

بسم الله الرحمن
الرحيم
الحمد لله رب
العالمين والصلوة والسلام على محمد وآله وصحبه الطيبين الطاهرين وبعد ، فيقول
المفتقر إلى الله تعالى علي ابن المرحوم الشيخ محمد رضا ابن المغفور له الشيخ هادي
من آل كاشف الغطاء.
تطور علم الفقه
إن علم الفقه لما
كان من العلوم التي ترتبط بواقع الحياة وصميمها لأنه تعالج فيه الوقائع والحوادث
الداخلية والخارجية حيث انه العلم بالأحكام الإلهية لأفعال المكلفين فكان ولا بد
أن تصقل مسائله العقول وتنقح مطالبه الأفكار ويناله التطور الذي ينال كل علم من
العلوم التي يكون لها هذا الشأن. كيف لا وموضوعه هو أفعال المكلفين وهي تتغير
بتغير الزمن
وتتطور بتطور
الحياة وكم كان الفرق بين الحياة في صدر الإسلام وبينها في هذه الأيام فان في هذه
الأيام قد صارت استفادة قوانينه وتطبيقها على الحوادث النازلة والوقائع المتجددة
واستنباط الوظائف الدينية في الحياة العملية ، واستلهام الأحكام الشرعية منها
تحتاج إلى مهارة علمية ومقدرة فنية لانقطاع زمن الوحي وهذا أمر يتجدد بتجدد
الحوادث ويختلف باختلاف الافهام وسعة الاطلاع ، فكان تطور علم الفقه بتطور الزمن
وتجدده بتجدد الأحداث أمراً لازماً لطبيعة موجوديته ولنفس حيويته وان تمر به أدوار
مختلفة منذ نشأته حتى اليوم. وعلى الفقيه الاطلاع على هذه الأدوار وتاريخ تطورها
باختلاف الظروف والأحوال وتعدد مظاهرها الناتج عن اختلاف المذاهب والأنظار وتفاوت
العقائد والأفكار ، بل يكاد أن يكون من المحتم على من أراد زيادة البصيرة في هذا العلم
التعرف بما قطعه هذا العلم من الخطوات والعقبات في مضمار رقيه وتقدمه الذي أبرزه
بهذه الصورة في هذه الحياة ، فان في ذلك عرضاً للأسس العامة للثقافة الدينية
وبياناً لمناهج دراستها العلمية الفقهية وهو ما يزيد الفقيه معرفة وخبرة واطلاعاً
وبصيرة ، والذي حصلناه من بطون الكتب المحررة في هذا الموضوع واستخرجناه من
المؤلفات في هذا العلم انه قد مرت بهذا العلم أدوار متعددة.
الدّور الأول
لعلم الفقه
الأول : دور
التشريع للأحكام الشرعية حيث ان الأحكام الشرعية هي التي يتركز عليها علم الفقه
لكونها هي التي يبحث في علم الفقه عن ثبوتها لأفعال المكلفين ، وهذا الدور يبدأ من
زمن بعثة الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم وقد كانت عند ما أكمل الأربعين سنة من عمره قبل هجرته
للمدينة المنورة بثلاث عشرة سنة حيث كانت بعثته سنة ٦١٠ م تقريباً عند ما صعقه
الوحي في غار حراء فقال له (اقْرَأْ بِاسْمِ
رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ
الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ) فارتعدت صلىاللهعليهوآلهوسلم فرائصه ورجفت جوانبه وعاد إلى أهله قائلاً زملوني فزملوه
حتى ذهب عنه الفزع والروع.
مكان الوحي ومبدؤه
كان ذلك الوحي في
٢٧ من رجب عند الامامية وفي ١٧ من شهر رمضان عند أهل السنة في الموضع الذي كان محل
عبادته صلىاللهعليهوآلهوسلم بضواحي مكة المكرمة (غار حراء) ثمّ أخذ المسلمون يتلقون من
الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم الأحكام الدينية وما يوحى إليه فيه في دار الارقم بمكة
المكرمة.
ثمّ بعد ذلك اصبح
منزل رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في مكة المكرمة هو الذي فيه يتلقى منه صلىاللهعليهوآلهوسلم الأحكام الفقهية والقوانين السماوية.
ومن بعد ذلك كان
مسجده صلىاللهعليهوآلهوسلم في المدينة
المنورة هو الموضع الذي يأخذ منه صلىاللهعليهوآلهوسلم الأحكام الشرعية والمعارف الإلهية ، وينتهي هذا الدور
بوفاته صلىاللهعليهوآلهوسلم بعد الهجرة للمدينة المنورة بعشر سنين أي سنة ٦٣٣ م.
مقدار الزمن الذي
بلغ صلىاللهعليهوآلهوسلم الرسالة
فتبليغه صلىاللهعليهوآلهوسلم يبلغ اثنتين وعشرين سنة وعدة اشهر.
وقد ذكر بعضهم
بأنه عبارة عن اثنتين وعشرين سنة وشهرين واثنين وعشرين يوماً وقد كانت دعوته صلىاللهعليهوآلهوسلم سراً بعد بعثته إلى مدة ثلاث سنوات وبعدها أمره الله تعالى
بأن يجهر بدعوته بقوله تعالى : (فَاصْدَعْ بِما
تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ) واستمرت دعوته ما يقارب ثلاث عشرة سنة
في مكة المكرمة
وقد نزل عليه من القرآن ما يقارب ثلثيه ثمّ ذهب للطائف بعد بعثته بعشر سنين سنة
٦٢٠ م.
وقت الاسراء
والمعراج وفرض الصلاة
وفي السنة الحادية
عشرة من بعثته المصادف سنة ٦٢١ م وقت الأسراء والمعراج وفرضت الصلوات الخمس
اليومية.
وقت زمن هجرته صلىاللهعليهوآلهوسلم
ثمّ هاجر من مكة
إلى المدينة المنورة في السنة الثالثة عشرة من بعد بعثته وقد وصلها يوم الجمعة ٢
تموز سنة ٦٢٣ م.
مبدأ التاريخ
الإسلامي
وكانت هجرته هذه
هي بدأ التاريخ الإسلامي الهجري القمري وفي المدينة تكونت الدولة الإسلامية بقيادة
الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وأخذ الرسول يبين الأحكام الإسلامية حتى كملت فنزل قوله
تعالى : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ
لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ
دِيناً) وكان نزولها قبل وفاة الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم بثلاثة اشهر ولم تنزل بعدها آية من آيات الأحكام.
مدة نشره صلىاللهعليهوآلهوسلم للأحكام
كانت مدة نشره صلىاللهعليهوآلهوسلم للأحكام في المدينة المنورة عشر
سنوات نزل فيها من
القرآن ثلثه الأخير وشيء يسير منه.
الأعمال التي قام
بها صلىاللهعليهوآلهوسلم في المدينة المنورة
وفي السنة الأولى
من الهجرة بنى صلىاللهعليهوآلهوسلم المسجد النبوي وبنى مسجد قبا وفيها شرع الجهاد والآذان
وصلاة العيدين. وعن الواقدي انه لا خلاف بين الحجازيين في انه في هذه السنة ١٢
ربيع الثاني زيد في الصلاة ركعتان بعد أن كانت ركعتين حضراً وسفراً ولعله هو مراد
الشيخ الطوسي من قوله في مصباحه في أول سنة من الهجرة استقر فرض صلاة الحضر
والسفر.
وفي السنة الثانية
من الهجرة تحولت القبلة من المسجد الأقصى وهو بيت المقدس إلى الكعبة بعد أن صلى
المسلمون إلى البيت المقدس (١٦) شهراً. وفيها كان أول خمس خمسه النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم فاخذ الصفايا والخمس في غزوة بني قينقاع وأعطى الباقي
لأصحابه. وفي شهر شعبان منها شرع صوم شهر رمضان بعد ما كان الصوم ثلاثة أيام من كل
شهر. وفيها فرضت زكاة الفطرة.
ثمّ بعد ذلك فرضت
في هذه السنة زكاة الأموال وسنت صلاة العيد وتزوج الإمام علي عليهالسلام بفاطمة سيدة النساء بنت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
وفي السنة الرابعة
شرع القصر في صلاة المسافرين.
وفي السنة الخامسة
ابطلت عادة التبني التي كان العرب يعاملون فيها الربيب معاملة الابن الحقيقي.
وفي السنة السادسة
فرض الحج وفيها توجه النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم مع أصحابه إلى مكة معتمراً فمنعه المشركون.
وفي السنة السابعة
اعتمر النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم.
وفي السنة التاسعة
حج بالناس أبو بكر.
وفي السنة العاشرة
توفى إبراهيم ابن النبي. وفيها حج النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم حجة الوداع وخطب خطبته المعروفة وبين فيها ان علياً
خليفته.
أسماء سني هجرته صلىاللهعليهوآلهوسلم
وقد سمى المسلمون
السنوات من هجرته إلى وفاته بأسماء مخصوصة ، فالأولى بعد الهجرة سموها سنة الأذن ،
والثانية سنة الأمر بالقتال ، والثالثة سنة التمحيص ، والرابعة سنة الترفئة ،
والخامسة سنة الزلزال ، والسادسة سنة الاستئناس ، والسابعة سنة الاستغلاب ،
والثامنة سنة الاستواء ، والتاسعة سنة البراءة ، والعاشرة سنة الوداع ، وكانوا
يستغنون بذكرها عن عددها من الهجرة.
كيفية بيان
التشريع في هذا الدور
وفي هذا الدور كان
التشريع للأحكام اما بآية من القرآن العظيم أو بالسنة من النبي الكريم صلىاللهعليهوآلهوسلم. والسنة من النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم عبارة عن كلامه صلىاللهعليهوآلهوسلم أو كتابته صلىاللهعليهوآلهوسلم أو فعله صلىاللهعليهوآلهوسلم أو تقريره صلىاللهعليهوآلهوسلم وامضائه صلىاللهعليهوآلهوسلم فان هذه الأربعة تسمى باصطلاح الفقهاء بالسنة نقلاً من
معناها اللغوي الذي هو الطريقة ويسمى الحاكي للسنة (بالخبر أو الحديث) وهو تارة
يكون متواتراً وتارة يكون خبراً غير متواتر ويسمى بالخبر الواحد.
وقد تطلق السنة
على ما يعم الحاكي والمحكي.
اتجاه التشريع في
مكة المكرمة
وكان التشريع في
مكة المكرمة متجهاً نحو تركيز العقيدة واصلاح الفاسد منها ومكافحة الإلحاد والشرك
بالله وإثبات الرسالة المحمدية.
اتجاه التشريع في
المدينة المنورة
وفي المدينة
المنورة كان متجهاً إلى سن الأحكام الشرعية والقواعد الفقهية حتى كمل الدين وتمت
رسالة سيد المرسلين
ولم يترك حادثة
صغيرة أو كبيرة إلا ونجد حكمها بنصوصه أو آثاره أو في كلياته وأصوله ، وترك معرفة
الوقائع المتجددة لفهم المتفقهين في قوانينه وهذا ما صير الدين الإسلامي يتماشى مع
سائر العصور خاتمة للأديان وصالحاً للبقاء في كل حال وزمان.
مصدر التشريع في
الدور الأول
ان مصدر التشريع
في هذا الدور هو الوحي المنزل على النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم من قبل رب العالمين سواء كان التشريع بآية قرآنية أو
بالسنة النبوية.
اجتهاد الرسول
وقد نسب للشافعية
والمالكية وبعض الحنفية القول بأن التشريع قد يكون مصدره اجتهاد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وما أدى إليه رأيه لا بالوحي المنزل عليه. وذهب أصحابنا
الامامية والاشعرية وكثير من المعتزلة والمتكلمين إلى عدم ذلك منه صلىاللهعليهوآلهوسلم وقد أشبعنا المقام بحثاً وتنقيحاً في المجلد الأول من
كتابنا الأحكام الشرعية وشئونها.
إلا انه لا ينكر
أن الاجتهاد قد كان عند الصحابة بالمعنى
الأعم فان فهم
أحكام الوقائع من بعض النصوص الدينية يحتاج إلى اعمال الرأي وبذل الوسع والجهد وهو
لا محالة يصدر عن الصحابة عند عدم تيسر وصولهم للنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بل ربما يرجعون لحكم العقل إذا لم يكن لديهم نص يمكن
استلهام الحكم الشرعي للحادثة النازلة بهم لانسداد باب العلم فيها ومن هذا الباب
ما روي من أن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قد أذن لمعاذ بن جبل لما بعثه إلى اليمن أن يجتهد فيما إذا
لم يجد نصاً من الكتاب أو السنة في الواقعة التي هي محل ابتلائه وانك لتلمس
الاجتهاد من بعض الصحابة عند ما أمر النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بعض الصحابة ألّا يصلي العصر إلا في بني قريظة فكان فريق
منهم لم يصلوا العصر رغم فوات وقته حتى وصلوا لبني قريظة تعبداً بالنص بينما
الفريق الآخر اجتهد واعمل رأيه فصلى العصر قبل الوصول لبني قريظة قبل فوات وقت
العصر وقال ان المقصود الحث على الاسراع بالوصول لبني قريظة لا التعبد المحض.
إكمال الدين
وفي هذا الدور كمل
بيان الأحكام الشرعية وبيان مصادرها.
إطلاق كلمة الفقه
والفقيه
وكانت كلمة (الفقه)
في هذا الدور تطلق على معرفة سائر الأحكام سواء كانت اصولية أو فرعية وسواء كانت
اخلاقية أو تعبدية وكان (الفقيه) في هذا الدور من حفظ آيات من القرآن الشريف وعرف
معانيها وناسخها من منسوخها ومتشابهها من محكمها وخاصها من عامها ومقيدها من
مطلقها.
تسمية القراء
بالفقهاء في هذا الدور
وكانوا يسمون
الفقهاء بالقراء أي الذين يقرءون الكتاب باعتبار ان هذا أمر يميزهم عن عامة الناس
لأن الأمية كانت منتشرة وعامة ولما كمل علم الفقه فيما بعد ذلك واصبح علماً
مستقلاً أبدلت أسماؤهم بالفقهاء.
المعروفون بالفتوى
في هذا الدور
وكان المعروفون في
الفتوى في هذا الدور أبو بكر وأبو الدرداء وأبو رافع وأبو سعيد الخدري وأبي بن كعب
وأبو أيوب الأنصاري وحذيفة بن اليمان وجابر الأنصاري وزيد بن ثابت. وسلمان الفارسي
، وعبد الرحمن بن عوف ، وعبد الله بن مسعود ، وعثمان بن عفان وعمر بن الخطاب
وابنه عبد الله ،
وعبد الله بن العاص ، وعمار بن ياسر ، وعبد الله بن عباس ومعاذ بن جبل.
المرجع في تشخيص
الحكم هو الإمام علي عليهالسلام
وكان الإمام علي عليهالسلام هو المرجع الأعم في تشخيص الحكم الشرعي بعد النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ففي المحكي عن الطبقات الكبرى ج ٢ ص ٣٣٢ طبع بيروت عن ابن
عباس أنه قال إذا حدثنا ثقة عن علي بفتيا فلا نعدوها ومثله عن كتاب (الجرح
والتعديل) للحافظ الرازي والصواعق لابن حجر وتاريخ الخلفاء للسيوطي ونظيره عن
الاستيعاب ج ٢ ص ٤٦٢ طبع حيدرآباد وتهذيب التهذيب للعسقلاني ج ١ ص ٣٣٧ طبع
حيدرآباد والاصابة.
قول عائشة في
الإمام علي عليهالسلام
وقد تواتر عن
عائشة ان علياً اعلم الناس بالسنة كما في الاستيعاب وتاريخ الخلفاء للسيوطي واسعاف
الراغبين وذخائر العقبى والمناقب للخوارزمي وغيرها. ومما يدل على ذلك قول عمر (أقضانا
علي) كما في الطبقات الكبرى وأخبار القضاء والمستدرك والتاريخ الكبير لابن عساكر
والطبقات المالكية وغيرها من كتب الأخبار والتراجم وعن
الاستيعاب بسنده
عن المغيرة (ليس أحد منهم أقوى قولاً في الفرائض من علي).
من اشتهر من
الفقهاء في هذا الدور
واشتهر من الفقهاء
عبد الله بن عباس حتى سمي البحر لكثرة علمه. وسلمان الفارسي الذي قال فيه النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم (أنه من أهل البيت).
وعمار بن ياسر الذي قال فيه النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم (أنه مع الحق
والحق معه). وأبي بن كعب الذي روي عن الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم (أنه أقرأ أمته).
وجود الفقه
والاجتهاد في هذا الدور
فالفقه في هذا
الدور موجود لدى القراء لكون الفقه هو ملكة العلم بالأحكام الشرعية عن أدلتها
التفصيلية وهم لوجود الكتاب والنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم فيما بينهم كانت عندهم الملكة المذكورة كما ان الاجتهاد
أيضاً موجود عندهم لأن الاجتهاد هو القدرة على الاستنباط ولا ريب عندهم في ذلك
لسهولة الاستنباط في هذا الدور.
قصة معاذ بن جبل
ويدل على وجوده
عندهم قصة معاذ بن جبل حيث أمره
النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بالاجتهاد عند فقد النص. وقول النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم في المجتهد (أنه إذا أخطأ له اجر واحد وإذا أصاب كان له
اجران).
واقعة بني قريظة
وقد وقع مع
الصحابة الاجتهاد كما تقدم في واقعة بني قريظة لما أمر النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم المسلمين بأن لا يصلوا العصر إلا في بني قريظة فصلاها
بعضهم قبل الوصول لبني قريظة لفوت الوقت عند الوصول إليهم واجتهد في قول النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بحمله على أن المقصود طلب الإسراع في الوصول إليهم لا تأخر
الصلاة عن وقتها.
اجتهاد عمار
وهكذا اجتهد عمار
بن ياسر في التيمم حيث تمعك في التراب.
القضاء في هذا
الدور
وكان القضاء في
هذا الدور منحصراً في رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أو من يقيمه مقامه.
كتابة الأحكام في
هذا الدور
وكتبت في هذا
الدور الأحكام الشرعية ويسمى ما كتب فيه بالصحائف منها صحيفة أمير المؤمنين علي عليهالسلام الصحيفة التي ذكرتها كتب الفريقين ومنها ما أمر رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بعد هجرته للمدينة بكتابته كأحكام الزكاة وما توجب فيه
ومقادير ذلك وقد كتبت في صحيفتين. ومنها ما اعطاه صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى عمر بن حزم لما ولى اليمن أحكاماً مكتوبة من الفرائض
والصدقات والديات وغير ذلك. ومنها ما اعطاه صلىاللهعليهوآلهوسلم لعبد الله ابن حكيم من الكتاب الذي فيه أحكام الحيوانات
الميتة. ومنها ما أمر به صلىاللهعليهوآلهوسلم من كتابة خطبته يوم فتح مكة لرجل من اليمن حين سأله ذلك.
ومنها ما دفعه إلى وائل بن حجر عند ما أراد الرجوع إلى بلاده حضرموت من الكتاب
الذي فيه أحكام الصلاة والصوم والربا والخمر وغيرها.
ومما كتب من
الصحائف في زمن الرسول :
ومما كتب من
الصحائف في هذا الدور صحيفة عبد الله بن عمرو بن العاص وذكروا ان فيها ما يكفي كاتبها
في معرفة الشريعة كلها في جميع أبواب الفقه وان كنا لا نؤمن بهذه المبالغة لأن عبد
الله بن عمرو بن العاص وأباه قد أسلما قبل وفاة رسول
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بسنتين وكان له من العمر حين إسلامه خمس عشرة سنة ولم يكن
له من الصلة والمعاشرة مع الرسول ما يؤهله لذلك. وقد طعن فيها الحافظ ابن كثير في
المجلد الأول من تاريخه المسمى بالبداية والنهاية. ومنها صحيفة سعد بن عبادة
الأنصاري وصحيفة عبد الله بن أبي أوفى. وصحيفة جابر بن عبد الله وصحف عبد الله بن
عباس. وصحيفة سمرة بن جندب.
أمر الرسول زيد بن
ثابت بتعلم كتابة اليهود
وحكي عن أهل
التاريخ أن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في السنة الرابعة من الهجرة أمر زيد بن ثابت أن يتعلم
كتابة اليهود ليكتب لهم ويقرأ ما يكتبونه له صلىاللهعليهوآلهوسلم وفي مختصر جامع بيان العلم ص ٣٧ عن أنس بن مالك عن رسول
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم انه قال قيدوا العلم بالكتابة. إلا أن الكتابة للأحكام
الشرعية لم تكن معروفة لدى الصحابة في هذا الدور وكان نوع الصحابة يحفظون الأخبار
والآثار على صدورهم مستغنين بذلك عن كتابتها وجمعها.
ما يمتاز به هذا
الدور
ومما يمتاز به هذا
الدور انه لم يكن فيه مجال للخلاف في الأحكام الشرعية لوجود الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم فيما بينهم وقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم هو فصل الخطاب.
زمن انتهاء الدور
الأول وزمن انقراض الصحابة
وقد انتهى هذا
الدور بوفاة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بالمدينة يوم الاثنين سنة ١٠ ه كما انقرض عصر الصحابة في
سنة ١٠٠ ه حيث كان آخر واحد منهم أبو الطفيل الكناني مات سنة ١٠٠ ه وقيل كان آخر
واحد منهم هو سهل بن سهل الساعدي توفي بالمدينة وهو ابن مائة سنة ٩١ ه.
المراد بالصحابي
والصحابي من لقي
النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم مسلماً ومات على ذلك وقد قبض النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم عن مائة وأربعة عشر ألف صحابي. والتابعي من لقي الصحابي
مسلماً ومات على ذلك. وأما من اسلم في زمن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ولم يلقه ولكنه لقي صحابياً فهو معدود من التابعين.
خلاصة تاريخ حياة
الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم
وتتلخص حياته صلىاللهعليهوآلهوسلم بأن بدايتها يوم ولادته صلىاللهعليهوآلهوسلم ٢٠ نيسان عام الفيل سنة ٥٧٠ م وهو العام الذي جاء فيه
أبرهة من ملوك الحبشة لهدم الكعبة صباح الاثنين في مكة المكرمة ١٧ ربيع الأول أو
١٢ منه وبعدها بأربعين سنة بعث
رسولاً من رب
العالمين من غار حراء في ضواحي مكة المكرمة الذي كان محل عبادته وفيه هبط عليه
الوحي الأمين ، فقال له (اقْرَأْ بِاسْمِ
رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ
الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ) الاثنين ٢٧ رجب عند الامامية و ١٧ رمضان عند السنة المصادف
سنة ٦١٠ م فكان صلىاللهعليهوآلهوسلم أعجوبة من عجائب الزمن في مواقفه الرائعة وآياته الباهرة ،
وجهاده العظيم يعجز عن حصرها القلم وعن وصف واقعها المفرد العلم وبعد عشر سنين من
بعثته توفي كافله أبو طالب وزوجته خديجة أم المؤمنين فهاجر للطائف يدعو بني ثقيف
لنصرته على قريش فقابلوه بالأذى ورجع بعد شهر لمكة المكرمة ثمّ هاجر إلى المدينة
المنورة في أول ربيع الأول في السنة الثالثة عشرة من بعثته الموافقة لسنة ٦٢٣ م أو
سنة ٦٢٢ م وبقي فيها عشر سنين يرشد الناس للأحكام الشرعية ثمّ ذهب بعدها لجوار ربه
مسموماً ٢٨ صفر سنة ١٠ ه وقيل ١٢ ربيع الأول فيكون عمره الشريف ٦٣ سنة وعند جماعة
ان يوم ولادته وهجرته ووفاته صلىاللهعليهوآلهوسلم يوم الاثنين في الثاني عشر من ربيع الأول.
وعن ابن عباس أن
النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ولد يوم الاثنين وأوحي إليه يوم الاثنين ورفع الحجر الأسود
يوم الاثنين وخرج
من مكة إلى
المدينة يوم الاثنين وقدم المدينة يوم الاثنين وقبض يوم الاثنين.
ما يجعل الأفكار
صرعى في هذا الدور الأول
ومما يدهش الفكر
والنظر في هذا الدور أن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم عند مرضه الذي التحق به إلى الرفيق الأعلى أراد أن يكتب
كتاباً لا يضل بعده ابداً فمنعه عمر عن ذلك وقال ان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قد غلبه الوجع وهو يهجر وعندكم القرآن وحسبنا كتاب الله
وأوجب ذلك اختلاف الحاضرين عنده فمنهم من أراد الكتابة ومنهم من أبى ذلك مكتفياً
بكتاب الله تعالى فلما رأى الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم خصومتهم قال صلىاللهعليهوآلهوسلم قوموا. وما فتئ ابن عباس بعدها يرى انهم أضاعوا شيئاً
كثيراً حيث لم يسرعوا إلى كتابة ما أراد النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم إملاءه.
النبي في مرضه
يهجر وأبو بكر لم يهجر
مع ان أبا بكر عند
مرضه أيضاً أراد ذلك ولم يمنع منه مانع ولم يقل قائل عندنا القرآن وحسبنا كتاب
الله فاستحضر عمر عثمان بن عفان واستكتبه استخلاف عمر على المسلمين.
كتبة الخلفاء
الأربع
وقد كان أبو بكر
قد اتخذ عثمان كاتباً له كما اتخذ عمر زيد بن ثابت كاتباً له كما اتخذ عثمان مروان
بن الحكم كاتباً له واتخذ علي عليهالسلام عبد الله بن أبي رافع مولى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم كاتباً له.
الدّور الثاني
مبدأ الدور الثاني
ومنتهاه
ان الدور الثاني
للفقه يبدأ من وفاة الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم سنة ١٠ ه وينتهي بخروج معاوية عن طاعة خليفة المسلمين علي
عليهالسلام سنة ٣٦ ه.
كتابة القرآن
المجيد
وقد اتجه فيه
المسلمون وخلفاؤهم إلى كتابة أول مصدر للفقه الإسلامي وهو القرآن الشريف واستنساخه
وجمعه حفظاً له من الضياع ومن اختلاط آياته بالأحاديث النبوية.
أول من تصدى لجمع
القرآن الإمام علي عليهالسلام وشهادة العلماء بذلك
وأول من تصدى لذلك
هو أمير المؤمنين علي عليهالسلام فقد روي عنه صلىاللهعليهوآلهوسلم انه قال لما قبض رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم (أقسمت أو حلفت أن
لا أضع ردائي على ظهري حتى أجمع بين اللوحين
فما وضعت ردائي
حتى جمعت القرآن) كما جاء ذلك في الإمامة والسياسة لابن قتيبة ص ١٢ طبع المكتبة
التجارية. وعن السيوطي عن ابن الغرس من حديث محمد بن سيرين عن عكرمة قال لما كان
بدء خلافة أبي بكر قعد علي بن أبي طالب في بيته فقيل لأبي بكر قد كره بيعتك فأرسل
إليه فقال (أكرهت بيعتي) فقال خشيت كتاب الله يزداد فيه فحدثت نفسي أن لا ألبس
ردائي إلا للصلاة حتى أجمعه قال له أبو بكر : فانك نعم ما رأيت.
واخرج ابن سعد
وابن عبد البر في الاستيعاب عن محمد بن سيرين قال نبئت أن علياً أبطأ عن بيعة أبي
بكر فقال أكرهت إمارتي فقال : آليت بيميني أن لا ارتدي برداء إلا للصلاة حتى أجمع
القرآن الحديث.
وفي الإتقان ج ١ ص
٥٩ أن علياً عليهالسلام قال آليت على نفسي أن لا آخذ عليّ ردائي إلا لصلاة الجمعة
حتى اجمع القران فجمعته.
وفي إرشاد الساري
ج ٧ ص ٤٥٩ وفتح الباري ج ٩ ص ٤٣ وعمدة القارئ ج ٩ ص ٣٠٤ ما يدل على جمع علي عليهالسلام للقرآن.
وعن الدرر عن
تفسير علي بن إبراهيم بإسناده عن أبي بكر الحضرمي عن أبي عبد الله الصادق عليهالسلام أن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قال لعلي عليهالسلام يا علي القرآن خلف فراشي في الصحف والقراطيس
فخذوه واجمعوه ولا
تضيعوه كما ضيع اليهود التوراة فانطلق علي عليهالسلام فجمعه في ثوب اصفر ثمّ ختم عليه في بيته وقال لا ارتدي حتى
اجمعه وانه كان الرجل يأتيه فيخرج إليه بغير رداء حتى جمعه. ويقول المؤلف لهذا
السفر اني قد شاهدت قطعة منه في خزانة الأمير عليهالسلام وشاهدت قطعة من قران علي عليهالسلام في خزانة ضريح رأس الحسين عليهالسلام في مصر وفي رحلة ابن بطوطة ج ١ ص ٢٥ عدد من الآثار
الموجودة في الرباط المبني على ضفاف النيل مصحف أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب عليهالسلام بخط يده ، وذكر ابن النديم في الفهرست ص ٤١ ان عند أبي
يعلى حمزة الحسيني مصحفاً بخط علي يتوارثه بنو الحسن وإذا لاحظنا هذا الخبر وهذا
الأثر مع ما ثبت من جمع القرآن من الرقاع عند رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم كما يرشد إلى ذلك ما هو المحكي عن مستدرك الحاكم ج ٢ ص ٦١١
ومسند الطيالسي ص ٢٧٠ والمحبر لابن حبيب ص ٢٨٦ وتاريخ الشام ج ٧ ص ٢١٠ وفتح الباري
ج ٩ ص ٤٤٠ ثمّ أضفنا إلى ذلك كله ما في صحيح البخاري في كتاب العلم باب (٣٩) وفي
باب كتاب الجهاد والسير باب (١٧١) وفي كتاب الجزية باب (١٠) وغير ذلك من الأخبار
المتظافرة الدالة على أن الكتاب المجيد كان عند أمير المؤمنين علي عليهالسلام فانا نستفيد من المجموع أن القرآن
الذي جمعه هو
القرآن الذي كان عند رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم الموجود في الرقاع التي كانت في بيت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وكانت منتشرة فجمعها علي عليهالسلام وكتبها في كتاب خاص ولم يجمع عليهالسلام القرآن كما جمعه الغير من صدور حفظة القرآن ولا مما في
أيدي المسلمين من العسب (جمع عسيب) وهو جريد النخل حيث كانوا يكشفون الخوص ويكتبون
في الطرف العريض ولا من (الأكتاف) (جمع كتف) وهو عظم البعير أو الشاة يكتبون عليه
بعد أن يجف ولا من (الأقتاب) (جمع قتب) وهو الخشب الذي يوضع على ظهر البعير ليركب
عليه ولا من (قطع الأديم) وهو الجلد ، فعلي عليهالسلام لم يجمع القرآن من هذه الأشياء وإنما جمعه وكتبه مما هو
موجود عند رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم من الرقاع.
جمع الإمام علي عليهالسلام للقرآن حسب التنزيل
وأما ما في إرشاد
الساري ج ٧ ص ٤٥٩ وما حكي عن عمدة القاري للعيني ج ٩ ص ٣٠٤ وعن فتح الباري ج ٩ ص
٤٣ من جمع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهالسلام لكتاب الله على حسب النزول لعل المراد به هو جمع القرآن مع
التعليق على آياته الكريمة وبيان وقت نزولها وفيمن نزلت وإلا فعلي لا يعقل أن يغير
كيفية الجمع التي صنعها رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم.
جمع أبي بكر
للقرآن
ثمّ انه بعد ذلك
تصدى أبو بكر إلى جمع القرآن بعد سنتين من خلافته فيكون جمعه للقرآن بعد جمع
الإمام علي له لأن الراوية المتقدمة قد دلت على جمع الإمام علي عليهالسلام له بعد وفاة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بلا فصل والرواية التي دلت على جمع أبي بكر له قد دلت على
أن أبا بكر قد جمعه بعد واقعة اليمامة بين المسلمين وبين أهل الردة من أتباع
مسيلمة الكذاب التي استشهد فيها من حفظة القرآن سبعون من الصحابة سنة اثنتي عشرة
للهجرة ففي صحيح البخاري ما حاصله أن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال : ارسل عليّ
أبو بكر عند مقتل أهل اليمامة فإذا عمر بن الخطاب عنده قال أبو بكر ان عمر أتاني
فقال : ان القتل قد استحر (أي اشتد) يوم اليمامة بقراء القرآن ، وإني أخشى أن
يستمر القتل بالقراء بالمواطن الأخرى فيذهب كثير من القرآن وإني أرى أن تأمر بجمع
القرآن قلت لعمر : كيف تفعل ما لم يفعله رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قال عمر : هو والله خير فلم يزل عمر يراجعني حتى شرح الله
صدري لذلك ورأيت في ذلك الذي هو رأي عمر. قال زيد : قال أبو بكر : انك رجل شاب
عاقل لا نتهمك وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فتتبع القرآن فتجمعه. قال زيد فوالله لو كلفوني نقل جبل من
الجبال ما كان
أثقل عليّ مما أمرني به من جمع القرآن. قلت كيف تفعلون شيئاً لم يفعله رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : هو والله خير قال زيد : فلم يزل أبو بكر يراجعني حتى
شرح الله صدري للذي شرح له صدر أبي بكر وعمر فتتبعت القرآن أجمعه من العسب واللخاف
وصدور الرجال حتى وجدت آخر سورة التوبة مع أبي خزيمة الأنصاري لم أجدها مع أحد غيره
(لَقَدْ جاءَكُمْ
رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ) حتى خاتمة البراءة. فكانت الصحف عند أبي بكر حتى توفاه
الله ، ثمّ عند عمر مدة حياته ثمّ عند حفصة بنت عمر. وعلى هذه الرواية فيكون قد تم
جمع القرآن كله خلال سنة واحدة لأن بين واقعة اليمامة المذكورة وبين وفاة أبي بكر
سنة واحدة مع أن الجمع قد كان من العسب واللخاف وصدور الرجال.
تسمية القرآن
بالمصحف
وعن الإتقان أنه
قد اخرج ابن أشتة في كتاب المصاحف من طريق موسى بن عقبة عن ابن شهاب قال : لما
جمعوا القرآن فكتبوه على الورق قال أبو بكر : التمسوا له اسماً فقال بعضهم : السفر
قال : ذلك اسم تسميه اليهود فكرهوا ذلك وقال بعضهم : المصحف فان الحبشة يسمون مثله
(المصحف) فاجتمع رايهم على أن يسموه المصحف.
جمع عثمان للمصحف
ثمّ أنه بعد
انتهاء غزو أرمينية وآذربيجان توجه حذيفة اليماني القائد المشهور للمدينة محذراً
عثمان من اختلاف القراء في قراءة القرآن ، فان أهل الكوفة يقرءون بقراءة ابن مسعود
وأهل البصرة يقرءون بقراءة أبي موسى وأهل الشام ودمشق يقرءون بقراءة أبي بن كعب
وأهل حمص يقرءون بقراءة المقداد بن الأسود. وطلب منه توحيد القراءة ، وبعد مشاورة
عثمان لبعض أصحاب الرسول في ذلك عزم عثمان على تنفيذ فكرة حذيفة فأرسل عثمان إلى
حفصة بنت عمر أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف ثمّ نردها إليك فأرسلت بها
حفصة إلى عثمان فأمر زيد بن ثابت المدني وثلاثةٌ من قريش عبد الله بن الزبير وسعيد
بن العاص وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام أن يكتبوها من صحف حفصة التي جعلت لهم
أصلاً ، وقال عثمان : إذا اختلفتم انتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه
بلسان قريش فانه إنما نزل بلسان قريش ففعلوا حتى إذا تم نسخ الصحف في المصاحف رد
عثمان الصحف إلى حفصة وأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا وأمر بما سواه من القرآن
في كل صحيفة أو مصحف أن يحرق.
الرد على السيوطي
ويمكن تحديد الوقت
الذي حصل فيه ذلك بما بعد سنة ثلاثين هجرية لأن الغزو المذكور كان في سنة ثلاثين
وعليه فلا وجه لما حكي عن إتقان السيوطي من انه حدده بسنة ست وعشرين وبعضهم حدده
بسنة ٦٥٠ م هذا ولكن التاريخ لم يروِ لنا أن المصحف الذي جمعه علي عليهالسلام قد أحرق فقد عدت المصاحف التي أحرقت ولم يذكر معها مصحف
علي عليهالسلام.
الأمر العجيب في
جمع الخلفاء للمصحف
والأمر العجيب
الملفت للنظر هو عدم تعرض الأخبار والمؤرخين إلى أن أبا بكر وعمر وعثمان راجعوا
علياً في مصحف رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم عند ما تصدوا لجمع القرآن الكريم وهكذا لم يراجعوا المصحف
الذي كتبه الإمام علي عليهالسلام على مصحف رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم مع أن الأخبار والتاريخ قد تضافرت على وجود مصحف رسول الله
صلىاللهعليهوآلهوسلم عند الإمام علي عليهالسلام وانه قد كتب الإمام علي عليهالسلام المصحف عليه كما انه مما يلفت النظر عدم وجود كبار الصحابة
في من جمع القرآن بأمر عثمان فليس فيهم عبد الله بن العباس ولا عبد الله بن عمر
ولا الإمام علي عليهالسلام ولا غيرهم.
