

في هذه المجموعة
جعل العلم والعمل................................................................ ٧
أجوبة المسائل القرآنیة........................................................... ٨٣
أجوبة مسائل متفرقة من الحديث وغيره.......................................... ١٢١
مسألة فيمن يتولى غسل الامام................................................. ١٥٣
عدم وجوب غسل الرجلين في الطهارة............................................ ١٥٩
مسألة في الحسن والقبح العقلي................................................. ١٧٥
مسألة في المسح على الخفين.................................................... ١٨١
مسألة في خلق الاعمال........................................................ ١٨٧
مسألة في الاجماع............................................................. ١٩٩
علة خذلان أهل البيت (ع)................................................... ٢٠٧
أقاويل العرب في الجاهلية....................................................... ٢٢١
قول النبي «نية المؤمن خير من عمله»............................................ ٢٣٣
علة مبايعه علي عليه السلام.................................................... ٢٤١
الجواب عن الشبهات في خبر الغدير............................................. ٢٤٩
مسألة في ارث الاولاد......................................................... ٢٥٥
عدم تخطئة العامل بخبر الواحد.................................................. ٢٦٧
مسألة في استلام الحجر........................................................ ٢٧٣
مسألة في نفى الرؤية.......................................................... ٢٧٩
تفسير الايات المتشابهة من القرآن............................................... ٢٨٥
ابطال العلمل بأخبار الاحاد.................................................... ٣٠٨
عله امتناع على محادبة الناصبين................................................. ٣١٥
مسألة في العصمة............................................................. ٣٢٣
الاعتراض على من يثبت حدود الاجسام......................................... ٣٢٩
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله كما هو أهله ومستحقه ، وصلى
الله على سيد الأنبياء محمد وعترته الأبرار الأخيار ، صلاة لا انقطاع لمددها ولا
انتهاء لعددها ، وسلم وكرم.
أما بعد :
فقد أجبت إلى ما سألنيه الأستاد ـ أدام
الله تأييده ـ من إملاء مختصر محيط بما
يجب اعتقاده من جميع أصول الدين ، ثم ما يجب عمله من الشرعيات التي لا
ينكاد المكلف من وجوبها
عليه ، لعموم
البلوى بها ، ولم أخل شيئا " مما يجب
اعتقاده من إشارة إلى دليله وجهة عمله ،
على صغر الحجم وشدة الاختصار.
__________________
ولن يستغني عن هذا الكتاب مبتد تعليما
" وتبصرة ، ومنته تنبيها " وتذكرة.
ومن الله استمد المعونة والتوفيق ، وما
المرجو لهما إلا فضله وما المعلق بهما إلا حبله ، وهو حسبي ونعم الوكيل.
باب
(ما يجب اعتقاده في
أبواب التوحيد)
الأجسام محدثة ، لأنها لم تسبق الحوادث
، فلها حكمها في الحدوث.
ولا بد لها من محدث كالصياغة والكتابة ،
ولا بد من كونه قادرا " ، لتعذر الفعل على من لم يكن قادرا " ويتيسر على
من كان كذلك.
ولا بد من كون محدثها عالما " ، وهذا
الضرب من التعلق لا يصلح إلا من الموجود كونه قديما " ، لانتهاء الحوادث إليه.
ويجب كونه حيا " ، وإلا لم يصح
كونه قادرا " عالما " فضلا عن وجوبه.
ويجب أن يكون مدركا " إذ أوجد
المدركات ، لاقتضاء كونه حيا ".
ووجب كونه سميعا " بصيرا " ،
لأنه يجب أن يدرك المدركات إذا وجدت ، وهذه فائدة قولنا سميع بصير ومن صفاته.
وإن كانتا عن علة كونه مريدا "
وكارها " ، لأنه تعالى قد أمر وأخبر ونهى ، ولا يكون الأمر والخبر أمرا
" ولا خبرا " إلا بإرادة ، والنهي لا يكون نهيا " إلا بكراهة ، ولا
يجوز أن يستحق هاتين الصفتين لنفسه ، لوجوب كونه مريدا " كارها " للشئ الواحد
على الوجه الواحد ، ولا لعلة قديمة لما سنبطل به الصفات القديمة ولا لعلة محدثة في
غير حي لافتقاره الإرادة إلى نية ، ولا لعلة موجودة في حي لوجوب رجوع حكمها إلى
ذلك ، فلم يبق إلا لأن توجد لا في محل.
ولا يجوز أن يكون له في نفسه صفة زائدة
على ما ذكرناه لأنه لا حكم لها) معقول من الصفات ، ويفضي إلى الجهالات.
ويجب أن يكون قادرا " فيما لم يزل
، لأنه لو تجدد له ذلك لم يكن إلا لقدرة محدثة ، ولا يمكن استناد أحداثها إلا إليه
، فيؤدي إلى تعلق كونه قادرا " بكونه محدثا " ، وكونه محدثا " إلى
كونه قادرا " ، وثبوت كونه قادرا " فيما لم يزد يقتضي أن يكون فيما لم
يزل حيا " موجودا ".
ويجب أن يكون عالما " فيما لم يزل
، لأن تجدد كونه عالما " يقتضي أن يكون بحدوث علم ، والعلم لا يقع إلا ممن هو
عالم.
ووجوب هذه الصفات له تدل على أنها نفسية
، وادعاء وجوبها لمعان قديمة تبطل صفات النفس ، ولأن الاشتراك في المقدم يوجب
التماثل والمشاركة في سائر صفات النفس ، ولا يجوز خروجه تعالى عن هذه الصفات
لاستنادها إلى النفس.
ويجب كونه تعالى غنيا " غير محتاج
، لأن الحاجة تقتضي أن يكون ينتفع ويستضر ، ويؤدي إلى كونه جسما ". ولا يجوز
أن يقال لصفة الجواهر والأجسام والأعراض لقدمه وحدوثه هذه أجمع ، ولأنه فاعل
للأجسام ، والجسم يتعذر عليه فعل الجسم.
ولا يجوز عليه تعالى الرؤية ، لأنه كان
يجب مع ارتفاع الموانع وصحة أبصارنا أن نراه ، وبمثل ذلك نعلم أنه لا يدرك بسائر
الأجسام.
ويجب أن يكون تعالى واحدا " لا
ثاني له في القدم ، لأن إثبات ثان يؤدي إلى إثبات ذاتين لا حكم لهما يزيد على حكم
الذات الواحدة. ويؤدي أيضا " إلى تعذر الفعل على القادر من غير جهة منع معقول.
وإذا بطل قديم ثان بطل قول الثنوية والنصارى والمجوس.
باب
(بيان ما يجب اعتقاده
في أبواب العدل كلها وما)
(يتصل بها سوى النبوة
والإمامة وسوى)
(ذكر الآجال والأرزاق
والأسعار)
(فإنا اعتمدنا
تأخيرها)
يجب أن يكون تعالى قادرا " على
القبيح لأنه قادر لنفسه واحد حالا منافي كوننا قادرين ، ولا يجوز أن يفعل القبيح
لعلمه بقبحه ولأنه غني عنه. ولا يجري فيما ذكرناه مجرى الحسن ، لأن الحسن قد يفعله
لحسنه لا لحاجة إليه.
ولا يجوز أن يريد تعالى القبيح ، لأنه
إذا أراده بإرادة محدثة كانت قبيحة ، وهو تعالى لا يفعل شيئا " من القبائح
تعالى عن ذلك وإن أراده لنفسه وجب أن يكون تعالى على صفة نقص ، وصفات النقص كلها
عنه منتفية.
وهو تعالى متكلم ، وبالسمع يعلم ذلك.
وكلامه فعله ، لأن هذه الإضافة تقتضي الفعلية كالضرب وسائر الأفعال.
والأفعال الظاهرة من العباد التابعة
لقصودهم وأحوالهم هم المحدثون لها دونه تعالى ، لوجوب وقوعها بحسب أحوالهم ، ولأن
أحكامها راجعة إليهم من مدح أو ذم. وهذان الوجهان معتمدان أيضا " في الأفعال
المتولدة ، وقدرتنا لا تتعلق إلا بحدوث الأفعال لاتباع هذا التعلق صحة الحدوث نفيا
" وإثباتا " ، وهي متعلقة بالضدين ، لتمكن كل قادر غير ممنوع من التنقل
في الجهات ، وهي متقدمة للفعل ، لأنها ليست بعلة ولا موجبة وإنما يحتاج إليها
ليكون الفعل محدثا " فإذا وجد استغنى عنها ، وتكليف ما ليس بقادر في القبح
كتكليف العاجز ، وقد
كلف الله تعالى من
تكاملت فيه شروط التكليف من العقلاء.
ووجه حسن التكليف : إنه تعريض لنفع عظيم
لا يوصل إليه إلا به ، والتعريض للشئ في حكم إيصاله. والنفع الذي أشرنا إليه هو
الثواب ، لأنه لا يحسن الابتداء به وإنما يحسن مستحقا ، ولا يستحق إلا بالطاعات ،
ولحسن تكليف من علم الله تعالى أنه يكفر ، لأن وجه الحسن ثابت فيه ، وهو التعريض
للثواب.
وعلمه أن يكفر ليس بوجه قبح ، لأنا
نستحسن أن ندعوا إلى الدين في الحالة الواحدة جميع الكفار لو جمعوا لنا مع العلم
بأن جميعهم لا يؤمن. ونعرض الطعام على من يغلب ظننا أنه لا يأكله ، ونرشد إلى
الطريق من نظن أنه لا يقبل ، ويحسن ذلك منا مع غلبة الظن. وكان طريق حسنه أو قبحه
المنافع والمضار قام الظن فيه مقام العلم.
ولا بد من انقطاع التكليف ، وإلا لانتقض
الغرض من التعريض للثواب ، والحي المكلف هو هذه الجملة المشاهدة ، لأن الادراك يقع
بكل عضو منها ، ويبتدئ الفعل في أطرافها ، ويخف عليها إذا حمل باليدين ما يثقل
ويتعذر إذا حمل باليد الواحدة. وما يعلم الله تعالى أن المكلف يختار عنده الطاعة
ويكون إلى اختيارها أقرب ، ولولاه لم يكن من ذلك يجب أن يفعله ، لأن التكليف يوجب
ذلك ، قياسا " إلى من دعي إلى طعام وغلب على ظنه أن من دعاه إليه لا يحضر
ببعض الأفعال التي لا مشقة فيها ، وهذا هو المسمى (لطفا").
ولا فرق في الوجوب بين اللطف والتمكين ،
وقبح منع أحدهما كقبح منع الآخر.
والأصلح فيما يعود إلى الدنيا غير واجب
، لأنه لو وجب لأدى إلى وجوب ما لا يتناهى ، ولكان القديم تعالى غير منفك في حال
من الأحوال بالواجب.
وقد يفعل الله الألم في البالغين
والأطفال والبهائم. ووجه حسن ذلك في الدنيا : لأنه يتضمن اعتبارا " يخرج به
من أن يكون عبثا " أو عوضا " يخرج به من أن يكون ظلما ". فأما
المفعول منه في الآخرة فوجه حسن فعله الاستحقاق فقط.
ولا يجوز أن يحسن الألم للعوض فقط ،
لأنه يؤدي إلى حسن إيلام الغير بالضرب ، لا لشئ إلا لإيصال النفع واستيجار من ينقل
الماء من نهر إلى نهر آخر، لا لغرض بل للعوض.
ولا اعتبار في حسنه للتراضي ، لأن
التراضي إنما يعتبر فيما يشتبه من المنافع ، فأما ما لا يشبهه في اختيار العقلاء
لمثله إذا عرفوه لبلوغه أقصى المبالغ فلا اعتبار فيه بالتراضي.
ولا يجوز أن يفعل الله تعالى الألم لدفع
الضرر من غير عوض عليه ، كما يفعل أحدنا بغيره. والوجه فيه أن الألم إنما يحسن
لدفع الضرر في الموضع الذي لا يندفع إلا به ، والقديم تعالى قادر على دفع كل ضرر
عن المكلف من غير أن يؤلمه ، والعوض هو النفع المستحق العاري من تعظيم وإجلال.
والعوض منقطع ، لأنه جار مجرى المثامنة والأرش ، فلو كان دائما " لكان العلم
بدوامه شرطا " في حسنه ، فكان لا يحسن من أحدنا تحمل الألم لعوض كما لا يحسن
تحمل ذلك من غير عوض وأما فعل من الألم بأمره تعالى ، والعوض على غيره بالتعويض له.
نحو من عرض طفلا للبرد الشديد فتألم بذلك ، فالعوض هاهنا على المعوض للألم على
فاعل الألم ، وصار ذلك الألم كأنه من فعل المعوض.
والأولى أن يكون من فعل الألم على وجه
الظلم منا لغيرنا في الحال مستحقا " من العوض المبلغ الذي لم يستحق فعله عليه.
والوجه في ذلك : أنه لو لم يكن لذلك
مستحقا " لم يكن الانتصاف منه ممكنا " مع وجوب الانتصاف ، بخلاف ما قال
أبو هاشم ،
، فإنه أجاز أن يكون ممن لا يخرج من الدنيا إلا وقد استحق ذلك ، وقد كلف الله
تعالى من أكمل عقله النظر في طريق معرفته.
ثم وهذا الواجب أول الواجبات على العاقل
، لأن جميعها عند السائل يجب تأخيره أو يجوز ذلك فيه.
ووجه وجوب هذا النظر : وجوب المعرفة
التي يؤدي إليها. ووجه وجوب المعرفة : أن العلم باستحقاق الثواب والعقاب الذي هو
لطف في فعل الواجب العقلي لا يتم إلا بحصول هذه المعرفة ، وما لا يتم الواجب إلا
به واجب.
والنظر هو الفكر ، ويعلمه أحدنا من نفسه
ضرورة ، وإنما يجب على هذا النظر إذا خاف من تركه وإهماله ، وإنما يخاف الضرر
بالتخويف من العباد إذا كان ناشئا " بينهم ، أو بأن يبتدئ في الفكر في أمارة
الخوف من ترك النظر ، أو بأن يخطر الله تعالى بباله ما يدعوه إلى النظر ويخوفه من
الاهمال. والأولى في الخاطر أن يكون كاملا خفيا " يسميه وإن لم يميزه، والنظر
في الدليل على الوجه الذي يدل سبب تولد العلم ، لأنه يحدث بحسبه فجرى في أنه مولود
__________________
مجرى الضرب والألم.
والمستحق بالأفعال : مدح ، وثواب ، وشكر
، وذم ، وعقاب ، وعوض. فأما المدح فهو القول المنبئ عن عظم الممدوح ، وأما الثواب
فهو النفع المستحق المقارن للتعظيم والاجلال ، وأما الشكر فهو الاعتراف بالنعمة مع
ضرب من التعظيم ، وأما الذم فهو ما أنبأ عن ايضاع المذموم ، وأما العقاب فهو الضرر
المستحق المقارن للاستخفاف والإهانة ، وأما العوض فهو النفع الحسن الخالي من تعظيم
وتبجيل ، ويستحق بفعل الواجب وما له صفة الندب وبالتحرز من القبيح ، ويستحق الثواب
بهذه الوجوه الثلاثة إذا اقترنت بها المشقة ويستحق الشكر المنعم والاحسان ، فأما
العبادة فهي ضرب من الشكر وغاية فيه ، فلهذا لم نفردها بالذكر ، فأما الذم فيستحق
بفعل القبيح وبأن لا يفعل الواجب ، وأما العقاب فيستحق بهذين الوجهين معا "
بشرط أن يكون للفاعل اختيار ما استحق به ذلك على ما فيه مصلحته ومنفعته.
وإنما قلنا إنه يستحق الذم على الاخلال
بالواجب وإنه جهة في استحقاق الذم كالقبح لأن العقلاء يعقلون الذم بذلك كما
يعقلونه بالقبيح ، ولأنهم يذمونه إذا علموه غير فاعل للواجب عليه وإن لم يعلموا
سواه ، والمطيع منا يستحق بطاعته الثواب مضافا " إلى المدح ، لأنه تعالى كلفه
على وجه يشق ، فلا بد من المنفعة ، ولا تكون هذه المنفعة من جنس العوض ، لأن العوض
يحسن الابتداء بمثله ، ويستحق أحدنا بفعل القبيح والاخلال بالواجب العقاب مضافا
" إلى الذم ، لأنه تعالى أوجب عليه الفعل وجعله شاقا " ، والايجاب لا
يحسن لمجرد النفع فلا بد من استحقاق ضرر على تركه ، ولا دليل في العقل على دوام
الثواب والعقاب وأنما المرجع في ذلك إلى السمع ، والعقاب
يحسن التفضل بإسقاطه
ويسقط بالعفو لأنه حق الله تعالى إليه قبضه واستيفاؤه ، ويتعلق باستيفائه ضرر
فأشبه الدين.
ولا تحابط بين مجراه وقبول التوبة ،
وإسقاط العقاب عندها تفضل من الله تعالى ، والوجه الذي ذكرناه من فقد التنافي.
ومن جمع بين طاعة ومعصية اجتمع له
استحقاق المدح والثواب بالطاعة والذم والعقاب بالمعصية ، وفعل ذلك به على الوجه
الذي يمكن.
وعقاب الكفار مقطوع عليه بالاجماع ،
وعقاب فساق أهل الصلاة غير مقطوع عليه، لأن العقل يجيز العفو عنهم ولم يرد سمع
قاطع بعقابهم. وما يدعي من آيات الوعيد وعمومها مقدوح فيه بأن العموم لا ينفرد
بصيغة خاصة في اللغة ، ولأن آيات الوعيد مشروطة بالثابت ومن زاد ثوابه عندهم ، وما
أوجب هذين الشرطين بوجب اشتراط من تفضل الله تعالى بالعفو عنه. وهذه الآيات أيضا
" معارضة بعموم آيات أخرى ، مثل قوله تعالى : (ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء)
(وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم)
و (إن الله يغفر الذنوب جميعا ").
وشفاعة النبي صلى الله عليه وآله إنما
هي في إسقاط عقاب العاصي لا في زيادة المنافع، لأن حقيقة الشفاعة تختص بذلك من جهة
أنها لو اشتركت لكنا شافعين في النبي صلى الله عليه وآله إذا سألنا في زيادة
درجاته ومنازله.
وإذا بطل التحابط فلا بد فيمن كان مؤمنا
" في باطنه من أن يوافي بالايمان ، وإلا أدى إلى تعذر استيفاء حقه من الثواب.
__________________
ونسمي من جمع بين الإيمان والفسق مؤمنا
" بإيمانه فاسقا " بفسقه لأن الاشتقاق يوجب ذلك ، ولو كان لفظ (مؤمن)
منتقلا إلى استحقاق الثواب والتعظيم كما يدعي يوجب تسميته به ، لأنه عندنا يستحق
الثواب والتعظيم وإن استحق العقاب.
والأمر بالمعروف ينقسم إلى واجب وندب ،
فما تعلق منه بالواجب كان واجبا " [وما تعلق منه بالندب كان ندبا "].
والنهي عن المنكر كله واجب عند الشرط ،
لأن المنكر لا ينقسم انقسام المعروف ، وليس في العقل دليل على وجوب ذلك إلا إذا
كان على سبيل دفع الضرر ، وإنما المرجع في وجوبه إلى السمع.
وشرائط إنكار المنكر : أن يعلمه منكرا
" ، ويجوز تأثير إنكاره ، ويزول الخوف على النفس وما جرى مجراها ، ولا يكون
في إنكاره مفسدة.
باب
(ما يجب اعتقاده في
النبوة)
متى علم الله سبحانه أن لنا في بعض
الأفعال مصالح وألطافا " أو فيها ما هو مفسدة في الدين والعقل لا يدل عليها
وجب بعثة الرسول لتعريفه ، ولا سبيل إلى تصديقه إلا بالمعجز.
وصفة المعجز : أن يكون خارقا "
للعادة ، ومطابقا " لدعوى الرسول ومتعلقا " بها ، وأن يكون متعذرا
" في جنسه أو صفته المخصوصة على الخلق ، ويكون من فعله تعالى أو جاريا "
مجرى فعله تعالى ، وإذا وقع موقع التصديق فلا بد من
دلالته على المصدق
وإلا كان قبيحا ".
وقد دل الله تعالى على صدق رسوله محمد
صلى الله عليه وآله بالقرآن لأن ظهوره من جهته معلوم ضرورة ، وتحديه العرب والعجم
معلوم أيضا " ضررة ، وارتفاع معارضته أيضا " بقريب من الضرورة ، فإن ذلك
التعذر معلوم بأدنى نظر ، لأنه لولا التعذر لعورض ، ولولا أن التعذر خرق العادة
توقف على أنه لا دلالة في تعذر معارضته. فأما أن يكون القرآن من فعله تعالى على
سبيل التصديق له فيكون هو العلم المعجز ، أو يكون تعالى صرف القوم عن معارضته
فيكون الصرف هو العلم الدال على النبوة ، وقد بينا في كتاب الصرف
الصحيح من ذلك وبسطناه.
وكل من صدقه نبينا من الأنبياء
المتقدمين فإنما علينا تصديق نبوته بخبره ، ولولا ذلك لما كان إليه طريق العلم.
ونسخ الشرائع جائز في العقول لاتباع
الشريعة للمصلحة التي يجوز تغييرها وتبديلها.
وشرع موسى عليه السلام غيره من الأنبياء
منسوخ بشريعة نبينا صلى الله عليه وآله وسلم ، وصحة هذه النبوة دليلها يكذب من
ادعى أن شرعه لا ينسخ.
__________________
باب
(ما يجب اعتقاده في
الإمامة وما يتصل به)
الإمامة في كل زمان لقرب الناس من
الصلاح وبعدهم عن الفساد عند وجود الرؤساء المهيبين.
وأوجب في الإمام عصمته ، لأنه لو لم يكن
كذلك لكانت الحاجة إليه فيه ، وهذا يتناهى من الرؤساء ، والانتهاء إلى رئيس معصوم.
وواجب أن يكون أفضل من رعيته وأعلم ،
لقبح تقديم المفضول على الفاضل فيما كان أفضل منه فيه في العقول. فإذا وجبت عصمته
وجب النص من الله تعالى عليه وبطل اختيار الإمامة ، لأن العصمة لا طريق للأنام إلى
العلم بمن هو عليها.
فإذا تقرر وجوب العصمة فالإمام بعد
النبي صلى الله عليه وآله بلا فصل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ،
لإجماع الأمة على نفي القطع على هذه الصفة في غيره عليه السلام ممن ادعى الإمامة
في تلك الحال ، وخبر الغدير
وخبر غزوة تبوك
يدلان على ما ذكرناه من النص عليه ، وإنما
__________________
عدل عن المطالبة
والمنازعة وأظهر التسليم والانقياد للتقية ، والخوف على النفس والإشفاق من فساد في
الدين لا يتلافاه.
__________________
كتاب الطهارة
(وتوابعها)
فصل
(في أحكام المياه)
كل ماء على أصل الطهارة إلا أن يخالطه ـ
وهو قليل ـ نجاسة فينجس ، أو يتغير وهو كثير أحد أوصافه من لون أو طعم أو رائحة.
وحد القليل ما نقص عن كر ، والكثير ما
بلغه وزاد
عليه. وحد الكر ما قدره ألف ومائتا رطل بالمدني.
والماء الذي يستعمل في إزالة الحدث من وضوء
وغسل طاهر [و] مطهر يجوز التوضي به والاغتسال به مستقلا.
__________________
وموت ما لا نفس له كالذباب والجراد وما
أشبههما في الماء قليلا كان أو كثيرا " لا ينجسه.
وسؤر الكفار من اليهود والنصارى ومن
يجري مجراهم .
نجس ، ولا بأس بسؤر الجنب والحائض. ويجوز الوضوء بسؤر [جميع] البهائم ما أكل لحمه وما
لا يؤكل إلا سؤر الكلب والخنزير ، ويكره الجلال من البهائم. ويغسل الإناء من ولوغ
الكلب بثلاث
مرات إحداهن بالتراب.
باب
(في الاستنجاء وكيفية
الوضوء والغسل)
الاستنجاء واجب لا يجوز الاخلال به ،
والجمع بين الحجارات
والماء أفضل ويجزي الاقتصار على الحجارة ، وأفضل منه الاقتصار على الماء. ولا يجوز
في البول إلا الماء دون الحجر. والمسنون في عدد الأحجار ثلاثة. ولا يجوز أن يستقبل
القبلة أو
يستدبرها ببول ولا غائط.
والسنة الواجبة
في الوضوء بالماء واغتسال به وفي التيمم عند فقد الماء.
__________________
وفرض الوضوء غسل الوجه من قصاص شعر
الرأس إلى محاذي شعر الذقن طولا ، وما دارت عليه الابهام والوسطى عرضا " ،
وغسل اليدين من المرفقين إلى أطراف الأصابع ، ومسح ثلاث أصابع [من] مقدم الرأس ويجزي
إصبع واحد ، ومسح ظاهر القدمين من الأصابع إلى الكعبين اللذين هما في وسط القدم
عند معقد الشراك ، والفرض هو مرة واحدة، والتكرار مستحب في العضوين المغسولين
مرتين بلا زيادة عليهما
ولا تكرار في الممسوح. ولا يجوز المسح على الخفين ولا ما أشبههما مما يستر عضوا
" من أعضاء الطهارة.
والترتيب واجب في الوضوء وغسل الجنابة
والتيمم ، فمن أخل به استدركه.
والموالاة واجبة في الوضوء [و] غير
واجبة في الغسل.
وعلى المغتسل من جنابة وغيرها
إيصال الماء على جميع البشرة الطاهرة
وأعضائه ، وليس عليه غسل داخل أنفه وفمه ، ويقدم غسل رأسه ثم ميامن جسده ثم مياسره
حتى يتم جميع
البدن.
ويستبيح بالغسل الواجب الصلاة من غير
وضوء ، وإنما الوضوء في غير الأغسال الواجبة.
فصل
(في نواقض الطهارة)
الأحداث الناقضة للطهارة على ضربين :
ضرب يوجب الوضوء كالبول ،
__________________
والغائط والريح ،
والنوم الغالب على الحاستين وما أشبهه من الجنون والمرض والضرب الثاني يوجب الغسل
كإنزال الماء الدافق على جميع الأحوال ، والجماع في الفرج وإن لم ينزل ، والحيض
والاستحاضة ، والنفاس ، وقد ألحق بعض أصحابنا مس الميت.
وجميع ما ذكرناه ينقض التيمم ، وينقضه
أيضا " التمكن من استعمال الماء ، كأن تيمم ثم وجد ماءا "
يتمكن من استعماله ، فإن طهارته الأولى تنتقض بذلك ، وليس تنتقض بغير ما عددناه
فلا معنى لتعداده.
فصل
(في التيمم وأحكامه)
إنما يجب التيمم عند فقد الماء الطاهر ،
أو تعذر الوصول إليه مع وجوده لبعض الأسباب ، أو بالخوف على النفس من استعماله في
سفر أو حضر. ولا يجوز التيمم إلا عند تضيق [وقت] الصلاة ، ويجب طلب الماء
والاجتهاد في تحصيله.
وأما كيفيته : فهو أن يضرب براحتيه ظهر
الأرض باسطا " لهما ، ثم يرفعهما وينفض بإحداهما الأخرى ، ثم يمسح بهما وجهه
من قصاص شعر الرأس إلى طرف أنفه ، ثم يمسح بكفه اليسرى ظاهر كفه اليمنى من الزند
إلى أطراف الأصابع ويمسح بكفه اليمنى ظاهر كفه اليسرى على هذا الوجه ، ويجزيه ما
ذكرناه في
__________________
تيممه إن كان عن
جنابة وما
أشبهها أثناء ما ذكرناه من الضربة ومسح الوجه واليدين.
والتيمم بالتراب الطاهر ، ويجوز بالجص
والنورة ، ولا يجوز بالزرنيخ وما أشبهه من المعادن ، ويجوز التيمم بغبار ثوبه وما
يجري مجراه بعد أن يكون الغبار من الجنس الذي يجوز التيمم بمثله.
ويصلي بالتيمم الواحد ما شاء من الفرائض
والنوافل ما لم يحدث أو يتمكن من الماء.
ومن دخل في الصلاة بتيمم ثم وجد الماء
فإن كان قد ركع مضى فيها وإن لم يركع انصرف وتوضأ ، فقد روي أنه إذا كبر تكبيرة
الاحرام مضى فيها.
فصل
(في الحيض والاستحاضة
والنفاس)
أقل أيام الحيض ثلاثة ، وأكثرها عشرة ،
وأقل الطهر عشرة أيام ، وما زاد على الحيض فهو استحاضة.
والمستحاضة تترك الصلاة أيام حيضها
المعتاد وتصلي في باقي الأيام ، وإن لم يحصل لها تلك الأيام رجعت إلى صفة الدم ،
لأن دم الحيض غليظ يضرب إلى السواد ، يتبع خروجه حرقة. ودم الاستحاضة رقيق بارد
يضرب إلى الصفرة.
والمستحاضة تحتشي بالقطن. وإن لم يثقب
القطن ، كان عليها تغيير ما تحتشي
__________________
به عند كل صلاة
وتجديد الوضوء لكل صلاة. فإن ثقب ورشح ولم يسل كان عليها تغييره في أوقات الصلاة
وتغتسل لصلاة الفجر وتتوضأ وتصلي باقي الصلاة بوضوء مجرد من غير اغتسال.
وإن ثقب الدم القطن وسال كان عليها أن
تجمع بين الظهر والعصر بغسل ووضوء ، وتفعل مثل ذلك في المغرب والعشاء الآخرة ،
ومثل ذلك في صلاة الليل وصلاة الفجر وتغير القطن في ذلك.
كتاب الصلاة
فصل
(في مقدمات الصلاة من
لباس وغيره)
ويجب على المصلي ستر عورته ، وهما قبله
ودبره. وعلى المرأة أن تغطي رأسها في الصلاة ، وليس عليها ذلك إذا كانت أمة.
وتجوز الصلاة في وبر وشعر وصوف ما أكل
لحمه من الحيوان أو جلده إذا ذكاه الذبح ، ولا تجوز فيما لا يؤكل لحمه ، ولا في
جلود الميتة ولو دبغت ، وتجوز الصلاة في الخز الخالص ، ولا تجوز في الإبريسم المحض
للرجال دون النساء.
ولا تجوز الصلاة في ثوب فيه نجاسة ، إلا
الدم خاصة ، فإنه يعتبر به قدر الدرهم ، فما بلغه لا تجوز فيه الصلاة ، وما نقص
منه جازت فيه. ودم الحيض قليله ككثيره في وجوب تجنبه.
ولا تجوز الصلاة في ثوب مغصوب ولا
المكان المغصوب.
والسجود يجب أن يكون على الأرض الطاهرة
، وعلى كل ما أنبتته إلا ما أكل ولبس. ولا بأس بالسجود على القرطاس الخالي من
الكتابة ، فإنها بما شغلت المصلي.
وعلى المصلي أن يتوجه إلى الكعبة إذا
كان بمكة ، وذلك بالحضور والقرب وإن كان بعيدا " تحرى جهتها وصلى على ما يغلب
ظنه أنه جهة الكعبة.
ومن أشكلت عليه جهة القبلة لغيم أو غيره
من الأسباب وفقد سائر الأمارات كان عليه أن يصلي إلى أربع جهات : يمينه وأمامه
وشماله وورائه تلك الصلاة بعينها ، وينوي بكل صلاة في جهة أداء تلك الصلاة.
فإن لم يتمكن من الصلاة إلى الجهات
الأربع لمانع صلى مع تساوي الجهات في ظنه إلى أي جهة شاء.
ومن تحرى القبلة وأخطأها وظهر له ذلك
بعد صلاته أعاد في الوقت ، فإن خرج عن الوقت فلا إعادة عليه. وقد روي : أنه إن كان
استدبر القبلة أعاد على كل حال.
فصل
(في حكم الأذان
والإقامة)
الأذان والإقامة يجبان على الرجال دون
النساء في كل صلاة جماعة في سفر أو حضر، ويجبان عليهم فرادى سفرا " وحضرا
" في الفجر والمغرب وصلاة الجمعة.
والإقامة من السنن المؤكدة ، وإن كانت
بحيث ذكرنا وجوبها أوكد من
سائر المواضع.
وكيفية الأذان : (الله أكبر. الله أكبر.
الله أكبر. الله أكبر. أشهد أن لا إله إلا الله. أشهد أن لا إله إلا الله. أشهد أن
محمدا " رسول الله. أشهد أن محمدا " رسول الله. حي على الصلاة. حي على
الصلاة. حي على الفلاح. حي على الفلاح. حي على خير العمل. حي على خير العمل. الله
أكبر. الله أكبر لا إله إلا الله. لا إله إلا الله " هذه ثمانية عشر فصلا.
والإقامة سبعة عشر فصلا ، لأن فيها
نقصان ثلاثة فصول عن الأذان وزيادة فصلين ، فالنقصان تكبيرتان من الأربع الأول ،
وإسقاط واحدة من لفظ (لا إله إلا الله) في آخرة ، والزيادة أن يقول بعد (حي على
خير العمل) : (قد قامت الصلاة. قد قامت الصلاة).
والأذان يجوز بغير وضوء ، ولا استقبال
القبلة ، ولا يجوز ذلك في الإقامة ، والكلام في خلال ذلك جائز ، ولا يجوز أذان
الصلاة قبل دخول وقتها ، وقد روي جواز ذلك في الفجر خاصة .
ويستحب للمصلي مفردا " أن يفصل بين
الأذان والإقامة بسجدة أو خطوة.
باب
(في أعداد الصلوات
المفروضات)
المفروض في اليوم والليلة خمس صلوات :
صلاة الظهر ، وهي للمقيم
__________________
ومن لم يتكامل له
شرائط التقصير من المسافرين أربع ركعات ، بتشهدين الأول بغير تسليم والثاني بتسليم.
والعصر بهذا العدد والصفة ، والمغرب ثلاث ركعات بتشهد بعد الأولتين بغير تسليم
وتشهد بعد الثلاث
مع التسليم ، والعشاء الآخرة بصفة عدد الظهر والعصر ، وصلاة الفجر ركعتان بتشهد في
الثانية وتسليم. فهذه سبع عشرة ركعة تجب على كل مقيم من الرجال والنساء.
والنوافل المسنونة للمقيمين في اليوم
والليلة أربع وثلاثون ركعة : منها عند زوال الشمس ثمان ركعات بتشهد في كل ركعتين
وتسليم ، وثمان ركعات عقيب الظهر وقبل العصر ، وأربع ركعات بعد المغرب ، وركعتان
من جلوس تحسبان واحدة بعد العشاء الآخرة ، وثمان ركعات نوافل الليل ، وثلاث ركعات الشفع
والوتر ، وركعتان نافلة الفجر.
فصل
(في كيفية أفعال
الصلاة)
نية الصلاة واجبة ، والتوجه إلى القبلة
واجب ، وتكبيرة الاحرام واجبة ، فإن اقتصر عليها أجزأه ، ومن كبر سبعا " يسبح
بينهن كان أكمل
له ، وإذا كبر أرسل يديه ولا يضع واحدة على الأخرى.
ويفتتح الصلاة بالتوجه فيقول (وجهت وجهي
للذي فطر السماوات والأرض حنيفا " مسلما " وما أنا من المشركين ، إن
صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي
__________________
لله رب العالمين ، لا
شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين).
ثم يتعوذ ويفتتح
القراءة ب (بسم الله الرحمن الرحيم) يجهر بها في كل صلاة جهرا " كانت أو
إخفاتا " ، ويقرأ الحمد وسورة معها.
ويجتنب عزائم السجود ، وهن ألم فصلت وحم
وسورة النجم واقرأ باسم ربك ، لأن فيهن سجودا " واجبا " ، ولا يجوز أن
يزاد في صلاة الفريضة.
فإذا فرغ من قراءته ركع مادا "
لعنقه مستويا "
لظهره فاتحا " لأبطيه ، ويملأ " كفيه من ركبتيه ، ويسبح في الركوع فيقول
(سبحان ربي العظيم وبحمده) إن شاء سبعا " وإن شاء خمسا " وإن شاء ثلاثا
" ، فهو أكمل من الواحدة ، وهي تجزي.
ثم يرفع رأسه ويقول (سمع الله لمن حمده
، الحمد لله رب العالمين) ويستوي قائما " منتصبا ".
ثم يكبر رافعا " يديه ولا يجاوز
بهما شحمتي أذنيه ، ويهوي إلى السجود ويتلقى الأرض بيديه معا " قبل ركبتيه ،
ويكون سجوده على سبعة أعضاء : الجبهة ، ومفصلي الكفين عند الزندين ، وعيني
الركبتين ، وطرفي إبهامي الرجلين. والارغام بطرف الأنف مما يلي الحاجبين من وكيد
السنن ، ويسبح في السجود فيقول (سبحان ربي الأعلى وبحمده) ما بين الواحدة إلى السبع.
ثم يرفع رأسه من السجود رافعا "
يديه من السجود بالتكبير ، ويجلس متمكنا " على الأرض فيقول بين السجدتين (اللهم
اغفر لي وارحمني).
ثم يسجد الثانية على ما وصفناه ويرفع
رأسه مكبرا " ويجلس متمكنا ".
ثم ينهض إلى الركعة الثانية وهو يقول (بحول
الله وقوته أقوم وأقعد).
فإذا فرغ من القراءة في الثانية بسط
كفيه حيال وجهه للقنوت ، وقد روي
__________________
أنه يكبر للقنوت ،
والقنوت مبني على حمد الله والثناء عليه والصلاة على نبيه وآله صلى الله عليهم ،
ويجوز أن يسأل في حاجته .
وأفضل ما روي في القنوت (لا إله إلا
الله الحليم الكريم ، لا إله إلا الله العلي العظيم، سبحان الله رب السماوات السبع
ورب الأرضين السبع وما بينهن وما فوقهن وما تحتهن ورب العرش العظيم ، وسلام على
المرسلين ، والحمد لله رب العالمين).
ويقنت في كل صلاة من فرض ونفل ، وهو في
الفرائض وفيما جهر بالقراءة فيه منها أشد تأكيدا " ، وموضعه بعد القراءة من
الركعة الثانية وفي المفردة من الوتر.
والتشهدان جميعا " الأول والثاني ،
يقول في الأول (بسم الله وبالله ، والحمد لله ، والأسماء الحسنى كلها لله ، أشهد
أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا " عبده ورسوله أرسله
بالحق بشيرا " ونذيرا " بين يدي الساعة ، اللهم صل على محمد وآل محمد
كأفضل ما صليت وباركت ورحمت وترحمت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد).
والركعتان الأخيرتان من الظهر والعصر
والعشاء الآخرة والثالثة من المغرب أنت مخير فيهن بين قراءة الحمد وبين عشر
تسبيحات ، تقول (سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله) ثلاث مرات وتزيد في
الثالثة (الله أكبر).
وصفة التشهد الثاني تقول (التحيات لله
الصلوات الطيبات الطاهرات الزاكيات).
وتتشهد
وتصلي على النبي صلى الله عليه وآله كما ذكرناه في التشهد
__________________
الأول ثم تقول (السلام
عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته. السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين).
ثم تسليم تسليمة واحدة مستقبل القبلة ،
وينحرف بوجهه قليلا إلى يمينه إن كان منفردا " أو إماما " ، أو
كان مأموما " تسلم تسليمتين على يمينه وعن شماله ، إلا أن تكون جهة شماله
خالية من مصل فيسلم عن يمينه خاصة.
وأدنى ما يجزي من التشهدين : الشهادتان
، والصلاة على محمد النبي وآله.
فصل
(فيما يجب اجتنابه في
الصلاة وحكم ما يعرض فيها)
لا يجوز للمصلي اعتماد الكلام في الصلاة
بما خرج عن قرآن أو تسبيح ، ولا يقهقه ، ولا يبصق إلا أن يغلبه. وفي الجملة لا
يفعل فعلا كثيرا " يخرج عن أفعال الصلاة.
ويجوز أن يقتل الحية والعقرب إذا خاف
ضررهما.
فإن عرض غالبا " له من قئ أو رعاف
أو ما أشبه ذلك مما لا ينقض الطهارة كان عليه أن يغسله ويعود وبنى
على صلاته بعد أن لا يكون استدبر القبلة أو أحدث ما يوجب قطع الصلاة.
وإن تكلم في الصلاة ناسيا " فلا شئ
عليه.
__________________
فصل
(في أحكام السهو)
كل سهو عرض والظن غالب فيه فالعمل ما
غلب عليه الظن ، وإنما يحتاج إلى تفصيل أحكام السهو عند اعتدال الظن وتساويه ،
فالسهو المعتدل فيه الظن على ضربين:
فمنه ما يوجب إعادة الصلاة كالسهو في
الأوليين من كل فرض أو فريضة الفجر أو المغرب أو الجمعة مع الإمام أو صلاة السفر.
أو سهو في تكبيرة الافتتاح ثم لم يذكره
حتى يركع ، والسهو عن الركوع ولا يذكره حتى يسجد ، والسهو عن سجدتين في ركعة ثم
يذكر ذلك وقد ركع الثانية.
أو ينقص ساهيا " من الفرض ركعة أو
أكثر ، أو يزيد في عدد الركعات ثم لا يذكر حتى ينصرف بوجهه عن القبلة.
أو شك وهو في حال الصلاة ولم يدر كم صلى
ولا يحصل شيئا " من العدد.
ويجب إعادة الصلاة على من ذكر أو أيقن
أنه دخل فيها بغير وصف ، أو صلى في ثوب نجس وهو يقدر على طاهر ، أو ثوب مغصوب ، أو
في مكان مغصوب ، أو سها فصلى إلى غير القبلة.
ومن السهو ما لا حكم له ووجوده كعدمه ،
وهو الذي يكثر ويتواتر فيلغى حكمه ، أو يقع في حال قد مضت وأنت في غيرها ، كمن شك
في تكبيرة الافتتاح وهو في حال القراءة أو هو راكع ، أو في الركوع وهو ساجد.
__________________
ولا حكم للسهو في النوافل ، ولا حكم
للسهو في السهو.
ومن السهو ما يوجب تلافيه في الحال ،
كمن سها عن قراءة الحمد حتى ابتدأ بالسورة الأخرى ، فيجب عليه قطع السورة
والابتداء بالفاتحة.
وإن سها عن تكبيرة الافتتاح وذكرها وهو
في القراءة قبل أن يركع فعليه أن يكبر ثم يقرأ.
وإن سها عن الركوع وذكر وهو قائم أنه
يركع وكذلك إن نسي سجدة من السجدتين وذكرها في حال قيامه وجب عليه أن يرسل نفسه
ويسجدها ثم يعود إلى القيام ، فإن لم يذكرها حتى ركع الثانية وجب أن يقضيها بعد
التسليم وعليه سجدتا السهو.
وإن سها عن التشهد الأول حتى قام وذكره
قائما " كان عليه أن يجلس ويتشهد ، وكذلك إن سلم ساهيا " في الجلوس
للتشهد الأخير قبل أن يتشهد أو قبل الصلاة على النبي وآله وذكر ذلك وهو جالس من
غير أن يتكلم فعليه أن يعيد التشهد أو ما فاته منه.
ومن السهو ما يوجب الاحتياط للصلاة ،
كمن سها فلم يدر أركع أم لم يركع وهو قائم وتساوت ظنونه ، فعليه أن يركع ليكون على
يقين ، فإن ركع ثم ذكر في حال الركوع أنه قد كان ركع فعليه أن يرسل نفسه للسجود من
غير أن يرفع رأسه ولا يقيم صلبه ، فإن ذكر بأنه قد كان ركع بعد انتصابه كان عليه إعادة
الصلاة لزيادته فيها فليسجد سجدة.
وكذلك الحكم فيمن سها فلم يدر أسجد
اثنتين أم واحدة عند رفع رأسه وقبل قيامه.
ومن سها فلم يدر اثنتين صلى أم ثلاثا
" واعتدلت ظنونه فليبن على الثلاث
ثم يأتي بعد التسليم
بركعتين جالسا " تقوم مقام واحدة ، فإن تبين
النقصان كان فيما فعله تمام صلاته ، وإن تبين على الكمال كانت الركعتان نافلة ،
فإن شاء بدلا من الركعتين من جلوس أن يصلي ركعة واحدة من قيام يتشهد فيها ويسلم
جاز له ذلك.
فإن سها بين اثنتين وأربع فليبن على
أربع ، فإذا سلم قام فصلى ركعتين.
فإن سها بين ركعتين وثلاث وأربع بنى على
الأربع ثم سلم ثم قام فصلى ركعتين ، فإذا سلم منها صلى ركعتين من جلوس.
ومن السهو ما يجب فيه جبر الصلاة ، كمن
سها عن سجدة من السجدتين ثم ذكرها بعد الركوع في الثانية فعليه إذا سلم قضاء تلك
السجدة ويسجد سجدتي السهو.
ومن نسي التشهد الأول ثم ذكر بعد الركوع
في الثالثة قضى بعد التسليم ويسجد سجدتي السهو ، ومن تكلم في الصلاة ساهيا "
بما لا يجوز مثله فيها فعليه سجدتا السهو ، ومن قعد في حال قيام أو قام في حال
قعود فعليه سجدتا السهو ،
ومن لم يدر صلى أربعا " أو خمسا " واعتدلت الظنون
منه فعليه أيضا " سجدتا السهو.
وهما سجدتان بعد التسليم بغير ركوع ولا
قراءة ، يقول في كل واحدة منهما (بسم الله وبالله ، اللهم صل على محمد وآل محمد)
ويتشهد تشهدا " خفيفا " ويسلم.
__________________
فصل
(في أحكام قضاء
الصلاة)
كل صلاة فائتة وجب قضاؤها في حال الذكر
لها من سائر الأوقات إلا أن يكون آخر وقت فريضة حاضرة يخاف فيه من التشاغل
بالفائتة فوت الحاضرة ، فيجب حينئذ الابتداء بالحاضرة والتعقيب بالماضية.
والترتيب واجب في قضاء الصلاة.
وإذا دخل المصلي في صلاة العصر وذكر أن
عليه صلاة الظهر نقل نيته إلى الظهر ، وكذلك إن صلى من المغرب ركعة أو ركعتين وذكر
أن عليه صلاة العصر ، أو صلى من العشاء الآخرة ركعة أو ركعتين وذكر أن عليه صلاة
المغرب.
وقضاء النوافل مستحب.
وإذا أسلم الكافر وطهرت الحائض وبلغ
الصبي قبل غروب الشمس في وقت يتسع للظهر والعصر وجب على كل واحد ممن ذكرناه أداء
الصلاتين أو قضاؤهما إن أخرهما ، وكذلك الحكم فيما إذا تغيرت أحوالهم في آخر الليل
في قضاء صلوات المغرب والعشاء الآخرة.
وإذا حاضت المرأة الطاهرة في أول وقت
صلاة بعد أن كان تصح لها الصلاة أو أكثرها في الوقت لزمها قضاء تلك الصلاة.
والمغمى عليه لمرض أو غيره مما لا يكون
هو السبب في دخوله عليه بمعصية لا يجب عليه قضاء ما فاته من الصلاة إذا أفاق ، بل
يجب أن يصلي الصلاة التي أفاق في وقتها.
وقد روي أنه إن أفاق أول النهار قضى
صلاة اليوم كله ، وإذا أفاق آخر الليل
قضى صلاة تلك الليلة .
والمرتد إذا تاب وجب عليه قضاء جميع ما
تركه في ردته من الصلاة.
والعليل إذا وجبت عليه صلاة وأخرها حتى
مات قضاها عنه وليه ، كما يقضي عنه حجة الإسلام والصيام ببدنه.
وإذا جعل مكان القضاء أن يتصدق عن كل
ركعتين بمد أجزأه ، فإن لم يقدر فعن كل أربع بمد ، فإن لم يقدر فمد لصلاة النهار
ومد لصلاة الليل.
ومن نسي صلاة فريضة من الخمس ولم يقف
عليها بعينها فليصل ركعتين وثلاثا " وأربعا " ، ومن لم يحص ما فاته كثرة
من الصلاة فليصل اثنتين وثلاثا " وأربعا " ، ويد من ذلك حتى يغلب على
ظنه أنه قد قضى الفائت.
فصل
(في أحكام صلاة
الجماعة)
صلاة الجماعة أفضل من صلاة الانفراد ،
ولا تجوز الصلاة خلف الفساق ، ولا يؤم بالناس الأغلف وولد الزنا والأجذم والأبرص
والمحدود ، ولا صاحب الفلج للأصحاء ، ولا الجالس للقيام ، ولا المتيمم للمتوضين.
ويكره للمسافر أن يؤم المقيم وللمقيم أن
يؤم المسافر في الصلوات التي يختلف فيها فرضاهما ، فإن دخل المسافر في صلاة المقيم
سلم في الركعتين وانصرف وجعل الركعتين الأخيرتين تطوعا " ، فإن دخل مقيم في
صلاة المسافر وجب عليه أن لا ينفتل من صلاته بعد سلامه إلا أن يتم المقيم صلاته.
__________________
ولا يؤم المرأة الرجل ، ويجوز للرجل أن
يؤمها.
والسلطان المحق أحق بالإمامة في كل موضع
إذا حضر ، وصاحب المنزل في منزله ، وصاحب المسجد في مسجده ، فإن لم يحضر أحد ممن
ذكرناه أم بالقوم أقرأهم ، فإن تساووا فأعلمهم بالسنة ، فإن تساووا فأسنهم. وقد
روي أنه إذا تساووا فأصبحهم وجها " .
وقد يجوز إمامة أهل الطبقة المتأخرة عن
غيرها بإذن المتقدمة إلا أن يكون الإمام الأكبر الذي هو رئيس الكل ، فإن التقدم
عليه لا يجوز بحال من الأحوال.
ولا يجوز أن يكون مقام الإمام أعلى من
مقام المأموم إلا بما يعتد بمثله ، ويجوز كون مقام المأموم أعلى بعد أن لا ينتهي
إلى الحد الذي لا يتمكن معه من الاقتداء به.
ومقام الإمام قدام المأمومين إذا كانوا
رجالا أكثر من واحد ، فإن كان المأموم رجلا واحدا " أو امرأة أو جماعة من
النساء صلى الرجل عن يمين الإمام والمرأة أو النساء الجماعة خلفهما.
ويجهر الإمام ب (بسم الله الرحمن
الرحيم) في السورتين معا " فيما يجهر فيه بالقراءة وفيما يخافت ، ولا يقرأ
المأموم خلف الإمام الموثوق به في الركعتين الأولتين في جميع الصلوات من ذوات
الجهر والاخفات ، إلا أن تكون صلاة جهر لم يسمع المأموم قراءة الإمام فيقرأ لنفسه
، وهذا أشهر الروايات.
وروي أنه لا يقرأ فيما يجهر فيه ويلزمه
القراءة فيما خافت فيه الإمام
وروي أنه بالخيار فيما خافت فيه. .
__________________
فأما الأخيرتان فالأولى أن يقرأ المأموم
أو يسبح فيهما ، وروي أنه ليس عليه ذلك.
ومن أدرك الإمام راكعا " فقد أدرك
الركعة ، ومن أدركه ساجدا " جاز أن يكبر ويسجد معه ، غير أنه لا يعتد بتلك
الركعة ومتى لحق الإمام وهو في بقية من التشهد فدخل في صلاته وجلس معه لحق فضيلة
الجماعة.
ومن سبقه الإمام بشئ من ركعات الصلاة
جعل المأموم ما أدركه معه أول صلاته وما يقضيه آخرها ، كما إذا أدرك من صلاة الظهر
والعصر أو العشاء الآخرة ركعتين وفاته ركعتان فإنه يجب أن يقرأ فيما أدركه الفاتحة
في نفسه ، فإذا سلم الإمام قام فصلى الأخيرتين مسبحا " فيهما ، وكذلك القول
في جميع ما يفوت.
وليس على المأموم إذا سها خلف الإمام
سجدتا السهو.
فصل
(في صلاة الجمعة
وأحكامها)
صلاة الجمعة فرض لازم مع حضور الإمام
العادل ، واجتماع خمسة فصاعدا " الإمام أحدهم ، وزوال الأعذار التي هي الصغر
والكبر والسفر والعبودية والجنون والتأنيث والمرض والعمى ، وأن تكون المسافة بينها
وبين المصلي أكثر من فرسخين ، والممنوع لا شك في عذره.
والخطبتان لا بد منهما ، لأن الرواية
وردت بأن الخطبتين تقوم مقام الركعتين الموضوعتين.
__________________
ومن سنن الجمعة المؤكدة الغسل ، وابتداؤه
من طلوع الفجر إلى زوال الشمس ، وأفضله ما قرب من الزوال.
ومن سننها لبس أنظف الثياب ، ومس شئ من
الطيب ، وأخذ الشارب ، وتقليم الأظفار.
ووقت الظهر من يوم الجمعة خاصة وقت زوال
الشمس ، ووقت العصر من يوم الجمعة وقت الظهر من
سائر الأيام.
وعلى الإمام أن يقرأ في الأولى من صلاة
الجمعة سورة الجمعة ، وفي الثانية المنافقين يجهر بهما.
وعلى الإمام أن يقنت في صلاة الجمعة ،
واختلفت الرواية في قنوت الإمام في صلاة الجمعة : فروي أنه يقنت في الأولى قبل
الركوع وكذلك الذين خلفه ، وروي أن على الإمام إذا صلاها جمعة مقصورة قنت قنوتين
في الأولى قبل الركوع وفي الثانية بعد الركوع.
وفي المسافر إذا أم المسافرين في صلاة
الجمعة لم يحتج إلى الخطبتين وصلاهما ركعتين.
فصل
(في ذكر نوافل شهر
رمضان)
من وكيد السنن أن تزيد في شهر رمضان على
نوافلك ألف ركعة في طول الشهر ، وترتيبها أن تصلي في كل ليلة عشرين ركعة منها ثمان
ركعات بعد صلاة المغرب واثنا عشر ركعة بعد العشاء الآخرة إلى ليلة تسع عشرة.
__________________
فإذا حضرت اغتسلت وصليت بعد صلاة العشاء
الآخرة مائة ركعة ، وتعود في ليلة العشرين إلى الترتيب الأول.
فإذا حضرت ليلة إحدى وعشرين اغتسلت
وصليت بعد العشاء الآخرة مائة ركعة ، وفي ليلة اثنين وعشرين تصلي بعد المغرب ثمان
ركعات وبعد العشاء الآخرة اثنتين وعشرين ركعة ليكون الجميع ثلاثين ركعة ، وفي ليلة
ثلاث وعشرين تغتسل وتصلي مائة ركعة ، ثم تصلي كل ليلة إلى آخر الشهر ثلاثين ركعة.
فيكون الجميع تسعمائة وعشرين ركعة إلى
تمام الألف ثمانون تصلي في كل جمعة من الشهر عشر ركعات.
(منها) أربع صلاة أمير المؤمنين عليه
السلام ، وصفتها أن تفصل بين كل ركعتين بتسليم وتقرأ في كل ركعة الحمد مرة واحدة
وسورة الاخلاص خمسين مرة.
وتصلي صلاة سيدة النساء فاطمة عليها
السلام ، وهي ركعتان : تقرأ في الأولى الحمد مرة وإنا أنزلناه في ليلة القدر مائة
مرة ، وفي الثانية الحمد مرة وسورة الاخلاص مائة مرة.
ثم تصلي أربعا صلاة التسبيح ، وهي صلاة
جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه ، وصفتها : أن تقرأ في الأولى الحمد مرة وسورة
الزلزلة ، وفي الثانية الحمد مرة والعاديات ، وفي الثالثة الحمد وإذا جاء نصر الله
، وفي الرابعة الحمد وسورة الاخلاص.
وفي كل ركعة من التسبيح والتحميد
والتهليل والتكبير خمس وسبعون مرة ، وترتيبها أن تقول في كل ركعة عقيب القراءة قبل
الركوع (سبحان الله والحمد
لله ولا إله إلا الله
والله أكبر) خمس عشرة مرة ، ثم تقول ذلك في الركوع عشرا " ، وبعد الانتصاب
منه عشرا " ، وفي السجدة الأولى عشرا " ، وفي الجلسة بين السجدتين عشرا
" ، وفي السجدة الثانية عشرا " ، وإذا رفعت رأسك وجلست قبل القيام عشرا
" ، وتفعل هكذا في كل ركعة.
ثم تصلي في ليلة آخر جمعة من الشهر
عشرين ركعة من صلاة أمير المؤمنين عليه السلام ، وقد تقدم ذكرها.
وفي آخر ليلة سبت من الشهر عشرين ركعة
من صلاة فاطمة عليها السلام ، فتكمل الألف .
فصل
(في صلاة العيدين)
صلاة العيدين فرض على كل من تكاملت له
شرائط الجمعة التي ذكرناها
، وهما سنة للمنفرد عند اختلال تلك الشروط.
وعدة كل صلاة عيد ركعتان يفتحهما
بتكبيرة ، ثم يقرأ في الأولى الفاتحة والشمس وضحاها ، ثم يكبر بعد ذلك رافعا
" يديه بخمس تكبيرات ، يقنت بين كل تكبيرتين ويركع في الأخيرة ، فيكون له في
الأولى مع تكبيرة الافتتاح وتكبيرة الركوع سبع تكبيرات والقنوت خمس مرات ، فإذا
نهض إلى الثانية كبر وقرأ الحمد وهل أتاك حديث الغاشية ، فإذا فرغ من القراءة كبر
أربعا " يقنت
__________________
بين كل تكبيرتين ثم
يركع بالأخيرة فيكون له مع تكبيرات الركوع خمس تكبيرات والقنوت أربع مرات.
وليس في صلاة العيدين أذان ولا إقامة ،
ويجهر الإمام فيها بالقراءة كصلاة الجمعة ، والخطبتان فيها واجبة كالجمعة إلا أنها
في الجمعة قبل الصلاة وفي العيدين بعدها ، ووقتها من طلوع الشمس إلى زوالها.
والتكبير في ليلة الفطر ابتداؤه عقيب
صلاة المغرب إلى أن يرجع الإمام من صلاة العيد مكانه في آخر أربع صلوات : أولاهن
المغرب من ليلة الفطر ، وأخراهن صلاة العيد.
وفي الأضحى يجب التكبير على من شهد منى
عقيب خمس عشرة صلاة : أولاهن صلاة الظهر من يوم العيد. ومن لم يحضر منى يكبر عقيب
عشر صلوات : أولاهن صلاة الظهر من يوم العيد أيضا ".
فصل
(في صلاة الكسوف)
صلاة كسوف الشمس والقمر واجبة على الذكر
والأنثى والحر والعبد والمقيم والمسافر، وعلى كل من لم يكن له عذر يقطعه عنها ،
ويصلي في جماعة وعلى انفراد.
ووقتها ابتداء ظهور الكسوف ، إلا أن
يخشى فوت فريضة حاضرة فيبدأ بتلك الصلاة ثم يعود إلى صلاة الكسوف.
وهي عشر ركوعات وأربع سجدات ، يفتتح
الصلاة بالتكبير ، ثم يقرأ الفاتحة وسورة ، ويستحب أن يكون من طوال السور ، ويجهر
بالقراءة فإذا
فرغت من القراءة ركعت
فأطلت الركوع بمقدار قراءتك إن استطعت ، ثم ترفع رأسك من الركوع وتكبر وتقرأ
الفاتحة وسورة ، ثم تركع حتى تستتم خمس ركوعات.
ولا تقول (سمع الله لمن حمده) إلا في
الركوعين اللذين يليهما السجود وهما الخامس والعاشر ، فإذا انتصبت من الركوع
الخامس كبرت وسجدت سجدتين تطيل أيضا " فيهما بالتسبيح ، ثم تنهض فتفعل مثل ما
تقدم ذكره ، ثم تتشهد وتسلم.
وينبغي أن يكون لك بين كل ركوعين قنوت.
ويجب أن يكون فراغك من الصلاة مقدرا
" بانجلاء الكسوف
، فإن فرغت قبل الانجلاء أعدت الصلاة.
