ليس هو رفع العطش وانما هو تمكن المولى من اختيار أحدهما على ان الاغراض والمصالح بالنسبة لاوامره جل وعلا ليست بنحو تعود اليه وانما تعود الى العباد وأما ما ورد من الاخبار الصحيحة على اعادة الصلاة جماعة ماموما أو إماما فليس من باب تبديل الامتثال وانما هى تدل على استحباب الاعادة في الفرض الذي ذكره لتحصيل الثواب وزيادة الاجر نظير إعادة صلاة الآيات مع بقاء الآية من جهة زيادة الثواب وان كان فرق بين المقام وتلك الصلاة من جهات كما لا يخفى وأما اختيار المعادة لكونها موجود فيها ما يقتضيه الاولى مع زيادة كما ان جعلها هي الفريضة في الرواية باعتبار اعادة الفرض السابق من جعل المعادة ظهرا أو عصرا فلا تغفل.

قلنا بأنه ينوي بالاعادة جماعة الوجوب وأما بناء على وجوب مطلق المقدمة كما هو مختار الأستاذ فلا يتم ما ذكره اذ لا معنى لتبديل الامتثال بامتثال آخر لفرض انه على هذا المبني قد سقط الأمر باتيانه. الأول فكيف يسوغ له الامتثال ثانيا ليجعله بدلا عن الأول وليس إلا من قبيل الامتثال عقيب الامتثال مضافا الى انه لو قلنا بالمقدمة الموصلة كما هو المختار فلا يصح تبديل الامتثال بيان ذلك ان الغرض المترتب على الفعل تارة يقوم بأمر خارجي كما لو أمره بالماء ليشربه فالغرض قائم بنفس الشرب الخارجي واخرى يقوم بأمر جانحي كما لو أمره باحضار ماءين لاختيار أحدهما فيكون الغرض وهو اختياره القائم بالارادة القائمة بالنفس. فالماء الذي لم يشربه لا يتصف بالوجوب على الأول كما ان ما لم يقع عليه اختياره لا يتصف بالوجوب على الثاني وحينئذ لا يصدق عليهما الامتثال لكي يكون من تبديل الامتثال ولذا كانت الصلاة للعادة هي التي تتصف بالوجوب لترتب للغرض عليها الذي هو اختيارها لكونها هي أحب لدى المولى دون الصلاة الأولى ان قلت ما وجه ما يظهر من الأخبار كون الصلاة المعادة جماعة مستحبة قلنا معنى استحباب الاعادة انما هو لاجل توسعة ما يختاره المولى من الافراد المأتي بها فتحصل مما ذكرنا أن تبديل الامتثال غير معقول سواء قلنا بالمقدمة الموصلة أم لم تقل بها وان كان هنا فرق بين القولين من جهة أخرى وهو انه على القول بوجوب مطلق المقدمة يكون الآتي بالفرد الاول يحصل له الجزم بامتثاله لسقوط الغرض باتيانه ولا يأتي ببقية الافراد لا بعنوان الجزم ولا بالرجاء بخلاف القول بالمقدمة الموصلة فانه لو كان عازما على الاتيان بالفرد الثاني فلا يمكن له الجزم يكون المأتي به هو الواجب فلذا لا بد له من الاتيان به بعنوان الرجاء وأما لو لم يكن عازما على الاتيان

بالفرد الثاني من أول الامر فيحصل له الجزم العادي بحصول الغرض ولكن لو انتقض عزمه وأراد الاتيان بفرد آخر فيأتي به بعنوان الرجاء لاحتمال اختيار المولى له ويكون هو الواجب وبهذه التفرقة توهم جواز تبديل الامتثال ولكنه توهم فاسد اذ لا يصدق على غير المختار امتثال لكي يكون من تبديل الامتثال فافهم.

المقام الثاني في ان اتيان المأمور به بالامر الاضطراري يجزي عن الامر الواقعي أم لا يقع الكلام فيه تارة في مرحلة الثبوت والامكان واخرى في مرحلة الاثبات والوقوع أما الكلام في المرحلة الاولى فيتصور فيها ثلاث صور (١)

__________________

(١) وبعض السادة الاجلة قدس‌سره فى بحثه الشريف ذكر هذه الصور بتوضح منا أما الصورة الاولى فبالنسبة الى القضاء فلا إشكال فيه وكذا فى الاعادة مع الالتزام بكون الامر الاضطراري مقيدا بكون العذر مستوعبا فلا يبقى وقت للاعادة وأما اذا لم يكن مقيدا فالمكلف حينئذ مخير بين إتيان البدل وبين الانتظار ليتمكن من المبدل وأما الصورة الثانية وهي ما لا يمكن استيفاء الباقي ففي جميع صورها تجزي عن الاعادة والقضاء إلا ان الكلام في تصويرها فبالنسبة الى القضاء فيمكن ان يكون للوقت مصلحة أهم أوجبت ان يأمر الشارع بالفعل الاضطرارى إذ لو كان الفعل الاختياري أهم في نظره فلا يصح له الامر بالفعل الاضطراري من غير فرق بين ان تكون المصلحة الفائتة لازمة الاستيفاء أم لا وأما بالنسبة الى الاعادة فتارة تكون المصلحة الفائتة غير لازمة الاستيفاء فيمكن تحقق الأمر الاضطراري لجواز ان يكون مصلحة أول الوقت أهم من الفائتة فيتخير بين البدل والمبدل إلّا أن يكون أول الوقت أفضل فيفضل البدل أو آخره فيفضل المبدل وأخرى تكون المصلحة الفائتة لازمة التحصيل فيشكل تحقق الاعادة لتوقفها على امكان تحقق الأمر الاضطراري في أول الوقت مع التمكن من آخره مع كون المصلحة

الأولى أن يكون الفعل الاضطراري في حال الاضطرار وافيا بتمام المصلحة الاختيارية وأخرى ببعض تلك المصلحة والباقي منها إما يمكن استيفائها أو لا والاستاذ قدس‌سره

__________________

الفائتة على تقدير الاتيان بالفعل الاضطراري أهم فى نظر الشارع فحينئذ يقبح من الحكيم الأمر بالفعل الاضطراري لكون الاتيان بمتعلقه موجبا للتفويت وأما الصورة الثالثة وهي ما إذا كان الباقى ممكن الاستيفاء فبالنسبة الى القضاء فتصويره متوقف على الالتزام بوجود مصلحتين أحدهما بالبدل وهي مصلحة الوقت والأخرى فى المبدل مثلا فاقد الطهورين يحب عليه الصلاة من دون طهارة في الوقت على القول به والقضاء مع الطهارة فى خارج الوقت لتحصيل المصلحتين وبالنسبة الى الاعادة يخير بين الاتيان بعملين أي البدل والمبدل أو الانتظار والاتيان بالمبدل بعد رفع العذر هذا ولكن التحقيق ان قيام شيء مقام شيء المسمى بالبدل لا بد وان يفرض مع وجود مصلحة قائمة بالجامع بينهما من دون فرق بين كون البدل فى عرض المبدل أو فى طوله كما هو المفروض فى المقام هذا لو كان البدل وافيا بتمام ما للمبدل من المصلحة وأما لو كان البدل وافيا ببعض مصلحة المبدل فليس ذلك من حيث الشدة والضعف اذ لا يعقل ان يكون الباقى من المصلحة بعد تحقق الفعل الاضطراري ملاكا للبعث والأمر نحو المبدل حيث ان الموجب للامر به هو تلك المصلحة القوية إذ لو كانت المرتبة الباقية الضعيفة هي تقتضي البعث نحو المبدل لزم ان لا تكون تلك المرتبة القوية هي الباعثة نحو المبدل فحينئذ تصحيح الاتيان بالبدل والمبدل فى هذه الصورة لا بد من الالتزام بوجود مصلحتين إحداهما تقوم بالجامع بين البدل والمبدل والاخرى تقوم بالمبدل فيجب الاتيان بهما لتحصيل كلتا المصلحتين هذا إذا كان الباقي يمكن استيفاؤه وأما مع عدم امكان استيفاء الباقي فيمكن تصحيحه بالالتزام بوجود مصلحتين مصلحة قائمة بالمبدل مع عدم سبق الاتيان بالبدل ومصلحة أخرى قائمة بالبدل والمبدل فحينئذ يحكم بالتخيير بين الاتيان بالبدل والمبدل أو

قد ربع الاقسام فقال ما لفظه (وما أمكن كان بمقدار يجب تداركه أو يكون بمقدار يستحب) ولكن لا يخفى ما فيه إذ لا معنى لاستحباب التدارك لأن المصلحة الباقية من مصلحة الوجوب ان كانت لازمة التحصيل فكل ما يبقى منها يجب تحصيلها وان لم تكن تلك المصلحة لازمة التحصيل فلم يكن مجال لاستحبابها إذ ذلك يحتاج الى دليل يدل عليه فالاقسام بحسب التصوير العقلي اذن ثلاثة وليست أربعة وكيف كان فقد أورد على الاحتمال الأول بانه مع وفاء الفعل الاضطراري بتمام المصلحة يلزم ان تكون المصلحة قائمة بالقدر الجامع ومع قيامها به لا يكون الفعل الاضطراري في طول الفعل الاختيارى مثلا لو كانت المصلحة متحققة بالطهارة المائية كتحققها بالطهارة الترابية فتكون المصلحة حينئذ قائمة بالقدر الجامع بين الطهارتين فعليه يكون الفردان من الطهارة فى عرض واحد ولكن لا يخفى ان كون المصلحة قائمة بالجامع بين الطهارتين لا يلزم ان يكون الفردان في عرض واحد لجواز ان يكون الجامع متحققا بالفرد الثاني بعد ارتفاع الفرد الأول مثلا لا تكون الصلاة مع التيمم فردا للصلاة إلا بانتفاء الصلاة مع الوضوء كما انه أورد على الاحتمال الثاني بان الفعل الاضطراري يكون وافيا ببعض المصلحة وحينئذ لا معنى لكون الباقي لازم التحصيل ضرورة ان وفاء كل منهما بالمصلحة دليل على قيامها بالقدر الجامع فمع استيفائها فان بقي شيء لا بد وان تكون غير لازم التحصيل ولكن لا يخفى انه من الممكن ان يكون الطلب الوجودي ينحل الى طلبين من باب تعدد المطلوب كالطلب المتعلق بالحج فانه ينحل الى شيئين طلب بنفس الحج وطلب آخر يتعلق بفوريته فاذا انتفى

__________________

الاتيان بحصول المبدل ويكون من قبيل التخيير بين الاقل والاكثر وقد ذكرنا ذلك على التفصيل في حاشيتنا على الكفاية.

الزمان الأول ففي الزمان الثاني ولا يخفى ان هذين الاحتمالين يشتركان فى جواز البدار فيما اذا كان مطلق الاضطرار هو الشرط أو كان الشرط هو الاضطرار فى تمام الوقت مع احراز استمرار العذر فى تمام الوقت بالعلم أو بما يقوم مقامه وأما فيما عدى ذلك فيحصل الفرق بين الاحتمالين إذ على الأول يجوز البدار مطلقا لما عرفت من كونه وافيا بتمام المصلحة في ظرف الاضطرار ومع وفائه لها جاز له البدار بل يجوز له ان يوقع نفسه فى الاضطرار باختيار نفسه لكون المصلحة قائمة بالقدر الجامع وهو ينطبق على كل واحد من الفردين الطوليين فيكون التخيير بين البدل والمبدل حينئذ عقليا كالتخيير بين الافراد العرضية ولازم ذلك ان يكون الآتي بالفعل الاضطراري يجزي عن الفعل الاختياري لوفائه بالغرض فيسقط الغرض فمع سقوطه لا يبقى مجال لبقاء الأمر الواقعي وأما على الثاني أي ما يكون الاتيان بالفعل الاضطراري وافيا ببعض المصلحة مع امكان استيفاء الباقي فلا يجزي بل يتخير بين الاتيان بالبدل في حال الاضطرار والاتيان بالمبدل بعد رفع الاضطرار أو الانتظار والاتيان بالمبدل بعد رفع الاضطرار وحينئذ لا يجوز البدار مع احراز استمرار العذر بالعلم أو ما يقوم مقامه وعلى ذلك تحمل عبارة الاستاذ قدس‌سره فى الكفاية ما لفظه (غاية الامر يتخير في الصورة الاولى (١) بين البدار والاتيان

__________________

(١) وبعض العادة الأجلة قدس‌سره حمل العبارة على ما اذا لم يكن العذر مستوعبا للوقت فحينئذ يتخير بين الاتيان بالفعل الاضطراري وبين الانتظار وأما اذا كان العذر مستوعبا فلا معنى للتخيير بل يتعين عليه الاتيان بالفعل الاضطراري والفعل الاختياري تحصيلا لمصلحة الوقت والمصلحة الباقية فان المصلحتين لازمتا التحصيل ومثل له بفاقد الطهورين فانه يجب عليه الاتيان بالصلاة في الوقت بدون

بعملين العمل الاضطراري فى هذا الحال والعمل الاختياري بعد رفع الاضطرار أو الانتظار والاقتصار باتيان ما هو تكليف المختار) هذا كله بالنسبة الى الاحتمالين الاولين وأما الكلام بالنسبة الى الاحتمال الاخير وهو ما كان الفعل الاضطراري وافيا ببعض المصلحة مع عدم امكان تدارك الباقي فاما أن يكون اتيان الفعل للاضطراري علة لتفويت مصلحة الفعل الاختياري فى زمانه واما ان لا يكون علة لتفويته فعلى الاول يحرم البدار لاتيان الفعل الاضطراري لانه مستلزم لحصول الحرام ومستلزم الحرام حرام على انه يبنى ذلك على مسألة الضد لما هو معلوم من التضاد بين الفعلين فان قلنا بالترتب فيها كان مأمورا بالصلاة في حال الاضطرار إذا كان بانيا على عصيان ترك الواجب فى زمان الاختيار وإلا حرم عليه الصلاة في حال الاضطرار ولزمه الانتظار حتى يتضيق الوقت فلو كان عنده ماء في أول الوقت وهو يعلم بطرو الاختيار له فى آخر الوقت فهل له إراقة الماء فى أول الوقت اعتمادا على تمكنه في آخره أو ليس له ذلك فالذي ينبغي ان يقال هو التفصيل بين ما كان عازما على أن يأتي بالصلاة مع تلف الماء وبين ما لم يكن كذلك فعلى الاول لا يجوز له إراقة الماء لأنه يؤدي الى تفويت الواجب وعلى الثاني يجوز فتحصل مما ذكرنا أنه على الاحتمال الاول أي ما يكون الفعل الاختياري

__________________

طهارة واذا خرج الوقت وارتفع العذر يجب عليه القضاء مع الطهارة أقول ما ذكره المحقق الخراساني قده مبنى على ان المصلحة قائمة بالصلاة في حال الاختيار اذا لم يسبقها ما يستوفى مقدار منها وبصلاتين في حالتي الاختيار والاضطرار فحينئذ يكون الأمر بين الاتيان بالفعلين الاضطراري والاختياري وبين الاتيان بالفعل الاختياري تخييريا من باب التخيير بين الأقل والاكثر فلا تغفل.

وافيا بتمام المصلحة فلا إشكال فى انه يقتضي الاجزاء لأنه يعد ما أتي به وافيا بتمام المصلحة ولم يبق بعد الاتيان شيء من المصلحة فلا مجال للاعادة أو القضاء وما يقال ان كون الفعل الاضطراري وافيا بتمام المصلحة مشروط باستمرار العذر الى آخر الوقت إذ لو تبدل حاله الى زمان الاختيار يكشف عن أن الفعل الاضطراري غير واف بشيء من المصلحة الاختيارية فضلا عن تمامها لأنا نقول ان هذا الذي ذكر من الشرط ينبغي ان يلتزم به إذ مع عدم استمرار العذر لا مجال للنزاع في الاجزاء وعدمه ضرورة أنه لو تبين عدم استمرار العذر تبين انتفاء الأمر الاضطراري كما انه على الاحتمال الثاني أي ما يكون وافيا ببعض المصلحة مع امكان تدارك الباقي فلا يجزي لامكان تدارك الباقي باتيان الفعل الاختياري وأما على الاحتمال الثالث فيقتضي الاجزاء فلا يأتي بالفعل الاختياري ثانيا لأن ما أتي به من الفعل الاضطراري فى زمانه صحيح ولكن لا يخفى انه على اطلاقه ممنوع لما عرفت منا سابقا انه يحرم اتيان الفعل الاضطراري اذا كان علة للتفويت أو مستلزما له فان مستلزم المحرم محرم كما هو واضح.

وكيف كان فقد قرب بعض الأعاظم قدس‌سره الاجزاء في مقام الثبوت في القضاء والاعادة فقال اما عن القضاء بان القيد المتعذر في تمام الوقت ان كان له دخل في الملاك فلا معنى لتعلق الأمر فى حال الاضطرار بالفاقد وان لم يكن له دخل فى الملاك كما هو مقتضى الأمر بالفاقد فتكون المأتي به فى حال الاضطرار واجدا للملاك فمع تحصيله لا يجب القضاء بناء على ان موضوعه هو فوت الملاك بل لا بد وان يكون موضوعه ذلك اذ لا يعقل أن يكون موضوع القضاء فوت الواجب الفعلي مع تعلق الأمر بالفعل الاضطراري إذ تعلقه بذلك يمنع ان يكون

الواجب الفعلي هو الفعل الاختياري لكي يجب القضاء وبالجملة كون وجوب القضاء موضوعه فوت الواجب الفعلي مع تعلق الأمر بالفعل الاضطراري مما لا يجتمعان فلا بد وان يكون موضوعه فوت الملاك والمصلحة وعليه ان تحققت بالفعل الاضطراري فلا يجب القضاء لعدم تحقق موضوعه وأما عن الاعادة فالأمر بالفاقد في حال الاضطرار يوجب الاتيان به وبعد ارتفاع العذر في الوقت يوجب الاتيان بالواجد مع ان الاجماع قام على عدم وجوب الاتيان باكثر من صلاة واحدة ولازم ذلك ان الشارع لما أمر باتيان الصلاة في حال الاضطرار اكتفى بها عن الاتيان ثانيا بعد رفع العذر وذلك هو معنى الاجزاء ولكن لا يخفى ما فيه أما عن القضاء فيمكن للحكيم ان يأمر بالفاقد لمصلحة الوقت مثلا ويكون الآتي بها في الوقت قد أتى ببعض مصلحة الصلاة وبعد ارتفاع العذر بعد الوقت يأمر باتيانها في خارج الوقت تداركا للمصلحة الفائتة وأما عن الاعادة فالاجماع لم يثبت تحققه وحينئذ يمكن ان يكون مصلحة فى البدار متحققة لذا أمر المولى بالاتيان بالفعل الاضطراري وبعد ارتفاع العذر فى الوقت أمر المولى باتيان الفعل الاختياري تداركا لتحصيل المصلحة المتحققة بالفعل الاختياري هذا وقد يستدل للاجزاء بما تقدم فى الصحيح والأعم من ان المتعلق للصحيح هو الجامع بين المختار والمضطر والمسافر والحاضر فيكون المصلحة قائمة بالجامع بين المختار والمضطر وفردية المضطر انما هو باعتبار حالة الاضطرار ولم يكن اعتباره بنحو البدلية للمختار فحينئذ الآتي بالفعل الاضطراري لم يكن آتيا ببدل الفعل الاختياري وانما أتى بما انه فرد للمأمور به في تلك الحال فعليه يكون موجبا للاجزاء للاتيان بنفس متعلق الأمر حيث انه على ذلك التقدير متعلق الأمر يكون هو الجامع بين الفردين وباتيان الفعل الاضطراري فقد أتى بنفس

الجامع الذي هو المتعلق لا أشكال ان الاتيان بمتعلق الأمر يوجب سقوط نفس الأمر فلا موجب للاتيان به ثانيا إذ مع سقوطه لا يبقى مجال لامتثاله ويكون من قبيل الامتثال عقيب الامتثال الذي قد عرفت امتناعه إلا مع تحقق كون الفعل الاضطراري فردا للجامع وقد عرفت انه لا يكون فردا إلا وان يستمر العذر وحينئذ تارة يقطع باستمراره فيجوز له البدار الى اتيان الفعل الاضطراري واخرى يقطع بارتفاعه فلا يجوز له البدار للعلم بعدم الفردية وثالثة يشك بارتفاع العذر فهل يحرز بقاؤه باستصحاب بقاء العذر الى آخر الوقت أم لا يحرز بقاؤه لعدم جريان استصحاب بقائه قيل بجريانه للعلم بتحقق العذر في أول الوقت ويشك في تحققه في آخر الوقت فيجرى استصحابه لتحقق اركانه وهو اليقين بالعذر والشك في بقائه ولكن لا يخفى ما فيه فان موضوع الحكم الاضطراري هو العذر فى جميع الوقت وما هو المتيقن هو العذر فى أول الوقت وما هو المشكوك هو بقاء العذر في آخر الوقت فليس المتيقن عين المشكوك ولو سلمنا جريانه بتقريب انا نستصحب الحال الذي أوجب العذر في أول الوقت الى آخر الوقت فهو وان كان صحيحا إلا انه مثبت بالنسبة الى موضوع الحكم الاضطراري لأن ثبوت ذلك الحال في آخر الوقت مما يلزمه عقلا أو عادة ثبوت الاضطرار في جميع الوقت الذي هو موضوع الحكم الاضطراري اللهم إلا أن يقال بانه لا مانع من جريان الاستصحاب بالنسبة الى المكلف بتقريب ان المكلف يتيقن فعلا بالاضطرار الى ترك جميع أفراد المبدل من أفراده العرضية والطولية ويشك في ارتفاع هذا الاضطرار فلا مانع من جريان الاستصحاب وبه يحرز موضوع الحكم الاضطراري فحينئذ يجوز له البدار ويكون ذلك الفعل الاضطراري فردا للجامع وينطبق عليه انطباق الكلي

على أفراده وعليه لا يفرق بين حصول الوثوق بطرو الاختيار فيما بعد أو عدم حصوله هذا كله فى مقام الثبوت والامكان وأما الكلام في مقام الاثبات والوقوع فيقع البحث فيه من جهتين الأولى ما يستفاد من الدليل الاجتهادي وأخرى ما يستفاد من الدليل الفقاهتي وهو الأصل العملى أما الجهة الأولى فيقع التكلم فيها تارة بالنسبة الى الأدلة العامة وأخرى بالنسبة الى الأدلة الخاصة أما الأدلة العامة فما كان منها رافعا للتكليف فقط كمثل لا حرج ولا ضرر أو رافعا للتكليف والوضع كمثل قوله (ع) في باب التقية (ان كل شيء اضطر اليه ابن آدم فقد أحله الله تعالى) الظاهر في نفي الحلية التكليفية والوضعية فلا دلالة فيها على الاجزاء لأن دليل الاجزاء لا بد وان يكون متكفلا لرفع التكليف عن المتعذر من الاجزاء والشرائط ومتكفلا لاثبات التكليف بالباقي وحينئذ يكون مجال للنزاع في ان اتيان الفاقد من المأمور به يجزى عن إتيان الواجد بعد رفع الاضطرار أم لا وأما دلالة الدليل على رفع التكليف فقط من دون اثباته للباقي لا ينفع ولا يجدي فى المقام فمثل لا حرج ولا ضرر لا تجعل من أدلة الاجزاء وما يقال بانها تدل على اثبات التكليف أيضا ويظهر ذلك من استشهاد الامام (ع) بها على المسح على البشرة حيث قال (ع) فى رواية عبد الاعلى (هذا واشباهه يعرف من كتاب الله تعالى ما جعل عليكم فى الدين من حرج أمسح على المرارة) لأنا نقول ان الامام (ع) استشهد بالآية على رفع تكليف المسح على البشرة وأما التكليف بالمسح على المرارة فتفضل منه ولم يكن ذلك مما يستفاد من الآية وأما أدلة بقية الاجزاء فلا تثبت وجوب الفاقد لكي يكون من محل البحث لأن المصلحة المتحققة في بقية الاجزاء هي مصلحة ضمنية لا تصلح لأن تكون سببا للامر بها لأن الأمر حسب الغرض متعلق بالواجد لجميع

الاجزاء الناشئ من مصلحة قائمة بجميعها ولما تعذر بعض الاجزاء انتفت تلك المصلحة القائمة بالواجد وينتفى الامر المتعلق به المتسبب عنها ويحتاج الى دليل آخر غير ادلة الاجزاء يتعلق بالفاقد وبعد تعلقه يكون الفاقد من موارد الاجزاء ، ولذا احتاجوا فى التمسك فى وجوب الاتيان بالفاقد الى قاعدة الميسور اذا كان الفاقد يعد من ميسور الواجد ولم يتمسكوا في الاتيان بالفاقد فى حال الاضطرار بعموماته الرافعة للتكليف وحدها او مع ضم ادلة بقية الاجزاء اليها.

وبالجملة ما لم يكن الدليل دالا على الامر بالفاقد لا يكون من محل الكلام كمثل قاعدة الميسور فانها دالة على رفع التكليف عن الجزء المتعسر ودالة على الامر بالفاقد اذا عد من ميسوره. فمثل هذه القاعدة تدخل فى محل الكلام والنزاع إلا ان استفادة الاجزاء منها محل نظر لانك قد عرفت ان الاجزاء انما يتصور بالنسبة الى القضاء لان كونه فردا للجامع اذا استوعب العذر فمع عدم الاستيعاب لا أمر حقيقة بالبدل. وحينئذ الامر بالفاقد فى الوقت يمكن ان يكون لادراك مصلحة الوقت مع الاتيان ببعض مصلحة الصلاة ومع انقضاء الوقت وزوال العذر يجب الاتيان بالصلاة تداركا لتلك المصلحة بناء على ان القضاء موضوعه فوت المصلحة.

وما يقال بأن ظاهر الامر بالباقى انما هو لاجل ادراك بعض مصلحة الواجد مع مصلحة الوقت وعلى تقدير بقاء شيء من المصلحة فلا يجب الاتيان بها فيكون الامر بالفاقد مقتضيا لجواز التفويت وعدم حرمته فهو وان كان محتملا إلّا ان استفادة ذلك من ظاهر الامر بالفاقد محل نظر بل من المحتمل قويا ان الامر بالفاقد لادراك مصلحة الوقت فتبقى مصلحة الواجد لم تستوف فلذا يجب الاتيان به بعد زوال العذر.

فتحصل مما ذكرنا ان عمومات الاضطرار لا تدل على ثبوت التكليف كأدلة الحرج والضرر. وادلة الاجزاء وان كانت دالة على ثبوت التكليف بالفاقد إلّا ان استفادة الاجزاء منها محل اشكال ومن هذا القبيل ادلة التقية فانها دالة على الاتيان بالفاقد إلا ان دلالتها على الاجزاء محل نظر لان غاية ما تدل عليه ان المأمور به فى حال التقية مشتمل على مصلحة ملزمة ، اما انها تفى بمقدار تلك المصلحة المتحققة بالفعل الاختياري فعير معلوم فلذا يجب القضاء لو ارتفع العذر لفوت مصلحة الواجد إلا ان يدل دليل على عدم وجوب تكليفين احدهما متعلق بالفاقد والآخر بالواجد فى الوقت أو فيه وفى خارجه من اجماع وغيره مستفاد من ذلك الدليل ولكنه خارج عن محل الفرض وهو دلالة الادلة العامة على الاجزاء ويكون من قبيل الأدلة الخاصة. هذا كله فى الادلة العامة. واما الادلة الخاصة المتعلقة بالموارد الخاصة فمن السنة قوله (ص) : (التراب احد الطهورين) ويكفيك عشر سنين). ومن الكتاب قوله تعالى : (فان لم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا) فقد استدلوا بها على الاجزاء فى الوقت وخارجه. اما الاستدلال بالسنة فيقرب بأن المستفاد من جعل التراب منزلا منزلة الطهارة المائية هو كونها وافية بتمام المصلحة ولازم ذلك انها تجزى عن الاتيان بالصلاة مع الطهارة المائية فى الوقت وخارجه لانه عليه تكون الطهارة الترابية من افراد الطهارة فى حال الاضطرار حقيقة او جعلا والمصلحة قائمة بالجامع بين الطهارتين.