إرسال الحفاظ مع
المصاحف المرسلة للأقطار
ثمّ ان المعروف ان
عثمان أرسل مع المصحف الخاص بكل إقليم حافظاً يوافق قراءته. فكان زيد بن ثابت مقرئ
المصحف المدني. وعبد الله بن السائب مقرئ المكي. والمغيرة بن شهاب مقرئ الشامي.
وأبو عبد الله الرحمن السلمي مقرئ الكوفي. وعامر بن عبد القيس مقرئ البصري.
تشكيل أبي الأسود
المصاحف وتنقيطها
ولما ظهر الألحان
في قراءة البعض للقرآن توجهت العناية إلى أن يشكلوا المصاحف وينقطوها حذراً من
الغلط في القراءة للقرآن والألحان فيها فانبرى إلى ذلك أبو الأسود الدؤلي فان
المشهور انه أول من شكل القرآن ونقطه فكان يجعل علامة الفتحة نقطة على أول حرف
والضمة نقطة على آخر الحرف والكسرة نقطة تحت أوله وبقي الأمر كذلك إلى زمن الخليل
بن احمد فوضع الحركات على النحو الموجود لدينا.
خلاصة الكلام في
شرح هذا الدور الثاني
وخلاصة الكلام أن
في هذا الدور الثاني قد توجهت
عناية المسلمين
إلى المصدر الأول للتشريع وهو القرآن الشريف وإخراجه بصورة يستفيد من منهله العذب
مسائل المسلمين. وكان الفقه الإسلامي هو المعمول به عند المسلمين في عباداتهم
ومعاملاتهم الداخلية والخارجية والمرجع فيه هم الصحابة وقول الخليفة هو الفصل ،
وفي الأقطار البعيدة إذا نزلت بهم الحادثة يرجعون لما عندهم من أمير ذلك البلد وهو
بدوره إذا لم يعرف الحكم يرجع للصحابة الذين معه في البلد فان كان عندهم أثر من
رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم حكموا به وإلا اجتهد أمير البلد فيها.
المصدر لمعرفة
الأحكام الشرعية في هذا الدور الثاني
والمصدر لمعرفة
الأحكام الفقهية الإسلامية عندهم خمسة الأول الكتاب ، الثاني السنة ، الثالث
الإجماع ، الرابع استشارة الصحابة وأهل البصيرة في الحكم ، الخامس الرأي بأن
يستنبط الحكم الشرعي بفكره وتأمله فيما تقتضيه المصلحة ودفع المفسدة أو بالقياس
والمقارنة.
والحاصل انهم إذا
نزلت بهم حادثة أو وقعت واقعة رجعوا إلى كتاب الله في معرفة حكمها بحسب فهمهم فان
لم يجدوا حكمها فيه رجعوا للسنة وسألوا من الصحابة عمن يحفظ في هذه الحادثة حديثاً
عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم فان لم يجدوا ذلك
استشاروا فان
أجمعوا على حكمها بما تستوحيه عقولهم أخذوا به وان اختلفوا اجتهد خليفة المسلمين
فعمل بالقياس وبما تقتضيه المصلحة ، ففي كتاب عمر إلى شريح ، إذا حضرك أمر لا بد
منه فانظر في كتاب الله فاقض به فان لم يكن ففيما قضى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فان لم يكن ففيما قضى به الصالحون وأئمة العدل فان لم يكن
فان شئت ان تجتهد برأيك فاجتهد وإن شئت أن تؤامرني ولا أرى مؤامرتك إياي إلا خيراً
لك. وفي كتاب أعلام الموقعين ج ١ ص ٢٤٣ أن أبا عبيدة ذكر في كتاب القضاء قال :
حدثنا كثير بن هاشم عن جعفر بن برقان عن ميمون بن مهران قال : كان أبو بكر إذا ورد
عليه حكم نظر في كتاب الله فان وجد فيه ما يقضي به قضى به وان لم يجد في كتاب الله
نظر في سنة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فان وجد فيها ما يقضي به قضى به فان أعياه ذلك سأل الناس :
هل علمتم أن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قضى فيه بقضاء فربما قام إليه القوم فيقولون : قضى بكذا
وكذا ، فان لم يجد سنة سنها النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم جمع رؤساء الناس فاستشارهم فإذا اجتمع رأيهم على شيء قضى
به ، وكان عمر يفعل ذلك فإذا أعياه أن يجد ذلك في الكتاب والسنة سأل : هل كان أبو
بكر قد قضى فيه بقضاء فان كان لأبي بكر فيه قضاء قضى به وإلا جمع علماء الناس
واستشارهم ، فإذا
اجتمع رأيهم على شيء قضى به. وروي عن ميمون بن مهران أن أبا بكر وعمر إذا لم يجدا
في كتاب الله ولا في سنة رسوله حكماً للواقعة يجمعان الناس للاستشارة في استنباط
حكمها بالاجتهاد والرأي فان اتفق المستشارون في الرأي اخذوا به. وروي أن عمر أمر
شريحاً أن يعمل في الكوفة كذلك ويبني على ذلك قضاءه ، وكان بعضهم يحترم اجتهاد
صاحبه فقد روي أن عمر بن الخطاب لقي رجلاً له قضية نظرها الإمام علي عليهالسلام فعرضها الرجل على عمر حين لقيه في الطريق فقال : لو كنت أنا
لقضيت بكذا فقال الرجل فما يمنعك والأمر إليك فقال عمر : لو كنت أدرك إلى كتاب
الله وسنة رسوله صلىاللهعليهوآلهوسلم لفعلت ولكن أدرك إلى رأي والرأي مشترك ولست ادري أي
الرأيين أحق ، وفي هذا الدور عمل بالقياس وكان أول من بذر ذلك وأمر بالعمل به هو
عمر بن الخطاب ففي كتابه لأبي موسى الاشعري (أعرف الأشياء والأمثال قس الأمور عند
ذلك على نظائرها) ، وفي هذا الدور نشأ الخلاف بين الشيعة والسنة في الخلافة
فالأولون يقولون بخلافة الإمام علي بن أبي طالب عليهالسلام بعد النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بنص من الله تعالى والنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وبعده أولاده ، وأما أهل السنة فيقولون بأن الخليفة بعد
الرسول هو أبو بكر ثمّ عمر ثمّ عثمان ثمّ
علي ولذا كان
الشيعة في هذا الدور يرجعون لأمير المؤمنين علي عليهالسلام وأولاده الإمام الحسن عليهالسلام والإمام الحسين عليهالسلام وأمهم فاطمة الزهراء عليهاالسلام والصحابة العدول الثقات كسلمان والمقداد وأبي ذر ونحوهم في
معرفة أحكامهم الشرعية لاعتقادهم بعصمته عليهالسلام وعصمة أولاده الأحد عشر وانهم عندهم علم ما كان ويكون حتى
ارش الخدش ولحصول الوثوق بالصحابة العدول.
شروط قبول الخبر
الواحد عند الخلفاء
وينقل ان أبا بكر
لم يقبل الحديث عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم إلا إذا جاء بشاهد على صدقه وأن عمر كان يطلب البينة ممن
روى له الحديث عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وأن علياً عليهالسلام يحلف الراوي على انه سمع الحديث من النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم.
رجوع الشيعة
للأئمة هو رجوع للسنة النبوية
هذا ولا يخفى أن
الرجوع للأئمة عليهمالسلام عند الشيعة من الرجوع للسنة النبوية لقول الصادق عليهالسلام كما في الشافي وفي أصول الكافي في كتاب فضل العلم ص ١٠٣ ان
حديثي حديث أبي وحديث أبي حديث جدي وحديث جدي حديث الحسين وحديث الحسين حديث الحسن
وحديث الحسن حديث أمير المؤمنين وحديث أمير المؤمنين حديث رسول الله وحديث
رسول الله قول
الله وقد ذكرنا في كتابنا باب مدينة الفقه في مبحث واضع الفقه ان عند الإمام علي عليهالسلام الجامعة سبعون ذراعاً كلها من املاء رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وبخط الإمام علي عليهالسلام وفيها حتى ارش الخدش وقد ذكرناه أيضاً في مبحث إيداع
الرسول لبيان بعض الأحكام للأئمة الأطهار عليهمالسلام ويرشدك إلى أن الرجوع إليهم عليهمالسلام رجوع للسنة النبوية ، ان فقهاء الشيعة عند ما تجيء الرواية
عن الأئمة عليهمالسلام إذ قال فيها الإمام عليهالسلام (وأنا اصنع كذا)
لم يتبعوه في عمله وإنما يحملون ذلك على الاستحباب والأولوية كما انهم يعملون
بالإخبار النبوية وان كانت مروية من غير طرق أصحابهم إذا كان رواتها موثوقين أو
حصل لهم الثقة بصدورها من النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وكتب الشيعة مشحونة بذلك.
وفي الدور الثاني
وقع الاختلاف بين الصحابة في عدة أشياء.
الاختلاف في تدوين
الحديث
منها الاختلاف في
تدوين السنة فكان علي وابنه الحسن عليهماالسلام مما يرى كتابتها كما نص على ذلك السيوطي في تدريب الراوي ،
وعن ابن شهرآشوب انه قال : أول من صنف في الإسلام علي عليهالسلام ثمّ سلمان الفارسي ثمّ أبو ذر ،
ونقل الكثير من
الفريقين ان عليَّ ابن أبي طالب عليهالسلام كتب الجامعة من املاء رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وكانت تبلغ سبعين ذراعاً وكتب العهد لمالك الاشتر والوصية
لابنه محمد بن الحنفية. وهذا أبو رافع المولى لرسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم والذي اهداه له العباس بن عبد المطلب وسماه النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم إبراهيم وكان ملازماً للإمام علي عليهالسلام وخرج معه إلى الجمل وهو ابن خمس وثمانين سنة وقيم الإمام
علي عليهالسلام على بيت ماله في الكوفة وكان يقول بايعت البيعتين وصليت
القبلتين وهاجرت الهجر الثلاث فقيل وما الهجر الثلاث فقال الأولى إلى الحبشة
والثانية المدينة وهذه الثالثة الكوفة مع أمير المؤمنين ، قد كتب السنن والأحكام
والقضايا وكان ولداه عبيد الله وعلي كاتبي أمير المؤمنين علي عليهالسلام وقد كتب الأول منهما كتاباً في الوضوء والصلاة وسائر
الأبواب وكتب الثاني منهما كتاباً في فنون الفقه والوضوء والصلاة وسائر الأبواب
وكان أهل البيت يعظمون كتاب علي بن أبي رافع ويطلبون من شيعتهم الرجوع إليه ، وكان
لسلمان مدونة في الحديث ، وألف الأصبغ بن نباتة كتابين : مقتل الحسين وعجائب أحكام
أمير المؤمنين علي عليهالسلام وألف قيس بن سليم كتابه في الإمامة وألف ميثم صاحب أمير
المؤمنين كتاباً في الحديث يروي عنه الكثير من المحدثين وغيرهم من المؤلفين وكان
عمر بن الخطاب ممن يمنع من
كتابة الحديث
وتدوينه وقد سبب ذلك ضياع اعظم ثروة علمية والتفريط بأعظم مرجع بعد القرآن الكريم
ويا حبذا لو أمر بجمع الأحاديث مع التحفظ على صحتها كما صنع الخليفة الأول في جمع
القرآن الكريم لما استطاع أهل الاغراض الافتراء والكذب والدس في السنة كما لم
يستطيعوا ذلك في القرآن الكريم.
الاختلاف في خروج
الفقهاء من المدينة
ومنها الاختلاف في
خروج الفقهاء من المدينة فان عمر كان يمنع خروج الفقهاء لسائر الأمصار إلا ما
أخرجه للقيام بالوظيفة كالولاية والقضاء وقيادة الجيوش بخلاف الإمام علي عليهالسلام.
الاختلاف في
الرجوع إلى الرأي
ومنها الاختلاف في
الرجوع إلى الرأي فكان الإمام علي عليهالسلام يمنع منه ويقول لو كان الدين بالرأي لكان اسفل القدم أولى
بالمسح كما في المحلى لابن حزم وكان على ذلك طريقة الأئمة الأحد عشر من بعده حتى
قال الإمام جعفر الصادق لا بأن بن تغلب المتوفي سنة ١٤١ ه أخذتني بالقياس والسنة
إذا قيست محق الدين وكان اكثر أهل الحجاز على هذه الطريقة
ويؤكد صحتها قوله
تعالى (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ
لَكُمْ دِينَكُمْ) فان الرجوع إلى الرأي في المسألة معناه أما الإهمال للدين
فيها أو الالتزام بنقصان الدين وعدم كماله بالنسبة إليها ، وفي جامع بيان العلم ج
٢ ص ٧٦ عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : اعظم فتنة على أمتي قوم يقيسون الأمور بآرائهم فيحللون
الحرام ويحرمون الحلال.
مدرسة أهل الحديث
ومدرسة أهل الرأي
وكانت هذه الطريقة
اعني المنع من الأخذ بالرأي هي التي اتبعتها مدرسة أهل الحديث وتسمى بمدرسة
المدينة وبمدرسة الحجاز وكان ممن أخذ بهذه الطريقة سعيد بن المسيب المتوفي سنة ٩٣
ه وتلقى منه هذه الطريقة الكثير من فقهاء الحجاز وغيرهم.
من أخذ هذه
الطريقة وحرم الإفتاء بالرأي
وممن أخذ بهذه
النزعة سالم بن عمر فانه كان يرفض الإفتاء بالرأي فإذا سئل عن حكم واقعة لم يسمع
فيها شيئاً قال لا ادري لعلي إذا افتيت لك برأي ثمّ تذهب فأرى بعد ذلك رأياً غيره
فلا أجدك فما ذا يكون مصيري ، وممن اتبع هذه المدرسة زيد بن ثابت ، ولم تكن مدرسة
الحديث اعني
من اتخذ هذه
الطريقة هم خصوص فقهاء الحجاز بل الكثير منهم من أقطار أخرى كعامر الشعبي التابعي
فانه من فقهاء الكوفة ، وسفيان الثوري من تابع التابعين أحد أعلام الكوفة في الفقه
، ويزيد بن حبيب المعري ، والاوزاعي الشامي ، وكانوا في طرق استنباطهم للأحكام
الشرعية لا يعتمدون إلا على العلم أو العلمي بمعنى ان الحكم الشرعي أما ان يقوم
عليه الدليل العقلي الذي يوجب العلم والقطع به كالدليل العقلي على حسن رد الأمانة
فان الدليل العقلي المفيد للقطع حجة بنفسه وليست الأحكام الشرعية الفرعية اعظم
شأناً من الأحكام الشرعية الاعتقادية والدليل العقلي المفيد للقطع حجة فيها
فبالطريق الأولى في الأحكام الشرعية الفرعية ، وأما ان يقوم على الحكم الشرعي
الفرعي الدليل الذي قام الدليل القطعي على حجيته كالخبر الصحيح الذي عمل به
المشهور فان الدليل المفيد للقطع قام على حجيته وهكذا ظواهر القرآن ولذا لم
يعتبروا القياس والاستحسان لكونها أدلة لا تفيد القطع بالحكم ولم يقم دليل يفيد
القطع بحجيتها ، وينسب لبعضهم بأن مدرسة الحديث لم يكتب لها البقاء حيث اختفت
بوفاة الإمام الظاهري سنة ٢٧٠ ه ولعله أراد عند بعض طوائف الإسلام وإلا فمدرسة
الحديث لا تزال باقية ما بقي الإسلام ، وقد خالف عمر بن الخطاب في ذلك حيث استعمل
الرأي بصورة واضحة
في استخراج الأحكام الشرعية وهو أول من أمر بالعمل بالقياس وبذر بذرته ففي كتابه
لأبي موسى الاشعري (اعرف الأشياء والأمثال وقس الأمور في ذلك على نظائرها) وكانت
طريقته هي التي اتبعتها مدرسة أهل الرأي في العراق وتسمى بمدرسة الكوفة حيث قد
تأثر اكثر أهل العراق بفقه ابن مسعود في الكوفة ، وابن مسعود يسير على طريقة عمر ،
فكانوا لا يحجمون عن الفتوى برأيهم فيما لم يجدوا نصاً بل يتبعون في فتواهم العلل
التي يستخرجونها من النصوص وان خالفت ظواهر النصوص ويبنون الأحكام على العلل وان
خالفت ظواهر الأدلة فمدرسة الرأي تعتمد على الأدلة التي تفيد الظن وان لم يقم
الدليل القطعي على حجيتها فاعتمدوا على مثل القياس والاستحسانات مع انه لم يقم
الدليل القطعي على حجيتها ، ولم تكن مدرسة الرأي اعني من اتخذ هذه الطريقة هم خصوص
فقهاء أهل الكوفة بل الكثير منهم من أقطار أخرى ، فان في المدينة نفسها كان ربيعة
بن عبد الرحمن المتوفي سنة ١٣٦ أحد كبار التابعين من أهل هذه المدرسة ولذا سمي
بربيعة الرأي.
نواة مدرسة الرأي
ومدرسة الحديث
والحاصل ان هذا
الاختلاف في معرفة الحكم الشرعي
كان نواة وبذرة
لوجود مدرستين للفقهاء عرفتا فيما بعد باسم مدرسة الحديث ومدرسة الرأي ، وكان اكثر
المذاهب عملاً بالقياس الحنفية ولذا صار عندهم دليلا مستقلا في مقابل الرأي وخصوا
اسم الرأي بحكم العقل من غير طريق القياس.
انتشار الفقهاء في
أوائل خلافة عثمان
وفي هذا الدور عند
أوائل خلافة عثمان انتشر الفقهاء في الأمصار الإسلامية واخذ أهل كل قطر يأخذون ممن
نزل عليه من الصحابة الفتوى والرواية والعلم والمعرفة بعد أن كان عمر بن الخطاب لا
يمكنهم من الخروج من المدينة المنورة إلا للقيام بالاعمال التي تخص الخلافة ، فخرج
عبد الله بن عباس لمكة المكرمة وتوفي بالطائف سنة ٦٨ ه. وخرج للكوفة علقمة بن قيس
النخعي المتوفي سنة ٦٢ ه وسعيد بن جبير الذي قتله الحجاج سنة ٩٥ ه وإبراهيم ابن
يزيد النخعي المتوفي سنة ٩٦ ه وخرج لمصر عبد الله بن عمر بن العاص الذي كان يلوم
أباه على القيام في الفتنة. وخرج انس بن مالك للبصرة المتوفي سنة ٩٣ ه. وبقي في
المدينة المنورة جماعة منهم الإمام علي عليهالسلام وزيد بن ثابت الذي كان عثمانياً ولم يشهد مع الإمام علي عليهالسلام حروبه والمتوفي سنة ٤٥ ه وعبد الله بن عمر بن الخطاب الذي
ندم على تركه القتال
لخصوم علي عليهالسلام ولحروبه والمتوفي سنة ٧٣ ه وسعيد بن المسيب التابعي
المتوفي سنة ٩٤ ه ولقد كان بين سعيد وبين عكرمة مولى ابن عباس منافرة فكان يكذب
عكرمة ، وعكرمة يخطئه في فتواه.
من أعمال عمر في
هذا الدور
وفي هذا الدور
استقضى عمر بن الخطاب شريحاً المتوفي سنة ٣٧٨ على الكوفة وارسل للكوفة عبد الله بن
مسعود الصحابي المتوفي سنة ٣٢ ه معلماً ووزيراً وكان يأخذ أهل الكوفة منه الحديث
إلى أن صار بينه وبين عثمان كدورة فاستقدمه للمدينة ومات فيها ، وبعث عبد الرحمن
الاشعري لتفقيه الناس ، وهو الذي تفقه على يده التابعون بالشام سنة ٧٨ ه وكان
المرجع في كل بلد فتاوى من كان فيه من الصحابة والتابعين.
المرجع في الفتوى
في هذا الدور الثاني
وكان المرجع في
الفتوى في هذا الدور هم الصحابة والتابعون وكان المرجع في الفتوى عند التحير فيها
من الجميع هو الإمام علي عليهالسلام كما تشهد بذلك السير والتاريخ حتى قال فيه عمر
(رض) لو لا علي لهلك
عمر ، ولا يفتين أحدكم في المسجد وعلي حاضر.
الأسف على إهمال
مثل البخاري لأكثر روايات علي عليهالسلام
ويؤسفنا جداً أن
يكون مثل الإمام علي عليهالسلام الذي تربى في حجر النبوة وهو اكثر الصحابة مصاحبة للنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وباب مدينة علمه وفقهه ان تكون روايته وفقهه قليلة في كتب
الروايات كالبخاري ومسلم بحيث لا تتناسب مع المدة التي قضاها مع الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم وبعده.
ما يستوقف الفكر
في هذا الدور الثاني
وكيفما كان فالذي
يستوقف نظري في هذا المقام أمور :
الأول : اعراضهم
عن القرآن الكريم الذي جمعه الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم فانه لا يعقل ان يكون الرسول قد ترك القرآن بلا جمع
مبعثراً في الصدور والعظام واللخاف مع انه الدستور الشرعي لصلاح الأمة وهو خاتمة
الأنظمة الإلهية مع ما في ذلك من تعريضه للتلف وللتحريف والتبديل الذي اعابه الله
على اليهود والنصارى بالنسبة لتوراتهم وانجيلهم وقد دلت الروايات المتضافرة على
انه كان مجموعاً عند رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في اضبارة
خاصة كما في أحكام
القران وفتح الباري ومستدرك الحاكم وتاريخ الشام والمحبر لابن حبيب ومسند الطيالسي
وفي صحيح البخاري في فضائل القرآن عن أنس بن مالك ان أربعة من الصحابة جمعوا
القرآن في زمن حياة رسول الله وهم معاذ بن جبل وزيد بن ثابت وأبو زيد واختلفت
الرواية عنه في الرابع بين أبي الدرداء وأبي بن كعب وفي إرشاد الساري ما يدل على
جمع ابن عمر له في عهد الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم وعليه فما وجه أعراض القوم عن هذا القرآن والتجائهم إلى
جمعه من اللخاف والعسب وصدور الرجال.
الثاني : اعراضهم
عن القرآن الذي كتبه الإمام علي بن أبي طالب عليهالسلام على نسخة الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم.
الثالث : اعراضهم
عن كبار الصحابة وحفظة القرآن في جمعهم للقرآن الكريم كالإمام علي بن أبي طالب.
وعبد الله بن عباس. وعبد الله بن عمر. وابن مسعود وغيرهم من حفظة القرآن الكريم.
الرابع : منع
الخليفتين أبي بكر وعمر من كتابة السنة وإصرارهما على ذلك مع انه في ذلك حفظها من
التحريف والتبديل ومعرفة القوانين الإسلامية على الوجه الأكمل ، ولم يكن سبيل للدس
والافتراء من قبل أعداء الإسلام
وأصحاب الأهواء
لقرب العهد بالرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم والخوف من ولاة الأمور كما هو الشأن في القرآن الكريم مع
ان الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم أمر بالكتابة لأبي شامة اليماني وأجاز لعبد الله بن عمر بن
العاص ان يكتب عنه صلىاللهعليهوآلهوسلم الحديث كما تقدم وكان عليهم ان يحفظوا السنة بالتدوين كما
حفظوا القرآن بالتدوين مع ان في السنة أحكاماً اكثر وشرحاً للقرآن اجدر بل هي
المكملة للأحكام التي لم تأت صريحة في القرآن العظيم والمبينة للقوانين التي أجمل
بيانها التنزيل الكريم وفيها من الثروة الفقهية ما يعرف بها حتى ارش الخدش وقد دخل
على المسلمين من ترك تدوينها بادئ بدء ضرر عظيم أوجب ان يشق عصا وحدتهم واختلاف
كلمتهم وانقسام آرائهم ، والقول بأن تدوينها يوقع الخلط بينها وبين القرآن الكريم
ناشئ من الجهل ببلاغة القرآن وإعجازها فإنها هي المميزة بين التعبير الإلهي النازل
للاعجاز وبين الحديث النبوي الصادر لبيان الأحكام ثمّ ان ذلك لا يوجب المنع وإنما
يوجب المحافظة من الاختلاط بينهما ولعل التدوين كان احسن شيء للتفرقة بينهما ولو
خشي من الاختلاط.
الخامس : منع
الخليفة عمر من خروج الصحابة والفقهاء من المدينة المنورة إلا بإذن خاص منه مع ان
في ذلك نشر الأحكام الإسلامية وتفهيمها للمسلمين ، وإذا ضممنا
هذين الأمرين
الرابع والخامس إلى ما ذكرنا من منع عمر ان يكتب الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم في حال مرضه كتاباً لن يضلوا بعده ابداً ترى انه قد ذهب من
ايدينا ثروة علمية عملية كانت تزيل هذا الانشقاق بين صفوف المسلمين في الخلافة
الإسلامية وتمنع من انفصام عرى وحدتها في الأحكام الشرعية.
وقت وفاة أبي بكر
وعمر وعثمان
وفي هذا الدور
توفي أبو بكر سنة ١٣ ه وتوفي عمر ابن الخطاب سنة ٢٣ ه وقتل عثمان بن عفان سنة ٣٥
ه.
موقف الإمام علي عليهالسلام من قتل عثمان
وقد أرسل الإمام
علي عليهالسلام ولديه الإمام الحسن والإمام الحسين عليهماالسلام لحمايته فكانا على باب داره يحفظانه حتى تسلق القوم على
حائط قصره فنزلوا عليه وقتلوه.
الدور الثالث
مبدأ الدور الثالث
ومنتهاه والعوامل التي أوجبت انشقاق المسلمين
ثمّ يبدأ الدور
الثالث من حيث ينتهي الدور الثاني أي من سنة ٣٦ ه إلى خلافة عمر بن عبد العزيز
سنة ٩٩ فان في هذا الدور أعلن معاوية الخروج عن طاعة أمير المؤمنين وانشق المسلمون
نصفين بعد أن كانوا في الدورين السابقين يداً واحدة يرجع بعضهم لبعض في تفهم
المسائل الشرعية وكانت الشيعة متفقة مع السنة لا يجرأ أحدهم على مخالفة الآخر في
الظاهر للمحافظة على وحدة الصف وجمع الكلمة والاخوة الدينية الإسلامية ، أما في
هذا الدور فقد عصفت بهم ريح عاتية مزقتهم شر ممزق وفرقتهم أيدي سبا بالخروج على
خليفة المسلمين الإمام علي أمير المؤمنين عليهالسلام فأعلن معاوية العصيان وجمع جموعه على خليفة المسلمين وكان
ذلك أول
حدث في الإسلام شق
عرى وحدتهم وفرق ما اجتمع من صفوفهم وأثارها فتنة شعواء ليوم المحشر تقذف علينا
بحمم كأنها جمالة صفر غيرت الاتجاهات الروحية وبلبلت الأفكار الدينية وسببت
التطاول على مركز الخلافة الإسلامية التي هي رمز الوحدة والاخوة في ذات الله.
وقعة الجمل
وما كانت وقعة
الجمل إلا نتيجة لخروج معاوية وإعلانه العصيان ، فان مكة لم تتألب فتخرج على
الإمام علي عليهالسلام إلا بعد أن أعلن معاوية العصيان وتأهب الإمام علي عليهالسلام للذهاب بجيشه لحرب معاوية.
وقعة النهروان
وحتى وقعة
النهروان فإنها كانت نتيجة لإعلان معاوية الحرب للإمام علي عليهالسلام واستعماله الخدعة في رفع المصاحف.
موقف الأمويين من
العلويين والمنكرات التي ارتكبوها
وكان من جراء
إعلان الأمويين الحرب على الإمام علي عليهالسلام أن يوجهوا جهودهم لبسط سلطتهم وسطوتهم مهما كلفهم الأمر
وبالغوا في تكوين دولتهم ونفوذ سلطانهم حتى بكشف العورات وإبداء السوءات كما فعل
ذلك ابن العاص وبسر بن ارطأة. وسعوا وراء اشباع شهواتهم وتنفيذ أمانيهم ورغباتهم
وان تجاوز ذلك الحد وخالف الشرع فسبوا خليفة
المسلمين على
منابرهم ثمانية وخمسين سنة وسفكوا الدماء الزكية الطاهرة من ذرية رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وانتهكوا الحرمات الإلهية واسرفوا بالقتل والفتك في
المسلمين والسلب والنهب لحجاج بيت الله المؤمنين فقتلوا عبد الله بن حنظلة
وسبعمائة من المهاجرين والأنصار. واغاروا على المدينة المنورة واحرقوا دورها حتى
دار أبي أيوب الأنصاري صاحب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ثمّ بعد هذا أباحوها للجند ثلاثة أيام يقتلون فيها الناس
ويسلبون الأموال ويسبون النساء. ورموا الكعبة بالمنجنيق بعد نصبه على جبل أبي قبيس
فاحترق سقفها واستارها. كما رماها الحجاج مرة ثانية في أيامهم وبأمرهم. واتخذوا
الخصيان ومنعوا حج بيت الله الحرام. واضطهدوا الفقهاء فجلدوا سعيد بن المسيب
المسمى بفقيه الفقهاء وشهروا به في أسواق المدينة ومنعوا الناس من الاجتماع به.
واغتالوا محمد بن أبي بكر الفقيه الصالح بالسم. ونكلوا بسعيد بن جبير المقرئ
الفقيه المحدث الزاهد التابعي العالم بالتفسير وكان يلقب بجهبذ العلماء ولم يرعوا
العبد الصالح حجر بن عدي بقتلهم إياه وهو من أبطال الفتح لنهاوند (وفي الكامل لابن
الأثير إن الناس يقولون أول ذل دخل الكوفة موت الحسين بن علي وقتل حجر ودعوة زياد)
أي دعوة معاوية لزياد بن سمية بأنه اخوه لأبيه أبي سفيان ، وقتلهم عمرو بن الحمق
من أصحاب
رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وكان مقرباً عنده وكان رأسه أول رأس طيف به في الإسلام
وصلبهم لرشيد الهجري وجويرة العبدي ، وقتلهم ميثم التمار قبل قدوم الحسين للكوفة
بعشرة أيام وقتلهم قنبر مولى أمير المؤمنين ، وقتلهم العالم الورع كميل بن زياد.
واستلحاق أولاد الزنا بهم كزياد بن أبيه حيث استلحقه معاوية بأبيه مقراً بأخوته له
على حين أن الشريعة الإسلامية لا تبيح ذلك ولا ترضاه. قال الحسن البصري (ثلاث كن
في معاوية ولو لم يكن إلا واحدة منهن لكانت موبقة انتزاؤه على هذه الأمة بالسفهاء
واستلحاقه زياداً وقد قال الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم الولد للفراش وللعاهر الحجر. وقتله لحجر بن عدي وأصحابه
فيا ويله من حجر وأصحاب حجر) وبمثل هذا ينسب القول لسعيد بن المسيب حيث نقل عنه
انه يقول : قاتل الله معاوية كان أول من غير قضاء الرسول وقد قال صلىاللهعليهوآلهوسلم الولد للفراش وللعاهر الحجر.
فصل الدولة عن
الدين
وقد فصلوا الدولة
عن الدين وأصبحت الخلافة أموية دنيوية إرثية لا إسلامية ولا أخروية ولا شوروية
وجعلوا الفقه ينفصل عن الحياة العملية تدريجياً ويكون علمياً اكثر منه عملياً مما
سبب انفصال الفقهاء عن السلطة وانصرافهم عن الدولة حتى قال (أسيد بن حضير الأنصاري)
: لا أقضي
ما وليت بما قال
معاوية ، وبلغ بهم أن يغروا بعض الرواة والفقهاء بالكذب على رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لتأييد مقامهم وتثبيت مراكزهم وإضعاف مخالفيهم فتطاولوا
على مقام الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم بالكذب عليه وأقحموا في الفقهاء من لم يستكمل عناصر
الاجتهاد لديه ولم يستنتج الحكم الشرعي بالنظر السليم المجرد عن الهوى فيه وشجعوهم
على الإفتاء بما لم ينزل به الله من سلطان.
اختلاط صحيح
الحديث بضعيفه
وبهذا وذاك اختلط
صحيح الحديث بضعيفه وحسنه بسقيمه وادخل في الدين ما ليس من الدين وفسرت آيات
القرآن الكريم بما تهوى الأنفس وتشتهيه وأصبحت مهمة علماء الحديث والفقهاء
والمفسرين شاقة متعبة في معرفة الحكم الشرعي والنص الصحيح النبوي والتفسير للمراد
الإلهي وهذا هو السبب الأول الذي دعا العلماء لتكوين فكرة تلخيص الروايات والتفسير
والفتاوى وتنقيتها عن الشوائب والمفتريات والمفتعلات.
موقف الإمام علي عليهالسلام من العبث في الدين
وأما جماعة الإمام
علي عليهالسلام فكانوا يأخذون بالكتاب وما انصياعهم للرافعين للمصاحف يوم
صفين إلا من جهة
تمسكهم بالكتاب
المبين وقد ردوا الروايات التي تخالفه حتى لو كانت رواتها في أسمى درجات الصحة.
وعند فقد نص الكتاب أو ظاهره أخذوا بالسنة إذا صحت روايتها حتى لو كان نقلتها على
غير طريقتهم.
أخذ الشيعة
بروايات أهل السنة واجماعاتهم
وقد أوجب الشيخ
الطوسي في كتاب العدة وهو صاحب الصحيحين عند الشيعة الاستبصار. والتهذيب. وجوب
العمل بالخبر من طريق المخالفين إذا لم يكن للشيعة في حكمه خبر مخالف ولا يعرف لهم
فيه قول. كيف وقد عملت الشيعة بما رواه حفص بن غياث العامي الكوفي والقاضي وغيره
من غير الشيعة. وفي الصحاح الأربعة المعول عليها عند الشيعة الكثير من أخبارها
تنتهي إلى غير الشيعة. ويأخذون بالإجماع إذا كان كاشفاً كشفاً قطعياً عن سنة
الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم وقد ملئت كتبهم الفقهية من الاستدلال به ككتب الشيخ والسيد
المرتضى والعلامة وغيرهم. حتى أن بعض علماء الشيعة يعمل بالإجماع الذي ينقله مالك
عن أهل المدينة في موطئه لكشفه عن رأي المعصوم عنده ويعمل الشيعة بالرأي ان كشف عن
الحكم الشرعي كشفاً قطعياً لا ظنياً لعدم حجية الظن. وفي أخبار الشيعة ما يدل على
ذلك كما في باب العقل من كتاب
الكافي فالعجب من
بعض الكتبة في هذا المقام أن ينفي عن الشيعة العمل بالكتاب والسنة المروية عن
غيرهم والإجماع والرأي.
المرجع في الفتوى
في هذا الدور الثالث
وفي هذا الدور كان
المرجع الأعلى في الفتوى هو الإمام علي عليهالسلام لأنه هو خليفة المسلمين إلى سنة استشهاده سنة ٤١ ه.
المذاهب الستة في
هذا الدور
واتفق في هذا
الدور أن تكونت للمسلمين مذاهب ستة وعند ما نرجع لتاريخها واصلها وأساسها نجد أن
ما عدا الأول منها كان بسبب خروج معاوية على الإمام علي عليهالسلام ولولاه لكان الإسلام على المذهب الأول منها وهي :
المذهب الأول
المذهب الأول
اتباع الإمام علي عليهالسلام وهم بين قائل بأنه
رابع خليفة وبين قائل بأنه أول خليفة.
المذهب الثاني
والثاني وهم أصحاب
الجمل وهم يذهبون إلى أن علياً ليس بخليفة وليس الخلفاء الذين عندهم إلا ثلاثة.
مذهب أصحاب الجمل
وكان مرجعهم في
الفتيا عائشة وطلحة والزبير وقد انقرض هذا المذهب بموت عائشة في سنة ٥٨ ه.
المذهب الثالث
والثالث مذهب
الأمويين وهم الذين يرون أن الخليفة بعد عثمان هو معاوية بن أبي سفيان ثمّ من بعده
أولاده وهذا المذهب قد انقرض في المشرق والمغرب بعد ذهاب دولة الأمويين فيهما.
المذهب الرابع
والرابع مذهب
المرجئة وهم الذين اعتزلوا الناس ولم يقاتلوا وأرجئوا الحكم لله تعالى ومن هؤلاء
عبد الله بن عمر وسعد بن أبي وقاص ومحمد بن مسلمة وأسامة بن زيد وأبو سعيد الخدري
وحسان بن ثابت ومسلمة بن مخلد وغيرهم.
مذهب المرجئة
وعندهم ان الإيمان
مجرد الاعتقاد ولا أثر للعمل في تحققه ولا تنافيه المعصية كما لا تنفع مع الكفر
طاعة وقد تلاشت هذه الفرقة في العصر الأموي.
المذهب الخامس
والخامس مذهب أهل
النهروان وهم الخوارج ويسمون (الحرورية) لأنهم خرجوا من الكوفة بعد أن صمموا على
محاربة الإمام علي عليهالسلام إلى قرية قريبة للكوفة تسمى (حروراء) وأمروا عليهم عبد
الله بن وهب الراسبي من الأزد وقد حاربهم الإمام علي عليهالسلام في موضع يسمى بالنهروان وهزمهم شر هزيمة وقد قوي أمرهم في
زمن الدولة الأموية فكان قسم منهم اتخذ (البطائح) قرب البصرة مركزاً لهم وقسم
استولى على حضرموت واليمامة والطائف وكانت الحرب بينهم وبين الأمويين مستمرة ولما
جاء العباسيون ضعفت شوكتهم وانحط شأنهم ولا يزال قسم منهم يحتل بعض الإمارات في
الخليج العربي وعندنا كتاب قديم في معتقداتهم وكتاب جوهر النظام في فروعهم.