وتجب هذه الصلاة أيضا " عند ظهور
الآيات ، كالزلازل والرياح العواصف.
ومن فاتته صلاة كسوف وجب عليه قضاؤها إن
كان القرص انكسف كله ، فإن كان بعضه لم يجب عليه القضاء.
وقد روي وجوب القضاء على كل حال ، وإن
من تعمد ترك هذه الصلاة مع عموم الكسوف للقرص وجب عليه مع القضاء الغسل.
فصل
(في صلاة السفر)
فرض السفر في كل صلاة من الصلوات الخمس
ركعتان إلا المغرب فإنها ثلاث ركعات.
ونوافل السفر سبع عشرة ركعة : أربع بعد
المغرب ، وصلاة الليل ثمان
__________________
ركعات ، وثلاث الشفع
والوتر ، وركعتان للفجر.
وفرض السفر التقصير ، فالاتمام في السفر
كالتقصير في الحضر ، ومن تعمد الإتمام في السفر وجب عليه الإعادة.
وحد السفر الذي يجب فيه التقصير بريدان
، والبريد أربعة فراسخ ، والفرسخ ثلاثة أميال ، فمن كان قصده إلى مسافة هذا قدرها
لزمه التقصير ، وإن كان قدر المسافة أربعة فراسخ للمار إليها وأراد الرجوع من يومه
لزمه أيضا " التقصير.
وابتداء وجوبه من حيث يغيب عنه أذان
مصره وتتوارى عنه أبيات مدينته.
وكل من سفره أكثر من حضره لا تقصير عليه
، ولا تقصير إلا في سفر طاعة أو مباح، ولا تقصير في مكة ومسجد النبي صلى الله عليه
وآله ومسجد الكوفة ومشاهد الأئمة القائمين مقامه عليهم السلام.
ومن دخل بلدا " فنوى أن يقيم عشرة
أيام فصاعدا " وجب عليه الإتمام ، فإن تشكك
فلا يدري كم يقيم وتردد عزمه فليقصر ما بينه وبين شهر واحد ، فإذا مضى أتم.
ولا يجوز أن يصلي الفريضة راكبا "
إلا من ضرورة شديدة وعليه تحري
القبلة ، ويجوز أن يصلي النوافل راكبا " وهو مختار ويصلي حيث توجهت به راحلته
، وإن افتتح الصلاة مستقبلا للقبلة كان أولى.
ومن اضطر للصلاة في سفينة فأمكنه أن
يصلي قائما " لم يجزه غير ذلك ، فإن خاف الغرق وانقلاب السفينة جاز أن يصلي
جالسا " ، ويتحرى بجهده استقبال القبلة.
__________________
فصل
(في أحكام صلاة
الضرورة)
(كالخوف والمرض
والعري)
والخوف إذا انفرد عن السفر لزم فيه من
التقصير مثل ما يلزم في السفر المنفرد عن الخوف.
وصفة صلاة الخوف : أن يفرق الإمام
أصحابه فرقتين : فرقة يجعلها بإزاء العدو وفرقة خلفه ثم يصلي من وراؤه ركعة واحدة
، فإذا نهضوا إلى الثانية صلوا لأنفسهم ركعة أخرى وهو قائم مطول للقراءة ، ثم
جلسوا فتشهدوا وسلموا وانصرفوا مقام أصحابهم.
وجاءت الفرقة الأخرى فلحقت الإمام قائما
" الثانية ، فاستفتحوا الصلاة وأنصتوا للقراءة فإذا ركع ركعوا بركوعه وسجدوا
بسجوده ، فإذا جلس للتشهد قاموا فصلوا ركعة أخرى وهو جالس ثم جلسوا معه فسلم بهم
وانصرفوا بتسليمه.
فإن كانت الصلاة صلاة المغرب صلى الإمام
بالطائفة الأولى ركعة ، فإذا قام إلى الثانية أتم القوم الصلاة بركعتين وانصرفوا
إلى مقام أصحابهم والإمام منتصب مكانه.
وتأتي الطائفة الأخرى فتدخل في صلاته
ويصلي بهم ركعة ثم يجلس في الثانية فيجلسون بجلوسه ، ويقوم إلى الثالثة وهي لهم
ثانية فيسبح فيقرأون هم لأنفسهم ، فإذا أتم وجلس للتشهد قاموا فأتموا ما بقي عليهم
، فإذا جلسوا سلم بهم.
فإن كانت الحال حال اطراد
وتزاحف وتوقف
ولم يمكن الصلاة على الوجه الذي وصفناه وجب الصلاة بالايماء : ينحني للركوع ،
ويزداد في انحناء السجود.
وقد روي أن الصلاة عند اشتباك الملحمة
والتقارب والتعانق تكون بالتكبير والتهليل والتسبيح والتحميد .
فأما المريض ففرضه على قدر طاقته ، فإن
أطاق القيام لم يجزه غيره ، وإن لم يطق صلى قاعدا " ، فإن لم يطق صلى على جنب
، فإن لم يطق فمستلقيا " يومي بالركوع والسجود إيماءا " ، فإن لم يطق
جعل مكان الركوع تغميض عينيه ومكان انتصابه فتح عينيه، وكذلك السجود.
والعريان الذي لم يتمكن من ستر عورته
يجب أن يؤخر الصلاة إلى آخر وقتها طمعا " في وجود ما يستتر به ، فإن لم يجده
صلى جالسا " واضعا " يده على فرجه ، ويومي للركوع والسجود ويجعل سجوده
أخفض من ركوعه.
وإن صلى عراة جماعة قام الإمام في وسطهم
وصلوا جلوسا" على الصفة التي ذكرناها.
__________________
كتاب الجنائز
فصل
(في غسل الميت
وتكفينه ونقله إلى حفرته)
غسل الميت كغسل الجنابة في الصفة
والترتيب : يبدأ فيه بغسل اليدين ، ثم الفرج ، ثم الميامن ، ثم المياسر.
فالغسلات ثلاثة :
واحدة بماء السدر ، والثانية بماء خليط الكافور إذا ألقي منه شئ في الماء ،
والأخرى بالماء القراح.
والحنوط هو الكافور ، ويوضع على مساجد
الميت من أعضائه والحنوط الشائع وزن ثلاثة عشر درهما " وثلث درهم ، وأقله
مثقال لمن وجده.
والكفن المفروض ثلاث قطع : مئزر ، وقميص
، ولفافة. وزيادة الحبرة
__________________
والعمامة من السنة ،
والخرق
التي تشد بها فرجه خارجة عن عدد الأكفان ، ويجزي الثوب الواحد لمن لم يجد سواه.
والمستحب أن تكون أكفانه من القطن دون غيره.
ويضع في أكفانه جريدتين من جرائد النخل
، فبذلك جرت السنة.
ويكره إسخان الماء لغسل الميت ، إلا أن
يخاف الغاسل الضرر لقوة البرد وتغسل المرأة زوجها والزوج امرأته.
والمشي خلف الجنازة وعن يمينها وشمالها
، وقد روي جواز المشي أمامها .
ويقدم الميت إلى شفير القبر ، فيجعل
رأسه بإزاء موضع رجليه من القبر ، ثم يسل الميت من قبل رأسه حتى يسبق إلى القبر
رأسه قبل رجليه.
ويحل عقد الأكفان ، ويوضع على جانبه
الأيمن ، ويستقبل القبلة بوجهه ويوضع خده على التراب ، وينزل بالميت إلى قبره وليه
أو من يأمره الولي ، ولا يدخل المرأة إلا من كان يجوز له أن يراها وهي حية.
فصل
(في الصلاة على الميت)
هذه الصلاة فرض على الكفاية ، وليس فيها
قراءة وإنما هي تكبير واستغفار
__________________
ودعاء.
وعدد التكبيرات خمس ، يرفع اليد في
الأولى ، ولا يرفع في الباقيات ، وموضع الدعاء للميت بعد التكبير الرابعة ، فإذا
كبر الخامسة خرج من الصلاة بغير تسليم ، وهو يقول (اللهم عفوك عفوك).
ويستحب أن يقوم مقامه حتى ترفع الجنازة.
ولا تجب هذه الصلاة إلا على من عقل ودخل
في حد التكليف دون الأطفال على وجه التقية ، وحد ذلك من
بلغ ست سنين فصاعدا ".
وتجوز الصلاة على : الميت بغير وضوء
والوضوء أفضل. ويجوز للجنب الصلاة عليه
عند خوف الفوت بالتيمم من غير اغتسال.
ويصلى على الميت في كل وقت من الليل
والنهار.
وأولى الناس بالصلاة على الميت أولاهم
به من أهل بيته ، ويجوز له الاستنابة في ذلك.
__________________
كتاب الصوم
فصل
(في حقيقة الصوم
وعلامة دخول شهر رمضان وما يتصل بذلك)
الصوم هو توطين النفس على الكف عن تعمد
تناول ما يفسد الصيام من أكل وشرب وجماع وسنبينه ، وفي كل زمان تعين فيه الصوم
كشهر رمضان لا يجب فيه التعيين ، بل نية القربة فيه كافية ، حتى لو نوى صومه لغير
شهر رمضان لم يقع إلا عنه ، وإنما يفتقر إلى تعيين النية في الزمان الذي لا يتعين
فيه الصوم.
ونية واحدة لصوم جميع شهر رمضان واقعة
ابتداءا " به كافية
، وإن جددناه كان تطوعا ".
ووقت النية في الصيام الواجب قبل طلوع
الفجر إلى قبل زوال الشمس
__________________
وفي صيام التطوع إلى
بعد الزوال.
وعلامة دخول شهر رمضان رؤية الهلال ،
فإن خفي كملت عدد الشهر الماضي ثلاثين يوما " وصمت ، فإن شهد عدلان على رؤية
الهلال وجب الصوم ولا تقبل فيه شهادة النساء.
وفي صيام يوم الشك ينوي
أنه من شعبان ، فإن ظهر فيما بعد أنه من شهر رمضان أجزأه.
ويجب على الصائم تجنب كلما سنبين أنه
يفطر من طلوع الفجر إلى مغيب الشمس.
فصل
(فيما يفسد الصوم
وينقضه)
من تعمد الأكل والشرب واستنزال الماء
الدافق بجماع أو غيره أو غيب فرجه في فرج حيوان محرم أو محلل أفطر وكان عليه
القضاء والكفارة ، ومن أتى ذلك ناسيا " فلا شئ عليه.
وقد ألحق قوم من أصحابنا بما ذكرناه في
وجوب القضاء والكفارة اعتماد الكذب على الله تعالى وعلى رسوله صلى الله عليه وآله
وعلى الأئمة عليهم السلام ، والارتماس في الماء والحقنة ، والتعمد للقئ ، والسعوط
، وبلع ما لا يؤكل كالحصى وغيره.
وقال قوم : إن ذلك ينقض الصوم وإن لم
يبطله ، وهو أشبه.
__________________
وقالوا في اعتماد الحقنة أو ما يتيقن
وصوله إلى الجوف من السعوط واعتماد القئ وبلع الحصى : إنه يوجب القضاء من غير
كفارة.
وقد روي أن من أجنب في ليل شهر رمضان
وتعمد البقاء إلى الصباح من غير اغتسال كان عليه القضاء والكفارة .
وروي : أن عليه القضاء دون الكفارة .
ولا خلاف أنه لا شئ عليه إذا لم يتعمد
وغلبه النوم إلى أن يصبح.
ومن ظن أن الشمس قد غربت وأفطر فظهر
فيما بعد طلوعها فعليه القضاء خاصة.
ومن تمضمض للطهارة فوصل الماء إلى جوفه
فلا شئ عليه ، وإن فعل ذلك متبردا " كان عليه القضاء خاصة.
والكفارة اللازمة في إفطار يوم من شهر
رمضان : عتق رقبة ، أو إطعام ستين مسكينا" ، أو صوم شهرين متتابعين ، قيل :
إنها مرتبة ، وقيل : أنه مخير فيها.
فمن لم يقدر على شئ من الكفارة المذكورة
فليصم ثمانية عشر يوما متتابعات ، فإن لم يقدر تصدق بما وجد وصام ما استطاع.
فصل
(في حكم المسافر
والمريض ومن تعذر عليه الصوم أو شق)
شروط السفر الذي
يوجب الافطار ولا يجوز معه صوم شهر رمضان في
__________________
المسافة وغير ذلك هي
الشروط التي ذكرناها في كتاب الصلاة الموجبة لقصرها ، فإن تكلف الصوم مع العلم
بسقوطه وجب عليه القضاء على كل حال.
والصوم الواجب مع السفر صوم ثلاثة أيام
لدم المتعة من جملة العشرة ، وصوم النذر إذا علق بسفر وحضر ، واختلفت الرواية في
كراهية صوم التطوع في السفر وجوازه .
والمريض يجب عليه الافطار والقضاء ، وحد
المرض الموجب للافطار هو الذي يخشى من أن يزيد فيه الصوم زيادة بينة ، وإذا صح
المريض في بقية يوم أفطر في صدره وجب أن يمسك في تلك البقية ، وعليه مع ذلك قضاء
اليوم وكذلك إذا طهرت الحائض في بقية يوم أو قدم المسافر.
ومن بلغ من الهرم إلى حد يتعذر معه
الصوم فلا صيام عليه ولا كفارة ، وإذا أطاقه لكن بمشقة شديدة يخشى المرض منها
والضرر العظيم كان له أن يفطر ويكفر عن كل يوم بمد من طعام.
وكذلك الشباب إذا كابد
العطاش
الذي لا يرجى شفاؤه ، فإن كان العطش عارضا " يتوقع زواله أفطر ولا كفارة تلزمه
، وإذا برئ وجب عليه القضاء.
والحامل والمرضع إذا خافتا ولديهما من
الصوم الضرر أفطرتا وتصدقتا عن كل يوم بمد من طعام.
__________________
فصل
(في حكم من أسلم أو
بلغ الحلم أو جن)
(أو أغمي عليه في شهر
رمضان)
إذا أسلم الكافر قبل استهلال الشهر كان
عليه صيامه كله ، وإن كان إسلامه وقد مضت
منه أيام صام المستقبل ، ولا قضاء عليه في الفائت.
وكذلك الغلام إذا احتلم ، والجارية إذا
بلغت المحيض ، والمغمى عليه في ابتداء الشهر إذا مضت عليه أيام منه ثم أفاق يجب
عليه قضاء الأيام الفائتة.
وإن كان إغماؤه بعد أن نوى الصوم وعزم
عليه وصام شيئا منه أو لم يصم فلا قضاء عليه وإن كان أكل أو شرب ، وهو أعذر من
الناسي.
فصل
(في حكم قضاء شهر
رمضان)
القاضي مخير بين المتابعة والتفريق. وقد
روي : إن كان عليه عشرة أيام أو أكثر منها كان مخيرا " في الثمانية الأولى
بين المتابعة والتفريق ثم يفرق ما بقي ليقع الفصل بين الأداء والقضاء .
ومن كان عليه قضاء واجب لم يجز أن يتطوع
بصوم حتى يقضيه.
ومن تعمد الافطار في يوم نوى فيه القضاء
من شهر رمضان وكان ذلك قبل الزوال لم يكن عليه شئ وصام يوما " مكانه ، فإن
كان إفطاره بعد الزوال
__________________
وجب عليه التكفير
بإطعام عشرة مساكين وصام يوما " مكانه ، فإن لم يتمكن من الاطعام صام ثلاثة
أيام بدلا من الاطعام.
ومن صام متطوعا " فأفطر متعمدا
" قبل الزوال أو بعده من النهار لم يجب عليه قضاء ذلك اليوم.
ومن وجب عليه صيام شهرين متتابعين في
كفارة شهر رمضان أو قتل خطأ أو ظهار أو نذر أوجبه على نفسه فقطع التتابع لغير عذر
قبل أن يكمل له صيام شهر ويزيد عليه بصيام أيام من الثاني وجب عليه استقبال الصيام
من غير بناء على
الأول ، وإن كان ذلك بعد أن صام شيئا " من الثاني أو عن عذر كمرض أو غيره كان
له أن يبني ولم يلزمه الاستقبال.
ومن نذر أن يصوم شهرا " واحدا
" فصام نصفه ثم تعذر لغير عذر الافطار كان محيطا "
وبنى على ما مضى ولم يلزمه الاستقبال.
ومن عين بالنذر صيام يوم فأفطر لغير عذر
متعمدا " كان عليه من القضاء والكفارة [مثل]
ما على من أفطر يوما " من شهر رمضان.
فصل
(في صوم التطوع وما
يكره من الصيام)
الصيام وإن كان مندوبا " إليه على
الجملة بعض الأوقات أفضل من بعض والصوم فيها أكثر ثوابا " ، وقد نص على صوم
أيام البيض من كل شهر وهي الثالث
__________________
عشر والرابع عشر
والخامس عشر وستة أيام من شوال بعيد
العيد ، ويوم عرفة لمن لا يضر صيامه بعمله فيه ، واليوم السابع عشر من ربيع الأول
مولد النبي صلى الله عليه وآله ، واليوم السابع والعشرين من شهر رجب يوم المبعث واليوم
الخامس والعشرين من ذي القعدة وهو دحو الأرض ، ويوم الغدير.
وروي في صيام رجب فضل عظيم ، وأول يوم
منه خاصة وسبعة أيام وثمانية أيام من أوله إلى نصفه.
وروي أيضا " في صوم شعبان من الفضل
الكثير .
فأما الصوم المنهي عنه فصوم يوم العيدين
، وأيام التشريق ، وصوم الوصال ، وصوم الدهر.
ويكره صوم المرأة تطوعا " بغير إذن
زوجها ، والعبد بغير إذن مولاه.
__________________
كتاب الاعتكاف
الاعتكاف هو اللبث المتطاول للعبادة في
مكان مخصوص ، فإذا كان مبتدءا " كان نفلا وإن كان عن نذر كان فرضا ".
ولا بد فيه من نية ، والصوم شرط في صحته.
ولا يجوز الاعتكاف إلا في مسجد صلى فيه
إمام عدل بالناس الجمعة ، وهي أربعة مساجد : المسجد الحرام ، ومسجد المدينة ،
ومسجد الكوفة ، ومسجد البصرة.
ولا يكون الاعتكاف أقل من ثلاثة أيام.
ويلازم المعتكف المسجد ولا يخرج منه إلا
لحدث يوجب الوضوء أو لأمر ضروري ، ويجوز أن يعود مريضا " أو يشيع جنازة ، وإن
خرج فلا يستظل بسقف حتى
يعود إلى المسجد.
__________________
والجماع ليلا أو نهارا " يفسد
الاعتكاف ، وعلى المجامع ليلا في اعتكافه ما على المجامع في نهار شهر رمضان ، فإذا
جامع نهارا " كانت عليه كفارتان.
ومن أفطر بغير الجماع في نهار الاعتكاف
من غير عذر كان عليه ما على المفطر من نهار شهر رمضان.
كتاب الحج
فصل
(في وجوب الحج
والعمرة وشروط ذلك وضروبه)
الحج واجب على كل حر مسلم بالغ متمكن من
الثبوت على الراحلة إذا زالت المخاوف والمقاطع ووجد من الزاد والراحلة ما ينهضه في
طريقه وما يخلفه في عياله من النفقة.
والحج واجب في العمر مرة واحدة ، وكذلك
العمرة تجب مرة واحدة ، وما زاد على المرة فهو فضل عظيم.
ويجب على المرأة بهذه الشروط ، ولا
تفتقر إلى محرم.
وأشهر الحج : شوال ، وذو العقدة ، وعشرون
من ذي الحجة.
وليس للعمرة وقت مخصوص ، وأفضل الأوقات
للعمرة المفردة رجب ،
__________________
وهي جائزة في سائر
أيام السنة.
وقد روي أنه لا يكون بين العمرتين أقل
من عشرة أيام. وروي أنها لا تجوز في كل شهر إلا مرة .
والحج على الفور دون التراخي لمن تكاملت
شرائطه.
والأركان في الحج خمسة : الاحرام ،
والوقوف بعرفات
والوقوف بالمشعر الحرام ، وطواف الزيارة ، والسعي بين الصفا والمروة. وقد ألحق قوم
من أصحابنا بهذه الأركان التلبية.
وضروب الحج ثلاثة : تمتع بالعمرة إلى
الحج ، وإقران في الحج ، وإفراد له.
والتمتع بالعمرة هو فرض الله تعالى على
كل ناء عن المسجد الحرام ، فلا يجوز منه سواه. وصفته أن يحرم من الميقات بالعمرة ،
وإذا وصل إلى مكة طاف بالبيت سبعا " ، وسعى بين الصفا والمروة سبعا " ،
ثم أحل من كل شئ أحرم منه.
فإذا كان يوم التروية عند الزوال أحرم
بالحج من المنزل ، وعليه بهذا الحج المتعقب للعمرة طوافان : أحدهما الطواف المعروف
بطواف النساء ، وهو الذي تحل معه النساء ، لأن بالطواف الأول الذي هو طواف الزيارة
يحل المحرم من كل شئ إلا النساء ، وعليه بهذا الاحرام بالحج سعي بين الصفا والمروة
، وعليه دم.
فإن كان عدم الهدي وكان واجدا "
ثمنه تركه عند من يثق به حتى يذبح عنه
__________________
في طول ذي الحجة فإن
لم يتمكن من ذلك أخره إلى أيام النحر من العام القابل.
ومن لم يجد الهدي ولا ثمنه ، كان عليه
صوم عشرة أيام قبل يوم التروية ويوم عرفة ، فمن فاته ذلك صام ثلاثة أيام التشريق
وباقي العشرة إذا عاد إلى أهله.
وأما الاقران فهو أن يهل من الميقات
بالحج ، ويقرن إلى إحرامه سياق الهدي. وإنما سمي إقرانا " لاقتران سياق الهدي
بما يأتي به ، وعليه طوافان بالبيت وسعي واحد بين الصفا والمروة ويجدد التلبية عند
كل طواف.
فأما الأفراد فهو أن يحرم بالحج من
الميقات مفردا " ذلك من سياق الهدي ، وليس عليه هدي ولا تجديد التلبية عند كل
طواف ، ومناسك المفرد والقارن متساوية.
فصل
(في مواقيت الاحرام)
ميقات أهل المدينة مسجد الشجرة ، وهو ذو
الحليفة .
وميقات أهل العراق وكل من حج من هذا
الطريق بطن العقيق
وأوله
__________________
المسلخ وأوسطه الغمرة
وآخره ذات عرق.
وميقات أهل الشام ومن حج بهذا الطريق
الجحفة .
وميقات أهل اليمن يلملم .
وميقات أهل الطائف قرن المنازل .
ولا يجوز الاحرام من قبل الميقات ، ومن
كان منزله دون الميقات فميقاته منزله.
ومن جاور بمكة إذا أراد الحج والعمرة
خرج من ميقات أهله وأحرم منه ، فإن لم يتمكن أحرم من خارج الحرم.
فصل
(فيما يجتنبه المحرم)
على المحرم اجتناب الرفث وهو الجماع وكل
ما يؤدي إلى نزول المني من قبلة أو ملامسة أو نظر بشهوة ، ويجتنب الفسوق وهو الكذب
والسباب ،
__________________
والجدال وهو الحلف
بالله صادقا " أو كاذبا ".
ويجتنب الطيب كله إلا خلوق المسجد
ولا يلبس المخيط من الثياب ، ولا يحتجم ولا يفصد إلا عند الضرورة ، ولا يأخذ من
شعره ولا من أظفاره ، ولا يدمي جلده كله ، ولا يظلل على نفسه إلا أن يخاف الضرورة.
ولا ينكح المحرم ، ولا يأكل من صيد البر
وإن صاده المحل ، ولا يأكل من صيد نفسه، ولا يقتل صيدا " ، ولا يدل عليه ،
ولا يغطي رأسه إلا من ضرورة.
فصل
(في سيرة الحج وترتيب
أفعاله)
إذا بلغ الحاج إلى ميقاته فليكن إحرامه
منه ، وليغتسل وينشر
ثوبي إحرامه يأتزر بأحدهما ويتوشح بالآخر ، ولا يحرم بالإبريسم ، وأفضل الثياب
للاحرام القطن والكتان.
ويصلي ركعتي الاحرام ثم يقول إذا فرغ
منهما : (اللهم إني أريد ما أمرتني به من التمتع بالعمرة إلى الحج على كتابك وسنة
نبيك ، فإن عرض لي عارض يحبسني فحلني حيث حبستني بقدرك الذي قدرت علي. اللهم إن لم
تكن حجة فعمرة أحرم لك جسدي وبشري وشعري من النساء والطيب والثياب أبتغي بذلك وجهك
والدار الآخرة).
__________________
ثم يلبي فيقول : (لبيك اللهم لبيك إن
الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك لبيك).
وإن كان يريد القران قال : (اللهم إني
أريد الحج قارنا " فسلم لي هديتي وأعني على مناسكي ، أحرم لك جسدي) إلى آخر
الكلام.
فإن كان يريد الحج مفردا " قال : (اللهم
إني أريد الحج مفردا " فيسره لي أحرم لك جسدي) إلى آخر الكلام.
وليلب كلما صعد علوا " أو هبط سفلا
أو نزل من بعيره أو ركب وعند انتباهه وفي الأسحار ، فإن كان قصده إلى مكة من طريق
المدينة قطع التلبية إذا عاين بيوت مكة عند عقبة المدنيين ، وإن كان قصده إليها من
طريق العراق قطع التلبية إذا بلغ عقبة ذي طوى.
فإذا بلغ مكة فمن السنة الاغتسال قبل
دخول المسجد ، فإذا دخله فليفتتح الطواف من الحجر الأسود ، ثم يستقبله بوجهه ويدنو
إليه فيستلمه ، ويكون افتتاحه من طوافه به واختتامه به أيضا " ، فإذا بلغ
الركن اليماني فليستلمه وليقبله فإن فيه بابا " من أبواب الجنة.
فإذا كان في الشوط السابع فليقف عند
المستجار وهو دون الركن اليماني ويبسط يديه على البيت ويلصق به بطنه وخده ويقول : (اللهم
إن البيت بيتك والعبد عبدك وهذا مكان العائذ بك من النار) ويتعلق بأستار الكعبة
ويدعو الله تعالى ويسأله حوائجه للدنيا والآخرة، ويقبل الركن اليماني في كل شوط ويعانقه.
فإذا فرغ من الطواف سبع دفعات فليأت
مقام إبراهيم عليه السلام وليصل ركعتي الطواف ثم يخرج من الباب المقابل للحجر
الأسود إلى الصفا فيسعى
منه إلى المروة سبع
مرات يبدأ بالصفا ويختم بالمروة.
وإذا بلغ من السعي حد المسعى الأول ـ وهو
المنارة ـ فليهرول ، وإذا بلغ حد المسعى الثاني وهو بعد جوازه زقاق العطارين قطع
الهرولة.
فإذا فرغ من الطواف والسعي قصر من شعر
رأسه أو من حاجبيه وقد أحل به من كل شئ أحرم منه.
فإذا كان يوم التروية فليغتسل وينشئ
الاحرام للحج من المسجد ، ويلبي ثم يمضي إلى منى فليصل فيها الظهر والعصر والمغرب
والعشاء الآخرة والفجر ويغدو إلى عرفات.
فإذا زالت الشمس من يوم عرفة اغتسل
وأقطع التلبية وأكثر من التهليل والتحميد والتكبير ، ثم يصلي الظهر والعصر بأذان
واحد وإقامتين ، ثم يأتي الموقف ، وأفضله ميسرة الجبل ويدعو الله سبحانه بدعاء
الموقف وهو معروف وبما أحب من الأدعية.
فإذا غربت الشمس فليفض من عرفات ولا
يصلي المغرب ليلة النحر إلا بالمزدلفة.
فإذا نزل المزدلفة صلى بها المغرب
والعشاء بأذان واحد وإقامتين ، فإذا أصبح يوم النحر وصلى الفجر وقف بالمزدلفة
كوقوفه بعرفة ، فإذا طلعت الشمس فليفض منها إلى منى ولا يفض منها قبل طلوع الشمس
إلا مضطرا ".
ويأخذ الحصى لرمي الجمار من المزدلفة أو
من الطريق ، فإن أخذه من رحله بمنى جاز، ولا يرمي الجمار إلا وهو على طهر ، ثم
يأتي الجمرة القصوى التي عند العقبة فيقوم من قبل وجهها لا من أعلاها ويحذفها بسبع
حصيات.
ثم يبتاع هدي متعته من الإبل أو البقر
أو الغنم ، ولا يجوز في الأضحية من الإبل إلا الثني ، وهو الذي قد تمت له خمس سنين
، ويجوز من البقر والمعز
الثني ، وهو الذي تمت
له سنة ودخل في الثانية ، ويجزي من الضأن لسنة ، والأولى أن يتولى ذبح هديه بنفسه.
فإذا ذبح هديه حلق رأسه أو قصر من شعره.
ثم يتوجه إلى مكة لزيارة البيت من يومه
أو من غده ، ولا يجوز للمتمتع أن يؤخر زيارة البيت عن اليوم الثاني من النحر ،
ويوم النحر أفضل ، ولا بأس للمفرد والقارن بأن يؤخرا ذلك.
وقد تقدم كيفية الطواف ، فإذا طاف طواف
الزيارة ، وسعى بين الصفا والمروة فقد أحل من كل شئ أحرم منه إلا النساء ، فإذا
رجع إلى البيت وطاف سبعا " فقد أحل من كل شئ وفرغ من حجه كله.
ثم يرجع إلى منى ، ولا يبيت ليالي
التشريق إلا بمنى ، فإن لم يبت بمنى فعليه دم شاة ، فإذا رجع إلى منى رمى الجمرات
الثلاث اليوم الأول والثاني والثالث في كل يوم بإحدى وعشرين حصاة ، ووقت ذلك من
طلوع الشمس إلى غروبها.
ويجوز للنساء والخائف الرمي بالليل ،
فإذا أرادوا الخروج من منى في النفر الأول فوقته من بعد الزوال من يوم الثالث من النحر
، والنفر الأخير اليوم الرابع من النحر إذا ابيضت الشمس.
ويستحب دخول الكعبة لا سيما للصرورة
ويستحب عند الرحيل من مكة أن يودع البيت بسبع طوافات وصلاة ركعتين عند المقام.
__________________
فصل
(فيما يلزم المحرم عن
جنايته من كفارة وفدية وغير ذلك)
إذا جامع المحرم قبل الوقوف بعرفة فعليه
بدنة والحج من قابل ، وإن جامع بعد الوقوف فعليه بدنة ولا حج عليه ، وإن كان جماعه
دون الفرج فعليه فدية ولا حج عليه من قابل.
ويجب على المرأة عدم المطاوعة في الجماع
، وإلا فعليها مثل ما يجب على الرجل ، فإن أكرهها سقطت عنها الكفارة وتضاعفت على
الرجل.
ومن قبل امرأته وهو محرم فعليه بدنة
أنزل أم لم ينزل.
ومن نظر إلى أهله فأمنى فلا كفارة عليه
، فإن ضمها مع الشهوة فأمنى فعليه دم شاة.
ومن تزوج وهو محرم بطل نكاحه ، فإن يعلم
أن ذلك محرم وأقدم
عليه لم تحل له المرأة أبدا " ، ولا يعقد المحرم النكاح لغيره ، فإن عقد لم
يتم عقده.
فإذا قلم المحرم شيئا " من أظفاره
فعليه من كل ظفر إطعام مسكين ، وقدره مد من طعام ، فإن قلم أظفار يديه معا "
فعليه دم شاة ، فإن قلم أظفار رجليه كان عليه دم آخر ، فإن جمع بين تقليم يديه
ورجليه في حال واحدة كان عليه دم واحد.
ومن أظل
رأسه من أذى فعليه دم شاة أو إطعام ستة مساكين أو صيام ثلاثة أيام، ومن ظلل على
نفسه مختارا " فعليه دم.
__________________
وعليه في لبس المخيط من الثياب دم شاة
إن كان متعمدا " ، وإن كان ناسيا " فلا شئ عليه.
ومن جادل وهو محرم مرة صادقا " أو
مرتين فعليه دم بقرة ، فإن جادل ثلاثا " فدم بدنة.
ومن ألقى من جسده قملة فقتلها أو رمى
بها فعليه كف من طعام.
ومن سقط عن فعله شئ من شعره فعليه كف من
طعام ، فإن كان كثيرا " فعليه دم شاة.
وعلى المحرم من صيد النعامة وقتلها بدنة
، فإن لم يجد أطعم ستين مسكينا " فإن لم يقدر صام شهرين متتابعين ، فإن تعذر
ذلك صام ثمانية عشر يوما ".
وعليه من [صيد] بقرة الوحشية بقرة ، فإن
لم يجد أطعم ثلاثين مسكينا " ، فإن لم يقدر صام سبعة أيام.
وإن صاد ظبيا " فعليه دم شاة ، فإن
تعذر أطعم عشرة مساكين ، فإن لم يستطع صام ثلاثة أيام ، وفي الثعلب والأرنب مثل ما
في الظبي.
وفي القطاة وما جانسها حمل قد فطم من
اللبن ورعى من الشجر.
وفي القنفذ واليربوع والضب وما شابهها
جدي.
وفي الحمامة وما شابهها درهم ، وفي
فرخها نصف درهم ، وفي بيضها ربع درهم.
ومن دل على صيد وهو محرم لزمه فداؤه ،
وإذا اجتمع محرمون على قتل صيد فقد وجب على كل واحد منهم الفداء.
وعلى المحرم في صغار النعام بقدره من
صغار الإبل في سنه.
وفي كسر بيض النعام عليه أن يرسل فحولة
الإبل في إناثها بعدد ما كسر ، فما نتج كان هديا " للبيت ، وإن لم يجد ذلك
فعليه لكل بيضة شاة ، فإن لم يجد
فإطعام عشرة مساكين ،
فإن لم يجد صام عن كل بيضة ثلاثة أيام.
ومن رمى صيدا " فجرحه ومضى بوجهه
فلم يدر أحي هو أم ميت فعليه فداؤه ومن قتل جرادة فعليه كف من طعام وفي الكثير دم
شاة ، وفي الزنبور تمرة وفي قتل الكثير مد من طعام أو تمر.
ومن اضطر إلى أكل صيد أو ميتة فليأكل
الصيد ويفديه ولا يقرب الميتة.
وإذا صاد المحرم في الحل كان عليه
الفداء ، وإذا صاد في الحرم كان عليه الفداء والقيمة مضاعفة.
ومن وجب عليه فداء الصيد وكان محرما
" بالحج ذبح ما وجب عليه بمنى ، فإن كان محرما " بالعمرة ذبحه بمكة.
ولا بأس أن يأكل المحل ما صاده المحرم ،
وعلى المحرم فداؤه على كل ما ذكرناه.
وليس الدجاج الحبشي من الصيد المحظور
على المحرم.
ومن نتف ريشا " من طير من طيور
الحرم فعليه أن يتصدق على مسكين ويعطي الصدقة باليد التي نتف بها الطائر.
والمحل إذا قتل صيدا " في الحرم
فعليه جزاؤه.
وكل ما أتلفه المحرم من عين
حرم عليه إتلافها فعليه مع تكرار الاتلاف الفدية ، سواء كان في مجلس واحد أو في
مجالس ، كالصيد
الذي يتلفه من جنس واحد أو من أجناس مختلفة ، وسواء كان قد فدى العين الأولى أو لم
يفدها ، وهذا هو حكم الجماع بعينه.
__________________
فأما ما لا نفس له كالشعر والظفر فحكم
مجتمعه بخلاف حكم متفرقة ، على ما ذكرناه في قص أظفار اليدين والرجلين مجتمعة
ومتفرقة.
فأما إذا اختلف النوع كالطيب واللبس
فالكفارة واجبة على نوع منه وإن كان المجلس واحدا ".
وهذه جملة كافية.
كتاب الزكاة
فصل
(في شروط وجوب الزكاة)
الزكاة تجب على الأحرار البالغين
المسلمين الموسرين ، وحد اليسار ملك النصاب ، وأن يكون في يد مالكه ، وهو غير
ممنوع من التصرف فيه.
ولا زكاة في المال الغائب عن صاحبه الذي
لا يتمكن من الوصول إليه.
ولا زكاة في الدين إلا أن يكون منه
تأخير قبضه ، وأن يكون بحيث متى رامه
قصده. قبضه.
فصل
(في الأصناف التي تجب
فيها الزكاة)
وهي تسعة : الدراهم ، والدنانير ،
والحنطة ، والشعير ، والتمر ، والزبيب
__________________
والإبل ، والبقر ،
والغنم.
ولا زكاة في شئ سوى ذلك ولا في عروض
التجارة وقد روي أنه إن طلبت أمتعة التجارة من صاحبها بوضيعة فلا زكاة عليه ، وإن
طلبت بربح أو برأس المال فأخر بيعها فعليه زكاة ، سنة مؤكدة غير واجبة .
وما تجب فيه الزكاة على ضربين : منه ما
يعتبر مع ملك النصاب حؤول الحول عليه ، وهو الدنانير والدراهم والإبل والبقر
والغنم ، وما عدا ذلك لا اعتبار فيه ، بل بلوغ حد النصاب.
ويجوز إخراج القيمة في الزكاة دون العين
المخصوصة.
فصل
(في زكاة الدراهم
والدنانير)
إذا بلغت الدنانير عشرين دينارا "
وحال عليها الحول وجب فيها نصف دينار ولا زكاة فيما دون ذلك ، وإن
زادت أربعة دنانير ففيها عشر دينار ، وعلى هذا الحساب في كل عشرين دينارا "
نصف دينار وفي كل أربعة بعد العشرين عشر دينار.
فإن صيغت الدنانير حليا " أو سبيكة
لم تجب فيها زكاة إلا أن يكون ذلك فرارا " من الزكاة فتلزمه.
وليس فيما دون مائتي درهم زكاة ، فإذا
بلغت ذلك حال عليها الحول ففيها خمسة دراهم ، فإذا زادت على المائتين أربعين ففي
الزيادة درهم واحد ،
__________________
وعلى هذا الحساب.
وحكم ما صيغ من الفضة وسبيكته حكم الذهب
وقد تقدم.
فصل
(في زكاة الإبل)
لا زكاة في شئ من الأنعام إلا بعد أن
تكون سائمة
ويحول عليها الحول ، وفي
طول زمان الحول على العدد الذي تجب في بلوغها به الزكاة.
ولا زكاة في الصغار حتى يحول عليها
الحول من بعد نتاجها ، ولا زكاة في خليطين من ماشية
ولا زرع ولا غيرهما حتى يبلغ مال كل واحد منهما ما تجب فيه الزكاة.
فإذا بلغت الإبل خمسا " ففيها شاة
، ولا شئ فيما زاد على الخمس حتى تبلغ عشرا " ، فإذا بلغها ففيها شاتان ، ثم
لا شئ فيها حتى تبلغ خمس عشرة ففيها ثلاث شياة ، فإذا انتهت إلى عشرين ففيها أربع
شياة.
فإذا بلغت خمسا " وعشرين ففيها خمس
شياة ، فإذا زادت واحدة ففيها بنت مخاض حتى تبلغ ستا " وثلاثين ، فإذا بلغت
ففيها بنت لبون إلى أن تبلغ ستا " وأربعين ففيها حقة
إلى إحدى وستين ، فإذا بلغتها ففيها جذعة
إلى ست
__________________
وسبعين ، فإذا بلغتها
ففيها بنت لبون
إلى التسعين ، فإذا زادت واحدة ففيها حقتان إلى مائة وعشرين ، فإذا بلغت ذلك ثم
زادت عليه ترك هذا الاعتبار وأخرج عن كل خمسين حقة وعن كل أربعين بنت لبون.
فصل
(في زكاة البقر)
ليس فيما دون ثلاثين منها شئ ، فإذا
كملت ثلاثين ففيها تبيع حولي أو تبيعة
إلى الأربعين ، فإذا بلغتها ففيها مسنة
، وفي ستين تبيعان ومسنة ، وفي سبعين تبيع ومسنة ، وفي ثمانين مسنتان ، وفي تسعين
ثلاث تبايع ، وفي مائة تبيعتان ومسنة ، ثم على هذا الحساب في كل ثلاثين تبيع أو
تبيعة وفي كل أربعين مسنة.
فصل
(في زكاة الغنم)
لا زكاة في أقل من أربعين ، فإذا بلغتها
ففيها شاة إلى عشرين ومائة ، فإذا زادت واحدة ففيها شاتان إلى ثلاثمائة ، فإن كثرت
ففي كل مائة شاة.
__________________
فصل
(في زكاة الحنطة
والشعير والتمر والزبيب)
إذا بلغ شئ من هذه الأصناف خمسة أوسق
والوسق ستون صاعا " بعد خراجها ومؤنتها ، فإذا بلغت ذلك وكان مما يسقى سيحا
"
أو من ماء السماء ففيها العشر ، فإن سقيت بالغرب والدوالي والنواضح فنصف العشر.
فصل
(في تعجيل الزكاة)
الواجب إخراج الزكاة في وقت وجوبها ،
وهو تكامل الحول فيما اعتبر فيه الحول. وقد روي جواز التقديم بشهرين أو ثلاثة
، والأول أثبت.
وإن حضر مؤن محتاج قبل الوجوب وأراد
عطاءه جعل ما يعطيه قرضا " عليه ، وإن جاء وقت الوجوب وهو مستحق للزكاة احتسب
ذلك من زكاته ، فإن أيسر قبل ذلك لم يجز قبل ذلك للمسلف الاحتساب بما أعطاه من
زكاته وكان له الرجوع بذلك القرض على من اقترض.
فصل
(في وجوه إخراج
الزكاة)
قد نطق القرآن بالأصناف الثمانية التي
يخرج إليها الصدقات
__________________
ويجوز أن يختص بالزكاة بعض هذه الأصناف
دون بعض ، والأحوط أن لا يخلي صنفا " من شئ يخرجه قل ذلك أم كثر.
ولا تحل الصدقة لمن له حرفة أو معيشة
تغنيه عنها أو كان صحيحا " سويا " يقدر على الاكتساب والاحتراف.
ولا تحل أيضا " إلا لأهل الإيمان
والاعتقاد الصحيح وذوي الصيانة والنزاهة دون الفساق وأصحاب الكبائر.
ولا تحل الزكاة على الأب والأم والبنت
والابن والزوجة والجد والجدة ، لأن جميع هؤلاء ممن يجبر على نفقتهم عند الحاجة
إليها.
وتحل للأخ والأخت والعم والعمة والخال
والخالة ومن يجري مجراهم من القرابات.
وتحرم الزكاة الواجبة على بني هاشم
جميعا " إذا كانوا متمكنين من حقهم في خمس الغنائم ، فإذا منعوا وافتقروا إلى
الصدقة أحلت لهم الزكاة ، وحلت صدقة بعضهم على بعض وما يتطوع به من الصدقات.
ويجوز أن يعطي لواحد من الفقراء القليل
والكثير. وروي أنه لا يعطي لواحد من الزكاة المفروضة أقل من خمسة درهم
وروي أن الأقل درهم واحد.
فصل
(في زكاة الفطرة)
زكاة الفطرة تجب بالشروط التي ذكرناها
في وجوه الزكاة وهي سنة مؤكدة
__________________
في الفقير الذي يقبل
الزكاة ويجد ما يخرجه من الفطرة على الرجال إذا تكاملت شروطها فيهم، فيخرجها عن
نفسه وعن جميع من يعول ممن تجب عليه نفقته أو من يتطوع بها عليه من صغير أو كبير
حر أو عبد ذكر أو أنثى ملي أو كتابي.
ووقت وجوب هذه الصدقة طلوع الفجر من يوم
الفطر وقبل صلاة العيد. وقد روي أنه في سعة من أن يخرجها إلى زوال الشمس من يوم
الفطر.
وهي فضلة أقوات أهل الأمصار على اختلاف
أقواتهم من التمر والزبيب والحنطة والشعير والأقط واللبن.
ومقدار الفطرة صاع من تمر أو حنطة أو
شعير أو من جميع الأنواع التي ذكرناها. والصاع تسعة أرطال بالعراقي.
ويجوز إخراج القيمة في الفطرة ، وقد روي
إخراج درهم عنها ، وروي إخراج ثلاثة دراهم ، وهذا إنما يكون بحسب الرخص والغلاء.
والمعتبر إخراج قيمة الصاع في وقت الوجوب.
ومستحق الفطرة كمستحق الزكاة الجامع بين
الفقر والايمان والتنزه عن الكبائر.
ولا يعطى الفقير من الفطرة أقل من صاع ،
ويجوز أن يعطى أكثر منه.
ولا يجوز نقلها من بلد إلى بلد.
والفطرة الواحدة تجزي عن جماعة إذا
تراددها .
فصل
(في كيفية إخراج
الزكاة)
الأفضل والأولى إخراج الزكاة لا سيما في
الأموال الظاهرة كالمواشي
__________________
والحرث والغرس ـ إلى
الإمام عليه السلام وإلى خلفائه النائبين عنه ، وإن تعذر ذلك فقد روي إخراجها إلى
الفقهاء المأمونين ليضعوها في مواضعها ، وإذا تولى إخراجها عند فقد الإمام
والنائبين عنه من وجب عليه جاز.
فأما صدقة الفطرة فيخرجها من وجبت عليه
بنفسه دون الإمام عليه السلام.
***
وإذا كنا قد انتهينا إلى هذه الغاية فقد
وفينا بما شرطنا في صدر هذا الكتاب فمن أراد التزيد في علم أصول الدين والغوص إلى
أعماقه تغلغل شعابه فعليه بكتابنا الموسوم ب (الذخيرة) ، فإن آثر الزيادة
والاستقصاء فعليه بكتابنا (الملخص) ومن أراد التفريع واستيفاء الشرع وأبوابه فعليه
بكتابنا المعروف ب (المصباح) ومن أراد الاقتصار فما أوردنا هنا كاف شاف.
والله تعالى هو الموفق للصواب
|
(٣١)
اجوبة المسائل القرآنیة
|
[وجه استغفار إبراهيم
عليهالسلام
لأبيه]
مسألة : مسألة : قال الله تعالى مخبرا عن إبراهيم عليهالسلام أنه قال (رَبَّنَا اغْفِرْ لِي
وَلِوالِدَيَ) والذي أخبرنا الله تعالى أنه وعد أباه بالاستغفار دون أمه
، فقال (إِلَّا قَوْلَ
إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ) وقال (سَلامٌ عَلَيْكَ
سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي) وقال (ما كانَ لِلنَّبِيِّ
وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ).
فما وجه استغفاره
لوالديه؟ ولأحد أن يقرأ (رَبِّ اغْفِرْ لِي
وَلِوالِدَيَ) بياء ساكنة غير مشدودة؟ فيكون ذلك موافقا لقوله (وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كانَ مِنَ
الضَّالِّينَ) ومحققا لما وعده به من الاستغفار؟.
الجواب : اعلم أنا قد بينا في كتابنا الموسوم ب «تنزيه الأنبياء والأئمة»
__________________
القول في استغفار
إبراهيم عليهالسلام
لأبيه ، بسطناه وشرحناه وفرعناه ، فمن أراد النهاية وقف عليه من هناك.
وفي قوله (رَبَّنَا اغْفِرْ لِي
وَلِوالِدَيَ)
وجهان :
أحدهما : أن عند
الشيعة الإمامية أن الأب الكافر الذي وعده إبراهيم عليهالسلام بالاستغفار لما وعده ذلك بالإيمان ، انما كان جده لامه ،
ولم يكن والده على الحقيقة ، وأن والده كان مؤمنا. ويجوز أن يكون الإمام أيضا
مؤمنة كوالده ، ويجعل دعاء إبراهيم عليهالسلام لها بالمغفرة دليلا على إيمانها.
والوجه الأحسن :
انا لا نجعل ذلك إبراهيم دعاء لنفسه ، بل تعليما لنا كيف ندعو لنفوسنا وللوالدين
المؤمنين منا ، كما تعبد الله نبينا صلىاللهعليهوآله بأن يقول (رَبَّنا لا
تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا) وهو عليهالسلام لا يخطئ للعصمة وانما قال ذلك تعليما لنا.
فأما القراءة
بتسكين الياء ، فان كانت مروية وقد روي بها جازت ، والا فالإبداع غير جائز.
مسألة
[في تفسير آية والسابقون الأولون من المهاجرين إلخ]
سأل الإمامية
مخالفونا ، فقالوا : أخبرونا أليس الله تعالى يقول (وَالسَّابِقُونَ
الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ
بِإِحْسانٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا
__________________
عَنْهُ
وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها) مع نظائرها أو ليس هذا اخبار صدق يقطع العذر وضوحه وينفي
الشك بيانه ويسقط ان دل عليه ويقوم تبصرة نفسه.
فان قلتم : بلى.
قلنا : عرفونا من
هؤلاء؟ وميزوهم لنا من غير توالي وتعادي على بصيرة وتثبت ويكون على يقين. وان
افترضتم في هذه المدعوة الجميلة بأمر ، لزمكم مثله فيمن تزعمون أنه وعد بأعداد
الجنة وحسن المنقلب في (هَلْ أَتى عَلَى
الْإِنْسانِ) ونظائرها قتلو لله وينسبون معناه الى من أردتم فما الفصل؟.
وقالوا : قبض
النبي صلىاللهعليهوآله من كذا وكذا الصحابي ، أفترى هؤلاء كلهم ضلوا ، وهذه
الوعود الحسنة والأقوال الجميلة لهم وفيهم ، فان كانوا ضلوا فمن بعدهم ممن تابعهم
أضل وأضل من بعد أولئك أيضا الى اليوم بالظلم الان والبغي والربا وشرب الخمور
والمناكرات والفواحش والجنة المنعوتة الى الأمم سكانها ، ومن هذه الأمة؟ مع هذه
الصفات القبيحة المظنة أهلها ، فان لم يكن الصدر الأول والا ما عدهم.
الجواب :
قال الشريف الأجل
المرتضى علم الهدى : قد بينا في كتابنا المعروف ب «الشافي» الذي نقضنا به على صاحب
الكتاب المعروف ب «المغني» كلامه
__________________
في الإمامة وتعلقه
بهذه الآية ، لانه أوردها من جملة ما احتج به ، وحكاه عن أبي على الجبائي
واستقصينا الكلام فيها ، ونورد هاهنا جملة كافية مقنعة.
وأول ما نقوله :
ان ظاهر هذه الآية لا تقتضي أن السبق المذكور فيها انما هو السبق إلى إظهار
الايمان والإسلام واتباع النبي صلىاللهعليهوآله ، لان لفظ «السابقين» مشتركة غير مختصة بالسبق إلى شيء
بعينه.
وقد يجوز أن يكون
المراد بها السبق الى الطاعات ، فقد يقال لمن تقدم في الفضل والخير : سابق ومتقدم.
قال الله تعالى (وَالسَّابِقُونَ
السَّابِقُونَ أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ) فإنما أراد المعنى الذي ذكرناه ، وقال تعالى (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ
اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ
وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ) ويكون معنى قوله تعالى (الْأَوَّلُونَ) التأكيد للسبق والتقدم والتدبير فيه ، كما يقال : سابق
بالخيرات أول سابق.
وإذا لم يكن هاهنا
دلالة تدل على أن المراد بالسبق في الآية إلى الإسلام فقد بطل غرض المخالفين. وإذا
دعوا فيمن يذهبون الى فضله وتقدمه أنه داخل في هذه الآية إذا حملنا على السبق في
الخير والدين احتاجوا الى دليل غير ظاهر الآية ، وأنى لهم بذلك.
ثم إذا سلمنا أن
المراد بالسبق في الآية السبق إلى الإسلام والايمان بالنبي صلىاللهعليهوآله فلا بد من أن يكون الآية مشروطة بالإخلاص وأن يكون الظاهر
كالباطن ، فان الله لا يعد بالجنة والرضوان من أظهر الإسلام وأبطن خلافه.
ولا خلاف بيننا
وبين مخالفينا في أن هذا الشرط الذي ذكرناه مراعى في
__________________
الآية ، وإذا كان
لا بد من مراعاته فمن أين للمخالف أن القوم الذين يذهبون الى تعظيمهم وتفضيلهم ممن
أظهر السبق إلى الإسلام كان باطنهم كظاهرهم ، حتى يستحق الدخول تحت الوعد بالجنة
والرضا من الله تعالى.
ويختص مخالفونا
بشرط آخر يذكرونه على مذاهبهم ، وهو أنهم يشترطون في هذه الآية وفي أمثالها من
آيات الوعد بالثواب على الطاعات ، أن لا يأتي هذا المطيع بما يسقط به ثواب طاعته
من الأفعال القبيحة. ونحن لا نشترط ذلك لان مذاهبنا أن المؤمن على الحقيقة سرا وعلانية لا يجوز أن يكفر ، ولا يحتاج الى هذا الشرط ،
وان شرطنا نحن وهم جميعا في آيات الوعيد بالعقاب ، الا أن يتوب هذا العاصي فان التوبة يسقط عندنا العقاب تفضلا وعند
مخالفينا وجوبا ، فلا بد من اشتراطها في الوعيد بالعقاب.
فمن أين لمخالفينا
إذا ثبت لهم دخول من يريدون دخوله في الآية ، مضافا الى ايمانه باطنا وظاهرا أنه
ما أتى طول عمره بما يسقط ثواب سبقه إلى الإسلام.
فإن قالوا : فمن
أين تعلمون أنتم أن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهالسلام وهو معني بهذه الآية عندكم قد حصل فيه الشرط الذي ذكرتم
أنه لا بد من اشتراطه.
قلنا : نحن لا
نعتمد في الدلالة على فضل أمير المؤمنين عليه لسلام وتقدمه على الخلق في الثواب
بعد الرسول صلىاللهعليهوآله بهذه الآية ، فيلزمنا أن نذكر حصول شرطها فيه ، بل نعتمد
في ذلك على ما هو معروف مسطور في الكتب
__________________
مما ليس للمخالف
مثله ، وانما يجب على المخالف إذا كان معتمدا في فضل من يذهب الى تفضيله على هذه
الأمة أن يدل على أن الشرط المعتبر في هذه الآية حاصلة فيه بعد ، وقد ثبت عصمة أمير
المؤمنين عليهالسلام عندنا وطهارته من القبائح كلها ، وأنه لا يجوز أن يظهر من
الطاعات والخيرات خلاف ما يبطن.
وآكد ما دل على ذلك
أن أمير المؤمنين عليهالسلام أن النبي صلىاللهعليهوآله نص عليه بالإمامة والاستخلاف بعده على أمته بالأدلة التي
ذكرناها في كتبنا وبسطناها ، لا سيما في الكتاب «الشافي».
وإذا ثبت أنه
الإمام المستخلف على الأمة ، ثبت أنه معصوم ، لان العقول قد دلت على أن الامام لا
بد من أن يكون معصوما لا يجوز تخطيه من الخط ما جاز على رعيته ، فبهذه الدلالة
ونظائرها نعلم أن باطن أمير المؤمنين عليهالسلام كظاهره ، وأنه لا يجوز أن يظهر من الخيرات والطاعات ما
يجوز أن يبطن خلافه فنعلم بذلك دخوله قطعا تحت الآية.
وهذا هو الجواب عن
الاعتراض بحصول التوابع فيمن عني بسورة «هل أتى». فإن ادعى مخالفونا دخول غيره فيه
، فيجب أن يدلوا على مثل ما دللنا عليه ، والا كانوا حاصلين على الدعوى العارية من
برهان.
على أنا نقول :
ليس يخلو المراد بالسابقين المذكورين في الآية ، هو السابق الذي لم يتقدمه غيره ،
أو يراد به من سبق سواه ، وان كان مسبوقا في نفسه بغيره ، وان كان المراد هو الأول
، فالذين هم بهذه الصفة في السبق إلى الإسلام أمير المؤمنين عليهالسلام وحمزة وجعفر وخباب بن الأرت وزيد بن حارثة وعمار بن ياسر
رحمة الله عليهم ، ومن الأنصار سعد بن معاذ وأبو الهيثم بن
__________________
التيهان وخزيمة بن
ثابت ذو الشهادتين.
فأما أبو بكر ففي
تقدم إسلامه خلاف معروف ، وقد ذكر أهل النقل أن إسلام أمير المؤمنين عليهالسلام وعمر وجعفر وخباب وزيد كان مقدما لإسلامه ، والاخبار بذلك في
نقل أصحاب الحديث وأصحاب السير من العامة مشهورة معروفة.
فعلى من ادعى تقدم
إسلام أبي بكر وأنه سابق لا متقدم له أن يدل على ذلك ، وهيهات أن يتمكن من ذلك. ثم
إذا دل عليه ، وجب أن يدل على نظائره في أن ظاهره كباطنه ، وأن لم يأت في باقي
عمرة ما يزول معه الثواب الذي استحقه بإيمانه وإسلامه ، دون ذلك خرط القتاد.
وان كان الأمر على
الوجه الثاني الذي قسمناه في كلامنا ، فهو مؤد الى أن يكون جميع المسلمين الذين
اتبعوا النبي صلىاللهعليهوآله سابقين في الإسلام إلا الواحد الذي لم يكن بعده إسلام من
واحد ، ومعلوم خلاف ذلك.
فقد بان بهذه
الجملة مذهبنا في المعني بهذه الآية ، لأنه ان كان المراد بها السبق الى الخيرات
والطاعات ، وكل سابق في ذلك ممن ظاهره كباطنه ، داخل تحته. وان كان المراد السبق
إلى الإسلام ، وكل سابق إلى الإسلام ممن باطنه فيه كظاهره وعلانيته كسره داخل في
الآية. فمن ادعى في بعض ما اختلف في إسلامه أن إسلامه يتقدم له الدليل على ذلك.
ثم عليه بعد ذلك
إذا ثبت له تقدم إظهار الإسلام أن يدل على أن الباطن كالظاهر ، ثم على سلامة ثوابه
، ومعلوم تعذر ذلك وتعسره على من يروم من
__________________
مخالفينا ، والا
فليتعاطوه ليعلموا أعجزهم عن ذلك.
فأما ختم به هذه
المسألة من أن النبي صلىاللهعليهوآله قبض عن كذا وكذا الصحابي أفترى هؤلاء كلهم ضلوا؟
فالجواب عنه :
معاذ الله أن يفضل عن الحق جميع أصحاب النبي صلىاللهعليهوآله ، أو يعدل الى القول بالباطل على جميع الأئمة في وقت من
الأوقات بل لا بدّ للحق في كل زمان من قائل به وذاهب اليه ومقيم عليه ، وان ضل عنه
غيره.
والذين ضلوا
الضلال الشديد بعد وفاة النبي صلىاللهعليهوآله من بعد مخالفته فيمن نصبه للإمامة وارتضاه للخلافة ، وعدل
بالأمر عنه وصيره في غيره ، افتتاناً على الرسول ، وتقدماً بين يديه ، وخلاف ظاهراً عليه ، ثم اتبع هؤلاء الجم والعدد الكثير تقليداً
لهم وحسن الظن بهم ، وعجزاً عن الاختبار والاعتبار فضلا أيضاً دون ذلك الضلال.
ونفى أهل الحق
الذين علموا أن الإمامة في أمير المؤمنين عليهالسلام بالنص والتوقيت ، وأنه أوان أغلب على مقامه ، وحيل بينه وبين حقه ، فهو المستحق
للإمامة.
وهؤلاء جماعة بني
هاشم ، ومن المهاجرين والأنصار جماعة كثيرة معروفون وهم الذين تأخروا عن بيعة أبي
بكر ، واجتمعوا الى أمير المؤمنين «ع» متحاورين
__________________
اليه وتعمدن ما يصرفهم عليه ويزيدهم به ، فلما رأوا حاله على الاستمرار
على المنازعة والمجاذبة.
وهذا الأمر بعد أن
قربت الشبهة فيه وكثرت الأعوان عليه. وإذا عدد النصار لما تم من الاختيار علماً
منه بما يعقب المخارجة ، وتورث المجاهرة من الفساد العظيم في الدين ، وتفرق الشمل
وتشعب الحيل اقتداءً به في الإمساك والمشاركة ، الى أن يقضي الله أمراً كان
مفعولاً.