ولكن لا يخفى انه يعارض هذا الظهور الامر بالوضوء فى قوله تعالى : (إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ) الآية. فان الظاهر كون الامر مولويا ولا يصير مولويا إلا ان يكون الفعل الاختياري فيه مصلحة لا تحصل بالفعل الاضطراري

وإلّا لو كان الفعل الاضطراري وافيا بمصلحة الفعل الاختياري لزم قيام المصلحة بالجامع بين الفعلين وإلا لزم صدور الواحد من الكثير وهو غير معقول وحينئذ يكون الامر المتعلق بالفعل الاختياري ارشادا الى كونه احد مصاديق الجامع القائمة به المصلحة وهو خلاف ظاهر امر (اغسلوا) ، واعمال المولوية انما تحصل بأن لا يكون الفعل الاضطراري يفى بتمام المصلحة بل يفي ببعضها وحينئذ يبقى الباقى فيتوجه الامر المولوي بالفعل الاختياري ليحصل ما بقى من المصلحة على انه لو كان المستفاد من الاطلاق ان يكون الفعل الاضطراري وافيا بتمام المصلحة لزم جواز تبديل حاله من حالة الاختيار الى حالة الاضطرار فيجوز له اراقة الماء ليجعل نفسه مضطرا كالحاضر يجوز له السفر ليجعل نفسه مسافرا واللازم باطل بالاجماع. ومنه يظهر ان ما كان بغير سوء الاختيار ايضا لا يكون وافيا بتمام المصلحة كما هو مقتضى جعل البدلية ، ودعوى ان للرواية دلالتين دلالة على كون الطهارة الترابية وافية بتمام المصلحة مطابقة ودلالة على الاجزاء بالالتزام والاجماع على حرمة التفويت يوجب عدم وفاء الفعل الاضطراري لتمام مصلحة الفعل الاختياري وهو يعارض الدلالة المطابقة ويوجب سقوطها للمعارضة وتبقى الدلالة الالتزامية على الاجزاء سليمة عن المعارض ، وقد قرر في محله انه لا مانع من التفكيك بين الدلالتين ويمكن الأخذ باحدهما وترك الاخرى ممنوعة فان دلالتها على الاجزاء بالدلالة الالتزامية من حيث وفاء المأتي به بالامر الاضطراري فاذا سقطت الدلالة المطابقية فلا يكون المأتى به بالامر الاضطراري وافيا بالمصلحة فيتبعها عدم الاجزاء فحينئذ تسقط الدلالة الالتزامية. وأما التفكيك بين الدلالتين فهو معقول بالنسبة الى الاصول العملية لا بالنسبة الى الامارات لما هو معلوم ان الامارات ملحوظ فيها جهة الكشف

عن الواقع ولا يعقل التفكيك بين المتلازمين فى مقام الكشف عن الواقع بخلاف الاصول فان الملحوظ فيها رفع التحير فى مقام العمل ولا مانع من التفكيك بين المتلازمين فى مقام العمل.

ان قلت اطلاق دليل البدلية يقتضي كون المأتي به وافيا بتمام المصلحة كما ان اطلاق الوجوب يقتضي كونه نفسيا قلنا قد عرفت انه لا يؤخذ به للاجماع على حرمة التفويت على انه معارض بالدليل الدال على اعتبار الفعل الاختياري مثلا قوله تعالى (إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ) الدال على الاتيان بمتعلقه مهما أمكن سواء طرأ الاختيار أم لا فمع التعارض ولا مرجح في البين لا يحكم بالاجزاء ولا بعدمه وحينئذ لا يصلح الدليل الاجتهادي للاستدلال على الاجزاء أو عدمه ان قلت لا معارضة بين الدليلين وانما دليل البدلية حاكم على دليل المبدل لكونه له نظر بالنسبة الى دليل المبدل قلنا ان ملاك تقديم الحاكم على المحكوم عدم اللغوية والفائدة لو لم يقدم مثلا لو قال المولى أكرم العلماء ثم بعد ذلك قال ليس الفاسق بعالم فهذا الدليل الثاني يقدم فيما اذا لم يكن للعالم أثر غير الاكرام فحينئذ لو لم يقدم يعد لغوا وأما لو فرض للعالم أثر آخر كالاقتداء مثلا فلا يلزم تقديمه اذ لو لم يقدم لا يعد لغوا اذ يمكن بقاؤه باعتبار الأثر الآخر والمقام من هذا القبيل اذ بعد التعارض وعدم التقديم لا يخرج الكلام عن اللغوية اذ يجوز أن يبقى دليل البدل مع عدم تقديمه على دليل المبدل ويحمل على ما اذا لم يطرأ عليه الاختيار على انه يمكن أن يقال بحكومة دليل الوضوء على دليل التيمم بتقريب ان اطلاق دليل الوضوء يدل على وجوب تحصيل ما يتوقف عليه ويلزم المكلف برفع كل ما يوجب الاضطرار الذي هو موضوع التيمم بخلاف دليل التيمم فان اطلاقه وان اقتضى

ان يكون كالوضوء ملاكا إلّا انه لا يدل على وفائه بتمام المصلحة مطلقا بل المتيقن هو كونه وافيا في صورة الاضطرار فيكون دليل الوضوء ناظرا لدليل التيمم من دون العكس ومع الاغماض عما ذكر من الحكومة فبين الدليلين تعارض فلا يستفاد من دليل البدلية الأجزاء كما لا يخفى.

وأما الاستدلال بالآية الشريفة على اجزاء الاتيان بالبدل فى حال عدم التمكن من الاتيان بالمبدل لو ارتفع الاضطرار بتقريب ان الآية تشتمل على موضوع ومحمول أما الموضوع الذي هو (ان لم تجدوا ماء) المعبر عنه بالاضطرار فاطلاقه يشمل ما لو كان الاضطرار بسوء الاختيار وما كان بغير سوء الاختيار. وأما المحمول الذي هو (فتيمموا صعيدا طيبا) المعبر عنه بالبدلية فله اطلاقان اطلاق من حيث وفائه بالمصلحة التامة واطلاق من حيث السقوط فمع لحاظ الاطلاق من الحيثية الأولى واطلاق الموضوع تكون الآية تشمل صورتي الاضطرار بسوء الاختيار وبغيره. وحينئذ يكون المأتي به فى حال الاضطرار وافيا بتمام مصلحة المأتي به فى حال الاختيار. ولازم ذلك قيام المصلحة بالجامع بين البدل والمبدل. فالآتي بالبدل يكون آتيا بفرد من أفراد الجامع الذي هو متعلق التكليف ولا اشكال فى اجزائه عن الاتيان بالمبدل فيجوز له اراقة الماء ليجعل نفسه مضطرا ولكن لا يخفى ان ذلك لا يمكن الالتزام به لقيام الإجماع على عدم جواز أن يجعل نفسه مضطرا فلا يجوز له اراقة الماء ليجعل نفسه غير واجد للماء. فمنه يستكشف أن ما كان الاضطرار بسوء الاختيار لا يكون وافيا بتمام المصلحة لا مطلقا. اللهم إلا أن يقال بعدم القول بالفصل بين أقسام الاضطرار ومرجعه الى تحقق اجماع آخر يحكم بعدم وفاء الفعل الاضطراري بأي نحو كان بمصلحة الفعل الاختياري ومقتضى

الاجماعين تقييد اطلاق الدليل الدال على الأجزاء بما إذا كان الفعل الاضطراري وافيا ببعض مصلحة الفعل الاختياري مع عدم امكان استيفاء الباقي. وأما مع امكان تدارك الباقي فلا يجزي الاتيان بالبدل بل يجب الاتيان بالمبدل بعد رفع الاضطرار لتدارك المصلحة الفائتة.

هذا ولكن يمكن أن يقال بدلالتها على الاجزاء مع الاغماض عن الاجماع الثاني وهو عدم القول بالفصل بتقريب أن موضوع الآية ومحمولها هو الاضطرار بغير سوء الاختيار مع ان اطلاق البدلية يقتضي الوفاء بتمام المصلحة. فيتحصل من ذلك ان ما كان من الفعل الاضطراري بغير سوء الاختيار يقوم مقام الفعل الاختيارى ووافيا بتمام مصلحته والاجماع القائم على حرمة إراقة الماء لم يكن مانعا من اطلاق البدلية لاختصاصه بالاضطرار الناشئ بغير سوء الاختيار. فمثل هذا الدليل الاجتهادى دال بأن المأتي به واف بتمام المصلحة ولازمه الاجزاء. ولكن لا يخفى بعد تسليم انحصار الاجماع بعد إراقة الماء لا يلزم منه ارتكاب التقييد في طرف الموضوع حتى يكون الاطلاق في طرف المحمول قاضيا بوفاء التيمم بتمام مراتب المصلحة بل يجوز تقييد الحكم لكي يبقى الاطلاق فى طرف الموضوع بحاله فيتحصل من ذلك أن غير الواجد مطلقا ولو كان عدم وجدانه نشأ من سوء الاختيار فلا يحكم عليه بالتيمم ويقوم تيممه مقام الطهارة المائية في بعض مراتب مصلحتها وتكون الحرمة المجمع عليها توجب عدم القدرة على ما يبقى من تلك المصلحة من غير فرق بين سوء الاختيار وعدمه وبالجملة ان ما ذكر من ارتكاب تقييد الموضوع واطلاق المحمول ليس أولى من العكس بأن يلتزم باطلاق الموضوع وتقييد المحمول وحينئذ ترك التقييد في طرف الموضوع يوجب تحقق الاحتمالين

وهو وفاؤه بتمام مراتب المصلحة والوفاء ببعضها وامكان استيفاء الباقي وان كان في طرف المحمول جرت الاحتمالات الثلاثة فلذا لا يمكن التمسك على الاجزاء بالآية الشريفة لأن حملها على أي تقدير من تقييد الموضوع واطلاق المحمول أو بالعكس لا يدل على الاجزاء كما هو واضح على أن دلالة هذه الآية على الاجزاء انما هو بالاطلاق الناشئ من مقدمات الحكمة الجارية فى ظرف عدم البيان ومع تحقق البيان المستفاد من صدر الآية لا مجال لجريانها فان الاطلاق فيها بالوضع فيكون صالحا للبيانية بيان ذلك أن دلالة صيغة الأمر في صدر الآية على المولوية بالوضع ولازم ذلك عدم قيام المصلحة بالجامع بين البدل والمبدل فلا يكون الاتيان بالبدل وافيا بتمام المصلحة ليحمل الأمر بالمبدل على المولوية بعد رفع الاضطرار إذ لو كانت المصلحة قائمة بالجامع بين البدل والمبدل لكان الأمر إرشادا الى تحقق مصداق الجامع بينهما وهو خلاف ظاهر الأمر فالأخذ بظهور الأمر بالمولوية يوجب كون البدل في حال عدم التمكن غير واف بتمام مصلحة المبدل فيجب الاتيان بالمبدل بعد رفع العذر ودلالة الأمر فى البدل المستفاد من ذيل الآية يدل على كونه وافيا بتمام مصلحة المبدل بالإطلاق الناشئ من مقدمات الحكمة الجارية في ظرف عدم البيان وقد عرفت إن اطلاق صدر الآية حاصل من الوضع فهو صالح لكونه بيانا فمع كونه بيانا يكون المتحصل من الآية الشريفة انحصار شرطية الطهارة في الوضوء في حالتي التمكن وعدمه إلا أنه خرجنا عن ذلك الظهور في خصوص حال عدم التمكن وانه يجب الاتيان بالبدل تحكيما لدلالة الذيل بالنص على كون التيمم واجدا لمرتبة من مراتب مصلحة الوضوء وعليه يجب الاتيان بعد رفع الاضطرار بالمبدل تداركا للمصلحة الفائتة فلا يستفاد من الآية الشريفة الاجزاء أو جواز البدار

أو جواز تحصيل الاضطرار فان هذه الأمور الثلاثة تترتب لو استفدنا من دليل التيمم انه كالوضوء أو الغسل بالنسبة الى جميع الآثار بنحو تكون المصلحة قائمة بالقدر الجامع وان التيمم فرد عن أفراد الطهارة مطلقا أي سواء ارتفع العذر في الوقت أو في خارجه فعليه لا يجب الاعادة أو القضاء ويجوز له البدار وان يوقع نفسه بسوء الاختيار فى الاضطرار فيجوز له إراقة الماء بل ربما يقال بأنه لو استفدنا من دليل التيمم كونه وافيا بتمام مصلحة الوضوء بشرط أن يكون العذر فى تمام الوقت فلا يجوز البدار إذ ليس جواز البدار يتوقف على كون البدل وافيا بتمام مصلحة المبدل بل جوازه يتوقف على ان يكون البدل وافيا بتلك المصلحة مطلقا حتى فى صورة ارتفاع العذر فى الوقت كما أن جواز أن يجعل نفسه مضطرا يتوقف على أن يكون مطلق الاضطرار موجبا لكون البدل وافيا بتمام مصلحة المبدل وإلا لو قلنا بأن الاضطرار لو وقع بطبعه يوجب أن يكون البدل وافيا بالمصلحة فلا يجوز للمكلف أن يجعل نفسه مضطرا وبالجملة لا تلازم بين الاجزاء وهذين الأمرين ففي صورة كون الفعل الاضطراري وافيا بمصلحة الفعل الاختياري المشروط بكون العذر في تمام الوقت ولم يوقع نفسه بسوء الاختيار في الاضطرار يجزي ما أتى به من الفعل الاضطراري فلا يجب القضاء مع انه لا يجوز البدار ولا يجوز أن يوقع نفسه في الاضطرار ويحتاج جواز ذلك الى دليل آخر غير دليل التيمم على انك قد عرفت أن دليل التيمم يستفاد منه أن البدل واجد لبعض مراتب مصلحة المبدل فلا يدل على الاجزاء اللهم إلا أن يقال بأنه مع عدم امكان استيفاء الباقي يكون الاتيان بالبدل مجزيا عن الاتيان بالمبدل مع حفظ مولوية الأمر في البدل والمبدل لكون المصلحة على هذا التقدير قائمة بخصوص كل واحد

منها. فعليه يستفاد الاجزاء من الاطلاق المقامي بتقريب انه لو لم يكن الاتيان بالبدل مجزيا لزم ان يضم اليه الوضوء فى الدليل او يوجب عليه الانتظار فمن عدم ذلك ووجه امره الى البدل فى حال الاضطرار دل على عدم الاعتبار. ولكن لا يخفى ان ذلك يتم لو احرز ان المصلحة الفائتة غير قابلة للاستيفاء. واما لو كانت قابلة للاستيفاء فلا يحتاج الى ضم الوضوء او وجوب الانتظار. بل يجب الاتيان بالمبدل تحصيلا لتلك المصلحة الفائتة. وحينئذ دليل التيمم لا دلالة له على احد الاحتمالين وانما يدل على كون البدل واجدا لمرتبة من مراتب مصلحة المبدل. وعليه لا يستفاد من الادلة الخاصة للتيمم الاجزاء. كما انك قد عرفت انه ليس للادلة العامة دلالة على الاجزاء. نعم ربما يتوهم ان اجزاء الاتيان بالفاقد للاجزاء والشرائط نسيانا يجزي عن الواجد لها ، ولكن لا يخفى انه توهم فاسد فان الجزء او الشرط المعتبر فى المركب سواء كان اعتباره من الدليل بلسان النفى مثل (لا صلاة إلّا بطهور) ولا صلاة إلا بفاتحة الكتاب او بلسان الاثبات كمثل قوله تعالى : (إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ) وقوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا) الى غير ذلك من الأدلّة الدالة على اعتبار الأجزاء والشرائط فى جميع الحالات ولذا قلنا انه لو اضطر الى ترك جزء أو شرط لا يسقط الامر بالمركب لدخلهما فى ملاك الامر. نعم يسقط فعلية الامر فلذا تجب الاعادة لو ارتفع الاضطرار فى الوقت وهكذا يجب القضاء لو ارتفع الاضطرار فى خارج الوقت بناء على ان القضاء بالامر الاول. واما لو قلنا بان القضاء بالامر الجديد فائضا يجب القضاء لتحقق موضوعه وهو الفوت ومن هذا القبيل نسيان الجزء او الشرط فانه يجب الاتيان بالمنسي فى الوقت والقضاء فى خارجه. ومنشأ توهم الاجزاء هو وجود الامر

بالفاقد فى ظرف النسيان. ولكن لا يخفى ما فيه فان الامر الموجود فى الفاقد امر عقلي وليس بشرعي. ومحل الكلام فى الاجزاء بالنسبة الى الأمر الشرعي. نعم فى خصوص باب الصلاة ورد حديث (لا تعاد الصلاة إلا من خمس) الدال على عدم الاعادة لو كان المنسي ما عدا الخمسة من الاجزاء والشرائط ولذا حكموا بالاعادة لو كان الترك نشأ عن جهل الحكم او نسيانه او كان المنسي الخمسة المذكورة فى الحديث.

الجهة الثانية فى الاصل العملي فالكلام فيه تارة يقع فى الاعادة واخرى فى القضاء. اما الاعادة فالشك فيها تارة يكون في امكان استيفاء الباقي واخرى في الشك في كون البدل وافيا بتمام مصلحة المبدل. فان كان الاول فالشك فيه يرجع الى الشك فى القدرة الذى هو مجرى قاعدة الاشتغال. بيان ذلك ان البدل لما كان وافيا ببعض مرتبة المبدل فيجب تدارك الباقى مهما امكن. فحينئذ لو اتى بالبدل وزال العذر وقد شك في امكان تحصيل الباقي فالعقل يحكم باتيان كل ما يحتمل وجوبه لكونه من الشك في القدرة على الاستيفاء ودعوى انه من الشك في التكليف الذي هو ملاك جريان البراءة ممنوعة ، لان الشك في التكليف ناشئ من الشك امكان استيفاء الباقى بعد الاتيان بمرتبة من مراتب مصلحة المبدل الراجع الى الشك في انه قادر على تحصيل ما يلزم تحصيله وكل شك يرجع الى ذلك وجب مراعاته حتى يتحقق العجز وهو معنى وجوب إتيان كل ما يحتمل وجوبه ومقتضاه عدم الاجزاء في كل مورد شك في الاجزاء وعدمه سواء يعلم بطرو الاختيار بعد زمان الاضطرار ام لا يعلم بذلك وسواء علم بالاستدامة الى آخر الوقت مع عدم انكشاف الخلاف ام علم بالاستدامة الى آخر الوقت ثم تبين الخلاف. فعليه يجب الاعادة

بعد رفع العذر في الوقت تحصيلا لما يحتمل تداركه من المصلحة الفائتة. وان كان الشك فى الاعادة للشك في ان البدل وافى بتمام مصلحة المبدل ومرجع ذلك الى الشك في التعبين والتخيير فالعقل يحكم باتيان ما يحتمل تعينه. بيان ذلك ان الشك بوفاء البدل بتمام مصلحة المبدل يرجع الى الشك في كون المصلحة قائمة بالجامع بين البدل والمبدل او قائمة بخصوص المبدل فيكون من دوران التكليف بين التعيين والتخيير (١).

__________________

(١) وقد فرق بعض السادة الاجلة (قدس‌سره) فى بحثه الشريف بين المقام ومسألة دوران التكليف بين التعيين والتخيير بما حاصله ان الشك فى تلك المسألة يرجع الى شكين احدهما الشك فى احد الفردين واجب معين او مخير ، وثانيهما في فرد آخر واجب مخيرا بان يكون احد فردي الواجب او ليس بواجب.

واما المقام فليس من ذاك القبيل لان البدل واجب مطلقا اي سواء قلنا باجزائه عن المبدل او لم نقل بذلك ولذا نلتزم بانه لو اتى به المكلف يأتي بداعي الامر.

غاية الامر انه على تقدير الاتيان بالبدل يكون مفوتا لبعض مصلحة الفعل الاختياري فمرجع الشك في كون اتيان البدل مجزيا الى الشك فى وجوب تحصيل تلك المزية التي تحصل باتيان المبدل بعد رفع الاضطرار فاذا انتفى وجوب تلك المزية باصل البراءة ارتفع الشك في الاجزاء ويكون ما اتى به من البدل مجزيا.

ثم قال قدس‌سره : (يدل على ذلك ترخيص الشارع بالمبادرة الى اتيان البدل فنعلم منه ان المطلوب هو القدر الجامع بين البدل والمبدل فمع اتيانه بالبدل فى ظرف الاضطرار فقد اتى بالمطلوب قطعا إلا انه يشك في وجوب شيء آخر عليه وهو تحصيل ما كان البدل فاقدا له من المزية التي تحصل باتيان المبدل ويكون من الشك في التكليف والمرجع فيه الى اصالة البراءة ولكن لا يخفى ان ما ذكره قدس‌سره

والقاعدة تقتضي الاشتغال باتيان ما احتمل تعينه فيما علم بطرو الاختيار او يشك فى ذلك للعلم الاجمالي بالتكليف والشك فى دورانه بين التعيين والتخيير. واما لو علم باستمرار العذر ثم تبين الخلاف فلا يكون من ذاك القبيل بل يكون من الشك في التكليف فتجرى اصالة البراءة فى نفي الاعادة ولا اثر للعلم الاجمالي بالتكليف لان من شرط تأثيره ان لا يكون احد الاطراف خارجا عن محل الابتلاء.

بيان ذلك انه مع علمه بالاستمرار وقد أتى بالفعل الاضطراري ثم تبين الخلاف يحصل عند المكلف علم اجمالي بانه اما مكلف بالقدر الجامع او بخصوص الفعل الاختيارى وهذا العلم الاجمالي لا اثر له إذ بعد الاتيان بالفعل الاضطراري يلغي احتمال تعلقه بالجامع فبقى احتمال تعلقه بالمعين فيكون من الشك فى التكليف فينفى بالبراءة. وعليه تحمل عبارة الاستاذ قدس‌سره في الكفاية ما لفظه (وهو

__________________

من الفرق غير فارق بعد اشتراكهما في ملاك جريان قاعدة الاشتغال الذى هو الشك فى الفراغ فان الآتي بالبدل يشك فى فراغ ذمته عن التكليف بخلاف الآتي بالمبدل فانه يقطع بفراغ الذمة من التكليف على ان ترخيص الشارع بالمبادرة لا يدل على ان المطلوب هو الجامع إذ يمكن ان يكون تداركا لمصلحة الوقت او فضيلته مضافا الى استصحاب الاشتغال ويقدم على اصالة البراءة في مقام التعارض.

ودعوى ان الشك في الفراغ مسبب عن الشك في وجوب تحصيل تلك المزية والبراءة تجري فى السبب والاصل الجاري فى السبب حاكم على الاصل الجارى في المسبب ممنوعة لان اصل البراءة العقلية والنقلية ليست كسائر الاصول وانما هي من الاعذار الشرعية او العقلية مضافا الى ان الاصل الجاري فى السبب يكون حاكما على الاصل الجاري فى المسبب اذا كان مزيلا للشك في المسبب وفي المقام ليس كذلك اذا لشك في السقوط باق وسيأتى له مزيد بيان في الاستصحاب ان شاء الله تعالى.

يقتضى البراءة من ايجاب الاعادة لكونه شكا فى اصل التكليف) ولكن لا يخفى ان هذا العلم الاجمالي الحاصل بعد اتيان البدل وان لم يكن له اثر إلا ان العلم الاجمالي الاولي قد اثر اثره وهو ايجاد ما احتمل تعيينه لكى يقطع بالامتثال ولا يحصل ذلك إلا باتيان المبدل بعد رفع الاضطرار فى الوقت من غير فرق بين حصول البدل وبين عدمه وإلّا لكان ذلك يجري فى كل علم اجمالي قد حصل بعض اطرافه وعليه لا يتم ما ذكره قدس‌سره إلا بناء على ان متعلق التكليف في حال الاختيار والاضطرار هو الجامع. فحينئذ بعد الاتيان بالبدل يشك فى حدوث تكليف جديد للمكلف فيكون من الشك في التكليف الذى هو مجرى البراءة. واما بناء على ان متعلق التكليف هو الصحيح الجامع للاجزاء والشرائط الذي هو وظيفة القادر المختار وان في حال الاضطرار لا يتنجز وقد جعل فى ذلك الحال بدلا عنه وحينئذ لا بد من ملاحظة مقدار وفائه لمصلحة المبدل وعليه بعد رفع الاضطرار واتيان البدل العقل يحكم باتيان المبدل لو شك فى امكان الاستيفاء للشك في القدرة او الشك في اصل الوفاء لدوران الأمر بين التعيين والتخيير واما الاستصحاب التعليقي فيقرب ان المكلف يعلم قبل فعل البدل انه لو طرأ الاختيار وارتفع العذر يجب عليه الاتيان بالمبدل وبعد فعل البدل يشك فى ذلك فيستصحب وجوب اتيان المبدل فهو وان كان يوجب الاتيان بالمبدل بعد رفع الاضطرار إلّا انه لا حاجة اليه بعد حكم العقل بلزوم مراعاة التكليف مهما امكن لوجوب الانبعاث عقلا مع العلم بالتكليف والشك في امتثاله للشك فى القدرة عليه هذا على المختار من حجية الاستصحاب التعليقي ولو كان التعليق مستفادا من حكم العقل. واما على ما هو المشهور من اعتباره اذا لم يكن التعليق مستفادا من حكم العقل بل يعتبر ان يكون متعلقه حكما شرعيا قد

علق على امر بلسان الدليل كما علقت حرمة شرب العصير على غليانه فالمقام اجنبي عنه إذ العقل يحكم قبل اتيان البدل لو ارتفع العذر باتيان المبدل وليس للشارع حكم قد علق على امر كما لا يخفى. واما القضاء فقيل بجريان البراءة للشك في حدوث التكليف في خارج الوقت لا يقال ان مصلحة الفعل الاختياري يجب تحصيلها وبفعل الاضطراري يشك في تحصيلها ومنشأ ذلك هو الشك في كون الفعل الاضطراري وافيا بتمام مصلحة الفعل الاختياري ام وافيا ببعضها. فعليه لم يعلم بتحصيلها فيجب الاتيان بالمبدل في خارج الوقت تحصيلا لما فاته من المصلحة لانا نقول المصلحة الفائتة من الفعل الاضطراري لم يعلم بتحققها في خارج الوقت لكى يجب تحصيلها ، ووجوب اتيان الفعل الاختياري فانما هو في الوقت واما في الخارج فغير معلوم تحققه واحتماله ينفى باصل البراءة.

والذى ينبغي ان يقال هو ان القضاء اما بالامر الأول او بامر جديد فان قلنا بالامر الأول بنحو تعدد المطلوب بان يكون امر تعلق بالصلاة فى الوقت وفي خارجه وامر آخر تعلق بالصلاة فى الوقت فيجب الاتيان بالقضاء مطلقا اى سواء كان الشك فى وجوبه للشك في وفاء البدل بتمام مصلحة المبدل او للشك في امكان استيفاء الباقى لرجوع الشك فى ذلك الى الشك في القدرة او الى دوران الامر بين التعيين والتخيير. واما اذا قلنا بان القضاء بأمر جديد فتارة يكون الشك في القضاء للشك في كون البدل وافيا بتمام مصلحة المبدل فلا يجب القضاء للشك فى حدوث التكليف وهو من موارد جريان البراءة. واخرى للشك في كون البدل وافيا بمقدار من المصلحة فمع اتيانه بالبدل يشك في امكان استيفاء الباقي فيكون من الشك في القدرة وهو من موارد جريان الاشتغال لو لم نقل بانصراف ادلة القضاء

عن ذلك وحينئذ يكون المورد من موارد جريان البراءة للشك فى التكليف.

وأما ما ذكره الاستاذ في القضاء ما لفظه (كذا عن ايجاب القضاء بطريق اولى) فمبنى على ما ذكرنا من قيام المصلحة بالجامع بين البدل والمبدل فيكون هو متعلق التكليف فحينئذ لا تجب الاعادة فعدم وجوب القضاء اولى. ولذلك قد عرفت ان مقتضى الادلة كالاجماع ونحوه يدل على ان البدل واف ببعض مراتب المبدل وعليه فالشك في امكان استيفاء الباقي يرجع الى الشك فى القدرة او دوران الامر بين التعيين والتخيير فيجب القضاء خصوصا اذا علم من دليله ان موضوع القضاء هو عدم الاتيان بالمأمور به بالامر الواقعي وان لم يكن فعليا المعبر عنه بالفوت في لسان الدليل ولكن ارادة ذلك محل نظر. بل الذي يظهر من عبارة الاستاذ في الكفاية ما لفظه (نعم لو دل دليله على ان سببه فوت الواقع ولو لم يكن هو فريضة كان القضاء واجبا عليه لتحقق سببه وان اتى بالغرض (١) لكنه مجرد الفرض)

__________________

(١) وقد اورد بعض السادة الاجلة فى بحثه الشريف بما حاصله ان فوت الواقع انما يتحقق مع عدم كون الفعل الاضطراري في وقته وافيا بتمام مصلحة الفعل الاختياري. واما لو كان الاتيان به وافيا بمصلحة الفعل الاختياري فلا يصدق الفوت ولا يجب القضاء فلو شك فى كون البدل وافيا بتمام مصلحة المبدل كان من الشك في صدق الفوت الذى هو موضوع القضاء فلا يجب القضاء للشك في تحقق موضوعه. ودعوى احراز الموضوع باصالة عدم الاتيان بالمبدل ممنوعة فان الشك لو كان في اتيان المأمور به بالامر الواقعى كان لجريان الاصل المذكور مجال من غير فرق بين ان يكون موضوع القضاء هو الفوت او عدم اتيان الواقع. واما اذا لم يكن الشك في اتيان المأمور به الواقعي بل نقطع بعدم اتيانه كما هو المفروض فى المقام وانما الشك فيه فى ان الفعل الاضطراري واف بتمام مصلحة الفعل الاختياري

ان موضوع القضاء ذلك مما يقطع بعدمه لعدم دلالة ادلة القضاء عليه وان ذلك مجرد فرض إذ عليه يكون فوت الواقع يوجب القضاء ولو حصل القطع باستيفاء البدل لتمام مصلحة المبدل.