مذهب الخوارج
ومذهبهم صحة خلافة
أبي بكر وعمر وعثمان في صدرها الأول أي مدة ست سنوات وعلي قبل التحكيم ويطعنون في
طلحة والزبير وعائشة ويكفرون معاوية وعمر بن العاص وأبا موسى الأشعري ويشترطون في
الخليفة أن يكون باختيار المسلمين ولا يصح أن يتنازل ولا أن يحكم غيره في قضاياه
ويرون أن العمل بالفرائض الدينية كالصلاة والصوم والزكاة وترك المحرمات جزء من
الإيمان وليس الإيمان الاعتقاد وحده بدون العمل بالفرائض. وان مرتكب الكبيرة والذي
لا يعمل بالفرائض كافر. ويرى قسم منهم أن القرآن وحده هو المصدر للأحكام الشرعية
وليس غيره مصدراً لها وانه يجب الخروج على السلطان الجائر وقد افترقوا إلى فرق
عديدة ومنهم الاباضية وهم تحت سلطنة مسقط.
المذهب السادس
السادس المذهب
الكيساني ويعزى هذا المذهب لكيسان مولى لعلي عليهالسلام وقد أسسه عقب مقتل الحسين عليهالسلام يدعو فيه إلى الخلافة لمحمد بن الحنفية وكان من أتباعه
كثير عزة الشاعر المعروف.
الكتب التي ألفت
في هذا الدور ولا تزال موجودة لدينا
ويوجد في مكتبتنا
في هذا الدور كتاب سليم بن قيس الذي توفى مستتراً عن الحجاج سنة ٩٠ ه وقد أدرك
سليم الإمام علي عليهالسلام والأئمة من ذريته إلى زمن الباقر عليهالسلام وهو مجموعة من الأخبار التأريخية يستفيد منها الفقيه أحكام
بعض المواضع الفقهية كالجهاد ونحوه وما يتعلق بالامامة من الأحكام الشرعية وهو من
أقدم الكتب التي بين أيدينا توجد منه نسخة خطية قديمة في مكتبة جدي الهادي وطبع
بالحروف.
وفي هذا الدور كتب
همام بن منبئة أخو وهب صحيفته التي رواها عن أبي هريرة وقد رواها أحمد في مسنده
بكاملها. وقد ذكر أهل التاريخ أن همام كان يوم وفاة أبي هريرة عمره ثماني عشرة
سنة. ويوجد لدينا تفسير ابن عباس الموسوم بتنوير المقياس عن تفسير ابن عباس
المتوفي سنة ٦٨ ه اختصره صاحب القاموس من تفسير ابن عباس الكبير.
فقهاء الدور
الثالث
وكان في هذا الدور
الثالث من الفقهاء :
عبد الله بن عمر
بن الخطاب المتوفي سنة ٧٣ ه واسلم مع أبيه وهو صغير وقد ندم على عدم مشاركته
للإمام علي ، في حروبه واكثر من روى عنه ابنه سالم ومولاه نافع وينقل عن الشعبي
انه قال كان ابن عمر جيد الحديث ولم يكن جيد الفقه.
ومنهم أبو هريرة
المتوفي سنة ٥٨ ه اسلم سنة سبع من الهجرة أي قبل وفاة الرسول بثلاث سنين مع انه
اكثر رواية من أبي بكر وعمر والإمام علي. ففي مسند حنبل يكون مسند أبي هريرة (٣١٣)
صفحة بينما مسند علي عليهالسلام فيه (٨٥) صفحة ومسند أبي بكر (١٤) صفحة ومسند عمر (٤١)
صفحة.
ومنهم سعيد بن
المسيب المتوفي سنة ٩٤ ه وهو زعيم مدرسة أهل الحديث وقد حكي عن الذهبي انه قال في
سعيد بن المسيب انه اعلم الناس بالقضاء وسيد التابعين وليس فيهم أحد أوسع علماً
منه وذكر أهل التاريخ انه أبى أن يزوج ابنته للوليد بن عبد الملك وزوجها لأحد
الفقراء اسمه (أبو وداعه) وكان لا يقبل جوائز السلطان وكان بينه وبين الحسن البصري
مكاتبة. وكان سعيد بن المسيب والقاسم بن محمد ابن أبي بكر وأبو خالد الكابلي من
ثقاة الإمام علي بن الحسين عليهماالسلام وحواريه.
ومنهم إبراهيم بن
يزيد بن قيس النخعي المتوفي سنة ٩٦ ه زعيم مدرسة أهل الرأي والقياس وشيخ حماد بن
أبي سليمان الذي هو شيخ أبي حنيفة. وقد نقل حديثه البخاري ومسلم ويذهب إلى أن
الأحكام الشرعية لها علل وان على الفقيه إدراكها ليجعل الأحكام الشرعية تدور
مدارها خلافاً لسعيد بن المسيب الذي يذهب إلى لزوم متابعة الكتاب والسنة من دون
الرجوع لعلل الأحكام.
ومنهم أبو بكر بن
عبد الرحمن بن الحارث المخزومي المتوفي سنة ٩٤ ه وكان كثير الرواية.
ومنهم سعيد بن
جبير فانه من أعلام الفقهاء الذين تخرجوا من مدرسة الكوفة وعن أبي حجر في تقريبه
انه فقيه ثبت. قتله الحجاج صبراً سنة ٦٥ ه وقد عده اليعقوبي من الفقهاء الذين
يفتون الناس في عصر الوليد وسليمان ابن عبد الملك. وعن ابن ميمون ابن مهران انه
قال : مات سعيد ابن جبير وما على وجه الأرض رجل إلا ويحتاج إلى علمه كان ابن عباس
إذا سأله أهل الكوفة عن أمور دينهم يقول أليس فيكم سعيد بن جبير.
ومنهم علقمة بن
قيس النخعي الكوفي المتوفي سنة ٦٢ ه وقد روى عنه البخاري ومسلم. وعن الذهبي انه
قال : كان
فقيهاً اماماً
بارعاً ثبتاً فيما ينقل صاحب خبر وورع وكان على رأس من تخرج من مدرسة الفقه في
الكوفة.
ومنهم الأسود بن
يزيد النخعي المتوفي سنة ٩٥ ه ابن اخي علقمة ابن قيس المتقدم ذكره وكان عالم
الكوفة.
ومنهم الحرث بن
عبد الله الهمداني وعن ابن داود إنه أفقه الناس وعن أبي جعفر الطبري في ذيل المذيل
انه تعلم منه الشعبي الفرائض والحساب.
ومنهم أبو الأسود
الدؤلي المتوفي سنة ٦٩ ه في البصرة بالطاعون وكان في طليعة أهل العلم وعن الراغب
الاصفهاني في مفرداته انه كان من أكمل الرجال رأياً وعقلاً ، وقد وضع علم النحو
بتعليم الإمام علي عليهالسلام وقد روى عنه البخاري ومسلم وعن الأغاني انه من وجوه
التابعين وفقهائهم ومحدثيهم وعن ابن خلكان انه من سادات التابعين وأعيانهم وهو أول
من أعرب القرآن العزيز وتلميذه يحيى بن يعمر العدواني المتوفي سنة ١٢٩ ه بخراسان
وهو أول من نقط القرآن الكريم.
ومنهم عروة بن
الزبير بن العوام المتوفي سنة ٩٤ ه ذكر الذهبي انه عالم المدينة ويحكى عن الزهري
انه قال فيه : انه بحر لا ينضب.
ومنهم عبد الله بن
عباس بن عبد المطلب المتوفي بالطائف سنة ٦٨ ه وكان يسمى بترجمان القرآن وعليه
يدور علم أهل مكة في التفسير والفقه.
ومنهم مسروق بن
الأجدع الهمداني المتوفي سنة ٦٣ ه تتلمذ على الإمام علي عليهالسلام وعن الشعبي انه اعلم من شريح القاضي.
ومنهم عبيدة بن
عمر السلماني المتوفي سنة ٩٢ ه وكان يفتي الناس في الكوفة وأخذ الفقه من الإمام
علي عليهالسلام.
ومنهم أنس بن مالك
خادم رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم المتوفي سنة ٩٣ ه وقد سكن البصرة وكان من علمائها.
ومنهم عبد الرحمن
الأشعري المتوفي سنة ٧٨ ه بعثه عمر بن الخطاب إلى الشام ليفقه الناس.
ومنهم عبد الله بن
عمر بن العاص المتوفي سنة ٦٥ ه أخذ المصريون عنه علماً كثيراً وكان يلوم أباه على
القيام مع معاوية في الخروج على الإمام علي عليهالسلام وحضر صفين مع الإمام علي عليهالسلام إلا انه يقال انه لم يسل سيفاً خوفاً من العقوق.
واتفق في هذا
الدور أن قتل الإمام علي عليهالسلام بسيف ابن ملجم سنة ٤٠ ه واستشهد الإمام الحسن عليهالسلام بسم معاوية له سنة ٤٩ ه.
أخذ الفقهاء من
الإمام الحسن عليهالسلام
وقد أخذ الفقهاء
والعلماء من الإمام الحسن عليهالسلام الكثير من الأحكام الشرعية. وكلماته ومواعظه اكثر من أن
تعد وتحصى وألف في الفقه كما نص على ذلك السيوطي في كتابه تدريب الراوي وقد قاسم
ماله مرتين أو اكثر وحج خمساً وعشرين حجة ماشياً والركائب تقاد بين يديه.
استشهاد الإمام
الحسين عليهالسلام
واستشهد الإمام
الحسين عليهالسلام بقتل يزيد بن معاوية له سنة ٦١ ه وعن الترمذي ان النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : حسين مني وأنا من حسين أحب الله من أحب حسيناً ، وهو
صاحب الدعاء المعروف في يوم عرفة الذي اشتمل على الأسرار الدينية والمعارف الإلهية
والبلاغة المنطقية وما يدهش العقول ويخلب الألباب.
استشهاد الإمام
زين العابدين عليهالسلام
واستشهد الإمام
علي بن الحسين عليهماالسلام بسم الوليد بن عبد الملك سنة ٩٥ ه والذي يقول في حقه
الزهري ما رأيت أحداً أفقه من علي بن الحسين. وروى عنه مالك في موطئه. وعن
ابن المسيب انه
قال : ما رأيت أودع منه وهو صاحب الصحيفة السجادية البالغة منتهى البلاغة في
ادعيتها كتبها ولده الباقر عليهالسلام بإملاء أبيه عليهالسلام وكتبها ولده زيد الشهيد عليهالسلام بإملاء أبيه عليهالسلام وكانت النسختان قد وصلتا للإمام للصادق عليهالسلام وكان يقبلهما ويقول في نسخة الإمام الباقر : هذا خط أبي
وإملاء جدي وفي نسخة زيد : هذا خط عمي وإملاء جدي وقد قوبلت النسختان فلم يكن
بينهما مخالفة. وكان من تلاميذه القاسم بن محمد ابن أبي بكر. وسعيد بن المسيب.
وأبو خالد الكابلي.
وذكر الكثير من
أهل التاريخ انه مات مسموماً بسم الخليفة الأموي سنة ٩٥ ه السنة التي مات فيها
الكثير من الفقهاء.
الإمام الباقر عليهالسلام
ومن الأئمة في هذا
الدور أبو جعفر محمد بن علي ابن الحسين المعروف بالباقر عليهمالسلام إلا انه استشهد في الدور الرابع سنة ١١٤ ه وقد دونت عنه
أئمة المذاهب.
الانتقال إلى قم
في هذا الدور
وفي هذا الدور سنة
٨٣ ه انتقل جملة من التابعين إلى قم.
الدور الرابع
مبدؤه ومنتهاه
وهو يبتدئ من زمن
خلافة عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم سنة ٩٩ ه الذي كانت خلافته سنتين
وخمسة اشهر وينتهي هذا الدور بأفول نجم الدولة العباسية بأوائل القرن الرابع
الهجري والقرن العاشر الميلادي حيث أن باب الاجتهاد انسد عند أهل السنة في آخر هذا
الدور لتصريحهم بأنه لم ير مجتهد منهم بعد محمد بن جرير الطبري المتوفي سنة ٣١٠ ه.
ما حدث من الأمور
التي تخص علم الفقه في هذا الدور الرابع
وفي هذا الدور
حدثت أمور تخص هذا العلم.
الأول : منها أن
هذا العلم قد نال من الدعاية والعناية والتشجيع والترغيب حظاً وافراً فهذا عمر بن
عبد العزيز
أرسل العلماء إلى
الآفاق الإسلامية لتعليم أهلها الأحكام الشرعية الإسلامية وقد روى لنا التاريخ انه
بعث عشرة من العلماء التابعين إلى أهل افريقيا لتعليم أهلها الدين.
ذهاب الفقهاء إلى
المدن
واخذ الفقهاء
يتفرقون في المدن فكان في مكة سفيان بن عيينة. وفي المدينة مالك. وربيعة الرأي.
وفي الكوفة سفيان الثوري. وأبو محمد البجلي. وأبو حنيفة. وفي البصرة الحسن البصري.
وفي بغداد احمد بن حنبل. والظاهري. والطبري. وأبي ثور. وابن أبي عمير. وهشام بن
الحكم. وفي دمشق الأوزاعي. وفي مصر الشافعي والليث بن سعد.
انتقال السلطة من
الأمويين إلى العباسيين
والثاني منهما :
انتقال السلطة والسلطنة من الأمويين إلى العباسيين سنة ١٣٢ ه باسم الدين.
ظهور دولة
العباسيين بادئ بدء بمظهر الدين
وهذا ما أوجب أن
يظهر العباسيون بمظهر المحافظين على الشريعة المحمدية ويصبغوا الدولة بصبغة الدين
ويتوجهوا لعلمائها الروحانيين ويشيدوا بالفقه والفقهاء الربانيين وقد أدركوا خطأ
الأمويين في بعدهم عن الصحابة والتابعين وعدم رعايتهم للفقهاء الروحانيين وهذا ما
دعا العباسيين أن يرجعوا لهم في المسائل الشرعية وحل الخصومات
باسم الأحكام
الدينية وبلغ بالعباسيين الحد في تشييدهم مجد الفقهاء أن يتمنى المنصور أن يجلس في
مصطبة وحوله أهل العلم والحديث ويأمر مالك بن انس أن يكتب له كتاباً يتجنب فيه رخص
ابن عباس وشدائد ابن عمر فكتب (الموطأ) سنة ١٤٧ ه ويقال أن المنصور أراد أن يحمل
الناس على العمل بالموطأ وأبى مالك ذلك. ويبعث هارون الرشيد ولديه الأمين والمأمون
ليتعلما الأحكام الشرعية من مالك والشيباني ويطلب من أبي يوسف أن يكتب له كتاباً
في الخراج. وأمر هرثمة ابن أعين حين ولاه خراسان برعاية العمل بالأحكام الشرعية
والرجوع للفقهاء في معرفتها. وقد صب وهو الخليفة الماء على يدي أبي معاوية الضرير
أحد الفقهاء. وان يجمع المأمون العلماء ويبحث معهم المسائل الدينية. ويبحث معهم في
إثبات أفضلية الإمام علي بن أبي طالب عليهالسلام إلا أن الحقيقة انهم أرادوا أن يتذرعوا بالدين للقضاء على
أهل الدين ويتخذونه وسيلة لتوطيد سلطانهم ورفع مقامهم كما يشهد بذلك إسرافهم في
قتل الصلحاء وسبي النساء والولوغ بدماء الأبرياء واتباع الشهوات فكان سفاحهم
سفاكاً للدماء ومنصورهم نصيراً للباطل ورشيدهم مرشداً للضلال ويدرك ذلك كل من ألقى
السمع وتبصر في التاريخ.
دولة الأدارسة
والثالث منها : أن
في هذا الدور تكونت دولة الأدارسة في المغرب الأقصى برئاسة إدريس بن عبد الله بن
الحسن المثنى بن الحسن بن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهالسلام حيث بويع في مدينة (وليلى) من المغرب الأقصى يوم الجمعة ٤
رمضان سنة ١٧٢ ه أيام خلافة هارون الرشيد. وقد أسسوا مدينة فاس وبنوا فيها
المدارس العلمية وانشأوا فيها المكتبات واستمروا في نشر المعارف الدينية إلى أن
انتهى أمر خلافتهم سنة ٣٠٩ ه على أيدي الفاطميين.
دولة العلويين
الرابع منها :
تكونت دولة العلويين في طبرستان برئاسة الحسن بن زيد المنتهي نسبه إلى أمير
المؤمنين علي عليهالسلام في سنة ٢٥٠ ه وعلى أيديهم اسلم أهل الديلم والجبل وذهبوا
مذهب التشيع ونال على أيديهم الفقهاء حسن الكرامة وعظيم المنزلة واستمرت دولتهم
لسنة ٣١٦ ه.
دولة البويهيين
الخامس منها :
ظهور دولة البويهيين برئاسة أبي شجاع
الملقب بعماد
الدولة وكان ابتداء سلطانه في شيراز سنة ٣٢١ ه وكان لهم الحب العظيم للعلم
والعلماء وفتحوا المدارس وعمروا ما خرب منها ودروا على الفقهاء وباقي أرباب العلوم
الأرزاق واستمرت سلطتهم لسنة ٤٤٧ ه.
دولة الفاطميين
السادس منها :
ظهور دولة الفاطميين في بلاد المغرب سنة ٢٩٦ ه برئاسة عبيد الله المهدي الذي
اعتنق مذهب الإسماعيلية وقد بنوا القاهرة وأنشئوا فيها جامع الأزهر سنة ٣٥٨ ه
والجامعات والكليات ودار الحكمة والمكاتب العامة وينسب للدروزي الاعتقاد بأن
الحاكم بالله الخليفة الفاطمي قد غاب سنة ٤١١ ه واستمرت دولتهم لسنة ٥٦٧ ه.
دولة الحمدانيين
والسابع منها :
ظهور دولة الحمدانيين برئاسة حمدان التغلبي سنة ٢٨١ ه وقد قامت بخدمة العلم
والعلماء والفقهاء واستمرت دولتهم لسنة ٣٩٢ ه.
تدوين السنة على
نطاق واسع
والثامن منها : أن
في هذا الدور الرابع شعر الفقهاء
بضرورة تدوين
السنة التي هي المصدر الثاني للفقه على نطاق واسع وكان مبدأ الأمر هو محاولة عمر
بن عبد العزيز جمع الحديث في أوائل القرن الثاني للهجرة المصادف للقرن الثامن
للميلاد فكتب إلى أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم قاضي المدينة المنورة وواليها
وإلى باقي عماله في الأمصار يأمرهم تدوين أحاديث الرسول ولكن عمر بن عبد العزيز قد
عاجله الأجل قبل إتمام جمعها من قبل عامله ابن حزم بيد انه قد حقق أمله في زمن
حياته محمد بن مسلم الزهري المدني التابعي المتوفي سنة ١٢٤ ه فقد دوّن لعمر بن
عبد العزيز كتاباً في ذلك وأخذ عمر يبعث إلى مصر دفتراً من دفاتر هذا الكتاب وكان
الزهري يفتخر ويقول (لم يدون هذا العلم أحد قبل تدويني) ويحكى أن الزهري قد أملى
على بعض ولد هشام بن عبد الملك أربعمائة حديث وانها كانت مكتوبة لديه وكان يطوف
على العلماء ويكتب كل ما سمعه منهم وقالت له امرأته إن هذه الكتب اشد علي من ثلاث
ضرائر.
أول من دوّن السنة
وأول من صنفها وبوبها
وقد روى الرواة أن
أول من دوّن العلم هو محمد الزهري المذكور وإن أول من صنف وبوب سعيد بن
عروبة. وألف مكحول
الشامي المتوفي سنة ١١٦ ه كتاب السنن في الفقه وكتاب المسائل في الفقه.
أقدم كتاب وصل
إلينا في الحديث
وأقدم كتاب ألف في
الأحاديث الفقهية قد وصل إلينا المجموع الفقهي الذي رواه إبراهيم بن الزبرقان ونصر
بن مزاحم عن الإمام زيد الذي استشهد بأمر هشام بن عبد الملك الأموي سنة ١٢١ ه
فانه اقدم من الموطأ بنصف قرن وكان الإمام جعفر الصادق المتوفي سنة ١٤٨ ه يحث
العلماء والرواة على تدوين السنة فقد نقل عنه بعدة طرق انه قال : (اكتبوا فانكم لن
تحفظوا حتى تكتبوا).
محاولة المنصور
تدوين الفقه بتحريض ابن المقفع
وعند ما تحولت
الخلافة من الأمويين إلى العباسيين سنة ١٣٢ ه حاول المنصور العباسي تدوين الفقه
بنحو يكون هو المرجع للأقطار الإسلامية بتحريض من ابن المقفع المتوفي سنة ١٤٤ ه
صاحب ترجمة كليلة ودمنة فقد طلب من المنصور أن يضع قانوناً عاماً يؤخذ من الكتاب
والسنة وعند عدمهما يؤخذ مما يرتضيه العدل والصالح العام فيكون ذلك هو المرجع
لسائر الأقطار الإسلامية. والظاهر أن هذه الفكرة
بقيت في ذهن
المنصور فلما حج سنة ١٤٨ ه الموافق سنة ٧٦٥ م طلب من مالك أن يحمل الناس على
مذهبه فأبى مالك ذلك (وقال : لكل قوم سلف وأئمة فان رأى أمير المؤمنين قرارهم على
حالهم فليفعل) فاقتنع المنصور بما قاله مالك ولم ينفذ فكرة ابن المقفع وفي سنة ١٦٣
ه الموافق لسنة ٧٧٧ م ذهب المنصور مرة ثانية للحج وعرض الفكرة الأولى على مالك
وقال له (ضع الفقه ودوّن منه كتباً وتجنب شدائد عبد الله بن عمر ورخص عبد الله بن
عباس وشوارد عبد الله بن مسعود وأقصد إلى أواسط الأمور وما اجتمع عليه الأئمة
والصحابة لنحمل الناس إن شاء الله على علمك وكتبك ونثبتها في الأمصار ونعهد إليهم
أن لا يخالفوها) فكتب مالك الموطأ وأصر على موقفه ولم يرض لحمل الناس على مذهبه.
ولما جاء هارون الرشيد للخلافة طلب من مالك أن يكون كتابه الموطأ مرجعاً للقضايا
والفتوى ويوزع منه نسخاً على الأمصار الإسلامية للعمل على طبقه فأبى مالك ذلك وأصر
على فكرته السابقة فبقي الأمر على ما هو عليه من اختلاف المذاهب في الفقه
الإسلامي.
زمن كثرة التصنيف
والتدوين للسنة والفقه والتفسير
ويمكن أن يقال إن
التأليف والتصنيف وتدوين السنة
والفقه والتفسير
قد كثر في عام ١٤٣ ه.
فصنف وألف في
بغداد محمد بن مسلم المتوفي سنة ١٥٠ ه كتابه الأربعمائة مسالة.
ومحمد بن حسن
الشيباني المتوفي سنة ١٧٩ ه ألف كتبه وطبع منها الشيء الكثير.
وأبو يوسف القاضي
عند هارون الرشيد.
وفي مكة المكرمة
ألف عبد الملك بن عبد العزيز بن جريح المتوفي سنة ١٥٠ ه كتبه.
وفي المدينة
المنورة صنف محمد بن اسحاق المتوفي سنة ١٥١ ه ومالك بن أنس المتوفي سنة ١٧٩ ه.
وبالبصرة الربيع
بن صبيح المتوفي سنة ١٦٠ ه وسعيد بن أبي عروة المتوفي سنة ١٥٦ ه وحماد بن مسلمة
المتوفي سنة ١٧٦ ه وحماد بن عيسى الذي اغرقه السيل في موضع الاحرام عند ما أراد
أن يغتسل سنة ٢٠٩ ه فان له عدة كتب منها كتاب الصلاة.
وألف بالكوفة أبان
بن تغلب المتوفي سنة ١٤١ ه ويوجد في آخر السرائر مستظرفات من كتبه مطبوعة. وسفيان
بن سعيد الثوري المتوفي سنة ١٦١ ه.
وهشام بن الحكم
المتوفي سنة ١٩٩ ه صاحب الكتب الكثيرة والمناظرات الجليلة. وحماد بن عثمان
المتوفي سنة ١٩٠ ه. وعبد المؤمن بن القاسم بن قيس بن فهد الأنصاري المتوفي سنة
١٤٧ ه. ومحمد بن قيس البجلي المتوفي سنة ١٥١ ه. ومحمد بن مروان الذهلي المتوفي
سنة ١٦١ ه. ومعاوية بن عماد المتوفي سنة ١٧٥ ه وقد استطرف صاحب السرائر من كتبه
بعض الأحاديث في آخر سرائره.
وبالشام صنف عبد
الرحمن الاوزاعي المتوفي سنة ١٥٧ ه والوليد بن مسلم.
وباليمن صنف معمر
بن راشد المتوفي سنة ١٥٣ ه. وقد ظهر في الآونة الأخيرة كتاب المصنف لأبي بكر عبد
الرزاق الصنعاني المتوفي سنة ٢١١ ه والمولود سنة ١٢٦ ه. ومؤلفه قد طبع في بيروت
في أحد عشر مجلداً ضخماً وعليه فيكون قد عاصر مالك صاحب الموطأ.
وصنف بخراسان ومرو
عبد الله بن مبارك المتوفي سنة ١٨١ ه.
وبالري جرير بن
عبد الحميد.
وبمصر الليث بن
سعد المتوفي سنة ١٧٥ ه.
وبواسط هيثم بن
بشير.
أول من قام بتكثير
أبواب الحديث
ويحكى أن أبا بكر
بن أبي شيبة أول من قام بتكثير الأبواب وكان الحديث في هذه الكتب ممزوجاً بأقوال
الصحابة والتابعين.
ما أطلق عليه
المصنف
وأطلق على هذا
النوع من الجمع اسم المصنفات واشهرها موطأ مالك. وعند الزيدية مجمع الإمام زيد.
من افرز أحاديث
الرسول
ثمّ جاء بعد هؤلاء
من أفرد وافرز أحاديث الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم عن فتاوى الصحابة والتابعين وكان ذلك ما بعد المائتين من
الهجرة.
ما أطلق عليه اسم
المسند
وأطلق على هذا
النوع اسم المسانيد.
أول من ألف في
الأحاديث المسند
ويقال : أن أول من
ألف في ذلك هو أبو داود الطيالسي المتوفي سنة ٢٠٤ واكثر المسانيد رواية وحديثاً هو
مسند احمد ابن حنبل المتوفي سنة ٢٤١ ه.
أول من ألف
النوادر والمراد منها
ولعل محمد بن حسن
الشيباني صاحب هارون الرشيد المتوفي سنة ١٧٩ ه أول من ألف في النوادر وهي في
مصطلح أهل الحديث الأخبار التي ليس بمضمونها خبر آخر أو يكون ولكنه قليل جداً وليس
لها معارض ومسلم صحتها بخلاف الشواذ فإنها الأخبار غير الصحيحة أو لها معارض.
وكتاب نوادر
الحكمة تأليف الشيخ الجليل محمد بن احمد بن يحيى بن عمران الأشعري القمي يشتمل على
عدة كتب وعن ابن شهرآشوب انه اثنان وعشرون كتاباً كما في مجمع البحرين.
ثمّ جاءت بعد هذه
الطبقة أي ما بعد المائتين والخمسين من الهجرة طبقة أخرى فاختارت من الأحاديث التي
كانت موجودة في بطون الكتب وصدور الرجال.
العلماء الذين
نالوا الشهرة
وكان الذين نالوا
الشهرة منهم دون سواهم في التأليف وكتبهم موجودة لدينا.
البخاري وعدد
أحاديثه
محمد البخاري
المتوفي سنة ٢٥٦ ه وبلغت أحاديث كتابه على ما حكي (٧٢٧٥) حديثاً المكرر منها (٣٠٠٠)
حديثاً.
صحيح مسلم وعدد
أحاديثه
ومسلم بن الحجاج
النيسابوري المتوفي سنة ٢٦١ ه ، وأحاديث كتابه على ما حكي (١٢٠٠٠) حديثاً ، وأبو
داود سليمان السجستاني المتوفي سنة ٢٧٥ ه ومحمد السلمي الترمذي المتوفي سنة ٢٧٩ ه
، ومحمد القزويني المعروف بابن ماجة المتوفي سنة ٢٧٣ ه ، واحمد بن شعيب النسائي
المتوفي سنة ٣٠٣ ه.
الصحاح الستة
وكتب هؤلاء الستة
هي المعروفة بالصحاح الستة عند أهل السنة.
والمحاسن للبرقي
المتوفي سنة ٢٧٤ ه ومختلف الحديث لأبي محمد بن عبد الله بن مسلم بن قتيبة المتوفي
سنة ٢٧٦ ه دافع فيه مؤلفه عن الأحاديث التي زعم أهل المعقول بأنها تناقض الكتاب
المجيد أو يتناقض بعضها مع بعض.
والغيبة للنعماني
من علماء القرن الثالث.
وأبو جعفر محمد بن
الحسن بن فروخ الصفار المتوفي سنة ٢٩٠ ه صاحب بصائر الدرجات المطبوع سنة ١٢٨٥ ه.
وأبو محمد الحسن
الحلبي المتوفي سنة ٣٨١ ه صاحب تحف العقول.
وأبو حنيفة
النعمان قاضي مصر صاحب دعائم الإسلام المتوفي سنة ٣٦٣ ه.
كيفية الفتوى
وكان الفقهاء
يفتون في المسألة بلفظ الحديث بحذف إسناده دون أن يذكروها بالفاظهم وآرائهم وفيما
سبق كانوا يفتون في المسألة بذكر الرواية بإسنادها وأما في عصرنا الحاضر فتذكر
الفتوى بلفظ رأي المجتهد.
علم الرجال ورجال
الجرح والتعديل
ثمّ جاء إلى جانب
أهل الحديث رجال بحثوا عن حال الرواة من حيث صحة الاعتماد على روايتهم من كونهم
عدولاً أو ثقات أو ضعافاً أو ضابطين وقد عرَّفوا بتسميتهم برجال الجرح والتعديل
وقد وضعوا كتاباً في ذلك.
أول من صنف في علم
الرجال
وأول من صنف في
علم الرجال هو عبد الله بن جبلة بن ابحر الكناني المتوفي سنة ٢١٩ ه عن عمر طويل
ثمّ كثر التأليف والتصنيف في هذا الموضوع.
اقدم كتاب لدينا
في علم الرجال
ولعل اقدم كتاب
لدينا في هذا الموضوع لأهل السنة طبقات ابن سعد المتوفي سنة ٢٣٠ ه وللشيعة هو
رجال احمد بن محمد بن خالد البرقي المتوفي سنة ٢٧٤ ه وعلى نهجه سلك اغلب مؤلفي
الشيعة في الرجال كالشيخ الطوسي وغيره وسبب ذلك وجود الأحاديث المكذوبة في السنة
بكثرة من جهة دس أهل الضلالة فيها أما معاداة للإسلام أو لإبراز نفسه مبرز أهل
الحديث أو استنكافاً من الجهل أو نحو ذلك فكان
الشخص الذي يريد
معرفة الحكم من السنة يقع أمام عقبة كئود صعبة لمعرفة الصحيحة منها من غيرها
فوضعوا كتباً تشرح حال الرواة من هذه الناحية.
الميزان في صحة
الرواية الوثوق بها
ثمّ قام إلى جانب
ذلك طبقة جعلوا الميزان في صحة الرواية هو الوثوق بصدورها وهو إنما يحصل بالعمل
بها والاستناد إليها من قبل الكثير من المتقدمين.
الميزان في ضعف
الرواية
والميزان في ضعف
الرواية هو أعراض المشهور من المتقدمين عن العمل بها فلو كانت الرواية رواتها كلهم
عدول وقد اعرض عنها المشهور من المتقدمين وهي بمرأى منهم ومسمع فهي ضعيفة عندهم.
وبعضهم اعتبر
الشهرة في الرواية واعرض عن الرواية الشاذة فإذا كانت الرواية اشتهر نقلها أخذ بها
وإذا لم يروها إلا القليل طرحها فالميزان عنده شهرة نقلها لا شهرة العمل بها.
الأسباب لكثرة
المذاهب الفقهية في الدور الرابع
وفي هذا الدور كثرت
المذاهب الفقهية وتعددت الآراء في المسائل الشرعية وذلك لأسباب كثيرة.
عدم الاهتمام بادي
بدء بالتدوين
أحدها : ولعله هو
الأهم عدم اهتمام ولاة الأمور بادئ بدء بتدوين السنة بل منعهم عنها فان عدم
كتابتها قد أدى إلى تحريفها والدس فيها مما أوجب اختلاف الفقهاء في الاعتماد عليها
فتجد بعضهم اعتمد على نوع منها في حكم المسألة دون أن يعتمد الآخر عليه.
التفاوت في سعة
الاطلاع
ثانيها : تفاوتهم
في سعة الاطلاع على السنة فتجد أن بعضهم اطلع على رواية في معرفة حكم المسألة دون
أن يطلع الآخرون عليها مما جعل المطلع يفتي بما اطلع عليه دون أن يفتي الآخر به.
اختلاف الأفهام
ثالثها : اختلاف
الأفهام لمعاني آيات القرآن وأحاديث الأحكام.
اختلاف الفقهاء في
الأدلة
رابعها : اختلاف
الفقهاء في أدلة الأحكام كاختلافهم في حجية القياس ودليليته على الحكم وكتب أصول
الفقه قد بسطت البحث في ذلك.
الاطلاع على علة
الحكم
خامسها : اختلاف
مدارك الفقهاء لعلل الأحكام الموجبة لسريان الحكم فان بعضهم قد يطلع على علة الحكم
لعمق تفكيره فيسريه بها دون الآخر.
السياسة
السادس : السياسة
كان لها عظيم الأثر في تحصيل بعض الفتاوى في مقابل الفتاوى التي لا توافق أذواقهم
وسيرهم. ولعل من هذه الجهة كثرت الحيل في الخروج عن حكم المسألة فإنها كانت
لسلاطين الوقت.
تعارض الأدلة
السابع : التعارض
بين الأدلة وقد شرحته كتب الأصول وبسطت البحث فيه أحسن شرح وألطف بسط.
والحاصل ان في هذا
الدور الرابع كثرت المذاهب لكثرة الفقهاء فيه مع اختلافهم في دليلية بعض الأدلة
والاطلاع على
ما هو الدليل منها
دون اطلاع الآخرين أو فهم الحكم من المطلع عليه دون فهم الفقيه الآخر منه أو
الداعي رغبة الدولة والاتجاه السياسي فان هذه الأمور ابرز الأشياء لتعدد المذاهب
في هذا الدور ، ولكن المذاهب التي قدر لها الدوام والشهرة والبقاء حتى الآن عدة
مذاهب :
مذهب الامامية
الأول منها مذهب
الامامية وراعينا في تقديم بعضها على بعض بحسب الزمان ومع التساوي في القدم
الزماني نقدم الأشهر من المتساويين بالنسبة للآخر والاشهر هو الذي يكون أتباعه
أكثر ودائرته أوسع ، وعليه فيكون أول المذاهب هو مذهب الامامية باعتبار انه أقدمها
زماناً وأكثرها شهرة وانتشاراً بالنسبة لما قارنه من المذاهب.
وجه التسمية
بالامامية وبمذهب أهل البيت
وسمي بهذا الاسم
نسبة للإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهالسلام باعتبار أن هذا المذهب يتركز على امامته عليهالسلام بعد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم. بلا فصل.
ويسمى أيضاً بمذهب
أهل البيت لأن أهل البيت هم المقصودون
في آية التطهير
عند علماء التفسير وهم النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم. علي عليهالسلام. وفاطمة عليهاالسلام. والحسن عليهالسلام. والحسين عليهالسلام. وأهل هذا المذهب يتمسكون بهؤلاء الخمسة حيث يتبعون
أقوالهم وأفعالهم وتقاريرهم دون باقي المذاهب فانهم لا يتبعونهم في ذلك.
ويسمى هذا المذهب
أيضاً بمذهب التشيع لأن معتنقيه قد شايعوا علياً وذريته وتابعوهم ويسمون بالشيعة
لأن الشيعة هي الفرقة الموالية وهم موالون للإمام علي عليهالسلام وذريته ومفردها شيعي.
ما روته السنة عن
النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم في مدح الشيعة
وقد روي عن رسول
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم من طرق أهل السنة أن علياً وشيعته في الجنة ما بلغ حد
التواتر كالعسقلاني في لسان الميزان. والخطيب الخوارزمي في المناقب. والترمذي في
المناقب. والحافظ في فردوس الأخبار. وابن الجوزي في التذكرة. وعلاء الدين في منتخب
كنز الأخبار. والسيوطي في الدرر المنثور. والألوسي في تفسيره والخطيب البغدادي في
تاريخ بغداد وغيرهم.