مسألة
[المراد من الصاعقة والرجفة في الآيتين]
ان سأل سائل فقال
: أليس قد أخبر الله تعالى أنه أهلك عاداً بالريح ، ثم قال في سورة حم السجدة (فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ
صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ)» .
وقال عزوجل في قصة ثمود (فَكَذَّبُوهُ
فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ) فسمى الصاعقة المذكورة في سورة حم رجفة ، ومعلوم أن الريح
غير الصاعقة ، والصاعقة غير الرجفة.
الجواب :
انه غير ممتنع أن
ينضم الى الريح صاعقة في إهلاك قوم عاد ، فيسوغ أن يخبر في موضع أنه أهلكهم بالريح
، وفي آخر أنه أهلكهم بالصاعقة.
__________________
وقد يجوز أن يكون
الريح نفسها هي الصاعقة ، لأن كل شيء صعق الناس منه فهو صاعقة.
وكذلك القول في
الصاعقة والرجفة أنه غير ممتنع أن يقترن بالصاعقة الرجفة ، فيخبر في موضع بأنهم
أهلكوا بالصاعقة وفي آخر بالرجفة.
وقد يمكن أن تكون
الرجفة هي الصاعقة ، لأنهم صعقوا عندها.
مسألة
[كيفية نجاة هود عليه من الريح المهلك]
ان سأل سائل فقال
: ان الماء في عهد نوح لما يم جميع الأرض لم ينج من الغرق لا أصحاب السفينة ،
فالريح المسخرة بم أعظم منها هود عليهالسلام ومن اتبعه من المؤمنين ، مع علمنا أن كل ريح تهب من شمال
أو جنوب أو صبا أو دبور فإنها تعم الأرض وأكثرنا.
وهذا السؤال وان
لم يكن داخلا في علم الكلام ، فإن كثرة العلم وجودة الطبع يوسع للمسئول إذا كانت
هذه حالة المقال ويضرب له المثال.
الجواب :
عن الريح المهلكة
لعاد المدمرة عليهم ما الوجه في كيفية نجاة هود عليهالسلام منها ومن نجاة من نجى بنجاته من أهله وأصحابه مع عموم
الريح الأماكن كلها.
__________________
فالجواب عندي أنه
غير ممتنع أن يكون هود «ع» ومن كان في صحبته بحيث لم تهب فيه هذه الريح المهلكة ،
والله تعالى قادر على أن يخص بالريح أرضاً دون أرض ، ويكف عن هود عليهالسلام ومن معه عند هبوبها وتأثير اعتمادها ، فلا يلحقهم من الضرر
بها وان هبت بينهم كما لحق من هلك ، كما أنه تعالى كف إحراق النار عن إبراهيم عليهالسلام وبردها في جسمه وان كان حاصلا فيها ، وكل ذلك جائز واضح.
مسألة
[الإشكال الوارد في آية «(وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ) إلخ»]
أجمع أهل العربية
على أن «ثم» توجب في العطف الترتيب دالة على التعقيب ، وإذا كان هذا كما وصفوا فما
معنى قوله تعالى (وَلَقَدْ
خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ).
فيجيء من هذا على
قول النحويين أنه تعالى أمر الملائكة اسجدوا لادم بعد خلقه وتصويره قوماً خوطبوا
بذلك ، فان كان هؤلاء المخاطبون من ذرية آدم فهنا من الأمر المستحيل ، وان كان من غير ذرية آدم ، فيحتاج الى
دليل.
الجواب :
أما قوله تعالى (وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ
صَوَّرْناكُمْ ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا)
__________________
لقسوم ليسوا من
نسل آدم عليهالسلام بل للجن وغيرهم من خلق الله تعالى ، وعلى هذا الجواب تسقط
الشبهة ولا يبقى سؤال.
الجواب الأخر : أن يكون قوله تعالى (خَلَقْناكُمْ) لم يرد به الإيجاد والإحدات وان كان الخطاب به لبني آدم ،
وانما أراد تعالى التقدير.
وعلى هذا المعنى
حمل قوم من العلماء قوله تعالى (وَاللهُ خَلَقَكُمْ
وَما تَعْمَلُونَ) بمعنى أنه تعالى قدرها وعلم كيفيتها وأحوالها وسوء الخلق الإيجاد والاحداث وقد يسمى أحدنا بأنه خالق للأديم
وان لم يكن محدثاً ولا موجوداً ، فالشبهة أيضاً ساقطة عن هذا الجواب.
وقد أجاب قوم عن
هذا السؤال ، بأن لفظة (ثُمَّ) في قوله تعالى (قُلْنا
لِلْمَلائِكَةِ) لم يأت لترتيب الجواب الأمر بالسجود على الخلق والتصوير ،
لا الأمر هو المرتب عليها.
وهذا الجواب وان
كان مسقطاً للشبهة ، فإنه مخالف للظاهر ، لان ظاهر الكلام يقتضي أن الأمر بالسجود
هو المرتب لا للاعلام. ألا ترى أن القائل إذا قال : ضربت زيداً ثم عمراً ، فان
الظاهر من كلامه يقتضي أن ضرب عمرو هو المرتب على ضرب زيد.
وعلى هذا الجواب
الذي حكيناه يجوز أن يكون ضرب عمرو متقدماً على ضرب زيد ، وانما أدخل لفظة «ثم»
لإعلام ترتب الضرب على الضرب ومعلوم خلاف ذلك.
فان قيل : فالجواب
الذي ذكرتموه المبني على أن قوله تعالى (خَلَقْناكُمْ)
__________________
لم يعن به البشر
وانما عنى به غيرهم مخالف أيضاً للظاهر.
فان قلتم : خالفنا
الظاهر بدليل.
قلنا : ونخالفه
أيضاً بدليل.
والجواب عن السؤال : أنه ليس الظاهر من قوله تعالى (خَلَقْناكُمْ ثُمَّ
صَوَّرْناكُمْ) ينبغي أن يكون متوجهاً الى بنى آدم دون غيرهم من العقلاء.
والظاهر من قوله
تعالى (ثُمَّ قُلْنا
لِلْمَلائِكَةِ) يقتضي ترتب القول على الخلق والتصوير.
مسألة
[قوله تعالى (قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ
عَلَيْكُمْ) إلخ]
ان سأل سائل عن
قوله تعالى (قُلْ تَعالَوْا
أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً) وكيف يجوز أن يكون من جملة ما حرم علينا أن لا نشرك شيئاً
، والأمر بالعكس في ذلك.
الجواب :
قيل له : هذا سؤال
من لا تأمل عنده لموضوع الآية وترتيب خطابه ، لان التحريم المذكور فيه لا يجوز
البتة على مذهب أهل العربية أن يكون متعلقاً بقوله (أَلَّا تُشْرِكُوا
بِهِ شَيْئاً) وانما هو من صلة الجملة الاولى.
ولو تعلق التحريم
المذكور بقوله (أَلَّا تُشْرِكُوا
بِهِ شَيْئاً) لم يخل أن يكون
__________________
تعلقه به تعلق
الفاعل والمفعول ، فكأنه قال : حرم أن لا تشركوا ، أو المبتدأ والخبر ، فكأنه قال
: الذي حرم ربكم عليكم أن لا تشركوا.
والتعلق الأول
يمنع منه لفظة «حرم» من صلة لفظة «ما» التي بمعنى الذي ، فلا يعمل فيما بعدها. ألا
ترى أنك إذا قلت «حرمت كذا» فالتحريم عامل فيما بعده على الفعل من المفعول ، فإذا
قلت : الذي حرمت كذا ، فبطل هذا المعنى.
ولم يجز أن يكون
التحريم متعلقاً بما بعده على معنى الفعلية ، بل على سبيل المبتدأ والخبر. ولا
يجوز أن يكون في الآية التعلق على هذا الوجه ، لان صدر الكلام يمنع من ذلك.
ألا ترى أنه تعالى
قال (تَعالَوْا أَتْلُ ما
حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ) ف «ما» منصوب لانه مفعول أتل ، وإذا كان كذلك لم يجز أن
يكون «ما حرم» مبتدأ حتى يكون «ألا تشركوا» خبراً له.
وإذا بطل التعلق
بين الكلام من كلا الوجهين ، نظرنا في قوله تعالى (أَلَّا تُشْرِكُوا
بِهِ) ، لان ذلك واجب غير محرم ، فوجب أن يضمر اما أوصاكم أن لا
تشركوا به .
والإضمار الأول
يشهد له آخر الآية في قوله تعالى (ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ
بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) والإضمار الثاني يشهد له أول الآية في قوله تعالى (قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما) أوصانا به فقد أمرنا به وبنينا إليه.
فإن قيل : فما
موضع «ان» من الاعراب؟.
__________________
قلنا : في ذلك
وجوه ثلاثة :
أحدها : الرفع ،
ويكون التقدير : ذلك أن لا تشركوا به شيئاً ، فكأنه مبتدأ أو خبر.
والثاني : النصب ،
اما على أوصى أن لا تشركوا ، أو على أتل أن لا تشركوا.
والثالث : أن لا
يكون لها موضع ، يكون المعنى : ألا تشركوا به شيئا.
فإما موضع «تشركوا»
فيمكن فيه وجهان : النصب ب «أن» والجزم ب «لا» على وجه النهي.
فان قيل : كيف
يعطف النهي في قوله تعالى (وَلا تَقْتُلُوا
أَوْلادَكُمْ) على الخبر وهو أوصى أن لا تشركوا.
قلنا : ذلك جائز
مثل قوله تعالى عزوجل (قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ
أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) ومثل قول الشاعر :
حج وأوصى لسلمى الا عبدا
|
|
ألا ترى ولا تكلم أحدا
|
ولم
يزل شرابها مبرداً
|
فعطف «لا تكلم»
وهي نهي على الخبر.
ويمكن في الآية
وجه آخر غير مذكور فيها والكلام يحتمله ، وهو أن يكون الكلام انقطع عند قوله تعالى
(قُلْ تَعالَوْا
أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ) والوقف هاهنا ، ثم ابتدأ فقال «عليكم ألا تشركوا به شيئاً»
وإذا كان على هذا الوجه ، احتمل «عليكم ألا تشركوا» وجهين :
أحدهما : أن يراد
يلزمكم وواجب عليكم ، كما يقال : عليك درهم وعليك
__________________
أن تفعل كذا ، ثم
قال (وَبِالْوالِدَيْنِ
إِحْساناً) أي أوصى (بِالْوالِدَيْنِ
إِحْساناً).
والوجه الأخر : أن
يريد الإغراء ، كما تقول : عليك زيداً وعليك كذا إذا أمرت بأخذه والبدار اليه.
ولم يبق بعد هذا
السؤال واحد ، وهو أن يقال : كيف يجوز أن يقول تعالى (أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ) ثم يأتي بذكر أشياء غير محرمات ، حتى يقدروا لها الوصية
والأمر. وصدر الكلام يقتضي أن الذي يأتي من بعد لا يكون الا محرماً ألا ترى أن
القائل إذا قال : أتل عليك ما وهبته لك كذا وكذا ، لا بد أن يكون ما بعده ويذكره
من الموهوبات ، والا خرج الكلام من الصحة.
والجواب عن ذلك :
أن التحريم لما كان إيجاباً وإلزاماً أتى ما بعده من المذكورات على المعنى دون
اللفظ بذكر الأمور الواجبات والمأمورات ، للاشتراك في المعنى. وأيضاً فان في
الإيجاب والإلزام تجري . ألا ترى ان الواجب محرم الترك ، وكل شيء ذكر لفظ التحريم
على بعض الوجوه تحريم.
فان قيل : ألا
حملتم الآية على ما حملها قوم من أن لفظة «لا» زائدة في قوله تعالى (أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً) واستشهدوا على زيادة «لا» بقوله تعالى (ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ
أَمَرْتُكَ) أي أن تسجد ، قال الشاعر :
ألا يا لقومي قد أشطت عواذلي
|
|
ويزعمن أن أؤدي بحقي باطل
|
ويلجئني في اللهو أن لا أحبه
|
|
وللهو داع دائب غير غافل
|
قلنا قد أنكر كثير
من أهل العربية زيادة «لا» في مثل هذا الموضع وضعفوه وحملوا قوله تعالى (ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ) على أنه خارج على المعنى ، والمراد
__________________
ما دعاك الى أن لا
تسجد؟ وما أمران لا تسجد؟ لان من منع من شيء فقد دعا الى أن يفعل.
ومتى حملنا قوله
تعالى (أَلَّا تُشْرِكُوا
بِهِ شَيْئاً) على أن لفظة «لا» زائدة على تضعيف قوم لذلك ، فلا بد فيما
اتصل به هذا الكلام من تقدير فعل آخر ، وهو قوله تعالى (وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً) لأن ذلك لا يجوز أن يكون معطوفاً على المحرم ، فلا بد من
إضمار وأوصينا (بِالْوالِدَيْنِ
إِحْساناً).
وإذا احتجنا الى
هذا الإضمار ولم يغننا عنه ما ارتكبناه من زيادة لفظة «لا» فالأولى أن نكتفي بهذا
الإضمار في صدر الكتاب ، ويبقى الكلام على حاله من غير إلقاء شيء منه ونقدر ما
تقدم بيانه ، فكأنه قال : وصى أن لا تشركوا به شيئاً (وَبِالْوالِدَيْنِ
إِحْساناً) ، ويشهد لذلك وبقوله آخر الآية.
مسألة
[قوله تعالى (كَذلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً)]
وسئل (قدس الله
روحه) عن تأويل قوله تعالى (وَكَذلِكَ نُوَلِّي
بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً) فقال فقد قيل فيها أقوال :
منها أن يحشر
الظالمون مع أوليائهم فيدخلون النار الى بيتهم في العقاب. وقيل : يخلي الفراعنة
ويوليهم على الظالمين ويمكنهم منه.
وقيل وجه آخر وهو
أحسن : وهو ما بينه تعالى في موضع آخر بقوله تعالى (يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ بَعْضُهُمْ
أَوْلِياءُ
__________________
بَعْضٍ)
فحكم أن الكفار بعضهم يتولى بعضاً وينصره ومنع المؤمنين من ذلك فكان حاكماً
عادلا من حيث حكم بما ذكرناه ، والله تعالى أعلم.
[قوله تعالى (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا
مِنْ عِبادِنا) إلخ]
وقال (رحمة الله
عليه) في تفسير قول الله تعالى (ثُمَّ أَوْرَثْنَا
الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ
وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ) فقيل : كيف أورثهم
الكتاب وقد وصفهم بالظلم.
وقال أبو علي
الجبائي : ظالم لنفسه أي أنه يحمل عليها في العبادة ويضربها كما يقول القائل :
فلان ظالم لنفسه ، لفرط صومه وكثرة صلاته ، وهذه صفة مدح.
وقال آخرون : ظالم
لنفسه بفعل الصغائر.
قال (رضي الله عنه)
: والذي اعتمده وأعول عليه ، أن يكون (فَمِنْهُمْ ظالِمٌ
لِنَفْسِهِ) من صفة «عبادنا» أي أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا
، ومن عبادنا ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات ، أي فليس كل عبادنا
ظالماً لنفسه ، ولا كلهم مقتصداً ولا كلهم سابقاً بالخيرات ، فكان الذين أورثوا
الكتاب السابقون بالخيرات دونهما.
وقال (رضي الله
عنه) : علمت به لما كانت في معنى أحطت ، وأحطت أعم وآكد.
ومثله قوله تعالى (وَجَحَدُوا بِها) لما كانت في معنى كفروا. لان جحودهم بآيات الله كفر فقال (جَحَدُوا بِها) فعداه بالباء.
__________________
وقوله تعالى (الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ) لما كانت الرفث بمعنى الإفضاء.
وقال في قوله
تعالى (وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ
فَيَعْتَذِرُونَ) يجوز لا يؤذن لهم ولا يعتذرون ، ليكون معطوفاً على «يؤذن
لهم» ولا يكون جواباً ، ويجوز لا يؤذن لا يؤذن لهم فكيف يعتذرون.
[قوله تعالى (أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ
الْكِبَرُ)]
وسأله (قدس الله
روحه) أبو القاسم بن علي بن عبد الله بن شيبة العلوي الحسني عن قول الله تبارك
وتعالى في قصة زكريا عليهالسلام (أَنَّى يَكُونُ لِي
غُلامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عاقِرٌ).
فكأنه سأل أمراً
يستحيل كونه ، وقد علمنا لا محالة أن زكريا عليهالسلام لا محالة يعلم أن الله تعالى لا يعجزه بما يريد ، فما وجه
الكلام فيه.
فأجاب عن ذلك وقال
: انه غير ممتنع أن يكون زكريا لم يمثل الذرية في حال كبره وهرمة ، بل قبل هذا
الحال ، فلما رزقه الله ولداً على الكبر ومع كون امرأته عاقراً قال (أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَقَدْ
بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عاقِرٌ) من غير إنكار منه لقدرته تعالى على ذلك ، بل ليرد من
الجواب ما يزداد به بصيرة ويقيناً.
ويجوز أن يكون سأل
الولد مع الكبر وعقم امرأته ، ليفعل الله تعالى ذلك على سبيل الآية وخرقاً للعادة
من أجله ، فلما رزقه الله الولد عجب من ذلك وأنكره بعض من ضعفت بصيرته من أمته
فقال عليهالسلام (أَنَّى يَكُونُ لِي
وَلَدٌ) ليرد من الجواب ما يزول به شك غيره ، فكأنه سأل في الحقيقة
لغيره لا لنفسه
__________________
ويجري ذلك مجرى
موسى عليهالسلام أن يريه الله تعالى نفسه لما شك قومه في ذلك ، فسأل لهم لا
لنفسه.
[قوله تعالى (وَإِذْ أَنْجَيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ
يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ) إلخ]
وسأل أيضاً عن قول
الله عزوجل (وَإِذْ نَجَّيْناكُمْ
مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ
وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ) فقال : أي شيء استحياء النساء من سوء العذاب، وانما العذاب
في ذبح الأبناء.
فقال (رضوان الله
عليه) : أما قتل الذكور واستحياء الإناث فهو ضرب من العذاب والإضرار ، لأن الرجال
هم الذين يزعمون الناس عما .. به من الشر ، وهو واقع منهن في الأكثر مع الردع ، فإذا
انفردن وقع الشر بلا راع ولا مانع ، وهذه مضرة عظيمة.
ووجه آخر : وهو أن
الراجع الى قوله تعالى (يَسُومُونَكُمْ سُوءَ
الْعَذابِ) هو قتل الأبناء دون استحياء النساء ، وانما ذكر استحياء
النساء لشرح كيفية الحال لا لان ذلك من جملة العذاب ، كما يقول أحدنا : فلان عذبني
بأن أدخلني داره وعليه ثياب فلانية وضربني بالمقارع وفلان حاضر. وليس كل ما ذكره
من جملة العذاب ، وانما ذكر العذاب هو الضرب دون غيره ، وذكر الباقي على سبيل
الشرح.
ووجه آخر : وهو
أنه روي أنهم كانوا يقتلون الأبناء ويدخلون أيديهم في فروج النساء لاستخراج الأجنة
من بطون الحوامل ، فقيل : يستحيون من لفظ الحياء وهو الفرج وهو عذاب ، ففي مثله
ضرر شديد لا محالة.
__________________
[قوله تعالى (وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ)]
وسأله أيضاً فقال
: أليس قد وعد الله تعالى المؤمنين في عدة مواضع من كتابه المجيد بالجنة والخلود
في النعيم ، فما معنى قوله لنبيه (وَما أَدْرِي ما
يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ) الثواب أو العقاب ، أدخول الجنة أو النار ، لانه عليهالسلام عالم بأن الجنة مأواه وأن الموات عاقبته. ولا يجوز أن يشك في أنه ليس من أهل النار ، وان شك
في ذاك من حال غيره.
والمراد بالاية :
أنني لا أدري ما يفعل بي ولا بكم من المنافع والمضار الدنيوية كالصحة والمرض
والغنى والفقر والخصب والجدب ، وهذا وجه صحيح واضح لا شبهه فيه.
ويجوز أيضا أن
يريد أنني لا أدري ما يحدثه الله من العبادات ويأمرني به وإياكم من الشرعيات وما
ينسخ من الشرعيات وما يقر منه ويستدام ، لان ذلك كله مغيب عنه ، وهذا يليق بقوله
تعالى في أول الآية (قُلْ ما كُنْتُ
بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ) وفي آخرها (إِنْ أَتَّبِعُ
إِلَّا ما يُوحى إِلَيَ).
[قوله تعالى (فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ) إلخ]
وسأل أيضاً عن
قوله تعالى (فَإِنْ كُنْتَ فِي
شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ مِنْ
قَبْلِكَ لَقَدْ جاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ المُمْتَرِينَ).
كيف يكون النبي صلىاللهعليهوآله في شك مما أوحى إليه؟ كيف يسأل
__________________
صحة ما أنزل إليه
الذين يقرءون الكتاب من قبله وهم اليهود والنصارى المكذبون؟.
فقال : ان قوله
تعالى (فَإِنْ كُنْتَ فِي
شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ) ظاهر الخطاب له والمعنى لغيره ، كما قال تعالى (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا
طَلَّقْتُمُ النِّساءَ) فكأنه تعالى قال : فان كنت أيها السامع للقرآن في شك مما
أنزلنا على نبينا فاسأل الذين يقرءون الكتاب.
وليس يمتنع عند من
أمعن النظر أن يكون الخطاب متوجهاً الى النبي صلىاللهعليهوآله على الحقيقة ، وليس إذا كانت الشك لا يجوز عليه لم يحسن أن
يقال له : ان شككت فافعل كذا ، كما قال الله تعالى (لَئِنْ أَشْرَكْتَ
لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ) ومعلوم أن الشرك لا يجوز عليه ، ولا خلاف بين العلماء أن
النبي صلىاللهعليهوآله داخل في ظاهر آيات الوعيد والوعد وان كان مما لا يشك.
ووجدت بعض
المفسرين يجعل «ان» هاهنا بمعنى «ما» التي للجحد ، ويكون تقدير الكلام : ما كنت في
شك مما أنزلنا إليك. واستشهد على قوله تعالى (قالَتْ لَهُمْ
رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ) أي ما نحن ، وقوله تعالى (إِنْ أَنْتَ إِلَّا
نَذِيرٌ) أي ما أنت إلا نذير.
ولا شك في أن لفظة
«ان» قد يكون بمعنى «ما» في بعض المواضع ، الا أنه لا يليق بهذا الموضع أن يكون «ان»
بمعنى «ما» لانه لا يجوز أن يقول تعالى : ما أنت في شك مما أنزلنا إليك فاسأل
الذين يقرءون الكتاب ، لان العالم لا حاجة به الى المسألة ، وانما يحتاج أن يسأل
الشاك.
__________________
غير أنه يمكن نصرة
هذا الجواب ، لانه تعالى لو أمره بسؤال أهل الكتاب من غير أن يبقى شكه ولا وهم أمره بالسؤال أنه يشك في صدقه وصحة ما أنزل عليه ، فقدم
كلاماً يقتضي نفي الشك عنه فيما أنزل عليه ليعلم أن أمره بالسؤال يزول الشك من
غيره لا عنه.
فأما الذين أمره
بمساءلتهم ، فقد قيل : إنهم المؤمنون من أهل الكتاب الراجعون إلى الحق ، ككعب
الأحبار ومن جرى مجراه ممن أسلم بعد اليهودية لأن هؤلاء يصدقون عما شاهدوه في
كتبهم من صفات النبي صلىاللهعليهوآله والبشارة به ، وان كان غيرهم على الكفر والباطل لا يصدق
على ذلك.
وقال قوم آخرون :
ان المراد ب (الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ
الْكِتابَ) جماعة اليهود ممن آمن وممن لا يؤمن ، فإنهم يصدقون مما
وجدوه في كتابهم من البشارة بنبي موصوف يدعون أنه غيرك ، فإنك إذا قابلت بتلك
الصفات صفاتك علمت أنت وكل من أنصف أن المبشر بنبوته أنت.
وقال آخرون : وما
أمره بأن يسألهم عن البشارة ، لأنهم يصدقون عن ذلك بل أمرهعليهالسلام بأن يسألهم عما تقدم ذكره بغير فصل من قوله تعالى (وَلَقَدْ بَوَّأْنا بَنِي إِسْرائِيلَ
مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّى
جاءَهُمُ الْعِلْمُ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما
كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ).
ثم قال الله تعالى
(فَإِنْ كُنْتَ فِي
شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ مِنْ
قَبْلِكَ) أي في شك مما تضمنه هذه الآية من النعمة على بني إسرائيل
وما كانت اليهود تجحد ذلك بل تقربه وتفخر بمكانه ، وهذا الوجه يروى
__________________
عن الحسن البصري ،
وكل ذلك واضح لمن تأمله.
مسألة
[قوله تعالى (قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرابِ
سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ)
إلخ] وقالوا :
الدليل على صحة اختيارنا وتوقيفنا في فعلنا ووقوعه أحمد موقع عند الله قوله تعالى (قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرابِ
سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ).
وهذا اخبار عن أمر
سيكون ، فيخبرهم الرسول صلىاللهعليهوآله بما سيتجدد من هذه الحال ، كما أخبرهم بما يكون من سواها
في الحوادث بعده ، وهذه كلها من دلائله عليهالسلام.
ووجدنا صاحبنا
المتولي لغزاة الروم ، كما تولى قتال أهل الردة خالد بن الوليد العزيز ، أو ليس
هذه الأمور منتظمة على المأثور ، جارية على المحجوب ، مثمرة للخيرات ، مؤكدة
لأسباب الإسلام ، قامعة للمخالفة ، عرفونا ما عندكم في هذا؟
الجواب وبالله
التوفيق :
قال الأجل المرتضى
علم الهدى ذو المجدين (قدس الله روحه) اعلم أن هذه المسألة قد بناها هذا السائل
على أن الداعي لهؤلاء الإعراب هو غير النبي صلىاللهعليهوآله ، وهذا منازع فيه غير مسلم ، والدعوى بغير برهان لا يقتصر
عليها منصف.
__________________
ثم لو سلمنا
تطوعاً وتبرعاً أن الداعي هو غير النبي صلىاللهعليهوآله لم يجب أن يكون هو من عنده ، بل جاز أن يكون غيره.
ونحن نبين كلا
الوجهين وان كنا قد ذكرنا في الكتاب «الشافي» ما هو الغاية القصوى :
أما ظاهر قوله
تعالى (سَتُدْعَوْنَ إِلى
قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ) فغير دال على تعيين الداعي ، بل هو فيهم مشترك ، فعلى من
ادعى أنه داع بعينه الدلالة.
ولا خلاف بين أهل
النقل والرواية في قوله تعالى (سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ
مِنَ الْأَعْرابِ شَغَلَتْنا أَمْوالُنا وَأَهْلُونا فَاسْتَغْفِرْ لَنا
يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ
لَكُمْ مِنَ اللهِ شَيْئاً إِنْ أَرادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرادَ بِكُمْ نَفْعاً
بَلْ كانَ اللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً. بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ
الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلى أَهْلِيهِمْ أَبَداً وَزُيِّنَ ذلِكَ فِي
قُلُوبِكُمْ وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْماً بُوراً) انما أراد به الذين تخلفوا عن الحديبية.
ثم قال تعالى (سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا
انْطَلَقْتُمْ إِلى مَغانِمَ لِتَأْخُذُوها ذَرُونا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ
يُبَدِّلُوا كَلامَ اللهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونا كَذلِكُمْ قالَ اللهُ مِنْ
قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنا بَلْ كانُوا لا يَفْقَهُونَ إِلَّا
قَلِيلاً).
وانما طلب هؤلاء
المخلفون أن يخرجوا إلى غنيمة خيبر ، فمنعهم الله من ذلك وأمر نبيه صلىاللهعليهوآله بأن يقول لهم (قُلْ لَنْ
تَتَّبِعُونا) يريد الى هذه الغزاة ، لأنه تعالى حكم من قبل بأن غنيمة
خيبر لمن شهد الحديبية ، وأنه لا حظ فيها لمن لم يشهدها.
وهذا هو تأويل
قوله تعالى (يُرِيدُونَ أَنْ
يُبَدِّلُوا كَلامَ اللهِ) ثم قال جل اسمه
__________________
(قُلْ
لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرابِ سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ
شَدِيدٍ تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ) وانما أراد تبارك اسمه أن الرسول سيدعون فيما بعد الى قتال
قوم أولى بأس شديد ، كموتة وحنين وتبوك ، فمن أين وللمخالفين أن الداعي لهؤلاء
الإعراب هو غير النبي صلىاللهعليهوآله مع ما بيناه من الحروب التي كانت بعد خيبر.
وليس لأحد أن يدعي
أن المعني بقوله «ستدعون الى قوم أولي بأس شديد» هو أبو بكر لما دعا المسلمين الى
قتال بني حنيفة ، أو قتال فارس والروم ، ويحتج بإطباق المفسرين على ذلك ، لان
المفسرين ما أطبقوا على ما ادعوه ، لان ابن المسيب روى عن أبي روق عن الضحاك في
قوله (سَتُدْعَوْنَ إِلى
قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ) قال : هم ثقيف.
وروي عن سعيد بن
جبير قال : هم هوازن.
وروى الواقدي عن
قتادة قال : هم هوازن وثقيف.
فلا أطباق لأهل
التأويل على ما ادعى ، ولو أطبقوا لم يكن في إطباقهم حجة. وكم استخرج أهل العدل في
متشابه القرآن من الوجوه الصحيحة ما خالف ما ذكره المفسرون.
وأما الوجه الأخر
الذي يسلم فيه أن الداعي لهؤلاء الإعراب هو غير النبي صلىاللهعليهوآله فواضح أيضا ، لأنه لا يمتنع أن يعنى بهذا الداعي أمير
المؤمنين عليهالسلام لانه قد قاتل بعده أهل الجمل وأهل صفين وأهل النهروان ،
وبشره النبي صلىاللهعليهوآله بأنه يقاتلهم بقوله علي تقاتل بعدي الناكثين والقاسطين
والسارقين وقد كانوا أولى بأس شديد بغير شبهة.
فان قيل : الآية
تدل على أن القوم الذين قوتلوا ما كانوا مسلمين ، لقوله تعالى (تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ) ومحاربو أمير المؤمنين عليهالسلام في المواطن
الثلاثة التي
ذكرتموها كانوا مسلمين.
قلنا : عندنا أنهم
كانوا كفاراً ، والكافر لا يكون مسلماً عند مخالفينا من المعتزلة والخوارج ومن
وافقهم ، أن الكبائر تخرج عن الإسلام ، كما تخرج عن الايمان وعندهم أن قتال أمير
المؤمنين عليهالسلام كان كبيرة ومخرجاً عن الايمان والإسلام.
وقد دللنا في
كتبنا الشافي وغيره من كتبنا على كفر محاربيه عليهالسلام بما ليس هاهنا موضع ذكره.
فان قيل : من أين
نعلم بقاء هؤلاء المخالفين من الاعراب الى أيام أمير المؤمنين عليهالسلام كما علمنا بقاءهم الى أيام أبي بكر؟.
فان قلت : أعلم
ذلك ، لان حكم الآية يقتضي بقاءهم حتى يتم كونهم مدعوين الى قتال أولي البأس
الشديد.
قلنا : لك مثل ما
قلته في بقائهم الى أيام أمير المؤمنين عليهالسلام فظاهر الآية لا يقتضي وجوب بقاء جميعهم ، وانما يقتضي بقاء
أكثرهم أو بعضهم.
مسألة
[قوله تعالى (أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ
صادِقِينَ) إلخ]
ما معنى قوله
تعالى للملائكة (أَنْبِئُونِي
بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) وقوله (يا آدَمُ
أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمائِهِمْ) أن هذه الهاءات راجعة
__________________
الى من؟ ومن الذين
رجعت الهاءات إليهم؟ وهذا قبل خلق الله تعالى الخلق؟
وما معنى قوله
تعالى (ثُمَّ عَرَضَهُمْ
عَلَى الْمَلائِكَةِ) فقد دل على أنه كان هناك قوم معرضون مشار إليهم ، وهم غير
الملائكة ، فمن هؤلاء المبعوثون .
الجواب :
أما قوله تعالى (أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ) فعند أكثر أهل العلم وأصحاب التفسير أن الإشارة بهذه
الأسماء الى جميع الأجناس من العقلاء وغيرهم.
وقال قوم : أراد
أسماء الملائكة خاصة.
وقال آخرون : أراد
أسماء ذريته.
والصواب القول الأول
الذي عليه إجماع أهل التفسير ، والظاهر يشهد به ، لقوله تعالى (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها).
فأما قوله تعالى (ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ) فلا يليق الا بالمسميات دون الأسماء ، لأن هذه الكنايات لا
تليق بالأسماء ، وانما تليق بالعقلاء من أصحاب الأسماء أو العقلاء إذا انضم إليهم
غيرهم مما لا يعقل على سبيل التغليب لما يعقل كما يغلب المذكر على المؤنث إذا
اجتمعوا في الكناية ، كما يقول القائل : أصحابك واماؤك جاءوني. ولا يقال : جئتني.
ومما يشهد للتغليب
قوله تعالى (وَاللهُ خَلَقَ كُلَّ
دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ
يَمْشِي عَلى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللهُ ما
يَشاءُ).
__________________
وقد روي في قراءة
أبي «ثم عرضها» وفي قراءة عبد الله «ثم عرضهن» فهاتان القراءتان يليقان بالكناية
عن الأسماء دون المسميات ، وليس هذا العرض والخطاب قبل خلقه تعالى جميع الخلق على
ما تضمنه السؤال ، لأن الملائكة بلا شك قد كانت مخلوقة ، والخطاب معها كان في عرض
هذه الأسماء ، وغير منكر أن يكون تعالى خلق أصول جميع الأجناس في تلك الحال ، حتى
يليق ذلك بقوله تعالى (ثُمَّ عَرَضَهُمْ
عَلَى الْمَلائِكَةِ).
والذي يشتبه من
هذه الآيات ويجب الكلام عليه والتنقير عنه والإشارة إلى الصحيح منه موضعان :
أحدهما : أن يقال
: كيف يأمر الملائكة ويكلفهم أن يخبروا بما لا يعلمون ، وهذا عندكم من تكليف ما لا
يطاق بعينه ، أو جار مجراه في القبح.
والموضع الأخر :
أن يقال : من أين علمت الملائكة لما أخبرها آدم عليهالسلام بتلك الأسماء صحة قوله؟ ومطابقة الأسماء المسميات؟ ولم تكن
عالمة من قبل ، إذ لو كانت عالمة لأخبرت بالأسماء ولم تعترف بفقد العلم.
والجواب عن الأول
: أن قوله تعالى (أَنْبِئُونِي
بِأَسْماءِ هؤُلاءِ) ان كان أمراً فهو متعلق بشرط ، وهو كونهم صادقين وعالمين
بأنهم إذا أخبروا عن ذلك صدقوا ، وكأنه تعالى قال لهم : خبروا بذلك ان علمتموه.
والتكليف على هذا الوجه بهذا الشرط صحيح حسن.
ويمكن أيضاً أن
يكون قوله تعالى (أَنْبِئُونِي
بِأَسْماءِ هؤُلاءِ) لا يأمر على الحقيقة وان كان له صورة الأمر ، ويكون المعنى
فيه التقرير والتنبيه على الحجة.
ويكون تلخيص هذا
الكلام : ان الله تعالى لما قال للملائكة (إِنِّي جاعِلٌ فِي
الْأَرْضِ خَلِيفَةً قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ
الدِّماءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قالَ إِنِّي أَعْلَمُ
ما لا تَعْلَمُونَ) أي مطلع على ما لا تطلعون عليه.
ثم أراد التنبيه
على أنه لا يمتنع أن يكون غير الملائكة مع أنها تسبح وتقدس وتطيع ولا تعصي أولى
بالاستخلاف في الأرض ، وان كان في ذريته من يفسد ويسفك الدماء ، فعلم تعالى آدم
أسماء الأجناس أو أكثرها.
ثم قال للملائكة (أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ) مقرراً لهم فيها على ما ذكرناه ، ودالا على اختصاص بما لم
يختصوا به ، فلما أجابوا بالاعتراف وتسليم علم الغيب اليه ، قال (أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ
غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما كُنْتُمْ
تَكْتُمُونَ) موقظاً على أنه تعالى المنفرد بعلم المصالح في الدين ، ان
الواجب على كل مكلف أنه يسلم لأمره ويعلم أنه لا يختار لعباده الا ما هو أصلح لهم
في دينهم ، علموا وجه ذلك أم جهلوه.
وأما الجواب عن
الشبهة الثانية التي ذكرناها ، فهو أنه غير ممتنع أن يكون الله تعالى فعل في
الملائكة في الحال العلم الضروري بمطابقة الأسماء للمسميات فعلموا بذلك صحته بعد
أن كانوا غير عالمين به.
وهذا لا يؤدي الى
أن يكون الملائكة عالمة بنبوة آدم ضرورة ، بل لا بد بعد ذلك من مراتب في الاستدلال
يفضي الى العلم بالنبوة ، ويجري ذلك مجرى أن يخبر بأحدنا بما فعله مستسراً به عي
سبيل التفصيل على وجه يخرق العادة ، فهو وان كان عالماً بصدق خبره ضرورة ، فليس
بعالم أنه نبي ، ولا يستغني عن الاستدلال ليعد ذلك بعد ذلك على نبوته.
ووجه آخر : وهو
أنه غير ممتنع أن يكون للملائكة لغات مختلفة ، وكل قبيل منها يعرف أسماء الأجناس
في جميع لغاتهم خارقة للعادة ، فلما أراد الله تعالى نبأهم على نبوة آدم ، علمه
جميع تلك الأسماء ، فلما أخبرهم بها علم كل
__________________
فريق مطابقة ما
خبر له من الأسماء اللغوية.
وهذا لا يحتاج فيه
الى الرجوع الى غيره ، وعلم مطابقة ذلك الباقي اللغات بخبر كل قبيل بأن كل قبيل
إذا كان كثرة علم بخبرهم صحة ما يجيبون به.
وهذا الجواب يقتضي
أن يكون معنى قوله تعالى (أَنْبِئُونِي
بِأَسْماءِ هؤُلاءِ) ليخبرني كل قبيل منكم بمعاني جميع الأسماء ، لأن ذلك هو
الذي أفرد الله تعالى به آدم وميزه به ، وهذا بين أنعم تأمله. والسلام.
مسألة
[قوله تعالى (فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ
عَلَيْهِ)
إلخ] ما معنى قوله
تعالى (فَتَلَقَّى آدَمُ
مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)؟
الجواب :
أما قوله تعالى (فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ) فالتلقي هاهنا هو القبول والتناول على سبيل الطاعة ، وليس
كل ما سمعه واحد من غيره يكون له متلقياً حتى يكون متقبلا ، فيوصف بهذه السمة.
وأغنى قوله تعالى (فَتَلَقَّى) عن أن يقول : فرغت الى الله لهن أو سألته عقبهن ، لان معنى التلقي يفيد ذلك وينبئ عما حذف من الكلام
اختصاراً ،
__________________
ولهذا قال تعالى (فَتابَ عَلَيْهِ) ولا يتوب عليه الإبان سأل ورغب ويفزع بتلك الكلمات.
وقد قرأ ابن كثير
وأهل مكة وابن عباس ومجاهد «فتلقى آدم من ربه كلمات» بالنصب [«من ربه» ] وبرفع «كلمات» ، وعلى هذه القراءة لا يكون معنى التلقي
القبول ، بل يكون المعنى ان الكلمات تداركته بالنجاة والرحمة.
فأما الكلمات فقد
قيل انها : «ربنا ظلمنا أنفسنا وان لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين».
وقيل : بل هي «سبحان
الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر».
وقيل : بل الكلمات
ان آدم عليهالسلام قال : يا رب أرأيت ان تبت وأصلحت قال الله تعالى : اذن
أرجعك إلى الجنة.
وقيل وهذه رواية
تختص أهل البيت : ان آدم رأى مكنوناً على العرش أسماء معظمة مكرمة ، فسأل عنها؟
فقيل له هذه أسماء أجل الخلق منزلة عند الله تعالى ، وأمكنهم مكانة ذلك بأعظم
الثناء والتفخيم والتعظيم ، أسماء محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين صلوات الله
عليهم ، فحينئذ سأل آدم عليهالسلام ربه تعالى وجعلهم الوسيلة في قبول توبته ورفع منزلته.
فان قيل : على هذا
الوجه الأخير كيف يطابق هذا الوجه قوله تعالى (فَتَلَقَّى آدَمُ
مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ) وما الذي تلقاه؟ وكيف يسمى من ذكرتهم كلمات؟ وهذه انما يتم
في الوجوه الأول ، لأنها متضمنة ذكر كلمات وألفاظ على كل حال.
قلنا : قد يسمى
الكتابة كلمات على ضرب من التوسع والتجوز ، وإذا كنا
__________________
قد ذكرنا أن آدم عليهالسلام رأى كتاباً يتضمن أسماء قوم ، فجائز أن يقال : انها كلمات
تلقاها ورغب الى الله بها.
ويجوز أيضاً أن
يكون آدم لما رأى تلك الكتابة سأل عنها ، قال الله تعالى : هذه أسماء من أكرمته
وعظمته. وأجللته ورفعت منزلته ، ومن لا أسأل به الا أعطيت وكانت هذه الكلمات التي
تلقاها وانتفع بها.
فأما التوبة من
آدم عليهالسلام وقبول الله تعالى توبته ، وهو على مذهبنا الصحيح لم يوقع
ذنباً ولا قارف قبيحاً ولا عصى بأن خالف واجباً ، بل بأن ترك مندوباً ، فقد بينا
معناها مستقصى مستوفى في كتاب «تنزيه الأنبياء والأئمة عليهمالسلام» وأزلنا الشبهة المعترضة عن هذا المعنى ، فمن أراد ذلك أخذ
من موضعه.
ومن الله نستمد
المعونة والتوفيق ، وإياه نستهدي سبيل الرشاد ، والحمد لله رب العالمين.
مسألة
[قوله تعالى (وَإِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ مَكانَ الْبَيْتِ
أَنْ لا تُشْرِكْ بِي)
إلخ] سأل الشريف
أبو محمد الحسن بن محمد بن الحسن بن أحمد بن القاسم العلوي المحمدي النقيب السيد
الأجل المرتضى.
فقال : ان رأى (دام
علوه) أن يشرح لنا معنى قوله تعالى (وَإِذْ بَوَّأْنا
لِإِبْراهِيمَ مَكانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَطَهِّرْ بَيْتِيَ
لِلطَّائِفِينَ وَالْقائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ
بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالاً وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ
عَمِيقٍ).
__________________
هل خص بالنداء أمة
دون أمة ، أم عم الأمم كلها؟ وهل بلغهم نداوة ودخلت فيه أمة محمد صلىاللهعليهوآله. ان رأى أجاب بشرح وبيان منعماً إن شاء الله.
الجواب :
أما قوله تعالى (وَإِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ مَكانَ
الْبَيْتِ) فمعناه جعلناه منزلا ووطئناه ومهدناه ، والمباءة المنزل.
وقال قوم : ان أصل
اشتقاق هذه الكلمة من الرجوع ، ومنه قوله تعالى (وَباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ
اللهِ) أي رجعوا منه وقول الحارث بن جواد بوأ ... فعل كليب أي
ارجع بذلك. فلما جعل الله تعالى البيت منزلا ومزيلا وملاذاً ومرجعاً لإبراهيم ،
جاز أن يقول : «بوأه».
فأما قوله تعالى (لا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً) قال قوم : معناه وقلنا له لا تشرك بي شيئاً ، وأجرى مجرى
قوله تعالى (وَالْمَلائِكَةُ
يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ. سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ
فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ) والمعنى : قائلين سلام عليكم.
والكلام مفتقر بلا
شك الى محذوف ، وهذا الذي ذكرناه من حذف لفظة «وقلنا» يضعف [من يضعف ] من جهة أن ظاهر الآية تدل على تعلق الكلام بعضه ببعض ،
وان الغرض في تبوئة إبراهيم البيت ألا تشرك وأن تطهر البيت للطائفين والقائمين.
وإذا كان هذا
المعنى هو لم يطابقه أن يقدر لفظة «وقلنا» ثم يحذفها ، لان هذا التقدير يقع الكلام الثاني عن حكم الأول ويجعله أجنبياً منه. والظاهر
أنه
__________________
متعلق به.
فالأولى أن يكون
تقدير الكلام : وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت ، لان نقول له لا يشرك بي شيئاً ،
فيصح معنى البيت ومطابقة البيت فيه ، وهو تبوئة البيت.
فأما قوله تعالى (وَطَهِّرْ بَيْتِيَ) فقيل انه أراد من عبادة الأوثان. وقيل : من ذبائح المشركين
وسائر الأدناس ، والكلام يحتمل لكل ذلك.
فأما قوله تعالى (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِ) فمعناه أعلمهم وأشعرهم بوجوبه وأعلمت وأذنت هاهنا بمعنى
واحد ، والأذان بالصلاة هو الاعلام بدخول وقتها.
وقال قوم : ان
أذان إبراهيم هو إذ وقف في المقام ، فنادى : أيها الناس أجيبوا داعي الله يا عباد
الله أطيعوا الله. فاستمع من بين السماء والأرض ، فأجابه من في الأصلاب ، فمن كتب
له الحج وكل من حج ، فهو من أجاب إبراهيم عليهالسلام.
وقال قوم آخرون :
ان المخاطب والمأمور به بقوله تعالى (وَأَذِّنْ فِي
النَّاسِ بِالْحَجِ) هو محمد صلىاللهعليهوآله ولم يلزمهم شريعة فكيف يدعوهم الى الحج وهو غير مرسل إليهم؟
وأخبار الآحاد في
هذا الباب غير معتمد ، فلا يجوز على هذا أن يحمل قوله تعالى (فِي النَّاسِ) على كل من يأتي إلى يوم القيامة ، لأنه عليهالسلام كان مبعوثاً الى جميع الأمم المستقبلة ، فجعلناه متوجهاً
الى أمته ومن تلزمهم شريعته.
فأما الوجه الثاني
الذي حكيناه من توجه تكليف الأذان بالحج الى نبينا صلىاللهعليهوآله فجائز غير ممتنع ، ولا يضعفه أنه معطوف على الأوامر
المتوجهة إلى إبراهيم عليهالسلام من قوله ألا تشرك بي شيئاً وطهر بيتي لأنه غير ممتنع
أن ينفصل هذا
التكليف من الأول وان كان له مجاوراً ومقارناً ، ويتوجه الى غير من توجه التكليف
الأول اليه.
فأما قوله تعالى (يَأْتُوكَ رِجالاً) فمعناه على أرجلهم ، وهو في مقابلة من يأتي راكباً على كل
ضامر.
ومعنى (كُلِّ ضامِرٍ) أي على كل جمل ضامر أو ناقة ضامرة ، ولهذا قال تعالى (يَأْتِينَ) ولم يقل يأتون ، كناية عن الركاب دون الركب. وقد قرئت : «ويأتون»
على أنه كناية عن الركبان.
وهذا القدر كاف في
الجواب عن المسألة.
تمت المسائل
والحمد لله رب العالمين.
|
(٣٢)
أجوبة مسائل متفرفة
من الحديث وغيره
|
بسم الله الرحمن
الرحيم
معنى نقصان الدين والعقل في النساء
مسألة : ما معنى
ما روي عن النبي صلىاللهعليهوآله وهو مشير الى النساء لما أرادوا إلى نقص عقل ودين أصلب اللب الحكيم منهن.
الجواب : قد قيل :
ان معنى نسب النساء الى نقصان الدين : أنهن يقعدن من الصلاة والصيام
أيام حيضهن الذي هو على الأكثر كل شهر ، فيحرمن ثواب هاتين العبادتين الجليلتين ،
وهذا لا يوجد في الرجال.
وأما نقصان العقل
، فمعلوم أن النساء أندر عقولا من الرجال ، وأن النجابة والليانة انما يوجدان فيهن في النادر الشاذ ، وعقلاء النساء وذوات
الحزم
__________________
والفطنة منهن
معدودات ، ومن بهذه الصفة من الرجال لا تحصى كثرة.
وقد يمكن أيضا أن
يقال في نقصان الدين مثل هذا الوجه ، فإنه لما كان الأغلب عليهن ضعف الدين وقلة
البصيرة فيه ، نسب إليهن ذلك على الأكثر الأغلب.
ولا يطعن على هذا
الوجه من علمناه على غاية العقل في الدين والكمال فيما يعود اليه ، مثل فاطمة بنت
رسول الله صلىاللهعليهوآله وعليها ، وخديجة بنت خويلد ، ومريم بنت عمران. لان كلامنا
على الأغلب الأكثر ، ومن عرفناه بالفضل في الدين من النساء قليل العدد عسر الوجود.
وروي عن أمير
المؤمنين عليهالسلام أنه قال بعد فراغه من حرب الجمل في ذم النساء : معاشر
النساء ، النساء نواقص الايمان ، نواقص الحظوظ ، نواقص العقول ،
فأما نقصان ايمانهن فقعودهن عن الصلاة والصيام في أيام حيضهن ، وأما نقصان عقولهن
فشهادة الامرأتين كشهادة الرجل الواحد ، وأما نقصان حظوظهن فمواريثهن على الانصاف
من مواريث الرجال. فاتقوا شرار النساء ، وكونوا من خيارهن على حذر ، ولا تطيعوهن
في المعروف حتى لا يطمعن في المنكر .
تفسير قوله عليهالسلام : الولد للفراش وللعاهر الحجر
مسألة : ما معنى
قوله عليهالسلام «الولد للفراش
وللعاهر الحجر» ؟
__________________
الجواب : معنى ذلك
أن الولد تابع للفراش الذي اختلف الفقهاء في معناه :
فقال أبو حنيفة
وأصحابه : هو الوطء.
وقال الشافعي :
الفراش هو العقد مع التمكن من الوطء. وهو مذهبنا.
والعاهر : الزانية
التي تأتي بولد من غير عقد.
ومعنى لها الحجر :
أن ترجم بالحجارة ويقام عليها حد الزناء ، فكنى عن اقامة الحد بما به يقام الحد من
الحجر ، وهذه بلاغة عظيمة.
وجه نهى النبي «ص» عن أكل الثوم
مسألة : سأله أبو
القاسم علي بن عبد الله بن العلوي الحسيني ، روي عن النبي صلىاللهعليهوآله أنه لما افتتح خيبر وقعوا في الثوم فأكلوه ، فقال النبي صلىاللهعليهوآله : من أكل هذه البقلة الخبيثة فلا يقربن مسجدنا حتى يذهب
ريحها .
وقد قال الله عزوجل (أَوَلَمْ يَرَوْا
إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ) وما سماه الله تعالى كريما كيف يصح أن يسمى خبيثا.
وروي عنه صلىاللهعليهوآله أنه قال لجابر بن سليمان : يا جابر لا تسبن شيئا ، فكان
جابر لا يسب شيئا. وقوله صلىاللهعليهوآله للثوم «البقلة الخبيثة» ضرب من السب.
الجواب : اعلم أن
أخبار الآحاد غير معلوم ولا مقطوع على صحتها ، والصدق فيها أقل كثيرا من الكذب.
وانما يجب أن نتأول من الاخبار ما علمناه
__________________
وقطعنا على صحته ،
وجائز كونه كذبا.
غير أنا نخرج له
وجها تطوعا ، وهو أن يريد عليهالسلام بالخبيثة المنتنة الريح ، ومعلوم أن المجاور لمن أكل الثوم
يتأذى برائحته شديدا ، فنهى النبي صلىاللهعليهوآله آكلها من دخول المساجد ، لئلا يؤذي أهله والمصلين فيه.
وليس ينافي وصف
هذا النبات بأنه كريم وصفه بأنه منتن الرائحة ، لأن معنى كريم انه دال على الله
تعالى ، وأنه لطف في مصالح كثيرة دينية ، وهذا المعنى لا ينافي نتن الريح.
ألا ترى أن الله
قد وصف كل ما خلقه بالحسن والتمام والاحكام ، ومما خلق القرد والخنزير وكثير من
الخلق الذي يستقذر ، وذلك لا ينافي الحسن والحكمة وان نفرت كثير من الطباع عنها.
ويمكن وجه آخر :
وهو أن يريد بقوله تعالى (كَمْ أَنْبَتْنا
فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ) الخصوص دون العموم. والوجه الأول أقوى.
حول كلام ابن جنى في حذف علامة التأنيث
مسألة : قال ابن
جني في مختصره الملقب ب «اللمع» وإذا فصلت بين الفاعل المؤنث وبين فعله بكلام ،
فالأحسن إسقاط علامة التأنيث من الفعل مع كون المؤنث مؤنثا حقيقيا. وان كانت غير
مؤنث ، ازداد ترك العلامة حسنا.
اعترض سائل فقال :
كيف يكون إسقاط علامة التأنيث [أحسن] وقد
__________________
قال الله تعالى (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ) و (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ
وَالدَّمُ) و (أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ) والقرآن لا ينزل بلغة غيرها أفصح منه.
ومثل ابن جني لا
يذهب عليه مثل هذا ، فما تفسير كلامه؟ وما له؟
الجواب : انه لا
يجوز تقليد ابن جني فيما قاله وغيره لمخالفته فيه ، لا سيما ولم يورد فيه حجة ولا
شبهة ، فيقع النظر فيها والكلام عليها.
ومعلوم أن فعل
المذكر يجب تذكيره وفعل المؤنث يجب تأنيثه ، واعتراض الكلام لا يخرجه من أن يكون
فعل المؤنث. ألا ترى أن اعتراض الكلام في فعل المذكر لا يغير ما يجب من تذكيره.
ولو لم يكن النافي ذلك حجة إلا القرآن لكفى وأغنى ، لان فصاحة القرآن وبلوغها
الغاية فيها لا مطعن عليها.
ويمكن وجه آخر إذا
صححنا ما قاله ابن جني وحققناه ، وهو أن يكون الغرض في الآيات الواردة بخلاف ذلك الاعلام
، بجواز تأنيث الفعل مع اعتراض الكلام ، فإنه لا يجري مجرى ما هو لحن وخطأ لا يسوغ
استعماله ، والأول أقوى.
مسألة : ما روي من
أن ولد قابيل كانوا غير محياء ، وان زوجته ما أعك ، فمن أي جنس كانوا؟
الجواب : اعلم أن
الإيجاب قد يكون في جهة دون جهة ولسبب دون سبب ، وان كان الجنس واحدا والنسب
متفقا.
__________________
وقد يكون من
الأنساب المتفقة صالحون وطالحون ومرجون وكافرون ، فغير واجب إذا لم يبحث ولد قابيل
أن يكون من جنس غير جنس التحيات ، وهذا ما لا شبهة فيه.
تفسير قوله تعالى (وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ) إلخ
مسألة : ما معنى
قوله تعالى (وَلَوْ لا كَلِمَةٌ
سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكانَ لِزاماً)؟
الجواب : معنى هذه
الآية أنه لو لا ما أخبر الله تعالى به وخبر به من الآجال التي تبقي عباده إليها ،
لكان الهلاك الذي قد تقدم ذكره ، وأن الله تعالى أوقعه بالأمم السالفة.
يشهد لذلك قوله
تعالى قبل هذه الآية (أَفَلَمْ يَهْدِ
لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَساكِنِهِمْ
إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِأُولِي النُّهى).
ويكون تقدير الآية
: لو لا الآجال المضروبة للتبقية واستمرار التكلف لكان الهلاك مستقرا لازما.
حكم أموال السلطان
مسألة : هل يحل ما
يحصل من جهة السلطان وخدمته إذا دعت ذلك ضرورة ، الجواب : ان أموال السلطان على
ضروب :
فضرب الظاهر أنه
حرام ، كالمغصوب والجنايات من غير وجوهها.
__________________
والضرب الثاني :
ما ظاهره أنه مباح ، كالمال الذي يهدى اليه من طيب نفسه يجد به أو يبر به أقاربه.
والضرب الثالث :
ما يختلط فيه الحرام بالحلال ، ولا يتميز أحدهما من صاحبه.
فأما الضرب الأول
، فمحظور أن يؤخذ منه.
وأما الضرب الثاني
، فمباح أخذه والتصرف فيه بغير خلاف.
والضرب الثالث :
وهو المختلط قد أباحه أكثر الفقهاء ، مع اختلاط التصرف فيه ، والأخذ عنه.
والأولى عندي أن
يكون محظورا والتنزه منه أولى.
حكم التصدق بالمال الحرام
مسألة : ما القول
في رجل تصدق من مال محظور؟
الجواب : ان
الحرام غير مملوك لمن هو في يده ، فتصدقه بر غير مقبول ولا مبرور. وقد روي : أنه
لا صدقة من غلول.
وأما من قال من
الجهال : ان من تصدق من مال في يده والمالك له غيره ، فان الثواب لمالك المال.
فقال باطل ، لان هذه الصدقة لا أجر عليها للمتصدق ، لانه لا يملك المال ولا لمالك
المال ، لانه لم يرض أن يكون هذا المال صدقة ، ولا أراد إخراجه فيها ، لكنها صدقة
لا أجر لأحد عليها.
__________________
جواز التزكية من المال الأخر
مسألة : هل يجوز
أن يزكي الرجل مالا له من مال آخر؟
الجواب : ان ذلك
جائز إذا كان مالكا لكل واحد من المالين ، وليس بمنع من إخراج زكاة كل مال من
جملته ولا بعض من أبعاضه ، وهذا واضح.
صحة حمل رأس الحسين عليهالسلام الى الشام
مسألة : هل ما روي
من حمل رأس مولانا الشهيد أبي عبد الله عليهالسلام الى الشام صحيح؟ وما الوجه فيه؟.
الجواب : هذا أمر
قد رواه جميع الرواة والمصنفين في يوم الطف وأطبقوا عليه.
وقد رووا أيضا أن
الرأس أعيد بعد حمله الى هناك ودفن مع الجسد بالطف.
فان تعجب متعجب من
تمكين الله تعالى من ذلك من فحشه وعظم قبحه ، فليس حمل الرأس إلى الشام أفحش ولا
أقبح من القتل نفسه ، وقد مكن الله تعالى منه ومن قتل أمير المؤمنين عليهالسلام.
ومن شرط التكليف
التمكين من القبيح في دار التكليف ، ولا يحول الله تعالى بين المكلف وبينه ، وانما
تمكن من ذلك كما تمكن في دار التكليف من كل قبيح مما يكثر تعداده.
علم الوصي بساعة وفاته وعدمه
مسألة : هل يجب
علم الوصي ساعة وفاته أو قتله على التعيين؟ أم ذلك
مطوي عنه.
الجواب : قد بينا
في مسألة أمليناها منفردة ما يجب أن يعلمه الامام وما يجب أن لا يعمله.
وقلنا : ان الامام
لا يجب أن يعلم الغيوب وما كان وما يكون ، لان ذلك يؤدي الى أنه مشارك للقديم
تعالى في جميع معلوماته ، وأن معلوماته لا يتناهى ، وأنه يوجب أن يكون عالما بنفسه
، وقد ثبت أنه عالم بعلم محدث ، والعلم لا يتعلق على التفصيل الا بمعلوم واحد ،
ولو علم ما لا يتناهى لوجب وجود ما لا يتناهى من المعلومات ، وذلك محال. وبينا أن
الذي يجب أن يعلمه علوم الدين والشريعة.
فأما الغائبات ،
أو الكائنات الماضيات والمستقبلات ، فان علم باعلام الله تعالى شيئا فجائز ، والا
فذلك غير واجب.
وعلى هذا الأصل
ليس من الواجب علم الامام بوقت وفاته ، أو قتله على التعيين.
وقد روي أن أمير
المؤمنين عليهالسلام في أخبار كثيرة كان يعلم أنه مقتول ، وأن ابن ملجم (لعنه الله) قاتله.
ولا يجوز أن يكون
عالما بالوقت الذي يقتله فيه على التحديد والتعيين ، لانه لو علم ذلك لوجب أن
يدفعه عن نفسه ولا يلقى بيده الى التهلكة ، وأن هذا في علم الجملة غير واجب.
