
بسم الله الرّحمن
الرّحيم
الحمد
لله والصلاة على رسوله وآله الطيبين الطاهرين ولعنة الله على اعدائهم اجمعين.
اما بعد فهذا هو
الجزء الثالث من كتاب هداية الاصول فى شرح كفاية الاصول من افادات الاستاد العلامة
آية الله الشيخ صدرا طيّب الله ثراه وجعل اعلى مراتب الجنة مأواه ونسأل الله ان
يوفقنى لاتمام هذا الكتاب وان يجعله تبصرة للمتعلمين وهو حسبنا ونعم الوكيل.
فاقول ومنه
التوفيق قد علم في الجزء الاول من هذا الكتاب ان كفاية الاصول مشتمل على ثمانية
مقاصد وقد خصت خمسة مقاصد في مباحث الالفاظ فى المجلد الاول ويبحث فى المجلد
الثانى من الامارات والاصول العملية.
قوله
: المقصد السادس فى بيان الامارات المعتبرة شرعا أو عقلا الخ.
أى يبحث في هذا
المقصد من الامارات غير العلمية التي اعتبرت شرعا كحجية خبر العادل او الثقة او
اعتبرت عقلا كحجية
الظن فى حال
الانسداد بناء على الحكومة لا الكشف لان حجية الظن فى زمان الانسداد بناء على
الكشف دالة على جعل الشارع هذا الظن حجة.
قال صاحب الكفاية
لا بأس بصرف الكلام الى بعض احكام القطع وان لم يكن البحث عنه من المسائل الاصولية
لان المسائل الاصولية ما تقع في طريق استنباط الاحكام او ما ينتهى اليه فى مقام
العمل كالاصول العملية واما القطع فلا يقع في طريق استنباط الاحكام بعبارة اخرى ان
القطع لا يقع حد الوسط لان حد الوسط ما كان سببا للقطع لا نفس القطع اى اذا قطع
بوجوب شىء فيقال هذا واجب ولا يحتاج الى جعل القطع حد الوسط الحاصل ان البحث عن
القطع هنا كان من باب المناسبة والا البحث عنه كان اشبه بالمسائل الكلامية والبحث
في علم الكلام من المبدا اى من وجود واجب الوجود ومن توحيده وكذا يبحث فيه من
المعاد أى الحشر والنشر واستحقاق المثوبة او العقوبة واما القطع فيبحث فيه من
العقوبة في مخالفته أى هل يعاقب الشخص فى مخالفة القطع أم لا هذا من مسائل علم
الكلام.
قال المصنف البحث
عن القطع اشبه بالمسائل الكلامية واما البحث عنه فجعل مقدمة للمسائل الاصولية أى
يبحث عنه مقدمة ليس المراد المقدمة الاصطلاحية بل المراد أنّه يبحث عن القطع اولا
من باب المناسبة لان عدم العلم موضوع الامارات فظهر وجه مناسبة البحث عن القطع في
المسائل الاصولية اى ان كان القطع يعمل به واذا لم يكن رجع الى الامارات.
وكذا يظهر وجه
مناسبة بحث القطع عن الشيخ الاعظم فى
الرسائل عند قوله
فاعلم ان المكلف اذا التفت الى حكم شرعى فاما ان يحصل له الشك فيه او القطع او
الظن أى جعل المكلف ثلاثة اقسام فيرجع عند عدم القطع والظن الى الاصول العملية
والمكلف اما شأنى واما فعلى والمراد من المكلف الشأنى هو البالغ غير الملتفت
والمراد من المكلف الفعلى هو البالغ الملتفت هذا التعريف لقسمي المكلف على قول
شيخنا الاستاذ.
والحكم اما واقعى
وما ظاهرى والمراد من الحكم الواقعى ما جعله الشارع للموضوعات الخارجية سواء كان
بالجعل الاولى او الثانوى والمراد من الحكم الظاهرى ما هو عند عدم العلم بالواقع
اى ثبت الحكم الظاهرى بالامارة او الاصول العملية
قد بيّن الى هنا
ما صنعه الشيخ الاعظم (قده) من تقسم المكلف الملتفت بحسب حالاته الى ثلاثة أقسام
وعدل المصنف عن هذا التقسيم الثلاثى وقسّم حال المكلف الى قسمين احدهما من يحصل له
القطع بالحكم وثانيهما من لا يحصل له القطع له.
توضيحه ان البالغ
اذا التفت الى الحكم الشرعي فاما أن يحصل له القطع بذلك الحكم أو لا فان حصل له
القطع به وجب عليه متابعة قطعه ولا يخفى ان الحكم الذى يستفاد من الامارات والاصول
الشرعية يدخل فى هذا القسم لان المكلف قطع بان الشارع جعل هذا الظن حجة واما اذا
لم يحصل للمكلف القطع بالحكم وكذا لم يحصل له القطع بحجية عن الشارع فلا بد من
انتهاء المكلف الى ما استقل به العقل اى يرجع الى الظن الذى يحصل من مقدمات
الانسداد بناء على الحكومة اى ينتهى الى هذا الظن فى مقام العمل وان لم يكن حجة
قال شيخنا الاستاذ ان الظن من مقدمات الانسداد
بناء على الحكومة
كان من الامارات فيصح له اطلاق الحجة واما اذا لم يحصل له الظن الانسدادى فالمرجع
له هو الاصول العقلية من البراءة والاشتغال والتخيير على ما يأتى تفصيلها فى
محلها.
قوله
: وانما عممنا متعلق القطع لعدم اختصاص الاحكام بالاحكام الواقعية هذا بيان لوجه
عدول المصنف عن تقسم الشيخ الاعظم (قده).
الوجه الاول انّه
خصص متعلق القطع بالحكم الواقعى وليس الوجه لهذا التخصيص لان متعلق القطع اعم من
الحكم الواقعى والظاهرى فالحكم الظاهرى الثابت فى موارد الامارات والاصول الشرعية
يندرج في الحكم المقطوع به وأيضا عدل صاحب الكفاية عن تقسيم الشيخ الاعظم لانّه
عمم الحكم الى الفعلى والشأنى بعبارة اخرى عمّم الحكم الى الفعلى والانشائى
والمراد من الحكم الفعلى ما له البعث والزجر اى طلب الفعل ومنعه بعبارة شيخنا
الاستاد مراد من البعث بكن ولمراد من الزجر نه كن والمراد من الحكم الانشائى هو
جعل القانون واما صاحب الكفاية خصّص الحكم بالفعلى قال صاحب الكفاية :
وان
ابيت الا عن ذلك فاولى ان يقال ان المكلف اما ان يحصل له القطع أو لا الخ.
هذا الوجه الثالث
لعدول المصنف عن تقسيم الشيخ حاصله قال أيها الشيخ الاعظم ان ابيت الا عن التثليث
فالاولى ان يكون على الوجه الذى يذكر لا على وجه تثليث الشيخ لانه مستلزم للتداخل
توضيحه قال الشيخ اذا لم يحصل القطع رجع الى الظن مع انّه
في صورة عدم القطع
يرجع الى الاصول العملية أيضا وان كان الظن موجودا ولا يخفى ان هذا فى حال كون
الظن غير المعتبر شرعا أى فى صورة كون ظن غير المعتبر يرجع الى الاصول العملية
فيدخل القسم الثانى اى الظن فى القسم الثالث اى الاصول العملية وكذا الشاك يرجع
الى الظن بعد حصول الرّجحان فى احد الطرفين فيدخل القسم الثالث فى القسم الثانى
الحاصل انه يدخل ظن غير المعتبر في الشك وكذا الشك يدخل بعد رجحان احد طرفين فى
الظن بعبارة اخرى يدخل احد طرفين فى طرف آخر.
هذا اشكال التداخل
فى التقسيم الثلاثى على مذهب الشيخ الاعظم فعدل المصنف عن التثليث للزوم الاشكالات
المذكورة عليه الى التثنية واعلم ان الاعلام سلّموا تقسيم الشيخ بنحو من التوجيه
فقالوا ان مراد الشيخ من الظن هو الظن المعتبر أى مع عدم القطع يرجع الى الظن
المعتبر ولا يصل النوبة مع وجوده الى الاصول العملية وكذا مراد الشيخ من الشك
التحيّر فمع بقاء التحيّر يرجع الى الاصول العملية لا مع زواله.
فقال صاحب الكفاية
بعد تصحيح الاعلام تثليث الشيخ فالاولى ان يقال ان المكلف اما ان يحصل له القطع أو
لا وعلى الثانى إما أن يقوم عنده طريق معتبر أو لا أى قال المصنف ايها الشيخ
الاعظم ان ابيت التقسيم الا عن كونه ثلاثيا فاولى ان يكون التثليث على طبق طريقنا
اى نقول انّ المكلف اما أن يحصل له القطع أولا فان حصل له القطع فلا يصل النوبة
الى الامارات واما مع عدم القطع فيرجع الى الامارات المعتبرة ومع عدمها فيرجع الى
الاصول العملية قال
المصنف هذا
التثليث اولى لعدم اشكال تداخل الاقسام عليه بعبارة شيخنا الاستاد صاحب كفاية براى
شيخ مى گويد اگر از تثليث اقسام گذشت ندارى بهتر است كه تثليث به اين قسم مذكور
باشد تا تداخل نكند اقسام واعلم ان المراد من المكلف هو المكلف الشأنى فكان القيد
اذا التفت توضيحيّا اى كان الشخص قبل الالتفات مكلفا شأنيا ويصير بعد الالتفات
مكلفا فعليا فيعلم من هذا التقرير ان المراد من المكلف الشأنى من كان مكلفا قبل
الالتفات وليس المراد من المكلف الشأنى الصغير والمجنون لانهما ليسا مكلفين على هذا
الحال.
قاعدة واعلم ان
الاصول العملية ليست من الامارات لكن الاستصحاب إذا ثبت من الاخبار فهو محل النزاع
أى علمه المتقدمون من الامارات واما المتأخرون فلم يعلموه من الامارات أى جعلوه من
الاصول ولا يخفى ان الذين كانوا قبل الشيخ يقال لهم المتقدمون وان الشيخ والذين
كانوا بعده يقال لهم المتأخرون والظاهر أن المتأخرين لم يعلموا هذا الاستصحاب من
الامارات أى يقولون يعلم من الأخبار الرجوع الى الاستصحاب ولم يعلم كونه من
الامارة.
قوله
: وكيف كان فبيان احكام القطع يستدعى رسم امور الاول لا شبهة فى وجوب العمل على
وفق القطع.
قد ذكر انّه يبحث
من احكام القطع من باب المناسبة فيبحث من احكام السبعة من هذه الجهة وان لم تكن
الاحكام المذكورة من المسائل الاصولية فبيّن المصنف فى الامر الاول ثلاثة اشياء
الاول أن تكون طريقية القطع ذاتية ولا فرق في القطع من اىّ
سبب كان لكن نفس
القطع وصف يرى الرائي فطريقيته ذاتية سواء كانت ذاتيا الباب الايساغوجى او باب
البرهان وان كان (ى) نسبتى فيه لكن لا يفرق هذا الذاتى مع الذات أى المراد من
الذاتى فى باب البرهان ما لا يسلب عن الذات فعلم ان المراد من الذاتى هنا هو
الذاتى فى باب البرهان.
الثاني اى يبحث فى
هذا الامر الاول ثانيا من ان يكون من احكام القطع المنجزية والمعذورية وكان هذان
اللفظان عبارة اخرى للحجة لكن المصنف لم يطلق على القطع اسم الحجة لان المراد منها
فى المنطق هو حد الوسط ولا يقع القطع حدا وسطا لذا احتاج المصنف الى التعبير
بالمنجزية والمعذورية الحاصل ان القطع موجب لتنجز التكليف فيكون المكلف مستحق
الثواب فى فعله ومستحق العقاب فى تركه وأيضا كان القطع معذرا فيما اخطأ قصورا.
الثالث أى يبحث فى
هذا الامر الاول ثالثا عن وجوب اطاعة القطع ولا يخفى ان العقل يدل على طريقية
القطع ووجوب اطاعته قال بعض ان اطاعة القطع جبلى والمراد منه ما لم يكن محتاجا الى
العقل بعبارة اخرى لم يكن محتاجا الى الحسن العقلى وقبحه أى يدرك اطاعة القطع مع
قطع النظر عن العقل من باب دفع ضرر المحتمل أى يدرك الضرر مع عدم اطاعة العقل كما
يدرك بهائم الضرر أى هذا البعض لم يكن قائلا بالحسن العقلى وقبحه كالاشاعرة وقال
بعض آخر ان اطاعة القطع عقلى ومحتاج الى الحسن العقلى وقبحه.
قوله
: ولا يخفى ان ذلك لا يكون بجعل الجاعل الخ.
أى ما ذكر فى
الامر الاول من طريقية القطع ووجوب العمل على وفقه لا يكون بجعل الجاعل بعبارة
اخرى لا تكون حجية القطع بجعل الجاعل لان الجعل انما يتعلق على وجود القطع لا على
طريقيته لانها لازمة لذات القطع وأيضا يلزم على جعل الحجية للقطع اجتماع المثلين
أو الضدين اذا اثبت الشارع الحجية للقطع لزم اجتماع المثلين واذا نفى حجية القطع
لزم اجتماع الضدين مثلا اذا قطع المكلف كون المائع بولا فهذا يجب الاجتناب عنه فلا
يجوز للشارع ان ينهى عن العمل بالقطع لان هذا النهى مستلزم لاجتماع الضدين بعبارة
اخرى مستلزم للتناقض أى وجوب الاجتناب وعدم وجوبه فليس طريقية القطع قابلة لجعل
الشارع لا بجعل البسيط ولا المركب والمراد من الجعل البسيط أى جعل الوجود للشيء
بعبارة اخرى الجعل البسيط مفاد كان التامة مثلا كان زيد أى وجد والمراد من جعل
تأليفى والمركب ثبوت الشيء للشيء ومفاد كان الناقصة مثلا كان زيد قائما فيرجع بعد
بيان قسمى الجعل الى ما نحن فيه قد علم ان حجية القطع لم تكن قابلة للجعل الحقيقى
لا بسيطا ولا مركبا لكن حجية القطع كانت قابلة للجعل بالعرض أى حجية القطع كانت
قابلة للجعل التبعى بأن يجعل نفس القطع جعلا بسيطا بعبارة اخرى يوجد القطع فيجعل
وجوب الاطاعة والطريقية بالعرض وبالتبع مثلا اذا جعلت الاربعة فالزوجية لازمة لها
فظهر مما ذكر عدم الجعل الحقيقى للازم الشىء سواء كان بسيطا أو مركبا واما جعل
بالعرض باعتبار الموضوع فهو ممكن لان هذا العرض لازم للموضوع ولا ينفك عنه
كالزوجية للاربعة.
فان قلت هل يجوز
ان ينهى الله أو رسوله عن العمل والحركة على طبق القطع. قلت لا يجوز النهى عن الله
ورسوله عن العمل بالقطع لان هذا النهى مستلزم لاجتماع الضدين اعتقادا وحقيقة
توضيحه ان النهى عن العمل بالقطع مستلزم لاجتماع الضدين اعتقادا مطلقا أى سواء كان
القطع مطابق الواقع أم لا مثلا اذا تعلق قطع المكلف بحرمة شرب ماء الشعير مع فرض
حليته واقعا فمقتضى هذا القطع حرمة شربه واذا نهى الشارع عن حجية القطع كان مقتضى
نهيه جواز شربه فيلزم اجتماع الحرمة والجواز.
ويلزم عن نهى
الشارع اجتماع الضدين حقيقة فى صورة اصابة القطع للواقع كما اذا قطع بحرمة شرب
الخمر مع فرض حرمته واقعا فاذا نهى الشارع عن متابعة قطعة لزم اجتماع الضدين
واقعا.
قوله
: ثم لا يذهب عليك ان التكليف ما لم يبلغ مرتبة البعث والزجر لم يصر فعليا الخ.
أى المنجزية ثابتة
للحكم الفعلى اذا صار الحكم منجزا كان استحقاق المثوبة على اطاعته واستحقاق
العقوبة على مخالفته واما اذا كان التكليف فى مرتبة الانشاء لم يكن فيه المثوبة
والعقوبة لكن يمكن ان يكون للتكليف الانشائى المثوبة فى بعض المورد مثلا ان الحج
واجب علينا الآن من غير الاستطاعة بالوجوب الانشائى فيمكن ان يكون فى هذا الوجوب
الثواب واما غير الحج كالصلاة والصوم فليس فى وجوبه الانشائى الثواب فظهر ثبوت
الثواب فى التكليف الانشائى فى بعض المورد واما استحقاق العقوبة على مخالفة
التكليف الانشائى
فلم يثبت لعدم مخالفته عن عمد بعصيان بل كان مما سكت الله عنه قد ورد هذا فى الخبر
المروي عن مولى امير المؤمنين عليه الصلاة والسلام ان الله حد حدودا فلا تعتدوها
وفرض فرائض فلا تعصوها فسكت عن اشياء لم يسكت عنها نسيانا فلا تتكلفوها رحمة من
الله بكم.
قوله
: نعم فى كونه بهذه المرتبة موردا للوظائف المقررة شرعا للجاهل اشكال لزوم اجتماع
الضدين او المثلين على ما يأتى تفصيله.
هذا اشارة الى
الاشكال حاصله اذا كان حكم الواقعى فعليا وكان المكلف جاهلا فيه فهو راجع الى
الامارة فالامارة اما تكون مخالفة للحكم الفعلى الواقعى مثلا كان الحكم الواقعى
الوجوب وتدل الامارة على الحرمة فيلزم اجتماع الضدين واما أن تكون الامارة موافقة
للحكم الفعلى الواقعى مثلا اذا كان الحكم الواقعى الوجوب والامارة أيضا تدل على
الوجوب فهو مستلزم لاجتماع المثلين اذا عرفت الاشكال فانتظر جوابه فيما بعد إن شاء
الله.
يذكر هنا جملة
معترضة وان سبق موضع ذكرها أى قال المصنف ان طريقية القطع ذاتية ولم تكن محتاجة
الى البرهان لان اثبات طريقية القطع بالبرهان مستلزم للتسلسل توضيحه اذا كانت حجية
القطع بالبرهان لزم ان يكون هذا البرهان مفيدا للقطع فيحتاج هذا القطع الى البرهان
وأيضا كان هذا البرهان مفيدا للقطع فيحتاج هذا القطع أيضا الى برهان وهكذا الحكم
فى المراتب الباقية فثبت عدم احتياج طريقية القطع الى البرهان.
وأيضا يذكر هنا
القاعدة الاخرى قال شيخنا الاستاد ان ما كان وجوده ضروريا أو امتناعه ضروريا لم
يكن قابلا للجعل مثلا الانسان حيوان ناطق بالضرورة فلم يكن هذا قابلا للجعل وكذا
الشريك البارى ممتنع بالضرورة فلم يكن هذا قابلا للجعل واما الشيء الذى كان قابلا
للجعل فلا بد ان يكون ممكنا كالكتابة للانسان فنرجع الى محل البحث ونقول ان الطريقية
والمنجزية ووجوب الاطاعة كائنة من ضروريات القطع فلم تكن قابلة للجعل من هذه
الجهة.
الكلام فى التجرى
قوله
: الامر الثانى قد عرفت انه لا شبهة فى ان القطع يوجب استحقاق العقوبة على
المخالفة الخ.
البحث فى التجرى
والمراد منه مخالفة الحكم الالزامى اعتقادا كالوجوب والحرمة ولا يخفى ان ثلاثة
باقية من الاحكام الخمسة لا يكون الالزام فيها أى لا يكون الالزام فى الاستحباب
والاباحة والكراهة ويصدق فى مخالفة القطع التجرى فى صورة عدم موافقته للواقع أى
بعد مخالفة القطع يكشف انه لم يكن موافقا للواقع مثلا اذا قطع المكلف حرمة المائع
فشربه وكشف بعد الشرب عدم حرمته فيسمى هذا التجرى أو قطع وجوب الصوم فى الغد فافطر
وكشف بعد الافطار عدم وجوبه فيصدق عليه التجرى الحاصل ان العقل يحكم الحركة على
طبق القطع ولكن لم يحرك المكلف على طبقه فيسمى هذا التجرى فى صورة مخالفة قطعه
للواقع.
واما المراد من
الانقياد فان المكلف قطع وجوب الشيء وعمل على طبقه وكشف بعده مخالفة قطعه للواقع
يصدق عليه الانقياد اذا علمت ما هو التجرى وما هو الانقياد.
فيبحث من كون هذه
المسألة اصولية أو الكلامية أو الفقهية ويفرق هذه المسائل من حيث الاعتبار أى كانت
هذه المسألة مسئلة كلامية فيبحث من استحقاق المتجرى العقوبة فى صورة مخالفة القطع
والمثوبة فى صورة موافقة القطع وان كانت مسئلة اصولية فيبحث ان القطع بوجوب الشيء
هل يكون موجبا لحسنه ام لا وكذا القطع بحرمة الشيء هل يكون موجبا لقبحه ام لا.
وان كانت مسئلة
فقهية فيبحث ان القطع بوجوب الشيء هل يصيره واجبا وان القطع بحرمة الشيء هل يصيره
حراما قال صاحب الكفاية ان القطع بوجوب الفعل لا يصيره واجبا فلم يكن البحث عن
التجرى مسئلة فقهية وكذا لم تكن هذه المسألة مسئلة اصولية لان القطع بحسن الشيء لا
يكون موجبا لحسنه والقطع بقبح الشيء لا يكون موجبا لقبحه فثبت ان هذه المسألة لم
تكن فقهيّة ولا اصوليّة بل تكون مسئلة كلامية كما قال المصنف وكان اشبه بمسائل
الكلام فيبحث في المسألة الكلامية من استحقاق المثوبة والعقوبة وكان الشخص المتجرى
مستحق العقوبة على مذهب المصنف واما على مذهب الشيخ فلم يكن الشخص المتجرى مستحقا
للعقوبة وان كان مستحقا للمثوبة.
قوله
: ولكن مع بقاء الفعل المتجرى به او المنقاد به على ما هو عليه من الحسن او القبح
او الوجوب أو الحرمة واقعا الخ.
أى ما ذكر من عدم
صحة المؤاخذة الا مع العزم اى قال لا يستحق الشخص المتجرى المؤاخذة ما لم يعزم على
المخالفة وكذا لا يستحق المثوبة ما لم يعزم على الموافقة ولم يكن مجرد سوء سريرة
موجبا لاستحقاق العقوبة وكذا حسنها لم يكن موجبا لاستحقاق المثوبة وان كان مستحقا
للوم او المدح.
ويذكر هنا تفصيل
ما ذكر سابقا وهو ان الشخص المتجرى تارة يظهر سوء سريرته وكذا الشخص المنقاد يظهر
حسنها وتارة اخرى لا يظهر ان سوء سريرته وحسنها ففى صورة عدم اظهار لم يكونا مستحق
العقوبة والمثوبة بل كان مستحقا للوم فى صورة سوء سريرته ومستحقا للمدح فى صورة
حسنها والمراد من اللّوم ان العقل يحكم بعدم حسن فعله والمراد من العقاب ان يضر به
ويحبسه والمراد من المدح ان يوصفه فقط والمراد من المثوبة ان يعطيه شيئا فظهر ان
سوء سريرة وحسنها لم يكونا موجبين للعقوبة او المثوبة واما اذا كان شخص مظهرا لسوء
سريرته مثلا يفعل الفعل الذى يكشف به سوء سريرته او حسنها فهو مستحق للعقوبة او
المثوبة.
والظاهر انّ ما
ذكر من الحكم التجرى والانقياد مطابق لمذهب صاحب الكفاية واما الشيخ فقال ان الشخص
المتجرى لم يكن مستحقا للعقوبة وان كان مستحقا للمثوبة اى فكّك الشيخ بين المثوبة
والعقوبة وجه التفكيك ان العقوبة كانت للعاصى والشخص المتجرى لم يكن عاصيا واما
استحقاق المثوبة فيمكن من دون اتيان الفعل قد اشكل على الشيخ بان استحقاق المثوبة
بالنسبة الى الا طاعة قابل للخدشة فضلا بالنسبة الى الانقياد واما اذا كانت
المثوبة من باب
التفضل فهو خارج عن محل البحث قال الشهيد الثانى (قدسسره) في خطبة شرح اللّمعة والحمد فضله اشارة الى العجز عن
القيام بحق النعمة لان الحمد اذا كان من جملة فضله فيستحق عليه حمدا وشكرا فلا
ينقضى ما يستحقّه من المحامد أى كان الشكر من جملة نعمته تعالى وكذا الشكر الثالث
والرابع الحاصل ان كل شكر حادث من العبد هو فضله ونعمته فيجب على مقابله أيضا
الحمد والشكر.
وكان ذكر هذه
الجملة المذكورة دليلا على كون المثوبة فى مقابل الانقياد من فضله تعالى قد تم
كلام شيخ (قدسسره) مع الاشكال عليه وظهر كلام المصنف فى استحقاق المتجرى
العقوبة مع الاستظهار لا بمجرد سوء سريرة وكذا المنقاد مستحق للمثوبة مع الاستظهار
لا بمجرد حسن سريرة اى قال المصنف ان الملاك فى التجرى والعصيان شيء واحد لان سوء
سريرة مع المظهر دال في طغيان على المولى مثل العصيان عليه فى عدم قبول امره فيبحث
بعد استحقاق المثوبة او العقوبة من تغيير الفعل بالتجرى أو الانقياد أى هل يكون
القطع بوجوب الشيء أو حرمته من وجوه مغيرة قد ذكر في بعض المورد الوجوه التى تغيّر
الشيء مثلا الكذب حرام لكن يوجد فى بعض المورد السبب المغيّر فى حرمته مثلا اذا
كان الكذب لانجاء النبى فهو جائز وكذا اكل الميتة حرام واذا كان الشخص فى حال
المخمصة فهو حلال اى يوجد العنوان الثانوى فى الاشياء.
اذا عرفت الوجوه
المغيرة فاعلم ان القطع لم يكن من وجوه المغيّرة يعنى ان القطع بالحسن او القبح لا
يكون ملاكا للمحبوبية
أو المبغوضية شرعا
والدليل على هذا الضرورة أى ضرورة ان القطع بالحسن أو القبح لا يكون من الوجوه
المغيرة وايضا ضرورة عدم تغير الفعل عما هو عليه من المبغوضية والمحبوبية ونبّه
المصنف على هذه الضرورة بالمثال أى كان المثال من باب التنبيه مثلا كل ممكن محتاج
هذا ضرورى واما ذكر المثال أو الدليل كان من باب التنبيه والا الضروريات لا تحتاج
الى الدليل فقال المصنف ان قتل ابن المولى لا يكاد يخرج عن كونه مبغوضا له ولو
اعتقد بانّه عدوه وكذا قتل عدوه مع القطع بانه ابنه لا يخرج عن كونه محبوبا قد
ذكرت هذه الامثلة لاجل التنبيه على عدم كون القطع من الوجوه المغيرة.
الدليل الآخر لعدم
كون القطع من الوجوه المغيرة ان الفعل المتجرى به لا يكون اختياريا مثلا ترك قتل
ابن المولى لم يكن بالاختيار فلا بد أن تكون الوجوه الطارية المتغيرة اختياريا
والمراد من الاختيارى ما وجد عن علم وارادة أى ما كان بالارادة الاستقلالية مثلا
العلم بالخمر ذو عنوانين العنوان الواقعى الاعتقادى لا الواقعى الحقيقى والظاهر ان
المراد من الواقعى هنا هو ما اعتقده المكلف.
الثانى العنوان
الطارى أى ما حصل بعد القطع كالمقطوع الخمرية فهذا العنوان الطارى لم يكن عن العلم
والاختيار لانه اذا سئل عنه أى شيء تشرب فيقول فى الجواب انّى اشرب الخمر ولا يقول
اشرب المقطوع الخمرية فلم يكن ملتفتا اليه بعبارة اخرى لم يكن له العلم التفصيلى
فى المقطوع الخمرية وان كان له
العلم الاجمالى
فيه والمراد من العلم الاجمالى فى المقام هو الشىء الارتكازى أى ما هو مرتكز فى
ذهنه كما اجيب عن الدور فى الشكل الاول بالعلم الاجمالى والتفصيلى والمراد من
العلم الاجمالى هناك ما كان مرتكزا فى الذهن وان كان فى بعض المورد فى المعنى
الآخر.
فينتفى فى بعض
المورد شيئان أى الالتفات والعلم واما فى بعض المورد ينتفى شيء واحد أى العلم
التفصيلى لا الالتفات وكان ملتفتا بنحو الارتكاز فثبت ان الفعل المتجرى به لم يكن
اختياريا لعدم العلم التفصيلى فيه فلم يكن هذا الفعل من الوجوه المغيرة.
قال المصنف بعبارة
ان قلت اذا لم يكن الفعل المتجرى به اختياريا لم .. يعاقب المتجرى قلت العقاب لم
يكن لاجل الفعل بل كان بالعزم والقصد أى قصد هذا الشخص فعل الحرام فيعاقب به.
وكان هنا الاشكال
الآخر أيضا بلفظ ان قلت ان القصد والعزم ليس اختياريا حاصل الاشكال انك فررت من
المطر الى الميزاب بعبارة شيخنا الاستاد بالفارسية از زير باران جان را كشيدى زير
ناودان نشستى.
واجيب عن الاشكال
الثانى بجوابين حاصل هذا الاشكال ان العزم لم يكن اختياريا لانه من مبادى الارادة
وهى لم تكن اختياريا قد سبق فى باب الاوامر فى مبحث الطلب والارادة ان الارادة لم
تكن بالاختيار لان كل الامر الاختيارى داخل تحت الارادة فاذا كانت الارادة
اختيارية لزم أن تكون بارادة اخرى وكذا أن تكون هذه الارادة بارادة اخرى وهكذا
الحكم فى ارادة اخرى فيتسلسل فثبت
ان الارادة
ومقدماتها لم تكن اختيارية ولا يجوز العقاب على الامر غير الاختيارى هذا الاشكال
الثانى واجيب بجوابين الاول.
قوله
: قلت مضافا الى ان الاختيار وان لم يكن بالاختيار الا ان بعض مباديه غالبا يكون
وجوده بالاختيار الخ ..
حاصل هذا الجواب
ان الارادة كانت اختيارية لان بعض مقدماتهما اختيارى أى بعض مقدمات اراده اختيارى
وبعضها غير اختيارى فالمقدمة الاولى الخطور أى وجود الشيء فى الذهن فليس هذا
الخطور اختياريا بعبارة شيخنا الاستاد آمدن شيء در ذهن اختيارى نيست. المقدمة
الثانية الميل وهو لم يكن بالاختيار لان القوة الشهوية لم تكن غالبة على الاختيار
المقدمة الثالثة العزم والجزم أى التصديق بالفائدة الرابعة دفع الموانع وان كانت
المقدمة الثالثة والرابعة فى الحقيقة واحدة أى يقول الشخص بعد التصديق بالفائدة
علىّ دفع الموانع بعبارة اخرى يقول ما كان مضرا ابعده.
فيجيء بعد هذه
المقدمات الشوق المؤكد وهو عبارة عن الارادة ولا يخفى ان التصديق بالفائدة ودفع
الموانع اختيارى فتصير الارادة اختيارية لتبع هذه المقدمة أى تصديق بالفائدة ودفع
الموانع وصارت النتيجة تابعة للاشرف وان قيل فى المنطق ان النتيجة تابعة لاخس
المقدمتين لكن هنا جعلت النتيجة تابعة لاشرف المقدمات أى الجزم والتصديق بالفائدة
اختيارى فجعلت الارادة اختيارية هذا الجواب الاول عن الاشكال.
ويذكر هنا تاريخ
عن مجلس تدريس صاحب الكفاية (قدسسره) عن شيخنا الاستاد ان صاحب الكفاية فى حين تدريس المجلد
الاول من هذا الكتاب اذا وصل الى مبحث الارادة فاستدل على عدم كون الارادة
اختيارية وقال ان الارادة ليست اختيارية فخرج من مجلس اربعة طلاب وقالوا ان دروسنا
اذا كانت اجبارية فنحن لم نقبلها لان المذهب الجبرية باطل عندنا ولما شرع صاحب
الكفاية فى تدريس المجلد الثانى من كفاية الاصول وصل الى هذا المبحث أى مبحث
التجرى زاد فى دفع الاشكال قوله قلت مضافا الى ان الاختيار وان لم يكن بالاختيار
الا بعض مباديه غالبا يكون وجوده بالاختيار فتجعل الارادة تابعة له فتصير اختيارية
لما سمع هذا الطلاب الذين خرجوا من الدرس فى المجلد الاول عادوا الى الدرس بعد
سماع قول صاحب الكفاية ان الارادة اختيارية.
عبارة شيخنا
الاستاد (قدسسره) در مبحث اوامر در مبحث اراده وطلب صاحب كفاية فرمود اراده
اختيارى نيست پس چهار نفر طلبه از زير درس فرار نمودند كه اين جبر مى باشد وجبر بر
مذهب ما باطل است بعد صاحب كفاية در جلد دوم در وقت تدريس اين قلت مضافا را زياد
نمود وفرمود اراده اختيارى مى باشد چونكه اگر بعض مقدمات اراده اختيارى شد خود
اراده نيز اختيارى مى شود بعد از اين بيان همان چهار نفر طلبه كه فرار كرده بودند
باز هم جمع شدند در مجلس درس.
بعد هذه الحكاية
نرجع الى ما نحن فيه أى كان البحث فى جواب الاشكال قد ذكر الجواب الاول عن الاشكال
مفصلا.
والجواب الثانى
عنه قوله
يمكن ان يقال ان حسن المؤاخذة
والعقوبة
انما يكون من تبعة بعده عن سيده بتجريه الخ.
أى يقال ان
استحقاق العقاب انما يكون توسط بعد عن المولى والمراد من بعد هو البعد المعنوى وهو
عبارة اخرى عن العقاب والظاهر ان العقاب من لازم البعد والبعد بالطغيان والطغيان
بالشقاوة وهى ذاتية فظهر أن الشقاوة وسوء سريرة موجبة للبعد اذا حصل البعد المعنوى
فهو عين العقاب.
ويذكر هنا الجملة
المعترضة لتوضيح البعد المعنوى وهى ان الانسان انواع مختلفة وان قيل فى المنطق ان
الانسان نوع واحد لكن فى الحقيقة الانسان انواع مختلفة فكان بعض افراد الانسان
بصورة الكلب وبعض آخر بصورة ذئب وبعض بصورة الاسد هكذا وهذه الصور المختلفة كانت
من حيث الباطن.
ويدل الرواية على
اختلاف صور الانسان من حيث الباطن أى روى انه سئل عن رسول الله صلىاللهعليهوآله عن كثرة الجمعية فى ايام الحج وكان السؤال من باب التعجب
فى كثرة الجمعية فرفع صلىاللهعليهوآله يده وقال انظروا الى يدى فنظر السائل اليها ورأى اشخاصا
قليلة مع الآبال وان اكثرهم لم يكن بصورة الانسان فثبت ان الانسان من حيث الباطن
لم يكن نوعا واحدا وليس الناطق فصل الاخير للانسان بل الشقى والسعيد ايضا فصل
للانسان والظاهر ان الناطق ذاتى للانسان فكذا الشقى والسعيد ذاتى له.
ان قلت من جعل
الشقاوة قلت هى ذاتى والذاتى لا يعلل ولا يسأل عنه.
وبالجملة ثبت
تفاوت افراد الانسان فى القرب منه جل شأنه
أى القرب المعنوى
والبعد منه وكان البعد نفس العقاب قوله ان قلت على هذا لا فائدة فى بعث الرسول أى
على كون الشقاوة ذاتيا فلا فائدة فى بعث الرسل وانزال الكتب.
قلت
ذلك لينتفع به من حسنت سريرته الخ.
الحاصل انه يترتب
على بعث الرسل وانزال الكتب فائدتان : احداهما انتفاع من حسنت سريرته أى يكمل به
نفسه وثانيتهما اتمام الحجة على من ساءت سريرته.
قد ظهرت نتيجة
البحث فى التجرى من ان المتجرى مستحق للعقاب كالعاصى وان المنقاد مستحق للثواب
كالمطيع فيحكم العقل ان المتجرى مستحق للعقوبة وان المنقاد مستحق المثوبة ولا يخفى
ان القصد والعزم موضوع لحكم العقل أى يحكم العقل استحقاق العقوبة لاجل الارادة
والقصد الى طغيان المولى وان جاء الحكم الشرعى فهو ارشاد الى حكم العقل مثلا الامر
بالاطاعة ارشاد الى حكم العقل ان قلت ليس الحكم للعقل. قلت المراد من حكم العقل
الادراك التصديقى.
فيذكر هنا المؤيد
لحكم العقل من الاخبار ذكر الشيخ (قدسسره) فى الرسائل فى باب التجرى ويظهر من بعض الاخبار العقاب
على قصد المعصية مثل قوله (ص) نية الكافر شر من عمله وما ورد من تعليل خلود اهل
النار فى النار وخلود اهل الجنة فى الجنة بعزم كل من الطائفتين على الثبات على ما
كان عليه من المعصية والطاعة لو خلدوا فى الدنيا.
وما ورد من انه
اذا التقى المسلمان بسيفهما فالقاتل والمقتول
فى النار وقيل يا
رسول الله هذا القاتل فما بال المقتول قال (ص) لانه اراد قتل صاحبه فيظهر من هذه
الاخبار ان القصد والعزم على المعصية موجب للعقوبة.
قال الشيخ فى
الرسائل وقد يقرر دلالة العقل على ذلك بانا فرضنا شخصين قاطعين بان قطع احدهما
بكون المائع المعين خمرا وقطع الآخر بكون مائع آخر خمرا فشرباهما فاتفق مصادفة
احدهما للواقع ومخالفة الآخر فاما ان يستحقا العقاب واما لا يستحقا احدهما أو
يستحقه من صادف قطعه الواقع دون الآخر أو العكس أى يعاقب من لم يصادف قطعه الواقع
دون من صادف قطعه الواقع.
فصارت الاقسام
بالتصور العقلى اربعة اقسام لا سبيل الى الثانى والرابع أى لا يصح عدم عقوبتهما
وكذا لا يصح عدم عقوبة من صادف قطعة الواقع وكذا لا يصح الثالث أى يستحق العقوبة
من صادف قطعة الواقع دون الآخر وجه عدم صحة هذا القسم لانه مستلزم لاناطة علة
استحقاق العقوبة بما هو خارج عن الاختيار وهو مناف لما يقتضيه العدل أى مصادفة قطع
الشخص للواقع خارج عن اختياره فاناطة علة استحقاق بالشيء الخارج عن الاختيار مناف
لما يقتضيه العدل فتعين الاول أى يستحق كلاهما العقاب وثبت من بيان الاقسام ان
المتجرى مستحق للعقوبة بتوسط قصد الطغيان على المولى
ولا يخفى ما ذكره
الشيخ من الاقسام الاربعة نقله عن المحقق السبزوارى أى يعاقب من صادف قطعه الواقع
ومن لم يصادف ويشكل على كلام المحقق ان عدم العقاب من صادف قطعه الواقع لم يكن
قبيحا لان هذا من فضله تعالى الحاصل قال المحقق السبزوارى
ان المتجرى يعاقب
لكن اشكل عليه لان العقاب لمن يصادف قطعة الواقع والمتجرى لم يفعل الشيء الحرام
ولم يكن قطعه مصادفا للواقع فلم يعاقب.
والتجرى اما ان
يكون فى الحكم واما ان يكون فى الموضوع مثلا اعتقد على حرمة الشيء ولم يكن حراما
فى الواقع واما اذا اعتقد كون المائع خمرا وكان ماء فى الواقع فلم يكن المتجرى
مستحقا للعقوبة لانه لم يخالف الحكم الواقعى.
اجاب المصنف عن
هذا الاشكال بان الوجدان شاهد على كون المتجرى مستحقا للعقوبة للمخالفة الاعتقادية
ولما اعتقد بكون المائع خمرا فلا يجوز شربه.
قوله
ثم لا يذهب عليك انه ليس فى المعصية الحقيقية الا منشأ واحد لاستحقاق العقوبة الخ.
قد ذكر صاحب
الفصول فى آخر باب الاجتهاد والتقليد ان المتجرى مستحق للعقوبة بالفعل متجرى به
وان القطع بتحريم شيء غير محرم واقعا مستحق للعقوبة بفعله والشيخ يقول أن العقاب
لم يكن لاجل الفعل لكن فصل فى الرسائل بين تجرى فى المكروهات والمباحات وقال ان
التجرى على الحرام فى المكروهات الواقعية اشد منه فى مباحاتها مثلا فعل المكروه
الواقعى مع القطع بانه حرام وكذا التجرى فى المباحات الواقعية أشد منه فى
المندوبات الواقعية مثلا فعل المباح الواقعى مع القطع بانه حرام فيظهر من كلام
الشيخ فى الرسائل ان الفعل مؤثر فى قبح التجرى لكن صاحب الفصول يقول ان المتجرى
مستحق للعقوبة بالفعل المتجرى
به ثم ذكر فى بعض
كلماته ان المتجرى اذا صادف المعصية الواقعية تداخل عقابهما قال الشيخ فى الرسائل
لم يعلم المعنى المحصل لهذا الكلام أى قال لا يصح التداخل فى هذا المورد.
قال شيخنا الاستاد
(قده) يحتاج هذا القول الى التوجيه حتى يعرف المورد الذى جمع فيه التجرى والمعصية
فيقال ان الشخص اذا اعتقد كون المائع خمرا فشربه وظهر عدم كونه خمرا ولكنه مغصوب
أو نجس أو دم فهنا جمع التجرى والمعصية لانه اعتقد كون هذا المائع خمرا فشرب فيكون
هذا شخص المتجرى بالنسبة الى هذا الفعل وأيضا يكون العاصى لانه شرب المغصوب أو
الدم فوجد السببان للعقاب أى التجرى والمعصية اذا عرفت مورد اجتماع التجرى
والمعصية فصل قول صاحب الفصول أى قال ان التجرى اذا صادف المعصية الواقعية تداخل
عقابهما والظاهر ان التداخل إما ان يكون فى الاسباب وإما ان يكون فى المسببات
ويظهر من كلام صاحب الفصول ان هذا المورد تداخل فى المسبب أى تداخل عقاب المعصية
والتجرى لكن اشكل عليه بان التداخل يحتاج الى الدليل لان سببين يقتضيان المسببين
وأيضا يرد فى هذا المقام اشكال الآخر وهو ان المعصية عنوان مستقل وكذا التجرى وان
مورد التداخل فيما كان المسببان من امر واحد أى يقال فى رد صاحب الفصول ان المقام
لم يكن من باب التداخل لان السبب واحد وهو هتك المولى وهو يقتضى مسببا واحدا وليس
هنا مسببان حتى يتداخلا فيكشف من مسبب واحد سبب واحد الحاصل ان التجرى اذا صادف
المعصية الواقعية فالعقاب واحد ويكشف من وحدة المسبب وحدة السبب ولم يكن المقام
موردا للتداخل.
قوله
: الامر الثالث انه قد عرفت ان القطع بالتكليف اخطأ أو اصاب يوجب عقلا استحقاق
المدح والثواب الخ.
أى هذا الامر من
اقسام القطع وذكر هذا الامر فى الرسائل اولا لكن هنا جعل الامر الثالث قال المصنف
لا بأس بصرف الكلام الى بيان ما للقطع من الاحكام وان كان خارجا من مسائل الفن لكن
يبحث عنه لشدة المناسبة مع المقام قال شيخنا الاستاد يمكن ان يجعل البحث عن القطع
من المسائل الاصولية كالبحث عن التجرى هل يكون موجبا لقبح الشيء أو لا وان
الانقياد هل يكون موجبا لحسن الشيء ام لا.
قد ذكر فى الامر
الثانى ان المتجرى مستحق للعقوبة لان ملاكه مع ملاك المعصية واحد وهو هتك المولى
ولا يخفى انه كلما حصل القطع يجيء حكم العقل والسبب لمجىء حكم العقل الهتك والانقياد
اذا تعلق الحكم على الموضوعات الواقعية فالقطع حاكم بثبوته أى القطع طريق بالنسبة
الى الحكم الواقعى الشرعى فلا مدخل للقطع بالنسبة الى الحكم الواقعى أى سواء كان
القطع بالحكم الواقعى أو لا فهو ثابت لكن القطع صار موجبا لتنجزه.
واما القطع
بالنسبة الى الحكم العقلى فهو موضوع فينتفى بانتفائه.
اذا ظهر محل
طريقية القطع وموضوعيته شرع فى توضيح الامر الثالث على تقرير شيخنا الاستاد ولا
يخفى ان اقسام القطع من الموضوعى والطريقى لا يدرك الا من هذا التقرير.
فاعلم ان القطع
اذا اخذ فى الموضوع فهو اما بنحو صفتية واما بنحو موضوعية مثل النجاسة القطعية
مانعة عن الصلاة اذا لم يكن العلم بنجاسة الشيء فلم يكن نجسا واما فى باب الطهارة
فيشترط الطهارة عن الحدث الواقعى وأيضا اذا أخذ العلم فى الموضوع فهو اما جزء
الموضوع واما تمام الموضوع اذا كان تمام الموضوع فالحكم ثابت سواء اصاب القطع أم
لا واما اذا كان جزء الموضوع فالحكم ثابت فى صورة اصابة القطع للواقع فيصير القطع
باعتبار الطريقية والصفتية اربعة اقسام بهذا النحو فاما يؤخذ فى الموضوع واما لا
يؤخذ فيه وأيضا اما يكون بنحو الطريقية واما يكون بنحو الصفتية وأيضا القطع
الموضوعى يصير اربعة اقسام أى القطع الموضوعى إما ان يكون تمام الموضوع وإما ان
يكون جزء الموضوع.
واعلم ان الصفة
على اربعة اقسام اما أن تكون الحقيقة المحضة أو حقيقة ذات الاضافة أو الاضافة
المحضة أو تكون السلبية فالحقيقة المحضة نحو انت حىّ هو صفة حقيقية من دون الاضافة
والحقيقة ذات الاضافة نحو انت عالم وانت قادر وانت مريد فالعلم مضاف الى المعلوم
وكذا الارادة مضافة الى المراد والقدرة مضافة المقدور والاضافة المحضة كالبنوة أى
مضافة الى ماء الاب أو الماء الدافق وكذا الابوة أى مضافة الى الاولاد.
فالعلم كيف نفسانى
وصفة وحقيقة ذات الاضافة فالعلم من حيث نفسه صفة ومن حيث كونه ذات الاضافة طريق
الى المعلوم.
فظهر من البيان
المذكور ان العلم اذا أخذ فى الموضوع فهو اما ان يكون تمام الموضوع واما ان يكون
جزءه.
وأيضا إما ان يكون
بنحو الطريقية واما ان يكون بنحو صفتية فيصير مجموع الاقسام اثنين وثلاثين يجيء
تفصلها آنفا قال المصنف قد يؤخذ القطع فى موضوع حكم آخر أى يؤخذ فى موضوع الحكم
الشرعى من الوجوب والحرمة والاستحباب.
فالقطع انما يؤخذ
فى موضوع حكم آخر لا فى موضوع حكم متعلقه فاذا اخذ فى موضوع حكم آخر صار اربعة
اقسام فى مقام الثبوت والامكان.
الاول ان يؤخذ فى
موضوع حكم آخر يماثل الحكم الذى تعلق به القطع مثلا اذا قطعت بوجوب صلاة الجمعة
فتجب عليك صلاة الظهر أى هذه الصلاة مماثلة لصلاة الجمعة. الثانى ان يؤخذ فى موضوع
الحكم الآخر الذى هو نفس الحكم الذى تعلق القطع به مثلا اذا قطعت بوجوب صلاة
الجمعة فتجب عليك أى تجب عليك الصلاة التى تعلق به القطع. الثالث ان يؤخذ فى موضوع
حكم آخر يضاد الحكم الذى تعلق به القطع مثلا اذا قطعت بوجوب صلاة الجمعة فلا تجب
عليك صلاة الجمعة. الرابع ان يؤخذ فى موضوع حكم آخر يخالف الحكم الذى تعلق به
القطع مثلا اذا قطعت بوجوب الشيء فيجب عليك التصدق أى وجوب التصدق مخالف لوجوب
الشيء والمراد من المخالف هنا ما كان موضوع الحكم متعددا كالمثال المذكور فان
الموضوع فى الحكم الذى تعلق القطع به هو الشيء والموضوع فى حكم آخر هو التصدق فظهر
انه اذا كان موضوع الحكم اثنين فيقال ان هذا الحكم مخالف لذاك أى باعتبار اختلاف
الموضوع يصدق اختلاف الحكم والا لا فرق فى نفس الحكم فى نفس الوجوب ولا يخفى ان
المراد من موضوع الحكم هو متعلقه
فلا فرق فى المقام
بين الموضوع والمتعلق.
اذا عرفت هذه
الاقسام الاربعة فيقال قد ذكر سابقا ان القطع الذى اخذ فى الموضوع اما ان يكون
تمام الموضوع وإما ان يكون جزء الموضوع وأيضا اما ان يكون بنحو الطريقية والكاشفية
واما ان يكون بنحو الصفتية فصار المجموع اربعة اقسام فاضرب هذه الاربعة فى الاربعة
السابقة يحصل ثمانية عشر قسما توضيحه ان القطع اذا اخذ فى موضوع حكم آخر يخالف
الحكم الذى تعلق به القطع فاما ان يكون تمام الموضوع واما ان يكون جزء الموضوع
وأيضا اما ان يكون بنحو الطريقية والكاشفية واما ان يكون بنحو الصفتية وكذا اذا
اخذ فى موضوع حكم آخر يماثل الحكم الذى تعلق له القطع فاما ان يكون تمام الموضوع
واما ان يكون جزء الموضوع وأيضا اما ان يكون بنحو الطريقية والكاشفية وإما ان يكون
بنحو الصفتية وكذا اذا اخذ فى موضوع حكم آخر يضاد الحكم الذى تعلق به القطع فاما
ان يكون تمام الموضوع وإما ان يكون جزء الموضوع وأيضا اما ان يكون بنحو الطريقية
واما ان يكون بنحو الصفتية وكذا اذا اخذ فى موضوع الحكم الآخر الذى هو نفس الحكم
الذى تعلق به القطع فاما ان يكون تمام الموضوع واما ان يكون جزء الموضوع وأيضا اما
ان يكون بنحو الطريقية وإما ان يكون بنحو الصفتية فحصل ثمانية عشر قسما واما
الصحيح منها فهو اربعة اقسام أى اذا اخذ فى موضوع حكم آخر يخالف الحكم الذى تعلق
به القطع فاما ان يكون تمام الموضوع واما ان يكون جزء الموضوع وإما ان يكون بنحو
الطريقية وإما ان يكون بنحو الصفتية فهذه الاقسام الاربعة صحيحة والاقسام الباقية
من اثنا
عشر قسما لم تكن
صحيحة للزوم اجتماع المثلين أو الضدين أى اذا كان الحكم الآخر مثل الحكم الذى تعلق
به القطع لزم اجتماع المثلين واذا كان الحكم الآخر نفس الحكم الذى تعلق به القطع
لزم تحصيل الحاصل واذا كان الحكم الآخر مضادا للحكم الذى تعلق به القطع لزم اجتماع
الضدين.
ويمكن ثمانية عشر
قسما آخر حتى يصير المجموع اثنين وثلاثين قسما والفرق بين هذه الاقسام والاقسام
المذكورة ان القطع أخذ فى الاقسام السابقة فى موضوع حكم آخر اما الآن ـ فيؤخذ فى
موضوع ذى حكم آخر أى كان الحكم ثابتا للموضوع مع قطع النظر عن حكم آخر مثلا اذا
علمت خمرا نجسا فهو حرام فالخمر فى هذا المثال موضوع ذى حكم والقطع اخذ فى هذا
الموضوع فالحكم الآخر إما ان يكون نفس حكم الخمر أو مثله أو ضده أو خلافه الحاصل
ان القطع اخذ فى موضوع ذى حكم فالحكم الآخر الذى الذى يجيء بعد تعلق القطع اما ان
يكون نفسى حكم هذا الموضوع أو مثله أو ضده أو خلافه فيضرب هذا الاربعة فى الاربعة
اى اما يكون القطع تمام الموضوع أو جزءه وإما ان يكون بنحو الطريقية أو الصفتية
فيحصل ثمانية عشر قسما ويصير مع الاقسام السابقة اثنين وثلاثين قسما وقد ذكر ما
كان صحيحا من هذه الاقسام وما لم يكن صحيحا منها.
فائدة يذكر هنا
بعض ما هو مناسب فى المقام قد علم ان القطع كيف نفسانى والصفة الحقيقية ذات
الاضافة فهو صفة حقيقية من حيث واضافة وطريق من حيث الاخرى واذا اخذ فى الموضوع
إما ان يكون بنحو صفتية مثلا انت قاطع تجب صلاة الجمعة عليك
أى كان القطع صفة
للمخاطب وكان القطع فى هذا المثال تمام الموضوع يعنى وان لا يصاب القطع الواقع
فالحكم ثابت بعبارة اخرى وان لم يكن المقطوع موجودا فالحكم ثابت وإما ان يكون جزء
الموضوع مثلا انت قاطع مع وجود المقطوع فتجب عليك صلاة الجمعة وإما ان يكون بنحو
الطريقية أى معطوف على إما ان يكون بنحو الصفتية الحاصل انه اذا اخذ فى الموضوع
بنحو الطريقية إما ان يكون تمام الموضوع مثلا اذا قطعت بخمرية الشيء فهو نجس هذا
تمام الموضوع أى بمحض وجود القطع الحكم ثابت وان لم يكن الخمر فى الواقع وإما ان
يكون جزء الموضوع مثلا اذا قطعت بوجوب صلاة الجمعة مع كونه فى الواقع فتجب أى كان
القطع موضوعا بشرط مصادفته للواقع قال شيخنا الاستاد اذا كان القطع كيفا نفسانيا
فالموضوع هو المكلف والعلم حقيقت ذات الاضافة الى المقطوع وطريق اليه.
كان البحث الى هنا
فى صفة المخلوق واعلم ان الصفات الحقيقية ذات الاضافة موجودة لله تعالى أيضا مثلا
الله عالم والله رازق فتكون هذه الصفات مضافة أى العلم مضاف الى المعلوم والخلق
مضاف الى المخلوق مثلا بعد خلق شيء ينتزع الخالقية وبعد اعطاء الرزق ينتزع
الرازقية.
ولا يخفى ان كل
صفات الله ليس عين ذاته بل صفات حقيقية عين ذاته تعالى مثلا الله موجود والله واحد
والله حىّ هذه الصفات عين ذاته تعالى فالصفات الحقيقية ذات الاضافة لم تكن عين
ذاته تعالى.
قوله
: ثم قيام الطرق والامارات المعتبرة بدليل حجيتها
واعتبارها
مقام هذا القسم الخ.
قد ذكر ان القطع
بالنسبة الى الحكم الشرعى طريق محض واما القطع بالنسبة الى الحكم العقلى كالحسن
والقبح فهو موضوع وأيضا ذكر ان القطع قد يؤخذ فى موضوع حكم آخر وإما ان يكون تمام
الموضوع وإما ان يكون جزء الموضوع وإما ان يكون بنحو الطريقية والكاشفية وإما ان
يكون بنحو الصفتية قال صاحب الكفاية اذا قطعت بوجوب الشيء يجب عليك التصدق بكذا
فقال شيخنا الاستاد ان لفظ الشيء قابل للتعميم أى سواء اخذ القطع فى موضوع حكم آخر
أو اخذ فى موضوع ذى حكم آخر وان القطع فى كل منهما اما تمام الموضوع واما جزء
الموضوع وأيضا إما ان يكون بنحو الطريقية وإما ان يكون بنحو الصفتية أى إما ان
يكون صفة خاصة للقاطع أو المقطوع به أى مؤدى القطع مثلا انت قاطع فتجب عليك صلاة
الجمعة فالقطع صفة للقاطع ان قلت ان كان الشيء مقطوعا فتجب عليك صلاة الجمعة
فالقطع صفة للمقطوع به.
قد ذكر فى عبارة
المصنف لفظ القطع بالعبارات المختلفة أى القطع والاعتقاد واليقين فالمراد واحد وان
لم تكن هذه الالفاظ من الالفاظ المترادفة ولا يخفى ان ما ذكر خلاصة الدرس السابق
الآن يشرع فى توضيح قوله ثم لا ريب فى قيام الطرق والامارات الخ. فيبحث عن الموارد
الثلاثة.
الاول : ان
الامارات هل تقوم مقام القطع الطريقى المحض قال الشيخ فى الرسائل ثم من خواص القطع
الذى هو طريق الى الواقع قيام الامارات الشرعية والاصول العملية مقامه أى ان
الامارات تقوم مقام القطع الطريقى المحض بالدليل الاعتبار أى الدليل
الذى صار سببا
لاعتبار حجية الظن.
الثانى : ان
الامارات هل تقوم مقام القطع الطريقى الذى اخذ فى الموضوع قال صاحب الكفاية ان
الامارات لا تقوم مقام القطع الذى اخذ فى الموضوع أى لا تقوم الامارات مقام القطع
الطريقى الموضوعى بالدليل الاعتبار والمراد منه ان الدليل اذا دل على حجية الظن لا
تدل على قيامه مقام القطع الطريقى الموضوعى.
الثالث : ان
الامارات هل تقوم مقام القطع الذى أخذ فى الموضوع على النحو الصفتية قال لا تقوم
الامارات مقام هذا القطع الا اذا قام الدليل من الخارج بقيامها مقامه أى الدليل
الاعتبار لا يكفى فى قيام الامارات مقام هذا القطع قال الشيخ فى الرسائل لو نذر
احد ان يتصدق كل يوم بدرهم ما دام متيقنا بحياة ولده فانه لا يجب التصدق عند الشك
فى الحياة لاجل الاستصحاب أى لا يقوم الاستصحاب مقام القطع لانه اخذ فى هذا المثال
بنحو الصفتية ولو اخذ القطع فى هذا المثال بنحو الطريقية لجاز قيام الاستصحاب
مقامه وذكر شيخ مثالا من المسائل الشرعية قال اذا فرضنا ان الشارع اعتبر صفة القطع
على هذا الوجه أى على نحو صفة خاصة فى حفظ عدد الركعات الثلاثية والثنائية
والاولين من الرباعية فان الظن لا يقام مقام القطع فى هذه الموارد لان القطع أخذ
فيها على النحو الصفتية وكذا فى اداء الشهادة فان القطع فيه أخذ على نحو الصفتية
ويشترط فيه ان يكون عن حس فلا يجوز الاسناد فيه الى اليد والبيّنة مثلا اذا كان
الدعوى بين الشخصين فى مال وعلمت انه لفلان جاز الشهادة واما اذا كان الشهادة من حيث
الاستناد الى اليد فلا يجوز اى لا يقوم الاستناد الى
اليد مقام القطع
لان القطع فى باب اداء الشهادة اخذ على النحو الصفتية واما فى مقام عمل الشاهد
لنفسه فجاز تعويله باليد أو البيّنة مثلا اذا كان المال الذى فيه الدعوى تحت يد
شخص جاز للشاهد ان يشتريه استنادا الى اليد واعلم ان صاحب الكفاية موافق مع الشيخ
فى قطع طريقى محض أى يقولان ان الطرق والامارات قائمة مقام هذا القطع واما اذا أخذ
القطع الطريقى فى الموضوع فهذا محل النزاع بينهما قال الشيخ ان القطع الذى أخذ فى
الموضوع بنحو الطريقية يقيم مقامه الطرق والامارات بدليل حجيتها أى تقيم الامارات
مقام القطع الموضوعى الطريقى بنفس الدليل الذى يدل على اعتبار الامارات وحجيتها
واما صاحب الكفاية فيقول ان الامارات لم تقم مقام القطع الموضوعى الطريقى بالدليل
الاعتبار الحاصل ان المصنف موافق للشيخ فى الجهتين.
أى توافقا فى صورة
القطع الطريقى المحض فى اقامة الامارات مقامه بدليل اعتبارها وكذا توافقا فى صورة
كونه صفة خاصة فى عدم قيام الامارات مقامه.
واختلافهما فى
صورة واحدة وهي فيما اخذ القطع فيه فى الموضوع على النحو الطريقية فان الشيخ قائل
هنا بقيام الامارات مقامه واما صاحب الكفاية فيقول ان الامارات لا تقوم مقام القطع
الطريقى الموضوعى.
وتذكر هنا الجملة
المعرضة وهى ما الفرق بين الطرق والامارات فيقال ان الطرق مثبتة للاحكام الكلية
الالهية وان الامارات مثبتة للموضوعات الخارجية قال شيخنا الاستاد ان مثلهما كمثل
الجار
والمجرور أى اذا
اجتمعا افترقا واذا افترقا اجتمعا.
قد ذكر الآن مذهب
صاحب الكفاية فى عدم قيام الطرق والامارات مقام القطع الطريقى الموضوعى فقال ما
الدليل له.
قال المصنف ان
الدليل الذى يدل على حجية الامارة لا يدل على قيام الامارة مقام القطع الطريقى
الموضوعى واعلم انّ الدليل على حجية الامارة هو سيرة العقلاء وأيضا صدق العادل
دليل على حجية الامارة بعبارة اخرى ان آية نبأ دليل على حجية خبر الواحد لانه يكشف
صدق العادل من هذه الآية أى هذه الادلة تدل على جعل هو هوية بتوسط الامارة
فالامارة مع كونها ناقصة جعلت منزلة القطع الذى هو الموهبة الهية.
ولا يخفى ان حصول
القطع مشكل لان القطع اعز من الكبريت الاحمر أى الياقوت الاحمر فيقول الناس لسانا
حصل لنا القطع بالوحدانية والنبوة والمعاد فهذا اقرار باللسان ويجرى احكام الاسلام
عليهم من حيث الاقرار باللسان أى لا بد من حصول القطع فى باب العقائد ولا يقوم الظن
مقامه فى هذا الباب.
واما الاحكام
الشرعية فقد يحصل للمكلف العلم فيها كوجوب الصلاة والصوم وقد لا يحصل العلم فيها
لكن الشارع جعل مؤدى الظن منزلة الواقع أى قال الخ احتمال الخلاف فبعد الغاء
احتمال الخلاف جعل مؤدى الامارة منزلة الواقع.
الآن يذكر دليل
صاحب الكفاية على عدم قيام الامارة مقام القطع الطريقى الموضوعى واعلم ان النظر
بالامارات آلي لان النظر الاستقلالي المؤدى الامارة وكذا القطع لان النظر
الاستقلالي الى المقطوع وكذا فى العرفيات نظر آلى واستقلالى كما يقال لا
يعلم ما هنا الا
بما يعلم هاهنا أى لا بد من لحاظ الامور الخارجية حتى يحصل بها الامور الذهنية
فثبت ان فى الامارات والقطع نظر آلى والنظر الاستقلالى فى المقطوع ومؤدى الامارات
ودليل الاعتبار يدل على هذا.
فان جعلت الامارات
منزلة القطع الطريقى فيكون النظر الاستقلالى بنفس الامارات اى كان المقصود
بالاصالة جعل الامارات منزلة القطع ولا يمكن ان يكون فى شيء واحد النظر الآلي
والاستقلالى معا لانه لا يصح اجتماع النظر الآلي والاستقلالى فى شيء واحد بعبارة
اخرى لا يصح اجتماع النظر الاصلى والتبعى فيه ولا يخفى انه لا ينفرد النظر الآلي
من النظر الاستقلالى أى اذا وجد النظر الآلي وجد النظر استقلالى لكن وجودهما يتعلق
على الشيئين وان وجود الآلى تبعى ووجود الاستقلالى اصلى وكل ما بالعرض ينتهى الى
ما بالذات الحاصل انه لا يجوز قيام الامارة مقام القطع الموضوعى للزوم اجتماع
اللحاظين فى شيء واحد أى لزم لحاظ الامارة بالنظر الآلي والاستقلالي.
ان قلت ان اجتماع
اللحاظين يلزم اذا كان الدليل واحدا واما اذا كان الدليل متعددا فلم يلزم اجتماع
اللحاظين لان احد الدليلين دال على جعل مؤدى الامارة منزلة الواقع والآخر دال على
جعل الامارة منزلة القطع.
قلت ان محل النزاع
انما يكون فى المورد الذى الدليل فيه واحد واما المورد الذى فيه دليلان فهو خارج
من محل النزاع.
الحاصل انه لا يصح
التنزلان بالتنزيل الواحد وكذا لا يصح الاستعمالان بالاستعمال الواحد كما ذكر
نظيره فى باب المشترك
اللفظى أى لا يجوز
ارادة اكثر من معنى واحد من المشترك فى استعمال واحد لان فى اللفظ نظر آلي وفيما
فى الضمير نظر استقلالى أى فى المعنى نظر استقلالى فيفنى اللفظ في المعنى فى حين
الاستعمال فلم يكن له الوجود حتى يستعمل فى معنى آخر وكذا فى المقام تنزيل واحد لا
يصح به التنزيلان.
يذكر هنا المطالب
المذكورة مع النكات الاخرى واعلم انه إما ان يكون بالامارة والقطع النظر الآلي
والتبعى أى دليل الاعتبار يدل ان المؤدى الامارة نزل منزلة الواقع والمقطوع فالنظر
فى الامارة والقطع فى هذه الصورة آلي والنظر الى مؤدى الامارة والمقطوع استقلالي
واما ان يكون بالامارة والقطع النظر الاستقلالى اى دليل الاعتبار يدل ان الامارة
فنزلت منزلة القطع الموضوعى وكان النظر الاستقلالى الى الامارة والى المنزل عليه
أى القطع الموضوعى ولا يخفى ان دليل الاعتبار واف باحدهما لان له لسان واحد فاما
ان يجعل مؤدى الامارة منزلة الواقع والمقطوع واما ان يجعل الامارة منزلة القطع
الموضوعى والتعيين محتاج الى الفكر قال المصنف انه يعلم من الدليل تنزل مؤدى
الامارة منزلة الواقع والمقطوع لان دليل الاعتبار يقول ان الامارة حجة فليعمل
بمؤدها لانه منزلة المقطوع وان صحّ فى مقام التصور لحاظ تنزيل مؤدى الامارة منزلة
الواقع ولحاظ تنزيل الامارة منزلة القطع الموضوعى واما فى مقام الاثبات فاللحاظ
واحد اى فى مقام الاثبات والخارج يلاحظ ان مؤدى الامارة منزلة الواقع.
لكن يصحّ اجتماع
اللحاظين اذا كان الجامع بين اللحاظ الآلي والاستقلالي يعنى ان يدلّ دليل الاعتبار
على جامع بين
اللحاظين فى
الامارات اى لحاظ مؤدى الامارة منزلة الواقع ولحاظ كون الآمار منزلة القطع
الموضوعي.
وأيضا فى جانب
القطع بان يكون الجامع بين النظر الآلي والاستقلالي يعنى ان يدل دليل الاعتبار على
جامع بين اللحاظين أى لحاظ كون المقطوع هو الواقع ولحاظ كون القطع منزلة الظن
لانّه اذا نزل منزلة القطع فالقطع أيضا نزل منزلته لان التنزيل من الطرفين الحاصل
انّه ينزل الجامع الذى هو فى جانب الامارات منزلة الجامع الذى هو فى جانب القطع.
فيقال لا يوجد هذا
الجامع فى المقام اذا انتفى الجامع انتفى اجتماع اللحاظين.
هنا اشكال آخر وهو
انتم تقولون ان دليل الاعتبار يدل على احد اللحاظين فهذا اللحاظ مشترك بين كون
تنزيل الامارة منزلة القطع وبين كون المؤدى الامارة منزلة الواقع والمقطوع فيحتاج
الى قرينة تدل ان المراد هو لحاظ مؤدى الامارة بمنزلة المقطوع.
والجواب ان دليل
الاعتبار دال على كون مؤدى الامارة منزلة الواقع والمقطوع لظهور دليل الاعتبار على
هذا التنزيل ويدل على هذا تقديم الامارة على الاصول العلمية لان مؤدى الامارة جعل
منزلة المقطوع.
فائدة لما كان
البحث في القطع والعلم فيبحث فى علمه تعالى اى هل يكون علمه تعالى علة لوجود
المعلوم ام لا.
والجواب ان علمه
تعالى يتصور على القسمين ان قلت ان الله عالم بوجود الفلان أو بوقوع الفعل فيكون
علمه علة لوجود الشىء ووقوعه واما ان قلت ان الله عالم بوقوع الفعل من الشخص
الفلانى فلم يكن
علمه علة لوقوع الفعل مثلا ان قلت في واقعة الكربلاء ان الله عالم بشهادة الحسين
فيكون علمه تعالى علة واما ان قلت الله عالم بوقوع شهادة الحسين (ع) من الشخص
الفلاني فلم يكن علمه تعالى علة.
قوله
: واما الاصول فلا معنى لقيامها مقامه بادلتها الخ.
قد ذكر سابقا ان
الامارات تقوم مقام القطع الطريقى المحض لكن لا تقوم مقام القطع الموضوعي الطريقى
لان هذا مستلزم الاجتماع بين اللحاظين قد علم تفصيله اى لم يقع فى الخارج اقامة
الامارات مقام اقسام القطع الموضوعى واما فى مقام التصور العقلى فيمكن تصور قيام
الامارات مقام اقسام القطع والمراد من القائم المقام يعنى يترتب الآثار الواقعي
على مؤدى الامارة بعبارة اخرى ان المراد من الامكان هو الامكان الاحتمالي مثلا
سمعت الشيء الذى يحتمل فيه الطرفان اى سمعت شيئا لم تعلم دخوله ولا خروجه هذا
كالروح قد سمعته ولكن لم تعلم دخوله فى النفس ولا خروجه فيه اذا عرفت الجملة
المعترضة رجع البحث الى الاصول العملية ويقال هل الاصول العملية تجعل منزلة القطع
أو لا ولا يخفى ان النزاع فى اقامة الاصول مقام القطع الطريقى المحض واما عدم قيام
الاصول مقام القطع الموضوعي فهو اتفاقى.
قال صاحب الكفاية
ان الاصول لا يقيم مقام القطع الطريقى أى ادلة الاصول لا تدلّ على قيامها مقام
القطع غير الاستصحاب والدليل على عدم قيام الاصول مقام القطع ان الاصول وقعت فى
المرتبة الثالثة بعبارة شيخنا الاستاد ان الاصول وقعت فى الرقم الثالث أى الرقم
الاول هو القطع الرقم الثانى الامارات التى هى
مفيدة الظن الرقم
الثالث الاصول الحكمية أى الاصول في الشبهات الحكمية لا في الشبهات الموضوعية
فالاصول في الشبهات الحكمية اربعة واما الاصول فى الشبهات الموضوعية فهى كثيرة
كقاعدة التجاوز والفراغ واصالة الصحة وكقاعدة الفراش فى صورة الشك فى الولد
وكاصالة الحرية فى صورة الشك فى الرقية.
وكان البحث هنا فى
الاصول الحكمية قال المصنف ان الاستصحاب يقوم مقام القطع الطريقى لان القطع منجز
للتكليف الواقعى اى يترتب الآثار الواقعية توسط القطع والاستصحاب كذلك أى يكون
موجبا للتنجّز والمعذورية.
واما الثلاثة
الاخرى من التخيير والبراءة والاحتياط فلا تقوم مقام القطع لان هذه الثلاثة لم تكن
ناظرة الى الواقع بل كانت الوظيفة العملية اذا عجز المكلف عن الواقع رجع الى هذه
الاصول فى مقام العمل.
ان قلت ان
الاحتياط منجّز التكليف فيقوم مقام القطع فيه قلت ان الاحتياط العقلي نفس حكم
العقل بتنجّز التكليف وليس شيئا منجزا للتكليف حتى يقوم مقام القطع.
واما الاحتياط
الشرعي فلم يكن الدليل له في الشبهة البدوية ولم يكن الاحتياط شرعيا فى شك المسبوق
بالعلم الاجمالى بل هو احتياط عقلى لدفع الضرر المحتمل.
قيل ان البراءة
تقوم مقام القطع لان الدليل لحجية البراءة ليس منحصرا بحديث الرفع اى رفع ما لم
يعلموه الخ بل كان لحجية البراءة دليل آخر اى كل شىء لك حلال حتى تعلم انه قذر
فيدل هذا الدليل على قيام البراءة مقام القطع قال المصنف ان البراءة
لم يكن ناظرا الى
الواقع لذا لم يصحّ قيامه مقام القطع.
قوله
: ثم لا يخفى ان دليل الاستصحاب أيضا لا يفى بقيامه مقام القطع المأخوذ فى الموضوع
مطلقا الخ.
ويقال هنا ان
الاستصحاب يقوم مقام القطع الطريقى المحض ولا يقوم استصحاب مقام القطع موضوعي
باقسامه الاربعة لان دليل الاستصحاب لا تنقض اليقين بالشك فهذا الدليل اما ان يجعل
المستصحب منزلة الواقع واما ان يجعل الشك بعد الاستصحاب منزلة القطع الموضوعي ولا
يعقل ان يكون ناظرا الى التنزيلين لاستلزامه اجتماع اللحاظين أى لا يصحّ بتوسط
دليل واحد التنزيلان قال
المصنف وما ذكرنا فى الحاشية فى وجه تصحيح لحاظ واحد فى التنزيل منزلة الواقع
والقطع.
قال صاحب الكفاية
الّفت اولا الفوائد فى شرح الرسائل صحّحت هنا التنزيلين بدليل واحد بنحو من
التوجيه توضيحه ان دل دليل واحد على التنزيلين بالمطابقة فهذا لا يصحّ واما اذا
دلّ دليل واحد على أحدهما بالمطابقة وعلى الآخر بالالتزام فلا اشكال فيه أى اذا
دلّ دليل الاعتبار على تنزيل المستصحب منزلة الواقع بالمطابقة وعلى تنزيل الشك
منزلة القطع بالالتزام فهذا صحيح بعبارة اخرى جعل القطع التعبدى منزلة القطع
الواقعى بالالتزام والمراد من القطع التعبدى ما جعله الشارع كالقطع مثلا جعل
الشارع الشك بعد الاستصحاب كالقطع فنزّل هذا القطع التعبدى منزلة القطع الواقعى
بالالتزام لان المستصحب اذا جعل منزلة الواقع كان من لازمه جعل الشك منزل القطع
أولا أى كان من لازمه جعل القطع التعبدى منزلة القطع الواقعى اولا
واشار الى هذا
المصنف.
يقوله
: وانما كان تنزيل القطع فيما له دخل فى الموضوع بالملازمة بين تنزيلهما وتنزيل
القطع بالواقع تنزيلا وتعبدا.
وكان المراد من
قول المصنف التنزيل المذكور اى ينزل القطع التعبدى منزلة القطع الحقيقى الواقعى
والمراد من القطع التنزيلى ما يحصل بالاستصحاب فهو منزلة القطع تعبدا قال المصنف
وان صحّحنا التنزيلين على الوجه المذكور فى شرح الرسائل لكن عدلنا من التصحيح
المذكور بعدا لان الملازمة المذكورة لا تخلو من التكلف بل تعسف وجه التكلف انا سلمنا
الملازمة العقلية لكن لم تكن هذه الملازمة عند اهل العرف أى لم يصح عند اهل العرف
تنزيل الشك بعد الاستصحاب منزلة القطع الموضوعي والمراد من التعسّف هذه الملازمة
تكلف شديد وجه التعسف يجيء بعدا ان شاء الله.
قوله
: فانه لا يكاد يصح تنزيل جزء الموضوع أو قيده بما هو كذلك بلحاظ اثره الخ.
كان الكلام فى ان
القطع اذا كان موضوعا فلم تقم الامارات مقامه بدليل الاعتبار لكن الامارات تقوم
مقام القطع الطريقى المحض بالدليل الذى يدل على حجيتها واما الاصول فلا تقوم مقام
القطع الطريقى الاستصحاب فانه يقوم مقام القطع الطريقى لا الموضوعي أى لا يصح قيام
الاستصحاب مقام القطع الموضوعى بالدليل الذى يدل على حجيته قال المصنف قد صححت
التنزيلين بدليل واحد بنحو من التوجيه قلت ان دليل الاعتبار يوجب تنزيل
للمستصحب منزلة
الواقع بالمطابقة ويوجب تنزيل الشك منزلة القطع بالالتزام قد ذكر سابقا ان القطع
التعبدى نزل منزلة القطع بالالتزام قد ذكر سابقا ان القطع التعبّدى نزل منزلة
القطع الحقيقى أى اذا لم يكن القطع الحقيقى فلا بد من الشيء الذى يقيم مقامه قد
ذكر في الاصول ان القطع بالواقع قليل الوجود فجعل قول المجتهد حجة لانّه واقع
تنزيلى وأيضا يقال ان ظنّيه الطريق لا ينافى قطعية الحكم لانه واقع تنزيلى قال
صاحب الكفاية بعد ما ذكر هذا لا يخلو من التكلف بل تعسّف.
مقدمة واعلم ان
الموضوع فى الاغلب مركّب مثلا يجب الوضوء بالماء اى الماء المطلق والمباح والطاهر
اذا حصل هذا الموضوع ترتب الاثر عليه فاكثر الموضوعات مركب كما ان الانسان موضوع
مركب.
وادراك هذا
الموضوع المركب اما يكون بالوجدان أى يدرك حسّا انّه مركب واما ان يكون ادراكه
بالبينة مثلا ادركت كرية الماء بالبينة فجعلت منزلة القطع الحاصل انّه اذا كان
موضوع الحكم الشرعي مركبا فلا بدّ في ترتيب الاثر الشرعى على هذا الموضوع المركب
من احرازه واما أن يحرز جميع اجزاء الموضوع بالوجدان واما ان يحرز بالتعبد وإما ان
يحرز بعضها بالوجدان وبعضها بالتعبد مثلا موضوع الضمان مركب من الاستيلاء وعدم اذن
المالك فلا بد فى الحكم بالضمان من احراز جزأي الموضوع اما وجدانا كما اذا شاهدنا استيلاء
شخص على مال الغير عدوانا واما تعبدا كما اذا شهدت البيّنة بالاستيلاء العدوانى
واما بالاختلاف كما اذا شاهدت الاستيلاء وثبت عدم اذن المالك بالبينة.
واذا كان الموضوع
مقيدا فلا بد من احراز القيد مثلا موضوع جواز التقليد هو المجتهد مقيدا بالعدالة
فلا بد فى ترتيب الاثر الشرعى عليه من احراز كلا الجزءين اعنى الاجتهاد والعدالة
اذا رتبت المقدمة لتوضيح محل البحث فنرجع الى ما نحن فيه.
قال صاحب الكفاية
صححنا قيام الاستصحاب مقام القطع الموضوعى بنحو من التوجيه لكن لا يخلو من التكلف
والتعسف توضيحه ان الامارة لا تقوم مقام القطع الموضوعى بدليل الاعتبار لانه يقول
الامارة حجة بعبارة اخرى كان لدليل الاعتبار لسان واحد ولم يكن دالا على التنزيلين
وان كان احدهما بالمطابقة والآخر بالالتزام وقد رتبت المقدمة لتوضيح وجه التكلف
والتعسف الآن يذكر المثال للقطع الموضوعى نحو اذا علمت وجوب الصلاة فيجب عليك
التصدق فالموضوع مركب من وجوب الصلاة والقطع اذا ثبت هذا الموضوع المركب ثبت وجوب
التصدق قد ظهر فى المقدمة ان الموضوع اذا كان مركبا فلا بد من احراز اجزائه اما
بالوجدان واما بالتعبد والتنزيل ولا يخفى ان صحة التنزيل يتوقف على وجود الاثر الشرعى
للمنزل اذا كان الموضوع مركبا من الجزءين وجد احدهما دون الآخر فلا يترتب الاثر
الشرعى ولا يخفى ان الشارع لا يتصرف فى الموضوعات الا باعتبار الاثر الشرعى اذا
جعلت الامارة منزلة القطع أو جعل مؤدى الامارة منزلة الواقع فلا بد من الأثر
الشرعى وعلم انه اذا كان القطع جزء الموضوع فلا يترتب الاثر الشرعى من دون احراز
هذا الجزء فيقال فى المثال المذكور اذا جعل مؤدى الامارة منزلة الواقع أى وجوب
الصلاة بدليل الاعتبار بالمطابقة ثبت جزء الموضوع دون جزء الآخر أى القطع
فلا يترتب الاثر
الشرعى فى المثال المذكور أى وجوب التصدق لعدم احراز الجزءين قد ثبت بدليل
الاعتبار بالمطابقة تنزيل مؤدى الامارة منزلة الواقع واما تنزيل الامارة منزلة
القطع فلم يحرز لعدم التفات المكلف الى هذه الدلالة الالتزامية أى اذا جعلت
الامارة منزلة القطع بالالتزام فلم يكن التفات اليه واذا كان الموضوع مركبا من
الجزءين فقد شرط احرازهما عرضا واما فى صورة دلالة دليل الاعتبار فى تنزيل الامارة
منزلة القطع بالالتزام فلم يكن هذا التنزيل فى عرض تنزيل مؤدى الامارة منزلة
الواقع فثبت عدم صحة التنزيلين بان يكون احدهما المطابقى والآخر الالتزامى هذا
الاشكال الاول.
والاشكال الثانى
انه اذا قلنا ان دليل الاعتبار يدل على تنزيل مؤدى الامارة منزلة الواقع بالمطابقة
ويدل على تنزيل الامارة منزلة القطع بالالتزام فهذا تعسف أى مستلزم للدور وهو
يتصور على قسمين الاول ان مؤدى الامارة اذا جعل منزلة الواقع فلا فائدة فى هذا
التنزيل لعدم ترتب الاثر الشرعى فهذا متوقف بان يجعل القطع بالموضوع التنزيلى
منزلة القطع بالموضوع الواقعى وأيضا يتوقف القطع بالموضوع التنزيلى بان يجعل مؤدى
الامارة منزلة الواقع.
والثانى يتصور
الدور على قسم آخر وهو ان المعنى الالتزامى والتضمنى يلزمان المطابقة أى لا
يتصوران من دون المطابقة بعبارة اخرى لا وجود للمعنى التزامى من دون المطابقة اذا
كان جعل القطع التعبدى منزلة القطع الحقيقى بالالتزام أى دل دليل الاعتبار على جعل
القطع التعبدى منزلة القطع الحقيقى بالدلالة
الالتزامية فهذا
موقوف على الدلالة المطابقية أى تنزيل مؤدى الامارة منزلة الواقع والمفروض ان هذا
التنزيل مطابقى لدلالة دليل الاعتبار عليه بالمطابقة الحاصل ان تنزيل القطع
التعبدى منزلة القطع الحقيقى يتوقف على تنزيل مؤدى الامارة منزلة الواقع وايضا
يتوقف هذا التنزيل على تنزيل القطع التعبدى منزلة القطع الحقيقى قد ذكر ان التنزيل
الواحد أى تنزيل مؤدى الامارة منزلة الواقع فقط هذا لغو حتى يجعل القطع التعبدى
منزلة القطع الحقيقى ويحرز كلا جزءين الموضوع لان الموضوع اذا كان مركبا فلا بد من
احراز جزءيه ولا يترتب الاثر الشرعى من دون احرازهما.
قوله فتأمل جيدا
أى فتأمل ان الدور يتصور على النحوين الاول ان الدلالة الالتزامية يتوقف على دلالة
المطابقية أى لا وجود لدلالة الالتزامية من دون دلالة المطابقية ففى المقام يتوقف
الدلالة المطابقية أيضا على الدلالة الالتزامية والقسم الثانى من تصور الدور ان
دليل الاعتبار دال على تنزيل مؤدى الامارة منزلة الواقع وهذا متوقف على تنزيل
القطع التعبدى منزلة القطع الحقيقى والظاهر انه اذا لم يجعل القطع التعبدى منزلة
القطع الحقيقى فلم ينزل مؤدى الامارة منزلة الواقع وأيضا يتوقف جعل القطع التعبدى
منزلة القطع الحقيقى على ان يدل دليل الاعتبار على تنزيل مؤدى الامارة منزلة
الواقع.
ولا يخفى ان القطع
قسم واحد وما ذكر هنا من كون القطع تعبديا وحقيقيا انما يكون باعتبار متعلق القطع
لان متعلقه اما
موضوع تعبدى واما
حقيقى فيصير القطع قسمين باعتبار متعلقه.
قوله
: الامر الرابع لا يكاد يمكن ان يؤخذ القطع بحكم فى موضوع نفس هذا الحكم للزوم
الدور الخ.
قد ذكر فى الامر
الثالث ان الامارات تقوم مقام القطع الطريقى المحض ولا تقوم مقام القطع الموضوعى
مطلقا أى فى جميع اقسام القطع الموضوعى لان معنى جعل حجية الامارات هو جعل مؤدى
الامارة منزلة الواقع بعبارة اخرى معنى جعل حجية الامارة هو جعل هو هوية يعنى اين
آن است أى مؤدى الامارة همان واقع است فلا يدل دليل الحجية على جعل الامارات منزلة
القطع الموضوعى.
وقال المصنف وان
دل دليل على جعل مؤدى الامارة منزلة الواقع بالمطابقة وعلى جعل الامارة منزلة
القطع بالالتزام فهذا تكلف ومستلزم للدور قد اختلف المصنف مع استاده الشيخ قد ذكر
ان المصنف فى اقامة الامارة مقام القطع الطريقى المحض موافق مع استاده واما فى
قيام الامارة مقام القطع الطريقى الموضوعى فهو مخالف مع الشيخ وأيضا اختلف المصنف
مع الشيخ فى معنى الحجية قال الشيخ معنى حجية الامارة هو وجوب العمل على طبقها وقال
ان كان معنى الحجية جعل مؤدى الامارة منزلة الواقع فاما ان يكون مؤدى الامارة
مطابقا للواقع فلا اشكال فيه وإما ان يكون مؤدى الامارة مخالفا للواقع وان يجعل
الحكم الآخر على طبق الامارة فهو تصويب اشعرى ولكن اذا جعل معنى
حجية الامارة
كونها طريق الى الواقع فلا اشكال فيه ولا يخفى ان الجمل المذكورة مربوطة في الامر
الثالث الآن يشرع فى تفصيل الامر الرابع.
واعلم انه يذكر فى
الامر الرابع ما ذكر فى الامر الثالث مع الفرق القليل فقال فى الامر الرابع ان
القطع لا يؤخذ فى موضوع نفس حكمه لم يذكر هذا القسم فى الامر الثالث لكن ذكر شيخنا
الاستاد هذا القسم فى الامر الثالث الحاصل أن المصنف يقول فى الامر الرابع لا يكاد
يمكن ان يؤخذ القطع بحكم فى موضوع نفس هذا الحكم للزوم الدور أى لا يؤخذ القطع فى
موضوع نفس حكمه لانّه مستلزم للدور مثلا لا يجوز ان تقول ان علمت بوجوب صلاة
الجمعة فيجب عليك صلاة الجمعة اى ان اخذ القطع فى موضوع نفس حكمه كالمثال المذكور
لزم الدور توضيحه ان القطع مؤخر من المقطوع لانّه عارض عليه واذا جعل القطع موضوعا
للحكم فهو مقدم رتبة على المقطوع والحكم هذا دور والمراد من الدور هنا نتيجته اى
تقديم الشيء على نفسه يعنى ان يقدم ما هو مؤخر وكذا لا يؤخذ القطع فى موضوع مثل
حكمه مثلا لا يجوز ان تقول اذا قطعت بوجوب صلاة الظهر يجب عليك الصلاة أى الصلاة
التى هى مثل هذه الصلاة فلا يجوز هذا للزوم اجتماع المثلين وكذا لا يؤخذ القطع فى
موضوع ضد حكمه مثلا اذا قطعت بوجوب صلاة الجمعة فلا تجب عليك صلاة الجمعة فلا يجوز
هذا للزوم اجتماع الضدين لاجتماع الوجوب وعدمه فيها.
فان سئل من اين
يعلم ان القطع اخذ فى موضوع نفس حكمه
او مثل حكمه
والجواب يعرف هذا من المصلحة والملاك فان كان الملاك واحدا فيعلم ان الوجوب واحد
ويعرف من هذا ان القطع أخذ فى موضوع نفس حكمه وان كان الملاك اثنين فيعلم ان
الوجوب اثنان ويعرف من هذا ان القطع اخذ فى موضوع مثل حكمه لكن بقى هنا السؤال
الآخر وهو من اين يعلم وحدة الملاك وتعدده.
واستدرك
المصنف بقوله : نعم يصح اخذ القطع بمرتبة من الحكم فى مرتبة اخرى.
اى يجوز أخذ القطع
فى موضوع نفس حكمه او مثل حكمه ان كان الحكمان فى مرتبتين مثلا اذا كان أحدهما فى
المرتبة انشائية والآخر فى المرتبة الفعلية فلم يرد الاشكال المذكور لتفاوت
الحكمين في المرتبة مثلا اذا قطعت بوجوب صلاة الجمعة انشاء فيجب عليك صلاة الجمعة
فعلا فلم يلزم الاشكال المذكور لان حكم القطع انشائى والحكم الذى اخذ القطع فى
موضوعه فعلى فلم يلزم الدور لان القطع الذى هو موضوع للحكم الفعلى مقدم انشاء ولا
يلزم اجتماع المثلين اذا اخذ القطع فى مثل حكمه لان الحكمين متفاوتان فى المرتبة.
قوله
: واما الظن بالحكم وان كان كالقطع فى عدم جواز اخذه فى موضوع نفس ذاك الحكم
المظنون الخ.
البحث فى اخذ الظن
فى موضوع حكمه قال المصنف لا يؤخذ الظن فى موضوع حكمه كالقطع اذا اخذ الظن فى
موضوع حكمه لزم الدور لانه اذا اخذ فى الموضوع فهو مقدم لتقدم الموضوع
رتبة على الحكم
واما من حيث ان المظنون مقدم فهو مؤخر اى لا بد أولا من وجود المظنون حتى يعرض
الظن عليه الحاصل ان الظن اذا اخذ فى نفس موضوع حكمه لزم تقدم شىء على نفسه ويطلق
عليه الدور لكن ليس هذا دور اصطلاحا بل نتيجة الدور.
واما اخذ الظن فى
موضوع مثل حكمه أو ضد حكمه فهو جائز فلا يلزم اجتماع المثلين أو الضدين لان الظن
كالجهل فلو أخذ في موضوع مثل حكمه فلا يلزم اجتماع المثلين ولم يكن الحكم الذى
تعلق به الظن منجزا واما اذا جعل هذا الظن موضوعا لمثل حكمه فصار موضوعا للحكم
الظاهرى أى يصير هذا الحكم الظاهرى قطعيا لانه معتبر عند الشارع.
قوله
: ان قلت ان كان الحكم المتعلق له الظن فعليا ايضا الخ.
حاصله ان الحكم
الذى تعلق به الظن فعلى واذا اخذ الظن موضوعا لمثل حكمه فهذا الحكم فعلي ايضا لزم
اجتماع المثلين واذا كان الحكم الذى اخذ الظن فى موضوعه ضد حكم الظن لزم اجتماع
الضدين.
قلت
يمكن ان يكون الحكم فعليا بمعنى انه لو تعلق به القطع على ما هو عليه الخ.
أى الحكم الفعلى
على قسمين احدهما حتمى لا يترك على أى حال ثانيهما ما لا يكون حتميا فالحكم الذى
تعلق عليه الظن لم يكن حتميا بعبارة اخرى الحكم الذى تعلق عليه الظن فعلى بشرط
حصول القطع فيه أى ان حصل القطع فهو منجز واما الحكم الذى أخذ الظن فى موضوعه فهو
فعلى منجز باعتبار اخذ الشارع الظن
في موضوعه الحاصل
ان الحكم الذى تعلق عليه الظن فعلي معلق على حصول القطع والمراد من الحكم الذى
تعلق عليه الظن هو الحكم الواقعى فلا يصير هذا الحكم فعليا بدون تعلق القطع عليه.
واما الحكم الذى
اخذ الظن فى موضوعه فهو فعلي باعتبار أخذ الشارع هذا الظن فى موضوع حكم آخر اى كان
هذا الظن معتبرا بحكم الشارع.
الحاصل ان الحكم
الذى تعلق فيه الظن فعليته معلق على حصول القطع واما الحكم الآخر فهو فعلي باعتبار
الشارع فلا يلزم فى المقام اجتماع الحكمين الفعليين.
قوله
: ومع ذلك لا يجب على الحاكم دفع عذر المكلف برفع جهله الخ.
أى مع ان الحكم
القطعي يصير فعليا بحصول القطع فيكون المكلف معذورا فى صورة المخالفة لانه كالجاهل
لعدم القطع بالحكم لا يجب على الحاكم دفع عذر المكلف برفع جهله لو امكن بان يأتي
الحاكم بالدليل لحصول القطع للمكلف ولا يجب على الحاكم دفع عذره بلزوم الاحتياط
بان يقول انت لا تكون معذورا لامكان الاحتياط.
اذا لم يجب على
الحاكم مع عذر المكلف على نحو ما ذكر كان وظيفة الحاكم جعل الامارة أو الاصل سواء
اصابت الى الواقع أم لا فلا منافات بين الحكم الواقعى وبين هذا الحكم الظاهرى
فيصير هذا الحكم فعليا وقطعيا لان ظنّية الطريق لا ينافى قطعية الحكم وكان ما ذكر
سببا للجمع بين الحكم الواقعى والظاهرى كما سيجىء ان شاء الله.
قوله
: ان قلت كيف يمكن ذلك وهل هو الا انه يكون مستلزما لاجتماع المثلين او الضدين.
حاصله ان الحكم
الذى تعلق عليه الظن فعلي وكذا الحكم الآخر الذى اخذ الظن فى موضوعه فعلي أيضا
فيلزم اجتماع المثلين أو الضدين.
قوله
: قلت لا بأس باجتماع الحكم الواقعى الفعلى بذلك المعنى الخ.
هذا جواب اجتماع
المثلين أو الضدين أى لا يضر اجتماع الحكمين الفعلين هنا لان الحكم الذى تعلق به
الظن فعلي لو حصل القطع فيه بعبارة اخرى ان الحكم الواقعى يصير فعليا بعد حصول
القطع فيه واما حكم آخر فهو فعلى باعتبار الشارع اى الحكم الذى قامت عليه الامارة
فهو فعلى باعتبار الشارع وكذا الحكم الذى أخذ الظن فى موضوعه فهو فعلى أيضا فجعل
فى مقام البحث الحكم الذى اخذ الظن في موضوعه فعليا حتميا واما الحكم الواقعى فهو
فعلى غير حتمي قد جعل هذا وجه الجمع بين الحكم الواقعى والظاهرى.
الفرق بين ان قلت
الاول والثانى والمراد من ان قلت الاول ان الظن كالعلم النعل بالنعل.
والمراد من ان قلت
الثانى ان الحكم الذى تعلق به الظن اذا صار فعليا لزم اجتماع المثلين أو الضدين
لان الحكم الاول والآخر صارا فعليين.
قوله
: الامر الخامس هل يتنجز التكليف بالقطع كما يقضى
موافقته
عملا يقتضى موافقته التزاما.
قد ذكر انه اذا
حصل القطع وجب الحركة على طبقه عقلا لان العقل حاكم عليه ولا يخفى ان القطع موضوع
لحكم العقل واما القطع بالنسبة الى الحكم الشرعي فهو طريق.
وذكر فى هذا الامر
انه اذا حصل القطع بوجوب شيء ثبت العمل الجوانحى والجوارحى والمراد من العمل
الجوارحى هو العمل على طبقه خارجا والمراد من العمل الجوانحى هو الاعتقاد قلبا
والظاهر ان الاحكام الفرعية كلها عمل جوارحى أى يتوقف حصولها على السمع والبصر
واليد والرجل فيطبّق العمل الجوارحى على الصلاة واما العمل الجوانحى هو الالتزام
القلبى فاطاعة الله والرسول لازم قلبا وعملا.
الحاصل انه اذا
حصل القطع على الوجوب وجب الامتثال قلبا وعملا فكان للمكلف امتثالان وطاعتان
أحدهما بحسب القلب والجنان بان يعقد فى قلبه والتزم فيه والآخر بحسب العمل
بالاركان.
وقال بعض ان
الواجب هو الامتثال العملي لا القلبي فيبحث هنا من وجوب الامتثال أى هل يجب عقلا
امتثالان أو امتثال واحد قال صاحب الكفاية الحق هو الثاني اى كان الواجب على
المكلف الامتثال العملية ولم يكن عدم الامتثال من حيث الالتزام موجبا للعقاب وان
كان موجبا لانحطاط درجة عند السيد.
قال شيخنا الاستاد
انه لا فرق بين عقد القلب والقطع والعلم وهذه المسألة نظرية أى قال صاحب الكفاية
فى ثلاثة موارد ان القطع غير اعتقاد والمراد من هذه الموارد الاول فى باب
الانسداد الثانى
فى تنبيهات الاستصحاب الثالث فى هذا المبحث فيبحث هنا انه يمكن حصول العلم من دون
الاعتقاد وأيضا يمكن حصول الاعتقاد من دون العلم كحصول الاعتقاد للشخص ظنا وذكر
هذا فى التاريخ ان الكفار يعرفون النبى كما يعرفون ابناءهم أى يعرفون النبى وينكرون
النبوة أى كان لهم العلم بالنبى لكن ليس لهم العقيدة القلبية بل يعتقدون على خلاف
قطعهم فثبت من هذا ان العقيدة صفة النفس وعقد القلب فيمكن التفكيك بين القطع
والاعتقاد قد علم ان هذه المسألة نظرية لذا قال بعض ان التفكيك لا يمكن بين القطع
والاعتقاد.
ولا يخفى ان هل هو
فى جانب الاعتقاد مسلم أى الموضوع مسلم لكن البحث انما يكون فى تفكيك بين القطع
والاعتقاد فيقال ان عقد القلب بعد توضيح التشريع يعرف كونه متعلقا بالقلب قد عرف
التشريع بانه ادخال ما لم يكن من الدين فى الدين فالتشريع حقيقة مال القلب مثلا
اذا اعتقد على الشيء الذى هو خلاف الشرع فهو التشريع.
فيسأل ان عقد
القلب جوهر أو عرض والجواب انه عرض كالعلم فهو من مقولة الكيف ولم يكن مقولة الفعل
لان مقولة الفعل يحتاج الى الشيئين كان احدهما مسخرا فى الآخر ولا اشكال فى وجود
عقد القلب بعبارة اخرى لا اشكال فى هل هو بل هو مسلّم أى وجود عقد القلب مسلّم
وانما الاشكال فيما هو أى اشكال فى كونه من أىّ مقولة.
قال الشيخ الاعظم (قدسسره) ان عقد القلب فى تعبديات لا التوصليات فالتعبديات لا تصح
من دون الاعتقاد واما
التوصليات فلا
تحتاج الى العقد القلب.
فالحاصل ان
التعبديات تقتضى الموافقة من حيث القلب والروح والجوارح فليس المراد الشكل
الصنوبرى بل المراد من القلب هو الروح قد علم هنا انه يسأل من حكم العقل أى هل
يكون فى المقام امتثالان احدهما من حيث الالتزام والآخر من حيث العمل فى الخارج
فيمكن ان يكون الشخص ممتثلا من حيث الالتزام القلبى ويكون مستحقا للعقاب من حيث
ترك العمل الخارجى.
أو هل يكون فى
المقام امتثال واحد أى يكون الامتثال وعدمه فى العمل الخارجى واما المخالفة
الالتزامية فلم تكن موجبة للعقاب عقلا وان كانت موجبة لانحطاط المرتبة عند المولى
قال صاحب الكفاية الحق هو الثانى لشهادة الوجدان بذلك أى يكون العبد مستحقا للثواب
للامتثال العملي ولم يكن مستحقا للعقاب لعدم الالتزام والعقد القلب.
قوله
: ثم لا يذهب عليك انه على تقدير لزوم الموافقة الالتزامية لو كان المكلف متمكنا
منها تجب الخ.
واعلم ان الشيخ (قدسسره) قد ادخل الامر الخامس فى الامر الرابع ولم يبحث عن
الموافقة الالتزامية مستقلا قال فى الامر الرابع لا يمكن موافقة القطعية وكذا
المخالفة القطعية أى اذا دار الامر بين المحذورين فلم يمكن الموافقة القطعية وكذا
لم يمكن المخالفة القطعية توضيحه اذا دار الامر بين المحذورين لزم اجتماع الضدين
فى صورة الموافقة القطعية أى يلزم اجتماع الوجوب والحرمة.
وكذا لا يمكن
المخالفة القطعية فى صورة دوران الامر بين
المحذورين للزوم
ارتفاع النقيضين أى لم يكن هذا شيء واجبا ولا حراما مع العلم الاجمالى بالوجوب أو
الحرمة ولا يخفى ان عدم الامكان الموافقة القطعية والمخالفة القطعية انما يكون فى
مقام العمل الخارجى لا فى مقام الالتزام قال الشيخ (قدسسره) انه يجرى الاصل فى هذا المقام فى الشبهة الموضوعية بلا
اشكال واما فى الشبهة الحكمية قد اختلف فى جريان الاصل فيها قال الشيخ بعد ما ذكر
ان الموافقة الالتزامية ممكنة وكذا المخالفة الالتزامية ولا اشكال فى هل هو أى لا
اشكال فى امكان الموافقة الالتزامية وانما الاشكال فى ما هو أى الاشكال فى وجوب
الموافقة الالتزامية قال الشيخ لا تجب الموافقة الالتزامية ان قلنا بوجوب الموافقة
التزامية فيكون فى اطاعتها ثواب وفى مخالفتها عقاب.
الحاصل انه لا
يمكن الموافقة العملية فى صورة دوران الامر بين المحذورين ويمكن الموافقة
الالتزامية أى يلتزم فيما هو عند الله تعالى قد ثبت التفكيك بين الموافقة
الالتزامية والعملية فى صورة دوران الامر بين المحذورين؟؟؟؟ أى يمكن الموافقة
الالتزامية فى صورة دوران الامر بين المحذورين ولا يمكن فى صورة العلم الاجمالى
ودوران الامر بين المحذورين الموافقة العملية وكذا لا يمكن المخالفة العملية لوجود
المانع وهو اجتماع الضدين فى الموافقة العملية وارتفاع النقيضين فى المخالفة
القطعية قال صاحب الكفاية لا يجب عليه الموافقة القطعية ولا يمكن عليه المخالفة
القطعية لامتناعهما أى للزوم اجتماع الضدين أو لزوم ارتفاع النقيضين.
قوله
: ان ابيت الا عن لزوم الالتزام بخصوص عنوانه لما كانت موافقة القطعية الالتزامية
حينئذ ممكنة.
أى ان قلت انه
يشترط فى الموافقة الالتزامية معرفة خصوص نوع التكليف لا جنسه أى يعرف المكلف انه
واجب أو حرام ولا يكفى جنس التكليف بان يقول ما هو عند الله قلت انه لا يصح على
هذا الاشتراط الموافقة الالتزامية القطعية بعبارة شيخنا الاستاد يسقط التكليف ان
اشترط تعيين نوع التكليف لان القدرة شرط فى التكليف ولم يكن المكلف قادرا لمعرفة
نوع الخاص من التكليف قال صاحب الكفاية انما وجب عليه التزام بواحد قطعا أى اذا
كان دوران الامر بين المحذورين لم يكن الالتزام باحد الطرفين واجبا لاجماله ويحتمل
ان يلتزم بضد التكليف مثلا التزم المكلف على الوجوب ويمكن ان يكون فى الواقع
الحرمة أو التزم بالحرمة ويمكن ان ليكون فى الواقع الوجوب لان كل الوجوب والحرمة
كان من اطراف العلم الاجمالى ولا يخفى ان المحذور الالتزام بضد التكليف عقلا ليس
باقل من محذور عدم التزام به لان الالتزام بضد التكليف موجب لعدم التزام بالتكليف
ومع الالتزام بضده.
واما اذا لم يلزم
المكلف بالتكليف فهو موجب لانتفاء الالتزام بالتكليف فقط.
ان قلت ان
الالتزام بشخص التكليف ممكن تخييرا قلت ان قلنا بالتزام شخص التكليف فهو الالتزام
نفسه عينا لا تخييرا أى ليس المراد التزام بشخص التكليف وضده تخييرا لأن هذا
التخيير ثابت من دون الالتزام فالتخيير فى مقام العمل ثابت لان الانسان فى الخارج
اما فاعل واما تارك.
قوله
: ومن هنا قد انقدح انه لا يكون من قبل لزوم الالتزام مانع عن اجراء الاصول
الحكمية أو الموضوعية إلخ.
قال الشيخ يجب
الالتزام على ما هو فى الواقع ولا يصح الالتزام على العنوان الخاص قال لا مانع من
جريان الاصل فى مورد دوران الامر بين المحذورين فالاصل فى الشبهة الموضوعية يرفع
الموضوع وفى الشبهة الحكمية يرفع الوجوب أو الحرمة الحاصل ان اجراء الاصل فى دوران
الامر بين المحذورين ممكن مثلا يقال ان الاصل عدم الالتزام بالوجوب وعدم الالتزام
بالحرمة قال الشيخ فى الرسائل لا مانع من اجراء الاصل فى الشبهة الموضوعية وكذا فى
الشبهة الحكمية كما يقال الاصل عدم النذر بوطى المرأة أو اصل عدم النذر بترك وطيها
فلا مانع من اصالة عدم الالتزام بالوجوب أو الحرمة فيصح اجراء الاصل فى هذا المورد
ولا يمنع المخالفة الالتزامية من جريان الاصل.
وأيضا لا ينفع
جريان الاصل فى دفع محذور عدم الالتزام وكذا لا ينفع فى دفع محذور الالتزام بخلاف
الواقع أى قد ذكر سابقا انه ان لم يلتزم النوع الخاص من التكليف لزم عدم الالتزام
بالتكليف وان التزم النوع الخاص من التكليف لزم خلاف الواقع أى يحتمل التزام خلاف
الواقع لان المكلف جاهل للواقع لكن جريان الاصل لا ينفع فى دفع هذين المحذورين
الاعلى وجه دائر لان جريان الاصول موقوف على عدم المحذور فى عدم الالتزام بالتكليف
وأيضا توقف عدم المحذورية على جريان الاصول بحسب الفرض هذا اشكال الاول على جريان
الاصول.
قوله
: اللهم الا ان يقال ان استقلال العقل بالمحذور الخ.
هذا دفع للاشكال
الدورى حاصله ان العقل يدل على المحذور فى صورة عدم الالتزام فيما لم يكن الترخيص
فى الاطراف واما فى ما نحن فيه فالترخيص ثابت فى الاقدام والاقتحام فى الاطراف أى
فى اطراف العلم الاجمالى فلم يكن فى المقام المحذور حتى يتوقف جريان الاصل على
عدمه فلا يتوقف جريان الاصل على عدم المحذور قد تمّ الاشكال الدورى مع جوابه.
الاشكال الثانى
على جريان الاصل ان الشرط فى جريان الاصل هو ترتب الاثر فلا يكون الاثر فى جريان
الاصل هنا مثلا استصحاب عدم وجوب الالتزام لا يترتب الاثر عليه لان جريان الاصول
مفيد للتخيير هذا ثابت من دون جريان الاصل لان المكلف فى دوران الامر بين
المحذورين مخيّر.
الاشكال الثالث ان
ادلة الاصول لا تشمل اطراف العلم الاجمالى مثلا الدليل للاستصحاب هو لا تنقض
اليقين بالشك الا باليقين الآخر ان قلنا بجريان الاستصحاب فى المقام فيناقض صدر
هذا الدليل مع ذيله توضيحه اذا علم اجمالا بنجاسة احد الإناءين فلم يصح جريان
الاصول فى اطراف العلم الاجمالى مثلا ان استصحب طهارة تمام الاطراف فيتناقض الصدر
أى لا تنقض اليقين مع الذيل أى الا بيقين آخر لان الصدر يدل على استصحاب الطهارة
فى طرفى العلم الاجمالى اى يجوز ارتكاب الطرفين واما الذيل أى الا باليقين الآخر
فيدل على عدم جواز ارتكاب جميع الاطراف لان العلم الاجمالى بعد جريان الاصل ينحل
الى العلم التفصيلى أى بعد جريان الاصل وارتكاب جميع الافراد يعلم المكلف مفصلا
انه ارتكب الحرام
فيعلم من ذيل الدليل عدم جواز ارتكاب جميع الافراد أى لا تنقض اليقين يدل على جواز
ارتكاب جميع الافراد ويعلم من الذيل عدم جواز ارتكاب جميع الافراد بعبارة اخرى ان
صدر الدليل يدل على حلية جميع افراد طرفى الشبهة وذيل يدل على عدم حلية جميع طرفى
الشبهة هذا تناقض صريح بين الصدر والذيل فى الدليل المذكور واجيب عن تناقض الصدر
والذيل بقوله وان كان محل تأمل ونظر فتدبر أى قال صاحب الكفاية ان الشيخ الاعظم
ذكر تناقض صدر وذيل الدليل فى اخير مبحث الاستصحاب لكن محل تأمل وجهه ان الرواية
على قسمين احدهما لا تنقض اليقين بالشك الا باليقين الآخر وثانيهما لا تنقض اليقين
بالشك ابدا ولم يكن الذيل فى القسم الثانى فظهر انه لزم تناقض الصدر والذيل فيما
كان للرواية الذيل كالقسم الاول واما اذا لم يكن للرواية الذيل كالقسم الثانى فلم
يلزم التناقض.
قوله
: الامر السادس لا تفاوت فى نظر العقل اصلا فيما يترتب على القطع من الآثار عقلا
بين ان يكون حاصلا بنحو المتعارف أو غير متعارف.
قال الشيخ (قدسسره) فى الرسائل فى مبحث القطع ينبغى التنبيه على امور وبيّن
فى الامر الثانى النزاع مع الاخباريين قال الامر الثانى انك قد عرفت انه لا فرق
فيما يكون العلم فيه كاشفا محضا بين اسباب العلم وينسب الى غير واحد من اصحابنا
الاخباريين عدم الاعتماد على القطع الحاصل من المقدمات العقلية
القطعية الغير
الضرورية لكثر الاشتباه والغلط فيها فلا بد ان يحصل القطع من الكتاب والسنة.
وقال فى الامر
الثالث قد اشتهر فى السنة المعاصرين ان قطع القطاع لا اعتبار فيه والمراد من
القطاع بالفارسية أى خوش باور ونقل هذا من تصريح كاشف لغطاء (قدسسره) أى صرح كاشف الغطاء بعد الحكم بان كثير الشك لا اعتبار
بشكه وكذا من خرج قطعه أو ظنه فيلغو اعتبارهما فى حقه قد جمع صاحب الكفاية بين
الامر الثانى والثالث فقال ان القطع حجة مطلقا أى سواء حصل من المقدمات العقلية أو
الشرعية سواء كان الشخص قطاع أو غيره بعبارة اخرى سواء كان حصوله بنحو متعارف أو
غير متعارف والظاهر ان هذا الحكم للقطع الطريقى واما القطع ـ الموضوعى فهو تابع
لدليله قد يد الدليل فيه بحصوله حسا مثلا القطع فى اداء الشهادة موضوعى فلا بد من
حصوله حسا وأيضا شرط حصوله بنحو المتعارف.
قال الشيخ فى
الرسائل ان علم المجتهد موضوع حكم للمقلدين فيعلم من الدليل كون هذا العلم من
الكتاب والسنة لا العلم الذى حصل من الرمل والجفر وان كان علم المجتهد بالنسبة
بنفسه طريقا فلا فرق بين حصوله من الكتاب والسنة أو الرمل والجفر فظهر ان القطع
الموضوعى تابع لدليله واما القطع الطريقى فهو حجة من أى سبب كان.
قال صاحب الكفاية
لا فرق بين القطاع وغيره وان نسب الى بعض الاخباريين انه لا اعتبار بالقطع الذى
كان من المقدمات العقلية وكذا نسب الى السيد الصدر لكن اذا رجعنا الى كلمات
الاخباريين والى
كلمات السيد يعلم انه لا يصح ما نسب اليهم بل كان كلام السيد الصدر فى بيان
الملازمة بين حكم العقل والشرع قال إنّه لا ملازمة بين حكم العقل والشرع أى لا
يدرك توسط العقل ملاكات الاحكام واما قولنا كل ما حكم به الشرع حكم به العقل فهذا
صحح لكن عكسه ليس صحيحا أى كلما حكم به العقل حكم به الشرع ليس هذا صححا فعلم ان
كلام السيد الصدر فى عدم الملازمة بين حكم العقل والشرع ولم يكن كلامه فى عدم
اعتبار القطع من المقدمات العقلية.
الحاصل ان ما نسب
الى الاخباريين ليس صحيحا لان مقصودهم عدم حصول القطع من المقدمات العقلية بل يحصل
من هذه المقدمات الظن وان حصل القطع من هذه المقدمات فهو حجة ولم يدل كلام العلماء
على عدم حجية القطع الحاصل من المقدمات العقلية بل يدل كلامهم على حصول الظن من
هذه المقدمات قد ذكر الشيخ المحدث الامين انّ لمقدمات العقلية غير الضرورية لا
تفيد الا ظنا.
واستدل فى فوائده
على انحصار مدرك ما ليس من ضروريات الدين فى السماع عن الصادقين عليهمالسلام اى ذكر المحدث المذكور فى فوائده ادلة كثيرة قال الرابع
انّ كل مسلك غير ذلك المسلك ولا يخفى ان الرابع من الادلة التى ذكرها المحدث الامين
الاسترابادى فى فوائده وذكر صاحب الكفاية عين عبارة الفوائد ولا يتوهم ان الرابع
من الامور التى ذكرها المصنف بقوله ينبغى التنبيه على امور.
قد ذكر الشيخ (قدسسره) فى الرسائل ان مقصود الحديث
الاسترابادى عدم
حجية القطع الذى حصل من المقدمات العقلية واما صاحب الكفاية فقد فهم من كلام
المحدث عدم حصول القطع من المقدمات العقلية فوجب الرجوع الى الائمة (ع) قد علم ان
نتيجة كلام المصنف عدم الفرق بين القطاع وغيره فى القطع الطريقى وأيضا لا فرق بين
اسباب القطع فلا يصح نسبة عدم حجية القطع الذى كان من المقدمات العقلية الى السيد
الصدر بل كان مقصوده عد حصول القطع من هذه المقدمات.
قوله
: قال فى فهرست فصولها أيضا الاول فى ابطال جواز التمسك بالاستنباط الظنية.
أى قال المحدث
الاسترابادى فى فهرست فصول فوائده الفصل الاول فى ابطال جواز التمسك بالظن فى
الاحكام الشرعية يذكر هنا الجملة المعترضة بيّن المصنف استدلال المحدث الاسترابادى
فى فوائده لكن لم يبيّن انها المدنية او المكية فالوجه التسمية بالمدنية والمكية
ان كل كتاب الّف فى المدنية يسمى الفوائد المدنية وما الّف فى المكة يسمى الفوائد
المكية وما الّف فى النجف يسمى الفوائد الغروية وما الّف فى المشهد المقدس يسمى
الفوائد الرضوية.
قد بين صاحب
الكفاية فى الامر السادس المقصدين :
الاول ان قطع
القطاع حجة كغيره اى لا فرق فى حصوله من المتعارف أو غيره.
واما القطع
الموضوعى فهو تابع لدليليه اى يحكم على طبق الدليل قد ذكر انه نسب الى بعض
الاخباريين عدم حجية القطع
الذى حصل من
المقدمات العقلية قال المصنف لا يصح هذه النسبة الى الاخباريين لان عباراتهم لا
تدل على هذا بل يفهم من عباراتهم عدم حصول القطع من المقدمات العقلية وانما نهى عن
الخوض فى المقدمات العقلية لتحصيل المطالب الشرعية لكثرة وقوع الغلط والاشتباه
فيها فالمقصود من كلام الاخباريين هو عدم الخوض فى المقدمات العقلية لعدم حصول
العلم منها ولوقوع الغلط والاشتباه فيها ولو حصل القطع منها لكان حجة هذا ما فهم
المصنف من كلمات الاخباريين.