المقام الثالث فى ان اتيان المأمور به بالامر الظاهري هل يجزى عن الأمر الواقعي ام لا والكلام في ذلك يقع فى موضعين :

الاول ان يكون المأمور به بالامر الظاهري مفاد الاصول. الثاني مفاد الامارات. اما الاول فالحق عدم اجزائه عن المأمور به بالامر الواقعي من غير فرق بين ان يكون مفاد اصل من الاصول المحرزة كالاستصحاب ونحوه او ليس منها مطلقا اي سواء كان مما اثبت حكما جعليا شرعيا كأصالة الطهارة واصالة الحل وايجاب الاحتياط ونحوها او ترفع تكليفا كالبراءة ونحوها من الاصول العدمية.

بيان ذلك ان الاصل اذا كان محرزا كالاستصحاب وقاعدتى التجاوز والفراغ يكون معناه تنزيل الشك منزلة اليقين ولازمه ترتيب آثار المتيقن على المشكوك وحينئذ يكون نظير موضوع واقعى يحرز بطريق تعبدي. ومن الواضح ان المجعول التشريعي كالمجعول التكويني فكما ان ما احرز باليقين لو تبدل الى يقين آخر بخلافه لا يجزى ما اتي به على اليقين الأول عن الواقع الذى انكشف له اخيرا كذلك ما احرز بالجعل الشرعي ايضا لا يجزي عن الواقع لو انكشف

__________________

فاصالة عدم وفاء الفعل الاضطراري لمصلحة الواقع لا تنفع الا بملازمة عدم حصول مصلحة الواقع الملازم لصدق الفوت الذى هو موضوع لوجوب القضاء واثباته بالاصل المذكور من الاصول المثبتة التي لا نقول بحجيتها خصوصا في مثل هذا الاصل المتكثر فيه الوسائط الجلية وقد ذكرنا تفصيل ذلك في حاشيتنا على الكفاية.

مخلافه يقينا بل لو قلنا بأن مفادها التعبد بترتيب آثار المتيقن على المشكوك بان يكون نظير الا وامر الطريقية التى لا يقصد منها الاحفظ الواقع فمرجع ذلك الى ترتيب آثار الواقع في حال الشك فمع انكشاف الخلاف يجب الاتيان بالواقع لعدم كون ما اتى به مسقطا له. اللهم إلا ان يقال بان مفادها احكام واقعية في ظرف الشك وحينئذ تكون ناظرة الى توسعة الموضوع الواقعى بان يجعله جامعا للواقع والظاهر ولا مانع من القول بالاجزاء ولكن لا يخفى انه لو قلنا بذلك فهو فى مقام العمل بان يلتزم بجعل المماثل فهو لا يقتضى توسعة الموضوع الواقعى حقيقة. فالواقع على ما هو عليه باق يجب الاتيان به مع انكشاف الخلاف على انه سيأتي ان شاء الله تعالى ان الامارات بناء على الطريقية او على الموضوعية على النحو الثالث لاشتمالها على المصلحة السلوكية لا يقتضى الاجزاء فضلا عن الاصول المنزل منزلتها. واما اذا لم يكن الاصل من الاصول المحرزة فما كان مفادها النفي كاصل البراءة الرافعة لفعلية التكليف بالجزء المشكوك ما دام الجهل والنسيان فلا يدل على الاجزاء لعدم رفعها للجزئية الواقعية التى لها دخل فى المصلحة لان ادلة اعتبار الجزء تدل على اعتبارها عند انكشاف الخلاف فيجب اعادة المنسى عند التذكر واعادة المشكوك بعد تحقق العلم بالجزئية إلا ان يقوم دليل خاص يدل على عدم الاعادة كمثل حديث لا تعاد.

وان كان مفادها اثبات حكم كاصالة الحل او شرط كاصالة الطهارة فان المستفاد من ادلة اعتبارها هو ثبوتها في ظرف الجهل والنسيان فيعمل بها في حال عدم العلم وبعد انكشاف الخلاف يجب الاتيان بالامر الواقعى. نعم بناء على جعل المودى فمع ضم دليل الاجزاء الى ادلة الاجزاء والشرائط يستفاد منه ان الجزء والشرط اعم من الواقع الاولي ومن هنا قيل بان دليل الاصل حاكم على دليل الاجزاء والشرائط بتقريب ان اصالة الطهارة توجد فردا من الطهارة

التى اعتبرت شرطا في الصلاة. كما ان اصالة الحل تجعل مشكوك الحلية حلا لا وبذلك يكون المكلف واجدا لشرطية لباس المصلي من الطهارة والحلية فلو صلى فى مشكوك طهارة اللباس او حليته فلا مانع من القول بالاجزاء ولذا قال الاستاذ قدس‌سره في الكفاية ما لفظه (انما كان منه يجري فى تنقيح ما هو موضوع التكليف وتحقيق متعلقه وكان بلسان تحقق ما هو شرطه او شطره كقاعدة الطهارة او الحلية بل واستصحابهما في وجه قوى ونحوها بالنسبة الى كلما اشترط بالطهارة والحلية تجزى فان دليله يكون حاكما (١) على دليل الاشتراط ومبينا لدائرة الشرط وانه اعم من الطهارة الواقعية والظاهرية).

__________________

(١) وبعض السادة الاجلة قدس‌سره قال فى بحثه الشريف (لا معنى للحكومة لان الدليل الدال على اشتراط الطهارة فى لباس المصلي ان دل على اشتراط مطلق الطهارة سواء كان بعنوانها الاولي او بعنوانها الثانوي فلا معنى للحكومة لان الاصل حينئذ يحقق فردا للشرط المذكور كما ان الدليل الواقعي يحقق فردا آخر له ، وان دل على اشتراط الطهارة بعنوانها الاولي في لباس المصلى فلا يوجب كونه واجدا لدليل الاشتراط بايجاد الطهارة بعنوانها الثانوي وعليه لا يكون دليل الاصل حاكما على دليل الاشتراط) ثم قال قدس‌سره (وهذا هو السر فى مسألة اشتراط مأكول اللحم فى اللباس فان كان المقصود من كونه مأكول اللحم بعنوانه الاولي فاصالة الحل لا تحرز ذلك الشرط وان كان بعنوانه الاولى والثانوي فيحرز باصالة الحل الشرط المذكور).

اقول يتم ما ذكر من الحكومة بناء على جعل المؤدى بان يكون مفاد الاصل جعل حكم ظاهري في ظرف الشك دليل فيكون الاصل متكفلا لتنزيل الحكم المجعول منزلة الواقع وبهذا التنزيل يكون دليل الاصل ناظرا وشارحا ومبينا لدائرة

وحاصله ان المجعول فى الاصول هو المؤدى ومعنى جعله هو ايجاد الموضوع

__________________

الاشتراط بان يعمم شرطية طهارة لباس المصلي للواقعية والظاهرية إلا ان استفادة ذلك من دليل الاصل محل اشكال بل الظاهران المستفاد من دليل الاصل هو التنزيل بلحاظ العمل واما جعل المؤدى حقيقة او تنزيلا فلا يستفاد منه. ولذا قوينا في حاشيتنا على الكفاية عدم الاجزاء فى الاصول كالامارات من غير فرق بين اصالة الحل واصالة الطهارة وان ادعى التفرقة بعض السادة الاجلة قدس‌سره بتقريب ان لسان اصالة الطهارة احراز الواقع إذ لا معنى لجعل الامر الواقعي للمشكوك إذ الواقع محفوظ على ما هو عليه من جعله التكويني فما هو مجعول تكوينا لا يجعل ولو تشريعا وحينئذ يكون حاله حال الاستصحاب فيجوز له الدخول في الصلاة مع الوضوء بماء مشكوك طهارته ومع انكشاف الخلاف يكون كمستصحب الطهارة في الاجزاء وعدمه. واما اصالة الحل فالمجعول لما كان شرعيا فيمكن جعل الحلية لمشكوك الحلية كما يمكن جعل الحلية للغنم. فدليل الجعل يدل على ترتيب الآثار المترتبة على الحلية المطلقة الشاملة لما كان بعنوانها الاولي ولما كان بعنوانها الثانوي فيجوز الدخول فى العمل اعتمادا على اصالة الحل ويحكم له بالاجزاء لو انكشف الخلاف. هذا اذا استفدنا ذلك من دليل الآثار واما اذا لم نستفد ذلك وكانت الحلية مشروطة بالحلية بعنوانها الاولي فلا يجوز الدخول فى الصلاة اعتمادا على الحل. نعم يجوز اكل اللحم المشكوك حليته اعتمادا على اصالة الحل لترتبه على مطلق الحلية. وكيف كان لا يكون الاصل حاكما على دليل الاشتراط لانه اما لا فائدة له حتى فى الدخول في العمل المشروط واما ان يكون محققا ومحصلا لأحد فردي الشرط هذا والظاهر ان الاصول باجمعها لا جعل فيها وانما هي اما احراز للواقع كالاستصحاب وقاعدتى الفراغ والتجاوز ونحوها واما عذرية يعمل بها في مقام الجهل من غير فرق بين كونها اعذارا عقلية كالبراءة العقلية او اعذارا شرعية كالبراءة الشرعية. وعليه لا يجزي

للحكم الواقعى ولازمه اجزاء المأتي به بالامر الظاهري عن الأمر الواقعي لثبوت موضوعه حقيقة وحينئذ يكون دليل الأصل ناظرا وشارحا ومبينا لدائرة الموضوع اما بتوسعته او بتضييقه وهو معنى حكومة دليل الأصل على دليل الواقع بل ربما

__________________

اتيان المأمور به بالامر الظاهري الذى هو مفاد الأصل العملي عن الواقع فيجب الاتيان بالمأمور به الواقعى لو انكشف الخلاف. واما جواز الدخول فى الصلاة مع الشك في الماكولية وعدم الدخول في الصلاة مع الشك فى طهارة لباسه فليس لاجل التفرقة بين اصالة الطهارة وبين اصالة الحل في الجعل بالالتزام بان اصالة الطهارة لاحراز الواقع فلذا يلزم ترتب ما هو مرتب عليه بالعنوان الاولي ولازمه عدم الاجزاء وفي اصالة الحل بجعل المؤدى وبجريانها يكون واجدا للشرط ويترتب عليه ما هو مرتب على الشيء بعنوانه الأولي والثانوي ولازمه الاجزاء إذ التفرقة ممنوعة لعدم الفرق بين الاصلين وانما الفرق حصل باعتبار ما يستفاد من ادلة الآثار فان كانت مترتبة على الشيء بعنوانه الواقعي الأولى فلا تترتب بجريان الأصل العملي وان كانت مرتبة على الشيء بعنوانه الأولي وعنوانه الثانوي فبجريان الاصل العملي تترتب تلك الآثار وعليه صح لنا الالتزام بعدم جواز الدخول في الصلاة مع الشك في الطهارة وجواز الدخول فى الصلاة مع الشك فى الماكولية.

وهكذا جواز اكل وشرب مشكوك الحلية لكون الاثر فى الأول على الشيء بعنوانه الاولي بخلاف الاثر فى الثاني فانه مرتب على الشيء بعنوانه الأولي والثانوي بل ربما يقال بان الفرق بين اعتبار الطهارة فى الصلاة وبين اعتبار المأكولية في الصلاة ليس لما ذكر بل من جهة ان عدم الماكولية مانعة من الدخول فى الصلاة والطهارة اعتبرت في الصلاة بنحو الشرطية ففى الشك في المانعية تجري اصالة الحل وفي الشك في الشرطية لا يجرى الاصل لاحتياجه الى احراز واصالة للطهارة لا تحرز الشرطية وقد استوفينا الكلام في بحوثنا الفقهية.

يقال بان غرض الاستاذ قدس‌سره من الحكومة الورود بتقريب ان مثل قاعدتي الطهارة والحل واستصحابهما ليست في مقام اثبات الحكم بلسان جعل الموضوع او نفيه بلسان نفى الموضوع الذي هو معنى الحكومة وانما مفادها جعل الموضوع حقيقة في ظرف الشك مثلا اصالة الطهارة تجعل الوضوء بالماء المشكوك فردا حقيقيا من افراد الوضوء بالماء الطاهر بان يكون الماء الطاهر شاملا حقيقة للطهارة الظاهرية والطهارة الواقعية وعليه لا اشكال في اجزائه لكونه من قبيل اجزاء اتيان المأمور به بالأمر الواقعي عن امره ويكون الاتيان به ثانيا من قبيل الامتثال عقيب الامتثال. ودعوى ان الحكم الظاهري في طول الحكم الواقعي لتأخره عنه بالمرتبة فلا يعقل ان ينشأ بخطاب واحد واذا امتنع انشاؤهما بخطاب واحد امتنعت حكومة دليل الاصل على دليل الواقع لاستلزامها انشاء الحكمين الظاهري والواقعي وهو غير معقول ممنوعة لانه لا مانع من انشاء حكمين طوليين بانشاء واحد على نحو تكون الدلالة على احدهما بالمطابقة والاخرى بالالتزام. نعم لا يعقل ان يكون انشاء واحد بدلالة واحدة ينشأ حكمين طوليين كما ان كون الحكم الظاهري متأخرا عن الحكم الواقعى لأخذ الشك فيه موضوعا للحكم الظاهري لا ينافى كونه محققا لشرطية الصلاة ، كما ان الحكم الواقعي يحقق فردا آخر لشرطيتها. فبالنسبة الى ايجاد شرطية الصلاة في عرض واحد ومنه يعلم ان الطهارة الظاهرية شرط للصلاة واقعا ومع حصول العلم بالمخالفة يكون من قبيل تبدل الحالة كالمسافر يكون حاضرا ولم يكن من قبيل انكشاف الخلاف وحينئذ يكون الاتيان بمثل هذا الحكم الظاهري مجزيا لكونه من قبيل الاتيان بالحكم الواقعي بل على ذلك التقدير تسميته بالظاهرى تسامح ، بل ينبغى ان يسمى بالواقع الثانوي ولكن التحقيق ان دليل الاصل ليس له جهة حكومة على

دليل الواقع لأن المناط في الحاكم ان يكون له نظر الى المحكوم عليه ويكون نسبته كنسبة الشارح المبين للمراد من المحكوم. ومن الواضح ان مثل اصالة الطهارة ليس له نظر الى دليل شرطية الطهارة الواقعية حتى يقال انها تجعل له موضوعا وتوسع دائرته إذ ليس لها لسان إلا ان موردها محكوم بالطهارة. كما ان دعوى الورود في غير محلها إذ لا نسلم ان الظاهر من دليل الشرطية الأعم من الطهارة الواقعية بل لخصوص الواقعية. على انه بالوجدان نجد تنافيا بين الطهارة والقذارة فحينئذ اذا كان بحسب الواقع قذرا كيف يكون محكوما في القذارة في مرتبة الظاهر لما عرفت من التضاد بينهما ولو سلم وقلنا بامكان الجمع بين الحكم الظاهري والواقعي باختلاف المرتبة ولكن بالنسبة الى الاحكام الوضعية لا نسلم جوازه على ان قاعدة الطهارة ليس لسانها إلا معاملة مشكوك الطهارة معاملة الطهارة الواقعية بحسب الظاهر.

وقصارى ما يتخيل بان الجمع ممكن بالنسبة الى الاحكام الوضعية من جهة اختلاف المرتبة فالذى هو بلسان القاعدة المجعول فى زمان الشك الطهارة الفعلية وبحسب الواقع القذارة الواقعية وهي لا تنافى الطهارة المجعولة في ظرف الشك ولكن لا يخفى ان ذلك انما يمكن توجيهه فيما اذا لم يكن العلم غاية مع ان المفروض اخذه غاية في قوله كل شيء نظيف حتى تعلم انه قذر فحينئذ يستفاد من ان مصب القاعدة ابتداء هو الحكم بما يشك في قذارته الفعلية وانه محكوم بالطهارة إلا اذا علمت قذارته الفعلية فيحصل التنافي بينهما.

فان قلت ان المعنى بالعلم يصير قذارة فعلية بالعلم. مثلا اذا شك في الطهارة فيحكم بالطهارة ما لم تعلم انه قذر فاذا حصل العلم بتلك القذارة فتكون فعلية.

قلت هذا خلاف ظاهر القضية فان ظاهرها انها فعلية قبل تعلق العلم وخلاف

الظاهر من هذه الجهة ليس باولى من تنزيلها على الحكم العذري والامر في معاملة المشكوك منزلة المتيقن. فاذا عرفت ان القذارة فعلية فيجب اعادة الاعمال السابقة المبنية على الطهارة الظاهرية كما يتضح ذلك فى مشكوك الطهارة فى الثوب فيبنى على طهارته وبعد انكشاف الخلاف يجب تطهير كل ثوب واناء استعمل بذلك الماء ولو كان مفاد القاعدة جعل الطهارة في مرحلة الظاهر لم يجب غسل ما لاقاه بعد انكشاف الخلاف من جهة تبدل الموضوع والظاهر انه لا يلتزم به احد.

فان قلت ما ذكرت من النقض بغسل كل ما لاقى الثوب لا يصحح كون مفاد القاعدة المعذورية ومعاملة المشكوك معاملة المتيقن فى مرحلة الظاهر لجواز ان توجب غسل كل ما لاقاه مع ان مفاد القاعدة ما ذكرنا. بيان ذلك ان الثوب المشكوك الطهارة فيه قذارة اقتضائية اي للواقع يترتب عليه اثر فان لاقاه شيء أيضا تكون فيه تلك النجاسة الاقتضائية فهذه النجاسة تكون في عالم الاقتضاء الى ان يحصل له العلم فمع حصول العلم تكون تلك النجاسة فعلية. وحينئذ يجب غسل ما لاقاه الثوب بمقتضى هذا التقريب فمن غسل الثوب وغسل ما لاقاه لا يستكشف كون مفاد الحكم العذري ومعاملة المشكوك منزلة المتيقن في مرحلة الظاهر.

قلت هذا لا يفيدك فى معاملة المتيقن من الحكم الظاهري لانه مختص بصورة الجهل. واما مع حصول العلم فيلزم العمل على مقتضى الملاقاة وهذا بعينه عدم الاجزاء فمن توضأ بماء مشكوك الطهارة وصلى به فبعد انكشاف الخلاف يلزمه اعادة الصلاة والوضوء من حين العلم بانكشاف الواقع فان المعذورية انما هي في زمان الجهل وبعد حصول العلم لا معذورية فالصلاة حين الجهل محكومة بالصحة ظاهرا وبعد العلم محكومة بالبطلان وبالجملة ان المستفاد من قاعدة الطهارة الجعل ان كان مبنيا على

النجاسة الاقتضائية اتجه عليه عدم الاجزاء كما عرفت وان لم يبن على ذلك اتجه الاشكال المذكور وهو عدم الالتزام به من الفقهاء مضافا الى انه يلزم اعتراض آخر وهو ان مقتضى القول بالجعل لا بد له ان يلتزم فى زمان الجعل بموضوع إذ لو لم يكن له موضوع لا يتقوم الجعل به إذ مقتضى الجعل ذلك مع انا نراهم يجرون اصالة الطهارة في الشيء المنقضي زمانه مثلا لو تيقنت بطهارة ماء ثم صليت وانعدم الماء بعد ذلك فحصل لك شك في نجاسته فقاعدة الطهارة تجري مع ان الموضوع للجعل المستفاد منها منتف. واما على المختار في القاعدة فلا يلزم وجود الموضوع إذ غاية ما يستفاد منها ان يعامل مشكوك الطهارة معامله المتيقن بحسب مرحلة الظاهر. وهذا يجري ولو في الزمان السابق حتى يترتب الاجزاء بذلك هذا كله بالنسبة الى الاصول الوجودية سواء كانت احرازية او غير احرازية. واما الاصول العدمية فالظاهر انها تدل على نفي التكليف عن المشكوك الجزئية او الشرطية ولا يمكن اثبات التكليف بما عدا الجزء المشكوك من بقية الاجزاء إذ لا اطلاق لا لأدلتها ولا يمكن اثبات وجوبها من نفى الجزء المشكوك إلّا بدعوى ان وجوب الباقي من الآثار الشرعية لنفي الجزء المشكوك وهي محل منع إذ الوجوب وان كان مجعولا شرعيا إلا ان تحديده بالباقي ليس من آثار نفى المشكوك وانما هو لازم عقلى فنفى وجوب الجزء المشكوك لا ثبات وجوب الباقى المعبر عنه بالاقل من الاصول المثبتة.

الموضع الثانى في الامارات فنقول ان الاصحاب اختلفوا في ان اعتبارها على وجه الطريقة او على وجه السببية وعلى الأول فهل لسانها تنزيل المؤدى منزلة الواقع او لسانها تتميم الكشف وتحقيق الكلام فيه وبيان الثمرة موكول الى محله

وسيأتي بيان التفصيل ان شاء الله تعالى. ولا يهمنا التعرض له إلّا بما يناسب وهذا المقام.

فالذي ينبغي التعرض له ان الامارة كالاصل فى الحكم بعدم الاجزاء وان اختلفا بحسب المفاد ، فان مفاد الاصل وظيفة فى مقام الشك بخلاف الامارة فان مفادها الكشف عن الواقع ولكن بنحو التعبد فمع الكشف لا يبقى مجال للشك. ومن هذا يظهر تقدم الامارة على الاصل إذ الامارة ترفع الشك تعبدا فلا يكون مجال لجعل الوظيفة فى ظرف الشك هذا إذ كانت الامارة على نحو الطريقة واما لو اخذت على نحو السببية والموضوعية فتدل على الاجزاء اذا كان الامر الظاهري وافيا بتمام المصلحة والغرض وإلا فلا تجزي كما عرفت الحال في الامر الاضطراري هذا اذا كان مفاد الامارة توسعة الواقع بان يكون الفاقد مصداقا حقيقيا للمأمور به فلا ريب في انه يجزي مطلقا ، واما اذا كان مفاد الامارة بدلية الفاقد عن الواجد فان كان وافيا بتمام الغرض فلا اشكال في الاجزاء كسابقه وان كان مفادها اثبات حكم مستقل لموضوعه بلا نظر فى لسانه الى البدلية عن شيء لو كون الفاقد مصداقا للمأمور به فعلى هذا يقتضى الاجزاء فيما لو انكشف الخلاف الا حيث تتحقق المضادة بين المصلحتين. هذا كله بالنسبة الى ما تيقن ان مفاد الامارة الموضوعية على احدى المذكورات من انحاء الموضوعية واما لو شك فى ان مفادها اي شيء من هذه المذكورات فالظاهر انه لا يقتضى الاجزاء. هذا كله لو انكشف الخلاف كشفا يقينيا. واما لو انكشف كشفا ظنيا كما لو تبدل رأي المجتهد بمقتضى امارة أدّت الى خلاف الحكم السابق فانه يجب العمل على طبق رأيه الثاني ويجب اعادة ما اتى به على طبق الامارة الأولى سواء اعتبر حجيتها من باب الطريقية او من باب الموضوعية

والسببية لان قضية اطلاق حجية الامارة الحكم بالعمل على مقتضى الرأي الثاني فكما لا يجوز البناء على العمل على الاجتهاد الأول كذلك لا يكتفى بالإجزاء بما وقع منه موافقا للاجتهاد الأول هذا اذا أحرز أن الحجية بنحو الكشف والطريقية. واما اذا احرز انها على نحو الموضوعية فلا يجب اعادة الاعمال السابقة إذا كان ما اتى به وافيا بتمام الغرض والمصلحة. واما فيما شك ولم يحرز انه على اي النحوين فان كان هناك اطلاق على احد النحوين اخذ به وإلّا فان تردد الحال بين الطريقية والسببية على النحو الأول فلا يجب الاعادة وكان الحكم بالاجزاء لانه قبل ظهور الخلاف كانت عنده حجة قائمة فلما ظهر الخلاف حصل عنده علم اجمالي في حصول التكليف بين ما اتى به وبين ما يأتي به وما اتى به يكون خارجا عن محل الابتلاء. فحينئذ يكون التكليف بالنسبة الى ما يأتي به شبهة بدوية فتجرى البراءة لانه شك في التكليف.

ومما ذكرنا يظهر النظر فيما ذكره الاستاذ قدس‌سره فى الكفاية ما لفظه (واما اذا شك ولم يحرز انها على اي الوجهين فاصالة عدم الاتيان بما يصدق معه التكليف مقتضية للاعادة في الوقت (١) لما عرفت انه مجرى للبراءة فلا موقع لهذا الاصل

__________________

(١) وفرق بعض السادة الأجلة قدس‌سره فى بحثه الشريف بين الشك في ان الامر الظاهرى على اي نحو من انحاء السببية وبين الشك في كونه على نحو الطريقية او السببية بجريان البراءة فى الأول دون الثاني بدعوى ان الشك في الأول يرجع الى الشك في الزائد فينتفي بالبراءة دون الثاني فانه يكون من الشك فى المسقط فيحكم العقل بالاشتغال بتوضيح منا انه على الأول يتردد الامر الظاهري بين كونه وافيا بتمام المصلحة او غير واف بها وعلى الاخير هل يبقى شيء يمكن تداركه ام لا؟ ويرجع

وان كان على النحو الثاني وهو ما كان غير واف بتمام المصلحة وكان الباقي يمكن تداركه. وحينئذ يجب الاعادة مطلقا اي على كلا التقديرين من السببية والطريقية لان المفروض انه غير واف فيجب تدارك الواقع وقد فرض انه يمكن تداركه

__________________

ذلك الى ان الامر الظاهري يحقق المطلوبية ويحصل الشك فى وجوب الزائد فينفى بالبراءة بخلافه على الثاني فان احتمال الطريقية يوجب عدم كون الامر الظاهري محقق المطلوبية. إذ على الطريقية المحقق للمطلوبية هو الامر الواقعي وليس الامر الظاهري إلا منجزا للواقع ان اصاب وعذرا ان اخطأ فلو انكشف الخلاف بانه مكلف بشيء ولم يعلم انه نفس الواقع على الطريقية او القدر الجامع بينه وبين ما ثبت بالامر الظاهري مع عدم ثبوت شيء زائد على الاحتمال الاول من السببية او وجوب شيء زائد على احتمال آخر منها لم يتحقق للمكلف من الامر الظاهري مطلوبية لكى يشك في وجوب الزائد فينفى بالبراءة ومرجع الشك فيه الى ان ما اتى به مسقط للامر الواقعى اذا كان الامر الظاهري بنحو الموضوعية والسببية على بعض الاحتمالات وغير مسقط اذا كان على نحو الطريقية وبعض انحاء الموضوعية فحينئذ يكون من الشك في المسقط فيحكم العقل بعدم اجزاء ما اتى به ووجوب الاعادة عليه مضافا الى اصالة عدم كون ما اتى به مسقطا للتكليف هذا ولكن لا يخفى ما فيه إذ العلم الاجمالى بتوجه التكليف غير منجز لكون احد اطرافه خارجا عن محل الابتلاء وجريان اصالة عدم اتيان ما يسقط معه التكليف محل نظر لتردد المسقط بينما هو معلوم الثبوت لو كان هو المأتي ومعلوم العدم لو كان هو الواقع على ان هذا الاصل ليس بحجة إلّا على القول بحجية الاصول المثبتة لان السقوط او عدمه ليس من الآثار الشرعية لعدم الاتيان بل من لوازمه العقلية. اللهم إلا ان يقال بان غرضه قدس‌سره من اصالة عدم الاتيان هو استصحاب الاشتغال او قاعدة الاشتغال وقد استوفينا ذلك في حاشيتنا على الكفاية.

فلذا وجب تداركه وان كان لا يمكن التدارك فحينئذ تكون المسألة من قبيل النحو الأول لانه قبل ظهور الخلاف كان مكلفا بشيء غير مورد الامارة وبعد ظهور الخلاف بسبب قيام الامارة مثلا يحصل علم اجمالي بينما اتى به وما لم يأت به. ولا اشكال انه بالنسبة الى ما اتى به غير مؤثر لكونه خارجا عن محل الابتلاء هذا كله فيما اذا علم ان ما اتي به واف بتمام المصلحة او غير واف واما لو شك في الوفاء وعدمه فالقاعدة تقتضى الاحتياط لان الشك فى الوفاء يكون من الشك فى القدرة ومعلوم ان الشك فى القدرة مجرى الاحتياط بحكم العقل وان كان على النحو الاخير فلا تجب الاعادة لما عرفت منا سابقا. هذا كله فيما لو جعل احتمال الطريقية طرفا للترديد. واما لو لم يجعل بان ينتفى احتمال الطريقية وحصل الشك فى اقسام السببية بانه على النحو الأول ام على النحو الثاني فلا تجب الاعادة ويقتضى كون ما اتى به مجزيا لانه يدور الامر فى ان الجامع موجود في الناقص والكامل ام فى الكامل فقط ويكون الشك في الزائد فى انه واجب ام لا وهو مجرى للبراءة لانه شك في التكليف فينفى بها وجوب الزائد فيجزي ولو فرض الدوران بين النحو الاول وبين النحو الاخير وحينئذ يجرى حديث العلم الاجمالي لانه حين قيام الامارة كانت له حجة على عدم وجوب الزائد وبعد ظهور الخلاف يحصل عنده علم اجمالي بين الناقص والكامل فان كان الواجب هو الجامع بينهما فقد اتى به من قبل لتحققه به وان كان الواجب خصوص الكامل فلم يأت به حينئذ فيجب الاتيان به ولكن لما كان احد الاطراف خارجا عن محل الابتلاء فلا يتنجز العلم الاجمالي على ما سيأتي بيانه من ان كل مورد تردد العلم الاجمالى بين شيئين وكان احد الطرفين خارجا عن محل الابتلاء لم يؤثر العلم الاجمالى بالنسبة الى الطرف الآخر فيرتفع تنجزه ويكون

بالنسبة الى الطرف الذى هو محل الابتلاء شبهة بدوية فيرفع وجوبه باصل البراءة هذا كله اذا كان الترديد على احتمال السببية على النحو الاول. واما اذا حصل الترديد فى احتمال السببية على النحو الثاني او النحو الثالث فها هنا يجب الاعادة لانه لم يأت بالواقع تماما فيحتمل ان ما اتى به عوض عن بعض مراتب الواقع ان كان على النحو الثاني. ويحتمل عدم قيامه عنه ان كان على النحو الثالث ، فالمكلف حينئذ يعلم بتوجه الخطاب اليه ولكن يكون شاكا في الخروج عن عهدة التكليف والعقل يحكم بان شغل الذمة اليقينى يستدعي الفراغ اليقيني.