الفرقة الجعفرية
وقد افترق أصحاب
المذهب الامامي إلى عدة فرق إلا أن الذي قدر لها البقاء فرقتان إحداهما فرقة
الامامية الجعفرية
وثانيهما الفرقة
الزيدية. أما الفرقة الجعفرية فهم اتباع الإمام جعفر الصادق وسميت بالجعفرية نسبة
للإمام جعفر الصادق عليهالسلام.
وهي التي تقول
بامامة علي عليهالسلام بعد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بلا فصل وبعده ابنه الحسن عليهالسلام ثمّ اخوه الحسين عليهالسلام ثمّ ابن الحسين علي عليهالسلام ثمّ محمد الباقر عليهالسلام ثمّ جعفر بن محمد الصادق عليهالسلام المولود سنة ٨٣ ه والمتوفي سنة ١٤٨ ه.
وجه التسمية
بالجعفرية
وإنما نسبت هذه الفرقة
للإمام جعفر دون باقي الأئمة عليهمالسلام بسبب كثرة نشره عليهالسلام لهذا المذهب أكثر بكثير من باقي ائمة هذا المذهب حتى نهل
من معين معدنه عليهالسلام مثل أبو حنيفة وأمثاله كما ذكره تهذيب التهذيب والاسعاف
للسيوطي وروى عنه مالك في الموطأ وأطرى عليه كما هو المحكي عن شرح الزرقاني على
الموطأ وتاريخ القضاء في الإسلام.
الفرصة التي أتاحت
للصادق عليهالسلام نشر مذهب التشييع
ولا ريب أن الفرصة
قد أتاحت له بسط الأحكام الشرعية لأنه كان عليهالسلام في أواخر الدولة الأموية وأوائل الدولة العباسية الزمن
الذي انتقلت به الخلافة من الأمويين إلى العباسيين وكانت الكوفة هي مركز الانتقال
حيث تمت بها البيعة للسفاح والسلطة الزمنية مشغولة بنفسها عن السلطة الدينية مما
أوجب أن ينفسح
للإمام الصادق عليهالسلام المجال لبسط الأحكام الشرعية ونشر المعارف الإلهية
والأخلاق الإسلامية وتربية رهط كثير من طلاب المعارف الدينية.
تلاميذ الإمام
الصادق عليهالسلام
وهذا الحسن بن علي
الوشاء يقول لابن عيسى القمي إني أدركت في مسجد الكوفة تسعمائة شيخ كل يقول حدثني
جعفر بن محمد عليهالسلام. وهذا أبان بن تغلب وهو أحد القراء المشهورين يروي عن
الصادق عليهالسلام ثلاثين ألف حديثاً.
الصادق عليهالسلام المؤسس الأول للمدارس الفلسفية في الإسلام
وعن تأريخ العرب
لمير علي أن الإمام الصادق عليهالسلام يعتبر في الواقع أول من أسس المدارس الفلسفية المشهورة في
الإسلام ولم يكن يحضر حركته العلمية أولئك الذين أصبحوا مؤسسي المذاهب فحسب بل كان
يحضرها طلاب الفلسفة والمتفلسفون من الأنحاء العامة.
وقد تواتر النقل
بأن الرواة عنه قد بلغوا أربعة آلاف رجل.
اعتبار المذهب
الجعفري مذهباً خامساً
وفي الآونة
الأخيرة اعتبر مذهباً خامساً للمذاهب السنية الأربعة وقرر تدريسه في جامعة الأزهر
وفي معهد الدراسات العربية العالية.
وفي الصواعق
المحرقة لابن حجر أن الصادق نقل الناس عنه من العلوم ما سارت به الركبان وانتشر
صيته في جميع البلدان.
وروى عنه الأئمة
الأكابر كيحيى بن سعيد وابن جريح ومالك والسفيانيين وأبي حنيفة وأيوب السختياني.
الغريب من البخاري
ومن الغريب أن
البخاري لم يرو عنه شيئاً.
وفي ميزان
الاعتدال للذهبي ان التشيع كثر في التابعين وتابعيهم مع الدين والورع والصدق فلو
ردَّ حديث هؤلاء لذهبت جميع الآثار النبوية.
وفي الموطأ لمالك
تجد الرواية الكثيرة عن فقهاء الشيعة كالقاسم وسعيد بن المسيب وابن جبير.
كما أن الكثير من
فقهاء السنة ومحدثيهم قد رووا عن الأئمة عليهمالسلام فقد روى الزهري ومالك ومحمد بن إسحاق والسفيانيان وابن أبي
ليلى والطبري والبلاذري وابن سعد وابن حنبل الشيء الكثير من أخبارهم عليهمالسلام.
انقسام الجعفرية
وقد انقسمت الفرقة
الامامية الجعفرية إلى عدة أقسام إلا أن الذي قدر له البقاء قسمان : القسم الأول
هو الفرقة الاثنا عشرية وهي المنتشرة في الآفاق وسميت بذلك لذهابها إلى أن الأئمة
اثنا عشر من قريش واحداً بعد واحد بعد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم.
صحاح السنة تذكر
ان بعد رسول الله يتولى الأمر اثنا عشر اميراً
كما يظهر ذلك من
الصحاح كالبخاري في الجزء الرابع صحيفة ١٥٨ واحمد بن حنبل في الجزء الخامس صحيفة
٨٧ والترمذي في الفتن صحيفة ٤٦.
وقد كان لفقهاء
الامامية الاثني عشرية من التصنيف فيما يخص علم الفقه أنواع وأقسام.
أنواع تصانيف
الشيعة الاثني عشرية في الفقه
أحدها ويسمى
بالأصول والجوامع ككتب الأخبار التي ألفت في زمن الأئمة الاثني عشر في الأحاديث
المروية عن طريق أهل البيت.
مقدار كتب الأصول
وهي تزيد على
ستمائة وستون ألف كتاباً كما في الفائدة الرابعة من كتاب الوسائل وقد عرض منها على
الأئمة عليهمالسلام ككتاب يونس بن عبد الرحمن حيث عرض على الإمام العسكري عليهالسلام وككتاب عبيد الله بن أبي سعيد على الإمام الصادق عليهالسلام وككتاب الفضل بن شاذان على العسكري عليهالسلام وقد اشتهر كتاب حريز عندهم.
الاعتبار من موضع
كتب الأصول
وقد كان موضع
الاعتبار والأهمية منها أربعمائة كتابٍ سميت في ألسنة الفقهاء بالأصول الأربعمائة
ويوجد الكثير منها في مكاتب النجف إلا أن تدوين أكثرها إلا ما شذ لم يكن مرتباً
على أبواب الفقه إذ أن أربابها كانوا يكتبون كل ما يسمعون من الأئمة بحسب الزمن لا
بحسب أبواب الفقه.
المرجع لكتب الصحاح
الأربعة وتعدادها
وقد كانت هي
الأساس والمرجع لتدوين الكتب الأربعة المسماة بالصحاح الأربعة والجوامع الأربعة
وهي الكتب الأربعة التي كان تدوينها حسب أبواب الفقه.
التعريف بكتاب
الكافي
أولها كتاب الكافي
للشيخ أبي جعفر محمد الكليني المتوفي سنة ٣٢٩ ه وهو يشتمل حسبما حكاه بعض الثقات
على (١٦١٩٩) حديثاً في الأصول والفروع مع أن أحاديث البخاري بحذف المكرر (٤٠٠٠)
ومثله صحيح مسلم بحذف المكرر. وأحاديث الموطأ وسنن الترمذي والنسائي لا تبلغ عدد
صحيح مسلم.
التعريف بكتاب من
لا يحضره الفقيه
وثانيها كتاب من
لا يحضره الفقيه للشيخ أبي جعفر الصدوق محمد بن علي الحسين القمي المتوفي سنة ٣٨١
ه ويشتمل حسبما نقله الثقات على (٥٩٦٣) حديثاً.
التعريف بكتاب
مدينة العلم
وكان له كتاب في
الأخبار سماه بمدينة العلم اكبر من كتابه هذا كان موجوداً إلى زمان الشهيد الأول
ثمّ فقد ولم يعثر عليه رغم كثرة التحريات عنه.
التعريف بكتاب
التهذيب والاستبصار
وثالثها ورابعها
كتاب التهذيب المشتمل على ما ذكره الثقات على (١٣٥٩٠) حديثاً للشيخ الطوسي رحمهالله المتوفي سنة ٤٦٠ ه. وكتاب الاستبصار المشتمل على ما ذكره
الثقات على (٥٥١١) حديثاً أيضاً للشيخ الطوسي رحمهالله وكلها مطبوعة بعدة طبعات ولها شروح مطبوعة.
التعريف بكتاب
الوافي
وسيجيء إن شاء
الله ان ملا محسن الفيض الكاشاني المتوفي سنة ١٠٩١ ه قد جمع روايات هذه الكتب
الأربعة حسب أبواب الفقه وشرح أحاديثها شرحاً وافياً في كتاب سماه الوافي قد طبع
في إيران.
التعريف بالوسائل
ثمّ جاء محمد الحر
العاملي المتوفي سنة ١١٠٤ ه فجمع روايات هذه الكتب الأربعة مع زيادة من كتب أخرى
كانت موضع اعتماده ورتبها حسب أبواب الفقه وسماه بكتاب الوسائل طبع عدة مرات.
التعريف بالمستدرك
ثمّ جاء محمد حسين
النوري المتوفي سنة ١٣٢٠ ه فاستدرك على كتاب الوسائل المذكور ما فات صاحبه وأسماه
بالمستدرك قد طبع اكثر من مرة. وقد توفرت كتب الأخبار وتوسعت عند الشيعة وتيسرت.
التعريف بالبحار
فقد كان المرحوم
محمد باقر المجلسي المتوفي سنة ١١١٠ ه قد ألف موسوعته الكبرى في الأخبار في ستة
وعشرين مجلداً سماها بالبحار طبعت غير مرة
. النوع الثاني من
المصنفات الفقهية
النوع الثاني : ما
جمعت فيه نصوص الأخبار بألفاظها
بحذف أسانيدها
مرتبة على أبواب الفقه والموجود عندي منها مطبوعاً المقنع للصدوق رحمهالله والهداية له رحمهالله والمقنعة للمفيد رحمهالله والنهاية للشيخ الطوسي رحمهالله وكان بعض الأصحاب إذا أعوزتهم النصوص رجعوا إليها.
النوع الثالث من
المصنفات الفقهية
النوع الثالث : ما
جمعت فيه نصوص الأخبار من غير التزام بألفاظها مع إسقاط أسانيدها مرتبة على أبواب
الفقه والموجود لدي منها المراسم لأبي يعلى والوسيلة للشيخ أبي جعفر والكافي لأبي
صلاح.
النوع الرابع من
المصنفات الفقهية
النوع الرابع : ما
جمعت فيه القواعد الشرعية كقواعد الشهيد وقواعد جدنا الشيخ جعفر كاشف الغطاء
المطبوعة في إيران. النوع الخامس من المصنفات الفقهية
النوع الخامس : ما
ألف في الوسائل الفقهية
وهو على قسمين
أحدهما ما اشتمل على الوسائل التي هي موضوع الخلاف وإقامة الحجة على المختار من
الأقوال وهو على نوعين :
الأول ما اشتمل
على مسائل الخلاف بين الامامية والسنة ككتاب الخلاف للشيخ الطوسي وقد طبع عدة
طبعات.
الثاني : ما اشتمل
على مسائل الخلاف بين الامامية ككتاب المختلف للعلامة الحلي وقد ذكر مؤلفه العلامة
انه أول من صنف في هذا الموضوع وككتاب مفتاح الكرامة للسيد جواد العاملي الذي ألفه
بطلب من جدنا الشيخ جعفر كاشف الغطاء يشتمل على بيان الخلاف في مسائل كتاب القواعد
للعلامة الحلي وقد يتعرض لخلاف أهل السنة وقد طبع في مصر.
وثانيهما ما يشرح
فيه المسألة الفقهية ويذكر آراء الفقهاء فيها مع أدلتهم على ما اختاروه فيها ويذكر
رأيه فيها مع الدليل عليه ككتاب المستند للنراقي وكتاب أنوار الفقاهة للمرحوم
الشيخ حسن كاشف الغطاء.
النوع السادس من
المصنفات الفقهية
النوع السادس : ما
ألف في المسائل الفقهية التي انفردت الامامية في حكمها عن غيرهم وتسمى بالانفرادات
كالانتصار للسيد المرتضى وككتاب الأعلام للمفيد فانه ذكر فيه ما اتفقت الامامية
عليه من الأحكام وخالفتهم فيه أهل السنة.
النوع السابع من
المصنفات الفقهية
النوع السابع : هو
ما اشتمل على التفريع على النصوص الفقهية وفرض الفروع وتخريجها على الأصول ، وقال
الشيخ الطوسي في أول كتابه المبسوط : ان الامامية لم يكونوا يفرعون إلى زمانه
وكانوا يقفون عند النصوص التي وصلت إليهم يداً بيد عن قدمائهم وأن مخالفيهم قد
طعنوا به عليهم وان كتابه أول كتاب في هذا المسلك.
ولقد أجاد احسن
إجادة المرحوم الشيخ حسن كاشف الغطاء في كتابه أنوار الفقاهة في تفريعه الفروع
الممكنة الحصول على الأصول.
النوع الثامن من
المصنفات الفقهية
النوع الثامن : هو
الشروح لكتب الفقه أو التعليق عليها كشروح شرائع المحقق الحلي ، وهذا النوع قد كثر
في الأزمنة المتأخرة. وكالجواهر للمرحوم الشيخ محمد حسن وكموارد الأنام للمرحوم
الشيخ عباس نجل الشيخ علي.
النوع التاسع من
المصنفات الفقهية
النوع التاسع :
الرسائل العملية التي تجمع فتاوى المجتهد حسب أبواب الفقه كالعروة الوثقى للسيد
كاظم وكالسفينة للشيخ احمد كاشف الغطاء والهدى لجدنا الهادي.
النوع العاشر من
المصنفات الفقهية
النوع العاشر :
أجوبة المسائل الفقهية بنحو الاستدلال.
الفتوى عند الشيعة
إن الفتوى بالحكم
الشرعي قد تطور بيانها عند الشيعة الامامية الاثني عشرية فقد كان أصحاب الأئمة
يفتون الناس بنقل نفس الحديث للمستفتي مثل زرارة بن أعين. ويونس بن عبد الرحمن.
ومحمد بن مسلم. وأبي بصير. وأبان بن تغلب وجميل ابن الدراج. ومحمد بن أبي عمير
والحسن بن علي بن فضال. وصفوان بن يحيى وغيرهم ، ثمّ تطورت الفتوى عندهم فاخذوا
يفتون بنص الرواية من دون ذكر السند ثمّ تطورت الفتوى فاخذوا يفتون بما أدى إليه
اجتهادهم في حكم الواقعة الشرعي بتعابيرهم الخاصة ، والحاصل انه لما وقعت الغيبة
الكبرى للحجة المهدي عليهالسلام سنة ٣٢٩ ه. بوفاة علي بن محمد السيمري السفير الرابع
للإمام الثاني عشر عجل الله فرجه انحصرت معرفة الشيعة للحكم الشرعي
في الحوادث
والوقائع بفتوى فقهائهم بأمر الحجة عليهالسلام لهم بذلك على يد السفير الرابع فرجعوا لهم واحتاج الفقهاء
إلى إعمال اجتهادهم في معرفة أحكام المسائل التي تعرض عليهم بردها لأصولها
الموجودة في الكتاب والسنة وما تقتضيه القواعد الشرعية والموازين العقلية وتشخيص
ما قام إجماع الشيعة عليه إلى غير ذلك ما يقتضيه الاجتهاد ويتطلبه الاستنباط.
فأول من انبرى
لهذا العمل هو الحسن بن علي العماني شيخ فقهاء الشيعة والذي استجازه صاحب كامل
الزيارة سنة ٣٢٩ ه وقد صنف كتاب المتمسك بحبل آل الرسول وعاصر الكليني وعلي بن
بابويه.
الزعامة الدينية
للشيعة
والظاهر أن
الزعامة الدينية للشيعة كانت له بعد الغيبة الصغرى فإنها قبل ذلك لم تكن إلا لإمام
العصر أو السفراء بينه وبين الخلق ثمّ من بعده انتقلت الزعامة الدينية لمحمد بن
احمد بن جنيد الاسكافي المتوفي سنة ٣٨١ ه صاحب كتاب تهذيب الشيعة وكتاب الأحمدي
ثمّ من بعدهما للشيخ محمد المفيد المتوفي سنة ٤١٣ ه وكان كتابه المقنعة مداراً
للدراسة بين الفقهاء وهو الذي علق عليه الشيخ الطوسي وسمى تعليقه عليه بالتهذيب.
ثمّ من بعده علم
الهدى المتوفي سنة ٤٣٦ ه.
ثمّ من بعده الشيخ
الطوسي. وهكذا مرجع بعد مرجع وزعيم بعد زعيم.
عقيدة الشيعة
الاثني عشرية في علم الأئمة عليهمالسلام بالأحكام الشرعية
ويتلخص مذهب
الشيعة في الأئمة الاثني عشر ان علمهم عليهمالسلام بالأحكام الشرعية ليس من طريق الاجتهاد كسائر المجتهدين
وإنما هو من طريق إيداع النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم للأحكام عندهم وهم معصومون من الخطأ في بيان الأحكام
كالنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وقد ذكرنا ذلك في كتابنا باب مدينة الفقه عند الكلام منا
في الواضع لعلم الفقه وفي الدور الثاني لعلم الفقه انه عند الأئمة عليهمالسلام كتاب علي عليهالسلام الذي هو باملاء رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وخط علي عليهالسلام وإن فيه حتى ارش الخدش. وتقدم أن الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم أودع بيان قسم من الأحكام للائمة الأطهار عليهمالسلام وانهم لا يزالون يتوارثون هذا الأمر إلى الإمام الثاني
عشر.
نعم انهم لو
أرادوا أن يعلموا بالأحكام من طريق الإلهام وانكشاف الواقع لتأتى لهم ذلك كما
يتأتى لهم ذلك لو أرادوا العلم والمعرفة بأي شيء من حقائق المخلوقات والكائنات
لقدسية نفسهم عليهمالسلام وفي الخبر عبدي أطعني تكن مثلي وفي كتاب الحجة من أصول
الكافي ص ٢٣١) ان الأئمة إذا شاءوا أن يعلموا علموا).
الدليل على انهم عليهمالسلام لو أرادوا أن يعلموا علموا
ويشهد لذلك انهم
مع غزارة علمهم وكثرة بيانهم للعلوم وضخامة ما أورثوه للشيعة من الأحاديث والأخبار
لم تجد في كتب التراجم والتاريخ المعتبرة عند شرح حال أحدهم أن يذكر انه تتلمذ على
أحد من الفقهاء. أو روى عن أحد من الرواة وهو أدل دليل على أن علمهم قد حصل لهم من
رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أو بطريق انكشاف الواقع له.
وهذا الإمام جعفر
الصادق قد بين لجابر بين حيان أسرار علم الكيمياء وشرح لغيره أسرار الكائنات حتى
ما كان منها في السماوات وهكذا من قبله ومن بعده من الأئمة عليهمالسلام مع انهم لم يذكر عنهم عليهمالسلام انهم درسوا وتتلمذوا على يد أحد من العلماء بأسرار
الطبيعة. وما يكون ذلك إلا لانكشاف الواقع لأنفسهم عليهمالسلام وافتضاح أسرار العالم لديهم عليهمالسلام ومن راجع البحار لا سيما كتاب السماء والعالم منه يرى ما
يجعل الأفكار حيرى والعقول صرعى من الأخبار الواردة عنهم عليهمالسلام المشتملة على مختلف العلوم والفنون وعليه فيكون عصر النص
عند الشيعة ينتهي بأول الغيبة الكبرى سنة ٣٣٠ ه للإمام الثاني عشر ويكون وجود
الأئمة عليهمالسلام استمراراً لوجود النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بخلاف أهل السنة فان عصر
النص عندهم ينتهي
بموت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وإن رجوع فقهاء الشيعة في معرفة حكم المسألة للاجتهاد إنما
كان عند بعدهم عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وعن أئمتهم عليهمالسلام أو بعد غيبة الإمام الثاني عشر بخلاف أهل السنة فانه كان
عند بعدهم عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أو بعد موته صلىاللهعليهوآلهوسلم. وأن الأئمة عليهمالسلام عند الشيعة معصومون من الخطأ والنسيان كالرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم فتكون أقوالهم عليهمالسلام وأفعالهم عليهمالسلام وتقاريرهم عليهمالسلام كأقوال وأفعال وتقارير الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم حجة على الحكم الشرعي ولذا تجدهم يعبرون عن السنة التي هي
الدليل على الحكم الشرعي بقولهم (سنة المعصوم) ولا يخصون النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بالذكر لكون السنة التي هي الحجة عندهم هي قول النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وقول الأئمة وفعل النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وفعل الأئمة وتقرير النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وتقرير الأئمة عليهمالسلام فلا فرق بين النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم والأئمة الاثني عشر عندهم في الاطلاع على الحكم الشرعي وانكشاف
الواقع إلا أن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ينكشف له الواقع من طريق الوحي والإمام ينكشف له الواقع من
طريق القرآن المجيد أو من قول ما قبله من الأئمة أو من الكتاب الذي أملاه رسول
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم للإمام علي عليهالسلام فان الكتاب المذكور كما قد عرفت أن فيه حتى ارش الخدش وقد
عرفت أن الأئمة كان عندهم طريق الإلهام والكشف لمعرفة الواقع بدليل
انهم كانوا يملون
الحقائق العلمية والأسرار الكونية من طريق انكشاف الواقع لهم بالإلهام.
ان الأئمة لم
يستعملوا طريق الإلهام في الكشف عن الأحكام
ولكنهم عليهمالسلام لم يصدر منهم نص على انهم عليهمالسلام استعملوا هذا الطريق أو احتاجوه في معرفة الأحكام الشرعية
حتى في مستسرهم فانهم عليهمالسلام كانوا في بيان الأحكام الشرعية قد أشاروا لمصدرها من
القرآن الكريم أو السنة أو من الكتاب الذي خطه الإمام علي عليهالسلام من إملاء رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ولم يشيروا قط لطريق الإلهام في معرفة الأحكام وذلك يدل
على عدم ارتكابهم له ، فالشيعة ترجع للائمة عليهمالسلام في معرفة الأحكام الشرعية باعتبار انها مروية لديهم عن
الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ولذا لو قال الإمام : أنا اعمل كذا لم يحمل على الإلزام
وإنما على الأولوية والاستحباب والاحتياط.
طريقة الشيعة في
معرفة أحكام الشريعة
إن للشيعة الاثني
عشرية الامامية عند عدم التمكن من الرجوع للائمة أو الحرج عليهم في ذلك طريقتين
لمعرفة الأحكام الشرعية إحداهما يسمى أصحابها بالأصوليين لرجوعهم في معرفة الحكم
الشرعي للأدلة الأربعة : الكتاب والسنة والإجماع والعقل وهي تسمى بأصول لأن الأصل
ما ابتنى عليه غيره وهذه الأربعة يبتني عليها معرفة الحكم الشرعي.
وكيف كان فهذه
الطريقة هي عبارة عن الرجوع للكتاب المجيد وعند عدم معرفة الحكم الشرعي منه يرجعون
للسنة المروية عن الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم أو عن الأئمة عليهمالسلام بسند يكون معتبراً عندهم. ورجوعهم للكتاب أو السنة إنما هو
بالعمل
بنصوصها أو
ظواهرها ولا يأخذون بالسنة لو خالفت الكتاب كما لا يأخذون بسنة الأئمة لو خالفت
سنة الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم الثابتة عندهم وعند فقد ذلك كله يرجعون للعقل الحاكم
بالبراءة أو الاحتياط أو التخيير أو الاستصحاب عند من اعتبرها من باب العقل وإلا
فمن اعتبرها من باب قيام الكتاب والسنة عليها يكون رجوعه إليها من باب الرجوع
للكتاب والسنة.
وأما رجوعهم
للإجماع فان كان من باب الحدس لرأي المعصوم من الاتفاق فهو من باب الرجوع للعقل
وإن كان من باب إحراز دخول المعصوم في جملة المجمعين فهو باب الرجوع للسنة ،
وتوضيح ذلك وتفصيله يطلب من كتب أصول الفقه للشيعة.
طريقة استنتاج
الأخباريين للحكم الشرعي
والطريقة الثانية
يسمى أصحابها بالاخباريين لعدم عملهم بالأدلة الأربعة وإنما يعملون بأصل واحد وهو
الأخبار وبعضهم من جوز العمل بالكتاب أيضاً ولم يعملوا بالأصول الأربعة بأجمعها
فان الكثير منهم منع من العمل بأصل البراءة حتى في الشبهة الوجوبية ، وطريقتهم في
معرفة الأحكام الشرعية هي الرجوع للأخبار وعدم رجوعهم للإجماع وللعقل
بل وعند الكثير
منهم عدم حجية الكتاب لاختصاص فهمه بمن نزل عليهم وهم الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم والأئمة عليهمالسلام حتى حصر الكثير منهم الحجية بالأخبار المودوعة في الكتب
الأربعة : الكافي ومن لا يحضره الفقيه والتهذيب والاستبصار وغيرها من الكتب
المعتبرة باعتبار أن البيان للأحكام قد كمل بها ولذا غاب الإمام الثاني عشر عليهالسلام آخذين بظواهرها من دون فرق بين الصحيح منها وبين الضعيف
وبين الشاذ الذي لم يعمل به الأصحاب وبين المشهور المعمول به وبين المرسل وبين
المسند بناؤهم على أصالة الحرمة في الأشياء المحتملة حرمتها بل الكثير منهم بناؤه
على أصالة الوجوب في الأشياء المحتمل وجوبها وذلك لاعتبارهم الاحتياط في الشبهات
ومنعوا من الاجتهاد وحرموا العمل بالظن الحاصل بالاجتهاد وانه ليس بحجة ومنعوا من
دراسة علم أصول الفقه باعتبار انه طريق للاجتهاد وتسمى هذه الفرقة من الشيعة
بالمحدثين والأخباريين.
من نقح طريقة
الأخباريين
وعمدة من نقح
طريقتهم المذكورة الميرزا محمد أمين الاسترآبادي في فوائده المدنية ومن مشاهير
علمائهم السيد نعمة الله الجزائري. وصاحب الحدائق رحمهالله.
وقويت هذه الطريقة
في القرن الحادي عشر الهجري والثاني عشر وأوائل الثالث عشر ولكن الطريقة الأصولية
تغلبت عليها بمواقف الوحيد البهبهاني المتوفي سنة ١٢٠٦ ه ثمّ من بعده تلميذه جدنا
الشيخ جعفر كما ذكرته كتب التاريخ.
عدم عمل الشيعة
بالقياس
ولا تعمل الشيعة
بالقياس وأنكرته اشد الإنكار لأن الدين قد كمل أيام الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم إلا أن القسم الكثير منه قد أودعه الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم عند الأئمة عليهمالسلام أما لعدم الابتلاء بالوقائع المحكومة به في ذلك العصر أو
لعدم المصلحة في إظهاره في ذلك الوقت وإلى زمن الغيبة الصغرى قد كمل ظهوره وتم
إخراجه. وبعضهم يرى بأن بعض أحكام الأشياء اقتضت المصلحة إخفاءها إلى زمن ظهور
الحجة عليهالسلام أو لأن وقائعها لا توجد إلا ذلك الوقت وعند ظهوره عليهالسلام يظهر تلك الأحكام.
وبلغ إنكار الأئمة
عليهمالسلام للعلم بالقياس وعدم الأخذ بالرأي أن يقول الإمام الصادق عليهالسلام لأبان بن تغلب المتوفي سنة ١٤١ ه (السنة إذا قيست محق
الدين).
الإسماعيلية والبهرة والآغاخانية
القسم الثاني من
الامامية هو القسم المسمى بالاسماعيلية وهم الذين يقولون بإمامة إسماعيل بعد إمامة
أبيه جعفر الصادق عليهالسلام ومن بعد إسماعيل ولده محمد ثمّ في أعقابه ، ولا يقولون
بإمامة الإمام موسى الكاظم عليهالسلام الأخ لإسماعيل لأنه لا إمامة لأخوين عندهم بعد الحسن
والحسين.
وتتلخص عقيدتهم في
الإمامة بأنه لا بد من وجود إمام معصوم في كل وقت من نسل الإمام علي بن أبي طالب عليهالسلام وفاطمة عليهاالسلام منصوص عليه من الإمام الذي قبله من والد إلى ولد حتى تقوم
القيامة وهم على طائفتين الأولى المسماة بالمستعلية والبهرة وتبدأ الإمامة عندهم
من الإمام علي عليهالسلام ثمّ لابنه الحسن عليهالسلام ثمّ للحسين عليهالسلام ثمّ في أعقابه الطائفة الثانية المسماة بالنزارية والمسماة
بالآغاخانية فالإمام بعد الإمام علي عليهالسلام هو الحسين ولا يعدون الإمام الحسن عليهالسلام في عداد الأئمة واتفقت الطائفتان على إمامة الحسين ثمّ
لابنه علي ثمّ لابنه
محمد الباقر ثمّ
لابنه جعفر الصادق ثمّ لابنه إسماعيل ثمّ في أعقابه ، ويقولون أن إسماعيل لم يمت
قبل أبيه الإمام جعفر الصادق عليهالسلام وانه قد رؤي بالبصرة بعد خمس سنوات من موت أبيه. وان أباه
الإمام الصادق عليهالسلام أخفى وجوده وأظهر موته خوفاً عليه من الخلفاء العباسيين
حيث كانت دلائل الإمامة ظاهرة عليه واستتر سنة ١٤٥ ه حتى مات سنة ١٥٨ ه ولكن
الشيعة الاثني عشرية يعتقدون بموت إسماعيل أيام أبيه سنة ١٤٣ ه وانه أظهر إمامته
خوفاً على ولده موسى عليهالسلام لعلمه بموت إسماعيل قبله وبقاء موسى بعده فإذا أظهر إمامة
إسماعيل وقد مات قبل الإمام لم يبق للأعداء الخوف من الإمام موسى عليهالسلام حتى يقتلوه.
وقت ظهور المذهب
الإسماعيلي
وقد ظهر هذا
المذهب بواسطة الدولة الفاطمية في المغرب التي أسسها سنة ٢٩٧ ه إمامهم المهدي عبد
الله بن الإمام الحسين في الجزائر واتخذ تونس عاصمة له وفي سنة ٣٥٨ ه افتتح مصر
إمامهم المعز لدين الله الفاطمي بن الإمام المنصور ابن الإمام القائم بأمر الله بن
الإمام المهدي المتقدم ذكره بقيادة جوهر الصقلي وطريقتهم في معرفة الأحكام الشرعية
هي الأخذ بما في كتاب دعائم الإسلام طبع في مصر ، وكتاب الاقتصار طبع في دمشق
وكتاب الهمة في آداب اتباع الأئمة طبع في مصر والجميع من تأليف أبي حنيفة نعمان بن
أبي
عبد الله محمد بن
منصور المغربي المتوفي سنة ٣٦٧ ه وليس لهم فقه سوى ما دونه لهم هذا الرجل وقد
عينه القائم بأمر الله الفاطمي الخليفة الثاني قاضياً وبقي يشغل هذا المنصب إلى
زمن الخليفة الرابع المعز لدين الله فجعله قاضي القضاة وداعي الدعاة ثمّ تولى هذا
المنصب من بعده أولاده والمهم من هذه الكتب عندهم هو دعائم الإسلام فهو القانون
الأساسي لهم ولا يزال كذلك حتى اليوم عند طائفة البهرة منهم وهو يشتمل على مرسلات
عن الإمام الصادق عليهالسلام وآبائه عليهمالسلام تطابق فقه الامامية الاثني عشرية. ويحكى أن يعقوب بن كلس
وزير العزيز لدين الله احضر في سنة ٣٨٠ ه جماعة الفقهاء وأهل الفتيا واخرج لهم
كتاباً في الفقه قد عمله وقال هذا عن الإمام العزيز بالله عن آبائه الكرام وهذا
الكتاب يعرف بالرسالة الوزيرية ويعتمدون في تاريخهم على كتاب افتتاح الدعوة طبع في
بيروت ، هذا وقد أسس الفاطميون جامع الأزهر لتدريس هذا المذهب وكان التدريس لمذهب
مالك والشافعي في الجامع العتيق وبذلوا قصارى الجهد لإحلال المذهب الإسماعيلي
محلها.
واستمرت الخلافة
الفاطمية في مصر حتى عهد المستنصر بالله.
انشقاق الدولة
الفاطمية
وبعد وفاته سنة
٤٨٧ ه وقع النزاع بين ولديه الأكبر نزار وبين الأصغر منه المستعلي بالله فبويع
الثاني في مصر وأدى ذلك إلى انقسام الإسماعيلية إلى فرقتين المستعلية وهي التابعة
للمستعلي وهي التي قامت أئمتها بالخلافة في مصر إلى أن جاء صلاح الدين الأيوبي
وأزال الدولة الفاطمية واتلف جميع ما أمكنه إتلافه من الآثار العلمية لهذه الدولة
فزال القضاء بالمذهب الإسماعيلي وحل مكانه القضاء بالمذهب الشافعي إلى أن جاء
الظاهر بيبرس فعدد القضاة من المذاهب الأربعة الحنفية والمالكية والشافعية
والحنبلية ، وتوجد هذه الفرقة فعلاً في الهند وباكستان واليمن والشرق الأقصى
وانجلترا وتسمى فعلاً هذه الفرقة بالصورتية نسبة لبلد صورة في الهند وبالبهرة
ومعناها بالهندية التجار لأن عمل اغلبهم التجارة وهم يؤمنون بوجود إمام مستور
انتقلت له الإمامة من المستعلي بالله بالتوارث ولداً بعد ولد.
وله داعٍ مطلق
ظاهر وهو اليوم السلطان الدكتور محمد برهان الدين وقد تبادلنا معه الزيارة والطعام
في بيتنا وبيته عدة مرات وحضرنا المؤتمر الإسلامي الذي عقده في بومبي وكان شخصية
فذة يتمتع بأخلاق عالية وأدب راقٍ.
ويأتي عندهم بعد
مرتبة الداعي المطلق مأذون الدعوة وهو اليوم سيدي خزيمة قطب الدين وقد تناولنا معه
الطعام في بيتنا وكان رجلاً يجمع الخصال الحميدة في منطق بليغ وأدب جم ومرتبته هي
مرتبة أخذ العهد والميثاق وتأتي بعدها مرتبة المكاسر وهي مرتبة جذب الأنفس
المستجيبة.
ومما يعتمدون عليه
في عقائدهم كتاب تاج العقائد طبع في بيروت.
الفرقة الآغاخانية
والفرقة الثانية
من الإسماعيلية هي الفرقة المسماة بالنزارية وهي التي تسمى بالآغاخانية فعلاً وهي
التابعة لنزار بن المستنصر فقد خرج من مصر مع أخيه عبد الله بعد أن بايع أهل مصر
أخاه المستعلي إلى الاسكندرية وبايعه أهلها ولقبوه بالمصطفى لدين الله وقامت الحرب
بين الخليفتين الأخوين انتهت بانتصار المستعلي فانتقلت الفرقة النزارية من مصر إلى
فارس وجعلت المقر قلعة ألموت.
وقد أيد الدعوى
النزارية ومهد لها الأمور الحسن بن صباح بعد أن فلت من أيدي خصمائه اتباع المستعلي
فكان يدعو لإمامة نزار بعد أبيه ولبطلان خلافة المستعلي في الشام وأطرافها
وخوزستان ونواحيها وأصفهان وتوابعها ، ثمّ
انتقلت هذه الفرقة
من إيران إلى الهند لسوء التفاهم الذي وقع بين إمامها حسن علي شاه الحسيني وبين
سلطان إيران محمد بن علي علي شاه واتخذ بومباي مقراً له ولأتباعه وقد نقل لي
مشايخنا الكرام قدسسرهم ان آقا خان الثاني علي بن حسن شاه المذكور نقل جثمانه بعد
أن حنط في بومباي إلى كربلاء. وان زوجته عالية شمس الملك القاجارية ابنة نظام
الدولة رئيس وزراء ايران في عهد فتح علي شاه سلطان إيران قد أتت بابنها آقا خان
الثالث محمد شاه وهو صغير السن ومعه جماعة من اتباعه النزارية فحلقت رأسه تحت
ميزاب الذهب في جانب الصحن الشريف القبلي ثمّ أتت به لدارنا المعروفة بدار كاشف
الغطاء وطلبت كتاباً فقهياً لدراسة ولدها المذكور فقدم لها جدي العباس الشيخ علي
كتاب الشرائع للمحقق. وكان بخط جيد في ورق من الترمة.
وتذهب هذه الفرقة
إلى أن الإمامة في ذرية نزار نسلاً بعد نسل حتى تقوم القيامة وإن إمامهم آقا خان
الرابع من ذريته إلا أن أحكامهم وانظمتهم قد تطورت بتطور الزمن وأصبحت لا تتفق مع
تنظيماتها السابقة ولا يعدون الإمام الحسن عليهالسلام في عداد أئمتهم بل ينتقلون من أمير المؤمنين علي عليهالسلام إلى ولده الإمام الحسين عليهالسلام بخلاف المستعلية.