حكم عبادة ولد الزنا
مسألة : ما يظهر
من ولد الزنا من صلاة وصيام وقيام لعبادة كيف القول فيه ،
__________________
مع الرواية
الظاهرة أن ولد الزنا في النار. وأنه لا يكون قط من أهل الجنة .
الجواب : هذه
الرواية موجودة في كتب أصحابنا ، الا أنه غير مقطوع بها.
ووجهها ان صحت :
أن كل ولد زنية لا بد أن يكون في علم الله تعالى أنه يختار الكفر ويموت عليه ،
وأنه لا يختار الايمان. وليس كونه من ولد الزنية ذنبا يؤاخذ به ، فان ذلك ليس ذنبا
في نفسه وانما الذنب لأبويه ، ولكنه انما يعاقب بأفعاله الذميمة القبيحة التي علم
الله أنه يختارها ويصير كذا ، وكونه ولد زنا علامة على وقوع ما يستحق من العقاب ،
وأنه من أهل النار بتلك الاعمال ، لا لانه مولود من زنا.
ولم يبق الا أن
يقال : كيف يصح تكليف ولد الزنا مع علمه وقطعه على أنه من أهل النار ، وأنه لا
ينتفع تكليفه ولا يختار الا ما يستحق به العقاب.
قلنا : ليس نقطع
ولد الزنا أنه كذلك لا محالة ، وان كان هناك ظن على ظاهر الأمر، وإذا لم يكن قاطعا
على ذلك لم يقبح التكليف.
فان قيل : فنحن
نرى كثيرا من أولاد الزنا يصلون ويقومون بالعبادات أحسن قيام ، فكيف لا يستحقون
الثواب.
قلنا : ليس
الاعتبار في هذا الباب في ذلك بظواهر الأمور ، فربما كانت تلك الافعال منه رياء
وسمعة ، وواقعا على وجه لا يقتضي استحقاق الثواب.
وربما كان الذي
يظن أنه الظاهر ولد الزنا مولدا عن عقد صحيح ، وان كان الظاهر بخلافه ، فيجوز أن
يكون هذا الظاهر منه من الطاعات موافقا للباطن.
__________________
مشاهدة المحتضر الامام عليهالسلام قبل موته
مسألة : عن
المحتضر هل يشاهد في تلك الحال جسم الامام نفسه أم غير ذلك؟
الجواب : قد روت
الشيعة الإمامية أن كل محتضر يرى قبل موته أمير المؤمنين عليهالسلام ، وروي عنه شعر يتضمن ذلك وهو قوله :
يا حار همدان من يمت يرني
|
|
من مؤمن أو منافق قبلا
|
وإذا صحت هذه
الرواية ، فالمعنى : أنه يعلم في تلك الحال ثمرة ولايته عليهالسلام وانحرافه عنه ، لان المحتضر قد روي أنه إذا عاين الموت
وقاربه ، أرى في تلك الحال ما يدله على أنه من أهل الجنة أو من أهل النار.
وهذا معنى قول
أحدهم :
إذا قارب الهلاك
كدت أرى أعبرا
أي الجزاء عليها.
وقد يقول العربي :
رأيت فلانا ، إذا رأى ما يتعلق من فعل به أو أمر يعود اليه.
وانما اخترنا هذا
التأويل ، لأن أمير المؤمنين عليهالسلام جسم ، فكيف يشاهده كل محتضر ، والجسم لا يجوز أن يكون في
الحال الواحدة في جهات مختلفة.
ولهذا قال
المحصلون : ان ملك الموت الذي يقبض الأرواح لا يجوز أن
__________________
يكون لانه جسم والجسم لا يصح أن يكون في الأماكن الكثيرة ، وتأولوا قوله
تعالى (قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ
مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ) أنه أراد بملك الموت الجنس دون الشخص الواحد، كما قال الله
تعالى (وَالْمَلَكُ عَلى
أَرْجائِها) وانما أراد جنس الملائكة.
مسألة
بيان قوله «ص» : أنا وأنت يا علي كهاتين
ما معنى قول النبي
صلىاللهعليهوآله : أنا وأنت يا علي كهاتين. وأشار الى إصبعيه ، مع أنه صلىاللهعليهوآله نبي وأمير المؤمنين عليهالسلام وصي.
الجواب : أنه غير
ممتنع في المتقاربين في الفضل والدين ، ويزيد أحدهما على صاحبه فيه زيادة قوية ،
أن يقال فيهما : أنهما متساويان ومتعادلان. وانما لا يقال ذلك مع التفاوت في
الفضل.
فالنبي صلىاللهعليهوآله وان كان أفضل وأكثر ثوابا من أمير المؤمنين عليهالسلام ، فمن حيث تقارب فضلهما ولم يكن فيهما تفاوت ، جاز إطلاق
ألفاظ المساواة ، واللغة العربية شاهدة بذلك ، وعرف الاستعمال ونظائره أكثر من أن
يحصى.
ووجه آخر وهو أنه
يمكن أن يريد بالمساواة بينهما أن كل واحد منهما كامل للخصال التي تقتضيها منزلته
وولايته وغير مقتض عن شيء منهما ، فيكون
__________________
التساوي من هاهنا
لا من حيث الفضل وكثرة الثواب.
وقد تقول في ذي
الصناعتين المختلفتين : انهما متساويان ومتعادلان ، وانما يريد أن كل واحد منهما
كامل من صناعته ومستوفي شرط منزلته ، وان كانت الصناعتان في أنفسهما مختلفتين.
ووجه آخر : وهو أن
ظاهر الكلام يقتضي المساواة في كل شيء من ثواب وغيره ، الا أنه لما قام الدليل
القاهر على أن النبي صلىاللهعليهوآله أكثر ثوابا ، أخرجنا الثواب بدليله ، وبقي ما عداه من ضروب
الفضائل ، كالعصمة والعلم والحلم وغير ذلك.
مسألة
في الرجعة من جملة الدمشقيات
قال الأجل المرتضى
(رضي الله عنه) : اعلم أن الذي يقول الإمامية في الرجعة ، لا خلاف بين المسلمين بل
بين الموحدين في جوازه ، وأنه مقدور لله تعالى.
وانما الخلاف
بينهم : في أنه يوجد لا محالة أو ليس كذلك. ولا يخالف في صحة رجعة الأموات إلا
ملحد وخارج عن أقوال أهل التوحيد ، لان الله تعالى قادر على [إيجاد] الجواهر بعد
إعدامها. وإذا كان عليها قادرا ، جاز أن يوجدها متى شاء.
والاعراض التي بها
يكون أحدنا حيا مخصوصا على ضربين :
أحدهما : لا خلاف
في أن الإعادة بعينه غير واجبة ، كالكون والاعتماد وما يجري مجرى ذلك.
والضرب الأخر :
اختلف في وجوب إعادته بعينه ، وهو الحياة والتأليف. وقد بينا في كتاب الذخيرة أن
الإعادة بعينها غير واجبة ، ان ثبت أن الحياة والتأليف من الأجناس الباقية ففي ذلك
شك ، فالإعادة جائزة صحيحة على كل حال.
وقد اجتمعت
الإمامية على أن الله تعالى عند ظهور القائم صاحب الزمان عليهالسلام يعيد قوما من أوليائه لنصرته والابتهاج بدولته ، وقوما من
أعدائه ليفعل بهم ما يستحق من العذاب.
وإجماع هذه
الطائفة قد بينا في غير موضع من كتبنا أنه حجة ، لأن المعصوم فيهم ، فيجب القطع
على ثبوت الرجعة ، مضافا الى جوازها في القدرة.
وليست الرجعة مما
ينافي التكليف ويحيل الإجماع معه ، وذلك أن الدواعي مع الرجعة مترددة ، والعلم
بالله تعالى في تلك الحال لا يكون الا مكتسبا غير ضروري ، كما أن العلم به تعالى
يكون مكتسبا غير ضروري ، والدواعي ثابتة مع تواتر المعجزات وترادف باهر الآيات.
ومن هرب من
أصحابنا من القول بثبات التكليف على أهل الرجعة ، لاعتقاده أن التكليف في تلك
الحال لا يصح ، له القول بالرجعة ، انما هي على طريق الثواب ، وإدخال المسرة على
المؤمنين مما يشاء من ظهور كلمة الحق ، فهو غير مصيب.
لانه لا خلاف بين
أصحابنا في أن الله تعالى ليعيد من سبقت وفاته من المؤمنين لينصروا الامام
وليشاركوا إخوانهم من ناصريه ومحاربي أعدائه ، وأنهم أدركوا من نصرته معونته ما
كان يقويهم لولاها ، ومن أعيد للثواب المحض مما
__________________
يجب عليه نصرة
الامام والقتال عنه والدفاع. وقد اغنى الله تعالى عن القول بما ليس بصحيح هربا مما
هو غير لازم ولا مشبه.
فان قيل : فإذا
كان التكليف ثابتا على أهل الرجعة ، فتجوزوا ثبوت تكليف الكفار الذين اعتقدوا
النزول استحقاق العقاب.
قلنا : عن هذا
جوابان :
أحدهما أن من أعيد
من الاعداء للنكال والعقاب لا تكليف عليه ، وانما قلنا ان التكليف باق على
الأولياء لأجل النصرة والدفاع والمعونة.
والجواب الأخر :
ان التكليف وان كان ثابتا عليهم ، فتجوزون بعلم الله تعالى أنهم لا يختارون التوبة
، لأنا قد بينا أن الرجعة غير ملجأة الى قول القبيح وفعل الواجب ، وأن الدواعي
مترددة. ويكون وجه القطع على أنهم لا يختارون ذلك مما علمنا وقطعنا عليه من أنهم
مخلدون لا محالة في النار.
وبمثل ذلك يجيب من
يقول : جوزوا في بعض هؤلاء الأعداء أو كلهم أن يكون قبل موته بساعة تاب ، فأسقطت
التوبة عقابه ، ولا تقطعوا لأجل هذا التجويز على انهم لا محالة مخلدون في النار.
فان قيل : فما
عندكم فيما تستدل به الإمامية على ثبوت الرجعة من قوله تعالى (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ
اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ
الْوارِثِينَ وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ
وَجُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ).
وظاهر هذا الكلام
يقتضي الاستقبال ، فلا يجوز أن يحمل على أن المراد به
__________________
موسى عليهالسلام وشيعته. وإذا حملنا فرعون وهامان على أنهما الرجلان
المعروفان اللذان كانا في عهد موسى عليهالسلام ، فيجب أن يعادا ليريا ما من الله تعالى به على ما ذكره من
المستضعفين، وهذا يوجب الرجعة الى ما بيناه لا محالة.
قلنا : ليس
الاستدلال بذلك مرضيا ، ولا دليل يقتضي ثبوت الرجعة إلا ما بيناه من إجماع
الإمامية. وانما قلنا ان ذلك ليس بصحيح ، إذ لفظ الاستقبال في الآية لا يدل على أن
ذلك ما وقع ، لان الله تعالى تكلم بالقرآن عند جميع المسلمين قبل خلق آدم عليهالسلام فضلا عن موسى عليهالسلام ، والألفاظ التي تقتضي المضي في القرآن هي التي تحتاج أن
تناولها إذا كان إيجاده متقدما.
وإذا سلمنا أن ذلك
ما وقع إلى الآن وأنه منتظر من أن اقتضاءه الرجعة في الدنيا ، ولعل ذلك خبر عما يكون في
الآخرة وعند دخول الجنة والنار ، فان الله تعالى لا محالة يمن على مستضعفي أوليائه
المؤمنين في الدنيا ، بأن يورثهم الثواب في الجنة ، ويمكن لهم في أرضها ، ويجعلهم
أئمة وأعلاما ، يوصل إليهم من حقوق التعظيمات وفنون الكرامات ، ويعلم فرعون وهامان وجنودهما في
النار ذلك من حالهم ليزدادوا حسرة وغما وأسفا.
وقول الله تعالى (ما كانُوا يَحْذَرُونَ) صحيح لا ينبو عن التأويل الذي ذكرناه ، لان فرعون وهامان
وشيعتهما يكرهون وصول الثواب والمسارعة والتعظيم
__________________
والتبجيل الى
أعدائهما من موسى عليهالسلام وأنصاره وشيعته ، ومشاهدتهم لذلك أو علمهم به زائد في
عقابهم ومقوى لعذابهم ومضاعف لإيلامهم ، وهذا مما لا يخفى صحته واطراده على متأمل.
مسألة
من كلام لعليّ عليهالسلام يتبرأ من الظلم
من كلام لأمير
المؤمنين عليهالسلام أملاها علم الهدى (قدس الله روحه) :
والله لئن أبيت
على حسك السعدان مسهدا ، وأجر في الأغلال مصفدا ، أحب الي من أن ألقى الله ورسوله
يوم القيامة ظالما لبعض العباد ، وغاصبا لشيء من الحطام ، وكيف أظلم أحدا لنفس
تسرع الى البلى قفولها ، ويطول في الثرى حلولها؟
والله لقد رأيت
عقيلا وقد أملق حتى استماحني من بركم صاعا ، ورأيت صبيانه شعث الشعور ، غير
الألوان من فقرهم ، كأنما سودت وجوههم بالعظلم ، وعاودني مؤكدا ، وكرر علي القول
مرددا ، فأصغيت اليه بسمعي ، فظن أني أبيعه ديني وأتبع قياده مفارقا طريقتي ، فأحميت
له حديدة ، ثم أدنيتها من جسمه ليعتبر بها ، فضج ضجيج ذي دنف من ألمها ، وكاد أن
يحترق من ميسمها.
فقلت له : ثكلتك
الثواكل ، يا عقيل! أنين من حديدة أحماها إنسانها للعبه ، وتجرني الى نار سجرها
جبارها لغضبه! أتين من الأذى ولا أئن من لظى؟! وأعجب من ذلك طارق طرقنا بملفوفة في
وعائها ، ومعجونة شنئتها ، كأنما عجنت بريق حية أو قيئها.
__________________
فقلت : أصدقة أم
نذر أم زكاة ؟ وكل ذلك محرم علينا أهل البيت.
فقال : لا ولا ذلك
، ولكنها هدية ، فقلت : هبلتك الهبول! أعن دين الله أتيتني لتخدعني؟ أمختبط أنت أم
ذو جنة أم تهجر؟ والله لو أعطيت الأقاليم السبعة بما تحت أفلاكها [واسترق لي
قطانها مذعنة بأملاكها] على أن أعصي الله في نملة أسلبها جلب شعيرة فألوكها ما
قبلت ولا أردت .
وان دنياكم عندي
أهون من ورقة في فم جرادة تقضمها ، ما لعلي ونعيم يفنى ، ولذة لا تبقى! نعوذ بالله
من سبات العقل ، وقبح الزلل ، وبه نستعين .
فصل
استدل جمهور
المسلمين على أن السماوات سبع وأن الأرضين سبع ، بقول الله تعالى (وَلَقَدْ خَلَقْنا فَوْقَكُمْ سَبْعَ
طَرائِقَ وَما كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غافِلِينَ) وبقوله تعالى (اللهُ الَّذِي خَلَقَ
سَبْعَ سَماواتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَ).
قالوا : وجاءت
الاخبار بشرح ما في السماوات سماء سماء. واحتجوا بأنها غير كرؤية بقوله (وَجَعَلْنَا السَّماءَ سَقْفاً
مَحْفُوظاً) وبقوله (وَالْبَيْتِ
الْمَعْمُورِ
__________________
وَالسَّقْفِ
الْمَرْفُوعِ).
قالوا : وليس يجوز
أن يكون ما هو فوقنا يحاذي أقدامنا ، ولا أن يحول بيننا وبين الأرض التي تحتنا.
قالوا : وقد
وافقنا الفلاسفة على أن السماء فوقنا ، والفوق لا يكون مقابلا لطرف الاقدام.
واحتجوا في أن
الأرض مسطوحة بقول الله تعالى (اللهُ جَعَلَ لَكُمُ
الْأَرْضَ بِساطاً) والبساط لا يكون كرويا ولا معادلا ذات تحديب ، وقال (وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها) أي بسطها ، وقال (أَلَمْ نَجْعَلِ
الْأَرْضَ مِهاداً) وهذا انما هو احتجاجهم على أهل الملة وابانة عن البيت الذي
زعموا أن الفلك والأرض غير كريين لا على من خالف الإسلام.
مسألة
في فدك
ان سأل سائل فقال
: إذا كنتم تخطئون أبا بكر في منعه فاطمة عليهاالسلام من أن يسلم إليها فدك على جهة النحلة ، وأن يقبل فيها
دعواها لأجل عصمتها عليهاالسلام ، وأن المعصوم المقطوع على صدقه لا يحتاج الى بينة ، فمن
أين
__________________
أبا بكر كان يعلم
عصمتها عليهاالسلام.
فان قلتم إن لم
يكن عالما بذلك ، فكان يجب عليه أن يعلمه ، فإذا فرط فيه مع قيام الدلالة عليه كان
ملوما.
قيل لكم : ومن أين
يجب عليه أن يعلمه ، ولو كان اليه طريق وعليه دليل ، فليس كل شيء إلى العلم به
طريق وجب علينا أن نعلمه.
الجواب :
فأما أبو بكر فليس
له على الحقيقة الحكم على فاطمة عليهاالسلام ولا لها ، ويجب أن يعلم عصمتها ليعلم وجوب الحكم بما تدعيه
، والاحكام الى الامام الذي هو غيره ، فصار المنع منه لها من فدك بغير حق على كل
حال.
لا سيما وأبو بكر
يعلم أن امام ذلك الزمان هو بعلها ، وما فسح لها من المطالبة إليه بفدك الا وهي مستحقة ، ومعرفته بإمامته
واجبة لا محالة بلا شبهة.
فإذا قيل : لو قدرنا
أنه الامام والحاكم بين المسلمين ، أيجب عليه أن يعلم عصمة فاطمة عليهاالسلام أم لا يجب عليه؟ فان جوزتم أن لا يجب عليه العلم بالعصمة ،
فقد عذرتموه بهذا التقدير والفرض من منعها في فدك ، وان أوجبتم العلم بالعصمة ،
فبينوا من أي وجه يجب عليه ذلك؟
قلنا : إذا قدرنا
المسألة هذا التقدير الذي هو بخلاف الحال التي جرت عليها ، فالجواب : أن أبا بكر
إذا كان له أن يحكم لفاطمة عليهاالسلام وعليها ، بأن قدرنا صحة إمامته وكان الله تعالى قد دل على
عصمتها (صلوات الله عليها) فيجب عليه أن يعلم هذه الحال منها ، حتى إذا ادعت أمرا
وجب تسليمه إليها للعلم بصدقها ،.
__________________
ومعلوم أنها ادعت
فدكا.
ولأبي بكر طريق
الى العلم بصدقها في دعواها ، بأن ينظر في الدليل الذي نصه الله تعالى على عصمتها
، فيجب أن ينظر فيه ليعلم صدقها ويجب التسليم إليها ، لأنه لا خلاف في أن الخصم
إذا ادعى بينة عند الحاكم ، فيجب على الحاكم أن ينظر في بينته ، ليغلب في ظنه ثبوت
الحق له به.
ومعلوم أن الظن لا
حكم له مع إمكان العلم ، وإذا تمكن الحاكم من أن يعلم صدق المدعي ، وجب أن ينظر في
ذلك ليعلم بحسب علمه ، كما وجب عليه النظر فيما يؤدي الى غلبة الظن من بيانه ، وإذا لم يفعل فقد فرط.
فإذا قيل : المدعي
عند الحاكم النظر في بينته التي أسند إليها المدعي ويمينها ، وطالب الحكم
بالنظر فيها ، وفاطمة عليهاالسلام ما طالبت أبا بكر بالنظر فيما يجري مجرى البينة لها من
دليل عصمتها ، فكيف يجب عليه النظر في ذلك؟
قلنا : إذا كنا
نقدر حالا لم يكن ، والحال الجارية على ما ذكرنا يقتضي وجوب التسليم لما ادعته
وترك المعارضة فيه ، فإذا قدرنا حالا أخرى لم يتفق قدرنا ما يليق بها.
فقلنا : ادعت
فاطمة عليهاالسلام فدكا عند حاكم له أن يحكم بين المسلمين ، ولم يكن لها بينة
تقتضي غلبة الظن من شهادة وجب عليها أن ينبه الحاكم على أن جهة وجوب تسليم الحق
إليها وهو دليل عصمتها ، وتشير أيضا الى الدليل بينته حتى يكون بين النظر اليه
ووقوع العلم له ووجوب التسليم وبين لزوم
__________________
التقصير إياه.
وهذا واضح لمن
تأمله.
فصل
(في الغيبة)
قال (رضي الله عنه)
ان قالوا ان قلتم : ان الامام موجود ، وأنه يظهر ويفعل ويصنع، فأي شيء يمنع من
ظهوره؟ بينوا ما الموجب لاستتاره وغيبته؟.
قلنا : قد ثبت
وجوب الامام ، وأن من صفته أن يكون معصوما لا يجوز أن يقع منه الفعل القبيح ، وإذا
كان كذلك وقد بينا أن الامام يجب كونه موجودا والان .. ظهوره وغيبته.
فنقول : إذا ثبت
عصمته ثم استتر ولم يظهر ، وجب أن يكون ذلك لعذر ، لان القبيح لا يجوز وقوعه منه ،
وليس يجب علينا بيان ذلك العذر ، وانما هو بوجه من الوجوه.
وهذا مثل ما نقول
وهم الملحدة حين يقولون : ما الحكمة في رمي الحجارة والهرولة واستلام الحجر لا
نعلم شيئا؟ الى غير ذلك مما يسألون عنه.
ألسنا نقول لهم :
ان صانع العالم قد ثبتت حكمته بالدليل الباهر القاهر ، ومع حكمته إذا أمرنا بمثل
هذه الأشياء ، علمنا أن الحكمة أوجبت ذلك الأمر.
فإذا قالوا : ما
ذلك الأمر؟
قلنا : لا يجب
علينا بيانه من حيث علمنا أن القبيح لا يحصل منه تعالى ،
__________________
والطريقان واحد
على ما ترى ، وهذا هو سد الباب على مخالفينا وقطع التطويلات عنهم والأمارات ، وبهذا أن يستعمل معهم سؤال لهم.
إذا قالوا : ان
نصب الإمام إذا كان لطفا للمكلفين في فعل الواجبات وتجنب المقبحات ، فان استتاره
وغيبته ينقضان هذا البناء ، ويبطلان هذا الغرض.
قلنا لهم : لا
يمتنع أن يقع هذا اللطف مع غيبته في هذا الباب أقوى ، لأن المكلف إذا لم يعلم
مكانه ولم يقف موضعه ويجوز فيمن لا يعرفه أن الامام يكون الى أن لا يفعل القبيح
ولا يقصر في فعل الواجب أقرب منه لو عرفه ، ولا يجوز فيه كونه اماما.
وهذا جواب ظاهر
ليس لأحد من أصحابنا هذا الجواب.
قال (رضي الله عنه)
: العصمة في صفات الامام من أكبر الأصول في الإمامة ، أن تثبت يكفي كثيرا من المؤن
، فالواجب أن يكون الاشتغال بتصحيحها أكثر.
فصل
وسئل (رضي الله عنه) عن الحال بعد امام
الزمان عليهالسلام
في الإمامة فقال : إذا كان من
المذهب المعلوم أن كل زمان لا يجوز أن يخلو من امام يقوم بإصلاح الدين ومصالح
المسلمين ، ولم يكن لنا بالدليل الصحيح أن خروج القائم يطابق زوال التكليف ، فلا
يخلو الزمان بعده عليهالسلام من أن يكون فيه امام مفترض الطاعة ، أو ليس يكون.
فان قلنا : بوجود
امام بعده خرجنا من القول بالاثني عشرية ، وان لم نقل
__________________
بوجود امام بعده ،
أبطلنا الأصل الذي هو عماد المذهب ، وهو قبح خلو الزمان من الامام.
فأجاب (رضي الله
عنه) وقال : انا لا نقطع على مصادفة خروج صاحب الزمان محمد بن الحسن عليهماالسلام زوال التكليف ، بل يجوز أن يبقى العالم بعده زمانا كثيرا ،
ولا يجوز خلو الزمان بعده من الأئمة.
ويجوز أن يكون
بعده عدة أئمة يقومون بحفظ الدين ومصالح أهله ، وليس يضرنا ذلك فيما سلكناه من طرق
الإمامة ، لأن الذي كلفنا إياه وتعبدنا منه أن نعلم إمامة هؤلاء الاثني عشر ،
ونبينه بيانا شافيا ، إذ هو موضع الخلاف والحاجة.
ولا يخرجنا هذا
القول عن التسمي بالاثني عشرية ، لأن هذا الاسم عندنا يطلق على من يثبت امامة اثني
عشر اماما. وقد أثبتنا نحن ولا موافق لنا في هذا المذهب ، فانفردنا نحن بهذا الاسم
دون غيرنا.
حول خبر نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة
وسمع منه (رضي
الله عنه) يقول : من أعجب الأشياء أنهم ـ يعني الناصبة ـ يعولون في صحة الإجماع ،
وكونه حجة في الشريعة ، على خبر واحد لا يثبت له سند ولم يبن.
وإذا طولبوا
بتصحيحه عولوا في ذلك الإجماع وأنه حجة ، فهل هذا الا تعويل على الريح؟! وليس
الدليل بالمدلول والمدلول بالدليل ، وتصحيح كل واحد منهما بصاحبه.
يعني بالخبر
روايتهم عن رسول الله صلىاللهعليهوآله أنه قال : نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة.
وكان (رضي الله
عنه) ينكر ما كان يذكره بعض الإمامية في منع الاحتجاج
بهذا الخبر ، وأنه
انما قال : «ما تركناه صدقة» بنصب «ما» فلا يرتضي هذه الطريقة، لان من نقل هذه الكلمة
إنما نقلها موقوفة غير معربة.
ثم ان النصب ينافي
هذا الخبر وواضعيه انهم لا ينصبون هذه الكلمة ولم يقصدوا الى معنى النفي ، لظهور
التناقض والتنافي بين أولها وآخرها.
مسألة
في تفضيل فاطمة عليهاالسلام
وسألوا أيضا عن
السيدة فاطمة عليهاالسلام فقالوا : ما وجه هذا الفضل المتفاوت على سائر بنات النبي صلىاللهعليهوآله؟.
وما يوجب ذلك
وجوبا بصحيحة النظر ، والا سلمتم لغيرها منهي مثل يراثها صلى الله عليها.
الجواب :
اعلم أن الفضل في
الدين انما هو كثرة الثواب المستحق على وجه التعظيم والتبجيل ، والثواب انما يستحق
على الله تعالى بالطاعات وفعل الخيرات والقربات.
وانما يكثر
باستحقاقه بأحد الوجهين ، اما بالاستكثار من فعل الطاعات ، أو بأن تقع الطاعة على
وجه من الإخلاص والخضوع لله تعالى ، والقربة إليه يستحق بها لأجل ذلك الثواب
الكثير ، ولهذا كان ثواب النبي صلىاللهعليهوآله على كل طاعة بصلاة أو صيام يفعلها أكثر من ثواب كل فاعل
منها لمثل
__________________
تلك الطاعة.
وإذا كانت هذه
الجملة متمهدة في الأصول ، فما المنكر من أن تكون سيدة النساء فاطمة عليهاالسلام قد انتهت من الاستكثار من فعل الطاعات ، ثم من وقوعها على
أفضل الوجوه الموجبة لكثرة الثواب وتضاعفه الى الحد الذي فاقت وفضلت على النساء
كلهن.
ولو قال لنا قائل
: وما الفضل الذي بان به محمد صلىاللهعليهوآله من سائر الخلق أجمعين من نبي وغيره ، هل كان جوابنا له الا
مثل ما تقدم من جوابنا.
فوجوه زيادة الفضل
لا تحصى ولا تحصر ، ولم يبق الا أن يدل على أنها عليهاالسلام أفضل النساء كلهن.
والمعتمد في
الدلالة على ذلك إجماع الشيعة الإمامية ، فإنهم مجمعون بلا خلاف فيها على أنها عليهاالسلام أفضل النساء ، كما أن بعلة أفضل الرجال بعد رسول الله صلىاللهعليهوآله.
مسألة
إنكاح أمير المؤمنين عليهالسلام ابنته
وسألوا أيضا من
موجب الفقه المجيز لأمير المؤمنين عليهالسلام تزويج أم كلثوم.
وقالوا : أوضحي
النساء من طريق يوجبه الدين ويتجه ولا يمنعه ، وهو مستعمل التقية ومظهر المجاملة
أن ينتهي إلى الحد الذي لا مزيد عليه في الخلطة وهو التزويج.
الجواب :
قال الشريف
المرتضى علم الهدى (قدس الله روحه) : اعلم أنا قد بينا في كتابنا «الشافي» في
الجواب عن هذه المسألة ، وأزلنا الشبهة المعترضة بها وأفردنا كلاما استقصيناه
واستوفيناه في نكاح أم كلثوم ، وإنكاح بنته صلىاللهعليهوآله من عثمان بن عفان ، ونكاحه هو أيضا عائشة وحفصة ، وشرحنا
ذلك فبسطناه.
والذي يجب أن
يعتمد في نكاح أم كلثوم ، أن هذا النكاح لم يكن عن اختيار ولا إيثار ، ولكن بعد
مراجعة ومدافعة كادت تفضي إلى المخارجة والمجاهرة.
فإنه روي أن عمر
بن الخطاب استدعى العباس بن عبد المطلب ، فقال له : ما لي؟ أبي بأس؟ فقال له : ما
يجيب أن يقال لمثله في الجواب عن هذا الكلام فقال له : خطبت الى ابن أخيك على بنته
أم كلثوم ، فدافعني ومانعني وأنف من مصاهرتي ، والله لأعورن زمزم، ولأهدمن السقاية
، ولا تركت لكم يا بني هاشم منقبة الا وهدمتها ، ولأقيمن عليه شهودا يشهدون عليه
بالسرق وأحكم بقطعه.
فمضى العباس الى
أمير المؤمنين عليهالسلام فأخبره بما جرى وخوفه من المكاشفة التي كان عليهالسلام يتحاماها ، ويفتديها بركوب كل صعب وذلول ، فلما رأى ثقل
ذلك عليه ، قال له العباس : رد أمرها الي حتى أعمل أنا ما أراه ، ففعل عليه ذلك
وعقد عليها العباس.
وهذا إكراه يحل له
كل محرم ويزول معه كل اختيار. ويشهد بصحته ما روي عن أبي عبد الله عليهالسلام من قوله وقد سئل عن هذا العقد؟ فقال عليهالسلام : ذلك فرج غصبنا عليه.
وما العجب من أن
تبيح التقية والإكراه والخوف من الفتنة في الدين ووقوع
الخلاف بين
المسلمين لمن هو الامام بعد الرسول صلىاللهعليهوآله والمستخلف على أمته أن يمسك عن هذا الأمر ، ويخرج نفسه منه
، ويظهر البيعة لغيره ، ويتصرف بين أمره ونهيه ، وينفذ عليه أحكام ، ويدخل في
الشورى التي هي بدعة وضلال وظلم ومحال ، ومن أن يستبيح لأجل هذه الأمور المذكورة
على من لو ملك اختياره لما عقد عليه.
وانما يتعجب من
ذلك من لا يفكر في الأمور ولا يتأملها ولا يتدبرها ، دليل على جواز العقد ، واقتضى
الحال له مثل أمير المؤمنين عليهالسلام ، لانه عليهالسلام لا يفعل قبيحا ولا يرتكب مأثما.
وقد تبيح الضرورة
أكل الميتة وشرب الخمر ، فما العجب مما هو دونها؟ فأما من جحد من غفلة أصحابنا
وقوع هذا العقد ونقل هذا البيت ، وأنها ولدت أولادا من عمر معلوم مشهور.
ولا يجوز أن يدفعه
الا جاهل أو معاند ، وما الحاجة بنا الى دفع الضرورات والمشاهدات في أمر له مخرج
من الدين.
كلام في حقيقة الجوهر
المسألة الثانية
من المسائل التي وردت على الأجل المرتضى علم الهدى (قدس الله روحه) : إذا كان
لجوهر في عدمه جوهر منها الذي فعل محدثه ، وهل صفة الوجود والاحداث شيء غير نفسه؟ فان
كانت شيئا لزمكم أن يكون في عدمها كذلك ، وان لم يكن شيئا فقد حصلنا على أن الفاعل
في الحقيقة لم يفعل شيئا.
__________________
وقد قال أصحاب هذه
المسألة : ان أمركم فيها يئول الى قول المجبرة ، لزعمكم أن الجوهر لم يكن جوهرا
بفاعله ولا صار شيئا يضايفه وانما وجوه ، فإذا سألناكم عن إيجاده وهل هو نفس
الجوهر أم شيء غيره لم نسمع في ذلك الا ما ادعته المجبرة في الكسب.
الجواب وبالله
التوفيق :
اعلم أن قولنا «جوهر»
عبارة عما يجب له التحيز إذا وجدت ، لان الذوات على ضربين :
منها ما يجب متى
وجد أن يكون متحيزا.
ومنها ما يستحيل
فيه التحيز مع الوجود ، كالاعراض والقديم تعالى ، فعبرنا عن القسم الأول بعبارة
مفيدة ، وهي قولنا «جوهر».
وانما قلنا ان
الجوهر لا بد أن يكون في حال عده جوهرا ، لانه لا بد أن يكون في حال عدمه على حال يجب
لأجلها التحيز متى وجد ، ولهذا قلنا «انه جوهر لنفسه وجنسه».
والدليل على ذلك
أنه لا يخلو أن يكون المتحيز في الوجود مما يجب له هذه الصفة ، ولا يجوز عليه
خلافها ولا المتبدل بها ، وان يكون الأمر بخلاف ذلك.
فان كان الأمر على
الأول ، فلا بد من اختصاصه في حال العدم بصفة يجب معها لها هذا الحكم عند الوجود
مما يستحيل عليه هذا الحكم عند الوجود ، وأضفنا تلك الصفة إلى النفس ، لان ..
__________________
|
(٣٣)
مسألة في من يتولى
غسل الامام
|
بسم الله الرحمن
الرحيم
مسألة : من المتولي لغسل الامام الماضي والصلاة عليه؟ وهل ذلك موقوف على تولي
الامام بعده له أم يجوز أن يتولاه غيره؟
الجواب : قد روت الشيعة الإمامية أن غسل الامام والصلاة عليه موقوف على الإمام الذي يتولى الأمر من بعده ، وتعسفوا لها فيما
ظاهره بخلاف ذلك ، وهذه الرواية المتضمنة لما ذكرناه واردة من طريق الآحاد التي لا
يوجب علماً ولا يقطع بمثلها.
وليس يمتنع في هذه
الاخبار إذا صحت أن يراد بها الأكثر الأغلب ، ومع الإمكان والقدرة ، لأنا قد
تشاهدنا ما جرى على خلاف ذلك ، لان موسى ابن جعفرعليهماالسلام توفي بمدينة السلام والامام بعده علي بن موسى الرضا
__________________
عليهماالسلام بالمدينة ، وعلي بن موسى الرضا توفي بطوس والامام بعده
ابنه محمد بالمدينة. ولا يمكن أن يتولى من بالمدينة غسل من يتوفى بطوس ، أو بمدينة
السلام.
وقد تعسف بعض
أصحابنا فقال : غير ممتنع أن ينقل الله تعالى الامام من المكان الشاسع في أقرب الأوقات ويطوي له البعيد ، فيجوز أن ينتقل من
المدينة إلى مدينة السلام وطوس في الوقت.
والجواب عن هذا :
انا لا نمنع من إظهار المعجزات وخرق العادات للأئمة عليهمالسلام الا أن خرق العادة انما هو في إيجاد المقدور دون المستحيل
والشخص لا يجوز ن يكون منتقلا إلى الأماكن البعيدة إلا في أزمنة مخصوصة فأما أن
ينتقل الى البعيد من غير زمان محال ، وما بين المدينة وبغداد وطوس من المسافة لا يقطعها الجسم
إلا في أزمان لا يمكن معها أن يتولى من هو بالمدينة غسل من هو ببغداد.
فان قيل : ألا
انتقل كما ينتقل الطائر من البعيد في أقرب مدة .
قلنا : ما ننكر
اختلاف انتقال الأجسام بحسب الصور والهيئات ، فان أردتم أن الامام يجعل له جناح
يطير به ، فهو غير منكر ، الا أن الثقيل الكبير من الأجسام لا يكون طيرانه في
الخفة مثل الصغير الجسم. ولهذا لا يكون طيران الكراكي وما شاكلها في عظم الأجسام ،
كسرعة الطيور الخفاف ، فإذا كان الطائر الخفيف الجسم انما لم يقطع في يوم واحد من
المدينة إلى طوس ، فأجدر
__________________
أن لا يتمكن من
ذلك الإنسان إذا كان له جناح.
ولا يمكن أن يقال
: ان الله تعالى يعدم الامام من هناك ويوجده في الحال الثانية هاهنا.
لان هذا مستحيل من
وجه آخر ، لان عدم بعض الأجسام لا يكون الا بالضد الذي هو الفناء ، وفناء بعض
الجواهر فناء لجميعها ، وليس يمكن أن يفنى جوهر مع بقاء جوهر آخر ، على ما دللنا
عليه في كثير من كلامنا ، لا سيما في كتابي المعروف ب «الذخيرة».
الا أنه يمكن من
ذهب من أصحابنا الى ما حكيناه أن يقول نصرة لطريقته : ما الذي يمنع من أن ينقل الله تعالى الامام من المدينة إلى طوس بالرياح العواصف
التي لا نهاية لما يقدر الله تعالى عليه من فعلها وان فيها . وما المنكر من أن يقول في هذه الريح التي تنقله ما يزيد
معه على سرعة الطائر الخفيف المسرع ، فينتقل في أقرب الأوقات.
والذي يبطل هذه
التقديرات لو صحت أو صح بعضها أنا قد علمنا أن الامام لو انتقل من المدينة إلى
بغداد أو طوس لغسل المتوفّى والصلاة عليه لشوهد في موضع الغسل والصلاة ، لأنه جسم
والجسم لا بدّ من أن يراه كل صحيح العين. ولو شهد لهم لعلمه وعرف حاله ونقل خبره ولم يخف على الحاضرين ، فكيف يجوز ذلك وقد نقل في التواريخ
من تولى غسل هذين الإمامين والصلاة عليهما وسمي وعين ، وهذا يقتضي أن الأمر على ما
اخترناه.
__________________
|
(٣٤)
عدم وجوب غسل
الرجلين في الطهارة
|
بسم الله الرحمن
الرحيم
قال السيد قدس
الله روحه :
وقفت على كلام
لأبي الحسن علي بن عيسى الربعي ينصر به أن القرآن دال على وجوب غسل الرجلين في
الطهارة ، فلما تأملته وجدته كلام مخرم غير محقق لما يقوله ، وكأنه غريب من هذا
الشأن بعيد منه أجنبي ، ومن لا يطيق على أمر فأستر عليه ترك الخوض فيه.
ولما لم يتمكن من
حمله القراءة ينصب الأرجل على الأيدي المغسولة ، عدل إلى شيء وجدت شيخه أبي علي الفارسي عول عليه ، لما أعياه نصرة إيجاب الغسل من
الآية على صناعة الاعراب. وهو وجه روي عن أبي يزيد الأنصاري أشد تهافتا وتقاربا من
كل شيء اعتمد عليه في هذه الآية.
ونحن نبين ما في
هذا الكلام الذي وقفنا عليه من الخلل والزلل بأوجز
__________________
كلام ، وان كان من
اطلع على كلامنا فيما كنا أمليناه من مسائل الخلاف هو ما في هذه المسألة ، وما
أوردناه أيضا قريبا من الكلام في ذلك.
وأي بحر هذا الكلام الذي وجدناه لهذا الرجل ولغيره في هذه المسألة
كالقطرة بالإضافة اليه ، وأمكن من ضبط ذلك أن ينقض منه كل كلام سطر في هذه الآية
أو له سطر ، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت واليه أنيب.
قال صاحب الكلام :
قوله تعالى (يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ
وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى
الْكَعْبَيْنِ) المعول في ذلك أن من نصب قوله (وَأَرْجُلَكُمْ) حمله على الغسل وعطفه على الأيدي ، لما كان المعنى عنده
على الغسل دون المسح ، فحمل على النصب الذي يقتضيه قوله (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ) ليكون على لفظ ما في حكمه في الوجوب من الأيدي التي حملت
على الغسل. ولم يجر كما جر من قرأ وأرجلكم لمخالفته في المعنى ، فلذلك خالف بينهما
في اللفظ.
الجواب : يقال له
: يجب أن نبني المذاهب على الأدلة على الاحكام ، فيجب أن نعتبر وجه دلالته ، فنبني
مذاهبنا عليها ويكون اعتقادنا موافقا.
فقولك «ان من نصب
الأرجل حمله على الغسل وعطفه على الأيدي لما كان المعنى عنده على الغسل دون المسح»
طريق ، ولو لم يكن عند من ذكرت الغسل دون المسح بغير دلالته ، والقرآن يوجب المسح
دون الغسل.
وأول ما يجب إذا
فرضنا ناظرا منا فلا يحكم بهذه الآية وما يقتضيه من مسح أو غسل، يجب أن لا يكون
عنده غسل ولا مسح ، ولا يتضيق إليه أحدهما ، بل
__________________
ينظر فيما يقتضيه
ظاهر الآية وإعرابها ، فيبني على مقتضاها الغسل ان وافقه ، أو المسح ان طابقه.
وكلامك هذا يقتضي سبلا من الغسل وأنه حكم الآية حتى يثبت عليه اعراب الأرجل بالنصب
، وهذا هو ضد الواجب.
وقد بينا في مسائل
الخلاف أن القراءة بالجر أولى من القراءة بالنصب ، لأنا إذا نصبنا الأرجل فلا بد
من عامل في هذا النصب ، فاما أن تكون معطوفة على الأيدي ، أو يقدر لها عامل محذوفا
، أو تكون معطوفة على موضع الجار والمجرور في قوله (بِرُؤُسِكُمْ) ولا يجوز أن تكون معطوفة علي الأيدي ، لبعدها من عامل
النصب في الأيدي ، ولأن اعمال العامل الأقرب أولى من اعمال الأبعد.
وذكرنا قوله تعالى
(آتُونِي أُفْرِغْ
عَلَيْهِ قِطْراً) وقوله (هاؤُمُ اقْرَؤُا
كِتابِيَهْ) وقوله تعالى (وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا
كَما ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللهُ أَحَداً).
وذكرنا ما هو أوضح
من هذا كله ، وهو أن القائل إذا قال : ضربت عبد الله ، وأكرمت خالدا وبشرا ، ان رد
بشرا الى حكم الجملة الماضية التي قد انقطع حكمها ووقع الخروج عنها لحن وخروج عن
مقتضى اللغة ، وقوله تعالى (فَاغْسِلُوا
وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ) جملة مستقلة بنفسها ، وقد انقطع حكمها بالتجاوز لها إلى
جملة أخرى ، وهو قوله (وَامْسَحُوا
بِرُؤُسِكُمْ).
ولا يجوز أن تنصب
الأرجل بمحذوف مقدر ، لانه لا فرق بين أن تقدر محذوفا هو الغسل ، وبين أن تقدر
محذوفا هو المسح ، ولان الحذف لا يصار اليه الا عند الضرورة. وإذا استقل الكلام
بنفسه من غير تقدير محذوف ، لم يجز حمله على محذوف.
__________________
فأما حمل النصب
على موضع الجار والمجرور ، فهو جائز وشائع ، الا أنه موجب للمسح دون الغسل ، لان
الرءوس ممسوحة ، فما عطف على موضعها يجب أن يكون ممسوحا مثلها ، الا أنه لما كان
إعمال أقرب العاملين أولى وأكثر في القرآن ولغة العرب ، وجب أن يكون جر الآية حتى تكون معطوفة على لفظة الرءوس أولى من نصبها وعطفها على
موضع الجار والمجرور ، لأنه أبعد قليلا ، فلهذا ترجحت القراءة بجر الأرجل على
القراءة بنصبها.
ومما يبين أن حمل
حكم الأرجل على حكم الرءوس في المسح أولى ، أن القراءة بالجر يقتضي المسح ولا
يحتمل سواه ، فالواجب حمل القراءة بالنصب على ما يطابق معنى القراءة بالجر ، لان
القراءتين المختلفتين تجريان مجرى آيتين في وجوب المطابقة بينهما ، وهذا الوجه
يرجح القراءة بالجر للأرجل على القراءة بالنصب لها.
ثم قال صاحب
الكلام : فان قال قائل : انه إذا نصب فقال (وَأَرْجُلَكُمْ) جاز أيضا أن يكون محمولا على المسح ، كما قال : مررت بزيد
وعمرا. فحملوا عمرا على موضع الجار والمجرور ، حيث كانا في موضع نصب ، فلم لا
يقولون : ان الجر أحسن وان المسح أولى من الغسل ، لتجويز القراءتين جميعا بالمسح ،
ولان من نصب فقال : «وأرجلكم» يجوز في قوله أن يريد المسح فيها نصب للحمل على
الموضع. والذي يجر «وأرجلكم» لا يكون الا على المسح دون الغسل ، وكيف لم يقولوا ان
المسح أو الغسل ، لجوازه في القراءتين جميعا ، وانفراد الجر في قوله
«وأرجلكم» بالمسح من غير أن يحتمل
__________________
غيره.
والقول في ذلك : أن حمل نصب «أرجلكم» على موضع الجار والمجرور في
الآية لا يستقيم ، لمخالفته ما عليه بغير النبي بل في هذا النحو.
وذلك أنا وجدنا في
التنزيل العاملين إذا اجتمعا حمل الكلام على العامل الثاني الأقرب الى المعمول فيه
دون الأبعد ، وذلك في نحو قوله (آتُونِي أُفْرِغْ
عَلَيْهِ قِطْراً) ، حمل على العامل الثاني الأقرب الذي هو «أفرغ» دون الأول
الذي هو «آتوني» ، ولو حمل على الأول لكان آتوني أفرغه عليه قطرا ، أي آتوني قطرا
أفرغ عليه. وكذلك (يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ
اللهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ) أعمل «يفتيكم» دون «يستفتونك» ولو أعمل الأول لكان يستفتونك
قل الله يفتيكم فيها.
وكذلك قوله تعالى (هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ) أعمل الأقرب من العاملين ، وهو «أقروا» ولو عمل الأول لكان
هاؤم أقروه كتابيه.
فاذن كان حكم
العاملين إذا اجتمعا على هذا الذي ذكرت من اعمال الثاني أقرب منهما الى المعمول ،
لم يستقم أن يترك حمل «الأرجل» على البناء التي هي أقرب اليه ، ويحمل على الفعل
لمخالفته ذلك ما ذكرت من الآي ، وان الأكثر في كلامهم : خشنت بصدره وصدر زيد بجر
صدر المعطوف على البناء من حيث كان أقرب اليه ، وهذا مذهب سيبويه.
ثم قال : فان قال
قائل : إذا نصب «الأرجل» فقال «وأرجلكم» فقد حمل
__________________
ذلك على أبعد
العاملين ، فكيف لا يجوز لمن نصب أن يتأول ما ذكرناه من حمله على موضع الجار
والمجرور ، ويكون تأويله جائزا ، وان لم يحمل على الباء التي هي أقرب الى المعمول
من قوله «اغسلوا».
ثم قال : القول في
ذلك أنه رأى أن يحمله على الجر لا يستقيم في المعنى ، وانما يحمل على أقرب
العاملين إذا كان الحمل عليه لا يفسد معنى ، فإذا أدى ذلك فساد المعنى عنده لم
يحمله على الأقرب.
ألا ترى ان ما
تلوناه من الآي إنما حمل فيه على الثاني دون الأول ، لأن الحمل على كل واحد منهما
في المعنى مثل الحمل على الأخر ، فلما كان كذلك أعمل الأقرب لقربه ، إذا كانوا قد
احتملوا لإيثارهم الحمل على الأقرب ما لا يصح في المعنى ، كقوله غزل العنكبوت
المزمل ويروى نسج والمزمل من صفة الغزل ، وحمله على العنكبوت من
حيث كان أقرب إليه من الغزل ، فإذا صح المعنى مع الأقرب فلا يذهب على ذلك.
الجواب : يقال له
: أما صدر هذا الفصل من كلامك ، فهو كله عليك ، لأنك قد نطقت فيه بلسان من نص
المسح في الآية ، واستشهدت في اعمال الثاني من العاملين دون الأول ، بما استشهدنا
نحن به في نصرة هذه المسألة ، والرد على من أوجب الغسل بها دون المسح ، فكأنك على
الحقيقة انما حققت من وجوب اعمال العامل الثاني دون الأول ، لما هو شاهد عليك لا
لك.
ولما سألت نفسك عن
السؤال الذي فطنت به ما حققته وبسطته لك ، عدلت الى دعوى طريقة .. من أين لك
بلوغها ، لأنك قلت انما يعمل الثاني دون الأول بحيث يستقيم المعنى ولا يفسد.
فمن أين قلت : ان
القول بمسح الأرجل يئول الى فساد وأنه مما لا يستقيم أو ما كان جائزا على جهة
التقدير عند كل عاقل أن يعبر الله سبحانه نصا صريحا
__________________
على أن حكم الأرجل
المسح ، كما كان ذلك حكما للرءوس ، وهل يدفع جواز ذلك الا مكابر لنفسه وجه .
اللهم الا أن تدعي
أنك علمت قبل نظرك في هذه الآية ، وما هو يوجبه في الأرجل من غسل أو مسح أو حكم الأرجل الغسل دون المسح ، فيثبت الآية على علمك.
هذا فقد كان يجب
أن يتبين من أين علمت ذلك حتى يثبت عليه حكم الآية ومتى ساغ لك أن
تقول : انما يعمل العامل الأقرب بحيث يستقيم ولا يفسد؟ وكل هذا إخلال منك بما
يلزمك.
فأما البيت الذي
أنشدته ، فليس من الباب الذي نحن فيه من ترجيح اعمال الثاني من العاملين دون الأول
، وانما يتعلق به من نص الاعراب بالمجاورة ، كما استشهدوا بقوله : «حجر ضب خرب»
وبقوله : «كبير أناس في بجاد مزمل».
وقد بينا في مسائل
الخلاف بطلان الاعراب بالمجاورة بكلام كالشمس وضوحا ، وتكلمنا على كل شيء تعلق به
أصحاب المجاورة.
على أنه قد خطر لي
في قول الشاعر : «كان غزل العنكبوت المزمل» شيء ، وما رأيته لأحد ولا وقع لي
متقدما ، وهو أن يكون المزمل صفة العنكبوت لا للغزل ، ويكون من الزمل ، لان العنكبوت
ربما ينسج بيته في زمل. وانما حملت العلماء على أنه صفة للغزل من حيث ذهبوا في هذه
اللفظة إلى أنها من أزملت الثوب أو الحصير ، وزملته أيضا إذا نسجته ، والنسج لا
يليق بالعنكبوت
__________________
نفسه ، وانما يليق
بغزله. وهذا التخريج يبطل أيضا تعلق أصحاب المجاورة بهذا البيت.
ثم قال صاحب
الكلام : والأوجه في الآية والله أعلم أن يحمل على الباء ، ويقرأ «وأرجلكم» ولا
يحمل على «اغسلوا» ويكون المراد بالمسح الغسل لأمرين :
أحدهما : أنه حكي
عن أبي زيد أنه قال : المسح أخف الغسل ، ومن ذلك تمسحت للصلاة ، فإذا كان كذلك
فجاز الذي أوجبه قوله تعالى (وَامْسَحُوا
بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) في من جر الغسل دون المسح.
ويؤكد ذلك أن
الثوري يروي عن أبي عبيدة في تأويل قوله تعالى (فَطَفِقَ مَسْحاً
بِالسُّوقِ وَالْأَعْناقِ) أن المعنى يضرب ، يقال : مسح علاوته أي ضربها بالاعتماد
الذي يقع باليد أو غيرها من آلة الضرب بالمضروب ، مثل الاعتماد الذي يقع على
المغسول في حال الغسل باليد إذا كان الغسل بها ، وذلك فرق المسح الذي ليس بغسل.
ويؤكد ذلك أيضا
أنه موقت بغاية ، كما وقت غسل اليد بها في قوله تعالى (وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ).
والأخر : أن يكون
قوله أي «امسحوا» الذي يراد به المسح الذي دون الغسل كمسح الرأس ، والمراد به
الغسل ، فأجرى الجر على الأرجل في اللفظ والمراد به الغسل ، وحمل ذلك لمقاربة
المسح للغسل في المعنى ، ليكون الحمل على أقرب العاملين ، كالآي التي ذكرناها.
أما إذا كان أهل
اللغة قد آثروا ذلك فيما لا يصح معناه إيثارا منهم للحمل
__________________
على الأقرب ، فلما
استعملوا ذلك فيما لا يصح في المعنى ، نحو «غزل العنكبوت الزمل» حتى فيما يتقارب
فيه المعنيان ، لان المعاني إذا تقاربت وقع ألفاظ بعضها على بعض ، نحو قولهم «أنبأت
زيدا عمرا خير الناس» وأنبأت أفعلت من النبإ ، والنبإ الخبر ، فلما كان الإنباء
ضربا من الاعلام أجروا «أنبأت» مجرى «أعلمت» فعدوه إلى ثلاثة مفاعيل ، كما عدوا
أعلمت إليهم ، وكما جرى قوله تعالى (ثُمَّ بَدا لَهُمْ
مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الْآياتِ) مجرى علموا في قوله : ولقد علمت لتأتين منيتي وذلك أن بدا
لهم ظهر لهم رأي لم يكونوا رأوه، فهو بمنزلة علموا ما لم يعلموا.
وقد زعم أبو الحسن
أنهم قالوا : ما سمعت رائحة أطيب من هذه ، ولا رأيت رائحة أطيب من هذه ، وما رأيت
كلاما أصوب من هذا ، فوضع بعض العبارة عن أفعال هذه الحواس مكان بعض ، لاجتماعهن
في العلم بها ، وكذلك وضع المسح مكان الغسل ، لاجتماعه في وقوع التطهير بهما في
الأعضاء. والمراد بالمسح الغسل كما كان المراد بما سمعت رائحة ما شممت ولا رأيت
كلاما ما سمعت ، فوقع كل واحد منهما في الاتساع موضع الأخر، لاجتماعهما في العلم
على الوجه الذي علم به ذلك.
الجواب : يقال له
: قد صرحت في كلامك أن القراءة في الأرجل بالجر أولى وأرجح من القراءة بالنصب على
موجبة العربية. وهذا صحيح مبطل لما يظنه من لا يعرف العربية من الفقهاء ، إلا أنك
لما أعيتك الحيل في نصرة غسل الأرجل من طريق الاعراب ، عدلت إلى شيء حكي عن أبي
زيد الأنصاري من
__________________
أن المسح غسل ،
وهذا الذي عدلت اليه من أوضح الفساد من وجوه :
منها : أن معنى
الغسل وحقيقته يخالف في اللغة وحقيقتها معنى المسح ، لان الغسل هو اجراء الماء على
العضو المغسول والمسح هو مس العضو بالماء من غير أن يجريه عليه ، فكأنه قيل للماسح
: ند العضو بالماء ولا تسله عليه. وقيل للغاسل : لا تقتصر على هذا القدر بل أسله
على العضو وأجره.
فالمعنيان متضادان
كما تراه ، وكيف يقال : ان أحدهما هو الأخر؟ بل ولا يصح ما يقوله الفقهاء من أن
أحدهما داخل في الأخر ، لأنا قد بينا تنافي المعنيين ، وما يتنافى لا يتداخل.
ولو جاز أن يسمى
على الحقيقة الماسح غاسلا ويدعى دخول المسح في الغسل ، لوجب أن يسمى من دفق إيجاد
الكثير على بدنه وصبه عليه ورش الماء على بدنه وتقطر الماء عليه ، لان الدفق والصب يزيد
على معنى الرش والتقطير ، ويوجب أن يكون من على رأسه عمامة طويلة ، يصح أن يقال :
على رأسه تكة أو خرقة ، لان العمامة تشتمل على هذه المعاني ، وقد علمنا أن أحدا لا
يطيق ذلك ولا يجيزه.
ومنها : ان لو
سلمنا اشتراك ذلك في اللغة ، وان كان غير صحيح على ما بيناه ، لكان الشرع وعرف
أهله يمنع من ذلك ، لان أهل الشرع كلهم قد فرقوا بين المسح والغسل وخالفوا بينهما
، ولهذا جعلوا بعض أعضاء الطهارة ممسوحا وبعضها مغسولا ، وفرقوا بين قول القائل
فلان يرى أن الفرض في الرجلين المسح وبين قولهم يرى الغسل.
ومنها : أن الرءوس
إذا كانت ممسوحة المسح الذي لا يدخل في معنى الغسل
__________________
بلا خلاف بين
الأمة عطفت الأرجل عليها ، فواجب أن يكون حكمها مثل حكم الرءوس وكيفيته ، لان من
فرق بينهما مع العطف في كيفية المسح ، كمن فرق بينهما في نفس المسح ، وحكم العطف
يمنع من الأمرين.
ألا ترى أن القائل
إذا قال قوم زيدا وعمرا ، وأراد بلفظ القوم التأديب والتثقيف ، لم يجز أن يريد
بالمعطوف عليه الا هذا المعنى ، ولا يجوز أن يحمل قوم في عمرو على الصفة دون
التثقيف ، وهو معطوف على ما قاله غير هذا الحكم ..
ومنها : أن المسح
لو كان غسلا أو الغسل مسحا ، لسقط أن لا يزال مخالفونا يستدلون ويفزعون اليه من
روايتهم عنه عليهالسلام أنه توضأ وغسل رجليه ، كأنه كان لا ينكر أن يكون الغسل
المذكور انما هو مسح ، فصار تأويلهم للاية على هذا يبطل أصل مذهبهم في غسل
الرجلين.
فأما ما حكاه عن
أبي زيد فهو خطأ بما بيناه وأوضحناه والخطأ يجوز عليه.
فأما استشهاد أبي
زيد بقولهم «تمسحت للصلاة» فقد روي عنه أنه استشهد بذلك ، فالأمر بخلاف ما ظنه فيه
، لأن أهل اللسان لما أرادوا أن يخبروا عن الطهور بلفظ مختصر ، ولم يجز أن يقولوا
: «اغتسلت للصلاة» لأن في الطهارة ما ليس بغسل ، واستطالوا أن يقولوا : اغتسلت
وتمسحت ، قالوا بدلا من ذلك تمسحت للصلاة ، لأن الغسل ابتداؤه المسح في الأكثر ،
ثم يزيد عليه فيصير غسلا ، فرجحوا لهذا المعنى تمسحت على اغتسلت ، فإنه كان ذلك
منهم تجوزا وتوسعا.
وأما الآية التي
ذكرها ، فإنها لم يحسن أن يذكر كيفية الاستدلال بها ، على أن المسح قد يكون غسلا
وجودته على وجه آخر لا طائل له فيه ، وأي فائدة له في أن ضرب العلاوة يسمى مسحا أو
.. في أن المسح غسل.
والذي عن أبي زيد
من الاحتجاج بالاية على غير الوجه الذي ظنه ، لأن أبا زيد يحكى عنه أنه حمل قوله
تعالى (فَطَفِقَ مَسْحاً
بِالسُّوقِ وَالْأَعْناقِ) أنه غسل أسوقها وأعناقها بالماء ، وقد أوردنا هذه الشبهة
عن أبى زيد.
قلنا : ان أكثر
المفسرين قالوا : ان المراد غير غسل الأعناق والأسواق. بل قال أكثرهم: أنه أراد
مسح يده على أعناقها وأسوقها ، كما يفعل الإنسان ذلك فيما يستحسنه من فرش وثوب
وغير ذلك ، وقال قوم : انه أراد ضرب أعناقها وسوقها بالسيف ، وقال قوم: انه أراد
غسل سوقها وأعناقها. وحمل الآية على ما هو حقيقة من غير توسع ولا تجوز أولى.