(تنبيهات الاجزاء)

وينبغى التنبيه على امور : الأول ان الامارة تارة تدل على الحكم الشرعي كقيامها على وجوب صلاة الجمعة مثلا واخرى تدل على موضوع الحكم الشرعي وهو على قسمين تارة يكون مجعولا شرعيا قد اخذ موضوعا لحكم شرعي كطهارة الماء المعتبرة شرطا فى الصلاة واخرى يكون مؤداها نفس الواقع كقيام الامارة على انه ماء او تراب وحيث ان الاخير لا تناله يد الجعل فلا بد وان ينزل على جعل احكامها لكى لا يلغو الجعل فيرجع الى قيام الامارة على الحكم الشرعي. وكيف كان فقيام الامارة على الحكم الشرعي او على الموضوع المجعول الشرعي ان كانت على الطريقية لا يجزي ما اتى به على طبق الامارة عن الحكم الواقعى ويجب الإتيان بالواقع مع انكشاف الخلاف سواء قلنا بتتميم الكشف او الامر بتنزيل المؤدى منزلة الواقع او التزاما بالجري على العمل بمؤداه فان فى الجميع يلتزم بها فى حال الشك والجهل وفى حال زواله لا يبقى مجال لاجزاء ما اتى به إذ تتميم الكشف يجعل الامارة كالقطع ومع زواله وتبدله الى القطع بخلافه لا يوجب الاجزاء كذلك ما ينزل منزلته. واما الامر

بتنزيل المؤدى منزلة الواقع او الالزام بذلك فلا دلالة له على اكثر من الالتزام بترتيب آثار الواقع فى حال الشك والجهل. نعم يمكن ان يقال ان الامر بالتنزيل او بالجري ناشئ عن مصلحة واما كونها تفي بمصلحة الواقع فلا دلالة فيها. نعم لو قلنا بكون مفاد الامارة حكما مجعولا شرعيا فيكون له نظر الى دليل الواقع بالتقريب المتقدم فللإجزاء وجه إلا انك قد عرفت انه لا يمكن الالتزام به لاستلزامه امورا لا يلتزم بها الفقيه ، وان كانت الامارة على نحو الموضوعية فتارة يلتزم بان ما قامت عليه الامارة هو الواقع ، واخرى قيام الامارة تحدث مصلحة فى المؤدى تجبر مصلحة الواقع ، وثالثة مؤدى الامارة مصلحة غالبة على مصلحة الواقع. اما الأول فلا يمكن الالتزام به للزومه التصويب الباطل كما ان الثاني لا يمكن الالتزام به لقيام الاجماع على خلافه. نعم يمكن تصور الموضوعية على القسم الثالث إلا أن ذلك فى مقام الثبوت والتصور. واما فى مقام الاثبات الذى هو محل الكلام فالامارة لم تكن على نحو السببية إلا بالاطلاق المقامي إذ الاطلاق اللحاظي لا يتصور فيها لعدم تقييد ما قامت عليه الامارة بالجهل والشك واذا لم يمكن تقيده بذلك فلا يتحقق الاطلاق اللفظي والاطلاق المقامي وان امكن تصوره بتقريب ان المولى لما كان فى مقام البيان وسكت ولم يقل بانه مع انكشاف الخلاف يجب الاتيان بالواقع وحينئذ يكشف ذلك عن عدم ارادته واجزاء ما اتى به عن الواقع إلا ان ادلة الاحكام الواقعية الدالة على اعتبارها فى حال رفع الجهل تنفي الاطلاق المقامي. وما ذكرناه لا يفرق بين كون مؤدى الامارة حكما شرعيا قد جعل موضوعا لحكم آخر او قيدا لموضوع حكم آخر او حكما شرعيا غير مجعول جعل موضوعا لحكم آخر او قيدا لموضوع حكم آخر كما لا يخفى.

التنبيه الثاني لو قامت حجة شرعية من امارة وغيرها ثم انكشف الخلاف بظن معتبر يجب العمل على طبقه بالنسبة الى الاعمال الآتية. واما بالنسبة الى الأعمال الماضية حيث يكون لها اثر من قضاء ونحوه فيجب العمل على مقتضاه لأن الظن المعتبر كالعلم فكما انه بالنسبة ما لو انكشف الخلاف بالعلم ينكشف بطلان تلك الحجة السابقة كذلك بالنسبة الى الظن المعتبر ينكشف بطلان تلك الحجة تعبدا. ودعوى انه ليس له كاشفية على بطلان تلك الحجة لان حجيتها في ظرفها ثابتة ويجب العمل على مقتضاها وانما كاشفيته يحصل عند قيامه فيكون حينئذ للمكلف حجتان حجة سابقة دلت على تصحيح الأعمال السابقة وحجة فعلية يجب ترتيب الاعمال الآتية عليها ففى غير محلها فان طريقية الحجية الثانية لم تكن محدودة وانما تدل على بطلان الحجة السابقة فينكشف من قيامها ان ليس للاعمال السابقة حجة فيجب عليه اتيانها على وفق ما بيده من الحجة إلا اذا فرض انه قامت عنده حجة تساوى تلك الحجة السابقة من جميع الخصوصيات فحينئذ يقع التعارض بين الحجتين ويجب الاخذ بقواعد باب التعارض فمع التساوي يلزم التخيير بينهما او التساقط والرجوع الى الاصول المقررة ولو قلنا بالتخيير فان كان ابتدائيا يلزم الاخذ بالأولى ، وان قلنا بالاستمرار يجوز له البقاء على الحجة السابقة. هذا كله بالنسبة الى الفعل الصادر من قبل نفسه ، واما بالنسبة الى الفعل الصادر من غيره البانى على اعتبار تلك الامارة فهل يرتب عليها آثار الصحة مع بنائه على بطلانها فيقال بصحة اقتداء من يرى وجوب السورة بمن لا يرى وجوبها ولم يأت بها ام لا يرتب عليها آثار الصحة فلا يجوز له الاقتداء فى الفرض المذكور قيل بالأول بدعوى كون الحكم الظاهري بالنسبة الى غيره حكما واقعيا ثانويا ولكن لا يخفى ما فيه فان الدليل الدال على اعتبار الامارة انما هو بنحو الطريقية

من غير فرق بين ترتيب آثار الصحة على فعل نفسه او ترتيبها على فعل غيره فلا يكون بالنسبة الى الفعل الصادر من غيره احكاما واقعية. وعليه لا يجوز اقتداء من يرى وجوب السورة فى الصلاة بمن لا يرى وجوبها ولم يأت بها ، او يرى ان الذبح بالحديد شرط فى التذكية لا يجوز لمن لا يرى ذلك تقليدا او اجتهادا الاكل مما ذبح بغير الحديد كما لا يخفى.

التنبيه الثالث لا اشكال ولا ريب ان رأي المجتهد بالنسبة الى عمل نفسه معتبر بما انه طريق الى الواقع فلذا لو تبدل رأيه بما يخالف الأول يجب العمل على طبق رأيه الفعلى ويجب اعادة ما اتى به على طبق رأيه الأول لو كان له اثر من اعادة او قضاء كذلك بالنسبة الى من يقلده فان رأى المجتهد فى حق مقلده ايضا اخذ بنحو الطريقية الى الواقع فلو قلد من يخالف تقليده السابق يجب اتيان الأعمال الآتية على طبق تقليده الفعلى كما يجب اعادة الاعمال السابقة لو كان لها اثر من اعادة او قضاء على طبق تقليده الفعلي لما هو معلوم ان رأى المجتهد فى حق مقلده لم يؤخذ بنحو الموضوعية وانما اخذ بنحو الطريقية وليست طريقيته في حقه محدودة. ودعوى ان رأي المجتهد فى حقه اخذ بنحو الطريقية وفى حق مقلده اخذ بنحو الموضوعية فتكون الاعمال السابقة صدرت عن حجة صحيحه فلا يجب اعادتها وتطبيقها على التقليد الفعلي ممنوعة إذ رأي المجتهد معتبر بنحو الطريقية له ولمن قلده من غير فرق بينهما. هذا كله بالنّسبة الى الادلة الأولية (١).

__________________

(١) وبعض السادة الاجلة قدس‌سره في بحثه الشريف قال لو قامت امارة او اصل على طهارة شيء وعمل على مقتضاء ثم قامت امارة او اصل على نجاسته فان قلنا بالموضوعية يكون من قبيل تبدل الموضوع فتصح تلك الاعمال السابقة ويترتب عليها آثار الصحة فلا يجب اعادتها او قضاؤها لوقوعها فى الحكم بالطهارة من غير

واما بالنسبة الى الادلة الثانوية فقد يدعى الاجماع على عدم اعادة الاعمال

__________________

فرق بين الشبهة الحكمية او الشبهة الموضوعية وان قلنا بالطريقية كما هو الحق فقد يقال بصحة تلك الاعمال السابقة لصدورها عن حجة صحيحه ولا يعارضها قيام حجة اخرى على خلافها لان قيامها يمنع حجيتها عند قيامها. واما قبل قيام الحجة الفعلية فالحجة السابقة حجة بلا معارض.

هذا وفي باب الاجتهاد والتقليد قال ان محل الكلام في صحة الاجتهاد السابق ومدركه اما اصل او عموم او خبر ولا يعتمد على احدها إلا بعد الفحص عن المعارض فلا يكون كل واحد حجة قبل الفحص عما يعارضها فلو فحص عن المعارض ولم يجد وعمل بمقتضاها ثم وجد ما فحص عنه لم يكن وجود الحجة كاشفا الثانية عن كون ما اعتمد عليه اولا ليس بحجة وان الاجتهاد السابق فاسد إذ ذلك خلاف الفرض.

نعم يرفع اليد عن حجية الاولى عند قيام الثانية فلا يجب اعادة ما اتى به على طبق الأولى ومن هذا القبيل المقلد لو اتى باعماله على طبق فتوى مقلده فلو قلد من يرى بطلان تلك الاعمال السابقة له ان يفتي بعدم اعادة اعماله السابقة لكون المقلد قد اتكل في اعماله على حجة شرعية بل لو طبق المقلد اعماله السابقة على رأي من قلده ثم تبدل رأيه بفسادها له الفتوى بعدم وجوب اعادتها وان كان بالنسبة الى اعمال نفسه يرى وجوب اعادتها ومنه يظهر امكان الفرق بين المجتهد ومن يقلده وان ذلك يكون نظير ما اذا كان المجتهد غير جامع لشرائط حجية الفتوى بل يكون معترفا بعدم عدالته فلو سأل سائل عن الفعل الواقع على خلاف فتواه فانه يحكم بفساده ولكنه لا يحكم عليه بوجوب الاعادة إذا كان واقعا على طبق فتوى مجتهد جامع لشرائط الفتوى لاعترافه بعدم حجية فتواه بل الظاهر ان المقلد اذا سأل مجتهدا جامعا للشرائط غير مقلده وهو يرى صحة تقليده فلو فرض ان المسئول يرى بطلان ما اوقعه السائل من الأعمال على رأي مقلده فانه لا يحكم باعادة اعماله لوقوعها عن حجه صحيحة.

السابقة من العبادات او يتمسك بحديث لا تعاد على عدم اعادة خصوص الصلاة ولكن لا يخفى ان الاجماع تحققه غير معلوم وشمول حديث لا تعاد لغير الناسي محل اشكال.

__________________

اقول اما فى الاصول فانها مغياة بعدم تحقق امارة الخلاف فمع تحقق امارة على الخلاف يستكشف عدم كونها حجة من اول الامر. واما بالنسبة الى الامارات فلو قامت امارة على خلاف الامارة الاولى فلا اشكال في وجوب ترتب الآثار على الثانية من حين قيامها فيجب اتيان الاعمال الآتية على الثانية واما بالنسبة الى الاعمال السابقة فما لم يكن لها اثر من اعادة او قضاء كمثل صلاة العيد مثلا فلا اثر للقول بصحتها او فسادها واما لو كان له اثر يترتب على صحتها وفسادها مثل اعادتها او قضائها فيتم ما ذكره قدس‌سره بناء على ان الامارة ليست متعرضة لحجية الامارة الأولى إلا من حين قيامها فتكون حجيتها مقصورة على الافعال التى تقع بعدها.

واما بالنسبة الى ما قبلها فلا تعرض لها ولكن التحقيق ان الامارة الثانية عند قيامها تدل على حكم الفعل من حيث الصحة والفساد مطلقا سواء وقع قبلها ام بعدها فهي تدل على فساد الفعل الذي لم يقع على طبقها وليست مقصورة على الفعل الواقع بعدها.

فعليه تكون الاعادة والقضاء من آثار قيام الامارة لحكمها بفساد ما وقع قبلها لعدم مطابقته لها فليس المقام من قبيل الامارتين المتعارضتين لاقتضاء الأولى صحة ما وقع على طبقها والثانية على بطلان ذلك كما انه ليس الاجتهاد الثاني بالنسبة الى الأول من قبيل الناسخ والأول من المنسوخ لكى نترتب الآثار على الاجتهاد الأول الى زمان الثاني وترتيب الآثار على الثاني عند حصوله كما هو شأن كل ناسخ يترتب الآثار عليه عند وجوده ولا يكون نافيا للآثار التى ترتبت على المنسوخ إذ قياس الاجتهاد الثاني بالناسخ قياس مع الغارق لان الناسخ لا يكشف عن بطلان المنسوخ وانما المنسوخ حكم واقعي يكون امده منتهيا بوجود الناسخ بخلاف الاجتهاد الثاني

التنبيه الرابع لو اتى بما يعتقد تعلق الامر به ثم انكشف الخلاف فلا اشكال

__________________

فانه بناء على ما هو الحق من جعل الطريقية فى الطرق فانما هو لاحراز الواقع فعند تحققه ينكشف الخلاف تعبدا. فعليه لا يكون الاجتهاد الأول محرزا للواقع بل المقام من قبيل ما لو حصل القطع بخطإ الحكم الظاهري فكما ان الحكم فى ذلك عدم الاجزاء فكذا ما نحن فيه من غير فرق بينهما سوى ان القطع رافع لحجية الامارة السابقة من حيث ذاته والامارة السابقة رافعة لحجية الاولى بواسطة الجعل الشرعي وهذا الفرق لا اثر له في عدم الاجزاء واما ان عدم وجوب الاعادة والقضاء لكونهما حرجيان ودليل الحرج يرفع وجوبهما فهو وان اقتضى ذلك الاجزاء إلا ان رفع وجوب الاعادة او القضاء ان كان حرجيا فانما هو بالنسبة الى نفس المورد الذى يكون حرجيين كمن عمل برأيه او رأى مقلده مدة من الزمان كخمسين سنة مثلا من عبادة او معاملة ثم تبدل رأيه او قلد من يخالف رأيه ذلك فاعادة تلك الاعمال حرجي بالنسبة الى نفس المورد لا بالنسبة الى كل مورد وشخص فدليل الحرج لا يثبت الاجزاء في جميع الموارد على ان دليل الحرج مفاده رفع الحكم المجعول وعدم الاجزاء ليس حكما شرعيا حرجيا. نعم يستدل لعدم اعادة الاعمال السابقة بالاجماع إلّا ان تحققه في غير العبادات من الاعادة والقضاء محل اشكال.

قال الاستاذ المحقق النائينى قدس‌سره فى بحثه الشريف ان الاجماع مما يقطع بتحققه بالنسبة الى الاعادة والقضاء فى باب العبادات كما انه مما يقطع بعدم انعقاد الاجماع في الاحكام الوضعية فيما لو كان الموضوع باقيا عند تبدل رأي المجتهد في حقه وحق مقلده كما لو عقد على امرأة بالعقد الفارسي ثم تبدل رأيه وقال ببطلان العقد باللغة الفارسية مع كون المرأة موجودة وكانت من محل الابتلاء. واما مع عدم بقاء الموضوع بتلف كما لو ماتت المرأة في الفرض المذكور او كانت خارجة عن محل الابتلاء فلا يبعد تحقق الاجماع وقد استوفينا الكلام في تقريرات بحثه قدس‌سره.

في عدم اجزائه عن الامر الواقعي لعدم كشفه عن الامر الشرعي لكي يتوهم الاجزاء ومنه ما لو قطع بعدم وجوب السورة فى الصلاة او نسيها فاتى بالصلاة مع السورة اعتمادا بما قطع بعدم وجوبها. نعم قد يستفاد من بعض النصوص المعتبرة الاجزاء فيما لو اتم في موضع القصر او بالعكس او جهر في موضع الاخفات او بالعكس جهلا وقد وجه ذلك الاستاذ قدس‌سره فى الكفاية ما لفظه (نعم ربما يكون ما قطع بكونه مامورا به مشتملا على المصلحة في هذا الحال او على مقدار منها ولو في غير الحال غير ممكن مع استيفائه استيفاء الباقى منه ومعه لا يبقى مجال لامتثال الامر الواقعي وهكذا الحال فى الطرق (١) فالاجزاء ليس لاجل اقتضاء امتثال الأمر القطعى

__________________

(١) ولازم ذلك ان يكون ما قطع به احد فردي الواجب في حال القطع لو كان وافيا بتمام المصلحة او أن الباقي من المصلحة غير ممكن الاستيفاء ولو فى غير حال القطع وحينئذ لا بد من الاجزاء وتمامية ذلك على الموضوعية ولكن ذلك خلاف ظاهر ما ذكره قدس‌سره وكيف يكون مبنيا على ذلك مع انه توجيه لصورة القطع الطريقى وسائر الطرق التى يقطع بطريقيتها على انه لو بنى على ذلك يلزم ان يؤخذ القطع فى موضوع متعلقة مع انه غير معقول وعليه يشكل تصوير ما ذكره قدس‌سره. وقد وجه ذلك بعض السادة الاجلة قدس‌سره فى بحثه الشريف بما حاصله ان بعض الافعال لا يتصور فيها تكرار كالقتل فاذا امر بقتل عدوه على كيفية مخصوصة فقتله على غير تلك الكيفية الخاصة فلا اشكال في اتيان المأمور به وان لم يقع على تلك الكيفية الخاصة لعدم قابلية المأمور به للتكرار لكى يعاد تحصيلا لتلك الخصوصية إلا ان هذا التوجيه وان كان صحيحا في نفسه إلّا انه لا يجرى في الصلاة لقبوله للتكرار والاولى توجيه ذلك بان المقام من باب تعد والمطلوب بتقريب ان الشارع امر باتيان الصلاة وامر بالجهر بالقراءة فى ضمن امتثال الصلاة فاذا اتى المكلف بالفعل وامتثل

او الطريقي). وحاصله ان ما قطع بكونه مامورا به مشتملا على مصلحة تفى بمصلحة الواقع فليس الاجزاء ان لاجل الامر العقلي يجزى عن الامر الواقعي وانما هو لاجل اشتماله على المصلحة. ومن هذا القبيل الاتمام في موضع القصر او بالعكس او الجهر في موضع الاخفات او بالعكس هذا تمام الكلام في مبحث الاجزاء والحمد لله رب العالمين.

__________________

الامر الاول من دون تلك الخصوصية سقط الامر الاول وهو معنى الاجزاء ولم يبق مجال لامتثاله ثانيا لعدم بقاء موضوعه فمع ترك تلك الخصوصية حينئذ ان كان عن عذر كما لو كان الجهل عن قصور فهو ليس بمعاقب وان كان عن تقصير فيعاقب على الترك وان كان الترك عن عمد فيبنى على جواز اجتماع الامر والنهي وعدمه. اللهم إلا ان يقال بانه من قبيل النهي في العبادة اذا قلنا بان الامر بالشيء يقتضى النهي عن ضده الخاص. وكيف كان فقد اشكل على العبارة بما حاصله بانه لا وجه لتخصيص التعميم لصورة الخطأ والعمد بالصورة الاخيرة وهي غير ممكنة الاستيفاء وجعل الصورة الاولى اي ما يكون وافيا بتمام المصلحة مقصورا على ما يكون الفعل صادرا عن خطأ المعبر عنه (فى هذا الحال) ويجاب عنه انه لو لم يكن مقصورا على ذلك فلا وجه لتعلق الامر بالواقعي لعدم الفرق بينهما فمن تعلق الامر به يستكشف عدم وفاء الفعل بتمام المصلحة فى حال العمد فلا تغفل.

مقدمة الواجب

الفصل الرابع في مقدمة الواجب وقبل الخوض في المقصود ينبغي رسم امور الأول ان هذه المسألة هل هي من المسائل الأصولية ام من المسائل الفقهية أم من المسائل الكلامية أم من المبادى الأحكامية؟ الظاهر انها من المسائل الاصولية لكونها تقع فى طريق استنباط الأحكام الفرعية الذى هو ملاك المسألة الاصولية إذ لا نعنى بها إلّا انها من القواعد الواقعة فى طريق استنباط حكم كلي لموضوع كلي وان امكن عدها من المبادئ الأحكامية لوجود جهتها بتقريب انها عبارة عن محمولات تعرض على احكام تكليفية أو وضعية كالبحث عن ان الأحكام متضادة او عن تلازم بعضها مع بعض والبحث عن وجوب المقدمة من هذا القبيل لرجوع البحث فيها الى التلازم بين وجوب ذي المقدمة مع وجوب المقدمة اذ لا ينافي اشتمال المسألة على جهة تعد بتلك الجهة من علم آخر. وبالجملة عدها من مسائل الأصول لجهتها الأصولية ولو اشتملت على جهة تعد من المبادئ الأحكامية. نعم لا وجه لعدها من المسائل الفقهية وان توهم اخذا بظاهر العنوان بدعوى ان البحث عن وجوب المقدمة كالبحث عن وجوب جلسة الاستراحة فالبحث بهذا النحو يبحث عن المسألة الفرعية لأنه بحث عن الحكم المتعلق بفعل المكلف إلا ان ذلك توهم فاسد لعدم تحقق ملاك المسألة الفقهية فيها فان ملاكها أن يكون المحمول فيها خاصا ناشئا عن ملاك خاص يثبت لموضوع خاص كالصلاة والصيام او عاما بان يكون عنوانا ليشار به الى موضوعات خاصة كقاعدة الطهارة ونحوها من القواعد العامة التى يكون الموضوع فيها عنوانا عاما يشاربه الى امور متعددة والبحث في ان المقدمة واجبة ليس

بحثا عن محمول خاص نشأ عن ملاك خاص وانما المحمول فيها عام ينشأ عن ملاكات متعددة لأن ملاك الوجوب فيها هو ملاك الواجب النفسي لنرشح الوجوب منه اليها.

ومن الواضح ان ملاكات الواجب النفسي مختلفة فلا اقل من اختلافها بالشدة والضعف على انه لو قلنا بمقالة بعض الأعاظم قدس‌سره ان ملاك المسألة الفقهية هى خصوصية الموضوع كالصلاة والصيام والحج ونحوها فلا وجه لعدها من المسائل الفقهية لعدم خصوصية الموضوع (المقدمة) وانما هو عنوان عام يشاربه الى موضوعات متعددة مختلفة كالوضوء والغسل والتميم وان كان ما اختاره قدس‌سره من ملاك المسألة الفرعية محل نظر بل منع للزوم خروج اكثر المسائل الفقهية عن الفقه كمثل قاعدة ما يضمن بصحيحة يضمن بفاسده وقاعدة الطهارة وقاعدة كل ما لاقى نجسا فهو نجس ونحوها من القواعد العامة الفقهية التي اخذ الموضوع عنوانا عاما يشاربه الى العناوين الخاصة بل ربما يقال بانا لو لم نلتزم في المسألة الفرعية خصوصية المحمول الناشئ عن ملاك خاص او خصوصية الموضوع لا يصحح عدا البحث عن وجوب المقدمة من المسائل الفرعية لأن البحث فيها انما هو فى سراية الحكم من ذى المقدمة الى المقدمة من غير اختصاص للحكم الوجوبي بل يعم الأحكام الخمسة فالتعبير بالمقدمة في كلامهم كالعنوان العام الحاكى عن موضوعات عديدة مختلفة الحقيقة محكومة باحكام مختلفة بالخصوصيات وناشئة عن ملاكات متعددة نظير البحث عن فعل المكلف بانه محكوم بالأحكام الخمسة فمثل هذا البحث المنتج لقاعدة كلية تقع في طريق استنباط حكم كلي فرعي يصح عده من المسائل الاصولية ولا يعد من المسائل الفقهية كما انه لا يعد من المسائل الكلامية إذ ليس البحث فى وجوب المقدمة وعدمها لاجل ترتب الثواب والعقاب إذ بناء على سراية الوجوب من ذى

المقدمة الى المقدمة فتجب المقدمة وجوبا غيريا لا يستتبع المثوبة على الموافقة والعقوبة على المخالفة على ان عد مسألة من علم باعتبار عنوانها ولا تعد منه باعتبار لازمها الذي هو التحسين والتقبيح العقليان خصوصا مع عدم ادراك العقل حسن المقدمة إلا بواسطة وجوب ذي المقدمة إذ العقل لا يستقل بحسن ذى المقدمة لو لا وجوبه فضلا عن حسن المقدمة.

الأمر الثاني ان هذه المسألة من القواعد الكلية المنتجة لحكم كلي فرعي التى يكون تطبيقها على الموارد بيد المجتهد وليست من المسائل اللفظية إذ البحث فيها فى سراية الوجوب من ذى المقدمة الى المقدمة ولو كان ذلك مستفادا من الأدلة اللبية كالاجماع ونحوه فلا خصوصية للفظ فيها. ودعوى ان البحث فيها يرجع الى البحث عن الملازمة بين المقدمة وذيها فيكون من المسائل العقلية في غير محلها إذ عد مسألة من علم يلاحظ فيها عنوانها واشتمالها على جهة يجث عنها في ذلك العلم فبذلك العنوان والجهة تعد منه ولا تعد من العلم باعتبار لازمها فان مجرد التلازم بين العنوانين لا يوجب ارجاع احدهما الى الآخر.

ومما ذكرنا يظهر النظر فيما ذكره الاستاذ قدس‌سره في الكفاية حيث جعل البحث فى وجوب المقدمة عقليا ما لفظه (ان المسألة عقلية والكلام في استقلال العقل بالملازمة وعدمه) (١)

__________________

(١) لا يخفى أن البحث فى وجوب المقدمة انما هو فى حكم العقل بالملازمة بين الارادة المتعلقة بذى المقدمة الناشئة عن المصلحة وبين الارادة المتعلقة بالمقدمة من غير فرق بين ان تكون تلك الارادة المتعلقة بذى المقدمة مدلوله للفظ او لغيره من اجماع او غيره وليس هذا الحكم من المستقلات العقلية الذي هو عبارة عن حكمه

الامر الثالث ان المراد من وجوب المقدمة في محل النزاع هو تعلق ارادة بها متولدة من الارادة المتعلقة بذي المقدمة وبعبارة اخرى يترشح وجوبها من وجوب ذيها ولازم ذلك ان يكون بينهما تعدد فى الوجود والتوقف بنحو تتخلل الفاء بينهما فيقال وجد فوجد فلا بدخل فى محل النزاع ما كان بينهما تلازم بنحو لا توقف بينهما كما انه يخرج ما كان بينهما اتحاد بحسب الوجود كالطبيعى ومصاديقه وكالجزء المتقدم على الكل بالتجوهر كتقدم الواحد على الاثنين إذ مع عدم التعدد فى الوجود لا مجال للنزاع فى ترشح الوجوب من ذي المقدمة الى المقدمة إذ لا يعقل ان يترشح من الوجوب المتعلق بالاثنين على الواحد الذي هو فى ضمن الاثنين ارادة غيرية مع انبساط الوجوب النفسي عليه ولو ترشح منه الى الواحد الذي هو في ضمنه ارادة غيرية يلزم اجتماع المثلين وهو غير معقول كاجتماع الضدين.