وقال بعض ان القطع
من المقدمات العقلية لم يكن حجة لان القطع بالحكم الشرعى لا بد ان يكون عن الولاية
ولا يقبل العمل من دون الولاية وان كان مطابقا للواقع ثم ان الاحتمال فى كلمات
الاخباريين سبعة الاول ما ذكره المصنف من ان مرادهم من العقلى الذى لا يجوز
الاستناد اليه هو خصوص الظنى منه واما العقلى المفيد للقطع فهو حجة الثانى ما احتمله
الشيخ في الرسائل من ان مرادهم عدم الخوض فى المطالب العقلية اولا وان كان عقلا
القطع الحاصل منها حجة الثالث ان يكون مرادهم شرطية السماع عن المعصوم (ع) فى صحة
العمل قد ذكر هذا آنفا الرابع أن يكون مرادهم تقييد الاحكام بمرتبة انشائها
بالسماع عنهم (ع) الخامس ان يكون مرادهم شرطية السماع عن المعصوم فى فعلية التكليف
الواقعى السادس ما ذكره بعضهم من ان مرادهم موضوعية القطع الذى لم يكن من المقدمات
العقلية السابع ما نسب اليهم من عدم حجية القطع بالحكم الفعلى الحتمى الحاصل من
الدليل العقلى لكن قد عرفت ان الظاهر فى كلماتهم هو الاول اى عدم
حصول القطع من
المقدمات العقلية.
قد اختلف فى اخذ
العلم فى الموضوع قال بعض ان الحكم الاولى ثابت مطلقا مثلا الوجوب ثابت للصلاة
مطلقا لان العلم والجهل كانا من العناوين الثانوية ولا يؤخذ العنوان الثانوى أى
العلم فى العنوان الاولى اى الوجوب فالحكم بالعنوان الاولي موجود لكن العلم الذى
هو العنوان الثانوى هو متمم الجعل.
فثبت مما ذكر ان
مقصود المصنف حجية العلم من اى سبب كان كما قال وكيف كان فلزوم اتباع القطع مطلقا
وصحة المؤاخذة على مخالفته عند اصابته وكذا ترتب سائر الآثار عليه عقلا مما لا
يكاد يخفى على عاقل فضلا عن فاضل ان قلت قد منع فى شريعة عن العلم التفصيلى الذى
يحصل عن الاجمالى قال صاحب الكفاية فى الجواب فلا بد فيما يوهم خلاف ذلك فى
الشريعة من المنع عن حصول العلم التفصيلى بالحكم العقلى لاجل منع بعض مقدماته اى
اجاب عن منع حصول العلم التفصيلى عن العلم الاجمالى على وجه مانع الخلوّ مثلا يقال
ان متعلق العلم التفصيلى ليس فعليا اما لانتفاء شرطه او لوجود مانعه اى اجيب على
وجه الاجمال لكن لا يعلم ان الشرط المفقود ما هو أو المانع الموجود ما هو.
قد ذكر الشيخ (قدسسره) فى الامر الرابع فى الرسائل أن المعلوم بالاجمال هل هو
كالمعلوم بالتفصيل ام لا وقال بعد ذلك ان العلم حجة من اى سبب يتولد حتى العلم
التفصيلى الذى يتولد من العلم الاجمالى وقال لا فرق بين هذا العلم التفصيلى وبين
غيره من المعلومات تفصيله الا انه قد وقع موارد يوهم
خلاف ذلك أى اشكال
على حجية العلم التفصيلى الذى يتولد من العلم الاجمالى وذكر ثمانية موارد بلفظ
منها فاجاب من هذه الاشكالات حاصله قال الشيخ ان عدم حجية العلم التفصيلى فى هذه
الموارد اما لفقدان الشرط واما لوجود المانع أى أجاب عن الاشكالات على سبب منع
الخلوّ.
واعلم ان مقصود
المصنف والشيخ واحد فى ان القطع حجة من أى سبب حصل وان كان عبارتهما مختلفان.
البحث فى العلم
الاجمالى
قوله
: الامر السابع انه قد عرفت كون القطع التفصيلى بالتكليف الفعلى علة تامة لتنجزه
الخ.
قد بين الشيخ فى
الرسائل ان العلم الاجمالى هل هو كالعلم التفصيلى فى تنجز التكليف أم لا وهل يكون
موجبا للامتثال أم لا وذكر فى العروة ان العلم الاجمالى ان كان موجبا لتكرير الفعل
فلم يكن حجة قال شيخنا الاستاد ان ترتيب هذا البحث على ما رتبه صاحب الكفاية احسن
مما رتبه الشيخ لان الشيخ بحث اولا من ان العلم الاجمالى موجب للامتثال أم لا واما
صاحب الكفاية فقد بحث اولا من تنجز التكليف بالعلم الاجمالى وبحث ثانيا عن امتثال
التكليف بالعلم الاجمالى أى صاحب الكفاية ذكر هذا البحث بالترتيب لان مرتبة التنجز
مقدم على الامتثال فالبحث فى الامر السابع فى العلم الاجمالى أى هل يكون العلم
الاجمالى كالعلم التفصيلى فى تنجز التكليف وتحرك على طبقه قال المصنف ان
التكليف لا يتنجز
بالعلم الاجمالى لان التكليف بالعلم الاجمالى لم ينكشف تمام الانكشاف فقد خولف
كلام المصنف هنا مع ما ذكره فى باب الاشتغال لان المصنف قال فى هذا المقام ان
العلم الاجمالى لم يكن علة تامة لثبوت الحكم بل كان مقتضيا وقال فى باب الاشتغال
ان العلم الاجمالى كالتفصيلى فيتناقض قوله هنا مع قوله فى باب الاشتغال.
والجواب ليس
التناقض فى قوله لان متعلق العلم الاجمالى ان كان حتميا فهو كالعلم التفصيلى لذا
قال فى باب الاشتغال ان العلم الاجمالى كالتفصيلى واما اذا كان متعلق العلم
الاجمالى غير الحتمى فهو مقتضى ولم يكن علة تامة.
اما وجه تسمية
العلم بالاجمالى والتفصيلى فيقال انه لا اجمال فى نفس العلم بل الاجمال انما كان
فى متعلقه بعبارة اخرى اذا كان التردد فى متعلق العلم يسمى العلم الاجمالى مثلا لم
يعلم ان متعلق التكليف صلاة الظهر أو صلاة الجمعة الحاصل ان متعلق التكليف فى
العلم الاجمالى متردد والتكليف معلوم واما فى العلم التفصيلى فالتكليف ومتعلقه
معلومان ولا فرق ان يكون العلم الاجمالى فى الشبهة الحكمية أو الموضوعية مثلا علم
الشخص ان الاكرام واجب لكن لم يعلم الموضوع هل هو زيد أو عمرو هذا شبهة حكمية واما
اذا تردد الحرمة بين الشيئين بعبارة اخرى اذا كان التكليف الالزامى معلوما وكان
تردده بين الوجوب والحرمة فهو شبهة حكمية.
ان قلت اذا لم يكن
العلم الاجمالى حجة فما الوظيفة للمكلف
قلت ان مرتبة
الحكم الظاهرى محفوظة لان متعلق التكليف متردد قد اذن الشارع على مخالفته أى يجوز
ارتكاب احد طرفى الشبهة بل يجوز ارتكاب طرفى الشبهة بان يجرى الاصل فى كل من طرفى
الشبهة واعلم ان الاقوال فى العلم الاجمالى مختلفة قال بعض ان العلم الاجمالى
مقتضى لا العلة التامة فيجوز مخالفته وقال بعض ان العلم الاجمالى بالنسبة الى
المخالفة القطعية علة تامة واما بالنسبة الى الموافقة القطعية فهو مقتضى وقال بعض
آخر ان العلم الاجمالى بالنسبة الى الموافقة القطعية لم يكن علة ولا مقتضيا اما
صاحب الكفاية فيقول ان مرتبة الحكم الظاهرى محفوظة لعدم العلم التفصيلى بمتعلق
التكليف فيجوز ارتكاب احد الطرفين بل يجوز ارتكابهما معا.
فان قلت هذا
مستلزم لاجتماع المثلين أو الضدين أى ان كان الحكم الظاهرى مثل الحكم الواقعى فهو
اجتماع المثلين وان كان الحكم الظاهرى مقابلا للحكم الواقعى فهو اجتماع الضدين
الحاصل انه يلزم التناقض فى كلام الشارع بعبارة اخرى يلزم ان يكون الشيء الواحد
واجبا وحراما مثلا اذا كان الحكم الظاهرى هو الوجوب والواقعى هو الحرمة أو بالعكس
قلت لا تقل هذا لان ارتكاب جميع اطراف الشبهة غير المحصورة عند اهل العرف جائز
عقلا أى اذا لم يمكن الاحتياط أو كان مستلزما للعسر والحرج.
ان قلت ان الشبهة
غير المحصورة محتمل لاجتماع النقيضين ولم يكن فيه القطع باجتماعهما قلت لا فرق بين
احتمال اجتماع
النقيضين والقطع
باجتماعهما فيقال هنا ما يقال فى الشبهة البدوية فى الشبهة غير المحصورة أى فى
الشبهة البدوية يمكن ان يكون الحكم الظاهرى مناقضا للحكم للواقعى فكان الجواب
الجواب قد ذكر فى جمع الحكم الظاهرى مع الواقعى ان مرتبة الحكم الواقعى تتنزل
ومرتبة الحكم الظاهرى ترفع بالعبارة الفارسية حكم واقعى پايين مى آيد اما مرتبه
حكم ظاهرى بالا مى رود أى حكم واقعى در مرتبه غير حتمى مى باشد اما مرتبه حكم
ظاهرى حتمى نبود الآن حتمى مى شود.
واعلم ان البحث
كان فى موردين الاول ان العلم الاجمالى هل يوجب تنجز التكليف أم لا بعبارة اخرى ان
العلم الاجمالى هل يكون علة تامة لتنجز التكليف أم يكون مقتضيا فيبحث فى المقام ان
العلم الاجمالى علة لتنجز التكليف أو مقتضى فان كان علة فلم يكن المورد للاصول
العلمية ولم يكن موردا لترخيص الشارع فى ارتكاب اطراف العلم الاجمالى واما اذا كان
العلم الاجمالى مقتضيا لتنجز التكليف كان اطراف العلم الاجمالى موردا للاصول
ولترخيص الشارع فى الارتكاب فالعلم الاجمالى على قول المصنف مقتضى لتنجز التكليف
فكان المقام موردا للبراءة ان قلت مع وجود العلم فلم يكن المقام موردا للبراءة قلت
سلمنا وجود العلم واما متعلقه فهو مجهول بعبارة اخرى القصور من ناحية المعلوم لا
العلم مثلا لا يعلم ان هذا الفرد نجس أو ذاك.
قوله
ولا يخفى ان المناسب للمقام هو البحث عن ذلك الخ.
هذا تعريض على
الشيخ لانه ذكر هذا المبحث فى باب البراءة
والاشتغال والا
نسب ذكره فى باب القطع أى كون العلم الاجمالى علة تامة مناسبا ذكره فى باب القطع
والمناسب فى باب البراءة والاشتغال مبحث الشك لا القطع قال صاحب الكفاية ان
المناسب فى باب البراءة والاشتغال بعد الفراغ عن بحث العلم الاجمالى من كونه علة
تامة أو مقتضيا اذا كان العلم الاجمالى مقتضيا كان البحث عن ثبوت المانع وعدم
ثبوته شرعا أو عقلا فالمناسب البحث عنه فى باب القطع قد ذكر الى هنا البحث عن
العلم الاجمالى فى تنجز التكليف ويذكر بعده البحث عن المورد الثانى أى يبحث عن اسقاط
وامتثال التكليف بالعلم الاجمالى.
بقوله
واما سقوطه به بان يوافقه اجمالا فلا اشكال فيه فى توصليات الخ.
يبحث هنا فى سقوط
وامتثال التكليف بالعلم الاجمالى فموضوع البحث اما توصليات واما تعبديات وهى على
قسمين اى اما كانت التعبديات قابلة للتكرار واما لم تكن قابلة التكرار.
وما كانت قابلة
للتكرار كالصلاة الّتي يتردد المكلف فيها بين القصر والاتمام فكان الامتثال
الاجمالى فى هذا المورد موجبا للتكرار فيبحث هنا ان الحركة هل تكون الى هذه الصلاة
تفصيلا أم يكفى الحركة اليها اجمالا فيحتاط المكلف بالجمع بين القصر والاتمام هذا
مثال للتعبديات الّتي تحتاج الى التكرار.
واما ما لم تكن
محتاجة الى التكرار مثلا يعلم المكلف ان الصلاة شاملة للاذكار الواجبة والمستحبة
لكن لم يعلم مفصلا فيأتى كل هذه الاجزاء ويحصل العلم باتيان الاجزاء الواجبة
اجمالا لكن لا
تعرف الاجزاء
الواجبة مفصلة.
قال المصنف اذا
كان الواجب توصليا فلا اشكال فى الامتثال الاجمالى مثلا قال المولى اكرم زيدا واما
المخاطب فلم يعرف زيدا بعينه أى يعلم ان احد هذين زيد فيأتى اكرامهما فلا اشكال فى
الامتثال الاجمالى فى التوصليات مع امكان الامتثال التفصيلى الحاصل ان الامتثال
الاجمالى فى التوصليات كاف لان الغرض يحصل فيها باى داع أتيته أى لا تحتاج الى قصد
القربة مثلا اذا ، دار الامر بين اتيان التسبيح مرة أو ثلاث مرات فى الركعتين
الاخيرتين من الصلاة أو فى الركعة الثالثة فلم يعلم ان الواجب هو الاقل او الاكثر
ولا تحتاج العبادة الى التكرار فلا اشكال فى الامتثال الاجمالى واما السيد مرتضى
واخوه السيد رضى قالا ان العبادة بدون الامتياز باطلة أى لا بد من الامتياز بين
الاجزاء الواجبة والمستحبة. والجواب ان الدليل لهما هو الاجماع المنقول فلا يضر فى
اتيان الصلاة عدم قصد الوجه والتميز لان العبادة كانت لله تعالى ولا دليل لقصد
الوجه والتميز فى العبادة واعلم ان قصد الوجه اما ان يكون بنحو الغاية وإما ان
يكون بنحو التوصيف مثلا ان قال المولى افعل الصلاة لوجوبه فهذا بنحو الغاية لان
لام للغاية وان قال ان الصلاة واجبة فهذا بنحو التوصيف قال المصنف يصح اتيان العبادة
من دون قصد الوجه والتميز لعدم الدليل على قصدهما.
توضيحه ان الصلاة
مركبة من الركوع والسجود والقيام والقعود هذه الاجزاء ثبت شرعا قبل الامر واما قصد
القربة والوجه والتميز فهذه القيود تجىء بعد الامر والظاهر ان هذه القيود تعتبر
عقلا ولم تكن من ناحية الشرع قد ذكر فى المجلد
الاول فى باب
الاوامر ان قصد القربة لا يؤخذ فى متعلق الامر شرعا لان قصد القربة ان اعتبر شرعا
فهذا مستلزم للدور لان قصد الامتثال فرع وجود الامر ومتأخر عن الامر فان اخذ فى
متعلق الامر صار مقدما فيلزم ان يكون المتقدم متأخرا أو المتأخر متقدما هذا خلف أو
دور أى نتيجة الدور فظهر ان قصد القربة والوجه لم يعتبر شرعا ويصح الامتثال
الاجمالى فيما لا يحتاج الى التكرار.
قوله
واما فيما احتاج الى التكرار فربما يشكل من جهة اخلال بالوجه تارة وبالتميز اخرى
الخ.
قد ذكر الى هنا ان
الامتثال الاجمالى يصح فى التعبديات فيما لا يحتاج الى التكرار ويبحث الآن من
الامتثال الاجمالى فى التعبديات فيما احتاج الى التكرار قال المصنف ربما يشكل فى
هذه الصورة من ثلاثة اوجه :
الاول ان الامتثال
فى صورة التكرار موجب للاخلال بالوجه.
الثانى ان
الامتثال الاجمالى موجب للاخلال بالتميز.
الثالث ان التكرار
فى صورة امكان الامتثال التفصيلى لغو ولعب.
أجاب المصنف عن
الاشكالات الثلاثة بقوله وانت خبير بعدم الاخلال بالوجه فى الاتيان الخ.
هذا ردّ للاشكال
الاول حاصله انه لا يلزم من التكرار اخلال بقصد الوجه لان الداعى الى اتيان كل
واحد من المحتملين هو الامر فقصد الوجه موجود قطعا مثل يقصد الوجوب بنحو الغاية
أو بنحو الوصف
فليس التكرار مخلا فى قصد الوجه وانما يكون التكرار مخلا بالتميز والتعيين أى لا
يتميز المأمور به عن غيره فليس عدم التميز مخلا بالامتثال والاطاعة اذ لا دليل
لاعتباره من الاخبار مع ان قصد التميز مما يغفل عنه العامة.
واعلم ان الشيء
الذى يكون له دخل فى الغرض تارة يكون مما هو مركوز فى اذهان عامة الناس واخرى يكون
مما يغفل عنه عامة الناس فان كان من القسم الاول لم يلزم على المتكلم بيانه فيصح
الاعتماد على الارتكاز الذهنى وان كان من القسم الثانى أى ان كان مما بغفل عنه
العامة لزم على المتكلم بيانه والا لاخل بغرضه.
فثبت ان التكرار
لا يضر بقصد الوجه واما التكرار فهو مخل بقصد التميز وقد كان مما يغفل عنه العامة
فلو كان دخيلا فى الغرض لزم على المولى التنبيه عليه وقد عرفت ان الاخبار خالية عن
اعتبار قصد التميز.
فائدة ان الاجزاء
والشرائط ان لم تكن مما يغفل عنه العامة فيجرى الاشتغال وان كانت مما يغفل عنه
العامة كقصد التميز فتجرى البراءة بعبارة اخرى يتمسك باطلاق الدليل لانه لا يدل
على اعتبار قصد التميز.
الفرق بين قصد
الوجه والتميز ان قصد الوجه اتيان الواجب لوجوبه واتيان المستحب لاستحبابه واما
قصد التميز فهو راجع بالاجزاء مثلا ان هذا الجزء مأمور به دون ذاك يعلم ان هذا
الجزء واجب وذاك مستحب فيصح الامتثال الاجمالى بالنسبة الى الاجزاء لعدم الدليل
لقصد الجزئية.
ولا يخفى انه قد
ذكر الشهيد فى شرح اللمعة ان قصد الوجوب إما ان يكون من باب الغاية مثلا يقول
المكلف اصلى هذه الصلاة الواجبة لكونها واجبة أى اللام دال على الغاية وإما ان
يكون قصد الوجوب من باب الوصف ويقول المكلف اصلى هذه الصلاة الواجبة وقد ذكر للوجه
معنى آخر أى يؤتى الواجب شكرا لله أى اريد من قصد الوجه شكره تعالى لكن هذا المعنى
لم يعتبر عند الفقهاء وكان معتبرا عند المتكلمين قد ظهر جواب الاشكال عن قصد الوجه
والتميز فيما احتاج الى التكرار.
واما الجواب عن
كون التكرار لعبا وعبثا فيقال انه قد يكون لداع عقلائى مثلا اذا سئل المكلف حصل له
الامتثال التفصيلى لكن يخاف على عرضه أو توقف الامتثال التفصيلى على المشقة التى
لا يتحملها المكلف عادة وايضا يقال فى الجواب ان التكرار لم يكن لعبا بامر المولى
لكن لزم هذا الإشكال فى كيفية الاطاعة ولا يضر التكرار فى حصول الاطاعة قد كان
البحث الى هنا فى الامتثال الاجمالى مع تمكن الامتثال التفصيلى القطعى يبحث الآن
فى الامتثال الاجمالى مع امكان الامتثال الظنى التفصيلى.
قوله
اذا لم يتمكن الا من الظن به كذلك فلا اشكال فى تقديمه على الامتثال الظنى الخ.
قد بيّن ان
الامتثال الاجمالى فى عرض الامتثال التفصيلى جائز سواء كان فى التوصليات ام فى
تعبديات سواء احتاج الى التكرار أم لا قد ذكر ان قصد التميز لم يعتبر واما قصد
الوجه فقد اعتبر لكن التكرار لا يضر به أى يؤتى الفردان بقصد الوجوب
وعدم التعيين لا
يضر بالامتثال الحاصل انه ما اخل لا يضر وما يضر لم يخل فيبحث فى المقام عن الظن
التفصيلى أى هل يقدم الامتثال القطعى الاجمالى أو يقدم الامتثال الظنى التفصيلى
فيقال ان الامتثال بالعلم الاجمالى مقدم لانه وقع فى عرض العلم التفصيلى.
واعلم ان الامتثال
الظنى يتصور على ثلاثة اقسام :
الاول اذا لم يمكن
الامتثال العلمى صح الامتثال الظنى.
الثانى الامتثال
الظنى مع التمكن من الامتثال العلمى الاجمالى فيقدم فى هذا القسم العلم الاجمالى
مثلا لو اشتبهت القبلة صلي الى اربع جهات متقاطعة وقيل صلي الى ثلاث جهات بالخط
المثلث لان انحرافه اقل من ربع الدائرة لكن الشارع حكم بان صلى الى أربع جهات
متقاطعة على زوايا قوائم.
الثالث ان يكون
الامتثال الظنى بالظن المطلق المعتبر بدليل الانسداد بناء على ان يكون من مقدماته
بطلان الاحتياط لاستلزامه العسر والحرج فالمتعيّن هو العمل بالظن التفصيلى فيصير
هنا الظن التفصيلى اقوى من العلم الاجمالى بعبارة اخرى يصير الظن التفصيلى اقوى من
الاحتياط قد ذكر فى العروة ان عمل تارك الاجتهاد والتقليد باطل فلا بد ان يكون
المكلف مجتهدا أو مقلدا.
قوله
: وقبل الخوض فى ذلك ينبغى تقديم امور احدها انه لا ريب فى ان الامارة الغير
العلمية ليست كالقطع الخ.
قد ذكر سابقا فى
بيان احكام القطع ان حجيته ذاتية اى قال المصنف وكيف كان فبيان احكام القطع
واقسامه يستدعى رسم امور الامر الاول لا شبهة فى وجوب العمل على وفق القطع عقلا
ولزوم الحركة على
وفق القطع لان حجيته ذاتية الآن يبين ان الامارات الغير العلمية ليست حجيتها ذاتية
وأيضا ليست هذه الامارات مقتضية للحجية.
فان قلت ما وجه
حجية الامارات الغير العلمية.
قلت ان حجيتها
بجعل الجاعل او بطر والطارى اى بالدليل الانسداد واذا كانت حجيتها بجعل الشارع لم
تكن هذه الامارات مفيدة للقطع بل لم تكن مفيدة للظن لان الشارع جعلها حجة ولم يقل
انها مفيدة للظنّ وان افادت الظن النوعى.
واما اذا كانت هذه
الامارات حجة بمقدمات الانسداد فهى مفيدة للظن.
توضيح ما ذكر ان
الامارة الغير العلمية لم تكن حجة من دون جعل الجاعل او طرو الطوارى اى لم تكن حجة
بدون الجعل فى مقام الثبوت ولا فى مقام السقوط فالحجية ثابتة لها بجعل الشارع أو
بمقدمات الانسداد والظاهر ان مقدمات الانسداد من باب الحكومة تدل على حجية الامارة
عقلا بعبارة اخرى تدل على حجية الظن المطلق واما اذا كانت مقدمات الانسداد من باب
الكشف فالامارة الغير العلمية حجة شرعا الفرق بين الحكومة والكشف والمراد من
الحكومة ان العقل يحكم بحجية الظن المطلق بعد ترتيب مقدمات الانسداد.
والمراد من الكشف
هو كشف حكم الشارع على حجية الظن أى اذا تمت مقدمات الانسداد يكشف ان الشارع جعل
الظن الحاصل من خبر واحد حجة فتصير حجية فى هذه الصورة شرعية قد ذكر فى عبارات
الظن المطلق والظن الخاص والظن الشخصى والظن النوعى
والمراد من الظن
المطلق كل ظن قام دليل الانسداد على حجيته على نحو الحكومة والمراد من الظن الخاص
ما قام الدليل القطعى على حجية بخصوصه غير دليل الانسداد والمراد من الظن النوعى
هو الذى يحصل للاغلب فهذا الظن حجة للجميع مثلا اذا كان الثوب ملبوسا لشخص فيحصل
الظن لنوع الناس بكونه ملكه.
بعبارة اخرى ان الظن
النوعى هو الذى يحصل لو لا المانع والمراد من الظن الشخصى هو الذى يحصل لشخص دون
الآخر.
قوله
: ثانيها فى بيان امكان التعبد بالامارة الغير العلمية شرعا الخ.
قد ذكر ان الحجية
ليست ذاتية للامارة الغير العلمية وليست الامارة الغير العلمية مقتضية للحجية
والمراد من المقتضى هو جواز الحمل بالامارة الغير العلمية ان لم يكن المانع من
الشارع قد ذكر ان الظن حجة بناء على الحكومة والمراد منه ان الظن مثل القطع بعد
تمام مقدمات الانسداد أى بعده يحكم العقل بحجية الظن كالقطع.
قد ظهر ان الظن لم
يكن حجة فى مقام ثبوت التكليف وكذا فى مقام سقوطه الا بجعل الشارع أو بمقدمات
الانسداد مثلا اذا حصل الظن بالفراغ فهو محتاج الى جعل الشارع أى بعد جعله كان هذا
الظن مسقطا للتكليف.
ولا يخفى ان البحث
فى الامر الثانى فى مرتبة الثبوت أى يبحث فى هذا الامر عن امكان التعبد بالامارة
الغير العلمية فيبيّن قبل
الورود فى اصل
البحث معنى الامكان والتعبد والمراد من التعبد اعتبار الشارع الشىء بعبارة اخرى
اذا كان الشىء معتبرا بنظر الشارع فهو تعبّد منه.
واما الامكان فقد
ذكر له معان الاول الامكان فى مقابل الوجوب والامتناع قيل فى المنطق قد يصرح
بكيفية نسبة المحمول الى الموضوع كالضرورة والدوام والامكان والامتناع فتلك
الكيفية الواقعة فى نفس الامر تسمّى مادة القضية أى لا بد فى القضية من أحد هذه
المواد الثلاثة.
قد اخذ هذا عن شرح
التجريد واصل العبارة هكذا اذا حمل الوجود أو جعل الرابطة حصل احد المواد الثلاثة
والمراد من حمل الوجود هو مفاد كان التامة والمراد من جعل الرابطة هو مفاد كان
الناقصة كما ذكر فى المنطق ان الرابطة الزمانية فى اللغة العربية هى الافعال
الناقصة.
توضيح ما ذكر ان
مادة القضية هى ضرورة نسبة المحمول أو امكانها او امتناعها مثلا الله موجود فنسب
الوجود الى الله تعالى بالضرورة والوجوب هذا مثال لحمل الوجود فالمادة القضية فى
هذا المثال هى الضرورة والانسان موجود أى نسب الوجود الى الانسان بالامكان فمادة
القضية فى هذا المثال هى الامكان الحاصل انّه اذا نسب الوجود الى الشىء فهو مفاد
كان التامة واما اذا جعل الرابطة فهو مفاد كان الناقصة نحو كان زيد كاتبا هذا مفاد
كان الناقصة بالامكان ان قلت كان شريك البارى ممتنعا هذا مفاد كان الناقصة فالمادة
القضية هى ضرورة والامتناع فظهر مما ذكر مراد من الامكان هو مقابل الوجوب
والامتناع واعلم ان الامكان لا اقتضاء
أى لم يكن مقتضيا
للوجوب ولا الامتناع.
ويقسم الامكان الى
العام والخاص والى الامكان الذاتى والوقوعى والمراد من الامكان الوقوعى ما لم يلزم
من وقوعه المحال والمراد من الامكان الذاتى هو لا اقتضاء وهو مقدم على امكان
الوقوعى لان لا اقتضاء مقدم على الوجود وكذا الامتناع على قسمين أى الذاتى
والوقوعى والمراد من الامتناع الوقوعى ما يلزم من وقوعه المحال.
ولا يخفى ان البحث
فى الامر الثانى فى الامكان الوقوعى قال الشيخ ره اذا شك فى الامكان والامتناع
الوقوعى ثبت الامكان الوقوعى للاصل العقلائى بعبارة اخرى يتمسك لاثبات الامكان
الوقوعى فى مقام الشك بالسيرة العقلائية هذا استدلال لاثبات الامكان الوقوعى.
قال المصنف للشيخ
انك قد حفظت شيئا ونسيت الاشياء أى كان لنا امكان آخر غير امكان الذاتى والوقوعى
وهو الامكان الاحتمالى وثبت هذا الامكان ببناء العقلاء لا الامكان الوقوعى وكذا ما
ذكر فى كلام الشيخ الرئيس أى قال كلما قرع سمعك من الغرائب فذره فى بقعة الامكان
والمراد منه الامكان الاحتمالى والمراد منه جعل الشىء فى مرتبة الاحتمال اى لا
ترده فورا وكذا لا تقبله فورا فذره فى بقعة الاحتمال الى مجىء الدليل قد قال الشيخ
الرئيس هل سمعت الشىء الذى لم يكن بسيطا ولا مركبا ان سمعته فذره فى بقعة الامكان
أى فى بقعة الاحتمال.
قد ورد مثل هذا فى
كلام على (عليهالسلام) فى نهج البلاغة انه تعالى داخل فى الاشياء لكن لا بنحو
الممازجة وانه تعالى خارج
عن الاشياء لكن لا
بنحو المباينة فيقال لهذا فذره فى بقعة الامكان أى لا يصحّ رده فورا ولا قبوله
فورا قد بيّن الى هنا امكان التعبد بالامارات الغير العلمية وعدمه الآن يرجع الى
ما هو مقصود فى المقام أى هل يمكن ان يجعل الشارع الامارات الغير العلمية حجة
قال
صاحب الكفاية فيقع المقال فيما هو المهم عن عقد هذا المقصد وهو بيان ما قيل
باعتباره من الامارات وقبل الخوض فى ذلك ينبغى تقديم امور الخ.
قد اشكل فى جعل
الامارات الغير العلمية شرعا وذكرت المحاذر فى الرسائل فى حجية الامارات الغير
العلمية الاول من المحاذر ما ذكره ابن قبه فى استحالة العمل بالخبر الواحد ومراده
عموم المنع لمطلق الظن فانّه استدل لمذهبه بوجهين الاول انه لو جاز التعبد بالخبر
الواحد فى الاخبار عن النبى صلىاللهعليهوآله لجاز التعبد به فى الاخبار عن الله تعالى والتالي باطل
اجماعا أى اخبار عن الله تعالى باطل فالاخبار عن الرسول باطل أيضا لان رفع التالى
مستلزم لرفع المقدم ولا يخفى ان المراد من الباطل هنا ما كان محالا بالعرض.
واجيب عن هذا
الاستدلال بانّه ليست الملازمة هنا بين المقدم والتالى أى الاخبار عن الله تعالى
باطل لان المخبر يدعى النبوة واما فى الاخبار عن الرسول لا يدعيها.
الثانى من المحاذر
التى وردها ابن قبة ان حجية الظن تستلزم تحليل الحرام أو بالعكس قد ذكر المصنف هذا
المحاذر فيردها قال أحدها اجتماع المثلين من الايجابين أو التحريمين أو الضدين من
ايجاب وتحريم.
أى الثانى من
المحاذير هو اجتماع الضدين مثلا اذا كان الحكم فى الواقع وجاء حكم آخر لزم اجتماع
المثلين أو الضدين أى كان الشىء فى الواقع واجبا وثبت بالامارة وجوب آخر فهو
اجتماع المثلين واذا كان الحكم فى الواقع الوجوب وثبت بالامارة الحرمة فهو اجتماع
الضدين ولا يخفى ان اجتماع الضدين يلزم فيما كان اجتماع المصلحة والمفسدة بلا كسر
وانكسار أى قد يكون بين المصلحة والمفسدة الكسر والانكسار والمراد منهما التفاوت
وقبوله قد ذكر فى القرآن يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما اثم كبير ومنافع للناس
واثمهما اكبر من نفعهما قد ثبت هنا الكسر والانكسار بين المصلحة والمفسدة بعبارة
اخرى يلزم اجتماع المصلحة والمفسدة فى الخمر مع الكسر والانكسار.
وكذا اذا كان ثواب
شيء عشر درجات وثواب شيء آخر خمس عشرة درجة فاتيان أحدهما مفوت للآخر واما اذا كان
الشيء واجبا والآخر حراما فلم يكن فيهما الكسر والانكسار لان الحرمة موجبة للمفسدة
ومستلزمة لتفويت تمام المصلحة فاذا كان الشيء واجبا واقعا كانت الامارة دالة على
حرمته فهذا اجتماع الضدين.
والاشكال الآخر ان
التعبد بالامارة الغير العلمية مستلزم للتصويب توضيحه اذا لم يكن الحكم الواقعى
مشتركا بين العالم والجاهل صارت الاحكام تابعة لمؤدى الامارة هذا تصويب وهو محال
بالعرض.
وأيضا ان التعبد
بالامارة مستلزم لتفويت المصلحة مثلا اذا كان الشيء واجبا واقامت الامارة على
حرمته هذا تفويت المصلحة أو الالقاء فى المفسدة مثلا اذا كان الشيء فى الواقع
حراما اقامت
الامارة على عدم
حرمته.
قوله
: والجواب ان ما ادعى لزومه اما غير لازم أو غير باطل الخ.
اجاب المصنف عن
المحالات المذكورة بجوابين الاول ان ما ادعى من لزوم المحال هو غير لازم توضيح هذا
ان اجتماع المثلين والضدين لا يلزم لان الحكم فيما نحن فيه واحد وهو الحكم الواقعى
والامارة منجزة لهذا الحكم ولا يخفى ان المراد من جعل الامارة حجة هو كونها طريقة
الى الواقع ولم يجعل مؤدى الامارة منزلة الواقع.
ولا فرق بين ما كانت
طريقيته ذاتية وما كانت طريقيته بجعل الشارع مثلا طريقية القطع ذاتية فالعمل به
امتثال عند الاصابة والمعذورية عند الخطاء اذا صادف القطع الواقع فلم يقل احد ان
هذا اجتماع المثلين أو اذا لم يصادف الواقع لم يقل احد ان هذا اجتماع الضدين كذا
الحكم فى الامارات المجعولة فانها غير مستلزمة لانشاء الحكم التكليفية بل انما
تكون لتنجز التكليف ولم يجعل الحكم على طبقها اذا لم تصادف الواقع كان مخالفتها
تجريا وموافقتها انقيادا فظهر مما ذكر عدم لزوم اجتماع حكمين مثلين أو ضدين وكذا
علم عدم لزوم التصويب. والجواب الثانى ان تفويت مصلحة الواقع أو الالقاء فى
المفسدة لا محذور فيه بعبارة اخرى سلمنا تفويت المصلحة لكن لا محذور فيه ولم يكن
تفويت هذه المصلحة باطلا لانجبارها بالمصلحة الغالبة على مفسدة تفويت المصلحة أو
انجبار هذه المصلحة بالمصلحة المتساوية لمفسدة تفويت المصلحة قال الشيخ فى الرسائل
ان الامارة المجعولة اما
مشتملة للمصلحة
المتساوية على مصلحة الواقع واما مشتملة للمصلحة الزائدة واما مشتملة للمصلحة
الناقصة على مصلحة الواقع ولا يخفى ان تفويت المصلحة الواقعية فى صورة كون مصلحة
الامارة المجعولة ناقصة عن مصلحة الواقع قد عبر عن المصلحة التى كانت فى امارة
المجعولة بالمصلحة السلوكية قد مثل شيخنا لاستاد انك قصدت السلوك الى الكوفة لكن
اشتبه فسرت الى الكربلاء هذه المصلحة زائدة على المصلحة المقصودة.
قوله
: لو قيل باستتباع جعل الحجة للاحكام التكليفية أو بانه لا معنى لجعلها الا جعل
تلك الاحكام فيلزم اجتماع الحكمين الخ.
قد علم عدم لزوم
الاشكال على حجية الامارات وأيضا علم ان حجية الامارات ليست ذاتية بل تحتاج الى
جعل الجاعل بخلاف القطع فان حجيته ذاتية لكن لا فرق بينهما من حيث الحكم وقد ثبت
للقطع الاحكام الاربعة من الامتثال والعصيان والتجرى والانقياد وكذا ثابتة هذه
الاحكام للامارات المجعولة.
واعلم ان حجية
الامارات حكم وضعى قد ثبت فى محله ان الاحكام تكليفية ووضعية والاحكام التكليفية
خمسة قد ثبت الالزام فى الاثنين منهما أى الوجوب والحرمة وثبت الطلب فقط فى
الاثنين الآخرين أى الاستحباب والكراهة فكان فيهما الطلب من غير الالزام واما
الاباحة فلم يكن الطلب والالزام فيها كما قال صاحب المعالم فى بيان موضوع علم
الفقه ولما كان البحث فى علم الفقه اعنى الوجوب والندب والاباحة والكراهية والحرمة
وعن الصحة والبطلان من حيث كونها عوارض لافعال المكلفين فلا جرم
كان موضوعه هو
افعال المكلفين من حيث الاقتضاء والتخيير فثبت الاقتضاء والطلب للوجوب والحرمة
والاستحباب والكراهة واما التخيير فهو عبارة عن الاباحة فلا اقتضاء فيه وتسمّى هذه
الاحكام المذكورة الاحكام التكليفية واما غير هذه الاحكام الخمسة من المجعولات
الشرعية يسمى الاحكام الوضعية.
الحاصل ان غير
احكام الخمسة التكليفية من المجعولات الشرعية احكام وضعية فالحجية قابلة للجعل لذا
تسمّى الاحكام الوضعية وكذا الطهارة والنجاسة والصحة والبطلان فثبت من البيان
المذكور ان حجية الامارة قابلة للجعل وتصير الامارة بعد جعل الحجية كالقطع قد ذكر
ان القطع اذا كان مطابق الواقع فلم يلزم اجتماع المثلين واذا كان مخالف الواقع فلم
يلزم اجتماع الضدين وكذا الحكم فى الامارات المجعولة أى لم يكن فى مورد اقامة
الامارة حكمان بل حكم واحد وهو الحكم الواقعى لكن الشارع جعل ما هو ناقص تاما أى
جعل الامارة الظنية كالقطع قد علم الى هنا ان المجعول هو الحجية لا الحكم الشرعى
الآن نذكر مذهب من يقول ان المجعول هو الحكم الشرعى بالعرض وبالتبع أى جعل الحجية
مستلزم للحكم الشرعى بعبارة اخرى انّ جعل الطريقية مستلزم لجعل الحكم الطريقى
والمراد منه هو وجوب متابعة سلوك هذا الطريق أو يقال ان الحجية ليست مجعولة وان
شارع جاعل للحكم دائما فالشارع فى المقام جاعل للحكم الطريقى لكن هذا الحكم مستلزم
لجعل الحجية فتنتزع عن الحكم الطريقى.
الحاصل انه اذا
وجب سلوك انتزع منه حجية هذا الطريق كما يقال ان ظنية الطريق لا ينافى قطعية الحكم
لان الحكم مجعول
للشارع فتنتزع
حجية خبر واحد مثلا من هذا الحكم المجعول ولا يخفى ان الحكم الواقعى مشترك بين
العالم والجاهل فيلزم اجتماع الحكمين احدهما الحكم الواقعى وثانيهما الحكم الطريقى
قد دفع صاحب الكفاية هذا الاشكال.
بقوله
نعم لو قيل باستتباع جعل الحجية للاحكام لتكليفية الخ.
حاصل الجواب انه
لا يلزم المحذور اذا عرفت معنى الجعل ففى صورة الاول أى فى صورة جعل الحجية لم
يجعل الحكم واما فى صورة الثانية أى فى صورة جعل الحكم فلم يلزم اجتماع المثلين أو
الضدين لوجود الفرق بين الحكمين لان احدهما طريقى والآخر واقعى انما يلزم المحذور
اذا كان كلا الحكمين طريقيا أو واقعيا.
فائدة واعلم ان
المراد من الاحكام الفعلية ما تعلق به الارادة أو الكراهة والمراد من الاحكام
الاقتضائية ما لم يتعلق به الارادة والكراهة فظهر ان الحكم الفعلى حادث لان
الارادة حادثة وكذا الكراهة ويسأل هنا عن محل الارادة والكراهة أى هل يكون محل هذه
الارادة ومنشئها الواجب تعالى فيقال ان الله تعالى لم يكن محلا للحوادث والظاهر ان
الارادة والكراهة من الامور الحادثة والجواب عن الاشكال ان المبدا الاعلى أى ذات
الواجب الوجود لم يكن محلا ومنشأ للارادة واما مبدأ العالية أى النبى والامام فكان
محلا ومنشأ للارادة والكراهة بعبارة اخرى ان وجود المصلحة فى المتعلق لا يمكن ان
يكون منشأ للارادة فى الواجب تعالى وكذلك وجود المفسدة للكراهة لعدم امكان الارادة
والكراهة بمعنى الشوق
المؤكد الى الفعل
أو الترك فيه تعالى بل فى هذا المقام الشامخ هو العلم بالصلاح أو الفساد نعم
يكونان منشئين لهما بالمعنى المذكور فى الممكن أى نعم تكون المصلحة والمفسدة
منشئتين للارادة والكراهة بالمعنى المذكور فى الممكن مثل النبى صلىاللهعليهوآله والوصى عليهالسلام والموالى العرفية ويمكن انقداح وظهور الارادة والكراهة فى
نفس النبى (ص) والامام (ع) مثلا الصلاة الظهر اذا صارت فعلية وجدت الارادة
والكراهة فى المبادى العالية وان لم يكن فى المبدا الاعلى وذات الواجب الوجود الا
العلم بالمصلحة والمفسدة كما ذكرنا فلا يلزم اجتماع الارادة والكراهة اذا كان
الحكم الوجوب وأدت الامارة الى الحرمة ولا يخفى ان الحكم الفعلى حتمى وغير حتمى
وليست الارادة والكراهة فى الفعلى غير الحتمى واعلم ان المصنف قال انما كانت المصلحة
أو المفسدة فى نفس انشاء الامر به طريقيا والآخر واقعى حقيقى الخ.
ولا يخفى ان مراد
المصنف من الامر هو الحكم والا فالامر ليس قابلا للجعل بعبارة شيخنا الاستاد ان
الامر ليس قابلا للجعل بل ما ينشأ به هو قابل للانشاء وكان مقصود المصنف انشاء
الامر باعتبار متعلقه.
قوله
: نعم يشكل الامر فى بعض الاصول العملية كاصالة الاباحة الخ.
كان الكلام فى
المحاذير التى وردت فى الامارات المجعولة قد اجيب انها لا تلزم اجتماع المثلين أو
الضدين أو يلزم ما ذكر لكن
ليس باطلا قد ذكرت
المحاذير وجوابها ويبحث هنا ان الامارة لم تكن فى بعض الموارد فتصل النوبة الى
الاصول العملية كاصالة الاباحة واصالة الحل فلا يدفع المحذور فى مورد جريان اصالة
الاباحة واصالة الحل فلا يدفع المحذور فى مورد بعض الاصول العملية المذكورة لان
الاذن فى الاقدام ينافى الحكم الواقعى اذا كان الشىء فى الواقع حراما والظاهر ان
الاذن والترخيص ينافى مع الحرام فلا فرق كون المصلحة فى نفس الاذن أو لاجل عدم
مصلحة ملزمة أو مفسدة ملزمة فى المأذون فيه الحاصل ان الاذن والترخيص لا يجتمع مع
المفسدة الواقعية وان قلنا بجواز الجمع بين الحكم الطريقى والواقعى وقلنا بثبوت
الفرق بينهما لكن الاصول العملية كاصالة الاباحة لم تكن طريقا الى الحكم الواقعى
توضيح الاشكال ان الاصول العملية كاصالة الاباحة تدل على الاذن فى الفعل ويمكن ان
يكون حراما فى الواقع فينافى الاذن والترخيص مع الحكم الواقعى فى هذا المورد.
قوله
فلا محيص فى مثله الا عن الالتزام بعدم انقداح الارادة والكراهة فى بعض المبادى
العالية أيضا الخ.
قد اشكل فى جعل
حجية الامارات بلزوم اجتماع المثلين أو الضدين واجيب عنه بالفرق بين الحكم الواقعى
والطريقى واما فى صورة الاصول كاصالة الاباحة فلم يكن الحكم الطريقى فى هذا المورد
واما الاستصحاب فهو من الاصول المحرزة والظاهر ان الاصول المحرزة كالامارات فى جعل
الحكم فى مقابلها.
توضيح الجواب عن
الاشكال فى بعض الاصول كاصالة الاباحة فلا محيص فى مثله الا عن الالتزام بعدم
انقداح الارادة والكراهة
فى بعض المبادى
العالية أى نلتزم فى صورة اصالة الاباحة بعدم الارادة فى المبادى العالية اذا لم
تكن الارادة فى الحكم الواقعى فلم يكن فعليا.
فان قلت اذا لم
يكن الحكم الواقعى فعليا لزم عدم الاتيان اذا قامت الامارة على وجوبه لان الحكم
الواقعى فى صورة عدم الارادة انشائى والظاهر انه لا يلزم امتثال الاحكام الانشائية
ما لم تصر فعلية.
قلت ان عدم انقداح
الارادة لا يوجب الالتزام بعدم كون التكليف الواقعى بفعلى لان الحكم الفعلى على
قسمين حتمى وغير حتمى والمراد من الحكم الفعلى الحتمى ما تعلق به الارادة أو
الكراهة والمراد من الحكم الفعلى غير الحتمى ما لم يتعلق به الارادة أو الكراهة
اذا كان مورد اصالة الاباحة كان الحكم الواقعى فعليا غير حتمى وكذا حديث الرفع أى
رفع عن امتى الخطاء والنسيان وما لا يعلمون فيكون الحكم فى هذا المورد فعليا غير
حتمى بعبارة شيخنا الاستاد : حديث رفع در هر دو تا كار مى كند أى دانسته مى شود كه
حكم واقعى است اما تنجز از او برداشته مى شود.
فائدة اذا قطع فى
الحكم الواقعى فلم يحصل فى هذا المورد الحكم الظاهرى لان الحكم الظاهرى وجد فى
مورد عدم القطع فى الحكم الواقعى لكن قامت الامارة فى كون هذا الحكم واقعيا وان
احتمل الخلاف بعبارة اخرى ان الامارة دلت ان الحكم الواقعى هو مؤداها ولا تدل على
الحكم الواقعى الآخر بل هذا الحكم الواحد اما يكون ظاهرا واما يكون واقعا ويمكن
تصور حكم ظاهرى بوجه
آخر وهو ان ظنية
الطريق لا ينافى قطعية الحكم لكن قد ذكر ان هذا الحكم مستلزم للتصويب اعلم انّ
التصويب على اقسام الثلاثة كما ذكر فى الرسائل وذكر هنا ان قسمين منها تصويب اشعرى
وواحد منها تصويب معتزلى.
الاول انه لا حكم
فى الواقع وكل ما جعله المجتهد فهو حكم الله فى الواقع.
الثانى ان الحكم
الواقعى ليس مشتركا بين العالم والجاهل وان الحكم جعل على نحو الذى ادركه المجتهد
هذان تصويب اشعرى.
الثالث ان الحكم
الواقعى موجود ان وجده المجتهد فهو والا جعل الحكم الواقعى ما ادى اليه رأى
المجتهد ويعدم الحكم الواقعى الذى لم يدركه المجتهد هذا تصويب المعتزلى قال شيخنا
الاستاد هذا حسن بالنسبة الى القول الاشعرى.
قد دفع التصويب
بوجوه فقال بعض ان الحكم على قسمين أى حتمى وغير حتمى فالحكم الواقعى فى المقام
غير حتمى وقال بعض آخر ان الحكم الانشائى موجود فى المقام فلا يلزم التصويب.
قد اشكل على هذا
الدفع بان الحكم الانشائى لم يكن واجب الامتثال مع ان الحكم الواقعى فى صورة
مصادفة الامارة به يجب امتثاله.
فاولى فى دفع
التصويب ما يقال ان الحكم الفعلى حتمى وغير حتمى وأيضا يقال ان المراد من الامارات
ما اعتبر الشارع ولم يجعل الحكم فى مقابلها.
قد علم مما ذكر
انه لا يصحّ ان يقال فى مقام الجمع بين الحكم
الظاهرى والواقعى
ان الحكم الواقعى انشائى لان الحكم الانشائى لم يجب امتثاله واما الحكم الواقعى
لزم امتثاله اذا قامت الامارة على وجوبه فعلم ان الحكم الواقعى لم يكن بمرتبة
الانشاء فيذكر هنا مراتب الاحكام من باب المناسبة فيقال ان للحكم مراتب اربع
الاولى الاقتضاء والثانية الانشاء الثالثة الفعلية الرابعة التنجّز.
والمراد بالاقتضاء
شأنية الحكم للوجود بمعنى وجود الملاك كمعراج المؤمن للصلاة.
والمراد بالانشاء
جعل الحكم مجردا عن البعث والزجر كاكثر احكام الشرع مما لم يؤمر رسول الله (ص) بتبليغه
لعدم استعداد المكلفين.
والمراد بالفعلية
بعث المولى وزجره بان يقول افعل أو لا تفعل مع عدم الوصول الى المكلف بالحجة
المعتبرة من العلم أو العلمى.
والمراد بالتنجيز
وصول هذا الحكم البالغ مرتبة البعث والزجر الى العبد بالحجية الذاتية أو المجعولة.
واعلم ان الاحكام
واقعية وظاهرية والمراد من الحكم الواقعى ما جعل فى الواقع والمراد من الحكم
الظاهرى ما هو مؤدى الامارة أو مؤدى الاصول العلمية.
قد ذكر فى مقام
الجمع بين الحكم الواقعى والظاهرى وجوه ولا يخفى ان هذه الوجوه بعد بطلان التصويب.
الاول ان الحكم
الواقعى انشائى والحكم الظاهرى فعلى.
الثانى ان الحكم
واحد ولم يجعل الحكم فى مقابل الامارة بل المجعول هو حجية الامارة فقط فثبت ان
الحكم الواقعى مشترك بين
العالم والجاهل.
الثالث سلمنا وجود
الحكمين لكن أحدهما حتمى والآخر غير حتمى بعبارة اخرى ان الحكم الواقعى غير حتمى
الرابع ان الحكم الظاهرى مؤخر عن الواقعى بمرتبتين لان مرتبة الاولى الحكم الواقعى
والمرتبة الثانية الشك فى الحكم الواقعى فلم يكن المنافاة بين الحكمين قد ذكر فى
المنطق لا بد لتحقق التناقض من اتحادهما فى امور الثمانية وذكر بعد ذلك هذه
الوحدات الثمان هى المشهورة بين المناطقة وبعضهم يضيف اليها وحدة الحمل من ناحية
كونه حملا أوليّا او حملا شايعا فلو كان الحمل فى احدهما أوليّا وفى الآخر شايعا
فيجوز ان يصدقا معا مثل قولهم «الجزئى جزئى أى بالحمل الاولى» «الجزئى ليس بجزئى
اى بالحمل الشائع» لان مفهوم الجزئى من مصاديق مفهوم الكلى فانه يصدق على كثيرين
بعبارة اخرى ان الجزئى مصداق للكلّي وكذا يضيف بعضهم اليها الوحدة فى المرتبة فيجب
لتناقض القضيتين الوحدة فى المرتبة واما فى مقام البحث فمرتبة الحكم الظاهرى مؤخرة
عن الحكم الواقعى بمرتبتين فلم يكن تنافى بينهما وبيّن الى هنا وجه الجمع بين
الحكم الواقعى والظاهرى بان الحكم الظاهرى وقع فى المرتبة الثالثة.
قوله
لا يقال لا مجال لهذا الاشكال لو قيل بانها كانت قبل اداء الامارة اليها انشائية
لانها بذلك تصير فعلية الخ.
قد بين ان الحكم
واقعى وظاهرى والمراد من الحكم الواقعى ما جعل حقيقة والمراد من الحكم الظاهرى هو
مؤدى امارات او الاصول العلمية وقد ذكر وجه الجمع بين الحكم الواقعى والظاهرى
وقال بعض ان الحكم
الواقعى انشائى والحكم الظاهرى فعلى.
واشكل على هذا
الوجه بان الحكم الواقعى بعد قيام الامارة يجب امتثاله ولا يجب امتثال الاحكام
الانشائية فظهر من هذا البيان ان الحكم الواقعى لم يكن انشائيا فاجيب عن هذا
الاشكال بلفظ لا يقال حاصل الجواب انّ الحكم الواقعى قبل اقامة الامارة به انشائى
لكن بعد اقامة الامارة به يصير فعليا أى يصير الحكم الانشائى بعد اقامة الامارة
فعليا فيجب امتثاله.
واجيب عن هذا
الاستدلال.
بقوله
: فانه يقال لا يكاد يحرز بسبب قيام الامارة المعتبرة على حكم انشائى لا حقيقة ولا
تعبدا الا الحكم الانشائى تعبدا.
أى لا يقال فانّه
يقال حاصل الجواب أن الحكم الانشائى لا يصير فعليا بتوسط الامارة بل الامارة تدل
على ان هذا الحكم الواقعى تعبدى المراد من التعبدى ما يقول الشارع ان هذا الحكم
مثل فعلى ولا تدل الامارة ان الحكم الواقعى الذى هو مؤدى الامارة يصير فعليّا أى
يحتاج هذا الى الدليلين الاول ان يدل الدليل ان الحكم الانشائى هو مؤدى الامارة
الثانى ان يدل الدليل ان هذا الحكم الانشائى يصير فعليّا بتوسط الامارة ولا يحرز
مع عدم الدليل فعلية الحكم الانشائى.
قال
صاحب الكفاية اما حقيقة فواضح.
لان الامارة لم
تكن مفيدة للقطع حتى ان يكون ما يحرز به حكما واقعيا وأيضا ان جعلت الامارة موضوعا
للحكم الواقعى فهو
مستلزم للدور قد
ذكر سابقا ان الظن اذا اخذ فى موضوع الحكم لزم الدور لانّ الظن من حيث كونه موضوعا
مقدم واما من حيث ان الظن عارض على الحكم فهو مؤخر لان العارض مؤخر عن معروضه.
وكذا لم تكن
الامارة محرزة للحكم الواقعى تعبدا قال شيخنا الاستاد اذا كان ما احرز بالامارة
حكما واقعيا تعبدا احتاج الى الدليلين الاول الدليل الذى يدل على كون الحكم
الانشائى مؤدى الامارة ولم يجعل الحكم الانشائى مؤدى الامارة من دون الدليل لتقدم
الحكم الانشائى على الامارة وتأخرها عنه الثانى الدليل الذى يدل على ان الحكم
الانشائى صار فعليا ومع عدم هذين الدليلين لا يحرز كون الحكم الانشائى فعليا.
قال
صاحب الكفاية واما تعبدا فلان قصارى ما هو قضية حجية الامارة كون مؤداه هو الواقع
تعبدا الخ.
قد ذكر ان المراد
من التعبد فى المقام هو قول الشارع بان يقول مثل هذا الحكم فعلى والظاهر انّ قضيّة
حجية الامارة فى المقام كون مؤداها هو الواقع تعبدا ولا يقتضى حجية الامارة بان
يكون الحكم الانشائى حكما واقعيا.
قوله
: اللهم الا ان يقال ان الدليل على تنزيل المؤدى منزلة الواقع الذى صار مؤدى لها
هو دليل الحجية بدلالة الاقتضاء :
حاصله انّه لا
اشكال فى وجود دليل التنزيل أى تنزيل المؤدى منزلة الواقع لان دليل الحجية الامارة
بتوسط دلالة الاقتضاء يدل
على تنزيل المؤدى
منزلة الواقع.
توضيحه انّه اذا
ادت الامارة الى الحكم الانشائى صار هذا الحكم بدلالة الاقتضاء حكما واقعيا اى صار
الحكم الانشائى فعليا صونا لكلام الحكيم عن اللغوية.
والمراد بدلالة
الاقتضاء أن تكون الدلالة مقصودة للمتكلم بحسب العرف ويتوقف صدق الكلام وصحّته
شرعا أو عقلا عليها مثلا قوله تعالى (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) فان صحّته عقلا تتوقف على تقدير لفظ أهل فيكون من باب حذف
المضاف وكذا قوله صلىاللهعليهوآله لا ضرر ولا ضرار فى الاسلام فان صدق هذا الكلام يتوقف على
تقدير الاحكام والآثار الشرعية لتكون هى المنفية حقيقة.
كذا فى المقام أى
ثبت بدلالة الاقتضاء تنزيل المؤدى منزلة الواقع بعبارة اخرى ان لم يجعل الحكم
الانشائى فعليا لزم كونه لغوا والجواب عن هذا الاستدلال ان دلالة الاقتضاء بحسب ما
بيّن انما هى فيما يتوقف صحة الكلام عليه والتوقف لا يكون الا اذا لم يكن فى البين
الا اثر واحد واما اذا كان أثر آخر مترتب على نفس المنزل كما فى المقام فلا يحتاج
الى تنزيل الحكم الانشائى بمنزلة الواقع لان الاثر موجود فى الحكم الانشائى بالنذر
وكذا يحصل الثواب فى الحكم الانشائى فى بعض الموارد.
قوله
: واخرى بانه كيف يكون التوفيق بذلك مع احتمال احكام فعلية بعثية وزجرية :
قد اشكل مرة اخرى
على جعل الحكم الواقعى حكما انشائيا تقرير الاشكال ان موضوع الامارات والاصول هو
الشك فى
الفعلية الحتمية
للواقع والظاهر انه فى مورد الاصول والامارات يحتمل اجتماع المتنافيين مثلا الامارة
تدل على وجوب الشىء ويحتمل ان يكون فى الواقع حراما ولا يخفى ان احتمال المتنافيين
كالقطع بهما.
قوله
: كما لا يصح التوفيق بان الحكمين ليسا فى مرتبة واحدة.
قد ذكر وجه الجمع
بين الحكم الواقعى والظاهرى وقال بعض ان الحكم الظاهرى متأخر عن الواقعى بمرتبتين
لكونه متأخرا عن الشك فى الحكم الواقعى وهو متأخر عن الحكم الواقعى فهذا يكفى فى
دفع اجتماع المتنافيين هذا الجمع بين الحكم الواقعى والظاهرى منقول عن السيد محمد
الاصفهانى وأكّد الشيخ (قدسسره) فى الرسائل بهذا الجمع.
واشكل المصنف على
هذا الجمع بان الحكم الواقعى شامل لكلتا المرتبتين فيجتمع الحكم الواقعى مع
الظاهرى فى مرتبة واحدة توضيح الاشكال بعبارة شيخنا الاستاد : لم يتفاوت مرتبة
الحكم الواقعى والظاهرى لتنزل الحكم الواقعى الى مرتبة الحكم الظاهرى وبالفارسية
اگرچه حكم ظاهرى بالا نرفته اما حكم واقعى پائين آمده تا اينكه به مرتبة حكم ظاهرى
رسيده است : قد ذكر نظيره فى مرتبة الامر بالاهم والمهم ان الامر بالمهم لم يصعد
الى مرتبة الامر بالاهم لكن تنزل الامر بالاهم الى مرتبة الامر بالمهم.
وتوضيح الاشكال
بعبارة المصنف ان دليل الحكم الواقعى شامل لكلتا المرتبتين أى مرتبة العلم بالحكم
الواقعى ومرتبة الشك فيه فيجتمعان فى مرتبة واحدة أى فى حال الشك فى الحكم
الواقعى.
فظهر عدم صحة هذا
الوجه للجمع بين الحكم الواقعى والظاهرى أى لم يصح تعدد الرتبة بين الحكم الواقعى
والظاهرى.
ولا يخفى ان وجه
الصحيح للجمع بين الحكم الواقعى والظاهرى هو انّ احدهما حتمى والآخر غير حتمى.
الكلام فى مقتضى
الاصل فى لامارات غير العلمية
قوله
: ان الاصل فيما لا يعلم اعتباره بالخصوص شرعا ولا يحرز التعبد به واقعا عدم حجيته
جزما الخ.
قد ذكر ان البحث
فى المقصد السادس فى بيان الامارات غير العلمية وكان البحث عن القطع خارجا من
مسائل الفن وكان اشبه بمسائل الكلام واما الامارات غير العلمية فهى من المسائل
الاصولية لوقوعها فى طريق استنباط الاحكام.
وقال ينبغى تقديم
امور قبل الخوض فى اعتبار الامارات الغير العلمية : احدها انها ليست علة للحجية
ولا مقتضية لها ثانيها امكان التعبد بالامارات الغير العلمية. ثالثها ان الاصل
فيها اذا شك هو عدم حجيتها جزما.
ان الاصل على معان
قد ذكر هذه المعانى فى قوانين الاصول فالاصل هنا بمعنى القاعدة أى قاعدة عقلية لكن
الشيخ (قدسسره) جعل الاصل القاعدة الشرعية وقال ان التعبد بالظن محرم
بادلة الاربعة.
فيلزم للحجية آثار
الاربعة أى الامتثال والعصيان والتجرى والانقياد قد ذكر هذه اللوازم فى حجية القطع
مثلا اذا قطع
المكلف بوجوب
الشيء ووجب فى الواقع ايضا فاتيانه امتثال ومخالفته عصيان واما اذا قطع المكلف
بوجوب الشيء ولم يكن واجبا فى الواقع فاتيانه انقياد ومخالفته تجرى.
والامارة الغير
العلمية فهى كالعلم بعد اثبات حجيتها واما اذا شك فى حجية الامارة الغير العلمية
فالاصل عدم حجيتها جزما أى القاعدة العقلية عدم حجية الامارات الغير العلمية فيما
اذا شك فيستدل من نفى اللازم الى نفى الملزوم أى فى صورة الشك فى الحجية لا يترتب
الآثار الاربعة من الامتثال والعصيان والانقياد والتجرى فيستدل من نفي هذه الآثار
الى نفى حجية الامارات الغير العلمية المشكوكة فى حجيتها بعبارة اخرى يكشف من نفى
الآثار نفى الحجية.
قال المصنف يكشف
فى المقام من نفى اللازم نفى الملزوم.
واعلم ان المراد
من اللازم الذى يكشف من نفيه نفى الملزوم هو اللازم الاعم أو المساوى ليس المراد
منه اللازم الاخص لان نفى اللازم الاخص لا يستلزم نفى ملزومه مثلا نفى الكتابة لا
يستلزم لنفى الانسان.
ولا يخفى ان
المشكوك قد يكون ابو الحكمين مثلا قال المولى لا تشرب هذا المشكوك ليجتنب عن السم
قد يكون المشكوك ابو حكم واحد مثلا يحكم فى صورة الشك فى الامارات بعدم حجيتها
وكذا فى صورة قطع بعدم الحجية فيكشف من عدم الاثر الحكم الواحد أى عدم حجية
الامارة فى صورة الشك.
الحاصل انه ثبت
عدم حجية الامارة المشكوكة عند المصنف بقاعدة العقلية أى يكشف من نفى الاثر نفى
المؤثر.
وقال الشيخ (قدسسره) ان الاصل عدم حجية الامارات المشكوكة لكن المراد من الاصل
عنده هو القاعدة الشرعية بعبارة اخرى قال ان الاصل عدم حجية الامارات المشكوكة
بالادلة الاربعة : ويكفى من الكتاب قوله تعالى (قُلْ آللهُ أَذِنَ
لَكُمْ أَمْ عَلَى اللهِ تَفْتَرُونَ) دل على ان ما ليس باذن من الله من اسناد الحكم الى الشارع
فهو افتراء وكذا ورد الخبر والاجماع على هذا المضمون وكذا الدليل العقلى أى تقبيح
العقلاء من يتكلف من قبل مولاه بما لا يعلم بوروده عن المولى حاصل هذا الاستدلال
ان ما يشك فى حجيته لم يسند الى الله تعالى فيكشف من نفى اللازم نفى الملزوم
والمراد من اللازم هو اسناد الى الله والمراد من الملزوم هو حجية ما شك فيه.
قد
اشكل على استدلال الشيخ صاحب الكفاية بقوله واما صحة الالتزام بما ادى اليه من
الاحكام وصحة نسبته اليه تعالى فليسا من آثارها الخ.
أى لا يصح
الاستدلال لثبوت الحجية بالالتزام بما ادى اليه من الاحكام وصحة النسبة اليه تعالى
لان هذين الامرين ليسا من آثار الحجية.
توضيحه بعبارة
شيخنا الاستاد ان صحة الالتزام وصحة اسناد اليه تعالى لازم الاخص للحجية قد ذكر
سابقا ان نفى اللازم الاخص لم يكن مستلزما لنفى الملزوم وتوضيحه بوجه آخر ان
النسبة بين هذا اللازم والحجية اعم من وجه المادة الاجتماع فيما اسند ما ظن الى
الله تعالى مع ثبوت الحجة ومادة الافتراق من جانب الحجية
ان حجية الظن على
الحكومة فى حال الانسداد لا توجب صحة استناد اليه تعالى فثبت مادة الافتراق من
جانب الحجية.
واما مادة
الافتراق من جانب صحة الاسناد اليه تعالى فهى فى المورد الذى فرض فيه صحة استناد
اليه تعالى مع عدم ثبوت الحجية فظهر انّ اسناد الى الله تعالى لازم اخص للحجية فلا
يكشف من نفيه نفى الملزوم.
قال صاحب الكفاية
فبيان عدم صحة الالتزام مع الشك فى التعبد وعدم جواز استناد اليه تعالى غير مرتبط
بالمقام فلا يكون الاستدلال عليه بمهم كما اتعب به شيخنا العلامة اعلى الله مقامه.
قال الشيخ (قدسسره) فى الرسائل نعم قد يتوهم المتوهم ان الاحتياط من هذا
القبيل أى اذا لم يجز العمل بالظن فلم يجز العمل بالاحتياط لان المكلف لم يعلم
بوروده من المولى قال الشيخ هو غلط واضح اذ فرق بين الالتزام بالشيء من قبيل
المولى على انه منه مع عدم العلم بانه منه وبين الالتزام باتيانه لاحتمال كونه منه
أو رجاء كونه منه أى اذا اتى المشكوك برجاء المطلوبية فلم يكن هذا عملا بالظن لان
العمل بالظن ما كان بقصد الورود وبقصد انه قول الامام (ع).
قد أسس الشيخ
الاصل وقال ثالثها ان الاصل فيما لا يعلم عدم حجيته جزما ويذكر بعد تأسيس هذا
الاصل ما خرج من تحت هذا الاصل موضوعا وما استدل بخروجه عن تحته.
فى الفصول التى بين
فيها خروج بعض الظنون من تحت الاصل
قوله
: فصل لا شبهة فى لزوم اتباع ظاهر كلام الشارع فى تعيين مراده فى الجملة الخ.
قد ثبت الى هنا
تأسيس الاصل أى ان الاصل الثابت هو عدم جواز العمل بالظن الا ما اخرجه الدليل
بعبارة اخرى لا يجوز العمل بغير العلم بدليل قوله تعالى (لا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) وقد خرج بعض الظنون عن تحت القاعدة الاولية.
قال المصنف لا
شبهة فى لزوم اتباع ظاهر كلام الشارع فى تعيين مراده فى الجملة فخرج ظاهر كلام
الشارع من تحت الاصل اولى بدليل خاص وهو استقرار طريقة العقلاء على اتباع الظهورات
فى تعيين المرادات والمراد من طريقة العقلاء هو عملهم بظاهر كلام الشارع ولم يجعل
الطريق الآخر لمراده ولا يخفى ان القياس طريق عقلائى ولكن الشارع منع من العمل به
بقوله ان دين الله لا يصاب بالعقول والظاهر انه ما دام عدم الردع من الشارع جاز
العمل بالظن.
فان قلت ان قوله
تعالى (لا تَقْفُ ما لَيْسَ
لَكَ بِهِ عِلْمٌ) ردع من الشارع من العمل بالظواهر لانها من الظنون.
قلت ذكر مثل هذا
فى حجية خبر واحد أى ذكر هناك ان قوله تعالى رادع عن حجية خبر واحد وقد اجيب هناك
ان قوله تعالى لم يكن رادعا عن حجية خبر واحد لان ردعه عن حجية خبر واحد مستلزم
للدور حاصله ان العمل بكلام الشارع بكونه رادعا متوقف على العمل بظاهر كلام الشارع
وهو متوقف على عدم الردع.
قال المصنف لا
شبهة فى لزوم اتباع ظاهر كلام الشارع فى تعيين مراده فى الجملة.
واما الكلام فقد
اختلف فى التفاصل وقال بعض ان المراد هو الظن الشخصى وقال بعض ان المراد هو الظن
النوعى وقال بعض ان سيرة العقلاء على اتباع الظواهر من غير تقييد بافادتها للظن
فعلا وكذا لم يقيد بعدم افاده الظن على خلافها أى لا ردع فى هذه الموارد عن العمل
بالظواهر وكذا لا فرق فى حجية هذه الظواهر بين من قصد افهامه وبين من لم يقصد
افهامه والمراد بمن قصد كالنبى (ص) والامام (ع) والمراد بغير من قصد كالباقى
المكلفين.
والدليل على ما
ذكر عدم قبول عذر المكلف اذا خالف ما تضمن ظاهر الكل م بان يقول انا لم اكن مقصودا
بالافهام.
والدليل الآخر صحة
الشهادة بالاقرار من كل من سمعه مثلا اذا اقر شخص بشيء للغير وانكره بعد لكن سمعه
شخصان فيصح شهادتهما على اقراره وان لم يكونا مقصودين بالافهام.
وكذا فى مسئلة
الوقف فان الحاكم لم يكن مقصودا بالافهام ولكن كان اجراء الحكم على يده.
واعلم ان ظاهر
كلام المولى اما خاص واما عام مثلا اذا كتب المولى الى العبد المعين باتيان فعل
ففعل غيره وكان هذا الظاهر بالخصوص ولكن حجة لغيره ايضا واما اذا كتب المولى لجميع
عبيده باتيان فعل فكان هذا الظاهر بالعموم.
قوله
: ولا فرق فى ذلك بين الكتاب المبين واحاديث سيد المرسلين الخ.
أى لا فرق فى
اتباع الظاهر بين ظاهر الكتاب والاحاديث وان
ذهب بعض
الاخباريين الى المنع عن العمل بظواهر الكتاب من دون التفسير وكشف المراد عن الحجج
المعصومين (صلوات الله عليهم).
وقد استدلوا لذلك
بالاخبار المتواترة المدعى ظهورها فى منع عن ذلك مثل النبوى من فسر القرآن برأيه
فليتبوّأ مقعده من النار.
وفى نبوى آخر من
فسر القرآن برأيه فقد افترى على الله الكذب.
وفى مرسلة شعيب بن
انس عن أبى عبد الله (ع) انه قال لابى حنيفة انت فقيه اهل العراق قال نعم قال عليهالسلام فباىّ شيء تفتيهم قال بكتاب الله وسنة نبيه (ص).
قال (ع) يا ابا
حنيفة تعرف كتاب الله حق معرفته وتعرف الناسخ من المنسوخ قال نعم قال عليهالسلام يا ابا حنيفة لقد ادعيت علما ويلك ما جعل الله ذلك الا عند
اهل الكتاب الذين انزل عليهم ويلك ما هو الا عند الخاص من زرية نبينا لاجل احتوائه
على مضامين شامخه لا يكاد تصل اليها الا الراسخون العالمون وقال (ع) ولا يكاد يصل
الى فهم كلمات الاوائل الا الاوحدى من الافاضل فما ظنك بكلامه تعالى أى لا يفهم
مثل ابى حنيفة كلام الناس.
قال شيخنا الاستاد
بالفارسية : گفت حضرت از براى ايشان فهميدن كلام ناس مشكل است مثلا كلام حافظ را
هركسى نمى فهمد چنانچه حافظ گفته : ساقى حديث سرو گل ولاله سرود : مراد از ساقى
شراب دهنده مى باشد واز سرو گل فصل بهار مى باشد.
الدليل الثانى
للمانعين انّ القرآن مشتمل على المخصص والمقيد ولا يفهمهما الا اهله.
قوله
: ولا يخفى ان النزاع يختلف صغرويا وكبرويا بحسب الوجوه الخ.
استدل الاخباريون
على عدم حجية الظواهر بالادلة الخمسة وكان النزاع فى الثلاثة منها صغرويا.
الاول : ان فهم
القرآن ومعرفته مختص باهله.
الثانى : ان
القرآن مشتمل على مضامين الشامخة.
الثالث : ان العلم
الاجمالى موجود بطر والتخصيص والتقييد والتجوز فى القرآن الكريم أى كان النزاع فى
هذه الثلاثة المذكورة صغرويا.
الحاصل انه لم يكن
الظهور لالفاظ القرآن بالادلة المذكورة.
الرابع : ان
القرآن مشتمل على المتشابهات والظاهر شامل للمتشابه وبعبارة اخرى ان المتشابه شامل
الظاهر ولا شك فى اجمال المتشابه.
الخامس : ان حمل
الالفاظ على ظاهرها تفسير بالرأى وكان النزاع فى دليل الرابع والخامس كبرويا.
فائدة يذكر هنا
الجملة المعترضة قال الله تعالى وما يعلم تأويله الا لله والراسخون فى العلم
يقولون آمنا به أى كان تأويل القرآن عن الله والنبى والراسخين ولا يخفى ان
الراسخين يشمل الائمة عليهمالسلام.
واما اهل الخلاف
فيجعلون والراسخون ابتداء الكلام وقالوا
لا ربط له فى ما
قبله وجعلوا وقف ما قبله لازما أى وقف على الا لله وهذا الوقف لازم فقالوا بهذا
التوجيه ان الائمة (عليهمالسلام) لا ربط لهم فى تفسير القرآن فزادوا من هذه الجهة
الوقف اللازم فى القرآن ولم يكن وقف اللازم فى القرآن عند الامامية وكان مختصا
لاهل الخلاف.
قوله
: وكل هذه الدعاوى فاسدة اما الاولى أى قد ذكر الادلة الخمسة لعدم حجية الظواهر
وقال صاحب الكفاية هذه الادلة باطلة اما الاولى فانما المراد مما دل على اختصاص
فهم القرآن ومعرفته باهله الخ.
قد ذكرت الادلة
على عدم حجية ظواهر القرآن قال المصنف كل هذه الدعاوى والادلة باطلة.
قال الشيخ (قدسسره) ليس لهذه النزاع ثمرة عملية لان الاخباريين يقولون على
عدم حجية ظواهر القرآن اذا لم يكن على طبقه الرواية ونحن نقول بحجية ظواهر القرآن
وقد ثبت الرواية على طبق احكام ظواهر القرآن.
قد استدل
الاخباريون اولا على عدم حجية ظواهر القرآن باختصاص فهم القرآن ومعرفته باهله وقد
استشهد على هذا بما ورد فى ردع ابى حنيفة وقتادة عن الفتوى بظواهر القرآن.
قد اجاب المصنف عن
هذا الاستدلال بقوله اما الاولى سلمنا اختصاص فهم القرآن ومعرفته باهله ولا يخفى
ان هذا الاختصاص انما يكون فى مجموع فهم القرآن من حيث متشابهاته ومحكماته ولا وجه
للاختصاص باهله فى معرفة الاحكام من ظواهر القرآن.
واما ردع ابى
حنيفة وقتادة فهو انما كان لاجل الاستقلال فى الفتوى وعدم الرجوع الى اهل البيت
وكان قصدهما سدّ باب الامام (ع) فعلم ان منعهما من الرجوع الى ظاهر القرآن كان
لاجل ما ذكر.
واما مع الرجوع
الى لروايات الائمة (ع) فقد وقع فى غير واحد منها الارجاع الى الكتاب والاستدلال
بالآيات وقد استدل فى الوضوء على المرارة بقوله تعالى (ما يُرِيدُ اللهُ ـ لِيَجْعَلَ
عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ) حاصل هذا الاستدلال انّ شخصا اخذ على اصبعه المرارة
للتداوى سئل عن كيفية الوضوء قال الامام عليهالسلام لا حاجة للسؤال عن هذه المسألة فارجع الى قوله تعالى أى (ما يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ
مِنْ حَرَجٍ) فيصح الوضوء على المرارة.
قوله
: واما الثانية فلان احتوائه على المضامين العالية الغامضة لا يمنع عن فهم ظواهره
الخ.
هذا جواب عن
الاستدلال الثانى حاصله سلمنا شمول القرآن على مضامين العالية وأيضا سلمنا بان هذه
المطالب مختص للراسخين العالمين بتأويله.
لكن هذا يصح
بالنسبة الى الامور العالية كخلقة السماء والارض قد اختلف فيه قيل بخلقة السماء
اولا وقيل أيضا بخلقة الارض اولا وكذا يرجع الى الراسخين بالنسبة الى مسئلة
التوحيد ولا يخفى ان هذه المذكورات ليست موضوع بحثنا بل كان محل بحثنا فى الاحكام
ولم يمنع رجوعنا الى القرآن بالنسبة الى الاحكام.
قوله
: واما الثالثة فللمنع عن كون الظاهر من المتشابه الخ.
قد استدل المانعون
ان القرآن شامل على المتشابه هذا يمنع عن اتباع الظواهر.
والجواب عن هذا
الاستدلال انّ الظاهر لم يكن من المتشابه لان المتشابه هو خصوص المجمل أى ليس
المتشابه ظاهرا فى الاعم منه ومن الظاهر وان قيل فى السابق ان نفس المتشابه ظاهر فى
المجمل والظاهر أى كان دائرته وسعة.
فيقال فى الجواب
ان المتشابه خاص للمجمل.
واما الجواب عن
استدلال بان ظواهر القرآن متشابه بالعرض لوجود العلم الاجمالى بالمخصصات والمقيدات
فى اكثر ظواهر الكتاب وذلك مما يسقطها عن الظهور.
فنقول انا سلمنا
وجود العلم الاجمالى قبل الفحص عن المخصص واما بعد الفحص عن المخصص فينحل العلم
الاجمالى الى العلم التفصيلى أى بعد الفحص اما يعلم تفصيلا وجود المخصص أو عدمه
فلم يبق الاجمال.
واعلم ان وجود
العلم الاجمالى بالمخصص إما ان يكون فى الروايات الّتي كانت فى ايدينا أو يكون
وجوده فى الاعم منها ومن غيرها فان كان العلم الاجمالى بوجود المخالف فى الاخبار
التى كانت فى ايدينا فقد انحل هذا العلم الاجمالى بعد الفحص الى العلم التفصيلى
بوجود المخصص أو عدمه أى يظهر تفصيلا بعد الفحص وجود المخالف أو عدمه.
واما اذا كان وجود
العلم الاجمالى فى كل الاخبار أى اعم مما كان فى ايدينا وغيره فيشكل هنا فى انحلال
العلم الاجمالى الى
العلم التفصيلى
لان الفحص فى كل الاخبار امر مشكل وان امكن الحاصل انّ احتمال وجود المخصص بعد
الفحص يدفع وينفى بالاصل السالم عن العلم الاجمالى.
قوله
واما الخامسة فيمنع كون حمل الظاهرة من التفسير الخ.
واعلم ان العمدة
فى منع الاخباريين من العمل بظواهر كتاب هى الاخبار المانعة عن تفسير القرآن
بالرأى.
واجاب المصنف عن
هذا الاستدلال بالاجوبة الثلاثة :
الاول ان حمل
اللفظ على المعنى لم يكن تفسيرا لان التفسير لغة هو كشف القناع ولا قناع للظاهر بل
هو للمجمل.
الثانى ولو سلمنا
ان حمل اللفظ على المعنى تفسير فليس تفسيرا بالرأى لان المراد من التفسير بالرأى
هو الاعتبار الظنى.
الظاهر انّ المراد
بالرأى هو الاعتبار العقلى الظنى الراجع الى الاستحسان فلا يشمل حمل اللفظ على
معناه تفسيرا.
فظهر ان المراد من
التفسير بالرأى حمل المجمل على محتمله بمجرد ذاك الاعتبار من دون السؤال عن الائمة
وفى بعض الاخبار انما هلك الناس فى المتشابه لانهم وضعوا له تأويلا من عند انفسهم
بظنهم وآرائهم.
الثالث أى الجواب
الثالث عن استدلال الخامس حاصل الجواب ولو سلمنا ان حمل اللفظ على ظاهره تفسير
بالرأى فالاخبار دالة على صحة هذا التفسير.
توضيح هذا الجواب
ان الاخبار على قسمين الآمرة والناهية والمراد من الاخبار الآمرة كخبر الثقلين
وغيره قال الشيخ الطريحى وفى حديث النبى صلىاللهعليهوآله انى تارك فيكم ثقلين كتابا
وعترتى قيل سميا
بذلك بان العمل بهما ثقيل وقيل من الثقل بالتحريك المتاع كالمتاع للمسافر.
وكذا من الاخبار
الآمرة عرض الاخبار المتعارضة للكتاب وكذا رد الشروط المتخالفة للكتاب فى باب
العقود.
واما الاخبار
الناهية فهى مثل النبوى صلىاللهعليهوآله من فسر القرآن برأيه فليتبوّأ مقعده من النار وفى النبوى
الآخر من فسر القرآن برأيه فقد افترى على الله الكذب وعن ابى عبد الله عليهالسلام من فسر القرآن برأيه ان اصاب لم يؤجر.
واعلم ان النسبة
بين الطرفين من الاخبار هى العموم المطلق لان الاخبار الناهية شاملة لحمل الظاهر
عليه وعلى خلافه ولحمل المجمل على احد معانيه بعبارة اخرى ان الاخبار الناهية تعم
الظاهر والمجمل.
واما الاخبار
الآمرة فهى شاملة للظواهر فقط والاخص يقدم على الاعم أى اخبار الآمرة مخصصة
للاخبار الناهية.
لا يقال ان
الاخبار الآمرة شاملة للنص أيضا فتكون النسبة بين الاخبار الآمرة والناهية عموما
من وجه فانه يقال ليس فى آيات الاحكام نص وعلى تقدير تسليمه فالنص فى آيات الاحكام
فرد نادر.
قوله
: ودعوى العلم الاجمالى بوقوع التحريف فيه وان كانت غير بعيدة.
هذا الدليل السادس
للمانعين حاصله ان العلم الاجمالى بوقوع التحريف فى القرآن وان كانت غير بعيدة قال
المانعون ان ظاهر القرآن لم يكن حجة للعلم الاجمالى بوقوع التحريف فيه وهو اما
ان يكون باسقاط أو
بالتغيير.
واما الزيادة فقد
انعقد الاجماع على عدمها وقال بعض قد اسقط ثلث القرآن توضيح هذا القول ان آيات
القرآن جمعت ورتبت فى عصر الخليفة الثالثة وكان بعض آيات القرآن عند علي (ع) قد
ذكر فى التاريخ ان علي عليهالسلام جاء مع هذه الآيات الى الخليفة لتسليم هذه الآيات له
لاجتماعها مع باقى الآيات لكن الخليفة لم يقبل هذا فبقيت هذه الآيات عند علي (ع)
وكانت هذه الآيات فى عصر الغيبة عند امام الزمان (ع).
واعلم ان بحث
التحريف يصح بالنسبة الى التوراة والانجيل لكن لا يصح هذا البحث بالنسبة الى
القرآن ولم يكن تحريف القرآن مقبولا عند الاعلام.
قال العلماء
اليهودية لنا قد وقع التحريف بكتابكم باقراركم من ان اصل القرآن عند حضرت الحجة (ع)
وايضا قال العلماء اليهودية ان بعض علمائكم كتب رسالة فى هذا الباب كالحاج النورى
فقال الاعلام فى الجواب ان الحاج النورى ليس منا وصار هذا الجواب موجبا لسقوطه عن
انظار الناس.
بعبارة شيخنا
الاستاد بالفارسية از جهت اين جواب آقاى نورى به زمين خورد.
قد ذكر فى تفسير
مجمع البيان عدم تحريف القرآن وكذا ذكر هذا الشيخ قدسسره وقال شيخنا الاستاد الحق عدم تحريف القرآن وقد تواتر فى
السن الناس تحريف القرآن ووجود بعض الآيات عند حضرت الحجة فلا بد من توجيه ما ذكر
من ان علي (ع) جمع تأويل القرآن وكان هذا التأويلات فى هذا العصر عند
امام الزمان.
ولا يخفى ان بحث
التحريف ذكر تبعا لشيخنا الاستاد قدسسره الآن يرجع الى اصل البحث قد استدل المانعون أيضا بوقوع
التحريف فى القرآن أى ثبت العلم الاجمالى بتحريف ظواهر القرآن وقد ذكر ان التحريف
اما ان يكون بالاسقاط واما ان يكون بالتغيير من حيث المادة أو الهيئة واما ان يكون
بالزيادة لكن عدم هذا التحريف محل الاتفاق لان المتحرفين لم تكونوا قادرين فى
الازدياد بعبارة شيخنا الاستاد آنها چيزى ياد نداشتند تا آنكه زياد نمايند الحاصل
ان العلم الاجمالى بالتحريف يمنع عن العمل بظواهر القرآن والجواب بعد التسليم
بوقوع التحريف فى القرآن.
قال صاحب الكفاية
يشهد به بعض الاخبار ويساعده الاعتبار أى فهم من كلامه وقوع التحريف فالجواب بعد
تسليمه ان التحريف لا يضر على ظواهر القرآن لان البحث فى آيات الاحكام ولا يكون
العلم بالتحريف فيها لان خمس ومائة آية وردت فى الاحكام ووردت آيات اخرى فى القصص
والخلقة وغيرها.
فاجيب من هذا
بجوابين الاول ان تحريف انما يكون فى المتشابهات لا فى الظواهر سواء كانت هذه
المتشابهات فى الاحكام أو القصص والثانى سلمنا بوقوع التحريف فى الظواهر لكن ليس
لنا العلم بوقوع التحريف فى آيات الاحكام ويمكن ان يكون التحريف فى آيات القصص
والحكايات وليست هذه الآيات محلا لبحثنا وكذا ليس بحثنا فى اصول العقائد لان
الظواهر لا تفيد لاثبات الاصول لانها يقتضى الدليل القطعى.
اذا حصل العلم
الاجمالى بوقوع التحريف فى آيات الاحكام أو
فى غيرها من
الآيات فهو غير ضائر بحجية آيات الاحكام لان آيات القصص والحكايات والاصول خارجة
عن محل الابتلاء لان الظواهر لم تكن بالنسبة اليها حجة فينحل العلم الاجمالى أى
يعلم ان الظاهر لم يكن حجة بالنسبة الى القصص والحكايات.
قوله
: لو كان الخلل المحتمل فيه أو فى غيره بما اتصل به لاخل بحجيته.
قال المصنف لو كان
الخلل المحتمل مرددا بين ظاهر آية متعلقة بالحكم وبين آية اخرى متعلقة بغيره لاخل
بحجية الظواهر فى باب الاحكام.
توضيحه ان الخلل
المردد بين آيات الاحكام وغيرها على اقسام :
الاول ان يكون من
الامور المنفصلة عن كل واحد آية الحكم وغيرها.
الثانى ان يكون
هذا الخلل متصلا بغير ظاهر آية الحكم أى يكون متصل بآيات القصص والحكايات ومنفصلا
عن آيات الاحكام ولا اشكال فى هذين القسمين فى عدم قدح هذا الخلل فى ظاهر الآية
المتعلقة بالحكم.
الثالث ان يكون
هذا الخلل متصلا بآية الحكم دون الغير.
الرابع ان يكون
متصلا بكليهما وعلى هذين القسمين يكون هذا الخلل بالنسبة الى آية الحكم من مصاديق الشك
فى قرينية الموجود ولا يخفى ان الحكم فى ذلك هو التوقف لكونه موجبا لعدم انعقاد
الظهور واعلم انّ المراد من الخلل المحتمل هو التحريف.
قوله
: ثم التحقيق ان الاختلاف فى القراءة بما يوجب الاختلاف فى الظهور.
قال الشيخ (قدسسره) فى الرسائل اذا اختلف القراءة فى الكتاب على وجهين
مختلفين فى المؤدى كما فى قوله تعالى (حَتَّى يَطْهُرْنَ) حيث قرء بالتشديد من التطهر الظاهر فى الاغتسال والتخفيف
من الطهارة الظاهر فى النقاء من الحيض.
فلا يخلو اما ان
نقول بالتواتر القراءات كلها كما هو المشهور خصوصا فيما كان الاختلاف فى المادة
والظاهر ان الاختلاف فى المادة مقابل للاختلاف فى الحركة فيطهرن بالتشديد ويطهرن
بالتخفيف مختلفان بالمادة.
وأيضا يراد من
الاختلاف بالمادة بان بدل عم به غم واما ان لا نقول بتواتر القراءات.
ولا يخفى ان
الاختلاف فى القراءة يوجب الاختلال فى الظهور فلا يجوز التمسك بالظاهر سواء قلنا
بتواتر القراءات أم لا فاذا قلنا بتواتر قراءات كان يطهرن بالتشديد ويطهرن
بالتخفيف بمنزلة آيتين فتعارضتا لا بد من الجمع بينهما بحمل الظاهر على النص أو
على الاظهر ومع التكافؤ لا بد من الحكم بالتوقف والرجوع الى الادلة والاصول
الموجودة فى المسألة.
واما على القول
بعدم التواتر فى القراءات فان ثبت جواز الاستدلال بكل القراءة كان الحكم كما تقدم
من حمل الظاهر على النص أو حمل على الاظهر ومع التعارض لا بد من الحكم بالتوقف وان
لم يثبت جواز الاستدلال بكل القراءة فلا بد من التوقف فى
محل التعارض والرجوع
الى لقواعد من العمومات والاصول.
قال صاحب الكفاية
انما الثابت جواز القراءة بالقراءات ولا ملازمة بينهما أى لا ملازمة بين جواز
قراءة وتواترها. وكذا لا ملازمة بين جواز القراءة وجواز التمسك.
اذا فرض جواز
الاستدلال بالقراءة فلا حاجة الى ملاحظة الترجيح بين القراءات بل يرجع الى
العمومات أو الاصول مثلا فى قوله تعالى (يَطْهُرْنَ) يحكم باستصحاب الحرمة أى حرمة الوطى قبل الاغتسال أو
بالجواز بناء على عموم قوله تعالى (فَأْتُوا حَرْثَكُمْ
أَنَّى شِئْتُمْ) فالعموم فيه من حيث الزمان لا مكان خرج منه ايام الحيض
بدليل آخر.
وكذا فى باب تعارض
الامارات الاصل هو سقوطها عن الحجية فى خصوص المؤدى أى اذا كان التعارض فى باب
الامارات ولم يكن المرجح فى المقام فالاصل هو التساقط اذا كان حجيتها من باب
الطريقية أى لم يجعل هنا الحكم بل كانت الامارة طريقة الى الواقع.
واما اذا كانت
حجية الامارة من باب السببية فيجعل الحكم الشرعى فيكون المقام من باب التزاحم
والظاهر فى باب التزاحم التخيير بين الحكمين.
واما فى باب
التعارض فالحكم واحد والتعارض انما كان بين الدليلين اذا لم يكن المرجح فى باب
التعارض رجع الى الاصول أو العمومات بحسب مناسبة المقام وقد ثبت فى المقام عدم
الاستدلال بظاهر قوله تعالى (حَتَّى يَطْهُرْنَ) لوجود التعارض بين القراءتين فلا بد من الرجوع الى استصحاب
الحرمة قبل الغسل أو
الى عموم قوله
تعالى (فَأْتُوا حَرْثَكُمْ
أَنَّى شِئْتُمْ) أى الوطى جائز فخرج ايام الحيض بدليل آخر.
واما فى صورة الاستصحاب
فيحكم بحرمة الوطى لانه كان حراما فى ايام الحيض فبعد الطهر من الحيض يشك فى جواز
الوطى فيستصحب الحرمة التى كانت فى ايام الحيض.
البحث فى احراز
الظهور
قوله
: فصل قد عرفت حجية ظهور الكلام فى تعيين المرام الخ.
قد سبق ان الاصل
هو عدم حجية الظن أى الاصل الاولى عدم حجيته وقد خرج الظواهر عن تحت هذا الاصل أى
يكشف من ظاهر كلام كل المتكلم ان هذه مراده والدليل على هذا هو بناء العقلاء أى
استقرار بناء العقلاء واتفاق سيرتهم العملية على العمل بالظواهر.
واعلم ان الشيخ قدسسره جعل النزاع صغرويا ويبحث اولا من تشخيص الظهور واثباته
ويلزم ان يكون هذا التشخيص قطعيا وان كان دلالته على المراد ظنيا.
فعلم من هذا انه
يلزم اولا احراز الصغرى لان الكبرى لا يسوى الصغرى بعبارة شيخنا الاستاد : كبرى
صغرى را درست نمى كند : مثلا كل المتغير حادث فلا يسوى بتوسطه الصغرى أى لا يثبت
بتوسطه ان العالم متغير فلا بد أوّلا من احراز هذا الصغرى وكذا الامر فى المقام
فلا بد أوّلا من احراز الظهور ويبحث ثانيا من حجيته فان احرز هذا الظهور بالقطع
فهو المطلوب ولا كلام فيه
وكذا يصح ان احرز
هذا الظهور باصالة عدم القرينة أى ان احتمل وجود قرينة فلا خلاف فى اجراء اصالة
عدم قرينة ويصح احراز ظهور ظنا فلا فرق بين الاحراز القطعى والظنى فتم احراز
الظهور فى الموردين المذكورين.
واما اذا شك فى
قرينية الشيء الموجود فلم يكن هذا المورد خاليا عن الاشكال فى حجية اصالة عدم
القرينة.
فيقال لاجل توضيح
هذا المورد ان شك قد يكون فى وجود الشيء وقد يكون فى قرينية الشيء الموجود بعبارة
اخرى انّ الفرق بين الشك فى وجود الشيء ووصفه مثلا يشك مرة فى نفس الرافع ويشك مرة
اخرى فى رافعية الشيء الموجود كالمذى أى الماء الذى خرج بعد الملاعبة مع الزوجة
كان شك هنا فى رافعية الشيء الموجود اى هل يكون هذا الشيء الموجود ناقصا للوضوء أم
لا وتارة يكون الشك فى نفس الرافع مثلا اذا كان الشخص متيقنا فى الطهارة وشاكا فى
صدور الحدث فهذا المورد كان الشك فى وجود الشيء.
وكذا الحكم فى
المقام مثلا ترد عمومات متعددة فى كلام واحد ثم يعقبها استثناء فى آخرها فيشك
حينئذ فى رجوع الاستثناء لخصوص الجملة الاخيرة أو الجميع الجمل فكان الشك هنا فى
قرينية الشيء الموجود أى كان الكلام محفوفا بالشيء الذى يصلح للقرينية وهو عبارة
عن الاستثناء فى الفرض المذكور فلا يخلو هذا المورد عن الاشكال فى جريان اصالة عدم
القرينة فان قلنا بجريان اصالة الحقيقة فيما سوى الجملة الاخيرة يجرى هنا اصالة
عدم القرينة بالنسبة الى غير الجملة الاخيرة ويثبت
الظهور وان قلنا
بعدم جريان اصالة عدم القرينة فى جميع الجمل فلا يثبت الظهور فى الجميع ويكون
مجملا.
قوله
: وان كان لاجل الشك فيما هو الموضوع لغة أو المفهوم منه عرفا الخ.
واعلم ان ظاهر
العبارة يقتضى كون العلم بالموضوع له اللغوى كافيا فى انعقاد الظهور وهو ممنوع
لانه دائر مدار العلم بالموضوع له العرفى صادف الوضع اللغوى أو لا.
الحاصل انه اذا
احرز الظهور من قول اللغوى فهذا مورد للبحث مثلا ثبت من قول اللغوى ان المراد من
الصعيد هو مطلق وجه الارض واذا تشخص الصغرى اى ثبت الظهور من قول لغوى فقد اختلف
فى حجية هذا الظهور قد نسب الى المشهور حجية القول اللغوى باتفاق العلماء والعقلاء
أى حصل الاجماع والاتفاق على حجية القول اللغوى والفرق بين الاجماع والاتفاق ان
الاجماع ما يكون من اهل الحل والعقد أى يكون من المجتهدين واما الاتفاق فيكون من
العقلاء سواء كان من اهل الحل والعقد أم لا وأيضا استدل على حجية القول اللغوى
بانهم من اهل الخبرة بالنسبة الى وضع الالفاظ.
الحاصل انه يرجع
الى اهل الخبرة فى موارد كثيرة لتحصيل الوثوق والاطمينان بهم.
قوله
: وفيه ان الاتفاق لو سلم اتفاقه فغير مفيد الخ.
أى لا يحصل
الاطمينان من قول شخص واحد من اهل اللغة بل
قدر المتيقن هو
الرجوع مع اجتماع شرايط الشهادة من التعدد والعدالة.
وحاصل الاشكال ان
اتفاق العقلاء لا يفيد اثبات المعنى الحقيقى واما اجماع المحصل فهو غير حاصل فى
المقام لان الشرط فى اجماع المحصل هو دخول قول الامام فى المجمعين واما اجماع
المنقول فهو غير مقبول فى المقام ولا يخفى ان قدر المتيقن من الرجوع الى قول
اللغوى انما هو فيما اذا كان الرجوع مفيدا للاطمئنان والوثوق فلم يكن اللغوى اهل
الخبرة بالنسبة الى وضع الالفاظ بل كانوا من اهل الخبرة بالنسبة الى موارد
الاستعمال بل لم يعلموا فى مورد الاستعمال المعنى الحقيقى والمجازي أى الاهم عند
اللغوى هو مورد الاستعمال لا تعيين المعنى الحقيقى والمجازي والا لوضعوا لتعيين
هما العلامة
ان قلت ان العلامة
للمعنى الحقيقى موجود عند الذكر اى ما ذكره اولا فهو المعنى الحقيقى قلت ليس ذكر
المعنى اولا علامة كون اللفظ حقيقة فيه للانتقاض بالمشترك لانه حقيقة فى الكل أى
ان المشترك اللفظى حقيقة فيما ذكر اولا وثانيا وثالثا. والحاصل انه لا يتميز من
القول الغوى المعنى الحقيقى كما ذكر فى القوانين انه يرجع فى تشخيص المعنى الحقيقى
الى التبادر لا الى القول اللغوى.
قوله
كون موارد الحاجة الى لقول اللغوى اكثر من ان تحصى لانسداد باب العلم الخ.
أيضا هذا دليل
لاثبات المعنى الحقيقى بالقول اللغوى حاصله ان مورد الحاجة اكثر من ان تحصى عند
انسداد باب العلم بتفاصيل المعانى اللغوية غالبا وقد ذكر الادلة الثلاثة فى الرجوع
لاثبات المعنى
الحقيقى : الاول
الرجوع الى القول اللغوى عند الكل من غير الانكار وان كان هذا الرجوع عند
المخاصمات والاحتجاج.
الثانى الاتفاق
والاجماع فى الرجوع الى لقول اللغوى ..
والثالث ان اهل اللغة
كانوا اهل الخبرة يرجع اليهم لاثبات المعنى الحقيقى.
وقد اشكل على
الاجماع والاتفاق وكذا اشكل على الدليل الثالث بان اللغوى اهل الخبرة بالنسبة الى
المستعمل فيه ولم يعلموا انه حقيقة أو مجاز.
وقد استدل لاثبات
المعنى الحقيقى بالقول اللغوى على انسداد باب العلم تفصيلا فى اللغات وان كان باب
العلم اجمالا مفتوحا مثلا نعلم ما وضع له لفظ التمر اجمالا ولكن لم نعلم ان
الموضوع له هو البسر أو اليابس أو كلاهما.
والجواب انّ
انسداد باب العلم فى اللغات لا يوجب اعتبار القول اللغوى اذا كان باب العلم فى
الاحكام مفتوحا الحاصل ان القول اللغوى لا يصير حجة بتوسط انسداد باب العلم فى
اللغات بعبارة اخرى انّ انسداد باب العلم باللغات لا يفيد حجية القول اللغوى اذا
كان باب العلم فى الاحكام مفتوحا.
ولا يخفى انه اذا
تمت مقدمات الانسداد حصل الظن بالحكم وكان هذا الظن فى حكم القطع ولا فرق فى حصول
هذا الظن وان كان من القول اللغوى فى صورة انسداد باب العلم فى الاحكام أى كان
القول اللغوى معتبرا مع انسداد باب العلم فى الاحكام من باب حجية مطلق الظن فكان
الظن حجة فى هذا المورد المشكوك وان فرض انفتاح باب العلم باللغات بالتفصيل فيما
عدا المورد أى لا
نعلم هذا المورد
مفصلا فكان الظن فيه حجة وان كان باب العلم باللغات فى الموارد الاخرى مفتوحا.
قد ذكر هنا الجملة
المعترضة تبعا لشيخنا الاستاد قد اصطلح عند الأصوليين مقدمات التى هى معروفة
بمقدمات الانسداد ولا يخفى ان هذا اصطلاح خاص عند الاصولى واما فى الحقيقة فنفس
الانسداد من المقدمات أى نفس انسداد فى الاحكام من المقدمات.
قوله
: نعم لو كان هناك دليل على اعتباره.
أى اذا قام الدليل
الخاص على حجية الظن فى حال انسداد باب العلم فى اللغات كان هذا الانسداد حكمة
لحجية الظن لا علة والمراد من الحكمة ما لم يكن له الاطراد والانعكاس أى ليس وجود
الحكم موقوفا على الحكمة واما العلة فهى ما ثبت له الاطراد والانعكاس أى كلما ثبت
العلة ثبت المعلول وليس الحكمة كذلك مثلا اذا قام الاجماع على حجية القول اللغوى
أو قام الدليل الآخر على حجيته كان انسداد باب العلم فى للغات حكمة لحجية الظن من
القول اللغوى لكن ليس الامر كذلك أى ليس الدليل الخاص لحجية القول اللغوى وقد ردت
الادلة التى ذكرت ويأتى ذكر الادلة وردها آنفا.
قوله
: لا يقال على هذا لا فائدة فى الرجوع الى اللغة.
أى اذا كان حجية
القول اللغوى بدليل آخر فلا فائدة فى الرجوع الى اللغة.
فانه
يقال مع هذا لا يكاد يخفى الفائدة فى المراجعة اليها الخ.
أى كان الرجوع الى
القولى اللغوى مفيدا فى صورة انسداد باب العلم بتفاصل اللغات فانه ربما يوجب القطع
بالمعنى وربما
يوجب الاطمينان
بان اللفظ ظاهر فى هذا المعنى وان لم يقطع بانه حقيقة فيه أو مجاز فيكفى هذا فى
مقام الفتوى.
واعلم انه قد ذكر
ان الاصل الاولي هو عدم حجية الظن لكن خرج بعض الموارد من تحت هذا الاصل كالظهور
أى ظهور كلام المتكلم وان احتمل وجود القرينة يبنى على ظاهر الكلام بعد جريان
اصالة عدم القرينة.
وقد اختلف بين
الشيخ الاعظم وصاحب الكفاية فى هذا المورد قال الشيخ الاعظم فى رسائله ان اصول
الوجودية مثل اصالة الاطلاق ونحوها أى كلها انواع لاصالة الظهور فترجع كلها الى
اصالة عدم القرينة بمعنى ان اصالة الحقيقة ترجع الى اصالة عدم القرينة المجاز
واصالة العموم الى اصالة عدم المخصص والظاهر ان غرضه من الرجوع ان حجية اصالة
الظهور انما هى من جهة بناء العقلاء على حجية اصالة عدم القرينة أى يحصل الظهور
بعد اجراء اصالة عدم القرينة.
وذهب صاحب الكفاية
الى العكس من ذلك أى انه يرى ان اصالة عدم القرينة هى التى ترجع الى اصالة الظهور
يعنى انّ العقلاء ليس لهم الا بناء واحد وهو البناء على اصالة الظهور وهو نفس بناء
على اصالة عدم القرينة وليس هناك بناءان عندهم بناء على اصالة عدم القرينة وبناء
آخر على اصالة الظهور وهذا البناء الثانى بعد البناء الاول ومتوقف عليه وليس
البناء على اصالة الظهور مرجع حجيته ومعناه الى البناء على اصالة عدم القرينة أى
قال صاحب الكفاية بحصول الظهور اولا كما قال فى
قوله يبنى على
المعنى الذى لو لا القرينة كان اللفظ ظاهرا فى هذا المعنى ابتداء.
لكن الشيخ يقول
ليس لنا اصالة الظهور بل المراد هو اصالة عدم القرينة اذا علم الفرق بين مذهب
الشيخ وصاحب الكفاية ورد الاشكال فى المورد الثالث أى اذا شك فى قرينية الشيء
الموجود حاصله ان حجية اصالة اصالة الحقيقة اما تكون من باب التعبد واما أن تكون
من باب الظهور اذا كان حجية اصالة الحقيقة من باب التعبد سلمنا صحتها واما اذا
قلنا بحجية اصالة الحقيقة من باب الظهور فلم نسلم الظهور فى الحقيقة لوجود ما يصلح
للقرينية فيصير اللفظ مجملا.
قوله
: فصل الاجماع المنقول بالخبر الواحد حجة عند كثير ممن قال باعتبار الخبر بالخصوص.
أى خرج من تحت
الاصل الاولى الاجماع المنقول بخبر واحد والدليل على حجية الاجماع المنقول هو
الدليل على حجية الخبر الواحد لان الاجماع المنقول بالخبر الواحد من افراد الخبر
الواحد فتكفى ادلة حجية الخبر الواحد لحجية الاجماع المنقول قال شيخنا الاستاد كان
المناسب ذكر الاجماع المنقول بعد ذكر الخبر الواحد لان الدليل لحجية الاجماع
المنقول هو دليل حجية الخبر الواحد.
قوله
: وتحقيق القول فيه يستدعى رسم امور الاول ان وجه اعتبار الاجماع هو القطع برأى
الامام (ع).
أى قد بيّن فى
الامر الاول ان الدليل على حجية الظواهر هو الاجماع وقد ظهر من العامة والخاصة ان
الدليل على حجية الظواهر
هو الاجماع واعلم
ان الاجماع فى الاصطلاح ينقسم الى قسمين :
الاول الاجماع
المحصل والمقصود به الاجماع الذى يحصله الفقيه بنفسه بتتبع اقوال اهل الفتوى.
الثانى الاجماع
المنقول والمقصود به الاجماع الذى لم يحصله الفقيه بنفسه وانما ينقله له من حصله
من الفقهاء سواء كان النقل له بواسطة أم بوسائط.
والظاهر انّ وجه
اعتبار الاجماع هو القطع برأى الامام عليهالسلام فمتى اجتمعت الامة على قول كان داخلا فى جملتها لانه سيد
الامة والخطأ مأمون على قوله فيكون ذلك الاجماع حجة فحجية الاجماع حقيقة عندنا
انما هى باعتبار كشفه عن الحجة التى هى قول المعصوم بعبارة اخرى ان الاجماع كاشف
عن قول الامام عليهالسلام لا ان الاجماع حجة فى نفسه من حيث هو الاجماع.
توضيح ان الاجماع
فى مصطلح الخاصة هو اتفاق جميع العلماء فى عصر وكذا فى مصطلح العامة الذين هم اصل
له وهو اصل لهم أى كون العامة اصل للاجماع وهو اصل لهم لكونه مبنى دينهم لان عمدة
ادلتهم على فتوى ابن ابى قحافة اجماع الامة عليها على زعمهم واما الاصل عندنا فهو
النص بعبارة اخرى ان الاجماع فى مصطلح العامة هو من باب الموضوعية وهو عندنا من
باب الكاشفية والفرق بينهما المراد من الموضوعية ان الاجماع هو اتفاق جميع العلماء
فى عصر سواء كان كاشفا عن قول الامام عليهالسلام ام لا.
واما المراد من
الاجماع عندنا فهو اتفاق جميع العلماء بشرط كونه كاشفا عن قول الامام عليهالسلام اذا قلنا ان الاجماع
حجة فهو من باب
طريقية والمراد من هذا انه كاشف عن قول الامام قد ذكروا وجوها لدخول قول الامام (ع)
فى المجمعين :
الاول انه يتصور
وجود الاجماع حيث لا يعلم الامام بعينه ولكن يعلم كونه فى جملة المجمعين ولا بد فى
ذلك من وجود من لا يعلم اصله ونسبه فى جملتهم ومن يتجه فانه يقال ان المدار فى
الحجية على العلم بدخول المعصوم عليهالسلام فى جملة القائلين ويسمى هذا الاجماع الدخولى وقد ذكر هذا
صاحب المعالم.
الثانى طريقة
قاعدة اللطف وهى ان يستكشف بالملازمة العقلية أو العادية رأى المعصوم من اتفاق من
عداه من العلماء الموجودين فى عصره مع عدم ظهور ردع من قبله لهم باحد وجوه الردع
أى لا خفية ولا ظاهرة والمراد من الملازمة العقلية كلزوم الزوجية للاربع والمراد
من الملازمة العادية كالجود بالنسبة الى الحاتم.
ولا يخفى ان دخول
رأى الامام فى المجمعين كان من باب الملازمة العقلية وبعبارة اخرى كان دخول رأى
الامام فى المجمعين من باب قاعدة اللطف ان الله تعالى يفعل فعلا يقرب به العبد الى
الطاعة ويبعده به عن المعصية واذا اجمع العلماء على امر فيرسل الله اليهم اماما
لبعدهم عن الخطأ كما يقال الامر بالمعروف واجب عقلا أى وجب الامر بالمعروف على
الناس من باب قاعدة اللطف.
واعلم ان قاعدة
اللطف ثبت فى بعض الاوقات تكوينا كنزول العذاب على الناس هذا لطف لقرب هم الى
الطاعة لخوف العذاب
فيوجد الله تعالى
سببا لقرب الناس الى الطاعة وبعدهم عن المعصية وأيضا اذا اجمع العلماء على الباطل
ارسل الله تعالى اليهم اماما لالقاء الخلاف فيهم.
الثالث الملازمة
العادية أى الدليل الثالث لدخول قول الامام فى المجمعين هو الملازمة العادية مثلا
صارت العادة من صدر الاسلام الى زماننا هذا موافقة قول المجمعين لقول الامام (ع)
أى لم يقولوا قولا الا ان الامام داخل معهم.
الدليل الرابع
طريقة الحدس وهى ان يقطع بكون ما اتفق عليه الفقهاء الامامية وصل اليهم من رئيسهم
وامامهم يدا بيد فان اتفاقهم مع كثرة اختلافهم فى اكثر المسائل يعلم منه ان
الاتفاق كان مستندا الى رأى امامهم والحدس هو العلم الحاصل من غير طريق الحواس
الظاهرة أى للاعتقاد بالمجمعين يحدس ان هذا قول الامام (ع) ويحصل من قولهم القطع
بقول الامام (ع).
قوله
: وربما يتفق لبعض الاوحدى وجه آخر من تشرفه برؤيته (ع).
أى كان اجماع تشرفى
لنا وهو ان يشرف شخص محضر الامام عليهالسلام فى زمان الغيبة واخذ منه حكما أى اخذ هذا الشخص الفتوى عن
الامام ولكن فى مقام التبليغ لم يقل انى سمعت عن الامام (ع) بل يحكى بلفظ الاجماع
ويخفى سمعه عن الامام لبعض دواعى الاخفاء وهو كون الناس مأمورين بتكذيب مدعى
الرؤية فى زمان الغيبة ويسمى هذا الاجماع تشرفيا لانه شرف خدمة الامام (ع) وسمع
الحكم عنه واما فى مقام التبليغ فيحكى
بلفظ الاجماع لانه
اسهل القبول.
قوله
الامر الثانى انه لا يخفى اختلاف نقل الاجماع فتارة ينقل رأيه فى ضمن نقله حدسا
الخ.
قد اختلف فى حجية
الاجماع المنقول ودليل من قال بحجيته هو الدليل على حجية الخبر الواحد فيكفى دليل
حجية الخبر عليه لان الاجماع المنقول من افراد خبر واحد بل الاجماع المنقول عالى
السند لانه وصل الى الامام بواسطة واحدة اما خبر واحد فوصل الى الامام بوسائط
متعددة قد ذكر فى الامر الاول ان حاكى الاجماع اما ان يقطع بدخول الامام فى
المجمعين ويسمى هذا الاجماع الدخولي وتارة يحكم بدخول الامام فى المجمعين بقاعدة
اللطف أى يحكم بدخول الامام من باب الملازمة العقلية اذا ثبت الاجماع يحكم العقل
بدخول الامام فى المجمعين.
واما المراد من
الملازمة العادية فهو ان صدور الحكم من العلماء من صدر الاسلام الى زماننا هذا كان
موافقا لحكم الامام عليهالسلام أى يحكم العرف بموافقة قول المجمعين لرأى الامام عليهالسلام.
وإما ان يكون نقل
الاجماع من باب الحدس والمراد منه ما هو مقابل الحس اعم من اللطف والتقرير والحدس
المصطلح واما يحكم ناقل الاجماع بدخول الامام (ع) من باب الاتفاق أى اتفق للبعض
الحدس بقوله (ع) فى بين المجمعين وحصل من هذا الحدس القطع بقوله (ع) قال صاحب
الكفاية ان نقل الاجماع من باب الحدس هو الغالب واما نقل الاجماع حسا فهو نادر جدا
والمراد من الحس
هو الحس الظاهرى كالسمع.
ولا يخفى انّ حاكى
الاجماع تارة ناقل للسبب والمسبب والمراد من السبب هو اتفاق العلماء والمراد من
المسبب هو رأى الامام (ع) مثلا يقول الحاكى اجمع الامة على هذا حتى المعصوم فصرح
الناقل بهما قد ذكر صاحب الكفاية انه لا يخفى اختلاف نقل الاجماع فتارة ينقل رأيه (ع)
حدسا واخرى حسا وأيضا اختلف عبارة اجماع المنقول فى مقام الاثبات صراحة وظهورا
واجمالا الحاصل ان لفظ النقل تارة يكون صريحا فى نقل كلا الامرين كما اذا قال اجمع
جميع الامة من المعصوم وغيره واخرى يكون كذلك فى نقل السبب كما اذا قال اجماعا من
غير المعصوم.
وثالثه يكون ظاهرا
فى الاول كما اذا قال اجماعا او قال جميع الامة.
ورابعة يكون ظاهرا
فى الثانى كما اذا قال مثلا اجمع عليه الاصحاب فان الظاهر غير الامام.
وخامسة يكون مجملا
كما اذا قال فقهائنا.
قوله
: الامر الثالث انه لا اشكال فى حجية الاجماع المنقول بادلة حجية الخبر الخ.
أى كان البحث فى
خروج اجماع المنقول من تحت الاصول الاولوية قد علم ان الاصل الاولي عدم الحجية الا
ما خرج بالدليل فخرج من تحت هذا الاصل الظواهر وكذا الاجماع المنقول ولا يخفى ان
الاجماع المنقول وقع فى مقابل الاجماع المحصل والمراد منه ان الشخص الفقيه تتبع
اقوال العلماء والمراد من
الاجماع المنقول
ان الشخص الآخر تتبع اقوال العلماء ونقلها للفقيه والبحث فى المقام فى هذا
الاجماع.
قال صاحب الكفاية
انه لا الاشكال فى حجية الاجماع المنقول بادلة حجية الخبر قد ذكر حجية الاجماع
المنقول بعد ظواهر الاخبار لان ما خرج من تحت الاصل الاولى يذكر اولا وما بقى تحت
الاصل يذكر اخيرا واما الاجماع المنقول فدليل حجية الخبر كاف فيه صار هذا سببا
لذكره بعد حجية الخبر بل كان شمول هذا الدليل للاجماع المنقول بالطريق الاولى بل
وهو عالى السند لان الناقل ينقل عن الامام (ع) بلا واسطة لان الامام موجود بين
المجمعين.