وأما التعلق في أن
الأرجل مغسولة بالتحديد الى الكعبين ، وإجراؤها مجرى الأيدي في الغسل لأجل التحديد
، فهو شيء يتعلق به قديما الفقهاء ، وهو ضعيف جدا ، وذلك أن عطف الأرجل في حكم
المسح على الرءوس ، لانه يجب أن يكون ضعيفا من حيث كانت الأرجل محدودة إلى غاية ،
والرءوس ليس كذلك ولا يجب أن يعطف على الأيدي لأنها محدودة ، وذلك أن الأيدي بغير
شك معطوفة على الوجوه ، لها مثل حكمها من الغسل ، وألا جاز أن يعطف محدود من
الأرجل على غير محدود من الرءوس.
والذي نقوله أشبه
بتقابل الكلام وترتيبه ، لان الآية تضمنت ذكر عضو مغسول غير محدود ثم عطف عليه من
الأيدي عضوا مغسولا محدودا ، فالمقابلة تقتضي إذا ذكر عضوا ممسوحا غير محدود أن
يعطف عليه بعض ممسوح محدود بأن يعطف محدودا من ارجل على غير محدود من الرءوس ،
لتتقابل الجملتان الاولى والأخرى ، وهذا واضح جدا.
فأما الكلام الذي
طول بإيراده من تسمية الشيء بما يقارنه ، فهو إذا صح
وسلم من كل قدح
توسع من القوم وتجوز وتعد للحقيقة بغير شبهة.
وليس لنا أن نحمل
ظاهر كتاب الله على المجاز والاتساع من غير ضرورة ، وقد رضي القائلون بالمسح أن
يكون حكم من أوجب بالاية غسل الرجلين حكم من قال : ما سمعت رائحة أطيب من كذا ،
وحكم من قال : انها توجب المسح حكم القائل : ما شممت رائحة أطيب من كذا ، فما
يزيدون زيادة على ذلك.
على أن الذي حكاه
عن الأخفش من قولهم «ما سمعت رائحة أطيب من هذه» الاولى أن يكون المراد به ما سمعت
خبر رائحة أطيب من كذا وحذف اختصارا. فهذا أحسن وأليق من أن يضع سمعت وقولهم «ما
رأيت أطيب من كذا» حمله على الرؤية التي هي العلم، لان [حمل] لفظ الرؤية على معنى
مشترك أولى من حمله على ما سمعت ، لان الحمل على ما ذكرناه يفسد حقائق هذه الألفاظ
، ويقتضي خلط بعضها ببعض.
وهذه جملة كافية
فيما قصدنا ، والحمد لله رب العالمين.
|
(٣٥)
مسألة في الحسن
والقبح العقلي
|
بِسْمِ اللهِ
الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
ان سأل سائل فقال
: ألستم تزعمون أن ما كان في عقولنا حسناً فهو عند الله حسن؟ وما كان قبيحاً فهو
عند الله تعالى كذلك؟ ولا يجوز أن يكون حسن شيء هو عنده يفيده ولا قبح أمر هو عنده
بخلافه.
قلنا : الأمر
كذلك.
فان قال : أليس
الله تعالى قد قال (وَلا تَقْتُلُوا
النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِّ) وقال (النَّفْسَ
بِالنَّفْسِ) وقد أمر أن يقتل غلام زكي لم يجب عليه أن يقتل ، وقصته في
سورة الكهف ، وذلك الفعل في الظاهر كان عند موسى فظيعاً وعند الله
حسناً.
__________________
فيقال له : لما
تضمن قتل هذه النفس أمرين حسنتين ومصلحتين عظيمتين ، تناسب كل واحد من أبوي الغلام
على الايمان ، وبعدهما من الكفر والطغيان حسن قتله.
فيقول هذا السائل
: وان كان الأمر كذلك ، فليس بمدخل للغلام في وجوب قتله ، ولا كفر أبويه يلزمه
ذنباً ، وقد قال الله تعالى (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ
وِزْرَ أُخْرى) وقال (مَنْ كَفَرَ
فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ).
ألا ترون هذا
الغلام إذا قال يوم القيامة : بأي ذنب قتلت ، لم يكن ذلك ذنباً قد اكتسبه ، وقد
كان الله قادراً على إماتة هذا الغلام ، ليكون الغلام بما قضى عليه من منيته داخلا
فيما حتمه من الموت على دينه ، ويصير الموت لنفسه مرهقا ، وليس له بالاماتة أن
يقول يوم القيامة رب لم أمتني ، وله أن يقول : اني لم قتلت ولا ذنب لي.
ويجيء من هذا أن
للسلطان إذا علم أن في قتل من لم يجب قتله مصلحة ، لا بل مصالح كثيرة أن يقتله ،
وإذا علم أيضاً أن مع الإنسان ما لا يرهقه الطغيان والاستعلاء على ما هو دونه ،
والاستذلال للناس أن يأخذ ما له ، في ذلك من المصلحة ، وليس الأمر كذلك.
فدل هذا على أن
الله تعالى فاعل ما يشاء وأراد ، وليس لأحد أن يقول : لم لا؟ وكيف؟ ، ولا يعارض
ولا يعجب ، قال الله تعالى (حَتَّى إِذا رَكِبا
فِي السَّفِينَةِ خَرَقَها) وقال (حَتَّى إِذا لَقِيا
غُلاماً فَقَتَلَهُ) وقال (حَتَّى إِذا أَتَيا
أَهْلَ قَرْيَةٍ
__________________
اسْتَطْعَما
أَهْلَها) فعطف القتل على لقاء الغلام بالفاء ، ولم يدخل في خرق
السفينة على الركوب حرف عطف ، ولا في الاستطعام على إتيان أهل القرية عطفاً ، لأي
معنى دخلت الفاء في موضع دون موضع؟ فلا بد لذلك في معنى يخصه.
الجواب :
ان العلم بحسن
الحسن وقبح القبح لا يختلف بالإضافة إلى العالمين ، ولا فرق في هذا العلم بين
القديم تعالى والمحدث.
فأما موسى عليهالسلام فإنما استقبح على البديهة قتل الغلام ، لانه لم يعرف الوجه
الذي هو عليه حسن قتله وقبح تبقيته ، ولو علم ذلك لعلم حسن القتل وقبح التبقية.
وانما وجب قتل الغلام ، لأن في تبقيته على ما ذكر الله تعالى في القرآن مفسدة من
حيث علم الله تعالى أنه يدعو أبويه إلى الكفر فيجيبان له ، والمفسدة وجه قبيح ،
وليس كل وجوه وجوب القتل لاستحقاق بجناية تقدمت ، بل المفسدة وجه من وجوه القبح.
وإذا علم الله تعالى أن في التبقية مفسدة وجب القتل.
فأما ما مضى في
السؤال من أنه تعالى كان قادراً على إزالة الحياة بالموت من غير ألم ، فتزول
التبقية التي هي المفسدة من غير إدخال إيلام عليه بالقتل. فالجواب عنه من وجهين :
أحدهما : أن يكون
الله تعالى علم أن أبويه لا يثبتان على الايمان ويعدلان عن الكفر، الا بأن يقتل
هذا الغلام ، فيكون هذا وجه وجوب القتل خاصة دون غيره.
والوجه الأخر : ان
التبقية إذا كانت هي المفسدة ، والله تعالى مخير في
__________________
إزالتها باتضاد
الحياة بالموت من غير المراد بالقتل أيضا ، لأن القتل وان كان فيه ألم يلحق
المقتول ، فبازاء ذلك الا لم أعواض عظيمة يوازي الانتفاع بها المضرة بالقتل ،
ويزيد عليه أضعاف مضاعفة ، فيصير القتل بالاعواض المستحقة عليه ، كأنه ليس بألم بل
هو نفع وإحسان ، ويجري ذلك مجرى من علم الله تعالى أنه يؤمن ان فعل به ألماً ، كما
يؤمن إذا فعل به ما ليس بألم.
فالمذهب الصحيح
أنه تعالى مخير في استصلاح هذا المكلف ، وفعل ما هو لطف له في الايمان ، بين فعل
إلا لأم وفعل ما ليس بألم ، وان كان قد ذهب قوم إلى أنه تعالى والحال هذه لا يفعل
به الا ما ليس بألم ، وأخطأوا.
وقد بينا الكلام
في هذه المسألة واستقصيناه في مواضع من كتبنا.
فأما الزامنا أن
يكون السلطان متى علم أن في قتل بعض الناس مصلحة أن يقتله ، وكذلك في أخذ المال.
فغير لازم ، لأن أحداً منا لا يجوز أن يعلم قطعاً المصلحة والمفسدة وانما يظن ذلك
والله تعالى يعلمه. ثم ان الله تعالى إذا قتل من ذكرنا حاله أو يأمر بقتله ، لضمن
إيصاله إلى الاعواض الزائدة النفع على ما دخل عليه من ضرر القتل ، لانه عالم بذلك
وقادر على إيصاله. وأحدنا لا يعلم ذلك ولا يقدر أيضا على إيصاله ، فصادقت حالنا في
هذه المسألة حال القديم تعالى.
وأما دخول الفاء
في قوله تعالى (حَتَّى إِذا لَقِيا
غُلاماً فَقَتَلَهُ) وسقوطها من قوله تعالى (حَتَّى إِذا رَكِبا
فِي السَّفِينَةِ خَرَقَها) ومن قوله (حَتَّى إِذا أَتَيا
أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَما أَهْلَها) فقد قيل : ان الوجه فيه أن اللقاء لما كان سبباً للقتل
أدخلت الفاء اشعاراً بذلك ، ولما لم يكن في السفينة الركوب سبباً للخرق ولا إتيان
القرية سبباً للاستطعام لم يدخل الفاء ، وهذا وجه صحيح.
|
(٣٥)
مسألة في المسح على
الخفين
|
مسألة وردت من خراسان
[في المسح على الخفين]
الشيعة الإمامية
تنكر المسح على الخفين ، وخالف فقهاء العامة في ذلك فأجازوا المسح عليهما ، أو
فرقوا بين رخصة المقيم فيه والمسافر ، الا ما روي عن مالك ، فإنه كان يبطل التوقيت
في مسح الخفين ، فلا يضرب له غاية.
وقد حكى بعض
أصحابه عنه أنه كان يضعف المسح على الخفين على الجملة.
الجواب :
والذي يدل على صحة
مذهبنا في بطلان المسح على الخفين قوله تعالى (يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ
وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى
الْكَعْبَيْنِ) فأمر بغسل ومسح أعضاء
__________________
مخصوصة بأسماء لها
مخصوصة.
وقد علمنا أن الخف
غير متطهر ولا فمثل الحكم الآية تدل على مسح الرجل والخف لا يستحق هذه
التسمية.
فإن قيل : قد تسمى
الخف رجلا في بعض المواضع ، لأنهم يقولون وطأته برجلي وان كان فيه خف.
قلنا : هذا مجاز
والمجاز لا يقاس عليه ، ولا يترك ظاهر الكتاب له ، والكلام محمول على حقيقته
وظاهره ، الا إذا دل دليل على العدول عن الظاهر ، ولا نعرف هاهنا دليلا غير الظاهر
يعدل اليه فيعد .
فيجوز أن يريدوا
بقولهم «وطأته برجلي» أي اعتمدت بها اعتمادا أفضى ذلك الى ذلك الجسم الذي قيل انه
موطوء ، والاعتماد بالرجل التي عليها خف إنما يبتدأ من الرجل في الحقيقة ، ثم
ينتهي إلى الخف الى ما جاوره وماسة.
فإن قيل : فمن أين
لكم وجه الآية الى كل محدث ، وما ينكرون أن يكون خاصة في غير لابس الخف خارجا عنه.
قلنا : قد أجمع
المسلمون على أن آية الطهارة متوجهة الى كل محدث يجد الماء ، ولا يتعذر عليه
استعماله. ولا فرق في ذلك بين لابس الخف وغيره ، على أن من جعلها خاصة لا بد له من
ترك الظاهر ، لانه تعالى قال (يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا) فعم بخطابه جميع المؤمنين، ولابسوا الخفاف من المحدثين
يتناولهم هذا
__________________
الاسم.
ويدل على ذلك أيضا
أن النبي صلىاللهعليهوآله توضأ مرة مرة وطهر رجليه ، اما بالمسح على روايتهم ، وقال : هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة
إلا به.
وقد علمنا أن
المسح على الخفين يخالف ذلك الوضوء الذي بينه النبي صلىاللهعليهوآله وقال : انه لا يقبل الصلاة إلا به.
فكذلك ماسح الخف ،
لأن النبي صلىاللهعليهوآله أشار الى وضوء بالماء له كيفية وقع في أعضاء مخصوصة بين أن
الصلاة لا تقبل الا بها. فالظاهر من كلامه أن كل ما يسمى وضوءا متى لم يجعل على
تلك الصفة والكيفية ، فالصلاة به غير مقبولة ، والتيمم ليس بوضوء. ولا خلاف أن
وضوء الماسح على خفيه كوضوء غاسل رجليه أو ماسحهما في أن العموم يتناوله.
ويدل أيضا على
إنكار المسح على الخفين إجماع الإمامية ، وهي عندنا الفرقة المحقة التي في جملتها
الامام المعصوم وقولها حجة لا يجوز العدول عنه.
__________________
|
(٣٧)
مسألة في خلق
الافعال
|
بسم الله الرّحمن
الرّحيم
اعلم أن الافعال
التي تظهر في أجسام العباد على ضربين :
أحدهما : أجمع
المسلمون على أنه فعل الله تعالى لا صفة للعبد فيه ، مثل ألواننا وهيئاتنا وطولنا
وقصرنا وسمننا وهزالنا وحركة عروقنا.
والضرب الأخر :
مثل قيامنا وقعودنا وحركتنا وسكوننا وأكلنا وشربنا وما أشبه ذلك من تصرفنا. واختلف
الناس في ذلك :
فقال أهل الحق :
كل هذا التصرف فعل العباد انفرودا به لا صنع لله تعالى فيه وان كان هو المقدور لهم
عليه.
وقالت المجبرة :
هذا الضرب أيضاً من فعل الله تعالى ، وذهبوا الى أن جميع الأفعال التي تظهر في
العالم الله تعالى أوجدها وفعلها ولا فاعل سواه ،
__________________
وأنه لا فعل للعبد
من طاعة ولا معصية ولا خير ولا شر.
والذي يدل على أن
العباد يفعلون ويوجدون بخلافه ما ذهب إليه المجبرة انا وجدنا من الأفعال الظاهرة فيها ما
يصح بحسب تصورهم ودواعيهم وأحوالهم ويرتفع بحسب صوارفهم وكراهتهم وأحوالهم.
ألا ترى أن أحدنا [إذا]
قصد إلى الأكل وأراد وعزم عليه ، وقع منه إذا كان صحيحاً غير ممنوع. وقد يقصد غيره
إلى الأكل ، فلا يجب أن يأكل هو وكذلك متى جاع واحتاج الى الطعام وحضر الطعام ،
أكل إذا كان على ذلك قادراً غير ممنوع. ولا يجب أن يأكل هو متى جاع غيره فلو لا
أنه محدث الأكل وموجدة ما تعلق بقصده وداعيه وحاجته ، ويجرى مجرى أكل غيره ، لما
لم يكن فاعلا له لم يقصد تصوره وحاجاته.
ولو لا أن هذه
الأفعال التي أشير إليها أفعالنا ، لم يجب أن يقع بحسب حاجاتنا وأحوالنا ويقف على
دواعينا ، كما لم يجب ذلك في ألواننا وهيئاتنا وحركة عروقنا.
ألا ترى أن أحدنا [يريد
أن يكون على هيئة ، فيجب على خلافها و ] يريد أن يكون على هيئة ، فيجد نفسه على خلافها. ويريد أن
يكون طويلا وهو قصير وشاباً وهو شيخ ، وصحيحاً وهو مريض. فلو كان القيام والقعود
مثل الطول والهرم والصحة والمرض ، لكانت أحكام الجميع واحدة في الحصول بحسب
دواعينا [أو خلاف ذلك ] فلما اختلف حكم الجميع علمنا اختلاف حكمها في الإضافة
إلينا.
__________________
دليل آخر : ومما يدل أيضاً على ذلك أن الله تعالى قد أمر العباد بأفعال كثيرة ،
كالايمان والطاعة من الصلاة والصوم وسائر العبادات ، فلو لا أن هذه الافعال لهم
وواقعة من جهتهم وليست بأفعال الله تعالى ، لما جاز أن یؤمرا
بها.
ألا ترى أنه لا يحسن أن يأمره بطوله
وقصره ولا اسوداده ولا بياضه ، لما لم يكن ذلك أيضاً فعلاله. والقول في دلالة
النهي كالقول في دلالة الأمر ، لان الله تعالى قد نهاهم عن المعاصي والكفر وضروب
القبائح ، ولا يجوز أن ينهاهم عن فعله تعالى وعما ليس بفعل لهم.
دليل آخر : ويدل أيضاً على ذلك ، أنا وجدنا العباد يحمدون ببعض الأفعال التي يظهر
منهم ، ويذمون ببعض آخر. ألا ترى أنهم يمدحون بفعل الطاعات وأداء الواجبات ،
يمدحون على الإحسان والانعام والإفضال ، ويذمون بالمعاصي والقبائح.
فلو لا لا أن ذلك
من أفعالهم لما توجه إليهم مدح ولا ذم ، كما لا يحسن ان يمدحوا ويذموا بألوانهم
وهيئاتهم وخلقهم ، ولا على ما يقع من غيرهم من الافعال.
دليل آخر : ويدل على بطلان قول المجبرة في إضافتهم جميع الأفعال الى الله تعالى ، أن
أفعال العباد ما هو كفر وظلم وقبيح وكذب ، فلو كان الله تعالى هو الفاعل لذلك ،
لوجب أن يكون من حيث فعل الظلم ظالماً ، وبفعل الكفر كاذباً ، وبفعل القبيح مقبحاً. لأن اللغة تقتضي هذا الاشتقاق
للفاعل.
ألا ترى أنه تعالى
من حيث فعل العدل يسمى عادلا ، وبفعل الإحسان والانعام يستحق محسناً أو منعماً.
ولا وجه لتسميته بأنه منعم وعادل الا أنه فعل هذه الافعال
__________________
فلو كان فاعلا لما
سواها لاشتق له منها اسم الفاعل على ما ذكرناه.
واجتمعت الأمة على
أنه تعالى لا يستحق الوصف بأنه ظالم ولا كاذب ولا كافر ، [و] أن من وصفه بذلك
وسماه به كان خارجاً عن الدين ، وإجماع المسلمين حجة ان ينفي كونه فاعلا لما يوجب
هذا الاشتقاق ويقتضيه.
دليل آخر : ومما يدل أيضا على ذلك وان كان معناه داخلا فيما تقدم أن الأمة
مجمعة على أن الله تعالى يثبت المؤمنين ويعاقب الكافرين ، فلو لا أن الايمان
والكفر من فعل المؤمن والكافر ، لم يحسن الثواب ولا القبيح ، لانه قبيح أن يثاب أو
يعاقب أحد.
ألا ترى أن أحدنا
لو فعل في عبده فعلا من الافعال ، لما حسن أن يعاقبه عليه ويؤاخذه به ، ومن فعل
ذلك عد ظالماً سفيهاً.
دليل آخر : ويدل على ذلك أنه تعالى لو فعل الظلم والكذب وسائر القبائح ، لم يكن ذلك
منه قبيحاً على ما يقوله مخالفونا ، لانه لأنا من أن يقع منه تصديق الكذابين ، وان
لم يكن ذلك منه قبيحاً ، لانه لأنا من أن يفعل بعض القبائح ، لما لم نأمن أن
يفعل سائرها. وإذا أجزنا منه تعالى البعض ، جاز الكل ، وهذا يبطل الثقة بصدق
الأنبياء عليهمالسلام ويقتضي الشك في جميع الشرائع والخروج من دين الإسلام ، بل
من سائر الأديان.
دليل آخر : ويدل على ما ذكرنا أن القول بأن الله تعالى هو الفاعل للأفعال
الظاهرة من العباد ، يقتضي أنه لا نعمة له تعالى على الكافر ، وإذا لم تكن له عليه
نعمة ، لم تجب عبادته على الكافر ، لأن العبادة كيفية في الشكر فإنما يجب بالنعم
العظيمة ، ومن لا نعمة له فلا شكر يستحقه ولا عبادة.
__________________
وانما أنه لا نعمة
له على الكافر ، لانه خلق على مذاهبهم فيه الكفر الذي يستحق به الخلود في النار
والعقاب الدائم ، فهو بأن يكون مسيئاً إليه أولى من أن يكون منعماً عليه.
وليس لهم أن
يقولوا أن له عليه نعمة دنياوية ، كخلق الحياة فيه والشهوات المؤدية إلى ضروب
اللذات والمنافع العاجلة ، وذلك أن خلق الحياة والشهوة إذا كان الغرض الاستدراج
الى الكفر لم يكن نعمة ، وانما يكون نعمة إذا كان الغرض فيه النفع ، ويجري مجرى من
سمن عنزة وغذاه بضروب الأطعمة الملذة ليأكله في أنه لا يكون منعماً عليه بذلك وأن
النفع به في العاجل.
وأيضاً فلو سلم أن
ذلك نفع لما عادل ولا قارب الاستقراء والعقاب والخلود في النيران المضرمة ، فلا
يستحق عليه شيء من الشكر والحال هذه ، ويكون وجوده كعدمه ، ويجري مجرى من نقص
ثواباً عن ثواب غيره وابتسم في وجهه ، ثم قرن ذلك بقتل أولاده وأحبائه وأخذ أمواله
وانتهاك حرمه ، في أنه لا يستحق منه شكراً.
وإذا تأملنا
القرآن وجدنا أكثره دالا على أن العباد يفعلون ويعملون ، وأنهم انما يجازون بثواب
أو عقاب على أفعالهم ، لا على أفعال غيرهم فيهم ، فيقول تعالى (جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) وفي مواضع أخر (يَصْنَعُونَ) و (يَفْعَلُونَ) و (يَكْسِبُونَ) ، فلو كانت الافعال كلها له بطلت هذه الإضافات إلينا وكانت
كذباً.
__________________
ويدل أيضاً على ما
ذكرناه قوله تعالى (ما أَصابَكَ مِنْ
حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ) وهذا صريح بأن السيئة منا لا منه.
وليس لهم أن
يقولوا في الحسنات والطاعات ، وهي عندكم فعل العباد ، فكيف أضافها الله تعالى الى
نفسه. لأن الطاعة وان كانت من فعلنا ، فقد يصح أن يضيفها الله من حيث التمكين فيها
والتعريض لها والدعاء إليها فيها ، وهذه أمور تحسن هذه الإضافة. ولا يجوز ذلك في
السيئة ، لأنه تعالى نهى عنها ومنع من فعلها وفعل كل شيء يصرف عن فعلها.
فأما قوله تعالى (وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا
هذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللهِ) فلا يعارض ما ذكرناه ، لان المراد بالسيئة هاهنا الأمراض
والمصائب والقحط ، لان قريشاً كانت إذا نزل بها خصب وخفض قالوا : هذا من عند الله
، وإذا نزل بهم شدة ومجاعة قالوا : هذا شؤم محمد حاشا له من ذلك فبين تعالى أن ذلك
من الله تعالى.
وقوله تعالى (وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ
أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتابِ وَما هُوَ مِنَ
الْكِتابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَما هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ
وَيَقُولُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) ولو كان من خلق الله لكان من عنده على آكد الوجوه.
وقوله تعالى (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ
إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) يدل على صحة ما نذهب اليه من وجهين
__________________
أحدهما : أنه
تعالى أضاف العبادة إليهم ، فلو كانت مخلوقة فيهم لاضافها اليه تعالى لا إليهم.
ومن الوجه الأخر :
أن هذا القول يقتضي أن غرضه في خلقهم أن يعبدوه ، لان اللام في قوله تعالى (لِيَعْبُدُونِ) هي لام الغرض ، بدلالة قولهم جئتك لتكرمني وقصدتك لتنفعني
أي غرضي في قصدك الإكرام والنفع.
وليس يجري هذا
الكلام مجرى قوله (وَلَقَدْ ذَرَأْنا
لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ) لأن تلك اللام لام عاقبة ، وجارية مجرى قوله تعالى (فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ
لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً) ونحن نعلم أنهم انما التقطوه ليكون لهم صديقاً سئا ، وأخبر أن العاقبة لما كانت هي العداوة أدخلت هذه اللام
فيه ، ويجري ذلك مجرى قول الشاعر :
فللموت تغذو الوالدات سخالها
|
|
كما لخراب الدهر تبنى المساكن
|
وقوله :
لدوا للموت وابنوا
للخراب
ولا يجوز أن يكون
اللام في قوله «ليعبدون» لام عاقبة لا لام غرض ، لانه لو كانت كذلك لكانت العبادة
شاملة للجن والانس وواقعة من جميعهم ، إذ كانت اللام منبئة عن عاقبتهم. ومعلوم أن
في الجن والانس كثيراً من لا يعبد الله ويجحده ولم يقر به ، فعلمنا أنه لام غرض.
فان قالوا : كيف
يجوز أن يقع من العباد ما لم يقضه الله تعالى والمسلمون
__________________
يأبون ذلك ويطلقون
أنه لا يخرج من قضاء الله شيء.
قلنا : القضاء في
لغة العربية على وجوه :
أحدها : أن يكون
بمعنى الاعلام العلم ، كقوله تعالى (وَقَضَيْنا إِلى
بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ
وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيراً) وانما أراد الله تعالى الاعلام بغير شبهة.
فعلى هذا الوجه لا
يخرج شيء من قضاء الله ، كما لا يخرج من معلومه ، وأنت إذا وصفت على من أطلق من
أهل الحمد والسلامة لم يقسر إلا بالعلم دون غيره.
وقد يكون القضاء
بمعنى الأمر ، قال الله تعالى (وَقَضى رَبُّكَ
أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ) ومعلوم عند جميع المسلمين أن المعاصي والكفر ليسا مما أمر
الله تعالى ، بل نهى عنه وحذر وزجر. وأحد من المسلمين لا يقول ان الله تعالى أمر
بالمعاصي والقبائح. ولا شبهة في أن الله تعالى ما قضى بجميع الكائنات على هذا
الوجه ، لانه تعالى ما أمر بجميعها.
ومن وجوه القضاء
الحكم والإلزام ، من قولهم «قضى وبكذا وكذا» إذا ألزمه ، ومعلوم أن الله تعالى ما
حكم بالظلم ولا ألزمه. وهذا الوجه غير عام من وجوه القضاء هو العلم.
فان قيل : كيف
يجوز أن يكون العبد فاعلا والله فاعل ، وهذا يقتضي الشركة.
قلنا : العبد وان
كان فاعلا ، فبأقدار الله تعالى على الافعال وتمكينه منه ،
__________________
وفعله تعالى فيه
القدرة والآلات وجميع ما يحتاج إليه في الافعال ، والله تعالى قادر على أفعاله
بنفسه من غير مقدور ولا ممكن بلا تشابه. ولو وجب بهذا القدر التشابه ، لوجب
إذا كان أحدنا موجوداً وحياً وعالماً ، وكان الله تعالى بهذه الصفات أن يكون
متشبهاً ونظيراً. تعالى الله عن ذلك.
وإذا فرقوا بين
الأمرين بما يرجع الى كيفية استحقاق أحدنا لهذه الصفات وأنه يخالف كيفية استحقاقه
تعالى لها ، رجعنا الى مثل ذلك في كون أحدنا صرفا رقته لكونه تعالى.
وهذه جملة كافية
إن شاء الله ، والحمد لله رب العالمين.
__________________
بسم الله الرحمن
الرحيم
ان قال قائل : إذا كنتم تعتمدون في حال الأحكام الشرعية جمهورها بأنه
الصحيح وما عداه باطل على إجماع الشيعة الإمامية الذين تدعون أنه لا يكون الا حقا
، من حيث كان قول الامام المعصوم من جملته ، فلا بد لكم من أن تقطعوا على أنه ما
في بر وبحر وسهل وجبل من يقول بخلافه ، لأنكم متى جوزتم أن يكون في الإمامية من
يخالف في ذلك ولو كان واحدا ، جاز أن يكون هو الامام فلا تحصل الثقة بذلك القول
الشائع الذائع ، لتجويز ان يكون قول من هو الحجة في الحقيقة خارجا عنه.
وإذا كنتم انما
تعتمدون في العلم بالغائبات عن إدراكهم من الأمور على النقل ، وتقولون : انه لو كان لعالم من
علماء الإمامية مذهب في الشريعة بخلاف
__________________
ما عرفناه وسطرناه
لذكر ونقل ، فإذا فقدنا النقل والعلم علمنا نفي ذلك ، وهذا انما يتميز في الأمر
الذي إذا كان وجب ظهوره وجب نقله ، لأن أحدا من العلماء لا يقول في كل شيء وقع أنه
لا بد من العلم به ونقله ، وانما يقال ذلك في أشياء مخصوصة.
ويلزم على هذا أن
يقال لكم : جوزوا فيما ادعيتم انه إجماع الإمامية ، أن يكون في أقاصي الصين واحد
في الإمامية يخالف في ذلك ، وان لم ينقل إلينا في الاخبار.
ومع تجويز ذلك سقط
التعويل على إجماع الإمامية ، والقطع على أنه ليس بحجة ، لأنه يجوز أن يكون ذلك
الذي جوزنا قوله بخلاف أقوال الإمامية هو الامام نفسه ، فلم يثق بمن عداه.
الجواب :
انا قد بينا في
جواب مسائل ابن التبان ما إذا تأمل كان فيه جواب عن هذه الشبهة ، واستوفينا بيان
الطريق الى القطع على ثبوت إجماع الإمامية ، وأن قول إمامهم في جملة أقوالهم،
وانتهينا في ذلك الى غاية لا مزيد عليها ، غير أنا نقول هاهنا :
ليس يخلو السائل
عن هذه المسألة من أن يكون بكلامه هذا طاعنا في إجماع المسلمين وغيرهم ، وشاكا في
كل ما يدعى من اتفاق شيء ، فان كان الأول فالطعن الذي أورده لازم فيما عداه.
لأن لقائل أن يقول
: كيف تقطع في بعض المسائل أن المسلمين أجمعوا فيها على قول واحد وأجمعوا على أحد
قولين لا ثالث لهما ، مع التجويز لان
يكون ببلاد الصين
من يخالف في ذلك وأخباره غير متصلة.
وكذلك القول فيما
يدعى من إجماع أهل العراق وأهل الحجاز على مسألة ، لأن هذا الطعن يؤثر في ذلك كله
ويقتضي في جميعه ، ويوجب أيضا أن لا يقطع على أن أهل العربية أجمعوا على شيء منها
لهذه العلة ، ولا نأمن أن يكون في أقاصي البلاد من يخالف في أن إعراب الفاعل الرفع
والمفعول به النصب ، وفي كل شيء ادعيناه إجماعا لأهل العربية.
وان كان السائل
شاكا في الجميع وطاعنا في كل إجماع ، لكفى بهذا القول فحشا وشناعة وبعدا عن الحق
ولحوق قائله بأهل الجهالات من السمنية ومنكري الاخبار ، من حيث ظنوا أن الشك في
مذهب رأية على المعروف يجري مجرى الشك في تلك زائد على المقبول المشهور
وخادمه عما نقل وسطر ، وهذا لا يلزم ، لان القول الذي إذا كان لم يجب نقله إلينا.
فكمالا نقطع على
حوادث أقاصي الصين ، ولا نعلم تفاصيل قولها وبلدانها وانما نحكي عنهم إذا كان
العلم بالغائبات كلها ، وأن الاخبار لا يقضي علما وبهم يقينا ، فلزمهم الشك في
الحوادث الكبار والبلدان العظام وكل أمر يوجب العادة نقله وتواتر الاخبار به
والقطع عليه .. عن الشبهة عن هذا التجويز والتقدير ، ان لنا معاشر الإمامية جوابا
يختص به ، ولمن يدعى الإجماع من مخالفينا جوابا عنه يخصهم ، ونحن نبين الجميع.
أما قول الإمامي
الذي فرضنا أنه في أقاصي البلاد وبحيث لا يتصل بنا أخباره فليس يخلو هذا الإمامي
من أن يكون هو امام الزمان نفسه ، أو يكون غيره. فان كان غيره ، فلا يضر فقد العلم
بخلافه ، لأن قول الإمام الذي هو الحجة فيما عداه من الأقوال.
__________________
وان كان هو الامام
نفسه ، فلا يجوز من الامام وقوله الحجة في أحكام الشريعة أن يخلي سائر المكلفين من
معرفة قوله ، وأن يسلبهم الطريق إلى إصابة الحق الذي لا يوجد إلا في مذهبه ، ويجب
عليه إظهار قوله لكل مكلف حتى يتساوى من العلم به سماعا وإدراكا ومنقولا من جهة
الخبر كل من يلزمه ذلك الحكم ولهذا القول ، متى علم الامام أن شيئا من الشرع قد
انقطع نقله ، وجب عليه أن يظهر لبيانه ، ولا يسع له حينئذ التقية.
ولا فرق بين أن
يخفى قوله وهو الحجة عن كثير من أهل التكليف حتى لا يكون لهم اليه طريق ، وبين أن
يرتفع عن الجميع. فلا بد على هذا التقدير أن يوصل الامام قوله في الحوادث كلها الى
كل مكلف ، ولا يجوز أن يختص بذلك بعض المكلفين دون بعض.
فقد برئنا من عهدة
هذه الشبهة ، وصح لنا القطع على إجماع الإمامية والاحتجاج به، ولم يضر أن يكون
للإمامي قول يخالف ما نحن فيه ، إذا فرضنا بعد مكانه وانقطاع الاخبار بيننا وبينه.
فأما الجواب عن
هذه الشبهة التي يختص بها مخالفونا في الإمامة ، مع تعويلهم على الإجماع والاحتجاج
به وحاجتهم الى بيان طريق يوصل اليه ، فهو أن يقولوا : قد علمنا على الجملة ان
الإجماع حجة في الشريعة ، وأمرنا الله تعالى في كتابه وسنة نبيه عليهالسلام بأن نعول عليه ونحتج به ونرجع اليه.
فكل طعن قدح في
العلم به وشك في إساره ، لا يجب الالتفات إليه ، لأن الله تعالى لا يوجب علينا
الاجتماع بما لا طريق اليه والتعويل على ما لا يصح إقراره وثبوته فان كان قول
لقائل ، لم يجب إيصاله بنا ولا نقله إلينا ، إما لبعد مسافة ، أو
__________________
لغير ذلك ، فهو
خارج عن الأقوال المعتبرة في الإجماع.
وانما تعبدنا في
الإجماع بما يصح أن نعلمه ولنا طريق اليه ، وما خرج عن ذلك وما عداه فلا حكم له
ووجوده كعدمه ، فنحن بين احالة القول يخالف ما عرفناه ورويناه واستقر وظهر ، وبين
اجازة لذلك لا يضر في الاحتجاج بالإجماع إذا كان التعويل فيه انما هو على ما الى
العلم به طريق وعليه دليل ، دون ما ليس هذه سبيله.
|
(٣٩)
مسألة في علة خذلان
أهل البيت «ع» وعدم نصرتهم
|
بسم الله الرّحمن
الرّحيم
قال الأجل المرتضى
علم الهدى ذو المجدين (رضي الله عنه) :
ان سأل سائل فقال
: إذا كنتم تزعمون أن علياً والحسن والحسين والتسعة من ولد الحسين عليهمالسلام صفوة الله بعد نبيه وحجته على خلقه وأميناً على دينه ، فلم
تمكن من قتلهم وظلمهم وأسلمهم وخذلهم ، ولا ينصرهم على أعدائهم ، حتى قتلوا بأنواع
القتل؟ وظلموا بأفانين الظلم؟
قيل له : هذا سؤال
الملحدة في نفي الربوبية وقبح العبادة ، وسؤال البراهمة في نفي النبوة وإبطال
الرسالة.
أما الملحدة فنقول
: لو كان للعالم خالق خلقه ومحدث أحدثه وابتدعه ، لم يمكن من جحده ومن عصاه ممن
أطاعه ولمنعهم من قتلهم ولنصرهم ولم يسلمهم ، فإذا رأينا من يستمسك بطاعته
والإقرار بربوبيته ، مخذولا ولا غير
منظور ، وذليلا
غير عزيز ، ومظلوماً مستضاماً ، ومقتولا مستهاناً ، علمنا أنه لا خالق لهم يمنع
منهم ، ولا محدث يدفع عنهم.
وأما البراهمة
فنقول مثل ذلك في الأنبياء عليهمالسلام.
قيل : وما بالهم
من أمرهم وجد بهم من أعدائهم حرفاً بحرف ، ومن كان ملحداً أو برهمياً فلا يسأل عن
الأئمة وخلفاء الأنبياء ، فالرسل دون الأنبياء والرسل وسائر المؤمنين لأن الكل
عنده فيما يلحقهم وينزل بهم سواء.
فان زعم هذا
السائل أن يكون ملحداً أو برهمياً فلا يسأل الشيعة دون غيرهم من المقرين بالربوبية
المثبتين للنبوة والرسالة ، ولا يخص الأئمة دون الأنبياء والرسل والمؤمنين لم
يلزمه جواب الشيعة دون غيرهم ممن أقر بالربوبية وأثبت النبوة والرسالة ولم يكن
لتخصيصه السؤال على الأئمة وجه ولا فائدة.
وان تبرأ من
الملحدة وانتفى من البراهمة وأقر بالربوبية وصدق بالنبوة والرسالة ، قيل له :
فخبرنا عن أنبيائه ورسله وأتباعهم من المؤمنين ، لما مكن الله تعالى من قتلهم
وظلمهم ، ولما خذلهم ، ولم ينصرهم حتى قتلوا وظلموا.
فإن أجاب إلى
الإقرار بذلك والتصريح بأن الله تعالى مكن أعداءه من الكفار والمشركين من قتل
أنبيائه ورسله وأهاليهم ، ولم ينصرهم بل نصر أعداءهم عليهم. فارق بهذا الإقرار
بذلك والتصريح بأن الله بأن الله تعالى مكن أعداءه من الكفار والمشركين من قتل
أنبيائه ورسله وأهاليهم ، ولم ينصرهم بل نصر أعداءهم عليهم. فارق بهذا الإقرار
والتصريح ظاهر كتاب الله تعالى ، إذ يقول (إِنَّا لَنَنْصُرُ
رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا).
وفارق إجماع الأمة
، بل كل من أقر بالنبوة [لا] يقدم على القول بأن الله
__________________
تعالى خذل أنبياءه
ونصر أعداءه ، بل الكل قائل بأن الله تعالى ناصر بأنبيائه وأوليائه ومانع عنهم
وخاذل لعدوهم.
وان امتنع الإقرار
بذلك والتصريح به وقال : انهم مع قتلهم والظلم لهم منصورون مؤيدون.
قيل لهم : أفليس
قد ثبت بهذا الإقرار منك أن القتل والظلم لا يوجب القول بأن الله مكن من قتل
أنبيائه ، وأنه خذل رسله ولم ينصرهم ، وان قتلهم أعداؤهم وظلموهم.
فإذا قال : نعم.
قيل : فهلا سوغت
مثل ذلك فيما جرى على الأئمة عليهمالسلام من القتل والظلم ، وأنه غير مبني عن التمكين منهم والخذلان
لهم ، وجعلت ما نالهم من القتل والظلم من أعدائهم كالذي نال الأنبياء والرسل من
أعدائهم في أنه غير موجب للتمكين منهم والخذلان لهم.
فان قال : من
ذكرتموه من الأنبياء والرسل لما قتلوا أو ظلموا أهلك الله قاتلهم واستأصل ظالمهم ،
فعلم بذلك أنه غير متمكن منه وخاذل لهم.
قيل له : أول ما
يسقط ما ذكرته أنه تعالى لم يهلك جميع من قتل الأنبياء ، ولا استأصل ظالمهم ، فعلم
بذلك أنه غير متمكن منه وخاذل لهم.
قيل له : أول ما
يسقط ما ذكرته أنه تعالى لم يهلك جميع من قتل الأنبياء ، ولا استأصل كل من ظلمهم ،
بل الذي أهلك منهم قليل من كثير ، لانه لو أثر ذلك لكان ملجئاً ، ولبطل التكليف
الذي أو كد شروطه التخيير ، وتردد الدواعي المنافي للإلجاء.
وأيضاً فإن الهلاك
والاستيصال لمن أهلكه استأصله ليس يمنع من قتل الأنبياء عن قتلهم ، ولا حيلولة
بينهم وبين من ظلمهم ، وكيف يكون الهلاك المتأخر عن القتل والظلم منعاً مما تقدم
وجوده وحيلولة بينه وبينه ، والمنع
والحيلولة من حقهما
ان يستحيل لمكانهما ووجود ما هما مانع وحيلولة منه. وبهذا الحكم
ينفصل مما ليس بمنع ولا حيلولة ، وانما لمن هو حل بالهلاك والاستيصال بعض ما
يستحقه من العقاب على وجه يقتضيه المصلحة ولا ينافي التكليف ، فأما أن يكون منعاً
وحيلولة فلا ، وجرى في ذلك مجرى الحدود من أنها تقدم بعض المستحق للمصلحة ، والردع
الذي يختلف بحسب المكلفين دواعيهم وصوارفهم.
على أن هذا السائل
يجب عليه ان يكف عن إطلاق ما ألزمناه فيمن عوجل قاتله وظالمه من الأنبياء والرسل
والمؤمنين ، ويصرح بهم فيما لم يعاجل قاتله وظالمه منهم ، بأن الله تعالى خذله أو
سلمه ، ولا فرق بين الكل والبعض في ذلك ، وأن التصريح به خروج عن الإسلام.
على أن الله تعالى
لم يستأصل من ظلم خير أنبيائه وأشرف رسله محمداً صلىاللهعليهوآله ، فيجب أن يكون تعالى قد خذله ولم ينصره وأسلمه ولم يمنع
منه ، وإطلاق ذلك من أقبح الكفر وأعظم الفرية على الله جل اسمه.
فبان بما ذكرناه
أن ما سأل عنه غير متوجه إلى الشيعة ويختص بأعينهم ، بل هو سؤال الملحدة والبراهمة
لكل من أقر بالربوبية وصدق بالنبوة والرسالة وهذه عادة من خالفهم في استعارة ما
يسأل عنه الملحدة ومن فارق الإسلام والملة إذا أرادوا سؤالهم.
فإن قال قائل :
فلم لم يعاجل بالعقاب من قتل أئمتكم وعترة نبيكم ، كما عاجل من تقدم.
قيل له : هذا
أيضاً سؤال لا يتوجه إلى الشيعة دون من خالفهم من فرق الأمة ،
__________________
لأن رسول الله صلىاللهعليهوآله قد ظلم بأنواع الظلم من اخافة وسب وحصر وقتل أقاربه ،
والتنكيل بعمه حمزة عليهالسلام بعد القتل ، وما تخصه في نفسه من ادماء جبينه وكسر رباعيته
، الى غير ذلك من الأمور التي جرت عليه وعلى أقاربه وأصحابه ، ولم يعاجل أحد منهم
بالعقاب.
وقد عوجل عاقر
ناقة صالح مع أن قدرها وقدر كل حيوان غير مكلف لا يوازن عند الله قدر أقل المؤمنين
ثواباً.
فأي جواب أجاب به
جميع المسلمين عما نال رسول الله صلىاللهعليهوآله ونال أقاربه وأصحابه ولم يعاجل من نال منه ومنهم؟ فهو جواب
الشيعة عن سؤال من يسألهم عن أئمتهم وقرة عينهم وما نالهم من القتل والظلم.
فان قال : فما
الجواب لمن يسأل عما نال رسول الله صلىاللهعليهوآله وأقاربه وأصحابه وما نال خلفاءه من بعده وعترته وهي
المعاجلة بالعقاب؟
قيل له : الجواب
عن ذلك أن الله تعالى خص نبينا بأمور شرفه بها وكرمه على سائر من تقدم من الأنبياء
والرسل ، من جملتها أمان أمته إلى قيام الساعة من المعاجلة بالهلاك والعقاب ، وهذا
معلوم من دعوته كما نعلم إكرامه بالشفاعة والحوض والمقام المحمود واللواء ، وانه
أول من ينشق عنه الأرض ، وتأييد شرعه ورفع النبوة بعده.
وبمثل هذا أجيب
ابن الراوندي وغيره من الملحدة (خذلهم الله) لما سألوا عن قوله تعالى (وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ
إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ) فالآيات هاهنا الاعلام والمعجزات.
قالوا : وهذا
القول ينبئ عن المناقضة أو السهو ، لان تكذيب من تقدم لا
__________________
يمنع من قيام
الحجة علينا والازاحة لعلمنا ، فكيف يعلل بالمنع لنا بما يخش وتكلفنا بأن غيرنا
كذب ولم يصدق وخالف ولم يجب ، وهذا بعيد من القول.
على أنه قد ادعى
ظهور الاعلام عليه وفعل المعجزات على يده ، كالقرآن وغيره من مجيء الشجرة ، وتسبيح
الحصى ، وحنين الجذع ، وإطعام الخلق الكثير حتى شبعوا ، وسقيهم حتى ارتووا من
القليل من الطعام واليسير من الشراب ، فلو لم يمنع تكذيب الأولين إظهار ما ادعاه
من الاعلام والمعجزات.
قيل لهم : الاعلام
التي تظهر على أيدي الأنبياء والرسل ينقسم على ما يظهرها الله تعالى للدلالة على
صدقهم حسب ما تقتضيه الحكمة والمصلحة وتوجبه إزاحة العلة كسائر الأدلة التي نصبها
والتمكين من النظر فيها ، فالمخالف لها والمعادل عن التكليف الى ما تقترحه الأمم
عمن بعث إليهم بعد إظهار ما تقتضيه الحكمة وتوجيه المصلحة من إزاحة العلة، فحكم
الله وتعالى في التكذيب بها بعد إظهارها والعدول عن تصديقها المعاجلة ببعض ما
يستحق عن العقاب.
فكان تقدير الكلام
: وما منعنا أن نرسل بالآيات المقترحة الا أن كذب بها الأولون بتعجيل بعض ما
يستحقونه من العقاب.
وقد وعدنا رسولنا
وشرفنا بأمور :
منها أن تستأصل
أمته ولا تعاجلها بالعقاب ، وقد ذكر الله تعالى ما اقترح على رسوله، فقال (وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى
تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ
وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهارَ خِلالَها تَفْجِيراً أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ
كَما زَعَمْتَ عَلَيْنا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِاللهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلاً) الى قوله (قُلْ سُبْحانَ رَبِّي
هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولاً).
__________________
فإن قال : قدمتم
الجواب لمن وافقكم في الإقرار بالصانع والتصديق للنبوة ، فما الجواب للملحدة
والبراهمة؟
قيل له : الجواب
لهم أن التمكين يعتبر فيه قصد الممكن وغرضه دون ما يصلح له ما مكنه به من الافعال
، يبين ذلك أنه لو لم يعتبر فيه ما ذكرنا لم نجد في العالم ممكناً من قتل عدوه دون
نفسه ووليه ، لانه لا شيء يتمكن به من سلاح وجند وسائرها يقوى به الا هو يصلح
لقتله وقتل وليه ، كما يصلح لقتل عدوه.
وكذلك الحال فيما
تمكن به من طاعته وامتثال أوامره من الأموال والآلات ، في أنه لا يصلح لمعصيته
وارتكاب ما نهى عنه ، كما يصلح لطاعته وامتثال أمره.
وفي علمنا بأن
الممكن منا قد يكون ممكناً من عدوه دون نفسه ووليه من طاعته دون معصيته ، وأن
الجاحد لذلك متجاهل دافع لما يعلم بالاضطرار دلالة على وجوب اعتبار قصد الممكن
وغرضه ، دون ما يصلح له ما مكن به.
وإذا ثبت هذا وجب
اعتبار حال الممكن ، فان كان قصد بما مكن الحسن دون القبيح. قيل له : مكن من الحسن
دون القبيح ، وان كان ما مكن به يصلح القبيح وكذلك ان كان قصده بما مكن وغرضه
القبيح دون الحسن قيل له : انه مكن من القبيح دون الحسن ، وان كان ما مكن به يصلح
للحسن.
ومتى لم يعتبر هذا
الاعتبار ، خرج في المعنى من الإطلاق في اللغة والعرف والمعقول ، ولزم أن لا يكون
في العالم من يطلق عليه التمكين من الحسن دون القبيح ، والطاعة دون المعصية ،
والنصرة دون الخذلان ، وفي هذا ما قدمناه من التجاهل.
وإذا وجب اعتبار
القصد والغرض في التمكين ، وجب الرجوع الى حال
الممكن ، دون
الرجوع الى حال ما تمكن به ، فان علم من قصده وغرضه وان لم يعلم ضرورة استدل بحال
الممكن وبما يتبع ما مكن به من أمر ونهي وترغيب ودعاء وحث ووعد ، الى غير ذلك مما
ينبئ عن قصده ويوضح عن غرضه ، ويتبع الإطلاق والوصف له.
وقد ثبت أن الله
تعالى لا قصد له الى القبيح ، فلا غرض له فيه ، لانه عالم بقبحه ونفيناه عنه ،
ولمقارنة الأمر والترغيب والدعاء والحث والزجر والوعد بالثواب للواجبات والمحسنات
، ولمقارنة النهي والتخويف والزجر والوعيد للمقبحات ، علم أنه مكن من الطاعات دون
المعصية ، وجب إطلاق ذلك دون غيره.
فان قيل : فهلا
مكن تعالى بما يصلح للطاعة دون المعصية والايمان دون الكفر والحسن دون القبح.
قيل له : هذا خلف
من القول وتناقض في المعنى ، لان ما مكن به يصلح لجميع ذلك لنفسه وعيد ، ولانه لو اختص بالشيء دون تركه وخلافه ، لكان الممكن
مطبوعاً.
ولو كان مطبوعاً
لم يصح الوصف لفعله بالحسن والقبح والطاعة والمعصية والايمان والكفر ، كما لا يصح
ذلك في إحراق النار وبرد الثلج وهد الحجر وجريان الماء [و] لبطل التكليف والأمر
والنهي والمدح والذم والثواب والعقاب ، لان جميع هذه الاحكام يثبت مع الإيثار
والتخير ، ويرتفع مع الطبع والخلقة وزوال التخير.
فلا بد على هذا من
تعلق التمكين بالفعل وتركه وخلافه وضده ، ليصح
__________________
الإيثار والتخير
ويطابق ما يقتضيه الحكم من حسن التكليف وتوجه المدح والثواب الى المطيع واستحقاقه
لهما ، فهو الجواب عن التمكين.
وقد بان به أن
الله تعالى لم يمكن من قتل أنبيائه ورسله وخلفائهم والمؤمنين من أممهم ، لانه جل
اسمه نهى عن ذلك وزجر عنه وتواعد عليه بأليم العقاب وأمرنا باتباعهم وطاعتهم [و]
الانقياد لهم والذب عنهم ، فرغب فيه ودعا اليه ووعد عليه بجزيل الثواب.
فأما المنع عنهم
والنصرة لهم تسقم أيضاً الى منع ونصرة يزول معها التكليف والأمر والنهي
والترغيب والزجر والثواب والعقاب ، وهو ما أدى الى الإلجاء وينافي التخير
والإيثار.
فهذا الضرب من
المنع والنصرة ، لا يجوز أن يفعله تعالى مع التكليف ، لمنافاته الحكمة ، ومباينته
لما تقتضيه المصلحة وحسن التدبير ، والى منع ونصرة يلائم التكليف والأمر والنهي
والترغيب والزجر والثواب والعقاب ، ويثبت معه التخيير والإيثار ، وهو النصرة
بإقامة الأدلة ونصب البراهين والأمر بنصرتهم والجهاد دونهم والطاعة لهم والذب عنهم
والمنع بالنهي عن مخالفتهم والموالاة لأعدائهم ، وهذا مما قد فعل الله تعالى منه
الغاية التي لا يبلغها تمن ولا يدركها طلب.
فان قال : فقد ظهر
من أئمتكم الدعاء على من ظلمهم وغصب حقهم وجحدهم مقامهم ، ونال منهم بالقتل والأذى
، فلم يستجب الله لهم ولم يسمع دعاءهم ، وفي ذلك وهن لهم وحط من قدرهم وتنفير
عنهم.
__________________
قيل له : ليس
الأمر كما ظننت في دعائهم عليهمالسلام لو اجتهدوا في الدعاء والطلب وسألوا الله تعالى هلاك الأرض
ومن عليها لأجيبوا ، بل كانوا عليهمالسلام عارفين بالدنيا وصغر قدرها بالإضافة الى ما أعد الله لهم
في الآخرة ، فلم يكن لها عندهم محل ولا بشيء منها في نفوسم وزن.
وكيف لا يكونوا
كذلك؟ مع علمهم بالله جل وعلا ، وما أعد لأوليائه من الثواب ولأعدائه من العقاب ،
وأنهم من أشرف أوليائه الذين اجتباهم واصطفاهم ، وجعلهم الواسطة بينه وبين خلقه ،
والأمناء عليهم ، والحفاظ لدينهم ، فهم القدوة ، وإليهم المفزع من سائر البشر ،
وأن أعداءهم أعداء الله الذين لعنهم وغضب عليهم وأعد لهم أعظم العقاب وأشد العذاب.
فقلوبهم مملوة
بالمعرفة لخالقهم ، وما يقرب اليه ويزلف لديه من الطاعة له والخوف من مخالفته ،
والقيام بعباداته. ليس سوى ذلك فيها مكان ، ولا لغير ما يثمر الفوز والنجاة عليها
مجال ، ولذلك وجب الحكم بعصمتهم ونزاهتهم وطهارتهم ، حتى قال تعالى فيهم ولقد
اصطفيناهم (عَلى عِلْمٍ عَلَى
الْعالَمِينَ).
فإذا ثبت هذا من
حالهم ، كان الدعاء منهم يحتمل أموراً :
منها : تعليم
أممهم ورعاياهم كيف يدعون ويسألون إذا نابتهم النوائب ونزلت بهم الشدائد ، ولا
يقصدون بذلك سوى تعليمهم والبيان لهم.
ومنها : الانقطاع
الى الله تعالى والخضوع له ، كما ينقطع اليه من لا يستحق العقاب بالتوبة
والاستغفار ، ويخضع له بذلك ، وكالدعاء لله تعالى بأن يحكم بالحق وان لم يكن مثله،
لمكان اليقين أنه لا يحكم الا بالحق والقطع عليه ، كما لا يحسن المسألة له بأن
يطلع الشمس ويغربها لمكان العلم بذلك والقطع
__________________
عليه.
ومنها : المسألة
لأتباعهم وشيعتهم ، إذا اقتضت الحكمة والمسألة لهم ، وتعلق كون ما يفعل بهم صلاحاً
إذا فعل لأجل المسألة والدعاء ، ومتى لم تكن المسألة والدعاء لم يكن فعله صلاحاً.
وهذا وجه صحيح في
الألطاف والمصالح ، وبذلك وردت الرواية عن النبي صلىاللهعليهوآله في سعة الرزق عند الدعاء ، وطول العمر عند البر للوالدين ،
ودفع البلاء عند الصدقة.
الى غير ذلك مما
تكون المصلحة فيه مشروطة بتقديم غيره عليه ، كقوله عليهالسلام
حصنوا أموالكم
وداووا أمراضكم بالصدقة ورد البلاء بالدعاء والاستغفار ثابتة والتوبة وجب حمل ما
ظهر منهم من الدعاء على هذه الوجوه دون المسألة لهم فيما يتعلق بأمور الدنيا
والطلب لمنافعها ودفع مضارها فيما يرجع اليه خاصة ، إذ لا قدر لها عندهم ولا وزن لها في نفوسهم على ما
بيناه.
فان قال : فإذا لم
يتضمن دعاؤهم المسألة والوصف ، فما معنى الوصف له بأنه يستجاب ولهم بأنهم مستجابو
الدعاء؟.
قيل له : عن ذلك
أجوبة :
أحدها : أنا قد
بينا ان من دعائهم ما هو مسألة وطلب لما يتعلق بمصالح أتباعهم وتدبير شيعتهم ، وأن
لم تكن مسألة وطلباً فيما يرجع إليهم ، فلأجل دعائهم.
[وثانيها] : قد
يتضمن دعاؤهم المسألة والطلب لثواب الآخرة وعلوا المنازل فيها ، فالاجابة واقعة
بإعطاء ما سألوا وتوقع ما طلبوا.
__________________
وثالثها : أن ما
لم يكن من دعائهم مسألة وطلب ، وأن الإجابة له الإنابة عليه ، لمكان الانقطاع
والخضوع والتعليم والأداء ، فلما كان مثمراً لغاية المنافع وأجلها كان مستجاباً ،
لان معنى الإجابة حصول النفع ودفع الضرر لأجل الدعاء.
فقد ثبت بهذه
الوجوه الجواب عما تضمنه السؤال والزيادات فيه. والحمد لله رب العالمين.
|
(٤٠)
أقاويل العرب في
الجاهلية
|
بسم الله الرّحمن
الرّحيم
حكى أبو عيسى
الوراق في كتابه «كتاب المقالات» أن العرب صنوف شتى :
صنف أقر بالخالق
وبالابتداء والإعادة ، وأنكروا الرسل وعبدوا الأصنام ، زعموا لتقربهم الى الله
زلفى ومحبراً إليها ، ونحروا لها الهدايا ، ونسكوا لها النسائك ، وأحلوا لها
وحرموا.
ومنهم صنف أقروا
بالخالق وبابتداء الخلق ، وأنكروا الإعادة والبعث والنشور.
ومنهم صنف أنكروا
الخالق والبعث والإعادة ، ومالوا الى التعطيل والقول بالدهر ، وهم الذين أخبر
القرآن عن قولهم (ما هِيَ إِلَّا
حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا وَما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ).
ومنهم صنف مالوا
إلى اليهودية ، وآخر إلى النصرانية.
قال : وممن كان
يقر بالخالق وابتداء الخلق والإعادة والثواب والعقاب ، عبد المطلب بن هاشم بن عبد
مناف ، وزيد بن عمرو بن نفيل ، وقس بن ساعدة الأيادي النزاري.
وكان عبد الملك
يوصي ولده بترك الظلم ، ويأمرهم بمكارم الأخلاق ، وينهى عن .. وكان بدئياً يقول في
وصاياه : انه لم يخرج من الدنيا ظلوم حتى ينتقم الله منه ويصيبه عقوبة ، الى أن
هلك رجل ظلوم ومات حتف أنفه لم تصبه عقوبة ، فقيل لعبد المطلب ذلك ، ففكر ثم قال :
فو الله ان وراء هذه الدار داراً يجزي المحسن بإحسانه والمسيء يعاقب على إساءته.
ومما دل على
إقراره بالإعادة قوله وهو يضرب بالقداح على عبد الله ابنه أبي النبي صلىاللهعليهوآله وعلى الإبل :
يا رب أنت الملك المحمود
|
|
وأنت ربي المبدئ المعيد
|
والعبد
عبدك الطارف والتليد
|
في ارجوزة طويلة.
وقد زعم بعض الناس
أن عبد المطلب لم يعبد صنماً ، وأنه كان موحداً حنيفاً على ملة إبراهيم ، وكذلك
كان أبو النبي صلىاللهعليهوآله.
فأما زيد بن عمرو
بن نفيل ، فكان يسند ظهره إلى الكعبة ، ثم يقول : أيها الناس هلموا إلى ، فإنه لم
يبق على دين إبراهيم أحد غيري. وسمع أمية بن أبي الصلت يوماً ينشد :
كل يوم دين
القيامة عند الله لا دين الحنفية دور
فقال : لا صدقت.