الامر الرابع تنقسم المقدمة الى الداخلية والخارجية اما الخارجية فهى الخارجة عن المأمور به ولها دخل فى تحققه ووجوده فلا اشكال في دخولها في محل النزاع. واما الداخلية التي هي عبارة عن الأجزاء بالنسبة الى الكل فانها تعد مقدمة للكل لأن الجزء اعتبر لا بشرط والكل اعتبر بشرط شيء وهو الاجتماع فلا تكون المقدمة

__________________

بشيء من دون توقفه على حكم الشارع كحكمه بان النقيضين لا يجتمعان كالكل اعظم من الجزء ونحو ذلك من الموارد الحاكم فيها العقل ولا يتوقف حكمه بذلك على صدور حكم من الشارع بل يحكم به سواء حكم الشارع به ام لا. نعم وجوب المقدمة ومثلها الأمر بالضد واجتماع الأمر والنهي ونحو ذلك من المسائل العقلية غير المستقلة التي هي عبارة عن ان العقل يحكم به بعد صدور حكم الشارع فالعقل يحكم بوجوب المقدمة بناء على الملازمة بعد صدور حكم الشارع بذي المقدمة فافهم وتأمل.

عين ذيها للمغايرة بينهما بما عرفت. كما انه لا يلزم مقدمية الشيء لنفسه لما عرفت من الاثنينية بينهما ، وبعبارة اخرى ان الأجزاء تلاحظ فى حد انفسها والكل ملحوظ فيه الأجزاء مجتمعة فيكون الفرق بين الأجزاء والكل هو الفرق بين المركب من العارض والمعروض وبين نفس المعروض فنفس الاجزاء التي هي المعروض تلاحظ مجردة عن لحاظ الاجتماع الذى هو العارض وان لاحظت الاجزاء مع كونها مجتمعه فهو الكل الجامع للمعروض والعارض بلحاظ واحد والى ذلك يرجع ما نسب الى الشيخ الانصاري قدس‌سره من الفرق بان الاجزاء ملحوظة بشرط لا والكل ملحوظ بشرط شيء فان غرضه من كون الأجزاء بشرط لا هو ملاحظتها بنفسها من دون ملاحظة الاجتماع وذلك عبارة عن كون الاجزاء لا بشرط والكل بشرط شيء وليس غرضه من كون الاجزاء بشرط لا هو بشرط عدم الانضمام لكي يرد عليه ان الشيء مع كونه مقيدا بعدم الانضمام الى الغير كيف يكون جزأ لمركب كما انه لا وجه لما اورده بعض الاعاظم (قده) عليه بما حاصله ان الفرق المذكور انما هو منحصر في المركب الحقيقي ولا يجري في المركب الاعتباري وان الحمل يصح في الأول لوجود الملاك فيه وهو الاتحاد فى الوجود دون الثاني لعدم تحقق ملاكه فيه لما عرفت من ان المراد من بشرط لا هو ملاحظتها بانفسها. وهذا اللحاظ يجتمع مع لحاظ كونها مجتمعة وبهذا الاعتبار تكون الأجزاء عين الكل ويصح حملها ولو كان المركب اعتباريا ولكن لا يخفى انه لو سلم ان المغايرة الاعتبارية تقتضي الاثنينية إلا انه لا تقتضى تقدم الأجزاء على الكل إذ كونها مقدمة يقتضى ذلك مع ان الجزئية والكلية فى مرتبة واحدة.

بيان ذلك ان الامور المتعددة المتكثرة تعتبر امرا واحدا بالوحدة الاعتبارية

التى هي منشأ الانتزاع عنوان الكل وهذه الوحدة لا تحصل من نفس الهيئة الاجتماعية إذ لو كانت الوحدة تحصل من عنوان الاجتماع لكان يلتزم بالوحدة المحققة للكل عند قيام المصالح المختلفة بالأجزاء المتعددة مع انه واضح البطلان إذ كيف يلتزم بوحدة الواجب مع اشتماله على اجزاء تختلف بحسب المصالح كما انه لا يلتزم بتعدد الواجب مع اشتماله على اجزاء يترتب عليها غرض واحد ومصلحة فاردة فلا يكون وحدة الواجب باعتبار الهيئة الاجتماعية فلا بدوان تكون الوحدة الاعتبارية ناشئة من وحدة المصلحة أو وحدة اللحاظ أو وحدة الحكم. اما الأول فانه نلتزم بوحدة المصلحة من المتكثرات بعد رعاية المصلحة وهذه الوحدة منتزعة من المصلحة الواقعية التي هي متأخرة عن نفس المتكثرات فما هو المنتزع ايضا متأخر عنها فلا يمكن اخذها في نفس المتكثرات فما هو ذو مصلحة ليس إلا المتكثرات بما هي متكثرات لا بوحدتها الطارية عليها من ناحية المصلحة وكذلك وحدة اللحاظ ووحدة الحكم اللاحقتان للمتكثرات بما هي متكثرات. ولا ريب ان الأشياء فى حال تكثرها لم يكن فيها لحاظ ولم يكن فيها حكم فلم تنتزع منها الجزئية ولا الكلية. نعم بعد طروها عليها تنتزع منها الكلية والجزئية. فمن هذا يظهر انه لم تكن الجزئية لها تقدم على الكلية إذ قبل تلك الوحدات لم يكن صقع كلية ولا جزئية وبعد طرو تلك الوحدات تكون منشأ لانتزاع جزئية كل واحد من تلك المتكثرات كما انه منشأ لانتزاع الكلية من مجموع المتكثرات.

ان قلت سلمنا ان الوحدة الحكمية لم تؤخذ فى المتكثرات إلا ان الوحدة اللحاظية يمكن اخذها بان تجعل موضوعا للحكم فتكون المتكثرات الملحوظة بلحاظ واحد موضوعا للحكم. قلنا ان اللحاظ انما يعتبر توطئة للحكم على المتكثرات فان

الحكم على شيء لا يكون إلّا بلحاظه فلحاظه ليس محكوما عليه ولا جزء له بل يؤخذ بنحو التوطئة للحكم على نفس المتكثرات فنفس المتكثرات قبل اللحاظ لا يكون فيه جزئية ولا كلية وبعد طرو هذه الوحدات تنتزع الكلية والجزئية فهما فى مرتبة واحدة فلم تكن الاجزاء فيها جهة مقدمية. فعليه ليس عندنا ما تسمى بالمقدمة الداخلية إذ المقدمة تستدعي التقدم على ذبها وحسب الفرض انه الكل ومقدمته جزؤه. وقد عرفت انه لا تقدم للجزء على الكل. نعم يمكن فرض المقدمية لو اخذت الهيئة الاجتماعية في موضوع الحكم وقد عرفت ما فيه. ومن ذلك يعلم انه على المخالفة يستحق عقوبات متعددة على حسب تعدد المصالح وان كان مجموعه له هيئة واحدة كما انه لو قصد الامتثال بمجموعها كان مشرعا وهذا بخلاف ما لو كان غرض واحد مرتب على الاجزاء باجمعها فانه مع المخالفة يستحق عقابا واحدا لكونها تعد باجمعها واجبا واحدا وان لم يكن لمجموعه هيئة واحدة ولو سلمنا انتزاع الوحدة من الهيئة الاجتماعية فلنا منعه ايضا لانه ان كان الواجب هو الاجزاء بشرط الانضمام فالجزء غير مقدمة بل واجب بالوجوب النفسي والهيئة واجبة بالوجوب الغيري لتحصيل الهيئة لاخذها شرطا وان كان الواجب هو الهيئة كانت الاجزاء واجبة بالوجوب الغيري لتحصيل الهيئة واجبة بالوجوب النفسي فحينئذ تكون خارجة عن الفرض إذ الكلام فى المقدمة الداخلية وصارت مقدمة خارجية وان كانت هيئة مع الاجزاء واجبة فهو وان اجتمعت الكلية والجزئية إلا انه لا يصح اتصاف الاجزاء بالوجوب الغيري لكون الاجزاء قد تعلق بها الوجوب النفسي لكونه فى المرتبة السابقة ومع ذلك لو تعلق بها الوجوب الغيري لوجود ملاكه الذى هو كونها علة لتحقق الواجب يلزم اجتماع المثلين وهو باطل كاجتماع الضدين لا يقال ليس اجتماع

المثلين كاجتماع الضدين بل اجتماعهما يوجب تأكد الوجوب كما لو ورد اكرم العلماء واكرم بنى هاشم وكان شخص جامعا للعنوانين فان اجتماعهما وجب تاكد الوجوب لانا نقول التأكد انما يفيد لو كان السببان في عرض واحد كما في المثال المذكور لا مثل المقام فان الوجوب الغيري متأخر رتبة عن الوجوب النفسي لوضوح ان الوجوب الغيري معلول للوجوب النفسي ويظهر ذلك بتخلل الفاء بان يقال وجبت الاجزاء والهيئة نفسيا فوجبت الاجزاء غيريا ويستحيل في مثل المقام التأكد فحينئذ الاجزاء لم تكن واجبة إلا بالوجوب النفسي وليست واجبة بالوجوب الغيري لسبق الأول بحسب المرتبة. نعم فيه ملاك الوجوب الغيري هذا كله فيما لو كانت الوحدة المحققة للكل قد اخذت في المرتبة السابقة على الامر كمثل الهيئة الاجتماعية أو وحدة الغرض او وحدة اللحاظ. واما اذا كانت الوحدة المحققة للكل منتزعة من المرتبة اللاحقة مثل انتزاعها من نفس الأمر فلا يعقل ان تكون منشأ لترشح الوجوب من الكل الى الاجزاء لكون المقدمية حينئذ في رتبة متأخرة من تعلق الامر بالكل فلا يعقل تعلق الأمر الغيري بالاجزاء لانه انما يتعلق بالاجزاء بما انها مقدمة في رتبة سابقة كما ان مقتضى مقدميتها ان تكون سابقة على تعلق الأمر مع انه حسب الفرض ان المقدمية حصلت فى المرتبة اللاحقة عن تعلق الأمر. فعليه يخرج مثل هذا الفرض عن محل النزاع وينحصر فيما اذا كانت الوحدة اخذت فى المرتبة السابقة على تعلق الأمر لكي يكون فيه ملاك الوجوب الغيري.

ومما ذكرنا يظهر النظر في اطلاق ما ذكره الاستاذ قدس‌سره من تحقق ملاك الوجوب الغيري للاجزاء فى الكفاية ما لفظه (إلا ان يريد ان فيه ملاك الوجوبين وان كان واجبا بوجوب واحد نفسي لسبقه) لما عرفت ان ذلك يتم بناء على ان

الوجوب النفسي قد تعلق بالاجزاء والهيئة الاجتماعية المحققة لعنوان الكل فحينئذ تكون الاجزاء فيها ملاك الوجوب الغيري لتحقق المقدمية على ذلك الفرض إلا انك قد عرفت ان الهيئة الاجتماعية لا تحصل منها الوحدة المحققة لعنوان الكل وانما الموجب لها اما الامر او اللحاظ او الغرض وفي الجميع لا يتحقق ملاك الوجوب الغيري للاجزاء لعدم تقدمها على الواجب الذى هو الكل لكونهما يتحققان معا وبمرتبة واحدة. ثم انه ربما قيل بظهور الثمرة بين كون الاجزاء واجبة بالوجوب الغيري وبين كونها واجبة بالوجوب النفسي فى باب الاقل والاكثر الارتباطيين بجريان الاشتغال على الأول وجريان البراءة على الثاني.

بيان ذلك ان الاجزاء اذا كانت واجبة بالوجوب الغيري فالعلم الاجمالي بالتكليف منجز ولا ينحل الى علم تفصيلى بالوجوب المطلق للاقل الاعم من النفسي لو كان هو الواجب والغيري لو كان الاكثر هو الواجب لتولده من العلم الاجمالي المتنجز فى المرتبة السابقة فيكون من الشك في المكلف به وهو مجرى قاعدة الاشتغال. واما لو كانت الاجزاء واجبة بالوجوب النفسي فلا اثر للعلم الاجمالى بالوجوب النفسي المردد بين الحدين اي حد الأقل وحد الاكثر كالخط المردد بين القصير والطويل وانما الذى له الاثر العلم الاجمالي بنفس التكليف من دون ملاحظة الحدين وحينئذ يعلم تفصيلا بتعلق ارادة من الشارع قد تعلقت بذات الاقل من دون نظر الى حده ونشك فى الزائد فيكون من الشك فى التكليف وهو مجرى اصالة البراءة كما لا يخفى فافهم.

الأمر الخامس تنقسم المقدمة الى العقلية والشرعية والعادية اما العقلية فالمراد بها ما يكون توقف الواجب على المقدمة عقليا كتوقف المعلول على علته والشرعية

ما يكون التوقف شرعيا بأن يعتبر الشارع فى الواجب قيدا بنحو يكون دخيلا فيه فبهذا الاعتبار يكون التوقف شرعيا وإلا بعد اخذه واعتباره بنحو الشرط يكون التوقف عقليا لعدم حصول الواجب إلا بما اعتبره. ولذا قال الاستاذ قدس‌سره في الكفاية برجوع الشرعية الى العقلية ما لفظه : (ضرورة انه لا يكاد يكون مستحيلا ذلك شرعا إلا اذا أخذ فيه شرطا وقيدا واستحالة المشروط والمقيد بدون شرطه وقيده يكون عقليا (١) والعادية ما يكون التوقف بحسب العادة فتارة تكون العادة بمثابة لا ينفك الواجب عنها دائما كنصب السلم للكون على السطح واخرى

__________________

(١) لا يخفى ان الشرط الشرعي تارة يكون امرا واقعيا كشف عنه الشارع بان يكون توقف المشروط على الشرط امرا واقعيا وقد اختفى علينا والشارع كشفه لنا لاطّلاعه على خواص الاشياء ، واخرى المشروط ليس له توقف بحسب الواقع إلا ان الشارع امر به مقيدا بالشرط ففى الأول التوقف عقلى. غاية الأمر انه ببيان الشارع. واما الثاني فقد يقال بان التوقف شرعي باعتبار انه بسبب امر الشارع انتزعت الشرطية ، وقد يقال بان التوقف عقلي باعتبار ان الحاكم بذلك هو العقل وان كان ذلك بسبب جعل الشارع والمراد من العبارة هو المعنى الثاني وفاقا لبعض السادة الاجلة قدس‌سره إذ بعد اعتبار الشارع الشرطية يكون الحاكم بالتوقف هو العقل ولا معنى لحكم الشارع بالتوقف لكى يكون شرعيا محضا لعدم امكان تصرف الشارع بازيد من الأمر بالفعل مقدمة. نعم يصح منه الحكم بالتوقف ارشادا الى ما هو عليه في الواقع كما انه لا يصح ارادة المعنى الاول من العبارة لكون التوقف عقليا محصا وليس للشارع الا بيان التوقف الواقعي فلا معنى لرجوع الشرعية الى العقلية لكونها من العقلية المحضة. فظهر مما ذكرنا ان العبارة تحمل على المعنى الثاني فلذا صح رجوع الشرعية الى العقلية فلا تغفل.

ينفك عنه احيانا بان يحصل الواجب من دون تلك المقدمة العادية مثلا جرت العادة فى قطع مسافة الحج بالركوب وامكن المشي راجلا على خلاف العادة ولا يخفى ان مثل هذه المقدمة خارجة عن محل النزاع لانتفاء ملاك المقدمية الذى هو انتفاء الواجب عند انتفائها. نعم المقدمة العادية بالمعنى الأول داخلة في محل النزاع كالعقلية والشرعية لوجود الملاك فيها فان الكون على السطح ينتفى عند عدم السلم عادة ولذا قال الاستاذ قدس‌سره في الكفاية برجوعها الى العقلية بالمعنى الأخير ما لفظه (ضرورة استحالة الصعود بدون النصب عقلا لغير الطائر فعلا وان كان طيرانه ممكنا ذاتا (١) هذا ولكن

__________________

(١) يمكن ان يكون المراد من جعل المقدمة العادية مقابلة للعقلية من حيث هي من دون نظر الى انه ممن ليس بطائر فعلا وليس له خرق العادة فانه لا يكون التوقف حينئذ عقليا لامكان خرق العادة مثلا بالطيران كالحصول في المكان البعيد فإنه فى حد ذاته ممكن بدون قطع المسافة إلا انه خارق العادة وكونه لا يحصل إلا بخرق العادة لا يوجب كونه ممتنعا حتى يكون التوقف على ما جرت به العادة عقليا فان خرق العادة انما يتعلق بالممكنات دون الممتنعات كجمع النقيضين نعم هو ممتنع لمن ليس له خرق العادة وحينئذ يكون التوقف عقليا وعلى ذلك حمل العبارة بعض السادة الاجلة قدس‌سره قال : وينبغي ان يضاف الى قوله لغير الطائر عقلا كلمة ومن ليس له خرق العادة ليتم التوقف العقلى وكذا ينبغي ان يبدل الضمير من قوله وان كان طيرانه ممكنا ذاتا بالالف واللام على لفظ الطيران لأن طيران غير الطائر فعلا اذا كان ممكنا ذاتا يكون التوقف عقليا. هذا والتحقيق ان الكون على السطح يتوقف عقلا على طي المسافة وعلى نصب السلم إلا ان مقدمية الأول مما يقتضيه العقل لاستحالة الطفرة والثاني مقدميته مما يقتضيه طبع الجسم من دون قاسر فان طبعه ثقيل ففى الاستحالة يشتركان فانه يمتنع الكون على السطح بلا طي مسافة

لا يخفى ان تقسيم المقدمة الى هذه الامور الثلاثة لم تكن على نسق واحد فان وساطة العقل في العقلية واسطة في الاثبات إذ الواسطة في الثبوت هو نفس الشيء بما هو هو وان كانت وساطة الشرع فى الشرعية او العادة في العادية فهي واسطة فى الثبوت دون الاثبات لظهور ان للملازمة انما تتحقق بعد اعتبار الشرع او اقتضاء العادة للمقدمة فلو لا اعتبار مطلوبية الصلاة مقيدا بالطهارة مثلا في الشرعية وتحصيل العلم من طريق التعلم مثلا فى العادية لما كان ثمة ملازمة بين الطهارة والصلاة كما فى الأول ولا بين تحصيل العلم والتعلم فى الثاني.

الامر السادس تنقسم المقدمة الى مقدمة وجود ومقدمة وجوب ومقدمة صحة ومقدمة علمية وهذا التقسيم باعتبار نفس الواجب ولا يخفى ان مقدمة الصحة راجعة الى الأولين لظهور ان القصور انما هو في عروض الوجوب على الشيء فتارة يكون لقصور فى الموضوع واخرى لقصور فى الحكم فان كان من قبيل الأول كانت المقدمة مقدمة وجودية كالطهارة بالنسبة الى الصلاة فان وجود الصلاة متوقفة على وجود الطهارة

__________________

كما يمتنع الكون على السطح بلا نصب السلم. إلا ان الامتناع في الأول بحسب ذاته المسمى بالمحال العقلي والامتناع في الثاني بالقياس الى عادم الجناح وعادم القوة الخارقة المسمى بالامتناع العادي.

وبالجملة التوقف واقعى في الصور إلا انه عقلي تارة وعادي اخرى وبعبارة اخرى ان حقيقة المقدمية فى الكون على السطح هو طي المسافة الجامع بين نصب السلم والطيران إلا ان الجامع ينحصر بنصب السلم لعدم ما يتمكن معه من الطيران فهو واجب بالعرض لا بالذات فالتوقف تارة يكون واجبا بالعرض كما هو بالنسبة الى نصب السلم فيسمى بالتوقف العادي واخرى يكون واجبا بالذات كما هو بالنسبة الى الجامع فيسمى بالتوقف العقلي فافهم وتأمل فانه دقيق.

لا وجوبها وان كان من قبيل الثاني كانت المقدمة مقدمة وجوبية كالوقت بالنسبة الى الصلاة فان وجوب الصلاة متوقف على الوقت فقبل الوقت لا وجوب ولم يكن فيها قصور من ناحية الصلاة وانما القصور فى توجه الحكم فلا معنى لرجوع مقدمة الصحة الى مقدمة الوجود بقول مطلق كما ذكره الاستاذ قدس‌سره فى الكفاية ما لفظه (ولا يخفى رجوع مقدمة الصحة الى مقدمة الوجود ولو على القول بكون الاسامى موضوعة للأعم) بل ينبغى منه قدس‌سره التفصيل بين قصور في الموضوع وقصور فى الحكم إلا بدعوى ارجاع مقدمة الوجوب الى مقدمة الوجود بالقياس الى نفس الوجوب وهو خلاف ما يظهر منه من تعدد المقدمة بالنسبة الى الوجود والوجوب فلذا اخرج مقدمة الوجوب عن محل النزاع لكونه قبل المقدمة لا وجوب للواجب لكى يترشح وبعد المقدمة لا وجه لترشح الوجوب الى المقدمة وهو من طلب الحاصل اللهم إلا ان يقال بأن تقسيم المقدمة الى الوجود والوجوب بنظر الاستاذ قدس‌سره هو ان الدخالة فى الواجب مختلفة فتارة تكون دخيلة فى ذات الواجب الذي اتصف بالوجوب كالطهارة فان لها الدخالة في تحقق ذات الصلاة التي اتصفت بالوجوب ويعبرون عن مثل هذه المقدمة بمقدمة وجود واخرى تكون لها دخالة في لحوق الوجوب للواجب كالوقت فان له دخلا في لحوق الوجوب للصلاة ويعبرون عن مثل هذه المقدمة بمقدمة الوجوب كما يستفاد ذلك من قوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) اذا دخل الوقت وجب الصلاة والطهور واما المقدمة العلمية (١) فلا يخفى انه تارة تكون من قبيل اجتناب

__________________

(١) ذكرنا فى حاشيتنا على الكفاية ان مقدمة العلم تارة تكون خارجة عن المأمور به كوجوب غسل شيء خارج عن حدود ما يجب غسله من اعضاء الغسل في الوضوء مما حول العضو تحصيلا للعلم بغسل جميع ذلك العضو الذى يجب غسله واخرى يكون

الشبهة المحصورة كاجتناب الإناءين المعلوم نجاسة احدهما فانه يحكم العقل باجتنابهما لتنجز العلم الاجمالي وما كان من هذا القبيل خارج عن محل البحث فى المقدمة واخرى تكون المقدمة العلمية من قبيل الفحص الذى هو مقدمة للتعلم فعلى ما اختاره صاحب

__________________

لاحتمال انه الواجب وهو اما ان يوجب تكرار الفعل تحصيلا للواجب الواقعي كالصلاة الى اربع جهات عند اشتباه القبلة واما ان لا يوجب التكرار كالإتيان بالاكثر عند دوران الواجب بين الاقل والاكثر. اما الصورة الاولى فهي مقدمة للعلم ويصدق عليها مقدمة الوجود ايضا بناء على وجوب تحصيل العلم شرعا وان غسل ما حوله المعبر عنه بالمقدمة العلمية غير تحصيل العلم بالواجب فيدخل في محل البحث فيجب غسل ما حول العضو تحصيلا لغسل تمام العضو الواجب بناء على وجوب المقدمة وإلا فلا. واما بناء على ان غسل ما حوله غير العلم بالواجب خارجا فيخرج عن محل البحث لعدم الاثنينية بينهما وحينئذ يجب غسل ما حوله بالوجوب النفسى وقد فرع على ذلك بعض السادة الأجلة قدس‌سره انه يجوز الأخذ من بلله للمسح اللهم إلا ان يقال بان ذلك مخصوص بما يجب غسله اصالة دون ما يجب غسله بوجوب تحصيل العلم بتمام الغسل الواجب واما الصورة الثانية فما يكون موجبا للتكرار فان قلنا بان تحصيل العلم بالواجب واجب عقلي فيخرج عن محل البحث فى المقدمة إذ البحث فيها عن الوجوب الشرعي المولوي. واما ان قلنا بان وجوبه شرعي وان الفعل الاحتياطى غير تحصيل العلم بالواجب فيدخل فى محل النزاع فيجب الاتيان بالفعل الاحتياطي لتحصيل العلم بالواجب بناء على وجوب المقدمة وإلا فلا واما ان قلنا بانه عين تحصيل العلم بالواجب خارجا وان كان بينهما المغايرة مفهوما فيخرج عن محل النزاع ويتصف ذلك بالوجوب النفسي وهكذا فيما لم يكن موجبا للتكرار فان الاتيان بالاكثر ان كان غير تحصيل العلم بالواجب مع كونه واجبا شرعيا فيدخل فى محل النزاع ويجب الاتيان به للعلم بتحصيل الواجب ان قلنا بوجوب المقدمة وإلا فلا والتحقيق ان تحصيل العلم بالواجب ليس واجبا شرعيا وانما الحاكم بوجوبه هو العقل فيجب

المدارك قدس‌سره من كون وجوب التعلم نفسيا كان الفحص مقدمه وجود ولا تكون مقدمة علمية واما لو قلنا بكون وجوب التعلم غيريا فكذلك يكون الفحص مثل العلم مقدمة وجود لا مقدمة علمية وان قلنا باعتباره طريقا الى الواقع المطلوب كان الفحص واجبا نفسيا طريقيا فتخرج المقدمة على جميع الفروض عن بحث وجوب المقدمة فافهم

الأمر السابع تنقسم المقدمة الى سبب وشرط وعدم مانع ويعرف السبب بما يلزم من وجوده الوجود ومن عدمه العدم والشرط بما يلزم من عدمه العدم ولا يلزم من وجوده الوجود والمانع بما يلزم من وجوده العدم ولا يلزم من عدمه العدم وربما يشكل على تعريف السبب بانه غير جامع لعدم شموله للسبب المقترن بالمانع فانه لا يلزم من وجوده الوجود ولذا اضاف بعض في التعريف لذاته دفعا لذلك الاشكال فان ذات السبب تقتضى الوجود لو لا المانع ولكن لا يخفى انه غير سالم عن الايراد لانتقاضه بالجزء الاخير من العلة لصدق التعريف عليه فانه يلزم من وجوده الوجود ومن عدمه العدم مع انه ربما لا يكون من قبيل الأسباب فلا يكون التعريف المذكور مانعا فالحق فى الفرق ان يقال ان السبب عبارة عماله الدخل في المسبب دخل تأثير فيه بخلاف الشرط وعدم المانع فان دخلهما بنحو يجعلان المحل قابلا لتأثير الاسباب. وبعبارة اخرى الشرط عبارة عن تمهيد الشيء لان يؤثر فيه السبب وكذلك عدم المانع مثلا ان الاحراق يستند الى ذات النار وتماس الجسم للنار وعدم رطوبته يجعلان المحل قابلا

__________________

الاتيان بكل ما يحتمل دخله في المأمور به لغرض ان التكليف بالواجب منجز ويجب امتثاله والاوامر الصادرة من الشارع في وجوب تحصيل العلم بالواجب تحمل على الارشاد كالا وامر المتعلقة بالاطاعة فعليه تخرج المقدمة العلمية عن محل البحث في مقدمة الواجب فافهم.

لتأثير النار في الخشب فعليه لا يرد النقض بالجزء الاخير من العلة الذى هو من قبيل المعد ولكن يشكل على التعريف على تقدير دخوله مع كونه من قبيل الاسباب من جهة اخرى.

بيان ذلك انه على ذلك التقدير يعرض عليه الوجوب الغيري الاستقلالي ومع ضمه الى الجزء الثاني يعرض عليه الوجوب الضمنى وبضمه الى الجزء الثالث يعرض عليه وجوب ثالث فحينئذ يشكل باجتماع وجوبات عديدة على جزء واحد ويندفع ذلك بما ذكرنا من ان الشرط عبارة عن جعل المحل قابلا لتأثير السبب انه لا وجه لترشح الوجوب الغيري الاستقلالي عليه او وجوبات عديدة على الجزء الواحد بل الوجوب الغيرى الاستقلالي يترشح الى السبب وبما انه له اجزاء فيكون فى كل جزء وجوب واحد ضمنى وربما يفرق ببيان آخر فيقال ان الماهية اذا ترتب عليها الأثر فقد يكون ترتب الاثر بنحو خاص وخصوصية خاصة وان كانت تلك الخصوصية منتزعة من وجود شيء او كونها فى ظرف خاص فيسمى ذلك المنشأ شرطا وان كانت منتزعة من عدمه يسمى مانعا فدخل عدم المانع فى الممنوع ليس بنحو دخالة التأثير لكونه من سنخ الاعدام والعدم بما هو عدم لا يعقل تأثيره بما هو من سنخ الوجود على ان عدم الضدين فى رتبة الضد الآخر فكيف يعقل تأثيره فيه إذ التأثير يستدعي التقدم. وبالجملة الفرق بين الشرط وعدم المانع وبين السبب بان فيهما عبارة عن جعل القابلية وفيه عبارة عن افاضة التأثير وجعله مؤثرا ومنه يعلم انه لا فرق بين الشروط المتقدمة والمتأخرة والمقارنة فان الجميع بنحو واحد الذى هو عبارة عن جعل القابلية للمشروط بها من غير فرق بين الشروط الوجودية او الشروط العدمية وجعل القابلية لا يفرق بين كون الشرط متقدما او متأخرا او مقارنا ومن هذا يعلم انه لا يرد الاشكال المذكور في الشرط المتأخر.