الزيديّة
الفرقة الثانية من
فرق الامامية هي الفرقة المسماة بالزيدية وتسمى بمذهب الشيعة ومذهب أهل البيت كما
تقدم في تسمية المذهب الجعفري بذلك ، وهم يفترقون عن الفرقة الجعفرية في الإمام
الخامس محمد الباقر عليهالسلام فالجعفرية يقولون بامامته والزيدية يقولون بامامة أخيه زيد
بن علي بن الحسين بن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهالسلام وقد ولد زيد سنة ٧٦ ه واستشهد سنة ١٢٢ ه ويقولون بامامته
بعد إمامة أبيه عليهالسلام وإمامة الحسن والحسين وأبيهما علي بن أبي طالب عليهالسلام ثمّ كل فرد فاطمي من ذرية الحسن والحسين عليهماالسلام متدين خارج بالسيف تكون فيه الإمامة بشروطها من العلم
الباهر والفضل الظاهر والشجاعة والسخاء وجودة الرأي بلا تردد والقوة على تدبير
الأمور والورع المشهور ، وكان زيد يتمتع بشخصية علمية دينية أوجبت أن يلتف حوله
رهط من أهل العلم والفقه وكان من تلاميذه أبو حنيفة حضر عنده سنتين ويعتمدون على
المجموع الفقهي المنسوب إليه وشرحه الروض النضير لمؤلفه شرف الدين السياغي المتوفي
سنة ١٢٢١ ه وتممه السيد عباس
بن احمد من آل
إبراهيم من علماء القرن الرابع عشر وقد طبع معه ، ولما كان هذا المجموع غير مستوف
لشتات المسائل الفقهية. بحيث يستغنى به عما عداه اعتمدوا في الفقه على يحيى بن
الحسين بن القاسم الرسي بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن المثنى بن
الحسن بن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهالسلام وعلى كتبه في الفقه مثل الأحكام والمنتخب والفنون وله في
الأصول وغيرها كتاب اسمه المجموع. وعندهم الاجتهاد شرط في أئمتهم ويعدون فقهاءهم
من أهل مدرسة الرأي وهذا يحيى الذي أسس حكومة أهل البيت الزيدية في اليمن سنة ٢٨٨
ه وكان هو الإمام الأول في صنعاء وذلك عن طلب أهل اليمن له من المدينة المنورة
ولا تزال الإمامة في أبنائه إلى هذا الزمان ، وعليه تخرج فقهاء الزيدية وأئمتهم
وقلدوه في آرائه حتى لقبوا بالهادوية ولم يتعدوها فهو عندهم كأبي حنيفة والشافعي
من أئمة أهل السنة ، وأدلته في الفقه أدلتهم ، من أراد التوسع في بحث الأدلة فعليه
بكتاب (الأنوار في أدلة الأزهار) لمؤلفه الإمام احمد بن يحيى المتوفي سنة ٨٤١ ه
وكتاب (البحر الزاخر) وتخريجه كتاب (الغيث المدرار) وغيرها ، وكتاب (التجريد)
للإمام المؤيد بالله احمد بن الحسين الهاروني وكتاب (الشفاء) للأمير الحسين بن بدر
الدين.
ويتبعون في
عقيدتهم مذهب الاعتزال وهم الآن في اليمن ويقال انه يوجد منهم في افريقية الشمالية
وفي طبرستان.
الحنفية
والثاني من
المذاهب : مذهب الحنفية وهم الذين يعملون بمذهب الإمام أبي حنيفة النعمان بن ثابت
بن زوطي بن ماه المولود سنة ٨٠ ه بالكوفة تفقه فيها وتوفي في بغداد سنة ١٥٠ ه
وقد روى عنه تلاميذه في الحديث مسانيد عديدة بلغت على ما يحكى خمسة عشر مسنداً
منها مسند القاضي أبي يوسف يعقوب المتوفي سنة ١٨٢ ه ومسند محمد بن الحسن الشيباني
المتوفي سنة ١٨٩ ه وغيرها جمعها قاضي القضاة محمد الخوارزمي المتوفي سنة ٦٥٥ ه
في كتاب واحد أسماه (جامع المسانيد).
لكن ابن خلدون
يذكر في مقدمته أن الأحاديث المروية عن أبي حنيفة تبلغ سبعة عشر حديثاً أو نحوها.
ولأبي حنيفة كتاب
أسماه بالفقه الأكبر وهو رسالة صغيرة في العقائد شرحه ملا علي القاري طبع مع الشرح
في مصر.
وكان اكثر تلقيه
لعلم الفقه من شيخه حماد بن سليمان المتوفي سنة ١٢٠ ه تلميذ إبراهيم بن يزيد
النخعي المتوفي سنة ٩٦ ه تلميذ علقمة بن قيس ، وعلقمة تلميذ الإمام علي عليهالسلام. وقد قضى اثنتين وخمسين سنة من عمره في العصر الأموي
والباقي في العصر العباسي ولما أسس المنصور بغداد كان أبو حنيفة من العلماء الذين
استقدمهم إليها.
طريقة أبي حنيفة
في استنباط الأحكام
وكانت طريقته في
الاستنباط للأحكام الشرعية على ما نقل عنه من الأخذ بكتاب الله فإذا لم يجد فيه
أخذ بسنة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم المتواترة أو ما اتفق علماء الأمصار على العمل بها أو ما
رواها صحابي أمام جمع منهم ولم يخالف فيها أحد فإذا لم يجد ذلك أخذ باجماع الصحابة
فإذا لم يجد ذلك اجتهد وعمل بالقياس فإذا قبح القياس عمل بالاستحسان. وكان تشدده
في عدم العمل بالسنة سبباً في كثرة أخذه بالقياس والاستحسان والاجتهاد والرأي.
وقد تتلمذ على
الإمام جعفر الصادق عليهالسلام وعلى أبيه الإمام محمد الباقر عليهالسلام وعلى زيد بن علي أخي الباقر وقد أكثر تلميذاه أبو يوسف
ومحمد الشيباني من الرواية عن الإمام الصادق عليهالسلام في مسنديهما لأبي حنيفة.
الوحشة بين أبي
حنيفة وبين فقهاء الكوفة
وصارت وحشة ونفرة
بين أبي حنيفة وبين عظماء فقهاء أهل الكوفة كسفيان بن سعيد الثوري المولود سنة ٩٧
ه المتوفي سنة ١٦١ ه لأن أبا حنيفة من أهل الرأي وسفيان من أئمة الحديث. وكشريك
بن عبد الله النخعي قاضي الكوفة من قبل المهدي العباسي المولود سنة ٩٥ ه والمتوفي
سنة ١٧٧ ه ويعزى تنافرهما لسببية تنافر الأقران. وكمحمد بن عبد الرحمن بن أبي
ليلى المولود سنة ٧٤ ه والمتوفي سنة ١٤٨ ه وكان من أصحاب الرأي وصار قاضياً عند
بني أمية وبني العباس وهو الذي يقول الثوري فيه وفي ابن شبرمه (فقهاؤنا ابن أبي
ليلى وابن شبرمه) ويعزى تنافرهما إلى سببية المخالفة بينهما في كثير من المسائل
فطالما ابن أبي ليلى يقضي. ويفتي أبو حنيفة بخلافه.
أقسام مسائل الفقه
عند الحنفية
ومسائل الفقه عند
الحنفية ثلاثة أقسام :
الأول
الأصول : وهي المسائل التي
رواها الثقات عن أبي حنيفة أو أحد تلاميذه كأبي يوسف وزفر ومحمد بن حسن الشيباني
وغيرهم ممن سمع من نفس أبي حنيفة وتسمى
بظاهر الرواية وقد
جمعها محمد بن الحسن المذكور في كتب ستة تعرف بكتب ظاهر الرواية أو مسائل الأصول
وسيجيء إن شاء الله ذكرها. وعن هذه الكتب أخذت جمعية مجلة الأحكام العدلية اكثر
مسائلها المدونة فيها.
الثاني
النوادر : وهي المسائل التي
رواها الموثوق بهم عن أبي حنيفة أو عن أصحابه ولكن لم تشتهر روايتها وتسمى بكتب
النوادر أو مسائل النوادر ككتاب أمالي محمد في الفقه.
الثالث
الفتوى : وهي المسائل التي
أفتى بها مجتهدو الحنفية المتأخرون فيما لم يرو فيه رواية عن أبي حنيفة ولا عن
أصحابه ولكن كانت الفتوى تخريجاً على مذهبه ويقال أن أول كتاب عرف في هذا القسم
اعني فتاوى الحنفية هو كتاب النوازل لأبي ليث السمرقندي المتوفى سنة ٣٧٣ ه.
تلاميذ أبي حنيفة
الأربعة
وقد انتشر مذهب
أبي حنيفة بواسطة تلاميذه الأربعة (أحدهم) يعقوب المعروف بأبي يوسف المتوفي سنة
١٨٢ ه فانه لما ولى هارون الرشيد القضاء لأبي يوسف سنة ١٧٠ ه لم يقلد القضاء
هارون إلا لمن أشار إليه أبو يوسف واعتنى به قال ابن حزم (مذهبان انتشرا في بدء
امرهما بالرئاسة والسلطان
الحنفي بالمشرق
والمالكي بالأندلس) والمعروف أن أبا يوسف أول من صنف الكتب على مذهب أبي حنيفة ولم
يصل إلينا حسب اطلاعنا من كتبه إلا رسالته في الخراج كتبها للرشيد وقد طبعت بمصر
وكتاب اختلاف أبي حنيفة وأبي ليلى وقد نقله الشافعي هو وكتاب سير الاوزاعي في كتاب
ألام وقد ناقش الشافعي الكثير من أقوال أبي يوسف في كتابه ألام المذكور.
و (ثانيهم) تلميذه
زفر بن الهذيل الكوفي.
و (ثالثهم) تلميذه
محمد الشيباني وإليه يرجع الفضل في تدوين المذهب الحنفي وله كتب ستة تسمى بكتب
ظاهر الرواية. المبسوط. والجامع الكبير. والجامع الصغير. والسير الكبير. والسير
الصغير ، والزيادات قد جمعت في هذه الستة بعد حذف المكرر منها في كتاب الكافي لأبي
الفضل المعروف بالحاكم المتوفي قتلا سنة ٣٣٤ ه ثمّ شرح الكافي السرخسي في كتابه
المبسوط. وكان بين محمد الشيباني وبين أبي يوسف وحشة.
و (رابعهم) الحسن
اللؤلؤي الكوفي وكان هؤلاء الأربعة نسبتهم لأبي حنيفة نسبة التلاميذ لأستاذهم لا
نسبة المقلدين إلى مرجعهم لاستقلالهم بما به يفتون وقد يخالفونه في الفتوى.
وعن طبقات الحنفية
أن أول من كَتَب ، كُتب أبي حنيفة أسد بن عمرو. وعنها أيضاً انه قيل : أن نوح بن
أبي مريم عرف بالجامع لأنه أول من جمع فقه أبي حنيفة وينسب إلى أبي حنيفة انه قال (رأي
هو احسن ما قدرت عليه فمن جاءنا بأحسن منه فهو أولى بالصواب. والله لا ادري أن
قولي هو الحق فقد يكون الباطل الذي لا أشك فيه) ويرى أبو حنيفة وأصحابه رأي
المرجئة من أن المعاصي مهما كان نوعها لا تمنع من الإيمان كما لا تنفع من الكفر
الطاعات. والمعروف أن الغالب على الحنفية أنهم يتبعون في عقائدهم مذهب أبي منصور
الماتريدي وليس بين مذهب الماتريدي وبين مذهب الاشعري خلاف إلا في بضع عشرة مسألة
والباقي من الحنفية أشعريون على قلة جداً.
ويغلب وجود المذهب
الحنفي بين أهل السنة فعلا في العراق والشام والأتراك العثمانيين والألبان وسكان
بلاد البلقان والأفغان وبلاد القوقاز والهند.
الطعن في مذهب أبي
حنيفة
وقد طعن الظاهرية
بالمذهب الحنفي بأنه فلسفة فارسية. ورمى ابن حزم أبا حنيفة واتباعه بالكلام القارص
فوصف
أقوال أبي حنيفة
واتباعه بالكذب وبالكلام الأحمق البارد. وسدد سهامه الخطيب البغدادي في تأريخه
بعبارات خشنة عليه وعلى اتباعه. وقالت مجلة الأحكام العدلية عن المذهب الحنفي
بخصوصه في تقريرها الذي رفعته للصدر الأعظم عالي باشا سنة ١٢٨٦ ه بأن مذهب
الحنفية قام فيه مجتهدون كثيرون متفاوتون في الطبقة. ووقع فيه اختلاف كثير ومع ذلك
فلم يحصل فيه تنقيح كما حصل في فقه الشافعية.
المالكية
الثالث من المذاهب
: مذهب المالكية وهم اتباع مالك بن أنس بن مالك بن عامر الأصبحي ويحكى عن الواقدي
انه من الموالي ووالده المذكور غير أنس الصحابي المعروف ولد بالمدينة سنة ٩٣ ه
وأقام بها ولم يرحل عنها ومات بها سنة ١٧٩ ه أي بعد وفاة أبي حنيفة بتسع وعشرين
سنة وقبل وفاة أبي يوسف بثلاث سنين.
وشيخه في الفقه
الإمام جعفر الصادق عليهالسلام وربيعة الرأي التابعي وسمع الحديث من نافع مولى ابن عمرو
الزهري وكان يجلس في مسجد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لتدريس الفقه ومن تلاميذه الشافعي وعبد الله بن وهب ومحمد
بن حسن الشيباني وأسد بن الفرات وكان لتلاميذه اجتهادات تخالف فتاويه إلا أنها لا
تخرج عن دائرة قواعده. وكان مالك يعتمد في
فتاويه على الكتاب
ثمّ السنة ثمّ عمل أهل المدينة. وقد يرد الحديث إذا لم يعمل به أهل المدينة ، ثمّ
بقول الصحابي إذا لم يستند للرأي ثمّ بالقياس. ونسب إليه العمل بالمصالح المرسلة
والاستحسان والاستصحاب والذرائع والعرف والعادة. وانتشر مذهبه في شمال افريقية
والاندلس ولمالك كتاب اسمه الموطأ ومعناه (الممهد) ويحكى عن ابن فهر انه لم يسبق
أحد مالكاً بهذا الاسم وكان من ألف في زمانه يسمي كتابه بالجامع أو بالمصنف أو
بالمؤلف ورواه عنه الكثيرون ممن أخذوه عنه وكان في رواياتهم اختلاف من حيث الزيادة
والنقصان إلا أنه لم يصل إلينا حسب اطلاعنا منها إلا اثنان رواية يحيى الليثي التي
شرحها الزرقاني والسيوطي ورواية محمد بن حسن الشيباني تلميذ أبي حنيفة وحكي ان ما
في الموطأ من الأحاديث سبعمائة حديث ويقال أن التي صحت عنده منها نحو خمسمائة حديث
وعادته في هذا الكتاب أن يذكر الأحاديث ويضم إليها جملة من فتاوى بعض الصحابة
والتابعين ويضيف إليها أحياناً ما يؤدي إليه اجتهاده وينقل عن مالك انه قال (إنما
أنا بشر اخطئ وأصيب فانظروا في رأيي كل ما وافق الكتاب والسنة فخذوا به وما لم
يوافقهما فاتركوه).
واشهر الكتب في
المذهب المالكي هي المدونة لتلميذه أسد بن فرات والتي أخذها سحنون ورتبها ونشرها
باسم المدونة الكبرى.
المطارحة التي
دارت بين مالك وبين الليث
وقد دارت بين مالك
وبين الليث بن سعد فقيه مصر مطارحات نقل بعضها ابن القيم فكان مالك يرى أن عمل أهل
المدينة حجة يؤخذ به وان الحديث يرد إذا لم يعمل به أهل المدينة. وقد رد عليه الليث
بأن المدينة وإن كانت منزل المهاجرين والأنصار إلا أنهم قد خرجوا عنها للجهاد في
سبيل الله فجندوا الأجناد منها وكان في كل جند منهم طائفة يعملون بالكتاب والسنة
ويجتهدون برأيهم.
سبب انتشار مذهب
مالك
وسبب انتشار مذهب
مالك في الأندلس هو أن يحيى بن يحيى بن كثير الأندلسي قد صار مالكياً بعد أن كان
أوزاعياً وقد رجعت الفتوى إليه وعظم أمره فكان المنتصر لم يقلد أحداً منصب القضاء
إلا باشارته. وسبب انتشار مذهب مالك في افريقية هو ان سحنون بن سعيد لما ولي
القضاء في افريقية نشر مذهب مالك ثمّ المعز بن باديس فانه حمل جميع أهل افريقية
على التمسك بمذهب مالك وترك ما عداه من المذاهب.
ونشر مذهبه في مصر
عبد الرحيم بن خالد وعبد الرحمن
بن القاسم إلى أن
قدم الشافعي إلى مصر سنة ١٩٨ ه فتبعه جماعة من أعيانها فقوى مذهب الشافعي إلى ان
قدم القائد جوهر من افريقية سنة ٣٥٨ ه وبنى مدينة القاهرة وكان شيعياً فانتشر
مذهب التشيع في مصر ولم يبق بمصر مذهب سواه إلى أن جاء صلاح الدين بن أيوب سنة ٥٦٤
ه وأزال القضاء الشيعي فاختفى المذهب الشيعي وظهر المذهب المالكي. والشافعي وكان
صلاح الدين المذكور على عقيدة الأشعريين وأوقف عليهم في مصر مدرسته الناصرية.
والمعروف أن
المالكية يتبعون مذهب الأشعري في عقائدهم كما أنهم يسمون بأصحاب الحديث. ويوجد
المذهب المالكي فعلا بنحو الغلبة في المغرب الأقصى والجزائر وتونس وطرابلس وفي
السودان والصعيد والكويت.
الشافعية
والرابع من
المذاهب : مذهب الشافعية وهم اتباع أبي عبد الله محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان
بن شافع وقد أنهى بعضهم نسبه لعبد المطلب بن عبد مناف جد النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وقيل أن جده شافع كان مولى لأبي لهب بن عبد المطلب ولد
بغزة سنة ١٥٠ ه وتوفي في مصر سنة ٢٠٤ ه وبعد سنتين من ميلاده حملته أمه إلى موطن
آبائه بمكة وتلمذ على يد شيخ الحرم ومفتيه مسلم بن خالد الزنجي وسفيان بن عيينة
ورحل إلى المدينة وتلمذ على مالك صاحب الموطأ ودرس عليه الموطأ وعلى إبراهيم بن
محمد بن يحيى المدني تلميذ الإمام الصادق عليهالسلام وأكثر الشافعي من الرواية عنه. ثمّ ذهب لليمن وقد بلغ سن
الثلاثين للقيام بعمل يساعده على دهره واتهم هناك بالتشيع فأمر هارون الرشيد بحمله
إليه سنة ١٤٨ ه وجيء به للرشيد وهو بمدينة الرقة وبعد ذلك أمر باطلاقه واتصل
بمحمد بن الحسن الشيباني صاحب أبي حنيفة ثمّ رجع لمكة
المكرمة ثمّ عاد
للعراق مرة ثانية سنة ١٩٥ ه زمان خلافة عبد الله الأمين ثمّ عاد للحجاز ، وفي سنة
١٩٨ ه قدم العراق مرة ثالثة ومنه سار إلى مصر ونزل بالفسطاط ولم يزل بها حتى مات
سنة ٢٠٤ ه. وفي مقدمة طبقات الشافعية انه لما قتل الإمام موسى بن جعفر عليهالسلام في بغداد خرج الشافعي من العراق إلى مصر.
طريقة الشافعي في
استنباط الأحكام الشرعية
وطريقته في
الاستنباط أن يأخذ بظواهر القرآن إلا إذا قام الدليل على عدم إرادة ظاهرها وبعده
بالسنة وكان يعمل بخبر الواحد الثقة الضابط ولو لم يكن مشهوراً خلافاً للحنفية ولا
موافقاً لعمل أهل المدينة خلافاً لمالك ثمّ بعد ذلك يعمل بالإجماع وعدم الخلاف ثمّ
بعد ذلك يعمل بالقياس إذا كانت علته منضبطة ، ورد اشد الرد على عمل الحنفية
بالاستحسان وألف فيه كتاباً سماه أبطال الاستحسان ورد عمل المالكية بعمل أهل
المدينة وابطل العمل بالمصالح المرسلة وأنكر الأخذ بقول الصحابي لأنه يحتمل أن يكون
عن اجتهاد اخطأ فيه ورفض الحديث المرسل إلا مراسيل ابن المسيب لأنه يرى أن القوم
متفقون على صحتها.
اشهر تلاميذ
الشافعي
ومن اشهر تلاميذه
وأصحابه أبو ثور إبراهيم فقد أخذ
من الشافعي وصار
له مذهب خاص واتباع لكنه لم يقدر له البقاء. ومنهم احمد بن حنبل إمام الحنبلية.
والحسن الزعفراني الذي يروي عنه البخاري وغيره من أئمة الحديث إلا مسلماً. والحسين
الكرابيسي الذي تجنب الناس رواية الحديث عنه. واحمد بن يحيى البغدادي المتكلم الذي
لازم الشافعي في بغداد ثمّ صار من أصحاب داود وتبعه في رأيه. ويوسف بن يحيى المصري
الذي مات مسجوناً ببغداد في فتنة خلق القرآن سنة ٢٣١ ه. وغيرهم. ومن أهم كتبه
التي وصلت إلينا هو كتاب ألام في الفقه الذي أملاه على الربيع المرادي وطريقته فيه
أن يذكر المسألة ودليلها ويرد على خصمه فيها والجزء السابع منه اشتمل على مواضيع
مختلفة ورسائل متعددة.
نسبة كتاب الشافعي
لغيره
ويحكي عن الغزالي
في إحياء العلوم. وعن أبي طالب المكي في كتاب قوت القلوب ان كتاب ألام لم يصنفه
الشافعي وإنما صنفه تلميذه أبو يعقوب البويطي ثمّ زاد عليه الربيع بن سليمان وتصرف
فيه وأظهره بهذا المظهر.
وكان لمذهب
الشافعي شيوع في مصر والشام وما وراء النهرين وبعض بلاد العرب. وكذا في الحرمين
قبل ظهور
مذهب الوهابي
بالحجاز وينقل عن الشافعي انه قال (لا تقلدوني وإذا صح خبر يخالف مذهبي فاتبعوه
واعلموا انه مذهبي)
النزاع بين
الشافعية وغيرهم
وعن المقدسي أن
سجستان وسرخس كانت تقع فيهما عصبيات بن الشافعية والحنفية تراق فيها الدماء ويدخل
بينهم السلطان.
وعن المقدسي في
احسن التقاسيم قال : رأيت أصحاب مالك يبغضون الشافعي ويقولون : أخذ العلم من مالك
ثمّ خالفه والمعروف انه يتبع غالب الشافعية مذهب أبي الحسن الأشعري إلا ما شذ.
ويغلب وجود هذا
المذهب فعلا في الريف المصري وفلسطين وبلاد الأكراد وبلاد ارمينية.
الحنبلية
والخامس من
المذاهب : مذهب الحنبلية وهم أتباع احمد بن حنبل بن هلال الشيباني المروزي ولد
ببغداد سنة ١٦٤ ه. وتوفي ببغداد سنة ٢٤١ ه. وهو الذي يقول في حقه الشافعي خرجت
من بغداد وما خلفت رجلا افضل ولا افقه من احمد بن حنبل صنف المسند الذي يحتوي على
نيف وأربعين ألف حديث ورتبه بحسب السند لا بحسب أبواب الفقه فجمع لكل راوٍ أحاديثه
وقد توفي قبل أن ينقحه ويهذبه وقد رواه عنه ابنه عبد الله بعد أن نقحه وهذبه واتهم
بأنه قد أضاف للمسند بعض الأخبار الموضوعة كما أن بعضهم ذكر أن ابنه احمد بن عبد
الله بن احمد بن حنبل وأبو بكر القطيفي أضافا له بعض الزيادات وله في الأصول كتاب
طاعة الرسول وكتاب الناسخ والمنسوخ وكتاب العلل. وهو الذي امتنع من القول بخلق
القرآن رغم إصرار المأمون على خلقه وإجابة العلماء له وبقي مصراً على ذلك من سنة
٢١٨ هـ
وهي السنة التي
دعا فيها المأمون العلماء للقول بخلق القرآن إلى سنة ٢٣٣ ه السنة التي أبطل
المتوكل فيها تلك الدعوة وترك للناس حرية الرأي في خلق القرآن وعدمه. ودرس الحديث
على هيثم بن بشير وعلى الإمام الشافعي ولم يكتب في الفقه إلا ما أجاب به عن بعض المسائل
والمنقول عنه أنه حرم على تلاميذه كتابة الفقه إلا أنهم لم يستجيبوا له فقد كتب
تلميذه عبد الملك بن مهران وغيره الفقه عنه وجمعوا فتاويه وأقواله الفقهية وجعلوها
أساساً لمذهبه الذي نسبوه إليه.
طريقة احمد بن
حنبل في استنباط الأحكام الشرعية
وطريقته في الاستنباط
أن يأخذ بالنص كتاباً أو سنة حتى المرسل والضعيف منها ويقدم الكتاب على السنة عند
التعارض في الظاهر ثمّ ان لم يجد النص أخذ بما يفتي به الصحابة ولم يختلفوا فيه.
وعند الاختلاف بين الصحابة في المسألة رجح قول من كان اقرب للكتاب أو السنة فان لم
يظهر له ما هو الأقرب حكى الخلاف. وينقل عنه انه يأخذ بالحديث المرسل ويقدمه على
القياس والرأي إذا لم يكن ما يعارضه شيء من الكتاب أو السنة أو قول صحابي أو اتفاق
على خلافه وإلا استعمل القياس والاستصحاب والذرائع والمصالح المرسلة وكانت القاعدة
عنده في العقود والشرائط هو قاعدة الإباحة إلا إذا قام الدليل على المنع.
أشهر أصحاب احمد
ومن أشهر أصحابه
احمد بن هاني الأثرم. الذي روى عنه الفقه والحديث. وعبد الملك الذي كتب الفقه عنه
وولداه صالح الذي ورث الفقه عن أبيه وولي القضاء على خلاف سنة أبيه. وعبد الله
الذي ورث الحديث عن أبيه وروى مسند أبيه واتهمه بعضهم بأنه قد أضاف لمسند أبيه بعض
الأخبار الموضوعة.
ويحكى أن محمداً
بن جرير الطبري صاحب التفسير والتاريخ ألف كتاباً ذكر فيه اختلاف الفقهاء ولم يذكر
احمد بن حنبل فقيل له في ذلك فقال لم يكن فقيهاً وإنما كان محدثاً.
وقد انتشر هذا
المذهب في بعض بلاد العراق. وما وراء النهرين. وظهر في مصر متأخراً وكان أول من
ولي قضاء الحنابلة بدمشق الشيخ عبد الرحمن بن محمد بن احمد بن قدامة المقدسي ثمّ
الصالحي المتوفي سنة ٦٨٢ ه. والذي هو شيخ احمد بن تيمية.
وقد قام ابن تيمية
وابن القيم بنشر هذا المذهب وناضلا عنه وحرضا الناس على تعليمه وأخذت به نجد في
أول عهد الوهابيين ثمّ ساد جميع بلاد الحجاز في هذا العصر.
وحكى عن ابن حنبل
انه قال (انظروا في أمر دينكم فان التقليد لغير معصوم مذموم) واستفحل المذهب
الحنبلي في بغداد في القرن الرابع حتى إذا مر بهم شافعي أغروا به العميان فضربوه
بعصيهم حتى يكاد يموت. وعن طبقات السبكي أن اكثر فضلاء متقدمي الحنابلة أشاعرة.
المذاهب المنقرضة
إن المذاهب
الإسلامية التي قدر لها البقاء حتى الآن بمعنى أنها لا يزال لها أتباع يسيرون
عليها حتى هذا الوقت واتسع أفقها وكثر أتباعها هي المذاهب المتقدمة الخمسة وهناك
مذاهب أخرى وجدت في هذا الدور وحصل لها اتباع يسيرون عليها ولكنها انقرضت وزالت.
مذهب الأوزاعي
اشهرها مذهب
الأوزاعيين أتباع عبد الرحمن الأوزاعي ولد ببعلبك سنة ٨٨ ه وتوفي في بيروت سنة
١٥٧ ه ودفن في محلة منها تعرف باسمه وكان يميل لبني أمية وقد عمل بمذهبه أهل
الشام ثمّ انتقل مذهبه إلى الأندلس مع الداخلين إليها من نسل بني أمية ثمّ اضمحل
مذهبه في الشام وحل محله مذهب
الشافعي وانقرض في
الأندلس وحل محله مذهب المالكي وذلك في منتصف القرن الثالث. وكان ممن يكره القياس.
مذهب الظاهري
والداودي
ومن المذاهب
المنقرضة ، مذهب الظاهريين والداوديين وهو مذهب داود بن علي بن خلف الاصفهاني
المعروف بالظاهري ولد بالكوفة سنة ٢٠٢ ه ونال رئاسة العلم في بغداد مذ كان
شافعياً وانتقل سنة ٢٢٣ ه إلى نيسابور ثمّ جاء لبغداد ومات فيها سنة ٢٧٠ ه.
واتخذ لنفسه مذهباً خاصاً وهو العمل بظاهر الكتاب والسنة ما لم يقم دليل على
خلافهما وعدم البحث عن علل الأحكام فان لم يجد نصاً عمل بالإجماع إذا صدر عن
الصحابة أو عن جميع العلماء ورفض القياس والاستحسان والتقليد والرأي رفضاً باتاً
وقال : إن في عموم النصوص من الكتاب والسنة ما يفي بكل جواب.
عدم تحقق الإجماع
بل يحكى عنه عدم
إمكان تحقق الإجماع بعد عصر الخلفاء الأربعة لتفرق الصحابة وانقسامهم بسبب السياسة
والحكم قال ابن حزم (التابعون لم يحصهم أحد ولا يعرف الكثير مما قالوا فمن ادعى
إجماع هؤلاء فهو كاذب) وعنده ان الآية الكريمة (فَإِنْ تَنازَعْتُمْ
فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ) هي جامعة لكل ما تكلم الناس فيه من أولهم إلى آخرهم.
وللظاهري عدة
مؤلفات ينسب له القول بجواز أن يكون القاضي امرأة. وقد استمر مذهبه متخذاً إلى
منتصف القرن الخامس ثمّ أخذ بالاضمحلال والأفول ، ويحكى عن ابن حزم الأندلسي
المتوفي سنة ٤٥٦ ه انه قام بنشر هذا المذهب في القرن الخامس ببلاد الأندلس والذود
عنه. وألف ابن حزم كتاب الأحكام لأصول الأحكام الذي هو احسن ما ألف في أصول المذهب
الظاهري وكتاب المحلى الذي هو احسن ما ألف من الكتب المتداولة في الفقه على مذهب
الظاهرية وكان ابن حزم كثير الوقوع في العلماء المتقدمين لا يكاد يسلم أحد من
لسانه حتى قيل في حقه كان لسان ابن حزم وسيف الحجاج الثقفي شقيقين وخاصمه علماء
وقته فردوا قوله واجمعوا على تضليله وشنعوا عليه ونهوا عوامهم عن الدنو منه وهو
القائل إن مذهبين انتشروا في بدئ أمرهما بالرئاسة والسلطان الحنفي بالمشرق
والمالكي بالمغرب والمحكي عن ابن فرحون في الديباج الخامس انه قد عد المذهب
الظاهري من المذاهب المعمول بها في زمنه أي في القرن الثامن ، والظاهر انه قد دُرس
في أواخر القرن الخامس أو كان في حكم المندرس كما يظهر من جملة من العلماء.
مذهب محمد بن جرير
ومن المذاهب
المنقرضة مذهب محمد بن جرير بن يزيد ولد سنة ٢٢٤ ه بآمل طبرستان وتوفي في بغداد
سنة ٣١٠ ه صاحب التفسير المعروف والتاريخ المشهور كان شافعياً ثمّ اتخذ مذهباً له
واستمر مذهبه متبعاً إلى منتصف القرن الخامس للهجرة ونسب إليه القول بجواز كون
القاضي امرأة كما تقدم نسبة ذلك للظاهري خلافاً لباقي مذاهب السنة الأربعة
المشهورة والموجودة حتى اليوم. هذه هي اشهر المذاهب المندثرة وهناك مذاهب لفقهاء
لم ينتشر مذهبهم كالليث بن سعد إمام أهل مصر وصديق الإمام مالك والذي يقول فيه
الشافعي انه أفقه من مالك ولكن لم يحصل له أصحاب ينشرون مذهبه.
القراءات السبعة
وفي هذا الدور
الرابع كما اختلفت المذاهب في استنباط الأحكام الشرعية كذلك اختلفت القراءات
للقرآن الكريم وتكثرت إلا أن الذي اشتهر منها في كل قطر في هذا الدور هي القراءات
السبعة. فبالمدينة المنورة اشتهرت قراءة نافع بن أبي نعيم توفي سنة ١٦٧ ه. وبمكة
قراءة عبد الله بن كثير توفي سنة ١٢٠ ه. وبالبصرة قراءة أبي عمير بن العلاء
المازني توفي سنة ١٥٤ ه وبدمشق قراءة عبد الله بن عامر توفي سنة ١١٨ ه وبالكوفة
أبو بكر عاصم بن أبي النجود توفي سنة ١٢٨ ه وهو اليوم يقرأ القرآن بقراءته ،
وبالكوفة أيضاً حمزة بن حبيب الزيات توفي سنة ١٤٥ ه. وبالكوفة أيضاً أبو الحسن
علي بن حمزة الكسائي من أولاد الفرس توفي سنة ١٧٩ ه ويلي هذه القراءات في الشهرة
ثلاث قراءات
أخرى. قراءة أبي
جعفر يزيد القعقاع المدني توفي سنة ١٣٠ ه وقراءة يعقوب بن إسحاق الحضرمي توفي سنة
٢٠٥ ه وقراءة خلف بن هاشم البزاز وتسمى هذه القراءات مع السبعة المذكورة
بالقراءات العشر. ويليها في الشهرة أربع قراءات أخرى قراءة أبي محيصن محمد بن عبد
الرحمن المكي ويحيى بن المبارك اليزيدي. والحسن بن أبي الحسن البصري الفقيه.
والأعمش سليمان بن مهران.
العُلوم العَقْلية
وفي هذا الدور
الرابع انتشرت العلوم العقلية والفلسفية والكلامية واتسع أفق المعارف بواسطة ترجمة
الكثير من الكتب الأجنبية وأدى ذلك إلى تعليل الأحكام الشرعية.
انشقاق الفقهاء
إلى أهل الحديث وإلى أهل الرأي
فقوى الرأي في
معرفة الأحكام الشرعية مما أدى إلى انقسام الفقهاء إلى طائفتين وتضخم كل من
القسمين واتساع أفقهما مختلفين.
طائفة أهل الرأي
الطائفة الأولى :
تسمى بأهل الرأي والتي كانت برئاسة عبد الله بن مسعود في الكوفة وهم من يجيلون
النظر والفكر
في العلل الشرعية
والأغراض من الأحكام الإلهية ليعرفوا حكم الواقعة الشرعية دون الوقوف على دلالة
النص فهم يأخذون بالرأي والاجتهاد ويبحثون عن علل الأحكام لمعرفة حكم الوقائع
النازلة بهم.
الطائفة الثانية
أهل الحديث
الطائفة الثانية :
وتسمى بأهل الحديث التي كانت برئاسة سعيد بن المسيب في الحجاز وهم يعتمدون في
معرفة الأحكام الشرعية على دلالة النصوص وظواهر الألفاظ وينفرون من الأخذ بالرأي
والاجتهاد وعدم التعمق في استخراج العلل للأحكام والاستحسانات بعكس الطائفة الأولى
فانها لم تأخذ من الأحاديث إلا قليلها ولا من الآيات إلا نصوصها وكان رجوعهم في
كثير من المسائل الفقهية إلى حكم العقل والرأي والاجتهاد بالقياس والاستحسان. وهذا
ما أدى إلى انقسام مدرسة الفقه إلى مدرستين مدرسة الرأي ومدرسة الحديث.
خاتمة المطاف
إن مصادر الفقه في
هذا الدور أعني الدور الرابع كانت كثيرة تختلف باختلاف اعتبار الفقهاء لها وكان في
طليعتها الكتاب والسنة. والإجماع. وعمل أهل المدينة والقياس وقول الصحابي والمصالح
المرسلة والاستحسان والاستصحاب والبراءة والاحتياط والتخيير وكانوا يقدمون عمل أهل
المدينة على القياس وما بعد باعتبار أن عمل أهل المدينة بمنزلة روايتهم عن رسول
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فيكون بمنزلة رواية جماعة عن جماعة فهو أولى بالتقديم ،
ونشطت فيه حركة جمع الروايات والأحاديث والآثار الشرعية وقد كان التأليف في هذا
الدور بادئ بدء هو ضم الأحاديث بعضها إلى بعض حسب أبواب الفقه كأحاديث الصلاة
وأحاديث الصوم وغير ذلك كما في مسند زيد ونحوه وقد يمتزج بأقوال الصحابة والتابعين
ممن يرى حجة قولهم كما في موطأ مالك ثمّ جاء بعد ذلك فكرة المسانيد فكان يفرد كل
شخص بأحاديثه عن
أحاديث غيره كما
في مسند ابن حنبل ثمّ جاء بعد ذلك من قام باختيار ما هو المعتبر لديه من الأخبار
فألفوا الصحاح.