وقال زيد :
فلن يكون لنفسي منك واقية
|
|
يوم الحساب إذا ما يجمع البصر
|
وأما قس بن ساعدة
الأيادي ، فهو الذي يقول في بعض مواعظه : كلا ورب هذه الكعبة ليعودن من مات ، ولئن
ليعودن يوماً. وأيضاً في بعض مواعظه : كلا بل هو الله واحد، ليس بمولود ولا والد ،
أعاد وأبدى واليه المآب غداً. فأقر في هذا الكلام بالإله الواحد، وأثبت الإبداء
والإعادة.
وقد دل على ذلك
أيضاً بأبيات قالها وهي :
يا ناعي الموت والأموات في جدث
|
|
عليهم من بقايا بزهم خرق
|
دعهم فان لهم يوماً يصاح بهم
|
|
كما ينبه من رقداته الصعق
|
حتى يجيبوا بحال غير حالهم
|
|
خلق مضوا ثم ما ذا بعد ذاك لقوا
|
منهم عراة وموتى في ثيابهم
|
|
منها الجديد ومنها الأورق الخلق
|
وأما عامر بن الظرب
العدواني ، فإنه كان من حكماء العرب وخطبائهم ، وله الوصية الطويلة يقول في آخرها
: اني ما رأيت شيئاً قط خلق نفسه ولا رأيت موضوعاً الا مصنوعاً ولا جائياً الا
ذاهبا ، ولو كان يميت الناس السداء لا عاشهم الدواء.
ثم قال : أرى
أموراً شتى وشيء حي ، قيل له : وما حي؟ قال : حتى يرجع الميت حياً ، ويعود لا شيء
شيئاً ، وكذلك خلقت السماء والأرض ، فتولوا عنه ذاهبين ، فقال : ويل أمها نصيحة لو
كان من يقبلها لقلتها.
ومن هؤلاء زهير بن
أبي سلمى ، وكان يميز بالعصا وقد أورقت بعد يئس ، فيقول : لو لا أن تسبني العرب
لأنت الذي أحياك سيحيي العظام وهي رميم ، ثم آمن بعد ذلك ، وقال في قصيدته التي
أولها :
أمن أم أو في ذمته لم يؤخر فيوضع
|
|
في كتاب فيدخر ليوم الحساب أو يعجل فينتقم
|
ومنهم زيد الفوارس
بن حصين بن ضرار الضبي ، وهو الذي يقول :
أريد به يوم الجزاء حسابه
|
|
لدى حاسب يوم القيامة عالم
|
في خلق كثير من
مشهوريهم يطول ذكرهم.
وكان ممن يقر
بالبعث ، منهم قوم يزعمون أن من مات فربطت على قبره راحلة وتركت حتى يموت حشر
عليها ، ومن لم يفعل ذلك حشر ماشياً.
ومنهم عمرو بن زيد
الكلبي ، وهو يوصي ابنه :
ابني زودني إذا فارقتني في القبر راحلتي
|
|
برحل قائد للبعث أركبها
|
إذا قيل اركبوا مستوثقين ليوم حشر حاشر
|
|
من لا يراقبه على غير أنه فالخلق بين مدفع أو عاثر
|
ومنهم حريث بن أشيم الفقعسي الأسدي ، وهو الذي يوصي ابنه سعداً
يا سعد أما أهلكن فانني
|
|
أوصيك أن أخا الوصية أقرب
|
واحمل أباك على بعير صالح
|
|
واتق الخطيئة انما هو أصوب
|
ولعل لي فيما تركت مطية
|
|
في الهام أركبها
إذا قيل اركبوا
|
وكانوا يسمون
الناقة التي يفعلون بها ذلك «البلية» وجمعها البلايا ، وكانوا يربطونها يأخذون
ولية فيسقون وسطها ، ثم يدخلون عنق الناقة فيها ، فتبقى معلقة في عنقها حتى تموت
عند القبر.
وقال بعضهم :
__________________
«كالبلايا أعناقها
في الولايا» الولايا جمع ولية ، أعناقها في الولايا» الولايا جمع ولية ، وهي
البرذعة التي في ظهر البعير ، قال لبيد :
تأوي الى الاطناب كل ولية
|
|
مثل البلية قانصاً أهدامها
|
شبه الناقة الردية
الصعبة بالبلية ، والقانص القصير والاهدام أخلاق الثياب.
وأما الصنف الذي
يقولون بالتوحيد والإنشاء لا من شيء ، وينكرون الإعادة والبعث، منهم الجهل
والجمهور وقد أخبروا بذلك في أشعارهم ، فقال بعضهم في مرثية أهل بدر من المشركين :
فما ذا بالقليب قليب بدر
|
|
من البشرى يكلل بالسنام
|
يخبرنا الرسول بأن سيحيا
|
|
وكيف حياة أصداء وهام
|
وكان فيهم قوم
يعبدون الملائكة ويزعمون أنها بنات فيعبدونها ، زعموا لتقربهم الى الله زلفى وتشفع
لهم.
ومنهم من يدعو لله
ولداً ويتخذه لها من دونه.
ومنهم من يعبد
الأصنام لتقربهم الى الله زلفى ، وقال جل وعز (قُلِ ادْعُوا
الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ
وَلا تَحْوِيلاً) وقال (وَيَجْعَلُونَ
لِلَّهِ الْبَناتِ سُبْحانَهُ وَلَهُمْ ما يَشْتَهُونَ) ولم يكن بهذه الصفة الأقوم من مشركي العرب.
وقال جل وعلا (أَفَأَصْفاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ
وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلائِكَةِ إِناثاً إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلاً عَظِيماً
أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَناتٍ وَأَصْفاكُمْ بِالْبَنِينَ) وقال (وَقالُوا
__________________
اتَّخَذَ
الرَّحْمنُ وَلَداً سُبْحانَهُ بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ
وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ) وقال تعالى (وَجَعَلُوا لِلَّهِ
شُرَكاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَناتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ
سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يَصِفُونَ) وقال تعالى (وَجَعَلُوا بَيْنَهُ
وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً).
وقال في عبادتهم
الأصنام (إِنَّ الَّذِينَ
تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ عِبادٌ أَمْثالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا
لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) وقال (وَيَعْبُدُونَ مِنْ
دُونِ اللهِ ما لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا
عِنْدَ اللهِ) وقال (وَإِذا رَآكَ
الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً أَهذَا الَّذِي يَذْكُرُ
آلِهَتَكُمْ).
وقد عبد الأصنام
قوم من الأمم الماضية من أهل الهند والسند وغيرهما ، وقد أخبر الله تعالى عن قوم
نوح أنهم عبدوها أيضا ، فقال (لا تَذَرُنَّ
آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُواعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً).
وقد حكينا قول
الأصنام قبل هذا ، وكان «سواع» لهذيل وكان برهاط وكان بدومة الجندل ، وكان «يغوث»
لمذحج ولقبائل اليمن ، وكان «نسر» لذي الكلاع بأرض حمير، وكان «يعوق» لهمدان ،
وكان «اللات» لثقيف وكانت بالطائف ، وكانت «العزى» لقريش وجميع بني كنانة وسدنتها
من بني سليم ، وكانت «مناة» للأوس والخزرج وغسان وكانت بالمسلك ، وكان «الهبل»
أعظم أصنامهم عند
__________________
أنفسهم وكان على
الكعبة.
وكان إساف ونائلة
على الصفا والمروة ، ووضعهما عمرو بن يحيى ، فكان يذبح عليهما تجاه الكعبة ،
وزعموا أنهما كانا من خبرهم إساف بن عمرو ونائلة بنت سهيل ، ففجرا في الكعبة فمسخا
حجرين ، ويقال : خالهما عمرو بن يحيى وضعهما على الصفا قبل ذلك.
فصل
في ذكر مذاهب أهل الأصنام وذكر بيوت النيران المعظمة
حكى قوم ممن يعرف
أمور العالم ويبحث عن قصصهم ، منه جعفر بن محمد المنجم أبو معشر : ان كثيراً من
أهل الهند والصين كانوا يعتقدون الربوبية ، ويقرون بأن الله ملائكة ، وكانوا
يعتقدون أنه جسم ذو صورة كأحسن الصور وكأتم الأصنام وأن الملائكة أجسام لها ، وأن
الله وملائكته محتجبون بالسماء ، فدعاهم ذلك الى أن اتخذوا أصناماً على صورة الله
عندهم ، وبعضهم على صورة الملائكة ، فكانوا يعبدونها ويقربون القرابين لها ،
لشبهها عندهم بالله ، ويقدرون فيها أنها شفيعهم.
فلم يزالوا كذلك
حتى قال لهم بعض من كان عندهم في سبيل الأنبياء : أن الأفلاك والكواكب أقرب
الأجسام الى الله ، وأنها حية ناطقة ، وان الملائكة يختلف فيما بين الله وبينها ،
وأن كل ما يحدث في العالم انما هو على قدر ما يجري به حركات الكواكب من أمر الله ،
فعظموها وقربوا لها القرابين لتشفعهم ، فمكثوا على ذلك دهراً.
فلما رأوا الكواكب
تخفى بالنهار ، وفي بعض أوقات الليل لما يعرض
في الهواء من
الغيوم ، أشار عليهم بعض رؤسائهم بأن يجعلوا لها أصناماً ليروها في كل وقت ،
فجعلوا لها أصناماً على عدد الكواكب الكبار المشهورة ، وهي السبعة المتحيرة ، فكان
كل صنف يعظم كوكباً معلوماً ، وينحر له جنساً من القربان خلاف ما للآخر ، واعتقدوا
أنهم انما عظموا الأصنام لحرمة الكواكب هم يحتاجون ، وبنو الكل صنم بيتاً وهيكلا
مفرداً ، وسموا ذلك البيت باسم الكواكب.
وزعم بعض الناس أن
بيت الله الحرام كان بيت زحل ، وانما بقي لأن زحل يدل على البقاء أكثر من سائر
الكواكب ، فلما طال عهدهم عبدوا الأصنام على أنهم تقربهم الى الله زلفى ، وألغوا
ذكر الكواكب.
فلم يزالوا كذلك
حتى ظهر يوذاسف ببلاد الهند وكان هندياً ، وذلك زعموا في أول سنة من ملك طهمورث
ملك فارسي يوذاسف النبوة ، وأمرهم بالزهد وجدد عندهم عبادة الأصنام والسجود لها ،
ذكر أهل فارس أن جم الملك أول من أعظم النار ، ودعا الناس الى تعظيمها ، قال :
لأنها تشبه ضوء الشمس والكواكب. قال : ولان النور أفضل من الظلمة ، ثم اختلف بعد
ذلك ، يعظم كل قوم ما يرون تعظيمه من الأسماء تقرباً الى الله تعالى.
ثم نشأ عمرو بن
يحيى ، فساد قومه بمكة ، فاستولى على أمر البيت ، ثم صار الى مدينة البلغاء بالشام
، فرأى قوماً يعبدون الأصنام ، فسألهم عنها؟ فقالوا : هذه أرباب نتخذها نستنصر بها
فننصر ، ونستقي فنسقى ، فطلب منهم صنماً فدفعوا ليه الهبل ، فصار به إلى مكة والى
الكعبة ومعه إساف ونائلة ، ودعا الناس الى تعظيمها وعبادتها ، ففعلوا ذلك. وفيما
يزعم أصحاب التاريخ في أول ملك سابور ذي الأكتاف الى أن أظهر الله الإسلام فأخرجت.
وقد قلنا : ان
البيت فيما زعم المخبرون كان لزحل ، وقد كذبوا لعنهم الله.
ومن تلك البيوت
السبعة التي كانت للكواكب بيت على رأس جبل بأصبهان
على ثلاث فراسخ من
مدينتها ، فكانت فيه أصنام أخرجها كشتاسب الملك الى عجن وجعله بيت نار.
والثاني : البيت
الذي بملتان من أرض الهند وبه أصنام.
والبيت الثالث :
بيت سدوسان من الهند ، وهما بيتان عظيمان عندهم ، يأتونهما في أوقات من السنة.
والبيت الرابع :
هو النوبهار الذي بناه منوشهر بمدينة بلخ من خراسان على اسم القمر، فلما ظهر
الإسلام خربة أهل بلخ.
وبيت عمدان الذي
بمدينة صنعاء من مدن اليمن ، وكان الضحاك بناه على اسم الزهرة ، وخربة عثمان بن
عفان.
وبيت كاووسان بناه
كاووس الملك بناه أعجبنا على اسم شهر المدينة ، فرغانة من مدن خراسان ، خربة
معتصم.
وأما بيوت النار
فهي كثيرة ، وأول من رسم لها بيتاً فيما يزعمون أفريدون وجد ناراً يعظمها أهلها ،
فبعث بها الى خراسان ، يسمى كركوا أبحوا.
تم الكتاب والحمد
لله رب العالمين.
|
(٤١)
مسألة في قول النبي
«ص» : نية المؤمن خير من عمله
|
بسم الله الرّحمن
الرّحيم
قال الأجل المرتضى
(قدس الله روحه) جرى بالحضرة السامية الوزيرية العادلة المنصورة أعلى الله شأنهما
ومكانها وأدام سلطانها في بعض الكلام فيما روي عن النبي صلىاللهعليهوآله من قوله «نية المؤمن خير من عمله».
فقال : ان على هذا
الخبر سؤالا قوياً ، وهو أن يقال : إذا كان الفعل انما يوصف بأنه خير من غيره ،
إذا كان ثوابه أكثر من ثوابه ، فكيف يجوز أن يكون النية خيراً من العمل؟ ومعلوم أن
النية أخفض ثواباً من العمل ، وأنه لا يجوز أن يلحق ثواب النية بثواب العمل.
ولهذا قال أبو
هاشم : ان العزم لا بد أن يكون دون المعزوم عليه في ثواب وعقاب ، ورد على أبي علي
قوله : ان العزم على الكفر يجب أن يكون كفراً ،
والعزم على الكبير
لا بد أن يكون كبيراً. بأن قال له : لا يجب أن يساوي العزم والمعزوم عليه في ثواب
ولا عقاب.
فان كان هاهنا
دليل سمعي يدل على أن العزم على الكفر كفر والعزم على الكبير كبير، صرنا اليه ،
الا أنه لا بد مع ذلك من أن يكون عقاب العزم دون عقاب المعزوم عليه، وان اجتمعا في
الكفر والكبير.
ووقع من بالحضرة
السامية العادلة المنصورة من التقرير كذلك والخوض فيه كل دقيق غريب مستفاد ، وهذه
عادتها جرى الله تعالى نعمتها في كل فن من فنون العلم والأدب ، لأنها ينتهى من
التحقيق والتدقيق إلى غاية من لا يحسن الى ذلك الفن ولا يقوم الا بذلك النوع.
وقال بعض من حضر :
قد قيل في تأويل هذا الخبر وجهان حسنان ، فقلت له : أذكرهما فربما كان الذي عندي
فيه مما استخرجته فقال :
أحدهما : يجوز أن
يكون المعنى : ان نية المؤمن خير من عمله العاري من نية ، فقلت: لفظة «افعل» لا
يدخل الا بين شيئين قد اشتركا في الصفة ، وزاد أحدهما فيها على الأخر. ولهذا لا
يقول أحد ان العسل أحلى من الخل ، ولا أن النبي أفضل من المتنبي ، والعمل إذا عري
من نية لا خير فيه ولا ثواب عليه ، فكيف تفضل النية الجميلة عليه وفيها خير وثواب
على كل حال.
وقال الوجه الأخر
: أن يكون نية المؤمن في الجميل خير من عمله الذي هو معصية ، فقلت : وهذا يبطل
أيضاً بما بطل به الوجه الأول ، لأن المعصية لا خير فيها ، فيفضل غيرها عليها فيه.
وقالت الحضرة
السامية تحقيقاً لذلك وتصديقاً هذا هجو لنية المؤمن ، والكلام
__________________
موضوع على مدحها
واطرائها ، وأي فضل لها في أن يكون خيراً من المعاصي وانما الفضل في أن تكون خيراً
مما فيه خير.
فسئلت حينئذ ذكر
الوجه الذي عندي ، فقلت : لا تحمل لفظه «خير» في الخبر على معنى «افعل» الذي هو
للتفضيل والترجيح ، وقد سقطت الشبهة.
ويكون معنى الكلام
: ان نية المؤمن من جملة الخير من أفعاله ، حتى لا يقدر مقدر أن النية لا يدخلها
الخير والشر ، كما يدخل ذلك في الأعمال.
فاستحسن هذا الوجه
الذي لا يحوج الى التعسف والتكلف اللذين يحتاج إليهما إذا جعلنا لفظة «خير» معناها
معنى افعل.
وانقطع الكلام
لدخول الوقت السعيد المختار لدخول البلد ونهوض الحضرة السامية أدام الله سلطانها
للركوب ، وكان في نفسي أن أذكر شواهد لهذا الوجه ، ولواحق تقتضيها الكلام.
وخطر بعد ذلك
ببالي (إن شاء الله) وجهان سليمان من الطعن إذا حملنا لفظة «خير» في الخبر على
معنى الترجيح والتفضيل ، وأنا أذكر ذلك : أما شواهد ما استخرجته من التأويل من حمل
لفظة «خير» على غير معنى التفضيل والترجيح فكثيرة.
وقد ذكرت ذلك في
كتابي المعروف ب «الغرر» في تأويل قوله تعالى (وَمَنْ كانَ فِي
هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى وَأَضَلُّ سَبِيلاً) من الكلام على هذا الوجه ما استوفيته ، وذكرت قول المتنبي
:
أبعد بعدت بياضاً لا بياض له
|
|
لأنت أسود في عيني من الظلم
|
وأن الألوان لا
يتعجب منها بلفظ «افعل» الموضوع للمبالغة ، وكذلك الخلق كلها ، وانما يقال : ما
أشد سواده ، وان معنى البيت ما ذكره أبو الفتح عثمان بن جني من أنه أراد أنك أسود
من جملة الظلم ، كما يقال : حر من الأحرار
ولئيم من اللئام ،
فيكون الكلام قد تم عند قوله «من الظلم».
واستشهد ابن جني
أيضاً على صحة هذا التأويل بقول الشاعر :
وأبيض من ماء الحديد كأنه
|
|
شهاب بدا والليل داج عساكره
|
كأنه يقول : وأبيض
كأن من ماء الحديد ، وقلت أنا :
يا ليتني مثلك في البياض
|
|
أبيض من أخت بني أباض
|
يمكن حمله على ما
حملناه عليه بيت المتنبي ، كأنه قال : من جملة أخت بني اباض ومن عشيرتها وقومها ،
ولم يرد المبالغة والتفضيل.
وهذا أحسن من قول
أبي العباس المبرد لما أنشد هذا البيت وضاق ذرعاً بتأويله على ما يطابق الأصول
الصحيحة أن ذلك محمول على الشذوذ والندران.
فان قيل : كيف
يكون نية المؤمن من جملة أعماله على هذا التأويل والنية لا يسمى في العرف عملا ،
وانما تسمى بالأعمال أفعال الجوارح ، ولهذا لا يقولون عملت بقلبي ، كما يقولون
عملت بيدي ولا يصفون أفعال الله بأنها أعمال.
قلنا : ليس يمتنع
أن يسمى أفعال القلوب أنها أعمال ، وان قل استعمال ذلك فيها. ألا ترى أنهم لا
يكادون يقولون فعلت بقلبي ، كما يقولون فعلت بجوارحي وان كانت أفعال القلوب لا
تستحق التسمية بالفعلية حقيقة بلا خلاف.
وانما لا تسمى
أفعال الله تعالى بأنها أعمال ، لان هذه اللفظة تختص بالفعل الواقع من قدرة ،
والقديم تعالى قادر لنفسه ، كما لا نصفه تعالى بأنه مكتسب ، لاختصاص هذه اللفظة
بمن فعل لجر نفع أو دفع ضرر.
ثم لو سلمنا أن
اسم الفعل يختص بأفعال الجوارح ، جاز أن يطلق ذلك
__________________
على النية مجازاً
واستعارة ، وباب التجوز أوسع من ذلك.
وأما الوجهان
اللذان خطر ببالي ان قدرنا لفظة «خير» في الخبر محمولة على الفاضلة :
فأحدهما : أن يكون
المراد نية المؤمن مع عمله خير من عمله العاري عن نية ، وهذا مما لا شبهة في أنه
كذلك.
والوجه الثاني :
أن يريد به نية المؤمن لبعض أعماله قد تكون خيراً من عمل آخر له لا تتناوله هذه
النية. وهذا صحيح ، لأن النية لا تجوز أن تكون خيراً من عملها نفسها ، وغير منكر
أن يكون نية بعض الأعمال الشاقة العظيمة الثواب أفضل من عمل آخر ثوابه دون ثوابها
، حتى لا يظن ظان أن ثواب النية لا يجوز أن يتساوى أو يزيد على ثواب بعض الاعمال.
وهذان الوجهان
فيهما على كل حال ترك لظاهر الخبر ، لإدخال زيادة ليست في الظاهر ، والتأويل الأول
إذا حملنا لفظة «خير» على خلاف المبالغة والتفضيل مطابق للظاهر وغير مخالف له.
وفي هذا كفاية
بمشية الله وعونه.
|
(٤٢)
مسألة في علة
مبايعة أمير المؤمنين عليهالسلام
أبا بكر
|
مسألة
[علة مبايعة أمير المؤمنين عليهالسلام أبا بكر]
وسألوا أيضاً
فقالوا : ليس يخلو أن يكون الله تعالى لما أمر بنصب أمير المؤمنين عليهالسلام اماماً قد علم أنه قادر على ذلك أم لا؟
فان كان يعلم أنه
قادر ولم يفعل في ذلك ما يلزم محو شيء عندنا من هذه الحال ، وان كان
يعلم أنه يعجز عما كلفه القيام به ، فقد كلفه ما لا قدرة له عليه وحمله ما لا
يتحمله وحتمه ما لا يتمكن منه ولا يطيقه ، فتعالى الله عن كل قبيح علواً كبيراً.
وهذه النصوص عليه عليهالسلام ألا دل على نفسه والاقدام مقاماً واحداً يذكرهم النص عليه
، بل روينا ورويتم أنه بائع أبا بكر ، فقلتم مكرهاً وقلنا طائعاً فهاتوا فصلا
كشهرة هذه البيعة ووضوحها ، والا فقد أتيتم لنا فصلا لسنا نتبين لكم
__________________
عليه علة.
والحاصل الان في
أيدينا إيجابه لبيعه وإقراره بها وإجابته إليها وصحة وقوعها وليس ما أجمعتم عليه
معنا كما فيها خالفتموننا ، فتولوا وأنصفوا واعلموا اننا [لا] نقبل منكم الا ما
شاكل في الشهرة أمر البيعة.
الجواب وبالله
التوفيق :
قال الشريف
المرتضى علم الهدى (قدس الله روحه (: اعلم أنا قد بينا في الكتاب «الشافي» في
الكلام ، وفي كتابنا المعروف ب «الذخيرة» في باب الإمامة منه الكلام في إظهار أمير
المؤمنين عليهالسلام مبايعة أبي بكر ، وكفه عن منازعته. ولا بد من ذكر جملة
هاهنا يستغنى بها.
فنقول في ابتداء
ما ذكر في هذه المسألة : من أن الله تعالى نص على أمير المؤمنين عليهالسلام بالإمامة ، وتقسيم حاله في القدرة على القيام بها والعجز
عنها أن الله تعالى ما كلفه القيام من الإمامة إلا بما يطيقه ويستطيعه وتفضل قدرته
عليه ويزيد أضعافاً ، غير أن الفاعل وان كان قادراً فلا بد من وقوع الفعل [وان كان
قادراً ] عليه على ما أوجبه الله واقتضاه الفعل .
والسبب في أنه لا
يدبر أمر الأمة ولم يتصرف فيهم كما أوجبه الله تعالى عليه ، أنهم منعوه من ذلك ،
لأنهم عقدوا الإمامة لغيره ونقلوها في سواه ، وادعوا أنهم قد أجمعوا على امامة
غيره ، وأن من خالفه وعصاه وتأخر عن بيعته مارق ولعصى الدين شارق ، وهذا منع كما
تراه له عليهالسلام من أن يفعل ما
__________________
كلفه قوى فلا لزم على تكليفه تعالى من التصرف فيها.
والذي منعه عليهالسلام من أن يقوم مقاماً يذكرهم فيه حقه هو ما ذكرنا بعضه وأشرنا
إلى جميعه ، فكيف يطمع في رجوع القوم بالتذكير والتبصير ، وهو عليهالسلام قد شاهدهم خالفوا الرسول جهاراً وعياناً ، وعدلوا عمن نص
عليه وأصر بالإمامة إليه.
هذا مع قرب العهد
الذي لا يقع في مثله نسيان ممن لم يطع ربه تعالى وخالف نبيه صلىاللهعليهوآله ، كيف يطمع طامع في إجابته ويرجو رجوعه وطاعته على نفسه
طاعته. وانما أظهر بحكم الضرورة أنه قد رضي بأن كف عن المنازعة والمجاذبة بعد أن
كان أظهر السخط والكراهية هو وجماعة بني هاشم وجماعة من المهاجرين والأنصار ،
وتأخروا عن البيعة ، وجرت في ذلك من المراسلات والمراجعات والمعاتبات والتهويلات
والتهديدات ما هو مسطور في كتب العامة فضلا عن الخاصة ، فأوجبت الحال الكف عن
إظهار المنازعة والإمساك عن المخالفة ، حتى لا ينتشر الحبل ويتفرق الشمل.
فان كان المخالف
يدعي غير هذا الذي ذكرناه ، فهو دعوى عارية من برهان ما ذكرناه ، فلا حجة في القدر
المعروف ، لأن إظهار الرضا عند الأسباب التي جرت لا يدل على رضاء القلوب وتسليم
الصدور.
وأما الترجيح
علينا بأننا نسلم البيعة الظاهرة ، وندعي أموراً باطنة من الإكراه والسخط.
__________________
فغير صحيح ، لان
سخط أمير المؤمنين عليهالسلام وتأخره عن البيعة وإظهار الغضب لما عقد الأمر لغيره هو
المعلوم ضرورة والذي لا خلاف بين العقلاء فيه ، ثم كف بعد ذلك عن إظهار المنازعة
والمجاذبة ، وان كان عليهالسلام في خلواته وبين أصحابه وثقاته يتألم ويتظلم ويقول أقوالا
مروية.
فمن ادعى من
مخالفينا بعد إجماعهم معنا على أنه عليهالسلام كان ساخطاً كارهاً أنه رضي بقلبه وسلم في سره ، فعليه
الدلالة ، لانه ادعى بالظاهر خلافه.
والذي يعتمد عليه
في أنه عليهالسلام كان ساخطاً كارهاً بقلبه وان كان ممسكاً ، أنه قد ثبت أن
النبي صلىاللهعليهوآله نص عليه بالإمامة في مقام بعد مقام ومقال بعد مقال ، وبما
رواه المخالف والموافق ، كخبر الغدير وقصة تبوك ومما هو ظاهر في الرواية الخاصة
وان كان قليلا في العامة خبر يوم الدار.
وإذا ثبت أنه
الإمام فلا بد من أن يكون كارهاً لعقد الإمامة لغيره ، وأن يكون ما فعله من إظهار
البيعة ، انما هو للتقية والضرورة ، فإن شك مخالفونا في النص دللناهم عليه
وأوضحناه لهم ، فان الكلام سب والنص أوضح من الكلام ونفسه.
والسبب في إمساكه
فلا شبهة في أن ذلك كله بغير الرضا والتسليم ، وإذا لم يسلمونا النص كان كلامهم في
سبب البيعة وعلة الإمساك لغواً وعبثاً ، لان من ليس بمنصوص عليه ولا حظ له في
الإمامة لا يقال : لم لا يغالب عليها ويحارب ولا يتعجب من مبايعته وموافقته. على
أن إظهار أمير المؤمنين «ع» بيعة المتقدمين عليه وإمساكه عن مجاهدتهم وكفه عن
مكاشفتهم ، كان مثل فعل الحسن عليهالسلام مع معاوية وبيعة الأمة بأسرها ويهم الصالحون والخيرون
الفاضلون لمعاوية وابنه يزيد من بعده ، وجميع من ولي الأمر من بني مروان، ومخاطبهم
__________________
لهم بإمرة
المؤمنين. فينبغي أن يستدل بذلك على استحقاقهم للإمامة ، وكونهم فيها على الحق
والصواب.
فإذا قلنا : كلنا كانت هناك غلبة وقهر واستيلاء ، ولم تكن القلوب راضية بما
أظهروا من ذلك. قالت الشيعة الإمامية : مثل ذلك في بيعة أمير المؤمنين عليهالسلام للقوم وجواب الإمامية لمن يقول لهم في البيعة والرضا
والتسليم ، وذلك هو الظاهر اللائح.
ومن ادعى شيئاً في
الباطن يخالف ذلك عليه الدلالة هو جواب المعتزلة ومن نفى إمامة هؤلاء الفساق عن
هذا الاعتراض إذا اعترض به في إمامة معاوية ويزيد ابنه وبني مروان، وهيهات أن يجدوا
فصلا لما بين الأمرين ما أظلت سماء أرضا وخالف الطول العرض.
وانما يحمل على
قلة الفكر ، فيما ذكرناه والعصبية والهوى ، نعوذ بالله من ذلك.
__________________
|
(٤٣)
مسألة في الجواب عن
الشبهات الواردة لخبر الغدير
|
بسم الله الرّحمن
الرّحيم
وسألوا أيضاً
فقالوا : أنتم تحتجون بالنص على صاحبكم بما قال فيه يوم الغدير ، وليس في ذلك أن
علياً بعدي الامام فيكم والخليفة عليكم ، وموضع الرد عليكم بزعمكم ، فهي جاحد
الكلام الوارد ، ومن المفصح المبين عليهالسلام الى مكلفكم له واحتجاجكم ، لثبت معناه الذي تدعونه.
ولو كان أراد
النبي صلىاللهعليهوآله بذلك اللفظ الموجد للشبهة والموقع للتأويل ما ذهبتم اليه
لكان حينئذ أقدر منكم اليوم على بلوغ غلبة الإفصاح بالغرض المقصود والأمر المشهود
، وإلا نص على الخطاب نفسه.
كما استغنينا على
زعمكم مع أمره ونهيه عليهالسلام ، الى أقاويل شريعة مكملة لدينا ، متهمة عندنا بآرائنا
وقياسنا ، وتأويل لغة واستحسان أمر ، فيجيء إذ نحن مفتقرون الى الاجتهاد ، مضطرون
إلى الإبانة والإيضاح ، أم تراه عليهالسلام قد كان أوضح كل شيء من أمور الشريعة وأحوال الدين الا ما
يتعلق
بالإمامة حيث ما
تأولتم له من النص ، وجعلتم له معنى وكلاماً إذا استظهر لنفسه في الاجتهاد والأخذ
بسائغ الظن.
الجواب وبالله
التوفيق :
قال الأجل المرتضى
علم الهدى (قدس الله روحه) : ان كلامه عليهالسلام في يوم الغدير تصريح في النص بالإمامة ، والاستخلاف على
الأمة ، وأنه لا يحتمل سوى هذا المعنى ولا يليق بخلاف هذا ..
وأنه ان حمل على
غيره كان خطلا من القول ثبت ما قصدناه واعتمدناه ، فصار من الزامنا أن يعدل عن هذا
اللفظ الى غيره من الألفاظ مبسطاً في الاقتراح معنا ، لأن اللفاظ إذا دلت على معنى
واحد فان المتكلم مخير بينهما ، ولا لفظ الا ويجوز أن تقع الشبهة فيه للمتأمل ،
وأن لا يوفي النظر حقه.
ألا ترى أنه عليهالسلام لو قال فيه : أنت الإمام من بعدي والخليفة على أمتي. وذلك
أصرح الألفاظ ، جاز أن تدخل شبهة على مبطل ، فيقول انه عليهالسلام انما أراد بلفظه «بعدي» بعد عثمان. أو يقول : أنت الخليفة
ان اختارتك الأمة واجتمعت عليك.
فإذا قيل : ان هذا
خلاف ظاهر الكلام.
قلنا : وكذلك حمل
لفظ الغدير على غير النص بالإمامة ، عدول عن ظاهر الكلام ، وسنبين ذلك.
فأما دخول الشبهة
في لفظ خبر الغدير ، فإنما أتى فيها من دخلت عليه من قلة تبصره وقلة تأمله ، كما
دخلته على قوم في قوله تعالى (لا تُدْرِكُهُ
الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ).
فلا خلاف بيننا
وبين المعتزلة في أن الله تعالى كان قادراً على أن يقول بدلا من هذا اللفظ الذي
دخلت فيه الشبهة على المخالفين في الرؤية ، لا يراه ذو الابصار بأبصارهم في الدنيا
والآخرة ، حتى تزول شبهة من خالف في أن الإدراك غير الرؤية ، وأن نفي إدراك
الابصار ليس ينفي إدراك البصر ، فان الكلام ليس بعام في الآخرة لما هو متناول
للدنيا.
فإذا قيل لنا :
كيف تعدل بين اللفظ الصريح الى اللفظ المحتمل الذي علم دخول الشبهة معه؟.
لم يكن لنا جواب
الأمثل ما أجبناه في خبر الغدير ، ولم يبق الا أن ندل على أن خبر الغدير يقتضي
الاستخلاف في الإمامة من غير احتمال لسواها.
والذي يدل على ذلك
أن النبي صلىاللهعليهوآله قرر مع أمته على فرض طاعته الذي أوجبها الله تعالى له بقول
الله تعالى (النَّبِيُّ أَوْلى
بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ) وانما أراد تعالى أنه أحق بتدبيرهم وتصريفهم ، وأن طاعته
عليهم واجبة ، فقال : فمن كنت مولاه فعلي مولاه.
فأتى من لفظة «مولى»
بلفظ يحتمل المعنى المتقدمة وان كان محتملا لغيرها ، لان لفظ «المولى» يحتمل
الاولى ، وابن العم ، والحليف ، والناصر ، والجار ، وغير ذلك ، فقد نص جميع أهل
اللغة على أن لفظة «مولى» محتملة للأولى العرب وما هو مسطور والحال في احتمال هذه
اللفظة للمعنى الذي ذكرنا أشهر من أن يخفى على محصل.
ومن شأن الأدباء
إذا عطفت جملة مفسرة بكلام يحتمل للمعنى الأول ولما يحتمل غيره أن لا يريدوا ما
بالكلام الا المعنى الأول دون ما عداه.
__________________
ألا ترى أن أحدهم
إذا قال لجماعة : ألستم تعرفون عبدي زيد ، وله عبيد كثيرة ، ثم قال عاطفاً على
كلامه : فاشهدوا أنني قد أعتقت عبدي أو وهبته لفلان ، لم يجز أن يحمل لفظة عبدي
ثاني المحتمل الا على العبد الأول الذي وقع التصريح به ، ومن حمله على سواه كان
مخطئاً عادلا عن حقيقة الكلام ووضعه.
وإذا صح ما ذكرنا
وكان النبي صلىاللهعليهوآله قال : فمن كنت أولى به من نفسه فعلي أولى به من نفسه. ولا
يكون أولى بنا من نفوسنا الا وطاعته واجبة علينا ، ولا يكون طاعته واجبة علينا الا
وهو امام مستخلف.
ولا فرق على ما
ذكرناه ورتبناه بين أن يقول الله تعالى (النَّبِيُّ أَوْلى
بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ) وبين أن يقول طاعته واجبة عليكم ولازمة لكم ، وبين أن يقول
: ألست أولى بكم من أنفسكم.
هذه جملة كافية في
جواب هذه المسائل ، فمن أراد التفصيل والتطويل فعليه بكتاب «الشافي» وما جرى مجراه
من كتبنا في الإمامة ، وتصانيفنا وأمالينا. ونسأل الله تأييداً وتوفيقاً وتسديداً
في قول وعمل ، فإنه نعم المولى ونعم النصير.
|
(٤٣)
مسألة في إرث
الأولاد
|
بسم الله الرحمن
الرحيم
قال الأجل المرتضى
علم الهدى (قدس الله روحه) : اعلم أنه يلزم من ذهب من أصحابنا الى أن أولاد البنين
والبنات يرثون سهام آبائهم ، مسائل سبع لا مخلص لهم منها :
من ذلك أنه يلزمهم
أن يكون حال البنت أحسن من حال الابن ، بل أحسن من حال جماعة كثيرة من البنين ،
كرجل خلف بنت ابن وعشرين ابنا من بنت معه ، فعندهم أن لبنت الابن نصيب أبيها وهو
الثلثان ، ولبني البنت نصيب أمهم وهو الثلث ، فالبنت الواحدة أوفر نصيبا من عشرين
ابنا.
ومنها : أن يكون
نصيب البنت يساوي نصيب الابن ، حتى لو كان مكانها ابن لورث ما ترثه هي بعينه ، على
وجه واحد وسبب واحد. وذلك أن مذهبهم أن بنت الابن يأخذ المال كله بسبب واحد ، لان
لها عندهم نصيب أبيها ، فلو كان مكان هذه البنت ابن لساواها في هذا الحكم ، وأخذ
ما كانت تأخذه البنت على الوجه
الذي تأخذه ، وليس
في الشريعة ان الابن يساوي البنت في الميراث.
فإذا عارضونا بمن
خلف بنتا ولم يخلف غيرها ، فإنها تأخذ جميع المال ، ولو كان مكان ابن لجرى في ذلك
مجراها.
فالجواب : ان
الابن لا يجري مجرى البنت هنا ، لأنها تأخذ النصف بالتسمية والباقي بالرد ، والابن
يأخذ المال بسبب واحد من غير تسمية ولا رد ، وأنتم توجبون مساواة الابن للبنت في
الميراث والسبب.
ومنها : أن البنت
في الشرع وبظاهر القرآن لها النصف إذا انفردت ، وللبنتين الثلثان ، وهم يعطون بنت
الابن ، وهي عندهم بنت المتوفّى ومستحقة لهذه التسمية الجمعية ، وكذا يقولون في
بنتي ابن ، فان لهما جميع المال من غير رد عليهما ، وهذا بخلاف الكتاب والإجماع.
فإن قالوا : ما
جعل الله للبنت الواحدة النصف وللبنتين الثلثين في كل موضع ، وانما جعل لهن ذلك مع
الأبوين خاصة ، وإذا انفردن عن الأبوين لم يكن لهن ذلك.
قلنا : قد ذهب
الفضل بن شاذان الى هذا المذهب ومن تابعه عليه ، فرارا من مسألة العول ، ونحن نبين
فساد هذه الطريقة بعد أن نبين لزوم ما ألزمناهم إياه على تسليم ما اقترحوه.
فنقول : قد جعل
الله للبنت الواحدة النصف مع الوالدين بلا خلاف منكم ، فخبرونا عمن خلف ابنة ابن وأبوين
، ومذهبكم هذا يقتضي أن للأبوين السدسين وما بقي لبنت الابن ، وهي عندكم بنت
المتوفّى على سبيل الحقيقة ، فقد صارت البنت تأخذ مع الأبوين أكثر من النصف بسبب
واحد ، وجرت في ذلك مجرى الأبوين.
فأما القول بأن
للبنت الواحدة النصف وللبنتين الثلثين ، انما يختص باجتماع
الأمرين معهن.
فمن بعيد القول عن
الصواب ، لان الله تعالى قال (يُوصِيكُمُ اللهُ فِي
أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) وهذه جملة مستقلة بنفسها ، وظاهر القرآن يقتضي أن للذكر
مثل حظ الأنثيين على كل حال ، ومع وجود كل أحد وفقد كل أحد.
ثم عطف عليها جملة
مستقلة أخرى ، فقال (فَإِنْ كُنَّ نِساءً
فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثا ما تَرَكَ) ظاهر هذه الجملة أن ذلك لهن على كل حال ، ومع فقد كل أحد
ووجوده ، ثم عطف أخرى مستقلة غير متعلقة بما يليها وما يتقدمها ، فقال (وَإِنْ كانَتْ واحِدَةً فَلَهَا
النِّصْفُ) ولم يجر للوالدين ذكر ، فهذا يقتضي أن لها النصف مع كل أحد
، الا أن يمنع دليل.
ثم قال (وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ
مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ
وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَواهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ) فبين تعالى حكم الوالدين في الميراث مع الولد وفقده.
فكيف يجوز أن يعلق
إيجاب النصف للبنت الواحدة والثلثين للبنتين بوجود الأبوين؟ وقد تقدم ذكر حكم
البنات مطلقا ، وبعد الخروج عنه أتى بذكر الأبوين مشروطا.
وكيف يتوهم متأمل
ذلك والله يقول (إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ) فشرط في ميراث الأبوين الولد. ولو كان المراد أن النصف
للبنت والثلثين للبنتين مع وجود الأبوين ، لكان اشتراط الولد لغوا لما هو موجود
مذكور.
ولو صرح تعالى بما
ذكروه لكان الكلام قبيحا خارجا عن البلاغة والبيان ، فإنه لو قال : ولأبويه مع البنت أو البنتين لكل واحد منهما
السدس ان كان له
__________________
ولد ، لقبح ذلك
وفحش ، فكيف يقدر في الكلام ما لو أظهرناه لكان غير مستقيم؟.
وأجمع أهل العربية
على أن الوقف التام عند قوله تعالى (وَإِنْ كانَتْ
واحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ) ولو كان المراد ما توهموه من أن لها النصف مع الأبوين ،
لما كان ذلك وقفا تاما.
ولا خلاف بين أحد
من أهل العلم والمفسرين وأصحاب الاحكام في أن قوله تعالى (وَلِأَبَوَيْهِ) كلام مبتدأ مستأنف لا تعلق له بما قبله.
فأما اعتذارهم عند
سماع هذا الكلام ، بأن اشتراط الولد انما حسن ليدخل فيه الذكور ما زاد على البنتين
، لانه لم يمض الا ذكر البنت الواحدة والبنتين فعجيب ، لانه لو أراد ما ذكروا لقال
تعالى يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين ـ مع الأبوين ـ فإن كن نساء
فوق اثنتين ـ معهما ـ فلهما ثلثا ما ترك وان كانت واحدة ـ معهما ـ فلها النصف.
فلو أراد هذا
المعنى على الترتيب الذي رتبوه ، وعني بقوله ان ذلك لهما مع البنت أو البنتين وما
زاد عليهما ، وأراد أن يبين أن السدس للأبوين مع الأولاد ، لكان لا يحسن أن يقول (إِنْ كانَ لَهُ
وَلَدٌ) بل يقول : وان كان له أيضا ذكور. لانه قد تقدم ذكر البنت
الواحدة وما زاد عليها ، فلا معنى لاشتراط الولد ، وانفراد قوله (وَلِأَبَوَيْهِ) عن الجملة المتقدمة ، ولا يذهب على متأمل.
وانما فرق بهذا
التقدير الذي لا يحصل عن نقصان البنت في مسألة العول عن النصف، وادعوا أن النصف
حصل لها مع الأبوين لا في كل موضع.
وأحسن من ركونهم
هذه المعضلة أن يقولوا : ان الله تعالى جعل لها النصف بظاهر الكلام في كل موضع ،
وفي مسألة العول قام دليل على أن لها دون
__________________
ذلك ، فعلمنا أن
الله تعالى لم يجعل لها النصف في هذا الموضع خاصة ، وان كان لها في سائر المواضع.
وانما أحسن أن نخص بدليل بعض المواضع ، أو يحصل ما هو مطلق من القول مشروطا بغير
دليل ولا حجة ، على وجه يسمح به الكلام ويذهب به رونقه فتزول فصاحته.
ثم يقال لهم :
خبرونا عمن خلف أولاد ابن وأولاد بنت ذكورا وإناثا ، كيف تقسمون الميراث بين هؤلاء
الأولاد؟.
فإن قالوا : للذكر
مثل حظ الأنثيين.
قلنا : فبأي حجة
فعلتم ذلك؟ فلا وجه لهذه القسمة إلا قوله تعالى (يُوصِيكُمُ اللهُ فِي
أَوْلادِكُمْ) إلى آخر الآية المفرع في ذلك.
فيقال لهم : قد
سمى الله تعالى أولاد الأولاد أولادا ، فأي فرق بين أن يكون الذكور والإناث أولاد
ابن واحد أو بنت واحدة ، وبين أن يكون هؤلاء الذكور والإناث أولاد بنت وابن في
تناول الاسم لهم.
فإذا كان الاسم
متناولا لهم في الحالين فيجب أن تكون القسمة في الحالين تنفق ولا تختلف ، ويعطى
أولاد البنات الذكور والإناث وأولاد البنين الذكور والإناث للذكر مثل حظ الأنثيين
، فلا يخالف حكم الآية في أحد الموضعين ، وتناول الآية لهما تناولا واحدا.
فان قالوا :
يلزمكم أن تورثوا أولاد الأولاد مع الأولاد ، لتناول الاسم
للجماعة.
قلنا : لو تركنا
وظاهر الآية فعلنا ذلك ، لكن إجماع الشيعة ، بل إجماع
__________________
كل المسلمين منع
من ذلك ، فخصصنا الظاهر وحملنا الآية على أن المراد يوصيكم الله في أولادكم بطنا
بعد بطن.
فان قالوا : فنحن
أيضا نخصص الظاهر ونحمل قوله تعالى (يُوصِيكُمُ اللهُ فِي
أَوْلادِكُمْ) على أن المراد به أولاد الصلب بغير واسطة.
قلنا : تحتاجون
الى دليل قاطع على التخصيص كما فعلنا.
فان قالوا : أجمعت
الإمامية عليه.
قلنا : وما الدليل
على ذلك؟ فانا لا نعرف هذا الإجماع ، وفي المسألة خلاف بينهم، وأن أكثرهم يقول
بخلاف الصواب في هذه تقليدا وتعويلا على روايات رووها أن كل من يتقرب بغيره أخذ
سهام من تقرب به.
وهذا الخبر انما
هو في أولاد الاخوة والأخوات والأعمام والعمات والأخوال والخالات وبني الأعمام
والأخوال ، لأنهم لا تسمية لهم في الميراث وانما يتقربون بغيرهم ، فأعطوا
سهام من يتقربون به.
وليس كذلك أولاد
الأولاد ، لأن هؤلاء وان نزلوا داخلون في اسم الولد واسم البنين والبنات على
الحقيقة ممن هو مسمى في الكتاب ومنصوص على توريثه ، فلا يحتاج في توريثه الى ذكر
قرابته ، وأن يعطيه نصيب من يتقرب به ، كما لا يحتاج في توريث أولاد الصلب بلا
واسطة إلى شيء من ذلك.
فان قيل : فما
دليلكم على صحة ما ذهبتم اليه من توريث أولاد الأولاد ، والقسمة عليهم للذكر مثل
حظ الأنثيين.
قلنا : دليلنا على
ذلك قوله تعالى (يُوصِيكُمُ اللهُ فِي
أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) ولا خلاف بين أصحابنا في أن ولد البنين وولد البنات وان
سفلوا
__________________
يقع عليهم هذه
التسمية ، ويتناولهم على سبيل الحقيقة.
ولهذا حجبوا
الأبوين عن ميراثهما الى السدسين بولد الولد وان هبطوا ، وحجبوا الزوج عن النصف
الى الربع والزوجة عن الربع الى الثمن بولد الولد ، فمن سماه الله تعالى ولدا في
حجب الأبوين وحجب الزوجين ، يجب أن يكون هو الذي سماه ولدا في قوله (يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ).
وكيف يخالف بين
حكم الأولاد ويعطى بعضهم للذكر مثل حظ الأنثيين والبعض الأخر نصيب آبائهم الذي
يختلف ويزيد وينقص ، ويقتضي تارة تفضيل الأنثى على الذكر والقليل على الكثير ،
وتارة المساواة بين الذكر والأنثى. وعلى أي شيء يعول في الرجوع عن ظاهر كتابه
تعالى؟.
فأما مخالفونا من
العامة ، فإنهم لا يوافقونا في تسمية ولد البنت بأنه ولد حقيقة ، وفيهم من وافق
على ذلك ، ووافق جميعهم على أن ولد الولد وان هبط يسمى ولدا على الحقيقة.
وقد حكي عن بعضهم
انه كان يقول : ان ولد الولد انما يسمون بهذه التسمية إذا لم يحضر أولاد الصلب ،
فان حضروا لم يتناولهم. وهذا طريف ، فان الاسم ان تناولهم لم يختلف ذلك ، بأن يحضر
غيرهم أو لا يحضر ، وما راعى أحد فيما يجرى على المسميات من الأسماء مثل ذلك.
وانما أحوجهم الى
ذلك أنهم وجدوا أولاد الابن لا يأخذون مع حضور آبائهم شيئا ويأخذون مع فقده ،
بالاية المتضمنة للقسمة على الأولاد ، فظنوا أن الاسم يتناولهم في الحال التي
يرثون فيها ، وهو غلط منهم.
وقد أغناهم الله
تعالى عن هذه البدعة في أخر الاسم والخروج عن المعهود
__________________
فيها ، بأن يقولوا
: ان الظاهر يقتضي اشتراك الولد وولد الولد في الميراث ، لو لا أن الإجماع على
خلاف ذلك ، فتخصصوا بالإجماع الظاهر.
ومما يدل على أن
ولد البنين والبنات يقع عليهم اسم الولد قوله تعالى (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ
أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ وَأَخَواتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخالاتُكُمْ وَبَناتُ
الْأَخِ وَبَناتُ الْأُخْتِ) وبالإجماع ان بظاهر هذه الآية حرمت بنات أولادنا ، فلو لم
تكن بنت البنت بنتا على الحقيقة لما دخلت تحت هذه الآية.
وتحقيق ذلك : انه
تعالى لما قال (أَخَواتُكُمْ
وَعَمَّاتُكُمْ وَخالاتُكُمْ وَبَناتُ الْأَخِ وَبَناتُ الْأُخْتِ) ذكر في المحرمات بنات الأخ وبنات الأخت ، لأنهن لم يدخلن
تحت اسم الأخوات ، ولما دخل بنات البنات تحت اسم البنات ، لم يحتج أن يقول : وبنات
بناتكم. وهذه حجة قوية فيما قصدناه.
وقوله تعالى (وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ) وقوله تعالى (وَلا يُبْدِينَ
زِينَتَهُنَ) ـ الى قوله ـ (أَوْ أَبْنائِهِنَّ
أَوْ أَبْناءِ بُعُولَتِهِنَ) لا خلاف في عموم الحكم لجميع أولاد الأولاد من ذكور وإناث
، ولأن الإجماع واقع على تسمية الحسن والحسين عليهماالسلام بأنهما أبناء رسول الله صلىاللهعليهوآله وأنهما يفضلان بذلك ويمدحان ، ولا فضيلة ولا مدح في وصف
مجاز مستعار ، فثبت أنه حقيقة.
وقد روى أصحاب
السير كلهم أن أمير المؤمنين عليهالسلام لما أمر ابنه محمد بن الحنفية وكان صاحب رأيته يوم الجمل
في ذلك اليوم ، فقال له :
أطعن بها طعن أبيك تحمد
|
|
لا خير في الحرب إذا لم يوقد
|
بالمشرفي
والقنا المسدد
|
فحمل رضي الله عنه
وأبلى جهده ، فقال أمير المؤمنين عليهالسلام : أنت ابني حقا ، وهذان ابنا رسول الله صلىاللهعليهوآله ، يعنى الحسن والحسين عليهماالسلام. فأجرى عليهما هذه التسمية مادحا لهم ومفضلا ، والمدح لا
يكون
بالمجاز
والاستعارة.
ولم تزل العرب في
الجاهلية تنسب الولد الى جده ، اما في موضع مدح أو ذم ، ولا يتناكرون ذلك ولا
يحتشمون منه. وقد كان يقال للصادق عليهالسلام أبدا أنت ابن الصديق ، لأن أمه بنت القاسم بن محمد بن أبي
بكر.
ولا خلاف أن عيسى عليهالسلام من بني آدم وولده ، وانما ينتسب إليه بالأمومة دون الأبوة.
فإن قيل : اسم
الولد يجري على ولد البنات مجازا ، وليس كل شيء استعمل في غيره يكون حقيقة له.
قلنا : الظاهر من
الاستعمال الحقيقة ، وعلى من ادعى المجاز الدلالة وقد بينا في غير موضع أن الأصل
الحقيقة ، والمجاز طار داخل في الاستعمال محمول على الأصول ، الا أن ينقل دلالة
قاهرة.
فان قالوا : لو
حلف [رجل بالطلاق أو بالله تعالى أنه لا ولد له وله ولد بنت لما كان حانثا.
قلنا : يكون عندنا
حانثا إذا أطلق القول ، وانما لا يكون حانثا إذا نوى ما يخرجه عن الحنث] من لا ولد له وله ولد بنت أنه لا ولد له لم يحنث.
قلنا : بل يحنث مع
الإطلاق ، وانما لا يحنث إذا نوى ما يخرجه عن الحنث.
وقد ناقض الفضل بن
شاذان في مذهبه وقال في كتابه في الفرائض : في رجل خلف بنت ابن وابن بنت أن لبنت
الابن الثلثين نصيب أبيها ولابن البنت الثلث نصيب أمه في ولد الولد نصيب من يتقرب
به وأعطاه ذلك.
ثم قال في هذا
الكتاب : في بنت ابن وابن ابن أن المال بينهما للذكر مثل
__________________
حظ الأنثيين. وهذه
مناقضة لما قرره ، لان بنت الابن تتقرب بأبيها وابن الابن يتقرب أيضا بأبيه ، فيجب
أن يتساويا في النصيب ، فكيف جعل هاهنا للذكر مثل حظ الأنثيين ، مع أن كل واحد
يتقرب بغيره ، فله على مذهبه نصيب من يتقرب به ، وألا فعل مثل ذلك في بنت ابن وابن
بنت وجعل للذكر مثل حظ الأنثيين.
ومن العجب أنه قال
في كتابه ما هذه حكاية لفظه : فان ترك ابن بنت وابنة ابن وأبوين ، فللأبوين
السدسان ، وما بقي فلابنة الابن حق أبيها الثلثان ، ولابن البنت حق أمه الثلث ،
لان ولد الابنة ولد كما أن ولد الابن ولد.
وهذا التعليل ينقض
الفتوى ، لأنه إذا كان ولد البنت ولدا ، كما أن ولد الابن كذلك، فيجب أن يكون
المال بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين ، لظاهر (يُوصِيكُمُ اللهُ) وكيف أعطي الأنثى ضعف ما أعطى الذكر.
وقد وافق الحق
مذهب ابن شاذان في بعض المسائل من هذا الباب وان خالف في التعليل ، مثل من خلف بنت
بنت وابن ابن ، فإنه يعطى البنت نصيب أمها وهو الثلث ، ويعطى الابن نصيب أبيه وهو
الثلثان ، وهكذا نعطيهما نحن ، لأنا ننزلهما منزلة ابن ابن وبنت بلا واسطة للذكر
مثل حظ الأنثيين.
|
(٤٤)
مسألة عدم تخطئة
العامل بخبر الواحد
|
بسم الله الرّحمن
الرّحيم
مسألة
[عدم تخطئة العامل
بخبر الواحد]
فقال : كيف تنكرون
أن يكون إرسال أخبار الآحاد في الأحكام الشرعية مما قامت الحجة بالعمل به
فضلا حتى أن الإمامية يختلفون فيما بينهم في أحكام شرعية معروفة.
ويستمسك كل فريق
منهم الى اخبار الآحاد في المذهب ولا يرجع كل فريق [من] موالاة الفريق الأخر وان خالفه ، ولا يحكم
بكفره وتضليله ، وهذا يقتضي أنه انما لم يرجع عن موالاته ، لانه استند فيما يذهب
إليه الى ما هو حجة.
الجواب :
ان أخبار الآحاد
مما لم تقم دلالة شرعية على وجوب العمل بالأقل ، ولا
__________________
القطع العذر بذلك
، وإذا كان خبر الواحد لا يوجب عملا ، فإنما يقتضي إذا كان رواية على غاية العدالة
ظنا ، فالتجويز لكونه كاذبا ثابت ، فالعمل بقوله يقتضي الإقدام على ما يعلم قبحه.
فأما الاستدلال
على أن الحجة ثابتة بقبول أخبار الآحاد ، بأن لا نكفر من خالفنا في بعض الأحكام
الشرعية من الإمامية ولا يخرج عن موالاته ، فلا شبهة في بعده ، لأنا لا نكفر ولا
نرجع عن موالاة من خالف من أصحابنا في بعض الشرعيات ، وان استند في ذلك المذهب الى
التقليد ، أو يرجع فيه الى شبهة معلومة بطلانها.
ولم يدل عدولنا عن
تكفيره وتمسكنا بموالاته على أن التقليد الذي تمسك به واعتمد في مذهبه ذلك عليه حق
وأن فيه الحجة ، فكذلك ما ظنه السائل.
وبعد : فلو كنا
انما عدلنا عن تكفيره وأقمنا على موالاته من حيث استند من أخبار الآحاد الى ما
قامت الحجة في الشريعة ، لكنا لا نخطئه ولا نأمره بالرجوع عما ذهب إليه ، لان من
عول في مذهب على ما فيه الحجة ولا يشتمل عليه .
ونحن نخطئ من
أصحابنا من خالفنا فيما قامت الأدلة الصحيحة عليه من الأحكام الشرعية ، وما يره بالرجوع إلى الحق وقول ما هو عليه.
وانما لا نضيف الى
هذه التخطئة التكفير والرجوع عن الموالاة ، وليس كل مخطئ كافرا وغيره مسلم ، وان الحق من أصحابنا في الأحكام الشرعية انما عول فيما ذهب اليه ،
ومن عدل على خبر الواحد وهو لا يوجب علما كيف
__________________
يكون عالما قاطعا
وما بقي ما يحتاج إليه في هذا الكلام ، الا أن يبين من أي وجه لم نكفر من خالفنا
في بعض الشرعيات من أصحابنا مع العلم بأنه مبطل.
والوجه في ذلك :
ان التكفير يقتضي تعلق الأحكام الشرعية ، كنفي الموالاة والتوارث والتناكح وما جرى
مجرى ذلك.
وهذا انما يعلم
بالأدلة القاطعة ، وقد قامت الدلالة واجتمعت الفرقة المحقة على كفر من خالفها في
الأصول ، كالتوحيد والعدل والنبوة والإمامة.
فأما خلاف بعض
أصحابنا لبعض في فروع الشرعيات ، فمما لم يقم دليل على كفر المخطئ ، ولو كان كفرا
لقامت الدلالة على ذلك من حاله ، وكونه معصية وذنبا لا يوجب عندنا الرجوع عن
الموالاة ، كما نقول ذلك في كل معصية ليست بكفر.
فان قيل : فلو
خالف بعض أصحابكم في مسح الرجلين وذهب الى غسلهما وفي أن الطلاق الثلاث يقع جميعه
، كنتم تجتمعون على موالاته.
قلنا : هذا مما لا
يجوز أن يخالف فيه امامي ، لان هذه الاحكام وما أشبهها معلوم ضرورة أنه مذهب
الأئمة ، وعليه إجماع الفرقة المحقة ، فلا يخالف فيها من وافق في أصول الإمامة ،
وانما يخالف فيها من يخالف في الأصول الإمامية ومن خالف في أصولهم كفر بذلك.
فان قيل : أفلستم
تكفرون مخالفيكم من خالف في صغير فروع الشرعيات وكبيرها ، فكيف تكفر المخالف بما
لا تكفر به الموافق.
قلنا : نحن لا
نكفر مخالفنا إذا خالف في فرع لو خالف فيه موافق من أصحابنا لم نكفره ، وانما نكفر
المخالف في ذلك الفرع بما ذهب اليه المذاهب التي تقتضي تكفيره.
مثال ذلك : ان من
خالف من أصحابنا وقال : ان ولد الحر من المملوكة
مملوك ، إذا لم
يشرك لم يكن بذلك كافرا ، وكان هذا القول باطلا.
وكذلك المخالف لنا
في الأصول إذا خالف هذه المسألة وقال : ان الولد مملوك وهذا مذهبكم ، لا يكون بهذا
القول بعينه كافرا ، وانما نكفره في الجملة بما خالف فيه مما يقتضي الأدلة أن يكون
كفرا.
|
(٤٥)
مسألة في استلام
الحجر
|
بسم الله الرحمن
الرحيم
قولهم عند
استلامهم له : أمانتي أديتها وميثاقي تعاهدته لتشهد لي بالموافاة غدا. من المخاطب
به؟ ومن المستمع له؟ فان هذا يقتضي أن يكون المخاطب بهذه المخاطبة سامعا رائيا
شاهدا مبلغا.