توضيح الامر
الثالث ان ناقل الاجماع على ثلاثة اقسام :
الاول ينقل السبب
والمسبب هو رأى المعصوم فاما ان يكون نقلهما عن حس أى ادركه الناقل بالعين أو سمعه
بالاذن ولا يخفى ان الخبر عن الامام (ع) فى اكثر الموارد هو عن حس أى قد يكون
بالسمع وقد يكون بالبصر كرؤية مكتوب الامام مع التوقيع وإما ان يكون الاخبار
بالحدس بان يحدس من المقدمات المحسوسة المخبر به.
الحاصل انه اذا
نقل ناقل الاجماع السبب والمسبب عن حس يشمل دليل خبر الواحد هذا القسم من الاجماع
المنقول ولا فرق فى نقل قول بين المطابقة والالتزام فكان نقل قول الامام (ع) فى
باب الخبر بالمطابقة وفى باب الاجماع المنقول بالتضمّن مثل يقول الناقل اتفق
المسلمون قاطبة ولا شك ان الامام (ع) داخل فيهم.
الثانى ان الناقل
ينقل السبب فقط واما المسبّب فكان بالالتزام بعبارة اخرى ان نقل المسبب كان عن حدس
بقاعدة اللطف عقلا أو عادة أو اتفاقا اى كانت الملازمة العقلية بين نقل السبب
والمسبّب وثبت هذه الملازمة بنظر المنقول اليه أيضا.
الثالث ان ينقل
الناقل المسبب عن حدس بالملازمة العقلية ولم يثبت هذا عند منقول اليه قال صاحب
الكفاية الاظهر عدم نهوض تلك الادلة على الحجية لانّ بناء العقلاء لا يشمل هذا
القسم أى نقل المسبب بالملازمة عند الناقل دون منقول اليه خصوصا فى المورد الذى
كشف المنقول اليه خطاء الناقل فى اعتقاد الملازمة.
فيصح نقل الاجماع
اذا كان طبق القسم الاول أو الثانى دون الثالث قد ذكر صاحب الكفاية هنا جملة
معترضة وقال اذا اشتبه الحال ولا يعلم ان نقل الاجماع ثابت بالحس او بالحدس
فالبناء العقلاء يشمل هذا القسم لان العقلاء يعملون بخبر الثقة اذا علم انّه عن حس
وكذا يعملون به فيما يحتمل كونه عن حدس واما اذا كانت الامارة على الحدس او اعتقد
الناقل الملازمة فيما لم يوجد فيه الملازمة فلم يشمل بناء العقلاء هذا المورد.
قوله
: لكن الاجماعات المنقولة فى السنة الاصحاب غالبا مبنية على حدس الناقل الخ.
أى الاجماع
المنقول ثبت غالبا فى السنة الاصحاب على الحدس يعنى نقل الناقل حدسا أو بالملازمة
العقلية اذا كان الامر كذلك فلا اعتبار للاجماعات المنقولة ما لم ينكشف نقل السبب
بالحس.
قوله
: فلا اعتبار لها ما لم ينكشف ان نقل السبب كان مستندا الى الحس الخ.
هذا نتيجة لما سبق
حاصله ان نقل الاجماع من حيث تعلّقه بالمسبّب حدسا أو بالملازمة غير حجة اذا لم
يعلم انّه عن حس من الاجماع الدخولى او التشرفى اذا كشف نقل السبب او المسبب عند
منقول اليه بالحس فهذا الاجماع المنقول حجّة فظهر حجية الاجماع اذا كان نقله بالحس
لما عرفت من شمول ادلة حجية الخبر للحس.
واما عدم حجية
الاجماع المنقول بالنسبة الى معلوم الحدسيّة فواضح أى لعدم دخوله تحت ادلة حجية الخبر
وكذا يكشف عدم حجية الاجماع المنقول بالنسبة الى المشكوك الحدسية لانّ الغالب فى
الاجماعات المنقولة فى السنة الاصحاب مبنية على الحدس هذا مفيد الظن على الحدسية
ولكن يستثنى من عدم الحجية ما كان نقل المسبب حدسيا والملازمة بينه وبين سببه
الحسى عاديّا لكونه بمنزلة الحس عند ابناء المحاورة فيشمله دليل حجيّة.
الحاصل ان
الاجماعات المنقولة ثابت بالفاظ المختلفة فلا بدّ فيها من استظهار مقدار الدلالة
فان كان بمقدار تمام السبب أى ادرك الناقل رأى جميع العلماء وثبت رأى الامام (ع)
بالملازمة العادية صح فى هذا القسم حجية الاجماع المنقول واذا ادرك الناقل قول بعض
العلماء فلا يجدى فى الحجية واما اذا ادرك قول ثلاثين عالما من قول الناقل وحصل
قول الباقى عند المنقول اليه
ويضم ما حصل عند
المنقول اليه مع ما ادركه من قول الناقل وثبت رأى الامام بالملازمة فهذا القسم حجة
ايضا واذا لم يكن ما حصل عند الناقل مستلزما لرأى الامام فلم يكن حجة كذا اذا نقل
الناقل بعض السبب ولم يحصل عند المنقول اليه ما بقى فان قلت من اين نعلم ان الناقل
ادرك قول جميع العلماء أو قول ثلاثين عالما قلت يعرف هذا من حال الناقل مثلا اذا
كان الناقل شخصا مهما ومتفحصا علم من حاله انه تفحص قول جميع العلماء وكذا يعرف من
حال المسألة لانها مما يتعرضها جميع وكذا يعرف من حال الناقل أو المسألة انه ادرك
قول بعض العلماء أى اذا لم يكن الناقل متفحصا.
قوله
فتلخص ان الاجماع المنقول بالخبر الواحد من جهة حكاية رأى الامام (ع) بالتضمن او
الالتزام الخ.
قال شيخنا الاستاد
لا فرق بين ما قبل وما بعد قوله فتلخص وان فهم بعض المنافاة بين ما قبل وما بعد
واعلم ان الاجماع المنقول حجة من جهة حكاية رأى الامام (ع) بالتضمن او الالتزام
بشرط ثبوت هذا الملازمة عند المنقول اليه وينقسم باقسامه أى ثبت اقسام الخبر للاجماع
المنقول من حيث الصحة والضعف ويشارك الاجماع المنقول الخبر الواحد فى الاحكام من
حيث الوصل الى الامام (ع).
قد ذكر انه اذا
نقل اليه بعض الاقوال وحصل المنقول اليه ما بقى منها من اقوال السائرين أو من
الامارات المعتبرة كان ما ذكر من نقل الاجماع وما حصل عند المنقول اليه كالمحصل فى
الحجية فلا فرق فى
الاجماع المنقول بين نقل جميع الاقوال للمنقول اليه وبين ان يكون بعض الاقوال نقل
اليه وثبت البعض الآخر من سائر الاقوال أو الامارات الاخرى.
قال
المصنف ولا تفاوت فى اعتبار الخبرين بين ما اذا كان بتمام المخبر به أو ما له دخل
فيه الخ.
أى لم يشترط ان
ينقل الناقل تمام المخبر به والمراد من تمام المخبر به ان يكون جميع الرواة عادلا
وان يكون النقل عن الامام واذا ثبت رأى الامام (ع) من قول المخبر لنقله عنه (ع)
وثبت عدالة الرواة من دليل الآخر فلم يضر هذا فى حجية الخبر وكذا فى مسئلة الاجماع
المنقول مثلا اذا نقل الناقل قول عشرين عالما وفحص المنقول اليه ما بقى من الاقوال
ويضم هذا الى قول الناقل وثبت من المجموع قول الامام (ع) فلا اشكال فى حجية هذا
الاجماع مع ضميمة ما حصل عند المنقول اليه.
اذا ثبت ان الناقل
نقل تمام المخبر به كان هذا مستلزما لقول الامام (ع).
فان قلت من اين
يعرف ان ما اخبر به هو تمام السبب قلت يعرف هذا من حال السائل لانه شخص متفحص أو
يعرف من حال المسألة لانها محل الابتلاء ومتعرض لها الاكثر بل الجميع.
ينبغى
التنبيه على امور الاول انه قد مر ان مبنى دعوى الاجماع غالبا هو اعتقاد الملازمة
عقلا الخ.
قد بحث فى الامر
الاول من ثمرة الاجماع المنقول توضيح هذا ان ناقل الاجماع لم يحصل قول العلماء ولم
يثبت له قول
الامام (ع)
والادلة الاربعة قائمة على حجية الاجماع المحصل ولا تدل هذه الادلة على حجية
الاجماع المنقول يبين هنا أوّلا فائدة الاجماع المنقول قد ذكر ان فائدته من حيث
السبب أى اقوال العلماء واما المسبب فهو مبنى على القاعدة اللطف قد ذكر فى شرح
اللمعة فى باب الامر بالمعروف والنهى عن المنكر انهما واجبان عقلا ونقلا واما
الاول فلان هما لطف وهو واجب على مقتضى قواعد العدل أى عقلا يجب الامر بالمعروف
والنهى عن المنكر من باب قاعدة اللطف وهو الفعل المقرب الى الطاعة والمبعد عن
المعصية فيجب على الله تعالى ان يقرب عباده الى الطاعة ويبعده عن المعصية وقد يكون
لطفه تعالى تكوينا كانزال البلية حتى يتوب الناس ويقرب الى الله تعالى فهذا ايضا
لطف عنه تعالى.
وكذا فى المقام
يثبت المسبب أى قول الامام (ع) من باب اللطف يعنى يجب على الله تعالى ارسال الامام
فى المجمعين لقربهم الى الطاعة وبعدهم عن المعصية بعبارة اخرى وجب على الله تعالى
نصب الامام على الناس هذا على مذهب الامامية واما اهل الخلاف فيقولون ان نصب الامام
واجب على الرعية.
ولا يخفى ان قاعدة
اللطف لم تتم عند البعض أى لم تتم قاعدة اللطف من حيث الصغرى لعدم وجوب اللطف على
الله تعالى لانه اذا كان واجبا على الله أى وقع التكليف عن الله الجاء وهو ممتنع
فى مقام التكليف.
قال الشيخ الطوسى
ان الاجماع بقاعدة اللطف يصح قال السيد المرتضى ان قاعدة اللطف لم تتم من حيث
الصغرى أى وجوب اللطف على الله وان صح هذه القاعدة من حيث الكبرى أى وجود
الامام لطف لكن
عدمه منّا فثبت ان الاجماع المنقول لم يكن تاما فى المسبب لان رأى الامام (ع) مبنى
على القاعدة اللطف وهى لم تتم من حيث الصغرى واما اذا حصل رأى الامام (ع) حدسا فهو
ايضا لم يتم لان هذا مستلزم فى بعض الموارد للحدس عن الحدس لان الشخص يحدس قول
العلماء عن قول شيخه ويحدس قول الامام عليهالسلام عن هذا الحدس أى يحدس قول الامام (ع) عن حدسه قول العلماء
فظهر عدم ثبوت المسبب بقاعدة اللطف ولا من الحدس اذا كان الامر كذلك فلا بد تحصيل
المسبب عن حس لدفع احتمال الخطاء أو ثبت المسبب بنقل الاجماع من باب السبب
بالمقدار الذى احرز من لفظ هذا المقدار المسبب بالقرينة الحالية أو المقالية
فيعامل مع هذا الاجماع المنقول معاملة المحصل.
قوله
: الثانى انه لا يخفى ان الاجماعات المنقولة اذا تعارض اثنان منها أو اكثر فلا
يكون التعارض الا بحسب المسبب الخ.
اذا تعارض اثنان
أو الثلاثة من الاجماعات المنقولة فلا تعارض بين الاسباب بل يثبت التعارض بين
المسببات أى رأى الامام (ع) مثلا يدل احد الاجماعات على وجوب صلاة الجمعة تعيينا
والثانى منها يدل على وجوبها تخييرا والثالث منها يدل على استحبابها فالتعارض بين
هذه الاجماعات ثابت من حيث المسبب أى رأى الامام (ع) واما من حيث الاسباب فلم يكن
التعارض فيها لان كل الناقل ادرك اقوال العلماء وكان كل ناقل الاجماعات المنقولة
صادقا فى نقل قول العلماء أى كل الناقلين ادرك قول العلماء ولكن
اقوالهم مختلفة لا
اشكال فيه.
واعلم ان نقل
الفتاوى على القسمين أى قد يكون اجمالا وقد يكون تفصيلا قال المصنف لكن نقل
الفتاوى على الاجمال بلفظ الاجماع لا يصلح لان يكون سببا ولا جزء سبب والمراد من
الاجمال هو عدم التصريح باسمائهم ولا يثبت فى صورة الاجمال رأى الامام لثبوت
الخلاف فى الفتاوى ويمكن ان يكون وجوب صلاة الجمعة قول البعض وقول بعض الآخر كان
على خلافه اما اذا كان نقل الاجماع مفصلا أى يبين ناقل اسماء العلماء فلا يحتمل
الخلاف فيه لان المنقول اليه يقطع برأى الامام عن قول العلماء.
واما اذا كان نقل
الفتاوى مجملا فلم يحصل القطع برأى الامام قوله فافهم اشارة الى عدم الفرق بين
الاجمال والتفصيل لان اقوال العلماء يعرف من حال الناقل لارتباطه مع مائة عالم أو
جميع العلماء أو يعرف اقوال العلماء من حال المسألة لانها محل الابتلاء لجميع
المكلفين بعبارة اخرى يمكن ان يكون مع احد المتعارضين خصوصية موجبة لقطع المنقول
اليه برأى الامام (ع).
قوله
الثالث انه ينقدح مما ذكرنا فى نقل الاجماع حال النقل التواتر الخ.
قد ذكر فى الامر
الاول فائدة اجماع المنقول من حيث السبب وقد بيّن وجه الاجماع المنقول بان يكشف
قول الامام (ع) من باب اللطف واشكل على قاعدة اللطف من حيث الصغرى أى ويكشف قوله (ع)
حدسا واشكل عليه بانه غير مسلم.
واما يكشف قول
الامام (ع) للقطع بدخوله (ع) بين المجمعين
وليس لنا العلم
بدخوله (ع) وذكر فى الامر الثالث ان التعارض فى الاجماعات انما يكون من حيث المسبب
لا السبب لان الناقلين يمكن ان يكونوا فى نقلهم صادقين.
والبحث فى الامر
الثالث عن التواتر وذكر للتواتر المعنيان : الاول المراد من التواتر هو اخبار
الجماعة التى يمتنع تواطئهم على الكذب.
الثانى اخبار
الجماعة ان يحصل العلم عن اخبارهم وكان المعنى الثانى موردا للبحث بان يحصل العلم
بقول الامام (ع) من قول المخبرين واعلم ان اخبار المتواتر تفرق بالنسبة الى المخبر
به أى يحصل العلم بالمخبر به من قول الافراد القليلة لان العلم به سهل وتارة لا
يحصل العلم بقول الامام (ع) الا باخبار الجماعة الكثيرة أى كان العلم بالمخبر به
فى هذه الصورة مشكلا ولا يخفى ان حصول العلم من الاخبار المتواترة اما ان يكون
حصول هذه الاخبار لنفس الشخص واما ان يكون حصول هذه الاخبار للغير وقد حصل له
العلم ولكن ان قيل هذا الاخبار لهذا الشخص ايضا حصل له العلم بالمخبر به واذا كان
الخبر الواحد محفوفا بالقرينة فهذا كالخبر المتواتر فى حصول العلم فى المخبر به.
فى الشهرة الفتوائية
قوله
: فصل مما قيل باعتباره الشهرة الفتوائية الخ.
أى يبحث عن الشهرة
بعنوان الخاص أى من حيث الشهرة الفتوائية لا من حيث افادتها للظن واعلم ان الشهرة
على اقسام الثلاثة.
الاول : الشهرة
الفتوائية والمراد منها اشتهار الفتوى بحكم بدون العلم بمستندها.
الثانى : الشهرة
من حيث الرواية بمعنى اشتهار الرواية بين الرواة بكثرة نقلها وضبطها فى كتب
الحديث.
الثالث : الشهرة
العملية وهى استناد المشهور الى الرواية فى مقام الاستنباط ولا يخفى ان محل البحث
هو القسم الاول اى الشهرة الفتوائية.
قال صاحب الكفاية
ولا يساعد الدليل الخاص على حجيتها. بعبارة اخرى انّ دليل حجية الخبر الواحد لا
يشمل الشهرة وقال بعض ان ادلة حجية الخبر الواحد تدل على حجيتها بمفهوم الموافقة
لانه ربما يحصل منها الظن الاقوى من الحاصل من الخبر الواحد أى حجية الشهرة تثبت
بالاولوية.
قد اجيب عن هذا
الاستدلال بان هذه الاولوية ظنية والظاهر المنع من التنقيح هذا المناط الظنى بل
نحن نقطع بعدم كون مناط الاعتبار هو الظن لانّ الخبر قد يكون حجة مع عدم افادته
الظن كالظن النوعى بالنسبة الى الشخص الذى لم يحصل له الظن كما قال صاحب الكفاية
ان دعوى القطع بانه ليس بمناط غير مجازفة اى دعوى القطع بعدم كون الظن مناطا غير
مجازفة.
قوله
: واضعف منه توهم دلالة المشهورة والمقبولة عليه الخ.
أى هذا الوجه
الثانى لحجية الشهرة الفتوائية حاصله دلالة مرفوعة زرارة ومقبولة عمر بن حنظلة على
حجية الشهرة والمراد من المرفوعة الرواية التى هى مروية عن العلامة مرفوعة الى
الزرارة قال سألت
أبا جعفر (ع) فقلت جعلت فداك يأتى عنكم خبر ان او الحديثان المتعارضان فبايّهما
آخذ فقال (ع) يا زرارة خذ بما اشتهر بين اصحابك ودع الشاذ النادر وجه الاستدلال
بهذه الرواية ان الموصول فى قوله خذ بما اشتهر بين اصحابك مطلق فيكون المعنى خذ
بكل ما اشتهر اى بكل شىء اشتهر بين أصحابك ولا يخفى ان الشهرة الفتوائية من مصاديق
الشىء فيجب الاخذ بها.
والمراد من
المقبولة هى ما روى عن عمر بن حنظلة قال سألت أبا عبد الله (ع) عن رجلين من
اصحابنا بينهما منازعة قال (ع) ينظر الى ما كان من روايتهم عنا فى ذلك الذى حكما
به المجمع عليه بين أصحابك ووجه الاستدلال ان المراد من الموصول فى قوله (ع) ينظر
الى ما كان الخ هى الشهرة قد ذكر الى هنا وجه الاستدلال بالروايتين على حجية
الشهرة الفتوائية.
قوله
: لوضوح ان المراد بالموصول فى الرواية الاولى خذ بما اشتهر بين أصحابك وفى
الثانية فى قوله ينظر الى ما كان الخ.
لا يعمّ هذا
الموصول الفتوى بل المراد من الموصول هو الرواية.
قوله
: نعم بناء على حجية الخبر ببناء العقلاء الخ.
أى هذا استدراك
لاثبات حجية الشهرة الفتوائية فمرجع هذا الوجه الى دعوى الملازمة بين حجية الخبر
ببناء العقلاء وبين حجية الشهرة فيعم بناء العقلاء الشهرة الفتوائية قال صاحب
الكفاية دون اثبات ذلك خرط القتاد أى لا يثبت بناء العقلاء على
حجية الشهرة
الفتوائية.
قوله
: فصل المشهور بين الاصحاب حجية الخبر الواحد فى الجملة بالخصوص الخ.
يبحث فى هذا الفصل
عن حجية الخبر الواحد فى الجملة اى بنحو الايجاب الجزئى فى مقابل السلب الكلى فكان
البحث عن حجية الخبر بالخصوص اى بدليل خاص فى مقابل حجيته بدليل الانسداد.
قال المصنف ولا
يخفى ان مسئلة حجية الخبر من اهم المسائل الاصولية لان الملاك فى المسألة الاصولية
هو وقوع نتيجتها فى طريق استنباط الاحكام اى وقع النتيجة فى جوال ... لم فى قول
السائل ولا شك انه اذا ثبت حجية الخبر وقع هذا الخبر فى جواب لم فهذا مراد من
المسائل الاصولية وان قال بعض ان المراد من المسائل الاصولية هى الادلة الاربعة
وان اشتهر ان الموضوع فى علم الاصول هى الادلة الاربعة وتجشّم فى دخول بحث الخبر
فى المسألة الاصولية الى ان البحث عن دليليّة بحث عن الادلة أى البحث عن دليلية
الخبر بحث عن السنة قال صاحب الكفاية لا يكاد يفيد هذا التجشّم لان البحث فى مسئلة
حجية الخبر ليس بحث عن دليلية الادلة بل هذا بحث عن حجية الخبر الحاكى عن السنة
وليس هذا بحث عن المحكيّ اعنى السنة اى قول المعصوم (ع) أو فعله او تقريره ولا
يخفى انّ البحث فى مسئلة حجية الخبر الواحد ليس بحثا عن دليلية بمعنى السنة بل بحث
عن دليلية الخبر الحاكى عن السنة ومن المعلوم مغايرة الحاكى للمحكى فظهر الى هنا
عدم صحة تجشّم المذكور.
قوله
: كما لا يكاد يفيد عليه تجشم دعوى ان مرجع هذا المسألة الى ان السنة هل تثبت
بالخبر الواحد.
هذا وجه ثان لدفع
الاشكال حاصله اذا قلنا ان موضوع علم الاصول هى الادلة الاربعة فلا يلزم خروج بحث
حجية الخبر الواحد عن المسائل الاصولية لان البحث عن حجية الخبر حينئذ بحث عن
عوارض السنة اذ معنى أنه هل تثبت السنة هى قول المعصوم (ع) أو فعله او تقريره بخبر
الوحد ام لا ومن المعلوم ان ثبوت السنة وعدم ثبوتها من حالات السنة وعوارضها.
فيكون البحث عن
حجية الخبر الواحد بحثا اصوليا فلا يلزم من جعل موضوع علم الاصول الادلة الاربعة
خروج مسئلة حجية الخبر عن مسائل علم الاصول.
والجواب عن
الاستدلال الثانى توضيحه ان البحث عن ثبوت السنة بالخبر بحث عن عوارض السنة
المشكوكة لا نفس السنة الواقعية فقولنا هل الخبر الواحد حجة أم لا معناه انه هل
يثبت السنة المشكوكة بالخبر الواحد أم لا ومن المعلوم انّ موضوع علم الاصول هو
السنة الواقعية لا المشكوكة بعبارة اخرى انّ البحث عن حجية الخبر ليس بحثا عن
عوارض الادلة اى البحث عن حجية الخبر ليس بحثا عن عوارض السنة الواقعية والسنة
المشكوكة ليست موضوعا لعلم الاصول.
واعلم ان البحث عن
حجية الخبر انما يكون من مباحث علم الاصول اذا التزم بان موضوع علم الاصول كلى
ينطبق على جميع
موضوعات مسائله قد
ذكر البحث عن موضوع علم الاصول فى الجزء الاول من هذا الكتاب عند البحث عن موضوع
كل علم فلا وجه لتكراره هنا اما اذا كان الموضوع الادلة الاربعة فلم يصح كون البحث
عن حجية الخبر من المسائل الاصولية مثلا البحث عن ثبوت السنة بالخبر الواحد هو بحث
عن لوازم السنة لا عن عوارضها.
بعبارة اخرى ان
ثبوت السنة بحجية الخبر انما هو من لوازم حجية الخبر والبحث عن اللوازم ليس البحث
عن المسألة الاصولية.
قوله
: كيف كان فالمحكى عن السيد والقاضى وابن زهره عدم حجية الخبر الخ.
اذا ثبت كون البحث
عن حجية الخبر من المسائل الاصولية فيشرع البحث عن حجيته احتج المانعون بالادلة
الثلاثة اما الكتاب فالآيات الناهية عن العمل بالظن كقوله تعالى (وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) ـ وقوله تعالى (إِنْ يَتَّبِعُونَ
إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً.)
واما السنة فهى
اخبار كثيرة تدل على المنع من العمل بالخبر غير معلوم الصدور الا اذا احتفت بقرينة
معتبرة من الكتاب والسنة مثل ما ورد فى غير واحد من الاخبار ان النبى (ص) قال ما
جاءكم عنى ما لا يوافق القرآن فلم اقله وقول ابى جعفر وابى عبد الله عليهماالسلام لا تصدق علينا الا ما وافق الكتاب وسنة نبيه وقول الصادق عليهالسلام كل شيء مردود الى كتاب الله وكل حديث لا يوافق الكتاب فهو
زخرف وكذا يمنع عن حجية الظن الاجماع
المحكيّ عن السيد
المرتضى فى مواضع من كلامه وجعل الظن فى بعضها بمنزلة القياس قد ذكر الى هنا
استدلال المانعين لحجية الظن فيجاب عن استدلالهم.
بقوله
والجواب اما عن الآيات فبان الظاهر منها أو المتيقن من اطلاقها هو اتباع غير العلم
فى الاصول الاعتقادية الخ.
أى قد اجيب عن
الاستدلال بالآيات الناهية بوجوه الثلاثة :
الاول ان ظاهر
الآيات الناهية بقرينة المقام هو اختصاص النهى عن اتباع الظن باصول الدين أى لم
تكن الآيات الناهية فى مورد الفروعات : والظاهر ان قوله تعالى (إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ) ورد بعد قوله تعالى (أَنَّ الَّذِينَ لا
يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ) فهذا دليل على كون المقام فى اصول الدين.
والجواب الثانى ان
سلمنا ان المورد لم يكن مخصصا للعمومات لكن يصلح ان يكون موجبا للاجمال فيصير قوله
تعالى مجملا ويعمل فى مورد الاجمال بقدر المتيقن وهو عدم العمل بالظن فى اصول
الدين.
والجواب الثالث
انه بعد تسليم عمومات الآيات الناهية للفروع الشرعية لكن ثبت الدليل الخاص لبعض
الظنون كدليل حجية الخبر الواحد فيخصص به عمومات الآيات.
قوله
: واما عن الروايات فبان الاستدلال بها خال عن السداد الخ.
أى استدلال
بالروايات على عدم حجية الخبر الواحد مستلزم للدور المحال توضيحه ان عدم حجية
الخبر الواحد موقوف على
حجية الروايات
التى استدل المانعون بها وحجية تلك الروايات موقوفة على حجية مطلق الخبر الواحد.
وبعبارة اخرى ان
استدلال بهذه الروايات على عدم حجية الخبر الواحد يستلزم عدم حجية نفس هذه
الروايات فيلزم من وجودها عدمها وما يلزم من وجوده عدمه محال بعبارة اخرى ان صح
الاستدلال بهذه الروايات لزم كونها قاتلة على نفسها.
قوله
: لا يقال انها وان لم تكن متواترة لفظا ولا معنا الا انها متواترة اجمالا الخ.
هذا اشكال على
جواب المصنف توضيحه ان الروايات المتقدمة متواترة اجمالا فلم يكن الاستدلال بهذه
الروايات مستلزما للدور لان هذه الروايات المتواترة لم تكن متوقفة على حجية الخبر
الواحد.
لتوضيح مقام البحث
يذكر هنا اقسام التواتر : الاول التواتر اللفظى وهو عبارة عن اخبار جماعة بلفظ
واحد عن واقعة الواحدة وهو يوجب حصول العلم.
الثانى التواتر
المعنوى وهو اخبار جماعة بالفاظ مختلفة مع اشتمال كل منها على معنى مشترك بينها
كاخبار عن شجاعة امير المؤمنين (ع) بعبارات المختلفة لكن كلها مشتملة على معنى
مشترك أى شجاعته (ع).
الثالث التواتر
الاجمالى أى لم يوجد فى المقام التواتر اللفظى ولا المعنوى قد تقدم تعريفهما
والمراد من التواتر الاجمالى هو ان يحصل القطع لنا بصدور بعض الروايات اجمالا
بحيث يستحيل عادة
ان يكون كلها كاذبة وهذا كاف للاستدلال بها والحاصل ان المراد بالتواتر الاجمالى
هو صدور جملة الاخبار مع اختلافها عموما وخصوصا لكن ثبت العلم الاجمالى بصدور
بعضها مثلا نعلم انه صدر مائة رواية وايضا نعلم بتواتر بعض الروايات فى بين
الروايات المذكورة.
اذا بين اقسام
التواتر فاعلم ان المراد منه فى محل البحث هو التواتر الاجمالى للعلم بصدور بعض
هذه الاخبار فثبت التواتر بمجموعها فليست تلك الاخبار بالنسبة الى هذا القدر
الجامع اخبار آحاد أى يخرج هذا الاخبار لاجل تواتر اجمالى من تحت اخبار آحاد ولا
يلزم الاشكال الدورى المتقدم.
قوله
: فانه يقال انها ان كانت كذلك الا انها لا يفيد الخ.
هذا جواب عن
الاشكال الذى ذكر فى قوله لا يقال انها وان لم تكن متواترة لفظا ولا معنى الخ.
توضيح الجواب وان
سلمنا التواتر الاجمالى فى بعض الاخبار لا تفيد هذه التواتر الاجمالى الا فى
المورد الذى توافق المانعون والمثبتون فيه والمراد من المورد الذى وافقوا فيه هو
الخبر المخالف للكتاب والسنة معا فينفى بالمتواتر الاجمالى حجية الخبر المخالف أى
يختص عدم الحجية للخبر الواحد بنحو القضية السالبة الجزئية وهذا لا يضر بمدعى
المثبتين الذى هو حجية الخبر الواحد بنحو الايجاب الجزئى.
الظاهر ان ما
توقفت الاخبار عليه غير مفيد فى اثبات المدعى
وهو عدم حجية
اخبار الآحاد مطلقا ولكن ينفى الاخبار الذى يفيد التواتر الاجمالى الحجية عن الخبر
المخالف للكتاب والسنة لا كل خبر واحد والمدعى هو الثانى فيكون الدليل اخص من
المدعى لانه السلب الكلى لا الجزئى الحاصل ان الالتزام بالتواتر الاجمالى فى
الاخبار المذكورة الدالة على عدم حجية الخبر الواحد غير قادح فى حجيته فى الجملة
قد ذكر الى هنا عدم تمامية استدلال المانعين بالكتاب والسنة لعدم حجية الخبر
الواحد ـ الآن نشرع فى استدلالهم بالاجماع.
قوله
واما عن الاجماع فبان المحصل منه غير حاصل والمنقول منه للاستدلال به غير قابل
الخ.
قد استدل المانعون
على عدم حجية الخبر الواحد بالاجماع وقد اجاب المصنف عن دعوى الاجماع على عدم حجية
الخبر الواحد بوجوه الاول ما اشار اليه بقوله فبان المحصل منه غير حاصل.
توضيحه ان الاجماع
اما محصل واما منقول واما المحصل فغير حاصل لوجود المخالفة من الاكثر واما الاجماع
المنقول فلا يصلح للاستدلال به لعدم حجيته كما عرفت سابقا قال صاحب الكفاية
والمنقول منه للاستدلال على عدم حجية الخبر غير قابل خصوصا فى المسألة أى لو
اغمضنا عن عدم حجية الاجماع المنقول فى جميع المقامات وبنينا على حجيته فى بعض
المقامات لا يمكن الالتزام بحجيته فى خصوص المقام للزوم المحال وبيانه ان الاجماع
المنقول من افراد الخبر الواحد فيتوقف حجيته على
حجيته الخبر
الواحد اذا قلنا بعدم حجية الخبر الواحد لزم عدم حجية الاجماع المنقول به ايضا فلا
يثبت عدم حجية الخبر الواحد لانه يلزم من عدم حجية الخبر عدم حجية الاجماع المنقول
ايضا.
واما على تقدير
حجية الخبر الواحد فيلزم حينئذ حجية الاجماع المنقول لكونه من افراد الخبر الواحد
فيثبت بحجيته حجية كل خبر واحد ومنه نفس هذا الاجماع فالتمسك به على هذا التقدير
مبطل لنفسه وهو محال ايضا.
الحاصل انه لو
قلنا بعدم حجية الخبر للزم عدم حجية الاجماع المنقول ايضا فالاستدلال على عدم حجية
الخبر تحصيل للحاصل.
واما لو قلنا
بحجية الخبر فثبت حجية الاجماع المنقول لانه من افراد الخبر الواحد فالتمسك
بالاجماع على عدم حجية الخبر مستلزم للمحال أى يكون الاجماع المنقول قاتلا لنفسه
لانه اذا منع حجية الخبر الواحد منع حجية نفسه ايضا لكون هذا الاجماع من افراد خبر
واحد.
ذكر المصنف الوجه
الآخر لمنع الاستدلال بالاجماع المنقول وقال مع أنّه معارض بمثله أى قد نقل
الاجماع على حجية الخبر الواحد وثبت فى المقام اجماعان المتعارضان قد ظهر الى هنا
عدم صحة استدلال المانعين بالاجماع المنقول على عدم حجية الخبر الواحد الآن يشرع
الاستدلال على حجية الخبر الواحد فى مقابل المانعين.
قال صاحب الكفاية
وقد استدل المشهور لحجية الخبر الواحد بالادلة الاربعة
فقال
فصل فى الآيات التى استدل بها فمنها آية النبأ الخ.
أى استدل بآية
النبأ على حجية الخبر بوجوه ويذكر هنا بعضها الاول من جهة مفهوم الوصف بناء على
ثبوت المفهوم له بان يقال ان تعليق وجوب التبين على خبر الفاسق يقتضى انتفائه عند
انتفاء فسق المخبر فكانه قيل خبر الجائى الفاسق يجب التبين عنه فان مفهومه ان خبر
الجائى غير الفاسق أى العادل لا يجب التبيّن عنه.
الثانى من جهة
مفهوم الوصف الخاص فى المقام بان يقال ان وجوب التبيّن انما هو لاجل عدم الامن من
تعمد الكذب فى الفاسق فهذه الخصوصية فى وصف الفسق أوجبت له المفهوم اذا انتفى هذا
الوصف انتفى وجوب التبيّن.
الثالث ان التبيّن
المأمور به بقوله تعالى ـ (فَتَبَيَّنُوا) هو التبيّن العرفى المفيد للاطمينان وان لم يفد القطع
بالواقع وخبر العادل بما انه مفيد للاطمينان فلا يبقى معه موضوع لوجوب التبيّن
والتفحص عرفا.
الرابع استدل بآية
النبأ على حجية الخبر من جهة التعليل فى الآية المباركة بخوف وقوع فى الندم فانه
يقتضى اعتبار خبر العادل فانه يحسن ارتكابه والعمل به عند العقلاء فلا يكون العمل
بخبر العادل موجبا لوقوع فى الندم قد ذكر الى هنا وجوه اربعة لتقريب الاستدلال
بآية النبأ على حجية الخبر وذكر المصنف الوجه الخامس لتقريب الاستدلال.
بقوله
ويمكن تقريب الاستدلال بها من وجوه اظهرها انه من جهة مفهوم الشرط.
أى الاستدلال بآية
النبأ على حجية الخبر اظهر من الوجوه المذكورة ووجه اظهريته من سائر الوجوه انما
هى لسلامته من الاشكالات الواردة على سائر الوجوه.
توضيح الاستدلال
ان الموضوع فى الآية المباركة هو طبيعة النبأ وقد علق وجوب التبيّن عنه على كون
الجائى به فاسقا فاذا انتفى الشرط وهو مجىء الفاسق لم يجب التبين عنه فكانه قيل :
النبأ يجب التبين
عنه ان جاء به الفاسق والنبأ لا يجب التبين عنه ان لم يجيء به الفاسق.
قوله
: ولا يخفى انه على هذا التقرير لا يرد ان الشرط فى القضية لبيان تحقق الموضوع
الخ.
هذا دفع لما يتوهم
من ان الشرط فى المقام يكون لبيان تحقق الموضوع أى الموضوع لوجوب تبين هو النبأ
الذى جيء به الفاسق فينتفى وجوب التبيّن بانتفاء موضوعه بعبارة اخرى كانت هذه
القضية من القضية السالبة بانتفاء الموضوع فيقال فى جواب التوهم ان الجملة الشرطية
على نحوين.
الاول أن تكون
مسوقة لبيان موضوع الحكم أى ان المقدم هو نفس موضوع الحكم حيث يكون الحكم فى
التالى منوطا بالشرط فى المقدم على وجه لا يعقل فرض الحكم بدونه نحو قولهم ان رزقت
ولدا فاختنه فانه لا يعقل فرض ختان الولد الا بعد فرض وجوده وقد اتفق الاصوليون
على انه لا مفهوم لهذا النحو من الجملة الشرطية لان انتفاء الشرط معناه انتفاء
موضوع الحكم فلا معنى للحكم بانتفاء على تقدير انتفاء المقدم الا على النحو
السالبة بانتفاء
الموضوع ولا حكم حينئذ بالانتفاء فلا مفهوم للشرط فى المثال المذكور فلا يقال ان
لم ترزق ولدا فلا تختنه.
الثانى ان القضية
الشرطية لا تكون مسوقة لبيان الموضوع : حيث يكون الحكم فى التالى منوطا بالشرط على
وجه يمكن فرض الحكم بدونه نحو قولهم ان احسن صديقك فاحسن اليه فان فرض الاحسان الى
الصديق لا يتوقف عقلا على فرض صدور الاحسان منه فانه ممكن الاحسان اليه احسن أو لم
يحسن وهذا النحو الثانى من الشرطية هو محل النزاع فى المقام.
قال صاحب الكفاية
على هذا التقرير لا يرد انّ الشرط فى القضية لبيان تحقق الموضوع وجه عدم الورود ان
الموضوع بناء على هذا التقرير هو النبأ بما هو نبأ وهو باق بعد انتفاء الشرط وهو
مجىء الفاسق وليس الموضوع النبأ الذى جاء به الفاسق حتى ان يكون مجىء الفاسق جزء
الموضوع ومحققا له لينتفى الموضوع بانتفائه.
الحاصل انّ هذا
القسم الثانى من الجملة الشرطية يدل على المفهوم وليس مفهوم هذا القسم قضية سالبة بانتفاء
الموضوع.
قوله
: ولكنه يشكل بانه ليس لها هاهنا مفهوم ولو سلم ان امثالها ظاهرة فى المفهوم الخ.
أى اشكال على
الاستدلال لثبوت المفهوم توضيح هذا الاشكال انّ مقتضى عموم التعليل وجوب التبيّن
فى كل خبر لا يؤمن من الوقوع فى الندم من العمل به وان كان المخبر عادلا فانّ
التعليل باصابة القوم بجهالة مشترك بين المنطوق والمفهوم وهو نبأ
العادل اذ المفروض
عدم افادة خبر العادل للعلم اذ لو افاد العلم خرج عن المبحث وهو تعبد بغير العلم
فالاعتماد بنبإ العادل كالاعتماد بنبإ الفاسق أى اعتماد بما لا يفيد العلم فيصير
من اصابة القوم بجهالة فلا مفهوم لهذه الشرطية حتى يكون مقتضاه عدم وجوب التبيّن
عن نبأ العادل.
الحاصل انّ
التعليل المذكور فى الآية المباركة أى اصابة القوم بجهالة مشترك بين نبأ العادل
والفاسق فى وجوب التبيّن يعنى لا ينتفى وجوب التبيّن عند انتفاء مجىء الفاسق بل
يجب التبين عند مجىء العاد ـ ايضا.
قوله
: ولا يخفى ان الاشكال انما يبتنى على كون الجهالة بمعنى عدم العلم الخ.
أى قد اشكل على
المفهوم فى الآية المباركة ويدفع هذا الاشكال بقوله لا يخفى الخ وحاصل الجواب ان
مبنى الاشكال كون الجهالة بمعنى عدم العلم كما هو مقتضى مادة الاشتقاق لغة كالجهل
فيكون عدم العلم مشتركا بين خبر العادل والفاسق ويجب التبيّن فيهما وسلمنا عدم
دلالة الجملة الشرطية المذكورة على المفهوم بناء على كون الجهالة بمعنى عدم العلم.
لكن لا يبعد دعوى
انّ الجهالة حقيقة عرفا فى السفاهة ولا شك فى تقدم المعنى العرفى على اللغوى عند
الدوران بينهما : فاذا كان الجهل فى المعنى السفاهة التى هى عبارة عن فعل ما لا
ينبغى صدوره من العاقل فيختصّ التعليل حينئذ بخبر الفاسق لانّه الذى يكون الاعتماد
عليه بدون التبيّن سفهيا لاحتمال تعمّده
الكذب وبهذا
الاحتمال يوجب العقل التبيّن فى خبره.
دون هذا بخلاف نبأ
العادل فان الاعتماد عليه لا يكون سفهيّا ولو فرض مخالفة خبره للواقع لعدم احتمال
تعمده على الكذب بل نعلم بعدم تعمده له فالركون اليه بدون التبيّن لا يكون سفهيا.
قوله
: ثم إنّه لو سلم تمامية الآية على حجية خبر العدل ربما اشكل شمول مثلها للروايات
لقول الامام عليهالسلام بواسطة او وسائط
الخ.
هذا اشكال آخر على
الاستدلال بجميع ادلة حجية الخبر الواحد من دون اختصاصه بآية النبأ والمقصود من
هذا الاشكال ان الغرض من الحجية للخبر الواحد هو اثبات السنة بالاخبار التى وصلت
الينا مع الواسطة اى رتّب الواسطة بين المعصوم والمخبر الذى اخبر لنا ولا يترتب
حصول الغرض المذكور على حجية الخبر لقصور هذه الحجية عنه أى حصول الغرض.
توضيح الاشكال انّ
حجية الخبر المعبّر عنها بوجوب تصديق العادل انما هذه الحجية تكون بلحاظ الاثر
الشرعى الثابت للمخبر به اذ لو لم يكن له أثر شرعى كانت الحجية لغوا مثلا اذا اخبر
بان زيدا مجتهد فوجوب تصديق هذا المخبر انما يكون بلحاظ الاثر الشرعى للمخبر به
كجواز التقليد المترتّب على اجتهاد زيد وحينئذ فوجوب تصديق العادل المستفاد من
دليل حجية الخبر حكم واما الموضوع فهو خبر العادل والمخبر به أى اجتهاد زيد واثره
الشرعى أى جواز التقليد يعنى كل هذه الامور موضوع للحكم المذكور أى وجوب تصديق
العادل ومن المعلوم لزوم تغاير
كل حكم مع موضوعه
وعدم امكان اتحادهما.
اذا عرف فى المقام
الحكم وموضوعه ظهر الاشكال على حجية الاخبار وحاصل هذا الاشكال ان حجية قول العادل
التى مرجعها الى وجوب تصديقه مترتبة على خبر العادل أى وجوب تصديق العادل مترتب
على خبره فيما كان للمخبر به بهذا الخبر اثر فهذا موضوع لوجوب التصديق أو الحجية
أى لا فرق بين وجوب التصديق والحجية فموضوعه مركب من امور ثلاثة الخبر وعدالة
المخبر وكون المخبر به ذا اثر شرعى فلا فائدة فى جعل وجوب التصديق اذا لم يكن فى
البين اثر فحينئذ يكون وجود الاثر مأخوذا فى ناحية الموضوع بحكم الانصراف لان
المنصرف اليه عند الاطلاق هو موضوع ذى اثر قد ذكر آنفا ان الموضوع مركب من الخبر
وعدالة المخبر وكون المخبر به ذا اثر اذا ثبت هذا الموضوع المركب ثبت الحكم وهو فى
المقام عبارة عن وجوب تصديق المخبر فلم نحتاج على الاستدلال فى حجية الخبر الى آية
النبأ ولا الى غيرها.
توضيحه بوجه آخر
انّه اذا لم يكن واسطه بيننا وبين الراوى عن المعصوم (ع) كما اذا اخبرنا الصفار
بان الامام (ع) قال كذا فلا اشكال فى تحقق اجزاء الموضوع أى الخبر وعدالة الراوى
وكون المخبر به ذا اثر وحينئذ ثبت الحكم أى وجوب تصديق المخبر من غير ان يستفاد
وجوب التصديق من الآية هذا الاشكال وارد على تقدير عدم الواسطة بيننا وبين الراوى
عن المعصوم لكن يرد الاشكال الآخر على تقدير ثبوت الواسطة بيننا وبين الراوى عن
المعصوم (ع) مثلا اذا اخبر المفيد باخبار الصفار عن الامام (ع)
فيشكل ثبوت الحكم
من دون الاستدلال بآية النبأ.
توضيح الاشكال ان
المخبر به بخبر الصفار وان كان له اثر لانه اخبر عن الامام واما المخبر به بخبر
المفيد هو اخبار الصفار فليس هذا المخبر به ذا اثر أى اخبر المفيد ان الصفار اخبر
عن الامام فالمخبر به بخبر المفيد هو اخبار الصفار وليس هذا المخبر به ذا اثر شرعى
بنفسه لكن يثبت الاثر لاخبار الصفار بالاستدلال على آية النبأ أى ثبت بها وجوب
تصديق العادل أى الصفار فحينئذ يشمل الآية لخبر المفيد بملاحظة اثر وجوب تصديق.
ولا يخفى انه اذا
لوحظ فى المخبر به بخبر المفيد هذا الاثر الشرعى أى وجوب تصديق العادل فيصر جزء
الموضوع ويلزم اتحاد الحكم والموضوع اذ المفروض كون هذا الاثر أى وجوب تصديق عادل
حكما فى صدق العادل واخذه موضوعا مستلزم للمحذور اعنى اتحاد الحكم والموضوع.
وايضا ملاحظة هذا
الاثر مستلزم لتقدم الشىء على نفسه اذ وجوب تصديق العادل بما هو حكم متأخر وبما هو
موضوع متقدم.
وقد ذكر الى هنا
المورد الذى اخبر المخبر باخبار مخبر آخر ويذكر الآن مورد الذى اخبر المخبر فيه
بعدالة مخبر آخر فيقال كذا الكلام بعينه اذا اخبر العادل بعدالة مخبر فانه يلزم
محذور المذكور وان لم يكن بين هذا المخبر الذى اخبرنا بعدالته واسطة فيلزم اتحاد
الحكم والموضوع فى صورة اخبار العادل بعدالة المخبر.
توضيحه ان العدالة
التى اخبرنا بها ليس لها اثر فى نفسه بل يثبت الاثر بملاحظة اثر وجوب تصديق العادل
المستفاد من الآية
فيلزم كونه حكما
وموضوعا اذ وجوب تصديق العادل المذكور فى خبره مستفاد من نفس الآية مع كونه موضوعا
لوجوب التصديق بالنسبة الى المخبر بالعدالة الذى هو ايضا مستفاد من الآية.
قوله
: نعم لو انشأ هذا الحكم ثانيا فلا بأس بان يكون بلحاظه ايضا الخ.
أى لا يلزم
المحذور المذكور اذا انشأ الحكم ثانيا اذ الدليل يشمل خبر الصفار لتحقق اجزاء
موضوعه بنفسه وبعد تحقق اجزاء الموضوع يكون خبر الصفار ايضا ذا اثر وهو وجوب
تصديقه المستفاد من هذا الدليل والدليل الثانى يثبت حجية قول المفيد لكون المخبر
به فيه هو اخبار الصفار ذا اثر بالدليل الاول فلا يلزم اتحاد الحكم والموضوع لان
الموضوع خبر المفيد العادل مع كون المخبر به أى اخبار الصفار فى المثال المذكور ذا
اثر والمراد من الحكم هو وجوب تصديقه.
وبعبارة اخرى ان
محذور وحدة الموضوع والحكم يندفع فيما اذا تعدد الانشاء حيث ان وجوب التصديق الذى
انشأ اولا يصير موضوعا للوجوب المنشأ ثانيا كما هو مقتضى القضية الحقيقية فلا يلزم
تولد الموضوع من الحكم واتحادهما نعم يلزم اتحادهما نوعا وهو غير قادح مثلا اذا
اخبر الشيخ عن المفيد عن الصدوق عن الصفار عن الصادق (ع) وبنينا على وجوب تصديق
الشيخ بدلالة مثل الآية على وجوب تصديق العادل فانه لا يلزم اتحاد الحكم والموضوع
اذ ينحل وجوب التصديق الى وجوبات متعددة بعدد الوسائط فيثبت بوجوب تصديق الشيخ
حدثنى المفيد ويصير
وجوب تصديق الشيخ
موضوعا لوجوب تصديق المفيد ولا شك فى ثبوت المغايرة بين وجوب تصديق الشيخ ووجوب
تصديق المفيد وكذا بوجوب تصديق المفيد يثبت (حدثنى الصدوق) ويصير وجوب تصديق
المفيد موضوعا لوجوب تصديق الصدوق وهكذا الى ان ينتهى الى قول المعصوم (عليهالسلام)
حيث يترتب الحكم الشرعى على وجوب تصديق الصدوق مثلا
الحاصل ان وجوب
تصديق الشيخ يصير موضوعها لوجوب تصديق المفيد فلا يلزم اتحاد الحكم والموضوع لان
الموضوع فى الفرض المذبور هو وجوب تصديق الشيخ والمحمول هو وجوب تصديق المفيد وكذا
فى صورة اخرى مثلا وجوب تصديق المفيد يصير موضوعا لوجوب تصديق الصدوق فلا يلزم
اتحاد الحكم والموضوع لان الموضوع هو وجوب تصديق المفيد والحكم هو وجوب تصديق
الصدوق.
قال
صاحب الكفاية فلا بأس فى ان يكون بلحاظه ايضا الخ.
أى فلا بأس يكون
انشاء الحكم أى وجوب تصديق العادل بلحاظ نفس وجوب التصديق المفروض تعددهما انشاء
وان اتحدا نوعا فوجوب تصديق الشيخ يكون بلحاظ وجوب تصديق المفيد المغاير له انشاء
وان اتحد معه نوعا.
فظهر الى هنا دفع
اشكال اتحاد الحكم والموضوع بتعدد الانشاء فى وجوب تصديق العادل أى تعدد من حيث
الانشاء يكفى فى المغايرة واما اذا كان الجعل والانشاء واحدا لزم اتحاد الحكم
والموضوع.
قوله
: فتدبر.
لعله اشارة الى ان
الاشكال انما هو فى الانشاء الاول اذ لا مصحح له بعد فرض عدم اثر للخبر الا وجوب
التصديق الذى يجيء من قبل الآية مثلا ولو فرض الاثر للانشاء الاول فلا اشكال فى
الانشاء الثانى والثالث ففى الفرض المذكور يشكل فى انشاء وجوب فى خبر الشيخ بعد
فرض عدم الاثر لخبره الا نفس وجوب تصديق الجائى من قبل الآية فيصير هذا الاثر أى
وجوب تصديق حكما وموضوعا ويندفع الاشكال اتحاد الحكم والموضوع بالنسبة الى خبر
الواسطة لتعدد الانشاء فيه قد ذكر شرحه.
قوله
: ويمكن الذب عن الاشكال بانه انما يلزم اذا لم يكن القضية طبيعية الخ.
ثم ان الفرق بين
دفع اشكال اتحاد الحكم والموضوع بما ذكره بقوله نعم لو أنشئ هذا الحكم ثانيا وبين
قوله ويمكن الذب عن الاشكال الخ.
هو : ان ما تقدم
من دفع الاشكال ناظر الى تعدد الانشاء حقيقة لكون صدق العادل من القضايا الحقيقية
والخارجية فان انشاء صدق العادل ينحل حقيقة ويتعدد بتعدد اخبار الواسطة واما قوله
ويمكن الذب عن الاشكال الخ. فهو ناظر الى تعدد الانشاء ايضا لكنه لا بنحو القضية
الحقيقية والخارجية بل بنحو القضية التى يحكم فيها على الطبيعة ثم على الافراد من
جهة انطباق الطبيعة عليها مثل الانسان حيوان فان الحيوانية ثابتة حقيقة لطبيعة الانسان
اولا وبالذات ولافراده ثانيا وبالعرض ففى المقام يثبت
الحكم لطبيعة
الاثر اولا وبالذات ولافرادها ثانيا وبالعرض مثلا يثبت وجوب تصديق العادل للطبيعة
والماهية اولا وبالذات لكن لا يمكن وجود الطبيعة من دون الافراد فيتعلق الحكم
للافراد ثانيا وبالعرض.
والحاصل ان
الاشكال يندفع بكلا الجوابين لتحقق الانحلال الى الافراد الا ان الانحلال فى الاول
حقيقى اى اذا كان صدق العادل من القضايا الخارجية فانحلال حقيقى وفى الثانى
الانحلال حكمى لترتبه على انطباق الطبيعة على افرادها أى اذا كان صدق العادل من
القضايا الطبيعية فالانحلال حكمى أى يحكم ثانيا وبالعرض على انحلال الافراد.
قد ظهر الى هنا
الفرق بين الجوابين لدفع اشكال اتحاد الحكم والموضوع الآن يذكر تفصيل قوله ويمكن
الذب عن الاشكال الخ وهو ان اشكال اتحاد الحكم والموضوع انما يلزم اذا جعل صدق
العاد قضية خارجية لترتب الحكم فيها على خصوص افراد الموضوع الموجودة فى الخارج
فعلا واما اذا جعل صدق العادل قضية حقيقية لترتب الحكم فيها على طبيعة الموضوع
ومنها يسرى الى افرادها الخارجية المحققة أو المقدرة فلا يلزم الاشكال المذكور.
وبعبارة اخرى ان
الملحوظ فى ناحية الموضوع لو كان خصوصيات الاثر ومنها وجوب التصديق للزم المحذور
المتقدم والمراد من خصوصيات الاثر كوجوب تصديق العادل وكقبول الشهادة وجواز اقتداء
الصلاة فى خلفه فان ثبت الحكم أى وجوب تصديق العادل لموضوع الخارجى أى اثر الشرعى
الخاص الذى
لوحظ موضوعا ومنه
وجوب تصديق العادل فثبت الحكم أى وجوب تصديق العادل للموضوع الذى هو اثر خاص وهو
فى الفرض المذكور عبارة من وجوب تصديق العادل فيلزم اتحاد الحكم والموضوع.
واما اذا كان فى
ناحية الموضوع هو طبيعة الاثر لا لطبيعى المعقولى بل الطبيعى الاصولى وهو الطبيعة
بشرط الوجود السعى الخارجى فلا محذور حينئذ بل الموضوع غير الحكم فيكون المتقدم
الطبيعة والمتأخر هو الفرد منها فحينئذ يسرى حكم الطبيعة الى كل فرد ذى اثر ولو
كان نفس وجوب التصديق ولو فرض فى مورد عدم الاثر للمخبر به غير وجوب التصديق لوجب
ترتيبه بحكم الآية.
الحاصل ان الموضوع
اذا كان طبيعة الاثر أى الطبيعة من حيث هى الطبيعى الاصولى يعنى الطبيعة بشرط
الوجود فلا يلزم اتحاد الحكم والموضوع لان الموضوع طبيعة اثر الشرعى وهى يشمل وجوب
التصديق وغيره فيصح ان يحمل هذا الحكم أى وجوب التصديق على الموضوع الذى هو عبارة
عن الطبيعة.
قوله
: هذا مضافا الى القطع بتحقق ما هو المناط فى سائر الآثار فى هذا الاثر الخ.
هذا هو الوجه
الآخر من وجوه الجواب عن الاشكال المذكور : وتوضيحه ان المناط فى شمول دليل
الاعتبار للخبر هو كون الخبر ذا اثر شرعى من تفاوت بين كون ذلك الاثر ووجوب
التصديق غاية
الامر ان دليل
الاعتبار لا يشمل الاثر الاول اعنى وجوب التصديق لفظا للزوم محذور الاتحاد ولكن
يشمله مناطا ومن المناط يستكشف تعدد الانشاء ومن المعلوم ان المناط فى شمول دليل
الاعتبار اى اعتبار خبر العادل لخبره كونه ذا اثر شرعى كما اذا اخبر زيد العادل
بعدالة عمرو فان دليل الاعتبار لا يشمل الاخبار بعدالة عمرو الا اذا كان لعدالته
اثر شرعى كجواز الاقتداء به دون ما اذا لم يترتب على عدالته اثر شرعى ولذا لو اخبر
العادل بان ارتفاع الجبل الفلانى مائة ذراع لم يجب تصديقه استنادا الى وجوب تصديق
العادل المستفاد من الآية المباركة.
الحاصل ان الحكم
الذى ثبت لسائر الآثار يثبت هذا الحكم لهذا الاثر أى وجوب تصديق العادل ولا يخفى
ان المناط فى اثبات الحكم هو كون الموضوع ذا اثر شرعى اذا ثبت الحكم للموضوع
باعتبار الاثر الشرعى له فيثبت الحكم أى وجوب التصديق لان هذا الموضوع ذو اثر
شرعى.
بعبارة اخرى ان
الحكم أى وجوب التصديق يثبت بخبر العادل من عدم الفصل بين الآثار : الظاهر انه لم
يوجد الفصل بين هذا الاثر أى وجوب تصديق العادل وبين سائر الآثار كجواز الايتمام
وتحمل الشهادة وقبولها عند ادائها فاذا ثبت الحكم لسائر آثار ثبت لهذا الاثر أى
وجوب التصديق ايضا فاعتبار المناط بين هذا الاثر وسائر الآثار كاف فى اثبات وجوب
التصديق لخبر العادل وان لا يمكن ان يكون هذا الاثر اى وجوب التصديق ملحوظا لفظا
لاجل
محذور اتحاد الحكم
والموضوع لكن ملحوظ من باب المناط قوله فافهم هذا اشارة الى ان عدم القول بالفصل
لا يكفى فى دفع الاشكال بل النافع فيه هو القول بعدم الفصل بين هذا الاثر أى وجوب
التصديق وبين سائر الآثار ولا يخفى ان تحققه غير معلوم فى المقام.
قوله
: ولا يخفى انه لا مجال بعد اندفاع الاشكال بذلك للاشكال فى خصوص الوسائط الخ.
أى قد دفع الى هنا
الاشكال عن الاستدلال بالآية على حجية الخبر سواء كان بلا واسطة أو مع الواسطة قال
المصنف انه بعد دفع الاشكال عن الاخبار الوسائط وغيرها لا وجه ولا مجال للاشكال فى
خصوص الواسطة أو الوسائط فيذكر هنا اصل الاشكال اولا أى الاشكال الذى قال المصنف
بعدم المجال فيه.
ولا يخفى انّ ملاك
هذا الاشكال من قبل الخبرية وذلك لان موضوع وجوب التصديق : هو الخبر العادل
والمعلوم ان الحكم متوقف على موضوعه فيتوقف تصديق خبر العادل على الخبرية ولو شمل
الخبر مع الواسطة للزم توقف الخبرية على وجوب التصديق اذ لا خبرية لغير الخبر
الواصل الينا بعد وجوب التصديق المستفاد من الآية أى قال المستشكل ان المراد من الخبر
هو ما وصل الينا مثلا خبر الشيخ وصل الينا يصدق عليه الخبرية اما خبر المفيد
والصفار لم يوصلا الينا فلم يصدق عليهما الخبرية الا بتوسط وجوب التصديق وايضا
الخبر موضوع لوجوب التصديق فيتوقف على الخبر من باب توقف الحكم على موضوعه وبعبارة
اخرى يلزم على
تقدير الشمول لما ذكر توقف تحقق بعض افراد العام على ثبوت حكمه لبعض آخر مثلا قول
القائل كل خبرى صادق ولو فرض شموله لنفسه أيضا وذلك دور واضح حاصله لو شمل صدق
العادل الخبر الذى كان مع الواسط لكان هذا دورا واضحا.
توضيحه اذا قال
المتكلم كل خبرى صادق فيتوقف هذا الخبر على صدق نفسه لان كل خبرى صادق أيضا من
اخبار المتكلم فيتوقف صدق بعض افراد العام على ثبوته لبعض آخر ثم ان هذا الاشكال
مع الاشكال المتقدم متبائن ملاكا لان هذا الاشكال من قبل مأخوذية الخبر فى موضوع
الحكم وصار هذا مستلزما للدور واما الاشكال المتقدم فهو اتحاد الحكم والموضوع.
قوله
: فكيف يكون هذا الحكم المحقق لخبر الصفار تعبدا مثلا حكما له أيضا.
هذا منشأ الاشكال
الذى حكم المصنف بعدم مجال فيه والمراد من هذا الاشكال هو استحالة تولد الموضوع
اعنى نفس خبر العدل كخبر المفيد ـ من الحكم اعنى وجوب التصديق فالاشكال حينئذ يكون
من جهة عليّة الحكم لوجود الموضوع ولو تعبدا قد ذكر انه لا يثبت الخبرية للواسطة
الا من جهة الحكم أى صدق العادل : وما يتولد منه الموضوع كيف يكون حكما له.
وبعبارة اخرى كيف
يكون صدق العادل حكما لما يتولد هو منه وهو أى ما يتولد من صدق العادل هو الخبرية
لقول المفيد قال صاحب الكفاية فكيف يكون هذا الحكم لخبر الصفار الخ.
ولا فرق بين خبر
المفيد والصفار فى صورة كونهما واسطة.
الحاصل ان وجوب
التصديق الذى يتحقق به خبرية خبر الصفار مثلا ويجعله موضوعا لا يمكن ان يكون الحكم
له أيضا.
وقال المصنف لا
مجال لهذا الاشكال واشار الى وجه عدم المجالية لهذا الاشكال.
بقوله : وذلك لانه
اذا كان خبر العادل ذا اثر شرعى بحكم الآية وجب ترتيب اثر عليه اى هذا اشارة الى
تعليل عدم ورود الاشكال المذبور على خصوص الوسائط وحاصله ان ما تقدم من وجوه
الثلاثة فى جواب عن الاشكال المذكور جار بعينه هنا لانّ منشأ الاشكال هو لحاظ
افراد الاثر موضوعا لوجوب التصديق دون ما اذا كان الموضوع طبيعة الاثر فاذا لوحظت
طبيعة الاثر موضوعا لم يرد الاشكال لان طبيعة الاثر لا تكون ناشئة عن نفس الحكم
بوجوب التصديق حتى يلزم اتحاد الحكم والموضوع كما اننا نقطع بعدم الفرق بين الآثار
الاخرى المترتبة على ما اخبر به العادل وبين هذا الاثر اعنى وجوب التصديق هذا
مضافا الى عدم القول بالفصل بين اثر واثر آخر.
الاستدلال على حجية
الخبر بآية النفر
قوله
: ومنها آية النفر قال الله تبارك وتعالى فلو لا نفر من كل فرقة منهم طائفة الآية.
يستدل بهذه الآية
على حجية الخبر من وجوه :
أحدها ان كلمة
لعلل فى الآية المباركة تدل عليها : تقريب هذا الاستدلال يحتاج الى امور.
الاول : انّ تلك
الكلمة ظاهرة فى الترجى الحقيقى اما لكونه موضوعا له كما نسب الى المشهور. او
لانصرافه الى كونه الداعى الى استعماله فى معناه الذى هو مفهوم الترجى كما على
المختار أو الترجى الانشائى كما على مختار المصنف كما تقدم فى مباحث الالفاظ.
الثانى : ان حفظ
الظهور المذكور غير ممكن اذا وقعت تلك الكلمة فى كلامه تعالى من غير حكاية
لاستلزامه الجهل : تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
الثالث : انه اذا
تعذر ارادة الحقيقة بالمعنى المذكور فاقرب المجازات متعين.
الرابع : ان اقرب
المجازات للترجى الحقيقى فى خصوص المقام هو المحبوبية وان لم يكن كذلك عند الاطلاق
لكونه عبارة عن الارتقاب سواء تعلق بالمحبوب أو المكروه.
الخامس : ان
محبوبية الحذر ملازم لوجوبه شرعا لعدم القول بالفصل : وعقلا لانّه عبارة عن الخوف
عن العقوبة وعلى تقدير وجود المقتضى له من العلم بالتكليف أو قيام علمى به يجب اذ
حينئذ يعلم بالعقوبة او تحتمل والعقل حاكم بوجوب دفع العقوبة مقطوعة أو محتملة
وعلى تقدير عدم المقتضى فلا محبوبية ولا حسن له بل لا موضوع له حينئذ حتى يكون
محبوبا : فحينئذ يستكشف عن وجوب الحذر بعد الانذار ان قوله كان حجة والا فلا يتحقق
الحذر لكون المورد من مصاديق العقاب بلا بيان.
الحاصل ان آية
المباركة دلت على وجوب الحذر عند انذار
المنذرين من دون
افادة خبرهم العلم فيثبت من هذا البيان المذكور وجوب العمل بخبر الواحد.
اما وجوب الحذر
فان لفظة لعل بعد انسلاخها عن معنى الترجى ظاهرة فى كون مدخولها محبوبا للمتكلم
اذا ثبت حسن الحذر ثبت وجوبه اما لما ذكره فى المعالم من انّه لا معنى لندب الحذر
اذ مع قيام مقتضى يجب ومع عدمه لا يحسن هذا معنى وجوب الحذر بناء على قول صاحب
المعالم (قدسسره).
وقد ذكر وجوب
الحذر بوجه آخر أيضا وهو ان رجحان العمل بالخبر الواحد مستلزم لوجوبه بالاجماع
المركب لان كل من اجازه فقد اوجبه قد ثبت الاستدلال بالآية المباركة على حجية
الخبر من الوجه الاول أى قد ذكر وربما يستدل بها من وجوه.
قوله
: ثانيها انه لما وجب الانذار لكونه غاية للنفر الواجب الخ.
هذا وجه الثانى
للاستدلال بالآية المباركة على حجية الخبر توضيحه دعوى الملازمة بين انذار الواجب
بسبب كونه غاية للنفر الواجب وبين وجوب الحذر واما وجوب النفر فلدلالة لو لا
التحضيضية عليه قد علم فى محله ان حروف التحضيض وهى لو لا ولو ما ـ الا ـ الا ـ هلا
اذا دخلت على المضارع افادت طلب الفعل والحث والترغيب عليه واذا دخلت على الماضى
كما فى الآية المباركة افادت الذم والتوبيخ على تركه ... قال ملا جامى ان معنى
حروف التخصيص اذا دخلت على الماضى التوبيخ واللوم على ترك الفعل ومعناها فى
المضارع هو الحض على الفعل والطلب له ومن المعلوم انه لا يحسن الذم والتوبيخ على
ترك
شىء الا اذا كان
واجبا فلا بد ان يكون النفر فى المقام واجبا لتوجه الذم على تركه اما وجوب الانذار
لكونه غاية للنفر الواجب وما هو غاية للواجب واجب واما وجوب الحذر فلانه لو لم يجب
الحذر بقبول قول المنذر لفى وجوب الانذار اذ لا معنى لوجوب الانذار مع عدم وجوب
العمل بقول المنذر فمناط هذا الوجوب انه يلزم لغوية وجوب الانذار اذا لم يكن
القبول واجبا الظاهر ان وجوب النفر دليل على حجية الخبر.
قوله
: ثالثها انه جعل غاية للانذار الواجب وغاية الواجب واجب الخ.
أى الثالث من وجوه
الاستدلال بآية النفر ان لعل هنا وقع موقع الغاية نظير قوله اسلم لعلك تفلح وقوله
تعالى (لَعَلَّكُمْ
تَتَّقُونَ) و (لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) وحينئذ فالغاية المترتبة على الانذار الواجب لكونه غاية للنفر
الواجب ـ هى الحذر وغاية الواجب واجبة فيكون الحذر واجبا.
والفرق بين وجوه
الثلاثة ان الوجه الاول ناظر الى دعوى الملازمة بين محبوبية الحذر عند الانذار
وبين وجوبه شرعا وعقلا والثانى ناظر الى لزوم لغوية وجوب الانذار لو لم يجب الحذر
والثالث الى دعوى الملازمة بين وجوب الانذار ووجوب الحذر لكونه غاية للانذار كوجوب
نفس الانذار لكونه غاية للنفر الواجب.
وقد استدل على
حجية الخبر بآية النفر من الوجوه الثلاثة لكن يشكل على الاستدلال المذكور قال صاحب
الكفاية ويشكل الوجه
الاول والغرض من
هذا الاشكال هو رد الوجه الاول اى رد التلازم بين محبوبية الحذر ووجوبه عقلا وشرعا
وحاصل الرد بالنسبة الى الملازمة العقلية انه اذا كان الحذر عن العقوبة لوجود
المقتضى له وهو تنجز التكليف بالحجة من علم أو علمى فلا اشكال حينئذ فى ثبوت
الملازمة العقلية بين حسن الحذر ووجوبه عقلا.
واما اذا كان الحذر
عن ملاك التكليف اعنى المفسدة أو فوات المصلحة مع فرض عدم قيام الحجة على نفس
التكليف فالملازمة بين حسن الحذر وبين وجوبه عقلا ممنوعة لكون العقوبة حينئذ بلا
بيان ولا دليل على وجوب الحذر عن مجرد الملاكات من دون مطالبة المولى لها وان كان
حسنا بل مقتضى البراءة فى الشبهات البدوية عدم الوجوب هذا بيان لعدم الملازمة بين
حسن الحذر ووجوبه عقلا.
واما عدم الملازمة
بينهما شرعا فهو ان عدم الفصل بين حسن الحذر وبين وجوبه شرعا فيما لم يقم الحجة
على التكليف غير ثابت شرعا فدعوى الملازمة الشرعية بين حسن الحذر وبين وجوبه كدعوى
الملازمة العقلية بينهما ممنوعة.
قوله
: والوجه الثانى والثالث بعدم انحصار فائدة الانذار بالتحذر تعبدا
هذا اشكال على
الوجه الثانى والثالث أى لا يصح الاستدلال على حجية الخبر بالوجه الثانى والثالث
من وجوه الاستدلال بآية النفر وحاصل الاشكال عليهما ... انهما بعد تسليم اقتضاهما
لوجوب الحذر لا يدلان على وجوبه مطلقا ولو مع عدم افادة
الانذار العلم اذ
لا ينحصر فائدة الانذار فى الحذر حتى يقال بوجوبه على المنذر بالفتح بمعنى العمل
بقول المنذر بالكسر وان لم يفد العلم فيختص وجوب العمل بقول المنذر بما افاد
العلم.
قوله
ضرورة ان الآية مسوقة لبيان الوجوب النفر لا لبيان غاية التحذر.
هذا تعليل لنفى
الاطلاق واشارة الى الدفع التوهم اما التوهم فهو ان اطلاق الآية يقتضى عدم اختصاص
وجوب الحذر بصورة افادة الانذار للعلم فيجب العمل بقول المنذر مطلقا يعنى سواء حصل
العلم بقوله للمنذر بالفتح ام لا.
واما الدفع فهو
انه لا اطلاق للآية من هذه الجهة حتى يدل على حجية قول المنذر مطلقا اذ الآية غير
مسوقة لبيان غاية التحذر حتى يكون لها اطلاق من هذه الجهة بل مسوقة لبيان وجوب
النفر ومن المعلوم انه مع عدم احراز الاطلاق من جهة لا يمكن التمسك به من تلك الجهة
فلعل وجوب الحذر كان مشروطا بما افاد الانذار العلم.
قوله
فان النفر انما يكون لاجل التفقه وتعلم الدين الخ.
هذا بيان لاستظهار
كيفية وجوب الحذر بافادة الانذار العلم.
قوله
كى ينذروا بها المتخلفين أو النافرين على الوجهين الخ.
أى ينذر بمعالم
الدين المتخلفين أو النافرين وكان هذا الترديد بينهما بناء على وجهين فى تفسير
الآية : احد هذين
الوجهين ان
المتفقهين هم النافرون أو ان المتفقهين هم المتخلفون.
قوله
ثم إنّه اشكل ايضا بان الآية لو سلم دلالتها على وجوب الحذر مطلقا فلا دلالة لها
على حجية الخبر الخ.
هذا ايراد على اصل
الاستدلال بالآية على حجية الخبر حاصله انه لو سلمنا دلالة الآية على وجوب الحذر
مطلقا عند انذار المنذر ولو لم يفد العلم لكن لا تدل على وجوب العمل بالخبر من حيث
إنّه خبر لان الانذار هو ابلاغ مع التخويف ومن المعلوم ان التخويف لا يجب الا على
الوعاظ فى مقام الايعاد على الامور التى يعلم المخاطبون بحكمها حاصل قول المستشكل
ان الآية لا تصلح لاثبات حجية الخبر من حيث كونه خبرا وانما تثبت حجية الخبر فيما
اذا كان مع الانذار والتخويف.
ولا يخفى ان ما
ذكر شأن الواعظ الذى وظيفته الارشاد وشأن المجتهد بالنسبة الى العوام فالآية لا
تدل على اعتبار الخبر بما هو خبر بل تدل على اعتباره بما هو امر اجتهادى أوامر
ارشادى فالظاهر ان الانذار هو شأن المرشد أو المجتهد بالنسبة الى المسترشد أو
المقلد فالاولى الاستدلال بالآية على اعتبار الفتوى أو الارشاد ولا يصح للاستدلال
بها على حجية مطلق الخبر.
قوله
: قلت لا يذهب عليك انه ليس حال الرواة فى الصدر الاول فى نقل ما تحملوا من النبى (ص).
هذا جواب عن
الاشكال المذكور حاصله ان الرواة فى الصدر الاول يجب عليهم التخويف لكونهم جامعين
بين حيثية الاجتهاد
وحيثية الرواية
ولذا قيد بقوله فى الصدر الاول اذ معية بين المرتبتين فيه دون هذا الزمان فحينئذ
يصح الاستدلال لدلالة الآية على وجوب قبول قول من يجب الانذار عليه مطلقا ولو من
حيث كون راويا.
واذا فرض دلالة
الآية على حجية نقل الراوى مع التخويف كان نقله حجة بدونه ايضا لعدم القول بالفصل
بينهما.
قوله
: ومنها آية الكتمان ان الذين يكتمون ما انزلنا الآية
أى الاستدلال بآية
الكتمان يتوقف على امور : الاول كون المراد من البينات والهدى اعم من الاصول
والفروع.
الثانى وجود اطلاق
لحرمة الكتمان حتى فى صورة عدم العلم.
الثالث ان الحرمة
ملازمة عقلا لوجوب القبول اذا تمت هذه الامور ثبتت الملازمة عقلا بين حرمة الكتمان
واستلزام القبول اذ لا معنى لحرمة الكتمان من دون لزوم القبول كما قال المصنف
تستلزم القبول للزوم لغوية بدونه فثبت لاجل الملازمة المذكورة حجية الخبر بعبارة
اخرى اذا كان كتمان الخبر حراما وجب اظهاره وكذا وجب على المخاطب قبوله.
قوله
: ولا يخفى انه لو سلمت هذه الملازمة لا مجال للايراد على هذه الآية.
والغرض من هذا
الكلام دفع ما اورده الشيخ (قدسسره) وحاصله انّ هذين الايرادين هما اللّذان تقدما فى استدلال
على آية النفر من ثبوت تشكيك فى الاطلاق المثبت لحجية الخبر وان لم يفد العلم هو
المطلوب فى حجية الخبر اى التشكيك حاصل بين
الاطلاق المذكور
وبين دعوى استظهار اشتراط الحجية بما اذا افاد العلم فكان الاستدلال بالآية مجملا.
وحاصل رد الاشكال
انّه بعد القول بالملازمة العقلية بين الامرين كيف يمكن دعوى الاهمال أو كون
المراد صورة العلم مع حكم العقل بالملازمة.
بعبارة اخرى انه
بعد تسليم الملازمة العقلية بين وجوب الاظهار ووجوب القبول لا مجال لدعوى الاهمال
أو استظهار الاختصاص اذ لا اهمال فى موضوع حكم العقل لانه اذا احرز موضوع حكمه حكم
به بنحو الاطلاق أى سواء حصل العلم عقيب الاظهار أم لا.
قوله
: ولكنها ممنوعة فان اللغوية غير لازمة الخ.
أى الملازمة
ممنوعة وهذا اشكال على الاستدلال بالآية وحاصله منع الملازمة لعدم انحصار الفائدة
فى القبول تعبدا كما هو المطلوب لتثبّت الملازمة ويتم الاستدلال بالآية على حجية
الخبر غير العلمى لامكان أن تكون الفائدة فى وجوب الاظهار افشاء الحق واتمام الحجة
لا لاجل حجيته تعبدا.
قوله
: ومنها آية السؤال عن أهل الذكر الخ.
وهذا الاستدلال
مبنى على دعوى الملازمة بين وجوب السؤال ووجوب القبول اذ يلزم لغوية وجوب السؤال
بدون وجوب القبول. فيدل وجوب السؤال على وجوب القبول.
قوله
: وفيه ان الظاهر منها ايجاب السؤال لتحصيل العلم لا للتعبد بالجواب الخ.
حاصل الاستدلال ان
الظاهر من وجوب السؤال كونه فى صورة الجهل كما يقتضيه قوله تعالى (إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) أى يقتضى هذا ان السؤال لتحصيل العلم فلا تدلّ الآية على
وجوب الاخذ بقول أهل الذكر بل فى خصوص صورة افادة العلم.
قوله
: وفيه ان كثير من الرواة يصدق عليهم انهم اهل الذكر والاطلاع الخ.
هذا جواب عن
الايراد الثالث المتقدم وحاصله انّ أهل الذكر وان كان لا يطلق على من علم من طريق
الحواس الظاهرة كما فى المقام حيث انّ الراوى يعلم كلام المعصوم عليهالسلام بالسمع فلا يطلق عليه أهل العلم الا ان فى الرواة من كان
جامعا بين المرتبتين أى الفتوى والرواية فيشمل الآية باعتبار كونه من أهل الذكر
وبعدم الفصل قطعا يتم المطلوب أى يعتبر قوله راويا بعدم الفصل فى اعتبار رواية
بينه وبين من لا يكون الا راويا.
هذا
كما قال صاحب الكفاية فاذا وجب قبول روايتهم فى مقام الجواب بمقتضى هذه الآية الخ.
أى قد ثبت بمقتضى
آية السؤال حجية قول كثير من الرواة لانهم أهل الذكر والاطلاع على رأى الامام عليهالسلام فيجب قبول الرواية هذه الرواة أى زرارة وامثاله فى مقام
جواب السائل اما حجية قول الرواة التى لم تكن من أهل الذكر ولم يكن قولهم فى
مقام الجواب فيثبت
حجية قول هذه الرواة من باب عدم الفصل فى وجوب القبول بين المبتدإ والمسبوق.
أى المراد من
المبتدإ هو الرواية التى لم تكن فى مقام الجواب.
والمراد من مسبوق
هو الرواية التى كانت مسبوقة بالسؤال وبعبارة اخرى كانت فى مقام الجواب وكذا لا
فرق بين اضراب وامثال زرارة وغيرهم ممن لم يكن من أهل الذكر.
قوله
: فافهم.
هذا اشارة الى رد
الجواب حاصله ان الاستدلال بالآية لا يتعدى الى غير اهل الذكر وكذا لا يتعدى الى
الرواية التى لم تكن مسبوقة بالسؤال لان قدر المتيقن ما كانت الرواة فيه من أهل
الذكر وأيضا كانت روايتهم فى مقام الجواب.
قوله
: ومنها آية الاذن ومنهم (الَّذِينَ يُؤْذُونَ
النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ) الخ.
وجه الاستدلال
بالآية المباركة لحجية الخبر ان الله تبارك وتعالى مدح نبيّه صلىاللهعليهوآله بانه يصدق المؤمنين فيشمل الحكم النبى وغيره لان حسن
التصديق يلازم حجية الخبر وتصديق كل واحد من المؤمنين.
وكذا تدل الآية
على حسن المتابعة والتأسى للنبى صلىاللهعليهوآله أى كنّا أيضا مصدق كل واحد من المؤمنين فدلّت الآية
المباركة على حجية كل خبر مؤمن وان لم يفد العلم ولا يمكن حمل ما ذكر على ما افاد
العلم لان التصديق فى صورة افادة العلم ليس من جهة تصديق المؤمن من حيث انّه مؤمن
بل انما هو من
جهة العلم بالواقع
فلا يكون مدحا.
والظاهر ان الآية
انما تكون فى مقام المدح فيكون تصديق المؤمن بما هو تصديق المؤمن محبوبا هذا مع اقترانه
بتصديقه له تبارك وتعالى ومن المعلوم ان تصديقه تعالى لازم فكذا ما بعده من تصديق
المؤمنين أى لم يكن الفرق فى الآية المباركة بين تصديقه تعالى وتصديق المؤمنين قد
ثبت الى هنا حجية الخبر بالآية المباركة.
قوله
: وفيه أوّلا انما مدحه بانه اذن وهو سريع القطع الخ.
أى قد اشكل المصنف
على الاستدلال بالآية بالوجهين.
الاول انه مدح
النبى بانّه اذن فالمراد بالاذن السريع التصديق والاعتقاد بكل ما يسمع لا من يعمل
تعبّدا بما يسمع من دون حصول الاعتقاد بصدقه الحاصل ان الآية تدل على انّه سريع
القطع فيكون تصديقه للمؤمنين لاجل حصول القطع بقولهم لا مطلقا والظاهر ان حصول
القطع للنبى بقول المؤمنين اجنبى عن مقام البحث هذا الاشكال الاول على حجية الخبر
فى الاستدلال بالآية.
قوله
: وثانيا انه انما المراد بالتصديق للمؤمنين هو ترتب خصوص الآثار الخ.
الظاهر ان التصديق
على اقسام اربعة.
الاول : التصديق
الوجدانى وهو حصول القطع لا بنحو السرعة بل بنحو المتعارف.
الثانى : التصديق
التعبدى بمعنى حمل قوله على الحسن فى مقابل القبيح بمعنى انّ قوله هذا واقع على
وجه غير ممتنع.
الثالث : الصورة
ولكن بمعنى ترتّب آثار الواقع التى تنفعه ولا تضرّ غيره.
الرابع : الصورة
بمعنى ترتب جميع الآثار الواقع المخبر به وهذا هو المراد من حجية الخبر.
اذا عرفت أقسام
التصديق وأيضا عرفت ان المراد من حجية الخبر بمعنى ترتب جميع الآثار الواقع للمخبر
به.
فنقول ان قوله
ثانيا الايراد الثانى على الاستدلال بالآية لحجية الخبر توضيحه ان المراد من
التصديق فى الآية ليس جعل المخبر به واقعا وترتيب جميع آثاره عليه : اذ لو كان
المراد به ذلك لم يكن اذن خير لجميع الناس والظاهر انّ المراد فى حجية خبر الواحد
هو ترتيب جميع الآثار الشرعية المترتب على المخبر به واقعا على اخبار الثقة أو العادل
سواء كانت ضررا على المخبر ام نفعا له وحينئذ فاذا اريد من التصديق غير هذا المعنى
لم يكن مرتبطا بحجية الخبر واما فى المقام فان الآية الشريفة تدل على انه اذن خير
لجميع المؤمنين لدلالة الجمع المحلى على العموم فلا يمكن ارادة جميع الآثار من
التصديق اذ لو اريد الجميع لم يكن صلى الله عليه اذن خير بجميع الناس بل اذن خير
لخصوص المخبر مثلا اذا اخبر المخبر بان زيدا سرق فهذا اذن خير للمخبر لا لزيد فان
تصديق هذا الخبر لم يكن خيرا لزيد بل شرا له أى اذا لم يصح التصديق بترتب جميع
الآثار فلم يصح الاستدلال بالآية على حجية الخبر لان المطلوب فى باب حجيته هو
التصديق بترتب جميع الآثار.
قوله
: ويظهر ذلك من تصديقه للنمام الخ.
ويذكر هنا قبل
الاشكال على الاستدلال بالآية سبب نزولها وهو ان عبد الله بن نفيل كان منافقا وكان
يقعد لرسول الله (صلىاللهعليهوآله) فيسمع كلامه وينقله الى المنافقين وينم عليه
فنزل جبرئيل على رسول الله صلىاللهعليهوآله ان رجلا من المنافقين ينم عليك وينقل حديثك الى المنافقين
فقال رسول الله (ص) من هو فعرفه لرسول الله فدعاه واخبره من عمل قبيحه فحلف انه لم
يفعل فقال رسول الله (ص) قد قبلت منك أى صدق رسول الله بعد الحلف قول هذا المنافق
فرجع الى اصحابه فقال ان محمد اذن اخبره الله تعالى انى أنمّ عليه وانقل خبره فقبل
... واخبرته انى لم افعل ذلك فقبل فانزل الله على نبيه هذه الآية الذين يؤذون
النبى ... الآية.
الحاصل انه لا
يبقى المجال للاستدلال بالآية على حجية الخبر لان تصديق المنافق لم يكن لترتيب
جميع الآثار على خبره اذا تمّ بيان وجه نزول الآية شرع الى توضيح قوله ويظهر ذلك
من تصديقه (ص) للنمام اى يظهر ان المراد بتصديقه للمؤمنين هو خصوص الآثار التى
تنفعهم والظاهر ان المراد بالتصديق فى الآية خصوص ما ينفعهم ولا يضر غيرهم وفى باب
حجية الخبر ترتيب جميع الآثار على المخبر به هذا موجب للفرق بين تصديق المؤمنين
المستفاد من الآية والتصديق المطلوب فى اعتبار خبر الواحد.
فيظهر من الآية ان
النبى (ص) صدق النمام بانه لم ينمه وكذا النبى صدق الله بانه نمّه فهذان التصديقان
جمع بين المتنافيين
هذا دليل بعدم
تصديقه (ص) بهذا المعنى للنمام المنافق أى لم يترتب جميع الآثار على المخبر به فى
تصديق النمام.
قوله
: كما هو المراد من التصديق فى قوله (ع) فصدقه وكذبهم
أى كذا المراد من
التصديق فى قوله (ع) هو خصوص الآثار التى تنفع المخبر والظاهر ان هذه الرواية خطاب
لمحمد ابن الفضيل القائل للامام عليهالسلام والمقصود من نقل هذه الرواية قال الامام (ع) لهذا الشخص
انه ان شهد عندك خمسون قسامة ان مؤمنا فعل كذا وقال كذا وقال ذلك المؤمن انى لم
افعله فصدقه وكذبهم أى صدق اخاك المنكر بما ينفعه وكذب خمسين قسامة.
الظاهر ان المراد
بالتصديق فى الآية الشريفة هو ترتيب خصوص الآثار النافعة دون الضارة ولم يكن
المراد فيها تصديق جميع الآثار كما هو المطلوب من التصديق فى باب حجية الخبر.
الحاصل انه لم يصح
الاستدلال بالآية على حجية الخبر.
قوله
: وهكذا المراد بتصديق المؤمنين فى قصة اسماعيل.
هذه القصة على ما
رويت فى الكافى عن حريز قال كان لاسماعيل ابن ابى عبد الله عليهالسلام دنانير واراد رجل من قريش ان ان يخرج الى اليمن للتجارة
فقال اسماعيل يا ابت ان فلانا يريد الخروج الى اليمن وعندى دنانير هل كان الصلاح
ان أدفعها اليه لمضاربة فقال ابو عبد الله عليهالسلام يا بنى اما بلغك انه يشرب الخمر فقال اسماعيل هكذا يقول
الناس فقال يا بنى لا تفعل فعصى اسماعيل اباه ودفع اليه دنانيره فاستهلكها ولم
يأته بشىء منها فقال ابو عبد الله لاسماعيل انت مقصر وقد بلغك انه يشرب الخمر ومع
هذا جعلته أمينا
فقال اسماعيل انى لم اره بشرب الخمر انما سمعت الناس يقولون كذا فقال يا بنى ان
الله عزوجل يقول فى كتابه ويؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين أى اذا شهد عندك
المؤمنون فصدقهم ولا تأتمن شارب الخمر.
اذا عرفت ما ذكر
فى قصة اسماعيل قال مصنف هكذا المراد بتصديق المؤمنين فى قصة اسماعيل أى كان
المراد من الرواية فيها صرف تصديق المسلمين فيما ينفعهم وليس المراد من التصديق
ترتيب جميع الآثار.
قوله
: فصل فى الاخبار التى دلت على اعتبار الآحاد الخ.
أى قد استدل على
حجية الخبر بالآيات المباركة وعرفت وجه الاشكال على الاستدلال بها ويذكر هنا
الاستدلال بالاخبار على حجية الخبر الواحد هذه الاخبار طوائف كثيرة حيث دل بعضها
على حجية قول الثقة. وهى كثيرة وبعضها على حجية قول العادل وبعضها على حجية خبر
الشيعة لكنه يشكل الاستدلال بها على حجية الاخبار الآحاد وحاصله ان الاستدلال
بالاخبار على حجية الاخبار الآحاد مستلزم للدور اذ هذه الاخبار فى انفسها اخبار
آحاد وليست متواترة لفظا ولا معنى ومن انه لم يثبت حجية الخبر بل هى محل النزاع
فحجية هذه الاخبار تتوقف على حجية مطلق الاخبار الآحاد وحجية مطلق الاخبار الآحاد
موقوفة على اعتبار هذه الاخبار ولازمه توقف حجية هذه الاخبار على انفسها واجاب
المصنف عن هذا الاشكال.
بقوله
ولكنه مندفع بانها وان كانت كذلك الخ.
وحاصل الجواب عن
الاشكال المذكور ان هذه الاخبار وان لم تكن متواترة لفظا ولا معنى لاختلاف الفاظها
وكذا اختلافها من حيث المضمون ولكنها متواترة اجمالا بمعنى انه نعلم اجمالا بصدور
بعض هذه الروايات عن المعصوم عليهالسلام وحينئذ فالمتعين الاخذ بما هو اخصها مضمونا وهو خبر العدل
الامامى اذا ثبت للاخص الحجية أى ثبت الحجية لخبر العدل الامامى فيتعدى الحكم الى
ما كان اعم يعنى تعدى الحكم الى كل خبر الراوى وان لم يكن عادلا ولم يكن اماميا.
قوله فافهم اشارة
الى عدم جواز تعدى الحكم الى الاعم لان القيود التى اعتبرت فى حجية الخبر دخيلة فى
موضوع حجية الخبر اذا انتفى هذه القيود انتفى حجية الخبر مثلا اذا لم يكن الراوى
عدلا اماميا فلم يكن قوله حجة.
قوله
فصل فى الاجماع على حجية الخبر وتقريره من وجوه الخ.
أى استدل على حجية
الخبر الواحد بالاجماع من وجوه ثلاثة احد هذه الوجوه ثبوت الاجماع أى فتاوى
الاصحاب على الحجية فيكون الاجماع المحصل على الحجية أى حكى جماعة كثيرة الاجماع
من قبل علماء الامامية على حجية الخبر اذا كان الثقة مأمونا فى نقله وان لم يفد
خبره العلم وعلى رأس الحاكين للاجماع الشيخ الطائفة وكذا حكى عن الشيخ الاعظم فى
الرسائل اعلى الله مقامهما قال صاحب الكفاية ويقطع به أى يقطع برأى الامام (ع) من
باب
الحدس لعدم
الاجماع الدخولى وبطلان اللطفى عند المصنف أى استدل على حجية الخبر بالاجماع
المحصل والاجماع المنقول.
قوله
ولا يخفى مجازفة هذه الدعوى لاختلاف الفتاوى فيما اخذ باعتباره الخ.
حاصل ما ذكره ان
معاقد الفتاوى مختلفة حيث افتى بعضهم بحجية قول الثقة وبعضهم بحجية قول العادل الى
غير ذلك من التفاصيل ولم يبلغ كل واحد من الطوائف مرتبة الاجماع اذا ثبت اختلاف معاقد
الفتاوى ولم يبلغ شىء من هذه العناوين مرتبة الاجماع فلم يصح دعوى الاجماع والقطع
برضا المعصوم باعتبار خبر الواحد أى لا يثبت من هذه الفتاوى المختلفة رضا الامام
بحجية الخبر الواحد.
قوله
: اللهم الا ان يدعى تواطؤها على الحجية فى الجملة الخ.
أى غرض من هذا تصحيح
التمسك بالاجماع على حجية الخبر الواحد فيقال ان اصل اعتبار الخبر مفروغ عنه لديهم
والاختلاف انما يكون فى شروط حجية الخبر مثلا بعضهم يقول ان الخبر الواحد حجة بشرط
والآخر يقول ان الخبر الواحد حجة بشرط آخر فثبت حجية اصل الخبر ولا يضر اختلاف
الشرائط فى اصل الحجية.
قال المصنف لكن
دون اثباتها خرط القتاد أى اثبات تواطؤ واتفاق على حجية الخبر اشد اشكالا من خرط
القتاد.
قوله
ثانيها دعوى اتفاق العلماء عملا بل كافة المسلمين على
العمل
بالخبر الواحد الخ.
أى استدل على حجية
الخبر بالاجماع العملي المعبر بالسيرة المتشرعية كما ان الوجه الاول هو الاجماع
القولى والمناط فى اعتبار كل من الاجماع القولى والعملي انما هو كشفه عن قول
المعصوم (ع).
قوله
: وفيه مضافا الى ما عرفت مما يرد على الوجه الاول.
اجاب المصنف عن
الاستدلال بالاجماع العملي بوجوه الاول ما اشار اليه بقوله مضافا حاصله انّ سيرة
المتشرعة وان كانت ثابتة على العمل بخبر الواحد الا انه ملاك الاعتبار بينهم مختلف
حيث ان بعضهم يعمل به لانه خبر عدل امامى وآخر لانه خبر ثقة وآخر يقول انه مقبول
عند الاصحاب.
والثانى
انه لو سلم اتفاقهم على ذلك لم يحرز انهم متفقون بما هم مسلمون الخ.
حاصل هذا الوجه
الثانى منع الاجماع العملي على العمل بالخبر الواحد مطلقا وانما المسلم هو عملهم
بالاخبار الموجودة فى الكتب الاربعة فبعضهم يعمل بالاخبار فى الكتب المعتبرة
لكونها متواترة عنده والآخر يعمل بها لكونها فى نظره محفوفة بالقرينة الموجبة
للعلم بالصدور والثالث يعمل بها لكونها عنده اخبار ثقة.
الظاهر انه بعد
اتفاقهم على العمل بخبر الواحد لم يظهر ان اجماعهم هو لاجل كونهم مسلمين أو لكونهم
عقلاء أى مع الغض عن تدينهم والتزامهم بدين أى ان كان عملهم بخبر الواحد لا
بعنوان كونهم
مسلمين ومتدينين ولا بعنوان كونهم عقلاء فيرجع هذا الوجه الثانى الى الوجه الثالث
وهو دعوى استقرار العقلاء على العمل بالخبر الواحد ولا يخفى ان تقريب هذا الوجه
الثالث يتوقف على مقدمات اربعة الاولى احراز بنائهم على العمل بخبر ثقة فى احكامهم
العرفية والشرعية الثانية عدم الردع عنه الثالثة وجود المقتضى للردع على تقدير عدم
حجية الخبر عند الشارع والمراد من المقتضى هو فعلية الاحكام الواقعية اذ لو كانت
الانشائية لم يستكشف من عدم الردع امضاء الشارع اذ عدم الردع فى هذا المورد يمكن
ان يكون لعدم فعلية الاحكام الرابعة عدم المانع عن الردع كما فى مسئلة الخلافة فان
عدم الردع فى هذه المسألة لا يدل على امضاء الشارع اذا تمت هذه المقدمات المذكورة
ثبت الاستدلال باستقرار العقلاء بما هم عقلاء على حجية الخبر.
الحاصل انه ثبت
الى زماننا هذا استقرار سيرة العقلاء على العمل بخبر الثقة ولم يردع المعصوم عنه
فهذه السيرة دالة على حجية خبر الثقة ان قلت يكفى فى الردع الآيات الناهية
والروايات المانعة عن اتباع غير العلم أى هذا الكلام اشكال على التمسك على بناء
العقلاء حاصله انه يكفى فى الردع عن سيرة العقلاء الآيات والاخبار.
أى تدل الآيات
والاخبار على حرمة العمل بالظن.
بعبارة اخرى ان بناء
العقلاء على العمل بالخبر الثقة مسلم لكن ثبوته لنا منوط على امضاء الشارع لهذا
العمل ولم يثبت امضاء الشارع للعمل بالسيرة بل ثبت ردعه عنه لان العموم والاطلاق
أى عموم واطلاق الآيات الناهية يكفى فى الردع عن
العمل بغير العلم
وكذا الروايات ويشمل هذا النهى ... البناء العقلائى فهذه الآيات والروايات رادعة
عن العمل بسيرة العقلاء.
قلت
: لا يكاد يكفى تلك الآيات فى ذلك الخ.
هذا رد للاشكال
المذكور وحاصله ان مورد هذه الآيات الناهية هو خصوص اصول الدين ولا ربط لها بما
نحن فيه أى اثبات حجية خبر الواحد فى الفروع فيكون النهى عن اتباع الظن فى اصول
الدين ارشادا الى حكم العقل بعدم كفاية الظن فى اصول الدين.
قوله
: ولو سلم فانما المتيقن لو لا انه المنصرف اليه اطلاقها.
قد ذكر ان الآيات
ناهية عن عمل بالظن فى اصول الدين لا ربط لها فيما نحن فيه أى اثبات حجية خبر
الواحد فى الفروع فيقال انه بعد فرض التسليم فى ان الآيات الناهية باطلاقها تشمل
العمل بالخبر الواحد فى الفروعات أيضا فينصرف اطلاق الآيات الى خصوص الامارة غير
المعتبرة أى رادعة الآيات الناهية عن العمل بالامارات غير المعتبرة أى لم تقم على
اعتبارها حجة وكذا يدعى تيقن الامارة غير المعتبرة من اطلاق الآيات أى هى رادعة عن
قدر المتيقن من الامارات الظنّية هو عبارة من الامارات غير المعتبرة فلم يصحّ
رادعية الآيات عن جميع الامارات الظنية هذا اشكال الثانى على رادعية الآيات.
قوله
: لا يكاد يكون الردع بها الا وجه دائر.
أى قد اجاب المصنف
عن رادعية الآيات الناهية بوجوه الثلاثة الاول ان الآيات رادعة عن العمل بالظن فى
اصول الدين الثانى مع
فرض تسليم رادعية
الآيات فى الفروع أيضا فالقدر المتيقن هو اخراج الامارات غير المعتبرة الثالث ما
بين فى قوله لا يكاد يكون الردع بها الا على وجه الدائر أى فانه مضافا على
الاشكالين المذكورين يرد الاشكال الآخر على رادعية الآيات.
توضيحه انّه لا
يمكن أن تكون الآيات الناهية رادعة عن السيرة العقلائية لان رادعيتها مستلزمة
للدور توضيحه ان رادعية الآيات متوقفة على عدم تخصيص عمومها او عدم تقييد اطلاقها
بالسيرة وعدم تخصيص العمومات متوقف على الردع عن السيرة بالآيات الحاصل ان رادعية
الآيات متوقفة على عدم تخصيص عموميتها بالسيرة وأيضا عدم تخصيص عمومية متوقف على
الردع عن السيرة بالآيات.
وبعبارة اخرى ان
حجية خبر الثقة موقوفة على حجية السيرة وهى موقوفة على عدم الردع وهو موقوف على
تخصيص العمومات بها والا تكون رادعة عنها وهو موقوف على عدم الردع والا فلو كانت
رادعة فكيف تكون مخصّصة فيتوقف عدم الردع على عدم الردع.
قوله
: فانه يقال انما يكفى فى حجية بها عدم ثبوت الردع عنها الخ.
هذا دفع عن
الاشكال الدورى الذى كان فى القضية الثانية حاصلة منع توقف حجية السيرة على عدم
الردع الذى هو المفروض فى القضية الثانية حسب ما قرر بل هى موقوفة على عدم العلم
بالردع وعدم ثبوته وهو حاصل من دون توقف على شىء أى عدم
العلم بالردع حاصل
بنفسه من دون توقف على الشىء آخر فثبت انّ حجية السيرة لم تتوقف على عدم الردع بل
متوقفة على عدم العلم بالردع وهو حاصل من دون توقف على شىء.
قوله
ما لم ينهض دليل على المنع عن اتباعه فى الشرعيات.
هذا أيضا اشارة
الى دفع الدور وحاصله ان ما قام عليه السيرة الممضات حجة ما لم يعلم بالمنع حتى
تكون السيرة مردوعة فلا يكون الخبر حجة فثبت حجية الخبر بالسيرة ودفع الاشكال
الدورى.
قوله
: فصل فى الوجود العقلية التى اقيمت على حجية الخبر الواحد الخ.
توضيح هذا
الاستدلال على وجوه قال مصنف احدها انه يعلم اجمالا بصدور كثير مما بايدينا أى انا
نعلم اجمالا بصدور أخبار كثيرة مخالفة للاصول النافية للتكليف المجردة عن القرينة
فى ما بين تلك الاخبار الموجودة فى أيدينا وقضية ذاك العلم الاجمالى العمل بجميع
الاخبار التى تكون من اطراف العلم الاجمالى فوجب الاحتياط عقلا بعد العلم الاجمالى
الحاصل انه ثبت عقلا العمل بالاخبار من باب الاحتياط.
توضيح المقام
يحتاج الى بيان آخر وهو انا نعلم اجمالا بوجود تكاليف شرعية بين جميع الامارات من
الروايات وغيرها كالشهرة والاجماع وهذا ما يسمى بالعلم الاجمالى الكبير كما نعلم
أيضا اجمالا بوجود أحكام شرعية فى روايات صادرة عن المعصوم (ع) منقولة الينا فى
ضمن مجموع ما بايدينا من الاخبار
مروية عنهم عليهمالسلام وهذا ما يسمى بالعلم الاجمالى الصغير.
فنقول انا نعلم
اجمالا بمقتضى العلم الاجمالى الصغير بصدور كثير من الاخبار التى بايدينا عن
الائمة الاطهار عليهمالسلام وكانت هذه الاخبار بمقدار واف بمعظم الفقه بحيث لو علمنا
تفصيلا بذلك المقدار الوافى لجاز لنا فيما عدا هذا المقدار اجراء اصول النافية فى
الشبهات الحكمية لعدم لزوم المحذور من جريان اصول النافية أى لا يلزم من اجراء
اصول النافية الخروج عن الدين وكذا لا يلزم المخالفة القطعية.
ولكن حيث لا نعلم
تفصيلا بذلك المقدار الوافى وانما نعلم اجمالا وجب بحكم العقل العمل بكل خبر مظنون
الصدور لان تحصيل الواقع اذا لم يمكن على وجه العلم تعيّن العمل بالظن أى يعمل
بالظن بسبب العمل بالاخبار المظنونة الصدور ولا يجب مراعاة اطراف العلم الاجمالى
الكبير لان هذا العلم الاجمالى الكبير ينحل بالعلم الاجمالى الصغير أى نعلم اجمالا
بوجود التكاليف بين هذه الاخبار التى كانت بايدينا وقد خرجت بقية الامارات عن
اطراف العلم الاجمالى وكان الشك بالنسبة اليها بدويا.
قوله
: ولازم ذلك العمل على وفق جميع الاخبار المثبتة الخ.
أى لازم انحلال
العلم الاجمالى الى العلم التفصيلى هو وجوب العمل بالخبر المقتضى للتكليف لانه
الذى يجب العمل به واما الاخبار الصادرة النافية للتكليف فلا يجب العمل بها.
الحاصل ان مقتضى
هذا الوجه العقلى هو وجوب العمل بالخبر المثبت للتكليف لا غيره واما الاخبار
النافية للتكليف فلا يجب العمل بها لانا مكلفون بامتثال الاحكام الواقعية المعلومة
اجمالا والمفروض العلم بصدور مقدار من الاخبار واف بتلك الاحكام فلا موجب للعمل
بالروايات النافية ولكن يجوز العمل بالاخبار النافية للتكليف بشرط عدم أصل مثبت فى
مورده من قاعدة الاشتغال أو الاستصحاب فمع وجود هذا الاصل المثبت للتكليف لا يجوز
العمل بالخبر النافى.
قوله
وفيه انه لا يكاد ينهض على حجية الخبر بحيث يقدم تخصيصا او تقييدا.
أى هذا اشكال على
الوجه الاول من الدليل العقلى حاصله ان العمل بالاخبار حينئذ من باب الاحتياط
وقاعدة الاحتياط مورودة بالدليل الاجتهادى وعمومات الكتاب والسنة المعلومة.
توضيحه انه لا
يثبت حجّية الاخبار بهذا الدليل العقلى لان معنى حجية الخبر كونه دليلا متبعا فى
مخالفة الاصول العملية واللفظية وهذا المعنى لا يثبت بالدليل المذكور الحاصل ان
مقتضى الدليل المذكور هو الاخذ بالاحتياط لا جعل الخبر حجة والظاهر ان الاخذ
بالاخبار من باب الاحتياط ينافى الاخذ بها من باب الحجيّة فانّ الحجة ما تخصّص
العمومات وتقيد المطلقات وتقدم على معارضها مع الرجحان بخلاف الاخذ بها احتياطا
فانه لا يكون موجبا للتخصيص والتقييد والترجيح فهذا الوجه العقلى لا يقتضى حجية
الاخبار فلم يصحّ لاستدلال بهذا الوجه الاول من الوجوه
العقلى على حجية
الاخبار.
قوله
: وان كان يسلم عما اورد عليه من أن لازمه الاحتياط فى سائر الامارات.
أى يرد هذا
الاشكال المذكور على الوجه العقلى الاول وان كان سليما عن الاشكال الآخر وهو لزوم
مراعات الاحتياط فى جميع الامارات وعدم اقتصاره على العمل بالروايات أى اشكل أولا
على الوجه العقلى على حجية الاخبار بان لازم هذا الوجه العقلى الاحتياط فى سائر
الامارات أيضا لا فى خصوص الروايات.
واما وجه سلامة عن
هذا الاشكال فهو ما عرفت من انحلال العلم الاجمالى الذى كان بين الامارات الى
العلم التفصيلى بما علم بين الاخبار بالخصوص أى الاخبار التى كانت فى ايدينا اذا
سلم الوجه العقلى من هذا الاشكال لكن لا مناص عن ورود الاشكال الذى أورده المصنف
بقوله وفيه انه الخ قد ذكر توضيح هذا الاشكال الحاصل انه لم يصحّ الاستدلال لحجية
الاخبار بهذا الوجه العقلى الاول.
قوله
: ثانيها ما ذكره فى الوافية مستدلا على حجية الاخبار الخ.
أى الوجه الثانى
من الوجوه العقلية فى حجية الاخبار ما ذكره فى الوافية وهو انّا نقطع ببقاء
التكليف الى يوم القيامة وهذا الدليل مركب من مقدمات ثلاثة أى العلم بحدوث التكليف
والعلم ببقائه الى يوم القيامة وان جل اجزاء وشرائط العبادات والمعاملات موجودة فى
الكتب المعتبرة مثلا انا نقطع ببقاء
التكليف بالصلاة
والصوم والحج ونحوها ولكن جل الاجزاء والشرائط هذه المذكورات انما يثبت بالاخبار
غير القطعية وان ترك العمل بالاخبار المذكورة فلا يدرك حقائق هذه الامور المذكورة
فثبت بهذا الدليل المذكور حجية الاخبار.
قوله
: واورد عليه اولا بان العلم الاجمالى حاصل بوجود الاجزاء الخ.
المورد هو الشيخ
الاعظم (قدسسره) حاصل الايراد ان العلم الاجمالى بوجود الاجزاء والشرائط
لا تنحصر اطرافه فى الاخبار الواجدة لما ذكر من الشرطين اعنى كونها موجودة فى
الكتب المعتمد عليهما عند الشيعة وكونها معمولا بها عندهم فثبت العلم الاجمالى
بوجود الاجزاء والشرائط بين جميع الاخبار لا خصوص الاخبار المشروطة بما ذكر
والظاهر ان هذا الدليل العقلى لا يدل على حجية الاخبار المذكورة بل اللازم هو
العمل بالاحتياط أو العمل بكل الاخبار سواء كانت واجدة للشرائط أم لا مع ان العمل
بكل الاخبار لم يصح عند المستدل فبقى طريق الاحتياط.
قوله
: قلت يمكن ان يقال ان العلم الاجمالى وان كان حاصلا بين جميع الاخبار.
هذا دفع الاشكال
بدعوى انحلال العلم الاجمالى الكبير الى العلم الاجمالى الصغير أى العلم بوجود
الاخبار التى كانت واجدة للشرائط المذكورة وثبت حجية هذه الاخبار بالدليل العقلى
المذكور.
قوله
: اللهم الا ان يمنع عن ذلك وادعى عدم الكفاية فيما علم فى صدوره الخ.
هذا اشكال على
انحلال العلم الاجمالى الكبير وكان الغرض منع انحلال العلم الاجمالى اما بدعوى كون
معلوم الصدور أو الحجية اقل من المعلوم بالاجمال بالعلم الاجمالى الكبير واما
بدعوى علم اجمالى آخر بصدور أخبار آخر غير هذه الاخبار المذكورة فى الكتب المتعددة
فاللازم حينئذ العمل بجميع الاخبار وعدم جواز الاكتفاء فى الاخبار المذكورة فى
الكتب المعتمدة.
قوله
: وثانيا بان قضيته انما هو العمل بالاخبار المثبتة للجزئية او الشرطية دون
الاخبار النافية لهما.
هذا عطف على اولا
فى قوله واورد عليه اولا بانّ العلم الاجمالى حاصل بوجود الاجزاء والشرائط بين
جميع الاخبار قد ذكر شرح هذا الايراد الاول.
الآن يشرع فى شرح
الايراد الثانى على الدليل العقلى الثانى أى اورد على الدليل العقلى الثانى ...
ثانيا بان مقتضى هذا الدليل وجوب العمل بالاخبار الدالة على الاجزاء والشرائط دون
الاخبار الدالة على عدمها أى عدم الاجزاء والشرائط الحاصل ان هذا الدليل أخص من
المدعى اذ مقتضى هو العمل بالاخبار المثبتة للجزئية أو الشرطية دون الاخبار
النافية لهما بعبارة اخرى ان هذا الدليل العقلى الثانى لا يدل على حجية الاخبار
التى تنفى الجزئية والشرطية
مع ان البحث انما
هو عن حجية الخبر مطلقا أى سواء كانت الاخبار المثبتة او النافية.
قوله
: والاولى ان يورد عليه بان قضيته انما هو الاحتياط.
أى لما كان الدليل
العقلى الثانى أخص من المدعى لان هذا الدليل لا يشمل الاخبار النافية للاجزاء
والشرائط فاشكل عليه لكن يمكن الجواب عن هذا الاشكال فقال المصنف الاولى ان يورد
عليه بهذا الايراد الذى عدل المصنف اليه وحاصل هذا الايراد ان الدليل العقلى غير
تام فى نفسه مطلقا أى غير تام بالنسبة الى الاخبار المثبتة والنافية واما عدم
تماميته بالنسبة الى الاخبار المثبتة فلان العمل بها من باب الاحتياط كما هو مقتضى
العلم الاجمالى انما يتجه اذا لم يكن فى مقابلها ما ينفى التكليف من العموم أو
الاطلاق أى اذا كان العمل بالاخبار المثبتة من باب الاحتياط فهو اصل ولا يعمل
بالاصل فى مقابل الدليل اعنى العموم والاطلاق يقدمان عليه.
الظاهر انّ وجوب
العمل بالخبر المثبت من باب الاحتياط مشروط بعدم قيام الحجة على نفى التكليف فى
مورده ولو كان مقابله بلسان العموم أو الاطلاق فلو قامت الحجة على نفى التكليف اخذ
بها ولم يكن الخبر المثبت مخصصا لعمومها ولا مقيدا لاطلاقها لان الاخذ بالخبر
المثبت انما هو من باب الاحتياط فظهر من هذا البيان عدم حجية الخبر المثبت لانه
اذا لم يكن مخصصا العموم ولا مقيدا للاطلاق فلم يكن حجة.
واما عدم تمامية
هذا الدليل العقلى الثانى بالنسبة الى الاخبار
النافية فلان جواز
العمل بالنافى أيضا مشروط بان لا يكون فى مقابله ما يثبت التكليف ولو كان اصلا.
قد ظهر الاشكال
على الدليل العقلى الثانى ولم يتم الاستدلال بهذا الدليل على حجية الاخبار.
قوله
: ثالثها ما افاده بعض المحققين الخ.
قد ذكر الى هنا
الاستدلال على حجية الاخبار بالوجه الاول والثانى من الوجوه العقلية وذكر عدم
تماميتهما : الآن يستدل على حجية الاخبار بالوجه الثالث من الوجوه العقلية استدل
بهذا الوجه بعض المحققين وهو المحقق الشيخ محمد التقى فى هداية المسترشدين وهذا
الاستدلال مركب من مقدمتين.
الاولى العلم
بوجوب الرجوع الى الكتاب والسنة والاجماع من الشيعة.
الثانية : حكم
العقل بالرجوع الى هذه المذكورات على وجه العلم أو العلمى عند انفتاح بابهما وعلى
وجه الظن عند انسداد البابين فيتعين حينئذ العمل بالظن فى الكتاب والسنة.
الحاصل انه اذا لم
يحصل القطع بالصدور أو الاعتبار فلا بدّ من التنزل الى الظن باحدهما فظهر من هذا
البيان حجية الاخبار المعتبرة.
قوله
: وفيه ان قضية بقاء التكليف فعلا بالرجوع الى الاخبار الحاكية للسنة الخ.
هذا اشكال على
الاستدلال بالوجه الثالث من الوجوه العقلية وحاصله انه لا يصل النوبة الى الامتثال
الظنى مع التمكن من الامتثال
العلمى التفصيلى
او الاجمالى وعلى هذا فان كان فى الروايات ما هو متيقن الاعتبار وكان وافيا بمعظم
الفقه بحيث لا يلزم من اجراء الاصول فى باقى الموارد محذور اهمال الاحكام وجب
الاخذ بهذا المقدار واما اذا لم يكن هذا المقدار المتيقن وافيا بمعظم الفقه فيضم
الى هذا المقدار ما هو المتيقن الاعتبار بالنسبة الى غيره واما فى صورة عدم وجود
متيقن الاعتبار النسبى فلا بدّ من الاحتياط بالعمل بالاخبار المثبتة للتكليف حاصل
هذا الاشكال ان هذا الدليل العقلى الثالث يدل على حجية ما هو متيقن الاعتبار ولا
يدل هذا الدليل على حجية ما هو مظنون الاعتبار.
ولا يخفى ان
المراد هو الرجوع الى حاكى السنة أى أخبار الحاكية للسنة وليس المراد المحكيّ اعنى
نفس قول المعصوم وفعله وتقريره.
والمراد من الحاكى
هو الروايات الحاكية لقول المعصوم عليهالسلام وشرط العمل بهذه الروايات أن تكون متيقنة الاعتبار ولا شك
ان هذه الروايات خارجة عن محل النزاع والعمل بالروايات المظنونة انما يكون من باب
الاحتياط.
قوله
: هذا مع ان مجال المنع عن ثبوت التكليف بالرجوع الى السنة بذلك المعنى الخ.
هذا الاشكال
الثانى على الاستدلال بالوجه العقلى الثالث توضيح هذا الاشكال ان مجال المنع فى
الرجوع الى السنة بذلك المعنى واسع أى اذا كان المراد من السنة الاخبار الحاكية
لها ولم يكن العلم بصدورها ولا باعتبارها فمجال المنع بالرجوع اليها واسع : وجه
هذا المنع هو عدم الدليل على حجية الروايات التى
لم يكن العلم
بصدورها ولا باعتبارها.
قوله
: واما الايراد عليه برجوعه اما الى دليل الانسداد لو كان ملاكه دعوى العلم
الاجمالى بتكاليف الواقعية الخ.
اورد الشيخ الاعظم
على كلام المحقق الشيخ محمد التقى حاصل هذا الايراد انه بعد عدم دلالة الاجماع
والضرورة على وجوب الرجوع الى الروايات الحاكية للسنة ان ادعى المحقق التقى (قدسسره) وجوب العمل بالروايات الظنية لاجل ان طرحها وعدم العمل
بها يستلزم الخروج عن الدين فنقول ان هذا الوجه ليس دليلا مستقلا على حجية الظن
الحاصل من الخبر الواحد وذلك لانه هذا الدليل ان استند فى وجوب العمل بالروايات
الى العمل بمطابقة كثير منها للتكاليف الواقعية التى يعلم بوجوب رعايتها فمرجع ذلك
الى الدليل الانسداد ومقتضاه حجية كل امارة كاشفة عن الواقع لا خصوص الخبر.
وان استند فى لزوم
بالروايات الى العلم الاجمالى بصدور أكثر هذه الاخبار من المعصومين عليهمالسلام حتى يختص اعتبار الظن بالواقع الحاصل من خصوص الخبر فمرجع
هذا الى الوجه الاول المتقدم وقد عرفت عدم تماميته.