(الشرط المتأخر)

بيان ذلك هو أن الشرط من أجزاء العلة والعلة بما لها من الاجزاء لا تنفك عن المعلول ومع تأخر الشرط يلزم انفكاك العلة عن المعلول وإلّا لزم تأثير المعدوم في الموجود او وجود الممكن بلا علة وبذلك يستحيل أيضا تقدم الشرط على المشروط زمانا لعدم انفكاك المعلول عن علته بما لها من الاجزاء للزوم الانفكاك بين العلة والمعلول بتقدم الشرط وتأخره ولكن لا يخفى ان ذلك يلزم في العلة بمعنى المقتضي الذي يكون منه الأثر دون العلة بمعنى الشرط وعدم المانع فان دخلهما من قبيل جعل القابلية لتأثير السبب المعبر عنه بالمقتضي للتأثير مثلا النار سبب للاحراق وتأثيرها في الاحراق انما يكون مع تخصصها بخصوصية التماس مع الجسم المتصف باليبوسة فالنار هي المقتضية للاحراق والشرط وجوديا أو عدميا انما هو محصل للخصوصية فهو طرف الاضافة وما يكون كذلك لا يفرق بين كونه متقدما او متأخرا فلا يقاس الشرط بالمقتضى المعبر عنه بالسبب فان التأثير لما كان مترشحا منه فلا يعقل انفصاله عن ذات المعلول زمانا بخلاف الشرط فانه لا دخل له في التأثير وانما هو طرف اضافة محصل لخصوصية المقتضى فيجوز له ان يتقدم كما جاز له أن يتأخر اذ ذلك لا يخل بالاضافة المحصلة لتلك الخصوصية من غير فرق بين كون الشرط تكوينا أو تشريعا اذ ليس له إلّا اثر واحد وهو محصل في المقتضى باضافته اليه خصوصية تأثير المعلول من غير فرق بين كونه متقدما أو متأخرا او مقارنا وما ذكره بعضهم بأن الشرط عبارة عن كونه متمما للمقتضى فى التأثير وعليه بنى بطلان الشرط المتأخر لاستلزامه أن يكون مقارنا فان رجع الى ما ذكرنا من ان ما عدى المقتضى من العلة المصطلحة التي منها عدم المائع ليس لها دخل في التأثير

وانما هي تعطي القابلية للمعلول بقبول تأثير المقتضي وينحصر التأثير وافاضة الوجود فى خصوص المقتضى فلا مانع من الالتزام به إلا البناء على بطلان الشرط المتأخر فى غير محله لما عرفت انه يكون طرف الاضافة وكونه كذلك لا يخل بكونه متقدما او متأخرا وإن رجع الى كونه من اجزاء المقتضى فهو واضح البطلان على انه كيف يكون عدم المانع من اجزائه لعدم تصور التأثير والتأثر بين الوجود والعدم كما ان تعبير بعض آخر عن الشرط بانه هو ما يوصل اثر المقتضى لمقتضاه فان رجع الى ما ذكرنا من ان له دخل في قابلية المحل لقبول التأثير من المقتضى فهو وإلّا فلا معنى محصل له لعدم الفصل بين المقتضى ومقتضاه لكي يحتاج الى ما يوصل الاثر لمقتضاه وبالجملة الشرائط سواء كانت وجودية أو عدمية ليست لها دخل فى المؤثرية فى الوجود وانما هي تعطي القابلية لمحل التأثير بأن تحدده وتحصصه بحصة خاصة قابلة لتأثير المقتضى ولو بان تكون طرفا للاضافة اليه فحينئذ لا يبقى مجال لانكار الشرط المتأخر فى الوجودات الخارجية وبذلك صح ان يكون المتأخر أو المتقدم شرطا كما صح أن يكون المقارن شرطا من دون فرق بين الجميع والاستاذ قدس‌سره اجاب عن الموارد التي توهم انخرام القاعدة العقلية فيها وجعلها على قسمين الاول ما كان من قبيل شرط التكليف والوضع الثاني ما كان من قبيل شرط المأمور به أما عن القسم الاول فقال ما حاصله ان الشرطية فيهما باعتبار وجودها العلمي لا باعتبار الوجود الخارجي والوجود العلمي مقارن للمشروط فالمتأخر بوجوده الخارجي ليس هو الشرط للمشروط المتقدم لكي ترد تلك المحاذير وانما لحاظه ووجوده العلمي هو الشرط سواء كان شرطا للتكليف او للوضع (١) ولكن لا يخفى ان الذي له

__________________

(١) لا يخفى ان ما ذكره (قده) من كون الشرط هو لحاظ الامر المتأخر

الدخل في المصلحة القائمة في التكليف او الوضع انما هو الوجود الخارجي وليس للوجود العلمي دخل في تحقيق المصلحة إلا انه اخذ بنحو الطريقية اليه فوجوده له دخل في الجعل اذ لولاه لا يكون العمل ذات مصلحة وعليه لا بد من التزام بان

__________________

يتم بالنسبة الى شرائط الجعل المسماة بعلل التشريع او علل الغائية او دواعي الجعل فانها بوجودها العلمي علة للجعل ومعلولة له بوجودها الخارجي فان الفاعل المختار الحكيم لا يصدر منه الفعل الا وان تكون له غاية عقلائية لكي لا يكون فعله عبثا والجعل الشرعي فعل صدر من الشارع الحكيم وقطعا جعله مشتمل على غاية فتصورها علة لجعله التشريعي ووجودها الخارجي لا يحصل إلّا بعد وجود ذي الغاية خارجا ولذا قيل بأن العلة الغائية بماهيتها اي بوجودها الذهني علة وبانيتها اي بوجودها الخارجي معلولة لا بالنسبة الى شرائط المجعول التي هي من قيود الموضوع الخارجي فى الاحكام الوضعية ومن قيود موضوع التكليف في الاحكام التكليفية وبناء على ما هو الحق من ان القضايا على نحو القضايا الحقيقة التي هي على فرض وجود الموضوع فلا بد من اعتبار تلك الشرائط بوجودها الخارجي ومع رجوعها الى قيدية الموضوع الذي لا اشكال في تقدمه على الحكم انه لا يعقل تقدم الحكم على الموضوع او بعض قيوده وإلّا لزم الخلف او المناقضة نعم بناء على جعل الاحكام على نهج القضايا الخارجية يمكن دعوى ان الشرط هو الوجود العلمي إلّا ان ذلك يختص بشرائط الجعل وعلله وكيف كان فبناء على ما هو الحق من جعل الاحكام على نحو القضايا الحقيقية وان الشرائط هي شرائط المجعول الراجعة الى تقييد الموضوع يتضح لك بطلان الشرط المتأخر اذ كيف يعقل ان يكون الامر المتأخر مؤثرا فى الامر المتقدم وارجاعه الى عنوان التعقب او الاضافة او الوجود العلمي خروج عن الفرض بل ينبغي اخراج مثل ذلك عن محل الكلام وبذلك لم يصحح الشرط

الامر المتأخر بوجوده الخارجي له دخل في المتقدم ودخله بنحو أن يكون طرفا للاضافة ولا يرد عليه ما ذكره بعض الأعاظم قده بأنه يتم بناء على أن الاحكام على نهج القضايا الخارجية وتكون من شرائط الجعل التي يكون تصورها له الدخل.

واما بناء على أن جعل الاحكام بنحو القضايا الحقيقية التي قد اخذ الموضوع فيها على فرض الوجود ولازمه أن يكون الذي له الدخل هو للوجود الخارجي لارجاع كل القيود الى الموضوع الذي لا يعقل تأخره عن الحكم وعليه بني بطلان الشرط المتأخر ولكن لا يخفى ان جعل الاحكام على نهج القضايا الحقيقية لا تقتضي استحالة دخل الأمر المتأخر بنحو يكون طرفا للاضافة إذ لو سلمنا ما ذكره فالموضوع تارة يكون مقيدا بأمر مقارن واخرى يكون مقيدا بأمر متقدم وثالثة يكون مقيدا بأمر متأخر كالمستطيع يحج فالموضوع هو عنوان المستطيع فتارة يكون بلحاظ حال الحكم كما هو الظاهر من جري عنوان المشتق انه في حال الحكم واخرى يكون من استطاع قبل الحكم وثالثة من يستطيع بعد الحكم ففي جميع هذه الصور الموجود فى ظرف الحكم هو ذاته المقيد باحد هذه القيود بنحو يكون التقييد داخلا وهذا هو الذي يستحيل تحقق الحكم بدونه واما نفس القيد فهو خارج عن الموضوع فلا استحالة في تحقق القيد قبله أو بعده إذ ليس القيد له الدخل إلا كونه طرف اضافة نعم تقيده له الدخل وهو من المقارن وأما بالنسبة الى القسم الثاني وهو

__________________

المتأخر الذي ملاكه ان المتأخر بوجوده الخارجي يؤثر في الامر المتقدم إذ امتناعه من البديهيات التي لا يحتاج الى اقامة برهان ومن تجشم للاستدلال على صحته فانه فى الحقيقة ملتزم ببطلانه وانما همه ارجاع ما توهم صحته من الموارد الى الشرط المقارن وقد استوفينا الكلام فى حاشيتنا على الكفاية.

ما يكون من شرائط المأمور به فقد أجاد فيما أفاد إلا انه لا ينبغي ان يختص بشرائط المأمور به بل يجرى ذلك مطلقا حتى فى شرائط التكليف والوضع كما التزمنا بالتعميم لكل شرط من غير فرق بين الشرائط هذا كله يتم اذا كان مراده ان الشرط هو نفس الوجود الخارجي كالاغسال الليلية لصوم اليوم السابق واما لو كان مراده ان الشرط هو نفس الاضافة ففيه ما لا يخفى اذ المصلحة ليست قائمة بنفس الاضافة الاعتبارية وانما هي قائمة بما هو موجود خارجي وقد عرفت شرطيته باعتبار أن له دخلا في قابلية المحل ومما ذكرنا تعرف ان ما ذكره بعض من دفع محذور الشرط المتأخر بالنسبة الى شرائط التكليف والوضع بارجاع الشرطية الى عنوان التعقب فان التكليف والوضع يستتبعان تعقب الشرط المتأخر وعنوان التعقب صفة مقارنة للتكليف والوضع محل نظر بل منع لأن تلك الصفة اما أن تكون حقيقية او اعتبارية وكلاهما ممنوعان أما الأول فلا معنى لصيرورة صفة متأصلة منتزعة من أمر معدوم متأخر. واما الثاني فصحيح إلّا ان منشأ انتزاعها هو الوجود الخارجي المتأخر وإذا صح انتزاعها من ذلك المتأخر فليكن الشرط هو المتأخر على أن ظاهر دليل الشرطية يقتضي كون نفس المتأخر هو الشرط فكون الشرط هو التعقب او الوجود العلمي او الاضافة خلاف الظاهر وكون المؤثر لا بد وان يكون مقارنا للمتأثر هو الداعي لارتكاب خلاف الظاهر بالالتزام بصفة التعقب الاعتبارية المنتزعة من التأخر ممنوع إذ الشرط ان كان له الدخل في التأثير فلا تكون تلك الصفة ونحوها من انحاء ما ارجع الى الشرط المقارن اذ لا تقتضي التأثير وان لم يكن له دخل في التأثير وانما الشرط يجعل المحل قابلا لتأثير السبب فلا مقتضى لجعل الصفة من الشرط المقارن وحيث قد عرفت ان الشيء بوجوده الخارجي له دخل في المتقدم

بأن يجعله قابلا لتأثير السبب بلا حاجة الى ارجاع الشرط الى تلك الصفات المقارنة فلا يبقى مجال لانكار الشرط المتأخر في الوجودات الخارجية فضلا عن الامور الجعلية بل ربما يقرب جواز تقدم المعلول الجعلي على علته كالملكية المتقدمة على اجازة المالك فى المعاملة الفضولية حيث ان الملكية من المجعولات الاعتبارية كسائر الاحكام الوضعية وبما ان الاعتبار خفيف المئونة فيصح للمعتبر ان يجعل الامر المتأخر شرطا للمتقدم اذ كل امر اعتباري يتبع بالنسبة الى خصوصياته الى كيفية اعتباره ولا يلزم محذور اصلا اذ لا استحالة فى أن يعتبر المعتبر الامر المتأخر أو المتقدم في المجعول الاعتباري لعدم التأثير والتأثر بينهما لكي تتحقق الاستحالة ولذا قلنا فى البيع الفضولي بأنه لا مانع من القول بالكشف الحقيقي فتترتب الآثار من حين صدور العقد على انك قد عرفت ان الشرط عبارة عن معطي القابلية للمشروط لتأثير السبب فيه واعطاء القابلية لا يستلزم مقارنة الشرط للمشروط فحينئذ تكون الاجازة اللاحقة تعطي القابلية للعقد المحقق للملكية من حينه خلافا للشيخ الانصاري قدس‌سره حيث قال بالكشف الحكمي لتوهم ان للشرط دخل تأثير ويستحيل ان يؤثر المتأخر في المتقدم ولذا بنى قدس‌سره على الكشف الحكمي ولكنك قد عرفت ان دخل الشرط ليس بنحو التأثير وانما هو بنحو اعطاء القابلية للمشروط ولا يختص ذلك بالمقارن بل يعم الشروط باجمعها من الشروط المتأخرة والمقارنة والمتقدمة هذا كله بحسب الامكان. وقد عرفت ان الحق امكان الشرط المتأخر واما بحسب الوقوع فالظاهر انه غير واقع لعدم قيام دليل على وقوعه شرعا ولذا لم يلتزم الاصحاب بترتيب آثار الملكية من حين صدور العقد بل يبقى مراعى عنده الى ان يتحقق الرضا فتترتب الآثار من حين العقد بناء على الكشف الحكمي كما

هو قول بعض او حين الاجارة بناء على النقل كما هو قول بعض آخر. فعليه يكون الجعل مقارنا للاجازة ولو كان المجعول متقدما واما ان الملكية تتحقق حين صدور العقد فالظاهر انه لم يلتزم بها احد نعم يلزم ذلك من التزم بان الشرط هو التعقب فلازمه الالتزام بحصول الملكية من حين صدور العقد لتحقق شرط حصولها فيجب الوفاء به على ان التعقب ليس بشرط اذ ظاهر قوله (ص) : «لا يحل مال امرئ الا عن طيب نفسه» هو اناطة الملكية بطيب النفس لا تعقبها فما ذكره بعضهم من ارجاع الشرط المتأخر الى شرطية التعقب فى غير محله لما عرفت من ان ظاهر الادلة اعتبار نفس الأمر المتأخر كما لا يخفى.

ان قلت ان الادلة ليس لها دلالة على اعتبار المقارنة وانما دلت على اعتبار الاجازة فى العقد وباطلاقها تدل على كفاية الاجازة باي نحو تحققت من التقدم او التأخر أو المقارنة قلت يستفاد ذلك من قوله تعالى : (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) اي بعقودكم فيكون موضوع الوفاء هو العقد بتمام اجزائه وقيوده وقد فرض ان تماميته يكون بالاجازة فبها يتم العقد فيحصل الجعل فيجب الوفاء ومعناه حصول الملكية فلا يعقل جعل الملكية الا حين حصول العقد بتمام اجزائه وقيوده ومنه يعلم عدم تقدم الجعل بل تقدم المجعول لان المجعول امر اعتباري فيجوز تقدمه ويجعل بالجعل المتأخر.

ومما ذكرنا يظهر عدم التزام احد من الاصحاب بترتيب الآثار ما لم تتعقب الاجازة علي ان الهيئة الكلامية المتكفلة لبيان الاشتراط تدل على اعتبار المقارنة لان ظاهر تعليق امر على آخر او تقييده هو اقتران زمان الجري مع النسبة الكلامية كما هو شأن جميع العناوين الاشتقاقية إلا اذا قامت قرنية على

خلاف ذلك ولازم ذلك اقتران الرضا بالجعل لا يقال هذا لظهور يعارض بالظهور المستفاد من قوله تعالى (إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ) فان مقتضى التعبير بكلمة (عن) يستفاد منها التقدم بمعنى ان التجارة لا تنشأ الا وان يكون رضى متقدم لانا نقول انا نسلم بان كلمة (عن) تقتضي تقدم مدخولها إلا انه لا يختص بالتقدم الزماني بل يقتضى التقدم مطلقا ولو تقدما رتبيا والمقام من التقدم الرتبي وهو يجتمع مع التقارن الزماني. وبالجملة المستفاد من دليل الشرطية تقارن الرضا مع الجعل نعم لا يستفاد من الدليل كون الشرط للحكم الوضعي بل يمكن أن يكون للحكم الوضعي كما يمكن ان يكون لمتعلقه فعليه يشكل استفادة المقارنة من الدليل اذ ذلك يتوقف على كون الهيئة الكلامية تدل على المقارنة مع كون الشرط شرطا للحكم الوضعي فان استفدنا من الدليل كلا الأمرين صح الكشف المشهوري في البيع الفضولي لتحقق مقارنة الاجازة لاعتبار الملكية السابقة من حين صدور العقد ولا يصح الكشف الحقيقي لعدم تحقق المقارنة إذ عليه الملكية متحققة عند صدور العقد باعتبار الاجازة اللاحقة وإن استفدنا من الدليل كونه شرطا لمتعلق الحكم وان ظاهر الدليل يفيد المقارنة فلا يصح الكشف الحقيقي لعدم تحقق المقارنة فلا بد من النقل او الكشف الحكمي هذا في الحكم الوضعي واما التكليفي فلا يعقل تقدمه على الانشاء لاستحالة انشاء الوجوب السابق على زمان الانشاء ضرورة ان التكليف بعث المكلف نحو المطلوب ولا ريب ان البعث يستحيل اعتباره بالنسبة الى ما سبق فلا بد ان يكون متأخرا عن الانشاء والوجوب المنشأ معا فيكون المتقدم فى زمانه التكليف وجوبيا قد انشأ بانشاء من حينه بملاحظة ما يلحقه من الشرط المتأخر حتى يصح بذلك البعث نحو العمل في الزمان المتقدم ان قلت على هذا لا يترشح

وجوب من المأمور به اليه لان زمانه متأخر فعند اتيان المأمور به يسقط الأمر فلا يترشح وجوب الى تلك المقدمة لان ترشح الوجوب منه اليها بعد فرض بقائه على وجوبه وبعد سقوطه لا معنى لترشح الوجوب منه فلا بد من خروجه عن محل النزاع قلت اما في عالم اللحاظ فان الآمر لما لاحظ وعلم بالملازمة بين المقدمة وذبها فيسرى الحكم منه اليها واما في عالم الخارج فقد عرفت ان الشروط تجعل الماهية متكيفة بكيفية خاصة وتصيرها قابلة لافاضة التأثير من ناحية السبب فمع اتيان المكلف بالمشروط لم تحصل له تلك الكيفية إلّا اذا أتى بالشرط فجعل الشرط محصلا للخصوصية يوجب عدم سقوط التكليف إلّا بتلك الخصوصية ولذا قلنا ان الجعل المخصوص الذي هو منشأ اعتبار المجعول المخصوص لا يلزم مقارنته بل كما يجوز تقدم الجعل على ما انتزع منه كذلك يجوز تأخره كالعقود التعليقية فيكون ذلك من قبيل شرائط المأمور به كالأغسال الليلية بالنسبة الى صوم المستحاضة في اليوم السابق فان الذي له دخل هو الوجود المتأخر وقد ادعى بعض الأعاظم قدس‌سره بخروج ما كان شرطا للمأمور به عن محل الكلام على حد خروج الأجزاء عن محل النزاع بما حاصله ان قيود الواجب تارة تكون على نحو يكون التقييد داخلا والقيد خارجا كالشروط واخرى يكون التقييد والقيد داخلين كالأجزاء وكلاهما خارجان عن محل النزاع اما خروج جزء الواجب فواضح اذ ان الواجب لم يحصل إلا بجميع أجزائه فلا تأثير ولا تأثر واما شرط الواجب فلدخله فى الامتثال وهو لم يتحقق إلا بتحقق شرطه لأن التقييد لا يحصل إلا بحصول قيده فيبقى الواجب مراعى الى ان يحصل الشرط ففي مرحلة الامتثال لا فرق بينهما إذ حصول الامتثال بالصوم يتوقف على حصول الاغتسال ليلا كما ان امتثال امر الواجب المركب من

الأجزاء يتوقف على الاتيان بالجزء الأخير ولكن لا يخفى أن الشرط المتأخر للمأمور به لا يجب بالوجوب النفسي الناشئ من المشروط وإلّا اعتبر جزءا فيكون مثل سائر الأجزاء ولا يكون شرطا فلا بد وأن يجب بالوجوب الغيري وحينئذ يعود المحذور المتقدم وهو توقف المتقدم على المتأخر على انه لا محيص لنا من الالتزام بالشرط المتأخر في الواجبات التدريجية لتوقف فعلية الوجوب في الآن الأول على بقاء شرائط التكليف من القدرة والحياة الى زمان الإتيان بالجزء الأخير من الواجب بل ربما يقال بان شرائط المأمور به كما تكون متأخرة تكون متقدمة أو مقارنة إلا أن شرائط الجعل على ما عرفت منا سابقا تعتبر فيها المقارنة كما يظهر من دليل اعتبارها ولذا لم نقل بمقالة صاحب الفصول من كون الاجازة شرطا متأخرا لجعل الملكية من حين العقد الذي هو ظرف الجعل فيكون من الكشف الحقيقي وقلنا بالكشف المشهوري وقد ارجع الشيخ الأنصاري (قده) كلمات الأصحاب اليه إلا انه اورد عليه بأنه يلزم ان يكون المتأخر مؤثرا بالأمر المتقدم ولكنك قد عرفت ان الشروط الجعلية والواقعية انما هي تجعل المحل قابلا لتأثير السبب فيكون نفس الشرط بوجوده الخارجي له دخل في المشروط بان يجعل القابلية لافاضة الوجود من السبب فلا تأثير فيها ولو قلنا بأن الأحكام الوضعية من الامور التي لها واقعية فى انفسها بأن يكون اللحاظ طريقا لها لا مقوما كالاعتبارات المحضة فالملكية والزوجية تتحقق عند تحقق منشأ الاعتبار وبعد تحققها يكون لها واقعية وان كانت موجودة بالوجود الاعتباري لا بالوجود الحقيقي وبذلك تمتاز عن الاضافات المقولية فانها موجودة بالخارج ولو لم يعتبرها معتبر وبالجملة الأحكام من قبيل الملازمات التي بعد اعتبارها يكون لها واقع كالوضع ونحوه وليست من

الاعتبارات المحضة التي تقوم باللحاظ ولا من الموجودات الخارجية التي يكون الخارج ظرفا لوجودها كالاضافات المقولية وانما هي بعد اعتبارها يكون لها واقع بنحو يكون اللحاظ طريقا لها.

الأمر الثامن في ان قصد الايصال او الايصال الخارجي معتبر فى المقدمة او لا يعتبر شيء منهما أقوال اقواها الأخير للوجدان الحاكم بانه لو امر المولى بالماء توصلا لاستراحة النفس فاتى العبد بالماء لأجل امره يعد ممتثلا ولو لم يقصد التوصل فلا يتوقف امتثاله على قصد التوصل كما انه لا يقتصر في وقوعها على صفة الوجوب على قصد التوصل ان قلت فرق بين المقام والمثال المذكور فان المثال بروز الطلب على صورة الواجب النفسي وان كان في الواقع غير يا حيث ان لب الارادات غيرية والمقام مما كان في مقام البروز والواقع غيريا قلت ابراز الارادة طريقة عادية محضة الى لب الارادة وليس للابراز موضوعية حتى يترتب العقاب والثواب بل هما يترتبان على واقع الارادة ان قلت ذلك ينافي ما سيجيء من تقسيم الواجب الى النفسي والغيري بارجاع ذلك الى مقام الابراز قلت لا منافاة بين كون العقاب والثواب على نفس الواقع وبين كون النفسية والغيرية على بروزه بأن يقال الواجب نفسي باعتبار بروز الارادة لا بنحو التوصل وواجب غيري باعتبار بروز الارادة للتوصل بخلاف مقام الثواب والعقاب فانهما مترتبان على واقع الارادة هذا فى غير المقدمة المحرمة واما فيها فلا يخلو الحال اما ان تكون غير منحصرة واما منحصرة فان كان الأول فملاك المقدمية موجود فيما قصد الايصال وفيما لم يقصد ولازمه وجود الملاك في القدر الجامع بينهما واذا كان بعض افراده مباحا فيصرف الحكم الى المباح وتبقى المحرمة على تحريمها وإن كان الثاني فيقدم الأهم من ملاك الوجوب

او الحرمة فان كانت مصلحة الوجوب اهم فتأتي بها ثم تأتي بذيها وان كان التحريم اهم سقط الاتيان بذي المقدمة لتعذر الاتيان به بدونها وقد التزم بعض ببقاء الوجوب مع قصد الايصال بتقريب انه لما تزاحم الوجوب والحرمة ومع الضرورة يحصل الاذن فى ارتكاب الحرام وهي تتقدر بقدرها وحيث كانت الضرورة تندفع بقصد التوصل فلذا يرتفع تحريم المقدمة المحرمة اذا قصد بها التوصل وباقية على حرمتها مع عدم القصد ولكن لا يخفى ان الضرورة تقدر بقدرها فى المقدمة على نحويها لأن ملاك المقدمية موجودة فيهما مع مغلوبية مفسدة التحريم لمصلحة الوجوب فتتمحض المقدمة للوجوب من دون فرق بين قصد الايصال وعدمه فيقع الدخول في ملك الغير واجبا لانقاذ غريق فعلي لا حراما وان لم يلتفت الى كونه مقدمة ان قلت ما ذكر فى المقدمة غير المنحصرة يتأتى في هذا المقام حيث ان المقدمة تقع على نحوين في الخارج ولازم ذلك تحقق ملاكها في الجامع بين النحوين إلا ان العقل يصرفه الى خصوص ما قصد به التوصل قلت فرق بين المقامين بيان ذلك هو ان مقامنا من قبيل دوران الأمر بين الأقل والأكثر بخلاف المقام السابق فانه من قبيل دوران الأمر بين المتباينين فان محل الكلام في ان قصد الايصال معتبر في الواجب ام لا وهذا القصد امر زائد فلم يترشح الوجوب على القدر الجامع لكي يصرفه العقل الى خصوص ما قصد به التوصل كما في المقام السابق.