وما معنى قولهم :
لبيك اللهم لبيك؟ أهو جواب منهم لنداء إبراهيم عليهالسلام حين أمره الله تعالى أن يأذن بالحج كيف هو؟.
الجواب :
أما استلام الحجر
فهو غير مهموز ، لانه افتعال من السلم التي هي الحجارة واستلام بما هو مباشرته
وتقبيله والتمسح ، وحكى ثعلب وحده في هذه اللفظة الهمزة ، وجعله وجها ثابتا وترك
الهمز ، وفسره بما اتخذ جنة وسلاحا ولامة وهي الدرع. وما هذا الوجه الذي حكاه ثعلب
في هذه اللفظة إلا مليحا إذا كان مسموعا فيها.
فأما الغرض في
استلام الحجر ، فهو أداء العبادة وامتثال أمر الرسول صلىاللهعليهوآله والتأسي بفعله ، لأنه أمر عليهالسلام باستلامه الحجر ، ولما ... حج عليهالسلام رئي مستلما له ، وقد أمر بالتأسي بأفعاله في العبادات ،
كما أمر بالتأسي بأقواله.
والعلة في هذه
العبادة على سبيل الجملة ، مصلحة للمكلفين وتقويتهم للواجب وترك القبيح ، وان كنا
لا نعلم الوجه على سبيل التفصيل.
وما السؤال عن
معنى ذلك الا كالسؤال عن معنى الطواف وكونه سبعة أشواط ورمي الجمار والسعي بين
الصفا والمروة والوقوف بعرفات.
فأما ما روي من
القول الذي يقال عند استلام الحجر الذي هو : أمانتي أديتها وميثاقي تعاهدته لتشهد
لي بالموافاة غدا.
والسؤال من
المخاطب به والمستمع له ، فالوجه في ذلك بين ، لان ذلك هو دعاء الله تعالى وخطبات
له ، وهو المستمع له والمجازي عليه ، وانما علقه بالحجر وأضافه اليه ، لأنه عمل
عنده وعبادة فيه وقربة الى الله تعالى ، فكأنه قال : أمانتي في استعلائك أديتها.
ومعنى «لتشهد لي
بالموافاة» أي ليكون عملي عندك شاهدا عند الله تعالى بموافاتي بما ندبت اليه من
العبادة المتعلقة بك المفعولة فيك.
وقد روى في معنى
استلام الحجر وخطابه وفي علل كثير من العبادات أشياء يرغب عن ذكرها ، لأنها
مستفتحة خارجة عن العقول ، يحمل التأويل والتخريج على الوجوه الصحيحة، فعلى بعد
وتعسف وتكلف ، وقد أغنى الله
__________________
بالظواهر الصحيحة
عن البواطن السقيمة.
فأما التلبية
فمأخوذة من قولهم «ألب بالمكان إلبابا» إذا قام به. فمعنى «لبيك» أي نقيم على
إجابتك وطاعتك.
فأما السؤال عن
هذه في تلبية الحج ، وهل هي جواب لنداء إبراهيم عليهالسلام أم لغيره؟.
فالجواب ان
التلبية بالحج إجابة لدعاء من دعا اليه وأمر به وهو الله تعالى.
ألا ترى أنهم
يقولون : «لبيك ان الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك» ويتبعون ذلك ألفاظا لا
يليق الا به تعالى ، فالاجابة له تعالى ، لأنه الأمر بالحج وتلبيتنا إنما أمره به.
وقد بينا أن نداء
إبراهيم عليهالسلام لا يجوز أن يتعلق حمله بأمة محمد صلىاللهعليهوآله ، لانه غير مبعوث إليهم ولا مؤد للشريعة التي تلزمهم ، فلم
يبق الا أن تكون تلبية المسلمين بالحج انما هي إجابة لدعاء الله تعالى الذي بلغه
وأداه إلينا الرسول محمد صلىاللهعليهوآله.
وهذا واضح لمن
تأمله.
__________________
بسم الله الرّحمن
الرّحيم
زعمت المعتزلة
بأسرها وكثير من الشيعة والزيدية والخوارج والمرجئة بأجمعها أن الله تبارك وتعالى لا
يجوز أن يتحرك ، ولا يجوز أن يكون في الأماكن ولا في مكان دون مكان ، وأنه في جميع
الأماكن بالعلم بها والتدبير لها.
وقال هشام بن
الحكم ، وعلي بن منصور ، وعلي بن إسماعيل بن ميثم ، ويونس بن عبد الرحمن مولى آل
يقطين ، واين سالم الجواليقي ، والحشوية وجماعة المشبهة : ان الله جل وعزفي مكان
دون مكان ، وأنه يتحرك وينتقل ، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.
فان قالوا : إذا
قلتم ان الله جل وعز على العرش بمعنى استولى عليه بالملك والقدرة.
قلنا : لا يلزمنا
أن نضيق على قول قلنا به سماعاً واتباعاً ، كما لا يلزمنا والمشبهة إذا قلنا الله
ان تعالى على كل شيء وكيل ، وخرجنا معناه أنه حافظ
لذلك أن يقول :
انه وكيل على البيع والكنائس والقبائح والمستقلات ، بمعنى انه حافظ لذلك مالك له ،
وقد قال الله تعالى (لَهُ ما فِي
السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ولا يقول لله الصاحبة ولله الولد ولله الأرجل ولله الفروج
، فكذلك ما قلناه. ولا يلزمنا شيء مما ألزمونا.
ومما استدلوا به
على أن الله تعالى في السماء دون الأرض قوله تعالى (إِلَيْهِ يَصْعَدُ
الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ) قالوا : فالدليل أنه في السماء دون الأرض قوله «يرفعه».
يقال لهم : يجوز
هذا القول ، لان لله عزوجل ديوان أعمال العباد في السماء والحفظة من الملائكة فيها ،
فيكون ما وقع هناك هل وقع إليه ، لأنه أمر بذلك كما حكى الله تعالى عن إبراهيم عليهالسلام من قوله (إِنِّي ذاهِبٌ إِلى
رَبِّي) يريد الى الموضع الذي أمرني ربي ان أذهب اليه ، وكقوله
تعالى (وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ
بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ) فجعل هجرته عنده الى الموضع الذي أمره بالهجرة اليه ، وهو
موضع هجرة رسوله اليه ، وهذا تأويل جائز.
ومما استدلوا به
أيضاً : رفع أهل الأرض أبصارهم إلى السماء عند الدعاء كما يرفع الرافع نظره الى
الموضع الذي فيه الملك عند مخاطبته.
قالوا : فإذا
سئلنا عن السجود؟.
قلنا : ان ذلك لنا
لا علينا ، لانه دليل على التذلل والخضوع ، لأنك إذا وقعت بين يدي الملك رميت
بطرفك الى دون الجهة التي فيها ونكست رأسك وحملته أنه قعد.
__________________
فيقال لهم : ما
تنكرون من أن يكون رفع من يرفع يده وطرفه الى السماء ليس فيه حجة على أن الله
تعالى في السماء دون الأرض ، كما أن توجه المسلمين نحو البيت بالصلاة لا يوجب أن
الله تعالى في الكعبة دون غيرها من البقاع ، وقد قال الناس : الحاج زوار الله.
فان قال : ذلك
تعبد.
قلنا : فرفع
الأيدي أيضاً تعبد.
حكت جماعة من
المعتزلة عن الحسن بن محمد النجار ، أنه زعم أنه يجوز أن يحول الله العين الى
القلب ويجعل له قوة ، فيعلم الله تعالى ، فيكون ذلك العلم رؤية بالعين ، أي علماً
به.
واحتج من الحديث
بأن الله لا يرى بخبر رواه محبوب بن الحسن بإسناده ، عن الشعبي عن المسروق قال :
كنت عند عائشة ، فقالت : ثلاث من قالهن فقد أعظم الفرية ، وذكرت الأمرين الآخرين ،
قال قلت : يا أم المؤمنين انظري ولا تجعلي ، أرأيت قول الله تعالى (وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى) وقوله (وَلَقَدْ رَآهُ
بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ) قالت : رأى جبرئيل.
وقيس بن أبي حازم
راوي خبر الرؤية ، وهو «ترون ربكم» مقدوح في عدالته من وجوه : منها أنه كان يطعن
على الصحابة ، فروى عنه ما أنكره أصحاب الأخبار ، كيحيى بن معمر ومن جرى مجراه.
قال : استشفعت بعلي على عثمان فقال : استشفع بي على حالة الخطاء بان.
وقال قيس رأيت
الزبير وسعداً اقتسما أرضا ، فما افترقا حتى ترابيا بالحجارة.
وروي عن قيس عن
ابن مسعود قال : وددت أني وعثمان برمل عالج يحثو علي وأحثو عليه حينئذ حتى يموت
الأعجز منا ، وكان قيس قد هرم وتغير عقله.
قال إسماعيل : قال
لي يوماً : يا إسماعيل خذ هذين الدرهمين واشتر سوطاً
أضرب به الكلام.
وروى ابن فضيل عن
قطر بن خليفة عن أبي خالد الرافتي عن علي عليهالسلام أنه على المنبر قال : ان أكذب رجل من أحياء العرب على رسول
الله لأبو هريرة الدوسي.
وقال عبد الرحمن
بن صالح الأزدي حدثنا خالد بن سعيد الأموي عن أبيه قال قالت عائشة : يا أبا هريرة
ما هذه الأحاديث التي تبلغنا عنك عن النبي صلىاللهعليهوآله ، ما سمعت الا ما سمعنا ، ولا رأيت إلا ما رأينا. فقال :
يا أماه كان يشغلك عن رسول الله المرآة والمكحل والتصنع لرسول الله صلىاللهعليهوآله واني والله ما كان يشغلني عنه شيء .
__________________
|
(٤٧)
تفسير الآيات
المتشابهة من القرآن
تفسير سورة الحمد
|
بسم الله الرّحمن
الرّحيم
مسائل
سألتم أيدكم الله
وأحسن توفيقكم إملاء كتاب في متشابه القرآن والكلام على شبه سائر المبطلين الذين
تعلقوا بآياته ، كالمجبرة والمشبهة والملحدة ، ومن عداهم من أعداء الإسلام
الطاعنين فيه.
وذكر أن ما صنف من
الكتب في هذا الباب لا يحيط به المعاني أجمع ، لأن أكثر من تكلم على متشابه القرآن
انما تشاغل بالمجبرة والمشبهة ولم يعرض لمن عداهم.
والتفاسير الكاملة
ربما لم يستوف مصنفوها الكلام على هذه الأغراض ومن استوفى شيئاً منها ، فهو من
خلال كلام طويل وبحر عميق يتعذر على المستفيد إدراكه ويتعذر عليه اصابته.
وأنا أجيب الى ما
التمسوه مستعيناً بالله تعالى ومستمداً منه توفيقه وتأييده ،
وهو حسبي ونعم
الوكيل.
(متشابه فاتحة الكتاب)
ان سأل سائل فقال
: ما الوجه في تكرير قوله تعالى (الرَّحْمنِ
الرَّحِيمِ) وكلاهما يفيد معنى واحد ، واشتقاقهما من الرحمة ، وقد كان
في ذكر أحدهما كفاية عن الأخر.
الجواب :
قلنا : في ذلك
وجوه :
أولها : أن قولنا «الرحمن»
أبلغ في المعنى وأشد قوة نم قولنا «الرحيم» وهذا المثال مما وضعه أهل اللغة
للمبالغة والقوة ، ألا ترى أنهم يقولون سكران وغضبان وعطشان [وجوعان] لمن امتلأ
سكراً وغضباً وعطشاً واشتد جوعه ، وهذا الوجه ذكره المبرد.
وثانيها : أن «الرحمن»
يفيد عموم الرحمة بالعباد في الدنيا ، و «الرحيم» يختص بالمؤمنين في الآخرة ، يقوى
هذا الوجه تعالى (وَكانَ
بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً) ، فإذا كان بينهما هذا الفرق فذكرهما واجب.
وثالثها : أن
قولنا «رحمان» يشترك فيه اللغة العربية والعبرانية والسريانية ، وقولنا «رحيم»
يختص بالعربية ، فأراد تعالى أن يصف ، فعبر بالرحمة بالوصف الخاص والمشترك حتى لا
تبقى شبهة.
ورابعها : أن «الرحمن»
من الأوصاف التي يختص بها القديم تعالى ، ولا يجوز أن يسمى بها غيره ، و «الرحيم»
يختص به وبغيره يشترك بينه وبين
غيره ، فأراد تعالى
أن يصف نفسه بما يختص به ، ويشارك فيه من أوصاف الرحمة. وهذا يرجع معناه الى
الجواب الأول ، لأنه لما اختص «الرحمن» به تعالى لقوته ومبالغته.
وخامسها : أن يكون
المعنى وان كان واحداً ، فالمراد به التوكيد ، والشيء قد يؤكد على مذاهب العرب ،
بأن يعاد لفظه بعينه ، كقول الشاعر :
ألا سألت جموع كندة إذ تولوا
|
|
.. ابن ابنا
|
وقد تؤكد أيضاً
بأن يخالف بين اللفظين وان كان المعنى واحداً ، كقول الشاعر :
وهند أتى من دونها النائي والبعد
وهذا التأكيد
المختلف اللفظ أحسن عندهم ، ونظائره وشواهده أكثر من أن تحصى ، والتأكيد في قوله
تعالى (الرَّحْمنِ
الرَّحِيمِ) أحسن وجهي التأكيد وأبلغهما.
وهذا الجواب على
مذهب من يقول : ان التأكيد لا يفيد الا معنى المؤكد ، وفي هذا خلاف ليس هذا موضع
ذكره.
مسألة
فإن قال قائل :
فما الوجه في قوله تعالى (الْحَمْدُ لِلَّهِ
رَبِّ الْعالَمِينَ) هذا الكلام لا يخلو من أن يكون خبراً وتحميداً منه تعالى
لنفسه أو أمراً ، فإن كان خيراً فأي فائدة في أن يحمد هو تعالى لنفسه ويشكرها ،
وان كان أمراً فليس بلفظ الأمر.
الجواب :
قلنا قد قيل في
ذلك : أنه أمر ، وأن المعنى فيه قولوا «الحمد لله» وروي أن جبرائيل لما نزل على
النبي صلىاللهعليهوآله بهذه السورة ، قال له قل : يا محمد وأمر أمتك بأن يقولوا (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) وحذف القول.
وفي القرآن واللغة
أمثاله كثيرة ، قال الله تعالى (وَالْمَلائِكَةُ
يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ) وقال تعالى (وَالَّذِينَ
اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى
اللهِ زُلْفى) والمعنى : أنهم قالوا كذلك.
وقال الشاعر :
وقفت يوماً به أسائله
|
|
والدمع ملي الحبيب تستبق
|
بأربع ان تقول لهم سلكوا
|
|
أم أي وجه تراهم انصفقوا
|
وانما أراد : أقول
بأربع. فحذف.
وجواب آخر : وهو
أن يكون الكلام مستقلا بنفسه لا حذف فيه ، والغرض به أن يخبرنا أن الحمد كله له ،
وأنه يستحق له بكل نعمة ينالها الحمد والشكر.
ألا ترى أن كل
نعمة وصلت إلينا من قبل العباد ، فهي مضافة اليه وواصلة من جهته، لانه تعالى جعلنا
على الصفات التي لو لم يجعلنا عليها لما انتفعنا بتلك النعمة ، كالحياة والشهوة
وضروب الا الآلات وغير ذلك.
ولو لم يجعل لنا
أيضاً تلك الأجسام التي نتناولها وننتفع بها على ما هي عليه من الطعوم والصفات لما
كانت نعمة ، فقال : ان المرجع بالنعم كلها إليه
__________________
والحمد كله يستحقه.
مسألة
فإن قال : فما
الوجه في قوله تعالى (الْحَمْدُ لِلَّهِ) ولم يقل : الحمد لي ، وهو أخصر وأقرب وأولى في الاختصاص.
الجواب :
قلنا : للخطاب
موافق يتفق في المعنى ، ويختلف في الفخامة والتعظيم والجلالة والنباهة ، فيكون
العدول الى ما اقتضى التفخيم أولى ، وان كان المعنى واحداً وجدناهم يفرقون بين
خطاب الوالد لابنه والرئيس لرعيته ، وبين خطاب النظيرين ، فيقول الوالد لابنه يجب
أن تطيع أباك فلأبيك عليك الحق ، ويكون هذا أولى في خطابه الدال على تقدمه عليه ،
من أن يقول له يجب أن تطيعني ولا تعصيني.
ويكتب الخليفة في
الكتب النافذة عنه أمير المؤمنين يقول كذا وكذا وما يرتكب كذا وكذا ، وربما شافهه
بمثل هذا الخطاب.
وكل هذا يقتضي
جلالة هذه السورة وفخامة موضعها.
وإذا كان الأمر
على ما ذكرناه ، فالعدول عن القول الذي ذكروه أولى ، وما اختاره الله في كتابه هو
الواجب.
مسألة
فإن قيل : فما
الوجه في قوله تعالى (مالِكِ يَوْمِ
الدِّينِ) وهو تعالى مالك ليوم الدين ولغير يوم الدين ولكل شيء من
المملوكات؟
وما السبب في هذا
الاختصاص في الموضع الذي يقتضي العموم والشمول.
الجواب :
أحد ما قيل في هذا
الموضع : ان وجه اختصاص الملك ليوم الدين من حيث كانت الشبهات في ذلك اليوم زائلة
عن تفرده بالملك ، لان من يدعى أن الملك في الدنيا لغيره ويدعو من دونه أضداداً
وأنداداً تزول هناك شبهته وتحصل معرفته على وجه لا يدخله الشك ولا يعترضه الريب ،
فكأنه أضاف الملك الى يوم الدين لزوال الريب فيه وانحسار الشبهات عنه.
ووجه آخر : وهو أن
يوم الدين إذا كان أعظم المملوكات وأجلها خطراً وقدراً ، فالاختصار عليه يغني عن ذكر غيره ، لان ملك العظيم الجليل يملك
الحقير الصغير أولى ، ومن عادة العرب إذا أرادوا التعظيم والمبالغة أن يعلقوا
الكلام بأعظم الأمور وأظهرها ، ويكتفون بذلك عن ذكر غيره شمولا أو عمومه .
ألا ترى أنهم إذا
أرادوا أن يصفوا رجلا بالجود ويبالغوا في ذلك ، قلوا : هو واهب الألوف والقناطير ،
ولم يفتقروا أن يقولوا : هو واهب الدوانيق والقراريط للاستغناء عنه ولدلالة الكلام
عليه.
ووجه آخر : وهو أن
يكون في الكلام حذف ، ويكون تقديره : مالك يوم الدين وغيره ، كما قال تعالى (سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ) والبرد فحذف اختصاراً.
وهذا الجواب يضعف
وان كان قوم من المفسرين قد اعتمدوه في هذا الموضع ،
__________________
لان الحذف انما
يحتاج اليه عند الضرورة بتعذر التأويل ، فأما مع إمكانه وتسبله فلا وجه لذكر الحذف.
والمثال الذي
مثلوا به غير صحيح ، لان قوله تعالى (سَرابِيلَ تَقِيكُمُ
الْحَرَّ) ما يرد والبرد ، ثم حذفه.
بل الوجه فيه أنه
خاطب قوماً لا يمسهم الا الحر ، ولا مجال للبرد عليهم ، لان بلادهم يقتضي ذلك ،
فنفى الأذى يعتادونه.
ويمكن أن يكون
إرادته نفي الأمرين ، فدل على نفي أضعفهما ، كما ذكرناه قبل.
مسألة
فإن قيل : فما
الوجه في قوله تعالى (إِيَّاكَ نَعْبُدُ
وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) وما الفائدة في هذا التكرار؟ ويغني أن يقول : إياك نعبد
ونستعين.
الجواب :
قلنا : قد قيل في
ذلك : ان الكناية لو تأخرت عن القائل فيها لتكررت ، فكذلك يجب إذا تقدمت. ألا ترى
أنه لو قال : نعبدك ونستعينك ، لكان يجب من تكرار الكناية ما يجب مثله إذا تقدمت.
وهذا ليس بشيء ،
لأنه يجوز أن يقول القائل : نعبدك ونستعين ، ويقول : أما زيد فاني أحبه وأكرم ،
فلا تكرر الكناية ، فسقط هذا الوجه.
__________________
وقيل أيضاً في جواب
هذه الشبهة : ان الفائدة في تكرار لفظ «إياك» التأكيد ، وان كان المعنى واحداً.
وهذا الجواب انما
يتم على مذهب من يقول بالتأكيد ، ومعناه معنى المؤكد في اللغة.
وأصح ما أجيب عن
هذه الشبهة أنه تعالى لو قال : إياك نعبد ونستعين ، لكان الكلام موهماً ، لان
الاستعانة تكون لغيره ، لانه لم يعلقها في الكلام به تعليقاً يمنع من هذا التوهم
والاحتمال ، فإذا قال : وإياك نستعين ، زال الاحتمال وتخصص الكلام.
مسألة :
فإن قيل : ما
أنكرتم أن يكون أمره لنا بأن نعبد دليلا على أنه ما فعل المعونة ، وانه يجوز ن لا
يفعلها ، ومنها على ان القدرة مع الفعل حتى يصح أن يدعوه بأن يجددها في كل
حال.
الجواب :
قلنا : ليس الأمر
على ما توهموه في معنى الآية ، لانه يجوز بأن يكون قد أعاننا ....
ورابعها : أن يكون
الصراط هاهنا معناه الطريق إلى الجنة ، لأن الأصل في تسمية الصراط بأن الصراط هو
الطريق ، قال الشاعر :
__________________
أمير المؤمنين على صراط
|
|
إذا اعوج الموارد مستقيم
|
فكان دعوناه تعالى
بأن يدخلنا الجنة ان يهدينا الى طريق الثواب ، وهذا أمر مرجو مستقبل ما تقدم مثله
، ويكون التماسه باطلا ، وقد سمى الله تعالى الإيصال إلى الثواب والى العقاب بأنه
هداية إليهما ، فقال تعالى (وَالَّذِينَ قُتِلُوا
فِي سَبِيلِ اللهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ
بالَهُمْ. وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَها لَهُمْ) ونحن نعلم أن الهداية التي تكون في الآخرة بعد انقطاع
التكليف لا يليق الا بالثواب وطريقه دون غيره.
وقال تعالى (فَاهْدُوهُمْ إِلى صِراطِ الْجَحِيمِ) وقال عزمن قائل في موضع آخر (وَلا لِيَهْدِيَهُمْ
طَرِيقاً إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ).
وهذا كله يوضح ما
ذكرناه ، من ان الهداية قد تكون الى الثواب والى العقاب ، فسقطت الشبهة من كل وجه.
مسألة
فإن قيل : فما
الوجه في قوله تعالى (صِراطَ الَّذِينَ
أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) وهو يعني المؤمنين لا محالة ، وليس هذا يقتضي أن يكون منعماً عليهم بالايمان والدين.
لانه لو أراد غير
ذلك لما كان فيه تخصيص للمؤمنين من الكافرين الضالين ، لان نعم الدنيا تشتمل
الجميع ، وكذلك النعمة بالتكليف ، والتعريض شاملة
__________________
للجميع ، فلم يبق
ما يختص به المؤمنون إلا الايمان ، وإذا كان منعماً بالايمان وجب أن يكون من فعله
تعالى ، لان المنعم لا يكون منعماً الا بما يفعله.
الجواب :
قلنا : غير مسلم
لكم أن المراد بالانعام هاهنا الايمان والدين ، لانه تعالى قد ينعم على المؤمنين
بأشياء يخصهم دون الكافر بالخواطر والبواعث السهلة الشارحة للصدور ، ولهذا قال
تعالى (وَالَّذِينَ
اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً) فبين أنه قد خصهم لمكان هداهم وايمانهم بما لم يعم به
الكافرين.
ثم يجوز أن يريد
بالنعمة هاهنا الثواب ، لان الثواب من فعله ، وإذا كان انما استحق بتعريضه وتكليفه
كان نعمة منه تعالى ومنسوباً الى تفضله ورحمته.
ثم لو سلمنا أن
المراد بالاية (الَّذِينَ أَنْعَمْتَ
عَلَيْهِمْ) بالايمان حسب ما اقترحوا لم تكن فيه دلالة على أن الايمان
من فعله عز اسمه ، لأنه إذا كان بتفويضه وتكليفه وتوفيقه وألطافه ومعونته ، فهو
نعمة منه.
ألا ترى ان أحدنا
إذا دفع الى غيره ما لا عظيماً تفضلا عليه ، فصرفه ذلك الغير في ضروب المنافع
وابتياع العبيد والضياع ، لم يمتنع أحد من ان ينسب تلك الضياع أنها نعمة من دافع المال من حيث وصل إليها بنعمته ومعونته ،
وهذا واضح لا شبهة فيه.
__________________
سورة البقرة
فإن قيل : كيف
يجوز أن يسمى الله تعالى السور بهذه الأسماء؟ ولم تجر عادة العرب أن يسموا بمثلها
، والقرآن بلغتهم.
قلنا : ليس في
الأسماء حطة ، ولا يجب فيه الاتباع والاقتداء ، ولهذا جاز أن يحدث أهل كل صناعة
لما عرفوه من الآلات والأدوات أسماء ، وان لم تكن تلك الأسماء في اللغة أسماء لتلك
المسميات ، وقد يجوز أن يسمي أحدنا ولده ما لم يسبق اليه ، ولا يكون بذلك معيباً.
فان قيل : كيف
يجوز أن تكون هذه الحروف أسماء للسور مع اشتراك جماعة من السور في بعضها وخلو كثير
من السور من شيء منها؟
قلنا : أما
الاشتراك فغير ممتنع أسماء الألقاب ، وان كان الألقاب في الأصل إذا كانت للتميز ألا يقع فيها الاشتراك ، ثم عند وقوع
الاشتراك فيها فزعوا الى الصفات ، ولهذا قالوا : زيد الطويل العاقل ، وألحقوا
الصفة لما وقع الاشتراك في الاسم ، ولو لم يكن في العالم الأزيد واحد ، لما احتاجوا
إلى الصفة.
وهكذا السور ، لما
وقع الاشتراك في أسمائها ألحقوا بها ما بينه على التمييز ، فقالوا : الدخان
والزخرف وما أشبه ذلك ، ولم يحتاجوا الى ذلك فيما ينفرد بلقبه ، كصاد وقاف وطه وما
جرى مجراهن.
فأما خلو بعض
السور من اسم ، لان وضع الأسماء في الأصل غير واجب ، وإذا كان جاز أن يختص مسمى دون غيره.
__________________
[تفسير (الم)]
فان قيل : فما
الوجه فيما افتتح هذه السورة من قوله (الم) وهو كلام لا يعرف معناه ولا يعلم فحواه؟ وكيف يجوز أن
يخاطبهم بما لا يعرفونه ولا يقولونه.
الجواب :
قلنا : قد ذكر
الناس في معنى الحروف المقطعة التي افتتحت بها السور وجوهاً كثيرة ، فبعضها صحيح
وبعضها فاسد ، ونحن نذكر الصحيح الذي نختاره وننبه على ما فيه اختلاف وفساد.
فمن أصح ما ذكر في
ذلك وأبعده من الفساد أن يكون هذه الحروف أسماء للسور وشعاراً لها ، والأسماء إذا
كانت على سبيل التلقيب الذي ذكرناه والتمييز ، لأن الألقاب جارية مجرى الإشارة ،
ولا يفيد في اللقب أكثر من الإشارة اليه ، وإمكان الاخبار عنه عند الغيبة باللقب ،
كما أمكنت الإشارة مع الحضور.
ألا ترى ان قولنا
زيد وعمرو لا يفيدان أكثر من التلقب الذي ذكرناه ، ولا يجريان مجرى طويل وقصير وما
أشبهها من الصفات. ومن امارة كون الاسم لقباً أن يجوز تبديله وتغييره واللغة على
ما هي عليه ، والاسم المفيد لا يجوز تغييره الا بتغير اللغة.
ألا ترى أنه لو
سمينا رجلا ب «زيد» ثم بدا لنا في ذلك فسميناه ب «عمرو»
__________________
لساغ ذلك واللغة
على ما كانت عليه ، وإذا وصفناه بأنه طويل لم يجز أن نصفه بالقصير ، ونرجع عن وصفه
بالطويل الا مع تغير اللغة وانقلابها.
وهذا الوجه الذي
ذكرناه في هذه الفواتح ، قد روي عن الشيوخ الثقات الذين لا أرباب لهم ، وما لا اسم
له من السور قد يعرف ويميز بما يقوم مقام الاسم من الصفات ، كسورة النساء وسورة
المائدة وما أشبههما.
وقد طعن أبو مسلم
محمد بن بحر الأصبهاني على هذا الجواب وضعفه وأورد عليه كلاماً طويلا جملته ان قال
: الاسم غير المسمى ، فلو كانت هذه الفواتح أسماء للسور ، لوجب أن تكون غيرها ولا
تكون منها.
وقد أجمع المسلمون
قراؤهم وغير قرائهم على أن هذه الفواتح من السور ومعدودة في جملة آيها ، وهذا يوجب
مع القول بالاسم غير المسمى أنها ليست بأسماء.
والجواب عن ذلك :
ان هذه الأسماء ليست غير السور ، وهي منها على وجه ، وان كانت خارجة من جملتها على
وجه آخر ، فهي من حيث كانت أسماء لها وألقاباً عليها خارجة عنها ، لان الاسم لا بد
من أن يكون في حكم الغير المسمى ، وهي من حيث كانت قرآناً منزلا متعبداً بتلاوته
من جملة السور ، لأنا أمرنا أن نتلوها في جملتها ونبتدئ بها ثم نتبعها بالسورة ،
ولا يمتنع في الاسم أن يكون بينه وبين المسمى مشاركة من وجه ، وان كان يدخل معه في
جهة أخرى.
ألا ترى أن هذا
الاسم محدث وفعل من الافعال وموجود ومدرك ، وكل هذا قائم في المسمى ، وليس لأحد أن
يقول : قد جعلتم داخلا مع المسمى وغير متميز منه ، لأنا لم نفعل ذلك من حيث كان
اسماً ، وانما جمعنا بينه وبين المسمى من وجه لم يكن فيه اسماً للمسمى ، فكذلك
القول في هذه الفواتح.
ومن عجيب أمر أبي
مسلم أنه أعرض عن هذا الجواب وتغلغل فيه الى ما حكيناه عنه، ورد أيضاً غيره من
الأجوبة المردودة لعمري في أنفسها.
ثم اختار جواباً
ظاهر الضعف بين الفساد ، ونحن نبتدئ بالكلام عليه قبل غيره مما نريد أن نبين
فساده.
قال أبو مسلم بعد
ان اعترض أجوبة غيره كما في معنى هذه الحروف : والذي عندنا في هذه الحروف أن حروف
المعجم لما كانت أصل كلام العرب الذي منها يبنى ويؤلف افتتح الله تعالى السورة
بهذه الحروف المقطعة التي هي حروف العرب المبني منها كلامه أوردها في أوائلها
تسكيناً للعرب بما لزمهم من الحجة وظهر منهم من المعجز.
كأنهم خوطبوا فقيل
لهم : يا أيها الكافرون بما أنزل على محمد هذا الذي زعمتم أن محمداً صلىاللهعليهوآله .. الله كلام بني من
حروفكم وكتابكم وبلغتكم المتداولة بينكم لا .. ومعانيه وطرقه وبيانه معاني كلامكم
وطرائقكم ومذاهبكم ، قد دعيتم إلى الإتيان بمثله ومثل أقل سورة منه فعجزتم ، فلو
كان كما تزعمون لكنتم قادرين على مثله. وأطنب في هذا الكلام وأسهب وذهب كل مذهب.
وهذا الوجه غير
سديد ولا مرضي ، لان القوم كانوا يعرفون أن القرآن مبني من حروف المعجم ومركب منها
ضرورة عند سماعه وإدراكه ، ولا يحتاجون الى أن يقدم لهم في أوائل السور حروف تدل
على أن الكلام الذي أنزلها مبني منها.
فان كان المراد
بتقديم هذه الحروف الدلالة على أن القرآن مركب منها ، فذلك مستغنى عنه بما ذكرناه
، وان كان للتبكيت والتقريع من حيث عجزوا عن الإتيان بمثله وهو مركب منه ، فهذا
التقريع أيضاً ليتم مع إلقاء هذه الحروف ، لان المعلوم الذي لا اشكال فيه أن
القرآن من هذه الحروف مركب ،
__________________
وأنهم إذا عجزوا
عن معارضته ومقابلته ، فقد عجزوا عن تجانس كلامهم.
وليس ينبغي أن
يعتمد على هذا الجواب الذي ذكرناه مستضعفاً له.
ومما قيل في هذه
الحروف أنها منبئة عن أسماء الله تعالى ، فقالوا (الم) أنا الله ، وفي (الر) أنا الباري ، وفي (المص) أنا الله الصادق ، وفي (كهيعص) الكاف من كريم والعين من عليم والصاد من صادق والهاء من
هادي ، وهذا حكي عن جماعة من المفسرين.
وهو وجه باطل لا
خفاء في بطلانه ، لانه رمز وإلغاز لا يدل ظاهر الكلام عليه ، ولو أن أحدنا نطق
بحرف من هذه الحروف وأراد الإشارة به الى .. الحروف ، لعذر أمر ملغز ولكان مذموماً
.
وبعد فليس المناسب
للحروف المخصوص الى كلمة مخصوصة تشتمل عليه وعلى غيره ، بأولى ممن
نسبه الى غير تلك الكلمة مما يشتمل على تلك الحروف ، وهذا يقتضي أن لا يستقر لهذه
الحروف معنى من المعاني معقول ، والله تعالى يجل من أن يتكلم بما لا معنى له.
ومما قيل في ذلك
أيضاً : أن هذه الحروف تقطيع لاسم الله تعالى.
وهذا أيضاً باطل ،
لانه لا يخرج عن أن يكون خطاباً بما لا يعقل ولا يفهم معانيه.
فأما المتشابه
فعندنا أن الله تعالى وان علم تأويله والعلماء أيضاً يعلمون مثل ذلك ، والآية التي
يتعلق بها في هذا الباب من قوله تعالى (وَما يَعْلَمُ
تَأْوِيلَهُ إِلَّا
__________________
اللهُ
وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ) فنحن نبين تأويلها عند البلوغ إليها ونذكر أن المراد بخلاف
ما ظنوه بإذن الله تعالى.
ومما قيل في ذلك
أيضاً : أن المشركين كانوا تواصوا بأن لا يصغوا الى القرآن وان يلغوا فيه ويعرضوا
عنه ، فافتتح كلامه جل وعز بهذه الحروف المنضمة ليسمعوها فيصغوا إليها ، مستدعين
لها متعجبين من ورودها ، فيرد عليهم بعدها من الكلام ما يحتاجون الى استماعه وفهم
معانيه ، حتى يصير ما قدمه داعياً الى الاستماع والإصغاء ، داعيين الى الفهم
والقبول.
وهذا ليس بشيء ،
لأن الخطاب والكلام مما لا يحسن إلا للفائدة التي لا تفهم الا به. ولا يجوز أن
يقوم فيه الأغراض المختلفة مقام الإفادة ، فلا يجوز ان يخاطبهم بما لا فائدة فيه ،
حتى يحثهم ذلك الى استماع الكلام المفهوم ، لان الكلام مما لا يفيد وجهاً في قبحه.
ولا يجوز أن يخرجه
عن هذا الوجه مما فيه من الوجوه المستحسنة ، على أنه إذا كانوا انما يلغون في
كلامه ويعرضون عن بيانه عناداً عصبية ، فليس بنافع ان يقوم أمام كلامه هذه الحروف
، إذا أورد عليهم بعدها الكلام المتضمن للأمر والنهي. والاخبار ، عدلوا عن استماعه
ولغوا فيه وصارما أورده من المقدمة عاراً أو نقصاً لا يجر نفعاً ، ويجعلونه من
أوكد الحجة عليه ، لأنهم كانوا يقولون له : أنت تزعم أن الكتاب الذي جئت به
بلساننا ولغتنا ، وقد قدمت فيه ما لا نعرف تألفه ولا نتخاطب بمثله.
وقد قيل أيضاً :
ان معنى تقديم هذه الحروف لافتتاح الكلام وابتدائه ،
__________________
كقول القائل
مبتدأً : ألا ذهب ، وكقوله تعالى (أَلا إِلَى اللهِ
تَصِيرُ الْأُمُورُ).
وكقوله عزوجل (أَلا إِنَّهُمْ فِي
مِرْيَةٍ مِنْ لِقاءِ رَبِّهِمْ) وقوله تعالى (أَلا إِنَّهُمْ
يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ) ف «ألا» زائدة بلا إشكال ، لأنها لو حذفت من الكلام لم
يتغير فائدته ، وقد قال الشاعر :
ألا زعمت بسياسة القوم اننى
|
|
كبرت والا يشهد اللهو أمثالي
|
ونظائر ذلك كثيرة.
وهذا ليس بشيء ،
لأن لفظة «إلا» معروفة في لغة العرب ، وانما هي موضوعة في هذه المواضع للافتتاح ،
ولا نعرف أحداً منهم افتتح كلاماً بالحروف المقطعة على وجه من الوجوه.
فكأن هذا القائل
يقول : إذا كانت لفظة «ألا» وهي كلمة مبنية مؤلفة على بناء سائر الكلام بما جعلوه
للافتتاح ، فألا جاز أن يجعل الحروف المقطوعة التي ليست بهيئة موضوعة هذا الموضع ،
ولا شبهة في فساد هذا الضرب من القياس في اللغة ، وأنه لا يعرف فيها وخروج عن
حدها.
ومما قيل في ذلك
أيضاً : ان الافتتاح بهذه الحروف يجري مجرى المروي من العرب من قولهم :
جارية وعدتني أن يدهن رأسي
|
|
ويعلى أو ما ويمسح العنقا حتى بينا
|
وكقول الأخر :
قلنا لها قفي قالت قاف
|
|
لا يحيى انا نسينا الا يخاف
|
وكقول الأخر
__________________
بالخير خيرات
وانشرافا ولا أريد الشر إرثا
وهذا أيضاً ليس
بشيء.
والذي ذكروه من
العرب انما هو على سبيل الا يجاز والاختصار والحذف الذي يغني فيه عن تمام الكلام
معروفة القصد والإشارة اليه.
وليس هذا مما كنا
فيه بسبيل ، لان قول القائل : «وعدتني إرثا» أي تمسح رأسي.
وأما قوله : «قالت
قاف» فمعناه وقفت ، كذلك قوله «وانشرافاً» أي فتيرا.
وقوله «الا ان شاء»
فحذف بعض الكلام لدلالة الباقي عليه وعلم المخاطب به ، وكل هذا غير موجود في
الحروف المقطعة ، فكيف تجعل شاهداً عليها.
ومما قيل في ذلك
أيضاً : ان الله تعالى علم أن سيكون في هذه الأمة مبتدعون يذهبون في القرآن
المسموع المقتر ، فإنه ليس بكلام الله تعالى ، وأن كلامه على الحقيقة غيره
، فأراد تعالى بذكر هذه الحروف التنبيه على أن كلامه هذه الحروف ، وان ما ذهبوا
اليه من أن كلامه تعالى غير هذا المسموع باطل مضمحل.
وهذا أيضاً ، ليس
بشيء ، لأن ما ذهب الى أن كلامه تعالى ليس حقيقة في ذاته بما يسمع ويقرأ ، وجعل هذا القرآن عبارة وعلة
وحكاية على اختلاف عباراتهم لا بحجة ويبطل قوله أن يورد عليه هذه الحروف المقطعة ، فإنه إذا
جاز أن يقول في المركب من هذه الحروف أنه غير المسموع وأنه في النفس ، جاز
__________________
أن يقول في المفرد
مثل ذلك ، فإن الشبهة في الأمرين قائمة ، وانما يزال إذا أزيلت بغير هذه الطريقة.
وقيل في ذلك : ان
الله تعالى أقسم بهذه الحروف لعظمتها وجلالتها وكثرة الانتفاع بها ، وأنها مباني أسمائه الحسنى ، وبها أنزل تحيته على
أنبيائه ، وعليها تدور اللغات على اختلافها.
فكأنه تعالى قال :
وحروف المعجم فقد بين لكم السبل وأنهج الدلالة ، فحذف جواب القسم لعلم المخاطبين
به.
ولان قوله تعالى (ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ) يدل على الجواب ويكفي منه ، ويجري مجرى قوله تعالى (وَالنَّازِعاتِ غَرْقاً) في أن جواب القسم محذوف ، والتأويل والنازعات غرقاً لتبعثن
أو لتعرضن على الله ، فحذف الجواب ، لان قوله تعالى (إِذا كُنَّا عِظاماً
نَخِرَةً) يدل عليه ، وقوله تعالى (وَالسَّماءِ ذاتِ
الْبُرُوجِ) و (الشَّمْسِ وَضُحاها) فحذف الجواب إذا كان عليه دال سائغ في اللغة.
وان كان بعض
النحويين قد ذهب الى أن جواب (وَالسَّماءِ ذاتِ
الْبُرُوجِ) قتل أصحاب الأخدود ، معناه التقديم ، وهو الجواب على
الحقيقة ، والقدير : قتل أصحاب الأخدود والسماء ذات البروج.
وقال أبو العباس
أحمد بن يحيى : لا يجوز إضمار اللم في الجواب المتأخر ، لأن القائل إذا قال :
والله زيد قائم ، لا يجوز أن يقول : والله زيد قائم .. اللام ، لانه لا دليل
عليها.
وهذا الجواب أقرب
الى السداد من الأجوبة المتقدمة ، وأشبه بأن يكون وجهاً تالياً للوجه الذي اخترناه
قبل. وصلى الله على محمد وآله.
__________________
|
[(٤٨)
مسألة في إبطال
العمل بأخبار الآحاد]
|
بسم الله الرّحمن
الرّحيم
أعلم أنه لا يجوز
أن يتعبد أصحابنا والحال هذه أن يعملوا في أحكام الشريعة على أخبار الآحاد ، ولا
يتم على موجبات أصولهم أن يكون الأخبار التي يروونها في الشريعة معمولا عليها ،
وان جاز لخصومهم على مقتضى أصولهم ذلك.
ونحن نبين هذه
الجملة ونتجاوز عن الكلام ، على أن العلم الضروري حاصل لكل مخالف الإمامية أو
موافق ، بأنهم لا يعملون في الشريعة بخبر لا يوجب العلم ، وأن ذلك صار شعارا لهم
يعرفون به ، كما أن نفي القياس في الشريعة من شعارهم الذي يعلمه منهم كل مخالط
لهم.
ونتجاوز أيضا عن
الاعتماد في إبطال ذلك على نفي دلالة شرعية على وجوب العمل بخبر الواحد ، فإنه لا
بد باتفاق بيننا في مثل ذلك من دلالة يقطع بها ، وقد بينا هذا كله وأشبعناه
وفرعناه في جواب المسائل التبانيات.
والذي يختص هذا
الموضع مما لم نبينه هناك : أنه لا خلاف بين كل من ذهب الى وجوب العمل بخبر الواحد
في الشريعة ، أنه لا بد من كون مخبره عدلا.
والعدالة عندنا
يقتضي أن يكون معتقدا للحق في الأصول والفروع ، وغير ذاهب الى مذهب قد دلت الأدلة
على بطلانه ، وأن يكون غير متظاهر بشيء من المعاصي والقبائح.
وهذه الجملة تقتضي
تعذر العمل بشيء من الاخبار التي رواها الواقفية على موسى بن جعفر عليهماالسلام الذاهبة إلى أنه المهدي عليهالسلام ، وتكذيب كل من بعده من الأئمة عليهمالسلام ، وهذا كفر بغير شبهة ورده ، كالطاطري وابن سماعة وفلان
وفلان ، ومن لا يحصى كثرة.
فإن معظم الفقه
وجمهوره بل جميعه لا يخلو مستنده ممن يذهب مذهب الواقفة ، اما أن يكون أصلا في
الخبر أو فرعا ، راويا عن غيره ومرويا عنه.
والى غلاة ،
وخطابية ، ومخمسة ، وأصحاب حلول ، كفلان وفلان ومن لا يحصى أيضا كثرة. والى قمي
مشبه مجبر. وأن القميين كلهم من غير استثناء لأحد منهم إلا أبا جعفر بن بابويه (رحمة
الله عليه) بالأمس كانوا مشبهة مجبرة ، وكتبهم وتصانيفهم تشهد بذلك وتنطق به.
فليت شعري أي
رواية تخلص وتسلم من أن يكون في أصلها وفرعها واقف أو غال ، أو قمي مشبه مجبر ،
والاختبار بيننا وبينهم التفتيش.
ثم لو سلم خبر
أحدهم من هذه الأمور ، ولم يكن راويه الا مقلد بحت معتقد
__________________
لمذهبه بغير حجة
ودليل.
ومن كانت هذه صفته
عند الشيعة جاهل بالله تعالى ، لا يجوز أن يكون عدلا ، ولا ممكن تقبل أخباره في
الشريعة.
فإن قيل : ليس كل
من لم يكن عالي الطبقة في النظر ، يكون جاهلا بالله تعالى ، أو غير عارف به ، لان
فيه أصحاب الجملة من يعرف الله تعالى بطرق مختصرة توجب العلم ، وان لم يكن يقوى
على درء الشبهات كلها.
قلنا : ما نعرف من
أصحاب حديثنا ورواياتنا من هذه صفته ، وكل من نشير اليه منهم إذا سألته عن سبب
اعتقاده التوحيد والعدل أو النبوة أو الإمامة ، أحالك على الروايات وتلي عليك
الأحاديث. فلو عرف هذه المعارف بجهة صحيحة لا أحال في اعتقاده إذا سأل عن جهة علمها ، ومعلوم ضرورة خلاف ذلك
، والمدافعة للعيان قبيحة بذوي الدين.
وفي رواتنا ونقلة
أحاديثنا من يقول بالقياس ويذهب إليه في الشريعة ، كالفضل ابن شاذان ويونس وجماعة
معروفين ، ولا شبهة في أن اعتقاد صحة القياس في الشريعة كفر لا تثبت معه عدالة.
فمن أين يصح لنا
خبر واحد يروونه ممن يجوز أن يكون عدلا مع هذه الأقسام التي ذكرناها حتى ندعي أنا
تعبدنا بقوله.
وليس يلزم ما
ذكرناه على أخبار التواتر ، لأن الأخبار المتواترة لا يشترط فيها عدالة رواتها ،
بل قد يثبت التواتر وتجب المعرفة برواية الفاسق بل الكافر ، لان العلم بصحة ما
رووه يبتنى على أمور عقلية تشهد بأن مثل تلك الجماعة لا
__________________
يجوز عليها وهي
على ما هي عليه.
فلا بد إذا لم يكن
خبرها كذبا أن يكون صدقا ، والعمل بأخبار الآحاد عند من يذهب إليه في الشرع يقتضي
كون الراوي على صفة تجب مراعاتها ، فإذا لم يتكامل بطل الشرط في وجوب العمل.
وانما قلنا ان مثل
الذي ذكرناه لا يعترض به على مذهب مخالفينا الى العمل بأخبار الآحاد ، لأنهم لا
يراعون في صفة الناقلين كل الذي نراعيه ، ولا يكفرون بما نكفر به من الخلاف في كل
أصل وفرع ، وأكثرهم يعمل على أخبار أهل الأهواء وان كان فسقا كثيرا متى كانوا
متنزهين عما يعتقدون أنه معصية وفسق وغير منكر لا يعتقدونه قبحا ، فالأمر عليهم
أوسع منه علينا.
فان قيل : إذا
سددتم طريق العمل بالاخبار في الشريعة ، فعلى أي شيء تعولون في الفقه كله.
قلنا : قد بينا في
مواضع من كلامنا كيف الطريق لنا مع نفي القياس والعمل بأخبار الآحاد الى ذلك ،
وكشفناه وأوضحناه في جواب المسائل التبانيات وفي جواب المسائل الحلبيات ، ونحن
نورد هاهنا جملة منه.
واعلم أن معظم
الفقه نعلم ضرورة مذاهب أئمتنا فيه بالأخبار المتواترة ، فإن وقع شك في أن الاخبار
توجب العلم الضروري فالعلم الذي لا شبهة فيه ولا ريب يعتريه حاصل ، كالعلم بالأمور
الظاهرة كلها التي يدعي قوم أن العلم بها ضروري.
فان الإمامية كلها
تعلم أن مذهب أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق وآبائه وأبنائه من الأئمة عليهمالسلام إنكار غسل الرجلين ، وإيجاب مسحهما ، وإنكار المسح على
الخفين ، وأن الطلاق الثلاث لا يقع ، وأن كل مسكر حرام ، وما
جرى مجرى ذلك من
الأمور التي لا يختلج بشك بأنه مذاهبهم.
وما سوى ذلك لقلته
بل الأقل ، نعول فيه على إجماع الإمامية ، لأنا نعلم أن قول امام الزمان المعصوم عليهالسلام في جملة أقوالهم ، وكل ما أجمعوا عليه مقطوع على صحته. وقد
فرعنا هذه الجملة في مواضع وبسطناها.
فأما ما اختلفت
الإمامية فيه ، فهو على ضربين : ضرب يكون الخلاف فيه من الواحد والاثنين ،
عرفناهما بأعيانهما وأنسابهما ، وقطعنا على أن امام الزمان ليس بواحد منهما ، فهذا
الضرب يكون المعول فيه على أقوال باقي الشيعة الذين هم الجل والجمهور ، ولأنا نقطع
على أن قول الإمام في تلك الجهة دون قول الواحد والاثنين.
والضرب الأخر من
الخلاف : أن تقول طائفة كثيرة لا تتميز بعدد ولا معرفة إلا الأعيان الأشخاص بمذهب
والباقون بخلافه ، فحينئذ لا يمكن الرجوع الى الإجماع والاعتماد عليه ، ويرجع في
الحق من ذلك الى نص كتاب أو اعتماد على طريقة تفضي إلى العلم ، كالتمسك بأصل ما في
العقل ونفي ما ينقل عنه ، وما أشبه ذلك من الطرق التي قد بيناها في مواضع ، وفي
كتاب «نصرة ما انفردت به الإمامية في المسائل الفقهية».
فإن قدرنا أنه لا
طريق الى قطع على الحق فيما اختلفوا فيه ، فعند ذلك كنا مخيرين في تلك المسألة بين
الأقوال المختلفة ، لفقد دليل التخصيص والتعيين.
وكذلك القول في
أحكام الحوادث التي تحدث ولا قول للإمامية على وفاق ولا خلاف.
آخر المسألة صورة
النسخة المستنسخة كتبتها من خط الشيخ زين الدين قدس الله نفسه الزكية وأفاض على
تربته المراحم الربانية والحمد لله وحده.
|
(٤٩)
مسألة في علة
امتناع علي (ع) عن محاربة
الغاصبين لحقه بعد
الرسول (ص)
|
بسم الله الرحمن
الرحيم
قال الشريف الأجل المرتضى (رضي الله عنه)
: ان سأل سائل فقال : إذا كان
شيوخكم يعتمدون قديما وحديثا في علة امتناع أمير المؤمنين عليهالسلام من محاربته بعد الرسول صلىاللهعليهوآله القوم الخارجين عن طاعته الغاصبين لرتبته النازلين بغير حق
في منزلته.
فإنه عليهالسلام علم أنه لو شرع في ذلك لارتد الناس مع قرب عهدهم بالكفر ،
وأنه عليهالسلام انما كظم وصبر حذرا من الفساد الأعظم.
وعلى هذه الطريقة
سؤال صعب ، وهو أن يقال : كيف يجوز أن يكون إمامته وفرض طاعته من المصالح الدينية
التي لا عوض عنها ، ويتعلق بها بعينها الفساد والردة ، لأنه عليهالسلام إذا كان الغرض في إمامته أن يتصرف في الأمر ويدبر أمورهم ،
وكان لا سبيل له الى ذلك الا بما هو مفسدة لهم ومؤدية الى
ردتهم ، فقد تعلق
الاستفساد بإمامته ، وخرجت من أن تكون واجبة الى أن تكون قبيحة.
وبعد فأي ردة كان
يخاف منها وجميع من خالف النص عندكم مرتد بدفعهم له ، فكأنه خاف مما هو واقع حاصل.
الجواب :
اعلم أنه لا صعوبة
في الجواب عن هذا السؤال لمن تأمل الأمر ، لأن الله تعالى إذا علم أن المصلحة
الدينية بعد وفاة الرسول صلىاللهعليهوآله في إمامته وفرض طاعته ، وقد فعل ذلك النبي صلىاللهعليهوآله بأمره تعالى.
وإذا كانت المصلحة
في تدبيره لأمور الأمة ، انما يتم بتمكينهم له من النظر والتدبير والأمر والنهي
والحل والعقد ، وجب أن يأمرهم بتمكينه ويوجب عليهم التخلية بينه وبين تدبيره ، وقد
فعل ذلك على أوجه الوجوه ، فخالفوا وعصوا واتبعوا الهوى المردي ، وعدلوا عن الحق
المنجي.
فقامت له جل ثناؤه
بذلك الحجة عليهم ، لأنه أزاح علتهم فيما به تتم مصلحتهم ، وفعل ما يتم به ذلك من
مقدوره ، وهو النص والدلالة والحجة والأمر بالتمكين وإيجاب التخلية ، ونفى ما هو
في مقدورهم من التمكين والتخلية اللذين لا يتم التصرف الا بهما ، فهم الملومون
المعاتبون على فوت مصلحتهم ، وهو تعالى المشكور على فعله بهم.
وليس يجوز أن
يكرههم ويلجأهم الى التمكين ، لان ذلك يبطل التكليف ، ويسقط استحقاق الثواب ،
والمجزي بالتكليف اليه.
وأما المحاربة :
فإن كان الغرض في تكليفها أن يرجع القوم عن الباطل إلى جهة الحق ، فقد يجوز أو
يعلم أو يغلب في الظن في أحوالهم أنه بذلك لا يرجعون ، فلا طائل اذن فيها.
وان كان الغرض في
المحاربة ما يجب في جهاد الباغي على الامام الخارج عليه العادل عن طاعته ، فان ذلك
كله انما يجب مع التمكين والقدرة والأنصار والأعوان ، ولم يكن شيء من ذلك في تلك
الأحوال.
وهذا كاف في سقوط
فرض المحاربة ، إلا أنا كنا نريد أن تصرحوا بأن العلة في الكف عن المحاربة الخوف
من ارتداد القوم ، فيجب أن نعدل عن الجواب بغيره من أنه غير متمكن من ذلك انعقد الناصر وما جرى مجرى ذلك.
فنقول : إذا كانت
المحاربة انما يتكلف لوجوب الجهاد الباغي الشاق للعصى ، فقد يجوز أن نعلم أنها
تؤدي الى فساد في الدين من ردة عنه أو ما أشبهها ، فيقبح استعمالها ، لأنها مفسدة
، وليس ذلك بموجب أن يكون نفس الإمامة هي المفسدة ، أو تدبير الإمام أمور الأمة
وتعريفه لهم ، لأن المفسدة هاهنا منفصلة عن الإمامة نفسها ، وان عرضت في المجاهدة
لمن خالف الإمام الذي هو مصلحة الأمة أما تدبير الامام يتم ، وذلك لا يتم الا
بالنص عليه ، وإيجاب فرض طاعته ، والاستفساد الذي ذكرناه غير راجع الى شيء من ذلك،
بل هو راجع الى المحاربة من بغى على الامام وخالف طاعته وإمامته ، وذلك منفصل عن
نفس الإمامة.
وقد بينا الجهاد
المارق عن الدين ومحاربة الباغي عن الإمامة ، انما يجب إذا لم يعرض فيها استفساد
يسقط وجوبها بل قبحت ، ولا شيء من الواجبات الا ومتى
__________________
عرض فيها وجه قبح
سقط وجوبها وبل ذا تقررت.
وقيل لنا من بعد :
فكيف حارب أهل الجمل وصفين لما بغوا عليه ومرقوا عن طاعته؟ فالجواب : أنه تمكن من
ذلك لوجود الأعوان والأنصار والمشايعين والمتابعين ، ولم يحصل في أول الأمر شيء من
ذلك.
والجواب الأخر :
أنه لم يعلم أن جهادهم يؤدي الى استفساد وعلم في الحال الاولى أن المحاربة تودي
الى ذلك.
فأما ظاهر ما مضى
في أن الردة حاصلة في كل دافع ، فمن أي شيء خاف في المجاهدة؟.
فالجواب : أنه خاف
ارتداد من لم يكن مرتدا قبل الحرب من المستضعفين ، والنافي البصيرة في الدين ،
الذين ما كانوا ارتدوا قبل المحاربة ، وتدخل عليهم الشبهات فيها حتى يرجعوا عن
الحق إلى الباطل.
وقد دخلت الشبهة
على كثير من الضعفاء في قتله عليهالسلام لأهل الجمل وصفين ، وشككهم ذلك في أحواله ، وليست منزلة من
خالف من أهل الجمل وصفين في النفوس ومكانهم من الصدور مكان من خالف في النص وعمل
بخلافه بعد وفاة الرسول صلىاللهعليهوآله ، والا فمن الجائز القوي أن تدخل بمحاربتهم الشبهات.
ووجه آخر : وهو أن
الكفر قد يتفاضل ، فيكون بعضه أعظم من بعض ، اما لان العقاب عليه أغلظ الوجوه ولا
يظهر لنا ، أو لوقوعه على وجه يطمع في إسلامه وأهل أعداهما ووقع النص عليه في الأصل ، وان كان كفرا وارتدادا
__________________
عند الشيعة
الإمامية ، وأعظم منه وأفحش وأشد اطماعا في الإسلام وأهله أن يخلع منه ، ويفسد
الإسلام ، وينزع شعاره ، ويظهر التكذيب بالنبي وبما جاء به من الشرائع ، وتجتنب ما
اقتضى قوة الكفر وتعاظمه على الجملة.
ويمكن جواب آخر
وهو أن يقال : كما أن وقوع الكفر عند فعل من الافعال مع الشرائط المراعاة يكون
مفسدة ، كذلك وقوع زيادة عليه من ضروب الكفر ، ومن بعض الافعال لا يجوز أن يفعل به
ما يعلم أنه يفعل عنده ضربا آخر من الكفر ، فمن كفر بدفع النص والعمل بخلافه ،
يجوز أن يكفر بأن يظهر الطعن في النبوة والشرائع والتوحيد والعدل ، فالمنع مما يقع
عنده زيادة الكفر في الوجوب ، كالمنع مما يقع عنده شيء من الكفر.
وليس لأحد أن يقول
: هذا الجواب لا يليق بمذاهب الإمامية ، لأنهم يذهبون الى أن دافع النص والكافر به
لا طاعة معه ولا معرفة بالله تعالى وأنبيائه وشرائعه ، بل هو في حكم الدافع لذلك
والجاهل به ، فليس يزداد بالمحاربة عند المجاهدة إلا ما كان حاصلا قبلها.
وذلك أنا إذا
صفحنا عن تلخيص هذا الموضوع والمناقشة عليه فيه وتحقيقه ، جاز لنا أن نقول من جملة
ضروب الكفر محاربة الامام ومدافعته وممانعته.
وما كانوا بهذا
الضرب كافرين بدفع النص ولا مستحقين لعذاب المحاربة والمدافعة ، فإذا خرج بهم الى
الحرب فحاربوا ومانعوا ، كفروا بذلك واستحقوا به العذاب بعد أن لم يكونوا عليه في
الأول ، ولذلك ان نطقوا وأظهروا وأعلنوا جحد الإمامة والشريعة وطعنوا فيها طعنا
مسموعا متحققا ، فكل ذلك كفر ما كانوا عليه ولا مستحقي عقابه.