قد بيّن الى هنا
اشكال الشيخ محمد التقى على وجه الثالث من الدليل العقلى وحاصل الاشكال ان مرجع
هذا الدليل اما الى دليل الانسداد واما الى الوجه الاول.
قوله
: وفيه ان ملاكه انما هو دعوى العلم بالتكليف بالرجوع الى الروايات فى الجملة الى
يوم القيامة الخ.
هذا جواب عن ايراد
الشيخ الاعظم على الشيخ محمد التقى (قدسسرهما) توضيحه ان المصنف اجاب عن هذا الايراد هنا بان ملاك الدليل
أى دليل محمد التقى ليس هو العلم الاجمالى بالتكاليف الواقعية ليرجع الى الدليل
الانسداد وكذا ليس الملاك العلم الاجمالى بصدور جملة من الروايات المدونة فى الكتب
المعتبرة ليرجع الى الدليل الاول العقلى ... بل ملاكه العلم بوجوب الرجوع الى هذه
الروايات فعلا حتى اذا لم يحصل العلم الاجمالى بصدور جملة منها أو العلم الاجمالى
بتكاليف واقعية يجب التوصل بها بالظن بعد تعذر الوصول اليها بالعلم أو ما هو بحكمه
فمؤديات هذه الروايات احكام فعلية لا بد من امتثالها قد ظهر الى هنا الاستدلال
بالوجوه العقلية على حجية الاخبار الآن يشرع البحث عن ادلة حجية مطلق الظن.
قوله
: فصل فى الوجوه التى اقاموها على حجية الظن الخ.
أى يبحث عن حجية
الظن من غير خصوصية للخبر أى الوجوه التى اقاموها على حجية الظن اربعة قال المصنف
انّ هذا الدليل مؤلف من صغرى وكبرى اما الصغرى فتقريبها ان الظن بالحكم الالزامى
ملازم للظن بامرين أحدهما ترتيب العقوبة على مخالفته والآخر ترتيب المفسدة عليها
ان كان الحكم هو الحرمة وفوات المصلحة ان كان هو الوجوب بناء على مذهب العدلية من
تبعيّة الاحكام للمصالح والمفاسد والوجه فى الاستلزام المذكور كون
الحكم مترتبا على
الملاك ... علة لاستحقاق المثوبة على موافقته والعقوبة على مخالفته ومن المعلوم ان
الظن بالعلة وهى الحكم يلازم الظن بالمعلول وهو استحقاق المثوبة أو العقوبة وعليه
فالظن بالحكم الالزامى مستلزم للظن بالضرر الدنيوى أو الاخروى على مخالفته واما
الدنيوى فلترتب الوقوع فى المفسدة أو فوات المصلحة على مخالفته واما الاخروى
فلترتب الظن بالعقوبة على مخالفته الحاصل ان الصغرى هى ترتب الضرر الدنيوى أو
الاخروى على مخالفة الحكم المظنون.
اما الكبرى فانّه
بعد اثبات الملازمة بين الظن بالحكم والظن بالضرر يقال ان دفع الضرر المظنون لازم
لاستقلال العقل به وان لم نقل بحكم العقل على التحسين والتقبيح كما هو مذهب
الاشعرى.
ولا يخفى ان حكم
العقل بلزوم دفع الضرر المظنون لم يتوقف على القول بالتحسين والتقبيح العقليين لان
لزوم دفع الضرر من الامور الفطرية فظهر ان ملاك حكم العقل بلزوم دفع الضرر المظنون
ليس منحصرا فى التحسين والتقبيح العقليين قد ذكر الى هنا الاستدلال بالوجه الاول
من الوجوه الاربعة على حجية الظن.
قوله
والصواب فى الجواب هو منع الصغرى اما العقوبة فلضرورة عدم الملازمة بين الظن
بالتكليف والظن بالعقوبة على مخالفته الخ.
قد اجيب عن هذا
الدليل المؤلف من صغرى وكبرى تارة بمنع الكبرى واخرى بمنع الصغرى واما منع الكبرى
فلما كان
مسلما عند المصنف
لم يتعرض للمناقشة فيها وقد اشار الى منع الصغرى بقوله والصواب فى الجواب هو منع
الصغرى فيقال لو كان المراد من الضرر فى الصغرى هو العقاب فالجواب المنع من كون
الظن بالالزام ملازما مع الظن بالعقوبة وبيانه ان الحكم له مراتب ثلاث : الانشاء
والفعلية والتنجز وهو ملازم مع العقوبة فى المرتبة الاخيرة لا فى المرتبتين
الاولتين فلا يكون الظن بالحكم ملازما مع الظن فى العقوبة لعدم الملازمة بين
المظنونين حتى تحقق بين الظنين وذلك لان العقل حاكم بقبح العقاب بلا بيان ولا موجب
هنا لتنجزه فكيف يكون الملازمة بين نفس الحكم والعقوبة الحاصل ان الظن بالوجوب لا
يكون ملازما للظن بالعقوبة على المخالفة وانما الملازمة بين خصوص معصية واستحقاق
العقوبة عليها وان كان فى المقام الظن بالتكليف لكن لم يتنجز لان مجرد الظن به
بدون دليل اعتباره لا يتنجز التكليف بهذا الظن غير المعتبر فلا يكون مخالفة هذا
الظن عصيانا.
قوله
الا ان يقال ان العقل وان لم يستقل بتنجزه بمجرده الخ.
هذا اشكال على
الجواب توضيحه ان العقل وان لم يحكم بتنجز التكليف بمجرد الظن به ليترتب عليه استحقاق
العقوبة الا ان العقل لا يستقل أيضا بعدم استحقاق العقوبة مع الظن بالتكليف فتكون
العقوبة محتملة والظاهر ان دعوى استقلال العقل بلزوم دفع الضرر المشكوك كالمظنون
قريبة جدا بعبارة اخرى ان دفع الضرر المحتمل أيضا واجب بالنسبة الى العقوبة
الاخروية.
قد بين الاشكال
على الدليل العقلى المذكور من حيث الصغرى
بالنسبة الى عقوبة
اخروية الآن يبين الاشكال على الصغرى من حيث المفسدة.
قوله
واما المفسدة فلانها وان كان الظن بالتكليف يوجب الظن بالوقوع فيها لو خالفه الخ.
هذا معطوف على
قوله اما العقوبة أى واما اذا كان المراد بالضرر المذكور فى الصغرى الدليل هو
المفسدة ولكن المفسدة ليست بالضرر على كل حال هذا الجواب الاول عن الاستدلال
العقلى والجواب الثانى ان الاحكام ليست تابعة للمصالح والمفاسد يأتى توضيح هذا
الجواب فيما بعد إن شاء الله.
توضيح الجواب انه
اشكل على الصغرى بنحوين الاول قد سبق شرحه أى ان كانت المراد من الضرر العقوبة
فالملازمة ممنوعة بين الظن بالتكليف والظن بالعقوبة على مخالفته قد سبق شرح هذا
الجواب.
والثانى أى
الاشكال الثانى على الصغرى ان المفسدة ليست ضررا على كل حال.
تقريب هذا الجواب
ان القبيح اعم من الضرر فالمفسدة لو كانت نوعية توجب قبح الفعل من دون أن تكون
ضررا فلا ملازمة بين قبح الفعل وبين الضرر الشخصى الذى هو مورد قاعدة دفع الضرر
المظنون.
قوله
واما تفويت المصلحة فلا شبهة فى انه ليس فيه مضرة الخ.
وهذا أيضا بيان
لمنع الصغرى وحاصله ان مخالفة الوجوب
المظنون لا توجب
الا الظن بفوات المصلحة ومن المعلوم ان فوات المصلحة ليس ضررا ونقصا بل هو عدم
النفع ومن الواضح ان تحصيل النفع غير لازم حتى يجب العمل بالوجوب المظنون وقد تحصل
من جميع ما ذكر منع صغرى هذا الدليل العقلى وان الملازمة المدعاة بين الظن بالحكم
والظن بالضرر ممنوعة سواء كان الحكم المظنون وجوبا أو حرمة سواء اريد بالضرر الضرر
الدنيوى اعنى المفسدة ام الاخروى اعنى العقوبة فظهر الى هنا ان الظن بالحكم لم يكن
حجة.
قوله
بل ربما يكون فى استيفائها مضرة كما فى الاحسان بالمال قد ذكر ان تفويت المصلحة ليس فيه مضرة اى الملازمة بين
تفويت المصلحة والمضرة ممنوعة توضيحه ان فوات المصلحة لا يكون مطلقا ضررا لعدم
كونه نقصا بل قد يكون الضرر فى استفاء المصلحة كالاحسان بالمال والجهاد فان الاول
موقوف على الضرر المالي والثانى على الضرر النفسى فثبت عدم الملازمة بين تفويت
المصلحة والضرر بل قد يكون الضرر فى استفاء المصلحة كما فى مسئلة احسان بالمال فان
المصلحة انما تكون فى عدم صرف المال وكما فى مسئلة الجهاد فان المصلحة فى عدم ذهاب
الى الجهاد.
قوله
مع منع كون الاحكام تابعة للمصالح والمفاسد الخ.
قد ذكر الاشكال فى
منع الصغرى من الوجهين الاول بالنسبة الى العقوبة والثانى الى المفسدة قد ذكر ان
الاشكال على الدليل العقلى بالنسبة الى المفسدة بوجهين الاول انه ليس فى تفويت
المصلحة مضرة قد سبق توضيحه والثانى ما ذكر بقوله مع منع
كون الاحكام تابعة
للمصالح والمفاسد هذا الوجه الثانى ناظر الى انكار اصل تبعية الاحكام للمصالح
والمفاسد فتوضيح هذا الوجه الثانى ان الظن بالحكم ليس ملازما للظن بالمفسدة أو
فوات المصلحة اذ هذه الملازمة مبنية على حصر المصالح والمفاسد فى متعلق التكاليف
حتى تكون المخالفة سببا للوقوع فى المفسدة أو فوات المصلحة واما اذا لم تكن
الاحكام تابعة للمصالح والمفاسد فلا ربط لهما بمخالفة العبد وموافقته للحكم
المظنون أى لم يكن الموافقة موجبة للمصلحة ولا المخالفة للمفسدة قد ظهر الى هنا
منع الصغرى أى قال مستدل فى السابق واما الصغرى فلان الظن بوجوب الشىء أو حرمته
يلازم الظن بالعقوبة أو الظن بالمفسدة على المخالفة بناء على تبعية الاحكام
للمصالح والمفاسد فظهر من هذا الاستدلال انه ان قلنا بعدم تابعية الاحكام للمصالح
والمفاسد فلم يلازم الظن بوجوب الشىء العقوبة على المخالفة وكذا لم يلازم الظن
بالوجوب المفسدة على المخالفة بعبارة اخرى ان الاحكام ليست تابعة للمصالح والمفاسد
فى المأمور بها والمنهى عنها.
قال
صاحب الكفاية فى توجيه هذا الاشكال وبالجملة ليست المفسدة ولا المنفعة الفائتة
اللتان فى الافعال وانيط بهما الاحكام بمضرة.
توضيح هذا الكلام
انه ليس ملاك حكم العقل بحسن الشىء أو قبحه هو كونه ذا نفع عائد الى الفاعل أو ضرر
وارد عليه بل ملاك حكم العقل اعم من ان يكون نفعا للفاعل أو ضررا عليه فعلى القول
باستقلال العقل
بالحسن والقبح لا يتوقف حكم العقل بهما على النفع والضرر الشخصيين بل يكفى فى
اتصاف الفعل بالحسن والقبح المصلحة والمضرة النوعيتان أى ليس حكم العقل منوطا بقبح
ما فيه المفسدة والمضرة على الفاعل وكذا حكم العقل بحسن ما فيه المصلحة العائدة
اليه وليس هذا الحكم منوطا بهذا الحسن والمصلحة فلا مجال لقاعدة دفع الضرر المظنون
فى باب حجية الظن أى دفع الضرر المظنون لم يكن موجبا لحجية الظن.
قوله
فافهم.
لعله اشارة الى
ضعف قوله فلا مجال لقاعدة دفع الضرر المظنون توضيح ضعف هذا القول ان المفسدة قد
تكون من الاضرار احيانا ولازمه ان الظن بالحرمة مستلزم لاحتمال الضرر قد ذكر فى
السابق ان دفع الضرر المحتمل واجب كالضرر المظنون : قد ذكر فى السابق فصل فى
الوجوه التى اقاموها على حجية الظن وهى اربعة وبيّن الوجه الاول من هذه الوجوه
واشكل عليه بما مرّ توضيحه الآن يذكر الوجه الثانى من وجوه الاستدلال على حجية
الظن.
قوله
الثانى انه لو لم يؤخذ بالظن لزم ترجيح المرجوح على الراجح.
هذا الدليل قياس
استثنائى مركب من المتصلة والحملية وهذا القياس موقوف على ثبوت الملازمة بين هذا
القياس والنتيجة مثلا فيما نحن فيه انه لو لم يؤخذ بالظن لزم ترجيح المرجوح على
الراجح أى لزم من ترك العمل بالظن العمل بالوهم وهو قبيح فالعقل يحكم بوجوب اخذ
الراجح أى الظن.
قوله
انه لا يكاد يلزم منه ذلك الا فيما اذا كان الاخذ بالظن أو بطرفه لازما.
حاصل هذا الكلام
انه لو قرر الدليل فى مقام الفتوى ففيه منع من الدوران بين الاخذ بالظن والاخذ
بالوهم حتى يلزم من عدم اخذ الاول اخذ الثانى الذى هو ترجيح المرجوح بل اللازم
حينئذ التوقف عن الفتوى بالمرة لحرمة الفتوى بغير المعلوم من دون الفرق بين
المظنون والموهوم نعم لو فرض وجوب الافتاء باحد الطرفين فى مورد لكان الدليل
المذكور متوجها واشار اليه صاحب الكفاية بقوله وفيه انه لا يكاد يلزم منه ذلك الا
فيما اذا كان الاخذ بالظن الخ.
أى لو فرض الاخذ
بالظن أو بطرفه لازما لزم الاشكال المذكور فى صورة العمل بالوهم وعدم امكان الجمع
بينهما عقلا أو فرض عدم وجوب الاخذ بالظن شرعا فيدور فى هذا الفرض دوران الامر بين
ترجيح الظن وترجيح طرفه قال صاحب الكفاية ولا يكاد يدور الامر بينهما الا بمقدمات
الانسداد قد ذكر فى باب مقدمات الانسداد ان قبح ترجيح المرجوح على الراجح هى مقدمة
اخيرة لدليل الانسداد اذا تمت هذه المقدمة صح الاستدلال العقلى أى ترجيح المرجوح
على الراجح واما اذا لم تتم هذه المقدمة فاللازم هو الرجوع الى العلم أو العلمى أو
الاحتياط أو البراءة أو غيرهما على اختلاف الاشخاص أو الاحوال أى اذا لم تتم
مقدمات الانسداد لم يكن الظن حجة فاللازم الرجوع الى ما ذكر لاختلافهم فى استظهار
الحجية فاذا ثبت عندهم حجية الاخبار كان الباب العلمى مفتوحا
ومعه لا مجال
للرجوع الى غيره من الاصول واذا لم يكن الاحتياط عند شخص موجبا للعسر والحرج رجع
هذا الشخص الى الاحتياط.
الحاصل ان
الاختلاف فى المقدمات بين الاشخاص كثير أى بعض الاشخاص مثلا يرجع الى الاحتياط
وبعض آخر لم يرجع اليه لان الاحتياط عنده مستلزم للعسر والحرج والظاهر ان جواز
الرجوع الى الظن منوط بثبوت مقدمات الانسداد فهذا الوجه العقلى لا يثبت حجية الظن
الا بعد ضم سائر المقدمات اليه فلا وجه لعده دليلا مستقلا أى لم يكن قبح ترجيح
المرجوع دليلا مستقلا على حجية الظن بل يحتاج هذا الوجه الى ضم سائر مقدمات
الانسداد.
قوله
الثالث ما عن السيد الطباطبائى (قدسسره) الخ.
هذا الوجه الثالث
من الوجوه العقلية لحجية الظن توضيحه انا نعلم بوجود الواجبات والمحرمات الكثيرة
بين المشتبهات ومقتضى هذا العلم الاجمالى الاحتياط بالاتيان بكل ما يحتمل الوجوب
ولو كان موهوما والترك بكل ما يحتمل الحرمة لكن لما كان هذا الاحتياط موجبا للعسر
والحرج فمقتضى الجمع بين قاعدتى الاحتياط والحرج هو العمل بالاحتياط فى المظنونات
وطرحه فى المشكوكات والموهومات لان الجمع بغير هذا الوجه باخراج بعض المظنونات
وادخال بعض المشكوكات والموهومات باطل اجماعا فثبت بحكم العقل العمل بالمظنونات من
باب الاحتياط.
قوله
ولا يخفى ما فيه من القدح والفساد فانه بعض مقدمات دليل الانسداد الخ.
هذا جواب عن
الاستدلال الثالث ان هذا الوجه مقدمة الاولى
من مقدمات
الانسداد والعلم الاجمالى بوجود الواجبات والمحرمات فى الشريعة الاسلامية وكذا يضم
اليها المقدمة الاخرى وهى عدم وجوب احتياط التام لكونه مستلزما للعسر والحرج وأيضا
يحتاج الى ضم المقدمة الاخرى وهى فحينئذ يعمل بالمظنونات ويطرح المشكوكات
والموهومات فالظاهر ان هذا الوجه الثالث ليس وجها مستقلا فى مقابل دليل انسداد قال
صاحب الكفاية فانّه بعض مقدمات دليل الانسداد ولا يكاد ينتج بدون سائر مقدماته ومع
ضم سائر المقدمات الى هذا الوجه فلا يكون هذا الوجه دليلا آخر فى قبال دليل
الانسداد.
الكلام فى بيان دليل
الانسداد
قوله
الرابع دليل الانسداد وهو مؤلف من المقدمات الخ
قد استدل على حجية
الظن بدليل الانسداد هذا الدليل مؤلف من المقدمات قال صاحب الكفاية وهى خمسة واما
الشيخ جعل المقدمات أربعا ولم يذكر المقدمة الاولى التى ذكرها.
بقوله
: اولها انه يعلم اجمالا بثبوت تكاليف كثيرة.
لكن الشيخ لم يذكر
هذه المقدمة لعدم توقف الاستنتاج عليها نعم يكون العلم الاجمالى من براهين المقدمة
الثالثة اما صاحب الكفاية فجعل المقدمات خمسا وقال اولها انه نعلم اجمالا بثبوت
تكاليف كثيرة فعلية وثانيها انه قد انسد علينا باب العلم والعلمى والمراد من
العلمى الامارات المعتبرة غير العلمية وثالثها انه
لا يجوز لنا اهمال
هذه التكاليف رابعها انه لا يجب علينا الاحتياط فى اطراف العلم الاجمالى بل لا
يجوز الاحتياط لكونه مستلزما للعسر والحرج خامسها انه كان ترجيح المرجوح على
الراجح قبيحا فيستقل العقل حينئذ بلزوم اطاعة الظنية اذا تمت هذه المقدمات ثبت
حجية الظن من باب الحكومة أو من باب الكشف.
قال
صاحب الكفاية والا لزم بعد انسداد باب العلم اما اهمالها واما لزوم الاحتياط فى
اطرافها الخ.
أى وان لم يلزم
الاطاعة الظنّية فيرجع الى هذه القضية المنفصلة اعنى اذا لم يلزم الاطاعة الظنية
فى زمان الانسداد فيلزم اما اهمال التكاليف واما لزوم الاحتياط فى اطراف التكاليف
واما الرجوع الى الاصل الجارى فى كل المسألة واما الرجوع الى التقليد فيها أو
الاكتفاء بالاطاعة الشكية أو الوهمية ولا يخفى ان الفرض بطلان كلها أى هذه القضايا
كلها باطلة واما وجه بطلان هذه المذكورات فيقال ولا يجوز اهمال امتثال الاحكام
الواقعية لانها معلومة اجمالا وكذا لا يجوز الاحتياط فى اطراف العلم الاجمالى لانه
مستلزم للعسر والحرج وكذا لا يجوز الرجوع الى الاصل لوجود العلم الاجمالى
بالتكاليف والحاصل أن وجود العلم الاجمالى بوجود المحرمات والواجبات فى جميع
المسائل المشكوكة الحكم يمنع من اجراء اصالة البراءة والاستصحاب وكذا لا يجوز
الرجوع الى التقليد لانه لا يجوز للمجتهد تقليد غيره أى يمكن ان يكون قول الغير
بنظر هذا المجتهد خطاء وكذا لا يجوز الاكتفاء بالاطاعة الشكية والوهمية لان
الاكتفاء بهما
مستلزم لترجيح
المرجوح على الراجح.
اذا ثبت بطلان هذه
الوجوه المذكورة فلا محيص حينئذ عن الرجوع الى الظن فى امتثال التكليف.
قوله
: اما المقدمة الاولى فهى وان كانت بدهية الخ.
هذا شروع فى تحقيق
المقدمات الخمسة وقد اورد على الاولى منها بانّه قد عرفت انحلال العلم الاجمالى
بما فى الاخبار الصادرة عن الائمة الطاهرين عليهمالسلام اعنى ينحل العلم الاجمالى بالتكاليف بالاخبار الموجودة فى
ضمن الروايات المدونة فى الكتب الاربعة ومع انحلال العلم الاجمالى لا موجب
للاحتياط اذ موجب للاحتياط التام هو وجود العلم الاجمالى الكبير والمفروض انحلاله
بالعلم الاجمالى الصغير أى العلم الاجمالى بصدور الروايات فى الكتب المعتبرة لبيان
أحكام الواقعية وهذه الروايات تكون بمقدار المعلوم فى العلم الاجمالى الكبير فينحل
هذا العلم الاجمالى الكبير فلا يجب الاحتياط الا فى نفس الروايات المذكورة فى
الكتب المعتبرة والاحتياط فى جميع الروايات فى الكتب المعتبرة لم يكن مستلزما
للعسر فضلا عما يوجب الاختلال أى لا يلزم اختلال النظام وكذا لا اجماع على عدم
وجوب الاحتياط فى جميع الاخبار المعتبرة فلا مانع من كون العلم الاجمالى الصغير موجبا
لانحلال العلم الاجمالى الكبير ومع انحلال هذا العلم الاجمالى لا موجب للاحتياط فى
جميع الوقائع المشتبهة بل موجب للاحتياط هو خصوص الروايات الحاصل انّه لا اجماع
على عدم وجوب الاحتياط بعد انحلال العلم الاجمالى ولو سلم
الاجماع على عدم
وجوب الاحتياط فى زمان عدم انحلال العلم الاجمالى.
قد ثبت الاشكال
على مقدمة الاولى وحاصله انّ العلم الاجمالى بثبوت تكاليف بدهية الا انّه قد عرفت
انحلال العلم الاجمالى بالاخبار الصادرة عن أئمة الطاهرين عليهمالسلام ولم يكن الاحتياط فى جميع هذه الاخبار موجبا للعسر.
قوله
: واما المقدمة الثانية اما بالنسبة الى العلم فهى بالنسبة الى امثال زماننا بينة
الخ.
هذا اشكال على
المقدمة الثانية قد ذكر فيها انه قد انسد علينا باب العلم والعلمى فاورد عليها بان
الانسداد بالنسبة الى العلم مسلم فى زماننا بعبارة اخرى ان انسداد بالنسبة الى
أمثال زماننا بيّنة وجدانية أى يعرف الانسداد كل من تعرض للاستنباط والاجتهاد أى
سلم انسداد باب العلم.
واما لانسداد
بالنسبة الى باب العلمى فالظاهر انه غير ثابت والظاهر ان باب العلمى لم يكن منسدا
لوجود الحجة المعتبرة
قال
صاحب الكفاية لما عرفت من نهوض الادلة على حجية خبر يوثق بصدقه.
أى قد ذكرت الادلة
التى اقاموها على حجية الخبر وكانت عمدة ما ركن اليه فى اثبات حجية خبر الواحد هى
بناء العقلاء.
اذا ثبت حجية خبر
العادل والثقة انفتح باب العلمى وهو واف بمعظم الفقه لا سيما بضميمة ما علم تفصيلا
منها اعنى انه بعد ضم الاحكام المعلومة تفصيلا الى الاخبار التى يوثق بصدورها لا
يبقى
مجال لانسداد باب
العلمى بالنسبة الى معظم الفقه فلا تثبت المقدمة الثانية.
قوله
: واما الثالثة فهى قطعية ولو لم نقل بكون العلم الاجمالى منجزا مطلقا الخ.
قد ذكر فى المقدمة
الثالثة انه لا يجوز لنا اهمال التكاليف وقد استدل على عدم جواز الاهمال بوجوه
الاول ما اشار اليه بقوله انه لا يجوز لنا اهمال التكاليف والرجوع الى البراءة هذا
مستلزم لوقوع مخالفة كثيرة بترك الواجبات واتيان المحرمات وهذه هى التى سمّيت
بالخروج عن الدين فى كلام بعض الاعلام وبالجملة الاهمال خروج عن الدين وهو ممنوع
شرعا ومما ذكرنا يظهر ان قوله وعدم الاجتناب عن الحرام مثل ترك الواجبات.
الثانى أى الوجه
الثانى من وجوه الاستدلال على عدم جواز الاهمال ان العلماء اجمعوا على ترك
الاهمال.
الثالث أى الوجه
الثالث من وجوه الاستدلال على عدم جواز الاهمال ان العلم الاجمالى منجز لاطرافه
فلا يجوز الاهمال فى اطرافه.
توضيحه انه يمكن
اثبات عدم جواز الاهمال بوجوه ثلاثة : العلم الاجمالى : والاجماع واستلزام الخروج
عن الدين فلو نوقش فى العلم الاجمالى بعد تنجزه مطلقا أى فى جميع الموارد أو فى
خصوص ما جاز أو وجب الاقتحام فى بعض الاطراف كالاضطرار الى بعض اطرافه اذا كان
مقارنا للعلم الاجمالى أى فلو نوقش فى العلم الاجمالى بعدم تنجزه على الوجه
المذكور ففى الوجهين
الآخرين غنى
وكفاية للاستدلال على عدم جواز الاهمال.
الحاصل ان العلم
الاجمالى لم يكن منجزا فيما جاز أو وجب الاقتحام فى بعض اطرافه كما فى المقام حيث
ان الاحتياط فى جميع الوقائع المشتبهة مخل بالنظام أو سبب للعسر والحرج اذا لم يكن
العلم الاجمالى منجزا فى بعض اطرافه فلم يكن دليلا على عدم جوز الاهمال فالوجهان
الآخران كافيان على عدم جواز الاهمال قد ظهر الى هنا الاشكال فى المقدمة الثالثة
أى لا يحتاج عدم جواز الاهمال الى العلم الاجمالى بالتكاليف.
قوله
: ان قلت اذا لم يكن العلم بها منجزا لها للزوم الاقتحام فى بعض الاطراف الخ.
هذا اشكال على عدم
تنجز العلم الاجمالى حاصله انه بعد سقوط العلم الاجمالى عن التأثير لوجوب الاقتحام
أو جوازه فى بعض الاطراف يكون قاعدة قبح عقاب بلا بيان فى غير ما وجب أو جاز
الاقتحام فيه من سائر الاطراف : محكمة أى يكون قاعدة قبح عقاب بلا بيان محكمة فى
سائر الاطراف فلو خالف المكلف الاحكام الواقعية فى سائر الاطراف للزم ان لا يعاقب
عليه لكونه عقابا بلا بيان مع ان المسلم عقابه وصحة مؤاخذته أى اذا لم يكن العلم
الاجمالى منجزا جاز الاقتحام فيما لم يكن الاضطرار اليه اذا ارتكب المكلف هذه
الاطراف أى ارتكب ما هو محرم واقعا بدون الاضطرار فلم يكن معاقبا لان عقابه كان
بلا بيان مع انّ المسلم عقابه.
قوله
قلت هذا انما يلزم لو لم يعلم بايجاب الاحتياط قد علم به بنحو اللم الخ.
هذا جواب عن
الاشكال المذكور أى لزوم العقاب بلا بيان توضيح هذا الجواب ان العقاب بلا بيان
انما يلزم لو يعلم وجوب الاحتياط فاذا علم وجوبه لم يلزم العقاب بلا بيان بل كان
عقابا مع البيان قال صاحب الكفاية وقد علم به بنحو اللم أى ثبت وجوب الاحتياط
بالبرهان اللمى هو الاستدلال بوجود العلة الى المعلول.
توضيحه ان الشارع
لما اهتم بحفظ احكامه حتى فى حال الشك وانسداد باب العلم والعلمى اليها كان
اهتمامه هذا بحفظ احكامه علة لايجاب الاحتياط ولو فى بعض المحتملات فمن شدة هذا
الاهتمام أى اهتمام الشارع بحفظ احكامه يحصل لنا العلم بايجابه الاحتياط لحفظ
الاحكام ومع العلم بايجابه لا مجال لقاعدة قبح عقاب بلا بيان فثبت لزوم الاحتياط
ولو كان ببعض المحتملات أى فى مورد حصول العلم الاجمالى بالواقع.
الوجه الثانى
لوجوب الاحتياط ما بين المصنف بقوله مع صحة دعوى الاجماع على عدم جواز الاهمال فى
هذا الحال حاصل هذا الجواب ان الاجماع على عدم جواز الاهمال فى حال الانسداد يكشف
عن وجوب الاحتياط شرعا ومع وجوبه لا يكون العقاب بلا بيان.
قوله
واما المقدمة الرابعة فهى بالنسبة الى عدم وجوب الاحتياط التام بلا كلام.
هذا بيان لتحقيق
المقدمة الرابعة وقد عرفت اشتمالها على مطالب ثلاثة :
الاول عدم جواز
الاحتياط التام.
الثانى عدم الرجوع
الى الاصل العملي فى كل مسئلة.
الثالث ابطال
الرجوع الى الفتوى المجتهد الانفتاحى فيقال كل هذه الثلاثة لا تجرى فى المقام :
فيشرع فى بيان الاشكال حاصله ان الاحتياط التام كان موجبا للعسر والحرج أو مخلا
بالنظام فلا كلام فى عدم وجوبه بل عدم جوازه عقلا.
واما اذا لم يكن
الاحتياط مخلا بالنظام فعدم وجوب الاحتياط محل نظر وقاعدة نفى العسر والحرج غير
حاكمة عليه حتى يرتفع بها وجوبه فوجوبه باق وان كان عسرا.
الحاصل ان هذه
المقدمة بالنسبة الى عدم وجوب الاحتياط التام بلا كلام واما بالنسبة فيما لا يوجب
العسر والحرج كالاحتياط فى بعض اطرافه فلم تصح هذه المقدمة.
قوله
وذلك لما حققناه فى معنى ما دل على نفى الضر والعسر من ان التوفيق بين دليلهما
ودليل التكليف الخ.
قد ذكر ان احتياط
التام ان كان عسره مخلا بالنظام فلا كلام فى عدم وجوبه بل عدم جوازه عقلا واما اذا
لم يكن عسر الاحتياط مخلا بالنظام فعدم وجوب الاحتياط محل نظر بل منع فلم يكن
مانعا عن وجوب الاحتياط اذا لم يكن مخلا بالنظام فقاعدة نفى العسر والحرج غير
حاكمة عليه حتى يرتفع بهذه القاعدة وجوب الاحتياط فوجوبه باق وان كان عسرا.
وبين المصنف وجه
عدم حاكمية قاعدة نفى العسر والحرج بقوله وذلك لما حققناه الخ.
توضيحه ان دليل
نفى العسر والحرج والضرر يحتمل فيه
معنيان قد وقعا
مورد البحث والمناقشة بين الشيخ وصاحب الكفاية (قدسسرهما) فاختار الشيخ ان المنفى هو نفس الحكم الذى ينشأ منه الضرر
والحرج بدعوى ان الضرر والحرج من صفات نفس الحكم بحيث يصح حمل كل منهما عليه ويقال
هذا الحكم ضرر أو حرج فمعنى قوله عليهالسلام لا ضرر ولا حرج ان الحكم الذى هو ضرر أو حرج منفى أى لا
جعل له هذا مختار الشيخ.
واختار صاحب
الكفاية انّ المنفى هو متعلق الحكم وموضوعه وفعل الضررى او الحرجى فمعنى لا ضرر
انّه لا بيع الضررى مثلا لكن لم يصح نفى التشريعى على ما هو موجود تكوينا بعبارة
اخرى انّه لم يصح نفى الفعل الضررى لان الافعال الضررية موجودة تكوينا كيف يصحّ
نفيها عن الشارع.
فلا محالة النفى
الى الموضوع ظاهرا والى الحكم واقعا ويقال ان الفعل الضررى او الحرجى لا حكم له
فمعنى قول الشارع (لا ضرر) ان البيع الضررى منفى حكمه كقوله لا شك لكثير الشك
فمعناه ان الشك الكثير منفى حكمه فيكون نفى الضرر حينئذ من باب نفى الحكم بلسان
نفى الموضوع.
قد ظهر مما اختار
صاحب الكفاية انّ ارتفاع الحكم الاولى تكليفيا أو وضعيا بالضرر أو الحرج منوط بكون
متعلقة ضرريا أو حرجيا فاذا لم يكن فى المتعلق ضرر أو حرج لم يرتفع حكمه الاولى
وان كان الحكم الاولى علة للوقوع فى الضرر والحرج اذا علم مختار المصنف فيشرع فى
توضيح العبارة قوله وذلك لما حققناه الخ. أى عدم حكومة قاعدة نفى العسر والحرج
يظهر بعد
معرفة مفهوم ما دل
على نفى الضرر والعسر أى مفهوم من الدليل هو ارتفاع الحكم الاولى منوط بكون متعلقه
ضرريا او حرجيا.
اذا لم تثبت حكومة
قاعدة نفى الضرر والحرج على قاعدة الاحتياط فلا بد من التوفيق بين دليل العسر
والحرج وبين دليل الحكم التكليفى أو الوضعى مثلا اذا تردد الماء المطلق بين مائعات
كثيرة يعسر الاحتياط بتكرر الوضوء فى الجميع فدليل الوضوء مطلق بالنسبة الى الضرر
والحرج ودليل الحرج يقول ما جعل عليكم فى الدين من حرج يعنى ان دليل الوضوء يعمّ
الضرر والحرج أى وجوب الوضوء يشمل الوضوء الضررى وغيره لكن دليل الحرج دال على عدم
وجوب الوضوء الحرجى هذا بيان المنافاة بين دليل الحرج ودليل الحكم التكليفى او
الوضعى واما بيان التوفيق بين الدليلين قال صاحب الكفاية هو نفيهما عنهما أى ان التوفيق
بين دليل نفى العسر والحرج وبين دليل التكليف هو نفى الحكم التكليفى او الوضعى عن
متعلقهما بلسان نفى الضرر والحرج يعنى ان التكليف والوضع ينفيان عن الموضوع الضررى
والحرجى بلسان نفى نفس الضرر والحرج فظهر التوافق بين الدليلين بهذا الوجه
المذكور.
قوله
: فلا يكون له حكومة على الاحتياط العسر.
أى لا يكون لنفى
الضرر والحرج حكومة على الاحتياط وجه عدم الحكومة ما تقدم من ان قاعدة العسر لا
تجرى الا فيما اذا كان متعلق الحكم عسريا كالوضوء حال شدة البرد واما اذا لم يكن
فى متعلقه عسر فلا تجرى وما نحن فيه من هذا القبيل اذ متعلقات
التكاليف الواقعية
ان كانت معلومة لنا لم يكن فى امتثالها عسر وانما انشأ العسر من الجمع بين محتملات
فلا موضوع لقاعدة نفى العسر هنا.
قوله
: نعم لو كان معناه نفى الحكم الناشى من قبله العسر الخ.
هذا استدراك على
قوله فلا يكون له حكومة فنفى حكومة قاعدة نفى الضرر والحرج على الاحتياط انما يصحّ
على مذهب المصنف أى ما اختاره فى معنى نفى الضرر والحرج ان المنفى هو متعلق الحكم
وموضوعه أى لم يكن متعلقه ضرريا فعلى هذا المعنى لم تكن الحكومة لقاعدة نفى الضرر
والحرج على الاحتياط قد مرّ شرحه آنفا.
واما بناء على ما
اختاره الشيخ الاعظم فى معنى نفى الضرر والحرج من جعلهما عنوانين لنفس الحكم فيتجه
حكومة قاعدة نفى العسر والحرج على الاحتياط العسر لان العسر نشأ من الاحكام
الواقعية فتنفيه القاعدة لانّ الموجب للعسر هو تلك الاحكام كما قال صاحب الكفاية
فتكون منفية بنفيه أى فتكون التكاليف المجهولة منفية بنفى العسر.
قوله
: ولا يخفى انه على هذا لا وجه لدعوى استقلال العقل بوجوب الاحتياط فى بعض الاطراف
الخ.
هذا تعريض على
الشيخ حيث إنّه ذهب الى وجوب الاحتياط فى بقية الاطراف بعد ارتفاع وجوبه فى جمعها
بقاعدة نفى العسر والحرج حيث قال إنّه اذا كان مقتضى الاحتياط هو الاتيان بمحتملات
وقام الدليل الشرعى على عدم وجوب اتيان بعض
المحتملات فى
الظاهر تعيّن مراعات الاحتياط فى الباقى هذا بيان لمذهب الشيخ.
واما التعريض عليه
فانه لا موجب لرعاية الاحتياط فى بقية الاطراف حيث انّ التكليف المعلوم اجمالا ان
كان فى مورد الاضطرار فلا علم بالتكليف فى غير ما اضطر اليه ومع عدم العلم به لا
موجب للاحتياط فى غير ما اضطروا اليه فثبت انه لا مورد لحكم العقل فى وجوب
الاحتياط فى بعض الاطراف فتعين وجوب الاحتياط من اهتمام الشارع بحفظ احكامه حتى فى
ظرف الجهل والانسداد والا فلا وجه للاحتياط العقلى.
قوله
واما الرجوع الى الاصول فبالنسبة الى الاصول المثبتة من احتياط واستصحاب الخ.
هذا بيان فى
المطلب الثانى اعنى ابطال الرجوع الى الاصل العملي فى كل مسئلة بخصوصها.
توضيحه قد عرفت
اشتمال المقدمة لرابعة على مطالب ثلاثة : الاول عدم الرجوع الى الاحتياط أى عدم
وجوب الاحتياط التام بل عدم جوازه.
قد علم الاشكال فى
عدم جواز الاحتياط وذكر جوازه فيما لا يوجب اختلالا للنظام.
المطلب الثانى فى
المقدمة الرابعة هو عدم الرجوع الى الاصول فاشكل على هذا المطلب بقوله واما الرجوع
الى الاصول فبالنسبة الى الاصول المثبت فلا مانع من اجرائها تفصيل هذا الاشكال ان
الاصول اما نافية للتكليف واما مثبتة له واما المثبتة
فلا بأس بجريانها
لوجود المقتضى وعدم المانع اما الاول فلحكم العقل ان كان الاصل عقليا وعموم النقل
ان كان شرعيا كالاستصحاب واما الثانى أى عدم المانع من اجراء الاصول أى لا يكون
هنا المانع من اجراء الاصول المثبتة لان المانع من اجراء الاصول فى كل مسئلة هو
الخروج عن الدين واما اذا كان الاصول مثبتة للتكليف فلا يلزم هذا المحذور.
قوله
ولو قيل بعدم جريان الاستصحاب فى اطراف العلم الاجمالى لاستلزام شمول دليله لها التناقض
فى مدلوله الخ.
قد ظهر من كلام
المصنف الرجوع الى الاصول المثبتة من الاحتياط والاستصحاب أى يصح اجراء هذه الاصول
فى مورد العلم الاجمالى.
لكن اشكل على
اجراء الاستصحاب المثبت.
بقوله
ولو قيل بعدم جريان الاستصحاب الخ.
حاصله انه لا يجرى
الاستصحاب المثبت فى اطراف العلم الاجمالى مثلا اذا علمنا اجمالا بوجوب بعض
الافعال فى زمان حضور الامام عليهالسلام كوجوب صلاة الجمعة والعيدين ووجوب التسبيحات الاربع فى
الصلوات الثلاثية والرباعية ووجوب الدعاء عند رؤية الهلال وعلمنا ايضا اجمالا
بانتقاض بعض الاحكام فى زمن الغيبة لدخل حضوره عليهالسلام فى بعضها ولكن لا نعلم ذلك بعينه فانه لا مجال حينئذ
لاستصحاب كل واحد من تلك الاحكام لعدم شمول دليل الاستصحاب لاطراف العلم الاجمالى
لاستلزام شمول دليله لها التناقض بين صدر الدليل وذيله وحاصل لزوم التناقض
بين صدر دليل
الاستصحاب وذيل دليله اذا بنى على شمول هذا الدليل لاطراف العلم الاجمالى لان
مقتضى الصدر هو قوله عليهالسلام لا تنقض اليقين بالشك فمقتضاه مثلا عدم جواز نقض اليقين
بالطهارة بالشك فى نجاسة كل واحد من اطراف العلم الاجمالى ومقتضى الذيل هو قوله عليهالسلام ولكن تنقضه بيقين آخر هو نقض اليقين المذكور بالعلم
الاجمالى الظاهر ان مقتض العلم الاجمالى فى قوله لا تنقض اليقين : هو اليقين
بالطهارة بالعلم الاجمالى : ومقتضى قوله لكن تنقضه بيقين آخر هو وجوب نقض هذا
اليقين بالطهارة بالعلم الاجمالى والمراد بيقين آخر فى الفرض المذكور هو العلم
الاجمالى بنجاسة احد الاطراف فنقض هذا المورد العلم الاجمالى نقيض لقوله لا تنقض
اليقين لان الايجاب الجزئي يناقض السلب الكلى فظهر الاشكال على جريان الاستصحاب
المثبت فى اطراف العلم الاجمالى واشار المصنف الى دفع هذا الاشكال.
بقوله
وذلك لانه انما يلزم فيما اذا كان الشك فى اطرافه فعليا الخ.
أى لا تناقض فى
دليل الاستصحاب بين الصدر والذيل فلا مانع من اجراء الاستصحاب وغرض المصنف من هذا
الكلام اثبات عدم المانع من جريان الاستصحاب المثبت للتكليف.
توضيحه ان التناقض
بين صدر دليله وذيله موقوف على جريان الاستصحاب فى كل واحد من الاطراف كما مقتضى
صدره لانه متناقض للحكم بوجوب النقض فى بعضها وهو معلوم بالاجمال كما
هو مقتضى ذيله
وجريان الاستصحاب فى كل واحد من الاطراف منوط بتحقق موضوعه وهو اليقين والشك
الفعليان وهو غير حاصل لتوقفه على الالتفات على كل واحد من الاطراف ولا يحصل هذا
الالتفات للمجتهد الا تدريجا كما هو المدار فى الاستصحاب على الشك الفعلى لا
التقديرى ولازم عدم الالتفات فعلا الى جميع هو عدم العلم الاجمالى بالانقاض فقوله عليهالسلام ولكن تنقضه بيقين آخر اجنبى عن المقام مع فرض عدم الالتفات
الفعلى فيكون كل فرع يستنبط المجتهد حكمه موردا لصدر الدليل اعنى لا تنقض فقط ولا
ينطبق عليه الذيل حتى يلزم التناقض المذبور.
الحاصل ان التناقض
يكون بين حرمة النقض ووجوبه وهذان الحكمان منوطان بموضوعهما لا موضوع للحكم الثانى
اعنى وجوب النقض لان موضوعه الشك الفعلى وهو مفقود لعدم الالتفات الى جميع الفروع
حتى يحصل العلم الاجمالى بانتقاض حالة السابقة.
بعبارة اخرى ان
المجتهد فى المقام لم يكن ملتفتا الى جميع افراد العلم الاجمالى حتى يلزم التناقض
بين صدر الدليل وذيله مثلا اذا استدل المجتهد بصدر الدليل أى لا تنقض اليقين كان
ملتفتا الى الافراد المشكوكة ولم يكن ملتفتا الى الذيل اعنى تنقضه بيقين آخر.
قوله
ومنه قد انقدح ثبوت حكم العقل وعموم النقل بالنسبة الى الاصول النافية ايضا.
وحاصل هذه العبارة
انه لا مانع من جريان الاصول النافية للتكليف ايضا لعدم لزوم محذور التناقض لاجل
غفلة المجتهد عن
بعض الاطراف كما
تقدم شرحه فحكم العقل بجريان الاصل العقلى وعموم النقل بالنسبة الى الاصول الشرعى
باق على حاله.
توضيح هذا المطلب
بعبارة اخرى ان المانع من جريان الاصول النافية احد امور. اما العلم الاجمالى
بوجود التكليف واما الاجماع على وجوب الاحتياط واما العلم باهتمام الشارع بالتكليف
الموجب للعلم بالاحتياط والظاهر انه لا يصلح شىء من هذه الامور للمانعية.
اما الاول قد ذكر
ان العلم الاجمالى الكبير انحل بالعلم الاجمالى الصغير.
واما الاخيران
فتوقف مانعيتهما على عدم انحلال العلم الاجمالى الكبير اذ المتيقن من الاجماع على
وجوب الاحتياط أو استكشافه من العلم باهتمام الشارع بالاحكام الشرعية هو صورة عدم
انحلال العلم الاجمالى الكبير واما مع ثبوته فلا يثبت الاجماع على وجوب الاحتياط
فظهر من البيان المذكور عدم بطلان الرجوع الى الاصول النافية.
الحاصل انه اذا
ثبت التكليف بالعلم التفصيلى الحاصل من الاخبار التى كانت بايدينا أو انحلاله
بثبوت مقدار من التكاليف بالامارات المعتبرة مع الاصول المثبتة فلا مانع من اجراء
الاصول النافية فى الفرد المشكوك سواء كان ما علم تفصيلا مع ثبوت مقدار من التكليف
بالامارات المعتبرة بمقدار المعلوم اجمالا أم لم يكن ما علم تفصيلا بمقدار ما علم
اجمالا أى لم يكن هذا المقدار المعلوم تفصيلا وافيا بجميع اطراف العلم الاجمالى
فلا
مجال لاستكشاف
ايجاب الاحتياط.
قوله
ومن الواضح انه يختلف باختلاف الاشخاص والاحوال.
أى مقدار ما علم
تفصيلا يختلف باختلاف الاشخاص فان بعضا يختار الخبر الصحيح الاعلائى ويختار بعض
آخر ما هو اوسع أى يختار الخبر الصحيح والثقة والممدوح فعلى الاول يكون المقدار
الثابت من الاحكام اقل من المقدار الثابت فى الصورة الثانية.
وكذا يختلف مقدار
ما علم باختلاف الاحوال مثلا يمكن ان يبنى المجتهد فى اول استنباطه على حجية الخبر
الصحيح فقط ويحصل له بعد زمان اعتبار خبر الثقة لكثرة البحث والممارسة فى الادلة
فان المجتهد قد يجدد نظره فى كل دورة يراجع المسائل.
والظاهر ان اختلاف
مقدار الاحكام باختلاف الاشخاص والاحوال لا يضر فى جريان الاصول النافية للتكليف.
قوله
قد ظهر بذلك ان العلم الاجمالى بالتكليف ربما ينحل ببركة جريان الاصول المثبتة
الخ.
أى قد ذكر فى قول
المصنف لو كانت موارد الاصول المثبتة بضميمة ما علم اجمالا فظهر من هذا الكلام ان
العلم الاجمالى بالتكليف ربما ينحل ببركة جريان الاصول المثبتة وتلك الضميمة اذا
انحل العلم الاجمالى فلا موجب حينئذ للاحتياط عقلا لان موجبه هو العلم الاجمالى
والمفروض انحلاله وكذا لا موجب للاحتياط شرعا لانه مع ثبوت هذا المقدار من الاحكام
لا اجماع للاحتياط ولا علم باهتمام الشارع فى غير المقدار المذكور.
قوله
كما ظهر انه لو لم ينحل بذلك كان خصوص موارد الاصول النافية مطلقا محلا للاحتياط
فعلا الخ.
أى لو لم ينحل
العلم الاجمالى ببركة الاصول المثبتة كان خصوص موارد الاصول النافية مطلقا أى سواء
كانت من المظنونات او الموهومات : محلا للاحتياط.
وفى صورة عدم
الانحلال يجب الاحتياط بمقتضى العلم الاجمالى فى موارد الاصول النافية واما الاصول
المثبتة فهى موافقة لقاعدة الاحتياط الحاصل انه لو لم ينحل العلم الاجمالى يجب
الاحتياط عقلا ولا يرفع اليد عنه الا بمقدار يرفع اختلال النظام أو العسر فان
ارتفع الاختلال أو العسر بترك الاحتياط فى بعض الموهومات اقتصر على ذلك فلا يترك
الاحتياط فى الآخر من الموهومات فضلا عن المظنونات والمشكوكات.
والظاهر ان محل
الاحتياط حين عدم انحلال العلم الاجمالى هو خصوص موارد الاصول النافية لا جميع
محتملات التكليف مطلقا أى حتى فى موارد الاصول المثبتة له كما اشار اليه المصنف
بقوله لا محتملات التكليف مطلقا.
فظهر مما ذكر ان
محلا للاحتياط فى فرض عدم انحلال العلم الاجمالى هو خصوص موارد الاصول النافية
والمناط فى رفع اليد عنه حينئذ هو لزوم العسر أو اختلال النظام فلو لم يرفع العسر
أو الاختلال الا بترك الاحتياط رأسا ترك العمل به حتى فى المظنونات ولو ارتفع
العسر أو الاختلال برفع اليد عنه فى بعض الموارد تركنا العمل به وعملنا به فى
السائر ولو كان مشكوك
التكليف أو
الموهوم.
قوله
: واما الرجوع الى فتوى العالم فلا يكاد يجوز الخ.
قد عرفت اشتمال
المقدمة الرابعة على مطالب ثلاثة وذكر البحث فى المطلبين وهذا الكلام بيان المطلب
الثالث.
حاصل الكلام انه
قد ذكر فى المقدمة الرابعة ان رجوع الانسدادى الى المجتهد الانفتاحى تقليد وهو من
باب رجوع الجاهل الى العالم وليس المقام من باب التقليد ضرورة ان الانسدادى يعتقد
بخطاء الانفتاحى فالانفتاحى جاهل بنظر الانسدادى وليس رجوعه اليه من رجوع الجاهل
الى العالم بل من رجوع العالم الى الجاهل هذا باطل عند العقلاء كما بين المصنف.
بقوله
: فهل يكون رجوعه اليه بنظره الا من قبيل رجوع الفاضل الى الجاهل.
فالاستفهام فى
قوله فهل يكون : للانكار يعنى لا يكون رجوعه اليه الا من باب رجوع الفاضل الى
الجاهل.
قوله
: واما المقدمة الخامسة فلاستقلال العقل بها الخ.
قد ذكر فى المقدمة
الخامسة ان لزوم الاطاعة الظنية عند عدم التمكن من الاطاعة العلمية مسلمة لان
العقل يستقلّ بلزوم الاطاعة الظنية حينئذ اذ لو لم يلزم هذه الاطاعة بان جاز
التنزل الى الاطاعة الاحتمالية مع التمكن من الاطاعة الظنية لزم ترجيح المرجوح على
الراجح.
يحتاج توضيح ذلك
الى مقدمة وهى ان مراتب الاطاعة اربع
الاولى العلمية
التفصيلية وهى مفقودة فى المقام لانّ المفروض انسداد باب العلم فى الاحكام الثانية
وجود العلم الاجمالى بالاحكام ومقتضى ذلك وجوب الاحتياط وهذا أيضا مفقود فى المقام
لان الاحتياط موجب للعسر والحرج أو موجب لاختلال النظام الثالثة الاطاعة الظنية
وهى يأتى المكلف بما هو مظنون الرابعة الاطاعة الاحتمالية من الشكية والوهمية
والظاهر انه بعد فقدان المرتبتين الاولين تصل النوبة الى الاطاعة الظنية دون
الاحتمالية لمرجوحيتها بالنسبة الى الامتثال الظنى.
قوله
لكنك عرفت عدم وصول النوبة الى الاطاعة الاحتمالية
أى عرفت ان مراتب
الاطاعة اربع وايضا عرفت انه بعد فقدان المرتبة الاولى والثانية وصل النوبة الى
الاطاعة الظنية قال صاحب الكفاية عرفت عدم وصول النوبة الى الاطاعة الاحتمالية من
جهة ما اوردناه فى المقدمة الاولى قد ذكر فى المقدمة الاولى انّه يعلم اجمالا
بثبوت تكاليف كثيرة فالاحتياط موجب للعسر والحرج اذا فقد الامتثال العلمى
والاحتياط وصل النوبة الى الامتثال الظنى هذا حاصل المقدمة الاولى.
واورد صاحب
الكفاية على هذه المقدمة بقوله : اما المقدمة الاولى وان كانت بدهية الا انه قد
عرفت انحلال العلم الاجمالى الكبير بسبب العلم اجمالا بصدور روايات كاشفة عن احكام
الزامية موجودة فى الكتب المعتبرة فلا مجال حينئذ للاطراف الاحتمالية اذ لا تصل
النوبة اليها بل يجب الاحتياط فى اطراف
العلم الاجمالى
الصغير ولا وجه لرفع اليد عن هذا الاحتياط لعدم لزوم العسر منه فضلا عن اختلال
النظام كما اشار اليه صاحب الكفاية بقوله وقضية الاحتياط بالالتزام عملا بما فيها
من التكاليف ولا بأس به حيث لا يلزم منه عسر فضلا عما يوجب اختلال النظام.
قد ظهر مما ذكر ان
الامر لا ينتهى الى الدوران بين الاطاعة الظنية والشكية والوهمية بعد ما عرفت من
الاشكال فى المقدمة الاولى من انحلال العلم الاجمالى الكبير بالعلم الاجمالى
الصغير وان مقتضى انحلال العلم الاجمالى الكبير بالعلم الاجمالى الصغير والظاهر ان
اطرافه هى الاخبار المذكورة فى كتب المعتبرة.
قوله
: وما اوردناه على المقدمة الرابعة من جواز الرجوع الى الاصول الخ.
هذا معطوف على
قوله ما اوردناه على المقدمة الاولى حاصله انّ الدوران بين الاطاعة الظنية وما
دونها موقوف على تمامية المقدمات والمفروض عدم تمامية المقدمات لما عرفت من بطلان
الاولى بانحلال العلم الاجمالى وبطلان المقدمة الرابعة بجواز الرجوع الى الاصول
مطلقا من المثبتة والنافية لوجود المقتضى له من حكم العقل ان كانت عقلية وعموم
النقل ان كانت شرعية وعدم المانع منه على تقدير انحلال العلم الاجمالى بالاصول
المثبتة والعلم التفصيلى او العلمى كما اذا كان ذلك المقدار الثابت من الاحكام
بمقدار المعلوم بالاجمال فلم يكن الدوران بين الاطاعة الظنية وما دونها.
واما على تقدير
عدم انحلال العلم الاجمالى بذلك المقدار الثابت من الاحكام تجرى الاصول المثبتة
فقط ويجب الاحتياط بمقتضى العلم الاجمالى فى الاصول النافية فان الاحتياط فى
جميعها موجبا للعسر فيؤخذ به فى المظنونات قد ظهر الى هنا ايراد المصنف على
المقدمة الرابعة.
ثم انّ حاصل ما
افاده المصنف من دليل الانسداد عدم تمامية المقدمة الاولى لانحلال العلم الاجمالى
ووجوب الاحتياط فى خصوص الاخبار وعلى تقدير تماميتها وعدم انحلاله فان المقدار
الثابت بالاصول المثبتة والعلم التفصيلى والعلمى بمقدار المعلوم بالاجمال جرت
الاصول مطلقا سواء كانت مثبتة ام نافية وان لم يكن بذلك المقدار جرت الاصول
المثبتة فقط وكانت الاصول النافية موردا للاحتياط ان لم يكن موجبا للعسر والحرج
والا كان المورد للاحتياط الشرعى المستكشف بالاجماع أو العلم باهتمام الشارع فثبت
من البيان المذكور انه على تقدير عدم انحلال العلم الاجمالى تكون نتيجة المقدمات
لزوم احتياط فى مورد الاصول النافية ان لم يلزم منه الحرج وان لزم منه الحرج لزم
الاحتياط بالمقدار الذى لم يكن مستلزما للحرج وهو خصوص المظنونات ويسمى تبعيضا فى
الاحتياط.
الكلام فى الظن
الطريقى والواقعى
قوله
: فصل هل قضية المقدمات على تقدير سلامتها هى حجية الظن بالواقع أو بالطريق أو
بهما اقوال الخ.
هذا الفصل مذكور
لبيان نتيجة مقدمات الانسداد أى هل هى
حجية الظن بالواقع
أم حجية الظن بطريقيته للواقع او حجية الظن بكليهما.
فاعلم انه قد وقع
الخلاف فى انّ نتيجة المقدمات بعد فرض تماميتها هل هى حجية الظن بالواقع دون
الطريق فلا يجب
العمل من دون الظن بالواقع من الوجوب أو الحرمة أو غيرهما.
أو النتيجة هى
حجية الظن بالطريق فيجب العمل بالخبر المفيد للظن بطريقية الشىء وان لم يحصل الظن
بالواقع.
أو النتيجة هى
حجية كليهما فيجب العمل بالخبر اذا حصل الظن باحد الامرين على طريق منع الخلو.
قال
صاحب الكفاية والتحقيق ان يقال انه لا شبهة فى ان فهم العقل فى كل الحال انما هو
تحصيل الامن الخ.
أى استدل المصنف
هنا على ما اختاره من ان النتيجة المقدمات هى حجية الظن بكليهما أى حجية الظن بكل
من الواقع والطريق الدليل الاول انه لا ريب فى ان اهم العقل الحاكم بالاستقلال فى
باب الاطاعة والعصيان هو تحصيل الامن من تبعة التكاليف والمراد منها العقوبة على
مخالفة التكليف.
والدليل الثانى ما
اشار اليه.
بقوله
كما لا شبهة فى استقلاله فى تعيين ما هو المؤمن منها الخ.
هذا الدليل مؤلف
من الصغرى والكبرى واشار الى بيان الكبرى بقوله كما لا شبهة فى استقلاله فى تعيين
ما هو مؤمن أى يحكم
العقل فى ان كلما
كان القطع به مؤمنا فى حال الانفتاح كان الظن به مؤمنا فى حال الانسداد هذا بيان
الكبرى.
واما الصغرى فقد
اشار اليها بقوله وانّ مؤمن فى حال الانفتاح هو القطع باتيان المكلف به الواقعى
توضيح هذا الدليل الثانى ان كل ما يكون مؤمنا فى حال الانفتاح يقوم الظن مقامه حال
الانسداد.
والظاهر ان المؤمن
فى حال الانفتاح هو القطع باتيان الواقع الحقيقى أو الجعلى والمراد من الواقع
الجعلى ما ادى اليه الطريق المعتبر شرعا كخبر الثقة ففى حال الانسداد يقوم الظن
بالمكلف به الواقعى أو الجعلى مقام القطع بهما فظهر من هذين الدليلين اعتبار الظن
مطلقا سواء تعلق بالواقع ام بالطريق.
قوله
: وذلك لان العقل قد استقل بان الاتيان بالمكلف به الحقيقى بما هو هو الخ.
هذا بيان لقوله ان
المؤمن فى حال الانفتاح هو القطع الحاصل ان المؤمن فى حال الانفتاح والانسداد لم
يكن مقيدا باتيان المكلف به الواقعى.
قوله
ولا يخفى ان قضية ذلك هو تنزل الى الظن بكل واحد من الواقع والطريق.
أى اذا كان القطع
مؤمنا سواء كان القطع بواقع الحقيقى أو الجعلى فمقتضى ذلك هو التنزل الى الظن بعد
وضوح انه فى حال الانسداد قائم مقام القطع سواء تعلق بالواقع أم بالطريق فظهر عدم
الفرق بين القطع والظن قد ثبت فى اول الكتاب انّ القطع
بنفسه طريق الى
الواقع لم يكن قابلا للجعل نفيا ولا اثباتا ثبت من هذا البيان حجية القطع من كونه
طريقا وكذا كان القطع حجة من حيث تعلقه بالواقع.
وثبت هذا الحكم
للظن فى حال الانسداد فلا فرق فى الحجية سواء كان الظن بطريقية الشىء أم كان الظن
بالواقع بعبارة اخرى سواء تعلق الظن بالواقع أم بالطريق.
قوله
: ولا منشأ لتوهم الاختصاص بالظن بالواقع الا توهم انه قضية اختصاص المقدمات
بالفروع الخ.
هذا بيان لاستدلال
من يقول ان الحجية الثابتة بدليل الانسداد للظن بالواقع وعدم شموله للظن بالطريق
توضيح ذلك ان مصب المقدمات لما كان خصوص الفروع فيقتضى ذلك ان نتيجتها مختصة بنفس
الحكم الشرعى الفرعى كالوجوب والاستحباب مثلا دون الظن بطريقية الشىء الى الواقع
حاصل هذا الاستدلال ان باب العلم منسد بالنسبة الى الاحكام الشرعية الفرعية فنتيجة
مقدمات الانسداد مختصة لحجية الظن بالاحكام الشرعية الفرعية ولا ربط لهذه المقدمات
بالنسبة الى المسألة الاصولية كالحجية الظن مثلا فظهر من هذا البيان جريان
المقدمات فى المسائل الفرعية دون الاصولية كما اشار اليه صاحب الكفاية بقوله لعدم
انسداد باب العلم فى الاصول وعدم الالجاء فى التنزل الى الظن فى الاصول.
قوله
: والغفلة عن ان جريانها فى الفروع موجب لكفاية الظن بالطريق الخ.
هذا معطوف على
التوهم فى قوله ولا منشأ لتوهم الاختصاص وهو جواب عن توهم القول باختصاص حجية الظن
بالواقع.
توضيح هذا الجواب
ان المقصود من ترتيب المقدمات فى الاحكام الفرعية هو حجية الظن لاجل تفريغ الذمة
وتحصيل الامن من العقوبة المترتبة على مخالفة الاحكام ولا فرق حينئذ بين الظن
بالواقع والظن بالطريق لان العمل على طبق كل منهما موجب لتفريغ الذمة ومحصل الامن
من العقوبة المترتبة على مخالفة الاحكام.
قوله
وذلك لعدم الفرق فى ذلك بين الظنين.
هذا دليل لحجية
الظن بالطريق الظاهر ان الوجه فى كون جريان المقدمات فى الفروع موجبا لكفاية الظن
بالطريق اى الوجه فى ذلك هو وحدة المناط فى مورد الفروع والاصول وهو تحصيل الامن
من العقوبة أى كلاهما موجب لتحصيل الامن من العقوبة.
قوله
كما ان منشأ الاختصاص بالظن بالطريق وجهان الخ.
أى احتج لاختصاص
حجية الظن بالطريق بوجهين احدهما ما افاده بعض الفحول أى المحقق الآشتياني وكذا
المحقق الشيخ اسد الله الشوشترى.
توضيح هذا الدليل
انا نعلم بكوننا مكلفين فى هذا الزمان بالاحكام الفعلية ولا سبيل لنا اليها بالقطع
الوجدانى وكذا لا سبيل لنا بطريق ثبت شرعا حجيته وقيامه تعبدا مقام العلم بالاحكام
مطلقا أو عند تعذر العلم وكذا لا سبيل بقيام طريق الطريق مقام القطع أى ليس لنا
الطريق المعتبر على حجية الظن بالاحكام هذا
بيان للعلم
بالاحكام.
قوله كذا نقطع بان
الشارع قد جعل لنا الى تلك الاحكام طريقا مخصوصا هذا بيان العلم بطرق منصوبة من
الشارع الى الاحكام الشرعية ولكن ليس لنا غالبا العلم الى تعيين تلك الطرق وكذا
ليس لنا سبيل الى تلك الطرق بطريق يقطع بسمع من الشارع بقيامه مقام العلم بعبارة
اخرى لا سبيل لنا الى تعيين تلك الطرق بالطريق الذى اعتبره الشارع بقيامه مقام
العلم وكذا ليس لنا سبيل بقيام طريق الطريق مقام العلم مثلا يحصل لنا العلم ان
الشارع جعل خبر الثقة دليلا على اعتبار القرعة فى الاحكام الشرعية أى ليس لنا سبيل
الى قيام الطريق مقام العلم بالاحكام.
اذا لم يثبت
الطريق الى الحكم ولا طريق الطريق اليه فلا ريب ان الوظيفة فى مثل ذلك هو الرجوع
الى الظن الذى تدل مقدمات الانسداد بحجيته كما اشار اليه صاحب الكفاية بقوله فلا ريب ان
الوظيفة فى مثل ذلك بحكم العقل انما هو الرجوع فى تعيين ذلك الى الظن الفعلى.
أى النتيجة بعد
العلمين اعنى العلم بان الشارع قد جعل لنا الى تلك الاحكام طريقا مخصوصا أى نعلم
اولا بانا مكلفون فى زماننا هذا تكليفا فعليا بالاحكام الفرعية ونعلم ثانيا ان
الشارع قد جعل لنا الى تلك الاحكام طريقا مخصوصا أى النتيجة بعد هذين العلمين هى
العلم بالظن بطريق مخصوص فى زمان الانسداد فيحكم العقل بالرجوع فى تعيين ذلك
الطريق الى الظن الفعلى أى الظن الشخصى لا النوعى.
قال صاحب الكفاية
لا دليل على حجيته اعنى لم يكن الدليل الخاص على حجية هذا الظن الفعلى بل نتيجة
مقدمات الانسداد دالة على هذا الظن الفعلى لانه اقرب الى العلم والى اصابة الواقع
مما عداه والمراد منه هو الظن القياسى الذى قام الدليل على عدم حجيته.
قوله
وفيه أوّلا بعد تسليم العلم بنصب طرق خاصة باقية فيما بايدينا الخ.
اجاب المصنف عن
الاستدلال المذكور بوجوه : الاول ما اشار اليه بقوله بنصب طرق خاصة حاصله منع
العلم بالنصب لاحتمال الايكال الى طريقة العقلاء العاملين بالعلم ثم الاطمينان ثم
الظن فلا نسلم العلم بنصب الطرق الخاصة.
الثانى ما اشار
اليه بقوله باقية بايدينا وحاصله انه بعد تسليم العلم بنصب الطرق يمكن دعوى عدم
بقاء تلك الطرق الى هذا الزمان توضيحه انه يحتمل ان يكون الطريق المنصوب من قبل
الشارع على الاحكام الشرعية هو الخبر الذى كان محفوفا بالقرينة المفيدة للوثوق ولا
شك فى ان تلك القرائن قد اختفيت علينا بمرور الزمان مثلا كانت القرينة المحفوفة
تكرر الخبر فى الاصول المعتبرة أو عمل قدماء الاصحاب به فيمكن خفائها علينا.
والثالث ما اشار
اليه بقوله وعدم وجود المتيقن بينها اصلا الحاصل انه بعد تسليم العلم بنصب الطرق
وتسليم بقائها الى زماننا هذا لا نسلم لزوم رعايتها مطلقا حتى المظنون الاعتبار
منها لامكان وجود ما هو متيقن الاعتبار فيجب مراعاته ومع وجود متيقن الاعتبار لا
تصل النوبة الى حجية المظنون الاعتبار مطلقا
ومع عدم وجود متيقن
الاعتبار فاللازم حينئذ تردد الامر بين كل واحد من الاصناف المظنونات ان قضية ذلك
هو الاحتياط فى اطراف هذه الطرق المعلومة بالاجمال لا تعيينها بالظن أى ان مقتضى
تعذر تحصيل العلم بكل من الواقع والطريق ليس التنزل الى الظن بالطريق بل مقتضاه
الاحتياط فى اطراف هذه الطرق المعلومة الحاصل لم يثبت حجية الظن بطريقية الشىء بل
ثبت من البيان المذكور الرجوع الى الاحتياط فى اطراف هذه الطرق المعلومة.
قوله
لا يقال الفرض هو عدم وجوب الاحتياط بل عدم جوازه الخ.
هذا اشكال على
وجوب الاحتياط فى الطرق المعلومة اجمالا لان الاحتياط فى اطراف الطرق المعلومة
اجمالا موجب للعسر والحرج او اختلال النظام فيتعين العمل بالظن بما هو طريق.
قوله
لان الفرض انما هو عدم وجوب الاحتياط التام.
هذا جواب الاشكال
المذكور فى قوله لا يقال الفرض هو عدم وجوب الاحتياط حاصل الجواب ان الاحتياط
الموجب للعسر أو المخل بالنظام هو الاحتياط التام بعبارة اخرى هو الاحتياط فى جميع
اطراف العلم الاجمالى الكبير لان اطرافه وسع فى المظنونات والمشكوكات والموهومات
والاحتياط موجب للعسر والحرج أو مخل بالنظام هذا بخلاف الاحتياط فى اطراف العلم
الاجمالى الصغير أى العلم بنصب الطرق فانه لا يوجب الاختلال ولا العسر والحرج لقلة
اطرافه.
قوله
فان قضية هذا الاحتياط هو جواز رفع اليد عنه فى غير مواردها.
هذا بيان للموارد
التى لا يجوز الاحتياط فيها فالاول منها انه اذا احتمل التكليف فى المورد الذى لم
يكن من موارد الطرق بل يكون حينئذ من اطراف العلم الاجمالى الكبير لا يجب فيه
الاحتياط وليس من اطراف العلم الاجمالى بالطرق بعبارة اخرى ليس من اطراف العلم
الاجمالى الصغير حتى يجب الاحتياط بمقتضى العلم الاجمالى بنصب الطرق بل مقتضى
القاعدة حينئذ الرجوع الى الاصل وان كان نافيا للتكليف.
قوله
كذا فيما اذا نهض الكل على نفيه وكذا فيما تعارض فردان من بعض الاطراف فيه الخ.
هذا هو المورد
الثانى من الموارد التى لا يجب الاحتياط فيها حاصل هذا انه نهض كل ما هو من اطراف
العلم الاجمالى بالطرق على نفى التكليف.
توضيح هذا المورد
انه اذا دل جميع ما احتملت طريقيته على نفى التكليف فى مورد كما اذا فرض قيام خبر
الثقة والاجماع المنقول والشهرة على عدم حرمة شرب التتن فانه يرفع اليد عن
الاحتياط فى هذا المورد أيضا من اطراف العلم الاجمالى الصغير.
المورد الثالث من
الموارد التى لا يجب فيها الاحتياط ما اشار اليه المصنف بقوله وكذا فيما اذا تعارضا
فردان إلخ.
تفصيل هذا المورد
انه اذا تعارض فردان من بعض الطرق
مثلا ان كانا
خبرين وكان احدهما مثبتا والآخر نافيا كما اذا دل احدهما على وجوب الشىء والآخر
على عدمه قدم النافى منهما ان كان ارجح من المثبت أو مساويا له ولا مجال حينئذ
للاحتياط فى الطريق لتنافى الفردين فلا بد من رفع اليد عن الاحتياط فى العلم
الاجمالى الصغير فى هذا المورد أيضا الحاصل انه قدم النافى مع ثبوت المرجح له
كرجحان خبر العدل الامامى النافى للتكليف على خبر العدل الامامى الممدوح المثبت
للتكليف.
قوله
بل مع عدم رجحان المثبت فى خصوص الخبر منها ومطلقا فى غيره الخ.
هذا اضراب عن قوله
مع ثبوت المرجح أى بل يرجح النافى حتى فى صورة انتفاء المرجح للخبر المثبت الظاهر
ان النافى للتكليف يقدم فى الصورتين الاولى ثبوت المرجح له على المثبت الثانية عدم
ثبوت المرجح للمثبت هذا اذا تعارض الخبران أى المثبت والنافى فى المرجحات ولم يثبت
المرجح من اطراف المثبت قدم النافى على المثبت.
وكذا يقدم النافى
فى غير الخبر مطلقا أى مع الرجحان وعدمه الحاصل انه لا يكون مورد التعارض غير
الخبر كالشهرة والاجماع مطلقا اى سواء كان لاحدهما من المثبت أو النافى مرجح ام لا
بناء على اختصاص الترجيح بالخبرين المتعارضين كما هو مقتضى الاخبار العلاجية فظهر
ان الطريقين المتعارضين خارجان عن موارد الاحتياط الصغير.
قوله
وكذا لو تعارض اثنان فى الوجوب والتحريم الخ.
هذا هو المورد
الرابع من الموارد التى لا يجوز الاحتياط فيها أى لا يلزم الاحتياط فى هذا المورد
ويرجع الى الاصل حاصل هذا المورد انه اذا تعارض طريقان من اطراف العلم الاجمالى
بنصب الطريق فى الوجوب والحرمة لم يجب فيه الاحتياط لعدم امكان الاحتياط فى دوران
الامر بين المحذورين.
والظاهر ان المرجع
فى موارد التعارض هو الاصل الجارى ولو كان نافيا للتكليف لعدم نهوض طريق معتبر فى
مقابله وكذا لم يكن ما هو من الاطراف العلم بطريق المعتبر على خلاف الاصل الجارى.
قوله
وكذا كل مورد لم يجر فيه الاصل المثبت للعلم بانتقاض الحالة السابقة الخ.
هذا المورد الخامس
من الموارد التى لا يجوز الاحتياط فيه حاصله انه لا يجرى الاستصحاب المثبت للتكليف
فى هذا المورد لاجل العلم الاجمالى بانتقاض الحالة السابقة فى بعض اطرافه أو لاجل
قيام حجة القطعية على انتقاض المذبور فلا يجرى الاحتياط فى هذا المورد.
واعلم ان الموارد
المذكورة التى لا يجب الاحتياط فيها المراد من الاحتياط المنفى هو الاحتياط فى
الطرق أى احتياط فى اطراف العلم الاجمالى الصغير.
قوله
وثانيا لو سلم ان قضية لزوم التنزل الى الظن فتوهم ان الوظيفة
حينئذ
خصوص الظن بالطريق فاسد الخ.
هذا معطوف على
قوله اولا فى السابق قد استدل المتوهم فى السابق فى قوله فلا ريب ان الوظيفة فى
مثل ذلك بحكم العقل هو الرجوع فى تعيين ذلك الطريق الخ. أى الوظيفة بعد العلم بانا
مكلفون فى هذا الزمان تكليفا فعليا وكذا نعلم بان الشارع قد جعل لنا الى تلك
الاحكام طريقا مخصوصا أى الوظيفة بعد هذين العلمين هو الرجوع الى تعيين الطريق
الذى يحكم به العقل بعبارة اخرى ان العقل حاكم بحجية الظن بالطريق لانه اقرب الى
الواقع.
قد اورد عليه
بقوله وفيه أوّلا حاصل الايراد ان مقتضى ما ذكر هو الاحتياط فى اطراف هذه الطرق
المعلومة بالاجمال لا الرجوع الى الظن بالطريق هذا ايراد الاول وأيضا اورد على
الاستدلال المذكور.
بقوله
: وثانيا لو سلم ان قضية لزوم التنزل الى الظن الخ.
توضيح هذا الايراد
انه بعد تسليم اقتضاء الوجه الذى افاده صاحب الفصول للتنزل فى باب الطرق الى الظن
أى ولو سلمنا انّ التنزل بعد فقدان العلم انما هو الى الظن لكن تنزل الى خصوص الظن
بالطريق فاسد لان هنا ظنون ثلاثة الاول الظن بالطريق كالظن بحجية الخبر الواحد
الثانى الظن بالواقع فقط كالظن بحرمة الشىء من دون الظن بقيام الطريق المعتبر
الثالث الظن بالواقع المظنون أى كونه مؤدّى طريق معتبر من دون الظن بطريقية الشىء
فهذه الظنون فى رتبة واحدة وليس اولها اولى بالاعتبار من الآخر بالنظر الى دليل
الانسداد فليس الظن بالطريق
أقرب الى العلم من
الظنين الآخرين حتى يتعين فى الحجية فظهر من البيان المذكور ان نتيجة مقدمات
الانسداد لم تكن مختصة لحجية الظن بالطريق بل تشمل جميع اقسام الظنون المذكورة.
قوله
: لا يقال انما لا يكون اقرب من الظن بالواقع اذا لم يصرف التكليف الفعلى عنه الخ.
هذا اشارة الى ان
الظن بالطريق أقرب الى الواقع من الظن بنفس الواقع الحاصل ان الواقع على قسمين أى
الواقع الحقيقى والجعلى والمراد من الواقع الجعلى هو مؤدى الامارات المعتبرة فالظن
بالطريق انما يكون الاقرب الى الواقع اذا كان المراد منه الواقع الجعلى لا الواقع
الحقيقى.
بعبارة اخرى ان
عدم اقربية الظن بالطريق الى الواقع انما هو فيما اذا لم نقل بصرف الواقع الى
المؤدى واما مع صرف الواقع الى المؤدى فالمتبع انما هو مؤديات الطرق فالظن بالواقع
بنفسه غير مفيد الا اذا كان الواقع مؤدى الطريق اذ المفروض عدم كون الواقع فعليا
الا بلحاظ كونه مؤدى الطريق.
اشار الى ما ذكر
صاحب الكفاية بقوله انما لا يكون اقرب من الظن بالواقع الخ أى لم يكن الظن بالطريق
اقرب من الظن بالواقع فيما اذا لم يصرف التكليف الفعلى الواقعى الى مؤديات الطرق
ولو بنحو التقييد واما اذا صرف الحكم الفعلى عن الواقع الى مؤديات الطرق سواء كان
بنحو التقييد أم لا فالظن بالطريق اقرب الى الواقع من الظن بالواقع.
واعلم ان صرف
التكليف الفعلى عن الواقع الى مؤديات الطرق بوجهين احدهما صرف التكليف الفعلى عنه
لا بنحو التقييد والمراد صرف التكليف الفعلى عن الواقع الى مؤدى الطريق بنحو
المطلق أى بلا تقييد بكون هذا المؤدى هو الواقع فيكون المنجز فى حق المكلف هو مؤدى
الطريق سواء صادف الواقع أم لا ثانيهما صرف التكليف الفعلى عن الواقع بنحو التقييد
والمراد به صرف التكليف الفعلى عن الواقع بما هو واقع الى الواقع المقيد بكونه
مؤدى الطريق فيكون المنجز فى حق المكلف الواقع الذى هو مؤدى الطريق لا الواقع
بنفسه.
قوله
: فان الالتزام به بعيد اذ الصرف لو لم يكن تصويبا محالا فلا اقل من كونه مجمعا
على بطلانه الخ.
هذا جواب لا يقال
حاصله على وجوه الاول ما اشار اليه بقوله لو لم يكن تصويبا محالا فلا اقل من كونه
مجمعا على بطلانه واعلم انه بناء على الصرف المطلق أى لا بنحو التقييد أى كان
التكليف مصروفا عن الواقع الى مؤدى الطريق من غير تقييد هذا المؤدى بالواقع أعنى
بان يكون المنجز على المكلف هو مؤدى الطريق وان كان مخالف الواقع هذا مستلزم
التصويب المحال.
واما لزوم التصويب
فلدوران الحكم وجودا وعدما مدار الطريق أى يكون الحكم تابعا لمؤدى الطريق.
واما وجه محاليته
فلان كون الشىء طريقا الى الشىء يقتضى تقدم وجود ذى الطريق على الطريق لان الطريق
انما كان مؤديا الى ما هو موجود وكان الطريق كاشفا عنه لكن فرض ذى الطريق
فى المقام هو مؤدى
الطريق يقتضى تأخر وجوده عن الطريق لان مؤدى الطريق لا يتحقق الا بعد قيام الطريق
عليه فيلزم هنا ان يكون مؤدى الطريق مقدما ومؤخرا فى زمان واحد وهو محال.
وجه محالية
التصويب بعبارة اخرى ان موضوع الطريق هو الشك فى الحكم الواقعى الفعلى اذا فرض
اضمحلال الحكم اقتضاء أو انشاء أو فعلية بعد قيام الطرق يلزم من وجود حجيتها عدمها
اذ حجيتها مستلزمة لرفع موضوعها وهو الشك فى الحكم الواقعى ورفع الموضوع مستلزم
لرفع حجيتها لعدم بقاء الحكم بعد ارتفاع الموضوع فيلزم من وجود حجية الطرق عدمها
الوجه الثانى ما
اشار اليه اليه المصنف بقوله من كونه مجمعا على بطلانه الخ.
يمكن تقرير هذا
الوجه بوجهين : الاول ما اشار اليه المصنف بقوله ضرورة ان القطع الخ بيانه ان
الاجماع قائم على كون القطع بالواقع موجبا لتنجز الواقع مع ان القطع ليس طريقا
مجعولا ولو كان نصب الطريق صارفا عن الواقع لم يكن متعلق القطع واجب العمل ولا
اتيانه مجزيا فظهر من هذا ان القطع بالواقع يجدى فى الاجزاء بما هو واقع لا بما هو
مؤدى الطريق.
الثانى انه قائم
بوجود حكم مشترك بين الكل الا انه يتم فى مرتبة الاقتضاء ومرتبة الانشاء دون
الفعلية والتنجز أى يكون المنجز على المكلف هو الواقع المقيد بكونه مؤدى الطريق لا
الواقع بما هو واقع فيلزم التصويب وهو هنا وان لم يكن محالا لعدم دوران الحكم
بجميع مراتبه الاربع مدار الطريق انما يكون الدوران فى
بعض مراتبه وهو
الفعلية والتنجز أى يكون هذا البعض دائرا مدار الطريق واما فى مرتبة الاقتضائية
والانشائية فهو مشترك بين الجميع المكلفين ولم يكن مختصا بمن قام عنده الطريق هذه
الصورة وان لم يكن تصويبا محالا لكن مجمع على بطلانه فلم يصح مذهب من يقول ان حجية
الظن مختصة بالظن بالطريق.
الثالث أى الجواب
الثالث عن قوله لا يقال ما اشار اليه بقوله مع ان الالتزام بذلك غير مفيد قد ذكر
توضيحه فى المتن فى قوله
فان الظن بالواقع فيما ابتلى به من التكاليف لا يكاد ينفك عن الظن بانه مؤدى
الطريق الخ.
توضيح هذا الكلام
انه بناء على تقييد الواقع بمؤدى الطريق من ان موضوع فعلية الحكم هو الواقع المقيد
بكونه مؤدى الطريق لا يجدى فى فعلية الحكم الظن بالطريق فقط لانه ظن بجزء موضوع
الحجية فلا بد فى حجية الظن بالطريق من الظن باصابة الواقع أى يكون المظنون هو
الواقع المتصف بكونه مؤدى الطريق ليتحقق بكلا جزئى الموضوع
قوله
هذا مع عدم مساعدة نصب الطريق على الصرف ولا على التقييد الخ.
هذا الوجه الرابع
مما نقول فى جواب لا يقال توضيحه ان نصب الطريق بعد تسليمه لا يقتضى الصرف الى
مؤديات الطرق وتقييد الواقعيات بها بل غاية ما يقتضيه نصب الطريق اختصاص الحكم
الواقعى المنجز بما ادى اليه الطريق فلا يكون الواقع الذى
لم يؤد اليه
الطريق منجزا لكن غاية الامر ان هذا العلم الاجمالى بنصب طرق وافية لكشف التكليف
يوجب هذا العلم الاجمالى انحلال العلم بالتكاليف الواقعية الى العلم بما هو مضامين
الطرق المنصوبة أى العلم الاجمالى بنصب طرق وافية يصير موجبا لانحلال العلم
بالتكاليف الواقعية يعنى يعلم اجمالا ان تكاليف الواقعية هى مضامين الطرق
المنصوبة.
لكن هذا الانحلال
وان كان يوجب عدم تنجز الحكم ما لم يؤد اليه الطريق الا انه مشروط بلزوم رعاية
العلم الاجمالى بنصب الطرق لكن المفروض عدم لزوم رعاية هذا العلم الاجمالى بل عدم
جواز الرجوع اليه لانه مستلزم للاحتياط التام فى اطرافه وهى المظنونات الطريقية
والمشكوكات والموهومات وهذا الاحتياط موجب العسر والحرج أو اختلال النظام فلا يجب
بل لا يجوز فظهر من البيان المذكور ان الظن بالواقع حجة لكونه اقرب الى اهتمام
الشارع وكذا يعتبر حجية الظن بالواقع فيما اذا لم يكن العلم الاجمالى بالنصب فى
كفاية الظن بالتكاليف حال الانسداد بعبارة اخرى اذا سقط العلم الاجمالى بنصب الطرق
عن التأثير رجع الى الظن بالواقع.
قال
صاحب الكفاية ولا بد حينئذ من عناية اخرى فى لزوم رعاية الواقعيات.
أى لا بد حين سقوط
العلم الاجمالى بنصب الطريق كسقوط العلم الاجمالى بالتكاليف الواقعية عن المنجزية
لعدم امكان الاحتياط فى اطرافه للاختلال أو الحرج فلا بد حين سقوط العلم الاجمالى
الخ من عناية اخرى
أى من عناية غير العلم الاجمالى بالاحكام والطرق لسقوطه فى كل منهما بالعسر والحرج
أو اختلال النظام والمراد بعناية اخرى هو ايجاب الاحتياط الشرعى المستكشف ببرهان
لمّى اعنى اهتمام الشارع بالاحكام.
فلا شبهة فى ان
الظن بالواقع لو لم يكن اولى حينئذ أى يحكم بالرجوع الى الظن بالواقع لكونه اقرب
فى التوسل الى الواقع حينئذ أى حين عدم الرجوع الى العلم الاجمالى بنصب الطرق
وكونه كالعدم والظاهر انه لا شبهة فى اولوية الظن بالواقع من الظن بالطريق لسقوط
العلم بنصب الطريق عن الرجوع اليه.
ولو اشكل على
اولوية الظن بالواقع فلا شبهة فى كون مساويا للظن بالطريق فى الاقربية الى الواقع
لان المهم عند العقل هو تحصيل الامن من العقوبة فى كل الحال أى فى زمان الانفتاح
والانسداد فالرجوع الى الظن بالواقع محصل الامن عن العقوبة.
قوله
هذا مع ما عرفت من انه عادة يلازم الظن بانه مؤدى الطريق.
أى قد عرفت ان كون
الظن بالواقع ملازما عادة للظن بان هذا الواقع المظنون هو مؤدى الطريق ويكفى بلا
شبهة فى الوصول الى ما يهتم به الشارع.
الحاصل انه لا
ثمرة على اعتبار خصوص الظن بالطريق اذ الظن بالواقع ما يبتلى به المكلف لا ينفك عن
الظن بانه مؤدى الطريق معتبر.
قوله
ثانيهما ما اختص به بعض المحققين قال لا ريب فى كوننا مكلفين بالاحكام الشرعية
الخ.
هذا معطوف على
قوله احدهما المذكور فى السابق فى الصفحة ١٢٦ عند قوله كما ان منشأ توهم الاختصاص بالظن
بالطريق وجهان احدهما ما افاده بعض الفحول الخ.
وذكر الوجه الثانى
عند قوله
هنا ثانيهما ما اختص به بعض المحققين الخ.
أى استدل فى
السابق بعض الفحول وهو المحقق الآشتياني والشيخ اسد الله الشوشترى وغيره أى
استدلوا على اختصاص الحجية بالظن بالطريق قد ذكر وجه الاستدلال والاشكال عليه وهنا
يذكر الاستدلال الآخر على اختصاص حجية الظن بالظن بالطريق أى استدل بعض المحققين
وهو الشيخ محمد تقى الاصفهانى واعلم ان هذا الاستدلال مؤلف من امور.
الاول العلم باننا
مكلفون بالتكاليف الواقعية وانها لم تسقط عنا فى حال الانسداد.
الثانى ان همّ
العقل فى كل الحال أى الانفتاح والانسداد وهو احراز فراغ الذمة عن التكليف الذى
اشتغلت به.
الثالث ان نصب
الشارع الطريق الى الواقع يستلزم القطع بحكمه بفراغ الذمة اذا عمل المكلف على طبقه
فاذا حصل له العلم بالطريق المنصوب كما فى حال الانفتاح حصل له العلم بالفراغ كما
فى حال الانسداد حصل له الظن بالفراغ اذا عمل به ففى حال الانسداد ينحصر محل فراغ
الذمة بالظن بالطريق هذا بيان الاستدلال
الثانى لاختصاص
الحجية بالظن بالطريق.
قوله
وفيه أوّلا ان الحاكم على الاستقلال فى باب تفريغ الذمة بالاطاعة والامتثال هو
العقل الخ.
أى اجاب المصنف عن
الدليل الثانى الذى استدل به بعض المحققين على اختصاص الحجية بالظن بالطريق اجاب
عن هذا الاستدلال.
بقوله
وفيه أوّلا ان الحاكم الخ.
أى ان الحاكم فى
باب تفريغ الذمة بالاطاعة والامتثال انما هو العقل مستقلا ولا يصلح موردهما للحكم
المولوى ولو حكم الشارع فى هذا المورد كان ارشادا لما استقل به العقل والحاكم
بفراغ الذمة عند القطع بموافقة الواقع أو الطريق هو العقل لا الشرع فالحاكم فى باب
الاطاعة والمعصية بوجوب القطع بتحصيل المؤمن من عقوبات التكليف هو العقل ايضا لا
الشرع.
ولا شك فى ان
القطع به يحصل عنده بموافقة كل من الطريق أو الواقع بما هو واقع لا بما هو معلوم
فالاتيان بالواقع حقيقة أو تعبدا من حيث هو واقع مفروغ للذمة لا بما هو معلوم وكذا
فى حال الانسداد فان الظن فيه يقوم مقام القطع فالمفرغ للذمة فى حال الانسداد هو
الواقع المظنون بما هو واقع لا بما هو مظنون فظهر من البيان المذكور ان المفرغ فى
حال الانفتاح والانسداد هو الواقع بما هو واقع.
قوله
وثانيا سلمنا ذلك لكن حكمه بتفريغ الذمة فيما اذا اتى المكلف بمؤدى الطريق المنصوب
الخ.
هذا عطف على قوله
اولا قد ذكر فى الوجه الاول ان الحاكم فى باب التفريغ الذمة هو العقل مستقلا وليس
للشارع فى باب الاطاعة والامتثال حكم مولوى حاصل هذا الوجه الثانى انه بعد تسليم
الحكم المولوى للشارع فى مقام الاطاعة والامتثال فنقول ان الظن بالواقع اولى من الظن
بالطريق وان جعل الطريق يكون مستلزما لجعل الفراغ وكذلك يستلزم جعل الحكم الواقعى
لجعل الفراغ بالاولوية لكون الواقع اصلا ومؤدى الطريق بدلا عنه ومنزلا منزلته
فترتب الحكم بالفراغ على جعل الحكم الواقعى اولى من ترتبه على جعل الطريق.
قوله
ان قلت كيف يستلزم الظن بالواقع مع أنّه ربما يقطع بعدم حكمه به الخ.
أى قال المصنف ان
التكليف بالواقع يستلزم حكمه بالتفريغ الذمة وهذا المستشكل يمنع عن هذه الملازمة
حاصل المنع انّ الظن بالواقع قد لا يستلزم الظن بحكم الشارع بالفراغ كما اذا حصل
الظن بالواقع من القياس الذى يعلم بعدم كونه طريقا شرعا ولكن بخلاف الظن بالطريق
المنصوب فانه مستلزم الظن بحكم الشارع بالفراغ وان كان هذا الطريق قياسا واشار الى
هذا المصنف بقوله مع أنّه ربما يقطع بعدم حكمه به أى ربما يقطع بعدم حكم الشارع
بالفراغ مع الظن بالواقع.
قوله
قلت ان الظن بالواقع أيضا يستلزم الظن بحكمه بتفريغ الذمة الخ.
هذا جواب عن
الاشكال المذكور حاصله ان الظن بالواقع يستلزم الظن بالفراغ مطلقا وان نشأ الظن
بالواقع من القياس وذلك لان النهى عن القياس ناش عن مخالفته احيانا للواقع فمع
المصادفة تحصل براءة الذمة ولا ينافى هذا لاستلزام القطع بعدم حجية القياس عند
الشارع أى الظن بالواقع يستلزم الظن بحكم الشارع بتفريغ الذمة وان كان هذا الظن من
القياس وقلنا بعدم حجيته عند الشارع لانا لم نجعل القياس حجة ولكن حصل لنا منه
الظن بالواقع ويستلزم الظن بتفريغ الذمة بحكم الشارع فى العمل بهذا الظن.
واما اذا عمل
المكلف بالقياس وجعل الظن القياسى حجة وطريقا الى الواقع مع علمه بانه لم يكن حجة
عند الشارع فلم يكن المكلف معذورا بل كان مستحقا العقاب ولو فيما اصابه وانما يكون
المكلف مستحقا للعقاب فيما اخطأ لتفويته الواقع ولكن العقاب فيما اصاب انما يكون
على التشريع لانه بنى على حجية هذا الظن وبعبارة اخرى انما يكون العقاب فى صورة
الاصابة لاجل التجرى.
قوله
وثالثا سلمنا ان الظن بالواقع لا يستلزم الظن به الخ.
أى قد ذكر فى
السابق ان فراغ الذمة يحصل بالظن بالطريق عند العمل به وكذا يحصل بالظن بالواقع
عند العمل به وقوله ثالثا اشارة الى انه لو فرض انحصار فراغ الذمة بالظن بالطريق
لكن
يفهم من هذا حجية
الظن بالواقع بمقتضى استدلال بعض المحققين بان نتيجة مقدمات الانسداد هى حجية الظن
بفراغ الذمة فالظاهر ان سبب الظن بفراغ اثنان أى الظن بالطريق عند العمل به والظن
بالواقع عند العمل به فيحصل الظن بالفراغ من كل منهما بعبارة اخرى يعمّ سبب الظن
بالفراغ الى الظن بالطريق والظن بالواقع فثبت بقياس المساواة ان الظن بالواقع
ملازم للظن بالفراغ وكذا الظن بالطريق ملازم للظن بالفراغ فالظن بالواقع ملام للظن
بالطريق لان ملازم الملازم ملازم كما يقال فى القياس المساواة كل مساو للشيء مساو
لمساوى ذلك الشىء واشار اليه صاحب الكفاية.
بقوله
وقد عرفت ان الظن بالواقع لا يكاد ينفك عن الظن بانه مؤدى الطريق غالبا.
أى ان الظن
بالواقع لازم للظن بانه مؤدى الطريق.
وقيد غالبا اشارة
الى ان الملازمة بين الظن بالواقع والظن بالطريق انما تكون فى الاحكام المبتلا بها
لا فى غيرها فعلم ان الملازمة المذكورة انما تكون غالبا أى فى الاحكام المبتلا
بها.
قوله
: فصل لا يخفى عدم مساعدة مقدمات الانسداد على الدلالة على كون الظن طريقا منصوبا
شرعا الخ.
واعلم انّ مقتضى
مقدمات الانسداد بعد فرض تماميتها هو حكم العقل بجواز العمل بالظن مطلقا وقد
اختلفوا فى ان حكم العقل هذا هل هو من باب الكشف يعنى ان العقل يكشف عن جعل الشارع
الظن حجة حال الانسداد لا ان العقل ينشئ الحجية للظن أم من باب الحكومة يعنى ان
العقل بملاحظة تلك المقدمات يحكم
بحجية الظن
وينشئها له حال الانسداد.
بعبارة اخرى ان
العقل بعد ما لاحظ مقدمات الانسداد هل يستكشف منها من جعل الشارع الظن حجة وان
احتمل مخالفته للواقع فالشرع منشئ للحجية والعقل كاشف عن هذا الانشاء أم أنّ العقل
يحكم بوجوب متابعة فى مقام الامتثال من غير ان يرى للشرع دخلا فى ذلك لانه ليس
الحكم الشارع فى سلسلة المعلومات والملازمة فى سلسلة العلل.
اذا تم معنى الكشف
والحكومة فاعلم انّ مقدمات الانسداد لا تنتج حجية الظن كشفا أى شرعا بل مقتضاها
حجية الظنّ حكومة أى بحكم العقل لانه بعد ابطال الاحتياط بادلة نفى الحرج قد وصلت
النوبة الى الظن بحكم العقل ومع هذا الحكم العقلى المستقل فى مقام الاطاعة لا حاجة
الى حكم الشارع فتكون النتيجة حجية الظن فى مقام الاطاعة أى يحكم العقل بعدم جواز
مطالبة بازيد من الاطاعة الظنية كما قال صاحب الكفاية انه مع هذه المقدمات لا يجب
على الشارع ان ينصب طريقا لجواز اجتزائه بما استقل به العقل لانّ العقل يكفى فى
حال الانسداد ولا مجال لاستكشاف نصب الشارع من حكم العقل بقاعدة الملازمة ولم يكن
المقام موردا للحكم الشرعى لعدم الاحتياج اليه.
ولا يخفى ان
مؤاخذة الشارع لم يكن موجبا لحكمه بعبارة اخرى انه كان للشارع حق المؤاخذة فى صورة
مخالفة حكم العقل لكن هذا الحق غير قابل لحكمه.
واما اقتصار
المكلف بما دون اطاعة الظنية كاطاعة الشكية والوهمية فكان هذا الاقتصار بنفسه
موجبا للعقاب مطلقا أى سواء
اصاب الظن أم اخطأ
أو كان الاقتصار فى المرتبة السفلى موجبا للعقاب فى صورة اصابة الظن واما العمل
بالظن والاطاعة الظنية فهو موجب الثواب اخطأ المكلف أو اصاب فليست الحاجة الى
الامر الشارع بالاطاعة الظنية أو نهيه عن مخالفة هذه الاطاعة لان حكم الشارع كان
مولويا بلا ملاك لان وجوب الاطاعة الظنية حصل بحكم العقل لكن اذا كان امر الشارع
وحكمه ارشاديا فلا بأس به أى لو صرح الشارع بوجوب الاطاعة وتحريم المعصية كان
الامر والنهى للارشاد لا للتكليف اذ لا يترتب على مخالفة هذا الامر والنهى الا ما
يترتب على ذات المأمور به والمنهى عنه اعنى نفس الاطاعة والمعصية أى ثبت الى هنا
انّ العقل بعد تمامية مقدمات الانسداد يحكم بوجوب الاطاعة الظنية من غير حكم
الشارع.
قوله
: وصحة نصب الطريق وجعله فى كل حال بملاك يوجب نصبه وحكمه داعية اليه لا تنافى
استقلال العقل الخ.
هذا دفع للتوهم فى
المقام.
توضيح التوهم انّ
الظن اذا لوحظ طريقا لاحراز حكم الواقع فلا فائدة حينئذ فى هذا الحكم بعد حكم العقل
بلزوم احراز الحكم الواقعى بالظن أى سلمنا فى هذه الصورة عدم الاحتياج الى الحكم
المولوى بعد حكم العقل بلزوم احراز الواقع بالظن.
واما اذا لوحظ
الظن موضوعا بحيث يترتب المثوبة على موافقة والعقوبة على مخالفته مع قطع النظر فى
الواقع أى كان نفس موافقته موجبا للمثوبة ـ فلا وجه للمنع لتعلق الحكم المولوى
بالعمل بالظن أى يثبت حكم الشرع من حكم العقل بقاعدة الملازمة فيستكشف
حجية الظن شرعا فى
هذه الصورة بقاعدة الملازمة.
واما الدفع فنقول
ان نصب الطريق من الشارع مع عدم لحاظ الواقع جائز لكن لا يمكن استكشاف نصب الطريق
بقاعدة الملازمة أى ليست الملازمة بين حكم الشرع والعقل فى هذه الصورة.
توضيحه ان
الملازمة المذكورة انما تثبت اذا كان الموضوع فى الحكم العقلى والشرعى واحدا اما
مقام البحث فالفرق ثابت بين موضوع الحكم العقلى والشرعى فان الظن الملحوظ طريقا
صرفا لاحراز الواقع هو الموضوع للحجية العقلية فيكون الحكم الفعلى فى هذه الصورة
هو الحكم الواقعى واما اذا كان الظن الملحوظ طريقا شرعا يكون الحكم الفعلى هو
الحكم الظاهرى لا الحكم الواقعى الحاصل من تعلق الحكم المولوى بالظن ـ لكن لا
بقاعدة الملازمة بل بملاك الآخر كتسهيل الامر للمكلفين والظاهر ان الحكم الشرعى لم
يثبت فى هذا المورد من باب قاعدة الملازمة بين حكم العقل والشرع واعلم ان نصب
الطريق من الشارع لا بملاك احراز الواقع وان كان جائزا عن الشارع ولكن لا يمكن
استكشاف هذا الحكم الشرعى من الحكم العقلى بقاعدة الملازمة لان الظن الذى لوحظ طريقا
صرفا لاحراز الواقع هو موضوع للحكم العقلى واما الظن الذى لوحظ طريقا شرعا فيترتب
المثوبة على موافقته والعقوبة على مخالفته مع قطع النظر عن الواقع فيكون الظن فى
صورة لحاظ الواقع موضوعا للحكم الواقعى الفعلى لكن اذا لوحظ الظن طريقا شرعيا مع
قطع النظر عن الواقع فكان هذا الظن موضوعا للحكم الظاهرى الفعلى فلا ملازمة بين
هذين الحكمين واثبات هذا الحكم الشرعى الظاهرى لا يتنافى ـ فى استقلال العقل
بلزوم الاطاعة
بحال الانسداد كما يحكم بلزوم الاطاعة بنحو آخر فى حال الانفتاح أى بنحو الامتثال
العلمى فى حال الانفتاح واذا استقل العقل بلزوم الاطاعة فلم يصح استكشاف حكم
الشارع بلزوم الاطاعة مولويا لما عرفت أى لان المورد غير قابل هنا للحكم المولوى.
قد ثبت الى هنا ان
نتيجة مقدمات الانسداد هى حجية الظن من باب الحكومة ولا يستكشف كونه طريقا شرعيا.
ويبحث الآن انه
اذا كانت نتيجة مقدمات الانسداد حجية الظن من باب الحكومة فلا اهمال فى نتيجة هذه
المقدمات.
قوله
فانقدح بذلك عدم صحة تقرير المقدمات الا على نحو الحكومة الخ.
هذا اشارة الى عدم
الاهمال فى النتيجة على الحكومة قال صاحب الكفاية انه بناء على الحكومة لا اهمال
فى النتيجة اصلا أى لا سببا ولا موردا ولا مرتبة بل النتيجة معينة اذ الاهمال فى
النتيجة يكون فى صورة الشك والترديد فى الحكم ولا يتصور الشك والترديد من الحاكم
هنا لان الحاكم بعد تمامية مقدمات الانسداد هو العقل فلا يتردد فى حكمه بعد احراز
المناط.
توضيحه انه لا
تفاوت بنظر العقل بين اسباب الظن فكل الظن الاطمينانى حجة فى نظر العقل سواء حصل
من خبر عادل أو ثقة أو من الشهرة الفتوائية.
وكذا لا اهمال فى
نتيجة مقدمات الانسداد بحسب الموارد لكن نتيجة مقدمات الانسداد من حيث الموارد
جزئية أى يحكم العقل
باطاعة الظنية
فيما ليس للشارع فيه مزيد الاهتمام ولا يحكم العقل باطاعة الظنية فيما فيه مزيد
الاهتمام من الشارع كمسألة الفروج والدماء فيحكم العقل فى هذه الموارد بالاحتياط
اى يحكم العقل فى بعض الموارد بالاطاعة الظنية وفى بعض الموارد على وجوب الاحتياط
فثبت نتيجة مقدمات الانسداد بالنسبة الى الموارد على نحو موجبة جزئية.
وكذا لا اهمال فى
نتيجة مقدمات الانسداد بحسب المرتبة أى يحكم العقل بحجية الظن الاطمينانى فتكون
هذه المرتبة حجة عقلا.
الحاصل ان
الاحتياط موجب للعسر والحرج فيحكم العقل بحجية الظن الاطمينانى لدفعهما مثلا يحكم
بالاحتياط بالموهومات ولكن فى المظنونات يحكم العقل بحجية الظن لان الاحتياط فى
جميع الموارد موجب للعسر والحرج ونعمل بالظن بهذا المقدار لرفعهما.
قال
صاحب الكفاية الا على تقدير عدم كفايتها فى محذور العسر.
أى ظهر مما تقدم
ان حكم العقل بحجية الظن انما يكون لدفع العسر والحرج اذا حكم العقل بحجية الظن
الاطمينانى فهذا كاف فى دفع العسر والحرج قال المصنف الا على تقدير عدم كفايتها أى
ان لم تكن هذه المرتبة كافية فى دفع العسر والحرج فيتنزل الى مرتبة اخرى مثلا لم
يكف العمل بالظن الاطمينانى فى دفع العسر والحرج فنعمل بغير هذا الظن أيضا حتى
يدفع العسر والحرج.
واعلم ان ما ذكر
مبنى على كون النتيجة تبعيض فى الاحتياط لان الاحتياط التام موجبا للعسر والحرج
فيقتصر فيه على المقدار غير الموجب للعسر والحرج.
قوله
واما على تقرير الكشف فلو قيل بكون النتيجة هو نصب الطريق الواصل بنفسه فلا اهمال
أيضا الخ.
أى اذا قلنا ان
نتيجة مقدمات الانسداد على الكشف هو نصب الطريق الواصل فلا اهمال فى النتيجة بحسب
الاسباب فالنتيجة معينة وهى كلية يعنى ان الظن حجة من أى سبب كان هذه النتيجة
الكلية ثابتة اذا لم يكن بين الاسباب قدر المتيقن واما اذا كان بينها قدر المتيقن
كخبر العادل المزكى بعدلين وكان هذا الخبر وافيا بمعظم الفقه فهو حجة معينا الحاصل
انه لا اهمال فى النتيجة على تقرير الكشف لانها تكون كلية اذا لم يكن قدر المتيقن
فى البين وهى جزئية فى صورة وجود قدر المتيقن.
قوله
ولا بحسب المورد بل يحكم بحجيته فى جميعها الخ.
أى كذا لا اهمال
فى النتيجة على طريق الكشف بحسب الموارد وكانت النتيجة بحسب الموارد كلية ايضا.
توضيحه ان نتيجة
مقدمات الانسداد هى حجية الطريق الواصل من الشارع الينا فيلزم الخلف من عدم حجية
ما وصل الينا أى لزم خلاف ما فرضناه من كون النتيجة هى الحجة الواصلة يعنى حجية
الطريق الواصل فيلزم من عدم الالتزام بحجية ما وصل الينا عدم وصول الحجة الينا هذا
خلاف الفرض لان فرضنا وصول الحجة الينا بنتيجة المقدمات الانسداد.
قوله
واما بحسب المرتبة ففيها اهمال لاجل احتمال حجية خصوص الاطمينانى الخ.
قد ذكر عدم اهمال
النتيجة بطريق الكشف بحسب الاسباب
والموارد.
واما بحسب المرتبة
فالنتيجة على تقرير الكشف مهملة لاجل الاحتمال أى يحتمل ان يكون حجة فى جميع
مراتبه ويحتمل ان يكون حجة فى خصوص المرتبة الاطمينانى فيصير هذا الاحتمال موجبا
لاهمال النتيجة.
قوله
ولو قيل ان النتيجة هى نصب الطريق الواصل فلا اهمال بحسب الاسباب الخ.
هذا بيان للوجه
الثانى أى اذا كانت حجية الظن بعد تمامية مقدمات الانسداد على تقرير الكشف فلا
اهمال فى النتيجة بالنسبة الى الاسباب فان الظن بالحكم حجة ان كان سببه واحدا وكذا
ان كان متعددا لكن مع التساوى بالاعتبار فلا اهمال فى النتيجة فى ما ذكر اما عدم
اهمالها فى صورة الوحدة فى السبب فانها توجب تعيين الذاتى فتكون النتيجة معينة فى
حجية الظن الذى حصل من سبب واحد.
واما عدم اهمال
النتيجة فى صورة تعدد الاسباب مع فرض التساوى بينها فلا ترجيح بين هذه الاسباب لان
ترجيح بعض الافراد مع فرض التساوى بينها يكون من الترجيح بلا مرجح وهو قبيح فلا بد
من الالتزام بحجية الجميع.
واما اذا كان سبب
الظن بالحكم متعددا كما اذا انشأ من الخبر الواحد والاجماع والشهرة وكانت الظنون
متفاوتة من حيث الاعتبار فان كان التفاوت بينها من حيث تيقن الاعتبار فالفرد
المتيقن حجة دون غيره الحاصل انه لا اهمال فى النتيجة من حيث
الاسباب سواء كان
سبب الظن واحدا أم متعددا ولا يخفى ان المراد من الواحد هو الواحد النوعى كالخبر
الواحد فى مقابل الاجماع المنقول والشهرة.
قوله
واما بحسب الموارد والمرتبة فكما اذا كانت النتيجة هى الطريق الواصل بنفسه.
هذا بيان لعدم الاهمال
فى النتيجة على تقرير الكشف بحسب المورد والمرتبة قد عرف توضيحه عند قوله ولا
اهمال فى النتيجة بحسب الموارد بل يحكم بحجية الظن فى جميعها.
قوله
وهم ودفع لعلك تقول ان القدر المتيقن الوافى لو كان فى البين الخ.
قد ذكرت الموارد
الثلاثة بناء على تقرير الكشف وقال فى المورد الثالث واما بحسب الموارد والمرتبة
فكما اذا كانت هى الطريق الواصل بنفسه أى لا اهمال فى النتيجة على تقرير الكشف
بحسب الموارد والمرتبة اذا كانت النتيجة هى الطريق الواصل بنفسه والمراد منه ما
اذا كانت مقدمات واصلة الى النتيجة بنفسها والمراد من الواصل بطريقة ما اذا كانت
المقدمات فى ايصال الى النتيجة محتاجة الى مقدمة اخرى وقد ذكر لفظة متيقن الاعتبار
فى كل الموارد الثلاثة.
فتوهم المتوهم انه
اذا كان المتيقن فى البين فلا يصل النوبة الى الانسداد بعبارة اخرى انه بناء على
وجود قدر المتيقن الوافى ينهدم الانسداد اذ العمدة فى مقدمات الانسداد هى انسداد
باب العلم والعلمى وعلى وجود الطريق المتيقن الاعتبار كخبر الثقة أو خبر العادل
ينفتح باب العلمى فلا يصل النوبة الى الانسداد.
قوله
لكنك غفلت عن ان المراد اذا كان اليقين بالاعتبار من قبله الخ.
هذا دفع الاشكال
حاصله ان وجود القدر المتيقن ينافى الانسداد اذا لم يكن للانسداد دخل فيه واما اذا
كان القدر المتيقن الاعتبار مستندا اليه ومعلولا له فلا ينافيه لامتناع ان يكون
المعلول منا فيا للعلة.
بعبارة اخرى ان
نتيجة الانسداد هى اليقين بنصب الطريق وهناك يقين آخر وهو القطع بالملازمة بين
النصب الطريق وكون الطريق المنصوب هو القدر المتيقن وهو كاف فى حصول القدر المتيقن
لان اليقين باحد المتلازمين وهو النصب الطريق شرعا وهو نتيجة دليل الانسداد يفيد
هو حجية خبر العادل أو الثقة واما دليل الملازمة كالاجماع فلا يدل الا على التلازم
بين المتلازمين قال شيخنا الاستاد ان الملازمة بين شيئين لا يشترط فيها أن تكون
بين الممكنين بل تثبت الملازمة بين شيئين وان كانا ممتنعين لذا لا يشترط فى صدر
القضية الشرطية ان يكونا ممكنين بل تثبت الملازمة وان كان طرفا القضية الشرطية
ممتنعين كقوله تعالى (لَوْ كانَ فِيهِما
آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا) وكذا فى المقام تثبت الملازمة بين طرفى القضية الشرطية
مثلا يقال لو كان كل ظن حجة لكان خبر العادل حجة قطعا أى كان القدر المتيقن.
قوله
بداهة ان الدليل على احد المتلازمين انما هو دليل على الآخر الخ.
هذا دفع لما لا
يمكن ان يتوهم من ان الثابت بدليل الانسداد
هو القطع بحجية
الظن واما القطع بالملازمة بينها وبين حجية هذا الظن أى كخبر العادل قد حصل من
الخارج فيكون الدليل على حجية الظن المذكور القطع الخارجى دون دليل الانسداد فيعود
المحذور أى لا يصل النوبة الى دليل الانسداد لانفتاح باب العلمى اعنى حصول القطع
من الخارج كالاجماع على حجية خبر العادل مثلا.
والجواب ان الدليل
على احد المتلازمين ليس هو الدليل على ملازمة بينهما بل ما هو دليل على احد
المتلازمين دليل على الآخر مثلا كل ظن حجة والدليل على هذا هو الانسداد فيكون
الدليل الانسداد دليل لحجية خبر العادل ايضا فثبت ان الدليل على احد المتلازمين هو
دليل على الآخر وليس هذا الدليل على الملازمة بل هو دليل على الملازمة وواسطة فى
الثبوت أى محقق لدلالة الملازم على الملازم الآخر.
فائدة اذا كان
الدليل مركبا من العقلى والنقلى فالميزان فى القضية هو الكبرى أى الملاك كل الملاك
هو الكبرى واما الملاك فى القياس الاستثنائى هو وضع المقدم مثلا لو كان كل الظن
حجة لكان خبر الثقة حجة لكنه كل الظن حجة فخبر الثقة حجه قطعا فوضع المقدم فى هذا
القياس عقلى لانه نتيجة مقدمات الانسداد عقلى فيصدق على هذا القياس بانه دليل عقلى
والظاهر ان المراد من المقدم فى المقام كل ظن حجة دليل عقلى فيدل على حجية خبر
العادل هذا الدليل العقلى لا الدليل القطعى الخارجى كالاجماع فانه دليل على
الملازمة واعلم انه يقال ان دليلا الانسداد دليل عقلى
باعتبار المقدمة
الاخيرة أى لو عمل بالمرجوح لكان ترجيح المرجوح على الراجح قبيحا.
قوله
لا يخفى ان الظن باعتبار الظن يوجب اليقين باعتباره من دليل الانسداد الخ.
هذا اشارة الى عدم
التعميم فى نتيجة مقدمات الانسداد فى بعض الموارد.
الاول ما اشار
اليه المصنف بقوله
لا يخفى ان الظن باعتبار الظن بالخصوص الخ.
اى اذا حصل من
مقدمات الانسداد الظن باعتبار الظن بالخصوص مثلا حصل من المقدمات الظن بحجية خبر
العادل على التقرير الكشف فيقطع بكون هذا الظن بالخصوص حجة ولا ينظر الى غيره فى
الحجية وعدمها.
ان قلت انه لم يقم
على حجية هذا الظن دليل خاص.
قلت لا ينافى
القطع بحجية هذا الظن بملاحظة الانسداد فظهر ترجيح هذا الظن بالخصوص على غيره
الثانى ما اشار اليه المصنف.
بقوله
: ومن هنا ظهر حال القوة ولعل نظر من رجح بها الخ.
أى اذا حصل من
المقدمات حجية الظن القوى فيرجح على غيره واشكل الشيخ الاعظم على مرجحيّة الظن
القوى وقال لا فرق فى نتيجة مقامات الانسداد بين الظن القوى وغيره والظاهر انه
ربّما يوفّق بين كلمات الاعلام فى المقام لاجل هذا الاختلاف المبنائي يحمل قول كل
احد على مبنى نفسه.
قوله
: فيختلف الحال باختلاف الانظار بل الاحوال.
أى ربما يكون الظن
موجبا للترجيح بنظر شخص دون غيره أو كان الظن الراجح كافيا بنظر شخص دون شخص آخر
بل يختلف ذلك باختلاف الاحوال أيضا بان يكفى الظن الراجح للشخص فى معظم المسائل
ولا يكفى هذا الظن عنده فى حال آخر أو يكون الظن عنده راجحا فى حال وغير راجح فى
حال آخر.
الحاصل ان نتيجة
مقدمات الانسداد على تقرير الكشف لا اهمال فيها من حيث المورد لان الظن الحاصل من
المقدمات حجة فى كل مورد واما الاهمال فى النتيجة انما يكون من حيث الاسباب
والمرتبة وقد ذكر انه يراد متيقن الاعتبار فيخرج النتيجة من الاهمال وذكر انه يراد
الظن القوى لكن منع الشيخ الاعظم الترجيح من حيث القوة قال شيخنا الاستاد ان القوة
والضعف داخلتان فى المتضائفين فلا يتعين الظن القوى لان كل المرتبة بالنسبة الى
السفلى قوية وبالنسبة الى العليا ضعيفة.