وكيف كان فقد نسب الى الشيخ الأنصارى قدس‌سره اعتبار قصد التوصل في مطلق المقدمة بتقريب ان عنوان المقدمية وان كانت من الجهات التعليلية إلا انها ترجع الى الجهة التقييدية بحكم العقل وبعبارة اخرى ان ذات المقدمة إذا كانت واجبة بعنوان المقدمية فيرجع إلى كون الذات واجبة بهذا العنوان وحينئذ

لا بد وان يكون هذا العنوان مقصودا لكي يقع ما في الخارج على صفة الوجوب فمع عدم قصد العنوان لا يقع على تلك الصفة فهو من قيود الوجوب لا من قيود الوجوب لكي يقال بانه يلزم التفكيك بين وجوب المقدمة وبين وجوب ذيها فى الاطلاق والاشتراط ولكن لا يخفى ان حكم العقل بارجاع الجهة التعليلية إلى التقييدية على تقدير تسليمه فهو فيما يدركه العقل من الأحكام لا مثل المقام الذي ثبت حكمه من الشرع وحكم العقل انما هو بنحو الكاشفية والطريقية على انك قد عرفت ان الواجبات النفسية هي واجبات غيرية بالنسبة إلى المصالح التي هي السبب فى وجوبها مع انه لم يلتزم أحد باعتبار قصد التوصل فيها فظهر مما ذكرنا ان قصد الايصال ليس له الدخل فى المقدمة مطلقا حتى لو كانت محرمة بدعوى ان ملاك المقدمية موجود في الجامع بين قصد الايصال وعدمه الموجب لترشح الوجوب الغيري إلا ان العقل يحكم بتطبيق الكلي على خصوص ما قصد به الايصال فحينئذ ينحصر الواجب الغيري به ولكن لا يخفى ان قصد التوصل وعدمه لا دخل لهما في المقدمة وانما هما حالتان للواحد الشخصي وليس كل واحد منهما فردا لطبيعة المقدمة لكي يحكم العقل بتطبيقها فى ما لو كانت محرمة على خصوص ما قصد بها التوصل واما اعتبار قصد التوصل فى وجوب المقدمة بان يكون من قبيل الواجب المشروط بمعنى انه لو لم يقصد التوصل بالمقدمة لا يكون هناك وجوب كما نسب الى صاحب المعالم قده حيث قال (في حال كون المكلف مريدا للفعل) وان امكن حمل العبارة على ما يقوله الفصول من ان المراد هو ترتب ذي المقدمة عليها وكيف كان فما نسب إلى ظاهر عبارته محل منع إذ وجوب المقدمة حيث كان مترشحا من وجوب ذيها فلا بد ان يكون وجوبها تابعا لوجوبه فى الاطلاق والاشتراط ومن الواضح ان

وجوب ذيها لم يكن مشروطا بقصد التوصل فكذا ما ترشح منه مضافا الى أن الحاكم بوجوب المقدمة هو العقل وان كان الوجوب شرعيا لأن العقل حاكم ان الشارع اذا أوجب شيئا فلا بد وان يوجب مقدماته والعقل لا يفرق بين المقدمة التي قصد بها التوصل والتي لم يقصد بها التوصل في الحكم بكونها واجبة لأن مناط حكمه هو التوقف وهو حاصل في كلتا المقدمتين واما ترتب الخارجي بأن يقال ان المقدمة هي خصوص ما يترتب عليها الواجب فتلك تتصف بالوجوب واما ما لم يتعقبها الواجب فلا تتصف بالوجوب وهو المنسوب الى صاحب الفصول قدس‌سره فهو محل نظر بل منع لأن ما ذكره يتصور على صورتين فتارة يكون ترتب الخارجي أخذ قيدا بنحو شرط الوجوب أي من قبيل الواجب المشروط واخرى يكون ترتب الخارجي معتبرا بنحو شرط الواجب (١) فان كان اعتباره على النحو

__________________

(١) لا يخفى ان المقدمة الموصلة هي ما يترتب عليها الواجب فى الخارج من غير فرق بين ان يكون فعلا توليديا كالمعلول بالنسبة الى علته وبين ان لا يكون كذلك كبعض المقدمات اذا اتفق حصول الواجب بعدها وقد قال باختصاص الوجوب بها بكلا قسميها صاحب الفصول قدس‌سره وقد يقال بعدم امكانه وامتناعه من وجوه الاول ان تعلق الوجوب بالمقدمة يتوقف على ملاك ولا يعقل ان يكون الملاك هو ترتب ذيها عليها لعدم كونه من آثارها بل هو اجنبي عنها نعم يكون من آثارها اذا كان بنحو العلة التامة بالنسبة اليها فينبغى لهذا القائل ان يلتزم باختصاص المقدمة الموصلة بما تكون من قبيل العلة التامة فيكون الملاك عنده فى وجوب المقدمة هو محض سد باب عدم القدرة على الواجب وفتح باب امكان الاتيان به مع ان الغرض والملاك ليس إلّا سد باب العدم من جهتها فلو كان للشىء مقدمات كل مقدمه لو أتى بها يسد باب العدم من جهتها فحينئذ يتحقق الملاك المقتضي

الأول فالمقدمة تجب عند ترتب ذيها فيكون من قبيل تحصيل الحاصل وهو واضح البطلان وان كان اعتباره على النحو الثاني فيلزم عدم سقوط الأمر الغيري بمجرد الاتيان بالمقدمة بل يحتاج إلى ضم ذيها اليها لعدم سقوط الأمر إلا باتيان تمام

__________________

لوجوبها من دون فرق بين وقوع ذي المقدمة بعدها ام لا اللهم إلّا ان يقال بأن غرض الفصول ان مناط المقدمية وان كان حصول الواجب شأنا إلّا ان مناط الوجوب وملاكه هو فعلية حصول الواجب نظير صحة الجزء شأنا وفعليته بانضمام بقية الأجزاء اليه. إلّا ان جعل الملاك هو ذلك محل نظر اذ الملاك فيها هو ما لولاه لما حصل وهذا متحقق فى الموصلة وغيرها.

الوجه الثاني انه لو اتى بالمقدمة قبل الاتيان بالواجب فاما ان يسقط الامر بالمقدمة واما ان لا يسقط والثاني باطل وإلّا لزم تكرارها لو اتى بالواجب لعد كونها مسقطة واللازم باطل وهكذا فيتعين الاول وهو سقوط الامر بمجرد الاتيان بالمقدمة ولازم ذلك ان يكون سقوطه لاجل الامتثال وعليه تكون نفس المقدمة واجبة من دون اعتبار ترتب الواجب عليها.

الوجه الثالث ان ترتب الواجب ان كان قيدا لوجوبها يلزم ان يكون وجوبها متوقفا على وجودها وهو باطل بيان الملازمة انه من الواضح توقف وجود الواجب على وجود المقدمة فلو توقف وجوب المقدمة على وجود الواجب المتوقف على وجود المقدمة يلزم توقف وجوب المقدمة على وجودها وان كان قيدا في وجودها فاما ان يكون على نحو يجب تحصيله واما ان يكون على نحو لا يجب تحصيله فان كان الأول فهو غير معقول للزوم انه يترشح وجوب غيري من الواجب على نفسه فان وجوب المقدمة الذي يترشح منه وجوب هذا الواجب فان كان مقدمة لنفسه ولو بواسطة مقدمة لمقدمة نفسه صح تعلق الوجوب الغيري به لتحقق مناطه وهو المقدمية إلّا ان كون الشيء مقدمة لنفسه غير معقول ومع عدم كونه مقدمة ولو

المتعلق مع انه بالوجدان يسقط بمجرد الاتيان بالمقدمة فظهر مما ذكرنا ان الوجوب المترشح على ذات المقدمة من دون اعتبار قصد الايصال أو الايصال الخارجي وفاقا للأستاذ قدس‌سره حيث قال بعدم اعتبار شيء في وجوب المقدمة أو فى المقدمة إلا ان التزامه بأن الواجب من المقدمة هو مطلق المقدمة محل منع إذ ليس مطلق المقدمة واجبة ولا المقيدة بالايصال واجبة وانما الواجب الحصة التي هي توأم مع وجود ذي المقدمة وبعبارة اخرى الواجب من المقدمة المقدمة فى ظرف الايصال بنحو

__________________

لنفسه فلا يتعلق به الوجوب الغيري لعدم تحقق ملاكه والثاني ايضا باطل لانه لما كان غير لازم التحصيل يكون موردا للتكليف وظرفا لطلب المقيد وحينئذ يكون وجود الواجب ظرفا لتعلق الطلب بالمقدمة فيكون من طلب الحاصل لحصولها فى ظرف وجود الواجب هذا وقد اورد على الوجوه المذكورة بالنقض بأنه كيف يقال بعدم معقولية اختصاص الوجوب بالمقدمة الموصلة مع انه قد وقع ذلك في بعض المسائل الفرعية كما اذا كان الماء مملوكا لشخص واباح الوضوء بشرط الصلاة بذلك الوضوء بحيث لو لم يصل يكون غاصبا فيكون الوضوء الواجب هو ما يتعقبه الصلاة والوضوء غير المتعقب للصلاة فاسد لكونه منهيا عنه لكونه غصبا فيختص الوجوب في هذا الغرض بالمقدمة الموصلة وقد اجيب عنه بأن عدم معقولية الاختصاص يوجب ان يكون ذات المقدمة يقتضي تعلق الوجوب بها من غير فرق بين الموصلة وغيرها إلّا ان يتفق وجود المانع عن تأثير ذلك المقتضى في بعض المقدمات فلا تكون المقدمة التي اتفق فيها المانع متصفة بالوجوب لوجود المانع لا لعدم المقتضى وما ذكر من عدم المعقولية فانما هو بالنظر الى نفس المقدمة من دون نظر الى ما يتفق من المانع عن اتصافها بالوجوب لكونه منهيا عنه لكونه غصبا فلا تغفل.

القضية الحينية فالتحقيق ان الوجوب قد ترشح من الواجب الى ذات المقدمة المهملة لا مطلقة ولا مقيدة بل هي توأم مع القيد بيان ذلك يتوقف على ذكر امور الأول ان وجود شيء يتوقف على سد جميع أبواب انعدامه إذ انعدامه يحصل بتحقق واحد من أبواب عدمه الثاني كل ما تتعدد المقدمات توجب فتح باب عدم من طرقها مثلا الصلاة لها مقدمات فبانتفاء أحدها توجب فتح باب من العدم فتنعدم بعدم بعض المقدمات الثالث ان الارادة المتعلقة بالصلاة مثلا لا بد وان تتعلق بجميع تلك الاعدام الناشئة من المقدمات بمعنى ان تكون الارادة متعلقة بالقدر الجامع لتلك الاعدام الذي لا يحصل إلا بسد جميع أبواب العدم اذا عرفت ذلك فاعلم ان تعلق الارادة بالمقدمة ليست إلا تبعا لارادة ذيها وانما تعلقت الارادة بذيها من جهة مراعاة حفظ الوجود الساري لجميع أنحاء عدمه فتعلق الارادة بالمقدمة من جهة ان فى وجودها ينسد بابا من أبواب انعدام ذيها والارادة المتعلقة بذيها تقتضي التعلق بالمقدمة لكن مع ضم باقي المقدمات فتعلقها بالمقدمة تعلقا ضمنيا ولم يكن للمقدمة اطلاق حتى يشمل حال عدم ضم بعض المقدمات ولم يتقيد بقيد الانضمام لأن الانضمام أمر انتزاعي يحصل بعد ضم باقي المقدمات التي يحصل بها ذي المقدمة فالانضمام متأخر طبعا عن تلك الارادة الضمنية فكيف يأخذه فيها وببيان آخران الغرض من وجوب المقدمة ليس الاحفظ وجود الواجب ولأجله ترشح وجوب غيري استقلالي لمجموع المقدمات فينبسط هذا الوجوب الوحداني على المقدمات بأجمعها فيكون فى كل مقدمة وجوب ضمني غيري كانبساط الوجوب النفسي على الاجزاء فيأخذ كل مقدمة حصة من الأمر الغيري المتعلق بكل المقدمات فتلك الحصة تكون متعلقة بالأمر الضمني مع ضمها إلى بقية المقدمات كما ان المقصود منها

حفظ وجود الواجب من ناحيتها فهي غير مقيدة بضم بقية المقدمات ولا مطلقة من جهتها كما انها غير مقيدة بوجود الواجب ولا مطلقة الشامل لغير ترتب الواجب عليها كذلك بالنسبة الى وجود الواجب غير مطلقة ولا مقيدة بل تجب حين ترتب الواجب لاختصاص ملاك الوجوب بهذا الحال وهو حفظ وجود الواجب فى الخارج وبالجملة انه لا تقييد ولا اطلاق في المقدمة وانما هي حصة توأم مع ترتب ذيها ومع عدم ترتبه لا تكون مطلوبة لقصور في حكمها لا لتقييدها بترتب ذيها كما ادعاه فى الفصول قدس‌سره لا يقال انعدام ذي المقدمة يتحقق بانعدام كل واحد من المقدمات فيكون انعدام إحدى المقدمات علة تامة لانعدام ذيها ووجود إحدى المقدمات يقتضي وجود ذيها بمعنى انه لو انضم اليها الباقي انسد باب الاعدام فيوجد ذيها وليس الغرض من وجود المقدمة إلا سد باب من أبواب انعدام ذيها والتمكن على اتيانه فلو لا المقدمة لما أمكن حصول ذيها وهذا الغرض مترتب على المقدمة مطلقا أي سواء انضم باقي المقدمات أم لا ينضم فالارادة تتعلق بها مطلقا لكونها تابعة لتحقق الغرض وقد فرض انه متحقق فى النحوين لأنا نقول ان الغرض المترتب على النحوين من المقدمة مسلم إلا أن مطلق الغرض لم يكن تحت المطلوبية والارادة بل المطلوب منه ما كان يترتب عليه ذيها وهذا النوع من الغرض لا يحصل إلا مع ضم باقي المقدمات لأن تعلق الارادة بالمقدمات ليست على نحو الاستقلال وانما هو تبعا للتعلق بذيها ولا ريب ان التعلق بذيها ليس إلا لحفظ الوجود بنحو تام الذي يستتبع إرادة المقدمات بنحو الاجتماع لكي يحصل الوجود المطلق من ذي المقدمة وظاهر ان تعلق الارادة بالمقدمات يلازم الترتب ضرورة ان كل مقدمة تعلق بها إرادة ضمنية ناشئة من إرادة ذيها كما لا يخفى.

ثم ان الأستاذ قدس‌سره قال بترشح الوجوب على مطلق المقدمة واستدل على ذلك بما لفظه (ولانه لو كان معتبرا فيه الترتب لما كان الطلب يسقط بمجرد الاتيان بها من دون انتظار ترتب الواجب عليها بحيث لا يبقى فى البين إلا طلبه وايجابه كما اذا لم تكن هذه بمقدمة أو كانت حاصلة من الاول قبل ايجابه مع ان الطلب لا يكاد يسقط إلا بالموافقة أو بالعصيان والمخالفة أو بارتفاع موضوع التكليف كما في سقوط الامر بالكفن أو الدفن بسبب غرق الميت أحيانا أو حرقه ولا يكون الاتيان بها بالضرورة من هذه الامور غير الموافقة).

اقول المراد من السقوط ان كان سقوطه عن مرتبة الفعلية باتيان المقدمة من غير ترتب فلا نسلم سقوط مثل ذلك لما عرفت ان تعلق الطلب بالمقدمات من شئون تعلقه بذيها ولا ريب ان تعلقه بكل مقدمة ليس استقلاليا بل هو نظير الطلب المتعلق بالمركب فان تعلقه بالمركب يوجب أن يتعلق بكل جزء منه تعلقا ضمنيا وإن كان المراد سقوطه عن مرتبة البعث والتحريك فلا اشكال في سقوطه بالنسبة الى تلك المرتبة اذ البعث والتحريك لا يتحقق بالنسبة الى الشيء الحاصل لكن ذلك لا يوجب ان تكون المقدمة واجبة على نحو الاطلاق بل بنحو ان يكون وجوبها على نحو وجوب الأجزاء فالاتيان ببعض الأجزاء لا يكون الأمر بالنسبة الى ما اتى به محركا ولكن لا يسقط ذلك الأمر عن مرتبة الفعلية الا بضمها الى الباقي من الاجزاء والاستاذ قدس‌سره بعد ان التزم بوجود ملاك المقدمة التي هي ما لولاه لما حصل في الصورتين اجاب عن الفصول بما لفظه (ضرورة ان الموصلية انما تنتزع من وجود الواجب وترتبه عليه من دون اختلاف من ناحيتها (١)

__________________

(١) لا يخفى ان جعل الملاك في وجوب المقدمة هو حصول ما لولاه لما

ولكنك قد عرفت ان المقدمة الواجبة هي الحصة التي توأم مع القيد فلا يكون لها اطلاق لكي تشمل حال عدم الايصال كما ان الايصال ليس معتبرا في المقدمة لكي ينتزع عنوان الموصلية وانما اعتبر الايصال في المقدمة بنحو الحالية وبالجملة الواجب من المقدمة هو الحصة في حال الايصال لا مقيدا به كما لا يخفى.

__________________

حصل لكي يقال بوجوب مطلق المقدمة بحصوله في صورة ترتب ذيها وعدمه فى غير محله اذ لا معنى لجعله هو الملاك والغرض لكونه امرا سلبيا لا يعقل ان يكون اثرا للامر الوجودي وغيره غير صالح لكونه غرضا وملاكا لوجوب المقدمة سوى ترتب الواجب وهذا الترتب انما يكون فعليا مع تحقق علته التامة وتماميتها انما تكون يتحقق جميع اجزائها فيكون كل جزء له دخل فى الغرض شأنا بمعنى انه لو انضم اليه باقي الاجزاء لحصل الغرض الذي هو ترتب الواجب ففعلية ترتب الواجب بفعلية علته كما ان شأنية الترتب توجب شأنية العلة والسر في ذلك ان الواجب الذي فرض هو المعلول قد تعلق به الغرض الاصلي ولازمه ان يكون علته قد تعلق الغرض بها بالتبع والارادة المتعلقة بالمعلول واحدة لوحدة غرضها وان كان المعلول مركبا كما ان الارادة المتعلقة بالمقدمة واحدة وان كانت مركبه فكما ان اتيان بعض اجزاء المعلول لا يسقط تلك الارادة إلّا باتيان آخر جزء من اجزاء المعلول كذلك الارادة المتعلقة بالعلة المركبة فانها لا تسقط إلّا باتيان آخر جزء من اجزائها وبالجملة لا يتصف الجزء بالمطلوبية الا بعد ضم بقية الاجزاء من غير فرق بين كون الجزء من اجزاء العلة او المعلول كما ان ما ذكره قدس‌سره من ان الموصلية عنوان انتزاعي من وجود الواجب وترتبه عليه محل نظر بل منع اذ عنوان الموصلية كعنوان العلية والمعلولية من العناوين التي تنتزع عند بلوغ منشأ انتزاعها الى حد يمتنع انفكاكها عن ذيها وهكذا العلية والمعلولية

الثمرة بين القولين

قيل بظهور الثمرة بين القول بوجوب مطلق المقدمة وبين القول بوجوب المقدمة الموصلة فيما لو لم يأذن المالك للماء أن يتوضأ به إلا للصلاة فان توضأ ولم يصل فعلى القول بوجوب المقدمة الموصلة يكون وضوئه باطلا لأنه منهى عن الوضوء الذي لم يتعقبه صلاة واما على القول الآخر فالوضوء صحيح لكونه مقدمة والمقدمة

__________________

اما العلية فانها تنتزع من الشيء عند بلوغه حدا يكون المعلول سببه ضروري الوجود ولا ينتزع من المعلول واما المعلولية فانها منتزعة من الشيء عند بلوغه الى حد يكون بسبب العلة ضروري الثبوت ولا ينتزع من العلة ولذا ذكرنا في حاشيتنا على الكفاية وفاقا لبعض السادة الاجلة بأن الغرض لو كان هو نفس ترتب الواجب عليها الداعي الى ايجابها لكي لا يسقط الامر بها إلّا ان يؤتى بها مرتبا عليها الواجب وحاصلا بعدها تحصيلا للغرض من ايجابها ولكان وقوعها على صفة الوجوب والمطلوبية متوقفا على كونها موصلة لكون ذلك اعني الايصال مما له دخل في تحصل الغرض من تعلق الايجاب بها وكلما له الدخل كذلك كان معتبرا فى الواجب إلّا ان الالتزام بذلك محل نظر فان ترتب الواجب ليس غرضا لكي يكون من آثارها وانما الموجب لا يجاب المقدمة هو التمكن من ذيها وسد باب عدم القدرة عليه من جهتها وحينئذ مجرد الاتيان بالمقدمة يسقط امرها لحصول الغرض وهو محض التمكن من ذيها من غير فرق بين ترتب ذيها وعدمه ولكن لا يخفى ان امكان ذي المقدمة ذاتا او وقوعا ليس غرضا لوجوب المقدمة فذو المقدمة لا يوجد بدونها لا انه لا يتمكن منه بدونها وانما الغرض الاصلي هو ما يترتب على ذي المقدمة فانه يترتب على المقدمة تبعا وهو الموجب لتعلق الارادة اذ العلة مراده بتبع ارادة المعلول فافهم.

محكومة بحكم ذيها مطلقا فيكون وضوئه صحيحا تعقبه صلاة ام لا كما انه قيل بظهور الثمرة ايضا بالدخول فى الأرض المغصوبة من غير أن يتعقبه انقاذ غريق فعلى القول باعتبار الايصال الخارجي فيحرم دخوله في الأرض المغصوبة لعدم كونه مقدمة إذ لا يتحقق المقدمية فى الدخول إلا بتعقب الانقاذ وعلى القول الأخير لا يحرم الدخول بل يتصف الدخول بالوجوب لأنه على هذا القول مطلق المقدمة محكومة بحكم ذيها ولكن لا يخفى ما فيه اذ نفس المقدمة ليست علة تامة للوجوب وانما هي مقتضية للوجوب فمع عدم المانع تكون المقدمة واجبة مطلقا اي سواء تعقبها ذي المقدمة ام لم يتعقبها ذيها واما مع وجود المانع كما في المقدمة المنحصرة فعلى كلا القولين تجب المقدمة اذا تعقبها الواجب واما مع عدم تعقبها الواجب فهي باقية على حرمتها نعم تترتب الثمرة اذا قلنا بأن اطلاق المقدمة علة تامة إلّا ان الالتزام بذلك محل منع فعليه لا تظهر الثمرة بين القولين بناء على ما هو الحق من أن المقدمية تقتضى ترشح الوجوب من ذيها اليها بل ربما يقال بأنه في المثالين يستحيل ترشح الوجوب الى المقدمة غير المتعقب بها الواجب لأنه يلزم طلب الشىء بعد حصوله وهو محال بالوجدان بيان ذلك ان الرخصة فى الوضوء فى المثال الأول وسلوك الأرض في المثال الثاني تنحصر بصورة ترتب الواجب عليهما معناه ان الغرض الأصلي هو نفس ترتب الواجب ولازمه ان يترشح الوجوب من الواجب عليهما فعليه لا يجب الوضوء والسلوك فى الأرض المغصوبة إلّا اذا تعقب الصلاة في الأول وانقاذ الغريق في الثاني فالوضوء غير المتعقب للصلاة وسلوك الأرض الغصبية غير المتعقب بالانقاذ باقيان تحت الحرمة والمنع اذا عرفت ذلك فاعلم ان الوضوء يكون واجبا اذا كان مقدورا وممكنا ولا يكون كذلك إلّا اذا لم يكن ممنوعا من قبل المالك لأن العذر العقلي مانع

من تعلق التكليف ولم يكن الوضوء كذلك إلّا اذا تعقبه الصلاة بمقتضى حصر الرخصة ومعلوم ان ترتب الصلاة انما يحصل بعد وجود الوضوء لكونه مقدمة فيلزم وجوب الوضوء يتوقف على وجود الصلاة بوسائط بأن يقال وجوب الوضوء يتوقف على التمكن منه والتمكن منه يتوقف على جوازه وجوازه على ترتب الصلاة عليه وترتب الصلاة يتوقف على الوضوء نفسه فيكون المتحصل من هذا اذا وجبت الصلاة وجبت وهو الدور الواضح البطلان ولكن الانصاف انه لا دور لأن التمكن فيه انما يتوقف على العلم بالجواز لا نفس الجواز الواقعي وفرق ظاهر بين الجواز الواقعي والعلم به وربما يكون المأتي به يعلم بجوازه مع انه ليس بجائز فيقع الفعل المأتي به صحيحا اذ الصحة وعدمها يدوران مدار العلم برخصة المالك وعدمه لا بنفس الرخصة الواقعية وعدمها فاذا علم المتوضئ انه يأتي بالصلاة عقيب الوضوء يصح وضوئه سواء أتى بالصلاة أم لم يأت بها وإذا صح منه الوضوء لم يبق للقول يتوقف القدرة عليه بعدم المنع منه مجال وحينئذ يندفع الاشكال المتقدم نعم يتجه اذا قلنا بالتوقف على الجواز الواقعي وقد عرفت انه فى محل المنع ولم يبق وجه للاشكال إلّا اذا قلنا بأن مطلق المقدمة علة لترتب الواجب مع انه لم يقل بذلك احد فعليه لا ثمرة بين القولين نعم قيل بظهورها بين القولين فيما لو سلك فى الأرض المغصوبة بغير داعي الانقاذ فعلى القول بالمقدمة الموصلة يكون عاصيا بالمقدمة وبذيها لو لم يتعقبه الإنقاذ أو متجريا لو تعقب ذلك السلوك الانقاذ وعلى القول بوجوب مطلق المقدمة فليس عليه الا حرمة التجري بالنسبة الى ذي المقدمة ان اتى بذي المقدمة وإلّا كان عاصيا على ترك ذي المقدمة فحسب وعن صاحب الفصول قدس‌سره بظهور الثمرة بين القولين في العبادة اذا كان تركها مقدمة لواجب

اهم بيان ذلك ان الازالة لما كانت اهم يكون ترك الصلاة مقدمة لها فعلى القول بالمقدمة الموصلة يكون ترك الصلاة الموصل لفعل الازالة واجبا وليست الصلاة نقيضا لهذا الترك وانما نقيضه الترك غير الموصل فلا يحرم فعل الصلاة بناء على ان الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضده واما على القول بأن مطلق المقدمة واجبة فالصلاة تكون ضدا للإزالة لأن ترك الصلاة المطلق مقدمة لفعل الازالة فبناء على ان الامر بالشيء يقتضي النهي عن ضده تكون الصلاة باطلة وقد اورد على هذه الثمرة بأنه لا نسلم ما ذكر لأن فعل الصلاة احد فردي النقيض لأن نقيض ترك الصلاة الموصل هو ترك ترك الصلاة الموصل وهذا النقيض له فرد ان احدهما فعل الصلاة لانطباق ذلك عليه والآخر الترك المجرد فعليه لا فرق بين القول بالمقدمة الموصلة وعدمها وقد أجاب الاستاذ قدس‌سره في الكفاية بما حاصله انه على القول بالمقدمة الموصلة ان الصلاة التي هي الضد ليست فردا للنقيض بل مقارنا له ولا اشكال في عدم سراية الحكم من احد المتلازمين الى الآخر فضلا عن المقارنات بخلافه على القول الآخر فان الصلاة بنفسها ضد فحينئذ ان كان ترك الصلاة واجبا يكون نقيضه الذي هو فعل الصلاة منهيا عنه فالعبادة تكون باطلة اقول يمكن توجيه ما ذكره الاستاذ قدس‌سره بأنه على القول بالمقدمة الموصلة يكون الواجب مقيدا فتركه انما يتحقق بفردين ولا اشكال في ان الفردين لا يكون كلاهما النقيض إذ نقيض الواحد ليس إلا واحدا فحينئذ لا بد من قدر جامع فى البين هو النقيض ولم يكن هنا جامع بين الفعل والترك المجرد فلا بد وأن يكون الجامع من طرف الوجود فحينئذ يكون ملازما لما هو المنطبق على الفعل الذي هو المبغوضية وبالجملة يكون الجامع بين ما هو ملازم للمبغوضية المنطبقة على الفعل وبين الترك المجرد فحينئذ يكون

الفعل مقارنا فلا يسري الحكم من الجامع الى الفعل لكونه مقارنا واما على القول الآخر فنقيض الترك هو نفس الفعل فاذا كان الترك مبغوضا كان الفعل محبوبا وان كان الفعل مبغوضا كان الترك محبوبا هذا غاية ما يوجه به كلام الاستاذ قدس‌سره ولكن لا يخفى ما فيه فان المتصف بالحكم ليس إلّا المتكثرات كما لو كان المقيد متصفا بالحكم فالمتصف به هو نفس القيد وذات المقيد مثلا ترك الصلاة المقيد بالايصال فترك الصلاة متصف بحكم ضمني وكذلك الايصال فيه حكم ضمني الناشئ من نفس الحكم المنبسط عليهما من ذي المقدمة فنقيض كل واحد من الحكمين غير الآخر فان نقيض ترك الصلاة الصلاة ونقيض الايصال عدم الايصال وان محبوبية شيء يلازم مبغوضية نقيضه ولازم ذلك ان تكون الصلاة وعدم الايصال مبغوضين إلّا أن المبغوضية في طرف النقيض كان منطبقا على اول وجود من النقيض ولا يكاد يوجد من النقيض الا واتيان الصلاة مقدما على نقيض القيد اذ هو متقدم رتبة كما ان نفس المقيد مقدم على قيده وليست المبغوضية منحصرة بأول وجود من جهة انحصار النقيض به بل من جهة وليست المبغوضية من النقيض على ما يحصل باول وجود ولم يتحقق إلّا الاتيان بالصلاة مثلا فتنحصر المبغوضية فيه.