مجموع الإمام زيد
اقدم كتب الأخبار
ولكن الظاهر أن
مجموع الإمام زيد الشهيد اقدم ما بأيدينا من كتب الأخبار فقد استشهد سنة ١٢١ ه أو
سنة ١٢٢ ه وهو مرتب على أبواب الفقه كما أن مناسك الحج له طبع بغداد مرتب على
أبواب الحج. وكيف كان فلا ينكر انه في هذا الدور قد كثر فيه تأليف كتب الأخبار
التي هي أهم مصدر لعلم الفقه وقويت الحركة نحو الفقه قوة منقطعة النظير وتظافرت
الجهود على ضبط مسائله وتأسيس أصوله وقواعده ودونت فيه العلوم التي تساعد على
استنباط مسائله كعلوم القرآن وعلم الكلام والعلوم العربية ونحو ذلك مما أوجب
ازدهار الفقه واتساع دائرته وكثرة مسائله.
الإمام محمد
الباقر عليهالسلام
وفي هذا الدور
الرابع استشهد الإمام محمد الباقر عليهالسلام بسم هشام بن عبد الملك سنة ١١٤ ه وعن الطبقات الكبرى لابن
سعد انه كان عالماً عابداً ثقة عند المسلمين روى عنه أبو حنيفة وغيره من أئمة أهل
العلم والمذاهب ، وعن تذكرة ابن الجوزي عن عطاء أحد أعلام التابعين انه قال : ما
رأيت العلماء عند أحد اصغر منه علماً اصغر منهم عند أبي جعفر
الباقر لقد رأيت
الحكم بن عيينة عنده كأنه عصفور مغلوب وعن ابن الأثير في جامع الأصول انه مجدد
مذهب الامامية على رأس المائة الأولى.
الإمام جعفر
الصادق عليهالسلام
وفيه استشهد
الإمام جعفر الصادق عليهالسلام بسم المنصور سنة ١٤٨ ه وقد قضى شطراً من حياته ما يقارب
الخمسَ عشرة سنة في حكومة الأمويين والشطر الآخر من حياته في حكومة العباسيين. وعن
الملل والنحل أن أبا عبد الله الصادق ذو علم غزير في الدين وأدب كامل في الحكمة
وزهد في الدنيا وورع تام عن الشهوات.
الإمام موسى
الكاظم عليهالسلام
وفيه استشهد
الإمام موسى الكاظم عليهالسلام بسم الرشيد سنة ١٨٣ ه وهو الذي ذكر عنه القرماني صاحب
كتاب (أخبار الدول) انه ما خاب المتوسل به في قضاء حاجة قط وعن الشافعي أن قبر
موسى الكاظم ترياق مجرب لاجابة الدعاء. قال الخليفة العباسي للإمام موسى الكاظم عليهالسلام : أن الناس يقولون لا تحريم في القرآن للخمر فقال الإمام عليهالسلام : بل هي محرمة في كتاب الله قال تعالى (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ
وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ) فهي إثم والإثم محرم بنص القرآن حيث
قال (قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ
الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ).
الإمام علي بن
موسى الرضا عليهالسلام
وفيه استشهد
الإمام علي بن موسى الرضا عليهالسلام بسم المأمون سنة ٢٠٣ ه وكان قد نصبه ولياً للعهد وينسب له
جملة من أصحابنا كتاب فقه الرضا وقد طبع في إيران وكتب الشيخ النوري في مستدركه
بحثاً مفصلاً عنه قد اثبت فيه صحة نسبة الكتاب إليه سلام الله عليه.
كتاب فقه الرضا
وإن كان في عقيدتي
إن الكتاب على تقدير صحة النسبة انه قد مزجه بعض الرواة بالروايات المعارضة لما
فيه وهكذا ينسب إليه المسند ويسمى بصحيفة الرضا عليهالسلام وقد طبع مع مسند الإمام زيد في بيروت بواسطة مكتبة الحياة
وذكر المؤرخون أن الإمام الرضا عليهالسلام إذا مر ببلد أخذ الفقهاء والعلماء بلجام دابته ليفيض عليهم
من علمه وفضله.
الإمام محمد
الجواد عليهالسلام
وفيه استشهد
الإمام محمد الجواد عليهالسلام بسم المعتصم سنة
٢٢٠ ه وله مواقف
مع يحيى بن أكثم في علم الفقه مع صغر سنه تكون من معاجز الفن.
الإمام علي الهادي
عليهالسلام
وفيه استشهد
الإمام علي الهادي عليهالسلام بسم المعتز العباسي سنة ٢٥٤ ه وقد دونت مناقبه واحتجاجاته
كتب الأخبار والتاريخ.
الإمام الحسن
العسكري عليهالسلام
وفيه استشهد
الإمام الحسن العسكري عليهالسلام بسم المعتمد أو المعتضد سنة ٢٦٠ ه وينسب له تفسير للقرآن
الكريم قد طبع وشكك في صحة نسبته له بعض الفقهاء وقد اشبع البحث عنه النوري في
مستدركه وصاحب الذريعة في مناقب ابن شهرآشوب ج ٣ ص ٥٢٥ ذكر أن الكندي أحرق جميع ما
ألفه في تناقض القرآن بواسطة الإمام الحسن العسكري عليهالسلام.
غيبة الحجة المهدي
عليهالسلام
وفي هذا الدور غاب
الإمام الثاني عشر المهدي الحجة القائم المنتظر عليهالسلام سنة ٢٦٠ ه الغيبة الصغرى حيث لم تنقطع السفارة بينه وبين
الشيعة ، وأما غيبته الكبرى التي انقطعت
فيها السفارة فقد
كانت في الدور الخامس حيث انها وقعت سنة ٣٢٩ ه.
فقهاء الدور
الرابع
وفي هذا الدور
الرابع برز جماعة من الفقهاء لا يسعنا حصرهم ولكن نذكر قسماً منهم على سبيل
المثال.
يونس بن عبد
الرحمن
منهم يونس بن عبد
الرحمن فقد ألف ما يزيد على ألف مجلد من الكتب وكان لا يترك التأليف إلا للصلاة
والطعام وقضاء الحاجة.
محمد بن أبي عمير
ومنهم محمد بن أبي
عمير توفي سنة ٢١٧ ه ويروى عن الجاحظ انه قال فيه : إن محمد بن أبي عمير كان أوثق
الناس عند الخاصة والعامة ويحكى عن ابن بطة انه قال فيه : انه ألف أربعاً وتسعين
كتاباً وقد تلفت كتبه في الحبس فلذا كانت رواياته مرسلة إلا أنها معتبرة عند
العلماء.
صفوان بن يحيى البجلي
ومنهم صفوان بن
يحيى البجلي المتوفي سنة ٢١٠ ه وعن ابن النديم انه ألف ثلاثين كتاباً.
احمد البزنطي
ومنهم احمد بن
محمد البزنطي المتوفي سنة ٢٢١ ه من المؤلفين في الفقه.
الحسن الوشاء
ومنهم الحسن بن
علي الوشاء ألف في الفقه كتباً كثيرة.
الحسن السراد
ومنهم الحسن بن
محبوب السراد المتوفي سنة ٢٢٤ ه له كتاب المشيخة مبوب على معاني الفقه.
احمد الأشعري
ومنهم احمد بن
محمد بن عيسى الأشعري له مؤلفات في الفقه كثيرة ، ومحمد بن خالد الأشعري ومحمد بن
علي
الأشعري صاحب
المؤلفات والمصنفات وله كتاب اسمه نوادر تصنيف المصنفين كانت نسخة منه بخط الشيخ
الطوسي عند صاحب السرائر استطرف منها بعض الأخبار وطبع المستطرف منها مع السرائر.
علي بن مهزيار
ومنهم علي بن
مهزيار الأهوازي بلغت مؤلفاته ستة وثلاثين كتاباً.
الفضل بن شاذان
النيسابوري
ومنهم الفضل بن
شاذان النيسابوري بلغت كتبه مائة وثمانين كتاباً في مختلف المواضيع.
عبد الله بن سعيد
الكناني
ومنهم عبد الله بن
سعيد بن حنان الكناني ألف في الفقه والحديث كتباً كثيرة.
عبد الله القمي
ومنهم عبد الله بن
جعفر القمي شيخ القميين له اكثر من ثلاثين كتاباً في مواضيع مختلفة.
عمر بن مسلم
التميمي
ومنهم عمر بن مسلم
التميمي الكوفي له مؤلفات كثيرة في الفقه.
الحسين بن سعيد
الأهوازي
ومنهم الحسين بن
سعيد الأهوازي وأخوه الحسن وعن ابن نديم انهما ألفا اكثر من ثلاثين كتاباً.
الحسن البرقي
ومنهم الحسن بن
خالد البرقي صاحب تفسير العسكري.
محمد بن مسعود
العياشي
ومنهم محمد بن
مسعود العياشي صاحب تفسير العياشي الذي طبع في الآونة الأخيرة على ما قيل وقد بلغت
مؤلفاته مائتي مؤلف.
احمد بن محمد
البرقي
ومنهم احمد بن
محمد بن خالد البرقي المتوفي سنة ٢٧٤ ه ويحكى عن النجاشي وغيره أن له اكثر من
تسعين مؤلفاً.
محمد بن معافي
ومنهم محمد بن معافي
بن جعفر المتوفي سنة ٢٦٥ ه له كتاب شرايع الإيمان وكان من أصحاب الكاظم عليهالسلام وابنه الإمام الرضا عليهالسلام.
إبراهيم الثقفي
ومنهم إبراهيم بن
محمد الثقفي المتوفي سنة ٢٨٣ ه وله مؤلف في الفقه والأحكام.
إبراهيم الأسلمي
ومنهم إبراهيم بن
محمد بن يحيى المدني الأسلمي المتوفي سنة ١٨٤ ه له كتاب مبوب في الحلال والحرام
رواه عن الإمام الصادق عليهالسلام.
عبيد الله بن شعبة
ومنهم عبيد الله
بن علي بن أبي شعبة له كتاب في الفقه كبير عرضه على الإمام الصادق عليهالسلام فصححه واستحسنه وقال : ليس لهؤلاء في الفقه كتاب مثله.
محمد بن سيرين
ومنهم محمد بن
سيرين مولى انس بن مالك المتوفي سنة ١١٠ ه سكن البصرة علامة في تعبير الرؤيا ويعد
من فقهاء عصره.
القاسم بن محمد بن
أبي بكر
ومنهم القاسم بن
محمد بن أبي بكر المتوفي سنة ١٠٨ ه وعن ابن خلكان انه من سادة التابعين وافضل أهل
زمانه وعن أبي الزناد : ما رأيت فقيهاً اعلم من القاسم. وعن طبقات ابن سعد انه كان
إماماً فقيهاً ثقة ورعاً كثير الحديث. وعن عمر بن عبد العزيز انه قال له لو كان لي
من الأمر شيء لاستخلفت أعيمش بني تيم يعني القاسم وكان في عهده أربعة من الملوك
الوليد وسليمان وأولاد عبد الملك وعمر بن عبد العزيز ويزيد بن عبد الملك.
طاوس اليماني
ومنهم طاوس بن
كيسان اليماني المتوفي بمكة سنة ١٠٦ ه روى البخاري عنه عن مجاهد وغيره وعن الذهبي
انه كان شيخ أهل اليمن وبركتهم وفقيههم وله جلالة عظيمة.
قتادة
ومنهم قتادة بن
دعامة المتوفي سنة ١١٨ ه كان ضريراً حافظاً وفقيهاً ورأساً في العربية واللغة
والتاريخ والنسب سكن البصرة.
سليمان بن مهران
ومنهم سليمان بن
مهران الاسدي الكوفي الملقب بالأعمشي وكان محدث أهل الكوفة ولم يكن أحد في زمانه
اكثر منه حديثاً ولقب بالأعمش لسيلان دمعته وضعف بصره وكان مزاحاً فقد قصد داره
أهل الحديث فخرج إليهم وقال : لو لا أن في منزلي من هو أبغض إلي منكم ما خرجت
إليكم وكان يعني بذلك زوجته. وبعث إليه هشام بن عبد الملك قرطاساً ليكتب له فيه
مناقب عثمان ومساوئ علي عليهالسلام فاخذ القرطاس ووضعه في فم شاة وقال للرسول هذا جوابه فقال له
الرسول لقد توعدني بالقتل إن لم آته بجوابك. فاخذ القرطاس وكتب عليه بعد البسملة :
أما بعد فلو كان لعثمان مناقب أهل الأرض لما نفعتك ولو كان لعلي مساوئ أهل الأرض
ما ضرتك فعليك بخويصة نفسك.
يحيى بن يعمر
ومنهم يحيى بن
يعمر العدواني الوشقي المضري المتوفى سنة ١٢٩ ه وهو أول من نقط القرآن وقد حكي عن
ابن خلكان انه تابعي شيعي كما انه أول من أعرب القرآن أستاذه أبو الأسود الدؤلي.
عامر بن شراحبيل
ومنهم عامر بن
شراحبيل الشيعي المتوفى سنة ١٠٤ ه روى عن الإمام علي عليهالسلام وولي قضاء الكوفة وكان من مدرسة أهل الحديث.
الحسن البصري
ومنهم الحسن
البصري المتوفى سنة ١١٠ ه ويحكى عن القاضي عياض عده من الأئمة وأصحاب المذاهب
المقلدة المدونة وعن أعلام الموقعين انه جمع بعض العلماء فتاويه في سبعة أسفار
ضخمة.
عطاء بن رياح
وغيره
ومنهم عطاء بن
رياح المتوفى سنة ١١٥ ه. ومنهم عكرمة مولى بن عباس المتوفى سنة ١١٥ ه. ومنهم
مسلم بن خالد الزنجي المتوفى سنة ١٧٩ ه. ومنهم عبد الرحمن الأوزاعي المتوفى سنة
١٥٧ ه. ومنهم الليث بن سعد المتوفى سنة ١٧٥ ه. ومنهم أبو بكر محمد بن مسلم
الزهري المتوفى سنة ١٢٤ ه.
خندق الأسدي
وموقفه من أهل البيت
ومنهم خندق بن بدر
الأسدي المستشهد سنة ١٠٠ ه بعرفات عند ما وقف بها في الموسم وذكر فضل أهل البيت عليهمالسلام وظلم الناس لهم وغصب حقهم وقد ساء الباقر عليهالسلام مقتله.
أبان بن تغلب
ومنهم أبان بن
تغلب المتوفى سنة ١٤١ ه أحد القراء المشهورين والفقهاء البارزين. ومنهم ثابت أبو
حمزة الثمالي المتوفى سنة ١٥٠ ه الذي روى الدعاء المعروف.
جابر الجعفي
ومنهم جابر الجعفي
الكوفي المتوفى سنة ١٢٨ ه الورع الصدوق. ومنهم أبو حنيفة مؤسس المذهب الحنفي
المتوفى سنة ١٥٠ ه بالحبس وقد ذكرناه في تعداد المذاهب.
زرارة بن أعين
ومنهم زرارة بن
أعين الذي قال فيه الإمام الصادق ما أجد أحداً أحيا ذكرنا وأحاديث أبي إلا زرارة.
ويسمى بأوتاد الأرض زرارة. وأبو بصير ليث المرادي ، ومحمد بن مسلم ، وبريد العجلي
، ولزرارة اخوة أربعة معروفون بالعلم وهم حمران النحوي اللغوي. وبكير الثقة الجليل
القدر. وعبد الملك الثقة الجليل القدر. وعبد الرحمن الجليل القدر.
من توفى في هذا
الدور من علماء الأدب وشعرائه
وتوفي في هذا
الدور الخليل بن احمد سنة ١٦٠ ه مدون علم العروض وعلم متن اللغة.
وتوفي معاذ بن
مسلم الهراء سنة ١٨٧ ه واضع علم الصرف وقرأ عليه الكسائي وهو ابن عم محمد الرواسي
الذي هو أول من ألف من الكوفيين في النحو كتاباً.
وقتل دعبل الخزاعي
الشاعر المعروف سنة ٢٤٢ ه وقتل يعقوب بن السكيت اللغوي سنة ٢٤٤ ه بتفضيله علياً
وابنيه على الخليفة العباسي.
وتوفي أبو تمام
الطائي سنة ٢٣١ ه في الموصل. وتوفى الفيلسوف المعروف الكندي سنة ٢٥٠ ه.
العلوم الفلسفية
وقد ظهرت العلوم
العقلية في هذا الدور الرابع واتسع افقها وانتشرت كتبها وكان من اشهر المتكلمين
فيها عمرو بن عبيد المتوفى سنة ١٤٢ ه وأبو الهذيل العلاف المتوفى سنة ٢٣٥ ه
وعمرو الجاحظ المتوفى سنة ٢٥٥ ه. فان الفلسفة اليونانية وغيرها قد دخلت البلاد
الإسلامية بعد قرنين إلا انه قد أوضح المسلمون مسائلها وأضافوا إليها الشيء الكثير
وأخرجوها بهذه الحلة الجميلة بعد أن هذبوها ونقحوها وناقشوا ما كان مخالفاً
للعقيدة الدينية والآيات القرآنية فظهرت خالصة من الآراء الالحادية والخرافات التقليدية
وأزالوا عنها الحجب والغموض وفتحوا باب المناقشات والمباحث فيها واعطوا للعقل حرية
الفكر وأضافوا اليها مباحث قيمة كمبحث
النبوة والإمامة
ورتبوها ترتيباً حسناً حتى أصبحت العلوم العقلية غير العلوم العقلية اليونانية أو
الرومانية والفارسية والهندية وكان اظهر طابع على العلوم العقلية الإسلامية هو
قدرتها على الجمع بين الدين والفلسفة والحكمة والمعرفة وللإسلام الفضل الأكبر في
حفظ الفلسفة اليونانية وغيرها من الفلسفات القديمة فان النصرانية عند ما ضربت
سرادقها على بلاد اليونان خافت من فلسفتها على دينها فمنعت من تدريسها ودفنت كتبها
تحت التراب في الدهاليز والانفاق حتى استطاع المأمون سنة ٣٠٤ ه ج ٨١٩ م أن يحصل
على الكثير من هذه الكتب وقد أصابها التلف. كما ان للإسلام الفضل الأكبر على
الديانتين اليهودية والمسيحية فقد أخرجهما القرآن الكريم بحليتهما الواقعية
المجردة عن الأوهام والخرافات التي لم ينزل الله بها من سلطان.
الدور الخامس
دور التقليد عند
أهل السنة
يبدأ هذا الدور
بما انتهى إليه الدور الرابع أي انه يبدأ من أوائل القرن الرابع إلى سقوط الدولة
العباسية سنة ٦٥٥ ه بزحف التتر على بغداد وسقوطها بأيديهم فان هذا الدور قد جاء
وقد تفككت عرى الوحدة الإسلامية بخلافات طائفية ومذهبية وانقسامات عنصرية وطبقية
وتمزق شمل المسلمين فالبويهيون في فارس والفاطميون في شمال إفريقيا والامويون في
الأندلس والاخشيديون في سورية ومصر والساسانيون في خراسان والقرامطة في البحرين
والحمدانيون في الموصل هذا وبغداد عاصمة الدولة العباسية منقسم بعضها على بعض تعصف
بها الزوابع السياسية والفتن الداخلية لنيل التاج أو الصولجان لا للصالح العام
ويغار عليها من كل جانب ومكان
حتى هرب الخليفة
العباسي المتقي من بغداد خوفاً من الجيش البربري الزاحف عليها واستنجد بناصر
الدولة في الموصل فأنجده وأرجعه إليها فضعفت الرغبة من العلماء في الاجتهاد لتبلبل
الأحوال واضطراب الأوضاع أضف إلى ذلك أن الدولة نظراً لضعفها في هذا الدور أصبحت
لا تمنح المنصب الديني ولا القضاء للذي يعمل برأيه وإنما تنصب من كان مقيداً
ومتبعاً لمذهب من المذاهب وتفرض عليه اجتناب كل قضاء يخالف ذلك المذهب خوفاً من
تبلبل الأفكار وحدوث الانشقاق والانقسام وأخذوا لا يجعلون شخصاً في منصب من
المناصب الدينية إلا إذا كان متبعاً لأحد المذاهب السنية المشتهرة المعروفة
كالحنفية والظاهرية والشافعية ونحوها من المذاهب ولا يكيلون وزناً للمجتهد المنفرد
فأوجب ان ينصرف أهل السنة عن الاجتهاد حتى انه لم يبق بعد محمد بن جرير الطبري
المتوفى سنة ٣١٠ ه من يجتهد في الأحكام الشرعية وبطبيعة الحال أصبحت النتيجة
الحتمية عندهم بعد هذا الزمن الإجماع والاتفاق على العمل بالمذاهب السابقة وانسداد
باب الاجتهاد. والإجماع عندهم حجة لا ترد ودليل لا يفند فافتوا استناداً لهذا
الإجماع بسد باب الاجتهاد وحصر المذاهب التي يرجع إليها بالمذاهب السابقة واصبح
هذا الدور للفقه الإسلامي السني في هذه الفترة من الزمن دور التقليد المحض
لأهل السنة وكان
من جراء ذلك أن يحصر علماؤهم أبحاثهم ضمن نطاق خاص وإطار مخصوص فكان كل واحد منهم
في هذا الدور لا يتجاوز بحثه حدود مذهب فقيه سابق قد قلده لا يحيد عنه ولا يتعداه
لغيره ويرى أن ما قاله مقلده هو الصحيح وما عداه من الآراء خطأ لا يتبع ولم ير من
يجتهد في الأحكام الشرعية فيأخذ أحكامه من أدلتها غير متقيد برأي أحد من الأئمة
ورضوا لأنفسهم التقليد ولامام معين واعتبار فتاواه كأنها نص من الشارع المقدس
فأصبحوا عالة على فقه أبي حنيفة ومالك والأوزاعي والظاهري وأمثالهم ممن كانت
مذاهبهم متداولة والتزم كل منهم مذهباً معيناً لا يتعداه وبذل كل ما أوتي من قوة
في نصرة ذلك المذهب جملة وتفصيلا ويأخذوا أحكامهم الشرعية منه دون أن يرجعوا
للكتاب والسنة فكان الفقيه في هذا الدور هو الذي يستنبط الأحكام الشرعية من كتب
أحد الفقهاء السابقين ويسمى ذلك بالاجتهاد المقيد بل لا يستجيز لنفسه أن يخالف
فتوى الفقيه الذي قلده ولو قامت عليها الأدلة من الكتاب والسنة. وقد بلغ هذا
التعصب المذهبي في هذا الدور إلى أن يقول أبو الحسين الكرخي رئيس الفقه الحنفي في
العراق المتوفى سنة ٣٤٩ ه (أن كل آية أو حديث يخالف ما عليه أصحابنا فهو مؤول أو
منسوخ) وإلى أن يقول صاحب الدار المختار (إن من ارتحل عن المذهب
الحنفي إلى المذهب
الشافعي يعزر) وأصبحت كلمات أئمتهم وعباراتهم هي المصدر الذي يستنبطون منه الحكم
الشرعي حتى أنه في المغرب لما استولى عليه عبد الواحد بن علي ألزم العملاء
الاجتهاد وترك التقليد فأحرق كتب الفروع كلها وأمر بوضع كتب أحاديث الأحكام وكذا
فعل حفيده يعقوب سنة ٥٩٥ ه وقد بلغ التطاحن بين الفقهاء وأتباعهم في هذا الدور
ومهاجمة بعضهم البعض من ناحية التعصب والتحيز للفقهاء السابقين حد التقاتل كما
يظهر ذلك من ابن الأثير ج ٨ ص ١٠٦ وكان نتيجة ذلك أن تأثر الفقه بالجمود لدى أهل
السنة واصبح بعيداً عن واقع الحياة رغم تطور الحضارة وتبدل الأوضاع فقد حدثت أشياء
وأحوال لم تكن في عصر انفتاح باب الاجتهاد حتى يعالجها فقهاؤهم السابقون ولا يحق
للمتأخرين منهم أن يعالجوها لانسداد باب الاجتهاد عليهم.
وجه الانحصار بالمذاهب الأربعة
في هذا الدور الخامس ومبدئه
وبعد ذلك في هذا
الدور انحصرت المذاهب المتبعة عند السنة في أربعة : الحنفية. والمالكية.
والحنبلية. والشافعية. وكان بذرة انحصارها هو القادر العباسي الذي تولى الخلافة
الإسلامية سنة ٣٨١ ه فانه كان ذا سياسة وكياسة وظهر بمظهر الصلاح والتقوى حتى عده
ابن الصلاح من الفقهاء الشافعية وأخذ الفقهاء يعقدون الاجتماعات برئاسته بصفة كونه
زعيماً دينياً فيصدرون الفتاوى بتحريم حرية الرأي وتكفير بعض الطوائف كالفاطميين
ومهاجمة المعتزلة وتكفير من يعتنقها. وأمر أربعة من الفقهاء أن يصنف كل واحد منهم
مختصراً على مذهبه من المذاهب الأربعة. فصنف الماوردي الاقناع على مذهب الشافعي.
وصنف أبو الحسين القدوري مختصراً على مذهب أبي حنيفة. وصنف أبو محمد عبد الوهاب
مختصراً على مذهب المالكي. وصنف آخر مختصراً على مذهب الحنبلي وأمر الخليفة القادر
العمل بها لأجل تقليل الآراء في الأحكام الشرعية .
__________________
ولا ريب أن هذا
العمل من القادر يوجب اتساع رقعة المذاهب الأربعة وكثرة المتبوعية لها وضعف باقي
المذاهب السنية وقلة متبوعيتها وندرة الدعاة لها لأن الخلافة العباسية مهما تطور
الوضع بها وانحط نفوذها الزمني فهي لم تفقد سيادتها الروحية وبقيت تحتفظ بزعامتها
الدينية عملا وعقيدة والخليفة العباسي وإن فقد سلطته الزمنية إلا انه لم يتجرد حتى
عند رعيته عن كونه إماماً روحياً وزعيماً دينياً ومصدراً لجميع السلطات الإلهية
وانه الرئيس الفعلي للحكومة الدينية فإذا صدر منه الأمر بالعمل بتلك المذاهب
الأربعة لا ريب كان معناه إلغاء العمل بما عداها من المذاهب بحكم الزعيم الديني ولا
ريب أن ذلك يوجب اضمحلالاً شيئاً فشيئاً حتى تتلاشى وبالفعل أخذت باقي المذاهب
بالتلاشي شيئاً فشيئاً حتى إذا عصفت العاصفة الكبرى وحلت الطامة العظمى سنة ٦٥٦ ه
باحتلال المغول (التتر) بغداد وبلغ منهم التخريب والتهديم والحرق والذبح منتهى
المبلغ ستة أسابيع حتى صارت الدماء تنساب على الطرقات وصبغت ماء دجلة باللون
الأحمر الثاني عدة أميال وهدمت الجوامع والمدارس وأحرقت الكتب والنفائس وقتل
المغول (التتر) الخليفة المستعصم وأولاده ولم ينج منهم نافخ ضرم وانقرضت بذلك
الخلافة العباسية في بغداد وظل الأفق السني طوال ثلاث سنين ونصف بلا خلافة
واصبح بحاجة لزعيم
ديني وقد أدرك بيبرس الملقب بالظاهر ملك مصر من ملوك دولة المماليك بعد أن تغلب
على المغول حاجة العالم الإسلامي إلى إحياء الخلافة فاستدعى إليه احمد بن الظاهر
محمد بن الناصر العباسي الذي نجا من حبائل المغول ويصير عم لمستعصم الذي قتله
المغول فبايعه الملك وقاضي القضاة تاج الدين وكبار الفقهاء والناس بالخلافة سنة
٦٦٠ ه أو سنة ٦٥٩ ه ولقب احمد بالمستنصر بالله وأصبحت القاهرة من ذلك الحين
مقراً للخلفاء العباسيين وكانوا يلقبون بالأئمة وكانت سلطتهم لا نفوذ لها إلا من
الجانب الديني فقط ، ثمّ أراد الملك بيبرس أن يسترجع بغداد للخلفاء العباسيين فأعد
العدة وجهز الجيوش وتوجه مع الخليفة المستنصر المذكور فلما احتلوا دمشق عاد الملك
بيبرس إلى مصر وتقدم الخليفة المستنصر قاصداً بغداد وقبل أن يصل إليها وصلت إليه
المغول وقتلوه واغلب أصحابه ولم تكن خلافته إلا خمسة اشهر وعشرين يوماً وكان في
حلب رجل ينتسب للعباسيين اسمه احمد بن علي نجا مختفياً من بغداد استقدمه الملك
بيبرس إلى مصر وبايعه بالخلافة ولقب بالحاكم بأمر الله سنة ٦٦١ ه فعادت الخلافة
العباسية في مصر برعاية ذلك الملك الظاهر إلا أنها كانت منصباً دينياً محضاً حتى
دخول السلطان سليم الفاتح المشهور لمصر فتنازل له آخر الخلفاء العباسيين عن
منصب الخلافة
وأصبحت الخلافة لملوك آل عثمان وفي سنة ٦٦٣ ه. وبعد أن امتد النفوذ الديني
للخليفة العباسي الحاكم بأمر الله احمد المتقدم ذكره للعالم الإسلامي حتى للحجاز
بواسطة السلطان الملك الظاهر بيبرس نصب الخليفة العباسي المذكور برعاية الملك
الظاهر المذكور بالديار المصرية وبدمشق أربعة قضاة شافعي ومالكي وحنفي وحنبلي وركز
العقيدة الاشعرية فكان هذا العمل من الخليفة الذي يمثل المقام الديني مؤكداً لما
صنعه الخليفة العباسي القادر من أمره بالعمل بالمذاهب الأربعة فأخذ يتضاءل ما تبقى
من غير المذاهب الأربعة حتى لم يبق في سنة ٦٦٥ ه في مجموع امصار الإسلام مذهب
لأهل السنة يعرف غير هذه المذاهب الأربعة ولا عقيدة غير عقيدة الأشعري وعودي من
تمذهب بغيرها ولم يول قاضٍ ولا تقبل شهادة شاهد ولا يقدم للخطابة والإمامة
والتدريس أحد منهم لم يكن مقلداً لأحد هذه المذاهب الأربعة خصوصاً وقد أخذ يقوى
المركز الديني للخليفة المذكور وطفق يتوسع نفوذ السلطان الظاهر المذكور وهما
يحملان الشعار بالتمسك بالمذاهب الأربعة فكانت النتيجة الحتمية هي حصول الإجماع
والاتفاق من علمائهم على اتباع المذاهب الأربعة وعدم صحة تقليد ما عداها والإجماع
حجة عند أهل السنة يوجب الفتوى بمقتضاه فأفتى الفقهاء منهم بوجوب اتباع هذه
المذاهب الأربعة
وتحريم ما عداها
ولم تبق عقيدة عند أهل السنة إلا عقيدة الأشعري وأوجب ذلك عليهم أن يتجه نشاطهم
الفقهي في هذا الدور نحو تكميل المذاهب الأربعة الفقهية من الترجيح لروايات
الفتاوى المختلفة عن أئمتها الأربعة والتخريج لعللها المسمى بتخريج المناط والفتوى
فيما لم يوجد فيه فتوى منهم بالقياس بواسطة تلك العلل.
مشاهير علماء
الدور الخامس:
ومن مشاهير علماء
الحنفية في هذا الدور هو علي بن محمد البزدوي المتوفى سنة ٤٨٣ ه ألف المبسوط أحد
عشر مجلداً. ومن مشاهير علماء المالكية في هذا الدور محمد الأبهري المتوفى سنة ٣٩٥
ه ألف عدة كتب في شرح مذهب مالك. ومحمد بن رشد المتوفى سنة ٥٩٥ ه صاحب كتاب
بداية المجتهد ونهاية المقتصد. ومن مشاهير علماء الشافعية في هذا الدور احمد
النيسابوري المتوفى سنة ٤٣٢ ه ألف كتاب الأحكام. وأبو حامد الغزالي المتوفى سنة
٥٠٥ ه صاحب المستصفى في أصول الفقه طبع اكثر من مرة.
الشيعة الامامية في هذا الدور الخامس
وأما الشيعة
الامامية في هذا الدور فقد نشطت عندهم الحركة العلمية وخلفوا لنا ثروة فقهية كبرى
في هذا الدور رغم أن أئمتهم بدءوا يختفون عنهم في الأزمنة المتأخرة من زمن الإمام
العاشر علي الهادي عليهالسلام فإنه احتجب عن كثير من الشيعة إلا عن عدد يسير من خواصه
وجاء بعده ابنه الإمام الحادي عشر الحسن العسكري عليهالسلام فكان يكلم شيعته الخواص وغيرهم من وراء الستر غالباً إلا
في الأوقات التي يركب فيها لدار السلطان فلما توفي سنة ٢٦٠ ه جاء بعده الإمام
الثاني عشر وكان قد استتر عن أعين شيعته سنة ٢٦٦ ه.
السفراء الأربعة
وجعل بينه وبينهم
السفراء الأربعة أبو عمر عثمان بن سعيد ثمّ بعده ابنه محمد بن عثمان المتوفى سنة
٣٠٤ ه ثمّ بعده
أبو القاسم الحسين
بن روح النوبختي المتوفى سنة ٣٢٦ ه ثمّ بعده أبو الحسن علي بن محمد السيمري
المتوفى سنة ٣٢٩ ه وكان هؤلاء هم الوسائط بينه وبين شيعته ويصدر منه عليهالسلام بواسطتهم التوقيعات وأجوبة المسائل وبيان الأحكام الشرعية
وغيرها ويعرفون خطه عليهالسلام وبوفاة محمد السيمري وقعت الغيبة الكبرى وانسد باب السفارة
والنيابة الخاصة وفوض عليهالسلام الأمر إلى الفقهاء العالمين بالأحكام الإلهية المطلعين على
الأخبار والأحاديث الشرعية وجعلهم النواب عنه عليهالسلام.
والحاصل انه في
زمن الإمام العاشر إلى الإمام الثاني عشر كان من الصعوبة معرفة الحكم الشرعي
للحادثة والكتب الموجودة عندهم لم تكن سهلة المأخذ فقد تقدم أن نوعها غير مبوب مع
ما فيها من الأحاديث غير المقبولة مع أن بعض الأخبار كانت محفوظة في الصدور يخشى
ضياعها فانبرى علماؤهم للقيام بسد هذه الخلة وكان في طليعتهم محمد بن يعقوب
الكليني رحمهالله المتوفى سنة ٣٢٩ ه.
كتاب الكافي
فألف كتاب الكافي
الذي جمع فيه من الأحاديث ما صح عنده ونظمها حسب أبواب الفقه والأصول وهو من اعظم
كتب الشيعة وأكثرها فائدة وأجلها شأناً وقد ألفه
في زمن السفراء
الأربعة أي في زمن غيبة الإمام الثاني عشر الصغرى ويحكى عن ملا خليل القزويني شارح
الكتاب المذكور أن كتاب الكافي عرض على الإمام الثاني عشر فاستحسنه. ويحكى عن
الوحيد البهبهاني أن الشيخ الكليني قد لاقى في جمع كتابه الكافي الأتعاب والمشاق
بسفره إلى البلدان والأقطار واجتماعه بشيوخ الرواة والإجازات وظفره بالأصول
الأربعمائة والكتب المعمول عليها في الأحاديث وقد مضى على تأليفه له عشرون سنة وعن
الشهيد الأول أن أحاديث الكافي تزيد على الصحاح الستة فقد أحصيت إلى (١٦١٩٩) حديثاً
مع أن أحاديث البخاري بحذف المكرر (٤٠٠٠) حديثاً ومثله صحيح مسلم بحذف المكرر
وأحاديث الموطأ وسنن الترمذي والنسائي لا تبلغ عدد صحيح مسلم.
رسالة والد الصدوق
وقد كتب في هذا
الدور علي بن الحسين والد الصدوق المتوفى سنة وفاة السمري رحمهالله آخر السفراء وسنة وفاة الكليني رحمهالله سنة ٣٢٩ ه لولده الصدوق رسالة في الأحكام الشرعية يأخذ
الأصحاب الفتوى منها إذا أعوزتهم النصوص لأنها عبارة عن نصوص الأحاديث بحذف
إسنادها ثقة به
واعتماداً عليه
تجد قطعاً منها في كتب ولده الصدوق ومختلف العلامة وكفى في جلالة قدره ما في التوقيع
المنقول عن الإمام العسكري عليهالسلام من وصفه له بالفقيه المعتمد.