ويذكر هنا قول من
عمم النتيجة اشار اليه.
بقوله
: واما تعميم النتيجة بان قضية العلم الاجمالى هو الاحتياط فى اطرافه.
أى يقال ان تعميم
النتيجة ثابتة بالعلم الاجمالى بجميع الاطراف أى يقتضى الاحتياط العمل بجميع الطرق
والمعمم هو شريف العلماء (قدسسره) على ما حكى.
فاجاب عن هذا
التعميم المصنف.
بقوله
: واما تعميم النتيجة الخ.
حاصله انّ تعميم
لا يتم الا على تقدير كون النتيجة هو نصب الطريق ولو لم يوصل اصلا الى الواقع
فيعمل بالجميع من باب الاحتياط لكن قد ذكر ان النتيجة على تقرير الكشف هى الطريق
الواصل بنفسه فلا تعمّ جميع الطريق هذا اشكال الاول على التعميم.
الاشكال الثانى
عليه ما اشار اليه.
بقوله
: مع ان التعميم بذلك لا يوجب العمل الا على وفق المثبتات.
حاصل الايراد ان
هذا العلم الاجمالى موجب للعمل فى المثبتات من اطرافه واما النافيات التى تكون من
اطرافه فلا يجوز العمل بها فى مقابل قاعدة الاحتياط اللازم فلا يمكن الاعتماد على
النافيات فى رفع اليد عن الواقعيات الا اذا كان النافى هناك من جميع الاصناف مثلا
اذا قام خبر العادل والاجماع المنقول والشهرة على عدم وجوب صلاة الجمعة فى زمان
الغيبة حيث ان الحجة قامت على نفى التكليف فتصلح للمؤمنية.
قوله
: ضرورة ان الاحتياط فيها لا يقتضى رفع اليد عن الاحتياط فى المسألة الفرعية الخ.
هذا تعليل لجواز
العمل بالنافى اذا كان من جميع الاصناف حاصله انما جاز العمل بالنافى اذا كان من
جميع الاصناف كمثال المذكور لانه حينئذ حجة صالحة للمؤمنية ولا ينافى مع ذلك حسن
الاحتياط بالفعل
حتى يتوهم ان الحجية المثبتة للتكليف مقدمة فى هذا المورد أى قيام الحجية على
النفى أيضا نظرا الى موافقتها للاحتياط هذا حيث لا ينافى نافى التكليف للاحتياط
وايّد المصنف الاحتياط فى المثبتات.
بقوله
: كيف يجوز الاحتياط فيها الخ.
أى كيف ينافى
مشكوك الاعتبار الاحتياط فى المسألة الفرعية والحال ان النافى المعلوم الاعتبار لا
ينافى الاحتياط فى المسألة الفرعية الحاصل ان مشكوك الحجية ليس باقوى من معلوم
الحجية فكما ان معلوم الاعتبار لا ينافى حسن الاحتياط بالفعل فكذلك مشكوك الاعتبار
لا ينافيه بطريق الاولى.
قوله
: فصل قد اشتهر الاشكال بالقطع بخروج القياس عن عموم نتيجة دليل الانسداد الخ.
قيد المصنف بحث
خروج القياس عن عموم النتيجة بناء على تقرير الحكومة بعبارة اخرى انما يرد الاشكال
فى خروج القياس عن عموم نتيجة دليل الانسداد بناء على تقرير الحكومة اذ لا اشكال
فى خروج القياس عن عموم النتيجة بناء على تقرير الكشف لان حجية الظن حينئذ تكون
بجعل الشارع فله اثبات حجية الظن فى بعض الظنون ونفيها عن بعض آخر حسب ما يقتضى
المصلحة فى نظره.
واما بناء على
تقرير الحكومة فلا يصحّ خروج القياس عن عموم نتيجة مقدمات الانسداد لان حكم العقل
لم يكن قابلا للتخصيص أى
لا فرق عند العقل
بين الظن القياسى وغيره فان المنع عن العمل بما يقتضيه العقل لا يصح ولو فرض صحة
النهى عن الظن القياسى لصح النهى عن غيره أيضا مع انّه لا يصحّ مثلا العقل حاكم
على حجية القطع ولا حق للشارع بالمنع فيها.
الظاهر انه يرد
الاشكال بخروج القياس عن عموم نتيجة دليل الانسداد بوجهين.
الاول : بخروج
الظن القياسى أى لا وجه لخروجه عن الحجية لعدم الفرق بين الظن القياسى وغيره عند
العقل.
والثانى : انه
يمكن النهى عن حجية ساير الامارات أى اذا جاء الاحتمال بطل الاستدلال ولا دافع
لهذا الاحتمال الا قبح ذلك على الشارع اذ احتمال صدور الممكن بالذات لا يرتفع الا
بقبحه مثلا النهى الشارع ممكن بالذات عن حجية الامارات ولا دافع لهذا النهى الا
قبح ذلك على الشارع فهذا ثابت فى نهى كل الامارات وأيضا ان القياس اذا ثبت حجيته
على تقرير الحكومة كان من افراد ما اشتهر من ان الدليل العقلى لا يقبل التخصيص.
قوله
: وانت خبير بانه لا وقع لهذا الاشكال بعد وضوح كون حكم العقل بذلك معلقا الخ.
هذا دفع الاشكال
الذى ورد بخروج القياس عن الحجية توضيحه ان خروج القياس شرعا لا ينافى استقلال
العقل بحجية الظن وذلك لوجود الحكمين للعقل احدهما تنجيزى والآخر تعليقى وهو ما
يكون منوطا بعدم نهى الشارع عن الظن بالخصوص فلو نهى الشارع عن العمل به لم يبق
موضوع لحكم العقل بحجية مطلق الظن فينتفى حكمه
حينئذ من باب
السالبة بانتفاء الموضوع وليس الموضوع باقيا وارتفع حكمه حتى يكون تخصيصا فى حكم
العقل.
بعبارة اخرى ان
موضوع حكم العقل فيما لم يكن فيه حكما للشارع فلما نهى الشارع عن العمل بالظن
القياسى فلم يبق الموضوع للظن القياسى على تقرير الحكومة قد ثبت خروج القياسى
تخصصا عن عموم نتيجة دليل الانسداد والجواب الآخر عن الاشكال ما اشار اليه المصنف.
بقوله
: وعدم حكمه به فيما كان هناك منصوب ولو كان اصلا الخ.
أى انما يحكم
العقل بحجية الظن بعد تمامية مقدمات الانسداد واما اذا نصب الشارع طريقا مثل نهى
الشارع عن العمل بالظن القياسى فلم تتم مقدمات الانسداد لصيرورة الباب العلمى
مفتوحا لان نهى الشارع عن الظن القياسى نزل منزلة الطريق المنصوب عنه بعبارة اخرى
لا حكومة للعقل مع امر الشارع ونهيه فلا اشكال فيهما مع لحاظ حكم العقل.
قوله
: نعم لا بأس بالاشكال فيه فى نفسه الخ.
هذا استدراك على
المذكور سابقا عند قوله وانت خبير بانه لا وقع لهذا الاشكال الحاصل انه اشكل فى
النهى عن القياس بوجهين وقد ذكر الوجه الاول مع دفعه واما الوجه الثانى من الاشكال
فقد ذكره.
بقوله
: نعم لا بأس بالاشكال الخ.
أى يرد الاشكال من
جهة نفس نهى الشارع عن العمل بالظن
الحاصل من القياس
اعنى اذا فرض اصابة الظن القياسى للواقع لم يصح نهى الشارع عنه لانه موجب لفوات
الواقع مثلا اذا قام الظن القياسى على وجوب الشىء أو حرمته وفرض كونه مصيبا للواقع
فالنهى عن العمل به يستلزم المحذور من فوات المصلحة أو الوقوع فى المفسدة فثبت
اشكال فى نفس نهى الشارع عن العمل بالظن القياسى كما يرد الاشكال فى امره فى هذا
المورد أى يصحّ الاشكال فى نفس الامر والنهى عن الشارع فى هذا المورد باستلزامهما
اجتماع الضدين أو المثلين أو غير ذلك أى يلزم تحليل الحرام أو تحريم الحلال.
قوله
: غاية الامر تلك المحاذير التى تكون فيما اذا اخطأ الطريق المنصوب الخ.
أى قد ذكر ان
النهى عن القياس مستلزم لاجتماع الضدين او المثلين فيما اذا اخطأ الطريق المنصوب وكذا
كانت هذه المحاذير فى الطريق المنهى عنه فى صورة الاصابة مثلا اذا قام القياس على
وجوب الشىء وكان فى الواقع كذلك يلزم اجتماع الضدين أى الوجوب الواقعى والحرمة
الجائية من قبل القياس فانه يجتمع المصلحة الواقعية مع المفسدة المفروضة فى العمل
بالقياس لكن لا دخل للاشكال الذى يرد فى صورة الاصابة فى الاشكال السابق على دليل
الانسداد بخروج القياس عن عموم نتيجة دليل الانسداد بناء على الحكومة وبيانه ان
الاشكال فى خروج القياس اشكال فى صحة النهى عنه من ناحية حكم العقل المنافى لهذا
النهى واما الاشكال الثانى انما يرد من ناحية صحة النهى فى نفسه.
قوله
: واستلزام امكان المنع عنه لاحتمال المنع عن امارة اخرى الخ.
هذا اشارة الى
الاشكال الثانى بناء على خروج القياس عن عموم نتيجة دليل الانسداد قد ذكر لا دافع
لنهى الشارع الا قبح ذلك عليه.
والجواب عن هذا
الاشكال ان الدافع ليس منحصرا فى قبح صدور ممكن بالذات بل ربما يحرز دفعه بطريق
آخر توضيح هذا الجواب ان احتمال المنع عن امارة اخرى لا دافع له اذا كان غيره من
سائر الامارات كافية ومع كفايتها لا يحكم العقل باعتبار تلك الامارة المحتملة
منعها لعدم استقلاله بحكم مع احتمال وجود المانع وعدم حاجة الى اعتبارها لوفاء
غيرها من الامارات بمعظم الفقه بل يحكم العقل حينئذ باعتبار غير تلك الامارة من
سائر الامارات الوافية بالفقه.
واما اذا لم تكن
تلك الامارة وافية فباب احتمال النهى عنها منسد لاهتمام الشارع بالاحكام وقبح
تفويتها.
قوله
: وقياس حكم العقل بكون الظن مناطا للاطاعة فى هذا الحال على حكمه بكون العلم
مناطا الخ.
قد ذكر الاشكال
الاول بخروج القياس عن عموم نتيجة الانسداد من ان حكم الظن فى حال الانسداد كحكم
القطع فى حال الانفتاح قد ذكر انّه ليس حق للشارع للتصرف فى القطع اثباتا ونفيا
فكذا حكم الظن فى حال الانسداد.
والجواب عن هذا
الاشكال ان الموضوع فى مسئلة القطع نفس
القطع أى ان القطع
تمام الموضوع ولكن الظن ليس تمام الموضوع بل هو موضوع مع انسداد باب العلمى وبقيام
الدليل على المنع ينتفى جزء الموضوع.
بعبارة اخرى ان
قياس الظن بالقطع قياس مع الفارق ضرورة ان حكم العقل فى القطع على نحو التنجز وفى
الظن على نحو التعليق أى حكم العقل فى باب الظن معلق على عدم النهى عن الشارع
قوله
: ثم لا يكاد ينقضى تعجبى لم خصصوا الاشكال بالنهى عن القياس الخ.
أى لا وجه لتخصيص
الاشكال على دليل الانسداد بناء على الحكومة بالنهى عن القياس المفروض افادته للظن
مع وحدة الملاك فيه وفى الامر بما لا يفيد الظن كاليد والسوق اى كما يكون النهى
منافيا لحكم العقل كذلك الامر فان العقل حاكم بقبح الاكتفاء بما دون الظن لكن فيما
اذا لم يأمر الشارع بالعمل بما لا يفيد الظن فلو امر بالعمل بما لا يفيده فلم يحكم
العقل بقبحه الحاصل ان نصب الطريق والنهى عنه لا فرق بينهما فى ان حكم العقل معلق
على عدم تصرف الشارع فلا مجال لتقرير الاشكال بالنسبة الى خصوص النهى عن القياس.
قوله
: قد انقدح بذلك انه لا وقع للجواب عن الاشكال الخ.
أى قد اشكل على
خروج القياس عن الحجية وقد اجاب الشيخ الاعظم عن هذا الاشكال بجوابين حاصل الجواب
الاول ان النواهى الشرعية عن القياس كاشفة عن كونه مخالفا للواقع غالبا فحينئذ لا
يلزم قبح فى النهى عنه لان قبحه اما من جهة كونه تفويتا للواقع
والمفروض عدمه
واما من جهة ان الظن القياسى بعد حصوله يكون قريبا الى الواقع فى نظر الظان فيقبح
النهى عنه بنظره وهو أيضا ممنوع وذلك لان الحكيم تردد امره بين فوات كثير من
الواقعيات وقليلها كما فى مورد القياس حسب الفرض فلا بد له من مراعات كثير من
الواقعيات وهى لا تكون الا بالمنع والا لزم فوات الكثير فحينئذ لا تكاد يكون الواقعيات
الموجودة فى مورد القياس فعلية للمزاحمة المذكور.
والجواب الثانى ان
النهى عن القياس موضوعى بمعنى وجود المفسدة فى سلوكه غالبة على مصلحة الواقع على
الاصابة وليس قبح فى هذا النهى ابدا لوجوب مراعات الاهم عند المزاحمة هذا جواب
الشيخ لدفع قبح النهى عن القياس.
اما صاحب الكفاية
فقد اشكل على الجوابين المذكورين بقوله بانه لا وقع للجواب عن الاشكال حاصله ان
الاشكال انما يكون بعد فراغ صحة النهى عن القياس فى نفسه فتصحيح النهى باحد الوجوه
المذكورة لا يرفع اشكال خروج القياس عن نتيجة دليل الانسداد بملاحظة حكم العقل
بحجية الظن فلا يصح النهى عن القياس بعد حكم العقل بحجية الظن ولا يجدى فى تفصى عن
الاشكال ما ذكره الشيخ من صحة المنع عن القياس فى نفسه بلحاظ كونه غالب المخالفة
للواقع أو لان العمل به مفسدة غالبة على مصلحة الواقع أى هذا الجواب لا يجدى فى
دفع الاشكال بلحاظ حكم العقل بحجية مطلق الظن.
قوله
واما ما قيل فى جوابه من منع عموم عنه فى حال الانسداد الخ.
وهذا جواب آخر عن
اشكال خروج القياس من عموم نتيجة مقدمات الانسداد ومراد ما قيل على الوجهين :
الاول انا نمنع عن
عموم المنع عن القياس فى حال الانسداد أى لا يصح المنع عن القياس فى حال الانسداد
وانما يصح المنع منه فى حال الانفتاح.
الوجه الثانى انا
نمنع حصول الظن منه لغلبة مخالفة الواقع فى العمل بالقياس بعبارة اخرى ان خروج
القياس عن عموم النتيجة تخصيصى لا التخصيصى لعدم جواز التخصيص فى حكم العقل فثبت
ان المنع القياس تخصيصي أى لعدم حصول الظن منه.
قوله
ففى غاية الفساد فانه مضافا الى كون كل واحد من المنعين غير سديد.
هذا اشكال على
جواب ما قيل أى ذكر بلفظ ما قيل الجواب عن اشكال خروج القياس عن عموم النتيجة قال
صاحب الكفاية واما ما قيل فى جوابه الخ ففى غاية الفساد.
حاصل الاشكال على
الجواب فيقال ان هذا الجواب فى غاية الفساد أى قال مصنف فانه مضافا الى كون كل
واحد من المنعين غير سديد والمراد منهما منع عن القياس فى حال الانفتاح وخروج
القياس تخصصا بعبارة اخرى قد منع حصول الظن من القياس قال صاحب الكفاية كل واحد من
المنعين غير سديد اما بطلان المنع الاول فلدعوى الاجماع على عموم المنع أى ثبت
الاجماع على منع القياس فى حال الانفتاح والانسداد فظهر بطلان قول المجيب لانه
اختص المنع عن القياس فى حال الانفتاح وايضا يعلم عموم
المنع من اطلاق
ادلة أى ادلة المنع عن القياس مطلقة بالنسبة الى الحال الانفتاح والانسداد وكذا
يعرف عموم المنع من علته مثل ان السنة اذا قيست محق الدين وهذه العلة تشمل المنع
عن القياس فى حال الانفتاح والانسداد.
قوله
وشهادة الوجدان بحصول الظن منه.
هذا اشارة الى
بطلان المنع الثانى والمراد منه ما قاله المجيب من منع حصول الظن من القياس قال
المصنف فى رده ان الوجدان شاهد بحصول الظن عن القياس فى بعض الاحيان بل ربما يحصل
منه القطع فى بعض الاحيان فظهر بطلان قول المجيب لانه منع من الحصول الظن عن
القياس.
قوله
لا يكاد يكون فى دفع الاشكال بالقطع بخروج الظن الناشى منه بمفيد الخ.
توضيحه ان اصل
الاشكال نشأ من القطع بخروج الظن ولا يفهم من قول المجيب القطع بخروج الظن القياسى
واما فى المنع الثانى فخروج القياس لاجل عدم حصول الظن فلا يكاد يكون قول المجيب
فى دفع الاشكال بمفيد بعبارة اخرى فلا يكاد يكون قول ما قيل فى دفع الاشكال بمفيد
لكن اذا فرضى احد المنعين أى لم يمنع من القياس فى حال الانسداد أو لا يفيد القياس
الظن هذا خارج عن فرض الاشكال أى لو سلمنا المنعين المذكورين لزم الخروج عن مورد
البحث هو فرض اشكال خروج القياس مع افادته الظن وحرمة العمل به حال الانسداد ايضا
فظهر من البيان المذكور ان قول
المجيب لا يفيد
لدفع الاشكال الذى هو القطع بخروج القياس عن عموم نتيجة دليل الانسداد.
الظن المانع والممنوع
قوله
فصل اذا قام ظن على عدم حجية ظن بالخصوص فالتحقيق ان يقال.
والمراد من هذا
الفصل بيان ما اذا منع الظن عن العمل بالظن المخصوص فهل يحكم بحجية المانع أو
الممنوع أو التساقط أو يلاحظ الاقوائية فى غير ما كان الممنوع مطابقا للاحتياط
اللازم والا فيؤخذ بالممنوع فيصير الاقوال فى هذه المسألة على اوجه ذهب الى الاول
جمع من المحققين أى حكموا بحجية المانع واختار صاحب الكفاية هذا القول حيث قال
فالتحقيق ان يقال الخ.
انه لا استقلال
للعقل بحجية الظن اذا احتمل المنع عنه فضلا اذا ظن فيقدم الظن المانع على الممنوع
كما ذكر فى باب الاستصحاب ان الاستصحاب السببى مقدم على الاستصحاب المسببى من باب
الحكومة أو الورود والظاهر ان الظن المانع من قبيل الاصل السببى والظن الممنوع من
قبيل الاصل المسببى فثبت من هذا البيان حجية الظن المانع لا الممنوع لان الظن لا
يكون حجة مع احتمال المنع فضلا مع ظن المنع منه قد ذكر هذا فى الفصل السابق حيث
قال ضرورة عدم استقلاله بحكم العقل مع احتمال وجود مانعه على ما يأتى تحقيقه فى
الظن المانع والممنوع.
قوله
فلا بد من الاقتصار على ظن قطع بعدم المنع عنه الخ.
هذا بيان لعدم
استقلال العقل بحجية الظن الذى احتمل المنع
عنه فضلا عما اذا
ظن المنع عنه فان كفى هذا الظن لاثبات الاحكام فهو المطلوب وان لم يكف هذا الظن فى
زمان الانفتاح يضم اليه الظن الذى لا يظن المنع عنه وان احتمل أى وان احتمل المنع
عن بعض الظنون بلحاظ حال الانفتاح فان ذلك الاحتمال مانع عن حجية هذا الظن فى حال
الانفتاح لا فى حال الانسداد لعدم اعتناء فى حال الانسداد باحتمال المنع كما قال
المصنف وذلك ضرورة انه لا احتمال مع الاستقلال حسب الفرض أى انه مع مقدمات
الانسداد ينسد باب احتمال المنع عن بعض الظنون.
قوله
فصل لا فرق فى نتيجة دليل الانسداد بين الظن بالحكم من امارة عليه الخ.
والمقصود من هذا
الفصل التنبيه على ان مقتضى انتاج مقدمات الانسداد حجية الظن بمناط اقربيته الى
الواقع وقبح ترجيح المرجوح على الراجح فالغرض هو حجية الظن مطلقا سواء تعلق بالحكم
الشرعى بلا واسطة ام معها بيان ذلك بعبارة واضحة ان الظن بالحكم الحاصل من امارة
كالخبر الواحد أو الاجماع حجة بدليل الانسداد لكونه اقرب الى الواقع بعد تعذر
احرازه بالعلم فنقول لا فرق فى حجية هذا الظن وبين تعلقه بالحكم الشرعى بلا واسط
كنقل الراوى عن الامام (ع) وجوب صلاة الجمعة وبين تعلقه بالحكم الشرعى مع الواسطة
أى بتوسط امارة اخرى غير الامارة الدالة على نفس الحكم كالامر بالتيمم بالصعيد فى
قوله تعالى (فَتَيَمَّمُوا
صَعِيداً طَيِّباً) وشككنا فى هذا الامر فى جواز التيمم بمطلق وجه الارض
الشامل للحجر وفرضنا انسداد باب العلم
والعلمى بجوازه
فاذا قال اللغوى الصعيد هو مطلق وجه الارض وفرضنا افادة كلامه للظن فانه يحصل
حينئذ لنا الظن بالحكم الشرعى وهو جواز التيمم بمطلق وجه الارض لكن بواسطة قول
اللغوى باستعمال الصعيد فى مطلق وجه الارض.
فقول اهل اللغة
حجة اذا انسد باب العلم فى اللغات فى مورد كلفظ الصعيد فى المثال المتقدم أى كان
قول اللغوى حجة فى هذا المورد اذا ورث الظن بالحكم الشرعى مع انسداد باب العلم فى
الاحكام ولو فرض انفتاح باب العلم باللغة فى غير ذلك المورد اذ المناط فى حجية
الظن بالحكم الشرعى الثابت بدليل الانسداد فى مورد كلفظ الصعيد هو تحقق الانسداد
ولو فى خصوص ذلك المورد.
قوله
نعم لا يكاد يترتب عليه اثر آخر من تعيين المراد فى وصية أو اقرار.
قد ذكر ان الملاك
كل الملاك فى حجية الظن المطلق هو انسداد باب العلم والعلمى فى الاحكام لا
الانسداد فى اللغة أى لا يضر فى حجية الظن فى الاحكام انفتاح باب العلم فى اللغة
كما اشار اليه صاحب الكفاية بقوله ولا يخفى ان اعتبار ما يورث الظن لا يختص ظاهرا
بما اذا كان مما ينسد فيه باب العلم فقول اهل اللغة حجة الخ.
واعلم ان حجية
الخبر تقتضى الاركان الثلاثة وهى عبارة من كون الراوى ثقة وكون الخبر ظاهر الدلالة
وكونه لبيان الحكم الواقعى واما ادلة حجية الخبر فتثبت السند لكن الظهور انما يثبت
بالاصل العقلائى
والمراد منه هو ظاهر كلام كل متكلم أى الاصل والظاهر هو عدم كذبه وعدم التقية فى
كلامه واما الظن فانما يثبت السند لا الظهور ولا بد من احرازه وجدانا بعد بيان هذه
الجملة المعترضة يشرع فى توضيح كلام المصنف.
نعم
لا يكاد يترتب عليه اثر آخر الخ.
أى محل البحث انما
يكون فى الحكم الكلى فالحكم الذى يحصل للمجتهد الظن به هو حكم كلى مثلا يحصل من
الاجماع المنقول الظن بوجوب صلاة الجمعة هذا حكم كلى أو يحصل الظن على الحكم
الشرعى مع الواسطة اعنى يحصل اولا الظن فى ألفاظ التى ذكرت فى الآيات والروايات
كلفظ الصعيد الذى ذكر فى الروايات يحصل الظن بكونه مطلق وجه الارض فيحصل بعد هذا
الظن ـ الظن بالحكم الشرعى أى جواز التيمم به.
لكن لا يحصل من
مقدمات الانسداد الظن على الموضوعات الخارجية أى لا يتعين فى مثل الوصية والاقرار
فلا يثبت حجية الظن من دليل الانسداد فى الموضوعات الجزئية لاختصاص دليل الانسداد
بالاحكام الكلية فلا يثبت حجية الظن فى باب الوصية والاقرار كما اذا اوصى شخص بان
يعطى كثير من امواله لفلان أو أقر بأن بعض عقاره لفلان فان الظن يتعلق بهما بواسطة
قول اللغوى لا يكون حجة بل يتوقف حجيته فى الموضوعات ذوات الآثار على قيام دليل
غير دليل الانسداد أى يثبت حجية الظن فى الموضوعات الخارجية اذا ثبت حجية مطلق
الظن بالدليل الخاص او ثبت حجية الظن من قول اللغوى بدليل خاص.
قوله
ومثله الظن الحاصل بحكم شرعى كلى من الظن بموضوع خارجى.
أى ومثل الظن
الحاصل بالحكم من امارة متعلقة بالفاظ الآية أو الرواية الظن الحاصل بحكم شرعى كلى
من الظن بموضوع خارجى كالظن الحاصل من قول الرجال فى توثيق بعض الرواة وكذا فى
تعيين المشتركين فى اسم واحد كتعيين ان زرارة الواقع فى سند كذا ابن اعين على وزن
احمد ووجه اعتبار هذا الظن ما تقدم من ان دليل الانسداد هو حجية الظن بالحكم
الشرعى الكلى سواء تعلق بالظن بالواقع بلا واسطة أو مع الواسطة مثلا اذا ظن بان
راوى الخبر هو زرارة ابن اعين لا آخر ثبت حجية ظن الحاصل من هذا الخبر فى الحكم
الكلى.
قوله
فانقدح ان الظنون الرجالية مجدية فى حال الانسداد الخ.
هذا الكلام اشارة
الى ان الظن الحاصل من قول الرجالى حجة بدليل الانسداد من دون حاجة الى تكلف اثبات
حجيته من باب الشهادة أو الرواية نعم فى باب الانفتاح لا بدّ فى اثبات حجيته من
الالتزام بكونه من باب الشهادة أو الرواية أو لاجل الوثوق والاطمئنان بقوله.
واعلم ان الشهادة
عبارة من اخبار ازيد من واحد أى اثنين او اربعة حسب اختلافات المقامات والرواية
عبارة عن اخبار واحد او ازيد فكل ما قام الدليل على اعتباره بشرط تعدد يسمى شهادة
وكل ما قام الدليل على اعتباره لا بشرط يسمى رواية اذا عرفت ذلك.
واعلم ان الشهادة
عبارة من اخبار ازيد من واحد اى اثنين او أربعة حسب اختلافات المقامات والرواية
عبارة عن اخبار واحد أو ازيد فكل ما قام الدليل على اعتباره بشرط تعدد يسمى شهادة
وكل ما قام الدليل على اعتباره لا بشرط يسمّى رواية اذا عرفت ذلك.
فاعلم انه بناء
على الانسداد لا حاجة الى مئونة اقامة البرهان على قول الرجال من باب الشهادة وكذا
لا حاجة الى اقامة البرهان على اعتبار قول الرجال من باب الرواية الحاصل ان الظن
من قول الرجالى حجة لما تقدم آنفا من عدم فرق العقل بين اسباب الظن ويكون قول
الرجالى محققا لموضوع حكم العقل.
قوله
: تنبيه لا يبعد استقلال العقل بلزوم تقليل الاحتمالات المتطرقة الى مثل السند
الخ.
واعلم ان استكشاف
الحكم الشرعى من الخبر يتوقف على حفظ جهات ثلاثة الصدور والدلالة ووجهة الصدور
توضيحه انه لا بد فى تمسك بالخبر وفهم مراد الشارع منه احراز امور الثلاثة : احدها
اصل الصدور : والثانى الدلالة على المراد وعدم اجمال الخبر : ثالثها جهة الصدور
اعنى احراز انه صدر لبيان الحكم الواقعى لا لتقيّة بعبارة اخرى ان ما فى ضمير
المولى هو جهة الصدور والظاهر ان احراز هذه الامور فى ظرف الانفتاح لا بدّ ان يكون
بالعلم او العلمى ولا يكفى احرازها بالظن المطلق فاذا ورد فى سند رواية عن فلان
فلا بدّ من تحصيل الوثوق بانه ثقة وهكذا الكلام بالنسبة الى دلالة الخبر وجهة
صدوره أى فى
حال الانفتاح لا
بدّ ان يكون احرازهما بالعلم أو العلمى لكن محل البحث هو زمان الانسداد أى هل ينزل
فيه من العلم الى مطلق الظن ولو كان الرجوع الى المرتبة الضعيفة.
أم يكون اللازم
تحصيل المرتبة القوية وهى الموجبة للاطمئنان وجعل الاحتمال الآخر المخالف للظن
ضعيفا اختار المصنف وجوب تقليل الاحتمال والاخذ بخصوص الاطمئنان وذلك لانه بناء
على كون نتيجة مقدمات الانسداد حجية الظن من باب الحكومة لا يبعد استقلال العقل
على تقليل الاحتمالات المتطرقة فى السند أو غيره مثلا اذا ظن بان زرارة الراوى هو
ابن اعين وكان احتمال انه ابن لطيفة ناشئا من احتمال امور يمكن سد بعضها بالحجة من
علم أو علمى حتى يصير الظن بانه ابن اعين فمقتضى القاعدة وجوب سد باب الاحتمال لان
العقل حاكم بكفاية خصوص الظن الاطمئنانى لانه اقرب الى الواقع من غيره فمع التمكن
منه لا تصل النوبة الى غيره من الظنون الضعيفة فعلى هذا يجب تقليل الاحتمال.
بعبارة اخرى انه
يعمل فى حال الانسداد بالظن ولكن ان امكن سد باب الاحتمال فليسد أى ان امكن سد
احتمالات المتطرقة فيجب واما مع وجود هذه الاحتمالات فالعقل يحكم بالعمل على قدر
المتيقن.
الحاصل انه اذا
امكن صيرورة المورد من باب العلم أو العلمى فلا يجوز العمل بالظن بعبارة شيخنا
الاستاد بايد حتى الامكان احتمالات منسد شود اگر مى تواند بعض جهات را علم ويا
علمى نمايد نه آنكه راحت بخوابد بلكه آنچه ممكن است زحمت بكشد.
قوله
: فصل انما الثابت بمقدمات الانسداد فى الاحكام هو حجية الظن فيها الخ.
قد ذكر ان مقدمات
الانسداد تجرى لاثبات الحكم الكلى واما فى مقام الامتثال وفراغ الذمة فلا بد من
تحصيل العلم أو العلمى ولا يكفى الظن فى مقام الامتثال.
توضيحه ان الحكم
الواقعى ينجز بالعلم والعلمى واذا لم يكونا صار منجزا بالظن واما فى مقام الامتثال
وفراغ الذمة فلا بد من العلم فلا ربط للظن فى مقام التفريغ عن الواقع المنجز فحجية
الظن فى مرحلة الامتثال منوط بالعلم فالظن بالواقع المنجز لا يكفى فى فراغ الذمة
ولا يحصل بهذا الظن الامن من العقوبة بل يحسن المؤاخذة فى صورة الخطاء وعدم
الاصابة.
ويذكر هنا مثال
للتوضيح مثلا اذا علم بانه اتى فى اول الوقت بصلوة وبعد مضى صلاة الجمعة حصل الظن
له بانه أتى بها بعنوان صلاة الجمعة لا صلاة الظهر فلا يكفى بها بل عليه تحصيل
اليقين باتيان الواقع المنجز الحاصل ان الظن فى التطبيق لا يفيد تحصيل الواقع مثل
الظن فى وجوب صلاة الجمعة فى يومها لا يكفى فى اتيانها بل لا بدّ من العلم او
العلمى باتيانها.
قوله
: نعم ربما يجرى نظير مقدمات الانسداد فى الاحكام فى بعض الموضوعات الخارجية الخ.
هذا استدراك من
عدم حجية الظن فى الموضوعات الخارجية كالاتيان والانطباق والغرض من هذا اثبات حجية
الظن فى بعض الموضوعات بالمقدمات التى تشبّه مقدمات الانسداد فى الاحكام
وذلك يتحقق فى
موضوع ثبت له الاحكام الشرعية كالضرر الذى انيط به بعض الاحكام بعبارة اخرى اذا
وقع الضرر موضوعا للحكم الشرعى ثبت له الحكم الشرعى مثلا الصوم اذا كان ضرريا وجب
الافطار وكذا القيام فى الصلاة اذا كان ضرريا جاز اتيان الصلاة جالسا.
الحاصل ان الشارع جعل
الضرر موضوعا للحكم الشرعى فى أكثر الموارد ولا يخفى انه ليس علم لنا فى وقوع
الضرر بل حصل لنا الظن بوقوع الضرر فيكفى هذا الظن فى مقام الامتثال وهذا ثابت فى
المورد الذى اهتم به الشارع فيجعل باهتمام الشارع موضوعا للحكم الشرعى مثلا اذا شك
فى اللباس على انه من الحيوان المأكول او غيره فان حصل الظن بكونه غير مأكول فلا
يجوز الصلاة فى هذا اللباس لان هذا الظن حجة وان حصل الظن بكونه من جلد الحيوان
المأكول يجوز الصلاة فى هذا اللباس فيكفى الظن فى الفراغ والامتثال فى الموضوع
الذى اهتم به الشارع.
قد ذكر ان الظن
مقتضى للحجية لا العلة التامة وأيضا ذكر ان الظن حجة لاثبات الحكم الكلى لا فى
الموضوعات الخارجية وقال بعض ان الظن حجة فى مقام فراغ الذمة والامتثال ولعل مراده
دفع الضرر المحتمل أى كان دفع الضرر عنده واجبا لكن الحق عدم حجية الظن فى مقام
الاثبات وفراغ الذمة الا اذا قام الدليل الخاص عليها قال شيخنا الاستاد ان الموضوع
فى الموارد المذكورة هو خوف الضرر والخوف من الامور الوجدانية لم يكن قابلا للشك
والظن.
وقد ذكر فى العروة
الوثقى ان شك شخص فى ان حاله شك أو ظن وبعبارة اخرى اذا شك فى كونه ظانا أو شاكا
بنى على كونه شاكا فقد ذكر هنا ان هذا لا يصحّ لان الشك والظن من الامور الوجدانية
وكذا فى مقام البحث فان الموضوع للحكم الشرعى هو الخوف وهو من الامور الوجدانية لم
يكن قابلا للشك والظن.
قوله
: خاتمة يذكر فيها امران استطرادا الاول هل الظن كما يتبع عند الانسداد عقلا فى
الفروع العملية الخ.
أى يذكر فى
الخاتمة امران من باب الاستطراد بعبارة اخرى يذكر امران من باب الكلام يجر الكلام
مثلا كان البحث فى حجية الظن فى الاحكام الشرعية ويذكر حجية الظن عند الانسداد فى
الاصول الاعتقادية استطرادا توضيح ذلك ان الظن الانسدادى كما يكون حجة فى الاحكام
الفرعية هل يكون حجة فى الاصول الاعتقادية حال انسداد باب العلم بها ام لا يحتاج
وهذا البحث الى بيان الاصول الاعتقادية واعلم انها على قسمين :
احدهما ما يكون
متعلق الوجوب فيه نفس عقد القلب والالتزام بما هو فى الواقع ونفس الامر من دون ان
يتعلق تكليف بلزوم تحصيل المعرفة.
وثانيهما ما يكون
متعلق الوجوب العلم والمعرفة بالاصول ويكون الاعتقاد عن علم.
اما القسم الاول
فانه لا مجال لاعتبار الظن فيه ضرورة انه لا يعتبر فيها العلم حتى يقوم الظن مقامه
مع انسداده فان المطلوب فيه هو الاعتقاد والتسليم يحصل بدون العلم والظن ضرورة حصول
الانقياد بمجرد
عقد القلب على الامر الاعتقادى على ما هو عليه فى الواقع فيحصل المطلوب فى الامور
الاعتقادية فيكفى فى هذا القسم العقد القلبى ولا يشترط فيه العلم والمعرفة لكن فى
القسم الثانى يلزم تحصيل العلم والمعرفة مثلا يلزم تحصيل العلم والمعرفة بالوحدانية
والنبوة فلا يتبع الظن فى الاصول الاعتقادية عند انسداد باب العلم والعلمى ولا
يخفى ان القسم الاول منها لا يحتاج الى تحصيل العلم والمعرفة واما القسم الثانى
وان لزم فيه تحصيله فلم يتبع فيه الظن عند الانسداد بل لزم فيه تحصيل العلم
والمعرفة.
الحاصل انه لا
اعتبار للظن فى كلا قسمى الاصول الاعتقادية قد ذكر المصنف الفرق بين الاحكام
الفرعية والاصولية حاصله ان متعلق الاحكام الفرعية هو عمل الجوارح واما متعلق
الاصول الاعتقادية فهو عمل الجوانح فظهر ان التكليف على القسمين احدهما مال القلب
وثانيهما مال الجوارح وايضا التكليف الجوانحى على القسمين الاول ما يلزم فيه
الاعتقاد وعقد القلب والثانى ما يلزم فيه تحصيل العلم والمعرفة كالمسألة التوحيد
ومعرفة الواجب تعالى ومعرفة الانبياء وكذا معرفة الامام عليهالسلام.
وهنا بحث آخر وهو
هل يكون للامام عليهالسلام الولاية التكوينية ام لا بعبارة اخرى هل يكون واسطة فى
الفيض ام لا اذا كان له هذه الولاية فهو قادر باذن الله على التصرف فى الارض
والسماء قد ثبت هذه الولاية فى الكتب المعتبرة وقد ظهر الى هنا ان الاصول
الاعتقادية لا تثبت بالظن فلا بد فى اثبات هذه الاصول من الدليل العقلى أو الاخبار
المتواترة.
واعلم ان النسبة
بين العلم وعقد القلب اعم من وجه ومادة افتراق عن جانب العلم قوله تعالى (وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها
أَنْفُسُهُمْ) سورة ٢٧ ـ آية ١٤. والمراد هنا هو الانكار القلبى اى انكار
النبوة قلبا بعبارة اخرى لم يكن لهم عقد القلب وكان لهم العلم والقطع بها وان كان
العلم عين العقيدة للزم ان يكون الكفار كلهم مستحقين للجنة لانهم علموا بالنبوة مع
عدم عقد القلب فيهم والظاهر انهم لم يكونوا مستحقا للجنة فعلم من هذا البيان ان
العلم لم يكن عين العقيدة وكذا الرضا هو غير العلم وعقد القلب.
قول
نعم يجب تحصيل العلم فى بعض الاعتقادات الخ.
أى قد ذكر ان عقد
القلب كاف فى بعض الاعتقادات ولا يتبع الظن فيه عند الانسداد واما فى الاحكام
الفرعية فيعمل بالظن عند الانسداد فى مورد عدم امكان الاحتياط أو كونه موجبا للعسر
والحرج واما فى الاعتقاديات فالاحتياط ممكن أى يجب الاعتقاد بما هو الواقع وعند
الله بعبارة شيخنا الاستاد در اعتقاديات چرخ نمى خوابد بسبب امكان الاحتياط فلا
نحتاج الى العمل بالظن لكن فى بعض الاعتقاديات يجب تحصيل العلم والمعرفة كمعرفة
الواجب تعالى ومعرفة انبيائه.
فيبحث هنا ان هذا
الواجب واجب نفسى أو غيرى قال المصنف انه وجوب المعرفة نفسى من باب شكر المنعم أى
العلم والمعرفة هو شكر المنعم فثبت الى هنا ان وجوب المعرفة نفسى كمعرفة الواجب
تعالى ومعرفة انبيائه وكذا معرفة الامام عليهالسلام على وجه الصحيح لانه واسطة فى الفيض كالنبى والظاهر ان
معرفة
النبى والامام شكر
فتجب من باب الشكر الظاهر ان الانبياء واسطة فى الفيض وكذا الامام لذا معرفتهم
الواجب النفسى اذا لم يكن للانسان المعرفة فلا فرق بينه وبين غيره من افراد
الحيوان.
واعلم ان المعرفة
كمال للنفس وتصيرها نورانيا بعبارة اخرى ان كمال النفس موقوف بالمعرفة فظهر ان
معرفة الواجب تعالى ومعرفة انبيائه واجب نفسى عقلا وكذا معرفة الامام على وجه صحيح
واما على وجه غير الصحيح فمعرفة الامام (ع) واجب شرعى كما ادعى دلالة الروايات
المدعى تواترها مثل من مات ولم يعرف امام زمانه مات ميتة جاهلية.
قوله
وما لا دلالة على وجوب معرفته بالخصوص لا من العقل ولا من النقل كان اصالة البراءة
من وجوب معرفته محكمة.
أى اذا شك فى وجوب
المعرفة فيما لم يثبت وجوبها عقلا ولا شرعا فاصالة البراءة محكمة قد استدل
القائلون بوجوب المعرفة فى المورد المشكوك بالادلة المتعددة.
الاول من خطب امير
المؤمنين (ع) اول الدين معرفته وكمال معرفته التصديق به قد استعمل الكمال على
المعنيين.
الاول هو سبب
لوجود الشىء أى اذا لم يكن الكمال فلم يوجد هذا الشىء مثلا الرأس والوجه كمال
الانسان اذا لم يكن فلم يوجد الانسان.
الثانى ان الكمال
يجيء بعد وجود الشىء مثلا ان العلم صفات الكمال يجيء بعد وجود الشخص بعبارة اخرى
ان العلم عارض على الانسان والمراد فى مقام البحث هو المعنى الاول فثبت ان
العلم كمال فيجب
عقلا.
الدليل الثانى
قوله تعالى (وَما خَلَقْتُ
الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) تقريب الاستدلال بالآية الشريفة بعد البناء على تفسير يعبدون
بيعرفون كما حكى اتفاق المفسرين عليه : ان الغاية المطلوبة من الخلقة هى معرفة وهى
مطلقة ومقتضى اطلاقها عدم اختصاص وجوبها بذاته تعالى وبصفاته وبالنبى والامام عليهماالسلام كما تقدم ففى كل مورد شك فى وجوب تحصيل المعرفة فيه يتمسك
بالاطلاق.
الثالث قوله صلىاللهعليهوآله وما اعلم شيئا بعد المعرفة افضل من هذه الصلوات الخمس وجه
الاستدلال ان الصلوات الخمس واجبة جعلت متأخرة عن المعرفة فيعلم من وجوبها وجوب
المعرفة فمقتضى اطلاقه جواز التمسك فى موارد الشك فى وجوب المعرفة قال صاحب
الكفاية ولا دلالة لمثل قوله تعالى (وَما خَلَقْتُ
الْجِنَّ وَالْإِنْسَ) الخ.
أى قال صاحب
الكفاية لا يصلح هذا لوجوب المعرفة مطلقا وكذا النبوى لا يدل على وجوب المعرفة
مطلقا واما الآية الشريفة فلان المعرفة تختص به تعالى لا تعم غيره لان النون فى لا
يعبدون للوقاية وقد حذف ياء المتكلم فلا اطلاق فيه حتى يستدل به على وجوب المعرفة
مطلقا واما النبوى فلانه ليس فى بيان حكم المعرفة حتى يكون له اطلاق يؤخذ فى مورد
الشك فى وجوب المعرفة بل انما هو بصدد بيان فضيلة الصلوات الخمس وانها افضل سائر
الواجبات بعد المعرفة وكذا آية النفر لا تدل على وجوب المعرفة أى ليست بصدد بيان
موضوع التعلم حتى يكون اطلاقه قاضيا
بعدم الاختصاص
ببعض الموارد بل انما هى بصدد بيان ما يجعل وسيلة الى التفقه.
قد بقى البحث من
السابق وهو ان وجوب المعرفة اما ان يكون من باب شكر المنعم فهو واجب نفسى قد مرّ
تفصيله واما يكون واجبا غيريا أى كان وجوب المعرفة غيريا من باب دفع ضرر المحتمل
أى وجوب المعرفة كان مقدمة لدفع الضرر
ويذكر هنا لتوضيح
وجوب المعرفة من باب دفع ضرر المحتمل كلام امير المؤمنين (ع) حاصله سئل الشخص
الملحد عنه (ع) لم تتحملوا هذه المشقة من الصلاة والصوم وافعال اخرى قال (ع) فى
الجواب ان كانت هذه الافعال مطابقة للواقع فنحن ندرك المرتبة العليا وان لم تكن
مطابقة للواقع فلا ضرر لنا.
بعبارة شيخنا
الاستاد شخص ملحد نزد على (ع) آمد گفت اين چه كارى است كه شما وقت خود را به مشقت
مى گذرانيد حضرت در جواب فرمود من اين كار را انجام مى دهم اگر درست از كار برآمد
اين حرفهاى من پس فائده كرده ام والا ضرر ندارد.
فثبت وجوب المعرفة
اما من باب شكر المنعم فهو واجب نفسى واما من باب دفع الضرر المحتمل فهو واجب
غيرى.
قوله
انه لا يجوز الاكتفاء بالظن فيما يجب معرفته عقلا أو شرعا الخ.
كان البحث فى
الاصول الاعتقادية قد ذكر انه يجب المعرفة فى الموارد الثلاثة أى التوحيد والنبوة
والامامة اعنى ان وجوب المعرفة فى الموارد المذكورة عقلى واما وجوب المعرفة فى غير
هذه الموارد شرعى
قد ذكر ان اصالة البراءة من وجوب المعرفة فى مورد الشك محكمة.
واما الشيخ فقد
استدل لوجوب المعرفة بالادلة العامة كقوله تعالى (ما خَلَقْتُ الْجِنَّ
وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) قد ثبت ان وجوب المعرفة تابع للدليل ولا يجوز قيام الظن
مقام العلم فى الاصول الاعتقادية بل لا بد الاعتقاد بما هو الواقع عند انسداد باب
العلم قال صاحب الكفاية انه لا يجوز الاكتفاء بالظن فيما يجب معرفته عقلا لان الظن
ليس بمعرفة عقلا واما مع العجز عن تحصيل المعرفة فكان معذورا ولزم الاعتقاد بما هو
واقع هذا اذا كان عن قصور لغفلة أو لغموضية المطلب أى بعده عن الذهن مع قلة
الاستعداد واما اذا كان الجهل عن تقصير فى الاجتهاد ولو لاجل حب الآباء والاجداد
لان حب الشىء يعمى ويصم كما يقال قال فخر رازى وان كنت عالما بحقية على ولكن حب
الآباء والاجداد يمنع من اطاعته هذا حكم الجاهل المقصر واما اذا كان الشخص جاهلا
قاصرا جاز له الاكتفاء بالظن فى الاصول الاعتقادية.
قوله
والمراد من المجاهدة فى قوله تعالى (وَالَّذِينَ جاهَدُوا
فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا).
هذا جواب عن
الاستدلال بالآية المذكورة على عدم وجود القاصر وجه الاستدلال ان الآية الشريفة
تدل على انه من جاهد فى سبيله تعالى بتحصيل المعرفة بالله وانبيائه واوليائه فقد
هداه الله تعالى وجعل له مخرجا الحاصل ان المكلف اما عالم مؤمن وهو المجاهد فى
سبيل ربه لتحصيل المعرفة واما الجاهل المقصر فهو
كافر وتارك
للمجاهدة بتحصيل المعرفة.
توضيح الجواب عن
هذا الاستدلال على مذهب صاحب الكفاية ان المراد بالمجاهدة هو جهاد النفس بتخلية
النفس عن الرذائل وتحليتها بالفضائل ومن المعلوم انه تعالى وعده بهدايته لسبيله
لانه قد سلك اليه ولا خلف لوعده تعالى وليس المراد من المجاهدة فى الآية الشريفة
الاجتهاد والنظر فى المطالب العلمية حتى تكون المجاهدة مؤدية الى الواقع ولا يقع
فيها الخطاء اصلا اذ لو كان المقصود من المجاهدة النظر فى المطالب العلمية لزم
بمقتضى قوله تعالى (لَنَهْدِيَنَّهُمْ
سُبُلَنا) اصابة الاجتهاد بالواقع دائما مع وضوح التخلف فى كثير من
الاجتهادات وهذا التخلف شاهد على ان المقصود من الآية المباركة هو الحث على مجاهدة
النفس بترك العمل بمشتهياتها لا الترغيب على خصوص تحصيل العلم.
قوله
ثم لا استقلال للعقل بوجوب تحصيل الظن مع اليأس عن تحصيل العلم الخ.
أى استدل بعض على
وجوب تحصل الظن فى اصول الدين عند انسداد باب العلم حاصل هذا الاستدلال ان العقل
يستقل بلزوم تحصيل الظن.
واجاب المصنف عن
هذا الاستدلال بقوله ثم لا استقلال العقل بوجوب تحصيل الظن الخ حاصله انه مع
انسداد باب العلم فى الامور الاعتقادية لا موجب للتنزل الى الظن فيها لامكان عقد
القلب على ما هو واقعها فيها وعليه فلا استقلال للعقل بحجية الظن فى الاعتقاديات
وهذا بخلاف الامور العملية فان امتثال الاحكام الفرعية
موقوف على العلم
بمطابقة العمل لمتعلق الحكم واما فى زمان الانسداد فيرجع الى الظن.
قوله
كذلك لا دلالة من النقل على وجوبه الخ.
هذا معطوف على
قوله لا استقلال للعقل بلزوم تحصيل الظن مع اليأس عن تحصيل العلم فى الاعتقاديات
كذلك لا دلالة للنقل على وجوب تحصيل الظن عند تعذر العلم بل فى النقل ما يدل على
عدم الجواز بالرجوع الى الظن عند الانسداد وهو ما دل على النهى عن متابعة الظن.
قوله
لا يصغى الى ربما قيل بعدم وجود القاصر الخ.
قد سبق وجه بطلان
هذا القول فيما سبق عند قوله والمراد من المجاهدة فى قوله تعالى : (وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ
سُبُلَنا) هو المجاهدة مع النفس بتخليتها عن الرذائل حاصل كلام
المصنف هناك ان المراد بالمجاهدة هو جهاد النفس الموصوف فى الاخبار بالجهاد الاكبر
بتخلية النفس عن الرذائل ومن المعلوم انه تعالى وعده بهداية لسبيله وليس المراد من
المجاهدة فى الآية الشريفة الاجتهاد والنظر فى المطالب العلمية التى منها اصول
الدين حتى يكون المجاهدة مؤدية الى الواقع ولا يقع فيها الخطاء اصلا اذا كان الامر
كذلك ثبت فى المكلفين الجاهل القاصر لكن ثبت معذوريته وعدم عقابه.
قوله
الثانى الظن الذى لم يقم على حجيته دليل يجبر به ضعف السند أو الدلالة الخ
هذا هو الامر
الثانى من الأمرين الذين ذكرهما استطرادا
واعلم ان الظن على
ثلاثة اقسام الاول ما قام الدليل على حجيته الثانى ما قام الدليل على عدم حجيته
الثالث ما لم يقم الدليل على حجيته ولا على عدم حجيته وكان عدم اعتباره بمقتضى
الاصل الاولى المقتضى لحرمة العمل بالظن من دون قيام الدليل على حجيته لا بالخصوص
ولا بدليل الانسداد حتى يخرج من تحت الاصل الاولى هذا كالشهرة فى الفتوى والاولوية
الظنية والاستقراء أى لم يقم الدليل على حجية هذه الظنون.
فقد اختلفوا فيه
بان هذا الظن غير المعتبر هل يكون جابرا لضعف الرواية أو دلالتها أى بحيث يوجب
حجية الرواية سندا أو دلالة أو يكون موهنا لهما مثلا اذا كان الخبر صحيحا ولكن قام
الظن غير المعتبر على خلافه فهل هذا الظن موهن لصحته وكاسر لسورة حجيته او يكون
مرجحا لأحد متعارضين اذا كان على طبق أحدهما أم لا يكون كذلك أى لا يكون مرجحا
لاحدهما.
قوله
: ومجمل القول فى ذلك ان العبرة فى حصول الجبران الخ.
أى مجمل ما افاده
المصنف فى هذا المقام ان المعيار فى الجبران هذا الظن غير المعتبر هو كونه موجبا
لاندراج ما يوافقه من الخبر تحت دليل الحجية فان اوجب اندراجه فى دليل الحجية كان
جابرا له مثلا اذا كان هناك خبر ليس بنفسه مظنون الصدور وفرضنا ان موضوع دليل
الاعتبار هو الخبر المظنون الصدور مطلقا أى سواء حصل الظن بالصدور من نفس السند
لوثاقة الرواة أم من غير السند كالظن غير المعتبر المبحوث عنه فى المقام الموافق
للخبر المذكور كانت موافقة هذا الظن لهذا الخبر جابرة لضعف سنده لانها موجبة
لاندراج الخبر المذكور تحت موضوع
دليل الاعتبار.
وكذا ترجيح مضمون
احد الخبرين المتعارضين على الآخر فان المعيار أيضا فى ترجيح أحدهما لاجل موافقته
لهذا الظن غير المعتبر على الآخر هو اندراج ما يوافقه تحت دليل الاعتبار والحجية
فان وجبت موافقته للظن المذكور دخوله تحت دليل الحجية كانت مرجّحة له كما ان
المعيار فى الوهن بهذا الظن غير المعتبر هو خروج ما يخالفه من الخبر المعتبر أى عن
دليل الاعتبار والحجية فان اوجبت مخالفة الخبر لهذا الظن غير المعتبر خروجه من
موضوع دليل الاعتبار كان هذا الظن موهنا له أى ان قلنا ان الظن غير المعتبر كان
موجبا لخروج ما يخالفه عن موضوع دليل الاعتبار فهو موهن لما يخالفه.
قوله
: وعدم جبر ضعف الدلالة بالظن بالمراد.
أى بيّن المصنف
اولا جبر الضعف الدلالة والسند بالظن غير المعتبر وبيّن هنا عدم جبر ضعف الدلالة
والسند بالظن المذكور ولا يخفى ان مذهب المصنف عدم جبر ضعف السند والدلالة بالظن
غير المعتبر بل قال المصنف ان اطلاق التخيير فى باب التعارض محكم واما الشيخ فعمل
بالمرجحات بل عدى الى المرجحات غير المنصوصة الآن يذكر وجه عدم جبر ضعف الدلالة
بالظن غير المعتبر.
توضيحه ان دليل
حجية مختص بحجية الظهور اللفظ فى تعيين المراد بمعنى انّ الظن بالمراد ان استند
الى ظهور اللفظ فذلك حجة بمقتضى ادلة اعتبار ظهورات وان استند الى غيره من الظن
الحاصل من امارة خارجية كما هو المبحوث عنه فى المقام فلا
دليل على اعتباره
فليس الظن بالمراد جابرا لضعف الدلالة اذ لا يندرج بذلك فى حيّز دليل الحجية.
مثلا ان المعيار
فى الجبر هو شمول دليل الحجية له كقوله عليهالسلام فى الغنم السائمة زكاة فدلالته على عدم وجوب الزكاة فى
المعلوفة ضعيفة لقوة عدم حجية المفهوم الوصف فاذا قامت الشهرة الفتوائية على عدم
وجوبها فى المعلوفة يظن بذلك ارادة عدم وجوبها من قوله عليهالسلام فى الغنم السائمة زكاة لكن هذا الظن بمراد الشارع لم ينشأ
من ظهور اللفظ فيه بل من الخارج وهو الشهرة فلا ينجبر ضعف دلالة المفهوم على عدم
وجوب الزكاة فى المعلوفة أى لا تكون الشهرة موجبة لانجبار ضعف المفهوم الحاصل ان
ضعف الدلالة والسند لا ينجبر بالظن غير المعتبر.
قوله
: وعدم وهن السند بالظن بعدم صدوره الخ.
أى قد بيّن عدم
جبر ضعف الدلالة بالظن غير المعتبر الآن يذكر عدم وهن السند بالظن غير المعتبر
الحاصل ان الظن غير المعتبر لا يوهن السند ولا الظهور لعدم تقييد اطلاق ادلة
اعتبارهما بعدم قيام الظن على خلافهما فلا يكون الظن غير المعتبر موهنا لهما الا
اذا كشف الظن عن ثبوت خلل فى السند أو وجود قرينة مانعة عن انعقاد ظهور اللفظ فيما
يكون اللفظ ظاهرا فيه فعلا الظاهر ان الدليل مطلق على حجية الظهور والسند أى لم
يقيد على عدم الظن على خلافهما.
قوله
: واما الترجيح بالظن فهو فرع دليل على الترجيح به الخ.
هذا شروع فى بيان
الترجيح بالظن غير المعتبر وعدمه وحاصل ما افاده هو عدم كون الظن غير المعتبر
مرجحا لاحد متعارضين لعدم الدليل على الترجيح به بعد كون المرجحية كالحجية منوطا
بقيام الدليل عليها فالظن غير المعتبر لم يكن الدليل على حجيته.
توضيح ما ذكر قد
ذكر فى الامر الثانى ان الظن غير المعتبر لم يقم الدليل على حجيته فهو باق تحت
الاصل الاولى أى الاصل الاولى هو عدم حجية الظن الا ما خرج بالدليل ويبحث هنا ان
الظن غير المعتبر يصلح كونه جابرا للسند وأيضا هل يكون هذا الظن موهنا للسند أو
الدلالة أم لا وأيضا هل يكون مرجحا عند تعارض الخبرين مثلا أحد الخبرين دال على
وجوب الدعاء عند رؤية الهلال والآخر دال على عدم وجوبه عندها والشهرة دالة على عدم
وجوب الدعاء أيضا فهل يكون الشهرة مرجحة الخبر الذى هو دال على عدم وجوب الدعاء أم
لا.
واعلم ان حجية
الخبر اذا كانت من باب طريقية فالحكم فى صورة التعارض هو التساقط واما اذا كان
حجية الخبر من باب السببية فالحكم هو ترجيح احد الخبرين بالمرجحات المنصوصة قال
المصنف والمرجحات انما تكون من باب الاستحباب فيعلم من هذا عدم اعتناء الشارع فى
المرجحات هذا سبب لحكم المصنف على ان اطلاقات التخيير محكمة والعمل بالمرجحات انما
يكون من باب الاستحباب.
واما الشيخ فيعمل
بالمرجحات بل تعدى الى المرجحات غير المنصوصة قال المصنف فى جواب الشيخ اولا ان
الترجيح لم يثبت
اذا كانت حجية
الخبر من بالطريقية وقال فى جواب الشيخ ثانيا انه اذا كان حجية الخبر من باب
السببية فلم يجز التعدى من المرجحات المنصوصة ولم يثبت حجية الظن فى باب الترجيح
واما دليل الانسداد فانما يثبت حجية الظن فى الاصول والفروع ولم يدل على حجية الظن
فى باب الترجيح لكن الشيخ قائل على حجية الظن فى باب الترجيح بدليل الانسداد
واستدل على انسداد باب العلم فى هذا المورد فيثبت بحكم العقل الترجيح بالظن عند
انسداد باب العلم قد اجيب عن هذا الاستدلال بان باب العلم لم يكن منسدا فى باب
الترجيح لوجود المرجحات المنصوصة فيه.
واعلم ان الظن
يصير سببا لتعيين المرجح ولم يكن نفسه مرجحا يبحث الآن فى الظن الذى قام الدليل
على عدم حجيته كالقياس فلم يكن هذا الظن جابرا للسند ولا موهنا له أى يكون هذا
الظن منهيا عنه لان الشارع نهى عن استعمال هذا الظن مطلقا.
ولا يخفى ان البحث
المذكور فيما تقدم كان فى الظن الذى لم يقم الدليل على حجيته فيمكن ان يثبت بهذا
الظن حجية الخبر مظنون الصدور أو مظنون الحجية وكان جابرا للسند بهذا النحو واما
اذا ثبت حجية الخبر العادل بالدليل وكان فى مقابل هذا الخبر خبر غير عادل فلم يكن
الظن غير المعتبر سببا لحجية خبر غير عادل وغير ثقة وكذا لم يكن هذا الظن سببا
لترجيح أحد المتعارضين.
المقصد السابع فى
الاصول العلمية
المراد منها هو
الوظائف الذى لم يكن له طريق معتبر الى الواقع بعبارة اخرى المراد منها هو وظيفة
المكلف فتعلقت عليه عند عدم الدليل فالمراد من الاصول العملية هى القواعد التى
ينتهى اليها فى مقام العمل اذا عجز المكلف لاستنباط الاحكام الشرعية فهو متمسك
بهذه الاصول وتسمّى الدليل الفقاهتى ويسمى الحكم الذى يستفاد منها الحكم الظاهرى.
واما الامارة
يستفاد منها الحكم الواقعى فتسمى الدليل الاجتهادى والمهم من هذه الاصول فى مقام
البحث اربعة وهى الاستصحاب والتخيير والبراءة والاشتغال وقد عبر عنه المصنف
بالاحتياط فيرجع المكلف الى الاصول العلمية عند عدم الظفر على الدليل الاجتهادى
ويجيء فى محله ان البراءة تجرى فى الموضع الذى كان الشك فيه على التكليف الالزامى
أى الوجوب والحرمة والبراءة اما عقلى من باب قبح عقاب بلا بيان واما شرعى واما
الاستصحاب فهو شرعى على قول المصنف ويجيء تفصيل هذه الاصول فى محلها ان شاء الله.
قال صاحب الكفاية
والمهم منها اربعة واما غيرها من اصالة العدم واصالة الحلية واصالة الحظر واصالة
عدم الدليل دليل العدم فقد قيل باندراجها فى الاصول العملية المذكورة.
واما مثل قاعدة
الطهارة فيما اشتبه طهارته بالشبهة الحكمية فهى مما ينتهى اليها فيما لا حجة على
طهارته ولا على نجاسته لكن لم يكن البحث عن قاعدة الطهارة بمهم حاصل كلام المصنف
يرجع الى وجهين.
الاول ان حجية
اصالة الطهارة لا تحتاج الى النقض والابرام بل هى ثابتة عند الكل فلا حاجة الى
البحث عنها بخلاف الاصول الاربعة المذكورة فانها محل البحث وتحتاج الى النقض
والابرام.
الثانى ان قاعدة
الطهارة مختصة ببعض أبواب الفقه أى باب الطهارة والنجاسة بخلاف غيرها من الاصول
الاربعة فانها عامة لجميع أبواب الفقه.
واشكل على الوجه
الثانى بلفظ فافهم لعله اشارة الى عدم صلاحية الوجه الثانى دليلا لترك البحث عن
قاعدة اصالة الطهارة لان الاختصاص ببعض الابواب لم يكن موجبا للاهمال وإلا لزم
خروج جملة من المسائل الاصولية عن علم الاصول كالبحث عن دلالة النهى عن العبادة
على الفساد.
البحث فى اصالة
البراءة
فصل
لو شك فى وجوب الشىء او حرمته ولم تنهض عليه الحجة جاز عقلا وشرعا ترك الاول وفعل
الثانى.
ولا يخفى ان
المراد بالشك فى الوجوب هو الشك فيه مع العلم بعدم حرمته كالدعاء عند رؤية الهلال
كما ان المراد بالحرمة هو الشك فيها مع العلم بعدم وجوبه كشرب التتن واما مع العلم
الاجمالى بالوجوب أو الحرمة فيكون من دوران الامر بين المحذورين ويجرى فيه
التخيير.
الحاصل انه اذا لم
يقم الدليل على وجوب الشىء أو حرمته جاز شرعا ترك مشكوك الوجوب وفعل مشكوك الحرمة
واعلم ان
عدم اقامة الحجة
اما يكون لاجل فقدان النص أو اجماله أو تعارض نصين الظاهر ان الرجوع الى الاصل فى
باب التعارض انما يكون فى صورة عدم المرجح لاحد النصين المتعارضين اذ لو ثبت
الترجيح بينهما فالمتعين الاخذ بالراجح وكذا انما يكون الرجوع الى الاصل فى باب
التعارض بناء على التوقف فى مسئلة التعارض واما بناء على التخيير فى هذه المسألة
فلا بد من الاخذ باحد المتعارضين دون الرجوع الى الاصل.
قوله
وقد استدل على ذلك بادلة الاربعة الخ.
اى قد استدل على
البراءة بالكتاب ومن الآيات التى استدل بها عليها قوله تعالى (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا ما
آتاها) ووجه الاستدلال انه اريد من الموصول الحكم الواقعى أى لا
يكلف الله نفسا الا الحكم الواقعى الذى أتاه واعلنه فتدل هذه الآية على البراءة عن
الحكم الواقعى قبل الاعلان.
ومنها قوله تعالى (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا
وُسْعَها) وجه الاستدلال ان اطاعة الحكم المجهول خارجة عن وسع المكلف
فتجرى البراءة عن الاحكام المجهولة.
ومنها قوله تعالى (لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ
وَيَحْيى مَنْ حَيَ) ومعنى الآية أى ليهلك من ضل بعد قيام الحجة عليه فتكون
حياة الكافر وبقاؤه هلاكا له : ويحيى من اهتدى بعد قيام الحجة عليه فيكون من بقى
على الايمان حياة له والمراد عن بينة أى بعد البيان والاعلام فتجرى البراءة
قبلهما.
قوله
اظهرها قوله تعالى : (وَما كُنَّا
مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) وجه اظهرية هذه الآية بالاستدلال على البراءة ان همّ
الاصولي تحصيل ما يؤمنه من العقاب على مخالفة التكليف المجهول ولا ريب فى ظهور هذه
الآية الشريفة فى نفى العذاب قبل تبليغ الاحكام.
واعلم ان
الاستدلال بالآية المذكورة على البراءة يتوقف على ان المراد ببعث الرسول تبليغ
الاحكام وايصالها الى العباد لان الغرض من بعثه ذلك فصح جعل بعثه كناية من بيان
الاحكام بذكر الملزوم وارادة اللازم.
الحاصل ان
الاستدلال بالآية الشريفة يتوقف على كون المراد ببعث الرسول تبليغ الاحكام وبيانها
العباد لا مجرد بعثه بما هو بعث وعليه فلو بعث الرسول ولكن لم يبين الحكم من
الاحكام فلا تعذيب فى مخالفته اصلا :
قوله
وفيه ان نفى التعذيب قبل اتمام الحجة ببعث الرسل لعله كان منة منه تعالى على عبادة
الخ.
وجه الاشكال
والمنع عن الاستدلال بالآية المباركة ان نفى الفعلية ليس لازما مساويا لنفى
الاستحقاق حتى يدل نفيها على نفيه كما كان ذلك مبنى الاستدلال على البراءة بل نفى
الفعلية اعم من كونه لعدم الاستحقاق أو لتفضله تعالى على عباده مع استحقاقهم
للتعذيب فلا يصح الاستدلال بالآية الشريفة على البراءة.
قوله
ولو سلم اعتراف الخصم بالملازمة بين الاستحقاق والفعلية لما صح الاستدلال بها الا
جدلا.
أى قد انكر المصنف
بين الفعلية والاستحقاق الذى هو مبنى
الاستدلال بالآية
على البراءة قال ولو سلم اعتراف الخصم أى يعترف بالملازمة بين الاستحقاق والفعلية
فينتفى الاستحقاق بانتفاء الفعلية فاذا دلت الآية على نفى الفعلية صح الاستدلال
بها على البراءة فدفع المصنف هذا الاستدلال بقوله لما صح الاستدلال بها الا جدلا
أى ان الاستدلال على البراءة بالآية الشريفة يكون حينئذ جدليا فلا يجدى.
واعلم ان الجدل
لغة هو اللجاج فى الخصومة بالكلام مقارنا غالبا لاستعمال الحيلة الخارجة احيانا عن
العدل والانصاف ولذا نهت الشريعة الاسلامية عن المجادلة لا سيما فى الحج
والاعتكاف.
واما الجدل فى
اصطلاح اهل المنطق هو صناعة علمية يقتدر معها حسب الامكان على اقامة الحجة من
المقدمات المسلمة بعبارة اخرى الجدل صناعة تمكن الانسان الحجج المؤلفة من المسلمات
أى الجدل انما يطلب به المجادل الزام الخصم بالمقدمات المسلمة سواء كانت مسلمة عند
الجمهور وهى المشهورات العامة والذائعات ام مسلمة عند طائفة خاصة يعترف بها الخصم
ام مسلمة عند شخص الخصم خاصة.
اذا عرفت معنى
الجدل لغة واصطلاحا رجعنا الى ان الاستدلال على البراءة بالآية الشريفة جدلي فلا
يجدى فى اثبات المدعى نعم يثبت الدعوى باعتقاد الخصم أى اعتقاده على الملازمة بين
الاستحقاق والفعلية بعبارة اخرى كانت الملازمة مسلمة عند الخصم وهى لا تنفع
الاصولي الذى ينكر الملازمة بين نفى فعلية العذاب ونفى الاستحقاق كان هذا الجواب
بفرض اعتراف الخصم
بالملازمة قال
صاحب الكفاية مع وضوح منعه أى لم يظهر وجه اعتراف الخصم بالملازمة لان مورد الشبهة
لا يزيد على المعصية الحقيقية أى الخصم لم يقل بالملازمة بين الاستحقاق والمعصية
الحقيقية فكيف يعترف بالملازمة بين الفعلية والاستحقاق فى مورد الشبهة.
بعبارة اخرى ان
الخصم لا يدعى الملازمة بين الاستحقاق والفعلية فى المعصية القطعية لامكان تعقيبها
بالتوبة أو الشفاعة فكيف يدعيها فى الشبهة قال المصنف والحال ان الوعيد بالعذاب
فيما شك فى وجوبه أو حرمته ليس الا كالوعيد بالعذاب فيما علم وجوبه أو حرمته وان
ارتكاب الشبهة ليس باسوأ حالا من المعصية الحقيقية فى عدم فعلية العذاب.
فى الاستدلال بالسنة
على البراءة
قوله
واما السنة فروايات منها حديث الرفع حيث عد مما لا يعلمون من التسعة المرفوعة الخ.
فالاستدلال بهذا
الحديث الشريف على البراءة مبنى على ارادة الحكم من الموصول فيما لا يعلمون فالرفع
تعلق بنفس الالزام المجهول الواقعى فى مرحلة الظاهر كما قال المصنف فهو مرفوع فعلا
أى ظاهرا فلا مؤاخذة على الالزام المجهول لترتب استحقاق المؤاخذة على مخالفة الحكم
المنجز والمفروض انتفاء هذه المرتبة فى الحكم المجهول فيجرى اصالة البراءة فى
الحكم المجهول.
قوله
: لا يقال ليست المؤاخذة من الآثار الشرعية الخ.
والغرض من هذا
الكلام ان اصالة البراءة التى من الاصول العلمية لا تنفى الا الآثار الشرعية
والمؤاخذة ليست منها لان نفسها من الامور التكوينية واستحقاقها من الاحكام العقلية
فلا ترفع المؤاخذة باجراء البراءة فلا دلالة لحديث الرفع على ارتفاع المؤاخذة
فاجاب عن هذا الاشكال.
بقوله
: فانه يقال انها وان لم تكن بنفسها أثرا شرعيا الخ.
توضيح هذا الجواب
ان اصالة البراءة نافية ظاهرا استحقاق المؤاخذة كما ينتفى استحقاقها بعدم الحكم
واقعا والحاصل ان المرتفع فيما لا يعلمون هو ايجاب التحفظ على وجه لا يقع فى
الحرام الواقعى ويلزمه ارتفاع العقاب واستحقاقه فالمرتفع اولا وبالذات امر مجعول
يترتب عليه ارتفاع امر غير مجهول.
بعبارة اخرى ان
المؤاخذة تصير موردا لاصالة البراءة بتوسيط ايجاب الاحتياط أى ايجاب الاحتياط أثر
شرعى اذا صحت اصالة البراءة فى هذا الاثر الشرعى لزم اجراء اصالة البراءة عن
استحقاق العقوبة على مخالفة التكليف كما قال صاحب الكفاية فالدليل على رفعه دليل
على عدم ايجابه أى الدليل على رفع التكليف المجهول دليل على عدم ايجاب الاحتياط
فهو مستلزم لعدم استحقاق العقوبة على مخالفة التكليف المجهول بعبارة اخرى تجرى
اصالة البراءة عن المؤاخذة بتوسط جريان اصالة البراءة على وجوب الاحتياط فصح
الاستدلال على اصالة البراءة بحديث الرفع.
هنا اشكال آخر على
الاستدلال بحديث الرفع بين المصنف هذا الاشكال بلفظ لا يقال بقوله لا يقال لا
يكاد يكون ايجابه مستتبعا لاستحقاقها الخ.
بيان هذا الاشكال
الثانى ان رفع ايجاب الاحتياط لا يوجب رفع المؤاخذة على التكليف المجهول بل يوجب
رفعها على نفسه أى يكون رفع ايجاب الاحتياط مستلزما لرفع المؤاخذة على نفس التكليف
لان شأن الوجوب المولوى هو استحقاق المؤاخذة على مخالفته فوجوب الاحتياط لما كان
علة لاستحقاق المؤاخذة على مخالفة نفسه كان رفع وجوبه علة لارتفاع المؤاخذة على
نفس وجوب الاحتياط لا الارتفاع المؤاخذة على التكليف المجهول وحينئذ فلا يدل رفع
ايجاب الاحتياط على رفع المؤاخذة على التكليف المجهول كما ان المؤاخذة هو مقتضى
مخالفة غير الاحتياط من الواجبات كالصلاة ونحوها.
قوله
فانه يقال هذا لم يكن ايجابه طريقا الخ.
حاصل هذا الجواب
ان الوجوب على قسمين نفسي وطريقي فاستحقاق العقوبة فى الوجوب النفسى مختص على
مخالفة نفسه اما الوجوب الطريقى فهو تابع للواقع فلا مؤاخذة فى نفسه وانما فائدة
المؤاخذة على مخالفة الواقع عند الاصابة كما هو الحال فى جميع الاوامر الطريقية
عند الاصابة وكذا الحال فى وجوب العمل بالامارة من باب الطريقية فظهر من البيان
المذكور ان تشريع وجوب الاحتياط انما كان لاجل التحفظ على الواقع عند الجهل به فهو
نظير الايجاب الطريقى للامارات بناء على القول بوجوبها من
الباب الطريقية
فان فائدته ليست الا تنجيز الواقع عند الاصابة والعذر عند الخطأ ولا يترتب على نفس
الطريق غير ما يترتب على موافقة الواقع ومخالفته فللمولى مؤاخذة العبد اذا خالف
الواقع بترك الاحتياط فيه فصح المؤاخذة على مخالفة التكليف المجهول بترك الاحتياط
كصحة مؤاخذة على مخالفة الطريق المصيب.
قوله
ضرورة انه كما يصح ان يحتج بهما صح ان يحتج به الخ.
هذا بيان لتشبيه
وجوب الاحتياط على وجوب الطريقى توضيحه ان ايجاب الاحتياط لتنجيز الواقع كالايجاب
والتحريم الطريقيين فى صحة الاحتجاج والمؤاخذة وعدم كون العقاب معه عقابا بلا بيان
بل المؤاخذة مع الحجة والبرهان فكان ايجاب الاحتياط من حيث كونه حجة على الواقع
مثل الايجاب والتحريم الطريقيين.
فالتكليف وان لم
يخرج بتمام الجهات عن الاستتار بل هو باق على المجهولية لكنه خرج عن التكليف
المجهول الذى لم يقم عليه الحجة وصار مما قام عليه البرهان أى كان ايجاب الاحتياط
كاقامة البرهان على التكليف كمان ايجاب العمل بالامارة انما يكون لاجل كونها
برهانا على التكليف فان اقدم المكلف على التكليف اشتبه بالحرمة فيقال له : لم :
اقدمت عليه مع ايجاب الاحتياط فيخرج بايجابه عن العقاب بلا بيان والمؤاخذة بلا
برهان كما يخرج بالايجاب والتحريم الطريقيين عن ذلك.
وقد
انقدح بذلك ان رفع التكليف المجهول كان منه على الامة الخ.
أى قد ظهر ان
التكليف المجهول مقتض لايجاب الاحتياط
وهو مستلزم
لاستحقاق المؤاخذة على هذا التكليف لان ايجاب الاحتياط طريق اليه اذا جعل حديث
الرفع موجبا لرفع الاحتياط الذى كان طريقا الى التكليف المجهول فهو مستلزم لرفع
هذا التكليف فهو منة على الامة حيث كان له تعالى وضع التكليف المجهول بوضع ايجاب
الاحتياط وذلك لان الحكم الواقعى يقتضى فى ظرف الجهل ايجاب الاحتياط لحفظه.
قوله
ثم لا يخفى عدم الحاجة الى تقدير المؤاخذة ولا غيرها من الآثار الشرعية الخ.
أى توضيح تعريض
المصنف انه لا حاجة الى التقدير فى ما لا يعلمون بعد امكان ارادة نفس الحكم الشرعى
من الموصول لان الحكم بنفسه قابل للوضع والرفع سواء كان منشأ الجهل به فقد النص ام
اجماله ام الاشتباه فى الامور الخارجية فيشمل الشبهة الحكمية والموضوعية فيكون
حديث الرفع بهذا التقرير دليلا على اصالة البراءة فى الشبهات الحكمية والموضوعية.
نعم حديث الرفع
بالنسبة الى غير ما لا يعلمون يحتاج الى التقدير أو المجاز فى اسناد الرفع اليه
مثلا رفع ما اضطروا أو ما استكرهوا فلا بد فيهما اما من تقدير المؤاخذة ونحوها أو
المجاز فى الاسناد حفظا لكلام الحكيم عن الكذب بعبارة اخرى ان رفع نفس عنوان
الاضطرار والاستكراه مستلزم للكذب لتحققهما خارجا فلا بد من التقدير أو المجاز فى
الاسناد فثبت الاستدلال بحديث الرفع لجريان اصالة البراءة فى الشبهة الحكمية
والموضوعية.
قوله
نعم لو كان المراد من الموصول فيما لا يعلمون ما اشتبه حاله الخ.
هذا استدراك على
قوله : عدم الحاجة الى تقدير المؤاخذة حاصله ان اريد بالموصول ما استظهر الشيخ قدسسره من الموضوع الخارجى المشتبه عنوانه كالمائع المردد بين
الخل والخمر فلا بد من تقدير احد امور الثلاثة التى ذكرها الشيخ صونا لكلام الحكيم
عن الكذب واللغو أى لا بد فى مثل هذا الموضوع الخارجى من تقدير لمؤاخذة أو الحكم
لعدم كون الامور المجهولة عناوينها مرفوعة حقيقة.
واشار المصنف الى
اشكال آخر على الشيخ فانه جعل دلالة الاقتضاء قرينة على تقدير احد الامور الثلاثة
أى قال الشيخ ان المقدر فى الروايات باعتبار دلالة الاقتضاء يحتمل ان يكون جميع
الآثار فى كل واحد من التسعة وهو اقرب اعتبارا الى معنى الحقيقى لان نفى جميع
الآثار اقرب المجازات الى نفى الحقيقة الممتنع بالفرض : وان يكون فى كل منها ما هو
الاثر الظاهر فيه : وان يقدر المؤاخذة فى الكل وهذا اقرب عرفا من الاول واظهر من
الثانى ايضا لان الظاهر نسبة الرفع الى مجموع التسعة على نسق واحد.
فظهر ان الشيخ
يقدر المؤاخذة فى الجميع فاورد المصنف عليه بان الحاجة الى التقدير فى غير ما لا
يعلمون من العناوين التى اسند الرفع اليها كالخطا ونسيان وغيرهما شديدة لما عرفت
من عدم صحة اسناد الرفع التشريعى الى الفعل الخارجى التكوينى
الا انه لا وجه
لتقدير خصوص المؤاخذة فيها اذ المقدر فى بعضها هو الاكراه وعدم الطاقة فعلم ان
المقدر فى اكثر هذه الروايات غير المؤاخذة فلا محيص عن ان يكون المقدر هو الاثر
الظاهر فى كل منها أو تمام آثارها.
قوله
ثم لا يذهب عليك ان المرفوع فيما اضطروا اليه وغيره مما اخذ بعنوانه الثانوى الخ.
والغرض من هذا
الكلام ان المرفوع بحديث الرفع هو الاثر الشرعى المترتب على الفعل بعنوانه الاولى
الذى يقتضى دليله أى يحتمل ان المرفوع بالخطإ والنسيان وما استكرهوا عليه هو
الوجوه الثلاثة.
الاول ان يكون
المرفوع الآثار المترتبة على الفعل بما هو هو وبعنوانه الاولى فانها ترفع عند طرو
الخطأ والنسيان والاكراه وغيرها فهذه العناوين رافعة لذلك الحكم وهذا ظاهر كلام
المصنف.
الثانى ان يكون
المرفوع الآثار المترتبة على الفعل المقيد بالخطإ والنسيان والاضطرار والاكراه
وذلك كوجوب الكفارة المترتبة على القتل الخطائى ووجوب الدية فيه على العاقلة ووجوب
سجدتى السهو المترتبة على نسيان بعض اجزاء الصلاة.
ولكن اورد عليه
بانه لا يعقل ارتفاع الحكم الثابت للفعل للفعل المقيد بعروض النسيان والخطأ عليه
توضيحه انه اذا كان الحكم ثابتا للموضوع بعنوانه الثانوى وهو التقييد بالنسيان
ونحوه مما ذكر فى حديث الرفع لم يعقل ارتفاعه بحديث الرفع اذ
المفروض ان عروض
هذا العنوان الثانوى اعنى النسيان والخطأ او نحوهما هو علة لثبوت الحكم لموضوعه
كوجوب سجدتى السهو المترتب على نسيان الجزء فكيف يكون نفس هذا النسيان علة لرفع
وجوب سجدتى السهو والا لزم التناقض وهو كون نسيان علة لوجوب سجدتى السهو وعلة لعدم
وجوبهما.
الثالث ان يكون
المرفوع الآثار المترتبة على الفعل المقيد بالعمد والذكر والاختيار لا الخطأ
والنسيان ونحوهما واما بطلان هذا الوجه الثالث فلان موضوع الحكم اذا كان مقيدا
بقيد العمد وانتفى هذا القيد بان وقع لا عن عمد بل عن خطأ ونحوه انتفى الموضوع
بانتفاء قيده فينتفى الحكم حينئذ قهرا لان انتفاء الحكم بانتفاء موضعه قهرى اذ
الحكم كالمعلول بالنسبة الى موضوعه.
واعلم ان المصنف
تبعا للشيخ (قدسسرهما) اختار الوجه الاول لبطلان القول الثانى والثالث قد علمت
وجه بطلانهما آنفا.
قوله
ضرورة ان الظاهر ان هذه العناوين صارت موجبة للرفع والموضوع للاثر مستدع لوضعه.
أى العناوين
الثانوية كالنسيان والخطأ ونحوهما صارت موجبة لرفع الآثار المترتبة على الشىء
بعنوانه الاولى لكن هذه العناوين الثانوية موضوع للاثر الثانوى فيستدعى هذا
الموضوع لوضع هذا الاثر الثانوى.
توضيح ما ذكر ان
المرفوع بهذا الحديث هو الاثر على الفعل بعنوانه الاولي لا بعنوانه الثانوى لان
الظاهر ان العنوان الثانوى هو الذى اوجب
رفع الاثر المترتب
على الفعل بعنوانه الاولى فلو فرض ترتب اثر على الفعل بعنوانه الثانوى كوجوب الدية
على العاقلة على القتل الخطائى ووجوب سجدتى السهو على نسيان بعض اجزاء الصلاة فلم
يكن هذا العنوان الثانوى موجبا لرفع هذا الاثر الثانوى لان هذا العنوان هو الذى
صار موضوعا للاثر والموضوع يستدعى وضع الاثر وثبوته فلا يكون رافعا له والا لزم
كون الشىء رافعا لما يقتضى وضعه.
قوله
لا يقال كيف وايجاب الاحتياط فيما لا يعلم وايجاب التحفظ فى الخطأ والنسيان يكون
اثرا لهذه العناوين بعينها.
والغرض من هذا
الاشكال : ان حديث الرفع يدل على رفع آثار نفس هذه العناوين الثانوية أى كالجهل
والخطأ والنسيان لا رفع آثار ذات المعنونات اعنى لا رفع آثار موضوعات بعناوينها
الاولية كما هو المدعى توضيح ما ذكر ان ايجاب الاحتياط من آثار الجهل بالتكليف ولا
يعقل تشريعه حال العلم به وكذا ايجاب التحفظ فانه من آثار الخطأ والنسيان دون
التذكر والظاهر ان مقتضى ما ذكر ثبوت ايجاب الاحتياط والتحفظ لهذه العناوين مع ان
حديث الرفع ينفى هذا الايجاب الذى هو من آثار الجهل والخطاء والنسيان فثبت ان
المرتفع بحديث الرفع هو آثار العناوين الثانوية.
فانه
يقال بل انما يكون باقتضاء الواقع فى موردها الخ.
هذا جواب الاشكال
توضيحه ان ايجاب الاحتياط ليس اثرا لما يعلمون بهذا العنوان بل من آثار التكليف
الواقعى الناشى عن
الملاك الذى اهتم
به الشارع ولم يرض بتركه حتى فى حال الجهل به اذ لو لم يهتم به لم يوجب الاحتياط
فوجوب الاحتياط ليس أثرا للفعل المجهول بما هو مجهول حتى يقال انه اثر للفعل
بعنوانه الثانوى فوجوب الاحتياط حقيقة من آثار العناوين الاولية التى هى موضوعات
الاحكام الواقعية الناشئة من المصالح الداعية الى تشريعها.
حاصل هذا الجواب
منع كون ايجاب الاحتياط مستندا الى عدم العلم بالتكليف بل الى اهمية التكليف
الواقعى فى مورد الجهل وكذا الكلام بالنسبة الى ايجاب التحفظ :
قوله
: ومنها حديث الحجب وقد انقدح تقريب الاستدلال به مما ذكرنا فى حديث الرفع الخ.
أى من الروايات
المستدل بها على البراءة حديث الحجب وهذا الحديث مروى عن الصادق عليهالسلام واصل الحديث هكذا ما حجب الله علمه عن العباد فهو موضوع
عنهم ووجه الاستدلال بهذا الحديث ان الالزام المجهول مما حجب الله علمه عن العباد
فهو موضوع عنهم ويتوقف هذا الاستدلال على بيان مفردات الحديث وهى الحجب والعلم
والوضع.
واما الحجب فهو
لغة بمعنى الستر والمحجوب هنا هو الحكم الشرعى الواقعى حيث ان وظيفة الشارع من حيث
إنّه شارع بيان الاحكام وحجب الحكم يتحقق بامره حججه عليهمالسلام بعدم تبليغه الى العباد واخرى باختفائه عن العباد بعد امره
حججه عليهمالسلام بتبليغه.
واما العلم
فالمراد به حيث يطلق هو الاعتقاد الجازم المطابق للواقع.
واما كلمة (وضع)
فان تعدت بعلى دلت على جعل الشىء على الشىء أى اثباته عليه : وان تعددت بعن دلت
على معنى الاسقاط والرفع كقوله تعالى وضع عنهم احد هم أى اسقاطها عنهم.
قد ظهر من بيان
مذكور تقريب الاستدلال بحديث الرفع على البراءة حيث انّه يدل على ان الحكم الواقعى
المجهول قد وضعه الشارع عن العباد أى رفعه عنهم فعلا فيكون المراد بحجبه عدم وصوله
سواء كان بعدم بيانه أو باخفاء الظالمين له ومن الواضح ان المرفوع ليس نفس الحكم
الواقعى المجهول بل يكون الموضوع عن العباد ايجاب الاحتياط فتم دلالة الحديث على
البراءة.
قوله
: الا انه ربما يشكل بمنع ظهوره فى وضع ما لا يعلم الخ.
توضيح الاشكال ان
محجوبية الحكم تارة يكون بوجود المصلحة فى اختفائه واخرى فى وجود المفسدة فى
اظهاره : وثالثة بواسطة انطماس الادلة الدالة عليه من جهة تقصير المقصرين أى استند
اختفاء الحكم الى انطماس وانمحاء ادلة الاحكام من جهة تقصير العصاة اللئام ومحل
البحث فى البراءة هو الوجه الثالث وحينئذ فنقول اذا كان الحديث دالا على ان الحكم
اذا اختفى علمه عن العباد لاجل طرو الحوادث الخارجية مع بيانه وصدوره عنهم عليهمالسلام كان ذلك الحكم موضوعا عنهم ولم يكن الوجهان
الاولان محل البحث
اذ هما من الاحكام الانشائية الغير البالغة فى فى مرتبة الفعلية أى لم يؤمر
بتبليغه السفراء.
ولا يخفى ان ظاهر
حديث الشريف بقرينة نسبة الحجب الى نفسه تعالى يشمل الوجهان الاولان فمعناه ان ما
لم يبينه الله تعالى فهو موضوع عنهم فيظهر بالبيان المذكور الاشكال على الوجه
الثالث لان ما بينه واختفى علينا بسوء اعمالنا لا يصدق انه تعالى حجب علمه علينا
اذ الحاجب حينئذ غيره فلا يكون موضوعا عن العباد فلا يصحّ الرجوع فيه الى هذا
الحديث فثبت ظهور حديث الحجب فى الوجهين الاولين.
قوله
: ومنها قوله عليهالسلام كل شىء لك حلال حتى
تعرف انه حرام بعينه.
أى من الروايات
المستدل بها على البراءة قوله عليهالسلام وتقريب الاستدلال على البراءة بهذا الحديث الشريف انه يقال
ان قوله عليهالسلام حتى تعرف قيد للموضوع وهو شىء ومعناه ان كل شىء مشكوك الحل
والحرمة حلال سواء كان منشأ الشك فقد نص أم اجماله ام تعارض نصين ام اشتباه امور
الخارجية وعليه فشرب المائع المردد بين الخل والخمر المشكوك حكمه من حيث الحل
والحرمة حلال فثبت الاستدلال على البراءة بهذا الحديث الشريف.
وقال صاحب الكفاية
حيث دل هذا الحديث على حلية مشكوك الحرمة مطلقا أى سواء كان منشأ الشك فقد النص ام
اجماله أو كان من جهة عدم الدليل على الحرمة فتجرى اصالة البراءة فى
هذا المورد وقال
يتم المطلوب بعدم الفصل قطعا بين الشبهة التحريمية والوجوبية هذا اشارة الى
التعميم للشبهات الوجوبية ويشمل هذا الحديث الشبهات الوجوبية أيضا.
بعبارة اخرى افاد
هذا الحديث التعميم بدعوى عدم الفصل بين الشبهات التحريمية والشبهات الوجوبية فى
الحكم وبيان ذلك ان كل من قال بجريان البراءة وعدم وجوب الاحتياط فى الشبهات
التحريمية قال بجريانها فى الشبهات الوجوبية أيضا فبضميمة عدم الفصل المعبّر عنه
بالاجماع المركّب أيضا الى حديث الحل الدال على البراءة فى الشبهات التحريمية يتم
المطلوب وهو عدم وجوب الاحتياط فى مطلق الشبهات.
قوله
: مع امكان ان يقال ترك ما احتمل وجوبه مما لم يعرف حرمته فهو حلال.
هذا هو الوجه
الثانى لادراج الشبهة الوجوبية تحت مدلول الحديث من دون الحاجة الى دعوى عدم
الفصل.
توضيحه ان الشىء
اذا كان واجبا قطعا كان تركه حراما قطعا واذا كان فعله محتمل الوجوب كان تركه
محتمل الحرمة فهذا الترك حلال فظهر من هذا البيان ادراج الشبهة الوجوبية تحت مدلول
الحديث.
قوله
: ومنها قوله عليهالسلام الناس فى سعة ما لا
يعلمون أى
أى قد استدل بهذا
الحديث على البراءة مطلقا أى سواء كان فى الشبهة الحكمية أو الموضوعية ووجه
الاستدلال ان الحديث يدل على السعة والترخيص من ناحية الحكم الواقعى المجهول سواء
جعلنا «ما» موصولة أو ظرفية اما على الاول فلظهوره فى
التوسعة من قبل
الحكم المجهول من الوجوب والحرمة والضمير العائد الى الموصول محذوف وحاصل المعنى
الناس فى سعة الحكم الواقعى الذى لا يعلمونه فالضيق الناشئ من التكليف الواقعى
المجهول ولو كان لاجل وجوب الاحتياط منفى أى هذا الضيق منفى واما على جعل «ما»
ظرفيّة فدلالة الحديث ظاهرة أيضا لدلالته على ان المكلف فى سعة ما دام جاهلا وجه
الظهور انه لا بدّ للسعة من متعلق فليس متعلقها الموسع فيه الا الحكم الواقعى
المجهول مطلقا أى سواء كان وجوبا أو حرمة فالمكلف فى سعة منه ما دام لم يعلم به
فثبت من البيان المذكور الاستدلال بالحديث الشريف على البراءة ولم يكن الاحتياط
واجبا كما قال صاحب الكفاية ومن الواضح انه لو كان الاحتياط واجبا فيعارض به ما دل
على وجوبه أى فيعارض بحديث السعة ما دل على وجوب الاحتياط مع ان هذا الحديث دليل
على البراءة من دون المعارض.
قوله
: لا يقال قد علم به وجوب الاحتياط.
هذا اشكال على
الاستدلال بهذا الحديث والمستشكل هو الشيخ (قدسسره) توضيحه انه اذا كان للمكلف العلم بالحكم وان كان هذا
الحكم حكما ظاهريا كوجوب الاحتياط فلا سعة له فاذا لم يعلم المكلف بشىء من الحكم
الواقعى والظاهرى فهو فى سعة فموضوع السعة هو الجهل بمطلق الوظيفة واما اذا علم
بالوظيفة الفعلية وان كانت هى وجوب الاحتياط فلا سعة له.
قوله
: فانه يقال لم يعلم الوجوب أو الحرمة بعد فكيف يقع فى ضيق الاحتياط من اجله
هذا جواب عن
الاشكال المذكور توضيحه ان وجوب الاحتياط إما ان يكون طريقيا واما ان يكون نفسيا
والاشكال المذكور انما يرد اذا كان وجوب الاحتياط من القسم الثانى واما اذا كان
وجوب الاحتياط من القسم الاول أى اذا كان وجوب الاحتياط طريقيا بمعنى انه يجب
الاحتياط لانه طريق الى الحكم الواقعى المجهول فلم يرد الاشكال المذكور فى هذا
القسم أى لم يلزم عدم السعة للمكلف ووجه عدم ورود الاشكال ان العلم بوجوب الاحتياط
طريقيا لا يستلزم العلم بالوجوب أو الحرمة الواقعيين حتى يقع المكلف فى ضيق منهما
وذلك لانه بعد العلم بوجوب الاحتياط من باب الطريقية لا يصير ذو الطريق المجهول من
الوجوب أو الحرمة الواقعيين معلوما اذ العلم بوجوب الاحتياط لا يوجب العلم بالواقع
أى لم يكن الواقع مما يعلم حتى يقع المكلف فى الضيق من اجله فظهر من البيان
المذكور ان ايجاب الاحتياط بناء على الطريقية لا يوجب العلم بالواقع حتى يرفع
موضوع حديث السعة والموضوع لهذا الحديث هو الجهل بالحكم الواقعى فهو باق على
مجهوليته.
قوله
ومنها قوله عليهالسلام كل شىء مطلق حتى يرد
فيه النهى.
وهذه الرواية مما
استدل بها على البراءة وظاهر هذا الحديث عدم وجوب الاحتياط لان ارادة ورود النهى
فى الشىء ظاهر فى ان المراد بورود النهى وصوله الى المكلف وعلمه به لا مجرد صدوره
من الشارع وان لم يصل الى المكلف فالشىء الذى لم يصل اليه النهى فيه من الشارع
مطلق ومباح ظاهرا فقد ثبت وجه
الاستدلال بهذا
الحديث على البراءة وقد افاد هذا الاستدلال الشيخ (قدسسره) وقد ناقش المصنف على هذا الاستدلال بقوله مع أنّه ممنوع
لوضوح صدقه على صدوره عنه الخ.
توضيح الاشكال ان
الورود يصدق على الصدور المقابل للسكوت فمعنى الحديث حينئذ ان ما لم يصدر فيه
النهى واقعا بمعنى سكوت الله تعالى عنه فهو حلال ولا تكليف على العباد من جهته فى
مقابل ما اذا صدر النهى عنه واقعا فليس حلالا وان لم يعلم المكلف به وعليه فلا يصح
الاستدلال به على البراءة حتى تقع به المعارضة بينه وبين ادلة الاحتياط لو تمت بل
ادلة الاحتياط مقدمة عليه لورود النهى فى هذا المورد واقعا والحديث المذكور يشمل
المورد الذى لم يرد النهى فيه.
والجواب عن
الاشكال المذكور ان المقصود اثبات البراءة فى كل ما لم يصل فيه النهى الينا لا
فيما لم يصدر النهى فيه واقعا فثبت استدلال بالحديث المذكور على البراءة لان ورود
النهى فى هذا المورد لم يصل الى المستدل بهذا الحديث وان وصل الى غير واحد بعبارة
اخرى ان صدور النهى عن الشارع فى الواقع لا يضر على استدلال المستدل بالحديث لان
النهى الواقعى لم يصل اليه وان فرض وصول هذا النهى الى غير واحد.
قوله
لا يقال نعم لكن بضميمة اصالة العدم صح الاستدلال به وتم.
هذا أيضا جواب
الاشكال بلفظ لا يقال توضيحه انه يمكن تصحيح الاستدلال بالحديث المذكور على
البراءة وذلك لامكان
احراز عدم صدور
النهى الشارع بالاستصحاب أى يستصحب عدم الصدور النهى عن الشارع فى مورد الشك.
قوله
فانه يقال وان الاستدلال به بضميمتها ويحكم باباحة مجهول الحرمة.
هذا جواب عن قوله
لا يقال توضيحه ان الاستدلال على البراءة بهذا الحديث بعد استصحاب عدم ورود النهى
اليه وان كان هذا الاستدلال تاما بضميمة اصالة العدم لكن لم يكن الحكم بالاباحة فى
هذا المورد بعنوان انه مجهول الحرمة شرعا كما هو مورد البحث بل يحكم بالاباحة
بعنوان انه مما لم يرد عنه النهى واقعا هذا خارج عن مقام البحث أى اذا استصحب عدم
ورود النهى نزل المقام بمنزلة ما علم عدم ورود النهى عنه فالحكم باباحة مجهول
الحرمة حينئذ يكون لاجل العلم بعدم حرمته.
ولا يخفى ان هذا
خلاف ما يقصد المستدل من الحكم باباحة لاجل كونه مجهول الحكم أى يكون الجهل بالحكم
الواقعى مأخوذا فى موضوع اصالة البراءة واما اذا استصحب عدم ورود النهى فينزل
المقام منزلة ما علم عدم ورود النهى عنه ولا يثبت الحكم المشكوك فيه الذى هو
المقصود.
قوله
لا يقال نعم ولكنه لا يتفاوت فيما هو المهم من الحكم بالاباحة.
هذا ناظر الى صحة
الاستدلال بالحديث المذكور على البراءة توضيحه ان العنوان الذى يثبت بالاستصحاب أى
عنوان عدم ورود النهى ينزل منزلة ما علم عدم ورود النهى عنه فهذا العنوان مغاير
لعنوان مجهول
الحرمة لكن لا تفاوت بينهما فى الغرض وهو اثبات إباحة مجهول الحرمة كشرب التتن
فهذا الفعل مباح ظاهرا سواء كان بعنوان عدم ورود النهى عنه واقعا ولو تعبدا كما هو
مقتضى استصحاب عدم ورود النهى عنه أم بعنوان كونه مجهول الحكم.
فثبت بالبيان
المذكور صحة الاستدلال بهذا الحديث على البراءة وان كان الحكم بالاباحة بعنوان ما
لم يرد النهى لا بعنوان مجهول الحرمة.
قوله
فانه يقال حيث إنّه بذاك العنوان لاختص بما لم يعلم ورود النهى عنه اصلا الخ.
هذا جواب
الاستدلال المذكور بلفظة لا يقال توضيحه انه اذا جعل الحكم بالاباحة لمشكوك الحكم
بعنوان انه مشكوك الحكم بلا ضم استصحاب عدم ورود النهى اليه شمل جميع موارد الشك
فى الحكم حتى صورة فرض العلم الاجمالى بورود النهى عن ذلك الفعل المشكوك الحكم فى
زمان واباحته فى زمان آخر اذ المفروض ان الفعل فعلا مجهول الحرمة والحديث دال على
اباحته ظاهرا.
واما اذا جعل
الحكم بالاباحة لمشكوك الحكم بعنوان انه لم يرد فيه النهى بضم استصحاب عدم وروده
فكان الاستدلال بالحديث المذكور اخص من المدعى وذلك ان الاستدلال به يختص حينئذ
بما اذا شك فى ورود النهى عنه واحرز عدم وروده بالاستصحاب ولا تشمل ما اذا علم
بورود النهى وإباحة فى شيء واشتبه المتقدم منهما وجه عدم الشمول ان استصحاب عدم
ورود النهى عنه الذى هو جزء الموضوع الحديث المذكور حسب الفرض لا يجرى حينئذ فى
المورد الذى علم ورود النهى فيه اجمالا.
بعبارة اخرى ان
هذا الحديث لم يشمل جميع الموارد الشك فى الحكم التى منها تعاقب الحالتين أى لا
يشمل هذا الحديث الصورة التى فرض فيها العلم الاجمالى بورود النهى عن ذلك الفعل
المشكوك الحكم فى زمان واباحته فى زمان آخر واشتبها من حيث التقدم والتأخر.
قوله
لا يقال هذا لو لا عدم الفصل بين افراد ما اشتبهت حرمته.
هذا اشارة الى ان
التفاوت بين العنوانين مسلم لو لا عدم الفصل بين افراد ما اشتبهت حرمته والظاهر ان
الامة بين من يقول بالاحتياط فى الشبهات التحريمية مطلقا أى سواء كان الفرد
المشتبه مما تجرى فيه اصالة عدم ورود النهى عنه أم لا تجرى فيه كمورد تعاقب حالتين
اعنى ان المحدثين يقولون بالاحتياط فى الشبهات التحريمية مطلقا ـ وبين من يقول
بالبراءة فيها كذلك وهم المجتهدون اى يقولون بالبراءة مطلقا ولم يدع احد التفصيل
بين افراد المشتبه بأن يقول بالبراءة فيما تجرى فيه اصالة عدم ورود النهى ويقول
بالاحتياط فيما لا تجرى فيه فثبت ان المجتهدين لم يفرقوا بين الموردين فى اصالة
البراءة.
والحاصل ان اشكال
اخصية الحديث من المدعى يندفع بتعميم دلالته بعدم القول بالفصل فى الحكم بالاباحة
بين افراد مشتبه الحكم فما لا تجرى فيه اصالة العدم يلحق بالموارد التى تجرى فيها
فببركة عدم الفصل بين الموردين نلتزم بالبراءة فى موارد تعاقب حالتين أيضا.
قوله
فانه يقال وان لم يكن بينها الفصل الا انه انما يجدى فيما كان المثبت الحكم
بالاباحة الدليل لا الاصل.
هذا نقض لا يقال
بعد تسليم عدم الفصل بين افراد ما اشتبهت حرمته.
توضيحه ان التلازم
فى الحكم بين افراد ما اشتبهت حرمته وان كان ثابتا الا ان المثبت لاحد المتلازمين
لا يجب ان يثبت الملازم الآخر بل انما يثبت المثبت لاحد المتلازمين الملازم الآخر
اذا كان هذا المثبت دليلا حيث ان الدليل يثبت اللوازم والملزومات والملازمات : هذا
بخلاف الاصل فانه قاصر عن اثبات الملازم الآخر مثلا اذا قلنا بالملازمة بين الامر
بالشيء والنهى عن ضده فان ثبت الامر بالدليل الاجتهادى كالامر بالصلاة الثابت بمثل
قوله تعالى (أَقِيمُوا الصَّلاةَ) ثبت ملازمة والنهى عن ضده الصلاة كإزالة النجاسة عن المسجد
فيما اذا ضاق وقت الصلاة.
واما اذا ثبت
الامر بالاصل العملي كاستصحاب وجوب الصلاة لمن كان عليه الفريضة وشك فى الاتيان
بها والوقت باق لم يثبت ملازمة المذكورة لعدم ثبوت اللوازم بالاصول العملية وكذا
لو قلنا بثبوت الملازمة بين العصير العنبى بعد الغليان وقبل ذهاب ثلثيه وبين
نجاسته فان ثبت الحرمة بالدليل ثبتت نجاسته ايضا وان ثبتت بالاصل كاستصحاب عدم
ذهاب ثلثيه لم تثبت النجاسة فيرجع الى انه ان كان مثبت الاباحة فيما لم يرد النهى
فيه هو الدليل فلا اشكال فى ثبوت الفرد الآخر الملازم والمراد منه فى مقام البحث
هو اثبات الاباحة للافراد المذكورة المجهولة الحرمة واذا كان بين الافراد التلازم
صدق عليها اللازم والملزوم باعتبارين فظهر فى مقام البحث التلازم فى الحكم
بالاباحة بين الافراد التى استصحب فيها عدم صدور النهى والافراد التى اشتبهت
الحرمة فيها.
الاستدلال بالاجماع
على البراءة
قوله
واما الاجماع فقد قيل على البراءة الا انه موهون الخ.
واعلم ان الاجماع
على خمسة أوجه :
الاول هو الاجماع
المحصل أى ملاحظة جميع فتاوى العلماء
الثانى الاجماعات
المنقولة على البراءة.
الثالث الاجمال
العملي الكاشف عن رضا المعصوم عليهالسلام بجواز ارتكاب المشتبه من حيث هو.
الرابع سيرة اهل
الشرع كافة على البراءة فى مشتبه الحكم.
الخامس سيرة كافة
العقلاء على عدم مؤاخذة الجاهل.
وغرض المصنف من
الاجماع على البراءة هو الوجه الثانى وهو واضح أى استدل بالاجماع المنقول على
البراءة ثم ناقش فيه المصنف بوجهين :
الاول ما اشار
اليه بقوله موهون أى ان الاجماع المنقول فى مثل مقام ثبت حكمه بالدليل النقلى
كالروايات المتقدمة فلا اجماع فى المقام حتى يثبت بالنقل بعبارة اخرى انه لا سبيل
الى الجزم بنقل الاجماع لقوة استناد المجمعين الى بعض الوجوه النقلية أو العقلية
المستدل بها على البراءة فلا يبقى الاطمينان بكشفه عن رأى المعصوم والظاهر ان شرط
حجية الاجماع المنقول هو الكشف عن رأى المعصوم (ع).
الثانى ما اشار
اليه بقوله فى الجملة والمراد منه انه لو سلم تحقق الاجماع المنقول فى المقام فهو
غير معتبر أيضا لانه على القول باعتباره انما يعتبر فى الجملة أى فيما اذا لم
يحتمل كونه
مدركيا وفى المقام
يحتمل ذلك لاحتمال استناد المجمعين الى ما ذكر فيه من الادلة العقلية والنقلية
فالمعتبر هو المدرك لا نقل الاجماع.
الاستدلال على
البراءة بالعقل
قوله
واما العقل فانه قد استقل بقبح العقوبة والمؤاخذة على مخالفة التكليف المجهول الخ.
أى الرابع من
الادلة على البراءة حكم العقل بقبح العقاب على شيء من دون بيان التكليف ويشهد له
حكم العقلاء كافة بقبح المؤاخذة المولى عبده على الفعل الذى اعترف بعدم اعلامه الى
المكلف.
توضيح هذا
الاستدلال ان التكليف الواقعى ما لم يصل الى العبد لا يكون محركا له بعثا وزجرا بل
شرط كون التكليف محركا للعبد تنجزه اليه أى ايصال التكليف الى العبد بالحجة
المعتبرة اذ من الواضح ان الانشاء الواقعى غير مؤثر فى انقداح الداعى فى العبد فلا
يكون مخالفة التكليف غير الواصل موجبا لاستحقاق العقاب لعدم كونه هتكا للمولى
وظلما عليه ولا خروجا عن زى العبودية فلا تصح المؤاخذة مع عدم وصوله الى العبد فلو
عاقبه المولى فى حال عدم وصول التكليف اندرجت معاقبته له فى الظلم الذى لا شك فى
قبحه عقلا بناء على القول بالتحسين والتقبيح العقليين ولا فرق فى استقلال العقل
بقبح العقاب هنا بين عدم بيان المولى للتكليف اصلا وبين عدم وصول البيان الى العبد
واختفائه عليه بعد الفحص
عنه فى مظانه بقدر
وسعه فظهر انه اذا يئس المكلف بعد الفحص عن الظفر بما كان حجة على التكليف فان
العقوبة والمؤاخذة بدون الحجة عقاب بلا بيان والمؤاخذة بلا برهان.
قوله
ولا يخفى انه مع استقلاله بذلك لا احتمال لضرر العقوبة فى مخالفته.
هذا دفع توهم حاصل
التوهم ان قاعدة قبح عقاب بلا بيان وان كانت من المستقلات العقلية لكن المقام مما
يحتمل فيه الشبهة بعد الفحص فيكون هذا الاحتمال صغرى لقاعدة اخرى يستقل بها العقل
وهى وجوب دفع الضرر المحتمل وتصير هذه القاعدة بيانا ورافعة لقبح للعقاب والمؤاخذة
ودفع المصنف هذا التوهم
بقوله
ولا يخفى انه مع استقلاله الخ.
حاصله ان المقام
كان من باب ورود قاعدة القبح على قاعدة دفع الضرر أى يرتفع موضوع قاعدة دفع الضرر
بسبب القطع بعدم العقاب عقلا بعد الفحص واليأس.
قال المصنف كما
انه مع احتماله لا حاجة الى القاعدة قد ذكر انه لا يكون مجال هاهنا لقاعدة وجوب
دفع الضرر فدفع هذه القاعدة أيضا بانه مع احتمال الضرر لا حاجة الى قاعدة دفع
الضرر المحتمل وجه عدم الحاجة الى هذه القاعدة ان احتمال الحكم كاف لحسن المؤاخذة
بل فى صورة المصادفة استحق العقوبة أى اذا احتمل الضرر الاخروى فى شرب مائع وكان
حراما واقعا فانه يستحق العقوبة على مخالفة هذا التكليف الالزامى حتى اذا لم نقل
وجوب دفع الضرر المحتمل.
الحاصل انه لا
تجرى قاعدة دفع الضرر المحتمل فى المورد الذى تجرى فيه قاعدة قبح العقاب بلا بيان.
قوله
واما ضرر غير العقوبة فهو وان كان محتملا الخ.
هذا معطوف على
قوله لا احتمال لضرر العقوبة أى ذكر عدم احتمال العقوبة الاخروية بعد الفحص واليأس
واما الضرر الدنيوى فهو محتمل عند ارتكاب الشبهة التحريمية ولا يرتفع احتماله بقبح
العقاب بلا بيان لكنه لا يجب دفعه.
بعبارة اخرى ان
الضرر الدنيوى اجنبى عن قاعدة قبح عقاب بلا بيان وأيضا وجوب دفع الضرر الدنيوى
المحتمل ممنوع بل لا دليل على لزوم التحرز عن الضرر الدنيوى المعلوم فضلا عن
محتمله اذ لا قبح عقلا فى تحمل بعض المضار الدنوية لبعض الدواعى العقلائية فان
العقلاء مع علمهم بالضرر يصرفون الاموال فى تحصيل العلم أو فى بناء الامور الخيرية
واما احتمال الضرر فهو موجود فى كثير من افعال الناس.
قوله
: مع ان احتمال الحرمة أو الوجوب لا يلازم احتمال المضرة الخ.
هذا هو الوجه
الثانى لدفع الاشكال عن الاستدلال العقلى بيانه سلمنا ان الاحكام تابعة للملاكات
الواقعية أى المصالح والمفاسد وكانت هذه الملاكات فى افعال المكلفين والظاهر عدم
اناطة ترتب الاحكام الواقعية على هذه الملاكات بالعلم للملازمة بين التكليف وملاكه
مطلقا علم به أم لا فاحتمال التكليف الوجوبى أو التحريمى ملازم لاحتمال المصلحة أو
المفسدة.
ولكن هذه الملازمة
انما تكون بين الحرمة والمفسدة والوجوب والمصلحة ولم تكن الملازمة بين الوجوب أو
الحرمة وبين وجوب دفع الضرر المحتمل غير العقوبة لان الاحكام لم تكن تابعة للنفع
أو الضرر الدنيويين وانما الثابت تبعيتها للمصالح والمفاسد الواقعية وهى التى توجب
حسن الفعل أو قبحه ولا ربط لها بالمنافع والمضار العائدين الى المكلف.
الحاصل ان احتمال
الحرمة وان كان ملازما لاحتمال المفسدة لكن هذا الاحتمال لا يلازم الضرر بالفاعل
حتى يكون موردا لقاعدة وجوب دفع الضرر المحتمل ويجب ترك محتمل الحرمة تحرزا عن
الضرر بل ربما كان ترك الحرام تحرزا عن المفسدة مستلزما للضرر على التارك كما فى
ترك البيع الربوى تحرزا عن مفسدته فانه موجب لذهاب المنفعة المالية على المتحرز
فقد ثبت ان الاحكام أم يكن تابعة للنفع والضرر الدنيويين ولم يكن دفع الضرر
المحتمل واجبا فتجرى البراءة عند الشبهة التحريمية لقبح عقاب بلا بيان.
قوله
: نعم ربما يكون المنفعة أو المضرة مناطا للحكم شرعا وعقلا.
هذا استدراك على
قوله ليست براجعة الى المنافع والمضار توضيح هذا الاستدراك انه قد يتفق كون مناط
حكم العقل أو الشرع هو النفع أو الضرر الموجود فى الفعل لكن هذا لم يكن موجبا
للملازمة لعدم كونهما غالبا مناطين للحكم حتى يكون احتمال الحرمة مساوقا لاحتمال
المفسدة وان سلمنا ان الملاك
فى بعض الاحكام هو
الضرر مثلا ان الملاك فى خيار الغبن ووجوب التيمم مع خوف الضرر باستعمال الماء هو
الضرر لئلا يتضرر المتطهر ولكن لا سبيل الى احراز هذا الملاك فى كثير من الاحكام
حتى يلازم احتمال الحرمة احتمال الضرر الدنيوى كى يجب دفعه.
قد تحصل من جميع
ما ذكر ان الضرر دنيوى لم يكن ملاكا للحكم فلا يجب دفعه وان كان الضرر الدنيوى
ملاكا للحكم فى بعض الموارد لكن شرط كون الشىء ملاكا وجوده فى تمام الاحكام.
قوله
: ان قلت نعم ولكن العقل يستقل بقبح الاقدام على ما لا يؤمن مفسدته الخ.
هذا اشكال آخر على
قاعدة قبح عقاب بلا بيان بعد الجواب عن الاشكال الاول أى اشكل اولا ان قاعدة وجوب
دفع الضرر المحتمل بيان لمجهول الحرمة فلا يلزم قبح عقاب بلا بيان فى المقام وقد
اجيب عن هذا الاشكال الاول بانه لم يجب دفع الضرر المقطوع فضلا عن دفع الضرر
المحتمل فيرجع الى الاشكال الثانى.