فبان صحة هذا
الجواب أيضا مضافا الى ما تقدم. والحمد لله رب العالمين وصلى الله على خير خلقه
محمد وعترته المعصومين.
بسم الله الرّحمن
الرّحيم
ما حقيقة العصمة
التي يعتقد وجوبها للأنبياء والأئمة عليهمالسلام؟ وهل هو معنى يضطر إلى الطاعة ويمنع من المعصية ، أو معنى
يضام الاختيار؟ فان كان معنى يضطر إلى الطاعة ويمنع من المعصية ، فكيف يجوز الحمد
والذم لفاعلها؟.
وان كان معنى يضام
الاختيار ، فاذكروه ودلوا على صحة مطابقته له ، ووجوب اختصاص المذكور بن به دون من
سواهم.
فقد قال بعض
المعتزلة : ان الله عصم أنبياءه بالشهادة لهم بالاعتصام ، وضلل قوماً بنفس الشهادة
عليهم بالضلال ، فان يكن ذلك هو المعتمد أنعم بذكره ودل على صحته وبطلان ما عساه
نعلمه من الطعن عليه ، وان كان باطلا دل على بطلانه وصحة الوجه المعتمد دون ما
سواه.
الجواب ولله التوفيق
:
اعلم أن العصمة هي
اللطف الذي يفعله تعالى ، فيختار العبد عنده الامتناع
من فعل القبيح ،
فيقال على هذا : ان الله عصمه ، بأن فعل له ما اختار عنده العدول عن القبيح ،
ويقال : ان العبد معتصم ، لانه اختار عند هذا الداعي الذي فعل الامتناع عن القبيح.
وأصل العصمة في
وضع اللغة المنع ، يقال : عصمت فلاناً من السوء إذا منعت من فعله به ، غير أن
المتكلمين أجروا هذه اللفظة على من امتنع باختياره عند اللطف الذي يفعله الله تعالى
به ، لأنه إذ افعل به ما يعلم أن يمتنع عنده من فعل القبيح ، فقد منعه منه ،
فأجروا عليه لفظ المانع قسراً أو قهراً.
وأهل اللغة
يتصارفون ذلك ويستعملونه ، لأنهم يقولون فيمن أشار على غيره برأي فقبله مختاراً ،
واحتمى بذلك من ضرر يلحقه ، وهو ماله ان حماه من ذلك الضرر ومنعه وعصمه منعه ، وان
كان ذلك على سبيل الاختيار.
فان قيل : أفتقولون
فيمن لطف له بما اختار عنده الامتناع من فعل واحد قبيح أنه معصوم.
قلنا : نقول ذلك
مضافاً ولا نطلقه ، فنقول : انه معصوم من كذا ولا نطلق ، فيوهم أنه معصوم من جميع
القبائح ، ونطلق في الأنبياء والأئمة عليهمالسلام العصمة بلا تقييد ، لأنهم عندنا لا يفعلون شيئاً من
القبائح. دون ما يقوله المعتزلة من نفي الكبائر عنهم دون الصغائر.
فإن قيل : فإذا
كان تفسير العصمة ما ذكرتم ، فألا عصم الله جميع المكلفين وفعل بهم ما يختارون
عنده الامتناع من القبائح.
قلنا : كل من علم
الله تعالى أن له لطفاً يختار عنده الامتناع من القبح ، فإنه لا بد أن يفعله وان
لم يكن نبياً ولا إماماً ، لأن التكليف يقتضي فعل اللطف على ما دل عليه في مواضع
كثيرة.
غير أنا لا نمنع
أن يكون في المكلفين من ليس في المعلوم أن فيه سبباً متى
فعل اختار عنده
الامتناع من القبح ، فيكون هذا المكلف لا عصمة له في المعلوم ولا لطف ، ولا يكلف
من لا لطف له بحسن ولا بقبح ، وانما القبيح منع اللطف فيمن له لطف مع ثبوت
التكليف.
فأما قول بعضهم أن
العصمة الشهادة من الله تعالى بالاعتصام ، فباطل لأن الشهادة لا يجعل الشيء على ما
هو به ، وانما يتعلق به على ما هو عليه ، لأن الشهادة هي الخبر ، والخبر عن كون
الشيء على صفة لا يؤثر في كونه عليها ، فيحتاج أو لا الى أن يتقدم الى العلم بأن
زيداً معصوم أو معتصم ويوضح عن معنى ذلك ، ثم تكون الشهادة من بعده مطابقة لهذا
العلم ، وهذا بمنزلة من سئل عن حد المتحرك ، فقال : هو الشهادة بأنه متحرك أو
العلم بأنه على هذه الصفة.
وفي هذا البيان
كفاية لمن تأمل.
|
(٥١)
مسألة في الاعتراض
على من يثبت حدوث الأجسام من الجواهر
|
بسم الله الرّحمن
الرّحيم
ما يقال لمن يدعى
عند اقامة الدليل على حدوث الجسم والجوهر والعرض شيئاً ليس بجسم ولا جوهر ولا عرض
، أحدث الله تعالى الأشياء عنه.
وما الذي يفسد
دعواه عند المطالبة بالدلالة على صحتها؟.
الجواب :
أول ما نقول إحداث
شيء من شيء غيره كلام ، محال ظاهر الفساد ، لان المحدث على الحقيقة هو الموجود بعد
أن كان معدوماً.
فإذا فرضنا أنه
أحدث من غيره ، فقد جعلناه موجوداً في ذلك الغير ، فلا يكون محدثاً على الحقيقة ،
ولا موجوداً من عدم حقيقي ، فكأنا قلنا : انه محدث وليس بمحدث.
وهذا متناقض ، على
أن الجواهر والأجسام إنما حكمنا بحدوثها ، لأنها لم
يحل من الاعراض ، ولم يتقدم في الوجود عليها ، وما لم يتقدم
المحدث فهو محدث مثله.
وإذا كانت الأعراض
التي تأملنا بحدوثها الى حدوث الأجسام ، والجوهر محدثة لا من شيء ولا
عن هيولى ، على ما نموه به هؤلاء المتفلسفون به ، فيجب أن يكون الجواهر والأجسام
أيضاً محدثة على هذا الوجه ، لأنه إذا وجب أن يساوي ما لم يقدم المحدث له في حدوثه
، فيجب أن يساويه أيضاً في كيفية حدوثه.
على أنا قد بينا
أن ما أحدث من غيره ليس بمحدث في الحقيقة ، والعرض محدث على الحقيقة ، فيجب فيما
لم يقدمه في الوجود أن يكون محدثاً على الحقيقة.
نبين ما ذكرناه أن
من أحدث من طين أو شمع صورة ، فهو غير محدث لها على الحقيقة ، وكيف يكون ذلك؟ وهو
موجودة الاجزاء في الطين أو الشمع ، وانما أحدث المصور تصويرها وتركيبها والمعاني
المخصوصة فيها ، وهذا يقتضي أن الجواهر والأجسام على مذهب أصحاب الهيولى غير محدثة
على الحقيقة ، وانما حدث التصوير.
وإذا دل الدليل
على حدوث جميع الأجسام ، بطل هذا المذهب.
فأما الذي يدل على
بطلان قول من أثبت شيئاً موجوداً ليس بجسم ولا عرض من غير جملة المطالبة أو تصحيح
دعواه ولعجزه عن ذلك ، فهو أنه لا حكم
__________________
لذات موجودة ليست
بجسم ولا جوهر ولا عرض يعقل ويمكن اشارة اليه.
وما لا حكم له من
الذوات أو الصفات لا يجوز إثباته ولا بد من نفيه ، لانه يؤدي الى الجهالات والى
إثبات ما لا يتناهى من الذوات والصفات ، وقد بينا هذه الطريقة في مواضع من كتبنا ،
لا سيما الكتاب «الملخص» في الأصول.
على أنا نقول لمن
أثبت الهيولى وادعى أنها أصل للعالم ، وأن الأجسام والجواهر منها أحدثه ، لا يخلو هذه التي سميتها ب «الهيولى» من أن يكون موجودة
ما يعنق أنه يستمه لهذه اللفظة ، لأن الموجود عندكم يكون بالفعل ويكون بالقوة
، ويكون المعدوم عندكم موجوداً بالقوة أو في العلم.
وانما يريد
بالوجود هو الذي يعقله ويعلمه صورة عند إدراك الذوات المدركات لان أحدنا إذا أدرك
الجسم متحيزاً علم ضرورة وجوده وثبوته. وكذلك القول في الألوان وما عداها من
المدركات.
فان قال : هي
موجودة على تحديدكم.
قلنا : فيجب أن
تكون متحيزة ، لأنها لو لم تكن بهذه الصفة ما جعل منها المتحيز.
ألا ترى أن
الاعراض لما لم تكن متحيزة ، لم يمكن أن يحدث فيها المتحيز وإذا أقروا فيها
بالتحيز فهي من جنس الجوهر ، وبطل القول بأنها ليست بجوهر ووجب لها الحدوث ، لان
دليل حدوث الأجسام ينظمها ويشتمل عليها ، فبطلوا أيضاً القول بعدمها ونفي حدوثها.
__________________
وان قالوا : هي
معدومة.
قلنا : إذا كانت
معدومة على الحقيقة فما يسومكم إثبات قدم لها ولا حدث لان هذين الوصفين انما
يتعاقبان على الموجود ، فكأنكم تقولون : ان الله سبحانه وتعالى جعل من هذه الهيولى
المعدومة جواهر واجساماً موجودة.
هذه موافقة في
المعنى لأهل الحق القائلين : بأن الجواهر في العدم على صفة تقتضي وجوب التحيز لها
متى وجدت ، وأن الله سبحانه إذا أوجد هذه الجواهر ، وجب لها في الوجود التحيز لما
هي عليه في نفوسها من الصفة في العدم الموجب لذلك بشرط الوجود ، ولا تأثير له في
الصفة التي كانت عليها الجواهر في العدم.
على أن هذه
الطريقة إذا صاروا إليها تقتضي أن الأجناس والاعراض كلها هيولى ، لان الدليل قد دل
على أن السواد ولكل حسن في الاعراض صفة ثابتة في حال العدم يقتضي كونه على صفة التي تدرك
عليها ان كان مما يدرك في حال الوجود ، وأن الفاعل انما يؤثر في احداثه وإيجاده ،
دون صفة التي كان عليها في حال العدم.
والقول في الاعراض
كالقول في الجواهر في هذه القصة ، فيجب أن يكون الجميع هيولى ، لان الطريقة واحدة
، وكلام هؤلاء القوم غير محصل ولا مفهوم وهم يدعون التحديد والتحقيق ، وما أبعدهم
في ذلك.
تمت المسألة.
__________________
فهرس الكتاب
(جمل العلم والعمل ٧ ـ ٨١)
ما
يجب اعتقاده في أبواب التوحيد................................................ ١٠
ما يجب اعتقاده في أبواب العدل كلها............................................. ١٢
ما يجب اعتقاده في النبوة........................................................ ١٨
ما يجب اعتقاده في الإمامة وما يتصل به........................................... ٢٠
كتاب الطهارة وتوابعها.......................................................... ٢٢
أحكام المياه.................................................................... ٢٢
الاستنجاء وكيفية الوضوء والغسل................................................. ٢٣
نواقض الطهارة................................................................. ٢٤
التيمم وأحكامه................................................................ ٢٥
الحيض والاستحاضة والنفاس..................................................... ٢٦
كتاب الصلاة.................................................................. ٢٨
مقدمات الصلاة من لباس وغيره.................................................. ٢٨
حكم الأذان والإقامة............................................................ ٢٩
أعداد الصلوات المفروضات...................................................... ٣٠
كيفية أفعال الصلاة............................................................ ٣١
ما يجب اجتنابه في الصلاة وحكم ما يعرض
فيها.................................... ٣٤
أحكام السهو.................................................................. ٣٥
أحكام قضاء الصلاة............................................................ ٣٨
أحكام صلاة الجماعة........................................................... ٣٩
صلاة الجمعة وأحكامها.......................................................... ٤١
ذكر نوافل شهر رمضان......................................................... ٤٢
صلاة العيدين.................................................................. ٤٤
صلاة الكسوف................................................................ ٤٥
صلاة السفر................................................................... ٤٦
أحكام صلاة الضرورة كالخوف والمرض
والعري...................................... ٤٨
كتاب الجنائز.................................................................. ٥٠
غسل الميت وتكفينه ونقله إلى حفرته.............................................. ٥٠
الصلاة على الميت.............................................................. ٥١
كتاب الصوم.................................................................. ٥٣
حقيقة الصوم وعلامة دخول شهر رمضان......................................... ٥٣
ما يفسد الصوم وينقضه......................................................... ٥٤
حكم المسافر والمريض ومن تعذر عليه
الصوم أو شق................................ ٥٥
حكم من أسلم أو بلغ الحلم أو جن أو أغمي
عليه في شهر رمضان................... ٥٧
حكم قضاء شهر رمضان........................................................ ٥٧
صوم التطوع وما يكره من الصيام................................................. ٥٨
كتاب الاعتكاف............................................................... ٦٠
كتاب الحج.................................................................... ٦٢
وجوب الحج والعمرة وشروط ذلك وضروبه......................................... ٦٢
مواقيت الاحرام................................................................. ٦٤
فيما يجتنبه المحرم................................................................ ٦٥
سيرة الحج وترتيب أفعاله......................................................... ٦٦
ما يلزم المحرم عن جنايته من كفارة
وفدية............................................ ٧٠
كتاب الزكاة................................................................... ٧٤
شروط وجوب الزكاة............................................................ ٧٤
الأصناف التي تجب فيها الزكاة.................................................... ٧٤
زكاة الدراهم والدنانير............................................................ ٧٥
زكاة الإبل..................................................................... ٧٦
زكاة البقر والغنم................................................................ ٧٧
زكاة الحنطة والشعير والتمر والزبيب................................................ ٧٨
تعجيل الزكاة ووجوه اخراجها..................................................... ٧٨
زكاة الفطرة..................................................................... ٧٩
كيفية اخراج الزكاة.............................................................. ٨٠
أجوبة
المسائل القرآنية ٨٣ ـ ١١٩
وجه استغفار إبراهيم عليه السلام لأبيه............................................ ٨٥
تفسير آية (والسابقون الأولون من
المهاجرين)....................................... ٨٦
المراد من الصاعقة والرجفة في الآيتين.............................................. ٩٣
كيفية نجاة قوم هود من الرياح المهلكة............................................. ٩٤
الاشكال الوارد في آية : ولقد خلقناكم............................................ ٩٥
قوله تعالى (قل تعالوا أتل ما حرم ربكم
عليكم)..................................... ٩٧
قوله تعالى (كذلك نولي بعض الظالمين
بعضا).................................... ١٠١
قوله تعالى (ثم أورثنا الكتاب الذين
اصطفينا)...................................... ١٠٢
قوله تعالى (أن يكون لي غلام وقد بلغني
الكبر)................................... ١٠٣
قوله تعالى (وإذ أنجيناكم من آل فرعون)......................................... ١٠٤
قوله تعالى (وما أدرى ما يفعل بي ولا
بكم)....................................... ١٠٥
قوله تعالى (فان كنت في شك مما أنزلنا
إليك).................................... ١٠٥
قوله تعالى (قل للمخلفين من الاعراب).......................................... ١٠٨
قوله تعالى (أنبئوني بأسماء هؤلاء)................................................ ١١١
قوله تعالى (فتلقى آدم من ربه كلمات)........................................... ١١٥
قوله تعالى (وإذ بوأنا لإبراهيم مكان
البيت)...................................... ١١٧
أجوبة
مسائل متفرقة ١٢١ ـ ١٥١
معنى نقصان الدين والعقل في النساء............................................. ١٢٣
تفسير حديث ((الولد للفراش والعاهر
الحجر).................................... ١٢٤
وجه نهي النبي ((ص)) عن اكل الثوم............................................ ١٢٥
حول كلام ابن جنى في حذف علامة التأنيث..................................... ١٢٦
تفسير قوله تعالى (ولولا كلمة سبقت من
ربك)................................... ١٢٨
حكم أموال السلطان.......................................................... ١٢٨
حكم التصدق بالمال الحرام..................................................... ١٢٩
جواز التزكية من المال الاخر.................................................... ١٣٠
صحة حمل رأس الحسين عليه السلام إلى
الشام.................................... ١٣٠
علم الوصي بساعة وفاته وعدمه................................................ ١٣٠
حكم عبادة ولد الزنا.......................................................... ١٣١
مشاهدة المحتضر الامام قبل موته................................................ ١٣٣
بيان قول النبي : يا علي أنا وأنت
كهاتين........................................ ١٣٤
في الرجعة.................................................................... ١٣٥
من كلام لعلي عليه السلام يتبرأ من
الظلم........................................ ١٣٩
الاستدلال على كون السماوات والأرضين
سبع................................... ١٤٠
في فدك...................................................................... ١٤١
في الغيبة..................................................................... ١٤٤
الحال بعد الحجة المنتظر في الإمامة............................................... ١٤٥
حول خبر : نحن معاشر الأنبياء لا نورث......................................... ١٤٦
في تفضيل فاطمة عليها السلام................................................. ١٤٧
انكاح أمير المؤمنين عليه السلام ابنته............................................ ١٤٨
كلام في حقيقة الجوهر........................................................ ١٥٠
مسألة
فيمن يتولى غسل الامام ١٥٣ ـ ١٥٧
معنى ما روي من تولي المعصوم غسل
المعصوم..................................... ١٥٥
خرق العادة انما هو في ايجاد المقدور.............................................. ١٥٦
طي الأرض والاستبعاد فيه..................................................... ١٥٦
عدم
وجوب غسل الرجلين في الطهارة ١٥٩ ـ ١٧٣
الاشكال على قراءة النصب في آية الوضوء....................................... ١٦١
مناقشة أدلة أبى الحسن الربعي.................................................. ١٦٢
تهافت كلام الربعي في استدلاله................................................. ١٦٦
الحسن
والقبح العقلي ١٧٥ ـ ١٨٠
معنى الحسن والقبح العقليين.................................................... ١٧٧
العلم بالحسن والقبح لا يختلف بالإضافة
إلى العالمين............................... ١٧٩
المسح
على الخفين ١٨١ ـ ١٨٥
عرض الآراء في مسألة المسح على الخفين......................................... ١٨٣
ما يدل على صحة مذهب الشيعة في المسألة..................................... ١٨٣
حكاية وضوء النبي صلى الله عليه وآله........................................... ١٨٥
خلق
الأعمال ١٨٧ ـ ١٩٧
الافعال التي تظهر في الأجسام على ضربين....................................... ١٨٩
تزييف دليل المجبرة في إضافتهم الافعال
إلى الله تعالى................................ ١٩١
كلام للمجبرة والرد عليه....................................................... ١٩٥
مسألة
في الاجماع ١٩٩ ـ ٢٠٥
طرح الاشكال في ادعاء الاجماع................................................. ٢٠١
الطريق إلى القطع على ثبوت اجماع
الامامية....................................... ٢٠٢
الجواب عن شبهة للمخالفين في الإمامة.......................................... ٢٠٤
علة
خذلان أهل البيت ٢٠٧ ـ ٢١٩
لم لا ينصرهم الله تعالى على أعدائهم............................................ ٢٠٩
تشبيه الأئمة بالأنبياء في مصائبهم............................................... ٢١١
جواب شبهة ابن الراوندي...................................................... ٢١٣
معنى دعاء الأئمة (ع) على من ظلمهم.......................................... ٢١٧
أقاويل
العرب في الجاهلية ٢٢١ ـ ٢٣١
تصنيف العرب في معتقداتها.................................................... ٢٢٣
بعض أقاويل حكماء العرب وشعرائها............................................ ٢٢٤
مذاهب أهل الأصنام وذكر بيوت النار.......................................... ٢٢٩
قول
النبي : نية المؤمن خير من عمله ٢٣٣ ـ ٢٣٩
الفعل خير من النية............................................................ ٢٣٥
الأقوال في معنى هذه الرواية..................................................... ٢٣٦
الوجه الذي خطر ببال المرتضى في معنى
الرواية.................................... ٢٣٧
علة
مبايعة علي عليه السلام ٢٤١ ـ ٢٤٧
اثبات بيعته عليه السلام لأبي بكر............................................... ٢٤٣
النص على امامة أمير المؤمنين (ع).............................................. ٢٤٤
تأخره عن البيعة واظهار الغضب على تقدم
غيره.................................. ٢٤٦
الجواب
عن الشبهات على خبر الغدير ٢٤٩ ـ ٢٥٤
ليس في خبر الغدير : أن عليا أمام بعدي........................................ ٢٥١
كلام الرسول في الغدير صريح في النص على
الأمة................................ ٢٥٢
معنى لفظة (المولى) في حديث الغدير............................................ ٢٥٣
مسألة
في ارث الأولاد ٢٥٥ ـ ٢٦١
اشكال في توزيع سهام الاباء.................................................... ٢٥٧
الكلام في آية (وان كانت واحدة فلها
النصف)................................... ٢٦٠
حجب الأبوين عن ميراثهما بولد الولد........................................... ٢٦٣
عدم
تخطئة العامل بخبر الواجد ٢٦٧ ـ ٢٧٢
حال اخبار الآحاد من الأدلة الشرعية............................................ ٢٦٩
بعض رجال الاسناد في أخبار الآحاد............................................ ٢٧٠
خلاف الشيعة في بعض الفروع................................................. ٢٧١
مسألة
في استلام الحجر ٢٧٣ ـ ٢٧٧
ما يقال عند استلام الحجر..................................................... ٢٧٥
اشتقاق لفظة (الاستلام)....................................................... ٢٧٥
معنى قول المستلم : أمانتي أديتها
وميثاقي تعاهدته................................. ٢٧٦
مسألة
في نفى الرؤية ٢٧٩ ـ ٢٨٤
جواز الحركة على الله تعالى وعدمه............................................... ٢٨١
بعض أدلة المجسمة والجواب عنها................................................ ٢٨٢
رأي جماعة من المعتزلة في المسألة................................................ ٢٨٣
تفسير
الآيات المتشابهة من القرآن ٢٨٥ ـ ٣٠٦
متشابه فاتحة الكتاب.......................................................... ٢٨٨
متشابه (الحمد لله رب العالمين)................................................. ٢٨٩
متشابه (مالك يوم الدين)...................................................... ٢٩١
متشابه (إياك نعبد وإياك نستعين)............................................... ٢٩٣
متشابه (صراط الذين أنعمت عليهم)............................................ ٢٩٥
تسمية السور بأسماء لم يعهدها العرب............................................ ٢٩٧
تفسير ((ألم)................................................................. ٢٩٨
ابطال
العمل بأخبار الآحاد ٣٠٨ ـ ٣١٣
لا يجوز العمل في الشريعة بأخبار الآحاد......................................... ٣٠٩
الخلل في أسناد أخبار الآحاد................................................... ٣١٠
يعلم الحكم في معظم الفقه من الأخبار
المتواترة.................................... ٣١٢
حكم ما اختلف فيه الامامية................................................... ٣١٣
علة
امتناع علي عن محاربة الغاصبين ٣١٥ ـ ٣٢١
علة الامتناع هي الخوف من ارتداد
المسلمين...................................... ٣١٧
عدم جواز الاكراه والالجاء إلى التمكين........................................... ٣١٨
عدم العلم بنتائج المحاربة........................................................ ٣٢٠
الكفر قد يتفاضل............................................................. ٣٢٠
مسألة
في العصمة ٣٢٣ ـ ٣٢٧
حقيقة العصمة المفروضة للأنبياء والأئمة......................................... ٣٢٥
أصل العصمة في وضع اللغة المنع................................................ ٣٢٦
الاعتراض
على من يثبت حدوث الأجسام ٣٢٩ ـ ٣٣٤
احداث شئ من شئ.......................................................... ٣٣١
بطلان قول من أثبت موجودا ليس بجسم ولا
عرض............................... ٣٣٢
ما يراد من الوجود............................................................. ٣٣٣
الفهرست الموضوعي
هذا الفهرس دليل عام على الموضوعات
الواردة في «رسائل الشريف المرتضى» بمجموعاتها الثلاث ، ويشتمل على علوم : التفسير
الكلام ، الفقه ، أصول الفقه ، الأدب، المسائل المتفرقة. وبهذا تنسق العناوين
المبعثرة في أجوبة المسائل والرسائل تنسيقاً طبيعاً حسب العلوم الاسلامية التي
عالجها الشريف المرتضى في كتاباته هذه.
(التفسير)
حكم الباء في قوله تعالى «فامسحو برؤسكم»
٢ : ٦٧
لا يمتنع دخول الباء وان لم يقتض
التعبيض ٢ : ٦٨
دخول حروف زوائد لفائدة زائدة ٢ : ٦٩
وجه التكرار في قوله تعالى «وما يتلو
منه من قرآن»
٢ : ٧٤
وجه التكرار في قوله تعالى «قل بفضل
الله ورحمته فبذلك ...» ٢ : ٧٥
وجه استغفار ابراهيم لابيه ٣ : ٨٥
قوله تعالى «والسابقون الاولون» ٣ : ٨٦
المراد من الصاعقة والرجفة في الايتين ٣
: ٩٣
كيفية نجاة قوم هوى من الرياح المهلكة ٣
: ٩٤
قوله تعالى «ولقد خلقناكم ...» ٣ : ٩٥
قوله تعالى «قل تعالو أتل ما حرم ربكم
عليكم» ٣ : ٩٧
قوله تعالى «كذلك نولي بعض الظالمين
بعضاً» ٣ : ١٠١
قوله تعالى «أنى يكون لي غلام وقد بلغني
الكبر» ٣ : ١٠٣
قوله تعالى : ثم أورثنا الكتاب الذين
اصطفينا» ٣ : ١٠٢
قوله تعالى : «واذ أنجيناكم من آل فرعون»
٣ : ١٠٤
قوله تعالى : «وما أدري ما يفعل بي
ولابكم» ٣ : ١٠٥
قوله تعالى : فان كنت في شك مما أنزلنا
اليك» : ١٠٥
قوله تعالى : قل للمخلفين من الاعراب» ٣
: ١٠٨
قوله تعالى «فتلقى آدم من ربه کلمات» ٣
: ١١٥
قوله تعالى : واذبو أنا لابراهيم مكان
البيت» ٣ : ١١٧
قوله تعالى «وعصى آدم ربه فغوی» ١
: ١٢٣
قوله تعالی «ولولا کلمة سبقت من
ربك» ٣ : ١٢٨
في الايات المتشابهة ٣ : ٢٨٨
فاتحة الكتاب «الحمدلله رب العالمين» ٣
: ٢٨٩
متشابه «مالك يوك الدين» ٣ : ٢٩١
متشابه «اياك نعبد واياك نستعين» ٣ :
٢٩٣
متشابه «صراط الذين أنعمت عليهم» ٣ :
٢٩٥
سورة البقرة : في تسمية السورة ٣ : ٢٩٧
سورة الم : ما الوجه في افتتاح السورة
بقوله «الم» ٣ : ٢٩٨
في كيفية انذار النمل ١ : ٣٥٥
قول ابراهيم عليه السلام «هذا ربي» ١ :
٤١١
قوله تعالى : «ولكم في القصاص حياة» ١ :
٤١٨
حول آیة السامري ١ : ٤٢٠
حول تكلم هدهد ١ : ٤٢٣
قوله تعالى «لن يستنكف المسيح» ١ : ٤٣١
تحدى القرآن بقوله «فأتو بسورة من مثله» ١
: ٤٣٦
(المسائل الكلامية)
ما يجب اعتقاده في التوحيد ١ : ٢٨٥ ، ٣٠
: ١٠
ما يجب اعتقاده في العدل ٣ : ١٢
ما يجب اعتقاده في النبوة ٣ : ١٨
ما يجب اعتقاده في الامامة ٣ : ٢٠
وجه العلم بتناول الوعيد كافة الكفار ٢
: ٨٥
عدم وجوب عصمة المؤدي للشرع ١ : ٨٦
علم النبي بالكتابة والقراءة ١ : ١٠٤
تفضيل الانبياء على الملائكة ١ : ١٠٩ ،
٢٨٤
مسألة الذر وحقيقته ١ : ١١٣
مسألة البداء وحقيقته ١ : ١١٦
الفرق بين النسخ والبداء ١ : ١١٨
نية المؤمن خير من عمله ١ : ١٢٠
هل يقع من الأنبياء الصغائر أو الكبائر؟
١ : ١٢١
حقيقة الرجعة ١ : ١٢٥ ، ٣٠٢
الطريق الى معرفة الله تعالى ١ : ١٢٧
الوجه في حسن أفعال الله تعالى ١ : ١٢٩
ما الحكمة من الخلق؟ ١ : ١٢٩
حقيقة الروح ١ : ١٣٠
علم الوصي بساعة وفاته وعدمه ٣ : ١٣٠
مسألة الارجاء ١ : ١٣١
في أحكام أهل الاخرة وأحوالهم ٢ : ١٣٣
مشاهدة المحتضر الامام عليه السلام قبل
موته ٣ : ١٣٣
دخول العبد الجنة بالاستحقاق ١ : ١٣٢
أفعال العباد غير مخلوقة ١ : ١٣٥
القول في المعاقب من أهل الاخرة ٢ : ١٣٦
الالجاء الى المعرفة غير صحيح ٢ : ١٣٨
ابطال كلام أبي القاسم البلخي ١ : ١٣٦ ،
٢ : ١٤٠
عدم ارادة الله تعالى المعاصي والقبائح
١ : ١٤٠
القول في الاستطاعة ١ : ١٤٤
في الغيبة ٣ : ١٤٤
الحال بعد الحجة المنتظر في الامامة ٣ :
١٤٥
مسألة الوعد والوعيد والشفاعة ١ : ١٤٧
كلام في تفضيل فاطمة عليها السلام ٣ :
١٤٧
القرآن محدث غير مخلوق ١ : ١٥٢
، ٣٠١
حكم المخالف في الفروع والاصول ١ : ١٥٤
حكم مرتكب الكبائر من المعاصي ١ : ١٥٥
حكم عبادة الكافر ١ : ١٦٢
عدد أصول الدين ١ : ١٦٥
(رسالة انقاذ البشر
من الجبر والقدر)
القضاء والقدر ٢ : ١٧٧
حدوث البحث في أفعال العباد ٢ : ١٧٨
في الحسن والقبح العقليين ٣ : ١٧٧
العلم بالحسن والقبح لا يختلف بالاضافة
٣ : ١٧٩
الاقوال في كيفية خلق الافعال ٢ : ١٨٠ ،
٣ : ١٨٩
تزييف دليل المجبرة ٣ : ١٩١
كلام للمجبرة والرد عليه ٣ : ١٩٥
في دعوة أهل الحق وبيانها ٢ : ١٨٤
في دعوة أهل الحق في العدل ٢ : ١٨٩
آراء
المخالفين لاهل العدل ٢ : ١٩١
الخير والشر ومعنى نسبتهما الى الله
تعالى ٢ : ١٩٣
الفرق بين صنع الخالق والمخلوق ٢ : ١٩٧
الاخبار المانعة من نسبة الشر اليه
تعالى ٢ : ١٩٧
الادلة العقلية من تنزيه الله تعالى من
خلق الشرور ٢ : ٢٠٣
اللوازم الفاسدة للقول بخلق أفعال
العباد ٢ : ٢٠٧
تزيهه تعالى عن القضاء بغير الحق ٢ :
٢١٦
التنديد بالقائلين بخلق أفعال العباد ٢
: ٢١٦
معنى خلق الاشياء كلها ٢ : ٢١٨
أقاويل العرب في الجاهلية ٣ : ٢٢٣
بعض أقاويل حكماء العرب وشعرائها ٣ :
٢٢٤
مذاهب أهل الاصنام وذكر بيوت النار ٣ :
٢٢٩
معنى الهدى في المؤمن والكافر ٢ : ٢٢٤
حقيقة الاضلال منه سبحانه وتعالى ٢ :
٢٢٦
عود على البدء في معنى الهدى ٢ : ٢٢٨
الكلام في الارادة وحقيقتها ٢ : ٢٢٩
الايمان وحقيقة المشية ٢ : ٢٣٤
الاخبار المسددة لمذهب العدلية ٢ : ٢٣٩
بيعة علي عليه السلام أبابكر ٣ : ٢٤٣
النص على امامة أميرالمؤمنين ٣ : ٢٤٤
تأخره عن البيعة واظهار الغضب على تقدم
غيره ٣ : ٢٤٦
الجواب عن الشبهات الواردة لخبر الغدير
٣ : ٢٥١
ليس في خبر الغدير «ان عليا امام بعدي»
٣ : ٢٥١
كلام الرسول (ص) في الغدير صريح في النص
على الامامة ٣ : ٢٥٢
معنى لفظة «المولى» في حديث الغدير ٣ :
٢٥٣
الائمة عليهم السلام أحياء يشاهدوننا ١
: ٢٨٠
الامام عليه السلام يحضر عند كل ميت ١ :
٢٨٠
هل الائمة عليهم السلام يتفاضل بعضهم
على بعض ١ : ٢٨١
مسألة نفي الرؤية ٣ : ٢٨١
جواز الحركة على الله تعالى وعده ٣ :
٢٨١
بعض أدلة المجسمة والجواب عنها ٣ : ٢٨٢
رأي جماعة من المعتزلة في المسألة ٣ :
٢٨٣
الائمة عليهم السلام عالمون بالغيب ١ :
٢٨٢
تساوي الحسن والحسين عليهما السلام في
الفضل ١ : ٢٨٣
المحارب لعلي عليه السلام كافر ١ : ٢٨٣
متى يظهر الحجة علي السلام؟ ١ : ٢٨٣
لولا النبي والائمة عليهم السلام لما
خلق السماوات والارض ١ : ٢٨٤
لزوم العمل مع الاعتقاد ١ : ٣٠٢
علة الحاجة الى الامام في كل زمان ١ :
٣٠٩ ، ٣٩٥
ما الحجة على من جهل الام واشتبه النص
عليه؟ ١ : ٣١٤
حكم معتقد الحق تقليداً ٢ : ٣١٦
امتناع على عليه السلام عن محاربة
الغاضبين ٣ : ٣١٧
كيفية رجوع العامي الى العالم ٢ : ٣٢٠
علة استتار الامام عليه السلام وكيفية
التوصل الى أحكامه ١ : ٣٢٠
علة عصمة الامام عليه السلام ١ : ٣٢٤ ،
٣ ، ٣٢٥
حكم الكافرين العارفين وغيرهم ٢ : ٣٢٧
عدم حاجة المعصوم الى أمير ١ : ٣٣١
في الاعتراض على من يثبت حدوث الاجسام
من الجواهر ٣ : ٣٣١
علة جحد القوم النص على أميرالمؤمنين
عليه السلام ١ : ٣٣٢
سبب اختلاف دلائل الانبياء عليهم السلام
١ : ٣٤٧
بحث فيما ورد في المسوخ ١ : ٣٥٠
معنى وصف الله تعالى بالادراك ١ : ٣٥٩
الاستدلال بالشاهد على الغائب ١ : ٣٦٣
كونه تعالى مريداً والدليل عليه ١ : ٣٦٥
، ٣٨٦
مسائل تتعلق بالارادة ١ : ٣٦٨
حكم المنعم الكافر ٢ : ٣٧٥
معنى حياة الانبياء والشهداء والاوصياء
١ : ٤٠٦ ، ٢ : ٢٧٨
كيفية تعلق العذاب بالكفار في الاخرة ١
: ٣٨٢
تاثير الارادة في الافعال المستندة الى
الداعي ١ : ٣٨٥
حكم العالم بقبائح غيره ٢ : ٣٧٧
هل يدل الفعل المرتب المنسق على كون
فاعله عالماً؟ ٢ : ٣٨٨
وجه طيب الولد وخبثه ١ : ٣٩٨
كيفية نزول القرآن ١ : ٤٠١
حول الحديث
المروي في الكافي في القدرة ١ : ٤٠٨
الدليل على عدم نسخ شريعة نبينا (ص) ١ :
٤١٣
(المسائل الفقهية)
الطهارة أحكام المياه ٣ : ٢٢
في الاستنجاء وكيفية الوضوء والغسل ٣ :
٢٣
نواقض الطهارة ٣ : ٢٤
التيمم وأحكامه ٣ : ٢٥
في الحيض والاستحاضة والنفاس ٣ : ٢٦
حكم شرب الفقاع ١ : ٩٩ ، ١٦٠ ، ٢٤٨ ،
٢٩٤
حكم المذي والوذي ١ : ١٦٩
أكثر أيام النفاس وأفله ١ : ١٧٢
غسل اليدين في الوضوء ١ : ٢١٣
مسح مقدم الرأس ١ : ٢١٥
مسح الاذنين ١ : ٢١٦
قراءة القرآن للجنب والحائض
١ : ٢١٧
اكثر أيام النفاس ١ : ٢١٧
اسباغ الوضوء مرتين ١ : ٢١٧
مسائل متعلقة بالاموات ١ : ٢١٨ ، ٣ : ٥٠
الصلاة على الميت ١ : ٢٢٤ ، ٣ : ٥١
استحباب توقف الناس حتى ترفع الجنازة ١
: ٢٢٤
وجوب المسح ببلة الوضوء ١ : ٢٧٨
كيفية غسل الوجه في الوضوء ١ : ٢٧٨
جواز الوطىء قبل غسل الحيض ١ : ٣٠٥
حكم الماء النجس يتمم كراً ٢ : ٣٦١
ثواب المصاب بالمني ولم يعرف ١ : ٢٨٦
اصابة الثوب بالكلب الناشف ١ : ٢٨٧
(كتاب الصلاة)
مقدمات الصلاة ٣ : ٢٨
في حكم الاذان ٣ : ٣٩
أعداد الصلوات المفروضات ٣ : ٣٠
كيفية أفعال الصلاة ٣ : ٣١
فيما يجب اجتنابه في الصلاة ٣ : ٣٤
في أحكام السهو ٣ : ٣٥
في أحكام قضاء الصلاة ٣ : ٣٨
في أحكام صلاة الجماعة ٣ : ٣٩
في صلاة الجمعة وأحكامها ٣ : ٤١
في ذكر توافل شهر رمضان ٣ : ٤٣
في صلاة العيدين ٣ : ٤٤
في صلاة الكسوف ٣ : ٤٥
في صلاة السفر ٣ : ٤٦
في أحكام صلاة الضرورة ٣ : ٤٨
كراهة السجود على الثوب المنسوج ١ : ١٧٤
وجوب «حي على خير العمل» في الاذان ١ :
٢١٩
وجوب ارسال اليدين في الصلاة ١ : ٢١٩
قول «آمین» مبطل
للصلاة ١ : ٢١٩
عدم جواز القرآن بین السورتین ١ : ٢٢٠
حکم ما یسجد
عليه : ١ : ٢٢٠
الجماعة في نوافل رمضان بدعة ١ : ٢٢١
صلاة الضحى بدعة ١ : ٢٢١
سجود الشكر غير واجب ١ : ٢٢١
أقل ما يجزي من صلاة الجمعة والعيدين ١
: ٢٢٢
من لا يصلح للامامة للجمعة والعيدين ١ :
٢٢٣
حكم صلاة الكسوف ١ : ٢٢٣
عدالة امام الجماعة ١ : ٢٧١
أحكام صلاة الجمعة ١ : ٢٧٢
أحكام صلاة العيدين ١ : ٢٧٢
وقت صلاة الظهر والعصر ١ : ٢٧٣
وقت صلاة المغرب والعشاء ١ : ٢٧٤
تعيين الصلاة الوسطى ١ : ٢٧٥
ما يجوز عليه السجود ١ : ٢٧٥
استحباب القنوت في الصلاة ١ : ٢٧٦
حكم التسليم في الصلاة ١ : ٢٧٦
التكبيرات السبع في مفتتح الصلاة ١ :
٢٧٧
صلاة الونيرة ١ : ٢٧٧
بدعة الصلاة «خير من النوم» في الاذان ١
: ٢٧٩
عدم وجوب «محمد وعلي خير البشر» في
الاذان ١ : ٢٧٩
لا يجوز الصلاة في ثوب أضا به خمر ١ :
٢٨٨
من يجب عليه التقصير ١ : ٢٩٢
استحباب التختم باليد اليمنى ١ : ٢٩٢
ما يحرم ويحل لبسه من الجلود ١ : ٢٩٥
لبس ما يتخذ من جلود الغنم ١ : ٢٩٦
حكم لبس القز والخز ١ : ٢٩٦
مسائل ست متعلقة بالنيات ٢ : ٣٤ ، ٣٥٦
الانتقال من الحاضرة الى الفائتة ٢ :
٣٥٦
تكرير صلاة واحدة ٢ : ٣٤٠
من عليه عدة صلوات فائتة غير معلومة ٢ :
٣٤١
من صلى قبل الوقت ٢ : ٣٤٢
النبات غير مؤثرة في العبادات ٢ : ٣٤٤
استحباب اعادة المنفرد صلاته جماعة ٢ :
٣٤٧
من فاتتة صلاة غير معينة : ٢ : ٣٤٩
من وضع بعض صلاته قبل الوقت ٢ : ٣٥٠ ،
٣٥٦
حكم المخل بالنية ٢ : ٣٥٨
حكم نية العبادة المشتملة على أفعال
كثيرة ٢ : ٣٥٩
نية النيابة في العبادات ٢ : ٣٥٩
حكم قراءة العزائم في الصلاة ٢ : ٣٦٢
حكم من عليه فاتتة في وقت الاداء ٢ :
٣٦٣
سقوط القضاء بعد الوقت عمن صلى تماماً
في موضع القصر ٢ : ٣٨٣
حكم الصلوات المفروضات ٢ : ٣٨٥
حكم اللاحن في القراءة في الصلاة ٢ :
٣٨٦
(كتاب الصوم)
رد أصحاب العدد في تعيين الشهر ٢ : ١٧
الاستدلال بالاجماع على الرؤية ٢ : ١٨
الاستدلال بالسيرة على الرؤية ٢ : ١٩
الاستدلال بالقرآن علي الرؤية ٢ : ٢٠
الاستدلال بالاخبار على الرؤية ٢ : ٢٠
المناقشة في الاستدلال بالكتاب على
العدد ٢ : ٢١
المناقشة في الاستدلال الثاني ٢ : ٢٥
الخبر الدال على العدد والمناقشة فيه ٢
: ٢٩
حمل أخبار الرؤية على التقية والمناقشة
فيه ٢ : ٣١
الاستدلال بالقياس على العدد والمناقشة
فيه ٢ : ٣٢
الاستدلال بمعرفة العبادات في أوقاتها
والمناقشة فيه ٢ : ٣٤
الاستدلال بالحصر على بطلان الرؤية
والمناقشة فيه ٢ : ٣٦
نقل كلام المستدل بالعدد والمناقشة فيه
٢ : ٣٩
صوم يوم الشك ١ : ٤١ ، ٤٣ ، ٣٤٢ ، ٣٥٢
حقيقة الصوم وعلامة دهول رمضان ٣ : ٥٣
فيما يفسد الصوم وينقصه ٣ : ٥٤
في حكم المسافر والمريض ومن تعذر عليه
الصوم أو شق ٣ : ٥٥
حكم من أسلم أو بلغ أو جن أو أغمى في
شهر رمضان ٣ : ٥٧
حكم قضاء شهر رمضان ٣ : ٥٧
حكم سوم التطوع وما يكره من الصيام ٣ :
٥٨
ما استدل به الخصم على العدد والجواب
عنه ٢ : ٤٥
مناقشة الخصم في آیة «الاهلة» والجواب
عنها ٢ : ٤٧
الاستدلال بخبر «يوم صومكم يوم نحركم» ٢
: ٤٦
الاستدلال بخبر «صوموا لرؤيته وأفطروا
لرؤيته» ٢ : ٥١
مخالفة أخبار الرؤية الكتاب والجواب عنه
٢ : ٥٥
التهافت في استدلال القائلين بالرؤية
والجواب عنه ٢ : ٥٧
مناقشة القائلين بالعدد في استدلال
الرؤية ٢ : ٥٨
حول خبر شهر رمضان يصيب ما يصيب سائر
الشهور ٢ : ٦٠
اعتبار الرؤية في الشهور ١ : ١٥٧
كفارة المجامع أهله في شهر رمضان ١ :
٢٨٧
المعول في معرفة أوائل الشهور ١ : ٢٩٣
في الغناء عن تكرير النية في صوم رمضان
٢ : ٣٤٣
جواز تجديد النية بعد مضى شطر من النهار
٢ : ٣٨٤
حكم نية صوم رمضان كله في أوله ٢ : ٣٥٥
حكم نذر صوم اليوم المصادف للعيد ١ :
٤٤٠
(كتاب الخمس والزكاة)
ما يجب فيه الزكاة ٣ : ٧٤
شروط وجوب الزكاة ٣ : ٧٤
زكاة الدنانير والدراهم ١ : ٢٢٤ ، ٣ :
٧٥
زكاة الابل ٣ : ٧٦
زكاة البقر والغنم ٣ : ٧٧
زكاة الحنطة والشعير والتمر والزبيب ٣ :
٧٨
تعجيل الزكاة ٣ : ٧٨
في زكاة الفطرة ١ : ٢٢٦ ، ٣ : ٧٩
اشتراط الولاية في مستحقي الزكاة ١ :
٢٢٥
كيفية اخراج الزكاة ٣ : ٨٠
حكم التصديق بالمال الاخر ٣ : ١٣٠
أحكام الخمس ١ : ٢٢٦ ، ٣٠٦
صفوة الاموال من الانفال ١ : ٢٢٨
أقل ما يجزىء من الزكاة ١ : ٢٢٥
حكم الانفال ١ : ٢٢٨
(كتاب الحج)
كيفية الحج ولي؟ بالرؤية وهو لا يقدر
عليها ٢ : ٦١
وجوب الحج والعمرة ٣ : ٦٢
مواقيت الاحرام ٣ : ٦٤
ما يجتنبه المحرم ٣ : ٦٥
في سيرة الحج وكيفية أفعاله ٣ : ٦٦
ما يلزم المحرم عن جناية وكفارة ٣ : ٧٠
فوت الوقوف بعرفات وادراك المشعر ١ :
٢٢٩
في استلام الحجر ٣ : ٢٧٥
ما يقال عند الاستلام ٣ : ٢٧٥
اشتقاق لفظه «الاستلام» ٣ : ٢٧٥
معنى قول المستلم «أمانتي أديتها
وميثاقي تعاهدته» ٣ : ٢٧٦
من يجب عليه الحج من قابل ٢ : ٣٣٤
حكم العاقد في الاحرام ٢ : ٣٧٠
(كتاب النكاح)
عقد النكاح على ما لا قيمة له ١ : ٢٣٠
التزويج في حال الاحرام ١ : ٢٣١
حكم التزويج في العدة ١ : ٢٣١ ، ٢٣٢
جواز نكاح النساء في أدبارهن وليها ١ :
٢٣٥
جواز النكاح من غير شهود ١ : ٢٣٦
جواز نكاح المرأة على عمتها وخالتها ١ :
٢٣٨
أقل الحمل واكثره ١ : ١٩١ ، ٢٢٤
حكم المتعة ١ : ٢٣٧ ، ٢٩٤
جواز تملك السبايا ونكاحهن ١ : ٢٩٨
اسلام ذمي له امرأة ذمية ١ : ٢٩٩
حكم تزويج الهاشمية ١ : ٣٠٠
(كتاب الطلاق)
شرائط الظهار ١ : ٢٤١
عدة الحامل ١ : ١٨٦ ، ٢٤٣
حكم المطلقة في مرض بعلها ١ : ١٩٤
حكم المطلقة تسعاً ١ : ٢٣٢
وقوع الطلاق بشاهدين عدلين ١ : ٢٣٨
وقوع الطلاق بالالفاظ المخصوصة ١ : ٢٣٩
الطلاق بشرط لا يقع ١ : ٢٤٠
الطلاق ليس بيمين ١ : ٢٤٠
الطلاق ثلاث غير صحيح ١ : ٢٤٠
الرجعة في الطلاق الثلاث ١ : ٢٤٣
حكم من غاب عن أهله سنتين ١ : ٢٨٨
(كتاب العتق)
أحكام العتق ١ : ٢٤٥
تحليل المولى أمته للغير ١ : ٢٩٧
حكم عتق العبد المكاتب وتوريثه ١ : ١٩٦
(كتاب النذر واليمين)
شهادة الابن لابيه وبالعكس ١ : ٢٤٦ ،
٢٦٥
كيفية اليمين ١ : ٢٤٧
حكم اليمين ١ : ٢٤٧
حكم حانث النذر ١ : ٢٤٦
عدم انعقاد اليمين على المعصية ١ : ٢٩٠
من حلف على ترك المعصية ١ : ٢٩٩
(كتاب الاطعمة)
حرمة الطحال وما ليس له فلس ١ : ٢٤٨
ما يحرم من الطير ١ : ٢٤٨
الجري والمار ماهي ١ : ٢٤٨
حرمة الفقاع ١ : ٢٤٨
(كتاب الميراث)
من مات وخلف والدين وبنتاً ١ : ٢٥٥
لا يحجب الام عن الثلاث ١ : ٢٥٦
من مات وخلف احد أبويه وبنتين وابن ابن
١ : ٢٥٦
لا يرث مع الوالد أحد ١ : ٢٥٧
أحكام الحياة ١ : ٢٥٧
ولد الصلب يحب من دونه ١ : ٢٥٨
الزوج يرث من الزوجة ١ : ٢٥٨
المرأة لا ترث مع الرباع ١ : ٢٥٩
ارث الاخوة والاخوات ١ : ٢٦٠
توريث الرجال والنساء بالنسب ١ : ٢٦٠
ميراث من مات وخلف ابنة ابن وابن عم ١ :
٢٦٠
حكم ارث ابن الاخ مع الجد ١ : ٢٦٢
ارث ولد الملاعنة ١ : ٢٦٢
كيفية توريث الخنثى ١ : ٢٦٣
ارث المطلقة في مرض بعلها ١ : ٢٦٣
حكم من ليس له ما للرجال والنساء ١ :
٢٦٤
توريث ذي رأسين على حقو واحد ١ : ٢٦٤
حكم ارث المملوك ١ : ٢٦٤
من لا يرث للمملوك من حر ١ : ٢٦٤
حكم ارث المكاتب ١ : ٢٦٥
ارث الكفار والمجوس ١ : ٢٦٥ ، ٢٦٦
حكم ميراث المجوس ١ : ٢٦٦
توريث الم الولد ١ : ٢٩٧
المسلم برث الكافر ١ : ٣٠٣
العمة ترث مع العم ١ : ٣٣
ارث الخال والخالة مع الاعمام ١ : ٣٠٤
ارث أولاد الاخت ١ : ٣٠٤
(كتاب المتاجر)
حكم العمل مع السلطان ٢ : ٨٩
تقسيم السلاطين وكيفية العمل معهم ٢ : ٨٩
الالجاء الى العمل مع السلطان ٢ : ٩٠
نماذج من عمل الاولياء مع بعض السلاطين ٢ : ٩١
من يجوز له اقالة الحدود ٢ : ٩٣
حمل الافعال على الصحة أو القبيح ٢ : ٩٥
التولي للاغراض الدينية ٢ : ٩٦
مسائل في الشفعة ١ : ١٧٦ ، ٢٢٩
من لاربا بينهما ١ : ١٨١ ، ٢٣٠
(كتاب الحدود والديات)
حكم الزاني بذات البعل ١ : ٢٣٠
من تلوط بغلام ١ : ٢٣٢
من فجر بعمته وخالته ١ : ٢٣٣
في عود السارق وحده ١ : ٢٤٩
من ضرب امرأة فأطرحت ١ : ٢٥٠
حد شارب الخمر ١ : ٢٥٠
حد العبد ١ : ٢٥٠
أحكام حد الزاني ١ : ٢٥٠
أحكام القصاص ١ : ٢٥١
افزاع المجمع وعزله ١ : ٢٥١
في رجل قتل امرأة ١ : ٢٥٢
حكم قطع رأس الميت ١ : ٢٥٢
حكم ثلاثة قتلوا واحداً ١ : ٢٥٢
من وجد مقتولا فاعترف رجل بقتله ١ : ٢٥٣
حكم من وجد مقتولا ١ : ٢٥٤
لو قتل رجل امرأة واختار أولياؤها
القصاص ١ : ٢٥٣
ديات أهل الكتاب ١ : ٢٥٤
مسألتان في النية في العبادة ٢ : ٣٥٦
(مسائل اصول الفقه)
الطريق الى معرفة الاحكام عن أدلتها
التصيلية ١ : ٧
الطريق الى معرفة خطاب الله ورسوله ١ :
١٠
اثبات حجية الاجماع ١ : ١١
دخول الامام عليه السلام في الاجماع ١ :
١٤
الاجماع حجة في كل حكم ليس له دليل ١ :
١٦
كيفية العلم بدخول الامام في الاجماع ١
: ١٨
اثبات حجية الاجماع ٣ : ٢٠١
اثبات حجية الاجماع في الاحكام ١ : ٢٠٥
كيفية تحصيل اجماع الامة ١ : ٢٠٥
اثبات حجية اجماع الطائفة ٢ : ٣٦٦
الخبر الواحد وحجيته ١ : ٢١
الجواب عن وجود اخبار الاحاد في مصنفات
الامامية ١ : ٢٥
اعتماد الرسول بالخبر الواحد والجواب
عنه ١ : ٣٠
اشكال عمل الرسول بأخبار الاحاد ١ : ٣٣
كيفية معرفة أخبار الاحاد ١ : ٣٥
اعتماد عرف المتشرعة على الخبر الواحد ١
: ٣٧
اعتماد المتكلمين على الخبر الواحد ١ :
٤٦١
خبر الواحد لا يوجب سكوناً ولا
اطمئناناً ١ : ٥٠
حصول العلم من الخبر الواحد ١ : ٥٣
اعتماد العقلاء على الخبر الواحد ١ : ٥٧
الجواب عن اعتماج العقلاء على الخبر
الواحد ١ : ٥٩
اعتماد أهل اللغة على الخبر الواحد ١ :
٦٧
الجواب عن اعتماد أهل اللغة على الخبر
الواحد ١ : ٦٩
اثبات حجية الخبر الواحد من طريق اللطلف
١ : ٧٤
الجواب عن اثبات حجية الخبر الواحد عن
طريق اللطف ١ : ٧٧
وجوب حصول العلم بدعوى الرسل بأقصر
الطرق ١ : ٨٢
دلالة انقاد الرسول الامراء والعمال على
الخبر الواحد ١ : ٩٠
الجواب عن انفاد الرسول على حجية الخبر
١ : ٩٣
بطلان العمل بالقياس والخبر الواحد ١ :
٢٠٢
الدليل على بطلان العمل بالقياس والخبر
الواحد ١ : ٢٠٣
كيفية العلم بالاحكام الشرعية غير
المعلومة ١ : ٣١٥
كيفية العمل بالاحكام الشرعية المختلف
فيها ١ : ٣١٨
حجية ظواهر الكتاب والسنة ١ : ٢٠٩
عدم حجية جل الاخبار المنقولة من طريق
أصحاب الحديث ١ : ٢١٠
في نفي الحكم بعدم الدليل ٢ : ١٠١
في توارد الادلالة ٢ : ١٤٧
عدم تخطئة العامل بالخبر الواحد ٣ : ٢٦٩
ابطال العمل بأخبار الاحاد ٣ : ٣٠٩
كيفية العلم بالاحكام المختلف فيها ١ :
٣١٨
حول الخبر المتواتر ٢ : ٣٣٦
(المسائل الادبية)
في الاستثناء ٢ : ٧٩
الاستثناء يخرج من الجمل ما صلح دخوله
فيها ٢ : ٧٩
الاستثناء يخرج من الجمل ما تناول لفظها
دون معناها ١ : ٨٠
كلام ابن جنى في حذف علامة التأنيث ٣ :
١٢٦
معنى القضاء في لغة العرب ٣ : ١٩٣
تفسير الخطبة الشقشقية ٢ : ١٧
اشارته عليه السلام الى بيت أعشى قيس ٢
: ١٠٩
كلام ابن عباس ٢ : ١١٣
رسالة الحدود والحقائق
حرف الالف ٣ : ٢٦١
حرف الباء ٣ : ٢٦٤
حرف التاء ٣ : ٢٦٥
حرف الثاء والجيم ٣ : ٢٦٨
حرف الحاء ٣ : ٢٦٨
حرف الخاء ٣ : ٢٦٩
حرف الدال ٣ : ٢٧٠
حرف الذال ـ الراء ٣ : ٢٧١
حرف الزاء ـ السين ٣ : ٢٧٢
حرف الشين ٣ : ٢٧٣
حرف الصاد ٣ : ٢٧٤
حرف الضاد ـ الطاء ٣ : ٢٧٥
حرف الظاء ـ العين ٣ : ٢٧٦
حرف الغين ٣ : ٢٧٨
حرف الفاء ـ القاف ٣ : ٢٧٩
حرف الكاف ـ اللام ٣ : ٢٨٠
حرف الميم ٣ : ٢٨١
حرف النون ٣ : ٢٨٧
حرف الواو ٣ : ٢٨٨
حرف الهاء ـ الياء ٣ : ٢٨٩
(المتفرقات)
وجه النهي عن أكل الثوم ٣ : ١٢٥
صحة حمل رأس الحسين عليه السلام الى
الشام ٣ : ١٣٠
بيان قول النبي «انا وانت يا علي كهاتين»
٣ : ١٣٤
من كلام علي عليه السلام يتبرأ من الظلم
٣ : ١٣٩
في أن السماوات والارضين سبع ٣ : ١٤٠
معنى نقصان الدين والعقل في النساء ٣ :
١٢٣
تفسير قول النبي «الولد للفراش» ٣ : ١٢٤
في فدك ٣ : ١٤١
بيان «نية المؤمن خير من عمله» ١ : ١٢٠
، ٣ ، ٢٣٥
نحن معاشر الانبياء لانورث ٣ : ١٤٦
انكاح اميرالمؤمنين عليه السلام ابنته ١
: ٢٩٠ ، ٣٠ : ١٤٨
على خذلان أهل البيت عليهم السلام وعدم
نصرتهم ٣ : ٢٠٩
السؤال عن الرجوع الى الكتب الثلاثة ١ :
٢٧٩
ثواب زبارة قبور الائمة عليهم السلام ١
: ٢٩١
أي الاعمال أفضل؟ ١ : ٣٠١
الرجوع الى الكافي وغيره من الكتب ١ :
٣٣١
علة جحد القوم النص على أمير المؤمنين
عليه السلام ١ : ٣٣٢
علة قعود علي عليه السلام عن المنازعة
لامر الخلافة ١ : ٣٤٣
بر الوالدين الكافرين الفاسقين ٢ : ٣٧٤
ما يجوز قتلة من الحيوان المؤذى ٢ : ٣٧٣
قوله عليه السلام «سلوني قبل أن تفقدوني»
١ : ٣٩١
حول اخبارات الكهنة ١ : ٤١٥
امتناع امير المؤمنين عليه السلام عن
محو البسملة في معاهدة النبي صلى الله عليه وآله ١ : ٤٤١
مناظرة الخصوم وكيفية الاستدلال عليهم ٢
: ١١٧
في المنامات ٢ : ٩
تقسيم المنامات ٢ : ١١
رسالة في غيبة الحجة ٢ : ٢٩٣
سهولة الكلام في غيبة الحجة عليه السلام
٢ : ٢٩٣
الادلة على وجوب الامام في كل زمان ٢ :
٢٩٤
السبب في الغيبة هو اخافة الظالمين له ٢
: ٢٩٥
استتار النبي صلى الله عليه وآله وسلم ٢
: ٢٩٦
الانتفاع بوجود الامام عليه السلام ٢ :
٢٩٧
(رسالة في الرد على
المنجمين)
لا فعل للكواكب في الارض ٢ : ٣٠٢
كذب آخذی الطالع مجرب معلوم ٢ :
٣٠٥
الاشارة الى ما جاء في الروايات ٢ : ٣١٠
كلام آخر للسید في مسألة النجوم ٢
: ٣١١
|