ما قد وصلنا من
كتب الأخبار
ومما قد وصل إلينا
من كتب الأخبار المؤلفة في زمن الغيبة الصغرى كتاب الغيبة للنعماني ألفه سنة ٣٠٠ ه
كما وصل إلينا الكافي المتقدم ذكره ثمّ كثر بعد الغيبة الصغرى التأليف من الشيعة
في الأخبار والأحاديث فألف علي بن احمد الكوفي المتوفى سنة ٣٥٢ ه من الكتب ما
يزيد على الخمسين في الفقه والفلسفة والرد على أهل العقائد والمذاهب الفاسدة
وغيرها وألف جعفر بن قالويه المتوفى سنة ٣٦٨ ه أو سنة ٣٦٩ ه كتاب كامل الزيارة.
من لا يحضره
الفقيه
وألف الصدوق
المتوفى سنة ٣٨١ ه كتاب من لا يحضره الفقيه المطبوع عدة طبعات أحصيت أحاديثه
فكانت (٥٩٦٣) حديثاً مرتبة حسب أبواب الفقه وقد سماه بهذا الاسم اقتباساً من اسم
الكتاب الذي ألفه الرازي في الطب وسماه بمن لا يحضره الطبيب ويقول في حقه صاحب
مرآة الجنان إنه
البارع في الكلام
والجدل والفقه. وربما زاره عضد الدولة وإن له اكثر من مائتي مصنف.
الاستبصار
والتهذيب
وألف الشيخ الطوسي
المتوفى سنة ٤٦٠ ه الاستبصار والتهذيب المطبوعين عدة طبعات وهذان الكتابان مع
كتاب الكافي ومن لا يحضره الفقيه تعرف عند الامامية بالصحاح الأربعة لكون مؤلفيها
لم ينقلوا فيها إلا ما صح عندهم روايته.
الوسائل
وقد جمع محمد الحر
العاملي المتوفى سنة ١١٠٤ ه روايات هذه الكتب الأربعة مع زيادة من كتب أخرى كانت
موضع اعتماده وصحيحة عنده في كتاب اسماه الوسائل طبع عدة مرات.
الوافي
كما جمع ملا محسن
الفيض الكاشاني المتوفى سنة ١٠٩١ ه روايات هذه الكتب الأربعة وشرح أحاديثها شرحاً
وافياً في كتاب اسماه الوافي.
المستدرك
وجاء المرحوم محمد
حسين النوري المتوفى سنة ١٣٢٠ ه فاستدرك على كتاب الوسائل المذكور ما فات صاحبه ،
أسماه المستدرك ثمّ أخذت كتب الأخبار عند الشيعة تتوسع.
البحار
حتى جاء المرحوم
محمد باقر المجلسي المتوفى سنة ١١١٠ ه فألف تلك الموسوعة الكبرى في الأخبار
المسماة بالبحار إلا أن فيها الدرة والآجرة ولم نطلع على من سبقهم من فقهاء الشيعة
أن يجمع الأحاديث وينظمها هذا التنظيم ويبوبها هذا التبويب وإنما كان جمعهم
للأخبار التي سمعوها من الأئمة بالذات أو بالواسطة حسب موضع الحاجة الشخصية
اعتماداً على وجود الأئمة عليهمالسلام عندهم فإذا ابتلوا بمسألة كان من السهل عليهم معرفتها من
منبعها وهو إمام ذلك الوقت.
مبدأ تدوين علم الفقه عند الشيعة
ولم يدون الشيعة في
هذا الدور الخامس إلى زمن الغيبة الكبرى سنة ٣٢٩ ه علم الفقه على النهج المعروف
فعلا من تحرير المسائل الفقهية. وبيان الدليل عليها إذا لم تكن بديهية وبيان اصح
الأقوال فيها أو أظهرها أو ظاهرها إذا كانت مختلف فيها بل كانت فتاواهم المدونة هي
نصوص الأحاديث إلى أن جاء ابن أبي عقيل الحسن بن علي بن أبي عقيل أبو محمد العماني
الحذاء شيخ الشيعة ووجهها وفقيهها فإنه أول من حرر المسائل الفقهية وذكر لها
الأدلة وفرع عليها الفروع في ابتداء الغيبة الكبرى وقد أثنى الشيخ المفيد على
كتابه (المتمسك بحبل آل الرسول) في الفقه وقد ادرك زمان السيمري آخر السفراء وزمان
الكليني وعاصر الصدوق علي بن بابويه واستجازه جعفر بن قالويه صاحب كتاب كامل
الزيارة المتوفى سنة ٣٦٩ ه أو سنة ٣٦٨ ه وجاء بعده
الشيخ الفاضل أبو
علي محمد بن احمد بن جنيد الإسكافي المتوفى سنة ٣٨١ ه صاحب كتاب تهذيب الشيعة في
عشرين مجلداً يشتمل على جميع أبواب الفقه. وكتاب المختصر في الفقه الأحمدي اختصر
به كتابه التهذيب وهو الذي وصل لأيدي المتأخرين ومنه انتشرت مذاهبه وأقواله فقد
قام رضي الله عنه بتحرير المسائل الفقهية على وجه الاستدلال وقد أدرك زمان السيمري
والكليني صاحب الكفاية ، ورأيت بخط والدي رضي الله عنه أن الإسكافي هو الذي دون
الأصول على مذهب الامامية وكذا تحرير الفتاوى في الكتب الفقهية. قال العلامة
المجلسي في كتابه : مرآة العقول (وهو المتبحر والمطلع على كثير من أصول القدماء
وكتبهم) : إن الإفتاء لم يكن شائعاً في زمن الكليني رحمهالله وما قبله بل كان مدارهم على نقل الأخبار وكانت تصانيفهم
مقصورة على جمعها وروايتها وبالطبع مراده رحمهالله عند الشيعة الاثني عشرية وإلا فالسنة كانت الفتاوى عندهم
اكثر من أن تحصى ، ثمّ جاء من بعد ابن جنيد والإسكافي تلميذهما الشيخ محمد الملقب
بالمفيد رضي الله عنه المتوفى سنة ٤١٣ ه فألف ما يقارب المائتي كتابٍ ومنها كتابه
المسمى (بالمقنعة) الذي بين مصادره وذكر أدلته من الأخبار والأحاديث الشيخ الطوسي
وأسماه (بالتهذيب) أحد الكتب الأربعة ومن جلالة قدر المفيد رحمهالله
في الأوساط
الدينية انه كان يزوره عضد الدولة. ثمّ جاء من بعده تلميذه علم الهدى الشريف
المرتضى المتوفى سنة ٤٣٦ ه فألف كتبه في أصول الدين كالشافي وفي أصول الفقه
كالذريعة ويقال انه أول كتاب صنف في هذا الباب للشيعة ولم يكن لهم في علم أصول
الفقه قبل هذا إلا رسائل مختصرة وألف رحمهالله في فروع الفقه الناصريات والانتصار وغيرهما. ثمّ جاء من
بعده في هذا الدور الشيخ محمد الطوسي المتوفى سنة ٤٦٠ ه صاحب كتاب التهذيب
والاستبصار فألف كتاب الخلاف في الفقه الاستدلالي وكتاب المبسوط المملوء بالفروع
الفقهية والذي ذكر فيه بأنه لا يزال يسمع من معاشر مخالفينا من المتفقهين يستحقرون
فقه أصحابنا الامامية وإن هذا جهل منهم بمذهبنا وقلة التأمل لأصولنا. وألف كتاب
النهاية الذي هو موضع العناية من الفقهاء وكان الفقهاء يتبعون طريقة الشيخ الطوسي
ومنهجه في الاستدلال والاستنتاج ولم يخرجوا عن ذلك مدة تقارب القرن من الزمن لحسن
ظنهم بالشيخ بل قيل أنهم كانوا مقلدين له حتى أن البعض لقبهم بالمقلدين له فيما
استنبط ومقتفين أثره فيما اجتهد واستنتج لا يتعدون عما قال ولا يخرجون عن رأيه في
البحث والمقال إلى أن جاء في هذا الدور محمد بن إدريس الحلي المتوفى سنة ٥٩٨ ه
فهاجم طريقة الشيخ الطوسي في
الاستنتاج وشن
الحملة على آرائه الفقهية في كتابه السرائر وفتح باب التمسك بالأدلة العقلية بينما
كان المعتمد عليه في الأزمنة السابقة الإجماع والنص والظاهر دون الأدلة العقلية
ثمّ تبع ابن إدريس رضي الله عنه تلاميذه ومن جاء بعده من فقهاء الشيعة في حرية
الرأي ومناهج الاستدلال والاستنتاج ضمن نطاق الأدلة الأصولية الصحيحة لديهم التي
قام عندهم على حجيتها القطع أو القطعي ، واتسع أفق البحث والنظر فيها حتى اليوم
وأوجب ذلك ثروة فقهية عند الشيعة لا تكاد تجدها عند غيرهم.
علم دراية الحديث
وفي هذا الدور
الخامس دون علم دراية الحديث وكان أول من دونه كما في كشف الظنون أبو عبد الله
الحاكم النيسابوري المتوفى سنة ٤٠٥ ه وتبعه ابن الصلاح الحافظ الشافعي المتوفى
سنة ٦٤٣ ه.
ما وصل إلينا من
المؤلفات في هذا الدور الخامس
وفي هذا الدور أي
الدور الخامس وصل إلينا من المؤلفات في علم الرجال والترجمة للرواة والأصحاب فهرست
ابن النديم المتوفى سنة ٣٨٥ ه ورجال الكشي فانه مكن أعلام القرن الرابع ورجال
النجاشي المتوفى سنة ٤٠٥ ه.
أول من ألف في علم
الرجال
وقد اثبت العلامة
الجليل الورع السيد حسن الصدر بأن أول من ألف في علم الرجال أبو محمد عبد الله بن
جبلة الكناني المتوفى سنة ٢١٩ ه لا ما قاله السيوطي من أن أول من تكلم فيه شعبة
المتوفى سنة ٢٦٠ ه.
الشيخ الرئيس ابن
سينا
وفي هذا الدور
توفي الشيخ الرئيس أبو علي بن سينا الحسين سنة ٤٢٨ ه يوم الجمعة من شهر رمضان
ويظهر من آخر كتابه الشفاء تشيعه وإن كان نسبه بعضهم إلى أنه تفقه على مذهب أبي
حنيفة.
الزمخشري
وتوفي الزمخشري
سنة ٥٣٨ ه صاحب كتاب الكشاف في تفسير القرآن المجيد.
جامع الأزهر
وفي هذا الدور
انشأ جوهر الصقلي قائد الخليفة الفاطمي سنة ٣٥٩ ه جامع الأزهر واقتصر فيه على
التدريس على المذهب الفاطمي ويذكر أن أول كتاب درس فيه هو كتاب
(الاقتصاد في فقه
آل الرسول) ثمّ كتاب (دعائم الإسلام في الحلال والحرام).
طلب جلال الدين
تلقيبه بملك الملوك
وفي هذا الدور
الخامس سنة ٤٢٩ ه طلب جلال الدين القائم بأمر الله البويهي أن يخاطبه الناس بملك
الملوك فقالوا له نستفتي الفقهاء بذلك فأفتى بالجواز أبو الطيب الطري والصيمري
وابن البيضاوي. والكرخي ولقب بملك الملوك وامتنع صديقه الفقيه أبو حسن الماوردي
وأفتى بالحرمة ولزم بيته خوفاً من القتل وفي ذات يوم أرسل عليه ومدحه على تصلبه في
ذات الله وعدم فتواه.
إظهار الشعائر الحسينية
في هذا الدور
وفي هذا الدور سنة
٣٥٢ ه أمر معز الدولة البويهي أن تغلق الدكاكين وأن تظهر الناس الحزن في عاشر
محرم على الحسين عليهالسلام كما أمر بإظهار الزينة في البلد يوم ١٨ ذي الحجة فرحاً
بعيد الغدير.
اتخاذ أهل السنة
٢٦ ذي الحجة عيداً
وفي مقابل ذلك اتخذ
أهل السنة يوم ٢٦ ذي الحجة عيداً لأنه يوم دخول النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وأبي بكر إلى الغار وجعلوا يوم ١٨ محرم يوم حزن لأنه قتل
فيه مصعب بن الزبير.
الدور السادس
وهو يبدأ من أواخر
القرن السابع الهجري وينتهي بأواخر القرن الحادي عشر حيث بدأ فيه النهوض من أهل
السنة بالخروج عن التقليد والتحرر من الجمود. على آراء المتقدمين تدريجاً بشكل
دوائر ضيقة ثمّ أخذت تتسع شيئاً فشيئاً حيث أن تبدل الظروف والأحوال وتطور الأوضاع
والحوادث وتجدد المصالح والمفاسد والمسايرة لركب الحضارة كان الناس من فقهائهم في
حرج وضيق من الجمود على التقليد للمجتهدين المتقدمين واصبح من المحتم عليهم الرجوع
للمصادر الفقهية الأصلية ومنابعه الأولية والخروج من التقيد بفتاوى السابقين فكان
ممن استبق الباب في هذا المضمار وخرج عن التقليد ورجع لأدلة الأحكام من الكتاب
والسنة ونحوها من المصادر تقي الدين السبكي الشافعي المتوفى سنة ٦٨٣ ه ونجم الدين
أبو ربيع الطوني المتوفى سنة ٧١٦ هـ
وابن تيمية
المتوفى سنة ٧٢٨ ه والذي اعتقلوه في القاهرة حتى كتب السلطان إلى دمشق ان من
اعتقد اعتقاد ابن تيمية حل ماله ودمه. وتلميذه ابن القيم المتوفى سنة ٧٥١ ه الذي
نكبوا به بألسنتهم وخليل بن اسحاق الكردي المصري المتوفى سنة ٧٧٦ ه.
وقد كان لعلماء
الشيعة اليد الطولى في إخراج فقهاء السنة من التقليد لكثرة احتجاجاتهم عليهم
ومباحثتهم معهم فيه فكان في بغداد عاصمة الدولة الإسلامية تجد فقهاء الشيعة قد
ناقشوا أرباب المذاهب السنية بصورة حادة في النوادي والمجالس العامة والتأليف على
ضوء الكتاب والسنة وتلمس ذلك فيمن كتب من تقدم على هذا الدور منهم كالشيخ المفيد
والسيد المرتضى والشيخ الطوسي فأدى ذلك إلى اليقظة في نفوس متبحري علمائهم نحو
الاجتهاد والخروج عن التقليد.
وفي هذا الدور
السادس ظهرت الدولة الصفوية في إيران برئاسة الشاه إسماعيل بن حيدر المنتهي نسبه
إلى الإمام موسى بن جعفر عليهالسلام سنة ٩٠٥ ه وقد بالغوا بإكرام العلماء حتى جعلوا أمر
المملكة بيد فقيه العصر المحقق الثاني الشيخ علي الكركي وشيدوا المدارس والمساجد
وألف الشيخ البهائي الكثير
من الكتب باسم
الشاه عباس كالجامع العباسي ونحوه واستمر ملكهم إلى سنة ١١٤٨ ه وهي السنة التي
جلس فيها نادر شاه على سرير الملك.
الفتاوى الهندية
وفي أواخر هذا
الدور ألف السلطان محمد علمكير أحد ملوك الهند لجنة من مشاهير علماء الهند برئاسة
الشيخ نظام لتصنع كتاباً جامعاً لظاهر الروايات التي اتفق عليها المذهب الحنفي
فألفوا في ذلك كتاباً قد عرف بالفتاوى الهندية يذكر فيه آراء الفقهاء ثمّ يتبع
بفتوى اللجنة ليكون مرجعاً للحكام والقضاة والمفتين إلا أن هذا الجمع لم يكن
رسمياً ولا شبه الرسمي ليكون ملزماً لهم. وقد نبغ في هذا الدور أبو القاسم جعفر
الحلي المتوفى سنة ٦٧٦ ه صاحب كتاب الشرائع والمختصر النافع. والعلامة الحلي حسن
بن يوسف المتوفى سنة ٧٢٦ ه صاحب التآليف الكثيرة في الفقه والشهيد الأول أبو عبد
الله محمد بن الشيخ جمال الدين المستشهد سنة ٧٨٦ ه صاحب الذكرى والقواعد واللمعة
وغيرها.
استشهاد الشهيد
الأول والثاني
وكان استشهاده
بفتوى برهان الدين المالكي وابن جماعة
الشافعي بقتله
فحبس سنة ثمّ قتل بالسيف ثمّ احرق بالنار. والشهيد الثاني علي بن احمد العاملي
المتشهد سنة ٩٦٦ ه فألف الكتب القيمة في علم الفقه وفي طليعتها المسالك في شرح
الشرائع وشرح اللمعة للشهيد الأول. والمحقق الاردبيلي المتوفى سنة ٩٩٣ ه شارح
الإرشاد.
الدور السابع
يبدأ هذا الدور من
أواخر القرن الحادي عشر الهجري إلى ما نحن فيه فقد أدرك المسلمون والعرب ما وصل
إليه حاضرهم واستيقظ الوعي الديني والقومي فيهم وقاموا بنهضة واسعة بحركات باسم
الدين والرجوع للكتاب والسنة والخروج عن التقليد بشكل دوائر واسعة.
الحركة الوهابية
ففي نجد والحجاز
كانت الحركة الوهابية التي قام بها محمد بن عبد الوهاب التميمي النجدي المتوفى سنة
١٢٠٦ ه في القرن الثاني عشر الهجري المصادف للقرن الثامن عشر الميلادي متخذاً
الدين شعاراً لها والرجوع للكتاب والسنة وعمل السلف هدفاً لها وكانت بداية ظهوره
سنة ١١٤٣ هـ
وانتشر أمره
واشتهر سنة ١١٥٠ ه وكان بينه وبين جدنا الشيخ جعفر كاشف الغطاء مكاتبات ومطارحات
قد طبعت في إيران وقد حضر بحث جدنا المذكور في النجف الأشرف. وحضر بالبصرة عند
الشيخ مهدي البصري. وكان ممن قام بنصره ونشر دعوته أمير المشرق سعود أمير الدرعية
ثمّ بعده ولده محمد ثمّ من بعد محمد أولاد محمد وأحفاده.
حركة السنوسي
وغيرها
وفي ليبيا ظهر
محمد بن السنوسي داعياً لنبذ التقليد ومناشداً للرجوع لمصادر الدين الحنيف.
وفي السودان ظهرت
حركة المهدي تهدف لذلك.
وفي مصر قام السيد
جمال الدين الافغاني مع تلميذه الشيخ محمد عبده والسيد رشيد رضا بمحاربة التقليد
حتى صرح الأخير في مجلته المنار بقوله (لن يستطيع شعب إسلامي أن يتحمل أثقال تقليد
المقلدين لمذهب واحد).
حركة كاشف الغطاء
وفي العراق وإيران
قام جدنا كاشف الغطاء المتوفى سنة ١٢٢٨ ه صاحب كشف الغطاء بمحاربة الجمود الفكري
الفقهي علماً وعملاً وقضى بجهود جبارة على الدعوة للبقاء
على تقليد الأموات
وعلى الدعوة للتقيد بالرجوع لأصل واحد هو الأخبار وعلى الدعوة لنبذ العمل بأصول
الفقه من الكتاب والإجماع والعقل ودعا رحمهالله للعمل بأصول الفقه التي قام القطع والقطعي على حجيتها وصحة
التمسك بها ثمّ أنه رحمهالله بذل قصارى جهده وتبعه على ذلك أشباله رحمهمالله على تمصير النجف الأشرف وبناء السور لها ونقل الدراسة
الدينية إليها واستدعى العلماء في العلوم الإسلامية حتى الطب والفلك والحساب ودعا
العرب والعجم للدراسة الدينية فيها فولد الحركة العلمية الفقهية حتى أصبحت النجف
الأشرف هي المركز العام للدراسة الدينية ولا تزال بحمد الله باقية حتى الآن وانك
لا تجد فقيهاً شيعياً أو مرجعاً للتقليد إمامياً إلا وتنتهي سلسلة أساتذته إليه رحمهالله.
النجف الأشرف
واليوم النجف
الأشرف غنية بالعلوم الدينية والمعارف الإلهية خرجت رجالاً وأقطاباً من الفقهاء من
مختلف الأقطار الإسلامية وقد توفرت فيها الدراسة الحرة للعلوم الإسلامية ما لم
تتوفر لغيرها من المعاهد والمدارس وأوفدت الكثير من خريجيها لكثير من الأقطار
لتعليم الفقه وإرشاد الضال والدعوة للإسلام. وقد أنشأنا فيها المدارس الدينية
استهدفنا فيها جمع
الكلمة ووحدة الصف
ومحاربة التبشير ولاقينا في سيرنا هذا العقبات الكئودة وقد اجتزناها بحول الله
وقوته ونسأله تعالى التوفيق لإنجاز رسالتنا على الوجه الأكمل. أخذت كلية الشريعة
في الجامعة الأزهرية وخاصة في قسم الدراسات العليا في تدريس الأحكام الفقهية
وأدلتها عند مختلف المذاهب والآراء ويعرضونها على ما في كتاب الله وسنة نبيه غير
متقيدة بمذهب خاص وبمثل ذلك قام المعهد العربي للدراسات الإسلامية. ويقوم الآن
مجمع البحوث الإسلامية في القاهرة بدور فعال في معالجة المسائل الفقهية المستحدثة
التي هي محل الابتلاء وبيان الحكم الشرعي لها مستمدين معرفتها من الكتاب والسنة من
غير تقيد بمذهب من المذاهب الإسلامية حضرنا فيه بأنفسنا أو بالنيابة عنا غير مرة
وأهم ما عالجنا فيه موضوع التأمين على الحياة والمعاملات المصرفية والأهلة
واليانصيب.
محاربة الإلحاد
والتبشير
ولا بد لنا من
التنبيه على أمر ذي بال هو محاربة الإلحاد والتبشير للإسلام في عقائده وفروعه فقد
كان المبشرون والملحدون يدعون الدول الإسلامية لنبذ القواعد والأحكام الإلهية
ويعمدون لهدم مقومات الشريعة الإسلامية وإذابة
شخصيتها الدينية
بحجة اختلاف الآراء فيها وإن الإسلام نظري لا واقعي وانه لا يتماشى مع ركب الحضارة
ولا يمكن لدولة أن تتخذه مبدءاً لسلوكها وسيرها في خضم هذه الحياة العملية ولا بد
لنا من العمل بالقوانين الغربية والتشريعات الدولية.
مجلة الأحكام
وهذا ما دعا
الحكومة العثمانية يوم كانت تتسم بالخلافة الإسلامية ان تكلف جماعة من العلماء
أسموها بجمعية المجلة بوضع قانون في المعاملات المدنية من الفقه الحنفي مع الأخذ
بالقول الموافق لمصالح الناس في المذهب الحنفي وكان ذلك في آخر القرن الثالث عشر
الهجري.
أعضاء اللجنة التي
وضعت المجلة
وتتألف اللجنة من
سبعة أعضاء برئاسة احمد جودت باشا ناظر ديوان الأحكام العدلية. وعضوية احمد خلوصي
واحمد حلمي من أعضاء ديوان الأحكام العدلية. ومحمد أمين الجندي. وسيف الدين من
أعضاء شورى الدولة. والسيد خليل مفتش الأوقاف. والشيخ محمد علاء الدين بن عابدين ،
فرفعت تقريراً للصدر الأعظم عالي باشا سنة ١٢٨٦ ه جاء فيه : (ان علم الفقه بحر لا
ساحل له واستنباط درر المسائل اللازمة منه
يتوقف على مهارة
علمية وملكة كلية وعلى الخصوص مذهب الحنفية لأنه قام فيه مجتهدون كثيرون متفاوتون
في الطبقة ويقع فيه اختلافات كثيرة ومع ذلك لم يحصل فيه تنقيح كما حصل في فقه
الشافعية) ثمّ ان اللجنة باشرت عملها من سنة ١٢٨٥ ه واستمر حتى سنة ١٢٩٣ ه مع
تغيير في الأعضاء فاجتمعوا برئاسة وزير العدل ورسموا قوانين سميت بمجلة الأحكام
العدلية كانت في الأصل باللغة التركية ثمّ ترجمت إلى اللغة العربية وفي سنة ١٢٩٣ ه
صدر الأمر بالعمل بها في كل الأقطار الإسلامية الخاضعة للدولة العثمانية المتكونة
من الأتراك والتي كانت عاصمتها استانبول.
رفض مصر للعمل
بمجلة الأحكام
إلا أن مصر رفضت
الأخذ بقوانين المجلة المذكورة بأمر خديوها إسماعيل متظاهراً بحبه للاستقلال
والتخلص من التبعية للدولة العثمانية.
وقد بدأ من ذلك
الوقت حتى الآن تتجه مصر في تشريع القوانين غير متقيدة بمذهب خاص مراعية في ذلك
روح العصر ومستمدة من الفقه الإسلامي. وكانت مجلة الأحكام المذكورة تتكون من (١٨٥١)
مادة وتتناول هذه المواد أحكام البيوع والاجارات والكفالة والحوالة والرهن
والأمانات والهبة
والغصب والإتلاف
والحجر والإكراه والشفعة والشركات والوكالة والصلح والابراء والاقرار والدعوى
والبينات والتحليف والقضاء ولعل آخر من شرحها هو جدنا المرحوم الهادي ولكن الظاهر
انه لم يتم شرحه لها وابن عمنا الأكبر وجد ولدينا حسين وأيمن المرحوم الشيخ محمد
حسين كاشف الغطاء في أربعة مجلدات مطبوعة في النجف الأشرف.
خروج الدولة
العثمانية عن التقليد
وبعد ذلك رأت
الدولة العثمانية ضرورة الخروج عن التقليد والتقيد بمذهب خاص فسنت في سنة ١٣٢٦ ه
قوانين العائلات التي يختص بالزواج والفرقة مستمدة في الكثير من مسائلها من غير
المذهب الحنفي كالأخذ بنظرية إفساد الاكراه لعقد الزواج والطلاق. ولما رفضت مصر
الأخذ بقانون المجلة المذكورة اتجهت إلى قانون فرنسا بحجة أن كتب الفقه الإسلامي
بوضعها لا يمكن التقنين منها وقد احدث ذلك ضجة الرأي العام وسخطه عليها وعلى اثر
ذلك قام علماء الفقه عندهم بتأليف قوانين مستمدة من المذهب الحنفي لاثبات إمكان
التقنين من الفقه الإسلامي إلا أنها لم يكن لها نصيب أن تصبغ بصبغة رسمية وبدأ
الناس في مصر يظهرون الشكوى لولاة الأمر والقضاء من التقيد بالمذهب الحنفي.
خروج مصر من
التقليد
فأوجب ذلك أن تخرج
مصر في هذا الدور عن التقليد والتقيد بمذهب معين فسنت قانون رقم ٥٦ سنة ١٩٢٣ م لم
تتقيد بالمذاهب الأربعة وأخذت فيه بفتوى عبد الله بن شبرمة وعثمان البتي وأبي بكر
الأصم. وجاء في مذكرة قانون ٢٥ سنة ١٩٢٩ م التفسيرية بأنه موافق لآراء بعض
المسلمين ولو من غير أهل المذاهب الأربعة وانه ليس هناك مانع شرعي من الأخذ بقول
غيرهم خصوصاً إذا ترتب عليه نفع عام وقد خطا القانون الشرعي بهذا التعديل خطوة
واسعة إلى الامام وكان قائد هذه الحركة الشيخ المراغي شيخ الأزهر وقد وضع لهذا
التعديل مذكرة إيضاحية جاء في آخرها (واني مع احترامي لرأي القائلين باستحالة
الاجتهاد المطلق أخالفهم في رأيهم وأقول : ان في علماء المعاهد الدينية في مصر من
توفرت فيهم شروط الاجتهاد ويحرم عليهم التقليد) وبذلك فتح باب الاجتهاد فعادت إلى
الفقه روح الحياة وكان هو أول من اقترح دراسة المقارنة بين المذاهب في كليات
الأزهر وصارت بذلك مادة من مواد الدراسة المقررة في السنة الرابعة لكلية الشريعة
الإسلامية.
خروج سوريا من
التقليد
ثمّ خطت سوريا
فوضعت قانوناً شاملاً لجميع أحكام الأسر من الزواج وما يتفرع عنه من نفقة ونسب
وحضانة وطلاق وتفريق وعدة لجميع أحكام الأهلية وما يتفرع عنها من نيابة شرعية عن
القاصرين كالولاية والوصية والقيمومة ولجميع أحكام الميراث وكانت أحكام هذا
القانون مستمدة من مختلف المذاهب الإسلامية.
اليمن
وأيضاً اليمن لم
تعمل بقانون المجلة وكان المذهب الرسمي الذي يطبق وحده هو المذهب الزيدي.
المملكة العربية
السعودية
وهكذا المملكة
العربية السعودية لم تعمل بقانون المجلة وكان المذهب الحنبلي هو المذهب الرسمي
الذي تعمل به وبعد اكتشاف البترول ألحقت به بعض القوانين الحديثة لبعض الأمور
المستحدثة كنظام السيارات ونظام النقد ونحو ذلك.
إيران
وأما إيران فهي لم
تعمل بالمجلة وكانت تطبق القانون الشيعي الاثنى عشري.
باكستان والهند
وهكذا باكستان
والهند فإنهما في زمن الاحتلال البريطاني سنت السلطة سنة ١٧٧٢ م قانوناً ينص على
أن الشريعة القرآنية يعمل بها في جميع قضايا الإرث والزواج وغيرها من العادات
فاقتضى ذلك أن يرجع القضاة ورجال القانون إلى الفقه الإسلامي في دعاوى المسلمين.
وقد اشتهر عند
الحنفية منهم كتاب الهداية ثمّ فتاوى الهندية العالمكيرية والسراجية وغيرها.
واشتهر عند
الجعفرية منهم كتاب شرايع الإسلام للمحقق الحلي رحمهالله. وقد ترجم (بايلي) القسم الكبير من كتاب الشرائع وبعض
أبواب الفتاوى الهندية إلى اللغة الانكليزية وترجم (هاملتون) الهداية سنة ١٧٩١ م
وترجم السير وليم جونز كتاب السراجية سنة ١٧٩٢ م ، وبعد منتصف القرن التاسع عشر بدأت
الحكومات حركتها التشريعية فأصدرت عدة قوانين منها قانون إلغاء الرق سنة ١٨٢٣ م
وقانون الأوقاف سنة ١٩١٣ م وغيرها.
المذهب السلفي
وفي هذا الدور
السابع ظهر المذهب الذي يدعو للرجوع للكتاب والسنة ويحارب التقليد للمذاهب ويسمى
بالمذهب السلفي نسبة للسلف المتقدم فإنه كان مذهبهم وطريقتهم في معرفة الأحكام
الشرعية هو أخذها من الكتاب والسنة الصحيحة ، وقد قام بهذه الدعوة السيد جمال
الدين الأفغاني وتلميذه من بعده الشيخ محمد عبده مفتي الديار المصرية وقد أخذت
مجلة المنار المصرية لصاحبها محمد رشيد رضا نشر مبادي هذه الدعوة على صفحاتها.
والمذهب السلفي
يقرب من المذهب الوهابي في الرجوع لأصل الشريعة من الكتاب والسنة الصحيحة
والاجتهاد على هذا الأساس ونبذ الخرافات والبدع المخالفة للدين والثورة على جميع
التقاليد ويرى المذهب السلفي أن الشرع الإسلامي يتماشى مع الحضارة الحديثة ويفتون
بحلية اكثر المعاملات التي
اقتضتها الحاجات
التجارية في هذا اليوم وإن الصحيح المنقول في الشرع الإسلامي موافق دائماً لصريح
المعقول هذه هي دعوتهم ولكن المهم هو تطبيقها على الوجه الصحيح.
فتنة الشيخية
وفي هذا الدور
ظهرت فتنة الشيخية الفرقة المسماة بالكشفية وإليك ملخص ما جاء في كتاب العبقات :
إن جماعة من فضلاء النجف عثروا على بعض رسائل للسيد كاظم الرشتي القاطن في كربلاء
فرأوا فيها ما يستنكرونه ويرونه من الكفر والضلال فاجتمعوا وكان رئيسهم الشيخ موسى
بن الشيخ عيسى بن الشيخ خضر رحمهالله وكلموا الشيخ علي رحمهالله بن الشيخ الكبير الشيخ جعفر كاشف الغطاء في الحكم بكفر
السيد كاظم فأبى وامتنع فلما أيسوا منه ذهبوا لصاحب الجواهر الشيخ محمد حسن رحمهالله فاطلعوه على رسائل السيد كاظم المذكور وطلبوا منه الحكم
بكفره فقال صاحب الجواهر رحمهالله : أن حكمي لا يفيد وحدي مع وجود الشيخ علي كاشف الغطاء
فذهبوا إلى الشيخ علي وقالوا له : إذا حكم الشيخ محمد حسن فما أنت صانع فقال : لا
أبطل حكمه فحكم الشيخ محمد حسن قدسسره بكفر السيد كاظم ومن اتبعه وأحرق جميع رسائله بعد انتزاع
الآيات والأحاديث
والأسماء الشريفة منه وأمر بأن تمحى من زيارة الأمير عليهالسلام الزيارة المسماة (بشيشم) بعض الفقرات الموهمة بالربوبية
للأمير عليهالسلام كفقرة (السلام عليك يا منزل المن والسلوى) وغيرها مما
ظاهره الغلو. وكان امتناع الشيخ علي عن الحكم بكفره أوجب عدم قتله ، قال المرحوم
الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء : حدثني السيد جعفر جلال وكان من الملازمين للشيخ علي
كاشف الغطاء إني كنت في أثناء هيجان الفتنة المذكورة عند الشيخ علي المذكور فبينما
نحن جالسون إذ دخل علينا حسن آغا بن صادق آغا وكان من أعاظم رؤساء الشيعة وذا ثروة
مشهورة وبعد أن استقر به المجلس خاطب الشيخ علي رحمهالله فقال له : يا مولاي جئتك في أمر مهم فقال رحمهالله : لا أهمك الله وما هو فقال : أنا حيران في أمر السيد كاظم
الرشتي وما تكليفنا معه فبعضكم يكفره وبعضكم يؤيده وبعضكم يسكت عنه فقال الشيخ علي
رحمهالله : أنا مع القسم الثالث. فخرج على حيرة يجر رجليه بعد أن
لثم يد الشيخ وقدميه. واتفق أن سافر المرحوم الشيخ علي كاشف الغطاء لكربلاء في
موسم أحد الزيارات وكان المرحوم صاحب الجواهر قد جاء إلى كربلاء فجمع السيد سعيد
ثابت كليددار كربلاء وحاكمها بين الشيخ علي رحمهالله والشيخ صاحب الجواهر رحمهالله مع
السيد كاظم الرشتي
المذكور في الصحن الحسيني ووقف السيد سعيد وبيده سيف مسلول وقال لهم : بيني وبين
السيد كاظم هذا المجلس فإن حكمتم بكفره ضربت عنقه فعلا وأخمدت ثائرة هذه الفتنة
وإلا ضربت عنق من يتكلم عليه فقال الشيخ علي للسيد سعيد من المحاكم ومن الحكم فقال
له : أنت المحاكم والحكم فقال الشيخ علي رحمهالله للشيخ محمد حسن صاحب الجواهر رحمهالله سله عما في نفسك منه فقال الشيخ حسن للسيد كاظم : أسألك عن
فقرتين في رسائلك صريحة في الكفر وهي هذه وأخرج رسالة كانت تحت ردائه وفتحها فناقش
السيد كاظم في دلالتهما على الكفر فلما سمع الشيخ علي ذلك نفض ثيابه وقام والتفت
إلى السيد سعيد وقال له : يا سيد سعيد الحدود تدرأ بالشبهات وحفظ النفوس في شرعنا
من أهم الواجبات.
الحركة العلمية في
كربلاء
وفي هذا الدور
اعني الدور السابع ازدهرت كربلاء بالفقهاء النوابغ ذوي المكانة السامية والمقام
الكريم منهم الشيخ يوسف صاحب الحدائق والآغا محمد باقر البهبهاني المتوفى سنة ١٢٠٨
ه والسيد علي صاحب الرياض المتوفى سنة ١٢٣٢ ه والسيد إبراهيم القزويني صاحب
الضوابط والسيد محمد
المجاهد بن صاحب
الرياض المتوفى سنة ١٢٤٢ ه وشريف العلماء المتوفى بالطاعون سنة ١٢٤٦ ه والشيخ
محمد حسين الأصفهاني المتوفى سنة ١٢٥٥ ه.
الحركة العلمية في
النجف الأشرف
وبعد هذا ازدهرت
النجف الأشرف بفطاحل الفحول السيد مهدي الطباطبائي بحر العلوم المتوفى سنة ١٢١٢ ه
صاحب المصابيح وغيرها وما زلنا نتوسل به إلى الله تعالى في قضاء حوائجنا وتيسر
أمورنا ولا يسع هذا المختصر عد فضائله وشرح مواقفه.
وجدنا الشيخ جعفر
كاشف الغطاء المتوفى سنة ١٢٢٨ ه صاحب كشف الغطاء والشيخ حسين نجف وغيرهم من فطاحل
العلماء كالشيخ محمد يونس والشيخ محمد محي الدين وغيرهم ، وكان المرحوم السيد مهدي
يصلي في مسجد الطوسي والشيخ جعفر في مسجد الهندي والشيخ حسين في داره وقد يصلي في
الحرم ولم تكن الصلاة في الصحن الشريف معروفة قبل هذا.
ثمّ سافر الشيخ
جعفر للحج وجعل الشيخ حسين يصلي في مكانه.