توضيحه ان احتمال
التكليف التحريمى وان لم يستلزم احتمال العقاب الاخروى والضرر الدنيوى كما تقدم
الا انه بناء على مذهب العدلية أى من تبعيّة الاحكام للملاكات لا ينفك احتمال
الحرمة عن احتمال المفسدة لاقتضاء الملازمة بينهما بعبارة اخرى ان تبعية الاحكام
للملاكات مقتضى التلازم بين احتمال الحرمة واحتمال المفسدة فترتب فى المقام الصغرى
والكبرى والمراد من الصغرى هى احتمال المفسدة والمراد من الكبرى وهى
قبح الاقدام على
المفسدة المحتملة كقبح الاقدام على المفسدة المعلومة فيترتب القياس على هذا النحو
احتمال الحرمة ملازم لاحتمال المفسدة واحتمال المفسدة كالعلم بها يجب دفعه فاحتمال
الحرمة يجب دفعه فتكون هذه الكبرى بيانا للمشكوك ورافعا لموضوع قبح عقاب بلا بيان.
بعبارة اخرى ان
العقل يستقل بقبح اقدام على المفسدة المحتملة فيكون حكم العقل بيانا للتكليف
المجهول ولم يبق الموضوع لقاعدة قبح العقاب بلا بيان فلا تجرى البراءة فى هذا
التكليف المجهول كما استدل بحكم العقل الشيخ الطائفة قدسسره بان الاشياء على الحظر أو الوقف أى اشياء قبل الشرع على
الحظر أو الوقف ولا يجوز الاقدام عليها.
قلت
استقلاله بذلك ممنوع والسند شهادة الوجدان الخ.
هذا جواب الاشكال
توضيح ما ذكر فى الجواب انا لا نسلم القياس المذكور لعدم تمامية الكبرى أى لا نسلم
كون احتمال المفسدة كالعلم بها يجب دفعه لوجود الفرق عند العقلاء بين محتمل
المفسدة ومعلومها لان العقلاء لا يحترزون عن محتمل المفسدة بعبارة اخرى ان ما ذكر
من الحكم العقلى ممنوع لشهادة الوجدان وجريان عادة العقلاء على عدم التحرز عن
محتمل المفسدة وانما يكون لزوم التحرز عن معلومها.
هذا مضافا الى اذن
الشارع فى الاقدام على المفسدة المحتملة فى الشبهات الموضوعية كقوله عليهالسلام كل شىء فيه حلال وحرام فهو لك حلال حتى تعرف الحرام منه
بعينه فتدعه فلو كان
الاذن فى الاقدام
عليها قبيحا كقبح اقدام على المفسدة المعلومة لم يأذن فيه لان الاذن فى الاقدام
على القبيح قبيح ويمتنع صدور القبيح عن الحكم فثبت انه لا اصل لقاعدة حكم العقل
بقبح الاقدام على المفسدة محتملة وصح الاستدلال على البراءة بالدليل العقلى.
فى الاستدلال
المحدثين على وجوب الاحتياط بالكتاب
قوله
: واحتج للقول بوجوب الاحتياط فيما لم تقم فيه حجة الخ.
قد ذكر ان البحث
فى المقصد السابع فى الاصول العملية واستدل اولا على حجية اصالة البراءة ويبحث
الآن عن حجية الاحتياط واستدل على وجوب الاحتياط بطوائف ثلاث يعنى الكتاب والسنة
والعقل اما الكتاب فبالآيات الناهية عن القول بغير علم وعن القاء فى التهلكة
والآمرة بالتقوى.
وتوضيح الاستدلال
بالكتاب انه استدل بالطوائف الثلاث من الآيات : الاولى الآيات الناهية عن القول
بغير العلم كقوله تعالى (وَلا تَقْفُ ما
لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) وقوله تعالى : (أَتَقُولُونَ عَلَى
اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ) : الثانية الآيات الناهية عن الالقاء فى التهلكة كقوله
تعالى : (وَلا تُلْقُوا
بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) : الثالثة الآيات الآمرة بالتقوى كقوله تعالى : (اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ) ونحوها.
وجه الاستدلال
بهذه الآيات ان الحكم بالاباحة فيما يحتمل حرمته مع عدم نهوض حجة عليها افتراء على
الشارع وقول بغير علم والقاء النفس فى التهلكة ومخالفة للتقوى ولا ريب فى ان
افتراء على الشارع حرام والمراد منه الكذب العمدى على الشارع وكذا حرام القاء
النفس فى التهلكة
ومخالفة التقوى حرام أيضا.
الحاصل ان الحكم
بالاباحة فيما يحتمل حرمته مع عدم الحجة عليها حرام فلا بدّ من الاحتياط فى الامور
المشتبهة وهو المطلوب.
قوله
والجواب ان القول بالاباحة شرعا وبالامن من العقوبة عقلا ليس قولا بغير علم الخ.
توضيح هذا الجواب
ان هذه الآيات المذكورة لا تدل على وجوب الاحتياط لان الخطابات المذكورة لا يتوجه
على من يقول بالبراءة اذ بعد جريان اصالة البراءة فى الامور المشتبهة لم يكن الحكم
بالاباحة قولا بغير العلم.
بعبارة اخرى انه
بعد دلالة الدليل العقلى والنقلى على البراءة لا يكون فعل محتمل الحرمة موجبا
للتهلكة ومخالفة التقوى وكذا لا يكون الحكم بالاباحة فى الامور المشتبهة قولا بغير
العلم لان بعد حجية اصالة البراءة بالادلة العقلية والنقلية يصح الحكم بالاباحة فى
هذا المورد.
واما احتمال
العقوبة فلا موجب له أيضا بل المعلوم عدم العقوبة فى هذا المورد لما عرفت من عدم
الملازمة بين الحكم بوجوده الواقعى وبين استحقاق العقوبة عليه فاحتمال الحرمة بعد
اصالة البراءة لا يوجب التوقف فى العمل والظاهر ان الحكم الواقعى اذا لم يكن فى
مرتبة التنجز أى لم يوصل الى المكلف بالحجة المعتبرة فلا يكون موجبا لاستحقاق
العقوبة.
قوله
واما الاخبار فيما دل على وجوب التوقف عند الشبهة معللا
فى
بعضها بان الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام فى المهلكة الخ.
والغرض من هذه
الاخبار الامر بالتوقف عند الشبهة واعلم ان الاخبار الآمرة بالتوقف على طائفتين.
احدهما الاخبار
الدالة على التوقف مطابقة لاشتمالها على مادة الوقوف وهذه الطائفة على قسمين أى
قسم ما علل فيه الامر بالتوقف عند الشبهة وقيل ان الوقوف عند الشبهة خير من
الاقتحام فى التهلكة : وقسم ما لم يعلل فيه.
واما المعللة فهى
عدة روايات منها قوله عليهالسلام فى موثقة مسعدة بن زياد عن جعفر عن آبائه ان النبى صلىاللهعليهوآلهوسلم قال لا تجامعوا فى النكاح عند الشبهة يقول اذا بلغك انك قد
رضعت من لبنها وانها لك حرام فان الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام فى الهلكة.
وجه الاستدلال
بهذه الاخبار المعللة على وقوف عند الشبهة منوط ببيان امور :
الاول ان كلمة
الخير وان كانت من صيغ التفصيل لكن هنا منسلخة عن التفضيل ومتمحضة فى نفى الخير أى
لا خير فى الاقتحام فى الهلكة المترتبة على ترك الوقوف عند الشبهات.
الثانى ان حسن
تعليل الحكم منوط بعموم العلة وكليتها فلا يحسن التعليل بما يكون جزئيا ومختصا
بالمورد.
الثالث انه لا بد
من السنخية بين العلة والمعلول فلا يصح تعليل الحكم الوجوبى بالعلة المستحبة
والحكم التحريمى بعلة
جائزة لعدم
السنخية فى هذه الصورة بين العلة والمعلول.
اذا عرفت ظهور
الموثقة وما فى مضمونها فى وجوب الاحتياط والتوقف فى كل الشبهة وجه ظهور هذه
الموثقة فى وجوب الاحتياط انه عليهالسلام علل النهى عن نكاح المرأة المرددة بين كونها اجنبية واختا
رضاعية بان الوقوف عند الشبهة خير من الوقوع فى الهلكة فلو لم يكن الوقوف فى مورد
الموثقة واجبا لم يصح جعلها تعليلا للنهى فى قوله عليهالسلام لا تجامعوا فى النكاح عند الشبهة.
ولا يخفى ان النهى
ظاهر فى الحرمة فلو كان الوقوف عند الشبهة مستحبا ونكاح المرأة المرددة محرما لما
صح السنخية بين العلة والمعلول وقد عرفت اعتبار السنخية بينهما فكانه قال عليهالسلام يحرم الجمع فى النكاح عند الشبهة وحيث يحرم الجمع فيجب
التوقف فيه لان الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام فى الهلكة ويستفاد من هذا
التعليل وجوب التوقف فى كل شبهة وان لم تكن فى مورد النكاح.
قوله
بما دل على وجوب الاحتياط من الاخبار الواردة بالسنة مختلفة الخ.
هذا الكلام اشارة
الى طائفة اخرى من الاخبار التى تدل على وجوب الاحتياط فى الشبهة الحكمية والظاهر
ان مراد المصنف (قدسسره) من الالسنة المختلفة دلالته على وجوب لاحتياط مطابقة
والتزاما فالاول هو ما اشتمل على مادة الاحتياط مثل احتط وكذا فعليك بالاحتياط وخذ
بالحائطة لدينك تدل هذه المذكورات
بالمطابقة على
وجوب الاحتياط.
والثانى وهو ما دل
على وجوب الاحتياط التزاما مثل ما ورد فى خبر التثليث فى مقبولة عمر بن حنظلة من
قوله عليهالسلام قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : حلال بين وحرام بين وشبهات بين ذلك فمن ترك الشبهات نجا
من المحرمات ومن اخذ بالشبهات وقع فى المحرمات وهلك من حيث لا يعلم تقريب
الاستدلال بهذا الخبر ان الامام (ع) استدل بهذه الجملة على وجوب طرح الخبر الشاذ
لان فيه الريب ووجوب ذلك موقوف على لزوم الاحتياط والاجتناب عن الشبهات والا فلا
يتجه الاستدلال على وجوب طرح الخبر الشاذ والحاصل انه مع عدم وجوب الاحتياط لا وجه
لوجوب طرح الخبر الشاذ.
قوله
والجواب انه لا مهلكة فى الشبهة البدوية مع دلالة النقل على الاباحة الخ.
هذا جواب عن اخبار
التوقف المتضمنة للتعليل أى هذه الاخبار لا تدل على وجوب الاحتياط فى الشبهة
البدوية.
توضيح هذا الجواب
ان هذه الروايات مشتملة على الموضوع والمراد من الموضوع فى هذه الروايات هو الهلكة
وهى العقوبة بقرينة بعض هذه الاخبار كمقبولة عمر بن حنظلة اذ النهى فى هذه
المقبولة دال على التحريم أى قوله صلىاللهعليهوآله لا تجامعوا فى النكاح على الشبهة يدل هذا النهى على تحريم
النكاح فى مورد الشبهة فظهر ان المراد من الهلكة فى المقبولة هى العقوبة الاخروية
لا الهلكة الدنيوية وهذه العقوبة موضوع فى الرواية المذكورة.
وكذا مشتملة هذه
الرواية على المحمول وهو وجوب التوقف المستفاد من الامر فى قوله عليهالسلام قفوا عند الشبهة وقوله فان الوقوف عند الشبهة خير من
الاقتحام فى المهلكة ولا ريب فى ان نسبة المحمول الى الموضوع كنسبة المعلول الى
العلة فى تأخيره عنها رتبة فلا بد حينئذ من وجود العقوبة قبل الامر بالتوقف حتى
ينبعث عنها الامر به فهذا يختص فيما اذا احرز من الخارج ما يصح العقوبة عليه لان
العقوبة موضوع لوجوب التوقف فلا بد من احراز وجود الموضوع قبل المحمول واما فى
مقام البحث فيجرى البراءة بعد الفحص واليأس.
وبعبارة اخرى فانه
لم يحرز وجود الموضوع لوجوب التوقف لان العقوبة كانت موضوعا لم تحرز فى المقام
لانه لا مانع من اجراء البراءة فى الشبهة البدوية بعد الفحص واليأس ولا يمكن اثبات
البيان بنفس اخبار التوقف لانه مستلزم للدور.
توضيح الدر ان
وجوب التوقف متوقف على الهلكة والعقوبة لان وجوب التوقف معلول للهلكة والعقوبة ولا
يخفى ان الهلكة متوقفة على البيان لقبح العقاب بدونه فلو توقف البيان على وجوب
التوقف لكان مستلزما للدور المضمر أى الدور الذى كان مع الواسطة بعبارة اخرى يلزم
ان يتوقف وجوب التوقف على وجوب التوقف.
فثبت من البيان
المذكور ان اخبار التوقف لا تدل على وجوب الاحتياط وكذا الادلة النقلية تدل على
الاباحة كاحاديث الرفع والحل والسعة الدالة على ان ما لم يعلم حرمته مباح فى
الظاهر
وكذا حكم العقل
بالبراءة كما عرفت فى ادلة البراءة من ان العقل حاكم بالبراءة فى الشبهة
التحريمية.
قوله
وما دل على وجوب الاحتياط لو سلم وان كان واردا على حكم العقل الخ.
هذا جواب عن اخبار
الاحتياط مطلقا سواء كانت دلالتها على الاحتياط مطابقة أو التزاما سواء كانت اخبار
التوقف معللة أو لم تكن معللة حاصل هذا الجواب يرجع الى الوجوه الثلاثة الاول ما
اشار اليه بقوله لو سلم أى يقال اولا ان اخبار الاحتياط لا تدل على الوجوب
الاحتياط بل يكون الامر على الاحتياط ارشاديا أو يحمل الامر على الجامع الذى يشمل
الوجوب والاستحباب.
حاصل هذا الاشكال
ان اخبار الاحتياط لا تدل على وجوبه وعلى فرض تسليم هذه الاخبار على وجوب الاحتياط
يعنى لو سلم دلالتها على وجوب الاحتياط ولم يناقش فيها بدعوى وجود القرائن التى
تدل على ان الامر فيها للاستحباب أو الارشاد وأخذنا بظواهر أو امر الاحتياط فى
وجوب المولوى فيكون ما دل وجوبه واردا على حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان ورافعا
لموضوعه لوجود البيان الظاهرى المصحح للعقوبة على مخالفته.
بعبارة شيخنا
الاستاد بالفارسية اگرچه وجوب احتياط بكرسى قرار گيرد واين وجوب احتياط وارد باشد
بر حكم عقل باز هم نفع در مقام بحث ما ندارد.
قوله
: ولا يصغى الى ما قيل من ان ايجاب الاحتياط كان مقدمة للتحرز عن عقاب الواقع
المجهول فهو قبيح الخ.
هذا اشكال الثانى
على ايجاب الاحتياط توضيح هذا الاشكال ان ايجابه شرعا ان كان لاجل التحرز عن العقاب
للحكم الواقعى التحرز عن العقاب الحكم الواقعى المجهول كان مفاد ذلك ثبوت العقاب
على الواقع المجهول فى صورة مخالفة الاحتياط فلا يصح وجه عدم صحته واضح لان ايجاب
الاحتياط لا يرفع الجهل بالواقع بل هو باق بعد ايجابه فيكون العقاب على الواقع
المجهول قبيحا لان المناط فى قبح العقاب هو الجهل بالواقع وهو باق بعد ولم يرتفع
بايجاب الاحتياط فيكون العقاب على هذا المجهول الواقعى قبيحا كما قال صاحب الكفاية
:
ان
ايجاب الاحتياط ان كان مقدمة للتحرز عن عقاب الواقع فهو قبيح.
أى لا يرتفع
بايجاب الاحتياط شرعا ما هو مناط قبح العقاب على الحكم الواقعى المجهول وهو الجهل
به فالعقاب على هذا الحكم عقاب بلا بيان لان مناط هذا القبح هو الجهل ولا يرفع
الجهل بالحكم الواقعى بايجاب الاحتياط هذا اذا كان ايجاب الاحتياط غيريا ومقدميا.
واما ان كان ايجاب
الاحتياط نفسيا لوجود الملاك فى نفس الاحتياط والاحتراز عن الشبهة ومع الغض عن
الحكم الواقعى المجهول فاللازم ترتب العقاب على مخالفته لا على مخالفة الواقع ولا
يخفى ان المقصود للمحدثين هو الاحتياط فى الشبهات لاجل
الاحتراز عن
العقوبة المحتملة المترتبة على الاقتحام فى الشبهات ولم يكن المقصود من أخبار التوقف
والاحتياط لاجل الاحتراز عن مخالفة الاحتياط.
الحاصل ان ثبوت
وجوب النفسى لا ينفع فى مقام البحث كما قال شيخنا الاستاد اگرچه وجوب احتياط بكرسى
قرار گيرد نفع در مقام بحث ما ندارد.
قوله
وذلك لما عرفت من ان ايجابه يكون طريقيا الخ.
هذا بيان العلة
لقوله لا يصغى ووجه عدم الاصغاء الى ما قيل ما عرفت من ان ايجابه يكون طريقيا قد
بيّن الايجاب الطريقى فى حاشية الرسائل بقوله ان الامر بالاحتياط يكون طورا آخر من
الاوامر المولوية غير النفسى والغيرى ويكون الامر بالاحتياط من قبيل الطرق
والامارات وبعض الاصول كالاستصحاب فانه يكون مثبتا للتكليف ويستحق المكلف المؤاخذة
فى ظرف المخالفة ووجود الحكم واقعا بل ومع عدم الحكم واقعا بناء على استحقاق
المتجرى العقوبة.
وقد ذكر المصنف
الاشكالين على اخبار الاحتياط احدهما ما اشار اليه بقوله ما دل على وجوب الاحتياط
لو سلم قد ذكر توضيح هذا الاشكال آنفا والاشكال الثانى ما اشار اليه بقوله ولا
يصغى الى ما قيل من ان ايجاب الاحتياط ان كان مقدمة الخ.
وقد ذكر توضيح هذا
الاشكال مع جوابه وذكر هنا الاشكال الثالث أى مع قطع النظر عن الاشكالين الاولين
قد ورد فى اخبار الاحتياط الاشكال الثالث بيّن المصنف هذا الاشكال بقوله الا انه
تعارض بما هو اخص
أو اظهر الخ.
هذا الاشكال
الثالث على اخبار الاحتياط واستدراك على قوله وان كان واردا توضيح هذا الاشكال ان
اخبار الاحتياط ظاهرة فى الوجوب المولوى وكانت واردة على قاعدة قبح عقاب بلا بيان
لصلاحيتها للبيانية ولا يبقى مع هذه الاخبار موضوع للبراءة العقلية لان موضوع
البراءة هو عدم البيان.
ولكن اخبار
الاحتياط معارضة باخبار البراءة ويتعين تقديمها على اخبار الاحتياط بوجهين احدهما
اخصية موضوع اخبار البراءة من موضوع اخبار الاحتياط ولا شك ان التقدم الخاص على
العام بدهى والوجه الثانى من وجهى تقديم اخبار البراءة على اخبار الاحتياط
اظهريتها فى الدلالة على حلية المشتبه من دلالة اخبار الاحتياط على وجوبه فى
الشبهات.
قوله
ضرورة ان ما دل على حلية المشتبه اخص الخ.
هذا بيان لوجه
اخصية واظهرية اخبار البراءة توضيحه ان اخبار البراءة نص فى الترخيص والمراد من
هذه الخصوصية هى عبارة عن كون الدال على البراءة هى المواد مثل حلال ومطلق وسعة
فان هذه المواد دالة على البراءة نصا واما دال على الاحتياط فهى الهيئات مثلا هيئة
افعل كقوله عليهالسلام احتط ليست هذه الهيئة اكثر من كونها فى الوجوب ظاهرة
بعبارة اخرى ان الهيئة ظاهرة فى الوجوب وليست نصا فيه فيمكن رفع اليد عنه بقرينة
ما هو نص أو اظهر منه كما هو الحال فى رفع كون صيغة الامر ظاهرة فى الوجوب بقرينة
الاستحباب فتحمل اوامر الاحتياط على
الفضل لا الوجوب.
قوله
مع ان هناك قرائن دالة على انه للارشاد الخ.
أى ذكر الى هنا
تقديم اخبار البراءة على ادلة الاحتياط بملاك الاخصية والاظهرية ولا يخفى ان ما
ذكر فى تقديم ادلة البراءة انما هو مع تسليم دلالة اخبار الاحتياط على الطلب
المولوى فيمكن التعارض بين ادلة الاحتياط مع ادلة البراءة وتقدم ادلتها على ادلة
الاحتياط بمناط الاخصية والاظهرية ولكن اذا كانت اخبار الاحتياط قاصرة عن اثبات
الطلب المولوى وذلك لوجود قرائن داخلية وخارجية دالة على ان الامر به للارشاد
فيختلف ايجابا واستحبابا حسب اختلاف ما يرشد اليه.
قال
صاحب الكفاية ويؤيده انه لو لم يكن للارشاد لوجب تخصيصه ببعض الشبهات.
أى ان لم يكن
الامر بالاحتياط للارشاد وجب تخصيص هذا الامر ببعض الشبهات ولا يخفى ان ما دل على
الاحتياط آب عن التخصيص فلا بد ان لا يكون الامر بالاحتياط للوجوب قد ذكر الشيخ قدسسره القرائن التى تدل على كون الامر بالاحتياط للارشاد وجعل من
القرائن لزوم محذور تخصيص الاكثر لو لم يكن الامر للارشاد توضيح هذا المحذور ان
موضوع الامر بالتوقف والاحتياط هو الشبهة فان اخذ بظاهر الامر من الطلب المولوى
اللزومى فهو مستلزم لتخصيص الاكثر لان عنوان الشبهة صادق على الشبهات مطلقا يعنى
الحكمية والموضوعية الوجوبية والتحريمية وقد اتفق القائلون بوجوب الاحتياط وغيرهم
على
جريان البراءة فى
الشبهة الوجوبية والموضوعية أى يخرج غير الشبهة التحريمية الحكمية عن موضوع الامر
بالاحتياط فحينئذ يلزم تخصيص الاكثر لخروج اكثر الشبهات عن موضوع الامر بالتوقف
وهى الشبهات الموضوعية مطلقا أى الوجوبية والتحريمية منها والشبهة الحكمية
الوجوبية فيلزم بخروج هذه المذكورات تخصيص الاكثر ومن المعلوم انه مستهجن كما ان
حمل الامر بالتوقف والاحتياط على الندب مستلزم لاخراج موارد وجوب الاحتياط فيلزم
أيضا تخصيص الاكثر لان هذه الموارد فى نفسها كثيرة فلا مناص عن حمل الامر بالتوقف
على الارشاد المطلق أى فيكون ارشادا الى وجوب الاحتياط فى موارد وجوبه وهو الشبهة
المقرونة بالعلم الاجمالى والى استحبابه فى غيرها.
قد ذكر الى هنا
القرينة التى على كون الامر بالاحتياط للارشاد واشار المصنف الى القرينة الاخرى
لكون الامر بالاحتياط ارشاديا بقوله مع أنّه آب عن التخصيص قطعا كيف لا يكون قوله
: قف عند الشبهة للارشاد : هذه القرينة الاخرى على كون الامر بالاحتياط ارشاديا
توضيح هذه القرينة ان المراد بالهلكة ما يرجع الى الآخرة هو عبارة من العقوبة
الاخروية ومقتضى التعليل بقوله فان الوقوف عند الشبهة الخ كون الهلكة ثابت قبل
ايجاب الاحتياط لان الهلكة فى هذه الاخبار موضوع للحكم بوجوب التوقف ولا شك فى
تقدم الموضوع على الحكم لانه كالعلة له فلا بد أن تكون العقوبة مفروضة الوجود قبل
الامر بالتوقف حتى يكون ايجاب الاحتياط لاجل التحرز عن العقوبة.
ومن الواضح ان هذه
الهلكة ليست على مخالفة الزامى الواقع
المجهول لان قاعدة
قبح عقاب بلا بيان تقتضى قبح الهلكة والعقوبة فلا بد أن تكون هذه الهلكة على
التكليف المنجز بغير الامر بالتوقف والا لزم الدور قد سبق توضيح لزوم الدور.
فلا يخفى ان الامر
بالتوقف حينئذ يختص بالشبهات المقرونة بالعلم الاجمالى والشبهة البدوية قبل الفحص
: ويكون الامر باحتياط ارشادا الى حكم العقل بوجوب تنجز الواقع بالعلم الاجمالى
وكذا ارشاد الى حكم العقل بعدم وجوب الاحتياط فى الشبهة البدوية بعد الفحص فلا
يلزم اختصاص الامر بالاحتياط.
قوله
لا يقال نعم لكن يستكشف عنه بنحو الإن ايجاب الاحتياط من قبل الخ.
هذا اشارة الى
استكشاف الامر المولوى الظاهرى بالاحتياط بالبرهان الإني أى العلم من المعلول الى
العلة مثلا فى المقام الاخبار المثبتة للهلكة كاشفة عن وجوب الاحتياط على نحو كشف
العلة بالمعلول توضيح هذا الاشكال انه لا يصح الامر بالوقوف والاحتياط فى الاخبار
المثبتة للتهلكة للطلب المولوى الالزامى بل لا بد من حمله على الارشاد أى
بالمطابقة كان الامر بالوقوف للارشاد كما تقدم.
لكن يمكن استفادة
طلب ظاهرى المولوى من تلك الاخبار بالدلالة الالتزامية وبيان هذه الدلالة انه لما
كانت العقوبة من آثار الطلب المولوى كما هو المستفاد من هذه الاخبار حيث رتبت
الهلكة أى العقوبة على كل محتمل التكليف الالزامى الذى كان منه الشبهة البدوية بعد
الفحص والظاهر ان ترتب العقوبة على
التكليف المحتمل
الزامى كاشف عن وجود البيان على التكليف ودال عليه بالدلالة الالتزامية وان الشارع
قد اكتفى بذكر اللازم والابتلاء بالعقوبة الاخروية عن بيان ملزومه اى الوجوب
الشرعى للاحتياط.
وبعبارة اخرى ان
الاخبار المثبتة لترتب الهلكة على ترك الاحتياط فى الشبهة التحريمية هذه الاخبار
كاشفة عن وجوب الاحتياط كشفا بالمعلول عن العلة والا يلزم كون المعلول بلا علة.
قوله
فانه يقال ان مجرد ايجابه واقعا الخ.
هذا جواب عن
الاشكال الذى ذكر بلفظة لا يقال توضيح هذا الجواب ان العقاب على ايجاب الاحتياط فى
الشبهة البدوية ما لم يصل الى المكلف عقاب بلا بيان اذ المستلزم للعقاب هو البيان
الواصل لا التكليف الذى كان موجودا فى الواقع.
قال صاحب الكفاية
فلا محيص عن اختصاص بما يتنجز فيه المشتبه قبل الفحص مطلقا هذا بيان لبطلان ما ذكر
فى لا يقال وجه هذا البطلان ان التعليل المذكور فى اخبار التوقف لا تدل على وجوب
الاحتياط مولويا فيختص هذا التعليل أى وقوف عند الشبهة لانه خير من الاقتحام فى
الهلكة فيما يتنجز فيه تكليف المشتبه والشبهة التى مقرونة بالعلم الاجمالى.
بعبارة اخرى فانه
لا محيص عن اختصاص التعليل فى التكليف المشتبه قبل الفحص مطلقا أى سواء كانت
الشبهة وجوبية أو تحريمة وكذا الشبهة المقرونة بالعلم الاجمالى فلا تجرى قاعدة قبح
العقاب بلا بيان فيهما لكن تجرى هذه القاعدة فى الشبهة
البدوية بعد البحث
والفحص.
فظهر مما ذكر ان
الامر بالاحتياط ارشاد الى الحكم العقلى أى يشمل هذا الامر الارشادى ما حكم العقل
فيه على تنجز الواقع بالعلم الاجمالى وكذا الشبهة البدوية قبل الفحص فان الامر
بالاحتياط فى هذين الموردين ارشاد الى حكم العقل على وجوب الاحتياط وكذا ارشاد الى
حكم العقل بعدم وجوب الاحتياط فى الشبهة البدوية بعد الفحص قد بينت هنا القرينة
التى دلت على كون الامر بالاحتياط ارشاديا وكان البحث فى القرينة الثانية قد ذكر
ان العلة لوجوب الاحتياط هى الهلكة على قول الخصم فيلزم ان يكون الهلكة مفروضة
الوجود قبل الامر بالاحتياط لانها علة لوجوده فلا يعقل تأخر هذه العلة عن الامر
لاستلزامه الدور.
توضيحه ان الهلكة
علة لايجاب الاحتياط ومقدمة عليه رتبة فلو ترتبت الهلكة على ايجاب الاحتياط حيث ان
الخصم يدعى ترتب العقوبة على ترك الاحتياط لانه يعترف بقبح المؤاخذة على التكليف
المجهول فكانت العقوبة مؤخرة عن الامر بالاحتياط لان العقوبة تجيء بعد الامر
بالاحتياط هذا دور صريح لتوقف ايجاب الاحتياط على الهلكة وتوقف الهلكة على ايجاب
الاحتياط.
ويدفع هذا الدور
اذا قلنا بكون الامر بالاحتياط ارشاديا فلا تتوقف الهلكة على الامر بالاحتياط فاذا
لم تترتب الهلكة على الامر باحتياط ويحتاج ترتب العقوبة على التكليف المنجز الى
الدليل الآخر غير الامر باحتياط فاذا لم تترتب الهلكة عليه كان للارشاد.
واعلم انه لما
كانت الاعادة خير من الحوالة لذا تكرر هذا البحث وان حولنا اولا الى ما سبق أى قد
ذكر نظير هذا الدور عند
قوله والجواب انه لا مهلكة فى الشبهة البدوية الخ.
قد ذكر ان هذا
الكلام اشارة الى الجواب عن اخبار التوقف ولزم الدور على الاستدلال بهذه الروايات
على وجوب التوقف والاحتياط.
قوله
واما العقل فلاستقلاله بلزوم فعل ما احتمل وجوبه وترك ما احتمل حرمته الخ.
كان الكلام فى
وجوب الاحتياط قد استدل على وجوبه فى الشبهة التحريمية البدوية بالدليل النقلى
وبعد الفراغ منه استدل على وجوب الاحتياط بالدليل العقلى وقد قرر هذا الدليل على
طريق قياس منطقي اى مركب من صغرى وجدانية وكبرى عقلية.
واما الصغرى فانا
نعلم بوجود التكاليف فى الشريعة المقدسة ولكن لم نعلم بعض هذه التكاليف بالعلم
التفصيلى كالوقائع المشتبه بل نعلم اجمالا عدم خلو المكلف من التكاليف فى هذه
الموارد المشتبهة.
واما الكبرى فهى
استقلال العقل بتنجز الخطاب بالعلم الاجمالى فصورة القياس هكذا هذا المعلوم
بالاجمال تكليف الزامى كل التكليف الالزامى منجز عقلا فهذا المعلوم بالاجمال منجز
عقلا فيجب بحكم العقل الخروج عن عهدة التكاليف الالزامية ولا يمكن ذلك الا
بالاحتياط بالاتيان ما يحتمل وجوبه وترك ما يحتمل حرمته لاقتضاء الاشتغال اليقينى
البراءة اليقينية ولا خلاف فى لزوم
الاحتياط فى اطراف
العلم الاجمالى.
قوله
: والجواب ان العقل وان استقل بذلك الا انه اذا لم ينحل العلم الاجمالى الى العلم
التفصيلى والشك البدوى الخ.
هذا جواب عن
الاستقلال العقلى على وجوب الاحتياط توضيحه ان منجزية العلم الاجمالى وان كانت مما
يستقل بها العقل لكنها منوطة ببقاء العلم الاجمالى على حاله أى اذا كان دائرا بين
الاطراف بنحو القضية المنفصلة الحقيقة وعدم انحلاله الى العلم التفصيلى والشك
البدوى فلو انحل فى مورد سقط حكم العقل بلزوم الاحتياط فى سائر الاطراف لان الاصل
النافى للتكليف جار فيه مع سلامته عن المعارض.
واعلم ان المفروض
فى المقام انحلال العلم الاجمالى بوجود الواجبات والمحرمات فى الوقائع المشتبهة أي
ينحل هذا العلم الاجمالى الكبير بالعلم الاجمالى الصغير فنعلم اجمالا ان لنا الطرق
والاصول المثبتة لمقدار من التكاليف مساويا للمعلوم بالعلم الاجمالى الكبير فينحل
هذا العلم المتعلق بجميع الاحكام الالزامية بهذا العلم الاجمالى الصغير المتعلق
بالامارات والاصول المثبتة للمقدار المذكور من التكاليف فلا يبقى العلم بتكاليف
واقعية اخرى غيرها حتى يجب رعاية الاحتياط فيها فما عدا هذه التكاليف مشكوك بالشك
البدوى فتجرى فيه البراءة ان قلت نعم لكنه اذا لم يكن العلم بها مسبوقا بالعلم
بالواجبات هذا الكلام اشكال على انحلال العلم الاجمالى الكبير حاصل هذا الاشكال ان
العلم بالاحكام التى هى مؤديات الامارات وموارد الاصول وان كان
موجبا لانحلال
العلم الاجمالى بالاحكام ولكن هذا الانحلال ليس مطلقا بل هو مشروط بما اذا لم يكن
العلم بالتكاليف التى تضمنها الطرق والاصول مسبوقا بالعلم الاجمالى الكبير
بالتكاليف والمفروض سبق العلم الاجمالى بالاحكام على العلم بما فى الامارات فلا
ينحل هذا العلم الاجمالى الكبير بهذا العلم الاجمالى الصغير أى فى صورة تأخر العلم
الاجمالى الصغير عن العلم الاجمالى الكبير فلا يؤثر هذا العلم الاجمالى مؤخر فى
انحل العلم الاجمالى السابق
قلت
انما يضر السابق اذا كان المعلوم اللاحق حادثا الخ.
هذا جواب الاشكال
حاصل هذا الجواب هو اثبات الانحلال توضيح هذا الجواب ان سبق العلم الاجمالى على
التفصيلى وان كان مسلما بعبارة اخرى انا سلمنا سبق العلم الاجمالى الكبير على
العلم الاجمالى الصغير اذ يحصل هذا العلم الاجمالى الكبير للمكلف بمجرد التفاته
الى الشريعة المقدسة الاسلامية والعلم الاجمالى الصغير متأخر عنه حيث لا يحصل الا
بعد المراجعة الى الامارات والاصول ولا يخفى ان هذا العلم الاجمالى الصغير مشتمل
على العلم التفصيلى على بعض الاحكام : لكن مجرد سبق العلم الاجمالى على التفصيلى
لا يضر فى انحلال هذا العلم الاجمالى بالعلم التفصيلى وانما يضر فى الانحلال اذا
كان هذا المعلوم التفصيلى اللاحق تكليفا حادثا مغايرا للمعلوم الاجمالى السابق.
واما فى المقام
فلم تكن المغايرة بين التكليف السابق واللاحق ويذكر هنا المثال لتوضيح المقام مثلا
انا نعلم اولا باصابة قطرة
دم باحد الإناءين
ثم نعلم تفصيلا بعد ذلك بوقوع تلك القطرة فى الاناء المعلوم ومقام بحثنا من هذا
القبيل ضرورة ان الاحكام المعلومة تفصيلا بمراجعة الطرق والامارات المعتبرة ليست
هذه الاحكام مغايرة للتكليف المعلوم اجمالا بل هى منطبقة عليها لان الامارات حاكية
عن الاحكام الواقعية التى علمت اجمالا قبل مراجعة الطرق وبعد اتحاد المعلومين
ينتقل المعلوم بالاجمال الى المعلوم بالتفصيل وكذا اثر العلم الاجمالى السابق
بانطباق ما علم اجمالا على ما علم تفصيلا ولا بد من تحصيل الفراغ اليقينى من هذا
المقدار بالخصوص.
وقد ذكر فى انحلال
العلم الاجمالى انحلال العلم الاجمالى الكبير الى العلم الاجمالى الصغير والمراد
من العلم الاجمالى الكبير هو العلم الاجمالى بوجود المحرمات والواجبات فى الوقائع
المشتبهة.
وبعبارة اخرى
العلم الاجمالى الكبير هو المتعلق بجميع الاحكام الالزامية الواقعية : والمراد من
العلم الاجمالى الصغير هو المتعلق بالامارات والطرق فبعد الرجوع هذه الامارات
والظفر بهذا المقدار الذى ادت اليه الامارة لا يبقى العلم بالتكاليف الواقعية
الاخرى حتى يجب رعاية احتياط فيها فيصير العلم الاجمالى الصغير علما تفصيليا بعد
الظفر بالمقدار الذى ادت اليه الامارة فينحل العلم الاجمالى الكبير الى العلم
التفصيلى والشك البدوى فظهر بهذا البيان انه لم يبق موردا للعلم الاجمالى وسقط
الحكم بلزوم الاحتياط.
قوله
ان قلت انما يوجب العلم بقيام الطرق المثبتة له بمقدار المعلوم بالاجمال الخ.
هذا اشكال على
انحلال العلم الاجمالى قد ذكر انه ينطبق المعلوم بالاجمال على مؤديات الطرق
والامارات وانحلال العلم الاجمالى الى العلم التفصيلى والشك البدوى ويصح هذا
الانحلال اذا كانت حجية الامارات من باب الموضوعية بان يجعل مؤديات الامارة احكاما
واقعية فعلية هذا مقتضى حجية الامارات بنحو السببية فانه يعلم حينئذ ثبوت التكاليف
تفصيلا بقيام الطرق والامارات على هذه التكاليف الاجمالية فتصح دعوى انطباق
الاحكام الواقعية المعلومة اجمالا على مؤديات الامارة.
واما بناء على
حجية الامارات بنحو الطريقية أى يترتب ما للطريق المعتبر على الاحكام الواقعية من
الآثار العقلية يعنى التنجز فى صورة الاصابة والتعذير فى صورة الخطاء فلا يتم فى
هذه الصورة انحلال العلم الاجمالى الى العلم التفصيلى لعدم العلم التفصيلى
بالتكليف فى مؤديات الامارات حينئذ حتى ينطبق المعلوم الاجمالى عليها لاحتمال
الخطإ فى مؤدياتها اذ لا مجال لدعوى الانطباق مع كون التكليف الذى نهض عليه الطريق
محتملا غير مقطوع به أى لم يحصل العلم بالتكليف بالامارات وعليه فلا مجال للانحلال
فلا بد من الاحتياط فى المشتبهات.
الحاصل انه يحصل
انحلال العلم الاجمالى الى العلم التفصيلى بانطباق هذا العلم الاجمالى على مؤديات
الطرق والامارات اذا كان مقتضى قيام الامارات على التكليف موجبا لثبوته فعلا واما
بناء
على ان مقتضى حجية
الطريق والامارة من باب الطريقية الى الواقع شرعا فلم يكن التكليف فعليا بل يترتب
على هذا الطريق المعتبر عقلا تنجز ما اصابه والعذر عند الخطاء فلا يحصل العلم بان
مؤديات الطرق هى الاحكام الواقعية لاحتمال عدم اصابتها للواقع فالتكليف حينئذ
احتمالى لا العلمى.
قوله
قلت قضية الاعتبار شرعا على اختلاف السنة ادلة وان كانت ذلك على ما قوينا فى البحث
الخ.
هذا جواب الاشكال
حاصله ان المدعى فى المقام هو الانحلال الحكمى لا الحقيقى وهو موجود فى المقام لان
تنزيل الشىء منزلة العلم التفصيلى اعطاء اثره له واثر منزل عليه صرف التنجيز فى
متعلقه لكونه موجبا للانحلال فكذا المنزل فقيام الطريق على المقدار المعلوم
بالاجمال كقيام العلم التفصيلى عليه فى الاثر المذكور.
توضيح الجواب ان
مقتضى ادلة اعتبار الامارة وان كان هو الطريقية أى ترتيب ما للطريق المعتبر عقلا
وهو العلم من التنجيز والتعذير على الطريقية دون الموضوعية أى لم يكن اعتبار
الامارة من باب الموضوعية اعنى ثبوت التكليف الفعلى بها وجعل الامارة موضوعا للحكم
ولا يخفى ان مفاد صدق العادل ونحوه هو البناء على ما اخبر به العادل هو الواقع
وعدم الاعتناء باحتمال الخلاف وليس مفاد صدق العادل حدوث المصلحة فى المؤدى بسبب
قيام الطريق عليه حتى توجب جعل الحكم على طبقها ويتحقق الانحلال الحقيقى الذى هو
زوال العلم الاجمالى.
والظاهر ان بقاء
العلم الاجمالى بعد القيام الامارة أيضا على
حاله لكن ندعى فى
المقام تحقق الانحلال الحكمى بمعنى اقتضاء الامارة غير العلمية انصراف التكليف
المنجز بالعلم الاجمالى الى خصوص الطرف الذى قامت عليه الامارة فتجرى البراءة فى
غير هذا الطرف من اطراف الشبهة
توضيح الجواب
بعبارة اخرى لما كان مقتضى تنزيل الامارة غير العلمية منزلة العلم أى يترتب اثر
العلم من التنجيز والتعذير عليها فيكون الامارة بمنزلة العلم فى الآثار ومنها
الانحلال فكما ان العلم الاجمالى ينحل بالعلم التفصيلى بوجود التكليف فى طرف معين
فكذلك قيام الامارة على وجوده فى احد الاطراف بعينه يوجب انحلال العلم الاجمالى
لكن العلم التفصيلى يوجب الانحلال الحقيقى لزوال العلم الاجمالى بالعلم التفصيلى
والشك البدوى واما الانحلال فى الامارة فهو حكمى أى يرتفع حكم العلم الاجمالى وهو
وجوب الاحتياط ويلاحظ جانب التكليف فى الاطراف بقيام الامارة على التكليف بطرف
معين وان كانت الصورة العلمية الاجمالية باقية على حالها لعدم وجود العلم التفصيلى
فى مؤدى الامارة بل مقتضى ادلة اعتبار الامارات هو ترتيب ما للطريق المعتبر من
التنجيز والتعذير.
قوله
هذا اذا لم يعلم ثبوت التكاليف الواقعية فى موارد الطرق المثبتة بمقدار المعلوم
بالاجمال.
قد ذكر آنفا ان
الانحلال على قسمين أى حقيقى وحكمى والظاهر ان الانحلال الحكمى انما يصدق فى صورة
عدم العلم باصابة الطريق للواقع واحتمال كل من الاصابة والخطأ فيها.
واما مع العلم
باصابة مقدار من الامارات مساو للمعلوم بالاجمال فيكون الانحلال حقيقيا مثلا اذا
علمنا اجمالا بوجود الف حكم الزامى فى الشريعة المقدسة الاسلامية وظفرنا بهذا
المقدار فى الامارات والاصول المثبتة هذا كاف فى الانحلال لان اخراج ما يساوى
مقدار المعلوم بالاجمال يوجب زوال العلم الاجمالى.
الحاصل ان العلم
الاجمالى الذى استدل المحدثون به على وجوب الاحتياط فى الشبهات هذا العلم الاجمالى
منحل اما حقيقة بناء على كون مؤديات الطرق بمقدار المعلوم بالاجمال مع مطابقتها
للواقع واما حكما بناء على عدم العلم باصابتها للواقع وان كان بمقدار المعلوم
بالاجمال.
قوله
وربما استدل بما قيل من استقلال العقل بالحظر فى الافعال.
وهذا أيضا
الاستدلال بالعقل على وجوب الاحتياط من باب استقلال العقل بالحظر بالافعال ولا
يخفى نزاع الحظر والاباحة فى الاشياء.
توضيح هذا النزاع
واعلم ان للافعال آثارا ذاتية يدركها العقل مع قطع النظر عن الشرع كما هو المذهب
العدلية قد يدرك حسن الفعل اما على وجه العلية التامة كالعدل والشكر أى شكر المنعم
اللذين هما علتان تامتان للحسن واما يدرك حسن الفعل على وجه الاقتضاء كالصدق حيث
إنّه يقتضى الحسن وهو مرضى عند العقل الا اذا ترتب عليه المفسدة كاضراره على نفسه.
بعبارة اخرى ان
الصدق لا يكون موجبا للحسن اذا ترتب عليه
الضرر على نفسه أو
على غيره من نفس محترمة لذا لم يكن الصدق على وجه العلية التامة للحسن وقد يدرك
قبح الفعل على هذا الوجه أى على وجه العلية التامة كالظلم أو على وجه الاقتضاء
كالكذب فانه مقتض للقبح لو لا المانع كما اذا ترتب عليه نجاة مؤمن أو دفع مفسدة
وقد اتفقت العدلية على حكم العقل بحسن الفعل على نحو التنجيز فى صورة علية الفعل
للحسن وكذا اتفقت على حكم العقل على نحو التعليق فى صورة اقتضاء الفعل للحسن وكذا
على حكم العقل بقبح الفعل والمنع عنه على نحو التنجيز فى صورة العلية أو على نحو
التعليق فى صورة الاقتضاء.
قد ذكر الى هنا
حكم ما يستقل فيه العقل بحسنه أو قبحه لكنهم أى العدلية اختلفوا فى حكم العقل
بالجواز وعدمه فيما لا يستقل بحسنه وقبحه من الافعال غير الضرورية. توضيحه انهم
اختلفوا على ثلاثة اقوال :
الاول ان الاصل فى
الاشياء التى لا يدرك العقل حسنها ولا قبحها الحظر والمنع أى ان العقل يحكم بعدم
جوازها ما لم يرد الرخصة من الشارع فيها ويعبر عن هذا الحكم فى اصطلاحهم باصالة
الحظر.
الثانى ان الاصل
فيها الاباحة أى ان العقل يحكم بجوازها ما لم يصل من الشارع منع عنها ويعبر عن هذا
الحكم فى اصطلاحهم باصالة الاباحة.
الثالث ان الاصل
فيها الوقف أى انه لا حكم للعقل فيها لا بالحظر ولا بالاباحة لبطلان ما استدل اليه
أصحاب القولين المذكورين.
اذا عرفت هذه
الاقسام الثلاثة فاعلم ان أصحابنا المحدثين
استدلوا باصالة
الحظر على وجوب الاحتياط فى الشبهات الحكمية التحريمية فيحكم العقل ان الاقدام على
المشتبه كالاقدام على ما علم حرمته اى لا يجوز ارتكابه لانه لم يثبت شرعا إباحة ما
اشتبه حرمته ان قلت كل شىء لك حلال حتى تعرف انه حرام بعينه دليل على إباحة مشتبه
الحكم ومعه لا مجال للتمسك باصالة الحظر أو الوقف اذ حكم العقل به على تقدير
تسليمه انما هو مع قطع النظر عن الشرع واما مع ورود الترخيص الشرعى فلا مجال للاصل
المذكور أى مع وجود الدليل للاباحة لا مجال للتمسك باصالة الحظر فى المقام.
قلت فى جواب هذا
الاشكال ان ما دل على الاباحة معارض بما دل على وجوب التوقف والاحتياط فمع عدم
سلامة ادلة الاباحة عن المعارضة كيف يستند اليها للقول بالاباحة والترخيص.
قد ثبت ان العقل
يستقل بالحظر فى الشبهة التحريمية فى الافعال الغير الضرورية هذا حاصل الوجه
الثانى بالاستدلال العقلى على وجوب الاحتياط ولا يخفى ان هذا الاستدلال مختص على
الشبهة التحريمية واما الوجه الاول من الاستدلال العقلى فهو مشترك بين الشبهة
الوجوبية والتحريمية.
قوله
: وفيه أوّلا انه لا وجه للاستدلال بما هو محل الخلاف الخ.
قد اورد المصنف
على هذا الدليل العقلى بوجوه الثلاثة الاول
أنا لا نسلم كون
الاصل فى الشبهة التحريمية هو الحظر لان مسئلة اصالة الحظر بنفسها محل الخلاف ولا
وجه لابتناء وجوب الاحتياط فيما هو محل الكلام والاشكال ولو صح الاستدلال على
وجوب الاحتياط فى
المقام لصح الاستدلال باصالة الاباحة فى هذا المقام والظاهر ان القائل بالبراءة فى
الشبهة التحريمية استند الى استقلال العقل بالبراءة لقبح العقاب بلا بيان وادعى
هذا القائل ان الاباحة أصل فى الاشياء.
وأيضا يشكل على
هذا الاستدلال العقلى بانه مصادرة أى جعل المستدل على وجوب الاحتياط عين المدعى
دليلا لان هذا المستدل استدل فى الشبهة التحريمية باصالة الحظر حتى يبنى عليها
وجوب الاحتياط ولا شك ان هذا عين مدعاه وان صح هذا الاستدلال امكن للخصم الاستدلال
باصالة البراءة على الاباحة.
قوله
: ثانيا تثبت الاباحة شرعا لما عرفت من عدم صلاحية ما دل على التوقف الخ.
هذا الاشكال
الثانى على الدليل العقلى المذكور وهو راجع الى ثبوت الاباحة الحاصل ان الاباحة
ثابتة شرعا لما تقدم من عدم مقاومة ادلة التوقف والاحتياط للمعارضة مع ما دل على
البراءة لما تقدم من اخصية واظهرية ادلتها من ادلة التوقف والاحتياط أى تقدم انه
يتعين تقديم اخبار البراءة على اخبار الاحتياط لوجهين احدهما اخصية موضوع اخبار
البراءة من موضوع اخبار الاحتياط لان موضوع اخبار البراءة مختص بالشبهات التى كانت
بعد الفحص ولا يشمل الشبهات قبل الفحص.
واما موضوع اخبار
الاحتياط فهو عام اى يشمل الشبهات قبل الفحص وبعده.
واما وجه اظهرية
اخبار البراءة فانها نص فى حلية مشتبه
الحكم مثلا يقال
فهو حلال وحديث الرفع ونحوه اظهر فى الترخيص من دلالة اخبار الاحتياط على وجوب
التحرز لان اخبار الاحتياط مستندة الى ظهور هيئة افعل نحو قولهم عليهمالسلام احتط لدينك ولا يخفى ان صيغة افعل انما تكون ظاهرة فى
الوجوب.
قوله
: وثالثا انه لا يستلزم القول بالوقوف فى تلك المسألة للقول بالاحتياط فى هذه
المسألة الخ.
هذا الاشكال الثالث
على الاستدلال العقلى بوجوب الاحتياط توضيحه ان النزاع فى المسألتين الاولى مسألة
الحظر والاباحة فالنزاع فيها فى تقديم اصالة الحظر أو الاباحة والظاهر ان الموضوع
فى هذا المسألة هو فعل المكلف من حيث هو هو أى مع قطع النظر عن الحكم الشرعى الذى
صار مجهولا عنده بعد صدوره فيبحث فى هذه المسألة عن هذا الفعل من حيث هو هل يكون
فى نظر العقل محكوما بالاباحة أم بالحظر.
الثانية مسئلة
الاحتياط والبراءة فالنزاع فيها فى تقديم الاحتياط أو البراءة ولا يخفى ان الموضوع
فى هذه المسألة هو فعل المكلف بما هو مجهول الحكم بعد تشريع الاحكام فيبحث فى هذه
المسألة عن هذا الفعل من حيث هو مجهول الحكم بعد تشريع الاحكام هل يحكم عليه شرعا
بالاباحة أم بالاحتياط.
اذا عرفت فرق
المسألتين موضوعا فاعلم انه لا ملازمة بين القول بالوقف فى مسألة الحظر والاباحة
وبين القول بالاحتياط فى مسئلة البراءة فلا يكون اختيار الوقف دليلا فى ثبوت
الاحتياط فى مسألة البراءة والاحتياط وذلك لاختلاف المسألتين موضوعا فمسألة الحظر
والاباحة مسألة مستقلة فلا يستلزم القول بالوقوف
فى تلك المسألة
القول بالاحتياط فى مسألة البراءة لاحتمال ان يقال فى باب الحظر والاباحة مع القول
بالاباحة انه تجرى البراءة لقاعدة قبح العقاب بلا بيان فثبت انه لا يصح الاستدلال
باصالة الحظر على وجوب الاحتياط.
قوله
: وما قيل من ان الاقدام على ما لا تؤمن مفسدته كالاقدام على ما تعلم فيه المفسدة.
هذا الاشكال عن
شيخ الطائفة فى عدة الاصول وقد عرفت فى مسألة الحظر والاباحة انه استدل بقبح
الاقدام على ما لا تؤمن مفسدته وتعرض المصنف لكلامه هنا.
بقوله
وما قيل الخ.
والمراد من هذا
القول دفع توهم عدم جريان البراءة العقلية التى تقدم امكان جريانها بقوله لاحتمال
ان يقال معه البراءة.
وحاصل توهم عدم
جريان اصالة البراءة وان احتمال التكليف يلازم احتمال المصلحة أو المفسدة بناء على
ما هو الحق من تبعية الاحكام للمصالح والمفاسد وعلى هذا البيان فمخالفة محتمل
الحرمة توجب احتمال الضرر الناشئ من الملاك وهو المفسدة لانها ضرر على المكلف ودفع
الضرر واجب فيجب امتثال محتمل الحرمة ولا تصل النوبة الى قاعدة قبح عقاب بلا بيان
لان قاعدة دفع الضرر المحتمل واردة عليها.
قوله
: ممنوع خبر لقوله وما قيل الخ.
وجواب عن التوهم
اى اجاب المصنف عن التوهم بوجهين
الاول يرجع الى
منع الصغرى حاصله وان الاحكام وان كانت تابعة للمصالح والمفاسد الا انهما ليستا
راجعتين الى المنافع والمضار اى لا يكون احتمال المفسدة مساويا لاحتمال الضرر بل
قد تكون المصلحة منفعة وقد لا تكون كذلك بل قد يكون الشىء الذى فيه مصلحة موجبا
للضرر كالاحسان للفقراء وصرف المال فى الامور الخيرية فان المصلحة فيما ذكر منوطة
ببذل المال وهو ضرر وكذا المفسدة قد تكون ضررا وقد تكون موجبة للمنفعة كسرقة
الاموال.
فظهر انه لا
ملازمة بين المصلحة والمنفعة وبين المفسدة والمضرة فاحتمال الضرر فى مشتبه الحكم
ضعيف لا يعتد العقلاء به ويصح بهذا الجواب صحة اصالة البراءة فى الحكم المشتبه
لقاعدة قبح العقاب بلا بيان.
قوله
: مع ان الضرر ليس دائما مما يجب التحرز عنه عقلا بل يجب ارتكابه احيانا الخ.
هذا الوجه الثانى
من دفع التوهم وهو يرجع الى منع الكبرى أى انه بعد تسليم الصغرى وان المصلحة
والمفسدة متساويتان للمنفعة والمضرة لكن لا يجب التحرز عن كل الضرر بل قد يجب عقلا
وشرعا تحمل بعض المضار المعلومة مثلا قد يوجب العقل بذل المال الكثير لانقاذ مؤمن
من الغرق.
الحاصل ان وجوب
دفع الضرر عقلا انما يكون فيما اذا تعلق الغرض بدفعه واما اذا تعلق بعدم دفعه كما
فى صورة مزاحمته لما هو أهم منه فلا يستقل العقل حينئذ بلزوم دفع الضرر فثبت
عدم صحة استدلال
بدفع الضرر المحتمل بوجوب الاحتياط وصح الاستدلال فى الحكم المشتبه باصالة البراءة
لقاعدة قبح عقاب بلا بيان.
قوله
: بقى امور مهمة لا بأس بالاشارة اليها.
هذا البحث اشارة
الى تنبيهات البراءة والغرض من ذكر هذا البحث هو بيان شروط اصالة البراءة فبين
المصنف الشرط الاول.
بقوله
: الاول انه انما تجرى اصالة البراءة شرعا أو عقلا فيما لم يكن هناك أصل موضوعى
الخ.
أى الشرط الاول من
شروط جريان اصالة البراءة هو عدم اصل حاكم او وارد عليها من استصحاب موضوعى أو
حكمى.
توضيحه ان الاصل
الموضوعى يطلق على الاصل الجارى لاحراز حكمه كاستصحاب خمرية مائع شك فى انقلابه
خلا فانه رافع لموضوع اصالة الحل فيه وكاستصحاب عدم ذهاب ثلثى العصير العنبى
المغليّ اذا شك فى ذهابهما ويكون فى قبال هذا الاصل الاصل الجارى فى نفس الحكم
الشرعى كاستصحاب نجاسة الماء المتغير الزائل تغييره من قبل نفسه واستصحاب نجاسة
الثوب المعلوم نجاسته سابقا.
اذا عرفت الاصلين
فاعلم انه لا ريب فى تقديم رتبة الاصل الموضوعى على الحكمى لتقدم الموضوع على
الحكم رتبة حيث إنّه بالنسبة الى الحكم كالعلة بالنسبة الى المعلول فلا يجرى الاصل
فى الحكم مع جريانه فى الموضوع سواء كان الاصلان بحسب المفاد متنافيين كما اذا
اقتضى الاصل الموضوعى حرمة الشىء
والاصل الحكمى
اباحته وتقدم مثاله فى استصحاب خمرية المائع المشكوك انقلابه خلا المقتضى لحرمته
واصالة الحل مقتضية لحليته وشربه : ام متوافقين كاستصحاب عدالة الشخص واستصحاب
جواز تقليده.
قوله
: ولو كان موافقا لها الخ.
هذا بيان للاطلاق
أى الغرض من قول المصنف مطلقا ان عدم جريان اصالة البراءة فى ما اذا كان المورد
مجرى للاصل الموضوعى لا يختصّ بما اذا كان مفاد اصالة البراءة منافيا لما اقتضى
الاصل الموضوعى كما اذا اقتضى الاستصحاب خمرية مائع شك فى انقلابه خلا المستلزم
لحرمته واقتضى اصالة البراءة جواز شربه فلا تجرى اصالة البراءة هنا لان الاصل
الموضوعى مانع عنها هذا فى صورة المنافاة بين مفاد الاصل الموضوعى ومفاد اصالة
البراءة.
وكذا لا تجرى
اصالة البراءة اذا كان مفادها موافقا للاصل الموضوعى الجارى فى المقام كجريان
الاستصحاب فى خلية المائع الذى شك فى انقلابه خمرا فان اللازم من مفاد هذا
الاستصحاب هو حلية الشرب وان كان موافقا لمفاد اصالة البراءة لكن لا تجرى بعد
جريان الاصل الموضوعى لوروده عليها أى لورود الاصل الموضوعى على اصالة البراءة
فينتفى موضوعها وهو الجهل بالحكم بالاصل الموضوعى.
قوله
: فانه معه لا مجال لها اصلا لوروده عليها كما يأتى تحقيقه الخ.
هذا بيان ما يتفرع
على عدم جريان البراءة مع الاصل الموضوعى توضيح ما ذكر ان ما شك فيه تارة يكون
لاجل الشك فى نفس الحكم فالشبهة حكمية واخرى لاجل الشك فى متعلقه بعد العلم بنفس
الحكم فالشبهة موضوعية مثلا ان الشك فى ذكاة الحيوان قد يكون الشك فى أصل قابلية
الحيوان للتذكية مع العلم بان قابليته لها شرط فى طهارته هذا كما اذا تولد حيوان
من طاهر ونجس كالغنم والكلب ولم يتبع أحدهما فى الاسم ولم يكن له اسم خاص يندرج
تحت أحد العنوانين الطاهرة أو النجسة أى يشك فى قابليته للتذكية فان اصالة الحل لا
تجرى فيه اذا ذبح على الشرائط المخصوصة من اسلام الذابح والتسمية وذلك لوجود الاصل
الموضوعى أى استصحاب عدم التذكية وعدم وقوع التذكية المعتبرة شرعا على هذا الحيوان
حيث ان من شرائطها قابلية المحل لها ومع الشك فى القابلية يشك فى وقوع التذكية
المعتبرة عليه فيستصحب عدمها لان هذا الحيوان حال حياته لم يكن مذكى وبعد قطع
أوداجه يشك فى انتقاض عدم التذكية بالتذكية فيستصحب عدمها ويحرز عدم حلية لحمه
وعدم طهارته باستصحاب عدم التذكية.
ولا يخفى انه مع
جريان هذا الاصل الموضوعى لا مجال لاصالة الحل لان هذا الحيوان يدخل فى ما لم يذك
فيصير معلوم الحكم لان الاجماع قام على حرمته فينتفى موضوع اصالة الحل وهو الجهل
بحكمه فلا يبقى
المجال لجريانها فيكون هذا الحيوان بعد استصحاب عدم التذكية حراما كالحيوان الذى
حتف انفه أى مات بالموت الطبيعى.
قوله
فلا حاجة الى اثبات الميتة تعم غير المذكى.
هذا اشارة الى
تغاير الحيوان غير المذكى والميتة مفهوما لان الميتة بحسب اللغة ما حتف انفه واما
غير المذكى ما مات بسبب خارجى بان كان مقتولا بالضرب أو ملقى من شاهق أو مذبوحا
فاقدا لبعض الشرائط كما اذا كان الذبح الى غير القبلة أو كان الذابح غير مسلم.
واعلم ان التغاير
بين غير المذكى والميتة انما يكون مفهوما لكن لا فرق بينهما مصداقا لان الميتة
شرعا ما كان غير المذكى فزهوق روح الحيوان ان استند الى التذكية الشرعية كان
الحيوان مذكى وان لم يستند اليها كان ميتة سواء كان الموت بحتف انفه أى بلا سبب
خارجى ام كان بغير حتف انفه أى كان بسبب خارجى والى هذا اشار صاحب الكفاية بقوله
فلا حاجة الى اثبات ان الميتة تعم غير المذكى أى بدون تعميم الميتة الحكم شامل
لغير المذكى وان لم يسلم شمول الميتة لغير المذكى.
الحاصل انه مع جريان
اصالة عدم التذكية فى الحيوان المشكوك يدرج فى غير المذكى فيتحد حكم الميتة وغير
المذكى بالاجماع.
قوله
نعم لو علم بقبوله التذكية وشك فى الحلية الخ.
قد ذكر سابقا انه
لا تجرى اصالة الاباحة فى حيوان شك فى
حليته مع الشك فى
قبوله التذكية بل تجرى فى هذا المورد اصالة عدم التذكية ويثبت الحرمة لهذا المشكوك
واستدرك بعد ما ذكر بقوله نعم لو علم بقبوله التذكية أى تجرى اصالة الاباحة فى
مورد علم بقبوله التذكية.
توضيح ذلك انه اذا
علم قابلية الحيوان للتذكية وعلم حصول طهارته بها لاحراز الذبح بشرائطه لكن شك فى
حلية لحمه بالتذكية فان اصالة الحل تجرى ويحكم بحلية لحمه ولا مجال للاصل الحاكم
أى استصحاب عدم التذكية للعلم بتحققها حسب الفرض والشك انما هو هل يترتب الاثران
فى الحيوان أى الطهارة والحلية أو يترتب اثر واحد أى الطهارة فقط يعنى نعلم ان هذا
الحيوان قابل التذكية لكن لا نعلم انه من قبيل البقر والغنم أو من قبيل الارنب
والثعلب فيحكم بطهارته استنادا الى التذكية وبحلية لحمه استنادا الى اصالة الحل.
الحاصل ان هذا
الحيوان بعد ورود التذكية الموجبة لطهارته عليه يكون طاهرا مشكوك الحل والحرمة
فيحكم بحليته استنادا الى اصالة الحل فهو نظير شرب التتن المشكوك حكمه الكلى حيث
تجرى فيه الاصالة الاباحة.
قوله
هذا اذا لم يكن هناك اصل موضوعى آخر مثبت لقبوله التذكية الخ.
هذا اشارة الى
القسم الثالث وهو ما اذا كان الشك فى الحكم لاجل الشك فى مانعية شيء عن تأثير
التذكية فى الطهارة وحدها أو هى مع الحلية قد ذكر سابقا عدم جريان الاصل الحكمى
كاصالة
الحل والطهارة عند
جريان الاصل الموضوعى كاستصحاب عدم التذكية لوروده عليه ولا يخفى عليك ان الاصل
الموضوعى أى استصحاب عدم التذكية انما يكون واردا على الاصل الحكمى فى المورد الذى
لم يكن فيه اصل موضوعى آخر يوافق الاصل الحكمى والمراد بالاصل الموضوعى الموافق له
ما يثبت التذكية.
فلو كان هناك اصل
موضوعى موافق حكم به كما اذا شك فى ان الجلل فى الحيوان هل يوجب ارتفاع قابليته
لها أم لا هذا مثال لوجود اصل موضوعى آخر فى المسألة أى الاصل الموضوعى المثبت
للتذكية كاستصحاب قبول الحيوان لها وثبت بما ذكر انه اذا علم قابلية الحيوان
للتذكية وشك فى ارتفاعه بالجلل فان استصحاب بقاء القابلية للتذكية بعد صيرورته
جلالا يحرز التذكية الموجبة لحلية اللحم حينئذ وهذا الاصل الموضوعى موافق لاصالة
الحل.
ولا يخفى ان حلية
لحم الجلال بالذبح تتوقف على استبراء الحيوان على النحو المذكور فى محله فثبت من
المثال المذكور الاصل الموضوعى الموافق الاصل الحكمى.
قوله
ومما ذكرنا ظهر الحال فيما اشتبهت حليته وحرمته بالشبهة الموضوعية من الحيوان الخ.
قد ذكر الى هنا
ثلاثة صور الشبهة الحكمية :
الاولى الشك فى
اصل قابلية الحيوان للتذكية.
الثانية الشك فى
مقدار القابلية أى مقدار قابلية الحيوان للتذكية بعد العلم باصلها فلا يعلم ان
المترتب على التذكية هل
هو الطهارة فقط ام
هى مع الحلية.
الثالثة الشك فى
بقاء القابلية لاحتمال ارتفاعها ببعض ما طرأ على الحيوان كالجلل قد علم حكم هذه
الاقسام ثلاثة من الشبهة الحكمية الآن يشرع فى بيان صورتى الشبهة الموضوعية من
الشك فى التذكية.
وظهر مما ذكرنا فى
الشبهة الحكمية حكم صورتى الشبهة الموضوعية مثلا اذا شك فى وجود ما اعتبر فى
التذكية من اسلام الذابح وتوجيه الحيوان الى القبلة جرى فيما ذكر اصالة عدم التذكية
أى اذا شك فى ان ذابح هذا الحيوان كان مسلما ام لا أو ذبحه الى القبلة ام لا حكم
بعدم كونه مذكى كما هو كذلك فيما اذا شك فى انه غنم أو كلب جرت اصالة عدم التذكية
فى هذا الحيوان وحيث عرف هذا فى الصورة الاولى من الشبهة الحكمية أى لا يحكم عليه
فيها بالتذكية وكذا الحكم فى هذا القسم المذكور من الشبهة الموضوعية أى الصورة
الاولى منها.
واما الصورة
الثانية من الشبهة الموضوعية فيجرى فيها استصحاب قابلية التذكية على الحيوان
المشكوك توضيحه ان منشأ الشك فى هذه الصورة هو الشك فى ارتفاع القابلية مثلا اذا
اكل الحيوان عذرة الانسان مدة شك فى تحقق الجلل فى تلك المدة وأيضا شك فى ارتفاع
قابلية التذكية عن هذا الحيوان جرى استصحاب بقائها فيحكم بكونه مذكى لكون الشك
حينئذ فى وجود الرافع وقد ثبت مثل هذا الحكم فى الصورة الثالثة من الشبهة الحكمية
أى اذا شك فى بقاء القابلية لاحتمال ارتفاعها ببعض ما طرأ على الحيوان كالجلل فان
الجارى فيه هو
استصحاب قابليته
التذكية فيحكم بحليته لحمه وطهارته فبيّن الى هنا ثلاث صور الشبهة الحكمية وصورتا
الشبهة الموضوعية فمجموع الصور خمس كما عرفت.
قوله
الثانى انه لا شبهة فى حسن الاحتياط شرعا وعقلا فى الشبهة الوجوبية أو التحريمية
الخ.
قد اشار المصنف فى
هذا الامر الى جهات :
الاولى حسن
الاحتياط شرعا وهو يتم بناء على كون اوامر الاحتياط مولويا والا فلو كان ارشاديا
فلا حسن شرعا.
الثانية حسنه عقلا
والظاهر عدم الاشكال فيه الثالثة ترتب الثواب عليه عقلا بمعنى ان حكم العقل بحسنه
نظير حكمه بحسن معرفة الله بحيث يحكم بترتب الثواب لا نظير حكمه بحسن الاحسان الذى
لا يحكم فيه الا بالمدح دون المثوبة.
الرابعة هل يجرى
الاحتياط فى العبادات التى يدور الامر فيها بين الوجوب وغير الاستحباب وقد تعرض
صاحب الكفاية للاشارة الى الامرين واشار الى الامر الاول بقوله انه لا شبهة فى حسن
الاحتياط شرعا وعقلا فى الشبهة الوجوبية أو التحريمية فى العبادات وغيرها الخ.
توضيح كلام المصنف
انه لا اشكال فى حسن الاحتياط عقلا ورجحانه شرعا فى كل شبهة سواء كانت وجوبية أو
تحريمه اما حسنه العقلى فلكونه محرزا عمليا للواقع وموجبا للتحرز عن المفسدة
الواقعية المحتملة وكذا كونه موجبا لاستيفاء المصلحة واما رجحانه شرعا فلا مكان
استفادة استحبابه من بعض الاخبار كقوله عليهالسلام والمعاصى حمى الله فمن يرتع حولها يوشك ان
يدخلها فمن ترك ما
اشتبه عليه من الاثم فهو لما استبان له أترك هذا دليل على حسن الاحتياط شرعا بناء
على كون التعليل بالاتركية حكمة لتشريع الاحتياط.
وقد ذكر الشيخ
الاعظم هذا الامر الاول أى حسن الاحتياط فى مواضع فحكم برجحانه عقلا وشرعا فى اول
التنبيه الثالث من تنبيهات الشبهة الموضوعية التحريمية بقوله انه لا شك فى حكم
العقل والنقل برجحان الاحتياط وحكم فى اول التنبيه الثالث من الشبهة الحكمية
التحريمية بقوله لا اشكال فى رجحان الاحتياط عقلا ونقلا.
قوله
كما لا ينبغى الارتياب فى استحقاق الثواب فيما اذا احتاط واتى أو ترك بداعى
الاحتمال الامر او النهى.
قد ذكر الامر
الاول الذى اشار اليه المصنف ويبيّن الامر الثانى الذى اشار اليه.
بقوله
لا ينبغى الارتياب الخ.
توضيحه انه لا
ينبغى الارتياب فى استحقاق الثواب على الاحتياط فى كل من الشبهة الوجوبية
والتحريمية كما اذا أتى بالفعل باحتمال امر المولى أو تركه باحتمال نهيه وذلك لانه
انقياد للمولى بل استحقاق الثواب عليه اولى من استحقاق العقاب على ترك الاحتياط
لان الامر فى جانب الثواب اوسع منه فى جانب العقاب ولذا لا يعاقب الا بالاستحقاق
ولكن ربما يثاب بدونه بل بالتفضل.
قوله
ربما يشكل فى جريان الاحتياط فى العبادات عند دوران الامر بين الوجوب وغير
الاستحباب الخ.
قد ذكر الشيخ
الاعظم فى الرسائل الوجهين عند دوران الامر بين الوجوب وغير الاستحباب وقال
اقواهما العدم أى عدم جريان الاحتياط فى هذه الصورة لان العبادة لا بد فيها من نية
التقرب المتوقفة على العلم بامر الشارع تفصيلا أو اجمالا.
توضيح هذا الاشكال
يتوقف على بيان امور ثلاثة :
الاول ان العبادة
تتوقف على القصد القربة أى تكون من القيود المعتبرة فى متعلق الامر بل يكون قصد
القربة مقوما لعبادية العبادة وهو فارق بين الواجب التوصلى والتعبدى.
الثانى ان قصد
القربة عبارة عن قصد الامر دون غيره مما يوجب القرب الى الله تعالى.
الثالث ان الامر
الذى يعتبر قصد التقرب به هو الامر المعلوم أى لا بد من العلم به تفصيلا كقصد
الامر المتعلق بالصلاة المعلومة تفصيلا جميع اجزائها وشرائطها وقد يصح قصد الامر
المتعلق بالصلاة المعلومة اجمالا كقصد الامر المتعلق باحدى الصلوات الاربع مثل
تكرير الصلاة عند اشتباه القبلة.
اذا عرفت هذه
الامور الثلاثة فاعلم ان الاحتياط عبارة عن الاتيان بالفعل العبادى بجميع ما له
دخل فيه ومنه قصد الامر فاذا شك فى تعلق الامر من جهة دوران الفعل بين ان يكون
واجبا وغير مستحب لم يكن الاتيان به من الاحتياط فى العبادة لعدم احراز تعلق الامر
بذلك الفعل فالظاهر ان عنوان الاحتياط فى العبادة
حينئذ غير ممكن
التحقق اذ لا علم بامر الشارع لا تفصيلا ولا اجمالا فلا يتمشى منه قصد القربة.
قوله
وحسن الاحتياط عقلا لا يكاد يجدى فى رفع الاشكال الخ
هذا بيان للاجوبة
التى ذكروها لدفع الاشكال متقدم من عدم صحة الاحتياط عند دوران الامر بين الواجب
وغير المستحب اشار المصنف الى الجواب الاول الذى ذكروه لدفع الاشكال.
توضيحه ان قصد
القربة وان كان عبارة عن قصد الامر المفروض عدم احرازه عند دوران الامر بين الوجوب
وغير الاستحباب لكن قصد الامر الشرعى بالاحتياط يستكشف عقلا أى يستكشف الامر
الشرعى من قاعدة الملازمة بين حكم العقل والشرع فان الاحتياط لما كان حسنا عقلا
كان بهذه القاعدة مأمورا به شرعا فالحسن العقلى يدل بنحو اللم على تعلق الامر
الشرعى به وقصد هذا الامر الشرعى كاف فى الاحتياط فى العبادة هذا جواب الاشكال
المذكور.
وقد اورد المصنف
على هذا الجواب بوجهين احدهما عدم امكان استكشاف الامر المولوى بالاحتياط من قاعدة
الملازمة حاصل هذا الايراد انه لا مجال لاستكشاف الامر المولوى بالاحتياط من قاعدة
الملازمة ضرورة ان حكم العقل بحسن الاحتياط كحكمه بحسن الاطاعة واقع فى سلسلة
معلولات الاحكام لا عللها والظاهر ان مورد تلك القاعدة أى قاعدة الملازمة بين
الحكم العقل والشرع انما هو الحكم العقلى الواقع فى سلسلة علل الاحكام وملاكها
نظير قبح الظلم وحسن رد الوديعة فيصح الملازمة بين الحكم العقل والشرع
فى مثل ما ذكر لا
فى سلسلة المعلولات.
الحاصل ان حكم
العقل بحسن الاحتياط حكم ارشادى مثل حكم العقل بحسن الاطاعة فان الامر بالاطاعة
امر ارشادى ولا ينفع فى جعل الشىء عبادة وكذا الامر بالاحتياط أى لم يكن امرا
عباديا فظهر من البيان المذكور عدم العلم بامر الشارع على الاحتياط هذا الايراد
الاول عن المصنف على جواب الاشكال واشار المصنف الى الايراد الثانى عليه
بقوله
: بداهة توقفه على ثبوت توقف العارض على معروضه الخ.
قد ذكر فى الايراد
الاول ان قاعدة الملازمة بين حكم العقل والشرع لا تجرى فى باب الاحتياط لان
الاحتياط من انحاء الاطاعة ومن المعلوم ان حسن الاطاعة لا يلازم الامر المولوى بها
فلا امر شرعا بالاحتياط هذا حاصل الايراد الاول.
واما الوجه الثانى
أى الايراد الثانى على حسن الاحتياط فى صورة دوران الامر بين الوجوب وغير
الاستحباب بعد فرض الملازمة بين حكم العقل والشرع توضيح هذا الايراد ان استكشاف
الامر المولوى باحتياط على تقدير استفادته من قاعدة الملازمة لا يدفع الاشكال لان
الاحتياط فى العبادة اتيان العمل العبادى بجميع ما يعتبر فيها شطرا كالسورة
بالنسبة الى الصلاة أو شرطا كالطهارة لها ومنه الاتيان بقصد امرها وهو المراد بقصد
القربة.
بعبارة اخرى ان
الاحتياط فى العبادة هو الاتيان بجميع ما له دخل فيها ومنه قصد الامر فالامر مقدم
على الاحتياط تقدم
الموضوع على حكمه
والعلة على معلولها وباعتبار ان الامر يستكشف من الاحتياط ويتولد منه حسب الفرض
فالامر مؤخر عن الاحتياط تأخر العارض عن معروضه وتأخر الحكم عن موضوعه والمعلول عن
علته فالامر بالاحتياط متوقف على ثبوت الاحتياط وثبوت الاحتياط متوقف على الامر به
وهذا دور مصرح وعليه فاوامر الاحتياط لا تصلح لاثبات مشروعية الاحتياط فى
العبادات.
فالحاصل انه علم
فى الوجه الاول ان حسن الاحتياط عقلا لا يدل بقاعدة الملازمة على تعلق الامر
المولوى به اذ الامر المتعلق بالاحتياط كالامر بالاطاعة ارشادى ومن المعلوم ان
الامر الارشادى لا يصلح للتقرب به وعلم فى الوجه الثانى انه لو سلم استكشاف تعلق
الامر المولوى من قاعدة الملازمة لا يدفع ذلك أيضا اشكال جريان الاحتياط فى
العبادات عند دوران الامر بين الوجوب وغير الاستحباب للزوم الدور الذى عرف تفصيله.
قوله
: قد انقدح بذلك انه لا يكاد يجدى فى رفعه أيضا القول بتعلق الامر من جهة ترتب
الثواب عليه.
هذا اشارة الى
جواب آخر عن اشكال الاحتياط فى العبادة فى صورة دوران الامر بين الوجوب وغير
الاستحباب أى اشكل فى جريان الاحتياط فى هذه الصورة لعدم العلم بامر الشارع.
وقد اجيب عن هذا
الاشكال بان الامر الشرعى ثابت بقاعدة الملازمة بين الحكم العقلى والشرعى واورد
على هذا الجواب بانه مستلزم للدور فاشار الى جواب آخر عن اشكال الاحتياط فى
الصورة المذكورة
حاصله ان الامر الشرعى فى الاحتياط يحرز من ترتب الثواب عليه أى لا ريب فى ترتبه
على الاحتياط ولا يترتب الثواب على الشىء الا لكونه طاعة وكونه طاعة يتوقف على
تعلق الامر به فثبت المطلوب أى يؤتى بالعبادة حينئذ بنية القربة.
وقد استدل على
استحباب كثير من الاعمال بترتب الثواب عليها كالحكم باستحباب زيارة قبر فاطمة
المعصومة بنت الامام موسى بن جعفر عليهالسلام بقم المقدسة لقول حضرت الرضا عليهالسلام فى جواب من سأله عن زيارتها ... من زارها فله الجنة وعليه
فيصير الاحتياط مستحبا شرعا ويقصد هذا الامر الاستحبابى المصحح لعبادية الفعل المشكوك
وجوبه واباحته.
ورد
المصنف هذا الجواب بقوله انه لا يكاد الخ.
توضيح كلامه ان
تعلق الامر بالاحتياط سواء كان استكشافه بنحو اللم لقاعدة الملازمة أى يكشف بالعلة
المعلول أم بنحو الإن لترتب الثواب عليه أى يكشف بالمعلول العلة أى ان تعلق الامر
بالاحتياط فرع امكان الاحتياط.
وقد عرفت عدم
امكانه لمحذور الدور وهو توقف الامر بالاحتياط على امكانه : وتوقف امكانه على
العلم بامره : والعلم بامره متوقف على الامر بالاحتياط حتى يتعلق به العلم :
والامر به متوقف على امكانه هذا دور وحيث يتعذر العلم بالامر لمحذور الدور فيتعذر
الاحتياط ولا يمكن استكشاف الامر به بالبرهان الإني أى ترتب الثواب عليه فى بعض
الاخبار لانه لو ثبت هذا الامر لكان لا محالة متأخرا عن موضوعه أى الاحتياط فكيف
يكون
الامر من مبادى
ثبوت الاحتياط.
قوله
: وما قيل فى دفعه من كون المراد بالاحتياط فى العبادات هو مجرد الفعل المطابق
للعبادة الخ.
قد اشكل على حسن
الاحتياط شرعا فى صورة دوران الامر بين الوجوب وغير الاستحباب حاصل الاشكال ان
العبادة متوقفة على العلم بامر الشارع تفصيلا أو اجمالا ولم يكن طريق الى العلم
بامر الشارع فى الصورة المذكورة فلم يصح الاحتياط فيها قد اجيب عن الاشكال بان
الامر الشرعى يكشف من قاعدة الملازمة بين حكم العقل والشرع واورد على هذا الجواب
أولا ان الامر على الاحتياط ارشادى مثل الامر على الاطاعة واورد ثانيا انه لو سلم
استكشاف الامر المولوى لزم الدور واشار المصنف الى التوضيح الدور.
بقوله
: مع ان حسن الاحتياط لا يكون بكاشف عن تعلق الامر به بنحو اللم الخ.
أى ان استكشف امر
الشارع بالاحتياط بنحو البرهان اللمى وهو ان يكشف الامر الشرعى من ناحية العلة وهى
فى المقام الحسن العقلى فهو مستلزم للدور قد ذكر تفصيل الدور وكذا لا يصح كشف
الامر الشرعى على الاحتياط بالبرهان الانّى أى لا يصح كشف أمر الشارع من ناحية
المعلول وهو فى المقام ترتب الثواب على الاحتياط وهذا أيضا مستلزم للدور هذا تكرار
للدرس السابق تبعا لشيخنا الاستاد الآن يشرع فى الجواب الثالث عن اشكال الاحتياط
وكذا يذكر ايراد على هذا الجواب.
قال
المصنف وما قيل فى دفعه الخ.
هذا هو الجواب
الثالث عن اشكال الاحتياط فى العبادات حاصل هذا ما افاده الشيخ الاعظم بقوله ان
المراد من الاحتياط والاتقاء فى هذه الاوامر هو مجرد الفعل المطابق للعبادة من
جميع الجهات عدا نية القربة مثلا معنى الاحتياط فى الصلاة الاتيان بجميع ما يعتبر
فيها عدا قصد القربة فاوامر الاحتياط تتعلق بهذا الفعل وحينئذ فيقصد المكلف فيه
التقرب باطاعة هذا الامر أى الظاهر من كلام الشيخ قدسسره تصحيح الاحتياط فى العبادات باوامر الاحتياط الواردة فى
الاخبار واللازم قصد هذا الامر.
واجاب عن لزوم
الدور بما حاصله ان لزومه ناش من كون المراد من الاحتياط بالنسبة الى العبادات فى
تلك الاخبار معناه الحقيقى وهو اتيانها بجميع ما يعتبر فيها حتى قصد الامر أى
المعنى الحقيقى فى الاحتياط هو اتيان العبادة بجميع ما يعتبر فيها من الاجزاء
والشرائط حتى قصد الامر فيلزم بارادة هذا المعنى من الاحتياط الدور المذكور واما
اذا اريد معناه المجازي وهو اتيان العبادة بجميع ما يعتبر فيها عدا قصد الامر
وحينئذ يدفع الدور وتتحقق العبادات بقصد الامر الاحتياطى.
ويمكن دفع هذا
الجواب بوجوه الاول ما اشار اليه المصنف.
بقوله
: مضافا الى عدم مساعدة دليل عليه الخ.
حاصله ان الاحتياط
اذ كان ظاهرا فى معناه الحقيقى فاى وجه يقتضى حمله على المعنى المجازي الذى يشمل
العبادات.
توضيح هذا الايراد
انه لا وجه لرفع اليد عن ظهور الاحتياط
فى الاخبار الآمرة
به فى معناه الحقيقى اعنى الاتيان بالفعل بجميع ما يعتبر فيه حتى نية القربة
المعتبرة فى العبادات أى لا وجه لرفع اليد عن ظهور الاحتياط وصرفه الى هذا المعنى
المجازي اعنى الاتيان بالفعل مجردا عن قصد القربة حتى يتمكن الاحتياط فى العبادات
التى لم يعلم امر الشارع بها وذلك لمغايرة الاحتياط بهذا المعنى المجازي للاحتياط
المأمور به فى الاخبار موضوعا وحكما.
اما موضوعا فلان
ما يستقل بحسنه العقل ويرشد اليه النقل هو الاتيان بالفعل بجميع ما يعتبر فيه حتى
قصد تقرب فى العبادة فجعل الاحتياط المأمور به هو ذات الفعل المجرد عن نية التقرب
اجنبىّ عن معناه المعروف هذا بيان لمغايرة الاحتياط بهذا المعنى المجازي موضوعا.
واما وجه مغايرة
هذا المعنى المجازي للاحتياط المأمور به فى الاخبار حكما فلان الامر بالاحتياط
ارشادى كالامر بالاطاعة ولا ينفع هذا الامر فى جعل الشىء عبادة ولا يكون منشأ
للقرب.
الثانى انه على
فرض المولوية غيرى وهو غير مصحح للعبادية.
الثالث انه على
تسليم النفسية توصلى يسقط باتيان متعلقه كيف ما اتفق.
واشار الى ما ذكر
صاحب الكفاية بقوله كان مطلوبا مولويا نفسيا عباديا أى الاحتياط هو شىء لو دل عليه
الدليل كان مطلوبا مولويا لا ارشاديا وأيضا كان مطلوبا نفسيا عباديا لا غيريا ولا
توصليا.
قال صاحب الكفاية
والعقل لا يستقل الا بحسن الاحتياط أى ان العقل لا يستقل الا بحسن الاحتياط
الحقيقى لا بحسن ما ذكره الشيخ قدسسره من المعنى المجازي والنقل أيضا يرشد الى الاحتياط الحقيقى
لا الى المعنى الذى ذكره الشيخ (قدسسره) لانه اجنبى عما يحكم بحسنه العقل ويرشد اليه النقل.
قوله
نعم لو كان هناك دليل على الترغيب فى الاحتياط فى خصوص العبادات الخ.
قد ذكر عدم مساعدة
دليل لحسن الاحتياط اذا كان المراد منه معناه المجازي واستدرك عليه بقوله نعم
وغرضه ان حمل الاحتياط على معناه المجازي لا وجه له الا بدلالة الاقتضاء وهى أن
تكون الدلالة مقصودة للمتكلم بحسب العرف ويتوقف صدق الكلام عليها مثلا قوله تعالى (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) فان صحته عقلا تتوقف على تقدير لفظ أهل أى يكون من باب حذف
المضاف توضيح هذه الدلالة فى ما نحن فيه انه اذا قام الدليل على الترغيب فى
الاحتياط فى خصوص العبادة كقضاء الصلاة لمجرد خلل موهوم فيها ولم يمكن ارادة معناه
الحقيقى لعدم احراز الامر حسب الفرض حتى يقصده ويصير الفعل عباديا فانه لا بد
حينئذ من تجريد الفعل عن نية التقرب والاتيان به كذلك امتثال لامر الشارع
بالاحتياط.
ولا يخفى ان
ارتكاب هذا المعنى المجازي مما لا بدّ منه صونا لكلام الحكيم عن اللغوية اذ لو لم
يجرد الفعل عن قصد القربة لم يمكن الاحتياط فيه فلا بدّ من تعلق الامر الاحتياطى
بما عدا القربة من من الاجزاء ولشرائط.
قوله
: انه التزام بالاشكال وعدم جريانه فيها وهو كما ترى.
والظاهر انه
التزام من حيث الاعراب مبتداء مؤخّر وقوله فيه مضافا خبر مقدم وهو مذكور قبل سطور
والجملة خبر لقوله وما قيل فى دفعه الخ ويصح ان يكون قوله فيه مضافا الخبر الاول
لقوله وما قيل فى دفعه وقوله انه التزام بالاشكال الخبر الثانى له هذا هو أصل
الاشكال على كلام الشيخ (قدسسره).
وتوضيحه ان صرف
الاحتياط عن معناه الحقيقى الى المعنى المجازي وهو الاتيان بالفعل مجردا عن قصد
القربة تسليم لاشكال جريان الاحتياط فى العبادة لان تجريده عن قصد الامر دليل على
عدم امكان الاحتياط بمعناه الحقيقى فى العبادة.
قوله
: هو كما ترى.
أى ان الالتزام
بعدم جريان الاحتياط فى العبادة كما ترى لا يمكن المصير اليه لانه مورد لفتوى
المشهور وقد تمسك لحل الاشكال الى وجه آخر.
بقوله
: قلت لا يخفى ان منشأ الاشكال هو تخيل كون القرية المعتبرة فى العبادة الخ.
قد اجيب عن اشكال
الاحتياط فى العبادة بالاجوبة الثلاثة لكن اورد عليها وبقى الاشكال بالاحتياط فى
العبادة فاجاب صاحب الكفاية عن هذا الاشكال بلفظ قلت هذا هو الجواب الرابع عن
اشكال الاحتياط فى العبادة واختاره فى حاشية الرسائل.
وتوضيح هذا الجواب
ان الاشكال المذكور نشأ من تخيل كون
وزان القربة
المعتبرة فى العبادة وزان غيرها مما اعتبر فيها شرطا أو شطرا فى اعتبار تعلق الامر
بها فيتعلق امر العبادة مثل صل بقصد القربة كتعلقه بغيره مما هو داخل فى المأمور
به فيشكل حينئذ جريان الاحتياط فى العبادة لتعذر قصد الامر مع الشك فيه.
قال صاحب الكفاية
وقد عرفت انه فاسد أى هذا التخيل فاسد كما ذكره فى المبحث التعبدى والتوصلى من عدم
كون قصد القربة دخيلا فى المأمور به كدخل الاستقبال والستر فى الصلاة بل هو من
الامور المحصلة للغرض والحاكم باعتباره ولزومه هو العقل أى يجب قصد القربة فى
العبادة بحكم العقل فمتعلق الطلب فى مثل صل واحتط هو ذات الفعل وقصد القربة خارج
عن ماهية المأمور به ولا يلزم الدور المذكور حينئذ اذ لم يكن قصد الامر دخيلا فى
متعلقه على نحو سائر الاجزاء والشرائط بل هو من كيفية الاطاعة التى هى فى رتبة
تالية للامر فيصير الاحتياط فى العبادة ممكنا والمانع هو لزوم الدور واما اذا لم
يؤخذ قصد الامر فى المأمور به فلا مانع من الاحتياط فى العبادة.
قوله
: ضرورة التمكن من الاتيان بما احتمل وجوبه بتمامه وكماله الخ.
اى يأتى المكلف
بالعبادة الاحتياطية بداعى الامر المحتمل وحينئذ فلو كانت مأمورا بها واقعا لكانت
المقربة : ضرورة التمكن من الاتيان بالامر الاحتمالى على نحو لو كان محتمل الوجوب
مأمورا به لكان مقربا أى يكون مقربية هذا المحتمل على
نحو التعليق
بالشرط.
قوله
وقد انقدح بذلك انه لا حاجة فى جريانه فى العبادات الى تعلق الامر بها الخ.
أى قد ظهر مما ذكر
من عدم دخل قصد القربة فى المتعلق وانما هو دخيل عقلا فى حصول غرض المولى من الامر
انه لا حاجة فى جريان الاحتياط فى العبادات الى تعلق الامر بها حتى يقصد مثلا يقول
المولى احتط فى العبادة لمجرد خلل موهوم فيها فيكفى فى جريان الاحتياط فيها نفس
الامر المحتمل أى احتمال بقاء الامر بالعبادة كاف فى مشروعية الاحتياط بل لو علم
تعلق الامر بها لم يكن من الاحتياط فى شيء بل كان اطاعة حقيقية.
والظاهر ان تقوم
الاحتياط انما يكون باحتمال الامر فمع العلم به لا احتياط ويكون ذلك الامر تكليفا
نفسيا وجوبيا أو استحبابيا فقوام الاحتياط هو الاتيان بالفعل برجاء مطلوبيته
وموافقته للامر الواقعى المحتمل فاذا ورد امر من الشارع بفعل مشكوك المطلوبية بهذا
العنوان فلم يكن الاتيان به احتياطا بل كان اطاعة جزمية لامر معلوم فيقصد ذلك
الامر المعلوم على عنوان محتمل المطلوبية.
قوله
فظهر انه لو قيل بدلالة اخبار من بلغه الثواب على استحباب العمل الذى بلغ عليه
الثواب الخ.
قد ذكر ان
الاحتياط فى العبادة لا يحتاج الى العلم بالامر بل مع العلم به لا يكون من
الاحتياط اصلا هذا جواب خامس عن اشكال الاحتياط فى العبادة.
توضيح ما افاده
المصنف من عدم الحاجة فى جريان الاحتياط الى العلم بالامر انه بناء على دلالة
اخبار من بلغ على استحباب العمل البالغ عليه الثواب يكون ذلك العمل المشكوك وجوبه
مستحبا اذا كان منشأ الشك فى وجوبه خبرا ضعيفا لصدق بلوغ الثواب على العمل الذى
دلت رواية الضعيفة على وجوبه أو استحبابه ومع صيرورة ببركة تلك الاخبار مستحبا كان
العمل مأمورا به جزما فيكون الاتيان به اطاعة حقيقة لقصد امتثال ذلك الامر حين
العمل.
اذا كان الامر
كذلك فلا يجدى اخبار من بلغه الثواب فى جريان الاحتياط لانه متقوم بداعى احتمال
تعلق الامر واقعا اذا ثبت الامر على عمل فلم يكن من الاحتياط اصلا بل كان مستحبا
كسائر ما دل الدليل على استحبابه أى اخبار من بلغه الثواب دليل على استحباب الشىء
اذا ثبت الاستحباب فلم يكن هذا موردا للاحتياط على مذهب المصنف واما الشيخ فقد جعل
اخبار من بلغه الثواب دليلا للاحتياط.
قوله
لا يقال هذا لو قيل بدلالتها على استحباب نفس العمل الذى بلغ عليه الثواب الخ.
قد ظهر مما سبق ان
الامر المستفاد من اخبار من بلغ لم يكن مجديا فى امكان الاحتياط بل يكون اتيان
العمل بهذا الامر اطاعة حقيقية لقصد امتثال ذلك الامر فاشكل على هذا المصنف من عدم
كون الامر المستفاد من اخبار من بلغ مجديا فى جريان الاحتياط.
توضيح الاشكال ان
امر الاحتياط الذى يستفاد من اخبار من بلغ يتصور على النحوين :
الاول ان
الاستحباب المدلول عليه باخبار من بلغ مبنى على
تعلق الامر
الاستحبابى بالعمل الذى دل الخبر الضعيف على استحبابه بعنوان بلوغ الثواب عليه
فيصير هذا العمل حينئذ مستحبا نفسيا كسائر المستحبات التى يثبت استحبابها بالدليل
اذا تصور الامر الاحتياطى المستفاد باخبار من بلغ على هذا النحو فلم يكن مجديا فى
جريان الاحتياط.
الثانى ان
المستفاد من تلك الاخبار امر بما هو محتمل الواقع كنفس أو امر الاحتياط بناء على
مولويتها فهو كاف فى امكان التقرب بالعبادة المشكوكة ويصير نفس المحتمل بما هو
محتمل مستحبا ويصح التقرب به فيكون اتيان الفعل بهذا الامر بعنوان الاحتياط فاذا
تصور الامر المستفاد من اخبار من بلغ بالنحو المذكور كان كافيا فى امكان الاحتياط
فى العبادة المشكوكة.
قوله
فانه يقال ان الامر بعنوان الاحتياط لو كان مولويا لكان توصليا الخ.
هذا جواب عن
الاشكال الذى ذكر بلفظ لا يقال توضيح هذا الجواب ان الاوامر الاحتياط على تقدير
مولويتها توصلية اذ لا دليل على تعبديتها فتسقط بمجرد اتيان المأمور بها ولا يتوقف
سقوطها على قصد التقرب بها كما هو شأن الاوامر العبادية فالامر التوصلى كالامر
الارشادى يسقط بمجرد اتيان المأمور به.
وأيضا اجيب عن
الاشكال انه لا يصح قصد التقرب باوامر الاحتياط حتى مع تسليم كونها عبادية للزوم
الدور توضيحه ان الاحتياط حينئذ يتوقف على الامر به حتى يجوز الاحتياط بقصد الامر
به والامر بالاحتياط يتوقف على وجود الاحتياط قبل الامر
به لكون الامر
عارضا عليه والعارض يقتضى تقدم المعروض فالامر يستدعى تقدم الاحتياط فيلزم توقف
الاحتياط على نفسه.
قوله
ثم إنّه لا يبعد دلالة بعض تلك الاخبار على استحباب ما بلغ عليه الثواب الخ.
لا بد من الكلام
هنا فى المقامين الاول انه لا اشكال ظاهرا فى بلوغ تلك الاخبار الى مرتبة الحجية
اما لصحة بعضها كصحيحة هشام واما لوثوق بصدورها لتعدد اسنادها أو لعمل المشهور أو
لتواتر الاجمالى.
المقام الثانى فى
تعيين مفادها ويقع الكلام فيه من جهات الاولى انه قد يتوهم عدم دلالة صحيحة على
الاستحباب لان كلمة من اما تبعيضية أو بيانية فيكون المراد من الشيء هو الثواب أى
ان بلغ مقدار من الثواب فى عمل فعمله كان اجر ذلك له فلا دلالة فيه على المقام وهو
قيام خبر على وجوب شيء أو استحبابه بل تكون الصحيحة المذكورة لبيان الثواب أى
الداعى الى العمل هو الثواب.
واما على قول صاحب
الكفاية فصحيحة هشام ظاهرة فى الدلالة على استحباب نفس العمل الذى بلغه الثواب
ويذكر هنا أوّلا وجه المخالفة بين الشيخ وصاحب الكفاية (قدسسرهما).
قال الشيخ ان
اخبار من بلغ تدل على صحة الاحتياط فى العبادة لان داعى المكلف ومحركه هو بلوغ
الثواب الذى كان داعيا الى العمل وموجبا له للوجه والعنوان أى يؤتى المكلف بالعمل
بعنوان الاحتياط ويتوقف الثواب على الاتيان بالعمل بذلك الوجه والعنوان
هذا بيان لما
افاده الشيخ الاعظم
الآن يشرع فى بيان
مقصود صاحب الكفاية (قده) توضيح كلامه ان بعض تلك الاخبار يدل على استحباب العمل
الذى بلغ عليه الثواب قال ان صحيحة هشام بن سالم المحكية عن محاسن عن ابى عبد الله
عليهالسلام قال من بلغه عن النبى (ص) شيء من الثواب فعمله كان اجر ذلك
له وان لم يقله رسول الله (ص) هذه الصحيحة ظاهرة فى استحباب نفس العمل على مذهب
صاحب الكفاية وبيّن وجه ظهورها فيه.
بقوله
وكون العمل متفرعا على البلوغ وكونها الداعى الى العمل غير موجب ليكون الثواب الخ.
يذكر اولا الاشكال
العبارتي وهو اتيان كونها بالضمير المؤنث والصحيح كونه لان الضمير يرجع الى البلوغ
لعله كان سهوا من الناسخ ومقصود المصنف من هذه الجملة ان كون العمل متفرعا على
البلوغ وكونه داعيا الى العمل صحيح لكن كون العمل متفرعا على البلوغ الذى هو
الداعى الى العمل غير موجب لكون الداعى هو الثواب أى لم يكن الثواب داعيا الى
العمل أنما يكون هذا الثواب مترتبا على العمل أى كان وجوده بعد اتيان الفعل برجاء
انه مأمور به وسلمنا كون بلوغ الثواب داعيا الى العمل لكن هذا الداعى لا يصير
موجبا لجعل الوجه والعنوان للعمل أى لم يكن هذا الداعى موجبا لجعل العنوان الثانوى
ولجعل العمل احتياطيا بل يكون هذا العمل باقيا على العنوان الاولى وكونه عملا
استحبابيا بيّن صاحب الكفاية هذا بقوله بداهة ان الداعى الى
العمل لا يوجب له
وجها وعنوانا الخ.
قد ذكر الى هنا
دلالة اخبار من بلغ على استحباب نفس العمل كصحيحة هشام بن سالم.
وقد ذكر سابقا ان
اخبار من بلغ وردت على العبارات المختلفة الآن يبحث عن روايتا محمد بن مروان عن
الصادق عليهالسلام أى روى روايتان عنه استدل بهما الشيخ (قده) على استحباب
الاحتياط واستدل صاحب الكفاية (قدسسره) بهما على استحباب نفس العمل.
توضيح استدلال
الشيخ بما ورد فى خبر محمد بن مروان عن ابى عبد الله عليهالسلام قال من بلغه عن النبى صلىاللهعليهوآله شيء من الثواب ففعل ذلك طلب قول النبى (ص) كان ذلك الثواب
وان كان النبى (ص) لم يقله أى وان لم يكن هذا البلوغ مطابقا للواقع فموضوع الثواب
ليس ذات العمل كيف ما وقع بل العمل المأتيّ به رجاء للاجر فلم يثبت استحباب نفس
العمل كما يدعيه صاحب الكفاية هذا خبر اول عن محمد بن مروان ومثله الخبر الآخر عنه
قال سمعت ابا جعفر عليهالسلام يقول من بلغه الثواب من الله على عمل فعمل ذلك العمل ففعله
التماس ذلك الثواب أوتيه وان لم يكن الحديث كما بلغه حيث إنّه يدل على كون الثواب
للانقياد لا لاستحباب نفس الفعل هذا بيان لاستدلال الشيخ (قدسسره) باخبار من بلغ على الاحتياط فى العبادة.
واما صاحب الكفاية
فقد استدل باخبار من بلغ على استحباب نفس العمل وذكر وجه الاستدلال بصحيحة هشام
ويقول ان خبر محمد بن مروان أيضا يدل على استحباب نفس العمل توضيح كلامه
ان فاء التفريع
وان اقتضى صدور العمل بداعى طلب قول النبى والتماس الثواب بحيث لولاه لما وجد فى
الخارج لكن الداعى جهة تعليلية وخارج عن حقيقته أى لم تكن هذه موجبة لتعدد الموضوع
ولا توجب هذه الجهة وجها وعنوانا للعمل.
واما اذا كانت
الجهة تقييدية فتصير سببا لتعدد الموضوع والحكم ويكون قصد رجاء الثواب جزء من
موضوع حكم الشارع باعطاء الثواب للعمل وهذه الجهة التقييدية مفقودة فى المقام
فالثواب فى اخبار من بلغ مترتب على نفس العمل فيثبت حينئذ استحباب نفس الفعل الذى
دل الخبر الضعيف على انه ذو ثواب.
وبعبارة اخرى ان
الحيثية تعليلية وتقييدية والمراد من الحيثية التعليلية ما كانت لبيان علة الحكم
والمراد من الحيثية التقييدية ما كانت لتعدد الحكم.
واما فى مقام
البحث فبلوغ الثواب حيثية تعليلية أى الثواب علة لحكم الشارع على اتيان الفعل
فيشرع فى شرح كلام صاحب الكفاية أى يقول انه لا منافاة بين صحيحة بن سالم وخبر
محمد بن مروان من حيث الدلالة على استحباب نفس العمل.
توضيحه ان الصحيحة
وان كانت مطلقة لكن خبر محمد بن مروان لم يكن موجبا لتقييدها أى سلمنا ان صحيحة
هشام مطلقة وخبر آخر مقيد على رجاء الثواب ولكن هذا الخبر لم يكن موجبا لتقييد
الصحيحة لعدم وجود ضابطة.
وقد علم فى محله
ان المطلق والمقيد اما يمكن الجمع بينهما واما لا يمكن الجمع بينهما والضّابط فى
حمل المطلق على المقيد
هو التنافى وعدم
امكان الجمع بينهما بان يكونا مختلفين فى النفى والاثبات مثلا ان ظاهرت فاعتق رقبة
وان ظاهرت فلا تعتق رقبة كافرة أو كانا مثبتين كقوله ان افطرت فاعتق رقبة وان
افطرت فاعتق رقبة مؤمنة حيث ان المطلق والمقيد فى هذين المثالين يتعارضان فى عتق
الكافرة لاقتضاء دليل المطلق الاجزاء واقتضاء دليل المقيد عدمه فيتعين هنا حمل
المطلق على المقيد الموجب لتعيين عتق الرقبة المؤمنة وعدم اجزاء عتق غيرها ومن
المعلوم انه لا تنافى فى المقام بين الصحيحة وبين الخبر الذى اشتمل على الطلب
والتماس حيث ان بلوغ الثواب ليس قيدا للموضوع أى بلوغ الثواب ليس حيثية تقييدية
حتى يتحقق التنافى بين المطلق والمقيد.
ولا يخفى ان بلوغ
داع الى ايجاد العمل فى الخارج أى يكون هذا الداعى حيثية تعليلية فيكشف عن البيان
المذكور ان المطلوب ذات العمل بعنوانه الاولى لا بعنوانه الثانوى أى الاحتياط
والانقياد فيكون وزان العمل المأتيّ به بداعى الثواب وزان قوله من سرح لحيته فى
ترتب الثواب على نفس العمل أى تسريح اللحية بما هو هو.
قوله
فافهم وتأمل.
لعله اشارة الى
احتمال ان يكون نظر المشهور فى استحباب نفس العمل الى ان المستفاد من اخبار من بلغ
حجية الخبر الضعيف فى المستحبات فتخصص عموم ادلة حجية خبر الواحد لان مفاد اخبار
من بلغ هو اعتبار الخبر الضعيف فى المندوبات وعدم
اعتبار شرائط
الحجية فيها هذا هو المراد بقاعدة التسامح فى ادلة السنن.
قوله
الثالث انه لا يخفى ان النهى عن الشىء اذا كان بمعنى طلب تركه فى زمان أو مكان
الخ.
ذكر المصنف فى
تتمة مبحث الاحتياط بقى امور مهمة لا بأس بالاشارة فكان البحث فى الامر الاول فى
جريان اصالة البراءة شرعا وعقلا واشار فى الامر الثانى الى جريان الاحتياط شرعا
وعقلا الآن يبحث فى الامر الثالث والغرض من عقد هذا الامر بيان ما تجرى فيه
البراءة من الشبهات الموضوعية وما لا تجرى فيه من الشبهات المذكورة.
ثم اعلم ان صاحب
الكفاية (قدسسره) قد عقد هذا البحث فى الشبهة الموضوعية التحريمية ويعلم
منها حال الشبهة الوجوبية أيضا ونحن نقتضيه فى العنوان حفظا لبعض خصوصيات.
فنقول وجه الاول أى
وجه جريان البراءة كون التحريم مشكوكا فيشمله ادلة البراءة النقلية من حديث رفع
وغيره وكذا دليل العقل وهو حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان لان المراد منه الحجية
لا البيان الذى هى وظيفة الشارع.
واما وجه الثانى
أى وجه عدم جريان البراءة فلان الاشتغال اليقينى يقتضى عقلا البراءة اليقينية وقد
علم توجه النهى الى طبيعة الخمر وان تركها مطلوب ولم يعلم بحصول المطلوب اذا اتى
المشتبه وليس مثل الشبهة الحكمية المشكوك فيها أصل الحكم فحينئذ لا مجرى للبراءة
لكونه عالما بتكليفه وانما الشك
فى امتثاله وفى
مثله يكون حكم العقل مستقلا بالاحتياط فثبت الى هنا عدم حكم العقل فى المقام على
البراءة بل يحكم على الاحتياط وكذا لا مجرى للادلة النقلية على البراءة فى المقام
لان مفادها رفع الحكم المجهول ولا جهل فى المقام من قبل الحكم وانما هو فى حصول
امتثاله بعد العلم به قد علم دليل قائلين على البراءة مطلقا وكذا دليل قائلين على
الاحتياط مطلقا.
واما التفصيل بين
تعلق الوجوب أو الحرمة بموضوعه على نحو الانحلال وبين غيره فان كان تعلق الوجوب
بنحو الانحلال تجرى البراءة وان كان بنحو غيره فلا تجرى.
توضيحه انه بناء
على الانحلال يكون كل واحد من الاعدام مطلوبا مستقلا ويكون الشك حينئذ شكا فى
التكليف المستقل وقد مرّ نظير ذلك فى مبحث العام والخاص عند قوله اكرم الطلاب أى
تنحل لفظة اكرم الى مائة اكرم مثلا اكرم الطالب واكرم الطالب واكرم الطالب الخ.
وكذا الحكم فى المقام مثلا لا تشرب الخمر تنحل لفظة لا تشرب الى مائة لا تشرب
ويكون كل واحد مطلوبا مستقلا فاذا شك فى التكليف المستقل أى فى المورد المخصوص
والمصداق المشتبه فاصالة البراءة محكمة.
واختار بعض الوجه
الاول ومختار المصنف هو الوجه الاخير اذا كان تعلق النهى بالماهية على النحو الاول
أى على نحو عدم الانحلال فلازمه عدم جواز ارتكاب مشكوك الفردية اعتمادا على اصالة
البراءة لان مجراها هو الشك فى التكليف لا الشك فى فراغ الذمة والمقام يكون من
الثانى دون الاول اذ المفروض ان الشك ليس فى نفس التكليف حتى يجرى فيه البراءة بل
الشك فى الفراغ
لتعلق النهى
بالطبيعة دون الافراد فترك الافراد لازم عقلا من باب المقدمة العلمية لتوقف اليقين
بالفراغ عن ترك الطبيعة المنهى عنها على اجتناب ما احتمل كونه فردا كترك ما علم
بفرديته لها.
قال صاحب الكفاية
ان النهى عن الشىء اذا كان بمعنى طلب تركه فى زمان أو مكان فلم يصح جريان البراءة
فى الفرد المشكوك لو وجد فى ذاك الزمان كالنهى عن الصيد فى زمان الاحرام لو وجد
لما امتثل المكلف وكذا لو وجد الفرد المشكوك فى ذاك المكان كقطع شجر الحرم ونباته
أى لا يجوز الاتيان بالشىء المشكوك لان مع اتيانه يشك فى ترك المنهى عنه الا اذا
كان مسبوقا به هذا استدراك من قوله فلا يجوز الاتيان أى لا يجوز اتيان المشكوك الا
ان يكون المورد مسبوقا بالترك كما اذا كان الانسان فى اول توجه النهى مشتغلا
بالخمر أو فى اثنائه ولكن كان اشتغاله لعذر من الاعذار فلا شك فى جواز اتيان هذا
المورد لان المطلوب من الاول هو التروك الغير الواقع فيه عذر من الاعذار أى اذا
كان المورد مسبوقا بالترك يجوز ارتكاب المشكوك لانه مسبوق بالترك كالفرض المزبور.
مثلا اذا ترك
المكلف شرب الخمر فى صورة النهى عنه واشتغل بعد ذلك بشرب الخمر بعذر من الاعذار
فان شك فى انتقاض الترك بشرب الخمر لاجل العذر استصحب الترك السابق أى الترك الذى
وقع بعد توجه النهى يعنى ترك المكلف طبيعة شرب الخمر بعد توجه النهى اليه فان شك
فى الترك المذكور فى زمان شرب الخمر بالعذر من الاعذار استصحب الترك الذى وقع بعد
توجه النهى لان هذا الفرد المشكوك وقع بعد ترك شرب الخمر لا يضر
على الترك الذى
وقع بعد توجه النهى.
قوله
: نعم لو كان بمعنى طلب ترك كل فرد منه على حدة الخ.
هذا بيان التفصيل
فى جريان اصالة البراءة قد ذكر توضيحه ويذكر هنا كلام صاحب الكفاية وقلت ان
التفصيل مختار عنده وبينه.
بقوله
نعم لو كان الخ.
أى يصح جريان
البراءة فى الفرد المشكوك لو كان النهى بمعنى طلب كل فرد منهى عنه على حدة أى اذ
كان توجه النهى على نحو الانحلال وقع كل واحد من الاعدام مطلوبا مستقلا ووجب ترك
ما علم كونه منهيا عنه.
واما اذا وقع الشك
فى تعلق النهى فى فرد ولم يعلم كونه مصداقا للنهى فاصالة البراءة فى هذا المصداق
المشتبه محكمة يعنى أن يكون الشك حينئذ شكا فى التكليف المستقل فلازمه جواز ارتكاب
ما شك فى فرديته للطبيعة المنهى عنها اعتمادا على اصالة البراءة لان الشك حينئذ فى
ثبوت التكليف اذ المفروض كون كل فرد من افراد طبيعة الخمر محكوما بحكم على حدة
فالشك فى فردية شىء للخمر يستلزم قهرا الشك فى حرمة هذا الفرد فتجرى فيها البراءة.
كذا يجوز ارتكاب
المشتبه بناء على تعلق التكليف بنفس الطبيعة لا الافراد فيما اذا كان مسبوقا بترك
تلك الطبيعة فان ارتكاب المشتبه يوجب الشك فى انتقاض ترك شرب الخمر مثلا فيستصحب
ذلك الترك حين ارتكاب المشتبه وتجرى البراءة فى
هذا الفرد
المشتبه.
واما اذا لم يكن
تعلق النهى على نحو الانحلال وكذا لم يكن الفرد المشكوك مسبوقا بالترك فوجب
الاجتناب عن الافراد المشتبهة عقلا لتحصيل الفراغ اليقينى.
واعلم انّ المكلف
اما ان يكون عالما بوجوب الشىء واما ان يكون عالما بحرمته فيجب فيما علم وجوبه احراز
اتيانه اطاعة لامره وكذلك فيما علم حرمته يجب احراز تركه وعدم اتيانه امتثالا
لنهيه.
واما اذا لم يكن
المكلف عالما بوجوب الشىء كدوران الامر بين الوجوب والاستحباب فيمكن احراز الواجب
بالاصل أى يحتاط المكلف باتيان الفرد المردد وكذا فى صورة دوران الامر بين الحرمة
والكراهة فيحرز ترك الحرام بالاصل أى يحتاط بترك هذا الفرد المردد واما اذا اشتبه
المائع بين الخمر والخل وان كان مقتضى اصالة البراءة جواز شربه لكن لزوم احراز
الترك يقتضى وجوب التحرز عنه ولا يحرز هذا الترك اللازم الا بترك هذا الفرد
المشتبه أيضا.
فثبت بالبيان
المذكور انه اذا كان تعلق النهى بموضوعه على نحو الانحلال فتجرى اصالة البراءة فى
الفرد المشكوك واما اذا لم يكن تعلق النهى بموضوعه على نحو الانحلال فلم تجر اصالة
البراءة فى الفرد المشكوك قد سبق توضيح هذين الوجهين فلا وجه للتكرار.
قوله
: الرابع انه قد عرفت حسن الاحتياط عقلا ونقلا الخ.
قد تقدم الكلام
فيه فى الامر الثانى أى ذكر انه لا شبهة فى
حسن الاحتياط شرعا
وعقلا فى الشبهة الوجوبية أو التحريمية لا بد من الكلام هنا فى جهات.
الاولى انه لا فرق
فى حسن الاحتياط بين قيام الحجة على نفى الحكم وعدمه.
الثانية انه لا فرق
بين الظن بالتكليف والشك والوهم فيه.
الثالثة انه لا
فرق بين كونه من الامور المهمة وعدمه.
الرابعة انه لا
فرق بين لزوم عسر غير مخل بالنظام وعدمه لان هذا العسر غير مناف للحسن الغير
الالزامى.
الخامسة ان
الاحتياط المخل بالنظام هل اختلاله موجب لانتفاء حسن الاحتياط كما هو ظاهر العبارة
فكون السالبة ظاهرة فى انتفاء المحمول أو لانتفاء نفس الاحتياط وجهان اقربهما
الثانى أى كانت القضية السالبة منتفية بانتفاء موضوعها لان الاحتياط عبارة عن
اتيان ما يحتمل كونه محبوبا ذاتا مع القطع بعدم كونه مبغوضا فعلا والا فلو احتمل مبغوضيته
أو قطع بها فلا احتياط وفى المقام قد قطع بها للاختلال المبغوض للشارع فعلا.
فظهر من البيان
المذكور انه لا يمكن الاحتياط فى الصورة المبغوضية ولا شك فى كونه مبغوضا للشارع
اذا كان مخلا بالنظام واما اذا قلنا بتبعيض فى الاحتياط فلم يكن مخلا بالنظام كما
اشار اليه المصنف.
بقوله
: وان كان الراجح لمن التفت الى ذلك من اول الامر الخ.