إذا عرفت هذه الامور فاعلم انه وقع الخلاف في وجوب المقدمة وعدمها على اقوال اربعة قول بالملازمة مطلقا وقول بعدمها مطلقا وثالث بالتفصيل بين السبب وغيره ورابع التفصيل بين الشرط الشرعي وعدمه والحق هو القول الاول وهو وجود الملازمة بين الارادة المتعلقة بذي المقدمة نفسيا وبين الارادة المتعلقة بالمقدمة غيريا بشهادة الوجدان الحاكم بان من اراد شيئا له مقدمات وكان ملتفتا الى توقفه عليها فطبعا يريد مقدماته نظير ما لو كان في مقام ظهور الارادة بصورة

الارادة النفسية كما لو امر بأن يسقى الماء فقد اظهر ارادته بالسقي بصورة الارادة النفسية وفي الحقيقة والواقع هو امر بالسقي لرفع العطش بارادة غيرية فلو لم يكن مرادا بواسطة تعلق الارادة بالغرض الذي يترتب عليه لما كان التكليف بالسقي مجالا فمثل هذا التكليف يكشف عن ان من اراد شيئا وله مقدمات لا محالة يريد مقدماته على ان حال الارادة التشريعية حال الارادة التكوينية من غير فرق بينهما إلّا بالنسبة الى متعلق الارادة ففي التكوينية فعل نفس المريد وفي التشريعية فعل الغير فان من اراد ايجاد شيء فتجده اولا يحصل مقدماته الناشئة عن ارادة وقصد لتوقف وجود مراده الأصلي عليه وهكذا الارادة التشريعية فان المولى لو امر عبده باتيان شيء وكان له مقدمات فلا اشكال انه يريد منه المقدمات تبعا لارادة ذيها بالارادة المولوية ودعوى ان الامر المتوجه الى المقدمة انما هو ارشاد لحكم العقل بالاتيان بالمقدمة ممنوعة اذ يستحيل ان يكون ذلك ارشاديا مع فرض كونه مترشحا من الامر النفسي المولوى ومعلولا له ومما ذكرنا يظهر انه لا وجه للقول بعدم الملازمة بين وجوب المعدمة وذيها كما انه لا حاجة الى الاستدلال على الملازمة بأنه لو لم تجب لجاز تركها وحينئذ ان بقى الواجب على وجوبه يلزم التكليف بما لا يطاق وإلّا خرج الواجب المطلق عن وجوبه لما عرفت من الوجدان على تحقق الملازمة بين وجوب المقدمة ووجوب ذيها ومع حكم العقل بذلك لا يبقى مجال لحكم الشارع بجواز تركها ومن ذلك يظهر انه لا يفرق بين السبب والشرط الشرعي وبين غيرهما اذا الوجدان في حكمه بالملازمة لا يفرق بين جميع المقدمات نعم قيل بانصراف التكليف من المسبب الى سببه لكون التكليف انما يتعلق بما هو المقدور والمسبب ليس داخلا تحت قدرة المكلف بل يعد من آثار السبب ولا يعد من الافعال الصادرة من

المكلف ولكن لا يخفى ما فيه لأن السبب اما ان يكون تاما بان يكون من العلة التامة بحيث يستند المسبب الى خصوص سببه كقطع الرقبة فانه علة تامة للقتل بحسب العادة واما ان لا يكون تاما بان يستند المسبب الى شيئين كالاحراق بالنسبة الى الالقاء والنار فاستناد الاحراق الى الالقاء لم يكن بنحو العلة التامة بل الى العلة الناقصة فان كان من قبيل الاول كان المسبب مقدورا لكن بالواسطة فان القدرة على المسبب بواسطة القدرة على سببه وان كان من قبيل الثاني كان المسبب ايضا مقدورا إلّا انه من ناحية السبب الذي يتحقق القدرة عليه مثلا الاحراق يقدر عليه من ناحية الالقاء الذي هو مقدور والتكليف وان كان بحسب الظاهر متوجها الى جميع مراتب الاحراق إلّا ان المطلوب الاتيان بالاحراق من ناحية الالقاء دون ما يأتي من قبل النار وبعبارة اخرى انه لما كان الالقاء مقدورا له وكلف بالاحراق فعليه اتيان المكلف به من جهة ما هو مقدور له بأن يسد باب عدمه من ناحية الالقاء دون غيره.

تأسيس الاصل

ثم انه لو شككنا فى وجوب المقدمة مع عدم قيام دليل على وجوبها او عدمها فهل يمكن جريان الأصل العملي بالنسبة الى المسألة الاصولية كاصالة عدم الملازمة بين وجوب المقدمة ووجوب ذيها ام لا الحق انه لا اصل عملي يجري في الملازمة لأنها ان كانت متحققة فلا شك في البقاء بل هي باقية قطعا وان لم تكن متحققة فلا يقين يتحققها واما جريان الاصل العملي بالنسبة الى المسألة الفقهية فقد قال الاستاذ قدس‌سره فى الكفاية بجريانه بالنسبة الى وجوبها لكونه مسبوقا بالعدم

لتبعيته لوجوب ذيها المسبوق بالعدم ولكن لا يخفى ما فيه فان الشك فى وجوب المقدمة للشك فى الملازمة ومع الشك في الملازمة تنتفي الدلالة الالتزامية ومع انتفائها يحصل العلم بعدم الملازمة ومعه لا يبقى مجال للشك فى الوجوب فلا معنى لجريان الأصل وعليه لا فرق بين المسألة الأصولية والمسألة الفقهية فى عدم جريان الأصل العملي ولو سلمنا كون الملازمة انما هي بحسب الواقع فلا تنتفي الدلالة الالتزامية الواقعية فيكون الشك في الوجوب متحققا فالأصل العملي لا مجال له ايضا اذ غايته ينفي الوجوب ظاهرا لا واقعيا ونفيه ظاهرا مع تحقق فعلية الوجوب بالنسبة الى ذي المقدمة محل منع للزوم التفكيك بين الوجوبين ودعوى ان التفكيك بين الوجوبين لا محذور فيه بالنسبة الى مرتبة الفعلية مع عدم التفكيك فى مرتبة الواقعية ممنوعة اذ ذلك لا يصحح جريان الأصل في المقام لأن شرط جريانه ترتب أثر عملي عليه ولا أثر علمي يترتب على جريان الأصل في المقام بعد حكم العقل بالاتيان بالمقدمة وقد حكم الشارع بالاتيان بذي المقدمة.

ثمرة البحث فى المقدمة

لا يخفى ان نتيجة المسألة الأصولية لا بد وأن تكون واقعة فى طريق استنباط حكم فرعي فبناء على القول بوجوب المقدمة يتألف قياس من صغرى وكبرى فينتج الحكم الفرعي مثلا الوضوء مقدمة للصلاة الواجبة وكل مقدمة الواجب واجبة فينتج الحكم ان الوضوء واجب وهذا الوجوب الذي ترشح الى المقدمة هو وجوب شرعي لا الوجوب العقلي الذي هو بمعنى اللابدية إذ هو مما لا اشكال في وجوده فكيف يكون محلا للكلام وموردا للنقض والابرام وحينئذ صح التقرب به وسيجيء

انه يجوز التقرب بالواجبات الغيرية لاشتمال الأوامر الغيرية على البعث والتحريك نحو متعلقاتها كالطهارات الثلاث ودعوى انه لا يتحقق البعث فيها إذ لو لم يعلم بالمقدمية او لم يعلم بوجوب ذيها ولو علم بالمقدمية لا بعث فيها لعدم تحقق البعث في الأمر النفسي في ما لو لم يعلم فكيف يترشح منه واما لو علم بذيها مع العلم بالمقدمية فالعقل حاكم باتيان المقدمة من جهة اللابدية ومعه لا يبقى مجال للبعث بالأمر الغيري ممنوعة بأنه وان كان العقل حاكما بذلك إلّا انه بسبب تطبيق كبريات اخرى مستفادة من محالها ليتحقق التقرب بها توسعة في مقام التقرب مثلا ينطبق عليها الكبرى الكلية على ما ترشح الوجوب من ذبها اليها بأنه من موارد التقرب فى كل واجب بقصد امره وكضمان الآمر بامر معاملي بالنسبة الى نفس المقدمات كما لو امر شخص رجلا بالأمر المعاملي باتيان فعل له مقدمات فاتى بالمقدمات ولم يأت بذي المقدمة يضمن الآمر للمأمور أجرة المقدمات وحينئذ تظهر الثمرة بذلك ويقصد التقرب بامرها الغيري توسعة فى التقرب وان كان ذلك يوجب ان تكون مسألة مقدمة الواجب صغرى لكبريات أخر حققت في محالها وبالجملة حكم العقل بالاتيان من باب اللابدية لا يوجب اضمحلال ذلك الوجوب الغيري المترشح من ذي المقدمة فانه بذلك يزداد توسعة في كيفية التقرب فلو اتى به العبد بدعوة ذلك الأمر يحصل له التقرب في مقام الاطاعة فلم يكن تعلقه بالمقدمة خاليا عن الفائدة وقد عرفت ان الفائدة هو حصول التقرب ولا فرق في تعلق الوجوب وصحة التقرب به بين كون المقدمة مباحة او محرمة منحصرة او غير منحصرة فيترشح الوجوب من ذيها اليها بناء على وجوب المقدمة بخصوصها ان كانت منحصرة او على القدر الجامع ان كانت غير منحصرة وحينئذ يصح التقرب بهذا الوجوب

اللهم إلّا أن يقال انه فى صورة عدم الانحصار ينحصر ترشح الوجوب على خصوص المقدمة المباحة بناء على امتناع اجتماع الأمر والنهي واما بناء على الجوار فيترشح الوجوب الى القدر الجامع ويكون بالنسبة الى الفرد المحرم من قبيل الصلاة في الدار المغصوبة فان المقدمة المحرمة كالصلاة فيها فكما ان الصلاة فيها مشتملة على جهتين جهة الصلاتية فتكون واجبة وجهة كون اتيانها تصرفا غصبيا فتكون محرمة كذلك بالنسبة الى المقدمة فباعتبار كونها تصرفا غصبيا فتكون الحركة في المغصوب لانقاذ الغريق محرما وباعتبار انطباق القدر الجامع عليها تكون واجبة فما ذكره الاستاذ قدس‌سره في الكفاية في رد الثمرة ما لفظه (ان الواجب ما هو بالحمل الشائع مقدمة لا بعنوان المقدمة فيكون على الملازمة من باب النهي فى العبادة والمعاملة) محل نظر لأن عنوان المقدمية ليس هو القدر الجامع لأن عنوان المقدمية متأخر يحصل بعد اتصاف الشيء بشأنية الايصال ولا يمكن ان يستند التأثير الى شيء متأخر عن شأنية الايصال الذي هو عبارة عن عنوان المقدمة لأن صلاحية التأثير قائم بذات المقدمة وصلاحيته لذلك كانت منشأ لانتزاع المقدمية من ذات المقدمة وعنوان المقدمية صفة متأخرة عن صلاحية التأثير ويستحيل استناد التأثير الى ما هو متأخر عن اعتبار التأثير نفسه فلا بد وان يستند الى جهة اخرى قائمة بذات المقدمة غير عنوان المقدمية فان كانت المقدمة منحصرة كان لتلك الخصوصية دخل فى التأثير وان كانت المقدمة غير منحصرة فالتأثير يستند الى القدر الجامع بين الفردين المباح والمحرم فان قلنا بجواز اجتماع الأمر والنهي فيجوز التقرب بالمقدمية كما صح التقرب بالصلاة في الدار المغصوبة ان قلت المقام لم يكن من اجتماع الأمر والنهي إذ لا أمر بما هو محرم بل ينصرف الوجوب الى ما هو مباح فى صورة عدم

الانحصار بل ليس إلّا النهي فيكون من باب النهي فى العبادة قلت هذا مسلم ان كان المراد انصراف الوجوب الى غير المحرم بحكم العقل فانه يصرفه اليه ارشادا ولكن ذلك لا يفيد اذ حكمه بانصرافه الى الفرد غير المحرم لا يخرجه عن الفردية فانه مع انصرافه عنه باق على الفردية وفيه مناط الموصلية ويكون من قبيل الصلاة في الدار المغصوبة اذا اختار المكلف امتثال الأمر المتعلق بالكلي الموجود فى الصلاة فيها ولا اشكال فى سقوط الامتثال بهذا الفرد لو اختاره المكلف مع ان العقل ايضا يصرف الأمر الى الأفراد المباحة فالمقام مثل الصلاة فى الدار المغصوبة من غير فرق بينهما فيكون من فروع مسألة اجتماع الأمر والنهي وان كان المراد خروج الفرد المحرم عن الفردية فهو واضح الفساد ومما ذكرنا يظهر لك الاشكال فيما ذكره الاستاذ قدس‌سره فى الكفاية فى الرد على هذه الثمرة ثانيا ما لفظه (ان الاجتماع وعدمه لا دخل له فى التوصل بالمقدمة المحرمة وعدمه اصلا فانه يمكن التوصل بها ان كانت توصلية ولو لم نقل بجواز الاجتماع) اذ الثمرة ما عرفت فانه على القول بالوجوب يتمكن العبد ان يأتي بها بداعي التقرب كما يتمكن ان يأتي بها لأجل امتثال الأمر النفسي المتعلق بذيها وكما يتمكن ان يأتي بها لأجل تحصيل الغرض المترتب على حصول ذي المقدمة اللهم إلّا ان يقال بأن نظر الاستاد الى انه لا يحسن جعل مسألة اجتماع الأمر والنهي مبنيا على القول بوجوب المقدمة لأن كل من يقول بالوجوب يقول به لكل مقدمة وتتحقق التوسعة فى كيفية الامتثال سواء كان في مورد الاجتماع أم لا وكيف كان فالأمر سهل بعد ما عرفت سابقا بحصول الثمرة ثم لا يخفى انه ذكر لبحث المقدمة ثمرات منها انه لو نذر الاتيان بواجب فيبرّ نذره لو اتى بالمقدمة لو قلنا بوجوبها ولا يبر نذره لو لم نقل بوجوبها

ولكن لا يخفى ان هذه المسألة وامثالها لم تكن واقعة في طريق الاستنباط لكي تعد من المسائل الاصولية وانما هي احكام فرعية ولو كانت كلية فان انطباق نذر الواجب على المقدمة على القول بوجوبها ليس ثمرة من ثمرات المسألة الاصولية كما هو واضح واما باقي الثمرات فلا يهمنا التعرض لها لظهور انها لا تصلح لأن تكون ثمرة للمسألة الاصولية هذا كله فى مقدمة الواجب وأما المستحبة فهي تلحق بها فتكون مستحبة على القول بالملازمة.

المقدمة المحرمة

واما المقدمة المحرمة (١) كما كان من قبيل الجزء الاخير من العلة فلا

__________________

(١) لا يخفى ان هذا بناء على ان لترك الحرام مقدمات فتجب اذا قلنا بالملازمة واما بناء على انه ليس لترك الحرام مقدمة غير الصادف الذي هو عبارة عن عدم ارادة الحرام فالحق هو الثاني لان ترك الحرام اختيارا يكفي في تحققه وجود الصارف عن فعل الحرام ولا يتوقف على فعل من الافعال ومجرد مقارنة الفعل للصارف الذي يتوقف عليه ترك الحرام اختيارا لا يوجب كون الفعل متوقفا عليه الترك ليكون مقدمة له فيكون واجبا ودعوى ان المكلف قد يشتاق الى فعل الحرام واشتغل عنه بفعل شيء آخر فالترك حينئذ يستند الى نفس الفعل من دون تحقق الصارف ممنوعة فان الصارف موجود فى الفرض المذكور وإلّا لما اختار ذلك الفعل فالتشاغل عن الحرام بالفعل انما هو لوجود الصارف ولذا يستند الترك اليه وبالجملة الترك يستند اليه غاية الامر مع التشاغل عنه بفعل يكون ذلك الفعل من آثاره ولا يكون الترك مستند الى نفس الفعل ودعوى ان ترك الحرام قد يكون غير اختياري لكي يكون الصارف كافيا فى تحققه ممنوعة فان الصارف

اشكال في حرمته وينبغي خروجه عن محل الكلام وهكذا ما كان من قبيل العلة التامة فانه أيضا لا اشكال في اتصافه بالحرمة عند الجميع واما اذا لم يكن من هذا القبيل بل المكلف بعد الإتيان بالمقدمة باق على اختياره فيما لم يقع الحرام بعده فلا تحرم تلك المقدمات غاية الأمر فيما لو قصد الايصال يكون متجريا والذي ينبغي ان يكون محلا للكلام بين الأعلام هو ان لا تكون المقدمات بالنسبة الى ذيها من المسببات التوليدية وان يقع الحرام بعدها فهل تحرم تلك المقدمات ام لا على

__________________

كاف في تحقق ترك الحرام من غير فرق بين كون ارتكاب الحرام بالاختيار او مضطرا ومما ذكرنا يندفع شبهة الكعبي من عدم المباح لو قلنا بوجوب المقدمة واما ما ذكره الاستاذ قدس‌سره في الكفاية من التفصيل بين ما يكون فعل الحرام فعلا توليديا للمقدمات كمن رمى سهما لقتل شخص فانه بمجرد الرمي يتحقق القتل ولا يبقى الفعل اختياريا بعد الرمي فتحرم تلك المقدمات وبين ما لم يكن كذلك فلا تحرم فليس ذلك تفصيلا في مقدمة الحرام لامكان ان يقال بأن الافعال التوليدية عين ما يتولد منها وانما المغايرة بالاعتبار مثلا في المثال المذكور ان عنوان القتل منتزع من نفس الرمي فاذا قلنا القتل حرام معناه الرمي حرام وهذه حرمة نفسية ومحل الكلام في الحرمة الغيرية وقد ذكرنا فى تقريرات المحقق النائيني قدس‌سره بالنسبة الى مصب الماء فله صور فتارة يكون الماء الجاري على العضو بعينه يجري على الارض المغصوبة فانه لا اشكال في حرمته لكونه يعد تصرفا في الارض المغصوبة واخرى ليس كذلك بل يجرى على العضو ثم يصل الى الارض المغصوبة فتارة يكون سرايته الى الارض المغصوبة على نحو العلة التامة واخرى ليس كذلك فان كان الاول ايضا يحرم لتعنونه بعنوان المعلول وان كان الثاني فلا يحرم والحمد لله رب العالمين.

اقوال ثالثها التفصيل بين ما قصد بها التوصل فتسري الحرمة من ذي المقدمة الى المقدمة وبين ما اذا لم يقصد بها التوصل فلا تسري الحرمة الحق هو سراية الحرمة من ذيها الى المقدمات مطلقا قصد بها التوصل ام لا فان الحرمة تترشح من ذيها اليها لوجود مناط المقدمية فى كل منهما فما ذكره الاستاذ قدس‌سره فى الكفاية من عدم السراية فيما اذا لم يكن فعل الحرام من الأفعال التوليدية ما لفظه (ومنها ما يتمكن معه من ترك الحرام او المكروه اختيارا كما كان متمكنا قبله فلا دخل له اصلا في حصول ما هو مطلوب من ترك الحرام او المكروه فلم يترشح من طلبه طلب ترك مقدمتهما فمحل نظر اذ ليس المناط فى سراية الحرمة هو عدم التمكن حتى يختص بالجزء الأخير بل المناط الدخالة وهي موجودة فى كل المقدمات فلا فرق بين الجزء الأخير وبين غيره وما يقال بأنه فرق بين المحبوبية والمبغوضية فان الأول يراد منه الوجود وهو يتوقف على كافة المقدمات فلذا يسري المحبوبية الى الجميع دون الثاني لأن المبغوضية يراد منه الترك والترك يحصل بترك احدى المقدمات فلا تسري المبغوضية الى جميع المقدمات بل يسري الى ترك احدى المقدمات فيجب ترك احدى المقدمات تخيير او يتعين بترك المقدمة الأخيرة الا الارادة وهي خارجة عن الاختيار فلا يتعلق بها التكليف وعليه لا تحرم تلك المقدمات فان ذلك محل منع فان المبغوضية كالمحبوبية فكما ان المحبوبية قائمة بالوجود المقومة للحرمة فيسري الى المقدمات بغضا تبعيا توأما مع القيد ومع تعدد المقدمات يكون لكل مقدمة من تلك المقدمات بغضا ضمنيا كما ان لكل واحدا من المقدمات محبوبية ضمنية من غير فرق بين المقامين واما المقدمة المكروهة فحالها حال المقدمة المحرمة ثم انه تظهر ثمرة الخلاف في القطرات التي تقع على الارض المغصوبة

فلو لزم من وضوئه التصرف في الأرض المغصوبة فعلى المختار يبطل وضوئه مع تمكنه من حبس القطرات عن الارض المغصوبة لنرشح الحرمة اليه ولم يمكن فيه قصد التقرب واما على مختار الاستاذ قدس‌سره فلا يبطل وضوئه لعدم ترشح الحرمة اليه الذي هو مقدمة مع انه يمكن ان يقصد به التقرب لرجحانه المصحح للتقرب هذا ما اردنا بيانه من بحث مقدمة الواجب الى هنا انتهى الكلام فى الجزء الاول من الكتاب ونسأله التوفيق لاتمام باقي الاجزاء والحمد اولا وآخرا وظاهرا وباطنا وقد وقع الفراغ منه في جوار مرقد سيد الاوصياء أمير المؤمنين عليه‌السلام بقلم مؤلفه الراجي عفو ربه محمد ابراهيم نجل المرحوم الحاج شيخ علي الكرباسي طاب ثراه.

فهرس الجزء الاول

من كتاب منهاج الاصول

الصفحة

الموضوع

الصفحة

الموضوع

٢

المقدمة

٦١

صحة الاستعمال بالوضع ام بالطبع

٤

موضوع العلم

٦٣

 اطلاق اللفظ وارادة نوعه او صنفه او مثله

٧

الحيثية التقييدية والتعليلية

٦٦

تبعية الدلالة للارادة

٩

الواسطة في العروض

٧١

توجيه كلام العلمين

١٠

 تمايز العلوم

٧٤

 وضع المركبات

١٣

التمايز بالاغراض

٧٧

التبادر من علائم الحقيقة

١٤

موضوع علم الاصول

٧٩

عدم صحة السلب من علائم الحقيقة

١٩

تعريف علم الاصول

٨١

الاطراد من علائم الحقيقة

٢١

 ملاك المسألة الاصولية

٨٢

تعارض الاحوال

٢٣

الامر الثاني في الوضع

٨٦

الحقيقة الشرعية

٢٧

 اقسام الوضع

٩١

 الصحيح والاعم

٣٠

المعنى الحرفى

٩٣

 معنى الصحة

٣٧

المختار من المعنى الحرفى

٩٥

 تصوير الجامع للصحيح

٤١

جميع معاني الحروف اخطارية

١٠١

ادلة القول بالصحيح

٤٩

الخبر والانشاء

١٠٣

 ادلة القول بالقول بالاعم

٥٣

الفرق بين الخبر والانشاء

١٠٧

 تصوير الجامع للاعم

٥٧

 اسماء الاشارة

الصفحة

الموضوع

الصفحة

الموضوع

١٠٩

 ثمرة النزاع

١٦٤

اتحاد الطلب والارادة

١١٢

 الامر الخامس في المعاملات

١٦٧

 الجواب عن ادلة الاشاعرة

١١٥

الاشتراك

١٦٩

 جواب المتكلمين عن شبهة الجبر

١١٦

 استعمال اللفظ في اكثر من معنى واحد

١٧١

جواب الحكماء عن شبهة الجبر

١٢١

دلالة أداة التثنية والجمع

١٧٣

الارادة التكوينية والتشريعية

١٢٤

 المشتق

١٧٥

 معنى الامر بين الامرين

١٢٧

كلام فخر المحققين قده في الايضاح

١٧٦

 ما يتعلق بصيغة الامر

١٢٩

جريان النزاع فى اسم الزمان

١٧٩

دلالة الصيغة على الوجوب

١٣٧

صيغ المشتقات

١٨٣

 التعبدي والتوصلي

١٣٣

مادة المشتقات

١٨٥

تعريف التعبدي والتوصلي

١٣٥

دلالة الفعل على الزمان

١٨٧

 المراد من قصد التقرب

١٣٩

 المراد من الحال في العنوان

١٩٥

 عدم امكان احد قصد التقرب

١٤١

 بيان ثمرة النزاع

١٩٩

متمم الجعل يصحح العبادية

١٤٢

بيان المختار من الاقوال

٢٠٢

 تأسيس الاصل

١٤٥

ادلة الاعم

٢٠٧

اطلاق الصيغة يقتضي العيني التعيني النفسي

١٤٦

 بساطة مفهوم المشتق

٢٠٩

الامر عقيب الخطر

١٤٩

رد استدلال السيد الشريف

٢١٠

المرة والتكرار

١٥٥

الفرق بين المشتق ومبدئه

٢١٥

الفور والتراخي

١٥٩

المقصد الاول فى الاوامر

٢١٧

 الاجزاء

١٦١

 دلالة الامر على الوجوب

٢١٩

 الاجزاء من المسائل العقلية

الصفحة

الموضوع

الصفحة

الموضوع

٢٢١

الامتثال عقيب الامتثال

٢٨١

تقسيم المقدمة الى وجوب ووجوب وصحة وعلمية

٢٢٣

تبديل الامتثال

٢٨٤

تقسيم المقدمة الى سبب وشرط وعدم مانع

٢٢٤

 الاوامر الاضطرارية

٢٨٦

الشرط المتأخر

٢٢٧

جواز البدار

٢٩٣

 الكشف الحكمي والنقل

٢٣٣

التمسك بقاعدة الميسور

٢٩٥

 الكشف الحقيقي والمشهوري

٢٣٧

حرمة التفويت

٢٩٧

 ما نسب للشيخ الانصاري قده

٢٤٢

في الاصل العملي

٢٩٩

 المقدمة الموصلة

٢٤٧

موضوع القضاء فوت الواقع

٣٠٣

 المقدمة واجبة فى ظرف الايصال

٢٤٨

 الامر الظاهري

٣٠٦

 الثمرة بين القولين

٢٥١

 مفاد اصالة الحل والطهارة

٣٠٧

 الثمرة بين الموصلة وغيرها

٢٥٦

 الموضع الثاني فى الامارات

٣١١

ادلة القول بالملازمة

٢٦١

تنبيهات الاجزاء

٣١٢

 تأسيس الاصل

٢٦٣

انكشاف الخلاف بظن معتبر

٣١٣

ثمرة البحث فى المقدمة

٢٦٧

عدم الاجزاء فى الامر العقلي

٣١٥

 ثمرة النزاع في وجوب المقدمة

٢٧٠

مقدمة الواجب

٣١٧

المقدمة المحرمة

٢٧٣

تقسيم المقدمة الى الداخلية والخارجية

٢٧٨

 تقسيم المقدمة الى العقلية والشرعية والعادية

منهاج الأصول - ١

المؤلف: محمّد ابراهيم الكرباسي
الصفحات: 323
  • المقدمة
  • المرة والتكرار
  • تقسيم المقدمة الى سبب وشرط وعدم مانع
  • تبديل الامتثال
  • تقسيم المقدمة الى وجوب ووجوب وصحة وعلمية
  • الامتثال عقيب الامتثال
  •  الاجزاء من المسائل العقلية
  •  دلالة الامر على الوجوب
  •  الاجزاء
  • المقصد الاول فى الاوامر
  • الفور والتراخي
  • الفرق بين المشتق ومبدئه
  • رد استدلال السيد الشريف
  • الشرط المتأخر
  • الامر عقيب الخطر
  •  بساطة مفهوم المشتق
  • اطلاق الصيغة يقتضي العيني التعيني النفسي
  • ادلة الاعم
  •  تأسيس الاصل
  • بيان المختار من الاقوال
  • متمم الجعل يصحح العبادية
  •  بيان ثمرة النزاع
  •  عدم امكان احد قصد التقرب
  •  المراد من الحال في العنوان
  •  الاوامر الاضطرارية
  • جواز البدار
  • دلالة الفعل على الزمان
  •  الموضع الثاني فى الامارات
  • تقسيم المقدمة الى الداخلية والخارجية
  • المقدمة المحرمة
  • مقدمة الواجب
  •  ثمرة النزاع في وجوب المقدمة
  • عدم الاجزاء فى الامر العقلي
  • ثمرة البحث فى المقدمة
  • انكشاف الخلاف بظن معتبر
  •  تأسيس الاصل
  • تنبيهات الاجزاء
  • ادلة القول بالملازمة
  •  الثمرة بين الموصلة وغيرها
  •  الكشف الحكمي والنقل
  •  مفاد اصالة الحل والطهارة
  •  الثمرة بين القولين
  •  الامر الظاهري
  •  المقدمة واجبة فى ظرف الايصال
  • موضوع القضاء فوت الواقع
  •  المقدمة الموصلة
  • في الاصل العملي
  •  ما نسب للشيخ الانصاري قده
  • حرمة التفويت
  •  الكشف الحقيقي والمشهوري
  • التمسك بقاعدة الميسور
  •  المراد من قصد التقرب
  • تعريف التعبدي والتوصلي
  • صحة الاستعمال بالوضع ام بالطبع
  • عدم صحة السلب من علائم الحقيقة
  •  معنى الصحة
  • المعنى الحرفى
  •  الصحيح والاعم
  •  اقسام الوضع
  • الحقيقة الشرعية
  • الامر الثاني في الوضع
  • تعارض الاحوال
  •  ملاك المسألة الاصولية
  • الاطراد من علائم الحقيقة
  • تعريف علم الاصول
  • موضوع علم الاصول
  •  تصوير الجامع للصحيح
  • التبادر من علائم الحقيقة
  • التمايز بالاغراض
  •  وضع المركبات
  •  تمايز العلوم
  • توجيه كلام العلمين
  • الواسطة في العروض
  • تبعية الدلالة للارادة
  • الحيثية التقييدية والتعليلية
  •  اطلاق اللفظ وارادة نوعه او صنفه او مثله
  • موضوع العلم
  • المختار من المعنى الحرفى
  • جميع معاني الحروف اخطارية
  • مادة المشتقات
  • جواب الحكماء عن شبهة الجبر
  •  التعبدي والتوصلي
  • صيغ المشتقات
  • دلالة الصيغة على الوجوب
  • جريان النزاع فى اسم الزمان
  •  ما يتعلق بصيغة الامر
  • كلام فخر المحققين قده في الايضاح
  •  معنى الامر بين الامرين
  •  المشتق
  • الارادة التكوينية والتشريعية
  • دلالة أداة التثنية والجمع
  •  استعمال اللفظ في اكثر من معنى واحد
  • ادلة القول بالصحيح
  •  جواب المتكلمين عن شبهة الجبر
  • الاشتراك
  •  الجواب عن ادلة الاشاعرة
  •  الامر الخامس في المعاملات
  • اتحاد الطلب والارادة
  •  ثمرة النزاع
  •  اسماء الاشارة
  •  تصوير الجامع للاعم
  • الفرق بين الخبر والانشاء
  •  ادلة القول بالقول بالاعم
  • الخبر والانشاء
  •  تقسيم المقدمة الى العقلية والشرعية والعادية