موقف آل كاشف
الغطاء من الحركة العلمية في النجف الأشرف
إنه لما رجع الشيخ
جعفر جدّ أسرة آل كاشف الغطاء من الحج اجمع العلماء على أن يجعلوا أمر التدريس
للسيد مهدي رحمهالله وأمر الفتوى والتقليد للشيخ جعفر حتى أن المرحوم السيد
مهدي أمر أهله بتقليد الشيخ جعفر.
وأمر صلاة الجماعة
للشيخ حسين نجف فلم يكن سواه إمام في النجف الأشرف وكانت العلماء تقتدي به حتى
السيد مهدي والشيخ جعفر يصليان خلفه اغلب الأوقات ، ولم يبق السيد مهدي رحمهالله إلا أياماً قليلة حتى انتقل إلى جوار ربه واصبح التدريس
منحصراً بالشيخ جعفر حتى ذكر المؤرخون إنه كان تحت منبره من المجتهدين ما لا يحصى
عده فضلا عن المراهقين للاجتهاد ، وقد قام الشيخ جعفر رحمهالله على تمصير النجف فبنى لها سوراً وأسكن بها جملة صالحة من
بيوت العرب والعجم لدرس العلوم الدينية فيها وتولى الزعامة الدينية وأصبحت له
المرجعية العامة في التقليد وبلغ من حرصه على تقدم الثقافة ونموها أن استدعى جملة
من المهرة في سائر العلوم للنجف وتصدى لصد هجمات الأعراب عليها والتزم بإعاشة
الطلاب فيها حتى اشترى لهم الدور والمساكن وبذل لهم حتى مصارف الأعراس فضلا عن
اللوازم والضرورات.
الشيخ موسى كاشف
الغطاء
ثمّ تولاها من
بعده ولده الأكبر الشيخ موسى المتوفى ١٢٤١ ه فكانت له المرجعية العامة للشيعة
وكان الأمر مردداً بينه وبين الميرزا القمي رحمهالله وقد سأله الفضلاء عن الشيخ موسى عند ما قصد الحج عن طريق
النجف في سنة وفاة الشيخ جعفر رحمهالله فقال : لا علم لي به ولكن اكتب لكم ثلاث مسائل فإن أجابني
نظرت في جوابه وميزت مقدار علمه ، فكتب المسائل وبعثها إلى الشيخ موسى وكان قبل
الغروب وقال للفضلاء أمهلوه عشرة أيام فجاءوا بها للشيخ موسى وهو مشغول بالوضوء
لصلاة الغروب فقال الشيخ موسى : إني مشغول بأمور مهمة وقد أقلقت فكري والوقت ضيق
فقالوا له : انه يمهلك عشرة أيام فقال رحمهالله : قفوا فخذوا ما تيسر على العجلة ونادى أخاه الشيخ علي
وأخذ هو يملي عليه والشيخ علي يكتب فما أتم وضوءه إلا وأتم الجواب عنها فجاءوا بها
للقمي رحمهالله وهو بعد لم يقم من مقامه فتعجب غاية العجب وقال هذا لا
يكون إلا للقادر القدير فأمهلوني أراجع جوابه وأعطيكم غداً رأيي فيه فلما بكروا
عليه قال لهم : اسألوا الشيخ موسى عن اجتهادي فقد شككني علمه حفظه الله في أمري
ولا أرى أن اقلد مع وجود مثله فعند ذلك قلده الجميع.
ونقل لي الثقة
العلامة الشيخ جعفر آل شيخ راضي عن الشيخ العلامة الشيخ مجتبى اللنكراني أن صاحب
القوانين حضر عند الشيخ موسى في الدرس ولما عرضت القوانين عليه قال : هذه بضاعتنا
ردت إلينا. وقد اصلح بين الدولتين الإيرانية والعثمانية حقناً لدماء المسلمين ،
وقد تلمذ على يده من العلماء ما لا يحصى عده كشريف العلماء والشيخ الأنصاري.
الشيخ علي كاشف
الغطاء
ثمّ جاء من بعده
أخوه الشيخ على المتوفى سنة ١٢٥٤ ه الولد الثالث للشيخ كاشف الغطاء فصارت له
المرجعية باجتماع العلماء في مسجد الهندي كالشيخ خضر شلال والشيخ محسن خنفر
وأمثالهما على تعيينه للمرجعية العامة وتقليده وجعلت العلماء تحضر درسه وينثر
عليهم من العلوم ما لم يعهد مثله حتى سمي بالمحقق الثالث ومن تلاميذه المعروفين :
الشيخ مرتضى الأنصاري ، وشريف العلماء ، والسيد إبراهيم صاحب الضوابط ، والسيد
مهدي القزويني ، ومير فتاح صاحب العناوين وغيرهم من العلماء الأساطين. وعن البراقي
أن درس الشيخ علي كان مشتملاً على ثمان مائة تلميذ كلهم ما بين مجتهد ومراهق.
الشيخ حسن كاشف
الغطاء
ثمّ جاء من بعده
أخوهما الشيخ حسن المتوفى سنة ١٢٦٢ ه الولد الرابع للشيخ كاشف الغطاء صاحب أنوار
الفقاهة.
سؤال المفتي
الآلوسي للشيخ حسن
ومن عظمة فضله أن
المفتي الآلوسي صاحب التفسير سأله في محضر جماعة من العلماء عن وجود نص في الكتاب
على النهي عن تخلف الناس عن خلافة الأمير عليهالسلام فأجابه المرحوم الشيخ حسن : (نعم) فتعجب الحاضرون فقال
المفتي : فأت به فقرأ الشيخ حسن آية المباهلة فقال المفتي : وما الدلالة فيها؟ قال
الشيخ حسن : أسألك ما المراد بأنفسنا قال المفتي : المراد النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم والإمام علي عليهالسلام قال الشيخ حسن : قال الله تعالى (ما كانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ
حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللهِ وَلا
يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ) وأراد الله بلفظ (نفسه) هو الإمام علي عليهالسلام لا الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم وإلا لقال (عنه) فإنه أوجز وأبلغ وأصرح. وعليه فيكون أهل
المدينة بعد الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم قد فعلوا ما نهوا عنه وهو التخلف عن نفس الرسول والرغبة
عنها.
وجود اسم علي عليهالسلام في القرآن الكريم
ولي موقف كذلك
أقمت الدليل عليه بقوله تعالى هذا (صِراطٌ عَلَيَّ
مُسْتَقِيمٌ) في سورة الحجر فإن الأصح قراءته باسم (علي) لا بباء
المتكلم وإلا لزم أن يكون الصراط على الله. ولا بنحو التوصيف فإن الصراط لا يوصف
بالعلو وإنما يوصف بالسعة والقرب والاستقامة. وينقل عن الشيخ محسن خنفر أنه كان
يقول : ليس أحد في المتقدمين والمتأخرين افضل من الشيخ حسن بن الشيخ جعفر. وقد قام
أحسن القيام بشئون الحوزة العلمية وشئون الشيعة الاثنى عشرية سنة ١٢٥٣ ه فإنه قد
رفع القتل عن أهل النجف الذي أراده الوزير نجيب باشا عند ما كان والياً على العراق
بعد عزل الوالي علي باشا فإنه بعد أن ذبح أهالي كربلاء شر مذبحة في ذي الحجة سنة
١٢٥٨ ه وقصد النجف فهرع الناس للشيخ حسن عند ما سمعوا ذلك اجتمع عنده العلماء
وأشراف البلد فأرسل الشيخ حسن رسالة بيد السيد جواد شبر لنجيب باشا يدعوه للضيافة
عنده فحملها له وأعطاه إياها في مسجد الكوفة فلبى الدعوة ونزل ضيفاً على الشيخ حسن
وكان بمعيته الشيخ وادي شيخ زبيد والملا علي الحضي إلى غير ذلك من مواقفه الكريمة
التي لا تحصيها الصفحات
الكثيرة. وقد كان
من تلاميذ الشيخ حسن رحمهالله الذين صارت لهم المرجعية العامة السيد حسن الشيرازي.
ثمّ قام من بعده
الشيخ محمد بن أخيه الشيخ علي كاشف الغطاء المتوفى سنة ١٢٦٨ ه بأعباء الزعامة
الدينية والمرجعية في التقليد قال صاحب نقد الرجال الشيخ عبد الرحيم : إن الشيخ
محمد من المجتهدين المعروفين والعلماء المبرزين وحوزة درسه مملوءة من الفضلاء
والعلماء والطلبة. قال المرحوم صاحب العبقات : إن الشيخ محمد ألقيت إليه مقاليد
الرئاسة وهو يتولى مفاتيح الحرم الحيدري.
السيد رضا الرفيعي
ثمّ أناب السيد
رضا الرفيعي منابه ثمّ جعله مكانه وهو الذي انحلت به فتنة الزقرت والشمرت وأنزلهم
من رباياهم المسماة بالصناكر في النجف الأشرف وأخذ العهد من رؤسائهم على عدم العود
إلى تقاتلهم وتناكرهم وأحلفهم على ذلك بالقرآن الشريف عند رأس أمير المؤمنين عليهالسلام.
ثمّ من بعد وفاة
الشيخ الأنصاري رحمهالله سنة ١٢٨١ ه قام بأعباء الزعامة الدينية والمرجعية في
التقليد الشيخ مهدي كاشف الغطاء المتوفى سنة ١٢٨٨ ه أخو الشيخ محمد المذكور وقد
قلده حتى أهالي آذربيجان وقرباغ وطبعت رسالته العملية
في تبريز بأمر
السلطان مظفر الدين شاه يوم كان فيها ولياً للعهد وكان المرحوم الشيخ الأنصاري
يعتمد على الشيخ مهدي وينشر ذكره ويعلن اجتهاده فاخذ يعلو ويسمو حتى أصبحت له
المرجعية العامة بعد الأنصاري وقد شيد مدرسة لطلاب العلوم الدينية في النجف الأشرف
كانت محبساً لملا يوسف وبنى مدرسة جده الشيخ جعفر كاشف الغطاء في النجف الأشرف
أيضاً وبنى مدرسة لأهل العم في كربلاء ثمّ قام من بعده أخوه الشيخ عباس وله مواقف
جليلة ذكرها المؤرخون ثمّ قام من بعده الشيخ عباس نجل الشيخ حسن صاحب المؤلفات
الكثيرة والمواقف العظيمة ثمّ من بعده الشيخ علي وولداه الشيخ احمد والشيخ محمد
حسين وجدنا الشيخ هادي وأبونا الشيخ محمد رضا لهم آثار قيمة وأعمال عظيمة سجلها
لهم التاريخ بأحرف من نور.
ومن علماء هذا
الدور صاحب الجواهر المتوفى سنة ١٢٦٦ ه وكان للشريعة حارساً وعلماً ومرجعاً
منفرداً.
ومن علماء هذا
الدور الشيخ الجليل الشيخ راضي المتوفى سنة ١٢٨٨ ه ابن بنت المرحوم الشيخ الكبير
الشيخ جعفر كاشف الغطاء وابن عمه. ومن تلاميذه الشيخ جعفر الواعظ المشتهر بالتستري
وله المقام العظيم في نفوس رجال الدين وحضر مجلس درسه العلماء المبرزون.
ومن علماء هذا
الدور السيد الكوه كمرئي المتوفى سنة ١٢٩٩ ه وكان له المرجعية في النجف الأشرف
بعد المرحوم الشيخ مهدي كاشف الغطاء.
ومن علماء هذا
الدور السيد حسن الشيرازي المتوفى سنة ١٣١٢ ه وبعد وفاة السيد حسين الكوه كمرئي
سنة ١٢٩٩ ه انفرد بالزعامة السيد حسن المذكور ولكنه انتقل من سكنى النجف إلى سكنى
سامراء لسوء التفاهم الذي حصل بينه وبين أهالي النجف فانهم على ما رواه لي الثقة
العالم الشيخ جعفر من آل الشيخ راضي عن العلامة السيد جعفر بحر العلوم بأن أهالي
النجف طلبوا من السيد الشيرازي أن يرفع الجندية الإجبارية عنهم كما كان قد رفعها
عنهم المرحوم الشيخ راضي المتقدم ذكره فقال رحمهالله : أي أمر استفدناه من أهالي النجف حتى نرفع ذلك عنهم فأوجب
ذلك أن تقع وحشة بينه وبين أهالي النجف أوجبت أن يرتحل منها ثمّ استقر رأيه على
الانتقال لسامراء.
ومن علماء هذا
الدور المحقق الشيخ كاظم الخراساني المتوفى سنة ١٣٢٩ ه.
والسيد كاظم
اليزدي المتوفى سنة ١٣٣٧ ه اللذان انتقلت الزعامة الدينية والدراسة العلمية من
سامراء إلى النجف الأشرف بانتقالهما ثمّ تفرد السيد كاظم بالمرجعية بعد وفاة الشيخ
كاظم.
ثمّ بعد وفاة
السيد كاظم رجعت المرجعية العامة لميرزا محمد تقي الشيرازي المتوفى سنة ١٣٣٨ ه في
كربلاء لأنه كان قد سكن فيها بعد وفاة أستاذه السيد محمد حسن الشيرازي المتقدم
الذكر.
ثمّ انتقلت للنجف
الأشرف واشترك فيها أستاذنا السيد أبو الحسن الأصفهاني والميرزا حسن النائيني
والشيخ احمد كاشف الغطاء أسأله (تعالى) أن يرحم الجميع.
ومن علماء هذا
الدور الشيخ قاسم بن محمد محيي الدين من الفقهاء المبرزين المتوفى سنة ١٢٣٧ ه.
ومن علماء هذا
الدور احمد بن محمد مهدي النراقي المتوفى سنة ١٢٤٥ ه أكمل علومه بالحضور عند
المرحوم بحر العلوم وجدنا كاشف الغطاء في النجف ورجع لبلده كاشان وتوفى فيها ونقل
جثمانه منها ودفن في النجف الأشرف جنب والده ولما جدد بناء أسس الصحن الشريف في
زماننا وجدت جثتاهما على حالهما لم يطرأ عليهما تغيير كأنما دفنا في هذه الساعة ، وهو
صاحب المؤلفات العظيمة الجليلة كمستند الشيعة ولوالده جامع السعادات.
ومن علماء هذا
الدور الشيخ محمد تقي المتوفى سنة ١٢٤٨ ه شارح المعالم صهر الشيخ الكبير جعفر
كاشف الغطاء.
ومن علماء هذا
الدور السيد صدر الدين جد (آل الصدر) المتوفى سنة ١٢٦٣ ه صهر الشيخ الكبير الشيخ
جعفر كاشف الغطاء.
ومن علماء هذا
الدور الشيخ أسد الله التستري المتوفى سنة ١٢٣٤ ه صاحب مقابس الأنوار صهر الشيخ
جعفر كاشف الغطاء وله رسالة في المواسعة والمضايقة نشرت باسم الشيخ مرتضى الأنصاري
رحمهالله على ما ببالي.
ومن علماء هذا
الدور الشيخ محسن خنفر المتوفى سنة ١٢٧١ ه وقد عرف بدقة النظر وعمق التفكير.
ومن علماء هذا
الدور الميرزا حبيب الله الرشتي المتوفى سنة ١٣١٢ ه قبل وفاة الميرزا الشيرازي
بشهرين وقد كان هو من رؤساء الحوزة العلمية في النجف يوم كان مركز الدراسة العلمية
والزعامة الدينية في سامراء في عهد الشيرازي.
ومن علماء هذا
الدور الشيخ جواد محي الدين المتوفى سنة ١٣٢٢ ه.
ومن علماء هذا
الدور الشيخ محمد حسن المامقاني المتوفى سنة ١٣٢٣ ه حضر عند الشيخ راضي والشيخ
حسن كاشف الغطاء والشيخ الأنصاري.
ومن محققي هذا
العصر الشيخ ملا هادي الطهراني المتوفى سنة ١٣٢١ ه.
ومن علماء هذا
الدور الشيخ محمد طه نجف المتوفى سنة ١٣٢٣ ه وكان من رؤساء الحوزة العلمية في
النجف يوم كانت المركزية للدراسة في سامراء.
ومن علماء هذا
الدور الميرزا حسين الخليلي في النجف المتوفى سنة ١٣٢٦ ه من رؤساء الحوزة العلمية
في النجف الأشرف.
ومن علماء هذا
الدور في النجف الفاضل الشربياني المتوفى سنة ١٣٢٢ ه وكانت له المرجعية في الفتوى
والتدريس.
وهناك علماء أكابر
أعاظم لم يكن إهمالنا لهم إلا من جهة عدم التذكر ومن أراد الاطلاع فليراجع ما كتبه
المرحوم الحجة الشيخ محمد حرز الدين والمرحوم العلامة الشيخ آقا بزرگ الطهراني
وغيرهما.
والله حسبنا ونعم الوكيل والحمد لله رب العالمين
فهرست
تطور علم
الفقه.................................................................. ٥
الدور الأول
لعلم الفقه
مكان الوحي ومبدئه.............................................................. ٩
مقدار الزمن الذي بلغ
(ص) الرسالة.............................................. ١٠
وقت الإسراء والمعراج وفرض
الصلاة............................................... ١١
وقت زمن هجرته (ص)......................................................... ١١
مبدأ التاريخ الإسلامي........................................................... ١١
مدة نشره (ص) للأحكام........................................................ ١١
الأعمال التي قام بها
(ص) في المدينة المنورة......................................... ١٢
أسماء سنين هجرته (ص)........................................................ ١٣
كيفية بيان التشريع في
هذا الدور................................................. ١٤
اتحاه التشريع في مكة
المكرمة..................................................... ١٤
اتجاه التشريع في
المدينة المنورة..................................................... ١٤
المصدر التشريع في
الدور الأول................................................... ١٥
اجتهاد الرسول................................................................. ١٥
اكمال الدين................................................................... ١٦
إطلاق كلمة الفقه
والفقيه....................................................... ١٧
تسمية القراء بالفقهاء
في هذا الدور............................................... ١٧
المعروفون بالفتوى في
هذا الدور................................................... ١٧
المرجع في تشخيص الحكم
هو علي (ع)........................................... ١٨
قول عائشة في علي (ع)........................................................ ١٨
من اشتهر من الفقهاء
في هذا الدور............................................... ١٩
وجود الفقه والاجتهاد
في هذا الدور............................................... ١٩
قصة معاذ بن جبل............................................................. ١٩
واقعة بني قريضة................................................................ ٢٠
اجتهاد عمار................................................................... ٢٠
القضاء في هذا الدور............................................................ ٢٠
كتابة الأحكام في هذا
الدور..................................................... ٢١
ومما كتب في الصحائف
في زمن الرسول............................................ ٢١
أمر الرسول زيد بن
ثابت بتعليم كتابة اليهود....................................... ٢٢
ما يمتاز به هذا الدور............................................................ ٢٢
زمن انتهاء الدور
الأول وزمن انقراض الصحابة...................................... ٢٣
المراد الصحابي.................................................................. ٢٣
خلاصة تاريخ حياة
الرسول (ص)................................................. ٢٣
ما يجعل الأفكار صرعى في هذا الدور الأول........................................ ٢٥
النبي في مرضه
يهجر وأبوبكر يهجر............................................... ٢٥
كتبة الخلفاء الأربع.............................................................. ٢٦
الدور الثاني
مبدأ الدور الثاني ومنتهاه......................................................... ٢٩
كتابة القرآن المجيد.............................................................. ٢٩
أول من تصدى لجمع
القرآن علي (ع) وشهادة العلماء بذلك........................ ٢٩
جمع القرآن حسب
التنزيل....................................................... ٣٢
جمع أبي بكر للقرآن............................................................. ٣٣
تسمية القرآن بالمصحف......................................................... ٣٤
جمع عثمان المصحف........................................................... ٣٥
الرد على السيوطي.............................................................. ٣٦
الأمر العجيب في جمع
الخلفاء للمصحف.......................................... ٣٦
إرسال الحفاظ مع
المصاحف المرسلة للأقطار........................................ ٣٧
تشكيل أبي الأسود
المصاحف وتنقيطها............................................ ٣٧
خلاصة الكلام في شرح
هذا الدور الثاني........................................... ٣٨
المصدر لمعرفة الأحكام
الشرعية في هذا الدور الثاني.................................. ٣٨
شروط قبول الجزء
الواحد عند الخلفاء.............................................. ٤١
رجوع الشيعة للأئمة هو
رجوع للسنة النبوية........................................ ٤١
الاختلاف في تدوين
الحديث..................................................... ٤٢
الاختلاف في خروج
الفقهاء من المدينة............................................ ٤٤
الاختلاف في
الرجوع إلى الرأي................................................... ٤٤
مدرسة أهل الحديث ومدرسة
أهل الرأي........................................... ٤٥
من أخذ هذه الطريقة وحرم
الإفتاء بالرأي.......................................... ٤٥
نواة مدرسة الرأي ومدرسة
الحديث................................................ ٤٧
انتشار الفقهاء في
أوائل خلافة عثمان............................................. ٤٨
من أعمال عمر في هذا
الدور.................................................... ٤٩
المرجع في الفتوى في
هذا الدور الثاني.............................................. ٤٩
الأسف على إهمال مثل
البخاري لأكثر روايات على (ع)............................ ٥٠
ما يستوقف الفكر في
هذا الدور الثاني............................................. ٥٠
وقت وفاة أبي بكر وعمر
وعثمان................................................. ٥٣
موقف علي (ع) من قتل
عثمان.................................................. ٥٣
الدور الثالث
مبدأ الدور الثالث ومنتهاه
والعوامل التي أوجبت انشقاق المسلمين..................... ٥٧
وقعة الجمل.................................................................... ٥٨
موقف الأمويين من
العلويين والمنكرات التي ارتكبوها................................. ٥٨
فصل الدولة عن الدين.......................................................... ٦٠
اختلاط صحيح الحديث
بضعيفه................................................. ٦١
موقف علي (ع) من البعث
في الدين.............................................. ٦١
أخذ الشيعة بروايات
أهل السنة واجماعاتهم......................................... ٦٢
المرجع في الفتوى في هذا الدور الثالث............................................. ٦٣
المذاهب الستة في هذا
الدور..................................................... ٦٣
المذهب الأول.................................................................. ٦٣
المذهب الثاني.................................................................. ٦٤
مذهب أصحاب الجمل......................................................... ٦٤
المذهب الثالث................................................................. ٦٤
المذهب الرابع.................................................................. ٦٤
مذهب المرجئة................................................................. ٦٥
المذهب الخامس................................................................ ٦٥
مذهب الخوارج................................................................. ٦٦
المذهب السادس............................................................... ٦٦
الكتب التي ألفت في
هذا الدور ولاتزال موجودة لدينا............................... ٦٧
فقهاء الدور الثالث............................................................. ٦٨
أخذ الفقهاء من الإمام
الحسن (ع)............................................... ٧٢
استشهاد الحسين (ع).......................................................... ٧٢
استشهاد زين العابدين
(ع)...................................................... ٧٢
الإمام الباقر (ع)............................................................... ٧٣
الانتقال إلى قم في
هذا الدور..................................................... ٧٣
الدور الرابع
مبدئه ومنتهاه.................................................................. ٧٧
ما حدث من الأمور التي تخفى علم الفقه في هذا الدور الرابع......................... ٧٧
ذهاب الفقهاء إلى
المدن......................................................... ٧٨
انتقال السلطة من
الأمويين إلى العباسين........................................... ٧٨
ظهور دولة العباسيين
بادىء بدء بمظهر الدين...................................... ٧٨
دولة الأدارسة.................................................................. ٨٠
دولة العلويين.................................................................. ٨٠
دولة البوهيين.................................................................. ٨٠
دولة الفاطميين................................................................. ٨١
دولة الحمدانيين................................................................ ٨١
تدوين السنة فى نطاق
واسع...................................................... ٨١
أول من دون السنة وأول
من صنفها وبوّبها......................................... ٨٢
أقدم كتاب وصل إلينا
في الحديث................................................. ٨٣
محاولة المنصور تدوين
الفقه بتحريض ابن المقفع..................................... ٨٣
زمن كثرة التصنيف
والتدوين للسنة والفقه والتفسير.................................. ٨٤
أول من قام بتكثير
أبواب الحديث................................................ ٨٧
ما أطلق عليه المصنف........................................................... ٨٧
من أفرز أحاديث الرسول........................................................ ٨٧
ما أطلق عليه اسم
المسند........................................................ ٨٧
أول من ألف في
الأحاديث المسند................................................ ٨٧
أول من ألف في
الأحاديث المسند................................................ ٨٨
أول من ألف النوادر
والمراد منها................................................... ٨٨
العلماء الذين قالوا
الشهرة........................................................ ٨٩
البخاري وعدد أحاديثه.......................................................... ٨٩
صحيح مسلم وعدد أحاديثه..................................................... ٨٩
الصحاح الستة................................................................. ٨٩
كيفية الفتوى.................................................................. ٩٠
علم الرجال ورجال
الجرح والتعديل................................................. ٩١
أول من صنف في علم
الرجال.................................................... ٩١
أقدم كتاب لدينا في
علم الرجال.................................................. ٩١
الميزان في صحة
الرواية الموثوق بها................................................. ٩٢
الميزان في ضعف
الرواية.......................................................... ٩٢
الأسباب لكثرة المذاهب
الفقهية في الدور الرابع..................................... ٩٣
عدم الاهتمام باديء
بدء بالتدوين................................................ ٩٣
التفاوت في سعة
الاطلاع........................................................ ٩٣
اختلاف الافهام................................................................ ٩٣
اختلاف الفقهاء
والأدلة......................................................... ٩٤
الاطلاع على علة الحكم........................................................ ٩٤
السياسة....................................................................... ٩٤
تعارض الأدلة.................................................................. ٩٤
مذهب الامامية
وجه التسمية بالإمامية
وبمذهب أهل البيت........................................ ٩٩
ما روته السنة عن
النبي (ص) في مدح الشيعة..................................... ١٠٠
الفرقة الجعفرية................................................................ ١٠٠
وجه التسمية بالجعرية.......................................................... ١٠١
الفرضة التي أتاحت
الصادق (ع) نشر مذهب التشيع............................. ١٠١
تلاميذ الصادق (ع).......................................................... ١٠٢
الصادق (ع) المؤسى
الأول المدارس الفلسفية في الإسلام........................... ١٠٢
اعتبار المذهب الجعفري
مذهباً خامساً............................................ ١٠٣
الغريب في البخاري............................................................ ١٠٣
انقسام الجعفرية............................................................... ١٠٤
صحاح الستة تذكر ان
بعد رسول الله يتولى الأمر اثنى عشر أميراً.................... ١٠٤
أنواع تصانيف الشيعة
الاثنى عشرية في الفقه...................................... ١٠٥
مقدار كتب الأصول.......................................................... ١٠٥
الاعتبار في موضع كتب
الأصول................................................ ١٠٥
المرجع يكتب الصحاح
الأربعة وتعدادها.......................................... ١٠٦
التعريف بكتاب الكافي........................................................ ١٠٦
التعريف بكتاب من لايحضره
الفقيه.............................................. ١٠٦
التعريف بكتاب مدينة
العلم.................................................... ١٠٧
التعريف بكتاب التهذيب
والاستبصار........................................... ١٠٧
التعريف بالوسائل............................................................. ١٠٨
التعريف بالمستدرك............................................................ ١٠٨
التعريف بالبحار.............................................................. ١٠٨
النوع الثاني من
المصنفات الفقهية................................................ ١٠٨
النوع الثالث من
المصنفات الفقهيه.............................................. ١٠٩
النوع الرابع من
المصنفات الفقهية................................................ ١٠٩
النوع الخامس من
المصنفات الفقهية.............................................. ١٠٩
النوع السادس من
المصنفات الفقهية............................................. ١١٠
النوع السابع من
المصنفات الفقهية.............................................. ١١١
النوع الثامن من
المصنفات الفقهية............................................... ١١١
النوع التاسع من
المصنفات الفقهية.............................................. ١١٢
النوع العاشر من
المصنفات الفقهية.............................................. ١١٢
الفتوى عند الشيعة
الفتوى عند الشيعة............................................................ ١١٥
الزعامة الدينية
الشيعة......................................................... ١١٦
عقيدة الشيعة الاثنى
عشرية في علم الأئمة (ع) بالأحكام الشرعية................... ١١٧
الدليل على أنهم (ع)
او أرادوا أن يعلموا علموا................................... ١١٨
إن الأئمة لم يستعلموا
طريق الإلهام في الكشف عن الأحكام........................ ١٢٠
طريقة الشيعة
في معرفة أحكام
الشريعة
طريقة استنتاج
الاخبارين للحكم الشرعي......................................... ١٢٤
من نفح طريقة
الاخبارين....................................................... ١٢٥
عدم عمل الشيعة
بالقياس...................................................... ١٢٦
الإسماعيلية
والبهرة والأغاخالية
وقت ظهور المذهب
الإسماعيلي................................................. ١٣٠
انشقاق الدولة
الفاطمية....................................................... ١٣٢
الفرقة الاغاخانية.............................................................. ١٣٣
الزيدية
الزيدية....................................................................... ١٣٧
الحنفية
الحنفية....................................................................... ١٤١
طريقة أبي حنيفة في
استنباط الأحكام............................................ ١٤٢
الوحشة بين أبي حنيقة وبين
فقهاء أهل الكوفة.................................... ١٤٣
أقسام مسائل الفقه عند
الحنفية................................................. ١٤٣
تلاميذ أبي حنيفة
الأربعة....................................................... ١٤٤
الطعن في مذهب أبي
حنيفة.................................................... ١٤٦
المالكية
المالكية...................................................................... ١٥١
المطارحة التي دارت
بين مالك وبين الليث........................................ ١٥٢
سبب انتشار مذهب مالك.................................................... ١٥٣
الشافعية
الشافعية..................................................................... ١٥٧
طريقة الشافعي في
استنباط الأحكام الشرعية..................................... ١٥٨
أشهر تلاميذ الشافعي......................................................... ١٥٨
نسبة كتاب الشافعي
لغيره...................................................... ١٥٩
النزاع بين الشافعية
وغيرهم..................................................... ١٦٠
الحنبلية
الحنبلية...................................................................... ١٦٣
طريقة أحمد بن حنبل في
استنباط الأحكام الشرعية................................ ١٦٤
أشهر أصحاب أحمد.......................................................... ١٦٥
المذاهب المنقرضة
مذهب الأوزاعي.............................................................. ١٦٩
مذهب الظاهري والداودي..................................................... ١٧٠
عدم تحقيق الاجماع............................................................ ١٧٠
مذهب محمد بن جرير......................................................... ١٧٢
القراءات السبعة
القراءات السبعة.............................................................. ١٧٥
العلوم العقلية
انشقاق الفقهاء إلى
أهل الحديث وإلى أهل الرأى.................................. ١٧٩
طائفة أهل الرأى.............................................................. ١٧٩
طائفة الثانية أهل
الحديث...................................................... ١٨٠
خاتمة المطاف
خاتمة المطاف................................................................. ١٨٣
مجموع الإمام زيد أقدم
كتب الأخبار............................................. ١٨٤
الإمام محمد الباقر
(ع)........................................................ ١٨٤
الإمام جعفر الصادق
(ع)..................................................... ١٨٥
الإمام موسى الكاظم
(ع)..................................................... ١٨٦
الإمام على بن موسى
الرضا (ع)................................................ ١٨٦
كتاب فقه الرضا.............................................................. ١٨٦
الإمام محمد
الجواد (ع)........................................................ ١٨٦
الإمام علي الهادي (ع)........................................................ ١٨٧
الإمام الحسن العسكري
(ع)................................................... ١٨٧
غيبة الحجة المهدي (ع)....................................................... ١٨٧
فقهاء الدور الرابع............................................................. ١٨٨
يونس عبد الرحمن............................................................. ١٨٨
محمد بن أبي عمير............................................................ ١٨٨
صفوان بن يحيي البجلي........................................................ ١٨٩
أحمد البزنطي................................................................. ١٨٩
الحسن الوشاء................................................................ ١٨٩
الحسن السراد................................................................ ١٨٩
أحمد الأشعري................................................................ ١٨٩
علي بن مهزيار............................................................... ١٩٠
الفضل بن شاد
النيسابوري..................................................... ١٩٠
عبدالله بن سعيد
الكناني....................................................... ١٩٠
عبد الله القمي................................................................ ١٩٠
عمر بن مسلم التميمي........................................................ ١٩١
الحسين بن سعيد
الاهوازي..................................................... ١٩١
الحسن البرقي................................................................. ١٩١
محمد بن مسعود العياشي...................................................... ١٩١
أحمد بن محمد البرقي.......................................................... ١٩١
محمد بن معافي............................................................... ١٩٢
إبراهيم الثقفي................................................................ ١٩٢
إبراهيم الأسلمي.............................................................. ١٩٢
عبيدالله بن شعبة.............................................................. ١٩٢
محمد بن سيرين............................................................... ١٩٣
القاسم بن محمد بن أبي
بكر................................................... ١٩٣
طاووس اليماني............................................................... ١٩٣
قتادة........................................................................ ١٩٤
سليمان بن مهران............................................................. ١٩٤
يحيى بن يعمر................................................................. ١٩٥
عامر بن شراحبيل............................................................. ١٩٥
الحسن البصري............................................................... ١٩٥
عطاء بن رياح وغيره........................................................... ١٩٦
خندق الأسدي ووقفه من
أهل البيت............................................ ١٩٦
أبان بن ثغلب................................................................ ١٩٦
جابر الجعفي................................................................. ١٩٧
زرارة بن أعين................................................................. ١٩٧
من توفى في هذا الدور
من علماء الأدب وشعرائه.................................. ١٩٧
العلوم العقلية
العلوم العقلية................................................................. ٢٠١
الدور الخامس
الدور الخامس ودور
التقليد عند أهل السنة....................................... ٢٠٥
وجه الانحصار بالمذاهب
الأربعة
في
هذا الدور الخامس ومبدئه
وجه الانحصار بالمذاهب
الأربعة في هذا الدور الخامس ومبدئه....................... ٢١١
مشاهير علماء الدور
الخامس................................................... ٢١٥
الشيعة الإمامية في
هذا الدور الخامس
السفراء الأربع................................................................ ٢١٩
كتاب الكافي................................................................. ٢٢٠
رسالة والد الصدوق........................................................... ٢٢١
ما قد وصلنا من كتب
الأخبار.................................................. ٢٢٢
من لا يحضره الفقيه........................................................... ٢٢٢
الاستبصار والتهذيب.......................................................... ٢٢٣
الوسائل..................................................................... ٢٢٣
الوافي........................................................................ ٢٢٣
المستدرك..................................................................... ٢٢٤
البحار....................................................................... ٢٢٤
مبدأ تدوين علم
الفقه عند الشيعة
مبدأ تدوين علم الفقه
عند الشيعة............................................... ٢٢٧
علم دراية الحديث............................................................ ٢٣٠
ما وصل إلينا من
المؤلفات في هذا الدور الخامس................................... ٢٣٠
أول من ألف في علم
الرجال.................................................... ٢٣١
الشيخ الرئيس ابن سينا........................................................ ٢٣١
الزمخشري.................................................................... ٢٣١
جامع الأزهر................................................................. ٢٣١
طلب جلال الدين تلقيبه
بملك الملوك............................................ ٢٣٢
إظهار الشعائر الحسينية
في هذا الدور............................................ ٢٣٢
اتخاذ أهل السنة ٢٦ ذي
الحجة عيداً............................................ ٢٣٢
الدور السادس
الدور السادس................................................................ ٢٣٥
الفتاوي الهندية................................................................ ٢٣٧
استشهاد الشهيد الأول
والثاني.................................................. ٢٣٧
الدور الرابع
الحركة الوهابية................................................................ ٢٤١
حركة السنوسي وغيرها........................................................ ٢٤٢
حركة كاشف الغطاء........................................................... ٢٤٢
النجف الأشرف.............................................................. ٢٤٣
محاربة الإلحاد
والتبشير......................................................... ٢٤٤
مجلة الأحكام................................................................. ٢٤٥
أعضاء اللجنة التي
وضعت المجلة................................................ ٢٤٥
رفض مصر العمل بمجلة
الأحكام............................................... ٢٤٦
خروج الدولة العثمانية
عن التقليد............................................... ٢٤٧
خروج مصر من التقليد........................................................ ٢٤٨
خروج سوريا من التقليد........................................................ ٢٤٩
اليمن....................................................................... ٢٤٩
المملكة العربية
السعودية....................................................... ٢٤٩
إيران........................................................................ ٢٤٩
باكستان والهند............................................................... ٢٥٠
المذهب السلفي
المذهب السلفي.............................................................. ٢٥٣
فتنة الشيخية................................................................. ٢٥٤
الحركة العلمية في
كربلاء........................................................ ٢٥٦
الحركة العلمية في النجف
الأشرف............................................... ٢٥٧
الشيخ موسى كاشف الغطاء.................................................... ٢٥٩
الشيخ علي كاشف الغطاء..................................................... ٢٦٠
الشيخ حسن كاشف الغطاء.................................................... ٢٦١
سؤال المفتي الألوسي
الشيخ حسن............................................... ٢٦١
وجود اسم علي (ع) في
القرآن الكريم........................................... ٢٦٢
السيد رضا الرفيعي............................................................ ٢٦٣
|