حاصل كلامه وان
كان الاحتياط فى الصورة المذكورة حسنا
أيضا لمن التفت
الى ان الاحتياط موجب للاختلال لكن رجح بعض الاحتياطات احتمالا أو محتملا أى ترجيح
بعض الاحتياطات اما يكون احتمالا او محتملا كما اذا كانت امور متعددة مشتبهة موردا
للابتلاء والتفت المكلف الى ان الاحتياط فى جميعها مخل بالنظام يمكن هنا تبعيض فى
الاحتياط على الوجهين.
الاول انه لو
احتمل وجوب فعل احتمالا قويا ولم يكن المحتمل من الامور المهمة رجحت مراعاة
الاحتمال فيحتاط فى هذا الفعل بالاتيان نظرا الى اهمية الاحتمال هذا بيان لقوله
احتمالا والثانى انه اذا احتمل وجوب فعل احتمالا ضعيفا وكان المحتمل من الامور
المهمة بحيث لو كان وجوبه معلوما لترجحت مراعاة المحتمل فيحتاط فيه نظرا الى
اهميته هذا بيان لقوله محتملا.
قوله
: فافهم.
اشارة الى ان حسن
الاحتياط قبل الاخلال وعدم حسنه حينه انما هو بالاضافة الى الجمع بين الاحتياطات
بالنسبة الى تكاليف متعددة لا بالنسبة الى تكليف واحد.
قوله
: فصل اذا دار الامر بين وجوب شىء وحرمته الخ.
كان البحث فى هذا
الفصل فى دوران الامر بين المحذورين أى الوجوب والحرمة ولا يخفى ان دوران الحكم
بين الوجوب والحرمة قد يكون لعدم الدليل على تعيين أحدهما بعد قيام الدليل على
الالزام الذى يدور بينهما كما اذا اختلفت الامة على القولين مع العلم بعدم القول
الثالث وقد يكون هذا الدوران لاجمال النص من جهة هيئة الامر الذى يردد بين الايجاب
والتهديد فان التهديد
دال على كون
المتعلق منهيا عنه وقد يكون الاجمال لتعارض النصين الذين أحدهما يأمر به والآخر
ينهى عنه أى الاجمال اما لعدم نص واما لتعارض النصين او باجماله هذه الامثلة
للشبهة الحكمية واما الشبهة الموضوعية فهى خارجة عن المهم.
ثم إنّه قبل
الشروع فى ادلة الاقوال لا بد من بيان الوجوه فى هذه المسألة وهى عشرة جريان
البراءة عقلا ونقلا ووجوب الاخذ باحدهما معينا وهو ينشعب الى وجهين وجوبه تخييرا
وهو ينشعب الى ثلاثة التخيير الاستمرارى مطلقا او بشرط عدم بنائه من الاول الى
العدول والبدوى ـ والتوقف عن الافتاء أى لا بالبراءة عقليها ونقليها ولا بسائر
الوجوه المتقدمة ـ والتخيير العقلى عملا وهو أيضا ينشعب الى ثلاثة وهى الصورة
المذكورة مع الافتاء بالبراءة الشرعية وبين صاحب الكفاية هذه الوجوه.
بقوله
: ففيه وجوه الحكم بالبراءة عقلا ونقلا لعموم النقل وحكم العقل بقبح المؤاخذة الخ.
أى أحدها الحكم
بالاباحة ظاهرا لجريان البراءة العقلية والنقلية فيه : اما العقلية فلتحقق موضوعها
وهو عدم البيان اذ لا بيان على خصوص الوجوب أو الحرمة المحتملين فالمؤاخذة على كل
من الفعل والترك فى المقام مما لم يستقل العقل بقبحه والعلم باصل الالزام لم يكن
باعثا ولا زاجرا لان العلم الاجمالى لم يكن منجزا فتجرى القاعدة بلا مانع.
واما جريان
البراءة النقلية فلان مثل حديثى الرفع والحجب يشملان ما اذا علم جنس الالزام ولم
يعلم النوع الخاص
منه فالوجوب
المشكوك فيه مرفوع كرفع الحرمة المحتملة.
الوجه الثانى وجوب
الاخذ باحد الاحتمالين تعيينا لترجيح جانب الحرمة والبناء عليه فى مرحلة الظاهر
واستدل عليه بوجوه.
الاول الاصل أى
قاعدة الاحتياط عند دوران الامر بين التخيير والتعيين فان مقتضاها تقديم احتمال
التحريم فى مرحلة الظاهر.
الثانى الاخبار
الآمرة بالتوقف عند الشبهة بناء على كون المراد منه عدم الدخول فى الشبهة فتدل على
وجوب ترك الحركة نحو الشبهة وهو معنى تقديم احتمال الحرمة.
الوجه الثالث حكم
العقل بتقديم دفع المفسدة على جلب المنفعة عند دوران الامر بينهما فاللازم رعاية
جانب المفسدة الملزمة بحكم العقل.
الوجه الرابع ان
المقصود من الحرمة ترك الحرام والترك يجتمع مع كل فعل أى ترك الحرام يجتمع مع كل
فعل.
الوجه الخامس
الاستقراء الذى يستفاد منه ان مذاق الشرع هو تقديم جانب الحرمة فى موارد الاشتباه
أى اشتباه الواجب والحرام هذا يقتضى تقديم احتمال الحرمة على احتمال الوجوب قد ذكر
الى هنا الادلة التى استدل بها على ترجيح جانب الحرمة على وجوب عند دوران الامر
بين الوجوب والحرمة.
الثالث من الوجوه
المذكورة الاخذ باحدهما تخييرا أى التخييرى الظاهرى بين الفعل والترك شرعا يعنى
لزوم الاخذ باحد الاحتمالين تخييرا فيقاس المقام فى باب الخبرين حيث ان احدهما حجة
تخييرية فى حق المكلف فيجب عليه الالتزام اما بالخبر الامر فعليه الفعل واما
بالخبر الناهى فعليه الترك هذا مفاد
قول عليهالسلام : بايهما اخذت من باب التسليم وسعك فكذا فى المقام ايضا
يكون مخيرا بين احتمال الوجوب المقتضى لاتيان الفعل والاخذ باحتمال الحرمة المقتضى
لترك الفعل.
الوجه الرابع من
الوجوه المذكورة التخيير بين الترك والفعل عقلا أى التخيير ثابت للمكلف تكوينا
والتوقف فى الحكم انما يكون شرعا يعنى عدم الحكم عليه بشىء من التخيير أو الاباحة
أو البراءة لا ظاهرا ولا واقعا ومرجع هذا الى الغاء الشارع لكلا الاحتمالين فلا
حرج فى الفعل ولا فى الترك بحكم العقل أى حيث لا ترجيح لاحد الاحتمالين على الآخر
فيستقل العقل بالتخيير يعنى انه لو فعل لا يعاقب عليه كما لا يعاقب على الترك وقد
ذكر صاحب الكفاية التخيير بين الترك والفعل عقلا مع التوقف فوجه التوقف عن الحكم
بالتخيير أو البراءة أو الاباحة فى مرحلة الظاهر أى لا يحكم بشيء مما ذكر فى مرحلة
الظاهر لان هذا الحكم مناف لما علم اجمالا من الحرمة أو الوجوب
اما وجه الفرق بين
هذا التخيير والتخيير السابق فان التخيير السابق كان فى الاخذ باحد الاحتمالين
بمعنى وجوب الحكم بالاخذ باحدهما وهذا التخيير كان فى العمل باحدهما دون الحكم به
وأيضا هذا التخيير انما يكون تكوينيا والتخيير السابق كان تشريعيا.
قوله
أو مع الحكم عليه بالاباحة شرعا الخ.
هذا وجه خامس فى
دوران الامر بين المحذورين والمقصود من هذا الوجه التخيير العقلى بين الفعل والترك
والحكم عليه شرعا
بالاباحة عليه
ظاهرا وهو مختار المصنف.
توضيحه ان مدعى
المصنف مركب من امرين احدهما الحكم بالتخيير العقلى لا الشرعى ثانيهما الحكم شرعا
بالاباحة الظاهرية.
واستدل على الاول
بقوله لعدم الترجيح وتوضيحه ان المكلف لا يخلو من الفعل أو الترك فلو اختار الفعل
لزم ترجيحه وكذا لو اختار الترك لزم ترجيحه وحيث لا مرجح لاحدهما على الآخر كما هو
المفروض فترجيح احدهما على الآخر ترجيح بلا مرجح وهو قبيح فيتساويان وهو معنى
التخيير العقلى.
واستدل على الثانى
أى الحكم بالاباحة شرعا ـ بقوله وشمول مثل كل شىء لك حلال توضيح هذا الاستدلال ان
المراد المصنف من مثل هو سائر الروايات التى تصلح لاثبات القاعدة أى قاعدة الحل
وليس مراد من مثل اخبار براءة كحديثى الرفع والحجب وذلك لان مدلول حديث الرفع
ونحوه مطابقة نفى التكليف الالزامى على ما اختاره المصنف فى اول باب البراءة بقوله
فالزام المجهول مرفوع فعلا : فليس الحل الظاهرى مدلول البراءة أى ليس الحل الظاهرى
المدلول المطابقى ولا المدلول الالتزامى للبراءة اذ المدلول الالتزامى ليس الا
الترخيص الذى هو اعم من الاباحة بمعنى الاخص التى هى المطلوب.
بعبارة اخرى ان
مدلول اصالة البراءة نفى التكليف الالزامى فى مرحلة الظاهر فهو مستلزم للترخيص
عقلا ومدلول اصالة الحل حكم شرعى ظاهرى أى الاباحة بالمعنى الاخص فالاستدلال بحديث
الحل على إباحة ما دار امره بين الوجوب والحرمة فيستدعى البحث
فى مقامين الاول
فى وجود المقتضى : والثانى فى عدم المانع.
اما المقتضى فهو
موجود فى المقام أى ان الحديث يدل على حلية المشكوك حرمته ظاهرا وان الحلية باقية
الى ان يحصل العلم بخصوص الحرمة فموضوع حكم الشارع بالحلية الظاهرية هو ما شك فى
حرمته أى اذا دار الامر بين الحرمة وغيرها من الوجوب والاباحة والاستحباب والكراهة
فهو موضوع لحكم الشارع بالحلية الظاهرية فيندرج مورد الدوران بين المحذورين فى
موضوع الحديث لعدم العلم فيه بخصوص الحرمة فاذا دار الامر بين حرمة الشيء ووجوبه
صدق عليه عدم العلم بحرمته فهو حلال ظاهرا حتى يعلم انه حرام.
واما المقام
الثانى أى البحث عن عدم المانع اعنى انه لا مانع من جريان اصالة الحل عقلا ونقلا
وقد ذكر توضيح هذا بقوله
وقد
عرفت انه لا يجب موافقة الاحكام التزاما الخ.
أى قد عرفت فى
الامر الخامس من مباحث القطع عدم وجوب الموافقة الالتزامية حيث ذكر هناك هل تنجز
التكليف بالقطع كما يقتضى موافقته عملا يقتضى موافقته التزاما والتسليم له اعتقادا
وانقيادا كما هو اللازم فى الاصول الدينية والامور الاعتقادية أو لا يقتضى ذلك قال
المصنف هناك الحق هو الثانى أى لا يلتزم تنجز التكليف بالقطع الموافقة الالتزامية
فلا مانع عقلا عن اصالة الحل اذ ما ذكر او يمكن ان يذكر مانعا عقلا هو وجوب
الموافقة الالتزامية قال صاحب الكفاية الحق الثانى أى الحق هو منع الوجوب الموافقة
الالتزامية.
توضيح البحث
بعبارة اخرى يقول المتوهم ان العقل كما يستقل بوجوب اطاعة الشارع عملا كذلك يحكم
بوجوب اطاعته التزاما بلزوم التدين والالتزام القلبى باحكامه ومن المعلوم ان علم
المكلف بعدم خلوّ الواقع عن احد الحكمين الالزاميين ينافى البناء على إباحة كل من
الفعل والترك ظاهرا لاقتضاء الاباحة الظاهرية خلاف ما هو معلوم عنده من الحكم
الواقعى الدائر بين الوجوب والحرمة فوجوب الاطاعة الالتزامية مانع عقلا عن شمول
اصالة الحل فى المقام.
فاجاب صاحب
الكفاية من هذا التوهم اولا بمنع وجوب الموافقة الالتزامية توضيحه ان وجوب اطاعة
الاوامر والنواهى الشرعية مما لا ريب فى استقلال العقل به واما وجوب موافقتهما
التزاما بعقد القلب على الاطاعة حتى يكون لكل حكم نحو ان من الاطاعة فلا دليل عليه
أى لا دليل على وجوب الاطاعة الالتزامية لان العقل حاكم بلزوم الامتثال العملي
لاجل تحصيل غرض المولى المترتب على البعث والزجر حذرا من العصيان المستتبع العقوبة
ولا يحكم بلزوم الموافقة الالتزامية أى فلا دلالة من العقل على وجوبها واما النقل
فليس فيه أيضا ما يقتضى ذلك لان مثل اقيموا الصلاة ونحوه لا يدل على وجوب الموافقة
الالتزامية.
والجواب عن قول
المتوهم ثانيا انه بناء على تسليم وجوب الموافقة الالتزامية لا منافاة بينه وبين
اصالة الحل لامكان الانقياد القلبى الاجمالى بان يلتزم اجمالا بالحكم الواقعى على
ما هو عليه فالامتثال القلبى عبارة من عقد القلب على بعض الامور الاعتقادية مع عدم
العلم بتفاصيلها فظهر من هذا الجواب ان وجوب موافقة
الاحكام التزاما
لا يمنع من جريان اصالة الحل فى مسئلة الدوران الامر بين المحذورين.
ولا يخفى ان
الالتزام بالحكم الواقعى على اجماله ممكن مع شمول دليل اصالة الحل للمورد واما
التزام التفصيلى بالوجوب أو الحرمة فلو لم يكن تشريعا محرما لما نهض الدليل على
وجوبه قطعا أى لم يقم الدليل على وجوب الالتزام التفصيلى بالنسبة الى الوجوب
والحرمة.
قوله
وقياسه بتعارض الخبرين الدال احدهما على الحرمة والآخر على الوجوب باطل الخ.
هذا جواب عن
السؤال المقدر أى انه يصح التخيير الشرعى فى دوران الامرين المحذورين بمقايسة
المقام بالخبرين المتعارضين الدالين على الوجوب والحرمة توضيح مقايسة المورد بما
ذكر يتوقف ببيان امور :
الاول ان رعاية
الحكم الظاهرى الاصولى هو حجية كل واحد من الخبرين بعد وضوح عدم امكانها أى عدم
امكان حجية كل واحد من الخبرين لاجل التعارض واوجب هذا حكم الشارع بلزوم الاخذ
بواحد منهما تخييرا فثبت ان الحكم الواقعى اولى بالرعاية فلا بد من البناء على
الوجوب أو الحرمة بالاولوية القطعية فلا يصح طرحهما والقول بالاباحة الظاهرية
فتختص قاعدة الحل بالشبهات البدوية ولا تشمل شيئا من صور الدوران بين المحذورين.
الامر الثانى
توافقهما على نفى الثالث بالدلالة الالتزامية أى الوجه الثانى للتخيير الشرعى فى
دوران الامر بين المحذورين هو
توافق دوران الامر
بين المحذورين والخبرين المتعارضين على نفى الثالث بالدلالة الالتزامية فان
الخبرين المتعارضين يدلان التزاما على نفى الحكم الثالث وكذا فى المقام ان العالم
بالالزام الجامع بين الوجوب والحرمة يعلم وجدانا بنفى الحكم الثالث لان المفروض
دوران الحكم الواقعى بين الوجوب والحرمة ومع هذا كيف يمكن الالتزام بالاباحة
الظاهرية.
فثبت مقايسة
المقام بالخبرين المتعارضين أى يحكم الشارع فى الخبرين بلزوم الاخذ بواحد منهما
تخييرا وكذا فى المقام اعنى صورة دوران الامر بين المحذورين فلا بد من التخيير
بينهما لتعذر كلا الاحتمالين ولا يجوز ابداع القول الثالث.
واما الجواب عن
المقايسة المذكورة فيقال ان قياس دوران الامر بين المحذورين بالخبرين المتعارضين
قياس مع الفارق لعدم وحدة الملاك فيهما توضيحه ان الاخبار اما أن تكون حجة من باب
السببية واما من باب الطريقية فعلى الاول يكون التخيير بين الخبرين المتعارضين على
القاعدة لحدوث المصلحة فى المؤدى بسبب قيام خبر على الوجوب وكذا حدوث مفسدة فيه
بقيام خبر آخر على حرمة ذلك المتعلق ولما كان كل من الخبرين مستجمعا لشرائط الحجية
وجب العمل بكل منهما لكن العمل على كل من الخبرين متعذر فيستقل العقل بالتخيير فى
صورة عدم المرجح كما فى انقاذ غريقين مؤمنين.
واما ما نحن فيه
أى صورة دوران الامر بين المحذورين فليس مناط التخيير موجودا فيه والمراد منه هو
الحجية فى الاحتمالين المتعارضين فليس هذا المناط موجودا فى مقام البحث اذ لم يكن
فى احتمال وجوب
والحرمة صفة الكشف والطريقية حتى يصح قياسهما بالخبرين المتعارضين.
فثبت من البيان
المذكور ان تزاحم الوجوب والحرمة ليس كتزاحم الخبرين بناء على حجيتهما من باب
السببية.
واما على الثانى
وهو حجية الاخبار على الطريقية فالقياس مع الفارق أيضا أى اذا كانت حجية الاخبار
من باب الطريقية فقياس دوران الامر بين المحذورين كالوجوب والحرمة بتعارض الحجتين
والخبرين المتعارضين قياس مع الفارق أيضا لان الخبرين لما كان كل منهما واجدا
لشرائط الحجيّة ومناط الطريقية من الكشف عن الواقع واحتمال الاصابة فى خصوص كل
واحد من المتعارضين ولم يمكن الجمع بينهما فى الحجية الفعلية فقد جعل الشارع
احدهما حجة تخييرا مع التكافؤ.
وهذا بخلاف المقام
اذ ليس فى شيء من الاحتمالين اقتضاء الحجية أى لم يكن فى دوران الامر بين الوجوب
والحرمة اقتضاء الحجية بل كان دوران الحكم الواقعى بين الوجوب والحرمة فلا مانع من
طرح كلا الاحتمالين واجراء الاباحة الظاهرية واما فى باب تعارض الخبرين فالمقتضى
بحجيتهما موجود من الكشف عن الواقع وهو موجب للتخيير فى باب الخبرين المتعارضين
فظهر من البيان المذكور عدم صحة المقايسة فى البابين أى باب دوران الامر بين
المحذورين وباب تعارض الحجتين.
قال صاحب الكفاية
اذا كانت حجية الخبرين المتزاحمين من باب الطريقية فالتخيير على خلاف القاعدة لان
القاعدة الاولية فى
باب تعارض الطرق
هى التساقط فالتخيير بين الخبرين تعبد شرعى على خلاف القاعدة واما مقام البحث أى
دوران الامر بين المحذورين فالمطلوب هو الاخذ بخصوص ما صدر واقعا وهو حاصل أى
الاخذ بصدور ما وقع حاصل اجمالا.
ولا يخفى ان الاخذ
بخصوص احد الحكمين فى المقام لم يكن موصلا فى بعض الموارد فلا يصح التخيير فى مورد
دوران الامر بين المحذورين ولا يقاس بتعارض الخبرين الدال احدهما على الحرمة
والآخر على الوجوب قد ذكر وجه عدم القياس مفصلا.
قوله
: نعم لو كان التخيير بين خبرين لاجل ابدائهما احتمال الوجوب والحرمة الخ.
هذا استدراك على
قوله وقياسه باطل أى غرض من هذا الكلام تصحيح قياس دوران الامر بين المحذورين
بالخبرين المتعارضين بعدم الفارق بين المقام وبين هذين الخبرين المتعارضين وجه
التصحيح ان مناط وجوب الاخذ باحد الخبرين المتعارضين انما هو ابدائهما احتمال
الوجوب والحرمة دون غيره من السببية والطريقية والظاهر ان هذا المناط موجود فى
مورد دوران الامر بين المحذورين أى احتمال الوجوب والحرمة موجود فى كلا الموردين
فلا بد من التخيير فى دوران الامر بين المحذورين كمورد الخبرين المتعارضين وكان
القياس فى محله بناء على كون التخيير بين الخبرين بالمناط المذكور.
قوله
: ولا مجال هاهنا لقاعدة قبح العقاب بلا بيان الخ.
هذا اشارة الى
دليل الجزء الثانى ووجهه ان تنجز التكليف
واستحقاق العقوبة
على مخالفته مشروط بالبيان وبالقدرة.
توضيحه ان التكليف
له مراتب اربع أى الاقتضاء والانشاء والفعلية والتنجز وهذه المرتبة مشروطة بالبيان
وهو ما يصح معه المؤاخذة لا خصوص العلم فضلا عن خصوص العلم التفصيلى أى ليس المراد
من البيان خصوص العلم بل يكفى مطلق البيان كالظن وكامكان الاحتياط وكذا مشروطة هذه
المرتبة أى مرتبة التنجز بالقدرة وقد يستند عدم التنجز الى انتفاء كلا الامرين كما
فى بعض الشبهات البدوية الغير المقدورة وقد يستند الى عدم البيان وقد يستند الى
انتفاء القدرة كما فى المقام اذ العلم الاجمالى بيان ومصحح للعقوبة فى اطرافه.
والحاصل ان قبح
العقاب فى المقام مسلم لكنّه ليس لاجل عدم البيان بل لعدم قدرة المكلف على
الامتثال القطعى فلا مجال لتطبيق قاعدة القبح هنا لتحقق البيان الرافع لموضوع
قاعدة القبح العقاب بلا بيان بسبب العلم باصل الالزام ولو مع الجهل بشخصه فان
العلم فى المقام بجنس التكليف كاف فى البيانية ولذا يجب الاحتياط اذا تمكن منه كما
فى تعدد المتعلق.
فعلم بالبيان
المذكور انه لا مجال عند دوران الامر بين المحذورين لجريان قاعدة قبح عقاب بلا
بيان لوجود البيان الاجمالى وهو العلم باصل الالزام وهو كاف فى المنع عن جريانها
فالمانع عن استحقاق العقاب انما هو عدم قدرة على الامتثال والموافقة القطعية أى لم
يكن المكلف قادرا على الامتثال القطعى قد ثبت جريان اصالة الاباحة فيما اذا دار
الامر بين وجوب شىء وحرمته والدليل على هذا عدم قدرة المكلف على الامتثال القطعى.
قوله
: ثم ان مورد هذه الوجوه وان كان ما اذا لم يكن واحد من الوجوب والحرمة على
التعيين الخ.
هذا اشارة الى
الوجوه الخمسة المذكورة فى دوران الامر بين الوجوب والحرمة أى قد ذكر فيما تقدم فى
قوله فصل اذا دار الامر بين وجوب شىء وحرمته ففيه الاول الحكم بالبراءة عقلا ونقلا
الثانى وجوب الاخذ باحدهما تعيينا الثالث وجوب الاخذ باحدهما تخييرا الرابع
التخيير بين الترك والفعل عقلا مع التوقف عن الحكم الشرعى الخامس التخيير عقلا مع
الحكم عليه بالاباحة شرعا.
هذا الكلام اشارة
الى التعريض على الشيخ قدسسره حيث قال ان الرجوع الى اصالة الحل فيما دار الامر بين
الوجوب والحرمة فيما كان كل من الوجوب والتحريم فيه توصليا بحيث يسقط بمجرد
الموافقة اذ لو كانا تعبديين محتاجين الى قصد امتثال التكليف أو كان أحدهما المعين
تعبديا فلا يجوز طرحهما والرجوع الى الاباحة لان الرجوع اليها مخالفة عملية قطعية.
واعلم ان الاقسام
المتصورة فى مسألة دوران الامر بين الوجوب والحرمة من حيث التوصلية والتعبدية
اربعة : الاول ان يكون الوجوب والحرمة تعبديين أى يعلم المكلف انه لو كان الحكم
المحتمل فى مورد هو الوجوب أو الحرمة لكان تعبديا : الثانى ان يكونا توصليين أى
يعلم انه لو كان الحكم المحتمل الوجوب والحرمة لكان توصليا يعنى عدم الحاجة فى
امتثاله الى قصد التقرب : الثالث ان يكون احدهما المعين كالوجوب أى يفرض
انه لو كان هذا
الشىء واجبا فى الواقع لم يمتثل امره الا باتيانه بقصد التقرب بخلاف ما لو كان هذا
الشىء فى الواقع حراما فانه توصلى : الرابع ان يكون احدهما غير المعين تعبديا أى يعلم
اجمالا بكون احد الاحتمالين تعبديا ولكن لا يعلم هذا بعينه.
فهذه الاقسام
الاربعة لا يجوز الرجوع الى اصالة الاباحة فى جميعها بل يجوز الرجوع اليها فيما
اذا كان الوجوب والحرمة كلاهما توصليين واما اذا كانا تعبديين أو كان أحدهما
تعبديا فلم يجز الرجوع الى الإباحة لانه مخالفة عملية قطعية على ما افاده الشيخ قدسسره من انه لو كانا تعبديين لاحتاجا الى قصد الامتثال وكذا لو
كان أحدهما تعبديا فلا يجوز طرحهما والرجوع الى الاباحة لكونه مخالفة عملية قطعية
أى لا يقصد فى صورة الرجوع الى الاباحة الامر الوجوبى ولا النهى التحريمى فهذا
مخالفة قطعية.
وقد سلم صاحب
الكفاية قول الشيخ فى عدم الرجوع الى الاباحة فى صورة دوران الامر بين المحذورين
فيما اذا كان الوجوب والحرمة تعبديين ولكن ناقش مع الشيخ من وجه بيّنه
بقوله
: الا ان الحكم أيضا فيهما اذا كان كذلك هو التخيير عقلا الخ.
هذا اشارة الى انه
لا يجوز الرجوع الى الاباحة فى صورة دوران الامر بين الوجوب والحرمة اذا كانا
تعبديين.
ولكن لا اشكال
فيهما الحكم بالتخيير عقلا فى صورة كون الوجوب والحرمة تعبديين فلا فرق فى هذا
الحكم بين كونهما تعبديين أو توصليين كما قال صاحب الكفاية لم يكن اشكال فى
عدم جواز طرحهما
والرجوع الى الاباحة الا ان الحكم أيضا فيهما اذا كان كذلك هو التخيير عقلا أى لا
اشكال فى جواز الحكم فيما اذا كان الوجوب والتحريم توصليين وكذا لا اشكال بالحكم
أيضا فيهما بالتخيير اذا كانا تعبديين فالعقل يحكم فيهما بالتخيير على وجه قربى ان
يؤتى به بداعى طلبه أو تركه ولا يجوز الاخذ باحدهما معينا لعدم الترجيح فبين
المصنف نتيجة البحث.
بقوله
: فانقدح انه لا وجه لتخصيص المورد بالتوصليين الخ.
هذا بيان لتعميم
مورد التخيير فى صورة الدوران بين المحذورين.
وحاصل ما ذكر من
التعميم ان التخيير العقلى يجرى فى جميع الاقسام المذكورة فى مسئلة الدوران بين
المحذورين أى سواء كان الوجوب والحرمة توصليين أم التعبديين فلا وجه لاختصاص
الوجوه الخمسة المتقدمة عند قوله فصل اذا دار الامر بين وجوب شىء وحرمته بما اذا
كانا توصليين أو كان احدهما غير المعين توصليا حتى يكون التخيير العقلى مختصا بهما
كما صرح به الشيخ (قدسسره).
فظهر من البيان
المذكور عدم اختصاص التخيير العقلى بما اذا كان الوجوب والحرمة توصليين ولكن القول
بالاباحة فى المورد المذكور يختص بهما للزوم المخالفة العملية القطعية لو جرت
اصالة الاباحة فى التعبديين فاختصت بالتوصليين كما اشار اليه صاحب الكفاية بقوله
وان اختص بعض الوجوه بهما كما لا يخفى.
قوله
: ولا يذهب عليك ان استقلال العقل بالتخيير انما هو فيما لا يحتمل الترجيح فى
احدهما على التعيين الخ.
قبل الشروع فى
المقصود لا بد من بيان الامرين.
الاول ان دوران
الامر بين الوجوب والحرمة تارة يكون مع التساوى الطرفين احتمالا ومحتملا : واخرى
يكون احدهما اقوى احتمالا مع التساوى فى المحتمل كما اذا كان مظنونا والآخر موهوما
ولا شك ان الظن اقوى من الوهم : وثالثة يكون احدهما اقوى أو محتمل الاقوائية
محتملا مع التساوى فى الاحتمال كما اذا قطع كون ملاك الوجوب على تقدير ثبوته اقوى
من ملاك الحرمة على تقدير ثبوته والمراد من الملاك هو المصلحة فى الوجوب والمفسدة
فى الحرمة فهذا المحتمل أى ملاك الوجوب اقوى من ملاك الحرمة لان المفروض ثبوت
القطع باقوائية ملاك الوجوب واما من حيث الاحتمال فكلاهما متساويان : ورابعة ان
يكون احدهما اقوى احتمالا والآخر محتملا : خامسة ان يكون أحدهما اقوى احتمالا
ومحتملا.
اذا عرفت الامر
الاول فاعلم انه قد يكون فى مسئلة دوران الامر بين الوجوب والحرمة احدهما اقوى من
الآخر احتمالا ومحتملا أو احتمالا فقط او محتملا فقط فيرجح ما هو الاقوى على غيره.
الامر الثانى
دوران الامر بين التعيين والتخيير كحكم العقل بتعيين تقليد الافضل لحجية قوله قطعا
تعيينا أو تخييرا والشك فى حجية قول غير الافضل عند المخالفة.
اذا عرفت ما ذكر
فاعلم انه قد يقاس المقام أى دوران الامر
بين الوجوب
والحرمة بمسألة دوران الامر بين التعيين والتخيير كما هو ظاهر صدر عبارة المصنف
وهو قوله كما هو الحال فى دوران لامر بين التعيين أى كما ان استقلال العقل بتعيين
ما يحتمل ترجيحه مسلم فى دوران الامر بين التعيين والتخيير كحجية فتوى الافضل
تعيينا أو تخييرا فى مسئلة التقليد وكحكم العقل بلزوم انقاذ الغريق المتوقف على
التصرف فى مال الغير بدون اذنه لاهمية وجوب حفظ النفس.
قال صاحب الكفاية
كما هو الحال فى غير المقام. اى كما ان استقلال العقل بترجيح ما يحتمل ترجيحه مسلم
فى دوران الامر بين التخيير والتعيين فى غير مقام البحث والمراد من غير المقام هو
موارد التزاحم كمسألة تقديم انقاذ الغريق المحتمل اهميته.
قوله
: ولكن الترجيح انما يكون لشدة الطلب فى احدهما الخ.
هذا اشارة الى ان
المرجح هو كون المحتمل قويا لا الاحتمال والمراد من الاحتمال هو الشىء الذى كان
سببا لادراك الشىء ولا فرق فى كونه علميا او ظنيا أو وهميا واما المراد من المحتمل
فهو الشىء المعلوم أو المظنون أو الموهوم.
واعلم ان المراد
بشدة الطلب هى قوة الملاك فالمناط فى اهمية الطلب وشدته هو كون الملاك الداعى
للمولى الى أحد الطلبيين اقوى واشد من الملاك الآخر لانه لا ريب فى اختلاف مراتب
الاحكام فى جميع الاحكام الاقتضائية فلا وجه لترجيح احتمال الحرمة مطلقا أى سواء
كانت مشتملة على شدة الطلب ام لا فلا يكون دفع المفسدة فى باب الحرمة موجبا
لترجيحها مطلقا بل
الملاك فى ترجيحها
هو شدة الطلب كما ذكر آنفا.
قوله
: فصل لو شك فى المكلف به مع العلم بالتكليف الخ.
قد ذكر سابقا عند
قول المصنف فصل اذا دار الامر بين وجوب شىء وحرمته ففيه وجوه أى الوجوه الخمسة :
الاول الحكم بالبراءة عقلا ونقلا وكان مورد هذا الحكم فيما اذا كان الشك فى
التكليف.
واما البحث فى هذا
الفصل فانما يكون فى المورد الذى شك فيه فى المكلف به ويجرى فى هذا المورد اصالة
الاشتغال كما ذكر الشيخ الاعظم (قدسسره) فى الصفحة الاولى فى الرسائل ان الشك اما ان يلاحظ فيه
الحالة السابقة أو لا : فالاول مجرى الاستصحاب : والثانى اما ان يكون الشك فيه فى
التكليف فهو مجرى اصالة البراءة واما ان يكون الشك فيه فى المكلف به فهو مجرى
قاعدة الاحتياط فيكون مورد البحث فى هذا المقام فى الشك فى المكلف به مع العلم
بالتكليف كالعلم بوجوب فعل مردد بين المتباينين مثلا نقطع بوجوب الصلاة لكن هذه
الصلاة مرددة بين الظهر والجمعة وكذا اذا قطع المكلف بايجاب شىء لكن هذا الشىء
مردد بين الصلاة والصدقة أى يكون الواجب مرددا بينهما هذا مثال لتردده بين
المتباينين.
وقد يكون التردد
بين الاقل والاكثر الارتباطيين كتردد بين عشرة واحدى عشرة فى اجزاء الصلاة واما
المردد بين الاقل والاكثر الاستقلاليين فهو خارج موضوعا عن الشك فى المكلف به لعدم
الاجمال فى المكلف به حقيقة فى هذا القسم من الاقل والاكثر ضرورة ان المكلف يعلم
من اول الامر بتعلق التكليف بالاقل لانه قدر متيقن.
قوله
فيقع الكلام فى مقامين المقام الاول فى دوران الامر بين المتباينين الخ.
والمراد منهما ان
لا يكون بينهما الارتباط سواء كان تباينهما ذاتيا كتردد الصلاة بين الظهر والجمعة
ام كان عرضيا كتردد الصلاة بين القصر والتمام فتجرى اصالة الاشتغال فى مثل ما ذكر
لتنجز التكليف بالعلم الاجمالى بعد فعليته أى اذا وجدت العلة التامة صار التكليف
منجزا.
واعلم ان الاحكام
الشرعية الفعلية على قسمين الاول ان يكون الغرض والملاك الداعى الى الحكم مهما أى
لا يرضى المولى بتركه بل تتعلق ارادته باستيفائه مطلقا يعنى سواء كان ثبوته بالعلم
الاجمالى ام التفصيلى ولا يخفى انه يجب على المولى فى هذه الصورة ايصال التكليف
الى العبد اما بنصب الطريق الموصل واما بايجاب الاحتياط للتنجز التكليف بالعلم
الاجمالى حيث تنجز التكليف استحق المكلف العقوبة على المخالفة كما قال صاحب
الكفاية فلا محيص عن تنجزه وصحة العقوبة على مخالفته فظهر وجوب الاحتياط بالعلم
الاجمالى فى مورد كون المكلف به مجملا ومرددا بين المتباينين.
قوله
وحينئذ لا محالة يكون ما دل بعمومه على الرفع أو الوضع الخ.
أى كان فى مقابل
اصالة الاشتغال ما دل بعمومه على رفع التكليف كحديث الرفع والحجب والسعة والحل أى
رفع ما لا
يعلمون ... ما حجب
الله علمه عن العباد فهو موضوع عنهم ... كل شيء لك حلال حتى تعرف انه حرام.
فهذه الادلة
النافية للتكليف انما تكون بعد فرض شمولها لاطراف العلم الاجمالى أى هذه الادلة
تدل على نفى التكليف من هذه الاطراف واما العلم الاجمالى فيدل على تنجز التكليف فى
متعلقه فهذا مستلزم للتناقض مثلا علم اجمالى يدل على عدم جواز الدخول فى هذه
الاطراف ولكن هذه الادلة المذكورة تدل على جواز الدخول فى هذه الاطراف فلا بد من
تخصيص هذه الادلة أى ان المعلوم بالاجمال فى الفرض المزبور واجد للمرتبة الاكيدة
من البعث والزجر ولا يرضى المولى بالمخالفة فيخرج هذه الاطراف من تحت الادلة
المذكورة بحكم العقل كما قال صاحب الكفاية : وحينئذ لا محالة يكون ما دل بعمومه
الخ.
أى لا محالة تكون
هذه الادلة مخصصة لاجل مناقضتها مع اطراف العلم الاجمالى هذا بيان للقسم الاول من
الاحكام الشرعية الفعلية.
القسم الثانى منها
ان لا يكون الداعى الى الحكم الشرعى مهما أى لا يريد من المكلف استفاده على كل حال
بل يريده على تقدير وصول الخطاب اليه تفصيلا فالحكم الذى لا يكون الغرض الداعى
اليه مهما تكون مرتبة فعليته منوطة بالعلم به تفصيلا بحيث يكون العلم التفصيلى به
موجبا لفعليته اولا ولتنجزه ثانيا واذا كان التكليف من سنخ القسم الثانى فهو لا
يتنجز بالعلم الاجمالى ـ لا لقصور فى العلم بل لخلل فى المعلوم أى هذا هو القسم
الذى كان العلم
التفصيلى فيه علة تامة دون الاجمالى ولكن للفرق بين المعلومين دون العلمين.
فلا فرق فى
القسمين المذكورين من ناحية العلم بل الفرق فيهما انما يكون من ناحية المعلوم لان
شرط التنجز فى المعلوم فى القسم الثانى هو العلم التفصيلى ولم يكن الغرض الداعى
الى الحكم مهما فى هذا القسم الثانى أى ولم تكن المصلحة أو المفسدة فيه مهمة واما
فى القسم الاول فكان غرض الداعى الى الحكم مهما ولا يرضى المولى بفوته فيتنجز
التكليف من باب الاحتياط مع العلم الاجمالى ولكن التكليف فى القسم الثانى كان
منجزا بالعلم التفصيلى كما قال صاحب الكفاية بقوله وان لم يكن فعليا كذلك ولو كان
بحيث لو علم تفصيلا لوجب امتثاله الخ.
أى وان لم يكن
الحكم الشرعى فعليا من تمام الجهات فى القسم الثانى منه ولكن لو علم تفصيلا فى هذا
القسم لوجب امتثاله وصح العقاب على مخالفته.
توضيح العبارة وان
لم يكن الحكم الشرعى فعليا من تمام الجهات فلم يكن هنا مانع عقلا ولا شرعا عن
شمول ادلة البراءة
الشرعية للاطراف قد ذكر انه لا يكون الغرض الداعى الى الحكم الشرعى فى هذا القسم
الثانى مهما فلم يكن مانع عقلا ولا شرعا فى هذا القسم عن جريان اصالة البراءة
للاطراف فيما لم تكن معلومة تفصيلا.
قوله
ومن هنا انقدح انه لا فرق بين العلم التفصيلى والاجمالى الخ.
قد ظهر من انقسام
التكليف الى قسمين عدم الفرق بين العلم
التفصيلى
والاجمالى فى علية كل منهما للتنجيز اذا كان التكليف معلوما من جميع الجهات أى
يكون العلم الاجمالى علة لتنجز التكليف كالعلم التفصيلى فالتفاوت بينهما انما يكون
من ناحية المعلوم لا من ناحية العلم.
قد علم انه لو
كانت فعلية التكليف تامة عن جانب المولى من حيث ارادته وكراهته أى لا يرضى بترك
التكليف فيحكم فى مورد العلم الاجمالى بالاحتياط أى يحكم بالحكم الظاهرى لوجود
موضوعه وهو وجود التردد بين الاطراف فمرتبة الحكم الظاهرى محفوظة الا انه لا مجال
للحكم الظاهرى مع العلم التفصيلى بالتكليف لعدم بقاء الموضوع له وهو الشك والتردد
فى الحكم الواقعى واما اذا كان العلم بالتكليف اجمالا فثبت المجال للحكم الظاهرى
كما
قال صاحب الكفاية وله مجال مع الاجمالى فيمكن ان لا يصير فعليا معه الخ.
أى للحكم الظاهرى
مجال مع العلم الاجمالى بالتكليف فيمكن عدم صيرورة الحكم الواقعى فعليا مع هذا
العلم الاجمالى لامكان جعل الحكم الظاهرى فى اطرافه وان كان الحكم الواقعى فعليا
من غير هذه الجهة أى كان الحكم الواقعى فعليا من جهة المقتضى للفعلية ولسائر
الشرائط والموانع غير جعل الحكم الظاهرى فحينئذ لا مانع من كشف الحكم باصالة
الاشتغال لان المانع من فعلية الحكم الظاهرى هو العلم التفصيلى بالحكم الشرعى قد
ثبت عدمه فى مورد الحكم الظاهري.
قوله
ثم ان الظاهر انه لو فرض ان المعلوم بالاجمال كان فعليا من جميع الجهات الخ.
هذا بيان للاطلاق
وعدم الفرق بين الشبهة المحصورة وغير المحصورة فى وجوب الاحتياط ويظهر التفصيل من
الشيخ (قدسسره) بينهما أى يظهر من كلامه وجوب الاحتياط فى اطراف العلم
الاجمالى فى الشبهة المحصورة وعدم وجوبه فى الشبهة غير المحصورة.
قال صاحب الكفاية (قدسسره) ان المعلوم بالاجمال ان كان فعليا من جميع الجهات وجب
الاحتياط فى جميع الاطراف وان كانت غير محصورة وان لم يكن فعليا كذلك أى من جميع
الجهات فلم يجب الاحتياط فى شىء منها وان كانت الاطراف محصورة لعدم العلم حينئذ
بالحكم الفعلى.
الحاصل انه لا فرق
بين الشبهة المحصورة وغيرها فى وجوب الاحتياط فلا وجه لاناطة تنجيز العلم الاجمالى
بحصر الاطراف وعدم تنجيزه بعدم حصرها والفرق انما يأتى من ناحية المعلوم كما قال المصنف وانما
التفاوت بين المحصورة وغيرها وهو ان عدم الحصر ربما يلازم الخ.
أى لان الغالب كون
عدم الحصر مقارنا لعدم الابتلاء ببعض الاطراف للعسر فى الموافقة القطعية أو
للاضطرار العرفى أو العقلى فى ترك بعض الاطراف وهذه الامور المذكورة رافعة لفعلية
التكليف فحينئذ يكون القصور من ناحية المعلوم لا العلم كما انه فى غير الصورة
المذكورة ربما لا يكون الفعلية حتمية
فلا يكون منجزا
الا انه عن قصور فى المعلوم لا فى العلم.
بعبارة اخرى ان
الشبهة غير المحصورة تلازم غالبا جهة مانعة فعلية الحكم كالخروج عن الابتلاء
والاضطرار المانع عن الفعلية فتكون كثرة الاطراف ملازمة لما يمنع الفعلية أى لم
تكن نفس الكثرة مانعة عن الفعلية بل هى ملازمة للشيء الذى هو مانع عن الفعلية
كخروج بعض الاطراف عن محل الابتلاء فالتفاوت انما يكون من ناحية المعلوم لا من جهة
كثرة الاطراف فاذا كانت الاطراف الكثيرة مورد الابتلاء ولم يترتب الحرج المنفى شرعا
على ترك جميعها كان العلم الاجمالى منجزا لعدم المانع عنه فثبت من البيان المذكور
انه لا يدور عدم تنجز العلم الاجمالى مدار عدم انحصار الاطراف بل كان عدم تنجزه
بالمانع الآخر.
قوله
قد انقدح انه لا وجه لاحتمال عدم وجوب الموافقة القطعية الخ.
هذا اشارة الى ان
اعتبار العلم الاجمالى له مرتبتان : الاولى حرمة المخالفة القطعية : والثانية وجوب
الموافقة القطعية قد اختلف فى المرتبة الثانية أى اختلف فى اعتباره بمعنى وجوب
الموافقة القطعية واما اعتباره فى الجملة الذى أقل مرتبته حرمة المخالفة القطعية
فلا اشكال فيه هذا تفصيل بين وجوب الموافقة القطعية وحرمة المخالفة القطعية قد
اورد عليه صاحب الكفاية (قدسسره) بانه لا وجه للتكليف فى علية العلم الاجمالى للتنجيز بين
وجوب الموافقة القطعية وحرمة المخالفة القطعية بل إما ان يكون علة لكليهما فتجب
الموافقة القطعية كما تحرم المخالفة القطعية
أولا يكون علة
لشيء منهما فلا تحرم المخالفة القطعية كما لا تجب الموافقة القطعية
والوجه للبيان
المذكور انه لو كان المعلوم بالاجمال الزاما فعليا من جميع الجهات أى كونه بالغا
من الاهمية حدا لا يرضى المولى بمخالفته على كل التقدير فحرمت مخالفته ووجبت
موافقته قطعا وان لم يكن المعلوم بالاجمال الزاما بالغا هذا الحد جازت المخالفة
القطعية ولم تجب الموافقة القطعية لتوقف فعليته على العلم به تفصيلا لان هذا
المعلوم لم يكن بالغا من الاهمية حدا لا يرضى المولى بمخالفته على كل تقدير.
الحاصل ان تأثير
العلم الاجمالى فى كل من الموافقة والمخالفة على سواء والمدار فى وجوب الموافقة
القطعية وحرمة المخالفة القطعية هو المعلوم قد بين شرحه آنفا.
قوله
ومنه ظهر انه لو لم يعلم فعلية التكليف مع العلم به اجمالا الخ.
قد ظهر مما ذكر ان
المناط فى وجوب الاحتياط فى اطراف العلم الاجمالى هو فعلية التكليف المعلوم
بالاجمال الفعلية التامة أى من جميع الجهات ولا فرق بين كون الاطراف محصورة أو
غيرها ولكن قد تعرض الجهات المانعة عن فعلية التكليف مع العلم بالحكم اجمالا قد
ذكر المصنف فى العبارة ثلاثا من الجهات المانعة.
الجهة الاولى هى
عدم الابتلاء ببعض الاطراف فان الابتلاء بجميع الاطراف شرط فى فعلية التكليف مثلا
لو علم المكلف اجمالا بنجاسة اناء مردد بين اناء الموجود عنده واناء موجود عند احد
ملوك الدنيا فلم
يكن هذا العلم الاجمالى علما بتكليف فعلى لاحتمال ان يكون متعلق التكليف ما هو
خارج عن مورد الابتلاء.
الجهة الثانية هى
الاضطرار الى بعض الاطراف معينا كما اذا كان فى احد الإناءين المشتبهين ماء وفى
الآخر ماء الرمان واضطر الى شرب ماء الرمان للتداوى أو كان الاضطرار الى بعض
الاطراف مرددا كاضطرار الى شرب ماء احد الإناءين المشتبهين لرفع العطش فان
الاضطرار باى نحو كان مانع عن فعلية التكليف.
الجهة الثالثة هى
كون الوجوب مشروطا بالشىء الذى لم يكن لنا العلم بوجوده فلم يكن التكليف منجزا.
بعبارة اخرى انه
اذا لم يكن التكليف المعلوم بالاجمال فعليا من جميع الجهات لاجل عدم العلم بتحقق
موضوعه فعلا فلم يكن منجزا ولا يجب موافقته بل جازت مخالفته القطعية كما اذا كانت
المرأة مستمرة الدم من اول الشهر الى آخره وعلمت بانها حائض فى ثلاثة أيام فى هذا
الشهر أى هذه الايام الثلاثة مجملة فانه لا يجب عليها وعلى زوجها ترتيب احكام
الحيض فى شىء من ايام الشهر اذ لا تكليف ما لم تصر الزوجة حائضا وليس قبل الحيض
الزام فعلى أى لا تجرى عليها الاحكام المختصة فى ايام الحيض لعدم وجود الموضوع وهو
كونها حيضا فيجرى الاصل الموضوعى أى استصحاب الطهر من اول الشهر الى ان يبقى ثلاثة
ايام منه ثم ترجع فى الثلاثة الاخيرة الى اصالة البراءة عن الاحكام الالزامية.
قوله
وانه لو علم فعليته ولو كان بين اطراف تدريجية لكان منجزا الخ.
هذا بيان لمنجزية
العلم الاجمالى فى تدريجيات أى انه لا ريب فى انه اذا كان التكليف المعلوم
بالاجمال فعليا من جميع الجهات التى منها العلم الاجمالى بتحقق موضوعه وجبت
موافقته وحرمت مخالفته القطعيتان سواء كانت اطراف الشبهة دفعية اى موجودة فى زمان
واحد كالخمر المردد بين الإناءين اللذين يتمكن المكلف من ارتكاب ايهما شاء ... ام
كانت اطراف الشبهة تدريجية أى موجودة شيئا فشيئا فى ازمنة متوالية فان التدرج فى
وجود الاطراف لا يمنع عن فعلية التكليف وتنجزه مثلا كما يصح تعلقه بامر حاصل وصار
منجزا وكذلك يصح تعلقه بامر المستقبل كما هو الحال فى الواجب المعلق.
قد علم فى محله ان
الوجوب قد يكون مشروطا بشىء على نحو الشرط المقارن وقد يكون مشروطا بشرط على نحو
الشرط المتأخر ومثل المصنف للواجب المعلق فى فوائده بما اذا علم المكلف وجوب فعل
خاص عليه بنذر أو عهد فى يوم معين وشك فى ذلك اليوم أهو يوم الخميس او الجمعة فانه
بمجرد انعقاد النذر بحصول المعلق عليه لكون النذر معلقا على شىء كصحة مريض يصير
وجوب الوفاء بالنذر حكما فعليا يجب الخروج عن عهدته بتكرار الفعل المنذور فيجب
عليه صوم كلا اليومين الخميس والجمعة.
الحاصل انه اذا
كان وجود بعض الاطراف مترتبا زمانا على
وجود الآخر كعلمه
اجمالا بوجوب صوم احد اليومين كما ذكر آنفا فان مجرد التدريجية لا تمنع عن الفعلية
لصحة التكليف الفعلى بامر استقبالى كصحته بامر حالى حيث يكون الوجوب حاليا والواجب
استقباليا كالحج حيث إنّه يستقر وجوبه فى ذمة المستطيع قبل حلول زمان الواجب وهو
الموسم.
واعلم ان الاطراف
التدريجية على اقسام الاول ان يحصل العلم بوجوب هذا الشىء فعلا الذى يكون ظرف
وجوده هذه القطعة من الزمان وان كان وجوده فى هذا الظرف تدريجيا أو ان يحصل العلم
بوجوب الشىء فعلا الذى يكون ظرف وجوده المستقبل من الزمان على نحو الواجب المعلق
الفصولي كالحج فى الموسم المستطيع أو على نحو الواجب المشروط بشرط متأخر قد علم
بحصول ذلك فى موطنه فان الوجوب فى كل منهما فعلى على كل تقدير أى سواء كان على نحو
الواجب الملق او على نحو الواجب المشروط بشرط متأخر ولا يمنع فى مثل ما ذكر التدرج
عن تأثير العلم.
قوله
: تنبيهات الاول ان الاضطرار كما يكون مانعا عن العلم بفعلية التكليف الخ.
هذا بيان لما يمنع
عن فعلية التكليف المعلوم اجمالا ومنه الاضطرار المراد به المشقة العرفية التى
توجب ارتكاب بعض الاطراف وليس المراد به الالجاء الرافع للتكليف الشرعى عقلا واعلم
ان الاضطرار بالمعنى المذكور يمنع عن فعلية التكليف المعلوم بالعلم الاجمالى ولا
فرق فى هذا الحكم بين ان يكون الاضطرار الى واحد معين او الى غير معين أى ان
الاضطرار الى بعض الافراد
مطلقا سواء كان
حادثا قبل العلم الاجمالى بوجوب الاجتناب عنها ام بعده و ـ سواء كان الى فرد معين
منها ام غير معين ـ مانع عن فعلية الحكم المعلوم لان الاضطرار موجب للاحكام
الثانوية.
فيقال فى مقام
الجمع بين ادلة الاحكام الاولية وادلة الاحكام الثانوية كالضرر والعسر والحرج ان
مقتضى الجمع بينهما هو ارتفاع الحكم الاولى بطر والعنوان الثانوى فيقيد فى الحقيقة
اطلاق الحكم الاولى بعدم العناوين الثانوية مثلا اطلاق حرمة شرب المتنجس يقيد بعدم
الضرورة الى شربه ضرورة ان الاضطرار مطلقا أى سواء كان الى المعين أو غير المعين
موجب بجواز ارتكاب احد الاطراف فى الشبهة التحريمية أو يجوز تركه كما فى الشبهة
الوجوبية.
قال
صاحب الكفاية وهو ينافى العلم بحرمة المعلوم او بوجوبه فعلا.
هذا دليل على عدم
الفرق بين الاضطرار الى المعين وبينه الى المخير من غير التعرض الى كونه قبل العلم
أو بعده أى جواز ارتكاب بعض الاطراف أو تركه فهذا شاهد على عدم الفرق فى ارتكابه
بالاضطرار بين كونه الى طرف معين أو غير معين بان يكون الاضطرار الى بعض الاطراف
تخييرا وهذا ينافى العلم بحرمة المعلوم او بوجوبه بين الاطراف أى ان الباقى مشكوك
الحرمة بعد جواز ارتكاب احدها أو تركه لاحتمال كون النجس هو الذى ارتكبه.
فلا يكون الحكم
فعليا بالنسبة الى الفرد الذى بقى بعد رفع الاضطرار.
قوله
: كذلك لا فرق بين ان يكون الاضطرار كذلك سابقا على حدوث العلم او لاحقا الخ.
أى لا فرق فى عدم
تنجيز العلم الاجمالى بين ما ذكر وبين ان يكون الاضطرار سابقا على حدوث العلم
الاجمالى أو لاحقا قد بين صاحب الكفاية وجه عدم الفرق.
بقوله
: وذلك لان التكليف المعلوم بينها من اول الامر كان محدودا بعدم عروض الاضطرار.
أى ان التكليف
المعلوم اجمالا ليس مطلقا بل هو مقيد بعدم الاضطرار فمع عروضه يشك فى التكليف
حدوثا ان كان الاضطرار سابقا على العلم أو مقارنا له أو يشك فى التكليف بقاء ان
كان الاضطرار لاحقا أى بعد عروض الاضطرار على بعض الاطراف لما كان التكليف معلوما
فى هذا البعض لاحتمال ان يكون متعلق التكليف هو ما عرضه الاضطرار فلم يثبت تعلق به
حدوثا أو بقاء حتى تجرى فيه قاعدة الاشتغال.
قوله
: لا يقال الاضطرار الى بعض الاطراف ليس الا كفقد بعضها الخ.
هذا اشكال على
صاحب الكفاية (قدسسره) أى قال وكذلك لا فرق بين ان يكون الاضطرار سابقا او لاحقا
فاشكل عليه بان الاضطرار اذا كان بعد تعلق العلم بالتكليف ففى صورة الاضطرار الى
بعض الاطراف وجب الاحتياط فى سائر المحتملات التى كانت خارجة عن محل الاضطرار أى
لا يقال اشكال على صاحب الكفاية وتأييد لتفصيل الشيخ (قدسسرهما).
توضيح هذا الاشكال
ان الاضطرار يقاس بفقدان بعض الاطراف كما لا اشكال فى صورة فقدان بعض الاطراف فى
وجوب الاجتناب عن الباقى او ارتكابه فكذلك لا اشكال فى صورة الاضطرار الى بعض
الاطراف فى وجوب الاجتناب عن الباقى او ارتكابه فيجب الاحتياط فى سائر المحتملات
خروجا عن عهدة التكليف المعلوم قبل عروض الاضطرار فيندرج المقام فى قاعدة باب
الاحتياط لا البراءة كما اذا علم اجمالا بحرمة شرب أحد الإناءين فاريق ما فى أحد
الإناءين فانه لا ريب فى وجوب الاجتناب عن الاناء الباقى هذا اذا كان الفقدان بعد
العلم الاجمالى أى اذا كان الاضطرار الى بعض الاطراف بعد العلم الاجمالى وجب
الاجتناب عن الباقى الذى لم يكن محلا للاضطرار.
واما اذا كان
الفقدان قبل العلم الاجمالى بان اريق ما فى احد الإناءين فلم يلزم الاحتياط الى
باقى الاطراف فظهر مما ذكر ان حال الاضطرار الى بعض الاطراف حال فقدان بعض الاطراف
فى المنع عن تنجز العلم الاجمالى اذا كان سابقا أى اذا كان فقدان بعض الاطراف
سابقا على العلم فهو مانع عن تنجيز العلم الاجمالى.
واما اذا عرض
الفقدان بعد العلم الاجمالى فلم يكن مانعا عن تنجيزه فكشف عن البيان المذكور ان
الحق ما فصله الشيخ بين الاضطرار اللاحق وغيره أى يمنع الاضطرار السابق عن تنجيز
العلم الاجمالى بخلاف الاضطرار اللاحق فانه لم يكن مانعا عن تنجيزه.
قوله
: فانه يقال حيث ان فقد المكلف به ليس من حدود التكليف به وقيوده الخ.
هذا جواب عن
الاشكال المذكور بقوله لا يقال توضيحه ان قياس الاضطرار على فقدان بعض الاطراف
قياس مع الفارق لان الفرق بين الاضطرار والفقدان ظاهر حيث ان الاول من قيود
التكليف شرعا بان يكون كل حكم الالزامى مقيدا حقيقة بعدم الاضطرار فمع طروءه يرتفع
الحكم واقعا لان الاضطرار يزاحم الملاك الداعى الى الحكم فان ملاك حرمة أكل مال
الغير يؤثر فى تشريع الحرمة ان لم يزاحم بمصلحة الاهم كحفظ النفس ولهذا يجوز اكله
فى المخمصة بدون رضاء مالكه فاشتراط التكليف بعدم الاضطرار الى متعلقه انما هو من
اشتراط الملاك بعدم المزاحم له هذا الحكم ثابت فى الاضطرار بخلاف الفقدان فان
الحكم لم يقيد فى الادلة الشرعية بعدمه واما الاضطرار فان الحكم مقيد بعدمه شرعا
ولذا لا يجب الاحتياط مع طروءه.
الحاصل انه مع
الفقدان ان يشك فى بقاء التكليف عقلا فيجب الاحتياط فيما بقى من الاطراف لكون الشك
فى بقاء الحكم المطلق بعد العلم باشتغال الذمة به فقياس الاضطرار اللاحق للعلم
الاجمالى بفقدان بعض الاطراف بعد العلم الاجمالى قياس مع الفارق.
قوله
ولا يكون الامن باب الاحتياط فى الشبهة البدوية.
أى لا يكون رعاية
التكليف بعد عروض الاضطرار بالاحتياط فى باقى الاطراف الامن باب الاحتياط فى
الشبهة البدوية فى عدم اللزوم لان العلم وان حصل اولا لكنه بعد عروض الاضطرار تبدل
بالشك فلا يقين بالتكليف الفعلى حتى يجب الاحتياط فى اطرافه.
قوله
الثانى انه لما كان النهى عن الشىء انما هو لاجل ان يصير داعيا للمكلف نحو تركه
الخ.
أى التنبيه الثانى
قد بين فيه شرط من شرائط فعلية الحكم وهو كون المكلف به موردا للابتلاء بمعنى كونه
مقدور المكلف عادة ولا يخفى ان الشيخ (قدسسره) قد اعتبر هذا الامر فى خصوص التكاليف التحريمية ويظهر من
كلام المصنف ايضا اختصاص شرطية الابتلاء بالتكاليف التحريمية.
وينبغى اولا بيان
امر وهو انه لا ريب فى اعتبار القدرة العقلية على جميع اطراف العلم الاجمالى فى
منجزية التكليف فلو كان فعل من حيث بعض الاطراف غير مقدور للمكلف كان التكليف فيه
ساقطا لقبح التكليف بغير المقدور فيكون فى سائر الاطراف مشكوك الحدوث فيجرى فيها
الاصل النافى بلا معارض ولا اشكال فيه.
وانما المقصود هنا
بيان ان المعتبر فى توجيه الخطاب الى المكلف هو امكان العادى اذ مع عدم امكان
الابتلاء عادة بجميع الاطراف على البدل لا يصح توجيه النهى اليه فدخول الاطراف فى
محل الابتلاء يراد منه القدرة العادية على ارتكاب أى واحد شاء منها.
اذا عرفت ما ذكر
فنقول فى توضيح العبارة ان غرض الشارع من النهى عن الفعل انما هو احداث المانع فى
نفس المكلف عن ارتكاب متعلق النهى الواصل وهذا متحقق فى موردين :
احدهما ان لا يكون
الداعى الى الترك اصلا وانما حدث الداعى له الى الترك بزجر ونهى الشارع.
وثانيهما ان يكون
له داع الى الترك ولكن تتأكد ارادة تركه للمنهى عنه بواسطة النهى اذ مع عدم الزجر
الشرعى ربما تحمل وسوسة النفس المكلف على المخالفة الا انه بعد العلم بخطاب الشارع
وبما يترتب على مخالفته من استحقاق العقوبة يقوى الداعى الى الترك فيجتنب عن
الحرام أو يقصد القربة بالترك ولو لا نهى الشارع لما تمكن من قصد القربة لتوقفه
على وصول الخطاب المولوى.
ولا يخفى ان كون
النهى داعيا للترك متوقف على امكان تعلق ارادة العبد بكل من الفعل والترك بحيث
يمكن عادة اختيار ايهما شاء واذا خرج متعلق النهى كالخمر عن معرضية الابتلاء به
فلم يتمكن عادة الارتكاب اذ مع عدم التمكن من المكلف به لم تكن الارادة عن المكلف
ومع عدمها يكون نهى الشارع عن مبغوضه لغوا لان ترك الحرام حينئذ يستند الى عدم
المقتضى أى الارادة لعدم وجود المتعلق حتى يتمكن من ارادة ارتكابه ولم يستند ترك
الحرام الى وجود المانع أى زجر الشارع ونهيه لتقدم عدم المقتضى طبعا على المانع.
قد ظهر من البيان
المذكور وجه اناطة تنجيز العلم الاجمالى بكون تمام الاطراف مورد الابتلاء ضرورة
انه يتوقف عليه حصول العلم بالتكليف الفعلى بحيث يكون انطباق المعلوم بالاجمال على
كل واحد من الاطراف موجبا لصحة توجيه الخطاب الى المكلف ومع
خروج بعضها عن
الابتلاء لا يحصل العلم كذلك لاحتمال انطباق الحرام على الخارج عن الابتلاء فتجرى
اصالة البراءة فيما بقى من الاطراف بلا معارض.
واعلم ان الشيخ (قدسسره) جعل الملاك فى اعتبار الابتلاء استهجان الخطاب عرفا بغير
مورد الابتلاء وجعل صاحب الكفاية (قدسسره) الملاك فى اعتبار الابتلاء لغوية الخطاب أى اذا لم يكن
الشىء الحرام مورد الابتلاء فالنهى عنه لغو والفرق بينهما ان استهجان الخطاب مناف
للحكمة عرفا أى يكون قبحه عرفيا لا حدّ الامتناع العقلى واما لغوية الخطاب فهو امر
ممكن ذاتا لكنه مستحيل عقلا على الحكيم.
وايضا جعل الملاك
فى اعتبار الابتلاء طلب الحاصل أى اذا لم يكن الشىء الحرام مورد الابتلاء فالنهى
عنه طلب الحاصل فهو ممتنع ذاتا عند العقل سواء كان من الحكيم ام من عاقل.
الحاصل ان الملاك
فى الابتلاء المصحح لفعلية الزجر وانقداح طلب الترك فى نفس المولى فعلا هو ما اذا
صح انقداح الداعى الى فعله فى نفس العبد أى الملاك فى الابتلاء هو انقداح الارادة
الى فعل الحرام فى نفس العبد مع اطلاع المولى على حال الفعل من حيث كونه داخلا فى
الابتلاء أو خارجا عنه فان صحة انقداح الداعى فى نفس العبد الى فعله مصحح للمولى
الزجر عنه والا فلا. قال المصنف لا فيما شك فى اعتباره فى صحته وفى هذه العبارة
مسامحة واضحة وحقها ان يقال لا فيما شك فى تحقق ما يعتبر فى صحته لان الابتلاء لا
شك فى اعتباره بل الشك فى تحققه بعد القطع باعتباره فى صحة الاطلاق لكن عبارة
المصنف تدل ان
الملاك فى
الابتلاء هو ما اذا صح انقداح الداعى والارادة فى نفس العبد لا فيما شك فى اعتباره
أى ليس الملاك فيما شك فى اعتبار الابتلاء وفى هذا مسامحة أى لا يكون على نحو
الحقيقة لان الابتلاء لا شك فى اعتباره بل المراد من الشك هو الشك فى تحققه لا فى
اعتباره أى لا شك فى اعتبار الابتلاء فاراد المصنف من الشك فى الاعتبار الشك فى
التحقق مجازا.
قوله
الثالث انه قد عرفت انه مع فعلية التكليف المعلوم الخ.
البحث فى هذا
التنبيه ان كثرة الاطراف بنفسها لم تكن مانعة عن فعلية التكليف قد مرّ سابقا عند
قوله فى صفحة ٢١٤ ثم ان الظاهر انه لو فرض ان المعلوم بالاجمال كان فعليا من جميع
الجهات لوجب عقلا موافقته مطلقا ولو كانت اطرافه غير محصورة
فعلم مما ذكر ان
المدار فى تنجيز العلم الاجمالى هو فعلية التكليف المعلوم لا كثرة الاطراف وقلتها
فلو كان التكليف المعلوم فعليا تنجز من غير تفاوت بين كون الاطراف محصورة وغير
محصورة.
قوله
نعم ربما يكون كثرة الاطراف فى مورد موجبة لعسر الموافقة القطعية الخ.
أى كثرة الاطراف
مطلقا لم تكن مانعة عن فعلية التكليف نعم الكثرة المذكورة ربما تلازم عنوانا يرفع
فعلية التكليف كالضرر والحرج كما اذا كان ارتكاب الكل أو اجتنابه مضرا بالمكلف أو
موجبا لوقوعه فى عسر وحرج أو كان بعض الاطراف خارجا عن
محل الابتلاء والا
فكثرة الاطراف بنفسها لا ترفع فعلية المعلوم ولا تنفى وجوب الاحتياط عنها كما انه
يمكن طروء احد هذه الموانع فى الشبهة المحصورة وارتفاع وجوب الاحتياط فيها أيضا
فلا خصوصية فى عدم انحصار الاطراف لعدم وجوب الاحتياط بل المدار فى عدم وجوبه وجود
احد هذه الموانع المذكورة.
فلا بد من ملاحظة
الشىء الذى يوجب ارتفاع الفعلية والا فمع العلم الاجمالى بالتكليف الفعلى الحتمى
تجب الموافقة القطعية وتحرم المخالفة القطعية سواء كثرت اطرافه ام قلت فالمناط فى
تنجيز العلم الاجمالى وعدمه هو فعلية التكليف وعدمها فلا بد فى المقام من ملاحظة
الموجب لرفع التكليف المعلوم بالاجمال وقد يكون هذا الموجب مع قلة الاطراف واذا
كان مع كثرة الاطراف فلا بد من ملاحظة انه مع ايّة مرتبة من كثرتها أى ان الموجب
لرفع فعلية التكليف يوجد مع أية مرتبة الكثرة اذ يمكن ان يكون ذلك الموجب مع بعض
مراتب الكثرة لا جميعها.
قوله
ولو شك فى عروض الموجب فالمتبع هو اطلاق دليل التكليف الخ.
أى هذا الكلام
لبيان حكم الشك فى ارتفاع فعلية التكليف من جهة الشك فى عروض المانع لها مثل الضرر
والعسر.
واعلم انه بناء
على ما تقدم يتنجز العلم الاجمالى بفعلية التكليف فى الشبهة غير المحصورة أيضا
فاذا شك فى ان الاجتناب عن جميع الاطراف هل يستلزم الضرر المنفى أو العسر والحرج
المنفيين حتى يرتفع التكليف به ففى المسألة صورتان :
الاولى ان يكون
دليل المعلوم بالاجمال لفظيا مطلقا كقوله اجتنب عن المغصوب ويستلزم الاجتناب عن
الجميع ضررا ماليا ويكون الشك فى جريان قاعدة الضرر المنفى هنا من جهة عدم العلم
بحدود مفهومه فان كان المقام من موارد الضرر المنفى فى الشريعة الاسلامية كانت
القاعدة حاكمة وموجبة لسقوط العلم الاجمالى عن التأثير وان لم يكن من موارده أو شك
فى كونه من موارده كان المعلوم بالاجمال فعليا منجزا.
واما ما نحن فيه
فهو نظير ورود عام فى نحو اكرم العلماء وتعقبه بالمخصص المنفصل المردد مفهوما بين
الاقل والاكثر نحو لا تكرم فساقهم بناء على اجمال مفهوم الفاسق وتردده بين مرتكب
كل معصية ومرتكب خصوص الكبائر فان المقرر عندهم التمسك بالعام فى غير من علم شمول
الخاص له.
ففى المقام نعلم
بحكومة ادلة العناوين الثانوية كالضرر والحرج على ادلة الاحكام الاولية كوجوب
الاجتناب عن المغصوب ولكن الدليل الحاكم وهو الضرر المنفى شرعا لا يخلو من الاجمال
مفهوما ولذا لا يعلم صدقه على الضرر الناشى من الاجتناب عن جميع الاطراف فاطلاق
دليل الحكم الاولى محكم مع الشك فى تقييده ولا نرفع اليد عن اطلاقه.
الحاصل انه لزم
الاجتناب عن جميع الاطراف الا عما علم كونه مستلزما للضرر هذا مراد من قول المصنف
فالمتبع هو اطلاق دليل التكليف أى لو ثبت الاطلاق فهو والا أى وان لم يكن اطلاق فى
البين كما اذا كان الدليل لبيا أو لفظيا مجملا فالمرجع اصالة البراءة فى كون الشك
فى التكليف قد ذكر آنفا ففى المسألة
صورتان وفصل الى
هنا الصورة الاولى.
الثانية ان يكون
دليل الحكم المعلوم اجمالا لبيا كالاجماع أو لفظيا مجملا واشتبه المحرم بين اطراف
غير المحصورة وشك فى استلزام الاجتناب عن الجميع لعروض عن التكليف من العسر والحرج
فان المرجع فيه اصالة البراءة للشك فى التكليف الفعلى مع احتمال ارتفاعه بالمانع.
والفرق بينه وبين
ثبوت الواقع بدليل لفظى هو ان الدليل اللبى يؤخذ بالقدر المتيقن منه وهو ما علم
بثبوته وعدم عروض شىء من الموانع حتى ما يشك فى مانعيته بخلاف اللفظى فان اطلاقه
محكم وبه يدفع احتمال قيدية المشكوك اى لزم الاجتناب عن جميع الاطراف فى صورة كون
الدليل لفظيا إلا عما علم كونه مستلزما للضرر وهذا مراد من قول المصنف فالمتبع هو
اطلاق دليل التكليف قد ذكر هذا آنفا وكان التكرار للتوضيح.
قوله
الرابع انما يجب عقلا رعاية الاحتياط فى خصوص الاطراف الخ.
أى كان البحث فى
هذا التنبيه معقودا لبيان حكم الملازم الملاقى لاحد المشتبهين وقبل الخوض فى
المقصود لا بد من بيان امرين الاول انه قد يكون للمعلوم بالاجمال على تقدير كونه
فى هذا الطرف المعين ملازم كما لو علم بنجاسة هذا الاناء أو ذاك الاناء وقد فرغ من
الاول جزء فى اناء آخر فان النجاسة ملازمة مع نجاسة الاناء المذكور اى ثبت النجاسة
للاناء الثانى اما بنفسه واما بملاقيه وقد يكون له لازم معلول منه كما لو لاقاه
شىء آخر
أى غير الاناء
الثانى مثلا كن الملاقى لهذا الاناء المشتبه شيئا آخرا كاللّباس أو الظرف وقد لا
يكون واحد من الامرين فصار هذا الامر الاول ثلاثة امور :
الثانى أى الامر
الثانى ان الملاقاة فى القسم الثانى من القسم الاول أى ما يكون له لازم معلول منه
فتارة تكون الملاقاة بعد العلم العلم الاجمالى بالنجاسة واخرى تكون قبله وعليه
تارة يكون العلم بالملاقاة بعد العلم بالنجاسة من غير الفرق بين العلم بها او لا
ثم يغفل عنه ثم حصل العلم الاجمالى ثم حصل العلم بالملاقاة ثانيا : وبين عدم العلم
بها اصلا الى ما بعد حصول العلم الاجمالى وهذان القسمان فى حكم القسم الاول اى فى
حكم ما تكون الملاقاة بعد العلم الاجمالى.
وتارة اخرى يكون
العلم بالملاقاة حاصلا حين العلم الاجمالى وعليه قد يكون الملاقى بالفتح مفقودا أو
خارجا عن محل الابتلاء فيرتفع فعلية الحكم ثم يصير فعليا برفع المانع اذا عرفت
الامرين المذكورين مع اقسامهما شرع فى توضيح العبارة.
قوله
: منه ينقدح الحال فى مسألة ملاقاة شىء مع احد اطراف المعلوم بالاجمال.
أى قال المصنف
انما يجب عقلا رعاية الاحتياط فى خصوص الاطراف دون غيرها اى لا يجب رعاية الاحتياط
فى غير الاطراف والمراد منه ما كان ملاقيا لها فيظهر من البيان المذكور الحال فى
مسئلة ملاقات الشىء مع احد اطراف النجس المعلوم قد ذكر فى الامر الثانى ان
الملاقاة تارة تكون بعد العلم الاجمالى واخرى تكون قبله.
قال المصنف وانه
تارة يجب الاجتناب عن الملاقى بالفتح دون ملاقيه فيما كانت الملاقاة بعد العلم
الاجمالى واخرى تكون قبله.
قال المصنف وانه
تارة يجب الاجتناب عن الملاقى بالفتح دون ملاقيه فيما كانت الملاقاة بعد العلم
الاجمالى بالنجس مثلا اذا علم اجمالا نجاسة احد الإناءين ولاق شىء احدهما بعد هذا
العلم فانه لا يجب الاجتناب عن الملاقى بالكسر لان هذا الملاقى على تقدير نجاسة
كان فردا آخر من النجس قد شك فى نجاسته فتجرى البراءة قد توهم بعض انه يجب
الاجتناب عن الملاقى كنفس الملاقى بالفتح لان سبب الاجتناب هو احتمال النجاسة وهذا
الاحتمال موجود فى الملاقى أيضا فاجاب المصنف عن هذا التوهم.
بقوله
ضرورة ان العلم به انما يوجب تنجزه الاجتناب عنه الخ.
أى العلم بالنجس
انما يوجب تنجز الاجتناب عن النجس المعلوم بالاجمال ولا يجب عن فرد آخر كالملاقى.
قوله
: واخرى يجب الاجتناب عما لاقاه دونه الخ.
أى يجب الاجتناب
عن الملاقى بالكسر دون الملاقى بالفتح مثلا اذا علم المكلف بنجاسة هذا الاناء او
الاناء الذى كان عدله ثم حدث العلم بملاقات شىء آخر لهذا الاناء وأيضا حدث العلم
الاجمالى بنجاسة الملاقى بالفتح أو ذاك الشىء فان حال ملاقى بالفتح فى هذه الصورة
بعينها حال الملاقى بالكسر فى صورة السابقة قد ذكر هناك انه لا يجب الاجتناب عن
الملاقى بالكسر
لان هذا الملاقى
على تقدير نجاسته كان فردا آخر من النجس وكذا الحكم فى هذا الوجه الثانى أى اذا
حدث العلم بالملاقاة وكذا حدث العلم بنجاسة الملاقى بالفتح أو ذاك الشىء فقد حكم
بعدم كون الملاقى بالفتح طرفا للعلم الاجمالى وانه فرد آخر على تقدير نجاسته واقعا
فصار الشك فيه بدويا وتجرى فيه اصالة البراءة.
واما العلم
الاجمالى بالنسبة الى العدل أى عدل الملاقى بالفتح فهو باق على حاله أى كان العلم
الاجمالى الاولى بالنسبة اليه باقيا اما هذا العلم الاجمالى بالنسبة الى الملاقى
فقد زال لعروض العلم الاجمالى الثانى بينه وبين شىء آخر.
وكذا يجب الاجتناب
عن الملاقى بالكسر لو علم بالملاقات ثم حدث العلم الاجمالى لكن كان الملاقى بالفتح
خارجا عن محل الابتلاء فى حال حدوث هذا العلم وصار الملاقى المذكور مبتلى به بعد
حصول العلم.
قوله
: وثالثة يجب الاجتناب عنهما فيما لو حصل العلم الاجمالى بعد العلم بالملاقات الخ.
أى هذا هو القسم
الثالث من اقسام مسئلة ملاقات شىء مع احد اطراف النجس المعلوم بالاجمال فيجب فى
هذا القسم الاجتناب عن الملاقى بالفتح والعدل والملاقى بالكسر والسر فيه ان العلم
الاجمالى الموجود فى المقام ينحل الى علمين اجماليين مقارنين فى الزمان : احدهما
بين العدل والملاقى بالفتح : والثانى بين العدل والملاقى بالكسر فيكون هذا العلم
مؤثرا بالنسبة الى ما ذكر أى يجب الاجتناب عن المتلاقيين والعدل وهو فيما اذا
كانت الملاقاة قبل
العلم الاجمالى بوجود النجس بين الملاقى وعدله كما اذا علم اجمالا اولا بملاقات
شىء للاناء ثم علم بملاقات النجس باصابة النجس قبل الملاقاة باحد الإناءين فيجب
الاجتناب عن الجميع للعلم بتعلق الخطاب فى كل واحد من الملاقى بالفتح والملاقى
والعدل أى فيجب الاجتناب عن كل واحد من الثلاثة مقدمة لحصول العلم بموافقة خطاب
اجتنب عن النجس.
وهذا مراد من قول
المصنف فيتنجز التكليف بالاجتناب عن النجس فى البين وهو الواحد أو الاثنان أى
النجس هو العدل أو المتلاقيان فمراده من الواحد هو العدل ومراده من الاثنان هو
المتلاقيان.
الحاصل ان الحال
فى مسئلة ملاقات شىء مع احد اطراف النجس المعلوم بالاجمال على ثلاثة اقسام التارة
الاولى يجب الاجتناب عن الملاقى بالفتح دون ملاقيه : الثانية يجب الاجتناب عن
الملاقى بالكسر دون الملاقى بالفتح : الثالثة يجب الاجتناب عن المتلاقيين قد مر
توضيح هذه الاقسام فلا حاجة الى التكرار.
قوله
: المقام الثانى فى دوران الامر بين الاقل والاكثر الارتباطيين.
قد ذكر سابقا عند
قوله فصل لو شك فى المكلف به مع العلم بالتكليف من الايجاب أو التحريم فيقع البحث
فى مقامين المقام الاول فى دوران الامر بين المتباينين قد مر البحث فى هذا الامر
مفصلا فيشرع إن شاء الله فى المقام الثانى أى فى دوران الامر بين الاقل والاكثر
الارتباطيين فلا بد من بيان امور الاول ان
العلم الاجمالى
بثبوت التكليف الفعلى على اقسام.
الاول ان يكون
المتعلق مرددا بين المتباينين وهو المقام الاول من الشك فى المكلف به.
الثانى ان يكون
مرددا بين الاقل بشرط لا والاكثر كما فى القصر والتمام فان القصر وان كان بعض
التمام وجزءا له لكنه لما لوحظ بشرط لا والتمام بشرط شىء صارا متباينين ولذا يتوقف
الاحتياط على رعاية التكليف فى كل واحد من الطرفين.
الثالث ان يتردد
بين الاقل بشرط لا والاكثر الاستقلاليين وهو مجرى للبراءة باتفاق الاصوليين
لانحلال العلم الاجمالى الى العلم التفصيلى والشك البدوى هذا نظير الدين وقضاء
الفوائت وقضاء صوم شهر رمضان اذا ترددت بين الاقل والاكثر فان اداء الاقل من
المذكورات يوجب سقوط اوامرها وان كان الاكثر واجبا واقعا ولزم امتثاله أيضا حيث ان
وجوبه استقلالى كوجوب الاقل.
الرابع ان يتردد
بين الاقل لا بشرط والاكثر الارتباطيين ومعناه كون الاقل جزء الواجب على تقدير كون
الاكثر واجبا وهذا هو محل الكلام مثلا اذا علم المكلف اجمالا بوجوب الصلاة وتردد
متعلقه بين تسعة اجزاء وعشرة فان مقتضى الارتباطية عدم سقوط امر الصلاة لو اتى بها
مجردة عن المشكوك الجزئية قد ذكر الى هنا الامر الاول مع اقسامه :
الثانى ان الاقوال
فيه ثلاثة جريان البراءة عقلا ونقلا وهو مختار الشيخ (قدسسره) وعدمه مطلقا وهو المختار والتفصيل بجريان الثانية أى
جريان البراءة نقلا دون الاولى وهو مختار
المتن وان عدل عنه
فى الدورة الاخيرة.
الثالث ان محل
البحث هو العلم بفعلية الواقع على كل التقدير لا مطلق العلم بفعلية تكليف اعم من
كونه واقعيا أو ظاهريا فقال صاحب الكفاية (قدسسره) والحق ان العلم الاجمالى بثبوت التكليف يوجب الاحتياط
عقلا.
قوله
: وتوهم انحلاله الى العلم بوجوب الاقل تفصيلا الخ.
أى هذا اشارة الى
كلام الشيخ (قدسسره) القائل بانحلال العلم الاجمالى بجريان البراءة العقلية او
النقلية فى الاكثر.
توضيحه ان العلم
الاجمالى بالوجوب النفسى المردد بين الاقل والاكثر ينحل بوجوب الاقل تفصيلا فاجتمع
العلمان فى الاقل أحدهما العلم التفصيلى بتعلق الزام المولى عليه وثانيهما العلم
الاجمالى بوجهه والمعتبر فى الانحلال هو العلم التفصيلى بالالزام فى احد الطرفين
وعليه فالتكليف بالنسبة الى الاقل منجز ويترتب العقاب على مخالفته لكونه مخالفة
لما هو واجب على كل تقدير فترك الواجب اذا كان من ناحية الاقل ترتب عليه استحقاق
العقوبة بخلاف ما اذا كان تركه من ناحية الاكثر فانه لا يترتب عليه استحقاق
المؤاخذة لعدم تنجز وجوبه فالتكليف بالنسبة الى الاكثر بلا بيان فتجرى البراءة
بالنسبة اليه هذا بيان للتوهم فاجاب عنه المصنف.
بقوله
: فاسد قطعا لاستلزام الانحلال المحال الخ.
اى قوله فاسد خبر
لقوله توهم انحلاله الحاصل ان الانحلال
فاسد لانه مستلزم
للمحال وهو الخلف وما يترتب عليه المحال محال أيضا بعبارة اخرى ان انحلال العلم
الاجمالى الى العلم التفصيلى فيما نحن فيه مستلزم للتناقض فيشرع فى توضيحهما.
واعلم ان دعوى
انحلال العلم الاجمالى هنا فى غير محلها لانه خلاف الفرض اذ المفروض توقف الانحلال
على تنجز وجوب الاقل على كل التقدير أى سواء كان الواجب الواقعى هو الاقل أم
الاكثر مع أنّه ليس كذلك فان الواجب لو كان الاكثر لم يكن وجوب الاقل منجزا لانه
مقدمة لوجوب الاكثر ولا شك ان وجوب المقدمة تابع لوجوب ذيها فى التنجيز والمفروض
عند القائلين بالانحلال عدم وجوب ذيها أى الاكثر فيكون تنجيز الاقل مختصا بتعلق
الوجوب به لا بالاكثر مع ان المعتبر فى الانحلال تنجز الاقل على كل التقدير أى
سواء كان وجوبه نفسيا أم غيريا واما عند القائلين بالانحلال فليس للاكثر دخل فيه
لان دخله مانع من انحلال العلم الاجمالى وهذا هو الخلف المحال.
وبعبارة اخرى ان
الانحلال الموجب لعدم تنجز وجوب الاكثر موقوف على العلم التفصيلى بوجوب الاقل وهذا
العلم يتوقف على تنجز وجوب الاقل على كل حال أى سواء كان الوجوب متعلقا بالاقل أم
بالاكثر وقد فرض عدم تنجز وجوب الاكثر بالانحلال لجريان البراءة فيه على قولكم
فدعوى تنجز الاقل على كل التقدير تنافى عدم تنجز الاكثر فالذى يكون دخيلا فى
الانحلال على قولكم هو تنجز الوجوب المتعلق بالاقل فقط وهو خلاف ما فرضناه من دخل
تنجز وجوبه مطلقا ولو كان الواجب هو الاكثر.
فظهر من البيان
المذكور ان انحلال العلم الاجمالى الى العلم التفصيلى بوجوب الاقل مستلزم للحلف
وقد بين وجهه مفصلا.
قوله
: انه يلزم من وجوده عدمه لاستلزامه عدم تنجز التكليف على كل حال الخ.
أى هذا اشارة الى
الوجه الثانى من الاشكال على انحلال العلم الاجمالى فيما نحن فيه وهو التناقض أى
انه يلزم من وجود الانحلال عدمه وما يلزم من وجوده عدمه محال لانه من التناقض فثبت
ان الانحلال محال.
توضيحه بعبارة
اخرى ان انحلال العلم الاجمالى بالعلم التفصيلى والشك البدوى متوقف على تنجيز وجوب
الاقل مطلقا أى سواء كان نفسيا أو غيريا وتنجز وجوبه الغيرى يقتضى تنجز وجوب
الاكثر نفسيا حتى يترشح منه على الاقل ويصير واجبا غيريا لما مر من تبعية وجوب
المقدمة لوجوب ذيها فى أصل الوجوب والتنجز مع اقتضاء انحلال لعدم تنجز التكليف
بالاكثر نفسيا لانه مستلزم لعدم تنجز وجوب الاقل فاذا لم يكن وجوب الاكثر منجزا
فلا يتنجز وجوب الاقل أيضا فيمتنع الانحلال.
بعبارة اخرى ان
لازم الانحلال عدم تنجز وجوب الاكثر على تقدير تعلق الوجوب به ولازم عدم تنجزه عدم
الانحلال لتوقف الانحلال بتنجز وجوب الاقل مطلقا فاذا كان تنجز وجوب الاقل فى صورة
واحدة وهى وجوب الاقل نفسيا فلا يصح انحلال العلم الاجمالى الى العلم التفصيلى
حينئذ بوجوب الاقل على كل حال وعليه فوجوب الاقل ثابت على كل حال وغير ثابت كذلك وهذا
مراد من التناقض.
وقد ثبت من البيان
المذكور اشكال التناقض على انحلال العلم الاجمالى فى صورة دوران الامر بين الاقل
والاكثر الارتباطيين.
قوله
: نعم ينحل اذا كان الاقل ذا مصلحة ملزمة الخ.
هذا اشارة الى صحة
الانحلال على نحو آخر وهو انه ينحل العلم الاجمالى فيما نحن فيه اذا كان الاقل ذا
مصلحة ملزمة فان وجوب الاقل حين كونه ذا مصلحة نفسية مستقلة كان معلوما بالعلم
التفصيلى والترديد انما كان فى الاكثر أى يحتمل ان يكون ذا مصلحة اقوى من مصلحة
الاقل أو ذا مصلحتين فالعقل فى مثله يحكم بالبراءة عن الاكثر للشك فى تعلق خطاب
النفسى بالاكثر غير ما تعلق قطعا بالاقل فيصح على الفرض المذكور انحلال العلم
الاجمالى الى العلم بوجوب الاقل تفصيلا والشك البدوى فى وجوب الاكثر.
فاجاب عنه صاحب
الكفاية بقوله الا انه خارج عما هو محل النقض والابرام فى المقام أى هذا المورد
خارج موضوعا عما نحن فيه لان محل الكلام هو الاقل والاكثر الارتباطيين وليس هذا
المورد منهما بل من الاستقلاليين اللذين لا اشكال فى استقلال العقل بالبراءة فيهما
لكون العلم الاجمالى يتعلق فى الاكثر صورة لا حقيقة لانه يعلم من اول الامر تفصيلا
بوجوب الاقل ويشك فى وجوب الاكثر فيكون التعبير بالانحلال من باب المسامحة.
قوله
: هذا مع ان الغرض الداعى الى الامر لا يكاد يحرز الا بالاكثر الخ.
هذا اشارة الى دفع
الانحلال بطريق آخر وان سلمنا جميع
المقدمات من
الوجوب الغيرى للاقل وكونه منشأ للعلم التفصيلى له وكونه موجبا للانحلال ولكن
للعقل حكم آخر بوجوب الاحتياط فى هذه الاحكام الشرعية لاجل احراز مصلحتها الواقعية
الملزمة ومرجع هذا الى تبعية الاحكام للمصالح والمفاسد عند العدلية.
فاذا علم المكلف
بامر المولى المتعلق اما بالاقل واما بالاكثر فقد علم بالغرض الملزم المترتب عليه
لاستلزام العلم بالمعلول للعلم بالعلة أى العلم بامر المولى مستلزم للعلم بالغرض
فيجب عقلا تحصيل العلم باستيفاء ذلك الغرض والاقتصار على فعل الاقل لا يوجب العلم
باستيفائه للشك فى كونه محصلا له فلا يجوز الاكتفاء به عقلا بل لا بد فى احراز ذلك
الغرض اللازم الاستعفاء من الاتيان بالاكثر لكونه محصلا له قطعا فيكون المقام من
صغريات الشك فى المحصل فلا شك فى كونه مجرى الاحتياط لان الغرض الداعى الى الامر
لا يكاد يحرز الا بالاكثر.
فثبت الاحتياط
بفعل الاكثر بناء على مذهب العدلية من تبعية الاحكام للمصالح والمفاسد وقد ذكر
للاتيان بالاكثر سببان أحدهما تبعية الاوامر والنواهى للمصالح والمفاسد وثانيهما
ما ذكر المصنف.
بقوله
: وكون الواجبات الشرعية ألطافا فى الواجبات العقلية فهذا بالجر معطوف على قوله
تبعية الاوامر الخ.
وحاصله ان
الواجبات الشرعية الطاف فى الواجبات العقلية أى أن الواجبات الشرعية تقرب العباد الى
الواجبات العقلية وهى القرب الى الله تعالى فان التنزه عن القبائح تخلية للنفس عن
الرذائل وفعل
الواجبات تكملة وتحلية لها بالفضائل كما ذكر فى شرح المنظومة فى غرر العقل النظرى
والعقل العملي عند قول الناظم : تجلية تخلية تحلية : ثم فنا مراتب مرتقية : أى هذه
الجملة اشارة الى ما ذكر من اسباب القرب الى الله.
فعلم ان الواجب هو
تحصيل اللطف أى القرب وهو يتوقف على الاتيان بالاكثر أى فى صورة دوران الامر فى
الواجب بين الاقل والاكثر يجب اتيان الاكثر لانه محصل للقرب قطعا بخلاف الاقل فانه
يشك معه فى تحقق تلك الواجبات العقلية فثبت مما ذكر وجوب اتيان الاكثر من باب
الاحتياط.
توضيح ما ذكر
بعبارة اخرى ان كون الشىء لطفا فى شىء معناه الظاهر هو كون الاول مقربا الى الثانى
أو مبعدا عنه كما يستفاد من اطلاقهم ذلك فى باب الامر بالمعروف والنهى عن المنكر
فانهما لطف لان الاول مقرب الى طاعة المأمور للمولى والثانى مبعد عن معصية وكذا
اطلاقهم فى غير هذا الباب فيكون المراد ان الحكمة فى توجه الاوامر الشرعية الى
متعلقاتها كون اتيان متعلقاتها منشأ للقرب الى الواجب العقلى فى كمال معرفة المبدا
وكذا غيره من الاصول.
قوله
ولا وجه للتفصى عنه تارة بعدم ابتناء مسألة البراءة الخ.
أى قد اشكل على
انحلال العلم الاجمالى الى العلم التفصيلى بوجوب الاكثر حاصله ان اتيان الاكثر
واجب من باب الاحتياط لتحصيل غرض المولى قد تفصى عن هذا الاشكال بوجوه الثلاثة
المتفصى هو الشيخ (قدسسره).
فاجيب اولا بعدم
ابتناء مسئلة البراءة على ما ذهب اليه المشهور العدلية من تبعية الاحكام للمصالح
والمفاسد وانما يجب اتيان الاكثر او تركه لتحصيل الغرض : بل انما يكون جريان مسئلة
البراءة والاحتياط على ما ذهب اليه الاشاعرة المنكرين لتبعية الاحكام للمصالح
والمفاسد أى لم يكن على قولهم غرض حتى يجب تحصيله باتيان الاكثر.
وثانيا انا سلمنا
بكون الاحكام تابعا للمصالح ولكن المراد هو المصلحة كانت فى نفس الامر دون المأمور
به فلا فرق فى هذه الصورة بين امتثال الامر الاقل والاكثر.
وثالثا بان حصول
المصلحة واللطف فى العبادات لا يكاد يكون الا باتيانها على وجهها توضيح هذا الوجه
ان العلم بوجود الغرض فى متعلق الامر مطلوب من العبد وان كان منشأ حكم العقل بلزوم
تحصيل القطع بحصوله ولازمه أى لازم تحصيل القطع لزوم اتيان الاكثر الا انه فيما
امكن تحصيل العلم بحصول الغرض واما فيما لم يمكن فلا كما فى المقام وبيان ذلك لان
حصول الغرض فى العبادات لا يكاد يكون الا اذا اتيت على وجه الامتثال ويحتمل دخالة
تميز وقصد الوجه تفصيلا فى حصوله كما ذهب اليه بعض.
واما فى المقام
فلا يكاد يقطع بحصول الامتثال لا باتيان الاقل وهو واضح لعدم العلم بوجوبه مستقلا
وكذا لا يحصل القطع بالامتثال باتيان الاكثر لعدم التميز فى البين لفرض الشك فلا
يكون للمكلف العلم بالغرض.
فثبت المجال
لاحتمال اعتبار معرفة اجزاء العبادات تفصيلا
أى اذا قلنا بقصد
الوجه والتميز فيها ثبت لاحتمال معرفة اجزائها مجال ليؤتى بالعبادات مع قصد الوجه
والتميز ولكن فى صورة دوران الامر بين الاقل والاكثر الارتباطيين لا يصح قصد الوجه
والتميز لان المفروض هو وجود الشك بين الاقل والاكثر فمع هذا الشك لا يوجد قصد
الوجه والتميز فلا يمكن اثبات وجوب الاحتياط باتيان الاكثر من ناحية لزوم تحصيل
الغرض أى لا يمكن تحصيل الغرض باتيان الاكثر لعدم العلم التفصيلى بوجوبه فلا يبقى
فى البين الا التخلص عن تبعة مخالفة التكليف وهو يحصل بفعل الاقل فانه واجب عقلا
وان لم يكن فيه المصلحة.
واما الاكثر فلا
تبعة على مخالفته فان العقوبة عليه بلا بيان لعدم تنجز امره والى هنا بين وجه
التفصى عن الاشكال الذى ورد على انحلال العلم الاجمالى الى العلم التفصيلى باتيان
الاقل لكن قال صاحب الكفاية (قدسسره) لا وجه للتفصى عنه الخ وذكر العلة والسبب بقوله وذلك ضرورة ان
حكم العقل بالبراءة على ما ذهب الاشعرى الخ.
هذا شروع فى ابطال
الوجوه الثلاثة التى استدل بها للتفصى عن الاشكال اما بطلان الجواب الاول فهو يصح
على المذهب الاشعرى القائلين بعدم تابعية الاحكام للمصالح والمفاسد ولا يجدي هذا
الجواب العدلية القائلين بتابعية الاحكام لهما.
واما بطلان الجواب
الثانى فلان القائل بكفاية المصلحة فى الامر أى ذكر ان بعض العدلية قائل بكفاية
المصلحة فى نفس الامر دون المأمور به ولكن لا ينحصرها هذا القائل فيه بل يقول
بكفاية المصلحة فى متعلق الامر أيضا فحينئذ اذا تردد المصلحة
اللازمة فى توجه
الامر على القول العدلية بين كونها فى نفس الامر أو فى متعلقه فالعقل يحكم بلزوم
تحصيله على تقدير كونه فى الاخير فلا بد فى سد هذا الاحتمال من اتيان الاكثر حتى
يحصل القطع بحصول الغرض على تقدير كونه فى المتعلق.
قد بينت الوجوه
الّتي ذكرت للتفصى عن اشكال الانحلال أى انحلال العلم الاجمالى الى العلم التفصيلى
باتيان الاقل : وكذا بين بطلان هذه الوجوه فبقى الاشكال على انحلال العلم الاجمالى
فى حاله بل لا بد من اتيان الاكثر لتحصيل الغرض.
قال
صاحب الكفاية ولا اشكال فى امكان الاحتياط الخ.
أى لا يكون المجال
لاحتمال معرفة الاجزاء بل يمكن الاحتياط فى صورة دوران الامر بين الاقل والاكثر
الارتباطيين كالمتباينين أى يمكن الاحتياط باتيان الاكثر فامكان الاحتياط دليل على
عدم اعتبار معرفة الاجزاء.
قوله
هذا مع وضوح بطلان احتمال اعتبار قصد الوجه كذلك الخ.
أى اورد المصنف
على الشيخ اولا بقوله الا انه لا مجال لاحتمال اعتبار معرفة الاجزاء حاصل هذا
الوجه انه لا دليل على اعتبار قصد وجه الاجزاء فى العبادة حتى يتم كلام الشيخ من
عدم امكان الاحتياط باتيان الاكثر بل الدليل على خلافه موجود أى كون المقام
كالمتباينين فى امكان الاحتياط هذا ايراد الاول عن المصنف على الشيخ فى وجه التفصى
الذى ذكره.
وأيضا
أورد عليه ثانيا بقوله هذا مع وضوح بطلان الخ.
ومحصل هذا الوجه
انه على تقدير اعتبار الجزم بالنية فى العبادات ليس المقصود منه اعتباره فى كل
واحد من الاجزاء بل المقصود منه اعتباره فى العبادة فى الجملة وهذا المقدار يمكن
تحققه بالاحتياط باتيان الاكثر بقصد وجوبه النفسى فى الجملة بما اشتمل على الاجزاء
والشرائط.
وبيانه ان القائل
بلزوم الاتيان بالعبادة على وجهها من الوجوب والاستحباب انما يدعى لزوم فعل
العبادة الواجبة بقصد وجوبها النفسى ومن المعلوم ان الاحتياط بفعل الاكثر بقصد
مطلوبية النفسية بمكان من الامكان وليس المقصود لزوم قصد الوجوب فى كل واحد من
الاجزاء ومع عدم اعتبار قصد وجوب كل واحد من الاجزاء واستحبابه فللمكلف ايقاع
العبادة بنية وجوبه النفسى فى الجملة أى بلا تعيين ان الافراد الواجبة تمام
المأتيّ به أو بعضه فصح اتيان الاكثر من باب الاحتياط على القول باعتبار قصد الوجه
فى العبادة وظهر ان المراد من الوجه هو الوجوب النفسى لا اجزاء الواجب أى ليس
المراد من الوجه الوجوب الغيرى.
قوله
واتيان الواجب مقترنا بوجهه غاية ووصفا باتيان الاكثر بمكان من الامكان الخ.
يحتاج توضيح
العبارة الى مقدمة وهى ان المذكور فى اللمعة فى باب واجبات الصلاة دال على كون
الوجه وجوبا غائيا أو وصفيا أى ذكر هناك تجب فى الصلاة النية معينة الفرض من ظهر
أو عصر والاداء أو
القضاء والوجوب والظاهر ان المراد به المجعول غاية أى المقصود بالوجوب ما يجعل
غاية للفعل ويحتمل ان يكون المقصود من الوجوب المميز اذا عرفت هذه المقدمة.
فاعلم ان المراد
من قوله اتيان الواجب مقترنا بوجهه غاية ووصفا الخ هو ان يصح وجوب الغاى أو الوصفى
مع اتيان الاكثر مثلا اذا قال المصلى اصلى الصلاة الظهر لوجوبها فهذا وجوب غائى
واذ قال اصلى صلاة الظهر الواجبة فهذا وجوب وصفى أى قصد الواجب المميز فلا اشكال
فى القصد المذكور أى اذا اتى بالاكثر مع قصد الوجوب غاية أو وصفا يصح هذا القصد
لانطباق الواجب على المأتيّ به ولو كان هو الاقل وقد اتى المكلف الواجب مع قصد
الوجه واحتمال اشتماله على ما ليس من اجزائه ليس بضائر لان المكلف قصد وجوب
المأتيّ به على اجماله أى بلا تعيين انه الاقل أو الاكثر.
قوله
لا سيما اذا دار الزائد بين كونه جزءا لماهية وجزءا للفرد
أى خصوصا يثبت
الجزئية فى صورة دورانه بين كونه جزءا للماهية وجزءا للفرد وجه الخصوصية ان الزائد
جزء قطعا غاية الامر انه يشك فى كونه جزءا للماهية ان كان واجبا أو جزءا للفرد إن
كان مستحبا وذلك كالسورة بالنسبة الى الصلاة اذا فرض دورانها بين جزئيتها للماهية
ان كانت واجبة وللفرد ان كانت مستحبة فعلى تقدير جزئيتها للماهية فالواجب هو
الاكثر وعلى تقدير جزئيتها للفرد وكونها من مشخصاته فالواجب هو الاقل.
فظهر ان المراد
بجزء الماهية ما ينتفى بانتفائه الماهية كاجزاء الواجبة والمراد بجزء الفرد ما
ينتفى بانتفائه الفرد كاجزاء المستحبة مثلا اذا اشترط فى الصلاة المستحبة السورة
المخصوصة فبانتفائها تنتفى هذه الصلاة.
واما الطبيعة
الواجبة فهى صادقة عند وجود الفرد كما ان وجود الكلى الطبيعى بوجود افراده ولا تضر
المشخصات الفردية فى وجود الكلى الطبيعى وكذا فى المقام مثلا الصلاة جماعة فى
المسجد من مشخصات الفرد ويصدق الطبيعى عليه فظهر من البيان المذكور ان الاتيان
بالاكثر يصح مع قصد الوجه فى صورة دوران الامر بين الاقل والاكثر الارتباطيين.
قوله
نعم لو دار بين كونه جزءا ومقارنا لما كان منطبقا عليه بتمامه الخ.
هذا استدراك على
قوله لان الطبيعى يصدق على الفرد توضيح هذا الاستدراك انه اذا دار امر المشكوك فيه
بين كونه جزءا مطلقا للماهية أو الفرد وبين كونه خارجا واجنبيا عن العبادة لم
ينطبق عليه الطبيعى بتمامه اذ المشكوك على تقدير عدم جزئيته خارج عن صميم الفعل
العبادى وان لم يكن منافيا له وانما هو لغو ولكن ينطبق الواجب على المأتيّ به فى
الجملة أى على الاجزاء المعلومة وهو كاف فى صحة العبادة.
قوله
مع أنّه لو قيل باعتبار قصد الوجه فى الامتثال فيها على وجه الخ.
هذا هو الوجه
الخامس من الاشكالات على كلام الشيخ توضيحه
ان قصد الوجه الذى
يتوقف عليه حصول الغرض الداعى الى الامر لا يخلو اما ان يكون شرطا فى حصوله مطلقا
حتى مع تعذر الاتيان به من جهة تردد المأمور به بين الاقل والاكثر المانع من تحقق
قصد الوجوب واما ان يكون مقيدا بصورة التمكن منه.
فعلى الأول يلزم
سقوطا التكليف من اصله لتعذر شرطه وهو العلم بوجوب كل جزء تفصيلا ولا يفيد العلم
الاجمالى التنجيز اصلا حتى بالنسبة الى الاقل لان المفروض عدم حصول الغرض لا به
ولا بالاكثر فلا عقاب على تركه حتى يجب التخلص منه بفعل الاقل.
فرد قول الشيخ أى
انه قائل بوجوب اتيان الاقل لكن على قول المصنف لا يفيد العلم الاجمالى فى تنجيز
التكليف فى صورة اشتراط قصد الوجه فى حصول الغرض حتى مع تعذر اتيان به وهو من جهة
تردد المأمور به بين الاقل والاكثر.
وعلى الثانى يلزم
سقوط قصد الوجه عن الاعتبار وعدم توقف حصول الغرض عليه لان المفروض فى هذه الصورة
ان يكون قصد الوجه مقيدا بصورة التمكن منه والظاهر انه لا يتمكن فى صورة تردد
الامر بين الاقل والاكثر : ولا بد حينئذ من تحصيل الغرض والعلم بحصوله منوط باتيان
الاكثر فيجب عقلا فعله بداهة عدم احراز تحقق المصلحة والملاك بالاقل ولا مؤمن من
تبعة التكليف المعلوم اجمالا فيحتاط المكلف بفعل كل ما يحتمل دخله فى حصول الغرض.
قوله
واما النقل فالظاهر ان عموم مثل حديث الرفع قاض
برفع
جزئية ما شك فى جزئيته الخ.
أى ما تقدم من
الاحتياط بلزوم اتيان الاكثر كان راجعا الى اثبات قاعدة الاشتغال بحسب حكم العقل
فى الاقل والاكثر الارتباطيين وعدم جريان البراءة العقلية فيهما واما بحسب النقل
فالمرجع هو جريان البراءة النقلية فيهما يعنى ان البراءة الشرعية تجرى فى جزئية ما
شك فى جزئيته لشمول حديث الرفع لها فترفع به ويتعين الواجب فى الاقل بعد جريان
البراءة النقلية عن الاكثر.
توضيح قول المصنف
انما يجرى حديث الرفع والحجب فى وجوب الجزء المشكوك وجوبه وان وجوب الاكثر مما حجب
علمه الحاصل ان المقتضى للبراءة الشرعية موجود وهو كون المرفوع مجعولا شرعيا
مجهولا وفى رفعه منة : والمانع مفقود فان المانع اما هو العلم الاجمالى بالتكليف
المردد بين الاقل والاكثر واما هو معارضة الاصل أى معارضة اصالة البراءة عن الاكثر
مع اصالة عدم وجوب الاقل.
واما الاول
فالارتفاع العلم الاجمالى لان هذه الاخبار حاكمة عليه وموجبة لانحلاله لان الشارع
اخبر بنفى العقاب على ترك الاكثر المشكوك لو كان هو الواجب واقعا ومعه لا يحكم
العقل بلزوم رعاية احتمال التكليف الالزامى فى الاكثر من باب المقدمة العلمية فظهر
ارتفاع المانع الاول عن البراءة النقلية.
واما الثانى فلعدم
كون الاقل موردا للاصل للعلم بوجوبه تفصيلا أى كذا مفقود المانع الثانى من معارضة
الاصالة الشرعية
مع اصالة عدم وجوب
الاقل قد ذكر عدم كون وجوب الاقل موردا للاصل لان وجوبه قطعى.
قوله
لا يقال ان جزئية السورة المجهولة مثلا ليست بمجعولة الخ.
هذا اشكال على
جريان البراءة الشرعية فى وجوب الاكثر المشكوك فيه توضيح الاشكال ان البراءة انما
تجرى اذا كان المجهول مجعولا شرعيا لان مجرى البراءة الشرعية على ما قرر فى محله
لا بد من ان يكون مما تناله يد الوضع والرفع التشريعيين أى مجرى البراءة الشرعية
ما يكون وضعه ورفعه بيد الشارع والمفروض ان الجزئية ليست اثرا شرعيا ولا مما يترتب
عليه اثر شرعى فثبت انه لا مجال لجريان البراءة فى الجزئية.
قوله
ووجوب الاعادة انما هو اثر بقاء الامر بعد العلم الخ.
هذا دعوى التوهم
الى ان الجزئية مما يترتب عليه اثر شرعى وهو وجوب الاعادة على تقدير كون الواجب
الواقعى هو الاكثر فالبراءة تجرى فى الجزئية بلحاظ اثرها وهو وجوب الاعادة.
وهذه الدعوى
مدفوعة : اولا بان وجوب الاعادة اثر لبقاء الامر الاول أى الامر بالاكثر لا
الجزئية لان الامر بنفسه ما لم يمتثل يقتضى الاعادة عقلا فالاعادة اثر لبقاء الامر
الاول لا اثر الجزئية : وثانيا بان وجوب الاعادة لا يرتفع بمثل حديث الرفع لكونه
عقليا من باب وجوب الاطاعة عقلا فثبت انه لا مجال للبراءة فى جزئية المشكوك فيه
لعدم كونها اثرا شرعيا ولا مما له أثرا شرعى.
قوله
لانه يقال ان الجزئية وان كانت غير مجعولة بنفسها الخ.
هذا دفع الاشكال
الذى ذكر بعبارة لا يقال ومحصل هذا الدفع ان الجزئية وان لم تكن مجعولة لكونها
امرا انتزاعيا الا ان منشأ انتزاعها وهو الامر مجعول شرعى وهذا يكفى فى جريان البراءة
فيها اذ المهم كون مجرى الاصل مما تناله يد الشارع وضعا ورفعا ولو بالواسطة أى لا
فرق بين كون المجعول استقلاليا كاحكام التكليفية المستقلة وكونه تبعيا كاحكام
الوضعية نظير الجزئية الشرطية وغيرهما فان الجزئية فى مقام البحث تابعة للمجعول
الشرعى فيمكن رفعها برفع منشأ انتزاعها وهو تعلق الامر النفسى بالاكثر.
قوله
لا يقال انما يكون ارتفاع الامر الانتزاعى برفع منشأ انتزاعه الخ.
أى هذا اشكال على
كون الرفع بلحاظ الامر الذى هو منشأ انتزاع الجزئية توضيح هذا الاشكال انه بعد
جريان اصالة البراءة فى الامر بالاكثر الذى هو منشأ انتزاع الجزئية ـ لا يبقى امر
يتعلق بالاقل والمفروض عدم دليل آخر يدل على كون الواجب هو الاقل واصالة البراءة
عن الاكثر لا تثبته الاعلى القول بحجية الاصول المثبتة أى يقال بان الامر بالاقل
عقلا هو لازم لاصالة البراءة عن الاكثر ولم تكن الاصول المثبتة حجة على المشهور.
اذا علمت ما ذكر
فلا وجه حينئذ لما افيد من ان عموم حديث الرفع يرفع الاجمال والتردد عن الواجب
المردد بين الاقل والاكثر ويعينه فى الاقل والدليل على ذلك بداهة ارتفاع الامر
باصل
البراءة ولا امر
آخر يدل على كون الواجب هو الاقل الخالي عما شك فى جزئيته.
الحاصل ان البراءة
الشرعية لا تجرى حتى يثبت ان الواجب هو الاقل وينحل به العلم الاجمالى اذا لم يثبت
كون الواجب هو الاقل ووجب الاحتياط عقلا باتيان الاكثر.
قوله
لانه يقال نعم وان كان ارتفاعه بارتفاع منشأ انتزاعه الخ.
هذا جواب الاشكال
المذكور بلفظة لا يقال توضيحه ان الوجه فى ثبوت الامر بالاقل ليس هو البراءة
الشرعية حتى يقال ان هذا الاصل المثبت لا تكون مثبتاته حجة بل الوجه فى ذلك هو
الجمع بين ادلة الاجزاء وادلة البراءة الشرعية حيث ان وجوب الاقل معلوم بنفس ادلة
الاجزاء ووجوب الاكثر منفى بالبراءة الشرعية فيكون حديث الرفع بمنزلة الاستثناء
وتقييد اطلاق ادلة الجزئية لحالتى العلم والجهل بجزئية الاجزاء أى نسبة حديث الرفع
بالنسبة الى ادلة الاجزاء كنسبة الاستثناء فيكون مفادهما أى مفاد حديث الرفع مع
ادلة الاجزاء الدالة على جزئية الاجزاء الا مع الجهل بها مثلا اذا فرض جزئية
السورة للصلاة واقعا كان هذا مثل حديث الرفع نافيا لجزئيتها فى حال الجهل بها فكان
هذا مثل ان يقول الشارع تجب السورة اذا علم المكلف بجزئيتها.
الحاصل ان وجوب
الاقل مستند الى ادلة الاجزاء لا الى حديث الرفع حتى يتوهم ان اثبات ذلك به يتوقف
على القول بالاصل المثبت.
فى تنبيهات الاقل
والاكثر
قوله
: وينبغى التنبيه على امور الاول انه ظهر مما مر حال دوران الامر بين مشروط بشىء
ومطلقه الخ.
واعلم ان المباحث
المتقدمة جارية فى الاقل والاكثر الارتباطيين لكن تتعلق تلك المباحث بالشك فى
الاجزاء الخارجية كالشك فى جزئية السورة مثلا للصلاة واما البحث فى هذه التنبيهات
فانما يكون بالشك فى الاجزاء التحليلية كالشك فى تقيد الصلاة بالطهارة والفرق
بينهما ان الاجزاء الخارجية كان وجودها مستقلا أى كان لها وجود خارجى.
واما الاجزاء
التحليلية فكان وجودها بالانحلال العقلى أو الذهنى مثلا شرطية طهارة للصلاة من
الاجزاء التحليلية بانحلال الذهنى قال الشيخ (قدسسره) انّه تجرى البراءة عند الشك فى الاجزاء التحليلية
كالاجزاء الخارجية توضيح جريان البراءة فى الصورة المذكورة ان المشروط كالصلاة عن
طهارة متقوم بامرين أحدهما ذات الصلاة المركبة من الاجزاء المعلومة وثانيهما
تقييدها بالطهارة هو جزء ذهنى وعلى هذا فالاقل هنا هو الصلاة معلوم الوجوب تفصيلا
اما بالوجوب النفسى لو كان متعلق الامر واما بالوجوب الغيرى لو كان متعلق الامر هو
المشروط وتكون ذات الصلاة مقدمة لتحقق الصلاة المشروطة.
فثبت لذات الصلاة
دعوى وجوبها الغيرى المقدمى مثلا ان قال المولى صل متطهرا ينحل هذا الى وجوب ذات
الصلاة ووجوبها مع التقيد بالطهارة وتكون نفس الصلاة مقدمة لتحقق العنوان
وهو الصلاة عن
طهارة فتتصف بالوجوب الغيرى وكذا تتصف بالجزء التحليلى أى هذا العنوان جزء تحليلى
للصلاة فيجرى فى هذا الجزء التحليلى البراءة العقلية والنقلية هذا محصل كلام الشيخ
(قدسسره).
واورد عليه صاحب
الكفاية (قده) حاصله ان قياس الاجزاء التحليلية بالاجزاء الخارجية فاسد وذلك لان
الاجزاء الخارجية لوجوداتها المستقلة يمكن ان تتصف بالوجوب مطلقا نفسيا أو غيريا
فيدعى العلم التفصيلى بوجوب الاقل لانحلال العلم الاجمالى اليه وثبت الشك البدوى
بوجوب الاكثر.
واما الاجزاء
التحليلية فلا يميزها الا العقل ولا ميز لها فى الخارج اصلا ويعد واجد الجزء
التحليلى وفاقده من المتباينين لا من الاقل والاكثر مثلا ذات الصلاة والصلاة
المقيدة بالطهارة من المتباينتين فالاجزاء التحليلية لا تتصف بالوجوب من باب
المقدمة عقلا أى الصلاة الفاقدة لشرطها وخصوصيتها تكون متباينة للمأمور بها فلا
تكون المأمور بها بالامر الغيرى اعنى عدم كون ذات الصلاة مقدمة لوجود الصلاة
المقيدة.
الحاصل ان قياس
الخاص والمقيد فى الانحلال بالاقل والاكثر الارتباطيين قياس مع الفارق لانّ
الاجزاء فى الاقل والاكثر لمّا كانت موجودة مستقلة امكن اتصافها بالوجوب ويقال هذه
الاشياء واجبة قطعا والزائد عليها مشكوك الوجوب فتجرى فيه البراءة.
واما العام
والمقيد فان ذات المقيد كالرقبة أو ذات العام كالحيوان لا يتصف شىء منهما بالوجوب
حتى يقال ان وجوب
ذاتهما معلوم
تفصيلا اما نفسيا واما غيريا أى لا يحصل العلم بوجوب ذاتهما تفصيلا لعدم اتصاف ذات
المقيد أو العام بالمقدمية أو الوجوب الغيرى لان المقدمة المتصفة بالوجوب الغيرى
هى ما تقع فى سلسلة علل وجود ذى المقدمة كنصب السلم للصعود على السطح وهذا المعنى
لا يتحقق فى الاجزاء التحليلية لان ذات المقيد مباينة لذات بدون القيد وكذا ذات
العام المتخصص بالخصوصية مباينة لذات العام بدون الخصوصية.
توضيح ما ذكر بذكر
مثال ان الرقبة بدون الايمان مباينة لها معه فلا يقال ان المتيقن هو وجوب ذات
الرقبة ووجوب تقيدها بالايمان مشكوك فيه فيجرى فيه الاصل وينفى بالبراءة أى لا يصح
فى المثال المذكور ان المتيقن هو وجوب ذات الرقبة لان الرقبة المؤمنة وجودا مغايرة
للكافرة منها وكذا العام فان الحيوان ليس مقدمة للخاص اعنى الانسان لعدم وجود
الجنس بدون وجود الفصل من الفصول فان الحيوان بدون وجود الفصل لا وجود له فلا يكون
ذات العام مقدمة للعام المقيد بالقيد الخصوصية لان العام بنفسه لا وجود له بدون
الفصل من الفصول.
قوله
: نعم لا بأس بجريان البراءة النقلية فى خصوص دوران الامر بين المشروط وغيره الخ.
قد ذكر آنفا عدم
جريان البراءة فى الاجزاء التحليلية عند الشك فيها استدرك عن هذا بقوله نعم الخ أى
استدرك بالفرق بين المشروط ومطلقه وبين الخاص وغيره بجريان البراءة النقلية فى
الاول أى المشروط والمطلق وعدم جريانها فى الثانى
أى الخاص وغيره.
والدليل لذلك ان
الشرط ينتزع من أمر الشارع كقوله اعتق رقبة مؤمنة فان شرطية الايمان تكون بامر
الشارع ولا مانع من نفيه بحديث الرفع عند الشك فيه هذا بخلاف الخاص والعام فان
الخصوصية فيهما منتزعة عن ذات المأمور به لا عن امر خارج عنه حتى ينفى بالاصل مثلا
اذا قال المولى اكرم العالم فان خصوصية العالم تنتزع عن ذات المأمور به أى كونه
عادلا ينتزع عن ذات العالم وحينئذ يدور الامر بين وجوب الخاص والعام فيكونان من
قبيل المتباينين والاشتغال اليقينى يقتضى الاتيان بالخاص تحصيلا للفراغ اليقينى.
واما جعل المصنف
هذا المورد من قبيل الدوران الامر بين المتباينين ففى هذه العبارة مسامحة لانه ليس
كذلك بل من قبيل الدوران بين وجوب الوجود السعى للشيء وبين وجوب الوجود المضيق منه
الا انه لما كان مثله فى حكم العقل فى الاشتغال وعدم جريان البراءة العقلية
والنقلية عبّر بما ذكر.
قوله
: الثانى انه لا يخفى ان الاصل فيما اذا شك فى جزئية الشىء او شرطيته فى حال
نسيانه الخ.
والغرض من ذكر هذا
التنبيه بيان حكم الجزء أو الشرط المتروك نسيانا كالقراءة السورة فى الصلاة وان
النسيان هل يوجب ارتفاع الجزئية أو الشرطية أم لا.
وتوضيح هذا المقام
وهو الذى ترك ما ثبت جزئيته فى الجملة نسيانا ـ يستدعى التكلم من جهات اربعة :
الاولى جريان البراءة
عن جزئية المنسى
عقلا ونقلا وعدم جريانها : الثانية امكان دليل الاجتهادى ناف لجزئيته فى هذا الحال
غير حديث رفع النسيان : الثالثة انه هل ورد الدليل على الصحة فى حال النسيان خصوصا
أو عموما أولا.
واما الجهة الاولى
فان مقتضى قوله صلىاللهعليهوآله رفع ما لا يعلمون ونحوه هو جريان البراءة الشرعية عند الشك
فى الجزئية والشرطية دون البراءة العقلية أى حديث الرفع أعنى فقرة ما لا يعلمون
كان مطلقا أى بالنسبة الى الصلاة وغيرها يدل على الصحة فى حال النسيان الجزء لان
حال النسيان داخل فيما لا يعلمون من حيث الحكم وكذا المروي عن الباقر عليهالسلام فى خصوص باب الصلاة ـ لا تعاد الصلاة الا من خمس فهذا
الحديث يدل عدم الاعادة اذا لم يكن المنسى من الاركان الخمسة لكن اذا لم يكن
الدليل الاجتهادى لعدم الاعادة فيحكم العقل بلزوم اعادة ما اخل بجزئه او شرطه.
والظاهر انا تابع
للدليل فاذا قام الدليل الشرعى على جزئية شىء أو شرطيته مطلقا أى ولو فى حال
النسيان ثبت الاعادة فى الجزء المنسى فى جميع الحالات فكان كل من الاعادة وعدمها
تابعا للدليل الشرعى فعلم مما ذكر بيان الجهة الثانية والثالثة.
قوله
: ثم لا يذهب عليك انه كما يمكن رفع الجزئية أو الشرطية فى هذا الحال الخ.
هذا اشارة الى
الجهة الثانية وهى امكان اقامة الدليل الاجتهادى على نفى الجزئية أو الشرطية فى
حال نسيان الجزء أو الشرط
بحيث ينقسم المكلف
بحسب الالتفات والنسيان الى القسمين الذاكر والناسى ويصير الواجب بتمام اجزائه
وشرائطه واجبا على الذاكر ولا يصير الجزء المنسى واجبا على الناسى لكن ثبت الخلاف
للشيخ (قده) حيث منع عن تنويع المكلف وجعله قسمين ذاكرا وناسيا نظرا الى ان البعث
والزجر الى المكلف انما كانا عند توجهه اليهما وامكان اطاعته واما الناسى والغافل
فلم يكونا متوجهين اليهما ولم يمكن وجود اثر البعث والزجر فيهما فيمتنع خطابهما.
وأيضا يقال ان
توجه هذا الخطاب اليه يخرجه عن عنوان الناسى ويجعله ذاكرا فلا بد للناسى فى
الجزئية أو الشرطية من الاتيان بالواجب بتمامه من دون الفرق فى اطلاق الجزئية
والشرطية بين الذاكر والناسى اذا كان الامر كذلك فلا وجه للتفكيك بينهما اصلا فصار
المكلف على مذهب الشيخ قسما واحدا أى من كان ذاكرا.
فاجاب صاحب
الكفاية (قده) عن اشكال الشيخ (قده) بقوله كذلك يمكن تخصيصها بهذا الحال
بحسب الادلة الاجتهادية أى ثبت على قول المصنف امكان رفع الجزئية والشرطية فى حال النسيان وكذلك يمكن
تخصيص الجزئية بحال النسيان بمقتضى الادلة الاجتهادية أى الادلة تدل على ان جزئية
الشيء مرفوعة فى حال النسيان.
فقد اجاب المصنف
عن اشكال الشيخ (قده) بوجهين احدهما ما اشار اليه بقوله كما اذا وجه الخطاب الخ.
أى يوجه الخطاب بجعل عنوان عام يشمل الذاكر والناسى كعنوان المكلف ويخاطب
بما عدا المنسى من
الاجزاء ثم يكلف الملتفت بالمنسى فالذاكر الآتي بتمام المأمور به آت بوظيفته
والناسى الآتي بالناقص آت أيضا بوظيفته من دون توجه خطاب اليه بعنوان الناسى حتى
يلزم محذور الانقلاب من خروجه عن عنوان الناسى بجعله ذاكرا.
ولا يخفى ان محذور
الانقلاب يلزم فى صورة توجه الخطاب الى الناسى واما فى صورة توجه الخطاب الى
العنوان العام فلا يلزم المحذور المذكور.
ثانيهما ان يكلف
الملتفت بتمام المأمور به والناسى بما عدا المنسى لكن لا يكون تكليفه بعنوان الناسى
حتى يلزم الانقلاب الى الذاكر بمجرد توجه الخطاب اليه بل يكلف بعنوان آخر عام
كعنوان قليل الحافظة أو كثير النوم أو يكلف بعنوان آخر خاص كالعناوين المختصة
بافراد الناسى نحو يا زيد ويا عمرو ويا بشر اذا كانوا ناسين للسورة أو الركوع أو
السجود فلا يلزم حينئذ محذور الانقلاب قد اشار المصنف الى ما ذكر فى الوجه الثانى
بقوله أو وجه الى الناسى خطاب يخصه بوجوب الخالى بعنوان آخر عام أو خاص لا بعنوان
الناسى كى يلزم الاستحالة المذكورة أى لزوم محذور الانقلاب.
وكذا لا يلزم
الاشكال المذكور اذا قلنا ان الجزئية أو الشرطية مختصة بحال الذكر وانما يجب العمل
الخالى عن المنسى على الناسى أى ايجاب العمل المذكور على الناسي ممكن بالنسبة الى
الاجزاء غير المنسية لان الناسى لا يصدق على المكلف بالنسبة اليها وان يصدق عليه
الناسى بالنسبة الى الاجزاء المنسية التي لم يكلف الشخص بالنسبة اليها حتى تلزم
الاستحالة.
قوله
الثالث انه ظهر مما مر زيادة الجزء اذا شك فى اعتبار عدمها شرطا أو شطرا الخ.
واعلم ان البحث فى
التنبيه الثانى انما يجرى فى وجود الشىء من حيث الجزئية أو الشرطية فى حال نسيانه
قد علم ان البحث المذكور كان فيما اذا شك فى جزئية الشىء أو شرطيته فى حال نسيانه
وأيضا علم ان هذا البحث كالبحث فيما شك فى اصل الجزئية والشرطية واما البحث فى
التنبيه الثالث انما يكون فى اعتبار عدم الشيء شرطا أو شطرا.
وان قلت ان الجزء
أو الشرط انما يكون شيئا وجوديا لا عدميا قلت ان العدم جزء مؤثر أيضا وقد تقدم فى
بحث الصحيح والاعم ان دخل شيء وجودى أو عدمى فى المأمور به فيكون جزءا له وداخلا
فى قوامه.
توضيح هذا البحث
يحتاج الى ترتيب مقدمة وهو ان جزئية الشيء اما تكون بنحو لا بشرط واما تكون بنحو
بشرط لا أى بشرط عدم الزيادة كجزئية الركوع لركعات الصلاة فاذا زاد عمدا أو سهوا
فهو موجب لعدم تحققه.
اذا عرفت هذه
المقدمة فاعلم ان البحث فى هذا التنبيه فيما كان جزئيته بنحو لا بشرط كجزئية
السورة للصلاة فاذا تكرر المصلى السورة شك فى مبطلية هذه الزيادة للصلاة فاما تجرى
البراءة من شرطية عدم الزيادة فتصح الصلاة واما تجرى قاعدة الاشتغال فيجب اتيان
لصلاة مرة اخرى احتياطا بعبارة اخرى انما يبحث بعنوان زيادة الجزئية أو الشرطية
اذا كان الجزء بنحو لا بشرط.
واما اذا كان
الجزء بنحو بشرط لا أى بشرط عدم الزيادة فالزائد عليه موجب لاختلاله من حيث
النقيصة مثلا اذا اعتبر فى جزئية الركوع قيد الوحدة وبشرط لا واتى به المصلى مرتين
صدق عليه نقص الجزء لا انه زاده اذ لا فرق فى عدم تحقق الجزء بين تركه رأسا كترك
الركوع : وبين الاتيان به بدون شرطه وهو عدم تكرره وعدم زيادته فاذا اتى المصلى
الركوع مرتين صدق ان الصلاة فاقد له أى للركوع المأمور به.
اشار الى ما ذكر
المصنف بقوله مع عدم اعتباره فى جزئيته اى مع عدم اعتبار عدم الجزئية فى جزئية
الواجب قد مر توضيح كلام المصنف بما ذكر من ان عدم الزيادة اذا كان قيدا أى اذا
كان جزئية الشيء بنحو بشرط لا : فمع تكرره يصدق نقصان هذا الجزء لا زيادته.
قوله
ذلك لاندراجه فى دخل الشىء فيه جزء أو شرطا الخ.
هذا بيان لقوله
ظهر مما مر حال زيادة الجزء توضيحه ان الشك فى اخذ العدم شرطا أو شطرا فى الواجب
كالشك فى اخذ الوجود شرطا أو شطرا فيه فى جريان البراءة الشرعية دون العقلية فلو
لا البراءة النقلية لكان مقتضى الاحتياط العقلى بطلان الواجب ولزوم اعادته.
فيصح العمل
للبراءة النقلية القاضية بعدم مانعية الزيادة سواء اتى بالزيادة عمدا تشريعيا أى
كما اذا علم بعدم جزئية الزيادة ومع ذلك قصد الجزئية تشريعا : أو جهلا قصورا أو
تقصيرا أى كما اذا اعتقد الجزئية للجهل القصوري أو التقصيرى
فيأتى بالزيادة
باعتقاد مشروعيتها : أو اتى بالزيادة سهوا ففى جميع هذه الصور المذكورة يصح الواجب
للبراءة النقلية القاضية بعدم مانعية الزيادة وان استقل العقل بلزوم الاحتياط
لقاعدة الاشتغال.
قوله
نعم لو كان عبادة واتى به كذلك على نحو لو لم يكن للزائد دخل فيه لما يدعو اليه
وجوبه الخ.
هذا استدراك لقوله
فيصح لو اتى به الخ أى يصح العمل فى جميع صور الزيادة ان كان الواجب توصليا ولا
تكون الزيادة من حيث هى هى موجبة للبطلان.
نعم اذا كان
الواجب عباديا فلا بد من ملاحظة الزيادة أى هل توجب فقدان قصد القربة فيه ام لا
فان اوجبت ذلك ابطلت العبادة فيكون قصد الزيادة بعنوان الامتثال تشريعا منافيا
لقصد القربة ومبطل للعبادة وهذا البطلان بالزيادة انما يلزم فيما اذا قصد كون
الزيادة جزءا للواجب بحيث لو لم تكن جزءا لما اتى بالواجب.
بعبارة اخرى ان
كان التشريع على وجه التقييد كان ذلك منافيا لقصد القربة فيبطل الواجب مطلقا أى فى
صورة عدم دخل الزائد للواجب واقعا واتى العمل المشتمل على الزائد على وجه التقييد
به فمع عدم الدخل الامر له واقعا حتى يقصد امتثاله كان العمل باطلا وكذا يبطل
الواجب فى صورة دخل هذا الزائد واقعا وجه البطلان فى هذه الصورة هو عدم العلم
بالامر أى لم يعلم المكلف بتعلق الامر فى هذا الزائد فيحكم العقل بلزوم الاعادة مع
اشتباه الحال يعنى مع الجهل بدخل الزيادة وعدمه.
والظاهر انه مع
هذا الجهل يشك فى تحقق الامتثال الذى هو شرط صحة العبادة ومقومها فيحكم العقل
بلزوم الاعادة لقاعدة الاشتغال فى صورة الشك واشتباه الحال.
قوله
واما لو اتى به على نحو يدعوه اليه على أى حال الخ.
هذا اشارة الى ان
التشريع على قسمين احدهما مبطل العبادة كما ذكر آنفا من ان قصد الزيادة بعنوان
الامتثال كان تشريعا ومبطلا للعبادة.
والثانى هو
التشريع الذى لا يبطل العبادة لعدم منافاته لقصد القربة لان المكلف يقصد الواقع
بما هو واقع فليس اتيان العمل مشروطا بدخل الزيادة فى موضوع الامر بل كان اتيانه
عن امره ثابتا مطلقا سواء كانت الزيادة دخيلة فى الواجب ام لا ولا موجب للبطلان
حينئذ اذ لا خلل فى الامتثال ولو كان المكلف مشرعا فى دخل الزائد مع عدم علمه بدخل
هذا الزائد أى كلمة لو وصلية يعنى مع عدم علم المكلف بدخل الزائد فى موضوع الامر
كان مشرعا فى ادخاله فى المأمور به اذ مع علمه فى دخل الزائد لم يكن ادخال زائد
تشريعا محرما لكن كان مخطئا فى اعتقاده على تقدير عدم دخل الزائد واقعا.
ولا يخفى ان
التشريع فى صورة عدم العلم انما يكون فى تطبيق المأتيّ به مع المأمور به ولا ينافى
هذا التشريع قصد الامتثال والتقرب بالامر اذ المفروض ان التشريع ليس فى نفس الامر
لان المكلف قطع فى صدور الامر عن الشارع فى هذا المورد.
قوله
ثم إنّه ربما يتمسك بصحة ما اتى به مع الزيادة باستصحاب الصحة الخ.
هذا اشارة الى
اثبات صحة العبادة مع الزيادة باستصحاب الصحة أى زعم هذا المستدل ان الشك انما
يكون فى بقاء الصحة المعلومة حدوثا قبل فعل الزيادة لكن كانت مشكوكة بقاء بعد فعل
هذه الزيادة فيعرض الشك فى مانعيتها وهو مجرى استصحاب الصحة لاجتماع اركانه ولا
تجرى اصالة البراءة فى مانعية الزائد لان الاستصحاب حاكم عليها لان الاستصحاب مفيد
اليقين فلا يبقى الموضوع لاصالة البراءة قال صاحب الكفاية (قده) وهو لا يخلو من
كلام هذا اشارة الى عدم صحة استصحاب فى هذا المورد لان مورد هذا الاستصحاب انما
يكون فيما انشأ فيه احتمال البطلان فى اثناء الصلاة بزيادة جزء تشريعا واما اذا
قصد تشريع هذا الجزء من اول الصلاة بحيث كان داعى المصلى هذا الامر التشريعى فلا
مجال حينئذ لاستصحاب الصحة لانهدام ركنه الاول أى اليقين السابق بالصحة بل كان
الامر بالعكس أى كان اليقين السابق بعدمها للتشريع.
قوله
الرابع انه لو علم بجزئية شىء أو شرطيته فى الجملة الخ.
هذا التنبيه بيان
حال الجزئية والشرطية من حيث الركنية وعدمها ومحصله ان دليل الجزء أو الشرط ان كان
مطلقا بحيث يشمل جميع الحالات فلا كلام فيه لان مقتضى اطلاقه ركنية الجزء والشرط
مطلقا ولو فى حال العجز عنهما والظاهر ان تعذرهما حينئذ يوجب سقوط الامر عن سائر
الاجزاء للقاعدة المشهورة من
ان انتفاء الجزء
مستلزم لانتفاء الكل وكذا انتفاء الشرط مستلزم لانتفاء المشروط.
واما اذا كان دليل
المأمور به مطلقا دون دليل الجزء أو الشرط فمقتضاه وجوب الاتيان بما عد المتعذر من
سائر الاجزاء الميسورة فان اطلاق دليل المركب يقتضى مطلوبيته مطلقا وان تعذر بعضه
أى فيكون اجزاء المركب ما لم يوجد فيه المانع واما الاجزاء الّتي كان المكلف
متعذرا فيها فلم تكن هذه الاجزاء حينئذ محل الاعتبار.
بعبارة اخرى ان
كون الشىء جزءا أو شرطا فى حال العجز عنه هذا تابع للدليل أى اذا كان دليل اعتبار
الجزء أو الشرط مطلقا بحيث يشمل جميع الحالات فلا كلام فيه لان الدليل حينئذ يقتضى
ركنية الجزء أو الشرط مطلقا أى ولو فى حال العجز عنهما فيسقط الامر عند انتفاء بعض
الاجزاء أو الشرائط للقاعدة المشهورة من انتفاء الكل والمشروط بانتفاء الجزء
والشرط.
واما اذا كان دليل
المأمور به مطلقا ودليل الاعتبار مجملا أو مهملا والمراد منه هو دليل اعتبار الجزء
أو الشر أى مع ثبوت الاهمال أو الاجمال لهذا الدليل وجب الاتيان بما عد المتعذر من
سائر الاجزاء الميسورة ولم يسقط الامر بالنسبة الى الاجزاء المقدورة ولم ينتف
المأمور به لوجود هذه الاجزاء.
قوله
: ولم يكن هناك ما يعين احد الامرين.
هذا معطوف على
الشرط فى قوله لو علم بجزئية الشىء الخ ولم يكن هناك الدليل على تعيين اطلاق دليل
اعتبار الجزء أو
الشرط وكذا لم يكن
الدليل على تعيين اطلاق دليل المأمور به مع اجمال دليل اعتبار الجزء أو الشرط أو
اهماله.
قد ذكر الفرق بين
الاجمال والاهمال فى باب المجمل والمبين وغيره وأيضا يذكر هنا هذا الفرق من باب
التذكر أى والمراد من الاجمال ما كان القصور فيه عن اللفظ لعدم ظهوره أو لاشتراكه
والمراد من الاهمال هو عدم كون المولى فى مقام البيان فيكون هذا الاهمال عن
المولى.
الحاصل انه اذا لم
يكن الدليل لتعيين اطلاق دليل اعتبار الجزء أو الشرط وكذا لم يكن الدليل لتعيين
اطلاق دليل المأمور به لاستقل العقل بالبراءة عن الباقى هذا جواب (لو) فى قوله انه
لو علم بجزئية شىء الخ ولم يكن هناك ما يعين أحد الامرين الخ لاستقلال العقل
بالبراءة عن الباقى أى يسقط المأمور به فى حال العجز عن بعض الاجزاء أو الشرائط
وعدم الدليل لتعيين اطلاق دليل الاعتبار وكذا عدمه لتعيين اطلاق دليل المأمور به
ويحكم العقل بالبراءة عن الباقى أى الاجزاء المقدورة.
قوله
: لا يقال نعم ولكن قضية مثل حديث الرفع عدم الجزئية أو الشرطية الخ.
هذا اشكال على قول
المصنف بالاستقلال العقل بالبراءة عن الباقى أى لا تصح البراءة العقلية عن الباقى
بل يرجع الى حديث الرفع فى نفى الجزئية أو الشرطية فى حال العجز عن الجزء أو الشرط
ـ والبناء على الباقى حيث ان حديث الرفع يضيق دائرة الجزئية أو الشرطية أى يخصها
بحال التمكن فلا يكون للجزء أو
الشرط فى حال
العجز عنه دخل فى الواجب حتى يقيد الباقى به ويلتزم بسقوطه بل الباقى مطلق بالنسبة
الى غير المقدور فيجب الاتيان به فيثبت بحديث الرفع وجوب ما عدا المتعذر من الجزء
أو الشرط.
قوله
: فانه يقال انه لا مجال هاهنا لمثله الخ.
هذا دفع الاشكال
الذى ذكر بعبارة لا يقال توضيحه انه لا يجرى حديث الرفع فى نفى الجزئية أو الشرطية
فى حال التعذر بداهة ان من شرائط جريانه حصول الامتنان وهو مفقود فى تعذر الجزء أو
الشرط فى المقام لانه انما يكون فى نفى التكليف واما فى مقام البحث فيثبت التكليف
لان اللازم بعد رفع الجزء أو الشرط المتعذر هو وجوب اتيان سائر الاجزاء أو الشرائط
أى وجب اتيان فلا يكون مقام البحث موردا لحديث الرفع لعدم وجود الامتنان لانه فى
نفى التكليف واما فى المقام فبعد فرض جريان حديث الرفع يثبت.
قوله
: نعم ربما يقال بان قضية الاستصحاب فى بعض الصور هو وجوب الباقى الخ.
هذا استدراك على
قول المصنف أى قد ذكر سابقا انه لو لم يكن الدليل على تعيين اطلاق دليل اعتبار
الجزئية أو الشرطية وكذا لو لم يكن الدليل على تعيين اطلاق دليل المأمور به لاستقل
العقل بالبراءة عن الباقى واستدرك عليه.
بقوله
: نعم ربما يقال الخ.
الغرض منه اثبات
وجوب الباقى بالاستصحاب أى يستصحب
الوجوب الكلى مثلا
بان يقال ان الصلاة واجبة مع السورة والركوع والسجود ويشك فى حدوث الوجوب لها
مقارنا لتعذر بعض اجزائها أو شرائطها فيستصحب طبيعى الوجوب أى ما كان جامعا بين
الوجوب النفسى والغيرى والظاهر انه مع وجود جميع الاجزاء يكون كل جزء مقدمة للكل
فثبت للجزء الوجوب الغيرى.
واما اذا انتفى
بعض الافراد للعجز عنه فثبت للباقى الوجوب النفسى فالمستصحب فى هذا المقام هو الوجوب
الكلى لحدوث وجوب النفسى للباقى بعد عجز المكلف عن بعض الاجزاء هذا هو القسم
الثالث من استصحاب كلى قد عرف هذا القسم من الاستصحاب فى محله حاصله هو ما اذا كان
الشك فى بقاء الكلى مستندا الى احتمال وجود فرد ثان غير الفرد المعلوم حدوثه ثم
ارتفاعه وكذا فى المقام يشك بعد عجز المكلف عن بعض الاجزاء فى بقاء الوجوب الكلى
لعروض وجوب النفسى فى الباقى.
قال صاحب الكفاية
ان قضية الاستصحاب فى بعض صور وجوب الباقى لا يكاد يصح الا بناء على صحة القسم
الثالث من استصحاب الكلى أو على المسامحة فى تعيين الموضوع فى الاستصحاب قد ذكر
توضيح وتطبيق الاستصحاب بناء على صحة القسم الثالث من استصحاب الكلى.
واما صحة وجوب
الباقى بالاستصحاب من باب المسامحة العرفية أى يصدق موضوع الاستصحاب بالمسامحة بان
لا يكون الجزء أو الشرط المتعذر من مقومات الموضوع ولا يضر عدمه فى وجود الموضوع
عند اهل العرف يعنى أن تكون المسامحة العرفية بمرتبة يصدق على الفاقد المتعذر انه
الموضوع السابق
ويكون وجوبه بقاء
ذلك الوجوب لا وجوبا حادثا لموضوع جديد
قال صاحب الكفاية
ويأتى تحقيق الكلام فيه فى غير المقام أى يأتى فى تنبيهات الاستصحاب ان المرجع فى
تعيين الموضوع هو نظر العرف دون غيره من العقل والمراد من قوله فى غير المقام أى
فى غير مقام البحث الفعلى يجيء تحقيق الكلام وهو اواخر مبحث الاستصحاب حيث إنّه
يبحث فى هذا المبحث عن تعيين الموضوع فى الاستصحاب.
قوله
: كما ان وجوب الباقى فى الجملة ربما قيل بكونه مقتضى ما يستفاد من قوله صلىاللهعليهوآله الخ.
قد علم ان ما
اختاره المصنف (قده) هو عدم وجوب الباقى للبراءة العقلية أى اذا لم يكن الدليل
لوجوب الباقى فى حال العجز عن بعض الاجزاء والشرائط فتجرى البراءة العقلية عن وجوب
الباقى وقد اشار بعد بيان مذهبه الى ادلة القائلين بوجوب الباقى وهى الاستصحاب
الذى تقدم تفصيله وأيضا اشار الى وجوب الباقى بقاعدة الميسور.
بقوله
: كما ان وجوب الباقى فى الجملة الخ.
واستدل القائلون
بوجوب الباقى بقوله صلىاللهعليهوآله اذا امرتكم بشىء فأتوا منه ما استطعتم وكذا قوله الميسور
لا يسقط بالمعسور وقوله ما لا يدرك كله لا يترك كله فيستفاد من هذه الروايات وجوب
الباقى بقاعدة الميسور.
ولا يخفى ان قاعدة
الميسور دليل اجتهادى واما الاستصحاب فهو دليل فقاهتى بعبارة شيخنا الاستاد ان
الرقم الاول هو القطع والرقم الثانى هو الدليل الاجتهادى والرقم الثالث هو الدليل
الفقاهتى.
قال صاحب الكفاية
ان دلالة الرواية الاولى مبنية على كون كلمة من تبعيضية أى ان الاستدلال بالخبر
الاول على قاعدة الميسور مبنى على امرين.
الاول كون كلمة من
تبعيضية اذ لو كانت بيانية أو بمعنى الباء فمعنى الخبر حينئذ وجوب الاتيان بنفس
المأمور به الكلى بقدر الاستطاعة لا وجوب الاتيان ببعضه الميسور كما هو المقصود
فلا يشمل هذا الخبر المركب الذى تعذر بعض اجزائه الثانى انما يصح كون هذا الخبر
دليلا لما نحن فيه اذا كان التبعيض بحسب الاجزاء والابعاض لا الافراد واما اذا كان
التبعيض بحسب الافراد فمفاد الخبر حينئذ هو وجوب الاتيان بما تيسر من افراد
الطبيعة فلا يدل على وجوب ما تيسر من اجزاء المركب الذى تعذر بعض اجزائه.
قوله
: وظهورها فى التبعيض وان كان مما لا يكاد يخفى الخ.
أى سلمنا كون كلمة
من فى التبعيض الذى هو عبارة عن صحة قيام كلمة بعض مقام كلمة من لكن يحتمل ان يكون
بلحاظ الافراد اذا جاء هذا الاحتمال فلم يصح الاستدلال بالخبر المذكور قد ذكر وجه
عدم الاستدلال به فى هذه الصورة آنفا ولو سلم ظهور كلمة من فى التبعيض بلحاظ
الاجزاء بحسب الاستعمالات المتعارفة لكن القرينة موجودة هنا لارادة التبعيض بلحاظ
الافراد حيث ان هذا الخبر ورد جوابا عن السؤال عن تكرار نفس الحج بعد ان خطب رسول
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فقال ان الله كتب عليكم
الحج فقام عكاشة
فقال فى كل عام يا رسول الله.
فيعلم من هذا
السؤال والجواب ان المراد من هذا التبعيض هو بحسب الافراد والمراد من السؤال هو
السؤال عن نفس المأمور به الكلى لا السؤال عن اجزائه اذ لا معنى للسؤال عن تكرير
اجزاء الحج قد ذكر هذا السؤال والجواب فى المتن.
قوله
هذا مضافا الى عدم دلالته على عدم السقوط لزوما الخ.
هذا اشارة الى
الثانى وجهى الاشكال المتقدم أى قد اشكل على الاستدلال بالخبر الثانى بوجهين
احدهما أن الميسور يحتمل ان يكون بحسب الافراد لا الاجزاء قد ذكر هذا الاشكال على
الاستدلال بالخبر الاول.
ثانيهما انه لا
يدل على المطلوب وهو وجوب الاجزاء الميسور بتعذر بعض الاجزاء أو الشرائط.
فقوله هذا مضافا
اشارة الى هذا الوجه الثانى أى لا يدل هذا الخبر الثانى على المطلوب لان الميسور
عام للواجبات والمستحبات فان دل الخبر على وجوب الميسور لزم خروج المستحبات عن
عموم الميسور لعدم وجوب الميسور من المستحبات التى تعذر بعض اجزائها أى لا يصدق
الوجوب فى المستحبات مطلقا أى لا فى تمام اجزائها ولا فى الاجزاء الميسورة منها
بعد تعذر بعض اجزائها فان خصص الميسور بالواجبات واخرجت المستحبات عنه فهو مخالف
لبناء الاصوليين لان قاعدة الميسور جارية عندهم فى المستحبات أيضا وان حمل الامر
على مطلق الرجحان أى يحمل الامر باتيان الميسور على مطلق الرجحان فلا يدل هذا
الخبر
حينئذ على وجوب
الباقى الميسور.
قوله
الا ان يكون المراد عدم سقوطه بما له من الحكم الخ.
هذا دفع الاشكال
الذى أورده بقوله مضافا الخ حاصل هذا الدفع ان المراد من قوله (ص) الميسور لا يسقط
بالمعسور هو عدم سقوطه بماله من الحكم أى ان كان الميسور من الواجبات فاتيانه واجب
وان كان من المستحبات فاتيانه مستحب أى لا يسقط حكم الميسور من الوجوب أو الندب
بسقوط حكم المعسور فيشمل الخبر على البيان المذكور كلا من الواجب والمستحب المتعذر
بعض اجزائهما أو شرائطهما ويدخل كل منهما تحت قاعدة الميسور.
واعلم ان الظاهر
من ما ذكر عدم سقوط حكم الميسور كما قال صاحب الكفاية ان قضية الميسور كناية عن
عدم سقوط حكمه أى المراد من عدم سقوط الميسور هو عدم سقوط حكمه كما ان الظاهر من
مثل لا ضرر ولا ضرار هو نفى الحكم الضررى أو الموضوع الضررى وليس المراد منه نفى
نفس الضرر لانه يوجد كثيرا فى افعال الناس.
ولا يخفى ان اثبات
الموضوع ونفيه فى الخطابات الشرعية كناية عن اثبات حكمه شرعا ونفيه عنه كذلك مثلا
نفى ضرر كناية عن نفى الحكم الضررى أى المراد من نفى الضرر هو نفى لازمه أى الحكم
وكذا المراد من عدم سقوط الميسور هو عدم سقوط لازمه وحكمه وأيضا يقال ان اثبات
الحكم قد يكون بلسان موضوعه وكذا نفى الحكم قد يكون بنفى موضوعه.
قوله
لا انها عبارة عن عدم سقوطه بنفسه الخ.
هذا مربوط فى قوله
سابقا بان يكون قضية الميسور الخ أى قضية الميسور كناية عن عدم سقوط حكمه لا ان
قضية الميسور عبارة عن عدم سقوطه بنفسه وبقائه على عهدة المكلف حتى تختص القاعدة
بالواجبات ولا تشتمل المستحبات لان كون الشىء فى العهدة هو المختص بالواجبات وان
حمل عدم سقوط الميسور على مطلق الرجحان فلا يكون له دلالة على وجوب الميسور فى
الواجبات أى عدم سقوط الميسور على وجه كونه للوجوب فيختص بالواجبات ولا يشمل
المستحبات أو لا يكون له دلالة على وجوب الميسور على وجه آخر أى على وجه حمل عدم
السقوط على مطلق الرجحان أى لا يدل حينئذ على وجوب الباقى.
قوله
واما الثالث فبعد تسليم ظهور كون الكلام فى المجموعى الخ.
هذا اشارة الى
الاشكال الذى أورده الشيخ (قده) على الاستدلال بهذا الخبر الثالث أى ما لا يدرك كله
لا يترك كله توضيح هذا الاشكال ان الاستدلال بهذا الخبر منوط بان يراد من كلمة
الكل ذو اجزاء واما اذا اريد منها ذو الافراد فهذا الخبر اجنبى عن مورد قاعدة
الميسور مثلا اذا امر المولى بصوم كل يوم من شهر رمضان أو اكرام كل عالم وتعذر صوم
بعض الايام أو اكرام بعض العلماء فلا وجه للتمسك بقاعدة الميسور لوجوب صوم بعض
الايام بالامر الاستقلالى وكذا وجوب اكرام بعض العلماء فلا يحتاج اتيان الباقى الى
قاعدة الميسور لان كل فرد يجب بالامر الاستقلالى
واما اذا كان
المراد من كلمة الكل : الكلى المجموعى فهذا الخبر دال على اتيان الاجزاء الميسورة
لكن لا يدل على وجوب اتيان الباقى بل يدل على رجحان اتيان ما بقى من الفعل المأمور
به واجبا كان أو مستحبا فايضا لم يصح الاستدلال بهذا الخبر على وجوب اتيان الباقى
بل يدل على رجحان اتيانه أى لا يعلم من هذا الخبر وجوب اتيان الباقى قد ذكر فى المتن
وجه دلالة هذا الخبر على الرجحان.
قوله
ثم إنّه حيث كان الملاك فى قاعدة الميسور الخ.
أى هذا الكلام
بيان لموارد قاعدة الميسور أى انها تجرى فى تعذر كل من الجزء والشرط ولا تختص
بتعذر الجزء أى لا فرق بين تعذر الجزء والشرط لان الميسور يصدق فى كل من فاقد
الجزء والشرط عرفا وان كان واجد الشرط مبائنا لفاقده عقلا أى لا يصدق الميسور على
فاقد الشرط عقلا لانه يحكم على المبائنة بينهما فلا يكون الفاقد مأمورا به عقلا.
فلما كان المناط
فى صدق الميسور على الباقى هو النظر العرفى فيكفى صدق الميسور عرفا فى فاقد الشرط
وكذا يصدق على الباقى اذا لم يكن الباقى فاقدا لمعظم الاجزاء واما اذا كان الباقى
فاقدا له أو الركن فلم يصدق عليه الميسور وان لم يكن مباينا للواجد عقلا.
قوله
نعم ربما يلحق به شرعا ما لا يعد بميسور عرفا الخ.
هذا استدراك على
ما ذكر من كون الملاك فى جريان قاعدة الميسور وهو صدق الميسور العرفى على الباقى
ولا يخفى ان هذا
الملاك مطرد فى
جميع الموارد الا فيما قام الدليل على خروج الميسور العرفى عن تحت هذه القاعدة أى
لا يعد الباقى بميسور عرفا.
الحاصل ان الباقى
قد يكون ميسورا شرعا لا عرفا أى لا يعد بميسور عرفا لكن يلحق به شرعا بتخطئته
للعرف أى يحكم الشرع بتخطئة العرف : هذا كصلاة الغرقى فانها بنظر العرف ليست
الميسور من الصلاة لكن دل الدليل الشرعى على انها الميسور منها وذلك اما بتخطئة
الشرع للعرف لعدم اطلاعه على وفاء الفاقد فى حال التعذر فى جميع مصلحة الواجد أو
بمعظمها اذ مع اطلاعه على ذلك لعده كالشرع ميسورا.
وقد يكون الامر
بعكس ما ذكر أى يحكم الشرع على سقوط ميسور عرفى لتخطئته للعرف لان الشرع يحكم بعدم
وجود الملاك فى الباقى.
قوله
واذا قام الدليل على احدهما فيدخل أو يدرج.
أى اذا قام الدليل
على الاخراج أو الالحاق فيخرج الباقى بدليل الاخراج ويدرج بدليل الادراج فيكون
الاخراج تخطئة أو تخصيصا أى يخرج الباقى عن الميسور بتخطئة الشرع للعرف أو يخرج
الباقى عنه تخصيصا أى يكون الدليل الشرعى مخصصا لعموم قاعدة الميسور واما ادراج
الباقى فى الميسور فانما جعل الفاقد شريكا فى الحكم مع الواجد من دون اندراج فى
الموضوع مثلا نزل الطواف فى البيت بمنزلة الصلاة فى الحكم مع عدم التصرف فى
الموضوع أى الصلاة.
ولا يخفى ان ما
ذكر توضيح لقوله فيخرج أو يدرج تخطئة أو تخصيصا فى الاول وتشريكا فى الحكم من دون
اندراج فى الموضوع فى الثانى.
قوله
تذنيب لا يخفى انه اذا دار الامر بين جزئية أو شرطيته الخ.
لما كان البحث فى
انتفاء الجزء أو الشرط لعجز المكلف أى هل يجب الباقى أم لا قد مر هذا البحث مفصلا
ويذكر هنا من باب الكلام يجر الكلام البحث فى دوران الامر بين جزئية الشىء أو
شرطيته وبين مانعيته أو قاطعيته.
فاعلم ان صور
المسألة اربع الاولى دوران الشىء بين جزئيته ومانعيته كالاستعاذة بعد تكبيرة
الاحرام فيحتمل كونها جزءا للصلاة كالنية والتكبيرة والفاتحة والسورة وكذا يحتمل
كونها مانعا عن الصلاة.
الثانية دوران
الشىء بين جزئيته وقاطعيته أى اذا فرض عدم كون الاستعاذة جزءا فهى من القواطع
المبطلة للصلاة والفرق بين المانع والقاطع : ان كون المانع ما وقع فى نفس الاجزاء
كالسورة الثانية فانها محتملة للجزئية والمانعية ففى صورة مانعيتها مبطلة للصلاة
على مبطلية القرآن بين صورتين واما القاطع فهو ما وقع بين الاجزاء لا فى نفس
الاجزاء.
ولا يخفى ان الفرق
بين المانع والقاطع اعتبارى : أى ان المانع هو الذى تعتبر مبطليته بما اذا وقع فى
نفس الاجزاء واما القاطع فانما تعتبر مبطليته بما اذا وقع بين الاجزاء يعبر عنه
بالقاطع
لكون هذا الشىء
قاطعا للهيئة الاتصالية المعتبرة فى الصلاة مثلا.
الثالثة دوران بين
الشرطية والمانعية كالجهر بالقراءة فى ظهر الجمعة.
الرابعة دوران
الشىء بين الشرطية والقاطعية كالمثال المذكور أى الاستعاذة.
اذا عرفت الصور
الاربع فى مسئلة الدوران بين ما ذكر فاعلم ان المصنف بنى على جريان حكم المتباينين
فى هذه المسألة أى يجرى الاحتياط فى دوران الامر بين ما ذكر مثلا اذا دار الامر
بين الجهر والاخفات فى الصلاة فى ظهر الجمعة فيمكن الاحتياط باتيان الصلاة مرتين
فلا يكون المقام على مذهب المصنف من قبيل دوران الامر بين المحذورين حتى يكون
الحكم فيه التخيير كما ذهب اليه الشيخ (قده).
قوله
خاتمة فى شرائط الاصول.
وهى الاحتياط
والبراءة بقسميها واصالة التخيير لانها مذكورة قبل ذلك أى قد ذكر سابقا عند قوله
المقصد السابع فى الاصول العملية وذكر أيضا ان ما هو اهم منها اربعة وهى البراءة
والاحتياط والتخيير والاستصحاب ويذكر هنا حسن ما ثبت البحث عنه قبل هذه الخاتمة
وهى الثلاثة الاولى واما الاستصحاب فيأتى البحث عنه عن قريب إن شاء الله فيعلم فى
محله حسنه.
قوله
واما الاحتياط فلا يعتبر فى حسنه شىء الخ.
الكلام فى
الاحتياط من جهات : الاولى فى شرط لزومه قد تقدم ان لزومه فى هذه الموارد :
الاول مورد العلم
الاجمالى بين المتباينين : الثانى دوران الامر بين العام والخاص : الثالث دوران
الامر بين التعيين والتخيير الشرعى : الرابع الشبهات الحكمية قبل الفحص : الخامس
الشبهات الحكمية بعد الفحص.
الثانية فى شرط
حسنه وقد حكم فى المتن بعدم الشرط فيه الا عدم لزوم اختلال النظام ولا فرق فى حسنه
بين قيام الحجة على الخلاف وعدمه وكذا لا فرق بين اهمية المحتمل وعدمها ولا بين
كون الاحتمال قويا أو ضعيفا أو متوسطا ولا بين الشبهة البدوية وغيرها ولا بين
الاقل والاكثر والمتباينين ولا بين ما قبل الفحص وما بعده.
وقد نوقش فى حسن
الاحتياط المستلزم لتكرار العبادة أى قال المتوهم ان التكرار عبث ولعب بامر المولى
وينافى قصد القربة أى امتثال الامر المعتبر فى العبادة فمع التكرار لا يحصل ما هو
قيام العبادة من قصد القربة.
فاجاب المصنف عن
هذا التوهم بقوله فاسد أى هذا التوهم فاسد حاصل الجواب ان التكرار ليس لازما
مساويا للعبثية واللعبية لان التكرار قد يكون عن الغرض العقلائى كما اذا كان
التكرار موجبا لحصول العادة على العبادة أو كان موجبا لدفع الضرر عن العدو مثلا
اذا كان الشخص فى حال العبادة فقد استحي العدو من الاضرار فى هذا الحال.
الظاهر ان العبثية
لا تصلح لان تكون مانعة عن حسن الاحتياط المستلزم لتكرار العبادة لان العبثية لم
تكن لازما مساويا للتكرار فيكون التكرار بداع صحيح عقلائى هذا الجواب الاول عن
التوهم
واجاب المصنف
ثانيا بقوله مع أنّه لو لم يكن بهذا الداعى وكان اصل اتيانه بداعى امر المولى. أى
اجيب عن الاشكال اولا بان الاحتياط كان عن الغرض العقلائى واجيب عنه ثانيا ان مناط
القربة المعتبرة فى العبادات هو اتيان الفعل بداعى امر المولى بحيث لا يكون له داع
سواه فلو اتى المكلف بهذا الداعى لقد ادى وظيفته ولا يضر التكرار على هذا الداعى
وان لم يكن التكرار ناشئا من غرض العقلائى ولا يخفى ان اللعب فى صورة التكرار انما
يكون فى كيفيته الامتثال لا فى نفس الامتثال.
قوله
بل يحسن أيضا فيما قامت الحجة على البراءة عن التكليف الخ.
هذا معطوف على
قوله بل يحسن على كل حال أى كما ان الاحتياط فى موارد عدم قيام الحجة على نفى
التكليف كالشبهات البدوية الوجوبية أو التحريمية كذلك يحسن فى موارد قيام الحجة
على عدم التكليف كما اذا قامت الامارة على عدم حرمة شرب التتن فيحسن الاحتياط
حينئذ أيضا بعدم شربه لئلا يقع المكلف فى مخالفة الواقع على تقدير ثبوته.
الحاصل ان موضوع
الاحتياط هو احتمال ثبوت الحكم واقعا والظاهر ان هذا الموضوع موجود مع قيام الحجة
غير العلمية على عدم التكليف لاحتمال خطائها.
قوله
واما البراءة العقلية فلا يجوز اجراؤها الا بعد الفحص واليأس.
أى الدليل لحجية
البراءة العقلية هو قبح العقاب بلا بيان ولا
اشكال فى اشتراط
الفحص فيها وانه شرط لجريانها لان موضوعها هو اللابيانية والمراد من البيان هو
الحجة على التكليف فاحتمال التكليف قبله أى الفحص حجة عليه ومنجز له عقلا نظير
العلم الاجمالى وقيام الامارة المعتبرة.
بعبارة اخرى ان
اجرائها منوط بتحقق موضوعها اعنى عدم البيان على الحكم أى عدم الحجة عليه ولا يخفى
ان احراز عدم البيان منوط بالفحص وعليه فلا يستقل العقل بالبراءة الا بعد الفحص
واليأس.
قوله
واما البراءة النقلية فقضية اطلاق ادلتها الخ.
قد ذكر ان الشرط
فى حجية البراءة العقلية هو الفحص واليأس عن الظفر بالحجة.
واما البراءة
النقلية فهى تابعة لادلتها أى كانت حجة بالادلة النقلية كحديث الرفع والحجب والسعة
وغيرها أى رفع ما لا يعلمون وكذا قوله (ع) ما حجب الله علمه عن العباد فهو موضوع
عنهم وكذا قوله (ع) الناس فى سعة ما لا يعلمون الظاهر ان هذه الادلة لم تقيد
بالفحص فمقتضى اطلاقها عدم اعتباره فى جريانها فى الشبهات الحكمية كما هو الحال فى
جريان البراءة النقلية فى الشبهات الموضوعية.
قوله
الا انه استدل على اعتباره بالاجماع الخ.
هذا استدراك على
قوله وان كان مقتض الادلة عدم الفحص فى جريان البراءة النقلية والغرض من هذا
الاستدراك ان اطلاق ادلة البراءة النقلية وان كان مقتضيا لعدم وجوب الفحص فى جريانها
فى الشبهات
الحكمية الا انه استدل فى مقابل ما ذكر على وجوب الفحص فى جريانها بالاجماع
وبالعقل اى قام الاجماع القطعى على عدم جواز العمل باصالة البراءة قبل الفحص
واليأس عن الظفر بالادلة وكذا العقل يحكم بثبوت تكاليف الزامية فى الشبهات بحيث لو
تفحص عنها فى الادلة لظفر بها فرد المصنف هذين الوجهين.
بقوله
: ولا يخفى ان الاجماع هاهنا الخ.
أى لا يصح
الاستدلال فى المقام بالاجماع لان الاجماع المحصل غير حاصل اذ ليس المقام من
المسائل الشرعية المحضة قد ذكر فى محله ان الاجماع اذا كان مدركيا فلم يكن حجة أى
اذا استند الاجماع الى العقل فلا يجوز الاتكال عليه بل يعتمد الى حكم العقل واما
الاجماع المنقول فقد اختلف فى حجيته فيصير موهونا فحينئذ لا فائدة فى نقله.
قوله
: وان الكلام فى البراءة فيما لم يكن هناك علم موجب للتنجز الخ.
قد استدل بدليلين
أى الاجماع والعقل على وجوب الفحص واجيب عن الاجماع بان هذا الاجماع مستند الى حكم
العقل واجيب عن الدليل الثانى.
بقوله
: ان الكلام فى البراءة الخ.
هذا معطوف على
قوله ان الاجماع هاهنا غير حاصل.
أى هذا الكلام
اشارة الى الجواب عن رد الدليل العقلى توضيح الجواب ان العقل انما يدل على وجوب
الفحص فى المورد الذى كان
فيه العلم
الاجمالى بوجود التكليف واما فى المورد الذى لم يكن فيه العلم الاجمالى المنجز أو
كان لكن انحل هذا العلم الاجمالى الى العلم التفصيلى بالظفر بالمقدار المعلوم مثلا
اذا اشتبه الغنم الموطوء بين مائة فرد من الغنم هذا علم اجمالى كبير.
فحصل بعد هذا
العلم الاجمالى الكبير علم اجمالى صغير أى حصل هذا العلم الاجمالى الصغير على ان
هذا الغنم من الافراد التى كان لونها اسودا فانحل العلم الاجمالى الى افراد الغنم
الاسود ولا يشمل افراد آخر من الغنم كالابيض والاحمر والاصفر فلا يحتاج هذه
الافراد الى الفحص وكذا اذا خرج بعض الافراد عن محل الابتلاء.
قال
صاحب الكفاية ولو لعدم الالتفات اليها.
أى ولو كان عدم
الابتلاء لاجل عدم الالتفات الى تلك الشبهات أى غفل المكلف عن تلك الشبهات فلا يجب
الفحص فى الموارد المذكورة.
وكذا الحكم فى
مقام البحث اعنى جريان البراءة النقلية فتجرى فى المورد الذى لم يكن فيه العلم
الاجمالى أو كان لكن انحل بالظفر بالمقدار المعلوم بالاجمال وكذا انحل العلم
الاجمالى لعدم ابتلاء المكلف الا بالشبهات التى لا يعلم بالتكليف بينها ولو كان
عدم الابتلاء لاجل الغفلة وعدم الالتفات الى تلك الشبهات.
قوله
: فالاولى الاستدلال للوجوب بما دل من الآيات والاخبار الخ.
استدل سابقا على
اعتبار الفحص بالاجماع والعقل لكن اشكل على هذا الاستدلال فقال صاحب الكفاية ايها
المستدل ان شئت
الاستدلال بوجوب
الفحص فى الشبهات الحكمية فالاولى الاستدلال له بما دل من الآيات والاخبار بعبارة
شيخنا الاستاد بالفارسية صاحب كفاية مى گويد كسانى كه استدلال مى كنند بر وجوب فحص
من براى ايشان راه نشان مى دهم أى بايد استدلال به آيات واخبار شود توضيح
الاستدلال انا لا نحتاج الى الاجماع أو الدليل العقلى بعد ما دل من الآيات
والاخبار على وجوب التفقه كقوله تعالى (فَلَوْ لا نَفَرَ
مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ) : وكالنبوى طلب العلم فريضة على كل مسلم وكقوله عليهالسلام ايها الناس اعلموا ان كمال الدين طلب العلم والعمل به
وتقريب الاستدلال بهذه الآيات والاخبار ان هذه الادلة دالة على وجوب التفقه
والتعلم والمؤاخذ على تركه.
فعلم مما ذكر انه
لو كان اجراء البراءة قبل الفحص جائزا لما كان الوجه لوجوب التعلم والتفقه وأيضا
لما كان الوجه للمؤاخذة فى تركهما فان اعتذر الشخص عن عدم العمل بعدم العلم فلم
ينفع هذا الاعتذار فيؤاخذ لقوله تعالى أى فلله الحجة البالغة وكذا بقوله تعالى (لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ) أى ان المؤاخذة كانت لترك التفقه والتعلم كما فى الخبر من
انه يقال للعبد يوم القيامة هل علمت فان قال نعم قيل فهلا عملت وان قال لا قيل له
هلا تعلمت حتى تعمل.
وقد علمت ان ادلة
البراءة النقلية تدل على عدم اعتبار الفحص فى جريانها واستدل بعد هذه الادلة
بالآيات والاخبار التى تدل على وجوب التعلم والفحص فكيف التوفيق بين ادلة البراءة
النقلية والآيات والاخبار والجواب ان النسبة بينهما وبين ادلة البراءة
نسبة المقيد الى
المطلق فيقيد بها اطلاق ادلة البراءة توضيح الجواب ان ادلة البراءة مطلقة بالنسبة
الى جريانها أى سواء كان جريان البراءة النقلية قبل الفحص أم بعده واما الآيات
والاخبار فمدلولهما وجوب الفحص فيقيد بهذه الآيات والاخبار اطلاق ادلة البراءة
النقلية أى تقيد هذه الادلة على جريان البراءة بعد الفحص واليأس عن الحجة.
الحاصل انه يقيد
اخبار البراءة بالآيات والاخبار التى تدل على وجوب التفقه والتعلم لقوة ظهور تلك
الآيات والروايات فى كون المؤاخذة والذم على ترك التعلم فيما لم يعلم بل بعض هذه
الروايات كالصريح فى كون التوبيخ على ترك التعلم لا على ترك العمل.
اذا ثبت التوفيق
بين ادلة البراءة النقلية وبين الادلة التى تدل على وجوب التوقف والتعلم بجعلهما
من باب المطلق والمقيد فلا مجال للتوفيق بحمل هذه الاخبار على ما اذا علم اجمالا
أى لا مجال لتوهم بعض من ان مورد اخبار البراءة عدم العلم بالتكليف لا تفصيلا ولا
اجمالا ومورد الآيات والاخبار هو وجوب التعلم والمؤاخذة على تركه فى الشبهات التى
هى مقرونة بالعلم الاجمالى أي فلا مجال للتوفيق بما توهمه بعض ولا نحتاج الى هذا
الوجه بعد كون مقام البحث من باب المطلق والمقيد.
قوله
: ولا يخفى اعتبار الفحص فى التخيير العقلى أيضا.
أى قد فرغنا عن
البحث فى جريان الاصول الثلاثة وهى الاحتياط والبراءة العقلية والنقلية فيشرع فى
بيان ما يعتبر فى جريان اصالة التخيير فى دوران الامر بين المحذورين.
واعلم ان الفحص فى
التخيير العقلى معتبر بعين الوجه الذى ذكر فى لزومه فى البراءة العقلية أى ان
الفحص فى باب البراءة العقلية يكون محرزا لعدم البيان الذى هو موضوع البراءة
العقلية كذلك يكون محرزا لموضوع اصالة التخيير وهو تساوى احتمالين وعدم مرجح
لاحدهما والظاهر ان هذا التساوى لا يحرز الا بالفحص لانه اما موجب لتعيين احد
الاحتمالين أو تساويهما فيتخير فى الاخذ باحدهما فالعقل لا يستقل بالحكم بالتخيير
الا بد احراز عدم رجحان احد الاحتمالين على الآخر.
قوله
: ولا بأس بصرف الكلام فى بيان بعض ما للعمل بالبراءة قبل الفحص الخ.
ولما سبق بيان
اشتراط العمل بالبراءة بالفحص اراد المصنف ان يبين ما للعمل بها قبل الفحص من
استحقاق العقوبة والحكم التكليفى والوضعى أى يصرف الكلام فى بيان بعض ما للعمل
بالبراءة قبل الفحص من التبعة والاحكام والمراد من الاولى هو العقاب ومن الثانية
الاحكام الوضعية من صحة العمل وبطلانه ولعل الجمع منطقى أو باعتبار الموارد أى كون
الاحكام بصيغة الجمع فالمراد هو الجمع المنطقى فيصح اطلاقه على فردين من صحة العمل
وبطلانه توضيح ما ذكر اما التبعة ففيها اقوال ثلاثة.
احدها استحقاقها
العقاب أى العمل بالبراءة قبل الفحص مستلزم العقاب مطلقا سواء صادف الواقع أم لا
وهذا القول منسوب الى صاحب المدارك والمحقق الاردبيلى (قدسسرهما) والدليل لهذا القول هو قبح تكليف الغافل لان الجاهل غافل
عن الواقع فيكون العقاب على ترك التعلم.
ثانيها استحقاق
العقوبة على مخالفة الواقع لو اتفقت والا فلا عقوبة ونسب هذا القول الى المشهور
فصاحب الكفاية (قده) تبع المشهور والتزم باستحقاق العقوبة على مخالفة الواقع التى
ادى اليها ترك التعلم والفحص.
وقد اشكل على هذا
القول بان مخالفة الواقع حال الغفلة خارجة عن الاختيار فتكون المخالفة مغفولة
حينها ولا شك ان هذه المخالفة فى هذه الحال خارجة عن الاختيار فلا يصح العقاب على
الامر غير الاختيارى.
والجواب انه لا
يقبح على ما ينتهى الى الاختيار ففى المقام يقال سلمنا وقوع المخالفة حال الغفلة
عن الواقع لكن لما كانت مستندة الى تقصير المكلف فى ترك الفحص والتعلم تنتهى الى
الاختيار أى كان ترك الفحص باختياره كما يقال ان الامتناع بالاختيار لا ينافى
الاختيار.
ثالثها ان العقاب
فى المقام يحتمل ان يكون لاجل التجرى مثلا اذا احتمل حرمة العصير العنبى أو وجوب
الدعاء عند رؤية الهلال ومع ذلك ترك التعلم لقلة المبالاة فى الدين وشرب العصير أو
ترك الدعاء فان نفس التجرى على المولى يوجب عقلا استحقاق العقوبة.
قوله
نعم يشكل فى الواجب المشروط والموقت الخ.
ذكر المصنف هنا
الموقت بعد المشروط كان هذا من باب ذكر الخاص بعد العام اذ الموقت من افراد
المشروط اذ الشرط تارة يكون هو الوقت وتارة غيره.
اذا عرفت هذه
الجملة المعترضة فاعلم ان ما ذكر من وجوب التعلم والفحص فى التكاليف المطلقة
والمنجزة مسلم اذ لو لم يجب الفحص لزم ترك الواجب المطلق واما فى التكاليف
المشروطة كالمشروط بزمان أو زماني كصلاة الجمعة وكالحج المشروط بالاستطاعة فوجوب
التعلم والفحص فى التكاليف المشروطة مشكل اذ المفروض عدم وجوب فعلي فيها لاناطة
التكليف المشروط بتحقق شرطه فقبل تحققه لا تكليف حتى يجب التعلم.
ولا يخفى ان ترك
التعلم والفحص تارة يؤدى الى المخالفة بعد وجود الشرط والوقت وتارة لم يؤد تركهما
الى المخالفة بعد وجودهما فلا يجب التعلم فى كل من الموردين كما قال صاحب الكفاية
ان وجوب الفحص مشكل فى الواجب المشروط ولو ادى ترك التعلم والفحص قبل الشرط والوقت
الى المخالفة بعدهما فضلا عما لم يؤد اليها.
واذا لم يصح وجوب
التعلم والفحص من باب المقدمة لعدم مخالفة الواقع أى لم يصح جعلهما مقدمة لادراك
الواقع التجأ المحقق الاردبيلى وصاحب المدارك (قدهما) الى الالتزام بوجوب التفقه
والتعلم نفسيا فثبت العقوبة على ترك التعلم بنفسه لا بمخالفة الواقع.
قوله
ويسهل بذلك الامر فى غيرهما لو صعب على احد الخ.
أى اشكل على كون
التعلم والتفحص واجبا من باب المقدمة فى التكاليف المشروطة واجيب عن هذا الاشكال
بان وجوبهما نفسى
فيسهل بهذا الجواب
ان يندفع الاشكال الذى ورد فى الواجبات المطلقة قد ذكر ان ترك الفحص فى التكاليف
المطلقة يؤدى الى المخالفة فاشكل عليه ان مخالفة الواقع فى حال الغفلة خارجة عن
الاختيار والعقاب بالامر غير الاختيارى قبيح.
واجيب عن هذا
الاشكال بان المخالفة منتهية الى الاختيار وهو كاف فى صحة العقوبة.
فيقال هنا ان هذا
الاشكال الذى دفعناه فى الواجب المطلق بان العقل لا يقبح المؤاخذة على ترك الواقع
اذا انتهى الى الاختيار يسهل دفع هذا الاشكال بما افاده المحقق الاردبيلى وصاحب
المدارك (قدهما) من كون وجوب التعلم نفسيا فيكون العقاب حينئذ على ترك التعلم الذى
هو بنفسه امر اختيارى أى يسهل دفع الاشكال بما ذكر اذا لم تصدق كفاية الانتهاء الى
الاختيار فى استحقاق العقوبة فى حال الغفلة.
قوله
ولا يخفى انه لا يكاد ينحل هذا الاشكال الا بذلك الخ.
قد ذكر الاشكال فى
استحقاق العقوبة فى الواجب المشروط والموقت لعدم تكليف فعلى فيهما لا قبل الشرط ولا
بعده.
واما عدم كون
التكليف فعليا قبل الشرط فهو ظاهر لان الوقت والشرط على المشهور من شرائط التكليف
فلا تكليف قبلهما حتى يترشح منه الوجوب الغيرى على التعلم والفحص.
واما عدم التكليف
بعد الشرط فهو ظاهر أيضا لعدم التمكن من الواجب حينئذ لاجل الغفلة عنه الموجبة
لقبح الخطاب الى المكلف فاذا لم يكن التكليف فعليا بالنسبة الى الواجب المشروط
والموقت
فلم يترشح الوجوب
الى التعلم والفحص.
واجيب عن هذا
الاشكال بان وجوبهما نفسى وقال صاحب الكفاية بقوله لا يخفى انه الخ. انه لا ينحل
اشكال المذكور الا بجعل التعلم واجبا نفسيا أو الالتزام بكون المشروط أو الموقت
مطلقا معلقا وتوضيح الجواب الثانى قد ذكر فى باب تقسيمات الواجب كون الواجب على
اقسام : الاول المطلق الثانى : المعلق والمنجز الظاهر ان فعلية التكليف تتصور على
وجهين :
الاول أن تكون
فعلية الوجوب مقارنة زمانا لفعلية الواجب أى كون زمان الوجوب والواجب واحدا ويسمى
هذا القسم الواجب المنجز كالصلاة بعد دخول وقتها فان وجوبها فعلى والواجب هو
الصلاة فعلي ايضا.
الثانى أن تكون
فعلية الوجوب سابقة زمانا على فعلية الواجب فيتأخر زمان الواجب عن زمان الوجوب أى
يكون زمان الوجوب مقدما على زمان الواجب ويسمى هذا القسم الواجب المعلق لتعليق
الفعل لا وجوبه على زمان غيره كالحج مثلا فانه عند حصول الاستطاعة يكون وجوبه
فعليا لكن الواجب أى اتيان اعمال الحج معلق عند الموسم.
اذا عرفت الواجب
المنجز والمعلق فاعلم ان مقصود المصنف من قوله : أو الالتزام بكون المشروط أو
الموقت مطلقا معلقا : هو كونهما معلقا أى يكون المشروط والموقت واجبا مطلقا بان
يكون الوجوب فعليا ومطلقا والواجب استقباليا وهو المسمى بالواجب المعلق فيصير بهذا
التوجيه الواجب المشروط واجبا مطلقا لكون وجوبه فعليا فثبت من البيان المذكور ان
الوجوب فى الواجب
المشروط والموقت
فعلي فيصح ترشح الوجوب منهما الى التعلم والتفحص واستدرك المصنف على ما ذكر من
وجوب المشروط والموقت وقال لكنه قد اعتبر على نحو لا تتصف المقدمات الوجودية عقلا بالوجوب
الخ.
هذا الاستدراك الى
الاشكال ودفعه واما الاشكال فهو ان مقتضى كون الواجب المشروط والموقت مطلقا معلقا
هو وجوب ايجاد مقدماتهما الوجودية قبل حصول الشرط والوقت اذ المفروض اطلاق وجوبهما
المقتضى لايجاب مقدماتهما لكن المسلم عندهم هو عدم وجوب تحصيل المقدمات قبل الشرط
والوقت فكان هذا التسالم دليلا على كون الشرط والوقت قيدا للهيئة كما هو مقتضى
القواعد العربية فيكون الشرط قيد للوجوب فلا وجوب قبل التحقق الشرط والوقت حتى
يترشح منه وجوب على التعلم : هذا اشكال.
واما دفعه فان جعل
هذا الوجوب فى الواجب المطلق والمعلق انما يكون بمثابة لا يجب تحصيل مقدماته قبل
الشرط والوقت الا خصوص التعلم ودخل سائر المقدمات انما هو بوجودها الاتفاقى فان
الاستطاعة مقدمة بوجودها الاتفاقى لا بوجودها التحصيلى كما ذكر فى محله ان تحصيل
المال لم يكن واجبا حتى يحصل الاستطاعة.
فظهر مما ذكر
التفاوت بين المقدمات فى ترشح الوجوب من الواجب على بعضها كالفحص والتعلم وعدم
ترشحه على بعضها الآخر كالاستطاعة بالنسبة الى الحج.
الحاصل ان اطلاق
الوجوب لا يقتضى ايجاب جميع المقدمات بل لا بد من ملاحظة المولى فى كيفية دخل
المقدمات والظاهر ان
نظره بالنسبة الى
التعلم والفحص هو وجوبهما قبل الشرط والوقت ويعاقب على تركه.
قوله
واما لو قيل بعدم الايجاب الا بعد الشرط والوقت الخ.
أى هذا اشكال على
كون الواجب المشروط والموقت مطلقا معلقا فيكون على قول المستشكل القيد للهيئة أى
للوجوب هذا مطابق لفتاوى المشهور حيث انهم افتوا بعدم وجوب مقدمات الواجب المشروط
والموقت قبل الشرط والوقت اذا لم يصح الوجه الثانى أى لم يصح ان يكون الواجب
المشروط مطلقا معلقا فيتعين دفع اشكال استحقاق العقوبة فى ترك التعلم والتفحص بكون
وجوبهما نفسيا لتكون المؤاخذة على تركه.
فان قلت ان هذا
مناف لظاهر الاخبار أى ان الالتزام بالوجوب النفسى للتعلم مناف لظاهر الادلة حيث
ان ظاهرها كون وجوب التعلم للغير كوجوب سائر المقدمات وليس وجوبه لنفسه فكيف
التوفيق بين كون التعلم واجبا نفسيا وغيريا.
قلت فى دفع
الاشكال ان الوجوب للغير مغاير للوجوب بالغير أى ان الواجبات النفسية كلها واجبات
للغير بمعنى ان وجوبها كان لاجل الملاك مثلا الصلاة وجبت للغير وهو ملاكها كالنهى
عن الفحشاء واما الوجوب بالغير الوجوب الترشحى من وجوب آخر فيكون الوجوب للغير
واجبا نفسيا تهيئيا أى ما وجب للتهيؤ لتشريع واجب : ويكون الوجوب بالغير واجبا
غيريا أى يترشح الوجوب من الغير اليه.
قد ذكر فى موارد
لفظة ايجاب ووجوب فيحسن بيان الفرق
بينهما من تقرير
شيخنا الاستاذ أى ان الايجاب والوجوب شىء واحد لكن اذا نسب الى الجاعل سمى ايجابا
واما اذا نسب هذا الشىء الى المجعول فيسمى وجوبا.
قوله
واما الاحكام فلا اشكال فى وجوب الاعادة فى صورة المخالفة الخ.
قد ذكر سابقا عند
قوله ولا بأس بصرف الكلام فى بيان بعض ما للعمل بالبراءة قبل الفحص من التبعة
والاحكام قد بين شرح التبعة أى العقاب الى هنا : ويبين الآن انشاء حكم العمل
بالبراءة قبل الفحص قد ذكر سابقا ان المراد من الاحكام هو الحكم الوضعى أى صحة
العمل وبطلانه وايضا ذكر ان الاحكام جمع منطقى أو باعتبار الموارد أى اما الكلام
فى الحكم الوضعى وهو صحة العمل الصادر من الجاهل وفساده فيبحث تارة فى المعاملات
بالمعنى الاعم واخرى فى العبادات.
الحاصل ان ما
افاده المصنف (قده) فى حكم العمل بالبراءة قبل الفحص والتعلم ان المدار فى صحة
العمل هو الموافقة للواقع والمراد بفساده هو المخالفة له سواء كان ذلك العمل عبادة
ام معاملة لكن انه ان كان عبادة فقد اعتبر فى صحته مضافا الى مطابقة الواقع صدوره
عن قصد القربة وبدون قصدها لا يصح العمل وتجب اعادته وان كان مطابقا للواقع واما
اذا كان العمل معاملة فلا يعتبر فى صحتها غير الموافقة له.
واما العبادة فلا
تصح من دون قصد القربة الا فى الاتمام فى موضع القصر أو الجهر أو الاخفات فى موضع
الآخر انما تصح
هذه الموارد للخبر
الصحيح كصحيح زرارة ومحمد بن مسلم قالا قلنا لابى جعفر عليهالسلام رجل صلى فى السفر اربعا أيعيد ام لا قال عليهالسلام ان كان قرئت عليه آية القصر وفسرت له فصلى اربعا اعاد وان
لم يكن قرئت عليه ولم يعلمها فلا اعادة عليه وكذا يصح الاجهار فى موضع الاخفات
وبالعكس بالرواية وقد أفتى المشهور بهذا الحكم أى صحة الصلاة فى الموضعين مع الجهل
ولو كان عن تقصير.
ولا يخفى ان الحكم
الاولى فى الموضعين عدم صحة الصلاة اذا كان الجهل عن تقصير واما كون الصلاة صحيحة
فهو بالدليل الثانوى ولكن على طبق القاعدة كان هذا الجهل مستلزما لاستحقاق العقوبة
لترك الصلاة فى الموضوعين المذكورين وذلك لان ما اتى به المكلف ليس مأمورا به حتى
لا يستحق العقوبة اذا المأمور به هو صلاة القصر دون تمام أو الجهر دون الاخفات أو
العكس.
والظاهر ان ترك
المأمور به أو الاخلال به لا عن عذر يوجب استحقاق العقوبة أى فى صورة الجهل عن
تقصير لم يكن هذا الشخص معذورا بناء على عدم كون هذا الجهل موجبا للعذر ولكن
بمقتضى الدليل الثانوى الصلاة صحيحة ولم يكن الشخص مستحقا للعقوبة.
ان
قلت : كيف يحكم بصحتها مع عدم الامر بها الخ.
أى أورد هنا
الاشكال من وجهين.
الاول ان الاتمام
مثلا لو لم يكن مأمورا به فكيف يصح ويجزى ولو كان مأمورا به فكيف يجتمع مع الامر
التعيينى أى الامر بالقصر
على المسافر
الموجب تركه للعقوبة هذا هو المراد من قول الشيخ (قدسسره) فى الرسائل أى فكيف يجتمع هذا الامر مع الامر بالقصر.
الثانى انه كيف
يصح الحكم باستحقاق العقوبة على ترك المأمور به مع القدرة على الاعادة والاتيان
على المأمور به على طريقه كما اذا علم المكلف بوظيفته من القصر أو الجهر أو
الاخفات فى الوقت مع سعته وتمكنه من فعله ثانيا ومعه لا موجب لاستحقاق العقوبة اذ
المطلوب فى تمام الوقت هو وجود الطبيعة المأمور بها والمفروض تمكن المكلف على هذا
المطلوب.
ولا يخفى ان هذا
ليس باسوأ من ترك القصر فى اول الوقت مع عدم اتيان الاتمام مع عدم العقوبة فيه
اصلا ما دام لم يخرج الوقت واليه اشار المصنف.
بقوله
: وكيف يصح الحكم باستحقاق العقوبة الخ.
الحاصل كيف يحكم
بالصحة بدون الامر مثلا كيف يصح الاتمام عن المسافر بدون الامر وكيف يحكم باستحقاق
العقوبة مع التمكن من الاعادة أى ان المكلف متمكن من الاعادة الا ان الشارع منعه
وسلب عنه القدرة عليها بسبب حكمه بالاجزاء فى اتيان المكلف الصلاة فى السفر أربعا
جهلا ففوت المأمور به ناش عن حكم المولى بالصحة لا عن تقصير المكلف أى لو لا الحكم
شرعا بسقوط الاعادة وصحة العبادة التى اتى بها لما ترك الاعادة.
قوله
: قلت انما حكم بالصحة لاجل اشتمالها على مصلحة تامة الخ.
هذا جواب عن
الاشكال الاول أى اتصاف المأتيّ به بالصحة مع عدم الامر به حاصل الجواب ان الصحة
هنا ليست بلحاظ الامر بل بلحاظ ملاكه أى بلحاظ مصلحة المأمور به فلاشتمال المأتيّ
به على هذا الملاك اللازم الاستيفاء يتصف بالصحة والاجزاء عن المأمور به أى لو لم
تجب صلاة القصر كانت الصلاة التامة مأمورا بها لكن لما كانت مصلحة صلاة القصر اهم
منها صارت هذه الصلاة واجبة فعلا فظهر ان صحة صلاة التمام مستندة الى الامر الفعلى
هذا جواب عن الاشكال الاول.
واما الجواب عن
الاشكال الثانى أى الحكم باستحقاق العقوبة على ترك المأمور به مع التمكن من
الاعادة هذا حاصل الاشكال الثانى : والجواب عن هذا الاشكال أنه لا فائدة فى
الاعادة اذ لا مصلحة تقتضى الاعادة حيث ان المصلحة التامة فى صلاة القصر قد فاتت
بالاتيان بصلوة التمام ولم يبق شىء من مصلحة صلاة القصر حتى تجب اعادتها لاجل
تداركه.
قوله
: فانقدح انه لا يتمكن من صلاة القصر صحيحة بعد فعل صلاة الاتمام.
هذا خلاصة ما تقدم
من عدم المجال للاعادة لفوت المصلحة وعدم بقاء شىء منها حتى يوجب الاعادة مثلا لا
يتمكن من صلاة القصر صحيحة بعد اتيان بصلوة التمام وكذا فى الجهر والاخفات وان كان
الوقت لاتيانها باقيا لما سبق من ان مصلحة المأتيّ به
كالتمام تكفى عن
مصلحة المأمور به كالقصر ولا يتمكن صلاة القصر صحيحة بعد فعل صلاة التمام لان
المراد من الصحة موافقة الامر والمفروض سقوط الامر على صلاة القصر بفوات مصلحتها
بفعل صلاة التمام.
واما استحقاق العقوبة
فانما يكون لاجل ترك التعلم قبل الوقت وقبل وجود الشرط أى كان ترك التعلم عن تقصير
كما قال صاحب الكفاية مع تمكنه من التعلم فقد قصّر فيحكم باستحقاق العقوبة لاجل
التقصير فى التعلم.
قوله
: ان قلت على هذا يكون كل منهما فى موضع الآخر الخ.
أى اذا بنينا على
عدم التمكن من الاعادة لعدم المجال لها ورد هنا الاشكال على صحة المأتيّ به
واجزائه عن المأمور به حاصل الاشكال ان ترك المأمور به أى القصر حرام حيث ان
التمام مقدمة لهذا الترك المحرم فتسري الحرمة اليه والنهى فى العبادة يقتضى الفساد
فالصلاة التامة فاسدة فلا تجزى عن المأمور به أى صلاة القصر.
بعبارة اخرى بعد
وقوع التضاد بين الفعلين يكون فعل الاتمام سببا لترك القصر فيكون هذا الترك حراما
فتحرم صلاة التمام لكونها سببا لترك المأمور به فيكون الاتمام باطلا غير مشتمل على
المصلحة العبادية فكيف يحكم بصحة صلاة التمام.
قوله
: قلت ليس سببا لذلك غايته ان يكون مضادا له الخ.
هذا دفع الاشكال
الذى ذكر فى قوله ان قلت الخ حاصله ان التمام ليس مقدمة لترك الواجب الفعلى أى
القصر بل التمام
والقصر ضدان ولا
شك فى كونهما فى رتبة واحدة فعدم كل منهما يكون فى رتبة وجود الآخر أى لا يكون عدم
احدهما فى طول وجود الآخر حتى يصير عدم احدهما مقدمة لوجود الآخر ولا يتوقف وجود
احدهما على عدم الآخر بل عدم احدهما ملازم لوجود الآخر أى ان وجود الضد مع عدم ضده
متلازمان فالظاهر انه مع عدم التوقف والعلية لا يكون التمام سببا لفوت المأمور به
حتى يتصف لاجل فوته بالحرمة والفساد بل التمام باق على المحبوبية لاشتماله على
المصلحة المهمة.
قوله
: لا يقال على هذا لو صلى تماما او صلى اخفاتا فى موضع القصر والجهر الخ.
أى اذا بني على
اشتمال المأتيّ به كالتمام فى موضع القصر الذى هو واجب فعلى وكذا كل من الجهر
والاخفات فى موضع الآخر ـ على مصلحة تامة لازمة الاستيفاء موجبة لفوت مصلحة الواجب
أى القصر فى المثال المذكور أى اذا بني على اشتمال المأتيّ به الخ فيلزم الحكم
بصحة الصلاة التمام من العالم بوجوب القصر أيضا مع استحقاق العقوبة على مخالفة هذا
الواجب.
ولا يخفى ان
المقام على البيان المذكور يصير من صغريات التزاحم ومن المعلوم الحكم بصحة احد
المتزاحمين فى حالتى العلم والجهل لوجود الملاك فيهما فى كلتا الحالتين ولذا حكم
بصحة صلاة تارك انقاذ الغريق مع قدرته على الانقاذ سواء علم بالغرق ام لا.
اذا عرفت ما ذكر
فاعلم ان ما نحن فيه كذلك أى يحكم بصحة
التمام ممن علم
بوجوب القصر وتركه عمدا وصلى تماما لكن لا يفتى به احد أى يعلم من بناء المذكور
صحة صلاة تمام مع العلم بوجوب القصر ولكن لم يكن الفتوى من احد فى هذا الحكم هذا
حاصل الاشكال الذى ذكر بعبارة لا يقال.
قوله
فانه يقال لا بأس بالقول به لو دل دليل الخ.
هذا جواب لا يقال
حاصله انه لو دل دليل الاشتمال على صحة صلاة تمام مطلقا أى فى صورتى العلم والجهل
على وجوب القصر لصح صحة التمام واجزائه عن القصر مطلقا.
توضيحه انه لو كان
الدليل لاشتمال المأتيّ به كالتمام فى موضع القصر على المصلحة أى لو كان لدليل
الاشتمال المذكور اطلاق يشمل صورتى العلم والجهل بوجوب القصر لسلمنا صحة التمام
واجزائه عن القصر مطلقا.
فثبت من البيان
المذكور عدم ثبوت الدليل لصحة صلاة التمام مطلقا أى حتى مع العلم بوجوب القصر أى
هذا الحكم ثابت فى صورة عدم احتمال الاختصاص واما اذا احتمل كون صحة المأتيّ به
واشتماله على المصلحة مختصين فى صورة الجهل بالواقع فلم يصح المأتيّ به فى صورة
العلم بالواقع مثلا لا تصح صلاة تمام مع العلم بوجوب القصر فى الفرض المزبور.
قوله
وقد صار بعض الفحول بصدد بيان امكان كون المأتيّ به الخ.
المراد من هذا
البعض هو كاشف الغطاء (قدسسره) أى قال ان تعليق الامر بالمتضادين ابتداء غير ممكن للزوم
التكليف
بالمحال كالامر
بالقصر والاتمام فى السفر وقال بعد ذلك ان تعليق الامر بالمتضادين يمكن بنحو
الترتب.
توضيح ما افاده
كاشف الغطاء (قدسسره) هو ان المأتيّ به كالصلاة التمام يتعلق به الامر بشرط العزم
على عصيان الامر بالقصر بنحو الشرط المتأخر واما الامر بصلوة القصر فهو مطلق
بعبارة اخرى ان الامر بضدها أى صلاة التمام مشروط بالعزم على عصيان امر القصر ولا
يخفى ان العزم على عصيانه يوجب أمرين احدهما استحقاق العقوبة لتركه المأمور به
اختيارا أى ترك امر صلاة القصر اختيارا بترك التعلم والفحص : وآخر تعلق الامر
بصلوة التمام لتحقق موضوعه أى العزم على عصيان الامر بالقصر فظهر انه لا مانع من
تعلق الامر بالضد بنحو الترتب وعليه فيكون التمام مأمورا به قال صاحب الكفاية قد
حققنا فى مبحث الضد امتناع الامر بالضدين مطلقا.
أى هذا رد للترتب
المزبور حاصله ان الترتب مستلزم لطلب الجمع بين الضدين ضرورة ان خطاب القصر فعلى
لا يتوقف على الشىء وخطاب التمام بالعزم على عصيان الامر بالقصر يصير فعليا أيضا
فيجتمع الطلبان فى الضدين فى آن واحد.
بعبارة شيخنا
الاستاد بالفارسية اگرچه امر به صلات تمام بالا نمى رود تا به مرتبه امر به صلات
قصر برسد چون امر بقصر مطابق با واقع مى باشد بعبارة اخرى اين امر به مرتبه فعلية
رسيده است وامر به تمام به آن مرتبه نيست واما امر به قصر پائين مى آيد تا آنكه با
امر بتمام جمع مى شود چون از جهت عزم بر عصيان ساقط نمى شود پس لازم مى آيد اجتماع
ضدين.
الحاصل ان الامر
بالصلاة التمام لا يصعد الى مرتبة الامر بالقصر لانه مأمور به واقعى والامر
بالتمام ليس كذلك واما الامر بالقصر ينحدر حتى يصل فى مرتبة الامر بالتمام لان هذا
الامر لا يسقط بالعزم على عصيانه فيجتمع بعد العزم على عصيان الامر بالقصر الطلبان
أى طلب القصر والتمام فظهر انه يلزم اجتماع الضدين فيما نحن فيه على القول بالترتب
ايضا.
قوله
ثم إنّه ذكر لاصل البراءة شرطان آخران الخ.
أى قد تقدم ان
الشرط فى جريان اصل البراءة هو الفحص واليأس عن الظفر بالحجة قد بحث عن هذا الشرط
مفصلا ثم ذكر هنا شرطان آخران احدهما ان لا يكون موجبا لثبوت حكم شرعى من جهة
اخرى.
توضيح هذا الشرط
ان اصالة البراءة شأنها نفى الحكم لا اثباته فان كانت نافية لحكم عن موضوع ومثبتة
له لموضوع آخر فلم تجرى مثلا اذا اشتبه الاناء النجس بين الإناءين علم اجمالا
بنجاسة احدهما فلا تجرى الاصالة البراءة فى الفرض المزبور لان جريانها فى احدهما
يقتضى نجاسة الآخر أى ان اصالة البراءة عن وجوب الاجتناب عن احد الإناءين فى
المثال المذكور تثبت وجوب الاجتناب عن الاناء آخر.
فلا يصح جريان
اصالة البراءة فيما ذكر لان شأنها نفى الحكم فقط لا النفى من جهة واثبات من جهة
اخرى ولهذا لم تعد من الادلة فلو كانت مثبتة للحكم الشرعى لعدت من الادلة الشرعية
ولا يخفى ان اعتبار هذين الشرطين عن الفاضل التونى ونسب الى
الفاضل النراقى
أيضا.
قوله
ثانيهما ان لا يكون موجبا للضرر على آخر.
هذا هو الشرط
الثانى لجريان اصالة البراءة توضيحه انه يعتبر فى جريان اصالة البراءة ان لا يكون
موجبا لضرر الغير.
قال الفاضل التونى
(قده) فى محكى الوافية (ثانيهما) ان لا يتضرر بسبب التمسك بالاصالة البراءة مسلم
أو من فى حكمه مثلا اذا فتح انسان قفصا لطائر فطار أو حبس شاة فمات أو حبس رجلا
فهربت دابته وضلت فانه لا يصح حينئذ التمسك بالبراءة لاجل برائت الذمة لان اجراء
البراءة عن الضمان فى امثال هذه الموارد يوجب الضرر على المالك أى ان جريان اصالة
البراءة فى الموارد المذكورة مستلزم للضرر المنفى بقاعدة الضرر والضرار.
قوله
ولا يخفى ان اصالة البراءة عقلا ونقلا فى الشبهة البدوية بعد الفحص لا محالة تكون
جارية الخ.
هذا جواب عن الشرط
الاول أى رد الشرط الاول بان اصالة البراءة جارية لا محالة قد ذكر ان شرط جريان
اصالة البراءة هو ان لا يكون جريانها موجبا لثبوت حكم شرعى فيرد هذا الشرط.
توضيحه ان موضوع
الحكم الشرعى تارة يكون امرا ظاهريا أو اعم منه وتارة اخرى يكون امرا واقعيا
والظاهر ان اصالة البراءة عقلا ونقلا تجرى فى الشبهات البدوية بعد الفحص فمقتضى
البراءة العقلية هو عدم استحقاق العقوبة فلا اشكال فى جريانها امّا البراءة
النقلية فمقتضاها هو الاباحة أو رفع التكليف مثلا اذا
شك فى حرمة شرب
التتن بعد الفحص جرت فيه البراءة الشرعية المثبتة لحليته وثبت جواز بيعه أيضا اذ
المفروض ان موضوع جواز البيع فيما نحن فيه هو الحلية ولو كانت ظاهرة فلو لم يترتب
جواز البيع على هذا الحلية للزم تخلف الحكم عن موضوعه فثبت فيما ذكر جريان البراءة
الشرعية عن الحرمة فى المثال المذكور مع اثبات الحكم الشرعى فيما ذكر أى جواز بيع
التتن.
ولا يخفى ان موضوع
الحكم الشرعى فى المثال المذكور هو الامر الظاهرى واما اذا كان موضوع الحكم الشرعى
أمرا واقعيا فلا يثبت الحكم الشرعى بجريان البراءة مثلا موضوع جواز عقد النكاح هو
عدم المحرمية الشرعية واقعا فلا يثبت هذا الحكم بالبراءة الشرعية أى اذا شك فى هذا
الموضوع فلم يترتب الحكم الشرعى بتوسط البراءة الشرعية فى هذا المثال لعدم تحقق
موضوعه وهو عدم المحرمية واقعا.
الحاصل ان موضوع
الحكم الشرعى ان كان اعم من الواقعى والظاهرى فلا محالة يترتب الحكم عليه بمجرد
جريان اصل البراءة فيه لتحقق موضوعه عند جريان البراءة الشرعية واما ان كان موضوع
الحكم الشرعى مختصا بالواقعى فلا يترتب الحكم على البراءة لعدم احراز الموضوع فقد
ثبت الى هنا الاشكال على الشرط الذى اعتبره الفاضل التونى (قده).
قوله
واعتبار ان لا يكون موجبا للضرر فكل مقام تعمه قاعدة نفى الضرر الخ.
هذا اشكال على
الشرط الثانى الذى اعتبره الفاضل التونى
(قده) وذكر انه لا
يصح جريان اصالة البراءة اذا كان موجبا للضرر.
حاصل الاشكال على
هذا الشرط ان المورد ان كان مما يجرى فيه قاعدة الضرر فلا مجال للبراءة فيه لان
قاعدة نفى الضرر دليل اجتهادى فلا شك ان الدليل الاجتهادى مقدم على الاصل فمع
الظفر بالدليل الاجتهادى لا مجال للبراءة لعدم المقتضى لها حيث ان الدليل رافع
لموضوع اصل البراءة بعبارة شيخنا الاستاد ان الرقم الاول هو العلم والرقم الثانى
هى الادلة الاجتهادية والرقم الثالث هو الاصول العملية فظهر انه مع وجود الرقم
السابق لا تصل النوبة الى الرقم اللاحق.
قال صاحب الكفاية
ايها المشترط هذا الشرط فان كان المراد عدم بقاء المورد لاصالة البراءة مع قاعدة
نفى الضرر أى فان كان هذا مراد الفاضل التونى (قده) من الاشتراط فلا بد من اشتراط
عدم مطلق دليل الاجتهادى على خلاف اصل البراءة لا خصوص قاعدة الضرر اذ لا فرق بين
الادلة الاجتهادية.
فى بيان قاعدة لا ضرر
ولا ضرار
قوله
ثم إنّه لا بأس بصرف الكلام الى بيان قاعدة الضرر والضرار الخ.
أى الكلام فى هذه
القاعدة من جهات اشار فى هذا المقام الى اربعة منها وهى مقام السند ومقام الدلالة
ومقام نسبتها مع ادلة عناوين الاولية ومقام نسبتها مع ادلة العناوين الثانوية واما
مقام
السند هذه القاعدة
فانه قد استدل عليها باخبار كثيرة قد بين شرح هذه الاخبار فى المتن.
قوله
اما دلالتها فالظاهر ان الضرر هو ما يقابل النفع الخ.
هذا بيان المقام
الثانى أى مقام الدلالة توضيحه يتوقف على شرح معانى مفردات الالفاظ الواقعة فى متن
الحديث من كلمات «لا» و «ضرر» و «ضرار» قال المصنف فالظاهر ان الضرر هو ما يقابل
النفع هذا المعنى محكى من كتب اللغويين أى فالتقابل بين النفع والضرر هو التقابل
العدم والملكة.
فاعلم ان التقابل
على اربعة اقسام : الاول تقابل النقيضين أو السلب والايجاب مثل انسان ولا انسان :
الثانى تقابل الملكة وعدمها كالبصر والعمى الثالث : تقابل الضدين كالحرارة
والبرودة الرابع تقابل المتضايفين مثل الاب والابن قد ذكر تفصيل هذه الاقسام فى
محلها.
لكن يشرح هنا
القسم الثانى أى تقابل الملكة وعدمها لان هذا القسم محل الكلام مثلا البصر ملكة
والعمى عدمها والمراد من الملكة وهو الوجود والمراد من العدم هو العدم المقيد أى
العدم الذى كان من شأنه الوجود مثلا لا يصح ان يحل العمى الا فى موضع يصح فيه
البصر لان العمى ليس هو عدم البصر مطلقا بل عدم البصر فيمن شأنه ان يكون بصيرا
وكذا الحكم فى المقام أى المراد من الضرر هو عدم النفع لا عدمه مطلقا بل عدم النفع
فى الشىء الذى شأنه ان يكون نافعا فثبت ان المكة وعدمها امران جودي وعدمي
واما الضرار فى
القاعدة المذكورة فهو ظاهر بمعنى الضرر جيء به تأكيدا والدليل له اطلاق المضار على
سمرة بفتح السين وضم الميم وفتح الراء أى اطلاق المضار الذى هو من باب المفاعلة
على سمرة مع تفرده فى الاضرار وكذا ضرار أى انه من باب المفاعلة أيضا لكن استعمل
فى القاعدة المذكورة بمعنى الضرر.
قوله
: كما ان الظاهر ان يكون لا لنفى الحقيقة الخ.
هذا بيان لمعنى
كلمة «لا» فى القاعدة المذكورة أى يكون «لا» لنفى الحكم أو الاثر فتكون هذه
القاعدة من دلالة الاقتضاء وهى أن تكون الدلالة مقصودة للمتكلم ويتوقف صدق الكلام
عقلا أو شرعا أو لغة عليها نحو هذه القاعدة المذكورة أى لا ضرر ولا ضرار فى
الاسلام فان صدق الكلام يتوقف على تقدير الاحكام والآثار الشرعية لتكون هى المنفية
حقيقة لوجود الضرر والضرار قطعا عند المسلمين هذا من كلام شيخنا الاستاد.
اما صاحب الكفاية
فقال ان «لا» لنفى الحقيقة أى نفى الحقيقة ادعاء قد ذكر فى محله ان الحقيقة واقعية
وادعائية مثلا جعل الرجل الشجاع من افراد الحيوان المفترس حقيقة ادعاء الحاصل ان
كلمة «لا» فى القاعدة المذكورة على قول صاحب الكفاية تكون لنفى الحقيقة أى حقيقة
ادعاء.
واعلم ان صاحب
الكفاية خالف الشيخ وقد تقدم مختاره عند تفصيل دلالة الاقتضاء وهو أن تكون كلمة «لا»
لنفى الحكم أى نفى الحكم الضررى واورد عليه المصنف بان البلاغة فى الكلام
تقتضى ارادة نفى
الحقيقة لا نفى الحكم ابتداء قال صاحب الكفاية ان نفى الحقيقة ادعاء بلحاظ الحكم
أو الصفة يفرق مع نفى أحدهما ابتداء مجازا ووجه الفرق ان البلاغة فى الكلام تقتضى
ارادة نفى الحقيقة لا نفى الحكم ابتداء وان كان مرجع نفى الحقيقة الى نفى الحكم
أيضا لكن البلاغة قرينة على ارادة نفى الحقيقة ادعاء.
ولا يخفى ان نفى
الحكم أو الصفة ابتداء مجازا إما ان يكون من باب المجاز فى التقدير أى نفى الضرر
غير المتدارك منه وإما ان يكون من باب المجاز فى الكلمة أى ينفى الحكم الشرعى الذى
ينشأ منه الضرر أى جعلت الكلمة الضرر بمعنى الحكم بعلاقة السببية وهذا المعنى
المجازي اقرب المجازات عند تعذر ارادة المعنى الحقيقى.
قوله
ثم الحكم الذى اريد نفيه بنفى الضرر الخ.
قد بين ان المراد
من لا ضرر هو نفى الحقيقة ادعاء واما نفى الحكم فهو بلسان نفى الموضوع أى بلسان
نفى الضرر فاراد المصنف ان يبين الحكم الذى ينفى بقاعدة الضرر فقال ان المراد بذلك
الحكم هو الثابت لموضوع بعنوانه الاولى كوجوب الصلاة والصوم والحج أو المراد بذلك
الحكم هو المتوهم ثبوته لموضوعه بعنوانه الاولى كالنكاح على محارم.
الحاصل ان نفى
الحكم حقيقة يقتضى ثبوته حقيقة أو توهما لان النفى فرع الاثبات مثلا الصوم اذا صار
مضرا ارتفع حكمه بقاعدة الضرر فظهر ان الضرر سبب لارتفاع حكم الموضوع الذى
طرأ عليه الضرر
سواء كان المراد نفى نفس الحكم أم كان نفى الحقيقة ادعاء.
فقد علم ان المراد
من الحكم الذى اريد نفيه بنفى الضرر هو الحكم الذى ثبت لموضوع بعنوانه الاولى واما
الحكم الذى ثبت لموضوع بعنوانه الثانوى فلا يصح نفيه بقاعدة الضرر مثلا اذا كان
الوضوء ضرريا أو حرجيا وكذا الغسل وجب التيمم فلا يصح نفى الحكم الذى ثبت بقاعدة
الضرر أى كوجوب التيمم فى الفرض المذبور فلا يصح نفيه بتوسط الضرر الذى كان موجبا
لنفى الوضوء لانه علة لوجوب التيمم.
بعبارة اخرى ان
كون الوضوء ضرريا موضوع لوجوب التيمم ولا يكاد يكون الموضوع يمنع عن حكمه بل
الموضوع علة لثبوت حكمه
قوله
: ومن هنا لا يلاحظ النسبة بين ادلة الاحكام وتقدم ادلته على ادلتها الخ.
أى قد ذكر ان
المنفى بنفى الضرر هو الحكم الثابت للافعال بعناوينها الاولية لا الثابت له
بعنوانه أى لا الحكم الثابت للضرر بعنوانه قد مر توضيحه.
واشار المصنف هنا
الى جهة اخرى من الجهات التى تتعلق بقاعدة الضرر وهى بيان النسبة بين ادلة نفى
الضرر وبين ادلة الاحكام فقال ان دليل نفى الضرر يقدم على دليل الحكم الاولى عرفا
لان العرف متبع نظره فى استظهار المعانى من الالفاظ فيحكم العرف بالتوفيق بين دليل
نفى الضرر وبين دليل الحكم الاولى أى يحمل العرف نفى الضرر على الفعلى ويحمل الحكم
الاولى على
الاقتضائى فيقول
العرف ان العنوان الثانوى اى الضرر رافع لفعلية الحكم الاولى الذى كان قبل عروض
الضرر فعليا.
قال صاحب الكفاية
اذا حصل التوفيق بين الدليلين فلا يلاحظ النسبة بينهما أى اذا حصل التوفيق العرفى
فلا حاجة الى لحاظ النسبة بين الدليلين والرجوع الى باب التعارض.
توضيح ما ذكر
يحتاج الى ترتيب مقدمة وهى ان النسبة بين دليل نفى الضرر ودليل الحكم الاولى هى
العموم من وجه فتعارض الدليلان فى مورد الاجتماع مثلا ان دليل الوضوء يدل على
وجوبه مطلقا أى سواء كان ضرريا ام غيره اما دليل نفى الضرر فهو دال على عدم وجوب
الوضوء فيجب فى المجمع الذى هو مورد تعارضهما الرجوع الى قواعد التعارض أو الاصل
العملي.
قال صاحب الكفاية
انه لا يلاحظ النسبة بين ادلة الاحكام وادلة نفى الضرر ولا نحتاج الى جعل المقام
من باب التعارض حتى يرفع التنافى من بين ادلة الاحكام وادلة نفى الضرر بل يحصل
التوافق بينهما عرفا قد سبق وجه التوفيق العرفى بين الدليلين آنفا.
قوله
: نعم ربما يعكس الامر فيما احرز بوجه معتبر ان الحكم فى المورد ليس بنحو الاقتضاء
الخ.
قد ذكر ان التوفيق
بين دليل الحكم الاولى والثانوى عرفى بان يحمل حكم العناوين الاولية على الاقتضائى
وحكم عناوين الضرر على الفعلى فاستدرك على هذا.
بقوله
نعم ربما يعكس الامر الخ.
حاصل هذا
الاستدراك انه قد يعكس الامر ويقدم دليل الحكم
الاولى على
الثانوى فيما اذا احرز بدليل المعتبر كون الحكم الاولى مجعولا بنحو ان يكون علة
تامة لفعلية الحكم لا مقتضيا لها حتى يمكن رفع فعليته وحمله على الاقتضائى بسبب
عروض عنوان الثانوى عليه أى اذا كان الحكم الاولي بنحو العلية التامة لفعلية
التكليف قدم على الحكم الثانوى فى هذا المورد مثلا يقال ان انقاذ النبى او وصيه
واجب فان هذا الوجوب فعلى مطلقا وان كان موجبا للضرر أو الحرج على الغير.
والامثلة الاخرى
لتوضيح ما ذكر كحرمة نكاح المحارم ووجوب الدفاع عن النفس وعن بيضة الاسلام فان
الحكم فى هذه الامثلة كان بنحو العلية التامة لفعلية التكليف.
واعلم ان ارتكاب
خلاف الواقع عن عذر لا ينافى علية الحكم وبقائه فان خالف المكلف الواقع لعذر فهو
معذور مثلا نكاح المحارم شبهة لا يرفع حرمته الواقعية.
قوله
: وبالجملة الحكم الثابت بعنوان اولى تارة يكون بنحو الفعلية مطلقا الخ.
هذا نتيجة لما ذكر
بقوله نعم الخ أى ان دل الدليل المعتبر على فعلية الحكم الاولى مطلقا بحيث لا
ترتفع فعليته بالعناوين الثانوية كالامثلة المتقدمة فيقدم الحكم الاولى على الحكم
الثانوى بالنسبة الى جميع العناوين الثانوية كالأمثلة المتقدمة أو يكون الحكم
الاولى فعليا بالاضافة الى عارض دون عارض أى يقدم الحكم الاولى بالاضافة الى بعض
العناوين الثانوية مثلا ان وجوب الوضوء مقدم على دليل الضرر المالي ان لم يكن
المال المبذول بازاء ماء
الوضوء مجحفا
وموجبا لوقوعه فى الحرج واما اذا كان مجحفا وحرجيا فدليل الضرر مقدم على دليل وجوب
الوضوء أى يقدم فى هذه الصورة الحكم الثانوى على الحكم الاولى.
قوله
واخرى يكون على نحو لو كانت هناك دلالة للزم الاغماض الخ.
أى الحكم الثابت
بعنوان الاولى تارة يكون بنحو الفعلية مطلقا واخرى يكون على نحو لو كانت الخ ان
الشق الاول سبق توضيحه واما الشق الثانى فان فعلية الحكم الاولى مشروطة على عدم
الدليل للحكم الثانوى فلو كان الدليل للحكم الثانوى لاغمض عن الحكم الاولى وحمل
على الاقتضائى.
بعبارة اخرى ان
العرف يوفق بينهما أى دليل الحكم الاولى والثانوى بجعل اجتماع الدليلين قرينة على
ان الحكم الاولى ليس فعليا بنحو العلية التامة حتى يأبى عن التصرف فيه بالحمل على
الاقتضائى أى يقبل الحكم الاولى فى مثل هذا المورد التصرف فيحمل على الاقتضائى
ويجعل العنوان الثانوى مانعا عن فعليته لان دليل الحكم الاولى مطلق ودليل الحكم
العنوان الثانوى يصلح للتقييد أى يقيد فعلية الحكم الاولى فى صورة عدم الحكم
الثانوى.
قال صاحب الكفاية
ان تقديم دليل العنوان الثانوى فى الفرض المزبور ثابت ولو لم نقل بحكومته على دليل
العنوان الاولى يعنى ان قلنا بالحكومة فالتقديم من تلك الجهة واما ان لم نقل بها
فتقديم العنوان الثانوى على العنوان الاولى ثابت بالنظر العرفى.
واعلم ان الشيخ (قده)
قائل بحكومة دليل قاعدة على ادلة
احكام العناوين
الاولية.
واما صاحب الكفاية
(قده) اشكل على هذه الحكومة قال فى حاشية الرسائل انه لا تنطبق الحكومة على قاعدة
الضرر حيث إنّه يعتبر فى الحكومة ان يكون الدليل الحاكم ناظرا بمدلوله اللفظى الى
مدلول الدليل المحكوم أى يشترط فى الحكومة ان يكون الدليل الحاكم شارحا للدليل
المحكوم وليس دليل نفى للضرر كذلك لعدم نظره الى ادلة الاحكام الاولية بل هو فى
عرضها واذا لم تطبق الحكومة على قاعدة الضرر على مذهب المصنف فتقديم هذه القاعدة
على الاحكام الاولية بالنظر العرفي.
قوله
ثم انقدح بذلك حال توارد دليلى العارضين الخ.
قد ذكر البحث فى
قاعدة الضرر بالنسبة الى الحكم الاولى واشار المصنف هنا الى المبحث الآخر ونسبة
دليل الضرر مع ادلة الاحكام الثانوية الاخرى كالحرج والنذر واليمين مثلا اذا كان
شرب التتن مضرا بحاله وتركه عسرا عليه وكذا اذا نذر الصلاة فى المسجد وكان اداؤها
فيه مستلزما للضرر فحينئذ يقع التهافت بين ادلة النذر والضرر والحرج وكل منها
عنوان ثانوى فلا يأتى فيها التوفيق العرفى بحمل احدهما على الفعلى والآخر على
الاقتضائى لتساويها فى الفعلية والاقتضاء ولما لم يمكن التوفيق العرفى بين دليلي
العنوانين الثانويين فيعامل معهما معاملة المتعارضين أو المتزاحمين.
بعبارة شيخنا
الاستاد من باب الكلام يجر الكلام يبين اولا الفرق بين التعارض والتزاحم خلاصة
الفرق بينهما ان التعارض
انما يقع بسبب
دلالة كل من الدليلين على انتفاء حكم الآخر ومن اجلها يتكاذبان وأيضا انما يكون
التعارض بين الدليلين فى مقام التشريع أى اثبات الحكم الشرعى لا فى مقام الامتثال
هذا بيان التعارض.
واما التزاحم فهو
ما كان الامتناع فيه فى مقام الامتثال فلا تكاذب حينئذ بين الدليلين أى امتنع
الجمع بين الحكمين فى مقام الامتثال مع عدم التكاذب فى مقام التشريع مثلا اذا دار
الامر بين انقاذ الغريقين المتساويين من جميع الجهات مع عدم الترجيح لاحدهما على
الآخر من جهة وجوب الانقاذ ولم يكن المكلف قادرا على امتثال الحكمين معا فانه لا
مناص للمكلف من ان يفعل احدهما ويترك الآخر فهو على التخيير عقلا بينهما المستكشف
منه رضى الشارع بذلك وموافقته على التخيير وعبارة شيخنا الاستاد بالفارسية أى
هركدام از متزاحمين براى ديگرى مى گويند تو نباشى من باشم.
اذا عرفت الفرق
بين التزاحم والتعارض فاعلم انه اذا توارد دليلى العارضين كدليل نفى العسر ودليل
نفى الضرر فيعامل معهما معاملة المتعارضين أى فيرجع الى المرجحات التى فى باب
التعارض من قوة السند أو الدلالة.
ولا يخفى انه
يعامل معهما معاملة المتعارضين لو لم يكن توارد دليلين العارضين من باب تزاحم
المقتضيين أى الملاكين الذين كانا لتشريع الحكمين فان كانا من هذا الباب عومل
معهما معاملة التزاحم يعنى ان كانا من باب التزاحم المقتضيين قدم ما هو اقوى ملاكا
على غيره فظهر مما سبق انه اذا لوحظ دليل العنوانين
العارضين فهما من
المتعارضين واما اذا لوحظ ملاك الحكمين الثانويين فهما من باب التزاحم المقتضيين.
قوله
واما لو تعارض مع ضرر آخر فمجمل القول فيه الخ.
أى ما ذكر الى هنا
كان راجعا الى علاج التعارض دليل نفى الضرر مع دليل الحكم العنوان الاولى والثانوى
ويذكر هنا تعارض عنوان الضرر مع مثله أى لو تعارض الضرر مع ضرر آخر ويعبر عنه
بتعارض الضررين لكان المرجع فيه الى اختيار اقلهما.
توضيحه ان هذا
البحث يتصور على ثلاثة اقسام :
الاول إما ان يكون
ضرران واردين على غير المكره كما اكره الظالم على زيد بان يأخذ من عمرو اما داره
واما الف دينار واما ان يكونا واردين على نفس المكره بان اكره الظالم على دفع أحد
شيئين من مال نفسه اليه.
الثانى يتوجه
الضرر على اثنين آخرين غير المكره كما اذا اكره الظالم زيدا على ان يأخذ له مائة
دينار من عمرو أو بكر من دون التعيين أى كان الغرض اخذ الدراهم المذكورة من أىّ
واحد منهما كان فيجرى فى هذين القسمين قاعدة التزاحم فان كان احد الضررين اقل من
الآخر قدم ذلك والا كان المكره مختارا.
الثالث أى القسم
الثالث من الاقسام الثلاثة هو ان يكون الضرر دائرا بين المكره بالفتح وغيره كما
اذا اكره الظالم على ان يدفع اليه مائة دينار اما من مال نفسه واما من مال غيره
قال المصنف ان الاظهر عدم تحمله للضرر عن الغير ولو كان ضرر صاحبه اكثر
اذ لا تجرى فيه
قاعدة الضرر التى وردت فى مورد الامتنان النوعى لكن اذا كان ضرران فى عرض واحد
كالمثال المذكور كما اذا لزم من التصرف الضرر على غيره ومن تركه ضرر على نفسه
فيتصور هذا المورد على وجهين :
الاول عدم وجوب
تحمل الضرر عن الغير بل يجوز اضرار عليه وان كان اعظم من ضرر نفسه فيجوز التصرف فى
ملكه فى المثال المذكور أى فيجوز ان يحفر بئرا أو بالوعة فى داره وان حصل الضرر
على جاره قال صاحب الكفاية فان نفيه يكون للمنة على الامة أى قاعدة الضرر كانت فى
مقام الامتنان النوعى أى احسان والانعام على الامة ونوع الناس واما فى المثال
المذكور فالامتنان شخصى لكونه متحققا بالنسبة الى الشخص الذى كان مورد الضرر.
والوجه الثانى انه
كان المقام من الترجيح بالاقلية أى يختار ما هو اقل من حيث الضرر وفى هذا الوجه
اشكال أيضا لانه يلزم ان يصير الامتنان النوعى شخصيا أى ليست رحمة نوعية تقتضى
مراعاة حال من توجه اليه الضرر الكثير ودفعه عنه وادخال البلاء على صاحب الضرر
القليل ويذكر هنا الجملة المعرضة من باب التفريح.
شخصى پسرش مريض شد
دعا مى كرد آن شخص اى كاش من عوض پسر مريض شوم وبلاى پسرم به جان من كه پدر مى
باشم عارض شود شخصى اين قضيه را شنيد يك شبى با لباس غريب وعجيب جلو درب آمد نداء
كرد پدر آن جوان عقب در آمد گفت شما چه كسى مى باشيد آن شخص گفت من عزرائيل مى
باشم آمدم تا شما را عوض پسر شما قبض روح كنم آن پدر فرياد زد هركس
بلايش به جان خودش
باشد وكذا در مقام دوران ضرر بين شخص وغيرش بايد بلاى غير به جان خودش باشد نه
آنكه شما متحمل شويد.
قوله
نعم لو كان الضرر متوجها اليه ليس له دفعه عن نفسه.
أى قد ذكر آنفا لو
دار الضرر بين ضرر نفس الشخص وغيره فالاظهر عدم لزوم تحمله الضرر فيقول بقوله نعم
الخ ان عدم لزوم تحمل الضرر عن الغير انما هو فيما اذا كان الضرر دائرا بينهما
واما اذا كان الضرر متوجها اليه ابتداء فلا يجوز لهذا الشخص دفعه عن نفسه الى
الغير.
قوله
اللهم الا ان يقال نفى الضرر وان كان للمنة الخ.
أى هذا استدراك
على قوله فيما تقدم أى ولا منة على تحمل الضرر لدفعه عن الآخر فقوله اللهم اشعار
بضعف ذلك القول يعنى انه يمكن ان يقال باندراج هذا القسم من دوران الضررين تحت
قاعدة الضرر لان الامتنان نوعى أى الترجيح بالاقلية فالامتنان فيه نوعى لان نفى
الضرر فى المقام يلاحظ بالنسبة الى نوع الامة وقال بعد ما ذكر فتأمل أى اشارة الى
عدم صحة الامتنان النوعى فى الفرض المزبور أى لا تجعل المتعدد شخصا واحدا وقد ذكر هذا
آنفا.
تم الجزء الثالث
من كتاب هداية الاصول ويليه الجزء الرابع ان شاء الله أوله باب الاستصحاب.
الحمد لله على ما
وفق لنا من تحرير هذا الجزء والصلاة على محمد وآله الطاهرين.
وكان الفراغ من
طبعه فى شهر ربيع الثانى من سنة ثمان عشرة واربع مائة بعد الالف من الهجرة النبوية
الموافق لشهريور من سنة ستّ وسبعين وثلاث مائة بعد الالف من الشمسية.
الفهرس
صفحة المتن
|
موضوع
|
صفحة الشرح
|
٤
|
البحث عن القطع من
باب المناسبة
|
٨
|
١٠
|
البحث فى التجرى
|
١٣
|
١٠
|
فى بيان العقاب فى
صورة التجرى
|
٢١
|
١٨
|
فى مورد اجتماع
التجرى والمعصية
|
٢٥
|
١٨
|
فى بيان اخذ القطع
فى الموضوع
|
٢٧
|
٢٠
|
فى قيام الامارات
مقام القطع
|
٣٣
|
٢٥
|
لا يمكن اخذ القطع
فى موضوع حكمه
|
٤٧
|
٢٥
|
فى اخذ الظن فى
موضوع حكمه
|
٥٠
|
٢٧
|
البحث فى الامتثال
القلبى
|
٥٣
|
٣١
|
الكلام فى قطع
القطاع
|
٦٠
|
٣١
|
فى قول المصنف فى
حجية القطع
|
٦٥
|
٣٤
|
البحث فى العلم
الاجمالى
|
٦٦
|
٤٢
|
الكلام فى الامارة
الغير العلمية
|
٧٥
|
٤٣
|
الكلام فى جعل
الامارة الغير العلمية
|
٨٠
|
٤٤
|
فى الجواب عن
المحاذر التى وردت على الامارة
|
٨٢
|
٤٤
|
فى لزوم التصويب فى
الحكم الظاهرى
|
٨٩
|
صفحة المتن
|
موضوع
|
صفحة الشرح
|
٥٥
|
مقتضى الاصل فى
الامارات الغير العلمية ما هو
|
٩٦
|
٥٨
|
الكلام فى خروج بعض
الظنون عن تحت الاصل
|
١٠٠
|
٥٨
|
فى بطلان ادلة
المانعين على عدم حجية الظواهر
|
١٠٤
|
٦٨
|
الكلام فى حجية
الاجماع المنقول
|
١٢١
|
٧٧
|
البحث فى الشهرة
الفتوائية
|
١٣٥
|
٧٨
|
الكلام فى حجية
الخبر الواحد
|
١٣٨
|
٨٣
|
فصل فى الآيات التى
استدل بها على حجية الخبر
|
١٤٦
|
٩٧
|
الكلام فى الاخبار
التى دلت على حجية الخبر
|
١٧٦
|
٩٧
|
فصل فى الاجماع على
حجية الخبر
|
١٧٧
|
١٠٠
|
فصل فى الوجوه
العقلية على حجية الخبر
|
١٨٣
|
١٠٨
|
الكلام فى الوجوه
التى اقاموها على حجية الظن
|
١٩٣
|
١١٤
|
الدليل الرابع دليل
الانسداد وبيان مقدماته
|
٢٠٢
|
١٢٠
|
الكلام فى الرجوع
الى الاصول
|
٢١٣
|
١٢٥
|
البحث فى الظن
الطريقى والواقعى
|
٢٢٣
|
١٣٤
|
فصل فى حجية الظن
الانسدادى
|
٢٣٥
|
١٤٢
|
الاشكال فى خروج
القياس عن نتيجة الانسداد
|
٢٥٩
|
١٤٧
|
البحث فى الظن
المانع والممنوع
|
٢٦٨
|
١٥٢
|
الكلام فى حجية الظن
فى الاصول
|
٢٧٧
|
١٦٥
|
البحث فى الاصول العملية
|
٢٩١
|
١٦٧
|
فى الاستدلال على
حجية البراءة
|
٢٩٣
|
١٨٢
|
استدل المحدثون على
وجوب الاحتياط بالادلة الثلاثة
|
٣٢٣
|
١٨٥
|
فى الاستدلال بالعقل
على وجوب الاحتياط
|
٣٣٨
|
صفحة المتن
|
موضوع
|
صفحة الشرح
|
١٩٥
|
الكلام فى حسن
الاحتياط بالمعنى المجازي
|
٣٦٩
|
١٩٦
|
فى الاستدلال باخبار
من بلغ على وجوب الاحتياط
|
٣٧٢
|
٢٠٣
|
فصل فى دوران الامر
بين المحذورين
|
٣٨٦
|
٢٠٨
|
فى الشك فى المكلف
به مع العلم بالتكليف
|
٤٠٣
|
٢١٦
|
الكلام فيما يمنع عن
فعلية التكليف
|
٤٠٩
|
٢٢٣
|
لا تفاوت فى فعلية
التكليف بين كون اطرافه محصورة وغير محصورة
|
٤١٠
|
٢٣٢
|
فى كون الواجبات الشرعية
ألطافا فى الواجبات العقلية
|
٤٣٤
|
٢٣٨
|
الكلام فى جريان
البراءة فى الاجزاء التحليلية
|
٤٤٩
|
٢٤٠
|
البحث فى تكليف
الناسى بالنسبة الى المنسى
|
٤٥٣
|
٢٤٤
|
ان التشريع على
القسمين أى المبطل وغيره
|
٤٥٧
|
٢٤٤
|
فى عجز المكلف عن
بعض واتيان الباقى
|
٤٦١
|
٢٥٢
|
الاشكال على قاعدة
الميسور فى المقام
|
٤٦٥
|
٢٥٢
|
الاشكال على وجوب
اتيان الباقى
|
٤٦٧
|
٢٥٥
|
الكلام فى شرائط
الاصول
|
٤٧١
|
٢٥٥
|
فى الشرط فى حجية
البراءة العقلية والنقلية
|
٤٧٤
|
٢٥٨
|
الاشكال فى الواجب
المشروط والموقت
|
٤٨٢
|
٢٦٣
|
الشرط لاصالة
البراءة ان لا يكون للضرر على آخر ولا يكون موجبا لثبوت حكم شرعى
|
٤٩٧
|
٢٦٣
|
فى بيان قاعدة لا
ضرر
|
٤٩٩
|
|